الكتاب: معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وآثارها في الفرد والمجتمع المؤلف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة الطبعة: الثالثة، 1422هـ/2002م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وآثارها في الفرد والمجتمع صالح الفوزان الكتاب: معنى لا إله إلا الله ومقتضاها وآثارها في الفرد والمجتمع المؤلف: صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة الطبعة: الثالثة، 1422هـ/2002م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] مُقَدّمَة ... معنى لَا إِلَه إِلَّا الله تأليف: صَالح بن فوزان الفوزان الْحَمد لله نحمد ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ، ونتوب إِلَيْهِ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، وَمن يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه، وكل من اتبعهُ وَتمسك بسنته إِلَى يَوْم الدّين ..... أما بعد: فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمرنَا بِذكرِهِ وَأثْنى على الذكارين وَوَعدهمْ أجرا عَظِيما فَأمر بِذكرِهِ مُطلقًا، وَبعد الْفَرَاغ من الْعِبَادَات ... قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} 1. وَقَالَ {َإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} 2 وَأمر بِذكرِهِ أثْنَاء أَدَاء الْمَنَاسِك الْحَج خَاصَّة فَقَالَ تَعَالَى:   1 - الْآيَة من سُورَة النِّسَاء رقم (103) . 2 - الْآيَة من سُورَة الْبَقَرَة رقم (200) . الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} 1 وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} 2 وَشرع إِقَامَة الصَّلَاة لذكره فَقَالَ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أَيَّام التَّشْرِيق أكل وَشرب وَذكر الله" 3 ... وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} 4 وَلما كَانَ أفضل الذّكر: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك   1 - الْآيَة من سُورَة الْبَقَرَة رقم (198) . 2 - الْآيَة من سُورَة الْحَج رقم (28) . 3 - رَوَاهُ مُسلم. 4 - الْآيَتَانِ من سُورَة الْأَحْزَاب رقم (41 - 42) . الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 لَهُ كَمَا ورد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: "خير الدُّعَاء دُعَاء عَرَفَة وَخير مَا قلت أَنا والنبيين من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك لَهُ الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير" 1 وَلما كَانَت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة (لَا إِلَه إِلَّا الله) لَهَا هَذِه الْمنزلَة الْعَالِيَة من بَين أَنْوَاع الذّكر وَيتَعَلَّق بهَا أَحْكَام وَلها شُرُوط وَلها معنى وَمُقْتَضى، فَلَيْسَتْ كلمة تقال بِاللِّسَانِ فَقَط - لمّا كَانَ الْأَمر كَذَلِك آثرت أَن تكون مَوْضُوع حَدِيثي راجياً من الله تَعَالَى أَن يجعلنا وَإِيَّاكُم من أَهلهَا المستمسكين بهَا والعرفين لمعناها، العاملين بمقتضاها ظَاهرا وَبَاطنا. وسيكون حَدِيثي عَن هَذِه الْكَلِمَة فِي حُدُود النقاط التالية: - مكانة لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الْحَيَاة، وفضلها، إعرابها، وأركانها وشروطها وَمَعْنَاهَا، ومقتضاها، وَمَتى ينفع الأنسان التَّلَفُّظ بهَا، وَمَتى يَنْفَعهُ ذَلِك وآثار فَأَقُول مستعيناً بِاللَّه تَعَالَى: -   1 - رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 1 - ـ مكانة لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الْحَيَاة إِنَّهَا كلنة يعلنها الْمُسلمُونَ فِي أذانهم وإقامتهم وَفِي خطبهم ومحادثاتهم وَهِي كلمة قَامَت بهَا الأَرْض وَالسَّمَاوَات، وخلقت لأَجلهَا جَمِيع الْمَخْلُوقَات، وَبهَا أرسل الله وَرُسُله وَأنزل كتبه وَشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين وَوضعت الدَّوَاوِين وَقَامَ سوق الْجنَّة وَالنَّار، وَبهَا انقسمت الخليقة إِلَى الْمُؤمنِينَ وكفار، فَهِيَ منشأ الْخلق وَالْأَمر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب، وَعَلَيْهَا نصبت الْقبْلَة، وَعَلَيْهَا أسست الْملَّة، ولأجلها جردت سيوف الْجِهَاد، وَهِي حق الله على جَمِيع الْعباد، فَهِيَ كلمة الْإِسْلَام، ومفتاح دَار السَّلَام، وعنها يسْأَل الْأَولونَ وَالْآخرُونَ ... فَلَا تَزُول قدما العَبْد بَين يَدي الله حَتَّى يسْأَل عَن مَسْأَلَتَيْنِ: (مَاذَا كُنْتُم تَعْبدُونَ، وماذا أجبتم الْمُرْسلين) ، وَالْجَوَاب الأولى بتحقيق لَا إِلَه إِلَّا الله معرفَة وَإِقْرَار وَعَملا، وَجَوَاب الثَّانِيَة بتحقيق مُحَمَّدًا رَسُول الله معرفَة وإنقياداً وَطَاعَة1.   1 - زَاد الْمعَاد لِابْنِ الْقيم (1/2) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 هَذِه الْكَلِمَة هِيَ الفارقة بَين الْكفْر وَالْإِسْلَام، وَهِي كلمة التَّقْوَى. والعروة الوثقي وَهِي الَّتِي جعلهَا إِبْرَاهِيم {كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} 1. وَهِي الَّتِي شهد الله بهَا لنَفسِهِ وَشهِدت بهَا مَلَائكَته وألوا الْعلم من خلقه، قَالَ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 2. وَهِي كلمة الْإِخْلَاص وَشَهَادَة الْحق، ودعوة الْحق، وَبَرَاءَة من الشّرك، ولأجلها خلق الْخلق كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} 3. ولأجلها أرْسلت الرُّسُل وأنزلت الْكتب، كَمَا قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} 4.   1 - من الْآيَة (28) من سُورَة الزخرف. 2 - سُورَة آل عمرَان الْآيَة (18) . وَأنْظر مَجْمُوعَة التَّوْحِيد (105 - 167) . 3 - سُورَة الذاريات الْآيَة (56) . 4 - سُورَة الذاريات الْآيَة (56) . الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وَقَالَ تَعَالَى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلاّ أَنَا فَاتَّقُونِ} 1. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: مَا أنعم الله على عبد من الْعباد نعْمَة أعظم من أَن عرفهم لَا إِلَه إِلَّا الله. وَإِن لَا إِلَه إِلَّا الله لأهل الدُّنْيَا2، فَمن قَالَهَا عصم مَاله وَدَمه، وَمن أَبَاهَا فَمَاله وَدَمه هدر، فَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكفر بِمَا يعبد من دون الله حرم مَاله وَدَمه وحسابه على الله" 3. وَهِي أول مَا يطْلب من الْكفَّار عِنْدَمَا يدعونَ إِلَى الْإِسْلَام فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن قَالَ لَهُ: "إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب فَلْيَكُن أول مَا تدعوهم إِلَيْهِ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " الحَدِيث أَخْرجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ4.   1 - سُورَة النَّحْل الْآيَة (2) . 2 - كلمة الْإِخْلَاص لِابْنِ رَجَب ص 52 - 53. 3 - رَوَاهُ مُسلم فِي الْإِيمَان برقم (23) . 4 - رَوَاهُ البُخَارِيّ (3/255) . وَمُسلم فِي الْإِيمَان برقم (19) . الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وَبِهَذَا تعلم فِي الدّين وأهميتها فِي الْحَيَاة وَأَنَّهَا أول وَاجِب على الْعباد لِأَنَّهَا أساس الَّذِي تبنى عَلَيْهِ جَمِيع الْأَعْمَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 2 - ـ فضل لَا إِلَه إِلَّا الله فلهَا فَضَائِل عَظِيمَة وَلها من الله مكانة، من قَالَهَا صَادِقا أدخلهُ الله الْجنَّة. وَمن قَالَهَا كَاذِبًا حقنت دَمه وأحرزت مَاله فِي الدُّنْيَا وحسابه على الله عزوجل، وَهِي كلمة وجيزة اللَّفْظ قَليلَة الْحُرُوف خَفِيفَة على اللِّسَان ثَقيلَة فِي الْمِيزَان، فقد روى ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قَالَ مُوسَى يَا رب عَلمنِي شَيْئا أذكرك وأدعوك بِهِ قَالَ يَا مُوسَى قل لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ كل عِبَادك يَقُولُونَ هَذَا قَالَ يَا مُوسَى لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وعامرهن غَيْرِي والأرضيين السَّبع فِي كفة وَلَا إِلَه إِلَّا الله فِي كفة مَالَتْ بِهن لَا إِلَه إِلَّا الله" 1 فَالْحَدِيث يدل على أَن لَا إِلَه إِلَّا الله هِيَ أفضل الذّكر، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر مَرْفُوعا: "خير دُعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة، وَخير مَا قلت أَنا والنبييون   1 - رَوَاهُ الْحَاكِم (1/528) . وَابْن حبَان برقم (2324) مورد الضمآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 من قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير" رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ1، وَمِمَّا يدل على ثقلهَا فِي الْمِيزَان أَيْضا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وحسنة، وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم، عَن عبد الله بن عَمْرو: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "يصاح بِرَجُل من أمتِي على رُءُوس الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فينشر لَهُ تِسْعَة وَتسْعُونَ سجلا كل سجل مِنْهَا مد الْبَصَر ثمَّ يُقَال أتنكر من هَذَا شَيْئا، فَيَقُول لَا يَا رب، فَيُقَال: أَلَك عذر أَو حَسَنَة فيهاب الرجل فَيَقُول لَا - فَيُقَال بلَى إِن لَك عندنَا حَسَنَات، إِنَّه لَا ظلم عَلَيْك فَيخرج لَهُ بطاقة فِيهَا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، فَيَقُول يَا رب مَا هَذِه البطاقة مَعَ هَذِه السجلات فَيُقَال أَنَّك لَا تظلم، فتوضع السجلات فِي كفة والبطاقة فِي كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة" 2 ولهذه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة فَضَائِل كَثِيرَة ذكر جملَة مِنْهَا الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي رسَالَته   1 - التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات رقم (3579) . 2 - رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ رقم (2641) فِي الْإِيمَان. وَالْحَاكِم (1/6 - 5) وَغَيرهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الْمُسَمَّاة (كلمة الْإِخْلَاص) وَاسْتدلَّ لكل فَضِيلَة وَمِنْهَا: أَنَّهَا ثمن الْجنَّة، وَمن كَانَت آخر كَلَامه دخل الْجنَّة، وَهِي نجاة من النَّار: وَهِي توجب الْمَغْفِرَة، وَهِي أحسن الْحَسَنَات، وَهِي تمحو الذُّنُوب والخطايا وَهِي تجدّد مَا درس من الْإِيمَان فِي الْقلب وترجح بصحائف الذُّنُوب، وَهِي تخرق الْحجب حَتَّى تضل إِلَى الله عزوجل وَهِي كلمة الَّتِي يصدق الله قَائِلهَا وَهِي أفضل الْأَعْمَال وأكثرها تضعيفاً وتعدل عتق الرّقاب وَتَكون حرْزا من الشَّيْطَان، وَهِي أَمَان وَحْشَة الْقَبْر وهول الْحَشْر، وَهِي شعار الْمُؤمنِينَ إِذا قَامُوا من قُبُورهم. وَمن فضائلها أَنَّهَا تفتح لقائلها أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية يدْخل من أَيهَا شَاءَ، وَمن فضائلها أَن أَهلهَا وَإِن دخلُوا النَّار بتقصيرهم فِي حُقُوقهَا فَإِنَّهُم لابد أَن يخرجُوا مِنْهَا، هَذِه عناوين الْفَضَائِل الَّتِي ذكرهَا ابْن رَجَب فِي رسَالَته وَاسْتدلَّ لكل وَاحِد مِنْهَا1.   1 - كلمة الْإِخْلَاص لِابْنِ رَجَب 54 - 66. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 3 - ـ إعرابها وأركانها وشروطها أ - إعرابها إِذا كَانَ فهم يتَوَقَّف على معرفَة إعربا - الْجمل فَإِن الْعلمَاء رَحِمهم الله قد اهتموا بإعراب لَا إِلَه إِلَّا الله - فَقَالُوا: لَا - نَافِيَة مَحْذُوف تَقْدِيره -: (حق) أَي لَا إِلَه حق، وَإِلَّا وَالله اسْتثِْنَاء من الْخَبَر الْمَرْفُوع - والإله مَعْنَاهُ: المألوة بِالْعبَادَة - وَهُوَ الَّذِي تألهه الْقُلُوب وتقصده رَغْبَة إِلَيْهِ فِي حُصُول نفع أَو دفع ضَرَر، ويغلط من قدر خَبَرهَا بِكَلِمَة: (مَوْجُودَة أَو معبود) فَقَط، لِأَنَّهُ يُوجد معبودات كَثِيرَة من الْأَصْنَام والأضرحة وَغَيرهَا وَلَكِن المعبود بِحَق هُوَ الله، وَمَا سواهُ فمعبود لالباطل وعبادته بَاطِلَة، وَهَذَا مُقْتَضى ركني لَا إِلَه إِلَّا الله. ب - ركنا لَا إِلَه إِلَّا الله: لَهَا ركنان: الرُّكْن الأول: النَّفْي - والركن الثَّانِي الْإِثْبَات. وَالْمرَاد بِالنَّفْيِ الإلهية عَمَّا سوى الله تَعَالَى من سَائِر الْمَخْلُوقَات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وَالْمرَاد بالإثبات إِثْبَات الإلهية لله سُبْحَانَهُ فَهُوَ الْإِلَه الْحق وَمَا سواهُ من الْآلهَة الَّتِي اتخذها الْمُشْركُونَ فَكلهَا بَاطِلَة، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} 1. قَالَ الإِمَام ابْن الْقيم: فدلالة لَا إِلَه إِلَّا الله على إِثْبَات إلهيته أعظم من دلَالَة قَوْله: الله إِلَه وهذ لِأَن قَوْله (الله إِلَه) لَا يَنْفِي إلهة مَا سواهُ بِخِلَاف قَول: لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهُ يَقْتَضِي حصر الألوهية ونفيها عَمَّا سواهُ، وَقد غلط غلطاًَ فَاحِشا كَذَلِك من فسر الْإِلَه بِأَنَّهُ الْقَادِر على الاختراع فَقَط. قَالَ الشَّيْخ سُلَيْمَان بن عبد الله فِي شرح كتاب التَّوْحِيد - فَإِن قيل تبين معنى الْإِلَه والإلهية فَمَا الْجَواب عَن قَول من قَالَ بِأَن معنى الْإِلَه الْقَادِر على اختراع وَنَحْو هَذِه الْعبارَة - قيل الْجَواب من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن هَذَا القَوْل مُبْتَدع لَا يعرف أحد قَالَه من الْعلمَاء   1 - من الْآيَة (62) . من سُورَة الْحَج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وَلَا من أَئِمَّة اللُّغَة وَكَلَام الْعلمَاء وأئمة اللُّغَة هُوَ معنى مَا ذكرنَا كَمَا تقدم1 فَيكون بَاطِلا. الثَّانِي: على تَقْدِير فَهُوَ تَفْسِير باللازم للإله الْحق، فَإِن اللَّازِم خَالِقًا قَادِرًا على الإختراع، وَمَتى لم يكن كَذَلِك فَلَيْسَ بإله حق وَإِن سمي إِلَهًا، وَلَيْسَ مُرَاده أَن من عرف أَن الْإِلَه هُوَ الْقَادِر على الإختراع فقد دخل الْإِسْلَام وأتى بتحقيق المرام من مِفْتَاح السَّلَام فَإِن هَذَا لَا يَقُوله أحد، لِأَنَّهُ يسْتَلْزم أَن يكون كفار الْعَرَب مُسلمين، وَلَو قدر أَن بعض الْمُتَأَخِّرين أَرَادَ ذَلِك فَهُوَ مُخطئ يرد عَلَيْهِ الدَّلَائِل السمعية والعقلية2. حـ - وَأما شُرُوط لَا إِلَه إِلَّا الله: - فَإِنَّهَا لَا تَنْفَع قَائِلهَا - إِلَّا بسبعة شُرُوط: - الأول: الْعلم بمعناها نفيا وإثباتاً. فَمن تلفظ بهَا وَهُوَ لَا يعرف مَعْنَاهَا ومقتضاها فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعهُ   1 - وَهُوَ مل ذكرته فِي أَرْكَان لَا إِلَه إِلَّا الله. 2 - تيسير الْعَزِيز الحميد ص 80. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 لِأَنَّهُ لم يعْتَقد مَا تدل عَلَيْهِ كَالَّذي يتَكَلَّم بلغَة لَا يفهمها. الثَّانِي: الْيَقِين وَهُوَ كَمَال الْعلم بهَا الْمنَافِي للشَّكّ والريب. الثَّالِث: الْإِخْلَاص الْمنَافِي للشرك، وَهُوَ مَا تدل عَلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا الله. الرَّابِع: الصدْق الْمَانِع من النِّفَاق، فَإِنَّهُم يَقُولُونَهَا بألسنتهم غير معتقدين لمدلولها. الْخَامِس: الْمحبَّة لهَذِهِ الْكَلِمَة وَلما دلّت عَلَيْهِ وَالسُّرُور بذلك. بِخِلَاف مَا عَلَيْهِ المُنَافِقُونَ. السَّادِس: الانقياد بأَدَاء حُقُوقهَا وَهِي الْأَعْمَال الْوَاجِبَة إخلاصاً لله وطلباً لمرضاته، وَهَذَا هُوَ مقتضاها. السَّابِع: الْقبُول الْمنَافِي للرَّدّ1 وَذَلِكَ بالانقياد لأوامر الله وَترك مَا نهى عَنهُ. وَهَذِه الشُّرُوط قد استنبطها الْعلمَاء من نُصُوص الْكتاب وَالسّنة الَّتِي جَاءَت بِخُصُوص هَذِه الْكَلِمَة   1 - فتح الْمجِيد ص 91. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الْعَظِيمَة وَبَيَان حُقُوقهَا وقيودها وَأَنَّهَا لَيست مُجَرّد لفظ يُقَال بِاللِّسَانِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 4 - ـ معنى الْكَلِمَة ومقتضاها: - إتضح مِمَّا سبق أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله لَا معبود بِحَق إِلَّا إِلَه وَاحِد وَهُوَ الله وَحده لَا شريك لَهُ، لِأَنَّهُ الْمُسْتَحق لِلْعِبَادَةِ فتضمنت هَذِه الْكَلِمَة الْعَظِيمَة أَن مَا سوى الله من سَائِر المعبودات لَيْسَ بإله حق وَأَنه بَاطِل، لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق الْعِبَادَة. وَلِهَذَا كثيرا مَا يرد الْأَمر بِعبَادة الله مقرناً يَنْفِي عبَادَة مَا سواهُ، لِأَن عبَادَة الله لَا تصح مَعَ إشراك غَيره مَعَه قَالَ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} 2.   1 - الْآيَة (36) من سُورَة النِّسَاء. 2 - الْآيَة (256) من سُورَة الْبَقَرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت} 1. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم "وَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكفر بِمَا يعبد من دون الله حرم دَمه وَمَاله " 2. وكل رَسُول يَقُول لِقَوْمِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ} 3. إِلَى غير ذَلِك من الْأَدِلَّة قَالَ الإِمَام ابْن رَجَب رَحمَه الله: وَتَحْقِيق هَذَا الْمَعْنى وإيضاحه أَن قَول العَبْد: لَا إِلَه إِلَّا الله يَقْتَضِي أَن لَا إِلَه لَهُ غير الله والإله هُوَ الَّذِي يطاع فَلَا يَعْصِي هَيْبَة لَهُ إجلالاً، ومحبة وخوفاً ورجاء وتوكلا عَلَيْهِ وسؤالاً مِنْهُ وَدُعَاء لَهُ وَلَا يصلح ذَلِك كُله إِلَّا الله عزوجل. وَلِهَذَا لما قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكفار قُرَيْش: " قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله"، قَالُوا:   1 - الْآيَة (36) من سُورَة النَّحْل. 2 - صَحِيح مُسلم رقم (23) . كتاب الْإِيمَان. 3 - الْآيَة (59) من سُورَة الْأَعْرَاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 1. ففهموا من هَذِه الْكَلِمَة أَنَّهَا تبطل عبَادَة الْأَصْنَام كلهَا وتحصر الْعِبَادَة لله وَحده وَهُوَ لَا يُرِيدُونَ ذَلِك، فَتبين بِهَذَا الْمَعْنى أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله ومقتضاها إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة وَترك عبَادَة مَا سواهُ، فَإِذا قَالَ العَبْد: لَا إِلَه إِلَّا الله فقد أعلن وجوب إِفْرَاد الله بِالْعبَادَة وَبطلَان مَا سواهُ والقبور والأولياء وَالصَّالِحِينَ، وَبِهَذَا لَا يبطل مَا يعْتَقد عباد الْقُبُور الْيَوْم وأشباههم من أَن معنى لَا إِلَه إِلَّا الله هُوَ الْإِقْرَار بِأَن الله مَوْجُود أَو أَنه هُوَ الْخَالِق الْقَادِر على الأختراع وَأَشْبَاه ذَلِك. وَأَن مَعْنَاهَا لَا حاكمية إِلَّا لله ويظنون أَن من اعْتقد ذَلِك وَفسّر بِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله فقد حقق التَّوْحِيد الْمُطلق وَلَو فعل مَا فعل من عبَادَة غير الله والإعتقاد بالأموات والتقرب إِلَيْهِم بالذبائح وَالنُّذُور وَالطّواف بقبورهم والتبرك بتربتهم، وَمَا شعر هَؤُلَاءِ أَن كفار الْعَرَب الْأَوَّلين يشاركونهم فِي هَذَا الإعتقاد ويعرفون أَن الله هُوَ خَالق الْقَادِر على الإختراع ويقرون بذلك وَأَنَّهُمْ مَا عبدُوا غَيره إِلَّا لزعمهم أَنهم يقربونهم إِلَى الله   1 - الْآيَة (5) من سُورَة ص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 زلفى لَا أَنهم يخلقون وَيُرْزَقُونَ فالحاكمية جُزْء من معنى لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَيْسَت هِيَ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيّ الْمَطْلُوب فَلَا يَكْفِي الحكم بالشريعة فِي الْحُقُوق وَالْحُدُود والخصومات مَعَ وجود الشّرك فِي الْعِبَادَة. وَلَو كَانَ معنى لَا إِلَه إِلَّا الله مَا زَعمه هَؤُلَاءِ لم يكن بَين الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين نزاع بل كَانُوا يبادرون إِلَى إِجَابَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالَ لَهُم أقرُّوا بِأَن الله هُوَ الْقَادِر على الإختراع أَو أقرُّوا أَن الله مَوْجُود. أَو قَالَ لَهُم تحاكموا إِلَى الشَّرِيعَة فِي الدِّمَاء وَالْأَمْوَال والحقوق وَسكت عَن الْعِبَادَة. وَلَكِن الْقَوْم وهم أهل اللِّسَان الْعَرَبِيّ فَهموا أَنهم إِذا قَالُوا (لَا إِلَه إِلَّا الله) فقد أقرُّوا بِبُطْلَان عبَادَة الْأَصْنَام وَأَن هَذِه الْكَلِمَة لَيست مُجَرّد لفظ لَا معنى لَهُ، وَلِهَذَا نفروا مِنْهَا وَقَالُوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 1. كَمَا قَالَ الله عَنْهُم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إلاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ   1 - الْآيَة (5) من سُورَة ص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} 1. فعرفوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله تَقْتَضِي ترك عبَادَة مَا سوى الله وإفراد الله بِالْعبَادَة، لَو قالوها على عبَادَة الْأَصْنَام لتناقضوا مَعَ أنفسهم واستمروا على عبَادَة التَّنَاقُض، وَعباد الْقُبُور الْيَوْم لَا يأنفون من هَذَا التَّنَاقُض الشنيع فهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله، ثمَّ ينقضونها بِعبَادة الْأَمْوَات والتقرب إِلَى الأضرحة بأنواع من الْعِبَادَات فتباً لمن كَانَ أَبُو جهل وَأَبُو لَهب أعلم مِنْهُ بِمَعْنى لَا إِلَه إِلَّا الله. وَالْحَاصِل أَن من قَالَ هَذِه الْكَلِمَة عَارِفًا لمعناها عَاملا بمقتضاها ظَاهرا وَبَاطنا من نفى الشّرك وَإِثْبَات الْعِبَادَة لله مَعَ الإعتقاد الْجَازِم لما تضمنته وَالْعَمَل بِهِ فَهُوَ الْمُسلم حَقًا، وَمن قَالَهَا وَعمل بهَا وبمقتضاها ظَاهرا من غير اعْتِقَاد لما دلّت عَلَيْهِ فَهُوَ مُنَافِق، وَمن قَالَهَا بِلِسَانِهِ وَعمل بِخِلَافِهَا من الشّرك الْمنَافِي لَهَا فَهُوَ الْمُشرك المتناقض فلابد مَعَ النُّطْق بِهَذِهِ الْكَلِمَة من معرفَة مَعْنَاهَا، لِأَن ذَلِك وَسِيلَة للْعَمَل بمقتضاها قَالَ تَعَالَى:   1 - الْآيَتَانِ (35/36) من سُورَة صافات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 {إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 1. وَالْعَمَل بمقتضاها هُوَ عبَادَة الله وَالْكفْر بِعبَادة مَا سواهُ وَهُوَ الْغَايَة الْمَقْصُود من هَذِه الْكَلِمَة؛ وَمن يَقْتَضِي لَا إِلَه إِلَّا الله قبُول تشريع الله فِي الْعِبَادَات والمعاملات والتحليل وَالتَّحْرِيم، ورفض تشريع من سواهُ قَالَ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} 2. فلابد من قبُول تشريع الله فِي الْعِبَادَات والمعاملات وَالْحكم بَين النَّاس فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ فِي الْأَحْوَال الشخصية وَغَيرهَا رفض القوانين الوضيعة، وَمعنى ذَلِك رفض الْجَمِيع الْبدع والخرافات الَّتِي يبتدعها ويروجها شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ فِي الْعِبَادَات وَمن تقبل شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ مُشْرك كَمَا قَالَ فِي هَذِه الْآيَة: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} .   1 - الْآيَة (86) من سُورَة الزخرف 2 - الْآيَة (21) من سُورَة شُورَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 وَقَالَ تَعَالَى: {إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} 2. وَفِي الحَدِيث الصَّحِيح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تلى هَذِه الْآيَة على عدي بن حَاتِم الطَّائِي رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: " يَا رَسُول الله لسنا نعبدهم، قَالَ: أَلَيْسَ يحلونَ لكم مَا حرم الله فَتحِلُّونَهُ، ويحرمون مَا أحل الله فَتُحَرِّمُونَهُ، قَالَ: بلَى_ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَتلك عِبَادَتهم " 3. قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن حسن رَحمَه الله: فَصَارَت طاعتهم فِي الْمعْصِيَة عبَادَة لغير الله وَبهَا اتخذوهم أَرْبَابًا الْمنَافِي للتوحيدالذي هُوَ مَدْلُول شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا   1 - الْآيَة (121) من سُورَة الْأَنْعَام. 2 - الْآيَة (31) من سُورَة التَّوْبَة 3 - رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ رقم (3094) . فِي التَّفْسِير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الله ... فَتبين أَن كلمة الْإِخْلَاص نفت هَذَا كُله امنافاته لمدلول هَذِه الْكَلِمَة1. وَكَذَلِكَ يجب رفض التحاكم القوانين لِأَنَّهُ يجب التحاكم إِلَى كتاب الله وَترك التحاكم إِلَى مَا عداهُ من النّظم والقوانين البشرية ... قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} 2. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي} 3. وَقد حكم سُبْحَانَهُ بِكفْر من لم يحكم بِمَا أنزل الله وبظلمه وفسقه. وَنفى عَنهُ الْإِيمَان مِمَّا يدل على أَن الحكم بِغَيْر مَا أنزل الله إِذا كَانَ الْحَاكِم بِهِ يستبيحه أَو يرى أَنه أصلح من حكم الله وَأحسن فَهَذَا كفر وشرك يُنَافِي التَّوْحِيد ويناقض لَا إِلَه إِلَّا الله تَمام المناقضة - وَإِن كَانَ   1 - فتح الْمجِيد (107) . 2 - سُورَة النِّسَاء الْآيَة (59) . 3 - سُورَة الشورى الْآيَة (10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 لَا يستبيح ذَلِك ويعتقد أَن حكم الله هُوَ الَّذِي يجب الحكم بِهِ - وَلَكِن حمله الْهوى على مُخَالفَته فَهَذَا كفر أَصْغَر وشرك أَصْغَر يُنقض معنى لَا إِلَه إِلَّا الله ومقتضاها. إِذا فَلَا إِلَه إِلَّا الله مَنْهَج متكامل يجب أَن يسيطر على حَيَاة الْمُسلمين وَجَمِيع عباداتهم وتصرفاتهم فَلَيْسَتْ لفظا يردد للبركة والأوراد الصباحية والمسائية بِدُونِ فهم لمعناه وَعمل بِمُقْتَضَاهُ وَالسير على منهجه كَمَا يَظُنّهُ كثير مِمَّن يتلفظون بهَا بألسنتهم ويخالفونها فِي معتقداتهم وتصرفاتهم. وَمن مُقْتَضى لَا إِلَه إِلَّا الله أثبات أَسمَاء الله وَصِفَاته الَّتِي سمي وَوصف بهَا نَفسه أَو سَمَّاهُ وَوَصفه بهَا رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 1. قَالَ فِي الْفَتْح الْمجِيد: أصل الْإِلْحَاد فِي كَلَام الْعَرَب الْعُدُول عَن الْقَصْد والميل والجور والإنحراف وَأَسْمَاء   1 - سُورَة الْأَعْرَاف الْآيَة (180) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 الرب تَعَالَى كلهَا وأوصاف تعرف بهَا تَعَالَى إِلَى عباده ودلت على كَمَاله جلّ وَعلا. وَقَالَ رَحمَه الله1 فالإلحاد فِيهَا مَا يجحدها وإنكارها، وَأما يجْحَد مَعَانِيهَا وتعطيها، وَأما بتحريفها عَن الصَّوَاب وإخراجها عَن الْحق بالتأويلات، وَأما أَن يَجْعَلهَا أَسمَاء لهَذِهِ الْمَخْلُوقَات كالحاد أهل الإتحاد فَإِنَّهُم جعلوها أَسمَاء هَذَا الْكَوْن محمودها ومذمومها .... انْتهى. فَمن ألحد فِي أَسمَاء الله وَصِفَاته بالتعطيل والتأويل أَو التَّفْوِيض وَلم يعْتَقد مَا دلّت عَلَيْهِ من المعني الجليلة من الْجَهْمِية والمعتزلة والأشاعرة فقد خَالف مَدْلُول لَا إِلَه إِلَّا الله - لِأَن الْإِلَه هُوَ الَّذِي يدعى ويتوسل إِلَيْهِ بأسمائه وَصِفَاته - كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَادْعُوهُ بِهَا} وَالَّذِي لَيْسَ لَهُ أَسمَاء وَلَا صِفَات كَيفَ يكون إِلَهًا وَكَيف يدعى وبماذا يدعى ... قَالَ الإِمَام ابْن الْقيم: "تنَازع النَّاس فِي كثير   1 - فتح الْمجِيد ص 537 - 538. وَانْظُر مدارج السالكين (1/29 - 30) لَان الْقيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 من الْأَحْكَام وَلم يتنازعوا فِي آيَات الصِّفَات وأخبارها فِي مَوضِع وَاحِد بل اتّفق الصَّحَابَة والتابعون على إِقْرَارهَا وإمرارها مَعَ فهم مَعَانِيهَا وَإِثْبَات حقائقها، وَهَذَا يدل على أَنهم أعظم النَّوْعَيْنِ بَيَانا وَأَن الْعِنَايَة ببيانها أهم، لِأَنَّهَا من تَمام تَحْقِيق الشَّهَادَتَيْنِ وإثباتها من لَوَازِم التَّوْحِيد فبينها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُوله بَيَانا شافياً لَا يَقع فِيهِ لَيْسَ". وآيات الْأَحْكَام لَا يكَاد يفهم مَعَانِيهَا إِلَّا الْخَاصَّة من النَّاس. وَأما آيَات الصِّفَات فيشترك فِي فهم مَعْنَاهَا الْخَاص وَالْعَام، أَعنِي فهم أصل الْمَعْنى لَا فهم الكنه والكيفيفة1. وَقَالَ أَيْضا: وَهَذَا أَمر مَعْلُوم بِالْفطرِ والعقول السليمة والكتب السماوية أَن فَاقِد صِفَات الْكَمَال لَا يكون إِلَهًا وَلَا مُدبرا وَلَا رَبًّا، بل هُوَ مَذْمُوم معيب نَاقص، لَيْسَ لَهُ الْحَمد لَا فِي الأولى وَلَا فِي الْآخِرَة، وَإِنَّمَا الْحَمد فِي الأولى وَالْآخِرَة لمن لَهُ صِفَات الْكَمَال ونعوت الْجلَال الَّتِي لأَجلهَا   1 - مُخْتَصر الصَّوَاعِق الْمُرْسلَة (1/15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 اسْتحق الْحَمد، وَلِهَذَا سمي السّلف كتبهمْ الَّتِي صنفوها فِي السّنة وَإِثْبَات صِفَات الرب وعلوه فِي خلقه وَكَلَامه وتكليمه توحيداً، لِأَن نفي ذَلِك وإنكاره وَالْكفْر بِهِ إِنْكَار للصانع وَجحد لَهُ، وَإِنَّمَا تَوْحِيد إِثْبَات صِفَات كَمَاله وتنزيهه عَن التَّشْبِيه والنقائض1.   1 - مدارج السالكين (1/26) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 5 - ـ مَتى ينفع الْإِنْسَان قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَمَتى لَا يَنْفَعهُ ذَلِك: - سبق أَن قُلْنَا أَن قَول لَا إِلَه إِلَّا الله لابد أَن يكون مصحوباً بِمَعْرِِفَة مَعْنَاهَا وَالْعَمَل بمقتضاها وَلَكِن لما كَانَ هُنَاكَ نُصُوص قد يتَوَهَّم مِنْهَا إِن مُجَرّد التَّلَفُّظ بهَا يَكْفِي وَقد تعلق بِهَذَا الْوَهم بعض النَّاس، اقْتضى إِيضَاح ذَلِك لإِزَالَة هَذَا الْوَهم عَمَّن يُرِيد الْحق، قَالَ الشَّيْخ سُلَيْمَان رَحمَه الله على حَدِيث عتْبَان ... الَّذِي فِيهِ: "أَن الله حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله" 2 قَالَ: أعلم أَنه قد وَردت أَحَادِيث ظهارها أَنه من أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ حرم   1 - مدارج السالكين (1/26) . 2 - رَوَاهُ البُخَارِيّ 11/206. وَمُسلم رقم (33) . الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 على النَّار كَهَذا الحَدِيث وَحَدِيث أنس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعاذ رديفه على الرحل فَقَالَ: "يَا معَاذ: قَالَ لبيْك يَا رَسُوله الله وَسَعْديك، قَالَ مَا عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله إِلَّا حرمه الله من النَّار" 1 وَلمُسلم عَن عبَادَة مَرْفُوعا: "وَمن شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله حرمه الله على النَّار" 2 ووردت أَحَادِيث فِيهَا أَن من أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ دخل الْجنَّة وَلَيْسَ فِيهَا أَنه محرم على النَّار مِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَنهم كَانُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك - الحَدِيث فِيهِ - فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله لَا يلقِي الله بهَا عبد غير شَاك فيحجب عَن الْجنَّة" رَوَاهُ مُسلم3.   1 - رَوَاهُ البُخَارِيّ 1/199. 2 - صَحِيح مُسلم (1/228 - 229) . بشرح النَّوَوِيّ. 3 - صَحِيح مُسلم (1/224) . بشرح النَّوَوِيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 مَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية قَالَ: "وَأحسن مَا قيل فِي مَعْنَاهُ مَا قَالَه شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَغَيره: أَن هَذِه الْأَحَادِيث إِنَّمَا هِيَ فِيمَن قَالَهَا وَمَات عَلَيْهَا، كَمَا جَاءَت مُقَيّدَة وَقَالَهَا خَالِصا من قلبه مُسْتَيْقنًا بهَا قلبه غير شَاك فِيهَا وبصدق ويقين، فَإِن حَقِيقَة التَّوْحِيد انجذاب الرّوح إِلَى الله جملَة فَمن شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله خَالِصا من قلبه دخل الْجنَّة لِأَن الْإِخْلَاص هُوَ انجذاب الْقلب إِلَى الله تَعَالَى بِأَن يَتُوب من الذُّنُوب تَوْبَة نصُوحًا فَإِذا مَاتَ على تِلْكَ الْحَال نَالَ ذَلِك، فَإِنَّهُ قد توترات الْأَحَادِيث بِأَنَّهُ يخرج من النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ قلبه من الْخَيْر مَا يزن شعيرَة وَمَا يزن خردلة وَمَا يزن ذرة، وتوترات بِأَن كثيرا مِمَّن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله يدْخل النَّار ثمَّ يخرج مِنْهَا، وتوترات بِأَن الله حرم على النَّار أَن تَأْكُل أثر السُّجُود من ابْن آدم فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يصلونَ ويسجدون لله، وتوترات بِأَنَّهُ يحرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَمن شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، لَكِن جَاءَت مُقَيّدَة بالقيود الثقال وَأكْثر من يَقُولهَا لَا يعرف الْإِخْلَاص وَلَا الْيَقِين وَمن لَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 يعرف ذَلِك يخْشَى عَلَيْهِ أَن يفتن عَنْهَا عِنْد الْمَوْت فيحال بَينه وَبَينهَا، وَأكْثر من يَقُولهَا تقليداً وَعَادَة لم يخالط الْإِيمَان بشاشة قلبه، وغالب من يفتن عِنْد الْمَوْت وَفِي الْقُبُور أَمْثَال هَؤُلَاءِ كَمَا فِي الحَدِيث: "سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقتله" وغالب أَعمال هَؤُلَاءِ إِنَّمَا هُوَ تَقْلِيد وإقتداء بأمثالهم وهم أقرب النَّاس من قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} 1. وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاة بَين الْأَحَادِيث فَإِنَّهُ إِذا قَالَهَا بإخلاص ويقين تَامّ لم يكن فِي هَذِه الْحَال مصرا على ذَنْب أصلا، فَإِن كَمَال إخلاصه ويقينه يُوجب أَن يكون الله أحب إِلَيْهِ من كل شَيْء فَإِذا لَا يبْقى فِي قلبه إِرَادَة لما حرم على النَّار وَإِن كَانَت لَهُ ذنُوب قبل ذَلِك، فَإِن هَذَا الْإِيمَان وَهَذِه التَّوْبَة وَهَذَا الْإِخْلَاص وَهَذِه الْمحبَّة وَهَذَا الْيَقِين لَا تتْرك لَهُ ذَنبا إِلَّا يمحى كَمَا يمحى اللَّيْل بِالنَّهَارِ"، انْتهى كَلَامه رَحمَه الله2.   1 - الْآيَة (23) . من سُورَة الزخرف. 2 - تيسير الْعَزِيز الحميد بشرح كتاب التَّوْحِيد ص 66 - 67 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 مَا قَالَه الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب1: - وَلَهُم شُبْهَة أُخْرَى يَقُولُونَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنكر على أُسَامَة قتل من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَقَالَ: "أقتلته بَعْدَمَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله" وَأَحَادِيث أُخْرَى فِي الْكَفّ عَمَّن قَالَهَا وَمُرَاد هَؤُلَاءِ الجهلة أَن من قَالَهَا لَا يكفر وَلَا يقتل وَلَو فعل مَا فعل، فَيُقَال لهَؤُلَاء الْجُهَّال مَعْلُوم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتل الْيَهُود وسباهم وهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتلُوا بني حنيفَة وهم يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويصلّون ويدَّعون الْإِسْلَام، وَكَذَلِكَ الَّذين حرقهم بن أبي طَالب، وَهَؤُلَاء الجهلة مقرون أَن من أنكر الْبَعْث كفر وَقتل وَلَو قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن من جحد شَيْئا من أَرْكَان الْإِسْلَام كفر وَقتل وَلَو قَالَهَا فَكيف تَنْفَعهُ إِذا جحد شَيْئا من الْفُرُوع وتنفعه إِذا جحد التَّوْحِيد الَّذِي هُوَ أصل دين الرُّسُل وَرَأسه وَلَكِن أَعدَاء الله مَا فَهموا معنى الْأَحَادِيث.   1 - انْظُر مَجْمُوعَة التَّوْحِيد ص 120 - 121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وَقَالَ رَحمَه الله: فَأَما حَدِيث أُسَامَة فَإِنَّهُ قتل رجلا أَدعِي الْإِسْلَام بِسَبَب أَنه ظن أَنه، مَا إدعاه إِلَّا خوفًا على دَمه وَمَاله، وَالرجل إِذا أظهر الْإِسْلَام وَجب الْكَفّ عَنهُ حَتَّى يتَبَيَّن مِنْهُ مَا يُخَالف ذَلِك وَأنزل الله فِي ذَلِك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} 1. أَي فتبثوا فالآية تدل على أَنه يجب الْكَفّ عَنهُ والتثبيت فَإِن تبين بعد ذَلِك مَا يُخَالف الْإِسْلَام قتل لقَوْله: {َتَبَيَّنُوا} وَلَو كَانَ لَا يقتل إِذا قَالَهَا لم يكن للتثبيت معنى، وَكَذَلِكَ الحَدِيث الآخر وَأَمْثَاله مَعْنَاهُ مَا ذَكرْنَاهُ من أَن من أظهر الْإِسْلَام والتوحيد وَجب الْكَفّ عَنهُ إِلَّا أَن يتَبَيَّن مِنْهُ مَا يُنَاقض ذَلِك ... وَالدَّلِيل على هَذَا أَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي قَالَ: "أقتلته بَعْدَمَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله" وَقَالَ: "أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله" هُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْخَوَارِج "أَيْنَمَا لقيتموهم فاقتلوهم، لَئِن أدركتمهم لأقتلنهم قتل عَاد " مَعَ كَونهم من أَكثر النَّاس تهليلاً حَتَّى أَن الصَّحَابَة يحقرون أنفسهم عِنْدهم، وهم تعلمُوا الْعلم من الصَّحَابَة، فَلم تنفعهم   1 - من الْآيَة (94) . من سُورَة النِّسَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا كَثْرَة الْعِبَادَة وَلَا ادِّعَاء الْإِسْلَام لماّ ظهر مِنْهُم مُخَالفَة الشَّرِيعَة وَكَذَلِكَ مَا ذَكرْنَاهُ من قتال الْيَهُود وقتال الصَّحَابَة بني حنيفَة. مَا قَالَه الْحَافِظ بن رَجَب: وَقَالَ الْحَافِظ ابْن رَجَب فِي رسَالَته الْمُسَمَّاة: (كلمة الْإِخْلَاص) 1 "على قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله" قَالَ: ففهم عمر وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة أَن من أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ امْتنع من عُقُوبَة الدُّنْيَا بِمُجَرَّد ذَلِك فتوقفوا فِي قتال مَا نعي الزَّكَاة وَفهم الصّديق أَنه لَا يمْنَع قِتَاله إِلَّا بأَدَاء حُقُوقهَا لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "فَإِذا فعلوا ذَلِك منعُوا مني دِمَاءَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله"، وَقَالَ: "الزَّكَاة حق المَال" وَهَذَا الَّذِي فهمه الصّديق قد رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَرِيحًا غير وَاحِد من الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن عمر وَأنس وَغير هما وَأَنه قَالَ: "أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى   1 - كلمة الْإِخْلَاص لِابْنِ رَجَب ص (13 - 14) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة " وَقد دلّ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} كَمَا دلّ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} على أَن الْأُخوة فِي الدّين لَا تثبت إِلَّا بأداؤ الْفَرَائِض مَعَ التَّوْحِيد من الشّرك لَا تحصل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ فَلَمَّا قرر أَبُو بكر هَذَا للصحابة رجعُوا إِلَى قَوْله ورأوه صَوَابا فَإِذا علم أَن عُقُوبَة الدُّنْيَا لَا ترْتَفع عَمَّن أدّى الشَّهَادَتَيْنِ مُطلقًا، بل يُعَاقب بإخلاله بِحَق من حُقُوق الْإِسْلَام فَكَذَلِك عُقُوبَة الْآخِرَة، وَقَالَ أَيْضا1: وَقَالَت طَائِفَة من الْعلمَاء المُرَاد من هَذِه الْأَحَادِيث أَن التَّلَفُّظ بِلَا إِلَه إِلَّا الله سَبَب لدُخُول الْجنَّة والنجاة من النَّار وَمُقْتَضى لذَلِك. وَلَكِن الْمُقْتَضى لَا يعْمل عمله إِلَّا باستجماع شُرُوطه وَانْتِفَاء موانعه، فقد يتَخَلَّف عَنهُ مُقْتَضَاهُ لفَوَات شَرط من شُرُوطه أَو لوُجُود مَانع - وَهَذَا قَول الْحسن ووهب بن   1 - فِي ص (9 - 10) من رِسَالَة كلمة الْإِخْلَاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 مُنَبّه وَهُوَ الْأَظْهر - ثمَّ ذكر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ للفرزدق وهوة يدْفن امْرَأَته: مَا أَعدَدْت لهَذَا الْيَوْم - قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله مُنْذُ سبعين سنة - قَالَ الْحسن: نعم الْعدة - لَكِن للا إِلَه إِلَّا الله شُرُوط فإياك وَقذف الْمُحْصنَات - وَقيل لِلْحسنِ: أَن أُنَاسًا يَقُولُونَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة فَقَالَ: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فَأدى حَقّهَا وفرضها دخل الْجنَّة وَقَالَ وهب بن مُنَبّه لمن سَأَلَهُ: أَلَيْسَ لَا إِلَه إِلَّا الله مِفْتَاح الْجنَّة - قَالَ: بلَى وَلَكِن مَا من مِفْتَاح إِلَّا لَهُ أَسْنَان فَإِن جِئْت بمفتاح لَهُ أَسْنَان فتح لَك وَإِلَّا لم يفتح لَك ... وأظن أَن فِي هَذَا الْقدر الَّذِي نقلته من كَلَام أهل الْعلم كِفَايَة فِي رد هَذِه الشُّبْهَة الَّتِي تعلق بهَا من ظن أَن من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله لَا يكفر وَلَو فعل مَا فعل من أَنْوَاع الشّرك الْأَكْبَر الَّتِي تمارس الْيَوْم عِنْد الأضرحة وقبور الصَّالِحين مِمَّا يُنَاقض كامة لَا إِلَه إِلَّا الله تَمام المناقضة ويضادها تَمام المضادة، وَهَذِه طَريقَة أهل الزيغ الَّذين يَأْخُذُونَ من النُّصُوص المجملة مَا يظنون أَنه حجَّة لَهُم ويتركون مَا بَينه ويوضحه النُّصُوص المفصلة كَحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 الَّذين يُؤمنُونَ بِبَعْض الْكتاب ويكفرون بِبَعْض وَقد قَالَ الله فِي هَذَا النَّوْع من النَّاس: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إلاّ أُولُو الْأَلْبَابِ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} 1. اللَّهُمَّ أرنا الْحق حَقًا وارزقنا اتِّبَاعه وأرنا الْبَاطِل بَاطِلا وارزقنا اجتنابه ...   1 - الْآيَات من (7 - 9) . من سُورَة آل عمرَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 6 - ـ آثَار لَا إِلَه إِلَّا الله لهَذِهِ الْكَلِمَة إِذا قيلت بِصدق وإخلاص وَعمل الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 بمقتضاها ظَاهرا وَبَاطنا آثَار حميدة على الْفَرد وَالْجَمَاعَة من أهمها: - 1 - ـ اجْتِمَاع الْمُسلمين الَّتِي ينْتج عَنْهَا حُصُول الْقُوَّة للْمُسلمين والانتصار على عدوهم لأَنهم يدينون بدين وَاحِد وعقيدة وَاحِدَة كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 2. والاحتلاف فِي العقيدة بِسَبَب التَّفَرُّق والنزاع والتناحر كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} 3.وَقَالَ تَعَالَى:   1 - االآية رقم (103) من سُورَة آل عمرَان. 2 - الْآيَتَانِ رقم (62 - 63) . من سُورَة الْأَنْفَال. 3 - الْآيَة رقم (159) . من سُورَة الْأَنْعَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} 1. فَلَا يجمع النَّاس سوى عقيدة الْإِيمَان والتوحيد الَّتِي هِيَ مَدْلُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَاعْتبر ذَلِك بِحَالَة الْعَرَب قبل الْإِسْلَام وَبعده. 2 - ـ توفر الْأَمْن والطمأنينة فِي الْمُجْتَمع الموحد الَّذِي يدين بِمُقْتَضى لَا إِلَه إِلَّا الله لِأَن كل من افراده يَأْخُذ مَا أحل الله لَهُ وَيتْرك مَا حرم الله عَلَيْهِ تفاعلاً مَعَ عقيدته الَّتِي تملئ عَلَيْهِ ذَلِك فينكف عَن الاعتداء وَالظُّلم والعدوان وَيحل مَحل ذَلِك التعاون والمحبة والمولاة فِي الله عملا بقوله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} 2. يظْهر هَذَا جلياً فِي حَالَة الْعَرَب قبل أَن يدينوا بِهَذِهِ الْكَلِمَة وَبعد مَا دانوا بهَا فقد كَانُوا من قبل أعداؤ متناحرين يفتخرون بِالْقَتْلِ والنهب وَالسَّلب فلماذا دانوا بهَا أَصْبحُوا إخْوَة متحابين كَمَا قَالَ تَعَالَى:   1 - الْآيَة رقم (53) . من سُورَة الْمُؤْمِنُونَ. 2 - الْآيَة رقم (10) . من سُورَة الحجرات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {َاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} 2. 3 - ـ حُصُول السِّيَادَة والاستخلاف فِي الأَرْض وصفاء الدّين والثبوت أَمَام تيارات الأفكار والمبادئ الْمُخْتَلفَة - كَمَا قَالَ الله تَعَالَى -: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً} 3. فَربط سُبْحَانَهُ حُصُول هَذِه المطالب الْعَالِيَة بِعِبَادَتِهِ وَحده لَا شريك لَهُ الَّذِي هُوَ معنى وَمُقْتَضى لَا إِلَه إِلَّا الله.   1 - الْآيَة رقم (29) . من سُورَة الْفَتْح. 2 - الْآيَة رقم (103) . من سُورَة آل عمرَان. 3 - الْآيَة رقم (55) . من سُورَة النُّور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 4 - ـ حُصُول الطُّمَأْنِينَة النفسية والاستقرار الذهْنِي لمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَعمل بمقتضاها لِأَنَّهُ يعبد رَبًّا وَاحِدًا يعرف مُرَاده وَمَا يرضيه فيفعله وَيعرف مَا يسخطه فيجتنبه بِخِلَاف من يعبد آلِهَة مُتعَدِّدَة كل وَاحِد مِنْهَا لَهُ مُرَاد الْأُخَر وَله تَدْبِير غير تَدْبِير الآخر كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} 2. قَالَ الإِمَام ابْن الْقيم رَحمَه الله: هَذَا مثل ضربه الله سُبْحَانَهُ للمشرك والموحد، فالمشرك بِمَنْزِلَة عبد يملكهُ جمَاعَة متنازعون مُخْتَلفُونَ متشاحون وَالرجل المتشاكس: السَّيئ الْخلق. فالمشرك لما كَانَ يعبد آلِهَة شَتَّى بِعَبْد يملكهُ جمَاعَة متنافسون فِي خدمته لَا يُمكنهُ أَن يبلغ   1 - الْآيَة رقم (39) . من سُورَة يُوسُف. 2 - الْآيَة رقم (29) من سُورَة الزمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 رضاهم أَجْمَعِينَ، والموحد لما كَانَ يعبد الله وَحده فَمثله عبد لرجل وَاحِد قد سلم لَهُ وَعلم مقاصده وَعرف الطَّرِيق إِلَى رِضَاهُ فَهُوَ فِي رَاحَة من تشاحن الخلطاء فِيهِ، بل هُوَ سَالم لمَالِكه من غير تنَازع فِيهِ مَعَ رأفة مَالِكه وَرَحمته لَهُ وشفقته عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ وتوليته لمصالحه، فَهَل يَسْتَوِي هَذَانِ العبدان1. 5 - ـ حُصُول السمو والرفعة لأهل لَا إِلَه إِلَّا الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} 2. فدلت الْآيَة على أَن التَّوْحِيد علو وارتفاع وَأَن الشّرك هبوط وسفول وَسُقُوط. قَالَ الْعَلامَة ابْن الْقيم رَحمَه الله: "شبه الْإِيمَان والتوحيد فِي علو وسعته وشرفه بالسماء الَّتِي هِيَ مصعده ومهبطه، فَمِنْهَا هَبَط إِلَى الأَرْض وإليها   1 - أَعْلَام الموقعين (1/187) . 2 - الْآيَة رقم (31) . من سُورَة الْحَج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 يصعد مِنْهَا، وَشبه تَارِك الْأَيْمَان والتوحيد بالساقط من السَّمَاء إِلَى أَسْفَل سافلين من حَيْثُ التَّضْيِيق الشَّديد والآلام المتركمة وَالطير الَّتِي تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين الَّتِي يرسلها الله تَعَالَى وتؤزره وتزعجه وتقلقه إِلَى مظان هلاكة وَالرِّيح الَّتِي تهوي بِهِ فِي مَكَان سحيق هُوَ هَوَاهُ الَّذِي يحملهُ على إِلْقَاء نَفسه فِي أَسْفَل مَكَان وابعده عَن السَّمَاء"1. 6 - ـ عصمَة الدَّم وَالْمَال وَالْعرض، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قالوها عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا " 2، وَقَوله ((بِحَقِّهَا)) مَعْنَاهُ أَنهم إِذا قالوها وامتنعوا من الْقيام بِحَقِّهَا وَهُوَ أَدَاء مَا تَقْتَضِيه من التَّوْحِيد والإبتعاد عَن الشّرك وَالْقِيَام بأركان الْإِسْلَام أَنَّهَا لَا تعصم أَمْوَالهم وَلَا دِمَاءَهُمْ بل يقتلُون وَتُؤْخَذ أَمْوَالهم غنيمَة للْمُسلمين كَمَا   1 - أَعْلَام الموقعين (= 180) . 2 - رَوَاهُ البُخَارِيّ (13/217) . فِي الِاعْتِصَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 فعل بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخلفاؤه. هَذَا ولهذه الْكَلِمَة آثَار عَظِيمَة على الْفَرد وَالْجَمَاعَة فِي الْعِبَادَات والمعملات والآداب والأخلاق ... وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه جمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47