الكتاب: النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية المؤلف: رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب شيخو (المتوفى: 1346هـ)   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] ---------- النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية لويس شيخو الكتاب: النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية المؤلف: رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب شيخو (المتوفى: 1346هـ)   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] القسم الأول في تاريخ النصرانيّة وقبائلها في عهد الجاهليّة الفصل الأول تاريخ النصرانية في جزيرة العرب هيّا بنا الآن بعد هذه المقدمات الوجيزة نبحث عن النصرانية وآدابها بين العرب الجاهلية وهما البحثان اللذان جعلنا الفصول السابقة كتمهيد لهما. الباب الأوَّل مبادئ النصرانية بين العرب قلنا في مطلع كلامنا أنَّ الأفادات التي خلّفها كتبة العرب عن الأديان الشائعة في جزيرتهم قبل الإسلام نزرة قليلة. وهذا القول يصحُّ أيضاً في النصرانيّة مع أنها كانت أقرب إليهم عهداً فإذا ذكروا الدين المسيحي لا يكادون يذكرون من تاريخه غير شيوعه في بعض القبائل. هذا إذا اعتبرت فصولهم الوجيزة التي خصّوها بالأديان. بيد أنهم في عرض كلامهم عن بعض عادات العرب وقصصهم وأمثالهم لهجاتهم حدا بهم الامر إلى أن يأتوا بمعلومات أخرى عديدة تجدها متفرقة متشعّثة في تآلفهم لم يجمعها حتى الآن العلماء المستشرقون لإنشغالهم بالبحث عن آلهة العرب وعن فك رموز ديانتهم القديمة ونشر ما وجد السائحون في بلادهم من الكتابات الحجريّة في اللغات الحميريذة والنبطيّة والصفوية فضلاً عن اليونانيّة واللاتينية أو ما استخرجوه بالحفر من الآثار بعد مخاطرتهم بالحياة. وكذلك ورد في كتب نصارى أهل الشرق ولا سيما قدماء الروم والسريان وبعض الكتبة اللاتينيين فوائد شتى عن النصرانية في أنحاء العرب دوّنوها في معرض رواياتهم التاريخية وأوصافهم الاجتماعية ورحلهم العلمية وفي أخبارهم عن أولياء الله القديسين الشهداء أو النّساك المتعبدين في بوادي العرب مما رأوه بالعيان أو استفادواه من شهود عيانيين أو كتبة موثوق بهم فهذه المعلومات أأيضاً عظيمة الشأن غالية الأثمان لم تجمع حتى اليوم تماماً وإنما روى منها بعض الكتبة فصولاً تحتاج على توسيع وتكملة نخص منها بالذكر الكتب والمقالات الآتية ما عدا ما ذكر من ذلك في التآليف التي عدّدناها سابقاً: 1 أعمال البولنديين: مقالات الأب كربنتيه اليسوعي في النصرانية بين العرب 1- E.Carpentier S.j.: De SS. Aretha et Ruma Commentarius (Acta SS., X, Octob., 661 - 697) . 2 أصول النصرانية في بلاد العرب للعلامة رَيْت. 2- Wright: Early Christianity in Arabia, London 1855. 3 الشرق المسيحي للأب لوكيان 3- Lequien: Oriens Christianus. 4 دي ساسي: مقالة عن تاريخ العرب قبل محمّد 4- Le Bon de Sacy (S.) : Memoire sur l'Hisloire des Arabes avant Mabomet. 5 تاريخ الدولة العربية بين المسيح ومحمد. 5- J.J Reiskii: Prima linea Historia Regnorum Arabicorum inter chris-tum et Modammedem. اعلم أن أقدم الآثار النصرانية كما لا يخفى الأناجيل الأربعة وتاريخ أعمال الرسل للقديس لوقا ورسائل بعض التلاميذ الرب الأوّلين. وكلها من القرن الأول للمسيح كما يقرّ به معظم العلماء من الإباحيين فضلاً عن المؤمنين وإن كان أولئك يخالفون الكاثوليك في تعيين سنة كتابة هذه الأسفار وأصحابها. فهذه الآثار لا تخلو من الدلائل على أن العرب نالوا من أنوار النصرانيّة منذ بزوغ شمسها. ولعا أول من استحقّ أن ينظم من العرب بين تبعة السيد المسيح أولئك الشيوخ الذين عرفوا بالمجوس الذين فأتوا إلى بيت لحم وأهدوا الرب ألطافهم وسجدوا له في مهده كما أخبر متى في إنجيله (ف2) . إما كونهم من العرب أو على الأقل يعضهم فلنا على ذلك عدة بيّنات ترجح هذا الرأي إن لم تجزم به قطعياً. فمن ذلك أقدم نصوص الآباء والكتبة الكنسيين من القرن الثاني للمسيح إلى القرن الخامس الذين يجعلونهم عرباً كالقديس يوستينوس في القرن الثاني في مباحثه مع تريفون. وترتوليان المعلم في كتابيه ضد اليهود (ف9) وضد مرقيون (ك3ف13) . وكالقديس قبريانوس في القرن الثالث في ميمره عن كوكب المجوس. وكالقديس أبينانوس في القرن الرابع في شرحه لدستور الإيمان (عدد8) . والقديس يوحنا فم الذهب معاصره في الميمر الثاني على شرح الإنجيل متّى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 وهكذا فسر هؤلاء الكتبة آية أشعيا النبي عن المسيح (ف60 ع6) : "كثرة الإبل تغشاك بكران مدين وعيفة كلذهم من شبأ يأتون حاملين ذهباً ولباناً يبشّرون بتسابيح الرب" وسبق داؤد فقال (مز 71) : "ملوك سبأ يقربون له العطايا". فإن مدين وعيفة وشبأ كلها تدل على نواحي العرب. وعليها تدل أيضاً الألطاف التي قدّمها هؤلاء المجوس للمسيح أي الذهب واللبان والمر وكلّها من مرافق بلاد العرب. فإن ذهب أنحاء العرب كان مشهوراً وتنبأ داؤد بتقدمته للمسيح (مز 71) فقال: "يؤدون إله من ذهب شبأ". أما اللبان والمرّ فلا يكادان يستخرجان من غير جزيرة العرب فيتّجر بها أهلها كلها شهد على ذلك قدماء الكتبة بعد سفر التكوين (37:25) . ثم يؤيد هذا الرأي قول المجوس في الإنجيل لهيرودس بأنهم رأوا نجم المسيح في لاشرق فأتوا ليسجدوا له. فقولهم "في الشرق" يدلّ على بلاد العرب أكثر من سواهم لوقوعها شرقي فلسطين فضلاً عن ركوب العرب يعرفون بالأسفار المقدّسة ببني الشرق (وبالعبرانية ..... بمعناها) بل شاع هذا الاسم عند الرومان واليونان فاشتقوا منه Sarraceni ووزد على ذلك أنّ النجم الذي رآه المجوس هو الكوكب الذي وسبق أنبأهم به بلعام في مشارف مؤاب (سفر العدد 24:17) لما قال: "أنه سيطلع كوكب من يعقوب ويقوم صولجان من اسرائيل". فتحققت النبوءة حيث تنبأ بها بلعام مرغوماً فتناقل العرب نبؤته ابناً عن أب وراقبوا كوكبه حتى رأوه. ولا بأس من كون هؤلاء القادمين إلى مهد المسيح يدعون مجوساً. فإن هذا الاسم كان يطلق عند العبرانيين على حكماء الشرق عموماً وكثيراً ما أثنى الكتاب الكريم على حكمه العرب في سفر أيوب وسفر الملوك الثالث (30:4) وسفر باروك (23:3) . وقد شهد كتبة اليونان بأنّ فيثاغورث الفيلسوف رحل إلى جزيرة العرب ليأخذ الحكمة عن أهلها. بل صرّح بلينيوس الطبيعي بأن بلاد العرب كانت بلاد مجوس. وفي الإنجيل الطاهر شاهدٌ آخر على سبق العرب في معرفة السيد المسيح وذلك ذكر المبشّرون متى (ف4 عدد 24 25) ومرقس (7:3) ولوقا (17:6) في جملة الجموع المتقاطرة إلى استماع تعاليم الرب أهل آدوم والمدن العشر وما وراء الأردن. فلا شك أن صيته يكون بلغ العرب القاطنين في تلك الجهات. بل ذكر الإنجيل (متى 31:8 ومرقس 31:7) أن المسيح عبر الأردن وتجوّل في المدن الواقعة ما وراء ذلك النهر ومرّ بالمدن العشر (وضع الآيات في بقعة الجرجاسيين. وكان أهل الحضر والمدن من العرب يسكنون تلك الأنحاء فلا يقبل العقل أنهم لم يقتبسوا شيئاً من أنوار ابن الله الكلمة. ثم ما لبث العرب أن نالوا نصيباً من الدعوة المسيحية وذلك يوم حلول الروح القدس على التلاميذ في العليّة الصهيونيّة كما اختبر القديس لوقا في سفر الأعمال (ف2) فإنه صرّح بأنّ العرب كانوا في جملة الذين عاينوا آيات ذلك اليوم الشريف وسمعوا الحواريين يتكلّمون بلغتهم العربية. فلا جرم أنّ بعضاً منهم كانوا في عداد الثلثة الآلاف المصطبغين ذلك اليوم (أعمال 41:2) فلما عادوا إلى بلادهم نضروا بين مواطنيهم ما رأوا وسمعوا من أمر المسيح وتلاميذه. وبعد مدة قليلة أثار اليهود على تلامذة الرب تلك الاضطهادات التي ذكرها صاحب الأعمال (ف8) فكانت على شبه الرياح التي تقوي الشجرة النامية وتؤصل جذورها في الأرض وتنقل ب1ذورها إلى أمكنة أخرى فتزداد وتتوفّر. وأول من يذكر من الرسل أنه دخل بلاد العرب هو الإناء المصطفى القديس بولس فإنه أخبر عن نفسه في رسالته إلى أهل غلاطية (ف1ع17) أنه بعد اهتدائه إلى الإيمان بظهور السيد المسيح له على طريق دمشق واعتماده على يد حنانيّا التلميذ الذي هرب من دسائس اليهودإلى جزيرة العرب حيث أقام مدة. فمن البديهي أنّ ذلك الرسول الذي خصّه الله بدعوة الأمم باشر منذ ذاك الحين بالتبشير إلى النصرانيّة من رآهم من العرب مستعدين لقبول دير الخلاص لئلا يحل به ذاك الويل الذي كان يوجس منه فزعاً حيث قال (1 كور 169) الويل لي إن لم نبشر. عليه فنصادق على قول الذين يجعلون بولس الرسول كأحد رسل العرب. وقد عدّه بعض كتبة الروم كأول الدعاة على المسيح في بصرى حاضر حوران. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 ولما جرى نحو السنة خمسين للمسيح افتراق الرسل إذ ساروا إلى قطار المعمور ليقوموا بمهمة التبشير التي أمرهم بها سدهم كان لبلاد العرب نصيب حسن في هذه القسمة المباركة فإن التقاليد القديمة تتواصل وتتفق على أن بعض الرسل تلمذوا أمم العرب وقبائلهم من جهات مختلفة وقد جمع العلّامة يوسف السمعاني في مكتبته الشرقية في المجلد الثالث القسم الثاني (Bibl. Or. III2, I-30) كثيراً من شواهد كتبة اليونان الشام وجهات طور سيئا واليمن والحجاز والعراق يذكرون منهم متى وبرتلماوس وتدّاوس ومتّيّا وتوما. وقد نقل بعض هذه الشواهد المؤرخين المسلمون نفسهم كالطبري في تاريخه (ج1ص 737 738) وأبي الفداء في تاريخه (38:1 والمقريزي في الخطط (483:2) وابن خلدون في تاريخ العبر (47:2) والمسعودي في مروج الذهب (127:1) . هذا فضلاً عن بعض تلاميذ الرسل كفيليبس الشمّاس وتيمون وادي أو تدّاي ممن تناقل الرواة خبر بشارتهم بين العرب. وكفى دليلاً بهذه الشواهد المتعددة على أن الدعوة النّصرانية التي امتدّت إلى أقاصي المعمر لم تهمل جزيرة العرب القريبة بسكانها امتزاج الماء بالروح فيعاملونهم ويتاجرونهم. وقد ذكر القديس ايرونيموس في شروحه على نبوة ارميا (ف31) ونبوة ذكريا (ف11) أنّ أسواقاً سنوياً كانت تقام قريباً من سيحم (نابلس) يأتي إليها عدد عديد من نصارى ويهود ووثنيين يقصدونها للمتاجرة من بلاد الشام وفينيقية والعرب. فلا تتعدى إذن طورنا إن أكدنا انتشار النصرانيّة في بلاد العرب منذ عهد الرسل. وبذلك تحققت نبؤات الأنبياء الذين سبقوا وتنبّأوا باهتداء العرب وإيمانهم بالمسيح. قال النبي أشعيا بعد وصفه العجيب للسيد المسيح (ف11 ع1 10) ذاكراً للشعوب التي تقبل شريعته فجعل منها آدوم ومؤاب. وكرر ذلك في الفصل 42 وعدّد قبائل قيدار وبلاد سلع (Petra) وفي الفصل 60 ذكر بين المستنيرين بأنوار أورشليم وملكها الموعود مدين وعيفة وسبأ وقيدار والنبط وفيه يذكر قدومهم على المسيح ليهدوه الطافهم من ذهب ولبان. وكان النبي داؤد (في مزموريه67 ع32 و 80:71 10) سبق أشعيا في ذكر سجود العرب للمسيح وطاعتهم له. ومثلما ارميا في فصله التاسع حيث ذكر "افتقاد الرب للأمم المختونين مع الغلف ... أدوم وبني عمّون وموآب وكلّ مقصوصي الزوايا الساكنين في البريّة". وفي السنة 70 للميلاد تمت نبوة المسيح عن خراب أورشليم فلم يبق فيها حجر على حجر وتفرّق بقايا اليهود شذرمذر بعد أن قتل منهم وسبي الألوف ومئات الألوف الّا أن من كانوا تنصّروا منهم كانوا بأمر الرب سبقوا أو خربوا من المدينة وعبروا الأردن وسكنوا في مدن العرب التي هناك كما أخبروا أسابيوس المؤرخ (1. فاستوطنوا تلك الأسقاع وكان يرعاهم أساقفة من جنسهم. وقد وجد أصحاب الآثار في أيامنا عدداً دثراً من كتبهم الدينيّة كالأناجيل الأربعة وبعض أسفار التوراة وقطعاً طقسية وأناشيد وصلوات وغير ذلك مما يشهد على نصرانيتهم وسكناهم زمناً طويلاً في تلك النواحي. وهذه البقايا كانت مكتوبة باللغة الفلسطينية أي الآرامية الشائعة في فلسطين. ولا ريب أن العرب الذين حلّ بينهم هؤلاء النصارى أخذوا شيئاً من تعاليمهم واستضاؤوا بأنوار دينهم وإذا استفتينا أقدم آثار النصرانية وما كتبه آباء الكنيسة الأولون في القرون الأولى للميلاد وجدناهم يذكرون الدعوة المسيحية في جزيرة العرب إما تعرضاً وإما تصريحاً فمن تنويههم بذلك قولهم بأن الإيمان المسيحي "منتشر في العالم كله" فإن صح هذا القول في البلاد القاصية حتى الهند والعجم وجزائر البحر أفلا يكون أيضاً صح بالحري في بلاد العرب المجاورة لمنبع الدعوة المسيحية. فترى القديس مرقس في آخر إنجيله (20:16) مؤكداً بأن تلاميذ الرب "خرجوا وكرزوا في كل مكان والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات" وبعده بقليل كان يشكر بولس الرسول أهل الرومية في رسالته غليهم (8:1) "على أن إيمانهم يبشروا به في العالم كله". وفي رسالة القديس اغناطيوس النوراني تلميذ الرسل إلى أهل أفسس (PP. GG., V, col. 647) يذكر "الأساقفة الذين يرعون المؤمنين في العالم كله ويتفقون جميعاً بالإيمان". ومثله معاصره القديس بوليكربوس الذي كان يدعو المسيح "راعيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 ص للكنيسة الكاثوليكية المنتشرة في العالم كله" (ibid., col. 1035) فهذه النصوص وغيرها كثيراً تثبت صريحاً انتشار الدين المسيحي في الألم كله فتشمل أيضاً بلاد العرب ولولا ذلك لما أمكن القديس أوغسطينوس أن يقول في شرحه على المزمور 66 (PP.LL.T.36,COL., 669) "ونحن الكاثوليك منبثون في الأرض كلها لأننا نعلن بكل مكان ما للسيد لمسيح من المجد ونشترك به" ولما استطاع قبله كيرس الأورشليمي أن يقول في تعليمه الثامن عشر (PP.GG.,T. 33,COL.1043) : "تدعى كنيستنا كاثولوكية لأنها منتشرة في كل المسكونة من أقاصي تخوم الأرض إلى أقصى حدودها". وسبقها القديس قبريانوس فقال في كتاب وحدة الكنيسة (PP. LL., IV.COL.502) : "أن الكنيسة تلقي أشعتها في كل المعمورة". وقال معاصر القديس إيريناوس في كتابه ضد المراهقات (PP. GG. VII>COL. 550) : "أن الكنيسة المنتشرة في سائر العلم قد ورثت الإيمان من الرسل وحفظته بكل حرص". وزاد هؤلاء إيضاحاً في أواسط القرن الثاني للمسيح القديس يوستينوس الشهيد من أهل نابلس في مباحثته مع تريفون اليهودي (PP. GG., VI. COL.750) فعدّ بين دانوا بدين المسيح "الساكنين في الخيم وأهل البادية" قال: "ليس مطلقاً جنس من البشر سواء كانوا من اليونان أو البرابرة وبايّ اسم تسمّوا حتى العائشين في العربات (الاسقيثيين) والساكنين في الخيم الذين يرعون المواشي وأهل البادية الذين لا يحلون في بيت الّا وبينهم جموع يقدمون الصلوات والقربات للرب باسم يسوع المصلوب" وقال إيريناوس معدداً الشعوب التي دخلت بينهم النصرانية (PP. GG. VII. COL. 554) وقد دعا العرب بأهل الشرق كما روى مفسّروه: "هذا الإيمان المسيحي هو اليوم منبث في العالم كله ... فترى الألسنة مختلفة والنفس واحدة والقلب واحد سواء اعتبرت آل جرمانية أو الايبريين أو القلتيين أو سكّان الشرق أو مصر أو ليبية والأمم التي في أواسط الدنيا فكلهم يعتقدون اعتقاداً واحداً يشبه إيمانهم التي تضيء العالم كله وهي واحدة". وللمعلم ترتيليان في أوائل القرن الثالث نصوص متعددة يؤكد انتشار النصرانية بين كل شعوب زمانه مهما كانت بعيدة أو مجهولة فما قولك بالعرب؟ قال في كتابه إلى الأمم (Ad Nationes, c.8) "تأملوا أنه لا يوجد اليوم أمة إلا ودخلت النصرانية (non ulla gens non christiana) . وفي الفصل السابع من رده على اليهود يعدد في جملة المتنصرين ليس فقط الأمم الخاضعة للرومان ولكن غيرها كثيرة كالسرماتيين والداقيين والجرمانيين والاسقيثيين وقبائل مجهولة وأقطار متفرقة وجزائر البحر ففيها كلها يعرف اسم المسيح وفيها يملك" وكثيراً ما دعا الكتبة جزيرة العرب باسم الهند لاسيما الجهات اليمن وقد شاع هذا الاسم بهذا المعنى (اطلب البولنديين في المجلّد العاشر من أعمال القديسين من شهر ت1ص 670) . وإليها أشار القديس يوحنا فم الذهب في رده على اليهود (PP.GG., XXX. 500) قال: "انظر بأي سرعة انتشرت الكنيسة في كل أطراف المسكونة وبين كل شعوب وذلك بمجرد فضل الاقناع حتى أن أمماً كثيرة تركت أديانها وتعاليم أجدادها وشيدت هياكل لتعبد فيها الرب فمنها ما هو واقع في ممالك الرومان كالاسقيثيين والمغاربة وأهل الهند ومنها ما هو خارج عن تخوم الرومان إلى جزائر بريطانية وأقاصي العالم". وبعضهم قد دعوهم صريحاً باسم العرب أو الاسماعليين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 قال ارنوبيوس في القرن الثالث للمسيح يذكر الشعوب الوثنية التي بشّر بينها الرسل فأنشئت الكنائس لمن تنصّر منهم (ك2 ف5 و12) : "انظر العجائب التي جرت في أنحاء المعمورة منذ ظهور المسيح حتى أنه لا يكاد يوجد الآن أمّة عريقة بالهمجية إلّا لطّفت خشونتها محبّة به واخضعت عقلها للإيمان بتعاليمه فاتفقت على ذلك أجيال الناس المتباينة المختلفة طباعاً وآداباً. ومما نقدر أن نحصيه من هذه الشعوب أهل الهند والصين والفرس والماديين والذين يسكنون في بلاد العرب ومصر وجهات آسية وسوريا. وفي كل الجزائر والأقاليم".فترى أنه أحصى بلاد العرب في جملة دان للمسيح في ذلك العهد. وقد ذكرهم المؤرخ سوزمان (PP.GG.T, 67, 1476) في القرن الرابع وأفاد "أن بعض قرى العرب ودسا كرههم يوجد فيها أساقفة". وكذلك صرّح بذكرهم تاودوريطس في القرن الخامس في كتابه المعروف بدواء اضاليل اليونان (PP. GG. T, 88, P. 1037) قال: "ليس فقط قد خضعت للمسيح الأمم الخاضعة لشرائع الرومان كالحبش المتخمين لتيبة وقبائل الاسماعليين ... بل غيرهم من الأمم احنوا رؤوسهم لتعاليم الصيادين وشرائع الإنجيل كالسرماتيين والهنود والعجم والصينيين (Serae) والبريطانيين والجرمانيين". وقال مثل ذلك في محل آخر في كتابة المسمى التاريخ الرهباني (PP. GG. T,. 82, P. 1471) . الباب الثاني النصرانية بين عرب الشام إذا نظرت في خارطة إلى بحر الشام وحدّدت مدينتيه الساحليتين طرابلس شمالاً وعكّا جنوباً ثم سرت منها على خطّين متوازيين على الشرق بلغ بك المسير بعد مرحلتين من طرابلس وثلاث إلى أربع مراحل من عكّا إلى مفارز متّسعة تمتد على مدى البصر إلى جهة تدمر فالفرات شمالاً وإلى مشارف الشام فاللجا وتلال الصفا حتى جبال حوران وسهول البلقان جنوباً فكل تلك النواحي الرحبة الأرجاء التي تقيس نحو أربعمائة كيلو متر طولاً مثلها عرضاً تعرف اليوم ببادية الشام. ولم تكن هذه البادية في سالف الأجيال قفرة قليلة السكان لا تكاد تجد فيها كاليوم غير قرى معدودة أو بعض أحياء البدو الذين يتنقلون فيها مع مراشيهم انتجاعاً للمراعي. وإنما كانت بعد تملك الرومان عليها أوائل التاريخ المسيحي أصبحت كروضة غنّاء شيد فيها أصحابها المدن العامرة لسكنى الأهلين وابتنوا الحصون الحريزة تأميناً للطرق وعزّزوا الزراعة والفلاحة وانبطوا الآبار وحفروا الصهاريج لجميع مياه الأمطار وخدّدوا القني لسقي المزروعات. والآثار الباقية من هذه الأعمال إلى يومان تنطق بعمر أن تلك الأصقاع وحضارتها الراقية. أما سكّانها فكانوا من عناصر شتى بينهم الرومان المستعمرون لا سيما من الجنود الذين اتمّوا مدّة خدمتهم ثم جالية اليونان من بقايا الدول السابقة منذ عهد الاسكندر والسلوقيين ثم الوطنيّون والفنيقيّون الذين احتلوا تلك البلاد لاستثمارها والمتاجرة فيها وكانت تلك الانحاء أوفق ما يتمناه العرب لسكناهم فترى أهل الحضر منهم يسكنون القرى ويتعاطون اشغال الفلاحة. أما أهل الوبر فكانوا يرعون مواشيهم في الأرياف ويرتزقون بلحومها وألبانها وأصوافها. فيها عددهم حتى رسخت قدمهم وصارت إليهم الأمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 وكان الرومان في بدء احتلالهم يعدّون العرب كخطر على البلاد لما اعتاده أهل البدو من الغزوات وشن الغارات والسلب والنهب فحاولوا غير مرة كسر شوكتهم غير أنهم عرفوا باختيارهم أنهم لا يظفرون بهم ظفراً تاماً ما لم يستنجدوهم ويستعينوا ببعض عشائرهم لقطع دابر الشّاذ الباقين منهم. فخالف الرومان شيوخ قبائلهم ودفعوا لبعضهم قسماً من السلطة على بادية الشام بصفة شيوخ أو ملوك فكانوا يتصرفون مع أهل جنسهم تصرّف السيد مع المسود وربما زاحموا الدولة الرومانية كلما كانوا يشعرون بانتقاض حبلها أو ضعف ولاتها. فترى النبطيين منهم أواسط القرن الأوّل للمسيح متقلدين الحكم على دمشق نفسها كما ورد عن الحارث ملكهم في رسالة بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل كورنتيه (32:11) وتبعه في الحكم غيره من النبط. وقد أفادنا تاقيتس المؤرخ في تاريخ طيطس بأن الرومان كانوا اتخذوا في مقدمة جندهم كتيبة من العرب كانوا يتقدمون الجيش في محاربة أورشليم على عهد وسبسيانوس وابنه طيطس. بل كان الرومان يدفعون لبعض الفرق العربية وظائف معلومة ليقوموا بحراسة التخوم الرومانية من جهة البادية. وقد اخبر اميان مرقلينوس (Ammien Marcellin, XXV,6) في ترجمة يليانوس الجاحد بأن بعض شيوخ هؤلاء المتحالفين قدموا على القيصر وشكوا إليه تأجيل عمّاله في دفع رواتبهم فغضب يليانوس وزجرهم بقوله أنه: أعدّ لهم حديداً (لقتالهم) لا هباً (لأجرتهم) . فخرجوا ناقمين على الرومان ولحقوا بجيش العجم وحاربوا يليانوس مع جيش سابور فكانت عليه الدولة. أما الديانة التي كانت عليها أمم بادية الشام وقبائلها فكانت خلطاً من أديان الوثنية فكان اليونان والرومان أتوا بمعبوداتهم المنوطة بالسيارت كالمشتري وزحل وعطارد والزهرة والمريخ فأكرموها اكرام أجدادهم ومواطنيهم لها في أثينة ورومية. ونشر الفينقيّون عبادة تمّوز وعشترون والبعل. أما النبط فكانوا يفضلون ذا الشرى (Dusares) واللات وشمس ويتع. ثم اختلطت هذه العناصر المتباينة وتداخلت أديانهم ببعضها وأكرم كل قوم معبودات القوم الآخرين. وفي غضون ذلك ظهرت النصرانية وقامت لمناهضة تلك الأديان كلها دون أن ترضى أن تختلط بها أو تبادلها بشيء والمرجح أن الدين المسيحي دخل بلاد العرب من غربي الجزيرة من جهة الشام حيث انتشرت بعد صعود المسيح بزمن قليل كما ورد ي سفر الأعمال. ولا يقبل العقل أن بولس الرسول رحل إلى الربية كما جاء في رسالته إلى أهل غلاطية. (17:1) دون ان يكون سبقه إليها أحد من المتنصرين أو خلّف فيها أثراً من دينه. والظاهر أن النصرانية دخلت أولاً في خاصرة حوران أعني بصرى كما تشير إليه التقاليد القديمة الي تناقلها الكتبة اليونان والسريان ثم العرب المسلمون ومن بعدهم. فقد ورد في جدول دورتاوس الشسوري لتلاميذه السيد المسيح السبعين أن تيمون أحد الشمامسة السبعة المذكورين في سفر الأعمال (8:3) نشر الدعوة النصرانية في مدينة بصرى فعدّ كرأس أساقفتها. وفي الروايات التي تداولها الكتبة النصارى عن الرسل وأثبتها السمعاني في مكتبته الشرقية (ج4 ص120) أن البعض منهم تلمذوا العرب وخصّوا بهم عرب بادية الشام وحوران كما يظهر من القرائن. وصرّح بالأمر المقريزي في كتاب الخطط والآثار (ج2 ص483) فروى عن متى العشّار "أنه سار إلى فلسطين وصور وصيدا وبصرى". وقال ابن خلدون في تاريخه (150:2) : "أن برتلماوس بعث إلى أرض العرب والحجاز". أما تدمر وباديتها فذكر سليمان أسقف البصرة في كتابه السرياني المعنون بالنحلة (Budge: Book of the Bee, p.106) أن يعقوب بن حلفا بشّر فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 على أنّ هذه الشواهد في الدعوة النصرانية الأولى في بادية الشام تعم كل عناصر الآهلين ولا تفرز العرب من سواهم فتبقي شكاً في تنصرّهم إلا أن ما يتبع ذلك العهد من الشواهد التاريخية أصرح وأجلى. فقد أفادنا مؤرخو العرب أن القبيلة الأولى التي توات على بادية الشام باسم الرومان إنما كانت قضاعة من قبائل اليمن. ثم غلبتها على الأمر سليح ثم جاءت بعدهما قبيلة غسّان فملكت على تلك الجهات وبقي. ملكها إلى ظهور الإسلام. والحال أن هذه القبائل الثلث قد دانت بالنصرانية على رأي أولئك المؤرخين. قال اليعقوبي في تاريخه (طبعة ليدن 234:1) عن قضاعة "أنّ قضاعة أول من قم الشام من العرب فصارت إلى ملوك الروم فملكوهم فكان أول الملك لتنوخ بن مالك بن فهم ... فدخلوا في دين النصرانية فملكهم ملك الروم على من ببلاد الشام من العرب". وكذلك بنوا سليح فقد صرّح بنصرانيتهم المسعودي في مروج الذهب (طبعة باريس 216:3) قائلاً: "وردت سليح الشام فتغلّبت على تنوح وتنصّرت فملكها الروم على العرب الذين بالشام" أما نصرانية غسان فهي من الأمور التاريخية الراهنة التي لا يختلف فيها اثنان على أن كاتباً من البغاددة أغفل اسمه كان تصدّى لنا في هذه المسألة ونشر في المقتبس (382:2) رأياً خالف فيه جمع المؤرخين وزعم أننا بنسبتنا النصرانية إلى غسان ركبنا شططاً فرددنا عليه بمقالتين ضافيتين نشرناهما في المشرق (554:519:10) جمعنا فيها البيّنات اللامعة والشواهد الساطعة التي تثبت تديّن غسّان وأحيائها وملوكها بالنصرانية ولابأس أن يقال غسّان كلها مع امكان وجود بعض أفراد أو عشائر لم يكونوا نصارى فإن الكلام على الأغلبية. ولإثبات زعمنا أتينا بالأدلة التابعة التي نركن فيها إلى أقوال مؤرخي العرب فقط وكل ذي انتقاد يعلم أنّ كتبة العرب لم يدوّنوا تاريخاً صحيحاً قبل القرن الثامن وإنما نقلنا نصوص كتبة يوثق بهم من يونان ورومان وسريان ممن كانوا معاصر للحوادث التي فصلوا أخبارها وأمكنهم الوقوف على صحّتها أما بالمعاينة أما بصوت العموم. نصرانية غسّان غسّان قبيلة يمنية قدمت جهات الشام بعد افجار سد وسيل العرم فاستوطنوها ثم تغلبت على أهلها بعد سليح كما سبق فصار إليها الأمر وتبعت قضاعة وسليحاً في نصرانيتهما. والكتبة العرب لسان واحد في إثبات ذلك فإن تتبّعنا آثار النصرانية في كتبهم وجدناهم يذكرون لملوك غسّان الأولين أبنية تدلّ على نصرانيتهم فإن حمزة الأصبهاني في تاريخ الملوك والأنبياء (ص117) يؤكد أن ثاني ملوك غسّان عمرو بن جفنة بني بالشام عدّة ديورة "منها دير هند ودير حالي ودير أيوب" ثم ذكر (ص118) للأيهم بن الحارث بن جبلة أخي المنذر الغسّاني الأكبر أنه "بنى دير ضخم ودير النبوة". ومن المعلوم أن تنصّر الملوك يدلّ عادة على تنصّر رعاياهم. وفي الواقع لا تكاد تجد مؤرخاً عربياً إلا يشير إلى النصرانية غسّان فالمسعود في مروج الذهب طبعة مصر (206:1) وفي كتاب التنبيه والإشراف طبعة ليدن (ص265) وابن رسته في كتاب الأعلاف النفسية (طبعة ليدن 217) وأبو الفداء في تاريخه (76:1) والنويري (Rasmussen,72) وغيرهم لا يدعون في الأمر ريباً. وقال اليعقوبي من كتبة القرن العاشر للمسيح (في تاريخه 298:1) : "وأما من تنصرّوا من أحياء العرب فقوم قريش ومن المن طي وبهراء وسليح وتنوخ وغسّان ولخم". وقال السيوطي في المزهر نقلاً عن كتاب الألفاظ والحروف بأن اللغة العربية لم تؤخذ من قبائل شتى إلى أن قال أنها لم تؤخذ "ولا قضاعة وغسّان وةإياد لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرأون بالعبرانية" يريد بالعبرانية السريانية الفلسطينية. وممن أشار إلى نصرانية غسّان النابغة في بائيّته التي مدح فيها ملوك غسّان وأثنى على دينهم وذكر عيد الشعانين فقال: محلَّتهم ذات الإِلهِ ودينُهم قديمٌ فما يرجون غير العواقبِ رقاق النعال طِيّبٌ حجزاتهم يحيَّون بالرَّيحان يوم السباسبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 هذا ما علق في ذهن العرب عن نصرانيّة غسّان ولعلّه كافٍ ليقنع بشيوع دين المسيح في بادية الشام كلّها لأن كلامهم يدلّ على أنَّ النصرانية بتلك الأصقاع ما كانت محصورة ما كانت محصورة في غسّان بل امتدت أيضاً إلى القبائل العربيّة من أهل الحضر والمدر الذين سكنوا في تلك الأنحاء واختلطوا بمستعمريها. فمن أراد أن يتتبّع تاريخ النّصرانية بينها ينبغي عليه أن يجمع ما دوّنه المؤرخون اليونان والرومان والسريان منذ انتشار الدين المسيحي في تلك الجهات إذ لا يجوز القول بأنّ النصرانية لم تؤثر في غير الأجانب المستوطنين فيها وأقوالهم جديرة بالاعتبار وهم معاصرون للأمور التي كتبوا عنها. فما رواه أوسابيوس القيصري في تاريخه الكنسي (ك6 ف19) أنّ النصرانيّة كانت في مبادئ القرن الثالث للمسيح راسخة القدم وافرة العدد في بصرى خاصرة حوران. ظ وقد أخبر أوريجانوس المعلّم الاسكندري الشهير أنّه رحل ثلاث مرّات إلى بصرى فالمرّة الأولى استدعاه حاكمها الروماني المدعو جاليوس سنة 217 ليفقهه تعاليم الدين المسيحي وينصره فجاء أوريجانوس إلى بلاد العرب ملبياً دعوته وبعد أن أتم مرغوب الحاكم وعمّده رجع إلى الاسكندرية. أما الرحلة الثانية فباشرها أوريجانوس كما أفاد أوسابيوس في تاريخه (ك9 ف33) بسبب بيرلوس مطران بصرى. فإنّ هذا الرجل كان من مشاهير أساقفة زمانه في بلاد العرب ألف رسائل ومقالات دينيّة أو أدبية فصيحة الألفاظ بليغة المعاني لولا أنّه شطّ في كلامه عن لاهوت السيد المسيح فجرى بينه وبين الأساقفة معاصريه جدال وخصام ولما لم يقتنعوا إلى أوريجانوس ليأتي إلى حوران فيباحث بيرلّوس المذكور ويردّه عن ضلاله فعاد المعلّم الاسكندري إلى حاضرة العرب وبعد أن اجتمع باسقفها وتحقّق شططه عرض عليه الرأي الصحيح وأزال ريبه فجاهر بيرلّوس بخصضوعه للإيمان المستقيم أما مجمع من الأساقفة عقد لذلك وانصرف أوريجانوسش راجعاً إلى السكندرية. ففي التئام هذا المجمع دليل واضح على نفوذ النصرانية في بادية الشام ووجود أساقفة في مدنها كجرش (Gerasa) وربّة عمّان (Philadelphie) . أما المرة الثالثة التي قدم فيها أوريجانوس الإمام إلى بادية الشام فكانت بسبب بدعةٍ ابتدعاه بعض أهلها فزعموا أنّ النفوس تفنى بالموت كالأجساد ثم تبعث يوم الدينونة معها لتنال الثواب عن أعمالها. فلمّا عرف أوريجانوس بهذا القول أسرع إلى تنفيده في مجمع ضم أربعة عشر أسقفاً وبين أمام الجموع الملتئمة لاستماعه حقيقة تعليم الكنيسة فردّ الضالّين وثبّت الإيمان في قلوبهم وانكفأ منصرفاً إلى مركزه (راجع تاريخ أوسابيوس ك6 ف37) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وكان قبل ذلك بمدّة اشتهر مبتدع آخر نصراني من عرب الشام اسمه منيم (Monoimos) كان هذا كطاطيانوس (Tatien) تلميذاً للقديس يستينوس النابلسي والفيلسوف الشهيد لكنّه خلط بين الآراء الفلسفية والإيمان كما ذكر تاودوريطوس في كتاب الهرطقات (Fab. Hear. I.18) واتضح مؤخراً في كتاب القديس هيبوليتس الشهيد المدعو بفيلوسوفومينا (Philosophoumena) ومما يثبت ارتقاء النصرانية واتسلع دائرتها في بادية العرب أنّ منها خرج أول قياصرة الرومان النصارى. ونريد به فيلبّوس العبي الذي ملك على رومية من السنة 244 إلى 249. وكان أصله من بصرى ثم تجنّد في جيوش الرومان ولم يزل يتقلّب في كل مناصب الجنديّة حتى صار كبير رؤساء العسكر ووزير الحرب وصحب غرديان الثالث في محاربة الفرس. إلا أن الجند شغبوا على الملك في طريقه وأقاموا بدلاً منه فيلبوس العربي. وكان فيلبوس نصرانياً كما تشهد على دينه الآثار التاريخية ورسائل أوريجانوس أليه. وقد زعم البعض أن غورديان قتل بإغرائه ألا أن غيرهم ينكرون ذلك بتاتاً ولعله لم يخل من الطمع فلم يدافع عن مولاه كما وجب عليه ولذلك اخبر أوسابيوس القيصري (ك6 ف34) وصاحب التاريخ الاسكندري (Chro-. Nicon Alexandrinum) أنّه لما عاد راجعاً بالمعسكر إلى رومية مرّ بانطاكية وأراد أن يشترك مع النصارى في موسم عيد الفصح إلا أن أسقف المدينة القديس بابيلاس تصدى له ولم يسمح له بمشاركة المرمنين إلا بعد اعترافه بخطاياه وتقدمته التوبة عنها وكانت أيام فيلبّوس العربي أيام راحة وعمران للدولة الرومانية وفي عهده أقيمت الأفراح العمومية في كل المملكة بنسبة مرور ألبف سنة على مدينة رومية ومن أعماله تشييد مدينة "عمّان" في حوران ودعاها باسمه "Philippopolis" ونالت بمهمته النصرانية سلاماً مؤقتاً فانتشرت أي انتشار إلى أن فتك به واحد القوّاد المدعو دقيوس وقتله مع ابنه وتلّى الأمر مكانه. قال أوسابيوس (ك6 ف39) أنَّ دقيوس هذا أثار على النصارى اضطهاداً دموياً بغضاً بفيلبوس سلفه. وفي تاريخ أوروزيوس (أوروشيوس) من كتبة القرن الخامس (ك7 ف21) أنّ دقيوس قيل فيلبوس وابنه بسبب تنصّرهما وعليه يكون موتهما استشهاداً. وقد جمع البولنديون في أعمال القديسين (Acta SS.Janv., II, 617 - 621) عدّة شواهد تثبت ذلك. فكفى به فخراً لبلاد العرب أن أول قياصرة رومية المتنصرين كان مولده في ربوعها وسبق قسطنطين في تنصره. كل ما سبق قد تمّ قبل القرن الرابع فلما نالت النصرانية حريتها وخرجت ظافرة من الدياميس زاد الدين بذلك رونقاً وعزّاً في بادية العرب وكافة مدنها ولنا أدلة على ذلك في الكنائس العديدة التي تشيّدت مذ ذاك العهد بكل أنحاء حوران والصفا واللجا وجولان والبلقان التي وجد كثيراً من بقايا الجليلة الأثريون الذين تجوّلوا في تلك الجهات كوادنغتون (Waddington) ودي فوكويه (de vogue) ووتشتين (Wetzstein) وراي (Rey) ودوسو (Dussaud) وآباء رهبانيّتنا. وكلهم وصفوا هذه الآثار ورسموا تصاويرها وذكروا تواريخها ومن هذه الآثار مئات من الكتابات اليونانية واللاتينية وجدت في نيف ومائة موضع فيها أسماء كنائس وأساقفة من النصارى وعليها رموز نصارنية لا شك فيها كالصليب في هيئات مختلفة وأول حروف اسم السيد المسيح والانجر وسعف النحل والسمكة. ومنها ما يحتوي شعاراً دينياً صريحاً كآية التوحيد "الله واحد هو" وتسبحة السيد المسيح "قد انتصر المسيح" أو "المسيح إله هو". وبين تلك الكتابات كتابة عربية سبقت الإسلام خمسين سنة بأحرف عربية تاريخها سنة 463 لبصرى أي 568 للمسيح وجدت في حرّان وجاء فيها ذكر مشهد أقيم تذكاراً للقديس يوحنا المعمدان على يد أحد شيوخ القبائل العربية المدعو شراحيل وكذلك توفرت شواهد المؤرخين الذين أبقوا لنا ذكر للنصرانية ولامورها الدينية والمدينة في بادية الشام. فمنها جداول الأساقفة الذين حضروا المجامع المسكونية الكبيرة التي سبقت الاسلام وبالأخص الأربعة الأولى في نيقية والقسطنطينية وافس وخلقيدونية فهناك أسماء عدة أساقفة أتوا من مدن بادية الشام وصادقوا على أعمال المجامع بتوقيعهم وأسماء بعضهم عربية محض كالحارث أو منقولة عن العربية كتاودولس تعريب عبد الله وثاودورس تعريب وهب الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وكان هؤلاء الأساقفة من أهل الحضر يسكنون مدن بادية الشام. إلا أن غيرهم كانوا يسكنون المضارب ويتنقلون مع القبائل الراحلة الناجعة المتقلبة في المجالات ارتياداً لمراعي ومصالح أبلها. وقد بلغتنا أسماء بعضهم ممن عرفوا بأساقفة الخيام وحضر بعضهم المجامع الكنسية وامضوا عليها. واشتهر بعض أساقفة البلاد العربية بما خلفوها من الآثار. منهم القديس طيطس رئيس أساقفة بصرى وضع عدّة تآليف أعظمها شأناً ما كتبه في تزييف بدعة ماني والمانويين وكانت هذه التآليف مفقودة حتى توفّق إلى اكتشافها في عهدنا بعض المستشرقين فوجدوها في السريانية ونشروها مع ترجمتها. وكان طيطس في عهد يليانوس الجاحد ولم يخف من تحذير شعبه عن كفر ذلك القيصر المارق. واشتهر في القرن الخامس للميلاد خلفه على كرسيه القديس انطيفاتر صاحب مصنفات عديدة في مواضيع دينية شتى كمقالات في أيضاح الإيمان وميامر في الأعياد وردود على الهراطقة. وفي تاريخ كتبة اليونان كسوزومان (ك6 ف38) وروفينوس (ك2 ف6) وثاودوريطس (ك4 ف20) وثاوفان في تاريخ سنة 369 وغيرهم من مؤرخي القرن الرابع إلى أواخر السادس للمسيح فصول شتى وأخبار منثورة عن أحوال الدين بين عرب الشام تفيدنا علماً عن سطوة النصرانية واجتذابها لقلوب أهل البادية لاسيما بواسطة السياح والنسّاك الذين كانوا يعيشون في قفارهم ويخدمون الله كملائكة متقمصين أجساداً هيولية فكانت فضائلهم العجيبة والكرامات التي تجري على أيديهم من شفاء الأسقام وطرد الأرواح النجسة واستمداد النعم الروحيّة والبركات الزمنية تجذب إليهم أهل المدن والقرى فلا يلبثون أن يسمعوا تعاليمهم ويستنيروا بارشاداتهم ويهتدوا على أيديهم إلى جادة الحق فيطلبوا الاصطباغ بمياه المعمودية. قال سوزمان في تاريخه (Sozomene, HE, VI, C 38) عن عرب الشام: "قد تنصروا كثير من العرب (هو من يدعوهم بالشرقيين) قبل زمان والنس (من 364 إلى 378) ممن اجتذبتهم إلى الإيمان المسيحي ارشادات الكهنة والرهبان الذين كانوا يعيشون في النسك والزهد في الأنحاء المجاورة لهم عائشين بالقسدلة ومجترحين المعجزات الباهرة". ثم ذكروا سوزمان ما اشرنا إليه سابقاً في دفاعنا عن النصرانية غسّان اعني رجوع قبيلة كبيرة كان زعيمها يدعى زوكوموس (هو ضجعم) فنال له أحد الرهبان بصلواته إلى الله ولداً ذكراً فاعتمد هو وكل قبيلته. وأردف المؤلف ذلك بخبر ماوية ملكة العرب التي حاربت الرومان وغلبتهم واستولت على بلادهم إلى تخوم مصر ولم ترض بصلحهم إلا على شرط بأن يرسل الرومان إلى مملكتها ناسكاً شهيراً يدعى موسى خصّه الله بصنع العجائب وبقداسة الحياة فسقف على العرب الذين تحت حكمها وكان عدد النصارى الذين وجدهم في دولتها قليلاً أما فأنار معظم رعاياها وعمّدهم. وقد أخبر ثاودوريطس في تاريخه (ك4 ف20) أن ماوية هذه توطيداً للصلح مع الرومان قرنت ابنتها بالزاج مع القائد الروماني فكثور وكانت الفتاة شديدة التحمس في الإيمان. ومنذ ذاك الحين إذا ورد اسم أحد ملوك غسّان إما في تواريخ السريان وإما في تواريخ اليوانان واللاتين تجد الكتبة لساناً واحداً في وصفهم كنصارى يخصّهم الكتبة بالألقاب الشرفية الممنوحة لهم من القياصرة فيدعون بطارقة وأمراء وذوي العز والدولى: وربما زادوا على هذه الألقاب ما دلّ على دينهم فيدعون مؤمنين () ومحبين للمسيح () وكذلك ورد في أحد المخطوطات لندن اسم الكاهن يدعى "كاهن ذي العزّة والمحب للمسيح البطريق المنذر بن الحارث". وفي القرن الخامس أخذ الرهبان يعيشون عيشة اجتماعية بعد أن كانوا يعيشون منفردين في الأقفار والمرجّع أن الأديرة التي ذكرها حمزة الأصبهاني وأبو الفداء وغيرهما بنيت في ذها الزمان. وكذلك الأديرة التي وصفها ياقوت الرومي غفي معجم البلدان كدير أيوب في حوران (على ما يظنّ وهي بلد أيوب) ودير بونّا ودير سعد ودير البصرى وقد بقي بعض هذه الأديرة مدّة حتى بعد عهد الاسلام ومما زاد النصرانية ترقيّاً في بلاد العرب عدد كبير من الأساقفة والكهنة والرهبان كانوا في أيام الاضطهادات على عهدة القياصرة الوثنيين أو ملوك الروم المتشيعين لا يجدون على حياتهم أماناً إلا بأن يهجروا بلادهم ويفرّوا إلى أنحاء العرب حيث كان يصعب على المغتصبين أن يدركوهم ويلحقوا بهم الأذى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 وربما نفى المغتصبون هؤلاء المعترفين بالإيمان من بلادهم إلى بلاد العرب ليذوقوا هناك مشقّات العيش من الجوع والعطش والعري. وكثر عددهم في أيام بدعة آريوس. وكان بعض هؤلاء رجالاً ذوي علم واسع وفضل كبير كإيليا بطريرك القدس وأوجان أسقف الرها وبروتوجان أسقف حرّان. فكان المنفيّون إذ اختلوا بين العرب سعوا في إنارة عقولهم وبيّنوا لهم بطلان أوثانهم وأقنعوهم بجحد أضاليلهم. بل يذكر التاريخ جملة من الشهداء قُتلوا في سبيل الإيمان في بادية الشام ومدنها كالقديس كيرلّس وأكويلا ودومطيان المستشهدين في مدينة عمّان على عهد ديوقلطيانوس وتذكرهم الكنيسة في 10 آب وكزينون وزيناس الشهيدين على عهده أيضاً سنة 305. وذكر أوسابيوس القيصري (ك8 ف21) أنّ في زمن هذا الملك "قتل عدداً لا يحصى من الشهداء في بلاد العرب". وفي السنكسار الروماني عدّة شهداء صورة المصرانية بين عرب الشام قتلوا في بادية الشام في ذلك الاضطهاد عينه فيكرمون لشهامتهم في غرة آب. واستشهد فيها على عهد يليانوس الجاحد القديسان أوجان ومكاريوس المكرَّمان في ك1. فلا غرو أن دم هؤلاء الشهداء أخصب زريعة الإيمان وأنماها في جهات العرب. ومن هذه الآثار القديمة أعلام الأمكنة التي بقيت حتى اليوم كدليل ناطق على اتساع النصرانية في منازل غسان لاسيما الصفا وحوران. فإن عدداً دثراً من أسماء الأمكنة يدعى في زماننا بالدير كدير الكهف ودير قن عددها الأثريون دي فوكوي ووادنغتون ودسو وغيرهم. ويضاف إلى هذه الشواهد جداول المراكز الدينية التي تدل على تعدد الإسقفيات في تلك الأنحاء فإن مطران البصرى وحده كان يحكم على 20 إسقفاً (1 وكان بعض هؤلاء الأساقفة ينتقلون مع القبائل الراعية فيسكنون الخيم ولذلك يدعونهم أساقفة الخيم وقد أمضوا غير مرة أعمال المجامع بهذا التوقيع "فلان أسقف أهل الوبر" أو "فلان أسقف القبائل الشرقية المتحالفة" أو "فلان أسقف العرب البادية". (2. أفترى بينة أعظم من ذلك على انتشار النصرانية بين عرب الشام. فهذه الحجج كافية ليقر كل مناظر بصحة قولنا عن غسان أنها كانت تدين بالنصرانية ولو شئنا لعززنا هذه الأدلة بشواهد أخرى من كتبة السريان كميخائيل الكبير ويوحنا اسقف أفسس ويوشع العمودي وابن العبري ونصوصهم توافق ما ذكرناه آنفاً. ومما يقتضي التنبيه إليه أن النصرانية في بادية الشام ثبتت في عزها إلى ظهور الإسلام ونمت واتسعت حتى يجوز الفول بأن الوثنية تقلص ظلها حتى كاد يضمحل ومما يدل على ذلك أن نصارى العرب الذين اجتمعوا مع الرومان لرد غارات المسلمين في غرة الإسلام كانوا الوفا مؤلفة يبلغ الكتبة عددهم إلى مئة ألف بنيف (3. فهذا العدد الوافر من المقاتلين يدل على أن النصارى في بادية الشام كانوا ألوف الألوف فلا يكاد يبقى بينهم مكان لأهل الشرك وعبدة الأصنام. هذا ولا ندعي أن النصرانية الغالبة على بادية الشام كانت صافية خالية من كل شائبة وضلال. كلا بل نعلم حتى العلم أن البدعة اليعقوبية تسربت إلى تلك الجهات وكدرت صفاء الإيمان بما أدخلته من المعتقدات الباطلة في طبيعتي السيد المسيح وبزعمها ن المسيح طبيعة واحدة كما هو أقنوم واحد فمزجت اللاهوت بالناسوت وبلبلت كل تعاليم الخلاص. ولم تكن اليعقوبية البدعة الوحيدة التي فوضت أركان التعاليم الرسولية بل دخل إلى بلاد العرب كثيرون من المبتدعين الذين كانوا يؤملون رواج أضاليلهم في أنحائها دون أن يلاقوا فيها زاجراً يزجرهم ولا وازعاً يزعهم. وكان بعضهم يفرزن إلى جهات العرب لينجوا من مصادرة ملوك الروم الذين كانوا يريدون قهرهم على جحود أضاليلهم فيفضل أولئك المتشيعون الهرب إلى بادية العرب. فكثروا هناك ونشروا بدعهم حتى قال القديس أبيفانيوس أن بلاد العرب ممتازة ببدعها (Arabia baeresium ferax) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وقد رددنا في المشرق (556:10) على بعض اعتراضات بها على نصرانية غسان مراسل المقتبس فبينا بطلانها. كزعمه بأن الحارث الأكبر ابن أبي شمر الغساني الملقب بالأعرج كان وثنياً لأنه أهدى سيفيه رسوباً ومخذماً لبيت ضم كما روى الطبري (1706:1) فأثبتنا نصرانية الحارث بشواهد مؤرخين معاصرين للحارث من يونان ولاتين وسريان وقد ورد اسمه في الكتابات القديمة ملقباً بالمحب للمسيح كما رأيت وإن كان يعقوبي النحلة كما ذكر هؤلاء الكتبة. أما تقدمته سيفين لبيت صنم فهي رواية ضعيفة لا يتفق فيها الرواة (اطلب ياقوت 453:4) ما لم يقل أن الطبري جعل بيت صنم أحد معابد النصارى أو يقال أن الحارث النصراني أتي بفعله عملاً ذميماً فنسي شرائع النصرانية أو تجاهل بها. واعترض الكاتب البغدادي على نصرانية عرب غسان بشهادة ياقوت الحموي (652:4) بأن غسان كانت تعبد مناة وذكر دعاءها عند وقوفها عند صنمها. فكان جوابنا أننا لم ننكر كون غسان دانت مدة بالوثنية لكنها لما تنصرت نبذت عبادة مناة وبقية الأصنام منذ القرن الرابع للمسيح كما ثبت من الشواهد التي ذكرناها. هذا فضلاً عن أن الدعاء الذي ذكره عن تاريخ اليعقوبي (297:1) : "لبيك رب غسان راجلها وفارسها" لا يختص بصنم ويجوز التوسل به. وكان آخر ما اعترض علينا الكاتب البغدادي قول اليعقوبي إلى إله الحق (298:1) بعد ذكر نصرانية غسان أن "قوماً منهم تهودوا" فكان جوابنا عليه أن الكتبة العرب إجمالاً (ألا اليعقوبي) ليس فقط لم يذكروا تهود غسان بل نفوا اليهودية عنهم. وعنهم نقل صاحب الفضل شكري أفندي الألوسي البغدادي في كتاب بلوغ الأدب في أحوال العرب (26:2) حيث روى عن تبع الأصغر الحميري أنه لما تهود دعا إلى اليهودية غسان فابوا معتذرين بدخولهم إلى النصرانية. قال: "وسار تبع إلى الشام وملوكها غسان فأعطته المقادة واعتذروا من دخولهم إلى النصرانية". وأضفنا إلى قولنا هذا جواباً آخر فقلنا أنه لمحتمل أيضاً أن اليعقوبي نسب اليهودية إلى قوم من غسان لانتشار بعض الشيع بينهم كشيعة الأبيونيين (Ebionites) والنزاريين (Nazareens) وغيرهما كانت من بقايا اليهود الأولين الذين تنصروا وحفظوا شيئاً من نواميس موسى وهم الذين خرجوا بأمر الرب من أورشليم قبل حصارها في عهد طيطس فعبروا بلاد العرب وعرفوا باليهود المتنصرين (Judes - chretienes) . الباب الثالث النصرانية بين عرب الغور والسلط والبقاء إن نهر الأردن المعروف بالشريعة بعد خروجه من أغوار حرمون في جهات بانياس وجريه جنوباً فتتكون منه بحيرة الحولة يصب في بحر الجليل ثم يخترقه فيسيل متحدراً إلى الأعماق بين ضفتين ترتفعان شرقاً وغرباً حتى يبلغ تحدره نحو 300 متر تحت سطح بحر الشام وينتهي إلى بحر لوط فتلك الناحية التي يقطعها الأردن تدعى بالغور. وليست تلك الجهة مسيلاً للنهر فقط بل تتسع ضفافها وترتفع بالتدريج في سعة يقدر معدلها نحو 10 كيلومترات فيها البقع المخصبة والنواحي العامرة والعيون المتدفقة وإن لحظت عبر الأردن وجحدت وراء ضفافه شرقاً بلاداً واسعة تعلوها الجبال الشاهقة كجبل عجلون وجبل جلعاد وجبل نبو إلى جبال مؤاب بينها المشارف الفسيحة والأودية الكثيرة الخبرات والمناع الطيبة كالسلط والبقا. وصحاري مؤاب تتصل شمالاً ببادية الشام وجنوباً بنواحي كرك وجهات النبط وشبه جزيرة سينا فهناك سكنت شعوب كبيرة كالعمونيين والمؤابيين والمدينيين. وكانت قبائل العرب البادية والحاضرة ممتزجة معها تتنقل في جهاتها من أريافها إلى صرودها طلباً للمراعي أو تسكن في المدر فتعنى بالفلاحة. فالنصرانية وجدت لها في تلك الأقطار كلها بين أهلها المطبوعين على شظف العيش وسذاجة الأخلاق ومجانبة الترفه والبذخ تربة صالحة ما كاد يقع في ظهرانيها الزرع الجيد حتى نما أي نمو. وكان حلول المسيحيين الأولين في تلك الجهات قليلاً بعد صعود الرب ولاسيما لما ثار الاضطهاد الأول على تلاميذ الرسل (أعمال: 1:8) ولما جاء الرومان لمحاصرة أورشليم إذ خرجوا إلى عبر الأردن بوحي من الرب فاستطنوا أنحاءه كما أخبر أوسابيوس. ولاشك أنه نال العرب قسم من تلك النعم الروحية التي أفاضها الله على سكان تلك الأصقاع فدانوا بدين المهاجرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ومن الأدلة التي تناقلها بالتقليد فدوَّنها المؤرخون تنصر الضجاعمة الذين سبقوا الغسانيين في ملك البقاء. وقد حفظوا لنا اسم أحد أمرائهم فدعوه دؤاد بن الهبولة المعروف باللثق وجعلوا مقامه في مادبا (اطلب تاريخ ابن خلدون 153:2) وذلك في أواخر القرن الثاني للمسيح. ولما انتهى طور الاضطهادات عل المسيحيين في القرن الرابع قسمت تلك النواحي أيالتين مدنيتين فدعيت الواحدة بفلسطين الثانية كانت حاضرتها مدينة باسان والأخرى فلسطين الثالثة كانت حاضرتها مدينة بترا أو سلع. وقد بلغ عدد الكراسي فيها قبل الإسلام نيفاً وربعين كرسياً يُعرف أسماء كثيرين من أساقفتها الذين دبروها ورعوا مؤمنيها فناهيك بذلك شاهداً صادقاً على امتداد الدين المسيحي في العرب وكان أكثر الدعاة عملاً في نشر النصرانية نساكها وسياحها الذين كانوا اتخذوا لهم مآوي ومحابس يسكنونها معتزلين عن الناس ليعيشوا فيها عيشة الملائكة بالزهد وضروب المناسك الرهبانية فكان مثلهم يعمل في قلوب العرب خصوصاً ويجتذبهم إلى دين أولئك الأبرار فيطلبون منهم نعمة المعمودية. ومما أخبر به القديس هيرونيموس في ترجمة القديس هيلاريون (1 إن هذا السائح الجليل اذلي تنسك في جهات غزة سار إلى مدينة الخلصة (Elusa) في البرية جنوبي بحر لوط ليعود أحد تلامذته وكان أهلها يدينون بالوثنية ويكرمون الزهرة على شكل حجرة فوافق وصوله إليها يوم عيد الزهرة فلما بلغهم قدوم القديس خرجوا لاستقباله وأكرموه إكراماً جزيلاً مع نسائهم وأولادهم وكانو يطلبون بركته وكان قوم منهم نالوا بدعائه الشفاء من أمراضهم فجعلوا يتوسلون إليه بأن يقيم بينهم فوعدهم بأن يفعل بعائه الشفاء من أمراضهم فجعلوا يتوسلون إليه بأن يقيم بينهم فوعدهم بأن يعل إذا نبذوا عبادة الحجارة وآمنوا بالسيد المسيح. فأجابوا إلى طلبته ولم يدعوه يخرج من بلدتهم حتى اختط لهم حدود كنيسة يقيمونها وكان ممن تنصروا على يد القديس كاهنهم وسادن أصنامهم. ومذ ذاك الوقت وردت عدة آثار عن النصرانية في الخلصاء وأسماء أساقفتها منهم واحد يسمى عبد الله وسنذكر أعمالاً أخرى لهيلاريون. وممن دخلت لنصرانية بينهم في تلك الأنحاء أمة النبيط أو النبط فهؤلاء كانوا أيضاً من العرب فأنشأوا دولة عظيمة ومصَّروا لهم الأمصار واتخذوا لهم مدينة عظيمة يدعونها بترا وسلع لا تزال آثارها الفخيمة تدهش كل من يقصدها. وقد مر لحضرة الأب جلابرت (المشرق 965:8 973) وصف بعض أبنيتها العادية. وكان ظهور النبط نحو القرن الخامس قبل المسيح وما لبثوا أن اشتد ساعدهم واستفحل أمرهم وصار لملوكهم شهرة واسعة واستقلوا بالملك في القرن الثاني قبل المسيح وكان أولهم "الحارث الأول" ودام ملكهم إلى العشر الأول من القرن الثاني بعد المسيح حيث تغلَّب الرومان على بلادهم وكان آخر ملوكهم مالك أو مليكوس الثاني (103 107) وأصبحت بلاد النبط إقليماً رومانياً يتولاه أحد حكام رومية. وكانت بترا معبراً لكل القوافل القادمة من مصر إلى دمشق ومن جزيرة العرب إلى فلسطين ومن العراق إلى مصر ولذلك ازدادت ثروتها واشتهر أهلها بالمتاجرة. وبلغتها النصرانية قبل غيرها من مدن النبط وترى أستيريوس أسقفها يلعب دوراً مهماً في عهد قسطنطين لمعاكسة البدعة الأريانية. ثم انتشرت النصرانية في بقية النبط وتأصلت فيهم وثبتوا عليها حتى بعد ظهور الإسلام بمدة حتى أن بعض الكتبة يدعون نصارى العرب نبطاً. ولك مثال على ذلك في بعض مقامات بديع الزمان في المقامة الزوينية حيث جعل نصابه أبا الفتح الإسكندري نبطياً فيقول متظاهراً بالإسلام: إن أكُ أمنتُ فكم ليلةٍ ... جحدتُ فيها وعبدتُ الصليبُ وكذلك ضرب شعراء العرب المثل برهبان مدين وزهدهم. قال كثير عزة: رهبانُ مدينَ والذين عهدتهم ... يبكون من حذر العقاب قعوداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 وكانت نواحي الغور على ضفتي نهر الأردن أديرة عديدة يُعرف منها نحو العشرين قد اكتشف بعضها حضرة رئيس مدرسة الصلاحية المفضال الأب ي. ل. فدرلين (R.P.J.L. Federlin) ووصف أخربتها وصفاً مدققاً في مقالاته الفريدة التي نشرها أن رهبان تلك الأديرة اجتذبوا إلى الدين المسيحي من كان يجاورهم من عرب الحضر بل لدينا دلائل على ترهب بعض أولئك العرب المنتصرين في هذه الأديرة أشهرهم القديس إيليا البطريرك الأورشليمي فهذا كان عربي الأصل رحل من بلده إلى دير نطرون في مصر وبعد أن أرتاض في الآداب الرهبانية سكن مدة في دير سابساس على ضفة الأردن اليمنى ثم رُقي إلى رتبة البطريركية فدافع عن الإيمان بغيرة شديدة حتى فضَّل النفي على موافقة المبتدعين ومات في أيلة سنة 513. وممن يستحق ذكراً خصوصياً في تبشير العرب ودعوتهم إلى النصرانية القديس العظيم أفتيميوس كوكب برية الأردن وجهات الغور فإن الله اصطفاه في أواسط القرن الخامس لينير عدداً عديداً من العرب ويهديهم إلى سبيل الإيمان فإن المؤرخ الشهير والراهب معاصره كيرلس من سيتوبوليس (Scythopolis) أو بيسان روى في ترجمته تفاصيل ذلك الخبر الي رواه حضرة الأب بيترس من جماعة البولنديين (في المشرق 344:12 353) نقلاً عن نسخة عربية قديمة في مكتبتنا الشرقية وخلاصته أن أحد الوثنيين يوناني الأصل المدعو إسباباط ولعله أصبهبذ ولاه أزدشير الملك تخوم الغجم فلما أثار الاضطهاد على نصارى مملكته وأخذ يصادرهم ويذيقهم ضروب العذابات جعلوا يولون هاربين من العجم إلى ممالك الرومان وإسباباط لا يتعرض لهم رغماً عن أوامر الملك فسعى المجوس به لدى ازدشير ليعاقبه ففرَّ هو أيضاً هارباً إلى أراضي الرومان حيث أكرم وفادته أناطوليوس الحاكم وولاه على القبائل العربية المنتمية لرومية. وكان لإسباباط ولدٌ يدعى طرابون مصاب بالفالج أفرغ أبوه في شفائه كل الوسائل دون فائدة فالتجأ أخيراً بالهام من الله إلى القديس أفتيميوس فشفى الغلام ونصر أباه ودعاه بطرس وعمد كل آل بيته وتبعهم في دينهم قوم كثيرون من العرب سعى القديس أفتيميوس في تلقينهم كل عقائد النصرانية. ثم اجتذب مثلهم غيرهم من قبائل العرب فخطط لهم القديس افتيميوس حدود مدينة صغيرة ليست بعيدة من ديره وأمرهم ببنائها على رسم معلوم وحفر لهم بئراً وابتنى لهم كنيسة وداراً لزعيمهم. ثم اتفق مع البطريرك يوريناليوس فجعل بطرس أسقفاً عليهم. وأخذ كثيرون من العرب يتواردون إلى منزلهم حتى بلغ عددهم عشرين ألفاً ودعيت مدينة هؤلاء المنتصرين بالمحلة وتوالى الأساقفة عليهم حتى أواخر القرن السادس مع ما ألمَّ بهم من الضيقات والبلايا لاسيما بمعاداة قبائل العرب الوثنيين الذين غزوهم غير مرة. والحق يقال أن هؤلاء الغزاة كانوا على مألوف عادة شذاذ العرب يتلصصون الأقفار فينهبون محابس الرهبان وأديرتهم ويسلبون ما يجدونه فيها. وقد أخبر كلسينانوس في خطابه السادس (Migne, P.L., XLIX, col. 643=648) أن هؤلاء الأشقياء هجموا على تقوع على مسافة ستة أميال من مدينة بيت لحم جنوباً فقتلوا رهباناً كانوا يعيشون في البراري بالنسك والتقى ثم أخبر أن أهل تلك الناحية ابدوا لذخائرهم إكراماً عظيماً "ولاسيما جموع العرب الذين هناك وبلغت رغبتهم في اقتنائها إلى أن وقع بينهم قتال للفوز بتلك الأجسام المقدسة" وكان ذلك سنة 395 للمسيح. وفي هذا دليل على أن عرب فلسطين كانوا يدينون بالنصرانية. وجاء أيضاً في مجموع المجامع (Labbe: Collect. Concil., III, 728) أن البطريرك يوليناليوس سقَّف عدداً من الأساقفة لجهات العرب قبل السنة 430 وهذا دليل آخر على انتشار النصرانية بين عرب فلسطين. وورد قبل ذلك في تاريخ سنة 363 في مجمع أنطاكية اسم أسقف يدعى تاوتيموس قد وقَّع على أعماله بهذا الإمضاء "تاتيموس أسقف العرب" ولعله أراد قبائل العرب الساكنة في نواحي تذمر حيث كانت النصرانية أصابت مقاماً رفيعاً ليس فقط في حواضرها كتدمر والقريتين وحوارين ولكن في بادية تدمر نفسها حيث تنصرت القبائل المتنقلة فيها. الباب الرابع النصرانية في النجب وطورسينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 إن انحدرت من فلسطين جنوباً فسرت من غزة على سيف البحر ماراً بالعريش حتى ترعة سويس ثم مددت من هاتين النقطتين خطين متوازيين إلى الجنوب انبسطت أمامك البراري الواسعة كبرية سين وبرية سور وبلاد الشراة والنجب ثم يتشكل لك شبه مثلث مخروط رأساه الأعليان عند خليج سويس غرباً وخليج عقبة شرقاً والرأس الثالث يدخل في البحر ويعرف برأس محمد. فهذا المثلث الكبير هو شبه جزيرة سينا فيه بادية التيه التي تنقل فيها بنو إسرائيل سنين عديدة وبرية فاران. وهناك سلسلة جبال شاهقة كجبل غرندل وجبل سرابيط الخادم وجبل التيه وخصوصاً طور سينا أو حوريب وجبل موسى وجبل سربال وجبل كاترين مع ما فيها من الأودية (انظر في المشرق 1068:9 خارطة طور سينا) فتلك البلاد كانت شمالاً في أيام بني إسرائيل مواطن للأدوميين وللعمالقة وللمدنيين وقد كثرت فيها بعد ذلك قبائل العرب من بني اسماعيل والنبطيين فاستولت عليها واقتسمتها وكانت تتجول فيها على حسب حاجاتها كما يتجوَّل الملك في مملكته والسيد في أملاكه دون أن تركز في محل مخصوص ألا أهل المدر منها فإنها وجدت في بعض بقعها وواحاتها ما يقوم بلوزامها ومناجع مواشيها فاستوطنتها. فهذه البلاد الواسعة قدم إليها تلامذة المسيح ليدعوا الناس إلى دين سيدهم. وممن ذكرهم القدماء الرسول برتلماوس فقالوا عنه أنه "تلمذ بلاد العرب والنبط" يريدون جنوبي الجزيرة وهذه الجهات خصوصاً. وجاء في تاريخ القبط للمقريزي (Wetzer: Macrizii Historia Coptorum, p. 14) أن متياس (وهو الرسول الذي أقيم بدلاً من يهوذا الاسخريوطي) سار إلى بلاد الشراة (1 فبشَّر فيها بالمسيح وكأن النصرانية وجدت في تلك الأنحاء ملجأ في قرون الميلاد الأولى نزعت إليه ولاذت به رغبةً في التنسك والزهد أو فراراً من اضطهادات الوثنيين فكان نصارى مصر والشام يرون في شبه جزيرة سينا مقاماً آمناً لا يستطيع العالم أن يكدر فيه صفاء حياتهم الملائكية ولا يقدر عداؤهم القبض عليهم فكانوا يسكنون في أوديتها ووهادها أو يرقون جبالها ليعيشوا فيها عيشة سماوية في مناجاة الله. ولنا على ذلك عدة شواهد ترتقي إلى أواسط القرن الثالث للميلاد منها رسالة للقديس ديونيسيوس أسقف الإسكندرية كتبها إلى فابيوس أسقف أنطاكية وصف فيها المحن والبلايا المتعددة التي نالت نصارى مصر بسبب اضطهادات الحنفاء وعبدة الأوثان لاسيما في عهد القيصر دقيوس فمما قاله (2: أن أسقف نيلوس هرب إلى جبال العرب مع عدد كبير من النصارى فبعضهم ماتوا وبعضهم استعبدهم العربان إلى أن افتداهم النصارى بالمال الكثير وبقي غيرهم منقطعين إلى العيشة النسكية. وقد أثبت البولنديون في أعمال القديسين وبعض مؤرخي الكنيسة أن العيشة الرهبانية في شبه جزيرة سينا وما وراء بحر القلزم سبقت عهد القيصر ديوقطيانوس. وجاء في أعمال القديسين الشهيدين غلاقتيوس وامرأته إبيتسام المولودين في حمص (3 أنهما نذرا الله عفتهما في الزواج ورحلا إلى طور سينا حيث وجدا عشرة من النساك كانوا يعيشون هناك عيشة الأبرار فأخذ العرسان عنهم آداب السيرة النسكية وعاشا متفردين لأعمال البر غلاقتيون بين الرجال وايبستام مع النساء حتى بلغ خبر أولئك السياح والي الرومان سنة 250 فطلبهما وقتلهما شهيدين. ومع ما كان يلقى أولئك السياح من أنواع المشقات من القبائل الوثنية التي تسكن جهات الطور والبراري المجاورة لأرض مصر لم يلبث أن يؤثر في بعضها مثل أولئك الأبرار حتى ارتدَّ منهم قوم إلى الإيمان ونظن أن القديس ديونيسيوس الإسكندري يشير إلى هؤلاء المتنرين في كتابه إلى البابا القديس أسطفانوس الأول نحو سنة 255 حيث يبشره بموافقة الكنائس الشرقية على تعليمه بخصوص معمودية الهراطقة قال (1: "وقد ترى رأيكم كل الأقاليم السورية مع بلاد العرب التي تقومون من حين إلى آخر بضرورياتها والتي وجهتم إليها رسائلكم الآن". فقوله "بلاد العرب" يدل خصوصاً على ما جاور منها مصر كما يظهر من القرائن. وقوله "تقومون بضرورياتها" دليل حي على عناية الكرسي الرسولي في القرون الأولى بكل كنائس العالم حتى أقصاها لمساعدتها في حاجاتها الروحية والمادية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وفي هذه البلاد العربية المجاورة لمصر بشر بالإيمان أحد الشهداء في عهد ديوقلطيانوس وهو القديس كيروس كما ورد في أعماله التي نشرها الكردينال ماي (2 ونصَّر جمَّاً غفيراً من أهلها بكلامه ومعجزاته ثم قُتل شهيداً. واشهر منه أربعون شهيداً قتلهم العرب الثونيون في سنة 309. وكان هؤلاء تنسكوا في لحف جبل موسى فيعيشون هناك في الصوم والشغل اليدوي فوثب عليهم أهل البوادي وقتلوا منهم أربعين وقد أقيم لذكرهم دير ترى حتى يومنا آثاره ويدعى بدير الأربعين (3 ويعيد الشهداء في تاريخ 28 ك1. ولما فازت النصرانية بتنصر قسطنطين رسخ الدين النصراني في أنحاء طور سينا والبلاد العربية الواقعة بجواره. وقد أخبر المؤرخون أن القديس هيلانة شيدت كنيسة على طور سينا تذكاراً لما جرى فيه من الأعاجيب في عهد موسى وشعب إسرائيل. وزاد النساك عدداً وانتشاراً في سائر أصقاع تلك الجهات. ففي غزة ونواحيها الشرقية والجنوبية اشتهر القديس هيلاريون المار ذكره. ولا تزال آثار هذا الرجل العظيم باقيةٌ هناك وقد وصفها في المشرق (213:1 215) السائح الهمام الكاهن لويس موسيل نزيل كليتنا سابقاً مع بيان موقعها وذكر تلامذة القديس الذين أخذوا عنه الطريقة النسكية. وفي ترجمة حياته التي كتبها القديس هيرونيموس معاصره ما ينبئ بأعماله الرسولية ين عرب تلك النواحي وقد أقام عدة أديرة في ظهرانيهم في برية غزة وجهات عين قادس وكان يتردد إليها ويرافقه الرهبان في سياحته زرافات بلغ أحياناً عددهم ألفي راهب (1. ولما شاع خبر قداسته كان الأهلون يخرجون إليه أفواجاً أفواجاً وجماهير مجمهرة تقدمهم الأساقفة والكهنة. وذكرنا سابقاً إكرام العرب له في خَلَصة. وأخبر الثقة أنهم كانوا يقصدونه في كل حاجاتهم فتارةً كان يلتمس لهم المطر في سنتهم وتارةً كان يشفي نوقهم من عاهاتها وكان يخرج منهم الشياطين أو يتال لهم من الله البرء من أمراضهم فرد النظر في مدينة العريش (Rhincolure) لامرأة عمياء وابرأ من مرض عضال شيخ مدينة أيْلة النصراني المدعو أوريون (2. وذكر سوزومان في تاريخه الكنسي (ك5 ف 15) أن القديس شفى أيضاً في غزة جدَّه ألافيان الذي اشتهربعدئذٍ بتقاة وشيد أديرة وكنائس. وفي هذا القرن الرابع نُفي إلى براري سينا والنبط رجال أفاضل من الأساقفة والكهنة نفاهم الملك قنسطنسيوس الأريوسيكالقديسين أوجان وبروتوجان المنفيين من الرها إلى براري العرب (عيدهما في 5 أيار) وفي ترجمة القديس هيلاريون ورد ذكر الأسقفين القديسين دراكنتيس وفيلون المنفيين إلى نواحي غزة. وإلى أيلة نفى الإمبراطور أنستاس القديس إيليا بطريرك أورشليم وكان عربي الأصل كما مر (3. وكذلك أسقف أيلة الذي أمضى أعمال الجمع الخلقيدوني سنة 451 كان عربياً ويدعى غوثاً. وأخذت الأديرة تمتد في أواسط بلاد سينا وتكثر حولها القبائل المتنصر وأخص هذه الأديرة دير فاران الذي ورد ذكره في كتاب المرج الروحي تأليف حنا موسكوس في القرن السادس للمسيح (1. وقد أثنى هناك على رئيسه غريغوريوس الذي صار بعد ذلك بطريركاً على أنطاكية. وكان دير فاران حافلاً بالرهبان الوطنيين وغيرهم ذكر الآباء منهم القديس سلوانس رئيسة ثم موسى الفاراني الشهير بقداسته وكراماته. وفاران هذه كانت شهيرة في عهد الدولة الرومانية فأصبحت مدينة كبيرة وافرة السكان وهي اليوم قرية حقيرة فيها نحو الخمسين بيتاً وهي تدعى فيران موقعها في وادٍ كثير الخصب تنمو فيه الأشجار لاسيما النخيل وتجري فيه المياه الطيبة فالنصارى دخلوا فاران ونشروا يها دينهم حتى كاد يعم كل أهلها منذ القرن الرابع. وكان فيها اسقفي يذكر الروم في الميناون في 18 شباط اسقفها المدعو أغابيطوس أو محبوب. في عهد قسطنطين الكبير. وممن لايشك في تاريخه الاسقف نثراس او نثير في النصف الثاني من القرن الرابع وتلميذ القديس سلوانس. وكان أمير فاران نصرانياً يدعى عوبديان أو عبدان. وقد بقيت يها النصرانية معززة رفيعة الشان إلى القرن السابع وحجت إليها القديسة سيلفيا (أو كارية) في أواخر القرن الرابع في رحلتها إلى الأراضي المقدسة والقديس أنطونيوس الشهيد نحو سنة 580. وترى بين أخربتها حتى اليوم بقايا من كنيستها ومدافنها النصرانية عليها النقوش المسيحية كالصلبان والرموز الدينية واسم السيد المسيح مختصراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 ومن الأديرة الشهيرة في التاريخ الكنسي دير ريث الذي موقعه بجوار مدينة الطور فهذا الدير توارد إليه الرهبان ونمت شهرته حتى طمعت فيه قبيلة همجية كانت تسكن في سواحل مصر يدعونها بلاميس (Belmmeys) فاجتازت بحر القلزم واغتالت رهبانه سنة 371 وفرَّت هاربة فلما بلغ الخبر أهل فاران ساروا مع أسقف البلد وعوبديان الأمير إلى دير ريث وجمعوا جثث الشهداء ودفنوهم بكل إكرام. وقد روى إخبارهم أمونيوس الراهب الشاهد العياني لاستشهادهم. وقبل أن يقدس هؤلاء وادي فيران وسواحل جبل الطور كان رقي قوم آخرون أعالي جبل موسى حيث كان التقليد عيَّن موقع مناجاة الكليم لربه وحيث صعد آلياً إلى جبل الله فانقطعوا على مثالهما للآلهيات. وقد مر بك ذكر بعض هؤلاء النساك في أواسط القرن الثالث. وأخبر سولبسيوس ساويرس (1 في سياحته إلى جبل سينا نحو السنة 380 أنه رأى راهباً كان يقطن أعالي سينا منذ خمسين سنة. ثم كثر عددهم فابتنوا لهم مآوي ليسكنوا فيها. على أن لصوص العرب الوثنيين والمعادين لأهل الحضر المتنصرين قدموا من شمالي الجزيرة وجهات الشراة وهجموا بغتةً على محابس الرهبان المتفرقة في أنحاء جبل موسى ووقع ذلك نحو سنة 390 كما رواه أحد الشهود العيان والكاتب اليوناني القديس نيلوس الذي مر ذكره وكان هذا من أسرة شريفة تولى نظارة الأمور على مدينة القسطنطينية ثم استعفى ليتجرد لخدمة الله فرحل إلى طور سينا مع ابنه تاودولوس وتنَّسكا في ذلك المقام. فقتل العرب في هذه الزحفة سبعة من السياح وأسروا غيرهم وكان من جملتهم ابن القديس نيلوس الذي روينا شيئاً من إخباره في باب تاريخ أديان العرب وقد نجا من أيدي الغزاة في مدينة الخلصة بهمَّة أهلها النصارة وأسقفها (2. ومذ ذاك الحين أخذ رهبان جبل سينا يتحصنون في وجه الغزاة ولما صار الأمر إلى يوستنيان الملك ابتنى لهم الكنائس الفخيمة والأبنية الحصينة وجعل في خدمة الرهبان بعض قبائل العرب المتنصرين أخصهم بنو صالح وقد عرفوا بالجبلية. وكان الزوار إذا ما قصدوا الأراضي المقدسة يزورون أيضاً هذه الأديرة لينالوا بركتها وبرة أهلها. وقد ازداد عدد رهبانها حتى جُعل لطور سينا أساقفة عددنا أسماءهم في مقالة نشرناها في أعمال المكتب الشرقي (3. وكذلك اشتهر بين الرهبان بعض القديسين والكتبة كالقديس أنستاس السينوي في القرن السادس. وليس أقل منه شهرة القديس يوحنا رئيس طور سينا المعروف بالسلمي أو كليماكوس باسم كتاب ألفه دعاه سلَّم الكمال وكان معاصراً للقديس البابا غريغوريوس الكبير وكان بين القديسين مكاتبات رواها جامعو آثار الحبر الأعظم. وقد ذكرنا في المشرق (993:7) ما تبرَّع به ذلك البابا من الحسنات لير طور سينا حيث أنشأ يوحنا مأوى للعجزة والزوار. وفي أعمال القديس صفرونيوس بطريرك القدس تكرر ذكر طور سينا ورهبانه والزوار المترددين إليه (1. وبعد ذلك بقليل استولى العرب المسلمون على شبه جزيرة سينا وقد قيل أن بين آثار دير الطور سجلا أعطاه محمد كامانٍ لأهله وبقي عندهم إلى أيام السلطان الغازي سليم الأول فأخذه إلى القسطنطينية. (رجع في المشرق 609:12 و 679) . مقالتنا في عهود نبي الإسلام والخلفاء الراشدين للنصارى. ومن الآثار النصرانية كتابات عديدة وجدت منقورة في الصخر أو مكتوبة بالمغرة على جوانب وادي المكتب. فإن السياح كانوا إذا مروا هناك كتبوا أسماءهم وطلبوا من الله الرحمة وأعلنوا إيمانهم بالله الواحد ورسموا بعض العلامات المسيحية كالصليب والأنجر وسعف النخل والحرف الأول من اسم السيد المسيح. وهذه الكتابات منها يونانية ومنها قبطية لاشك في نسبتها إلى النصارى. وبينها كتابات أخرى عديدة مكتوبة بالنبطية ومن جملتها ما نصفه يوناني ونصفه الآخر نبطي وبعض العلماء يرتأون إنها للوطنيين لمشركين أما غيرهم فيرجحون أيضاً أنها للنصارى منهم من قبائل تيم الله وكلب واوس ممن اعتقدوا النصرانية بل ترى العلامات النصرانية عليها كما ترى على اليونانية والقبطية وإن لم يكن في منطوقها ما يدل على الدين المسيحي صريحاً ما لم يقل أن تلك العلامات أضيفت بعد ذلك العهد والله أعلم (2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ومن البلاد اللاحقة بشبه جزيرة سينا بقعة واسعة في تخوم فلسطين عن جنوبها الشرقي كثيرة النخيل عرفها الكتبة اليونان ودعوها فينيقون أي مغارس النخل وقد ظن البعض أن موقعها في وادي فيران إلا أن كلام الكتبة الأقدمين لا ينطبق عليها. والصواب أنها شمالي غربي وادي فيران وقيل أن هناك مكاناً يدعى بالنخل لكثرة نخله فلعله هو مدلول كتبة اليونان. ففي القرن السادس كان يحتل ذا البقيع قوم من العرب من جذام ولخم وكان أحد أمرائهم يدعى أبا كرب. فروى عنه المؤرخ بروكوبيوس الغزي (1. أنه كتب إلى يوستنيان ملك الروم يقدم له ولايته فشكره الملك وجعله أميراً على كل قبائل العرب (phylarque) التي في جوارهٍ فتولاها باسم ملك الروم واخضع العرب لأمره. ولاشك أن هذا الأمير كان نصرانياً ولولا ذلك لما رضي يوستنيان أن يرئسه على بلاد كان الدين المسيحي قد مد عليهم سيطرته كالنبط وبني كلب وغيرهم. وفيه أيضاً دليل على نصرانية العرب المستوطنين لبقعة النخيل التي كان أبو كرب مالكاً عليها. وقد جاءت الاكتسافات الجديدة للسياح الأوروبيين في بلاد مواب وآدوم والنبط مثبتة لهذه الآثار التاريخية القديمة فإن الكاهن العالم نزيل كليتنا سابقاً الدكتور لويس موسيل الذي تجوَّل مراراً في تلك الأنحاء وصف ما رأى بالعيان في مجلدات ضخمة فرسم في تآليفه ما وجده من الآثار كالرسوم والقبور والصلبان وغير ذلك منها في صر الموقر (2 وفي العويرة (3 وفي أم الرصاص (4 ومما ترى بقاياه إلى يومنا آثار كنائس عديدة في أمكنة شتى كعبد والعوجاء وفار وفينان وحسبان والكسيفة والمكاور والمحي وقد يسمى بعضها اليوم بإعلام تدل على دين أهلها كالكنيسة والنصرانية والدير (5 بل وجد بين الأحياء التي تسكن حتى الآن في تلك البوادي عادات نصرانية تدل على اصلها القديم كرسم الصليب والدعاء إلى السيد المسيح (6. ومثله سائح آخر جال في تلك الأنحاء سنة 1908 يدعى دلمان (7 فإنه وصف نحو عشرين أثراً نصرانياً وجدها في رحلته إلى جهات النبط. وليس أقل منها شأناً ما رواه العالمان برونو ودومازفسكي في المجلدات الثلاثة الضخمة التي دونا فيها أعمال بعثتها العلمية إلى إقليم عربية (1 وقد مر وصفها للأب جلابرت في المشرق (457:8 461) في المقالة المعنونة السكة الرومانية من مادبا إلى عقبة وفي هذا التأليف الجليل وصف آثار خطيرة للنصرانية لايسعنا هنا بيانها فيؤخذ من كل هذه الأدلة التي استدللنا بها أن طور سينا والبلاد اللاحقة أو المحدقة به كاد يعمها الدين النصراني في القرن السادس وقد أقر بذلك المستشرق دوزي (Dozy) في مقدمة كتابه عن الإسلام (2 قال: "أن شبه جزيرة سينا كلها تقريباً كانت ارتدت إلى النصرانية وكانت حاوية لجملة من الأديرة والكنائس وكان عرب الشام يدينون بالنصرانية (3". الباب الخامس النصرانية في اليمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 فلندعنَّ طور سينا لننحدر إلى أطراف جزيرة العرب في جنوبها الشرقي حيث نلقى بلاداً واسعة كثيرة الخيرات وافرة الأسباب تمتد بين بحر القلزم وبحر الهند فيها السهول الرحبة المخصبة والجبال الطيبة الهواء الغنية بالمعادن وبالأشجار النافعة كالكروم والبن والورس واللبان أو الكندر. فتلك البلاد سكنتها أمم عديدة تزاحمت فيها وتنازعت على ملكها وتركت فيها آثاراً عظيمة من أبنيتها كهياكل وقصور اشهرها قصراً غمدان وريدان وكانت تلك الشعوب من عناصر شتى وقبائل مختلفة منها كوشية ومنها سامية. وبلاد اليمن تشمل عدة أعمال ومخاليف كعسير ومهرة وحضرموت والشحر ومن مدنها الشهيرة مأرب ذات السد قاعدة بتابعة اليمن ومن حواضرهم أيضاً ظفار وصنعاء ونجران وزبيد وذمار وعدن كلها قصبات شهيرة حافلة بالسكان دارة المرافق. وكانت لغتها من اللغات السامية تدعى بالحميرية لها فلم خاص يعرف بالمسند وجد منها الأثريون المحدثون كتابات عديدة يرتقي بعضها إلى الأزمنة السابقة لتاريخ الميلاد بمئين من السنين تدل على أن أهلها كانوا يدينون بالصابئية ويكرمون القوات العلوية والنيرات السماوية والسيارات السبع وكان المتملك على اليمن في أوائل تاريخ الميلاد ملوك من حميرة يتلقبون في الكتابات المكتشفة حديثاً في جنوبي جزيرة العرب "بملوك سبأ وذي ريدان" ولما استولى ملوك حمير على بلاد حضرموت نحو السنة 300 للمسيح أضافوا إلى ألقابهم "ملوك حضرموت ويمانات" (1 لا مراء أن النصرانية منذ بزوغها وجهت أنظارها إلى اليمن كما يشهد عليه أقدم الكتبة الغربيين والشرقيين حتى أن بعض الآباء زعموا أن المجوس الثلاثة الذين سبق ترجيحنا لجنسهم العربي كانوا من اليمن وماتوا شهداء في صنعاء بعد أن عمدهم القديس توما قبل سفره من عدن إلى الهند (2. ومن الرسل الذين يُنسب إليهم التبشير بالمسيح في اليمن متى الرسول فإن أوريجانس في كتابه الذي رد فيه على الأمم ومثله المؤرخ سقراط (ك1ف15) وروفينوس ونيقيفوروس في تاريخه (ك2ف4) كلهم يؤكدون بأن متى الرسول بشَّر في جهات الحبش وادعى المحدثون بأن اسم الحبش يطلق أيضاً على اليمن وهو اسم شاع عند القدماء فسموا به تلك الناحية لأن الحبشة كانوا استولوا مدة طويلة على اليمن ولأن قبائل من الحبشة كانت اجتازت من سواحل الحبش إلى اليمن وهذا القول لا يخلو من الصحة لأن القدماء ربما دعوا أهل اليمن بالحبش منذ عهد هيرودوتس واسطرابون (ك1ص51 من طبعة أوكسفورد) إلا أن معظم الكتبة لا يسلمون ببشارة متى في اليمن ويزعمون أن القديس بشَّر حبشة أفريقية ليس عرب اليمن. وسبق لنا ذكر القديس برتلماوس ودعوته للعرب فإن الكتبة القدماء كاوريجانوس وأوسابيوس القيصري (في التاريخ الكنسي ك1 ف 10) وسقراط المؤرخ زادوا على تعرفهم للعرب بقولهم أن الرسول برتلماوس بشَّر بالمسيح في الهند القريبة يريدون بها اليمن لأن اسم اليمن كان مجهولاً لديهم فسمَّوها بالهند القريبة معارصة بالهند الشرقية ما وراء البحر الهندي. ثم أن المؤرخ فيلوسترجيوس (ك2ف6) وتاوفانوس في تاريخ سنة العالم (6064) وتاوفيلاكتوس (ك3) يدعون الحميديين بالهنود. وزاد بعضهم إيضاحاً قالوا أن برتلماوس بشر بني سبا. وفي الميناون المنسوب إلى الملك باسيل يقال أنه بشر هنود العربية السعيدة وهي اليمن كما لا يخفى. وقد رأيت آنفاً أنهم ينسبون أيضاً دعوة النصرانية في بلاد العرب إلى القديس توما قبل سفره إلى الأقطار الهندية. وقد ارتأى هذا الرأي القديس غريغوريوس النزينزي في ميمرة عن الرسل. ومثله تاودوريطس في كتابه عن الأناجيل (ك9) وبعض كتبة السريان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ومن الشواهد الجليلة التي توقفنا على دخول النصرانية في اليمن منذ القرون الأولى لتاريخ الميلاد ما رواه أوسابيوس القيصري (ك5 ف10) ومثله هيرونيوس (Hieron. De vir. Illustr.c. 36) عن أحد العلماء الإسكندريين في النصف الثاني من القرن الثاني للمسيح: ألا وهو بنتاوس الفيلسوف فإن هذا كان من الفلاسفة الرواقيين جحد الوثنية وتنصر وعهد إليه دمتريوس أسقف الإسكندرية التدريس في مدرسة الإسكندرية ففعل وأحرز له شهرة واسعة بالتعليم الديني وعنه أخذ أوريجانوس المعلم الكبير فينتانوس المذكور نحو السنة 183 للمسيح تنزل عن التدريس وسافر إلى الهند ليبشر فيها بالدين النصراني. وقد اتفق المؤرخون على أن الهند المقصودة هنا هي المجاورة لمصر أعني بلاد اليمن كما سبق. قال أوسابيوس: "فبلغ بنتانوس تلك الجهات ودعا إلى النصرانية أهلها فأوقفوه على إنجيل مخطوط بالعبرانية (1 للقديس متى كان أتى به إليهم القديس برتلماوس الرسول وأودعه عندهم" وفي هذا القول شهادة على ما سبق بالدعوة النصرانية في جهات اليمن منذ عهد الرسل. هل كان لدعوة بنتانوس في اليمن تأثير في أهل تلك البلاد ذلك أمر لا يمكن القطع به وإنما هو محتمل بل مرجح ففي وجوده بين القوم أنجيلا قديماً دليل على أن النصرانية التي بشَّر بها برتلماوس الرسول لم تمت بينهم. ويؤخذ من رواية أوسابيوس أن الأستاذ الإسكندري عاد إلى وطنه راضياً شاكراً لم يذهب تعبه سدىً. ولعله ل ينسَ أولئك الموعوظين فأمدهم بمرسلين يجاورنه في عمله. وكما هاجر بعض النصارى المصريين في زمن الاضطهادات إلى جهات سينا وبادية الشام على ما روى المؤرخون يجوز القول أيضاً بأن قوماً منهم هاجروا إلى اليمن لاسيما في عهد دقيوس وديوقلطيانوس فنشروا دينهم فيما بينهم. ومما يستدل إليه من تواريخ العرب كالطؤري وسيرة الرسول لابن هشام والمسعودي وغيرهم أن النصرانية واليهودية أخذتا في النزاع والمخاصمة منذ أواسط القرن الثالث للمسيح. وبلغ الخصام إلى أعيان الدولة وملوكها. فيخبرون أن التبغ أسعد أبا كرب تهود على يد ربانيين من يثرب وحمل أهل رعيته على التهود وتبعه في أمره بعض أولاده بعده لكن النصرانية فازت في عهد عبد كلال بن مثوب. وقيل أن عبد كلال المذكور ملك في القسم الثاني من القرن الثالث منذ نحو السنة 273 للمسيح إلى 297 وقد جعل حمزة الأصفهاني ملكه (ف 131 طبعة بطرسبرج) أربعاً وسبعين سنة. وقد اتفق المؤرخون على تدينه بالنصرانية. جاء في القصيدة الحميرية. أم أين عبد كلالٍ الماضي على ... دين المسيح الطاهر المسَّاحِ وقال الطبري في تاريخه (طبعة ليدن ج1 ص 881) : وملك بعد عمرو بت تبع عبد كلال بن مثوب.. فأخذ الملك عبد كلال.. ووليه بسن وتجربة وسياسة حسنة وكان فيما ذكروا على دين النصرانية الأولى وكان يسر ذلك من قومه وكان الذي دعاه إليه رجل من غسان قدم عليه من الشام فوثبت حمير بالغساني فقتلته ثم عاد من بعده عبد كلال إلى اليهودية أخلافه. هذا ما يستخلص من تواريخ العرب إلا أن هذه التواريخ سقيمة جداً ولاسيما تاريخ حمير. قال حمزة الأصفهاني (ص134) : "ليس في جميع التواريخ أسقم ولا أخل من تاريخ الأقيال ملوك حمير". ومما وجد من الكتابات الحجرية الحميرية في أواسط القرن الماضي (CISI.6) كتابة فيها اسم عبد كلال وامرأته أبعلي وولديه هني وهعلل نقشوها تذكاراً لبناية دار يدعونها "يرث" شيدوها "برضى الرحمان" وذلك في شهر ذي خزف من السنة الحميرية) 573 الموافقة للسنة المسيحية 458. فذكر الرحمان من الأدلة على توحيده أو نصرانيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ومن الآثار التاريخية اليونانية عن نفوذ النصرانية في اليمن ما رواه المؤرخ الأريوسي فيلوسترجيوس من كتبة القرن الرابع ووائل الخامس. فكان هذا من قباذوقية وكتب تاريخاً في اثني عشر كتاباً دافع فيه عن أعمال الأريوسيين مباشرة من السنة 300 إلى 425 وتاريخه مفقود ألا ما نقله عنه فوطيوس البطريرك القسطنطيني في مكتبته يبلغ نحو ثمانين صفحة ومما روي هناك أن الإمبراطور قنسطنسيوس ابن قسطنطين الكبير المتشيع للأريوسية أرسل نحو السنة 356 وفداً من الرومان إلى الحميرية في اليمن وكان يترأس الوفد تاوفيل الهندي من جزيرة سرنديب أي سيلان. فرحل هذا إلى بلادهم ودخل على الملك وقدم لها ألطافاً وهدايا فنال لديه الخطوى وبشر هناك بالدين المسيحي واسترخص بتشييد الكنائس بل جادل اليهود الذين وجدهم في بلاط الملك وأقنع الملك بل حجج الدامغة عن صحة النصرانية حتى نصره. وشيّد تاوفيل ثلاث كنائس: الأولى في حاضرتهم ظفار والثانية في عدن على ساحل الاوقيانوس (الهندي) حيث كان ينزل الرومان للمتاجرة والثالثة في فرضة عند مدخل خليج العجم يظنونها هرمز وعين للمنتصرين رئساً ثم رحل. هذا ما رواه فيلستورجيوس إلا أن تشيعه للأريوسية حدا به إلى القول أن النصرانية لم تدخل بلاد العرب قبلاً والأمر على خلاف ذلك كما رأيت. والمؤرخون يرون أن الاسقف الذي أمضى أعمال مجمع نيقية سنة 325 باسم "يوحنا أسقف الهند" إنما كان أسقفاً على اليمن وقد سبق أن اسم الهند كثيراً ما أطلق على اليمن. وكذلك قد بين العلاَّمة المستشرق السنيورك. روسيني أن الملك قسطنسيوس لم يقصد بوفده إلى ملك حمير أمراً دينياً محضاً وإنما أراد أن ينهج للرومان طريقاً تجارية في البحر إلى اليمن ويعقد محالفة مع الحميريين ضد الفرس وملكهم سابور الثاني، أما اسم الملك المتنصر على يد تاوفيل في اليمن فلم يذكره المؤرخ فيلسترجيوس ولعله مرثد بن عبد كلال المالم على ماي ظن من السنة 330 إلى 350 وقد اطرأ الثعالبي في طبقات الملوك حلمه وحبه للفقراء وحكمته وتساهله وقال عنه أنه لم يشأ أن يقلق رعاياه بسبب دينهم. أو هو وليعة بن مرثد الذي تعصب أولاً لليهودية ثم عدل إلى النصرانية. وقد جاء للفيروزبادي ما يؤيد نصرانية هؤلاء الملوك حيث قال "أن كثيراً من ملوك اليمن والحيرة تنصروا". ومما يشهد على ثبات المعاهدة التجارية المبرمة بين الرومان والعرب قانون سنَّه تاودوسيوس الكبير في تلك الأثناء نظَّم فيه أمور الوفود الراحلين إلى الحميريين والحبشة من الإسكندرية. ومن الشهود على نفوذ النصرانية في اليمن القديس هيرونيموس فإنه غير مرة ذكر بين المتنصرين أهل الهند والحبشة. من ذلك رسالته إلى مارسلا الرومانية (Migne, P.L., XXII. 489) حيث يعدد فئات المتقاطرين لزيارة الأراضي المقدسة وكلهم على إيمان واحد ممن كان يشاهدهم ويحادثهم فجعل في مقدمتهم العجم والأرمن وعرب اليمن (الذين دعاهم بأهل الهند) والحبشة. وكذلك كرر قوله في رسالته إلى السيدة ليتا (Ibid., XXII. 870) وخص بالذكر "رهبان الهند" أي اليمن كما قلنا. وفي ترجمة القديس سمعان العمودي التي كتبها تاودوريطس في القرن الخامس قد ذكر غير مرة بين الذين قصدوا القديس على عموده عرب حمير وقد رآهم تاودوريطس عياناً قال (Migne, P.G., LXXIV. 104) : "ولا يتزاحم حول سمعان أهل بلادنا فقبل بل يأتيه جموع من الإسماعيليين والعجم والأرمن ولكرج ولحميريين" وكذلك كتب أنطونيوس تلميذ لقديس (Ibid., LXXXII, 328) : "قد نصَّر سمعان العمودي أمماً عديدة من الشرقيين (السراكسة) والعجم والأرمن والإسكوتيين ذووي القبائل". وقد صرَّح باسم تلك القبائل قدرينوس المؤلف فقال أنهم "الحميريون". ثم أن النصرانية لم تدخل فقط إلى اليمن من جهة الجنوب ومن بلاد الرومان ولكن نفذت ليها من جهات الشمال وخصوصاً من العراق فمن المعلوم أن ملوك الفرس كانوا يسعون في محالفة ملوك اليمن ويتقربون إلى أهلها ليستعينوا بهم على رد غارات الرومان. وكذلك ملوك اليمن والحبشة ربما أوفدوا الوفود إلى ملوك العجم ليبرموا معهم المعاهدات كما روى المؤرخون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وكانت القوافل تسير ذهاباً وإياباً من العراق إلى اليمن ومن اليمن إلى العراق فالنصرانية التي كانت بلغت في الشمال مبلغاً عجيباً ما كانت لتهمل هذه الوسائط لنشر الدين المسيحي في الجنوب. ومن التقاليد الشائعة عند الكلدان أن رسولي الكلدان الأولين أدي وماري سارا أيضاً إلى بلاد العرب سكان الخيم وإلى نجران وجزائر بحر اليمن. وجاء في المصحف الناموسي (ص 18) : "وبشَّر الجزيرة والموصل وأرض السواد كلها وما يليها من أرض التيمن كلها وبلاد العرب سكَّان الخيم وإلى ناحية نجران والجزائر التي في بحر اليمن ماري الذي من السبعين". وإلى هذه البشارة في اليمن أشار القديس أفرام في القرن الرابع حيث قال في أحد ميامرة: "جاءت ملكة التيمن (سبأ) إلى سليمان ونالت من نوره شعلة استضاءت بها وبقيت تلك الشرارة مخبوة تحت الرماد إلى أن ظهرت شمس العدل السيد المسيح فاتقدت تلك الشرارة حتى أصبحت نجماً باهراً ينير اليوم تلك الأنحاء". وما لا ينكر ان النساطرة كانوا انتشروا في تلك البلاد قبل الإسلام وأنشأوا عدة كنائس وكان لهم فيها أساقفة أتوها من قبل جثالقة المشرق أصحاب كرسي المدائن وبقول فيها بعد الأغسلام مدة كما سيأتي. وقد ارتأى العلاَّمة دي ساسي في إحدى مقالاته أن نصارى الشمال من أهل العراق كانوا يترددون إلى اليمن وأنهم أدخلوا بين إخوانهم في الدين الكتابة السرانية بدلاً من الخط المسند الشائع هناك قبلهم. وقد روى السمعاني في المكتبة الشرقية (Assemani, BO, III2, 603) أن اللغة السريانية كانت دخلت في جهات عديدة من اليمن. وكذلك ذكر المؤرخ فيلسترجيوس أن في زمانه كانت مستعمرات أخرى سورية احتلت سواحل أفريقية بإزاء بلاد العرب وأن أصحابها كانوا يتكلمون بالسريانية. وقد جاء في كتاب كشف الأسرار في بيان قواعد الأقلام الكوفية "إن القلم الكوفي كان يُدعى بالسوري" ولعله أراد بذلك شبهه بالقلم السرياني. وقال هناك أن "آل طسم وقحطان وحمير" كانوا يكتبون به. * ومن أعظم الشواهد التي أثبتها العرب على دخول النصرانية في اليمن ما رواه الطبري في تاريخه وياقوت في معجم البلدان (752:4) وابن خلدون في كتاب العبر (59:2) ابن هشام في سيرة الرسول (ص20) وغيرهم أن أهل نجران وهي من أمهات مدن اليمن تنصروا جميعهم. وقد ذكروا الخبر في كلام طويل خلاصته أن رجلاً من بقية أصحاب الحواريين" يقال له فيميون وقالوا قيمون وقالوا ميمون من أفضل الناس عبادة وأعرقهم في أعمال الصلاح كان سائحاً تجري على يديه الكرامات والمعجزات وصل في سياحته إلى بلاد غسان فتبعه رجل من أهل الشام اسمه صالح فتوغلا في بلاد العرب ثم اختطفتهما سيارة وباعوهما بنجران وأهلها حينئذٍ من بني الحارث بن كعب المنتمين إلى كهلان يعبدون العزَّى على صورة النخلة. فأوقف فيميون سيده على بطلان الشرك بما صنع لديه من الآيات ولاسيما إذ دعا ربه في يوم عيد العزى فأرسل الله ريحاً جعف النخلة من اصلها فعرف أهل نجران صحة دينه ودانوا بدين المسيح. وجعل فيميون عليهم رئيساً أحد أشراف المدينة عبد الله بن الثامر ورعاهم أسقف كان يدعى بولس. وأقام أهل نجران على دين المسيح حتى دعاهم إلى اليهودية أحد ملوكهم اسمه ذو نواس كان متعصباً لدين اليهود فأبي لنجرانيون اتباعه في ضلاله وكان رئيسهم إذ ذاك اسمه الحارث واستعدوا للدفاع عن بلدهم إلا أن ذا نواس دخله بالمكر وحفر أخاديد (أشار إليها في القرآن) أضرمها ناراً وألقى فيها على ما روى ابن اسحاق عشرين ألفاً من النصارى أو يزيدون ماتوا في سبيل إيمانهم مع الحارث رئيسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 على أن الخبر لم يلبث أن نما إلى قيصر الروم بواسطة رجل من أهل نجران فر هارباً اسمه دوس ذو ثعلبان فاستنصره على ذي نواس فأمر القيصر النجاشي ألضبان ملك الحبشة بمحاربة اليهودي ففعل وأرسل جيشاً مع أرياط وأبرهة الأشرم فناجروه القتال وظفروا ببلاده ومات الطاغية غرقاً. وأتم الحبشة فتح اليمن فملكوا عليها أكثر من نصف قرن كان أول ملكهم أرياط (525) ثم أبرهة الشرم (537 570) ثم ابنه يكسوم (570 572) ثم مسروق (572 575) . أما الملوك الحميريون فبعد موت ذي نواس حاول أحدهم المسمى ذو جدنأن يضبط زمام الملك لكنه قتل في حرب الحبشة ولم يعودوا إلى الملك إلا في زمن سيف ابن ذي يزن الذي استعان بالفرس وأخرج الحبش من اليمن وملك هو وابنه معدي كرب. ثم أن الفرس لم يلبثوا أن يمدوا سيطرتهم على تلك البلاد وجعلوا عليها عمالاً كان أولهم وهرز (597) ثم بدهان وفي زمنه فتح المسلمون نواحي اليمن. هذا ملخص ما جاء في تواريخ المسلمين وقد أيدته في أموره الجوهرية التواريخ اليونانية والسريانية كتاريخ الحرب الفارسية لبروكوبيوس الغزي Procop., de Bello Pers.I, c. 20) وتاريخ يوحنا المعروف بأسقف آسية (Assemani, BO, II, 83) وتاريخ تاوفانوس (ج1 ص 346 من طبعة بونا) وتاريخ يوحنا ملالاً (434 من الطبعة عينها) فكل هؤلاء ذكروا أمور الحبشة وما جرى من الحروب بين ملكها وملك حمير اليهودي بسبب قتله لنصارى نجران. وفي رواياتهم بعض إفادات عن ذي نواس الذي يدعونه دمنوس أو دميانوس وعن القيصر يوستينوس الذي انتصر للمظلومين وبعث الحبشة لمحاربة ملك اليمن. وكان على الحبشة ملك يجعونه أليسباوس (Elesbass) أو الصبان وصحفه غيرهم باليستاوس من أحكم الملوك وأعرقهم في الدين النصراني. وهم يقولون أن أسقف نجران المدعو بولس كان توفي قبل هجوم ذي نواس عليها وأن الملك اليهودي بعد ظفره بنجران انتهك حرمة قبره. أما استشهاد أهل نجران على عهد ذي نواس فقد وصفه المعاصرون منهم شمعون أسقف بيت أرشام الذي سمع في العراق الخبر من شهود عيانيين فدوَّنه في رسالة نشرها السمعاني في المكتبة الشرقية (BO, I, 364 - 79) . وكذلك ليعقوب الرهاوي فيهم ميمر نشره الأب بيجان (Acta Martyrum I. 372 - 97) ثم نشر البولنديون أعمالهم في اليونانية عن نسخة قديمة في تاريخ 24 ت (Act. SS. X, Oct. 750 - 780) وفي مكتبتنا الشرقية نسخة عربية من هذه الأعمال نقلناها عن مخطوط قديم. ومن الآثار الكتابية التي نشرت حديثاً وأتتنا بفوائد جديدة عن دخول النصراني في نجران أعمال القديس "أزقير" بالحبشية من مخطوطات خزانة الكتب الشرقية في لندن فنشرها لأول مرة الأستاذ الإيطالي المفضال كنتي روسيني وخلاصتها أن "أزقير" كان كاهناً نصرانياًدعا إلى دينه أهل نجران فأمر الملك شرحبيل بن ينكف بحبسه لكنه نجا من الحبس وعمد كثريين وتبعه رجل يدعونه قرياقوس واجتمعت عليه اليهود ففند أقوالهم وقضي لمجادلته آخراً بقطع الرأس مع 38 آخرين وعيده في الكلندار الحبشي واقع في 24 من شهر خدار (20 ت 2) . فكل هذه الآثار بينت انتشار النصرانية في اليمن. ولم يزدها اضطهاد ذي نواس واليهود إلا نمواً لأن ملك الروم ونجاشي الحبش القديس ألصبان ما فتئنا أن أرسلا جنوداً إلى اليمن انتقمت للمظلومين وكسرت شوكة اليهود في تلك الأنحاء. وقد أتتنا في هذه الحقبة الأخيرة شواهد جديدة غير منتظرة ألا وهي كتابات يونانية وحبشية وحميرية اكتشفها الأثريون وهي تبين ما كان من النفوذ للحبشة في بلاد اليمن، "فاليونانية اكتشفها في أكسوم الرحالة الإنكليزي هنري سلت (H. Salt) كتبها "أيزن ملك أكسوم والحميرين وريدان والحبش والصابئة وزيلع وتهامة وبغيث وتوقال ملك الملوك ابن الإله المريخ غير المغلوب" يصف فيها انتصاره على أعدائه البغثيين. وتاريخ هذه الكتابة أواسط القرن الرابع يظهر منها أن ملوك الحبشة الوثنيين كانوا استولوا مدة على اليمن والحميريين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ومن الكتابات الحبشية كتابة وقف عليها المرسل الإيطالي يوسف سابيتو (G. Sapeto) في أكسوم أيضاً ثم نشرها وفسرها وهي للملك النصراني "تازينا ابن الأعميد ملك أكسوم وحمير وريدان وسبا إلخ" افتتحها بذكر الاسم الكريم "خالق السماء والأرض الرب الأزلي". وكان تازينا المذكور مالكاً نحو السنة 500 ومن كلامه يظهر أن ملوك الحبشة لم يزالوا باسطين سيطرتهم على الحميرين. ولا غرو أن نصرانيتهم أثرت بدين الحميريين الوثنيين واجتذبت منهم قوماً إلى المسيحية. أما الكتابات الحميرية فأعظم شأناً وأخطر بياناً لتاريخ النصرانية اكتشفها في أنحاء اليمن رجال ذوو حزم لا يهابون الأخطار دخلوا في هذه السنين الأخيرة إلى أقاصي اليمن ونقلوا ما كانوا يراقبونه من الكتابات الحميرية الكاشفة لأسرار التاريخ اليمني. أشهرهم العلماء يوسف هالوي (J. Halevy) وأدورد كلازر (Ed Glaser) فأتوا من اليمن بمئات من الآثار الكتابية بينها كتابات حميرية تفصل محاربة الحبشة لذي نواس وظفرهم باليمن. وتاريخ هذه الكتابات بينها كتابات حميرية تفصل محاربة الحبشة لذي نواس وظفرهم باليمن. وتاريخ هذه الكتابات هو تاريخ حمير الواقع سنة 115 للمسيح. فمن جملة تلك المآثر التاريخية كتابة تنسب إلى حصن الغراب وجدها كلازر فنشرها وهي "لسميفع أشوع" أقامها في ذي الحجة سنة 640 (أي 525 للمسيح) تذكاراً لدخول الحبشة في بلاد حمير بعد انتصارهم على ملها (ذي نواس) . ومنها كتابة أخرى تاريخها سنة 657 و 658 (أي 542 543) ورد فيها ذكر انفجار سد مأرب وهو من أجل الحوادث التاريخية كان العلماء يرقونه استناداً إلى مؤرخي العرب إلى القرن الثاني للمسيح فثبت الآن أنه جرى في أواسط القرن السادس. والكتابة قد نقرت في الصخر بأمر أبرهة اللمك الحبشي أولها: "بقوة ونعمة ورحمة الرحمان ومسيحه وروحه القدوس قد أمر برسم هذه الكتابة أبرهة الحاكم (على اليمن) باسم الملك الكثيزي (الحبشي) رمحيس ذو بي يمن ملك سبا ذوي ريدان وحضرموت ويمانات والعرب الذين في الجبال والسهول". ومما قال هناك: "ونحن على ذلك إذ بلغنا خبر تهدم السد والخزان والحوض والمصرف في شهر ذي المدرج سنة 657.." ثم أردف أبرهة قوله: "فأرسلت إلى القبائل لتنفذ الحجارة والأخشاب والرصاص لترميم السد في مأرب.. ثم توجهت إلى مأرب وبعد أن صليت في كنيستها عمدت إلى ترميم السد فعزلوا الأنقاض حتى وصلوا إلى الصخر وبنوا عليه". ثم يذكر تأخر العمل لسأم بعض القبائل عن الشغل وكيف حالف أبرهة أقيال اليمن وقابل وفود ملوك الروم وفارس والحيرة (المنذر) وغسان (الحارث بن جبلة وأبي كرب بن جبلة) وغير ذلك مما يفيدنا علماً عن أخبار العرب وفوز أبرهة بقبائلهم سنة 657 للحبش (542م) . ثم عاد إلى وصف ترميم سد مأرب فقال: "فرمموه ووسعوه حتى بلغ طوله 45 ذراعاً وارتفاعه 35 ذراعاً" ثم فصل هناك ما أنفق على العمل من الحجارة والأطعمة للعملة إلأى أن ختم الكتابة بقوله أنهم " انتهوا من العمل في شهر ذي معان سنة 658 (543) ". ولعل هذا السد كان انفجر قبل ذلك غير مرة ورمم إلا أن أخبار العرب تنطبق خصوصاً على هذا الحادث الأخير. وإنما خلطوا في أقوالهم خلطاً عجيباً وكفى به استدلالاً على ضعف رواياتهم التاريخية التي لايمكن التسليم بصحتها إلا بعد النقد والنظر الملي. لا غرو أن النصرانية في مدة ملك الحبشة على اليمن بلغت أقصى النجاح والتقدم. لنا على ذلك شواهد تاريخية عديدة وكان أول ما بشر به الحبش أن جعلوا نجران كقبلة الدين النصراني بعد أن اصطبغت بدماء أهلها الشهداء فأقاموا فيها مزاراً كان العرب يقصدونه من كل صوب وكانوا أنفقوا عليه القناطر المقنطرة ليزينوه بأنواع الحلي. وهذا المزار قد شاع ذكره عند العرب فدعوه "كعبة نجران" أو "كعبة اليمن" وضربوا بحسنة المثل وإليه أشار الأعشى في بعض أبياته حيث قال يكلم ناقته: وكعبة نجرانَ حتمٌ عليكِ ... حتى تناخيْ بأبوابها تزورُ يزيداً وعبد المسيح ... وقيساً هم خيرُ أربابها إذا الحبرات تلوتْ بهم ... وجروا أسافلَ هدَّابها يريد بني عبد المدان الذين كانوا يتولون أمرها وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 من أعيان بني الحارث بن كعب وأعرق الناس في النصرانية. وممن طبقت أخباره أقاصي العرب في ذاك الوقت خطيب مصقع ضربت العرب المثل في بلاغته نريد القس بن ساعدة أسقف نجران وقد جمعنا في شعراء النصرانية (ص211 219) مارواه الكتبة العرب عنه وعن يزيد بن عبد المدان النجراني (ص80 88) . ومما يعود فضله إلى الحبشة كنيسة عظيمة جمعوا فيها ضروب المحاسن وأنفقوا عليها المبالغ الطائلة بنوها في حاضرة ملكهم صنعاء لا تزال حتى اليوم ترى بقاياها في جامع هذه المدينة وكانوا زينوها بكل أصناف الزين والتصاوير وضروب الفسيفساء وهي الكنيسة التي عرفها العرب بالقليس وذكروها في تواريخهم ووصفوها في كتبهم (أطلب مجموعنا مجاني الأدب ج3 ص302 وكتاب الأغاني 2: 75) فما لبثت أن جذبت إليها الجماهير المجمهرة حتى نسي الوثنيون قصر غمدان القريب منها وأصنامه الصابئية. وكما فعلوا في صنعاء أقاموا أيضاً في ظفار كنيسة أخرى جليلة كانت آية في الحسن والجمال. وكان المتولى تدبير هذه الكنيسة أسقف شهير يدعى جرجنسيوس اتخذه ملك الحبشة كمستشار ومساعده لتنصير الحميريين فما ألا جهداً في ذلك وقد ترك لنا من آثاره كتاب شرائع الحميريين التي ترى ترجمتها اليونانية في مجموع الآباء اليونان لمين (Migne, P.G., T. 86, col. 567 - 620) وكان يجادل اليهود ويرد على مزاعمهم وله جدال مع هربان الرباني صبر أيضاً على آفات الدهر باليونانية (Ibid., col. 621 - 783) ولدينا منه ترجمة عربية. ولنا حتى اليوم دليل حسي على تأثير نصرانية الحبشة في العرب ألا وهو ما دخل في اللغة العربية من الألفاظ الدينية الحبشة بعضها حبشي الصل كالمنبر والمصحف والحواري والمنافق والفاطر (أي الخالق) والجبت (أي ظالضم) والشيطان والزار. وبعضها يوناني أو سرياني أو عبراني لكنه دخل في العربية بواسطة الحبش كما تدل عليه صورته الحاضرة كالإنجيل وجهضم والتابوت والقلم والحرم والجن والرقية. وللعلامة المستشرق نولدك بحث خصوصي في هذه الألفاظ. وكان شيوع الخط المسند وهو الخط الحميري في بلاد العرب بفضل الحبشة واشتقاقه من الخط الحبشي القديم ظاهر. نقلوه إلى اليمن في التاريخ السابق للميلاد ثم استعملوه في كتاباتهم الحجرية إلى ظهور الإسلام قال ياقوت في معجم البلدان (4: 171) عند وصفه كنيسة القليس أن ابرهة كان كتب على بابها بالمسند: "بنيت هذا لك (اللهم) من مالك ليذكر فيه اسمك وأنا عبدك". وفي مدة ولاية الجحبش على اليمن رحل إلى الهند قسما الرحالة (Consmas In - dicopleustes) نحو السنة 535 فعدد ما وجده من الكطنائس في طريقه وانتشار النصرانية في أواسط الشرق وأقاصيه وقد خص بينها بلاد اليمن حيث قال ما تعريبه: "أنك حيثما تجد كنائس للنصارى وأساقفة وشهداء وسياحاً حتى بين أهل عربية السعيدة الذين يدعون بالحميريين كما في كل العرب أيضاً وبين النبط وبني جرم..". وأن أسأل أكانت النصرانية في اليمن مستفيقة خالية من البدع. الجواب أنه من المرجح أن دينهم كان في أول الأمر خالصاً من كل شائبة وكاثوليكياً محضاً لأن الأمبراطور يستينوس وخلفه لحسن ديانتهما ما كانا ليسمحا للحبش أن ينشرا في بلاد العرب غير الإيمان الأرثوذكسي الموافق لتعليم المجامع الأربعة الأولى. يثبت ذلك تكريم الكنيسة لملك الحبشة ألصبان الذي كان مالكاً في وقت فتح الحبشة لليمن ثم جلوس جرجنسيوس على كرسي أساقفة صنعاء وهو قديس تكرمه الكنيسة لقداسته. وإنما يظهر أيضاً أن بدعة أوطيخا سرت إلى جهات اليمن وكدرت صفاء إيمانهم فإن الحبشة في القرن السادس جنحوا إلى تعاليم اليعاقبة فلابد أن أضاليلهم انعكس صداها إلى العرب. لكن المؤرخين اليعاقبة قد بالغوا في ذكر شيوع هرطقتهم بين أهل اليمن كما يستدل من تاريخ يوحنا الآسيوي وكما نقله ابن العبري في تاريخ مختصر الدول (ص148) . على أن العنصر العربي وسلالة ملوك اليمن لم يعودوا يطيقون نير الأجانب عليهم لاسيما بعد موت أبرهة وتملك ابنيه يكسوم ومسروق على حمير إذ تشددا على الوطنيين وأساء إليهم الصنع فأخذ أمراء حمير يطلبون لهم وسيلة لينجوا من الحبشة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وكان في مقدمتهم سيف بن ذي يزن فاستنجد بملك الروم وطلب منه جيشاً ليخرج الحبش من جزيرة العرب فلم تلق دعوته آذاناً صاغية فعدل إلى كسرى ملك العجم فنصره بجند من صعاليك دولته تحت قيادة رجل اسمه وهرز فظفروا بالحبشة وبددوا شملهم وملك سيف بن ذي يزن لكن ملكه لم يدم زمناً طويلاً غذ فتك به بعض الحبشة فخلفه ابنه معدي كرب. ولم يلبث العجم أن استولوا على اليمن فارسلوزا عمالاً يحكمون باسمهم كان اولهم وهرز المذكور ثم خلفه باذان وفي عهده صارت اليمن في أيدي المسلمين. أما النصرانية فإنها لم تمت بنفي الحبشة بل بقيت في عزها إلى ظهور الإسلام ولعل سيف بن ذي يزن عينه كان يدين بها يؤيده ما وقفنا عليه في أحد مخطوطات باريس العربية وهو كتاب أنساب العرب لسلمة بن مسلم (Suppl. Paris, 2866) في الصحيفة 97 حيث قال أن سيف بن ذي يزن دخل على القيصر ومال إلى النصرانية. والحق يقال أنه ما كان ليلوذ بالقيصر ملك الروم النصراني لو دان هو باليهودية كذي نؤاس وكذلك قد مدحه الشاعر النصراني أمية بن أبي الصلت بقصيدته الشهيرة التي أولها: لايطلبُ الثار إلاَّ كابن ذي يزنٍ ... في البحر خيمَّ للأعداء أحوالا ولا شيء في هذه الأبيات يشعر بيهودية سيف. ولو عرف أهل نجران وعرب النصارى في اليمن أن ابن ذي يزن من أنصار لليهودية لما مكنوه من الملك وعلى ظننا أن نساطرة العراق انتهزوا فرصة دخول الفرس في اليمن لينشروا هناك بدعتهم ولعلهم كانوا سبقوا إلى بثها قبل ذلك فعززوها. وفي تواريخ النساطرة ما يصرح بانتشار تلك البدعة في جنوبي العرب ومقاومتهم لليعاقبة. وفي كتاب الأغاني (10: 148) أن عشرة من اساقفة نجران قدموا على نبي المسلمين وجادلوه فدعاهم إلاى المباهلة ولعل منهم من كان نسطورياً وكان حينئذ رئيساً على نجران رجل اسمه السيد فأعطي الأمان هو وقومه. ولكن النصارى بعد فوز الإسلام أخذوا يضعفون في اليمن شيئاً فشيئاً ولاسيما بعد أن عمر بإخراجهم من الجزيرة استناداً إلى حديث يعزونه إلى محمد هذا منطوقه: "لأخرجن اليهود والنصارى عن جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً". والظاهر أن هذا لم يتم بالحرف فإن لدينا عدة شواهد على وجود النصارى في اليمن في ايام الخلفاء فمن ذلك ما ورد في أعمال طيموتاوس الكبير بطريرك النساطرة أنه سام أسقفاً على نجران وصنعاء اسمه بطرس في أواخر القرن الثامن وجاء في كتاب الفهرست لأبي الفرج بن النديم (ص349) أن المؤلف اجتمع براهب من نجران في اليمن يدعى حسان كان أنفذه جاثليق النساطرة إلى الصين فعاد منها سنة 377 (988م) وأخبره بعجائبها. وجاء في تقويم الكنائس النسطورية الذي طبعه الخوري بطرس عزيز الكلداني (واليوم مطران سلست في العجم) عن بعض مخطوطات مكتبتنا الشرقية (ص7) في الحاشية أن البطريرك يوحنا الخامس أرسل كتاباً إلى حسن قسيس اليمن سنة 901م يجاوب فيه على 27 سؤالاً ألقاها عليه. وقال في الجدول أن في سنة 1210 للمسيح كان في صنعاء اليمن خمسة أساقفة للنساطرة. الأول مطرابوليط على صنعاء اسمه اسطيفانوس وتحت يده ثلاثة اساقفة إيليا وياولاها وشمعون لهم ثلاث كنائس وعدد المؤمنين عندهم 5.700. ثم كان أسقف لمدينة زبيد اسمه عبد يشوع وعدد المؤمنين فيها 2100 بيت. ثم ذكر نجران وقال أن في سنة 1260 كان لها أسقف يدعى يعقوب وأن في أنحائها كان 1400 بيت من النساطرة. وقال عن عدن أنها كان يوجد فيها سنة 1250م أسقف اسمه ميلو وأن جماعة النساطرة كانت 1300 بيت إلا أن أكثرهم قتلوا بالسيف أو عدلوا إلى الإسلام. هذا ما نقلناه عن هذا الأثر الذي يمكنا أن نقابله على غيره لنتأكد صحته. وفي القرن السادس عشر ذكر الكاتب الأسباني أوردينو دي سينالتوس (Ordeno de Cenaltos) أنه في رحلته إلى الغرب لقي بعض قبائل عربية اختفت به وأكدت له أن أصلها من قبائل نصارى العرب في اليمن. وقد أخبرنا المرسلون الكبشيون في عدن سنة 1895 انهم وجدوا في بعض أهل اليمن آثاراً مسيحية ظاهرة ورثوها من أجدادهم النصارى. الباب السادس النصرانية في حضرموت وعمان واليمامة والبحرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 إن بلاد حضرموت وعمان واليمامة والبحرين مجاورة لليمن فكان ملوك اليمن إذا قويت شوكتهم طمحوا إليها بالأبصار وأخلوها في سيطرتهم. إلا أن أخبار تلك الجهات نادرة جداً لايعرف إلا القليل من أمورها السياسية والأدبية والدينية. "حضرموت" ومنها بلاد مهرة ما وقع من جزيرة العرب شرقي اليمن بين اليمن وبحر الهند. روى ابن خلدون في تاريخه أسماء دولة مستقلة ملكت عليها بعد المسيح إلى أيام الحبشة فلما صارت اليمن في حوزة الحبش ملكوا أيضاً حضرموت ولذلك لم يذكر ابن خلدون لحضرموت أمراء بعد دخولهم إلى اليمن فنوه بسكوته إلى أنها دخلت في حكم الحبش. فلابد إذن من أن يقال أن النصرانية دخلت أيضاً في حضرموت مع أولئك الفاتحين بل دخلت قبلهم والدليل عليه أن قسماً كبيراً من كندة كانوا يسكنون في حضرموت ومعلوم أن النصرانية كانت الديانة الغالبة على كندة كما سترى. ثم إنه كان لحضرموت عدة مدن ساحلية ذكرها بطليموس الجغرافي كانت تقام فيها أسواق تجارية تقصدها الروم وغيرهم فكان أهل حضرموت يختلطون بتجار النصارى القادمين من أنحاء شتى فيدينون بدينهم. وكان يسكن بعض هؤلاء النصارى الجزائر المجاورة التي لدينا شواهد على نصرانيتها قبل الإسلام بزمن مديد. قال قزما الرحالة (Cosmas, P. G., T. 88, col. I69) : "وفي جزيرة تابروبانا التي يدعوها أهل الهند سيدليبا (وهي سيلان يدعوها العرب سرنديب) في بحر الهند كنيسة للنصارى مع عدد من الأكليريكيين والمؤمنين. وكذلك في مالي (ملبار) حيث يجنى الفلفل. وفي جزيرة كاليانا أسقف يسام في العجم ويرسل إليها. وفي جزيرة ديوسقريدس (وهي سقطرى القريبة من سواحل العرب) كذلك أكليريكيون يرسمون في العجم وهناك جم غفير من النصارى.. وخدمة الدين النصراني في تابروبانا يرسلون أيضاً بعد سيامتهم". وما يدل على علاقات هؤلاء النصارى مع سواحل العرب ما قرأناه في كتاب سلمة بن مسلم العوتبي الصحاري في أنساب العرب الذي مر ذكره (ص106) عن مهرة وسقطرى: وبجزيرة سقطرى من جميع القبائل من مهرة وهي جزيرة طولها 300 فرسخ وبها العنبر السقطرى ... وكان أهلها من أولاد الروم فدخلوا في نسب القمر من مهرة وهم معروفون. (قال) وبها عشرة آلاف مقاتل كانوا نصارى وذلك أنهم يذكرون أن قوماً من بلد الروم طرحهم بها كسرى فعمروا بذلك الموضع حتى عبرت إليهم مرة فغلبت عليهم وعلى الجزيرة. (قال) وقد يقولون أنه لم يكن بها روم ولكن رهبانية على دين الروم من النصرانية ثم دخلتها الشراة من مهرة وحضرموت وقتلوا من بها. وقد بقي قوم من النصارى في سقطرى حتى القرن السادس عشر كما ورد في رسالة للقديس فرنسيس كسفاريوس كتبها عند سفره إلى الهند وكان نزل إلى سقطرة ورأى فيها بقايا النصرانية فألحوا عليه بأن يسكن عندهم فلم يمكنه الأمر. ويثبت انتشار النصرانية في حضرموت ما جاء في كتاب طبقات ابن سعد في فصل الوفادات فذكر وفد حضرموت وأورد قول أحد الوافدين اسمه كليب بن أسد: أنت النبيّ الذي كنَّا نخبَّرهُ ... وبشَّرتنا بك التوراةُ والرسلُ فكفى بهذا دليلاً على وجود النصرانية في حضرموت. "عمان" شمالي حضرموت واقعة على شواطئ بحري الهند والعجم وحاضرتها صحار وكانت النصرانية دخلت إليها بواسطة دعاة أتوها من العراق. وفي التواريخ الكلدانية أسماء أساقفة كانوا في عمان منذ القرن الخامس وهم يدعونها مزون كما دعاها أيضاً العرب ونبه إليه ياقوت في معجم البلدان (4: 521) فممن ذكروه يوحنان سنة 424 وداود (544) وشمويل (576) واسطفان (676) . وفي جملة الرسائل التي بعث بها رسول الإسلام إلى الملوك رسالة وجهها إلى ملك عمان المسمى جيفر بن الجلندي من أزد عمان كان نصرانياً هو وأخوه عباد ويقال عبد وعبيد. فنصرانية الملك تشير إلى نصرانية البلاد الخاضعة له. وكان في عمان أديرة للنصارى يشير إليها صاحب الأغاني. وجاء في تاريخ ابن الأثير (1: 234) أن قيس بن زهير "لما تنصر ساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب بها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 "البحرين" هي البلاد الساحلية الواقعة في شرقي جزيرة العرب على سواحل خليج العجم حيث مغاص اللؤلؤ الشهير كان أهلها في الجاهلية من بني عبد القيس وهي إحدى القبائل المعروفة بنصرانيتها قال الشاعر ذو الرمة في بعض أحيائها (اطلب نسخة مكتبتنا الخطية ص 57) : ولكنَّ أصلَ امرئ القيس معشرٌ ... يحلُّ لهم أكلُ الخنازير والخمرُ وفي البحرين مغاص اللؤلؤ الشهير الذي لا يزال أهل تلك الأنحاء يستخرجون منه الدرر الثمينة وقد مررنا به في رحلتنا من بغداد إلى الهند. ولأهل البحرين عادات نصرانية تناقلوها أباً عن جد حتى اليوم وأشار إليها السياح الألمانيون الذين طافوا تلك البلاد حديثاً كصورة الصليب يرسمونها على جبهاتهم أو يطبعونها بالوشم على أعضائهم وكأكرامهم للخبز ذكراً بالقربان الأقدس. وقد لحظ ذلك منهم أحد آباء رهبانيتنا منذ ثلاثين سنة في دمشق وكان قوم منهم قصدوها للارتزاق. وكانت بلاد البحرين والإحساء المجاورة لها تحت حكم الفرس منذ ظهور الإسلام وكان أهل الأرض كما أثبت ياقوت في معجم البلدان (1: 508) "من المجوس واليهود والنصارى" وكان العامل عليها أحد بني تميم المتنصرين اسمه المنذر ابن ساوي. ومن أشرافها النصارى عند ظهور الإسلام بشر بن عمرو المعروف بالجارود وكان سيد عبد القيس والمؤرخون العرب يذكرون أنه مسلم ومات سنة 61 هـ (681م) . وكان للنساطرة في بلاد البحرين اساقفة وخصوصاً في قطر وهم يسمونها بيت قطرايا وقد ذكروا في مجمعهم الذي عقده سنة 585 الجاثليق يشو عياب أهل البحرين المنتصرين ويأمرونهم بالكف عن الشغل يوم الأحد إن أمكنهم الأمر وإلا اعفوهم م ن ذلك لأجل الضرورة. وقد ثبت هؤلاء النصارى على دينهم بعد الإسلام كما يظهر من مجمع آخر نسطوري عقد سنة 57 هـ (676م) دبر فيه الآباء عدة أمور دينية. ومنه يظهر أن بلاد البحرين كانت حافلة بالكنائس والأديرة ودعاة الدين وكان إذ ذاك على قطر اسقف اسمه توما. وكان لقصبة بلاد البحرين وهي هجر اسقف يدعى اسحاق ذكر في مجمع النساطرة سنة 576 ثم ذكر اسقف آخر يدعى فوسي سنة 676. زمن جزائر البحرين دارين ويقال ديرين ذكرها في تواريخ النساطرة ثلاثة اساقفة وهم بولس سنة 410 ويعقوب سنة 585 ويشوعياب سنة 676. ومنها أيضاً جزيرة سماهيج (وفي السريانية مشمهيج) في وسط البحر بين عمان ولابحرين (ياقوت 3: 131) كانت فيها كنيسة مسيحية وفي المجامع النسطورية (Chabot, 273, 275, etc) أسماء ثلثة اساقفة تولوا تدبيرها وهم باطلي والياس (410) وسركيس (576) . ومن مدن الاحساء الخط وهي بلدة تنسب إليها الخطيَّة وكان الفرس يدعونها بيت اردشير وكان للنساطرة فيها كنائس ذُكر من اساقفتها اسحاق سنة 576 وشاهين سنة 676. (اليمامة) وربما سميت بالعروض والجو وتلحق بإقليم الأحقاف وهي مفاوز متسعة في الجنوب الغربي من عمان بين الاحساء شرقاً والحجاز غرباً كانت قصبتها. تاريخ النصرانية في جزيرة العرب حُجْر بفتح فسكون كبيرة، والعرب يجعلون فيها قوماً من الجبابرة من طسم وجديس. وما لا ينكر النصرانية انتشرت في تلك الأنحاء بعد قسطنطين الكبير فان عمرو بن متى في كتاب فطاركة الشرق ذكر أن عبد يشوع السائح بشَّر بالنصرانية في جهات اليمامة في آواخر القرن الرابع للمسيح. وكان معظم سكان اليمامة قبل الإسلام بني حنيفة ممن يشهد الكتبة المسلمون على نصرانيتهم وكان يملك عليهم قبل ظهور الإسلام بقليل هوذة بن علي الذي كان أسر قوماً من بني تميم ثم اطلقهم يوم عيد الفصح كما ذكر ابن الأثير في تاريخه (ج1 ص260 من طبعة مصر) فقال الأعشى يمدحه لفعله: بهم يقربُ يومَ الفصح ضاحيةً ... يرجو الالهَ بما أسدى وما صنعا على أن بعض الكتبة زعموا أن بني حنيفة كانوا يعبدون صنماً من عجين ثم آتت عليهم سنة فآكلوه فهجاهم البعض بقوله: أكلت حنيفة ربها زمن التقحُّم والمجاعهْ ... لم يحذروا من ربهم سوء العقوبة والتباعهْ وعندنا أن هذه الشكوى باطلة وأن الذين نسبوا إلى بني حنيفة أكل صنم من عجين إنما خذعوا بما رأوه من تقربهم من القربان الأقدس فان الأصنام لا تتخذ من العجين ولا تسد جوع كثيرين في أيام القحط فضلاً عن كون الأقط اليابس العتيق لا يصلح لأكل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ومما يدل على نصرانية اليمامة مقاومة أهلها للمسلمين تحت قيادة مسيلمة الذي عرف بالكذاب وكان نصرانياً هو وسجاح التغلبية امرأته. وقبل أن أمر مسيلمة المذكور قد تفاقم حتى خاف المسلمون فتنته وكان يتلو قرآناً كرسول المسلمين ذكره عبد المسيح الكندي في رده على الهامشي (ص87 من طبعة اكسفرد) فدخل عليه قوم ليلاً واغتالوه وكفروا شره. هذه بعض شواهد على وجود النصرانية في البلاد العربية المتوسطة بين اليمن والعراق المجاورة لبحر الهند وخليج العجم وفيها دلائل كافية على ما كان للدين المسيحي من النفوذ في تلك الجهات التي لم يفدنا عنها المؤرخون إلا الفوائد الزهيدة النصرانية في العراق الباب السابع النصرانية في العراق ان صعدت من بلاد البحرين وجهات الاحساء انتهى بك المسير إلى مفاوز واسعة يحدها شرقاً خليج العجم وغرباً بوادي قحلة جرداء لكن شمالها أراضٍ طيبة كثيرة الخيرات تعد من أخصب بلاد الله يسقيها النهران الكبيران الفرات ودجلة فيجعلانها جنات غناء تزاحمت على ملكها الأمم القديمة من بابليين وكلدان واشوريين وشبعت من دسمها ووفرة غلاتها. وكان العرب يدعون تلك الأنحاء بالعراق ويخصون باسم السواد الأرياف المجاورة لبوادي العرب. والعرب منذ سالف الإعصار كانوا لا يزاولون يراقبون لتلك البلاد طامعين في ثروتها حتى إذا وجدوا غرة من عمال الأمم الملكة عليها غزوتها وبسطوا أيديهم إليها ريثما يزحف إليهم من يردهم إلى بواديهم. وكان ملوك العراق في الغالب يفضلون محالفتهم فيجعلون كحرس ثغورهم وسور مملكتهم على شرط أن يعطوا حظهم من مستغلات تلك الجهات ويسرحون في مراعيها قطعانهم. لكن القبائل المحالفة لمماليك العراق كان يحسدها على هناء عيشها غيرها من العشائر فتسير إليها من الجنوب ولا تزال تزاحمها إلى أن تغلبها على منازلها فتسكنها معها أو بدلاً منها. ومن القبائل التي ذكرها المؤرخون ووصفوا سيرها إلى سواد العراق قبائل يمنية من الازد تركوا بلاد اليمن سواء كان ذلك لانفجار سد مأرب على قولهم أو لأسباب أخرى كالمزاحمة وتوفر النسل فعدل قسم منها إلى غرب البلاد نحو الشام وهم الغسانيون تحت امرة جفنة بن عمرو بن ثعلبة وتوقل القسم الآخر في الشمال تحت قيادة مالك بن فهم واذ وجدوا في تلك الجهات عشائر من اياد ولخم وغيرهما انضموا إلى بعضها وقهروا البعض الآخر حتى رسخت ثمَّت قدمهم وثبتت كلمتهم بل أخذوا يسعون في ضبط زمام السلطة على كل القبائل التي هناك ففازوا بمرغوبهم وانشأوا لهم دولة تعرف بدولة المناذرة كان أول ملوكها جذيمة الأبرش فاستولى على جهات السواد الواقعة غربي الفرات واتخذ له مدينة الأنبار كقاعدة ملكه ثم نقلها خلفاؤه من بعده إلى الحيرة ولم يزالوا يتتابعون في الملك عليها إلى ظهور الإسلام فغلب خالد بن الوليد ملكها الأخير المنذر بن النعمان أبي قابوس سنة 11 للهجرة (633م) . وكان ملوك الحيرة في مدة دولتهم مخالفين لملوك العجم من السلالة الساسانية بينما كان أخوتهم الغسانيون احلافاً للروم في بادية الشام. وان اعتبرنا دين عرب العراق وجدنا الشرك شائعاً بينهم كما في بقية جهات العرب وجرت عندهم عبادة الكواكب والسيَّارات السبع كما ألفها عرب اليمن والكلدان أهل العراق ولعله دخل في دينهم أيضاً شيء من ديانة المجوس كتعظيم الشمس والنيّرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أما النصرانية فكان لها فيهم تأثير عظيم. وهذا ما يلوح من الآثار القديمة التي ورد فيها تاريخ تلك البلاد بعد السيد المسيح فلما أشرقت شمس النصرانية سار دعاتها إلى ما بعد النهرين والجزيرة والعراق فدعوا إليها أهل تلك الأقطار الذين لبوا دعوتهم وانتظمت الجموع الغفيرة في سلك النصرانيةٍ. وإذ كانت العرب ممتزجة مع سكان تلك الجهات اقبلوا هم أيضاً إلى التدين بها وجحدوا عبادة الأصنام والكواكب. ولنا على تنصر عرب العراق شواهد سبق بعضها عهد مالك بن فهم فمن ذلك ما رواه كتبة الكلدان عن أول من بشر بالدين المسيحي في مواطنهم وكان العلاقة يوسف السمعاني في مكتبته الشرقية (4:5 30) جمع عدة شواهد من أقوالهم تصرح بانتشار النصرانية في العراق ونواحي اشور وبابل على يد الرسشولين توما وبرتلماوس وبدعوة ثلاثة من المبشرين الأولين أعني ادي أو تداي أحد السبعين وتلميذيه اجي وماري. لكن كثيراً من علماء التاريخ لم يسلموا له بصحتها اذ رأوها حديثة العهد من القرن العاشر فما بعد لكن الاكتشافات الحديثة في السريانية لم تبق ريباً في الأمر اذ تثبت أن ادي الذي يعتبره الكلدان كرسولهم كان حقاً من تلامذة السيد المسيح وأن بشارته في جهات العراق لا يجوز نكرانها. فان اقدم التاريخ الكلدانية من القرن الخامس إلى التاسع التي نشرت مؤخراً كتاريخ "برحد بشابا عربايا" وتاريخ "مشيحا زخا" وشعر نرساي في القرن الخامس وشهادة آباء مجمع المدائن المنعقد في بلاط الملك كسرى سنة 612 وأعمال الشهداء والكتب الطقسية القديمة كلها تشير إلى بشارة الرسول ادي كما أن بعضها يروي اعمال اقديس ماري تلميذ ادي. وفي الشواهد عن هؤلاء المبشرين الأولين للكلدان ربما ذكروا أيضاً تبشيرهم لنواحي العرب. قال صاحب كتاب النحلة من كتبة القرن السابع: "وكان الداعي والمنصر والمتلمذ والمدبر بالجزيرة والموصل وأرض بابل والسواد وما والاه من بلاد التيمن والحزة ونواحي العرب من التلاميذ السبعين ادي وماري ولحق بهما من التلاميذ الاثني عشر ناثنيل وهو ابن ثلماي (أي برتلماوس) . وقد قال سليمان بن ماري عن هذا الرسول (ص5) : ان برتلماوس تلمذ مع ادي وماري "نصيبين والجزيرة والموصل وأرض بابل والسواد وبلاد العرب وأرض المشرق والنبط". وقد سبقهما القديس أفرام الكبير في القرن الرابع وذكر بشارة ادي إلى الرها والمشرق في الميمر الذي مدح فيه مدينة الرها. أما ماري فان ذكره لا يكاد يفترق عن ذكر ادي في الشواهد السابق ذكرها كالكتب الطقسية النسطورية وأعمال المجامع وترجمته الموما إليها وكلها تشير إلى دعوته بين العرب في بلاد ميشان وسواد العراق وسكان الخيام. قال ابن ماري في تاريخ فطاركة المشرق: "انَّ ماري بادر إلى تلماذ جميع نواحي ارض بابل والعراقين والأهواز.. وبلاد العرب سكان الخيم ونجران وجزائر بحر اليمن" وقد روى الطيب الذكر السيد عبد يشوع خياطة في مقدمة أعمال ما ماري ان ذخائره وجدت سنة 1879 مع ذخائر يشوع سبران أحد شهداء القرن السادس بين آثار كنيسة قديمة موقعها في كرملاء شرقي الموصل. فهذه الشواهد من شسأنها أن تزيل الشك في تارخية ماري التي ارتابت فيها البعض. قلنا أن بعض قبائل العرب كانت سبقت مالك بن فهم في سكني العراق من جملتها بنو اياد الذين يذكر المؤرخون تنصرهم منهم البكري في معجم ما استعجم (ص48) . وقد أشار شاعرهم لقيط بن يعمر الايادي إلى بيعهم في قصيدته العينية التي كتبها ليحذرهم من غزوة كسرى وهي من أقدم الآثار العربية فقال: تامت فؤادي بذات الجزع خرعبةٌ ... مرَّت تريدُ بذات العذبة البيَعا ففي ذكره للبيع في ديار اياد على عهد كسرى شاهد على شيوع النصرانية بينها منذ القرن الرابع وهذا يخالف رواية ابن دريد في الاشتقاق (ص 105 Wustenfeld ed.) حيث أخر تنصرهم قائلاً: "اياد قدم خروجهم من اليمن فصاروا إلى السواد فالحت عليهم الفرس في الغرة فدخلوا الروم فتنصروا". وكان أيضاً بين قبائل العراق قوم من لخم. وفي السيرة الحلبية (طبعة مصر 3: 95) إن بني لخم كانوا من عدد القبائل المنتصرة. لكن الكاتب لم يذكر رمن تنصرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 ولما ظفرت النصرانية بالدين الوثني في الدولة الرومانية بجلوس قسطنطين على منصة الملك بلغ صدى ذاك الانقلاب حتى العراق وحدثت نهضة جديدة ساقت الألوف المؤلفة إلى التنصر رغماً عن معارضة ملوك العجم حتى كادت النصرانية تعم تلك الأنحاء كلها وتستأصل شأفة المجوسية لكنه قام سابور ذو الاكتاف وسفك دماء النصارى مدة ملكه الذي دام سبعين سنة فضحَّى 160.000 من المسيحيين الذين كانوا في دولتها. وأعمال هؤلاء الشهداء ق كتبها شهود عيانيون تعد رواياتهم من أصدق وأثبت التواريخ نشرها المعاني ونقلها إلى اللاتينية. ولا غرو أن بين هؤلاء الشهداء كان أيضاً قوم من العرب المنتصرين كما يستدل من أمكنة استشهادهم وبعض إعلامهم كعبد الله والحارث وعزيز وحبيب الخ وقد ذكر الياَّ النصييني اساقفة على البصرة (وكان اسمها فرات ميشان) منذ السنة 310 وقد شهد المؤرخون أن سياحاً من النصارى كانوا يعيشون بين احياء عرب العراق منذ أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع ذكرهم المؤرخ سوزمان ودعاهم بالرعاة لأنهم كانوا يعيشون في البراري ويقتاتون من النبات وروى ذلك المؤرخ "أنهم بحياتهم النسكية وفضائلهم العجيبة ردوا كثيرين من العرب والعجم إلى الدين النصراني". ثم تبع هؤلاء السياح رهبان غيرهم جروا على مثال رهبان الصعيد وأخذوا عنهم طرائقهم النسكية فكثيرون منهم اشتهروا في جهات العراق وفي البلاد التي كان يسكنها العرب. وممن خصهم بالذكر قدماء الكتبة الراهب حنا الكشكري الذي سكن في بلاد جرم وابتنى ديراً هناك نحو سنة 320. وذكر تاودوريطس المؤرخ القديس سمعان القديم فروى أنه كان تنسك في بلاد "الاسماعيلين" مختفياً في بعض المجاهل إلا أن العرب اكتشفوا مكانه وأتوه جموعاً متكائفة ليسمعوا تعاليمه وينالوا منه الشفاء لمرضاهم. فاجاب إلى ملتمسهم لكنه لم يزل يراقب الفرصة ليهرب من لجاجهم ويبقى معتزلاً في مناجاة ربه. ويروى عن القديس يليان سابا أي الشيخ أنه ساح في بلاد العرب مع تلميذه المسمى يوحنا الفارسي في غضون ذلك القرن السابع. وفي هذا القرن نفسه كانت القبائل اليمنية من آل نصر بن ربيعة الازدي التي انتقلت من جنوبي العرب إلى الشمال فألقت في جهاتها عصا التسيار وأخذت تقوى وتنمو وتضم إليها شتات القبائل العربية لتملك عليها. وكان بين ملوكها الأولين المسمى امرؤ القيس بن عمرو المعروف بالبدء الذي طالت مدة ملكه إلى أواسط القرن السابع. ومما يجدر بالذكر أن الكتبة يؤكدون تنصره قال ابن خلدون في تاريخه نقلاً عن ابن الكلبي وغيره (طبعة مصر 1: 263) : "ولما هلك عمرو بن عدي ولي بعده على العرب وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة امرؤ القيس بن عمرو ابن عدي ويقال له البدء وهو أول تنصر من ملوك آل نصر وعمال الفرس". ولسنا نحن نرى في الأمر عجباً بعد ما روينا عن أمور النصرانية في اليمن فهذه القبائل المهاجرة إلى الشمال كانت عرفت الدين المسيحي في مواطنها فبقيت حميرته فيها عند انتقالها إلى العراق. يؤيد ذلك ما رواه القزويني من أمر "الأنبياء" الذين أرسلهم الله إلى بني حمير ليردوهم إلى الله قال: "فيعث الله ثلاثة عشر نبياً (لأهل اليمن) فكذبوهم". لكن المسعودي في مروج الذهب (3: 393) ذكر توبتهم على يد أولئك الرسل وانتظام أمورهم فقال: "وأزال الله انعامهم وأموالهم فقالوا لرسلهم: ادعوا لنا الله أن يخلف علينا نعمتنا ويرد علينا ما شرد من أنعامنا ونعطيكم موثقاً أن لا نشرك بالله شيئاً فسألت الرسل بربها فاجابهم إلى ذلك وأعطاهم ما سألوا فاتسعت بلادهم وأخصبت عمائرهم إلى أرض فلسطين والشام". وقال القزويني: "إن ذلك كان بين مبعث عيسى والنبي" فتعين بقوله هذا أن هؤلاء الأنبياء أو الرسل ما كانوا الا دعاة لدين المسيح كما يستدل عليه من الشواهد السابقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 ولنا دليل آخر على تنصر تلك القبائل اليمنية في العراق وذلك ما ذكره المؤرخون عنها فقالوا ان قبائل من قضاعة من تيم اللات وكلب بن وبرة والأشعريين مع قوم من الأزد تحالفوا وتآخوا فدعوا تنوخاً ونزلوا جهات البحرين ثم العراق ما بين الحيرة والانبار وتنصروا. قال ابن خلكان في ترجمة أبي العلاء المعري (ص 49 ed. De Slane ("تنوح اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديماً بالبحرين وتحالفوا على التناصر وأقاموا هناك وسموا تنوخاً. وتنوخ احدى القبائءل الثلاث التي هي نصارى العرب وهم بهراء وتنوخ وتغلب". أما تنصرهم في القرن الرابع فيؤخذ من قول صاحب الأغاني عن سابور ذي الأكتاف لما حاربهم وكان شعارهم شعار المسيحيين. قال (11: 162) : "ونزلت تنوخ بالبحرين سنتين ... حتى نزلوا الحيرة فهم أول من اختطها.. ثم أغار عليهم سابور الأكبر فقاتلوه فكان شعارهم يومئذ: آل عباد الله فسموا العباد". ولعل الدير ين أي دير الجماجم بظاهر الكوفة ودير الحريق قرب الحيرة اللذين ذكرهما ياقوت في معجم البلدان (2: 652و 664) قد أنشأهما نصارى العرب في العراق تذكاراً لأؤلئك الشهداء الذين قتلهم سابور لأجل إيمانهم وفي روايات نقلها ياقوت ما يلمع بذلك. وجاء في روايات أخرى فيه عن ابن الكلبي إن دير الجماجم بناه بنو عامر شكراً لله على ظفرهم ببني ذبيان وبني تميم بعد حرب وقعت بينهم. أما دير الحريق فبني تذكاراً لقوم أحرقوا بالحيرة. وما لا ينكر وتثبته الشواهد التاريخية أن الأديرة كثرت في أواخر القرن الرابع للمسيح في جهات العراق التي كان يسكنها العرب. فان القديس أوكين الذي كان نشر العيشة الرهبانية في بلاد الجزيرة وما بين النهرين أرسل عصبة من تلاميذه حتى اقاصي العراق وما عتمت الآداب الرهبانية ان انتشرت فيها على يدهم أي انتشار خصَّ منهم المؤرخون بالذكر الراهب يونان أو بونس الذي شيد دير ين الواحد في الأنبار قاعدة اللخميين قبل سكانهم في الحيرة على الفرات والآخر بقرب نبنوى. وقد عرف العرب الديرين كليهما فذكرهما ياقوت ودعا الأول (2: 701) دير ما يونان والثاني دير يونس قال عن هذا الأخير (2: 710) أنه"في جانب دجلة الشرقي مقابل الموصل وبينه وبين دجلة فرسخان وأقل وموضعه يعرف بنينوى". وفي التواريخ الكلدانية القديمة أن يونان المذكور طاف بلاد السواد وبشر العرب بالمسيح وكان قبل أن يزهد بالدنيا يتعاطى العلوم الفلسفية ويزاول الطل فحببه ذلك إلى العرب وكافة أهل السواد. ولما ابتنى ديره في الأنبار كثر عدد الطالبين اللترهب تحت تدبيره. وفي النصف الثاني من هذا القرن الرابع تولى أحد رهبان النصارى اسمه عبداً بناءً الأديرة في أنحاء العرب فقدم على جاثليق المدائن المسى تموز أو تومرصا ونال منه الرخصة في ذلك فبنى هو ديراً كبيراً في دير قنى أو درقان وطنه على اسم ما ماري حيث كانت ذخائر ذاك الرسول. وبنى تلاميذه أديرة أخرى منهم تلميذه عبد يشوع الذي شيد على نهر صرصر الدير المعروف بالصليب حيث كام ظهر صليب منير في أيام استشهاد المسيحيين على يد سابور باغراء المجوس. وشيد ديراً آخر في باكسايا في سواد لاعراق ثم ديراً ثالثاً عند الفرات. وأخبر المؤرخ ابن ماري (ص29) أنه تلمذ العرب في متوث وميشان واليمامة ورد بني ثعلبة إلى الإيمان فجعله تومرصا اسقفاً مقامه في دير محراق. ومنهم تلميذه يبالاها الذي رد أقواماً من العرب في أرياف الفرات وابتنى ديراً في دسكرة السواد وديراً آخر على ضفة النهر قيل أن عدد رهبان ديره قد كثر حتى ضاق بهم الدير مع سعته فبلغوا الأربعمائة بنيف وكان الرهبان من أنحاء شتى يتكلمون لغات مختلفة فجعلهم أربعاً وعشرين فرقة يتعاقبون في تلاوة الفرض الالهي ليلاً ونهاراً فيتلون الصلوات والتسابيح في لغاتهم أي السريانية واليونانية واللاتينية والقبطية. وكان سبقه إلى ذلك في هذه المناسك راهب آخر اسمه اسكندر الذي أنشأ طائفة الساهرين (Acemetes) لمواصلتهم الصلاة ليلاً مع نهار. وقد ذكر سليمان بن ماري في تاريخ فطاركة كرسي المشرق (ص21) وعمرو بن متى في المجدل (ص28) كثيراً من هذه الأديرة واختصروا تواريخها عن كتبة معاصرين أخصهم أّحي تلميذ مار عبداً الذي وضع ترجمة حياة معلمه ثم صار بعد ذلك بطريركاً على الكلدان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 فهذا العدد الوافر من الأديار وكثرة المترهبين فيهما دليل واضح على سطوع ضياء النصرانية بين عرب العراق في ختام لاقرن الرابع للمسيح. فان كل دير منها كان كينبوع من المياه الحية يسقي تلك الأرجاء فينبت للخلاص الثمار الطيبة. وكان المنتصرين يمارسون من الفضائل اسماها ومن الأعمال المبرورة أفضلها وأولاها حتى أنهم ما كانوا يحجمون عن الموت والعذابات لأجل دينهم كما يروى عن السفراء الثلاثة الذين أوفدهم ملك العجم إلى القيصر يليانوس المارق سنة 361 وأسماؤهم مانويل (أو عمانويل) وشابيل وةاسماعيل اراد يليانوس ان يغصبهم على السجود للأصنام فأبوا وماتوا في سبيل دينهم القويم في القسطنطينية وأعمالهم مدونة في مجموع اليولنديين (Acta Sanctorum, d. XVII Junii) . وكان قبلهم سفيران آخران (سنة 250) قد وفدا على دقيوس من قبل الفرس اسمهما عبدون وسنان وفضلا الموت على جحود النصرانية فقتلا في رومية وعيدهما في الكنيسة في 30 تموز وبعد هؤلاء نساك الرعاق بزمن قليل قام في الكنيسة الانطاكي قديس آخر اشتهر في الشرق والغرب معاً نريد به القديس سمعان العمودي المولود نحو سنة 360 للمسيح الذي رقي عموده في الجبل المعروف باسمه في جهات إنطاكية وأضحى بعد مدة كمنارة استضاء بها العالم كله. وسيرته قد كتبها أحد تلاميذه المسمى انطون فنشرت في أعمال الآباء اللاتينيين (Migne, P.L. t. 73, P. 329) وكتبها أيضاً تاودوريطس معاصره الذي كان يتردد عليه وهو من أوثق المؤرخين وأصدقهم رواية. وكذلك روى أعماله كثيرون من السريان فنشرت تآليفهم في هذه المدات الأخيرة. ومن يتصفحها ما ناله العرب من فضل القديس سمعان. وقد مر لنا ذكر الحميريين الذين كانوا يقصدونه من اليمن. وكان العراقيون من العرب ينتابونه بشوق أعظم لقربهم منه. اسمع ما كتبه تاودوريطس اسقف قورش بعد أن شاهد عياناً العجائب التي كان يأتيها العمودي قال عن العرب ما نروي قسماً منه معرباً: "انَّ مقام سمعان على عموده قد أنار قلوب الألوف المؤلفة من بني إسماعيل فكانوا يأتونه أفواجاً فيتقاطرون إليه تارة مائتين وتارة ثلاثمائة وأحياناً ألوفاً فيجحدون لديه اضاليل أجدادهم وربما حطموا أمامه اصنامهم ولعنوا باغرائه الزهرة وعبادتها النجسة ثم كانوا يتلقون التعاليم الخلاصية ويذعنون للبشارة الانجيلية. وقد حصل لي خطر على حياتي من تزاحمهم علي لأن القديس سمعان كان يأمرهم أن يطلبوا مني البركة الاسقفية مؤكداً لهم أنها تعود عليهم بالخير فكانوا اذ ذاك يقحموت علي من كل جانب من الأمام والوراء والجانبين ويركب بعضهم على أكتاف البعض ويمدون إلي ايديهم ليلتلمس مني البركة ولولا أن القديس سمعان كان يزجرهم لكنت تأذيت من لجاجهم واردحامهم عليَّ". وقد ذكر هناك تاودوريطس ومثله المؤرخ ايفاغريوس والكاهن قزما معاصره عدة عجائب وآيات باهرة صنها سمعان مع العرب وشيوخهم وادت ثقتهم به وتواردهم إليه وإقبالهم على استمعا أقواله. فمن ذلك ما أخبر به عن أمير قبيلة نقل غليه مخلعاً على سرير من مدينة الرقة فشفته القديس برسم إشارة الصليب عليه وصبغة بمياه المعمودية فعاد كمخلع الانجيل حاملاً سريره والحضور كلهم يشكرون الله على هذه النعمة السابغة وكذلك أخبر عن امير آخر كان تنصر ونذر بين يدي القديس أنه يصوم عن أكل اللحم فنسي نذره مرة وأكل قطعة من اللحم استحالت في جوفه إلى حجر كاد يلفظ به روحه لو لم يسرع إلى القديس الذي خلصه بصلاته. وأرسلت ملكة العرب من العراق وسألته أن يزيل عقمها وينال لها من الله ابناً ذكراً فنالته وأرسلته إلى رجل الله لينال بركته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وذكر تلميذ انطون في سيرته أن أميراً من امراء قبائل عرب الجزيرة دعاه مالكاً (Basilicus) قدم على القديس فوجد سمعان يصلي فوق موده فجثا تحته ينتظر نهاية صلاته ليطلب بركته وإذا بدودة كانت ترعى جسم القديس وكان يحتمل ذلك بصبر حباً لله سقطت قالتقطها الأمير ليحفظها كتذكار وذخيرة. فلحظ سمعان فعل الأمير فصرخ إليه: انك بفعلك هذا ايها الرجل الشريف قد كدرتني فكيف تمس ما ينتثر من جسدي من القذر. ففتح الأمير يده وإذا بالدودة قد استحالت إلى درة ثمينة فاراها القديس وقال: ليست هذه دودة بل درة. فأجابه سمعان: على حسب ليمانك قد صنع بك الرب فلتكن يدك مباركة طول حياتك. وانطلق الأمير فرحاً على أن بعض أمراء العرب غير المنتصرين لم يرضوا بفعل رعاياهم وخروجهم إلى بلاد الرومان وتنصرهم على يد سمعان العمودي. ومما أخبر المؤرخ قزماً الكاهن ان ملك الحيرة الذي دعاه بالنعمان وهو النعمان الأول الذي يلقبه العرب بالأعور لما استولى على ملك الحيرة بعد امرؤ القيس الثاني (نحو 390 'لى 420) امتعض من رحلة أهل الحيرة إلى القديس سمعان فاعلن لامر ملكي أنه ينهي تحت عقاب الموت الخروج إلى زيادة السائح. فما انتشر هذا الخبر حتى استولى الخوف على رعاياه فرأوا أن الطاعة لهذا الحكم الظالم أولى من التعرض للموت الأحمر. إلا أن الملك لم يلبث أن ندم على ما فعل. ففي ذات الليلة التي وليت صدور الحكم ظهر له القديس في الحلم وفي يده سيف ومعه حمسة رجال لابسين ثياباً بيضاء ناصعة فنظر إلى الملك شزراً وبكته على فعله ثم أمر الرجال أن يربطوه ويجلدوه جلداً مبرحاً دون أن يرثوا لعويله فلما يصير إلى التلف أمر بالكف عنه ثم سل السيف متهدداً وقال: "اياك اياك أن تعود إلى مثلها فبهذا السيف تقطع مفاصلك" فقام الملك وهو على آخر رمق ولما أصبح الصباح جمع حاشيته والغى حكمه أمامهم وحض شعبه أن يذهبوا إلى القديس كيفما شاؤوا. قال قزما المؤرخ: "وهذا الخبر رواه أحد قواد النعمان المسمى انطيوخس بن سالم وكان سمعه من فم النعمان ولما جاء ليزور القديس أخبر بما سمع أمام سمعان نفسه وأنا حاضر". وأردف الراوي قائلاً: ومذ ذاك الحين أطلقت الحرية لعرب الحيرة بأن يدينوا بالنصرانية ثم قال: والملك النعمان كان يريد بعد ذلك أن ينتصر ويزهد بالدنيا لكنه خاف من سطوة ملك العجم. (قلنا) ولنا في شهادة مؤرخي العرب ما يثبت هذه الرواية ويؤيد صحتها. فان المؤرخون قد رووا أن النعمان الأعمور بعد سنين من ملكه اجتمع بأحد النساك الصالحين المدعوين بالرابطة فزهده بالفانية ودعاه إلى ترك الدنيا وعبادة الله فلبى الملك دعوته ولبس معه المسوح وساحا في الأرض زهداً. وليس هؤلاء الرابطة على رأينا سوى رهبان النصارى الذين نبناً لك وفرة عددهم في جهات العراق وزهدهم بالعام. وفيما ذكرنا من تاريخ قزما مصداق على هذا الرأي. ولعل الدير الذي دعاه العرب بدير الأمور قد ابتناه نعمان الأعور المذكور لولا أن ياقوت (2: 644) نسب دير الأعور الواقع على قوله بظاهر الكوفة إلى رجل من بني حذافة ابن زهر بن اياد وقد مر بك أن بني اياد من أقدم قبائل العرب المنتصرة. ولا غرور أن تنصر هذين الملكين زاد النصرانية شأناً وعزاً في العراق. قال قزما بعد رواية انطيوخس بن سالم عن ندامة النعمان أن الدين المسيحي مذ ذاك الوقت نما نمواً عظيماً فكثر عدد الأساقفة والكهنة حتى ضاق عن الحصر. ولما قام الملك ازدشير الأول واضطهد النصارى في ملكه نال عرب العراق قسم من تلك المحن اظهروا فيها من الثبات ما غير بعد مدة أفكار الملك فتغاضى عنهم. وقيل أن امرأة الملك ازدشير نالت بشفاعة القديس سمعان الشفاء من مرض عضال فرغبت إلى الملك أن يكف الاضطهاد عن النصارى في مملكته. وفي القسم الأول من القرن الخامس بلغت النصرانية أوج فخرها وازدهارها في العراق. وكان الايمان كاثوليكياً محضاً لم يشب بشيء من اضاليل النساطرة واليعاقبة وكان الأساقفة حريصين على وديعة التعالم الرسولية كما ترى من أعمال مجمع المدائن الذي عقد سنة 410 فشذبت اضاليل آريوس وغيره من المبتدعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وفي هذا الزمان عرف القديس ماروثا رئيس اساقفة مياَّ فارقين الذي حظي لدى ملك العجم ازدشير الثاني وابرأ ابنته من داء عقام فنالت من أبيها الحرية التامة لنشر النصرانية ف يالعجم. وماروثا من كبار القديسين الشرقيين والمدافعين عن الإيمان المستقيم بهمته عقد مجمع ثانٍ في المائن سنة 4520 لاثبات عقائد الإيمان وحرم نسطور وفيه أيضاً أصبحت جهات الجزيرة ولا سيما العراق العربي كصعيد آخر بلغ فيها عدد الزهاد إلى ما تجاوز كل احصاء. فكانت الأديرة كمدن واسعة يسكنها ألوف من الرهبان يقضون فيها الحياة في الصلاة والشغل. ولو راجعت الفصل الذي خصه البكري في معجم ما استعجم (358 381) وياقوت الحموي (2: 610 739) وغيرهما بهذه الأديرة لرأيت أن بلاد العراق كان لها نصيب كبير منها وهم لم يذكروا غالباً الا ما ورد اسمه في شعر الشعراء كدير الأبلق في الأهواز ودير أبي يوسف فوق الموصل قريب من بلد وديارات الأساقف بالنجف بين قصري أبي خصيب والسدير وديري الأسكون بالحيرة وقرب واسط كانت فيهما مدارس للعلوم الدينية ودير اشموني نقرب بغداد ودير الأعلى بالموصل على جبل مطل على دجلة ودير باشهرا بين سامرا وبغداد ودير باعربا بين الموصل والحديثة على شاطئ دجلة ودير ميخائيل ودير الثعالب منسوب على ما نظن إلى بني ثعلبة المنتصرين قريب من بغداد عند الحارثية ودير الجرعة بالحيرة ودير الخوات بعكبرا ودير الخنافس على قلة جبل تشرف على دجلة ونينوى ودير درتا غربي بغداد ودير الدهدار بنواحي البصرة ودير النرندورد في الجانب الشرقي من بغداد ودير ستابور غربي دجلة ودير سمالو وكلاهما قرب بغداد ودير السوسي ينواحي سر من رأي (وهي سامراً) ودير الشاء بأرض الكوفة ودير صباعي شرقي تكريت ودير الطواويس بسامراً ودير العاقول بين مدائن كسرى والنعمانية ودير العجاج بين تكريت وهيت ودير العلث ودير فيثون وكلاهما بسامراً وديري القباب ةقةطاً من نواحي بغداد ودير القيارة عند الموصل ودير كردشير بين الري وقم ودير كوم من أعمال الموصل ودير مار فثيون بالحيرة أسفل النجف ودير مار سرجيس قرب سامراً ودير متى قرب نينوى ودير مديان على نهر كرخايا قرب بغداد ودير مر جرجس بالمزرفة قرية من منتزهات بغداد ودير مر ماري من نواحي سامراً ودير مر يحنا جانب تكريت ودير ملكيسارا فوق الموصل ودير هوقل في جهات البصرة وغيرها أيضاً تؤيد كثرتها ما قلنا عن انتشار النصرانية في العراق. والعرب لم يعرفوا فقط هذه الأديرة ورووا اسماءها في أشعارهم أو ذكروها في جملة أخبارهم بل نسب كثير منها الهم أو لوقوعها في ديارهم أو لأنهم عنوا بتشييدها وكل ذلك ما يزيد بياناً قولنا في نفوذ النصرانية بين عرب العراق. فمن ذلك ما ذكره البكري وياقوت أيضاً كدير ابن براق بظاهر الحيرة ودير ابن عامر ودير ابن وضاح ويسمى أيضاً دير مر عبداً بناه بذات الأكيراح من نواحي الحيرة عبداً بن حنيف بن وضاح اللحياني, ودير حنظلة المنسوب إلى حنظلة بن عبد المسيح بن علقمة بن مالك من بني لخم. ودير حنة دير قديم في الحيرة منذ أيام بني المنذر لقوم من تنوخ يقال لهم بنو ساطع. ودير حنة آخر بالاكيراح بناحية البليخ ذكره البكري (372) ثم قال: "والاكيراح موضع أيضاً موضع ايضاً بالحيرة فيه دير بناه عبد بن حنيف من بني لحيان الذين كانوا من لخم وملك الحيرة منهم ملكان". ودير خندف وهي ليلى بنت حلوان القضاعي ام ولد الياس بن مضر بن نزار. ودير السوا المنسوب إلى رجل من اياد وقيل إلى بني حذافة, ودير عبد المسيح المنسوب إلى عبد المسيح ابن عمرو بن بقيلة الغساني الشاعر واحد المعمرين موقعه في ظاهر الحيرة. ودير العذارى بين سر من رأى والحظيرة وكان يسكنه عدد من ابكار العباديين وعرب النصارى. روى ياقوت (2: 680) والبيروني في كتابه الآثار الباقية "أن أحد ملوك الحيرة اراد أن يختار منهن له نسوة فصمن ثلاثة أيام بالوصال فمات ذلك الملك في آخرها ولم يمسسهن ومذ ذاك أخذوا يصومون هذا الصوم المعروف بصوم العذارى". ودير علقمة بالحيرة منسوب إلى علقمة بن عدي بن الرميك من بني لخم ودير عمرو في جبال طيء. ودير قرة المنسوب إلى قرة أحد بني حذاقة بن زهر ابن اياد. ودير اللج للنعمان ملك الحيرة. ودير هند الكبرى وهند الصغرى وسنعود إلى ذكرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ويخبر عن المتعبدين في تلك الأديرة أو القلالي الممتدة بين الحيرة والبصرة أنهم كانوا يجتمعون في الأعيان فيحتفلون بها برونق وكان أهل تلك الأنحاء يخرجون إليهم فيحضرون حفلاتهم ويطلبون منهم شفاء مرضاهم. وكان النساك يعيشون غالباً من صيد الأسماك ومن حسنات المؤمنين. فهذه أديرة عديدة كلها من بناء نصارى العرب في جهات العراق. فلعمري أنها من أدل الأدلة وأجلى البينات على علو منار النصرانية بين عرب الجاهلية. وما قلناه عن الأديرة يجوز قوله عن عدة كنائس وبيع شيدها العرب وأشاروا بذلك إلى تقاهم وتحمسهم في الدين. وكانوا يتفاخرون ببناء البيع في احيائهم. قال الفيروزاباي: وكان في الحيرة كثير من الكنائس البهية وقال الزبرقان بن بدر التميمي لما وفد على محمد يذكر كنائس قومه (سيرة الرسول لابن هشام 935) : نحن الكرام ولا حيٌّ يعادلنا ... منا الملوكُ وفينا تنصب البيع وقال في معجم البلدان (2: 703) : "كان أهل ثلاث بيوتات يتبارون في البيع وربها (كذا) أهل المنذر بالحيرة وغسان بالشام وبنو الحارث بن كعب بنجران وبنوا دياراتهم في المواضع النزهة الكثيرة الشجر والرياض ولاغدران ويجعلون في حيطانها الفسافس وفي سقوفها الذهب والصور وكان بنو الحارث بن كعب على ذلك إلى أن جاء الإسلام". وقال ابن دريد في كتاب الاشتقاق (ed. Wustenfeld. 226) من بني عدي ومن بني لخم بنو عدي بن الذميل بن اسس لهم بيعة بالحيرة وكانوا اشرافاً". وكان يحق بنا ان نضيف إلى هذه الشواهد جدول الاساقفة الذين كانوا في القرن الخامس يدبرون كنائس العراق العربي كالأنبار والحيرة والبصرة وبيت عربايا وميشان وغيرها ولك ذلك يطول بنا فنشير إليه فقط اشارة خفيفة. لكن الحقيقة تضطرنا أيضاً أن نذكر ما أصيبت به كنائس باب والعراق. فان في أواخر القرن الخامس نفثت البدعة النسطورية فيها سمها وخدعت كثيرين من المؤمنين والأساقفة فاعاروا لها أذناً صاغية وانتموا إلى أصحابها. ثم قامت باثرهم البدعة اليعقوبية وانتشرت انتشاراً عظيماً في بلاد الجزيرة وبلغت أيضاً إلى انحاء العراق فقامت الحرب الدينية بين البدعتين على ساق وكانتا في البيعة الشرقية كالزوان الذي خنق الزراع الجيد الذي زرعه رب البيت. فلا غرور أن العرب انقسموا مع أهل تلك البلاد إلى قسمين فعدل قسم منهم ولا سيما أهل القبائل الواقعة شرقي الموصل حتى خليج العجم إلى النسطورسة بينما كان القسم الآخر ومقامهم على الأخص في غربي الموصل وفي ديار ربيعة إلى جهات الرها وتخوم حلب وحمص وحماة قد تبع اليعقوبية فابتدأ تقهقر النصرانية مذ ذاك الحين في الشرق فترى تاريخ الكنيسة الشرقية ينحصر غالياً في تاريخ الخصومات والمشاغبات الني سببتها تانك البدعتان أو ما كان ينوط بهما من البدع والمشاكل. وزاد في الطين بلة تداخل ملوك القسطنطي من الروم في أمور الدين فأقاموا نفوسهم كقضاء في المعتقدات المسيحية وكان منهم من يعضد البدع وينتمي إليها جهاراً كما فعل قنسطنسيوس ووالنس اللذان نصراالريوسية وكزينزن زانستاس المدافعين عن اليعقوبية وكهرقل الذي دفع عن بدعة المنوثليين فكنت ترى المجامع تتوالى منها كاثوليكية ومنها هرطوقية فتبطل هذه ما أثبتته تلك وكان الأحبار الرومانيون مهتمين وقتئذٍ بتهذيب أمم البرابرة التي هجمت على المملكة الرومانية فلا يستطيعون أن يداووا اسقام الشرق كما يشاؤون لبعد الشرق عن نظرهم أو أيضاً لما كانوا يجدونه في ملوك الروم وبطاركة القسطنطينية من المخالفة لأوامرهم فاصبح الشرق في هرج ومرج واختلت بذلك أمور الدين وانتقض حبل الإيمان نية المتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وأن تتبعنا تاريخ النصرانية بين عرب العراق في أواخر القرن الخامس ومدة القرن السادس وجدنا بينهم رجع صدى لهذه الحوادث الجارية في ظهرانيهم وهم منوطون في العراق بالكنيسة الكلدانية التي تبعت اضاليل نسطور وفي الجزيرة وديار بكر وربيعة وأنحاء الرها بالكنيسة السريانية التي غلبت عليها الهرطقة اليعقوبية وكان ملوك الحيرة أول من تأثر بهذه الحوادث فان السياسة قضت عليهم بان يتبعوا الدولة الساسانية التي بسطت حمايتها على النسطورية وعضدتها في بلاد العراق إلى نصيبين وذلك بغضاً بملوك الروم الذين كانوا يتقلبون حيناً مع البدعة اليعقوبية وحيناً مع الكنيسة الكاثوليكية. ونرى المؤرخين الروم واللاتين مضطرين في ايضاح تاريخ ملوك الحيرة فتتناقص فيهم اذ كانوا يرونهم في مصاف اعدائهم الفرس فيعضهم يجعلون وثنيين ويعضهم يذكرونهم في عداد النصارى ويروي غيرهم عن أمراء الجيش ما لا يصح إلا عن الملوك وبعكس ذلك ينسبون إلى الملوك ما أتاه الأمراء. وترى شيئاً من هذا الاضطراب في رواية السريان العرب. وها نحن نورد من ذلك ما نراه أقرب إلى الحق. خلف المنذر الأول في ملك الحيرة أباه النعمان بعد تنصره وزهده فملك 44 سنة (418 462) قضاها في حروب متواترة ضد الروم في خدمة ملوك الفرس لا سيما بهرام جور بن ازدشير الذي كان تربى بين عرب الحيرة. وكان بهرام عدواً للنصارى فامتحنهم في بلاد فارس وجوارها وصادرهم وقتل منهم كثيرين تعيد الكنيسة ذكراً لاستشهادهم وكأن المنذر وافقه على آرائه وعاد إلى شرك آبائه القديم. وأخبر سقراط المؤرخ معاصره أنه ددخل في بلاد الروم فنهب وسلب حرق وسبى وكان يقصد السير إلى القسطنطينية ليفتتحها لكنه لم يفلح وأصيب جيشه بكسرة عظيمة وقتل منهم ألف على قول سقراط وسبعون ألفاً على رأي الكتبة السريان وقام الملك بعد المنذر ابناؤه الثلاثة بالتوالي اعني نعمان الثاني (452 471) المعروف بابن شقيقة صاحب الفرقتين الشهباء ودوسر ثم الأسود (471 491) ثم المنذر الثاني (491 418) ولا نعلم من أمر دينهم شيئاً بل اخبارهم مضطربة لا تؤخذ سنداً لتاريخ واثبت منها أخبار النعمان الثالث ابن الأسود بن المنذر (498 503) الذي سها عن ذكره معظم مؤرخي العرب إلا حمزة الأصفهاني (ص104) وقال أن أمه كانت تدعى أم المالك وأنها كانت ابنة عمرو المقصور أحد ملوك كندة وجد امرئ القيس الشاعر غزا أيضاً الروم ونهب بلادهم وكان في خدمة الملك قباذ. ولعله هو هو الذي أشار إليه مؤرخو الروم لما ذكروا فتح الرفس لمدينة آمد فقالوا أن ملك العرب طلب أن لا يصيبوا باذى الذين التجأوا إلى كنيسة الأربعين شاهداً وفي هذا دليل إلى ميله إلى النصرانية لكنه بعد ذلك دالت عليه الدولة فكسره الرومان دفعتين. وأخبر يوشع العمودي المؤرخ السرياني أن النعمان مشى أخيراً إلى محاربة الرها قباذ ولما نهاهنا عن ذلك أحد ضباط جيشه النصارى وذكر له قصة الأبحر ملك الرها والسيد المسيح غضب عليه وشتم دينه وكان ذلك داعياً إلى موته إذ انتقض جرحه السابق فمات. فعين قباذ كخلفه في تدبير الملك رجلاً يدعوه أبو الفداء وحمزة الأصفهاني وغيرهما أب يعفر علقمة وهذا لم يكن من أبناء الملوك ولعله كان فقط ولياً للملك وإنما كان من إشراف اللخميين وأحد أبناء أسرة بني ذميل النصرانية التي سبق ذكرها فاستخلفه قباذ ولم يتول سياسة الدولة إلا ثلث سنوات ثم أقيم امرؤ القيس الثالث الذي لم تطل مدته (505 512) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وصار الملك من بعد امرؤ القيس إلى ابنه المنذر الثالث الشهير بابن ماء السماء الذي ملك 49 سنة (413 562) وماء السماء لقب أمه معاوية (ويروي مارية) ابنة عوف وقبل بل هي أخت كليب والمهلهل التغلبيين وأن اسمها ربيعة والعرب دعوها بماء السماء لكرمها ورقة طباعها. ويدعى أيضاً هذا المنذر بذي القرنين لضفيرتين كانتا له من شعره. وكان المنذر المذكور من أرفع ملوك الحيرة قدراً وأشدهم بأساً وهو الذي انتصر من بليزار أحد أبطال الروم في زمانه وكبير قواد يستنيان أما دينه فان شواهد المؤرخين متضاربة في تعريفه. وما يحصل منها أنه عرف النصرانية منذ حداثة سنه لأن أمه كانت نصرانية فلا شك أنها لقنته منذ صغره مبادئ الدين المسيحي لكنه لما كبر وتولى الملك تحت سيطرة ملوك العجم عدل إلى الشرك ودين المجوسية أو بالحري إلى مذهب مزدك أي المانوية بإيعاز ملك الفرس. والظاهر أنه في زندقته استقبل الوفد الذي أرسله إليه ذو نواس بعد قتله نصارى نجران كما أخبر الكاتب المعاصر شمعون أسقف بين أرشيم فطلب منه أن يقتفي آثاره ويقتل نصارى الحيرة فأثر كلام ملك اليمن في المنذر وأراد أن يختبر صدق إيمان المنتصرين من جيشه فدعا قوماً منهم وعرض عليهم جحود إيمانهم فقام أحد صناديد ضباطه فقال له: "أن تنصرنا قد سبق جلوسك على عرش المناذرة فهيهات أن تقنعنا بالعدول عن ديننا. وعلى كل حال إن كان رصفائي لا يثبتون في مذهبهم فإني لا أجحده مطلقاً ولست أخاف العذاب ولا الموت كما تحققت ذلك لما رأيتني في وقائع الحروب غذ لم يك سيفي أقصر من سواي". فلما سمع المنذر كلامه عرف أنه لايستفيد شيئاً فعدل عن قصده وترك كلا من جنوده يتبع دينه. وبقي المنذر على زندقته زمناً وعبد كبعض العرب اللات والعزى. ومما أخبره عنه المؤرخ زكريا الخطيب وميخائيل الكبير أنه انتهك في بعض حروبه حرمة الكنائس والأديرة فنهب وسلب وأسر في أراضي الرومان عدداً من الأسرى بينهم 400 من العذارى الراهبات قتلهن وقدمهن كذبائح للعزى. على أن المنذر لم يثبت في زندقته بل جحد الوثنية ونبذ مذهب مزدك. بل تنصر بعد ذلك كما يؤخذ من شهادات المؤرخين الروم والسريان والعرب. وقد روى صاحب الأغاني (19: 77) والقزويني (ص285) وغيرهما خبر تنصره في مطاوي ذكرهم للغريين قالوا أن المنذر المذكور غذ كان قتل في بعض أيام ثملته اثنين من أعز ندمائه عمرو بن مسعود وخالد بن المضلل أقام على قبريهما غريين أو طربالين واتخذ لهما يومين يوم نعيم كان يغني فيه من أتاه قبل غيره ويوم بوس كان يقتل فيه أول وافد عليه. فقتل في إحدى السنين عبيد الأبرص الشاعر ثم أتاه في سنة أخرى أحد مضيفيه المحسنين إليه في يوم صيده يدعى حنظلة بن أبي عفراء الطائي وهو يرجي خيراً فلم ير المنذر بداً من قتله لئلا يخنث برعده إلا أن حنظلة طلب تأجيل الحكم لمدة معلومة واتخذ له كفيلاً شريك بن عمرو الشيباني فلما جاء اليوم المعهود وكاد ينفذ الحكم في الكفيل رجع حنظلة مستعداً لقتل. وإذ قضى الملك المنذر منه العجب سأله ماذا دفعه إلى القيام بوعده فأجاب أن دينه النصراني دفعه إلى ذلك فتنصر الملك وأهل الحيرة معه. هذا ما رواه العرب. ومنهم من ينسب الأمر إلى النعمان الأول وغيرهم يروونه عن النعمان أبي قابوس إلا أن أصحاب النقد يرجحون أنه المنذر الثالث ابن ماء السماء. وهو يؤيد كما ترى ما قلناه عن تنصر المنذر. أما حنظلة فروى ياقوت (2: 655) أنه بعد نجاته من الموت زهد في الدنيا وابتنى ديراً قريباً من الفرات عند الرحبة دعي باسمه دير حنظلة وكان حنظلة عم إياس بن قبيصة الذي صار ملكاً على الحيرة بأمر ملك العجم كما سترى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وقد جاء أيضاً في تاريخ ابن العبري (مختصر الدول 148) أن المنذر كان يعتقد اعتقاد اليعقوبية كنصارى العرب إلا أن ابن العبري ليس مصيباً في ذلك ولعله انخدع بشهادة بعض المؤرخين اليعاقبة مثله. ولنا على صحة إيمان المنذر دليل لامع وهو ما رواه المؤرخ اليوناني تاوفانوس قال أن ساويرس البطريرك السرياني الدخيل أراد أن يجتذب إلى بدعته ملك الحيرة فأرسل إليه أسقفين ليقنعاه بأن في المسيح طبيعة واحدة وليس طبيعتين كما تعلم الكنيسة الأرثوذكسية. فالملك سمع كلامهما ساكتاً ثم فض كتاباً كان في يده فبدت عند قراءته الكآبة على وجهه فسأله الأسقفان: ما الأمر. فقال: قد أبلغني كاتب هذه الرسالة أن رئيس الملائكة قد توفي فهذا الخبر قد امعظني جداً. فضحك الأسقفان حتى قهقها وقالا للملك: كيف يمكن أن يموت ملاك لا جسد له فهذا كذب محض. فأردف الملك وقال لهما: وكيف أنتما تزعمان أن المسيح وهو ذو طبيعة إلهية مفردة قد مات. أليس هذا أعظم كذباً وضلالاً؟ ثم رد الأسقفين خائبين. فيظهر من جواب المنذر لهذين الأسقفين أنه ليس فقط كان نصرانياً بل كاثوليكياً يؤيد ذلك المؤرخ فكتور التونوي المتوفي سنة 556 فقال أن المنذر تعمد على يد أساقفة من أنصار المجمع الخلقيدوني. وكان هذا زالمجمع قد عقد سنة 451 وحضره أسقفان من العرب أوسطات ويوحنا فوقع كلاهما على أعماله باسم أسقف السراكسة أو الشرقيين. وعلى رأي البولنديين المشهورين بتدقيقهم في البحث أن البدعتين اليعقوبية والنسطورية لم تفشوا بين عرب العراق إلا بعد أواسط القرن السادس في أيام فيروز ملك العجم لما أطلق العنان لبرصوما. إلا أن السمعاني في المكتبة الشرقية (مج 3 الجزء 2 ص605) يرتأي أن البدعتين أخذتا في الانتشار منذ أواسط القرن الخامس ويأتي ببعض الشواهد لتأييد قوله. وكان للنسطورية في العراق السهم الأفوز. وكانت وفاة المنذر ابن ماء السماء في يوم حليمة أحد أيام العرب الشهيرة بين اللخميين وبني غسان. فضبط زمام الملك ابنه عمرو بن المنذر الشهير بعرو بن هند (562 574) واشتهر كابيه بعدة وقائع مع الروم وعرب غسان وعرب اليمامة وغيرهم. أما دينه فالنصرانية لنا على ذلك شاهد جليل رواه أبو عبيد البكري الوزير في معجم ما استعجم (ص364) وياقوت في معجم البلدان (2: 709) في وصف دير هند الأقدم أو دير هند الكبرى أم عمرو وابنة الحارث بن عمرو بن حجر الكندي قال: "وكان في صدره (أي صدر دير هند) مكتوب: بنت هذه البيعة هند الحارث بن عمرو بن حجر الملكة بنت الأملاك وأمة الملك عمرو بن المنذر أمة المسيح وأم عبده وابنه عبده في زمن ملك الأملاك خسرو وانوشروان وفي زمن أفرائيم الأسقف. فالإله الذي بنت له هذا الدير يغفر خطيئتها ويترحم عليها وعلى ولدها ويقبل بها وبقومها إلى أمانة الحق ويكون الإله (وروى ياقوت: الله) معها ومع ولدها الدهر الداهر". فهذا القول من أوضح البينات على نصرانية عمرو بن هند بل على نصرانية ملوك كندة كما ترى. وخلف عمر بن هند النعمان بن المنذر وهو صاحب عدي بن زيد الشاعر النصراني العبادي الشهير وعلى ما يستنتج من رواية مؤرخي السريان أنه كان نصرانياً قبل جلوسه على سدة الملك. أما العرب فيخبرون أنه تنصر على يد صهره عدي بن زيد زوج ابنته هند بنت النعمان ومارية الكندية المعروفة بالحرقة. وقد روى غير واحد منهم (راجع الأغاني 2: 34) أن النعمان مر بمقبرة فأنشده عدي أبياتاً زهدية (اطلب شعراء النصرانية ص441 442) كانت سبب تنصره بل روى أبو الفرج أنه "لبس المسوح وتنصر وترهب وخرج سائحاً على وجهه فلا يدري ما كانت حاله فتنصر ولده بعده وبنوا البيع والصوامع". على أنك رأيت مما سبق أن ملوك الحيرة تنصروا قبل ذلك وقد جاءت أخبار النعمان بن المنذر مضطربة فمنهم من أخبر أنه فتك بعدي بن زيد فقتله فقام ابن عدي المدعو زيداً كجده فسعى به لدى كسرى انوشروان فحبسه وقتله. وروى غيرهم ولعله الأصح أن قاتل عدي بن زيد إنما هو خلفه المنذر أبو قابوس. أما ابنته هند فزهدت بالدنيا وعمرت لها ديراً عرف بدير هند. ولهند هذه قصة مشهورة مع سعد ابن أبي وقاص بعد يوم القادسية ثم مع المغيرة بن شعبة الذي خطبها لما تولى الكوفة فردته رداً لطيفاً وماتت في رهبانيتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ومما لا ينكر أن النصرانية غلبت بعد ذلك على ملوك الحيرة وأهلها العرب حتى يجوز القول بأنها عمتهم قاطبة وأن المسلمين لما فتحوا مملكة المناذرة وجدوها مملكة نصرانية في دينها وآدابها وعاداتها. ومن بعض أصحابها أخذ العرب كتابتهم كما في مر الشرق (4: 278 282) وإن كانت بعض فروع الكتابة أتتهم أيضاً من نصارى النبط ومن أهل دومة الجندل ومن الحبشة كما ورد هناك أيضاً وأثبتته الاكتشافات الأثرية الأخيرة. وكان المتولي على عرب الحيرة في عهد الفتح الإسلامي إياس بن قبيصة الطائي كان كسرى أبرويز ولاه عليهم بعد وفاة المنذر ريثما يعين ملكاً من أبنائه فبقي على ولايتهم إلى دخول المسلمين الحيرة. ونصرانية إياس المذكور ثابتة لاشك فيها كما رأيت. الباب الثامن النصرانية في الجزيرة تتبعنا آثار النصرانية بين العرب في الجاهلية على حدود بحر فارس ثم وجهات العراق ورأينا ما خلفته لنا التواريخ من أخبار الدين المسيحي في الممالك الثلاثة الكبرى التي اقتسمت جزيرة العرب أعني دول الغساسنة والتبابعة والمناذرة. وحتى الآن لم نستوف مآثر نصارى العرب على التخوم الفاصلة بلادهم عن البلاد المجاورة. فمما لم نذكره حتى الآن السهول الواسعة والبقاع الرحبة الممتدة من جهات الموصل إلى مجرى الفرات المتوسطة بين الأرمن والشام. فهناك مفاوز متسعة يسقيها النهران الكبيران دجلة والفرات مع عدة أنهار تنصب فيها أخصها الخابور. فتلك البوادي التي كانت الأمم القديمة تتزاحم في ملكها لخصبها العجيب ووفرة خيراتها وسعة غلاتها ازهرت فيها مدن عددية وحواضر ممصرة لم يبق من أكثرها اليوم غير أخربة مهيبة أو مدن ثانوية تنبئ بعظم مقامها في القرون الغابرة منصيين ودارا ودنيسر وآمد وميافارقين وسعرت وماردين والرقة ورأس العين وقرقميش وقرقيسيا والرها التي يطلق على مجموعها اسم الجزيرة. فتلك البلاد المتدفقة بالنعم الزاخرة بالخير قد أحبتها منذ سالف الأجيال قبائل العرب سواء كانوا من أهل الحضر أو من أهل المدر إذ كانوا يجدون فيها ما يصلح لمعاشهم الساذج ولرعية مواشيهم فينتقلون إذا شاءوا من الأرياف إلى البراري ليس من يتعرض لاستقلالهم أو يتداخل في أمورهم غير شيوخهم وأمراء عشائرهم. وما يدل على انتشار القبائل العربية في الأنحاء المذكورة أعلامها المشيرة إلى قاطنيها كباعربايا وجزيرة ابن عمر وديار ربيعة وديار بكر وديار مضر وغير ذلك مما ينوه اسمه بأصل سكانه. فباعربايا أو بيت عربايا اسم لثلاثة أماكن احتلها العرب أخصها مدينة كانت قريبة من نصيبين. وجزيرة ابن عمر وعلى الأصح "ابني عمر" هي مدينة موقعها على دجلة يدعوها الكلدان بازبدي ثم نسبت إلى ابني عمر وهما على ما روى ابن خلكان "أوس وكامل ابنا عمر ابن أوس التغلبي". أما ديار بكر وديار ربيعة وديار مضر فقد أحسن في وصفها ياقوت في معجم البلدان (2: 636 638) فقال عن ديار بكر: "ديار بكر هي بلاد واسعة تنسب إلى بكر بن وائل ... بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وحدها ما غرب من دجلة من بلاد الجبل المطل على نصيبين إلى دجلة ومنه حصن كيفا وآمد وميافارقين. وقد يتجاوز دجلة 'لى سعرت وحيزان وحينى وما تخلل ذلك من البلاد ولا يتجاوز السهل". وقال عن ديار ربيعة: "ديار ربيعة بين الموصل إلى رأس عين ودنيسر والخابور جميعه وما بين ذلك من المدن والقرى وربما جمع بين ديار بكر وديار ر بيعة وسميت كلها ربيعة فإنهم كلهم ربيعة. وهذا اسم لهذه البلاد قديم كانت العرب تحله قبل الإسلام في بواديه واسم الجزيرة يشمل الكل". وقال في ديار مضر: "ديار مضر هي ما كان في السهل بقرب من شرقي الفرات نحو حران والرقة وشمشاط وسروج وتل موزن". أما القبائل التي كانت تسكن في تلك الجهات فكانت من ذرية نزار بعد معد كإياد بن نزار بعد فرارهم من تخوم العجم ومضر بن نزار منهم بنو النمر بن قاسط ولاسيما بني ربيعة منهم خصوصاً بنو تغلب وبني بكر وبني شيبان. قال أبو محمد الحسن الهمداني في كتاب صفة جزيرة العرب (ص132 éd. D. H. Müller) يذكر منازل تلك القبائل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 "ثم تأتي الفرات من بلد الروم شاقاً في طرف الشام على التواء إلى العراق فغربيه ديار كلب وشرقيه ديار مضر (فيها) من المدن الرافقة وهي على شط الفرات يسكنها أخلاط مضر. وحران موضع آلة القياس مثل الاسطرلابات وغيرها ... لبني تميم ومن يخالط بني سليم. والرها لبني سليم وكنيسة الرها التي يضرب بها المثل. ومربعا والخابور لبني عقيل أعلاه ولبني مالك وبني حبيب وبطون تغلب الباقي. ثم آخر ديار مضر رأس العين للنمر بن قاسط. (ديار ربيعة) وما خلفها. أولها وآخر ديار مضر رأس العين ثم كفرتوثا لجشم عن أياسرها مارة من موضع الجنات المضروب بها المثل وهي تطل على دارين ثم نصيبين. وهي دار آل حمدان موالي تغلب. فمن نصيبين إلى أذرمة والسميعية مسيرة يوم وعن ايمن ذاك جبل سنجار جبل شراة بين تغلب والشراة منها بنو زهير وبنو عمرو وثم من أيمن ذلك دهناً إلى رحبة مالك بن طوق وقرقيسيا ثم ترجع إلى أذرمة إلى برقعيد وهي ديار بني عبد من تغلب ... ثم منها إلى بلد شراة وغير ذلك إلى حد الموصل. وإن أردت بعد أرض الموصل مررت بتكريت وكان (نهر) الثرثار عن يمينك. وأكثر أهل الموصل مذحج وهي ربعية فإن تياسرت منها وقعت إلى الجبل المسمى بالجودي يسكنه ربيعة وخلفه الأكراد وخلف الأكراد الأرمن. وإن تيامنت من الموصل تريد بغداد لقيتك الحديثة وجبل بارما يسمى اليوم حمرين.. ثن السن والبوازيج بلاد الشراة من ربيعة ثم يقع في جبل الطور البري وهو أول حدود ديار بكر وهو لبني شيبان وذويها لا يمازجهم إلى ناحية خراسان إلا الأكراد". فإذ عرفت حدود الجزيرة والقبائل العربية المنتشرة فيها بقي علينا أن نبين ما كان للنصرانية من النفوذ بينها فنقول: إن أول برهان يثبت دخول النصرانية بين عرب الجزيرة ما أصاب هذا الدين من الانتشار السريع الغريب في ما بين النهرين كما تصرح به كل الآثار التاريخية والكتابية والبنائية كالكنائس الباقية إلى يومنا الراقية إلى القرن الرابع والخامس للمسيح وكصوامع الرهبان ومغاورهم. فلا يقبل العقل أن عرب الجزيرة لم ينالوا من الدعوة المسيحية حظهم كما أصابه أخوتهم في بادية الشام وفي اليمن والعراق ولهم في شظف عيشهم وسلامة طباعهم ما يعد قلوبهم لقبول ذلك الزرع الإلهي الذي أتى به ابن الله إلى الأرض وبذرة في التربة الجيدة ولاسيما بعد أن عاين أهل الجزيرة مع العرب (أعمال 2: 9 11) المعجزات التي جرت يوم حلول الروح القدس في أورشليم. ولنا دليل ثان على تدين عرب الجزيرة بالنصرانية بعد نبذهم لشرك الوثنية ألا وهو الغيرة الملتهبة التي كانت في قلوب الرسل والدعاة الأولين للنصرانية فإن بعضهم بلغوا إلى أقاصي الأرض كما رأيت فما قولك بالبلاد المجاورة لليهودية التي كثرت فيها المعاملات مع فلسطين منبع الدين المسيحي. ثالثاً وإن استفتينا التواريخ القديمة والتقاليد المحلية والطقوس السريانية وجدناها كلها تتفق على ذكر دعوة العرب إلى الإيمان بالمسيح كدعوة بقية أهل الجزيرة. قال عبد يشوع الصوباوي في ذكر ادي رسول الجزيرة ما تعريبه: "قد اقتبلت الرها ثن نصيبين وسائر العرب وكل تخوم الجزيرة الكهنوت المقدس من ادي أحد السبعين تلميذاً". وقال إيليا الأسقف الدمشقي يذكر ادي وتلميذه ماري: "وكان الداعي والمنصر والمتلمذ والمدبر بالجزيرة والموصل وأرض بابل والسواد ... ونواحي الأعراب من التلاميذ السبعين ادي وماري. وقال ماري بن سليمان (ed. Gismondi, p.2) : "وتوجه آحي وماري (تلميذا ادي) إلى نصيبين وأعمدا أهلها وأنفذ ماري إلى المشرق وآحي إلى قردى وبازبدى ثم توجه ادي إلى المشرق وبدأ بناحية حزة والموصل وباجرمي وعاد إلى مدينة الرها واستناح فيها بعد 12 سنة.." وقال أيضاً: "وادي قصد مع آحي وما ماري بلاد الرها والموصل وبابل والشمال والجنوب وبوادي المغرب (والصواب: العرب) ". وجاء في أخبار فطاركة كرسي المشرق لعمرو بن متىت الطيرهاني (ص1 éd. Gismondi) مصرحاً: "ثم إنه (أي ماري) بادر إلى تلماذ جميع نواحي أرض بابل والعراقين والأهواز واليمن والجزائر وبلاد العرب سكان الخيم ونجران وجزائر بحر اليمن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ويمكنا أن نضيف إلى هذه الشهادات ما رويناه سابقاً عن تبشير عرب العراق فإن الشواهد المروية هناك عن الرسل وتلاميذهم تصح في عرب الجزيرة. ومثلها أقوال المؤرخين في بشارة الرسول برتلماوس للعرب. وكذلك ورد في السنكسارات القديمة وفي خطط المقريزي أن يهوذا الرسول المعروف بتداوس "كرز في سورية والجزيرة". رابعاً وإن تخطينا عهد الرسل إلى القرن والثالث للمسيح رأينا بلاد الجزيرة زاهرة بالدين النصراني. ففي الرها كانت الترجمة الأولى للكتب المقدسة إلى السريانية وهي الترجمة المعروفة بالبسيطة في أواخر القرن الأول للمسيح أو أوائل الثاني وهناك تولى طاطيانوس تلميذ القديس يوستينوس الفيلسوف الشهيد في القسم الثاني من القرن الثاني تنسيق الأناجيل الأربعة برواية واحدة تعرف بالدياطاسارون. وهناك تنصر الأباجرة ملوك الرها سواء يسلم بصحة المكاتية بين السيد المسيح والأبجر المعروف باوخاما كما تعتقده الكنائس السريانية أو يؤجل تنصرهم إلى أيام كراكلا برجوع التاسع (179 214) وهناك عقد مجمعان واحد ذكره اوسابيوس في تاريخه (ك5 ف22) نحو سنة 151 للمسيح التأم فيه 19 أسقفاً للنظر في أمر الفصح وتعيين يومه والآخر عقد بعده بزمن قليل للفحص عن أقوال بعض المبتدعين كتاودوطس وابيون وارتيمون حضره 14 أسقفاً فكفى بعدد هؤلاء الأساقفة دليلاً على انتشار الدين المسيحي في زمن قريب من رسل الرب يؤيد ما جاء في تقاليد كنائس الجزيرة عن أسماء عدة أساقفة رعوا المؤمنين قبل القرن الرابع في مدن عديدة كنصيبين وبازبدى (جزيرة بني عمرو) وآمد والرقة وهلمّ وجرّا. أما كون العرب هناك كانوا من جملة المتنصرين فيشهد عليه ابن ديصان الذي عاش في الرها (154 222) فيذكر أهل الرها وأهل حضر وكانوا من عرب قضاعة عليهم ملك يمتد ملكه في أنحاء الجزيرة فقال عنه عدي بن زيد: وإخو الحضر إذ بناهُ وإذ ... دجلةُ تجبى إليه والخابورُ خامساً ثم جاء القرن الرابع والخامس فكانا زمن انتصار الدين المسيحي في العالم الروماني فظهرت النصرانية في كل رونقها وجلالها في أنحاء الجزيرة فاستقلت القبائل العربيّة هناك مواردها العذبة وكان ذلك على الأخص بواسطة الرهبان والسيّاح الذي اختاروا بلاد الجزيرة ليقدسوها بفضائلهم كما قدّس سيّاح مصر بلاد الصعيد. وكان منشئ العيشة الرهبانية في الجزيرة القديس أوكين من تلامذة القديس انطونيوس الكبير. وقد اجمع المؤرخون الكلدان والسريان أنه قدم من مصر في العشر الثاني من القرن الرابع في جبل نصيبين المسمّى جبل الإزل وبشّر بالإيمان في نصيبين وعمّد عاملها وأولادها وطاف بلاد قردى وبازبدى وجهات نصيبين حيث كانت قبائل العرب وتلمذا الناس وبنى الأديرة منها دير الزعفران مقام بطاركة اليعاقبة في يومنا وهو قرب ماردين وتتلمذ له عدد من الرهبان وكانت وفاة مار أوكين في نصيبين. ويؤيد شهادة السريان المؤرخ اليوناني المعاصر سوزومان في الكتاب السادس من تاريخ (الفصل 34) فقال عنه أن أوكين وهو دعاه أونس (Aones) جارى القديس انطونيوس بنشره المناسك الرهبانية في الجزيرة وفي تخوم العجم وقال عنه إنه سكن في نواحي نصيبين في فادانا (Phadana) ثم انتقل المؤرخ إلى ذكر تلاميذه أو المشبهين بسيرته فذكر في جبل سنجار بأتّاوس وأوسابيوس وبرجس وكالس وآبا ولعازر سقّف بعد ذلك على نصيبين وعبد اله وزينون وهيليودورس وذكر في حرّان أوسابيوس الحبيس وبروتوجان الذي تولّى الأسقفية على حرّان بعد بيتوس. وذكر السريان من تلامذة مار أوكين القديس شليطا الراهب الذي بشّر بالإيمان في بازبدى ثم سابا الذي عمر هناك ديراً ويوحنا الذي كان يطوف القرى وينصر الناس وآحا أخا يوحنا ثم تبعهم آخرون كثيرون وعمّروا الأديرة العديدة حتى صارت بعض أنحاء الجزيرة كمدن رهبانية لا سيما الأمكنة المقفرة والجبال كالجبل المعروف بطور عابدين في شمال شرقي ماردين وجبل الإزل السابق ذكره وجبال الموصل آلاف منها للرجال ومنها للعذارى وقد بقي من هذه الأديرة إلى يومنا آثار ظاهرة وبقايا معتبرة. فإن حضرة القس إسحاق أرملة وصف في مقابلة نفيسة الأديرة التي ترى آثارها بقرب ماردين فقط (اطلب المشرق 760:12) . النصيبيني والقديس أفرام والأساقفة القديسين برسيس واولوجيوس وربّولا والقديس بوليان سابا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 فهؤلاء كلهم أو أكثرهم اختلطوا بعرب الجزيرة ونصّروهم ودعوهم إلى الدين المسيحي. وكانت سيرتهم الملائكية تؤثر في أهل البادية فكانوا يقصدونهم ويلتمسون صلواتهم ويطلبون منهم شفاء أمراضهم فينالون غالباً ملتمسهم ويقبلون دين المحسن إليهم فيعتمدون وذلك منذ القرن الرابع كما تشهد عليه نصوص المؤرخين أمكن السمعاني أن يقول في مكتبته الشرقية (598:4) : أن العرب الذين كانوا يسكنون في الجزيرة ونواحي الكلدان والخليج العجمي عدلوا إلى الدين المسيحي قبل السنة 320 المسيح بمهمة أساقفة الرها والمادئن والرهبان المنتشرين بينهم وممن شهد على تنصّر العرب المؤرخ اليوناني سوزومان فقال في تاريخه (ك6 ف34) عن الرهبان: "إن هؤلاء النسّاك قد جذبوا إلى دين المسيح كل السريان تقريباً وعدداً عظيماً جداً من الفرس والعرب بعد أن أنقذوهم من عبادة الأصنام". وقد مرّ بك ما رواه تاودوريطس عن القديس سمعان العمودي وقبائل العرب التي تنصّرت على يده. وكان كثير منها تقاطرت إليه من لعراق واليمن فما قولك بالقبائل التي كانت قريبة منه كقبائل الجزيرة. سادساً: وكما شهدت كتبة السريان واليونان على النصرانية قبائل الجزيرة كذلك وافقهم كتبة العرب على هذا الأمر كما سترى. اعلم مؤرخي الإسلام مع قلة ما كتبوا عن عرب الجزيرة في الجاهلية وذكروا غير مرّة نصرانيتهم وصرّحوا كما بيّنا سابقاً بنصرانية بني إياد بن نزار (المشرق 889:14) سواء قيل أنهم تنصّروا قبل دخولهم في حكم الرومان أو بعد خروجهم من بلاد فارس إذ لحقوا بالجزيرة وكذلك اثبتوا نصرانية ربيعة المحتلين في ديار ربيعة وديار بكر. قال ابن قتيبة في كتاب المعارف (طبعة مصر ص305) : "وكانت النصرانية في ربيعة". وقال صاحب السيرة الحلبية (ج3 ص95) : "ومن قبائل العرب لمتنصرة بكر وتغلب ولخم وبهراء وجذام". وبقيت بعض هذه القبائل على نصرانيّتها زمناً طويلاً بعد الإسلام كما ترى في الآثار الباقية وفي كتب العرب والسريان بل ربما ذكروا أساقفة لبني معدّ وتنوح وعقيل وجاء في ترجمة ماروثا أسقف تكريت أنه جعل تحت حكمه ثلاثة أساقفة كانوا يدبّرون قبائل العرب وهم أسقف بيت رامان أو بيت رزيق ثم أسقف بني جرم وأسقف بني ثعلبة وكان نصارى غربي الجزيرة يترددون إلى مشهد القديس سرجيوس أو سرجيس الشهيد في الرصافة (Sergiopolis) ويعظمونه وكانت صورته مع الصليب على راياتهم الحربية. فقال الأخطل (اطلب ديوانه 309) : لمّا رأونا والصليب طالعا ... وما سرجيس وموتاً ناقعا وابصروا راياتنا لوامعا ... خلَّوا لنا راذان والمزارعا وقال جرير: فبالصليب ومارسرجيس تتقي ... شهباء مناكبٍ جمهورا وقال أيضاً: يستنصرون بمار سرجس وانهِ ... بعد الصليب وما لهم من ناصرِ ثامناً: ويؤيد شهداء العرب عن النصرانيّة في الجزيرة ما رووه عن أديرتها هناك فمعاً ذكره ياقوت (في معجم البلدان 641:2 710) دير الأبيض قرب الرها وهو مشرف على حرّان. ودير أحويشا بسعرت (قال: فيه 400 راهب) . ودير باثاوا بقرب جزيرة ابن عمر. ودير باعربا الموصل والحديثة. ودير باغوث بين الموصل وجزيرة ابن عمر. ودير باطّا بين الموصل وتكريت. ودير باغوث بين الموصل وجزيرة ابن عمر. ودير باطّا بين الموصل وتكريت. ودير بانخايال (أو ميخائيل) في أعلى الموصل. ودير الرصاقة قرب الرقة. ودير الرّمان بين الرقة والخابور. ودير الزرنوق على فرسخين من جزيرة ابن عمر. ودير الزعفران (مرّ ذكره) . ودير زكّى على باب الرها. ودير صلوبا من قرى الموصل. ودير عبدون قرب جزيرة ابن عمر. ودير العذارى من أعمال الرقة بين الموصل وباجرمي. ودير قنسري على شاطئ الفرات في نواحي ديار مضر على أربعة فراسخ من منبج كان يسكنه 370 راهباً. ودير الكلب بين الموصل وجزيرة ابن عمر كان الناس يلتجثون إلى رهبانه إذ أصيبوا بداء الكلب فيبرأون. ودير لبّى على الفرات من منازل بني تغلب ودير مار سرجيس على الفرات ودير متى بشرقي الموصل شهير. ودير مار توما بميافارقين. ودير مار جريس فوق بلد بينها وبين جزيرة ابن عمر. ودير مار ماعوث على شاطئ الفرات. ودير مار يوحنا إلى جانب تكريت على دجلة. ودير منصور مطل على نهر الخابور ودير يونس في جانب دجلة مقابل الموصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 غير أن النصرانية في الجزيرة منذ أواسط القرن الخامس تشوّهت بأضاليل البدع ولاسيما البدعة اليعقوبية التي انتشرت في تلك الجهات انتشار العدوى القاتلة ففصلتها عن مركز الوحدة وأوقعتها في لجّة الضلال. قال يوحنا الأفسي في تاريخه السرياني أن ما جرى بين قبائل العرب المتنصّرة من الجدال بسبب المجمع الخلقيدوني شتّت شمل كثيرين منهم حتى أصبحوا خمس عشرة فرقة. ومثله قال ميخائيل الكبير وابن العبري في تاريخها الكنسي على أن الكنيسة اليعاقبة يلقون التبعة على الكاثوليك وكان الأحرى بهم أن يلقوها على سوء تصرّفهم وعصيانهم على المجمع المسكوني وكان رهبان النساطرة واليعاقبة يتسابقون إلى عرب البادية ليثبتوا بينهم زؤان أضاليلهم. كأحودمه (559 575) تلميذ يعقوب البردعي الذي أخبر عنه ابن العبري في تاريخه الكنسي "أنّه لما صار مفرياناً على المشرق ذهب ليدعوا إلى النصارنية القبائل العربية الساكنة في الخيم ورد منهم كثيرين وجعل عليهم كهنة ورهباناً وابتنى لهم دير يدعى الواحد دير عين قنّا والأخر دير جثان بقرب تكريت". واشتهر بين اليعاقبية بعد ذلك "جرجس أسقف العرب" فإن هذا كله من علماء عصره نقل إلى السريانية عدّة تآليف لليونان منها كتاب الأورغانون لأرسطو وألف التآليف العديدة في شرح الكتاب المقدس وأسرار الكنيسة وغير ذلك وكان كرسيه في عاقولاء بين عرب قبائل العرب. وميامره بالسريانية شهيرة. كانت وفاته سنة 724م وفي أخبار الأخطل وقومه وحروبهم مع زفر بن الحارث وقبائله القيسيّة شواهد لامعة تبيّن أن النصرانية بقيت بين عرب الفرات زمناً طويلاً بعد الإسلام في عهد بني أميّة. الباب التاسع النصرانيَّة بين عرب شمالي سوريّة أنّ في شمال سوريّا مفاوز متسّعة تمتد من نواحي دمشق إلى تدمر شرقي جبل الشيخ ثم حمص وحماة وتبلغ إلى جهات حلب وتتناول البوادي الفسيحة التي تنبسط في تلك الأنحاء شرقاً نهر الفرات. فهذه الصحارى الرحبة كانت أيضاً من قديم الزمان محطّاً لقبائل العرب تجول في بسطتها دون أن يضايقا سكّان المدن وهناك تسرح مواشيها وترعى أبلها أيام الربيع فإذا اشتد عليها القيظ تقرّبت من الأرياف أو جاورت ضفاف الفرات. فتلك البلاد الواسعة كانت في القرون السابقة للإسلام دياراً لقبائل عربيّة جليلة أخصّها بنو كلب كانوا يسكنون منها القسم المتصّل بالفرات شرقاً في البيداء المعروفة بالسماوة. وقال الهمداني في صفة جزيرة العرب (ص129) : "أما كلب فمساكنها السماوة ولا يخالط بطونها في السماوة أحد ومن كلب بارض الغوطة عامر بن الحصين وابن رباب المعقلي". وقال في موضع آخر عن قبائل الجهات التي نحن في صددها: وإن جزْت جبل عاملة قصد دمشق وحمص وما يليها فهي ديار غسّان من آل جفنة وغيرهم. فإن تياسرت من حمص عن البحر الكبير وهو بحر الروم وقعت في أرض بهراء ... ثم من أيسرهم مما يصل البحر تنوخ ... ثم تقع في نصارى وغير ذلك إلى حدّ الفرات إلى بالس في برية خساف فهي من الدهناء ومنها مخرج إلى تدمر ذات اليمنين وهي تدمر القديمة وهي جانب السماوة. "وما وقع في ديار كلب من القرى تدمر وسلميّة والعاصمية وحمص وهي حميرية وخلفها مما يلي العراق حماة وشيزر وكفرطاب لكنانة من كلب ثم ترجع بكنانة كلب من ديارها هذه إلى ناحية السماوة والفرات من المدن تلّ منّس وحرص وزعرايا ومنبج. ومنبج بينهم وبين بني كلاب إلى حد وادي بطنان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 لاشك أن كل هذه النواحي التي كان عرب البادية يقيمون فيها لم تحرم من الدعوة النصرانية ولو لم يكن لنا حجّة لتأييد قولنا غير موقع ديارها لكفى به دليلاً لأنها واقعة كما ترى بين فلسطين والشام وجهات إنطاكية وحلب وأنحاء الرها وكلها بلاد أصابت سهماً معلّى من الدعوة المسيحية لقربها من ينابيع الخلاص فلا غرو أن تكون جرت إليها منها داول قبل بقيّة الأقطار بعد صعود الرب بزمن قليل وفي هذه الأنحاء بل في القرى أيضاً، تعدّدت في القرون النصرانية الأولى الكراسي الأسقفية ليس في المدن فقط بل في القرى أيضاً حتى الصغيرة () كما يشهد على ذلك القديس باسيليوس في رسالته 190 إلى أمفيلوخيوس وورد في الآثار الكتابيّة أو التواريخ القديمة أسماء عدّة أساقفة كانوا يسوسون الرعايا المتفرقة في المقاطعات التي نحن في صددها وقد وقّع كثيرون منهم أعمال المجامع النيقاوي والقسطنطيني والأفسي والخلقيدزني. وقد أثبت حضرة الأب سبستيان رنزفال في مقالته عن زينب (المشرق السنة الأولى ص987 ت 990) ما كان للنصرانية من النفوذ في تدمر والبلاد المجاورة لها في القرن الثالث للمسيح بفضل السلام السائد على تلك الأنحاء. كما ظهر ذلك النفوذ أيضاً في المجمع المنعقد سنة 269 في إنطاكية للحكم على بولس السمساطي فحضره ثمانون أسقفاً وحرموه. وقد صرّح في ذلك القرن ديونيسيوس الإسكندري بنصرانية تلك الأصقاع حيث كتب للبابا القديس اسطفانس "إن أقاليم سوريّا كلها مع بلاد العرب التي تمدّها بصدقاتك وبلاد ما بين النهرين تصادق على تعاليمك". ويؤيد ذلك أخبار السيّاح الذين سكنوا في تلك الإقفار فاجتذبوا إليهم القبائل المجاورة لهم كالقديس ملكوس أومالك الذي روى قصته العجيبة القديس ايرونيموس وكالقديس اليان الواسع الشهرة في القريتين (المشرق 658:9) والقديس سمعان العمودي الذي مرّ ذكره وكان مقامه في شمال سوريا في الجبل المنسوب إليه. وقد أفاد تاودوريطس في تاريخه الإسماعيلي أي العرب كانوا يتقاطرون إلى عموده وأنه نصّر منهم ألوفاً مؤلفة (Ismaelitarum millia innumera. bilia) . وفي حياة القديس نونوس أنه لما كان في بعلبك عمّد ثلاثين ألفاً من العرب ويضاف إلى ما تقدم ما وجده الأثريون في شمالي سوريا من الآثار النصرانية العديدة رأينا بعض تلك الأبنية في ساحتنا إلى بادية تدمر (في المشرق 956:9) . ومن ذلك أثر فريد اكتشفه زحّالة أوروبي قبل 12 سنة في زبد ليس بعيداً عن حلب فيه كتابه بثلث لغات يونانية وسريانية وعربية تاريخه باليونانية سنة 823 للإسكندر الموافقة لسنة 512 للمسيح. وهو أول أثر يعرف بالقلم العربي كتب 110 سنوات قبل الهجرة. وهذا الأثر نصراني محض نقر في حجر ليوضع على مشهد أقيم هناك لتذكار الشهيد القديس سرجيوس. وهذا يثبت ما قلناه سابقاً عن تعبّد العرب لذلك الشهيد. وأخيراً ساويرس البطريرك الدخيل وزعم البدعة اليعقوبية أي عرب البادية كانوا إذا تنصّروا يطلبون المعمودية في كنيسة القديس سرجيوس في الرصافة حيث قتل شهيداً (روى في ميمره السابع والخمسين الذي قاله في 7 تشرين الأول سنة 514 أعني سنتين بعد تاريخ الأثر المذكور) . ومن الشواهد التاريخية المثبتة تنصر العرب في شمالي سوريا ما رواه ميخائيل الكبير وابن العبري عن يوحنا أسقف أفسس من كتبة القرن السادس أنه لما حصل الانقسام بين الملكيين وأعداء المجمع الخليقدوني تفرّق العرب النصارى وسكن منهم قسم في بادية تدمر في النبك والقريتين وحوّارين. وبقي هؤلاء العرب على نصرانيتهم زمناً طويلاً بعد الفتح الإسلامي كما يشهد ياقوت الحموي (77:4) حيث قال عن القريتين في زمانه "أن أهلها كلهم نصارى". ولنا في كتب العرب ما يزال كل ريب عن القبائل المتنصّرة في شمالي سوريا وقد رأيت ما نقلناه عن وصف الجزيرة للهمداني أن السهول الواقعة بين الشام وحلب والفرات كان معظم سكّانها من غسّان وتغلب وتنوخ وعلى الأخص من بني كلب الذين تفرّدوا بسكنى السماة الممتدة من الشام إلى نواحي الموصل وكانوا يسكنون خصوصاً في جهات تدمر وسلميّة حتى سميت تلك الجهات بادية كلب. فهذه القبائل كلها كانت نصرانية فأما غسّان وتغلب وتنوح فقد مرّت الشواهد على نصرانيتها فبقيت قبيلة بني كلب. ودونك الأدلة على تدينها بالدين المسيحي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 إن بني كلب بطن من قضاعة وهي القبيلة اليمنية الأصل التي أجمع الكتبة على تنصرّها عموماً كابن قتيبة واليعقوبي والنويري وخصّوا بالذكر بعض بطوناه كبني سليح وبني جرم ثم ليس في كتب المؤرخين إشارة إلى شرك كلب بل كثيراً ما يصرحون بنصرانية أعيانهم كبحدل بن عنيف من ساداتهم وهو أبو ميسون زوجة معاوية وكقرافصة الكلبي أبي نائلة زوجة الخليفة عثمان بن عفّان. وذُكر في المقتضب لياقوت (ص36) وفي تاريخ ابن عساكر في ترجمة نائلة "أنّ" بني كلب كلهم كانوا نصارى وكذلك ذكر ابن خلدون في تاريخه (2: 219) أنهم خلوا فغي دين النصرانية. ولما ظهر الإسلام كان بنو كندة وبنو كلب من جملة الذي لم ينكروا دينهم كما أخبر بلك ابن هشام ف سيرة الرسول (ed.Wustenfeld,p282) وكذا روى ياقوت في المقتضب عن مدر كلب أي أهلب البادية فقال: "اسلمت كلب غير مدرها كانوا نصارى" وبقي الذين اسلموا منهم عل عاداتهم النصرانية كما روى في كتاب البلدان لابن الفقيه (ص315) فقال عنهم: "أنهم مسلمون في أخلاق النصارى". وأخبر ابن قتيبة في عيون الأخبار (ص174) والجاحظ في البيان والتبيين (2: 62) أن بعض من أسلم منهم كانوا يضربون الناقوس ويترددون إلى الكنيسة التي تعمدوا فيها. وكان من جملة أمرائهم الذي يتولون تدبيرهم أبو كرب الذي عرف بنصرانيته فمنحه يستنيانوس الملك تدبير قبائل السماة كما روى المؤرخ بروكوبيروس. وربما دعا المؤرخون هذه القبائل المنتصرة بالمستعربة وإليهم تلجأ الروم عند ظهور الإسلام لمحاربة خالد بن الوليد، قال ابن البطريق في تاريخه هن هرقل أنه "استجلب المستعربة من غسان وجذام وكلب ولخم وكل من قدر عليه من الأعراب وأمر عليهم قائداً من قواده يقال لهم ماهان". فترى من هذه النصوص أن كتبة العرب أيضاً يوافقون اليونان والسريان في نسبة النصرانية إلى لقبائل المتفرقة في شمالي سورية. ونختم هذا الفصل بأثر جميل وجد في بعض مخطوطات لندن السريانية التي وصفها العلامة ريت في قائمة المتحف البريطاني تحت العدد 754 وهو مجموع رسائل قديمة راقية إلى أواخر القرن السادس للمسيح، من جملتها رسالة مضمونها دستور الإيمان كتبها رؤساء أديرة إقليم البلاد العربية (سرياني) ووجهوها إلى يعقوب البرادعي ليرذلوا فها بدعة يحيى النحوي في تثليث الجوهر الإلهي (Tritheime) وذلك بين السنتين 570 و578 وهذه الرسالة قد نشرها المنسينوز لامي (Mgrlamy) رئيس كلالية لوفان في مؤتمر المستشرقين ف باريس سنة 1898 (ص118 138) وهي موقعة بإمضاء 137 رئيساً على 137 ديراً موقعها كلها في إقليم العربية الممتد شرقي بلاد الشام إلى جهات الفرات (1. فناهيك بهذا العدد العديد شاهداً جليلاً على انتشار النصرانية بين عرب الشام وسورية، على أن هؤلاء العرب كان جنحوا إلى البدعة اليعقوبية كما ترى، وأيد ذلك ابن العبري في تاريخه الكنسي حيث قال (ج1 ص217) : إن كل قبائل العرب التي كانت في البادية (يريد بادية الشام والفرات) كانوا معارضين للجمع الخلفيدوني ولا الصحة، وعلى كل حال يصبت قولنا في شمول النصرانية لعرب باد الشام والفرات إلى حدود العراق. والمستشرقون في عهدنا يرتأون هذا الرأي، قال الهولندي دوزي (B.Dozy) في مقدمات كتابه عن الإسلام (الترجمة الفرنسوية لشوفان V.chavin,p.13) ، "كان عرب سورية يدينون بالنصرانية" Les Arabes de syria profes saient le christianisme ويشاركه في هذا الرأي غيره من العلماء كنولدك وغولدتسير (J.Goldziher) ولونرمان (Lenormand) بل كل من له بعض إلمام بتاريخ العرب في الجاهلية. الباب العاشر النصرانية في الحجاز ونجد تتبعنا كما رأيت آثاراً النصرانية في أطراف بلاد العرب على كل جوانبها فلم يبق علينا إلا ذكر أواسطها لنرى ما كان للدين المسيحي من التأثير في القبائل الساكنة في الحجاز وبذلك تتم أبحاثنا عن تاريخ النصرانية في كل أنحاز جزيرة العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 الحجاز على مقتضى تعريف العرب جبل ممتد من تخوم صنعاء في اليمن إلى تخوم الشام من جنوب جزيرة العرب الشرقي إلى شمالها الغربي وقد دعي حجازاً لأنه يحجز غور تهامة على سواحل خليج العرب عن بلاد نجد في أواسط الجزيرة، ويدعى الحجاز أيضاً بجبل السراة وهو أعظم جبال العرب وفيه أشهر مدنهم أي مكة والمدينة وتدخل فيه دومة الجندل حتى أيلة على بحر القلزم التي نعتها ياقوت بآخر بلاد الحجاز فتلك البلاد كانت قديماً عريقة في الوثنية ولاسيما في عبادة قوات الطبيعة وأخصها النيران العظيمان لشمس والقمر ثم الزهرة، على أن دعاة الدين المسيحي لم يحجموا عن دعوة أهلها إلى النصرانية كما تشهد عليه شواهد ثابتة نقلها قدماء الكتبة من يونان وسريان وعرب، وقد أثبتنا سابقاً شهادة ابن خلدون (ج2 ص150 من تاريخه) في بعثة الرسول برتلماوس "إلى أرض العرب والجاز" وسبقه إلى مثل ذلك الطبري في تاريخه (طبعة ليدن ج1 ص738) حيث قال: "وكان ممن توجه من الحواريين.. ابن تلما (أي رتلماوس) إلى العربية وهي أرض الحجاز". وكذلك ورد في سرة الرسول لابن هشام (ص172، ed.Wustenfeld,) : "وبعثت من الحواريين.. ابن تلما إلى الإعرابية وهي أرض الحجاز" وجاء في ترجمة القديس يعقوب أسقف أورشليم (ص17) أنه: "نصر أرض فلسطين وما يليها من ناحية حمص وقيسارية والسامرة وبادية الحجاز". ث في تاريخ الطبري قصة ظريفة عن رسول السيد المسيح إلى العرب نرويها يجرفها دون القطع بصحتها قال (1: 738 739) : حدثنا ابن حميد.. عن أبي سليم الأنصاري ثم الزرقي قال: كان على امرأة منا نذر لتظهرن على رأس الجماء جبل بالعقيق من ناحية المدينة (قال) فظهر معها حتى إذا استوينا على رأس الجبل إذا قبر عظيم عليه حجران عظيمان حجر عند رأسه وحجر عند رجليه فيهما كتاب بالمسند لا أدري ما هو، فاحتملت الحجرين معي حتى إذا كنت ببعض الجبل منهبطاً ثقلاً علي فألقيت إحدهما وهبطت بالآخر فعرضته على أهل السريانية هل يعرفون كتابته فلم يعرفوه. وعرضته على من يكتب بالزبور (أي العبرانية) من أهل اليمن ومن يكتب بالمسند فلم يعرفوه، فلما لم أجد أحداً ممن يعرفه ألقيته تحت تابوت لنا فمكث سنين، ثم دخل علينا ناس من أهل ماه الفرس يبتغون (ويروي: يبيعون) الخر ز فقلت لهم: هل لكم من كتاب. فقالوا: نعم فأخرجت إليهم الحجر فإذا هم يقرأونه فإذا هو بكتابتهم: "هذا قبر رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام إلى أهل هذه البلاد" فإذا هم كانوا أهلها في ذلك الزمان مات عندهم فدفنوه على رأس الجبل. فهذه شهادة جليلة تشير إلى مجيء أحد رسل السيد المسيح إلى الحجاز قريباً من المدينة، ومن عجيب أمر كاتبها أنه يعتبر كالنصارى "عيسى بن مريم" إلهاً ذا قرينة الكتابة تبين أن الرسول لمذكور ليس هو عيسى بل هو مرسل من "عيسى". "إيلة" كما مر في طرف الحجاز من جهة الغرب كان أهلها قبل الإسلام نصارى ويهوداً، ولا يبعد أن النصرانية دخلت فيها بعد المسيح بزمن قليل لقربها من بلاد الشام وفلسطين، وما لا ينكر أن صاحبها كان نصرانياً لما ظهر رسول العرب واسمه يوحنا بن رؤبة صالحة نبي الإسلام على جزية كانت تبلغ 30 دينار وفي كتاب وفادات العرب على محمد لابن سعد (ed.wellhausen, skizze.iv,27) ما حرفه: "قال وقدم يحنه بن رؤية على النبي وكان ملك إيلة.. وأقبل ومعه جرباء واذرح. فأتوه فصالحهم وقطع عليهم جزية معلومة.. اخبر عبد الرحمن بن جابر عن أبيه قال: رأيت على يحنه بن رؤبة يوم أتى النبي صليباً من ذهب وهو معقود الناصية فلما رأى رسول الله كفر وأومأ برأسه إليه النبي أن أرفع رأسك، وصالحه وكساه رسول الله برد يمنة..". وجاء في كتاب التنبيه والإشراق للمسعودي (طبعة ليدن ص273) أن "يحنة بن رؤبة كان أسقف إيلة وأنه قدم على محمد سنة 9 لهجرة وهو في تبوك فصالحه على أن لكل حالمٍ بها ديناراً في السنة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 "دومة الجندل" حصن كان بين المدينة ودمشق على سبع مراحل من دمشق وقبل على خمس ليالي ويبعد عن المدينة 15 ليلة وقيل 13 كان مبيناً بالجندل أي الصخر وكان حوله مدينة واسعة يحيط بها سور، وكان صاحب دومة الجندل أكيدر الملك ابن عبد الملك السكوني، وكانت دومة الجندل عند ظهور نبي الإسلام كلها نصرانية عليها أسقف تابع لمدينة دمشق كما ورد في كتاب "مدينة الله أنطاكية" من مخطوطات مكتبتنا الشرقية، وكان ملكها أكيدر نصرانياً فبعث إليه محمد رسول الإسلام خالد بن الوليد في ربيع ألول من السنة الخامسة للهجرة (626م) فأسره. والعرب يذكرون عدة غزوات لدومة الجندل عند ظهور الإسلام، قال في تاريخ الخميس (2: 11) "أن دومة كان عليها قبل الأكيدر المسمى إصبع ن عمرو الكلبي وكان نصرانياً وأن عبد الرحمان بن وف غزا دومة ففتحها وتزوج ابنة الإصبع تماضر" وكان الروم عادوا فملكوها قال المسعودي في كتاب التنبيه والإشراق (ص648) يذكر غزوة غزاها رسول الإسلام لدومة: وفيها (أي السنة الخامسة للهجرة) كانت غزوة دومة لجندل وهل أول غزوة النبي للروم وكان صاحبها أي دومة أكيدر بن عبد الملك الكندي يدين بالنصرانية وهو في طاعة هرقل ملك الروم وكان اعترض سفر المدينة تجارهم (قال) فبلغ أكيدراً سيره فهرب وتفرق أتهل دومة وصار إليها فلم يجد بها أحداً فأقام وعاد إلى المدينة، ثم بعث إليه خالداً السنة التاسعة للهجرة فأخذه أسيراً وفتح الله عليه دومة. وقال ابن سعد في كتاب وفادات العرب (ص27) بعد ذكره يحنه بن رؤبة صاحب أيلة: "قال ورأيت أكيدر حين قدم به خالد وعليه صليب من ذهب وعليه الديباج ظاهراً" وفي معجم البلدان لياقوت (2: 626) أن خالداً حاربه السنة تسع للهجرة وافتتح دومة الجندل عنوة وقتل أخاه حسان قال: "ثم أن النبي صالح أكيدر على دومة وأمنه وقرر عليه وعلى أهله الجزية وكان نصرانياً.." وفي فتوح البلد للبلاذري (ص61 63) أنه أسلم ثم ارتعد بعد وفاة محمد فأجله مر من موضع منها قرب عين التمر وبني منازل سماها دومة باسم حصنة فغزاها خالد سنة 12 للهجرة وقتل أكيدر. أما أهل دومة الجندل فكانوا من بني السكون وهم فرع من بني كندة وكانوا نصارى كما ورد في سيرة الرسول لابن هشام، وكذلك كان يسكن دومة الجندل قوم من بني كلب الذين سبق بيان نصرانيتهم. "وادي القرى" هو واد بين الشام والمدينة يعد من الحجاز ومنه كانت دومة الجندل ودعي هذا الوادي بوادي القرى لكثرة القرى الواقعة فيه لوفرة مياهه وخصبه منها الحجر وكان اليهود يسكنون هذا الوادي أولاً ثم نزلته قضاعة وهي من اثبت القبائل في النصرانية ومنهم بنو سليح الذي ذكر المؤرخون تنصرهم في الشام وفي وادي القرى كان يسكن قوم من الرهبان ذكرهم شعراء العرب قال جعفر بن شراة (الأغاني 7: 161) : ونحن منعنا ذا القرى من عدونا ... وعذرة إذ نلقى يهوداً وبعثرا منعناه من عليا معد وأنتم ... سفاسيف روح بين قرح وخيبرا فريقان رهبان بأسفل ذي القرى ... وبالشام عرافون فيمن تنصرا "تيماء" هي بلدة في الحجاز بين الشام ووادي القرى وفيها كان الأبلق حصن السموءل والشائع أن السموءل كان يهودياً إلا أننا لما طبعنا لأول مرة ديوانه أتينا في المقدمة ببعض الشواهد المثبتة نصرانيته (كاصله الغساني وكذكره في شعره لبعض تلامذة المسيح بل تصريحه باسم السيد المسيح في قصيدة لامية وجدت في الموصل حيث يقول: وفي آخر الأزمان جاء مسيحنا ... فأهدى بني الدنيا سلام التكامل ولعل الصواب أنه كان من إحدى الشيع اليهودية المتنصرة (judeo ... chretien) . وقد ذكر العرب أن قوماً من نصارى طي كانوا أيضاً يسكنون تيماء. "تبوك" مكان حصين بين وادي القرى والشسام على اربع مراحل من الحجر كان به عين أو نخل، وملكة المسلمون سنة 9 للهجرة بهد أن حاربوا فيه الروم ومعهم نصارى العرب من عاملة ولخم وجذام، وكان أهل تبوك من نصارى قضاعة قال ابن خلدون نقلاً عن ابن سعيد (2: 249) : "وكان لقضاعة ملكٌُ آخر في كلب ابن وبرة بن تغلب بتداولونه مع السكون من كندة فكانت لكلب دومة الجندل وتبوك ودخولوا في دين النصرانية" ثم ذكر مهاجرة كلب بعد الإسلام فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 "وبقيت بنو كلب في خلق عظيم على خليج القسطنطينية منهم مسلمون ومنهم متنصرون". "معان" قال ياقوت (14: 571) : "هي مدينة فيطرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء" وكان أهلها نصارى تحت حكم الروم والمالك عليها عند ظهور افسلام فروة بن أبي عام شيخ بني جذام النصارى، وبقرب معان عند مؤته التي دعاها تاوفانوس المؤرخ (Theophane.I.515.ed.Bonn) باسم (Mo ?) حدثت وقعة سنة 8 للهجرة بين جيوش لمسلمين تحت أمرة زيد بن حارثة وجعفر ابن أبي طالب وعبد الله بن رواحة (وبين) جيوش الروم تحت قيادة تاودروس المعروف بالنائب وقد روى مؤرخوا العرب أن عدد الروم كان مئة ألف ومعهم من عرب النصارى مئة ألف آخرون (فكان الانتصار للروم وهزمك المسلمون وقتل قادتهم، ولكنهم عادوا بعد ذلك بسنة فغلبوا الروم وفتحوا معان واستولوا على جهات البلقاء وقيل أن فروة صاحب معان اسلم. "المدينة" كان اسمها في الجاهلية يثرب دعيت بذلك على ما قيل باسم بانيها أحد أبناء آرام وفي تقاليد العرب أن أل من سكنها العمالقة ثم هاجر إليها اليهود في أزمنة مختلفة قبل لمسيح على عهد موسى ويشوع بن دنون وداوود ثم في زمن خراب أورشليم وهيكلها عل يد الأشوريين ثم بعد المسيح عند تح الرومان للقدس الشريف فخرج منهم إلى يثرب بنو قريظة والنضير وبهدل ونزلوا واديين اسمهما بطحان ومهزور وبنوا هناك الآطام أي المنازل المحصنة. وكانت ديانة هذه القبائل اليهودية كما هو بديهي، غير أنهم اختلطوا بقبائل أخرى عربية كان البعض يسكن في جوار يثرب والبعض الآخر هاجر إليها من اليمن بعد تفرق أهله سواء كان بسبب سيل العرم كما روى العرب أو لعلل أخرى. وما لا سبيل إلى إنكاره أن النصرانية دخلت يثرب بعد السيد المسيح بقليل كما رأيت في ما نقلناه عن دعوة الرسل في الحجاز ووجود قبر واحد منهم في جبل العقيق من ناحية المدينة على ما نقلة للطبري (ص107) . وليس من المستبعد أن بين القبائل اليهودية المهاجرة من أورشليم قوم عرفوا النصرانية ودانوا بها ولاسميا أولئك المتنصرين الذين سبق خروجهم فنح حاضرة بلادهم فالتجأوا إلى المدن الواقعة ما وراء الأردن، فأنهم إذا رأوا ما حل بالمدينة المقدسة من الدمار توغلوا في بلاد العرب وسكنوا في جباتها الداخلية. والظاهر أن بعض تلك البعد المعروفة بالبدع اليهودية النصرانية (Sectes judeo-chretiennes) شاعت خصوصاً في نواحي العرب كشيع الناصريين (Nazareens) والأبيونيين (Ebionites) والكسائيين (Elkesaites) وقد ذكرهم الكتبة الكنسيون ف القرون الأولى كاوسابيوس المؤرخ (وأوريجانس المعلم ويوستنيوس الشهيد والقديس أبيفانيوس في تاريخ الهرطقات والقديس هيرونيموس في كتاب الأعلام وتادويطس وصاحب الفلسفيات وكروا علاقاتهم مع المسيحيين. واستشهدوا بما كان لديهم من الآثار النصرانية، وقد وجد الأثريون في زماننا بعض تلك الآثار المكتوبة بالحرف السرياني ونشروها بينها فصول إنجيلية وطقوس ورتب بيعية. وبعض هذه البدع التي اتنتشرت في جهات العرب بالغ أصحابها في أضاليلهم فنبذ النصارى زعمهم وقبحوها كالفطائريين (Collyridens) الذين كانوا يبالغون في عبادة مريم العذراء، فيقدمون لها نوعاً من القرابين أخصها أقراص العجين ولفطائر وقد ذكرهم القديس أبيفانيوس في كتاب الهرطقات (ولعل هؤلاء المبتدعين هم الذين دعاهم ابن بطريق بالمريمية والبربرانية فافادنا أنهم كانوا يقولون"ن المسيح وأنه الهان من دونه الله" وقد وصفهم بذلك ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح ودعاهم بالمريمانيين والمريمانية، وعلى هذا البناء شرح مفسر والقرآن قوله: في سورة المائدة "أخذوني وأمي الهين" وقالوا في شرح في سورة النساء (ولا تقولوا ثلثة) أي لا تقولوا الآلهة الله والمسيح ومريم (كذا في شرح البيضوي والزمخشري وغيرهما) . وقام غيرهما في أنحاء العرب وتطرفوا على عكس ذلك فأنكروا عل العذراء مريم دوامها في البيتولية فسموهم لذلك بالمعادين لمريم (Antidicomarianites) وذكرهم القديس أبيانيوس في كتاب البدع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وروى القديس إيلاريوس في رسالته إلىى قسطنطين الملك (2 فرعاً من أشياع ريوس ظهروا ف جهات العرب وهو يدعوهم أقاقيين باسم أقاقيوس زعيمهم كانوا يذهبون إلى أن السيد المسيح هو ابن الله لزعمهم أن من قال ذلك جعل الله زوجة فخلطوا بين الولادة لجسدية والولادة الإلهية الروحية الأزلية المثبتة في الكتب المنزلة. وقد ذكر حضرة الأب انستاس الكرملي في إحدى المقالات المنشورة في الشرق (6:60) بدعة أخرى ومنها بقايا في العراق تعرف بالداؤدة أو الدواديين يعظم أصحابها داود النبي ويكرمون السيد المسيح كنهم يجعلونه دون رتبة داود فكل هذه البدع وغيرها التي شاعت خصوصاً بين القبائل اليهودية المتنصرة الساكنة في حدود الشام والحجاز شوهت المعتقدات النصرانية الصحيحة في تلك البلاد. وبقي الأمر على ذلك حتى قدمتبيفتنيوس في كتاب البدع. في كتاب البدع. إلى يثرب بطون من عرب اليمن كبني الحرث ابن بهثة وبني شظية من غسان ولاسيما بني الأوس والخزرج من الأزد الذين لحقوا بها بعد سيل العرم، لكنهم أقاموا فيها روى صاحب الأغاني (19: 95) في جهد وضيق المعاش يرتزقون من الزراعة وكانت الأموال لليهود حتى قام بينها في أواسط القرن السادس للمسيح أحد شيوخهم وهو مالك بن عجلان فأوفد إلى ملك في الشام من ملوك غسان يدعى أبا جبيلة فاستنجده على يهود يثرب فانجده واقعاً بإشراف اليهود حتى ذلوا وصار الأمر إلى الأوس والخزرج حروب رواها صاحب الأغاني (2: 167 170) لا حاجة إلى ذكرها. أما دين الأوس والخزرج وبقية القبائل غير اليهودية التي كانت في يثرب وجهاتها فيظهر أنه كل في أول أمرها الشرك وأنها كانت تعبد المناة كما روى الشهرستاني في كتاب الملل والنحل (ص434 من طبعة لندن) لكنها عدلت بعد ذلك إلى النصرانية، ولنا على الأمر أدلة نرويها هنا عن مصادر موثوق بها. قد رأيت في أول هذا الباب أن دعاة المسيحي دخلوا بلاد الحجاز منذ قرون النصرانية الأولى روى أول مؤرخ الإسلام أبو جرير تقليداً عن أهل المدينة ذكروا فيه وجود قير لأحد رسل السيد المسيح في جبل العقيق لمجاور لبلدهم (راجع ص107) . ومن الأدلة على نصرانية عرب المدينة أن الأوس والخزرج ينتسبون إلى الحارث ابن ثعلبة فيرتقي نسبهم إلى بني غسان، ونصرانية غسان ثابتة لا يشك فيها إلا من كابر الحق كما رأيت، أفليس من الصواب أن يقال أن الأوس والخزرج دانو بديانة غسان، وزد على ذلك أن أبا جبيل الغساني ماك الشام المعروف بنصرانيته ما كن لينصر وزد على ذلك أبا جبيلة الغساني ملك الشام المعروف بنصرانيته ما كان لنصر الأوس والخزرج على يهود المدينة كما مر بك لولا علمه أنهم يدينون بدينه. ولنا على ذلك برهان آخرأقرب وأدل وهو الاسم المطلق على أهل مدينة يثرب الذين كانوا يدعون بتهل الكتاب، قال الشهرستاني في الملل والنحل (ص162 من طبعة لندن) : "الفرقتان المتقابلتان قبل المبعث هم أهل الكتاب والأميون والأمي من لا يعرف الكتابة فكانت اليهود والنصارى بالمدينة والأميون بمكة" فينتج عن قوله هذا أت أهل المدينة كانوا منقسمين قسمين قسم يهودي كقريظة والنضير وقسم نصراني وهم عرب الأوس والخزرج وقضاعة الذين كانوا يسكنون المدينة بل ربما غلب اسم أهل الكتاب على لنصارى كما أفاد القسطلاني، ويؤيد لك أن أحد زعماء الأوس يوم مهاجرة محمد إلى المدينة كان يدعي "أبا عامر الراهب" وفي اسمه دليل على دينه، فهذا حارب محمداً وأنصاره في أحد ثم خرج مع آله إلى ثقيف وهو الذي سماه رسول الإسلام بالفاسق. وجاء في التقويم القديم للكنيسة الكلدانية الذي نشره الخوري بطرس عزيز سنة 1909 (ص8) أن النساطرة "أقاموا مطرو وبوليطاً وموسى الكليم" وهي رواية وجدناها في تقويم آخر مخطوط لأحد أهل الموصل والله أعلم بصحتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 على أن وجود النصارى في المدينة قبل الإسلام وفي أوائل ظهوره لمن الأمور التي لا يمكن نكرانها، لأن النصارى كانوا بلغوا أقاصي تخوم العرب فما قولك بالبلاد المجاورة لممالك الروم، وهذا ما أقربه المستشرقون في كتبهم الحديثة، قالأحد أئمتهم فلهاوزن "أن محمداً وجد الطريق ممهدة في المدينة بواسطة اليهودية والنصرانية لأن هناك كان يهود كثيرون ثم لوقوع المدينة على حدود الرومان واليونان وتحت نفوذ النصارى الآراميين". ومثله قال هوتويغ درنبورغ لموسوي من أساتذة اللغات الشرقية في باريس المتوفى سنة 1910: "كان للنصرانية تبعة متعددون في جزيرة العرب فكانت مالكة على شمالها بدولتي الحيرة وغسان وعلى وسطها في المدينة وعلىجنوبها بأسقفيات اليمن". وقي النصارى في يثرب حتى بعد وفاة نبي الإسلام كما يدل عليه قول حسان ابن ثابت في داليه التي رثى بها محمداً (طبعى ليدن Hischfeld,p.59) : فرحت نصارى يثرب ويهودها ... لما توارى في الضريح الملحدِ ولعل النصارى واليهود بقوا في المدينة إلى عهد عمر بن الخطاب الذي أخرج لفريقين من جزيرة العرب استناداً إلى ما روى في الحديث: "لأخرجن النصارى واليهود من جزيرة العرب". ولما أراد الوليد بن عبد الملك سنة 88هـ? (707 م) أن يجدد عمارة المسجد الكبير المعروف بمسجدا لنبي في المدينة كان بنائه من نصارى الروم والقبط كما روى المؤرخون، وأخبر الطبري (2: 117) : "أن ملك الروم بعث إليه بمائة عامل ومائة ألف مثقال ذهب وأربعين حملاً من الفسيفساء فبنوا المسجد وجعلوا طوله مائتي ذراع" وقبل أن بعض المدنيين لم يستحسنوا العمل إذ رأوا شبيهاً بكنيسة. "مكة" كما عرفت النصرانية في يثرب ف هد الجاهلية كذلك نالت ومكة نصيباً من ذلك الدين، وها نحن ننقل ما رواه قدماء الكتبة إثباتاً لهذا الرأي. قدمنا في أول الفصل ما أثبته المؤرخون اليونان والسريان والعرب عن الدعوة النصرانية في الجاز إجمالاً، ومكة في الحجاز بل حاضرة الحجاز فبديهي أن يقال أ، الدين المسيحي دخل أيضاً مكة كسواها فمن الجهات الحجازية، وأن قيل أن مكة واقعة في أقاصي الحجاز أجبنا أ، كلام الكتبة يشمل كل جهات العرب حتى أقصاها، قال تاودوريطوس المؤرخ الكنيسي (في القرن الخامس للمسيح عن القيصر فالنس أنه لما اضطهد الكاثوليك فرقهم في كل البلاد حتى نفى منهم كثيرين في أقاصي تخوم العرب (per ultimos fines Arabiae) . وأقدم ما رواه كتبة العرب صريحاً عن النصرانية في مكة ما ورد في أثناء تاريخ جرهم لثانية قالوا أن جرهم استولوا بعد بني إسماعيل عل الحجاز وصارت إليهم سدانة بيت الحرام في مكة ومفاتيح الكعبة أما زمن دولة بني جرهم فل يتفق الكتبة في تعريفه والعلماء والأوربيون يجمعون على أن جرهم الثانية قامت قبل تاريخ الميلاد بقليل، ومن عجيب ما رواه مؤرخو العرب كابن الأثير وابن خلدون وأبي الفداء (وغيرهم أن سادس ملوك ما رواه جريهم يدعى اسم نصراني وهو عبد المسيح بن باقية بن جرهم، فمنه يتعين أن النصرانية دخلت مكة قبل بني الأزد وتغلب بني خزاعة أعني بعد موت المسيح بزمن قليل، وهذا يوافق نصوص الكتبة المروية مسبقاً عن تبشير رسل المسيح في الحجاز. وفي كتاب لأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (13: 109) أن بيت الحرام كان له في عهد بني جرهم (خزانه وهي بئر في بطنه يلقى فيه الحلى والمتاع الذي يهد له وهو يومئذٍ لأسقف عليه) فقوله: "أسقف" يريد به حبر النصارى المعروف. وهو إثبات لما روى مؤرخو العهرب عن نصرانية الملك الجرهمي عبد المسيح بن باقية. ولنا في كتب العرب دليل يثبت انتشار النصرانية في كة قبل الإسلام وذلك في أقدم تواريخ مكة الذي عنونه "كتاب أخبار مكة شرفها الله تعالى وما جاء فيها من الآثار تأليف ابن الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي" المطبوع في ليبسيك (ed.wustenfeld.110-112) أنه كانت في دعائم الكعبة "صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائمة وصورة إبراهيم خليل الرحمان وصورة عيسى ابن مريم" قال ما حرفه (ص111) : "فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى البيت فأرسل الفضل بن العباس ابن عبد المطلب فجاء بماء وزمزم ثم أمر بثوب فبل بالماء وأمر بطمس تلك الصور فطمست. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 قال ووضع كفه على صورة عيس ابن مريم وأم عليهما السلام وقال: امحوا جميع الصور إلا ما تحت يدي فرفع يديه عن صورة عيسى بن مريم وأمه.. وحدثني جدي قال حدثنا داود بن عبد الرحملان عن ابن جريح قال: سأل سليمان بن موسى الشامي عطاء بن أبي رباح وأنا أسمع: أدركت في البيت تمثال مريم وعيسى؟ قال: نعم أدركت فيها (كذا) تمثال (ص112) مريم مزوقاً في حجرها عيس ابنها قاعداً مزوقاً، وكانت في البيت أعمدة ست سواري وصفها كما نقطت في هذا التربيع". قال وكان تمثال عيسى بن مريم ومريم عليهما السلام في العمود الذي يلي الباب: قال ىابن جريح فقلت لعطاء: متى هلك؟ قال: في الحريق في عصر ابن الزبير.. قال ابن جريح: ثم عاودت عطاء بعد حين فخط ل سواري ست كما خططن ثم قال: تمثال عيسى وأمه عليهما السلام في الوسط من اللاتي تيلين الباب الذي يلينا إذا دخلنا.. (ص113) ، أخبرني محمد ابن يحيى عن الثقة عنده عن ابن إسحاق عن حكيم بن عباد بن حنيف وغيره ومن أهل العلم أن قريشاً كانت قد جعلت في الكعبة صوراً فيها عيسى بن مريم عليهما السلام، قال ابن شهاب قالت أسماء بنت شقر: أن امرأة من غسان حجت في حاج العرب فلما رأت صورة مريم في الكعبة قالت: بأبي أنت وأمي إنك لعربية، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمحوا تلك الصور إلا ما كان من صور عيسى ومريم". وما ر واه هنا الأزرقي ذكره في كتبه آخرون كالهروي والبيهقي وابن العربي، وفيه شاهد جليل على تنصر قسم من قريش في مكة، ويؤيد ذلك أحمد بن واضح المعروف باليعقوبي في تاريخه (طبعة ليدن: 1: 298) حيث قال: "أما ن تنصر من أحياء العرب فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزى منهم عثمان بن الحويرث بن أسد ورقة بن نول بن أسد". ولذلك ترى الشعراء النصارى في الجاهلية لم يأنفوا إذا حلفوا ن يجمعوا بين الصليب والكعبة قال عدي بن زيد (الأغاني 2: 24) : سعى الأعداء لا يألون راً ... عليك وربّ مكة والصليب وقال الأعشى: حلقت بثوبي راهب الدير والتي=بناها قصيٌّ والمضاض بن جرهمولعل ذلك أيضاً ما حمل نصارى العرب على أن يعظموا الكعبة في الجاهلية لما كانوا يرون فيها من الآثار النصرانية فضلاً عن ذكر إبراهيم الخليل الذي كان لزم هناك مع ابنه إسماعيل حيث جعل التقليد العربي ظهور ملاك الرب لأمه هاجر (تكوين 21: 17) في هذا المكان، قال ياقوت في معجم البلدان (4: 622) "وليست أمه في الأرض ألا وهم يعظمون.. وأنه من بناء إبراهيم حتى اليهود والنصارى". ومما يدل تعلى آثر النصرانية في مكة أو قربها المكان المعروف بموقف النصراني ذكره في تاج العروس، وكذلك مقبرة النصارى، قال الأزرقي في أخبار مكة (ص501) : "مقبرة النصارى دبر الملقع عل طريق بثر عنبسة بذي طوى" والملقع: "الجبل الذي بأسفل مكة على يمين الخارج إلى المدينة" ونظن أن: "مسجد مريم الذي ذكره المقدي في جغرافيته (ص77) بجوار مكة دعي باسم مريم لعذراء لأثر ديني كان هناك في عهد الجاهلية". ومما يثبت نفوذ النصرانية في مكة في عهد الجاهلية نهضة الخفيفة هناك فإن العلماء الذين درسوا في تعاليم تلك الشيعة وما بقي من أخبار أصحابها في تواريخ العري كسبرنغر (Sprenger) ولهوزن (Wellhasen (وكوساي برسفال (C.de perceval) وغيرهم فكانت نتيجة أبحاثهم أن الحنفية في الجاهلية كانت شيعة نصرانية خالطتها بعض تعاليم من غرها وربما أراد بها شعراء الجاهلية واكتبة القدماء النصرانية بعينها، قال شاعر هذيل (Hudheil I8:II) : كأن تواليه بالملا ... نصارى يساقون لاقوا حنيفا أراد بالحنيف الراهب يذهب النصارى لملاقاته، وروى صاحب الأغاني (ك16 ص45) وياقوت ف معجم البلدان (2:51) لأيمن بن خريم قوله فيوصف الخمرة: وصهباء جرجانية م يطف بها ... حنيفُ ولم تنغر بها ساعة قدر ولم يشهد القسُّ المهيمن نارها ... طروقاً ولا صلى على طبخها حبر أراد بالخمر قربان النصارى والحنيف هنا بلا شك الراهب بدليل ذكره في البيت لثاني القس والحبر، ولعل أبا ذؤيب قصد أيضاً الراهب حيث قال مشيراً إلى أصوام الرهبان (تاج العروس 3: 339) : أقامت به كمقام الحنيف ... مشهري جمادى وشهري صفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ويؤيد رأي هؤلاء الكتبة في نثرانية الحنفاء أن معظم الذين ورد ذكرهم في التاريخ يقال عنهم أهم تنصروا، واشهرهم ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وكان ابن عم خديجة زوجة الرسول الإسلام ألأولى وقيل بل كان عمها أخا أبيها قال ابن هشام في سيرة الرسول (ed.Wustenfeld,p.153) : "وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والإنجيل" وقال الإسحاقي في تاريخه أكبر: "كان ورقة أمراءاً قد تنصر في الجاهلية ويكتب الكتاب العربي فكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء أن يكتب". ومنهم عبيد الله بن جحش بن رئاب، قال ابن هشام (ص143 144) : "هاجر عبيد الله مع المسلمين إلى الحبشة ومعه امرأته أم حبيبة ابنة أبي سفيان مسلمة فلما تنصر وفارق الإسلام حتى هلك هناك نصرانياً، قال ابن إسحاق: فحدثني محمدج بن جعفر بن الزبير قال: كان عبيد الله بن جحش حيث تنصر يمر بأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم هنالك في أرض الحبش فيقول: وصأصأ تم أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد". ومنهم عثمان بن الحويرث الذي ذكر نصرانيته اليعقوبي، وروى ابن هشام (ص144) عن ابن إسحاق قوله: "وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ونصر وحسنت منزلته عنده" كانت وفاته في الشام. ومنهم زيد ن عمرو بن نفيل الذي ذكر ابن هشام (ص148) وصاحب الأغاني تردده في دينه واجتماعه بأحبار النصارى ورهبانهم بعد اعتزله الأوثان ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي ترى ديوانه محوناً بتعليم النصارى مع منقولات متعددة عن الأسفار المقدسة مسفر الخليقة وخلقة آدم وسقوط الأبوين الأولين بإغراء الحية والطوفان وذكر الأنبياء والملائكة والسيد المسيح ومريم العذراء. وكان في مكة من النصارى غر هؤلاء الحنفاء منهم أبو قيس صرمة بن أبي أنس الذي روى عنه ابن الأثير في أسد الغابة (3: 18) أنه "كان ترهب في الجاهلية ولبس المسوح". ومنهم زيد بن حارثة مولى رسول المسلمين كان نصرانياً ثم أسلم. وكذلك ذكر صاحب الأغاني (15: 2) نصرانية عتبة بن أبي لهب صهر نبي الإسلام. وكان أبو فسيان زعيم مكة صهر البشر أخي أكيدر صاحب دومة الجندل وكان كلاهما نصرانياً وبشر هو الذي علم أهل مكة الخط العربي. ومما يفيد تاريخ النصرانية في مكة ذكر المعاملات التجارية التي كانت متواصلة بين أهلها ونصارى قبائل لعرب الواردين إليها والنصارى الحبشة وغيرهم فإن اختلاط أولئك النصارى بأهل مكة أثر فيهم تأثيراً عظيماً واجتذب كثيرين منهم إلى الدين المسيح ومما يؤيد ذلك أن أبا عامر الراهب الذي حارب رسول الإسلام لفي مكة وأحد قد لقي لمسلمين "في الأحابيش وعبدن أهل مكة" كما روى ابن هشام في سيرة الرسول ص561 562. وفي كتاب الخراج (ed.th.Junynboll,I896,p.53) ما نقله الكاتب عن أبي الحويرث قال: "ضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - على نصراني بمكة ديناراً كل سنة" وفي هذا دليل على بقاء النصرانية في مكة أيام النبي الإسلام. ولم تخل مدن الحجاز من آثار النصرانية كالطائف على مسيرة يوم من مكة ومنها كان أمية بن أبي الصلت الشاعر النصراني ينتسب إلى ثقيف أهل الطائف، وكعكاظ التي كان يدجتمع في سوقها العرب فيتناشدون ويتفاخرون وهناك خطب قس بن ساعدة أسقف نجران كما رووا، وفي التقويم النسطوري (ص8) الذي أشرنا إليه سابقاً فطبعه حضرة الخوري بطرس عزيز سنة 1909 أن النساطرة كان لهم كنيسة في عكاظ مع جماعة من أهل دينهم والله أعلم. *** وإن توغلت في قلب جزيرة العرب ورقيت م يرتفع في أوساطها من التلال والمشارف لقيت بلاد نجد التي أفاض شعراء العرب في مدحها لطيب هوائها وجودة تربتها كقول بعضهم: فيا حبذا نجد طيب ترابه ... إذا هضبته بالعشي هاضبه وريح صبا نجد إذا ما تنسمت ... ضحىً أو سرت جنح الظلام جنائبه بأجرع ممراعِ كان رياحه ... سحاب من الكافور والمسك شائبه واشهد اأنساه ما عشتُ ساعةً ... وما أنجاب ليلٌ عن نهار يعاقبه ففي نجد وجهاته وجدت النصرانية لدعوتها قلوباً تقبلتها بالترحاب فهناك كانت عدة قبائل عرفت بتدينها بدين السيد المسيح كطيء ولسكون والسكاسك وكندة وقد مر بك إن ثم كانت أديرة لرهبان النصارى كدير سعد في بلاد غطفان ودي عمرو في جبال طي قرب جو من ديارهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 أما نصرانية قبائل نجد فلنا عليها عدة شواهد، قال السائح الإنكليزي بلغراف في كتاب رحله إلى جزيرة العرب (ج1 ص61) عن بلاد الجوف: "ن أهل الجوف لا يعرفون عن أصلهم وتاريخهم إلا لقليل لكن التقاليد المحلية تزعم أن تلك البلاد كانت قبلاً تدين بالنصرانية وأن أنصار النبي كعلي وخالد بن الوليد اضطروا إلى استعمال قطع الأدلة أي السيف ليخلوا أهلها في الإسلام". وقل في محل آخر (ص111) : "قبل الإسلام كانت قبائل العرب في وسط الجزيرة رائعة في بحبوحة السلام الذي فقدته بعد ذلك، وكان أكثرها يدين بالنصرانية بل يرجح أنها خطفت دينها بعد الإسلام إلى خروج بني أمية عليها". وخص بالذكر تلك القبائل المتنصرة فقال (ص84) أ، عرب نجد قبل الإسلام كانوا من تغلب وتنوخ وكندة وطي وقد لقي ذاك السائح هناك عدة آثار وأبنية سمع الأهلين ينسبونها إلى قدماء النصارى من جملتها بير شقيق الذي نزل بقربه. وليس كلام هذا الرحالةحديث خرافة بل تؤيد روايته الآثار القديمة وتاريخ قبائل نجد، وكانت أعظم القبائل كندة ومنها السكون والسكاسك الذين ذكر تنصرهم ابن خلدون في تاريخه (2: 249) وكان لكندة بيت ملك فتولوا على بني معد في أنحاء نجد وأولهم حجر آكل المرار ثم خلف حجراً بنوه من بعده ومنهم كان امرؤ القيس الشاعر: أما نصرانية كندة فلا شك لفيها وقد أثبتنا ذلك في مقالة خصوصية حيث رددنا على مزاعم حضرة الأب أنستاس الكرملي في مزدكية امرئ القيس (راجع المشرق 8 (ص998 1006) وقد ذكرنا الكتابة التي وضعتها على صد ديرها هد الكبرى بنت الحارث الكندية حيث تفتخر بكونها "أمة المسيح وأم عبده (أي عمرو بن هند) وبنت عبيدة" (أي الحارث بن عمرو بن حجر ملوك كندة) وروينا أيضاً النصوص اليوناينة الني نقلها فوتيوس في مكتبته (Migne p.G.III,46-47) عن المعاهدات التي أبرمها ملوك الروم مملوك كندة عبد المسيح الكندي في رسالته إلى الهاشمي في أيام المأمون، وقد ذكر هذه الرسالة أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية (سص05 من طبيعة ليبسيك) قال الكندي (سص124 من طبعة لندن سنة 1880) : "ولسنا نحب أن نفتخر بما لنا من السبق والنسق في العربية وشرف الآباء فيها إذا كان ذلك معروفاً غير مجهول لأبائنا غير مجهول لأبائنا وأجدادنا، فقد علم كل ذي علم ولب كيف كانت ملوك كندة الذي هم ولدونا وما كان لهم من الشرف على سائر العرب لكننا نقول ما قاله رسول اليوم فخر نفتخر به إلا دين النصرانية الذي هو المعرفة والعمل الصالح فإنه في غاية الفخر والشرف، فليس لنا ليوم فخر نفتخر به إلا دين النصرانية الذي هـ المعرفة بالله وبه نهتدي إلى العمل الصلح ونعرف الله حق معرفة ونتقرب إليه وهو الباب المؤدي إلى الحياة والنجاة من نار جهنم". وقال في محل آخر (ص103) يشير إلى دين كندة أجداده: "ولولا أن الديانة عندي أشرف من الحسب الجسداني الزائل لكان يسعن السكوت.. لكني رجل نصراني ولي في هذه الديانة سابقة هي حسبي ونسبي وشرفي الذي أتشرف به وأفخر بمكاني منه وأرغب إلى الله في إماتتي على هذه الديانة وحشري علها فإنه في غاية أملي ورجائي الذي أرجو به الخلاص من العذاب في نار جهنم والدخول إلى ملكوت السماء والخلود فيها بفضله وإحسانه وسعة رحمته". فصحّ إذن أن بلاد نجد لم تشذ عن سواها في قبول الدين النصراني فشاع فيها كما شاع في بقية أنحاء العرب، وبه ختم هذا الفصل الذي تحرينا فيه تاريخ النصرانية في جميع جهات العرب. الفصل الثاني في قبائل العرب المتنصرة هذا فصل نجعه كتتمة الفصل السابق فنسرد على سياق حر المعجم أسماء البائل المتنصرة في عهد الجاهلية مع الأدلة على نصرانيتها: 1 "الأزد" اسم عام يشمل القبائل الحميرية نسبة إلى الأزد بن غوث ابن نبت ب مالك ن كهلان بن سبأ، ونصرانيتهم مثبتة بنصرانية القبائل المتفرعة منهم وهي القبائل التي خرجت بعد انفجار سد مأرب فسكنت في أنحاء الجزيرة وسيأتي ذكرها. 2 "امرؤ القيس" بنو امرئ القيس من بني زيد مناة بن تميم، وممن صرح بنصرانيتهم ابن واضح المعروف باليعقوبي في تاريخه (ج1 ص298) (ed.Houtsma) قال: "وتنصر من بني تميم امرئ القيس بن زيد بن مناة". وإلى نصرانية بني امرئ القيس يشير ذو الرمة الشاعر حيث يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ولكنّ أهل امرئ القيس معشرٌ ... يحل! ُّ لهم أكل الخنازير والخمر 3 "الأوس" روينا في الباب العاشر من فصلنا الأول (ص108) أقوال الكتبة في نصرانية الأوس بعد احتلالهم يثرب وأنهم المشار إليهم بأهل الكتاب أي النصارى. 4 "إياد" من أقدم القبائل العربية المتنصرة نقل السيوطي في المزهر (1: 105) قول أبي نصر الفارابي في القبائل العربية التي لم يؤخذ عنها اللسان العربي لسفاد الحق بلغتها: "ولم يؤخذ (اللسان العربي) لا من قضامة وغسان وإياد لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرأون بالعبرانية" يريد اللغة الآرامية التي شاعت بين العبرانيين بعد جلاء بابل، وقال البكري في معجم ما استعجم (ص48) (ed.Wustenfld) : "دانت إياد لغسان وتنصروا" وقال ابن دريد في الاشتقاق (سص105 id) : "إياد قدم خروجهم من اليمن فصاروا إلى السواد فألحت عليهم لفرس في الغارة فدخلوا الروم فتنصروا". 5 "بكر" بن وائل قبلية كبيرة أخت تغلب وقرينتها في القوة ولدين كانت ساكنة في الجزيرة وإليها نسبت ديار بكر، أما نصرانيتها فثابتة من كل الوجوه لايشك فيها، وقال صاحب سيرة الرسول المعروفة بالحلبية (3: 95) : "من قبائل العرب المتنصرة بكر وتغلب ولخم وبهراء وجذام". 6 "بلي" بلي من عمرو وأخوة بهراء قضاع مثلهم كانوا نصارى وحاروا مع بهراء ونصارى العرب جيوش المسلمين كما ذكر الطبري (1: 2474) . 7 "بهراء" فرعُ من قضاعة اشتهرا بالنصرانية كما رأيت آنفاً بنص السيرة الحلبية، وقال اليعقوبي في تاريخه (1: 298) : "تنصر. من ربيعة تغلب ومن اليمن طي ومذحج والبهراء وسليح وتنوخ وغسان ولخم" وجاء في كتاب البلدان للاصخري طبعة ليدن ص14 ed.de Geoeje,) : "أن بعض العرب تنصر ودان بدين الروم مثل تغلب من ربيعة بأرض الجزيرة وغسان وبهراء وتنوخ ومن اليمن بأرض الشام" وجاء في ترجمة أبي اعلاء المعري لابن خلكان: "تنوخإحدى القبائل الثلث التي هي نصارى العرب وهم بهراء وتنوخ وتغلب" ومثله الفيروزأبادي حيث قال: "كانت النصرانية في ربيعة وقضاعة وبهراء وتنوخ وتغلب وبعض طيء" وسق الطبري (ج01، 2081) كل هؤلاء فجعل بهراء في عداد نصارى العرب أنصار الروم، فترى أن نصرانية بهراء شائعة في التاريخ. 8 "تغلب" بن وائل هي القبيلة المعدة الشهيرة وسقيقة بكر، كانت بلغت في الجاهلية مقاماً قلما أدركته قبلية عربية أخرى وقال عمرو الشيباني يصف شرف تغلب: "كانت تغلب بن وائل من أشد الناس في الجاهلية وقالوا: لو أبطأ الإسلام قليلاً لأكلت بنو تغلب الناس"، وكانت تغلب مع شدتها عريقة في الدين، قال عمرو بن كلثوم التغلبي في معلقته يفتخر بشرف ودين ونساء قومه: ظعائن من بني جشم بن بكر ... جمعن بميسم شرفاً وديناً أما هذا الدين فكان دين النصرانية كما هو مسهور، والشواهد على ذلك اتحصى كما رأيت ىنفاً من نصوص اليعقوبي والاصطخري والفيروز آبادي وابن خلكان وزد عليها قول ابن حوقل في المسالك والممالك (ص18) : "نزلوا (أي العرب) على خارة فارس والروم حتى أن بعضهم تنصر ودان بدين النصرانية مثل تغلب من ربيعة بأرض الجزيرة وغستن وبهراء وتنوغ من اليمن بأرض الشام" وتجد في الباب الثامن من الفصل السابق شواهد أخرى تؤيد الأمر ولا تدع ريباً لمستريب. قال جابر بن حني على بهراء (اطلب شعراء النصرانية ص190) : وقد زعمت بهراء أن رماحنا ... رماح نصارى لا تخوض إلى الدّم.. بل لدينا أدلة واضحة على ثبوت النصرانية في تغلب حتى القرن الثالث والرابع بعد الإسلام وجاء في سراج الملوك للطرطوشي (ص36 من طبعة مصر 1299) أن بني تغلب دخلوا على عمرو بن عبد العزيز فأعلنوا بنصرانيتهم: 9 "تميم" هو ابن مرة ن أد من بني مضر العدنانيين وكانوا عدة قبائل ودخلت النصرانية في كثير منها كبني امرئ القيس وبني شيبان وبني أيوب ابن قلام الذي منهم كان الشاعر لنصراني الشهير عدي بن زيد، وجاء في التذكرة الحمدونية (ص17و 18 من نسخة برلين) في وصاة الحرث بن كعب لبنيه أنه "بقي على دين عيسى بن مريم مع تميم بن مر وأسد بن خزعة" فجعل النصرانية في قبائل تميم بنسبتها إلى رأسهم وشيخهم تميم بن مر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ولما وفد بنو تميم على محمد كان أحد زعمائهم الزبرقان بن يدر ومما افتخر به البيع التي كان يشيدها قومه كما روى ابن هشام في سيرة الرسول (ص935) : نحن الكرام ولا حيٌّ يعادلنا ... منا الملوك وفنا تنضب البيع ومن تميم في الجاهلية كان أسقف نصراني يدعى محمداً وهو محمد بن سفيان ابن مجاشع بن دارم التميمي. 10 "تنوخ" إحدى قبائل اليمن ونصرانيتها مجمع عليها فإ الطبري (1: 2065 و2081) اليعقوبي (1: 298) في تاريخهم والاصطخري في كتاب مسالك الممالك (ص24) وابن خلكان (ج1 ص42) والفيروز آبادي في معجمه يجعلون كلهم تنوخ من جملة القبائل المتنصرة بل ورد ف كتب السريان ذكراً لسقف التنوخين. 11 "ثعلبة" بنو ثعلبة ثلاثة أبطن من طيء وهم ثعلبة بن ذهل وثعلبة بن رومان وثعلبة بن دعاء يقال لهم ثعالب طيء ورد في الباب الثامن من الفصل السابق ذكر أساقفتهم، قد عر كتبة اليونان والرومان والسريان ونصرانيتهم فذكروهم غير مرة ويجعلونهم من الطائعين الخاضعين للروم "سرياني" وأخبر الابشيهي صاحب كتاب المستطرف (ج1 ص135) قال: "روي أن بني علبة دخلوا على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين أنا قوم من العرب افرض لنا، قال: نصارى؟ قالوا: نصارى، قال: ادعوا إلى حجاماً، ففعلوا فجزا نواصيهم.."ويوجد غير هؤاء أيضاً قوم عرفو ببني ثعلبة أشهر بنو ثعلبة بن شيبان من بطون تميم. 12 "جذام" بن مالك بن نصر قبيلة يمينة من الأزد كانت تدين بالنصرانية قال صاحب السيرة الجليلة (3: 95) : "من قبائل العرب المتنصرة بكر واخم وجذام" وكذلك الفارابي في المزهر (1: 105) يجعل جذام من النصارى الذين "يقرأون بالعبرانية" وفي الفتوحات الإسلامية للبلاذري (59 و135) وفي الطبري: "1: 1702" وفي تاريخ ابن بطريق (طبعتنا ج2 ص13) ترى جذاماً في جملة قبائل العرب المتنصرة التي تحارب جيوش المسلمين مع غسان وكلب ولخم. 13 "جرم" بن ريان هم من قبائل قضاعة ونصرانيتهم ثابتة كنصرانية قضاعة، وقد مر بك في البابا الثامن من الفصل الأول ذكر أسقف لبني جرم، وكانت النصرانية في جرم منذ زمن قديم فإن السريان ذكروا ديراً ابتناه الرهبان فديار جرم منذ أواسط القرن الرابع (وقد روى قزما الرحالة الهندي في سفره إلى الهند أن بين الدائنين بالنصرانية في زمانه أي القرن السادس للمسيح كان النبط وبنو جرم. 14 "جرهم" نقلنا في جملة أآثار النصرانية في مكة ما رواه كتبة العرب عن دين بني جرهم وعن ملكهم عبد المسيح وأسقفهم في مكة، فليراجع. 15 "الحداء والسَّمط" فروع من بني امرئ القيس بن زيد بن مناة بن تميم، كانو يسكنون الحيرة ويدينون بدين أهلها، قال طخيم بن أبي الطخماء الأسدي يمدحهم (الكامل للمبرد 26 ed.Wriht) : بنو السمط والحدّاء كل سميدع ... له في العروق الصالحات عروقُ وإني وإن كنوا نصارى أحبهم ... ويرتاح قلبي نحوهم ويتوق 16 "الحارث بن كعب" قبيلة يمنية كبيرة تنتسب إلى مذحج إلى كهلان احتلت نجران ونواحيها وتنصرت وحسنت نصرانيتها ويظهر أن الحارث بن كعب جد هذه القبيلة مات نصرانياً فإننا قد وجدنا في النسخة ى=الخطية من التذكرة الحمدونية (Ms.berlin, ablwardt, nos 8359 et60ff.I7) ما حرفه: "أوصى الحرث بن كعب بنيه فقال: يا بني قد أتت علي مائة وستون سنة ما صافحت يمين يمين غادر ولا قنعت نفسي بخلة فاجر لا بحت لصديق بسر ولا طرت عندي مومسة قناعاً ولا بقي على دين عيسى ابن مريم أحد غيري وغير تميم بن مر وأسد بن خزيمة، فموتوا على شريعتي واحفظوا وصيتي وإلهكم فاتقوا يكفكم الهم من أموركم ويصلح لكم أعمالكم وإياكم والمعصية لئلا يحل بكم الدمار وتوحش منكم الديار.. إن لزوم الخطية تعقب البلية". وهناك حاشية رواها ابن حمدون: "أن النصارى في العرب كثير وبني الحرث ابن كعب كهم نصارى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وكانت نجران تحت حكم بني الحارث لما قصدها ذو نواس ملك حمير اليهودي فافتتحها وامتحن أهلها بأخاديد النار فمات منهم عدد دثر مفضلين الموت الأحمر على جحود الدين، وبعد ظفر الحبش بذي نواس عاد بنو الحارث بن كعب إلى أمرة نجران وكان من أشرافهم بنو عبد المدان بن الديان لذي شادو كعبة نجران وكنيستها المعروفة بالقليس التي أفاض الكتبة في وصف محاسنها كما رأيت في الباب المختص بنصرانية أهل اليمن، وبقي بنو الحارث بن كعب على نصرانيتهم بعد ظهور الإسلام كما يؤخذ من كتاب الوفادات لابن سعد (Wellhausen, Skizzen,IV,8) حيث صالحهم نبي المسلمين على شروط عددها هناك ولم ينبذوا دينهم، ومما رأيناه في أحد المخططات مكتبة قديمة في حلب منسوباً إلى شاعر بني الحارث الأبيات الآتية الشهيرة إلى دينهم القويم: ألا أننا من معشر سبقت لهم ... أيادي من الحسنى فعرفوا من الجهلِ ولم ينظروا يوماً إلى ذات محرمٍ ... ولا عرفوا إلا التقية في الفعل وفينا من التوحيد والعقل شاهدٌ ... عرفناه والتوحيد يعرف بالعقل نعاينٌ من فوق السماوات كلها ... معاينة الأشخاص بالجوهر المجلي ونعلم ما كنا ومن أين بدؤنا ... وما نحن بالتصوير في عالم الشكل وإنَّا وإن كنّا على مركبة الثرى ... فأرماحنا في عالم النور تستعلي وما صعدت لم تختبره وإنَّما ... رأت ذاتها بالنور في العالم العقلي فلم ترض بالدنيا مقاماً فأثرت ... حقيقة ممثولٍ وجلَّت عن المثل 17 "حمير" أخبار تنصرها مرت في باب النصرانية في اليمن فعليك بها، وزد عليها نصوصنا في قول الفيروزآبادي: "أن كثير من ملوك اليمن والحيرة تنصروا". 18 "حنيفة" بنو حنيفة بطن كبير من بكر بن وائل كانوا يسكنون اليمامة وقد مر ذكر تنصرهم في أثناء ذكر "النصرانية في حضرموت وعمان واليمامة والبحرين" وفندنا هناك ما روي عن عبادتهم لصنم من عجين بل وجدنا في ذلك الهجو دليلاً على نصرانيتهم إشارة إلى القربان الأقدس، ومثله قول الآخر: أكلت ربها حنيفُ من جو ... عٍ قدمٍ ومن أعواز ومن حنفة كان هوذة بن علي المعروف بذي التاج ملك اليمامة الذي مر ذكره. ومنهم كان مسليمة بن حبيب الذي ناصب محمداً وتبعه أهل اليمامة واستفحل أمره وكاد يظهر على الإسلام لولا خالد بن الوليد اتلذي غلبه وقتله، ومما يدل على نصرانية بني حنيفة ما ذكره ابن سعد في كتاب الوفادات (Wellhausen,p.46) . حيث روى خبر وفودهم على محمد إلى أن قال: "أعطاهم رسول الله أداوةً من ماء فيه فضل طهوره فقال: إذا قدمتم بلدكم اكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوا مكانها مسجداً ففعلوا" ثم يذكر أن "راهب البيعة هرب فكان آخر العهد به" فذكره لبيعة بني حنيفة وراهبها دلل ساطع على نصرانيتهنم. 19 "الخزرج" بنو الخزرج كبني الأوس كانوا يسكنون المدينة ويعدون من أهل الكتاب أي النصارى (يراجع ما سبق عن النصرانية في المدينة) . 20 "ربيعة" هو اسم يطلق على قبائل العديد المنتسبة إلى ربيعة بن نزار وهي أكبر قسم من القبائل العدنانية الأربع أعني إنمار وإياد وربيعة ومضر، وقد انتشرت النصرانية في ربيعة حتى أوشكت تشمل كل بطونها وفروعها فترى من ثم كتبه العرب إذا ذكروا النصرانية في الجاهلية جعلوها خصوصاً في ربيعة فقال الفيروزآبادي: "وكانت النصرانية في ربيعة" وشهد بذلك قبله ابن قتيبة في المعارف (ص305 من طبعة مصر) وابن رسته في الأعلاق النفسية (ص217) والقاضي ابن صاعد في كتاب الأمم (ص34 من طبعتنا) وغيرهم كثيرون. فقولهم "أن النصرانية كانت في ربيعة" بإطلاقه يدل تعلى أن هذا الدين كان الغالب عليهم على اختلا قبائلهم، ويؤيد ذلك ما رويناه عن نصرانية أعظم قبائل ربيعة كبكر وتغلب وامرئ القيس وحنيفة وشيبان الخ، فناهيك بذلك شاهداً على شيوع النصرانية بين العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 21 "السكاسك والسكون" قال ابن دريد في الاشتقاق (ص221) "ومن قبائلهم السكاسك والسكون قبيلتان عظيمتان وهما ابنا الشرس بن ثور بن كندي" ومما يؤيد تنصرهما أنهما كانت في دومة الجندل التي مر ذكر نصرانيتها ونصرانية صاحبها أكيدر السكوني، وقد صرح ابن خلدون في تاريخه (2: 249) بنصرانية السكون قال: "وكان لقضاعة ملك آخر ف كلب بن وبرة يتداولونه مع السكون من كندة فكانت لكلب دومة الجندل وتبوك ودخلوا في دين النصرانية وجاء الإسلام والدولة في دومة الجندل لأكيدر بن عبد الملك بن السكون". وكان السكون والسكاسك يسكنون أيضاً في حضرموت محالفين لبني الحرث كعب أهل نجران كما اخبر الطبري ولما ظهر السود العنسي محارباً لمحمد نبي الإسلام كحان السكون والسكاسك من أنصاره (وكذلك نراهم يحاربون خالداً مه بني كلب وغسان وبهراء وكلهم من نصارى العرب) . 22 "سليح" هي القبيلة العربية التي سبقت الغسانيين في الشام ودانت بالنصرانية قال المطهر القدسي ف كتاب البدء المنسوب لأبي زيد البلخي (ed.Huart.III,p208) : "وأول من دخل الشام سليح وهم من غسان ويقال من قضاعة فدانت بالنصرانية وملك عليها ملك الروم رجلاً يقال له النعمان بن عمرو ابن مالك" وقال المسعودي فيمروج الذهب (طبعة باريس3: 216) : "وردت سليح الشام فتغلبت على تنوخ وتنصرت فملكها الروم على العرب الذين بالشام". وكذلك ابن واضح اليعقوبي في تاريخه (1: 298) : "تنصر.. من اليمن طي ومذحج وبهراء وسليح وتنوخ وغسان ولخم" وسبقهم الطبري في تاريخه (1: 2081) فجعل سليحاً من قبائل نصارى العرب المحاربين مع الروم، وبنو سليح يدعون أيضاً بالضجاعم أو الضجاعمة نسبة إلى أحد أجدادهم قال في التاج (8: 373) : "ضجعم أبو بطن من العرب وهو ضجعم بن سعد بن عمرو الملقب بسلح بن حلوان بن عمران" وقد ذكر الطبري (1: 2065) الضجاعم مع قبائل النصارى المحاربة لخالد بن الوليد، ومن ملوك الضجاعم في الشام دوود بن هبولة المعروف باللثق وكان نصرانياً وقال بن دريد في الاشتقاق (ص319) : يضاف إليه دير داود في الشام. 23 "شيبان" حي من بكر بن وائل، وقال في التاج (1: 328) : "هما شيبانان أحدهما شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، والآخر شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة الخ.. وهما قبيلتان عظيمتان على بطون وأفخاذ" ونصرانية القبيلتين شائعة كنصرانية جذرهما بكر بن وائل، وكان مقام بني شيبان في بلاد الجزيرة المعروفة بديار بكر قريباً من دجلة حيث انتشرت النصرانية انتشاراً تاماً، وبنو شيبان يعرفون غالباً يبني ثعلبة في تواريخ الروم والسريان (ر اجع ما قلناه عن ثعلبة) ومن شيبان كان حارث بن عباد سيد شيبان في حرب البسوس وقرن المهلهل، ومنهم بسطام بن قيس أحد فرسان العرب المشهورين وسيد شيبان في يومي غبيط ومحطط اللذين وذكرهما ابن عبد ربه في العقد الفريد (3: 88 89) وابن الأثير في تاريخه (1: 250) وقد صرح ابن عبد ربه هناك بنصرانية بسطام ويدعوه أيضاً حنيفاً فيثبت ما قلناه عن نصرانية الحنفاء، ومنهم أيضاً نابغة بن شيبان الشاعر الأموي الشهير له ديوان لم يطبع حتى الآن، وقد ذكر أبو الفرج في الأغاني (6: 151) نصرانيته، وكذلك هانئ بن قبيص في دريد في الاشتقاق (ص216) : "كان شريفاً عظيم القد وكان نصرانياً وأدرك الإسلام فلم يسلم ومات بالكوفة". 24 "ضبيعة" كانو أخوة بني شيبان ويعرفون مثلهم بالثعالب يشاركونهم بكل أحوالهم وهم نازلون في ديارهم ويدينون ومنهم كان الشاعر الجاهلي الشهير طرفة بن العبد صاحب المعلقة. 25 "طيء" من أكبر قبائل العرب وأطولها باعاً وأرقاها حضارة وأثبها على خطوب لزمان أصلهم من اليمن ينسبون إلى طيء بن أدد بن كهلان. وكانت ديارهم في نجد حيث الجبلان المعروفان بجبلي طيء وهما أجا وسلما وكانوا يسكنون في أطراف اليمامة في نواحي تيماء وكانو يدينون بالوثنية، وقد ذكروا لهم صنماً كان يعبدونه يسمى الفلس أو لفلْس لم يتفقوا في تعريفه، وما لا ينكر إن النصرانية كانت كثيرة الانتشار بينهم، قال ابن واضح اليعقوبي (1: 298) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 "تنصر من أحياء العرب.. من اليمن طيء ومذحج وبهراء وسليح وتنوخ وغسان ولخم" فجعل طيئاً في مقدمة القبائل المتنصرة، وقد أخبر ابن العبري في تاريخه الكنسي (Barhebrai chroicon eccl.,III, 100) أن "احودما" لمفريان نة 870 لليونان (أي 559 للمسيح) تنقل بين العرب الطائيين ورد كثيراً منهم، وكان اسم الطائيين عند السريان يعم كل العرب لكنهم يخصصون به بني طيء أيضاً ويذكرون نصرانيتهم، ومن آثار النصرانية في طيء أديرة للرهبان في أنحائهم مر لنا ذكرها، كدير عمرو في جبال طيء (ياقوت 2: 682) وكدير الثعالب لبطون من طي قريباً من بغداد (ياقوت: 2: 650) ومن مآثر النصارى الطائيين إن قوماً منهم وضعوا الخط العربي كما شهد على 1ذلك قدماء الكتبة (راجع المشرق (4: 1901) ص278) وقد صرح مؤلفو العرب بنصرانية كثيرين من الطائين كحنظلة الطائي باني دير حنظلة (ياقوت 2: 655) الذي يسببه تنصر النعمان صاحب الغربيين، وكاياس بن قبيصة بن أبي عفراء الذي ملك مدة بالحيرة. كأبي زبيد الشاعر النصراني وكعدي بن حاتم الطائي سيد بني طيء قال ابن سعد في وفادات العرب (Skizzev,IV,51) : "عدي بن حاتم كان على النصرانية" ومثله اقوت (3: 913) والمستشرقون اليوم مجمعون على نصرانية طي، وقد مر بك قول الرحالة بلغراف (ص122) وكذلك العلامة فلهوسن (خص طيئاً بالعلائق القديمة مع النصرانية وختم قوله بهذه الألفاظ "لو لم يظهر الإسلام لأضحت بعد زمن قليل بلاد شمالي العرب من البحر الأحمر إلى خليج العجم كلبها نصرانية". 26 "عاملة" قبيلة سنتسبون إلى عاملة بن سبا من بني قحطان وقد سكنوا العراق م انتقلوا إلىجهات الشام وإليهم تنتسب جبال عامة، وكانوا يدينون بالنصرانية كجميع عرب الشام، وقد ذكر البلاذري بني عاملة في فتوح البلدان (ص59) فيجملة العرب المتنصرين الذين حاربوا في تبوك رسول الإسلام سنة 9 للهجرة مع الروم ولخم وجذام.. وكذلك الكبري في تاريخه (ج1 ص2346) . نظم عاملة في جملة أحلاف الروم، قل في تاريخ سنة 4: "لما أصافت الروم سار هرقل في الروم حتى نزل أنطاكية ومعه من المستعربة لم زجذام وبلقين وبلي وعاملة وتلك القبائل من قضاعة وغسان وبشر كثير". 27 "العباد" قال ابن خلكان (ed.de slane,98) : "العبادة عدة بطون من قبائل شتى نزلوا الحيرة وكنوا نصارى ينسب إليهم خلق كثير منهم عدي بن زيد العيادي الشاعر" وقد روى هشام بن الكلبي (اطلب تاريخ ابن خلدون 2: 169 170) عن نصارى العرب في العراق ما نصه: وكانت بيوتهم على ريف لعراق ينزلون الحرة وكانوا ثلث فرق: الأولى تنوخ ومنهم قضاعة.. كانوا يسكنون بيوت الشعر والوبر ويضعونها غربي الفرات بين الأنبار والحيرة وما فوقها فأنفوا من الإقامة في مملكة اردشير وخرجوا إلى البرية، ولثانية العباد الذين كانوا يسكنون الحيرة وأوطنوها.. والثالثة الأجلاف الذين نزلوا بهم من غير نسبهم ولم يكونوا من تنوخ الناكثين من طاعة الفرس زلا من العباد الذين دانوا بهم ملك هؤلاء الأحلاف الحيرة والأنبار كان منهم عمرو بن عدي وقومه.. أما تسميتهم بالعباد فإن أبا الفرج في الأغاني (11: 162) عللها بكونهم قاتلوا سابور ملك العجم واتخذوا كشعارهم "يا آل عباد الله فسموا العباد". 28 "عبد الدار" كانوا فرعاً من لخم وسكنوا مدة مكة وكانت لهم فيها الرفادة والسقاية، ثم لحقوا بعرب العراق وتنصروا وسكوا الشام وجبال فلسطين. 29 "عبد القيس" هي قبيلة من ربيعة كانت ساكنة في تيماء وبصرى وبلاد البحرين وكانت النصرانية غالبة عليها ووفدت على محمد سنة 8 للهجرة مع سيدها بشر بن عمرو المعروف بالجارود وكان نصرانياً (ومن هذه القبيلة كان بحير الراهب النسطوري) قال الخفاجي في نسيم الرياض وشرحه على الشفاء (ج2 ص23) : "بحيرا اسمه جرجس ويقال جرجيس بياء كان من عبد القيس نصارى تيماء أو بصرى" ومنهم الرئاب ابن البراء الشني قال ابن دريد في الاشتقاق (ص197) : وكان (الرئاب) على دين عيسى عليه السلام وكانوا سمعوا في الجاهلية منادياً ينادي: "ألا أن خير الناس رئاب الشني". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 30 "عبس وذبيان" هما ابنا بغيض بن غطفان من قبائل مضر، ليس لدينا شواهد صريحة على نصرانيتها وإنما يستدل عليها ببعض الدلائل فمن ذلك تنصر قيس بن زهير بن جذيمة بن العبسي سيد بن عبس في أيام داحس والغبراء. قال ابن الأثير في تاريخه (1: 242 243) أنه تاب إلى رببه: "فتنصر وساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب به" وكذلك الربيع بن زياد أحد أعيان بني عبس كان منادماً لملك الحيرة النعمان بن المنذر مع سرجونبن توفيل (ويروى نوفل) كان النعمان نصرانياً وسرجون أيضاً نصراني رومي (فلا يحتمل أن يكون الربيع بن زياد من عبدة الأصنام، وأدلمن ذلك على النصرانية في عبس ظهور رج بينهم من بني مخزوم بن عبس يدعونه خالد بن سنان ويذكرون أنه كان نبياً، قال ابن دريد في الاشتقاق (ص170) : "كر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال (عن خالد بن سنان) : ذاك نبي ضيعه قومه" قال العصامي في كتاب سمط النجوم العوليفي أنباء الأوائل والتوالي (روى أن خالد بن سنان كان في زمن كسرى أو شروان وأنه كان يدعو الناس إلى دن عيسى ومان بأرض بني عبس وأطفأ النار التي كانت تخرج من هناك وتحرق من لقيته من عابر سبيل وذكر العصامي في الكتاب عينه نباً آخر لبني عبس اسمه حنظلة ابن صفوان (ص69) قال أنه دعا قومه إلى الله تعالى وصنع المعجزات ثم قتله قومه. أما ذبيان فشقيقة عبس ولا يبعد أنها دانت بالنصرانية وما لا ينكر أن شاعرها الكبير النابغة الذبايني كان نصرانياً بشهادة تاج العروس (1: 337) نقلاً عن الصفاني والأصمعي قال في بيان معاني الصليب: "والصليب العلم.. قال النابغة: ظلَّت أقاطيعُ أنعام مؤبلة ... لدى صليبٍ على الزوراء منصوب .. وقيل سمى النابغة العلم صليباً لأنه كان نصرانياً". 31 "عِجل" قبيلة كبيرة من بكر بن وائل وهم عجل بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وهم أخوة بني حنيفة وكلهم نصارى مما سبق فتبعتهم عجل في دينهم، وعجل إحدى قبائل النصارى التي ظفرت بالعجم يوم ذي قار كان سيدهم حنظلة بم ثعلبة بن سيار العجلي وكان على شيبان هانئ بن بيصة النصراني (الاشتقاق لابن دريد ص216) وقد روى أبو الريحان البيروني في كتاب الآثار الباقية (ed.sachau,p.314) "أن العذارى النصرانيات من العرب صمن شكراً الله حيث انتصرت العرب من العجم يوم ذي قار فنصروا عليهم". ثم نسب إله صوم العذارى الواقع بوم الاثنين بعد عبد الدنح ويدوم ثلثة أيام، وبقيت عجل عل نصرانيتها حتى بعد ظهور الإسلام فحاربت خالد بن الوليد وجيوش المسلمين تخت قيادة جابر بن بجير وعبد الأسود النصرانيين كما رواة الطبري (ج1 ص2032 2033) وابن خلدون (ج2 (تتمة) 80) قال كلاهما هناك أن تعبد الأسود وجابر كانا سائرين في نصارى العرب (من عجل وتيم اللات وضبيعة) . ولم يعدل بنو عجل عن نصانيتهم إلى أيام بني أمية والدليل على ذلك أن الطبري صرح بنصرانية سيد بني عجل أبجر بن جابر (الطبري ج1 ص3460) وبقي ابنه حجار على دينه كما يشهد عليه هجاء قاله فيه الشاعر عبد الله بن الزبير وكان حجار من أشراف أهل الكوفة ودونك الشعر (الأغاني 13: 46 47) : ولكنهم النصارى سدت ومن يكن ... كذلك أهلٌ أن يسود بني عجل ولكنهم كانوا لئاماً فسدتهم ... ومثلك من ساد اللئام بلا عقل وكيف يعجل أن دنا الفصح واغتدت ... عليك بنو عجل ومرجلكم يغلي وعندك قسيس النصارى وصلبها ... وغانيه صهباء مثل جنى النحل فغاظ هذا الشاعر بني عجل لما تهددوه بالقتل لهجوه سيدهم فقال: تهددني عجلٌ وما خلت أنني ... خلاةٌ لعجل والصليب لها بعل.. يريد إكرام بني عجل للصليب على مألوف عادة النصارى. 32 "عقيل" بطن من كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من غطفان، كان يسكنون اليمامة وكان أهل اليمامة كما سبق من تباع النصرانية، وقد خصوا بالذكر عقيلاً وذكروا لهم أساقفة، ولما ظهر الإسلام انوا به مدة حتى وفاة محمد ثم ارتدوا إلى دينهم فاضطر أبو بكر الصديق إلى أن يرسل إليهم بعثة لمحاربتهم وكان قسم من بني عقيل يسكنون أيضاً في الجزيرة عند نهر خابور مع نصارى تغلب وبكر (راجع ص94) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 33 "غسَّان" لا حاجة إلى الإطالة في ذكر نصرانية غسان وقد مر لنا كلام مسهب في ذلك، وليس بين كتبة العرب من بعدد القبائل المتنصرة إلا ذكر في مقدمتها أو في جملتها قبيلة غسان كالاضطخري لافي مسالك الممالك (ص14) واليعهقوبي في تاريخه (1: 298) وابن سعد في كتاب الوفادات (ed.Wellhau-sen,skizzen,IV,7) والسيوطي في المزهر ولفيروزآبادي في مقدمة المحيط واشتهر منهم بنو جفنة ملوكهم الذي أمتهم النابغة الذبياني بحسن الدين فقال: مجلتهم ذات الإله ودينهم ... قويمٌ فما يرجون غير العواقب 34 "فرسان" هي قبيلة من تغلب وإليهم نسبت جزائر فرسان، قال ابن الحائك في كتاب الإكليل: "من جزائر فرسان وفرسان قبيلة من تغلب كانوا قديماً نصارى ولهم في جزائر فرسان كنائس قد خرجت وفيهم بأس.. ويحملون التجار إلى بلد الحبش ولهم في السنة سفرة وينضم إليهم كثير من الناس ونساب حمير يقولون أنهم من حمير" وفي تاج العروس (4: 306) "أن فرسان لقب عمران ابن عمرو.. بن تغلب قيل لقب بن الجبل بالشام اجتاز فيه وسكن ولده به ثم ارتحلوا باليمن ونزلوا هذه الجزيرة فعرفت بهم فلما أجدبت نزلوا إلى وادي موزع فغلبوا عليهم وسكنوا هنالك.. ومن الفرسانيين جماعة يقال لهم التغالب يسكنون الربع اليماني من زبيد". 35 "قريش" أتينا في مطاوي كلامنا عن مكة بذكر آثار النصرانية في مكة بين قريش مع شواهد على ذلك، فليراجع. 36 "قضاعة" أشرنا مراراً إلى نصرانية هذه القبيلة التي كانت تعد من أمهات القبائل وإلى نصرانية بطونها كجرم بن ريان وسليح وكلب بن وبرة وتيم اللات، وممن صرحوا بدينها النصراني ابن واضح اليعقوبي في تاريخه قال 1:234) : "كانت قضاعة أول من قدم الشام من العرب.. فدخلوا في دين النصرانية فملكهم ملك الروم على من ببلاد الشام من العرب" وقد مر ول الفارابي (اطلب المزهر 1: 105) عن نصرانية قضاعة، ومثلهما الفيروزآبادي حيث قال: "كات النصرانية في ربيعة وقضاعة وبهراء وتنوخ وبعض طيء" وقد أفادنا ياقوت في معجم البلدان (2: 658) أن دير خندف في نواحي خوزستان قد بنته ليلى القضاعية المعروفة بخندف أم ولد الياس بن مضر. 37 "القين" أو بلقين هم بطن من قضاعة بنو القين بن جسر بن السد وبرة ومن الشواهد على نصرانيتهم ما رواه الطبري في تاريخه (1: 2347) عن هرقل أنه سنة 14 للهجرة سار لمقاتلة المسلمين في اليرموك وكان معه من القبائل النصرانية المستعربة (لخم وجذام وبلقين وبلى وعامة وتلك القبائل من قضاعة) . وكانت هذه القبائل حاربت مع الروم سابقاً في تبوك سنة 7 للهجرة: 38 "كلب" بن وبرة قبيلٌ عظيم من قضاعة قسم إلى عدة بطون. وهم من أعرق العرب في النصرانية وأقدمهم هداً فيها، كما رأيت في تاريخ الشام والجزيرة، وقد عرفت قبيلة كلب بشرفها وغرها، ومن أمرائها النصارى زهير بن جناب أحد المعمرين، ومنهم بحدل بن أنيف النصراني حمو معاوية بن سفيان كان له كنيسة في دمشق، ومنهم دحية بن خليفة قال ابن دريد (في الاشتقاق 316) : "هو الذي كان جبريل عليه السلام ينزل في صورته (كذا) " ومنهم فرافضة النصرانية زوجة عثمان وقد دعت ابن لها بمريم، وبقيت كلب مدة عل نصرانيتها بعد الإسلام إلا بعضهم وفي المقتضب لياقوت (أسلمت كلب غير مدره كانوا نصارى) وفي سيرة لرسول لابن هشام (ص282) : "أن محمداً دعا إلى الإسلام قوماً من كلب عرفون ببني تعبد اله فلم يقبلوا منه، وكانت كلب تسكن بقاع الشام وحتى نسبت إليها، قال ياقوت في معجم البلدان (1: 69) ": "البقاع يقال له بقاعه كلب قريب من دمشق وهو أرض واسعة بين بعلبك وحمص ودمشق فيها قرى كثيرة ومياه غزيرة نميرة وأكثر شرب هذه الضياع من عين تخرج من جبل يقال لهذه العين عين الجر، وبالبقاع هذه قبر الياس النبي عم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 36 "كندة" سبق الكلام عن كندة ونصرانية أهلها في أثناء كلامنا عن النصرانية في الحجاز ونجد، وقد روى ابن هشام عن ابن إسحاق في سيرة الرسول ثباتهم على دينهم بعد ظهور نبي المسلمين قال (ص282) : "أت (النبي) كندة في منزلهم وفيهم سيد لهم يقال له مليح فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فأبوا عليه" ومن رجال كندة عبد المسيح عاقب نجران في أول الإسلام والعاقب عندهم دون السيد، ومنهم أيضاً حجية بن المضرب الشاعر الذي أدرك الإسلام ومات على نصرانيته كما روى في الأغاني (21: 16) : 37 "لخم" أحد أحياء اليمن الكبرى الشهيرة بنصرانيتها، قال صاحب السيرة الحلبية (3: 95) : "ومن القبائل المتنصرة بكر ولخم وجذام". وكذلك اليعقوبي (1: 298) جعل لخماً القبائل النصرانية في اليمن، ومثلهما السيوطي في المزهر (1: 105) وبقيت لخم على دينها زمناً بعد الإسلام فتراها محاربة لجيوش المسلمين مع جذام وعاملة وغسان (اطلب فتوح لبلدان للبلاذري ص59 وتاريخ الطبري ج1 ص2081) ومن لخم كان بنو عدي بن الذميل النصارى الأشراف الذي ذكر ابن دريد في الاشتقاق (ص266) بيعتهم في الحيرة. ومن اللخميين بنو صالح الذين اختارهم بوستنيان ملك الروم لحاسة دير طور سينا كما ذكر ابن بطريق في تاريخه (راجع طبعتنا ص204) وذكر كتبة العرب عدة أدرة وبيعاً وبناها للخميون كدير علقمة ودير حنظلة اللخمي وبيعة عدي بن الدميك (لعلها الذميل) (ياقوت 1: 796) . 38 "مازن" بطن من الأزد كانوا في العراق يدينون بالنصرانية. وقد ذكر لهم البلاذري في فتوحاته (ص281) بيعة فقال: "ربيعة بني مازن بالحرة لقوم من الأزد من بني عمرو بن مازن وهم من غسان". 39 "مذحج" قبيلة يمينة تنتسب إلى مذحج وهو مالك بنزاد بن أدد بن كهلان ذكرها ابن واضح اليعقوبي في تاريخه (1: 298) مع القبائل المتنصرة فقال: "تنصر من اليمن طي ومذحج الخ" وكانت مذحج تسكن في جهات الموصل (ص94) ومذحج كانوا بنو الحارث بن كعب أتهل نجران المشهورون برسوخ قدمهم في الدين النصراني. 40 "معدّ" أبو القبائل العدنانية، ورد ذكر نصارى نعد وأساقفة معد في تواريخ السريان كما سبق وكيراً ما كانوا يطلقن اسم المعديين (وكذلك كانوا يدعون بني كلب النصارى بالمعديين (سرياني) ومثلهم بنو عقيل (سرياني) . 41 "مهرة" حي عظيم من قضاعة ونصارى مثلهم ينتسبون إلى مهرة بن حيدان وكانوا يسكنون اليمن مع الحميريين وكان أميرهم عند ظهور الإسلام الحارث بن عبد كلال وفد على نبي المسلمين كما روى الطبري (ج1 ص1717) مع ملوك حمير. 42 "ناجية" هم بنو ناجية بن عقال قوم الفرزدق ينتهي نسبهم إلى تميم. ولنا على نصرانيتهم في الجاهلية شاهد باهر في ما رواه الطبري في تاريخ سنة 38 (ج1 ص3434 3435) حيث حدث عن ابن الطفيل ما حرفه: "قال كنت في الجيش الذي بعثهم علي بن أبي طالب إلى بني ناجية فقال: فانتهينا إليهم فوجدناهم على ثلث فرق فقال أميرنا لفرقة منهم: ما أنتم قالوا: نحن قومٌ نصارى لم نر ديناً أفضل من ديننا فثبتنا عليه، فقال لهم: اعتزلوا وقال للفرقة الأخرى، ما أنت فقالوا: كنا نصارى فأسلمنا فثبتنا عل إسلامنا فقال لهم: اعتزلوا، ثم قالوا للفرقة الأخرى الثالثة: ما أنتم، قالوا: نحن قوم كنا نصارى فأسلمنا فلم نر ديناً هو أفضل من ديننا الأول فقال لهم: أسلموا، فأبوا فقال لصحابه إذا مسحت رأسي ثلاث مرات فشدوا عليهم فاقتلوا امقاتلة واسبوا الذرية فجيء الذربة إلى علي فجاء مصقلة بن هبيرة فاشتراهم بمائتي ألف فجاء بمائة ألف فلم يقبلها علي فانطلق بالدراهم وعمد إليهم مصقلة فأعتقهم ولحق معاوية فقيل لعلي: إلا تأخذ الذرية، فقال: لاشك فلم يعرض لهم". 43 "النبط" سواء عد النبط من العرب أو من عنصر آخر لاشك أنهم اختلطوا بالعرب في أنحاء شتى من بادية السام وأرياف العراق وتخوم مصر. وتدينهم بالنصرانية قديم تشهد عليه شواهد لكتبة السريان واليونان والعرب رويناها في الفصل الأول الباب الثالث، وقد صرح بذلك قزما الرحالة الهندي في القرن السادس للمسيح وغيره كثيرون، وكان لهم يطيفون بها فغي مناسكهم وإليها أشار متمم النويري يصف ناقته: بمجدَّةٍ عنسٍ كأن سراتها ... فدنٌ تطيف به النبيط مرفَّع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 44 "النَّخع" بطن من مذحج السابق ذكرهم، كانوا نصارى يسكنون نواحي نجران، ومنهم كان بنو عبد المدان بن علة بن سعد العشيرة وهو مذحج من سادة اليمن، وكان زراة النخاعي من أشرافهم وفرسانهم قال ابن سعد في الوفادات (ed.Wellhausen, skizzen, IV,69) : "وهو زرارة بن قيس بن الحرث بن عداء وكان نصرانياً" وجاء مثل ذلك في أسد الغابة لابن الأثير_ج2 ص202) . 45 "النمر بن قاسط" حي من ربيعة نزلوا في الجزيرة مع بني تغلب وبني بكر، وقد سبق في ذكر تاريخ عرب الجزيرة أنهم دانوا كلبهم بالنصرانية وفي المعارف لابن قتيبة "أن تنوخ ونمر وكلب ثلاثتهم أخوة" وفي فتوح البلدان للبلاذري (ص247) أن بني النمر بن قاسط حاربوا خالد بن الوليد في عين تمر مع تغلب وإياد والقبائل العربية المتنصرة، وكانوا سنة 11 للهجرة حاربوا المسلمين البحرين مع شيبان وتغلب (الطبري ج1 ص1973) . 46 "يشكرُ" لفرع من بني بكر كان يدينون بالنصرانية كأخوتهم من بكر، كانوا جملة من العرب الذين حاربوا العجم يوم ذي قار، وكانوا محالفين للخميين ويحاربون معهم وكفى بذلك دليلاً على دينهم. هذا ما أمكنا جمعه من آثر النصرانية في قبائل العرب ولو سمح لنا الوقت بمراجعة كثيرا مما لدينا من المطبوعات والمخطوطات لوجدنا أدلة غير التي ذكرنا، لابد هنا من تنبيه القراء إلى أمر مهم وهو أن قدماء الكتبة ما كانوا غالباً ليكترثوا بكر أديان قبائ العرب لاسيما قبل الإسلام فيطلقون عليهم اسم الجاهلية أو اسم المشركين دون الإفراز بين النصارى وغيرهم، وكانوا لا يرون في نصرانيتهم أمراً غريباً على خلاف اليهود فإنهم إذا ذكروا قبيلة يهودية عرفوا دينها سواء أرادوا بذلك تعييرها أو قصدوا بيان أصلها الأجنبي. (تم الجزء الأول، ويليه الجزء الثاني في الآداب النصرانية بين عرب الجاهلية) . إفادات وإصلاحات (ص8س5 12) وممن فندوا رأي رينان في التوحيد لغريزي بين قدماء العرب المستشرقين الشهير يوسف هالوي (Joseph Halevy) فيمقالاته عن الكتابات المكتشفة حديثاً في باد العرب (بهمة الرحالين إليها كالإنكليزي دوغتي Doughty) والقنصل الفرنسوي هوبر (Huber) والأستاذ أوتنغ (Euting) وكذلك العلامة الأثري فيليب برجه (ph.Berger) في كراسته عن كتابات تيماء (Inscriptions de teima) ويتضح من هذه الاكتشافات أن عبادة الأصنام كانت شائعة في جزيرة العرب ومنظمة فلها هياكل وكهنة وذبائح وآلهة متعددون خلافاً لما زغم رينان رغبة في معادة الوحي. (ص10 س21 وهذا بعض قول إسحاق الأنطاكي (ed.Bichell,I 244-246) في الزهرة وعبادتها عند العرب ثم عدولهم إلى دين المسيح. سرياني "لهذا الكوكب (أي الزهرة) كانت قبائل أناء هاجر (العرب) تقدم الذبائح (لتنال نساؤهم موهبة الحسن والجمال) لكن نساؤهم كبقية النساء فمنهن جميلات ومنهن قبيحات، ومنذ أقبلت النساء العربيات على (عبادة) شمس البر (أي المسيح) فإنهن جحدن (عبادة) ذاك الكب (الزهرة) الذي عبدنه باطلاً، فإن أولئك الأفراد (أي العرب) حوا رؤوسهم للنير وأناثهم (خضعن) للتأديب، والنساء اللواتي تربين في المقدس (أي البيعة) أبدلن (عبادة) الزهرة بعبادة المسيح واختلطن معنا بصلاتهن". (ص12 س11) في تاريخ الجاهلية لأبي الفداء (Fleischer: Abulfeda Hist.anteislamica,p.180) ما حرفه أصنام العرب قال: "وصفٌ (من العرب) عبدوا الأصنام وكانت أصنامهم مختصة بالقبائل فكن ود لكلب وهو بدومة الجندل وسواع الهذيل ويغوث لمذحج ولقبائل من اليمن ونسر الذي الكلاع بأرض حمير ويعوق لهمذان (لهمدان) واللت لثقيف بالطائف والعز لقريش وبني كنانة ومنا والخزرج وهبل أعظم أصنامهم وكان هبل على ظهر الكعبة وكان أساف ونائلة على الصفا والمروة". (ص14 س17 ذو الخاصة) المرجح أن ذا الخلصة لم يكن صنماً بل بيتاً أو بالحري بيعة نصرانية لقبائل اليمن، قال ياقوت في معجم البلدان (2: 461) : "الخلصة بيت أصنام لدوس وخثعم وبجيلة.. وقيل هو الكعبة اليمانية التي بناها أبرهة الصباح الحميري.. وقيل كان ذو الخاصة يسمى الكعبة اليمانية التي بناها أبرهة من الصباح الحميري.. وقيل كان أو الخصة يسمى الكعبة اليمانية وبين الحرام الكعبة الشامية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وقد ذكر ياقوت الكعبة في محل آخر (2: 703) دعاها بدير نجران وعليه يجب القول إن القبائل التي كانت تحج إليها أعني خثعم وبجيلة ودوس كانت نصرانية. (ص16 س2 الذبائح) جاء في شرح المفضليات لابن الأنباري (ed.lyall,p.228-229) في قول سلامة بن جندل "كأن أعناقها أنصاب ترجيب" أن العرب "كانوا يذبحون في رجب". (ص30 س12 نصرانية غسان) يضاف إلى ما ورد هنالك لليعقوبي قوه (ج1 ص233) بعد ذكره لتنصره بني سليح في الشام "وتنصرت غسان مملكة من قبل صاحب الروم" وجع تنصرها على عهد "جفنة بن علية (ثعلبة) بن عمرو بن عامر" وكذلك الفيروزآبادي في مقدمة قاموسه: "أن كثيراً من ملوك الحيرة واليمن تنصروا وأما ملوك غسان فكانوا كلهم نصارى" وقد أفادها ابن خلدون في تاريخه (2: 271) عن أخبار غسان بعد الإسلام ما حرفه، قال: "وقامت غسان بعد منصرفها من الشام بأرض القسطنطينية حتى انقرض ملك القياصرة فتجهزوا إلى جبل شركس وهو ما بين بحر طبرستان وبحر طبرستان وبحر نيطش الذي يمده خليج القسطنطينية وفي هذا الجبل باب الأبواب وفيه من شعوب الترك المتنصرة والشركس وأركس واللاص وكسا ومعهم أخلاط من الفرس واليونان". (_س22) أصلح: كتاب التنبيه والأشراف (بالفاء) : (ص33 س11 12 القيصر فيلبس العربي) قال أورزيوس (أورشيبوس) المؤرخ الإسباني في القرن الخامس عن قيبلس العربي "إن فيلبس كل الإمبراطورة (القياصرة) في دينه بالنصرانية Hic (philippus-Arabs) primus imperatorum omnium christianus fuit- (Paul-Orose,HistVII,c.20) ". (ص35 س19 25 ماوية) جاء في تاريخ سوزمان (Sozmene, H.E.V.c.1) أن الروم لما ساروا لمحاربة الغوطيين الزاحفين على القسطنطينية استعانوا بفرقة من العرب الخاضعين لماوية. (ص36 س16 نفي الشهداء في بلاد العرب) قال تادوريطس المؤرخ ف القرن الخامس عن فالنس القيصر الروماني "أنه نفي كثيرين من المعترفي بالإيمان في الرها إلى حدود العرب" "Qui (Valens) multos confessarios fidei Edessenos in finibus arabiae dispergi Jussit (Tbeodoret, H.E. IV.18) (ص37 س5) أصلح غسان.. وحوران س23: Dussaud. (س13 أساقفة العرب) وقد ذكر القديس أبيفانيوس في القرن الرابع (Epiphnius: Anacepb أساقفة أقيموا على قرى العرب (سرياني) . (ص39 س17) أصلح: Judeo-Chretins. (40 س3 البلقاء) ومن مدن البلقاء عمان، وفي وفادات العرب لابن سعد (ed.Wellhausen,20) أن فروة بن عمرو الجذامي كان عاملاً على عمان من أرض البلقاء وكان نصرانياً فأسلم عند ظهوره الإسلام فغضب عليه هرقل وقتله صلباً (ص45 س13 و26 اضطهاد دقيوس) أخبر أوسابيوس في تاريخه (Eusebe,H,EVI,c.39) "ن كثيرين من النصارى هربوا إلى بلاد العرب لما ثار اضطهاد للقيصر دقيوس". (ص53 س14) أصلح: ينسب إليهم. (ص54 س16 الفيلسوف النصراني ينتانوس في بلاد العرب) راجع في مجلة الكلية الكاثوليكية (Universite catholique,I853.XXXV,P.329) للمستشرق البلجيكي نيف (f.News) مقالة مسهبة يثبت فيها أن الهند المذكورة في تاريخ بنتانوس أنما هي اليمن ليس إلا قال: "Quand nous lisons (dans Eusebe) que Demetrius archeveque d,Alexa-drie donna en189 aS.pantene la mission d,annoncer l,Evangile daus les indes, nous ne pouvous entendre par ce terme queL,Arabie heureuse. Cfr aussi Annales de philosopbi, 3e serie, XIII,XIV (p.7) et XV) . (ص56 س7 8 الرحمان) اسم الرحمان ورد مراراً في الكتابات الحميرية المكتشفة حديثاً في الكتابات النصرانية اطلب مجلة الأسيوية الألمانية (Fell: Sudarab, ZDMG, 1900,LIV,p.152) . (ص60 س10 شهداء نجران) راجع المجلة الأسيوية الألمانية (ZDMG,XXXV,1881,1_75) مقالة مطولة في الآثار العربية والشريانية والحبشية المنوطة بأخبار أولئك الشهداء للعلامة الألماني فال (Fell: Die Cbristenferfolgung in Sudarabien. (ص62 س15) أصلح: J.Halevy. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 (س024 سد مأرب) في رواية كتبة العرب عن هذا السد إشارة إلى نبي دعا أهل اليمن إلى التوحيد فأبوا الإصغاء إليه فعاقبهم الله بانفجار هذا السد، فنجد في خبرهم عينه مع ما فيه من المزاعم الباطلة إشارة إلى الدعوة النصرانية لدى ذكرهم ذلك على النبي الذي دعاهم إلى الله فقتلوه وهو على رأينا أحد دعاة النصرانية وشهدائها في اليمن، دونك شيئاً من روايتهم نقلاً عن طاب الأعلاق النفسية لابن رسته (ed.de Goeje,p.114) : "كان أهلها (أي أهل سبأ) .. أغنياء صاحب صامت ومواشي فلم يكونوا يرون لأحد على أنفسهم طاعة إلا لن قد أملكوه على أنفسهم وأنقادوا لرئاسته كان لهم أوثان يعبدونها فبعث لله عز وجل إليهم نبياً أقام فيهم زماناً يدعوهم إلى الله فكذبوه فأوعدهم وخوفهم وحثهم على شكر الله على ما أنعم عليهم فلم يلتفتوا إلى قوله واستهانوا به وقالوا: آتنا بما بعدنا إن كنت من الصادقين وذبحوه ذبحاً.. فانبثق ذلك السد وأتى على أهل هاتين المدينتين (يريد سبأ المنقسمة إلى مدينتين عظيمتين) .. فلما حلّ هذا بهم لحدث آمنوا بالله وسألوه للعفو وأنابوا وخضعوا فقبل الله تعالى ذلك منهم وقواهم وجمع كلمتهم وأيد أمرهم..". (ص64 س11 12، كنيسة عظيمة) قرأنا في أحد مخطوطات باريس (de slane, Mss.Arab.paris,Ms 701 ff,71) عنوانه "تاريخ صنعاء اليمن لأحمد الرازي" كتبة سنة 390 (1000م) ما حرفه: "حدث غسان بن أبي عبيد قال دخل عيس بن مريم صلى الله عليه وسلم في موضع الكنيسة (يريد في صنعاء) فاتخذ النصارى كنيسة بصنعاء على أثر مصلاه، وهذه الكنيسة في وقتنا خربة وهي أسفل زقاق المنصبين في صنعاء في الجانب الغربي في محاذية لبيعة اليهود التي هي اليوم باقية بصنعاء، وقد بقي من هذه الكنيسة ضبر شبه أسطوان على حر الطريق إلى سوق العطارين وإلى درب دمشق وقد أدركت عقوداً كثيرة كانت باقية إلى سنة 390". (ص86 س14 حضرموت) روى الطبري في تاريخه (ج1 ص1852 1856 و2005 2007) أن قسماً من قبيلتي السكون والسكاسك النصرانيتين كانوا يسكنون في حضرموت. (ص69 س8، النصرانية في سقطرى) وممن أثبتوا دخول النصرانية جزيرة سقطرى المؤرخ فيلوستورج (Philostorge,p.G,LXV, p.470-482) من كتبه القرن الرابع للميسح، وبقيت النصرانية فيها أجيالاً طويلة بعد الإسلام. قال المسعود في مروج الذهب (طبعة باريس 3: 37) : "وظهر المسيح فتنصر من فيها (أي جزيرة سقطرى) إلى هذا الوقت" في معجم البلدان لياقوت (2: 102) : أن في سقطرى "من جميع قبائل مهرة وبها عشرة آلاف مقاتل وهم نصارى" ثم قال: "وأما أهل عدن فإنهم يقولون لم يدخلها من الروم ولكن كان لأهلها رهبانية ثم فنوا وسكنها مهرة وقوم من الشراة". ومثلهما الشريف الإدريسي في القرن الثاني عشر (ed.Jaubert I.47) وأفادونا الرحالة مركوبولو في أواخر القرن الثالث عشر أن سفطرى كانت خاضعة لبطارك الكلدان الذين كان يرسلن لها مطارنة، عرف منهم مار دوا سنة 880 وقريقوس سنة 1282 فغلبت النسطو رية على أهلها، ولمكا دخلهات البرتغاليون سنة 1503 وجدوا أهلها نصارى كان استولى على جزيرتهم حديثاً عرب السمن سنة 1480 فحاربوهم سنة 1507 وضبطوا جزيرتهم مدة. (س21، القديس فرنسيس كسفاريوس) لم ينس القديس كسفاريوس جزيرة سقطرى بعد رحلته إلأى الهند بل أرسلوا إليها مرسلين يسوعيين بغ عددهم سنة 1549 أربعة وتبعهم غيرهم من المرسلين سنة 1562، إلا أن غزوات العرب المتوالية لم تعد تسمح لهم بالسكنى هناك (راجع مقلة مطولة للكاتب الفرنسوي رومانه دي كيلو (F.Romanet de Caillaud) في مجلة الأرض المقدسة (La Terre Sainte, I889,pp.174 et187) وترجمة حياة القديس كسفاريوس الجديدة للأب برو (A.Brou:st Francois xaver,I.120) . (ص70 س11 البحرين) ومن المحدثين الذين أشروا إلى تنصر عرب البحرين قبل الإسلام الرحالة بالغراف (Palgrave) في سفره إلى أوسط جزيرة العرب (ج2 ص202) راجع أيضاً ما نقلناه عن ياقوت (3: 873 874) في ذكر فرسان (ص137) . (ص77 س12 15 تنصر امرئ القيس البدء) وقد سبق الطبري ابن خلدون في رواية تنصر امرئ لقيس حيث قال في تاريخه (ج1 ص834 835) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 "وكان من عمال سابور ابن ازدشير وهرمز بن سابور وبهرام بن سابور بعد مهلك عمرو ابن عدي على فرج العرب من ربيعة ومضر وسائر من بادية العراق والحجاز والجزيرة يومئذٍ ابن لعمرو بن عدي يقال له امرؤ القيس البدء وهو أول من تنصر من ملوك آل نصر بن ربيعة وعما ملوك الفرس". وفي مروج الذهب للمسعودي (3: 199) أن أم امرئ القيس البدء كانت غسانية اسمها ماوية أخت ثعلبة بن عمرو من ملوك غسان. (ص87 س22 23 النعمان ابن شقيقة) ابن خلدون في تاريخه (2: 271) عن البيهقي أن النعمان ابن الشقيقة "هو أول من تنصر وقد رأيت سابقاً أن امرؤ القيس البدء هو أول ملوك المناذرة المتنصرين قبل ذلك بزمن طويل". (ص89 س15 16) تنصر المنذر بن امرئ القيس المعروف بابن ماء السماء) يزداد إلى ما روينا ما قاله أبو الفداء في تقويم البلدان (ed.Reinaud,p.299) : "كانت الحيرة منازل آل النعمان بن المنذر رواه المؤرخ اللاتيني وكتور التوني (Victor Tunuensis,t556) المتوفى سنة 556 م في تاريخ سنة 512 بما حرفه: "Alamundarus Saacenorum rex defensoribus synobi chalcedonen-sis baptizatus, theopaschitas episcopos asevero Anitiochensi episcope adse cum litteris missos, barbaram mirabiliter propositionem concluds atque superans, deum immortalem ostendit" Migne p.L, LXVIII,P.95) . (ص92 س3، تنصر النعمان بن المنذر) زعم عمرو بن متى (ed.Gismon di, p.48) وسليمان بن ماري (id.p,56) أن النعمان بن المنذر مرض مرضاً شديداً فشفاه الأسقفان النسطوريان شمعون أسقف لحرة وسبر يشوع أسقف لاشوم مع الراهب أيشوع زخا، وأنه اعتمد من بعده ولداه المنذر والحسن قال: "وكان الحسن أشدهم تمسكاً بالنصرانية وكان لا يمنع تقدم المساكين إليه إذا دخل البيعة". (ص102 س23) أصلح: "بل في القرى أيضاً تعددت.. الكراسي الأسقفية في المدن فقط". (ص106 س17) أصلح: الباب العاشر. (ص112 س5، النصرانية في المدينة) ومن الآثار المثبتة بوجود النصرانية في المدينة دير كان على جبل قريب من المدينة يدعى بسلع فنسب إليه دير سلع وقد ذكره الطبري في تاريخه وكان هذا الدير صار بعد ذلك في أيدي اليهود فجعلوه مقبرة وفيه دفن الخليفة عثمان بعد قتله (راجع الطبري 1ص3047) . (ص114 س23 أبو عامر الراهب) هو أبو عامر عبد عمرو بن صيفي بن زيد بن أمية من بني عمرو بن عوف ذكره ابن الأثير في أسد الغابة (4: 488) وذكر في تاج العروس (4: 173) له ابنة تدعى شموساً. (ص119 س5، الحنيف بمعنى النصرانية) جاء ف العقد الفريد لابن عبد ربه في وصف يوم الغبيط (3: 88) : "أن عتبة لبسطام بن قيس سيد بني بكر: استأسر لي. فناداه بسطام: أن كررت فأنا حنيف، وكان بسطتم نصرانياً". (ص125 س7، بهراء) شهد عل نصرانيتها أيضاً ابن جوقل في المسالك والممالك (ص18) قال: "أن بعضهم (أي بعض العرب) تنصر ودان بدين النصرانية مثل تغلب من ربيعة بأرض الجزيرة وغسان وبهراء وتنوخ من اليمن بأرض الشام". (ص126 س24 25) محمد بن حران وكان من نصارى مذحج وكان معاصراً لامرئ القيس وهو الذي سماه امرؤ القيس بالشويعر، أما محمد بن خزاعي فكان من بني ذكوان بطن سليم قدم على أبرهة لك اليمن فتنصر ومات على دينه (Spernger: Mobammad,I,161) . (ص128 س14 19) وصية الحرث بن كتعب، قد وجنا هذه الوصية في كتب أخرى منها خطية ومنها مطبوعة كما رويناهم، ثم وقفن عل رواية مختلفة أثبتها العلامة غولستير (Goldziher) في كتابه (Abhandi, z.Phiologie, XLIII) زوفيها يقول الحارث "أنه على دين شعيب" وروايتنا هي الأصح كما يلوح من القرائن، وقد روى أيضاً غولستير (أسيد بن خزيمة) بداً من "أسد". (ص129 س15) ومن المحدثين الذين صرحوا بنصرانية بني حنيفة أرنلد (Arnold mulheisen: Islam and its Relations to Xy, p.34) وكذلك حضرة الأب لامنس في كتابه عن معاوية (ص431) . (ص130 س3، خثعم) قد ذهلنا عن ذكر نصرانية قبيلة خثعم، وقد شهد على الأمر ياقوت في معجم البلدان (2: 703) حيث قال عن دير نجران اليمن وهو المسمى كعبة نجران أو الكعبة اليمانية (راجع صفحة 143) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 "وكان بنو عبد المدان بنو مربعاً مستوى الأضلاع والأقطار مرتفعاً عن الأرض يصعد إليه بدرجة على مثال بناء الكعبة فكانوا يحجونه هم وطوائف من العرب ممن يحل الأشهر الحرم ولا يحج الكعبة ويحجه خثعم قاطبة". فبقوله أن بني كانوا يحجونه دير نجران أوشضع نو صريح نصرانيتهم، وبنو خثعم كانوا ينتسبون إلى خثعم بن أنمار بن معد بن عدنان، وكانوا يسكنون في البحرين وفي اليمن مع عبد القيس وبجيلة وحاربوا سابور ملك الفرس مع إياد (C.de perceval: Hist, des Arabes.II, 48-49) . (ص132 س13) وإلى طي ينسب دير سلسلة الذي كان في جهات الكوفة قبل الإسلام وهو سلسلة بن غنم بطن من طيء (اطلب تاريخ الطبري ج1 ص2403) وهناك دير حرقة ودير أم عمرو. القسم الثاني في الآداب النصرانية في عهد الجاهلية الجزء الأول أتينا في قسمنا الأوّل بما وقفنا عليه من النصوص التاريخيّة والشواهد الثابتة العيانيّة عن نفوذ النصرانيّة في كل أنحاء العرب حتى أقصاها بعداً وأنحاها حدّاً ثمّ عدّدنا القبائل التي نسب إليها عموماً أو إلى بعض بطونها التديّن بالدين المسيحي. وها نحن اليوم نباشر بالقسم الثاني من كتابنا نجمع فيه ما ينوط بآداب نصارى العرب في الجاهليّة. ونريد بالآداب كلّ ما خلفوه لنا من مآثرهم في الكتابة واللغة والأمثال والحكم والإنشاء والشعر والخطب ممّا رواه عنهم ائمّة الأدباء الذين جمعوا شوارد اللغة العربيّة وآثارها في القرن الثاني بعد الإسلام. فإنّ هذه البقايا مع ما تضعضع منها بتوالي الزمان تنبئ بترقي النصرانيّة بين أهل الجاهليّة وتثبت من وجه آخرسعة نفوذها في جزيرة العرب. ويضاف إلى هذه المآثر الأدبيّة عادات ألفها عرب الجاهليّة قبل الإسلام واستعاروها من النصارى فتجدهم في أطوارحياتهم الدينيّة والمدنيّة يتقلّدونهم ويأخذون مآخذهم حتى لا نكاد نرى في بعض الأنحاء أثراً من وثنيّتهم السابقة. فكلّ هذه الظواهر يشهد عليها الشعراء القدماء والرواة الذين نقل الكتبة المسلمون عنهم أخبار الجاهليّة فنثبتها على علاَّتها مع الإشارة إلىمواضعها كما فعلنا سابقاً. الفصل الأول النصارى والكتابة العربية أوَّل خدمة أدَّاها نصارى العرب لقومهم تعليمهم الكتابة. وهي قضيَّة يشهد عليها تاريخ الكتابة العربيَّة وأصولها. لَّما ظهر الإسلام في العشر الثاني من القرن السابع للمسيح لم تكن جزيرة العرب كما زعم البعض حديثة العهد بالكتابة. وإنما كانت الكتابة شائعة في بعض الأنحاء دون غيرها. فكان لأهل اليمن كتابة شائعة في بعض الأنحاء دون غيرها. فكان لأهل اليمن كتابة يسمُّونها المسند شاعت في بني حمير بينها وبين الكتابة الحبشَّية في كثير من الحروف شبه ظاهر. وكانت حروفها منفصلة. وقد جاء سيَّاح الفرنج كأرْنو وهالوي وغلازر من آثارها في هذه السنين الأخيرة ألوفاً من الكتابات يرقى عهد أوَّلها إلى ما قبل المسيح بنحو 400 أو 500 سنة ومنها ما كتب في القرون التابعة للميلاد حتى القرن السادس. وهذه الكتابة التي حلُّوا أسرارها ونشروها في عدّة تآليف صابئيَّة ليست عربيَّةً كما ظنَّ البعض منهم كابن خلدون في مقدَّمتِه "2: 341 من طبعة باريس" حيث قال: "وكان لحميركتابة تسمَّى المسند ... ومن حمير تعلَّمت مضر الكتابة العربيَّة إلاَّ أنهم لم يكونوا مجيدين لها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 وكان في جزيرة العرب كتابة أخرى شاعت في شماليّ بلاد العرب وفي غربيّها وهي الكتابة النبطيّة وقد ظهرت على صورتين صورة منها مربّعة الحروف محكمة الصُّنْع مع صلابة في شكلها شاعت خصوصاً في شماليّ العرب واستعملوها في النقود والأبنية لها علاقة مع الخطّ الآرامي المعروف بالاسطرنجليّ وصورة أُخرى مستديرة الشكل خشيبة الصُّنع جرى استعمالها غالباً في نسخ المعاملات والصكوك وما شاكلها فهذه الكتابة النبطيّة على صورتيها هي أصل الكتابة العربيَّة. ويدعوها العرب بالجزم أخذوها عن الأمم المجاورة لهم. وكان النصارى هم الذين علَّموها العرب سواء قيل أنَّهم نقلوها كقوم وسَط. ولنا على ذلك شواهد تثبت قولنا. فإنَّ العرب الذين بحثوا عن أصل الكتابة العربيَّة نسبوها إلى رجال من بَوْلان من قبيلة طيء كانوا على دين المسيح يسكنون الأنبار فقاسوها على شكل السريانيَّة. قال السيوطيّ في المزهر "1: 390" "إنَّ أوَّل من كتب بخطّنا هذا وهو الجزم مرامر بن مرَّة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة وهم من عرب طيء ... علَّموهُ أهل الأنبار ومنهم انتشرت الكتابة في العراق والحيرة وغيرها فتعلَّمها بشر بن عبد الملك"1 وكان لهُ صحبة بحرب بن أميَّة لتجارتِه عندهم فتعلَّم حرب منهُ الكتابة. ثم سافر معهُ بشر إلى مكَّة فتعلَّم منهُ جماعة من قريش قبل الإسلام وسُمِيّ هذا الخطّ بالجزم لأنه جزم أي قطع من الخطّ الحميري وتعلّمه شرذمة قليلة منهم ... ". وكذلك نقل صاحب الفهرست "ص4" عن ابن عبّاس قوله: "أوّل من كتب بالعربيّة ثلاثة رجال من بولان وهي قبيلة سكنوا الأنبار وأنّهم اجتمعوا فوضعوا حروفاً مقطّعة وموصولة وهم مرامر بن مرّة "ويقال مروة" وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة "ويقال جدلة". فأمّا مرامر فوضع الصور وأمّا أسلم ففصل ووصل وأمّا عامر فوضع الإعجام. وسئل أهل الحيرة: ممن أخذتم الخطّ العربي. فقالوا: من أهل الأنبار". ومثلهما ابن عبد ربّه في العقد الفريد "2: 205": "وحكوا أنّ ثلاث نفر من طيء اجتمعوا ببقعة وهم مرامر بن مرّة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة فوضعوا الخطّ وقاسوا هجاء العربيّة على هجاء السريانيّة فتعلّمه قوم من الأنبار وجاء الإسلام وليس أحد يكتب بالعربية غير بضعة عشر إنساناً". وروى البلاذري في فتوح البلدان"ص471" مثل هذا القول لكنّه روى "ببقّة" بدلاً من "البقعة" وبقّة مدينة قرب الأنبار. ثم زاد إيضاحاً بقوله عن بشر: "وكان بشر بن عبد الملك أخو أكيدر بن عبد الملك بن عبد الجنّ الكندي ثم السّكوني صاحب دومة الجندل يأتي الحيرة فيقيم بها الحين وكان نصرانيّاً فتعلّم بشر الخطّ العربيّ من أهل الحيرة ثمّ أتى مكّة في بعض شأنه فرآه سفين بن أميّة بن عبد شمس وأبو قيس بن مناف بن زهرة بن كلاب يكتب فسأله أن يعلّمهما الخطّ فعلّمهما الهجاء ثم أراهما الخطّ فكتبا ثمّ أنّ بشراً وسفين وأبا قيس أتوا الطائف في تجارة فصحبهم غيلان بن سلمة الثقفي فتعلّم الخطّ منهم وفارقهم بشر ومضى إلى ديار مضر فتعلّم الخطّ منه عمرو بن زرارة بن عدس فسميّ عمرو الكاتب ثم أتى بشر الشام فتعلّم الخطّ منه أناس هناك. وتعلّم الخطّ من الثلاثة الطائيّين أيضاً رجل من طانجة كلب فعلّمه رجلاً من أهل وادي القرى فأتى الوادي يتردّد فأقام بها وعلّم الخطّ قوماً من أهلها". قال الشاعر كندي من أصل دومة الجندل يخاطب بني قريش: لا تجحدوا نعماءَ بشرٍ عليكمُ ... فقد كان ميمون النقيبة أزهرا أتاكم بخطّ الجزم حتى حفظتمُ ... من المال ما قد كان شتى مبعثرا وأتقنتمُ ما كان بالمال مهملاً ... وطامنتمُ ما كان منهُ منفَّرا فأجريتمُ الأقلامَ عَوْداً وبَدْأَةً ... وضاهيتمُ كتَّاب كسرى وقيصرا وأغنيتمُ عن مسنَدِ القومِ حميرٍ ... وما دبَّرت في الكتب أقيال حميرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فهذا الخطّ هو الذي بعدئذ نسب إلى الكوفة لمّا عني أساتذة الكوفة بتحسينه في أوائل الإسلام. أمّا الخطّ الثاني النسخيّ فالظاهر أنّ العرب أخذوه من نصارى النبط المجاورين لجهات الحجاز ومن رهبان مدين ووادي القرى الذين ذكرهم شعراء العرب ويؤيّد ذلك قول بعض الكتبة أنّ واضعي الكتابة العربيّة كانوا من طسم وجديس وقال ابن النديم في الفهرست"ص4" والحاج خليفة في كشف الظنون"3: 145" "كانوا من ملوك مدين" وذكرا رأي من ادّعى أنهم وضعوا الخطّ العربيّ على أسمائهم وهي أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت. فذكرهما لمدين وذكر البلاذري لوادي القرى يؤيّد قولنا"راجع ما ورد في القسم الأوّل عن النصرانيّة فيهما". وقد وجد العلماء من هذا الخطّ النسخيّ أمثلة عديدة يرتقي عهدها إلى عهد الخطّ الآخر. ومن ثمّ لم يعد يجوز القول كما ورد في كتاب القلقشندي عن الخطّ "المشرق4: 280" بأن ّ"الخطّ الكوفي هو العربي. وأنّ الخطّ النسخيّ وضعه ابن مقلة في القرن الثالث للهجرة" وعلى كلّ حال لا بدّ من الاعتراف بفضل النصارى لتشييع الخطّ في جهات العرب. وما عدا هذه الشواهد التي تنسب الكتابة إلى قوم النصارى قد ورد في تراجم الشعراء وقصائدهم ما يشير إلى شيوع الكتابة بين النصارى قبل الهجرة. فمن ذلك ما روى صاحب الأغاني"21: 195" وغيره من قدماء الكتبة عن طرفة والمتلّمس وعن الرسالتين اللتين كتبهما عمرو بن هند لعامله المكعبر في البحرين موهماً بأنّه يوصي لهما بخير وهو يضمر لهما الشرّ. ففضّ المتلمّس صحيفته وأعطاها غلاماً عبادياً من غلمان الحيرة فقرأها له:"باسمك اللهمّ من عمرو بن هند إلى المكعبر أما بعد إذا جاءك كتابي هذا من المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيّاً فلمّا عرف مضمونها فرّ هارباً. أمّا طرفة فلم يشأ أن يقف على محتويات صحيفته فمات قتلاً وضرب المثل بصحيفة المتلمّس للمتهوّر في التهلكة. وفي هذا دليل على أنّ العباديين هم قوم من النصارى في جهات الحيرة كانوا يعرفون الكتابة ويعلّمونها غلمانهم. وفي الأغاني"5: 191" أنّ المرقّش الأكبر وأخاه حرمل"دفعهما أبوهما إلى نصرانيّ من أهل الحيرة فعلمهما الخطّ". ولنا دليل آخر في المعلقات التي زعموا أنّها كتبت على الحرير وعلّقت على أستار الكعبة وأخصّ المعلّقات لشعراء من قبائل نصرانيّة كتغلب وبكر وكندة ففي كتابتها برهان على شيوع فنّ الخطّ بين النصارى. ومن الأدلّة على ذلك ما جاء في شعراء النصرانيّة من الإشارة إلى الكتابة كقول حاتم الطائيّ"الأغاني 7: 132": أتعرف آثار الديار توهُّماً ... كخطّك في رقٍّ كتاباً منمنما وقال المرار بن منقذ يصف أخربة دار: وترى منها رسوماً قد علت ... مثل خطّ اللام في وحي الزُّبُرْ ومثلهما لبيد حيث قال: وجلى السيولَ عن الطلال كأنَّها ... زُبُرٌ تحدُّ متونها أقلامها وسبقهم امرؤ القيس فشبّه طلل الدار بوحي الزبور في عسيبٍ يماني: لمن طللٌ أبصرتهُ فشجاني ... كخطّ زبور في عسيبٍ يماني وقال أيضاً مخصّصاً زبور الرهبان: قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفانِ ... ورسمٍ عفت آياتهُ منذ أزمانِ أتت حججٌ بعدي عليها فأصبحت ... كخطّ زبورٍ في مصاحف رهبانِ وقد افتخر أميّة بن أبي السلط بقومه إياد لعلمهم بالكتابة. فقال: قومي إيادٌ أنّهمُ أممُ ... او لو أقاموا فتهزل النّعمُ قوم لهم ساحةُ العراق إذا ... ساروا جميعاً والقطّ والقلمُ القطّ هو الكتاب. وقد بيّنا سابقاً أنّ بني إياد منأوّل القبائل المتنصرة ومنهم كان لقيط الإيادي"راجع القسم الأوّل ص75" الذي أرسل لقومه صحيفة ينذرهم فيها بما يتهدّدهم من الأخطار من جانب كسرى أوّلها: سلام في الصحيفة من لقيط ... إلى من بالجزيرة من إياد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 هذا وممّ ينفي كلّ شك في ما نقوله أنّ الكتابتين العربيتين اللتين وجدتا حتى اليوم من عهد الجاهليّة هما لقوم من النصارى. فأقدمهما الكتابة التي رسمنا صورتها في القسم الأوّل الباب التاسع"ص103-104" وهي الكتابة المكتشفة في زُبَد في جوار الفرات يرقى عهدها إلى السنة 512 للمسيح أي قبل الهجرة بمئة وعشرسنين وهي في ثلاث لغات أي اليونانيّة والسريانيّة والعربيّة تصرح بأن المشهد الذي أقيم هناك إنما شيّد تذكاراً للقديس سرجيوس الشهيد وفي أوّلها الاسم الكريم أو دعاء له تعالى. والأثر الثاني وجد في حرّان من أعمال بلاد حوران مكتوباً باليونلنيّة والعربيّة تاريخه 54 قبل الهجرة أي السنة 463 لبصرى و568 للمسيح ورد فيه أنّ هناك"مرطول""Martyrium" أي مشهد لتذكار القديس يوحنّا المعمدان هذا أوّله بالعربيّة أنا شرحبل بر"بن" طلمو"ظالم" بنيت ذا المرطول سنة 463 ... وقد رسمنا مع هذه الكتابة كتابتين أخريين عربيتين الواحدة بالحرف النبطي وجدها في نمارة في الصفا الرحالّة الفرنسي رينه دوسو وهي مكتوبة على ضريحة أحد ملوك الحيرة يدعى امرءَ القيس بن عمرو تاريخ وفاته 7 كسلول من السنة 223 لبصرى الموافق لسبعة كانون الأول من السنة 328 للمسيح. والأخرى عن صفيحة قرآن كتبت على الرق من القرن الثالث للهجرة وهي خاصّة مكتبتنا الشرقيّة. فكلّ هذه الحجج والبيّنات دعت بالعلماء المستشرقين إلى أن ينسبوا العربيّة أو على الأقلّ انتشارها بين العرب إلى النصارى وأوّلهم إمامهم دي ساسي"de Sacy" الذي كتب في هذا الصدد مقالة واسعة أثبت فيها استعارة العرب فنّ الكتابة من نصارى العراق وما بين النهرين قال في المجلّة الآسيويّة مشيراً إليها: جدول أقدم الكتابات العربية 1 كتابة عربية بخط نبطي تاريخها سنة 223لبصرى 328للمسيح وجدها في نمارة من أعمال حوران المستشرق دوسو (كتابة سريانية) صورة الكتابة مأخوذة عن الحجر (كتابة سريانية) رسم الكتابة بالخطّ تي نفس أمرء القيس بر ملك العرب كله ذو أسر التاج وملك الأسدين وترارو وملوكهم وهرّب محجو عكدى وجاء بزجايفي حبج نجران مدينت شمر وملك معدو وبيّن بنيه الشعوب ووكلّهن فارسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه عكدي هلك سنة223يوم بكسلول بالسعد ذو ولده رسم الكتابة بخط عربيّ "نقلاً عن كتاب دوسو". صورة القلم الحميري "كتابة سريانية" صور ونصب سعداوم دمدمرم 2 كتابة زبد في ثلث لغات يونانيّة وسريانيّة وعربيّة على مشهد أقيم ذكراّ لمار سرجيوس تاريخها 823 للاسكندر 512 للمسيح اطلب صورها في القسم الأول"ص4". 3 كتابة عربيّة يونانيّة وجدت في حرّان من أعمال حوران تاريخها سنة 463 لبصرى و568 للمسيح. "كتابة سريانية" 4 مثال خطّ عربي نسخيّ على البرديّ تاريخه 24 للهجرة "646 م". "كتابة سريانية" 5 قطعة من سورة البقرة عن رقّ من القرن الثالث للهجرة في مكتبتنا الشرقية. "كتابة سريانية" ودونك رسمها بالحرف الإسطرنجليّ للمقابلة بين الخطّين. "كتابة سريانية" وكصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق. "كتابة سريانية" يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق. "كتابة سريانية" حذر الموت والله محيط بالكفرين "كذا" ويكاد البرق ... وقال الأثري الشهير فيليب برجه في كتابه عن أصول الكتابة: "إنّ الكتابة العربيّة وجدت قبل محمّد وانت نصرانيّة قبل أن تتحول إلى إسلاميّة". ومثلهما المستشرق العلاّمة ولهوزن أكد بأن الكتابة العربيّة شاعت أوّلاً بين النصارى ولا سيما العباديين في الحيرة فقال: "كتابة فرنسية" ويوافق هؤلاء الكتبة الدكتور الألماني روثستين والأستاذ المجري الشهير غولدسير. فهذه الشواهد كافية لتثبت حقيقة قولنابأنّ الفضل الكبير في تعليم العربيّة للمسلمين يرجع لنصارى العرب وإن لم ننكر أن لليهود أيضاًحصّة في ذلك لا سيما في المدينة كما ذكر البلاذريّ. وكذلك رووا أنّ بعض العرب كتبوا في الجاهليّة بالعبرانيّة إلا أنّ عبرانيّة ذلك العهد هي الآراميّة أو السريانيّة كقول صاحب الأغاني عن ورقة بن نوفل "أنّه كان يكتب بالعبرانيّة من الإنجيل ما شاء" والله أعلم. الفصل الثاني الألفاظ النصرانية في لغة عرب الجاهليّة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 كثيراً ما كنا نسمع في حداثة سننا بأنّ اللغة العربيّة لغة القرآن وأنّها كلّها إسلامية وقد قرأنا ذلك في بعض كتب الأوربييّن الذين لم يفقهوا الأمر ورمواالكلام على عواهنه ولعلّهم قالوا ذلك لأنّ القرآن أوّل كتاب دوّنه العرب على الرقّ أوالجلد أوالبردي أورقاق العظام. على أنّ اللّغة العربيّة سبقت الإسلام كما المسيحيّ. ثم أثبتنّا فضل النصارى في سبقهم إلى الكتابة العربيّة. وليست غايتنا هنا أن نتتّبع كلّ مفردات لغتنا الشريفة فنروي ما جاء منها على ألسنة النصارى فإنّ ذلك مستحيل إذ كانت العربيّة مع وفرة لهجاتها واحدة في القبائل النصرانيّة وغيرها كما أنّ لغة النصرانيّ في عهدنا لا تختلف عن لغة المسلم ومع إقرارنا بذلك يمكننا أن نجمع عدّة مفردات وردت في المعجمات العربيّة القديمة دخلت في اللّغة بواسطة نصارى العرب لا سيما شعرائهم. ومجموعهما دليل واضح على تأثير النصرانيّة في لغة أهل الجاهليّة. وتسهيلاً لبيان الأمر نروي هذه الألفاظ على حسب معانيها مباشرة بالألفاظ الدالّة عليه تعالى وكمالاته وأسمائه الحسنى. الإسم الكريم وأسماؤه الحسنى في الجاهليّة إنّ الوثنيّة كانت عمّت قبل المسيح كلّ جهات جزيرة العرب كما سبق لنا بيانه وشهدت عليه المآثر المتعددّة. فإن وجدنا فيها ديانة التوحيد ووصف كمالاته تعالى وألفاظاً دالّة على ذلك بعد المسيح فلا بدّ من القول أنّ العرب الذين فاهوا بها كانوا موّحدين فهم إمّا يهود وأمّا نصارى وعلى الأقلأنّهم استعاروها من أولئك الموّحدين. على أنّنا نعرف الجهات التي كان يسكنها اليهود في جزيرة العرب أمّا النصارى فكانوا منبثّين في كلّ أنحائها فيجب القول بأنّ هذه الألفاظ هي غالبً للمسيحيين دون اليهود. "الله تعالى" لا مراء بأنّ اسمه عزّ وجلّ كالإله الحقّ سبحانه وتعالى قد سبق عهد الإسلام وشاع في كلّ أنحاء العرب وقد وجده صاحب الشريعة الإسلاميّة مكرمّماً معظمّاً بين أبناء جنسه المكييّن فهو يكرّر اسمه في القرآن كالإله العظيم الذي ليس فوقه إله وإن كان بعض منهم يشركون به آلهة غيره دونه رتبة أمّا اشتقاق هذا الإسم فلم يتّفق عليه كتبة العرب وقد زعموا غالباً أنّه عربيّ الأصل وأنّه مركّب من لفظة إله مسبوقة بأل التعريف كأنّه "الإله" اختروه بالله. أمّا علماء اللّغات الساميّة فيجمعون على أنّ هذا الإسم مشتق من أصل آرامي "ايل" مفخّم بزيادة الهاء فجاء في الكلدانيّة والسريانيّةعلى صورة آلها"كتابة سريانية" فقالوا بالعربيّة الله بلام أصليّةمفّخمة. وقد جاء الإسم الكريم في الكتابات النبطيّة والصفويّة فالنبطيّة ذكرته منسوباً إليه كزيد الله وعبد الله وتيم الله وورد في الكتابات الصفويّة منفرداّ. ولمّا كانت النصرانيّة دخلت إلى بلاد العرب خصوصاّ من جهات الشام وتمكّنت بين أحياء النبط أطلقوا إسم الله في لهجتهم على الإله الحقّ. كما شاع بين طوائف السريان ونشروه في أسفار العهدين القديم والحديث منذ أوئل القرن الثاني للمسيح. وخلاصةالقول أنّ اسم الله دخل في جزيرة العرب بنفوذ النصرانيّة خصوصاً. وعليه قد تكرّر هذا الاسم الكريم في الشعر الجاهلي الذي كان معظمه لشعراء نصارى من قبائل نصرانيّة كربيعة وبكر وإياد وغيرهم. ولا نرى حاجة إلى ذكر أمثلة عديدة لهذه الحقيقة لثباتها وكثرة استعمال اسم الله في الشعر الجاهليّ أمّا بقيّة آلهة العربفقلّ ما ورد ذكرها إذ كانت الديانة الوثنية قد تقلّص ظلّها قبل ظهور الإسلام. وكفى بإيراد أقوال بعضهم في الاسم الكريم على صورتيه "الله" أو"إله" قال زيد بن عمرو "عن رواية عن ابن هشام": إلى الله أهدي مدحتي وثنايا ... وقولاً رصيناًلا يني الدهرَ باقيا إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقهُ ... إلهٌ ولا ربٌّ يكون مدانيا رضيتُ بك اللهمَّ ربَّاً فلن أُرى=أدين إلهاً غيرك اللَّه ثانيا وقال الأعشى: وذا النُّصب المنصوبِ لا تسكننَّهُ ... ولا تعبدِ الأوثان والله فاعبدا وقال بعض الإياديين: ونحن إيادٌ عبيدُ الإله ... ورهطُ مناجيهِ في السّلّم وقال أمية بن أبي الصلت: إلهُ العالمين وكلّ أرضٍ ... وربُّ الراسياتِ من الجبالِ ويقرب من اسم الإله اسم الربّ كقول بن أوس بن حجر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 أطعنا ربنا وعصاهُ قومٌ ... فذقنا طعم طاعتنا وذاقوا "الأسماء الحسنى يريد العرب بالأسماء الحسنى صفات له تعالى تدل على أخص كمالاته عزّ وجلّ استخرجوها من بعض أقوال القرآن وعددّوها 99 اسماً. وأسماء الله لا عدد لها كما هو معروف لأتّ كمالاته تعالى لا يضمّ بها إحصاء ومهما وصفت هذه الأسماء وإنّما نكتفي بما هو أدلّ على جلاله تعالى وعظمته وقدرته وعلمه ورحمته فنجدها كلّها سبقتعلى ألسنة أهل الجاهليّة وإذ كان الله الواحد الصمدقد عرفه العربكما قلنابواسطة الموّحدين ولا سيما النصارى وجب القول بأنّهذه الصفات استعارها أيضاً كتبة العرب وشعراؤهم عن الدين النصراني والأسفار المقدّسة التي كان يتداولها أرباب هذا الدين. وكمالاته تعالى على صنفين صنف منها يعرف الذات الإلهيّة في نفسها بقطع النظر عن المخلوقات كلها والصنف الآخر يشعر بصفات العزّة الإلهيّة بالنسبة إلى الكائنات الخارجة عنه. فمن الصنف الأوّل ما دلّ على وجوده تعالى الواجب وقيامته بذاته وجلاله وعلمه وحكمته وقدرته وغناه وأبديته. وكلّ هذه الصفات قد عرفها أهل الجاهليّة من نصارى العرب واستعاروها من الأسفار المقدّسة من العهدين القديم والحديث. فمن ذلك قول أمية بن أبي الصلت يصف عظمته وجلاله وفي كلامه كثير ممّا ورد في القرآن من الأسماء الحسنى فقال: لك الحمدُ والنعماءُ والملك ربّنا ... فلا شئ أعلى منك مجداً وأمجدُ مليكٌ على عرش السماء مهيمن ... لعزّتهِ تعنو الوجوهُ وتسجدُ عليه حجابُ النور والنورُ حولهُ ... وأنهارُ نورٍ حولهُ تتوقّدُ فلا بشرٌ يسمو إليه بطرفهِ ... ودون حجاب النورِ خلقٌ مؤيّدُ ومنها في وحدانيّته وصمدانيّته وملكه المتعالي: فسبحانَ من لا يعرفُ الخلقُ قدرهُ ... ومن هو فوق العرش فردٌ موَّحدُ ومن لم تنازعهُ الخلائقُ ملكهُ ... وإن لم تفرّدهُ العبادُ فمفردُ مليك السماوات الشداد وأرضها ... وليس لشئ عن قضاه تأوّدُ وفي وحدانيّته وقدرته وبقائه قال ورقة بن نوفل: سبحان ذي العرش سبحاناً يعادلهُ ... ربُّ البريّة فردٌ واحدٌ صمدُ مسخَر كلُّ ما تحت السماء لهُ ... لا ينبغي أن يناوي ملكهُ أحدُ لا شئ ممّا نرى تبقى بشاشتهُ ... يبقى الإلهُ ويودي المالُ والولدُ ولزيد بن عمرو في ربوبيّته وولائه وأبديّته قوله: ألا كلُّ شئ هالك غير ربّنا ... والله ميراثُ الذي كان فانيا وليٌّ له من دون كلّ ولاية ... إذا شاء لم يمسوا جميعاً توالياً وإن يكُ شئ خالداً ومعمراً ... أمل تجدْ من فوقه الله باقيا له ما رأت عيُنُ البصيرة وفوقهُ ... سماءُ الإلهِ فوق سبعٍ سنائيا وروى الصغاني:"فوق ست سمائيل". وسمّاه أميّة مقدّساً وذا الجلال فضلاً عن بقائه فقال: فكلّ معمّر لا بُدَّ يوماً ... وذي الدنيا يصيرُ إلى الزوالِ ويفنى بعد جدّتهِ ويبلى ... سوى الباقي المقدّس ذي الجلال ودعاه زيد بن عمرو بالعزيز والواسع فقال: إنَّالإله عزيز واسعٌ حكمٌ ... بكفه الضرُّ والأساءُ والنعمُ فترى في كلّ هذه الأبيات عدداً عديداً من أسمائه عزّ وجلّ كالواحد والأحدوالفرد والصمد والأوّل والآخر والباقي والعزيز والعظيم والكبير والعليّ والمتعالي والحتجب والماجد والمجيد والقادر والقويّ والقهّار والمقتدر والملك ومالك الملك وذي الجلال والمقدّس والحقّ والعليم والحكيم والغنيّ وكلّها من أوصافه الدالّة على كمالاته الذاتيّة. أمّا الصفات الإلهيّة المنب ئة بالعلاقة بين الخلق والمخلوق فورد منها كثير في الشعر الجاهليّ ومصدرها كما في الصفات السابقة التعاليم النصرانيّة الشائعة في جزيرة العرب. فمن جميل أبيات أميّة بن أبي الصلت قوله يصف خالق البرية: هو الله باري الخلق والخلقُ كلُّهم ... أماءٌ لهُ طوعاًجميعاً وأعبدُ وأنّى يكون الخلقُ كالخالقِ الذي ... يدومُ ويبقى والخليقة تنفدُ ووصفه هناك بالمحيي المميت: ونفنى ولا يبقى سوى الواحد الذي ... يميت ويحيي دائباً ليس يهمدُ وله في وصف تكوين العالم أقوال كثيرة كقوله في السماء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 بناها وابتنى سبعاًشداداً ... بلا عمد يرين ولا رجالِ وسوَّاها وزينها بنورٍ ... من الشمس المضيئةِ والهلالِ ومن شهبٍ تلألأُ في دجاها ... مراميها أشدُّ من النضالِ وشقَّ الأرض فانبجست عيوناً ... وأنهاراً من العذبِ الزُّلالِ وبارك في نواحيها وزكَّى ... بها ما كان من حرثِ ومالِ ولقيّ بن ساعدة في الخالق وغايته من الخلق: الحمدُ لله الذي لم يخلق الخلق عبث ومثله لعديّ بن زيد وسمّاه مسبّحاً وخلاقاً: ليس شئ على المنونِ بباقِ ... غيرَ وجهِ المسبّح الخلا ذقِ ومما يضاف إلى صفته بالخالق قول أميّة بن أبي الصلت: إذغ قيل من ربُّ هذي السما ... فليس سواهُ لهُ يضطربْ ولو قيل ربُّ سوى ربنا ... لقال العبادُ جميعاً كذبْ وسمّاه أميّة كبيراً ومنشئاً ومحييّاً وقديراً فقال: مجّدوا الله وهو للمجد أهلٌ ... ربُّنا في السماء أمسى كبيرا ذلك المنشئ الحجارة والمو ... تى وأحيائهمُ وكان قديرا ووصفه قسّ بن ساعدة بالمهيمن: فأعوذ بالملك المهيمن ممّا ... غالهُ بالبأساءِ والنحسِ ونعته أميّة بن أبي الصلّت بالسّليطط والمقتدر فقال: إنَّ الأنام رعايا اللهِ كلّهمُ ... إنّالسّليططَ فوقَ الأرض مقتدرُ وسمّاه الكريم فقال: ثمَّ يجلو النهار ربٌّ كريمٌ ... بمهاةٍ شعاعها منثورُ وقال أعشى قيس: ربّي كريمٌ لا يكدّرُ نعمةً ... فإذا تنوشد في المهارق أنشدا وخصَّه زهير بن أبي سلمى بمراقبة الأعمال والانتقام لها في معلّقته: فلا تكتمنَّ اللهَ ما في صدوركم ... ليخفى ومهما يُكتم الله يعلمِ يؤخر فيوضع في كتاب فيذّخر ... ليوم الحساب أو يعجّل فينقمِ ودعاه أميّة حكماً فقال: لك الحمد والمنّ ربَّ العبا ... دِ أنتَ المليكُ وأنتَ الحكمْ وسمّاه عليّاً ومتعاليّاً: وأشهد أنَّ الله لا شئ بعدهُ ... عليّاً وأمسى ذكرهُ متعاليا ووصفوه بالرحمن والرحيم. قال الأعشى: فلئنْ ربُّك من رحمتهِ ... كشف الضيقة عنَّا وفسحْ وقال المثقّب العبيّ: لحى الرّحمان أقواماً أضاعوا=على الوعواع أفراسي وعيسي وقال سلامة بن جندل يصفه بالرحمان والجابر والجامع: عجلتم علينا حجّتين عليكمُ ... وما يشأ الرحمانُ يعقد ويطلقِ هو الجابرُ العظمِ الكسيرِ وما يشأ ... من الأمر يجمعْ بينهُ ويفرّقِ ويروى:"هو الكاسرُ العظمِ الأمينِ". ووصفه زيد بن عمرو بالرحمان والغفور فقال: أربّاً واحداً أم ألفَ ربٍ ... أدينُ إذغ تقسّمت الأمورُ ولكن اعبدُ الرحمانَ ربّي ... ليغفر ذنبيَ الربُّ الغفورُ وقال أميّة في الرحيم: ثمّ يجلو الظلام ربٌّ رحيمٌ ... بمهاةٍ شعاعها منشورُ ودعاه الورقة بن نوفل بالسميع المجيب فقال: أدين لربّ يستجيبُ ولا أرى ... أدينُ لمن لا يسمع الدهرَ واعيا أقول إذا صليتُ في كلّ بيعةِ ... تباركتَ قد أكثرتَ باسمك داعيا فهذه الأسماء كلّها من صفات الله تبارك وتعالى تثبت جليّاً بأنّ أهل الجاهليّة المتنصرين لم يفتهم شئ من معرفة الإله الحقّ. 2 السماء والجحيم وما فيهما كما اقتبس عرب الجاهليّة معارفهم عن الحقّ سبحانه وتعالى من نور النصرانيّة ودعاتها خصوصاً كذلك يجب القول أنّهم عرفوا الآخرة بفضلهم وإن أمكنهمأن يستعيروا شيئاً منها من اليهود إلاّ أنّ اليهود كما سبق لنا القول كانوا منزوين في بعض أنحاء جزيرة العرب ولم يختلطوا مع أهلها إلا اختلاطا يسيراً على خلاف النصارى الذين رأيناهم في ما مرّ ساكنين في كلّ أقطار العرب لا يخلو منهم حيّ واحد فلا عجب أن يكونوا بثّوا تعاليمهم عن دار الخلود بين أهل البادية والحضر كما نشروا تعريفهم للخالق عزّ وجلّ. "السماء" معلوم أنّ الساء مقام الله حيث يتجلى للأبرار وحيث يسعى في خدمته ملائكة منزهون عن الهيولي ... وقد مرت معنا أبيات لأميّة بن أبي الصلت وصف فيها تلك السماء العليا. فلا حاجة إلى تكرارها وإنّما نضيف إليها قوله في الداري: دارٌ دحاها ثمَّ أعمرنا بها ... وأقام بالأخرى التي هي أمجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وفي هذه الساء العليا قال أيضاً: فأتمَّ ستاً فاستوت أطباقها ... وأتى بسابعةٍ فأنّى توردُ وتدعى السماء أيضاً بجنّة الخلد وبالفردوس وجنان عدن. قال أميّة بن أبي الصلت: ربّي لا تحرمننّي جنَّةَ الخلد ... وكن ربّي بي رؤوفاً حفيّاً وقال حكيم بن قبيصة يخاطب ابنه بشراً: فما جنةُ الفردوس هاجرتَ تبتغي ... ولكن دعاك الخبزُ والتمرُ أحسبُ ومثله لحسّان بن ثابت: وإنَّ ثوابَ الله كلَّ موحدٍ ... جنانٌ من الفردوس فيها يخلّدُ وقال النابغة: فسلام الإله يغدو عليهم ... وفيوءُ الفردوس ذات الظلالِ وللسماء في الشعر القديم أسماء غيرها منها برقع وعدن ونعيم قال أميّة بن أبي الصلت: وكأنّ برقِعَ والملائكُ حولها ... سدرٌ تواكله القوائمُ أجردُ وجاء في عدن له أيضاً: جهنم تلك لا تبقي بغيّاً ... وعدنٌ لا يطالعها رجيمُ وقال في النعيم: لم يخلق السماءُ والنجومُ ... والشّمس معها قمرٌ يقومُ قدّرهُ المهيمن القيّومّ ... والحشُّ والجنّةُ والنعيمُ إلا لأمر شأنه عظيم وسماها أيضاً دار صدق قال: وحلَّ المتَّقون بدارِ صدقٍ ... وعيشٍ ناعم تحت الظلالِ لهم ما يشتهون وما تمنَّوا ... من الأفراح فيها والكمالِ "الملائكة" وأخصّ ما في السماء الملائكة. ومعلوم أنّ ذكر الملائكة لم يمكنه أن يتّصل إلى العرب إلا بطريقة وحي سابق ودين شاع فيه المعتقد بوجود الملائكةكالنصرانيّة. وقد أحسن أميّة في وصفهم فقال: ينتابه التنّصفون بسجرة ... في ألفِ ألفٍ من ملائكَ تحشدُ رسلٌ يجوبون السماء بأمرهِ ... لا ينظرون ثواء من يتقصّدُ فهمُ كأوب الريح بيناً أدبرت ... رجعت بوادي وجهها لا تكردُ حذٌ مناكبهم على أكتافهم ... زفٌّ يزفُّ بهم إذا ما استنجدوا وإذا تلاميذ الإله تعاونوا ... غلبوا ونشّطهم جناحٌ معتدُ نهضوا بأجنحةٍ فلم يتواكلوا ... لا مبطئ منهم ولا مستوغدُ وله من قصيدة أخرى: كلائكةٌ أقدامهم تحت عرشهِ ... بكفيَّهِ لولا الله كلّوا وأبلدوا قيامٌ على الأقدام عانين تحتهُ ... فرائصهم من شدّة الخوفِ ترعدُ وسيطٌ صفوفٌ ينظرون قضاءهُ ... يصيخون بتلأسماع للوحي ركّدُ وهناك قد ميّز طبقات الملائكة وأشار إلى عددهم ومختلف أعمالهمورتبهم كالكروبيم والحرّاس وصرّح بأسماء بعضهم كجبرئيل وميخائيل قال: أمينٌ لوحي القدس جبريلُ فيهمِ ... وسيكالُ ذو الروحِ القوي المسدّدُ وحرّاسُ أبولب السماوات دونهم ... قيامٌ عليها بامقليد رصّدُ فنعمَ العبادُ المصطفون لأمرهِ ... ومن دونهم جندٌ كثيفٌ مجنّدُ ملائكةٌ لا يفترون عبادةً ... كرزبيّةً منهم ركوعٌ وسجّدُ فساجدهم لا يرفعُ الدهرَ رأسهُ ... يعظّم ربّاً فوقهُ ويمجّدُ وراكعهم يحنو لهُ الدهرَ خاشعاً ... يردّد ى آلاءَ الإلهِ ويحمدُ ومنهم ملفٌ في الجناحين رأسهُ ... يكاد لذكرى ربّهِ يتفصّدُ من الخوفِ لاذو سأمةٍ بعبادةٍ ... ولا هز من طول التعبّد يجهدُ ودون كثيف الماء في غامض الهوا ... ملائكةٌ تنحطُّ فيهِ وتصعدُ وبين طباق الأرض تحت بطونها ... ملائكةٌ بالأمر فيها تردّدُ وأنشد الكسائي لعلقمةبن العبد يمدح الحارث بن جبلة. وتروى لشاعر من عبد القيس يمدح النعمان وفيها ذكر الملائكة: تعاليتَ أن تعزى إلى الأنس خلّةً ... وللإنس من يعزوكَ فهو كذوبُ فلستَ لإنسيٍ ولكن لملاكٍ ... تنزّلَ من جو السماء يصوّبُ ولأميّة أيضاً في الملائكة الموكلين بالمخلوقات السفلىقوله: وتحت كثيف الماء في باطن الثرى ... ملائكةٌتنحطُّ فيه وتسمعُ وقد كثر ذكر الملاك جبرائيل في الشعر القديم. قال عمران بن حطّان: والروح جبريلُ فيهم لا كفاء لهُ ... وكان جبريل عند الله مأمونا وقال حسّان بن ثابت: يلحارِ في سنةٍ من نومِ أوّلكم ... أم كنت ويحك مغترّاً بجبريلِ وقال أيضاً: برجالٍ لستمُ أمثالهم ... أيّدوا جبريلَ نصراً فنزلَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وقد لقبّه حسّان في محل آخر بالروح القدس: وجبريلٌ أمين الله فينا ... وروح القدس ليس لهُ كفاءُ ويروى:"رسول الله" وكذلك ذكروا الملاك ميخائيل ودعوه ميكال قال ورقة بن نوفل: وجبريلُ يأتيهِ وميكالُ معهما ... من الله وحيٌ يشرح الصدرَ مُنزلُ وذكروا من طغمات الملائكة الكروبيَّة وهم الكروبيم وصفهم في تاج العروس"بسادة الملائكة والمقربين إلى حملة العرش". كقول أميّة بن أبي الصلت السابق ذكره: ملائكةٌ لا يفترونَ عبادةً ... كروبيَّةٌ منهم ركوعٌ وسُجَّدُ وقال في الساروفيم ودعاهم بالسرافيل: ُحبس السرافيلُ الصَّوافي تحَتهُ=لا واهنٌ منهم ولا مستوغِدُ وممّا وصفه شعراء الجاهليّة في السماء عرش الله الذي تكرّر ذكرهُ في الأسفار المقدّسة من العهدين العتيق والحديث. ومن البديهي أنّ عرش الله ليس شيئاً هيولياً مجسماً وإنما المراد به عزَّته تعالى وثباتُهُ. قال أميّة وهو غير ما سبق له: ملكٌ على عرشِ السماءِ مهيمنٌ ... تعنو لعزَّتهِ الوجوهُ وتسجدُ وقال ورقة بن نوفل: سبحان ذي العرش سبحاناً يعادلهُ ... ربُّ البريَّة فردٌ واحدٌ صَمَدُ ويروى"سبحاناً يدوم له. وسبحاناً يعود لهُ". ومثل العرش السرير قال أميّة: مجّدوا الله فَهْو للمجد أهلٌ ... ربُّنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق الخَلْ ... ق وسوَّى فوق السماء سريرا شرجعاً ما ينالهُ بصرُ العَ ... ينينِ ترى دونهُ الملائكَ صُورا فالشرجع الخشبة المرَّبعة الطويلة وهي أيضاً العرش والسرير. "جهنم" ليست معرفة شعراء الجاهليّة بجهنم وعذابات الهالكين ووجود الشيلطين دون معرفتهم بالسماء وأهلها. قال كعب بن مالك في وصف جهنم: تَلَظَّى عليهم حين أنْ شدَّ حميُها ... بزُبْر الحديدِ والحجارة ساجرُ وقال أمية بن أبي الصلت: فأُركسوا في حميم النار أنَّهمُ ... كانوا عُتاتاً يقولون الكذب والزورا ويروى:"في جهنم أنهم كانوا عصاة". وقال وقد أجاد في في بيان حال الهالكين: وسيقَ المجرمونَ وهم عُراةٌ ... إلأى ذات المقامع والنكالِ فنادوا ويلنا ويلاً طويلاً ... وعجُّوا في سلاسلها الطوالِ فليسوا ميّتين فيستريحوا ... وكلُّهمُ ببحر النار صالِ وقال فيهم: فهم يَطْفون كالأقذاء فيها ... لئن لم يغفر الربُّ الرحيمُ وقال النابغة الجعديّ مستغفراً وطالباً النجاة من جهنَّم: يا مالك الأرض والسماء وَمن ... يَفْرِقْ من الله لا يَخَفْ إثما إني امرؤ قد ظلمتُ نفسي وإلاّ ... تَعْفُ عنّي اغلا دماً كَثِما أُطْرَحُ بالكافرين في الدرك ... الأسفل يا ربِّ أصطلي الضرَما وقال أميّة بن أبي الصلت يذكر الأبرار ونعيمهم والأشرار وجحيمهم: هما فريقانِ فرقةٌ تدخلُ ... الجنّة حفَّت بهم حدائقُها وفرقةٌ منهم قد أُدخلت ... النار فساءَتهم مرافقُها لا يستوي المنزلان ثَمَّ ولا ... الأعمالُ لا تستوي طرائقُها وكما جعلوا الملائكة في السماء كذلك عينوا جهنم لإبليس وفرقته من الشياطين والجنّ الذين هبطوا من السماء بخطيئتهم فأخذهم الله بعصيانهم. قال أميّة: وفيها من عباد الله قومٌ ... ملائكُ ذُلّلوا وهمُ صعابُ وقال أميّة أيضاً ودعا الشيطان شاطناً: أيَّما شاطنٌ عصاهُ عكاهُ ... ثمَّ يُلْقَى في السجن والأغلال ودعاه عديّ بن زيد إبليساً: وأّهبطَ اللهُ إبليساً وأوعدهُ ... ناراً تَلهَّبُ بالإِسعار والشَّرَرِ وقال أنيّة بن أبي الصلت: وترى شياطيناً تروغُ مضاعفةً ... ورواغها صبرٌ إذغ ما يطردُ تلقى عليها في السماء مذلّةٌ ... وكواكب ترمى بها فتعردُ وفي هذه السماء العليا قال أيضاً: فأتّمَ ستّاً فاستوت أطباقها ... وأتى بسابعةٍ فأنّى توردُ وقد كثر في الشعر الجاهلي ذكر الدينونة والحساب وما يتبعهما من ثواب أوعقاب قال زهير بن أبي سلمى في معلّقته يتهدّد النافقين بالدينونة: فلا تكتمنّ اللهَ ما في صدوركم ... ليخفى ومهما يكتم الله يعلمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 يؤّخر فيوضع في كتاب فيدّخر ... ليوم الحساب أويعّجلْ فينقمِ وقال أميّة بن أبي الصلت: يوقفُ الناسُ للحساب جميعاً ... فشقيٌ معذّبٌ وسعيدُ وقال النابغة الذبياني يذكر معتقد بني غسّان بالدينونة: فلا يحسبونَ الخي لا شرَّ بعدهُ ... ولا يحسبون الشرَّ ضربةَ لازبَ وقال لبيد: وكلُّ امئ يوماً سيعلمُ سعيهُ ... إذا كشفت عند الإلهِ المحاصلِ ويروى في المخصّص:"إذا حصلت عند غلإله الحصائل" وروى السيوطي لأميّة بن أبي الصلت: ولا يوم الحساب وكان يوماً ... عبوساً في الشدائد قمطريرا وقال أميّة أيضاً: إنَّ يوم الحساب يومٌ عظيمٌ ... شابَ فيهِ الصغيرُ شيباً طويلا ليتني كنتُ قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا كلّعيشٍ وإن تطاول دهراً ... منتهى أمرهِ إل أن يزولا واجعل الموت نصب عينك واحذرْ ... غولة الدهر أنّ للموت غولا وقال أيضاً: لا تخلطنَّ خبيثاتٍ بطيّبةٍ ... واخلع ثيابك منها وانجُ عريانا كلّ امرئ سوف يجزى قرضهُ حسناً ... أو سيئاً ومديناً كالذي دانا وهم يذكرون مع الدينونة والحساب يوم الحشر وبعث الأجساد وقيامتها من قبورها وجزاء العالمين الأخير. قال أميّة ووصفه تعالى بالباعث للموتى: الوارثُ الباعثُ الأموات قد ضمنت ... إيّاهم الأرض في دهر الدهاريرِ وقال قس بن ساعدة: يا ناعيَ الموتِ والأمواتُ في جدثٍ ... عليهم من بقايا خزّهم خرقُ دعهم فإنّ لهم يوماً يصاحُ بهم ... فهم إذا انتبهوا من نومهم فرقُ حتى يعودوا بحالٍ غير حالهمِ ... خلقاً جديداً كما من قبلها خلقوا منهم عراةٌ وموتى في ثيابهمِ ... منها الجديد ومنها الأورق الخلقُ وقال عبيد بن الأبرص يذكر القيامة: أنت المليك عليهمِ ... وهم العبيدُ إلى القيامة وقال أميّة وله السهم الأفوز في وصف الدينونة وذكر أيضاً العرش وميزان الحساب والزّبر أي الأسفار المقدّسة التي أوحي بها الله لهداية العالمين: ويومُ موعدهم أن يحشروا زمراً ... يوم التغابن إذ لا ينفع الحذرُ مستوسقين مع الداعي كأنّهمُ ... رجلُ الجرادِ رقتهُ الريحُ تنتشرُ وأبرزوا بصعيدٍ مستوٍ حرزٍ ... وأنزل العرشُ والميزانُ والزّبرُ وحوسبوا بالذي لم يحصهِ أحدٌ ... منهم وفي مثل ذام اليوم معتبرُ فمنهم فرحٌ راضٍ بمبعثهِ ... وآخرون عصوا مأواهم السّقرُ يقولُ خزّانها: ما كان عندكمُ ... ألم يكن جاءكم من ربّكم نذرُ قالوا: بلى فتبعنا فتيةً بطروا ... وغرّنا طول هذا العيش والعمرُ قالوا: امكثوا في عذاب اللهِ ما لكم ... إلاّ السلاسلُ والأغلالُ والسّعرُ فذاك عيشهمُ لا يبرحون بهِ ... طول المقام وإن صحّوا وإن ضجروا وآخرون على الأعراف قد طمعوا ... بجنّةٍ حفّها الرمّان والخضرُ إنَّ الأنام رعايا اللهِ كلهمُ ... هو السلّيطط فوق الأرض مقتدرُ وهو القائل أيضاً في وصف الجحيم والنعيم: سلامك ربّنا في كلّ فخرٍ ... بريئاً ما تليقُ بك الدّمومُ عبادكُ يخطئون وأنت ربٌّ ... بكفيّك المنايا والحتومُ غداةً يقولُ بعضهمُ لبعضٍ ... ألا يا ليت أمّكم عقيمُ فلا تدنو جهنّمُ من برئٍ ... ولا عدنٌ يحلُّ بها الأثيمُ فهم يطفونَ كالأقذاء فيها ... لئن لم يغفر الربُّ الرحيمُ جهنّم تلك لا تبقي بغيّاً ... وعدنٌ لا يطالعها الرجيمُ فلا لغو ولا تأثيمَ فيها ... ولا حينٌ ولا فيها مليمُ إذغ بلغوا التي أجروا إليها ... تقبَّلهم وحلل من يصومُ وخففت النذورُ وأردفتهم ... فضول الله وانتهت القسومُ فهذه الأوصاف كلها لا ترىفي غير الأسفار المقدّسة التي كانت في أيدي النصارى فأخذها عنهم شعراء العرب قبل الإسلام. ولأميّة المذكور أبيات ذكر فيها انتظار البشر ليوم الدينونة وظهور المسيح ليدين العالم: والناسُ راثَ عليهم أمرُ ساعتهم ... فكلّهم قائلٌ للدين أيّانا أيّام يلقى نصاراهم مسيحهمُ ... والكائنين لهُ ودّاً وقربانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 هم ساعدوهُ كما قالوا إلهمُ ... وارسلوهُ يريد الغيث دسفانا ومعلوم في معتقد المسلمين أنّ السيد المسيح "عيسى" هو الذي ينزل في آخر العالم ليدين العالمين. فكفى بهذه الشواهد دليلاً على أنّ كل الألفاظ الواردة في القرآن والحديث عن الدينونة وأحوالها قد سبق إليها أهل الكتاب في الجاهليّة كما سبقوا إلى أسماء الله الحسنى. 3 الدين ومقاماته ومناسكه كان لعرب الجاهليّة شركهم كما سبق إلا أنّ الآثار العربيّة الباقية من العهد السابق للإ سلام قلّما تشعر بالتوّثن لنفوذ التوحيد بينهم بفضل الدين المسيحي. وها نحن ذا ندوّن الألفاظ النصرانيّة الواردة في شعرهم المثبتة لقولنا. "الدين" إنّ لفظة الدين بعناها الخاص أي العبادة لله قد سبقت الإسلام وأوّل ما نجد لفظها في الشعر العربيّ مدلولها الدين النصرانيّ. قال النابغة يمدح ملوك إسّان النصارى بدينهم: مجلّتهم ذاتُ الإله ودينهم ... قويمٌ فما يرجون غير العواقبِ وروى اللسان محلّتهم أي الأرض المقدّسة. ومثله ما أنشده نبيّ الإسلام عن شاعر جاهليّ "لّما أفاض من عرفة إلى مزدلفة وكان في بطن محسّر الذي كان موقف النصارى" وفي الأبيات إشارة إلى الناقة التي كان راكبها في مسيره إلى الحرم: إليك تعدو قلقاً وضينها معترضاً في بطنها جنينها مخالفاً دين النصارى دينها وكذلك روينا لورقة بن نوفل النصرانيّ قوله: أدين لربٍّ يستجيب ولا أرى ... أدين لمن لا يسمع الدهرَ واعيا أقول إذا صلّيتُ في كلّ بيعةٍ ... تباركت قد أكثرت باسمك داعيا ولأميّة في معناه قوله: رضيتُ بك اللهم ربّاً فلن أرى ... أدين إلهاً غيرك الله ثانيا ومن حكم عديّ بن زيد قوله: نرقّع دنيانا بتمزيق ديننا ... فلا ديننا يبقى ولا ما نرقعُ والدين أيضاً بمعنى الحكم والقضاء والحساب. قال السيّد المسيح:"لا تدينوا لئّلا تدانوا فإنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون". فجاءت اللفظة في الشعر الجاهليّ مقتبسة عن الآية السابقة. قال خويلد بن نوفل الكلابيّ يخاطب الحارث بن أبي شمّر: يا حارِ أيقنْ أنّ ملكك زائلٌ ... وأعلم بأنّ كما تدينُ تدانُ وإلى هذا المعنى يعود اسمه تعالى بالديّان ورد في الشعر الجاهليّ. وبه دعي آل عبد المدان بن الديّان سادة بني الحارث بن كعب النصارى"الذين كانوا يتبارَون في البِيَع وزيّها". "العبد ... المتعبّد ... العِبَاد ... العبادة" هي أيضاً مفردات سبقت الإسلام ودلُّوا بها على من يعبد الله من النصارى. قال النابغة: لو أنَّها عرضت لأَشمطَ راهبٍ ... عبدَ الإله صرورةٍ متعبّدِ وقال أميّة بن أبي الصلت في الملائكة: فنعم العبادُ المصطفَوْن لأمره ... ومن دونهم جندٌ كثيفٌ مجنَّدُ ملائكة لا يفترون عبادةً ... كروبيَّةٌ منهم ركوعٌ وسجَّدُ والعباد قبائل شتّى من بطون العرب اجتمعوا على دين النصرانيّة فدُعوا بالعباد لزهدهم. ويقال لنسَّاك النصارى الأعابد أيضاً قال أبو داود الإيادي يصف مصابيح الرهبان في مشارف الجبال: لهنَّ كنار الرأس بالع ... لياء تذكيها الأعابد وكثيراً ما يطلقون اسم العباد على كل البشر ولا سيَّما الذين يعبدون الإله الحقّ. قال أميّة: لك الحمدُ والمنُّ ربَّ العبا ... دِ أنت المليك وأنت الحكَمْ وقال أيضاً: ولو قيل ربٌّ سوى ربّنا ... لقال العبادُ جميعاً كَذِبْ ومثله العبادة مطلقاً خصُّوها بعزَّته تعالى. قال زيد بن عمرو: ولكن اعبد الرحمان ربّي ... ليغفر ذنبيَ الربُّ الغفورُ وقال ورقة بن نوفل: لا تعبدُنَّ الهاً غير خالقكم ... فإن دعوكم فقولوا بيننا حَدَدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 "آمن ... إيمان ... المؤمن" كلّ هذه الألفاظ سبقت أيضاً الإسلام فاتَّخذها النصارى لاعتقادهم ولعلَّهم استعاروها من السريان. وقد وردت في أخبار المتنصّرين في الجاهليّة كرواية أصحاب الكهف. ورواية تنصُّر أهل نجران. لا بل ذكرها في القرآن"سورة البقرةع285" وأطلقها على النصارى أيضاً فقال:" وَالْمُؤْمِنُونَ كُلّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رّسُلِهِ". ومثلها في سورة آل عمران:"ومنهم المؤمنون.. من أهل الكتاب أمة يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..". "العيد" هي من الألفاظ الدينيَّة التي استعارها النصارى في الجاهليّة عن الآراميين وهي بالسريانيَّة" ... ". وقد نطق بها امرؤ القيس فقال يصف سرباً من المها أي بقر الوحش: فآنستُ سرباً من بعيدٍ كأنَّهُ ... رواهب عيدٍ في مُلاءٍ مهدَّبِ أشار إلى لبس الراهبات في أعياد النصارى للملاء والأنسجة الطويلة الأذيال. ومثله تصريحاً قول العجَّاج في ثور وحش اعتاد الارباضَ كاعتياد النصارى أعيادهم: واعتاد ارباضاً لها آرِيُّ ... كما يعودُ العيدَ نصرانيُّ "النذر" ومن عادات النصارى أن يوجبوا على نفوسهم نوافل تقويَّة حباً بالله. وذلك النذر من السريانيَّة " ... ". والنذير" ... " عند بني إسرائيل المقطوع لخدمة الله. وجاء في قصَّة مريم "سورة آل عمران ع31":"آية". وسبق أميّة بن الأشكر الكنانيّ فقال: كم من أسير من قُرَيْش وغيرها ... تدارَكَهُ من سَعْينا نَذْرُ ناذرِ فلَّما قدَرْنا أنقذَتْهُ رماحُنا ... فآب إلى آلائهِ غيرَ شاكرِ وورد لأميّة بن أبي الصلت يذكر نذر إبراهيم لابنه اسحاق وفيه ذكر "الاحتساب" وهي أيضاً من ألفاظهم الدينيَّة بمعنى الثواب والأجر قال: ولِإبْراهيمَ المُوَفّي بنَذْرٍ ... احتساباً وحامل الاجذالِ إلى أن قال: أَبُنَيَّ إنّي نذرتُك ... للهِ شحيطاً فاصبر فدىً لك حالي ثم للدين مقامات وأبنية مخصّصة بالعبادة شاع عند العرب المسجد والمعبد والمصلّى والمنسك والكعبة ... وكلّ هذه الألفاظ قد سبقت الإسلام واستعملها أهل الجاهليَّة ولا سيَّما النصارى للدلالة على دينهم. "المسجد" قال الزجَّاج في تعريفه:"كلُّ موضع يُتَعبَّد فيه فهو مسجد". وقد أطلقوها على هيكل أورشليم كقول الطبري في تاريخه عن يوسف خطيب مريم:"تولَّى يوسف خدمة المسجد" وقال ابن خلدون في تاريخه عن العذراء مريم أنَّ حنَّة أمَّها:"جاءت بها إلى المسجد فدفعتها إلى عبَّاده". وقد مرَّ أيضاً ذكر"مسجد مريم" كما ورد في معرفة البلدان للمقدسيّ. ولا نشك أنّها وردت أيضاً في الشعر القديم. ومما رواهُ سيبويه عن بعض الشيوخ قولهُ: أوصاك ربُّك بالتُّقى ... وأولو النُّهى أوصوا مَعَهْ فاخترْ لنفسك مسجداً=تخلو بهِ أو صَوْمَعَهْ "قال" الصومعة بيت النصارى. فذكرُ المسجد معها إشارةً إلى أنها في معناها شائعة أيضاً عند النصارى. وقد ورد اسم المسجد في القرآن"سورة الإسراء ع1" دلالةً على"المسجد الأقصى" في القدس الشريف. وما قلناهُ عن المسجد يصحُّ أيضاً في المعبد والمصلَّى أي مقام العبادة ومحلّ الصلاة ومكان النسك فإنَّ هذه الألفاظ كلّها يرتقي عهدها إلى الزمن السابق للإسلام. "الكَعْبة" أصلها الغرفة المكعَّبة اتَّخذوها الكعبة الحرام في مكَّة. وقد استعملها أيضاً النصارى للدلالة على كنائسهم في الجاهليَّة كما أشرنا إليه في القسم الأول من كتابنا"ص64" عند ذكرنا كعبة نجران وكعبة اليمن دلُّوا بها إلى كنيسة في نجران. قال الأعشى: وكعبةُ نجران حتمٌ عليكِ ... حتى تُناخِي بأبوابها وكان لكنائسهم حَرَمٌ لا يجوز انتهاك حرمتهِ إن دخله جانٍ أَمن على حياتهِ. وفي مساجدهم أمكنة خاصَّة تُعرف بأسمائها كالمِحْراب والقبلة. "فالمحراب" يراد بها مطلق المسجد. قال صاحب تاج العروس:"محاريب بني إسرائيل مساجدهم التي كانوا يصلّون فيها. وكذلك النصارى قد سمّوا صدر كنائسهم المحراب كما دلَّ بها المسلمون بعد ذلك على صدر مساجدهم". قال في القرآن في سورة آل عمران عن زكريَّا"ع32" أنَّه كان"يدخل المحراب على مريم" وتكررت في الشعر القديم قال الأعشى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 كدميةٍ صُوِّرَ محرابها ... بُمذْهبٍ ذي مرمرٍ مائرِ وقال المسيّب بن علس: أو دميةٌ صوِّرَ محرابها ... أو دُرَّةٌ شِيفَت إلى تاجرِ وقال امرؤ القيس: كغزلان رملٍ في محاريب أقوالِ وقال عدي بن زيد: كدُمى العاجِ في المحاربِ أو كا ... لبَيْض في الروضِ زهرُهُ مستنيرٌ وقال وضَّاح اليَمَن: ربَّةُ محرابٍ إذا جئتُها ... لم أَلْقَها أو أرتقي سلَّما ومثل المحراب القِبْلة وهي وِجْهَة المسجد جاءَت في الشعر الجاهليّ روى صاحب اللسان والجواليقيّ في المعرَّب لعبد المطلب قوله: عُذْت بما عاذَ بهِ إبراهمُ ... مُستَقْبِلَ القِبْلَةِ وهو قائمُ "ومما يلحق بالمساجد المنارة" وهي من النور كالمسرجة وقيل من النار وقد اشتقها العلماء من السريانيَّة" ... " بهذا المعنى والمسلمون يريدون بها المئذنة. والمنارة سبقت عهد الإسلام فاستعملها امرؤ القيس في معلَّقتهِ بمعنى المصباح كان الرهبان يوقدونه لمناسكهم في قمم الجبال ليلاً قال: تُضيءُ الظلامَ بالعشاءِ كأنَّها ... منارةُ مُمْسى راهبٍ متبتّلِ وكانت المناور تُسْرج في الكنائس. ثمَّ اتَّخذوها بمعنى المجاز فأطلقوها على الصومعة ومقام الرهبان ومحلّ عبادتهم. وفي الأغاني وردت المنارة والصومعة بمعنى واحد. وكثيراً ما كانت صوامع الرهبان مرتفعة مشيَّدة على شبه الأبراج بل اكتشف الأثريُّون في كنائس ما بين النهرين وشماليّ سوريَّة عدةَّ كنائس كانوا شيدُّوا في أعلاها أبراجاً مستديرة أو مربَّعة يؤذنون فيها بمناسكهم أو يقرعون فيها النواقيس فلمَّا جاء الإسلام اتَّخذوا المناور على مثال الصوامع وتلك البروج. وقد أثبت العلاّمة غوتّيل من أساتذة كليّة كولومبيا "أن المسلمين في أوّل عهدهم كانوا يجتمعون لصلاتهم دون أذان قال ابن هشام في سيرة الرسول:"وقد كان رسول الله حين قدموا إنّما يجمع الناس للصلاة بغير دعوة" وكذلك قال القسطّلائي في إرشاد الساري "كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيحيون الصلاة ليس ينادى عليها" ثم "ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشئ يعرفونه فذكروا أن ينوّروا ناراً أو يضربوا ناقوساً وأمر بلال "المؤذن"أن يشفع الأذان". ثم سنّالأذان بعد ذلك في موضع بارز وموضع عال. وربّما صعد المؤذن سور المدينة ليدعو إلى الصلاة أنشد ابن البّري للفرزدق: وحتى علا في سور كلّ مدينةٍ ... منادٍ ينادي فوقها بأذانِ وأثبت غوتّيل أنّ أقدم مساجد المسلمين كمساجد بلد الحرام والمدينة والكوفة والبصرة ومسجد عمرو بن العاص في القسطاط لم تجهّز لها المناور وأنّ أوّل ما ورد ذكر المنارة في خلافة معاوية أقامها زياد بن أبي سفيان في مسجد البصرة. قال البلاذريّ في فتوح البلدان:"لّما استعمل معاوية زياداًبن أبي سفيان على البصرة زاد في المسجد زيادةً كثيرة ... وبنى منارتهُ بالحجارة وهو أوّل من عمل المقصورة". والمئذنة محل التأذين أي النداء إلى الصلاة وردت بمعنى المنارة والصومعة. قال في تاج العروس:"المئذنة موضع الأذان للصلاة أو المنارة كما في الصحاح. قال أبو زبد: المِئذنة أو المُؤذنة. وقال الليحانيّ: هي المنارة يعني الصومعة على التشبيه. والمؤذن المنادي للصلاة". وقد جاءت في الشعر القديم قال عديّ بن زيد النصرانّ: بتلّ جحوشَ ما يدعو مؤذّنهم ... لأمر رشدً ولا يحتثُّ أنفارا ومن مرادفات المنارة عندهم أيضاً "المصباح" وأصله السراج وقد استعمله أوس بن حجر في شعره بمعنى المشعل الذي يوقده رؤساء النصارى في ليلة الفصح قال يصف سناناً: عليهِ كمصباح العزيزِ يشبّهُ ... لفصحٍ ويحشوهُ الذبالَ المفتّلا قال الشارح: "أراد السنان الشديد الإئتلاق وهو مثل مشعل الجليلِ العظيم الشأن من بطارقة الروم لا سيّما إذا ألهبه في ليلة الفصح وإذا كان في مثل هذه الليلة كان أنور وأكثر ضوءاً". وأوّل الفرائض المقامة في المساجد "الصلاة" وقد تكرر ذكرها في شعر النصارى قبل عهد الإسلام. قال منظور الأسديّ يصف بعيراً شبّه موقع ثفناته إذا برك بموقع كفّي راهب على الأرض إذغ صلّى عند الفجر: كأنّ مهواهُ على الكلكلّ ... موقعُ كفَّي راهب يصلّي في غبش الصبُّح أو التتلّلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وقال البعيث يذكر صلاة الرهبان وهم قيام: على ظهر عاديٍّ كأنَّ أرومهُ ... رجالٌ يتلُّون الصلاةَ قيامُ (قال) "تلّى فلان صلاته أي أتبع الصلاة أو اتبع المكتوبة التطوّع". ثم كانوا يصلّون على الخمر في التقديس قال الأعشى يصف خمراً: لهل حارسٌ لا يبرح الدهر بيتها ... وإن ذبحتْ صلّى عليها وزمزما ببابلَ لم تعصر فسالت سلافةٌ ... تخالطُ قنديداً ومسكاً مختّما ومثله ما رويناه عن أيمن بن خزيم في خمر جرجان: وصهباءَ جرجانيّةٍ لم يطفُ بها=حنيفٌ ولم ينغر بها ساعةً قدرُ ولم يشهد القسَّ المهيمنُ نارها ... طروقاً ولا صلّى على طبخها حبرُ والصلاة أكثر ما تتم بالسجود والركوع والتسبيح. وكلّ ذلك قد تكرر ذكره عن نصارى العرب في الجاهليّة. قال المضرّس الأسديّ: وسخالِ ساجيةِ العيون خواذلٍ ... بجمادِ لينةَ كالنصارى السّجَّدِ "لينة ماء لبني غاضرة". وكذلك ورد في شعر لبيد مما قاله في الجاهليّة وقد وصف الثور فشبّهه عند أكبابه بالمصلّي الذي يقضي نذراً: فبات كأنّهُ يقضينذوراً ... يلوذُ بغرقدٍ خضلٍ وضالِ (قال الشارح) : ويروى: يطيف بغرقدِ. وبات أي الثور أي بات مكبّاً كأنّه يصلي صلاة يقضي بها نذراً. والغرقد والضال نباتان. قال آخر يصف راهباً: وأشعثَ عنوانٌ به من سجودهِ ... كركبةْ عنزٍ من عنوز بني صخرِ وأنشد في هذا الباب عن المرأة النصرانية الساجدة: فكلتاهما خرّت وأسجدَ رأسها ... كما سجدت نصرانةٌ لم تحنَّفِ ومن عادة النصارى أن يحنوا رؤوسهم إكراماًلرؤسائهم قال حميد بن ثور: فضولُ أزمتها أسجدت ... سجودَ النصارى لأربابها ومن قبيل السجود "الركوع" وهو اخفاض المصلّي لرأسه وانكبابه لوجهه. وقد ورد في شعر بني أميّة بن أبي الصلت عن الملائكة قوله: ملائكةٌ لا يفترون عبادةً ... كروبيّةٌ منها ركوعٌ وسجَّدُ فساجدهم لا يرفع الدهرَ رأسهُ ... يعظّم ربّاً فوقهُ ويكجّدُ وراكعهم يحنو لهُ الدهرَ خاشعاً ... يردّد آلء الإلهِ ويحمدُ وكان الراهب لكثرة صلاته يدعى راكعاً. ومثله الحنيف مرادف الراهب كما مرّ قال: "وكانت العرب في الجاهليّة تسمّي الحنيف راكعاً إذا لم يعبد الأوثان ويقولون ركع إلى الله قال الزمخشري: أي اطمأنَّ. قال النابغة الذبياني: سيبلغ عذراً أو نجاحاً من امرئ ... إلى ربّهِ ربِّ البريّة راكعِ ومن آداب الصلاة "التسبيح" أي شكر الله وتقديس اسمه وتعظيم آلائه جاءت في الشعر الجاهليّ قال أميّة: سبحانه ثم سبحاناً يعودُ له ... وقبلنا سبّح الجوديُّ والجمدُ وقال الأعشى: وسبّح على حين العشيّات والضّحى ... ولا تعبدُ الشيطان واللهَ فاعبدا وروي بيت عمرو بن عبد الحق للأخطل على هذه الصورة: وما سبَّح الرهبانُ في كلِّ بيعة ... أبيل الأبيلين المسيح بن مريما ومن الآداب الدينيّة "الصوم". والنصارى قد اشتهروا به. قال النمر بن تولب: صدّت كما صدَّ عمَّا لا يحلُّ لهُ ... ساقي نصارى قُبيلَ الفصح صوّامُ وقال أميّة بن أبي الصلت عن الأبرار في النعيم: إذا بلغوا التي أجروا إليها ... تقبَّلهمْ وحللَ من يصومُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 ومن الفرائض الدينية "الحج" ويراد به اصطلاحاً قصد مكة للنسك لكنّ اللفظة في الأصل يراد به مطلق النسك. وهي مشتقة من العبرانيّة وتكرّرت في الأسفار المقدسة بمعنى العيد والاحتشاد. وقد استعملها المقريزيّ في الخطط لليهود. قال في ذكر أعيادهم في أيار: "وفيه عيد الموقف وهو حجُ الأسابيع ... ويقال لهذا العيد في زماننا عيد العنصرة ". وكذلك استعملها الكتبة المسلمون لغير قصد مكّة قال الإدريسي في وصف المغرب أنّ المصامدة جعله"حجاً يقصدون إليه من جميع بلادهم". ومثلهم نصارى العرب فإنّهم استعاروا اللفظة من السريانيّة وهي عندهم كثيرة الاستعمال للدلالة على كلّ الحفلات الدينيّة فإتخذوها بهذا المعنىوبمعنى زيارة الأمكنة المقدّسة. فقد وردت في ذكرهم للكعبة اليمنيّة أي كنيسة نجران وفي زيارة بيت المقدس وقد استعملها ابن القلانسيّ في كتابه ذيل تاريخ دمشق لزيلرة بيعة القيامة: "هذه بيعة ... تعظمها النصارى أفضل تعظيم وتحجّ إليها عند فصحهم". وقال ياقوت عن دير نجران أن "بنيعبد المدان بنوه مربّعاً ... فكانوا يحجونه وهم طوائف من العرب ممّن يحلّ الأشهر الحرم ولا يحجّ الكعبة. ويحجُّه خثعم قاطبةً..". 4 الوحي وكتبه وأئمّته ليس الدين طبيعياً فقط يدرك حقائقه العقل البشري ويقرّرها بالأدلّة العقليّة. لكنّه وضعيّ أيضاً وهو الذي أوحى به الله إلى عباده وأرشدهم إليه على يد بعض أصفيائه المعروفين بالأنبياء كموسى كليمه تعالى ولا سيّما السيّد المسيح كلمة الله فطوراً أوحى بمناسك وفرائض معلومة كالختّان والذبائح وطوراً أنبأ بأسرار تفوق إدراك البشر كأسرار العالم الآخر وبعض الحقائق الإلهيّة. ولا يخفى أنّ العرب في الجاهليّة لم يعرفوا وحياً ولم يدينوا بدين وضعيّ بل أفسدوا الدين الطبيعيّ ولحقوا بالشرك وعبادة الأصنام كما تدلّ عليه الآثار المتعددة المكتشفة في عهدنا. على أنّ جهلهم بالوحي إنّما سبق عهد المسيح وقد بيّنا في القسم الأول من مقالاتنا نفوذ النصرانيّة بين العرب. ولنا في لغتهم العربيّة قبل الإسلام ما يثبت هذا القول وذلك في استعمالهم للألفاظ الدالّة على الوحي وكتبه وأئمته كما سترى. "الوحي" هي أول لفظة تدّل على قولنا. فإنّها وردت في الشعر الجاهليّ قبل القرآن بمعنى تبليغ الله كلمته إلى أنبيائه. قال ورقة بن نوفل الراهب النصرانيّ: وجبريلُ يأتيهِ وميكالُ معهما ... من الله وحيُ يشرح الصدرَ منزلُ فبقوله "الوحي المنزل" بيّن كونه يريد ديناً وضعيّاً بلّغ به الله أنبياءه. ومثله قول أميّة بن أبي الصلت في الملائكة وإصاختهم لوحي الله: وسبطٌ صفوفٌ ينظرون قضاءهُ ... يصيخون بالأسماع للوحي رُكَّدُ أمين لوحي القدسِ جبريلُ فيهمِ ... وميكالُ ذو الروح القويّ المسدّدُ وقد انتقلوا من معنى اللفظة الأصليّ إلى معناها المجازيّ فجعلوا الأسفار الإلهيّة وحيّاً والمكتوب فيها وحيّاً قال جرير بهذا المعنى: لمن الديارُ بعاقلٍ فالأنعمِ ... كالوحي في ورق الزبّور المعجم وإذا كانوا يحفرون بعض آيات الوحي في الصخور أشاروا إلى ذلك في أشعارهم. قال زهير يشبه آثار الدار بكتابة الوحي: "لمن طللٌ كالوحي عافٍ منازلهْ" وعلى مثله قال حسّان بن ثابت: عرفتُ ديار زينبَ بالكُثيبِ ... كخطّ الوحي في الورق القشيبِ وقد جاءت على لفظ الجمع في معلّقة لبيد قال يشبّه مسايل جبل ريّلن ببقاء كتابة الوحي في الحجارة: فمدافعُ الريّانِ عرّيَ رسمها ... خلقاً كما ضمنَ الوحيَّ سلامها وقد دعوا كتب الوحي بألفاظ أخرى يدلّ على احتوائها لكلام الله. فمنها "السفر" وأصلها من العبرانيّة "كلمة سريانية" والسريانيّة "كلمة سريانية" ومعناها الكتاب وقد خصّوا بها الكتب الإلهيّة. قال ابن دريد في الاشتقاق: "السفر الكتاب من التوراة والإنجيل وما أشبههما". وقد وردت في القرآن في سورة الجمعة وفي الحديث بالمعنى ذاته. وروى البكري في معجم ما استعجم دخول الحسين بن ضحّاك إلى أحد أديرة النصارى بينما كان الراهب يقرأ "سفراً من أسفارهم" أي كتبهم المقدّسة وكانوا يدعون كلاً من تلك الأسفار "بكتاب الله". قال عديّ بن زيد: ناشدتنا بكتاب الله حرمتنا ... ولم تكن بكتاب الله ترتفعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وقد دعوا أيضاً كتب الوحي "مجلّة" وعلى هذا روي بيت النابغة في بني غسّان: مجَّلتهم ذات الإلهِ ودينهم ... قويمٌ فما يرجون غيرَ العواقب قال ابن دريد في الاشتقاق:"فالمجلّة الصحيفة يكتب فيها شئ من الحكمة. وأصل الكلمة من العبرانيّة "كلمةسريانية" أي الوحي والتبيان. وقد وردت في سيرة الرسول لابن هشام حيث ذكر "مجلّة لقمان يعني حكمة لقمان" وفي حديث أنس "ألقى إلينا مجالّ أي صفحاً" وربّما دعوا كتاب الوحي "بالصحيفة" جمعها صحائف وصحف وأصلها من الحميريّة والحبشيّة بمعنى الكتاب والرسالة مطلقاً. قال لقيط الأيادي في أوّل قصيدة يحذر فيها قومه من كسرى: كتابٌ في الصحيفةِ من لقيطٍ ... إلى من بالجزيرة من إيادِ ومثلها "صحف موسى وابراهيم" في القرن يراد بها كتب منسوبة إلى موسى وابراهيم. ومثلها "المصحف" بتثليث الميم أي الكتاب والمسلمون يخصّونها بالقرآن. وقد سبق شعراء الجاهليّة فنطقوا بها واطلقوها على أسفار النصارى قال أمرؤ القيس "راجع ديوانه في العقد الثمين ص 161" وورد في قوله اسم "الآية" إشارة إلى مضامين تلك الأسفار: قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍوعرفانِ ... ورسمٍ عفتْ آياتهُ منذ أزمان أتتْ حججٌ بعدي عليهِ فأصبحتْ=كخطِ زبورٍ في مصاحفِ رهبانِ وأصل الكلمة من الحبشيّة "كلمة سريانية" "مصحف" من "كلمة سريانية" "صحف" أي كتب. وقد استعملوا لفظة "القرآن" ولم يتفقوا على أصلها فمنهم من همزها وجعلها مصدراً لقرأ بمعنى القراءة. ومنهم من رجّح عدم همزها فقال قران واستشهدوا ببيت حسّان بن ثابت في هجوه لبني جمح قال: جحدوا القانَ وكذّبوا بمحمّدٍ ... والله يظهر دين كلّ رسولِ وعليه تكون القران من قرن أي جمع بمعنى مجموع الآيات. وعلى رأينا أنّ الهمز أفضل وهو الشائع وعلى هذا اللفظ وردت في لأميّة كعب بن زهير قال: مهلاً هداكَ الذي أعطاك نافلةَ ... القرآنِ فيهِ مواعيظٌ وتفصيلُ وعندنا أنّ أصل الكلمة من السريانيّة "كلمة سريانية" وهي مصدر "كلمة سريانية" ومعناها القرااءة وقطعة من الكتاب لا سيّما الكتاب المقدّس ويقال بهذا المعنى "رأس القِريان" "كلمة سريانية". وقد استعملوا "الفرقان" بمعنى القرآن قالوا دعي بذلك لأنه يفرق الحق من الباطل. وجاءت الكلمة في القرآن في سورة البقرة بمعنى التوراة حيث قال: "وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ". (راجع تاج العروسفي مادة فرق) وأصل هذه الكلمة على ما نرى من السريانيّة وهي "كلمة سريانية" بمعنى النجاة والخلاص مع الإشارة إلى الفصل والتفريق. وقد وردت بمعنى الخلاص في القرآن في سورة الأنفال حيث قال: "إَن تَتّقُواْ اللهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً " فشرحه ابن سعيد بقوله: "الفرقان النصر على الأعداء" وكذلك شرح ابن دريد قول القرآن "يوم الفرقان" بيوم النصر. ثم دعوا فصول القرآن "سورة" فهمزها بعضهم وأهمل همزها غيرهم فقالوا هي البقيّة من الشئ والقطعة منه. وقال غيرهم هي من السورة بمعنى الرتبة والشرف كما قال النابغة يمدح النعمان: ألم ترَ أنَّ الله أعطاك سورةً ... ترى كلَّ ملكٍ دونها يذبذبُ والمرجّح ما ارتآه في ذلك العلاّمة نولدك أنّ أصلها من العبرانيّة "كلمة سريانية" معناها المدماك والساف من البناء ومجازاً هي سطور الكتابة والقطعة منها ُمّ أنّ وسيط الوحي بين الله والبشر "النبي" شرحه بقوله: "النبي فعيلُ الطريق يُهمز ولا يُهمز ... ومنه أخذ الرسول لأنه الطريق الموضح الموصل إلى الله تعالى" وعلى رأي العلماء هذا شرح بعيد واللفظة من العبرانيّة "كلمة سريانية" أي الناظر والرائي سلفاً لما يوحي إليه الله من الأمور المستقبليّة. وقد جاءت في الشعر الجاهليّ قال أميّة بن أبي الصلت عن مريم العذراء كتاب البدء للمقدسيّ: فأدركها من ربّها ثمَّ رحمةٌ ... بصدقِ حديثٍ من نبيّ مكلّمِ وقال آخر: كلّ أهل السماء يدعو عليكمْ=من نبيّ وملأك ورسولِ ومثل النبيّ "الرسول" أي المرسل من الله إلى الناس قال أميّة في بعثة الله لموسى الكليم: وأنت الذي من فضل منٍّ ورحمةٍ=بعثت إلى موسى رسولاً منادياَ وقال أيضاً على لسان الملاك جبرئيل إلى مريم يبشرها بالمسيح: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 أنيبي وأعطي ما سئلتِ فإنّني ... رسولٌ من الرحمان يأتيك بابنمِ وقد استعملوا بمعنى الرسول "النذير" قال أميّة بن أبي الصلت عن لسان إبليس: يقول خزّانها ما كان عندكمُ ... ألم يكن جاءَكم من ربِّكم مُذُرُ وأخص ما عرفه العرب في الجاهليّة من الكتب المنّزلة "التوراة والزبور والإنجيل". فقالوا في التوراة "تورية" أيضاً وهي كتب موسى الخمسة أي التكوين والخروج والعدد وسفر الأحبار وتثنية الإشتراع. ثمّ أطلقوها عل أسفار العهد القدي اجمالاً. ومن غريب ما قاله بعض اللغويين في أصل هذه الكلمة انّها مصدر ورّى الزناد تورية إذا أخرج ناره وإنّ التوراة لغة طئ في التورية وكلاهما بمعنى الإضاءة. وفي شرح المفضليّات أنّ توراة أصلها ووراة بقلب الواو تاء. وأصح من هذا ما رواه صاحب التاج عن الزجاج حيث قال: "هو لفظ غير عربيّ بل هو عبرانيّ اتفاقاً" وهو في العبرانية "كلمة سريانية" ومعناها التعليم والحكمة. وقد وردت الكلمة في الشعر القديم السوءل: وبقايا الأسباطِ أسباطَ يعقو ... بَ دراسُ التوراةِ والتابوتُ وقد ذكروا "موسى" صاحب التوراة كما رأيت في باب "الرّسول".وقال السموءل: وانفلاقُ الأمواج طورينِ عن مو ... سى وبعدُ المملّك الطالوت وقال المرّس بن ربعيّ من أبيات: وقد أكثر العرب من ذكر "الزَّبور". قال المرقش الأكبر: وكذاك لا خيرٌ ولا شرٌ ... على أحدٍ بدائمْ قد خطَّ ذلك في الزبو ... ر الأوَّليات القدائمْ وقال امرؤ القيس: لمن طللٌ أبصرته فشجاني ... كخطّ زبورٍ في عسيبِ يماني وقال ابن الكلبي في كتاب أنساب العرب: "إنَّ امرء القيس أوَّل من شبه الطلل بوحي الزبّور في عسيب يماني. وقد مرّ بك قوله: أنت حججٌ بعدي عليها فأصبحت ... كخطّ زبورٍ في مصاحفِ رهبانِ وجمعوا الزبور "الزّبر" قال المراربن منقذ في المفضّليات يصف داراً: وترى منها رسوماً قد علتْ ... مثل خطٍ اللام في وحي الزّبرْ ويشبهه قول الآخر: أو زبرُ حميرْ بينها أحبارها ... بالحميرية في عسيب ذابلِ وقال كذلك أميّة بن أبي الصلّت في يوم الدين: وأبرزوا بصعيدٍ مستوٍ جرزٍ ... وأنزل العرشُ والميزان والزبرُ أما أصل الكلمة فقد اشتقوه من قولهم زبر الكتاب زبراً كتبه. قال صاحب التاج "في مادة زبرَ": "قال الأزهريّ: وأعرفه النقش في الحجارة وقال بعضهم: زبرتُ الكتاب إذغ اتقنت كتابتهُ". وجعلوا الذبّر كالزّبر كما قال صخر الغي: أبلغ كبيراً عنّي مخلّفةً ... تبرقُ فيها صحائفٌ جددُ فيها كتابٌذبرٌ لقترئٍ ... يعرفه لبهم ومن حشدوا وروي في حديث لابن الكلبي: دبر بالدال قال في وصف صنم ودّ: "قد دبر عليه حلّتان أي نقش". "قلنا" والصواب عندنا أن الزّبر من الزّمر والزّبور كالمزمور وإنما أبدلت الميم باء كما جرى في لفظة "زمن" بالعربية وهي في السريانية "كلمة سريانية" بالباء فكذلك الزبّور أو المزبور من العبرانيّة "كلمة سريانية" وفي السريانية "كلمة سريانية" وهو التسبيح. ومثل التوراة والزبور "الإنجيل" أخذها العرب من اليونان "كلمة سريانية" بوساطة السريانية "كلمة سريانية" أو أخذوها من الحبشيّة "كلمة سريانية" على هذه الصورة. وعلى كل حال أنّ اللفظة سبقت الإسلام. قال عديّ بن زيد: وأوتينا الملكَ والإنجيلَ نقرأهُ ... نشفي بحكمتهِ أحلامنا عللا من غير ما حاجةٍ ألا ليجعلنا ... فوق البريّة أرباباً كما فعلا وروى البكريّ في معجم ما استعجم لشاعر لم يذكر اسمه بيتاً هجا فيه راهباً هجر الرهبانيّة: هجر الإنجيلَ حبّاً للصبى ... ورأى الدنيا غروراً فركن وقال في محل آخر عن غلام يتغنّى بتلاوة الإنجيل: إذغ رجّع الإنجيلَ واهتزَّ مائداً=تذكرَ محزونُ الفؤادِ غريبُ والمرجح أنّ النابغة أراد الإنجيل في ذكره لمجّة غسّان لّما قال: مجلّتهم ذاتُ الإله ودينهم ... قويمٌ فما يرجون غير العواقبِ وكذلك من المحتمل أنّ أميّة بن أبي الصلت أراد الإنجيل في البيت التالي حيث وردت لفظة الرقّ ومعناها السفر وهو يمدح بني إياد قومه النصارى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 قومٌ لهم ساحة العراقِ إذا ... ساروا جميعاً والقطُّ والقلمُ وكما ذكروا موسى وداؤود صاحبي التوراة والزبور كذلك ذكروا السيد المسيح مع ذكرهم لإنجيله الشريف وهم يدعونه "عيسى". روى ابن العربيّ في محاضرة الأبرار عن لسان قسّ بن ساعدة أسقف نجران: "الحمد لله الذي لم يخلق الخلق عبث ولم يخلق الناس سدى من بعد عيسى واكترث ... ".وفي اسم عيسى هذا سر من أسرار الإشتقاق الغريبة. قال في التاج: "قال الجوهريّ عيسى عبراني أو سريانيّ. قال الليث: هو معدول عن أيشوع كذا يقول أهل السريانيّة" على أنّ عدولهم هذا من باب الغرائب. ولا نجد علماً قد تبدل في العربيّة على هذا المنوال. وعندنا أنّ هذا التبديل جرى على يد اليهود الذين أدخلوه في العرب بغضاً بالنصارى فدعوا يسوع باسم عيسى أو عيسو وهو أخو يعقوب الذي نفاه الله من شعبه وكان هو وقومه الآدميون يعدون رجساً في بني إسرائيل فقلبوا اسم يسوع ونقاوا عينه إلى أوّله فجعلوا الرأس ذنباً وزعم بعضهم أنّ أصل عيسى "عوسى" قلبوا الواو ياء فصارت "عيسى" قال أميّة بن أبي الصلت: وفي دينكم من ربّ مريم آيةٌ ... منبئةٌ بالعبد عيسى بن مريمِ وللسيّد يسوع اسم آخر أشيع منه وهو "المسيح" من العبرانيّة "كلمة سريانية" والسريانيّة "كلمة سريانية" وهما كالعربيّة مسيح واليونانيّة "كلمة سريانية" أي الممسوح بدهن الكهنوت والملك كما كانوا يفعلون بأحبار بني إسرائيل وملوكهم وقال العرب غير ذلك. روى في تاج العروس عن شمّر "إنّ المسيح دعي بذلك لبركته أي لأنه مسح بالبركة. وقال الراغب: سمي عيسى بالمسيح لأنه مسحت عنه القوّة الذميمة من الجهل والشره والحرص وسائر الأخلاق الذميمة ... وفي بعض الأقاويل المسيح من السيّح لأنه كان يسيح في البراري ويذهب في الأرض فأينما أدركه الليل صفّ قدميه وصلّى حتى الصباح". وكل هذه آراء ضعيفة والصواب ما قلناه أنه من المسح. وقد تكرّر اسم المسيح في الشعر القديم. قال عمرو بن عبد الحق ويروى لغيره: وما قدّس الرهبان في كلّ هيكل ... أبيل الأبيلين المسيح بن مريما وروي للسموءل قوله: وفي آخر الأيّام جاء مسيحنا ... فأهدى بني الدنيا سلامَ التكاملِ وقال أميّة يذكر مجئ المسيح في آخر الأزمنة ليدين البشر: أيّام يلقى نصاراهم مسيحهمُ ... والكائنين لهُ ودّاً وقربانا وذكر آخر محاربة السيّد المسيح للمسيح الدجال وانتصاره عليه: إذِ المسيحُ يقتلُ المسيحا وكانوا يسمّون المسيح "بالأبيل" ومعناه الناسك والزاهد بالدنيا ودعوه بأبيل الأبيلين لأنه كان بزهده قدوة الرهبان كما مّر بك. وقد عظّموا ليلة مولد المسيح فدعوها ليل التمام. قال في اللسان: "قال عمرو بن شميل: ليل التمام أطول ما يكون من الليل..قال الأصمعيّ. ويطول ليل التمام حتى تطلع فيه النجوم كلها وهي ليلة ميلاد عيسى ... والنصارى تعظمهاوتقوم فيها". ولم يذكروا فقط السيّد المسيح بل ذكروا أمّه مريم العذراء كما رأيت. وذكروا القديس يوحنا الصابغ المتقدّم أمام وجهه وذكروا تلامذته. وممارووا عن (مريم العذراء) بتوليَّتها وبشارة الملاك إليها بابنها الالهيّ وحبلها الطاهر بابنها من الروح القدس. ورد ذلك في القرآن وسبقهُ امية بن أبي الصلت فقال وفي قوله نظرٌ لما أدخله فيه من المزاعم المنقولة عن الأناجيل غير القانونيَّة: وفي دينكم من ربّ مريم آيةٌ ... منبّئةٌ بالعبد عيسى بن مريمِ أنابتْ لوجه الله ثمَّ تبتّلت ... فسبَّح عنها لومةَ المتلوّمِ فلا هي همَّت بالنكاح ولا دنَتْ ... إلى بشر منها بفرجٍ ولا فمِ ولطَّت حجابَ البيت من دون أهْلها ... تغيَّبُ عنهم في صحاريِّ رِمْرِمِ يحارُ بها الساري إذا جنَّ ليله ... وليس وإن كان النهارُ بمُعْلَمِ تدلّى عليها بعد ما نام أهلُها ... رسول فلم يَحْصَر ولم يَتَرمرَمِ فقال: أََلا تجْزَعي وتكذّبي ... ملائكةً من ربِّ عاد وجُرْهُمِ أنيبي وأعطي ما سُئلتِ فإنَّني ... رسولٌ من الرَّحمانِ يأتيكِ باُبنمِ فقالت له أنّى يكون ولم أكُنْ ... بغيّاً ولا حُبْلى ولا ذاتِ قيِّمِ أَأَحرجُ بالرَّحمان إن كُنتَ مؤمناً ... كلاميَ فاقعُد ما بدا لكَ أو قمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فسبَّح ثمَّ اعترَّها فالتقت بهِ ... غلاماً سويَّ الخَلقِ ليس بتَوْأَمِ بنفختِه في الصدر من جيبِ دِرعها ... وما يصرمِ الرحمنُ مِلْ أمرِ يُصْرمِ فلمَّا أتمَّته وجاءَت لوضعهِ ... فآوى لهم من لومهم والتندُّمِ وقال لها مَنْ حولها: جئتِ مُنْكَراً ... فحقٌّ بأن تُلْحَيْ عليهِ وترجمي فأَدركها من ربِّها ثمَّ رحمةٌ ... بصدقِ حديثٍ من نبيّ مكلِّمِ فقال لها: إنّي من الله آيةٌ ... وعلَّمني والله خيرُ معلِّم وأُرسِلْتُ لم أُرسل غويّاً ولم أكن ... شقياً ولم أُبعث بفحشٍ ومأثَمِ أما (يوحنَّا المعمدان) السابق أمام وجه المسيح فقد شاع ذكرهُ بين عرب الجاهليّة وقد رأيت أنَّ احدى الكتابتين العربيّتين السابقتين لعهد الاسلام كانت على باب كنيسة في حوران مشيّدة على اسم القديس يوحنَّا. وقد ذكر القرآن في سورة آل عمران ما روى عنهُ القديس لوقا في الانجيل من بشارة الملاك لأبيه زكريَّا ومن مولده العجيب ووَصفَهُ هناك بكونه "مصدّقاً بكلمةٍ من الله وسيّداً وحَصُوراً ونبيّاً من الصالحين" فاطرأ إيمانُه ورفعة مقامهِ وعفّتهُ ونبوّتهُ. والعربُ يدعون يوحنّا المعمدان باسم (يحيى) وهو أيضاً مع اسم عيسى أحد ألغاز التبديل التي لم يذكر اللغوُّيون سببها. ومن المعلوم أن يوحنّا اسم عبرانيّ مركّب من كلمتين "يوحنَّن" (كلمة سريانية) أو "يهوحنن" (كامة سريانية) أي حنَّ اللهُ وترحّم ومنه السريانيّة (كلمة سريانية) فكيف إذن قُلب بيحيا. على رأينا أنّ الاسم قد تصحَّف في العربيَّة وذلك أنّه كان في الأصل "يُحَنَّا" فكتبوه قبل وضع النقط والحركات "كلمة" فقرأوهُ "يَحْياً أو يحيى". ولا نرى وجهاً آخر لتعليل هذا التغيير الذي حدث كما نظنّ قبل الاسلام فجرى عليه المسلمون وهم يدعونه بيحيى بن زكريا النبيّ أو يحيى الحَصُور لعفافه عن النساء. وقد ورد اسم يحيى في الشعر الجاهليّ كما سترى. (والحواريون) تلاميذ السيّد المسيح عند العرب وقد اختلفوا أيضاً في أصل هذه اللفظة فقال البعض أن معناها القصّار لأن رسل المسيح كانوا يقصرون الثياب وهو قول لا سند له إذ لم يعرف أحد من الرسل بمزاولة القصارة. وقال غيرهم هو من الحَوَر أي شدّة بياض العين في شدّة سوادها قالوا دُعوا بذلك لصفاء نيَّاتهم وقيل بل لأنّهم كانوا صفوة الأنبياء. وإن صحَّ ذلك يكون اشتقاق الكلمة من السريانية (كلمة سريانية) اولى ومعناها الأبيض والصافي البياض والنقيّ. والصواب أنّ اللفظة حبشيّة (كلمة سريانية) (حَوَاري) ومعناها الرسول. وما لا ريب فيه أنّ اللفظة سبقت الاسلام. وقد جاءت في القصائد المعروفة بالأصمعيّات في بيت للضابئ بن الحارث بن ارطاة البرجميّ يشير إلى رغبة رسل المسيح في الموت لأجل سيِّدهم استشهاداً: وكرَّ كما كرَّ الحواريُّ يبتغي ... إلى الله زُلفَى أن يَكُرَّ فيُقتَلا وقال السموءَل يذكر الحواريَّ: وسليمان والحواريّيحيى ... ومُتَى يوسفَ كأنّي وليتُ يريد بالحواريّ يحيى على ما نظن يوحنّا الحبيب وكذلك ذكر مَتّى الرسول فخفّف. أما (يوسف) فلعلّهُ يوسف المعروف بأخي الربّ أو يكون يوسف اسم أبي متّى كأنّه أراد مُتّى بن يوسف. ومؤنث الحواريّين (الحَواريّات) قالوا هنّ نساء الأَمصار لبياضهنّ. قال أبو جلدة وهو مسهر بن النعمان اليشكري: فَقُل للحَواريّاتِ يبكينَ غيرنا ... ولا تبكيَنّا إلَّا الكلابُ النوابحُ بكينَ إلينا خيفةً أن تُبيحها ... رماحُ النصارى والسيوفُ الجوارح (قال) :"جعل أهل الشام نصارى لأنها تلي الرومِ وهي بلادها". مفردات نصارى العرب الدالّة على رؤسائهم ورهبانهم وكان للنصارى في جزيرة العرب كما في بقيّة البلادنظامهم الدينيّ ورُتَبهم من رؤساء ومرؤوسين يسوسهم الرُّعاة وزعماء الدين. ويمتاز بينهم العبَّاد والمنقطعون لخدمة الله في الرهبانيَّة. والدليل على ذلك ألفاظ متعدّدة وردت في آثار عرب الجاهليّة تشهد على قولنا شهادةً واضحة. فمن ألفاظهم التي استعملوها للدلالة على رئيس النصارى "الأَبيل" وقد اتّخذوهُ للدلالة على السيّد المسيح كما ورد في البيت المنسوب للأعشى وللأخطل ولابن عبد الجن: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وما سبَّح الرهبان في كلّ بيعةٍ ... أبيلُ الأبيلين المسيحُ بن مريما قال في لسان العرب"وكانوا يعظِّمون الأَبيل فيحلفون به كما يحلفون بالله". وهذه اللفظة سريانيّة .... "من فعل ... أي ناح وبكى على خطاياهُ" ومعناها في السريانيّة الزاهد والناسك والراهب وكانوا يتَّخذون عادةً رؤساءَهم من الرهبان المتبتّلين. ومن ألفاظهم الخاصَّة برئيس النصرانيَّة"البَطْرَك""وَالبِطَرْك" على ما جاء في التاج قال:"هو مقدَّم النصارى. وقال: البطرك هو البِطْريق ومنهم من جعل البطريق مقدَّم جيش الروم" والصواب أن البطرك كلمة يونانيَّة" ...... " معناها أبو الآباء أمَّا البطريق فلفظة لاتينيَّة"patricius". وقد جاء اللفظان في الشعر القديم قال الراعي يصف ثوراً: يعلو الظواهرَ فرداً لا أليفَ لهُ ... مَشْيَ البِطَرْك عليهِ رَبْطُ كتَّانِ وقال أميَّة بن أبي الصلت في البطريق: من كلّ بِطْرِيقٍ لِبِطْ ... ريقٍ نقيّ الوجهِ واضِحْ وكذلك أنشد ابن برّيّ: فلا تنكروني إنَّ قومي أعزَّةٌ ... بطارقةٌ بيضُ الوجوهِ كرامُ ومن ألفاظهم"الجَاثَليق" وهو دون البطرك واصل الكلمة من اليونانيَّة ومعناها المسكوني" .... " وقد استعملوهُ لرؤساء النساطرة والأرمن قال صاحب القاموس:"هو رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام ... ويكون تحت يد بطريق أنطاكيَّة ثمَّ المطران تحت يدهِ ثمَّ الأسقف يكون في كلّ بلد من تحت المطران ثمَّ القسيس ثمَّ الشمَّاس". وقد ورد اسم الجاثليق في شعر بكر بن خارجة: بِمارَةِ مريمٍ وبدير زكَّى ... ومَرْ توما ودير الجاثليقِ أما"المَطْران" فأصلها على هذه الصورة من السريانيَّة ... أو ... والسريان اختصروها من ........ اليونانيَّة" ... " ولم نجدها في الشعر القديم. وأشيع من المطران عند العرب"الأُسْقُف" زعم ابن السكيت أنَّهُ مشتقّ من السَّقَف أي طول في انحناء وهو تأويل غريب. والصواب أنَّه مشتقّ من اليونانيَّة" ... " بواسطة السريانيَّة ..... وقد وردت اللفظة في الكلام القديم. روى ابن سعد في كتاب الوفود في شروط محمَّد إلى أهل نجران:"لا يغيَّر أُسقف عن أسقفيَّتهِ ولا راهب عن رهبانيَّته ولا واقف عن وقفانيَّتهِ". وكذلك روى البكريّ في معجم ما استعجم للحسين بن الضحَّاك يصف دير العُمْر: عجَّت أساقفُها في بيت مذبحها ... وعجَّ رهبانها في عرصة الدارِ ومن ألفاظهم الدالَّة على رؤساء النصلرى"الحَبْر" ويقال الحِبْر وأصلها العالِم ثمّ خصُّوها بكبير النصارى واستعملوها أيضاً لغيرهم. قال أيمن بن خُرَيْم يذكر خمر التقديس: ولم يشهد القسُّ المُهَيْنِمُ نارَها ... طروقاً ولا صلَّى على طبخها حَبْرُ وجاء في الجمهرة: أو زُبْر حِمْيَرَ بينها أحبارُها ... بالحميريَّة في عسيبٍ ذابلِ وروى ابن هشام في سيرة الرسول قول الشاعر: لو كنتُ مرتَهنَاً في القُوسِ أفْتَنَني ... منها الكلامُ وربَّانيَّ أَحْبارِ قال ابن هشام: القوس صومعة الراهب والربَّاني مشتقّ من الربّ أي السيد ومثلهُ الحبر بمعنى"السيِّد العالم". وجاءت الحبر بمعنى العالم من اليهود أو كبيرهم ومنهُ كَعْب الأحبار. ويشبهه قول الشمَّاخ: كما خطّ عِبْرَانيَّةً بيمينهِ ... بتيماءَ حبرٌثمَّ عرَّض أسطرا وكما دُعي رؤساء النصارى بالأحبار دعوهم أيضاً "بالأَرْباب". قال حُميْد بن ثور يصف بعيراً يطأطىءُ برأسهِ ليُرْكَب: فُضول أزمَّتها أَسجدتْ ... سجودَ النصارى لأربابها وروى في التاج:"لأحبارها" ومن الألفاظ المختصَّة برئيس النصارى عند العرب"الساعي". قال في التاج:"الساعي لليهود والنصارى رئيسهم الذي يصدرون عن رأيه ولا يقضون أمراً دونه. وبالمعنَيَيْن فُّسِّر حديث حذيفة في الأمانة: إن كان يهودياً أو نصرانيَّاً ليرّدنَّه على ساعيه". وممَّا ذكره اللغويُّون"العَسَطُوس" قال في التاج:"هو رأس النصارى واللفظة روميَّة" لم يمكنَّا ردُّها إلى أصلها ولعلَّها مصحَّفة. ومنها"القسّ" شرحهُ أصحاب المعاجم برئيس من رؤساء النصارى في الدين والعلم واللفظة سريانيَّة (كلمة سريانية) أي شيخ وتأتي على وزن فَعيل (كلمة سريانية) ومنها القسَِيس في العربيَّة. قال جرير في القسّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 صبَّحن تُوماء والناقوس يقرَعُهُ ... قسُّ النصارى حراجيجاً بنا تَجِفُ قالوا تُوماء من أعمال دمشق. ورواية معجم المستعجم للبكري: ثرماءَ. قال ثرماء ماء لكندة. وروى في لسان العرب: "صبَّحن تَيْماءَ".ومن الشواهد في القسّ قول الراجز: لو عرضَتْ لأَيبليّ قسِّ ... أَشعَثَ في هيكلهِ مندسِّ حنَّ إليها كحنين الطَّسِّ ومنه اسم قسّ بن ساعدة خطيب العرب وأسقف نجران. وممّا ورد في القسِّيس قول عبد الله بن زبير لحجّاربن أبجر العجليّ يقرِّعُه في نصرانيّته: وعندكَ قسّيس النصارى وصُلبُها ... وغانيةٌ صَهباءُ مثل جنى النّحل وجمعوه على قساقسة. قال أمية بن أبي الصلت: لو كان مُنْفلتٌ كانت قَسَاقِسةٌ ... يحييهمِ الله في أيديهم الزُّبُر والاسم من القسِّ (القسِّيسيَّة والقُسُوسة) وفي الحديث "لا يغيّرقسّيس من قسّيسيَّته" واللفظة مشتقّة من السريانيَّة (كلمة سريانية) وبنى منها العربفعل قسّس ودون القسّ (الشمَّاس) عرَّفه ابن سِيده في المخصّص بقوله: "من رؤوس النصارى يحلق وسط رأسهِ ويلزم البيعة".واللفظة سريانية (كلمة سريانية) أي خادم البيعة. وقد تسمى بعض العرببالسماس كما ورد في الاشتقاق لابن دريد وفي حماسة أبي تمّام. وجمعها خَلَفُ بن خليفة والشعراء لابن قتيبة على شماميس فقال: كأنَّا شماميسُ في بيعةٍ ... تُقَسِّسُ في بعض عيدانها وجمعها البحتري على شمامِسُ حيث قال: بين شمامسٍ وقسوسِ ومن الألفاظ التي وردت في المعاجم لرتب النصارى الواقف والوافه والواهف. (فالواقف) على ما ورد في لسان العرب والقاموس والتاج خادم البيعة مشتقّة من وَقَف النصرانيُّ وقِّيفي إذا خدم البيعة ونقل في التاج الحديث في كتاب محمِّد لأهل نجران "ان لا يغيّر واقفٌ نت وقِّيفاه" (قال) :"الواقف خادم البيعة لأنهُ وقف نفسهُ على خدمتها" وروى ابن سعد "من وقفانيّته".و (الوافه) قد عرّفوهُ "بقيِّم البيعة التي فيها صليب النصارى بلغة أهل الجزيرة".والوفاهة كالوفهيَّة والواقه بالقاف كالوافه وروى الحديث أيضاً:"ولا واقه من وقاهيَّتهِ".ومثلهما (الواهف) قال في التاج: "الواهف سادن البيعة التي فيها صليبُهم وقيّمها كالوافه وعمَلُها الوِهَافة بالكسر والفتح والوهفيَّة والهَفيَّة. وقد وَهَفَ يَهِفُ وَهْفاً وَوهافَةً".وقال ابن دريد في المخصّص: "الوافه مقلوب عن الواهف" ومثل الوافه (السَّاعور) شرحها في التاج:"مقدّم النصارى في معرفة علم الطبّ وأدواتهِ وأصلهُ بالسريانيّة ساعورا ومعناهُ متفقِّد المرضى".والساعور (كامة سريانية) في عهدنا تُقال في الجزيرة لقيّم البيعة وفي مصطلح السريان يُراد بها المدبّر والزائر مطلقاً. وأكثر ما تعدَّد عند العرب من المفردات النصرانيَّة الألفاظ الدالَّة على الرُّهبان ومساكنهم. فمنها (الأَبيل) التي مرَّ ذكرها ومعناها الزاهد والراهب. وقد ذكرنا أصاها السريانيّ. ومن غريب التأويل ما ذكره في التاج: "الأبيل الراهب سُمّي به لِتَأبُّلهِ عن النساء وتَرْك غشيانهنّ قال عديّ بن يزيد: إنّني والله فاقْبَلْ حِلْفتي ... بأبيلٍ كلَّما صلَّى جأَرْ وقال ابن دريد: هو ضارب الناقوس وأنشد: "وما صكّ ناقوسَ الصلاةِ ابيلها" ومثل الأبيل (الأَيْبَلِيّ والأَيْبُلِيّ والهَيْبُلِيّ) وكلّها بمعنى واحد أي الراهب ولعلّها مقلوبة عن الابيل. قال الاعشى: وَمَا أَيْبُلِيٌّ على هيكلٍ ... بناهُ وصلَّب فيه وصارا وأشهر من الابيل والايبليّ (الرّاهب) فأكثرَ من ذكرهِ شعراء العرب قال الأعشى يحلف بمسوح الرهبان والكعبة: حلفتُ بثَوْبَيْ راهب الدير والتي ... بناها قصيٌّ والمُضَاضُ بن جُرْهُمِ أراد بثوبيهِ مسحَيْهِ كما قال جرير: لا وَصْل إذ صرمَت هندٌ ولو وقفَت ... لاستفتَنَتْني وذا المسحَيْنِ في القُوسِ وروى البكري في معجم ما استعجم بيت الاعشى: "بثوبَيْ راهب الطور" وروى أيضاً "وثوبَيْ راهب اللُّجِّ" وأردف البكري قائلاً: "قيل أنه أراد المسيح عليه السلام بقوله راهب اللّجِّ ... والتي بناها قصيّ يعني مكَّة" وكان رهبان جزيرة العرب يسكنون في التلال وأعالي الجبال كما يشهد عليه بيت أنشدهُ ابن الاعرابيّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 لو كلّمت رهبان ديرٍ في القلل ... لانحدر الرّهبانُ يسعى فنزلْ قالوا الرهبان هنا مفرد كالراهب. وقال ربيعة بن مقروم الضبيّ يصف مقام الراهب ونسكه: لو أنّها عرضت لأشمطَ راهبٍ ... في رأسِ مشرفةِ الذرّى متبتلِ جئَّارِ ساعات النيامِ لربِّهِ ... حتّى تخدَّد لحمهُ مُتَشمْعلِ لصَبَا لبهجتها وحسن حديثها ... ولَهَمَّ من ناقوسهِ يَتَنزَّلِ والمتشمعل المتغنّي في تلاوة الزبور. قال الراعي: وَسِربِ نساءٍ لو رآهنَّ راهبٌ ... لهُ ظلّةٌ في قُلَّةٍ ظلَّ رانيا يقال رنا إليه أي طرب لحديثه. وممَّا وصفوهُ وأفاضوا في ذكره مصباح الراهب الذي يوقده ليلاً لصلاتهِ فيُرى عن بعد ويستهدي به طارق الليل. قال امرؤ القيس في معلَّقتهِ يصف لَمَعان البرق ويشبّهه بسراج الراهب عند صبّه الزيت على الفتيلة ليذكيَهُ: أصاحِ ترى برقاً أُرِيكَ وميضَهُ ... كلَمْعِ اليدَيْن في حَبَِيٍ مكلَّلِ يُضيءُ سناهُ أو مصابيحُ راهبِ ... أمالَ السليطَ بالذُّبالِ المُفَتَّلِ ومثلهُ قول كُثيّر: أو مصابيحَ راهب في يَفَاعٍ ... سغَّمَ الزيتَ ساطعاتِ الذُّبالِ وقال امرؤ القيس: نظرتُ إليها والنجومُ كانَّها ... مصابيحُ رُهْبانٍ تُشَبُّ لقُفَّالِ قال الشرَّاح: القفَّال عبَّاد النصارى لأنهم قفلت جلودهم أي يبست من العبادة. وقال المزردّ أخو الشمَّاخ: كأنَّ شعاعَ الشَّمس في حجراتِها ... مصابيحُ رهبانٍ زهتها القنادلُ وذكروا لبس الرهبان للسواد قال الأعلم يصف قتمة جلد الضباع: سودٍ سحاليلَ كأنَّ جلودهنَّ ثيابُ راهبْ وقد وصفوا الرهبان بالتبتّل. قال امرؤ القيس: تضئ الظلامَ بالعشاء كأنّها ... مناروُ ممسى راهبٍ متبتلِ والصّرورة مثل المتبتِّل: لو أنّها عرضت لأشمط راهبِ ... عبدَ الإلهَ صرورةٍمتعبّدِ لرنا لؤيتها وحسن حديثها ... ولخالهُ رشداً وإن لم يرشدِ كذلك وصفوا صلاة الرهبان في ليلهم وتشعّث لمّتهم زهداً وأصوامهم. قال منظور الأسديّ: كأنّ مهواهُ على الكلكلِ ... موقعُ كفيّ راهبٍ يصلّي ببازلٍ وجناءَ أو عيهلِ ... في غبشِ الصبّح أو التتلّي وقال الآخر: عن راهبٍ متبتّلٍ متقهّلٍ ... صادي النهار لليهِ متهجّدِ القهل يبس الجلد من العبادة. والتهجّد السهر للصلاة. وكانوا يتلون الزبور خصوصاً في صلاتهم كما قال امرؤ القيس يصف رسوم الدار: أنت حججٌ بعدي عليهِ فأصبحتْ ... كخطِّ زبورٍ في مصاحفِ رهبان وكما أفاضوا في ذكر الرهبان كذلك بيّنوا منازلهم في بلاد العرب فخصّوا منها بلاد مدين قال كثير عزّة: رهبانُ مدينَ والذينَ عهدتهم ... يبكون من حذرِ العقاب قعودا لو يسمعونَ كما سمعتُ كلامها ... خرّوا لعزّةَ ركعّاً وسجودا وقال جرير: رهبان مدينَ لو رأوكِ تنزَّلوا ... والعصمُ من شغفِ الجبالِ الفادرِ وكذلك خصّصوا وادي القرى كمناسك للرهبان قال جعفر بن سراقة أحد بني قرّة: فنحن منعنا ذا القرى من عدّونا ... وعذرةَ إذ نلقى يهوداً وبعثرا منعناه من عليا معدٍ وأنتمُ ... سفاسيفُ روحٍ بين قرحٍ وخيبرا فريقانِ رهبانٌ بأسفل ذي القرى ... وبالشام عرّافون فيمن تنصّرا وكذلك عيّنوا موزن وهو بلد بالجزيرة في ديار مضر كأحد مناسك الرهبان. قال كثير: كأنّهمُ قصراً مصابيحُ راهبٍ ... بموزنَ روَّى بالسليط ذبالها هم أهلُ الواحِ السريرِ ويمنهِ ... قرابين اردافاً لها وشمالها قصراً أي عشيّاً. والسليط الزيت كما مرّ. وعدّد صخر الغيّ أمكنة أخرى يسكنها الرهبان كبلاد الروم ومنازل تنوخ وصورّان وزبد. وقال: والله لو أسمعتْ مقالتها ... شيخاً من الشّعثِ رأسهُ لبدُ مآبهُ الرومُ أو تنوخُ أو ... الآطام من صوّرانَ أو زبدُ لفاتحَ البيعَ يوم رؤيتها=وكان من قبلُ بيعهُ لكدُ فذكرهم للرهبان في كلّ هذه الأمكنة يؤيد قولنا في القسم الأول عن شيوع النصرانيّة في أنحاء جزيرة العرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وكانوا يدعون الرهبان بالحبساء. و"الحبيس" في المعاجم المحبوس في سبيل الله أي المفرز لذلك فيقولون حبيس الله. وكذلك دعوا الرهبان "بالحنفاء". وقد مرّ لنا كلام في الحنيف في القسم الأول من كتابنا "ص119" حيث أثبتنا أنّ الحنيف جاءت بمعنى الراهب. كفى شاهداً على ذلك قول صخر الغيّ: كأنّ تواليهُ بالملا ... نصارى يساقون لاقوا حنيفا ومن أسماء الراهب عند العرب "الدّيرانيّ" قالوا إنه صاحب الدّير نسبة إليه على شذوذ والصواب أنه من السريانيّة"كلمة سريانية". ومنها أيضاً "الربيط" قال الزجاجيّ: هو الراهب. وفي التاج: "الربيط الراهب والزاهد والحكيم الذي ظلف أي ربط نفسه عن الدنيا أي سدّها ومنعها". ومنها "الجلاذيّ" و"الجلذي" قال في التاج هو خادم البيعة والراهب والجمع الجلاذي بفتح الأوّل وقد ورد في الشعر القديم قال تميم بن مقبل: صوتُ النواقيس فيهِ ما يفرّطهُ ... أيدي الجلاذيّ جونٌ ما يعفّينا كأنّ أصواتها من حيث تسمعها ... صوت المحارث يخلجن المحارينا وروي في البيت الأوّل: "الجلاذي وجون ما يغفّينا" والثاني: "صوت المحابض ينزعن المحارينا". ومن أسماء الراهب أيضاً "النّهاميّ" جاء في المخصّص لابن سيّده: "النهاميّ في قول ابن الأعرابيّ لأنه أي يدعو. ومن المحتمل أنّها مستعارة من السريانيّة "كلمة سريانية" أي الباكي والزاهدكما قال قالوا الأبيل. أو هي مشتقّة من الحبشيّة كما ارتاى العلاّمة نولدك وجاءت اللفظة في الشعر القديم قال الأسود بن يعفر: وقالوا شريسٌ قلت يكفي شريسكم=سنانٌ كنبراس النّهامي مفتّقُ نمتهُ العصا ثمَّ استمرَّ كأنّهُ ... شهابٌ بكفيّ فارسٍ يتحرّقُ وقد رأيت أنّهم دعوا الراهب "بالأشعث" لتشعّث لمتّه قال الشاعر: وأشعثَ عنوانٌ بهِ من سجودهِ ... كركبةِ عنزٍ من عنوزِ بني نصرِ وقال صخر الغيّ: شيخاً من الشّعثِ رأسهُ لبدُ وقد سمّوا الراهب "المقدّس" إذا زار بيت المقدس كما قال امرؤ القيس يصف ثوراً أدركته الكلاب فقطّعت جلده: فأدركنهُ يأخذنُ بالساقِ والنسّا ... كما شبرقَ الولدانُ ثوبَ المقدسِ قال في اللسان: شبرق جلده أي قطّعه. يقول قطّعه الكلاب كما شبرق ولدان النصارى الراهب الذي يجئ من بيت المقدس فقطّعوا ثيابه تبّركاً وكانوا يتبّركون به وبمسحه الذي هو لابسه وأخذ خيوط منه حتى يتمزّق ثوبه وقيل المقدّس الحبر". ومن أسماء الراهب عندهم "المتعبّد" قال ابن سيّده: "هو المنقطع في الصومعة" وقد مرّ في الشعر. وقد ابتنوا من الراهب اسماً فقالوا "الرهبانيّة" ومنه ما ورد في سورة الحديد (ع 27) : "وَقَفّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاّ ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللهِ ". وكما ذكروا الراهب ذكروا "الراهبة" وجمعوها الرواهب. قال امرؤ القيس: فآنستُ سرباً من بعيدٍ كأنّهُ ... رواهبُ عيدٍ في ملاءٍ مهّّبِ ودعوا الراهبة أيضاً "بالدّيرانيّة" وردت اللفظة في كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبةوفي معجم البكريّ. ودعوا الرواهب أيضاً "بالعذارى" ومنه عدّة أديرة وصفها العرب وسمّوها أديرة العذارى ومنه صوم العذارى "للعذارى النصرانيّات من العرب شكراً لله حيث انتصرت العرب من العجم يوم ذي قار".وعلى ظننا أن "الحوريّات" أرادوا بها أيضاً العذارى الرواهب قال مسهر اليشكري: فقلْ للحوريّات يبكينَ غيرنا ... ولا تبكيّنا إل الكلابُ النوابحُ ويلحق باسم الراهب "المحرّر والنّذيرة" ورد ذكرهما في المخصّص في باب الهبانيّة ونحوها قال: "هما الابن أو الابنة يجعله أبواه قيّماً وخادماً للكنيسة وانّما كان يفعل ذلك بنو إسرائيل كان ربّما ولد لأحدهم ولد فحرره أي جعله نذيرة في خدمة الكنيسة ما عاش لايستطيع تركها". وقد وردت لفظة المحرّر في القرآن عن لسان والدة العذراء مريم فقال:" إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّراً ". والنذيرة من العبرانية (كلمة سريانية) أي المنذور للربّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 وهذه ألفاظ أخرى نردفها بأسماء الرهبان وردت أيضاًفي لغة أهل الجاهلية منها (السائح) بمعنى الراهب المتفرد في الأقفار ذكرها ابن هشام في سيرته عن أول داعٍ للنصرانيّة في نجران. وذكرها المؤرخون عن نعمان ملك الحيرة لّما ساح في الأرض بعد تنصُّره وزهده. والإسم السيلحة قال في التاج:"السيحة والسّيوح والسَّحان والسَّيح الذهاب في الأرض فأينما أدركه الليل صفّ قدميه وصلى حتى الصباح" وقد مرَّ بك أن هذا الاشتقاق ليس بصواب. ومنها (الناسك) وهو المتعبد المتقرَّب الى الله بالصوم والصلاة واعمال البرّ اطلقها العرب على الراهب. والاسم النُّسك بتثليث أوّلها وكان الرهبان يحلقون وسط رأسهم وهي (القوقة) والرجل مقوَّق. جاء في كتاب الأضداد: ايها القسُّ الذي قد ... حلق القوقة حلقهْ لو رأيت الدفّ منها ... لنسقت الدفَّ نسقهْ ومنها (الحازي والعرَّاف والكاهن) وهي ألفاظ التبست عليهم فتردّدوا في معانيها. ولاشكّ أنها أطلقت أيضاً على نصارى الجاهلية. فالحازي عندهم"الكاهن والعائف والعالم بالامور" والفظة معرَّبة من العبرانية (كلمة سريانية) أي الناظر والنبي أو مأخوذة من السريانيَّة (كلمة سريانية) أي المتفقّد والناظر والحكيم أرادوا بها رئيس الدين لحكمته ولعلها ترجمة اليونانيّة (كلمة سريانية) بمعنى الناظر أي الأسقف والراعي الديني. وكذلك (العرَّاف) أرادوا بها الساحر والمنبئ بالمستقبل عموماً. وقد خصّوا بها النصارى قال جعفر بن سراقة في شعر مرَّ ذكره: فريقان رهبان بأسفل ذي القرى ... وبالشام عرَّلفون فيمن تنصَّرا ومثلهما (الكاهن) فانّها وردت بمعنى مدَّعي معرفة الأسرار والمتعاطي أخبار الكائنات في الماضي والمستقبل. والاسم الكهانة. لكن للكاهن معنى آخر لم يجهله العرب في الجاهليّة نريد به خادم الدين ومقرّب الأقداس للإله وهو معناها في العبرانية (كلمة سريانية) وفي الآرامية (كلمة سريانية) فلا بدَّ من القول أن العرب استعاروه منهما للدلالة على كهنة اليهود والنصارى وقد رأيت في فصولنا السابقة عن تاريخ النصرانية في جزيرة العرب شيوع هذا الدين في كل أنحاء العربيّة. والدين المسيحي لايقوم الاّ بالنظام الكنسيّ أي بوجود أساقفة وكهنة ومنه يتّضح أنهم لم يريدوا بلفظة الكاهن السحّرة والمشعوذين فقط بل أخذوها أيضاً بمعناها الخاصّ أي راعي الدين القويم وخادم الأسرار المقدّسة وان لم ينصُّ عليه. وقريب منه قول صاحب لسان العرب: "العرب تسمّي كلّ من يتعاطى علماً دقيقاً كاهناً ومنهم من كان يسمّي المنجّم والطبيب كاهناً" فطبيب الأرواح أحقّ به من سواه. وفي تاريخ عرب الجاهلية أخبار بعض الكهَّان الذين دعوا إلى الله وردُّوا عن المنكر وأرشدوا الى الخير ما يدلّ على انّهم كانوا أرفع مقاماً من السّحرة. مفردات نصارى الجاهلية الخاصّة بكنائسهم وأقداسها سبق لنا عدّة ألفاظ مشتركة استعملها نصارى العرب لمناسكهم وعباداتهم كما سبقوا غيرهم إلى استعمالها كالمسجد والكعبة والمحراب والمئذنة والمنارة. ولهم ألفاظ أخرى خاصّة بهم تجري عندهم حتى اليوم وكانت شائعة قبل الإسلام كما سترى منها (الكنيسة) وهي لفظة ساميّة معناها المجمع عبرانيَّتُها (كلمة سريانية) وسريانيّتها (كلمة سريانية) فاتت بمعنى محلّ صلاة اليهود والنصارى ومنهم من يجعل الكنيسة للنصارى والكنيس لليهود. ومن الشواهد على استعمال اللفظة قديماً لمعبد النصارى قول جرير يهجو بني تغلب النصارى: مافي مقام ديارِ تغلبَ مسجدٌ ... وبها كنائسُ حنتمٍ ودِنان (قالوا) الحنتم الخزف الأخضر وأشيع منها لفظة (البيعَة) وهي سريانيّة (كلمة سريانية) ومعناها البيضة والقبَّة إشارة إلى شكل بناء الكنائس قديماً وذكرها مكرّر في الشعر الجاهليّ. قال ورقة بن نوفل: أقول اذا صلّيتُ في كلّ بيعةٍ ... تباركتَ قد أكثرتَ باسمكَ داعيا ومثله للزبرقان بن بدر التميميّ لّما وفد على نبيّ المسلمين: نحن الكرامُ فلا حيٌّ يعادلنا ... منّا الملوكُ وفينا تنصبُ البيعُ وأقدم منهما قول لقيط بن معبد في عينيَّتهِ التي وجهها إلى قومه ليحذّرهم من كسرى ذي الأوتاد: تامتْ فؤادي بذاتِ الخالِ خرعبةٌ ... مرّت تريد بذاتِ العذبةِ البيَعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 (قال) :ذات الخال وذات العذبة مكانان. ويروى: بذات الجذع. وروي في التاج" نامت.. خزعته" وهو تصحيف. ومثله قدماً قول عبد المسيح بن بقيلة: كم تجرّعتُ بدير الجرعهْ ... غصصاً كبدي بها منصدعهْ من بدورٍ فوق أغصانٍ على ... كثبٍ زُرْنَ احتساباً بيعهْ ومنها (القُلَّيس) قال في المخصّص: "القُلَّيس بيعةٌ كانت بصنعاء للحبشة هدمَتْها حِميْرَ" واللفظة دخيلة أصلها من اليونانيَّة (كلمة سريانية) . وقد وصف قدماء الكتبة هذه الكنيسة بأوصاف تدلُّ على حسنها وفخامة بنائها وكان بانيها الملك أبرهة ومنها (السعيدة) جعلها ابن سيدة وياقوت في جماة مناسك النصارى وقالا عنها أنها "بيتٌ كانت تحجّه ربيعة في الجاهليّة " وقد مرَّ ذكر تنصُّر ربيعة. وأجلُّ ما في البيعة (هيكلُها) وهو صُدرها حيث تُقام الصلوات والرتب والفظة عبرانيّة (كلمة سريانية) وآراميّة (كلمة سريانية) وهي فيها بناء العبادة الكبير. والهيكل في العربيّة البناء العظيم واستعمل لكلّ كبير الجسم. قال التبريزي في شرح الحماسة:"الهيكل أصلهُ في البناء". وقال في الأغانيّ:"الهيكل العظيم من الخيل والشجر. ومنه () سُمي بيت النصارى الهيكل". وقد ورد بهذا المعنى في الشعر الجاهليّ. قال عنترة: تَمشي النعامُ بهِ خلاءً حولهُ ... مَشْيَ النصارى حولَ بيت الهيكلِ قال في المخصَّص:"الهيكل بيت النصارى فيهِ صورة مريم عليها السلام ... وربَّما سمّي بهِ ديرهم" وفي لسان العرب: (225:14) : "الهيكل بيت النصارى فيه صورة مريم وعيسى"، وقاتل الأعشى (الأضداد ص 24 ولسان العرب 6: 144) يذكر الهيكل: وما ايبليٌ على هيكل ... بناهُ وصلَّب فيهِ وصارا ومثله قول الآخر وقد مرَّ: وما قدَّس الرهبانُ في كلّ هيكلٍ ... ابيلُ الابيلين المسيح بن مريما وفي الهيكل (المذبح) وهو محل التقديس والقربان، وأصله محل الذبح وتقدمة الذبيحة فاستعملوه مجازاً قال في التاج (2: 138) : "ومن المجاز المذابح للمحاريب والمقاصير في الكنائس وبيوت كتب النصارى سميت بالمذابح للقربين". وقال في أساس البلاغة (1: 192) : "مررتُ بمذابح النصارى وهي محاريبهم وموضع كتبهم ونحوها المناسك للمعتقدات". قال الحسين بن ضحاك (راجع معجم البكري ص379) : عجَّت أساقفها في بيت مذبحها ... وعجَّ رهبانها في عرصة الدارِ وكان للكنائس (محاريبها) وقد مرت، وأخص ما كانوا يزينون به هياكلهم (الصليب) تنويهاً بموت السيد المسيح مصلوباً، وقد تكرر ذكره في الشعر الجاهلي وجمعوه على صلب وصلبان وصرحوا بعبادة النصارى للصليب وباتخاذهم له كقبلة وكرأية، وقد أقسم به عدي بن زيد فقال (الأغاني 2: 24) . سعى الأعداءُ لا يألونَ شراً ... عليكَ وربّ مكَّة والصليبِ راجع أيضاً ما قيل في القسم الأول من أكرام النصارى لمكة في الجاهلية (ص: 118) وممن ذكروا الصليب النابغة الذبياني (تاج العروس 10: 337) قال: ظلَّت أقاطيعُ أنعامٍ مؤبلةٍ ... لدى صليبٍ على الزوراء منصوبُ قال الصغاني (Lane S.V) : "سمَّى النابغة العلم صليباً لأنه كان على صليب لأنه كان نصرانياً" وقال شارح ديوان النابغة (شعراء النصرانية ص655) : "أراد النابغة صليب النصارى وكان النعمان نصرانياً" وقد ذكر الأخطل خروج النصارى لحروبهم والصليب يتقدمهم (ديوانة ص309) : لمَّل رأونا والصليب طالعا ... خلَّوا لنا رازان والمزارعا وممن صرحوا بعبادة العرب للصليب حجار بن أبجر قال يهجو بني عجل النصارى (الأغاني 13: 47) : تهدّدني عجلٌ وما خلت أنني ... خلاةٌ لعجلٍ والصليبُ لها بعلُ أي تعبد المصلوب وروى في التاج (10: 90) للأقيشر: في فتيةٍ جعلوا الصليبَ إليهمْ ... حاشدي أني مسلمٌ معذورُ وكانوا يسمون جباههم بالصليب قال حجة الدين الصقلي في كتاب أنباء نجباء الأنباء لخالد بن يزيد في امرأته رملة الزبيرية (ص94) : أحبُّ بني العوَّامِ طرَّا لأجلها ... ومن أجلها حبَّيت أخوالها كلبا فإن تسلمي أسلم وأن تتنصَّري ... بخطُّ رجالٌ بين أعينهم صلبا وبنوا من الصليب فعلاً فقالوا صلَّب أي رسم الصليب كما رأيت في شعر الأعشى: فما أيبليٌ على هيكلً ... بناهُ وصلَّب فيهِ وصارا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وكان نصارى العرب كما غيرهم يزينون كنائسهم بنقش الصور ونصب التماثيل فيكرمونها نسبة إلى ما تمثله من أولياء الله وفضائلهم ولنا في شعر أهل الجاهلية عدة شواهد على ذلك، فذكروا (الصورة) وهي هيئة الشيء وشكله لا سيما هيئة أولياء الله، وقد سبق في باب تاريخ النصرانية بين عرب الحجاز (ص116 117) أن العرب كانوا وضعوا في الكعبة صورة "الملائكة والأنبياء كموسى ومريم وعيسى": وممن ذكروا الصور النصرانية الأعشى كما سبق فبنى من الصورة فعل "صار": وصلَّب فيه وصارا يريد الراهب الذي نصب الصليب في الهيكل وزانه بالصور، وتسمى الصورة (تمثالاً) قال في التاج (8: 111) : "التمثال الشيء المصنوع مشبهاً بخلق من خلق الله عز وجل (قال) والتماثيل هي صور الأنبياء وكان التمثيل مباحاً في ذلك الوقت"، وكانت تلك الصور تتقن بالفن وينقشونها بالألوان ويطلونها بالذهب. عرَّاء مثل الهلالِ صورتها ... ومثل تمثالِ صورةِ الذَّهبِ (قال) ويروي: بيعة الذهب وروى ياقوت لشاعر قديم (3: 525) : حتى إذا كنَّ دوين الطربالْ ... بشَّرَ منهُ بصهيلٍ صلصالْ مطهر الصورة مثل التمثال ومثله للأخطل (ديوانه ص12) : حليٌ يشبُّ بياض النّحر وأقدرهُ ... كما تصوَّر في الدير التماثيلُ وكانوا يطرفون حول الصور لاسيما في أعيادهم قال الحارث بن خالد المخزومي (الأغاني 15: 133) : وبشرةُ خود مثل تمثال بيعةً ... تظلُّ النصارى حولهُ يومَ عيدها ومثل الصورة والتمثال (الدُّمية) جمعها الدمى وأصلها من السريانية (كلمة سريانية) ومعناها الشبه، قال في التاج (10: 131) : "الدمية الصورة المنقشة من الرخام (عن الليث) وفي الصحاح: الصورة من العاج ونحوه أو عام من كل شيء مستحسن في البياض أو الصورة عامة (وهو قول كراع) قال ابن الأثير: هي الصورة المصورة لأنها يتنوق في صنعها ويبالغ في تحسينها.. والدمية أيضاً الصنم.. لتزيينها وتنقيشها كالدمى الصورة"، ولذلك ضربوا المثل في حسنها فقالوا: "أحسن من دمية (أمثال الميداني 1: 300) وقد شبهوا نساءهم قال الأعشى (التاج 6: 344) : وحورٍ كأمثال الدُّمى ومناصفُ وكان سبقهم داود النبي إلى هذا التشبيه فوصف في المزامير (مز 143: 12) : بنات المنافقين "المتزينات كدمى الهياكل"، ومعظم الشعراء القدماء الذين ذكروا الدُّمى خصوا بها بيع النصارى ومحاريبهم دلالة إلى عادتهم المألوفة بتزيين كنائسهم بالصور ليكرموها لا ليعبدوها كالأصنام قال عديّ بن زيد (في الكامل للمبرَّد eb,Wright, 460) : كدُمى العاج في المحاريب أو كال_بيض في الروضِ زهره مستنيرُ ومثله للأخوص في الإسلام (الأغاني 4: 142) : كأنَّ لبنى صبيرُ غاديةٍ ... أو دميةٌ زيّنت بها البيعُ وقال عمر بن أبي ربيعة (الكامل ص370) : دميةٌ عند راهبٍ ذي اجتهادٍ ... صوَّروها في جانب المحرابِ وقال أمية بن أبي عائذ (ديوان المهذيليين ص 177) : أبو دميةٌ المحراب قد لعبت بها ... أيدي البناةٍ بزخرف الإتراصِ وتبعه أبو العتاهية فقال (الأغاني 3: 151) : كأنَّ عتَّابةَ من حسنها ... دميةُ قسٍ فتنت قسَّها وممن وصفوا الدمى أمرؤ القيس حيث قال (ديوانه في العقد الثمين ص128) : كأن دمى سقفٍ على ظهر مرمرٍ ... كسا مزبد الساجوم وشياً مصوراً ومثله النابغة الذبياني (العقد الفريد ص10) : أو دميةٍ من مرمرٍ مرفوعةٍ ... بنيتْ بآجرٍّ تشادُ وقرمد وكذلك قال عبيد بن الأبرص (الأغاني 19: 86) : واوانسٌ مثل الدُّمى ... حورُ العيونِ قد استبينا وقال سلمى بن ربيعة (الحماسة ص506 ed. Freytag) : وقال زياد بن حمل (الحماسة 614) : فيها مقائل أمثالُ الدُّمى خردٌ ... لم يغدهنَّ شقا عيشٍ ولا يتمُ ويظهر من شعرهم أن هذه الدمى كانت تصطنع في بعض أنحاء العرب كهكر قيل أنه موضع في اليمن قال أمرؤ القيس (ديوانه ص124 في العقد الثمين) : كناعمتين من ظباء تبالةٍ ... على جوذرين أو كبعضِ دمى هكرْ وكذلك مسنان وقيل أنها ميسان بين الواسط وبصرة قال سحيم: وما دميةٌ من دمى ميسنا ... نِ معجبةٌ نظراً واتصافاَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 ولعلهم أطلقوا أيضاً على الصورة اسم (النصب) وهو في الأصل كل ما كان ينصب فيعبد من دون الله تعالى والجمع أنصاب ويقال نصب بضمتين والجمع نصائب. وقد خصوها بعبادة الأوثان فأرادوا بها حجارة كانت حول الكعبة كانوا يصبون عليها دماء الذبائح ولعل النصارى أرادوا بها معنى الصورة عموماً الوثن لورود اللفظة في شعر البعض منهم. وأعجب من هذا أنهم استعملوا لفظة (الوثن) للدلالة على صورهم والكلمة حبشية (كلمة يونانية) بهذا المعنى وقد استعملها الأعشى بمعنى الصليب قال (المفضليات ص549 ed. Lyall ولسان العرب 17: 334) : يطوفُ العفاةُ بأبوابهِ ... كطوف النصارى ببيت الوثنْ (قال) أراد بالوثن الصليب وقد امتازت كنائس النصارى (بالناقوس) وكان قديماً خشبة طويلة يقرعون عليها بخشبة قصيرة اسمها (الوبيل) أو (الأبيل) يقال نقس بالوبيل الناقوس نقساً إذا ضربة ثم جعلوا بدلاً من الخشبة لوحاً من نحاس كانوا يقرعون عليه، وهو اليوم (الجرس) على صورة نصف المخروط وهو عربي أيضاً ذكره في التاج قال (4: 118) : "والجرس الجلجل.؟. والذي يضرب به"، وتكرر في الشعر الجاهلي ذكر النواقيس قال التلمس يذكر خروجه إلى بلاد غسان حيث كثرت الكنائس والنواقيس (راجع طبعتنا لديوانه) : حنَّت قلوصي بها والليلُ مطرقٌ ... بعد الهدوِّ وشاقتها النواقيسُ قوله: "بعد الهدوّ" أي عند السحر لأن عادة الرهبان أن يقرعوا نواقيسهم للصلاة قبل الفجر ومثله قال المرقش الأكبر (المفضليات ص465) : وتسمعُ تزقاءً من اليوم حولنا ... كما ضربت بعد الهدوّ النواقيسُ ومثلهما للأعشى (راجع الجوهري في مادة حدّ) ويروى لعنترة (العقد الثمين ص179) : وكأسس كعين الديك باكرتُ حدَّها ... بفتيانِ صدقٍ والنواقيسُ تضربُ وقال الأسود بن يعفر وجمع الناقوس على نقس (التاج 4: 263) : وقد سبأتُ لفتيانٍ ذوي كرمٍ ... قبلَ الصباح ولَّما تقرعِ النقسُ وأكثر ما كانت النواقيس في الدساكر والقرى قال لبيد (ديوانه ص137) : فصدَّهم منطقُ الدُّجاجِ عن العهد=وضربُ الناقوس فاجتنبا قال الشارح: "والناقوس إنما يكون في القرى فلما مروا بالقرى كرهوا دخولها فعدلوا عنها واجتنبوها وكانت قصداً على الطريق" ومثله للجعدي: ودسكرةٍ صوتُ أبوابها ... كصوتٍ الموائح بالحوأبِ سبقتُ صياح فراريجها ... وصوتَ نواقيسَ لم تضربِ وكان ضارب الناقوس الراهب والراهبة والقس، قال ربيعة بن مقروم من أبيات مرَّت ذكر فيها الراهب (الأغاني 19: 92) : لصبا لبهجتها وحسن حديثها ... ولهمَّ من ناقوسهِ يتنزَّلِ وروى في الأغاني لبعض الأغفال عن راهبة: تضربُ بالناقوس وسط الدَّيرِ ... قبل الدَّجاجِ وزقاء الطَّير ومثله لجرير في القس (البكري 215) : صبحن ثرماءً والناقوسُ يقرعهُ ... قسُّ النصارى حراجيجاً بنا يجفُ وقال جرير أيضاً (البكري 368) : لَّما تذكرتُ بالديرين ارَّقني ... صوتُ الدجاج وقرعٌ بالنواقيسِ وقال الأعشى ودعا ضارب الناقوس بالأبيل وهو أيضاً الحبر كما مرَّ (راجع حماسة البحتري ص56) : فأنيّ وربّ الساجدينَ عشيةً ... وما صكّ ناقوسَ الصلاة أبيلها أصالحكم حتى تبؤوا بمثلها ... كصرخة حبلى بشَّرتها قبولها ويؤيد ذلك قول المثل في القاموس: "رأيت أبيلاً على وبيل" أي حبرا على عصا رعايته، وقيل بل الأبيل هو عصا الناقوس كالوبيل. أما (الجرس (فلم نجده في شعر قديم، وإنما ورد ذكره في الحديث قال في أسد الغابة لابن الأثير (1: 351) عن لسان محمد في الوحي: "أحياناً يأتيني (أي الوحي) في مثال صلصة الجرس"، وفي حديث آخر رواه مسلم (4: 450) : "الجرس مزامير الشيطان". وكانوا ينيرون كنائسهم بالأنوار ويسرجون فيها السرج ويضيئونها بالمصابيح قال عمر ابن أبي ربيعة (الأغاني 15: 7) : نظرتُ إليها بالمحصَّب من منى ... ولي نظرةٌ لولا التحرُّجُ عارمُ فقلتُ أشمسٌ أم مصابيحُ بيعةٍ ... بدت لك خلف السجّفِ أم أنتَ حالمُ وكانوا على الأخص يقيمون فيها الرتب الدينية مرَّ ذكر صلاتهم وسجودهم وتسبيحهم في كنائسهم، وكانوا يقربون القرابين في القداس ومنه قول الأعشى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وما قدَّس الرهبان في كلّ هيكلٍ ... ومثله قول البكري في معجم ما استعجم (ص 369) يصف رتبة قداس النصارى "وضجَّ الرهبان بالتقديس". ومن مناكسهم (القربان) هو في الأصل كلُّ ما يتقرب به إلى الله، وقد خصت بقربان النصارى قال أمية (كتاب البدء 2: 145) : أياَّم يلقى نصاراهم مسيحهمُ ... والكائنينَ لهُ ودًّا وقربانا وروى في اللسان لجرير (15: 125) : أو تتركون إلى القسَّينِ هجرتكم ... ومسحكم صلبهم رحمان قربانا وقد بنوا منه فعلاً فقالوا (تقرَّب) إذا اخذ القربان قال الأعشى يمدح هوذة بن علي النصراني الذي أعتق منه من أسرى تميم يوم الفصح (تاريخ الطبري 1: 987) : بهم تقرَّب يوم الفصح ضاحيةَ ... يرجو الإله بما أسدى وما صنعا ومثله ما أخبر صاحب الأغاني (2: 32) عن عدي بن زيد وهند بنت النعمان كيف دخلا يوم خميس الفصح كنيسة الحيرة "ليتقربا" يريد تناولهما الفصحي وكانوا يدعون القربان (الشبر) ولعل اللفظة سريانية "كلمة سريانية" وهي الطعام والغذاء، أرادوا بها قوت النفوس وقد وردت في الشعر القديم، قال عدي بن زيد يحلف بالقربان (شعراء النصرانية 452 ولسان العرب 6: 58) : إذ أتاني نبأٌ من منعمٍ ... لم أخنهُ والذي أعطى الشَّبر قال الشارح: "الشبر هو الإنجيل والقربان" وقد وردت الكلمة في شعر العجاج فافتتح إحدى أراجيزه بقوله: الحمدُ لله الذي أعطي الشَّبرْ فشرحوا الشبر بالعطية والموهبة وكأنها تعريب اللفظة اليونانية أفخارستيا (كلمة يونانية) ومعناها الموهبة الصالحة فأطلقوها على القربان، وورد لابن السكيت في إصلاح المنطق (طبعة مصر ص159) في شرح بيت عدي: "قيل في الشبر ههنا أنه القربان". وقد خصوا بالذكر (خمر القربان) ورووا صلاة النصارى عليها وتقديسهم لها وقد مرّضت في ذلك أبيات أيمن بن خريم (الأغاني 16: 45) : وصهباءَ جرجانَّية لم يطف بها ... حنيفٌ ولم تنغر بها ساعةَ قدرُ ولم يشهد القسُّ المهينمُ نارها ... طروقاً ولا صلَّى على طبخها حبرُ ومثله فيها للأعشى (شعراء النصرانية ص378) : لها حارسٌ لا يبرحُ الدهرَ بينها ... وأن ذبحتْ صلَّى عليها وزمزما ببابلَ لم تعصر فسالت سلافة ... تخالط قنديداً ومسكاً مختَّما فبذكره للصلاة عليها خص الخمر المقدسة، وقال الأعشى أيضاً: وصهباءَ طاف نهامُّها ... وأبرزها وعليها ختمْ وقابلها مستهاماً لها ... وصلَّى على دنّها وارتسم تمزَّرتها غير مستكبرٍ ... على الشرب أو منكر ما علمْ النهامي صاحب الدير وقد وروي (قطب السرور M s de Paris FF, 67) : "طاف يهوديها" ولعله تصحيف لأن اليهودي لا يصلي على الخمر ولا يطيف بها. وكذلك قال علقمة وذكر (الكأس) وخص خمرها بصفات أقرب إلى الخمر المقدسة: كأسُ عزيزٍ من الأعناب عتَّقها ... لبعض أربابها حانيهٌ حومُ تشفي الصُّداع ولا يؤذيكَ طالبها ... ولا يخاطبها في الرأس تدويمُ ظلَّت ترقرقُ في الناجودِ يصفقها ... وليدُ أعجمَ بالكتانِ مفدومُ قالوا أراد بالعزيز الملك، وقالوا أراد كبير النصارى كقول أوس بن حجر يذكر فصح النصارى: عليهِ كمصباحِ العزيز يشبُّهُ ... لفصحِ ويحشوهُ الذُّبال المفتَّلا وكما شربوا خمر القربان أكلوا خبزه المقدس، وقد بينا (ص 72 و139) أن هجو بعض الشعراء لبني حنيفة النصارى على "أكلهم لربهم" إنما أرادوا به تقربهم من القربان الأقدس فقرعوهم بما لم يدركوا معناه فقالوا: أكلتْ حنيفةُ ربَّها ... زمن التقحُّم والمجاعةْ لم يحذروا من رّبهم ... سؤ العقوبة والتباعه ومثله قول الآخر: أكلتْ ربَّها حنيفةُ من جو ... عٍ قديمٍ ومن إعوازِ والنصارى يشيرون إلى القربان (بمائدة الرب) كما دعاها بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس (10 21) ، واللفظة شاعت عند عرب الجاهلية أخذوها أيضاً من نصارى الحبش وهي عندهم (كلمة يونانية) وقد وردت في القرآن بهذا المعنى (في سورة المائدة ع112 و114) حيث يذكر أن الحواريين طلبوا من المسيح أن ينزل عليهم مائدة من السماء فأنزلها، وأراد بها العشاء السري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ولا شم أنه كان لهم في كنائسهم (منبر) للكرازة واعظم شاهد على قولنا أن اللفظة ليست عربية بل مستعارة من نصارى الحبش (كلمة يونانية) أي مجلس وكرسي الخطابة ثم أخذها المسلمون (قال الفرزدق في آل أبي العاصي (راجع ديوانه de, Boucher,p,i 9: ولن يزال أمامٌ منهمُ ملكٌ ... إليه يشخص فوق المنبر البصرُ 7 مفردات نصارى الجاهلية الخاصة بمساكن الرهبان قد توفرت المفردات العربية ورد ذكرها في المعاجم والشعر القديم دلالة على مساكن الرهبان فجمعنا منها ما تيسر لنا على ترتيب حروف المعجم وفي وفرتها شاهد ناطق على شيوع العيشة الرهبانية في أنحاء العرب. فمن ذلك (الأسطوانة) وهي السارية وفقاً لمعناها الأصلي في اليونانية (كلمة يونانية) وقد اتخذها العرب بمعنى العمود الذي كان يتعبد فوقه بعض الرهبان المدعوين لذلك بالعموديين (Stylites) قال ذو الجدن (سيرة الرسول لابن هشام ص26 ed, Wustenfeld) فإنَّ الموت لاينهاهُ ناهٍ ... ولو شربَ الشفاءَ مع النشوقِ ولا مترهّب في أسطوانٍ ... يناطحُ جدرهُ بيضُ الأنوقِ قال الشارح: الأسطوان والأسطوانة هاهنا موضع الراهب المرتفع، وقال في التاج: الفرق بين الأسطوانة والعمود أن العمود حجر واحد والأسطوانة بناء ومنها (الأكيراح) وهي قلاية الراهب، ومثلها الكراح، واصل الكلمة من السريانية (كلمة سريانية) قال في المخصص لابن سيده (13: 10) : "الأكيراج بيوت ومواضع تخرج إليها النصارى في بعض أعيادهم وهو معروف"، وقال في معجم البلدان (1: 345) : "الأكيراح بيوت صغار تسكنها الرهبان الذين لا قلالي لهم" وهي أيضاً موضع بعينه وأنشد لبكر بن خارجة: دعِ البساتينَ من آسٍ وتفَّاحِ ... واقصد إلى الشيخ من ذات الأكيراحِ إلى الدساكر فالديرِ المقابلها ... لدى الأكيراحِ أو دير ابن وضاحِ ومنها (التأمور) ويروى بالهمز تأمور، قال في التاج (1: 20) : "التأمور صومعة الراهب وناموسه.. وقال ابن دريد أن أصل هذه الكلمة سريانية"، ولم نجدها في المعاجم السريانية بهذا اللفظ، ولعلها من (كلمة يونانية) بالطاء فتكون كالمطمورة في العربية شبهوا بها مسكن الراهب أو كالطمار أي المحل المرتفع والله أعلم، وقيل أن أصلها من (كلمة يونانية) (تبر) الحبشية فابدلوا الباء من الميم (ووردت الكلمة في الشعر الجاهلي في قول الشاعر عن الراهب: ولهمَّ من تامورهِ يتنزلُ ومن ألفاظهم الشهير (الدير) وهي لفظة سريانية الأصل (كلمة سريانية) ومعناها المسكن عموماً لا سيما المحصن ثم خصوا بها مسكن الرهبان، قال ياقوت في معجم البلدان (6: 639) : "الدير بيت يتعبد فيه الرهبان ولا يكاد يكون في المصر الأعظم إنما يكون في الصحارى ورؤوس الجبال"، وقال في اللسان (5: 287) عن ابن سيده: "الدير خان النصارى والذي يسكنه ويعمره ديار وديراني"، وقال ابن الإعرابي: "يقال للرجل إذا رأس أصحابه: هو رأس الدير، وقد شاع استعمال الكلمة في الشعر القديم قال عدي بن زيد (معجم البلدان 2: 68) : نادمتُ في الدير بني علقما ... عاطيتهم مشمولةً عندما كأنَّ ريح المسكِ من كأسها ... إذا مزجناها بماء السما وقد عدد ياقوت والبكري وغيرهما في معاجم البلدان نيفاً ومئة دير مما ورد ذكره في الشعر القديم بل ذكر لأبي الفرج الأصفهاني كتاب في الديارات خصه بذكر الأديرة القديمة بين العرب. ومنها الركح) قال في المخصص (13: 102) : "من أبيات النصارى، (قال) ولست من هذه الكلمة على ثقة"، (قلنا) ولعل الكلمة تصحيف (الكرح) الآتية (ومنها (الصرح) وهو في الأصل البناء العالي وقيل أن الصرح في النبطية القصر، ولعل الأصح أنها حبشية (كلمة يونانية) ومعناها الحجرة والقلاية. ومنها (الصومعة) ومثلها الصومع بناء للراهب محدد الطرف، قال في التاج (7: 411) : "الصومعة كجوهرة بيت النصارى ومنار الراهب سميت لدقة في رأسها". وقال زين العابدين: "الصومعة المنارة وهي في الأصل متعبد للراهب وقد مر ذكرها في الفصول السابقة (راجع الصفحة 175) وأصل الكلمة من الحبشية (كلمة يونانية) ومعناها الدير والقلاية، وقد وردت بهذا المعنى في القرآن (سورة الحج ع 41) ونطق بهذا الشعراء القدماء روى سيبويه لأحدهم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أوصاك ربُّك بالتقى ... وأولو النُّهى أوصوا معهْ فاخترْ لنفسك مسجداً ... تخلو به أو صومعهْ ومنها (الطربال) وهو كل بناء عالٍ مرتفع وقال أو عبيدة هو شبيه بالنظرة من مناظر العجم كهيئة الصومعة وانشدوا لدكين (راجع ياقوت 3: 525 والتاج 7: 416) : حتى إذا كان دوين الطربال ... رجعن منهُ بصهيلٍ صلصالْ مطهَّر الصورة مثل التمثال وقد وردت الكلمة بمعنى البيعة ومعبد النصارى ولعلها أعجمية ومنها (العمر) قال في التاج (3: 320) : "العمر المسجد والبيعة والكنيسة سميت باسم المصدر لأنه يعمر" والصواب أن الكلمة سريانية (كلمة سريانية) وهي الدير، قال التلمس (راجع معجم ما استعجم للبكري ص696) : ألك السديرُ وبارقٌ ... ومبايضٌ ولك الخورنقْ والعمر ذو الإحساء واللَّ ... ذَّات من صاعٍ وديسقْ (قالوا) العمر في شعر المتلمس الدير أو البيعة والكنيسة ومنها (القلاية) أصلها من السريانية (كلمة سريانية) اشتقها السريان من اليونانية (كلمة يونانية) وقال البكري (في معجمه ص369) : "إن كانت القلاية مضافة إلى المواضع فإنما هو العمر والعمر عندهم اسم الدير قال الثرواني: وإن أنتما حييتماني تحيَّة ... فلا تعدوا ريحان قلاية القسِّ" ومنها أيضاً (القوس) وهو الدير واصل الكلمة من الفارسية قال صاحب اللسان (8: 69) : "القوس الصومعة أو موضع الراهب، وقال ياقوت (4: 200) : "هو معبد الراهب" وانشد في اللسان: لا وصل إذا صرفت هندٌ ولو وقفتْ ... لاستفتنتني وذا المسحين في القوسِ" وانشد الأصعمي لذي الرَّمة: على أمر منقدِّ العفاءِ كأنَّه ... عصا قسّ قوسِ لينها واعتدالها قال: القس القسيس والقوس صومعته: ومنها (الكرح) وهو مقام الراهب من السريانية (كلمة سريانية) بمعناه وقد مر مع الأكيراح. ومنها (المنهمة) وهو مسكن النهام أو النهامي أي الراهب قال ذو الجدن (سيرة الرسول 26 27) : وغمدانُ الذي حدّثتَ عنهُ ... بنوهُ مسمَّكاً في رأس نيقِ بمنهمةٍ وأسلفهُ جروبٌ ... وحرُّ الموحل اللَّثقِ الزليقِ بمرمرة وإعلاهُ رخام ... تحامق لا يغيب في الشقوقِ مصابيحُ السليط تلوح فيهِ ... إذا يمسي كتوماضِ اليروقِ قال الشارح: المنهمة موضع الراهب. ومنها (الناموس) قال في اللسان (9: 130) : "الناموس بيت الراهب ولعله "أراد الناووس من اليونانية (كلمة يونانية) وهو الهيكل، وجاء في التاج: "الناؤوس مقبرة النصارى". 8 مفردات لنصارى الجاهلية في أعيادهم ومواسمهم السنوية نذكر هنا الأعياد النصرانية الثابتة والمنتقلة التي شاعت عند عرب النصارى كما عرفها غيرهم. أولها عي (السبار) يريدون به ما ندعوه عيد البشارة واللفظة سريانية الأصل (كلمة سريانية) قال البيروني في الآثار الباقية عن القرون الخالية (ص: 294) : "السبار دخول جبرائيل عليه السلام على مريم مبشراً بالمسيح"، ولم نجد اللفظة في الشعر الجاهلي وإنما وصف أمية بن أبي الصلت البشارة بآيات رويناها سابقاً. ومنها عيد (الميلاد) وقد سماه البيروني (ص: 293) عيد يلدا من السريانية (كلمة سريانية) أي ميلاد المسيح. ومنها (القلندس) ذكره السعودي في مروج الذهب (3: 406) ودعاه البيروني القلنداس (ص292) قال وهو رأس السنة وتمام الأسبوع من ولادة مريم، واللفظة لاتينية (Kalendae) قال السعودي: يكون فيه بالشام لأهله عيد يوقدون في ليلته النيران ويظهرون (الأفراح) لاسيما بمدينة أنطاكية وما يكون في كنيسة القسيان بها من القداس عندهم وكذلك سائر الشام وبيت المقدس ومصر وارض النصرانية كلها وما يظهر أهل دين النصرانية بأنطاكية من الفرح والسرور وإيقاد النيران ويساعدهم على ذلك كثير من عوام الناس وكثير من خواصهم. ومنها (الدنح) ذكره ابن سيده في المخصص (13: 103) عن ابن دريد قال: "الدنح عيد من أعياد النصارى ولا احسبها عربية وقد تكلمت بها العرب" والكلمة سريانية (كلمة سريانية) ومعناها الظهور أي ظهور السيد المسيح لبني إسرائيل يوم معموديته، قال البيروني (293) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 "وفي السادس من كانون الآخر دنحاً وهو عيد الدنح نفسه ويوم المعمودية الذي صبغ فيه يحيى بن زكريا المسيح وغمسه في ماء المعمودية بنهر الأردن عند بلوغ ثلثين سنة من عمره واتصل به روح القدس شبه حمامة نزلت من السماء على ما ذكر في الإنجيل". ويعرف عيد الدنح بالغطاس أيضاً، وعلى هذا اللفظ وصفه المقريزي في الخطط (1: 4494) ويسمى أيضاً بيوم العماد. ومنها (السباسب) قال في المخصص (13: 102) وفي التاج (4: 294) : "يوم السباسب عيد للنصارى ويسمونه السعانين ويقال شعانين بالشين. والسباسب الأغصان يرديون بها سعف النخل الذي قطعه اليهود يوم استقبلوا المسيح في دخوله أورشليم، وقد دعوا أيضاً هذا العيد بعيد الزيتونة، أما السعانين فمشتقة من العبرانية (كلمة عبرانية) (هوشعنا) التي كان يتهلل بها اليهود أمام المسيح، وقد وردت لفظة سباسب في الشعر القديم قال النابغة يذكر عيد السعانين بين بني غسان: رقاقُ النعالِ طيبٌ حجزاتهم ... يحيون بالرَّيحان يوم السباسبِ ومنها (خميس العهد) قال المقريزي: (1: 495) ويسميه أهل مصر من العامة خميس العدس ويعلمه نصارى مصر قبل الفصح بثلاثة أيام ويهادون فيه، وقد عرفه العرب أيضاً بخميس الفصح ورد على هذا اللفظ في ترجمة عدي بن زيد الشاعر الجاهلي في كتاب الأغاني (3: 32) حيث ذكر دخول هند بنت النعمان كنيسة الحيرة قال: "خرجت في خميس الفصح وهو بعد السعانين بثلاثة أيام تتقرب في البيعة". ومنها (الفصح) كانوا يقدمون عليه الصوم الأربعيني وقد ذكره العرب، أنشد سيبويه لبعضهم (في كتابه 2: 27) : صدَّت كما صدَّ عماً لا يحلْ لهُ ... ساقي نصارى قبيلَ الفصح صوَّامُ ومن كلامهم في ذلك "تنخس النصارى" إذا تركوا أكل اللحم، وقال ابن دريد: "تنخس النصارى إذا تركوا أكل الحيوان، وهو كلام عربي صحيح ولا أدري ما اصله (التاج 4: 255) ولعله من "تنخس الرجل" إذا جاع ويقول البعض تنهس بالهاء وهو من تصحيف العامة، أما الفصح فمن السريانية (كلمة سريانية) وأصلها (كلمة سريانية) العبرانية وتكرر ذكر الفصح في الشعر العربي الجاهلي، قال الأعشى يمدح هوذة بن علي النصراني الذي كان أطلق أسى بني تميم يوم عيد الفصح تقرباً لله: ففكَّ عن مئة منهم إسارهمُ ... وأصبحوا كلُّهم من غلّهِ خلعا بهم تقرَّب يوم الفصح ضاحيةً ... يرجو الإلهَ بما أسدى وما صنعا وكانوا في الفصح يوقدون المشاعل، قال أوس بن حجر يصف رمحه وقد شبه سنانه بمصباح يوقده رئيس النصارى يوم الفصح (شعراء النصرانية ص494) : عليهِ كمصباح العزيزِ يشبُّه ... لفصحٍ ويحشوهُ الذُّبالَ المغتَّلا قال الشارح: "أراد السنان الشديد الائتلاق وهو مثل مشعل الجليل العظيم الشأن من بطارقة الروم لاسيما إذا الهبه في ليلة الفصح وإذا كان في مثل هذه الليلة كان أنور وأكثر ضوءاً"، وقال عدي بن زيد يشير إلى تعمير قنديل الفصح (الأغاني 9: 53) : بكروا عليَّ بسحرةٍ فصبحتهم ... بإناء ذي كرم كقعب الحالبِ بزجاجةِ ملءِ اليدين كأنها ... قنديل فصح في كنيسة راهبِ وممن أشاروا إلى أفراح النصارى في عيد الفصح عبد الله بن زبير قال: الأغاني 13: 46) يهجو حجار بن أبجر أمير بني عجل: فكيف بعجلٍ أن دنا الفصحُ واغتدت ... عليك بنو عجلٍ ومراجلكم يغلي وعندك قسيسُ النصارى وصلبها ... وغانية صهباءُ مثل جنى النَّحل ويدعون أيضاً الفصح بالقيامة لتذكار قيامة السيد المسيح من الموت يوم الفصح. ومن الألفاظ العربية في ذلك (الباعوث) ودعاها في المخصص (13: 102) الباغوت بالغين قال: أعجمي معرب عيد النصارى، وفي تاج العروس (1: 602) : "الباعوث استسقاء النصارى وهو اسم سرياني، قيل هو بالغين المعجمة والتاء المنقوطة"، وهو بالسريانية (كلمة سريانية) ومعناها الصلاة والدعاء، وقد خصوا بها رتبة تقام ثاني يوم عيد الفصح، وقد وردت اللفظة في حديث عمر لما صالح نصارى الشام شرط عليهم "أن لا يحدثوا كنيسة ولا قلية ولا يخرجوا سعافين ولا باعوثاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ومنها (السلاق) قال البيروني في الآثار الباقية (ص308) : "وبعد الفطر (يريد الفصح) بأربعين يوماً عيد السلاق ويتفق أبداً يوم الخميس وفيه تسلق المسيح مصعداً إلى السماء من طور زيتاً وأمر التلاميذ بلزوم الغرفة التي كان افصح فيها ببيت المقدس إلى أن يبعث لهم الفارقليط وهو روح القدس" وأصل الكلمة من السريانية (كلمة سريانية) ومعناها الصعود وروى البكري (370) لشاعر إسلامي: بحرمة الفصح وسلاَّقكم ... يا عاقد الزنَّار في الخصرِ ومما ذكروا من أعياد النصارى (الهنزمن) وروى ثعلب الهنزمر، قالوا عيد للنصارى (المخصص 13: 102) ولم يزيدوا إيضاحاً، وقد وردت اللفظة في شعر الأعشى: إذا كان هتزمنٌ ورحتُ مخشما قال صاحب التاج (9: 368) : "الهنزمن الجماعة معرب هنجمن أو أنجمن عند الفرس ويطلق على مجلس الشرب أو لمجمع الناس مطلقاً أو ليعد من أعياد النصارى". وقد دخلت اللفظة في السريانية (كلمة سريانية) ويراد بها الحفلة. ونضيف إلى ما سبق لفظة (الشمعلة) قالوا هي قراءة النصارى واليهود في أعيادهم وذكروا عن الخليفة المتوكل أنه حرم على النصارى "أن يظهروا في شعانينهم صليباً وأن يشمعلوا في الطريق"، وقال جحظة يصف دير العذارى (ياقوت 2: 697) : وقد نطق الناقوسُ بعد سكونهِ ... وشمعل قسيسٌ ولاح فتيلُ وقال مدرك الشيباني (تزيين الأسواق ص330) : بحقَ قومٌ حلقوا الرؤوسا ... وعالجوا طول الحياة بؤسا وقرعوا في البيعة الناقوسا ... مشمعلين يعبدون عيسى 9 مفردات جاهلية لوصف ملابس النصارى كان نصارى العرب يلبسون الثياب كغيرهم من أهل البادية لا يمتازون بها غالباً عن سواهم، غير أن في المعاجم وبعض الشعر الجاهلي مفردات وردت في وصفهم النصارى أو شرحوها بقولهم أنها ثياب النصارى، نذكر هنا ما عثرنا عليه منها في مطالعاتنا. فمنها (الآخني) قال في التاج (9: 119) : الآخني الثوب المخطط وقال أو سعيد: الآخني اكسية لينة يلبسها النصارى، قال البعيث: فكرَّ علينا ثمَّ ظلَّ يجرُّه ... كما جرَّ ثوبَ الآخنيّ المقدسُ (يريد بالمقدس الراهب الذي رحل إلى زيارة القدس) ، وقال العجاج (67 ed. Ahlwardt, p) : كأنَّهُ متوَّجٌ روميُّ ... عليهِ كتاَّنٌ وآخنيُّ أو مقولٌ توجَ حميريُّ وقال أبو الخراش: كأنَّ الملاءَ المحض خلفَ كراعهِ ... إذا ما تمطَّى الآخنيُّ المخدَّمُ ومنها (الإضريج) كساء احمر من الخز ويقال أيضاً للخز الأصفر، وقيل بل هو كساء يتخذ من المرعزى من أجود صوفها، وقد ذكره النابغة في ديوانه (العقد الثمين ص4) حيث قال يصف أعياد النصارى الغسانيين: رقاقُ النعال طيبٌ حجزاتهم ... يحيَّون بالرَّيحان يوم السباسبِ تحّييهمُ بيضُ الولائد ببهم ... وأكسيهُ الإضريج فوق المشاجبِ ومنها (الأرندج واليرندج) قال أبو عبيد في المخصص (4: 103) : "هو بالفارسية رنده قالوا هو ضرب من الأدم أسود" وجاء في اللسان (18: 304) والتاج (2: 50) أن اليرندج جلد أسود تعمل منه الخفاف يحتذون بها: وقد خصها الشماخ بالنصارى فقال يصف نعاماً في برية: ودويةٍ قفرٍ تمشَّى نعامها ... كمشي النصارى في خفافٍ اليرندجِ ومنها (الرَّيط) وهي الملاءة المنسوجة قطعة واحدة وقد ذكرها الراعي في وصف بطرك النصارى (التاج 7: 111) فقال يصف ثوراً وحشياً: يعلو الظواهر فرداً لا أليفَ لهُ ... مشي البطرك عليهِ ريطُ كتَّانِ ومنها (الزنار) قالوا هو ما على وسط النصارى، وقال في التهذيب: ما يلبسه الذمي يشده على وسطه، وقد اشتقوا منه فعلاً فقالوا زنره إذا ألبسه الزنار، وقد جاء الزنار في الشعر الجاهلي قال عدي بن زيد وكان معاوية يعجب به: يا لرهطي أوقدوا نارا ... أنَّ الذي يهوون قد حارا ربَّ نار بتُّ أرمقها ... تقضمُ الهنديَّ والغارا ولها ظبيٌ يؤججها ... عاقدٌ في الخصرِ زنَّارا ويروى: عندها خلٌ يثورها ... عاقدٌ في الجيد تقصارا التقصار القلادة: ومثله لابن الضحاك (البكري ص370) : بحرمةِ الفصح وسلاَّقكم ... يا عاقد الزنَّار بالخصرِ ومنها (الكتان) كما رأيت في شعر الراعي والعجَّاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ومنها (الموق) جمعها أمواق قال ابن سيده: "هو ضرب من الخفاق وقيل خفٌ غليظ يلبس فوق الخف وهو عربي صحيح"، وكان العياديون ينتعلون بالأمواق قال النمر بن تولب (التاج 7: 73 واللسان 12: 227) ويروى لسلامة بن جندل: فترى النعاج بها تمشَّى خلفه ... مشي العباديّين بالأمواقِ وكانت هذه الخفاف تتخذ من الجلد الدبوغ بالقرظ فيدعونه السبت وينتعل به السادة قال عنتر في معلقته: بطلٌ كأنَّ ثيابهُ في سرحةٍ ... يحذى نعالَ السبتِ ليس بتوأمِ ومن لبس زهادهم (المسح) وهو ثوب الرهبان من شعر، قال جرير وسمى الراهب ذا المسحين (التاج 8: 69) : وصلَ إذ صرمتْ هند ولو وقفتْ ... لا ستفتنتني وذا المسحين في القوسِ هذه بعض ألفاظ نقلناها وقد صرحوا فيها بذكر النصارى، ولاشك أن ألفاظاً أخرى دخلت في العربية بواسطة النصارى من الحبش والروم والسريان كما يدل عليها أصلها الأعجمي كالبرجد والإكليل والتاج والبرنس وأبي قلمون والقلنسوة والجلباب والسندس وغيرها وان يخصها الكتبة بالنصارى وحدهم. 10 ألفاظهم في الكتابة وأدواتها رأيت في فصل سابق أن الكتابة دخلت بين العرب بفضل النصرانية، فلا عجب أن تكون الألفاظ الدالة على هذه الصناعة قد وردت خصوصاً في آثارهم ولذلك ترى ذكر أدوات الكتابة مقرونة في أشعارهم بذكر الزبور وكتب الوحي التي كان الرهبان يتناقلونها في جزيرة العرب ويتأنقون في كتابتها. فأول ما ذكروه (القلم) قال معاوية الجعفري (معجم البكري ص583) يصف منازل دراسة: فإنَّ لها منازلَ خاوياتٍ ... على نملى وقفتُ بها الركابا من الأجزاعِ أسفلَ من نميلِ ... كما رجعتَ بالقلمِ الكتابا ومثله لكعب بن زهير (البكري ص441) : أتعرف رسماً بين زهمانَ فالرقمْ ... إلى ذي مراهيطٍ كما خطَّ بالقلمْ وقال لبيد في معلقته: وجلا السُّيولُ عن الطلال كإنَّما ... زبرٌ تجسدُّ منونها إقلامها وكانوا يكتبون على الجلود وجريد النخل والعظام وألواح الرصاص، ومن أشهر ألفاظهم (القرطاس) وهي فارسية كالكاعد ويقال قرطس أيضاً، وقد وردت في الشعر الجاهلي قال المخش العقيلي يصف رسوم دار شبهها بخط الزبور على القرطاس قال (التاج 4: 215) : كأنَّ بحيث استودع الدارُ أهلها ... مخطَّ زبورٍ من دواة وقرطسِ ومنها (الأديم) أي الجلد كانوا يصقلونه ويرققونه فيكتبون عليه، قال المرقش: الدار قفرٌ والرسومُ كما ... رقَّش في ظهر الأديم قلمْ وكانوا يدعون الأدم الرقاق (ورقا) قبل يصطنعوه من القطن تشبيهاً بورق الشجر في تصفيحه قال جرير (البكري ص106) : لمن الديار بعاقلٍ فالأنعم ... كالوحي في ورق الزَّبور المعجمِ وهو (الرق) أيضاً جمعه الرقوق للجلد وللصحيفة البيضاء والكلمة حبشية الأصل كما يظن قال الخالد بن الوليد المخزومي (الأغاني 3: 112) : هل تعرفُ الدارَ أضحت أيها عجبا ... كالرقّ أجرى عليها حاذقٌ قلما وفي القرآن: "رق منشور" وقد دعوا الأديم والصحيفة البيضاء والحصير المنسوج خيوطه سيور (قضيماً) قال النابغة (التاج 9: 69) وفي وصف الرسوم: كأن مجرَّ الرامساتِ ذيولها ... عليهِ قضيمٌ نمقتهُ الصوانعُ وقد دعوا القرطاس والصحف البيض (بالمهرق) وهي لفظة فارسية مهره. قال الصغاني: المهرق ثوب حرير أبيض يسقى الصمغ ويصقل ثم يكتب فيه والكلمة قديمة قال الحارث بن حلزة في معلقته: وأذكروا حلفَ ذي الجاز وما ... م قدّمَ فيهِ العهود والكفلاءُ حذرَ الجور والتعدّي وهل ... م ينقض ما في المهارقِ الأهواءُ وقال أيضاً (التاج 7: 96) في الأطلال شبهها بكتابة الحبش: آباتها كمهارقِ الحبشِ وقال الأعشى يذكر الأدعية المرقومة في المهارق (اللسان 12: 247) : رّبي كريمٌ لا يكدّر نعمةً ... فإذا تنوشد في المهارق أنشدا وكذلك كتبوا على (العسيب) أي جريد النخل قال أمرؤ القيس: لمن طلل أبصرتهُ فشجاني ... كخطِّ زبور في عسيبٍ يماني وفي الهذليات قوله: أو زبر حميرَ بينها أحبارها=بالحميريَّة في عسيبٍ ذابلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وكتبوا أيضاً على الألواح (واللوح) كل صفيحة عريضة من خشب أو عظم كالكتف كانوا يكتبون عليها، وقد ورد في القرآن: "في لوح محفوظ". (والرقيم) اللوح من الرصاص قال أمية بن أبي الصلت يذكر اللوح الذي كان مع أصحاب الكهف حيث رقم نسبهم وأسماؤهم ودينهم (البيذاوي طبعة ليدن ص555) . وليس بها إلاَّ الرَّقيمُ مجاوراً ... وصيدهمُ والقومُ في الكهف هجَّدُ وسموا مجوع الأوراق المكتوبة (كتاباً) قال زهير في معلقته عما يخفى في قلوب البشر فيدينه الله في الآخرة: يؤخَّر فيوضع في كتابٍ فيدَّخر ... ليوم الحساب أو يعجَّلْ فينقمِ وقال عدي بن زيد الشاعر النصراني في الإنجيل (شعراء النصرانية) : ناشدتنا بكتاب الله حرمتنا ... ولم تكن بكتاب الله ترتفع ودعوا الكتاب (بالقط) جمعه القطوط وهو في الأصل الجلد الذي يكتب عليه وقال أمية يذكر قومه بني أياد (التاج 5: 209) : قوم لهم ساحة العراق إذا ... ساروا جميعاً والقطُّ والقلمُ وقيل أراد بالقط هنا الإنجيل وقال مثله الأعشى: ولا الملكُ النعمانُ يومَ لقيتهُ ... بغبطتهِ يعطي القطوط ويأفقُ أي يمنح الصكوك للجوائز وكذلك (الصحيفة) فهي الكتاب أيضاً قال لقيط الإيادي (تاريخ ابن الأثير 1: 157) : سلامٌ في الصحيفة من لقيطٍ ... إلى منْ بالجزيرة من إياد ويروى: "كتاب في الصحيفة"، وسموا الصحيفة (بالغلغلة) قالوا أنها الرسالة المنقولة من بلد إلى بلد، قال صخر الغي في الهذليات (ed, Kosegarten, P, 13) : أبلغْ كبيراً عني مغلغلةً ... تبرقُ فيها صحائفٌ جددُ فيها كتابٌ ذبر لمقترئٍ ... يعرفهُ البهمُ ومنْ حشدوا ومن أسماء الكتاب عندهم (المصحف) وردت في شعر امرئ القيس للدلالة على كتب الرهبان قال: قفا نبكي من ذكري حبيبٍ وعرفانِ ... ورسمٍ عفت آياتهُ منذ أزمانِ أتت حججٌ بعدي عليها فأصبحتْ ... كخط زبورٍ في مصاحفِ رهبانِ ومن أسماء الكتب (المجلة) قال ابن دريد في الأشتقاق (ص192) : "المجلة الصحيفة يكتب فيها شيء من الحكمة" واللفظة آرامية، قال النابغة يذكر الكتب المقدسة التي كانت في أيدي بني غسان: (التاج 7: 261) . مجلَّتهمْ ذات الإلهِ ودينهم ... قويمٌ فما يرجونَ غير العواقبِ ومثلها (السفر) للكتاب من التوراة والإنجيل وقد مرت، وكذلك سموا الكتاب (سجلا) كما ذكر في المخصص (31: 8) وفي التاج (7: 37) والكلمة لاتينية (Sigillum) بمعنى الخاتم والكتاب المختوم، وقد عرفوا (القمطر) وهو ما يصان فيه الكتاب فانشدوا (التاج 3: 506) . ليس بعلمٍ ما يعي قمطرُ ... ما العلم إلاَّ ما وعاهُ الصدَّرُ وكما ذكروا الكتاب كذلك ذكروا (الخط) قال حسان بن ثابت (سيرة الرسول ص454 ed, Wustenfeld) في رسوم الدار: عرفتُ ديار زينبَ بالكثيبٍ ... كخطِّ الوحيِ في الورق القشيبِ وكذلك قالوا في (السطر) أنه الخط والكتابة، واصل الكلمة من الآرامية. وروى في تاج العروس لبعضهم (3: 672) : أني وأسطارٍ سطرنَ سطراً=لقائلٌ يا نصرٌ نصراً نصرا وقال الشماخ (اللسان 5: 229) : كما خطَّ عبرانيةً بيمينهِ ... بتماءَ حبرٌ ثمَّ عرَّض أسطرا وكانوا يتخذون للكتاب سمة وديباجة حسنة وهو (العنوان) قال أبو دواد الأيادي (التاج 9: 172) : "لمن طللٌ كعنوان الكتاب". وكانوا يعنون بوشي الخط وتنميقه، قال علقمة بن عبدة (معجم ما استعجم للبكري ص505) : وذكَّنيها بعد ما قد نسيتها ... ديارٌ علاها وابلٌ متبعقُ بأكناف شمَّاتٍ كأنَّ رسومها ... قضيمُ صناعٍ في أديمٍ منمقِ وقال المرقش الأكبر وبه لقب مرقشاً: الدارُ قفرٌ والرسومُ كما ... رقشً في ظهر الأديم قلمْ وقال حاتم الطائي (الأغاني 7: 132) : أتعرفُ آثار الديار توهُّما ... كخطك في رقٍّ كتاباً منمنما وخص رؤية الإنجيل بالتوشية فقال (ed, Ahlwardt, P. 149) : إنجيلُ أحبارٍ وحي منمنمهْ=ما خطَّ فيهِ بالمدادِ قلمهْ وأشاروا إلى بعض حروف الكتابة كقول مرار بن منقذ في وصف رسوم الدار يشبه بحرف اللام ما مثل منها: وترى منها رسوماً قد علتْ ... مثل خطَ اللام في وحي الزُّبرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وكان الكتبة يضاعفون العناية في كتابة صورة العنوان، قال الخنس بن شهاب (المفضليات ed, Lyall, P. 410) . لابنةِ حطَّانَ بن عوفٍ منازلُ ... كما رقَّش العنوانَ في الرقِّ كاتبُ وقال أبو الأسود على خلاف ذلك (الغاني 11: 111) : نظرتُ إلى عنوانهِ فنبذتهُ ... كنبذك نعلاّ أخلقت من نعالكه ومما ذكروه أيضاً من أدوات الكتابة (الدواة) قال سلامة بن جندل (ديوانه ص15 من طبعتنا) : لمن طللٌ مثل الكتابِ المنمَّقِ ... خلا عهده بين الصَّليب فمطرقِ أكبَّ عليهِ كاتبٌ بدواتهِ ... وحادثهُ في العين جدَّةُ مهرقِ وكذلك صرحوا بذكر (المداد) أي الحبر قال المتملس يذكر الكتاب الذي أعطاه عمرو بن هند لعامله في البحرين يسر إليه بقتله (ياقوت 4: 228) : والفيتهُ بالثني من بطن كافرٍ ... كذلك افني كلّ قطّ مضلّلِ رضيتُ بها لَّما رأيتُ مدادها ... يجول بها التيارُ في كلّ جدولِ ومثله (النقس) جمعه أنقاس قال ر وهير بن عاصم (البكري ص524) : إنَّ بلادي لم تكن أملاسا ... بهنَّ خطَّ القلمُ الأنقاساَ من السبيّ حيث أعطى الناسا ... فلم يدعْ لبساً ولا التباسا وفي الأصل: الانفاسا بالفاء، وهو تصحيف. 12 بعض ألفاظ أخرى متفرقة لنصارى العرب نذكر هنا بعض ألفاظ وردت في أثار الجاهلية بخصوص النصارى وأولها اسم (النصراني) وجمعها النصارى، قال العجاج في مفردها (ديوانه ص69) : كما يعودُ العيدَ نصرانيُّ ... وبيعةً لسورها عليُّ وقال جابر بن حني في جمعها (شعراء النصرانية ص190) : وقد زعمت بهراء أنَّ رماحنا ... رماح نصارى لا تخوضُ إلى دمِ وقال طخيم بن الطحمة الأسدي يمدح قوماً من أهل الحيرة من بني امرئ القيس أبن مناة بن تميم رهط عدي بن زيد (ياقوت معجم البلدان 2: 957) : بنو السّمط والجدَّاء كل سميدعٍ ... لهُ في العروقِ الصالحاتِ عروقُ وأني وأن كانوا نصارى أحبُّهم ... ويرتاحُ قلبي تحوهم ويتوقُ وقال القطامي يذكر نساء النصارى في صومهن (التاج 8: 99) : يلدنَ بأعقار الحياضِ كإنَّما ... نساءُ النصارى أصبحت وهي كفَّلُ ومثله لحسان (ص24 من طبعة تونس) : فرحت نصارى يثربِ ويهودها ... لَّما توارى في الضريحِ الملحدُ ولعبد الله بن الزبير في حجار بن الجبر العجلي (الأغاني 13: 46) : سليلَ النصارى سدتَ عجلاّ ومن يكنْ ... كذلك أهلٌ أن يسود بني عجلٍ وقال في التهذيب: وجاءت أنصار جمع نصران (أي النصراني) وأنشد: لَّما رأيتُ نبطاً أنصارا يريد نصارى من النبط (اللسان 7: 68 والتاج 3: 569) : وكذلك قالوا في مؤنث نصران "نصرانة" قال أبو الأخزر يصف ناقتين طأطأتا رأسيهما من الأعياء فشبهما بالنصرانية تطأطئ رأسها بصلاتها: فكلتاهما خرَّتْ وأسجدَ رأسها ... كما أسجدتْ نصرانةٌ لم تخّفِ وبنوا منه فعلا فقالوا: "تنصر 5 أي دخل في دين النصرانية قال حاتم الطائي يذكر ديار لحيان وكانوا أنصارى (الأغاني 16: 104) : وما زلتُ أسعى بين نابٍ ودارةٍ ... بلحيانَ حتى خفتث أن أتنصَّرا وقال جعفر بن سراقة أحد بني قرة يهجو جميل بن معمر وقومه (الأغاني 6: 15) : نحنُ منعنا ذا القرى من عدونا ... وعذرةَ إذ نلقى يهوداً وبعثرا منعناهُ من عليا معدِّ وانتم ... سفاسيفُ روحٍ قرحٍ وخيبرا فريقانِ رهبانٌ باسفل ذي القرى ... وبالشام عرافون فيمن تنصَّرا ومما خصوه بالنصارى (الإران) وهو سرير الميت أو تابوت من خشب كانوا يحملون عليه موتاهم هكذا رواه شارح ديوان طرفة (شعراء النصرانية 300) حيث قال في معلقته يصف ناقته: أمونٌ كالواحِ الإران نشأتها ... على لاحبٍ كأنَّه ظهرُ برجدِ قال التبربزي في شرح المعلقات (ed, Lyall, 33) : الإران تابوت كانوا يحملون فيه ساداتهم وكبراءهم دون غيرهم، وقال امرؤ القيس: (P, 30 ed, de Slane) . وعّنسٍ كألواح الإران نسآتها ... على لاحبٍ كالبردِ ذي الحبراتِ قال الشارح (id, p, 99) : الإران سرير موتى النصارى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 ومنها (الناؤوس) جمعها نواويس، قال في التاج (4: 256) النواويس مقابر النصارى، والمرجع أن أصل الكلمة من اليونانية (كلمة يونانية) ومعناها الهيكل والمدفن ومما ذكروه للنصارى (البوق) وهو النفير الذي ينفخ فيه أنشد الأصمعي (التاج 6: 301) للعلبكم (كذا) الكندي: "زمر النصارى زمرت في البوق". يريد هنا الروم الذين كانوا ينفخون الأبواق في حفلاتهم. ومن غريب ما نسبوا إلى النصارى إكرام (الوثن) كما مر سابقاً وقالوا "الوثن الصليب" وكذلك دعوا الصليب والتماثيل التقوية عند النصارى (أصناماً) . كما دعاها جرير (بالزون) بمعنى الصنم أيضاً، حيث قال (تاج العروس 9: 229) : "مشي الهرابذِ حجُّوا بيعة الزُّونِ" وفي هذه الأقوال غلط فاحشٌ لأن النصارى لم يعبدوا قط الوثن أو الصنم أو الزون، فضلاً عن كون الهرابذة هم المجوس، وإنما يكرمون الصليب والصور لما تمثل لهم من شخص السيد المسيح المصلوب وأولياء الله، وشتان بين هذا وعبادة الأصنام. الفصل الثالث في الأعلام النصرانية أن أعلام الأشخاص في الأمم القديمة من أصدق الشواهد على معتقداتها فلذلك أردنا أن نفرد باباً خاصاً للإعلام النصرانية التي نجد آثارها في جهات العرب قبل الإسلام فلعلها تزيدنا علماً بما كان للدين المسيحي من النفوذ في الجزيرة العربية. ومما ينبغي التنبيه إليه بادئ بد أن الأعلام التي ذكرها قدماء الكتبة قبل المسيح للعرب والتي ورد ذكرها لهم في آثار الآشوريين ثم اليونان ثم الرومان لا تفيدنا شيئاً بالإطلاق على توحيدهم بل كثير منها على خلاف ذلك يوقفنا على عبادتهم للأوثان وخصوصاً للشمس والقمر والكواكب كما أثبتنا ذلك في مقدمة القسم الأول من كتابنا هذا، وكذلك يستدل من تلك الأسماء أن العرب كانوا يعظمون مواليد الطبيعة من جماد ونبات وحيوان فكثرة الإعلام الدالة على هذه المواليد لا يمكن تعليلها إلا بالقول أن العرب الهوا الطبيعة في مظاهرها من القوة والجمال والحياة فرأوا فيها تجليات معبوداتهم. ومما يولي العجب أننا لا نجد بين هذه الإعلام القديمة السابقة لعهد المسيح اسماً واحداً يثبت لنا ما زعمه بعض كتبة العرب بعد الإسلام حيث قالوا بلا سند أن العرب كانوا موحدين وأنهم اخذوا التوحيد عن إبراهيم الخليل وعن إسماعيل أبنه ثم توارثوه بتوالي الإعصار فالأعلام الواردة في الآثار القديمة تنفي هذا الزعم حتى أن اسم إسماعيل أبي العرب عينه لم يرو لأحد منهم في تلك الكتابات وعلى خلاف ذلك أننا نجد في تلك الأعلام مالا يدع شبهاً في شرك العرب كبقية الأمم. هذا إلى عهد المسيح، وليس الأمر كذلك بعد ظهور النصرانية فإننا إذا استقرينا الأعلام العربية التي رواها أقدم كتبة العرب عن تاريخهم المتوسط بين عهد السيد المسيح إلى ظهور الإسلام أمكنا أن نبين من تعدادها أن النصرانية كانت نفذت في بلاد العرب وان تلك السماء إنما دخلت بينهم بانتشار الدين المسيحي ولعل البعض يرون أن عدد هذه الأعلام قليل بالنسبة إلى ما ذكرناه عن شيوع الدين النصراني بين العرب في الجاهلية فجوابنا على ذلك: أولاً أن العرب النصارى تبعوا غالباً في أسمائهم عادات قبائلهم القديمة دون أن يمتازوا بأسماء جديدة لم يألفوها في سابق الأجيال. ثانياً: أن منهم من كان له أكثر من اسم واحد كما هي عادة كثيرين من نصارى الشرق في بلادنا فكانوا بالمعمودية يسمون أولادهم باسم يدل على نصرانيتهم وأما في المعاملات العادية فكانوا يطلقون عليهم اسماً آخر مألوفاً كمالك وصالح وحبيب وسعد. ثالثاً: لا بل نعرف من شهادة تاريخهم أن بعض النصارى في جزيرة العرب تسموا بأسماء وثنية كانت جرت في الاستعمال ونسي معناها الأصلي كعبد المدان ومنهم بنو عبد المدان النصارى في نجران وكعبد القيس الذي ينتسب إليه بنو عبد القيس النصارى الذين ذكرناهم قبلاً، وهكذا جرى أيضاً لنصارى اليونان والرومان والسريان فإنهم بعد تنصرهم تسموا بأسماء كان أصلها وثنياً مشيراً إلى معبوداتهم كمركوريوس وديونوسيوس وباخوس ومرطيوس لكن تلك الأسماء فقدت بالاستعمال معانيها الوثنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فإذا أدركت ما سبق فنقول أن الأعلام نصرانية بين العرب على خمسة أشكال فمنها ما استعاروه من الأسفار المقدسة ومنها ما أشاروا فيه إلى الاسم الكريم ومنها ما خص بالنصارى دون غيرهم ومنها ما كان تعريباً لأسماء نصرانية ومنها أخيراً ما دل على بعض الصفات الموافقة لأحوال النصارى. الأعلام النصرانية المستعارة من الأسفار المقدسة هذه الأعلام مشتركة في بلاد العرب بين النصارى واليهود ونحن نضرب الصفح عن أسماء اليهود لخروج ذلك عن غرضنا فنذكر أسماء سواهم ممن ينتمون غالباً إلى القبائل التي أثبتنا نصرانيتها وذلك على ترتيب حروف المعجم. (آدم) تسمى بعضهم في الجاهلية باسم أبي البشر منهم "آدم بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب"، قال ابن دريد في الاشتقاق (ص44) : "قتل في الجاهلية وهو الذي وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - دمه يوم فتح مكة"، ومنهم آدم مولى بلغير ذكره أبو تمام في الحماسة ولعله آدم بن شدقم العنبري الذي روى له ياقوت شعراً في معجم البلدان (3: 373) . (إبراهيم) قال التبريزي في شرح الحماسة (1: 175 ed, Freytag) : قال أبو العلاء: إبراهيم اسم قديم ليس بعربي وقد تكلمت به العرب على وجوه فقالوا إبراهيم وهو المشهور وإبراهام وقد قرئ به وإبراهم على حذف الياء وإبرهم"وذكر هناك اسم شاعر قديم دعاه "إبراهيم بن كنيف النبهاني" وممن تسمى بإبراهيم إبراهيم بن أيوب بن محروف عم الشاعر النصراني عدي بن زيد (التاج 1: 151) ومنهم قوم من الصحابة ذكرهم ابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة (ج1 ص40 44) عرفوا باسم إبراهيم تسموا به في الجاهلية كإبراهيم الأشهلي وإبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي القرشي المهاجر وكابي رافع إبراهيم القبطي قال انه "كان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وإبراهيم بن عباد الأوسى الذي شهد موقعة أحد وإبراهيم بن قيس بن معدي كرب الكندي ممن وفدوا على نبي المسلمين. وإبراهيم النجار قال "انه صنع المنبر لرسول الله" وقد جاء اسم إبراهيم على صورة أخرى وهو اسم أبرهة ذكره العرب للحبشة وأشهر من دعي به أرهة الذي حارب ذا نواس وتملك على اليمن وبه سمي قبله أبرهة ذو المنار أحد ملوك اليمن أبن الرائش أشار إليه الشاعر في وصف نوب الدهر (حماسة البحتري 83) : وأصبن أبرهةَ الذي سجدت لهُ ... صمُّ الفيولِ صوامتاً لم تنطقِ (إدريس) ليس هذا الاسم على لفظه في الأسفار المقدسة، والعرب يزعمون أنه أحد الآباء الأولين قال في تاج العووس (4: 149) : "هو خنوخ أو أخوح المذكور في التوراة"، وقد تسمى به أحد النصارى الوافدين على محمد رسول الإسلام كما رواه ابن الأثير في أسد الغابة (1: 44 و57) . (ارميا) راهب في طور سيناء مات شهيداً قتله البلاميون سنة 473 وتذكاره في 14 كانون الأول. (إسحاق) دعي باسم إسحاق أحد شعراء الحماسة في أبي تمام (ص140) وهو إسحاق بن حلف، وذكر ابن الأثير من الصحابيين (1: 68) إسحاق الغنوي. وممن اشتهر باسم إسحاق بين نصارى العرب راهب استشهد في طور سيناء قتل مع رهبان آخرين سنة 473 وتذكاره واقع في السنكسارين الغربي والشرقي في 14 كانون الثاني ويدعونه إسحاق سلائيل. (إسرائيل) لم نجده بين الأعلام السابقة للإسلام وسمي به بعد الإسلام قليلون كإسرائيل بن يونس الراوي ذكره الطبري غير مرة في تاريخه وإسرائيل بن السميدع ذكره في معجمه (1: 482) وإسرائيل بن روح (فيه 2: 33) . (إسمعيل) أقدم ما نعرف ممن تسموا بهذا الاسم شهيد نصراني كان أرسله ملك العجم سنة 362 للمسيح سفيراً إلى يليانوس الجاهد القصير الروماني ليبرم معه عهد الصلح وكان اسمعيل هذا مع اثنين آخرين نصرانيين مثله اسمهما مانويل (أو عمانويل) وسابيل فعرض عليهم يليانوس جحود دينهم فأبوا يقتلهم فماتوا شهداء إيمانهم، وعيدهم واقع في الكنيسة في 18 حزيران (راجع أعمال البولنديين Acta Sanctorum, vol, IV, Jun, pp, 231 - 246) وسمي بهذا الاسم أيضاً رجلان من الصحابة إسماعيل الزبدي ورجل ذكرهما ابن الأثير في أسد الغابة (ج1 ص79 80) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 (أشعيا) هو اسم أحد الرهبان العرب في طور سيناء المستشهدين سنة 473 (الياس) ورد هذا الاسم لأحد أجداد نبي المسلمين وهو الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، راجع كتاب الاشتقاق لابن دريد (ص20) وقد زعموا أن الاسم مشتق من يئس والصواب أن الاسم عبراني الأصل وبه سمي النبي الياس الشهير وبه سمي بعد الإسلام الياس بن حبيب الفهري عامل أفريقية (اطلب تاريخ اليعقوي 2: 464) ، ومن المحتمل أن اسم "أياس" الشائع عند العرب هو صورة مختلفة لاسم الياس، وبهذا الاسم عرف أحد النصارى وهو أياس بن قبيصة النصراني وقد ذكرنا في شعراء النصرانية (ص93) شيئاً من شعره، وكان أحد سادة قومه وابنه اياس كان عاملاً لكسرى انوشروان على الحيرة، وممن عرف بين عرب النصارى باسم الياس راهب استشهد في طور سينا سنة 380 تذكاره في 20 تشرين الثاني وكذلك الياس بطريرك أورشليم (480 518) القديس كان مولده في جزيرة العرب. (أيوب) هو اسم بعض العرب في الجاهلية منهم أيوب بن محروف وهو جد الشاعر النصراني عدي بن زيد، قال أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني (2: 18) : "كان أيوب هذا فيما زعم ابن الأعرابي أول من سمي من العرب أيوب" وذكره في تاج العروس (1: 151) مع ابنه إبراهيم عم الشاعر عدي بن زيد وروى قول ابن الكلبي فيما قال: "ولا اعرف في الجاهلية من العرب أيوب وإبراهيم غير هذين وإنما سميا بهذين الاسمين للنصرانية"، وقد ذكر ابن الأثير في أسد الغابة (1: 162) رجلين من الأنصار دعيا بايوب ولا شك أن هذا الاسم كان اسمهما في الجاهلية وهما "أيوب بن بشير الأنصاري وأيوب بن مكرز" وقد ذكر البحتري في حماسته (اطلب طبعتنا ص260 و261) مقاطيع من الشعر لشاعر دعاه عبيد بن أيوب وكذلك ورد أيوب في شعر النابغة حيث قال (شعراء النصرانية ص655) : مستشعرينَ قدَ آلفوا في ديارهمُ ... دعاءَ سوعٍ ودعميٍّ وأيُّوبِ يريد أن بني قعين دعوا إلى الحرب هذه الأحياء الثلاثة قال الشارح: "وهم أحياء من اليمن من غسان وهم نصارى وقيل هم رهبان". (بنيامين) هو أحد شهداء طور سينا سنة 473. (حنة) هذا الاسم ورد للذكور والإناث فهو كحنان ويحنا، أما للإناث فهو كاسم حنة أم صموئيل ومن الأول حنة والد عمرو الصحابي الأنصاري وأبو حنة البدري ذكرهما في تاج العروس (9: 185) وأما من الثاني فحنة بنت هاشم بن عبد مناف القرشي عم محمد ذكرها اليعقوبي في تاريخه (1: 281 و283) . (حواء) ذكر ابن الأثير في أسد الغابة (5: 429) أربع نسوة من الأنصاريات عرفن باسم حواء فتسمين به في عهد الجاهلية وهن حواء بنت السكن أم بجيد الحارثية زوجة قيس بن الخطيم الشاعر الذي قتل قبل الهجرة، وحواء بنت رافع بن امرئ القيس، وحواء بنت زيد بن السكن وكلهن من بني عبد الأشهل والرابعة حواء بنت يزيد بن سنان زوجة قيس بن شماس، وقد اختلفوا في نسبهن وعددهن (حيقار) هو من الأسماء الكتابية ورد في سفر طوبيا في الترجمة اليونانية (1: 23) وفي تاريخ الطبري (1: 745) أن أحد بني معد بن عدنان الذين خرجوا مع اليمنيين إلى الريف كان يدعى بالحيقار بن الحيق. (داود) هو أحد أعلام النصرانية المتواترة في الجاهلية، واقدم من عرف به أحد ملوك الضجاعمة الذين سبقوا غسان وتنصروا مع بني سليح واسمه "داود اللثق" قال ابن دريد في الاشتقاق (ص319) "هو الذي يضاف إليه دير داوود بالشام وقد ملك زماناً" وقد روى الكلبي في الجمهرة نسبة فقال: "هو داود بن هبولة أخي هبالة بن عمرو بن عوف بن ضجعم" ويروى اسم داوود على صورة داود قال الأسود بن يعفر (حماسة البحتري ص83) يصف منازل آل محرق: أرضٌ تخيرها لطيب مقيلها ... كعبُ بن مامة وابنُ أمِّ دوادِ ومن مشاهير شعراء بني أياد النصارى في الجاهلية "أبو دؤاد الأيادي" أطلب شعره في حماسة البحتري (ص87) وقد ذكر هناك (ص144) شاعر آخر دعي داود وهو داود بن حمل الهمذاني، ومن موالي الأنصار داود بن بلال (ذكره في أسد الغابة 2: 129) . (زكريا) دعي بهذا الاسم أحد بني خزاعة وهو زكريا بن علقمة الخزاعي ذكره ابن الأثير في أسد الغابة (2: 205) وقال أنه دعي أيضاً كرزاً، وذكر في الأغاني (19: 12) زكريا بن ثباة الثقيفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 (سليمان) ذكر اليعقوبي في تاريخه (1: 299) بين حكام العرب في الجاهلية سليمان بن نوفل ممن حكموهم لشرفهم وصدقهم ورئاستهم، وذكر البحتري بين قدماء الشعراء (في حماسته ص226) سليمان بن المهاجر العدوي، وروى أبو تمام (ص435) شعراً لسليمان بن قتة، وذكروا بين الأنصار عدة رجال دعوا باسم سيلمان كسليمان الليثي بن أكيمة وسيلمان ابن أبي حثمة القرشي وسليمان بن صرد الخزاعي وسيلمان بن عمرو بن حديدة الذي قتل يوم أحد وسيلمان بن مسهر وسيلمان بن هاشم ابن عتبة القرشي (اطلب أسد الغابة 2: 350 352) ولعل الذين تسموا في الجاهلية بسليم وسلام وسلمان وسالم أشاروا بأسمائهم إلى سليمان، والدليل عليه ما ورد من الشعر في سليمان الحكيم بتغيير صورة اسمه فدعاه الأسود بن يعفر سلاماً قال (التاج 8: 344) : ودعا بحكمةٍ أمينٌ سكَّها ... من نسج داودَ أبي سلاَّمِ ومثله للحطيئة: فيهِ الرماحُ وفيهِ كل سابغةٍ ... جلاَّء محكمةٍ من نسجِ سلاَّمِ ودعاه النابغة سليماً فقال ناسباً إليه نسج الدروع (ديوانه ص99) وكلّ صوتٍ نثلةٍ تبّعيّةٍ ... ونسجُ سليمٍ كلّ قضّاءَ ذائلِ (سمعان) من المحتمل أن يكون هذا الاسم كتابياً أو نصرانياً محضاً وقد دعي به قوم في الجاهليّة منهم سمعان بن عمرو بن قريط سيد بني كلاب الذي كتب إليه رسول المسلمين يدعوه إلى الإسلام فرقع دلوه بالكتاب كما ذكر ابن سعد (ص 19_20 ed. Welhausen) ثمّ خاف وأسلم. وذكر أبو حاتم سهل السجستاني في كتاب المعمّرين (ص45 ed.Goldziher) سمعان بن هبيرة قال: "وهو أبو السمّال الأسديّ عاش 167 سنة، وقالوا أنه كان في الردّة. وفي أُسد الغابة لابن الأثير (2: 355) صحابيّان كان اسمهما سمعان وهما سمعان بن خالد الكلابي وسمعان بن عمرو بن حجر ولعل الأول منهما هو الذي ذكره ابن سعد. وسام سمعان ورد أيضاً على صورة شِمعون كما سترى (راجع ياقوت معجم البلدان 2: 672) . (السّموءل) وهو سموئيل وصموئيل وشموئيل أيضاً. وقد أثبتنا في ديوان السموءل ما يرجح كون السموءل بن عادياء نصرانياً وعليه يكون الاسم شاع أيضاً بين النصارى. وقد ذكر ابن هشام في سيرة الرسول حبراً من اليهود يدعى سموئيل بن زيد (ص352 و 398 ed. Wustenfeld) . (عمِران) ومثله (عَمرو) اسمان شائعان بين عرب الجاهلية ولعلهم استعاروها من عمرام وعمري الواردين في التوراة فعمرام هو أبو موسى وهارون ومريم (عدد 3: 17) وروي في القرآن عِمران فجعله كأبي العذراء مريم (3: 31 و66: 12) . وعمري اسم لأحد ملوك إسرائيل ولبعض أبناء إسرائيل. وممن اشتهروا باسم عمرو في الجاهلية عمرو بن كلثوم التغلبي الشاعر النصراني الشهير وعمرو بن قميئة وعمرو بن الأهتم التميمي وغيرهم. واشتهر باسم عمران عِمران بن مرة بن الحارث وعمران بن الحصين الصحابي. (مريم) تعددت نساء العرب المدعوات بمريم نذكرهم في الباب الثالث (موسى) دُعي به بعض العرب قبل الإسلام كموسى بن الحارث (سيرة الرسول ص211) وأبي موسى الأشعري (ابن سعد 70) وموسى بن جابر الحنفي أحد شعراء الحماسة قال في خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب (1: 146) : "وهو أحد شعراء بني حنيفة المكثرين يقال له ابن الفريعة وهي أمّه ويقال كان نصرانياً". وكان اسم رسول الغسانيين موسى وهو منصرهم في القرن الرابع كما مر في القسم الأول. وكذلك أحد المستشهدين من نسّاك العرب في جبل سينا سنة 473 كان يدعى موسى (لوط) ذكر ابن سعد في الوافدات (ص19 ed. Wellhausen) في جملة الرواة المعاصرين لنبي المسلمين "لوط بن يحيى الأزدي". (النّعمان) أقدم من ذكره التاريخ بهذا الاسم النعمان بن بنيامين بن يعقوب (تكوين 46: 21) وبه عرف قائد ملك سورية الذي أبرأه اليّا النبي. وقد شاع بعد ذلك بين العرب ولعلّهم استعاروه من الأسفار المقدّسة. (نوح) سمي باسم نوح أحد نصارى ربيعة وهو نوح بن مجلد ورد ذكره في أُسد الغابة (5: 45) . وذكر في الأغاني (21: 90) رجلاً دعاه بابن نوح كان في أوائل الإسلام. (هارون) لم يحضرنا. اسم أحد من الجاهلية دعي بهارون. ولعل هارون بن النعمان بن الأسلت الأوسي (الأغاني 15: 161) الذي كان في أوائل الإسلام سمي به قبل الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 (يعقوب) كان من شهداء طور سينا سنة 473 المسمى يعقوب. وذكر ابن الأثير (أسد الغابة 5: 127) بهذا الاسم من أهل الجاهلية الذين أسلموا يعقوب بن أوس ويعقوب بن الحصين ويعقوب بن زمعة ويعقوب القبطي. وذكر في الأغاني (4: 64) من جملة المغنين في أول عهد الإسلام يعقوب بن الهبار. (يوسف) عرف بهذا الاسم أحد شهداء المدائن سنة 350 (Acta Sanctorum, III Apr.,p.19) ومن المدعوين يوسف بن الحكم الثقفي وكان في أول ظهور الإسلام. وذكر ابن الأثير (5: 132) يوسف الفهري من جملة الصحابة. (يونس) وهو اسم يونان النبي. وذكروا بين الأنصار يونس بن شداد الأزدي ويونس المظفّري الأوسي (أسد الغابة 5: 132) فالاسم سبق الإسلام. والدليل عليه أيضاً أسماء رهبان كانوا في جزيرة العرب وعرفوا باسم يونس (Jonas) . ثم أن هذا الاسم إذا شدّدت النون يراد به اسم يوحنا النصراني على لفظ اليونانية (يوجد سرياني) كما سنبيّن. 2 الأعلام المتضمنة للاسم الكريم أو لبعض صفاته هو الصنف الثاني من الأعلام النصرانيّة تختص بهذه الأعلام أنها تحتوي على الاسم الكريم بلفظه أو ببعض صفاته الإلهية. فمن ذلك الأسماء التي تختم بإيل. ورد في تاج العروس (7: 218) : "قال الأصمعي في معنى جبرائيل وميكائيل: معنى إيل الربوبية فأضيف جبر وميكا إليه فكأن معناه عبد إيل ورَجُل ايل. وقال الليث: هو بالعبرانية وهو اسم من أسماء الله تعالى" وقد مر في ذكر للملائكة ما ورد في الشعر الجاهلي من ذكر جبريل وميكائيل وإسرافيل وما أشبهها. وأما هل دعي أحد في الجاهلية بهذه الأسماء فلم يحضرنا من ذلك شيء إلا جبرئيل بن ناشرة المعافري أحد رفقة عمرو بن العاص (اطلب معجم البلدان لياقوت 3: 869) ولا يبعد أن اسم "جبر" الشائع في الجاهلية كان مقتصر عن "جبريل" كجبر بن عتيك وجبر بن عبد الله القبطي وجبر الكندي كانوا في أول الإسلام وقد سبقت أسماؤهم الإسلام (اطلب أسد الغابة لابن أثير 1: 265_267) . ويدخل في هذا الباب أسماء عبرانية ورد ذكرها في الفصل السابق في جملة الأعلام المنقولة عن الأسفار المقدسة كإسرائيل وإسمعيل. ومنها (شراحيل) شاع أيضاً في الجاهلية كشرحبيل بن السمط (اشتقاق ابن دريد ص218) وشرحبيل ذي رعين الحميري (ص307) وشرحبيل بن حسنة وشرحبيل بن عبد الله من الصحابة المهاجر إلى الحبشة (سيرة الرسول ص213) وشرحبيل بن غيلان (ص915) وغيرهم. ولعل هذا الاسم هو كالاسم الآرامي شربل (يوجد سرياني) عرف به أحد شهداء النصرانية في مدينة الرها ودعي به أحد جثالقة الكلدان. ومنها (شمويل) ولا نعرف نصرانياً دعي به في الجاهلية وقد ذكر ابن هشام من يهود قريظة الذين أسلموا (ص352) شموئيل بن زيد وعزال بن شمويل والاسم عبراني معناه عظم الله. وقد سبق أن اسم "السموءل" وهو كشموئيل أو صموئيل. ومنها (شمعلة) وهو اسم بعض شعراء النصارى أخصّهم شمعلة بن فائد وشمعلة بن الأخضر الضبي (تاج العروس 7: 399 وحماسة أبي تمام 282 و 640) . وذكر ابن سعد بين الوافدين على محمد المسمى شمعلة. وفي الأغاني (10: 99) شمعلة بن عامر شاعر نصراني حمله بعض خلفاء بني أمية على الإسلام فلم يسلم "فغضب فأمر به فقطعت بعض من فخذه وشويت بالنار وأطعمها" ويقال شمعل أيضاً (كامل المبرد ed. Wright, p.524) وعلى رأينا أن هذا الاسم تعريب إسمعيل ومعناه "سمع الرب". ومنها (شهميل) وقيل شهميل أبو بطن من العرب وهو أخو العتك بن الأسد بن عمران بن عمرو مزيقيا. ولعل معناه "عزّ الرب وجلّ". ومن هذه الأسماء ما أضيف إلى اسم الله وقد مر الكلام في هذا الاسم الكريم واصله. فمن ذلك (أحمس الله) ورد في كتاب الرافد لابن سعد (Wellhausen Skizzen ص69) "وأنس الله" (ص66. Ibid وتاريخ الطبري ج 1 ص2219) "وأوس الله" بمعنى عطاء الله (تاج العروس 4: 102_103) و "تيم الله" بطن من بني بكر بن وائل وبكن من النمر بن قاسط (التاج 8: 216) و "وهب الله" في الكتابات الحورانية وغيرها (Journ. As., 1882,p. 8_10) فهذه الأسماء بإضافتها إلى الاسم الكريم تدل على توحيده تعالى الذي دخل كما سبق إلى بلاد العرب على يد دعاة النصرانية خصوصاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 واشتهر منها اسم "عبد الله" الذي كان يعم كل أنحاء جزيرة العرب. وهذا الاسم ورد على صورتين أما بإضمار الاسم الكريم وإما بالتصريح به وكلاهما قد تسمى به نصارى كثيرون في الجاهلية فأما الصورة الأولى فقد جاء على صورة (عبد) كعبد بن حنيف أحد بني لحيان من لخم باني دير الأكيراح (معجم المستعجم ص373) وكطرفة بن العبد الشاعر الشهير وعلى صورة (عبْدة وعبَدة) كعبْدة بن الطبيب (الأغاني 18: 163) وعلقمة بن عبَدة وكلاهما من فحول الشعر. وعلى صورة (عبدان) اسم رجل من أهل البحرين (التاج 2: 411) وعلى صورة (عُبيد وعَبيد) كعُبيد بن الأبرص الشاعر الشهير (الأغاني 19: 84) وعُبيد بن عويج القرشي (الأغاني 6: 60) وعبيد بن أوس الظفري وعبيد بن رفاعة الزرقي (أسد الغابة لابن أثير 3: 346_348) . وعلى صورة (عبيدة) كعبيدة بن عبد المطلب (اشتقاق ابن دريد ص54) . وعلى صورة (عابد) كعابد بن عبد الله بن مخزوم (تاج العروس 2: 414) . وقد مر أن "العباد قبائل شتى من العرب اجتمعوا بالحيرة على النصرانية" (ابن دريد ص7) . وقد وردت أيضاً على صورة (عبادة) كعبادة بن عقيل (ابن دريد ص182) وصورة (عبّود) روى في التاج (2: 413) اسم يدعى رجل يدعى عبوداً آمن بالأنبياء. وعلى صورة (عبّاد) كعباد بن عمرو بن كلثوم الشاعر النصراني (الأغاني 9: 183) وكالحارث بن عباد سيد بني بكر في حرب البسوس (شعراء النصرانية ص270) . وعلى صورة (عُبادى) قال في التاج (8: 414) أنه "اسم نصراني". وعلى صورة (عبدون) المنسوب إليه دير عبدون (مستعجم البكري 474) أم المضاف إلى الاسم الكريم (فعبد الله) وهو اسم كثر من تسمّى به من أهل الجاهلية حتى بلغوا المئتين كعبد الله بن جدعان سيد قريش وممدوح أمية بن أبي الصلت (الأغاني 8: 2_6) وعبد الله أبي رسول الإسلام. وكالشاعرين عبد الله بن رواحة (الأغاني 4: 4 7) وعبد الله بن الزبعري (أسد الغابة 3: 159) وعبد الله بن غطفان (التاج 7: 239) الخ. وقد جاء على صورة التصغير (عُبيد الله) كعبيد الله ابن الحر الجعفي الفارس الشاعر (ابن دريد 243 وحماسة البحتري ص103) وعبيد الله بن عبد المدان (حماسة البحتري ص137) . وكذلك اختصروه (بعبدل) كعبدل بن حارث العجلي وعبد بن حنظلة أحد شرفاء العرب (التاج 2: 414) وقد أضافوا العبد إلى الأسماء الحسنى الدالة على الإله الحق فقالوا (عبد الواحد) كعبد الواحد بن منيع السعدي (حماسة أبي تمام (ص303 ed. Freytag) وقالوا (عبد الرحمان) كعبد الرحمان بن رواحة من الصحابة (ابن دريد 268) وعبد الرحمان بن كعب (فيه 271) وعبد الرحمان بن ربعي (حماسة البحتري ص33) وغيرهم كثيرين. روى ابن دريد في الاشتقاق عن ابن الكلبي (ص36) أن "الرحمّان صفة منفردة لله تبارك وتعالى اسمه لا يوصف بها غيره ... وقال ابن الكلبي قد سمّت العرب في الجاهلية عبد الرحمان ... وروي للشنفرى في الرحمان: لقد لطمتْ تلك الفتاةُ هجينها ... ألا بترَ الرحمنُ ربّي يمينها" وأقد الآثار التي ورد فيها اسم الرحمان الكتابة الحميريّة التي رقمت على سد مأرب سنة 542_543 للمسيح بأمر أبرهة ملك الحبش ففي أولها ما تعريبه "بقوة ونعمة ورحمة الرحمن ومسيحه وروحه القدوس" (راجع الصفحة 63 من الجزء الأول) وعليه قد ثبت أن اسم الرحمان اسم نصراني وإليه انتسب الذين دعوا باسم عبد الرحمان. ومثل (الرحيم) كعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي (حماسة أبي تمام 49و 45) . وقد أضافوا العبد إلى أسماء حسنى غيرها كالأعلى من صفاته تعالى فقالوا (عبد الأعلى) كعبد الأعلى بن صامت العبدي (حماسة البحتري ص203) . وكذلك أضافوا إلى الملك فقالوا (عبد الملك) كعبد الملك المذكور آنفاً. وعبد الملك بن أكيدر صاحب دومة الجندل النصراني السابق ذكره وعبد الملك بن علقمة الثقفي (أسد الغابة 3: 332) . وأضافوا إلى المنّان فقالوا (عبد المنان) منهم عبد المنّان بن عبد المسيح المتلمس الشاعر النصراني (الأغاني 11: 187) . وإلى الحميد فقالوا (عبد الحميد) منهم عبد الحميد ابن حفص بن المغيرة المخزومي (أسد الغابة 3: 276) فهذه الأسماء كلها تشير إلى توحيد أصحابها في الجاهلية وقد سبق القول أن اعتقاد الإله الواحد في الجاهلية دخل خصوصاً بواسطة الدين المسيحي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 ويوجد أسماء أخرى لنصارى من العرب يشير ظاهرها إلى الوثنية وإنما سقطت عن معناها الأول كما حدث عند اليونان والرومان بعدد تنصرهم. فمن ذلك (عبد قيس) و (امرؤ القيس) تسمى بها النصارى كما مر وأن كان اسم قيس يدل على بعض أوثانهم القديمة. وكذلك (المدَان) من أوثان حمير كما قالوا وكان بنو عبد المدان في اليمن من أشراف نصارى نجران. ومثله (كِلال) وإليه نسب عبد كِلال أحد ملوك عحمير المتنصرين كما سبق. ومثله أيضاً (العزيز) كان من أصنام بعض قبائل العرب. وبه عرف عبد العزيز بن سيف بن ذي يزن الحميري. وذكر في تاج العروس (2: 412) خمسة من نصارى الحيرة في جملتهم عبد عمرو وعبد ياليل. وقالوا أن ياليل اسم صنم. ومثله (يغوث) تسمّى به يغوث الحارثي سيد بني مذحج (الأغاني 12: 153) هذا ما حضر لنا من أسماء أهل الجاهلية الدالة على دين التوحيد والمحتوية لصفاته تعالى. ولا شك أنها دخلت بينهم بتأثير النصرانية. 3 الأعلام النصرانية المحضة هو الصنف الثالث من الأعلام النصرانية التي شاعت بين عرب الجاهلية وهذه الأعلام يستدل من مجرد منطوقها أنها لنصارى ليست لسواهم وها نحن نروي ما لقينا منها على ترتيب حروف المعجم: (أبجر) قد دعي بعض نصارى العرب بهذا الاسم كأبجر بن جابر سيد بني عجل النصارى (الأغاني 10: 27) والعرب يشتقونه من (بَجر) أي عظم بطنه. ولعل الأصح اشتقاقه من السريانية ومعناه فيه الأعرج وبه عرف ملوك الرها الأباجرة. (أفريم) وهو اسم نصراني يشار به إلى ملفان السريان القديس أفرام الكبير. وقد عرف به أفريم أسقف الحيرة الذي ذكرته هند الكبرى في كتابتها التي أوردناها في الجزء الأول (ص91) (إيشوع) و (يشوع) ورد في الاسم الإضافي عبد يشوع كما سترى. وجاء مفرداً أيضاً لبعض أساقفة العراق كأيشوع برنون (كتاب المجدل لماري بن سليمان ص75) (إيليا) هو اسم إلياس الذي مرّ ذكره ولعلّه على هذه الصورة شاع بين النصارى خصوصاً. وممن تسمى به إيليا أسقف نجران الذي ذكره ياقوت في معجم البلدان (2: 38) وإيليا الكشكراني (المجدل 38) (بولس) جاء في أعمال شهداء نجران أن ذا نؤاس لما دخل نجران غيلة وقتل أهلها نبش قبر أسقفها "بولس" المتوفى قبل ذلك بسنتين فأحرق رممه. (جرجس) شهيد النصرانية المعروف. وبهذا الاسم عرف جرجس أسقف العرب الكاتب السرياني الشهير. وكان أسقفاً على بني طي في أواسط القرن السابع (Duval: Litterature Syriaque, p.377) (جُريَج) وقيل (جَريج) عرف به جريج الراهب (الطبري 1: 383 وسيرة الرسول 407) وعبد الملك بن جريج وشبث بن قيس بن جريج (تاج العروس 2: 15) وورد جريج بين أعلام اليمنيين (الاشتقاق لابن دريد 329) . والاسم على رأينا شبيه بجرجس أو مشتق منه (اطلب الملحقات بتاريخ الطبري) . (Add. DLXXXIII) وقد ورد عند العرب على صورة جرجه. قال في التاج (2: 15) : "بنو جرجه المكيّون" ولعل بعض هذه الأسماء العربية مشتقة عن اسم القديس جرجنسيوس رسول عرب اليمن وأسقف الحميريين (راجع القسم الأول ص64) (رومان) عرف بهذا الاسم عند العرب بنو رومان بطن من بني طي (ابن دريد في الاشتقاق 228) وكان لنبي المسلمين مولى يدعى رومان الرومي ذكره في التاج (8: 320) . وذكر معه صاحبياً يدعى رومان بن نعجة من الصحابة. وأم رومان بنت عويمر الكنانية هي والدة عائشة زوجة نبي الإسلام. وكذلك ذكر ابن سعد (ص19) في كتاب الوفود يزيد بن رومان. ولا نشك في أن هذا الاسم تعريب رومانوس أحد مشاهير القديسين في حدود العرب. وقد جاء على لفظه الأعجمي في تاريخ الطبري (1: 2202) حيث ذكر حروب المسلمين لنصارى الأنبار فقال إن قضاعة كان عليها رئيساً "رومانوس بن وبرة" وقال هناك أنه "كان أخا النعمان". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 (سَرجِس) اسم شهيد عظيم استشهد مع القديس بكّس أو باخوس على عهد مكسيميانوس المغتصب في أوائل القرن الرابع. وقد عرف العرب النصارى أمره وكان على اسمه عدة أديرة (راجع معجم البلدان 2: 667 ومعجم ما استعجم للبكري ص374) . لا بل تسمى باسمه بعض نصارى العرب. فقد ذكره الطبري (1: 1812) راوياً كان في بدء الإسلام دعاه موسى بن سرجس. وكذلك ذكر للزبير غلاماً باسم سرجس (1: 3185) وقد روى عبد المسيح بن إسحاق الكندي في رده على الهاشمي (طبعة لندن سنة 1880 ص72) أن الذي تردد على محمد نبي الإسلام كان اسمه سرجيوس. ولقبه بحيرا معناه العالم وهو الذي أشار إليه القرآن في سورة النحل (عدد 105) حيث قال عن المكيين: "ولقد نعلم إنهم يقولون إنّما يعلّمه بشر". ولعل اسم سرجون صورة أخرى من هذا العلم. وقد عرف في دمشق يوم فتح العرب "سرجون بن منصور الرومي" الذي دعاه الطبري (2: 205 و 288) "كاتب معاوية وصاحب أمره". وهو أبو القديس يوحنا الدمشقي الذي عرف بابن سرجون أو سمي بجده ابن منصور وعنده كان ينزل الأخطل (الأغاني 7: 174) . وقد ذكر في الأغاني (14: 94 و 16: 22) كنديم النعمان بن المنذر المسمى "سرجون بن نوفل". (سمعان) و (شمعون) قلنا سابقاً (راجع الصفحة 233) أنه من المحتمل أن يكون أيضاً هذا الاسم نصرانياً محضاً وذلك أما إشارة إلى القديس سمعان بطرس ويقال شمعون الصفا هامة الرسل أو إلى سمعان العمودي الشهير بين العرب. وممن يضاف إلى من ذكرنا سابقاً "أوس بن سمعان" الصحابي (أسد الغابة 2: 146) وأبو ريحانة شمعون بن يزيد الأزدي (التاج 5: 403 وأسد الغابة 3: 4) وشمعون اسم لأساقفة وحبساء اشتهروا قبل الإسلام في العراق وجهات العرب كشمعون أسقف الأنبار في أيام الملك أنوشروان (تاريخ ماري بن سليمان ed. Gismondi. 53) وشمعون أسقف الحيرة (فيه ص56) وشمعون بن صباعي الشهيد أسقف المدائن (ص16) . (شمّاس) قد كثر هذا الاسم في الجاهلية وبه عرف بطن من تميم "بنو شمّاس" ومنهم قيس بن شماس ذكره في الحماسة وشماس بن عثمان بن الشريد الذي قتل يوم أحد (الاشتقاق لابن دريد ص64) وغيرهم أيضاً. والبعض يشتقون هذا الاسم من شماس الفرس أي جموحه. ومن المحتمل أن أصل هذا الاسم من السريانية (يوجد سرياني) بمعنى خادم الدين. والله أعلم. (عبد المسيح) هو أدل الأسماء العربية على نصرانية الذين تسموا به وعددهم بين العرب ليس بقليل وأقدمهم عبد المسيح بن باقية بن جرهم سادس ملوك جرهم على مكة الذي ذكرناه في القسم الأول من كتابنا (ص116) ومنهم عبد المسيح ابن عسلة الذي روينا شعره في شعراء النصرانية (ص254) نقلاً عن المفضليات. ومنهم عبد المسيح بن عمرو بن بقيلة الغساني كان سيد أهل الحيرة وأحد المعمرين. قال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين (ص39 ed. Goldziher) أنه "أدرك الإسلام فلم يسلم وكان منزله في الحيرة وكان شريفاً في الجاهلية" وذكر له ياقوت في معجم البلدان (2: 677) ديراً بناه عرف باسمه كان بظاهر الحيرة وفيه وجد قبره وكان عليه مكتوباً: حلبتُ الدهر أشطرهُ حياتي ... ونلتُ من المنى فوق المزيدِ فكافحتُ الأمور وكافحتني ... فلم أخضع لمعضلةٍ كؤودِ وكدتُ أنالُ في الشرفِ الثريّا ... ولكن لا سبيل إلى الخلودِ ولعبد المسيح هذا شعر روي في كتب الأدب سنجمعه إن شاء الله. وممن دعوا باسم عبد المسيح الشاعر الجاهلي الشهير بالمتلمس واسمه عبد المسيح بن جرير (راجع شعراء النصرانية ص330) ومنهم عبد المسيح بن الديّان من سادة نجران قال الأعشى يمدحه وآله (شعراء النصرانية 382) : وكعبةُ نجرانَ حتمٌ عليكِ ... حتى تناخيْ بأبوابها تزور يزيداً وعبد المسيح ... وقيساً وهم خيرُ أربابها وذكر ياقوت (4: 756) بين سادة نجران عبد المسيح بن دارس بن عدي بن معقل وقال هناك أن كعبة نجران كانت له وهي قبة من أدم وثلثمائة جلد يؤمن فيها الخلق ويرفد المسترفد وتقضى حاجة كل طالب (قال) وكانت على نهر بنجران. ومن وفود نجران على نبي المسلمين أحد أساقفتهم يدعى العاقب قال ابن سعد في كتاب الوفود (ص76) أنه كان من كثدة وأن اسمه عبد المسيح. ومنهم أيضاً "عبد المسيح بن المؤهب" الذي روى له البحتري شعراً في حماسته (اطلب الصفحة 196 من طبعتنا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 هذا فضلاً عن أساقفة بهذا الاسم تولوا رعية كنائس العراق ورد ذكرهم في تواريخ النصرانية وكان بينهم رجال من أصل عربي. (عبد ياسوع) ذكر صاحب التاج (2: 412) هذا الاسم لأحد عرب الحيرة المعروفين بالعباد. واشتهر منهم (عبد يشوع) أو (عبد إيشوع) على اللفظ السرياني. وبه عرف في جهات العراق قبل الإسلام عدة أساقفة ورهبان كعبد إيشوع الحبيس ذكره ابن ماري في المجدل (ص21) وعبد إيشوع الميشاني صاحب العمر (ص28) وعبد يشوع القناني رسول العرب (فيه) . (عديّ) وهو اسم شاع في الجاهلية وتسمى به كثيراً من نصارى العرب كعدي ابن زيد الشاعر النصراني الشهير (شعراء النصرانية ص439) وعدي بن حنظلة (تاريخ الطبري 2: 1016) وعدي ابن أوس بن مارينا (فيه أيضاً 1: 1018) وعدي بن حاتم الطائي (1: 1706_1710) وعلى ظننا أن هذا الاسم أعجمي أصله أدّي أو عدّي كان أحد تلامذة المسيح ومبشراً لإيمانه بين الكلدان والعرب وقد أفاض المؤرخون في ذكره. (عيسى) هو اسم السيد المسيح في القرآن. ومن العجب العجاب أننا لم نجد ذكراً لهذا الاسم بين أعلام العرب في الجاهلية. ولعل رسول الإسلام أخذه عل هذه الصورة من يهود يثرب الذين رووه كذلك بغضاً بالنصارى وإشارة إلى عيسو. (فراسية) ورد هذا العلم في مروج الذهب للمسعودي (ed. Bardier Meynard,III,200) فقال هناك أن المنذر ابن امرئ القيس ملك الحيرة كانت أمّه "الفراسيّة" بنت مالك بن المنذر من آل نصر" وهذا الاسم نصراني بحت كما نبه إليه الطابع (ص450) وهو تصحيف "أوفراسية" (Euphrasie) اسم عدة شهيدات نصرانيات. (فيليبّس) اسم أحد رسل السيد المسيح. وهو اسم فيليبُّس العربي أول القياصرة المتنصرين (راجع القسم الأول ص32) . (فيميون) هو اسم الراهب السائح الذي دخل نجران ونصّرها كما روينا في القسم الأول (ص59_60) والاسم أعجمي لا محالة لعلّه معرب من اليونانية (يوجد سرياني) أي البليغ والحسن النطق. (قسّ) اسم معرب من السريانية وهو فيها (يوجد سرياني) أي الشيخ يدل خصوصاً على الكاهن النصراني وبه دعي خطيب العرب أسقف نجران "قس بن ساعدة الإيادي" (اطلب شعراء النصرانية ص211) . ومن إياد أيضاً كان المسمّى الخس ابن حابس أبو هند بنت الخس الإيادية" (التاج 4: 137) الشهيرة بفصاحتها وعلى ظننا أن "الخُسّ" هنا كالقس. (ماري) وهو اسم التلميذ الذي دعا إلى الإيمان بالمسيح في جهات العراق وأنشأ على ما يقال كرسي المدائن. وبهذا الاسم عرف قبل الإسلام ماري الفارسي أسقف بيت أردشير (اطلب المكتبة الشرقية للسمعاني ج3 ص171) (مارية) هو اسم مريم على لفظه اليوناني واختصت به نساء النصارى على هذه الصورة مشيرات به إلى العذراء الطاهرة. منهن "مارية بنت الحارث" الكندية قريئة المنذر ملك الحيرة ووالدة ابنه الأسود (الأغاني 2: 32) وابنها الحارث الأعرج الذي فيه قال حسّان: أولادُ جفنةَ حولَ قبر أبيهمِ ... قبرَ ابنِ ماريةَ الكريم المفضلِ ومنهن مارية بنت مظالم بن وهب أخت هند الهنود امرأة حجر الكندي وأم عمرو نب الحارث صاحبة القرطين اللذين بحسنهما يضرب المثل "خذه ولو بقرطي مارية" (أمثال الميداني 1: 204) . ومنهن "مارية بنت حنظلة" أم جابر ابن أبجر سيد بني عجل النصارى (الطبري 1: 1033) . و"مارية بنت الصبّاح الشيبانية" من بني هند (الأغاني 6: 178_179) وابنها قيس بن شراحيل الذي فيه قال الحارث بن حلزة يشير إلى الصلح بين بكر وتغلب بعد حرب البسوس: فهلاَّ سعيتَ لصلح الصديقِ ... كصلحِ ابن مارية الأقصمِ ومنهن "مارية أمة هند ابنة النعمان" (الأغاني 2: 32) ومنهن أيضاً "مارية القبطية" ابنة شمعون التي أهداها صاحب مصر المقوقس إلى نبي المسلمين فولدت له ابنه إبراهيم (تهذيب الأسماء للنووي ص853) وذكر ابن عبد البر النمري القرطبي في كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب (ج2 ص783) أمتين لمحمد اسمهما "مارية". (مرقس) هو اسم أحد الإنجيليين وتلميذ بطرس زعيم الرسل. وبه عرف أحد شعراء الحماسة (حماسة أبي تمام ص297 ed. Freytag) وقد ضبط هناك بفتح القاف مرقس. (وقال) واسمه عبد الرحمان المعني أحد بني معن بن عتود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 (مريم) هذه صورة أخرى لاسم مريم العذراء. وفيه إشارة أيضاً إلى مريم أخت موسى. وممن تسمى بمريم بين العرب مريم ابنة عثمان من زوجته نائلة ابنة الفرافضة النصرانية (الطبري 1: 3056) وله ابنة أخرى بهذا الاسم من أم عمرو (فيه) . كذلك ذكروا "مريم ابنة إياس الأنصارية" (الاستيعاب2: 782) . وقد تكنى بأبي مريم عدة من العرب منهم أحد بني حنيفة "أبو مريم الذي قتل زيد بن الخطاب" (الاشتقاق 209) و "أبو مريم البلوي" (تاريخ الطبري 1: 2385) وقد ورد الاسم على صورة مريام كأبي مريام الأسقف (الطبري: 1: 2584_2585) . (مرينة) أو (مرينا) اسم نصراني لإحدى الصالحات وكان في الحيرة "قوم من أهل الحيرة يقال لهم بنو مرينا ينتسبون إلى لخم وكانوا أشرافاً" (الأغاني 2: 12) وقد عدهم في محل آخر (8: 64) من "العباديين". (ميكال) هو اسم ميخائيل الملاك الذي مر. وقد ورد في تاج العروس (9: 119) اسم جد البيت الميكالي بنيسابور فدعاه "ميكال بن عبد الواحد" ورقى نسبه إلى ملوك الفرس. (هِرمز) أو (هرمزد) أحد شهداء النصرانية في العراق وبه تسمى بعض نصارى العرب كهرمز أسقف مدينة عمان الذي حضر المجمع الخلقيدوني وأثبت أعماله بإمضائه. (هود) أحد الأنبياء على ما يقال أرسل إلى العرب ومن المحتمل أنه اسم نصراني وأنه صحّف عن يهوذا أحد رسل المسيح الذي يذكره القدماء كداعي العرب إلى النصرانية. ولعل اسم "هوذة"صورة أخرى لهذا الاسم عرف به هوذة بن علي ذو التاج أحد بني حنيفة النصارى الذي ذكرناه سابقاً. (الهيجمانة) كذا دعاها المسعودي في مروج الذهب (3: 199 و451) وسماه الطبري (1: 882) الجيجمانة وهي أم ملك الحيرة النعمان بن امرؤ القيس وقال الطبري أنها كانت ابنة عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل. واسمها أعجمي يوافق اليونانية (يوجد سريانية) ومعناها الرئيسة والسيدة. (يحنّه) اسم نصراني شهير. وقد اشتهر به ملك أيلة "يحنّه بن رؤبة" الذي كتب إليه رسول الإسلام يدعوه إلى طاعته (راجع كتاب الوفود لابن سعد 27: 17 ed. Wellhausen) وكتبه الطبري (1: 2374) "يوحنة بن رؤبة". وورد في التاج (9: 185) اسم "حنة" كوالد عمرو الصحابي وهي صورة أخرى للاسم ذاته. (يونس) مرّ بك أنه تعريب اسم يونان النبي. ولا نشك في أنه اسم يوحنا على لفظه اليوناني فشأنه أن يحرّك يُوِنّس. (يوجد سرياني) لاسيما إذا كان المتسمون به من النصارى وتجد في تاريخ نصارى العراق ممن دعوا بهذا الاسم وهم يكتبونه يوانيس (راجع تاريخ ماري بن سليمان ص76 و83 و99) وقد ذكر ياقوت (2: 710) بين أديار مصر "دير يُحنّس" وهو أقرب إلى الأصل. 4 الأعلام النصرانية الوصفية والمعدل به والمعربة هو الضرب الأخير من الأسماء التي تسمى بها بعض نصارى العرب في الجاهلية فمها ما هو صفة محضة كصفات شائعة وفي زماننا مثل نجيب وأنيس إلا أنها أدل على أحوال النصارى ومعتقداتهم. ومنها ما عدل به عن منهوت نصراني أو نقل معناه إلى العربية ولا نطرق هذا الباب ألا بكل حذر لئلا ينسبنا القارئ إلى المبالغة ولعل غيرنا يتسع فيه. (امرؤ القيس) لا بدع أن بعض نصارى الجالية دعوا بهذا الاسم ولعل أقدمهم هو امرؤ القيس المعروف بالبدء الذي كان ذكر ابن الكلبي وابن خلدون (راجع الجزء الأول ص77) أنه أول من تنصر من ملوك آل نصر في العراق. ومنهم امرؤ القيس الشاعر الكندي الذي أثبتنا نصرانيته في مقالة سابقة رداً على حضرة الأب انستاس (المشرق 8 [1905] : 99_1006) . ولعل سائلاً يسأل وما أصل هذا الاسم قد أجاب الكاتب المتفنن جرجي أفندي زيدان في "كتاب العرب قبل الإسلام" (ص166) أن هذا العلم أحد الأسماء "التي اقتبسها العرب من الأمم المجاورة لهم كاليونان والسريان وقد حرفوها" (قال) : "فامرؤ القيس مثلاً نظنه تحريف ماركوس (مرقس) وربما تعمدوا تحريفه ليكون له صبغة عربية ... ويؤيد ذلك أن هذا الاسم (امرؤ القيس) لم يكن معروفاً عند العرب قبل النصرانية أو قبل مجاورتهم اليونان". هذا رأي رصيفنا جرجي أفندي ويا ليته صحيح لكنه لا يقنعنا والمرجح ما يقوله المستشرقون أن الاسم مركب من "امرؤ" و "قيس" أي رجل قيس أو عابد قيس من معبودات العرب القديمة وقد بقي الاسم مع سقوط معناه الوثني. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 (بحير أو بحيرا) على رأينا أن هذين الاسمين بمعنى واحد وأنهما من السريانية (يوجد سرياني) ومعناه الرجل الحاذق والعالم والأغلب أنه لقب. وقد عرف بهذا الاسم بحيرا الراهب الذي اجتمع بمحمد صاحب الشريعة الإسلامية وكان اسمه سرجيوس كما قلنا. وذكر في أسد الغابة لابن الأثير (1: 167) رجلاً آخر شآمياً بهذا الاسم قدم على رسول المسلمين مع سبعة آخرين. وكذلك اسم بحير كان شائعاً في الجاهلية ذكر في تاج العروس (3: 29) أربعة من الصحابيين بهذا الاسم أشهرهم بجير بن أبي ربيعة المسمى عبد الله وبجير الأنماري. (بشر وبشير) كلا الاسمين كان شائعاً في الجاهلية وكثر في القبائل التي مر بيان نصرانيتها كبشر بن الحارث الصحابي وبشر بن المعلى سيد بني عبد القيس النصارى المعروف بجارود (الاشتقاق لابن دريد 186) وبشر بن أبي خازم الأسدي الشاعر. ويشير الكعبي أحد بني الحارث بن كعب أصحاب نجران النصارى (أسد الغابة 1: 293) وعلى رأينا أن في هذا الاسم إشارة إلى اسم البشارة أو أنه استعير من الآرامية بهذا المعنى فاتخذه النصارى في الجاهلية كما يدعون اليوم باسم بشارة وبشير. (البعيث) هو اسم بعض أهل الجاهلية النصارى أخصّهم بعيث بن حريث الحنفي وبعيث بن رزام التغلبي. وأشهر منهما بعيث اليشكري الشاعر واسمه خداش بن بشير من بني مجاشع واسم أمه وردة. قالوا أنه دعي بعيثاً لقوله: تبعّث مني ما تبعّث بعد ما ... أمرّت قوايَ واستمرَّ عزيمي وعندنا أن لهذا الاسم علاقة مع البعث أي المنبعث من الموت كما دعا نصارى الغرب بهذا المعنى "Anastase" ونذكر أن الأب أنستاس الكرملي أتحفنا في المشرق بمقالة تحت إمضاء "البعيث الخضري" وهو تعريب اسم حضرته الكريم. (توبة) هو اسم يشعر بزهد النصارى تسمى به في الجاهلية أو في أوائل الإسلام توبة بن عمران الأسدي (ياقوت 3: 105) وتوبة السلولي واسمه عبد الملك (فيه 1: 587) وتوبة بن الحمير الخفاجي الشاعر (الأغاني 10: 67) (ثابت) شاع هذا الاسم في أواخر عهد الجاهلية ولاسيما بين القبائل المتنصرة من تنوخ وعبد قيس وتميم وثعلبة وغيرها. ولعله أحد الأسماء المنقولة عن الأعلام النصرانية الأجنبية كمثل "Constans" اللاتينية أو "Firmus" (جابر) مما دعي به بعض النصارى في الجاهلية كالشاعر التغلبي جابر بن حني (شعراء النصرانية ص188) وجابر بن شمعون أسقف الحيرة في أيام النعمان بن المنذر (الأغاني 2: 26) لعله من الأسماء المستعارة من أوصاف اللاهوت كجبر وجبار وجبرئيل كما مر. (الحارث) أحد الأعلام التي استحبها النصارى في الجاهلية فتسمى بهم ملوكهم الغسانيون وكثيرون من أساقفتهم الذين وقعوا على أعمال المجامع بهذا الاسم منقولاً إلى اللاتينية (Aretas) ومن رؤساء قبائلهم كالحارث بن كعب الذي ذكرنا وصيته إلى أبنائه (ص128) أو كصاحب نجران المستشهد على عهد ذي نواس (ص60) واشتهر أيضاً الحارث بن عباد بني بكر وسيدهم (شعراء النصرانية ص270) . والحارث بن حلزة البكري (شعراء النصرانية ص416) وأبو الحارث الأسقف أحد وفود اليمنيين على محمد في السنة 9 للهجرة (الطبري) أما أصل هذا الاسم فليس بثابت. وقد زعم الكاتب الأديب جرجي أفندي زيدان في كتابه العرب قبل الإسلام (ص166) أنه معرب من اليونانية (قال) "فالحارث يجوز أن يكون ترجمة جيروجيوس اليونانية ومعناها العامل بالأرض". وفي قوله نظر لأن هذا الاسم سبق عهد النصرانية وبه عرف ملوك من النبط. (حبيب) هو عند النصارى لقب للرسول يوحنا بن زبدى لأن السيد المسيح خصه بمحبته بين تلاميذه. وعلى ظننا أن النصارى الذين سموا به أشاروا إلى ذاك الرسول. ومنهم من ذكروا في جملة الصحابة (راجع أسد الغابة لابن الأثير 1: 368_375) ومن شهداء النصارى في مدينة الرها على عهد ديوقليطيانوس المسمى بحبيب استشهد مع كورياس وشامونا (BHO,p.84) وعرف به شهيدان آخران في صور وفي العراق في أيام سابور. وبينهم واحد نسب إليه دير حبيب (ياقوت 2: 653) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 (حكيم) من المحتمل أن الذين دعوا في الجاهلية باسم حكيم كحكيم بن حزام بن خويلد (اشتقاق ابن دريد ص58) وحكيم بن قبيصة بن ضرار التغلبي (حماسة أبي تمام ص792 وحماسة البحتري ص61) وحكيم بن جبلة البعدي من بني عبد القيس (أسد الغابة 1: 39) وغيرهم إنما أشير بأسمائهم إلى سليمان الحكيم. (خالد) هو أيضاً أحد الأسماء التي تشعر باعتقاد النصرانية بالآخرة وخلودها فلا عجب أن يكون النصارى دعوا به أولادهم في الجاهلية كخالد بن سنان العبسي النبي الذي كان يدعو قومه إلى النصرانية (راجع الصفحة 135) وخالد بن عمرو الشيباني (حماسة البحتري ص36) وخالد بن حق الشيباني (سيرة الرسول 46) ومن المحتمل أيضاً أنهم عربوا ذلك من أعلام نصرانية يونانية (يوجد سرياني) أو رومانية (Perennis, Perpetuus, f.Perepetua) ومثل خالد تسميتهم بخالدة وخُلدة وخويلد وخليدة وخلاّد (أسد الغابة 1: 119_122 و127) . (الخضر) هذا الاسم الذي اختلف فيه المسلمون أي اختلاف فقالوا أنه النبي الياس أو النبي اليشاع أو النبي إدريس أو القديس جرجس وجعلوه من غلمان موسى في شرحهم سورة الكهف لم نجد له أثراً بين أعلام الجاهلية ولو كان قديماً لدعي به أحد النصارى أو اليهود قبل الإسلام وقد زعم البعض أنه تعريب "Horus". (الخليل) اسم إبراهيم أبي المؤمنين الذي اصطفاه الله وأحبه. ورد هذا الاسم في شعر ورقة ابن نوفل الراهب النصراني (اطلب شعراء النصرانية ص618) تلاقي خليل الله فيها ولم تكن ... من الناس جباراً إلى النار هاوياً فأصبحتَ في دارٍ كريمٍ مقامها ... تعلّلُ فيها بالكرامةِ لاهيا وجاء في القرآن في سورة النساء (4: 124) : (وَاتّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) وسبقه السموءل فقال (راجع ديوانه الذي طبعناه ص30) : فهذا خليلٌ صيّر الناس حولهُ ... رياحين جنّات الغصون الذوابلِ (سعد وسعيد وأسعد) دعي بهذه الأسماء بعض نصارى العرب في الجاهلية كسعد بن مالك أبي المرقش الذي دفع ابنه إلى أحد نصارى الحيرة ليعلمه الخط (الأغاني 5: 191) وسعد بن الضباب صاحب امرئ القيس (8: 71) وسعد الذي نسب إليه دير سعد (ياقوت 2: 669) وأسعد بن زرارة (أسد الغابة 1: 71) فلا يبعد أن النصارى اتخذوا هذه الأسماء معربة عن لغات الشعوب المجاورة لهم كاسم الشهيد "Felix" مثلاً. وإلى هذا الباب يعود اسم سعدان وبه سمي "سعدان ابن عبد يسوع" المذكور في الأغاني (20: 128) في حروب قيس وتغلب. (سالم) نجد هذا الاسم لأحد أساقفة بلاد العرب الذي حضر المجمع الخقيدوني ووقع على أعماله في اليونانية (يوجد سرياني) (راجع الشرق المسيحي Lequien: Oriens Christianus, II, 866) (صالح) هذا الاسم سبق الإسلام ومؤرخو العرب يزعمون أن نبياً بهذا الاسم أرسل إلى قوم ثمود يدعوهم إلى الله وإلى نبذ عبادة الأصنام واجترح الآيات تأييداً لدعوته فأبى أكثرهم أن يرجعوا عن غيهم فضربهم ضربة عظيمة وأهلكهم إلا الذين آمنوا فتوجه بهم إلى مكة. وليس بالمستبعد أن النبي المذكور أحد دعاة النصرانية الذين سبق لنا ذكرهم. وما يؤكده كتبة العرب (راجع سيرة الرسول لابن هشام ص21، ed. Wutenfeld) أن فيميون الذي دعا أهل نجران إلى النصرانية صحبه في دعوته ولزمه رجل اسمه صالح من عرب الشام وذكر في أسد الغابة (3: 9) مولى لرسول المسلمين كان يدعى صالح بن عبد الله قال "قُتل بقديد وكان صالحاً ديناً". فهذا الاسم على ما نرى مستعار من اعتقاد نصراني أو هو معرب عن اسم أجنبي هو "Justus" أو "Innocens" أو "Pius". (صخر) أحد أعلام الجاهلية المستفيضة فهو بمثابة كيفا (يوجد سرياني) السريانية وpetrus اللاتينية والصفا العربية وهو الاسم الذي ميز به السيد المسيح هامة رسله إذ جعله كصفاةٍ عليها تبنى بيعته. وليس لدينا برهان قاطع على أن العرب أرادوا باسم صخر الإشارة إلى القديس بطرس كما زعم جرجي أفندي زيدان (في كتاب العرب قبل الإسلام ص166) حيث قال أن العرب ترجموا الأسماء اليونانية فتسموا بها وضرب مثلاً على ذلك الحارث كما مر واسم "صخر" فقال أنه "ترجمة بطرس" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 (مالك) نظن أن هذا الاسم إما معرب عن اليونانية وإما مشيراً إلى أحد أولياء النصارى والدليل على الأول ما رويناه سابقاً (ص81) عن أحد أمراء العرب الوافدين على القديس سمعان العمودي سماه الكاتب (Basilicus) أي مالكاً. والدليل على الثاني اسم رجلين من نساك النصارى اشتهرا باسم Malchus في ما بين النهرين والعراق (BHO,pp. 131_132) (محمد) مر في الفصول السابقة (ص126 و148) أن اسم محمد من أعلام زمن الجاهلية وأن النصارى عرفوا به كمحمد بن سفيان بن مجاشع أحد أساقفة تميم وكذلك محمد بن حمران من نصارى مذحج ومحمد بن خزاعي من ذكوان ومحمد أحد بني سليم (Sprenger I, 161) . وهذا الاسم بمعناه عدة أسماء يونانية لرجال اشتهروا في بلاد العرب أخصهم أوتيميوس رسول العرب وأودوكسيوس أحد الشهداء الأولين فمن المحتمل أن يكون عرّب عن بعضها. (منصور) نجد هذا الاسم بين أعلام الجاهلية منهم في بني إياد النصارى منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد ومن بني ربيعة منصور بن جعونة قال ابن دريد في الاشتقاق (ص180) : "كان شريفاً بالشام سيداً" ومن قضاعة منصور ابن جمهور من رجال كلب. واشتهر في دمشق ابن منصور في عهد بني أمية وهو القديس العلامة يوحنا الدمشقي. وليس بالمستبعد أن يكون هذا الاسم معرب من اسم يوناني مثل (Nicon, Nicolas) أو لاتيني مثل (Vincent, Victor) 5 الأعلام النصرانية الجغرافية نضيف إلى أعلام الأشخاص النصرانية الأعلام الجغرافية التي تدل على معرفة العرب لمزارات النصارى وإكرامهم لها. (أوريشلم) عاصمة اليهود قبل المسيح أضحت بعده مدينة مقدسة يكرمها النصارى ويتباركون بزيارتها. والعرب لم يدعوها بعد الإسلام وإنما جاءت على اللفظ القديم في شعر الأعشى قال (معجم البلدان 1: 402 واللسان 5: 96) وطوّفت للمال آفاقه ... عُمانَ فحمصَ فأُريشلمْ أتيتُ النجاشيَّ في دارهِ ... وأرضَ النبيطِ وأرض العجمْ ورووا: أوريسلم وأوراسلم وذكروا حديثاً لعطاء (اللسان 5: 96) : "أبشري أورى شلم براكب الحمار" قالوا يريد بيت المقدس. وهذا الحديث منقول عن نبوة زكريا في السيد المسيح ودخوله إلى أورشليم (متى 21: 5) : "قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان". (إيلياء) هو اسم آخر لبيت المقدس لكنه روماني الأصل دعاه به أدريانوس الملك بعد محاربته لليهود في القرن الثاني للمسيح فخرب بقايا المدينة اليهودية وشيد هيكلاً للمشتري ودعى المدينة لذلك "Aelia Capitolina" وروى ياقوت أن معنى إيلياء بيت الله والصواب أنها مشتقة من اسم أسرة القيصر أدريانس المدعوة إيليا. وأنشد في معجم البلدان (1: 424) لبعض الأعراب يصف بعيره وسيره الحثيث في جهات فلسطين: فلو أنّ طيراً كلّفتْ مثلَ سيرهِ ... إلى واسطٍ من إيليّا لكلّتِ سمى بالمهارى من فلسطينِ بعد ما ... دنا الفيءُ من شمس النهار فولّتِ فما غاب ذاك اليومُ حتى أناخها ... بميسان قد حلّت عراها وكلّتِ وكذلك دعاها الفرزدق بهذا الاسم فقال (ياقوت 1: 424) : وبيتانِ بيت الله نحنُ ولاتهُ ... وقصرٌ بأعلى إيلياءَ مشرفُ (سدوم) مدينة ورد ذكرها في سفر التكوين عاقب الله أهلها لمآثمهم. وقد عرف العرب في الجاهلية أمرها فقال عمرو بن دراك العبدي (في التاج 8: 335 واللسان 15: 177) : وإني وإن قطعتُ حبالَ قيسٍ ... وخالفتُ المرونَ على تميمِ لأعظمُ فجرةً من أبي رغالٍ ... وأجور في الحكومةِ من سدومِ وقال أمية بن أبي السلط (صحاح الجوهري 2: 297) : كذلك قومُ لوطٍ حين أمسوا ... كعصف في سدومهمِ رميمِ (سينا) قال ياقوت (3: 220) : "موضع بالشام يضاف إليه الطور فيقال طور سينا الذي كلم الله تعالى عليه موسى بن عمران عم ونودي فيه". وورد هذا الاسم في القرآن قال في سورة المؤمنين (23: 20) : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ) وربما دعي بالطيور دون إضافة كقوله (في سورة مريم 19: 53) : (وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطّورِ الأيْمَنِ وَقَرّبْنَاهُ نَجِيّاً) ومثله قوله عن رؤيا موسى للعوسجة (سورة القصص 28: 29) (آنَسَ مِن جَانِبِ الطّورِ نَاراً) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 (صهيون) احدى تلال القدس الشريف التي احتلها الملك داود ويراد بها مجازاً مدينة القدس أو احدى كنائسها. وقد ورد الاسمفي شعر الأعشى قال يمدح يزيد وعبد المسيح ابني الديان وقيل يمدح السيد والعاقب اسقفي نجران (ياقوت3: 438) : ألا سيدي نجران لا يوصينكما ... بنجران فيما ناجا واعتراكما فإن تفعلا خيراً وترتديا به ... فانكما أهلٌ لذاك كلاكما وإن تكفيا نجران أمرَ عظيمةٍ ... فقبلكما ما سادها أبواكما وإن احبلتْ صهيونُ يوماً عليكما ... فإنَّ رحا الحرب الدكوكِ رحاكما (القدس والمقدس ويقال بيت المقدس) من اسماء مدينة القدس الشريف قال مروان بن الحكم يتهدَّد الفرزدق (الأغاني (21: 197) : قل للفرزدق والسفاهةُ كاسمها ... إن كنتَ تارك مانهيتكَ فاجلس ودعِ المدينة انها مذمومةٌ ... واقصدْ لمكةَ أو لبيت المقدسِ روى في التاج (4: 213) لشاعر يخاطب ناقته: لا نومَ حتى تهبطي إرض العدسْ ... وتشربي من خيرِ ماءٍ بقدسْ وورد في شعر العجَّاج (ص80 ed. Ahlwardt) : ضراغمٌ تنفي بأخذ همسِ ... عن باحة البطحاء كلَّ جرسِ حتى تزول هضباتُ قدسِ وقد مر بك (ص198) أنهم كانوا يدعون بالمقدس الزائر لبيت المقدس ويتباركون بثوبه كما اشار إلى ذلك امرؤ القيس في وصف كلاب تنهش الثور: فادركنهُ يأخذنَ بالساقِ والنسا ... كما شبرقَ الولدانُ ثوب المقدسِ الفصل الرابع الأحداث النصرانية بين عرب الجاهليَّة ظهر من الفصول السابقة ما استمدَّهُ عرب الجاهليَّة من النصارى في مفرداتهم اللغويَّة وإعلامهم الشخصية. وفي هذا الفصل الجديد نبين ما اخذوهُ عنهم من معارفهم التاريخية سواء، جرت في العهد القديم من أول العالم إلى السيد المسيح أو من ميلاد المسيح إلى هجرة فنقسم الفصل قسمين وفقاً لهذين الطورين. 1 أحداث العهد العتيق أمكن العرب أن ينقلوا أخبار العهد العتيق عن اليهود أو عن المسيحيين إلا أننا نروي هنا ماقاله الشعراء النصارى أو من عاشوا في جهات الجزيرة التي ازهرت فيها النصرانية. واليهود كما لا يخفى قلما يختلطون بأمم غربية عنهم. وزد عليه أن الأسفار الإلهية والأناجيل المقدسة كما يظهر من عدة شواهد تؤيد ذلك كانت معربة وإن كانت تلك الترجمة القديمة هي اليوم مفقودة. وها نحن نتتبع تلك الأحداث مع ماينوه بها من أقوال العرب. (التكوين) هو أول ماتفتتح به توراة موسى حيث يذكر أولاً خلق الله عز وجل للسماء ثم الارض مباشرة بالجماد ثم النبات ثم الحيوان. أما تكوين السماء فقد مرَّ ذكرهُ في ماأوردناه من الألفاظ الدالة على الخالق سبحانه وتعالى ثمَّ السماء وزينتها وعلى الأرواح الساكنة فيها (المشرق 16 [1913] : 229 و292) . فبقي تكوين الأرض في سبعة أيام الخليقة. فما جاء من ذلك مارواه المقدسي (كتاب البدء 1: 150 151) فقال: "وقد ذكرت حكماء العرب ومن كان يدين الله (كذا) منهم بدين الانبياء في أشعارها وخطبها كيف كان مبدأ الخلق. فمنه قول عدي بن زيد وكان نصرانياً يقرأ الكتب: اسمعْ حديثاً لكي يوماً تجاوبهُ ... عن ظهر غيبٍ إذا ماسائلٌ سألا أن كيف أبدي إلهُ الخلق نعمتهُ ... فينا وعرفنا آياته الأولا كانت رياحاً وماءً عرانيةٍ ... وظلمةً لم يدعْ فثقاً ولا خللاً فآمرٍ (الظلمة السوداء فانكشفتْ ... وعزل الماءَ عمَّا كان قد شفلا وبسطِ الأرض بسطاً ثمَّ قدرها ... تحتَ السماء سواءً مثل مافعلا وجعل الشمس مصراً لا خفاءَ به ... بين النهار وربين الليل قد فصلا قضى لستَّة أيام خلائقهُ ... وكان آخرُ شيء صور الرجلا" روى في تاج العروس (3: 543) البيتين الخامس والسادس لأمية بن ابي الصلت وكذلك ابن سيده في المخصص (13: 164) روى البيت السادس لأمية الا إن شهادة كتاب البدء وكتاب الحيوان للجاحظ (4: 56) أقدم وأصح وكلاهما يروي الأبيات لعدي بن زيد وروى في متاب البدء (1: 65) وفي سيرة الرسول (ابن هشام ص148) لزيد بن عمرو بن نوفل في تكوين الأرض قوله: واسلمتُ وجهيِ لمن أسلمتْ ... لهُ الأرضُ تحملُ صخراً ثقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 دحاها فلمَّا رآها استوت ... على الماء أرسى عليها الجبالا وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ ... لهُ المزنُ تحملُ عذباً زلالا إذا هي سيقت (إلى بلدة ... أطاعت فصبت عليها سجالا ومثلهما لامية بن أبي الصلت (شعراء النصرانية ص226) : وشقَّ الأرضَ فانبجست عيوباً ... وأنهاراً من العذْب الزُّلالِ ... وباركَ في نواحيها وزكَّى بها ماكان من حرثٍ ومالِ وقال يذكر الله للنيرين الكبيرين (شعراء النصرانية 229 وسيرة الرسول 40) : إنَّ آياتِ ربّنا باقياتٌ ... ما يماري فيهنَّ إلاَّ الكفورُ خلق الليل والنهار فكلٌ ... مستبين حسابه مقدور ثم يجلو النهار ربٌ كريمٌ ... بمهارة شعاعها منشور وله أيضاً (شعراء النصرانية 228) : هو اللهُ الخق والخلقُ كلُّهم ... إماءٌ له طوعاً جميعاً وأعبدُ تسبحه الطيرُ الجوانحُ في الخفى ... وإذ هي في جوّ السماءِ تصعدُ ومن خوفِ ربي سبّح الرعدُ فوقَنا ... وسبحهُ الأشجارُ والوحشُ أبَّدُ وسبَّحهُ النينانُ والبحرُ زاخراً ... وما ضمَّ من شيء وما هو مقلدُ وقال أمية يصف تكوين الحيوانات (كتاب الحيوان للجاحظ Ms de Vienne, ff. 397 طبعة مصر 2: 118) : هو أبدأ كلَّ مايأثرُالنا ... سُ أماثيلَ باقياتٍ سفوراً خلق النحلَ معصراتٍ تراها ... تقصف اليابساتِ والمخضورا والتماسيحَ والسنادل والايلَ م ... شتى والرئمَ واليعفورا وصواراً من النواشط عيناً ... ونعاماً صواحياً وحميرا واسوداً عوادياً وفيولاً ... وسباعاً والنملَ والخنزيرا وديوكاً تدعو الغراب لصلحٍ ... وإوزينَ إخرجت وصقورا ثم ذكروا تكوين جسم الإنسان من طين الارض ونفسه من نفخة خالقة. قال الجاحظ في كتاب الحيوان (Ms de Vienne, ff. 213 وطبعة مصر 3: 65) : "سانشك لعدي بن زيد وكان نصرانياً دياناً وترجماناً وصاحب كتاب ومن دهاة ذلك الدهر قال يذكر شأن آدم ... ": قضى لستتة أيام خلائقهُ ... وكان آخرها أن صوَّر الرجلا دعاهُ آدم صوتاً فاستجاب لهُ ... بنفخة الروح في الجسم الذي جبلا وقال أميّة بن أبي الصلت (حياة الحيوان 2: 113) : والأرض معقلنا وكانت إمّنا ... فيها مقابرنا وفيها نوادُ وقال أيضاً في الارض وخلقه الإنسان (فيه) : منها خلقنا وكانت أمّنا خلقت ... ونحنُ أبناؤها لو أننا شكرُ والطوط نزرعهُ فيها فنلبسهُ ... والصوفُ نجتزهُ ماأدفأ الوبرُ هي القرارُ فما نبغي لها بدلاً ... ماارحم الأرضَ إلاّ أننا كفرُ وقال أيضاً (جمهرة شعراء العرب ص18) : كيف الجحودُ وإنما خلقُ الفتى ... من طينِ صلصالٍ له فخارُ ?2 (سكنى آدم في الفردوس وخطيئته) لعدي بن زيد وصف حلول آدم في الجنة وتكوين حواء من ضلعه وتجربة الشيطان لهما على صورة الحية ثم عقاب الأبوين الاولين وطردهما من الفردوس فقال عن آدم (طبعة مصر 4: 66=de Vienne ff. 213 Ms) تمتُ أورثهُ الفردوسَ يعمرها ... وزوجةً صنعةً من ضلعهِ جعلا لم ينحههُ ربهُ عن غير واحدةٍ ... من شجرٍ طيبٍ إن شمَّ أو أكلا تعمدا للتي من أكلها نهياً ... بأمر حواء لم تأخذ لهُ الدغلا حكلاهما خاط إذ برٌ لبوسهما ... من ورق االتين ثوباً لم يكن غزلا فكانت الحية الرقشاءُ إذ خلقت ... كما ترى ناقةً في الخلق أو جملا فلاطها اللهُ إذ اغوت خليقةُ ... طول الليالي لم يجعل لها أجلا تمشي على بطنها في الدهر ماعمرت ... والتربُ تأكلهُ خزناً وإن سهلاً فأتعبا أبوانا في حياتهما ... ووجدا الجوع وإلا وصاب والعللا لعدي وصف آخر لتجربة ابليس لحواء وعقاب الحيَّة رواه العصامي في تاريخه بسط النجوم العوالي في انباء الأوائل والتوالي (نسخة مكتبتنا الشرقية ص19) قال: سعى الرجيمُ إلى حوَّا بوسوسة ... غوتْ بها وغوى معها أبو البشر خلقانِ من مارجٍ انشا خليقتهُ ... وآخرَ من ترابِ الأرض والمدر انشاهما ليطيعاهُ فخالفهُ ... ابليس عن امرهِ للحينِ والقدرَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فأبلسَ الله إبليساً واسكنهُ ... داراً من الخلد بين الروضِ والشجرِ فاغتاظ ابليس من بغي ومن حسدٍ ... فاحتال للحية الرقطاء والطير فأدخلاهُ بأيمانٍ مؤكدةٍ ... اعطاهما بيمين كاذبٍ غدرِ هناك سار إلى حوا بوسوسة ... أردت بغراتها معها أبا البشر فأهبطوا من معاصيهم وكلهمُ ... نائي المحل فقيدُ العين والأثرِ واهبط الله ابليساً واوعده ... ناراً تلهبُ بالإسعار والشررِ وانزل الله للطاووس رحمتهُ ... من صوته ورمى رجليهِ بالنكرِ وأعقبَ لالحية الحسناءَ حين عفت ... مسحَ القوائم بعد السعي كالبقر وأعقب اللهُ حوَّا بالذي فعلتْ ... بالطمث والطلقِ والأحزانِ والفكرِ وروى في كتاب البدء (1: 61) وفي اللسان (13: 457) والتاج (6: 65) عن الحية قول أمية: والحيَّة الحتفةُ الرقشاءُ اخرجها ... من بيتها أمناتُ الله والكلمُ إذا دعا باسمه الإنسانُ أو سمعتْ ... ذات الالهِ يرى في سعيها زرمُ ورواها الزمخشري في الأساس:"اخرجها من جحرها أيمنات الله والقسم" (قال) "ويقال حية حتفة أي قاتلة كما يقال امرأة عدلة" ونروي هنا أبياتاً من ارجوزة نقلها صاحب كتاب البدء (2: 85) واللمسعودي في مروج الذهب لعلي بن جهم عن بدء الخليقة كما رواها له النصارى وأن تأخر زمانهُ عن الجاهلية: ياسائلي عن ابتداء الخلق ... مسألة القاصد ثقصد الحق أخبرني قومٌ من الثقاتِ ... أولو علومٍ وأولو هيئاتِ تضرعوا في طلب الآثارِ ... وعرفوا مواردَ الأخبارِ ودرسوا التوراة والأنجيلا ... واحكموا التأويل والتنزيلا انشأ خلقَ آدم إنشاءَ ... وقدَّ منهُ زوجةٌ حواءَ مبتدياً وذاك يوم الدجمعهْ ... حتى أكمل فيه الصنعه اسكنه وزوجه الجنايا ... فكان من أمرها ما كانا غرهما الشيطانُ واغترا به ... كما أبان الله في كتابه غرّهما الشيطان في ماصنعا ... فأهبطا منها إلى الأرض معا فوقع الشيخُ ابونا آدمُ ... بجبل الهند ويدعى واسم لبئس مااغتاضَ من الجنانِ ... والضعفُ من جبلة الإنسان فشقيا وورثا الشقاءَ ... نسلهما والكد والعناء ولم يزل مفتقراً من ذنبه ... حتى تلقى كلمات ربه فأمن السخطة والعذابا والله ... تواب على من تابا والعرب يضربون المثل بآدم في القدم قال الأطل بن ربيعة (الأغاني 12: 165) يهجون بني منقر: يامنقر بن عبيدٍ أنَّ لؤمكمُ ... مذ عهد آدمَ في الديوان مكتوبُ للضيف حقٌ على من كان ذل كرمٍ ... والضيفُ في منقر عريانُ مسلوبُ (بنو آدم) وقد عرف شعراء العرب في الجاهلية نسل آدم وقصة ولديه كما ورد في قصيدة ابن جهم حيث قال عن آدم وحوا: ثمَّ تنسلا احباًَّ النَّسلا ... فحبلتْ حواءُ منهُ حملا واقتنيا الابن فسمي قاينا ... وعاينا من نشئهِ ماعاينا فشبَّ هابيل وشبَّ قاين ... ولم يكن بينهما تباين ومن الشعر المتضمن لاخبار بني آدم رثاء يرويه العرب على لسان آدم وحواء عند قتل قاين (ويقولون قابيل) لأخيه هابيل وهو لا محالة مصنوع الاَّ أنهُ قديم يروي في أقدم كتب المسلمين كتاريخ الطبرى (1: 146) ومروج الذهب للمسعودي (طبعة باريس 1: 65) وغيرهما كثيرين (راجع المشرق 6 [1903] : 492) وهم ينسبون انشاده الى علي بن ابي طالب مايدل على أن الشعر سبق الإسلام قال آدم: تغَّيرت البلادُ ومن عليها ... فوجهُ الأرضِ مغبرٌ قبيح تغيرَ كلُّ ذي حسن ولونٍ ... وقلَّ بشاشة وجهٌ صبيحُ وجاورنا عدوٌ ليس يفنى ... لعينٌ لا يموتُ فنستريح وقابيلٌ أذاق الموت هابيل ... واحزنا لقد فقد المليح فما لي لاأجودُ بسكب دمعي ... وهابيلٌ تضمنهُ الضريحُ ارى طولَ الحياة عليَّ غمَّا وما ... أنا من حياتي مستريح ونسبوا إلى حوا. قولها كجواب على قول آدم: دع الشكوى فقد هلكا جميعاً ... بهلك ليس بالثمن الربيح ومايغني البكاء عن البواكي ... إذا مالمرءُ غيب في الضريحِ فبك النفسَ منكَ ودعْ هواها ... فلستَ مخلداً بعد الذبيحِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وأضافوا إلى هذه الأبيات قولاً على لسان ابليس لآدم: تتنحَّ عن البلاد وساكنيها ... ففي الجنَّات ضاقَ بك الفسيحُ وكنتَ بها وزوجك في رخاء ... وقلبكَ من أذى الدنيا مريحُ فما زالت مكايدتي ومكري ... إلى أن فاتك الثمن الربيحُ فلولا رحمةُ الجبَّار اضحى ... بكفكَ في جنان الخلدِ ريحٌ وممن أشاروا في الجاهلية إلى ولد آدم افنون الشاعر التغلبي (المفضليات ص524 ed. Lyall) قال: قد كنتُ اسبقُ من دجاروا على مهلٍ ... من ولد آدم مالم يخلعوا رسني (نوح والطوفان) ليس في الكتاب الكريم بعد ذكر التكوين واقعٌ اخطر من الطوفا في عهد نوح. ولا شك أن عرب الجاهلية نقلوا الخبر عن أهل الكتاب ولا سيما النصارى، منهم الأعشى الكبير حيث قال يمدح إياساً ويشبه بنوح في صنع سفينته (شعراء النصرانية ص389) : جزى الإله إياساً خير نعمته ... كما جزى المرء نوحاً بعد ما شابا في فلكهِ إذ تبداها ليصنعها ... وظلَّ يجمع ألواحاً وأبواباً ومنهم أمية ابن أبي الصلت روى له الجاحظ في كتاب الحيوان طبعة مصر 2: 118=Ms de Vienne, ff. 212v) والمقدسي في كتاب البدء (3: 24) أبياتاً منها قوله يذكر ن نجاة نوح وأهله وحلوله على جبل الجودي الذي فوقه نزلت سفينته على زعم العرب: إلى أن العرب يفوت المرء رحمة ربه ... وإن كان تحت الأرض سبعون (وادياً كرحمة نوحٍ يوم حل سفينة ... لشيعته كانوا جميعاً ثمانيا فلمَّا استنار الله تنور أرضهِ ... ففار وكان الماء في الأرض ساحياً ترفع في جري كأنَّ أطيطهُ ... صريفُ محالٍ يستعيد الدواليا على ظهرِ جوانٍ لم يُعدَّ لراكبٍ ... سراهُ وغيمٍ ألبس الماءَ داجياً فصارت بها أيامها ثم سبعةَ ... وست ليالٍ دابات عواطيا تشقُّ بهم تهوي باحسن إمرةٍأأ ... كأنَّ عليها هادياً ونواتيا وكان لها الجودي نهياً وع ... غايةً واصبح عنها موجهُ متراخياً ومثلها قوله (كتاب البدء 3: 24) : منجي ذي الخير من سفينة نوح ... يومَبادت لبنان من أخراها فار تنوره وجاش بماء ... طمَّ فوق الجبال حتى علاها قيل للعبد سر فسار وبالله ... على المهول سيرها وسراها قيل فاهبط فقد تناهت بك الفلك ... على رأس شاهق مرساها ولهُ أيضاً (وراء صاحب خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب 4: 54) : عرفتُ أن لن يفوت الله ذو قدمٍ ... وإنهُ من أمير السؤ ينتقم المسبحُ الخشب فوق الماء سخرها ... خلال جريتها كأنها عوم تجري سفينة نوح في جوانبه ... بكل موجٍ مع الأرواح تقتحم مشحونةٌ ودخان الموج يرفعها ... ملأى وقد صرعت من حولها الأمم حتى تسوت على الجودي راسيةٍ ... بكل مااستودعت كأنها أطم وروي له أيضاً في كتاب الحيوان للجاحظ Ms de Vienne, ff. 396v)) بيتان في البهائم التي كانت في سفينة نوح: تصرخ الطيرُ والبريةُ فيها ... مع قوي السابع والافيال مرَّ فيها من كل ماعاش زوجٌ ... بين ظهري غوارب كالجبال ويحسن بنا أن نروي هنا ماقال القطامي الشاعر النصراني في عهد بني أمية عن نوح وسفينته (ديوانه ص84 ed. Barth ولسان العرب 6: 334) : وأنذركم مصاير قوم نوح ... وكانت أمة فيها انتشار وكان يسبح الرحمان شكراً ... والله المحامد والوقار فلمّا ان اراد الله أمراً ... مضى والمشركون لهم جؤارُ ونادى صاحبُ التنوّر نوحاً ... وصبَّ عليهمُ منهُ البوارُ وضجوا عند جيئتهِ وفروا ... ولا ينجي من القدر الحذار وجاش الماءُ منهمراً اليهم ... كأنَّ عناءهُ خرقٌ نشار وعامت وهي قاصدةٌ بإذنٍ ... ولولا الله جار بها الجوار إلى الجودي حتى صار حجراً ... وحان لتالك الغمرِ وانحسارُ فهذا فيه موعظةٌ وحكمٌ ... ولكني امرؤ في افتخارُ وذكر أمية الجودي في محل آخر مشيراً إلى حلول سفينة نوح عليه_كتاب سيبويه 1: 136 ed. Derenbourg) والبيت يروي لورقة بن نوفل في جملة ابيات (شعراء النصرانية ص617) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 سبحانه ثم سبحاناً يعكودُ لهُ ... ومثلنا سبحَ الجوديُّ والجمدُ ولأمية يذكر أمر الغراب والحمامة اللذين ارسلهما نوح ففرَّ الغراب وعادت الحمامة بغصن الزيتون فقال (كتاعب الحيوان للجاحظ طبعة مصر 4: 65 ثم Ms de Vienne, ff. 212v ثم كتاب البدء 3: 25) : وإذا هم لا لبوس لهم تقيهم ... وإذا صمُّ السلام لهم رطاب عشية أرسل الطوفانُ يجري ... وطاف الماء ليس لهُ جرابُ على أمواج أخضر ذي حبيكٍ ... كأن سعارَ زاخرهِ الهضاب بآية قام ينطقُ كلُّ شيءٌ ... وخانَ أمانةَ الديك الغرابُ وأرسلت الحمامةُ بعد سبعٍ تدلُّ ... على المهالك لاتهابُ تلمسُ هل ترى في الأرضِ عيناً ... وعائنةً بها الماءُ العبابُ فجاءت بعد ما ركضتْ بقطفٍ ... عليهِ الثأطُ والطينُ الكبابُ فلمّا فرسوا الآيات صاغوا لها ... طوقاً كما عقد السخابُ إذا ماتت تورثهُ بينها ... وإن تقتل فليس لها استلابُ جزى الله الأجلُّ المرءَ نوحاً ... جزاءً البر ليس لهُ كذابُ بما حلمتْ سفينتهُ وانجت ... غداةَ اتاهُم الموتُ القلابُ وفيها منة أرومتهِ عيالٌ ... لديه لا الظلماءُ ولا السغابُ وقال أيضاً في حمامة نوح وطوقها (حياة الحيوان للجاحظ 2: 119) : وما كان أصحاب الحمامة جيفة ... غداةَ غدت منهم تضمُّ الخوافيا رسولاً لهم اللهُ يحكم امرُ ... يبين لهم هل يؤقنس الثوب باديا فجاءت بقطفٍ آيةً مستبينةً ... فأصبح منها موضع الطين جارياً على خطهما واستوهبت ثم طوقها ... وقال ألا لا تجعل الطوق حالياً ولا ذهباً أني أخاف نبالهم ... يخالونهُ مالي وليس بمالياً وزدني على طوقي من الحلي زينة ... تصيب إذا أتبعتُ طوقي خضابيا وزدني لطرفْ العين منك بنعمة ... وورث إذا مامتُّ طوقي حمامياً يكونُ لأولادي جمالاً وزينةً ... ويهوين زيني زينةً أن يرانيا وروى البحتري في حماسة (راجع طبعتنا ص124) لرجل الكندي في نوح وسفينته فقال في تصؤف الأيام: وأصبن نوحاً بعد ما بلغتَ بهِ ... أفقَ البلاد سفينةٌ لم تغرقِ وممن ذكروا نوح وسفينهِ في الجاهلية النابغة الجعدي في ميميته التي أولها: الحمد لله لا شريك له م ... من لم يقلها فنفسهُ ظلما ثم قال يذكر بأمر الله إلى نوح ليعد له فلكاً (خزانة الأدب 4: 4) : نودي قمْ وأر كبن بأهلك م ... أن الله موفٍ للناس مازعما وفيها زعم الجعدي أنَّ سفينة نوح كانت من خشب الجوز لصلابته وجودته قال (لسان النعرب 7: 195) : يرفع بالقار والحديد من م ... الجور طوالاً جذوعها عمماً ويضربون المثل في نوح بطول العمر ورووا لرؤية (ديوانه ص128) : فقلتُ لو عمرت سنَّ الحسلِ ... أو عمرَ نوحٍ زمن الفطحلِ والصخرُ مبتلٌ كطين الوحل ... صرتُ رهين هرم أو قتلِ ومثله لأبي العتاهية ديوانه ص67) : نح على نفسك يا ... م مسكين أن كنت تنوحُ لستَ بالباقي ولو ... م عمرت ما عمر نوحُ (أبناء نوح) لم نجد في شعر عرب الجاهلية ذكر الأبناء نوح لألا في قصيدةٍ لصلاءة بن عمرو الشهير بالافوه الأولادي (راجع شعراء النصرانية ص70) ذكر فيها ملوك التبابعة والمثامنة وقد ورد منها أبيات في يكتاب وصايا ملوك العرب (ص20) فقال: فلو دام البقاءُ إذنْ جدودي ... وأسلافي بنو قحطانَ داموا ودام لهم تبابعهم ملوكاً ... ولم تمت المثامنةُ الكرامُ وعاش الملك ذو الأذعار عمروٌ ... وعمروٌ حولهُ اللجب اللهام ملوك أدتِ الدنيا أليه ... إتاوتها ودان لها الأنام ولما يعصها سامٌ وحامٌ ... ويافتُ حيثما حلت ولام (ذكر ابراهيم الخليل وابنه اسحاق) ورد اسم إبراهيم في الشعر الجاهلي ويقال إبراهيم وإبراهيم قال عبد المطلب (العرب للجواليقي ص9 واللسان 14: 314) ينسب ابتناء الكعبة إلى إبراهيم: عذتُ بما عاذ به إبراهيم ... مستقبل القبلة وهو قائم إني لك ألهم عانٍ راغمُ وله: نحنُ آلُ الله في كعبته ... لم يزل ذاك على عهد إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 ودعاه ورقة بن نوفل باسم الخليل فقال (_شعراء النصرانية 618) يخاطب زيد بن عمرو فأصبحت في دار كريم مقامها ... تعللُ فيها بالكرامة لاهيا تلاقي خليل الله فيها ولم تكن ... من الناس جباراً إلى النار هاويا وكذلك قال جرير (الطبري 1: 433) : أبونا خليلٌ الله والله ربنا ... رضينا بما أعطى الاله وقدرا وفي شعرهم إشارة إلى اسحاق ويدعونه الذبيح لما ورد في التوراة من طاعة إبراهيم لما امتحنه الله وامره بتقدمة ابنه، قال الأعشى يشبه لون الخمر بلون دم الذبيح: ومدامةٍ مما تمتق بابل ... كدمِ الذبيح سلبتها وجريالها وقد وصف أمية بن الصلت تقدمة إبراهيم كما رويت في التوراة فقال (تاريخ الطبري 1: 308 وكتاب البدء 3: 65 وقصص الأنبياء 93 وخزانة الأدب 2: 543) : سبحوا للمليك كلَّ صباحٍ ... طلعت شمسهُ وكلَّ هلال ولإبراهيم الموفي بالنذ ... ر احتساباًوحامل الاجذال بكره لم يكن ليصبر عنهُ ... لو رآه في معثرٍ أقتال ولهُ مديةٌ تخايلُ في اللحم ... حذامٌ حينةٌ كالهلال أبني اني نذرتك لله ... سحيطاً فاصبر فدى لك حالي فأجاب الغلام أن قال فيه ... كلُّ شيء لله غير انتحال اني انني جزيتك بالله ... تقياً به على كل حال فاقض ماقد نذرت لله وأكفف ... عن دمي أن يمسه سربالي وأشدد الصفد لا أحيد عن السكين ... حي الأسير ذي الأغلال إنني آلمُ المحزّ وإني ... لاأمس الأذقانَ ذات السبال جعل الله جيده من نحاس إذ ... رآه زولاً من الازوال بينما يخلع السرابيل عنه ... فكه ربه بكبشٍ جلالَ قال خذهُ وأرسل ابنك اني ... للذي قد فعلتما غير قال والدٌ يتقي وآخر مولو ... دٌ فطارا عنه بسمع معال ربما تجزع النفوس من ألأمر ... لهُ فرجةٌ كحل العقال وقد اختصر ذلك السموءل في ديوانه (راجع طبعتنا ص30) فقال: فهذا خليلٌ صير الناسَ حولهُ ... رياحين جنات الغصون الذوابلِ وهذا ذبيحٌ قد فداهُ بكبشه ... براه بديهاً لانتاج الثياتل (ذكر لوط وعقاب سدوم) لوط اخو إبراهيم. ذكره العرب ورووا ماجرى لسدوم من العقاب في عهد ورد في المعاجم (الصحاح والتاج والسان في مادة سدم) لشاعر لم يذكروا اسمه ولعله هو الشاعر الآتي ذكره: كذلك قومُ لوطٍ حين أمسوا ... كعصف في سدومهم الرميم وجاء في التاج واللسان لعمرو بن دراك العبدي يشير إلى مثل العرب: "أجور من قاضي سدوم" فقال: وإني وإن قطعت حبال قيس ... وخالفت المرون على تميم لأعظم فجرةً من أبي رغال ... وأجور في الحكومة من سدوم وقال أمية بن أبي الصلت يذمر قصة سدوم وفجور أهلها وعقابهم (سفر التكوين ف219 ثم معجم البلدان لياقوت 3: 59 زكتاب البدء 3: 58 وآثار البلاد للقزويني) : ثم لوطٌ أخو سدومٍ اتاها ... اذ أتاها برشدها وهداها راودوه عن ضيفه ثم قالوا ... قد نهيناك إن تقيم قراها عرض الشيخُ عند ذاك بناتٍ ... كظباءٍ بأجرعٍ ترعاها غضب القوم عند ذاك وقالوا ... أيها الشيخ خطبةٌ نأباها أجمع القوم أمرهم وعجوزٌ ... خيب الله سعيها ولحاها أرسل الله عند ذاك عذاباً ... جعل الأرض سفلها أعلاها ورماها بحاصبٍ ثم طينٍ ... ذي حروف مسومٍ إذ رماها (يعقوب وبنو إسرائيل) يعقوب أبو الأسباط الأثني عشر الذي دعي إسرائيل ويقول العرب اسارئين، قال بعض القدماء (اللسان 17: 351) . قد حرت الطير أيامنينا ... قالت وكنت رجلاً فطيناً هذا لعمر إسرائنيا رواه في القلب والإبدال لابن سكيت (ص9 ed, Haffner) : "هذا ورب البيت اسرائينا". وسماه أمية بن أبي الصلت إسرال (نقد الشعر لقدامة ص83) : ماأرى من يغيثني في حياتي ... غير نفسي غلا بني إسرال وروى الجاحظ (في البيان والتبيان 1: 190) لبعض بني إياد النصارى قوله وفيه اشارة إلى رؤيا يعقوب عند مسيره إلى مابين النهرين إذ رأى سلماً تصعد عليه ملائكة الله وتنحدر (تكوين 28: 12) فقال: ونحن إيادٌ عبيد الإله ... ورهط مناجيهِ في السلامِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ونسبوا الأسبط إلى يعقوب قال السموءل (اطلب طبعتنا لديوانه ص12) : وبقايا الأسباط أسباط يعقو ... ب دراس التوراة والتابوت وذكره في محل آخر وخص بالذكر يوسف ابنه وقصته في مصر (ص31) : وهذا رئيس مجتبى ثم صفوه ... وسماه إسرائيل بكر الأوائل ومن نسله السامي أبو الفضل يوسف م ... الذي أشبع الأسباط قمح السنابل وصار بمصرٍ بعد فرعون أمره ... بتعبير أحلام لحل المشاكل ومن بعد أحقاب نسوا ماأتى لهم ... من الخير والنصر العظيم الفواصل (موسى الكليم) قد أكثر شعراء الجاهلية النصارى من ذكر موسى كليم الله ورووا ماجرى مع فرعون ونجاة بني إسرائيل على يده من رق المصريين فمن ذلك ماورد في كتاب البدء (1: 75) وفي سيرة الرسول (ابن هشام ص145 146) وفي خزانة الأدب (1ك 119 و4: 243 في الهامش) لزيد بن عمرو ورويت أيضاً لمية: رضيت بك اللهم رباً فلن أرى ... أدين الهاً غيرك الله ثانياً وأنت الذي من فضل من ورحمة ... بعثت إلى موسى رسولاً منادياً وقلت له فاذهب وهارون فادعوا ... إلى اله فرعون الذي كان طاغياً وقولا له أأنت سويت هذه ... بلا وتد حتى أطمأنت كما هيا وقولاً له أأنت رفعت هذه ... بلا عمدٍ أرفق إذا بك بانياً وقولاً له أأنت سويت وسطها ... منبراً إذاً ما جنه الليل سارياً وقولاً لهُ من يرسل الشمس غدوةً ... فيصبحُ مامست من الأرض صاحياً وقولاً له من أنبت الحب في الثرى ... فأصبح منه البقلُ يهتزُ رابياً ويخرج منهُ حبةً في رؤوسهِ ... وفي ذاك آياتٌ لمن كان واعياً وروى المقدسي في كتاب البدء (3: 82) لأمسة بن أبي الصلت يذكر صلف فرعون وعقابه: ولفرعونَ إذ تساقُ لع الما ... ءُ فهلاَّ لله كان شكوراً قال إنني أنا المجيرُ على النا ... س ولا ربَّ لي عليَّ مبجيرا فمحاهُ الإلهُ من درجاتٍ ... نامياتٍ ولم يكن مقهوراً سلبُ الذكر في الحياة جزاءً ... وراه العذاب والتغييرا وتداعى عليهم البحر حتى ... صار موجاً وراءهُ مستطيراً فدعا الله دعوةً لا ... تهنأ بعد طغيانه فصار مشيراً وممنى ذكروا موسى وفرعون السموءل حيث قال (راجع ديوانه ص31) : ألسنا بني مصر المنكلة التي ... لنا ضربت مصرٌ بعشر مناكل ألسنا بني البحر المغرق والتي ... لنا غرق الفرعون يوم التحامل ومثله للقطامي في غرق فرعون (ديوانه ص84 ed. Barth) : وشق البحر عن أصحاب موسى ... وغرقت الفراعنة الكفار وقال الأعشى مشيراً إلى أكل بني إسرائيل المنَّ والسلوى في البرية (سيرة الرسول لابن هشام 368 ولسان العرب 19: 11) : لو أطعموا المن والسلوى مكانهم ... ابصر الناس طعماً فيهم نجعا وللسموءل يصف ماجرى في البرية لبني إسرائيل (ديوانه ص31) : وأخرجه الباري إلى الشعب كي يرى ... أعاجيبه مع جوده المتواصل وكيما يفوز بالغنيمة وأهلها ... من الذهب إلا بريز فوق الحمائل ألسنا بني القدس الذي نصب لهم ... غمامٌ يقيهم في جميع المراحل من الشمس والأمطار كانت صيانة ... تجير نواديهم نزول الغوائل ألسنا بني السلوى مع المن والذي ... لهم فجرَ الصوانُّ عذبَ المناهلِ على عدد الأسباط تجري عيونها ... فراتاً زلالاً طعمهُ غير حائلِ وقد مكثوا في البر عمراً محدداً ... يغذيهم العالي بخير المآكلِ فلم يبل ثوبٌ من لباسٍ عليهم ... ولم يحوجوا المنعل كلَّ المنازلِ وأرسل نوراً كالعمود أمامهم ... ينير الدجى كالصبحِ غيرَ زايلِ ألسنا بني الطور المقدس والذي ... تدخدخ للجبار يوم الزلازلِ ومن هيبة الرحمان دكَّ تذليلاً ... فشرفهُ الباري على كل المطائلِ وناجى عليه عبده وكليمهُ ... فقدسنا للرب يوم المتباهلِ 10 (القضاة إلى داؤد) كان خلف موسى في قيادة شعب إسرائيل يشوع بن نون ولم نجد اسمه في الشعر الجاهلي. وإنما ذكر الشريشي في شرح مقامات الحريري (1: 80) وبيتين للرصافي الشاعر يخاطب وجيهاً اسمه موسى فيهما إشارة إيقاف يشوع للشمس فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وعشيَّ أنسئ للسرور وقد بدا ... من دون قرص الشمس مايتوقعُ سقطتُ ولم تملك يمينك ردّها ... فوردت ياموسى لو أنك يوشعُ وقد ذكر المسعودي في مروج الذهب (طبعة باريس 1: 98) أبياتاً لشاعر جاهلي اسمه عوف بن سعد الجرهمي يذكر فيها حرب يشوع للعمالقة وقتله لملكهم ملك أيلة الذي دعاه السميدع بن هوبر فقال: ألم ترَ أنَّ العملقي بن هوبرٍ ... بأيلةَ أمس لحمهُ قد تمزعا تداعت عليه من يهود جحافلٌ ... ثمانين ألفاً حاسرينَ ودرَّعا فأمست عدادٌ للعماليق بعدهُُ ... على الأرض مشياً مصعدين وفرعاً كأن لم يكونوا بين أجبال مكةٍ ... ولم ير راءٍ قبل ذاك سميدعا ثم ذكروا أول ملك بني إسرائيل المسمى شاؤل وهم يدعونه طاولت قال السموءل (ديوانه ص12) : وانفلاقُ الأمواج طورين عن مو ... سى وبعدُ المملك الطالوت وذكره صاحب القرآن في سورة البقرة (2484: (إِنّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً) 12 (داؤود الملك) تكرر اسمه في الشعر الجاهلي. ولم يكد الشعراء يذكرون من أمره غير وضعه للزبون وسرده للدروع. إلا أن السموءل أشار إلى قتله جليات وهو يدعوه جالوت قال (ديوانه ص13) : ومصاب الأفريس حين عصى ... الله واذ صاب حينه الجالوت وفي القرآن (2: 252) : "وقتل داؤد جالوت". وقد ذكره عبيد بن الأبرص (خزانة الأدب 1: 323) بياناً لطول عمرع: وطلبت ذا القرنين حتى فاتني ... ركضاً وكدت أن أرى داؤوداً وقال الأعشى يذكر حوادث الدهر (حماسة البحتري ص90) : ومرٌّ الليالي كلَّ وقتٍ وساعةٍ ... يزعزعنَ ملكاً أو يباعدنَ دانيا وردن على داؤود حتى أبدنهُ ... وكان يغادي العيشَ اخضر صافياً وقد أكثروا من ذكر داؤود ونسجه للدروع ولانعلم على أي نص استندوا في اثبات ذلك قال طرفة (شعراء النصرانية 309 وديوانه ص58 ed. Seligson) : وهم ما همْ إذا ما لبسوا ... نسجَ داؤود لبأسٍ محتضرْ وقال حصين بن الحمام المري (حماسة أبي تمام ص189) يصف كتاباً كان يقودها عمرو بن هند ملك الحيرة الملقب بالمحوّق: عليهنَّ فتيانٌ كساهم محرقٌ ... وكان إذا يكسو أجادَ وأكرما صفائحَ بصرى أخلصتها قيونها ... ومطرداً من نسج داؤود مبهما وكذلك جاء في حماسة أبي تمام (ص284) لحسيل بن سجيع الضبي في وصف الدرع: وبيضاء ابن داؤود نثرةٍ ... تخيرتها يوم اللقاءِ ملابسا ومثله للبيد (حماسة البحتري ص84 وديوانه طبعه الخالدي 83) في كوارث الزمان: وتزعن من داؤود أحسن صنعه ... ولقد يكون بقوَّة ونعيم صنع الحديد لحفظه أسراره ... لينل طول العيش غير مرومِ ومثلهم قال الأعشى (شعراء النصرانية 388) : وأعددتُ للعرب أوزارها=رماحاً طوالاً وخيلاً ذكوراً ومن نسج داوود يحدى بها ... على أثر العيس عيراً فعيرا وكذا لسلامة وبن جندل (الأصمعيات ص51) في وصف درع: مداخلة من نسج داوود شكها ... كحب الجنا من أبلمٍ متفرق وله أيضاً (راجع طبعتنا لديوانه ص14) : لبسوا من الماذي كلَّ مفاضة ... كالنهي يوم رياحه الرَّقراق من نسج داوود وآل محرقٍ=غالٍ غرائبهن في الآفاق أمَّا زبور داوود فقد مر لنا ما ورد لفيه من شعر العرب (راجع ما سبق ص184) : "سليمان الحكيم" أطنب شعراء الجاهلية في حكمة سليمان وسمو سلطانه وأبنيته العجيبة التي ذكرها الكتاب الكريم في سفر الملوك الثالث وأخبار الأيام الثاني ويزيد العرب أن سليمان كان يقعر الحيان ويسخر الجنَّ للقيام بأعمال الجبارية، فمن ذلك قول النابغة من قصيدة مدح فيها النعمان فجعله لآثار سليمان في تسخيره الجن لبناء تدمر (ديوانه في العقد الثمين ص7 وشعراء النصرانية) : ولا أرى فاعلاً في الناس يشبهه ... ولا أحاشي من الأقوام من أحدِ ألاَّ سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند وخيس الجنَّ قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصَّفاح والعمد فمن أطاعك انفعه بطاعته ... كما أطاعك وادلله على الرَّشد ومن عصاك فعاقبه معاقبةً ... تنهى الظَّلوم ولا تقعد على ضمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وكذلك قد نسب أعشى قيس بناء قيصر الأبلق الفرد إلى سليمان بن داؤود حيث قال: (معجم البلدان 1: 93 وشعراء النصرانية ص375) : ولا عاديا لم يمنع ماله ... وورد بتيماء اليهودي أبلق بناهُ سليمانُ بن داوود حقبةً ... له أزجٌ عالٍ وطيٌّ موثَّق يوازي كبيداء السماء ودونه=بلاطٌ وداراتٌ وكاس وخندقٌ وللأعشى أيضاً في سليمان وسعة ملكة وتسخيره للجنّ (كتاب البدء 3: 108) : فلو كان حيَّاً خالداً ومعمراً ... لكن سليمان البريُّ من الدهر براهُ الهي واصطفاه عبارةً ... وملَّكه ما بيتن سرق إلى مصر وسخرَّ من جن الملائك شيعةً ... قياماً لديه يعملون بلا أجر الأعلام النصرانية وقال الأعشى (حماسة البحتري ص90) لفي تسخير الجن لسليمان: فذاك سليمان الذي سخرت له ... مع الأنس والجن والرياح المراخيا ولاميَّة بن أبي الصلت في قهر سليمان للجنّ (اللسان: 19: 215) : أيما شاطنٍ عصاه عكاه ... ثم يلقى في السجن والأغلال ومثله لشاعر حميري (حماسة البحتري ص86) : وملك سليمان بن داؤود زلزلت ... وريدان قد ألحقته بالصعائد وقد مرَّ سابقاً أن اسم سلمان ورد على صور أخرى كسالم وسلاّم وسليم (راجع الصفحة 232) : "يونان النبي" لم نجد في الشعر الجاهلي ذكراً لأحد ملوك بني إسرائيل بعد سليمان، وكذلك الأنبياء ألا يونان النبي فأنهم يدعونه يونس ويشيرون إلى قصته وبعثته إلى أهل نينوى فيذكرون ابتلاع الحوت له، قال أميّة بن أبي الصلت (شعراء النصرانية ص231 وسير ة الرسول لابن هشام ص146) : وأنت بفضلٍ منك نجيَّت يونساً ... وقد بات في أضعاف حوت لياليا رسولاً لهم والله يحكم أمر هـ ... يبين لهم هل يونس الترب باديا وقد ضربوا المثل في حوته فقالوا: (آكل من حوت يونس) و (أنهم من حوت يونس) وكذاك ورد في ذكر القرآن في سورة الصافات حيث قال (ع139 148) : (وَإِنّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلاَ أَنّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىَ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُواْ فَمَتّعْنَاهُمْ إِلَىَ حِينٍ) ، وقد ورد للفرزدق أبيات في نجاة يونان من بطن الحوت فقال في ابن هبرة حيث ثقب سجن خالد بن عبد الله القسري وعبر الفرات (محاضرات الأدباء: 2: 114 والفرج بعد الشدة للتنوخي 1: 128) : ولما رأيت الأرض قد سدَّ ظهرها ... ولم تر إلا بطنها لك مخرجاً دعوت الذي ناداه بعد ما ... ثوي في ثلاثٍ مظلمات ففرجا آداب نصارى الجاهلية وروى في كتاب البدر (1: 73) بيتاً لصرمة بن أنس المعروف بالراهب فيه إشارة إلى قصة يونس ولعلَّ البيت مصحف: وله الراهبُ الحبيس تراهُ ... رهن يونس وكان ناعم بالِ وقد وجدنا في بعض مخطوطات باريس العربية (كتاب تاريخ الحيوان والنبات والجماد) (Ms687de Paris,ff.65) بيتاً لامية يذكر فيه اليقطينة التي أنبتها الله ليستظل تحتها وأيبستها الشمس (سفر يونان 4: 3 7) : فأنبت يقطيناً عليه برحمةٍ ... من الله لولا الله أبقى صاحيا ونضيف إلى ما سبق بيتاً رواه الجاحظ لامية (كتاب الحيوان 7: 17) ذكر فيه نبوة حزقيال التي رآها حيث ظهر له رجل ثم أسد ثم ثور ونسر وهي الحيوانات الرمزية لمشار بها إلى الأربعة الإنجيليين أعنى متَّى الذي بدأ أجيله بذكر ناسوت السيد المسيح ونسبه ثم مرقس الذي افتتح إنجيله ببشارة يوحنا المعمدان كزئير الأسد في البرية ثم لوقا الذي ذكر في بدء إنجيله ضحية زكريا في الهيكل وأخيراً يوحنا الذي ارتفع كالنسر بوصف ومولد ابن الله الكلمة الأزلية، وهذا هو البيت: رجلٌ وثورٌ تحت رجل يمينهِ ... والنَّسرُ للأخرى وليثٌ موصدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وكذلك ورد في الشعر الجاهلي اسم حيقار أو حيقر المذكور في الترجمة اليونانية من سفر طوبياً (1: 23) وله قصة طويلة عند العرب نشرها حضرة الأب أنطون صالحاني في ملحقات ألف ليلة وليلة، قال عدي بن زايد (حماسة البحتري ص86) في بلايا الدهر: عصفنَ على الحيقار وسط جنوده ... وبيتّن في لذاته ربَّ ماردِ هذا وما وقفنا عليه في الشعر الجاهلي من مقولاتهم عن العهد القديم إلا أن في رواياتهم النثرية ما كان أوسع وأدل لولا أن معظمها فقد وإنما حفظ منها قسم في تاريخ المؤرخين الأقدمين كتاريخ الطبري أو كتبهم الأدبية ككتب الجاحظ وكثير منها مدون في القرآن، ومن هذه الروايات ما هو موافق لنصوص الكتب المقدسة منقول تعنها بحرفها أو بمعناها، ومنها ما تده في كتب مصنوعة نسبت زوراً إلى أنبياء أو رسل أو صالحين كبعض كتب الرؤى (Apocalypses) أو الوحي المزعوم كوصية آدم وكتاب أحنوخ وصعود أشعيا مناجاة موسى وكتاب مغارة الكنوز المنسوب إلى ما فرام وكتب أخرى عديدة دخلت في بلاد العرب بواسطة النصارى ولاسيما الرهبان أو بواسطة أهل البدع واليهود فشاعت مضامينها الفرية ولم يميزوا بين صحيحها وكاذبها وربما استند إليه بعض أعداء النصرانية في عهدنا لتخطئة الكتب المنزلة لكن سهامهم طائشة لا تصيب هدفاً. 2 أحداث العهد الجديد كما عر ف العرب في الجاهلية الأخبار المدونة لافي أسفار العهد العتيق كذلك عرفوا أحداث العهد الجديد وأشاروا إليها نظيماً ونثراً. ومعلوم أن مدار أخبار هذا العهد على ما رواه الإنجيليون الأربعة عن السيد المسيح وسيرة حياته وتعليمه وموته وقيامته يضاف إليها أمور ورد ذكرها في التقليد الراقي إلى قرون النصرانية الأولى ودونت في تأليف عديدة بعضها صحيحة وصادقة كمصنفات الآباء والكتبة القدماء وبعضها امتزج فيها الغث بالسمين واختلط الباطل باليقين كبعض أناجيل الزور التي سبق لنا وصفها في المشرق سنة 1908 (11: 164) وانتشر قسمٌ منها في بلاد العرب بين أهل الجاهلية. فما عرفوه أن عيسى أي يسوع الناصري هو المسيح، قال السموءل (راجع طبعتنا لديوانه ص32) : وفي آخر الأيَّام جاءَ مسحنا ... فأهدى بني الدنيا سلام التكامل والعرب لم يطلقوا هذا الاسم على غيره بل صرحوا أنه هو اسمه الخاص به. وكذلك نسبوه إلى أمه مريم كما مرَّ لعمرو بن عبد الحق: وما سبح الرهبان في كل هيكلٍ ... ابيل الابيلين المسيح ابن مريما يؤيده قول القرآن في سورة آل عمران (ع40) : (إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَمَرْيَمُ إِنّ اللهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) . وقد عرفوا من التقليد أنَّ مريم العذراء مباركة بين النساء تفوق شرفاً على نساء العالمين فطهرها الله منذ حل بها بالبطن وذلك بنعمة خاصة منه تعالى حتى أن الثعلبي روى في كتابه قصص الأنبياء المسمَّى بالعرائس (ص337 من طبعة مصر) حديثاً رفعه بإسناده إلى أبي هريرة عن نبي الملمين وهو قوله: (ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إلا مريم وابنها) ، ولعل القرآن أشار إلى هذه النعمة الجلية حيث يقول (سورة آل عمران (ع37) : (يَمَرْيَمُ إِنّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىَ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ) . وكذر الثعلبي أيضاً (ص335 338) وروى قبله المقدسي ابن طاهر في كتاب البدء والتاريخ (ج3: 118 120 ed.Hurat) خبر مولد مريم العجيب من حنة العاقر بعد نذور والدتها ثم اعتزالها في هيكل أورشليم لخدمة الكهنة ثم كفالة زكريَّا لها في الهيكل إلى حين اقترانها بالقديس يوسف وكل ذلك منقول عن التقليد المسيحي القديم وهو مروي في سورة آل عمران (ع31 33) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 (إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّراً فَتَقَبّلْ مِنّي إِنّكَ أَنتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىَ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالاُنْثَىَ وَإِنّي سَمّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ فَتَقَبّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفّلَهَا زَكَرِيّا كُلّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَمَرْيَمُ أَنّىَ لَكِ هََذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ولم يتفهم ذكر يوحنا المعمدان السابق أمام وجه المسيح فرووا ما ورد مسطراً في إنجيلي لوقا ومرقس عنه أعني ميلاده العجيب على كبر سن والديه وبنيوا مقامه بين الأنبياء وتقدمه أمام وجه المسيح وموته على يد هيرودوس انتيباس إذ نهاه عن الزواج بامرأة أخيه كما ورد في تاريخ الطبري (ج1 ص711 720) وفي كتاب البدء والتاريخ (3: 116 118) . ومما رووه بتفصيله بشارة الملاك للعذراء مريم بالمسيح وحبلها من الروح القدس وإن دخل في روايتهم منقولات ضعيفة عن كتب غير قانونية كما رأيت في القصيدة التي أثبتناها سابقاً (ص187 188) عن أمية بن أبي الصلت التي أولها: وفي دينكم من ر مريم آيةٌ ... منبئةٌ بالعبد عيسى بن مريما ومثلها ما رووه من المعجزات عن يسوع الطفل كتكلمه في المهد وكآياته في هربه إلى مصر من وجه هيرودوس وفي حياته في الناصرة كانحناء أغصان النخل أمام أمه لتجني من تمرها وكنبات البلسان في المطرية لما سقت أرضها بماء غسله وكإفحام يسوع لأستاذه في الناصرة بما كان يعرضه عليه من المشاكل وكنفحة في طير يصطنعه من طين فيحيا ويطير وأخبار كثيرة مثلها ورويت في الأناجيل الموضوعة التي شاعت في جزيرة العرب أخضها إنجيل الطفولية فتناقلها أهل الجاهلية وروي بعضها في القرآن الكريم في السور المرسومة بآل عمران والنساء والمائدة مريم. وذكروا من حياة المسيح العلنية جمعه لرسله وأنصاره الحواريين فنوهوا بهم في شعرهم (راجع الصفحة 189 190) وكرر ذكرهم في القرآن، وذكروا أيضاً الآيات التي اجترحها ورويت في الأناجيل كتطهير البرص وفتح عيون العميان ورد النطق للبكم والسمع للصم وإحياء الموتى حتى ضرب المثل بطب عيسى وشفاء عيسى قال الثعالبي في كتاب ثمار القلوب في المضاف والمنسوب (طبعة مصر ص47) : ط عيس يضرب به المثل لأنه كان يبرئ الأكمة والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله. ومن أمثال العرب فلان يتطيب على عيسى بن مريم قال المتنبي: فآجرك الإله عل عليلٍ ... بعثتَ إلى المسيح به طبيبا وكثيراً ما ذكروا الإنجيل الذي بشر به السيد المسيح فأشاروا إلى ما فيه من الهدى والنور والموعظة للمتقين (سورة المائدة العدد 50) قال عدي بن زيد (كتاب الحيوان للجاحظ 4: 66) : وأوتيا الملك والإنجيل نقرأه ... نشفى بحكمته أحلامنا عللا من غير ما حاجة إلا ليجعلنا ... فوق البرية أرباباً كما فعلا ومثله قول النابغة في بني غسان وقد دعا الإنجيل بالمجلة: مجلتهم ذات الإله ودينهم ... ويمٌ فما يرجون غير العواقب وأدركوا أسرار حياة المسيح في ختامها كدخوله أورشليم يوم الشعانين (راجع الصفحة 215) وكعشائه السري في خميس العهد ورسمه لسر القربان الأقدس وآلامه وصليبه وموته وإن اختلطت في أقولهم شبهات نقلوها عن الكتب المزورة التي رذلتها الكنيسة منذ ظهورها، وقد سبق لنا (ص209 210) إيراد أقولهم في القربان، وتسميتهم له بالشبر، وقلنا هناك أنه ليس بمستبعد أ، القرآن في سورة المائدة (ع112 116) بذكره للمائدة التي أزلها السيد المسيح على الحواريين إنما أشار إلى المائدة السماوية أي القربان الأقدس (راجع تاريخ الطبري ج1 ص735) كذلك عرفوا في عهد الجاهلية أن النصارى يعبدون المصلوب (راجع الصفحة 203 204) كقول حجار بن أبجر في بني عجل النصارى: جددني عجلٌ وما خلت أنني ... خلاةٌ لعجلٍ والصليب لها بعل وكقول الأقيشر: "في فتيةٍ جعلوا الصليب إلههم" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ومماّ ألمعوا إليه ذكر قيامه المسيح يوم الفصح وابتهاج النصارى فيه بعد الصوم الأربعيني (راجع الصفحة 216) كما قال الأعشى في هوذة بن علي لما فك أسارى تميم: ففكَّ عن مئة منهم إسارهم ... وأصبحوا كلهم من غله خلعا بهم تقرَّب يوم الفصح ضاحية ... يرجو الإله بما أسدى وما صنعا وآخر ما رووا من أعمال المسيح صعوده إلى السماء وهو عيد السلالق (راجع ص217) وقد دعا ذلك برفع عيسى (سورة آل عمان) حيث قال: (قَالَ اللهُ يَعِيسَىَ إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ) . ويضيفون إلى ذلك أن السيد المسيح هو الذي يدين البشر في آخر العالم بعد انتصاره على المسيح الدجال كقول القائل: "إذا المسيح يقتل المسيحا" (لسان العرب 3: 430) وكما قال أمية بن أبي الصلت (راجع الصفحة 178) : أيام يلقى نصاراهم مسيحهم ... والكائنين له وداً وقربانا وهذا بلا شك من قول السيد المسيح في إنجيل يوحنا (5: 22) : "أنَّ الآب لا يدين أحداً بل أعطى الحكم كله للابن ليكرم الابن جميع الناس" أو من قوله في إنجيل متى (16: 27) : "إن ابن البشر مزمع أن يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ليجازي كل أحد بحسب أعماله". وكما وقف العرب في الجاهلية على كثير من أخبار السيد المسيح المدونة في أسفار العهد الجديد اطلَّعوا أيضاً على بعض الأحداث لتي جرت للنصارى في الفترة التي كانت بين السيد المسيح وظهور الإسلام، ومن ذلك بعثة رسل المسيح إلى أقطار العالم ليدعوا الأمم إلى دينه مما روى ذلك أقدم كتبه العرب كالطبري في تاريخه (ج1 ص737 739) وان طاهر المقدسي في كتاب البدء والتاريخ (ج3 ص127) ويقول مفسروا القرآن أن ما ورد في سورة يس عن مرسلين أرسلا إلى قرية ليدعوا أهلها إلى نفي عبادة الأصنام والإيمان بالله إنما يشير إلا حواريين وهما شمعون الصفا هامة الرسل وبولس الرسول قدما إلى أنطاكية ليردا أهليها قبل دعوتهم رجلاً يدعونه حبيباً النجار قتل شهيداً عن إيمانه وعاقب الله قاتليه (اطلب تاريخ الطبري ج1 ص89 793) . ومما رووه من أخبار النصارى نقلاً عن كتبهم قصة شهداء أفسس السبعة الذين أراد الملك دقيوس في أواسط القرن الثالث للمسيح أن يضطرهم على عبادة الأصنام فهبروا من وجه الحكام واختفوا في مغارة حيث قيل أن اله ضرب على آذانهم فناموا ولم يستيقظوا إلا بعد سنين طويلة مرت عليهم كليلة فبعثهم الله ليكونوا آية لقيامة الموتى، فهذه القصة شاعت في عدة بلاد وروتها مجاميع أخبار القديسين تحت اسم "السبعة النوام" (les sept Dormants) بلغت عرب الجاهلية فدعوهم هم أصحاب الكهف إشارة إلى الكهف الذي رقدوا فيه، وذد ذكرهم أمية بن أبي الصلت في أبيات لم يعرف منها غير بيت استشهد به البيضاوي في تفسير القرآن (طبعة ليدن ص555) : وليس بها إلاَّ الرقيم مجاورا ... وصيدهم والقوم في الكهف هجَّدُ وكذلك وردت أخبارهم في القرآن في وسرة الكهف، وقد اتسع كتبة العرب في تفاصيلها كما نقلناها في كتابنا مجاني الأدب (2: 236) ملخة عن الدميري وتجدها أيضاً مفصلة في تاريخ الطبري (ج1: 775 782) . وقد عرف العرب في الجاهلية شهيداً آخر للنصرانية وهو القديس جرجس المستشهد في عهد ديوقلسيانوس في أوائل القرن الرابع للمسيح نحو السنة 302 وهم يدعونه بالخضر جعلوه من الأنبياء وزعم الطبري (ج7 ص795) "وأنه أدرك بقايا من حواريي عيسى ابن مريم" ورووا في استشهاده العجائب الغرائب (1. وقد وجدوا بين الكنائس المشيدة لإكرامه كنيسة ترقى إلى القرن الرابع للمسيح في جهات العرب وهي أقدم الكنائس على اسم ذاك الشهيد العظيم بنت سنة 367 في مدينة شقة من أعمال حوران. وقد سبق لنا (طلب الجزء الأول ص103 104) أن عرب الجاهلية عرفوا أيضاً القديسين الشهيدين سرجيوس وباخوس وأن أقدم أثر كتب بالعربية إنما لتذكارهما، وقد رسمنا هناك صورة ذاك الأثر الراقي إلى سنة 512 للمسيح وروينا ما أثبته أحد مشاهير السريان عن تعبد لعرب في الجاهلية للقديس سرجيوس كما أننا ذكرنا أقول الشعراء في خروجهم إلى الحرب تحت راية ذاك الشهيد (ص99 100) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 واشتهر بينهم شهداء نجن الذين ماتوا في سبيل دينهم في وسط العرب فعرفوهم بأصحاب الأخدود لأن ذا نواس الطاغية الحميري اليهودي ألقاهم في أخاديد أضرم فيها النار فاستشهدوا لكرامة دين المسيح وإليهم أشار القرآن سورة البروج حيث قال (ع1 9) : (وَالسّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الاُخْدُودِ النّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَىَ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الّذِي لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) . أما ذو نواس فحاربه الحبش وغلبوه وانتزعوا من بلاد اليمن من يده وفيه يقول عمرو بن معدي كرب (كتاب العرائس للثعلبي ص386 وكتاب البدء والتاريخ 3: 183) : أتوهدني كأنك ذو رعين ... بأنعم عيشة أو ذو نواس وقدماً كان قبلك في نعيم ... وملكٍ ثابت في الناس راسي فقد تم عهده من عهد عاد ... عظيم قاهر الجبروت قاسي فأمسى أهله بادوا وأمسى ... ينقل في أناس من أناسِ ومما درى به أيضاً عرب الجاهلية من أمور النصارى نظام كنيستهم من رئيس ومرؤوس كالبطاركة والمطارنة والكهنة والمؤمنين مع مالهم من الطقوس الدينية والأسرار المقدسة والعادات التقوية وقد أثبتنا لك في الفصول السابقة بياناً لانتشار النصرانية في جزيرة العرب فليراجع. الفصل الخامس في الأمثال العربية المنقولة عن الأسفار المقدسة يعرف القراء ما كان للأمثال الدارجة من الشهرة والاعتبار بين عرب الجاهلية فإنهم أودعوها أخبارهم وضمنوها حكمهم وكانوا يحلون بها صدور محافلهم ويدرجونها في خطبهم وينظمونها في أسلاك قصائدهم وينقلونها في أنحاء جزيرتهم حتى ضرب المثل في يرها فقالوا: أسير من مثل وإنما فضلوها لأربع فوائد وجدوها فيها كما قال أحدهم: اجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكناية، وهذه الخواص تنطبق كلها مع غرائز العرب وأطباعهم إذ عرفوا بالرزانة والتروي في الكلام وإيراد الحكم البليغ باللفظ الوجيز، وقد أشار صاحب شفر الملوك الثالث إلى حكمة العرب هذه عند كلامه عن حكمة سليمان وقد سماههم هناك بأهل المشرق فقال: (4: 30) : "ففات حكمة سليمان حكمة جميع أهل المشرق" ثم ذكر بع العرب المشهورين بذلك. ولما ظهر الإسلام وأخذ اللغويون يجولون لاف أحياء العرب ليجمعوا شعرهم ومآثرهم الأدبية جعلوا لأمثالهم ِأناً عظيماً، وكان أول من أخذ يجمعها شعرهم شرية وصحار العبدي كانا في عهد الخلفية معاوية بن أبي سفيان ولكليهما كتاب في الأمثال واشتهر بعدهما المفضل الضبي في أوائل الدولة العباسية وقد طبعت أمثاله في الأستانة ثم تبعه أبو عبيد القاسم بن سلام وله كتاب الأمثال السائرة ثم الأصمعي وأبو زيد وأبو عبيدة النحوي ثم هشام الكلبي صاحب كتاب أمثال حمير ثم ابن الأعرابي وله تفسير الأمثال وابن قتيبة مؤلف حكم الأمثال ثم العسكري مؤلف جمهرة الأمثال حتى قام الميداني شهاب الدين أحمد النيسابوري (+539 1145م) فوضع كتابه مجمع الأمثال وضمنه نيفاً وستة آلاف مثل جمعها من أكثر من خمسين كتاباً ورتبها على حروف المعجم (ونحن نشير في كلامنا إلى طبعة بولاق سنة 1284) . وقد راجعنا ما تيسر لنا من هذه المجاميع لعلنا نقف على أصول تلك الأمثال فوجدنا عدداً منها نقل بلفظه عن أسفار العهدين القديم والحديث ما يدل على أن قائليها عرفوا كتب النصارى المنزلة وخالطوا النصارى ولعل قوماً منهم كانوا نصارى فلم يصعب عليهم أن يضربوا الأمثال نقلاً عن كتب كانوا يسمعونها في مجتمعاتهم الدينية. وها نحن نورد هنا هذه الأمثال إثباتاً لقولنا ونشير إلى الآيات الكتابية المأخوذة عنها، ولم ننقل غير الأمثال الراقية إلى عهد الجاهلية أو أوائل الإسلام ما يدل على هذا النفوذ النصراني بين العرب ونقسم هذا الفصل أربعة أقسام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 1 إن بين الأمثال العربية قسماً كبيراً ورد على صورة أفعل التفضيل ذكره الميداني في آخر كل باب من حروف المعجم، وهذه الأمثال مبنية على ما خصت به المواليد الطبيعية من الصفات اللازمة لها كنور الشمس وحلاوة العسل وشجاعة الأسد فهذه الأمثال التي نقلت عن العرب ليست خاصة بهم وقد سبقهم إلى استعمالها أصحاب الأسفار المنزلة في العهدين القديم والحديث سواء قيل أن العرب استعاروا من تلك الأسفار أو أنهم أوردوها بمجرد نظرهم إلى الطبيعة. فمنها أمثال مبينة على الطبيعة الجامدة كالفلك وظواهر الجو والمعادن نذكر هنا ما عثرنا عليه من ذلك، يقول العرب: أحسن من الشمس القمر (الميداني 1: 201) وأبهى من القمرين (م1: 101) وأشهر من البدر (م1: 343) واثقب من النجوم وأر فع من السماء (م1: 278) وأبين من فلق الصبح (م1: 103) وأنور من وضح النهار (م1: 262) فهذه الأمثال قد سبق إليها كلها الكتاب الكريم مثال ذلل قول سفر الحكمة (7: 29) عن الحكمة: "إنها أبهى من الشمس وأسمى من كل مركز للنجوم وإذا قيست بالنور تقدمت عليه" وكقول ابن سيراخ (17: 30) "أي شيء اضوأ من الشمس" وكقول سفر الأناشيد (16: 9) : "من هذه المشرفة كالصبح الجميلة كالقمر المختارة كالشمس". ويقول الرب آكل من النار (م1: 74) وقال أشعيا النبي قبلهم (30: 27) : "هوذا اسم الرب يأتي من بعيد.. وشفتاه مملؤتان سخطاً ولسانه كنار آكلة" وضربوا المثل في سرعة البرق (م1: 315) وقال الرب قبلاً في الإنجيل عن سقوط إبليس من السماء (لوقا: 10: 18) "أني رأيت الشيطان ساقطاً من السماء كالبرق". ومن أمثالهم في الحسن: "أسن من الدمية" (م1: 200) وكان داؤد قال في مزاميره (143: 12) "وأن بناتنا كأعمدة الزوايا مزينات كدمية هيكل". وقد ضربوا المثل بصلابة الصخر فقالوا: "أقصى من صخرة ومن حجر" (م1: 62) وإيبس من صخر (م2: 322 وأرسب من حجارة (1:278) ومثله في أشعيا (50: 7) عن ثبات المسيح بإزاء أعدائه: "السيد الرب ينصرني لذلك لم أخجل بل جعلت وجهي كالصوان" وقال: موسى في تثنية الاشتراع (8: 13) لبني إسرائيل عن الرب: "أنه أخرج لك الماء من صخرة الصوان"، وقد أشار السيد المسيح إلى ثبات بيعته لما دعا رسولا بطرس الهامة بالصخرة وأكد له أنه "يبني بيعته على تلك الصخرة فا تقوى عليها أبواب الجحيم" (متى: 16: 18) ويشبهه مثل العرب في ثقل الرصاص فقالوا: أثقل من الرصاص (م1: 138) وأرس من الرصاص (م1: 278) وقد شبه موسى قبلهم غرق المصريين في البحر بالرصاص (خروج 15: 5و10) : "غطتهم الحجارة فهبطوا في الأعماق كالحجارة.. وغرفوا كالرصاص في غمر المياه" وكذلك قولهم: "أيثقل من طود" (م1: 138) وقد شبه الملك داود في الزبور (124: 1) المتكلين على الرب "بجبل صهيون الغير المتزعزع الثابت إلى الأبد". ومما ضربوا فيه الأمثال من الجمادات مروق السهم ومضاء السيف وحدة الموس وعدل الميزان وسحابة الصيف وحلاوة العسل وشهوة الخمر وحقارة الأرض فقالوا: "أمرق من السهم" (م2: 233) وأمضى من السيف (م2: 236) وأحد من موسى (م1: 212) وأعدل من ميزان وأخلف من سحابة صيف وأحلى من العسل (م1: 201) واشتهى من الخمر (م1: 342) وأحقر من التراب (م1: 202) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 وكل ذلك قد شبهت به الكتب المقدسة فقال اشعيا (49: 2) "جعل (الرب) فمي كسيفٍ ماض] .. وجعلني سهماً مختاراً وفي جعبته سترني" وقال بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين (4: 12) : "أن كلمة الله هو حي عامل أمضى من كل سيف ذي حدَّين" وقال داود النبي (مز 44: 6) : "نبأ لك مسنونة.. هي في قلوب أعدائك" وقال أيضاً (مز51: 4) في الرجال الظالم: "لسانك يختزع الظلم عاملاً بالغش كالموس المسنونة" وقال موسى في عدل الميزان (أخبار 19: 35 36) : "لا تجوروا في الوزن والكيل بل موازين عادلة وعيارات عادلة تكون لكم"، وقد شبه القديس يهوذا في رسالته (1: 12) : المنافقين بالسحابة المخلفة فقال: "هؤلاء سحب بلا ماء تحملها الرياح" أما حلاوة العسل فتكر ذكرها في الكتاب المقدس قال ابن سيراخ عن لسان الحكمة (24: 27) : "إن روحي أحلى من العسل وميراثي ألذ من شهد العسل" وقال صاحب المزامير (18: 11) : "خشية الرب أشهى من الذهب والإبريز الكثير وأحلى من العسل وقطر الشهاد"، وقال في سفر تشيد الأناشيد ف شهوة الخمر (1: 3) : "نفوح ذاك رين حبك الذي هو أطيب من الخمر" وقال في المزامير (112: 7) : في حقارة التراب: "إن الرب ينهض المسكين عن التراب ويقيم البائس من المزبلة ليجلسه مع عظماء شعبه". وكما سبقت الكتب المقدسة العرب في أمثالهم المنقولة عن الجماد كذلك تقدمتهم في استعارة الأمثال عن الحيوان ومميزاته، فمن ذلك ضربهم المثل بشجاعة الأسد فقالوا: "أجرأ من قسورة ومن ذي لبد" (م1: 164) وأشجع من أسامة وأشد من أشد (م1: 343) وقال قبلهم بقرون عديدة صاحب سفر القضاة: (14: 18) :"أي شيء أحلى من العسل وأي شيء أشد من الأسد" وقال في سفر الأمثال (28: 1) : "الصديقون كشبل يطمئنون" وقال يعقوب في نبؤته على يهوذا (تك 49: 9) : "يهوذا شبل أسدٍ.. جثم وربض كأسد وكلبؤة فمن ذا يقيمه". وضربوا المثل في ظلم الذئب وعداوته وفي خبث الثعلب فقالوا: "أظلم من ذئب" (م1: 392) وأعدى من ذئب (م1: 430) وأسلط من سلقة وهي الذئبة (م1: 311) وأروغ من ثعالة: قال طرفة: "كلهم أروغ من ثعلب" (م1: 279) وتقدمهم الكتاب الكريم فقال يعقوب (تك: 49: 27) "بنيامين ذئب يفترس" وقال السيد المسيح لتلاميذه (متى 7:15) : "احذروا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بلباس الحملان وهم في الباطن وذئاب خاطفة" وقد شبه لذكره المجد هيرودوس بالثعلب لخبثه (لو 13: 32) وقالوا على خلاف ذلك: "أذل من النقد"، أي الغنم، وقال اشعيا وداعة المسيح بإزاء أعدائه (53: 7) : "كشاة سبق إلى الذبح وكحمل صامت أمام الذين يجرؤنه". وقد ضرب العرب الأمثال في الفرس وسرعته وشدته وكرم طباعه فقالوا: "أجود من الجواد المبر" (م1: 167) وأسرع من فريق الخيل: (م1: 307) وأشأى من فرس وأشد من فرس (م1: 341) وقد وصف الكتاب الكريم الفرس بكل هذه الصفات في آيات شتى ولاسيما فيوصف سفر أيوب (39: 19 25) : "أأنت الذي يؤتي الفرس قوة ويقلد عنقهُ رعداً..". وكذلك اضربوا الأمثال في الكلب وفي السوس وفي النملة فقالوا: "آلف من كلب" (م1: 75) وأطوع من كلب (م1: 387) (وأحرص من كلب على جيفة (م1: 201) وقالوا: "آكل من السوس" (م1: 74) ووصفوا النملة بالحرص فقالوا: أجمع من النملة (م1: 166) وأكس من نملة وذرة (م2: 98) وأحرص من نملة (م1: 202) وفي الكتب المنزلة أوصاف مثلها فجاء في سفر طوبيا (6و 11) ووصف ألفة الكلب، وقال اشعيا يصف رقباء إسرائيل وطمعهم (56: 11) : "كلاب نهمة النفوس لا تعرف الشبع" وقال في سفر الأمثال (25: 20) عن السوس والعث: "كالعث في الثوب والسوس في الخشب هكذا الكآبة في قلب الرجل" وقال الرب لتلاميذه (متى 6: 19) : "ولا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والآكلة وينقب السارقون فيسرقونه" وأما النملة وحرصها على جمع الطعام فقد المع إليها سفر الأمثال بقوله للكسلان (6: 6) : "اذهب إلى النملة أيها الكسلان انظر طرقها وكن حكيماً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 ومن أمثالهم في الطيور ما قالوه في منعة العقاب وسرعة طيرانه وحدة بصره وفي عمر النسر وفي ألفة الحمام ونهم الجراد: "أعز من عقاب الجو" (م1: 437) وأبصر من عقاب ملاع (م1: 100) وأعمر من نسر (م1: 434) وآلف من حمام (م1: 75) وأجرد من الجراد (م1: 167) وكذلك ور في الكتب المنزلبة عن منعة النسر قول أيوب (39: 27) ، "أبأمرك يحلق النسر ويجعل وكره في العلاء مسكنة الصخر وفيه مبيته وعلى أنف الصخر معلقه من هناك يبحث عن قوته وعينه تنظران من بعيد". وقال داود في رثائه لشاول وليوناتان (م ملوك 1: 23) "أسرع من النسور وأشد من الأسود" وقال السيد المسيح ممثلاً بوداعة الحمام (متى10: 16) "كونوا ودعاء كالحمام"، ثم في تثنية الاشتراع (28: 39) يتهدد الرب شعبه "بالجرد القارض". وقد قالوا في الحية والأفعى: "أظلمك من حية وأظلم من أفعى" (م1: 391) وأعدى من الحية (م2: 429) ومثل هذا في سفر أيوب يصفق المنافق (20: 16) : "يرضع سم الأصلال فقتله لسان الأفعى" وفي الكتب المقدسة آيات كثيرة تشير إلى خبث الحية وسمها القاتل وفي الإنجيل لكريم (متى 1: 16) "كونوا حكماء كالحيات" قال ذلك لأن الحية تحرص على رأسها لئلا تصاب بأذى فتصونه دون جمسها، ولعل العرب أرادوا أيضاً ذلك بقولهم "أعدى من الحية" يريدون العدو أي السرعة لتسرعها إلى حجرها لتنجو من العدو، وهكذا شرحها الدميري في حياة الحيوان (1: 320) بخلاف الميداني الذي اشتقها من العداوة والظلم، وقد روى ابن قتيبة هذا المثل في عيون الأخبار (ed.Brockelmann,p.459) على صورة أخرى فقال: "احلم من حية" ثم روى (ص460) كلام الإنجيل هكذا: "أن المسيح (عم) قال للحواريين: كونوا حكماء كالحيات وبلهاً كالحمام". 2 ومن أمثال العرب الدالة على اختلاطم بأهل الكتاب وعلى الأخص بالنصارى ما رووه منسوباً إلى الأنبياء أولى مشاهير رجال العهد القديم والجديد وقد جاء أشياء كثيرة من ذلك في كتاب الأمثال للميداني (م) وقد صنف أبو منصور الثعالبي كتاباً جليلاً في هذا المعنى دعاه "ثمار القلوب في المضاف والمنسوب" في مكتبتنا الشرقية منه نسخة حسنة وقد طبع في مصر طبعاً سقيماً سنة 1326 نشير إليه في يبحر (مض) ونتبع زمن التاريخ مباشرة بآدم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 (آدم) عرفوه بأبي البشر وضربوا به المثل بالشهرة (مض 29) وبالقدم (اطلب الصفحة 283) = (أنوش) وهو ابن شيث ويدعى أحنوح ينسب إليه العرب الآثار القديمة والخط فقالوا: "إنما خدش الخدوش أنوش" (م1: 15) = (نوح) ذكروا سفينة نوح وغراب نوح وعمر نوح (مض 29 31 اطلب ص285) = (إبراهيم الخليل) ذكروا (مض 31 34) "مقام إبراهيم" فضربوا به المثل لكن مكان شريف ونار إبراهيم زعموا أنه نجا منها بإذن الله، وصحف إبراهيم لحكم قالوا إن الله أنزلها عليه، وضيف إبراهيم وتحفة إبراهيم إشارة إى الله تعالى الذي تراءى لإبراهيم على صورة ثلثة رجال (سفر التكوين ف18) فأضافهم وقدم لهم خبزاً ولحماً، (اطلب القرآن سورة الحجر49) : (وَنَبّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً ... ) ،= (إسماعيل) نسبوه إلى الصدق فقالوا: "صدق إسماعيل" (مض 33 34 وسورة مريم) = (يعقوب) قالوا: "أحزن يعقوب" مشيرين إلى حزنه تعلى يوسف لما أخبره بنوه بموته (مض44) = (يوسف الصديق) ضربوا المثل (مض 34 38) برؤيا يوسف إشارة إلى الرؤيا الصادقة، وبذنب يوسف لتهمة كاذبة، وبقميص يوسف المشرج بالدم، وبحسن يوسف، وسني يوسف السبع المخصبة ثم السبع المجدبة: (راجع سفر التكوين ف37 وما يليه ثم في القرآن سورة يوسف) = (موسى) مما يذكرون له (مض 38) عصاة موسى التي فلق بها بحر القلزم، ونار موسى التي تجلى له فيها الله، ويد موسى التي لاحت عليها آثار البرص، وصحف موسى المنزلة عليه ومناجاته لله (رجع سفر الخروج وبعض سور القرآن كالبقرة والأعراف) = (فرعون) نسبوا إليه الصلف والنخوة فقالوا: "نخوة فر عون" (مض 63) = (قارون) هو قورح أحد الذين خسفت بهم الأرض لمعارضتهم موسى، وقد زعموا أنه كان مثرياً فقالوا: "كنوز قارون" (مض64 والقرآن سورة القصص 76) = (بنو إسرائيل) ضربوا بهم المثل في التيه فقالوا (م1: 131) : "أتيه من قوم موسى عم"= (أيوب) ضربوا به المثل في الصبر (صبر أيوب) (مض 41) = (داود) ذكر العرب في أمثالهم مزامير داود ونغمته في تلاوتها وزعموا أنه برع في نسج الدروع (مض 43 44 واطلب فصولنا السابقة ص349) = (سليمان) ضربوا به المثل في عزة الملك واتساعه فقالوا: "ملك سليمان" ونسبوا إلى خاتمه المعجزات فقالوا: "خاتم سليمان" كما قالوا: "جن سليمان وسير سليمان" لزعمهم بأن الله سحر لخدمته الجن والشياطين وأنه كان يعلم منطق الطي والحشرات (راجع سورة النمل في القرآن) ويسير على بساط الريح (سورة سبأ في القرآن اطلب مض 44 46 وفصولنا السابقة ص350) = (الخضر) قيل أنه الياس النبي فقالوا: "فلان خليفة الخضر" أي جواب في الآفاق (مض 42) = (يونس) هو النبي يونان شربوا به المثل في الحوت الذي ابتلعه فقالوا: "أنهم من حوت يونس" (مض43) = (عزيز) هو عزر صاحب السفرين الواردين باسمه في الكتاب المقدس، ضربوا بحماره المثال فقالوا: "حما عزيز" لأن الله على زعمهم أمده به في نكبته (مض 46) = (هامان) وزير الملك أحشورش نسبوا إليه صرحاً فقالوا: "صرح هامان" زعموا أنه بناه لفرعون (راجع القرآن سورة القصص ومض 63) = (عيسى) أي السيد المسيح ضربوا المثل في نطقة بالمهد (مض40) ثم في طبه فقالوا: "طب عيسى" لكثرة معجزاته في إحياء الموتى وشفاء المرضى (مض47) في حماره الذي ركبه يوم دخوله أو رشليم في أحد الشعانين (مض46) ونسبوه إلى الله فقالوا: "روح الله" و"كلمة الله" (مض15) = (مريم العذراء) ضربوا المثل بعفتها فقالوا: "عفة مريم" (مض44 وسورة آل عمران) وقالوا: "تحفة مريم" كما قالوا تحفة إبراهيم يريدون بها الرطب أي التمر (مض 244) وكذلك قالوا: "نخلة مريم" لأنهم زعموا أنها كانت تنحني أمامها لتأكل من ثمرها (مض244) = (يحيى) وهو يوحنا المعمدان فقالوا: "دم يحيى ابن زكريا" (مض 47) لقتله ظلماً على يد هيرودوس= (الحواريون) وهو رسل السيد المسيح ضربوا لمثل في صفاء لوهم (قصص الأنبياء للثعلبي ص343) =ومن أمثالهم النصرانية (كعبة نجران) وهي كنيسة كان يحج إليها أهل اليمن لحسنها (مض412) و (قس نجران) وهو قس بن ساعدة المضروب به المثل في الخطابة (مض 185) و (أبدال اللكام) و (أبدال لبنان) وم قوم من النساك الصالحين زهدوا في الدنيا وعبدوا الله في جبل اللكام وجبل لبنان (مض186 187) و (نوم أصحاب الكهف) وهو شهداء النصرانية في أفسس قيل أنهم أووا إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 مغارة لينجوا من المغتصبين فباتوا فيها نائمين سنين عديدة (مض 65 وسورة الكهف في القرآن) و (كنيسة الرها) قالوا أنها من عجائب الدنيا (مض 416) و (دير هرقل) كانوا يعالجون فيه المجانين (مض419) . * 3 وبين أمثال العرب في الجاهلية وأول الإسلام ما هو منقول بحرفه أو بمعناه من الكتب المقدسة فدونك ما أخذوه عن أسفار العهد القديم. بين الأمثال التي وردها الميداني في مجموعة (طبعة بولاق 2: 229) قولهم: "المراء من المرء وكل أدماء من آدم". وأردف: "ويقال أن هذا أول مثل جرى للعرب" وهو منقول عن سفر التكوين (2: 23) حيث روى موسى كيف خلق الله حواء من ضلع آدم فقال: "هذه تسمى امرأة لأنها من امرئ أخذت". ومنها مثلهم (ك1: 43) "إن لم يكن وفاق ففراق" ينظر إلى قول إبراهيم إلى لوط في السفر المذكور بعد نزاع حصل بين رعاتهما (13:8 9) : "لا تكن خصومة بيني وبينك وإنما نحن رجلان أخوان.. اعتزل عني أما في الشمال فأتيا من عنك وأما إلى اليمين فأتياسر". ومنها قولهم: (م1: 213) "خيرٌ قليل وفضحت نفسي" لا يبعد عن قول يوناتان لما أراد أبوه شاؤل أن يقتله القليل من عسل ذاقه وقت الحرب (1ملوك فقال 14: 43) : "ذقت ذوقاً برأس العصا قليل عسلٍ وهاءنذا أموت". ومن أمثالهم لمن يسهو عن الحديث (م1: 40) إليك يساق الحديث فكأنه ترجمة قول ناتان النبي داود (2مل 12: 7) بعد أن عرض عليه مثل الغني المضحي لشاة الفقي إشارةً إلى خطيئته مع امرأة أوريا "أنت هو الرجل". ومنه أيضاً (م2: 84) "كل امرئٍ فيه ما يرمي به" هو كآية سفر الملوك الثالث (8: 46) "ليس إنسانٌ لا يخطئ" وكذلك ورد في سفر الجامعة (7: 21) : "ليس من صديق على الأرض يصنع الخير بغير أن يخطأ" ويشبهه قول السيد المسيح في الإنجيل (مرقس: 1: 18) "لا صالح إلا الله وحده". ومما روي بين أمثال علي (1 (ص8)) : "جد بما نجد" فهو مثل قول طوبياً (4: 8) يوصي ابنه: "تصدق من مالك، إن كان كثيراً فابذل كثيراً وإن كان لك قليل عن نفس طيبة". ومن أمثال العرب في الميداني (2: 215) : "المنية ولا الدنية" نظمه الحريري فقال: المنايا ولا الدنايا وخيرٌ ... من ركوب الخفى ركوب الجنازة وقد سبق العازر الشيخ فقال في سفر المكابيين الثاني (6: 23 27) : "اسبقُ إلى الجحيم.. ولا أجلب على شيخوختي الرجس والفضيحة". قالوا (م1: 92) "البطنة تأفن الفطنة" ومثله قول علي: "البطنة تذهب بالفطنة" وقد قال النبي هوشيع قبلاً (4: 11) : "الزنى والخمر والسلاف تستهوي القلب". وروى الميداني (1: 25) للعرب: "إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً" ومثله لهوشع أيضاً (8: 7) : "أنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة". وله م2: 203) عن لسان أحد الأعراب لكلبه: "مالك لا تنبح يا كل الدَّوم قد كنت نباحاً" وجاء في نبوة اشعيا (56: 10) إلى رقباء بني إسرائيل: "إن رقباءه كلهم كلاب بكم لا يستطيعون النباح". ومن أمثالهم في من لا يميز الخير من الشر (م2: 186) : "وماذا يعرف قبيلاً من دبير" أو: "ما يعرف الحو من اللو" وجاء قبله عن لسانه عز وجل في سفر يونان (4: 11) : "أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي فيها أكثر من اثنتي عشرة ربوة من أناس لا يعرفون يمينهم من شمالهم". ومما ورد بين أمثال علي (ص86) : "طعن اللسان أمضى من جرح السنان" سبق إليه النبي داؤد في مزاميره (56: 5) عن المنافقين: "أسنانهم أسنة وسهام وألسنتهم سيوف حادة". ومنها أيضاً قوله (ص16) : "زينة الباطن خير من زينة الظاهر" فكأنه نظر إلى قول صاحب المزامير في وصفه للملكة السرية (مز 44: 14) "بنت الملك جميع مجدها في الداخل". والعرب عدة أمثال في الإخاء والصداقة فيقولون (م1: 63) : "أن أخاك من آساك" ويقولون (م1: 422) : "عند الامتحان يكوم المرء أو يهان" ويقولون أيضاً: "عند النازلة تعرف أخاك" ومثله قول علي (ص2) : "أخوك من واساك في الشدة" وقول أكثم بن صيفي (العقد الفريد لابن عبد ربه 1: 328) : أخوك من صدقك وقوله: "خير أهلك من كفاك" وقول الشاعر: فما أكثر الأصحاب حين تعدهم ... وكنهم في النائبات قليلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فهذه كلها الآية الوزاردة في سفر أمثال سليمان (17: 17) : "الخليل عند الشيق يضحي أخاً" وكقوله (18: 22) "ربّ صديق أقرب علاقة من الأخ" وقوله (27: 10) : "جار قريبٌ خيرٌ من أخ بعيد" وقول ابن سيراخ (12: 8) : "لا يعرف الصديق في السراء ولا يخفى العدو في الضراء". ومن أمثال العرب عن المشابهة بين الأقران والأخلاء قولهم (م2: 191) : "المر بخليله" أي مقيس بخليله قال الميداني: "يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " مثله لعلي (ص8) : "جليس المرء مثله" وله (ص10) : "خليل المرء دليل عقله" وله (ص30) "قرين المرء دليل دينه" ولطرفة الشاعر في معلقته: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي وكل ذلك في معنى قول سيلمان (أمثال 13: 20) : "مساير الحكماء يصير حكيماً ومؤانس الجهلاء يصير شريراً". ومما قالوا في حفظ اللسان (م2: 211) : "من أكثر أهجر" وقالوا: (م1: 14) "مقتل الرجل بين فكيه" وقول علي: "بلاء الإنسان من اللسان" وقوله: (ص20) "صلاح الإنسان في حفظ اللسان" وقد قال قبلهم سليمان في أمثاله (10: 19) "كثرة الكلام لا نخلو من زلة ومن ضبط شفتيه فهو عاقل" وقال (13: 3) : "من ضبط فاه صان نفسه ومن فتق شفتيه فحظه الدمار" وقال: "18: 7": "فم الجاهل دماره وشفتاه شرك نفسه" وقال (21: 32) : "من يحفظ فاه ولسانه يحفظ من المضايق نفسه" وللقديس يعقوب في رسالته (3: 2) : "إن كان لا يزل في الكلام فهو رجل كامل" فكأن الشاعر عقد هذه الأمثال فقال: احفظ لسانك أيها الإنسان ... لا يلدغنك إنَّه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشجعان ومن أمثال علي (ص18) "سمو المرء التواضع" فهو على شبه قول سليمان أمثال (15: 33) "قبل المجد التواضع". ومن أمثال العرب: "كل طير يأوي إلى جنسه" وقد سبق ابن سيراخ (13: 19) فقال: "كل إنسان يحب قريبه وكل حيوان يحب نظيره". وروي بين أمثال علي وغيره من العرب قولهم: "رأس الحكمة مخافة الله" وأول من قال ذلك بلفظ داود لافي مزاميره (110: 10) وابن سيراخ (1: 16) . وروى سليمان في أمثاله (1: 7) : "مخافة الرب رأس العلم". ومن أمثالهم (م1: 9) "أن الحديد بالحديد يفلح" أو (م2: 152) : "لا يفل الحديد إلاّ الحديد" نظمه الشاعر فقال: قومنا بعضهم يقتل بعضاً ... لا يفل الحديد إلاّ الحديدُ وكان سليمان قد قال (أمثال 27: 17) : "الحديد يصقل الحديد". ويقول العرب (م1: 127) : "تضرَّع إلى الطبيب قبل أن تمرض" كأنهم أخذوه من قول ابن سيراخ (38: 1) : "اعط الطبيب كرامته لأجل فوائده (أي وقت المرض) ". ومن أمثال العرب (م2: 22) : "في التجارب علم مستأنف" وكان ابن سيراخ قال (34: 10) : "الذي لم يختبر يعلم قليلاً". وكذلك قالوا ي النظر إلى العواقب (م2: 22) : "في العواقب شافٍ أو مريح" ومثله قولهم (م2: 128) ليس للأمور بصاحب من لم ينظر في العواقب، سبق أيضاً إليه ابن سيراخ قائلاً (7: 40) في جميع أعمالك اذكر عواقبك فلت تخطأ إلى الأبد. ومن أمثال العرب (م2: 204) في الاستشارة: "ما هلك امرؤ عن مشورة" قاله ابن سيراخ (32: 24) : "لا تعمل من غير مشورة فلا تندم على عملك". ويقول العرب في أمثالهم (م2: 211) : "من حفر مغواة وقع فيها" ومثله لحسان بن ثابت (حماسة البحتري ص71) : وكم حافرٍ حفرةً لامرئ ... سيصرعه البغي فيما احتفر وكان داؤد قال في مزاميره (7: 16) يصف الشرير: "كرى بئراً وحفرها فسقط في الهوة التي صنع" ولسليمان ابنه (أمثال 26: 27) : "من يحفر هوة يسقط فيها" راجع أيضاً سفر الجامعة (10: 8) وابن سيراخ (27: 29) . ولا يبعد أن يكون قول العرب في الخيبة (م2: 80) : "كالقابض على الماء" منقولاً عن أمثال سليمان (27: 16) : "إنما يضبط على الريح ويقبض يمينه على زيت". ومن أمثال العرب (أغاني 15: 121) : "التوبة تهب الحوبة" وقد تكرر هذا مراراً في الأسفار المقدسة على صور شتى (راجع نبوة حزقيال ف14 و18) وفي أعمال الرسل (3: 19) "توبوا وارجعوا تغفر خطاياكم". ومن أمثالهم أيضاً (م1: 17) : "إن من لا يعرف الوحي أحمق"، ومثله ورد في سفر الحكمة (13: 1) : "إن جميع الذين لم يعرفوا الله حمق". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 4 وكما أخذ العرب كثيراً من أمثالهم عن أسفار العهد القديم كذلك رووا عدة أمثال عن أسفار العهد الجديد ولاسيما الإنجيل الطاهر. فمن ذلك مثل لعلي (ص2) : "أحسن إلى المسيء تسد" فهو صدىً ضعيف لقول الرب في متى (5: 44) : "أحسنوا إلى من يبغضكم لتكونوا بني أبيكم الذي في السموات". ومثله المثل الذي ر واه ابن قتيبة في عيون الأخبار (1: 332) : "احلم تسد" فإنه كقول الإنجيل (متى: 5: 4) "طوبي للودعاء فإنهم يرثون الأرض". وروى الميداني في أمثاله (م1: 297) : "اسمح يسمح لك" وكذلك روى ابن عبد ربه (1: 328) بين أمثال أكثم بن صيفي: "أحسن يحسن إليك" وكلاهما كقول الرب في لوقا (6: 38) : "أعطوا تعطوا" ومثله قول أكثم أيضاً: "ارحم.. ترحم" وقوله: "من بر يوماً بر به" نقل عن تطويبات الرب (متى: 5: 7) "طوبى للرحماء فإنهم يرحمون" وكان سليمان قال في أمثاله (11: 17) : "ذو الرحمة يحسن إلى نفسه". ومن أقوال الرب الشهيرة (متى 7:7 8) : "واسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم لأن كل من يسأل يعطى ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له" أخذه العرب فقالوا في أمثلهم: (م1: 302) : "سائل الله لا يخيب" وقالوا (م1: 383) : "اطلب تظفر" وقالوا: (م2: 226) : "من طلب شيئاً وجده" وقالوا: (م2: 47) : "اقصدي تصيدي" وكذلك نظم صالح بن عبد القدوس هذا المثل فقال (حماسة البحتري ص134) : من يسلَ يعط ومن يستفتح ... م الباب فتحه بطيءٌ أو سريع ومن أقوال السيد المسيح أيضاً (متى: 7: 1 2 ولوقا 6: 27) : "لا تدينوا لئلا تدانوا فإنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم" فقد أخذه العرب بلفظة "كما تدين تدان" هكذا رواه الميداني (2: 85) وقد رواه ابن عبد ربه (1: 328) للأكثم بن صيفي، وروى في التاج (9: 207) لخويلد بن نوفل الكلابي يخاطب الحرث بن شمر: يا حار أيقن أن ملكك زائلٌ ... واعلم بأنّ كما تدين تدان ومثل الكيل رواه الميداني (1: 148) على هذه الصورة: "جزيته كيل الصاع بالصاع". وقال الرب (متى 7: 3 ولوقا 6: 41) لن يعير غيره داء يكون في نفسه اعظم: "ما بالك تنظر القذى الذي في عين أخيك ولا تفطن للخشبة التي في عينك" نقله العرب فقالوا: (م2: 85) : "كيف تبصر القذى في عين أخيك وتدع الخدع المعرض في عينيك". وقال الرب أيضاً (متى 7: 16 ولوقا 6: 44) : "هل يجتنى من الشوك عنب أو من العوسج تين" أخذ العرب فقالوا (م2: 152) : "لا تجن من الشوك عنباً" روي لأكثم بن صيفي، وقالوا: "م1: 436" في العجز: "أعجز من جاني العنب من الشوك" وقال الشاعر: (م2: 152) : 3إذا وترت امرءاً فاحذر عداوته=من يزرع الشوك لا يحصد به العنبا ومن أقواله تعالى: (متى19: 24 ومر 10: 25) أنه لأسهل أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة من أن يدخل غني ملكوت الله، فأخذه العرب وضربوه مثلاً للضيق فقالوا (م1: 374) : "أضيق من خرت الإبرة وسم الخياط" وضربوه مثلاً أيضاً لصعوبة الشيء فقالوا (م2: 144) : "لا أفعل كذا وحتى يلج الحمل في سم الخياط" ومثله في القرآن في سورة الأعراف (7: 38) : "لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط". وقال في الإنجيل (لو 6: 39) : "هل يستطيع أعمى أن يقود أعمى أليس كلاهما يسقطان في حفرة" فرووه بين أمثال على (ص100) على هذه الصورة: "كف يهدي غيره من يضل نفسه". وكذلك رووا لعلي (66) : "خير الصدقة إخفاؤها" وكان الرب أعلن في إنجيله (متى 6: 3 4) : "إذا عملت صدقة فلا تعلم شمالك ما تصنع يمينك لتكون صدقتك في خفية وأبوك الذي يرى في الخفية هو يجازيك". ومن أمثال الميداني (1: 2754) : "رب زارع لنفسه حاصد سواه" قاله الرب في إنجيله (يوحنا: 4: 37) إن واحداً يزرع وآخر يحصد. وللرب في الإنجيل أقوال كثيرة في الصبر كقوله تعالى: "لو 21: 19" (بصبركم تقتنون أنفسكم) ، وقوله (متى: 1: 22) : "والذي يصبر إلى المنتهى فذلك يخلص". وقال يعقوب لفي رسالته (1: 4) : "العمل الكامل للصبر" وإلى ذلك أقوال العرب (م1: 135) : "ثمرة الثبر نجح الظفر" وقولهم وه يروونه لأكثم بن صيفي (العقد الفريد 1: 329) : "عواقب الصبر محمودة" وقول علي (ص8) : "يبشر نفسك بالظفر بعد الصبر" وقوله (ص20) : "صبرك يورث الظفر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وكذلك التواضع فقد وردت فيه آيات عديدة في الإنجيل كقوله (لوقا 1: 11 و18: 14) : "كل من رفع نفسه اتضع" وقال القديس بطرس في رسالته الأولى (5: 6) : "اتضعوا تحت يد الله القادرة ليرفعكم" فروى العرب لعلي قوله (ص58) وهو كالآيات السابقة: "تواضع لربك يرفعك" وقوله: "التواضع يرفع والتكبر يضع" وقوله (ص106) : "من توقر وقر ومن تكبر حقر" ويشبهه قول سويد ابن أبي كاهل (شعراء النصرانية ص431 والمفضليات ص399) : كتب الرحمانُ والحمد له ... سعة الأخلاق فينما والضلع وبناءً للمعالي إنما ... يرفع الله ومن شاء وضع وعلى شبه هذا قول العرب (حماسة أبي تمام 122) "سيد القوم خادمهم" وهو عين ما قاله الرب لتلاميذه (لوقا 22: 26) : "ليكن الأكبر فيكم كالأصغر والذي يتقدم كالذي يخدم.. وأنا في وسطكم كالذي يخدم". وكذلك يروى للعرب (م2: 188) : "ما جعل العبد كربه" وهو عين قول الرب (متى 10: 24) : "ليس عبدٌ أفضل من سيده" كما أن مثلهم (م2: 135) : "ليس عبدٌ باخٍ لك" وهو مثل قوله (يوحنا 15: 15) : "لا أسميكم عبيداً بعد لأن العبد لا يعلم ما يصنع سيده ولكني سميتكم أحبائي". وقال الرب لبطرس لما سل سيفه فقطع أذن عبد رئيس الكهنة (متى 26: 52) "اردد سيفك إلى غمده لأن كل من يأخذ بالسيف يهلك" روي لعلي في نهج البلاغة على صورة: "من سلَّ سيف البغي قتل به". ومن الأمثال التي استشهد بها المخلص في الناصرة (لو4: 23) : "أيها الطبيب اشف نفسك" وهو كمثل العرب (م2: 207) : "يا طبيب طب لنسفك". ورووا بين أمثال علي بن أبي طالب قوله (ص106) : "من أكرم نفسه أهانته" وقوله: (ص108) : "من أطاع نفه قتلها" وهو من أقوال الرب (يوحنا 12: 25) "من أحب نفسه فإنه يهلكها ومن أبغض نفسه في هذا العالم فإنه يحفظها للحياة الأبدية". ومن أمثال العرب (م2:321) اليسير يجني الكثير يروى لأكثم بن صيفي وقريب منه قولهم (م1: 321) : الشر يبدؤه صغاره، وقد قال الرب في معناه (لوقا 16: 10) : "الأمين في القليل يكون أميناً في الكثير والظالم في القليل يكون ظالماً في الكثير" وإلى هذا المعنى يعود قول ابن سيراخ (19: 1) : "الذي يحتقر اليسير يسقط شيئاً فشيئاً". وقال الرب في عدم الاهتمام بالغد (متى 6: 34) : "فلا تهتموا بشأن الغد فالغد يهتم بشأنه يفي كل يوم شره" أخذ العرب فقالوا (م1: 61) : "أن غداً لناظره قريب" وهو يروى لامرئٍ القيس الذي قال أيضاً (م2: 313) : "اليوم خمر وغداً أمر"، وكذلك يقول العرب في أمثالهم (م2: 129) : "لكل غد طعام". وقال الرب أيضاً في شر الأقارب (متى 1: 36) أعداء الإنسان أهل بيته (راجع نبوة ميخا 7: 6) وهو شبه مثل العرب المروي لأكثم بن صيفي: "الأقارب عقارب". وقال العرب في الشهوة (م1: 343) "أشهر من علم" و"أشهر من نار على علم" وعلى ظننا أنه مأخوذ من قول الرب (متى 5: 14 15) : "لا يمكن أن تخفى مدينة مبنية على جبل ولا يوقد سراج ويوضع تحت مكيال ولكن على المنارة لينير عل كل من في البيت" (راجع أيضاً نبوة ميخا 4: 1) . وكذلك في قول العرب (م1: 33) : "أن أردت المحاجزة فقبل المناجزة" وفي قولهم (م2: 237) : "من سئم اقتوى للسلم" وتنويه إلى قول الرب في لوقا (14: 31 33) : "أي ملك يخرج ليحارب ملكاً آخر ولا يجلس أولاً ويشاور نفسه هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف من يأتي إليه بعشرين ألفاً وإلا فيرسل سفارةً وهو بعيد ويلتمس ما هو أمر الصلح". ومن أمثالهم في التقريع_م1: 23) : "أنه لصل أصلال" وقد سبق يوحنا المعمدان (لوقا 3: 7) قرع بني إسرائيل فدعاهم (بأولاد الأفاعي) . قد روى العرب بعض الأمثال التي ضربها السيد المسيح دون الإشارة إلى أصلها، فمن ذلك مثل رب البيت الذي شارك الملة على دينار وأعطاهم أجرتهم على اختلاف ساعات شغلهم (متى ف20) فدونك هذا المثل كما ر واه البخاري في صحيحه في كتاب الإجارة ونسبه إلى محمد (طبعة ليدن 2: 50) : "حدثنا اسمعيل بن أبي أويس.. عن عمر بن الخطاب أن رسول اله - صلى الله عليه وسلم - قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فال: من يعمل لي نصف نهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود على قيراط قيراط ثم عملت النصارى على قيراط قيراط ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين قيراطين فغضب اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاءاً قال: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً، قالوا: لا قال فذلك فضلي أؤتيه من أشاء". وكذلك أبو الحسن علي بن هذيل (ص88 89) روى مثل السيد المسيح للزراع الذي وقع في الطريق وبين الأشواك وعلى الصخور وفي الأرض الجيدة (لوقا ف8) ونسبه إلى بعض الحكماء قال: "وقد ضب بعض الحكماء مثل الحكمة والحكيم الذي يلقيها إلى القلوب قال: أن الباذر خرج ببذره الطيب ليبذره فنثره فوقع بعضه في أرض محجرة بل في جنبات الطريق فلم يلبث أن اختطفه الطير فذهب به ووقع بعضه في أرض محجرة إلا أن عليها نجىً وطيناً فرسخ البذر في ذلك الندى والطين ونبت شيئاً حتى إذا وصلت عروقه إلى الحجر لم يجد سماعاً ينفذ فيه فتلف وفسد ويبس، ووقع بعضه في أرض رخوة إلا أن فيها شوكاً نابتاً فنبت حتى إذا كان عند الإثمار حنة الشوك فلم يأت بثمره، ووقع بعضه في أرض طيبة نقية ليست على ظهر طريق ولا على حجر ولا فيهات شوط فنما وطاب وزكا ونبت وأثمر فجاءت الحبة بأضعاف مضاعفة، ثم فسره فقال: فالباذر هو الحكيم الزارع الحكمة في القلوب وبذره الطيب هو حكمته وموعظته الحسنة التي يلقيها إلى القلوب وهي في تلقاء ذلك منقسمة إلى الأقسام الأربعة المذكورة فمنها القاسي الذي إذا سمع الحكمة لم يعقد لقساوته فلم تلبث فيه، ومنها قلبٌ ظاهره رقة وباطنه قساوة فهو في أول سماع الحكمة يرق لها ويلذ بسماعها ويحن إلى ذلك بتلك الرقة الظاهرة على قلبه ولا يعقد عليها بعزم لقساوته، ومنها قلب يسمع الحكمة ويحبها ويحب العمل بها إلا أنه قلب قد امتحن بلصوق الشهوات به حتى صارت له طباعاً فإذا عزم على العمل بما سمع اعترضت له تلك الشهوات فمنعته من إقامة وظائفها وأفسدت عليه ما سمع اختلط عليه مره ولم يتم له مراده، ومنها القلب النقي الصافي العالم بفضل الحكمة المؤثر لها الذي لا همة له في غيرها ولا شغل له إلا بها ولم تعلق به شهوة تناقضها ولا داء يقطع عنها فهذا القلب الذي تنمي فيه الحكمة إيماناً وفماً وحفظاً وعلماً وقولاً وعملاً وتبلغ بع أفضل العواقب وأعلى المراتب". فهذه كلها من الأناجيل يصاف إليها بعض أمثال من بقية أسفار العهد الجديد كقولهم (م1: 120) : "اترك الشر يتركك" وقولهم: (م2: 119) : "ليس أخو الشر من توقاه" فمثله قول القديس يعقب في رسالته (4: 7) : "قاوموا إبليس فيرب منكم" كان ابن سيراخ قال قبلاً (7: 1) : "لا تعمل الشر فلا يلحقك الشر". ويقول العرب (م1: 193) : "كما تزرع تحصد" فهو كما قال بولس في رسالته إلى أهل غلاطية (6: 8) : "الإنسان إنما يحصد ما زرع" وفي أمثال سليمان (22: 8) "من زرع حصد السوء". وجاء في أمثال علي (ص8) : "جل من لا يموت" وقال الرسول بولس في رسالته الأولى إلى تيموتاوس: "لله وحده الخلود.. له الكرامة والعزة المؤبدة". ويضرب العرب المثل بالسحابة الفارغة من المطر المخيبة للآمال الزراع فقالوا (م2: 202) : "ما هو إلا سحابة ناصحة" وقالوا: (م1: 267) : "أرى خالاً ولا أرى مطراً" وكان الرسول يهوذا سبق وصف المنافقين بقوله (1: 12) : "هؤلاء سحبٌ بلا ماء تحملها الرياح". ولعل مثلهم (م2: 197) : "ما أنت بخل ولا خمر" له علاقة بقول صاحب الرؤيا (3: 16) : "أنك لست بارداً ولا حاراً.. فقد أوشكت أن أتقيأك من فمي". الجزء الثاني مع الفهارس الفصل السادس في ما ورد في الأسفار المقدسة من حكم العرب والحديث كنا انتهينا في فصلنا السابق إلى ذكر الأمثال التي أخذها العرب في الجاهلية أو أوائل الإسلام عن الأسفار المقدسة من العهدين القديم والحديث، ويلحق بهذا الباب باب حكم العرب مع الحديث المروي عن نبي الإسلام أفردنا لذلك هذا الفصل بحيث يظهر من المقابلة ما كان للنصرانية من النفوذ بين العرب في أواخر أيام الجاهلية وظهور الإسلام. 1 الحكم جاء في ديوان سلامة بن جندل (ص19) : عجلتم علينا حجتين عليكمُ ... ومهما يشأ الرحمنُ يعقد ويطلقِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 هو الكاسر العظمِ الأمينُ وما يشا ... من الأمر يجمعْ بينه ويفرقِ ومثله لسويد بن أبي ككاهل (شعرا النصرانية) 431: إنما يرفع الله ومن شاء وضع فهو من قول اله عز وجل (1ملوك: 2: 6 7) : "الرب يميت ويحيي يحدر إلى الجحيم ويصعد الرب يفقر ويغني ويحط ويرفع". وجاء في سفر الأمثال (13: 20) : "مساير الحكماء يصير حكيماً ومؤانس الجهال يصير شريراً" يشبه قول طرفة: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي وقال عبد القيس بن خفاف (المفضليات 750) : الله فاتَّقين وأوف بنذره ... وإذا حلفت ممارياً فتجلل اقتبسه من سفر الجامعة (12: 13) : "اتق الله واحفظ وصاياه" ومن المزامير (49: 14) : "أوف لعلي نذورك" ومن سفر الخروج (20: 7) : "لا تحلف باسم الرب إلهك باطلاً فإن الرب لا يزكي من يحلف اسمه باطلاً". وورد في شعر المرقش الأكبر (شعراء النصرانية ص286) : وكذاك لا خيرٌ ولا ... شرٌ على أحد بدائم قد خط ذاك في الزبو ... ر الأوليات القدائم يشير إلى المزمور المئة والواحد حيث يقول داود للرب: "أن الأرض والسماوات تزول وأنت تبقى وكلها تبلى كالثوب، وأنت أنت وسنوك لن تفنى" ومثل هذا قول أمية بن أبي الصلت (شعراء النصرانية 298) : ونفني ولا يبقى سوى الواحد الذي ... يمت ويحي دائباً ليس يمد ومما اقتبسه لبيد من سفر الجامعة قوله: ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل ومن مقتبسات لبيد من الأسفار المقدسة (دانيال 4: 32 وخروج 33: 13) قوله: إنَّ تقوى ربنا خير نفلْ ... وبإذن الله ريثي وعجلْ أحمدُ الله ولا ندَّ لهُ ... بيديه الخيرُ ما شاء فعلْ ن هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البالِ ومن شاء أضلْ وقال أفنون (شعراء النصرانية 193) : لعمرك ما يجير امرؤٌ كيف يتقي=إذا هو لم يجعل له الله واقياً وقال الآخر: إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى=فأول ما يجني عليه اجتهاده وقال علي في المعنى (ص4) : توكل على الله يكفك، وهذا كثير في الأسفار المقدسة، قال في المزامير (54: 23) : "ألقي على الرب همك وهو يعولك". وقال (126: 1) : "وإن لم يبن الرب فباطلاً يتعب البناؤون". وقال بطرس في رسالته الأولى (5: 7) : "ألقوا عليه همكم فهو يعتني بكم". وفي ديوان حاتم الطائي قوله (شعر النصرانية ص121) : كلوا الآن من رزق الإله وأيسروا ... فإنَّ على الرحمان رزقكمُ غدا هو كقول المخلص في إنجيل متى (6: 34) : "لا تهتوا بشأن الغد فالغد يهتم بشأنه". وقد اقتبس أميَّة بن الصلت تسابيحه من تسبيح الثلثة الفتية (دانيال ف3) فقال (شعراء النصرانية 227) : تسبحه الطيرُ الجوانحُ في الخفى ... وإذا هي في جو السماء تصعد ومن خوف ربي سبح الرعد فوقنا ... وبَّحة الأحجار والوحش أبَّدا وسبَّحه النينان والبحر زاخراً ... وما طمَّ من شيء وما هو مقلدُ واستمد من سفر حزقيال (ف10) وصف الملائكة فقال: ملائكةٌ لا يفترون عبادةً ... كروبية منهم ركوعٌ وسجَّد ومنهم ملفٌ في الجناحين رأسه ... يكادُ لذكرى ربًّه يتفصد واقتبس الآخر اشعيا (40: 18) : "بمن نشبهون الله وأي شيء تعادلون به" فقال: وليس كمثل الله شيء ولا لهُ ... شبيهٌ تعالى ربنا أن يحددّا وشبه داود في المزامير (32: 14) واشعيا في سفر نبوته (40: 24) زعماء الأرض بعصافة يتلاعب بها الريح فأخذ التشبيه الحريث بن عناب (الأغاني 14: 102) فقال: كأنّها ريشةٌ في أرض بلقعة=من حيثما وجهتها الريحُ تنصرف وجاء في الأغاني (2: 50) إن كعب الأحبار سمع رجلاً ينشد بيت الحطيئة: من يفعل الخير لم يعدم جوازيه ... لا يهذبُ العرفُ بين الله والناس فقال: والذي نفسي بين يديه أن هذا البيت المكتوب في التوراة، قال لعمري والذي صحّ عندنا في التوراة: "لا يذهب الهرب بين الله والعباد" والشطر الأول ورد في رسالة القديس بولس إلى أهل أفسس (6: 8) : "مهما عمل كل واحد من الخير فسيناله من الرب". واقتبس الحطيئة أيضاً من الكتاب المقدس قوله: ولست أرى السعا ... ة جمع مالِ ولكنَّ التقيَّ هو السعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وتقوى الله خيرُ الزاد ذخراً ... وعند الله للأتقى مزيدُ ومثله لامرئ القيس: والله أنجع ما طلبت به=والبرُ خيرُ حقبة الرَّحل فهو في المزامير (مز 111: 1) وقال أيضاً بولس في رسالته الأولى إلى تيموتاوس (4: 7 8) : "روض نفسك على التقوى فإن التقوى تنفع في كل شيء". وقد ذكر الرب في إنجيل لوقا (4: 22) المثل: أيها الطبيب اشف نفسك، وحذر عن المرائي ير ى لقذى في عين أخيه ويغفل عن الخشبة التي في عينه (متى 7: 2 4) فأخذه ابن معاوية الجعفري فقال: ولا تقربنَّ الصَّنيع الذي ... تلوم أخاك على مثله وقال الآخر الأغاني (20: 57) : وعامل بالفجور يأمر بالبر ... كهادٍ يخوض في الظلم أو طبيب قد شفه سقمٌ وهو م ... يداوي من ذلك السقمِ يا واعظ الناسِ غير متعظ ... نفسك طهر أو فلا تلمِ ومثله لعلي: من أبصر عين نفسه اشتغل عن عيب غيره. وقد اقتبس يحيى بن داوود قول سليمان في أمثاله (10: 12) : "البغض يثير النزاع والحب يستر جميع المعاصي" فقال: وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ ... كما أنّ عين السخط تبدي المساويا يقول العرب (الميداني 1: 295) : ربما كان السكوت جواباً، ومثله قول الشاعر: إذا نطق السفيهُ فلا تجبه ... فنخيرٌ من إجابته السكوتُ وهذا قد ورد في أمثال سليمان الحكيم (26: 4) : "لا تجاوب الجاهل بحسب سفهه لئلا تكون أنت نظيره" وقال (29: 9) : "الحكيم الذي يخاصم سفيهاً لا يجد راحة". وقال الرب (في متى 10: 28) : "ليس خفي ألا سيظهر ولا مكتوم إلا سيعلن" قال زهير بمعناه: ومهما تكن عند امرئ من خليفةٍ ... ولو خالها تخفى على الناس تعلم ومن حكم العرب: لصدق منجاة والكذب مهواة، ومثله في سفر ابن سيراخ (20: 26) : "الكذب عارٌ قبيح في الإنسان" وقال (20: 28) : "شأن الإنسان الكذوب الهوان وخزيه معه على الدوام". من أقوال العرب الشائعة: "العاقل لسانه في قلبه" وروي بين حكم علي بن أبي طالب (ص98) : "قلب الأحمق فيه ولسان العاقل في قلبه"قاله ابن سيراخ (21: 29) : "قلوب الحمقى في أفواههم وأفواه الحكماء في قلوبهم". وقال في أمثال سليمان (16: 23) : "قلب الحكيم يفقه فهمه ويزيد شفتيه فائدة"، وروى أيضاً لعلي قوله (ص32) : "لين الكلام قيد القلوب"، ورد مثله في ابن سيراخ (6: 5) "الفم العذب يكثر الأصدقاء واللسان اللطيف يكثر المؤانسات". وبين حكم علي أيضاً (ص172) : "ذكر الآخرة دواء" وقال ابن سيراخ (7: 40) : "في جميع أعمالك اذكر أواخرك فلن تخطأ إلى الأبد". ومن حكم العرب (2: 67) : "كلام كالعسل وفعل كالأسل" وكأنه تعريب آية الزبور (61: 5) : "يباركون بأفواههم وفي باطنهم يلعنون" ولابن سيراخ (12: 15) : "العدو يظهر حلاوة من شفتيه وفي قلبه يأتمر أن يسقطك في حفرة". ومما رواه الميداني العرب (2: 179) : ما على الأرض شيء أحق بطول سجن من لسان، قال القديس يعقوب في رسالته (3: 8) : "لا يستطيع أحد من الناس أن يقمع اللسان فهو شرٌ لا يضبط". يقول العرب: إن شئت أن تطاع فسل ما يستطاع، ومثله في أمثال الميداني (2: 199) : "المرء تواق إلى ما لم ينل"، وقد سبق ابن سيراخ فقل (3: 22) : "لا تطل ما يعييك نيله ولا تبحث عما يتجاوز قدراتك". وورد بين الحكم النسوبة إلى علي (ص6) ثبات الملك بالعدل، وفي أمثال سليمان (14: 34) : "العدل يعلي الأمة". وروى له (ص108) من أضاع نفسه قتلها ومن عصى نفسه وصلها، وهو منقول عن كلام الرب (متى 16: 25) : "من أراد أن يخلص نفسه يهلكنها ومن أهلك نفسه من أجلي يخلصها". وروى أيضاً بين حكم علي قوله (ص70) : درهم الفقير أزكى عند الله من دينار الفقير، وهو كمثل قول الرب عن فلس الأرملة (مرقس 12: 43) : "إنّ هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من كل الذين ألقوا في الخزانة". ومنها (ص32) : كلام الله دوار القلوب: وقد سبق في المزامير حيث قال (مز18: 8) : "شريعة الرب كلمة ترد النفوس، أم الرب مستقيم يفرح القلب" ومنها أيضاً (ص14) ذليل الخلق عند الله، ورد في رسائل بولس (1كر1:25) : "مستجهل الله أحكم من الناس ومستضعف الله أقوى من الناس". ? 2 الحديث والتوراة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 رأيت في الفصل السابق كم للعرب من حكم اقتبسوا معانيها في عهد الجاهلية وأوائل الإسلام من الأسفار المقدسة، على أننا لم نرو منها إلا للنزر القليل لما يستدعي جمعها في الكتب القديمة من الزمن الطويل ولا شك أن من ينتبه إلى ذلك ويحسن متعرفة الكتب المقدسة لاسيما في الأسفار الحكيمة يجد مقتبسات عديدة غيرها ولنا على 1لك شاهد آخر في الأحاديث النبوية التي رواها أقدم المحدثين عن نبي الإسلام ننقل بعض ما وقفنا عليه منها فيظهر للقراء الكرام كم كانت شائعة في ذلك الوقت التعاليم النصرانية، وفيه برهان جلِّي على كون التوراة وأسفار العهدين القديم والجديد كان منذ زمن الجاهلية وأول الإسلام معربة وإن لم نعرف ماذا جرى لتك التعريبات القديمة (راجع في المشرق 4: 99 108) مقالتنا المعنونة: "نسخ عربية قديمة في الشرق من الإنجيل الطاهر" أما ما نرويه هنا من الحديث فقد وجدناه في مجاميع المحدثين الإثبات كصحيح الإمام البخاري (+256هـ?=869م) وصحيح مسلم بن الحجَّاج (+201هـ?=871م) وفي مجاميع أبي عبد الرحمان النسائي (+303هـ?=915م) ومحمد بن ماجه القزويني (+273هـ?=887م) وابن عيسى الترمذي (+279هـ?=892م) وقد وفر علينا السيوطي في كتاب كنوز الحائق وافي الجامع الصغير (جس) وشرحه للمناوي (من) ذكر كل محدث بفرده وأشار إليه بحروف اصطلح عليه بعد كل حديث البخاري (خ) مسلم (م) الترمذي (ت) النسائي (ن) ابن ماجه (هـ) . ومن هذه الكتب نسخ مخطوطة في مكتبتنا الشرقية، ثم إننا سنذكر كل حديث كما رواه أصحاب الحديث ونرسم ما وافقه من آيات الكتب الكريمة مباشرةً بالعهد العتيق ثم الكتب التاريخية ثم الحكمية ثم النوبات ومن بعدها العهد الجديد أي الإنجيل والرسائل ورؤيا مار يوحنا. ? سفر التكوين (تك) خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه (تك1: 37) . إن الله جبل الإنسان تراباً من الأرض (تك2: 7) . غرس الرب الإله جنّة في عدن (تك2: 8) رأى الله أن جميع ما صنعه هو حسن جداً (تك1: 31) . ولد نوح ساماً وحاماً ويافث (تك5: 32) . روى في الفصل 18 من سفر التكوين ذكر إضافة إبراهيم للرب المتجلي له على صورة ثلاثة رجال. الحديث خلق الله آدم على صورته (حيس 304) من نسختنا الخطية) =لا تقبحوا الوجه فإن الله خلقه على صورة الرحمان (من 193) . خلق الله آدم من تراب (جس 73) . إن الله بنى جنات دن بيده (جس 32 من 31) . كل خلق الله حسن، جس 113) . ولد نوح ثلاثة سام وحام يافث (جس 178) . كان أول من أضاف الضيف إبراهيم (جس 112) . سفر الخروج (خر) أكرمْ أباك وأمك لكي يطول عمرك في الأرض (خر 20: 10) =وفي تثنية الاشتراع (5: 16) : أكرمْ أباك وأمك لكي تطول أيامك=وفي سفر الأمثال (23=33) . اسمع لأبيك الذي ولدك. من ضرب أباه أو أمه ليقتل قتلاً (خر21: 15) . الحديث إن الله تعالى يزيد في عمر الرجل يبر والديه (جس 100) =من بر والديه طوبى له زاد الله في عمره (جس 150) =أطع أباك (جس 8) . سفر الأحبار (اح) لا تبتْ أجرةَ الأجير عندك إلى الغد (اح19: 13) ومثله في طوبيا (4: 15) أجرة أجيرك لا تبق عند أبداً. كل من خدمك بشيء فأوفه أجرته. إن غشي رجلٌ بهيمة فليقتل قتلاً. والبهيمة أيضاً فاقتلوها (اح 20: 15) . الحديث أعطوا لأجير أجرته قبل أن يجف عرقه. (جس 61 من 19) =أوفوا الأجير أجره من (50) . من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه (جس 146) . سفر تثنية الاشتراع (تث) إنّ الربّ هو الإله ليس إله سواه (تث 4: 35 و39) =ومثله في الملوك الثالث (8: 61) الخ. ملعون من يضل أعمى عن الطريق (تث 27: 18) . ملعون المستخف بأبيه وأمه (تث27: 16) . الحديث لا إله إلا الله هي الموجبة (جس 10) =السيد هو الله (من 87) . لمن الله أكمه الأعمى عن السبيل (جس 130) . ملعون من سبّ أباه، ملعون من سب أمه (من 404) . سفر يشوع (يش) قال يشوع: يا شمس قفي.. وقفت الشمس إلى أن انتقم لشعب من أعدائهم (يش 10: 12 13) . الحديث ما حبست الشمسُ على البشر ط إلا على يشوع بن نون (من 389) . سفر الملوك الأول (مل) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 إنَّ الإنسان إنما ينظر إلى العينين وأما الربّ فإنه ينظر إلى القلب (1مل16: 7) . الحديث إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم (جس 97) . سفر أخبار الأيام (اخ) أنت وحدك تعرف قلوب بني البشر (3 اخ 6: 30) . أنك تركي البار وتعطيه بحسب بره (3اخ 6: 33) . الحديث علم الباطن سر من أسراره عز وجل وحكم من أحكامه (من 279) . أن اله لا يضيع أجر المحسنين (خ 3: 190) . سفر طوبيا (طب) الصدقة تنجي من ك خطيئة (طب4: 11) ، الصدقة تمحو الخطايا (طب 12: 9) الذين يعملون المعصية والإثم هم أعداء لأنفسهم (طب 12: 10) . الحديث الزكاة طهور من الذنوب (جس 83) . إنما المجنون المقيم تعلى معصية الله (مز 45) . سفر أيوب الذين يحرثون الإثم ويزرعون المشقة م يحصدونها (أيوب: 4: 8) ومثله في سفر الأمثال (2: 8) من زرع الظلم يحصد السؤ، وفي أرميا (12: 13) : زرعوا حنطة فحصدوا شوكاً. المنافق لا يقوم أمام الله (أيوب 13: 16) . الحديث قال داود يا زارع السيئات أنت تحصد شوكها وحسكها (جس 107) (وقد نسب هذا لداود وليس في مزامير داود آية كهذه) . ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً (في البخاري ومسلم) . سفر المزامير (مز) جانب الشر واصنع الخير مز 33: 15و 36: 37) . علمني يا رب طريقي (مز 85: 11) =ادللني يا رب على طريق رسومك.. اسلكني في سبيل وصاياك (مز 118: 33 35) =أسلكهم في سبيل مستقيم (مز 106: 7) . تلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك (مز 36: 4) . إن كنت للآثام راصداً يا رب فمن يقف (مز 129: 3) . إن ألف سنة في عينيك كيوم أمس الغابر (مز 89: 4) وفي رسالة بطرس الثانية (3: 8) إن يوماً واحداً عد الرب كألف سنة. إن يوماً في ديارك خرُ لي من ألف (مز 83: 11) . رأس الحكمة مخافة الرب (مز 110: 10) =وكذا الأمثال (9: 10) وفي ابن سيراخ (1: 16) . الصدِّيقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد (36: 39) . يا رب من يحل فيمسكنك، السالك بلا عيب وفاعل البر والمتكلم بالحق في قلبه والذي لا يغتاب بلسانه (من 14: 1 3) . الرب رؤوف كثير الرحمة لا على حسب خطايانا ولا حسب آثامنا كافأنا (مز 102: 9 10) . أيام سنينا سبعة سنة ومع القوة فثمانون سنة ورغدها وإنما هو ضرر (من 89: 10) . الحديث إبت المعروف واجتنب المنكر (الجامع الصغير) . رب اغفر وارحم وأهدني للسبيل القويم (من 8) ومثله في سورة الفاتحة: إهدنا إلى السراط المستقيم. اذكر الله فإنه عون له على ما تطلب (جس 48 من 14) . من نوقش المحاسبة هلك (جس 161) . إن يوماً ندربك كألف سنة مما تعدون (سورة الحج 22: 46) رباط يوم في سبيل الله خيرٌ من ألف يوم فيما سواه (جس 227) . خشية الله رأس كل حكمة (جس 203) =رأس الحكمة مخافة الله (المسعودي 4: 168) =رأس الحكمة معرفة الله (جس 79) . ولقد كتبنا في الزبور بعد أ، الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون (سورة الأنبياء 105) . قد أفلح من أخلص قلبه الإيمان وجعل قلبه سليماً ولسانه صادقاً ونفسه مطمئنة (جس 311) . عوفاً الله أكبر من ذنوبكم (جس 377) أعمار أمتي بين الستين والسبعين (خ) . قال شعبي: مكتوب في الزبور من بلغ السبعين اشتكى من غير علة (العقد الفريد) (1: 321) ومثله قول التميمي (البين لجاحظ 2: 108) : وإنَّ امرءً قد سار سبعين حجةً ... إلى منهلٍ من ورد لقريبُ إذا كانت السبعون سنك لم يكن ... لداك إلا أن تموت طبيب سفر الأمثال (مث) من يرحم الفقير يقرض الرب (مث19: 17) اذهب أيها الكسلان إلى النملة انظر طرقها وكن حكيماً، تعد في الصيف طعامها للشتاء (مث6: 806) . مساير الحكماء يصير حكيماً ومؤانس الجهال يصير شريراً (مث 13: 30) . الذي يسود روحه أفضل ممن يأخذ المدن (مث 16: 32) . الموت والحياة فغي حكم اللسان (مث 18: 21) . االإنسان المطيع يتكلم كلام المنتصر (مث 21: 28) . الأخ امنع من مدينة محصنة (مث 18: 19) ككلب عائد على قيئه هكذا الجاهل المكرر سفهه (مث 26: 11) في رسالة بطرس الثانية (2: 22) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 من يجد المرأة الفاضلة أن قيمتها فوق اللآلئ (مث 31: 10) =من وجد زوجة صالحة وجد خيراً (مث 18: 22) . الحديث إن الصدقة تقع في يد الله (جس 37) . كمثل المؤمن كمثل النملة تجمع في صيفها لشتائها جس 143) . المرء على دين خليله فلينظر المرء من يخال (مز 164) =إياك وقرين السوء فإنك به تعرف (جس 153) . ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد من يملك نفسه (خ من) =أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه (جس 65) . البلاء موكل بالمنطق (جس 168) . من أطاع الله فاز (من 148) . إن المرء كثير بأخيه (جس 110) . العائد في صدقته كالكلب يعود إلى قيئه (البخاري 2: 123) . زوجة صالحة خير ما كنز الناس (جس 313) . سفر الجامعة (جا) إن البشر لا يعلمون أحباً يستوجبون أم بغضاً (جا 9: 1) . إن الله سيحضر كل عمل ليدين على كل خفي خيراً كان أو شراً (جا 12: 14) ومثله في رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس (6: 8) . لكل أمر أو أن ولك غرض تحت السماء وقت (جا 3: 1) . الحديث عجبت لطالب دنيا، وهو لا يدري أرضي عنه أو سخط (جس 275) . من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره (خ3: 199) ز لكل شيء ميقاته (من 158) ومثله للشاعر: وللأمور مواقيتٌ مقدرة ... وكل أمر له حد وميزان وقال أيضاً: فإذا الشيءُ أتى في وقته=زاد العين جملاً لجمال سفر الحكمة (حك) الرب يفحص أعمالكم فأرباب القوة بالقوة يفحصون وأن الأشداء امتحاناً شديداً (حك 6: 4 7) . نفوس الصديقين بيد الله لا يمسها عذاب وفي ظن الجهال أنهم ماتوا.. ما هم في السلام (حك 3: 1 3) . محص الله الصديقين كالذهب في البودقة.. فهم في وقت افتقادهم يتلألأون (حك3: 6 7) الحديث أشد الناس عذاباً للناس في الدنيا اشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة (جس 55) . في سورة آل عمران (3: 123) : (وَلاَ تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) . مثل المؤمن حيث يصبه البلاء كمثل الحديدة تدخل النار يذهب خبثها ويبقى طيبها (جس 135) . نشيد الأناشيد (نش) إني نائمة وقلبي مستيقظ (نش 5: 3) . الحديث تنام عيناي ولا ينام قلبي (جس 175) =أننا معشر الأنبياء تنام أعينا ولا تنام قلونا (جس 132 خ2: 44) . سفر يشوع بن سيراخ (سخ) يا بني اتخذ التأديب منذ شبابك.. تروَّ في أوامر الرب فهو ينيلك ما تتمناه (سخ 6: 18 و23) . لا تسلم نفسك إلى المرأة لئلا تتسلط على قدرتك (سخ 9: 3) . لا تشمت بموت أحدٍ، اذكر أنّا بأجمعنا نموت (سخ 8: 8) . الماء يطفي النار الملتهبة والصدقة تكر الخطايا (سخ 3: 33) =وفي لوقا (11: 41) : تصدقوا مما في أيديكم فيظهر لكم كل شيء في جميع أعمالك اذكر أواخرك فلن تخطأ إلى الأبد (سخ 7: 40) . أوصاهم (أي البشر) كل واحد في حق القريب (سخ 17: 13) . كل رجس مبغض عند الرب (سخ15: 13) . الهدايا والرشى تعمى أعين الحكماء، وكلجام في الفم تحتجز توبيخاتهم (سخ 20: 31) . الإفراط من شرب الخمر خصومة ونزاع ومرارة للنفس (سخ 31: 38) وفي رسالة القديس بولس إلى أفسس (5: 14) لا سكروا من الخمر التي فيها الدعارة. عجل الزمان واذكر الأجل (سخ 36: 10) . الغمة تأتي بالشيخوخة قبل الأوان (سخ 26: 3) كالعب في الثوب والسوس في الخشب هكذا الكآبة لافي قلب الرجل (سخ 25: 3) . الحديث إن الله يحب الشاب الذي يفني شبابه في طاعة الله (جس 98) . طاعة المرأة ندامة (جس 94) . ولا تظهر الشماتة بأخيك فيرحمه الله ويبتليك (جس 191) . الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار (جس 92) =تصدقوا فإن الصدقة فكاكم من النار (جس 32) . أكثر ذكر الموت يسلك عما سواه (جس 213) =أكثروا ذكر الموت فإنه بمحض الذنوب ويزهد في الدنيا (جس 71) . كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته (من 115 م6: 8 خ115) . إن الله يبغض الفاحش البذيء (من 34) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 الهدية تعور عين الحكيم=الهدايا للأمراء غلول=الهدية تذهب بالسمع والقلب والبصر (جس 176) . اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر (جس 14) =الخمر جماع الإثم (جس 75) . اغتنموا العمل وبادروا الأجل (جس 20) . الهم نصف الهرم (جس 176) وقال المتنبي في هذا المعنى: والهم يخترم الجسيمَ مخافة ... ويشيب ناصيةً الصبي فيهرمُ سفر اشعيا (شع) نطلق قل لهؤلاء الشعب اسمعوا سماعاً ولا تفهموا وانظروا نظراً ولا تعرفوا (شع 6: 6) . إن هذا الشعب يكرمني بشفتيه وأما قلبه فبعيد عني (شع52: 12 مت 15: 8) . أنا الرب وهذا اسمي ولا أعطي لآخر مجدي (شع42: 8) =ليس الرب العزة وتمنطق بها (مز 92: 3) . الحديث يدعو الله المنافق فلا يسمع ينظر ولا يبصر (من 230) =وفي سورة الأعراف (7: 197) : (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىَ لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) . ويل يمن يبصر الله بلسانه ويعصي الله في عمله (جس 178) . قال الله الكبر دائي والعظمة إزراري فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار (جس 306) . سفر أرميا (ار) ملعون الرجل الذي يتوكل على البشر وقلبه ينصرف عن الرب (ار 17: 5) . ?الحديث من سعى إلى الناس فهو لغير رشده (جس 155) ، ومثله لعلي بن أبي طالب (ص22) : ضل سعي من ر جا غير الله. سفر حزقيال (حز) المنافق إذا تابعن جميع خطاياه.. فإنه يحيا حياةً ولا يموت (حز 18: 21) . وفي سفر الحكمة (11: 24) إنك تتغاضى عن خطايا الناس لكي يتوبوا. الحديث التائب من الذنب كمن لا ذنب له (جس 177) وفي الإيجاز والإعجاز (ص6) : من كلام النبي: التوبة تهدم الحوبة. سفر دانيال (دا) يضيء العقلاء كضياء الجلد والذي هدوا إلى البر كثيرين كالكواكب إلى دهر الداهرين (دا 12: 3) . وفي دانيال تسبحة الثلاثة الفتية في أتون النار يدع الخلائق إلى تسبحة خالقها. الحديث إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدي بها (جس 137) . ورد في الحديث وفي السور الصف (161: 1) والجمعة (162:) التغابن (64: 1) والملك (67: 1) مثلها معنى ولفظاً. سفر زكريا النبي (زك) ابتهجي جداً يا بنت صهيون واهتفي يا ابنت أورشلينم هوذا ملكك يأتيك مخلصاً وديعاً راكباً على أتان (زك 11: 9) . الحديث قال في لسان العرب (5: 96) في حديث عطاء: أبشري أورى شلم براكب الحمار (قال يريد بيت الله المقدس) . الإنجيل الشريف الإنجيل الشريف (متى: مت، لوقا: لو، مرقس: مر، يوحنا: يو) . الرب معك.. مباركة أنت من بين النساء (لو 1: 2) . امتلأت اليصابات نن روح القدس وارتكضن الجنين في بطنها (لو1: 41) . كان قد أوحي إليه (إلى سمعان الشيخ) إنه لا يرى الموت حتى يعاين مسيح الرب (لو 2: 26) . ليس أمرٌ غير ممكن لدى الله (لو1: 37) =كل شيء عند الله مستطاع (مر10: 37) كونوا كاملين كما أن اباكم السماوي كامل (مت 5: 48) . الذي يعمل ويعلم فهذا يدعي عظيماً في ملكوت السماوات (مت 5: 19) . الويل لكم أيها الأغنياء (لو 6: 24) =طوبى للمساكين بالروح فإن لهم ملكوت السماوات (مت 5: 3) . أنتم نور العالم.. لا يوقد سراد ويوضع تحت المكيال لكن على المنارة.. فليضيء نوركم قدام الناس (مت 5: 14 15) . أنت ملح الأرض فإذا فسد الملح فيماذا يملّح (مت 5: 13) . كونوا ودعاء كالحمام (مت 10: 16) . لا تدينوا لئلا تدانوا فإنكم بالدينونة التي بها تدينون وتدانون بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم (مت7: 1 2) . طوبى للرحماء فإنهم يرحمون (مت5: 7) =كونوا رحماء كما أن أباكم هو رحيم (لو6: 36) . اغفروا يغفر لكم (لو6: 37 (=هكذا أبي السماوي يصنع بكم إن لم تغفروا من قلوبكم كل واحد لأخيه (مت 18: 35) . قال يسوع: يا أبت اغفر لهم لأنهم يدرون م يعلمون (لو 23: 34) . لا يسقط عصفور على الأرض بدون أيكم.. فلا تخافوا فإنكم أفضل من عصافير كثيرة (مت 10: 29 31) . كل ما تريدون أن يفعل الناس بكم فافعلوه أنتم بهم (مت7: 12 لو6: 31) ومثله في طوبيا (: 16) كلما تكره ن يفعله بك فإياك أ، تفعله أنت بغيرك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 إن ابن البشر لم يأت ليهلك نفوس الناس بل ليخلصها (لو9: 56) . ما بالك تنظر القذى الي في عين أخيك ولا تفطن الخشبة التي في عينيك يامرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك (مت 7: 3لو 3: 42) =أيها الطبيب اشفِ نفسك (لو4: 23) . أنتم جميعاً أخوة (مت 23: 8) وفي رسالة بول إلى أهل غلاظية (3: 28) : ليس عبد ولا حر لأنكم جميعكم واحد في المسيح. أحبوا أعداءكم وأحسنوا إلى من يبغضكم (مت 5: 44، لو6: 37) =إن أحببتم من يحبكم فأيّ أجر لكم أليس العشارون يفعلون ذلك (مت 5: 46) . أعداء الإنسان أهل بيته (مت 10: 36) ومثله في نبوة ميخا (7: 6) . كم مرة يخطأ إلي أخي فاغفر له أإلى سبع مرات قال يسوع.. بل إلى سبعين مرة سبع مرات (مت 18: 31 33) . ملكوت السماوات يغضب والغاضبون يختطفونه (مت 11: 13) . ومن ينكرني أمام الناس ينكر أمام ملائكة الله (لو 12: 9) وفي متى (10: 33) .. أنكر أنا قدام أبي الذي في السماوات. لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هاهنا إلى هناك فينتقل (مت 17: 19) . قال الرسل للربّ: زدنا إيماناً (لو 17: 5) من أحب اباً أو أماً أكبر مني فلن يستحقني.. ومن أهلك نفسه من أجلي يجدها (مت10: 37 39) . طوبى لعيونكم لأنها تنظر ولآذانكم لأنها تسمع.. أن كثيرين من الأنبياء والصديقين اشتهوا أن يروا ما أنتم راؤون ولم يروا وأن يسمعوا ما أنت سامعون ولم يسموا (مت 13: 16 17) . قال يسوع: لأنك رأيتني يا وما آمنت فطوبى للذين لم يروني وآمنوا (يو 20:39) . من سمع منكم فقد مع مني ومن احتقركم فقد احتقرني ومن احتقرني فقد احتقر الذي أرسلني (لو10: 16) =من قبلكم فقد قبل الذي أرسلني (مت 10: 40) =الحق أقول لكم إن الذي يقبل من أرسله يقبلني والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني (يو 13: 30) . إن الكتبة والفريسيين جالسون على كرسي موسى فمهما قالوا لكم فاحفظوه واملوا به وإما بمثل أعمالهم فلا تعملوا (مت 23: 2 3) . أوفوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله (مت 22: 30) . حينئذٍ يضيء الصديقون مثل الشمس في ملكوت أبيهم (مت 13: 43) . احذروا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بلباس الحملان وهم في الباطن ذئاب خطفة.. (مت7: 15) صلوا في كل حين (لو 12: 36) =الحق أقول لكم إن كل ما تسألون الأب باسمي يعطيكموه (يو 16: 23) . إذا صليت ادخل مخدعك وأغلق بابك وصل إلى أبيك في الخفية (مت6: 6) . اسألوا فتعطوا اطلبوا فتجدوا اقرعوا فيفتح لكم (مت 7: 7) . انظرا إلى طيور السماء فأنها لا تزرع ولا تحصد ولا تخزن في الإهراء وأبوكم السماوي يقوتها (مت: 36) . وأنتم فصلوا هكذا أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض (متى 6: 9 10) . حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فإنا أكون هناك فيما بينهم (مت18: 20) . إذا صنعت صدقة لا تعلم شمالك ما تصنع يمينك لتكون صدقتك في خفية وأبوكم لذي يرى في الخفية هو يجازيك (مت 6: 4 5) =أرملة فقيرة ألقت فلسين.. إن هذه قد ألقت أكثر من كل الذين ألقوا في الخزانة (مر12: 43 44) . كل من ترك بيتاً أو أخوة.. لأجل اسمي يأخذ م~ة ضعف ويرث الحياة الأبدية (مت 19: 29) . من سقى أحد هؤلاء الصغار كأس ماء بارد فقط.. فالحق أقول لكم لأنه لا يضيع أجره (مت10: 42) . كل من رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع (لو 14: 11) =حط المقتدرين عن لكراسي ورفع المتواضعين (لو1: 52) . إذا دعيت فامش واتكئ في آخر موضع (لو14: 7) . من أراد أن يكون فيكم عظيماً يكون لكم خادماً ومن أراد أن يصير فيكم الأول يكون عبداً للجميع (مر 10: 43 44) . إنه لسهل أن يدخل الجمل في ثقب الإبرة من أن يدخل غني ملكوت السماوات (مت 19: 24) . أن لم ترجعوا وتصيروا مثل الصبيان فلن تدخلوا ملكوت السماوات (مت 18: 3) . لا تعطوا القدس للكلاب لا تلقوا جواهركم قدام الخنازير (مت 7: 6) . من أحب نفسه فهو يملكها ومن أبغض نفسه في هذا العالم فإنه يحفظها للحياة الأبدية (يو 12: 25) . اكنزوا كنوزاً في السماء (مت 6: 2) . إنما يتكلم الفن من فضل ما في القلب (مت 12: 34) . ذكر في لوقا (15:ة 4 10) فرح واجد الخروف الضال والدرهم المفقود ثم قال الرب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 هكذا يكون في السماء فرح بخاطئ يتوب أكثر مما يكون بتسعة وتسعين صديقاً لا يحتاجون إلى توبة. الويل لكم ايها الضاحكون الآن أنكم ستنوحون وتبكون (لو 6: 25) . بصبركم تقتنون أنفسكم (لو 12: 19) =الذي يصبر إلى المنتهى فذلك يخص (مت 10: 22) . الرجل الصالح من كنزه الصالح يخرج الصالحات والرجل الشرير من كنزه للشرير يخرج الشرور (مت 12: 35) . قال لهم: إن موسى لأجل قساوة قلويكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم (مت 19: 8) . إن كل من نظر إلى امرأة لكي يشتهيها فقد زنى بها في قلبه (مت 5: 26) . الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون والمراء فإنكم تشيدون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين.. تشهدون على أنفسكم أنكم قتلة الأنبياء (مت 23: 39) . الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون أنكم تشبهون القبور المجصصة التي ترى الناس من خارجها حسنة وهي من داخلها مملوءة عظام أموات وكل نجاسة (مت 23: 27) . أكب يسوع يخط بإصبعه على الأرض.. فلما سمعوا طفقوا يخرجون واحداً واحداً (يو 8: 6 9) . إن في انطلاقي خيراً لكم (يو 16: 7) . أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم (مت3: 8) . إن كنت تريد أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا (مت 19: 17) . كثيرون من ألأولين يكونون آخرين ومن الآخرين يكونون أولين (متى 19: 30) . الفصل العشرون في متى (3 16) يذكر الفعلة الذين أخذوا جميعهم ديناراً مع اختلاف ساعات شغلهم. وأخرج يسوع الذين يبيعون ويشترون في الهيكل (مت 21: 13) . أما ذلك اليم وتلك الساعة فل يعلمها أحد ولا الملائكة في السماء ولا الابن إلا الأب (مر 13: 32) . أنها ستأتي ساعة يسمع فيها جميع من في القبور صوت ابن الله فيخرج الذين عملوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة (يو5: 28) . إن الآب لا يدين أحداً بل أعطى الحكم كله للابن (يو5: 2) =وحينئذٍ يشاهدون ابن البشر آتياً على سحابة بقوة وجلال عظيمين الخ (لو21: 27) =إنا جميعاً سنقف أمام منبر المسيح (رو14: 10) . ستقوم أمة على أمة ومملكة على مملك وتكون زلازل شديدة.. وأوبئة ومجاعات وتكون من السماء مخاوف وعلامات عظيمة الخ (لو 21: 10 11) . الحديث كل بني آدم يمسه الشيطان يوم ولده أمه إلا مريم وابنها (جس 319) =ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان غير مريم وابنها (جس 389) . خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً (جس 205) . إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها.. (جس 118) . إذا أراد لله خلق شيء لم يمنعه شيء (جس 25) . إن الله تعالى محسن فأحسن (جس 95) . كل علم وبالٌ على صاحبه ألا عمل به (جس 114) =تعلموا من العلم ما شتم فوالله لا تؤجروا بجمع العلم حتى تعلموا به (جس 173) . ويلُ للأغنياء من الفقراء (جس 455) =نعم الشيء الفقر (جس 166) =قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها لمساكين (جس 314) =الفقر شين عند الناس زين عند لله يوم القيامة (جس 303) . اتبعوا العلماء فأنهم سرج الدنيا ومصابيح الآخرة (جس 10) . مثل أصحابي كالملح لا يصلح لطعام إلا به (جس 402) الإيجاز والإعجاز لثعالبي ص 6=قريش صلاح الناس وا يصلح الناس إلا بهم ما أن الطعام لا يصلح إلا بالملح (جس 312) ، ومثله للشاعر: بالملح تصلح ما تخشى تغيره=فكيف بالملح أن حلت به الغير كونوا بلهاً كالحمام (أحياء علوم الدين للغزلي) =دخلت الجنة فإذا أكثر أهلها البله (جس 317) . مكتوب في الإنجيل كما تدين تدان وبالكيل الذي تكيل تكتال (جس 404) =البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت أعمل ما شئت كما تدين تدان (جس 166) . من يرحم الناس يرحمه الله، ومن لا رحماء فإن الله رحيم يحب كل رحيم (من 115) اسمحوا يسمح لكم (جس 55) من لا يغفر لا يغفر له، من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء (جس 426) . اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعملون (من 25) =ارحم يا رب أمتي لأنهم لا يعلمون ما يصنعون (رواية أحياء علوم الدين للغزالي) . الله ارحم بعباده من هذا العصفور بفرخه (جس 24) . أحبب لناس ما تحبه لنفسك (جس 16 الأغاني 16: 55) =لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه (من 186) ، ونظمه الشاعر فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 واصنع إلى الناس كمثل الذي ... تختار أن يصنعه الناس بك إنما بعثت رحمةً ولم ابعث عذاباً (جس 135) . إذا أردت أن تذكر عيوب غيرك فاذكر عيوب نفسك (جس 26) =روى في الأغاني لسكينة بنت الحسين بن علي (14: 17) : إني والله وإياك كالذي يرى الشعرة في عين صاحبه ولا يرى الخشبة في عينه=يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه (جس 467) . المسلم أخو المسلم (جس 440) =العبيد أخوانكم فأطعموهم مما تأكلون (خ3: 113) . صل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك (جس 256) =الفضل في أن تصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك=أفضل أ، تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتصفح عمن ظلمك (جس 66 و303) . اعدى عدوك وزوجتك وما ملكت يميتك (جس 60) . أعف عن الخادم كل يوم سبعي مرة (من 19) =أني لأتوب إلى الله في اليوم سبعين مرة (من 47) . حفت الجنة بالمكاره (الثعالبي) المحاضرة والتمثيل ص10، من نسختنا وفي الإيجاز والإعجاز له ص6 7، من 69) أن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف (خ3: 191 جس 113) . إذا سئل أحدكم أمؤمن هو فلا يشك (جس 37) . لا يدمخل النار من كان في قلبه حبة خردل من ألإيمان (رواه الغزالي في أحياء علوم الدين) =يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله: أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من الإيمان فيخرجون (خ1: 10) . قل: رب زدني علماً (سورة طنه 113) . لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين (خ1: 9) =لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه (من 186 وافي إحياء علوم الدين للغزالي) . إن أناساً من أمتي يأتون بعدي يود أحدهم لو اشترى بأهله وماله (جس 115) . طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمت آمن بي ولو يرني (جس 2471) ، وفيه: طوبى: ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني=رحم الله أخواني الذين آمنوا بي ولم يروني (من 88) =طوبى لمن رآني أو رأى من رآني (من 95) تسمعون ويسمع منكم (جس 71) =أكرموا العلماء.. فمن أكرمهم فقد أكرم الله ورسوله (جس 72) =ومن أحل لأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله (جس 408) =ومن أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني لافقد أطاع الله (من 146) =من أحب العرب فقد أحبني حقاً (من 147) =من أحب علياً فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني (جس 408) =من آذى علياً فقد آذاني (من 04) =من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني (جس 408) . انظروا قريشاً فخذوا من قولهم وذروا فعلهم (جس 143) . أدوا للأمراء حقهم واسألوا الله حقكم (رواية إحياء علوم الدين للغزالي) . أن أهل علين يشرف أحدهم على أهل الجنة فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر ليلة البدر لأهل الدنيا (جس 116) . إن بين يدي الساعة وكذابين فاحذروهم صحيح مسلم 6: 4) ومثله للشاعر: وإذا الذئاب استنعجت لك مرة ... فحذار منها أن تعود ذئابا فالذئب أخبث ما يكون إذا بدا ... متلبساً بين النعاج إهابا الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر (جس 265) =الصلاة مفتاح كل خير (من 193) =ما أذن الله العبد في الدعاء حتى أذن له في الإجابة (جس 358) . صلوا أيها الناس في بيوتكم فأفضل صلاة المرء ف بيته إلا المكتوبة (جس 66) . من طلب شيئاً وجد وجدّ، من قرع الباب ولجَّ ولج، (من 130) =شل تعط (جس 85) . لو أنكم تتوكلون على لله حق توكله كرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً (جس 368) . إذا تألم أحد أو تألم أخوه فليقل: ربنا أنت في السماء ليتقدس اسمك ليكن ملكوتك في السماء والأرض (حديث أبي داؤود 1: 101) . عليكم بالجماعة فإن الله يجمع أمتي إلا على هدى (جس 13) =يد الله مع الجماعة (الثعالبي لإعجاز والإيجاز 6 7) . في صحيح البخاري (1: 71) يمد الله يوم الدين من عمل الصدقة سراً بحيث لا تعلم يده الشمال م فعلته يمينه=أفضل الصدقة سراً إلى فقير وجهد من مقل (جس 65) =صدقة السر تطفئ غضب الله (الإعجاز والإيجاز للثعالبي 6 7) =من كنوز البر كتمان الصدقة (جس 170) . إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة يعطى عليها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة (جس 96) . من سقى عطاشاً فأرواه فتح له باب الجنة (من 104) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 من تكبر وضعه لله (من 151) =من تواضع الله رفعه ومن تجبر قمعه (جس 414) =التواضع لا يزيد العبد (ويروي: العالم إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم (جس 177) . إن من التواضع الرضي بالدون من شرف المجالس (جس 42) . سيد القوم خادمهم (جس 244 من 86) في أصحابي اثنا عشر منافقاً منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الإبرة (جس 301) =وفي سورة الأعراف 38: لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل من سم الخياط لا يدخلن إلا مرد (من 78) . لا تطرحوا لدر في أفواه الكلاب (جس 461) =لا تطرحوا الدر تحت أرجل الخنازير (من 192 وفي التمثيل للثعالبي) . من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما بقي على ما يفنى (جس 408) . من يتزود في الدنيا ينفعه في الآخرة (جس 436) . من أحب شيئاً أكثر من ذكره (جس 408 من 146) . الله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ومن الضال الواجد ومن الظمآن الوارد (جس 357) . من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي (جس 410) . النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وأنَّ من العسر يسراً (جس 444) =الصبر مفتاح الفج (من 92) . الرجل الصالح يأتي بالخبر الصالح والرجل السؤ يأتي بالخبر السؤ (جس 232) . ما أحلّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق (جس 384 من 139) . زنا العينين النظر جس234) =ما من مسلم ينظر إلى امرأة ول دفعة ثم يغض بصره ألا أحداث لله تعالى له عبادة يحدد حلاوتها في قلبه (جس 399) . لعن الله اليهود.. اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (خ2: 83) قتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (جس 304) . مثل الفاجر كمثل القبر المشرف المجصص يعجب من رآه وجوفه ممتلئ نتناً (جس 401) . قد كان نبي يخط فمن واف خطه ذلك الخط علم (من 108) . حياتي خير لكم ومماتي خير لكم (من 69) =وحياتي خير لكم.. فإذا أنا مت كانت وفاتي خيراً لكم (جس 197) . لو أن الماء الذي يكون منه الوالد اهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولداً (جس 367 من 162) . من اشتاق إلى الجنة سابق إلى الخيرات (جس 148) . في صحيح البخاري عن أبي هريرة: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة. روى ذلك البخاري في صحيحه (1: 139 و3: 46 47) .. أوتي هل التوراة فعملوا حتى نصف النهار فأعطوا قيراطاً قيراطاً.. ثم أوتي أهل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتينا القرآن فعلمنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين الخ نهى عن الشري ولبيع في المسجد (جس 445) . أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس أن اله ند علم السعة.. (جس144) =يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة اكون قريباً (سورة الأحزاب 33: 63) . إن الساعة آنية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.. الملك يومئذٍ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم والذين كفروا.. فأولئك لهم عذاب مهين (سورة الحج 7و 55) . ليهبطن عيسى بن مريم حكماً وإماماً مقسطاً (جس 382) =كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم (جس 326) =ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء=شرقي دمشق (جس 468) . في صحيح البخاري (2: 21) : لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج.. أعمال الرسل (عم) أجاب لرسل وبطرس قالوا أن الله أحق من الناس بأن يطاع (عم 5:39) . الحديث طاعة الإمام ما لم يأمر بمعصية الله (جس 268) =من أمركم من الولاة بمعصية الله فلا تطيعوه (جس 416) =لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (من 184) . رسائل القديس بولس اعلموا وافهموا أنه ليس للزاني أوالنجس أو البخيل لذي إنما هو عابد وثن ميراث في ملكوت السماوات (أفسس 5: 5) =أما تعلمون أن الأثمة لا يرثون ملكوت الله (1كور6: 9) . أنه بالقلب يؤمن الإنسان للبر ويعترف للخلاص (رو10: 10) . كل إنسان كاذب (رو3: 4) وكذلك في المزامير (115: 11) وفي الجامعة (7: 21) ليس من صديق على الأرض يصنع الخير بغير أن يخطأ. روض نفسك على التقوى.. إن التقوى تنفع في كل شيء ولها موعد الحياة الحاضرة والمستقبلية (1تيم 4: 7 8) . لتخضع كل نفس للسلاطين العالية.. فمن يقاوم السلطان يعاند ترتيب الله (رو13: 2) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ما لم تره عين ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر ما أعده الله للذين حبونه (1كور 2: 9) . إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بخلاف ما بشرناكم به فليكن مبسلاً (غلاطية 1: 8) . ذكر في م (1كور11: 23 30) إكرام الرب للخبز إذ كرسه وجعله قرباناً. هو (الله) يرحم من يشاء ويقسي من يشاء (رو 9: 18) . الذي يأكل فللرب يأكل لأنه يشكر اله والذي لا يأكل فللرب لا يأكل ويشكر الله (رو14: 6) . اعرض عن الكلام العالمي الملتبس بالبدع.. الذي انتحله قوم فزاعوا عن الإيمان (1 تيم6: 20 21) رجل البدعة أعرض عنه (تيطس: 10) . لابد أن يظهر إنسان الخطيئة ابن لهلاك.. ويرى من نفسه أنه هو لله.. فيهلكه الرب يسوع بنفسه فمه (تس 2: 3 8) . الحديث أن الجنة لا تحل لعاصٍ (من 36) =لا يدخل الجنة لا خب ولا خائن ولا منان (جس 466) . الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب عمل بالأركان (جس 163) =الإيمان معرفة بالقلب وباللسان وعما بالأركان (من 55) كل ابن آدم خطاه (جس 114) . عليك بتقوى الله فإنها جماع كل خير (جس 80 من 98) =أوصيك بتقوى الله فإنه رأس كل شيء (جس 145) . السلكان ظل الله ف الأرض فمن أكرمه أكرمه اله ومن أهانه أهانه الله (جس 247) . أن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر عل قلب واحد (جس 120) =قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت الخ (جس305) . لو نزل موسى فأتبعتموه وتركتموني لضللتم (جس 371) . أكرموا الخبز لأن الله أكرمه فمن أكرم الخبز أكرمه الله=أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء وأخرجه من بركات الأرض (جس 73) . يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء (سورة المدثر 34) . الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر=الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم الصابر (جس 371) . إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلال 0إرشاد الطالبين ص8) . لم يسلط على الدجال إلا عيسى بن مريم (جس365) =ليقتلن ابن مريم الدجال بباب لد (جس 381) . رسائل يعقوب الرسول (يع) الإيمان أن كان بغير أعمال فهو ميت في ذاته (يع2: 15 و16) . اللسان نار وعالم من الإثم.. هو شرُ لا ينضبط مملوء سماً مميتاً) يع3: 6 8) =إن كان أحد لا يزل في الكلام فهو رجل كامل (يع3: 2) . إن محبة العالم عداوة لله فمن أثره ن يكون حبيباً للعالم لافقد صار عدواً لله (يع4: 4) حب المال أصل كل شر (1تيم6: 10) . صلاة الإيمان تخلص المريض والرب ينهضه (يع5: 15) . الحديث الإيمان قول وعمل (جس56) =الإيمان والعمل أخوان.. لا يقبل الله أحدهما إلا متع صاحبه (جس 163) . أكثر الناس ذنوباً يوم القيامة أكثرهم كلاماً=أكثر خطايا ابن آدم في لسانه (جس70) =أحبُّ الأعمال إلى الله حفظ اللسان (جس 15 من 6) . حب الدنيا رأس كل خطيئة (جس 192 من 68) . قم فصل إ، في الصلاة شفاءً (جس110) . رسائل في بطرس (بط) في أيام نوح بني التابوت الذي خلص فيه نفرٌ قليل (بط3: 30) . أكرموا الملك.. اخضعوا لسادتكم (1 بط2: 17 18) . الحديث أن مثل أهل بيتي فيكم سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك (جس 127 و402) . يجلوا المشايخ (من 56) . رسائل يوحنا الرسول (يو) نحن أبناء الله.. نعلم أنه إذا ظهر.. سنعاينه كما هو (1يو3: 3) . لا تكن محبتكم بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق (1يو 3: 8) =وفي إنجيله (17: 23) من أحبني يحفظ كلمتي. من يعمل الخطيئة فهو من إبليس.. ولهذا ظهر ابن الله لينقض أعمال إبليس (1يو3: 8) . الحديث أنكم سترون ربكم يوم القيامة عياناً (من 45) . من أحب لله حفظ وصيته قال الشاعر: إذا ندبوا للقول قالوا فأحسنوا ... ولكن حسن القول خالفه الفعل كل بني آدم يطعنه الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم ذهب ليطعنه فطعن في الحجاب (جس 319) . كتاب رؤيا يوحنا الرسول أني كل من أحبه أونجه وأؤدبه (رؤيا 3: 19) ومثله في الرسالة إلى العبرانيين (12: 6) وفي سفر الأمثال (3: 12) : أن الذي يحبه الرب يؤدبه. طوبى للأموات الذين يموتون في الرب ... لأن أعمالهم تابعة لهم (رؤيا 14: 13) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 (السماء) لا يدخلها شيء نجس ولا فاعل الرجس (رؤيا 12: 26) . أنا الأول والآخر كنت ميتاً وها أنا حي ... ولي مفاتيح الموت والجحيم (رؤيا 1: 18) =أنا الألف والياء والبداءة والنهاية (1: 8) . الحديث إذا أحب الله عبداً ابتلاه (جس 23) =إذا أراد الله بقوم خيراً ابتلاهم (من 8) =إن عظم الجزاء مع البلاء وأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم (جس 119) . أن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته من بعد موته علماً نشره وولداً صالحاً تركه.. وحياته تلحقه من بعد موته (جس 215) . تنظفوا فإنه لا يدخل الجنة ألا نظيف (جس 102 و 162) . إنما بعثتا فاتحاً وخاتماً (جس 134) =أعطيت فواتح الكلام وجوامعه وخواتمه (جس 61) =كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث (من 115) : أني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض (بخاري 2: 86) . الفصل السابع في الخطابة النصرانية بين عرب الجاهلية بعد كلامنا عن المفردات النصرانية في لغة عرب الجاهلية وأعلامها وأمثالها وحكمها يقتضي أن نبين نفوذ هذا الدين بينهم بما هو أدل على آدابهم. وليس أكثر دلالة على ذلك من فن الخطابة. قد افتخر العرب في كل أجيالهم بمقدرتهم على البلاغة والتبسط في كلام وقوة العارضة حتى أنهم لجهلهم آداب ما سواهم من الشعوب كاليونان والرومان نسبوا إلى قومهم الامتياز بفن الخطابة دون سواهم. ومهما كان من الصحة في هذا الادعاء لا مراء في أنهم عرفوا في كل آن بذلاقة اللسان وطلاقة الكلام. فيا ترى ماذا كان مبلغ نصارى العرب في هذا الفن وهل بقي شيء من آثارهم المبنى ببلاغتهم الخطابية بين أهل جلدتهم. فقبل الجواب على هذا السؤال لا بد من تقديم ملحوظين: الأول أن ما بلغنا من خطب عرب الجاهلية لم يجمع إلا بعد الهجرة بمدة مديدة فدونه الرواة في القرن الثاني للإسلام. فمن البديهي أن كثيراً من تلك الآثار الخطابية قد ضاع بطول الزمان وآفة النسيان أو لم يبلغنا منه إلا نتف قليلة لا تكفي لأن نبني عليها الحكم الصواب في مقدرة نصارى العرب على إلقاء الخطب. الملحوظ الآخران الرواة الذين رووا تلك المقاطع كانوا من أهل الإسلام لا يهمهم كثيراً الإشارة إلى دين خطباء العرب في الجاهلية وكلهم في مظنتهم من أهل الشرك لا يختلف في عرفهم النصراني عن اليهودي أو الوثني. فلم يبق لكشف القناع عن الحقيقة إلا أن نجري على الاستقراء والدلائل التي سبق لنا جمعها في الفصول السابقة للتمييز بين النصارى والمشركين واثبات ما يمكن استخلاصه لبيان علمهم بالخطابة فنقول: معلوم أن الخطابة إلى اختلاف أغراضها من تثبيت ومشورة ومشاجرة على قسمين كبيرين دينية ومدنية. وفي كليهما آثار باقية تدل على امتياز النصارى فيهما على عهد الجاهلية وأول ظهور الإسلام. 1 الخطابة الدينية بين نصارى عرب الجاهلية بينا في فصول مطولة سبقت لنا في القسم الأول من هذا الكتاب كم كانت النصرانية منتشرة في أنحاء العرب فتتبعنا كل جهات جزيرتهم وأثبتنا قولنا استناداً إلى المؤرخين القدماء من يونان ورومان وسريان معاصرين ثم عرب كتبوا بعد الإسلام بقليل. هذا فضلاً عن الآثار الحجرية في الحميرية والآثار الفنية المختلفة. فإن كان الأمر كذلك يلزم القول بأن الخطابة الدينية كانت شائعة بين تبعتها لأن الديانة النصرانية تنتشر عادة بالتعليم الشفاهي إذ قال السيد المسيح لرسله (متى 28: 19 20) : "اذهبوا وتلمذوا كل الأمم ... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" فلا يجوز استثناء المبشرين بالنصرانية بين العرب من هذا الحكم. ولا سيما أنهم كانوا شيدوا بينهم كنائس عديدة وأقاموا لهم أساقفة وكهنة وشمامسة كما قررنا ذلك بالشواهد. وهؤلاء كلهم في مقدمة واجباتهم الإرشاد والخطابة في عقائد الدين ليرسخوها في عقول رعاياهم ويثبتوها للخوارج وللطالبين التدين بالنصرانية. فليت شعري ماذا بقي من تلك الآثار الطيبة والخطب أو الميامر. ولا ننكر أن اللغة الكنسية كانت في بعض جهات العرب الكلدانية أو اليونانية إلا أنه كان للغة العربية حصتها أيضاً في النواحي التي كان أهلها من أصل عربي محض كاليمن والحجاز وبين عرب المدر الساكنين في الخيم حيث كان يسكن بينهم أساقفة يتنقلون معهم في مناجعهم كما صرحت الآثار الكنسية والمجامع الدينية بذلك ودونا أقوالهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ومما عرض إلى الفقدان تلك البقايا الجليلة أن الخط العربي الذي علمه النصارى لإخوانهم العرب كما أيدنا ذلك بالشواهد لم يكن بعد انتشر انتشاراً كافياً ليحفظ ذلك القلم الحديث كنوزهم الأدبية. ولما جاء الإسلام اتجهت الأفكار إلى الدين الجديد وجعلوا القرآن الكل في الكل لفوز ذويه بقبائل العرب. هذا مجمل ما يقال عن الخطابة الدينية النصرانية ولكننا لم نيأس من التقاط بعض الحبوب من تلك السنابل المحصودة وبعض الفتات من تلك الموائد الفاخرة. فمن ذلك خطيب ديني شاع اسمه في بطون بلاد العرب وانجادها أجمع كل أهل البادية من حضر ومدر على أنه كان آية في البلاغة الخطابية نريد به قس بن ساعدة الذي يدل مجرد اسمه على نصرانية وضرب به المثل في أساليب البيان. ولو لم يكن في جزيرة العرب غير قس اشتهر في البلاغة والخطابة لكفى النصارى به فخراً. اماما يروى عنه تأييداً لهذه السمعة العظيمة فأسطر قليلة نقلناها في كتابنا شعراء النصرانية (ص 212 213) وهناك أخبار رويناها على علاتها تثبت رفعة مقامه بين العرب لكنها لا تشفى عليلاً ولا تروي غليلاً. وكذلك أخباره المروية عن كتبه العرب فإنها أقرب إلى أساطير الأولين وخرافات الأقدمين فيقول الرواة هناك أنه أدرك زمن بقايا الحواريين ورأسهم سمعان الصفا وأنه عاش ستمائة بل سبعمائة سنة (ص 216) وأنه بشر بمجيء نبي المسلمين وأن محمد رآه في سوق عكاظ يخطب على جمل له أورق (راجع الشرشي 2: 275) وأشياء أخرى أقرب إلى الترهات منها إلى صحيح الروايات. ولعلهم أصابوا بقولهم أنه "كان أسقفاً على نجران وأنه كان زاهدا في الدنيا يلبس المسموح ويتبع السياح على منهاج المسيح" وكذلك قولهم لأنه "كان يتكئ على عصا في خطبه" (لا سيفاً كما روى البعض) . فإن أساقفة النصارى يمسكون في أيديهم عكازاً وهم يخطبون. وخلاصة الكلام أن قساً كان خطيباً مصقعاً أثر كلامه البليغ في قلوب العرب حتى نسبوا إليه من الأقوال والأعمال ما يرده النقد الصحيح ولا يقبله الذوق السليم. وها نحن نروي ثلث خطب من خطبه فاتنا ذكرها في شعراء النصرانية لا تأييداً لصحتها بل أعلاناً بما تناقله العرب عن قس غثاً كان أو سميناً وهذه الخطب وجدناها في التذكير الحمدونية (نسخة باريس الخطية ص v 84) . أيها الناس الحلم شرف والصبر ظفر سرور والمعرفة كنز والجهل سفه والعجز ذلة والحرب خدعة والظفر دول والأيام عبر والمرء منسوب إلى فعله مأخوذ بعلمه فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد واستشعروا والجد تفوزوا به ودعوا الفضول يجاريكم السفهاء وأكرموا الجلوس يعمر ناديكم وحاموا عن الحقيقة يرغب في جواركم وأنصفوا من آنفكم يرفق بكم وعليكم بمحاسن الأخلاق فإنها وإياكم والأخلاق الدينية فإنها تضع الشرف وتهدم المجد. (خطبة) أيها الناس شارفوا بإبصاركم في كر الجديدين ثم أرجعوها كليلة عن بلوغ الأمل فإن الماضي عظة للباقي وبلا تجعلوا الغرور سبيل العجز فتنقطع حجتكم في موقف الله سائلكم فيه ومحاسبكم على ما أسلفتم. أيها الناس أمس شاهد فاحذروه واليوم مؤدب فاعرفوه وغداً رسول فأكرموه وكونوا على حذر من هجوم القدر فإن أعمالكم تطلق أبدانكم والصراط ميدان يكثر فيه العثار فالسلم ناج والغابر في النار. (خطبة) اتقوا عباد الله وأنتم في همل بادروا الأجل ولا يغرنكم الأمل فكأن بالموت وقد نزل فشغلت المرء شواغله وتركت عنه بواطله وهيأت أكفانه وبكاه جيرانه وصار إلى المنزل الخالي بجسده البالي قد فارق الرفاهية وعاين الداهية فوجهه في التراب عفير وهو إلى ما قدم فقير. هذه كما ترى حكم أكثر منها خطب. والعجب أن الكتبة السريان المعاصرين الذين استفدنا من تواريخهم عدة أخبار عن العرب لم يأتوا بذكر قس بن ساعدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 على أنهم ذكروا خطيباً آخر وكاتباً بليغاً اشتهر بالكوفة في القرن الأول من الإسلام وكان أسقفاً على نصارى الكوفة وعاقولاء يدعى جرجس أسقف العرب. فهذا كان متعمقاً في درس كتب اليونان ونقل قسماً منها كاورغنون ارسطوطاليس وكتب شروحاً على الأسفار المقدسة وله عدة خطب وميامر لم تزل بين مخطوطات عواصم أوربة كلندن وباريس ورومية يتضح منها ما أتصف به جرجس أسقف العرب من العلم والبلاغة في الخطب الدينية. بيد أن هذه الآثار كلها لم تبلغ إلينا إلا بالسريانية. ومن المحتمل أن عربيتها ضاعت فبقيت ترجمتها السريانية. كانت وفاة جرجس المذكور في أواخر القرن الأول للهجرة. وممن يجب نظمهم في سلك خطباء النصرانية أولئك السياح والرهبان الذين تكرر ذكرهم في الشعر العربي المروي سابقاً فإنهم لم ينقطعوا فقط إلى الصلاة والزهد بل كثيراً ما كانوا يختلطون بالعرب ويدعونهم إلى نبذ أديانهم الباطلة ويرشدونهم إلى الصلاح بالخطب والمواعظ. كما ورد في تراجم البعض منهم كالقديس هيلاريون والقديس افتيموس بين عرب الشام والقديس جرجنسيوس رسول عرب اليمن وموسى رسول الغسانيين وغيرهم كثيرين سبق ذكرهم. فينبغي إذن القول بأن الخطابة النصرانية الدينية قد أزهرت بين العرب كما أزهرت بين غيرهم من الأمم وأن لم تبلغ إلينا صورتها بسبب آفات الزمان وكوارث الحدثان. 2 الخطابة المدنية بين نصارى الجاهلية إن كانت الآثار الدينية من خطب نصارى الجاهلية الباقية إلى عهدنا نزرة قليلة فكان أملنا في جمع مآثرهم المدنية أعظم لكلف الرواة بما هو أقرب إلى أخلاقهم وأفكارهم. إلا أنهم ما رووه منها لا يكاد يستحق الذكر أو هو فصول حكيمة ليست خطباً وضعت للإقناع كما لا يخفى هو غاية الخطيب ومحور الخطابة. ولكن إذا كانت الخطب المروية لا يكاد يعبأ بها إنما نجد في مآثر العرب ما يثبت شيوع الخطابة بين القبائل النصرانية. وأول هذه القبائل وأقدمها قبيلة أياد التي روينا أخبارها وأثبتنا تنصرها (ص 75 76 و 124) عن عدة كتبة. ومنها كان قس بن ساعدة الأيادي المار ذكره. فأياد هذه نسب إليها قدماء العرب البراعة في الخطابة لنا على ذلك شاهد حسن في مديح الشعراء لأياد وذكرهم لخطبائها منها قول الشاعر في وصف خطبهم: يرمون بالخطب الطوال وتارةً ... وحيَ الملاحظ خيفةَ الرّقباءِ وصفهم بتطبيق خطبهم على مقتضى الحال تارة بالطول والتصريح وتارة بالوجازة والكناية والإشارة. وقال أحدهم يرثي أبا دؤاد بن جرير الأيادي: نعى ابنَ جريرٍ جاهلٌ بمصابهِ ... فعمَّ نزاراً بالبكاء والتحوُّبِ نعاهُ لنا كالليث يحمي عرينهُ ... وكالبدر يعشي ضؤهُ كلَّ كوكبِ وأضربُ من حدّ السنان لسانهُ ... وأمضى من السيف الحسام المشطَّبِ زعيمُ نزارٍ كلّها وخطيبها ... إذا قال طأطأ رأسهُ كلُّ مشغبِ سليل قرومٍ سادةٍ ثم قالةٍ ... يبزُّون يوم الجمع أهلِ المحصَّبِ كقسّ أيادٍ أو لقيط بن معبدٍ ... وعذرةَ والمنطق زيدِ بن جندبِ فأثنى الشاعر على أبي دؤاد الأيادي وأطرا بلاغته في الخطابة ثم ذكر أربعة غيره كلهم خطباء وكلهم من أياد. ذكر لقيط بن يعمر الأيادي الذي أنذر قومه غزو كسرى لهم وأرسل إليهم قصيدته العينية التي هي خطبة بليغة حاكت في صدورهم فنجوا من عدوهم. ومنها قوله: أبلغ أياداً وخلّيل في سراتهمِ ... أنيّ أرى الرأيَ إن لم أعصَ قد نصعا يا لهف نفسيَ إن كانت أموركمُ ... شَّتى وأحكمَ أمرُ الناسِ فاجتمعا ألا تخافونَ قوماً لا أبا لكمُ ... أمسوا إليكم كامثالِ الدَّبى سرعا ما لي أراكم نياماً في بلهينة ... وقد ترون شهاب الحربِ قد سطعا صونوا جيادكمُ واجلوا سيوفكمُ ... وحدّدوا للقسيّ النَّبل والشُّرعا يا قومُ لا تأمنوا إن كنتمُ غبراً ... على نسائكمُ كسرى وما جمعا وقلّدوا أمركم للهِ درّكم ... رحبَ الذراعِ بأمر الحرب مضطلعا لقد بذلتُ لكم نصحي بلا دخل ... فاستيقظوا أنَّ خير العلم ما نفعا هذا كتابي إليكم والنذيرُ لكم ... لمن رأى رأيهُ منكم ومن سمعا وهي طويلة بليغة. وفيها كما ترى كل صفات الخطابة الحماسية. وقد ذكر في مطلعها بيع قومه النصارى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 أماً الخطيب الثاني المذكور فهو عذرة بن حجرة الخطيب الأيادي الذي وصفه الشاعر وشبهه بقس بن ساعدة بقوله: فإنك ضحاك إلى كل صاحب ... وانطق من قس غداة عكاظها لكن آثاره الخطابية مجهولة. ومثله زيد بن جندب النعوت بالمنطق أي الخطيب المفوه البليغ فإن خطبه لم تبلغ إلى يدنا. ويروى عنه أنه كان خطيباً وشاعراً معاً. وكما اشتهرت أياد في الخطابة بين قبائل العرب كذلك قرنوا بها قبيلة تميم وهي أيضاً من القبائل التي غلبت عليها النصرانية كما أدت إليه كتبه العرب (راجع الصفحة 126 من كتابنا) . فمن خطبائهم أكثم بن صيفي بن رباح التميمي. قال ابن نباتة في كتابه سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون (ص 12) أنه "أشهر حكام العرب في الجاهلية وحكمائهم وخطبائهم" وقد جمعوا من كلامه حكماً وامثلاً ووصايا لقومه منها قوله: يا بني لا يفوتنكم وعظي فاتكم الدهر بي. يا بني تميم إن مصارع الألباب تحت ظلال الطمع ومن سلك الجد أمن العثار. ولن يعدم الحسود أن يتعب فكره ولا يجاوز ضره نفسه والسكوت عن الأحمق جوابه .... ومما روي لأكثم خطابه لكسرى لما أوفده إليه النعمان بن المنذر (طلب عقد الفريد لابن عبد ربه 1: 127) قال: "إن أفضل الأشياء أعاليها وأفضل الخطباء أصدقها. الصدق منجاة والكذب مهواة. والشر لجاجة والحزم مركب صعب والعجز مركب وطيء. آفة الرأي الهوى والعجز مفتاح الفقر وخير الأمور الصبر. حسن الظن ورطة وسؤ الظن عصمة. إصلاح فساد الرعية خير من إصلاح فساد الراعي. من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء. شر البلاد بلاد لا أمير بها. شر الملوك من خافه البريء ... خير الأعوان من لم يراء بالنصيحة. أحق الجنود بالنصر من حسنت سريرته. حسبك من شر سماعه". ومن أقواله ما أوصى به أولاده ليبقوا متحدين وضرب لهم مثل السهام المجتمعة: كونوا جميعاً يا بنيّ إذا اعترى ... خطبٌ ولا تتفرَّقوا آحادا تأبى القداحُ إذا اجتمعنَ تكسُّراً ... وإذا افترقنَ تكسَّرت أفرادا ومن خطباء تميم النصارى حاجب بن زرارة أثنى العرب على بلاغته وأوفده النعمان أيضاً إلى كسرى فخطب أمامه مدافعاً عن العرب مستعطفاً لرضاه عليهم (العقد الفريد 1: 127) : "روى زندك وعلت يدك وهيب سلطانك. إن العرب أمة قد غلظت أكبادها واستحصدت مرتها ومنعت درتها. وهي لك وامقه ما تألفتها مسترسلة ما لا ينتها سامعة ما سامحتها وهي العلقم مرارة وهي الصاب غضاضة والعسل حلاوة والماء الزلال سلامة نحن وفودها إليك وألسنتها لديك ذمتنا محظوظة وأحسابنا ممنوعة وعشائرنا فينا سامعة مطيعة. أن نؤوب لك حامدين خيراً فلك بذلك عموم محمدتنا وأن نذم لم نخص بالذم دونها". ومن خطباء تميم الذين ذكرهم أيضاً العرب في أواخر الجاهلية وأوائل الإسلام الزبرقان بن بدر وعمر بن الأهتم وعدوهما مع عطارد بن حاجب من أكابر السادات وبلغاء الخطباء وذكروا دخولهم على نبي الإسلام وكلامهم بحضرته (أطلب الأغاني 4: 10 12) وهو لا يدل على كبير أمر لا لفظاً ولا معني إذ لم يدونه كاتب وقت إلقائه وإنما روي بعد نيف ومئة سنة. ويصح هذا أساقفة نجران الوافدين على محمد كما ذكرهم ابن سعد وصاحب الأغاني وغيرهما. فلا يمكنا أن نبدي حكماً في عارضتهم نظراً للقليل المصنوع المروي عنهم. وكذا قل أيضاً عن بقية خطباء العرب الذين اشتهروا بالخطابة فبقيت أسماؤهم وضاع كلامهم. وإنما ثبت قولنا أن الخطابة النصرانية دينية أو مدنية بلغت في الجاهلية مقاماً رفيعاً شهد له التاريخ وأن فقد معظم آثارها. الفصل الثامن في التاريخ النصراني بين عرب الجاهلية إن ما قيل في آثار الخطابة بين نصارى العرب في عهد الجاهلية يصح في آثارهم التاريخية فإنها قليلة جداً كان العرب ظلوا في جزيرتهم معتزلين عن بقية الشعوب المسيحية لم يعرفوا منها شيئاً. وليس الأمر كذلك كما سترى وأنما سبب ندرة هذه المآثر أن أهل الجاهلية لم يدونوا معارفهم في بطون الدفاتر لقلة انتشار علم الخط بينهم فصح فيهم قول المثل "كل علم ليس في القرطاس ضاع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ويضاف إلى هذا السبب سبب آخر وهو قلة اكتراث الرواة المسلمين لتدوينها حين باشروا بجمع آثار الجاهلية في القرن الثاني للهجرة. فكان حينئذٍ معظم همتهم أن يرووا ما يسمعونه من عرب الحضر والمدر من الشعر الجاهلي والمفردات اللغوية والأمثال والحكم وما أشبه ذلك. أما ما عرفه أجدادهم من تاريخ النصرانية فلم يعيروه بالاً. على أننا لو بقينا في الأمر ودققنا النظر في تلك المرويات السالمة من تيار الحروب الإسلامية لوجدنا أن عرب الجاهلية عرفوا أشياء كثيرة من تاريخ النصرانية واثبتوا بذلك شيوعها في ظهرانيهم. 1 وأول دليل إلى قولنا معرفتهم بالأسفار المقدسة من العهد القديم ليست الأولية فقط الشائعة عند اليهود بل الثانوية أيضاً التي وردت في النسخة السبعينية وكان النصارى يعتبرونها كمنزلة بالوحي الإلهي مثل الأولية. فمن راجع ما نقلناه سابقاً في الفصلين الثاني والرابع من هذا الجزء وما ورد فيها من أخبار العهد العتيق في شعر أمية بن أبي الصلت وعدي بن زيد بن عمرو بن نوفل وغيرهم تحقق أن عرب الجاهلية اطلعوا بفضل النصرانية على كل أخبار التاريخ المقدس قبل المسيح. 2 وفي ذينك الفصلين باب آخر يثبت معرفة أهل الجاهلية بتاريخ العهد الجديد أيضاً أعني أخبار السيد المسيح وأعماله وإنجيله ومجيئه في آخر الأزمان ليدين العالم. وورد ومثل ذلك في القرآن والحديث كما روينا سابقاً. وكله يشهد على معرفة العرب بزبدة تاريخي العهد القديم والعهد الجديد معاً. 3 ومما يستفاد من فصولنا السابقة ولا سيما ما أوردنا من الشعر الجاهلي أن العرب قبل الإسلام عرفوا أيضاً حق المعرفة: 1ً رسل المسيح وحوارييه وأمه مريم البتول الطاهرة ويوحنا المعمدان السابق أمام وجهه وبعض المبشرين به في بلادهم من تلاميذه. 2ً كنيسة المسيح ونظامها من بطاركة وأساقفة وكهنة وشمامسة. 3ً رهبان النصارى وأديرتهم وصوامعهم وقلاليهم ومناسكهم في أعلى الجبال وسرجهم المتقدة ليلاً وعيشتهم الشظفة. 4ً بيع النصارى ومعابدهم وما تمتاز به من هياكل ومحاريب ومنابر ومنارات ومصابيح وصلبان وصور ودمى ونواقيس. 5ً أسرار النصارى وخصوصاً المعمودية والقربان الأقدس والذبيحة الإلهية المقدسة تحت شكلي الخبز والخمر. 6ً أعياد النصارى كالدنح (الغطاس) والسباسب (الشعانين) وخميس العهد والفصح والسلاق (الصعود) . 7ً عادات النصارى في صومهم وصلواتهم وطوافهم حول الكنائس وحجهم إلى القدس الشريف وملابسهم الخاصة. 8ً امتياز أحبارهم وعلمائهم بعلم الكتابة وبنقل المصاحف الدينية من توراة وزبور وإنجيل مع تنميقها ووشيها بالرسوم وضرب النقوش الملونة. فكل هذه المعلومات تقوم مقام جليل ينبئنا بشيوع التاريخ المسيحي بين عرب الجاهلية 4 وقد أورثنا نصارى العرب فوائد تاريخية جمة منها ما نقل عنهم بالتقليد في أقدم التواريخ الإسلامية كالطبري يؤخذ منها خبر دخول النصرانية بين عرب العراق والشام وانتشار الدين المسيحي في جهات اليمن قبل وبعد استيلاء الحبش عليها. ومنها كتابات حجرية رقمت على الصخور بالقلم المسند الحميري فاكتشفها السياح في أيامنا وأشرنا إليها في مقالاتنا السابقة ومما ورد في مضامينها ذكر سد مأرب والسيل العرم. ومنها عاديات خلفتها الأمم السالفة كبعض القصور التي ينسبها العرب إلى القدماء النصارى وبعض البيع مثل كنيسة صنعاء المعروفة قديماً بالقليس التي صبرت بعض آثارها على آفات الدهر أو كمثل كعبة نجران وغير ذلك مما يتخذ حج لنسبة المعارف التاريخية وغيرها إليهم. 5 ومما وقف عليه العرب من أخبار الكنيسة ذكر بعض شهدائها كالقديس جرجس الشهيد الذي شاع بين العرب اسمه ومنهم من دعاه بالخضر. ويشهد على انتشار إكرامه وفي جهاتهم أن أقدم الكنائس النصرانية التي بنيت على اسمه إنما شيدت سنة 367 في مدينة شقة من أعمال حوران (راجع المشرق 6 [1903] : 387) وقد تكرر اسمه في الكتابات اليونانية المكتشفة هناك. ومثله القديسان الشهيدان سرجيوس وباخوس المكرمان بين العرب في الرصافة والرقة وجهات الفرات. وكان بنو تغلب اتخذوا صورة الأول كراية تتقدمهم في الحرب (ديوان الأخطل ص 309) قال: لمَّا رأونا والصليبَ طالعاً ... ومار سرجيسَ وسمّاً ناقعاً وأبصروا راياتنا لوامعا ... خلَّوا لنا راذانَ والمزارعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وقد ذكرنا سابقاً أن أول أثر من الخط العربي قد كتب سنة 512 للمسيح أي 110 سنوات قبل الهجرة على مشهد القديس سرجيوس في زبد وصورنا هناك صورته (الجزء الأول ص 203 204) . والأثر الثاني من الخط العربي يرقى إلى السنة 568 م وجد في حران من أعمال حوران كتب على مشهد أقيم تذكاراً للقديس يوحنا المعمدان المكرم هناك. وكذلك أصحاب الكهف وهم شهداء أفسس الذين روي عنهم أنهم هربوا من وجه المغتصب في عهد دقيوس قيصر فالتجأوا إلى كهف أي مغارة وظلوا فيها نائمين السنين الطوال ختى أفاقوا من سباتهم بإذن الله وصاروا آية للقيامة. وقد ورد ذكرهم في القرآن وفي شعر أمية بن أبي الصلت كما ورد ذكر أصحاب الأخدود أي شهداء نجران اللذين ألقاهم ملك اليمن اليهودي ذو نواس في أتون النار (راجع سورة البروج في القرآن) وذكروا تاريخ حبيب النجار زعموا أنه رافق تلاميذ المسيح إلى إنطاكية وساعدهم في نشر دينه بين أهلها. 6 أما التاريخ المدني فقد عرف منه نصارى العرب نتفاً لاسيما تاريخ الأمم المجاورة للعرب من فرس وحبش ورومان. فمن ذلك ما أنشده أمية بن أبي الصلت في محاربة سيف بن ذي يزن للحبش بمساعدة الفرس وطردهم من جزيرة العرب (راجع في شعراء النصرانية لأميته ص 231) التي أولها: ليطلب الوترَ أمثالُ ابنِ ذي يزنٍ ... في البحر خيّم للأعداء أحوالا وربما ذكروا ملوك الروم باسمهم العام "قيصر" كقول امرئ القيس عند رحلته إلى حاضرة ملوك الروم يستنجدهم على قتلة أبيه: بكى صاحبي لمَّا رأى الدرب دونهُ ... وأيقنَ أنا لاحقانِ بقيصرا فقلت لهُ لا تبكِ عينك إنمَّا ... نحاول ملكاً أو نموتَ فنعذرا وخصوا بالذكر بعضهم كمورق موريقيوس قيصر. قال الكندي يذكر بعض من فتك بهم الدهر (حماسة البحتري ع 383) . وأصبن أبرهة الذي سجدتْ لهُ ... صمُّ الغيول صوامتاً لم تنطقِ وأجبن كسرى وابن كسرى بعدهُ ... والمرءَ قيصرَ وانتحينَ لمورقِ وكذلك ذكروا منهم هرقل أو هرقل. فال لبيد (ديوانه ص 35) : غلب الليالي ملكَ آلِ محرقٍ ... وكما فعلنَ بتبعٍ وبهرقلِ أما ملوك العجم فقد ذكروا معظم أسماء ملوك سلالتهم الساسانية مثل كسرى وسابرو وازدشير وهرمز. 7 ومن المرويات العديدة التي نقلها أول كتبة الإسلام على علاتها فأثبتوا بأسانيدها إلى بعض أهل الكتاب من نصارى ويهود مما لا يخلو منه تأليف واحد من تأليفهم القديمة وربما أشار إليها القرآن أو نقل عنها الحديث يظهر أنه شاعت في جزيرة العرب مصنفات شتى معظمها لبعض المبتدعين أو لكتبة مجهولين لا صفة لهم رسمية في الكنيسة. وقد بقي منها أشياء في قصص الأنبياء للثعلبي وغيره. وفيها الغث والسمين. ومن هذه التأليف ما ورد ذكره في الشعر القديم ولا نعلم منت أمره شيئاً كقول بشر بن أبي خازم وقيل الطرماح في كتاب بني تميم (المفضليات ص 676) : وجدنا في كتاب بني تميمِ ... أحقُّ الخيلِ بالرَّكض المعارُ وكانت بعض هذه التأليف مكتوبة بالسريانية أو الحبشية فوقف على مضامينها العرب ونقلوا أشياء منها خصوصاً من كتب "مغارة الكنوز" المنسوب زرواً إلى القديس افرام. وكان في هذه الكتب الصحيح والسخيف فلم يفرز العرب العليل من السالم. هذا ما استطعنا استخلاصه من الآثار الباقية فهو مع قلته شاهد صادق على ما توخينا إثباته عن شيوع التاريخ المسيحي عند قدماء العرب. الفصل التاسع التعليم الفلسفية واللاهوتية بين نصارى الجاهلية أتثبتنا في مقدمة أبحاثنا عن النصرانية وآدابها في عهد الجاهلية أن العرب كانوا مشركين كبقية الأمم ما خلا الشعب الإسرائيلي وأنهم عبدوا الأصنام قبل التاريخ المسيحي وفي القرون الأولى بعده وأن اختلف شركهم بعض الاختلاف في جنوب جزيرتهم وشمالها وغربها. أما الآثار المتأخرة الباقية من القرن السادس وأوائل السابع للمسيح فعلى خلاف ذلك فإنها إلى التوحيد أقرب ومنها إلى الشرك بل لا تكاد تجد في الشعر الجاهلي المجموع وفي ذلك العهد أثراً للشرك اللهم إلا بقايا قليلة لا يعبأ بها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وعندنا أن هذا الانقلاب إنما كان سببه شيوع النصرانية في ظهراني العرب كما بينا ذلك بالشواهد المتعددة في القسم الأول من كتابنا. وأن تقصينا البحث في ما خلفوه من الآثار وجدنا فيها من المبادئ الفلسفية والتعاليم اللاهوتية ما هو دليل لامع على قولنا. 1 الفلسفة النصرانية في عرب الجاهلية ليس أحد من قرائنا ينتظر منا أن نعدد له ما وضعه نصارى العرب في الجاهلية من التأليف الفلسفية فإن أهل الجزيرة قبل الإسلام وبعده لم يشتهروا مطلقاً في النظريات إذ كان هممهم الأعظم أن يعيشوا في مواطنهم عيشة فطرية لا يزعجها ضنك الفكر ولا يخالطها التعمق في غوامض الكون. وأن قيل لنا ألا تحصي بين كبار فلاسفة العرب الرئيس ابن سينا والفارابي وابن رشد أجبنا أنهم أعاجم ليسوا عرباً. وأن وجد بينهم أفراد أحرزوا لهم ذكراً في ذلك كالكندي فإنه من باب الشذوذ. لكن الفلسفة لا تظهر فقط في المؤلفات النظرية بل ربما ظهرت في مطاوي الكلام نثره ونظمه حيث تلوح المبادئ التي يجري المرء بموجبها ويرتشد بنورها وذلك خصوصاً في فروعها الثلثة أعني بها علم الإله ثم علم النفس ثم علم الآداب والحقوق وكل ذلك متوفر في آثار الجاهلية كما سترى. (1 علم الإله الحق) يثبت الفيلسوف بالبراهين العقلية وجود الله ووحدانيته وخلقه للعالم وصفاته الحسنى من قداسة وحكمة وعلم وقدرة وعدل وعناية بالمخلوقات وهذا كله تجده في شعراء الجاهلية الذين روينا أقوالهم في القسم الثاني (ص 158 162) كقول زيد بن عمرو: إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا ... وقولاً رصيناً لا بني الدهرَ باقياً إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقهُ ... إلهٌ ولا ربٌ يكون مدانيا رضيتُ بك اللهمَّ ربًّا فلن أرى ... أدينُ إلهاً غيرك الله ثانياً وكقول قس بن ساعدة خطيب العرب: الحمدُ لله الذي لم يخلقِ الخلقَ عبثْ وكقول ورقة بن نوفل: أدينُ لربّ يستجيبُ ولا أرى ... أدينُ لمن لا يسمع الدهرَ واعيا أقول إذا صلَّيت في كل بيعة ... تباركتَ قد أكثرتُ باسمكَ داعيا وكقول عبد القيس بن الخفاف (المفضليات ص 750 Lyall.ed) : الله فاّتقهِ وأوفِ بنذرهِ ... وإذا حلفتَ ممارياً فتجللِ وكقول طرفة (شعراء النصرانية 319) : لتنقّبنْ عنيّ المنيَّة أنَّ م الله ليس لحكمهِ حكمُ وكقول سويد بن أبي كاهل: إَّنما يرفع اللهُ ومن شاء وضعْ وكقول وحاتم الطائي: كلوا اليوم رزق الإلهِ وأيسروا ... فإنَّ على الرحمن رزقكم غدا وأقوال كثيرة لامية بن أبي الصلت ولا سيما داليته العجيبة التي أولها: لك الحمدُ والنعماءُ والفضلُ رَّبنا ... فلا شيء أعلى منك حمداً وأمجدُ وفيها يقول: هو الله باري الخلقِ والخلقُ كلهُ ... إماءٌ لهُ طوعاً جميعاً وأعبدُ أعجب بها نبي الإسلام فقال لما سمعها من الشريد بن سويد: لقد كاد أمية أن يسلم بشعره (أطلب حياة الحيوان للدميري 2: 195) فهذه وأقوال غيرها كثيرة تثبت أن العرب في الجاهلية عرفوا الإله الحقيقي ولا شك بأن هذه المعرفة أتتهم من مبشرين نصارى سبق لنا ذكرهم في تاريخ النصرانية بين العرب (أطلب القسم الأول) (2 علم النفس) كان لقدماء العرب قبل أن يستنيروا بنور الإنجيل أراء باطلة في النفس وأصلها ومصيرها فيهيمون بمزاعمهم في كل واد. فلما هداهم الله إلى الحق عدلوا إلى ما هو أقرب إلى الصواب فأقروا بخلود النفس وحرضوا على تقي الله وممارسة الأعمال الصالحة وأشاروا إلى ما ينتظر النفس من الحساب يوم الدين فتجازى عن أعمالها ثواباً أو عقاباً. وهذا كله مجمل ما يستفاد من التعاليم الفلسفية. فدونك بعض الشواهد على قولنا. أوردنا في شعر عدي بن زيد (ص 252) ما قال في تصوير الله للإنسان ونفخه فيه من روحه. ولطرفة قوله في عقل الإنسان (شعراء النصرانية ص 317) وما خص به من الإدراك: للفتى عقلٌ يعيشُ بهِ ... حيث تهدي ساقهُ قدمهْ وقد ميزوا بين الروح الخالدة والجسد الفاني كقول ذي الرمة مستغيثاً: يا نازعَ الروحِ من جسمي إذا قبضتْ ... وفارج الكرب انقدني من النارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وأشاروا إلى وقوف النفس أمام الديان وأدائها الحساب عن أعمالها وإلى جزائها خيراً أو شراً على موجب سلوكها. قال الحارث بن عباد (شعراء النصرانية 370) : كلُّ شيء مصيرهُ للزوالِ=غيرَ ربيّ وصالحِ الأعمالِ وقال مرة بن ذهل في مراقبة الله لإعمال البشر (فيه ص 248) : الله للقوام بالمرصادِ وقال طرفة (فيه 317) : وكيف يرجّي المرءُ دهراً مخلداً ... وأعمالهُ عمَّا قليلٍ تحاسبهْ وقال أمية ابن أبي الصلت (القسم الأول ص 168) : يوقف الناس للحساب جميعاً ... فشقيٌَ معذَّبٌ وسعيدٌ وقال عدي ين زيد: أعاذلَ من تكتبْ له النار يلقها ... كفاحاً ومنْ يكتب لهُ الفوزُ يسعدِ ومثله لزهير في معلقته: فلا تكتمنَّ الله ما في صدوركم ... ليخفى ومَهما يُكتم الله يعلمِ يؤخّر فيوضع في كتابٍ فيذَّخرْ ... ليوم الحساب أو يعجَّلْ فينقمِ وللبيد أيضاً: وكلّ امرئ يوماً سيعلمُ سعيهُ ... إذا كشفت عند الإلهِ المحاصلُ وكأن حاتماً الطائي (شعراء النصرانية 121) نظم آية الكتاب "من يعط الفقير يقرض الرب" بقوله: ولكنَّما يبغي بهِ اللهَ وحدهُ ... فأعطِ فقد أربحتَ في البيعة الكسبا وأقوال عديدة مثلها تنطق بمعرفتهم لأحوال النفس والمعاد. وقد ذكرنا سابقاً (ص 32) كيف رد العلامة أوريجانس بعض المبتدعين من العرب عن ضلال سقطوا به في أمر النفس إذ زعموا أنها تفنى كالجسد ثم تبعث معه في الدينونة (3 علم الآداب والحقوق) مرجع هذا العلم أن يعطي كل ذي حق حقه مع مراعاة الأحوال والمقامات من رؤساء ومرؤوسين وأفراد وجماعات الخ. وبديهي أن أحوال أهل البادية تختلف عن سكان المدن وسننهم عن سننهم. ولشعراء الجاهلية تأييداً لهذه المبادئ الصحيحة أقوال لا تحصى جمعها القدماء فنحيل إليها. منها حماسة البحتري الذي نشرناه منذ عهد قريب. قسمه جامعه على 147 باباً تتناول معظم الآداب والأخلاق التي يتباحث بها الفلاسفة فيثبتون وجوبها وقوانينها وفقاً لتعاليم العقل وأحكامه المصيبة. أنظر مثلاً ما يقوله الأفوه الأودي في النظام السياسي وحكم أرباب الأمر (شعراء النصرانية ص 70) : لا يصلح الناس فوضى لا سراةَ لهم ... ولا سراة إذا جهَّالهم سادوا تهدى الأمورُ بأهل الرأي ما صلحتْ ... فإن تولت فبالأشرارِ تنقادُ إذا تولَّى سراةُ الناس أمرهمُ ... نما على ذاك أمرُ القوم فازدادوا وهذا النابغة الذبياني يعزو إلى الله سلطة الملوك حيث يقول للملك النعمان (شعراء النصرانية 656) : ألم ترَ أنَّ الله أعطاك سورةً ... ترى كل ملكٍ دونها يتذبذبُ وكل أديب يعرف خاتمة معلقة زهير وما في أبياتها الأخيرة من الأحكام المبينة على علم الأخلاق والآداب الاجتماعية. ومثلها في معلقة الحارث بن الحلزة. ولطرفة يطالب بحقوق أمه وردة (شعراء النصرانية 298) : ما تنظرون بحقّ وردةَ فيكمُ ... صغر البنونَ ورهطُ وردةَ غيَّبُ قد يبعثُ الأمر العظيمَ صغيرهُ ... حتَّى تظلَّ لهُ الدماء تصبَّب قد يوردُ الظلمُ المبين آجناً ... ملحاً يخالطُ بالذعافِ ويقشبُ والإثُم داءٌ ليس يرجى برؤهُ ... والبرُّ برءُ ليس فيه معطبُ أدُّوا الحقوقُ تفسر لكم أعراضكمُ ... إن الكريم إذا يجرَّب يغضبُ فهذه كلها أقوال من الفلسفة العقلية أبرزها عرب الجاهلية في صورة شعرية 2 التعاليم اللاهوتية بين نصارى الجاهلية اللاهوت كما هو معلوم أساسه الوحي سواء كان مدوناً في الأسفار المقدسة أو شائعاً بتعليم الكنيسة. وقد عرف نصارى العرب الوحي وكتبه وأئمته الأنبياء والرسل كما أثبتا ذلك في الفصول السابقة (ص 179 190) .مثل قول الراهب ورقة بن نوفل: وجبريلُ يأتيهِ وميكالُ معهما ... من الله وحيٌ يشرحُ الصدرَ منزلُ وقد ورد هناك ذكر التوراة والزبور والإنجيل وبعض الأنبياء والرسل كموسى وداود وسليمان ويونان. ومما أخذوه عن الوحي معلومات عديدة عن الله جل جلاله كتوحيده وصفاته العلوية. فإن منها ما يستدل عليه بالوحي أكثر من القياس النظري والبرهان العقلي. فأي فيلسوف مثلاً وصفه تعالى كما فعل أمية بن أبي الصلت حيث قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 لك الحمدُ والنَّعماء والملك ربَّنا ... فلا شيء أعلى منك مجداً وأمجدُ مليكٌ على عرشِ السماء مهيمنٌ ... لعزَّته تعنو الوجوهَ وتسجدُ عليهِ حجابُ النور والنورُ حولهٌ ... وأنهارُ نورٍ حولهُ تتوقدُ مليك السموات الشدادِ وأرضها ... وليس لشيء عن قضاه تأوُّد الخ وهو قد أنبأهم بوجود الملائكة وأوقفها على مقامهم وجوهرهم وخدمتهم أمام الله وطبقاتهم فذكروا منهم بأسمائهم جبرائيل ومن طبقاتهم السرافيل (الساروفيم) والكروبية (الكروبيم) والملائكة الحراس (راجع الصفحة 164 167) . وقد أفادهم الوحي تكوين الله للعالم من العدم وإبداعه للكائنات جمادها ونباتها وحيوانها ثم خلقه للأبوين ووضعه لهما في جنة عدن ثم سقوطهما بتجربة إبليس ونفيهما من الفردوس ثم ما جرى لهما ولنسلهما ولا سيما بوقوع الطوفان. فكل هذه الأمور التي أثبتناها في النصوص المتعددة لم يعرفها العرب إلا بواسطة الوحي (راجع الصفحة 254 266) . ومن الوحي استفاد العرب أيضاً معرفة أمور الآخرة كالنعيم في السماء للأبرار والجحيم قي جهنم للأشرار وبعث الأجساد في آخر العالم. وقد أتينا على كل ذلك بشواهد متعددة لا تبقي في الأمر ريباً (أطلب الصفحة 163 164 و167 170) . ومما توفق العرب إلى معرفته بفضل الوحي سر بشارة الملاك جبرئيل لمريم العذراء وبقاء مريم على بتوليتها مع ولادة ابنها. وعرفوا السيد المسيح ورسالته إلى العالم وما أتاه من المعجزات واختياره لرسله الحواريين ودعوه "بأبيل الأبيلين المسيح بن مريما" وأنه هو الذي سيدين الأحياء والأموات (ص 186 190) وذكروا السابق أمام وجهه يوحنا المعمدان ودعوه يحيي. وقد عظم عرب الجاهلية تعاليم المسيح ونعتوا دينه بالدين القويم كما قال لنابغة عن نصارى غسان: مجلَّتهم ذاتُ الإله ودينهم ... قويمٌ فما يرجون غير العواقبِ وقد عرف العرب كنيسة المسيح وما فيها من رؤساء كالبطاركة والأساقفة والقسوس والشمامسة ولا سيما الرهبان والنساك (ص 190 201) . وكذلك أطلعوا على أسرار الكنيسة كالمعمودية والقربان القداس وعلى أعيادها كالسبار (البشارة) والدنح (الغطاس) والسباسب (الشعانين) والفصح والسلاق (الصعود) (ص 208 210 ثم 214 218) وعرفوا مناسك النصرانية وكنائسها وهياكلها وما تزان به من النقوش والصور وخصوصاً الصليب فخلفوا به كقول عدي بن زيد: سعى الأعداءُ لا يألون شراً ... عليك وربِّ مكَّةَ والصليبِ وقد حلف الآخر بالقربان الشبر الحمد لله الذي أعطى الشبر ومثله عدي: إذ أتاني خبرٌ من منعمٍ=لم أخنهُ والذي أعطى الشبر وحلف الأعشى بالرهبان الساجدين وبالناقوس فقال: إني ورب الساجدين عشية ... وما صك ناقوس النصارى ابلها أصالحكم حتى تبؤوا بمثلها ... كصرخة حبلى اسلمتها قبيلها فهذه كلها أدلة أوضح من النور تبين ما كان للتعاليم اللاهوتية من النفوذ بين نصارى العرب استخلصناها من الشعر الجاهلي فقط وهي أحسن برهان على نفوذ الآداب النصرانية بينهم. الفصل العاشر الفنون الجميلة بين نصارى العرب ليس شيء يدل على رقي الأمم كشيوع الفنون الجميلة بينهم لأن الجمال كما لا يخفى يسبي قلب الإنسان يجرده عن الأمور السالفة الدنية ليسموا به إلى عالم العقل فيقربه إلى مصدر الجمال سبحانه وتعالى. ولذلك قد قيل أن الفنون الجميلة هي أثمن درة في تاج الحضارة والمدنية. على أن العرب من هذا القبيل تخلفوا عن بقية الشعوب المتقدمة كالكلدان والآشوريين والفرس والمصريين واليونان والرومان فلا تكاد تجد لهم أثراً يذكر في القرون السابقة لتاريخ الميلاد. والسبب في ذلك عيشتهم الفطرية البعيدة عن الحضارة وانتقالهم من البوادي اتنجاعاً لمراعي الإبل والمواشي واشتغالهم يالغزوات والحروب أما القرون التابعة للسيد المسيح فإنها لا تخلو من بعض آثار هذه الفنون الجميلة ولا جرم أن النصرانية بدخولها في جزيرة العرب أدخلت معها عنايتها الدائمة بترقية دعائم الحضارة ولاسيما في الأزمنة التي سبقت قليلاً عهد الإسلام وفي أوائل ظهوره كما سترى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وبياناً لذلك قد عولنا على كتابة فصل فيما نعرفه من تأثير النصرانية في ترقية الجمال ونشر أصحابها لأخص فنونه بين العرب. وأشهر هذه الفنون أربعة: هندسة البناء والتصوير والحفر والموسيقى تفرد لكل منها باباً هندسة البناء البناء أول صنائع العمران البشري لأن الإنسان في حاجة إليه لاتقاء عوامل الطبيعة وأذى العدو. على أن البناء لا يعد من الفنون الجميلة إلا إذا كانت المباني شاهقة البنيان واسعة الأرجاء ذات أوضاع هندسية ونقوش فنية وفقاً لقواعد راهنة تجعلها من الأبنية المعتبرة فمنها قصور الملوك والمعاقل والحصون والهياكل والكنائس وغيرها من الأبنية الدينية والمدنية. وها نحن ندون هنا ما يعود فضله إلى النصرانية مباشرة بالمباني الدينية ثم المدنية. (المباني الدينية) إن ما قدمناه من الشواهد العديدة في انتشار النصرانية في كل أنحاء جزيرة العرب في عهد الجاهلية يستلزم توفير الأبنية الدينية والكنائس والأديرة حيثما وجد النصارى. وربما صرح المؤرخون بذكرها دون وصفها فلا يسعنا أن نقطع بهندامها وسن هندستها. ولا مراء لأنه كان بينها الأبنية الفخيمة والهياكل البديعة. فمما جاء من ذكره في اليمن مالا رواه المؤرخ فليسترجيوس في مطاوي كلامه عن قسطنسيوس بن قسطنطين الكبير حيث قال أن تاوفيل الهندي الذي كان أوفده هذا الملك إلى الحميريين نحو السنة 356 م شيد في اليمن ثلاث كنائس قي ظفار حاضرة اليمن ثم في عدن وفي هرمز (راجع الصفحة 56 57) . وقد ذكر كنائس اليمن قزما الرحالة الكاتب اليوناني نحو السنة 535 م فقال: " حيثما سرت كنائس للنصارى وأساقفة وشهداء وسياحاً حتى بين أهل عربية السعيدة الذين يدعون بالحميريين كما في كل العرب أيضاً" (راجع الصفحة 65) . وقد خص كتبة العرب فصولاً من تواريخهم في وصف كنيسة صنعاء اليمن التي شيدها أبرهة بعد فتح الحبش لليمن وهم يدعونها بالقليس اشتقوها من لفظة Exx اليونانية وتعريبها الكنيسة. وقد روينا في مجاني الأدب (3: 302) بعض أوصافهم. راجع معجم البلدان لياقوت (في مادة قليس 4: 170) وتاريخ الطبري (ا: 934 935) وتاريخ الشيخ صالح الأرمني (طبعة اوكسفرد ص 139) . وأقدم من كل هؤلاء صاحب "أخبار مكة" أبو الوليد محمد بن عبد الله الأزرقي من كتبه القرن الثالث للهجرة والعاشر للمسيح (طبعة ليبسيك 88 90) وذا بعض ما رواه قال: "كان القليس مربعاً مستوي التربيع جعل (برهة) طوله في السماء 60 ذراعاً وكبسه من داخله 10 أذرع في السماء وكان يصعد إليه بدرج الرخام وحوله سور بينه وبين القليس مائتا ذراع يطيف به من كل جانب وجعل بين ذلك كله حجارة يسميها أهل اليمن الجروب منقوشة مطابقة لا يدخل بين أطباقها الإبرة مطبقة به. وجعل طول ما بنى به من الجروب 20 ذراعاً في السماء ثم فصل ما بين حجارة الجروب بحجارة مثلثة تشبه الشرف مداخلة بعضها ببعض حجراً أخضر وحجراً أحمر وحجراً أبيض وحجراً أصفر وحجراً أسود وفيما بين كل سافين خشب ساسم مدور الرأس غلظ الخشبة حضن الرجل نائته على البناء ... ثم فصل بإفريز من رخام منقوش طوله في السماء ذراعان وكان الرخام ناتئاً على البناء ذراعاً. ثم فصل فوق الرخام بحجارة سود لها بريق من حجارة نقم جبل صنعاء المشرف عليها ثم وضع فوقها حجارة صفر ثم حجارة بيض لهما بريق. فكان هذا ظاهر حائط القليس وكان عرض حائط القليس ستة أذرع ... وكان له باب من نحاس 10 أذرع طولاً في 4 عرضاً وكان المدخل منه إلى بيت في جوفه طوله 80 ذراعاً في 40 ذراعاً معلق (؟) العمل بالساج المنقوش ومسامير الذهب والفضة. ثم يدخل من البيت إلى إيوان طوله 40 ذراعاً عن يمينه وعن يساره وعقوده مضروبة بالفسيفساء مشجرة بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة. ثم يدخل من الإيوان إلى قبة 30 ذراعاً في 30 ذراعاً جدرها بالفسيفساء وفيها صلب منقوشة بالفسيفساء والذهب والفضة وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة 10 أذرع في 10 تغشى عين من نظر إليها من بطن القبة تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة. وكان تحت الرخامة منبر من خشب اللبخ وهو عندهم الأبنوس مفصل بالعاج الأبيض ودرج المنبر من خشب الساج ملبسة ذهباً وفضة وكان في القبة سلاسل فضة ... ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 ثم ذكر ما حل بهذه الكنيسة بعد الهجرة وكيف هدمها أبو جعفر المنصور ثاني خلفاء بني عباس بإغراء أحد أبناء الوهب بن المنبه وبعض يهود صنعاء. وقد ذكر أبو صالح الأرمني في تاريخه (ص 140 من طبعة اوكسفرد) كنيسة أخرى في بلاد اليمن دعاها "مرور الدير" قال أنه كان عليها حصن منيع وتسمى في زمانه بمقبرة الحكماء. ومما رواه السياح المحدثون أن جامع صنعاء الباقي إلى اليوم كان في سابق الزمان مكنيسة حولها المسلمون إلى جامع. وكذلك روى الرحالة الألماني الشهير غلازر (Claser: Srizze, I: 15, 37) أنه دخل سنة 1886 مسجداً يدعى مسجد نجيم يريم قريباً من ظفار حاضرة اليمن سابقاً فوجد في أبنيته وعمده وجدرانه آثاراً نصرانية ونقوشاً تدل على أنه كان سابقاً كنيسة مسيحية. وقد اشترهت في تاريخ النصرانية مدينة نجران التي استشهد أهلها في عهد ذي نواس (راجع ص 59 61) فلما عاد إليها السلام ورجعت النصرانية إلى رونقها بني فيها كنيسة كبيرة عرفها العرب بكعبة نجران فورد ذكرتها في شعر الأعشى حيث أنشد يخاطب ناقته: فكعبةُ نجرانَ حتمٌ عليكِ ... حتَّى تناخي بأبوابها نزور يزيد وعبد المسيح ... وقيساً همو خيرُ أربابها فمدح الأعشى هنا بني عبد المدان الحارثين سادة نجران النصارى. قال أبو الفرج الأصفهاني (الأغاني 10: 142) : "والكعبة التي عناها الأعشى هاهنا يقال أنها بيعة بناها بنو عبد المدان على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران وكان إذا نزل بها مستجير أجير أو خائف أمن أو طالب حاجة قضيت أو مسترفد أعطي ما يريده". وإن عدلنا بالنظر عن اليمن إلى العراق وجدنا هندسة البناء الدينية رائجة فيه أي رواج لنمو النصرانية بين أهله واتساع نطاقها في كل أنحائه. فهناك شاعت الطرائق الرهبانية شيوعها في أرض الصعيد. هناك توفرت المناسك والأديرة التي بلغ عدد المترهبين في بعضها المئات بل بضعة الوف. وقد عددنا في ما سبق أسماء كثيرة من هذه الأديرة التي عتي بتشييدها الملوك وأعيان الدولة كدير اللج الذي بناه النعمان بن أبو قابوس. قال ياقوت: "ولم يكن في ديارات الحيرة أحسن بناء منه". ودير الأعور المنسوب إلى النعمان الذي تنصر وزهد بالدنيا. ودير الجرعة المنسوب إلى عبد المسيح بن بقيلة الغساني. ودير هند والكبرى بنته أم عمرو بن هند "أمة المسيح وأم عبده وبنت عبيده" (ياقوت 2: 709) ودير هند الصغرى. ودير حنظلة. وغيرها كثير (راجع القسم الأول ص 82 86) . ولا شك أن بناة هذه الأديرة لم يذخروا وسعاً في حسن بنائها وإتقان هندستها إذ كانوا من أصحاب الثروة والتقى معاً. وفي بعض بقاياها إلى اليوم ما يدل على عظم شأنها. وهكذا يقال عن الكنائس فأنها كانت غالباً هياكل واسعة الأرجاء شاهقة البنيان ذات أسواق متعددة جامعة بين متانة البنيان وحسن الشكل وقد بقي في الشعر القديم عدة أقوال لفحول الشعراء وصفوا فيها كنائس النصارى وهياكلها ومحاريبها وصلبانها وما تزان به من النقوش (راجع الصفحة 201 210) وقد خص الهمداني بالذكر في كتابه جزيرة العرب "كنيسة الباعونة في الحيرة". وبعض هذه الكنائس في العراق باقية إلى اليوم فأخذ الأثريون يدرسون هندستها ويبينون خواصها منهم تلك الآنسة الشهيرة الأنكليزية المس بل (Miss Bell) التي وضعت كتاباً ضخماً في وصف كنائس ما بين النهرين التي سبق عهد البعض منها عهد الإسلام فترتقي إلى القرن الرابع والخامس والسادس للمسيح وأثبتت صور كثير منها. وأن اقتربنا في جزيرة العرب إلى بادية الشام ومملكة بني غسان وجدنا فيها من المباني الدينية ما يقضى منه العجب. وقد أثبتنا في الصفحات السابقة (راجع الصفحة 30) ما رواه مؤرخو العرب عن ملوك غسان الأولين وما بنوه من الأديرة كدير أيوب ودير حالي ودير هند ودير ضخم ودير النبعة ودير بصرى ودير سعد. ومن هذه الأديرة ما بقي عامراً بعد الإسلام وإلى اليوم يطلق اسم الدير على بعض جهات الصفا وحوران كدير الكهف ودير قن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 وقد اختلط بنو غسان في منازلهم شرقي الشام وفي جنوبها الشرقي بالرومان واليونان النصارى فجاروهم في حضارتهم وتعلموا منهم هندسة البناء فشيدوا مثلهم البيع والكنائس التي يرى بعضها حتى اليوم في جهات حوران والصفا واللجا وجولان وفي عبر الأردن وبلقاء (راجع الصفحة 33) وهي من البنايات الفخيمة وعليها الرموز النصرانية والكتابات اليونانية واللاتينية. وعلى أثر منها كتابة عربية وجدت في حران سبقت الهجرة بأربع وخمسين سنة كتبت على "مرتول" أي مشهد القديس يوحنا المعمدان الذي شيده أحد شيوخ القبائل العربية المدعو شراحيل (ص 34) وترى مثل هذه الأبنية الدينية في الجزيرة وديار ربيعة وديار بكر وشمالي سورية قد أشرنا إليها سابقاً (ص 93 106) فإن كتبة العرب وشعراء الجاهلية قد ذكروا نحو خمسين ديراً منها نعتوا بعضها بأجمل النعوت كقول ياقوت في معجم البلدان عن دير الرصافة (2: 560) أنه "من عجائب الدنيا حسناً وعمارة". وفي زبد شمالي سورية أقيم سنة 512 للمسيح مشهد لذكر القديس الشهيد سرجيوس عليه أول أثر من الخط العربي في تلك السنة (ص 103 104) . ولم تخل أواسط جزيرة العرب كنجد والحجاز واليمامة من الأبنية النصرانية كالأديرة والبيع والصوامع (أطلب الفصل العاشر من القسم الأول ص 106 123) وهناك كانت قبائل نصرانية كطيء وتميم التي افتخر خطباؤها لما وفدوا على نبي الإسلام بتشييدهم للكنائس فقال الزبرقان: نحن الكرامُ ولا حيٌّ يعادلنا ... منَّا الملوك وفينا تنصبُ البيعُ ثم ورد في كتاب الوفادات لابن سعد ذكر كنيسة بني حنيفة وراهبها (ص 129 130) . وقد وجد أيضاً في الحجاز ونجد أديرة للنصارى في الجاهلية كدير خندف ودير غطفان وغير ذلك مما مر وصفه وقد ذكر الطبري في تاريخه (1: 3047) دير سلع قرب المدينة المنورة يثرب وفيه دفن الخليفة الثالث عثمان بن عفان. وما قولنا بالأبنية الجليلة التي أمر ببنائها الملك يستنيان في طور سينا ذكراً لتجلي الرب فيه لبني إسرائيل وإكراماً للقديسة كاترينا الشهيدة وهذه الأبنية تشهد إلى اليوم على براعة مهندسيها. *** ومما يدخل في هذا الباب ما بناه النصارى من الأبنية الدينية لغير ملتهم فمن ذلك بناء الكعبة نحو السنة 605 للميلاد تولى بناءها رومي اسمه باقوم مع رجل قبطي كما روى النهروالي في كتاب إعلام الأعلام ببيت الله الحرام (ص 49 50) قال: "إن امرأة جمرت الكعبة بالبخور فطارت شرارة من مجمرتها في ثياب الكعبة فاحترق أكثر أخشابها ودخلها سيل عظيم فصدع جدرانها بعد توهينها فأرادوا أن يشدوا ويرفعوا بابها حتى لا يدخلها من شاؤوا وكان البحر قد رمى بسفينة إلى ساحل جدة لتاجر رومي اسمه باقوم وكان بناء نجاراً فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى جدة فابتاعوا خشب السفينة وكلموا باقوم الرومي أن يقدم معهم إلى مكة فقدم إليها وأخذوا أخشاب السفينة أعدوها لسقف الكعبة المشرفة. قال الأموي: كانت هذه السفينة لقيصر ملك الروم يحمل فيها الرخام والخشب والحديد مع باقوم إلى الكنيسة التي أحرقها الفرس بالحبشة. فلما بلغت قريب مرسى جدة بعث الله عليها ريحاً فحطمتها ... قال ابن إسحاق وكان بمكة قبطي يعرف نجر الخشب وتسويته فوافقهم أن يعمل لهم سقف الكعبة ويساعده باقوم". وليست هذه المرة الوحيد التي عمر النصارى ما خرب من الكعبة. أخبر الأزرقي في أخبار مكة (ص 395 3396) أنه وقع سيل جحاف في سنة ثمانين (700 م) في خلافة عبد الملك بن مروان دخل المسجد وأحاط بالكعبة فكتب في ذلك إلى عبد الملك فبعث بمال عظيم وكتب إلى عامله على مكة لإصلاح ما خرب قال: "وبعث رجلاً نصرانياً مهندساً في عمل ضفاير المسجد الحرام وضفاير الدرو في جنبتي الوادي فأمر بالصخر العظام فنقلت على العجل وحفر الأرباض دون دور الناس فبناها وأحكمها من المال الذي بعث به". وكذلك جرى في عهد الوليد بن الملك فأنه أراد توسيع المسجد الحرام وزخرفته فاستقدم لذلك مهندسين نصارى. قال ياقوت في معجم البلدان (4: 466) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 "في أيام الوليد استقدم من ملك الروم أربعين رومياً وأربعين قبطياً ليعمروا المسجد فعمروه سنة 87 88 (709 710 م) مائتي ذراع". قال الأزرقي (ص 209) : "وهو (أي الوليد) أول من نقل الأساطين الذهب على صفائح الشبه من الصفر وازر المسجد بالرخام من داخله وجعل في وجه الطيقان في أعلاها الفسيفساء". فكل هذه الأعمال قام بها عملة النصارى. وما صنعه النصارى في الكعبة والمسجد الحرام في مكة قاموا به أيضاً في المدينة في مسجد النبي لما أراد الوليد أن يجدد بناءه. قال الطبري (2: 1194) في تاريخ سنة 88 هـ? (709 م) . "بعث الوليد بن عبد الملك إلى صاحب الروم يعلمه بأنه أمر بهدم مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن يعينه فيه فبعث إليه بمائة ألف ثقال ذهب إليه بمائة عامل وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين حملاً وأمر بأن يتتبع الفسيفساء في المدائن التي خربت فبعث بها إلى الوليد فبعث الوليد بذلك إلى عمر بن عبد العزيز.. وفيها ابتدأ عمر بن عبد العزيز ببناء المسجد". ومثله أيضاً مسجد دمشق المعروف بالجامع الأموي الذي خلف كنيسة مار يوحنا بعد الفتح الإسلامي. فإن الوليد إذ أراد تجديد عمارته التجأ أيضا إلى ملك الروم ليوجه إليه مائة صانع كما روى ابن عساكر في تاريخ دمشق (1: 202) . فاجتهدوا في بنيانه وتزويقه وزخرفته حتى عد مع كنيسة الرها ومنارة الإسكندرية من جملة عجائب الدنيا. وقد ذكرنا في المشرق (14 [1911] : 369) أعمال الفسيفساء الراقية إلى عهد بنائها التي ظهرت قبل بضع سنين في مصلب الجامع وقناطره وكواه بعد تنظيفها من سخام حريق تيمورلنك ومن الملاط والكلس فلاحت بزهو ألوانها العجيبة ومحاسنها الباهرة وتفنن مهندسيها النصارى في النقش وتصوير مجالي الطبيعة من زهور وأشجار وأثمار وصروح وقصور. وكل يعلم أن ترميم الجامع الأموي وتجديد زخارفه القديمة تولاها في الحقبة الأخيرة المهندس أبيري النصراني. ومن رأى المسجد الأقصى في بيت المقدس ودرس هندسته لا يلبث أن ينسب أيضاً بناءه إلى صنعة من الروم الذين انتدبهم إلى تشييده الخليفة عبد الملك بن مروا. وبأمره قلعت قبة كانت للنصارى في كنيسة مدينة بعلبك وهي من نحاس مطلي بالذهب فنصبها على صخرة هيكل سليمان (تاريخ ابن البطريق2: 42) . وقال ابن خلدون في مقدمته "أن عمر لما حضر لفتح بين المقدس وكشف عن الصخرة بنى عليها مسجداً علة طريق البداوة ثم أحتفل الوليد بن عبد الملك في تشييد مسجده على سنن مساجد الإسلام ... والزم ملك الروم أن يبعث الفعلة والمال لبناء هذه المساجد وأن ينمقوها بالفسيفساء فأطاع لذلك وتم بناؤها على ما أقترحه". ولما ابنتي عمرو في جهات منف جامع الفسطاط وكل بتشييده إلى النصارى وروى المقريزي في الخطط (4: 124 من الطبعة الجديدة) "أن بعض عمده الجيزة فيثبت من هذه الشواهد كلها شيوع النصرانية في كل أنحاء جزيزة العرب قبل الإسلام ونسبة كل الأبنية الإسلامية الأولى إليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وقد استبان علماء المستشرقين في عهدنا تأثير الهندسة النصرانية في أبنية الإسلام الدينية. فإن المسلمين عند الفتح العربي لم يحولوا فقط كنائس النصارى إلى جوامع ومساجد كما يتفق عليه المؤرخون لكنهم تقلدوا أيضاً هندسة البيع المسيحية فأنهم إذ كانوا يجهلون فن البناء كما قال ابن خلدون التجأوا في الشام والعراق ومصر والأندلس إلى مهندسين وطنيين مسيحيين كان البعض منهم دانوا بالإسلام فهؤلاء جروا في تشييد مقامات الإسلام الدينية على اعتادوه في أوطانهم وقد درس الأختصاصيون بقايا تلك الأبنية فقابلوا بين كل أقسامها الكنائس الوطنية فاثبتوا العلاقة التامة بينهما حتى في أخص مميزات الجوامع كالقبلة والمحراب والمنبر والمأذنة والحرم فإن كل ذلك منقول دون فرق يذكر عن المباني النصرانية التي وجدها العرب في فتوحاتهم. وقد بين ذلك العلامة جيرودي برانجه (Ciraud de Prangey) في كتابين ممتعين خصهما بأبنية العرب في الأندلس وصقيلة ومراكش (أطلب الجرنال الأسيوي J.As. I842a, 336 - 357) والمستشرق الأختصاصي فان بركم Max Van Berchem)) في مقالة بديعة نشرها هناك (J.As. I89Ia, 4II- 495;) وفي كتاب الصناعة العربية للمهندس غاية (A.Caye: L' Art arabe) وغيرهم فكلهم لسان واحد في إثبات شبه مباني الإسلام الدينية بالكنائس النصرانية في ذلك العهد. فمنها ما يشبه الطرز القبطي ومنها ما هو أشبه بالطراز البوزنطي أو الطرز السوري على اختلاف الصنعة والبنائين النصارى الذين كانوا ملتزمين العمل بحيث لا يجوز أن يدعى بناؤها بهندسة عربية البتة. فشتان بين قولهم ورأي بعض المتهوسين كالمسيو سيديليو والمسيو غوسياف لوبون الذين بخسوا حقوق اليقين ونسبوا إلى العرب ما كان للذميين. "الهندسة المدنية" قد اتسعنا في ذكر الهندسة النصرانية الدينية في عهد الجاهلية أوائل الإسلام بين العرب. وفي جزيرتهم أيضاً أبنية غيرها مدنية كالقصور والحصون وغير ذلك مما يشيده الملوك والذوات لأغراضهم الخاصة أو لشؤون مملكتهم وهذه الآثار كثيرة في كل أنحاء العرب ولا سيما في ممالكها الثلث أي التبابعة في اليمن والمناذرة في العراق والغساسنة في الشام ورد شيء من ذكرها في الشعر الجاهلي والتقليد القديم وكشف عن بعضها أصحاب الرخل إلى جزيرة العرب في الحقبة الأخيرة فهذه المباني لا يعرف لها تاريخ وال تذكر أسماء بناتها ولا جرم أن للنصارى في قسم منها نصيباً صالحاً. وان باشرنا بالعراق وشمالي الجزيرة وجدنا في شعر الأسود بعض قصور لآلمحرق ولبني إياد فقال: ماذا أؤمل بعد آل محرق ... تركوا منازلهم وبعد إيادِ وأهل الخورنق والسدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشرفات من سنداد فهذه القصور بنيت لملوك نصارى وقد تولى بنائها مهندسون نصارى ذكروا أحدهم وهو رجل رومي يقال له سنمار بنى الخورنق للنعمان الكبير (ياقوت2: 491) وقد اطرأ العرب محاسن الخورنق دون أن يدققوا في وصف بنائه ولعله القصر القصر الذي زاره المستشرق البارع لويس ماسينيوس سنة 1908 المعروف بقصر الأخيضر وألفت إليه نظر العلماء في جمعية الكتابات والفنون سنة 1909 ثم زارته الآنسة الإنكليزية مس بل سنة 1910 وأحسنت وصفه قي كتابها المدعو (amurath to Amurath) وأثبتت صوره (ص147 -158) وهو بناء عظيم ذو طابقين تدل بقاياه الجليلة على عظم شأنه أما اسمه الاخيضر فقد اختلفوا في أصله ولعل اصح ما قيل فيذلك أنه تصحيف الأكيدر صاحب دومة الجندل النصراني الذي مر لنا أن ذكره (ج1 ص 108) وقد جاء هناك عن البلاذري أن عمر بن الخطاب نفاه من وطنه لمخالفته دين الإسلام فنزل موضعاً قرب عين تمر في حهات العراق وبنى به منازل سماها دومة باسم حصنه (راجع محلة لغة العرب 2: 47) ومما ذكره ياقوت في معجم البلدان (4: 116) من الأبنية النصرانية المدنية قصر العدسيين فقال" إنه في طرف الخيرة لبني عمار بن عبد المسيح نسبوا إلى جدتهم عدسة بنت عوف الكبي"ولاشك في أن النصارى هم الذين شيدوا للخلفاء وأمراء العراق مبانيهم فإن الألمانيين أرباب الحفريات في سامرا وجدوا بين أنقاضها صوراً وتماثيل أشخاص بألوانها مع رسوم هندسية متنوعة وصلبان كثيرة موقعة باسم شماس نسطوري بارع بالتصوير ورد اسمه على صورة الاسم الكلداني "مسمس" (سرياني) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وقد أفادنا ياقوت الرومي (4: 413) أن قصر الخليفة المتوكل المعروف بالجعفري الجامع لكل محاسن البناء كان بانيه دليل بن يعقوب النصراني كاتب بغا الشرابي. ومما وقف عليه الأثرييون والسياح في أيامنا من الأبنية الجليلة والآثار البديعة في جهات العرب في أنحاء مؤاب غربي وادي سرحان عدة قصور فخيمة ومعاقل جليلة سبق لنا ذكرها في المشرق غير مرة (1 [1898] : 631و481 ثم 4 [1901] : 765-766 الخ) كالمشتى وقصير عمرة وطوبة وفيها من الآثار الهندسية ومن التصاوير وتمثيل أحوال البادية كالصيد والغزوات والمآدب والصنائع ما إن ذهل العلماء لوجوده في البراري واتسعت مذ ذلك الحين مجلات العلماء ولاسيما تأليف المستشرقين في وصفها والبحث عن بناتها ومصوريها. واليوم قد رجح العلماء أن هذه الأبنية من عهد الوليد بن يزيد الليفة الأموي. وكان يفضل العيش في البادية على المدن. فصرف المقنطرة لبناء تلك الآثار لسكناه وسكنى جنوده وحاشيته. أما مهندسو هذه القصور فكانوا أيضاً من نصارى الشام ومصر والجزيرة وقد نسبها العلماء أولاً إلى بعض ملوك العجم ثم إلى بني غسان أو إلى بني لخم حتى رجحوا آخراً كوتها للوليد بناها له النصارى الوطنيون. وفي هندسة هذه القصور ما إستدلوا به على بلادهم المختلفة فكإن كل فريق منهم تتبع طريقته الهندسية التي إعتادها في موطنه. وقد وقف حضرة الأب هنري لامنس في تاريخ بطاركة مصر لساويروس بن المقفع على ما يؤيد نسبة هذه البنايات في بوادي العرب للوليد. عال ابن المقفع ما حرفه: " وضبط الملك (بعد هشام) الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان جنسه يبغضه فبدأ يبني مدينة على اسمه في البرية وجعل إنساناً عليها وكان الماء بعيداً منها خمسة عشر ميلاً وجمع الناس من كل موضع وبنى فيها بيد قوية ومن كثرة الناس كان يموت كل يوم فيها جماعة من قلة الماء. وكان يحمل لها الماء وألف ومئتا جمل وما يكفيهم كل يوم وكانوا الجمال فرقتين 600 تحمل يوماً و600 تحمل يوماً فوثب عليه رجل اسمه إبراهيم فقتله واخذ الملك منه وأطلق الأسارى فمضى كل منهم إلى موضعه". ولو تتبعنا بعد هذا المآثر البنائية العربية في شمالي الشام وفي باديتها وماوراء الأردن وفي الحجاز واليمن وفي مصر لوجدنا آثار الهندسة المدنية النصرانية في كثير منها غير أن هذه الفنون الهندسية لم يحكم العلماء درسها ليتحققوا أصلها ودقائق صنعها وفي القليل مما ذكرناه دليل كافٍ لإثبات قولنا بأن للنصارى أكبر فضل في البناء العربي الديني والمدني معاً 2 و3 التصوير والنحت يظهر الجمال في البناء بحسن رسمه وبراعة هندسته وانتقاء مواده ووحدة أقسامه وإتقان نظامه. أما في فني التصوير والنحت فإن الجمال يلوح بتمثيلها لمواليد الطبيعة الثلثة جمادها ونباتها وحيوانها فيخرجها المصور بهيئاتها وألوانها وملامحها وعواطفها فيكاد يحييها بقلمه الساحر. ويجسمها النحات فيظهرها بتنبؤاتها وتداويرها الطبيعية فيحكم صورة وجدانها كأنها لا ينقصها سوى الحركة والنطق وكما شاع بين نصارى العرب في الجاهلية فن هندسة البناء كذلك استخدموا فني التصوير والنحت. وأول شاهد يمكن الاستدلال به ما ورد في الشعر الجاهلي من ذكر الصور والدمى والتماثيل في بيع النصارى وأديرتهم فأعجبوا بجمالها ونقوشها البديعة حتى ضربوا بها المثل في الجمال فقالوا (الميداني300:1) "احسن من دمية". وقال عدي بن زيد (شعراء النصرانية ص455) : كدمى العاج في الحاريب كدمى بيض في الروض زهره مستنير وقال عبد الله بن عجلان (الأغاني19: 1.2) غراءُ مثل الهلالِ صورتها ... ومثلُ تمثالِ بيعة الذهبِ وقال الأحوص (الأغاني4: 49 والشريشي1: 291) : كأنَّ لبنى صبيرُ غاديةٍ ... أو دميةٌ زيّنت بها البيعُ ومثله للأخطل (ديوانه ص12) : حليٌ يشبُّ بياضَ النَّحر وأقدهُ ... كما تصوُّرُ في الدير التماثيلُ وقال عمر بن أبي ربيعة (الكامل للمبرد ص370) : دميةٌ عند راهبٍ ذي اجتهاد ... صوَّروها في جانب المحارب وقال أمية بن أبى عائذ (ديوان الهذيلين ص 177) : اودمية المحارب قد لعبتْ بها=أيدي البناةِ بزخرفِ الاتراصِ وقال الأعشى (لسان العرب 6:144) وبنى فعلين من لفظ الصلبان والصور: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وما أيبليٌّ على هيكلٍ ... بناهُ وصلَّب فيهِ وصارا ومن العجب أن بعض الشعراء إذ رأوا هذه التماثيل في كنائس النصارى دعوها: أصناماً وأوثاناً. قال أبو قطيفة (معجم البلدان لياقوت3: 661) ولحيٌّ بين العريضِ وسلعٍ ... حيث أوتادهُ الإسلامُ كان أشهى إليّ قربُ جوارٍ ... من نصارى في دورها الأصنامُ وروى في المفضليات (ed.lyall ص594) : يطوفُ العفاةُ بأبوابهِ ... كطوف النصارى ببيت الوثن قالوا: أراد بالوثن الصليب. وكانوا ينصبونه في وسط الكنائس. وقال بشر بن ابي خازم يمدح بني الحداء النصارى (البيان للجاحظ2:71) لله درُّ بني حدَّاءَ من نفرٍ ... وكلُّ جارٍ على جيرانهِ كلبُ إذا غدوا وعصيُّ الطلح أرجلهم ... كما تنصَّبُ وسط البيعةِ الصُّلبُ فهذه الشواهد وغيرها مثلها تدل كلها على شيوع فن التصوير ونحت التماثيل بين نصارى العرب. قال صاحب تاج العروس (8: 111) :"التمثال الشيء المصنوع مشبهاً بخلق من خلق الله عز وجل..والتماثيل هي صور الأنبياء. وكان التمثيل مباحاً في ذلك الوقت..". ومما تكرر في الشعر الجاهلي نقش النصارى لكتبهم الدينية كقول رؤبة (ديوانه ص 149) : إنجيل أحبار وحي منمنمهُ ... ماخط فيه بالمداد قلمه وكقول المرقش يصف رسوم الدار: الدارُ قفرٌ والرسوم كما ... رقش في ظهر الأديم قلم وقال في المفضليات (ص698) : كتاب محبرٍ هاجٍ بصيرٍ ... ينمقهُ وحاذر أن يباعا وقد ورد في تواريخ العرب القديمة ذكر آثار دينية من النحت والتصوير عني بها النصارى في أنحاء الجزيرة. فمن ذلك مارويناه سابقاً (ص334) عن نقوش وتصاوير القليس التي زان به ابرهة تلك الكنيسة الشهيرة. وقد ذكر بعضهم تماثيلها فعدها لجهله أصناماً (اطلب في معجم البلدان وصف القليس وما قال هناك عن كعيت 4: 172) . وما قيل عن كنيسة صنعاء يصح عن بيعة نجران اللمعروفة بكعبة نجران التي عنى ببنائها بنو عبد المدان فغن قدماء الكتبة يشيدون بمحاسنها ولعل صورها أتى بها الحبشة بعد محاربتهم لذي نؤاس وفتحهم نجران فإن الحبش كانوا يحسنون التصوير. وفي الحديث الإسلامي أن بعض نساء محمد اللواتي كنَّ هاجرن إلى أرض الحبشة ذكرن أماه حسن كنيسة مارية هناك وتصاويرها. فقال لهنَّ محمد وهو في مرض الموت: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور" (اطلب البخاري في باب المساجد) . وقد ورد في معجم البلدان لياقوت (2: 703) ذكر كعبة نجران وصورها مع شهادةٍ لعموم نصارى العرب باتخاذ الصور في كنائسهم قال في وصف دير نجران: "موضع باليمن لآل عبد المدان بن الديَّان من بني الحارث بن كعب ... بنوه مربعاً مستوي الأضلاع والأقطار مرتفعاً عن الأرض يصعد إليه بدرجة على مثال بناء الكعبة فكانوا يحجونه وهم طوائف من العرب ممن يحل الأشهر الحرم ولا يحج الكعبة ويحجه خمثعم قاطبةً وكان أهل ثلاث بيوتات يتبارون في البيع وربها أهل المنذر بالحيرة وغسان بالشام وبنوا الحارث بن كعب ينجران وبنوا دياراتهم في المواضع النزهة الكثيرة الشجر والرياض والغدران ويجعلون في حيطانها الفسافس وفي سقوفها الذهب والصور. كان بنو الحارث بن كعب على ذلك إلى أن جاء الإسلام" ومن التصاوير التي لاتزال آثارها إلى يومنا في جزيرة العرب ماتزدان به كنيسة طورسينا الراقية إلى القرن السادس للمسيح فإن فيها من النقوش والفسيفساء والصور المختلفة أشياء كثيرة تتسع في وصفها زوار ذلك المقام الجليل وهي لمصورين وصنعة بوزنطيين أرسلهم يوستنيانوس الملك لتشييد تلك المقامات وتزيننها بضروب النقوش. وكذلك مكة كان للمصورين والنحاتين النصارى فيها آثار ذكرها أقدم مؤرخ لتلك المدينة وهو أبو الوليد الأزرقي في كتاب أخبار مكة (ص 110 111 طبعة ليبسيك) قال يذكر بناء قريش للكعبة في الجاهلية: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 "وروقوا سقفها وجدرانها من بطنها ودعائها وجعلوا في دعائم صور الأنبياء وصور الشجر وصور الملائكة فكان فيها صورة إبراهيم خليل الرحمن ( ... وصورة عيسى بن مريم وأمه وصور الملائكة عليهم السلام أجمعين فلما كان يوم فتح مكة دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت ... وأمر بطمس تلك الصور فطمست ووضع كفيه على صورة عيسى بن مريم وأمه عليها السلام وقال: امحوا جميع الصور إلا ماتحت يدي فرفع يديه عن عيسى بن مريم وأمه ... " ثم روى عن عطاء بن أبي رياح "أنه أدرك في البيت تمثال مريم مزوقاً في حجرها عيسى قاعداً مزوقاً" وذلك "في العمود الذي يلي الباب" وأنه "هلك في الحريق في عصر ابن الزبير" وروى عن ابن شهاب (ص 113) "إنّ امرأة من غسان حجّت في حاج العرب فلما رأت صورة مريم في الكعبة قال: بأبي وأمي أنك لعربية فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمحوا تلك الصور الأ ما كان م صورة عيسى ومريم". وذكر الأزرقي أيضاً (ص450) أن في مكة "داراً لسعد القصير غلام معاوية بناها سعد بالحجارة المنقوشة فيها التماثيل مصورة في الحجارة" فلا شك أنّ هذه التماثيل والصور اصطنعها النصارى في عهد الجاهلية كما عهد إليهم في زمن المهدي بناء مسجد مكة وتزويقه قال المقدسي في كتابه احسن التقاسبم في معرفة الأقاليم (ص 73) يذكر الهدى: "المسجد اليوم من بنائه وقد ألبست حيطان االأروقة من الظاهر بالفسيفساء حمل إليها صناع الشام ومصر ألا ترى أسماءهم عليه" وإلى هؤلاء الصنعة النصارى تعزى أيضاً النقوش والتصاوير المختلفة بالفسيفساء التي مر لنا ذكرها في الكلام عن الجامع الاموي في دمشق وفي الاقصى في القدس الشريف وفي جامع النبي في المدينة. وكذلك النقوش والتصاوير التي أشرنا إليها في الهندسة المدنية في قصور المشتى وقصير عمرة والاخيضر فإنها كلها أعمال صنعة يدعون في الغالب رزما وهم من نصارى الشام ومصر والعراق. ومما وقف عليه أرباب العاديات والسياح في الحقبة الأخيرة كنائس قديمة بعضها مطمور في الارض يرتقي عهدها إلى القرون الثلثة قبل الإسلام في العراق وما بين النهرين وجهات الأناضول والارمن على جدرانها تصاوير شتى يدل بعضها على براعة أصحابها في الفن ونقلت رسومها في المجلات الأثرية أو في تآليف مستقلة. وكان صنعة الحياكة ينسجون الأقمشة ويزينونها بالصلبان والتصاوير فشاعت بين العرب وقد ورد ذكر غير مرة أخبار نبي الإسلام وفي الحديث (اطلب مجلة المنار في مجلدها العشرين ص220 230) فمن ذلك مارواه عن مسلم أن عائشة "سترت جانب بيتها بقرام (أي سترا حمر) عليه تصاوير وتماثيل" وأنها "اشترت نمرقةً عليها تصاوير" وأنها "سترت بابها بدرنوك (أي طفسة) فيه الخيل ذات الأجنحة". وكانت هذه الأنسجة يحيكها أهل اليمن النصارى كما سترى فيزينون نقشها بالتصاوير. وكانوا يصورون على بعضها الصليب وصور القديس ويتخذونها كألوية كما ذكرنا ابقاً (ص334) عن راية بني تغلب الممثلة لما سرجس. ومنها القبيل راية العقاب التي اتخذها خالد بن الوليد في أول عهد الإسلام) اطلب ياقوت 3: 690 691) دعيت بذلك لصورة عقاب كان منسوجاً فيها. ومما يدخل في هذا الباب نقود نصرانية عليها صور ملوك وقديسين اتخذها أولياء الأمور والخلفاء في أول الإسلام فطبعوا عليها شعارهم أو عبارة قرآنية يوجد منها شيء في المتاحف الكبرى، وقد ذكرنا في مجلة المشرق (18 [1920] : 799) نقوداً للسجلوقين وللأرتقيين مصورة فيها صور ملوك أو أوليائهم وبعضها يمثل شخص السيد المسيح وأمه الطاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 وبالإجمال يمكننا القول بأن فن التصوير لولا الصنعة النصارى في أنحاء الشرق كان فقد بعد ظهور الإسلام لأن أصحابه اسنكفوا من صناعة التصوير لما وجدوا فيها من العثرة وخطر الشرك واستناداً إلى ماروي في الحديث: "أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب أو تصاوير" وأنه "أشد الناس عذاباً عند الله المصورون" وأن "كل مصور في النار" فكسد لذلك فنم التصوير بن المسلمين إلا العجم منهم إلى أن عادوا فاتخذوه زينة وفرقوا بين صور العبادة وغيرها. ولا شك أنهم التجأوا إلى النصارى فتعلموه منهم، وبرع فيه بعض المسلمين كالكتامي والنازوك والقصير وابن العزيز الي ذكرهم المقريزي في كتاب الخطط (2: 318) في وصف جامع القرافة وذكر شيئاً من أعمالهم وقد قال العلامة غاية (Al. Gayet) في كتابه الصناعة العربية (ص250 252) "إنَّ مايوجد في مصر من آثار التصوير والحفر والأشغال الخشبية ونقوش الأنسجة والزجاج كلها مأخوذة عن الصنعة الأقباط الذين علموا هذه الفنون المسلمين في مصر كما يقر به المسلمون أنفسهم" 4 فن الموسيقى والغناء الموسيقى من أجل الفنون الجميلة غايتها تأليف الألحان وتناسب النغمات وتنظيم الأوزان المحركة للنفس تحريكاً ملذاً فمنها الموسيقى الطبيعية لتلحين الأصوات البشرية والآلية المتخذة من آلات الطرب كالعود والأرغن وكلتاهما أماًدينية لتجميد الله وتحريك القلوب على خدمته وأما مدنية وأما ليسلو بها الإنسان عن أشجانه وتطرب بنغماتها الصدور وتتشنف بالحانها الآذان فتهيج في سامعيها مختلف العواطف اللينة أو الشديدة المحزنة أو المبهجة على حسب إيقاعها. ولذلك قال بعضهم: إن الغناء غذاء الأرواح كما أن الشراب غذاء الأشباح. ولم يكن العرب ليجهلوا هذا الفن وبعض أصوله في الجاهلية كما يؤخذ من روايات شتى اثبتها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الشهير بالأغاني وربما دلّ على بعض أوزانه ونغماته بمفردات كان اصطلح عليها قدماء المغنين فكشف بعض المحدثين شيئاً من أسرارها. هذا في غناء أهل الحضر أما عرب البادية فلم يعرفوا إلا القليل من هذا الفن كالحداء لسوق إبلهم وكالبسيط من التلاحين يسمونها بالترنم والتهليل والسناد والهزج. قال ابن خلدون في المقدمة (2: 359 من طبعة باريس) : "وهذا كله من أوائل التلاحين لا يبعد أن تتفطن له الطباع من غير تعليم شأن البسائط كلها من الصنائع ولم يزل هذا شأن العرب في بداوتهم وجاهليتهم". ولا نشك أن نصارى العرب في الجاهلية أحرزوا لهم فخراً في هذا الفن كما أصابوه بالفنون الجميلة السابق ذكرها وذلك في قسمي الموسيقى الدينية والمدنية معا. ً "الموسيقى الدينية" أثبتنا في ما سبق لنا من الكلام كم كان لنصارى العرب من كنائس وأديار وصوامع ومقامات دينية شتى في كل أنحاء الجزيرة في شمالها وجنوبها وأواسطها كانت تقام فيها الحفلات الدينية. ومن المعلوم أن الرتب النصرانية تباشر غالباً بالغناء والترتيل سواء أنشدت التسابيح التقوية أو تليت المزامير والصلوات الفرضية وذلك منذ أوائل النصرانية كما ورد في رسائل القديس بولس حيث قال لأهل أفسس (5: 18_19) : "امتلئوا من الروح متحاورين فيما بينكم بمزامير وتسابيح وأغاني روحية ومرنمين ومرتلين في قلوبكم للرب". ومثله قوله لأهل كولسي (3: 16) . وقد ورد في كتب العرب أن الرهبان كانوا إذا خافوا الملالة والفتور على أبدانهم ترنموا بالألحان واستراحت إليه أنفسهم. وقال الأبشيهي في المستطرف في كل فن مستظرف (2: 177) : "لأهل الرهبانية نغمات وألحان شجية يمجدون الله تعالى بها ويبكون على خطاياهم ويتذكرون نعيم الآخرة". وقد قيل في مغن منهم (ياقوت 2: 691) . إذا رجع الإنجيل واهتزّ مائداً ... تذكرَّ محزونٌ وحن غريبُ وهاج لقلبي عند ترجيع صوتهِ ... بلابلُ أسقامٍ بهِ ووجيبُ وقيل في غيرهم (2: 695) : إني طربتُ لرهبان مجاوبة ... بالقدسِ بعد هدوّ الليلِ رهبانا وفي الشعر الجاهلي ألفاظ أطلقوها على غناء القسوس والرهبان فيقولون "هينم القس" إذا نغم بخفوت الصوت. قال أيمن بن خريم يشير إلى تقديس الكأس عند النصارى (الأغاني 16: 45) : ولم يشهد القسُّ المهينم نارها ... طروقاً ولا صلّى على طبخها حبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 ومثله "زمزم" أي طرّب في صةته خفياً. قال الأعشى في المعنى (شعراء النصرانية ص378) : لها حارسٌ لا يبرح الدهرَ بينهما ... وإن ذُبحت صلّى عليها وزمزما وإذا رفع صوته بالدعاء قالوا "سبّح" وأنشدوا: وما سبّح الرهبانُ في كلّ بيعةٍ ... أبيلُ الأبيلينِ المسبح بن مريما وإذا تغنى القس بقراءته قيل شمعل. وإذا أطلق صوته بالدعاء قيل جأر. قال ربيعة بن مقروم في وصفه راهباً (الأغاني 19: 92) : جئار ساعات النيام لربّهِ ... حتّى تخدّد لحمهُ متشمعلِ (قال) المتشمعل المتغني في تلاوة الزبور. وقال عدي بن زيد النصراني يقسم برئيس دينه: إنني والله فاقبل حلفتي ... بأبيلٍ كلّما صلّى جأرْ وقولهم "رجّع الإنجيل" إذا ردد نغماته في حلقه وقد مرّ. ومثله التلحين في قراءة الإنجيل. وجاء في الحديث (إرشاد الأنام للشيخ علي سالم ص19 وفي الجامع الأصغر) : "إياكم ولحون أهل الكتابين. أي التوراة والإنجيل وهم اليهود والنصارى فإنهم كانوا يراعون حسن الصوت ولا يلتفتون إلى المعنى" (كذا) فمن هذا كله ترى ما كان من المقام السني للغناء الديني بين نصارى العرب. ولمّا ظهر الإسلام وشاع القرآن بين أهله أخذوا قراءته وتلحينه من قراءة وتلحين نصارى العرب. روى الفاكهي في كتاب أخبار أم القرى (ص9) عن عائشة قالت: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قراءة أبي موسى الأشعري فقال: لقد أوتي هذا من مزامير داؤد. وجاء في الحديث في الجامع الأصغر (اطلب إرشاد الأنام للشيخ علي سالم ص17 و19) : "سيجيء بعدي قوم يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم قلوبهم بقلوب من يعجبهم شأنهم" وروى أيضاً في الحديث: "اقرأوا القرآن بلحون أهل العرب وإياكم لحون أهل الكتابين". (الموسيقى المدنية) راجت في الجاهلية في دور الملوك من تبابعة وغساسنة ومناذرة. وقد عرف القراء من فصولنا السابقة نفوذ النصرانية بين هؤلاء الملوك الذين تقلدوا في أفراحهم عادات الشعوب المجاورة لهم لا سيما اليونان والفرس والروم والدليل على ذلك ما قاله المسعودي في مروج الذهب (8: 99) : "أن العود عند أكثر الأمم وجلّ الحكماء يوناني صنعه أصحاب الهندسة على هيئة طبائع الإنسان". ثم إن كثيراً من الألفاظ الدالة على أدوات الغناء دخيلة فمما استعاروه من الروم الأرغن (يوجد سرياني) والبربط (يوجد سرياني) والسنطور (يوجد سرياني) والقانون (يوجد سرياني) والقيثار (يوجد سرياني) . وكانوا يأتون بالقيان الروميات وغيرهن كما روى حسان بن ثابت في وصفه لبعض الحفلات التي احتفل بها ملك غسان جبلة بن الأيهم قال (أغاني 16: 15) : "لقد رأيت عشر قيان خمس روميات يغنين بالرومية بالبرابط وخمس يغنين غناء أهل الحيرة" أهداهن إليه إياس بن قبيصة. ومنه يتضح أن الغناء والأدوات الموسيقية استعارها العرب من الأمم المجاورة لاسيما النصرانية. أما أهل البادية فبقي هذا الفن بينهم في بساطته على موجب معرفتهم الفطرية. وقد شهد على ذلك أبو الفرج في كتابه الأغاني قال يذكر عمر بن الخطاب أول الخلفاء الراشدين ومنفداً قول ابن خرداذبه (8: 139) : "ولا كان الغناء العربي أيضاً عرف في زمانه إلا ما كانت العرب تستعمله من النصب والحداء وذلك جارٍ مجرى الإنشاد إلا أنه يقع بتطريب وترجيع يسير ورفع للصوت ... وأول من دونت له صنعته منهم (أي من الخلفاء) عمر بن عبد العزيز فإنه ذكر عنه أنه صنع في أيام إمارته على الحجاز سبع ألحان ... ومن الناس من ينكر أن تكون لعمر بن عبد العزيز هذه الصنعة ... ولم يوجد في وقت من الأوقات ولا حال من الحالات اشتهر بالغناء ولا عرف به ولا بمعاشرة أهله ... ومخالفوهم قد أيدتهم أخبار رويت". وفي أيام بني أمية اشتهر أول المغنين من العرب وهم: أبو يحيى عبيد الله بن سريج المتوفى بالجذام في زمن هشام بن عبد الملك. ثم أبو الخطاب مسلم بن محرز وكان أصله من الفرس. ثم سعيد بن وهب كان أبوه أسود وكان هو خلاسياً مات في أيام الوليد بن يزيد في دمشق. ثم الغريض واسمع أبو يزيد وقيل أبو مروان عبد الملك. وأبو الوليد مالك بن أبي السمح. وسبقهم أبو عثمان سعيد بن مسحج وكان في أيام معاوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 ولا شك أن نصارى العراق والروم مع أهل فارس هم الذين علموا هؤلاء فن الغناء. قال أبو الفرج في كتاب الأغاني (ص3: 84) وقوله حجة في هذا الباب في ترجمة ابن مسحج أنه: "مكي أسود مغنٍ متقدم من فحول المغنين وأكابرهم وأول من صنع الغناء منهم ونقل غناء الفرس إلى غناء العرب ثم رحل إلى الشام وأخذ ألحان الروم والبربطية والاسطوخوسية (أي تنظيم الأوزان (يوجد سرياني) وانقلب إلى فارس فأخذ به غناء كثيراً وتعلم الضرب. ثم قدم إلى الحجاز وقد أخذ محاسن تلك النغم وألقى منها ما استقبحه من النبرات والنغم التي هي موجودة في نغم غناء الفرس والروم خارجة عن غناء العرب وغنى على هذا المذهب فكان أول من أثبت ذلك ولحنه وتبعه الناس بعد ... وهو الذي علم ابن سريج والغريض". وجاء له في محل آخر عن الغريض (2: 146) : "قال هارون بن محمد الزيات حدثني حماد بن إسحاق عن أبيه أن الغريض سمع أصوات رهبان بالليل في دير لهم فاستحسنها فقال له من معه: يا أبا يزيد صغ على مثل هذا الصوت لحناً فصاغ مثله في لحنه: "يا أم بكر ... " فما سمع بأحسن منه" فترى تأثير غناء النصارى والرهبان في الغناء العربي في الإسلام. ولنا ما هو أشهر من ذلك نريد به ترجمة بعض المغنين من الذين ذكرهم أبو الفرج وغيره من كتبة العرب. فمنهم حنين الحيري من فحول المغنين روى أبو الفرج ترجمته (في الأغاني (2: 120_127) وقال هناك أنه من العباديين وأخواله من بني الحرث ابن كعب النصارى كان في أيام بني أمية وهو من أهل الحيرة وكان مغرماً بالغناء فاتصل إلى أن نبغ فيه وفي صناعة العود وكان نسيج وحده في العراق فبلغ خبره المغنين في الحجاز ابن سريج والغريض ومعبد فكتبوا إليه ووجهوا إليه نفقة ليشخص إليهم فخرج إلى الحجاز وسكن في بيت سكينة بنت الحسين بنت علي بن أبي طالب فمات عندها وذلك لأن الناس ازدحموا على سطح بيتها ليسمعوا غناءه فسقط الرواق ومات حنين تحت الردم. وجاء في الفهرست لابن النديم (ص141) أن لاسحاق الموصلي كتاباً في أخبار حنين الحيري. واشتهر في الغناء في أوائل الإسلام من النصارى غير حنين. منهم عون الحيري وكان عبادياً أيضاً ذكره صاحب الأغاني (2: 125 و10: 135) وذكر برصوما المزمر (5: 34 و46 الخ) وذكر أيضاً بعض الحيريين وبه يثبت قولنا أن للنصرانية في عهد الجاهلية وأوائل الإسلام فضلاً في إشاعة الغناء والموسيقى العامية والمدنية كما أشاعوا بين العرب الغناء والموسيقى الدينية. وكانت طريقتهم في الغناء على النمط القديم المستحسن إلى أن اشتهر في أيام الرشيد أخوه إبراهيم بن المهدي الذي قال عنه أبو الفرج في الأغاني (9: 35) أنه "هو أول من أفسد الغناء القديم وجعل للناس طريقاً إلى الجسارة على تغييره". الفصل الحادي عشر العلوم والصنائع بين نصارى العرب بديهي أن عيشة العرب الساذجة في البوادي تحت الخيم بين الشاء والنوق لا تحتاج إلى علوم واسعة وصنائع راقية. وأحسن ما قيل في ذلك ما ورد في كتاب طبقات الأمم للقاضي أبي قاسم صاعد الأندلسي (حيث بيّن إجمالاً ما كان عليه العرب من البداوة وقلة الاكتراث بالعلوم سواء كانوا من أهل المدر أو أهل الوبر حتى قال إنهم "لم يكن فيهم عالم مذكور ولا حكيم مشهور" على أنه استثنى منهم أهل اليمن وبني حميّر فسلّم لهم بالمعارف الدالة عليها الآثار الباقية من عهدهم وخص منها علم النجوم وعلم الهندسة. وكذلك لم ينكر أن لبقية العرب في عهد الجاهلية وأول ظهور الإسلام إلماماً في مرئيات الفلك والمواقيت والطب. ومعرفة بعض الصنائع. وها نحن نذكر هنا ما يثبت قولنا في نفوذ النصرانية بين عرب الجاهلية من جهة بعض العلوم والصنائع. 1 العلوم بين عرب الجاهلية كرنا منها في فصل الفنون الجميلة (علم الهندسة) وما كان للنصارى من الفضل في الآثار البنائية الدينية قبل الهجرة وفي أول الإسلام فليراجع. ونضيف إلى قولنا هناك أن النصارى أول من نقل إلى العربية كتب أوقليدوس في الهندسة وذلك في صدر الدولة العباسية نقله أولاً الحجاج بن يوسف بن مطر ثم ثابت بن قرة. فبقي علينا أن نثبت ما أداه النصارى للعرب من الخدم في علوم الطب والنبات والنجوم والفقه. أما الشعر والعلوم اللغوية فسنفرد لها باباً آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 (الطب) قال صاعد (ص47) : "إن صناعة الطب كانت موجودة عند جماهير العرب لحاجة الناس طراً إليها" لكن هذا العلم قد اكتسبوه من الأمم النصرانية المجاورة ولاسيما الكلدان والسريان واليونان. وكذلك للسريان مدارس طبية ومستشفيات في العراق وفارس في جنديسابور وكذلك اليونان اشتهرت مدرستهم الطبية في الإسكندرية. فإن تصفحنا التواريخ القديمة وجدنا أن الطب شاع بين العرب بواسطة حكماء نصارى أو متطبيين من تلامذتهم. فممن سبقوا الإسلام وجاء ذكرهم في تواريخ الأطباء تيادروس. قال ابن النديم في الفهرست (ص303) ونقله عنه ابن أصيبعة في عيون الأنباء في طبقات الأطباء (1: 307) : "تيادروس كان نصرانياً وله معرفة جيدة بصناعة الطب ومحاولة لأعمالها وبى له سابور ذو الأكتاف البيع في بلده ويقال أن الذي بنى له البيع بهرام جور ولتيادروس من الكتب كناش (أي مجموع طبي) ". وقد سبق عهد الإسلام أيضاً أطباء سريان أو روم شاعوا عند العرب كاهرن بن أعين المعروف بالقس الذي وضع كناشاً بالسريانية في 30 مقالة قال ابن جلجل إن عمر بن عبد العزيز وجده في خزائن الكتب فأمر ماسرجويه اليهودي بإخراجه فوضعه في مصلاه واستخار الله في إخراجه للمسلمين للانتفاع به" (ابن أبي أصيبعة 1: 163) . وكشمعون الراهب المعروف بطيبويه (1: 109) وكسرجيس الراسعيني أول ناقل كتب اليونان إلى السريانية. وكسرابيون ويوحنا ابنه من أهل باجرمي. فليوحنا كتاب كناش كبير في سبع مقالات. وذكر ابن بختيشوع في تاريخه من الأطباء الروميين اصطفن الحراني وأقرن الرومي (تاريخ الحكماء للقفطي ص56) وذكروا طبيبً آخر رومياً يدعونه انسطاس ولم يعرفوا زمانه ضربوا به المثل في الحذق بالطب. وقيل من اسمه اشتقوا اللفظة العربية النّطس أو النطاسي (تاج العروس 4: 258) . قال أوس بن حجر يذكر رجلاً من تيم الرباب اسمه حذْيم ضرب المثل بحذقه في الطب: فهل لكمُ فيها إليّ فإنّني ... طبيبٌ بها أعيا النّطاسيّ حذيما وأشهر من هؤلاء الحارث بن كلدة الثقفي المعروف بطبيب العرب كان من نصارى النساطرة. وقد اتسع في ترجمته وذكر مآثره الطبية كثيرون من كتبة العرب كالقفطي في تاريخ الحكماء (ص161) وابن أبي أصيبعة (1: 109) وابن قتيبة في المعارف (ص98) وذكر له ابن عبد ربه شعراً (في العقد الفريد 3: 114) قالوا أنه كان من الطائف وسافر إلى بلاد فارس وأخذ الطب من نصارى جنديسابور وغيرها وبرز في صناعة الطب وطبب في فارس وعالج بعض أجلائهم فبرئوا وحصل له بذلك مال كثير ثم رجع إلى بلده الطائف وأدرك الإسلام فاتخذه صاحبه كطبيب. وكان محمد يأمر من به علة أن يأتيه وبقي إلى أيام معاوية. قال أبو زيد: "وكانت للحارث معالجات كثيرة ومعرفة بما كانت العرب تعتاده وتحتاج إليه". وقد ذكروا له حكماً وأقاويل عديدة تدل على ثقوب عقله وكثرة علمه. وقالوا أنه أسلم لكن إسلامه لم يصح. وتبع الحارث ابنه النضر بن الحارث بن كلدة وهو ابن خالة نبي المسلمين قال ابن أبي أصيبعة (1: 113) : "وكان النضر قد سافر البلاد أيضاً كأبيه واجتمع مع الأفاضل والعلماء بمكة وغيرها وعاشر الأحبار والكهنة واشتغل وحصل من العلوم القديمة أشياء جليلة القدر واطلع على علوم الفلسفة وأجزاء الحكمة وتعلّم من أبيه أيضاً ما كان يعلمه من الطب وغيره". ثم ذكر معاداته لمحمد وسعيه بأذاه إلى أن كان يوم محمد يوم انتصر محمد وأنصاره على أعدائهم وكان النضر من جملة المأسورين فأمر بقتله (سنة 624م) . وقد روينا سابقاً رثاء أختله قتيلة له (اطلب الأغاني 1: 10) وقول محمد عندما سمع أبياتها: "لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وقد ذكر من الأطباء النصارى في صدر الإسلام عبد الملك ابن أبجر الكناني. قال فيه ابن أي أصيبعة (1: 116) : كان طبيباً عالماً ماهراً وكان مقيماً في أول أمره في الإسكندرية لأنه كان متولي التدريس بها من بعد الإسكندرانيين وذلك عند ما كانت البلاد في ذلك الوقت لملوك النصارى. ثم أن المسلمين لما استولوا على البلاد وملكوا الإسكندرية أسلم ابن أبجر على يد عمر بن عبد العزيز وكان حينئذ أميراً قبل أن تصل إليه الخلافة وصحبه. فلما أفضت الخلافة إلى عمر وذلك في صفر سنة 99 للهجرة نقل التدريس إلى أنطاكية وحران وتفرق في البلاد وكان عمر بن عبد العزيز يستطب ابن أبجر ويعتمد عليه في صناعة الطب. واشتهر في الطب غير هؤلاء من نصارى العرب في أوائل الإسلام ذكر منهم القفطي وابن أبي أصيبعة الطبيب ابن الآثال. قال في طبقات الأطباء (1: 116) : "كان طبيباً متقدماً من الأطباء المتميزين في دمشق نصراني المذهب ولما ملك معاوية ابن أبي سفيان دمشق اصطفاه لنفسه وأحسن إليه وكان كثير الافتقاد له والاعتقاد فيه والمحادثة معه ليلاً ونهاراً وكان خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة". وقد روى في الأغاني (15: 13) كيف قتله خالد بن المهاجر لأنه سقى بأمر معاوية سماً عمّه عبد الرحمن بن خالد. واشتهر أيضاً في أيام معاوية الطبيب النصراني أبو الحكم الدمشقي. قال ابن أبي أصيبعة (1: 119) : "كان طبيباً نصرانياً عالماً بأنواع العلاج والأدوية وله أعمال مذكورة وصفات مشهورة وكان يستطبه معاوية ويعتمد عليه في تركيبات أدوية لأغراض قصدها منه. وعمّر أبو الحكم عمراً طويلاً حتى تجاوز المئة سنة". ثم ذكر ابنه الحكم وحفيده عيسى بن الحكم وجرى كلاهما على خطته متطببين وماتا في عهد الدولة العباسية. ومن مشاهير الأطباء المسيحيين في أوائل الدولة الأموية تياذوق وثاودون "كان تياذوق طبيباً فاضلاً وله نوادر وألفاظ مستحسنة في صناعة الطب وكان في أول دولة بني أمية ومشهوراً عندهم بالطب. وصحب أيضاً الحجاج بن يوسف الثقفي المتولى من جهة عبد الملك بن مروان وخدمه بصناعة الطب وكان يعتمد عليه ويثق بمداواته وكان له منه الجامكية الوافرة والافتقاد الكثير. ومات تياذوق بعد ما أسن وكبر وكانت وفاته في أواسط في نحو سنة 90 للهجرة. وله من الكتب كنّاش كبير ألفه لابنه وكتاب أبدال الأدوية وكيفية دقها وإيقاعها وإذابتها" (ابن أبي أصيبعة 1: 121) . أما ثاودون فذكره ابن العبري في تاريخه (ص194) وذكر له ايضاً كناشاً ولم نجد له ذكراً في غيره. فترى صدق قولنا في فضل النصارى العرب في فن الطب والمعالجات. أما فن الجراحة فزاولها رجل نصراني من تميم على عهد رسول الإسلام اسمه ابن أبي رمثة ذكره ابن أبي أصيبعة (1: 116) قال أنه كان مزاولاً لأعمال اليد وصناعة الجراحة وقد صحفه المرحوم جرجي زيدان في كتاب التمدن الإسلامي (3: 21) بابن أبي رومية. (علم النبات) يُلحق العرب علم النبات بعلم الطب الذي يستمد منه مواده وأدويته وذلك ما يدعونه بالمفردات ومنها يستحضر الأطباء أدويتهم فيعدون المركبات. ولا جرم أن العرب في الجاهلية عرفوا كثيراً من النباتات التي تنمو في جزيرتهم وعلموا بالتجربة فوائدها الغذائية والعلاجية. والدليل عليه ما ورد في معاجمهم من أسماء النباتات التي جمع منها الأصمعي كتاباً دعاه كتاب النبات والشجر نشره الدكتور هفنر في مجموعنا المرسوم بالبلغة في شذور اللغة (ص17 62) ونشر أيضاً للأصمعي كتاب النخل والكرم (63 98) . غير أن هذه اللغويات لا يحصل منها علم مفيد إلا بمعرفة خواص تلك المفردات ومنافع كل صنف من النبات. وقد أصبح النصارى في هذا العلم كما في علم قوماً وسطاً بين القدماء والعرب. فإن الأطباء الذي مر ذكرهم أن درسوا في مدارس الإسكندرية وجنديسابور اقتبسوا منها أيضاً علم النبات الصالح للطب والغذاء. والدليل عليه فصول أوردها ابن أبي أصيبعة وغيره من الكتبة للحارث بن كلدة فيها أوصاف للأدوية النباتية وللأشجار والأثمار والحشائش ذكرها في محاورة جرت له بينه وبين كسرى أنوشروان. وكذلك تآليفهم التي دعوها بالكنّاشات وهي لفظة سريانية يراد بها المجاميع الطبية وأوصاف الأدوية المتخذة عموماً من النبات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ولعل هؤلاء الأطباء درسوا كتاب ديسقوريدس العين زربي اليوناني في النبات والحشائش والأدوية المفردة في أصله اليوناني وعليه كان المعول في الطب القديم. أما ترجمته العربية فكان النصارى أيضاً أول المقدمين عليها. قال ابن جلجل (في طبقات الأطباء 2: 46_48) : "أن كتاب ديسقوريدس ترجم بمدينة السلام في الدولة العباسية في أيام جعفر المتوكل وكان المترجم له اصطفن بن بسيل الترجمان من اللسان اليوناني إلى اللسان العربي وتصفح ذلك حنين بن إسحاق المترجم فصحح الترجمة وأجازها". ثم قال ما خلاصته أن اصطفن كان أبقى أسماء كثيرة من النباتات على لفظها اليوناني لجهله ما يوافقها في اللسان العربي. وبقي الأمر كذلك إلى أن أرسل ملك الروم إلى صاحب الأندلس الملك الناصر عبد الرحمان نسخة من كتاب ديسقوريدس مع صور الحشائش بألوانها ثم أرسل إليه راهباً يدعى نيقولا جاء إلى قرطبة سنة 340هـ (951م) وأعاد النظر في ترجمة اصطفن فصححها ووضع للنباتات أسماءً عربية موافقة لها وذلك بصحبة أطباء وجدهم هناك ذوي معرفة بالنباتات والعقاقير فصارت هذه الترجمة هي المعول عليها واستفاد منها ابن جلجل وابن البيطار في تآليفها عن المفردات. ثم كان لجالينوس أيضاً تأليف في النبات عربه حنين بن إسحاق. (علم النجوم) إن صفاء أديم السماء في أنحاء جزيرة العرب في معظم ليالي السنة لمما ألفت أنظار أهلها إلى ما زين به الله الأفلاك من النجوم والكواكب والسيارات فعرفوها منذ سالف الأعصار ودلوا إليها بأسماء شاعت بعدئذ بين الأمم الغربية وهي لا تزال إلى اليوم جارية على لفظها العربي بين أرباب الفلك. وكان مما يبعث همتهم إلى رصد الفلك ومراقبة النجوم حاجتهم إليها ليهتدوا بها في أسفارهم وهم قوم رحّل يقطعون البراري والأقفار. ومنهم القوافل التي كان عليها المعتمد في المواصلات بين الهند وفارس وسواحل الشام. وكانوا استفادوا شيئاً كثيراً من ذلك بمجاورتهم للكلدان الذين سبقوا جميع الأمم في علم الفلك. فأخذوا عنهم علم الأنواء الجوية وحركات السيارات ومنازل القمر ومنطقة البروج. وفي الشعر القديم آثار من ذلك. ولنا شاهد في سفر أيوب على معرفة العرب لأسماء النجوم وحركاتها في الفلك إذ كان أيوب النبي عربي الأصل عاش في غربي الجزيرة العربية حيث امتحن الله صبره. وكذلك في المجوس الذين اهتدوا بالنجم إلى مذود السيد المسيح شاهد آخر على قولنا والمجوس على رأي كثيرين من الآباء من شيوخ العرب. على أن هذا العلم كبقية العلوم كان عند العرب عملياً ليس نظرياً. ريثما قام بينهم وفي جيرتهم من يبحث فيه بحثاً مدققاً. وكان السريان أول من فعلوا ذلك منهم برديصان المبتدع (راجع ترجمته في المشرق 18: 977) ومنهم سرجيوس الراس عيني ويعقوب الرهاوي وجرجس المعروف بأسقف العرب وساويرس سبوكت وغيرهم. وتآليفهم باقية إلى يومنا في خزان كتب أوربة الكبرى. منها ترجمتهم لعدة مصنفات يونانية لجالينوس ولاسيما لبطليموس القلوذي فإنهم نقلوا كتابه المجسطي وهو أفضل وأمتع كتاب وضعه اليونان في علم الهيئة. ثم تولى بعدهم تعريبه وتفسيره علماء النصارى أولهم حنين بن إسحاق ثم الحجاج بن يوسف بن مطر الكوفي وثابت بن قرة في عهد المأمون ثم عبد المسيح بن ناعمة الحمصي فأصبح مذ ذاك علم النجوم زاهراً في الإسلام. (الفقه) هو علم الأحكام الشرعية العملية. ولم يكن للعرب أن يستغنوا عنه وهو إما ديني وإما مدني. وللنصارى في كليهما بعض الآثار بين عرب الجاهلية فأما الفقه الديني فكان نصارى العرب يتبعون أحكامه المنصوصة في المجامع الكنسية العمومية والخصوصية التي كان يعلن بها أساقفتهم في أنحاء الجزيرة. وكانت هذه الأحكام مكتوبة إما باللغة السريانية كما ترى في المجامع النسطورية التي نشرت بالطبع (راجع القسم الأول ص71) وإما باللغة اليونانية كالحقوق القانونية التي وضعها القديس جرجنسيوس رسول الحميريين بعد موت شهداء نجران (القسم الأول ص64) . وأما الفقه المدني فغلب على المتنصرين من بني غسان والقبائل المجاورة للفرات وما بين النهرين الفقه الروماني كما نظمه الملك يوستنيان. ولما جاء الإسلام أدخلوا كثيراً من أحكامه في الفقه الإسلامي كما بين ذلك العلماء الأوربيون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وكان لقبائل العرب قضاة نجد بينهم بعضاً من الدائنين بالنصرانية نخص منهم بالذكر قس بن ساعدة أسقف نجران المدعو بحكيم العرب وحكمهم. وزهير بن جناب القضاعي وذو الإصبع العدواني (راجع ترجمتهم في شعراء النصرانية) . وقد اشتهر في الجاهلية قضاة بني تميم وأغلبهم نصارى بينهم أسقف نصراني مر لنا ذكره (ص126 و251) وهو محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم (نقائض جرير والفرزدق ص453) وقد ورد هناك عن حكام تميم ما حرفه (ص139) : "كان حكام بني تميم في الجاهلية ستة: ربيعة بن محاسن أحد بني أسد بن عمرو بن تميم. وزرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم. وضمرة بن ضمرة النهشلي. وأكثم بن صيفي وأبوه صيفي من بني أسيد بن عمرو. والأقرع بن حابس حتى بعث الله نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - وهو الأقرع بن حابس بن عقال بن محمد بن سفين بن مجاشع". وقال في تفسير قول جرير (ص438) : "ونحن الحاكمون في عكاظ": أنّ الحكام والأئمة في الموسم (أي عكاظ) كانوا بعد عامر بن ظرب في بني تميم فكان الرجل يلي الموسم منهم ويلي غيره القضاء. فكان من اجتمع له الموسم والقضاء جميعاً سعد بن زيد مناة بن تميم. ثم ولي ذلك حنظلة بن مالك بن زيد مناة ووليه ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم. ثم وليه مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. ثم الأصبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد. ثم صلصل بن أوس بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة. وكان آخر تميمي اجتمع له القضاء والموسم سفيان بن مجاشع فمات حتى جاء الإسلام وكان محمد بن سفين بن مجاشع يقضي بعكاظ فصار ميراثاً لهم فكان آخر من قضى منهم الذي وصل إلى الإسلام الأقرع بن حابس". 2 الصنائع بين عرب الجاهلية إن كان العرب في الجاهلية قد استغنوا عن كثير من العلوم لعدم حاجتهم إليها ليس الأمر كذلك في الصنائع فإنهم كانوا من سذاجة عيشهم يحتاجون إلى الكثير من المصنوعات التي لا تنال إلا بالحرف والصناعات كالمأكول والملبوس والأسلحة والمعاملات التجارية. وقد كان النصارى من العرب اليد الطولى في كل ذلك كما سترى. (صناعة النسيج والحياكة) هذه الصناعة من مذاهب الحضارة. فكان عرب البادية يجهلونها وإنما شاعت بين عرب الحضر وأكثر ما نرى شيوعها بين نصارى العرب في جهات اليمن والبحرين والشام وفي بلاد قضاعة وكانوا يبيعون بعضها من أقباط مصر. وهذه بعض الشواهد على إثبات قولنا. قال الثعالبي في لطائف المعارف (طبعة لندن ص28) أن أهل اليمن "كانوا يعيّرون بالحياكة" وكان المثل يضرب برياط اليمن وببرود اليمن وربما كان يخططونها. قال أوس بن حجر: فإني رأيتُ العرضَ أحوجَ ساعةً ... إلى الصوّن من ريطٍ يمانٍ مسهّمِ وكانت البرود اليمنية غالية الثمن (التاج 2: 300) ومنها ما كان يصطنع في نجران. جاء في صحيح البخاري في باب البرود أن صاحب الإسلام كان يلبس "بُرداً نجرانياً غليظ الحاشية". وقد وصفوا أنواعاً من برود اليمن ذكرها ابن سيدة في المخصص (4: 72) كالعصب قال "وهو ضرب من الثياب يعصب غزله ويدرج ثم يصبغ ويحاك يقال بٌرد عصبٍ". وكالمراجل يقال ثوب ممرجل أي على صنعة المرجل وهو ضرب من الوشي. وكالخال وهو الثوب الناعم. وكالحِبرة والحَبرة وكلها من برود اليمن. ومما نسب من الثياب إلى مخاليف اليمن الوشي العبقري المنسوب إلى عبقر من أرض اليمن والطنافس العبقرية. قال ياقوت (في مادة عبقر) : "بنو يزيد ينسجون الصوف فعملوا منها الزرابي العبقرية وعملوا البرود اليزيدية". ومما نسب إلى شرعب المخلاف باليمن البرود الشرعبية. ونسب إلى مخلاف جيشان الخمر الجيشانية. وإلى سحول وريدة قريتين في اليمن الثياب السّحولية المصنوعة من القطن الأبيض قال طرفة (ديوانه 76) : وبالسّفح آياتٌ كأنَّ رسومها ... يمانٍ وشتْهُ ريدةٌ وسحولُ وإلى السدير من أرض اليمن نسبوا البرود السديرية قال الأعشى: وبيداءُ قفر كبُرد السديرِ ... مشاربها دائراتٌ أُجنْ وكان اليمنيون يعملون الرحال وينقشونها ويحسنون صنعها قال جرير (نقائض 756) يصف رحالاً: ومنقوشةٍ نقش الدنانير عوليتْ ... على عجلٍ فوق العتاق العياهمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ومن ثياب اليمن الرّقم والعقل وهما أحمران كانوا يسدلونها على هوادج النساء (المفضليات ص578) ومثلهما الغزل اليماني ذكره أبو الفرج في الأغاني (1: 32) . وما دل على أن هذه المنسوجات كانت من صنع النصارى ما ذكره ابن سعد في طبقاته في باب الوفود على وفد نجران وكلّهم من النصارى أن رسول الإسلام صالحهم "على ألف حلّة في رجب وألف في صفر أوقية كل حلة من الأوراق وعلى عارّية ثلثين درعاً وثلثين رمحاً وثلثين بعيراً وثلثين فرساً". وقد تكرر في كتب الحديث ذكر الحلل والأنسجة والحرائر النجرانية. وكان العرب قبل الهجرة وفي أوائل الإسلام يقتنون أيضاً ملابسهم عند نصارى منبج وإليها نسبوا الأكسية المنبجانية ويقال الأنبجانية. وقد اشتهرت بين العرب المنسوجات القبطية فإن بعض مدنها كالإسكندرية ودمياط وتنيس والفرما كانت تحتوي على معامل شائعة الذكر قال ياقوت (2: 603) : "إن دمياط كان يعمل فيها القصب البلخي من كل فن والثياب البيض الغالية الثمن والفرش القلموني من كل لون المعلّم والمطرز" وإلى القبط نسبت القباطيات وكانت ثياباً معروفة بالرقة والدقة والبياض. قال الكميت يصف ثوراً: لياحٌ كأنْ بالأتحميّة مسبعٌ ... إزاراً وفي قبطيّةٍ متجلببُ وفي الحديث أن محمداً كان يجلل بدنه القباطي والأنماط. والنّمط ضرب من الثياب المصبغة. وقد ذكر المقريزي في الخطط (1: 181) أنهم في الإسلام كانوا يأخذون كسوة الكعبة من تنيس وذكر عن الفاكهي أنه رأى لهارون الرشيد كسوة من قباطي تاريخها سنة 190هـ (860م) . وذكر أيضاً الثياب القيسية والثياب الدبيقية المنسوبة إلى دبيق مدينة بين الفرما وتنيس وكانت من أدق الثياب المنسوجة بالذهب. وكان أكثر الحرير يأتي به العرب من بلاد الروم. قال الأخطل (راجع ديوانه ص387) : بناتُ الروم في سرقِ الحريرر والسّرق واحدته سرقة وهي شقائق الحرير أو أجوده وقال في ذلك: يرفلنْ في سرقِ الفرندِ وقزّه ... يسحبن من هدّابه أذيالا ومن الأنسجة الثمينة التي كان يتزاحم عليها أمراء العرب الدفني من مصنوعات اليمن. قال الأعشى يصف بعض الأعيان (شرح المفضليات ص528 ed. Lyall,) : يمشون في الدّفني والأبرادِ ومثلها السيراء من برود اليمن الموشاة المخطّطة التي يخالطها الحرير كالسيور كان يحيكها نصارى نجران ودومة الجندل. وفي الحديث أن أكيدر بن عبد الملك النصراني صاحب دومة الجندل أهدى إلى محمد حلة سيراء (التاج 3: 287) . وكذلك عرف أهل مكة الأرجوان من مصنوعات سواحل الشام ورد ذكره في تاريخ اليعقوبي (2: 23) في وصف زينة نبي الإسلام وفي حديث الخليفة عثمان بن عفان (النهاية لابن الأثير 2: 71) . وقد ورد في صحيح مسلم (2: 152) وصحيح الترمذي (1: 331) وفي أنساب البلاذري (332) وغيرها حلل الديباج والثياب المصفرة والحبر المفوفة أي الرقيقة الوشاة والطيالسة التي كان يهديها الوفود من أهل اليمن ومن الرهبان إلى صاحب الشريعة الإسلامية وأكثرها من صنع نصارى اليمن أو الشام. قال ابن الأثير في أسد الغابة في أخبار الصحابة (2: 411) أن عطارد بن حاجب الذي وفد على نبي الإسلام مع وجوه تميم النصارى وكان سيداً في قومه أهدى محمداً ثوب ديباج. وروى المسعودي في مروج الذهب (4: 178) أن ملوك اليمن قدموا إلى أبي بكر وعليهم الحلل والحبر وبرود الوشي. وذكر أيضاً (1: 221) الساج والطيلسان فيما فرضه خالد بن الوليد على النصارى العباديين وزعيمهم عبد المسيح بن بقيلة من أهل الحيرة. وكذلك صاحب بانقيا بصهبر بن صلوبا ذكر البلاذري في فتح البلدان (ص244) أنه "صولح على ألف درهم وطيلسان" وكان اليمنيون يحسنون عمل الرحال وينقشونها قال جرير (النقائض ص756) : ومنقوشةٍ نقش الدنانير عوليتْ ... على عَجَلِ فوق الغتاقِ العياهمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ومن منسوجاتهم أيضاً الطنافس والبسط والأنطاع. اتخذوا بعضها لكسوة الكعبة قال البلاذري في الفتوح (ص47) : "وكانت كسوة الكعبة في الجاهلية الأنطاع والمغافر (والصواب المعافر وهي منسوجات يمنية) فكساها الرسول - صلى الله عليه وسلم - الثياب اليمنية ثم كساها عمر وعثمان القباطي ثم كساها يزيد بن معاوية الديباج ... وكساها بنو أمية في بعض أيامهم الحلل التي كان يصطنعها نصارى تنوخ وقضاعة. قال ابن خلدون في تاريخه (2: 241) : "أن التنوخيين نزلوا عبقرة من أرض الجزيرة ونسج نسائهم البرود العبقرية". وقال ياقوت في معجم البلدان (3: 907) أن عبقرة كان يوشى فيها البسط وغيرها فنسب كل شيء جيد إلى عبقرة. وقال الفراء هي الطنافس الثخان، وقال مجاهد: العبقري الديباج. وذكر المقريزي في الخطط مصانع البسط في صعيد مصر مما كان يشتغله نصارى الأقباط في البهنساء ودمياط وتنيس ودابق. ذكر أن بعض البسط كان يبلغ طوله 30 ذراعاً وكان يباع الزوج منها مائتي مثقال ذب. وروى أن فسطاطاً صنعوه في تنيس منسوجاً بالذهب بيع بقيمة 14000 دينار ما يساوي اليوم من نقودنا 200000 فرنك وكانوا ينقشون على هذه البسط صوراً شتى من الرجال والسباع والخيل والطيور. وفي متاحف أورية منها بقايا (Gayet: l'Art Arabe, 248_252) وكان البعض منها مصلباً أي منقوشاً عليه الصلبان وروى في التاج في حديث جرير (1: 338) قوله: "رأيت على الحسين ثوباً مصلباً أي فيه نقش أمثال صلبان". (النجارة) هي أيضاً إحدى الصنائع التي شاعت بين النصارى فاستفاد منها العرب في الجاهلية وأوائل الإسلام وذلك لندورة الخشب في أنحاء كثيرة من جزيرة العرب إلا أطرافها ولبعد العرب عن العمران الحضري. قال ابن خلدون في المقدمة (2: 313 طبعة باريس) : "إن العرب أبعد الناس من الصنائع والسبب في ذلك أنهم أعرق في البدو وأبعد من العمران الحضري. والعجم من أهل الشرق وأمم النصرانية عدوة البحر الرومي أقوم الناس عليها لأنهم أعرق في العمران الحضري وأبعد عن البدو" ثم ذكر كيف أن العرب استجلبوا صنائعهم من عند تلك الأمم. وقد مر لنا شيء من أعمال النصارى الخشبية في جزيرة العرب ما سبق في ذكر القليس (المشرق 18 [1920] : 525) وما دخل فيه من الأخشاب الثمينة كالساسم والساج والأبنوس اشتغلها النصارى فزينوا بها كنائسهم قبل الإسلام. ومثل ذلك ما رواه أبو الوليد محمد الأزرقي في كتاب أخبار مكة (ص105، 107، 114) عن باقوم الرومي النجار والبناء الذي وكلت إليه قريش بناء الكعبة بعد حريقها وتصدع جدرانها فبناها بما اشتراه القرشيون من الخشب الذي أقبلت به سفينة الروم إلى جدة. وهم نصارى الأقباط والروم أيضاً الذين سقفوا بالساج المزخرف المسجد الحرام في مكة في أيام الوليد بن عبد الملك (الأزرقي ص209) . ومما صنعه النصارى في أول الإسلام لخدمة نبيه وخلفائه الراشدين المنبر اصطنعه أولاً رومي نجار كما روى أبو سعيد وقيل "أن اسمه باقوم أو ياقول الرومي غلام سعيد بن العاص" وقيل أن اسمه إبراهيم النجار (أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير 1: 43) كان يجلس عليه محمد للجمعة. وكان في خدمة نبي الإسلام صانع نصراني آخر اسمه تميم بن أوس الداري من نصارى لخم أسلم سنة 9 للهجرة وخدم محمداً وكان يسكن معه المدينة ويدعونه راهب الأمة ثم أقطعه قرية عينون عند بيت المقدس (أسد الغابة 1: 215) . ثم أضافوا إلى المنبر عرشاً كان يجلس عليه محمد إذا خطب كما جاء في طبقات ابن سعد (ج2 ق2 ص11) وكان أيضاً من عمل النصارى. وبعد موت نبي المسلمين تردد الخلفاء الراشدون في رقي المنبر وقد أخبر المقريزي (الخطط 2: 257) أن عمرو بن العاص اتخذ منبراً فكتب إليه عمر بن الخطاب يعزم عليه في كسره ويقول "ما حسبك أن تقوم قائماً والمسلمون جلوس تحت عقبيك" فكسره. لكنهم ما لبثوا أن أقاموا المنابر في المساجد. روى المقريزي (2: 248) عن والي مصر قرة بن شريك العبسي أنه نصب منبراً جديداً في السنة 94هـ (713م) . (قال) "وذكر أنه حمل إليه من بعض كنائس مصر وقيل أن زكريا بن برقنى ملك النوبة النصراني أهداه إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرج وبعث معه نجاراً حتى ركبه واسم هذا النجار بقطر من أهل دندرة ولم يزل هذا المنبر في المسجد حتى زاد قبرة بن شريك في الجامع فنصب منبراً سواه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وكان العرب يلتجئون إلى أهل الأرياف من الشام واليمن والعراق فيتخذون من نجاريهم العمد والأوتاد لخيامهم والحدوج لظعائنهم والرماح والقسي والسهام لسلاحهم لأن الخشب مادة لكل هذه كما بين ابن خلدون في مقدمته (2: 324) ولا تصير إلى الصورة الخاصة بها إلا بالصناعة والقائم على هذه الصناعة هو النجار. وقد بقي من أعمال النصارى الدالة على براعتهم في هذه الحرفة عدة آثار ترى في كنائس وأديرة أقباط الصعيد وطور سيناء والجزيرة ومنها ما تحول إلى جوامع ومنها المقاصير القديمة والشعاري والمشارب كان النصارى يهندسونها قديماً وصبر بعضها على آفات الدهر. (الحدادة) كما النجارة كذلك الحدادة خدم بها نصارى اليمن والشام والبحرين قبائل عرب البادية. وكان الحداد يدعى في الجاهلية قيناً. والقيون عند العرب بنو أسد قيل أن من عمل الحديد منهم كان الهالك بن عمرو بن أسد بن خزيمة فدعي أيضاً الحداد هالكياً. وممن ورد ذكرهم في أوائل الإسلام من أرباب الحدادة خباب بن الأرث من نصارى بني تميم سبي من وطنه وبيع في مكة فحصل في خدمة نبي المسلمين والخلفاء الراشدين من بعده توفي سنة 37هـ (658م) . وكان أكثر اتخاذ العرب للحديد لتهيئة آلات حربهم أعني السيوف والدروع ونصال الرماح والسهام والخوذ. أما السيوف فمن أكرمها وأشرفها المشرفيات المنسوبة إلى المشارف من قرى الشام. ومنها السيوف الحارية وهي التي كان يصنعها نصارى الحيرة في العراق. ومنها السريجيات وكانت سيوفاً منسوبة إلى قين يدعى سريجاً مصغر سرجيس. وفيها يقول العجّاج: وبالسّريجيّات يخطفنَ القصرْ وقد ذكروا سبعة من مشاهير السيوف زعموا أن بلقيس ملكة سبأ أهدتها إلى سليمان الحكيم وفي ذلك دلالة على أهل اليمن وهي ذو الفقار كان لمنبه بن حجاج فصار إلى نبي الإسلام ثم ذو النون والصمصامة كانا لعمرو بن معدي كرب ثم مخدم ورسوب كانا للحارث بن جبلة ملك غسان النصراني ثم ضرس الحمار وقيل ضرس العير أو ضرس البعير كان لعلقمة بن ذي قيفان الحميري ثم الكشوح ولم يذكروا صاحبه. أم الدروع فما يدل على علاقتها بالنصارى وأهل الكتاب أن العرب ينسبون نسجها إلى داود وسليمان كما روينا سابقاً (راجع الصفحة 233 و 272_273) . وكل يعرف خير الدروع التي أودعها امرؤ القيس الكندي الشاعر النصراني عند السموءل (اطلب ديوان السموءل الذي نشرناه آنفاً ص8) . وقد عرف أيضاً أهل نجران بصناعة الدروع والدليل عليه أن محمداً صالحهم على ثلثين درعاً كما سبق. ومن دروع البحرين الردينيات نسبت إلى امرأة تدعى ردينة كانت تبيعها أو تصنعها. ومنها ما كان ينسج حلقتين وهي المضاعفة قالت الخنساء تصف لأمة أخيها صخر: إذا تلأم في زغفٍ مضاعفةٍ ... وصارمٍ مثل لون الملح جرّادِ أما نصال الرماح والسهام فزعم الثعالبي في لطائف المعارف (ص7 ed. De Jong,) "أن أول من عمل له سنان من حديد سيف ذو يزن الحميري وإليه نسبت الرماح اليزنية وإنما كانت أسنة العرب صياصئ البقر" والله أعلم وإنما يرجح الرأي بأن أصل النصال من اليمن ومن الأمم النصرانية المجاورة للعرب. وقد امتازت بين الرماح العربية السمهريات نسبة إلى سمهر اسم رجل قيل أنه زوج ردينة ورفيقها في الحدادة. ومنها الخطيات وهي رماح كانوا يستجلبونها من الخط وهو مرفأ للسفن في البحرين وعمان. وكذلك السهام الصاعدية منسوبة إلى قرية صعدة في اليمن على غير قياس. واتخذوا أيضاً من حديد الجواشن ومثلها الخوذ يقنعون بها رؤوسهم تعلموها من الروم والفرس وهي البيض. ثم انتشر استعمالها في بلاد الإسلام حتى أنهم أحصوا ما في خزانة السفاح أول خلفاء بني العباس فوجدوا خمسين ألف درع وخمسين ألف سيف وثلثين ألف جوشن ومائة ألف رمح. وزادت على ذلك في أيام هارون الرشيد فأحصاها الفضل بن الربيع فوجد عشرة آلاف سيف محلاة بالذهب وخمسين ألفاً للشاكرية والغلمان ومائة وخمسين ألف رمح ومائة ألف قوس وألف درع خاصة محلاة وألف درع عامة وعشرين ألف بيضة وعشرين ألف جوشن ومائة وخمسين ألف ترس وأربعة آلاف سرج عامة (مطالع البدور للغزولي 2: 162) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 ومما يدل على اتساع فن الحدادة بين نصارى العرب وفرة أسلحة ملوك الحيرة فقد ذكر أبو الفرج في الأغاني (20: 132) أن النعمان بن المنذر لما خاف كسرى وحاول الفرار من وجهه استودع ماله هانئ بن مسعود الشيباني وكان في جملة وديعته "ألف شكة ويقال أربعة آلاف شكة والشكة السلاح كله". وكان للنعمان بن المنذر كتائب مدججة بالأسلحة الحيرية أخصها كتيبتاه الشهباء والدوسر. وذكر ابن خلدون في تاريخه (2: 180) : "الباهوت مسلحة كسرى في الحيرة". وكانت في بصرى أيضاً في حوران مصانع أسلحة مشهورة. قال الحصين بن الحمام يذكر عمرو بن هند ملك الحيرة المعروف بالمحرق (شرح المفضليات ص108 ed. Lyall,) : عليهنَّ فتيانٌ كساهمْ محرّقٌ ... وكان إذا يكسو أجاد وأكرما صفائحَ بصرى أخلصتْها قيونها ... ومطّرداً من نسج داود مبهما يهزّون سمراً من رماح ردينةٍ ... إذا حرّكت بضّت عواملها دما وكانوا يطبعون أسلحتهم ويرسمون عليا النقوش والتماثيل فكان على سيف الحارث بن ظالم صورة حيتين وأنشد (شرح المفضليات ص616) : علوتُ بذي الحيّات مفرِقَ رأسه ... وهل يركبُ المكروه إلا الأكارمِ أراد بذي الحيّات سيفه لما كان عليه من تمثال الحيات. وذكر الآخر سيفاً صورة سمكة فعرف بذي النون ومر ذكره: ويخبرهُ مكانُ النونِ مني ... وما أعطيتهُ عرقَ الخلالِ (التجارة) قد اشتهر العرب منذ القديم بالتجارة كما ورد ذلك في سفر التكوين (37: 25) في قصة يوسف الحسن الذي باعه إخوانه للإسمعيليين المنحدرين بتجارتهم إلى مصر. على أن هذه التجارة راجت أسواقها بعد المسيح بهمة الأمم النصرانية المجاورة للعرب لاسيما الرومان والحبش. وقد سبق لنا (ص57) ذكر الوفد الذي أرسله إلى الحميريين الملك قسطنسيوس ابن قسطنطين الكبير لعقد معاهدة تجارية مع ملكهم. وذكرنا هناك أيضاً ما ورد في الدستور التيودوسي لثاودوسيوس الكبير بخصوص متاجرة الرومان والحبشة مع العرب. وقد اشتهر نصارى الحيرة بالتجارة. وقد ذكر أبو الفرج الأصفهاني (الأغاني 20: 134) لطيمتهم قال: "وهي عير كانت تخرج من العراق فيها البر والعطر والألطاف يرسلونها إلى اليمن". وقال في التاج (9: 60) : "اللّطيمة وعاء المسك أو سوقه وقيل كل سوق يجلب إليها غير ما يؤكل من حر الطيب والمتاع غير الميرة". وكانت قريش في الجاهلية ترتزق بالتجارة وربما رحلوا إلى الحيرة. وقد ذكر في الأغاني (8: 48_49) خروج مسافر بن أبي عمرو بن أمية من سادة قريش وأبي سفيان بن حرب إلى الحيرة لأمورهم التجارية. وقال الثعالبي في لطائف المعارف (ص 7_8ed. De Jong,) أن هاشماً وهو عمرو بن عبد مناف كان "أول من سن الرحلتين في التجارة رحلة الشتاء والصيف وهو أول من خرج إلى الشام من قريش ووفد على الملوك وأبعد في السفر ومر بالأعداء وأخذ منهم الإيلاف الذي ذكره الله تعالى" يشير إلى سورة قريش (106: 1_2) حيث يقول: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشّتَآءِ وَالصّيْفِ) . قالوا الإيلاف العهد والذمام قال الفيروزأبادي: "الإيلاف شبه الإجازة بالخفارة وأول من أخذها هاشم من ملك الشام". وورد في تفاسير القرآن أن أصحاب الإيلاف كانوا أربعة أخوة هوم بنو عبد مناف أولهم هاشم وكان يؤالف ملك الشام باع منه خيلاً فسمح له أن يتاجر في الشام. والثاني عبد شمس وكان يؤالف إلى الحبشة. والثالث المطلب وكان يرحل إلى اليمن. والرابع نوفل وكان يرحل إلى فارس وكان هؤلاء يسمون المتجرين. وقال فيهم الشاعر: يا أيها الرجلُ المحوّلَ رحلهُ ... هلاّ نزلتَ بآل عبد منافِ الآخذون العهدَ من آفاقها ... والراحلون لرحلةِ الإيلافِ والرائشون وليس يوجد رائش ... والقائلون هلمّ للأضيافِ والخالطون غنيّهم بفقيرهم ... حتى يصير غنيّهم كالكافي وقال الثعالبي في ثمار القلوب (ص9) : "أن قريش زهدوا في الغصوب فلم يبق لهم مكسبة سوى التجارة فضربوا في البلاد إلى قيصر بالروم والنجاشي بالحبشة والمقوقس بمصر بأجمعهم تجاراً خلطاء" وقالوا في الأغاني (8: 52) : "وكانت أرض الحبشة لقريش متجراً" وذكر هناك عمارة بن الوليد المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي وخروجهما إلى النجاشي في الجاهلية للاتجار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وكان للعرب عدة أسواق يجتمعون فيها للمقايضات وضروب المبايعات قد ذكرها في المشرق (1 [1898] : 867) جناب الأديب محمود شكري أفندي الألوسي. وكان معظم هذه الأسواق في جهات الجزيرة العربية التي يغلب فيها عدد النصارى في الجاهلية وأكثرهم من الحضر يرتزقون بالتجارة كأسواق البحرين في عمان وهجر والمشقّر وصحار وكأسواق حضرموت والشحر وكأسواق اليمن مثل سوق صنعاء وكسوق دومة الجندل وكسوق عكاظ في الحجاز التي كان يقوم فيها قس بن ساعدة واعظاً وخطيباً مصقعاً. ومما لم يذكره هناك من الأسواق العربية النصرانية سوق الحيرة وقد ذكره أبو الفرج في الأغاني قال (16: 99) قال: "وكان بالحيرة سوق يجتمع إليه الناس كل سنةٍ" وروى هناك خروج الحكم بن أبي العاصي إليه ومعه عطر يريد بيعه وأخذ حسان بن جبلة الخير على نفسه أن يقدم للقوم "كل خمر أو لحم أو طعام ما أقاموا في سوق الحيرة". وقصد حاتم الطائي هذه السوق أيضاً وأظهر فيها شيئاً من كرمه الذي ضرب به المثل بنحره الجزور وإطعام الناس. وما لا ينكر أن أهل اليمن وعمان والبحرين وهجر والحيرة كانت تجارتهم واسعة رابحة ومعائشهم رغدة والخصب والرخاء غالبين على أطرافهم مع ما فيها من وفرة الغلات والذخائر وصنوف المعادن والأرفاق بخلاف عرب نجد والحجاز فكانت بلادهم مجدبة قاحلة كثيرة الرمال والصحارى. وقد جاء في سيرة نبي الإسلام أنه تعاطى التجارة في شبابه استأجرته خديجة بنت خويلد في مالها فكان يخرج به إلى الشام تاجراً فرأى أهلها النصارى ودخل صوامع رهبانها وكان محظوظاً في تجارته فدعا ذلك خديجة إلى أن تقترن به. وكما كان العرب يخرجون إلى بلاد النصارى المجاورة لبلادهم كذلك كان النصارى يقدمون إلى الحجاز ويبيعون أهلها محصولات أوطانهم. ولنا على ذلك عدة شواهد. منها "موقف النصارى" في مكة قال في التاج في مادة حسر (3: 14) : "بطن محسر وادٍ قرب مزدلفة بين عرفات ومنى. وفي كتب المناسك هو وادي النار لأنه موقف النصارى وأنشد عمر رض حين أفاض من عرفة إلى مزدلفة وكان في بطن محسر: إليكَ يعدو قلقاً وضيناً ... مخالفاً دين النصارى دينا" وكذلك "مقبرة النصارى" في مكة أيضاً ذكرها الأزرقي في أخبار مكة (ص501) وقال أنها دبر المقلع أي الجبل الذي بأسفل مكة على يمين الخارج إلى المدينة على طريق بئر عنبسة. وكان بعض هؤلاء التجار ينشرون النصرانية في مكة. جاء في أسد الغابة لابن الأثير (5: 172) أن ولدين لأبي حصين الأنصاري تنصرا على يد تجار من الشام أتوا إلى مكة وأنهما لحقا معهم بالشام. ومن سلع تجار النصارى في الجاهلية وبعدها الخمر كانوا يعصرونها ويبيعونها ويشربونها في مجالس الأنس. وقد وصفها شاعرهم الأعشى بقوله: وكأسٍ شربتُ على لذةٍ ... وأخرى تداويتُ منها بها ليعلمَ من لام أنّي امرؤٌ ... أتيتُ المروءة من بابها وقد اعتادوا عصر المدامة لدخولها في مشاعرهم الدينية في القربان، كما مر سابقاً، وتغنوا في معانيها الرمزية كما فعل ابن الفارض في ميميته. ومما تاجر به نصارى اليمن والعراق والبحرين الجواهر والحجارة الكريمة كالجزع والياقوت واللآلئ وقد اشتهر الجزع اليماني وقد عرف أيضاً بالجزر اليماني (Conque de Venus) وكان يتاجر به أهل ظفار فأنسب إليهم، قال المكرقش الأصغر يصف طغائن يقطعن القفار: تجلَّبن ياقوتاً وشذراً وصيغةً ... وجزعاً ظفارياً ودرَّاً توائماً وقد ذكر في الأغاني (11: 163) درجاً لطلحة كان فيه حجارة ياقوت يساوي ثمن كل حجر منها أربعين درهم. وروى البكري في معجم ما استعجم يصف ركوب ملك الحيرة إلى دير اللج (ص366) : "وكان النعمان يركب في كل أحواله وفي كل عيد ومعه أهل بيته خاصة من آل المنذر من ينادمه عليهم حلل الديباج المذهبة وعلى رؤوسهم أكاليل الذهب فإذا قضوا صلاتهم انصرفوا إلى مستشرقة على النجف". أما اللآلئ والدرر الثمينة فكان يغوص عليها أهل البحرين منذ زمن الجاهلية. قال النابغة الذبياني: أو درَّةٍ صدفيةٍ غوَّاصها ... بهجٌ متى يرها يهلُّ ويسجدِ وقد أحسن المسيب بن علس في وصفه الغائص على اللآلئ وانتخابه الثمين بينها واستخراجها من البحر قال (شعراء النصرانية 356 وخزانة الأدب 1: 544) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 كجمانة البحريّ جاءَ بها ... غوَّاصها من لَّجة البحرِ صلبُ الفؤادِ رئيسُ أربعةٍ ... منخالفي الأَّلوان والنَّجرِ فتنازعوا حتَّى إذا اجتمعوا ... ألقوا إليهِ مقالدَ الأمرِ وعلتْ بهم سجحاءُ خادمةٌ ... تهوي بهم في لجَّةِ الغمرِ حتَّى إذا ما ساء ظنَّهمُ ... ومضى بهم شهرٌ إلى شهرِ ألقى مراسيهُ بتهلكةٍ ... ثبتتْ مراسيها فما تجري فأنصبَّ أسقفُ رأسهِ لبدٌ ... نزعت رباً عيناهُ للصَّبرِ أشفى يمجُّ الزيتَ ملتمسٌ ... ظمآنُ ملتهبٌ من القفرِ قتلت أباهُ فقال أتبعه ... أو استفيدَ رغيبة الدهر نصفَ النهار الماءُ غامرهُ ... وشريكهُ بالغيب ما يدري فأصاب منيتهُ فجاءَ بها ... صدفَّيةً كمضيئة الجمرِ يعطى بها ثمناً فيمنعهَ ... ويقول صاحبهُ أر تشري وترى الصواري يسجدون لها ... ويضمَّها بيديهِ للنَّحرِ فلتلك شبهُ المالكيَّة إذ ... طلعت ببهجتها من الخدرِ (الملاحة) كما اشتهر نصارى العرب بالتجارة البرية كذلك أصابوا في التجارة البحرية سهماً فائزاً، وقد بينا سابقاً انتشار النصرانية في سواحل جزيرة العرب في اليمن وعمان والبحرين فوجدوا في مجاورة البحار وسائل جديدة لتنمية ثروتهم وزيادة أرباحهم، فكان الحميريون وأهل البحرين يحسنون اصطناع السفن وعمارتها فيقطعون بها خليج العرب إلى الحبشة وبحر عمان إلى الهند وخليج فارس إلى جهات العجم، وقد أشاروا إلى ذلك في شعرهم قال عمرو بن كلثوم التغلبي في معلقته يفتخر بكثرة سفن قبيلته تغلب النصرانية: ملأتا البرَّ حتَّى ضاق عنَّا ... وظهر البحرِ نملاهُ سفينا وقد أحسن طرفة لسفن قومه في البحرين فذكر بعض أشكالها العظيمة وهي الخلايا والعدولية من سفن البحرين وذكر أحد رؤساء البحر المدعو ابن يامن ومخر سفينته غمر المياه فقال: كأنَّ حدوجَ المالكيَّة غدوةً ... خلايا سفين بالنواصف من ددِ عدوليَّة أو من سفين ابن يامنٍ ... يجورُ بها الملاَّحُ طوراً ويهتدي يشقُّ حبابَ الماء حيزومها بها ... كما قسم التُّربَ المفائلُ باليدِ وذكر الأعشى النوتي السائر بسفنه على الفرات عند طغيانه: مثل الفُّراتي إذا ما طما ... يقذفُ بالوصيّ والماهرِ وأشار أمرؤ القيس إلى طلي السفن بالقير: فشَّبهتم في الآلِ حين زهاهمُ ... عصائبَ دوم أو سفيناً مقيَّرا وقال الشماخ يذكر سفن البحرين وغواربها الكبيرة: رماحُ ردينةٍ وبحار لجس ... غواربها تقاذفُ بالسفينِ وكانوا يدعون النوتي ملاحاً وصراريا جمعه صراري أيضاً وصراء قال ربيعة ابن مقروم: وأعرضَ واسطٌ فعدلنَ عنهُ ... كما عدلَ الصراريُّ السفينا وقال الممزق العبدي: إلا ابنَ خلتنا وحسبتنا ... صراري نعطي الماكسينا مكوسا على أن فن الملاحة الذي كان يعرفه ويزاوله عرب الحضر في سواحل الجزيرة كان في الغالب مجهولاً لدى عرب الحجاز ونجد، بل كانوا يعدون ركوب البحر كالطامة العظمى فبعد انتشار الإسلام وثبوت قدمه إذ رأووا في سواحل الشام ومصر سفن الروم أرادوا أن يعبروا البحر ليغزوا الجزيرة كقيرس أو سواحل اليونان وآسيا الصغرى فالتجأوا إلى من كان حوزتهم من الروم في الشام والأقباط في مصر ومن نصارى العرب في جهات البحرين فتعلموا منهم صناعة السفن كما اخذوا صناعة التجارة لأن إنشاء السفن يحتاج إليها لما يدخلها من الألواح والدسر والصواري والمجاديف مع هندسة أجزائها فعمروا لهم السفن وجهزوها لحروبهم في أيام معاوية ودولة بني أمية وفي اللغة ما يدل على أصل فن الملاحة الأجنبي فترى فيها ألفاظاً متعددة أما رومية وأما آرامية أو حبشية تثبت حدوث الملاحة في الحقبة الأولى من الإسلام وقد تقلدوا في صنعها صورة مراكب الروم واليونان في هيئاتها المختلفة وأجرامها المتباينة، فمما استعاروه من اليونانية: أسطول (كلمة يونانية) أنجر (كلمة يونانية) نوتي (كلمة يونانية) ومن السريانية أو الآرامية: سفينة، قارب، قرقور، دقل، ربان، ملاح، سكان، قلع، مجذاف، صار، ومن الحبشية: بحر، شراع، مرسى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 (النقود) أن التجارة والمفايضات في البيع والشراء لا تجري عادة إلا بمسكوكات ونقود تدفع بدلاً من السلع والبضائع، وكان للدول النبطية ولملوك ميشان وخراسان في العراق ولملوك الجزيرة في جهات الرها وحضر، ولملوك تدمر نقود ضربوها باسمهم ذهبية وفضية ونحاسية منها أمثال حسنة في متاحف أوربة وعند بعض الخاصة فوصفوها ورسموا صورها وفندوا بذلك ما كتبه المقريزي في كتابه النقود القديمة الإسلامية حيث قال: "كانت نقود العرب في الجاهلية التي تدور بينها الذهب والفضة لا غير ترد لليها من الممالك دنانير الذهب قيصرية من قبل الروم ودراهم فضة على نوعين سوداء، وافية وطبرية عتقاً وكان وزن الدراهم والدنانير في الجاهلية مثل وزنها في الإسلام مرتين ويسمى المثقال من الفضة درهماً ومن الذهب ديناراً ولم يكن من ذلك يتعامل به أهل مكة في الجاهلية وكانوا يتعاملون بأوزان اصطلحوا عليها فيما بينهم". فإن علماء النقود العربية كالمسيو فكتور لنغلوا (V. Langlois) في كتابه عن نقود العرب قبل الإسلام (Numismatique des Arabes avant Iisla - misme) والمسيو هنري لافوا (H, Lavoix) في كتابه عن النقود الإسلامية المصونة اثبتوا استعمال عرب الجاهلية للنقود النحاسية واستغربوا قول المقريزي عن الدراهم السوداء والطبرية واستنتجوا من كلامه جهله بالنقود القديمة. وما لا ينكر أن العرب قبل الإسلام تداولوا في بلادهم ومع المم المجاورة لهم النقود النصرانية فراجت بينهم أي رواج على اختلافها ذهبية كانت أن فضية أو نحاسية وأغلب ما عرفه العرب من النقود مما كانوا يتعاملون به نقود قيصرية رومية ذات رسوم دينية، وقد اشتهرت بينهم نقود هرقل قال السعودي في مروج الذهب (2: 333) : "وهو الذي ضرب الدنانير والدراهم الهرقلية" وقال اليلاذري في فتح البلدان (ص496) : "وكانت دنانير هرقل ترد على أهل مكة في الجاهلية"، وروى في الأغاني (11: 52) لكثرة عزة قوله: يروقُ عيونَ الناظراتِ كأنَّهُ ... هرقليُّ وزنٍ احمرُ التبر راجحُ وروى الأنباري في شرح معلقة عنترة (ed, Rescher, 61) : دنانيرُ ممَّا شيف في أرضِ قيصرِ أراد الدنانير الجلية المعلقة الموسومة بالكتابة، وقد ذكر أحيحة بن الجلاح دنانير مدينة أيلة التي صاحبها الأمير النصراني يوحنا بن رؤبة قال يرثي ابنه (ياقوت: معجم البلدان 1: 422) : ألا أنَّ عيني بالبكاء تهلّلُ ... جزوعٌ صيورٌ كلَّ ذلك نفعلُ فما هبرزيٌ من دنانير أيلة ... بأيدي الوشاةِ ناصعٌ يتأكَّلُ بأحسنَ منهُ يومَ أصبح غادياً ... ونفسي فيهِ الحمامُ المعجّلُ (قال) "يتآكل أي يأكل بعضه بعضاً لحسنه، والوشاة الضرابون" وقد وصفوا كذلك الدراهم الرومية، قال عنترة يصف روضة ألبها المطر الجود فأنعشها: جادت عليهِ كلَّ بكر ثرَّةٍ ... فتركنَ كلَّ حديقةٍ كالدرهمِ ومثله الأسود بن يعفر (شعراء النصرانية ص482) : من خمرِ ذي نطفٍ أغنَّ ممنطقٍ ... وافى بها كدراهم الأسجادِ (قال) أراد بالأسجاد اليهود والنصارى، وكانوا يدعون النقود الخفيفة النحاسية نمياً وفلوساً، قال أوس بن حجر (ديوانه ed, Haffner) : وفارقتْ وهي لم تجربْ وباع لها ... من الفصافص بالنمّيّ سفيرُ وقال جرير يهجو الأخطل (الأغاني 7: 178) : والتغلبيَّةُ مهرها فلسانِ ومن الأدلة التي تشهد على رواج النقود الرومية بين عرب الجاهلية أن معظم الألفاظ الدالة عليها يونانية أو لاتينية الأصل كدينار (كلمة لاتينية) وردهم (كلمة لاتينية) وقيراط (كلمة لاتينية) ونمي (كلمة لاتينية) وفلس (كلمة لاتينية) وقنطار (Centenarium) ثم ظهر الإسلام والمسلمون لم يعهدوا ضرب النقود فتعاملوا بمسكوكات الروم التي كانوا يربحونها بمتاجرتهم مع بلاد الشام ومصر والعراق أو وجدوها في فتح البلدان لهم عمالاً من نصارى الوطنيين ولوهم على دواوينهم المالية لجباية الخراج والضرائب المختلفة، وكان من جملتهم في دمشق سرجيوس أو سرجون جد القديس يوحنا الدمشقي المعروف بابن المنصور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 ففي أيام الخلفاء الراشدين ولا سيما عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وفي أوائل الدولة الأموية ضربت نقود العرب على هيئتها النصرانية السابقة، ففي متاحف أوربا عشرات من النقود التي ضربت في دمشق وحمص وبعلبك وطبرية في أيام عمر في السنة 17 للهجرة وما بعدها وكلها عليها رسم هرقل ملك الروم مع صورته وسائر أشعرة النصرانية كأول حروف اسم السيد المسيح وكصليبه المقدس وصورة النسر، وعلى بعضها شعار قسطنطين الكبير: بهذه العلامة انتصر (كلمة سريانية) ثم سمة النقود M مع اسم المدينة باليونانية أو بالعربية هكذا: "ضرب، دمشق (حمص، طبرية، بعلبك، أيليا، أنطاكية) جايز"، ومعظم هذه النقود فلوس من نحاس وقد وجد على بعضها اسم عمر بالاختصار (عمر بن الخط) واسم خالد بن الوليد واسم يزيد بن أبي سفيان واسم أبي عبيدة. وترى البسملة "باسم الله" مرموقة على عدة نقود من ذلك العهد كلمة وقال ياقوت في معجم البلدان (4: 881) أن الحجاج بن يوسف أول من ضرب درهماً عليه شعار الإسلام "لا إله إلا الله ومحمد رسول الله"، وليس قوله بسديد لأنه تعرف نقود لعلي ابن أبي طالب ضربت في البصرة سنة 40 هـ? عليها هذا الشعار "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وعلى الوجه الآخر "محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق يظهره على الدين كله ولو كره المشركون". ومن هذا ترى غلط معظم مؤرخي العرب الذين زعموا أن أول من كتب على النقود الإسلامية بالعربية هو الخليفة عبد الملك بن مروان، قال الثعالبي في لطائف المعارف (ص13) : "أول من نقش على الدراهم والدنانير بالعربية عبد الملك بن مروان فإنه عني بذلك وكتب إلى الحجاج في إقامة رسمه". وقد أخبر المقريزي في كتاب النقود الإسلامية (ص5 طبعة الجوائب) أن معاوية ابن أبي سفيان كان قبل ذلك ضرب دنانير عليها تمثاله متقلداً سيفاً، ومثل هذه الدنانير لم يجدها بعد الأثريون لكنهم وجدوا فلوساً تمثل معاوية واقفاً وشعر رأسه مفروق على جبهته وفي يمناه السيف وفي ظهر الفلس اسم أيليا وفلسطين مع صليب على هذه الهيئة (يوجد رمز) فلما ملك الخليفة عبد الملك جرى أولاً على مثال أسلافه وأبقى الصليب مع صورته واسمه في الدنانير والفلوس إلى السنة العاشرة من ملكه ويوجد من هذه النقود بعض الأمثلة في المتاحف وهي مضروبة في حمص ودمشق وعمان وقنسرين ومنبج وسرمين وغيرها. وهانحن ننقل هنا صور ثلثة نقود عربية ترتقي إلى أوائل الإسلام وعليها صور ملوك الروم ورموزهم المسيحية. (يوجد صورة) . A دينار عربي على وجهه صورة هرقل ملك الروم وفي يمناه الصليب وفي سره كره يعلوها صليب صغير، مع اسم طبرية باليونانية، وعلى ظهر الدينار سمة النقود M مع اسم خالد (بن الوليد) باليونانية. (يوجد صورة) . B فلس عربي على وجهه صورة هرقل الموصوفة، وعلى ظهره مع سمة النقود هذه الألفاظ بالعربية: صدر، دمشق، جائز. (يوجد صورة) C فلس عربي على وجهه صورة الخليفة "عبد الملك أمير المؤمنين" وعلى ظهره صورة الصليب المرتكز على سارية مع اسم سيرين حيث ضرب، وهذا الفلس ممسوح أكثره وإنما وجدت منه نقود أخرى أجلى صورة مع كتابته العربية. ففي السنة العاشرة من خلافته عدل عن النقود السابقة وأتخذ نقوداً جديدة خالية من الرسوم النصرانية ولذلك عده كتبة العرب كأول خليفة نقش الدنانير قال الطبري في تاريخه (2: 939 940) : "أول نقش الدنانير والدراهم على عهد عبد الملك ابن مروان سنة 76 هـ?"، والصواب أنه ضرب أولاً النقود القديمة ونقش فيها صوراً أنكرها عليه بقايا من الصحابة كما يقر بذلك المقريزي في كتاب النقود الإسلامية (ص6) وفي السنة 76 هـ? (696 م) ضرب نقوداً إسلامية محضة وأزال منها الصور والرسوم النصرانية، لكنه بقي شيء منها لعله ضرب بدون علمه ففي متحف باريس دينار ضرب سنة 77 هـ! عليه صورة عبد الملك مع سارية نصرانية وفيه أيضاً نقود نحاسية ضربت في السمنة 80 عليها رسم صليب. أما سبب اتخاذه السكة الإسلامية فنفوره مما كانت الروم ترسمه على سكتهم من تعظم الصليب والإعلان بلاهوت المسيح، وهذا أيضاً ما دفعه إلى أن يحدث كتابات الطوامير والقراطيس التي كان في صدرها مثل هذه الأشعرة النصرانية، وقد أخبر بذلك البلاذري في فتح البلدان (ص240) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 "قالوا كانت القراطيس تدخل بلاد الروم من أرض مصر ويأتي العرب من قبل الروم الدنانير فكان عبد الملك بن مروان أول من أحدث الكتاب الذي يكتب في رؤوس الطوامير من "قل هو الله أحد" وغيرها من ذكر الله، فكتب إليه ملك الروم: أنكم أحدثتم في قراطيسكم كتاباً ننكره فإن تركتموه وإلا أتاكم في الدنانير من ذكر نبيكم ما تكرهونه، (قال) فكبر ذلك في صدر عبد الملك فكره أن يدع سنة حسنة سنها فأرسل إلى خالد بن يزيد ابن معاوية فقال له: "يا با هشام إحدى بنات طبقٍ" وأخبره الخبر فقال: أفرخ روعك يا أمير المؤمنين حرم دنانيرهم فلا يتعامل بها وأضرب للناس سككاً ولا تعف هؤلاء الكفرة مما كره في الطوامير"، فقال عبد الملك: "فرجتها عني فرج الله عنك" وضرب الدنانير. قال عوانة بن الحكم وكانت الأقباط تذكر المسيح في رؤوس الطوامير وتنسبه إلى الروبية تعالى علوا كبيراً وتجعل الصليب مكان بسم الله الرحمن الرحيم فلذلك كره ملك الروم ما مكره واشتد عليه تغيير عبد الملك ما غيره". وقد أتى هذا الخبر مفصلاً في كتاب المحاسن والمساوئ للبيهقي (502 ed, Schwally, p, 498) نقتطف منه ما يأتي: قال الكسائي: دخلت على الرشيد ذات يوم وهو إيوانه وبين يديه مال كثير قد شق عنه البدر شقاً وأمر بتفريقه في خدم الخاصة وبيده درهم تلوح كتابته وهو يتأمله وكان كثيراً ما يحدثني فقال: هل علمت من أول من سن هذه الكتابة في الذهب والفضة؟ قلت: ياسيدي هذا عبد الملك بن مروان: قال: فما كان السبب في ذلك؟ لقت: لا علم لي غير أنه أول من احدث هذه الكتابة، فقال: سأخبرك كانت القراطيس للروم وكان أكثر من بمصر نصرانياً على دين ملك الروم وكانت تطرز بالرومية وطرازها "آبا وابنا وروحاً قد بشا" (كلمة يونانية) فلم يزل كذلك صدر الإسلام كله يمضي على ما كان عليه إلى أن ملك عبد الملك فتبه عليه وكان فطيناً فينما هو ذات يوم ذا مر به قرطاس فنظر إلى طرازه فأمر أن يترجم بالعربية ففعل ذلك فأنكره.. فأمر بالكتاب إلى عبد العزيز بن مروان وكان عامله بإبطال ذلك الطراز.. وإن يأخذ صناع القراطيس بتطريزها بسورة التوحيد.. ثم أخبر استياء ملك الروم من هذه الكتابة وتهديده بنقش شتم نبي الإسلام وكيف استقدم عبد الملك من المدينة محمد بن علي بن الحسين ليستشيره في ذلك فدله على ضرب سكك الدراهم والدنانير كما روى البلاذري عن خالد بن يزيد بن معاوية فأبطلت مذ ذاك السكك الرومية والطراز الرومي. وقد ضرب أمراء المسلمين في أفريقيا والأندلس بعد فتحها نقوداً عليها أيضاً شارات النصرانية كالصليب واسم السيد المسيح بالاتينية مع أسماء الأمراء المسلمين وقد سبق لنا القول أن السلجوقيين في بلاد الروم والارتقيين في ما بين النهرين ضربوا أيضاً نقوداً عليها صور ملوك النصارى مع علامات النصرانية بينها صورة السيد المسيح والبتول مريم والدته الطاهرة (أطلب مجلة المشرق 18 [1920] : 799) . (التعليم) ومن الصنائع الشريفة التي دخلت بين العرب بفضل النصرانية صناعة التعليم، وكان شيوع المدارس أولاً بين الأمم المجاورة للعرب كالكلدان والسريان في العراق وما بين النهرين وكالروم في جهات الشام وفلسطين فلما تنصر العرب أخذ أحداثهم يترددون على المعلمين المنصوبين للتعليم في الجهات المجاورة لمساكن قبائلهم في مدارس كانوا يدعونها بالاسكولات وهي كلمة دخيلة استعارها السريان من اليونانية (كلمة يونانية) اشتهر منها مدارس الرها ونصيبين والمدائن والحيرة ودمشق، ومع أن التعليم في هذه المدارس كان في السريانية أو اليونانية لم يعدم العرب فيها وسائل لدرس لغتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 ومما يؤيد الأمر أخبار بعض شعراء العرب، فمن ذلك ما ورد في كتاب الأغاني (5: 191) عن المرقش الأكبر حيث قال: "وكان مرقش يكتب وكان أبوه دفعه وأخاه حرملة وكاتا أحب ولده إليه إلى نصراني من أهل الحيرة فعلمهما الخط" وروي عن عدي بن زيد (الأغاني 2: 20) أن أباه زيد طرحه في الكتاب مذ نشأ ثم أرسله مع شاهان مرد إلى كتاب للفارسية حيث "تعلم الكتابة والكلام بالفارسية حتى خرج من أفهم الناس بها وافصحهم بالعربية" إلى أن صار كاتباً للملك النعمان، وجاء أيضاً في أخبار طرفة والتملس (الأغاني 21: 193 195) أن التلمس لما أراد أن يطلع على ما كتبه في حقهما عمرو بن هند إلى المكعبر عامله في البحرين عدل إلى غلام عبادي من غلمان الحيرة فأعطاه الصحيفة ليقرأها له ففعل ووقف على مضمونها إذ أوصى بقتلهما فألقى المتلمس الصحيفة في النهر وفر سالماً بنفسه وقتل طرفة، فيتضح من ذلك أن العباديين وكانوا من نصارى العرب كانوا يواظبون على المدارس، وقد ذكر في محل آخر (أغاني 18: 78) فضل معلم نصراني على سواه في البصرة في عهد بني أمية وولاية الحجاج، وفي طبقات ابن سعد (3: 258) أن في عهد عمر بن الخطاب كان جفينة النصراني من أهل الحيرة يعلم الكتاب في المدينة وذلك بعد أن أمر عمر بخروج النصارى من جزيرة العرب، وفيه دليل على حاجة المسلمين في أوائل الإسلام إلى المعلمين، وفي قائمة المعلمين التي سردها قدماء الكتبة كالجاحظ في البيان والتبيين (1: 101) وابن قتيبة في كتاب المعارف (ص185) وابن رسته في الإعلاق النفسية (ص216) أسماء ذميين وموال من نصارى ويهود كانوا يتعاطون مهنة التعليم هذا فضلاً عمن كانوا يختلفون إلى الرهبان والكهنة النصارى في صوامعهم وأديرتهم ليتعلموا القراءة والكتابة، كما ذكر عن أبي نصر البراق بن روحان (شعراء النصرانية ص141) أنه كان يتردد إلى راهب فيتعلم منه تلاوة الإنجيل، وكما قال في الأغاني (3: 14) عن ورقة بن نوفل أنه "كان يكتب بالعبرانية (يريد السريانية) من الإنجيل ما شاء أن يكتب" ولعل الراهب الذي أشار القريشيون إليه بقولهم عن محمد (سورة النحل) "إنما يعلمه بشرٌ" كان أحد معلمي النصارى في مكة، كما تعلم أهلها الكتابة من بشر بن عبد الملك النصراني أخي أكيدر الكندي صاحب دومة الجندل (السيوطي في المزهر 1: 39) وكانوا يسمون هذه الكتابة بالجزم أي الفصل سواء فصلوها عن خط حمير المعروف بالمسند كما ارتأى أبو حاتم (التاج 8: 228) أو بالحري لفصها عن الحروف الكلدانية وهي أقرب إليها، وفي فضل بشر على قريش قال أحد شعراء كندة منشداً: لا تجحدوا نعماءَ بشرٍ عليكمُ ... فقد كان ميمونَ النقيبةِ أزهرا أتاكمْ بخطّ الجزمِ حتَّى حفظتمُ ... من المال ما قد كان شتَّى مبعثراً وأبقيتمُ ما كان بالمالِ مهملا ... وطأمنتمُ ما كان منهُ مبقَّرا فأجريتمُ الأقلام عوداً وبدأةً ... وضاهيتم كتَّاب كسرى وقيصرا وأغنيتمُ عن مسندِ الحيّ حمبيرا ... وما زبرت في الصحف أقلام حميرا ومما نسبوه إلى قس بن ساعدة أسقف نجران في كتاباته أنه أول من كتب في رسائله "من فلان إلى فلان بن فلان" ونسبوا إليه فصل الخطاب قال بعد حمد الله والدعاء "أما بعد" افتتاحاً للخطاب، ومثلها قولهم "باسمك اللهم" زعموا أن أول من كتبها الشاعر النصراني أمسية بن أبي الصلت الثقفي. فكل هذه الشواهد تدل على شيوع صناعة التعليم بين نصارى العرب واجتهادهم في تعميقها، وقد سبق لنا بين القبائل المنتصرة (ص124) ذكر قبيلة أياد وقد روينا أنهم اشتهروا بمعرفة الكتابة فقال فيهم أمية شاعرهم (سيرة بن هشام ص32) : قومي أيادٌ أنهم أممُ ... أو لو أقاموا فتهزلُ النَّعمُ قومٌ لهم ساحةُ العراقِ إذا ... ساروا جميعاً والقطُّ والقلمُ ومثلهم الحميريون ولا سيما نصارى نجران وإنما كانوا يكتبون الخط المعروف بالمسند، قال ابن خلدون في مقدمته: "ومن حمير تعلمت مضر الكتابة العربية". وإلى حذاقة حمير في الكتابة يشير أبو ذؤيب بقوله (لسان العرب 18: 306) : عرفتُ الديار كخطّ الدويّ ... م حبرهُ الكاتبُ الحميري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وممن سعى في نشر التعليم من أساقفة النصارى في عهد بني أمية فثيون أحد جثالقة الكلدان قال عنه ابن ماري في تاريخ بطاركة كرسي المشرق من كتابه المجدل (ص66) انه "صب في كرسيه أسكولا فتشبه به الأساقفة في عمارة البيع والاسكولات". أما المسلمون فإنهم لم ينشئوا المدارس إلا بعد هذا العهد بزمن طويل قال المقريزي في الخطط (2: 363) : "المدارس مما حدث في الإسلام ولم تكن تعرف في زمن الصحابة ولا التابعين وإنما حدث عملها بعد الأربعمائة من سني الهجرة (كذا) وأول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور فبنيت بها المدرسة البيهقية.. وأول مدرسة أحدثت في ديار المدرسة الناصرية نسبة غلى السلطان الناصر صلاح الدين سيف". الفصل الثاني عشر العادات النصرانية بين عرب الجاهلية وفي أول الإسلام قد شاعت في جزيرة العرب في عهد الجاهلية وأوائل الإسلام عادات لا يمكن تعليلها إلا بنفوذ النصرانية واندماجها في القبائل العربية، فمن هذه العادات ما هو ديني بحت، ومنها ما هو شرعي وبعضها مدني واجتماعي، فها نحن نتتبع هذه الأقسام الثلثة بالتوالي. 1 العادات الدينية (الصلاة) هي في مقدمة الواجبات الدينية بها يرتفع الإنسان عن حضيض عالمه هذا الهيولي إلى ربه وخالقه ليسجد له ويشكره ويستغفره من ذنوبه ويلتمس نعمه، على أن أهل البداية كانوا في كل أطوار تاريخهم قلما يكترثون لهذه الفريضة كأن لسان حالهم يقول مع أحدهم: لا لصلّي (نصلّي) ولا لصوم (نصوم) ... ولا لذكر (نذكر) رَّبنا حماَّ (لمَّا) لقوم (تقوم) فلما دخلت النصرانية بينهم ألفت القبائل المنتصرة الصلاة والدعاء إلى الله كما يلوح من عدد الكنائس التي كان النصارى أقاموها في جهات العرب وكما بينا في القسم الأول من كتابنا بشواهد مختلفة رويناها عن كل ناحية من جزيرة العرب. ولما ظهر الإسلام فرض صاحبه على تبعته خمس صلوات في النهار فاستعار ذلك مما وجده شائعاً بين الرهبان الذين كانوا يقيمون صلواتهم السبع في خمس قومات من النهار والليل، جاء في نقائض جرير والفرزدق (ص525) عن صلوات النصارى: "وكانت أخص صلواتهم خمساً قال الفرزدق يذكر عجوزاً من بني جعفر عاذت بابيه غالب: عجوزٌ تصلّي الخمس عاذت بغالبٍ ... فلا والذي عاذت بهِ لا أضيرها" وأخص صلوات المسلمين في طرفي النهار حين يصحبون وحين يمسون (سورة هود ع116 وسورة الروم ع17) وهكذا كان رهبان جزيرة العرب يبكرون إلى الصلاة ويواظبون عليها في ليلهم، قال مجنون ليلى: كأنَّهُ راهبٌ في رأس صومعةٍ ... يتلو الزَّبور ونجم الصبحِ ما طلعا وقال الآخر (اللسان 14: 89) : عن راهبٍ متبتّلٍ ... صادي النهارَ ليلهِ متهجّدِ ومن سنن الإسلام (الوضوء) والاغتسال قبل الصلاة، وهي عادة كان سبق إليها نصارى الشرق فتجدها في قوانينهم القديمة، ففي كتاب الأيثيقون أي الآداب لأبي الفرج ابن العبري باب وهو الثالث من مقالته الثالثة قسمه إلى عشرة فصول بحث فيها عن طهارة الجسد وأحكامها وشروطها كما كانت شائعة في كنائس ملته اليعقوبية. وذكر الأحواض التي كانت في ساحات الكنائس لإتمام فريضة الوضوء، وقد وصف حضرة الخوري إبراهيم حرفوش في المشرق (6 [1903] : 116 123) أحد مخطوطات دير مار شليطا القديمة وفيه قوانين جارية في الإعصار السالفة في 51 باباً ورد في إحدى صفحاته (ص108) شروط الصلاة وحدودها على هذه الصورة. "فاما حدودها (أي الصلاة) وشروطها فإنها تحتاج في أول شيء إلى الطهارة وهو الاغتسال بالماء في إثر الحدث، فإن لم يجد الماء فليتجمر بثلاثة حجار وما زاد عليها ينفي إثر النجوى ثم غسل اليدين وغسل الوجه برسم الصليب المحيي ويستحب أيضاً غسل الرجلين في كل غداة، فاما من لم يحدث فلا يحتاج إلى الاستنجاء بل يستحب منه غسل اليدين والوجه وغاية الغسل أن يعم الماء العضو الذي يغسله وعوماً كاملاً الخ، (ثم يليه فصل في الاغتسال من الجناية غسلاً عاماً.. مع الاعتراف إلى الكاهن وقبول صلاة الاستغفار) ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ومن شروط الصلاة في الإسلام الاتجاه إلى (القبلة) وهي أيضاً عادة مستعارة من قدماء النصارى الذين كانوا يتجهون في صلاتهم إلى الشرق إذ يتخذون الشمس الشارقة رمزاً عن السيد المسيح المعروف بشمس العدل والموصوف بالشرق، قال صرمة ابن انس قبل الإسلام (كتاب البدء 1: 76) يصف صلاة النصارى إلى مطلع الشمس: وله شمَّس النصارى وقاموا ... كلَّ عيدٍ لهم وكلَّ احتفالٍ فاتخذ محمد على مثالهم قبلة للصلاة كانت أولاً أورشليم ثم حولها إلى الكعبة في مكة. وفي الصلاة الإسلامية (القيام والسجود والركوع ورفع الأيدي) وكل ذلك سبق إليه النصارى ووصفه شعراء العرب، وقد وصف البعيث رهبان النصارى عند وقوفهم في الصلاة (أطلب الصفحة 177 من الجزء السابق) : رجالٌ يتلُّون الصلاةَ قيامُ وقال المضرّس الأسدي في سجودهم: وسخال ساجيةِ العيونِ خوادلٍ ... بجماد لينةَ كالنصارى السُّجَّدِ وقال النابغة الذيباني في الراهب الراكع (تاج العروس 5: 363) : سيبلغُ عذراً أو نجاحاً من امرئٍ ... إلى رّبهِ ربّ البرَّيةِ راكعِ وقال أخرفي رفع أكفهم في الصلاة: فذا فضلُ أيدي المستغيث المسيّحِ وإذا تلا المسلمون القرآن لحنوا فيه (بالتجويد) ولعلهم أخذوه عن تلحين الرهبان بالزبور والتسابيح قال ابن قتيبة في المعارف (ص180) : كان أول من قرأ بالألحان عبيد الله بن أبي بكرة وكانت قراءته حزناً ليست على شيء من ألحان الغناء ولا الحداء فورث ذلك عنه ابن أبنه عبد الله بن عمر عبيد الله فهو الذي يقال له قراءة ابن عمر وأخذ ذلك عنه الأباضي واخذ سعيد العلاف وأخوه عن الأباضي قراءة ابن عمر وكان هرون الرشيد معجباً بقراءة سعيد العلاف.. وكان القراء كلهم الهيثم وابن أعين وغيرهم يدخلون في القراءة من ألحان الغناء والحداء والرهبانية فمنهم من كان يدس الشيء من ذلك دساً رفيقاً ومنهم من كان يجهر بذلك". فلا مراء أن القراءة المحزنة والحان الرهبانية تدل هنا صريحاً إلى نفوذ الغناء الرهباني في التجويد. ويجوز أن نضيف إلى هذا الباب (السبحة) التي يدعوها النصارى المسبحة يتلون عليها صلوات معلومة اختلفت مع الأزمنة وقد وجد منها في مقابر سياح الأقباط في الصعيد وهي قديمة في الإسلام لورود ذكرها في كتاب العين للخليل قال: "السبحة خرزات يسبح بعددها" وجاء في مجلة المنار المصرية لمنشئها محمد رشيد رضا (15: 823) فصل في السبحة واصلها في الإسلام قال: "كنا نرى هذه السبح في أيدي القسين من النصارى والرهبان والراهبات ونسمع أنها مأخوذة عن البراهمة.. والظاهر أن المسلمين أخذوها أولاً عن النصارى فكانوا في مهد الإسلام عند ظهوره في جزيرة العرب وفي البلاد المجاورة لها كالشام ومصر فلا بد أن يكونوا قد أخذوا السبحة عنهم فيما أخذوه من اللباس والعادات، والأمر في السبحة ينبغي أن يكون أشد من أخذ غيرها عنهم لأنها تدخل في العبادة وتعد شعاراً.. فالسبحة من البدع الداخلة في العيادة (كذا) ". (الصوم) أحد أركان الإسلام لم يعرفه المشركون من العرب في الجاهلية وإنما كان المنتصرون منهم يقومون به على مقتضى نواميسهم ولعلهم كانوا يصومونه في رجب وهو وقتئذ من أشهرهم الثابتة يوافق شهرنا نيسان قال المقريزي في الخطط (1: 282) : "رجب شهر حرام ويقولون له الأصم لأنهم يكفون فيه عن القتال فلا يسمع فيه صوت سلاح.. ورجب الصم هو شهر مضر وكانت العرب تصومه في الجاهلية وكانت تمتاز به وتميز أهلها وكان يأمن بعضهم بعضاً فيه ويخرجون إلى الأسفار ولا يخافون". قال أمية ابن أبي الصلت يذكر جزاء الصائمين في دار النعيم: إذا بلغوا التي اجروا إليها ... تقلبهم وحلّل من يصومُ وكان أخص أصوامهم صوم الفصح قال نمر بن تولب: صدَّت كما صدَّ عماً لا يحلُّ لهُ=ساقي نصارى قبيل الفصح صوَّامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 ومن صوم النصارى اقتبس محمد صوم رمضان ثلثين يوماً وكان صوم الفصح لا يزيد على ذلك في بعض الكنائس، ومنهم أيضاً اخذ عادة الإفطار بعد غروب الشمس ألا أن النصارى لم يأكلوا حينئذ إلا مرة واحدة على خلاف المسلمين الذين حلل لهم الآكل طول الليل، وكذلك كان النصارى لا يأكلون إلا الأعشاب والبقول والإثمار دون اللحم والبياض وكلاهما مسموح به للمسلمين، قال العلامة توماس بتريك هيوس (u. Patrik Hughes) في معجم الإسلام (ص534) Ry of Islam Dictiona)) : "أن الأرجح عندنا أن محمداً أخذ عن النصارى ناموس الصوم ثلاثين يوماً، وكان صوم النصارى في الشرق غاية في الشدة يمتد إلى النهار والليل معاً فخفف محمد هذه السنة وحصرها في النهار دون الليل تلطيفاً لشدته كما قال (سورة البقرة ع171) : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) . أما الخيط الأبيض والخيط الأسود اللذان ذكرهما هناك (ع183) فإن أمية بن أبي الصلت كان سبق إلى الإشارة إليهما بقوله (تاج العروس 5: 137) : الخيطُ الأبيضُ ضوءُ الصبح منفلقٌ ... والخيطُ الأسودُ لونُ الليلِ كركومُ (الزكاة) هي أيضاً من أركان الإسلام المفروضة على ذويه بقوله (سورة البقرة 2: 77) : (وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ) أي الصدقة وما يرصد من الموال لوجه الله وإعانة الفقراء، وعندنا أن صاحب الشريعة الإسلامية تقلد فيه أهل الكتاب أي اليهود والنصارى فغن موسى في كتاب التثنية الاشتراع وسفر اللاويين يفرض على بني إسرائيل تشعير مالهم لخدمة الكهنة والهيكل.. أما النصارى فمن وصايا كنيستهم الراقية إلى قرون النصرانية الأولى الوصاة بوفاء العشر. ولما دخل النصارى في طاعة المسلمين من العرب وضعت عليهم العشور والمكوس، قال المقريزي في الخطط (2: 122) : "قال زياد بن جرير: أول من بعث عمر بن الخطاب رض منا على العشور أنا فأمرني أن لا أفتش أحداً وما مر علي من شيء أخذت من حساب أربعين درهماً من المسلمين وأخذت من أهل الذمة من عشرين واحداً وممن لا ذمة له العشر، وأمرني أن أغلظ على نصارى بني تغلب.. فلعلهم يسلمون". (الحج) هو أيضاً من أركان الإسلام ومعلوم أن الحج إلى مكة سبق الإسلام وكان نصارى العرب يحجون في الجاهلية لمزارات مختلفة ولا سيما القدس الشريف فإن القديس ايرونينموس في أواخر القرن الرابع أوائل الخامس ذكر في رسائله (Migne, P. L, XXII, 489, 870) بين زوار الأراضي المقدسة الذين كان يشاهدهم في بيت عرب اليمن وهو يدعوهم على موجب اصطلاح ذلك العهد بأهل الهند، وقد وصف أمرؤ القيس تزاحم الأولاد على الراهب المقدس أي العائد من زيارة القدس الشريف بقوله (اللسان 8: 50) : كما شبرق الوالدانُ ثوبَ المقدّسِ وفي ذلك القرن الخامس كان عرب حمير والعراق يحجون زرافات إلى مقام القديس سمعان العمودي كما روى في تاريخه تاوروريطس الذي عاينهم هناك (P, G, LXXIV, 104 Migne) . ومن مزارات العرب التي كانوا يحجون إليها مشهد القديسين سرجيوس وباخوس في الرصافة وقد مر لنا ذكر الكتابة العربية السابقة للإسلام التي وردت هناك وكانوا يحجون في جزيرة العرب إلى كنيسة القليس التي شيدها أبرهة في صنعاء بعد فتح اليمن (راجع الجزء السابق ص74 و334) ومثلها كنيسة ظفار. ومن المحاج التي كان يقصدها أيضاً النصارى العرب في الجاهلية طور سيناء ومعابده الشهيرة المقامة في مشارف ذاك الجبل حيث يروي التقليد مناجاة الله عز وجل لموسى النبي وأوحى إليه بشريعته. بل كان نصارى العرب واليهود في الجاهلية يحجون إلى مكة كما روى ذلك ياقوت في معجم البلدان لأنهم كانوا يرون في الكعبة تذكاراً لما ورد في سفر التكوين (ف21) عن هاجر واسمعيل بن إبراهيم الخليل متفقين في ذلك مع تقليد عرب الحجاز، وقد ذكر في الأغاني (21: 164) خروج هدبة بن خشررم إلى الحج وكان نصرانياً كما ذكر التبريزي في شرح الحماسة (ص235) . وقد مر لنا (ص64 و174) أن النصارى كانوا يدعون بيعهم بالكعبات مثل كعبة نجران الوارد ذكرها في شعر الأعشى وكعبة اليمن، وقال عبدة بن الطيب (المفضليات 291) : في كعبةٍ شادها بانٍ وزينها ... فيها ذبالٌ مضيءُ الليل مفتولُ وكان لكعبة مكة منذ عهد الجاهلية حرم أي حدود تحدق بها لا يجوز انتهاكها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ووضع محمد حرماً لمسجد النبي في المدينة، وإنما الحرم شاع قبلاً عند اليهود حول هيكل أورشليم واتخذه النصارى لبعض كنائسهم الكبرى لامتيازها وهو الحمى كان الداخلون فيه أمان، وقد ورد في المشرق (13 [1910] : 71) اكتشاف المسيونويل جيرون نصب أي عمود ضخم من الحجر المانع في دمشق كان دالاً على حمى كنيسة دمشق قبل الفتح الإسلامي كما تبينه كتابة يونانية أثبتناها هناك. وكان للنصارى قرب بعض الكنائس بروج للأطيار لا يجوز صيدها كحمام مكة التي يضرب المثل في أمانها فيقال آلف من حمام مكة. وكان العرب يطوفون حول الكعبة، وكانت تلك عادة جارية بين النصارى العرب أن يطوفوا حول الكنائس قال الشاعر الجاهلي يذكر طواف النصارى حول الصليب فدعاه زوراً بالوثن (لسان العرب 17: 334) : يطوفُ العفاةُ بأبوابهِ ... كطوف النصارى ببيت الوثنْ ومما رواه في الأغاني (7: 148) لعنترة وقيل بل لعبد قيس بن حفاف البرجمي قوله: تمشي النَّعامُ به خلاءً حولهُ ... مشيَ النصارى حول بيت الهيكلِ وقال الحارث بن خالد يصف بشرة أمة عائشة بنت طلحة (أغاني 15: 133) : وبشرةُ خودٌ مثل تمثالِ بيعةٍ ... تظلُّ النصارى حوله عيدها (استلام الحجر الأسود) ومن المعلوم أن المسلمين إذا حجوا إلى الكعبة وطافوا حولها استلموا الحجر الأسود الذي فيها ولعلهم يفعلون ذلك احتذاء بنبيهم. قال البخاري في الصحيح (2: 147) : "جاء عمر غلى الحجر الأسود فقبله فقال: أني اعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك". قلنا ولا يبعد أن العرب أخذوا ذلك عن النصارى الذي يقبلون حجارة كنائسهم تعبدوا أو كحجاجهم إلى القدس الشريف حيث يقبلون قبر السيد المسيح أو الحجر الذي صعد من فوقه إلى السماء في جبل الزيتون وعليه رسم أثر قدمه المبارك. وقد سبق لنا ذكر حمام مكة ومأمنها من الصيد، ودونك ما روي عن حمام الكنائس روى الطبري في تاريخه (2: 861) لرجل من بكر بن وائل ونسبه في الأغاني (2: 72) لعبد الرحمان بن الحكم: أتتك العيسُ تنفخُ في براها ... تكشَّفُ عن مناكبها القطوعُ كأنَّ مواقعَ الأكرار منها ... حمامُ كنائسٍ بقعٌ وقوعُ (النذور) يروى عن عرب الجاهلية انهم كانوا ينذرون مواليدهم للكعبة. ذكر أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة (ص128 129) عن امرأة خزم بن العاص الجرهمية أنها كانت عاقراً فنذرت إن ولدت غلاماً أن تتصدق به على الكعية عبداً لها يخدمها ويقوم عليها فولدت من أخزم الغوث فتصدقت به عليها فكان يخدمها مع أخواله من جرهم (قلنا) أن هذه العادة اعني نذر المولود إلى الله كان سبق العرب إليها أصحاب الكتاب من يهود ونصارى، وكل يعرف كيف نذرت حنة العاقر أن ولدت غلاماً تجعله في خدمة الله فولدت صموئيل فوقت بنذرها، وقد ورد في القرآن سورة آل عمران نذر امرأة عمران (يعني القديسة حنة) بأبتها مريم العذراء فخدمته تعالى بالمحراب تحت كفالة زكريا الكاهن. (المساجد وبناؤها على شكل الكنائس) لا مراء في أن المسلمين أول ما شيدوا المساجد لصلاتهم بنوها على صورة الكنائس فضلاً عما حولوه منها إلى جوامع عند فتحهم البلاد النصرانية كالجامع الأموي في دمشق، والجامع الأقصى في القدس الشريف وجوامع حمص وحماة وحلب فكل من يدخل هذه الجوامع من المهندسين يحتم لأول وهلة أنها من هندسة النصارى الأقدمين كما أثبتنا ذلك في فصل الفنون الجميلة (ص343 350) فلما حاول المسلمون تشييد مساجد جديدة تقلدوا فيها الكنائس النصرانية وكان بناتها في الغالب نصارى من الروم والقبط وأهل الشام لا يعرفون إلا هندستهم الدينية. وقد قابل المرحوم فان بركم (M, van Berchem) بين كل أقسام الجوامع كصحنها ورواقها وأركانها وعواميدها وسقفها وقبلتها ومحرابها ومنبرها ومقصورتها ومنارتها وبين الكنائس النصرانية وأقسامها المختلفة عند ظهور الإسلام وختم بقوله "إن وضع الجوامع يشبه شبهاً تاماً واضحاً بناء الكنائس القديمة" يريد الكنائس المعروفة بالكنائس الملكية (Basiliques) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وما نقوله هنا إجمالاً عن هندسة الجوامع نستطيع أن نثبته أيضاً لكل قسم منها مفرداً كالمآذن والمنارات التي تقلدوا فيها الصوامع النصرانية وكالمنبر الذي مر لنا ذكره في باب النجارة وهلم جرا. (الخطابة في المساجد) ومما استحدثه الإسلام الخطب الدينية في المجامع. يروى لصاحب الشريعة الإسلامية بعض الخطب التي ألقاها في قومه يذكرهم ويحضهم على الأعمال الصالحة وغنما تقلد في ذلك ما وجده من العادات الجارية بين النصارى المجاورين له الذين كان أربابهم وكهنتهم يرشدون في الكنائس رعاياهم، وقد مر لنا فصل في الخطابة بين نصارى العرب في الجاهلية مع ذكر إمامهم المضروب فيه المثل قس بن ساعدة. وكان منبر الخطابة بين النصارى رمزاً عن الرئاسة والسلطة الدينية، وكذلك اعتبره محمد والمسلمون بعده، فكان الخلفاء يرقونه أيام أيعاد والصلوات العمومية فيلقون منه الخطب كما كان يفعل أساقفة النصارى في كنائسهم، وقد سبق لنا (ص375) ذكر العرش الذي أضافوه إلى المنبر وكان يجلس عليه محمد كما روى أبن الأثير في أسد الغابة وابن سعد في طبقاته، وكان ذلك على مثال العرش الذي يجلس عليه رؤساء الدين النصراني في كنائسهم. وكذلك اعتاد الأساقفة إذا خطبوا أو صلوا صلاة عمومية أن يمسكوا بيدهم العصاة الرعوية المعروفة بالعكاز، وقد مر في خبر قس بن ساعدة أنه كان إذا خطب يتكى على عصا (وقيل على سيف) ومما رواه البخاري في صحيحه في كتاب الصلاة (1: 135) 4أن النبي أمر بحرية فتوضع بين يديه فيصلي إليها". وللجوامع مآذن أو منارات يؤذنون منها بالصلاة، وهي أيضاً مما تقلد فيه المسلمون النصارى، فإن المسلمين كانوا يؤذنون أولاً بالصلاة على باب مساجدهم ثم علوا سطوحها للأذان أو أذنوا فوق أسوار المدن كما ورد في شعر الفرزدق قال (تاج العروس 9: 120) : وحتَّى علا في سور كل مدينةٍ ... منادٍ ينادي فوقها بأذانِ ثم تقلدوا أخيراً صوامع الرهبان وهي قلالي محددة الطرف أو أبراج كان يسكنها الراهب لعبادته ويقرع منها الناقوس، فصارت المأذنة مرادفة الصومعة، ورد ذلك في كتب الأدباء كابي الفرج الأصبهاني في الأغاني (20: 85) إذ ذكر مآذنة المدينة فدهاعا أيضاً هناك بالصومعة وروى عن بعض الموسومين أنهم "كانوا يصفون المشايخ في الصوامع إذا أذنوا" وفي خطط المقريزي (2: 248) أن معاوية أمر مسلمة بن مخلد ببناء الصوامع للأذان في جامع فسطاط العتيق المعروف بجامع همرو قال "وجعل مسلمة للمسجد الجامع أربع صوامع في أركانه الربع.. وأمر أن لا يضرب بناقوس عند الآذان يعني الفجر"، وكذلك ورد في تاريخ الشيخ أبي صلح الأرمني (ص54 ed, Evetts) : "وكان فتوح مصر في المحرم سنة 20 للهجرة ومن الصوامع ما هو باق إلى الآن جعلهم المسلمين مواذن (كذا) ". (المجامر في المساجد والجنازات) معلوم أن النصارى في مناسكهم الدينية في الكنائس وفي جنازات موتاهم يضرمون المجامر ويحرقوزن البخور ويوقدون الشمع والمشاعل، قال الحسين بن الضحاك يصف كنيسة (البكري 369) : بهجَّت أساقفها في بيت مذبحها ... أذكى مجامرها بالعودِ والنارِ وقد روى الترمذي في صحيحه (1: 116) عن محمد أنه كان يجمر المسجد قبل وفود الجماعة وذكر ابن الأثير في النهاية (1: 175) نعيماً المجمر الصحابي قال "وهو الذي كان يلي إجمار مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "، وهكذا فعل الخلفاء الراشدون بعده ثم معاوية وبعض خلفاء بني أمية". ومما ورد في كتاب تحقيق النصرة لأبي بكر المراغي أن عمر بن الخطاب عند رجوعه من غزوة الشام أتى "بمجرة من الفضة فيها تماثيل وكان يجتمر بها المسجد ثم توضع بين يدي عمر بن الخطاب" ومما ورد في تجير المسلمين للموتى ما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة في معرفة الصحابة (5: 545) وابن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة (8: 187) عن مرضية الصحابية قالت: "أراكم تنكرون شيئاً رأيته يصنع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيت الميت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتبع بالمجمر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وكذلك روى ابن سعد في طبقاته (8: 53 54) عن عائشة زوج نبي الإسلام انه حملت في دفنها المشاعل من الجريد الملفوف بالخرق والمغموس بالزيت، ثم أفتوا بتحريم التجمير وفي صحيح ابن ماجة "أنه لا يجوز ابتاع الجنائز بالمجامر وما يشابهما لأن ذلك من فعل الجاهلية"، يعني النصرانية. (إكرام القبور) يروى في الحديث (جامع السيوطي ص357) : "قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" كأن صاحب الشريعة الإسلامية حرم بذلك إكرام الموتى وزيارة قبورهم، ألا أن المسلمين لم يعيروا بالا الحديث المذكور كما يثبت ذلك مألوف عاداتهم في إكرام قبر نبيهم في المدينة وقبور الخلفاء الراشدين هنالك مع ما يزين تلك القبور من الحلي، ويوقد فوقها من السرج ويقدمون إليها من الهدايا، ومن ذلك يتضح أن العادة النصرانية غلبت عليهم إلا بعض المتطرفين منهم كالوهابيين الذين ينكرون كل إكرام للأولياء، ومما يستند إليه أهل السنة في إكرام الأولياء ما رواه ابن سعد في كتاب الطبقات الكبير (ج2 ق2 ص9 10) "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على أهل البقيع أي قتلى أحد بعد ثماني سنين"، وقد أخبر الواقدي عن فاطمة الزهراء ابنته أنها كانت تخرج إلى أحد لزيارة قبر حمزة عم محمد. (الاستشهاد) وأخص من يكرمهم النصارى شهداء دينهم الذين بموجب وصاة السيد المسيح فضلوا الموت في سبيل إيمانهم على الحياة والغنى والشهوات، وليس للنصارى شهداء غيرهم، فرأى صاحب الشريعة الإسلامية ما في هذه الميتة الشريفة من المجد فعظم الاستشهاد ورغب فيه بالمواعيد الجليلة في الآخرة، لكن بين هذا الاستشهاد النصراني بوناً عظيماً، فبينما النصارى لا يعدون شهيداً إلا من مات لأجل الدين المستقيم ترى المسلمين يكرمون كشهداء، كل من مات في الحرب والجهاد بل يعتبرون كشهداء غيرهم أيضاً، جاء في الحديث (جامع السيوطي ص293) : "الغريق شهيد والحريق شهيد والغريب شهيد والملدوغ شهيد"، وروى حديثاً آخر (ص272) : "الطاعون والغرق والبطن والحرق والنفساء شهادة لأمتي" وفي صحيح البخاري (3: 193) : "الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله". 2 العادات الشرعية والاجتماعية (أصول الشرع الإسلامي) لما ظهر الإسلام كان معظم العرب لا يعرفون من الشرع إلا ما يفي بأمورهم ويكفي لمعاملاتهم في حياتهم الساذجة، فلما فتحوا البلاد الراقية في التمدن كالشام ومصر والعراق والعجم احتاجوا إلى شرائع أوسع وأدق وكان نصارى تلك البلاد يتبعون الشرائع الرومانية التي نقحها ونظمها يوستنيان الملك فعليها جرى العرب أولاً بمساعدة عمال من نصارى الروم السريان والأقباط وإنما ثبتوا على بعض نواميسهم الأصلية في عيشتهم الفطرية مع ما استخلصه الفقهاء من القرآن أو الحديث، وبقوا على ذلك إلى أواسط القرن الثاني للهجرة إذ ظهر كبار الأئمة كالشافعي وأبي حنيفة ومالك وابن حنبل فوضعوا الفقه الإسلامي أصولاً ثابتة يقابلون بينه وبين الشرع الروماني ويلحظون أشياء كثيرة مصدرها الحقوق الرومانية. (الدواوين) لا قيام لدولة كبيرة إلا بإنشاء دواوين مختلفة يعهد إلى كل منها تدبير بعض أمورها كبيت المال وتدبير الجند وديوان الإنشاء وديوان التوقيع وديوان العمال وديوان الجباية وديوان الخاتم، ولم يكن للعرب الفاتحين دربة في كل ذلك ومن ثم أقروا الدواوين على ما كانت عليه قبل فتحهم في أيدي عمال من نصارى البلاد، وجاء في كتاب لطائف المعارف للثعالبي (ص10) "أن أول من دون الدواوين عمر بن الخطاب عملاً بما قال له رجلٌ: رأيت الأعاجم يدونون ديواناً لهم فدون لنا. أنت ديواناً فأمر بوضع الديوان" على أن هذه الدواوين تولاها أولاً النصارى لعلمهم بتدبيرها لنا على ذلك مثال جليل في اسرة ابن منصور الدمشقية التي اشتهر منها سرجه أو سرجون بن منصور من ندماء يزيد بن معاوية (الأغاني 16: 7) وكاتب معاوية بن يزيد وعبد الملك بن مروان على ديوان الخراج والجند (الطبري 2: 837 ابن عبد ربه 2: 322) وابنه يوحنا هو ملفان الكنيسة اليونانية العظيم المعروف بالقديس يوحنا الدمشقي، وكان هؤلاء العمال يكتبون في الرومية أو القبطية أو الفارسية إلى أن تمكن العرب من نظارة تلك الدواوين فنقلوها إلى العربية وذلك في عهد عبد الملك بن مروان ثم الوليد بن عبد الملك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 (التاريخ) كان الأمم المجاورة للعرب تواريخ للعوام والشهور يعرفون بها أزمنة الوقائع والحوادث المهمة فكان اليونان يؤرخون بسني الخليفة وبتاريخ الاسكندر ذي القرنين وبمولد السيد المسيح، وكان الفرس يؤرخون بيزدجرد بن شهريار أو أحد ملوكهم، وأرخ العرب قبل الإسلام بعام الفيل أو ببعض أيامهم المشتهرة كيوم جبلة ويم الكلاب ويم ذي قار أم المسلمون فقيل أن عمر أول من أرخ منهم في السنة 19 أو 20 هجرية تعلموا ذلك من جيرتهم، جاء في كتاب الشماريخ في علم التاريخ للسيوطي (ص9 edm Seybid) "أن رجلاً من المسلمين قدم من أرض اليمن فقال لعمر: رأيت باليمن شيئاً يسمونه التاريخ يكتبون من عام كذا وشهر كذا، فقال عمر: أن هذا لحسن فأرخوا" ثم اختلفوا في بدء التاريخ إلى أن اصطلحوا على سنة هجرية محمد من مكة إلى المدينة وجعلوا أول العام شهر المحرم شهر حرام ومنصرف الناس من الحج، قالوا أنه يوافق يوم الخميس الثامن من شهر أيار لأنه سنة 933 للإسكندر. (الحلف) قد اعتاد العرب على القسم بالله وبما يقرب إليه كالملائكة والأولياء. قال عبيد بن الأبرص (ديوانه edm Lyall ص67) : حلفتُ بالله أن الله ذو نعمٍ ... لمن يشاء وذو عفوٍ وتصفاحِ وقال الآخر (أمالي القالي 3: 29) أماَّ والذي لا يعلمُ الغيبَ غيرهُ ... ومن هو يحيي العظم وهو رميمُ لقد كنتُ أطوي البطنَ والزادُ يشتهى ... محافظةً من أن يقالَ لئيمُ وكانوا في الجاهلية يحلفون بأصنامهم كاللات والعزى ونسر، ثم شاع ذلك بينهم حتى النصارى واليهود دون إشارة إلى معتقدهم بها كما يقال بالاتينية حتى في عهدنا بحق هر كل (mehercle) أو بالإيطالية بحق بحوس (per Bacco) فكذلك نصارى العرب حلفوا بأصنام الجاهلية وبالأنصاب على سبيل العادة ليس عن اعتقاد ديني، فمن ذلك قول عبد المسيح المتلمس يهجو عمر بن المنذر: أطردتني حذرَ الهجاء ولا ... واللاتِ والأنصاب لا تئلُ ويروى: والله والنصاب، ومثله مهلهل التغلبي حلف بالأنصاب: كلاّّ وأنصابٍ لنا عاديَّة ... معبودةٍ قد قطعتْ تقطيعا وحلف أوس بن حجر باللات والعزى فقال: وباللات والعزَّى ومن دان دينها ... وبالله أنَّ الله منهنَّ أعظمُ وحلف الأخطل بالعزَّى وبنسر وما يضحى عليهما من الضحايا: أما ودماءٍ ماثراتٍ تخالها ... على قنَّةِ العزَّى وبالنَّسر عندما وذكر له في الأغاني (7: 173) حلفاً قاله افتخاراً على جرير والفرزدق: "أنا واللات أشعر منهما" فاردف الراوي قائلاً: "حلف باللات هزؤا واستخفافاً بدينه" (قلنا) بل حلف بها جرياً على عادة العرب دون حمله ذاك الحلف على الدين مع ما نعلمه من تشبث الأخطل بدينه حتى في مجالس الخلفاء. ومما حلف به مشيراً إلى دينه ما رواه أيضاً أبو الفرج في الأغاني (في الصفحة المذكورة:) "وحق الصليب". "وحق الصليب والقربان" وروى له في محل آخر (8: 85) : "قدوس قدوس.. وحق الصليب" وقد ذكر له في نقائض جرير والفرزدق حلفاً بالمسيح. وكذلك لم يأنف النصارى عن الحلف بمكة ومناسك الحج قال الأخطل (أطلب ديوانه ص 119 وشرح مغني اللبيب للشيخ محمد الأمير (1: 21) : أني حلفتُ بربّ الرقصات وما ... أضحى بمكَّة من حجبٍ وأستار بالهدايا التي أحمرَّت مذارعها ... في يوم نسكٍ وتشريقٍ وتنحارِ وما بزِ مزمَ من شمطٍ محلّقة ... وما بيثربَ من عنٍ وأبكارِ لألجأتني قريشٌ خائفاً وجلاً ... وموَّلتني قريشٌ بعد إعسارِ وحلف الآخر بالكعبة وإله إسرائيل (آمالي القالي 2: 46) : قلت وكنتُ رجلاً فطينا ... هذا روبّ البيت إسرائينا وقد جمع عدي بن زيد الشاعر النصراني الشهير في حلفه بين مكة والصليب (الأغاني 2: 24) : سعى الأعداء لا يألون شرّاً ... عليك وربّ مكَّةَ والصليبِ ومثله الأعشى حلف باسكيم الرهبان وبالكعبة: حلفتُ بثوبيْ راهبِ الدير والتي ... بناها قصيٌّ والمضاض ين جرهمِ وورد في الأغاني (12: 75) لبعد بن الحكم بن أبي العاص: حلفتُ بربّ مكَّةَ والمصلَّى ... بالتوراة أحلفُ والقرآنِ وهو القائل أيضاً (إصلاح المنطق ص 224) : وأني وربّ الساجدين عشيَّةً ... وما صكَّ ناقوس النصارى أبيلها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 أصالحكم حتى تبؤوا بمثلها ... كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها ومما لا شبهة فيه عن إيمانهم بالمسيح قول عمر بن عبد الحق: وما قدسَّ الرهبان في كل بيعةٍ ... أبيل الأبيلين المسيح بن مريما قال في اللسان (13: 6) : وكانوا يعظمون الأبيل ويحلفون به. وحلف عدي ابن زيد بالقربان ودعاه الشبر (إصلاح المنطق 169) . إذ أتاني خبر من منعم ... لم أخنه والذي أعطى الشبر (الختانة) معلوم أنه لا ذكر للختانة مطلقاً في القرآن وإنما يجري عليها المسلمون بموجب السنة والتقليد. والشائع بين الكتبة المحدثين أن العرب قبل الإسلام كانوا يختتنون. وفي زعمهم هذا نظر فإن لنا عدة شواهد تثبت أن كثيرين من العرب لم يألفوا الختانة ومن المحتمل أن النصرانية أبطلتها بينهم. روى ساحب الأغاني لحاجب يزيد بن المهلب أبياتاً في هجو اليمن ومما ينسبه إليهم أنهم غرل غير مختتنين قال (13: 51) . فلَّلزنج ُخيرٌ حين تنسب والداً ... من أبناءِ قحطانَ العفاشلةِ الغرلِ وجاء في التاج (2: 324) بيت للفرزدق عن آل حوران غير المختتنين. وكذلك هجا حريث بن عناب بني ثعل ودعاهم بالغلف (أغاني 13: 103) . ومما ورد في نقائض جرير والفرزدق (ص 669) أن بني عامر يوم شعب جبلة قتلوا ثمانين غلاماً أغرل. وفي آمالي القالي (3: 46) ما يثبت رأينا قال: "روى الأصمعي عن سلم بن قتيبة قال: كانت أياد ترد المياه فيرى منها مائتا شاب على مائتي فرس بشية واحدة وكانوا أعد العرب وأنهم استقلوا بعشرين ألف غلام أغرل فأوغلوا حتى وقعوا ببلاد الروم". وقد ذكر ابن الأثير في تاريخه في وصف أيام العرب أنه كان ... ، 60 منهم غلفاً دون ختانة. فلا شك أن النصرانية بانتشارها في جزيرة العرب قبل السلام كانت أبطلت تلك السنة بين كثير من القبائل. (الحجاب) قد فرض الشرع الإسلامي التحجب على نساء المسلمين. وليس المسلمون أول من سبقوا إلى الأمر به. فإن الأمم القديمة كانت تحجب الفتيات إلى عهد زواجهن فإذا تزوجن أسفرن عن وجوههن. ولنا على ذلك شواهد في سفر التكوين (24: 65 و 38: 14) . وقد ورد مثل هذا في الآثار الآشورية والرومانية وغيرها. وكذلك الكنيسة لم تزل توصي النساء بالحشمة وتغطية رؤوسهن ولا سيما وقت الصلاة في الكنيسة (1 كور 11: 3 17) . على أن صاحب الشريعة الإسلامية عمم ذلك وفرض به غلى جميع النساء مطلقاً ناهياً عن سفور وجوههن ألا بازاء أقاربهن الأدنين. وهذه سنتهم إلى يومنا ألا من تقلدوا الآداب العصرية وتمثلوا بأمم الغرب فيعتبرون الحجاب مضراً بتربية الإناث مانعاً لترقية جنسهن باخساً من قدرهن. وما لا شك فيه أن عرب البادية لا يحجبون نساؤهم. تلك عادة جروا عليها منذ القديم. وما القناع والنصيف والخمار ألا أكسية كانت نساؤهم يسترون بها رؤوسهن دون الوجوه وعلى الأقل دون العيون كما ترى في وصاوص المصريات. وفي الشعر الجاهلي ما يؤيد زعمنا قال المثقف العبدي (المفضليات ص 579) : أرينَ محاسناً وكننَّ أخرى ... من الأجياد والبشرِ المصونِ وورد هناك بين الشروح عن منجول البراقع: "لا يلبس منجول البراقع ألا الحسان لأنهن يحببن أن ترى وجوههن منها لحسنها والقباح تلبس الوصاوص لضيقها حتى لا ترى وجوهها لقبحها. وقال عمر بن أبي ربيعة (المفضليات ص 259) : ولمَّا تواقفنا وسلَّمت أقبلتْ ... وجوهٌ زهاها الحسنُ أن تتقنَّعا وروى في الحماسة (ص 553) : "ولما تفاوضنا الحديث وأسفرت". قال: "وهكذا كانت نساء العرب تفعل إذا كانت جميلة" بل نبذت كثير من نساء الإسلام الحجاب كما روى المؤرخون. أخبر الصفدي في شرح لامية العجم (1: 68) : "كانت عائشة بنت طلحة بن عبيد الله لا تستر وجهها بشيء فلما دخل بها مصعب ابن الزبير كلمها في ذلك فقالت: أن الله عز وجل قد وسمني بوسم جمال فأحببت أن يراه الناس والله ما في وصمة أستتر لها". وقد ذكر صاحب الأغاني (10: 128) أن الخليفة المأمون كان يخرج إلى الشماسية ليتنزه بعد قدومه من خراسان. ثم أخبر أن إبراهيم المصلي دخل إليه "وهو يشرب مع الجواري وما كانوا يحجبون جواريهم في ذلك الوقت من لم يلدن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 (الردافة) هي من العادات التي أتخذها العرب من الأمم النصرانية المجاورة لهم وهي كالوزارة شاعت عند ملوك الحيرة وملوك غسان النصارى. (قال في التاج 6: 115) : كانت الردافة في الجاهلية لبني يربوع لأنه لم يكن في العرب أحد أكثر غارة على ملوك الحيرة من بني يربوع فصالحوهم على أن جعلوا لهم الردافة ويكفوا عن أهل العراق الغارة ... فال جرير وهو من بني يربوع: ربعنا وأردفنا الملوكَ فظلَّلوا ... وطاب الأجاليب الثمامَ المنزَّعا وقال المبرد (الكامل 763) : "للرادفة موضعان أحدهما أن يردفه الملوك دوابهم في صيد والآخر لأن يخلف الملك إذا قام عن مجلسه فينظر في أمر الناس. (قال) كان الملك يردف خلفه رجلاً شريفاً وكانوا يركبون الإبل وأرداف الملوك هم الذين يخلفونهم في القيام بأمر المملكة بمنزلة الوزراء في الإسلام وأحدهم ردف والاسم الردافة كالوزارة". وقد ذكر ياقوت في معجم البلدان (3: 518) في مادة طخفة اليوم المنسوب إلى هذا المكان بين بني يربوع وجيش ملك الحيرة لما أراد بعد موت ردفه عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع أن ينقل الرادفة إلى غيرهم فأبت بنو يربوع ذلك ورحلت فنزلت طخفة وبعث الملك إليهم جيشاً فيه قابوس ابنه وابن له آخر وحسان أخوه فانتصر عليهم يربوع وبقيت الردافة فيهم. (العمامة) تنعت العمامة عند العرب بتاجهم. وقد وصفها أبو الأسود الدولي بقوله: العمامة جنة في الحرب ومكنة من الحر ومدفأة من القر ووقار في النوادي وزيادة في القامة وهي تعد ميزة سادة العرب: قالت الخنساء في أخيها: فارسُ الحرب والمعمَّم فيها ... مدرهُ الحرب حين تلقى نطاحا وقد شاعت العمامة خصوصاً بين نصارى اليمن والعرق: ومما يروي صاحب الأغاني في خبر أساقفة نجران مع نبي الإسلام أنهم كانوا "من السادة المعممين" وترى إلى يومنا العمامة من مميزات كهنة وأساقفة وبطاركة الكلدان في العراق وجهات ما بين النهرين. الفصل الثالث عشر الشعر النصراني وشعراء النصرانية بين عرب الجاهلية وأول الإسلام هذا آخر من كتابنا "النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية" نختم به القسم الثاني منه المختص بآداب النصرانية. وقد أجلناه إلى آخر الكتاب لنجعل كل ما سبق كتوطئة له إذ كان غرضنا أن نبين نصرانية معظم الشعراء الذين سبقوا الإسلام. 1 أصل الشعر العربي زعم بعض الثرثارين المتفيهقين أن الشعر العربي سبق الإسلام بميئين من السنين بل سبق ميلاد السيد المسيح بأجيال عديدة حتى نسبوا منه نتفاً إلى زمن نبي يدعونه هودا يزعمون أنه عاش قبل إبراهيم الخليل في الألف الثالث قبل المسيح. وتوغل غيرهم في غلوهم وأوهامهم فرووا لآدم أبي البشر أبياتاً رثى بها على رأيهم ابنه هابيل القتيل فعارضه فيها إبليس الرجيم. تلك مزاعم يضحك منها العلماء ويشرب بها الحائط كل من له أدنى إلمام بتاريخ اللغات عموماً واللغة العربية خصوصاً. وقد ارتأى البعض أن سفر أيوب المورود في التوراة عربي الأصل عربي اللهجة والتصورات شعري الصورة وقد استوطن أيوب صاحبه غربي جزيرة العربية في البثنية وضمن آياته كثيراً من التشابيه والأوصاف الشائعة بين العرب كذكر النجوم ووصف الخيل وغير ذلك. نجيب على هؤلاء أن في هذا الرأي نظراً لأسباب منها أن سفر أيوب لا يعرف منه منذ نحو ثلاثة آلاف سنة غير ترجمته العبرانية ثم ليس لدينا حجة قاطعة يمكننا أن نستند إليها لنثبت كتابته في لغة أخرى فإن مضامين هذا السفر والتقليد اليهودي القديم لا يذكران شيئاً من ذلك. وعلى كل حال إذا صح قول العلماء بأن سفر أيوب كتب بالأصل في العربية فلا شك أن تلك العربية كانت مختلفة عن عربيتنا التي هي لهجة بعض قبائل الحجاز لهجة قريش التي لم تشع إلا بعد قرون عديدة. ولعلها النبطية أو لغة أخرى أقرب إلى الآرامية منها إلى العربية. ومن ثم ليس من الممكن الاستناد إلى هذه اللغة المزعومة لنجعلها أصل شعرنا العربي في الوقت الحاضر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وأن تتبعنا بعد ذلك سياق الأجيال منحدرين إلى أوائل النصرانية لا نجد ذكراً للغة العربية إلا بعض تقاليد مستحدثة رواها الرواة بعد الإسلام لا يوثق بها. ولسنا لننكر أن العرب في تلك الأثناء تكلموا بلغة خاصة لكن تلك اللغة كانت تختلف اختلافاً عظيماً في كل قبيلة على اختلاف مواقعها في أنحاء الجزيرة وتأثير اللغات المجاورة لها وحالة المتكلمين بها من أهل حضر أو أهل المدر فيطلقون على كل هذه اللهجات اسم اللغة العربية كما يطلقون اسم العرب على أهل الجزيرة مع اختلاف عناصرهم القحطانية والعدنانية والإسمعيلية. ولعل بعض أعمالها دونوا شيئاً من مآثر لغتهم فأخذتها أيدي الضياع. ومن الشواهد الحسنة التي يمكننا أن نثبت بها قولنا كتابة حجرية وجدت في رومية سنة 1773 راقية إلى أوائل القرن الثاني للمسيح في عهد تراجانوس القيصر. وهذه الكتابة لاتينية كتبها وراق عربي اسمه مرقس أو لييوس كستوراس كان رافق حملتي الرومانيين في غالية وفي سورية فجعلها على ضريح رجل اسمه مرقس أو لييوس سيمفورس كان معه في الحملتين: M. ULPIUS SYMPHOUS VIXIT ANNIS XXIV ... ULPIUS CASTORAS LIBRARIUS ARABICUS BENE MERENTI QUOD IS EXPEDITIONIBUS DUABUS GALLAE ET SYRIAE SECUM FUERAT فذكر وراق أو كاتب عربي في ذلك العصر من الأمور الغريبة التي تثبت ما كان للعربي من شأن في تلك الأيام. ولكن ما هي تلك العربية التي يشار إليها أهي عربية قريش؟ أو النبطية أو الحميرية أو لغة قبائل الشام الخاضعة للرومان؟ كل ذلك محتمل ولا يمكن بت الحكم به. وما لا شك فيه أن ذلك الكاتب لم يخط كتاباته بالقلم العربي الذي برز للوجود في أواسط القرن السادس للمسيح فقط. وإنما كانوا يكتبون قبل ذلك بأقلام لغات أخرى أخصها في جنوبي جزيرة العرب الحميرية والمينوية وفي الشمال بالنبطية والثمودية واللحيانية والصفوية وقد وجدت من كل هذه الخطوط أمثال مختلفة في جهات العرب يرقى بعضها إلى ما قبل المسيح. وقد سبق لنا القول أن أقدم كتابة تقرب لهجتها من عربية قريش هي الكتابة الضريحية التي وجدت في جهات الصفا على قبر ملك العرب امرئ القيس بن عمرو وتاريخها في 7 من شهر كانون الأول سنة 328 للمسيح. وهي مكتوبة بالحرف النبطي الجميل أوردنا سابقاً رسمها. أما لغتها فمع قربها من لغة قريش أي لغتنا الفصحى لا تزال مضطربة مشوشة مختلطة بألفاظ غريبة. فإن كان المنثور في القرن الرابع للمسيح على هذه الصورة فما قولنا بالموزون؟ ولنا هنا أيضاً شاهد صادق على أن العرب في ذلك الجيل لم يجهلوا الشعر. وهو لا حد المعاصرين المؤرخ اليوناني سوزومان فأنه في تاريخه الكنسي في الفصل الثامن والثلثين منه يذكر محاربة ماوية ملكة عرب الشام للرومانيين وانتصارها على جيوشهم ثم تنصرها وتنصر قومها على يد أحد السياح المدعو موسى. فهناك يصرح المؤرخ بما شاع من الأغاني الحماسية بين رعايا ماوية يعددون فيها مآثرهم وغاراتهم على الرومان وهذا نصه: Haec ita gesta multi ex earum regionum incolis etiamnum comme - morant et apud Saracenos vulgo cantibus celebrantur. وما يقوله المؤرخ سوزومان عن الأغاني الحماسية يجوز أن نطلقه على بقية أمورهم كالأفراح والأحزان والمديح والغزل والفخر لأن الغناء غريزة في الإنسان. ولكن يا ترى ماذا كانت أوزان تلك الأغاني؟ كم كانت أجزاؤها؟ كيف كان إيقاعها؟ وهل كانت لغتها فصيحة كلغتنا أو بالأحرى كانت لهجة خاصة لتلك القبائل؟ إننا نجهل كل ذلك. فلكي نستطيع أن نبني كلامنا على أساس متين لا بد أن نتقرب إلى زماننا بزهاء مائتي سنة أعني إلى أوائل القرن السادس للمسيح فإن الشعر العربي الموزون ذا الأبحر المتعددة والإيقاع الثابت لا ترى آثاره قبل ذلك. ويؤيد قولنا اتفاق كتبة العرب الأقدمين. قال الجاحظ في كتاب الحيوان (1: 27) : "أما الشعر فحديث الميلاد صغير السن أول من نهج سبيله وسهل الطرق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة ... فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له إلى أن جاء الله بالإسلام خمسين ومائة عام وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وذكر السيوطي في المزهر (2: 238) لعمر بن شبة في طبقات الشعراء قوله: "وهؤلاء النفر المدعى لهم التقدم في الشعر متقاربون لعل أقدمهم لا يسبق الهجرة بمائة سنة أو نحوها". على أن هذا القول يصح في القصائد المطولة ليس في الأبيات القليلة التي لعل بعضها يرتقى إلى أواسط القرن الخامس. قال محمد بن سلام الجمحي في طبقات الشعراء (ص 18) : "لم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حادثة وإنما قصدت القصائد وطول الشعر على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف". فيبقى البحث عن تلك الأبيات المفردة والقليلة فكيف اهتدى إلى نظمها العرب؟ هل ابتكروها دون علم سابق؟ أو حذوا فيها حذو غيرهم من الأمم المجاورة لهم كالحبش والروم والسريان؟ قلنا أن الغناء غريزة في الإنسان والغناء يحتاج إلى بعض الوزن والإيقاع فلما أراد الناطقون بالعربية المحضة وهي عربيتنا التي أخذت بالثبات في القرن الخامس للمسيح ابتدأوا بالتعبير عن عواطفهم واحساساتهم في الحب والتحمس والغضب والوصف بما يقرب من الشعر الموزون أعني بالكلام المسجع الذي روى منه الرواة الأقدمون بعض المقاطيع كان يرتجلها الكهان والعرافون وبعض القوالين. فمن أقدم ما رووا من ذلك قول ظريفة الخير الكاهنة تنذر زوجها الملك عمراً بسيل العرم (المسعودي في مروج الذهب 3: 379) : "ما رأيت اليوم. قد ذهب عني النوم. رأيت غيماً أبرق. وأرعد طويلاً ثم أصعق. فما وقع على شيء إلا احترق. فما بعد هذا ألا الغرق". (وقالت ص 382) : "هي داهية ركيمة. ومصيبة عظيمة. بأمور جسيمة ... أن لي فيها الويل. مما يجيء به السيل ... خطب جليل. وحزن طويل. وخلف قليل. وعد من الله نزل. وباطل بطل. ونكال بنا نكل. فبغيرك يا عمرو فليكن الثكل". فترى في هذه الأقوال أسجاعاً متتالية بينها شيء من الموازنة فانتقلوا منها إلى أبسط البحور وهو الرجز فلزموا التقفية كلزومهم الأسجاع في المنثور وراعوا فيه عدد الأجزاء والوزن قول دويد بن زيد ين نهد حين حضره الموت: اليوم يبنى لدويدٍ بيتهُ ... لو كان للدهر بلىً أبليتهُ أو كان قرني واحداً كفيتهُ ... يا ربَّ نهبٍ صالحٍ حويتهُ وربَّ غيلٍ حسنٍ لويتهُ وقول امرئ القيس إذ بلغه خبر قتل أبيه بدمون في نواحي اليمن: تطاولَ الليل علينا دمُّونْ ... دمُّونُ أنَّا معشرٌ يمانونْ وأنّنا لقومنا محبُّونْ ومثله لكليب أخي المهلهل وتروى لطرفة ارتجز بها إذ رأى قنابر تلتقط حباً ينثر لها: يا لكِ من قبرةٍ بمعمرِ ... خلاَ لكِ الجوُّ فبيضي واصفري قد رفع الفخُّ فماذا تحذري ... ونقّري ما شئت أن تنقّري قد ذهب الصياَّد عنكِ فابشري ... لا بدَّ يوماً أن تصادي فاصبري فإن كان السجع والرجز المذكوران هما كما يظهر أصل الشعر العربي ترتقي آثارهما إلى أوائل القرن السادس أو أواخر الخامس فيجب البحث عن أمة مجاورة للعرب أمكنهم أن يتقلدوها في سجعهم ورجزهم السابقين. وأننا نرى أن تلك الأمة كانت الأمة الآرامية أي الكلدان والسريان الذين كانوا منذ أواسط القرن الرابع بعد تنصرهم زينوا كلامهم المنثور بالسجع والفواصل ونظموا شعراً يقرب من أراجيز العرب. ولما كان الآراميون يستوطنون حدود العرب وكثيراً ما امتزجوا بهم امتزاج الماء بالراح وبنوا في جزيرتهم العدد العديد من الأديرة والمناسك حيث كان الرهبان يتغنون بالتسابيح ويحيون لياليهم بالأناشيد الروحية فيسمعهم أهل البادية ويرددون نغماتهم فتبعثهم على الاقتداء بهم كما فعلوا بعد ذلك في تجويد القرآن على ما أثبتنا سابقاً. فلا نشك أن العرب أخذوا أيضاً عن نصارى السريان والكلدان تسجيع الكلام وموازينه الشعرية البسيطة كما ترى في الأراجيز العربية. ولعل القبائل القريبة من الروم وجدت أيضاً في تلحينهم وغنائهم وشعرهم ما دفعهم إلى التشبه بهم في آدابهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 ويؤيد قولنا هذا أن كثيراً من القبائل العربية المنتصرة كانت تحضر ما يقيمه في وسطها من الرتب الدينية الأساقفة والكهنة خصوصاً في جهات الشمال والشمال الغربي حيث توفرت الكنائس النصرانية الكلدانية والسريانية وفي جهات الشام شرقي دمشق وفي نواحي الأردن حيث انتشرت اليونانية وأقيمت الطقوس الكنسية في تلك اللغة. أما القبائل المتنقلة فكان يرافقها أساقفة أو كهنة يدعون بأساقفة المضارب كما شرحنا ذلك كله في القسم التاريخي. فلا غرو أن العرب الذين كانوا يعاينون تلك المحافل الدينية ويسمعون ألحانها تأثروا منها فاستفزتهم قريحهم إلى أن يجروا عليها نوعاً سواء كان في غنائهم أو في شعرهم. ولنا في ما رويناه عن سوزومان المؤرخ شاهد آخر على رأينا إذ ينسب إلى بني غسان تلك الأغاني العربية التي كانوا ينشدونها بعد محاربتهم للرومان. وهو في الفصل عينه يذكر تنصرهم وفي ذلك دليل على أصل كلامهم الموزون وعلاقته مع دينهم النصراني سواء كانت تلك الأغاني أسجاعاً مرصوفة أو أراجيز موزونة 2 في ترقي الشعر العربي وتقصيد القصائد كان بحر كأساس أول للشعر العربي. على أن تفاعيله بما فيها من الجوازات الشعرية العديدة ما لبثت أن برزت على صور شتى تفنن بها الشعراء بتركيب الأسباب والأوتاد فأخرجوها على أوزان مختلفة جروا عليها بفطرتهم دون أن يدونوها بكتاب مكتوب فبقيت سماعية تقليدية إلى أن قام الخليل في القرن الثاني للهجرة وأمعن النظر في صورها وأوزانها واستخرج أعاريضها وأثبتها على قواعد صحيحة. وإلى ذلك أشار ابن الرشيق في العمدة (ص 5) بقوله في أصل الشعر العربي: "كان الكلام كله منثوراً فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها. وطيب أعراقها. وذكر أيامها الصالحة. وأوطانها النازحة. وفرسانها الانجاد. وسمحائها الأجواد. لتهز نفوسها إلى الكرم. وتدل أبناءها على حسن الشيم. فتو هموا أعاريض جعلوها موازين الكلام. فلما تم لهم وزنه سموه شعراً لأنهم قد شعروا به أي فطنوا له". وهنا لا نتردد في القول بأن الذين قاموا بذلك فوضعوا هذه الأوزان إنما كانوا من العرب المتنصرين من قبائل غلبت عليها النصرانية بشهادة قدماء المؤرخين لاسيما المسلمين كقبائل ربيعة التي منها بكر وتغلب ويشكر وحنيفة وكقبائل قضاعة ومنها كلب وتنوخ وكقبائل اليمن ومنها كندة ولخم وغسان وبعض قبائل قيس كذبيان وعبس. نحيل القراء لإثبات نصرانيتهم إلى قسمنا الأول في تاريخ النصرانية في عهد الجاهلية. وعلى رأينا أن شعراء الجاهلية الأولين إذ اكتحلوا بنور النصرانية واحتكوا بأهلها من الأمم المجاورة كالسريان واليونان والحبش ودخلوا على ملوكها العرب الغساسنة والمناذرة وبني الحارث وكنا تمدن اليونان والروم والفرس غلب عليهم تأدبوا بآدابهم وجاروا أولئك الطوائف في بلاغتهم وتأنقوا بالنظم على مثالهم. وساعد الشعراء في تقصيد قصائدهم ما جرى في القرن السادس للمسيح من الوقائع والحروب التي اشتهر فيها العرب سواء كانت تلك الحروب أهلية بين القبائل كحرب البسوس أو جرت لهم مع الأجانب كحرب ذي قار بين العرب والفرس. فإن الشعراء وجدوا فيها من استفز قريحتهم وهيج احساساتهم فوصفوها بقصائدهم وللنصارى منهم فيها حظ وفي كما سترى. 3 الشعر النصراني رأيت في ما سبق أن النهضة الشعرية كانت خصوصاً في القرن السادس للمسيح أي القرن السابق لظهور الإسلام. وفي تأخر تلك النهضة سر غامض ارتاب في فكه الباحثون عن أخبار الجاهلية. فهذه أمة عظيمة منتشرة في بلاد تكاد مساحتها تساوي مساحة أوربة على أطرافها الممالك الوطنية ذات الجاه والشرف والسلطان سبقت الإسلام بعدة قرون لا ينقصها شيء من أسباب الحضارة والعمران بينها أرباب العقول الراجحة والأذهان المتقدة لسانها من أغنى الألسنة وأشرفها وأقدرها على التعبير عن كل العواطف البشرية وهي مع ذلك لم تنتج شاعراً مفلقاً قبل أوائل القرن السادس وذلك بإقرار أقدم الكتبة من العرب. فكيف يا ترى يمكن تعليل ذلك الخمول؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 إننا طالما أمعنا النظر في هذا الأمر واستقصينا البحث فيه فلم نجد له شرحاً مقبولاً إلا بأن نقول أن النصرانية كانت أصل تلك النهضة ولأنها لم تبلغ في جزيرة العرب نفوذها وعزها إلا في القرن السادس وأن كان دخولها إلى الجزيرة سبق ذلك العهد فكذلك بلغت النهضة الأدبية معها إلى أوج عزها في ذلك الجيل. 1ً وكان من نتائج توغل النصرانية في جهات العرب إنها سولت لهم طرقاً للكتابة التي لا تستطيع الآداب أن تنتشر وتترقى دونها. فاستمد العرب فن الكتابة من نصارى العراق والنبط والحبش. تلك المصادر الثلثة للأقلام العربية الأولى أعني القلم النسخي والمسند والكوفي. وقد أثبتنا ذلك في باب خاص عليك بمراجعته (ص 152 158) . وناهيك به على ما كان للنصرانية من السهم الافوز في حفظ المآثر الأدبية ونشرها. وقد وقع ذلك في القرن السادس. 2ً وكان للنصرانية فضل آخر على ترقية الآداب بين العرب أن أربابها مع نشر الكتابة نشروا أيضاً التعليم إما بفتح المدارس للناشئة وإما بالتعليم الخاص وقد جمعنا في فصل سابق (ص 389 391) بعض الشواهد المثبتة لقولنا منها المدارس المتعددة المنشأة في العراق في أديرة الرهبان وغيرها كان يحضرها أحداث العرب كما ذكرنا هناك عن المرقشين الأكبر والأصغر وعن عدي بن زيد وعن ورقة ابن نوفل والبراق ابن روحان. ونوهنا أيضاً بذكر معلمين نصارى في مكة والمدينة وغيرهما فليت شعري أيحتاج إلى برهان أعظم لبيان تأثير النصرانية في آداب الجاهلية وشعرائها المبرزين في ذلك القرن السادس؟ 3ً ومن الأدلة المقنعة على أن النصرانية هي التي بعثت الشعر العربي وأخرجته من مهده في القرن السادس أن ذاك الشعر كان ظهوره أولاً بين القبائل النصرانية. فإن استفتينا على ذلك أقدم الكتبة كابن قتيبة في كتابيه المعارف وفي الشعر والشعراء وابن سلام الجمحي في طبقات الشعراء (ص 22) وابن الرشيق القيرواني في العمدة (ص 54) ثم السيوطي في المزهر (2: 238) أجابونا باتفاق الأصوات أن الشعر العربي كان أولاً في ربيعة. وقد أثبتنا شيوع النصرانية في ربيعة كما أجمع عليه الرواة كابن قتيبة (في المعارف ص 305) وابن رسته في الاعلاق النفسية (ص 217) وغيرهما (أرجع الصفحة 130) . ومن ربيعة كانت تلك القبائل العظيمة التي كادت تستولي على جزيرة العرب كبكر وتغلب ابني وائل وكبني امرئ القيس وشيبان وعجل وحنيفة وقد تحققنا نصرانيتها كلها استناداً إلى معظم الكتبة. فالنتيجة بعد ذلك ظاهرة وهي نصرانية الشعراء المنتمين إليها الذين سبقوا غيرهم زمناً كما سبقوهم إلى تقصيد القصائد. قال الفرزدق يذكر المهلهل التغلبي: ومهلهلُ الشعراءِ ذاك الأوَّلُ 4ً ولنا بينة أخرى على نصرانية هؤلاء الشعراء الأولين نعني بها منازلهم التي كانوا يسكنونها مع قبائلهم فإن قبائل ربيعة كانت تحتل مفاوز ما بين النهرين من الفرات شرقي حلب وجنوبها الموصل والعراق ولا يزال يطلق على قسم كبير منها اسم ديار بكر وديار ربيعة. وكانت هناك النصرانية راسخة القدم منذ القرن الرابع للمسيح فتنسك فيها الحبساء بعدد وافر كصعيد مصر وتشيدت فيها أديرة ذكر منها كتبة السريان والعرب ما ينيف على المئة عداً. فما لبثت تلك القبائل العربية أن جحدت الشرك ودانت بدين المسيح وقد روينا في القسم التاريخي كثيراً من أخبارها والشواهد على تنصرها نقلناها عن أصدق الرواة من يونان ولاتين وسريان بينهم كتبة كانوا معاصرين للأمور التي يخبرون بها وشهود عيانيون لما يدونونه في بطون التواريخ فتارةً يذكرون كنائسهم وتارةً أساقفتهم الساكنين بينهم في الحضر والمدر وتحت الخيم وحيناً مزاراتهم الدينية إلى غير ذلك من الدلائل الصريحة على إيمانهم. فلما ظهر الإسلام أقر كتبتهم بما تحققوه من تنصر تلك القبائل وقد دونا ما أعلنوا به حيث قالوا "أن من قبائل العرب المتنصرة بكر وتغلب ولخم وبهراء وتنوخ وجذام" وكلهم من ربيعة أو من القبائل اليمنية المحالفة لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ومما يجدر بالاعتبار أن بين هؤلاء الشعراء قرابة يستدل بها أيضاً على وحدة دينهم فإن كليباً والمهلهل كانا خالي امرئ القيس بن حجر الكندي وأمة فاطمة أختهما. وكان المرقش الأكبر عوف بن سعد عم المرقش الأصغر عمرو بن حرملة وكان هذا عم طرفة ابن العبد وكانت أم طرفة وردة وهي أخت المتلمس جرير بن عبد المسيح 5ً ويؤيد قولنا في نصرانية هؤلاء الشعراء أن من يراجع دواوينهم أو ما روي عنهم من القصائد لا تجد فيها أثراً للشرك وعبادة الأصنام اللهم إلا في بعض الأقسام التي بينا أنها كانت ألفاظاً جارية على السنتهم كما ترى من أشكالها في السنة كل الشعوب دون إشارة إلى معتقد البتة (أطلب الصفحة 404) . 6ً وعلى خلاف ذلك تجد في شعرهم أثاراً بينة لاعتقادهم بالإله الواحد وبخلود النفس مع اقتباسات وإشارات واضحة إلى الأسفار المقدسة وإلى الأنبياء وإلى العادات النصرانية وقد جمعنا منها فصولاً واسعة مر ذكرها في كتابنا هذا فلترجع. وهذا يصح أيضاً في معظم الشعراء الذين جمعنا قصائدهم في كتاب شعراء النصرانية سواء كانوا من أياد أو مضر أو قضاعة أو طيء أو من القبائل اليمنية. ولا شك إننا كنا وجدنا في منظوماتهم ما هو أدل على دينهم لو لم يفقد كثير منها. وزد على ذلك أهل اللغة الذين حاولوا جمع تلك الآثار لم يباشروا بتدوينها إلا في أواسط القرن الثاني للهجرة إذ كان قسم كبير منها فد أخذته يد الضياع أو تلف بالنسيان. وكان هؤلاء الرواة مسلمين لا يهمهم غير الفرائد الأدبية والنوادر اللغوية فيضربون الصفح عما يعزز ديناً غير الدين الإسلامي. ويثبت ذلك ما تجد في المعاجم من أبيات متفرقة دونت في مظانها يستفاد منها أشياء كثيرة عن نصرانية أهل الجاهلية رويناها في ما سبق كلآلئ فريدة من قلائد منفرطة. وأن قيل ما لهم لم يصرحوا بنصرانية هؤلاء الشعراء فيزيلوا بذلك الشك والريب؟ السبب (الأول) لذلك كما قلنا الرواة السابق ذكرهم قلما سعوا في البحث عن أديان أولئك الشعراء وإذا تصفحت ما نقلوه من أخبار شعراء الجاهلية لا تكاد تجد تنويهاً بأحوالهم الدينية. وأن ذكروا شيئاً من ذلك رووه استطراداً لا تعمداً. ولولا إشارات خفيفة عن البعض الذين لا شبهة في نصرانيتهم لما تحققنا دينهم كقس بن ساعدة وعدي بن زيد وجابر بن حني والبراق بن روحان وبسطام بن قيس. السبب (الثاني) لسكوت الرواة عن نصرانية أولئك الشعراء أنهم كانوا من قبائل عصامية صحيحة النسب فما كانوا يرون داعياً إلى ذكر دينها وكلها متساوية في شرف جنسها العربي من قحطان أو من عدنان على خلاف القبائل اليهودية فإن الكتبة الأقدمين يميزونها عن القبائل العربية ويصرحون بيهوديتها نسباً وديناً كقريظة والنضير والسبب (الثالث) الذي قضى على الرواة المذكروين الإضراب عن ذكر أديان الشعراء ما وجوده من الاختلاف في نصرانيتهم. فإن دعاة النصرانية الذين دخلوا في جهات العربية لم يكونوا على معتقد واحد فكان بينهم الصحيح الإيمان كالقديس ينتانوس (St pante'ne) واوريجانوس وموسى رسول الغسانيين والقديسين هيلاريون ونيلوس وافتيموس ثم عقبهم النساطرة في العراق وفي سواحل البحرين وعمان واليمن واليعاقبة في جهات الفرات وما بين النهرين وبادية الشام. وكان فر إلى جزيرة العرب كثيرون من المبتدعين لينجوا من نقمة ملوك الروم وغيرهم كاللاأدريين والمندائيين ومتنصري اليهود المدعوين بالإبيونيين والكسائيين وهلم جرا حتى أن القديس ابيفانيوس منذ القرن الرابع كان يصف جزيرة العرب بكثرة بدعها وأضاليلها. ومن ثم إذا تكلمنا عن شيوع النصرانية في جزيرة العرب لسنا نقصد بها الديانة الكاثوليكية الخالية من كل ضلال بل الدين المسيحي عموماً مع ما اختلط به من آراء الهراطقة. والحق يقال أن توفر هذه الشيع وتعاليمها المتناقضة هي التي سولت للإسلام الفوز بالنصرانية في جزيرة العرب وفي البلاد الخارجة عنها. وقد ظهر بعد ذلك في نفس الإسلام شيء كثير من تلك البدع كما ترى في كتاب الملل والنحل للشهرستاني ولابن حزم وغيرهما فكانت كنار تحت رماد شبت بمساعي الخوارج والملحدين في أيام الخلفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وآراؤنا هذه عن شيوع النصرانية في كل أنحاء العرب ونفوذها في آدابهم وشعرهم قد تحققها غيرنا من كبار المستشرقين كدي ساسي ولونورمان في فرنسة وبلغراف (Palgrave) وليال في إنكلترا وولهوزن في ألمانية فيرون في معظم الشعر الجاهلي من عواطف وتصوير أفكار ومعرفة حقائق عقلية وأدبية ما لا يمكن نسبته إلىغير النصرانية مما يخالف المعلومات التي سبق كتبه السريان واليونان والرومان فرووها عن العرب قبل ذلك العهد وذلك وفقاً لما نعلم عن تنصر المناذرة والغساسنة وملوك كندة وبعض التبابعة فأثرت نصرانيتهم في شعراء ذاك القرن السادس ندماء أولئك الملوك فقصدوهم متدينين بدينهم وقلما تجد شعراء نبغوا حينئذ في نواحي أخرى من العرب كنجد والحجاز وأن وجد بعضهم فآثار النصرانية فيهم ظاهرة كورقة بن نوفل وزيد بن عمرو وشعراء طيء. 4 شعراء النصرانية إذا ما تخطينا الآن من هذه البينات والأدلة العمومية عن الشعر النصراني ونفوذه بين عرب الجاهلية واعتبرنا أفراد الشعراء الذين أثبتنا أسماءهم وقصائدهم في كتابنا "شعراء النصرانية" تمهد لنا الطريق للحكم بنصرانيتهم إما بتاتاً وإما ترجيحاً فها نحن نستقري ذكرهم على سياق قبائلهم التي انتسبوا إليها. أولاً قبائل ربيعة قبائل ربيعة كثيرة العدد كانت تسكن في الجهات الممتدة بين الفرات والخابور إلى أنحاء العراق. وبنور ربيعة على اختلاف قبائلهم يتكلون بربيعة بن نزار جدهم الأعلى. وفي ربيعة خصوصاً انتشر الدين النصراني كما روى كثيرون من كتبة المسلمين كابن قتيبة وابن رسته والقاضي صاعد الأندلسي والفيروز أبادي (راجع أقوالهم في الصفحة 13) . ولا تجد في ما يروى من شعرهم أثراً للشرك وعبادة الأصنام وفيه على خلاف ذلك من الأقوال في التوحيد وتقى الله ومدح الفضيلة ما يدل على تأثير التعاليم النصرانية في قلوبهم إذ كانوا محاطين في أنحائهم بالسياح وأديرة الرهبان والكنائس. ويتردد أكثرهم على ملوك الحيرة المتنصرين ويمدحونهم. وثبتت النصرانية في ربيعة مدة بعد السلام وقد ذكر في الأغاني (20: 127) : "نصارى بعض أحياء ربيعة في عهد بني أمية". 1 شعراء تغلب لا نظن أن أحداً ينكر علينا نصرانية تغلب مع الكتبة القدماء على اعتصامها بالدين المسيحي قبل الهجرة بزمن طويل يمكن ترقيته إلى ما وراء القرن الخامس للميلاد إلى عهد السياح والرهبان الذين أزهروا في الجزيرة في القرن الرابع للمسيح. وقد مرت لنا الشواهد على ذلك في القسم الأول. ومن ثم لا حاجة إلى إثبات نصرانية شعراء تغلب الذين نظمناهم في سلك كتابنا شعراء النصرانية وهم ثمانية هذه أسماؤهم على ترتيب ذكرهم في الكتاب مع الإشارة إلى الصفحات التي وردت فيها أخبارهم: 1 كليب وائل (شعراء النصرانية ص 151 159) 2 المهلهل أخو كليب (شعراء النصرانية ص 160 181) 3 السفاج التغلبي (شعراء النصرانية ص 182 183) 4 الأخنس بن شهاب (شعراء النصرانية ص 184 187) 5 جابر بن حني (شعراء النصرانية ص 188 191) 6 أفنون صريم بن معشر (شعراء النصرانية ص 192 194) 7 عميرة بن جعيل (شعراء النصرانية ص 195 196) 8 عمرو بن كلثوم (شعراء النصرانية ص 197 204) فهؤلاء كلهم سواء صرحوا بدينهم النصراني كما ترى في ترجمة جابر بن حني أم سكتوا عنها فلا شك بنصرانيتهم. 2 شعراء بكر أن نصرانية بني بكر ثابتة كنصرانية تغلب وكانت كلتا القبيلتين ساكنة في الجزيرة متجاورة في ديار بكر وديار ربيعة وهما ترتقيان إلى اصل واحد إلى وائل ومنه إلى ربيعة بت نزار وتدينان بدين واحد وكل من ذكر نصرانية تغلب أضاف إليها بكراً كما روينا سابقاً. هذا مع ما حصل بين القبيلتين من النزاعات والحروب أخصها حرب البسوس كما يجري غالباً من المنافسات والضغائن بين الأقارب. وبكر قبيلة كبيرة كتغلب تتفرع إلى فروع عديدة كضبيعة وشيبان ومرة ويشكر وعجل وقد اتينا في باب القبائل المتنصرة بذكر هذه الفروع. (بنو ضبعة بن قيس بن ثغلبة) ذكرنا منهم في شعراء النصرانية هؤلاء الثمانية الآتين: 1 سعد بن مالك بن ضبيعة (شعراء النصرانية ص 264 267) . 2 جحدر بن ضبيعة (شعراء النصرانية 268 269) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 3 عمرو بن سعد بن مالك (المرقش الأكبر) (شعراء النصرانية 282 292) . 4 ربيعة بن سفيان بن سعد (المرقش الأصغر) (شعراء النصرانية 328 329) . 5 طرفة بن العبد بن سفيان بن حرملة بن سعد (شعراء النصرانية 298 320) . 6 الخرنق أخت طرفة (شعراء النصرانية 321 327) . 7 عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد (شعراء النصرانية 293 297) . 8 المسيب بن علس ... بن مالك بن ضبيعة (شعراء النصرانية 350 356) . فكل هؤلاء متقاربو العهد بينهم واشجة رحم من سلالة واحدة. وقد صرح في كتاب الأغاني (5: 191) تخرج المرقش الأكبر على نصارى الحيرة وذكرنا شعراء النصرانية استشهاده بزبور داود: وكذاك لا خيرٌ ولا ... شرٌ على أحدٍ بدائم قد خطَّ ذلك الزبو ... رِ الأوَّليَّات القدائمْ وطرفة بن العبد كان ابن حفيد المرقش الأكبر وابن أخي المرقش الأصغر. ووردة أم طرفة كانت أخت جرير بن عبد المسيح المعروف بالمتلمس فكفى بهذه القرابة دليلاً على نصرانية طرفة. وعيشة طرفة والمتلمس في الحيرة بين النصارى ودخولهما على ملكها النصراني عمرو بن هند مما يؤيد ذلك. وفي شعر طرفة تنويه: فكيف يرجّي المرءُ دهراً مخلَّداً ... وأعمالهُ عمَّا قليلٍ تحاسبهْ وتصريح بحكم الله المطلق على الأنام: أنَّ الله ليس لحكمهِ حكمُ وبكمال أعماله تعالى: وما قد بناهُ الله تمَّ تمامهُ ... وما قد بناهُ اللهُ فالله ما حقهْ وهو القائل في الحض على الخير والحياد عن الشر: الخيرُ خيرٌ وإن طال الزمان بهِ ... والشرُّ أخبثُ ما أوعيتَ من زادِ وله في مودته لأهل الدين: سأصرفُ نفسي عن هوى كل غادرٍ ... وأعرضُ عن أخلاقهِ زأخارقهْ واجعلُ أهل الدين أهل مودَّتي ... ليعلمَ أهل الفضل من أنا واثقهْ وكان عمرو بن قميئة من قرابة المرقشين الأكبر والأصغر وطرفة وهو الذي رافق امرء القيس في سفره إلى القيصر ملك القسطنطينة. وفي أخباره ما يدل على ابتعاده عن الدناءة والأثم كيوسف الحسن والتجائه إلى نصارى الحيرة فراراً من التهمة الباطلة. وهذا كله مما لايدع شبهة في نصرانيته. وكذلك المسيب بن علس من ندماء ملك الحيرة عمرو بن هند كطرفة والمتلمس وكان خال الأعشي الكبير. وهو القائل بدعو بني عامر إلى تقى الله: ألا تتقون الله يا آل عامرٍ ... وهل يتقي اللهَ الإبلُّ المصمَّمُ 5"شعراء شيبان" شيبان أحد بطون بني ثعلبة بن عكابة المذكورين في تواريخ الروم والسريان كنصارى العرب يدعونهم (سرياني Thalabenses) ويذكرون لهم أساقفة (راجع المكتبة الشرقية للسمعاني 1: 265 ومقدمته في الجزء الثاني CXI) وقد ذكرنا من شعرائهم أربعة وهم: 1 جساس بن مرة لن ذهل بن شيبان (شعراء النصرانية 246 251) . 2 جليلة أخته (شعراء النصرانية 252 253) . 3 عبد المسيح بن عسلة (شعراء النصرانية 254 255) . 4 بسطام بن قيس.. زبن ذهل بن شيبان (شعراء النصرانية 256 263) . جساس هو قاتل كليب وائل صهره زوج أخته جليلة وكان طليعة قومه في حرب البسوس. ونصرانيته ثابتة من عدة وجوه: 1 من انتسابه إلى شيبان. 2 من قرابته إلى بني تغلب. 3 من اعترافه بالإله الحق وبالبعث في حلفه حيث يقول: إني وربّ الشاعرِ الغرورِ ... وباعثِ الموتى من القبورِ ولهمام أخي جساس شعر في المفضليات. ولا حاجة لبيان نصرانية عبد المسيح بن عسلة فان اسمه يشهد له. وقصيدته المروية هنا قد طبعت مؤخراً في جملة المفضليات (ed. Lyall,p.556) ولم يذكر هناك عن نسب قائلها إلا كونه "أخا بني مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان". أما بسطام بن قيس بن مسعود فهو أحد فرسان بني شيبان المعدودين في الجاهلية. قال ابن قيم الجوزية في أخبار النساء (ص98) كان بسطام فارساً جواداً عفيفاً. وقال ابن عبد ربه في العقد الفريد (2: 67) : قد ربع الذهليين واللهازم اثني عشر مرباعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 أما نصرانية بسطام بن قيس فقد هاجر بها ابن دريد في الكامل (ص130) وابن عبد ربه في العقد (3: 88) في أخبار يوم الغبيط وقد ورد هنالك اسم الحنيف مع اسم النصر حيث قال: "ونادى القوم نجاداً أخا بسطام كر على أخيك وهم يرجون أن يأسروه فناداه بسطام: إن كررت فأنا حنيف وكان بسطام نصرانياً فلحق نجاد بقومه". وقد جاء في الأغاني (19: 18) ذكر زيق بن بسطام فقال عنه أنه كان نصرانياً وذكر ابنته حدراء (19: 12) قال "تزوجها الفرزدق وكانت النصرانية". (قيس بن ثعلبة) أخو شيبان بن ثعلبة. إليه ينتسب الحارث بن عباد بن ضبيعة رئيس بكر في حرب البسوس بعد اعتزاله الحرب مدة إلى أن قتل ابنه بجير. ونصرانيته تثبت بنصرانية شيبان لأن شيبان وقيساً كليهما ابنا ثعلبة بن عكاربة. راجع أخبار الحارث في شعراء النصرانية (ص270 281) 4 (يشكر بن بكر) حي كبير من بكر بن وائل يديد بدينها ذكرنا منه ثلثة شعراء مجيدين: 1 الحارث بن حلزة (شعراء النصرانية 416 420) . 2 المنخل اليشكري (شعراء النصرانية 421 424) . 3 سويد بن أبي كاهل (شعراء النصرانية 425 436) . الحارث بن حلزة هو الذي دافع عن قومه عند عمرو بن هند ملك الحيرة بمعلقته الهمزية المشهورة مناقضاً لمعلقة عمرو بن كلثوم. وبهما وقع الصلح بين بكر وتغلب وكان المنخل اليشكري من ندما. ملك الحيرة النصراني النعمان بن منذر. أما سويد بن أبي كاهل فأدرك الإسلام ولم يذكر أحد إسلامه ومن شعره الدال على دينه قوله من عينيته الشهيرة: كتب الرَّحمانُ والحمدُ لهُ ... سعةَ الأخلاقِ فينا والضَّلعْ وإباءٍ للدنيَّا إذا ... أعطي المكثورُ ضيماً فكنعْ وبناءً للمعالي إنّما ... يرفعُ اللهُ ومن شاءَ وضعْ نعمٌ لله فينا ربُّها ... وضيعُ الله واللهُ صنع (علي بن بكر) ذكرنا شاعرين من بني علي بن بكر بن وائل وهما: 1 فند الزماني (شعراء النصرانية ص241 425) . 2 أعشى قيس بن ثعلبة (شعراء النصرانية 357 399) . كان فند الزمماني سيد بكر في زمانه وشهد حرب البسوس وحارب مع بني بكر ورئيسهم الحارث بن عباد وهو من نصارى اليمامة. وقد روينا شعره في تلك الأيام. وأشهر منه ميمون بن قيس وهو الأعشى الكبير. وقد نظمناه بين الشعراء النصارى ليس فقط لانتمائه إلى بني بكر النصارى بل لأسباب أخرى منها. 1ً تخرجه على العباديين ورأيه بآرائهم. قال في الأغاني (8: 79) : "كان الأعشى قدرياً (أي يقول بحرية الإنسان في أعماله) ... أخذ مذهبه من قبل العباديين نصارى الحيرة كان يأتيهم يشتري منهم الخمر فلقنوه ذلك". 2ً وكان راوية الأعشى يحيى بن متى النصراني العبادي. 3ً زيارة الأعشى لنجران وكنيستها المعروفة بكعبة نجران ولأساقفتها وأمرائها النصارى. قال يكلم ناقته: وكعبةُ نجرانَ عليكِ ... م حتَّى تناخيْ بأبوابها نزورُ يزيداً وعبد المسيح ... وقيساً همُ خيرُ أربابها 4ً تجوله في البلاد النصرانية كحمص وأورشليم قال: وقد طفت للمالِ آفاقهُ ... عمانَ فحمصَ فأورشليمْ فنجرانَ فالسَّروْ من حميرٍ ... فإني مرامٍ لهُ لم أرمْ 5ً إيمانه بالبعث والحساب كقوله: إذا أنتَ لم ترحلْ بزادٍ من التَّقى=ولاقيتَ بعد الموت منْ قد تزوَّدا ندمتَ على أن تكون كمثلهِ ... فترصد للأمر الذي كان أرصدا 6ً اقتباساته الشعرية من العادات النصرانية كحفلة باسكيم الرهلبان: فإني وثوبيْ راهب اللُّجّ والتي ... بناها قصيّ والمضاضُ بن جرهمِ قال البكري في معجم ما استعجم (489) : اللج غدير عند دير هند وقيل أنه أراد المسيح عليه السلام.. ويروى: "وثوبي راهب الطور". والتي بناها قصي يعني مكة". وهذا كما حلف عدي بن زيد "برب مكة والصليب" وحلف الأعشى أيضاً بمثل ذلك فقال: وإني وربّ الساجدين عشيَّةً ... وما صكَّ ناقوسَ النصارى أبيلها وللأعشى في وصف هياكل النصارى وصلبانها وصورها: فما معتلٍ بي على هيكلٍ ... بناهُ وصلّب فيهِ وصارا 7ً ذكرهُ للأنبياء وأحداث الأسفار المقدسة كقوله في نوح وفلكه: جزى الإلهُ أياساً خير نعمتهِ ... كما جزى المرءَ نوحاً بعد ما شابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 في فلكهِ إذ تبدَّاها ليضعها ... وظلَّ يجمع ألواحاً وأواباً وقد روينا له أبياتاً في داود النبي وفي سليمان الحكيم وفي المن والسلوى وغير ذلك مما يدل على معرفته للأسفار الكريمة. 8ً ويؤيد ذلك ذكره لفصح النصارى ومدحه لهوذة بن علي الذي فك أسرى تميم في ذلك العيد فقال: بهم يقرّبُ يوم الفصح ضاحيةً ... يرجو الإلهَ بما أسدى وما صنعا وكل هذه الشواهد لايمكن تعليلها إلا بأن يقال أنه كان يدين بالنصرانية. وقد ذهب إلى هذا القول المستشرق ولهو زن حيث قال: Wellhausen: Reste arab. Heidentums, p.233 "يظهر أنة أحد شعراء الجاهلية المدرسيين الأعشى قد كان نصرانياً" (Einer der klassischen Dichter der Gâhilija, al - A'cha, soll Christ gewesen sein) . 3 ربيعيون آخرون أربعة شعراء من ربيعة من غير قبائل بكر وتغلب روينا شعرهم وهم: 1 البراق بن روحان (شعراء النصرانية ص141 147) . 2 ليلى العفيفة زوجته (شعراء النصرانية 148 150) . 3 جرير بن عبد المسيح (المتلمس) (شعراء النصرانية 320 349) . 4 المثقب العبدي (شعراء النصرانية 400 415) . هم من أحياء مختلفة لاشك في نصرانيتهم. فالبراق كما ورد في جمهرة أنساب العرب للكلبي كان من قرابة التغلبي وتخرج على راهب فتعلم منه تلاوة الإنجيل ولعل دير ابن براق الذي ذكره ياقوت في معجم البلدان إليه ينتسب. والمتلمس ينتمي إلى ضبيعة بن ربيعة بن نزار وكفى باسمه "جرير بن عبد المسيح" دليلاً على دينه. نادم مدة عمرو بن الهند ثم هرب منه إلى الشام واجتمع بأهلها النصارى وفي ذلك يقول: حنَّت قلوصي بها والليلُ مطَّرقٌ ... بعد الهدو وشاقتها النواقيسُ وهو القائل عن تقي الله: وأعلمُ علمَ حقٍّ غير ظنّ ... وتقوى الله من خير العتادِ أما المثقب العبدي فكان من أسد بن ربيعة يرتقى إليها بعبد القيس بن أفصى التي سبق لنا ذكر شيوع النصرانية بينها. كان أبوه محصن بن ثعلبة سيداً خطيراً واحد السعاة بالصلح بين بكر وتغلب كما قال المثقب: أبي أصلح الحيَّينِ بكراً وتغلباً ... وقد أرعشتْ بكرٌ وخفَّ حلومها والمثقب دخل على ملوك الحيرة فمدح منهم عمرو بن هند والنعمان بن قابوس. ثانياً شعراء إياد إياد بن نزار أخو ربيعة. تشعبت منه أحياء وفروع متعددة شاركوا ربيعة في نصرانيتهم كما شهد على ذلك كتبة مسلمون فضلاء كأبي نصر الفارابي والبكري وابن دريد (أطلب نصوصهم في الصفحة 24) وقد ذكر ياقوت في معجم البلدان أديرةً بناها بنو إياد كدير السوا ودير قرة. وفي أخبار البلد الحرام للفاسي (ص137) أن كاهناً من إياد اسمه وكيع بن سلمة ابتنى صرحاً ليناجي فيه الله. قال بشر بن الحجر (البيان والتبين للجاحظ 1: 190) : ونحنُ إيادٌ عبادُ الإلهِ ... ورهطُ مناجيهِ في السُّلَّم وأشهر من عرف من شعرائهم شاعران ذكرناهما في كتابنا: 1 قس بن ساعدة (شعراء النصرانية ص211 218) . 2 أمية بن أبي الصلت (شعراء النصرانية 219 237) . قس بن ساعدة هو خطيب العرب الشهير وأسقف نجران لا حاجة إلى إثبات نصرانيته. وصفه الجارود النصراني العبقسي لمحمد بما رويناه هناك (ص211) . هذا مع ما دخل في أخباره من الأقاصيص الفرية التي رويناها على علاتها. أما أمية بن أبي الصلت وهو من ثقيف بها يرتقي إلى إياد فيمكنا بيان نصرانيته بالأدلة الآتية: 1 كونهه من غياد التي أثبتنا نصرانيتها وافتخاره بمعارف قومه لاسيما الكتابة وفن الكتابة كما سبق تعلمه العرب من النصارى: قومي إيادٌ لو أنَّهم أممُ ... ولو أقاموا فتهزلَ النَّعمُ قومٌ لهم ساحةُ العراق إذا ... ساروا جميعاً والقطُّ والقلمُ 2 كان أمية من الحنفاء وقد سبق (ص118 119) أن الحنيفية في الجاهلية يراد بها النصرانية أو شيعة من شيعها وأتينا على ذلك بشواهد إسلامية. 3 إطلاعه على الأسفار المقدسة والإنجيل ودرسه لها (الأغاني 3: 187) . 4 دخوله كنائس النصارى واجتماعه برهبانها (ص188) . 5 معرفته للغة السريانية لغة نصارى العراق. قال ابن دريد في تاج العروس (3: 286) : "كان أمية يستعمل السريانية كثيراً لأنه كان قد قرأ الكتب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 6 في شعره من مقتبسات الكتب المقدسة ما تفرد به كعدي بن زيد. فإن له أوصافاً عديدة للأحداث الكتابية وللعقائد الدينية كوصفه الجميل للعزة الإلهية والملائكة والدينونة والحجيم والنعيم وبشارة العذراء ومولد المسيح العجيب ما يدل صريحاً على تنصره. على أننا نقر بأن في أخباره اضطراباً لبعد عهد الرواة عن زمانه. ثالثاً شعراء مضر لم تنتشر النصرانية في مضر بن نزار وقبائله انتشارها في قبائل أخويه ربيعة وإياد على أننا وجدنا أيضاً عدة آثار تنبئ بدخول النصرانية في أحياء كثيرة منها كبني عقيل الذين غلبت عليهم النصرانية وبني تميم وعبس وذبيان وقيس عيلان وناجية. وقد أوردنا على ذلك شواهد في ما سبق في باب القبائل المتنصرة وذكرنا بعض الأديرة المشيدة بينها. 1 بنو تميم روينا أخبار وأشعار خمسة منهم أعني: 1 عدي بن زيد (شعراء النصرانية ص439 474) . 2 الأسود بن يعفر (شعراء النصرانية 475 485) . 3 سلامة بن جندل (شعراء النصرانية 486 491) . 4 أوس بن حجر (شعراء النصرانية 492 497) . 5 علقمة الفحل (شعراء النصرانية 498 509) . عدي بن زيد بإقرار كل الكتبة كان نصرانياً من أسرة نصرانية في خدمة ملك نصراني من ملوك الحيرة. وفي شعره من الآثار الدينية ما لم يرو عن غيره إلا عن أمية بن أبي الصلت. ففيه روايات من الأسفار المقدسة.. وقد حلف بالبشر أي القربان وبالصليب. وفي أخباره ذكر دخوله الكنائس إلى غير ذلك. وكان الأسود بن يعفر التميمي من سادة قومه ونادم النعمان كعدي بن زيد وعاش بين نصارى الحيرة وكانت بنو عجل النصارى أخو إله. وكذلك سلامة بن جندل الذي نشرنا ديوانه سنة 1910 فإنه كالأسود بن يعفر عاش في جهات الحيرة التي كانت عمت النصرانية كل أنحائها وعاشرا قوماً من النصارى كتغلب والعباديين وفي شعره تلميح إليهم. ولا أثر لكليهما في قصائدهما إلى شيء من الشرك وعلى خلاف ذلك. وردت في شعر سلامة تشابيه وإشارات نصرانية كذكره لداود النبي بمخطوطات النصارى المنمقة وبملابس العباديين. وقد جعلنا أيضاً أوس بن حجر في جملة النصارى وهو أحد الذين أطلقهم من الأسر بسطام بن قيس رئيس شيبان النصراني بعد ظفره بتميم فمدحه أوس لكرمه. ومن تشابيهه النصرانية قوله يشبه لميع رمحه بمصباح رئيس النصارى يوم عيد الفصح: عليهِ كمصباح العزيز يشبُّهُ ... لفصحٍ ويحشوهُ الذُّبال المفتَّلا وعلقمة بن عبدة التميمي كان مداحاً لملوك غسان النصارى وله محاضرات مع امرئ القيس والزبرقان بن بدر الشاعرين النصرانيين. وفي شعره إشارة إلى كأس قربان النصارى ومفعولها الصالح دون الأذى بشاربها قال في وصفها: كأسُ عزيزٍ من الأعتابِ عتَّقها ... لبعض أحيانها حانيَّةٌ حومُ تشفى الصداعَ لا يؤذيك صالبها ... ولا يخالطها في الرأس تدويم قال الشارح: "العزيز كبير النصارى وقوله "لبعض أحيانها" أي أعدها لفصح أو لعيد". 2 عبس وذبيان عبس وذبيان أبوهما بغيض بن غطفان يتصلان به إلى الياس بن مضر بن نزار وقد وقعت بينهما حروب كما جرت بين بكر وتغلب وقد نوهنا بولوج النصرانية في أحيائهما (ص134) وقد ذكرنا من عبس أربعة شعراء: 1 الربيع بن زياد (شعراء النصرانية ص787 793) . 2 عنترة بن شداد (شعراء النصرانية 794 8829) . 3 عروة بن الورد (شعراء النصرانية 883 916) . 4 قيس بن زهير (شعراء النصرانية 917 932) . ومن ذبيان أوردنا ترجمتي وقصائد شاعرين وهما: 1 النابغة الذبياني (شعراء النصرانية 640 732) . 2 الحصين بن الحمام (شعراء النصرانية 733 745) . الربيع بن زياد أحد أعيان بني عبس كان من ندماء النعمان بن المنذر ملك الحيرة مع سرجون بن توفيل وغيره من النصارى كما روى صاحب الأغاني وفي ذلك دليل على أنه يدين بدينهم وفي أخباره أدلة على توحيد وكرم أخلاقه. أما عنترة فكانت أمه حبشية والحبش نصارى كما هو معلوم. وفي شعره الصحيح والمصنوع آثار عديدة دالة على توحيده وآدابه ودينه. وفي ذلك ما يدل على نصرانيته لأن التوحيد قبل محمد لم يشع في جزيرة العرب ألا بفضل النصرانية. وزد على ذلك أنه كان في خدمة الملك زهير وابنه قيس النصرانيين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 وكذلك عروة بن الورد موحد في شعره وله في أخباره من أعمال الرحمة على الفقراء والمبوؤسين ما لا يعهد مثله إلا عند من ربوا على التعاليم النصرانية فدعي لذلك عروة الصعاليك وشعره أيضاً خال من كل شرك. أما قيس بن زهير فكان أبوه حليف ملوك الحيرة صاهرة النعمان فتزوج ابنته لشرفه وسؤدده. وقد روى ابن الأثير في تاريخه (1: 2142) أنه بعد حرب داحس والغبراء "تاب إلى ربه فتنصر وساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب". وفي شعر النابغة عدة آثار منبئة بتوحيده وتدينه وتقاه. وقد مدح ملوك غسان والمناذرة النصارى وفي ملوك غسان يقول: مجلَّتهم ذات الإله ودينهم ... قويمٌ فما يرجون غير العواقبِ وهو مديح لايقوله شاعر ما لم يدن بدينهم. وقد ذكر صليب الزوراء في مدحه للنعمان ملك الحيرة النصراني: ظلَّت تقاطيع أنعام مؤبَّلةٍ ... لدى صليبٍ على الزوراء منصوبِ وقال يذكر المصلين من الرهبان الذين شيعوا جنازة الملك الغساني النعمان بن الحارث بن أبى شتمر: فآبٌ مصلُّوهُ بعينٍ جليَّةٍ ... وغودر بالجولان حزمٌ ونائلُ ومن آثار عفَّتهِ الشاهدة له على دينه النصراني وإيمانه بالآخرة قوله: حيَّاكَ ربّي فأنَّا لا يحلُّ لنا ... لهوُ النساءِ وإنَّ الدينَ قد عزما مشمّرين على خوصٍ مزمَّمةٍ ... نرجو الإله ونرجو البرَّ والطُّعما وفي اعتقاده لعزة الله وجلاله يقول: حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً ... وليس وراءَ الله للمرءِ مذهبُ وقد ذكر في شعره الأنبياء كداود وسليمان. كقوله في داليته التي مدح بها النعمان: ألاَّ سليمان إذ قال الإلهُ لهُ ... قم في البريَّةِ فأزجرها عن الفندِ فمن أطاعك فانفعهُ بطاعتهِ ... كما أطاعك وأدللهُ على الرشيدِ وكان الحصين بن الحمام ذبيانياً أيضاً. وفي ترجمته أنه كان يؤمن بالله ويقر بالبعث وبعواقب الإنسان من نعيم وجحيم فقال من أبيات وهو نعم القول (أغاني 12: 128) . فلم يبقَ من ذاك إلاَّ التُّقى ... ونفسٌ تعالج آجالها أمورٌ من الله فوقَ السماءِ ... مقاديرُ تنزلُ إنزالها أعوذُ برّبي من المخزيا ... ت يومَ ترى النفسُ أعمالها وخفَّ الموازينُ بالكافرين ... وزلزلت الأرضُ زلزالها ونادى منادٍ بأهل القبورِ ... فهبُّوا لتبرزَ أثقالها وسعّرت النارُ فيها العذابُ=وكان السلاسلُ أغلالها ومن بني قيس عيلان من غير عبس وذبيان ذو الإصبع العدواني ينتمي إلى عدوان بن عمرو بن سعد بن عيلان. وقد أنسنا في شعره من الآداب والحكم ما حملنا على الترجيح بنصرانيته مع خلوه من كل أثر للشرك. فهو يذكر الله وقدرته على كل ما يشاء. وفي قومه عدوان قد أحصي سبعون ألف غلام أغرل كما روى صاحب الأغاني عن الأصمعي (3: 2) وقد رأينا في إهماله للختانة أثر لنصرانيتهم. 3 شعراء هوازن هوزان يرتقي نسبها إلى حفصة بن قيس عيلان بن الياس بن مضر أدرجنا اثنين من شعرائها في جملة شعراء النصرانية وهما: 1 كعب بن سعد الغنوي (شعراء النصرانية ص746 751) . 2 دريد بن الصمة (شعراء النصرانية 752 783) . في شعر كعب بن سعد من الحكم والعواطف اللينة والحنان ما دفعنا إلى ضمه إلى شعراء النصرانية. ثم إن أخاه أبا المغوار قتل في حرب ذي قار التي كان أكثر محاربيها من القبائل النصرانية. أما دريد بن الصمة فإنه كان سيد قومه بني جشم وفارسهم أدرك الإسلام وحارب محمداً وأنصاره يوم حنين. وفي شعره من الإيمان بالله وذكر الأنبياء ما ينفي عنه الشرك ويدل على أنه أخذ ذلك عن النصارى. وكان أخوه يدعى عبد الله وفي اسمه شاهد على دينه. وقد مدح في شعره بني الديان نصارى نجران. ? 4 مضريون آخرون هم أربعة نظمناهم في سلك كتابنا يرتقي نسبهم إلى الياس بن مضر بن نزار: 1 زهير بن أبي سلمى (شعراء النصرانية ص510 595) . 2 عبيد بن الأبرص (شعراء النصرانية 596 615) . 3 ورقة بن نوفل (شعراء النصرانية 616 618) 4 زيد بن عمرو بن نفيل (شعراء النصرانية 619 622) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 زهير صاحب المعلقة الميمية الشهيرة ومادح السيد بن الحارث بن عوف وهرم بن سنان اللذين سعيا بإصلاح قبيلتي عبس وذبيان بعد حرب داحس والغبراء. كان مؤمناً بالله وبيوم الذين والحساب ومن أقواله في ذلك قوله للمتحاربين ليتركوا كل ضغينة: فلا تكتمنَّ اللهَ ما في صدوركم ... ليخفى ومهما يكتمِ الله يعلمِ يؤَّخرْ فيوضعْ في كتاب فيدَّخر ... ليوم الحساب أو يعجَّل فينقمِ وقال أيضاً: بدا ليَ أنَّ الله حقٌ فزادني ... إلى الحق تقوى الله ما كان بادياً وهو القائل: تزوَّدْ إلى يوم المماتِ فإنَّهُ ... ولو كرهتهُ النفسُ آخرُ موعدِ وقدمنا أن الإيمان بالله وبالحساب قبل الإسلام يشعر بنصرانية قائله. وهو ينسب إلى الله في شعره الحكم في خلائقه مع وجوده إلى الأبد. وكذلك أشار في قصائده إلى أمور من الكتاب المقدس كذكره لفرعون وداود. عبيد بن الأبرص أحد الشعراء الوافدين على ملوك غسان وكندة النصارى وقد مدحهم بشعره. وفي ديوانه ما ينبئ بتوحيده وتقاه واعتقاده للآخرة. كقوله في بائيته الشهيرة: منْ يسألِ الناسَ يحرموهُ ... وسائلُ الله لا يخيبُ بالله يدركُ كلّ خيرٍ ... والقول في بعضهِ تلغيبُ واللهُ ليس لهُ شريك ... علاَّمُ ما أخفتِ القلوبُ وكثيراً ما ينسب إليه تعالى القدرة والبقاء والعلم. فمن قوله: وليفنينْ هذا وذاك كلاهما ... إلاَّ الإلهَ ووجههُ المعبودا وذكر أيضاً في شعره النبي داود. أما ورقة بن نوفل فلا خلاف في نصرانيته فإن عامة الكتبة المسلمين يقرون بذلك كابن قتيبة في المعارف وابن هاشم في سيرة الرسول وقد روينا ما قاله أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني. ومثله ابن الأثير في أسد الغابة (5: 436) قال "إن ورقة كان أمرأ تنصر فيلا الجاهلية يكتب الكتاب العبراني ويكتب من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب". وكان ورقة ابن عم خديجة زوجة رسول الإسلام. وفي شعره ما يثبت صحة دينه. أما زيد بن عمرو بن نفيل فيقال عنه أنه خلع عبادة الأوثان واجتمع بالأحبار والرهبان وضرب في البلاد يطلب الحنيفية دين ابراهيم. وعندنا أن هذه الحنيفية هي إحدى أشيع النصارى. ولو قابلت بين شعره وشعر ورقة وجدت بينهما شبهاً تاماً في كل معانيها وزهدهما وإيمانهما بالإله الواحد وبالبعث والخلود للأبرار في دار النعيم وللكفار في نار الجحيم. رابعاً شعراء اليمن من بني كهلان في القسم الأول من كتابنا خصصنا عدة صفحات لبيان نفوذ النصرانية في اليمن منذ القرون الأولى للنصرانية ولا سيما بعد انفجار سد مآرب بين القبائل المنتقلة إلى شمالي جزيرة العرب وغربيها وجنوبها الشرقي فلا حاجة إلى تكرار ما أثبتناه عن تنصر كندة وقضاعة وغسان والمناذرة، وقد روينا أخبار بعض الشعراء من قبائل يمنية أعني كندة ومذحج وطي. 1 شعراء كندة أشعر شعراء كندة بل وزعيمهم امرؤ القيس الكندي، روينا أخباره بعد أن قدمنا عليها أخبار أعمامه. 1 أعمام امرئ القيس (شعراء النصرانية ص1 5) 2 امرؤ القيس بن حجر (شعراء النصرانية ص6 67) قد سبق لنا في المشرق مقالة مطولة رددنا فيها على مزاعم الأب انستاس الكرملي الذي أدعى أن امرؤ القيس كان مزدكياً فكتب عن ذلك فصلين أثبتناهما في المشرق (8 [1905] : 886 و949) فأبطلنا زعمه وأثبتنا نصرانية امرؤ القيس بعشرة براهين (8: 998 1006) : 1 تفيدنا لمن زعم أنه كان وثنياً أو مذدكياً (999 1002) . 2 خلو شعره من آثار الشرك وعبادة الأصنام. 3 عدة أبيات من قصائده تصرح بتوحيده وإقراره بالبعث والنشور. 4 إشارات واضحة إلى شؤون النصارى وعاداتهم ورهبانهم وزبورهم سبق ذكرها. 5 انتشار النصرانية في كنذة قبيلة امرؤ القيس كما أعلن ذلك عبد المسيح الكندي في معارضته للهاشمي حيث يذكر شرف كندة ويفتخر بدينها المسيحي. 6 خروج امرؤ القيس إلى قيصر الروم يستنجده على قتلة والده حجر، وما كان امرؤ القيس ليفكر في ذلك لولا رابطة الدين بينه وبين ملك الروم الذي كان في ذلك الوقت يدعى يوستنيان العريق في دينه النصراني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 7 كانت عمة امرؤ القيس هند بنت الحارث المعروفة بهند الكبرى وهي زوجة المنذر بن ماء السماء ووالدة عمرو بن هند التي عمرت الدير المنسوب إليها في الحيرة وعلقت عليها كتابة تدعو فيها نفسها "أمة المسيح وأم عبده وبنت عبيده" وبذلك تثبت أيضاً نصرانية أعمام امرؤ القيس الذين ذكرهم. 8 وكذلك أم امرؤ القيس هي فاطمة أخت المهلهل وكليب من قبيلة تغلب النصارى. 9 وقد روينا في المشرق (8 [1905] : 1005) ما نقله فوطيوس في مكتبته عن الأصل اليوناني للمؤرخ نتوز الذي أرسله يوستنيان الملك سفيراً إلى الحبشة وإلى امرؤ القيس الكندي ليوليه على مقاطعات فلسطين (1 وفيه من الشواهد على نصرانية أمرؤ القيس ما لا ينكر. 10 وشفعنا أخبار تلك السفارة بذكر سفارة أخرى رواها المؤرخ يروكوب الشهير في كتابه عن الحرب الفارسية (Procope, B,P, L. 20) قال أنها عهدت إلى يليان من قبل ملك الروم إلى الحبشة والحميرين ليجعلوا الملك على قبائل معد في يد امرؤ القيس الذي كان في الوقت شارداً بين القبائل ويقول عنه بروكوب "أنه كان أحد رؤساء القبائل من نسل كريم وذا بطش في الحرب" وقد أثبتنا كلامه بالحرف في الأصل اليوناني. 2 شعراء مذحج مذحج قبيلة يمينة كبيرة كانت تسكن جنوبي العرب في جهات نجران وفيها انتشرت النصرانية على يد أحد دعاتها الذي يدعوه العرب فيمون، ومنها كان شهداء نجران في عهد ذي نواس، وإليها ينتمي بنو الحارث بن كعب سادة نجران النصارى بناة الكنائس وكعبة نجران (راجع الصفحة 139) ، وقد اخترنا من شعراء مذحج ثلثة وهم: 1 الأفوه الأودي (شعراء النصرانية ص70 74) 2 عبد يغوث (شعراء النصرانية 75 79) 3 يزيد بن عبد المدان (شعراء النصرانية 80 88) كان الأفوه الأودي سيد قومه وفي شعره من الحكم ما يدل على حصافة رأيه وحسن نظره وآدابه، ومثله عبد يغوث كان فارساً مغواراً، أما يزيد بن عبد المدان فكان من إشراف اليمن وسيد مذحج من بني الديان الذين مدحهم الأعشى لجودهم وعزهم، ولا حاجة لإثبات نصرانيتهم مع شهرتها. 3 شعراء بني طي طي إحدى القبائل اليمنية التي صرح كتبة العرب بنصرانيتها قال ابن واضح اليعقوبي في تاريخه (1: 298) : "تنصر من أحياء العرب من اليمن طي ومذحج" راجع أدلة أخرى أثبتناها في ما سبق (ص132) وقد اخترنا من شعراء طي الأربعة الآتي ذكرهم: 1 حنظلة الطائي (شعراء النصرانية ص89 92) 2 قبيصة بن النصراني (شعراء النصرانية ص93 97) 3 حاتم الطائي (شعراء النصرانية 98 134) 4 أياس بن قبيصة (شعراء النصرانية 135 138) حنظلة الطائي هو ذاك الوافد على النعمان يوم بؤسه وفاء بوعده إذ رجع ليقتل بعد غيبته، وكان قيامه بوعده لجل دينه النصراني داعياً لتنصر النعمان، ومات بعد أن ترهب في الدير الذي ابتناه على نفقته. قبيصة بن النصراني أحد بني جرم المشهورين بنصرانيتهم في طي، ذكره مراراً أبو تمام في حماسته، ويدل أسمه على دينه. وكذلك حاتم الطائي نصراني لاشك فيه، فإن إيمانه بالإله الواحد وبالبعث والنشور وإشاراته إلى بعض أمور النصرانية تثبت أمر دينه، وفي سيرته من آثار العفة والكرم ما هو موافق للروح النصراني ولعله اقتبس من الإنجيل قوله: كلوا اليوم من رزق الإله وأيسروا ... وإنَّ على الرحمانِ رزقكمُ غدا وقد صرح الكتبة بنصرانية ابنه عدي الذي وفد على محمد وقيل انه أسلم. وذكر صاحب دائرة العلوم الإسلامية (Encyclopedie de llslam, p138) في ترجمة عدي بن حاتم أن الأب والابن كانا نصرانيين، وسبقه إلى ذلك غانيار (Gagnier) في سيرة محمد الأفرنسية. أما أياس بن قبيصة فهو ابن أخي حنظلة الذي كان وفاؤه داعياً لتنصر النعمان. وكانت أمه أخت هانئ بن مسعود رئيس بني شيبان النصارى، وكان إياس من إشراف الحيرة، ولم يعدلوا عن دينهم لما ظهر الإسلام فإن الطبري يخبر في تاريخه (1: 2018) انهم فضلوا دفع الجزية من البقاء على دين المسيح. 4 شعراء كليب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 إن نصرانية كلب المنتمية إلى قضاعة مما لا يختلف فيه اثنان (راجع الصفحة 137 و138 من كتابنا) ولم نذكر من هذه القبيلة غير زهير بن جناب الكلبي القضاعي (ص205 210 من شعراء النصرانية) ، ولاه أبرهة على بكر وتغلب (ص206 وذلك بسبب نصرانيته ونصرانية بكر وتغلب وكذا يقال عن دخوله على ملوك غسان وبني لحم، وجاء في تذكرة ابن حمدون (نسخة برلين ص215) "أن زهير بن جناب كان سيداً مطاعاً شريفاً في قومه ويقال كانت فيه عشر خصال لم تجتمع في غيره من أهل زمانه كان سيد قومه وشريفهم وخطيبهم وشاعرهم وقائدهم ووافدهم إلى الملوك وطبيبهم (والطب في ذلك الزمان شرفٌ) وجارى قومه إلى كاهنهم وكان فارس قومه وله البيت فيهم والعدد منهم" ثم يورد وصاته لبنيه يحرضهم فيها على الثقة بالله. وبزهير بن جناب ختام فصلنا هذا الذي قدمنا فيه الدلائل على نصرانية الشعراء المذكورين في كتابنا وبه أيضاً نجاز كتاب "تاريخ النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية"، ونكرر ما قلنا سابقاً أننا (أولاً) ذكرنا من شعراء الجاهلية الذين صرح الكتبة بدينهم النصراني، (ثانياً) حققنا نصرانية كثيرين منهم بنصرانية قبائلهم وبخلو شعرهم من آثار الشرك وبتوحيدهم لله واعتقادهم بخلود النفس والثواب والعقاب وبإشاراتهم إلى دين النصارى وكل ذلك لا يمكن تعليله بين عرب الجاهلية إلا بنفوذ النصرانية، (ثالثاً) أخذنا اسم النصرانية بمعناه الواسع سواء كان الشعراء من تبعته المستقيمي الإيمان أو من شيعه الضالة كالاريوسية والنسطورية واليعقوبية، (رابعاً) لسنا لندعي أن هؤلاء النصارى جروا في سيرتهم بكل حرص على نواميس النصرانية لاسيما في أمر الطلاق وفي غزواتهم وأخذهم بالثأر على خلاف التعاليم النصرانية، وغنما تبعوا في ذلك سنن عرب البادية واقتفوا آثارهم وتقلدوا عاداتهم، والعادة كما يعرف طبيعة ثانية يصعب استئصالها وقهرها، (خامساً) وأن وجد أحد في بعض أقوالنا شططاً فمعاذ الله أن نكابر الحق أن بينه لنا أرباب الفضل والعلم، وليس الكمال إلا لله. ملحوظات شتى على كتاب النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية (الصفحة 3 السطر 3 "قبل عشرين السنة") ظهر كتاب شعراء النصرانية سنة 1890. (ص29 س18) ومن أعلام الأمكنة الدالة على نفوذ الرومان بين العرب ما دعاه ياقوت (1: 935) بثمد الروم بين الشام والمدينة. (ص32 س25 نصرانية فيلبوس العربي) يضاف إلى ما ورد هناك في نصرانيته نقود طبعت باسمه مع رموز نصرانية كصورة الطوفان وفلك نوح والحمامة والغراب. وكذلك يشهد على نصرانيته القديس ايرونيموس (De Viris Illustribus, n 54) . (ص34 س1 الكتابات النصرانية في حوران) يتراوح زمن هذه الكتابات بين القرن الثاني للمسيح والقرن الرابع. (ص36 س1 ملوك غسان النصارى) ، النابغة في لاميته يرثي النعمان بن الحارث بن أبي شمر بقوله: فآب مصلُّوهُ بعينٍ جليَّةٍ ... وغودر بالجولانِ حزمٌ ونائلُ قال أبو عبيدة "مصلوه" يعني أصحاب الصلاة وهم الرهبان وأهل الدين منهم (- س11 دير بصرى) قال ياقوت في معجم البلدان (2: 647) "بهذا الدير كان بحيرا الراهب الذي بشر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - " وقال سابقاً (ص645) أن "دير بحيرا هو دير الباعقى قبلي بصري من أرض حوران"، وبقيت النصرانية في هذا الدير بعد الإسلام وذكر ياقوت أن المازني وجد في دير بصرى رهباناً من العرب المنتصرين من بني صادر قال عنهم "وهم أفصح من رأيت" وذكر منهم أمة شاعرة. (- س12 الرهبان في بادية الشام) ذكر سوزومان في تاريخه (ك1 ف13) أنه كان بين تلامذة القديس أنطونيوس الكبير كثيرون من أهل سورية وعربية "Plurimos auditores habuit ex Syria et Arabia". (ص37 س21 نصارى العرب المحاربون مع الرومان ضد المسلمين) قال ياقوت (1: 928) أن غسان وتنوخ لحقوا بهرقل فحاربهم ميسرة بن مسروق، وقال في مادة معان من نواحي بلقاء: "بعث النبي جيشاً إلى موتة فيه زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله ورواحة.. وقيل قد اجتمع من الروم والعرب نحو مائتي ألف". De Goeje; Mem. D Hist, Hist, et de Geogrm 2 ed, 1910; Trois Chefs mu Suimans Furent tues et la victoire resta aux Chretins. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 (ص38: 16 الحارث الأكبر.. الملقب بالأعرج) de Syrie et patrice romain 1855 Aurilm 5 Serie 371 "Harith el A radj roi des Arabes Chretiens M C Dugat. ومما صرح به العرب أن جبلة آخر ملوك غسان مات نصرانياً في القسطنطينية (تاريخ دمشق لابن عساكر 3: 358، وغيره كثيرون) . (ص40 س12 نصارى أورشليم في عبر الأردن) خرجوا بوحي الله إلى مدينة فهيل (Pella) فاستوطنوها، ومنها كان أرستون نحو السنة 140 م الذي ألف كتاباً جدلياً يدعى مباحثة يلسون وبابسكوس وكلاهما يهودي ألا أن أرستون أرتد ورد بمباحثته الجدالية خصمه إلى الأيمان: وذكر العلامة غيرين (Guerin Galilee, 290) ، أنه وجد في فهيل آثار كنيسة ذات ثلث أسواق يرجح أن عهدها راق إلى قرون النصرانية الأولى، وكذلك (I, I, 300) وجد في أم قيس وهي جدر (Gadara) هياكل رومانية حولها النصارى إلى كنائس بعد الاضطهادات وكانت جدر كرسي أساقفة منذ القرون الأولى (سنة 307) ، وكذلك خربة السمرة (Hippias) كانت كرسي أسقفي: حضر أسقفها المسمى بطرس مجمعي سلوقية سنة 359 وأنطاكية سنة 363 ثم تاودوروس حضر مجمع أورشليم 536 ووجد غيرين (I, 313) كنيستين في فيقه (Apheka) وكنيسة في كفر حازب واكتشف في خربة قلعة الحصن (Gamalas) باسيلقية راقية إلى القرون الأولى (I, 319) . (ص41 س15 النبيط أو النبط) للعلامة كاترمار المستشرق الكبير مقالة واسعة في النبط نشرها في المجلة الأسيوية (J, (Asm 2 Seriem XXm 835) يذكر هناك منازلهم في بادية الشام وبين الشام والحجاز ويتسع في لغتهم السريانية ودينهم النصراني وفوائد أخرى عديدة، وقد جاء عن النبط في شعر قديم (أمالي المرتضي 3: 93) : لماَّ رأيتُ نبطاً أنصارا ... شمَّرتُ عن ركبتيَ الإزارا كنت لها من النصارى جارا وقال متمم بن نويرة يذكر طواف النبط حول كنيستهم وقد دعاها بالفدن وهو البنا المشيد والقصر (المفضليات ص69) : بمحدَّةٍ عنسٍ كأنَّ سراتها ... فدنٌ تطيف بهِ النبيطُ مرَّفعُ (ص54 س3 برتلماوس رسول اليمن) يؤيد هذا الرأي فوتيوس في مكتبته (PP, Ge, Migne, LXV, 459 seqq1) حيث روى تبشير الرسول برتلماوس للهند فيصرح بأن الهند المقصودة هنا هي اليمن وأن الذين بشرهم هم العرب المعروفون قديماً بأهل سبأ ثم عرفوا بالحميرين، وقد جنح البولنديون إلى هذا الرأي في ترجمة القديس برتلماوس، وهكذا ارتأوا أيضاً في ما أخبره أوسابيوس عن رحلة بنتانوس إلى الهند قالوا يراد بالهند جنوبي العرب أي اليمن حيث كان بشر برتلماوس الرسول. وكانت هذه الرحلة سنة 189 للميلاد وتوفى بنتانوس نحو السنة 215. (ص55 س18 نصرانية عبد كلال) قال ابن قتيبة في المعارف (ص212) "كان عبد كلال بن مثوب مؤمناً على دين عيسى عم ويسر إيمانه وكان ملكه 74 سنة"، (اطلب أيضاً تاريخ الطبري 1: 881) . (ص60 س7 ذو نواس واضطهاده لنصارى نجران) راجع أيضاً أخباره في تاريخ مكة اللازرقي (ص86) وقدورد الخبر في القصيدة الحميرية على هذه الصورة: أو ذو نؤاسٍ الاخدود في ... نجرانَ لم يخشَ احتمال جناحِ ألقى النصارى في جحيمِ أججت ... بوقودِ جمرِ مضرم لفَّاحِ فتقحَّم البحرَ العميق بنفسه ... وسلاحهِ وجوادهِ السبَّاح فغدا طعاماً بعد عز باذجٍ=للحوتِ من نونٍ ومن تمساحِ ص - س14 (أبرهة الأشرم) قال الأزرقي في تاريخ مكة (ص93) : "كان أبرهة رجلاً حليماً ورعاً ذا دين في النصرانية". (ص64 س14 (القليس) تجد وصف عجائبها في تاريخ مكة للأزرقي (ص86، 88 93) ويذكر هناك أن تلك الكنيسة بقيت إلى أيام أبي جعفر المنصور فأخربها بإغراء بعض اليهود الذي وعده إذا هدمها بأن يملك 40 سنة قال: "وقد أصاب المنصور بهدمها مالا كثيراً"، وذكرها أيضاً ابن الأثير في تاريخه (1: 178) قال عنها: "وهي كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض" راجع أيضاً وصفها في محاضرات ابن العربي (1: 131) وفي معجم البلدان لياقوت (4: 170) وجاء في تاريخ الشيخ أبي صالح الأرمني (طبعة أو كسفرد ص139) في وصفها قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 صفاء اليمن بها الكنيسة المعروفة بالقليس أنشأها إبراهيم ملك اليمن من قبل النجاشي ملك الحبش وهو أبرهة الأشرم، وهذا في الحرب شرمت أنفه فسمي الأشرم، بنى هذه الكنيسة المذكورة وزخرفها بالذهب والأصباغ الحسنة الملونة وبسط أرضها بالرخام الملون وعمد الرخام فيها قائماً ونائماً وجلاها بأحسن الجلاء من الذهب والفضة وسمر الصفائح الذهب بمسامير الفضة والفضة بمسامير الذهب الملوحة وجعل على أبواب المذابح بها صفحات ذهب عراض ورصع فيها الجواهر من الأحجار الكريمة وجعل في وسط كل صفحة من ذلك صليب ذهب وفي وسطه ياقوته بهرمان أحمر شفاف ينبسط جرم تلك الجواهر حولهم بأنوار تشف مختلفة الألوان تذهل الناظرين إليها، وأمر الناس بالحج إليها فتواردوا إليها من كل الجهات وجعل لها حجاباً محكوم الصنعة من خشب الابنوس والساسم مطعم بالعاج الأبيض النقي المنقوش بحسن الصنعة وشاع خبرها في تلك البلاد وسمع بها من يرها وحج إليها كثيرون من الناس وحملوا لها النذور، وكثير من الناس جاوروا هناك ولازموا المقام فيها والمبيت وكان الملك (ص140) رجلاً حكيماً كبير العلوم محباً لله محسناً للناس عادلاً في أحكامه حسن السيرة مكرماً من جميع الملوك ليس له عدو يخشاه لحسن سيره وسيرته كما شهد بذلك تاريخ الطبري وأيضاً أمير اليمن من جهة كسرى أبو شروان (انو شروان) . وروى ياقوت عن السكري (4: 171) أن أبرهة كتب بالمسند على باب القيس: "بنيت هذا لك من مالك ليذكر فيه اسمك وأنا عبدك". (س6 الحارث بنم كعب) قال في الأغاني (10: 144) : "أول من نزل نجران من بني الحارث بن كعب كان عبد المسيح بن دارس بن عربي بن معيفر من أهل نجران وكانت له قبة من 300 جلد أديم وكان على (ص145) نهر نجران يقال له البجيروان (قال) ولم يأت القبة خائف إلا من ولا جائع إلا شبع وكان يستغل من ذلك النهر عشرة آلاف دينار، وكان أول من نزل نجران من بني الحرث بن كعب ابن يزيد بن عبد المدان ابنته رهيمة فولدت له عبيد الله بن يزيد فهم بالكوفة ومات عبد المسيح فانتقل ماله إلى يزيد فكان أول حارثي حل في نجران" (وروى 10: 150) نسب بني عبد المدان فقال: عبد المدان هو عمران وكنيته أبو يزيد وهو ابن الديان بن قطران بن زياد بن الحرث بن مالك بن ربيعة بن كعب بن عمرو. (ص64 س18 كنيسة ظفار) ذكر الرحالة غلازر في كتاب رحلته (Skizze i, 15, 37 أنه وجد سنة 1886 في بريم قريباً من ظفار آثار مسجد ترى في بقاياه نقوش نصرانية، وأعمدته وكواه من الطرز الغوتي مع صلبان منقوشة عليها ويدعو هذا المسجد بمسجد نجيم. (ص66 س8 سيف بن ذي يزن) وقال ابن الأثير قي تاريخه (1: 74) : "تزوج أبرهة ابنة ذي جدن ريحانة وكانت زوجة أبي مرة ذي يزن فولدت له مسروقاً وكانت ولدت لذي يزن ابناً اسمه معدي كرب وهو سيف فقدم ذو يزن الحيرة إلى عمرو بن هند وسأله أن يكتب إلى كسرى ليستنصره على الحبشة فأرسله إلية وأوصاه به فبقي عنده حتى هلك ونشأ ابنه سيف في حجر أبرهة وهو يحسب أنه أبوه إلى أن صدقته أمه ومات أبرهة وابنه يكسوم". (ص67: 9 10 النصارى في اليمن بعد الإسلام) ورد في معجم ما استعجم للبكري (ص419) عن أهل رعاش من أرض نجران أنهم ارتدوا إلى النصرانية فجعل عمر بن الخطاب ذمته منهم بريئة أن أبوا إلا النصرانية، وعلى نصرانية نجران يدل قول أبي زيد العبشمي يذكر ابنه زيداً وكان هاجر إلى اليمن: فما زال يسعى بين نابٍ ودارهُ ... بنجران حتَّى خفتُ أن يتنصَّرا (ص69: 8 15 النصرانية في جزيرة سقطرى) قال ياقوت في معجم البلدان (3: 101 102) : "سقطرى اسم جزيرة عظيمة فيها عدة مدن وقرى تناوح عدن جنوبيها عنها وهي إلى بر العرب أقرب منها إلى بر الهند.. وأكثر أهلها نصارى عرب"، ثم ذكر من سكنها أولاً من الروم حتى قال: "ثم نزلت بهم قبائل من مهرة فساكنوهم وتنصر معهم بعضهم" وفي تواريخ النساطرة أن جثالقتهم أرسلوا أساقفة إلى سقطرى بين القرن التاسع إلى الثالث عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (ص69 س3 جزائر اليمن) من جزائرها جزيرة فرسان ورد في معجم البلدان لياقوت (3: 874) وفي تاج العروس (4: 206) : أنها جزيرة مأهولة ببحر اليمن وسميت ببني فرسان وهي قبائل منهم من ينتسب إلى كنانة ومنهم من ينتسب إلى تغلب، قال ابن الحائك: فرسان قبيلة من تغلب كانوا قديماً نصارى ولهم في جزائر فرسان قد خربت وفيهم بأس". (ص70 س11 سابور ذو الاكتاف في البحرين) قال ابن الأثير في تاريخه (1: 156) : "سابور ذو الأكتاف ابن هرمز بن نرسي.. قطع البحر إلى الخط فقتل من بالبحرين وسار إلى هجر وبها ناس من تميم وبكر بن وائل وعدب القيس فقتل منهم حتى سالت داؤهم وأباد عبد القيس، وقصد اليمامة وأكثر في أهلها القتل وغور مياه العرب، وقصد أياد وتغلب فيما بين مناظر الشام والعرق فقتل وسبي.. وانتقلت أياد حينئذ إلى الجزيرة.. فأبادهم قتلاً إلا من لحق بأرض الروم". (- س13 نصرانية البحرين) ذكر في الأغاني (14: 49) ارتداد أهل البحرين بعد وفاة محمد.. وفي بعض مجاميع مكتبتنا الشرقية "رسالة من أنبا حبيب أسقف تكريت ويعرف بابن رائطة إلى من بالبحرين من نصارى العرب" وفي قوله هذا دليل على أن النصرانية ثبتت في البحرين إلى القرن الثاني عشر. (- س20 25) المنذر بن ساوى) قال ياقوت في معجم البلدان (1: 237) : "أسبذ صاحبها المنذرين ساوى وهو صاحب هجر الذي كاتبه النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأسبذيون ولد عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم"، (قال) : "والغالب على البحرين عبد القيس وهم أصحاب المشقر والصفا حصنين هنالك". (ص71: س3 قطر) ورد ذكر في شعر المثقب العبدي (شعراء النصرانية 404) قال يذكر يوم الحنو: كلَّ يومٍ كان عناَّ حللاً ... غير يوم الحنو من جنبي قطرْ (قال) قطر قصبة عمان (ص72 س3 عبد يشوع السائح) قال ابن ماري في تاريخ بطاركة المشرق (ص28 29) : في أيام البطريرك تومرصا في أواخر القرن الرابع للمسيح ترهب عبد يشوع من ميشان في اسكول مبار عبدا ثم أنه "خرج إلى جزيرة اليمامة فأقام منفرداً وعمد أهلها وبنى دير فيها". (ص72 س5 بنو حنيفة) في تواريخ العرب أن بني حنيفة نزلوا بلاد حجر وهي مدينة اليمامة في البحرين وكان أولهم عبيد بن ثعلبة، وقد رد عبد يشوع السائح بني ثعلبة إلى النصرانية كما روى ابن ماري في تاريخه (ص29) . (- س: 6 هوذة بن علي سيد بني حنيفة) فقال في الغاني (16: 78) وفي تاريخ ابن الأثير (1: 260) أن هوذة كان نصرانياً أمره كسرى أن يغزو بني تميم هو والمكعبر مع عساكر كسرى.. فبعد انتصارهم عليهم وفتح هجر وحصن المشقر أمر المكعبر بغلق الأبواب وقتل كل من بالمدينة وكان يوم الفصح فاستوهب هوذة منه مائة رجل فكساهم وأطلقهم وكان يوم الفصح.. وذكر ابن الأثير وصاحب الأغاني أن كسرى أبرويز ألبسه تاجاً وقيل قلنسوة فيها جوهر فسمي هوذة ذا التاج، ولهوذة أحاديث وشرف ووفادة إلى الملوك من الأعاجم. (ص75 س: 14 أرض بابل) ومما يؤيد انتشار النصرانية هناك استشهاد القديس يوليخرون أسقف بابل في عهد الملك دقيوس قيصر في أواسط القرن الثالث للمسيح، يذكره السنسكار الروماني في 17 شباط. (ص76 س3 4 أياد ... دخلوا الروم فتنصروا) ورد في تواريخ الروم ما يؤيد ذلك قالوا أن عشرين ألفاً من نصارى العجم احتلوا جبال كردستان قبل الهجرة. (ص78 س17 دير الجماجم) ورد في نقائض جرير والفرزدق (ص412) : "إنما سمي ذلك الموضع دير الجماجم لأنه كانت تعمل فيه الأقداح فلذلك سمي دير الجماجم". (ص80 س: 13 الشهيدان عبدون وسنان) في دياميس رومية صورة هذين الشهيدين العربيين رسمها البولنديون في أعمالهم في اليوم الثلثين من تموز. (ص82 س: 3 النعمان الأعور) ذكر قزما الكاهن أن نعمان هذا شفاه القديس سمعان من داء أصابه فتنصر وزهد بالدنيا (اطلب المكتبة الشرقية للسمعاني ج1 ص247) . (ص83 س26 بغداد) قال ابن رسته في كتاب الأعلاق النفسية (ص235) : "لم تكن بغداد في الأيام المتقدمة اعني في أيام الأكاسرة والأعاجم وإنما كانت قرية من قرى طسوج بادوريا.. ولم يكن ببغداد إلا دير على مصب الصراة إلى دجلة وهو الدير الذي يسمى الدير العتيق وهو قائم بحاله إلى هذا الوقت ينزله الجاثليق رئيس النصارى النسطورية.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 (- 11 17 نسطور والنسطورية) قال ابن رسته في الأعلاق النفسية (ص115) : أضافت الملكية العباد من النصارى وهم المشارقة إلى نسطور تقريباً لهم بذلك فسموا النسطورية وكانت رئاسة البطاركة للمشارقة في ذلك الوقت بالمدائن في أرض العراق لداد يشوع يعد يلادها في ملك فارس، والعباد تذكر أن أول البطاركة السريانيين الذين نزلوا كرسي المشرق على قديم الأيام بعد صعود المسيح إلى السماء بنحو 30 سنة فبعث توما أحد الأثني عشر أدي السليح هو ادي برماري من السبعين وهو نصر أهل المدائن وديرقنى وكسكر وغيرها من السواد وبني بيعتين إحداهما بالمدائن دار مملكة فارس يومئذ وجعلها كرسياً لمن يأتي بعده من البطاركة ملك فارس حيث أخذهم التحمس وامتناعهم من ذلك وقتله منهم نحوا من مائتي ألف وغير ذلك من أعيادهم". (- 12 13 مجمع المدائن) اطلب أعمال هذا المجمع في كتاب المجامع النسطورية الذي عني بنشره الأب شابو trais des Mss, de la Bibl, Nat, XXXVII Chabot; Synodes Nestoriens, Notices et Ec وهناك جداول أساقفة كانوا في جهات العرب في العراق والبحرين واليمن. (- س24 ديارات الأساقف بالنجف) روى ياقوت في معجم البلدان في كلامه عن قصر أبي الخطيب أبياتاً تبين انتشار النصرانية في الحميرة وفي نجف وهي لبعضهم قال: يا دارُ غيَّر رسمها ... مرُّ الشمال مع الجنوبِ بين الخورنق والسَّديسر ... م وقصر أبي الخصيب فالمدير فالنجف الأشمُّ ... م جبال أرباب الصليب (ص83 - س19 أديرة العرق) يضاف إلى ما ورد هناك من أسماء الأديار: دير الجاثليق دير قديم البناء قرب بغداد غربي دجلة، ودير الجب شرقي الموصل بينها وبين أربل يقصده الناس لأجل الصرع فيبرأ منه بذلك كثير (ياقوت 2: 651) . دير الجرعة وهو دير عبد المسيح الحيري ذكره سيلمان بن ماري وقال أنه فيه دفن (ص26) دير الدهدار قال ياقوت أنه دير أزلي كثير الرهبان وبناؤه قبل الإسلام، ودير سرجس وبكوس بين الكوفة والقادسية، ودير اللج بالحيرة قال ياقوت (2: 691) "بناه النعمان بن المنذر أبو قابوس في أيام مملكته، ولك يكن في ديارات الحيرة أحسن بناء منه ولا أنزه موضعاً". (ص84 س7 تكريت) قال ياقوت (1: 381) : "تكريت اصل بنائها بعد تنصر مرزيان مجوسي خطب لنصرانية" قال: "وكان هناك حي للنصارى". (س85 س16 الكنائس والبيع) يضاف إلى ما ذكرنا هناك بيعة خالد بن عبد الله القسري أمير الكوفة قال ياقوت (1: 696) "بناها لأمه وكانت نصرانية" ثم "بيعة عدي بن الرميك اللخمي بالكوفة ذات أشجار ونخل كثير". (ص86 س3 4 أساقفة العراق العربي) نشر هذا الجدول المستشرق الإيطالي الشهير أغناسيو غوديدي في المجلة الأسيوية الألمانية (411 ZDMG, XLIII, pp, 393) . (- س 10 البيعة الشرقية) أي النسطورية قال المسعودي في مروج الذهب (2: 328) : "المشارقة هم العباد الملقبون بالنسطورية"وقال عن عدي ين زيد "أنه كان عبادي المذهب وهم النسطورية من النصارى". (ص87 س16 بهرام عدو النصارى) قد روى ثادووريطس معاصرة في تاريخه الكنسي (Theodoeret; H, Em I v, c 38) الاضطهاد الذي أحدثه ضد النصارى. (- س22 نعمان الثاني ابن شقيقة) قيل أنه صاحب الخورنق بناه له سنمار لبن يزدجرد بهرام جور، غزا الشام مراراً وفتك بأهلها، وشقيقة أمه ابن أبي ربيعة ابن ذهل بن شيبان (راجع ابن الأثير 1: 156) (ص89 س15 تنصر المنذر) قال أبو الفداء في تقويم البلدان (ص299) : كانت (الحيرة) منازل آل النعمان بن المنذر وبها تنصر المنذر بن امرؤ القيس وبنى بها الكنائس العظيمة". (ص91 س90 وفاة المنذر بن ماء السماء في يوم حليمة) ويقال أن المنذر بن ماء السماء قتل قبل ذلك في يوم عين أباغ في واد وراء الأنبار على طريق الفرات إلى الشام قتله الحارث الأعرج بن أبي شمر الغساني، وأما المقتول في يوم حليمة فهو ابنه المدعو مثله أيضاً بالمنذر قتل بمرج حليمة قتله الحارث أيضاً، وحليمة هذه هي ابنته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 (- س14 هند الكبرى) جاء في نقائض جرير والفرزدق (ص267) أفادت عنها فيروى هناك أن سفيان بن مجاشع بن دارم أحد أجداد الفرزدق سعى بتوطيد السلام بين الحارث بن عمرو الكندي والمنذر بن ماء السماء وذلك بأن خطب ابنة الحارث هنداً فزوجها المنذر فتهادن الملكان وطفئت النائرة بينهما، وهند هي أم الملك عمرو بن هند. (ص92 س1 هند بنت النعمان بن المنذر) هند هذه المعروفة بالحرقة هي غير هند الكبرى، ولهما سمية ثالثة هي هند بنت المنذر بن ماء السماء، قال ابن الأثير يذكر يوم عين أباغ بينه وبين الحارث الأعرج الغساني (1: 222) أن سبب هذه الحرب أن الحارث خطب إلى المنذر ابنته هنداّ فوعده بها وكانت هند لا تريد الرجال وصنعت بجلدها شبه البرص فندم على تزويجها وردها عن ملك غسان فصارت الحرب بسبب ذلك، فترى أن في روايات المؤرخين عن الهنود بعض الاضطراب والتناقض. (- س4 وتنصر النعمان) فيه يقول النابغة: ظلَّت أقاطيعُ أنعامٍ مؤبلةٍ ... لدى صليبٍ على الزوراءِ منصوبِ أراد بالزوراء الرصافة وكانت للنعمان، قال ياقوت في معجم البلدان (2: 955) : "وكان عليها صليب لأنه كان نصرانياً" قال النابغة (البيت) ولعله النعمان الذي أشار إليه خداش بن زهير العامري بقوله (خزانة الدب 1: 92) . وبالمروة البيضاء يومُ تبالةٍ ... ومحسبةُ النعمان حيث تنصَّرا وقد ذكر البكري أبا قابوس النعمان بن منذر في معجم المستعجم في وصفه لدير اللج (ص366) وكان النعمان بناه في جهات الحيرة قال: "وكان النعمان يركب في كل عيد ومعه أهل بيته.. عليهم حلل الديباج المذهبة وعلى رؤوسهم أكاليل الذهب وفي أوساطهم الزنانير المفضضة بالجوهر وبين أيديهم أعلام فوقها صلبان الذهب فإذا قضوا صلاتهم انصرفوا إلى مستشرفه ... ". (ص95 س6 القبائل المنتصرة) قال الجاحظ في كتاب الحيوان (7: 66) : من العرب ممن كان لا يرى للحرم ولا لشهر الحرام حرمة (وهم المطبقون على عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - والكفر به والمحلون) طي كلها وخثعم كلها وكثير من أحياء قضاعة ويشكر والحارث بن كعب هؤلاء كلهم أعداء الدين والنسب هذا إلى ما كان في العرب والنصارى والذين يخالفون دين مشركي العرب كل الخلاف كتغلب وشيبان وعبد القيس وقضاعة وغسان وسليم والعباد وتنوخ وعاملة ولخم وجذام وكثير من بلحارث بن كعب وهم خلطاء وأعداء..". (ص99 س19 سرجيوس) ، وكان على اسم مار سرجيوس أو ماسرجيوس (ويقال ماسرجيس) دير ذكره عبد الله بن العباس الربعي في الأغاني (17: 129) : بين وردٍ وبين آسٍ جنَّيٍ ... وسط بستان ديرِ ماسرجيسِ (- س20 الرصافة) هي التي تعرف برصافة هشام غربي مدينة الرقة، وكان أهلها العرب عريقين بالنصرانية وبقوا على دينهم بعد الإسلام بزمن طويل كما يشهد على ذلك ابن بطلان في رحلته سنة 440 هـ? (1048 م) حيث قال (معجم البلدان 2: 785) يصف قصر الرصافة: "وهذا القصر حصن دون دار الخلافة ببغداد مني بالحجارة وفيه بيعة عظيمة ظاهرها بالفص المذهب أنشأها قسطنطين بن هيلانة، وسكان هذا الحصن بادية أكثرهم نصارى.." أما الدير فيقول عنه ياقوت أنه: "من عجائب الدنيا حسناً وعمارة". (ص102 س5 السماوة) هي البادية الواقعة بين الكوفة والشام كان يسكنها بنو كلب. (ص103 س4 النصرانية في تدمر) روى السمعاني في المكتبة الشرقية (4: XIV) لعمرو بن متى أن يهوذا بن يعقوب الملقب لبي ذهب إلى تدمر ليبشر فيها بالمسيح. (- س21 كتابة زبد) هذه الكتابة أوسع باليونانية وخطها العربي قليل الوضوح لم يتفق المستشرقون في تفسيره، ويؤخذ من اليونانية أن الذين أقاموا هذا الأثر لذكرى القديس سرجيوس البرديوت يوحنا بن بركة وسركيس بن سركيس وغيرهما وأن الذي عني بهندسته سمعان بن عمرو ولانديوس، وفي صدر الكتابة السريانية البسملة النصرانية "المجد للآب وللابن والروح القدس". (ص108 س3 6 أيلة وصاحبها) أيلة اليوم خراب وقامت عقبة مقامها على بعد كيلو مترين منها، وكانت قبل الهجرة فرضة حافلة تقصدها سفن اليمن والهند والصين وتأتيها من البر قوافل الشام (Cfrm Itinerarium Antoninm Pp 42 et 44) وأما صاحبها يوحنا أو يحنة بن رؤبية فقد دعاه السعودي في كتاب التنبيه والإشراف (ص272) أسقف أيلة، وقد جاء في أحد كتب المجامع الدينية ذكر "أسقف أيلة والشراة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وقد ذكر البلاذري في فتوح البلدان (ص59) قبل أيلة تبالة وجرش ثم ذكر معها اذرع ومقنا والجرباء وكلها كانت حافلة بالنصارى. (- س16 19 دومة الجندل وصاحبها أكيدر) جاء في معجم البلدان لياقوت (2: 626) أن بني كنانة من كلب كانوا في دومة الجندل وان فيها "كان حصن مارد وهو حصن أكيدر" وفي تهذيب الأسماء للنووي (ص162) "قال الخطيب في كتابه أسماء البهمة "كان أكيدر نصرانياً ثم أسلم وقيل بل مات نصرانياً، هذ1 كلام الخطيب وقال أبو عبد الله بن منده وأبو نعيم الأصبهاني في كتابهما في معرفة الصحابة أن أكيدر هذا اسلم وأهدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلة سيراً، فوهبها لعمر ابن الخطاب رض، قال ابن الأثير: أما الهدية والمصالحة فصحيحان وأما الإسلام فغلطا فيه فإنه لم يسلم بلا خاف بين أهل السير ومن قال أنه أسلم فقد أخطأ خطأً فاحشاً، (قال) وكان اكيدر نصرانياً فلما صالحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد إلى وطنه وبقي فيه ثم أن خالداً حاصره في زمن أبي بكر الصديق وقتله مشركاً نصرانياً، وكان قبله على أيلة أصبغ بن عمرو والكلبي وكان نصرانياً". (ص114 س21 أبو عامر الراهب) هو أبو عامر بن صيفي خرج في أحد لمقاتلة محمد رسول الإسلام ومعه الجيش وعبدان أهل مكة (اطلب الغاني 14: 17 وسيره الرسول لابن هشام 561) ، وجاء في مواسم الأدب للسيد جعفر البيتي. (2: 202) : "أبو عامر الأوسي (وابنه هو حنظلة غسيل الملائكة) ترهب في الجاهلية ولبس المسوح فلما قدم - صلى الله عليه وسلم - المدينة كان له معه خطب وخرج في 50 غلاماً إلى الشام ومات على النصرانية. ومن الأوس النصارى أبو قيس صيفي بن الأسلت (أسد الغابة ابن الأثير (5: 278) : "وهو أحد بني وائل بن زيد هرب إلى مكة وكان فيها مع قريش وقيل أن اسمه الحارث وقيل عبد الله.. والصحيح انه لم يسلم وقد كان قبل الهجرة يتأله". (ص115 س4 النصارى في المدينة قبل الإسلام وفي أوائل ظهروه) ، ومما يدل على ذلك ما ذكره البخاري في صحيحه (3: 41 42) حيث روى أن نبيط الشام كانوا يأتون إلى المدينة ويتاجرون مع محمد بالحنطة والشعير والزيت والزبيب، وذكر عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب (2: 155) أن عمر بن الخطاب استعمل أبا زبيد الشاعر النصراني على صدقات قومه وأن عثمان بن عفان كان يقربه ويدني مجلسه وكل ذلك في المدينة، ولما ماتت في المدينة أم الحارث بن عبد الله أحد سادات قريش وكانت نصرانية وجدوا الصليب في عنقها بعد موتها (الأغاني 1: 32 وتاريخ ابن عساكر 3: 448) فو كلوا إلى أهل دينها القيام بجنازتها ففعلوا. (- س17 18 الحديث لأخرجن النصارى واليهود من جزيرة العرب) هو حديث مصنوع كما ترى مما تقدم ومما أثبتناه في هذا الفصل عن النصرانية في المدينة، ولا شك فيه أن النصارى في أيام بني أمية كانوا يسكنون المدينة ومكة، وجاء في الأغاني (4: 156) أن مروان بن الحكم اتخذ كشرط لهل المدينة مائتين من أهل أيلة النصارى، وروى أيضاً (2: 121 و127) دخول حنين الحيري المغني النصراني إلى مكة والمدينة وغناءه فيهما، وقد جاء في كتاب المقدسي أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم (ص95) قوله عن جزيرة العرب "أن اليهود بها أكثر من النصارى" وفي دليل على وجود الملتين فيها حتى القرن الرابع للهجرة والعاشر للمسيح. (ص116 س18 23 النصرانية في جرهم الثانية) في بعض روايات العرب ما يشير إلى ذلك كقول هشام في معجم البلدان لياقوت (3: 635) : "جرهم بن فائج وبنوه أنطقهم الله بالزبور فهم الثاني ممن تكلم بالعربية ولسانهم الزبور وكتابهم الزبور" وروى الأزرقي في تاريخ مكة (ص366) عن ابن عباس ما يشير إلى التبشير بالنصرانية في مكة منذ عهد رسل المسيح بقوله: "حج الحواريون فلما دخلوا الحرم مشوا تعظيماً للحرم"، وفي التاريخ المذكور (ص42 43) أنه "لما هدموا الكعبة وجدوا في ركنها كتابة سريانية فسألوا عنها رجلاً من أهل اليمن وآخر من الرهبان ثم روى مضمونها بروايات مختلفة منها ما هو حرفه: "من يزرع خيراً يحصد غبطة ومن يزرع شراً يحصد ندامة تعملون السيئات فلا تجزون الحسنات أجل كما لا يجتنى من الشوك العنب" وهذا كما ترى مأخوذ من كلام الإنجيل، وجاء هناك "أن هذه الكتابة وجدت أربعين عاماً قبل مبعث النبي في عام الفيل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 (ص118 س2 تنصر قسم من قريش) منهم الخريت بن راشد الناجي قال المسعودي في مروج الذهب (4: 418) يذكر محاربة الخريت لعلي بن أبي طالب سنة 38 للهجرة: ومضى الحارث (والصواب الخريت) بن راشد الناجي في ثلثمائة من الناس فارتدوا إلى دين النصرانية وهم من ولد سامة لؤي بن غالب عند أنفسهم" فقوله ارتدوا إلى دين النصرانية يدل على انهم كانوا سابقاً نصارى (اطلب في الكتاب الصفحة 140 ما قال الطبري في ناجية وهو ينسبهم إلى تميم لكن أبا سعيد السمعاني في الأنساب ص2: 550 والسيوطي في لب الألباب (ص258) وغيرهم يجعلونهم من بني سامة القريشيين. (- س15 16 تعظيم اليهود والنصارى للكعبة) زد على ما روينا ما ذكره ياقوت في معجم البلدان في وصف مكة قال: "من سائر البلدان تحج إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم" وذكر ابن فقيه في مختصر كتاب البلدان (ص19) أن أحد ملوك الحيرة بعد تنصره حج إلى الكعبة. (- س17 موقف النصراني) قاله في التاج (3: 140) في كلامه عن بطن محسر قال "هو واد قرب مزدلفة بين عرفات ومنى وفي كتب المناسك هو وادي النار وقيل لأنه موقف النصارى، وانشد عمر رض حين أفاض من عرفة إلى مزدلفة وكان في بطن محسر: إليك يعدو قلقاً وضينا ... مخالفاً دين النصارى دينا أما "مقبرة النصارى" المذكورة هناك فهي التي دعاها عبد الله بن الزبير (الأغاني 13: 40) "بمقابر المشركين"، وقرب مكة أيضاً "ذات حبيس" اسم مكان جاء ذكره في الحديث (تاج العروس 4: 135) ولعله سمي بذلك لحبيس من رهبان النصارى نسك هناك. (ص119 س1 2 الحنيفية شيعة نصرانية) ورد في شعر جرير ما يؤيد ذلك حيث يهجو بني درهم أصهار الفرزدق (اطلب نقائض جرير والفرزدق ص595) وحالفتمُ للُّؤمِ يا آلَ درهمٍ ... حلافَ النصارى دين من يتخَّفا (- س6 الأيمن بن خريم) هو من الصحابيين ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق (3: 186 189) وروى بيته الأول مصحفاً "لم يطف بها جنيف ولم يسفر دمشق بها ساعدٌ قدر". (- س20 عبيد الله بن حجش) قال الطبري في تاريخه (3: 2445) "كان عبيد الله ابن جحش هاجربام حبيبة معه (وهي ابنة أبي سفيان) إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية فتنصر وارتد عن الإسلام" وابنته زينب بنت جحش كانت زوجة زيد بن حارثة مولى محمد نبي الإسلام وكان نصرانياً ثم تزوجها محمد في حياة زوجها. (ص120 س6 عثمان بن الحويرث) كان من قريش وذكر الفاكهي في كتابه المنتقى في أخبار أم القرى (ص143 144) أن قيصراً ملك الروم ملكه على قريش بمكة بكتاب مختوم في أسفله بالذهب" وقال ياقوت في معجم البلدان (1: 128) وكان عثمان بن الحويرث هجاء لقريش عالماً بمثالبها". (- س13 أبو قيس صرمة بن أبي أنس) كان من بني النجار اختلفوا في اسمه فقالوا صرمة بن أنس وصرمة بن قيس وصرمة بن أبي انس، ومن أقواله الدالة على نصرانيته. أقولُ إذا صلَّيتُ في كلّ بيعةً ... حنانيك لا تظهر عليَّ الأعاديا ومن حكمه قوله: يقولُ أبو قيسٍ واصبحَ ناصحاً ... ألا ما استطعتم من وصاتيُ فافعلوا أوصيتكمُ بالله والبرّ والتقى ... وأعراضكم والبرُّ بالله أوَّلُ وإن قومكم سادوا فلا تحسدُّنهم ... وإن كنتم أهل الرئاسةِ فاعدلوا وقال في نصرانيته عنه تعالى: ولهُ شمَّس النصارى وقاموا ... كلَّ عيدٍ لهُ وكلّ احتفالِ (ص120 س16 زيد بن حارثة) كان هذا نصرانياً من بني كلب أسره غزاة من العرب فباعوه في عكاظ واشترته خديجة وأهدته زوجها محمداً رسول الإسلام فأخذ زوجته زينب، ومن موالي محمد النصارى شقران وكان عبداً حبشياً لعبد الرحمان بن عوف فأهداه نبي المسلمين (أسد الغابة لابن الأثير 3: 2) حضر موت محمد ومات بالمدينة ومنهم عداس، قال ابن الأثير (3: 289) : "كان مولى شبيبة بن ربيعة بن عبد شمس من أهل نينوى الموصل كان نصرانياً". ومن موالي محمد النصارى أيضاً أبو لقيط قال ابن الأثير (5: 286) : "كان حبشياً وقيل كان نوبياً من موالي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقي إلى أيام عمر بن الخطاب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 (- س17 عتبة بن أبي لهب) قال أبو الفرج في الأغاني (15: 2) : "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج عتبة إحدى بناته فلما بعثه الله تعالى نبياً أقسمت عليه أم جميل أن يطلقها فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقف عليه فقال: يا محمد اشهد أني نصراني قد كفرت بربك وطلقت ابنتك فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. فبعث الله عز وجل عليه أسداً فافترسه" (كذا) . وذكر السيد جعفر البيتي في مواسم الدب (2: 202) عتبة آخر نصرانياً وهو عتبة بن أبي ربيعة قال: "لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بالطائف لما خرج يدعوهم قتل يوم بدر على النصرانية". ومن نصارى قريش النضر بن الحارث بن كلدة الذي أمر بقتله محمد وكان النضر ابن خالته معادياً له ثم ندم على قتله بعد أن سمع عتاب أخته قتيلة (راجع الأغاني 1: 10) وأبوه الحارث هو المعروف بطبيب العرب وكان كلاهما نصرانياً، وكان في مكة في عهده طبيب نصراني آخر وهو أبو داود عبد الرحمان مات نصرانياً. (ص121 س4 كتاب الخراج) هو كتاب الإمام أبي يوسف يعقوب وضعه لهارون الرشيد. (ص124 س2 قبائل العرب المنتصرة) مما لا ينكر أن النصرانية كانت غلبت على الحيرة حاضرة ملوك المناذرة منذ القرن الرابع، وقد أثرت نصرانيتها في كثير من قبائل العرب التي كانت تسكنها أو تتردد إليها، قال ياقوت في معجم البلدان (2: 278) : "صار في الحيرة من جميع القبائل من مذحج وحمير وطي وكلب وتميم ونزل كثير من تنوخ الأنبار والحيرة إلى طف الفرات وغربيه.. ثم كره كثير من تنوخ المقام في العراق وان يدينوا الأردشير فلحقوا بالشام وانضموا إلى ما هناك من قضاعة، واهل الحيرة ثلثة أصناف، فثلث تنوخ وهم أصحاب المظال ينزلون غربي الفرات فيما بين الحيرة والأنبار فما فوقه، والثلث الثاني العباد وهم الذين سكنوا الحيرة وتعبدوا لملكها، والثلث الثالث الأحلاف الذين لحقوا بالحيرة". (ص124 س14 الأوس) من زعماء بني أوس النصارى عبد الحرث بن عبد المسيح الأوسي الذي قتل يوم مرج راهط (الأغاني 20: 128) وقد ذكر ياقوت في معجم البلدان (4: 463) الأوس والخزرج وحلولهم المدنية بعد مقاتلتهم لليهود فيها بمساعدة مالك بن عجلان وأبي جبلة الغساني، وفي هذا الخبر ما يشعر بنصرانية القبيلتين ولولا دينهما لما قدم أبو جبلة للدفاع عنهما. (- س17 أياد) مما يثبت أيضاً نصرانية أياد عدة أديرة بنوها في ديارهم وذكرها ياقوت في معجم البلدان كدير السوا (2: 672) ودير قرة (2: 675) وغيرهما، وقد ذكر الفاسي في شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام (ص134 و137 ed Wusten) Feld ولاية أياد بن نزار للكعبة بعد جرهم وقبل قريش، وذكر هناك أحد أمرائهم دعاه وكيع بن سلمة (قال) كان من الصالحين بنى صرحاً وجعل فيه سلماً كان يرقاه ليناجي الله تبارك وتعالى وإليه أشار شاعر من بني أياد بشر بن الحجر قال: ونحن أيادٌ عبادُ الإله ... ورهط مناجيهِ في السلَّمِ ونحنُ ولاةُ حجابٍ العتيق ... زمان النخاع على جرهمِ (قال) وقامت نائحة وكيع على أبي قبيس فقالت: لا هلك الوكيع أخو أياد ... سلامُ المرسلين على وكيع مناجي الله مات فلا خلودٌ ... وكلُّ شريف قومٍ في وضوعِ ففي هذا الخير ما يشعر بنصرانية أياد ولعل وكيعاً أحد الرهبان المتنسكين في الصوامع، ومن ظريف ما رواه ياقوت في معجم البلدان (1: 869) عن أحد بني أياد الذي وقع أسيراً في أيدي المسلمين فعرض عليه الخليفة الأموي أن يجحد النصرانية فأبى قائلاً: ما كنت لرجع عن ديني، فأقبل به هشام وأدبر وهو يأبى فأمر بضرب عنقه وكان في طريقه دخل كنيستي الرها فصلى فيهما. (ص125 من 7 بهراء) أطلب ما ورد عن نصرانية قبيلة بهراء في مجموعة مكتبنا الشرقي ج1 ص272 (MFO, I, 272) وكتاب العلامة رينه دوسو عن النصيريين Dussaud; Hist. Et Religion des Nosairism P. 68, 95 etc) ومما ورد في المسالك والممالك لبن حوقل (ص18) : "وبعض العرب تنصر ودان بدين النصرانية مثل تغلب في ربيعة بارص الجزيرة وغسان وبهراء وتنوخ بارص الشام".ط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 (- س17 تغلب) قال ابن خلدون في تاريخه (2: 301) : "وبنو وائل بطن عظيم متسع أشهرهم بنو تغلب وبنو بكر بن وائل.. فلبني تغلب شهرة وكثرة وكانت بلادهم بالجزيرة الفراتية بجهات سنجار ونصبين وتعرف بديار ربيعة وكانت النصرانية غالبة عليهم لمجاورة الروم" ومما روى في الأغاني (16: 53) قتل محمد نبي الإسلام لأحد رؤساء تغلب لثباته على دينه، جاء هناك: "قال أبو عمرو: وكان لتغلب رئيس يقال له الجرار وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي الإسلام وامتنع منه فيقال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث إليه زيد الخيل وأمره بقتاله فمضى زيد فقاتله فقتله لما أبى الإسلام" ومما انشد الفرزدق في مديح تغلب قوله (النقائض ص888) : لولا فوارسُ تغلبَ ابنهِ وائلٍ ... نزل العدوُّ عليك كلّ مكانِ حبسوا ابن قيصرَ وابتنوا برماحهم ... يوم الكلاب كأكرمِ البنيانِ قوم إذا وزنوا بقومٍ فضّلوا ... مثليْ موازنهم على الميزانِ ويدل على ثبات تغلب في نصرانيتها أنهم تقربوا إلى الفرنج في زحفاتهم على الأراضي المقدسة وقد ذكر المقريزي في الخطط انهم كانوا جذام سنة 577 هـ? يرسلون لهم الغلات. (ص126 س10 تميم) جاء في الأغاني (8: 189) عن تميم ما حرفه: "أن نبي تميم كانوا وثبوا على البيت قبل الإسلام بمائة وخمسين سنة فاستلبوه وأجمعت العرب عليها لما انتهكت ما لم ينتهكه أحد قط فأجلتها من أرض تهامة"، وقد افتخر جرير في شعره بأن تميماً أجداده كانوا ينتسبون إلى إسحاق بن إبراهيم الخليل وليس لاسمعيل (نقائض جرير ص994) وقال: أبونا أبو إسحاق يجمعُ بيننا ... أبٌ كان مهدياًّ نبياًّ مطهَّرا فيجمعنا والغرَّ أبناءَ سارةٍ ... أبٌ لا نبالي بعدهُ من تغدَّرا (ص126 س23 من سمي بمحمد في الجاهلية) قد أحصى أبن بري منهم كما ترى سبعة، وقد جعلهم غيره ثلثة فقط كابن قتيبة في المعارف وابن خلكان في تراجم الأعيان والسهيلي في الروض وابن فورك في الأصول (مواسم الأدب للبيتي 2: 108) وهم محمد بن سفيان جد الفرزدق التميمي ومحمد بن أحيحة بن الجلاج أخو عبد المطلب بن هاشم لأمه ومحمد بن عمران بن ربيعة، وجاء في كتاب أنساب الإشراف للبلاذدري (Ms de Gotham FF, 355, ZDMGm 1884m P. 389) أنهم ستة: "محمد بن سفيان ومحمد بن الحرماز ومحمد الشويعر بن حمران الجعفي ومحمد بن عقبة ابن احيحة بن جلاح الأوسي ومحمد بن مالك التميمي ومحمد بن مسلمة الأنصاري"، أما سيرنغر في سيرة محمد (A, Sprenger I, 161) فإنه بلغ عدد المسمين بمحمد في الجاهلية عشرة أولهم محمد الخزاعي السلمي الذي رحل إلى أبرهة ملك الحبشة في اليمن وتنصر ثم محمد بن سفيان أسقف بني تميم، ثم محمد الهمداني ومحمد الأسيدي ومحمد العكيمي ومحمد بن أسامة السعدي ومحمد بن لجلج ومحمد بن حارث ومحمد بن عمر ابن مغفل ومحمد بن أحيحة بن الجلاح. (ص127 س1 تنوخ) أطلب أيضاً لنصرانية تنو خ مجلة الإسلام الألمانية (Der Islam IV, P, 387) ومن تنوخ كان حي بني ساطع ذكرهم البكري في الحيرة يعرف بدير حنة قال: "تحاذيه منارة عالية كالمرقب تسمى القائمة لبني أوس ابن عمرو". (- س15 نصرانية جذام) ذكرها أيضاً الجاحظ في كتاب الحيوان (7: 66) اطلب كذلك مجموعة مكتبنا الشرقي (MFOm V, 588 - 619) . (- س21 نصرانية جرم) ابتنى سنة 320 يوحنا الكشكراني ديراً في ديار بني جرم (اطلب أخبار فطاركة كرسي المشرق لماري بن سليمان ص36) وقد بقيت آثاراً النصرانية في جرم بعد الإسلام، ومما أخبره المقريزي أن بني طي وجرم وثعلبة حالفوا الفرنج لما قدموا إلى الشام وفتحوا القدس وسواحل الشام (Quatremere II, 190 - 1 Memoirrs de) . (ص128 س8 بنو المسط والحداء) روى البيتين في معجم البلدان في وصف زورة مع غيرهما (2: 957) ونسبهما الجاحظ في متاب الحيوان (5: 52) لأبي الطحمان الأسدي وهو يروي: "بنو الصلب والحداء"، وفي كتاب البيان للحاخظ (2: 71) ويروي لبشر بن الخازم في مدح بني حداء قوله: لله درَّ بني حدَّاء من نفرِ ... وكلُّ جارٍ على جيرانهِ كلبُ إذا غدوا وعصيّ الطَّلخ أرجلهم ... كما تنصَّبُ وسط البيعة الصلبُ (ص129 س17 حنيفة) هو حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل وحنيفة أخو عجل بن لجيم وإليهم أشار الأخنس بن شهاب بقوله عن بني بكر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وبكرٌ لها ظهرُ العراق وأن تشأ ... يحلْ دونها من اليمامةِ حاجبُ راجع المفضليات (ص415) ، وكانت حنيفة تسكن أيضاً الرصافة وكانوا أقاموا عليها صليباً في أيام النعمان لأنه كان نصرانياً (معجم البلدان 2: 155) ولما ظهر الإسلام ردوا دعوة رسوله وقد جاء في سيرة النبي لابن هشام (ص283) : "قال ابن إسحاق وحدثني بعض أصحابنا عن عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى بني حنيفة في منازلهم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فلم يكن أحد من العرب أقبح رداً عليه منهم". (ص131 س3 سليح) ذكر ياقوت في معجم البلدان (2: 185) حاضر قنسرين ومن يقيم به من العرب قال: "قال أحمد بن يحيي بن جابر كان حاضر قنسرين لتنوخ منذ أول ما تنخوا بالشام ونزلوه وهم في خيم الشعر ثم ابتنوا به المنازل، ولما فتح أبو عبيدة قنسرين دعا أهل حاضرها إلى الإسلام فأسلم بعضهم وأقام بعضهم على النصرانية فصالحهم على الجزية وكان أكثر من أقام على النصرانية بني سليح بن حلون بن عمران بن الحاف بن قضاعة، واسلم من أهل ذلك الحاضر جماعة في خلافة المهدي". (ص131 س18 شيبان) من نصاراها الأشراف عمير بن السليل أبن أخي بسطام بن قيس ومنهم مفروق وكان من رجالهم لساناً وبياناً (ابن دريد في الاشتقاق) . (ص132 س7 - 8 هانئ بن قبيصة) تجد شيئاً من أخباره في معجم البلدان لياقوت في مادة "الغبيطان" (3: 774) وفي مادة "قار" (4: 10) . (- س10 ضبيعة) ذكر الطبري في تاريخه (1: 2032) ضبيعة في جملة نصارى العرب مع بني عجل وتيم اللات. (- س13 طيء) كانت طيء تسكن في نجد شرقي مدائن صالح في جبلي اجأ وسلمى، ومن جبالهم ملكان كان يقال له ملكان الروم، قال ياقوت (4: 272) : "دعي بذلك لأن الروم كانت تسكنه في الجاهلية" وكان قسم من بني طي يسكنون الحيرة ذكرهم في الأعلاق النفيسة لابن رسته مع نصارى تميم وسليم قال (ص309) : "وعلية أهل الحيرة نصارى فمنهم من قبائل العرب على دين النصرانية من بني تميم آل عدي بن زيد العبادي الشاعر ومن سليم ومن طيء ومن غيرهم". (ص134 س9 تسمية نصارى الحيرة بالعباد) ذكر البكري في معجم ما استعجم (ص18) سبباً آخر لتسميتهم بالعباد قال: "قال أحمد بن أبي يعقوب إنما سمي نصارى الحيرة العباد لأنه وفد على كسرى خمسة منهم فقال لأحدهم: ما اسمك قال عبد المسيح، وقال للثاني: ما اسمك؟ قال: عبد ياليل، وقال للثالث: ما اسمك، قال: عبد يسوع، وقال للرابع: ما سامك: قال: عبد الله، وقال للخامس: ما اسمك، قال: عبد عمرو، فقال كسرى انتم عباد كلكم فسموا العباد". (- س14 عبد القيس) راجع ما كتبه عنهم ركندورف في دائرة علوم الإسلام (Encycim de lislam I, 46 - 47) . (- س17 بحيرا الراهب) ذكره الطبري في تاريخه (1: 1124 1125) وروى ما يتناقله المسلمون عنه وعن اجتماع بني المسلمين به عند رحلته إلى الشام إذ كان ابن اثنتي عشرة سنة، وقال السيد أبو جعفر البيتي في مواسم الأدب (2: 202) انه كان يسمى جرجس وأما النصارى فيدعونه نسطوريوس ويروون قصته مع نبي المسلمين على خلاف ما يذكرها مؤرخو الإسلام، راجع الرسالة عبد المسيح الكندي إلى الهاشمي طبعة لندن سنة 1885 (ص128 130) . (ص134 س20 الرئاب الشني) اطلب كتاب الأغاني (15: 76) . (ص135 س10 11 خالد بن سنان) قرانا في أحد مخطوطات باريس (Ms, 2455m FFm 2) أنه كان من ولد اسمعيل وعاش بعد المسيح بثلثمائة سنة، وفي هذا نظر فإن ابن العربي في محاضراته (1: 95) يزعم أن ابنته جاءت محمداً فقال لها: "مرحباً بابنة نبي أضاعه قومه". (ص136 س17 هجو بني عجل) يضاف إلى ما أوردنا قول الابيرد الشاعر مما يثبت نصرانية بني عجل (الأغاني 12: 13) : تحياَّ المسلمون إذا تلاقوا ... وعجل ما تحياَّ بالسلامِ ومثله تعييره لهم شرب الخمر: ولكنَّها هانت وحرّم شربها ... فمالت بنو عجلٍ لما هو اكفرا راجع أيضاً كتاب معاوية (Lammens; Mo awiam p, 436 - 438) . (- س26 غسان) يضاف إلى شواهدنا عن نصرانية غسان قول ابن رسته في كتاب الأعلاق النفسية (ص127) ، وقد ذكر النابغة الذبياني في شعره (شعراء النصرانية ص655) ثلثة أحياء من غسان فقال: مستشعرين قد ألفوا في ديارهمُ ... دعاءَ سوعٍ ودعميٍّ وأيوبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 قال الشارح "هم أحياء من اليمن من غسان وهم نصارى وقيل هم رهبان، راجع أيضاً في نصرانية غسان (Duchesn Eglises Separeesm P 340 - 342) . (ص137 س17 قضاعة) كانت من أعظم قبائل العرب عدداً وأكثرها بطوناً وفروعاً، وجاء في معجم ما استعجم للبكري (ص17) أن شعارهم يوم حاربهم سابور كان "يا لعباد الله فسموا العباد" والنصرانية المنسوبة لقضاعة أجمالاً ربما نسبت أيضاً إلى فروعها، كبني عامر بن ثعلبة من قضاعة وهم رهط هدبة بن الخشرم الشاعر النصراني، وكبني رقاش بطن آخر من قضاعة يدعوهم هدية (راجع حماسة أبي تمام ص234) بأمة المسيح، وكيني تيم اللات الذين عدهم الطبري في تاريخه (1: 2032) في جملة نصارى العرب مع بني عجل وضيعة. (ص138 س4) فاتنا أن نذكر هنا قيس عيلان والمنتصرين منها، ومن الشواهد على ذلك ما ورد في نقائض جرير والأخطل (ed Saihani, P, 17) لأبي ثمامة الكلبي يذكر مرج راهط: وعهدي بهم في المرج حين تنصَّرتْ ... مشايخُ قيسٍ غير شيخِ محاربِ وقال جواس الكلبي من بني عدي بن جناب في ذلك اليوم: فلو كنتُ من قيس بن عيلان لم أجد ... فخاراً ولم أعدل بأن اتنصَّرا وقد روى في الحماسة أبياتاً من هذا الشعر ونسبها (ص656) إلى عمرو بن مخلاة الحمار الكلبي. ومن قيس عيلان كانت بنو سليم بن منصور بن عكرمة وقد سبق أن ابن رسته في الأعلاق النفسية (ص309) ينظمهم بين نصارى العرب مع طيء وتميم. ومثلهم بنو عامر بن صعصعة (Cfr Journ, As, 5 S. V. 1855, P. 371) . (- س9 كلب) كان بنو كلب قبل تنصرهم يعبدون صنماً اسمه ودثم دانوا بالنصرانية ورسخ قدمهم فيها، وقد ورد في سيرة الرسول لبن هشام (ص282) "أن محمداً أتى كلباً في منازلهم إلى بطن منهم يقال لهم بنو عبد الله فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه.. فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم" ومما رواه ابن خلدون في تاريخه عن ابن سعيد (2: 249) : "وكان لقضاعة ملك آخر في كلب بن وبرة يتداولونه مع السكون من كندة فكانت لكلب دومة الجندل وتبوك ودخلوا في دين النصرانية وجاء الإسلام والدولة في دومة الجندل لأكيدر بن عبد الملك بن السكون ويقال أنه كندي من ذرية الملوك الذين ولاهم التبابعة على كلب فأسره خالد بن الوليد.. وبقيت بنو كلب الآن في خلق عظيم على خليج القسطنطينية منهم مسلمون ومنهم منتصرون. ومن نصارى كلب امرؤ القيس بن أصبغ كان زعيم قومه عند ظهور الإسلام وثبت على دينه عند دعوة محمد (اطلب أسد الغابة لابن الأثير 1: 115) . (ص139 س3 كندة) اطلب أيضاً شاهداً على نصرانيتها: Sacred Books of Eastm P, XVI Max Muller. (ص139 س21) كان حقنا أن نذكر في جملة القبائل المنتصرة قبل الإسلام قبيلة "لحيان بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر وإلى نصرانيتها أشار حاتم الطائي في قوله: وما زلتُ أسعى بين نابٍ ودارةٍ ... بلحيان حتَّى خفتُ أن اتنصَّرا (- س25 مذحج) كان سيد مذجح يزيد بن عبد المدان من إشراف النصارى في نجران (الأغاني 10: 149) . (ص140 س25 النبط) ومن الدلائل على نصرانية النبط انهم لم يختتنوا قال الشاعر (تاج العروس 3: 565) : كأنَّ على أكتافهم نشرَ غرقدٍ ... وقد جاوزا نياَّنَ كالنبطِ بغلفِ وقد جاء في كتب السريان عن عبد يشوع السائح أنه بشر النبط في المدينة وفي جهات عمان كما بشر عبد يشوع الجاثليق بعضاً من بلادهم (Jas, 835, P, 129) . (ص146 س سقطرى) ذكرها الناخذاة أبو زيد في كتاب سلسلة التواريخ، (ed, Reinaud, 133 - 135) من آثار القرن العاشر للمسيح قال عن سقطرى: "بها منابت الصبر وهو الدواء الأعظم.. حتى بعث الله عيسى عليه السلام فبلغ من بهذه الجزيرة أمره فدخلوا في جملة ما دخلت فيه الروم من التنصر وبقاياهم بها إلى هذا الوقت مع سائر من سكنها من غيرهم"، واخبر السائح الإيطالي مركوباولو "أنه مر بها في القرن الرابع عشر فوجد أهلها نصارى يرعاهم رئيس أساقفة يرسله إليهم جاثليق النساطرة من بغداد.. ولما استولى عليها المسلمون وأخذوها من البرتغاليين أكرهوا أهلها على أن يدينوا بالإسلام". تمت الملحوظات على الجزء الأول من الكتاب. الجزء الثاني (ص152 س7 كتابة المسند في بني حمير) غلى هذه الكتابة يشير أبو ذؤيب بقوله (لسان العرب 18: 306) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 عرفتُ الديار كخطّ الدويّ ... م حبَّرهُ الكاتب الحميري (ص153 س3 أول من كتب بالعربية) لا يعرف تماماً أول من كتب بالعربية، وأقدم خط عربي يعرف اليوم كتابة زبد النصرانية الراقية إلى 110 سنوات قبل الهجرة، يليها كتابة حران في بلاد حوران تقدمت 54 سنة على الهجرة وهي أيضاً كتابة نصرانية، ثم نرى الكتابة العربية شائعة في العراق ولا سيما في الحيرة. وممن يذكر أنهم عرفوا الكتابة العربية عدي بن زيد، ورد في الأغاني (2: 19) أن عدي بن زيد وزير النعمان أبي قابوس كان تعلم مع أولاد المرازبة الكتابة الفارسية ثم كتب لكسرى بالعربية قال أبو الفرج "كان عدي أول من بالعربية في ديوان كسرى" ولعله تعلم ذلك من جده حمار وأبيه زيد، وقد روى صاحب الأغاني عن حمار (2: 19) أنه "خرج من اكتب الناس وصار كاتب النعمان الكبير" وقال عن زيد أنه "حذق الكتابة العربية" وممن تعلم الخط من قريش بعد ذلك بزمان أبو سفيان بن أميو أخوه حرب بن أمية قال الطبري في تاريخه (2: 836) أول من كتب بالعربية من العرب حرب بن أمية، وجاء في شرح العقيلة وفي الاشتقاق لابن دريد وفي أماليه أن بشر عبد الملك الكندي تعلم الخط العربي وهو الجزم في النبار من مرامر واسلم الطائيين وخرج إلى مكة فتزوج الصهباء ابنة حرب بن أمية وقيل الصفية بن الحارث فعلم الخط سفيان بن حرب وتعلمه معاوية من عمه سفيان وكثر من يكتب بمكة من قريش. وقال في كتاب لطائف المعارف للثعالبي (Ms de Leide P 39) : كتاب الإسلام: جاء الإسلام وفيهم (أي العرب) بضعة عشر رجلاً يكتبون بالعربية: عمر وعثمان وعلي وطلحة وعثمان وإبان ابنا سعيد وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وأبو سفين بن حرب وأبناه يزيد ومعاوية وحاطب بن عمرو بن عبد شمس والعلاء بن الحضرمي وأبو سلمة بن عبد الأشهل وعبد الله بن أبي سرج وحويطب بن عبد العزى "وكان عبد الله ابن أبي سرج يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ارتد ولحق بالمشركين وقال: أن محمداً يكتب ما شئت فلما كان يوم فتح مكة جاء به عثمان وكان بينهما رضاع فاستوهبه النبي فوهبه له". ومما يدخل في هذا الباب ما رواه ياقوت في باب نقيرة (4: 807) : "قال أن خالد بن الوليد لما خرج إلى عين تمر وجدوا في كنيسة صبيانا يتعلمون الكتابة في قرية يقال لها عين تمر وكان فيهم حمران مولى عثمان بن عفان رض". (ص154 س6) "مسند" الصواب "مسند" وهو خط بني حمير، ويروى الشطر الثاني من البيت: "وما زبرت في الصحف أقلام حميرا". (ص160 س18 لك الحمد) وردت هذه الأبيات في كتاب الحيوان للدميري (2: 195) وروى هناك: "والنعماء والفضل.. حمداً وامجداُ" وذكر أيضاً قول محمد نبي الإسلام لما سمع هذه الأبيات. (ص161 س8 سماه أمية مقدساً) وكذلك دعوه قدوساً قال العجاج (لسان العرب 8: 51) : "علم القدوس مولى القدس" ومثله للأخطل (أغاني 8: 85) : "قدوس قدوس". (ص165 س25 29 علقمة بن العبد) والصواب ابن عبدة ويعرف بالفحل وروى في المفضليات (ص780) قوله فلست لإنسي: "فلست بجني". (ص167 س7 و20 جهنم) ورد في تاريخ دمشق لابن عساكر (3: 124) : قال عبد الله بن مسلم الدينوري: سئلت هل وجدت لجهنم ذكراً في الشعر القديم نقلت: هذا يحتاج إلى تتبع وطلب وقد أتذكر فلم اذكر إلا شيئاً وجدته في شعر أمية بن أبي الصلت فإنه قال: فلا تدنو جهنمُ من بريء ... ولا عدنٌ يطالعها أثيمُ إذا شذَبت جهنَّمُ ثمّ وارت ... وأعرض عن قوانسها الجحيمُ وروى البيت في المخصص (9: 6) . جهنَّمُ تلك لا تبقى بنياً ... وعدنٌ لا يطالعها رجيمُ وذكر للعديل بن الفرخ (ياقوت 4: 1017) قوله في نار جهنم وجنة الخلد: أما ترهبان النار في ابنيْ أبيكما ... ولا ترجوانِ الله في جنَّة الخلدِ وقد ورد اسم جهنام في شعر الأعشى قال (التاج 7: 372) : دعوتُ خليليِ مسحلا ودعوا لهم ... جهنَّامَ جدعاً المذمَّمِ (قال) مسحل شيطان الأعشى، وكذلك قال الفرزدق (نقائض جرير الفرزدق 768 769) : لقد قلَّدتُ حلف بني كليبٍ ... قلائد في السوالف باقياتِ قلائد ليس من ذهبٍ ولكن ... مواسم من جهنَّم منضجاتِ (ص171 س27 اسمه تعالى الديان) جاء في حماسة البحتري لعتاهية بن سفيان الكلبي (ع391) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 فأضحوا أحاديثاً لغادٍ ورائحٍ ... يدينهمُ بالخيرِ والشرَّ دَّيانُ (ص173 س11 النذر) ويروى لثعلبة بن عمرو (المفضليات 513) : أقسمَ ينذرُ نذراً دمي ... وأقسمت أن نلتهُ لا يؤوبُ (ص178 س22) النسبيح) قال جرير (نقائض جرير والفرزدق) : أنحنا فسبحنا ونوَّرتِ السُّرى ... بأعرافِ وردِ اللون بلقٍ شواكلهْ قال الشارح: فسبحنا يريد فصلينا الغداة والسبحة الصلاة ويقال السبحة النافلة. (ص180 س6 الوحي) ومما قيل في الوحي قول أبي قصاقص لاحق النصري في وصف دار (ياقوت 2: 143) : عفتْ وخلتْ حتَّى كأنَّ رسومها ... وحيُّ كتابِ في صحائفُ مصححُ وقال جرير (ياقوت 3: 668) : ببن المحصَّر والعزَّاف منزلةٌ=كالوحي من عهد موسى في القراطيسِ (ص183 س20 السورة) وردت السورة أيضاً في كتاب الشجر والنبات (البلغة 22: 32) لجندل بن المثنى: يا ربُّ ربَّ المرسلين بالسُّورْ ... بحكمِ الفرقانِ يتلى والزبرْ وقال جرير يهجو البعيث الشاعر وكان كالفرزدق من بني مجاشع النصارى (نقائض جرير والفرزدق) : إنَّ البعيث وعبدَ آلِ مقاعسٍ ... لا يقرأون سورة الأحبارِ (قال) : عبد آل مقاعس هو الفرزدق وأراد بسورة الأحبار ما ورد فيها: "أوفوا بالعقود". (ص184 س13 الزبور) وممن ذكروا الزبور منصور النمري من شعراء ربيعة (أغاني 12: 18) : وما لبني بناتِ من تراثٍ ... مع الأعمام في ورقِ الزَّبورِ وقال مجنون ليلى يصف صلاة الراهب بالزبور: كأنهُ راهبٌ في رأس صومعةٍ ... يتلو الزبور ونجمُ الصبح ما طلعا ومثله الفرزدق (نقائض جرير والفرذدق 787) : عرفتُ المنازل من مهددِ ... كوحي الزَّبور في الغرقدِ وكذلك جرير (ياقوت 1: 390) : حيّ الديار بعاقلٍ والأنعمِ ... كالوحي في رقّ الزبور المعجمِ وقال أيضاً في رثاء أم حرزة بجلاجل (نقائض 850) : وكأنَّ منزلةً لها بجلاجلٍ ... وحيُ الزبور تخطُّهُ الأحبارُ وروى البكري لحسين بن الضحاك (ص379) : لمَّا حكاها زنامٌ في تفننها=فافتنّ يتبعُ مزموراً بمزمارِ (ص185 س23 مجلتهم ذات الإله..) قال قي خزانة الأدب في شرح هذا البيت (2: 11) : المجلة الكتاب لأنه يجل ويعظم وأراد به الإنجيل لأنهم كانوا نصارى ويروى: مجلتهم أما رواية الأصعمي فبالجيم وهو كتاب النصارى. (ص186 س10 يسوع) لعل اسم "سوع" في شعر النابغة (اطلب الصفحة 231) هو مرادف ليسوع، ويؤيد فكرنا ما جاء في تاج العروس (5: 390) الذي ذكر البيت ثم قال "ويروى دعوى يسوع". (- س25 المسيح بن مريما) ومثله لجرير يهجو بني مجاشع وفي قوله ما يثبت محبة النصارى للمسيح قال (النقائض ص83) : لقد وجدتء بالقين خودُ مجاشع ... كوجد النصارى بالمسيح بن مريما (ص189 س4 يوحنا المعمدان.. يحيى) قال فيه حسان بن ثابت وفي أبيه زكريا (الأغاني 4: 11) : وإنَّ أبا يحيى ويحيى كلاهما ... لهُ عملٌ في دينهِ متقبَّلُ (ص190 س14 15 ابن عبد الجن) كذا ورد في لسان العرب وهو تصحيف صوابه "عمرو بن عبد الحق" كما ذكرنا في الصفحة 187. (ص191 س22 25 الحبر) ورد اسم الحبر في أرجاز رؤبة (149 Ahlwardt) : إنجيلُ أحبارٍ وحى منمنمهْ ... ما خطَّ فيهِ بالمدادِ قلمهْ وقد روى القالي في أماليه بيت أيمن بن خريم: "ولم يحضر القس.. ولم يشهد على طبخها الحبر". (ص192 س19 القس) كان العرب يعرفون القسوس بالعبادة والورع والدليل عليه ما قال الزبير بن بكار عن عبد الرحمان بن أبي عمار "أنه كان عباد أهل مكة فسمي القس من عبادته (أخبار النساء لابن الجوزية ص18 19) ، وقد ورد اسم القس في رثاء حاجب بن ذبيان لأخيه معاوية قال: تطاولَ بالبيضاء ليلي فلم أنمْ ... وقد نام قساَّها وصاح رجالها أراد بيضاء بني عقيل ثم بني معاوية بن عقيل وهو المنتفق (معجم البلدان 1: 794) . (ص193 س6 وجمعوه على قساقسة) وجمع أيضاً على قساقس وقساوسة وعلى قسيسون. (- س14 شماس) وذكره أيضاً عبد الله بن العباس الربعي (أغاني 17: 129) قال: ربَّ صهباءَ من شراب المجوسِ ... قهوةِ بابلَّية خندريسِ قد تحلَّيتها بنأيٍ وعودٍ ... قبل ضربِ الشماَّس بالناقوسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 (ص194 س9 الأبيل) قد بنوا من هذه اللفظة فعلاً قال في التاج (7: 201) : "أبل الرجل إذا ترهب وتنسك"، وفي شروح الشنتمري على أبيات الإيضاح (من مخطوطات مكتبتنا الشرقية ص166) : "التأبل التغرب عن المرأة". (ص197 س5 كأنهم قصرا..) ورد قبله في اللسان 17: 340: بالخمير أبلجُ من سقايةِ راهبٍ ... تجلى بموزنَ مشرقاً تمثالها (- س9 صوران وزبد) جاء في التاج (3: 344) أن صوران كورة بحمص، وقال ياقوت (2: 914) : زبد قرية بقنسرين. (- س22 الربيط) ومثله المربوط أي الراهب وفي التاج (4: 142) أن الربيط لقب الغوث بن مر من مضر. (ص198 س14 الأشعث) ولعل الرهبان كانوا يربون شعرهم على مثال النذير عند بني إسرائيل كما جاء في شعر عدي بن زيد في وصف راهب (أغاني 2: 25) . مرعداً خشاؤه في هيكلٍ ... حسنٌ لمتَّهُ وافي الشعَّر (- س26 المتعبد) ومثله العابد يجمعونه العباد والأعابد، قال أبو دؤاد الأيادي يصف مصابيح الرهبان (التاج 2: 41) : لهنَّ كنارِ الرأس في ... م العلياءِ تذكيها الأعابدْ (ص200 س13 الحازي) وردت في شعر افنون (المفضليات 523) قال: ألا لستُ في شيء فروحاً معاديا ... ولا المشفقاتُ إذ تبعنَ الحوازيا (قال) الحوازي الكواهن.. وقد جمع الطبري (1: 101) الحازي حزاة قال: الحزاة العلماء. (ص201 س13 الكنيسة) قال عدي بن زيد يشبه تشتع زجاجة الخمر بقنديل راهب في كنيسته (أغاني 2: 172) : بزجاجةٍ ملء اليدين كأنَّها ... قنديلُ صبحٍ في كنيسة راهبِ وقال عباس بن مرادس (الأغاني 13: 64) : يدورونَ بي في ظلّ كلَّ كنيسةٍ ... فينسونني قومي وأهوى الكنائسا (- س19 البيعة) جاءت أيضاً في شعر عمر بن أبي ربيعة (أغاني 3: 87) : فقلتُ أشمسٌ أم مصابيحُ بيعةٍ ... بدتْ لك خلفَ السُّجف أم أنت حالمُ وجاء في نقائض جرير والفرزدق (ص58) وكانوا يدعون كنائسهم بين الصلاة. قال الفرزدق يمدح جبيرة بنت أبي بذال من بني قطن من نهشل اسمه بشر بن صبيح: تهادى إلى بيت الصلاة كأنَّها ... على الوعتْ ذو ساقٍ مهيضٍ كسورها (ص202 س22 قال عنترة) يروى هذا البيت لعبد قيس بن خطاف البرجمي أغاني (7:148) . (ص203 س15) لصليب وممن ذكر الصليب بشر بن بي خازم في مدحه لبني الحداء النصارى (البيان للجاحظ: 2: 71) . إذا غدوا وعصيُّ الطلح أرجلهم ... كما تنصَّب وسط لبيعة الصلب وكانوا يلثمون الصليب ويمسحون أيديهم به قال جرير (النقائض ص402) في بني تغلب: رويدكم كم مسح الصليب إذا دنا ... هلالُ الجزى واستعملوا بالدراهم يشير إلى ما وضع عليهم من الجزي ولخراج، وذكر أيضاً في محل آخر العابدين للصليب (نقائض 506) وجاء للخالدي (ياقوت 2: 644) بين في لثم النصارى للصليب، وقال جرير أيضاً (نقائض ص510) في تغلب: ولم تمسح البيت لعتيق أكفها ... ولكن بقربان الصليب تمسَّح وكذلك كانون يزينون صدورهم بالصليب قال عبد الله بن العباس الربعي في فتاة (الأغاني 17: 129) : كم لثمت الصليب في الجيد منها ... كهلالٍ مكلّلٍ بشموسِ (ص204 س23 عبد الله بن العجان) يروى في بيته في الأغاني (7: 138) مع بعض اختلاف في الرواية. (ص207 س1 الناقوس) راجع ما جاء في كذر النواقيس في ليتورجية دينسيوس برصيلي (BO.II,178-179) . (ص208 س17) لسرج والمصابيح) ون ذلك قول عدي بن زيد المذكور آنفاً، ومثله جرير (نقائض 956) : قناديل صبحٍ في كنيسة راهبٍ وقال جواس بن حياض وهو القعطل بن الحارث الكلبي وله شعر في وقائع مرج راهط قال (تاريخ ابن عساكر 3: 414) : وأعرضتُ للشعرى العبور كأنها ... معلق قنديلٍ بوسط الكنائس وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق عن زيد الكنائي ما نصه (3: 234) : "وكانوا يزينون الكنائس بالرخام والفسيفساء، قال الحارث بن النمر وشهد يوم اليرموك". وتعطلت منهم كنائسٌ زخرفت ... بالشام ذات فسافس ورخام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 وقال في إرشاد الطلبين (ص3) : "وكانوا يعلقون في كنائسهم بيض النعام كما روى ميمون بن مهران عن نصارى نجران" قلنا وهي عادة جارية في كنائس الشرق إلى يومنا يشيرون بالبيضة إلى موت المسيح ودفه في القبر وقيامته وبالنعم إلى عناية الكنيسة بأبنائها (راجع المشرق 9 [1906] 345) . (ص209 س1 القربان) قال تميم بن مقبل العامري يصف كنيسة النبط النصارى (جمهرة أشعار العرب 161) : من مشرف ليطُ أنياط البلاط به ... كانت لساسته تهدى القرابينا صوتُ النواقيس فيهِ ما يفرطه ... أبدي الجلاذي وجونٌ ما يغضينا راجع أيضاً معجم البكري (ص371) وعلى ما رأينا أن ما يروى في كتب الحديث عنكرام الخبز إنما أريد به سابقاً القربان، فمن ذلك في صحيحي مسلم والبخاري وفي جامع الصغير السيوطي: 1 أكرموا الله أكرمه فمن أكرم الخبز أكرمه الله، 2 أكرموا الخبز فإن الله أنزله في بركات السماء وأخرجه من بركات الأرض، 3 أكرموا الخبز فإنه من بركات السماء والأرض، من أكل ما يسقط من السفرة غفر له. (س24 أبيات أيمن بن خزيم) قال ياقوت ف معجم البلدان (2: 511) أن هذه الأبيات تروى للأقيشر اليربوعي. (ص21 س11 كأس عزيز) قال شارح ديوان علقمة (وهو يروى: عتقها لبعض أحيانها حاشية حوم) أي أعدها لفصح أو عيد يريد خمر القربان. (ص211 س3 المنبر) روى الجاحظ ف البيان والتبيين (2: 72) لوائلة السدوسي: لقد صبرت لذل أعواد منبرٍ ... تقوم عليها في يديك قضيب (ص214 س18 الناموس) لعلهم أرادوا به مقام الراعي تحت ظل الشجر كما قال لراعي (ياقوت 4: 501) : وسربِ نساءٍ لو رآهن راهب ... له ظلةُ في قلةٍ ظلَّ رانيا (ص215 س2 يوم السعانين) وممن كر السعانين ابن رامين يصف سكارى متفكهاً (أغاني 13: 13) : إذا ركنا صلاة بعد ما فرضت ... قمنا إليها بلا عقلٍ ولا دين نمشي إليها بطاءً لا حراك بنا ... كأن أرجلنا تقلعن من طين نمي وأرجلنا عوجٌ مطارحها ... مشي الإوز التي تأتي من الصين أو مشي عميان ديرٍ ادليل لهم ... إلاَّ العصي إلى عيد السعانين (ص216 س5) وقد أجاد حسان بن ثابت بمدحه ملوك غسان لنصارى وبوصفه حفلات فصحهم قال (الأغاني 13: 170) : قددنا الفصح فالولائد ينظمن ... سراعاً أكلّة المرجان يتبارين في الدعاء إلى الله ... م وك الدعاء للشيطان ذاك مغنى لآل جفنة في الدير ... م ومحقٌّ تطرف الأزمان صلوات المسيح في ذلك الدير ... م دعاء القسيس ولرهبان قد أراني هناك حقٌّ مكين ... عند ذي التاج مقعدي ومكاني (س8 11) وفي فصيح ثعلب (ص105) "تنهس النصراني وتنحس". (ص217 س (السملاق) ومما ورد أيضاً من أسماء أعياد النصارى في كتب اللغة اللسان (3: 125) السملاج قالوا أنه عيد من أعياد النصارى ولم يزيدوا، وكر في الأغاني (17: 134) لعبد الله بن العباس الربعي أبياتاً ورد فيها ذكر عدة أسماء أعياد النصارى: يا ليلةً ليس لها من صبح ... وموعداً ليس له نجح من شادنٍ مر على وعده ... الميلاد والسَّلاق والدنح وفي السعانين لو حماني به ... وكان أقصى الموعد الفصح (س23 الشَّمعلة) قال في التاج في مادة "شمعل" الشمعلة قراءة اليهود في فهرهم إذا اجتموا والمرجح أن أصل هذه اللفظة سريانية (سرياني) بمعنى زهد وتنسك، فيكون المشمعل الراهب في قول أمية بن أبي الصلت يمدح عبد الله ابن العجلان (ياقوت 2: 526) : له داعٍ بكة مشمعلٍ ... وخر فوق دارته ينادي (ص218 س5 ملابس النصارى) من ملابسهم البرنس قال في تاج العروس (4: 1087) : "البنس قلنسوة طويلة أو هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به دراعة" كان أو واجبة أو منظراً وكان رهبانهم يلبسون البرنس قال جرير في نقائضه يهجو الأخطل (ص903) : لعن الإله من الصليب إلهه ... وللابسين برانس الرهبان وقال الفرذدق يهجو جريراً (ص277) : وابن المراغة قد تحوّل راهباً=متبرنساً بتمسكن وسؤال أي صار يلبس البرنس كما يلبسه الرهبان أي قد تنصر ليأخذ منهم شيئاً. (ص220 س20 القرطاس) ومنه قول جرير (نقائض 537) : كأن جيار الحي من قدم البلى ... قراطيس رهبان أحالت سطورها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 أحالت أي أتى عليها حول فتغيرت، وقال المرار الفقعسي (المفضليات ص743) : عفتِ الديارُ غير مثل الأنقس ... بعد الزمان عرفته بالقرطس (ص221 س1 الورق) ورد في شعر جرير (نقائض 103) : أجدك ما تذكر أهل وادٍ=كأنّ رسومها ورق الكتاب (س4 الرق) روى ياقوت (4: 422) لعباد بن عوف المالكي قوله: لمن الديار عفت بالجزع من رقمٍ ... كما يخط بياض الرق بالقلمِ (ص223 س18 وشي الخط وتنميقه) من هذا الباب ما روى في المفضليات (ص698) : كتابُ مجير هاجٍ بصير ... ينمقه وجاذر أن يباعا وروى ياقوت للقتال الكلابي (2: 364) : تنيرُ ونسدي الريحُ في عرصاتها ... كما نمنم القرطاس بالقلم والحبرُ (ص224 س0 الدواة) جمعها دوىً ودوي قال ابو ذؤيب (اللسان 18: 306) : عرفت الديار كخط الدويّ ... م حيرة الكاتب الحميري (ي14 المداد) منه قول عبد الله بن غنمة (المفصليات 743) : فلم يبق إلا دمنة ومنازلٌ ... كما رد في خط الدواة مدادها وروى هناك لعدي بن الرقاع قوله يصف ثوراً: تزجي أغنَّ كأن إبرة روقه ... قلمُ أصاب من الدواة مدادها (س18 النفس) روى ياقوت لمنظور بن فروة فيوصف آثار دارٍ: كأنها بعد سنين خمس ... خط كتاب معجم بنقسٍ روى لأبي زياد الكلابي (4: 975) : أشاقتك الديار بهضب حرسِ ... كخطِّ معلم ورقاً بنقس (ص226 س الأران) هذه اللفظ أصلها من العبراني (عبراني) معناها الصندوق (J.As.1836b,p.282) . (س10 الناؤوس) وقد مر معها ذكر الناموس (ص214) وهي يونانية (يوناني) ومعناها الشرع وقد ورد كرها في الشعر العربي بمعنى الشرع المسيحي. جاء في حيث ورقة بن نوفل (في الأغاني 3: 15) : "ليأتيه الناموس الأكبر ناموس عيسى بن مريم". ومن الألفاظ القرآنية التي بقت الإسلام لفظة الأبابيل جاء في سورة الرسول لابن هشام (ص598) لأمية بن أبي الصلت: حول شياطينهم أبابيل ... ربيون شدوا سنوراً مدسورا (كذا) س12 البوق) جاء في نقائض جرير والفزدق (ص1041) في رثاء جرير للأخطل: وتبكي بناتُ أبي مالكٍ ... ببوق النصارى ومن مزمارها (ص227 س2 الأعلام النصرانية) وممن صرحوا بذكر الأعلام النصرانية بين عرب الجاههلية المستشرق رينان في المجلة الأسيوية قال "L'Arabia anteisla-mique offre aussi beaucoup de noms chretiens" (Journ As, 1850,p.248) . (ص28 س22 آدم) وفي البيان والتبيين للجاحظ (1: 75) رجزٌ لآدم مولى العنبر وكان اسم امرأته أم أيوب. (ص229 س7 إبراهيم بن أيوب بن محروف) ويروى ابن محروف قال ابن الكلبي (ياقوت 4: 222) : "لا أعرف في العرب الجاهلية من اسمه إبراهيم بن أيوب غيرهما وإنما سميا بذلك للنصرانية" فصوابٌ أما قوله: "إنه لم يعرف غيرهما" فيردده ذكر الذين عددناهم هنا، إبراهيم بن أيوب هذا ينتهي نسبة إلى تميم ومن نسله مقاتل بن حسان الذي ينسب إليه قيصر مقاتل الذي كان بن عين تمر والشام. (ص231 ي15 حنَّة) وذكلار في نقائض جرير (ص943) : "حنة بنت نهشل ابن دارم كانت أمها ماوية بنت حوي بن سفيان بن مجاشع وأم قيس بن حسان بن عمرو بن مرثد". (ص232 س1 داؤود) وممن عرف باسم داؤود في الجاهلية داؤد بن عروة ابن مسعود الذي تزوج حبيبة ابن عبيد الله بن جحش الذي ارتد عن الإسلام وتنصر (الطبري 2: 2445) وورد في نقائض جرير ف حديث يوم تياس (ص1021) ذكر داؤد أحد بني ذؤيب، أما داؤود بن هبولة فهو الذي قتلة ثعلبة بن عامر الأكبر المعروف بالفاتك قتله يوم القرنين فقال: نحن الألى أودت ظبات سيوفنا ... داؤد بين القرنتين بحارب ثم راجع أخبار أبي داؤود الإيادي في الأغاني (5: 96) : (س22 سليمان) اشتهر بهذا الاسم في الجاهلية وفي أول الإسلام سلمان الارسي قال الشيخ أبو الحسن النيسابوري في كتاب أسباب النزول: "أن سلمان كان من أهل جند نيسابور ومن رهبان المساطرة وأن في أصحابة نزت الآية (إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَالّذِينَ هَادُواْ وَالصّابِئُونَ وَالنّصَارَىَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (سورة البقرة عدد 59) ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ومما فاتنا الأعلام الكتابية اسم "سارة" وهي زوجة إبراهيم الخليل، دعيت باسمها سارة مولاة قريش (الفاسي: أخبار البلد الحرام 146) وقد جاء اسم سارة في شعر جرير كما سبق (النقائض ص994) . ومما ورد من الأسماء اكتابية عند العرب اسم أليشع راهب عربي الأصل ذكره ابن مار في المجدل (ص49) . (ص235 س16 شراحيل) ومن النصارى الذين دعوا بهذا الاسم شراحيل شيخ حرَّان أقام في تلك المدينة مشهداً لإكرام القديس يوحنا المعمدان (راجع ص236 س8 شمعلة بن الأخضر) ورد ذكره في نقاض جرير والفرزدق (ص236) قال أنه ابن هبيرة بن المنذر بن ضرار كان شاعراً ريت له أبيات في يوم الشقائ يوم قتل بسطام بن قيس راجع كتاب البيان والتبيين للجاحظ (2: 79) . (ص237 س18 عبد الله) ومن النصارى الذين دعا بهذا الاسم في الجاهلية عبد الله ب دارم وهو جد حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم (نقائض جرير ص809) وكان اسم الشاعر حاتم الطائي عبد الله، وقد جاء في أعمال مجمع أفسس سنة 431م اسم تعبد الله أحد أساقفة العرب الذين وقعوا على تلك الأعمال كان أسقفاً على خلصة (Elusa) وإنما تصحف اسمه باللاتينية (Ampela) أما في اليونانية (يوناني) فيبين صحة اسمه عبد الله، وممن سمي بهذا الاسم مصغراً عبيد الله بن سمعان التغلبي، وذكره القالي في أماليه (3: 65) وروى له قوله: وعدتَ ولم تنجز وقدماً وعدتني ... فأخلفتني وةتلك أحد الأزامع (قال) الأزامع الواحد أزمع وهي الدواهي: (ص238 س2 عبد الرحمان) ومثله "عبد الحنان" وهو اسم ابن المتلمس الشعر النصراني كما ورد في إحدى نسخ الشعر والشعراء لابن قتيبة، ودعاة في الأغاني (21: 187) عبد المنان قال: "ومكان للمتلمس ابن يقال به عبد المنان أدرك الإسلام وكان شاعراً وهلك في بصرى ولا عقب له". (ص239 س16) يضاف إلى هذه الأعلام اسم (اسطفانوس) قال ياقوت في معجم البلدان (3: 108) فيوصف اصطفانوس أنها موضع في البصرة وأنها "أضيفت إلى كاتب نصراني من أهل البحرين". س8 جرح) ورد في صحيح البخاري (3: 100) قصة رواها محمد عن جريح ناسك من بني إسرائيل كان في صومعة اتهمته امرأة بالزنا فبرره طفلها الصغير وهو في المهد ودل على الزاني بها. (س23 24 ابن رومانوس) قال ياقوت (2: 379) أنه أخو النعمان لأمه أمهما رومانوس وروى له قوله: ما فلاحي بعد الأولى عمروا ... م الحيرة ما أن أرى لهم من باقٍ ولهم كان كل من ضرب لعين ... م بنجد إلى تخوم العراق (ص239 س24 سرجس) جاء في نقائض جرير والفرزدق (ص819 820) ذكر أبي كعب المسمى سرجس كان خازناً لحجاج، وكذلك الأزرقي في تاريخ مكة (ص435) ذكر خبراً عن المهاجرين رفعه إلى نافع بن سرجس. (ص241 س9 سرجون بن منصور) قال الطبري في تاريخه (2: 836) : "كان يكتب لمعاوية على ديوان الخراج سرجون بن منصور الرومي". (س14 سمعان) وقد ورد هذا الاسم على صورة أخرى، ذكر ابن الأثير في أسد الغابة (2: 382) رجلاً اسمه سيمونه البلقاوي من أهل البلقاء نصراني وشماس كان في أيام نبي المسلمين قال عنه أنه أسلم وعاش 120 سنة وأنه حمل قمحاً للمدينة وابتاع منها تمراً، وممن عرف بسمعان عبد الله بن سمان التغلبي ذكره صاحب اللسان (15: 219) ومن عر عبد الله بن سمعان السابق ذكره (ص473) . (س23 شماس) قال ياقوت (2: 317) أن مجلة بغداد المعروفة بالشماسية منسوبة إلى أحد شماسي النصارى، ولعل شماسية دمشق (التاج 4: 421) منسوبة إليه أيضاً. (ص242 س3 عبد المسيح) وممن عرف بالجاهلية باسم عبد المسيح رجل ورج اسمه ف عهد ملهم عبد كلال، وذكر في الأغاني (20: 128) عبد الحرث بن عبد المسيح الأوسي قتل في مرج راهط في حرب قيس وتغلب. (س3) ممن فاتنا ذكرهم هنا اسم "صلوبا" وهو اسم نصراني محض، جاء في معجم البلدان في باب بانقيا من نواح الكوفة (1: 484) أن صاحبها "بصبهري بن صلوبا صالح العرب عند ظهرهم في العراق على ألف درهم وطيلسان". (ص243 س7 عبد ياسوع) وممن عرف بهذا الاسم عبد ياسوع بن كرب بن سعد التغلبي، جاء في ذكره في شعر القطامي (ص76 من ديوانه) : وقد كنت تدعى عبد باسوع مرة ... وأخلفت والأخلاف من سيئ الذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 ورد في الأغاني في ترجمة القطامي (20: 128) اسمه سعدان بن عبد المسيح لذي قتل في مرج راهط (ص250) . (س9) وهنا يجوز إقحام اسم آخر لأحد شهداء النصارى بين العرب كان أرسله ملك العجم سفيراً إلى القيصر يوليانوس مع رفيق له يدعى سناناً وكانا نصرانيين فعرض عليهما يوليانوس جحود دينهما فأبيا فقتلهما وعيدهما في الكلندار الروماني في 30تموز. (ص 243 س9 مارية) يضاف إلى من دعين بهذا الاسم مارية الدرامية أم بني زرارة (فرائد اللآل 2: 314) . (س17 مارية ابنة حنظلة) هي ابنة حنظلة بن ثعلبة بن سيار أم عشرة أحدهم جابر العجلي حضرت واقعة ذي قار وقطع أبوها وطينها (نقائض جرير ص 643) . (ص 245 س1 3 مرقس) ذكره المبرد في الكامل (ص 563) وقال أنه في طي وأن اسمه عبد الرحمان. وقد روى له أبو تمام في حماسته شعراً من الرجز (ص 697 298) . ولعل اسم المرقش الشاعر تصحيف اسم مرقس. (س4 8 مريم وأبو مريم) وقد روى في الأغاني (20: 117) أن الشاعر عبد الله بن أبي معقل الخزرجي في أيام بني أمية دعا ابنة ابنته باسم مريم وكذلك دعا بهذا الاسم ابنة مسكين. أما كنية أبي مريم فعرف بها كثيرون منهم من ذكرهم ابن الأثير في أسد الغابة (5: 295) كأبي مريم الجهني عمرو بن مرة وكأبي مريم الخصي يعد في الشاميين وأبي مريم السكوني وأبي مريم السلولي مالك بن ربيعة وأبي مريم الغساني وأبي مريم الكندي. وذكر أبو بشر محمد الدولابي في كتابه الكنى والأسماء (1: 53) أبا مريم الأزدي وأبا مريم الحنفي الذي كان مع مسيلمة وأبا مريم أياس بن صبيح وأبا مريم أياس بن جعفر بن الصلت وغيرهم أيضاً. (س16) وفي باب النون يجوز أن نذكر اسماً آخر نصرانياً وهو اسم نسطاس أو أنسطاس وجاء في التاج "نسطاس قال (4: 258) نسطاس بالكسر أهمله الجوهري وهو علم ونسطاس بالرومية العالم بالطلب (كذا) نقله الصاغاني وعبيد بن نسطاس العامري البكائي الكوفي محدث". وذكر في الأغاني (4: 42 و6: 103) نسطاس مولى صفوان بن أمية وكذلك ذكر (7: 175) "أبا نسطوس والأخطل". (س17 هرمز) ممن عرف بهذا الاسم النصراني رجلان من الصحابة هرمز القبطي (أسد الغابة لابن الأثير 1: 41) كان مولى لنبي المسلمين توفي سنة 40 للهجرة. ثم هرمز الفارسي (585) . ومثلهما هرماس وهو أبو جدير هوماس بن زياد الباهلي (5: 57) . (ص 248 س9 جابر بن شمعون) كان أسقفاً على الحيرة وهو من أسرة أوس بن قلام الذي كان حاكماً على تلك المدينة. (س12 الحارث) ومن النصارى المعرفين بهذا الاسم الحارث بن عبد الملك ابن ربيعة ذو الرمحين المخزومي القرشي وكان اسمه بجيراً فلما اسلم سماه رسول الإسلام عبد الله. وكانت أمه نصرانية وهي ابنة أبرهة الحبشي ماتت على نصرانيتها والصليب في رقبتها فجنزها أهل دينها (راجع تاريخ دمشق لابن عساكر (3: 448)) . (ص 250 س10) لا بأس من إضافة اسم "سنان" كأحد أعلام نصارى العرب وقد عرف به الشهيد القديس سنان رفيق القديس عبدون في استشهاده على عهد يوليانوس الجاحد. (ش 251 س8 محمد) وكما دعي بعض النصارى في الجاهلية باسم محمد كذلك تسموا بأحمد والدليل عليه أبيات رواها أبو تمام في الحماسة لوضاح بن إسماعيل بن عبد كلال بن داود بن أبي أحمد يخاطب العجاج. فعبد كلال وداود أسمان نصرانيان فلا شك أن اسم أحمد نصراني أيضاً. (س 22 أورشليم) روى في اللسان (15: 218) لابن خالويه "أنه جاء لبيت المقدس عدة أسماء منها شَلْم وشَلَم وشَلِم وشَلَّم وأوريشلم (بين الأعشى) ويقال ايليا وبيت المقدس وبيت المكياش وبيت الضرب وصلمون (كذا) ". (ص 252 س11 و13 فلسطين) ذكر في التاج (5: 199) لعدي بن الرقاع قوله: فكأني منى ذكرهمْ خالطتني ... من فلسطين جلسُ خمرٍ عقارُ (ص 253 س5 صهيون) قال في التاج (10: 217) : "صهيون يراد بها الروم". ونسب هذا القول إلى ياقوت. والصواب أن ياقوت روى ذلك عن أبي عمرو وأصلحه بقوله "قلت هو موضع معروف بالبيت المقدس محلة فيها كنيسة صهيون" (معجم البلدان 3: 438) . (13 بين المقدس) ومما ورد في بيت المقدس قول المعلى بن المطرف (الأغاني 4: 354) : يا صاحِ أني قد حججت ... م وزرتُ بيت المقدسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 ومن الأمكنة التي في لفظها إشارة نصرانية "أسقف" قال ياقوت (1: 252) هو موضع بالبادية كان به يوم من أيامهم وأنشد لعنترة: فإن يكُ عزٌّ في قضاعةَ ثابتٌ ... فإنَّ لنا في رحرحانَ وأسقفِ فلا يبعد أن يكون اسم هذا المكان مستعار من اسم أحد أساقفة العرب النصارى (ص 254 س20 21 قول عدي بن زيد) هذه الأبيات وما يلحق بها في الصفحة 257 ينسبها البعض إلى أمية بن أبي الصلت. تجدها مع بعض روايات مختلفة في خطط المقريزي طبعة بولاق (1: 22) وفي الطبعة الجديدة (1: 34) . (ص 255 س22.. ما ثَقُلاَ) والصواب "ثَقَلاَ". قال ابن السكيت في شرحها في إصلاح المنطق (ص 41) : يقال ثقلت الشيء إذا رفعته ويقال: إثقل هذا الشيء أي زنه وانظر ما فيه والشيء مثقول ومنه المثقال. (ص 261 س10 الطوفان) وقد ذكره أيضاً أمية بن أبي الصلت (لسان العرب 10: 45) حيث يذكر الخالق وملكوته: وينفّد الطوفانَ نحنُ فداؤهُ ... واقتادَ شرجعهُ بداحٌ بديدٌ قال شمر في شرحه أي هو الباقي ونحن الهالكون واقتاد أي وسع. وشرجعه خريره. وبداح بديد أي واسع. (ص 263 س10 إلى الجودي ... ) الجودي جبل في الجزيرة. وقال اللسان في "تالك" أنها مثنى "تلك" كتانك. أما تاج العروس 10: 433) فيزعم أنها لغة في تلك من أقبح اللغات. (س19.. وإذ الصلاب لهم رطاب) قال المقريزي في الخطط (1: 160) : "ذكر غير واحد أن الصخور في القديم من الدهر كانت تلين فعمل منها أعمدة ناعط ومأرب وبينون ومآثر اليمن وأعمدة دمشق ومصر ومدين وتدمر وأن كل شيء كان يتكلم" (كذا) . (ص 264 س12 حمامة نوح) ورد في تاريخ العصامي من مخطوطات مكتبتنا (ff. 23v) أبيات أخرى في هذه الحمامة لو يذكر اسم قائلها: فأرسلها نبيُّ الله نوحٌ ... لتنظرَ هل عفا ربُّ السماءِ فآبتْ وهي قد صبغت بماءٍ ... وفي أعناقها طينُ البراءِ وفي منقارها ورقٌ قليلٌ ... إقامتهُ على صدق الوفاءِ فأكرمها رسولُ الله نوحٌ ... وأكثرَ في المقامةِ بالدعاءِ وطوَّقها وسرولها أداءً ... تعالى ربُّنا ذو الكبرياءِ فكنْ للهِ خالقنا مطيعاً ... فجنَّةُ ربّنا للأتقياءِ (ص 265 س10 يرفع بالقار) روى في التاج (8: 410) : يرفع بالنار (س11 طول عمر نوح) روى في الأغاني (15: 68) لبعضهم: تعش عمرَ نوحٍ في سرورٍ وغبطةٍ ... وفي خفض عيشٍ ليس في طولهِ أثمُ (ص 266 س6 نحن آل الله في كعبته) رواه الأزراقى في تاريخ مكة (ص 96) : نحن أهل الله في بلدته. (س13 إسحاق الذبيح) من غرائب مرويات ابن عباس ما نقله عنه الأزرقي في تاريخ مكة (ص 401) قال: "إن الصخرة التي باصل جبل ثبير هي الصخرة التي ذبح إبراهيم عم عليها وداء ابنه إسحاق فهبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه (قال) هو الكبش الذي قربه ابن آدم (هابيل) عم فتقبل منه كان مخزوناً حتى فدي به إسحاق (كذا) !. وكان ابن آدم الآخر (قاين) قرب حرثاً فلم يتقبل منه". وقد جاء لحرير في نقائضة ذكر إبراهيم وأولاده وبعض الأنبياء. وكانت تميم ومنها يربوع قبيلة جرير نصرانية قبل الإسلام قال (نقائض 994 995) : أبونا خليلٌ الله والله رُّبنا ... رضينا بما أعطى المليكُ وقدَّرا بنى قبلةَ الله التي يهتدى بها ... فأورثنا عزًّا وملكاً معمَّرا أبونا أبو إسحاقَ يجمع بيننا ... أبٌ كان مهديّاً نبيّاً مطهَّرا فيجمعنا والغرَّ أبناءَ سارةٍ ... أبٌ لا نبالي بعدهٌ من تغدَّرا ومنَّا سليمانُ النبيُّ الذي دعاً ... فأعطيَ تبياناً وملكاً مسخَّرا ويعقوبُ منَّا زادهُ اللهُ حكمةٍ ... وكانَ ابنُ يعقوبٍ نبيّاً مصدَّرا وعيسى وموسى والذي خرّ ساجداً ... فنبّتَ زرعاً دمعُ عينيهِ أخضرا (ص 269 س16 يوسف الحسن) وفي شعر جرير ذكر يوسف وأخوته: كونوا كيوسفَ لمَّا جاءَ أخوتهُ ... فاستسلموا قال ما في اليوم تثريبُ (ص 269 س21 موسى) وقد ضربوا المثل في عصا موسى المتحولة حية قال الشاعر: إذا جاء موسى وألقى العصا ... فقد بطلَ السحرُ والساحرُ وذكر للأخطل في نقائضه (ص 33 و367) : فقد نهضتْ للتغلبيينَ حيَّةٌ ... كحيَّة موسى يوم أيّد بالنصرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ومن قوم موسى قورح الذي عصى على موسى مع داثان وأبيرون فخسفت بهم الأرض (سفر العدد 16: 24) والعرب يدعونه قارون ويضربون المثل في غناه وكنوزه (ص 276 س1 كتاب البدء 1: 73) أصلح "1: 76". (ص 277 س22 نسبوه إلى أمة مريم) ومثله قول جرير (نقائض 83) : لقد وجدتْ بالقينِ خورُ مجاشعٍ ... كوجد النصارى بالمسيح بن مريما (ص 278 س3 4 ما من ولود ألا يمسه الشيطان ... إلا مريم وابنها) شرحه الزمخشرى في الكشاف في سورة آل عمران قال "ومعناه أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها كانا معصومين". (س17 22 يوحنا المعمدان والسيد المسيح) روى الأزرقي في أخبار مكة (ص 82) لحسان بن ثابت قوله: شهدتُ بإذن الله أنَّ محمَّداً ... رسولُ الله فوق السماوات من علُ وأنَّ أبا يحيى ويحيي كليهما ... لهُ عملٌ في دينهِ متقبَّلُ وأنَّ الذي عادى اليهودَ ابن مريمٍ ... رسولٌ أتى من عند ذي العرش مرسلُ (ص 302 س22 ... لبيد) تنظر أبيات لبيد الواردة هنا إلى آية رسالة بولس إلى أهل رومية (9: 18) : الله يرحم من يشاء ويقسي من يشاء. (ص 314 س22 بالدينونة التي بها تدينون تدانون) ذكر الشنتمري في شرح بيوت الإيضاح (ص 36 من نسخة مكتبتنا الخطية) لبعض الكلابيين أبياتاً يخاطب فيها ملكاً ظالماً: أبا أيُّها الملكُ المخوفُ أما ترى ... ليلاً وصبحاً كيف بعتقبانْ هل تستطيعُ الشمسُ أن تأتي بها ... ليلاً وهل لك بالمليكِ يدانْ إعلمْ وأيقنْ أنَّ ملكك زائلٌ ... وأعلم بأنَّ كما تدينُ تدانْ (ص 319 س3 4 اقرعوا يفتح لكم) جاء في أحياء علوم الدين للغزالي (3: 81) عن عائشة أنها قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أديموا قرع باب الجنة يفتح لكم"؟ (س 8 صلوا هكذا: أبانا الذي في السماوات الخ) روى الشعراني في كشف الغمة عن جمع الأمة (ص 402) "أن الله أوحى لموسى هذه الآية كما روى كتاب الأحبار: اللهم لا تولج الشيطان في قلوبنا وخلصنا منه ومن كل شر من أجل أن لك الملكوت والأبد والسلطان والملك والحمد والأرض والسماء أبداً أبداً" (Cfr. Goldzieher: Cosmos Christianus, II, 300) (ص 320 س 13 اكنزوا لكم كنوزاً في السماء) جاء في كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري في مادة "سوس" (2: 42) : روى البيهقي في شعبه عن ابن مسعود رض أنه قال "من استطاع منكم أن يجعل كنزه في السماء حيث لا يناله اللصوص ولا يأكله السوس فليفعل فإن قلب كل امرئ عند كنزه" (راجع متى 6: 19 21) . ومن الحديث المنقول عن الإنجيل (متى 4: 5 7) ما رواه أبو هريرة وأثبته أبو الفرج في الأغاني (17: 28) قوله: "جاء الشيطان إلى عيسى قال: الست تزعم أنك صادق. قال: بلى. قال: فأوف على هذه الشاهقة فألق نفسك منها. فقال: ويلك ألم يقل الله: يا ابن آدم لا تبلني بهلاكك فإني أفعل ما أشاء" (ص 325 س1 رؤيا يوحنا) وقد اقتبس ابن الرومي من هذا السفر (2: 16) قوله يهجو ابن (طيفور العمدة ص 75) : عدمتك يا ابنَ أبي الطاهر ... وأطعمتُ ثكلك من شاعرِ فما أنتَ سخنٌ ولا باردٌ ... وما بين ذين سوى الفاترِ وأنت كذاك تغثّى النفو ... سَ غثيةِ الفاترِ الخاثرِ (ص 348 س15 الوليد بن الملك) والصواب "الوليد بن عبد الملك" (ص 351 س1 الهندسة المدنية) . أن كثيراً من الاختراعات المدنية التي زعم البعض أن المسلمين سبقوا إلى اختراعها قد أثبت اليوم العارفون من المستشرقين أنهم أخذوها عن الروم والأقباط وغيرهم كالقوس المقنطر والطراز الغوطي. ومما نضيفه هنا إلى أوردناه من الشواهد السابقة ما أخبره البلاذري في فتح البلدان (ص 54) "أن الخليقة عبد الملك أرسل إلى مكة رجلاً نصرانياً ليتلاقى أضرار السيل فعمل ضفائر الدور الشارعة على الوادي وضفائر المسجد وعمل الردم على أفواه السكك لتحصن دور الناس". ومما ورد في تاريخ الشيخ أبي صالح الأرمني (ص 62) "أن يوحنا الراهب هندس سور القاهرة وأبوابها في الخلافة المستنصرية ووزارة أمير الجيوش بدر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 (ص 358 س11 الموسيقى) أقدم ما يذكر عن الغناء بين العرب ما كتبه المؤرخ سوزمان عن بني غسان النصارى في القرن الرابع للمسيح (Sozome'ne, HE, VI, 8383) حيث قال أن الغسانيين كانوا يتغنون بحوادث قومهم وبحروبهم مع الرومان في عهد ملكتهم النصرانية ماوية وهذا "Haec gests multi ex earum regionum incolis, etiamnum commemorant et apud Sarracenos vulgo celebrantur" ولا شك أن العرب أخذوا الغناء من الأمم المجاورة لهم كالنبط والروم والفرس (أطلب مروج الذهب للمسعودي 8: 91) . ولابن خلدون في مقدمته فصل حسن في صناعة الغناء وفي تأثير الأمم في غناء العرب ومما قال: "أن المغنين من الفرس والروم وقعوا إلى الحجاز وصاروا موالي للعرب وغنوا جميعاً بالعيدان والطنابير والمعارف وسمع العرب تلحينهم الأصوات فلحنوا عليها إشعارهم وظهر بالمدينة نشيط الفارسي وطويس وسائب وخاثر مولى عبد الله بن جعفر فسمعوا شعر العرب ولحنوه وأجادوا فيه وطار لهم ذكر ثم أخذ عنهم معبد طبقته وابن سريج وأنظاره وما زالت صناعة الغناء تتدرج إلى أن كملت أيام بني العباس". وقد عين ابن عبد ربه في العقد (3: 237) الأمكنة التي شاع فيها الغناء قال: "إنما كان أصل الغناء في أمهات القرى من بلاد العرب ظاهراً فاشياً وهي المدينة والطائف وخيبر ووادي القرى ودومة الجندل واليمامة وهذه القرى مجامع أسواق العرب". (ص 366 س17 من مشاهير الأطباء ... ) نضيف إلى هؤلاء أطباء العرب ما رواه صاحب نقائض جرير والأخطل (ص 230) "أن في يوم ماكسين قتل رجلان تغلبيان من بني الطبيب يقال لهما الآسيان يدعى أحدهما الأحمر". (ص 370 س22 أوس بن ججر) أصلح "ابن حجر". (ص 376 س17 الدروع) جاء في المفضليات (ص 316) أن قبيلة حطمة من محارب كانت شهيرة بعمل الدروع. (ص 398 س2 ابن حفاف) والصواب "خفاف" بالخاء. (س16 والأغاني 2: 72) أصلح: "12: 72". (س19 النذور) ومما ورد عن نذور العرب في لجاهلية قول أمية بن الأشكر (حماسة البحتري العدد 520) : وكم من أسيرٍ من قريشَ وغيرها ... تداركهُ من سعينا نذر ناذرِ وقال عبد قيس بن خفاف البرجمي (المفضليات 750) . اللهَ فاتَّقِ وأوفِ بنذرهِ ... وإذا حلفتَ ممارياً فتجلَّلِ (ص 406 س 2 عمر بن عبد الحق) أصلح: "عمرو". (س11 حاجب يزيد بن المهلب) اسمه حاجب بن ذبيان المازني (الأغاني 13: 50) . (س14 آل حوران غير المختتنين) ومثلهم النبط لم يختتنوا قال في اللسان (7: 63) : كأنَّ على أكتافهم نشرُ غرقدٍ ... وقد جاوزوا نياَّن كالنَّبط الغلف وقد ذكر أبو علي القالي في أماليه (3: 46) أن بني أياد "استقلوا بعشرين ألف غلام أغرل". ومما لا ينكر أن النصرانية كانت نفذت نفوذاً عظيماً في بادية الشام وبلاد النبيط وحاضرتهم صلع (Petra) لنا على ذلك شاهد عياني يرقى عهده إلى القسم الأول من القرن الرابع للميلاد ألا وهو أوسابيوس أسقف قيصرية الملقب بابي التاريخ الكنسي فأنه في شرحه على آية أشعيا (42: 11) : "لتشد البرية ومدنها ... وسكان الصخرة" قال: "أننا قد شهدنا تحقيق هذه النبوة إذ قد تشيدت كنائس المسيح في عهدنا في عاصمة مدينة الصخرة أي صلع وفي ضواحيها بل في بوادي العرب الشرقيين". (Eusebius in Isaism XLII II: Laetabuntur qui babitant Petram) : "Cujus sermonis veritatem moxipse eventus comprobavit, cum in ipa Petrensium civitate, et in agro ejus necnon in solitudinibus Sarracenorum Christi Ecclesiae nostro tempore fundatae sunt (Migne: PG., XXIV, col. 319) - Cujus rei testes ac specattores sunt quotquot in Arabum regionibus peregrinantur. (ص424 س21 الأفواه الأودي) وقد سبق (ص 265 266) ذكره لأبناء نوح سام وحام ويافث ما يدل على معرفته بالأسفار المقدسة. (ص 435 س15 حاتم الطائي) ومما يبنئ بنصرانيته صفحة عن أعدائيه وذلك "محافظة على دينه" قال: سمعتُ بعيبهِ فصفحتُ عنهُ ... محافظةً على حسبي وديني (ص 441 س2 ابنته رهيمة) يريد ابنة عبد المسيح بن دارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 (ص 444 س1 بغداد) اختلفوا في اسمها المشتق من الفارسية القديمة فمنهم من فسرها بجنة الإله ومنهم بعطية الله. فلما بناها أبو المنصور دعاها مدينة السلام وعرفت أيضاً باسمه مدينة المنصور. وفي معجم لياقوت (1: 681 682) أن راهباً دل الخليفة المنصور على موقعها فاستحسنه وبنى فيه المدينة. (ص 461 س19 الصفية بن الحارث) والصواب الصفية بنت الحارث بن حرب. (ص 463 س18 في صحائف مصحح) أصلح "منصح" وفي الأصل "مصح" وهو تصحيف. (ص 467 س1 ابن خطاف) والصواب "ابن خفاف". (ص 474 س25 أحد شهداء النصارى) نريد به القديس عبدون الذي استشهد في رومية مع رفيقه القديس سنان أمر بقتلهما يوليانوس الجاحد وكانا أرسلا سفرين من قبل ملك العجم كسرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226