الكتاب: الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة المؤلف: علي بن جعفر بن علي السعدي، أبو القاسم، المعروف بابن القطاع الصقلي (المتوفى: 515هـ)   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم] ---------- الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة ابن القَطَّاع الصقلي الكتاب: الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة المؤلف: علي بن جعفر بن علي السعدي، أبو القاسم، المعروف بابن القطاع الصقلي (المتوفى: 515هـ)   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة التراجم] الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة 1- الفقيه القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مالك المعافري أحد قضاة الجزيرة المشهورين بالكرم والإنعام، المذكورين بكثرة الصواب في الأحكام، وله مع ذلك شعر كثير، وترسل غزير، فمن ذلك قوله في صباه: كتبت لما فنى دمعي ومصطبري ... إليك أشكو صباباتي وأسقامي ما زال تبكي لما تمليه من حرقي ... عليك مقلة قرطاسي وأقلامي 2- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن خفيف الكاتب كثير النوادر من شعره [وقد رأى] رجلاً أحدب قد علا إنساناً: رأيت اليوم محمولاً ... وأعجب منه من حمله جمال الناس تحملهم ... وهذا حامل جمله 3- إبراهيم بن محمود القسري من شعره قوله من قصيدة أولها: أي طيف من لامعات البروق ... بات يسري بين الحمى والعقيق يقول فيها: لا وبرق الثغور والشبم العذ ... ب من الريق والرضاب الرحيق ما عققت العقيق لكن دموعي ... لفراق العقيق مثل العقيق أنا صب إلى الحمى مستهامُ ... بمهاة النقى وريم الشقيق 4- أبو القاسم أحمد بن إبراهيم الوداني أنشدت له: ترفق بنفسك لا تضنها ... بحرصٍ فحرصك لا ينفع فكم عاجز واسعٍ ماله ... وكم حازمٍ فقره مدقع 5- الأمير أبو الحسين أحمد بن الحسن الكلبي من شعره: شنئت البيض إذ أشبهن شيبي ... ويا بأبي التي ملكت فؤادي وهل يختار ذو عقل ولب ... بياض المقلتين على السواد 6- أبو الفتح أحمد بن علي الشامي زين الأدباء، وغرة الفهماء له: في السمهري مشابه ... ممن أحب وأعشق اللون، والقد الرشي ... ق، وطرفه إذ يرمق قلبي لسهم لحاظه ... غرض ففيه يرشق وسألته أن ينفذ إلي بشيء من شعره في حين تأليف الكتاب، فكتب إلي: أبا قاسم والفضل فيك سجية ... وأنت بكل المعلوات خليق ومن مجده فوق السماك محلقٌ ... ومنصبه في المكرمات عريق تكلفني إظهار ما قد نظمته ... ليالي غصني ناضر ووريق وإذ لمتي تحكي خوافي ناعب ... وعندي لوصل الغانيات طريق فكن ساتراً عورات خلك إنه ... شقيقك، والخل الصديق شقيق وله في المجون: احتل لأيرك في درع مضعفة ... فبين فخذيه أرماح من الشعر وله: عجبت لنوار الأقاحي إذ بدا ... في عارضي ورأته قبل بنفسجا لا تعجبي مما ترين فإنما ... يبدو ضياء الصبح في إثر الدجى وله في الغزل: وذي مقلة كحلاء من غير ما كحل ... رماني بسهم من جفون لها نجل يضارع أم الخشف جيدا ومقلة ... ويفضلها في الحسن والدل والشكل أعار العوالي طرفه وقوامه ... ولونا يزيد القلب خبلاً على خبل بوجهٍ يريك الشمس في غصن بانةٍ ... على كفل يحكي الكثيب من الرمل 7- أبو الفضل أحمد بن علي الفهري صاحب الشرطة، له: خليلي مالي قد حرمت التدانيا ... وأصبحت على وصل الأحبة نائيا وما كان لي صبر على الوصل ساعة ... فها أنا في بين سنين ثمانيا رعى الله أحباباً وقرب دارهم ... وبلغ مشتاقاً وأطلق عانيا 8- أبو علي أحمد بن محمد بن القاف له: ولما رأيت الناس لا خير عندهم ... صددت وبيت الله عن صحبة الناس وصرت جليس الفكر ما دمت فيهم ... وأعملت حسن الصبر فيه مع الياس وله: سأكرم نفسي جاهداً وأصونها ... وإن فرحت من ناظري جفونها ولست بزوار لمن لا يزورني ... ولا طارحاً نفسي على من يهينها وله: إذا ما أراد المرء إكرام نفسه ... رعاها ووقاها القبيح وزينا وإن هو لم يبخل بها وأهانها ... ولم يرعها كانت على الناس أهونا وله في إفشاء السر: حدثت خلي بهم ... رجوت منه انفراجي وكان سري لديه ... كالنار، والليل داج وله: أيها الخائف المكا ... ره وطنلها الحشا رب أمر كرهته ... نلت فيه الذي تشا 9- الفقيه أبو العباس أحمد بن أبي محمد الكلاعي أحد فقهاء صقلية ونبلائها، وكان أديباً شاعراً، ظريفاً. له: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 وقالوا: التحى فانحط نصف جماله ... فقلت لهم: بل زاد في حسنه الشعر فلولا سواد العين ما كان نورها ... ولولا ظلام الليل ما حسن البدر 10- الفقيه أبو العباس أحمد بن محمد اللخمي [من شعره] : فلا أنتم للعهد ترعون حقه ... ولا السلم يرجى آخر الدهر منكم فإن تقطعوا حبلي فإني واصل ... وإن تنقضوا عهدي فإني مبرم 11- أبو الحسن أحمد بن نصر الكاتب فمن شعره قوله من قصيدة يعتذر للمهدي بالله من أبيات، أولها: يا من إليه عيون الناس ناظرة ... يرون تعظيمه تعظيم باريه إن كان وجدك عن ذنب أتيت به ... فإن عفوك يمحو ذنب جانيه أو كان ذلك عن واش وشى كذباً ... فأنت عصمة من يبلى بواشيه وإن يكن عبدك المحسود منقطعاً ... ولم يكن أهل ما قد كنت توليه فما تقول لنعمى أنت واهبها ... وما تقول لعبد أنت هاديه؟ وما تقول لصبر أنت معدنه ... وما تقول لجود أنت واديه؟ الله يعلم أني لم أدع سبباً ... إلا بلغت الذي ترضى به فيه فانظر إلي بعين منك راحمة ... فقد أذاب فؤداي ما أقاسيه وقال أيضاً: وصافية اللون مشمولة ... مجلية للأسى طارده إذا مزجت خلت في كاسها ... تحلل ياقوتة جامده وأحور لو أن عرس العزيز ... رأته لخرت له ساجده كان الهلال له والد ... وشمس النهار له والده فإن أنكرت ذاك شمس الضحى ... أقمنا محاسنه شاهده يسقى ويشدو على عوده ... ألا من شجت ليلةٌ عامده ولا بد والله من سكرة ... تسر ونشجي بها الحاسده ولا سيما مطر مسعد ... وقد نامت الأعين الراصده فلا نؤثرن على قربنا ... ولذات ليلتنا فائده فإني أرى النوم في مثلها ... حراماً على الأعين الراقده وله يصف الفرس: ولي صاحب ليس لي منية ... سوى أن يرى باقياً في تراثي طويل الثلاث، قصير الثلاث ... حديد الثلاث عريض الثلاث 12- الأمير ثقة الدولة جعفر ابن تأييد الدولة الكلبي كان أحد ملوك صقلية. كتب إليه بعض الكتاب: أنت مولى الندى ومولاي لكن ... رب مولى يجور في الأحكام قد وعدت الإنعام فامنن بإنجا ... زك ما قد وعدت من إنعام فكتب إليه: حاش الله أن أقصر فيما ... يبتغيه الولي من إنعامي أنا موفٍ بما وعدت ولكن ... شغلتني حوادث الأيام 13- الأمير تاج الدولة وسيف الملة أبو محمد جعفر بن ثقة الدولة يوسف بن عبد الله ملك عظيم، وجواد كريم، وفد عليه العلماء والشعراء من كل مكان، فأعلى منزلتهم، وأجزل صلتهم، وكان الشعر أقل مراتبه. فمن شعره قوله، [بديهة] (وقد رأى غلامين على أحدهما ثوب ديباج أحمر، وعلى الآخر ثوب ديباج أسود) : أرى بدرين قد طلعا ... على غصنين في نسق لدى ثوبين قد صبغا ... صباغ الخد والحدق فهذا البدر في غسق ... وهذا الشمس في شفق وقوله: هيهات يؤلمني الزمان فاشتكي ... وهو الذي من سطوتي يتألم وعزيمتي ما إن يثلم غربها ... خطب على أن الحديد يثلم وقوله: وأمر أن يكتب على طوابع الند إن مست النار جسمي ... أبديت طيب نسيمي كالدهر إن عض يوماً ... أبان فضل الكريم وقال في مثله: اصبر على الشوق صبري ... على ملاقاة جمر وطب كطيبي إذا ما ... نالتك سطوة دهر وقوله: رأتني وقد شبهت بالورد خدها ... فتاهت وقالت: قاس خدي بالورد كما قال: إن الأقحوان كمبسمي ... وإن قضيب البان يشبه قدي وحق صفا ماء النغيم بوجنتي ... وحسن الجبين الصلت والفاحم الجعدي لئن عاد للتشبيه يوماً حرمته ... لذيذ الكرى، لا بل أذوقه فقدي إذا كان هذا في البساتين عنده ... فقولوا له: لم جاء يطلبه عندي 14- الأمير أبو أحمد جعفر بن الطيب الكلبي من شعره: ما الصبر بعد فراقكم من شاني ... رحل العزاء برحلة الأظعان ما كنت أحسب للمنية ثانيا ... فإذا الفراق هو الحمام الثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 بعداً لذاك اليوم بعداً إنه ... أجرى دموع العين بالهملان من ساتر دمعاً بفضل ردائه ... أو ممسك قلباً من الخفقان وألفت فيك الحزن حتى إنني ... لأسر فيك بكثرة الأشجان ومنها في المديح: ملك إذا لاذ العفاة ببابه ... أخذوا من الأيام عقد أمان يعطي الجزيل ولا يمن كأنما ... فرض عليه نوافل الإحسان وله من قصيدة: أراها للرحيل مثورات ... جمالا بالجمال محملات تتيه على الركائب في سراها ... بأقمار عليها طالعات ولو نظرت لمن تسري إليه ... لصدت عن وجوه الغانيات وجازت والفلاة لها ركابٌ ... كما كانت ركاباً للفلاة ولم تعلق بشيء غير شعر ... منابته بأفواه الرواة تمر على المياه ولم تردها ... كأن الري في زجر الحداة أقول لها وقد علقت ذميلا ... بأجفان لزجري سامعات سأنزل عنك في مرعى خصيب ... وماء بارد عذب فرات بأرض "مدافع" مأوى الأماني ... وقتال السنين المجديات فيحمل عنك همي فوق طرف ... سبوق من خيول سابقات أغر تخاله ريحاً أعيرت ... قوائم باللجين محجلات كساه الليل أثواباً ولكن ... تراها بالصباح مرقعات وحسبك ما يفرق من نوال ... بأيد للمكارم جامعات فقد أطمعت في جدواك حتى ... سباع الطير من بعض العفاة وله من أخرى: ضحوك مرةً جهداً وباكٍ ... وشاكر حاله حيناً وشاك ومغتبط بعيشٍ غير باق ... يروم سلامةً تحت الهلاك ألا يا حار قد حارت عقول ... وغلت بالغليل عن الجراك وقد نصبت لك الدنيا شباكا ... فإياك الدنو من الشباك وإن شيدت لي يا حار بيتا ... فحاول أن يكون على السماك وأبعد إن قدرت على مكان ... فإني والحوادث في عراك وله في الغزل: لقد بليت بشيءٍ لست أعرفه ... مولى يجور على ضعفي وأنصفه ما زال يطعمني لفظ له خنث ... يمن بالوعد سراً ثم يخلفه يا رب زدني غراما في محبته ... ودع فؤادي بالأشواق يتلفه وله: فارقتكم لا عن قلى وتركتكم ... رغماً على حكم الزمان الجائر وفقدتكم من ناظري فوجدتكم ... لما أردت لقاءكم في خاطري وله في ذم الاجتداء من البخلاء: وحقك لو نلت النوال معجلا ... لغير سؤال كان غير جميل فكيف وما في الأرض وجه مؤمل ... ولا يرتجى للجود غير بخيل وله: ألا سكن إذا ما ضقت يوما ... سكنت إليه في شكوى همومي أوسع صدره وأحل منه ... محل الجود من قلب الكريم وله: لو تشتفي بالدمع مقلة عاشق ... لشفت فؤادي هذه العبرات لكن دمعي كلما أجريته ... وقدت به بين الحشا الزفرات وله: وليلٍ أتى في جحفل من ظلامه ... فقدت له من أسرة اللهو جحفلا وسل علينا مُنصلاً من بروقه ... فسلت له كفي من الراح منصلا وركبت في خطية الشمع لهذماً ... طعنت به في نحره فتجندلا وله: هيفاء يكفينا المدام غناؤها ... وجمالها التفاح والريحانا 15- أبو محمد جعفر بن علي بن محمد السعدي المعروف بابن القطاع أحد العلماء باللغة المبرز فيها، المتصرف في علم العربية، القادر عليها. وله في الترسل طبع نبيل، وفي المعاني ونقد الشعر حظ جزيل، فمن شعره قوله من قصيدة يتغزل فيها، أولها: بثينة قد زادت بي الحال ... وأرقني شوق إليك وبلبال أكابد هذا الليل أرعى نجومه ... تسامرني فيه هموم وأوجال فقد صار قلبي للصبابة موطناً ... معاهدها فيه غدو وآصال فو الله لا أشكوك ما هبت الصبا ... ولو كثرت في الأحاديث والقال لعل يد الدهر البخيل تضمنا ... فللدهر فيئات تكر وإقبال ومنه: لما استقلوا للرحيل ضحاً ... وتضاعف الزفرات والكرب أخفيت شخصي عن وداعكم ... حذر الرقيب فودع القلب 16- القاضي أبو الفضل الحسن بن إبراهيم بن الشامي الكناني وله من قصيدة مرثية: فلا البؤس مدفوع بما أنت جازع ... ولا الخير مجلوب بعلم ولا فهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 وإن الحريص الغمر يلقيه حرصه ... إلى حفرة جوفاء واهية الرضم تعلم بأن الموت أزين للفتى ... وأهون من عيش يشين ومن وصم 17- أبو علي الحسن بن أحمد الكاتب [من شعره، قوله] : يا شراباً من رقة كالسراب ... راحتي في ارتشافه وعذابي ناولتني ما أسأرته بكأس ... كمشيبي ونشوة كالشباب صان منها الزجاج مثل الذي صا ... ن من الوجنتين شف النقاب فكأن الزجاج دمع التجني ... وكأن المدام خمر التصابي وقوله: وكأس من الماء مخروطة ... تنير لها مثل نور النهار تبدت وفي وسطها جمرة ... تكاد تصدعها بالشرار فحسبك من عجب ما تراه ... بتأليف ما بين ماءٍ ونار وقوله: لا تحسبي أن دمع العين غير دمي ... وإنما نفسي العالي يصعده فابيض من حر جمرٍ كان يطبخه ... ولو طفى الجمر لم يذهب تورده وقوله: انظر إلى ورد "المعسكر" قد كسا ... أشجاره نوراً يخيل نارا جاد الربيع لنا به فكأنما ... سلب الخدود وألبس الأشجارا 18- أبو علي حسن بن أبي الحسن بن الوداني من أهل القرآن. من شعره: يا قانطا من حاله ... إن القنوط من البليه لا تيأسنَّ من الغنى ... لله ألطاف خفيه 19- أبو علي حسن بن عبد الله الحمامي [له] : طاش الفؤاد فليت شعري هل يرى ... بقراره هذا الفؤاد الطائش رشني فقد حُصَّ الجناح وليس لي ... يا سيد الأجواد غيرك رائش 20- أبو [علي] حسن بن عبد الله الطرابنشي له في بدو الشيب: وزائرة للشيب حلت بعارضي ... فعاجلتها بالنتف خوفا من الحتف فقالت: على ضعفي استطلت ووحدتي ... رويدك للجيش الذي جاء من خلفي وله: أتدري ما يقول لك العذول ... وتدرس ما يريد بما يقول يريد بك السلو، وهل جميلٌ ... سلوك عن بثينة يا جميل يا ربة الهودج المزرور كيف لنا ... بالقرب منك، وهل في وصلكم طمع إن تبذليه فإن الماء من حجر ... أو تبخلي فمنال الشمس يمتنع 21- القائد أبو محمد الحسن بن عمر بن متكود له، يصف النيلوفر: كؤوس من يواقيت ... تفتح عن دنانير وفي جنباتها زهر ... كألسنة العصافير [وله] : وفاترة اللواحظ مازحتني ... وفي أحشائها للوجد نار وقالت: كيف تطمع في وصالي ... وقد أيقنت أن اسمي نوار فقلت: أما تقدم منك وعدٌ ... بوصل شفني منه انتظار فوفي ما وعدت به، فقالت: ... كلام الليل يمحوه النهار 22- أبو علي الحسن بن محمد الكاتب، المعرف بابن الأصطبي أحد الكتاب الأفراد، والكرماء الأجواد، وأكثر شعره في الحث على اقتناء المحامد، وبذل الطارف فيها والتالد. فمن ذلك قوله: أنا في المعسكر مفرد في جحفل ... من نوح قمري ورنة بلبل فكأنما يلقي علي بصوته ... نغمات "معبد" في الثقيل الأول وإذا تكاملت المسرة لامرئٍ ... وأليفه متخلف لم تكمل وقوله: ذروني وأموالي التي قد جمعتها ... أقدم لي نصفاً وأرتع في النصف إذا كان أموالي علي حسابها ... فمالي وأموال أخلفها خلفي 23- أبو محمد الحسن بن محمد الطوبي الكاتب قطب الأدباء الذي عليه مدارهم، ومجلي الفهماء الذي به افتخارهم. وله نثر كالبرود، ونظم كالعقود، فمن شعر قوله: بهاءً في سناءٍ في ذكاءٍ ... جمعت وعظم قدر في علاء إذا قاضٍ قضى بالجور يوماً ... فأنت المرء تعدل في القضاء وسأله الأمير ثقة الدولة، وقد حل وسط أرض ناضرة أن يصنع فيها، فقال بديها: روضٌ يحار الطرف في زهراته ... ويهيج المشتاق من زهراته يبدي بأصفره بوادي عاشق ... ويري بأحمره لظى زفراته يا أيها الملك الذي أحيا الندى ... ............... أني إذا ذقت المدامة خلتها ... ريق الحبيب ومجتنى رشفاته وأرى العروضي البديع إذا شدا ... يهدي إلى الإنسان روح حياته 24- أبو علي الحسين بن أحمد بن محمد بن زيادة الله السعدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 شاعر شريف الأصل، جامع لأدوات الفضل، فمن شعره قوله: لولا صعوبة أبواب وحراس ... ومفضحات قيود ذات وسواس وخيفةٍ من عيون غير غافلة ... للناس قد وكلت بالرعي للناس لجئت نحوك زواراً عن شغف ... إما على الوجه أسعى أو على الراس حتى نكون جميعاً من تواصلنا ... كالخمر والماء ممزوجين في كاس وقوله: إن كان يلهو بشيء عنك يشغله ... فلا أتيح له ما منك يأمله في كل حين له ذكر يردده ... شوقاً إليك وتمثالاً يمثله لما رأى دونك الأبواب مغلقة ... حاول في غيرها باباً يوصله ألقى على جسمه الأسقام تنحله ... كيما يخف لعل الريح تنقله 25- أبو علي حسين بن خالد الكاتب له: وشادن قد قميص الهوى ... في حبه، ما عنه لي مذهب كأنما الصدغ على خده ... ياقوته تلبسها عقرب وله: لا تحاول من يزيد ... فضله، واستغن عنه ربما عضك كلبٌ ... إن طلبت العظم منه 26- أبو عبد الله الحسين بن أبي علي القائد من أبناء قواد السلطان، وتصرف في الأعمال، وسافر إلى مصر. فمن شعره قوله يصف العود من أبيات يقول فيها: ومعاهد آنسنني بأوانس ... يدنو السرور بها وفيه شطون خمص البطون صدورها أفواهها ... جعلت لها بدل النهود عيون وذات ألسنةٍ أسر حديثها ال ... شاجي وأفصح قولها الملحون يصدرن عنها عن صدور ما بها ... مما تثير من الحديث دفين مضمومةٍ ضم الحبيب مخمش ... منها صدور تارة وقرون يضربن عند عناقهن فمن رأى ... أن العقاب مع العناق يكون فكما ضربن وما لهن جناية ... فكذا لهن وما ألمن أنين تدعو بألسنها السرور كما دعا ... حسن الثناء بجوده سرفين وقوله من قصيدة يمدح فيها الأمير تأييد الدولة وعميدها أحمد بن ثقة الدولة ويهنئه فيها بفتح فستيانو من أرض الروم: على العادات فاجر مع الأعادي ... وناد يجبك منهم كل ناد فما لحصونهم منك امتناع ... ولو أن البناء بناء عاد فكم من معقل للغي سام ... سلكت إليه منهاج الرشاد وقد حارت نفوس القوم فيه ... إلى أن قام فيهم منك هاد فأصعدت الخيول إلى الأوادي ... وأنزلت الوعول إلى الوهاد وكم أخرجت منها من كمي ... ومن عضب ومن طرف جواد يغل يديه خوفك عن شباه ... فيضحى كالموثق في صفاد نجوا في حيث لا يرقى إليهم ... فأصعدت المنون على الصعاد لقد أوردتهم بالسيف ماء ... رويت به وإنهم صواد كأن رؤوسهم كانت نباتاً ... فلاقتها سيوفك بالحصاد وكم أهدى إليك من الدراري ... حسامك حين مر على الهوادي وأما رومة فإلى قريب ... تصبحها بداهمة الحداد عبيدك من تؤم من الأعادي ... وأرضك ما تروم من البلاد فدونك يا عميد الملك فاعمد ... تنل إن رمتها "ذات العماد" صرفت عن الأغاني والغواني ... هواك إلى العوادي والأعادي وقدمت الركاب على كعاب ... مخضبة الترائب بالجساد وكم باتت جفونك ساهدات ... سهاداً يقتضي طيب الرقاد ومن يك في اللذاذة ذا اجتهاد ... فإنك ذو اجتهاد في الجهاد وبين يديك طاعن كل قرم ... وها أنا طاعن بشبا الوداد ومن شام الظبى منهم فإني ... أشيم ظبى ثنائي واعتقادي يداك بحر يدفق بالمنايا ... وأخرى تستهاب بها الأيادي وما بدع تخالف حالتيها ... ففي إسرارها ما في الغوادي لقد أصلحت أحوال المعالي ... صلاحاً لا يخاف من الفساد وقد نال "المؤيد" عنك حتى ... هو التأييد في حلم واد فسار على طريقك في الرعايا ... برأي لا يحيد عن الشداد ومن شعره: أرى المعسكر قد صفت مواكبه ... فمحقت كل إمحال يحاربه قضبانها الملد أرماح أسنتها ... ثمارها وسواقيها قواضبه ومنه: وإذا رماحك أشرعت فكأنما ... من حول أسدك تأبك الآجام وكأنما انسلخت هناك أراقم ... وكأنما باضت هناك نعام 27- خلوف بن عبد الله بن البرقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 عالم بالقراءات والإعراب، متفنن في سائر الآداب، وله شعر صالح؛ فمن شعره قوله: يأيها المغرور ده ... رك كم تقيم على الغراره إذ جمع شملك للشتا ... ت وربح مالك للخساره وقوله أيضاًَ: كتبت إليك مشتاقا ... كثير الوجد تواقا سؤولاً داعيا لل ... هـ آصالاً وإشراقا بأن تبقى على الأيا ... م للأقران سباقا 28- رزيق بن عبد الله الشاعر كان محارفاً، ولم يزل حرمانه-لضعف حظه- متضاعفا، بره بعض الرؤساء بدنانير وظن أنه يعفيه، فلما عاد إلى بيته وجد لصاً قد سرق جميع ما فيه، فقال: محاني الله من ديوان سعده ... وأيأس راحتي من نيل رفده إذا ما السعد أسعفني بشيء ... يقوم النحس محتسباً لرده 29- سليمان بن محمد الطرابنشي سافر إلى إفريقية، وانتقل إلى الأندلس وتوطنها، واتخذها لمخالطة ملوكها سكنا، ومن شعره قوله من قصيدة: نبهته لما تغنى الحمام ... ومزق الفجر قميص الظلام وقلت: قم يا بدر تم أدر ... في فلك اللهو شموس المدام فقام نشوان وشمل الكرى ... له بريع مقلتيه التئام ومج في الدن خلوقية ... عتقها في الدن طول المقام لاحت تحاكي ذهبا خالصا ... دار من الدر عليها نظام بنت عناقيد إذا خامرت ... شيخاً أعارته مجون الغلام يا هل لعيشي معه أوبة ... تعيد في وجه حياتي ابتسام وله من قصيدة: أجر جفوني من دمعٍ ومن سهر ... وأضلعي من جوى فيهن مستعر جرى علي بما شاء الهوى قدرٌ ... يا قوم ما حيلة الإنسان في القدر؟ ما كنت أحسب دمعي سافكاً لدمي ... حتى أبحت لعيني لذة النظر رميت نبلاً أصابتني فلست أرى ... يوماً أعاود ذاك النزع في وتري وله: سبحان من صاغ الأنام بقدرة ... منه، وأفرد بالملاحة جعفر حمل المحاسن كلها مجموعة ... في وجهه"كالصيد في جوف الفرا" ومن شعره في صفة شمعة رومية: ولا مسعد إلا مسامرة سخت ... بدمع ولم تفجع ببين ولا هجر تكون، إذا ما حلت الستر حلة ... على أنها لم تبلغ الباع في القدر إذا أيقنت بالموت بادرت رأسها ... بقطع فتستحيي جديداً من العمر حكتني في لون وحزن وحرقةٍ ... وفي بهرٍ برحٍ وفي مدمع همر ومنه: ألا بأبي ساق سقاني مدامةً ... أثارت بقلبي كامناً من حريقه لها فعل عينيه وحمرة خده ... ونكهة رياه ولذة ريقه ومنه: ووردية من بنات الكروم ... كساها النحول مرور الحقب رأت أيدي الشرب من فضة ... فصاغت أنامهم من ذهب ومنه: الويح لي من طول لي ... ل كدت أنفذ قبل ينفذ سامرت فيه كوكباً ... كمصابح الرهبان ركد فكأنها درٌ تنا ... ثر فوق أرض من زبرجد والبدر في وسط السما ... ء كدرهم في كف أسود 30- الوزير أبو الفضل طاهر بن محمد التغلبي [المعروف بابن الرقباني] لم يكن في زمانه أعلم منه بلغة العرب وكلامها، ونثرها ونظامها. وكان رئيساً مقدماً، جليلاً معظماً، وقصدته العلماء من كل مكان، فلقوا منه بحراً خضرما، وانتجعته الشعراء فوردوا قليباً [عيلما] . وله شعر كان يخفيه، منه: ألا أيها القاضي الرفيع مناره ... ويا واطئاً مجداً مناط الكواكب أغثني برأي منك يفرج كربتي ... وحل محسناً بيني وبين النوائب وداركني نحس الزمان فنحه ... فما زلت قرناً للزمان المحارب وعش سالماً للجود ترأب صدعه ... طوال الليالي منعماً غير سالب ومنه: رأى الناس فوق المجد مقدار مجدكم ... فقد سألوكم فوق ما كان يسأل وإن أنتمو أنعمتمو وبذلتمو ... فقد يستتم النعمة المتفضل وإن كنتمو أو ليتمونا بفضلكم ... جميلاً فإن العود بالفضل أفضل وكم ملحفٍ قد نال منكم مراده ... ويمنعنا من أن نلح التجمل ومنه: كاتبت من أهواه مستعذباً ... لطول ما ألقاه من ظلمه فوقع الماجن مستهزئاً ... يكشف في الديوان عن زعمه وكان في الديوان ذو صبوة ... قد نالت الأسقام من جسمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 فرد: ما نقطع رسماً مضى ... فليبق موقوفاً على رسمه 31- أبو العباس بن محمد بن القاف له: يا تائها بجماله رفقا ... أنت الذي عذبتني عشقا وزعمت أنك لا تكلمني ... عشرا فمن لك أنني أبقى؟ وله: وسقانا الراح ساقٍ ... ماله في الحسن ند فهي في الكأس أقاحٍ ... وهي في خديه ورد وله: أموالكم في النجم أودعتم ... ولا تحبون الجفا والأذى وتكرهون الهجو مني لكم ... هيهات ما تسمح نفسي بذا 32- عبد الجبار بن عبد الرحمان بن سرعين الكاتب له في حاسد: وحاسدٍ لا يزال مني ... فؤاده الدهر في اشتعال كاتب يمناه مثل حالي ... ومثله كاتب الشمال ذاك في راحةٍ، وهذا في تعبٍ منه واشتغال وله: يا بدر تم على غصن من الآس ... ألا يرق لقلبي قلبك القاسي؟ ما لا مني الناس إلا زدت فيك هوى ... قلبي بحبك مشغول عن الناس 33- الفقيه أبو محمد عبد الحق بن محمد [بن هارون السهمي] من شعره: أرى فتن الدنيا تزيد وأهلها ... يخوضون بالأهواء في غمرة الجهل فما أن ترى من مخلص ذي بصيرة ... وما إن ترى من صادق القول والفعل إلى الله أشكو ما أرى من تغير ... وإياه أدعو في إيابي على مهل فيا سوء حالي حين أصبحت فارغاً ... ولم أدخر زاداً وما زلت في شغل وله، يرثي ابنه عمران: أراك قريباً واللقاء بعيد ... وجسمك يبلى والزمان يبيد وما كان يا عمران في الظن أنني ... أراك مقيماً في التراب تبيد ولا أنني أبقى وراءك ساعة ... أعاين موجوداً وأنت فقيد سأصبر في الدنيا ... بني لعلني ألاقيك في الأخرى وأنت سعيد 34- الفقيه أبو القاسم عبد الرحمان بن أبي بكر السرقوسي له: أما منكم من مسعدٍ ومعاون ... على حر وجد في السويداء كامن؟ أبان الكرى عن مقلتي التهابه ... وما هو يوماً عن فؤادي ببائن ومنها: وبيداء قفر ذات آلٍ كأنما ... هو البحر إلا أنه غير آسن ترى ظعنهم فيها غداة تحملوا ... طوافي فوق الآل مثل السفائن وله: أسارقه اللحظ الخفي مخافةً ... عليه من الواشين والرقباء وأجهد أن أشكو إليه صبابتي ... فيمنعني من ذاك فرط حيائي وإني وإن أضحى ضنينا بوده ... لأمنحه ودي وحسن صفائي سأكتم ما ألقاه من حرق الأسى ... عليه ولو أني أموت بدائي وله: أسقم جسمي بسقم مقلته ... وشفني باحمرار وجنته فالويل لي من لظى جهنمه ... إذا تندت رياض جنته وله: لا تبغ من أهل الزمان تناصفا ... والغدر من شيم الزمان وأهله وإذا أردت دوام مصاحب ... فاغضض جفونك جاهداً عن فعله 35- أبو القاسم عبد الرحمن بن حسن الكاتب له تصانيف ومقامات. من شعره يصف البرق: ولما بدا للعين من جانب الحمى ... لوامع برق شاق نحوك شائق كأنك فيها ماثل وكأنما ... ديار الحمى بين البراق بوارق فيا حبذا برق بأرضك لائح ... ويا حبذا طيف بوصلك طارق وقال في مثل ذلك: أغرى جفوني بالسهاد المقلق ... لمعان هذا البارق المتألق باتت لوامعه تسل صوارماً ... بالغرب ثم تشيمها بالمشرق فكأنهن سهام نار مزقت ... ثوب الدجى بضرامهن المحرق 36- الأمير مستخلص الدولة عبد الرحمان بن الحسن الكلبي له في بعض الكتاب: نحن كلانا يضمنا أدبٌ ... حرمتنا فيه حرمة النسب فعد عمن معناك خالفه ... في كل فن تسلم من التعب واجنح إلينا فإن ألفتنا ... تدفع باليمن (حرفة الأدب) وقوله: فلت يوماً لها وقد أحرجتني ... قولة ما قدرت أنفك عنها أشتهي لو ملكت أمرك حتى ... آمر الآن فيك قهراً وأنهى فبكت، ثم أعرضت ثم قالت: ... خنتني في محبة لم أخنها قلت: إن أنت لم تجودي بوصل=فالمنى ما عليك [لو نلت] منها 37- أبو القاسم عبد الرحمان بن عبد الغني المقرئ الواعظ له [من] مرثية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 سيف المنية آفة العمر ... كل العباد بحده يفري حكم المهيمن بالفناء لنا ... فمن الذي يبقى على الدهر؟ وله: أيا من نال في الدنيا مناه ... تأهب للفراق وللرحيل ولا تفرح بشيء قد تناهى ... فما بعد الطلوع سوى النزول 38- الوزير الكاتب أبو الفضل عبد العزيز بن أحمد بن دانق عالم بالهندسة والحساب، يتصرف في آلات الكتاب، وله مع ذلك مقطعات عجيبة، وتشبيهات مصيبة، فمن ذلك قوله يصف النرجس من أبيات: كف من الفضة مبسوطة ... في وسطها كاس من العسجد وقوله في مقارنة القمر للمريخ:: كأنما البدر حين لاح وقد ... فارق مريخه وداناه وجه محب وقد دنا خجلاً ... تحمل كأس النديم يمناه 39- أبو محمد عبد العزيز ابن الحاكم عمر بن عبد العزيز المعافري بارع في الصناعة، ماهر في العبارة، متنزه في رياض الرياضات، متنبه في سحريات السحريات. من شعره قوله في العذار: فيه للعين منية واعتذار ... حين أبدى البديع منه العذار فات حد القياس إذ صيغ ماءً ... وسط در مركبٍ فيه نار وقوله في الأوصاف: انظر إلى الزهرة والمشتري ... إذ قابلا البدر يريكا العجب قد أشبها قرطين قد علقا ... في جانبي تاج صقيل الذهب وله أيضاً: وكأن البدر والمر ... ريخ إذ وافى إليه ملكٌ، توقد ليلا ... شمعةٌ بين يديه وله في القناعة: أنا لعمري يئست ... من الغنى فاسترحت وقد قنعت فحسبي ... من الغنى أن قنعت 40- أبو محمد عبد العزيز بن عبد الرحمن الأنصاري الكاتب كاتب مبرز، وشاعر مفلق وبحر متدفق، له نثر كبرود اليمن، ونظم مع النظم في قرن متصرف في فنون الشعر كأنما هو ملقى على لسانه، فهو يجري مع نفسه جرى الزلال على الرضراض، لو مزج شعره بشعر أبي العتاهية لم يفرق بينهما إلا من كان راوية. فمن شعره قوله مترسلاً في الغزل: بالله يا طاووسة انطلقي ... بلطافة فاستعطني الوحشة قولي لها عبد العزيز بكى ... فسقى بأدمعه الربى العطشة وتناول القرطاس يكتب ما ... يلقى فخانته اليد الرعشة وقال: أخلو به وأعف عنه كأنني ... حذر الدنية لست من عشاقه كالماء في يد صائم يلتذه ... نظراً ويصدف عن لذيذ مذاقه وقال: أتعرف لي من سائر الناس أسوة ... أعزي به نفسي فقد عزني صبري تعاون إخواني وأهل مودتي ... علي ليرموني بقاصمة الظهر وأصبح من علمت يرمي ويتقي ... يريش ويبري كل سهم إلى نحري إلى أي شرق أم إلى أي مغرب ... أوجه وجهي عنكم يا بني دهري وقال: ولما رأيت الحب يعدي من الهوى ... كتمتك ما ألقاه من ألم الحب وصنتك في إنسان عيني فمذ بكت ... جعلتك والتوحيد في حبة القلب ولو قلت لي لا تشرب الماء لم أرد ... عليه ولم أشتق إلى البارد العذب فما لك تلقاني بصد وإنما ... تواصلني بالشوق في أسطر الكتب وقال: أقول للعاذل لما بدا ... يرفل في إشراقه المعجب أهذه الشمس التي قلتمو ... تطلع للناس من المغرب؟ وكتب إلى بعض إخوانه في صدر كتاب: كتبت أشكو إليكم ما وجدت بكم ... من الغرام ومثلي من شكا فبكا والله والله ثم الله ثالثةً ... ما قصر البين في قتلي ولا تركا كأن بين ضلوعي حين يذكركم ... قلبي جناح قطاة علقت شركا وقال: بحق المحبة لا تجفني ... فإني إليك مشوقٌ مشوق ولا تنس حق الوداد القديم ... فذلك عهد وثيقٌ وثيق وكن ما حييت شفيقاً علي ... فإني عليك شفيقٌ شفيق ولا تتهمني فيما أقول ... فو الله إني صدوقٌ صدوق 41- الأمير أبو القاسم عبد الله بن سليمان بن يخلف الكلبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 (أحد الأدباء المجيدين، والشعراء المعدودين) ، وممن جمع على شرف المنصب، غرائب العلم والأدب، وتصرف في أنواع الشعر، وأجاد في التشبيهات ووصف الخمر، وأضاف إلى ذلك جودة النثر، (وله تأليفات، وكتب مصنفات، في الرد على العلماء) ، وتصنيف الشعراء، (فمن مختار شعره) في التشبيهات والخمر والغزل (قوله) : نعيمي أحلى بتلك الديار ... رواحي إلى لذةٍ وابتكاري فليت ليالي الصدود الطوال ... فداء ليالي الوصال القصار زمان أبيت طليق الرقاد ... وأغدو خليا خليع العذار ولم يكن الهجر مما أخاف ... ولا العاذل الفظ ممن أداري أسابق صبحي بصبح الدنان ... وأصرف ليلي بصرف العقار ألا رب يومٍ لنا بالمروج ... بخيل الضياء جواد القطار كأن الشقيق بها وجنةٌ ... بآخرها لمعةٌ من عذار وسوسنها مثل بيض القباب ... بأوساطها عمدٌ من نضار ترى النرجس الغض فوق الغصو ... ن مثل المصابيح فوق المنار وأترجها كحقاق النضار ... تصفف أو كثدي الجواري أقمنا نسابق صرف الزمان ... بداراً إلى عيشنا المستعار نجيب بصوت القناني القيان ... إذا ما أجابت غناء القماري وتصبح عيداننا في اصطخاب ... يلد وأطيارنا في اشتجار نشم الخدود شميم الرياض ... ونجني النهود اجتناء الثمار ونسقي على النور مثل النجو ... م مثل البدور اعتلت للمدار عقاراً هي النار في نورها ... فلولا المزاج رمت بالشرار نعمنا بها وكأن النجوم ... دراهم من فضةٍ في نثار إذا ما لقيت الليالي بها ... فأنت على صرفها بالخيار وقال من أخرى في أولها: شربت على الرياض النيرات ... وتغريد الحمام الساجعات معتقة ألذ من التصابي ... وأشرف في النفوس من الحياة تسير إلى الهموم بلا ارتياع ... كما سار الكمي إلى الكماة وتجري في النفوس شفاء داءٍ ... مجاري الماء في أصل النبات كأن حبابها شبكٌ مقيمٌ ... لصيد الألسن المتطايرات لنا من لونها شفق العشايا ... ومن أقداحها فلق الغداة على روضٍ يدله من رآه ... بأصناف المناظر واللغات ويبكيه ابتسام الصبح فيه ... ويضحكه عبوس المدجنات كأن الأقحوان فصوص تبرٍ ... تركب في اللجين موسطات ونارنجا على الأغصان يحكي ... كؤوس الخمر في أيدي السقاة إذا ما لم تنعمني حياتي ... فما فضل الحياة على الممات شربت بسدفةٍ كظلام جدي ... وأحداث الزمان المبهمات إلى أن بان فتقٌ مثل لفظي ... وأخلاقي الحسان المشرقات وقوله من أخرى في مثل ذلك، أولها: أرحت النفس من هم براحٍ ... وهان علي إلحاح اللواحي وصاحبت المدام وصاحبتني ... على لذاتها وعلى سماحي فما تبقي على طرب مصون ... ولا أبقي على مالٍ مباح ثوت في دنها ولها هديرٌ ... هدير الفحل ما بين اللقاح وصفتها السنون ورققتها ... كما رق النسيم مع الرواح إلى أن كشفت عنها الليالي ... ونالتها يد القدر المتاح فأبرزها بزال الدن صرفاً ... كما انبعث النجيع من الجراح وقوله في الغزل: قلبٌ يلد بطول الوجد والحرق ... ومقلةٌ تشتفي بالدمع والأرق من لي بشمس جمالٍ أظلمت أفقي ... عليٍ غماً وكل الناس في قلق ثنى أعنة أبصار الأنام لها ... جمالها فهي في درعٍ من الحدق وقوله: زارني طيفٌ على وجلٍ ... ساحر الألفاظ والمقل للضنى حقٌ علي به ... حين أخفاني عن العذل أنا راضٍ في محبته بالذي يقضي علي ولي كيف أحيا في هواه وقد ... خلقت عيناه من أجلي وقوله: أقمتم وقلبي بكم راحل ... وغبتم وتمثالكم ماثل وأوهمتموني بطول الجفا ... ء أن ودادي لكم باطل وأني لأخفي بكم ما لقيت ... مخافة أن يشمت العاذل إذا سمحت منكم عطفةٌ ... حماها رقيبكم الباخل كأن نحولي في حبكم ... يباريه وصلكم الناحل وقوله من قصيدة يفخر فيها، أولها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 عهدي ببؤس رباك وهو نعيم ... أيام أنت على الحسان كريم أيام فيك من الكواعب جنة ... معشوقة ومن الوشاة جحيم يقول فيها: وأهاجني برق يشوق إلى الحمى ... قلب المشوق فلا يزال يهيم حسنت به الدنيا فكل قرارة ... روض وكل صبا يهب نسيم تلك الرياض المحييات نفوسنا ... أنفاسها لا الشيح والقيصوم سقيا لأيام الربيع وحسنها ... لو أن ذاك الحسن كان يدوم طابت حدائقها ورقن كأنها ... جودي النثير ولفظي المنظوم وأنا الذي حازت مناسبه العلى ... وأناف منها محدث وقديم شرفي سماءٌ للسماء منيفةٌ ... وخلائقي فوق النجوم نجوم ما دمت فالفخر المؤثل دائمٌ ... فإذا عدمت فإنه معدوم وقوله: بروحي وعهد الصبا في ذرود ... بكل مهاة من العين رود إذ الدار تجمع شمل السرور ... والدهر يطلع نجم السعود وإذ موردي من رضاب الثغور ... وإذ مرتعي من ثمار النهود وقوله: فقام يمشي الهوينا من روادفه ... وقد تحملت [منه] فوق ما حملا ومن شعره: تحنو علي المكرمات نوازعاً ... فكأنني للمكرمات حميم واصلتهن كأنهن حبائب ... وحميتهن كأنهن حريم ومنه قوله: ما إن سمعت ولا رأيت بمثلها ... نار على أيدي السقاة تدار وجلوتها غلس الظلام فراعني ... أن قام في غلس الظلام نهار ومنه قوله: يا قاتلي ... صبراً بطرف فاتر ومعذبي وجداً بخذ ناضر ما زال دمعي يألف ناظري ... حتى حسبت الدمع بعض الناظر ومنه قوله: كفى حزناً على البلوى مقامي ... أخص عداك دونك بالسلام فجد بالنوم إذ منعوك مني لعلي ... أن أزورك في المنام رجوت بمقلتيك شفاء دائي ... وهل يشفي السقام من السقام وما أبقى الحمام علي عطفاً ... ولكني خفيت عن الحمام 42- الوزير أبو محمد عبد الله بن عبد الله الهاشمي من شعره: وأغيدٍ لم يزل كريما ... من جيده قد أراك ريما يريك من قربه نعيما ... يبرك تحقر النعيما عيناه عونٌ على البلايا ... كلامه يبرئ الكلوما فحاذر الطرف منه كيلا ... تظل من سقمه سقيما سليم لحظ سليم لفظٍ ... يا من رأى سالماً سليما 43- أبو عبد الله العروضي أحد العلماء الرواة، الحفاظ الثقات، العالمين بجميع التواريخ والأخبار، وملح الآداب والأشعار. كان يسامر الملوك والأمراء، وينادم السادات والوزراء، عالم بالغناء أربى فيه على المتقدمين، وعلمه بالعروض والقوافي والأوزان كعلم الخليل. وله شعر، منه: جريح قلب قريح أجفان ... دموعه والبحار سيان يهجر من ليس هاجراً أبداً ... مغرى بما ساءني وهجراني وسنان طرفٍ يبيت في دعةٍ ... وليس طرفي عنه بوسنان كأن أجفان عينه حلفت ... ألا تذوق الرقاد أجفاني ومنه: لما نظرن إلي من حدق المها ... وبسمن عن متفتح النوار وحللن أطراف الخمار مجانةً ... عن جنح ليل فاحم ونهار وشددن بين قضيب بانٍ ناعمٍ ... وكثيب رمل عقدة الزنار عفرت وجهي في الثرى لك ساجداً ... وعزمت فيك على دخول النار 44- أبو المصيب عبد الله بن أبي مالك القيسي أحد رجال اللغة [و] العربية، المطابيع في أجناس القريض، العالمين بالأوزان والأعاريض، وله في ذلك تأليف يدل على علمه، وجودة اختياره وفهمه. ومن شعره: غلط الذي سمى الحجارة جوهراً ... إن الكريم أحق باسم الجوهر إن الجواهر قد علمت صوامتٌ ... والمرء جوهره جميل المحضر وقوله: أنا المرء صارمه لحظه ... وميزانه للورى لفظه إذا المرء قابلني بالجميل ... يوفر من مدحي حظه وعظت أناساً وكم واعظٍ ... لهم لم يؤدبهم وعظه فلما تولوا فلاقيتهم ... بقولٍ ينهنههم فظه صحبتهم فحفظت الجميل ... وما كان يألفني حفظه 45- أبو محمد عبد الله بن مخلوف الفأفأ له: يا من أقل فؤادي ... ولحظ عيني عله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 صلني تصلني حياتي ... وامنن علي بقبله وله: يا من يجود بدائه ... لا تبخلن بدوائه واعطف على قلب غدا ... مثواك في سودائه وانضح بماء الوصل نا ... ر الهجر في أحشائه أمرضته بجفونك ال ... مرضى فجد بشفائه 46- أبو محمد عبد المعطي بن محمد السرقوسي عالم بالمنطق والحساب، وله: أطلب الرزق حيث كان من الأر ... ض، فإن الفقير كالمفقود وإذا ضاقت البلاد بحر ... سار عنها إلى مكان جديد 47- أبو محمد عبد الوهاب بن عبد الله بن مبارك من أهل الديانة من شعره: نفسي الفداء لظبي ... قد جاز في التيه حده حكى القضيب انعطافاً ... كما حكى الليث نجده بالدمع طرز خدي ... مذ طرز الشعر خده كأنه بدر تم ... في الأفق قابل سعده يا ليته بات عندي ... أو ليتني بت عنده يا عاذلي فيه دعه ... يطل كما شاء صده فإنما هو مولى ... أضحى يؤدب عبده ومنه: إذا المرء لم يعرف بجدٌ ولا أب ... ولم يشتهر في الناس إلا بأمه فلا تسألن عن حاله فهو ساقطٌ ... وإن لم يشع في الناس أسباب ذمه ومنه: تأمل لعل الله يعقبك الهدى ... فشاهد ذاك العقل إن لم يكن محك أليس الذي قد نظم العقد بدأة ... ينظمه عوداً إذا انتثر السلك 48- أبو بكر عتيق بن عبد الله [بن رحمون الخولاني] المقرئ من شعره: لا تخش في بلدة ضياعاً ... حيث حياةٌ فثم رزق قد ضمن الله للبرايا ... رزقهم فالعناء حمق ومنه: عارض فيه عذارٌ ... ذاك ليلٌ ونهار هو في الجوهر ماءٌ ... وهو في التوريد نار كتب الحسن عليه ... أنه حتف معار من رآه فهو صب ... ماله عنه اصطبار أيها البدر المفدى ... أدمعي فيك بدار سحر عينيك رمتني ... أسهم منه غرار فمتى لي عنك سلوا ... ن وفي الصدر أوار أنت لي حتف قتولٌ ... ليس لي منه فرار إن أرم عنك عزاء ... فهو في النفس بوار [إلى أن] يقول في مدحه: ملكٌ تحسد فيه ... آل قحطان نزار 49- العابد أبو بكر عتيق بن علي بن داود المعروف بالسمنطاري أحد عباد الجزيرة المجتهدين، وزهادها العالمين، وممن رفض الأولى ولم يتعلق منها بسبب، وطلب الأخرى وبالغ في الطلب، وسافر إلى الحجاز فحج وساح في البلدان، من أرض اليمن والشام إلى أرض فارس وخراسان، ولقي من بها من العباد، وأصحاب الحديث والزهاد، فكتب عنهم ما سمع، وصنف كل ما جمع. وله في دخول البلدان ولقياه العلماء كتاب بناه على حروف المعجم في غاية الفصاحة، وله في الرقائق وأخبار الصالحين كتاب كبير لم يسبق إلى مثله في نهاية الملاحة، وفي الفقه والحديث تأليف حسان، في غاية الترتيب والبيان. وله شعر في الزهد ومكابد الزمان، فمنه قوله: فننٌ أقبلت وقومٌ غفول ... وزمانٌ على الأنام يصول ركدت فيه لا تريد زوالاً ... عم فيها الفساد والتضليل أيها الخائن الذي شأنه الإث ... م وكسب الحرام ماذا تقول؟ بعت دار الخلود بالثمن البخ ... س بدنيا عما قريب تزول 50- أبو سعيد عثمان بن عتيق [الصفار الكاتب] له من قصيدة في الأمير المعتصم أبي يحيى محمد بن معن بن صمادح: فاض عقيق الدمع فوق البهار ... وانحدر الطل على الجلنار واجتمع الغصنان لكن ذا ... ذاوٍ وهذا يانع ذو اخضرار وكاد ذا ينقد من لينه ... وكاد هذا يعتريه انكسار واضطرمت في القلب نار الجوى ... فهذه الأدمع منها شرار 51- أبو الحسن علي بن أحمد بن زين الخد الأزدي من شعر تهلل وجه الدهر بعد قطوب ... وأشرق نجم السعد بعد مغيب وآذنت الأيام إيذان منعم ... بإسعاد صب أو قفول حبيب فبت رحيب الصدر ذا أريحيةٍ ... ومن قبل ما قد كان غير رحيب ومما شجى قلبي وشيب مفرقي ... مراغمةً من قبل حين مشيبي كتابٌ أتاني فيه غدر أحبةٍ ... وفيت لهم في حضرةٍ ومغيب 52- أبو الحسن علي بن أبي إسحاق إبراهيم الوداني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 صاحب الديوان ينسب إلى "ودان" مدينة بإفريقية من ذوي الرئاسة والنفاسة. وله فضائل وأدب وشعر، منه قوله يصف ليلة: من يشتري مني النهار بليلة ... لا فرق بين نجومها وصحابي دارت على فلك السماء ونحن قد ... درنا على فلكٍ من الآداب وأتى الصباح ... فلا أتى وكأنه شيبٌ أطل على سواد شباب وكأنما شفق السماء خضابه ... يبدو كنعمان بأرض سراب وله في الشيب: وبرغمي لما أتاني مشيبي ... قلت: أهلا بذا الضحوك القطوب ولعمري ما كنت ممن يحي ... يه ولكن تملق المغلوب كان في عهد ابن رشيق وبينهما مكاتبات 53- أبو الحسن علي بن بشري الكاتب كان في النظم والنثر سابقاً لا يجارى، وفي اللغة والإعراب لا يبارى، وله في الشعر قوله: وتعجبني الغصون إذا تثنت ... ولا سيما وفيهن الثمار إذا ارتجت نهودٌ في قدودٍ ... فقل للحلم قد ذهب الوقار وقوله أيضاً: ملكتني المدامة الخندريس ... وغزالٌ يرنو وطرفٌ يميس إنما يملك النفوس فتعصي ... ناصحيها ما تشتهيه النفوس قد ألفت الصبا وإن لحظتني ... فيه من عاذلي لواحظ شوس رب يومٍ لهوت فيه بأبكا ... رٍ حسان كأنهن شموس حضرتنا السعود فيه وغابت ... عن ذرانا فلم تطرنا النحوس للقماري به غناء وللرو ... ض ابتسامٌ وللغيوم عبوس وقوله يصف البرق: بدا البرق من نحو الحجاز مذكراً ... بسلمى وسعدى والتذكر ينصب يلوح على لون الدجى فكأنه ... سيوف على زرق الثياب تقلب فلله برقٌ عذب القلب لمعه ... أكل محب بالبروق معذب؟ 54- أبو الحسن علي بن الحسن بن حبيب اللغوي (أحد رجال اللغة المعدودين، والعلماء بها المبرزين) ، وممن تناول المرمى البعيد بقريب فهمه، وأوضح المبهمات بنور علمه، (وكان مضطلعاً بنقد الشعر ومعانيه، ناهضاً بأعباء الغريب ومبانيه) ، فمن شعره قوله: أهاب الكأس أشربها وإني ... لأجر أمن أسامة في النزال أراوغها مراوغة كأني ... ألاقي عند ذاك شبا العوالي 55- أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي سعيد القاضي سهل بن مهران أحد المطيلين المحسنين والمداح المجيدين. فمن شعره يمدح الأمير أبا القاسم علي بن الحسن الكلبي ملك صقلية ويعاتبه من قصيدة أولها: مرادك من قرب الحبيب المباعد ... ضمان على طيف الخيال المعاود ألم قبيل الصبح يجلبه الدجى ... على رقبةٍ خوف العيون الرواصد فأطمع مشتاقاً وعلل مدنفاً ... عديم الأسى فيه قليل المساعد وبات فما زالت ذراعي وسادةً ... تلي جيده المعطار دون الوسائد 56- أبو الحسن علي بن الحسن ابن الطوبي إمام البلغاء، وزمام الشعراء، مؤلف دفاتر، ومصنف جواهر، ومقلد دواوين، ومعتمد سلاطين، سافر إلى الشرق، وحل منه في الأفق، وكان في زمان المعز بن باديس عنفوانه، وله فيه قصيدة رصع بها ديوانه: أجارتنا شدي حزيمك للتي ... هي الحزم أو لا تعذلي في ارتكابها وكفي فإن العذل منك زيادة ... علي، كفى نفسي الحزينة ما بها ومنها: وإما المنى أو فالمنية إنها ... حياة لبيبٍ لم ينل من لبابها وهل نعمة إلا ببؤس وإنما ... عذوبة دنيا المرء عند عذابها سآوي إلى عز المعز لعله ... سيأوي لنفس حرة واكتئابها إليك معز الدين وابن نصيره ... حملت عقود المدح بعد انتخابها وأثواب حمد حكت أثواب وشيها ... على ثقةٍ مني بعظم ثوابها وله من قصيدة: أجارتنا إن الزمان لجائر ... وإن أذاه للكرام لظاهر أجارتنا إن الحوادث جمة ... ومن ذا على ريب الحوادث صابر؟ ومنها: أجيراننا إن الفؤاد لديكم ... لثاوٍ وإن الجسم عنكم لسائر أأترك قلبي عندكم وهو حائر ... وآخذ طرفي منكم وهو ساهر كذا يغلب الصبر الجميل كما أرى ... ويخسر في بيع الأحبة تاجر وله: أعددت للدهر إن أردت حوادثه ... عزما يحل عليه كل ما عقدا وصارماً تتخطى العين هزته ... كأنما ارتاع من حديه فارتعدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وذابلاً توضح العليا ذبالته ... كأنها نجم سعد لاح منفردا ونثرة ليس للريح المضي بها ... إلا كما عرضت للنهي فاطردا وسابحا لا تروع الأرض أربعه ... كأنه ناقد مالاً قد انتقدا فداك مالٌ متى يحرزه وارثه ... فخير ما وجد الإنسان ما وجدا وله: سل الليل عني هل أنام إذا سجى؟ ... وهل مل جنبي مضجعي ومكاني؟ على أنني جلد إذا الضر مسني ... صبور على ما نانبي وعراني وله في الغزل: ما أحسب السحر غير معناها ... والعنبر الجون غير رياها إنا جهلنا ديارها فبدا ... من عرفها ما به عرفناها كأنما خلفت بساحتها ... منه دليلاً لكل من تاها لا كثبٌ دارها فأغشاها ... ولا فؤادي يريم ذكراها ومنها: الموت أولى متى قضيت بها ... نجي فمحياي في محياها وأغبط الماء حين ترشفه ... إذ كان دوني مقبلا فاها منها: وما ثنائي على قلائدها ... إلا بأن أشبهت ثناياها أجزع من عتبها ويبعثني ... إليه كرها طلاب عتباها دنوها منك من شمائلها ... وبعدها عنك من سجاياها وله من أخرى أولها: أرى نورها أو رأى نارها ... فلما تجلى اجتلى دارها وقد ضرب الليل أرواقه ... وأرخت دياجيه أستارها فقل في جمال يضيء الدجى ... ويغشى النجوم وأنوارها ومنها: وشاطرة ردفها شطرها ... وما يبلغ الخصر معشارها ومنها: فيا لك عصرا قطعنا به ... ليالي تشبه أسحارها ولذات عيش مضى عينها ... فها أنا أطلب آثارها فها هي لم يبق منها سوى ... أحاديث أعشق تكرارها قضيت الصبا دين أوطاره ... ولم تقض نفسي أوطارها وله من أخرى: أما من وقفة أم من مقام ... أبثك عنده داءً دخيلا جفوت فضاقت الدنيا وكانت ... علي رحيبة عرضا وطولا لعلك يا قضيب البان يوما ... تمهد في ظلالك لي مقيلا أما لو كان قلبك من صفاةٍ ... لشيعني على حبي قليلا ولكني دُفعت إلى حديد ... ينول كلما قُرِع الصليلا لئن أنبطت من عيني دموعاً ... لقد أذكيت في قلبي غليلا فيا عجباً دموعٌ ليس ترقي ... ووجدٌ ليس يمكن أن يزولا ولم أسمع بأنَّ حياً توالى ... على أرض تزيد به محولا وله: خالسته نظرا تحمل بيننا ... نجوى هوىً خفيت على الجلاس فاحمر ثم اصفر خيفة كاشح ... فعل المدامة عند مزج الكاس وله: أيا رب قرب دارها ونوالها ... وإلا فأعظم إن هلكت بها أجري ويا رب قدر أن أعيش بأرضها ... وإلا فقدر أن يكون بها قبري وله: هبني أسأت فأين إق ... راري بذنبي واعتذاري هلا ثناك عن الجفا ... ء غناك عني وافتقاري لو أن غيرك رام بي ... غدراً لكان بك انتصاري وله: ارفق بعينيك فإن الذي ... ضمنتا من سقمٍ زائد فاستودع اللحظ لأجفانها ... فهي مراض وهو العائد وله أيضاً: وعيشٌ هززناه هز النسيم ... قضيب الأراكة عند الهبوب مزجناه باللهو مزج الكؤوس ... بشكوى الهوى ورضاب الحبيب فيالك عصراً قضينا به ... حقوق الشبيبة دون المشيب وله في العذار: البدر في أزراره ... والغصن في زناره وكأنما فت العبي ... ر على مخط عذاره وله أيضاً: يا عاذلي أنت الخلي فخلني ... وحشاً عليه من الصبابة نار كيف السلو وكيف صبري عندما ... قامت بعذري قامةٌ وعذار؟ وله في الخمر وغيرها من قصيدة: قضيت أوطار نفسي غير مترك ... ولم أعقها على لحقٍ ولا حرك وكم رددت على العذال ما سهروا ... في حوكه فهو لم ينجح ولم يحك وكم عدوت إلى الحانات منهمكا ... بكل عاد إلى اللذات منهمك أهين مالي وأغلي الراح دونهم ... في ظل عيش كما تهوون مشترك ومسمما يجمع الأسماع في قرنٍ ... من صوت غر عليه لحن محتنك وساقيا تركب الصهباء نظرته ... إلى صريع من الفتيان منتبك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 غدا يصرفها فينا ويمزجها ... فنحن وهي مع الأيام في ضحك والماء يحذر منها أن تطير فقد ... صاغ الحباب عليها صيغة الشبك ومنها: كأنها جوهر في ذاته عرض ... قد شيب منسبك منه بمنسبك فاسمع بعينيك عنها مثل ما سمعت ... أذناك ما قيل عن نوح وعن لمك وليلة بتها والأرض عامرة ... حولي بالجوهرين الماء والبنك ومنها في الدبيب: والكأس تخدعهم عني وقد نذروا ... بأنني غير مأمون على التكك حتى إذا أقبلوا منها ومال بهم ... أخذ الكرى وتداعى كل ممتسك دببت أكتم في أنفاسهم قدمي ... كأنني بينهم ماش على الحسك وقد تخلص غيي من يدي رشدي ... فيهم وأطلق فتكي من عرى نسكي فبت أنفذ مما خولوا سككا ... وكنت قدما أجيد النفذ للسكك وقد وثقت بعفو الله عن زللي ... فما أبالي بما خطت يد الملك وله من أخرى في الخمر: وصهباء كالإبريز تبصر كأسها ... من اللمع في مثل الشراع الممدد كما حف نور البدر من حول هالة ... وفاض لهيب الشوق من قلب مكمد إذا ما احتوتها راحة المرء أمسكت ... بهداب ظل من سناها مورد وإن ناولتها بالمزاج يدٌ علا ... لها زيد مثل الدلاص المسرد إذا ما تبدى تحسب العين أنه ... نجوم لجين لحن في أفق عسجد وله: حيى بريحان وقد ... حصر اللسان فناب عنه وفهمت من معكوسه ... تأخير ما أبغيه منه وله في وصف الثريا: انظر إلى الأفق كيف بهجته ... والثريا عليه تنكته كأنها وهي فيه طالعة ... قميص وشي وتلك عروته وله في الخضاب ومدحه: بعيشك ما أنكرت من ذي صبابة ... تحيل في رد الصبا فأعاده هب الشيب في خدي بياض أديمه ... زمان شبابي في الخضاب سواده وله في العذار: قدٌ من الأغصان يشرق فوقه=وجهٌ عليه بهجة الأقمار وكأن ممتد العذار بخده ... ليل أمر على ضياء نهار وله: يا حبذا كأس يكون بها ... ريقٌ كأن ختامه مسك باتت تعللني بها وبه ... حسناء ما في حسنها شك هاتيك كالدنيا فلا أحدٌ ... إلا لها بفؤاده فتك وله في العذار: قال العذول: التحى، فقلت له: ... حسنٌ جديدٌ قضى بتجديد أما ترى عارضيه فوقهما ... لام ابتداء ولام توكيد وله يصف الكأس والحباب: يا حبذا كأس بدت فوقها ... حبابة زهراء ما تذهب أدارها الساقي فرد الضحى ... وانجابت الظلماء والغيهب فقلت للشرب: انظروا واعجبوا ... من حسن شمس وسطها كوكب وله يصف قوادا يحسن الصناعة: وأحور مائل النظرات عني ... دسست إليه من يسعى وسيطا فجاء به على مهلٍ وستر ... كما يستدرج اللهب السليطا وله: بأبي وجهك المليح وخيلا ... ن بخديك تخجل الأنوارا غايرت أنجم الدجى فأنارت ... تلك ليلاً وأظلمت ذي نهارا 57- أبو الفضل علي بن طاهر بن الرقباني حافظ للغة وأيام العرب، جامع لأدوات الأدب. فمن شعره يمدح الأمير صمصام الدولة، وقد وصلت إليه ألقاب كثيرة، وخلعٌ شريفة من مصر: من قبل ذي الألقاب كنت شريفا ... إذ لم تزدك بكثرة تعريفا لكنها عذبت فنحن بذكرها ... نرتاح لو كانت تعد ألوفا يا سيد الأملاك والعلم الذي ... ترك القوي من العصاة ضعيفا لا زلت مسعودا وجدك صاعدا ... حتى ترى فوق النجوم منيفا 58- أبو الحسن علي بن عبد الجبار الكاتب [المعروف بابن الكموني] توطن الأندلس. كان نبيلاً أديباً، وهو القائل -يرثي صقلية عند الحادث بها من الفتنة. قد كانت الدار وكنا بها ... في ظل عيش ناعم رطب مد عليها الأمن أستاره ... فسار ذكرها مع الركب لم يشكروا نعمة ما خولوا ... فبدلوا الملح من العذب ومن شعره: لحا الله الفراق وما أقاسي ... من البين المشتت والبعاد فألف روحنا بلطيف معنى ... وفرقت الهياكل في البلاد لئن بعدت نفوسٌ من نفوسٍ ... لأنتم نور عيني في فؤادي 59- أبو الحسن علي بن عبد الرحمان الأنصاري الكاتب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 رحل إلى مصر. فمن شعره قوله يمدح الناصر للدين أبا محمد اليازوري: توالت فتوحات وأدرك ثار ... وقر لأمر المسلمين قرار وجرد سيف الله ناصر دينه ... فصال به حد له وغرار ودانت له الحرب العوان وإنها ... وإن رئمت أنساً به لنوار يرد إليه أمرها وهي شامس ... لها مسحل من قهره وعرار كأن مطاف الحادثان بشاهقٍ ... منيف الذرى للفتح فيه مطار تزل خطوب الدهر عن صفحاته ... كما زل عن صفح الحسام غبار فيا ناصر الدين الذي فخرت به ... بناة المعالي يعرب ونزار لقد علم الأعداء أنك منتضٍ ... حساماً لهم هلك به ودمار وأنك حزب الله تسعى بهديه ... وتغضب في مرضاته وتغار بكفك سيف الله تضربهم به ... وهل يحتمي من ذي الفقار فقار تسلهم خيل الإله عوابسا ... كما طرد الليل البهيم نهار كتائب في ذات الإله مشيحة ... لها بغياث المسلمين شعار فولوا فراراً والرماح تنوشهم ... لهم حيدٌ عن وقعها ونفار وجاؤوك في دوحٍ، قناك غصونه ... فليس لها إلا الرؤوس ثمار أضفتهم حتى إذا ما تمردوا ... أضفت بهم تبا لهم وخسار وأروع بسامٍ عليه سكينة ... من الله بادٍ نورها ووقار عمرت به جيد المعالي قلائدا ... يطول بها الإمتاع وهي قصار فيا علم المجد الذي طرزت به ... حلاه وأضحى في ذاره منار تنام الرعايا ملء أجفانها كرى ... فنومك تسهاد له وغرار فلا عطلت منك الوزارة إنها ... هي المعصم الحالي وأنت سوار وعش يا "غياث المسلمين" فإنما ... حياتك عز للورى وفخار ودم ملكا ما ساوت العين أختها ... وما صحبت يمنى اليدين يسار وقال فيه أيضاً: يمينك أندى العارضين سحابا ... وعزمك أمضى الضاربين ذبابا وأنت أعم الناس طولا وسؤددا ... وأطيبهم جرثومة ونصابا وأشرعهم يوم اللقاء أسنة ... وأمرعهم يوم العطاء جنابا شهادة برٍ لا يحابى بمثلها ... ألا ربما كان السحاب محابى حللت بدار الملك ثم قطنتها ... كما قطن الليث الغضنفر غابا وأنشبتها بالسمهرية والظبى ... طعانا نفى عنها العدى وضرابا وفجرت فيها للنضار جداولا ... وسطرت فيها للسماح كتابا يقولون إن المزن يحكيك صوبه ... مجاملة: ها قد شهدت، وغابا وكم أزمةٍ عم البرية بؤسها ... فهل ناب فيها عن نداك منابا؟ همت ذهبا فيها يداك عليهم ... وضنت يداه أن ترش ذهابا ولو كان للأسياف عزمك ما نبت ... ولا ناط بالخصر النجاد قرابا تغار من المجد المعالي، وتنتمي ... إلى اسمك حبات القلوب طرابا وما زلت ترضي الله في نصر دينه ... بمألكةٍ تزجي الأسود غضابا إذا طويت كانت وغى وقساطلا ... وإن نشرت كانت ظبا وحرابا وما أنت إلا مطعم النصر أينما ... أغرت على نهبٍ لزمت نهابا وكم نعم خولته لم تشله ... بخيلٍ ولم توجف عليه ركابا وأبلح ميمون النقيبة لو دعا ... إلى نصره وحش الفلا لأجابا أجل ملوك الأرض من ظل لاثما ... ترابا علته رجله وركابا سقى حلبا من جود كفك ماطر ... إذا لم تصب فيه المواطر صابا علوتهم بالمرهفات كأنما ... مددت عليهم بالبروق سحابا وأطلعت سحبا من بنانك ثرة ... تفيض عليهم نائلا وعقابا وقال أيضاً: عرفت لها طيفا على النأي طارقا ... يساعد مشتاقا ويسعد شائقا ألمت وفي جفني بقايا مدامع ... مرتها نواها فاستهلت سوابقا وأومض في رجع الحديث ابتسامها ... وميض الحيا أهدى لنجدٍ شقائقا فولت بقلبٍ أسلمته يد الهوى ... إلى الشوق مغلوب التجلد وامقا سقاها الحيا حيث استهلت مواطرا ... كجود "غياث المسلمين" دوافقا رعى الله "تاج الأصفياء" وإنما ... دعوت بأن يرعى الدنى والخلائقا فيا "ناصر الدين" الذي بنواله ... إذا الشعر بين الجود والبخل فارقا ملكت فؤادا بالمعالي متيماً ... وأعطيت قلباً بالمكارم عاشقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وما ابتدر الأملاك غاية سؤدد ... ومكرمةٍ إلا وجدناك سابقا فمن كان منهم مانعا كنت باذلا ... ومن كان منهم حارما كنت رازقا وخولك الله المغارب كلها ... تنفذ فيها حكمه والمشارقا تنكبت عن ظل الهوادة سالكا ... هواجر في طرف العلى وودائقا وملمومةٍ أزديةٍ ناصريةٍ ... بعثت على الأعداء منها البوائقا قرعت بها عظم العراق فلم تزل ... له بشفار المشرفي عوارقا وقد جمعت منه خراسان ذيلها ... على عجلٍ لما قددت البنائقا قددت غمام السابري عليهم ... مضاعفة لما انتضيت البوارقا بكفك آجال الأعادي وإنما ... أخذت على الأعمار منها المضايقا إذا خاطبٌ لم يعل أعواد منبرٍ ... بما تشتهي من خطبة كان فاسقا إذا ردهم لم يبد بين سطوره ... بذكرك سطر كان زيفا مزابقا إذا ما تعاطى الجود بعدك مدعٍ ... له أو تحلى باسمه كان سارقا ومن يبغ أن يحظى نداه بمنعمٍ ... سواك كمن يبغي مع الله خالقا وكان الذي كانت خراسان داره ... بها مغرما ثم استقل مفارقا إذا هم تقويَضاً تلفت باكياً ... بساتين في أكنافها وجواسقا تريه مناه مرفقا في طماعةٍ ... إذا ساغت الأطماع كنت مرافقا وقد نصحته نفسه وهي حربه ... إذا نصح الأعداء كانوا أصادقا وبالموصل أستأصلت شافة ملكه ... بكرات حملاتٍ تشيب المفارقا يقيك بشحط الدار منها فلم تزل ... تجوب سهوباً دونها وسمالقا ذكرت الردينيات في جنباتها ... بواسق تعلو في ذراها البواسقا جلبت من الأجبال "طيء" ... كراديس شكت بالكماة الرساتقا فظلت وقد عادت جواسقها ربى ... وكانت رباها قبل ذاك شواهقا إذا خاطر الرعديد أنهل رمحه ... كما اختلس اللحظ المحب مسارقا وساقت "عقيل" في رؤوس رماحها ... عقائل من أموالهم ووسائقا وهرت "كلاب" في الوشيج فأقعصت ... ثعالب في أجحارها وخرانقا ملكت رجالات العراق براحةٍ ... تفيض حيا طورا وطوراً صواعقا فقد أنطقت بالجود من كان أخرسا=وقد أخرست بالبأس من كان ناطقا تصافح أيديها الألوف صوامتا ... وما عرفت من قبل إلا الدوانقا وكم قلعةٍ بالمشرفي اقتلعتها ... وأذريتها وجه الرياح سواحقا وثقت بنصر الله في كل موطن ... وكنت أمرأ مذ كنت بالله واثقا كساك أمير المؤمنين مناقبا ... فكنت بها يا "ناصر الدين" لائقا وأصفاك من بين البرية خلة ... رآك لها محض المودة صادقا وقوله من أخرى يمدح فيها سماء الرؤساء شمس الكفاة أبا الحسن علي بن أحمد بن المدبر أولها: هذي العيون وهذه الحدق ... فليدن من بفؤاده يثق لو أنهم عشقوا لما عذلوا ... لكنهم عذلوا وما عشقوا عنفوا علي بلومهم سفها ... لو جرعوا كأس الهوى رفقوا ما الحب إلا مسلك خطر ... عسر النجاة وموطئٌ زلق من أجل هذا ظل يقنص لي ... ث الغاب فيه الشادن الحزق ومسربل بالحسن معتجر ... منه بأكمله ومنتطق عجبي لجبهته وطرته ... وضح الصباح وما انجلى الغسق يا ليلة نادمت كوكبها ... في حيث أطلعه لي الأفق لو لم أعاجل كأسه بجنى ... فيه البرود لكنت أحترق حتى إذا صرعته سورتها ... قمرا عليه الشهب تأتلق قبلت وجنته وقد ظهرت ... في صحنها من قلبي الحرق قد كانت الآمال ذاوية ... ظمأى مكدر شربها رنق حتى أتيح لها أبو حسنٍ ... فنمت وعم غصونها الورق يستصغر الدنيا، فأهون ما ... تعطي يداه العين والورق في صورةٍ جمع الكمال لها ... والأحسنان الخلق والخلق وتخرق في الجود يعظمه ... فيكاد يحسب أنه خرق وقال في النارنج: ألا أنعم بنارنجك المجتنى ... فقد حضر السعد لما حضر فيا مرحبا بخدود الغصون ... ويا مرحبا بنجوم الشجر كأن السماء همت بالنضار ... فصاغت لنا الأرض منه أكر وقال يصف النخل وقد أربى خلال روضة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وروضٍ حديقٍ كالشباب طرقته ... وللنجم في أفق السماء ركود ترقوق في أحداق نرجسه الندى ... كما استعبر العشاق وهو جليد وتفتر فيه للأقاحي مباسم ... فتخجل فيه للشقيق خدود وترتج من فوق الغصون ثمارها ... كما ارتج من بان القدود نهود يسل عليها المشرفيات جدولٌ ... له ثغب عذب الرضاب برود وقامت عذارى النخل من كل جانب ... حواسر في لباتهن عقود وقال لي كنت بحضرة رئيس الرؤساء فقدمت بين يديه أطباق فيها ورد أحمر وأبيض مضعف، فقلت فيه ارتجالا: كأنما الورد الذي نشره ... يعبق من طيب معاليكا دماء أعدائك مسفوكة ... قد قابلت بيض أياديكا وقوله: تضمن فوه دراً من ثنايا ... جلاه لنا بدر من كلامٍ وشال عذاره من تحت صدغٍ ... فصار بصحن وجنته كلامٍ وقوله في مثله: يمين أبي العلاء إذا استهلت ... سحائب جودها هطلت نوالا تفيض على العفاة حيا وإن لم ... تفض سحب الكرام وغضن وإلا وقوله: إن كان لم يخبرك قلبك أنني ... قد ذبت من كمدٍ فلست كذاكا لا تطلبن شهادة من غيره ... اسأله عن أحبابه وكفاكا وله من قصيدة يمدح فيها الوزير رئيس الرؤساء: لحظات من شبيهات الدمى ... صرعتني بين ظلم ولمى بعد ما قلت تناهت صبوتي ... رجعتني مستهاماً مغرما لائمي أقصر فإني كلما ... زدت لوماً زاد سمعي صمما بأبي من جاءني معتذرا ... وجلاُ مما جناه ندما فرأيت البدر في طلعته ... ضاحكا من وجهه مبتسما زائر أسأل عنه مقلتي ... هل رأته يقظة أو حلما بوشاح ناقض الحجل فذا ... باح بالسر وهذا كتما كيف تخفى زورة الصبح وقد ... فتح الروض وجلى الظلما عجبي من سقمٍ في طرفه ... يورث السقم ويشفي السقما قمر يعبده عاشقه ... عبد المفتون قبل الصنما قد أعار الكأس منه وجنة ... وثنايا ورضابا وفما أحباباً ما أثار الماء في ... جوها أم حدقا أم أنجما جال فيها لؤلؤاً منتثرا ... وعلاها لؤلؤاً منتظما كيف أعتد بلقيا هاجرٍ ... قبل ما حاول وصلي صرما لو تجاسرت على الفتك به ... لم أعد أقرع سني ندما أي شيء ضرني لو أنني ... كنت في الحل طرقت الحرما أنا عندي من شفى غلته ... من حبيب مسعدٍ ما أثما ولقد ذقت بكاسات الهوى ... عسلاً طوراً وطوراً علقما وجليس قد شنأنا شخصه ... مذ عرفناه ملحا مبرما ثقل الوطأة في زورته ... ثم ما ودع حتى سلما بعض ما لاقيت منه أنه ... نفر الرئم الذي قد رئما ذل من يأوي إلى ملتجئ ... ليس يؤوي ويروي من ظما وأعز الخلق طرا عائذ ... برئيس الرؤساء اعتصما نحن منه في جنانٍ ورعٍ ... نلبس العز ونجني النعما قد بلوناه على علاته ... فبلونا العارض المنسجما وله أيضاً: أقول ولاح لي خد وصدغ: ... لمن تفاحة مع صولجان؟ بودي لو لثمتهما جميعاً ... ولكني أحاذر صول جان وله: زماننا منقلب فاسد ... يرفع أهل الجهل والعجب كالنقش في الخاتم لا يستوي ... ختم به إلا مع القلب وله أيضاً: أنت عما حل بي في شغل ... إنما يرثي لمثلي من بلي لي وعد عند عينيك مضى ... دونه عمري ووافى أجلي فوريحان العذار الخضل ... فوق ورد الوجنة المشتعل يا حبيب النفس لو أبصر ما ... حل بي منك عدوي رق لي وله: جاء بكمثرى جني غدا ... منظره بيدي لنا خبره من كل زهراء خلوقية ... تجمع بين النهد والسرة 60- أبو الحسن علي [بن محمد] بن عبد الله بن الحسين [بن القطاع] التميمي السعدي أحد العلماء المتقدمين، مدح الحاكم. له: ذكرتك ذكرى لو تذكر بعضها ... ثبير تداعى ركنه وتصدعا وواصلت أنفاسا أبي طول وصلها ... لقلبي إلا أن يكون مقطعا وأفنيت دمع العين يوم فراقكم ... فلم يبق لي دمعٌ يصافح مدمعا وقوله في "رونق" اسم جارية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 اسم الذي تيمني حبه ... يلوح في ديباج خديه حتى إذا صحف معكوسه ... كان الذي في لحظ عينيه وأضمر اسم "علي" فقال: اسم الذي تيمني عشقاً ... يتعب ذا اللب إذا يلقى ثلاثةٌ إن رخمت كان ما ... رخم جذراً للذي يبقى وأضمره أيضاً فقال: اسم الذي ابتغي رضاه ولا ... آمن ما عشت من تسخطه ثالثه مثل سبع أوله ... بل هو إن شئت ثلث أوسطه 61- أبو الحسن علي بن عبد الله ابن الشامي له من قصيدة: يا سيدي لي أوامر كرمت ... فارع لها لا عدمتك الذمما فكم أناس حقوقها جحدوا ... ظلماً، وما عادل كمن ظلما فحسنوا جحدها بلؤمهم ... وإنما هجنوا به الكرما وله في الوداع: ودعني وانصرفا ... يحمل وجداً متلفا ملتفتا وكلما ... نقل رجلاً وقفا لو أنني أنصفته ... مت مكاني أسفا وله: إذا نحن أعيانا اللقاء فودنا ... بمحض التصافي كل حين له ورد ولا صنع للأيام في نقض مبرمٍ ... يعود جديداً كلما قدم العهد 62- أبو الحسن علي بن محمد بن علي الربعي المعروف بابن الخياط شاعر فصيح اللسان، مشهور بالإحسان، وحدة الجنان، وجودة البيان، ماهر في اللغة والأدب، حافظ لأشعار العرب، وكان يشبه في عصره، بجرير في دهره. ومدح الملوك من آل أبي الحسين الكلبيين، وكان عندهم عالي القدر، نابه الذكر. فمن شعره قوله من قصيدة يمدح فيها الأمير ثقة الدولة يوسف بن عبد الله وولده تاج الدولة وسيف الملة جعفراً، أولها: سلمى وما أدراك ما سلمى ... قنص لعمرك رائع الأدما لا تستبح روضاً بوجنتها ... أنفاً لسهم جفونها يحما وأنا نذيرك أن تلاحظها ... وانظر لنفسك قبل أن تصما فهي العيون لقلبي تطادماً ... لا تحتقب قوداً ولا إثماً وسفيهة بكرٍ تسفهني ... أو تحسبين لعاشق حلما كفي ملامك إن بي صمماً ... عنه أيسمع لومك الصما هذا وأشمط رب دسكرةٍ ... رحب الفناء لكل من أما مستنزل جلباب زائره ... ببشاشةٍ تستنزل العصما طفنا به أملاً فهب لنا ... بزجاجة تتحمل النجما فلو أن ملك الأرض تحت يدي ... لجعلت كل نباتها كرما حتى تكون الراح منهلة ... تغني الصوداي عن زلال الما كيد ابن عبد الله يوسف إذ ... طرد الغنى بنوالها العدما ظلت تحزم سيرذي شطب ... شبق الملامة وامتطى الحزما يقول فيها من مدح ولده: يا جعفراً ورد العذوبة بو فحلى ... ورد والمنة نعما أنت اللباب لكل مكرمة ... كان الملوك لقرعها عدما وبما بلغت حجى الكهول فتىً ... وحلمت قبل بلوغك الحلما فاسلم ليوسف ساعداً ويداً ... فوق السماء تخيم أنجما وقوله من قصيدة يمدح فيها الأمير تأييد الدولة: طرق الخيال وساء ما طرقا ... أخذ الرقاد وخلف الأرقا عندي سرائر لو نفثت بها ... في صخرة لتقطعت فلقا حب صليت به وأكتمه ... لو مس أبكم حره نطقا ولقد صبرت له فأوسعني ... قلقا وأثخن مهجتي حرقا ولعلني إن قلت بي علق ... قعد الوشاة بقصتي حلقا وأنا الرهين بحب ساحرة ... ملأت يدي ببشرها ملقا نظمت لها أيدي ملاحتها ... خرز القلوب بجيدها نسقا ملك تضم الأرض قبضته ... حتى تكون جميعها طبقا يغزر بأدهم في العجاج ترى ... لمع السيوف بجسمه بلقا وقوله من أخرى يمدحه فيها ويهنئه بسلامة ولده من جدري. أولها: لا يطمعنك في السلو تكهلي ... أنا من علمت على الغرام الأول إن كان غرك ذا الوقار فإنه ... كالطيب يعبق في القميص وقد بلي نسك نصبت به حبالة مطعم ... متعودٍ قنص الغزال الأكحل ولرب مأربةٍ لبست لها الدجى ... وقضت بها وطرأ لطافة مدخلي أسري كما تسري النجوم لحاجتي ... والناس بني مدثر ومزمل ولقد تعبدني على حريتي ... رشأ تنعم في الرحيق السلسل ممن يصون عن الأكف ثماره ... بخل ويحجبه عن المتأمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 لا تنفع العبرات عند صدوده ... أحداً ويرهب أن يقال له: صل داريت قسوته بلين تلطفي ... والصعب تعطفه يد المتحيل وإذا بليت بهاجر فاصبر له ... فالماء ينبط من صفاة الجندل لأسابقن غداً لتهنئة العلى ... ولآخذن بشارة المستعجل ولأهدين إلى الخلافة إنها ... تعلى وتحمد بعد أحمد في علي سردت يد الجدري فوق أديمه ... حلق الدروع مقدرات المدخل ولقبلها لبس الدروع مسوماً ... في موكب كدر العجاجة جحفل الله هناك السلامة في الذي ... سيء العدو به كما سر الولي داويت بالصدقات معضل دائه ... والبر يدفع كل داء معضل وقوله من أخرى يمدحه فيها وولده مؤيد الدولة، أولها: انجري بعض موعدي ... كم تمنين بالغد أنا راض ببلة ال ... ريق للحائم الصدي نصب الكاشحون لي ... كل عين بمرصد سبني أن عشقته ... جائر الحكم معتدٍ سب ما شئت لا ترع ... بلساني ولا يدي خوطة في قرارة ... أينعت في قرى ند ظلها في عرين ور ... د من الأسد ملبد لا أطيق الفداء من ... هـ بشيء فأفتدي غير أني مؤيد ... بالأمير المؤيد ولقد قلت للحوا ... دث: قومي واقعدي أنا في ذمة الأمي ... ر علي بن أحمد حط رحلي بداره ... بين نسر وفرقد هذه الدولة التي ... كنت أرجو لمجتد وله من قصيدة يمدح فيها الأمير مستخلص الدولة الحسن بن ثقة الدولة، أولها: يا قلب ويحك قد خلقت ضعيفا ... أفلا تزال على هوى موقوفا حتام أنت بذات طرفٍ ساحرٍ ... لا تستبل بحنةٍ مطروفا خفت حصاتك يوم خف قطينها ... هل كنت تحذر للقطين خفوفا؟ وكأن قيم ركبها مستوفز ... ضربوا له أجلاً فحث عنيفا ساروا بها والبدر من أترابها ... يتنقصون تمامه تحييفا قد كان في حال الكمال كوجهها ... فغدا كحاجبها أزج نحيفا يا من رأى القمر المنير بهودج ... متجللا غير السحاب سجوفا نظمت له أيدي القيان بلؤلؤ ... مثل النجوم قلائداً وشنوفا غم الهلال فأطلعته بوجهها ... في هالة جعلت عليه نصيفا وتخيلت للعين حمر برودها ... شفقا أحاط به وكن شفوفا يا رب ليل بت أنشد صبحه ... وكأنني أضللت منه تليفا ليلا حسبت به المجرة جدولاً ... وحسبت أنجمها حصى مرصوفا ولعله بعد اليبيس مروح ... بندى الحنين فأرتعيه خريفا ملك تنطق بالملوك أبوة ... وبنوة فأتى بهم محفوفا مستخلص الخلفاء وابن ملوكها ... وأبوهم ما بل بحر صوفا لو لم تفز بتليد مجدك في العلى ... حظاً لفزت بمن ولدت طريفا وقوله فيه أيضاً: نظرت فقلت هو الغزال الأدعج ... وتبسمت فإذا النقي الأفلج وشككت بين مذكر ومؤنثٍ ... فيها فأنبا باليقين الأبلج ريحانة برد النعيم يظلها ... لو كان فيه للمظل تولج إحدى حبالات القلوب لقلما ... ينجو إذا نصبت له المتحرج لا يخدعنك بالكناس نعامها ... إن العرين به زئير مزعج ذو لبدةٍ منع الجواز كأنما ... منه على الصحراء باب مرتج أنيابه شفراته ولهاته ... تنوره فالنيء فيها منضج أغمامة برقت بها أم هودجٌ ... أم تلك أحلام بنوم تهلج ما خلت قبلك والمخالة حيرة ... إن الإيناس على بعير يخدج صار الأراك على الغزالة كلةً ... والمرد أزراراً عليها تسرج هون عليك بمن نواه كهجره ... أيبكر الحادي به أم يدلج فيم الصبابة بعد ما ذهب الصبي ... سن مذكية ورأس أخرج إن الذي قد كان يحسن في الهوى ... بالأمس منك اليوم شيء يسمج لم يبق يا شرخ الشباب بلمتي ... إلا دريس من ثيابك منهج ست من العشرات خلف حقيبتي ... طويت كما طوي الكتاب المدرج فاصرف هواك إلى الثناء على الذي ... يثني صروف الدهر عنك فتفرج الخاتم الأملاك لولا ناشئ ... من صلبه يلد الملوك متوجٌ قمر أبوه البدر إلا أنه ... تم وذاك حين يولد مخدج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أخذت بأسعده الكواكب حظها ... وتقاسمته على السواء الأبرج وإذا الدجى صنع النبيط أحابشاً ... فكأنما بيض الجلود تزندج كشف العمى فتميزت ألوانها ... فكأنما أنفلق الصباح الأبلج نور أعين من الهدى ببصيرة ... طمس الضلال بها وكان المنهج الحق في الشبه البهيمة أبلج ... والباطل المصنوع فيها لجلج ومن الثناء على الملوك محبر ... يكسونه حللا ومنه مثبج ولو استطعت على النجوم نظمتها ... عقداً عليك فهل إليها معرج وإذا منحتك من ثناي نتيجة ... فعن المنائح من نوالك تنتج لا يعد منك منبر وخطيبه ... ما لم يزل فيه بفخرك يلهج وقال: حبيب تولى الحب قلبي وقلبه ... فصاغهما قلباً له جسدان ونحن على ما بيننا من تآلفٍ ... إذا حضر الواشون مفترقان وقال: حسن وجهٍ لي فيه قلب شقي ... أبداً في الهوى وطرف سعيد أين ألقتني المطامع فيه ... ساعدٌ لين ومرمى بعيد قمر دونه رجوم الشياط ... ين وظبي تذب عنه الأسود وقال: لا تعجبن لرتبة أشرارها ... يعلون والأخيار فيها تسفل فالناقصون هم الذين علوا بها ... والراجحون هم الذين تنزلوا أو ما ترى الميزان يعلو خفةً ... في كفةٍ ويحط فيها الأثقل وقال: إن سب الملوك من شعب المو ... ت فإياك أن تسب الملوكا إن عفو عنك بالذنوب أهانو ... ك وإن عاقبوا بها قتلوكا وقال: ليس إلا تنفس الصعداء ... وبكائي وما غناء بكائي من رسولي إلى السماء يؤدي ... لي كتابا إلى هلال السماء كيف يرقى إلى السماء كثيفٌ ... يسلك الجسم في رقيق الهواء أعجز الإنس أن ترقى إليها ... فعسى الجن أن تكون شفائي أم ترى الجن تتقي شهب الرج ... م فدعني كذا أموت بدائي وحضر أبو الحسن الفتنة ومدح صاحبها ابن الثمنة بقصيدة أولها: سر حيث شئت فأنت وحدك عسكر ... والناس بعدك فعله لا يذكر ومن شعره قوله: يا جامع البوس والنعما براحته ... كالغيث يجمع بين الماء واللهب وقوله: تمتع بالمنام على شمالٍ ... فسوف يطول نومك باليمين ومتع من يحبك من تلاقٍ ... فأنت من الفراق على يقين 63- أبو الحسن علي بن محمد المعروف بالصقلي من شعره: بركةٌ للماء تطرد ... للصبا في متنها زرد بات في أحشائها قمرٌ ... مثل قلب الصب يرتعد وقوله يصف الخمر: وقهوةٍ كشعاع النار في قدحٍ ... قد شجها بمزاج الماء ساقيها يريك درا نثيراً في أسافلها ... يعود درا نظيماً في أعاليها أبو الحسن علي بن المعلم صاحب ديوان الصناعة. ولع بالهجاء وذم الزمان، وأوطن الأندلس. سأله بعض إخوانه أن يجيز: وماء كعين الديك يجري على الحصى فقال: إذا ما نهته الريح عن جريه عصى يصفق مرتاحاً براحة موجه ... كنشوان غنته المثاني [ ... ] 65- أبو حفص عمر بن حسن ابن السطبرق من أهل الدين، والورع، والعفاف. له في الزهد: سيلقى العبد ما كسبت يداه ... ويقرأ في الصحيفة ما جناه ويسأل عن ذنوب سالفاتٍ ... فيبقى حائراً فيما دهاه فيا ذا الجهل مالك والتمادي ... ونار الله تحرق من عصاه فعول في الأمور على كريمٍ ... توحد في الجلالة في علاه وأمل عفوه وافزع إليه ... وليس يخيب مخلوقٌ رجاه 66- أبو حفص عمر بن حسن، ابن القرني الكاتب لغوي، شاعر، كاتب، منجم، مهندس. وله من مرثية، أولها: للموت ما يولد لا للحياة ... وإنما المر رهين الوفاه كأنما ينشره عمره ... حتى إذا الموت أتاه طواه من ترم أيدي الدهر لا تخطه ... والدهر لا يخطئ من قد رماه منها: نفس الفتى عارية عنده ... ما بخله بالرد إلا سفاه وله: بأبي من غدا صمي ... م فؤادي محله والذي عقد حبه ... ليس خلق يحله أيها العاذل الذي ... طال في الحب عذله أتراني مللته ... لست ممن يمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 لا ولا اعتضت غيره ... بل له الود كله وله: يا لدمعٍ أعلن الس ... ر وقد كان مصونا باح بالوجد فأبدى ... للورى داءً دفينا ما كذا تصلح عيني ... قيح الله العيونا جلبت حتفي ونمت ... فأحقت بي الظنونا وغدا ما كان شكاً ... عند أقوامٍ يقينا 67- أبو حفص عمر بن خلف بن مكي [فقيه، محدث خطيب، لغوي، وفضله بالألسنة في جميع الأمكنة مأثور مروي] . صنف في اللغة كتاباً سماه "تثقيف اللسان وتلقيح الجنان" في نهاية الملاحة والبيان، يدل على وفور حظه من هذا الشأن. رحل إلى تونس، من بر العدوة، فاستوطنها وولى قضاءها [وخطابتها] ، وكان يجيد الخطب، يخطب في كل جمعة بخطبة من إنشائه، تفوق خطب ابن نباته [تعجب رواته] ، وله شعر يروق، منه ما قاله في القناعة: يا حريصاً قطع الأيام في ... بؤس عيش وعناءٍ وتعب ليس يعدوك من الرزق الذي ... قسم الله فأجمل في الطلب وقال: أتطمع في ود امرئ وهو قاطع ... لأرحامه هيهات قد فاتك الرشد إذا لم يكن في المرء خير لوالدٍ ... ولا ولد لم يرجه أحد بعد وقوله: نعماكم طردتنا عن زيارتكم ... وقنعتنا حياءً آخر الأبد إن الزيادة في الإحسان طاردة ... للحر عن موضع الإحسان فاقتصد وقوله: لا تبادر بالرأي من قبل أن تس ... أل عنه وإن رأيت عوارا أحمق الناس من أشار على النا ... س برأي من قبل أن يستشارا وقوله: لا تصحبن إذا صحبت أخا ... جهلٍ ولو أن الحياة معه إن الجهول يضر صاحبه ... من حيث يحسب أنه نفعه وقوله: صديقي الذي في كل يوم وليلة ... يكلفني من أمره ما له بال ولا يؤثر التخفيف عني فإنما ... علامة صدق الود عندي إدلال وقوله من قطعة: عاد الجهول فإنه ... ممن يعينك في هلاكة واحذر معاداة اللبيب ... ب فليس يخلص من شباكة وقوله: اجعل صديقك نفسك ... وجوف بيتك حلسك واقنع بخبزٍ وملح ... واجعل كتابك أنسك واقطع رجاءك إلا ... ممن يصرف نفسك تعش سليماً كريما ... حتى توافي رمسك وقوله: وإذا الفتى بعد طو ... ل خصاصةٍ بلغ الأمل فكأن بؤسي لم تكن ... وكأن نعمى لم تزل وقوله في مدح الانفراد: من كان منفرداً في ذا الزمان فقد ... نجا من الذل والأحزان والقلق تزويجنا كركوب البحر، ثم إذا ... صرنا إلى ولدٍ صرنا إلى الغرق وقوله في الشيب: أيروم من نزل المشيب برأسه=ما قد تعود قبله من فعله من لم يميز نقصه في جسمه ... في الأربعين فإنه في عقله وقوله: عجباً للموت ينسى ... وهو ما لابد منه قل لمن يغفل عنه ... وهو لا يغفل عنه كيف تنساه وقد جا ... ءتك رسل من لدنه سوق تلقى الويل إن جئ ... ت بعذرٍ لم تبنه وترى جسمك في النا ... ر غداً إن لم تصنه والذي ينجو من النا ... ر أخو التقوى، فكنه 68- القاضي أبو حفص عمر بن أبي الطيب [ ....... ] بالقيروان، من قصيدة أولها: ليمونةٍ جاءت بعرف القرنفل ... يقول فيها: وقلت لها لما رأيت اصفرارها ... أبيني لنا من شأنك المتضلل فقالت ولم تنطق ولكن سقمها ... أتى بجوابٍ يكشف الأمر فيصل عراني فراقٌ من غصونٍ منيفةٍ ... فغربني عن فيئها المتظلل فأصبحت في حزنٍ وساورني الضنى ... كما أنت في حزنٍ من البين مثكل فأعجبت منها بالجواب بديهةً ... وإيضاحها عن غربتي وترحلي وقلت لها إني بك اليوم باعثٌ ... إلى من له محضا ثنائي ومقولي 69- أبو حفص عمر بن عبد الله الكاتب له: أرقٌ أراق مصون دمعي كاربه ... وهوىً هوى بجميل صبري غالبه ومنها: نازعته بعد الجماح عنانه ... والليل أليل ترجحن غياهبه فقضيت بالتمويه منه لبانةً ... وجعلت إعتابي بحيث أعاتبه وتشاكل الحالين أشكل أمره ... لما استوى صدق العناق وكاذبه وله: ألا أن قلبي بالغرام موكلٌ ... ومذ غبت عن عيني فقدت هجوعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 منحت سواد القلب صفو ودادكم ... وقسمته بين الحشا وضلوعي فإن كنت لا تأسى لبعدي فإنني ... لبعدك وجداً ما تجف دموعي 70- أبو حفص عمر بن عبد النور، يعرف بابن الحكار فاضل عالم، نظار، محقق، حسن الكلام والتأليف، أديب شاعر، حسن القول. [من شعره يمدح الإمام مالك] : تأملت علم المرتضين أولي النهى ... فأفضلهم من ليس في جده لعب ومن فقهه مستنبط من حديثه ... رواه بتصحيح الرواية والنخب وما مالك إلا الهدى ولذا اهتدى ... به أمم من سائر العجم والعرب وقال أيضاً: ومالك هو نور قد أضاء لنا ... بعلمه، فجلونا ظلمة السدف لا يبتدي سائلا بالوعد يصرفه ... ولا يحيل على الأوراق والصحف ولا يجيب جواباً ثم يتبعه ... نقضاً، ولكن برأي غير مختلف 71- الفقيه أبو حفص عمر بن مازوز بن خليل اللواتي من فقهاء صقلية ومشاهيرها. وكان شاعراً أديباً. وهو القائل يفخر بقومه لواتة من قصيدة أولها: لمن تعزى المكارم والأيادي ... ورد الخيل داهية الهوادي سوى قومي الذين سمت نفوس ... بهم شرفاً إلى السبع الشداد وله أيضاً: أأجازيك أم أعاديك سفلا ... أم تراني أراك للسب أهلا سب ما شئت لست ممن يجاري ... أنا بالسب إن سببتك أولى وله: إذا سبني وغدٌ تزيدت رفعةُ ... وما العار إلا أن تراني أساببه ولو لم تكن نفسي علي كريمة ... لأمكنتها من كل وغدٍ تجاوبه كفي حزناً أن وغداً مخاطبي ... وبالوغد فخر لمن شاء يخاطبه 72- أبو حفص عمر له: إن من تعذلونني في هواه ... ماله في تكامل الحسن شبه كل عضوٍ إليه قلب مشوقٌ ... مثلما كل مفصلٍ منه وجه وله: أرسلت سهم اللحظ مقتنصاً ... فأصابني ورميتي محمي ما خلت أن الرامي المرمي ... حتى رأيت دمي على سهمي 73- الأمير أبو محمد عمار بن المنصور الكلبي من أفاضل العلماء، وسادات الأمراء، ذو يدٍ في الفقه والحديث. ومن شعره: تقول لقد رأيت رجال نجدٍ ... وما أبصرت مثلك من يمان ألفت وقائع الغمرات حتى ... كأنك والوقائع توأمان وتقتحم الحروب رخي بالٍ ... كأنك من رداها في أمان إلى كم ذا الهجوم على المنايا ... وكم هذا التعرض للطعان؟ فقلت لها لكل الناس عذرٌ ... ولا عذرُ لكلبي جبان ويقول في ابن عمه شكاية: ظننتك سيفاً أنتضيك على العدى ... وما خلت أني أنتضيك على نفسي وجئتك أبغي رفعةً وكراماً ... فأمسيت مقهوراً بقربك في حبس وله: لولاك ما اجتمع الضدان في قرنٍ ... قلبٌ حريقٌ ودمعٌ واكفٌ جار فكيف أسلو وطرفي منك في غرقٍ ... لا يستقل وقلبي منك في نار وله: وصاحب سر قد سترت سراره ... بسترٍ حصينٍ لا يرام له هتك فزاد اختباري بعد ذا فجحدته ... فمر قد استولى على عقله الشك 74- القائد أبو الفتوح ابن القائد بدير المكلاتي سند الدولة، حاجب السلطان له:. يس في الدنيا سرور ... إنما الدنيا هموم وإذا كان سرورٌ ... فقليل لا يدوم تركها أفضل منه ... ذا بهذا لا يقوم 75- أبو محمد القاسم بن عبد الله التميمي فمن ذلك قوله من قصيدة يذكر فيها فتنة أهل صقلية، وشدة حربهم ودخول الفرنج إليهم: أبيت وجفني من جفائك نائم ... وقلت بما قالته فيك اللوائم لما [ ... ] إلا لها منك نظرة ... كأن لها حسناً من اللحظ قادم وعهدي بذاك الدر غير مثقب ... فكيف أجادته بفيك النواظم وعندي حديث لو أمنت أذعته ... ألا حبذا غيب تعيه المناسم وإن كان لا يرويك إلا مدامعي ... فلا قر لي نهر من الدمع ساجم! رعى الله أياماً لنا ولياليا ... بخيف منى والنائبات نوائم زمانٌ تصيد اللهو أشراك لمتي ... وتحسبني فيها الظباء النواعم أيا ظبية الوادي محلك مهجتي ... ومرعاك في قلبي الذي بك هائم لو أنك في حل الشباب حللت لي ... ولكن أيام المشيب محارم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 بمكة إلفي والحصيب به أخي ... وفي مصر لي نجل سقته الغمائم وماذا عسى قلبي وعندك قدره ... فتأخذه للبين هذي المقاسم سقى الله هيم الغرب لا بعض هامه ... كما يمنع الغمض السليم المنادم وما كنت أسقي الغرب لو كان لم تكن ... صقلية منه وإن لام لائم وإني منهم واحد غير أنه ... وشى بيننا واشٍ من البين غاشم رزينا بذات البين حتى كأننا ... نرى أن من يبغي سوى البغي آثم يغير الفتى منا على مال نفسه ... ويقتله عدواً أخوه الملائم يجوز دليل القوم عن غير رشده ... ويمضي على المكروه من هو نادم كما أنت مسرور بما هو جازع ... كما يبسم المحزون والقلب واجم نجر فضول السابغات كأننا ... أراقم باضت فوقهن نعائم كأنا فويق البر أمواج لجةٍ ... وكالريح فيهن العتاق الصلادم معارف إلا أن تكون حواسراً ... إذا روحت يوماً ظباها الملاحم نروح ونغدو في أمور لو أنه ... رأى بعضها ما عاود النوم حالم فطوراً نذود الموت عنا وتارةً ... نموت كما مات الحماة الأكارم فلو كان سلماً ذلك الحرب بيننا ... ثلاثين عاماً ضامناً منه ضائم ونعقر، طوع المجد، كل مدجج ... يراوغه بالطعن كعب وحاتم وكانت بلاد الروم طوع سيوفنا ... إذا رامها منا على البعد رائم فإن نال منا الناس أو قل كثرنا ... فقد تقتل الحمى وتردي السمائم سليني عن الإفرنج إن شئت واسمعي ... حديثاً كنشر الروض والروض ناعم أتونا ولكن بالدروع أساوداً ... ولكن أتينا والسيوف عزائم على كل مشكول الطريد كأنما ... قوائمه عند الطراد قوادم إذا ما علا منا على الظهر فارس ... فليس بعيداً أن تطير القوائم سماء وأرض من جناح وحافر ... وليل وصبح جحفل وصوارم فلا دجن إلا أن تثور عجاجة ... ولا مزن إلا أن تجز جماجم كأنهم قد أحجموا حين أقدموا ... وغير عجيب غابة وضراغم كأن من الآبار كانت رجومهم ... فعادت عليهم والأنوف رواغم كأن من الأفعال كانت جيوشهم ... ولكن عوالينا الحروف الجوازم هو النصر حتى كل أعزل رامحٌ ... وحتى قرون الغانيات عمائم وقد تسعد الأقوام شقوة غيرهم ... ألا رب أعراس دعتها مآتم إذا كان لا ينجيك أنك هارب ... فلم يبق حزمٌ غير أنك هاجم فقد يقتل المرء ابتغاء حياته ... وأكثر من يبغي المنية سالم وطيب حياة المرء في عز موته ... وما الموت إلا أن تهون الكرائم وقد تجهل الإنسان في بعض حلمه ... ويحمل عنك الظلم أنك ظالم وما السيف إلا ما غراره حليه ... وإن رث منه غمده المتقادم كأنك في دنياك ما زلت جاهلاً ... إذا كنت لم ينفعك أنك عالم فلا تتزود غير ما أنت واجد ... إذا رحت يقظاناً كأنك نائم وقوله من أخرى يرثي فيها أخاه، أولها: الشمس لا تخفى على النظار ... فحذار من دار الغرور حذار قد شفت الدنيا ولكن شرها ... لذوي البصائر لا ذوي الأبصار إن الشباب عليك ظل زائل ... عما قريب أنت منه عار يا من يريد بأن تطول حياته ... تلك الإطالة آفة الإقصار لا تبغ من دنياك أن تبقى بها ... كيف القرار بغير دار قرار؟ في كل يومٍ أنت تقطع رحلةً ... كم ذا تراه يكون بعد الدار فإذا طلبت البرء من دار الضنى ... أعطتك حظ الوعد في الأعشار الموت لا يأتيك إلا بغتة ... فاحذر فهذا غاية الإنذار واصبر لضرك في مصالح نفعه ... فلرب نفع جاء من إضرار بأبي غريب بالحصيب تركته ... رهن البلى وغوائل الأسفار يا واحداً قد كنت أحذر فقده ... لو كان ينفعني عليه حذاري منها: لم يكفهم أن غيبوه في الثرى ... حتى بنوا بالشيد والأحجار يا غافلا، نزل المشيب إلى متى ... ما بعد نعي الشيب من إعذار؟ إن لم يكن لك في مشيبك واعظ ... فلرب أبيض في سواد الفار كم قد صبحت فما فررت بمهجتي ... من غادر إلا إلى غدار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ما قلت أين الناس؟ إلا قيل لي: ... تحت الثرى وصفائح الأحجار وعنى النفوس هو الغنى لا مالها ... يا رب مالٍ جالبٍ للعار وإذا أردت الفقر أين محله ... فاطلبه عند الباخل المكثار شيئان لا يشغلك شيء عنهما: ... تقوى الإله وصحبة الأخيار وقوله من أخرى يرثي فيها ولده: دع الأيام تخطئ أو تصيب ... فما من بعد فقدك ما يريب نعاف الموت أن يأتي قريباً ... وفي تأخيره ذاك القريب وتعجبنا مسالمة الليالي ... وفي تلك المسالمة الحروب وكيف يلذ بالدنيا لبيب ... تخاطبه بفرقتها الخطوب قضى مني الشباب اليوم نحباً ... وأخشى أنه يقضي المشيب وهل يرجو العليل شفاء داءٍ ... إذا كان الذي يضني الطبيب كأن الدهر مطبوع بجهل ... فأعدى من يكون له أديب رماني الدهر لم يخطئ فؤادي ... وكان به فما ربح الحبيب وقد ينبي عن الأمل التداني ... وقد يدني من الأجل الهروب أحين تراءت الآمال فيه ... كمثل الأثر بيديه القضيب وأعطتني به السلم الأعادي ... وأضحكني به الدهر القطوب وجاد به على بخل زماني ... وقد يندى لك الصخر الصليب فأي ذخيرة أعددت فيه ... على علم بحادثة تنوب وسماه العلي "أبو علي" ... وقد تفضي بلائحها الغيوب طواني البين فيه على إياس ... وفجعني به الأمل الكذوب قضيب وما قضيت حقوق بذلٍ ... يصان بها الغريب والقريب ولم ترقب لأعشار المعالي ... فيألفك المعلى والرقيب ولم تصبح غداتك في مساء ... كأن الشمس طالعة تغيب فلو غير الحمام دهاك يوماً ... رماه عنك شبان وشيب إذا شرعوا العوالي في عوانٍ ... فأحداث تصول بها خطوب منها: كأنهم الشموس إذا أضاءت ... ولكن الشموس لها غروب فإن أجزع فلي قلب جليد ... وإن أصبر فلي قلب كئيب وإن شقت على ولدٍ جيوب ... فقد شقت عليك أسىً قلوب يحن لخندق الصحراء قلبي ... كما حنت إلى الأوطان نيب وما الصحراء لي وطناً ولكن ... بها شخص إلى قلبي حبيب يطيب الموت بعدك وهو مر ... وأما العيش بعدك لا يطيب وله: يا معتباً لو شاء ما أعتبا ... يعذب عندي كلما عذبا لا تنكرن الموت من لحظه ... ما بين أجفان الظباء الظبا كأنه من طيب أنفاسه ... نشر الصبا يهدي إلي الصبا 76- الأمير أبو محمد القاسم بن نزار الكلبي كان مقيماً بمصر وتولى شرطتها وله: عض تفاحة وناولنيها ... آه منها وآه من مهديها فإن اشتقت منه طيب ثنايا ... هـ أقبل مواضع العض فيها وله: إني متى يجفو الحبي ... ب وصلت جفوته ببين ومنعت عيني أن ترا ... هـ ولو رأته فقأت عيني وجعلته بفعاله ... في العين مثل قذاة عين ووضعته دون الحضي ... ض لو أنه في الفرقدين وقطعته لو كان يش ... به أحمد ابن أبي الحسين 77- أبو عبد الله محمد بن أحمد، صاحب ديوان الإنشاء له نثر ونظم، فمن شعره قوله يرثي الأمير ثقة الدولة يوسف من قصيدة أولها: حنانيك ما حَيُّ على الدهر يسلم يقول فيها: تأمل بعين الفكر تدرك حقائقاً ... من العلم ليست عن ظنونٍ تترجم إذا حان منك الحين لم تغن رقيةٌ ... ولم يدفع المحتوم عنك منجم فخذ حذراً من فجأة الموت إنما ... تسير على إثر الذين تقدموا فلو كان مخلوقٌ من الموت ناجياً ... نجا في رؤوس الشمخ الشم أعصم يعز علينا أن تؤبن هالكاً ... وعادتنا فيك المديح المنمنم سقى الله أرضاً حلها قبر يوسفٍ ... من المزن وكافاً يجود ويسجم وصلى عليه الله من متوسدٍ ... يميمناً لها في كل فضلٍ تقدم 78- أبو عبد الله محمد بن أحمد الصباغ التميمي واسع الكلام، كثير النظام، فمن شعره يمدح إسماعيل بن علي الخزاعي حنت إلى الصد تبغي طاعة الليل ... لما درت أن قلب الصب في شغل إذا بدت قلت: غصنُ فوقه قمرٌ ... من تحت ليلٍ على أعلاه منسدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 لما رأته أسير الحب ذا كلفٍ ... سقته من لحظها كأساً من الخبل ترحلت بفؤادي يوم رحلتها ... وخلفتني أسيراً في يدي أجلي يقول في مديحها: وأقصد فتى الجود إسماعيل ممتدحاً ... بخير شعرٍ كنظم الدر منتخل تنل فلاحاً وتظفر عند رؤيته ... بكل ما تبتغي من صالح الأمل أغر أبلج إن حال الجواد على ... ضنك الزمان عن المعروف لم يحل حاز التكرم قدماً والسماح معاً ... والمجد والفخر عن آبائه الأول 79- محمد بن الفقيه أحمد الكلاعي بن عبد الرحمن له ترسل ونظم، فمن شعره من قصيدة يمدح فيها الأمير عبد الله بن المعز بن باديس الله أكبر أودى الجور وانقشعت ... سحب النفاق وزال الحادث النكر بالأريحي الذي جادت أنامله ... فقصرت عن مداها البجس الغدر جدوى السحاب إذا جادت هواملها ... ماءً، وجدواه فيما بيننا بدر لم يلق جيشاً ولم ينهض لمعضلة ... إلا وازره التوفيق والظفر يا أيها الملك الميمون طائره ... وكاشف الضر عن قوم به انتصروا غادرت كل عزيز كان ممتنعاً ... ووجهه بين أيدي الخيل منعفر والبيض تضحك والأعناق قد سفحت ... دمعاً من الدم في الأجساد ينحدر رميتهم بخميس لو رميت به ... دعائم الدهر كادت منه تنفطر ما طال بغي أناس قط من بطرٍ ... إلا وأصبح في أعمارهم قصرٌ إن غرهم منك حلمٌ قد عرفت به ... فالمرخ يضرم ناراً عوده النضر كأنهم حين مالوا عن سروجهم ... بالطعن شربٌ من الصهباء قد سكروا 80- أبو عبد الله محمد بن أحمد الهاشمي المعروف بابن الخالة كان عالماً بالفرائض وعلم الوثائق، وكان يصنع الشعر رياضة لطبعه للتأدب لا للتكسب، فمن شعره قوله: صددت بوجهي عن حبيبي تستراً ... وأبديت نكراً في الهوى وتغيرا وصرت كمن عن حبه بعد حبه ... تجافاه من فرط الجفاء وأقصرا وفي كبدي من لاعج الشوق جمرةُ ... غدا لفحها بين الجوانح مضمرا ثوت بين أضلاعي فخامرت الحشا ... وأذكى جواها جمرها فتسعرا أحبك حب الماء في أرض قفرة ... بهاجرةٍ ظمآن ظل مهجرا وإن كنت قد أقصرت عنك لعلةٍ ... فما زلت في عين الضمير مصورا وإني كمن قد غالب الشوق صبره ... وأورثه الأشجان أن يتصبرا وكم عذل العذال فيه ولو رأوا ... محياه كانوا، لا محالة، أعذرا وكم من صحيح أسقمت لحظاته ... وعين امرئٍ نوامة العين أسهرا كأن عليه من صفاء أديمه ... إذا اللحظ أدماه عقيقاً وجوهرا 81- محمد بن أحمد بن يحيى الكاتب له شعر وكتابة، فمن شعره قوله: إن يفض دمعي ففي القلب كلوم ... وإذا حل الأسى ليس يريم أيها المغتر بالدهر اتئد ... هل نعيم فيه أو بؤس يدوم؟ 82- الأمير أبو عبد الله محمد ابن الأمير جعفر بن محمد بن الحسن الكلبي (أحد الأجواد الموصوفين بالكرم) والسخاء والصدق والوفاء، (وله شعر جيد) يدل على علمه وفضله، فمنه قوله: أما والله والبيت الحرام ... وتربة جعفر القرم الهمام لقد أورثتني داءً دخيلاً ... أشد علي من وقع الحسام وله: إذا لم يكن من قد هويت مواصلي ... فلا خير في عيشٍ لدي يكون يقولون لي: ما باله عنك معرضاً؟ ... فقلت لهم: دهري علي معين! 83- أبو عبد الله محمد بن الحسن الكاتب المعروف بالرجيني فاضل، مفيد في العلوم الرياضية، بارع في الأسرار الروحانية، وله نثر وشعر، منه: يا ليلة البستان والزهر ... ما كنت إلا بيضة العقر أدركت ما قد كنت آمله ... في ساعةٍ تغني عن الدهر نفسي الفداء لظبية قذفت ... في القلب نار الشوق والفكر لا صبر لي عنها وإن ظلمت ... في حكمها والموت في الصبر وأنفذ إليه أمير من أمراء صقلية ثلجاً في يوم شديد الحر، فكتب إليه: أتاني، أطال الله عمرك للعلا، ... فأنت لها لا زلت كالسمع والبصر من الثلج ما داويت حر بلابلي ... به وشفيت النفس من وخز الفكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 مزجت به راحي العتيقة فاغتدت ... لمبصرها كالشمس ما زجت القمر درعت به قيظاً، وحقك، صابراً ... فلاقاه منه الزمهرير فما صبر فلا زلت يا بدر الملوك وعزها ... غياثاً لما يحيى به البدو والحضر 84- أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن الطوبي الكاتب صاحب ديوان الإنشاء عالم بالرسائل، جامع للفضائل، أربى في النحو على نفطويه. وفي الطب على [ابن] ماسويه، وكلامه في نهاية الفصاحة، وشعره في غاية الملاحة. وله "مقامات" تزري "بمقامات البديع" وإخوانيات كأنها زهر الربيع، مع خط كالطرز المعلمة، والبرود المثمنة. وكان الشعر طوع عنانه، وخديم جنانه. وفيه أقول من أبيات: أيها الأستاذ في الط ... ب وإعراب الكلام لك في النحو قياس ... لا يساميه مسام ثم في الطب علاجٌ ... دافع الداء العقام أنت في النثر البديه ... ي وفي النظم السلامي فاضل الآباء والنف ... س عظامي عصامي ومن شعر محمد بن الحسن قوله: أخشى عليك الحسن يا من به ... أصبح كل الناس في كرب ألا ترى يوسف لما انتهى ... في حسنه ألقي في الجب وقال في صبي نصراني من نصارى الفرنج واسمه نسطاس: أقول وقد مر نسطاس بي ... وقلبي فيه عذاب أليم وقد ماس كالبان فوق الكثيب ... وأقبل يرنو بألحاظ ريم لئن كان في النار هذا غدا ... فإني أحب دخول الجحيم وله في الغزل: يا قاسي القلب ألا رحمة ... تنالني من قلبك القاسي؟ جسمك من ماء فما لي أرى ... قلبك جلموداً على الناس؟ أخاف من لين ومن نعمة ... عليك من ترديد أنفاسي سبحان من صاغك دون الورى ... بدراً على غصن من الآس وقوله: أي ورد يلوح من وجنتيه ... طار مني الفؤاد شوقاً إليه فإذا رمت أجتنيه ثناني ... عنه وقع السيوف من مقلتيه وقوله في العذار: انظر إلى (حسن) وحُسن عذاره ... لترى محاسن تسحر الأبصارا فإذا رأيت عذاره في خده ... أبصرت ذا ليلاً وذاك نهارا وقوله في العذار: قام عذري بعذاري ... هـ فما أعظم كربي قلت لما أن تبدى ... نبته: سبحان ربي أحرقت فضة خدي ... ك لكي تحرق قلبي وقوله في غلام عرضت له بفيه حرارة: قالوا بفيك حرارةٌ ... فعجبت كيف يكون ذاكا ورضاب ريقك مطفئٌ ... نيران أقوام سواكا وقوله في المعنى: شكا لحرارةٍ في فيه أعيت ... معالجةً فبات لها كئيبا وكيف يصح ذا ... تفديه نفسي وبرد رضابه يطفي اللهيبا وقوله: ما لا مني قط فيه ... إلا الذي لا يراه حتى يراه فيضحي ... مشاركي في هواه وقوله: بخدك آسٌ وتفاحةٌ ... وعينك نرجسةٌ ذابله وريقك من طيبه قهوة ... فوجهك لي دعوة كامله وقوله: ومسقمي من طرفه ... بما به من سقم أوما لتقبيل يدي ... فقلت: ما ذنب فمي؟ وقوله: قسم الحسن على الخل ... ق ولكن ما أقله!! فهو في الأمة تفصي ... لٌ وفي وجهك جمله وقوله في غلام ناوله حصرماً: أتعبت قلبي بالصدو ... د وليس أيأس من وصالك فخذ الدليل، فقد زجر ... ت لما أؤمل من نوالك ناولتني من حصرم ... فرجوت نقلك عن فعالك إذ كان يحمض أولاً ... وتراه يحلو بعد ذلك وقوله: يا سميي وحبيبي ... نحن في أمرٍ عجيب اتفاق في الأسامي ... واختلاف في القلوب وقوله: [وشبه أربعة بأربعة] ، فمه فيه لؤلؤ في شقيق ... فوقه خاتم له عقيق وله في جفونه حد سيف ... مرهف الشفرتين عضبٍ رقيق فإذا رمت أن أقبل فاه ... صد عما أريد خوف الطريق وقوله في النحول: يا من لجسم تقضى ... حراكه والسكون فعاد شكلاً بسيطاً ... تزل عنه العيون يخفى على الموت لطفا ... فما يكاد يبين فلو تجسم يوماً ... تناولته المنون وقوله في المعنى: دق حتى لا تراه ... فهو كالمعنى الخفي أو كما يهجس في الخا ... طر شيء غير شيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وقوله في المعنى: سهام اللحظ ترشقه ... فتدميه وتؤلمه ودق فما تكاد ترى ... له شخصاً تكلمه كمثل الروح ينبئ عن ... حقيقته توهمه وقوله في غلام قبله، فقيل له: سرقت الورد من خده، والقطع لازم في حده: قالوا: سرقت الورد في قبلةٍ ... من خد يحيى بن أبي العز فقلت: لا قطع على سارقٍ ... إلا إذا استخلص من حرزٍ وقوله: لي سيدٌ جار على عبده ... وعبده باقٍ على ودة يمنعني من يده قبلةً ... حذار أن ترقى إلى خده وقوله في سوداء: تحبك ... يا سوداء نفسي بجهدها فما لك لا تجزينها بودادها وأنت سواد اللعين مني أرى به ... وليس بياض العين مثل سوادها وقوله في وصف مغن: إذا غنى يزيل اللهم عنا ... ويأتينا بما نهواه منه له وتر يطالب كل هم ... بوتر فالهموم تفر عنه وقوله، مما تكتبه الشيعة على فص أسود غروي: أنا غروي شديد السواد ... وقد كنت أبيض مثل اللجين وما كنت أسود لكنني ... صبغت سواداً لقتل الحسين وقوله في فص أحمر: حمرتي من دم قلبي ... أين من يندب أينا؟ أنا من أحجار أرضٍ ... قتلوا فيها الحسينا وقوله في وصف اللوز الأخضر: أرابك اللوز له لذة ... تجل عن وصف ومقدار انظر إليه فله خلقةٌ ... قد أحكمتها صنعة الباري لؤلؤة في صرةٍ ضمنت ... حقا وقد قير بالقاري وقوله في وصف لحية كبيرة: ما إن رأيت ولا سمعت بلحية ... عرضت كلحية جعفر بن محمد سدت عليه وجهه فكأنما ... عيناه في ثقبي كساء أسود وقوله في اعتزاله عن الناس: يا لائمي في انتزاعي ... عن الورى وانقطاعي لا أستطيع على أن ... أكون بين الأفاعي وقوله في الخضاب: يا خاضب الشيب دعه ... فليس يخفى المشيب حصلت منه على أن ... يقال شيخ خضيب وقوله في عذر الخضاب: ما خضبت المشيب للغانيات ... لا ولكن سترته عن عداتي حذراً أن يروا مشيبي فيبدو ... لي منهم سرورهم بوفاتي وقوله في ذم الخضاب: رضيت يا خاضب الشي ... ب خطةً ليس ترضى سودت منك ثلاثا ... وجهاً وعقلاً وعرضا وفي مدح الشيب: يا باكياً للشباب إذ ذهبا ... بكيت في إثر غادرٍ هربا الشيب أوفى منه بذمته ... هل فارق الشيب قط من صحبا؟ وقوله في المعنى: بكى الشباب رجالٌ بئس ما صنعوا ... والشيب أفضل في التحصيل والنظر إن الشباب كليلٍ ضل مسلكه ... والشيب كالصبح يهدي العين للأثر وقوله في صفة الخشخاش: حقٌ من العاج وفي وسطه ... دق من اللؤلؤ منثور وقوله في لبس بني العباس السواد: بنو العباس قد فطنوا لسر ... بنزعهم لمبيض الثياب لئن لبسوا السواد لقد أصابوا ... لأنهم حكوا لون الشباب وقوله في استدعاء صديق له إلى مجلس أنس: قد شربنا المدام من كف خود ... أقبلت كالهلال والليل داج ونعمنا ... لولا مغيبك عنا بسماع الأرمال والأهزاج وعجبنا للماء يحمل ناراً ... في قنان كأنها خرط عاج وفتاةٍ تكشفت للندامى ... وعجوزٍ تسترت بالزجاج فاغتنم لذة الزمان وبادر ... كل ضيق تخافه لانفراج وقوله في كبير اللحية: لحية حمدون دثارٌ له ... تكنه من شدة البرد كأنها إذ غاب في وسطها ... قطيفة لفت على قرد وقوله في العناق: لم أنس إذ عانقت بدر التمام ... في غسق الليل وجنح الظلام كأننا "لآمان" قد قوربا ... فألصق الخط فصارا كلام وقوله في الخضاب: خضبت شعرك زورا ... والشيب قد فاض فيضا كذبت في كل شيء ... حتى على الشعر أيضاً وقوله في المعنى: صبغ المشيب بليه ... على الفتى ورزيه حصلت منه على أن ... أضحكت مني البريه وقوله في مدح البخل: يا لائمي في اشتغالي ... بحفظ مالٍ قليل البخل أجمل بالح ... ر من سؤال البخيل وقوله في نار الفحم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ونار فحم ذي منظر عجب ... يطرد عنه الشرار باللهب كأنما النار مبرد جعلت ... تبرد منه برادة الذهب وقوله في فتى بارد: أتيت إليه في قيظٍ شديد ... فحياني محياه بثلج فقلت: عدمت عندي بادهنجا ... ولكن وجه هذا بادهنجي وقوله في بخيل: أتيته زائراً حدثه ... ولست في ماله بذي طمع فظن أني أتيت أسأله ... فكاد يقضي من شدة الجزع وقوله في النرجس، وقد أتى فيه بأربع تشبيهات: أريد لأشفي سقم قلبي بنرجس ... فيذبل إن صافحته بتنفسي له مقلة كالتبر، والجفن فضة ... وقدّ كغصن البان، في ثوب سندس وقوله في ذم مغن: غنى ... وإن كان مقيتاً فلا ينسبه الله إلى المقت من حم فلينظر إلى وجهه ... فإنه يبرد في الوقت وقوله: لا تصل من صدتيها ... أبداً واستغن عنه كن كمثل الكرم يعلق ... بالذي يقرب منه وقوله: يحب بنو آدم ربهم ... ولكنهم بعد يعضونه وإبليس قد أشربوا بغضه ... وهم بعد ذاك يطيعونه فهذا التنافي فما بالهم ... يرون الضلال ويأتونه؟ وقوله في الشيب: أرى عيني إذا ثقلت مشيباً ... يكون لها انقباض وانخفاض كأن العين تشفق أن تراه ... مخافة أن يحل بها البياض وقوله: سلونا حبه لما جفانا ... وكان بموضع منا شريف كمثل الزهر تكرمه طريا ... ويطرح إن تغير في الكنيف وقوله: إن أنت لم يحتج إليك الورى ... كنت بهم في تعب متعب ألا ترى الماء إذا لم يكن ... شاربه عطشان لم يشرب وقوله: احذر صديقك إنه ... يخفى عليك ولا يبين إن العدو مبارز ... لك والصديق هو الكمين وقوله في راقصة: راقصة كالغصن من فوقه ... بدرٌ منيرٌ تحت ظلماء تلهب مثل النار في رقصها ... وهي من النعمة كالماء كأنما في رجلها عودها ... وزامرٌ يتبع بالناء ساحرة الرقص غلامية ... منها دوائي وبها دائي إذا بدت ترقص ما بيننا ... يرقص قلبي بين أحشائي وقوله في العذار: عذاره في خده إنه ... سبحان ربي الخالق الباري معجزة ... يا قوم ما مثلها هل ينبت الآس على النار؟ وقوله فيه: قلت لما كثر الشع ... ر عليه عاشقيه أحرقت فضة خدي ... هـ فغالى الناس فيه وقوله فيه: كأنما عذاره ... والخد منه الأحمر غلالة ورديةٌ ... فيها طراز أخضر وقوله في مجدور: جدر فازدادت مداجاته ... ونحن في الحب له زدنا وكان كالفضة ما نقشت ... فزادها أن نقشت حسنا وقوله في العذار أيضاً: يقول لي الآس قل لي: ... علام تكثر لثمي؟ فقلت: أشبهت عندي ... عذار من لا أسمي! وقوله: يخص البعيد بإحسانه ... وذو القرب من سيبه مخفق كمثل العيون ترى ما نأى ... وليست ترى ما بها يلصق وقوله: لا تنكري أخلاقي الخارجه ... واختبري أخلاقي الوالجة فالمسك ما في الطيب شبهٌ له ... وإنما كسوته نافجه وقوله في ذم مغن: ومغن لو تغنى ... لك صوتين لمتا سمج الخلقة غث ... ينحت الآذان نحتا ويغني ما اشتهاه ... لا يغني ما أردتا كلما قال: اقترح، قل ... ت: اقتراحي لو سكتا وقوله في مثله: غنى كمن قد صاح في خابيه ... لا وهب الله له العافية ما أحد يسمعه مرةً ... فيشتهي يسمعه ثانيه وقوله في مثله: ومغن نحن منه ... بين أسقام وكربه يضرب العود ولكن ... ضربه يوجب ضربه وقوله في مثله: ومغن قد لقينا ... منه كرباً وبلاءً هو من برد غناه ... يجعل الصيف شتاءً وقوله في مثله: يغني فنهوى انسداد الصماخ ... ونبصره فنحب العمى دعاء رجال إلى عرسهم ... فصير عرسهم مأتما وقوله في مثله: لنا مغن غناه ... يعود شرا عليه لم يأت منزل قوم ... فعاد قط إليه وقوله في العذار: لما رأيت عذارا ... له خلعت عذاري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 وبان للناس عذري ... فما أخاف اشتهاري كأنه لام مسك ... خطت على جلنار أو البنفسج في الور ... د خضرة في إحمرار وقوله فيه: وعذار كأنه لام مسك ... خطها كاتب على جلنار عجب العاذلون منه وقالوا: ... طاب في ذا العذار خلع العذار ما رأينا بنفسجاً قبل هذا ... نابتاً في صحيفةٍ من نضار وقوله في أبخر: مالي أرى صاحبنا (معمرا) ... قد عدم المنظر والمخبرا تفسد ريح المسك أنفاسه ... وتبطل الكافور والعنبرا وكل من حدثه ساعة ... يقيم أياماً يشم الخرا وقوله في أبخر دميم الخلقة: وأبخر في فمه دبره ... تراه إن حدث يفسو فمه يخفى عن الأعين لكنه ... يظهره النتن ولا يكتمه وقوله في بارد: لو كان في النار لما أخرقت ... وخاف أهلوها من الفالج وعذبوا فوق الذي عذبوا ... إن هو لم يطرح إلى خارج وقوله في مثله: قالوا به حمى لها صولةٌ ... فقلت: هذا كذب بين قد أجمع الناس على أنه ... ما سخن الثلج ولا يسخن وقوله في تفضيل السود على البيض: شبيهات المشيب تعاف نفسي ... وأشباه الشبيبة هن حور سواد العين نور العين فيه ... وما لبياضها في العين نور وقوله في بخيل: تبرم إذ دخلت عليه لكن ... فطنت فقلت في عرض المقال علي اليوم نذرٌ في صيام ... فأشرق لونه مثل الهلال وقوله: منجم بكر في حاجة ... ونجمه في الفلك العلوي حتى إذا حاول تحصيلها ... قارنه المريخ بالدلو وقوله في بعض إخوانه وقد استبطأ جواب كتابه: أمثلي ... يا فديك النفس يجفى ويصرف عنه وجه الود صرفا كتبت، فلم تجبني عن كتابي ... ولم يعد الرسول علي حرفا فآها ثم آها ثم آها ... وأفا ثم أفا ثم أفا عندي الذي تتمنى ... عندي الذي تشتهيه وما يتم سرور ... إلا إذا كنت فيه وقوله: تأمل إن في اسمك شر معنى ... وقد يدري الغرائب مبتغيها لئن سموك "يعلى" ما أرادوا ... بفتح الياء إلا الضم فيها وقوله: صبرت على سوء أخلاقه ... زماناً أقدر أن يصلحا فلما تزوج قاطعته ... لأني تخوفت أن ينطحا وقوله: إذا سبك إنسان ... فدعه يكفك الرب ولا تنبح على كلب ... إذا ما نبح الكلب وقوله: يقرب قوله لك كل شيء ... وتطلبه فتبصره بعيدا فما يرجو الصديق الوعد منه ... ولا يخشى العدو له وعيدا طابق ثلاثة بثلاثة في هذا البيت. وقوله: قاطعت "عمران" ولم أستطع ... صبراً على أشياء ليست تليق فالكف إن حلت بها آفة ... يقطعها المرء فكيف الصديق وقوله في التصوف: ليس التصوف لبس الصوف ترقعه ... ولا بكاؤك إن غنى المغنونا ولا صياح ولا رقص ولا طرب ... ولا تغاش كأن قد صرت مجنونا بل التصوف أن تصفو بلا كدر ... وتتبع الحق والقرآن والدنيا وإن ترى خائفا لله ذا ندم ... على ذنوبك طول الدهر محزونا وقوله في الزهد: لو قلت لي: أي شيء ... تهوى؟ لقلت: خلاصي الناس طراً أفاعٍ ... فلات حين مناص نسوا الشريعة حتى ... تجاهروا بالمعاصي فشرهم في ازدياد ... وخيرهم في انتقاص حتى يوافوا المنايا ... فيؤخذوا بالنواصي يا ويحهم لو أعدوا ... لهول يوم القصاص وله في العذار: كتب الحسن فوق خديك لامي ... ن ونونين خط في الحاجبين ولهذا الكتاب معنى لطيفٌ ... فأعره تأمل المقلتين إنه قال: لن لصب عميد ... ثم لن في كتابه مرتين قال: ولدت كل معنى غريب ... أنت لا شك أشعر الثقلين وله: وأهيفٍ من بني الكتاب معتدل ... حارت عيون الورى في وجهه الحسن لما نظرت إليه قلت من عجبٍ: ... سبحان من جمع البستان في غصن وله: انظر إلى الفحم يمشي ... فيه اشتعال بنار فإنه آبنوسٌ ... مرصعٌ بنضار وقوله: شمس الضحى من فوق أزراره ... والغصن في عقدة زناره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 سراج أهل الدير من حسنه ... يجلو دجى الليل بأنواره كأنما هاروت في طرفه ... ينفث سحراً بين أسفاره أحرقني ظلماً بنار الهوى ... نجاه رب العرش من ناره وقوله: ألا يا لائمي مهلا ... فما لومك لي عدلا كما لا تقبل العذر ... كما لا أقبل العذلا وقوله: أيها الناس لي حديث عجيب ... وهو مستطرف لعمري غريب زار في ليلة المحاق فعادت ... ليلة النصف حين زار الحبيب قوله يمدح السقام: سأشكر ما بقيت سقام جسمي ... فلولاه لأعوز ما طلبت أزارني الحبيب على بعاد ... فأهلاً بالسقام ولو هلكت وله: صبرت يا هند عنك ... إذ خنت من لم يخنك يا هند إن كنت قربي ... فالهند أقرب منك وقوله: يا ذا الذي أقلقه همه ... ودفع ذاك الهم في راحته انظر إلى المرآة حتى ترى ... كيف يزول الهم من ساعته وقوله في فتى بارد: وبارد زاد في البر ... د فهو حلو ظريف ففيه سر كثيرٌ ... وفيه معنى لطيف يغنيك عن بادهج ... إذا أتاك المصيف وله: إن قلت: إنك غصن، كنت ذا ملقٍ ... وقلت فيك مقال الزور [والملق] إذ كنت تحسن عرياناً ومكتسياً ... والغصن يقبح في عيني بلا [ورق] 85- أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن القرني الكاتب كاتب زمانه، وعالم عصره وأوانه، وإليه انتهت الرئاسة في علم النجوم بالجزيرة والهيئة والحساب والخراج وجميع آلات الكتابة. وله شعر جيد، فمن ذلك ما قاله يرثي به أخاه. أبا حفص فقدت الصبر لما ... رأيتك تحت أطباق الصفاح وكنت يدي وسيفي عند بطشي ... ورمي عند مشجر الرماح ولست وإن لحاني في بكائي ... عليك بسامعٍ ما قال لاحي ولا أرجو صفاءً من زمان ... يغص المرء بالماء القراح وكيف وقد فقدت لذيذ عيشي ... لفقد أخي وهيض له جناحي وقوله يصف العرق، وهو من جيده: ينضح جسمي على الفراش لما ... بالقلب من لوعةٍ ومن حرق بعارضٍ يستهل واكفه ... على فراشي بالوابل الغدق كأنني فوقه على رمثٍ ... أسبح في لجةٍ من العرق مثل غريق نجا بمهجته ... وكابد الموج خشية الغرق 86- أبو الفتح محمد بن الحسين، ابن القرقوري الكاتب شاعر صانع، وأديب بارع. من فضلاء العصر، وحسنات الدهر. وشعره كثير. غير أنه خرج عن صقلية إلى الأندلس فاستوطنها، وصحب ملوكها ووزر لهم، وسار ذكره، وعظم قدره هناك، فلم يوجد له بصقلية إلا ما قاله في صباه، وهو: حسب العواذل ما قدمن من عذلي ... شغلن بي وأنا عنهن في شغل أهدين لي ضلةً منهم غير هدى ... ورمن تقويم معوج أخي ميل يسمنني النسك لا يسأمن معتبتي ... ولا حق الصبا ما النسك من عملي يأبى التغزل بالغزلان من نسكي ... والعيش أجمع كل العيش في الغزل هيهات خامرني خمر العيون كما ... تخامر الخمر عقل الشارب الثمل هل الظباء التي يجلسن في سمرٍ ... مثل الظباء التي يكنسن في الكلل إن العيون نفثن السحر في عقدي ... سحراً يوهن كيد الفاتك البطل في البيض والسود لي يا عاذلي شغل ... بيض الوجوه وسود الأعين النجل ولائم لامني فيها فقلت له: ... أقصر من اللوم يا هذا ولا تطل! هبك الرشيد وهبني قد غوبت إذاً ... فاسلك إني سالكٌ سبلي وقوله: بلا مريةٍ، إن العذول لمسرف ... غداة اغتدى في مجهل اللوم يعسف أطال صحيحاً من ملامة مدنفٍ ... وشتان في أمرٍ صحيحٌ ومدنف أينكر كوني عاشقاً ذا صبابةٍ ... وعيشي فينانٌ وإلفي مسعف؟ ولي في قلوب الغانيات مودةٌ ... تحل محل السر أو هي ألطف أأصبر عن غزلان صبرة إنني ... لأوهي قوى مما يسوم وأضعف مدى الدهر لا أشكو وفي الأرض منزلٌ ... به قهوةٌ بكر ٌ وساقٍ مهفهف فيا طيبها من كفه إذ يديرها ... ويدني ثناياه إلي فأرشف رضابٌ ... أبن لي ما بردت ببرده غليلي أم ماءٌ زلالٌ وقرقف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ووجهك أم صبحٌ وفرعك أم دجى ... ولحظك أم عضب الغرارين مرهف فيا زهرة الدنيا التي ليس تجتنى ... من الصون إلا بالعيون وتقطف تقاسمك الضدان: شطرٌ مثقلٌ ... يحمل أعباءً، وشطرٌ مخفف سقى ورعى الله الليالي التي خلت ... فكم ضمني فيها وضمك مطرف ولهفي عليها أو أموت بحسرةٍ ... وإن كان لا يجدي علي التلهف أقلبي الذي راع العذول اضطرابه ... فأقصر عني، أم جناحٌ، يرفرف ضلالٌ رجاء العاذلين إنابتي ... وإن قيدوني جاهلين وعنفوا وماذا عليهم أن أجود بتالدي ... وأفني طريفي قبل يومي وأتلف لهم ما أقتنوا فليحرصوا في ادخاره ... ولي كنزٌ شعرٍ لا يبيد ويوسف هو الجبل الراسي الذي ليس ينتهي ... وبحر الندى الطامي الذي ليس ينزف 87- أبو محمد النحوي المعروف بالدمعة أحد فرسان النحو المعلمين، ورجاله الحفاظ السابقين. وله شعر صالح، ومنه أبيات كتب بها إلى بعض إخوانه: أتاني كتاب بعد طول تطلع ... فاحبب به عندي كتاباً وأجمل! كتاب امرئ لم ينقض الناي عهده ... ولم يسل عن ود ولم يتبدل فجاء مجيء الغيث بعد انقباضه ... وهب هبوب العنبر المتنخل قررت به عيناً، وإن كان موجعي ... وطبت به نفساً وإن كان معولي 88- أبو عبد الله محمد بن زيد الطرطائي أخذ من كل العلوم بالحظ الوافي، متقدم في علم الأوزان والقوافي. ولم يكن في وقته من يدانيه في ذلك إلا الشيخ العروضي الصقلي، فإنهما كانا في وقتهما فرسي رهان وشريكي عنان. وله مع ذلك شعر صالح، منه قوله: يكلأ الله من جفاني وجداً ... وسباني بغنجه ثم صدا إن يكن غاب لم يغب عن ضميري ... عين قلبي تراه قربا وبعدا حل مني محل روحي منه ... ليته أعقب التجنب ودا وقال: عبرتي فيك ما لها من نفاد ... وزفيري ولوعتي في ازدياد ما وصول الغداة يغري سقيما ... باتصال الأسى وهجر الرقاد عبدك المحض وده لك تقصي ... هـ لتشفي به قلوب الأعادي كيف ترضى خلاف حسنك يا من ... حسنه فاق حسن كل العباد 89- أبو عبد الله محمد بن سدوس النحوي الكاتب برع في النحو على أهل زمانه، وكان النظم والنثر طوع عنانه، فمن شعره قوله يعاتب أبا الحسن الكاتب الصقلي من أبيات يقول فيها: وكنت تراني الرئيس الجليل ... وكنت أراك الرئيس الجليلا إلى أن قصدت هضاب الإخاء ... فصيرتهن كثيباً مهيلا تشيع علي الذي لم أقله ... وتسمعه الخلق جيلاً فجيلا وهبني قد قلته مخطئاً ... أما في المروءة ألا تقولا! وله يهجو بعض كتاب القاضي أبي الفضل بصقلية: قل لمن يقضي ويمضي ... ويرى الرأي الجزيلا أنت كالمسك ولكن ... جئت بالحسن عديلا لو كما يجهل يدري ... كان الله رسولا وله: تطاول هذا الليل حتى كأنما ... هو الدهر لا صبحٌ ينير ولا فجر وضن علي الطيف بالوصل في الكرى ... فيا عجبا حتى الخيال له هجر! وله: يقولون طال الليل جهلا ولم يطل ... ولكن أشواقي إليك تطول ولي أدمع كالقطر تبكيك كثرةً ... ونوم إذا نام الخلي قليل 90- أبو بكر محمد بن سهل الكاتب المعروف بالزريق أحد كتاب الحساب بالجزيرة. وله نثر ونظم، منه قوله: لها عندي وإن منع الوصال ... ونادى الكاشحون بنا وقالوا سرائر لو نطقت بها لقامت ... بحجتها، وإن كثر الجدال سأصبر ما استطعت على نواها ... فيوشك أن يكون لها نوال لعل خيالها وهنا طروقٌ ... وهل مجدٍ إذا رق الخيال وكيف يزورني طيفٌ بليلٍ ... وما للنوم في عيني مجال وقوله: أنت المصفى جوهراً حين لا ... يصفو لنا من أحدٍ جوهر عهد الهوى عندك لا ينقضي ... وذمة الإخوان لا تخفر لا تمذق الود لذي خلىٍ ... ولا يرى، الدهر، به تغدر ضرائب الناس وأخلاقهم ... شتى ضروب عندما تخبر منها الزلال العذب إن ذقته ... يوماً، ومنها الآجن الأكدر فالخير فيهم ثمدٌ آجن ... والشر فيهم حصرم يزحر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وله: وفوارةٍ ثأرها في السماء ... فليست تقصر عن ثارها ترد على المزن ما أسبلت ... إلى الأرض من صوب مدرارها 91- أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين ابن القطاع فمن شعره قوله من قصيدة يفخر فيها: نحن بنو الأغلب سدنا الورى ... طراً ببذل النائل الغمر والضرب بالبيض رؤوس العدى ... والطعن في اللبات بالسمر إن فخر الناس علوناهم ... بالبذل والإقدام والصبر والعزة القمساء والسورة ال ... علياء والسؤدد والفخر والحسب السامي الذي تاجه ... في هامة الإكليل والغفر والبيت من "سعد" ومن "خندفٍ" ... أكرم بذاك البيت والنجر! وقوله يصف الخمر: ساعفت القهوة بالأنس ... فدع ركوب البازل العنس ودع بكاء العين في مربع ... قد بليت أطلاله درس وباكر الراح التي قد مضى ... جرسٌ لها من بعد ما جرس منها: لا أدع اللذة في حينها ... قد يصبح المرء فلا يمسي إن لم أنل منها حياتي فهل ... أنالها في ظلمة المرمس تعلني بالراح وحشية ... لكنها من فيئة الإنس فبت أجني ضرباً من جنى ... شفاهها الباردة اللعس ثم أدارت بيننا قهوة ... أعذب في النفس من النفس كأنما الأقداح في كفها ... كواكب في دارة الشمس كم عقلت من ألسن نطق ... وأطلقت من ألسن خرس 92- أبو بكر محمد بن عبد الله المقرئ النحوي كان من أهل القرآن والتفسير والورع والتعفف. له في النحو فهم صاف، وفي اللغة قسم واف، ابتلي بحب فتى من أبناء قواد صقلية، فهام به، وسلب لبه، وفقد أربه، ولم يزل جسمه ينحل ويضنى، ويذبل ويفنى، وعيل في حبه صبره، إلى أن نفث الدم صدره. وكان يصنع فيه الشعر طول أيامه، ومدة غرامه، إلى أن فارق دنياه، وصار إلى أخراه، من دون ذنب في حبه ارتكبه، ولا عيب في نفسه اكتسبه، أعاضه الله الجنة من شبابه، وغفر له يوم حسابه. فمن شعره فيه قوله من قصيدة أولها: هذا خيالك في الجفون يلوح ... لو كان في الجسم المعذب روح يا سالماً مما أقاسي في الهوى ... هل يشتفي من قلبي التبريح غادرتني غرض الردى وتركتني ... لا عضو لي إلا وفيه جروح لله ما صنعت لواحظ جفنه ... لو بلغت نفسي الردى فتريح ويقول فيها: لو عاينت عيناك قذفي من فمي ... كبدي ودمعي مع دمي مسفوح لرأيت مقتولاً ولم تر مقتلاً ... ولخلت أني من فمي مذبوح يا ويح أهلي قد جرحت وما دروا ... أني بأسياف الجفون جريح قل للذي منه علقت منيتي ... أأباح قتلي يا ظلوم مبيح كبدي على صدري جرت فإلى متى ... أغدو أعذب في الهوى وأروح! ومن ذلك قوله: حسبوا دموعي إذ رأوها من دمي ... عن علةٍ حدثت لفرط بكاء تالله ما هي غير أن بليتي ... من مقلتي أفضت إلى أحشائي فتقطعت كبدي وغيضت أدمعي ... فجرى إلى عيني فيض دمائي 93- أبو عبد الله محمد بن [عبد الله] العطار الكاتب له: لولا عيون جآذر وظباء ... ما راضت الأشواق صعب إبائي واقتاد قلبي بعد طول تمنع ... نحو الصبابة قائد البرجاء وصبوت صبوة عاشقٍ ذي غرة ... لعبت بمهجته يد الأهواء 94- أبو عبد الله محمد بن علي ابن الصباغ الكاتب حسن الترسل والمذاكرة، مليح التمثيل والمحاضرة، وله في ذلك تصانيف أنيقة، ومقامات رشيقة، ونظمه رفيع البنيان، ثابت الأركان، منه قوله: وليلٍ قطعناه بأخت نهاره ... إلى أن أماط الصبح عنه لثامه إذا ما أردنا أن نشب لقاصدٍ ... ضراماً سكبناها فقامت مقامه ليالي نوفي اللهو منا نصيبه ... ونعطي الصبي مهما أراد احتكامه ومنه: ذكراك ما قد فات تعليل ... أبعد شيب الرأس تضليل تشكو ملال البيض إن امرءاً ... قد زاحم الخمسين مملول واهاً لذي الشيب لقد راقلت ... به إلى الموت مراسيل يريد أن يبقى على حاله ... هيهات هاتيك أباطيل وله: قومي الذين إذا السنابك أنشأت ... دون السحاب سحائبا من عثير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 برقت صوارمهم وأمطرت الطلى ... علقاً كثرثار الحيا المتفجر الواترين فلا يقاد وتيرهم ... والفاتكين بحمير وبقيصر والمانعين حماهم أن يرتعى ... والحاسمين لكل داء يعتري وله: لا يخدعنك خبٌ ... يطول منه السكوت فالزند يضمر ناراً ... وهو الأصم الصموت وكتب إليه أبو علي بن رشيق عند وصوله من القيروان إلى مازر في أول رسالة: كتابٌ من أخ كشفت ... قناع ضميره يده تذكر منزلاً رحبا ... وعذبا طاب مورده وكاد يطير من شوقٍ ... إلى عهد يجدده فكتب إليه في جوابه: أخٌ بل أنت سيده ... على ما كنت تعهده بود غير محتاج ... إلى شيء يؤكده لعل الله باللقيا ... كما يختار يسعده وله في وصف ذكي: أذكى الورى كلهم وأعلمهم ... فما يرى مثل لبه لب يوضح بالفهم كل مشكلة ... كأنما كل جسمه قلب 95- أبو بكر محمد بن علي بن عبد الجبار الكموني له: ما إن رأيت كراقصٍ ... مستظرف في كل فن يحكي الغناء برقصه ... كمراقص يحكي المغني رجلاه مزمار وعو ... دٌ في نهاية كل حسن فهو السرور لكل عي ... ن والنعيم لكل أذن وله: يا بأبي ريان طاوي الحشا ... يقطعه الدل إذا ما مشى يحسبه الناس إذا ما خطا ... منتشياً لكنه ما انتشى 96- أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل التغلبي "صاحب ديوان الخمس" المعروف بان الرقباني ينبوع الكرم والإحسان، ومعدن الفضل والامتنان، وكان ملجأ للقصاد، وعصراً للوراد, وله مع ذلك ترسيل جامع، ونظم بارع، فمنه قوله: موقف البين آية العاشقين ... ما جرى العين فيه إلا حزينا لي في البين فرحتان، فأما ... فرحتي في الفراق بالراحلينا: فاعتناقٌ لمن أحب، وتقبي ... ل حبيب بحضرة الكاشحينا ثم لي فرحةٌ إذا قدم النا ... س وتسليمهم على القادمينا 97- أبو عبد الله محمد بن قاسم بن زيد اللخمي الكاتب القاضي منزلته في الشعر رفيعة، وطريقته فيه بديعة، وله نثر كالوشيع، أو زهر الربيع. فمن شعره قوله يمدح القائد علي بن نعمة: يا عذبة الريق عودي بعض مرضاك ... وعلليه برشفٍ من ثناياك وسائليه متى عهد المنام به ... فقد نفى النوم عن عينيه عيناك قد حاربته الليالي فيك جاهدةً ... فصار من حيث ما يرجوك يخشاك ما كان أغناه عن تنبيه فاتكةٍ ... به وعن قتله ما كان أغناك أستودع الله قلبا في الهوى عبثت به ... على غرةٍ أيدي مناياك بشراك يا نفس بالسلوان بشراك ... وإن تبدلت معنى غير معناك الآن أصبحت بالسلوان آمنة ... من بعد خوف غرامٍ كان يغشاك وكنت من قبل ذا في الحب ذائبة ... ترعين عهد امرئٍ ما كان يرعاك إذا جنى أو تجنى ظلت طالبةً ... عذراً كأن جناياه جناياك أقسمت بالله جل الله من قسمٍ ... لقد تخلصت من هولٍ وأدراك فلا أقول مدى الدنيا لغانيةٍ ... فكي أسيرك إني بعض أسراك إياك من مثلها يا نفس ثانيةً ... تجني علي بها إياك إياك لئن وجدتك بعد اليوم عاشقةً ... لأنزعنك من صدري وحاشاك لا تنزلي غير "دار العز" منزلةً ... فما أقل مع الأيام بقياك وإن نبت بك أرضٌ فاطلبي بدلاً ... منها ومغنى جديداً غير مغناك ها قد وجدت طريق الرشد واضحةً ... حقاً وما كنت ترجوها بإدراك فاستغنمي غفلة الأيام قاصدةً ... مدحاً وإن لم يكن ذا من سجاياك والقي "عليا" ولا تبغي بمدحته ... إلا التفضل في تقريب مثواك يحميك من سطوة الأيام جانبه ... وأن سخطت لجور الدهر أرضاك سمت به العزة القمساء في صعدٍ ... كالشمس ما بين أبراجٍ وأفلاك وله في زرقة العين: وعابوا زرقة في العين منه ... وقالوا الدعج أسلب للعقول فقلت الزرق أفتكها فعالاً ... كفاكم ذاك من زرق النصول وقال: جزى الله أعدائي بما هو أهله ... ولا أبعد الرحمن عني الأعاديا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فهم فحصوا عن زلتي فاجتنبتها ... وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا وله: أيها المهدي لعيني السهرا ... كان وجدي بك مقدورا جرى لم أكن أعلم ما علمته ... من هواك اليوم إلا خبرا رب لا حول ولا قوة لي ... صرت بعد العين أقفو الأثرا عاذلي، مهلا فما العذر على ... عاشق مثلي حديث يفترى أنت لا تأسى فدعني والأسى ... أشتفي منه وأقضي الوطرا إن أوفى الناس حباً كلف ... ظل فيه بالأسى مشتهرا فعصى العاذل فيما قد نهى ... وأطاع الشوق فيما أمرا وله يصف ضيق يده عن مساعدة صديقه فيما يقوم بأوده: ولي مال من يغنى به فيكفه ... ويعجز عن بر الصديق الملاطف فلا البخل أرضاه ولا الجود أنتهي ... إليه، لقد أوقفت شر المواقف وما حيلة الحر المساعف إن سعى ... ولم يعط حظاً من زمان مساعف وله في الشيب من قصيدة: أساء صنيعاً شيبه بشبابه ... وأوقف خطاب الخطوب ببابه تجنبه الأحباب من غير زلة ... سوى ما تبدى من فضول خضابه وما أن وشى واشٍ به فأجبته ... ولكن شيب العارضين وشى به ومن كانت الخمسون منه قريبة ... تباعد عن نيل المنى باقترابه بنفسي شباب بان غير مذممٍ ... ووكل قلبي بالأسى وعذابه فيا ليت إذ ولى تولى بحرمة ... وأبرأني من موبقات احتقابه ولكنه أبقاني الدهر بعده ... لعفو إلا هي أو لمس عقابه عدمت الأماني فاجتزيت بدونها ... ومن عدم الماء اجتزى بترابه وله في الزهد: يا رب صفحاً وغفراناً ومعذرة ... لمذنب كثرت منه المعاذير يبكيه إجرامه طوراً ويضحكه ... رجاؤه فهو محزون ومسرور 98- أبو الفضل مشرف بن راشد له: سرت ورداء الليل أسحم حالك ... ولا سائر إلا لنجوم الشوابك عشية أعشى الدمع إنسان مقلتي ... ونمت بأسراري الدموع السوافك وطاف الكرى بالطرف وهو محجب ... كما طاف بالبيت المحجب ناسك سرت موهناً ثم استقلت فودعت ... يجاذبها حقف من الرمل عاتك به غصن بانٍ أثمر البدر طالعا ... عليه قناع من دجى الليل حالك غريبة حسنٍ يحسن الهجر عندها ... وأعجب بها محبوبةً وهي فاتك وأحور مكحول المدامع عاقني ... عن الصبر فاستولت عليه مهالك رعى الله أكناف الجزيرة أن رعى ... سوائمها [غضب] الغرارين باتك يشيد أعاديه الحصون منيفةً ... وهل منع الأفشين ما شاد بابك وإني لآتي الحق فيما أقوله ... وما أنا فيما يعلم الله فانك شهدت لقد حاز العلا بيمينه ... غداة تصداه الردى وهو ضاحك ليوث وغى أذكت خلال ضلوعها ... لهيباً أنارته لهن الحسائك ومنها يصف القتلى، وطابق أربعة بأربعة في بيت واحد: فأقصاهم رضوان عن روح جنة ... وأدناهم من نفحة النار مالك وأنا أقول: إن كان قد طابق ولكن في البيت اضطراب بين من قبل المقابلة، فأمعن النظر فيه: وله من أخرى: للتلاقي يهون ما قد ألاقي ... من سهاد وعبرة واشتياق لو تخلصت للقاء لأطفأ ... ت غليلي بدمعي المهراق فدموع الفراق كالنار حرى ... وكذا ضدها دموع التلاقي كنت في غبطةٍ وطيب حياة ... لو وقاني من سطوة البين واق كم قطعت الدجى بوصل حبيب ... وسع العيش منه ضيق العناق آه من صبوتي التي لم تدعني ... نازعاً من صبابة العشاق وله من أخرى: أيها الغصن لن بعطفك غضا ... وليكن منك للقطيعة رفض واجز ودي بمثله ودع السخ ... ط وعد للرضا فللختم فض يا شقيق الفؤاد حكمك جورٌ ... لك مني حب ولي منك بغض نم هنيئاً فما دنا من جفوني ... مذ تناءيت عن جفوني غمض غير أني تأخر حظي ... منك والدمع واكف مرفض كان لي مدح صاحب الخمس إبرا ... هيم حظا له على الفخر حض وله: ما للحبيب ومالي ... تفديه نفسي ومالي أريد عنه سلواً ... فإن بدا لي، بدا لي وله: بثناياك العذاب ... لا تطل فيك عذابي كن رحيماً رفيقا ... واجعل الوصل ثوابي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 لا يغرنك صبري ... واحتمالي منك ما بي فالأسى بين ضلوعي ... والضني بين ثيابي وله في ذم مغن: غنى فكد وعنى ... مني فؤاد معنى قلت: ماذا غناء ... تنح بالله عنا! وله: ما روضةٌ بالحزن ممطورةٌ ... لم تنتهبها أعين الناس بكى عليها الغيث فاستضحكت ... عن نرجس غض وعن آس أحسن من وجه أبي طاهر ... وإن رمى قلبي بوسواس وله في صفة الليل الطويل: وليل كأن الحشر أول ساعة ... به بته والصبر ليس بنافعي غنائي به لحن "الثقيل" من الأسى ... وشربي وإن أظمأ كؤوس مدامعي فيا لك من ليلٍ أضاق مذاهبي ... وإن بت في ثوبٍ من الحزن واسع 99- أبو العرب مصعب بن محمد بن أبي الفرات القرشي [شاعر دهره، وواحد عصره] مولده بصقلية في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة، وخرج عنها لما تغلب الروم عليها في سنة أربع وستين وأربعمائة قاصداً المعتمد محمد بن عباد فمدحه [وحظي بصلاته] . من ذلك قوله من قصيدة مدحه بها أول ما لقيه في ربيع الأول سنة خمس وستين وأربعمائة: أحادينا هذا الربيع فخيم ... وأمنية المرتاد والمتيمم وحط به عن ناجيات كأنها ... قسي رمت منا البلاد بأسهم ومنها: يشاهد أسرار الزمان جليةً ... بفطنة مدلول البصيرة ملهم أياد أبانت عنه وهي صوامت ... ورب مبين ليس بالمتكلم فلا الغرض الأقصى عليه بعازبٍ ... بعيد ولا المعتاص عنه بمبهم وقال: تخشى بوادره والحلم حاجزها ... إن السيوف لتخشى وهي في القرب ويضرب الذكر صفحاً عن مواهبه ... كأنه لم يجد يوماً ولم يهب وأولها: اهجر رشادك في وصل ابنة العنب ... ولا تعقن أم اللهو والطرب متع شبابك واستمتع بجدته ... فهو الحبيب إذا ما بان لم يؤب من ضيع اللهو في بدء الشباب طوى ... كشحا على أسف لم يغن في العقب والحلم قيد فدعه واخط في مرح ... والجد داء فداو النفس باللعب واللهم للنفس شيطان يوسوسها ... فاقذفه من أنجم الصهباء بالشهب بكر حصانٌ إذا ما الماء واقعها ... أبدت لنا زبداً من سورة الغضب كادت تطير نفاراً حين لامسها ... لولا الشباك التي صيغت من الحبب وقال: وما لحظت عيناي في الدهر قبله ... فريداً أرى كل الورى منه وحده ومن معجزات المجد والفضل أنني ... أشاهد منه الضد ينصر ضده دنا كرماً لما تباعد رفعة ... دنو الغمام المستهل وبعده أقرت له هام الأعادي فحالفت ... قلوباً عرفن الحق واعتدن جحده وقال: أبهى المناظر في عيني وأحسنها ... كأس بكف رخيم الدل سحار كأنه إذ يسقى سادة زهرا ... نجم يوزع شمساً بين أقمار وقال: كأن فجاج الأرض يمناك إن يسر ... بها خائف تجمع عليه الأناملا فأنى يفر المرء عنك بجرمه ... إذا كان يطوي في يديك المراحلا وقال: لما لقوا جيشك المنصور منتظما ... ظلت رؤوسهم بالبيض تنتشر أولغت شبلك في الهيجا دماءهم ... حتى تورد منه الناب والظفر إن الدماء لمكروه مغبتها ... لكنها عند آساد الوغى هدر وقال: وإني لأستشفي بطيف مسلم ... يبل غليلي باللقاء ويبرد وما خاف طيف في الزيارة رقبة ... ولكن رقيب الطيف طرف مسهد وهل في ضمير الدهر للقرب عودة ... فتغني كما كنا، أم الصبر أعود؟ ليالي ترضينا الليالي كأنها ... إلينا بإهداء المنى تتردد همام يجر الجيش جماً عديده ... لأرض الأعادي زائر متعمد كأن الضحى يعتل منه فيكتسي ... شحوباً وعين الشمس تقذى وترمد فقل هو ليل في الظهيرة مظلم ... وقل هو بحر في البسيطة مزبد كأن الردى فيه تضل نفوسهم ... فيهديه من صوت القواضب منشد نجوت فعمري مستجد وإنما ... نجاة الفتى بعد المخافة مولد وأحسنت الأيام حتى كأنما ... تنافس في الإحسان يومي والغد وقال: عرفت فودعت الصبا والغوانيا ... وقلت لداعي الحلم لبيك داعيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 فما تزدهيني ذات دل غريرةٍ ... تزين للكهل الحليم التصابيا ولكن قصرت العين عن كل منظر ... فما أرسلت لحظا على القلب جانيا غضوب لدين الله في كل موطن ... يعاف الرضى حتى يرى الدين راضيا ألا إنني لما عددتك أولا ... ختمت وما استثنيت بعدك ثانيا وقال: إلام اتباعي للأماني الكواذب ... وهذا طريق المجد بادي المذاهب أهم ولي عزمان عزم مشرق ... وآخر يغري همتي بالمغارب ولا بد لي أن أسأل العيس حاجة ... تشق على أخفافها والغوارب علي لآمالي اضطراب مؤمل ... ولكن على الأقدار نجح المطالب فيا نفس لا تستصحبي الهون إنه ... وإن خدعت أسبابه شر صاحب ويا وطني إن بنت عني فإنني ... سأوطن أكوار العتاق النجائب إذا كان أصلي من تراب فكلها ... بلادي وكل العالمين أقاربي وما ضاق عني في البسيطة جانب ... وإن جل إلا اعتضت منه بجانب إذا كنت ذا هم فكن ذا عزيمة ... فما غائب نال النجاح بغائب 100- الأمير أبو الحسن المقداد بن الحسن الكلبي أخو ميمون بن الحسن كامل الصفات، جم الأداوات. فمن شعره قوله في العزيز بالله: أما ونزار حلفةً لو حلفتها ... على الماء لم أشربه وهو نمير لقد خبت من معروفه وحرمته ... وإني إلى معروفه لفقير وقوله: كن بديعاً كما خلقت بديعا ... حسن الوجه يا قبيح الفعال وامتثل من عزيز آل علي ... شيمة كي تكون فرد الكمال 101- أبو سعيد ميمون [بن] أبي بكر الوراق معروف بالسداد، موصوف بحسن القناعة والاقتصاد. وله مع ذلك شعر كثير. فمن شعره قوله [من قصيدة] يمدح فيها أبا الحسن علي بن محمد بن القطاع لما قلد ديوان الخاصة. أولها: خيالٌ سرى والليل سودٌ ذوائبه يقول فيها: سرى زائراً من غير وعدٍ على نوى ... فشرد عن عيني الكرى فهو سالبه ولما نأى من مت وجدا لبينه ... أتيت امرءاً يحيا به من يقاربه أبا الحسن المفضال ذا الكرم الذي ... يجود على العافين سحا مواهبه إذا أمه العافون واصل جوده ... فأخصب من ضاقت عليه مذاهبه فتى ما شكا يوماً إليه نوائباً ... حليفٌ لها إلا اضمحلت نوائبه إذا جاد أحيا جوده كل معدم ... فلا عدم إلا وهو بالجود قاضبه ويغضي حياءً للسؤال كأنما ... يطالب من جدواك ما أنت طالبه سأنشر شكري ما حييت فإن أمت ... ستنشر بعدي عليك غرائبه وقوله يصف حماما على طريق اللغز: فما شيءٌ به الأمواه تجري ... على أرضٍ بأسفلها لهيب وإن أبصرت لأعلاه ففيه ... نجومٌ لا يميل بها غروب 102- الأمير أبو محمد ميمون بن الحسن الكلبي ممن جمع إلى طيب الأصل والكرم، حسن الأدب والفهم. فمن شعره قوله على لسان سكين: أنا أختٌ للمنايا ... طبعها طبعي وفني غير أن اللحظ أمضى ... في فؤاد الصب مني 103- أبو القاسم هاشم بن يونس الكاتب صاحب ترسل ومقامات، وملحٍ وروايات. [و] أخذ من كل علم بنصيب وافر. وله من قصيدة: ألمت بنا والليل سود ذوائبه ... تطالعنا راياته ومواكبه وبين سواد الليل أبيض ماجد ... تخر لديه ساجداتٍ كواكبه على حين نام الليل وانتبه الهوى ... وأونس مغناه وأوحش راكبه ولما بدا طيف البخيلة سامحت ... بوصل، ولا وصلٌ لمن هو طالبه عجبت لدانٍ وصله وهو نازحٌ ... كأني على بعد الديار أقاربه بعيدٌ قريبٌ في الفؤاد محله ... فدار تنائيه ونفس تصاقبه وبتنا ونار الحب تضرم بيننا ... ودمع الهوى يهمي على الخد ساكبه أقبله طوراً وطوراً أضمه ... وأعرضت عن دهري فلست أعاتبه وفارقني عند الصباح برغمه ... وكل عطاء النوم فالصبح سالبه وله من أخرى: وأغيد مجدول القوام مهفهفٍ ... دعاني فلم ألبث ولم أتخلف فلما استمر الحب بيني وبينه ... وفيت له بالعهد فيه ولم يف ومنها: أكل خليل هكذا غير مسعف ... وكل حبيب في الهوى غير منصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 نعم، كل مسدول الغدائر غادر ... وكل لطيف الكشح ليس بملطف ومنها: ويوم كأن الشمس فيه عليلةٌ ... لها من وراء السجف نظرة مدنف جمعت الهوى فيه لأبيض ماجد ... أعل ببكر من ثناياه قرقف وصحب سمت بي همة فصحبتهم ... فمن متلفٍ مالاً وآخر مخلف ومنها: ويوم تنادوا من يجير من الردى ... وما لخيول القوم من متصرف وقفت أبا نصر تكفكف عنهم ... وتطعن بالخطي أشرف موقف ومنها: لقاء أعادٍ، وامتطاء مطيهم ... وتقليب هندي، وهز مثقف أحب إليه من مدام وقينة ... وأحور معشوق الشمائل أهيف وله: رب ليلٍ سواده ... كسواد الذوائب صارمي فيه حاجبي ... والرديني كاتبي سرت فيه كأنني ... بعض زهر الكواكب راكباً عزمة الهوى ... أي طرف وراكب ونهار بياضه ... كبياض الترائب وهجير يحر قل ... بي لهجر الحبائب واشتياقي إليك كا ... ن دليلي وصاحبي وله مما يكتب على سكين: مطبوعة من شفار ... ومن شبا الأشفار أعارها فعل عيني ... ك فاتكٌ لا يباري 104- أبو يوسف يعقوب بن علي الزبيدي من أثمة اللغويين، والعلماء المدرسين، كان حافظاً لأشعار العرب ومعانيها، شارحاً لغريبها ومبانيها: فمن شعره قوله يمدح الأمير عز الدولة الحسن بن ثقة الدولة الكلبي، من قصيدة أولها: أناملها سلمت أم عنم ... غداة وقفنا بوادي سلم وهذا الذي لاح لي مبسمٌ ... أم البرق من ثغرها يبتسم رمتني سلمى بهجرانها ... فهل لي منها وصالٌ أمم خليلي إن مت من أجلها ... سيحدث بعدي لسلمى ندم وما غرني غير قولي لها: ... أتحيي قتيلاً؟ فقالت: نعم فما أتبعت قولها نائلاً ... ولا أذهبت لاعجاً من سقم وألقت على وجهها برقعاً ... فكنت كمبصرها في الحلم بنفسي منها مكان اللمى ... وجيد براني كبري القلم ووجه أنيقٌ يريك الصباح ... وفرعٌ أثيث يريك الظلم وقال: متى تنقضي عن ناظريك المدامع ... وهذي ديار من سليمى بلاقع ولم يبق من سلمى ولا من وصالها ... سوى زائر عند الهجود يطالع ألا بأبي تلك البراقع تكشر ... وجوه حسان غيبتها البراقع ضعفت عن الشكوى غداة تحملوا ... فأظهرت البلوى الدموع الهوامع ألا ليت شعري والزمان مفرقٌ ... أأيامنا بالرقمتين رواجع؟ 105- أبو يعقوب يوسف بن أحمد الدباغ النحوي حافظ لكتب المتقدمين، ومنبه لأسرار المؤلفين، وممن تقدم في زمانه، على أشكاله وأقرانه. وله مع ذلك شعر صالح، وأكثره في مسائل النحويين. فمن ذلك قوله: إن هند المليحة الحسناء ... وأي من أضمرت لوأي وفاء درةٌ في هراكل البحر تحمى ... بصموتٍ سوارةٍ صماء فأثيبي فتى معنى بسعدى ... وسليمى وأختها أسماء فعسى أن يكون يحسن من قد ... كان من قبل ذا إلينا أساء قوله: "إنّ" هو أمر من وأي يئي، إذا وعد. فالنون الثقيلة، كأنه قال:"عدي يا هند المليحة"، ونصب "الحسناء" بإضمار أعني، و"وأي" نصب على المصدر، أي عدي وعد من ينوي الوفاء. وقوله: إن كنت تحسب أن الشعر مكرمةٌ ... بها ينال المساعي من له خطر فانظر إلى العلماء ثم قس بهم ... يبد القياس لك المطلوب والنظر هل يستوي عندي ذي لب له نظرٌ ... إحدى الفريقين أم هل يستوي الخبر؟ فاصبر على الدرس أيام الشباب ولا ... يذهب بك الوعد حتى ينفد العمر كم أدرك الناشئ الصبار بغيته ... ودافع الشيخ عما يبتغي الكبر 106- أبو القاسم علي بن جعفر بن علي التميمي السعدي [يعرف بابن القطاع] مؤلف الكتاب. مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. وقال الشعر صبياً سنة ست وأربعين. فمن أول ما قال في الغزل وأضمر اسم "حمزة": يا من رمى النار في فؤادي ... وأنبط العين بالبكاء اسمك تصحيفه بقلبي ... وفي ثناياك برء دائي اردد سلامي فإن نفسي ... لم يبق منها سوى ذماء وارفق بصب أتى ذليلاً ... قد مزج اليأس بالرجاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 أنهكه في الهوى التجني ... فصار في رقة الهواء وله من جملة قصيدة: فلا تنفدنَّ العمر في طلب الصبا ... ولا تشقين يوماً بسعدى ولا نعم ولا تندبن أطلال مية باللوى ... ولا تسفحن ماء الشؤون على رسم فإن قصارى المرء إدراك حاجةٍ ... وتبقى مذمات الأحاديث والإثم وقوله من الأخرى: قهوةٌ إن تبسمت لمزاج ... خلت ثغراً في كأسها لؤلئيا فاصطحبها سلافةً تترك الشي ... خ، إذا ما أصاب منها، صبيا واغتنم غفلة الزمان فإن ال ... مرء رهنٌ ما دام يوجد حيا قطع العذر يا غذولي عذارٌ ... كهلال أنار بدراً سويا وقوله من أخرى في مدح الأفضل، أولها: صاحبي وا أسفا ... ذي ديارها فقفا واسمعا أبثكما ... من حديثها طرفا وقوله من أخرى: فيا نفس عدي عن صباك فإنه ... قبيح برأسٍ بالمشيب معمم أفق إن في خمسين عاماً لحجةً ... على ذي الحجى إن لم يكن قلبه عم وقوله من أخرى: من ذا يطيق صفات قوم مجدهم ... وسناؤهم من عهد سامٍ، سام وحماهم من عهد حام لم يزل ... يحميه منهم ليث غابٍ حام وقوله من أخرى: إذا ابتسمت يوماً حسبت بثغرها ... سموطا من الياقوت قد رصعت دراً وإن سفرت عاينت شمسا منيرة ... ترد عيون الناظرين لها حسرى وتسلب عيناها العقول إذا رنت ... كأن بعينيها إذا نظرت سحرا ومنها: ألا إنما البيض الحسان غوادر ... ومن قبحت أفعاله استحسن الغدرا يملن إلى سود القرون، وميلها ... إلى البيض منها كان لو أنصفت أحرى وقوله في وصف الرمان: رمانة مثل نهد العاتق الريم ... يزهى بلون وشكلٍ غير مسؤوم كأنها حقة من عسجد ملئت ... من اليواقيت نثراً غير منظوم وقوله: أنت كالموت تدرك الناس طراً ... مثلما يدرك الصباح المساء كيف يرجو من قد أخفت نجاءً ... منك هيهات أين منك النجاء وقوله في لثغة اللسان: وشادنٍ في لسانه عقدٌ ... حلت عقودي وأوهنت جلدي عابوه جهلاً بها فقلت لهم: ... أما سمعتم بالنفث في العقد؟ وقوله: أقبل الصبح وصاح الديكه ... فاسقنيها قهوةً منسفكه قهوة لو ذاقها ذو نسكٍ ... لزم الفتك وخلى نسكه فأهن دنياك تعززك ولا ... تترك المال كمن قد تركه واغتنم عمرك فيها طائراً ... قبل أن تحصل وسط الشبكه وقوله: انظر إلى الماء حاملاً لهباً ... وأعجب لنار تضيء في ماء وقوله: شربت درياقة لل ... هموم إذ لبستني دبت بجسمي فأردت ... همومه وشفتني قتلتها بمزاج ... وبعد ذا قتلتني كأنها طلبتني ... بالثأر إذ صرعتني وقوله [في الزهد] تنبه أيها الرجل النؤوم ... فقد نجمت بعارضك النجوم وقد أبدى ضياء الصبح عما ... أجن ظلامه الليل البهيم فلا تغررك يا مغرور دنيا ... غرور لا يدوم بها نعيم ولا تخبط بمعوج غموض ... فقد وضح الطريق المستقيم وقوله: إياك أن تدنو من روضةٍ ... بوجنتيه تنبت الوردا واحذر على نفسك من قربها ... فإن فيها أسداً وردا ومنه: ألا إن قلبي قد تضعضع للهجر ... وقلبي من طول الصدود على الجمر تصارمت الأجفان منذ صرمتني ... فما تلتقي إلا على دمعةٍ تجري ومنه: يا رب قافية بكرٍ نظمت بها ... في الجيد عقداً بدر المجد قد رصفا يود سامعها لو كان يسمعها ... بكل أعضائه من حسنها شغفا ومنه: يا بدر التمِّ على غصن ... من أعيننا خديك صن يا عذب الريق أرقت دمي ... بوصالك هجراً عذبني شهد المسواك بأن به ... شهدا عطرا بعد الوسن يا بين أبنت الصبر فكم ... تنئي الأحباب وليس تني رفقا بفؤاد حاديهم ... معهم قد سار عن البدن فيهن غزال ذو غيدٍ ... عيشي بنواه غير هني حالٍ ببديع محاسنه ... وبها عن زين الحلي غني روحي قد بعت له وبه ... ما زلت أضن بلا ثمن فبحضرته أصفي فرحي ... وبغيبته أضفي حزني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 مذ أبعد قرب لي حرقاً ... كادت لوقودٍ تطفئني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39