الكتاب: لقاءات ملتقى أهل الحديث بالعلماء المؤلف: ملتقى أهل الحديث   (مجموعة طيبة من اللقاءات وإجابات العلماء عن أسئلة المشاركين تشمل 15 لقاء بإجاباتها)   [الكتاب مرقم آليا] ---------- لقاءات ملتقى أهل الحديث بالعلماء ملتقى أهل الحديث الكتاب: لقاءات ملتقى أهل الحديث بالعلماء المؤلف: ملتقى أهل الحديث   (مجموعة طيبة من اللقاءات وإجابات العلماء عن أسئلة المشاركين تشمل 15 لقاء بإجاباتها)   [الكتاب مرقم آليا] ـ[لقاءات ملتقى أهل الحديث بالعلماء]ـ «ملتقى أهل الحديث» هو منتدى حواري من أفضل المنتديات على شبكة الإنترنت، يضم نخبة طيبة من العلماء وطلبة العلم، ويحرص على الالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة وهو منارة من منارات العلم في هذا العصر، ومما سبق إليه الملتقى: عقد اللقاءات مع عدد من أهل العلم من خلال الموقع، حيث يكتب المشاركون وغيرهم الأسئلة ويقوم المشرفون بعرضها على الشيخ ثم تكتب الإجابات وتنشر في الموقع. وهذه مجموعة طيبة من اللقاءات وإجابات العلماء عن أسئلة المشاركين   يشمل هذا الكتاب الإلكتروني اللقاءات التي عقدت مع: 1 - الشيخ عبد الكريم الخضير 2 - الشيخ عبد الرحمن البراك 3 - الشيخ علي الصياح 4 - الشيخ عبد الله الغنيمان 5 - الشيخ حسن الحفظي 6 - الشيخ زهير الشاويش 7 - الشيخ علي بن محمد العمران 8 - الشيخ عبد الله السعد 9 - الشيخ حمزة المليباري 10 - الشيخ محمد عزير شمس 11 - الشيخ عبد العزيز الطريفي 12 - الشيخ محمّد بن الأمين بوخبزة 13 - الشيخ الدكتور مساعد الطيار 14 - الشيخ الدكتور سعدي الهاشمي 15 - الشيخ الدكتور محمد بن حسين الجيزاني قالوا عن ملتقى أهل الحديث: قال الشيخ أبو خالد السلمي: «فقد كانت فكرة إنشاء ملتقى أهل الحديث فكرة رائدة، ففي الوقت الذي عجت فيه الشبكة العنكبوتية بملتقيات الأخبار والقص واللصق والقيل والقال، شرح الله صدر مشايخنا مشرفي ملتقى أهل الحديث لإنشاء هذا الصرح العلمي المتخصص، الذي هو نسيج وحده، ... ، ورغم أن ملتقى أهل الحديث هو ملتقى لأهل السنة والجماعة، والمراد بأهل الحديث فيه الفرقة الناجية بجميع تخصصاتهم، إلا أن الطابع الحديثي قد طبع ملتقى أهل الحديث وتميز بمزيد عناية بالحديث وعلومه ... » اهـ وقال خالد بن عمر الفقيه الغامدي: وملتقى أهل الحديث بقي سنين بنفس الاسم القديم «بَلْجُرَشِي» (وهي مدينة في جنوب غرب المملكة العربية السعودية)، ثم رأى كثير من المشايخ أن يحوَّل الاسم إلى اسم يعبِّر عن مضمون هَذَا الموقع الَّذِيْ لا نظير له إلى الآن في الشَّبكة العنكبوتيَّة، والذي يصحُّ أنه يقال عنه «ما من طالب علم يدخل الانترنت إلا ولملتقى أهل الحديث منَّة في عنقه»، والمشاركون فيه يزيدون عن عشرين ألف مشارك من جميع دول العالم، المملكة ودول الخليج، والمغرب العربي ومصر، والصين وأمريكا وكندا، والهند وباكستان وأندونيسيا، وغيرها من الدول، والكلام عن الملتقى يطول جدًّا، فتم الاتفاق على هَذَا الاسم الجديد «مُلْتَقَى أَهْلِ الْحَدِيْثِ» ... وكان للملتقى الرِّيادة والأولوية في عِدَّة أمور منها: - عقد اللقاءات مع عدد من أهل العلم من خلال الموقع، حيث يكتب المشاركون وغيرهم الأسئلة ويقوم المشرفون بعرضها على الشيخ ثم تكتب الإجابات وتنشر في الموقع. - نشر مئات، بل آلاف الكتب الشرعية والأدبية وغيرها في الموقع. - فتح قسم خاص بالمخطوطات، ينزل كل عضو ما يريد من مخطوطات يملكها فيه، مساهمة في نشر العلم الشرعي، وقد نشر فيه الآن آلاف المخطوطات التي لم يكن طلبة العلم يحلمون برؤية بعضها وهذا من توفيق الله تعالى وفضله .... - كان له الريادة في تنظيم قراءة كتب السنة النبوية على بعض المشايخ والإعلان عن ذلك على الشبكة العنكبوتية، فكم سمعنا عن تنظيم للقراءة على بعض المشايخ قام بعد إشهار الموقع لهذا الأمر ولم نكن نسمع به من قبل - أن هذا الموقع جمعنا وعرَّفنا بعلماء أفاضل وطلبة علم من جميع دول العالم، لعل أحدنا يبقى سنين عددا حتى يسمع ببعضهم أو يتعرف عليهم. قالوا عن الملتقى - من المواقع الممتازة على الشبكة العنكبوتية لأن فيه علماء وفوائد قل ما تجدها في موقع غيره (الشيخ عبد الكريم الخضير) - يستفاد منه وفيه بعض طلاب العلم من الأخيار يكتبون فيه وفيه نفع إن شاء الله تعالى وهناك أيضاً وجهات نظر يكتبونها في ملتقاهم وإن كنت أختلف معهم في بعضها ... (الشيخ عبد الكريم الخضير) - فوجئت بهذا الحضور العلمي المتميز في ملتقى أهل الحديث، ولم يخطر ببالي من قبل أنه يوجد على الشبكة العالمية نحو من ذلك (د محمد بن حسين الجيزاني) - مدينة من مدن العلم، مليئة بالعلم مضيئة بالخير، يقصدها العلماء وطلبة العلم يعلمون ويتعلمون، ويفيدون ويستفيدون، حتى غدا هذا الملتقى شمسا في سماء الإنترنت، فجزى الله القائمين عليه عن الإسلام والعلم والسنة وأهلها خير الجزاء، وزادهم توفيقا وتسديدا (د بسام الغنام) - أفضل موقع علمي على الإنترنت، ولا يكاد حديث إلا وتكلموا عنه. (الشيخ ناصر العمر) - أعتقد أنه أفضل موقع على الشبكة، وهو الأكثر لي زيارة، وما انتفع طلاب العلم بموقع كانتفاعهم بهذا الموقع (د ماهر ياسين الفحل) - وممن أثنى على الملتقى ونصح به، الشيخ المحدث محمد عمرو عبد اللطيف - رحمه الله -، والشيخ محمد إسماعيل المقدم، وغيرهم من المشايخ الكرام   عنوان الموقع http: //www. ahlalhdeeth. com الشيخ عبد الكريم الخضير ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إنا نحبك في الله ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، اشتهر عن فضيلتكم أنكم تحفظون ألفية العراقي فلماذا قدمتم حفظها على ألفية السيوطي ؟ وما هي مميزات كل ألفية؟ ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأحبكم الله الذي أحببتمونا فيه. أما تقديمنا لألفية العراقي فلأمور منها إمامة الحافظ العراقي في هذا الشأن فهو من أهل العلم والعمل والعلم دين كما هو معروف. والنزول مفضول عند أهل الحديث وتمتاز ألفيته بالسهولة ووفرة الأمثلة وبسط الأدلة والخلاف وهي اصل ألفية السيوطي كما قال السيوطي واقرأ كتاباً تدر منه الاصطلاح ... كهذه أوأصلها وابن الصلاح وتمتاز ألفية السيوطي بالزيادات التي صارت على حساب الوضوح والسهولة في كثير من المواضيع ولذا ننصح طالب العلم أن يعتني بألفية العراقي ويأخذ ما زاده السيوطي منها والله المستعان ـ[ هل يجوز لجماعة مكونة من أربعة أشخاص ترك صلاة الجماعة في المسجد المجاور والصلاة جماعة سوية لأنهم ينامون وقت الصلاة للراحة من أتعابهم (المضنية)؟ ثم يصلون ويكملون العمل إلى العصر ... ؟ ]ـ يجب على من سمع النداء ممن تلزمه الجماعة من الذكور المكلفين أن يؤدي الصلاة جماعة حيث ينادى بها في المساجد لحديث ابن أم مكتوم وقوله عليه الصلاة والسلام أتسمع النداء قال نعم قال أجب لا أجد لك رخصة ـ[ فضيلة الشيخ الكريم العلامة حفظه الله لدي مجموعة من الأسئلة]ـ جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أمرنا أن ننزل الناس منازلهم خرجه مسلم في مقدمة صحيحه ومنزلتي الحقيقية لا تزيد على كوني طالب علم ولست بعالم فضلاً عن صيغة المبالغة التي ابتذلت حتى صارت تطلق على من لا يستحقها وإذا كان الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وغيره من شيوخنا يرفضها بشدة فكيف بمن دونهم؟! وفي اطلاقها على من لا يستحقها تغرير بمن لا يعرف حقيقة الحال وتغرير بالشخص نفسه وذكر العلماء في شرح حديث الدين النصيحة أن من الغش غر الممدوح بالثناء الكاذب فنصيحتي لأخواني من طلاب العلم أن لا يغتروا بالإشاعات وأن لا يتسببوا في التغرير بالآخرين في ابتذال هذه الألقاب الكبيرة على طلاب العلم وأن يمتثلوا الأمر النبوي بإنزال الناس منازلهم والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 ـ[ لابن المنذر فوائد حديث جابر في الحج هل هو مطبوع وأين نجده؟ ]ـ فوائد حديث جابر رضي الله عنه في الحج لابن المنذر ذكره شراح صحيح مسلم ولا أعرف له وجود وليس بمطبوع على حد علمي ـ[ ما رأيكم بمنهج من يرى التفريق بين المتقدمين والمتأخرين؟ ]ـ التفريق بين المتقدمين والمتأخرين لا شك أن المتأخرين عالة على المتقدمين في هذا العلم وغيره لكن ليس بمقدور كل أحد من طلاب العلم لا سيما المبتدئين أن يتطاول حتى يسامي المتقدمين فدون ذلك خرط القتاد لابد من أن يتمرن على ما كتبه أهل العلم في علوم الحديث على الجادة المعروفة ويقرن القواعد النظرية بالتطبيق العملي ملاحظاً مواقع استعمال الأئمة للأحكام وإذا تكونت لديه الأهلية بعد الإكثار من التخريج ودراسة الأسانيد ومذاكرة الشيوخ والأقران وعرض ما كتبه وما توصل إليه من نتائج عليهم فإذا تأهل لا مانع من أن يحكم بالقرائن بعد الاطلاع على ما يمكنه الاطلاع عليه من طرق الأحاديث. فالباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه. ولا خلاف بيننا وبين الأخوان الذين يدعون إلى قفو أثر المتقدمين إلا في أن مثل هذا الكلام لا يلقى على المبتدئين لأني أرى أن مثل هذا الكلام قد يكون سبباً في ضياع طالب العلم نظير مطالبته المبتدئ في الطلب بالاجتهاد وترك أقوال العلماء في الأحكام قبل التأهل والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 ـ[ ما رأيكم بمؤلفات الشيخ حمزة مليباري؟ ]ـ الدكتور حمزة المليباري لم يسبق أن اجتمعت به في مجلس ولا حصل بيننا وبينه أي نقاش علمي إلا أنني قرأت له رسالة في مسألة ((التصحيح والتحسين عند ابن الصلاح)) التي شاع عند العلماء من بعده انتقاده من أجلها حيث حملوا رأي ابن الصلاح على الاطلاق في جميع الكتب ورأيه كالصريح في أنه يريد الأجزاء فوافق رأيه - أعني الدكتور - ما كنت أميل إليه إلا أنني لا اجرأ على مخالفة من سبق كالنووي والعراقي وابن حجر وغيرهم حيث فهموا الإطلاق لا سيما وأن رأيه في مستدرك الحاكم أنه يتوسط فيه ويحكم على أحاديثه بالحسن كما قال الحافظ العراقي: وخذ زيادة الصحيح إذ تنص ... صحته أو من مصنف يخص بجمعه نحو ابن حبان الزكي ... وابن خزيمة وكالمستدرك على تساهل وقال ما انفرد ... به فذاك حسن ما لم يرد بعلة والحق أن يحكم بما ... يليق والبستي يداني الحاكما بل إنه حكم على مافي سنن أبي داود ما لم يصحح أو يضعف بأنه حسن ما لم يتعقبه أبو داود قال العراقي: فما به ولم يصحح وسكت ... عليه عنده له الحسن ثبت ولذا انتقده غيره بهذا قال العراقي نقلا عن ابن رشيد وابن رشيد قال وهو متجه ... قد يبلغ الصحة عن مخرجه كل هذا جعلني أتوقف في قصر حكمه على الأجزاء الحديثية وما في حكمها وأنه لا يشمل الكتب المصنفة في عصر الرواية لأن سنن أبي داوود ومستدرك الحاكم من مصنفات عصر الرواية حتى على رأي الدكتور وفقه الله وفي الجملة الرسالة تنبئ عن دقة في الفهم مع أدب جم في مناقشة أهل العلم اسأل الله لنا وله المزيد من فضله. والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 ـ[ ما هي أفضل شروح الكتب الستة والتي تغني عن بقية الشروح؟ ]ـ شرح الكتب الستة بينت في مناسبات كثيرة وتحدثنا عن مناهجها في أشرطة متداولة بين طلاب العلم وذكرنا أن: (1) أهم شروح البخاري: - أ- الخطابي ب- الكرماني ت- ابن رجب ث- ابن حجر ج- العيني د- القسطلاني (2) أهم شروح مسلم: - أ- المعلم للمارزي ب- اكماله لعياض ت- اكمال اكماله للأبي ث- مكمل الإكمال للسنوسي ث- شرح النووي ج- المفهم شرح المختصر للقرطبي. (3) أهم شروح أبي داوود: - أ- معالم السنن للخطابي ب- عون المعبود ت- بذل المجهود ث- المنهل العذب المورود (4) أهم شروح الترمذي: - أ- عارضة الأحوذي لابن العربي ب- النفح الشذي لابن سيد الناس تحفة الأحوذي للمباركفوري (5) أهم شروح النسائي: - أ- زهر الربى للسيوطي ب- حاشية السندي ت- المتعلقات السلفية ث- شرح الشيخ محمد علي آدم (6) أهم شروح ابن ماجه: - أ- شرح مغلطاي ب- حاشية السندي ج- مصباح الزجاجة للسيوطي وغيرها. ـ[ ما رأيكم بمن يقول يجوز سماع المقاطع الموسيقية الصغيرة بين الأخبار في الراديو لأن هذا ليس مقصوداً لذاته وليس استماعاً منهي عنه وفرق بين السماع والاستماع؟ ]ـ استماع الموسيقى محرم لما جاء في المعازف ومحقها من نصوص ففي صحيح البخاري من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف .... الحديث فدل على تحريمها. لكن من سمع من غير قصد مع كراهيته لذلك كالمار في الطريق مثلاً أو يسمع الأخبار في الراديو فلا شيء عليه لكن عليه أن يغلقه فوراً كالنظر المحرم فالأول كنظر الفجأة لا يؤاخذ عليه لكن يجب عليه أن يغض بصره بعد ذلك وكذلك من سمع من غير قصد أن يصرف سمعه عن ذلك كالبصر سواء. والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ـ[في حديث الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عندما قال عند أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها وقال لها أنت من الأولين .. الحديث. السؤال هو ما هي صلة قرابة أم حرام بالرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ ]ـ قال ابن حجر في فتح الباري في شرح الحديث (6283) في باب من زار قوماً فقال عندهم من كتاب الاستئذان: قد أشكل هذا على جماعة - يعني كون ام حرام كانت تفلي رأس النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أو أختها أم سليم فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة وكذلك كان ينام عندها وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه ثم ذكر ما يدل على ذلك من الآثار ثم قال وقال غيره بل كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - معصوماً يملك إربه عند زوجته فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه وهو المبرأ عن كل فعل قبيح وقول رفث فيكون ذلك من خصائصه ثم قال: ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب ورد ذلك بأنه كان بعد الحجاب جزماً ...... إلخ ثم قال قال الدمياطي على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام ولعل ذلك كان مع ولدٍ أو خادمٍ أو زوجٍ أو تابعٍ قال ابن حجر قلت وهواحتمال قوي لكنه لا يدفع الاشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس وكذا النوم في الحجر وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل لأن الدليل على ذلك واضح والله أعلم. قلت الدليل على الخصوصية معارضة النصوص الأخرى المعلومة من الدين بالضرورة أن الأجنبية لا يجوز لها مباشرة الأجنبي فيحمل ذلك على أنه خاص به - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإن ثبت الرضاع انتفى الإشكال من أصله والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ـ[ ما رأيكم بمنهج من يرى التفريق بين المتقدمين والمتأخرين؟ رأي الشيخ في تحسينات الألباني ؟ ونود من المشرف لو يدلني على كلام لأهل الملتقى في المسألة مشكوراً ومأجوراً؟ ]ـ سبق الحديث عن منهج المتقدمين وأن المتقدمين هم الأصل وعليهم المعَّول لكن ينبغي أن يكون المخاطب بذلك بعد التأهل لمحاكاتهم ولا ينبغي أن يخاطب بذلك طالب العلم المبتدئ. أحكام الشيخ الألباني رحمه الله معتبرة وهو إمام من أئمة هذا الشأن وليس بالمعصوم فهو كغيره قد يخطئ ويكون الصواب مع غيره ممن ضعف ما صححه الشيخ والعكس وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقد يتساهل الشيخ رحمه الله في التحسين فيجبر الضعيف الذي لا يقبل الانجبار بالطرق المماثلة وسبقه لذلك السيوطي كما قررة في ألفيته ومشى عليه في أحكامه والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. بارك الله فيكم شيخنا الفاضل .. قال الحاكم رحمه الله ((قد ذكرت في هذه الأجناس الستة أنواع التدليس، ليتأمله طالب هذا العلم فيقيس بالأقل على الأكثر. ولم استحسن ذكر أسامي من دلس من أئمة المسلمين صيانة للحديث ورواته)) معرفة علوم الحديث ص: 111. وقال الذهبي: (وكذا لم أعتن بمن ضعف من الشيوخ ممن كان في المائة الرابعة وبعدها ولو فتحت هذا الباب لما سلم أحد، إلا النادر من رواة الكتب والأجزاء)) المغني في الضعفاء ص: 4 وقال أيضاً: ((ثم من المعلوم أنه لابد من صون الراوي وستره. فالحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر وهو رأس سنة ثلاثمائة. ولو فتحت على نفسي تليين هذا الباب لما سلم معي إلا القليل إذ الأكثر لا يدرون ما يرون، ولا يعرفون هذا الشأن إنما سمعوا في الصغر واحتج إلى علو سندهم في الكبر فالعمدة ((والعهدة)) (3) على من قرأ لهم وعلى من أثبت طباق السماع لهم، كما هو مبسوط في علوم الحديث. لسان الميزان ج: 1 ص: 9 عند ذكره خطبة الأصل. ميزان الاعتدال ج: 1 ص: 115 في المقدمة. أحسن الله إليكم، ما معنى هذا الكلام؟ وكيف نرد على من أراد إلقاء شبهة بأن علماء الحديث يخفون أحوال الرواة ؟ ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أما كلام الحاكم رحمه الله فمحمول على من احتمل الأئمة تدليسه ولم يره أهل العلم قادحاً في مروياته لأمانته كالسفيانين وغيرهما أو لقلة وندرة تدليسه في جانب مروياته الكثيرة فلم يذكرهم لئلا يتعرض صغار الطلاب لنقدهم وذكرهم وعدمه لا أثر له في مروياتهم وأما من كان تدليسه مؤثراً في رواياته فلا بد من ذكره مهما كانت النتائج المترتبة على ذكره نصحاً للأمة وصيانة للسنة. وأما كلام الذهبي رحمه الله الأول والثاني فالمراد به أن العمدة في الرواية على رواية القرون الثلاثة إلى رأس الثلاثمائة وأما من بعدهم فهو رواة كتب لا رواة أحاديث غالباً ولذا تساهل أهل العلم فيما يشترطون لقبول الرواة قال الحافظ العراقي لما ذكر صفة من تقبل رواته ومن ترد: وأعرضوا في هذه الدهور ... عن اجتماع هذه الأمور لعسرها بل يكتفى بالعاقل ... المسلم البالغ غير الفاعل للفسق ظاهرا وفي الضبط بأن ... يثبت ما روى بخط مؤتمن وأنه يروي من أصل وافقاً ... لأصل شيخه كما قد سبقا لنحو ذاك البهيقي فقد ... آل السماع لتسلسل السند لأن فائدة الأسانيد في العصور المتأخرة بعد عصر الرواية لمجرد ابقاء سلسلة الاسناد الذي من خصائص هذه الأمة ولذا لا يعتمد على المتأخرين في الرواية إذا روى من طريق أصحاب الكتب فالعبرة بسندالكتاب الأصليلا على من دونه وان وجد حديث يرويه المتأخربسنده من غير مروربالكتب المصنفة فهذا يحتاط له أشد الاحتياط والله المستعان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ـ[الشيخ الفاضل: عبد الكريم الخضير حفظه الله ومتع به. سمعنا خبراً أثلج صدورنا نسأل الله أن يكون صحيحاً وهو أنكم تفكرون في الانتقال إلى مكة ما صحة هذا الخبر ]ـ الانتقال إلى مكة أو المدينة أو القصيم فكرة والأصل البقاء في الرياض وأسأل الله أن يكتب ما فيه الخير للجميع. والله المستعان. ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اختلف على قول أهل العلم في إثبات السماع ونفيه فيما لو حصل لنا ظاهره الصحة وفيه صيغة السماع من راوٍ لشيخ. ثم عثرنا على نفي أحد الأئمة أن يكون ذلك الراوي ممن سمع من ذلك الشيخ. فهل يكتفي بظاهر ذلكم الأسانيد في إثبات السماع لاحتمال أن ذلك الإمام لم يطلع عليه. والأمثلة موجودة لنفي إمام للسماع فيذكرله اسناد صحيح به فيقبله .. فيقال هنا: من علم حجة على من لم يعلم. أم أننا نرجح جانب الاتهام لذلك السند لأن هؤلاء الأئمة لا يجزم أحدهم بمثل هذا النفي إلا بعد الاطلاع الواسع، والتغلب الحثيث فلا يقال هنا عدم العلم لايستلزم عدم الوجود، لوجود قرينة عامة وهي معرفتنا لشدة التحري وطول الباع في المعرفة بالراوي والمروي من أولئك الأئمة الأعلام. أفتونا مأجورين بارك الله لكم في كل خير ووقاكم من كل سوء. ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اذا نفى أحد الأئمة الكبار أئمة هذا الشأن كأحمد والبخاري وابن معين وأبي حاتم وأبي زرعة وغيرهم من أهل الاستقراء والتحري سماع راو من آخر فقوله معتمد ما لم يعارض بنظيره وإذا وجد التصريح بالسماع في كتاب معتبر من دواوين الإسلام فيحتمل أن يكون ذلك الامام لم يطلع على هذا التصريح والمثبت مقدم على النافي لأن معه زيادة علم خفيت على النافي إلا إذا عرف أن الإمام علم بإثبات السماع من قبل غيره وأصر على نفيه فيلجأ حينئذٍ إلى الترجيح ولو باعتبار القائل والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ـ[فضيلة الشيخ الكريم المحدث، ما رأيكم في التصوير الفوتغرافي والتصوير بالفديو ، وهل هو من المسائل التي لا ينكر الخلاف فيها فيقال بأن من قال بالجواز له وجهة نظر وقوله خطأ يحتمل الصواب فلا يشنع عليه. ]ـ التصويرلذوات الأرواح داخل في الوعيد الشديد الوارد في النصوص الصحيحة بجميع أشكاله ووسائله سواء كانت باليد أو بالة من ثابت ومتحرك هذا الذي أرجحه ولم يثبت لدي فرق بين اليدوي والآلي فينبغي أن ينصح من يزاوله برفق ولين وإن كان من أهل التقليد واقتدى بمن تبرأ الذمة بتقليده من أهل العلم والعمل فهو معذور إن شاء الله. ـ[ ما رأيكم فيمن يقول أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس محدثا ً، ويقول: لا يوجد من كتبه أو أقواله ما يدل على قوته وتبحره في الحديث؟ ]ـ الشيخ الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من أهل الفقه المبني على النص فهو من أهل الإتباع وكتبه مليئة بالاستدلال بالنصوص وعمدته في كتاب التوحيد على الكتاب والسنة وقسم الحديث من مؤلفاته يشغل حيزاً كبيراً يزيد على الثلث منها لكن شهرة الشيخ رحمه الله بالدعوة إلى التوحيد الخالص والقضاء على الشرك شغلت الناس عن معرفة ما لدى الشيخ من علوم أخرى كالتفسير والحديث والفقه وغيرها من العلوم فهو إمام في هذه الأبواب كلها رحمه الله. والله المستعان ـ[ هل يوجد من المسانيد المهمة التي تعتبر مفقودة ويتوقع أن فيها شيئاً ليس بأيدينا؟ ]ـ لا أعتقد أن الأمة فقدت شيئاً من دينها فالأمة معصومة من أن تفرط بشيء من دينها لأن الله تكفل بحفظ الدين ولم يكله إلى أحد كالديانات السابقة لما استحفظوا عليها ضيعوها وفقدنا من الكتب الشيء الكثير لكن في الذي بين أيدينا ما يغني عنه قد يكون فيما فقد شيء من الأسانيد والطرق لكن أصولها موجودة إن شاء الله. ـ[ ما الصحيح في قول الصحابي والتابعي عند المحققين هل هو حجة أم. لا؟ ]ـ قول التابعي ليس بحجة وقول الصحابي مختلف فيه إذا لم يعارض بمثله لا سيما ما يثبت عن الخلفاء الراشدين ولا سيما ما يروى عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لما ثبت في ذلك عن النبي ? ومعلوم أن ذلك كله إذا لم يكن في المسألة خبر مرفوع إلى النبي ? وعلى كل حال فأقوال السلف ينبغي لطالب العلم أن يهابها ويقدرها قدرها والله المستعان. ـ[ما رأيكم في الرسومات التي يخطها الكاتب بيده لذوات الأرواح وهو عازم على اتلافها مباشرة فقط يريد تسلية صغير أو تعليمه؟ ]ـ التصوير حرام ولو كان عن طريق العبث مع العزم على إتلافها وفيما عداها من الأشجار والمباني والسيارات وغيرها مندوحة لمن يهتم بالتصوير والتعليم لا يتم بهذه الطريقة لاسيما يتعلم ما يرجى ثوابه من الله عز وجل لأن ما عند الله لاينال بسخطه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ـ[ شيوخ المغرب الغماريين ما عقيدتهم ومن هو أجودهم وهل تنصحون بقراءة كتبهم؟ ]ـ شيوخ المغاربة الغماريون الذين أعرف منهم وقرأت لا يسلم من شوب البدع وان كانت لهم عناية بالسنة أعني الحديث ومنهم من هو غال في بدعته حتى يقرب بها من الرفض الكامل نسأل الله السلامة ووقفت على بعض التعليقات لأحمد فيه نص صريح لشيخ الإسلام ابن تيمية وتسميته شيخ الكفار بدل شيخ الإسلام فمثل هذا لا يقرأ له ولا كرامة وفي مؤلفات علماء المسلمين من أهل التحقيق من المتقدمين والمتأخرين مايغني والله المستعان. ـ[ هل هناك مؤلفات لفضيلة الشيخ ستخرج قريبا ً ... وخصوصاً رسالتكم للدكتوراه والله يحفظكم]ـ رسالة الدكتوراه تحقيق النصف الأول من فتح المغيث للسخاوي تصدر قريباً إن شاء الله يتلوها الحديث الضعيف وقد سبق طبعة ثم شرح النخبة وشرح نظمها تباعاً أسأل الله الإعانة والتسديد. ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الشيخ عبد الكريم الخضير بارك الله في علمه، يتقوى الخبران المرسلان ببعضهما البعض إن كان المرسلان من ثقات التابعين، على أن يكون أحدهما قد تتلمذ على غير رجال الآخر: - 1ـ ما يشترط في هذين التابعين غير الشرط المذكور في النص؟ 2ـ ما معنى أن يكون أحدهما قد تتلمذ على غير رجال الآخر؟ هل يعني أن لا يشتركان بأي شيخ؟ أو يقصد ألا يشتركا بشيخ قد أكثرا عنه؟ هذا وأرجو ذكر المصادر بارك الله فيكم في جواب السؤال الثاني، لأن البحث يحتاج لتدعيم بالأدلة. ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ممن نص على أن الخبر المرسل ينجبر الإمام الشافعي في الرسالة وابن حجر في النخبة وشرحها شريطة أن يكون المرسل الجابر يرويه غير رجال المرسل المراد جبره ولا يشترط في التابعي إلا أن يكون ثقة عدلاً ضابطاً ولا يروي إلا عن الثقات فإن كان ممن يروي عن الثقات وغيرهم فلا، لاحتمال أن يكون المحذوف من غير الثقات وكون أحدهما له شيوخ غير شيوخ الآخر لتأمن اتحاد المخرج الذي يحتمل أن يكون غير ثقة وراجع لذلك: - أ - الرسالة للإمام الشافعي. ب - علوم الحديث لابن الصلاح. ت - فتح المغيث للسخاوي. ث - شرح النخبة لابن حجر وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ـ[فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما قولكم الذي ترجحونه في مسألة العمل بالحديث الضعيف خاصة ورسالتكم في هذا الموضوع ولم لم تطبعوا تحقيقكم لفتح المغيث؟ ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الحديث الضعيف لا يعمل به في العقائد والأحكام قولاً واحداً كما صرح بذلك جمع من أهل العلم. وأما في الفضائل والتفسير والمغازي ونحوها فالجمهور على قبوله إذا توافرت شروط ذكرها أهل العلم كابن حجر وغيره منها: 1 - أن يكون الضعف غير شديد. 2 - أن يندرج تحت أصل عام. 3 - أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط. ونقل النووي وملا علي قاري الاتفاق على ذلك وهذا النقل فيه تساهل ظاهر لوجود الخلاف المشهور عند أهل العلم. والذي ترجح لدينا أنه لا يعمل به مطلقاً لعدم ثبوته وفيما صح عن النبي ? أو حسن غنية عن العمل بما يغلب على الظن عدم ثبوته والله المستعان. وأما فتح المغيث للسخاوي فهو الآن تحت الطبع وسوف يصدر قريباً إن شاء الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ـ[شيخنا الفاضل .. حفظكم الله ونفع بعلمكم .. ما رأيكم في كتاب ((إجماع المحدثين)) وهل توافقونه على النتيجة التي توصل إليها ؟ جزى الله خيراً شيخنا ومن تسبب في اللقاء .. ]ـ كتاب إجماع المحدثين لأخينا الفاضل الدكتور حاتم الشريف لم أتمكن من قراءته كاملاً ولذا لا أستطيع الحكم عليه إلا أنني لا أوافقه على النتيجة واشتراط اللقاء المنسوب للإمام البخاري هو اللائق بتحريه رحمه الله ولا يعني أننا لا نصحح إلا ما تحقق فيه اللقاء جريا على مذهب الأكثر وإن ذهب بعضهم إلى ترجيح رأي البخاري وكون الإمام مسلم رحمه الله يشنع على من يقول بذلك نجزم أنه لا يقصد البخاري ولا علي بن المديني بل يقصد شخصاً مبتدعاً يؤيد بدعته في رد السنن استغلالاً برأي الإمام البخاري كما أننا إذا رددنا على أبي الحسين البصري والجبائي وغيرهما من المعتزلة في رد خبر الواحد وأنه لا بد من تعدد الرواة فأننا بالطبع لا نرد على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رد خبر الاستئذان على أبي موسى رضي الله عنه حتى شهد له أبو سعيد. والشرط في كتب الحديث مفهوم وأوسع من الشرط عند اللغويين أو الفقهاء حتى أطلق الشرط على الواقع في الكتب حسب. ولا يريدون انتفاء المشروط مع انتفاء الشرط كما قالوا في شرط أصحاب السنن ففي شرط النسائي مثلاً تخرج أحاديث من لم يجمعوا على تركه وهكذا. وعلى أنني أشكر للدكتور حاتم حرصه وغيرته على السنة وبذله نفسه للطلاب فجزاه أحس الجزاء وأكمله والله أعلم. ـ[فضيلة الشيخ حفظكم الله. ما هو الفرق بين الشاذ وزيادة الثقة نرجوا التفصيل؟ ]ـ الذي عليه المتأخرون أن الشاذ ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه كما قال الحافظ العراقي رحمه الله: وذو الشذوذ ما يخالف الثقة ... فيه الملا فالشافعي حققه كما يطلق عند بعضهم على مطلق التفرد لا سيما إذا كان ممن لا يحتمل تفرده وهو جار على قول من لا يفرق بين الشاذ والمنكر وزيادة الثقة لا تخلو إما أن تشتمل على مخالفة من هو أوثق فيحكم عليها بالشذوذ كما سبق أو لا تشتمل على المخالفة ولا الموافقة فهذه الزيادة إن دلت القرائن على أن الراوي المنفرد بها حفظها حكم بقبولها وإلا حكم بشذوذها للتفرد وهناك تداخل بين الشاذ وزيادة الثقة وتعارض الوصل مع الارسال والوقف مع الرفع والذي عليه أئمة هذا الشأن الكبار أنه لا يحكم بالقبول ولا بالرد مطلقا بحكم عام مطرد بل الحكم يدور مع القرائن ومعلوم أن الحكم في مثل هذه الأبواب للمتأهل المدرك للقرائن. والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل صحيح أن قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عندكم أو الذي ترجح من الأقوال هو أنه داخل المسجد النبوي وهل صحيح ما ينسب إليكم من فتوى في ذلك أرجوا منكم التوضيح وبيان الصحيح وجزاكم الله خيراً ياشيخ؟ ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - داخل سور المسجد لكنه محاط بثلاثة الجدران فامتنعت عبادته كما قرر ذلك ابن القيم رحمه الله وإدخاله في المسجد خطأ أنكره بعض السلف في وقته لكن تتابع المسلمون على الصلاة في المسجد بما فيهم سلف الأمة وأئمتها فلم يروا ذلك مؤثراً في الصلاة والمسلم في هذه الأزمان يسعه ما وسع سلف الأمة فالصلاة صحيحة وما ينسب إلينا من فتوى تخالف ذلك لا صحة له وأنا شخصياً أتردد على المسجد النبوي وأتحرى الصلاة فيه رجاء المضاعفة التي صحت بها الأحاديث وأتحرى الصلاة والذكر والتلاوة في الروضة لما صح فيها وأنها روضة من رياض الجنة وقد قال عليه الصلاة والسلام إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ما لم يترتب عليه خلل في الصلاة بسبب شدة زحام ونحوه. والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 ـ[فضيلة الشيخ ... جزاك الله خيراً. هل هناك ملاحظات على شرح ابن علان الشافعي على رياض الصالحين، وما أفضل شروح رياض الصالحين ، وطبعاته المحققة والمصححة؟ ]ـ كتاب دليل الفالحين شرح رياض الصالحين لابن علان شرح جيد ونافع لكن مؤلفه جرى على مذهب الأشاعرة في تقرير مسائل العقيدة فليكن القارئ على حذر من ذلك. ومن أفضل الشروح لرياض الصالحين شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو شرح سهل مبسوط وشرح الشيخ فيصل بن مبارك رحمه الله على اختصاره فيه فوائد نافعة. والله الموفق. ـ[ هل هناك مؤلف في الملاحظات العقدية على شيخي الإسلام النووي وابن حجر في شروحهم للصحيحين؟ ]ـ لا أعرف مؤلفاً خاصاً تجمع فيه جميع الملاحظات العقدية على النووي وابن حجر ولا أرى إبراز ذلك لأنه يصرف طلاب العلم عن الإفادة من الكتابين لكن الذي أراه أن يعلق على الكتابين وعلى غيرهما من كتب التفاسير والشروح وغيرها مما نفعه أعظم من ضرره فيبين الحق ولا تبرز الأخطاء أما كتاب يعظم ضرره على المتعلمين فينبغي أن تبرز أخطاؤه ويحذر طلاب العلم منه والله المستعان. ـ[شيخنا غفر الله لنا ولك سؤالي هو ما هي أحسن طريقة لضبط فتح الباري وما هي أحسن طبعات الفتح ؟ ]ـ فتح الباري للحافظ ابن رجب كتاب نفيس لا يستغنى عنه طالب علم وضبطه سهل لأنه كتب باسلوب واضح جمع فيه مؤلفه ما يحتاج إليه في شرح كلام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من كلام سلف هذه الأمة وأئمتها فعلى طالب العلم أن يعنى به ويردده ويدون فوائده وفيه من الفوائد الحديثية والفقهية والسلوكية الشيء الكثير وأحسن طبعاته طبعة الأخوة الثمانية وهي التي قرأتها كاملة أما طبعة الشيخ طارق عوض الله فلم أتمكن من قراأتها وهو شخص متمكن في باب التحقيق لكن لمساته على الكتاب غير ظاهرة على ما يليق به والله المستعان. وأما فتح الباري لابن حجر فهو بحر محيط جمع فيه الحافظ من جميع العلوم التي يحتاجها طالب العلم وفوائده يصعب الإحاطة بها لكن على الطالب أن يقرأ الكتاب ويدون أهم الفوائد على طرة الكتاب أو في مذكرة خارجية ويضع على المباحث عناوين وإشارات تميز الأهم من المهم من غيره وان استعمل الألوان للتمييز بين المباحث فهو حسن. وأجود طبعاته طبعة بولاق فإن لم تتيسر فطبعة السلفية الأولى التي تولى التعليق على أولها سماحة الشيخ / عبد العزيز بن باز رحمه الله وباشر طبعها وتصحيحها الشيخ محب الدين الخطيب بنفسه دون الثانية والثالثة وغيرها من الطبعات التي لا تسلم من الأخطاء والإسقاط والطبعة الخيرية جيدة أعتمد فيها على طبعة بولاق. والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 ـ[فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما القول الراجح عند المحدثين من حيث قبول رواية صاحب البدعة الثقة - كعبد الرزاق بن همام مثلاً - إذا روى رواية تؤيد بدعته، هل تقبل أم ترد؟ ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يرى جمع من أهل الحديث عدم الرواية عن المبتدع مطلقاً لأن الرواية عنه شهراً له وترويجاً لبدعته. لكن كتب السنة بما فيها الصحيحان طافحة بالرواية عنهم ويستثنى منهم من كانت بدعته مكفرة أو كان داعية لمذهبه وبهذا قال جمهور المحدثين ما لم يرو ما يتهم بسببه مما يؤيد بدعته فالراجح عند المحدثين جواز الرواية عنهم بما ذكر من القيود وقد يخرجون لبعض الدعاة وهذا نادر جداً كتخريج البخاري لعمران بن حطان وهو داعية إلى مذهب الخوارج لأن الخوارج أهل صدق بخلاف غيرهم من أصناف المبتدعة. قال الحافظ العراقي رحمه الله: - والخلف في مبتدع ما كفرا ... قيل يرد مطلقاً واستنكرا وقيل بل إذا استحل الكذبا ... نصرة مذهب له ونسبا للشافعي إذ يقول أقبل ... من غير خطابية ما نقلوا والأكثر ون ورآه الأعدلا ... ردوا دعاتهم فقط ونقلاً فيه ابن حبان اتفاقاً ورووا ... عن أهل بدع في الصحيح ما دعوا والله الموفق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 ـ[فضيلة الشيخ حفظه الله، هل كتاب مطالع الأنوار لابن قرقول مطبوع ، أحسن الله إليكم؟ ]ـ مطالع الأنوار على صحاح الأخبار لابن قرقول كتاب مشهور نقل عنه الشراح كثيراً وهو مختصر من كتاب مشارق الأنوار للقاضي عياض وهو كتاب عظيم في غريب الصحيحين والموطأ في المتون والأسانيد، المشارق مطبوع مرتين في مصر والمغرب ينصح طالب العلم بإقتنائه والإفادة منه. وأما المطالع فلم يطبع حتى الآن وهو موجود مخطوط. ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شيخنا الفاضل: عبد الكريم الخضير وفقكم الله. نعلمكم يا شيخنا بأننا نحبكم في الله .. جمعنا الله بكم في جنانه. ما رأي فضيلتكم في زيادة الثقة مع التفصيل ؟ ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأحبكم الله الذي أحببتموني فيه. زيادة الثقة إن سلمت من المعارضة فهي مقبولة وإن عورضت احتيج إلى الترجيح. وإذا تأهل طالب العلم للحكم بالقرائن ومحاكاة المتقدمين تعين عليه ذلك والله المستعان ـ[ ما هي ضوابط الاستحلال العلمي ؟ ]ـ الأصل في الاستحلال للمحرمات أنه قلبي لا يطلع عليه أحد إلا الله عز وجل ومجرد عمل المحرم ولو استمر أزماناً متطاولة لا يدل على الاستحلال ما لم يصرح مرتكبه بذلك وإن دلت قرائن على الاستحلال لا ينبغي أن يحكم بها بمجردها وقد تقوى القرائن حتى تقرب إلى درجة النطق كما صرح بذلك ابن القيم في الطرق الحكمية فحينئذٍ يحكم بها على رأيه والجمهور على خلافه. ـ[ما نصيحتكم لطالب العلم في هذه الفتنة المعاصرة التي أحدقت بشباب الأمة خاصة وبالمسلمين عامة؟ وجزاكم الله خير الجزاء. ]ـ نصيحتي لطلاب العلم أن يعتصموا بالكتاب والسنة وأن يكون القرآن ديدنهم قراءة وتدبراً وترتيلاً وحفظاً ومدارسة وأن يعنوا بسنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وما يعين على فهم الوحيين وأن يكثروا من العبادات ونفع الناس وأن يصدقوا اللجأ إلى الله سبحانه ان ينصر دينه وان يعلي كلمته والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بارك الله فيكم وفي علمكم. هذه رواية وردت في البداية والنهاية وفي سنن البيهقي من أن الإمام على بن أبي طالب قد بايع في أول الأمر وقد اقر الإمام مسلم بصحتها وهي ليست في كتابه. الشاهد من كلامي أن الرواية في سندها رجل لم أجد له ترجمة في كتب الرجال والرواة اسمه (بندار بن يسار) .. وإليكم الرواية: قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الحسن على بن محمد الحافظ الإسفراييني، حدثنا أبو على الحسن بن على الحافظ حدثنا أبو هشام المخزومي، حدثنا وهيب، حدثنا داوود بن أبي هند، حدثنا ابو نضرة، عن ابي سعيد الخدري قال: قبض رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - واجتمع الناس في دار سعد بن أبي عبادة وفيهم أبو بكر وعمر قال: فقال خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كان من المهاجرين وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا من أنصار رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ونحن أنصار خليفته كما كنا أنصاره، قال: فقام عمر بن الخطاب فقال: صدق قائلكم، أما لو قلتم علي غير هذا لم نبايعكم، وأخذ بيد أبي بكر وقال هذا صاحبكم فبايعوه فبايعه عمر وبايعه المهاجرون والأنصار ن قال فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير قال: فدعا بالزبير فجاءه فقال قلت ابن عمة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين فقال: لا تثريب ياخليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقام فبايعه ثم نظر في وجوه القوم فلم ير علياً فدعا بعلي بن أبي طالب فجاء فقلت ابن عم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وختنه على ابنته أرد أن تشق عصا المسلمين: قال لا تثريب يا خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فبايعه. هذا أو معناه وقال أبو علي الحافظ، سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث فكتبته له في رقعة وقرأته عليه وهذا حديث يسوي بدنة بل يسوي بدرة وقد رواه البيهقي عن الحاكم وأبي محمد بن حامد المقري كلاهما عن أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم عن جعفر بن محمد بن شاكر عن عفان بن سلم عن وهيب ولكن ذكر أن الصديق هو القائل لخطيب الأنصار بدل عمر وفيه أن زيد بن ثابت أخذ بيد ابي بكر فقال هذا صاحبكم فبايعوه ثم انطلقوا فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا. . . فهل يا فضيلة الشيخ: بندار المعني به هنا هو نفسه محمد بن بشار المشهور ببندار ولكن حصل تصحيف في اسمه إلى بندار بن يسار أم ماذا؟ ]ـ لا أرى ما يمنع من كون المراد ببندار محمد بن بشار وتصحف اسم أبيه فهو من العاشرة وقرن بأبي هشام المخزومي واسمه المغيرة بن سلمة من صغار التاسعة ويذكر الراوي بلقبه وينسب إلى أبيه كما يقال حدثنا عارم بن الفضل وعبد ان بن عثمان ونحوهما. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 ـ[الشيخ الفاضل عبد الكريم الخضير حفظه الله وبارك فيه ونفعنا بعلومه. قال البيهقي عن أحاديث النضح من بول الغلام والغسل من بول الجارية وكأنها لم تثبت عند الشافعي (رحمه الله) حين قال ولا يتبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السنة الثابتة. وإلى مثل ذلك ذهب البخاري ومسلم حيث لم يودعها شيئاً منهما كتابيهما. ف هل أحاديث الأصول الفقهية التي تجنب الشيخان ذكرها في الصحيحين لم تثبت عندهما ؟ ]ـ لا يلزم من عدم ورود الحديث في الصحيحين عدم صحته لأنهما لم يعما جميع الأحاديث الصحيحة بل صرح كل منهما أن ما تركه من الصحاح أكثر خشية أن يطول الكتاب ولذا قال الحافظ العراقي رحمه الله ولم يعماه ولكن قلَّ ما ... عند ابن الأخرم منه قد فاتهما ورد لكن قال يحي البر ... لم يفت الخمسة إلا النزر وفيه ما فيه لقول الجعفي ... احفظ منه عشر ألف ألف ـ[لماذا لم ترِدْ أحاديث النهي عن البيعتين في بيعة في الصحيحين؟ ]ـ هذا فرع عن السؤال الأول ولعلهما تخريجه لعدم توافر شروطهما فيه. ـ[ عند تخريج حديث ما، هل يفضل ذكر أكبر عدد ممكن من المصادر التي وجد فيها هذا الحديث، أم يكتفى ببعضها؟ ]ـ إذا كان الحديث في الصحيحين فلا داعي للإكثار من ذكر المصادر وإذا لم يكن فيهما فيذكر من المصادر ما يشتمل من الطرق على ما يصحح الخبر لا سيما الدواوين المعتبرة عند أهل العلم المشهورة دون الغريبة من الأجزاء وغيرها. ـ[ ما هي الطريقة المثلى لترتيب المصادر عند عزو الحديث لها أثناء التخريج، وهل يفضل ذكر الصحابي والتابعي وتابع التابعي الذين رووا الحديث؟ أحسن الله إليكم وجزاكم عنا خير الجزاء. ]ـ ترتيب المصادر إما يبدأ بالأصح فالصحيح فما دونهما كالبخاري ثم مسلم ثم السنن ثم المسانيد والجوامع وهكذا وعلى هذا جري كثير من المحققين والمخرجين أن ترتب ترتيباً زمنياً فيقدم مالك ثم أحمد ثم البخاري ثم مسلم وهكذا. ويقتصر على ذكر الصحابي إذا سلم الحديث من اختلاف بين رواته وإلا فيذكر منهم ما يحتاج إليه لبيان الاختلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ـ[شيخنا الفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخرج البخاري في صحيحه في كتاب بدأ الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال برقم 3306 عن سغيد بن عفير ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال للوزغ الفويسق. ولم أسمعه يأمر بقتله وزعم سعد بن أبي وقاص أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمر بقتله. فهل عائشة رضي الله عنها هي القائلة وزعم سعد .... الخ أم القائل هو الزهري كما ذكر ابن حجر. وهل تعتبر هذه اللفظة شاذة لأنه لم يذكرها عن ابن وهب إلا سعيد بن عفير. ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته الحافظ ابن حجر رحمه الله أبدى ثلاثة احتمالات بالنسبة لقائل وزعم سعد فقال يحتمل أن يكون قائل ذلك عروة فيكون متصلاً فإنه سمع من سعد ويحتمل أن تكون عائشة فيكون من راوية القرين عن قرينه، ويحتمل أن يكون من قول الزهري فيكون منقطعاً والاحتمال الأخير أرجح عند ابن حجر. وعلى كل حال فالزهري سمعه عن عامر بن سعد عن أبيه فهو متصل كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود وأحمد وغيرهم فهو صحيح على كل حال وقول زعم لا يعني التشكيك فالزعم هنا بمعنى القول وهو مستعمل كثيراً. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لقد بحثت ترجمة عن محمود أبو ريه فلم أجد .. السؤال من هو محمود (أريد ترجمة مفصلة عنه). ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته محمود أبو ريه، الكتب التي ردت عليه سيأتي ذكرها وقد تولت بيان شيء من حاله ولم أقف له على ترجمة مستقلة وهذا أفضل لأنه لا يستحق الذكر لجنايته على السنة وعلى الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه. ـ[و ما هي الكتب التي ردت عليه (محمود أبي ريه) ؟ وما أحسن هذه الكتب؟ ]ـ من أفضل الردوود عليه: 1/ الأنوار الكاشفة للشيخ عبد الرحمن بن يحي المعلمي رحمه الله. 2/ ظلمات أبي ريه للشيخ محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله. 3/ دفاع عن السنة لشيخ محمد محمد أبو شهبة رحمه الله وغيرها. ـ[ من هو عبد العزيز البدري، وما هي مؤلفاته ؟ ]ـ جاء في كتاب الأعلام 4/ 15 للزركلي نقلاً عن معجم المؤلفين العراقيين 2/ 284. عبد العزيز البدري: باحث اجتماعي عراقي مولده في سامراء وإقامته ببغداد. من كتبه المطبوعة: الاسلام حرب على الاشتراكية والرأسمالية الاسلام ضامن للحاجات الأساسية حكم الإسلام في الاشتراكية. توفي سنة 1389 هـ وفي الإعلام بتصحيح كتاب الأعلام للأستاذ محمد الرشيد ص 82: لم يذكر يعني صاحب الأعلام سنة مولده وجاء في ترجمته في تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر ص394 أن مولده في 1/ 7/1930م وذكر المؤلف يعني الزركلي أن مولده في سامراء وفي تاريخ علماء بغداد أن مولده في بغداد كما أن اسمه جاء كاملاً في المصدر السابق عبد العزيز بن عبد اللطيف بن أحمد البدري أ. هـ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ـ[ هل يوجد في صحيح البخاري أو مسلم أحاديث ضعيفة ؟ ]ـ الصحيحان للإمامين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل اتفاقاً وجزم جمع من الحفاظ أن جميع ما فيهما صحيح حتى قال بعضهم أنه لو حلف بالطلاق إن جميع ما فيهما صحيح لما حنث لما عرف من تحري هذين الإمامين ولتلقى الأمة لكتابيهما بالقبول وقال ابن الصلاح أن أحاديث الصحيحين قطعية الثبوت سوى أحرف يسيرة تكلم فيها بعض الحفاظ كالدارقطني وغيره هذا. من حيث الإجمال. أما تفصيلاً فالأحاديث الأصول الموصولة التي هي مقاصد الكتابين فلا أعرف حديثاً يترجح ضعفه وفي الكتابين أحاديث معلقة فيها الصحيح وهو الغالب وغيره شيء يسير جداً بالنسبة لما صح في الكتابين وغالب المعلقات موصولة في الكتابين نفسيهما فلا كلام فيها أما ما لم يوصل فيهما ففي صحيح البخاري مائة وستون حديثاًَ بعضها صحيح على شرط البخاري وبعضها صحيح على شرط غيره وبعضها حسن وبعضها فيه ضعف يسير وينص البخاري على عدم صحته أحياناً. وأما معلقات مسلم فكلها موصولة فيه سوى حديث واحد موصول في البخاري فلا كلام فيها حينئذٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ـ[ هل يكفي العالم حفظ مختصر البخاري ومختصر مسلم ؟ ]ـ طالب العلم يبدأ في الحفظ تدريجياً على طريقة أهل العلم فيبدأ بالمتون المجردة كالأربعين والعمدة والبلوغ أو المحرر ثم يبدأ بدراسة الكتب الأصلية المسندة كالصحيحين والسنن والمسانيد، يبدأ بالبخاري ثم مسلم ثم في سنن أبي داود ثم الترمذي والنسائي وابن ماجه، ويعنى بالكتب الأصلية عناية فائقة فإن أراد اختصار هذه الكتب فليختصر بنفسه ليكون علمه بما حذف كعمله بما ذكر ولا يعتمد على اختصار غيره لأنه يفوته بذلك علم كثير هذه وصيتي لطالب العلم الذي يريد أن يؤصل نفسه من الناحية الحديثية. والله المستعان. ـ[ما رأيك في حكم الشيخ الإمام الألباني على الأحاديث ؟ ]ـ أحكام الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله كأحكام غيره من أهل العلم معتبرة وليس بالمعصوم قد يقع منه رحمه الله ما لا يوافق عليه وهذا قليل جداً في جانب الإصابة. ـ[ أين أجد أشرطتكم الأولى في شرحكم لمختصر البخاري في إذاعة القرآن الكريم ؟ ]ـ الأشرطة المسؤل عنها غالبها في تسجيلات الراية بالرياض. ـ[ متى يكون لكم موقع على الإنترنت؟ ]ـ ليس لدينا من الأعمال ما يستحق أن يخصص له موقع مستقل على الإنترنت فإذا رأينا الحاجة داعية لذلك بادرنا إن شاء الله تعالى. ـ[ أيهما أفضل لمن أراد حفظ متن في أحاديث الأحكام المحرر أم البلوغ؟ بارك الله فيكم؟ ]ـ المحرر للحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي المتوفى سنة 744 أمتن من الناحية الحديثية وأكثر بيانا ً لعلل الأحاديث إلا أنه غير مخدوم فليس له شروح مطبوعة متداولة تحل اشكالاته عند المتعلمين، والبلوغ أشهر وأكثر شروح وفيه بعض الزيادات من الأحاديث والمحرر أرجح عندي ولعل الله سبحانه أن يسر له من يشرحه شرحاً يحل ما يستشكله طلاب العلم من المبتدئين وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فضيلة الشيخ الخضير بارك الله فيك .. أين أجد ترجمة الراوي: الحسن بن الخضر الأسيوطي وهو يروي عن النسائي، انظر كتاب (أمالي عبد الملك بن بشران)]ـ ج 47: الحسن بن علي بن الخضر الأسيوطي متوفى سنة 361 على خلاف في اسم بين المصادر مترجم في تاريخ الإسلام للذهبي في وفاته سنة 361 وحسن المحاضرة للسيوطي 1/ 174 والأنساب للسمعاني 1/ 254 والنجوم الزاهرة في 4/ 64 وشذرات الذهب 3/ 39 وغيرها وهو أحد الحفاظ المصريين ـ[فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ك يف أعرف أن هذا الراوي الثقة إذا تفرد برواية أن روايته ممن تحتمل الصحة عند التفرد وهذا الراوي الأخر الثقة عند التفرد أن روايته لا تحتمل التفرد والصحة؟ هل هناك كتاب تكلم وفصل في حال الرواية من حيث قبول هذا الراوي واحتمال قبول روايته إذا تفرد، وأن هناك راي أخر لا تقبل روايته عند التفرد ولا تكون محتملة القبول؟ وبارك الله فيكم؟ ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته في كتب الرجال المطولة بعض الإشارات المنقولة عند الأئمة في الرواة الذين يحتمل تفردهم ممن لا يحتمل كما أن هناك قرائن يدركها المتأهل في هذا الفن بعد طول الممارسة لهؤلاء الرواة من خلال دراسة الأسانيد ومراجعة كتب العلل وغيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ـ[أمرأة أحرمت ولما وصلت مكة حاضت ورجعت مع رفقتها ولم تصنع شيئاً ولها الآن سبع سنوات، هل هي باقية على إحرامها إلى الآن - علماً أنها جاهلة - وماذا تصنع هل تمسك عن المحظورات إلى حين أدائها للعمرة مرة أخرى وفي هذا مشقة؟ ]ـ نعم هي باقية على إحرامها لأن الدخول في النسك ملزم بإتمامه كما قال جل وعلا وأتموا الحج والعمرة لله، وعلى هذا فعليها اجتناب المحظورات حتى تؤدي العمرة وما فعلته منها فمعفو عنه لجهلها وعليها مع ذلك أن تبادر بإبراء ذمتها. والله الموفق ـ[ طواف الحج للمتمتع هل للحاج أن يؤجله ليكون آخر أعمال الحج لديه فيكون لطواف الحج ولطواف الوداع؟ ]ـ للحاج أن يؤخر طواف الإفاضة ركن الحج حتى يكون آخر عهده بالبيت وعلى هذا يكفيه عن طواف الوداع لأنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد فأنها تدخل الصغرى في الكبرى. والله الموفق ـ[ هل هناك مانع من تقديم السعي والطواف على بعضهما في الحج والعمرة؟ ]ـ الأصل تقديم الطواف على السعي لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوله خذوا عني مناسككم ولكن لو قدم السعي على الطواف صح النسك لحديث أسامة بن؟ سعيت قبل أن أطوف قال افعل ولا حرج ـ[ هل يصح من الأدعية شيء في الطواف والسعي غير ما يقوله الساعي عند الصفا والمروة ؟ ]ـ صح قول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة بين الركنين. ـ[هل الوقوف بعرفة نهاراً يجزي عن الليل؟ ]ـ إذا وقف نهاراً لا بد أن يمكث إلى غروب الشمس لفعله - صلى الله عليه وسلم - وقوله خذوا عني مناسككم فإن انصرف قبل غروب الشمس لزمه دم عند جمع من أهل العلم ـ[ رجل قال أنه وقف بعرفة دقائق معدودة نحو العشرة من النهار ثم غادرها إلى مكة من غير ضرورة فقط حب للسعة والراحة. هل عمله وحجه صحيح؟ ]ـ الحج صحيح لكن خالف السنة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف إلى غروب الشمس وقال خذوا عني مناسككم ويلزمه إن كان انصرافه قبل غروب الشمس دم عند بعض العلماء ـ[ متى يبدأ الوقوف بعرفة ومتى ينتهي وهل هناك وقت فاضل ووقت مفضول أم كله متساوي؟ ]ـ يبدأ الوقوف من طلوع الشمس من يوم عرفة وينتهي بطلوع الفجر ليلة النحر وأفضل أوقاته من الزوال إلى غروب الشمس لفعله - صلى الله عليه وسلم - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ـ[رجل يريد السفر إلى جدة لغرضين السياحة وعمل العمرة ويريد أن يقدم السياحة أولاً ثم العمرة كيف يصنع هل يحرم طوال إقامته من جدة أو يحرم من جدة إذا نوى؟ ]ـ يحرم من ميقاته قبل وصوله إلى جدة ويمكث محرماً إلى أن يؤدي العمرة لكن إن وصل جدة ومكث فيها غير محرم لزمه الرجوع إلى ميقاته إذا أراد أن يؤدي العمرة فإن لم يفعل وأحرم من جدة فعليه دم عند الجمهور. والله أعلم ـ[رجل ذهب إلى جدة وكان الداعي الأساسي لسفره هو التجارة، وكان من عادته إذا وجد وقتاً متسعاً بعد إنهاء أمور تجارته يذهب للعمرة، إذا أراد العمرة من أين يحرم؟ ]ـ إذا لم يكن الباعث على السفر أداء النسك فإنه لا يلزمه الإحرام إلا إذا أراد العمرة فإنه يحرم حينئذٍ من محلة ـ[ الطفل الصغير دون التمييز إذا أراد أهله له العمرة كيف يصنعون به من جهة المحظورات والنية عنه والتحلل، وهل له عمرة؟ ]ـ ينوي عنه وليه ويفعل ما يفعل الكبير ويمنعه من ارتكاب المحظورات وإن لم يكن مميزا فإذا طيف به وسعي وحلق أو قصر حل. والله أعلم ـ[ هل المحرم للعمرة لا يتحلل إلا بالحلق أو التقصير أم أن الحلق علامة على التحلل وليس هو. فيجوز للمحرم عمل المحظورات بعد الانتهاء من السعي؟ ]ـ الحلق والتقصير نسك واجب سواء كان الحج أو العمرة فمن تركه حتى خرج من مكة لزمه دم عند جمع من أهل العلم. والله أعلم ـ[ هل للصلاة في داخل الكعبة مزية وفضل؟ ]ـ دخل النبي (صلى الله عليه وسلم) البيت وصلى فيه وندم على ذلك لئلا يحرج أمته فإن تيسر الدخول والصلاة من غير مشقة فبها ونعمت وإلا فلا حرج. وبالله التوفيق ـ[ هل الملتزم صح فيه شيء وأين مكانه ؟ ]ـ لم يثبت في الملتزم - وهو ما بين الركن والباب - شيء مرفوع وفيه آثار عن بعض الصحابة كابن عمر وابن عباس. والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 ـ[ هل لبس الشراب للمحرم جائز , وإذا كان يجد النعلين هل يجوز له لبسه، وهل يجوز له لبس الخف، وإذا قطعه إلى دون الكعبين هل يجوز لبسه مع وجود النعلين؟ ]ـ لبس الشراب للمحرم إن كان ذكراً لا يجوز له لأنه مخيط على قدر عضو، وإذا وجد النعلين لا يجوز له لبس الخف ولو كان مقطوعاً لأنه لبسه مع القطع مقيد بعدم النعل وقطعه إضاعة للمال وقد نهي عنه. وبالله التوفيق ـ[ المبيت بمنى هل من تركه كله عليه عن كل يوم كفارة أم واحدة تكفي ؟ ]ـ ترك المبيت بمنى محظور واحد كفارته واحدة ـ[ من لم يجد في منى إلا السكن على الأرصفة والجلوس عليها هل هذا عذر له في تركها والمبيت بالعزيزية ومكة؟ ]ـ إذا كان لا يتضرر ولا خطر عليه بسبب المبيت على الأرصفة لزمه المبيت بمنى ولو كان على الأرصفة أما إذا خشيت الضرر عليك فلا حرج في المبيت خارج منى وكلما قرب من الحجاج كان أولى. والله أعلم ـ[ المسعى هل هو من المطاف سواء في الأعلى أم الأرضي ومن طاف فيه ماذا عليه ؟ ]ـ المسعى خارج المسجد فلا يجزي الطواف فيه ولو قل ويستوي في ذلك الأعلى والأرضي. والله المستعان ـ[ صلاة ركعتي الطواف بماذا يبدأ في الركعة الأولى بالإخلاص أم الكافرون؟ ]ـ يبدأ في الركعة الأولى بسورة الكافرون وفي الثانية بسورة الإخلاص على ترتيب المصحف، وكونه جاء ما يدل على تقديم سورة الإخلاص فالعطف في الخبر جاء بالواو وهي لا تقتضي الترتيب. والله أعلم ـ[هل دل دليل على وجوب الكفارة (الدم) على من ارتكب شيئاً محظورات الإحرام غير الصيد.؟ ]ـ يستدل العلماء على إيجاب الدم على من ترك واجباً أو ارتكب محظوراً بخبر ابن عباس موقوفاً عليه. وعلى هذا فالورع أن يفتي بالأحوط من غير إلزام. والله أعلم ويقول الشيخ حفظه الله / وفي النهاية لا تعجبني هذه الألقاب التي ذكرت في بداية الأسئلة فإني لا أستحقها وما أنا إلا طالب علم أسأل الله سبحانه أن يتجاوز عني وعنكم الزلات ويضاعف الحسنات. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ـ[ ما هو أفضل كتاب يبين مناسك الحج على القول الراجح ؟ ]ـ منسك الشيخ ابن باز رحمه الله المسمى التحقيق والإيضاح منسك مختصر مفيد اعتمد فيه الشيخ على الدليل ومن أراد البسط في مسائل الحج فعليه بكتاب المناسك من فتح الباري لابن حجر وشرح المهذب للنووي والله الموفق ـ[أحياناً يكون هناك زحام في منى ولا يستطيع الحاج المبيت بها هل يرخص له المبيت بالعزيزية؟ ]ـ الأولى أن يبيت بقرب الحاج ليتحقق له بعض المنافع المترتبة على هذا الاجتماع العظيم لكن لو بات بعيداً عنهم في العزيزية أو غيرها من أحياء مكة فلا شيء عليه. وبالله التوفيق ـ[ هل يكفي الوقوف في نهار عرفة بدون جزء من الليل ؟ وما حكم ذلك؟ ]ـ وقت الوقوف الأصلي هو النهار ولزوم الوقوف حتى غروب الشمس يلزم منه الوقوف ليلاً ولو يسيراً إذا تحقق الغروب لأنه مما لا يتم الواجب إلا به كإمساك جزء من الليل في الصيام وغسل شيء من الرأس تبعاً لغسل الوجه في الوضوء ومن انصرف قبل غروب الشمس لزمه دم عند جمع من أهل العلم وهو الأحوط، لكن إن لم يصل إلى عرفة إلا بعد غروب الشمس وقبل طلوع فجر يوم النحر أجزأه الوقوف ولا شيء عليه. والله الموفق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ـ[هلا بينتم لنا فقه هذا الحديث: عن أم سلمة يحدثانه ذلك جميعاً عنها قالت كانت ليلتي التي يصير إلي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مساء يوم النحر. . . . . السؤال بطوله؟ ]ـ هذا الحديث يدل على أن الحاج يتحلل التحلل الأول بمجرد رمي الجمرة ويلبس المخيط ويتمتع بكل شيء سوى ما يتعلق بالنساء إلا أنه إذا لم يطف طواف الزيارة قبل غروب الشمس يوم عيد النحر فإنه يعود محرماً كما كان قبل رمي الجمرة هذا ما يفيده الحديث إلا أن الحديث شاذ لمخالفته لحديث عائشة رضي الله عنها كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم وكله قبل أن يطوف بالبيت ومع ذلك فلفظه لا يخلو من نكارة. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد ـ[ ما حكم امرأة لم تطف طواف الإفاضة ورجعت إلى بلدها ولم تستطع أن ترجع إلى مكة إلا بعد سنوات لتعقيدات الحصول على تأشيرة وغلاء النفقات، فهل لا تزال على إحرامها؟ وفي ذلك من الحرج ما لا يخفى عليها وعلى زوجها؟ وما الذي يلزمها لتتحلل؟ ثم إذا قدرت على السفر إلى مكة هل تحرم بعمرة أم تحرم وتطوف فقط؟ افتونا مأجورين. ]ـ هذه المرأة لا تزال محرمة لا يجوز لزوجها أن يقربها حتى تعود إلا مكة وتطوف للإفاضة ولو مكثت سنين ما لم يثبت عجزها عن الرجوع فتوكل حينئذ من يطوف عنها لأن العاجز عن الحج بالكلية له أن يوكل من ينوب عنه فكذلك العاجز عن بعضه وفي صورة السؤال لا يمكن أن تتحلل إلا بالرجوع، ثم إذا قدرت على السفر فليس عليها إلا طواف الإفاضة فإن رجعت بعده مباشرة أجزأها عن طواف الوداع. وإن تأخرت لزمان تطوف للوداع أيضاً. وبالله التوفيق ـ[ ما هو القول الحق والذي يدل الدليل عليه في المبيت بمنى في هذه السنوات من كثرة الزحام وعدم وجود مكان للمبيت بمنى إلا في الطرقات وعلى الأرصفة وهل يجب أن يدخل الحاج إلى منى لتحقق من وجود مكان وهل قال به أحد من السلف]ـ المبيت بمنى واجب من واجبات الحج لا يجوز للحاج تركه إلا لعذر فإن تركه من غير عذر لزمه دم عند كثير من أهل العلم هذا مع تيسر المكان في منى أما إذا بحث عن مكان في منى ولم يجد فهو معذور فيبيت حينئذ في أقرب مكان من منى قرب الحجاج ليتحقق بذلك بعض المنافع المترتبة على هذه المناسك وإن بات بعيداً عنهم في مكة فلا أرى ما يمنع من ذلك وإن تحمل الحاج فبات في الطرقات أو الأرصفة مع أمن الخطر عليه فهو أحوط وأبرأ للذمة. والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ـ[ إذا انقطع طواف المعتمر بسبب انتقاض الوضوء بعد ثلاثة أشواط فهل يبدأ من جديد بعد الوضوء أو يكمل الأشواط الباقية ]ـ يكمل أربعة أشواط إلا إذا طال الفصل فعليه أن يستأنف. والله أعلم ـ[ هل يجوز لمن طاف بسطح الحرم أن ينزل حين الزحام في الطواف إلى المسعى الذي في السطح ويمشي بعض الأمتار فيه ثم يعود إلى مكان الطواف]ـ لا يجوز أن يطوف داخل المسعى سواء كان في السطح أو في الدور الأول أو الأرضي لأن المسعى خارج المسجد فإن فعل فعليه الإعادة والله أعلم ـ[ متى يبدأ الوقت المشروع للدخول في عرفة ؟ ]ـ يبدأ الوقوف بعرفة من طلوع الشمس يوم عرفة إلى غروبها هذا عند الحنابلة لكن لا يشرع ذلك إلا بعد زوال الشمس لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن وقف بعد طلوع الشمس وانصرف قبل الزوال فوقوفه صحيح عند الحنابلة ويلزمه دم ولا يصح هذا الوقوف عند كثير من العلماء لأن وقته لا يبدأ عندهم إلا بعد الزوال وهو أحوط. والله أعلم. ـ[ في رمي الجمار هل لابد من رمي الحصى للشاخص ، أم فقط لا بد أن تسقط في الحوض؟ وهل هناك أحد قال بهذا القول وهو رمي الحصى للشاخص؟ ]ـ المطلوب الرمي سواء أصاب الشاخص أو وقع في الحوض - والمرمى هو الحوض - والشاخص علامة على الموضع فإذا أصاب الشاخص عرفنا أنه أصاب الهدف وكذلك إذا وقع الحصى في الحوض. وهل يجزي إذا وقع في الحوض ثم تدحرج فيه أولاً قولان لأهل العلم والذي يظهر أنه لا يلزم مكثها في الحوض فالمقصود إصابة الموضع في الرمي. وبالله التوفيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ـ[يوكل بعض الحجاج شخصاً آخر ليرمي عنه الجمرات لعذر حصل له. السؤال / إذا جاء اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة وأراد الموكل التعجل فهل يجوز للموكل أن يطوف للوداع بعد صلاة الظهر ولو لم يفرغ الوكيل من الرمي ]ـ من وكل في الرمي لعذر لا يجوز له أن يطوف للوداع قبل رمي وكيله فلا بد من تحقق رمي الوكيل ليكون آخر العهد بالبيت الطواف. وبالله التوفيق ـ[كثيرا من الحجاج والمعتمرين القادمين من مصر وبلاد المغرب بالطائرة يمرون بالميقات غير محرمين وينزلون بجدة، ثم يستقلون طائرة أو حافلة إلى المدينة لزيارة المسجد النبوي ولما يحرموا بعد ثم يحرمون من ذي الحليفة هل عليهم بأس في ذلك؟ ]ـ من تجاوز ميقاته دون إحرام يلزمه كثير من العلماء بدم وإن أحرم من ميقات معتبر والذي يظهر لي من الصورة المذكورة في السؤال أنه لا شيء عليهم إذا أحرموا من ذي الحليفة لأنه ميقات معتبر شرعا وهو ميقات لأهل المدينة ولمن مر عليه من غير أهلها كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح من حديث ابن عمر وغيره. وبالله التوفيق ـ[رجل اتجه من الرياض إلى جدة وفي نيته أمران: العمرة وزيارة قريب له مريض بجدة، وهو محتاج إلى المكث في جدة عدة أيام قبل أن يذهب إلى مكة فهل يلزمه أن يبقى محرماً بجدة هذه الأيام رغم ما في ذلك من الحرج علي؟ أم هناك حل بديل؟ ]ـ من سافر من الرياض إلى جدة يلزمه الإحرام من الميقات قبل الوصول إلى جدة ولو لزم على ذلك المكث في الإحرم عدة أيام، لكن إن دخل جدة غير محرم ومكث فيها ما شاء ثم رجع إلى الميقات فأحرم منه فلا شيء عليه وإن أحرم من جدة لزمه دم على القول المفتى به لأن جدة ليست ميقاتاً. وبالله التوفيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الشيخ عبد الرحمن البراك ـ[ الذي يطوف على القبور كقبر الحسين والبدوي وغيره هل عملهم مكفر -مع غض النظر عن أعيانهم- لكن السؤال: هل هناك من قال إذا كان الطواف للتحية ليس كفر ومن كان للعبادة كفر؟ هل لهذا القول قائل من السلف؟ ]ـ الحمد لله حمداً كثيراً طيبا مباركا فيه وصلى الله وسلم، وبارك على عبده، ورسله، وعلى آله وصحبه أما بعد: فمعلوم لجميع المسلمين أن الطواف بالبيت العتيق عبادة شرعها الله في الحج والعمرة، وفي غير هما، ولم يشرع الله الطواف بغير بيته فمن طاف على بَنِيَّةٍ أو قبر، أو غيرهما عبادة لله؛ فهو مبتدع ضال متقرب إلى الله بما لم يشرعه، ومع ذلك فهو وسيلة إلى الشرك الأكبر؛ فيجب الإنكار عليه، وبيان أن عمله باطل مردود عليه كما قال صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ". أما من قصد بذلك الطواف التقرب إلى صاحب القبر فهو حينئِذ = عابد له بهذا الطواف؛ فيكون مشركاً شركاً أكبر كما لو ذبح له، أو صلى له. وهذا التفصيل هو الذي تقتضيه الأصول، كما يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". فلا بد من اعتبار المقاصد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1 والغالب على أهل القبور القصد الثاني ـ وهو أنهم يتقربون إلى الميت بذلك ـ، فهم بذلك العمل كفار مشركون؛ لأنهم عبدوا مع الله غيره. والسلف المتقدمون من أهل القرون المفضلة لم يتكلموا في ذلك؛ لأنه لم يقع، ولم يعرف في عصرهم، لأن القبورية إنما نشأت في القرن الرابع. وأكثر من أفاض في الكلام على شرك القبور، وبدع القبور، شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله، ثم من جاء بعدهم من أهل العلم، وعامة كلامهم يقتضي هذا التفصيل المتقدم فإنهم تارة يصفون هذه الأعمال بالبدعة، وتارة بالشرك. والله أعلم. ـ[ هل الشرك الأصغر أعظم من الكبائر، وهل هذا القول على إطلاقه؟ ]ـ الحمد لله، دلت النصوص على أن الشرك فيه أكبر وأصغر، فالأكبر مناف لأصل الإيمان والتوحيد، وموجب للردة عن الإسلام، والخلود في النار، ومحبط لجميع الأعمال، والصحيح أنه هو الذي لا يغفر كما قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}، وأما الشرك الأصغر فهو بخلاف ذلك، فهو ذنب من الذنوب التي دون الشرك الأكبر فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} وهو أنواع: شرك يكون بالقلب كيسير الرياء، وهو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " فسئل عنه فقال: "الرياء ". ومنه ما هو من قبيل الألفاظ كالحلف بغير الله كما قال صلى الله عليه وسلم: " من حلف بغير الله فقد أشرك ". ومنه قول الرجل: لولا الله وأنت، وهذا من الله ومنك، ولولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص كما جاء في الأثر المروي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} ومنه قول الرجل: ما شاء الله وشئت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 2 وقد ذكر بعض أهل العلم أن الشرك الأصغر عند السلف أكبر من الكبائر، ويشهد له قول ابن مسعود رضي الله عنه: " لأنْ أحلف بالله كاذبا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقا". ومعلوم أن الحلف بالله كذبا هي اليمين الغموس، ومع ذلك رأى أنها أهون من الحلف بغير الله. والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن الشرك الأصغر ليس على مرتبة واحدة بل بعضه أعظم إثما، وتحريما من بعض. فالحلف بغير الله أعظم من قول الرجل: ما شاء الله وشئت، لأنه جاء في حديث الطفيل الذي رواه أحمد وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ولم ينههم صلى الله عليه وسلم عن ذلك في أول الأمر حتى رأى الطفيل الرؤيا وقصها على النبي صلى الله عليه وسلم: " فخطبهم النبي صلى الله عليه وسلم، ونهاهم عن ذلك، وقال: إنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أنْ أنهاكم عنها لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ". وفي رواية "قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد". والظاهر أيضا: أن قول السلف الشرك الأصغر أكبر من الكبائر يعني مما هو من جنسه كالحلفِ، فالحلفُ بغير الله أكبر من الحلف بالله كذبا كما في أثر ابن مسعود، وجنس الشرك أكبر من جنس الكبائر، ولا يلزم من ذلك أن يكون كلما قيل: إنه شرك أصغر يكون أكبر من كل الكبائر، ففي الكبائر ما جاء فيه من التغليظ، والوعيد الشديد ما لم يأت مثلُه في بعض أنواع الشرك الأصغر، كما تقدم في قول الرجل: ما شاء الله وشئت. والله اعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 3 ـ[بعضُ الأخوة من طلبة العلم الذين مَنّ الله عليهم بصحة العقيدة، يعيشون في بلاد تكثر فيها البدع، والشركيات، والمنكرات العظيمة .. ونجد معظم نشاطهم، ودروسهم في علوم الآلة كالمصطلح .. ونحوه، أو تحقيق، وتخريج الكتب، أو حتى الدروس الفقهية .. ونحوها ولا نجد لهم دروسا، أو جهودا في تصحيح العقائد الفاسدة، والبدع المنتشرة في بلادهم! فهل من كلمة توجهونها لهم ؟ وهل يأثمون بترك الدعوة إلى التوحيد، ونبذ البدع والشرك مع شدة حاجة الناس لذلك؟ ]ـ الحمد لله لا ريب أن العناية بعلوم الحديث ودراسة الأسانيد، وتحقيق الكتب المشتملة على ذلك عمل جليل والحاجة داعية إليه، وهو سبيل أهل العلم قديما وحديثا، ولكن لا يخفى أن ذلك كله وسيلة إلى معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمييز الصحيح من غيره والغاية من معرفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم العمل بهما، والدعوة إلى ذلك. واستغراق الوقت بالوسيلة عن الغاية خطأ ظاهر لا يليق بطلاب العلم، ولا يصدر من ذوي البصائر والفقه في الدين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 4 ولقد أرسل الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ولقد تحقق ذلك على يده صلى الله عليه وسلم، ويد أصحابه، وأتباعه؛ فالواجب سلوك سبيلهم بالعناية بتدبر القرآن، وتدبر السنة، والتفقه فيهما، والعمل بهما، والدعوة إليهما، ومن أوجب الواجبات الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومن المعلوم أن أعظم المنكرات؛ الشرك، والبدع كبيرها، وصغيرها، فيجب على أهل العلم القيام بذلك عملا بقوله تعالى {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وذلك مما يدخل من قام به في عموم قوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}، ولا يخفى أن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من فروض الكفاية، ومعنى ذلك أنه إذا لم يتحقق القيام بهذا الواجب تعين على من كان قادرا أن يقوم به نصحا لله، ولكتابه ولرسوله، ولعامة المسلمين. فيا أيها الأخوة انهضوا بهذا الواجب العظيم، واجب الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فهذا سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأتباعه كما قال تعالى {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، ولا يخفى عليكم فضل الدعوة إلى الله، وما لها من الأثر العظيم في هداية الخلق، وأي ثناء، وترغيب فوق ثنائه سبحانه وتعالى بقوله {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، نسأل الله أن يسلك بنا، وبكم سبيل المؤمنين، وأن يجعلنا هداة مهتدين إنه تعالى على كل شيء قدير، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 ـ[سماحة الشيخ استنكر عَليّ أحد الأخوة تكفير الرافضة- المقصود من يقومون بأعمال شركية كالاستعانة والاستغاثة بالحسين وزيارة وحِج الأضرحة- فقال الأخ (علماً أنه أقدم منى في طلب العلم) أن تكفير عقيدتهم لا يعني تكفير عامة جُهّالهم الذين يُضَلّلون مِن قِبل أئمتهم، ولكن إن نُصِحوا وبُيِّنَ لهم وأقيمت عليهم الحُجة ولم يرجعوا عن تلك العقيدة الفاسدة وجب تكفيرهم، فما رأي سماحة الشيخ، هل الجاهل منهم معذور بشركه؟ ]ـ الحمد لله: الرافضة الذين يسمون أنفسهم الشيعة، ويدعون حب آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، هم شر طوائف الأمة، وقد كان المؤسس لهذا المذهب يهودي اسمه عبد الله بن سبأ، وأصحابه السبئية الغلاة الذين ادعوا الإلهية في علي رضي الله عنه، وورثتهم يألهون أئمتهم من ذرية علي رضي الله عنه، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين، وإذا أظهروا الإسلام وكتموا اعتقادهم كانوا منافقين، وهؤلاء من غلاة طوائف الرافضة الذين قال فيهم بعض العلماء: إنهم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض، ومن الرافضة السبابة الذين يسبون أبا بكر وعمر ويبغضونهما، ويبغضون سائر الصحابة، ويكفرونهم، ويفسقونهم إلا قليلا منهم. وفي مقابل ذلك يغلون في علي رضي عنه وأهل البيت، ويدعون لهم العصمة، ويدعون ان عليا رضي الله عنه هو الأحق بالأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بذلك، وأن الصحابة كتموا الوصية، واغتصبوا حق علي في الخلافة، فجمعوا بين الغلو، والجفاء، ثم اعتنقوا بعض أصول المعتزلة كنفي الصفات، والقدر، ثم أحدثوا بعد القرون المفضلة بناء المشاهد على قبور أئمتهم؛ فأحدثوا في الأمة شرك القبور، وبدع القبور، وسرى منهم ذلك لكثير من طوائف الصوفية، والمقصود أن الرافضة في جملتهم هم شر طوائف الأمة، واجتمع فيهم من موجبات الكفر، تكفير الصحابة، وتعطيل الصفات، والشرك في العبادة بدعاء الأموات، والاستغاثة بهم , هذا واقع الرافضة الإمامية الذين أشهرهم الإثنا عشرية فهم في الحقيقة كفار مشركون لكنهم يكتمون ذلك، إذا كانوا بين المسلمين عملا بالتقية التي يدينون بها، وهي كتمان باطلهم، ومصانعة من يخالفهم، وهم يربون ناشئتهم على مذهبهم من بغض الصحابة خصوصا أبا بكر وعمر، وعلى الغلو في أهل البيت خصوصا علي، وفاطمة، وأولادهما، وبهذا يعلم أنهم كفار مشركون منافقون وهذا هو الحكم العام لطائفتهم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وأما أعيانهم فكما قرر أهل العلم أن الحكم على المعين يتوقف على وجود شروط، وانتفاء موانع، وعلى هذا فإنهم يعاملون معاملة المنافقين الذين يظهرون الإسلام. ولكن يجب الحذر منهم، وعدم الإغترار بما يدعونه من الإنتصار للإسلام فإنهم ينطبق عليهم قوله سبحانه {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}، وقوله تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}، ولا يلزم مما تقدم أن كل واحد منهم قد اجتمعت فيه أصولهم الكفرية، والبدعية. ومن المعلوم أن أئمتهم، وعلماءهم هم المضلون لهم، ولا يكون ذلك عذرا لعامتهم لأنهم متعصبون لا يستجيبون لداعي الحق، ومن أجل ذلك الغالب عليهم عدواة أهل السنة، والكيد لهم بكل ما يستطيعون، ولكنهم يخفون ذلك شأن المنافقين، ولهذا كان خطرهم على المسلمين أعظم من خطر اليهود، والنصارى لخفاء أمرهم على كثير من أهل السنة، وبسبب ذلك راجت على كثير من جهلة أهل السنة دعوة التقريب بين السنة والشيعة، وهي دعوة باطلة. فمذهب أهل السنة، ومذهب الشيعة ضدان لا يجتمعان، , فلا يمكن التقريب إلا على أساس التنازل عن أصول مذهب السنة، أو بعضها، أو السكوت عن باطل الرافضة، وهذا مطلب لكل منحرف عن الصراط المستقيم ـ أعني السكوت عن باطله ـ كما أراد المشركون من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوافقهم على بعض دينهم، أو يسكت عنهم فيعاملونه كذلك، كما قال تعالى {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 ـ[ ما حكم الجزم بأن القيامة لن تقوم غدا ؟ هل هو كالجزم بأنها سوف تقوم في سنة معينة كما يزعم بعض الضلال والعرافين؟ والذي جرَّ هذا السؤال أن أحد الناس ذكر في كلام له أننا ... "نجزم بأن القيامة لن تقوم غدا, ونعلم ذلك من النصوص الكثيرة التي أخبرت عن أشراط الساعة , ونحن نعلم أن هذه الأشراط لم تكن بعد, ولا تكون إلا بعد وقت, فإن كثيرا من النصوص تخبر بمدد لا يحصل قبل غد" .. هذا معنى كلامه لا لفظه , فهل هذا اعتقاد أهل السنة في المسألة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا. ]ـ الحمد لله، إن موعد قيام الساعة وهي القيامة، هو مما استأثر الله بعلمه قال تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}، ولما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤل عنها بأعلم من السائل. فالله تعالى قد أخفى وقتها عن العباد فلا يعلم متى الساعة لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل. فمن زعم أن الساعة تقوم في سنة كذا، أو بعد كذا وكذا من السنين؛ فهو مفتر كذاب، ومدع لعلم الغيب، ومكذب بما أخبر الله به في كتابه؛ فيكون بهذا كافرا يستتاب فإن تاب، وإلا قتل، أما من قال أن الساعة لن تقوم حتى تظهر أشراطها التي أخبر الله بها ورسوله فهو محق، لأن قيامها قبل ظهور أشراطها خلاف ما أخبر الله به ورسوله، فيلزم منه أن تكون هذه الأخبار كذبا، وهذا اللازم باطل، فكذلك ما يستلزمه، فأخبار الله ورسوله أصدق الأخبار، ولا بد من وقوع مُخْبرِها فمن قال: نجزم بأن الساعة لا تقوم غدا بناء على ذلك فقد صدق، وهذا لا ينافي قدرة الله على أن يقيم الساعة غدا، وامتناع قيامها قبل موعدها راجع إلى أن الله قدّر ذلك، وقضاه، فلا يكون خلاف ما سبق به علمه، وقضاؤه، بل يجري كل شيء على وفق علمه، وتقديره، ومشيئته، وهو سبحانه الفعال لما يريد، وهو كل شيء قدير، وصلى الله على نبينا محمد، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 ـ[ كيف نجمع بين حديث الجساسة التي رآها أحد الصحابة وأخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وأن معها المسيح الدجال، وحديث إن المسيح الدجال يخرج ويولد في آخر الزمان ؟ وجزاك الله خيرا عن أمة الإسلام ونفع بكم وأعز بكم الأمة. ]ـ الحمد لله لقد استفاضت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإخبار عن المسيح الدجال، فتظمنت الإخبار عن خروجه في آخر الزمان، وأنه يأتي بخوارق باهرة، يكون بها فتنة لأكثر الناس ممن لا بصيرة له، وأنه يقتله المسيح ابن مريم كما تظمنت صفة عينيه، وأنه أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية، وأن فتنته أعظم فتنة منذ آدم إلى قيام الساعة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنه ما من نبي إلا أنذر أمته المسيح الدجال ". وقد أنذر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمته فتنة المسيح الدجال أعظم إنذار، وذكر علاماته تبصيراً للأمة، وأمر صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة بالله من شر فتنة بعد التشهد في كل صلاة، وليس فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم من صفته، وأحواله، وعلاماته ما يشكل؛ إلا ما جاء في حديث الجساسة مما يدل على أنه موجود، وموثق، وأنه ينتظر الإطلاق لخروجه، وحديث الجساسة لم يكن خبراً مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما اخبر بقصتها تميم الداري، وقصها على النبي صلى الله عليه وسلم فأقره عليها، بل وقصها النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرفت هذه القصة بحديث الجساسة، وما دل عليه حديث الجساسة من وجود الدجال لا يتعارض مع الأخبار التي فيها أنه يخرج في آخر الزمان، وخروجه في آخر الزمان لا يمنع من وجوده قبل ذلك بمدة طويلة، أو قصيرة قبل ذلك، ولا أعلم أن في أحاديث خروج الدجال تعرض لولادته،، وعلى هذا فلا تعارض بين حديث الجساسة المتظمن لوجوده في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديث خروجه لكن حديث الجساسة مع حديث خروج الدجال يدل على بقائه، فيشكل ذلك مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حدث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 أصحابه ذات ليلة بعد صلاة العشاء وقال: " لا يأتي على رأس مائة سنة، وعلى ظهر الأرض ممن عليها اليوم أحد ". فيقتضي هذا بعمومه أنه كل من كان على الأرض لا يبقى بعد رأس المائة سنة فيدخل في ذلك المسيح الدجال، فيقال: ـ والله أعلم ـ لا يمتنع أن يكون ما دل عليه حديث الجساسة من وجود الدجال مخصصا لعمومِ حديثِ لا يأتي على رأس مائة سنة وعلى وجه الأرض ممن كان عليها وقت حديث النبي صلى الله عليه وسلم، هذا والله أعلم بالصواب. ـ[أشكل عليّ تفريق بعض أهل العلم بين أهل الكتاب والمشركين. فهل وصف المشركين لا ينطبق على أهل الكتاب؟ وما الفرق بين الكفار والمشركين؟ مع العلم أن كفر أهل الكتاب معلوم لدي، ومعلوم لدي أيضا أن عدم تكفيرهم ناقض من نواقض الإسلام، ولكن أشكل علي التفريق في استخدام لفظة الكفار لأهل الكتاب واقتصار لفظة المشركين على الكفار ما دون أهل الكتاب فأتمنى من فضيلتكم توضيح الأمر بارك الله فيكم. ]ـ الحمد لله، يجب أن يعلم أن الألفاظ يختلف معناها بالإفراد والاقتران من حيث العموم والخصوص، وهذا المعنى كثير في القرآن ومن ذلك لفظ الكفار، والمنافقين، والمشركين، وأهل الكتاب، وأعم هذه الألفاظ لفظ الكفار فإنه يشمل المنافقين النفاق الأكبر، ويشمل عموم المشركين، والكفار من أهل الكتاب، واسم المنافقين يختص بمن يظهر الإسلام، ويبطن الكفر فإذا ذكر المنافقون والكفار كقوله تعالى {إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} اختص اسم المنافقين بمن يبطن الكفر واسم الكافرين بالمعلنين له، , وأكثر ما يطلق اسم المشركين في القرآن على الكفار من غير أهل الكتاب كقوله تعالى {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}، وقد يطلق لفظ المشركين على ما يعم الكفار في مقابل المنافقين كما قال تعالى {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}، فيدخل في ذلك كفرة أهل الكتاب والمجوس، وقد يخص الله بعض طوائف المشركين باسم يعرفون به كالمجوس كما قال سبحانه {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فَعَطْفُ الذين أشركوا على المجوس من عَطْفِ العام على الخاص، وأما الطوائف الأربع الأولى في هذه الآية فإن منهم المؤمن، ومنهم الكافر كفرا ظاهرا، أو باطنا كما قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}، أي من آمن منهم بالله واليوم الآخر، وهكذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 أهل الكتاب منهم المؤمن، والكافر، كما قال تعالى {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} إلى قوله تعالى {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} إلى قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللهِ شَيْئًا وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وهذا الانقسام في اليهود، والنصارى، والصابئين إنما هو باعتبار حالهم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، أما بعدما بعث الله خاتم النبيين، فكل من لم يؤمن به من اليهود، والنصارى، وغيرهم فإنه كافر فإن مات على ذلك فهو من أهل النار، ولا ينفعه انتسابه لشريعة التوراة، أو الإنجيل، وقد انضاف كفرهم بتكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم إلى ما ارتكبوه من أنواع الشرك، والكفر قبل ذلك كقول اليهود {عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ} وقول النصارى {الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ}، والشرك في النصارى أظهر منه في اليهود، وأكثر كما قال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} إلى قوله تعالى {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وقوله سبحانه وتعالى {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} فتبين مما تقد أن اليهود، والنصارى، وسائر المشركين من عبدة الأوثان والمجوس كلهم كفار من مات منهم على كفره، فهو في النار، وأنهم جميعا مدعوون إلى الإيمان بالقرآن، وبالرسول الذي جاء بالقرآن ومأمورون باتّباعه عليه الصلاة والسلام فإن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الناس من الكتابيين، والأميين كما قال تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}، وقوله تعالى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". رواه مسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 ولكن دلت النصوص من الكتاب، والسنة على الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار في بعض الأحكام من ذلك: حل ذبائح أهل الكتاب، وحل نسائهم الحرائر العفائف كما قال تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} بخلاف سائر طوائف الكفار من المجوس وعبدة الأوثان وغيرهم، فلا تحل ذبائحهم، ولا نسائهم للمسلمين، وهذا متفق عليه بين العلماء، ومن ذلك أن الجزية لا تؤخذ إلا من اليهود، والنصارى، والمجوس على قول أكثر أهل العلم لقوله تعالى {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}، وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه أخذ الجزية من مجوس هجر". فلذلك اتفق العلماء على أخذ الجزية من هذه الطوائف، واختلفوا في أخذها من غيرهم، والراجح أنها تأخذ من جميع طوائف الكفر لحديث بريدة في صحيح مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ـ الحديث وفيه ـ وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم .. الحديث. هذا والله أعلم، وصلى الله، وسلم على نبينا محمد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 ـ[ ما هو منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته .. وماهي الكتيبات والأشرطة التي تنصحوني باستماعها .. وجزاكم الله خيراً .. ]ـ الحمد لله، إن العلم بالله بمعرفة أسمائه، وصفاته، وأفعاله، وما يليق به، وما يجب تنزيه تعالى عنه؛ هو أشرف العلوم، والإنسان أحوج ما يكون إلى معرفة ربه، بل ضرورته إلى ذلك فوق كل ضرورة، وهذه المعرفة تثمر محبته، وخوفه، ورجاءه، والتوكل عليه، وطاعته، وتعظيمه، ومن رحمة الله بعباده أن أخبرهم في كتابه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم من أسمائه وصفاته، والنصوص من الكتاب، والسنة مستفيضة في هذا العلم بل نصوص الأسماء والصفات في الكتاب والسنة فيها من بيان ما يجب على العباد اعتقاده، مما يجب له، ويجوز عليه، ويمتنع عليه سبحانه مما ينير بصائرهم، ويزكي نفوسهم، وقد كان السلف الصالح من الصحابة، والتابعين يؤمنون بهذه الأخبار ويمرونها على ظاهرها مثبتين لله ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مؤمنين بأن صفاته لا تماثل صفات المخلوقين، ولا تدرك العقول كنهها، ولما حدثت بدعة التعطيل بنفي أسماء الله وصفاته، وما تفرع عنها افترقت الأمة في هذا الأصل العظيم، وهو توحيد الأسماء والصفات فتباينت مذاهب فرق المبتدعة فهم بين مشبه، ومعطل، ومضطرب، وأما أهل السنة والجماعة فهم على الصراط المستقيم، فهم وسط في فرق الأمة في باب الأسماء والصفات، وغيره فلا إفراط، ولا تفريط، فمذهبهم أنهم يصفون الله بما ووصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف ولا إلحاد في أسماء الله، وآياته، بل يثبتون له صفات الكمال، وينزهونه عن النقائص، والعيوب إثباتا بلا تشبيه، وتنزيها بلا تعطيل كما قال سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} هذا، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وأما ما سألت عنه من الكتب المتظمنة لبيان مذهب أهل السنة والجماعة، فأرى أن أحسن ما كتب في هذا العقيدة الواسطية فإنها تظمنت بيان معتقد الفرقة الناجية المنصورة أهل السنة والجماعة، وهي معروفة، ومشهورة، والمؤلفات في العقيدة كثيرة، ومختلفة المناهج من حيث البسط، والاختصار، وذكر مذاهب المخالفين، وشبهاتهم، والرد عليهم، ولهذا أنصح بالعناية بهذه العقيدة للإمام ابن تيمية رحمه الله، وهو المعروف بالتحقيق في مذهب السلف في سائر أبواب الاعتقاد. والله أعلم. ـ[ ما الفرق بين الشرك والكفر وأيهما أعم ؟ ]ـ الحمد لله، من المعروف أن الشرك منه أكبر، ومنه أصغر، وكذلك الكفر، والذي يظهر أن السؤال في الفرق بين الكفر الكبر، والشرك الأكبر، فإن كلا من الشرك الأصغر، والكفر الأصغر من أنواع المعاصي بل من الكبائر فأما الشرك الأكبر وهو اتخاذ ند لله في العبادة كما قال لله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ ـ إلى قوله ـ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قلت يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك ". وأما الكفر الأكبر فكل ما يناقض الشهادتين شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ومعلوم أن الشرك الأكبر يناقض شهادة ألا إله إلا الله كل المناقضة؛ فهو كفر أكبر، ومن الكفر تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرا، وهو: الجحود، أو باطنا، وهو: النفاق، ومن الكفر الاستهزاء بالله عز وجل أو بالقرآن أو بالرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، وبهذا يتبين أن بين الشرك الأكبر، والكفر الكبر عموم وخصوص، فكل شرك أكبر فهو: كفر، وليس كل كفر أكبر شركا، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 ـ[ هل يجوز فك السحر بالسحر عند الحاجة ؟ ]ـ الحمد لله، حل السحر أو فك السحر يقال له: النشرة، وقد روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة؟ فقال: " هي من عمل الشيطان ". رواه أحمد بسند جيد وأبو داود. وحل السحر بسحر لا بد فيه من الذهاب للساحر، وسؤاله عمّن عمل السحر، وأين يكون موضع السحر، وذلك لإبطال عمل الساحر الأول، ومعلوم أن الساحر من نوع الكاهن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم" من أتى عرافا أو كاهنا فسأله، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد". وعلى هذا لا يجوز حل السحر بالسحر لأن ذلك من عمل الشيطان، ويستلزم سؤال الساحر، وتصديقه. قال الإمام ابن القيم: النشرة حل السحر عن المسحور وهي نوعان: حل بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان وعليه يحمل قول الحسن: [لا يحل السحر إلا ساحر]، فيتقرب الناشر والمنتشر إلى الشيطان بما يحب، فيبطل عمله عن المسحور والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية المباحة فهذا جائز. والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 ـ[ ما حكم الدار التي يكثر فيها سب رب العالمين ـ نعوذ بالله من ذلك ـ من دون نكير من السلطة هل هي دار كفر؟ وما حكم الهجرة منها؟ ]ـ الحمد لله، البلاد التي تكون فيها الدولة مسلمة، والحكم فيها للإسلام فهي دار إسلام، ولو كثرت فيها المعاصي، وكثر فيها ارتكاب ببعض نواقض الإسلام نتيجة لتصير الدولة، وضعف نفوذها، وعلى هذا فلا تكون بمجرد كثرة هذه الأمور دار كفر بل دار بدع ومعاصي، ودار الإسلام قد يكثر فيها العصاة، والمنافقون، والمرتدون الذين لا يقام عليهم ما يجب من العقوبات الرادعة، وعلى هذا فلا تجب الهجرة من تلك البلد، لكن يجب على من أقام فيها أن يقوم بما يستطيع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه". ومن إنكار المنكر مفارقة أهل المعاصي بترك مجالستهم، وهجرهم، ليتركوا ما هم عليه، أو لاتقاء شرهم، وأولى بذلك منهم من يتكلم بالكفر كسب الله، ,الاستهزاء بآياته، فإنه يجب على من يقدر أن ينكر عليه، وأن يطالب ذوي السلطة بإقامة حكم الله فيه، كما يجب مفارقة المجلس الذي يتكلم بالكفر كما قال سبحانه وتعالى {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} وقال تعالى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، والله أعلم. ـ[ ما الفرق بين المرجئة ومرجئة الفقهاء؟ ]ـ الحمد لله، اسم المرجئة مأخوذ من الإرجاء، وهو التأخير وسمي المرجئة بذلك لتأخيرهم الأعمال عن مسمى الإيمان، وهم طوائف كثيرة، وأشهرهم الغلاة، وهم الذين يقولون: إن الإيمان هو المعرفة ـ أي معرفة الخالق ـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وهذا هو المشهور عن جهم بن صفوان إمام المعطلة نفاة الأسماء والصفات، وإمام الجبرية، وغلاة المرجئة. والثانية: هم من يعرفون بمرجئة الفقهاء، وهم الذين يقولون: إن الإيمان هو تصديق بالقلب، أو هو التصديق بالقلب واللسان يعني مع الإقرار، وأما الأعمال الظاهرة والباطنة؛ فليست من الإيمان، ولكنهم يقولون: بوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، وأن ترك الواجبات أو فعل المحرمات مقتضي للعقاب الذي توعد الله به من عصاه، وبهذا يظهر الفرق بين مرجئة الفقهاء، وغيرهم خصوصا الغلاة، فإن مرجئة الفقهاء يقولون: إن الذنوب تضر صاحبها، وأما الغلاة فيقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. والله أعلم. ـ[ما هي الأمور التي اتفقت عليها فرق الخوارج؟ وما هي الأمور التي وقع فيها خلافٌ بينهم؟ وما هو القول الراجح في كفر الخوارج؟ وما ضابط أن يُطلق على شخصٍ ما، أو على فكرٍ ما أنه شخصٌ خارجي، أو فكرٌ خارجي؟ وجزاكم الله خير ما جزى عالماً عن طلابه. ]ـ الحمد لله، الخوارج اسم لطائفة من المبتدعة ظهرت في خلافة علي رضي الله عنه، ومعظمهم كان في جيش علي ففارقه عندما اتفق علي ومعاوية على تحكيم أبي موسى، وعمرو بن العاص ـ رضي الله عنهم ـ، فأنكرت الخوارج ذلك وقالوا: حكمتم الرجال لا حكم إلا لله، فبعث إليهم علي ـ رضي الله عنه ـ ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ فناظرهم، فرجع كثير منهم، وانحاز الذين أصروا على مذهبهم إلى موضع يقال له: النهروان، فكفروا الحكمين، وعلي ومعاوية، ومن معهما، وأغاروا على سرح المسلمين، وقتلوا عبد الله بن خباب من أصحاب علي ـ رضي الله عنه ـ، فرأى فيهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه صفات المارقين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، ورغب فيه، كقوله صلى الله عليه وسلم: " يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ". متفق عليه. وفي حديث آخر في الصحيحين: " فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ".، فقاتلهم علي رضي الله عنه بمن معه من الصحابة، وأظهره الله عليهم، وسُرّ بذلك ـ رضي الله عنه ـ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " تمرق ما رقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ". رواه مسلم. وأصل مذهبهم التكفير بالكبائر من الذنوب، وقد يعدون ما ليس بذنب ذنبا؛ فيكفرون به، كما قالوا: في التحكيم بين علي، ومعاوية ـ رضي الله عنهما ـ، فلذلك كفروا الحكمين، وكفروا عليا، ومعاوية، ومن معهما، ثم صاروا بعد ذلك فرقا حسْبَ زعاماتهم، ومن الأصول المشهورة عنهم إنكار السنة، ومن فروع ذلك: إنكارهم المسح على الخفين، ورجم الزاني المحصن. والذي يظهر: أنه لا يعد من الخوارج إلا من قال بهذين الأصلين، وهما: التكفير بالذنوب، وإنكار الاحتجاج، والعمل بالسنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وأما تفاصيل الفرق بين فرقهم، فيرجع فيه إلى كتب الفرق ككتاب الملل والنحل للشهرستاني، والفصل لابن حزم، والله أعلم. ـ[نقل عنكم - حفظكم الله في هذا المنتدى - أنكم تفرقون بين الذي يطلب من الميت قُرْبَ قبره الدعاء له، وبين الذي يطلب منه الشفاعة؟ فما الفرق الجوهري المؤثر بينهما , علما أن طلب الشفاعة نوع من طلب الدعاء؟ ]ـ الحمد لله، من أنواع الشرك الأكبر شرك الدعاء، وهو: دعاء الأموات، والغائبين في قضاء الحوائج، والاستغاثة بهم في الشدائد، وطلب النصر والرزق منهم، سواء طلب ذلك من الميت من قرب، أو بعد؛ إذا كان الداعي، والطالب يعتقد أنه يفعل ذلك بقدرته، وحينئذ يكون قد جمع بين الشرك في الربوبية، والشرك في العبادة. وأما إذا كان الداعي للميت يطلب منه أن يدعو الله له، وهو قريب من قبره لاعتقاده أنه يسمع؛ فذلك بدعة، ووسيلة إلى الشرك كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كلامه، ومعلوم أن الدعاء للغير شفاعة له فطالب الدعاء هو طالب للشفاعة، فلهذا يقال له: استشفاع، وتوسل كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ".، وما ذاك إلا طلب الدعاء من النبي صلى اله عليه وسلم، ثم من العباس، وذلك في حياتهما، ولم يذهب عمر ولا غيره إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الدعاء منه مما يدل على أنه غير مشروع، ولا هو سبب لحصول مطلوب، وإذا كان هذا في حق النبي صلى الله عليه فغيره من باب أولى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 وأما إذا اقترن بطلب الدعاء من الميت، والاستشفاع به تقرب إليه بنوع من أنواع العبادة، فذلك عين ما كان يفعله المشركون يعبدون ما يعبدون زاعمين أنهم يشفعون لهم، وأنهم يقربونهم إلى الله كما قال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}، وقال تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}؛ فكانوا كفارا، ومشركين حيث جعلوا بينهم، وبين الله وسائط في العبادة. وأما من يطلب من الغائب عنه، أو من الميت، وهو بعيد من قبره، فيدعوه في كل مكان، ويستغيث به لذلك فهو مشرك، لأنه قد شبهه بالله الذي يسمع دعاء الداعين، ويغيث الملهوفين. وبهذا يتبين أنه لا فرق في الحقيقة بين طلب الدعاء، وطلب الشفاعة من حي أو ميت، ولا أذكر أني فرقت بينهما، فلعل الذي نقل ذلك عني قد وهم، أو أني تطرقت لمعنى آخر، ولم يفهم مرادي، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. ـ[ بعض الإخوة عندهم قطع قماش صغيرة من أستار الكعبة، يحملونها تبركا بها ، ما قولكم في هذا جزاكم الله تعالى خيرا؟ وإن تتكرمون بذكر آثار عن السلف يستدل بها على ما تذهبون إليه؟ ]ـ الحمد لله، فضائل الأعمال، والأعيان لا يثبت شيء منها إلا بدليل من الشرع: من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد دل الكتاب، والسنة على فضل الكعبة، والمسجد الحرام، وأن لهما حرمة عند الله، ولذلك شرع سبحانه الطواف بالبيت، واستلام الركنين منه، وأمر بتطهيره للطائفين، والعاكفين، والركع السجود، وجعل الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة في سائر المساجد بمائة ألف صلاة إلا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى؛ فلهما فضل على سائر المساجد، قال الله تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} وقال تعالى {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة في مسجدي ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 فالفضل، والأجر، والبركة فيما شرع الله، ولم يدل دليل على فضل التراب، والأحجار الذي بنيت به الكعبة، ولا الماء الذي يسيل من سطحها، أو باطنها من المطر، أو مما تغسل به، ولا القماش الذي كسيت به، فلا يجوز اعتقاد فضيلة، وبركة بشيء من ذلك، ولا يجوز أخذ شيء من كسوة الكعبة لاعتقاد البركة، والنفع به، لكن إذا أخذ الإنسان شيئا منها، واقتناه من أجل التفرج فقط؛ فلا بأس به، والأولى ترك ذلك لأنه لا يأمن أن يكون وسيلة إلى تعظيم القطع من قماش الكعبة، فالأولى عدم الاهتمام به، وعدم اقتنائه سدا لذريعة الابتداع، ووقوفا مع ما جاءت به الشريعة، وما دلت عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنة أصحابه رضوان الله عليهم، والله أعلم. ـ[ لماذا لم يكفر الإمام أحمد أئمة الجهمية مع ظهور كفرهم؟ ]ـ الحمد لله، لقد استفاض عن الأئمة تكفير الجهمية بالعموم قال ابن القيم نقل تكفير الجهمية عن خمسمائة من العلماء، ونظم هذا في الكافية الشافية فقال: ولقد تقلد كفرهم خمسون في ... عشر من العلماء في البلدان واللالكائي الإمام حكاه عنـ ... هم بل حكاه قبله الطبراني كما استفاض عن الإمام أحمد، وغيره قولهم: من قال القرآن مخلوق فهو كافر، وهذا قول الجهمية، والمعتزلة. ولا ريب أن من أقيمت عليه الحجة، وبين له بطلان بدعته، وظهر عناده؛ فإنه كافر؛ فيكفر بعينه، هذا وقد نقل الخلال في السنة، 5/ 117، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 4/ 153 عن أحمد ـ رحمه الله ـ تكفير ابن أبي دؤاد، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى 12/ 489: وقد نقل عن الإمام أحمد أنه كفر قوما معينين [من الجهمية]. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 ـ[ هل يجوز تكفير أعيان الإسماعيلية في عصرنا؟ وجزاكم الله خيرا. ]ـ الإسماعيلية هم الذين يعرفون بالباطنية، أو هم طائفة منهم، والباطنية ملاحدة زنادقهم قال فيهم بعض الأئمة: إنهم يظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض. وقال فيهم شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ: أجمع المسلمون على أنهم أكفر من اليهود والنصارى، هذا حكم طائفتهم على صفة العموم. وأما الحكم على أعيانهم فيفرق بين عامتهم، وبين خاصتهم؛ فأئمتهم كفار بأعيانهم، وكذا كل من عُلم منه أنه عارف بأسرار المذهب الباطني، ويَدين به فإنه كافر، ولكن المذهب الباطني يقوم على النفاق؛ فأئمة الباطنية زنادقة ـ أي: ملاحدة منافقون ـ أذلهم الله بعز الإسلام، والمسلمين، وفضحهم الله، وكشف أسرارهم، وكفانا الله شرهم، وطهر مجتمعات المسلمين منهم، والله أعلم. ـ[هل من يقول إني حين أطوف في القبور لا أقصد دعاء الميت ولكني أقصد بركه المكان لأنه أحتوى على ذلك الجسد الطاهر مثل قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، هل هذا له صارف عن وصفه بالشرك؟ ]ـ الحمد لله، الشرك ضد، والتوحيد هو عبادة الله وحده لا شريك له، والشرك هو عبادة غير الله مع الله فمن ذبح لغير الله تقربا إليه، أو طاف بقبره يتقرب إليه، أو أي عبادة من العبادات يتوجه بها إلى حي، أو ميت؛ كان مشركا لأن عمله ذلك هو الشرك الأكبر الذي لا يغفر، ويوجب خلود صاحبه في النار إذا مات على ذلك. وهذا الذي يطوف بقبر الولي، أو من يظن أنه ولي، ويدعي أنه لا يريد التقرب إليه لكن يعتقد أن الطواف به سبب لحصول ما جعله الله في ذلك العبد الصالح من البركة؛ مَن يفعل ذلك بهذا الاعتقاد؛ فهو مبتدع ضال، وليس بمشرك، لأنه بزعمه يقصد بهذا الطواف التقرب إلى الله لتحصل له البركة التي يظنها في قبر هذا الميت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 وهذه البدعة بدعة الطواف بالقبور من أشنع البدع، وأقبحها؛ لأن الطواف عبادة لم يشرعها الله إلا حول بيته العتيق، فالطائف بالقبر قد شبه بيت الميت ببيت الحي الذي لا يموت قال تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (125) سورة البقرة، وقال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (29) سورة الحج. وهذا الذي يزعم أنه لا يريد بهذا الطواف التقرب إلى صاحب القبر لا يبعد أن يكون كاذبا، ومخادعا لمن ينكر عليه. وعلى هذا فإن كان صادقا فيما زعمه؛ ففعله ذلك بدعة، وضلالة، ووسيلة من أقرب الوسائل المفضية إلى الشرك، وقد تُعرف حقيقة الأمر بالقرائن الدالة على صدق، أو كذب هذا القبوري الضال، فأمره دائر بين الشرك الأكبر، أو البدعة الكبرى، نعوذ بالله من الخذلان، واستحواذ الشيطان، ونسأل الله العافية من شرك المشركين، وبدع المبتدعين، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ـ[ لو مسحت على موضع قدم إبراهيم للبركة هل هذا جائز ؟ ]ـ الحمد لله، قال الله تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ} [(96) و (97) سورة آل عمران]، ولا شك أن ذلك البيت الذي هو المسجد الحرام، والكعبة، ومقام إبراهيم سواء أريد به الحجر الذي كان يقوم عليه، أو أريد به عموم المسجد كما قال تعالى {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة]، كلها مباركة لأن الله اختارها، وفضلها على سائر البقاع، والبيوت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 والبركة التي في هذه المواضع إنما تحصل آثارها للعباد بفعل ما شرع الله فيها: من الطواف بالبيت، والاعتكاف في المسجد، والصلاة فيه كما قال تعالى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [(125) سورة البقرة]، ولم يشرع الله مسح شيء من الكعبة إلا الركنين اليمانيين فالحجر الأسود يشرع تقبيله، واستلامه، والركن اليماني يشرع استلامه باليد عملا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين، وقد قال عمر رضي الله عنه ـ عندما أراد أن يستلم الحجر الأسود ـ: والله إني أعلم أنك حجر لا تضر، ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك. ولم يسن النبي صلى الله عليه وسلم مسح المقام، ولا موضع قدمي إبراهيم، وإنما صلى عند المقام لما فرغ من الطواف أتى المقام ثم قرأ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] فصلى ركعتي الطواف، وقرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص: قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد. فتبين أنه لا يستحب مسح موضع قدمي إبراهيم من المقام، فلا أجر، ولا بركة في مسح ما لم يشرع الله مسحه؛ وإن كان مباركا. فالكعبة كلها مباركة، ولا يشرع استلام شيء منها إلا الركنين اليمانيين كما تقدم فعليك أيها المسلم بتحري هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به، وقد جعله الله لك إمام، وقدوة، فلا تتعدى سنته: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [(21) سورة الأحزاب]، والله أعلم. ـ[ هل لما أطلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم الآن لا يكون شركا ؟ ]ـ أحال الشيخ السائل إلى جواب السؤال رقم (14) (*).   (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: قد حُذف الترقيم في هذه النسخة الإلكترونية لاضطرابه في مواضع متعددة والجواب الذي أحال عليه الشيخ - حفظه الله - هو جوابه عن سؤال تقدم قريبا، نصّه: "نقل عنكم - حفظكم الله في هذا المنتدى - أنكم تفرقون بين الذي يطلب من الميت قُرْبَ قبره الدعاء له، وبين الذي يطلب منه الشفاعة؟ فما الفرق الجوهري المؤثر بينهما , علما أن طلب الشفاعة نوع من طلب الدعاء؟ " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 ـ[ أهل السنة يبطلون المجاز في الصفات ثم يعملونها في مواضع مثل: "كنت سمعه الذي يسمع به" الحديثَ كيف الجمع، أو ما هي القاعدة في ذلك؟ وتقبلوا تحياتي محبكم. ]ـ الحمد لله، منهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله، وصفاته، وفي نصوصهما هو المنهج القويم البريء من التناقض، ومن الغو، والتقصير، فهم يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم اثباتا ونفيا، فيثبتون ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله، وينزهونه عن جميع النقائص، والعيوب اثباتا بلا تشبيه، وتنزيها بلا تعطيل على حد قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى]، ومن منهجهم إمرار النصوص على ظاهرها، وذلك بالإيمان بما دلت عليه من الصفات من غير تعرض لكيفياتها كما قال غير واحد من الأئمة: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، وقال الإمام مالك، وغيره: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول والإيمان به واجب .. ). وأما دعوى السائل أن أهل السنة ينكرون المجاز في نصوص الصفات، ويثبتونه في مواضع فدعوى باطلة، فإن أهل السنة منهم من ينفي المجاز في اللغة العربية مطلقا، وفي القرآن من باب أولى، وهؤلاء عندهم كل لفظ هو حقيقة في موضعه يدل على المعنى الذي يقتضيه السياق، والمقام. ومَن يثبت منهم المجاز في اللغة، وفي القرآن؛ لا يقول به إلا إذا قام الدليل المانع من إرادة المعنى الحقيقي، مثل الحديث الذي ورد في السؤال، وهو قوله سبحانه وتعالى ـ في الحديث القدسي ـ: " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به .. " الحديث. ومن المعلوم بالضرورة أن الله لا يصير عين العبد: سمعه، وبصره، ويده، ورجله، فإن حقيقة ذلك الحلول، أو الإتحاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 فكل من يؤمن بالله، يؤمن بأنه بائن من خلقه، ومباين لهم لا يخطر بباله من هذا الحديث المعنى الباطل، بل يدرك أن المراد من الحديث أن من أحبه الله، وفقه في جميع تصرفاته، فلا يسمع، ولا يبصر، ولا يبطش، ولا يمشي إلا على وفق أمر الله، فجميع جوارحه منقادة لشرع الله فهو بالله، ولله. وأما المخالفون لأهل السنة والجماعة من طوائف المتكلمين فهم المتناقضون، وأظهر تناقض في باب الصفات هو في مذهب الأشاعرة، فإنهم يفرقون بين الصفات، والنصوص؛ فيثبتون سبعا من الصفات، وينفون سائرها فيقولون في نصوص الصفات السبع إنها حقيقة، وأما نصوص الصفات التي ينفونها فإنها عندهم مجاز، وليس لهم في هذا التفريق حجة ناهضة، ولا قاعدة مضطردة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة التدمرية ـ بعدما بين تناقض المتكلمين من الأشاعرة، والمعتزلة، والجهمية ـ: فكل من نفى شيئا مما جاء به الرسول لا بد أن يثبت ما يلزمه فيه نظير ما فر منه. اهـ فالتناقض لازم للمذاهب المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة. ومذهب أهل السنة بريء من التناقض، وكل المعاني الباطلة: من التحريف، والتعطيل، والتكييف، والتمثيل، والله الهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 ـ[ ما حكم التقليد في العقيدة؟ ]ـ الحمد لله، الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والعلم به إجمالا فرض عين على كل مكلف، ومعرفة ذلك تفصيلا هو فرض كفاية على عموم الملة إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، ومن علم من ذلك شيئاً وجب عليه الإيمان به تفصيلا، وقد يصير فرض الكفاية فرض عين على بعض الناس بأسباب تقتضي ذلك فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجب كفائي لكن إذا لم يعلم بهذا المنكر، ويقدر على تغييره مثلا إلا واحد أو جماعة معينة تعين عليهم لاختصاصهم بالعلم به، والقدرة على تغييره، ـ[ وهل يجب على الإنسان أن يستدل على مسائل العقيدة الضرورية حتى يصح إسلامه؟ ]ـ وكل واجب في الدين فإنه مشروط بالاستطاعة لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] وقوله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة]، فمعرفة مسائل الدين العلمية الاعتقادية، والعملية وأدلتها واجب الاستطاعة، ولا فرق في ذلك بين المسائل الاعتقادية، والمسائل العملية فعلى المسلم أن يعرف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجتهد في ذلك، ولا يتخذ له إماما يتبعه في كل شيء إلا الرسول صلى الله عليه، ومن المعلوم أنه ليس كل أحد يقدر على معرفة كل ما دل عليه القرآن، والسنة من مسائل دين الإسلام، بل يمكن أن يقال: ليس في الأمة واحد معين يكون محيطا بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وبما دل عليه القرآن فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فلا أحد من العلماء يدعي ذلك لنفسه، ولا يجوز أن يُدعّى ذلك لأحد منهم، فهم في العلم بما جاء به الرسول في منازلهم حسب ما آتاهم الله من فضله، لكن العلماء يختصون بالاجتهاد في معرفة الأدلة، وفي الاستنباط؛ فمنهم المصيب، والمخطئ، والكل مأجور كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر". وإذا كان هذا شأن العلماء فكيف بغيرهم ممن قل علمه، أو كان من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 عوام المسلمين الذين لا يعرفون الأدلة، ولا يفهمونها، فهم عاجزون عن الاجتهاد، فلا يسعهم إلا التقليد، ولا فلاق في ذلك بين المسائل الاعتقادية، والمسائل العملية فهذا مقدورهم لكن عليهم أن يقلدوا من العلماء من يثقون بعلمه، ودينه متجردين عن إتباع الهوى، والتعصب. هذا هو الصواب في هذه المسألة، وأما القول بتحريم التقليد في مسائل الاعتقاد؛ فهو قول طوائف من المتكلمين من المعتزلة وغيرهم، وهو يقتضي أن عوام المسلمين آثمون أو غير مسلمين، وهذا ظاهر الفساد. ـ[ وما مراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في قوله (معرفة دين الإسلام بالأدلة) ؟ وجزاكم الله خيرا. ]ـ وأما قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: ومعرفة دين الإسلام بالأدلة فهو كما قال، فإن الواجب أن يعرف المسلم أمور دينه بأدلتها من الكتاب، والسنة إذا كان مستطيعا لذلك، وهذا هو الواجب، إما أن يكون فرض عين في مسائل، وإما أن يكون فرض كفاية في مسائل أخرى. وأصل دين الإسلام هو معرفة الله والإيمان به، وهو يحصل بالنظر، والاستدلال ويحصل بمقتضى الفطرة التي فطر الله الناس عليها إذا سلمت من التغيير، واختلف الناس في اشتراط النظر والاستدلال في معرفة الله، وهل يصح إسلام العبد بدونه أو لا؟ على مذاهب ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: تنازع النظار في مسألة وجوب النظر المفضي إلى معرفة الله تعالى على ثلاثة أقوال: فقالت طائفة من الناس: إنه يجب على كل أحد. وقالت طائفة: لا يجب على أحد. وقال الجمهور: إنه يجب على بعض الناس دون بعض فمن حصلت له المعرفة لم يجب عليه، ومن لم تحصل له المعرفة ولا الإيمان إلا به وجب عليه، وذكر غير واحد أن هذا قول جمهور المسلمين، كما ذكر ذلك أبو محمد بن حزم في كتابه المعروف "بالفصل في الملل والنحل" فقال: في مسألة: هل يكون مؤمنا من اعتقد الإسلام دون استدلال أم لا يكون مؤمنا مسلما إلا من استدل؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 وفيه، قال: سائر أهل الإسلام كل من اعتقد بقلبه اعتقادا لا يشك فيه، وقال بلسانه: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن كل ما جاء به حق، وبريء من كل دين سوى دين محمد؛ فإنه مسلم مؤمن ليس عليه غير ذلك. انتهى مختصرا من درء تعارض العقل والنقل 7/ 405 - 407. ـ[ما هو الفعل الذي وقع فيه الصحابي حاطب ؟ ومن أي نوع هو؟ وهل من فعل مثل ما فعل حاطب الآن لا يكفر؟ ]ـ الحمد لله، الفعل الذي وقع من حاطب أنه كتب لأهل مكة يخبرهم بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، ليكون ذلك يدا له عندهم يحمون بها أهله، وماله، وهذا فعل الجاسوس، وقد دفع حاطب الكتاب إلى امرأة لتبلغه إلى قريش فنزل الوحي على النبي صلى لله عليه وسلم، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا والزبير ـ رضي الله عنهما ـ في أثر تلك المرأة فأدركاها فأخذا منها الكتاب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حاطبا، فقال: ما هذا؟ فقال: لا تعجل عليّ ـ وذكر سبب فعله ـ وقال: ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر بمغفرة الله له لشهوده بدرا حين قال لعمر: " وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "، فلم يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم ما وقع من حاطب موجبا لردته، ولهذا أجمع العلماء أن المسلم إذا جَسّ على المسلمين لا يكفر، وإنما اختلفوا في قتله، وهو موضع اجتهاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 ومما يدل على أن حاطبا لم يكفر بما وقع منه أن الله تعالى خاطبه باسم الإيمان بقوله سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء} الآيات، فمن فعل مثلما فعل حطب ـ أي من غير ارتداد، ورغبة عن الإسلام ـ فإنه لا يكفر، بل هو مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب يستوجب عليها القتل، أو التعزير، وإنما اندفعت العقوبة عن حاطب ـ رضي الله عنه ـ بكونه من أهل بدر، كما نوه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والله اعلم. ـ[إن معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته هو إثبات ما ورد في الكتاب السنة: هل ( التردد - الملل - الظل .. ) تدخل في ذلك؟ ]ـ الحمد لله، هذه الألفاظ لا شك أنها وردت مضافة إلى الله في أحاديث صحيحة، ولكن دلالة الأحاديث على اعتبارها صفة لله، أو غير صفة مختلفة، فأما التردد فإنه بالمعنى الذي ورد في الحديث القدسي " وما ترددتي في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت، وأكره مساءته، ولا بد له منه ". هو صفة فعلية، ومعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: تعارض إرادتين: إرادة قبض نفس المؤمن وكراهة الله لما يسوء المؤمن، وهو الموت. وليس هذا التردد من الله ناشئا عن الجهل بمقتضى الحكمة، والجهل بما ينتهي إليه الأمر فهذا تردد المخلوق بل هو سبحانه العليم الحكيم، فهذا التعارض بين إرادتيه سبحانه تردد مع كمال العلم بالحكمة، ومنتهى الأمر، ولهذا قال في الحديث: " ولا بد له منه ". فتردد المخلوق الناشئ عن جهله نقص بخلاف التردد من الله فلا نقص فيه بل هو متضمن للكمال: كمال العلم، وكمال الحكمة. وأما الملل المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: " اكلفوا من العلم ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 فالعلماء مختلفون في دلالة الحديث على إثبات الملل صفة لله تعالى، فقال بعضهم: إنه لا يدل على إثبات الملل، وأنه من جنس قول القائل: فلان لا تنقطع حجته حتى ينقطع خصمه. لا يدل على إثبات الانقطاع. ومنهم من قال: إنه يدل على إثبات الملل، وتأوله بقطع الثواب، فمعناه أن الله لا يقطع الثواب حتى تقطعوا العمل ففسروا اللفظ بلازمه. ويمكن أن يقال: إنه يدل على إثبات الملل صفة لله تعالى في مقابل ملل العبد من العمل بسبب تكلفه، وإشقاقه على نفسه، والملل من الشيء يتضمن كراهته، ومعلوم أن الله تعالى يحب من عباده العمل بطاعته ما لم يشقوا على أنفسهم، ويكلفوها ما لا تطيق فإنه الله يكره منهم العمل في هذه الحال، والله أعلم بالصواب. وأما الظل المضاف إلى الله بقوله صلى الله عليه وسلم: " سبعة يظلهم الله في ظله ". فالصواب عندي أنه ليس صفة لله تعالى، بل هو ظل العرش كما جاء في رواية، أو أي ظل يقي الله به من شاء من حر الشمس في ذلك اليوم؛ كظل الصدقة كما في الحديث " المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة ". فعلى هذا تكون إضافة الظل إليه من إضافة المخلوق إلى خالقه، ولم أقف على كلام في هذا لأحد من أئمة السنة المقتدى بهم. والله أعلم. ـ[إن معتقد أهل السنة والجماعة في الأعمال أنها ركن من أركان الإيمان: فما هو الفرق بين معتقد أهل السنة والخوارج في باب الأعمال ؟ فأرجو منكم توضيح ذلك، وجزاكم الله خيرا. ]ـ الحمد لله، أهل السنة والجماعة يقولون: الإيمان قول وعمل، ويعنون بالقول اعتقاد القلب، وإقرار اللسان، وبالعمل عمل القلب، وعمل الجوارح، وهذا معنى قول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في العقيدة الواسطية: إن الإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 والمعتزلة، والخوارج يوافقون على أن الإيمان قول، وعمل، ولكنه لا يزيد، ولا ينقص، فإذا ذهب بعضه ذهب كله، فلهذا قالت الخوارج بكفر مرتكب الكبيرة، وتخليده بالنار إذا مات، ولم يتب، وقالت المعتزلة بخروجه من الإيمان، وأنه يكون في منزلة بين المنزلتين، فليس بمؤمن، ولا كافر، وهو مخلد في النار إذا مات من غير توبة. وأما أهل السنة فيقولون: الإيمان يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، ولا يكفرون بالذنوب؛ بل يقولون أخوة الإيمان باقية مع ارتكاب الذنب، وإن كان كبيرة؛ فالفاسق عندهم مؤمن ناقص الإيمان، وإن مات، ولم يتب فهو تحت مشيئة الله إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بالنار ما شاء، ثم يخرجه منها بشفاعة الشافعين من الأنبياء، والصالحين، أو برحمته سبحانه وتعالى، وهو أرحم الراحمين، كما دل على ذلك قوله تعالى {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه مثقال ذرة من إيمان. وأما إطلاق القول بأن العمل ركن أو شرط صحة، أو شرط كمال، فهي عبارات لبعض المتأخرين، وأما الأئمة فلم يطلقوا على العمل أنه ركن أو شرط، وإنما قالوا: إن العمل من الإيمان خلافا للمرجئة الذين أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، وقالوا: إن الإيمان هو تصديق القلب، وإقرار اللسان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 ومعلوم أن مباني الإسلام الخمسة هي أصول الإسلام، وهي من أصول الإيمان، وهي على مراتب من حيث الوجوب، وحكم الترك، فأعظمها الشهادتان، ثم الصلاة، ثم الزكاة. فكل ما ناقض الشهادتين فهو كفر كالشرك الأكبر، والتكذيب بمعلوم من دين الإسلام بالضرورة؛ كجحد وجوب الصلاة، وتحريم الزنا. وأما ترك شيء من أركان الإسلام الأربعة فقد قيل إنه كفر، وجمهور العلماء على أنه ليس بكفر، وأعظم ذلك ترك الصلاة، والقول بكفر تاركها قوي؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: " بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". وقوله: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ". إلى غير ذلك من الأدلة، وأما ما سوى الأركان الأربعة من واجبات الدين فلم يقل أحد من أهل السنة بكفر من ترك شيئا منه. وأما الإعراض عن الدين بالكلية علما، وعملا، فهذا لا يتصور فيمن معه أصل الإيمان في الباطن، ولهذا عد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ الإعراض ناقضا من نواقض الإسلام قال في الناقض العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه، ولا يعمل به. اهـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في رده على المرجئة: والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر. اهـ. والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 ـ[ كيف نوفق بين رواية (كلتا يديه يمين)، وبين (يطوي الأرضين بشماله) في صحيح مسلم ؟ ]ـ الحمد لله، قد دل القرآن، والسنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع أهل السنة أن لله تعالى يدين يفعل بهما ما شاء، كما خلق آدم بيديه، وكما يأخذ سبحانه السماوات والأرض يوم القيامة بيديه، وأن إحدى يديه يمين كما قال سبحانه تعالى {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [(67) سورة الزمر]، وكما في الحديث الصحيح: " أن الله يطوي السماوات بيمينه، والأرضين بيده الأخرى "، وفي رواية عند مسلم "بشماله ". وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " وكلتا يديه يمين "، فليس معنى اليمين ما يقابل الشمال؛ بل معناه أن كلتا يديه ذات يمن، وخير، وبركة، وجيء بهذا بعد قوله " عن يمين الرحمن "؛ لدفع توهم النقص في اليد الأخرى. وأول هذا الحديث "المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن "، ولو لم يكن هناك فضل ليمين الرحمن على اليد الأخرى لما دل ذلك على خصوصية للمقسطين، فلفظ اليمين جاء في الحديث مرتين، وليس معناه في الموضعين واحدا كما تقدم، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 ما حكم السخرية بالصالحين بلفظ الجمع؟ وهل هذا التقسيم صحيح ـ[مسألة: حكم السخرية بالعلماء وطلبة العلم، هل هو ناقض؟ فيه تفصيل: 1 - إن سخر بهم لدينهم؛ فهذا ناقضٌ، لأنه قصد الدين. 2 - إن سخر بهم لعداوةٍ معهم، مثل من يسخر برجال الهيئات؛ فهذا كفر دون كفر 3 - أن يكون ديدنه السخرية بكل متدين، ويكثر من السخرية بالمتدينين؛ فهذا ناقضٌ، ويدل عليه: حديث غزوة تبوك، فإنهم قالوا: (ما رأينا مثل قرائنا ... ) بلفظ الجمع؛ وأيضاً: السخرية بلفظ الجمع كالسخرية بالأشخاص من حيث الكمية. ]ـ الحمد لله، الاستهزاء، أو السخرية بالعلماء، أو الصالحين بأفراد، أو جماعات منهم ينظر فيه إلى القرائن، والبواعث على السخرية، والاستهزاء فإن كان لتدينهم بالإسلام، وعنايتهم بالكتاب، والسنة فلا ريب أن ذلك كفر وردة عن الإسلام؛ لأنه استهزاء بآيات الله، وبدينه الذي بعث به رسوله، وهذا لا يكاد يصدر عن مؤمن يؤمن بالله ورسوله، وإنما يصدر عن من هو منافق كما قال سبحانه وتعالى {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ} [(65) سورة التوبة]، وإن كان الباعث على السخرية بالعلماء والصالحين أمور أخرى، مثل: اتهامهم في نياتهم، وأنهم غير صادقين في تدينهم، بل يتظاهرون بالصلاح، وأنهم طلاب دنيا، فهذا الاتهام حرام، وهو من الظن الذي أمر الله باجتنابه، وكذلك السخرية بالمؤمنين حرام، فكيف بالعلماء والصالحين، وقد نهى الله عن ذلك فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ـ إلى قوله تعالى ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، وقال صلى الله عليه وسلم: " الظن أكذب الحديث ".، وقد يكون الباعث على سوء الظن، والسخرية أمور شخصية مثل: النزاعات التي تكون بين الناس على بعض أمور الدنيا، وينبغي أن يعلم أن الذين قال الله فيهم {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [(66) سورة التوبة] كان استهزاؤهم بالله، وآياته، ورسوله، فمن استهزاء بالرسول صلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 الله عليه وسلم على أي وجه من الوجوه فإنه كافر مرتد عن الإسلام إن كان مسلما، فشرط الإيمان بالرسول احترامه صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يجعلنا من الذين قال فيهم: {فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [(157) سورة الأعراف]، والله أعلم. ـ[هل يصح الاستدلال على جواز محبة الكفار بقول الله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} حيث قالوا: إنه يجوز للمسلم أن يتزوج بالكتابية ,وهي كافرة , والمودة لازمة الحصول بينهم؟ هل المودة تعني الحب؟ ]ـ الحمد لله، قد فرض الله موالاة المؤمنين، وحرم مولاة الكافرين قال الله تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [(71) سورة التوبة] وقال تعالى {وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [(73) سورة الأنفال] وقال تعالى {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} [(28) سورة آل عمران] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وقال تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .. الآية} [(22) سورة المجادلة] والود، والمودة بمعنى المحبة، والمحبة نوعان: محبة طبيعية كمحبة الإنسان لزوجته، وولده، وماله. وهي المذكورة في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [(21) سورة الروم] ومحبة دينية؛ كمحبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله، ورسوله من الأعمال، والأقوال، والأشخاص. قال تعالى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [(54) سورة المائدة] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد .. الحديث ". ولا تلازم بين المحبتين بمعنى: أن المحبة الطبيعية قد تكون مع بغض ديني؛ كمحبة الوالدين المشركين فإنه يجب بغضهما في الله، ولا ينافي ذلك محبتهما بمقتضى الطبيعة، فإن الإنسان مجبول على حب والديه، وقريبة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمه لقرابته مع كفره قال الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 ومن هذا الجنس محبة الزوجة الكتابية فإنه يجب بغضها لكفرها بغضا دينيا، ولا يمنع ذلك من محبتها المحبة التي تكون بين الرجل وزوجه، فتكون محبوبة من وجه، ومبغوضة من وجه، وهذا كثير، فقد تجتمع الكراهة الطبيعية مع المحبة الدينية كما في الجهاد فإنه مكروه بمقتضى الطبع، ومحبوب لأمر الله به، ولما يفضي إليه من العواقب الحميدة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(216) سورة البقرة]. ومن هذا النوع محبة المسلم لأخيه المسلم الذي ظلمه فإنه يحبه في الله، ويبغضه لظلمه له؛ بل قد تجتمع المحبة الطبيعية، والكراهة الطبيعية كما في الدواء المر: يكرهه المريض لمرارته، ويتناوله لما يرجو فيه من منفعة. وكذلك تجتمع المحبة الدينية مع البغض الديني كما في المسلم الفاسق فإنه يحب لما معه من الإيمان، ويبغض لما فيه من المعصية. والعاقل من حكّم في حبه، وبغضه الشرع، والعقل المتجرد عن الهوى، والله أعلم. ـ[ هل يجوز التبرك بماء زمزم بغير الشرب كأن يغتسل به طالبا البركة أم أن بركته خاصة بالشرب فقط؟ ]ـ الحمد لله ثبت في صحيح مسلم [رقم2473] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ماء زمزم: " إنها مباركة إنها طعام طعم " زاد الطيالسي [1/ 364] والبيهقي [5/ 147]: "وشفاء سقم ". وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ماء زمزم لما شرب له ". فظاهر الحديث الصحيح ـ وهو الحديث الأول ـ أن ما فيه من الشفاء لا يختص بالشرب؛ لأن قوله " وشفاء سقم " مطلق، وإن كان سبب الحديث قصة أبي ذر عندما مكث أياما لا طعام له ولا شراب إلا ماء زمزم. فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ويشبه هذا قوله تعالى في العسل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل]، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وقد علم بالتجربة أن ما في العسل من شفاء لا يختص بشربه، ويشهد لعدم اختصاص ما في زمزم من البركة، والشفاء بشربه ما ثبت في صحيح البخاري عن أبي جمرة الضبعي قال: كنت أجالس ابن عباس بمكة، فأخذتني الحمى، فقال: أبردها عنك بماء زمزم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " أو قال: " بماء زمزم" شك همام. فتبين أنه يشرع الاستشفاء بماء زمزم شربا، واغتسالا، ولا سيما للحمى. وقد جاء عن الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله [ص447] قال: ورأيته غير مرة يشرب من ماء زمزم يستشفي به، ويمسح به يديه ووجهه. وأما ما يفعله بعض الناس من غسل ما يقصد بتكفين الموتى بماء زمزم فلا أصل له. والواجب الاقتصار على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالح في هذه المسألة وغيرها. والله أعلم. ـ[ذكر شيخ الإسلام في الفتاوى أن اليد بمعنى القدرة لا تأتي مثناة في لغة العرب، ألا يتعارض هذا مع حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم رقم (2937) في خروج يأجوج، ومأجوج (فيوحي إلى عيسى أني قد بعثت عبادا لا يَدَان لأحد بقتالهم) وقد ذكر ابن الأثير والنووي وغيرهما أن المعنى: لا طاقة لأحد بقتالهم. فجاءت اليد بمعنى القدرة مع كونها مثناة؟ ]ـ الحمد لله، نعم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم في ردهما على من يأول صفة اليدين في قوله تعالى {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص] بالقدرة ذكرا أن اليدين لا تأتي في اللغة العربية بمعنى القدرة، وقد ورد في كلامهما في مواضع التعبير بالـ (يدان) عن القدرة كما في مطلع القصيدة النونية: حكم المحبة ثابت الأركان ... ما للصدود بفسخ ذاك يدان أي: قدرة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 ومن ذلك ما جاء في الحديث الذي أورده شيخ الإسلام في الفتاوى 28/ 128: " .. إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه ورأيت أمرا لا يدان لك به، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام .. الحديث ". وكذلك الحديث الذي أورد السائل ذكره في الفتاوى 1/ 44. وهذا قد يشكل مع إنكارهما على من فسر اليدين بالقدرة؛ لأن ذلك لا أصل له في اللغة العربية. والجواب: أن لفظ اليد مثناة لها في اللغة العربية استعمالات: فتارة تستعمل غير مضافة، وتلزم الألف، وهذه هي التي بمعنى القدرة، تقول: لا يدان لي بهذا الأمر، أي لا قدرة لي عليه. وتارة تستعمل مضافة إلى ضمير من قامت به، أو اسمه الظاهر كقولك: بيديّ، أو بيديه، أو بيدي محمد، ويجري فيها إعراب المثنى. وهي في هذا الاستعمال لا تكون بمعنى القدرة، بل يتعين أن يراد بهما: اليدان اللتان يكون بهما الفعل، والأخذ، ومن شأنهما القبض، والبسط. وبهذا يظهر ألا تعارض بين أنكراهما على النفاة تأويل اليدين بمعنى القدرة، لأن ذلك لم يرد في اللغة العربية، وبين استعمالهما (اليدان) بمعنى القدرة. وهناك استعمالان آخران لليدين في اللغة العربية: أحدهما: أن يعبر بهما عن الفاعل للفعل، وإن لم يكن باشره بيديه كقولك هذا ما فعلت يداك، ومنه قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [(10) سورة الحج]، ويأتي لفظ اليدين مجموعا إذا أضيف إلى ضمير الجمع كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [(182) سورة آل عمران]، ومنه قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(71) سورة يس]. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 الثاني: استعماله مضافا إليه بعد (بين)، فيكون بمعنى أمام، كقولك: جلس بين يديه، ومشى بين يديه، ويجري هذا الاستعمال في العاقل، وغير العاقل كقوله تعالى: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [(64) سورة مريم] وقوله {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} [(12) سورة سبأ] وقوله {بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [(57) سورة الأعراف] ونظائر ذلك كثيرة. فهذه أربعة وجوه من الاستعمالات: ثلاثة منها مجاز وهي: الأول، والثالث، والرابع. والثاني: حقيقة. ويمتنع المجاز في اليدين إذا أسند الفعل لفاعل، وعدي إلى اليدين بالباء كقولك: عملت بيدي، ومنه قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص]. وأما إذا أسند الفعل إلى اليدين كقولك: هذا ما فعلت يداك، فهو من قبيل المجاز العقلي؛ لأنه عبر باليدين عن الفعل مطلقا، وإن لم يكن فعل بيديه. وبهذا يظهر الفرق بين قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [(71) سورة يس]، وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [(75) سورة ص]، فلا تدل الآية الأولى على خلق الأنعام باليدين، وتدل الآية الثانية على خلقِ اللهِ آدم َ بيديه؛ فتثبت له هذه الخصوصية على سائر الناس. فمن جعل آية "ص" نظيرا لآية "يس"؛ فقد أخطأ فبين الآيتين فروق: ففي آية "ص" أضاف الله الفعل إلى نفسه، وعداه إلى اليدين بالباء، وذكر اليدين بلفظ التثنية، وأضافهما إلى ضمير المفرد. وفي آية "يس" أضاف سبحانه الفعل إلى اليدين بلفظ الجمع، وذكر نفسه بلفظ الجمع الدال على التعظيم. فيجب التفريق بين المختلفات من الألفاظ، والمعاني، والتسوية بين المتماثلات، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 ـ[ التبرك بآثار الصالحين والتمسح بذواتهم . هل نقول: إنه شرك أصغر؟ أم نقول: إنه بدعة؟ وكذلك التمسح بالكعبة، والتعلق بأستارها؟ طبعا لا يدخل في السؤال استلام الركنين؟ ]ـ الحمد لله، كان الصحابة رضي الله عنهم يتبركون بآثار النبي صلى اله عليه وسلم كالماء الذي يتوضأ به، ويقطر من بدنه، ويتبركون بشعره، كما قسم صلى الله عليه وسلم شعره يوم حلق رأسه في حجته بين بعض الصحابة، وبثيابه صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذاته مباركة، وهو أطيب إنسان نفسا، وقلبا، وخلقا، وأكملهم إيمانا، وتقوى، ولا يبلغ أحد منزلته في شيء من ذلك، ولهذا لم يكن الصحابة يفعلون مع ساداتهم كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن، والحسين ـ رضي الله عنهم ـ مثلما يفعلون مع النبي صلى الله عليه وسلم من التبرك، فلا يقاس به صلى الله عليه وسلم غيره من الصالحين. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز، أو استحباب التبرك بآثار الصالحين، ولكنه قول مرجوح، فإن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم لما تقدم من بيان منزلته، واقتصار الصحابة في ذلك على شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم. وفي التبرك بآثار الرجل الصالح مفسدتان: الأولى: أن ذلك مدعاة لاغتراره، وإعجابه بنفسه؛ ففيه فتنة له. الثانية: أنه يجر إلى الغلو فيه مما يكون وسيلة إلى الشرك الأصغر، أو الأكبر. وبهذا يعلم أن التبرك بأثر الرجل الصالح ليس بمجرده شرك، لكن قد يكون وسيلة إلى الشرك، كما أن القول بجواز التبرك بالصالحين يؤدي إلى تبرك الجهال بمن يظنون به الصلاح، وليس بصالح كما هو الواقع في طوائف الصوفية. وينبغي أن يعلم أن البركة التي يرجى حصولها بسبب الرجل الصالح هي: الاقتداء به في خلقه، ودينه، والاستفادة من علمه، وذلك يحصل بمجالسته، والأخذ عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 وأما التمسح بجدران الكعبة، والتعلق بأستارها، أو الالتزام في غير الملتزم الذي بين الركن والباب، فكل ذلك لا أصل له، وهو خلاف السنة، وإنْ أثر شيء من ذلك عن بعض السلف، كما أثر إنكار ذلك عن بعضهم، والصواب مع من أنكره إذ لم يثبت شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمعول في العبادات، والفضائل على ما صح عنه صلى الله عليه وسلم، فكل يؤخذ من قوله، ويرد إلا من ثبتت له العصمة، وهو صلى الله عليه وسلم، فمن فعله معتقدا حصول البركة؛ لأن الكعبة مباركة؛ فهو مخطئ في هذا الفهم، والاعتقاد، فالمسجد كله مبارك، بل الحرم كله مبارك، أفيجوز التمسح بجدران المسجد، وعُمُده، أو التبرك بما يعلق فيها من تراب، أو غبار؛ رجاء حصول البركة، والشفاء! وهذا ظاهر الفساد. والبركة التي جعلها في بيته، وحرمه هي ما شرعه الله من الطاعات، وما خصه من مضاعفة الحسنات. {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} [(96) سورة آل عمران]، والله اعلم. ـ[ هل يصح تفسير الاستواء بالجلوس؟ وهل يوصف الله بالجلوس ؟ ]ـ الحمد لله، لقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن نفسه بأنه استوى على العرش في سبعة مواضع من القرآن، وجاء في السنة وصفه بأنه فوق العرش، قال سبحانه وتعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طه] وقال صلى الله عليه وسلم: " والعرش فوق الماء والله فوق العرش، ويعلم ما أنتم عليه ". وجاء عن السلف تفسير الاستواء بأربع عبارات: علا، وارتفع، واستقر، وصعد، أشار إليها ابن القيم في الكافية الشافية [1/ 440 مع شرح ابن عيسى] بقوله: فلهم عبارات عليها أربع ... قد حصلت للفارس الطعان وهي "استقر"، وقد "علا"، وكذلك "ار ... تفع" الذي ما فيه من نكران وكذاك قد "صعد" الذي هو رابع ... وأبو عبيدة صاحب الشيباني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 يختار هذا القول في تفسيره ... أدرى من الجهمي بالقرآن. ولم يذكر لفظ الجلوس، ولكن أهل السنة لا ينكرون ذلك بل المبتدعة هم الذين ينكرونه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة التدمرية [ص238 مع شرح البراك]: فيظن هذا المتوهم أنه تعالى إذا كان مستويا على العرش كان استواؤه مثل استواء المخلوق، فيريد أن ينفي ذلك الذي فهمه فيقول: إن استواءه ليس بقعود، ولا استقرار. اهـ بتصرف واختصار. وقد جاءت آثار فيها ذكر القعود، والجلوس، وذكرها الأئمة في كتب السنة بمعرض الرد على نفاة العلو، والاستواء كالأثر الذي جاء عن مجاهد في تفسير المقام المحمود: بإقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش. وإن كانت هذه الآثار لا تخلوا عن مقال، فذكر الأئمة لها للاستشهاد، والاعتضاد، لا للاعتماد، وقد حكى غير واحد إجماع أهل السنة على صحة تفسير المقام المحمود بإقعاده صلى الله عليه وسلم على العرش، وأنه لا ينكر ذلك إلا جهمي؛ فظهر أن لفظ القعود، والجلوس لا يجوز نفيه عن الله سبحانه، وأما إثباته، ووصف الله به، فينبني على صحة ما ورد من الآثار في ذلك، والله أعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 الشيخ علي الصياح ـ[كتب خليل بن محمد: ]ـ إنَّ الحمدَ لله، نحمدُهُ ونستعينهُ، ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. أمَّا بعد: فمن أعظم النعم على العبد أن يكون دعياً إلى الله، إماماً في الخير هاديا مهدياً، كما أنّ من أعظم العقوبات على العبد أن يكون إماماً في الشر وداعيا إليه، قال تعالى {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ} [القصص: 41]، وقال سبحانه وتعالى {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]. ومن أعظم الدعوة إلى الله ما يقوم به الإخوة في ملتقى أهل الحديث من الدعوة إلى الكتاب والسنة الصحيحة والعناية بفهوم سلف الأمة بتجرد ونصفة واعتدال يلحظ ذلك -ولله الحمد- كل من دخل هذا الموقع الطيب المبارك، ومما يحمد للأخوة في هذا الملتقى: العناية بطلب الدليل، وهذا الذي جعل أهل البلادة والتقليد ينقمون على هذا الملتقى الطيب، وقديما قال ابن القيم: «المقلِّد المتعصب لا يترك من قلده ولو جاءته كلُّ آية، وأنَّ طالب الدليل لا يأتمُّ بسواه، ولا يحكّم إلا إياه، ولكل من الناس موردٌ لا يتعداه، وسبيل لا يتخطاه، ولقد عُذِرَ من حمل ما انتهت إليه قواه، وسعى إلى حيث انتهت إليه خطاه»، وإنَّا لنرى ونسمع من تأثير هذا الملتقى ما يسر كل صاحب سنة من أهل الحديث. وفق الله القائمين عليه لكل خير، وسددهم وأعانهم وبارك في جهودهم، وجزا الله خيراً كلَّ من شارك ودعم هذا الموقع الطيب المبارك، وأشكر أخي الكريم الشيخ/عبد الرحمن السديس على جهوده في عقد هذا اللقاء مع إخواننا الكرام. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 1 ـ[هل قوَّى يعقوب بن شيبة السدوسي - رحمه الله - روايةَ أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه؟ وما الراجح فيها؟ ]ـ تكلمت عن هذه المسألة في رسالتي العلمية عن «يعقوب بن شيبة ومنهجه في الجرح والتعديل» فمما قلته هناك: «كلام يعقوب بن شيبة في رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه »: أبو عبيدة هو: ابن عبد الله بن مسعود، قال يعقوب: «هذليٌّ، حليفُ بني زُهرة»، وقال الترمذي: «لا يُعرف اسمه»، وقال أبو زرعة: «اسمه وكنيته واحد»، وقال ابن حجر: «مشهور بكنيته، والأشهر أنه لا اسم له غيرها، ويقال: اسمه عامر»، وهو متفقٌ على توثيقه، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال ابن معين: ثقة. هذا وقد تكلم المحدثون في سماعه من أبيه، فكثير من المحدثين - حكى النوويُّ الاتفاق- على أنه لم يسمع من أبيه، نظرا لأنَّ أباه مات وهو صغير السن لا يتجاوز السابعة، وممن نصَّ على ذلك: عليُّ بنُ المديني، ويحيى بنُ معين، وأبو حاتم، والترمذيُّ، وابنُ حبان، والدارقطنيُّ، وغيرهم. غير أنَّ جمعاً من الأئمة نصوا على تقوية روايته عن أبيه مع نصهم على عدمِ سماعه منهم: علي بن المديني-إمام العلل- والنسائي، والدارقطني، والطحاويّ وغيرهم. وأحسن من بيّن ذلك يعقوبُ بنُ شيبة، حيث يقولُ: «إنما استجاز أصحابنُا أن يدخلوا حديثَ أبي عبيدة عن أبيه في المسند - يعني في الحديث المتصل -، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر» (1) وهذا الكلام واضح وبيّن فقد تتبع الحفاظ رواية أبي عبيدة عن أبيه فوجدوها خالية من المناكير، وانضم إلى ذلك أنَّ أبا عبيدة ابن لعبد لله بن مسعود، ولا شك أنَّ الأصل أنَّ الابن أعرف بأبيه من غيره، قال ابنُ رجب: «وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه صحيحة»، وقال أيضا «وأبو عبيدة وإن لم يسمع من أبيه إلا أن أحاديثه عنه صحيحةٌ، تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه، قاله ابن المديني وغيره».   (1) شرح علل الترمذي لابن رجب 1: 544. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 2 وهذا يدلنا على أنه ينبغي التفطن إلى أنّ من منهج أئمة الحديث المتقدمين الاحتجاج أو تقوية -وربما تصحيح- بعض المنقطعات لقرائن تحتف بها، والأمثلة على ذلك عديدة منها -غير رواية أبي عبيدة المتقدم ذكرها-: قول أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين في مرسلات سعيد بن المسيب إنها صحاح، قال أبو عبد الله الحاكم «تأمل الأئمة المتقدمون مراسيله-يعني مراسيل سعيد بن المسيب -، فوجدوها بأسانيد صحيحة» -معرفة علوم الحديث ص170 - ، ومثله قول الشافعي ـ رحمه الله ـ في حديث لطاووس عن معاذ-انظر: فتح المغيث (1/ 141) - تنبيهات: (أ) أنَّ قول أئمة الحديث وكبار النقاد هذا لم يأتِ من فراغ بل هو نتاجُ دراسة دقيقة لحال أبي عبيدة بن عبد لله، وحال مروياته، وموازنتها مع روايات الثقات من أصحاب ابن مسعود، فخرجوا بهذه النتيجة العلمية الدقيقة، ولذا علل يعقوب بن شيبة هذا القول بقوله «إنما استجاز أصحابنُا أن يدخلوا حديثَ أبي عبيدة عن أبيه في المسند - يعني في الحديث المتصل -، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر»، وهناك دراسة علمية - ماجستير- في «مرويات أبي عبيدة عن أبيه» لأحد الباحثين في جامعة أم القرى خلص فيها إلى هذه النتيجة التي قررها الأئمة المتقدمون من قرون!. ولله در ابن حجر عندما قال-كما في كتابه (النكت 2/ 726) -: «وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين، وشدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم، وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه». (ب) وما تقدم يدل على أهمية إعمال القرائن عند المحدثين، وعدم الجمود على بعض القواعد، والمصطلحات التي تطبق في مواضعها المناسبة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 3 (ت) ولذا أرى أنه عند الكلام على شروط الصحيح تنبيه الطلاب أنَّ الاتصال شرط للصحة ما لم تدل قرينة من القرائن على أنَّ هذا الانقطاع لا يضر، والعمدة في ذلك كلام أئمة الحديث وكبار النقاد، كما تقدم في الأمثلة السابقة، والذي أخشى- وقد وقع شيء من ذلك- أن يرد أحدٌ هذا الكلام بالقول بأنّ هؤلاء الأئمة خالفوا قواعد علوم الحديث، لأنَّ المنقطع ضعيفٌ مطلقاً!، ولا يستشعر أنّ هؤلاء الأئمة هم روّاد علم الرواية؟ وعنهم أُخذتْ قواعد علوم الحديث؟ وهم الذين يحتجُ بأقوالهم وتطبيقاتهم في هذا العلم؟ وكلامهم كما تقدم معلل ومدلل عليه. وقد قلتُ في كتابي «قَصَصٌ وَنَوادرٌ لأئمةِ الحديثِ المُتقدّمين في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين والذبِّ عنها»: «مما يسر أنّ هناك عودة قوية لدراسة مناهج النقاد من خلال أقوالهم وتطبيقاتهم، وفهم مصطلحاتهم من خلال السبر والتتبع الطويل مع التحليل والنظر، وفي ظني أنّ هذه الدراسات ستقلص من الاعتراضات على النقاد، وتقلل من الاختلاف بين أحكام المعاصرين على الأحاديث وأحكام المتقدمين، وكذلك المعاصرين بعضهم مع بعض. وهذه العودة لدراسة مناهج النقاد .. الخ = هي روح ولُبّ مسألة "منهج المتقدمين في الحديث" والتي -في رأيي- حُمّلتْ ما لا تحتمل، وصُورت على غير حقيقتها التي يدعو إليها الفضلاء، فليس هناك تقليلٌ من قدر المحدثين المتأخرين، وليس هناك تفريقٌ للأمّة، وليس هناك بدعة، بل إنَّ الكلام في هذه المسألة هو بحثٌ في مسائل علمية حديثية دقيقة تتعلق بمصطلحات، وقواعد، ومناهج سار عليها أئمة الحديث المتقدمين، وروّاد هذا الفن، ومن يرجع إليه في هذا العلم، وغالب الخلاف الواقع بين الفضلاء في هذه المسألة من نوع الخلاف اللفظيّ، وطلبةُ العلم فيها بين أجر، وأجرين -إنْ شاء الله تعالى-، والمسألة من مطارح الاجتهاد، ومسارح النظر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 4 ومما ينبغي التفطن له أنّ هذه الدعوة ليست من التقليد في شيء، بل هي دعوةٌ لأخذ العلم من مصدره، إذ من المعلوم أنّ قوانين وقواعد معرفة حال الراوي، والمروي إنّما أُخذت عن هؤلاء الأئمة فهم الحكم في هذه المسائل، وإليهم الرجوع عند التنازع. ورَحِمَ اللهُ علماءَ المسلمين-المتقدمين منهم والمتأخرين- فقد ورثوا للأمة علماً زاخراً يخدم كتاب الله وسنة رسوله ?، وإنَّ من حقهم على الأمّة الدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستفادة من علومهم، وهذا هو منهج مَنْ تَبِعَهُم بإحسان قال تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: 10). (ث) قول يعقوب: «إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا .... » كثيراً ما يستعمل يعقوب بن شيبة لفظة (أصحابنا) في كلامه فمن ذلك قوله: 1 - «ما رأيت أحداً من أصحابنا ممن ينظر في الحديث وينتقي الرجال؛ يقول في عمرو بن شعيب شيئاً، وحديثه عندهم صحيح وهو ثقة ثبت، والأحاديث التي أنكروا من حديثه إنما هي لقوم ضعفاء رووها عنه وما روى عنه الثقات فصحيح .. » (2). 2 - وقوله: « .. سمعت غير واحد من أصحابنا منهم: محمد بن عبد الله بن نمير وأبا بكر بن أبي شيبة يقولان ذلك» (3). 3 - وقوله: «حدثني غير واحد من أصحابنا منهم عبد الله بن شعيب سمعوا يحيى بن معين .. » (4). 4 - وقوله: «عبد العزيز بن أبان عند أصحابنا جميعاً متروكٌ، كثير الخطأ كثير الغلط، وقد ذكروه بأكثر من هذا، وسمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: ما رأيت أبين أمراً منه، وقال هو كذاب» (5). 5 - وقوله: «سمعت علي بن عاصم على اختلاف أصحابنا فيه، فمنهم من أنكر عليه كثرة الخطأ والغلط، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك وتركه الرجوع عما يخالفه الناس فيه .. » (6).   (2) تهذيب التهذيب 8: 54. (3) تاريخ دمشق 21: 265. (4) الكامل 5: 272. (5) تاريخ بغداد 10: 446، تهذيب الكمال 18: 111 - 112. (6) تاريخ بغداد 11: 446، تهذيب الكمال 20: 506 - 507. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 6 - وقوله: «وقيس من قدماء التابعين، وهو متقن الرواية، وقد تكلم أصحابنا فيه فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من أصح الإسناد، ومنهم من حمل عليه وقال: له أحاديث مناكير، والذين أطروه حملوا هذه الأحاديث عنه على أنها عندهم غير مناكير؛ وقالوا هي غرائب، ومنهم من لم يحمل عليه في من الحديث وحمل عليه في مذهبه .. » (7). 7 - وقال عن إبراهيم بن أبي الليث: «كان أصحابنا كتبوا عنه ثم تركوه، وكانت عنده كتب الأشجعي، وكان معروفاً بها ولم يقتصر على الذي عنده حتى تخطى إلى أحاديث موضوعة» (8). 9 - وقال عن يحيى بن يمان: «كان صدوقاً كثير الحديث، وإنما أنكر عليه أصحابنا كثرة الغلط .. » (9). 10 - وقال أيضاً: «حدثنا الحسن بن علي الحلواني - أو حدثني عنه بعض أصحابنا - قال: سمعت .. » (10). ومن خلال هذه الأمثلة - وغيرها كثير- يتبين أنّ يعقوب بن شَيْبَة يريد بهذه اللفظة الدارجة في كلامه شيوخه الذين ينقلُ عنهم كثيراً، ولازمهم من المحدثين، وقد نصَّ على بعضهم كعلي بن عبد الله المديني، ويحيى بن معين، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن إسماعيل، وعبد الله بن شعيب الصابوني، وابن أبي شيبة.   (7) تاريخ دمشق 14: 475، تهذيب الكمال 24: 13 - 14. (8) تاريخ بغداد 6: 196. (9) تاريخ بغداد 14: 123 - 124، تهذيب الكمال 32: 58. (10) الكامل 5: 272. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 ـ[نريد أن نعرف باختصار منهج يعقوب بن شيبة السدوسي في الجرح والتعديل وطريقته في نقد الأحاديث والروايات؟ ]ـ بينت منهج يعقوب بن شيبة في الجرح والتعديل في الرسالة الآنفة الذكر فمما جاء فيها: خلاصة منهج يعقوب بن شيبة في التَّعديل: في هذه الخلاصة أذكر أهم ما يلاحظ على كلام يعقوب بن شيبة في التَّعديل، فمن ذلك: - توثيقه للمبتدعة مطلقاً من غير تفريق بين أنواع البدع؛ فهو يوثق مَنْ رُمِيَ بالقَدَر، ومَنْ رُمِيَ بالتشّيع، ومَنْ رُمِيَ بالإرجاء، ولا يُفرّق أيضاً بين مَنْ كانت بدعته خفيفة أو شديدة، وبين من كان داعية أو غير داعية، فكلهم عنده ثقات إذا توفر فيهم الضبط والحفظ. - وتقويته بعض الرجال لرواية بعض الأئمة عنهم، ومن الأئمة الذين نصَّ عليهم مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان. - وتفصيله في أحوال الرجال، فبعض الرواة قد يكون مقبولاً في حالٍ، ومردوداً في حالٍ أخرى، وهذه الأحوال ترجع: 1 - إمّا إلى المكان الذي حدّث فيه الراوي. 2 - أو إلى الزمان الذي حدّث فيه الراوي. 3 - أو إلى شيوخ الراوي. 4 - أو إلى تلاميذ الراوي. 5 - أو إلى حال الشيخ عند تحديثه. - وتأثره في ألفاظه، وأحكامه ببعض الأئمة، منهم: ابن سعد، وابن معين. - وعنايته بألفاظ الرواية، حتى إنه رجح بعض الراوة على بعض لهذا السبب، فقد قال: «زهير أثبت من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وكان في عبد الله تهاون بالحديث، لم يكن يَفْصِلُ هذه الأشياء - يعني الألفاظ -» (11)، ويلاحظ هذا الاعتناء أيضاً في طريقة يعقوب في الرواية، ودقته المتناهية في ذلك. - وتأثره أيضاً في ألفاظه، وأحكامه على الرجال بعلم العلل، ويعقوب بن شَيْبَة من المُبَرّزين في علم العلل، ويظهر ذلك جلياً في ألفاظه، وأحكامه على الرجال، لذا يتكرر في كلامه ألفاظ الترجيح بين الرواة كفلان أثبت من فلان، أو أتقن، أو أعلم ونحوها من العبارات الهامة في علم علل الحديث. - ويلاحظ استعماله بعض العبارات الرفيعة في التَّعديل في وصف رواة لا يبلغونها، من ذلك قوله في عطاء الخراساني: ثقة ثبت، وأقوال النقاد فيه تدور بين ثقة وصدوق وضعيف ومن خلال ما تقدم في هذا المبحث يتبين أنَّ يعقوب بن شيبة معتدل في التعَّديل، وإن كان لا يخلو من تشددٍ أحياناً، فقد تشدد في: 1 - عبد السلام بن حرب، حيثُ غَمَزَه والجمهور على توثيقه. 2 - والوليد بن أبي مالك، لم يتكلم عليه إلاّ يعقوب، وهو متفق على توثيقه. 3 - وإسرائيل بن يونس السبيعي.   (11) تهذيب الكمال 9: 404. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 وهكذا غالب الأئمة المعتدلين، فإنهم قد يتشددون أحياناً، وأحياناً يتساهلون، وما أحسنَ وأدق كلمةَ المعلميّ التي قال فيها: «ما اشتهر أنَّ فلاناً من الأئمة مُسَهِّل، وفلاناً مُشّدِّد، ليس على إطلاقه، فإنَّ منهم من يُسهل تارةً، ويُشدد أُخرى، بحسب أحوال مختلفة، ومعرفةُ هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلاَّ باستقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام»، والله أعلم. خلاصة منهج يعقوب بن شيبة في الجرح في هذه الخلاصة أذكر أهم ما يلاحظ على كلام يعقوب بن شيبة في الجرح، فمن ذلك: 1 - جمعه في كلامه على الراوي الواحد بين ألفاظ الجرح وألفاظ التعديل في آنٍ واحد، غير أنه يُقَيّد ألفاظ الجرح بالحديث، ويُطلق ألفاظ التعديل، مما يدل على أنَّ التعديل منصبٌ على صلاح الرجل في نفسه ودينه لا في حديثه وضبطه، وتقدم التنبيه على ذلك في التعليق على الألفاظ المركبة. 2 - أنَّ السّمة الغالبة على ألفاظ يعقوب بن شيبة في جرح الرواة سمةُ الخشيةِ والورعِ، وتجنب الألفاظ القاسية والشديدة؛ كالفظة: كذاب، أو وضّاع، أو زنديق، وغير ذلك من الألفاظ التي استعملها بعض شيوخه، كابن معين، وابن نُمير، وابن المديني. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 3 - أنَّ يعقوب بن شيبة مع اعتداله في جرحه للرواة إلاَّ أنَّه قد يتشدد أحياناً في بعض الرواة، كما تشدد في حكمه على أبي بكر النهشلي حيث قال فيه: «صدوق، ضعيف الحديث»، مع أنَّ جميع شيوخ يعقوب على توثيقه إلاَّ ما كان من إشارة ابن سعد المذكورة، وكما تشدد أيضاً في حكمه على عبد السلام بن حرب الملائي حيث قال فيه: «ثقة، وفي حديثه لين، وكان عسراً في الحديث .. »، ونحو هذا الكلام قاله ابن سعد في عبد السلام هذا، وتقدم قول المعلمي: «ما اشتهر أنَّ فلاناً من الأئمة مُسَهِّل، وفلاناً مُشّدِّد، ليس على إطلاقه، فإنَّ منهم من يُسهل تارةً، ويُشدد أُخرى، بحسب أحوال مختلفة، ومعرفةُ هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلاَّ باستقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام» (12)، وكلام المعلمي هذا يدل عليه واقع النقاد ومنهم يعقوب بن شيبة. 4 - ومما يلاحظ أيضاً أنَّ يعقوب بن شيبة ينقل أقوال النقاد - شيوخه وغيرهم - في الرواة، وتقدم نقله عن عبد الله بن المبارك، ويحيى القطان، والفضل بن موسى، وابن المديني، وابن معين، وابن نُمير وغيرهم من أئمة الجرح والتَّعديل. 6 - ويلاحظ أيضاً أنَّه لا يكتفي أحياناً بذكر الجرح في الراوي؛ بل يذكر فضلَ الرجل وصلاحَه وعبادتَه وزهدَه، وأمرَه بالمعروف ونهيَه عن المنكر، وفقهه، ومعرفته بأخبار الناس وسيرهم، وغير ذلك من الأمور التي يتصف بها الراوي المجروح؛ كما في قوله في أبي بكر بن عياش: «وأبو بكر بن عياش شيخ قديم معروف بالصلاح البارع، وكان له فقه كثير، وعلم بأخبار الناس، ورواية للحديث يعرف له سنه وفضله، وفي حديثه اضطراب»، وقوله في الهيثم بن عدي: «كانت له معرفة بأمور الناس وأخبارهم، ولم يكن في الحديث بالقوي، ولا كانت له به معرفة وبعض الناس يحمل عليه في صدقه»، وغيرهما من الرواة.   (12) مقدمة الفوائد المجموعة ص"ط". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 7 - ويلاحظ أيضاً توثيقه النسبي لبعض المجروحين عنده، إما توثيق في بعض الشيوخ كقوله في مندل بن علي العنزي: «عبيد الله بن موسى، ومحاضر، ومندل، وأبو معاوية، ووكيع، وابن نمير، ويحيى بن عيسى كل هؤلاء ثقة في الأعمش»، مع قوله: «كان أشهر من أخيه حبان وهو أصغر سناً منه، وأصحابنا يحيى بن معين وعلي ابن المديني وغيرهما من نظرائهم يضعفونه في الحديث، وكان خيراً فاضلاً صدوقاً، وهو ضعيف الحديث، وهو أقوى من أخيه في الحديث»، أو توثيق بسبب المتابعة كقوله في أبي بكر بن عياش: «وأبو بكر بن عياش شيخ قديم معروف بالصلاح البارع، وكان له فقه كثير، وعلم بأخبار الناس، ورواية للحديث يعرف له سنه وفضله، وفي حديثه اضطراب»، وقال أيضاً في كلامه على أحد الأحاديث: « .. رواه جماعةٌ عن أبي إسحاق ثقات منهم: زائدة بن قدامة، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وأبو بكر ابن عياش، وسفيان بن عيينة، وإسرائيل بن يونس». 8 - ومما يلاحظ أيضاً تنبيهه أحياناً على عقائد الرواة، مع التحرز في ذلك؛ فقد قال في عبد الواحد بن زيد أبي عبيدة: «رجل صالح متعبد، وكان يقص يعرف بالنسك والتزهد وأحسبه كان يقول بالقدر، وليس له بالحديث علم، وهو ضعيف الحديث». 9 - ومما يلاحظ أيضاً تصريحه بعدم التحديث عن المتروكين؛ فقد قال في علي بن الحزور الغنوي: «قد تُرِكَ حديثه، وليس ممن أحدثُ عنه»، وهذا يدل على انتقاءه لشيوخه. 10 - ومما يلاحظ أيضاً متابعة لبعض النقاد في أحكامهم وألفاظهم؛ كابن سعد، وابن معين، فإنَّ ابن سعد قال في عبد السلام بن حرب: «كان به ضعف في الحديث، وكان عسراً»، وقال يعقوب فيه: «ثقة وفي حديثه لين، وكان عسراً في الحديث .. »، وتقدم أنَّ يعقوب استفاد كثيراً من ابن سعد في طبقات الرواة وأخبارهم، وأما ابن معين فقال عن زيد الحواري: «يُضعّفُ»، وكذلك قال فيه يعقوب كما تقدم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 11 - ومما يلاحظ أيضاً تنبيهه على أنَّ بعض الضعفاء يزدادون ضعفاً إذا جمعوا في روايتهم بين بعض شيوخهم. 12 - أنَّ تَرْكَ بعضِ الأئمة لراوٍ وعدمِ الروايةِ عنه دليلٌ على ضعفه عندهم، وقد نقل يعقوب بن شيبة عن علي بن المديني كلامه على عبد الله بن محمد بن عقيل، وبيَّن يعقوب أنَّ هذا لمن كان ينتقي الرواة كمالك بن أنس ويحيى القطان. 13 - دقة بعض ألفاظه في الجَرْح. فمن ذلك مثلاً قوله: فيه ضعف، وقوله: في حديثه ضعف، وقوله: في روايته عن فلان بعض الاضطراب. 14 - تفسيره للجرح أحياناً، فمن ذلك قوله في معمر: «سماع أهل البصرة من معمر حين قدم عليهم فيه اضطراب، لأنَّ كتبه لم تكن معه» (13). 15 - عنايته بالتفصيل في أحوال بعض الرواة. فمن ذلك قوله في سماك بن حرب: «وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع من سماك قديماً مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيحٌ مستقيم، والذي قاله ابن المبارك إنما يرى أنه فيمن سمع منه بأخرةٍ» (14). 16 - نقله أقوال كبار النقاد في الرجال واختلافهم فيهم مع المقابلة والترجيح، ونقله ما يجري بينهم من مناظرات في الجَرْح والتَّعديل، من ذلك: - قوله: « .. سمعت أحمد ويحيى يتناظران في ابن أبي ذئب، وعبد الله ابن جعفر المُخَرَّمي، فقدم أحمد المخرمي على ابن أبي ذئب، فقال يحيى: المخرمي شيخ وأيش عنده من الحديث؟! وأطرى ابن أبي ذئب وقدمه على المخرمي تقديماً كثيراً متفاوتاً، فقلت لعليّ بعد ذلك: أيهما أحب إليك؟ فقال: ابن أبي ذئب أحب إلي، وهو صاحب حديث، وأيش عند المخرمي من الحديث، وسألت علياً عن سماعه من الزهري، فقال: هو عرض، قلت: وإن كان عرضاً كيف؟ قال: هي مقاربة أكثر» (15).   (13) شرح علل الترمذي 2: 767. (14) تهذيب الكمال 12: 120. (15) تاريخ بغداد 2: 303، تهذيب الكمال 25: 635. وانظر: تاريخ بغداد 12: 352، تهذيب الكمال 23: 206، تاريخ بغداد 8: 403، تهذيب الكمال 9: 242 - 244. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 - وقوله: «سمعت علي بن عاصم على اختلاف أصحابنا فيه، فمنهم من أنكر عليه كثرة الخطأ والغلط، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك وتركه الرجوع عما يخالفه الناس فيه، ولجاجته فيه، وثباته على الخطأ، ومنهم من تكلم في سوء حفظه واشتباه الأمر عليه في بعض ما حدث به من سوء ضبطه وتوانيه عن تصحيح ما كتب الوراقون له، ومنهم من قصته عنده أغلظ من هذه القصص، وقد كان- رحمة الله علينا وعليه - من أهل الدين والصلاح والخير البارع، شديد التوقي، وللحديث آفات تفسده» (16). والخلاصة أنَّ أحكام يعقوب بن شيبة في الجرح تتسم بالاعتدال - في الغالب -، وتعابيره تتسم بالخفة وعدم الشدة والقسوة. وأمّا طريقته في نقد الأحاديث والروايات فهذه لم أكتبها بعد نظرا لقلة الأحاديث التي وقفت عليها مما تكلم عليه وهذه الأحاديث لا تبين منهجه بدقة كما هو مطلوب، وإن كانت هذه الأحاديث القليلة يتبين منها أثر صناعة العلل على كلامه، ودقته في الكلام على متون الأخبار، وطول النفس في ذلك. ـ[ هل المصدر الأساسي في العلل للحافظ يعقوب بن شيبة السدوسي هو علل ابن المديني ؟ ]ـ المصدر الأساسي في العلل للحافظ يعقوب بن شيبة السدوسي هو شيخه علي بن المديني وقد كانت نقوله عنه مشافهةً سمعت .. وحدثني .. ونحو ذلك، ويعقوب بن شيبة مع البخاري من أكثر من استفاد من مدرسة علي بن المديني إمام العلل في زمانه ولذلك كان لكلامهما في العلل قوة وقبول عند المحدثين. ولم أر يعقوب صرح .. أو ذكر كتاب «علل ابن المديني» - وإن كان علي بن المديني له مسندان أحدهما مسند معلل كما بينت ذلك في كتابي «جهود المحدثين في بيان علل الحديث» -.   (16) تاريخ بغداد 11: 446، تهذيب الكمال 20: 506 - 507، تاريخ دمشق 14: 475، تهذيب الكمال 24: 13 - 14. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 ـ[ وهل توثيق يعقوب بن شيبة راجع إلى العدالة أكثر من الضبط ؟ ]ـ بينت في الرسالة الآنفة الذكر أنَّ الأصل في كلمة ثقة في كلام يعقوب بن شيبة: الثقة في الحديث وهو من جمع بين العدالة والضبط؛ إلاَّ أن تكون هناك قرينة تدل خلاف هذا-والقرينة ربما تكون متصلة في الكلام، وربما تكون خارجية-، ومن هنا يُعلم غلط من أطلق أنَّ يعقوب بن شَيْبَة يريد بلفظة (ثقة) مفردةً العبادةَ والصلاحَ ونحوَ ذلك، لا يريد بها الضبط. ولكن يلاحظ أنه يجمع في كلامه على الراوي الواحد بين ألفاظ الجرح وألفاظ التعديل في آنٍ واحد، غير أنه يُقَيّد ألفاظ الجرح بالحديث، ويُطلق ألفاظ التعديل، مما يدل على أنَّ التعديل منصبٌ على صلاح الرجل في نفسه ودينه لا في حديثه وضبطه. ـ[ هل تخصيص الرسول عليه السلام بفعل معين يحتاج لدليل بمعنى أنّا نطلب الدليل ممن قال بأن هذا الفعل خاص بالرسول عليه السلام ولا نطلبه من الذي يقول أن هذا لنا وله عليه السلام لأنه أسوتنا؟. ]ـ الأصل في أفعال الرسول ? وأقواله وأحكامه عدم الخصوصية حتى تثبت بدليل لأنّ الله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب: 21) فدل على أنه ? قدوة الأمة في كل شيء، ولأنّ الصحابة كانوا يرجعون فيما أشكل عليهم إلى أفعاله فيقتدون به فيها. قال ابنُ القيّم: ((إذا رأينا أصحابَ رسولِ الله ? قد اختلفوا في أمرٍ قد صحَّ عن رسول الله ? أنه فعله وأمر به فقال بعضُهم: إنَّه منسوخٌ أو خاصٌ، وقال بعضهم: هو باقٍ إلى الأبد، فقول من ادَّعى نسخه، أو اختصاصَه مخالفٌ للأصلِ فلا يقبل إلا ببرهان)) زاد المعاد (2/ 192)، والمسألة من المسائل المشهورة في كتب أصول الفقه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 ـ[هل ترون - حفظكم الله - أن موضوعات الرسائل العلمية في علم الحديث تقلصت وقلت، أم أن هناك مجالا للتسجيل؟. . ثم هل ترون تغيرا في الموضوعات المسجلة في الآونة الأخيرة عنها فيما مضى؟ ]ـ أمّا من حيث التغير في الموضوعات المسجلة في الآونة الأخيرة عنها فيما مضى .. فنعم هناك تغير إلى الأحسن والأدق والأعمق -فيما يظهر لي- سواء في تحقيق المخطوطات أو إنشاء الموضوعات، وهذا التغير له أسباب عديدة منها: أسباب ترجع إلى الباحثين أنفسهم ومحاولة التجديد والتميز في الرسائل العلمية، ومنها: أسباب ترجع إلى تشدد الأقسام الأكاديمية في الجامعات ووضع ضوابط دقيقة للرسائل العلمية، ومحاولة تلافي الثغرات والعيوب التي لوحظت في الرسائل الماضية. أمَّا من حيث توفر موضوعات للرسائل العلمية في علم الحديث فأرى أنّ هناك مجالا جيدا للحصول على موضوعات للرسائل العلمية ولكنّ المشكلة في الدرجة الأولى-في رأيي- ترجع إلى الباحث نفسه فبعض الباحثين عنده قصور في هذا الفن ومشكلاته فهذا الصنف من الباحثين سيجد صعوبة في الحصول على موضوع-إن لم يساعده أحد-، لذا كلما كان الباحث واسع الاطلاع، كثير القراءة، دقيق التأمل كانت فرصته في صيد الموضوعات أكثر وأوفر. وصنفٌ آخر من الباحثين ليس عنده استعداد أن يقرأ في الموضوع المقترح وأن يجرد من أجله الكتب للنظر في مدى صلاحه للبحث العلمي وتوفر الشروط العلمية الأكاديمية فيه فهو يريد موضوعا جاهزاً مجرد أنه يشرع في العمل. ويلاحظ أنّ هناك مسائل ليست بالقليلة تتعلق بمنهج المتقدمين لم تبحث البحث الدقيق الذي يوضح منهج المتقدمين فيها من خلال السبر والتتبع والتحليل، وهناك أئمة لهم إسهامات جيدة في علوم الحديث لمّا يفردوا ببحوث بعد، وقد ذكرت بعضهم في كتابي «جهود المحدثين في بيان علل الحديث». الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 وأنبه أنه من المفيد أخذ رأي المتخصيين في هذا الفن ومن لهم باع طويل فيه أمثال: الشيخ أحمد معبد عبد الكريم، والشيخ عبد الكريم الخضير، والشيخ عبد الله السعد، والشيخ سعد الحميد، والشيخ إبراهيم اللاحم، والشيخ حمزة المليباري، والشيخ خالد الدريس، والشيخ محمد التركي وغيرهم كثير ممن لم يحضرني اسمه ممن له إسهامات في هذا الفن. وكذلك من فوائد «ملتقى أهل الحديث» طرح مثل هذه الموضوعات للمذاكرة فيها، وأقترح وضع ركن «موضوعات مقترحة للرسائل العلمية» بحيث يطرح موضوع يتم تداوله بين الأعضاء من حيث: أهمية الموضوع، أثره، أسباب دراسته، الدراسات السابقة، حدوده، خطة البحث وتفصيلاته ... ونحو ذلك من البيانات، وفي ظني أنّ طلاب الدراسات العليا -في مختلف الجامعات الإسلامية في العالم-من أول من يشارك في هذا الركن، ومن الممكن مخاطبة المتخصصين لأخذ رأيهم في هذه الموضوعات والعناوين المقترحة، ونحاول من خلال هذا الركن العناية بمنهج المتقدمين، ومعالجة بعض القضايا التي تحتاج إلى تحرير، والله الموفق. ـ[ متى تتكامل ملكة التعليل لدى المرء؟ ]ـ كنت كتبتُ مقالا في مجلة البيان بعنوان «كَيْفَ نُقَرّب عِلْمَ عِلَلِ الحَدِيث لطلاب الحَدِيث ونحببه لَهُمْ؟ » وفيه إجابة على هذا السؤال وقد نبهتُ في المقال على أمرين: الأول: التنبه لقاعدةٍ جميلةٍ نصّ عليها إمام العلل في زمانه عَلِيّ بن الْمَدِينِيّ، وهذه القاعدة يغفل عنها كثيرٌ من الناس. قال يعقوب بن شيبة: قَالَ عَلِيّ بن الْمَدِينِيّ: لا يقاس الرجل إلا بأقرانه وأهل زمانه؛ فلقد قُلْتُ مَرَّةً: سَعِيد أَعْلَم من حَمَّاد بن زَيْد، فبلغ ذَلِكَ يَحْيَى بن سَعِيد، فشق ذَلِكَ عليه؛ لئلا يقاس الرجل بمن هو أرفع منه لا يَقُول: سُفْيَانُ أَعْلَم من الشعبي، وأيُّ شيء كَانَ عند الشعبي مما عند سُفْيَان؟ وقيل لعلي بن الْمَدِينِيّ: إن إنساناً قَالَ: إنَّ مالكاً أفقه من الْزُّهْرِيّ، فَقَالَ عَلِيّ: أنا لا أقيس مالكاً إِلَى الْزُّهْرِيّ، ولا أقيس الْزُّهْرِيّ إِلَى سَعِيد بن الْمُسَيَّب، كل قوم وزمانهم. لذا ينبغي التفطن إلى هذه القاعدة وعدم المفاضلة بين مختلفي الأزمنة، وكذلك ملاحظة - وهذا الشاهد للمقال - أنه من الصعوبة - وربما من المستحيل - أن يبرز أحدٌ في علل الحديث كما برز أولئك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 الثاني: وفي زماننا هذا - والضعف العلمي والعملي سمةٌ بارزة فيه -أرى أنّ من عَرَف مصطلحات علماء الحديث - بالجملة - ومناهج أئمة العلل وطرائقهم في هذا الفن، وأدمن النظر في كتب العلل مع جودة الفهم، ودِقَّة في النظر، وحفظ الرجال الذين تدور عليهم الأسانيد، ومراتب الرواة وطبقاتهم، وطرق وقرائن الترجيح، والجمع فهو من العارفين بعلل الحديث. ومما قلته في المقال الآنف الذكر: كيف يعالج القصور في هذا العلم-علم العلل-؟ من طرق علاج القصور في هذا الفن ـ في رأيي ـ طريقان: أ - كثرة القراءة في كتب العلل النظرية والتطبيقية - كعلل الترمذي الكبير، وعلل ابن أبي حاتم، وعلل الدارقطني وكتابه: التتبع، وعلل ابن عمّار الشهيد، ومبحث «الحديث المعلول» في كتب علوم الحديث - فإنْ غلب على قراءتها فلا يغلب على كتابين: الأوَّل: التمييز للإمام مسلم بن الحجاج، والثاني: كتاب «شرح علل الترمذي» لابن رجب، وأرى أنَّ الكتابين ـ من أولهما إلى آخرهما ـ من أحسن ما يقرر على طلاب الحديث لفهم العلل ومعرفة طريقة النقاد فيها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 ب - تتبّع أقوال كبار نقاد الحديث على الحديث المراد بحثه، والاستفادة من كل كلمة يقولونها عن الحديث؛ لأنَّ تعاليل الأئمة للأخبار مبنيةٌ في الغالب على الاختصار، والإجمال، والإشارة، فيقولون مثلاً: «الصواب رواية فلان»، أو «وَهِمَ فلان» أو «حديث فلان يشبه حديث فلان» أو «دَخَلَ حديثٌ في حديث» ولا يذكرون الأدلة والأسباب التي دعتهم إلى ذلك القول؛ لأنّ كلامهم في الغالب موجه إلى أناسٍ يفهمون الصناعة الحديثية والعلل، فيدركون المراد بمجرد إشارة الإمام للعلة وذكرها - ومِنْ ثمّ دراسة أسباب هذا الحُكْم من الناقد، ومدى موافقة بقية النقاد له، ومع كثرة الممارسة لكلام النقاد تتكون عند الباحث مَلَكة تؤدي - بتوفيق من الله وإعانة - إلى موافقتهم قبل أنْ يطَّلعَ على كلامهم المعين في الحديث المراد بحثه، وتفيده في دراسة الأحاديث التي لم يتكلموا عليها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 ـ[ ما هو سبب تعمد بعض الرواة لوقف الحديث؟ وهل هو مشابه لتصرف الإمام مالك في إرسال الحديث أحيانا؟ ]ـ كنتُ كتبتُ بحثاً حول هذه المسألة بعنوان «الثِّقَاتُ الَّذِينَ تَعَمَّدُوا وَقْفَ الْمَرْفُوعِ أو إِرْسَالَ الْمَوْصُولِ» ومما جاء فيه مما يتعلق بإجابة هذا السؤال: الرُّوَاة -من حيثُ وَقْفهم الْمَرْفُوع، وَإِرْسَالهم الْمَوْصُول - على قسمين: 1 - الضعفاء-على تفاوت درجاتهم - فهذا القسم وقفهم للمرفوع، وقصرهم للإسناد ناتج عَنْ سوء حفظهم فهو من باب الوهم والخطأ. 2 - الثِّقَات وهم في هذا الباب على قسمين: أ- ثقات يقفون المرفوع، ويرسلون الموصول من غير عَمْد فهذا من باب الوهم والخطأ الذي لم يسلم منه أحد، قَالَ أحمد بن حنبل: ((ما رأيتُ أحدا أقلَّ خطأ من يحيى بنِ سعيد، ولقد أخطأ في أحاديث، ومن يعرى من الخطأ والتصحيفِ! )) (17)، وَقَالَ ابنُ معين: ((مَن لم يخطئ فهو كذاب)) (18)، وَقَالَ: ((لستُ أعجب ممن يحدّث فيخطئ إنما أعجب ممن يحدث فيصيب)) (19)، وَقَالَ الترمذيُّ: ((لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم)) (20) ب- ثقات يقفون المرفوع، ويرسلون الموصول عمداً وقصداً لأسباب متعددة - وهؤلاء هم موضوعُ الْبَحْث ومقصده -، وهذه بعض أقوال النقاد الدالة على هذا النوع من الرُّوَاة: 1 - قَالَ عبدُ الرحمن بنُ مهدي حدّثنا شُعْبة عَنْ السُّدي عَنْ مُرّة عَنْ عبد الله بن مسعود ?وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا? (مريم: 71) قَالَ: يردونها ثم يصدرون بأعمالهم "، قَالَ عبد الرحمن قلتُ لشعبة: إن إسرائيل حدثني عَنْ السُّدي عَنْ مُرّة عَنْ عبد الله عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ شُعْبة: وقد سمعته من السُّدي مرفوعاً ولكني عمداً أدعه. 2 - وَقَالَ الحميديُّ- بعد رواية حَدِيث " الربا في النسيئة" -: ((كَانَ سفيانُ- هو: ابن عُيينة- رُبما لم يرفعه، فقيل له في ذلك، فَقَالَ: أتقيه أحيانا لكراهية الصرف، فأما مرفوع فهو مرفوع)). 3 - وَقَالَ المروذيّ سألته -يعني أحمد بن حنبل - عَنْ هشام بن حسان؟ فَقَالَ: أيوبُ، وابنُ عون أحبّ إليّ، وحسّن أمرَ هشام، وَقَالَ: قد رَوى أحاديث رفعها أوقفوها، وقد كَانَ مذهبهم أن يقصروا بالحديث ويوقفوه (21).   (17) تاريخ أسماء الثقات (ص259). (18) شرح علل الترمذي (1/ 436). (19) المرجع السابق. (20) المرجع السابق (1/ 431). (21) من كلام أبي عبد الله في علل الحَدِيث ومعرفة الرجال (ص55)، وانظر: شرح علل الترمذي (2/ 688 - 689). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 4 - وَقَالَ ابنُ أبي حاتم: ((سألتُ أبي وأبا زرعة عَنْ حَدِيث رَوَاهُ يزيدُ بنُ زُرَيع وَخَالدُ الواسطيّ وَزُهَيرُ بنُ معاوية ويحيى بنُ أيوب وَأبو بكر بنُ عيّاش فَقَالوا كُلُّهم: عَنْ حُمَيد، عَنْ أنس قَالَ: عَادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً قَد جَهِدَ حَتى صَارَ مِثل الفرخ مِنْ شدةِ المرض، فَقَالَ: هل كنتَ تدعو الله بشيء، قَالَ: نعم، كنتُ أقولُ: اللهم ما كنتَ معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا الحَدِيث، فَقَالا: الصحيحُ عَنْ حميد عَنْ ثابت عَنْ أنس، قلتُ: مَنْ رَوَى هَكَذا فَقَالا: خالدُ بنُ الحارث والأنصاريّ وغيرهما قلتُ: فهؤلاء أخطأوا؟ قالا: لا, ولكن قَصروا، وكان حميد كثيرًا ما يرسل)) (22). 5 - وَقَالَ الدارقطني: ((ومسعر كَانَ ربما قصر بالإسناد طلبا للتوقي وربما أسنده)) (23)، وَقَالَ: ((ابنُ سيرين من توقيه وتورعه تارةً يصرح بالرفع، وتارةً يومىء، وتارةً يتوقف على حَسِبَ نشاطه في الحال)) (24)، وَقَالَ: ((رواه الليثُ بنُ سعد عَنْ يحيى عَنْ ابن المسيب عَنْ معاذ وخالفه مالك فرواه عَنْ يحيى عَنْ ابن المسيب قوله وقول الليث أصح ومن عادة مالك إرسال الأحاديث وإسقاط رجل)) (25). ? أسبابُ وَقْف الثِّقَات للمَرْفُوع وَإِرْسَال الْمَوْصُولِ: ذكر هذه الأسباب إجمالا السخاويُّ -في مبحث ما يلحق بالمرفوع كلفظة: يرفعه، وينميه ونحوهما-فَقَالَ: ((الحاملُ عَليهِ وَعَلَى العُدولِ عَنْ التصريحِ بالإضافةِ: إمّا الشك في الصّيغةِ التي سَمِعَ بها أهي: "قَالَ رسول الله" أو "نبي الله" أو نحو ذلكَ، كسَمِعتُ أو حَدِثني، وَهُو ممن لا يَرى الإبدال كما أفاد حاصله المنذريُّ، أو طَلَباً للتخفيفِ وإيثاراً للاختصار، أو للشك في ثبوته كما قالهما شيخنا (26)، أو وَرَعَاً حَيثُ عَلِمَ أنّ المؤدى بالمعنى)) (27).   (22) العلل (2/ 193 رقم2071). (23) علل الدارقطني (11/ 294). (24) المرجع السابق (10/ 25). (25) المرجع السابق (6/ 63). (26) يقصد الحافظ ابن حجر وذلك في النكت (2/ 537). (27) فتح المغيث (1/ 144). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 فتضمن كلام السخاويّ أربعة أسباب: 1 - الشك: وذَكَرَ نوعينِ مِنْ الشك: أ - الشك في الصّيغةِ التي سَمِعَ بها أهي: "قَالَ رسول الله" أو "نبي الله" أو نحو ذلكَ، كسَمِعتُ أو حَدِثني. ب - الشك في ثبوت الخبر عَنْ النبي ?، وعزاه لشيخه الحافظ ابن حجر. قلتُ: ومن أمثلة ذلك وقف شُعْبة لحديث السُّدي مع إقراره بأنه سمعه من السُّدي مرفوعاً فسبب ذلك شكه في ضبط السدي للحديث مرفوعاً فأوقف الحَدِيث تحرزاً. وبقي نوعٌ من الشكّ لم يذكره السخاويُّ وهو: ت - الشك في ثبوت الحكم عَنْ النبي ? إمَّا لكونه منسوخاً أو له تأويل يخالف الظاهر المتبادر، مع الإقرار بأنّ الخبر ثابتٌ مرفوعاً. ومن أمثلة ذلك وقف سفيان بن عيينة لحديث "الربا في النسيئة"، مع إقراره بأنه مرفوع، لكنّه صرّح بأنَّ سببَ وقفهِ للحديثِ أحياناً كراهية الصرف فهو يشير للخلاف الكبير بين العلماء في توجيه حَدِيث أسامة هذا، فبعض العلماء ذهب إلى نسخه، وبعضهم إلى تأويله (28)، قَالَ النوويُّ: ((وقد أجمعَ المسلمون على ترك العمل بظاهر حَدِيث أسامة)) (29) 2 - طلباً للتخفيف وإيثارا للاختصار: قَالَ الدارقطنيُّ: ((ابنُ سيرين من توقيه وتورعه تارة يصرح بالرفع وتارة يومىء وتارة يتوقف على حسب نشاطه في الحال)) (30)، وَقَالَ أيضاً: ((الحَدِيث في الأصل ثابت الرفع، لكن ابن سيرين كَانَ يقف كثيراً من حديثه تخفيفاً)) (31). وقال الرّشيدُ العطار: ((الحديثُ قد يكون عند الراوي له عَنْ جماعة من شيوخه، فيحدث به تارةً عَنْ بعضهم، وتارةً عَنْ جميعهم، وتارةَ يُبْهمُ أسماءهم، وربما أرسله تارةً على حسب نشاطه وكسله)) (32). وَقَالَ ابن حجر: ((ويحتمل أن يكون من صَنَعَ ذلك صنعه طلباً للتخفيف وإيثاراً للاختصار)) (33). 3 - شدّة الورع:   (28) شرح معاني الآثار (4/ 65)، شرح السنة (8/ 56)، الاعتبار للحازمي (247). (29) شرح صحيح مسلم (11/ 25). (30) علل الدارقطني (10/ 25). (31) المرجع السابق (9/ 128). (32) غرر الفوائد (ص215). (33) النكت (2/ 537). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 قَالَ البغوي: ((كره قوم من الصحابة والتابعين إكثار الحَدِيث عَنْ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خوفاً من الزيادة والنقصان، والغلط فيه، حتى إنَّ من التابعين من كَانَ يهاب رفع المرفوع فيوقفه على الصحابي، ويقول: الكذب عليه أهون من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومنهم من يسند الحَدِيث حتى إذا بلغ به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ: قَالَ، ولم يقل: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومنهم من يقول: رفعه، ومنهم من يقول: رواية، ومنهم من يقول: يبلغ به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكل ذلك هيبة للحديث عَنْ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وخوفاً من الوعيد)) (34). قلتُ: هذه الأسباب التي ذكرها السخاويّ، وتبين لي خَمْسةُ أسبابٍ أخرى هي: 3 - أنْ يُعْرفَ عَنْ صحابيّ الحَدِيث تهيب الرفع أو قلته: ومن أمثلة ذلك: -قول حجاج بن محمد حدثنا شُعْبة قَالَ: سمعت عقبة بن وسّاج عَنْ أبي الأحوص عَنْ عبد الله عَنْ النبي ? أنّه قَالَ: ((فضل صلاة الرجل في الجميع على صلاته وحده خمس وعشرون درجة)). قَالَ حجاج: وَلم يرفعه شُعْبة لي، وقد رَفَعَهُ لغيري، قَالَ: أنا أهابُ أنْ أرفَعَهُ لأنّ عبدَالله قَلَّما كَانَ يرفعُ إلى النبيّ ? (35). وهذا التهيب والقلة من لَدن صحابي الحَدِيث له أسباب من أبرزها: شدة الورع، والتحرز من الخطأ وتقدم بيان ذلك في كلام البغوي قريباً. 4 - معرفةُ المخاطبين وتلاميذ الراوي بطريقة شيخهم واشتهارها عندهم: قَالَ الأعمشُ: ((قلتُ لإبراهيم: إذا حدثتني حديثاً فأسنده فَقَالَ: إذا قلت عَنْ عبد الله -يعني ابن مسعود- فاعلم أنه عَنْ غير واحد، وإذا سميتُ لك أحداً فهو الذي سميت)) (36). وَقَالَ خالد الحذاء: ((سمعتُ محمد بن سيرين يقول: كلّ شيء حدثتكم عَنْ أبي هُرَيرة فهو عَنْ النبي صلى الله عليه وسلم)) (37).   (34) شرح السنة (1/ 255، 256). (35) مسند أحمد بن حنبل (1/ 437)، وانظر: اتحاف المهرة (10/ 417). (36) التمهيد (1/ 38). (37) تاريخ دمشق (53/ 188). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 قَالَ أبو داود: ((كَانَ ابن سيرين يرسل وجلساؤه يعلمون أنه لم يسمع، سمع من ابن عمر حديثين، وأرسل عنه نحواً من ثلاثين حديثاً)) (38). وَقَالَ خالدُ الحذّاء: ((كلُّ شيء رواه ابنُ سيرين عَنْ ابن عباس فهو عَنْ عكرمةَ، لقيه بالكوفة أيام المختار)) (39)، ومعلوم أنّ خالد الحذّاء من تلاميذ ابن سيرين المقدمين. وَقَالَ الهيثمُ بنُ عبيد حدثني أبي قَالَ: قَالَ رجلٌ للحسن: إنّك لتحدثنا قَالَ النبي، فلو كنتَ تسندُ لنا، قَالَ: والله ما كذبناك ولا كذبنا لقد غزوتُ إلى خراسان غزوة معنا فيها ثلاثمائة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم (40). وَقَالَ الخطيبُ: قَرأتُ في أصلِ كِتَاب دَعْلج بنِ أحمد ثمّ أخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني قَالَ: أخبرنا أبو الحسن بن صغيرة قَالَ: حدثنا دعلج قَالَ: حدثنا موسى بن هارون بحديث حماد بن زيد عَنْ أيوب عَنْ محمد عَنْ أبي هُرَيرة قَالَ: قَالَ: الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، قَالَ موسى: إذا قَالَ حمادُ بنُ زيد والبصريون قَالَ: قَالَ فهو مرفوع. قلتُ للبرقاني: أحسب أنَّ موسى عَنى بهذا القول أحاديث ابن سيرين خاصة، فَقَالَ: كذا تحسب (41).   (38) سؤالات الآجري عَنْ أبي داود (ص55). (39) مسائل الإمام أحمد-رواية أبي داود- (ص455). (40) التاريخ الكبير (5/ 452)، شرح علل الترمذي (1/ 538). (41) الكفاية في علم الرواية (ص418). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 وَقَالَ ابنُ محرز سمعتُ يحيى بنَ معين يقولُ: قَالَ يحيى بنُ سعيد القطان: كلُّ حَدِيث سمعتُه مِنْ سفيان قَالَ: حدثني، وحدثنا إلا حديثين: سماك عَنْ عكرمة، ومغيرة عَنْ إبراهيم-ذكر يحيى بن معين الحديثين فنسيتهما-، وكل حَدِيث شُعْبة قَالَ: حدثني وأخبرني، وكل حَدِيث عبيد الله قَالَ: حدثني، وأخبرني، فإذا حدثتك عَنْ أحد منهم فلا تحتاج أن أقول لك: حدثني ولا أخبرني، ولا حدثنا ولا أخبرنا، فَقَالَ حبيشُ بنُ مبشر- يفسر ذلك بحضور ابن معين -: هذا بمنزلة رجل قَالَ: حدثنا يزيد بن هارون، قَالَ: حدثنا يحيى بن سعيد، فإذا قَالَ بعد ذلك: حدثنا يزيد بن هارون عَنْ يحيى بن سعيد لم يحتج أن يقول: حدثنا يزيد، قَالَ: حدثنا يحيى بن سعيد، وَقَالَ عبد الله بن رومي اليمامي- بحضرة يحيى بن معين -: هو أن يقول فيه قَالَ: حدثنا، قَالَ: حدثنا، إذا قَالَ فلان، عَنْ فلان كَانَ كله حدثنا (42). 5 - ورودُ الحَدِيث بروايتين: قَالَ الخطيبُ البغداديّ: ((اختلافُ الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحَدِيث ضعفا لجواز أن يكون الصحابي يسند الحَدِيث مرة، ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى، ولا يرفعه، فَحُفِظَ الحَدِيث عنه على الوجهين جميعاً، وقد كَانَ سفيان بن عيينة يفعل هذا كثيرا في حديثه فيرويه تارة مسنداً مرفوعاً، وقفه مرة أخرى قصدا واعتمادا)) (43). وكلام الخطيب هذا ليس قاعدةً مطردةً، بل قرينة يستفاد منها عند التساوي، ولذا رجح النقاد الوقف في بعض الاختلافات، وفي كتب العلل أمثلة كثيرة، وسيأتي بعضها. 6 - حال المذاكرة: قَالَ ابنُ عبد البر: ((والإرسالُ قد تبعثُ عليه أمور لا تضيره مثل أنْ يكون الرجل سمع ذلك الخبر من جماعة عَنْ المعزى إليه الخبر وصح عنده ووقر في نفسه فأرسله عَنْ ذلك المعزى إليه علما بصحة ما أرسله، ... أو تكون مذاكرة فربما ثقل معها الإسناد وخف الإرسال)) (44).   (42) معرفة الرجال لابن معين-رواية ابن محرز- (2/ 156رقم494). (43) الكفاية (ص417). (44) التمهيد (1/ 17). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 وأنبه هنا أنَّ حال المذاكرة أخصّ من السبب المتقدم "طلبُ التخفيف وإيثار الاختصار"، فهذا ربما يكون في المذاكرة وغيرها فهو أعم. 7 - أن يكون الراوي الوَاقِف أو المُرسِل غيرَ راضٍ عَنْ الراوي الرافع أو عمن أسقطه: فمثال الوقف صنيع شُعْبة مع حديث السّديّ وقد تقدم قريباً، وأمّا الإرسال فمن ذلك صنيع الإمام مالك: قال الدارقطني: ((أو تعمد (45) إسقاط عاصم بن عبيد الله؛ فإن له عادة بهذا؛ أن يُسقط اسم الضعيف عنده في الإسناد؛ مثل عكرمة ونحوه)) (46). وقد أشار إلى ذلكَ الشافعيُّ فَقَالَ-بعدَ نقلهِ قولاً لمالك-: ((وهو سيئ القول في عكرمة (47)، لا يَرى لأحدٍ أن يقبلَ حَدِيثه، ... وَالعَجَبُ له أنْ يقولَ في عكرمة ما يقولُ، ثم يحتاج إلى شيء من علمهِ يوافق قوله ويسميه مرةً، ويروي عنه ظناً، ويسكت عنه مرةً فيروي عَنْ ثور بن يزيد عَنْ ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره، وَسَكَت عَنْ عكرمة، وإنما حدّث به ثور عَنْ عكرمة)) (48). وقَالَ ابنُ كثير -بعد ذكره قول الدارقطني: ((وقولهما أولى بالصواب من قول مالك)) (49)، في ترجيح من وصل حديث"إنَّ اللهَ لما خلق آدم مسح بيمينه ميامنه فأخرج منها ذرية طيبة ... " على رواية مالك المرسلة-: ((الظاهر أن الإمام مالكا إنما أسقط ذكر نعيم بن ربيعة عمدا لما جهل حال نعيم ولم يعرفه فإنه غير معروف إلا في هذا الحديث ولذلك يسقط ذكر جماعة ممن لا يرتضيهم ولهذا يرسل كثيرا من المرفوعات ويقطع كثيرا من الموصولات)) (50). والإمام مالك بن أنس معروف عنه هذا التصرف فممن نص على هذا: - الشافعي قَالَ: ((الناسُ إذا شكوا في الحَدِيث ارتفعوا، وكان مالك إذا شك في الحَدِيث انخفض)) (51).   (45) يشير إلى الإمام مالك بن أنس. (46) علل الدارقطني (2/ 9). (47) يشير لمالك. (48) الأم (7/ 244). (49) علل الدارقطني (2/ 221). (50) تفسير ابن كثير (2/ 264). (51) بيان من أخطأ على الشافعي (ص110). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 - وابن خزيمة قَالَ: ((وذكر لي السكري (52) حديثا آخرا وهو خبر يعني رواه مالك عَنْ الزهري عَنْ حميد بن عبد الرحمن عَنْ أبي هريرة، روى الشافعي فَقَالَ عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم - "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة أو مع كل وضوء"، وهذا الخبر في الموطأ عَنْ أبي هريرة "لولا أن يشق على أمته، ورواه روح بن عبادة وبشر بن عمر وغيرهما عَنْ مالك كما رواه الشافعي ويشبه أن يكون مالك إذا شك في الشيء انخفض والناس إذا شكوا ارتفعوا)) (53). - وابن حبان: قال - بعد روايته حديث "الشفعة فيما لم يُقْسم ... "-: ((رَفَعَ هذا الخبر عن مالك أربعةُ أنفس: ... ، وأرسله عن مالك سائرُ أصحابه، وهذه كانت عادةٌ لمالك، يرفع في الأحايين الأخبار، ويوقفها مراراً، ويرسلها مرة، ويسندها أخرى، عَلى حسب نشاطه، فالحكمُ أبداً لمن رَفَعَ عنه وأسند بعد أن يكون ثقةً حافظاً متقناً على السبيل الذي وصفناه في أول الكتاب)) (54). -والدارقطني: قَالَ: ((رواه الليث بن سعد عَنْ يحيى عَنْ ابن المسيب عَنْ معاذ، وخالفه مالك فرواه عَنْ يحيى عَنْ ابن المسيب قوله، وقول الليث أصح ومن عادة مالك إرسال الأحاديث واسقاط رجل)) (55). - وأبو مسعود الدمشقي قَالَ: ((فإنّ مالكاً كثيرا ما أرسل أشياء أسندها غيره من الأثبات)) (56). - والعلائيُّ: قَالَ: ((الأمرُ السادس: أنْ ينظر إلى هذا الذي أرسل الحَدِيث فإن كَانَ إذا شرك غيره من الحفاظ في حَدِيث وافقه فيه ولم يخالفه، دلَّ ذلكَ عَلى حفظهِ، وإنْ كَانَ يخالفُ غيرهُ مِنْ الحُفّاظ فإنْ كانت المخالفة بالنقصان إمّا بنقصان شيء من متنه، أو بنقصان رفعه، أو بإرساله كَانَ في هذا دليل عَلى حفظهِ وتحريه كما كَانَ يفعله الإمام مالك رحمه الله كثيراً)) (57) -وابن حجر قَالَ: ((وقد رواه مالك عَنْ زيد بن أسلم عَنْ عمر لم يذكر بينهما أحدا، ومالك كَانَ يصنع ذلك كثيرا)) (58).   (52) هو: أبو عبد الله أحمد بن الحسن السكري، أحد الحفاظ المبرزين مات سنة (268هـ). تاريخ بغداد (4/ 80). (53) بيان من أخطأ على الشافعي (ص110). (54) صحيح ابن حبان-كما في الإحسان (11/ 591) -. (55) علل الدارقطني (6/ 63). (56) الأجوبة لأبي مسعود الدمشقي (ص227). (57) جامع التحصيل (ص44). (58) مقدمة فتح الباري (ص359). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 أمثلةٌ من قصر مالك بن أنس للأسانيد: - المثال الأوَّل: قَالَ ابن عبد البر: ((قَالَ الأثرم: سألت أحمد بن حَنْبَل عَنْ حَدِيث أبي سعيد في السهو، أتذهب إليه؟ قَالَ: نعم، أذهب إِليهِ، قلتُ: إنهم يختلفون في إسناده، قَالَ: إِنَّمَا قصر بِهِ مَالِك، وَقَدْ أسنده عدة، مِنْهُمْ: ابن عجلان، وعبد العزيز بن أبي سلمة (59)). وحديث أبي سعيد رواه مَالِك بن أنس، عَنْ زيد بن أسلم، عَنْ عطاء بن يسار؛ أن رَسُوْل الله ? قَالَ: ((إذا شك أحدكم في صلاته فَلَمْ يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليصل رَكْعَة، وليسجد سجدتين وَهُوَ جالس قَبْلَ التسليم، فإن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين، وإن كَانَتْ رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان)) (60). - المثال الثاني: سئل الدارقطني عَنْ حَدِيث سعيد بن المسيب عَنْ معاذ "من صلى في فلاة من الأرض فلم يثوب بالصلاة صلى معه ملكان أحدهما عَنْ يمينه والآخر عَنْ شماله، وإنْ ثوب صلى معه من الملائكة أمثال الجبال" فَقَالَ: ((يرويه يحيى بن سعيد الأنصاري واختلف عنه فرواه الليث بن سعد عَنْ يحيى عَنْ ابن المسيب عَنْ معاذ، وخالفه مالك فرواه عَنْ يحيى عَنْ ابن المسيب قوله، وقولُ الليث أصح، ومن عادة مالك إرسال الأحاديث وإسقاط رجل)) (61). - المثال الثالث: وسئل الدارقطني أيضاً عَنْ حَدِيث عَنْ نعيم بن عبد الله المجمر عَنْ أبي هريرة قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه في مصلاه حتى يصلي فَقَالَ: ((يرويه مالك بن أنس واختلف عنه فرواه أصحاب الموطأ عَنْ مالك عَنْ نعيم المجمر عَنْ أبي هريرة موقوفا ورواه إسماعيل بن جعفر وعثمان بن عمر عَنْ مالك مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك رواه محمد بن عمرو بن علقمة عَنْ نعيم المجمر عَنْ أبي هريرة ورفعه صحيح إلا أن مالكا وقفه في الموطأ)) (62).   (59) التمهيد (5/ 25). (60) الموطأ-رواية يحيى بن يحيى الليثي- (252). (61) علل الدارقطني (6/ 63). (62) علل الدارقطني (11/ 162). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 - المثال الرابع: قَالَ أبو مسعود الدمشقيّ -تعليقا على قول الدارقطني: وأخرج حَدِيث عبدة عَنْ عبيد الله عَنْ عبد الرحمن بن القاسم عَنْ أبيه عَنْ عائشة رضي الله عنها " أن أسماء نفست بذي الحليفة" والصواب -فيما يقال- رواية مالك، عَنْ عبد الرحمن عَنْ أبيه أن أسماء ليس فيه عائشة-: ((إذا جَوَّد عبيد الله إسناد حَدِيث لم يحكم لمالك عليه فيما أرسله، فإنّ مالكاً كثيرا ما أرسل أشياء أسندها غيره من الأثبات، وعبدة بن سليمان فثقة ثبت)) (63). - المثال الخامس: قال ابن حجر في مقدمة الفتح: قَالَ الدارقطني: وأخرج البخاريّ حَدِيث الليث عَنْ خالد عَنْ سعيد بن أبي هلال عَنْ زيد بن أسلم عَنْ أبيه عَنْ عمر اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك قَالَ وَقَالَ هشام بن سعد عَنْ زيد بن أسلم عَنْ أبيه عَنْ حفصة عَنْ عمر، وَقَالَ روح بن القاسم عَنْ زيد بن أسلم عَنْ أمه عَنْ حفصة عَنْ عمر. قلتُ: الظاهر أنه كَانَ عند زيد بن أسلم عَنْ أبيه عَنْ عمر وعن أمه عَنْ حفصة عَنْ عمر لأن الليث وروح بن القاسم حافظان، وأسلم مولى عمر من الملازمين له العارفين بحديثه، وفي سياق حَدِيث زيد بن أسلم عَنْ أمه عَنْ حفصة زيادة على حديثه عَنْ أبيه عَنْ عمر كما بينته في كتاب تغليق التعليق فدل على أنهما طريقان محفوظان، وأما رواية هشام بن سعد فإنها غير محفوظة لأنه غير ضابط، والله أعلم، وقد رواه مالك عَنْ زيد بن أسلم عَنْ عمر لم يذكر بينهما أحدا، ومالك كَانَ يصنع ذلك كثيرا)) (64). وفي الموطأ كثير من الأحاديث المرسلة والبلاغات، وتوجد موصولةً في الصحيحين، وغيرهما.   (63) الأجوبة لأبي مسعود الدمشقي (ص227). (64) مقدمة فتح الباري (ص359). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 ـ[ هل بالفعل أن هذا العلم (علم الحديث) علم يصعب على المرأة دراسته والغوص في أعماقه؟ ]ـ الصعوبة والسهولة- في هذه المسألة- شيء نسبي، يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فربما تتفوق بعض النساء في هذا الفن - أو في جزء منه- على بعض الرجال، وإن كان العكس أكثر، فكثير من الرجال يتفوقون على النساء لأسباب وظروف لا تخفى. ومن خلال تدريسي لطلاب وطالبات الدراسات العليا كانت تمر علىّ بعض طالبات يفقن الطلاب، أو بعضهم، بل أذكرُ أنَّ طالبة درستها في مرحلة الدكتوراه فاقت الطلاب في معرفة علم العلل، والكلام على علل الأحاديث، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد قيل: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك. ـ[بعض الرواة يذكر عنهم أن لهم مناكير عن شيخ معين، فهل بإمكان أحدنا أن يجمع رواياتٍ لذلك الراوي عن ذلك الشيخ، ويرى مخالفته وموافقته ... أم أن ذلك متروكٌ للأئمة؟ ]ـ نعم بإمكان طالب العلم أن يجمع رواياتٍ لذلك الراوي عن ذلك الشيخ المعين، ويرى مخالفته وموافقته-سواء بالإسناد أو المتن- .. بحيث تكون هذه قرينة مساعدة في الحكم على هذا الراوي-وهذا القيد مهم-، وربما يدلك هذا الجمع على دقائق تتعلق بهذا الراوي ربما لا تستطيع الظفر بها لو لم تجمع أحاديثه. وبمثل هذا الجمع والسبر والتتبع تميز بعض الفضلاء في هذا العصر على غيرهم وأصبح عندهم ملكة ودقة في الكلام على الرجال والأحاديث، لأنَّ مسالة جمع الروايات والنظر فيها ليست سهلة كما يتصور بعضهم، بل تحتاج إلى جهد وصبر ودقة نظر، وطول تأمل. ومن المفيد هنا التنبيه أنّه في هذا العصر أنعم الله علينا بهذه البرامج الحاسوبية التي تمكنك من استعراض أحاديث الراوي في وقت وجيز- بشرط المعرفة الدقيقة بكيفية التعامل مع هذه البرامج، وتلافي عيوبها-. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 ـ[لدى إشكال في حديث رواه الإمام أحمد في مسنده المجلد الخامس مسند البصريين حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن رجل منهم انه: أتى النبي صلى الله عليه وسلم ف أسلم على أنه لا يصلي إلا صلاتين فقبل ذلك منه . فهل يحكم على مثل هذا الإسناد بالاتصال؟ وإن صح الحديث فما هو فقهه؟ ]ـ هذا الحديث أخرجه: ابن أبي شيبة في مسنده -كما في المطالب العالية (9/ 537) -قال: حدَّثنا وكيع بن الجراح. وأحمد بن حنبل في مسنده (5/ 24) قال: حدَّثنا محمد بن جعفر (5/ 363) قال: حدَّثنا وكيع. وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (رقم941) قال: حدثنا أبو موسى أخبرنا محمد بن جعفر. كلاهما (محمد بن جعفر، ووكيع) قالا: حدَّثنا شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَأسْلَمَ عَلَى أنَّهُ لاَيُصَلِّي إِلاَّ صَلاَتَيْنِ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ. وهذا الحديث إسناده صحيح متصل: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 فشعبة وقتادة متفق على توثيقهما وجلالتهما، وقتادة معروف بالإرسال ويدلس فيتأنى في روايته، ولكن هذا الإسناد من رواية شعبة عنه، وشعبة لا يحدث عن شيوخه الذين ربما دلسوا إلا بما تحقق أنهم سمعوه، قال ابن حجر: «فالمعروف عنه أنه كان لا يحمل عن شيوخه المعروفين بالتدليس إلا ما سمعوه فقد روينا من طريق يحيى القطان عنه أنه كان يقول: كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال: سمعت وحدثنا حفظته وإذا قال: عن فلان تركته رويناه في المعرفة للبيهقي، وفيها عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة الأعمش وأبو إسحاق وقتادة، وهي قاعدة حسنة تقبل أحاديث هؤلاء إذا كان عن شعبة ولو عنعنوها» النكت على ابن الصلاح (2/ 630) وقال نحوا من ذلك في طبقات المدلسين (ص58) وهو متصل إذ الصحيح أنّ التابعي الثقة إذا قال: حدثني رجل من الصحابة أو عن رجل من الصحابة ونحو ذلك أنه حجة ما لم تدل قرينة على غير ذلك. وقد قال الحميدي -شيخ البخاريّ-: «إذا صح الإسناد عن الثقات إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو حجة وإن لم يسم ذلك الرجل» وفي هذه المسألة مناقشات مبسوطة في موضعها من كتب علوم الحديث، وقول نصر بن عاصم: «عن رجل منهم» يشعر بمعرفته الصحابي وبسماعه منه. وابن أبي عاصم ذكر هذا الحديث في مسند معاوية الليثي، وذكر قبله حديث قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن معاوية الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يصبح الناس مجدبين فيأتيهم برزق من عنده فيقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، فاستفاد من هذا الحديث أن الرجل المبهم في حديث الصلاة أنه معاوية الليثي، وهذا المأخذ- في رأيي - قوي إن سلم هذا الحديث من علة الاضطراب!. ونلحظ أنّ الإمام أحمد بن حنبل لم يذكر في مسند معاوية الليثي من مسنده إلا الحديث الثاني فقط والذي فيه التصريح باسمه، وكذلك فعل أبو داود الطيالسي في مسنده، والطبراني في معجمه الكبير. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 ملحوظة: أخرج الحديث أبونعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (رقم7303) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدَّثنا محمد بن جعفر قال: حدَّثنا شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أتَى النَّبِيَّ ?، فَأسْلَمَ ألا يصلي إِلاَّ صَلاَتَيْنِ، فَقَبِلَ ذَلِكَ، فقال: «إن يقبل منه، فإذا دخل في الإسلام أمر بالخمس». وقوله: «إن يقبل منه، فإذا دخل في الإسلام أمر بالخمس» زيادة غريبة وهي غير موجودة في المسند، ويظهر لي أنها زيادة تفسيرية من الراوي إمَّا من أبي نعيم أو من شيخه، والله أعلم. وأمَّا فقه الحديث: فيمكن إيجازه بالنقاط الآتية: 1 - هذا الحديث يتعلق «بفقه دعوة الكفار إلى الإسلام» وهو التدرج معهم وتأليف قلوبهم ولذا بوّب ابن حجر على الحديث بقوله: «باب التألف على الإسلام» كما في المطالب العالية (9/ 537)، وهنا يتفطن أنه ربما لا يفقه بعض الكفار الدين الإسلامي حقيقة أو يثقل عليه شيء منه ولكن ما إن يدخل في الإسلام وتستقر حلاوة هذا الدين في قلبه حتى يكون أشد حماسا وتمسكا من بعض المسلمين الأصليين، وهذا أمر مشاهد، وقال أبو داود في السنن: حدثنا الحسن بن الصباح أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثني إبراهيم عن أبيه عن وهب قال: سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت قال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: " سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلمو". 2 - وفي الحديث دليل على صحة الإسلام مع الشرط الفاسد فيقبل منه الإسلام قبولا مبدئيا ترغيبا له فيه ثم يرشد وينصح ويأمر بالخمس كلها لذا بوب مجد الدين ابن تيمية على هذا الحديث وغيره بقوله: «باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد» كما في المنتقى (2/ 4164) قلتُ: ويشبهه الشرط الفاسد في البيوع فيصح البيع مع فساد الشرط!. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 3 - وهذا الحديث يدخل في باب المصالح والمفاسد فمصلحة أن يسلم مع النقص الذي يرجى تكميله أولى من أن يبقى على الكفر المحض، وقد أشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (35/ 32). 4 - وللحافظ ابن رجب كلام جيد حول الحديث قال فيه: «ومن المعلوم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلما فقد أنكر على أسامة ابن زيد قتله لمن قال لا إله إلا الله لما رفع عليه السيف واشتد نكيره عليه ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يشترط على من جاءه يريد الإسلام أن يلتزم الصلاة والزكاة بل قد روي أنه قبل من قوم الإسلام واشترطوا أن لا يزكوا ففي مسند الإمام أحمد عن جابر رضي الله عنه قال اشترطت ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليهم ولا جهاد وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيتصدقون ويجاهدون وفيه أيضا عن نصر بن أيضا عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين فقبل منه وأخذ الإمام أحمد بهذه الأحاديث وقال يصح الإسلام على الشرط الفاسد ثم يلزم بشرائع الإسلام كلها واستدل أيضا بأن حكيم بن حزام قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا آخر إلا قائما قال أحمد معناه أن يسجد من غير ركوع وخرج محمد بن نصر المروزي بإسناد ضعيف جدا عن أنس رضي الله عنه قال لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقبل من أجابه إلى الإسلام إلا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانتا فريضتين على من أقر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالإسلام وذلك قول الله عز وجل فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة المجادلة وهذا لا يثبت وعلى تقدير ثبوته فالمراد منه أنه لم يكن يقر أحدا دخل في الإسلام على ترك الصلاة والزكاة وهذا حق فإنه صلى الله عليه وسلم أمر معاذا لما بعثه إلى اليمن أن يدعوهم أولا إلى الشهادتين وقال إن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم بالصلاة ثم بالزكاة ومراده أن من صار مسلما بدخوله في الإسلام أمر بعد ذلك بإقام الصلاة ثم بإيتاء الزكاة وكان من سأله عن الإسلام يذكر له الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 مع الشهادتين بقية أركان الإسلام كما قال جبريل عليه الصلاة والسلام لما سأله عن الإسلام وكما قال للأعرابي الذي جاءه ثائر الرأس يسأله عن الإسلام» جامع العلوم والحكم (ص84). 5 - ومن خلال ما تقدم يتبين أن الكلام كله في الكافر الأصلي وأما لو جاءنا مسلم وقال: سأكتفي بصلاتين فقط لهذا الحديث، فنقول: إن هذا لا يقبل منه أبداً لما تقدم تقريره، والله أعلم. ـ[وددت بيان حكم هذا الحديث، مشفوعًا بكلام أهل العلم المتقدمين من جهة السند والمتن، إن كانت ثمت علل، وهو ما رواه أبوداود والترمذي والنسائي وأحمد (بأسانيدهم) عن أبي جريٍّ جابر بن سليم الهجيمي رضي الله عنه قال: رأيت رجلاً يَصْدُرُ الناسُ عن رأيه لا يقول شيئاً إلا صَدَرُوا عنه. قلت: من هذا؟ قالوا: هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قلت: عليك السلام يا رسول الله، مرتين. قال: "لا تقل: عليك السلام، فإِنّ عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك". قال: قلت: أنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟. قال: "أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضُرُّ فدعوته كشفه عنك، وإن أصابك عام سنةٍ فدعوته أنبتها لك، وإذا كنت بأرضٍ قفراء أو فلاةٍ فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك، قال: قلت: اعهد إليَّ. قال: "لا تسبَّنَّ أحداً، قال: فما سببت بعده حرّاً ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة. قال: "ولا تحقرنَّ شيئاً من المعروف، وإن تكلم أخاك وأنت منبسطٌ إليه وجهك؛ إنَّ ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإِن أبيت فإِلى الكعبين، وإياك وإسبال الإِزار فإِنها من المخيلة، وإن الله لا يحب المخيلة، وإن امرؤٌ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإِنما وبال ذلك عليه. ]ـ هذا الحديث من أوسع الأحاديث التي مرت عليّ من حيث الألفاظ والروايات، وهو جديرٌ بأن يفرد بجزء يجمع طرقه ورواياته وألفاظه - فمرة يروى مطولا ومرة مختصرا-، وكذلك يجمع أقوال النقاد في الكلام عليه!، خاصةً وأنَّ الحديث متضمن لوصايا عظيمة من لدن النبي ? لهذا الصحابي الجليل، وهذه الوصايا تشمل: -أموراً عقدية لذا خرجه بعض من كتب في عقيدة السلف منهم الدارمي في رده المريسي. -وأحكاماً شرعية من الأوامر والنواهي لذا خرجه من عني بأحاديث الأحكام. -وآدابا وأخلاقا زكية لذا خرجه من عني بأحاديث الآداب والفضائل والترغيب والترهيب. قال ابن عبد البر في ترجمة جابر بن سليم: «له حديث حسنٌ في وصية رسول الله إياه» الاستيعاب (1/ 225). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 وأمّا ما يتعلق بدرجة الحديث فالذي يظهر لي أنّ الحديث بالجملة صحيح وممن قواه من العلماء الذين وقفت عليهم: - الترمذيُّ قال -عن بعض طرقه-: «حديث حسن صحيح» -كما في جامعه (رقم2722) - - وصححه الدارمي كما في رده المريسي (عقائد السلف ص407) - وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» المستدرك على الصحيحين (4/ 206). - والنووي قال: «رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح» - وصححه ابن القيم في زاد المعاد، وفي اجتماع الجيوش الإسلامية. - وابن مفلح قال: «ولأبي داود بإسناد حسن» الآداب الشرعية (2/ 12) - وقال العراقي: «إسناد جيد» تنبيهات: 1 - قلتُ -فيما تقدم-عن الحديث أنه صحيح بالجملة نظرا لأنَّ بعض طرق الحديث لا تخلو من مقال، فعليه لا بدّ من التأكد من صحة الطريق المعين، وقد أعلَّ البخاريّ بعض طرق الحديث فقال كما في التاريخ الكبير (2/ 205رقم2205): «جابر بن سليم أبو جرى الهجيمي حديثه في البصريين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 - قال لي عبد الله بن أبي شيبة العبسي نا خالد بن مخلد سمع عبد الملك بن حسن الحارثي سمع سهم بن المعتمر عن الهجيمي أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وإذا هو متزر بإزار قطن - وقال لنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد السلام بن غالب وقال موسى وخالفنا بعضهم فقال عبد السلام بن عجلان سمع عبيدة سمع جابر أبا جرى الهجيمي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردة له من صوف فقال: لا تحقرن من الخير شيئا ولو تصب فضل دلوك في إناء المستسقي. - وقال لنا موسى حدثنا يونس بن أبي الفديك سمع محمد بن سيرين عن الهجيمي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتبى ببردة وهدبتها على قدميه. - وقال لنا موسى حدثنا عيسى بن المنهال سمع غالبا عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا جابر بن سليم لا تحقرن شيئا من المعروف. - وقال الحكم بن المبارك حدثنا داود سمع حبيب المعلم عن أبي رجاء العطاردي عن سليم بن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله والأول أصح. - وقال لنا موسى حدثنا سلام بن مسكين عن عقيل بن طلحة السلمي حدثني أبو جرى قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن من المعروف. - وقال وكيع عن سلام عن عقيل عن أبي جزي وهو وهم - حدثني عمرو بن علي قال نا عبد العزيز بن عبد الصمد قال نا يونس بن عبيد عن عبيدة عن جابر بن سليم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم» 2 - توسع النَّسَائِي في ((سننه الكبرى)) (8/ 431رقم9611/ كتاب الزينة، وفي عمل اليوم والليلة) في ذكر طرق الحديث وألفاظ المتن. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 3 - الضمير في قوله: «فدعوته» في المواضع الثلاثة يعود على الله عز وجل قولا واحدا أي: «أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضُرُّ فدعوته-أي الله- كشفه عنك، ... » بدلالة السياق وكذلك النصوص القطعية من القرآن والسنة الدالة على المنع من دعاء غير الله، وأنَّ من دعا غير الله فقد أشرك قال تعالى: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً»، وقال تعالى: «وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ» والآيات في هذا المعنى كثيرة. ـ[عندي إشكال بسيط وهو أن الشيخ الألباني رحمه الله قد ضعف حديث الجارية والذي فيه: أين الله؟ قالت: في كل مكان وهذا موجود في ضعيف أبي داود مع أن الحديث موجود في صحيح مسلم فهل الشيخ رحمه الله فعلا يضعف الحديث أم أنه رجع عن ذلك أم ماذا؟ ]ـ أولا: أنبه أنّ لفظ الحديث: «أين الله؟ قالت: في السماء .. » فيبدو أن السائل وهم في لفظ الحديث في قوله: «قالت: في كل مكان»، وهو على الصواب في ضعيف أبي داود. ثانياً: الذي ضعفه الشيخ ليس في صحيح مسلم بل رواية أخرى للحديث من طريق المسعودي عن عون بن عبد الله عن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء فقال يا رسول الله إن علي رقبة مؤمنة فقال لها أين الله فأشارت إلى السماء بأصبعها فقال لها فمن أنا فأشارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى السماء يعني أنت رسول الله فقال أعتقها فإنها مؤمنة، ضعيف أبي داود [جزء 1 - صفحة 331]. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 وأمّا الذي في صحيح مسلم فقد جاء من طرق عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ وفيه)) وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدم، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ?، فَعَظَّمَ ذَلِكَ عليَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلاَ أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: ائْتِنِي بِهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: أَيْنَ اللهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: مَنْ أَنَا؟ قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)). وهذه الرواية صححها الشيخ الألباني في عدد من كتبه. ـ[ هل حديث الشجة المشهور متفق على ضعفه ؟ وما علته؟ وهل له شواهد تقويه؟ ]ـ يقصد الأخ السائل-وفقه الله- الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه (336) قال: حدَّثنا مُوسَى بن عَبْد الرَّحْمن الأَنْطَاكِي، حدَّثنا مُحَمد بن سَلَمَة، عن الزُّبَيْر بن خُرَيْق، عن عَطَاء، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: ((خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً، وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلاَ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَيَعْصِرَ، أَوْ يَعْصِبَ، (شَكَّ مُوسَى) عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا، وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. )) .. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 والحديث مختلف في صحته فمن النقاد من قواه، ومنهم من ضعفه، فممن قواه-أو قوى بعض طرقه- ابن السكن، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن الملقن -كما في البدر المنير (2/ 615) -ويلاحظ أن غالب المقوين للحديث ممن لا يلتفت للعلل الدقيقة والعلة هي السبب الرئيس لضعف هذا الحديث في نظري، وممن ضعفه الدارقطني، وقال البيهقي: «ولم يثبت في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء وأصح ما روي فيه حديث عطاء بن رباح مع الاختلاف في إسناده ومتنه» معرفة السنن والآثار (1/ 301). وعلته أنَّ الزُّبَيْر بن خُرَيْق مع لينه خالف الأوزاعي في إسناده ومتنه، وقد بين هذا الدارقطني فقال في السنن (1/ 350): «قال أبو بكر: هذه سنة تفرد بها أهل مكة وحملها أهلُ الجزيرة. لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق، وليس بالقوي، وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء عن ابن عباس واختلف على الأوزاعي فقيل عنه عن عطاء، وقيل عنه بلغني عن عطاء، وأرسل الأوزاعي آخره عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب» قلتُ: وأبو بكر الذي نقل عنه الدارقطني في أول الكلام شيخه عبد الله بن سليمان السجستاني وهذا الحديث من روايته عنه. فالخلاصة أن حديث الشجة لا يصح، ولا أعرف للحديث شواهد قوية يعتضد بها. ومما ينبغي التفطن له أن بعض الباحثين يورد الاختلافات الواقعة في رواية عطاء ظانا أنها من قبيل المتابعات والشواهد، وهي في الحقيقة تزيد الحديث وهنا!!، وهذا الذي يجعلنا نحث الأخوة على العناية بعلم علل الحديث، ونقرر أنه لا يجوز لمن جهل هذا الفن أن يحكم على الأحاديث، لأنه سوف يصحح أحاديث متفق على ضعفها، ويضعف أحاديث صححها من تقدم، ومن هنا أوتي بعض الفضلاء الذين اشتغلوا بالتصحيح والتضعيف دون تحديد منهجية ثابتة لهم في باب علل الحديث. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 ـ[أورد الحافظ ابن حجر في فتح الباري،، (الجزء العاشر، صفحة 735، حديث 6221)،،،، حديثاً نقله عن التهذيب للطبري وجود إسناده، ونص الحديث: عن أم سلمة قالت: عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله، فقال له النبي: يرحمك الله، وعطس آخر، فقال: الحمد لله رب العالمين حمدا طيبا مباركا فيه، فقال: ارتفع هذا على هذا تسع عشرة درجة". إلا أني بعد البحث لم أجد للأسف متن الحديث، وحقيقة لا أدري ربما يكون من القسم المفقود للتهذيب (المخطوط)، ف هل لنا أن نورد الحديث ونحكم بصحة الحديث ونحن لم نرى متنه ؟ ]ـ يبدو أن كلمة (الإسناد) تصحفت إلى (متن) في سؤال الأخ -بارك الله فيه- فيكون صواب السؤال: إلا أني بعد البحث لم أجد للأسف إسناد الحديث، .. فهل لنا أن نورد الحديث ونحكم بصحة الحديث ونحن لم نرى إسناده؟ لأن متن الحديث مذكور في السؤال، والذي لم يذكر الإسناد فقط. وعلى كل حال لا بد للحكم على الحديث من نظرين: -نظر في الإسناد ومدى استيفائه لشروط القبول. -ونظر في المتن للتأكد من سلامته من النكارة والشذوذ. وعليه في مثل هذه الحالة نتوقف عن الحكم حتى نجد علما. وفي مسألتك نجد أنّ الحافظ ابن حجر قد كفاك مؤنة الحكم على الإسناد فقال: «خرج أبو جعفر الطبري في التهذيب بسند لا بأس به عن أم سلمة قالت ... »، وهنا خرجت أنت من العهدة بنقلك كلام ابن حجر، ومن أحيل على مليء فليتبع!. ـ[وهو في مسألة تقسيم أئمة الجرح والتعديل إلى متشدد ومعتدل ومتساهل ، فإن بعضهم ينكر ذلك، وأذكر أن أحدهم وضع بحثاً مطولاً في هذا الملتقى ليثبت بطلان هذا التقسيم. السؤال: هل في هذا التقسيم إشكال؟ ]ـ لا إشكال عندي في هذا التقسيم، بل هذا يدل عليه متفرقات من كلام أئمة الحديث المتقدمين، وكثير من تطبيقاتهم العملية، وحكاياتهم وقصصهم النقدية تدل على هذا دلالة واضحة، ومما يحضرني في هذا قول علي بن المديني: «إذا اجتمع يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي على ترك رجل لم أحدث عنه، فإذا اختلفا أخذت بقول عبد الرحمن لأنه أقصدهما، وكان في يحيى تشدد» تاريخ بغداد [جزء 10 - صفحة 243]. وقال علي بن المديني: «سألت يحيى بن سعيد عن محمد بن عمرو بن علقمة؟ قال: تريد العفو أو تشدد؟ فقال: لا بل أشدد، قال: ليس هو ممن تريد كان» العلل الصغير (ص744). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 وقال ابن المديني أيضا: «أبو نعيم وعفان صدوقان لا أقبل كلامهما في الرجال هؤلاء لا يدعون أحدا إلا وقعوا فيه» تهذيب الكمال (20/ 168). قال الذهبي: «يعني أنه لا يختار قولهما في الجرح لتشديدهما، فأما إذا وثقا أحدا فناهيك به» سير أعلام النبلاء (10/ 250). وقال أحمد بن حنبل لابنه صالح حين قدم من البصرة: لم لم تكتب عن عمرو بن مرزوق؟ فقال: نهيت، فقال: إنّ عفّان كان يرضى عمرو بن مرزوق ومن كان يرضي عفّان!. انظر: الجرح والتعديل (6/ 263رقم1456)، وقال أبو زرعة عن فضيل بن سليمان: «لين الحديث روى عنه علي بن المديني وكان من المتشددين» الجرح والتعديل (7/ 72) ولكن مما ينبغي معرفته أن قولنا فلانٌ متشدد ومعتدل ومتساهل أنه نتيجة مبنية على مقدمات، وتحتاج إلى ضوابط وهنا-في رأيي- موطن الإشكال والاختلاف: فكيف عُرف أنّ فلانا متشدد ومعتدل ومتساهل؟ وهل هذا التشدد في العبارة أو في الحكم أو في كليهما؟ وهل هو مطرد في جميع الرواة أو فيه تفصيل فتارة يتشدد وتارة يتساهل؟ أوربما تشدد في بلد دون بلد أو مذهب دون مذهب أو فئة من الرواة-مثل الذين يدخلون على السلاطين، أو قالوا بخلق القرأن كرها- دون غيرهم؟ فمثل هذه القضايا لا بدَّ من مراعاتها وتحقيقها جيدا للوصول للنتيجة السابقة ووضع الضوابط والمحترزات التي تضبط هذه المسألة. ومن أجود ما قرأت في الإشارة إلى هذا ما قاله العلامة المعلميّ بقوله: «ما اشُتهر أنَّ فلاناً من الأئمة مُسَهِّل، وفلاناً مُشّدِّد، ليس على إطلاقه، فإنَّ منهم من يُسهل تارةً، ويُشدد أُخرى، بحسب أحوال مختلفة، ومعرفةُ هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلاَّ باستقراء بالغ لأحكامهم، مع التدبر التام». وهذا كلام نفيسٌ للغاية، جديرٌ بالعناية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 وأمَّا نصوص المتأخرين من العلماء في تقرير هذا فهي كثيرة، ومن أشهرها أقوال الذهبي في عدد من كتابه منها قوله في الموقظة (ص 83 - 84): ((فمنهم من نفسه حاد في الجَرْح، ومنهم من هو معتدل، ومنهم من هو متساهل، فالحاد فيهم: يحيى بن سعيد، وابن معين، وأبو حاتم، وابن خراش، وغيرهم، والمعتدل فيهم: أحمد بن حنبل، والبخَاريّ، وأبوزرعة، والمتساهل: كالترمذي، والحاكم، والدارقطنيِّ في بعض الأوقات)). وقال في موضعٍ آخر: ((والكلُّ أيضاً على ثلاثة أقسام: قسمٌ منهم متعنِّت في الجَرْح، متثبِّت في التَّعديل، يغمزُ الراوي بالغلطتين والثلاث، ويُليِّنُ بذلك حديثه، فهذا إذا وثق شخصاً فعضَّ على قوله بناجذيك، وتمسك بتوثيقه، وإذا ضعف رجلاً فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه، فإن وافقه، ولم يُوثق ذاك أحدٌ من الحذاق، فهو ضعيف، وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه: لا يقبل تجريحه إلاَّ مفسراً، يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلاً: هو ضعيف، ولم يوضح سبب ضعفه، وغيره قد وثقه، فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه، وهو إلى الحسن أقرب، وابن معين، وأبو حاتم، والجُوْزَجانيّ: متعنتون، وقسمٌ في مقابلة هؤلاء، كأبي عيسى الترمذي، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي بكر البيهقي: متساهلون، وقسمٌ كالبخَاريّ، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة، وابن عديّ: معتدلون منصفون)) ذكر من يعتمد قوله في الجَرْح والتَّعديل ص 170 - 171. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 ـ[بخصوص أبي الفتح الأزدي ذكر ابن حجر في عدة مواضع من هدي الساري في الفصل المتعلق بالرواة المتكلم فيهم الذين روى لهم البخاري .. أن أبو الفتح لا يعتدّ بتضعيفه! وذكر أن ذلك راجع إلى أن أبو الفتح ضعيف فكيف يضعف الثقات!! وكأنه رحمه الله جعل ذلك قاعدة عامة!. . الشق الأول من السؤال: هل يصح تعليل ابن حجر في أبي الفتح الأزدي؟. . الشق الثاني: هل تصح هذه قاعدة عامة حيث يقال (تضعيف الضعيف للثقة لا يعتد به)؟. . الشق الثالث من السؤال: كنت سمعت في أشرطة الشيخ عبد الله السعد - حفظه الله - ذكره لطبقات النقاد، من ناحية التساهل والتشدد والاعتدال، فذكر الشيخ ضمن طبقة المتشددين أبو الفتح الأزدي، وقال الشيخ بعبارة صريحة واضحة (كلام أبو الفتح الأزدي ينظر فيه ولا يعتد به) وعلل ذلك بكون أبو الفتح من المتشددين في الجرح والتعديل .. فهل العلتان مجتمعة في أبي الفتح الأزدي أم أن إحداهما مترجحة على الأخرى، وما هي؟. . من ضمن المواضع التي ذكر ابن حجر كلامه في أبو الفتح الأزدي صـ400 من هدي الساري، النسخة السلفية البازية القديمة المشهورة! ]ـ أبو الفتح الأزدي هو: محمد بن الحسين الموصلي، نزيل بغداد، مات سنة (374) له مصنف كبير في الضعفاء، قال الذهبي: «وعليه في كتابه في الضعفاء مؤاخذات فانه ضعف جماعة بلا دليل بل قد يكون غيره قد وثقهم» سير أعلام النبلاء (16/ 348) وقد تكلم فيه بعض النقاد بسبب الغرائب والمناكير التي يرويها، وأسباب أخرى ليس موضع ذكرها ومناقشتها، قال الخطيب البغدادي: «في حديثه غرائب ومناكير وكان حافظا صنف كتابا في علوم الحديث وسألت محمد بن جعفر بن علان عنه فذكره بالحفظ وحسن المعرفة بالحديث وأثنى إليه قال أبو النجيب الأرموي رأيت أهل الموصل يوهنون أبا الفتح الأزدي جدا ولا يعدونه شيئا قال وحدثني محمد بن صدقة الموصلى إن أبا الفتح قدم بغداد على الأمير يعني ابن بويه ووضع له حديثا أن جبرائيل عليه السلام كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في صورته قال فأجازه وأعطاه دراهم كثيرة قال وسألت أبا بكر البرقاني عن أبي الفتح الأزدي فأشار إلي أنه كان ضعيفا وقال رأيته في جامع المدينة وأصحاب الحديث لا يرفعون به رأسا ويتجنبونه» تاريخ بغداد (2/ 244). ولشيخنا وزميلنا الدكتور: عبد الله السؤالمة رسالة بعنوان: «الحافظ أبو الفتح الأزدي بين الجرح والتعديل» نُشرت في مجلة كلية التربية، جامعة الملك سعود، 1412هـ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 خلاصة ما ذهب إليه أنّه لا يقبل قول الأزدي إذا عارض قول غيره من كبار النقاد-وكثيرا ما ينبه الذهبي وابن حجر على هذا في كتبهم خاصة في الميزان، ومقدمة الفتح-، ويقبل قوله في المجهولين الذين لا يوجد فيهم كلام. قلتُ: يؤيد هذا أنّ الحفاظ ينقلون كلامه في كتب الرجال، وعده الذهبي من النقاد الذين يعتد بقولهم في نقد الرواة، فقد ذكره في رسالته "ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل" فالقول بأنَّ (تضعيف الضعيف للثقة لا يعتد به) كلام صحيح ويؤيده أقوال النقاد المتقدمين منها قول أحمد بن حنبل لما سأله أبو داود عن عمير بن سعيد قال: لا أعلم به بأسا، قلت له: فإن أبا مريم-يقصد عبد الغفار بن القاسم- قال: تسلني عن عمير الكذاب قال: وكان عالما بالمشايخ فقال أحمد: حتى يكون أبو مريم ثقة. سؤالات أبي داود (ص292رقم342)، والضعفاء للعقيلي (3/ 101). فاجتمع في الأزدي العلتان: تشدده في الرواة من جهة، ونقص في مكانته من جهة الضبط والحفظ من جهة أخرى، فإذا وافق غيره يستفاد من كلامه -وهو ما يعمله الحفاظ حيث ينقلون كلامه في كتب الرجال-. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 ـ[ما رأيك في من يضعف حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله قال: من عادى لي وليّاً؛ فقد آذنته بالحرب. . . وما تردَّدت عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت، وأنا أكره مَسَاءَته)). رواه البخاري (6502). واستند إلى قول الذهبي في الميزان عند ترجمة خالد بن مخلد القطواني بعد أن ساق هذا الحديث: " فهذا الحديث غريب جداً, لولا هيبة الجامع الصحيح لعدّوه من منكرات خالد بن مخلد, وذلك لغرابة لفظه, ولأنه مما ينفرد به شريك, وليس بالحافظ, ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد, ولا خرجه من عدا البخاري, ولا أظنه في مسند أحمد" أهـ. ثم سرد قول من يضعف خالد هذا: قال ابن سعد: كان متشيعا منكر الحديث، في التشيع مفرطا، وكتبوا عنه للضرورة. قال الجوزجاني: (كان شتاماً معلنا لسوء مذهبه. ) قال الأعين: قلت له: عندك أحاديث في مناقب الصحابة؟ قال: قل في المثالب أو المثاقب ـ يعنى بالمثلثة لا بالنون ـ. ). . وحكى أبو الوليد الباجي في " رجال البخاري " عن أبى حاتم أنه قال: لخالد بن مخلد أحاديث مناكير ويكتب حديثه. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: له أحاديث مناكير. ثم ذكر أن في الإسناد شريكا وهو متكلم فيه من جهة حفظه والسؤال: هل الحديث كما ذكر؟ ثم هل هناك كلام للأئمة المتقدمين في هذا الحديث؟ ]ـ قبل أن أجيب عن هذا السؤال بعينه أنبه أنَّ هذا السؤال يتعلق بمسألة كثر الخوض فيه في هذا الزمان بعلمٍ تارة وبجهل تارات، وبقصد حسن تارة وبقصد سيئ تارات وهي هل في الصحيحين أحاديث ضعيفة؟ وهل هما بمعزل عن النقد؟ وماذا يفسر صنيع الحفاظ الذين نقدوا بعض الأحاديث؟ وأوجز الكلام على هذه المسألة في نقاط: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 1 - أن غالب من ينتقد أحاديث الصحيحين في هذا العصر لا يظهر منهم العمق العلمي والنفس الحديثي الذي يمكنهم من نقد أحاديث الصحيحين بموضوعية ونصفة وعدل!، ويظهر ذلك من خلال الخوض معهم في تفصيلات النقد الحديثي ودقائق العلل ولذا ربما قال بعضهم عن حديث أخرجه البخاري في صحيحه: فيه فلان ضعفه ابن حجر!! مغفلا جميع القرائن التي احتفت بالخبر والتي يراعيها كبار الأئمة خاصة صاحبا الصحيح، وربما سمعنا من بعضهم أن عددا من المحدثين- مثل: ابن عمار الشهيد، والدارقطني، وأبي مسعود الدمشقي، والغساني وغيرهم، - انتقدوا أحاديث في صحيحين فإذا سألتَ هذا القائل عن نوعية نقد هؤلاء الأعلام للأحاديث؟، وهل له أثر على الحديث صحة وضعفا؟ وهل يلزم منه الرد أو أنه راجع إلى الصناعة الحديثية؟ لا تجد في الغالب كلاما علميا يوثق به، بل يلقون مثل هذه الشبه بدون خوض في التفصيلات، وربما لا يعرف بعضهم اسم الكتاب الذي ألفه الناقد ولم يره في حياته، وهذه الصفة تغلب على العصرانيين ومقلديهم والمتأثرين بهم. وهذه النقطة تجر إلى النقطة الثانية وهي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 2 - أنه ينبغي أن يبين للمخالف أنّ دفاعنا عن الصحيحين ليس عاطفة وتقليدا محضا، أو دعوى أن صاحبي الصحيح معصومان-كما قد يظن البعض وربما صرح بعضهم!! سبحانك هذا بهتان عظيم، فأهل السنة ليس عندهم معصوم إلاّ الرسل والأنبياء في تبليغ الرسالة-، بل دفاعنا عن الصحيحين نتاج معرفتنا بواقع الكتابين ودقة المنهجية التي سلكها مؤلفا الكتاب، وشدة تحريهما في تحقيق شرطهما، والنقد التفصيلي يدل على هذا، بل ويدعو للإعجاب والثقة بهذين الكتابين حتى نالا لقب أصح الكتب بعد كتاب الله، وحظيا بقبول الأمة- بالجملة - ومما يدل على أهمية سلوك هذا المنهج في مناقشة الأحاديث المنتقدة أن بعض من يتبنى هذا التوجه يتفاجأ بهذه التفصيلات الدقيقة، ويصرح بأنه لأوَّل مرة يسمعها، وأن الذي تعلمه أن سبب التعظيم لهذين الكتابين التقليد والعاطفة فحسب!. ومن نعم الله أنَّ الدراسات العلمية الدقيقة والموضوعية حول الصحيحين أثبتت هذا بجلاء، ومن خلال إشرافي على رسالة لأحد طلابي والتي بعنوان: «أحاديث الصحيحين التي أعلها الدارقطني في كتابه"العلل"وليست في"التتبع" من أول حديث أبي بكر الصديق إلى نهاية حديث أبي سعيد الخدري _جمع وتخريج ودراسة» تأكد لي أنّ جل الانتقادات منصبة على الصناعة الحديثية-بغض النظر عن أيهم المصيب- وأما المتون فهي صحيحة. 3 - ومما أبينه هنا أنَّ للبخاريّ وكذلك مسلم عند تخريج الحديث نظرات عديدة أبرزها: - نظرة في شيوخ الراوي. - نظرة في تلاميذ الراوي. - نظرةٌ في متن الحديث المراد تخريجه من حيث كونه في الأصول أو في المتابعات أو الشواهد ونحو ذلك، وهل هو في الأحكام أم في الرقاق. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 وله في كل ذلك نكت حديثية دقيقة بديعة!، ومن هنا يُعلم أنّ وصفَ حديثٍ ما بأنه على شرط الشيخين أو شرط البخاري أو مسلم أمرٌ في غاية الصعوبة، وقد قال ابن الأخرم ـ وهو من كبار الحفاظ-: «قلَّ ما يفوت البخاري ومسلم حديث على شرطهما»، وقال ابنُ حجر: «وقرأتُ بخط بعض الأئمة أنه رأى بخط عبد الله بن زيادن المسكي قال: أملى على الحافظ أبومحمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي سنة خمس وتسعين وخمسمائة قال: نظرت إلى وقت إملائي عليك هذا الكلام فلم أجد حديثاً على شرط البخاري ومسلم لم يخرجاه إلا أحاديث: (1) حديث أنس"يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة". (2) وحديث الحجاج بن علاط لما أسلم. (3) وحديث علي "لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع" النكت لابن حجر (1/ 313). ولابن عبد البر كلامٌ نحو هذا. قال ابن عبد الهادي: «واعلم أن كثيرا ما يروي أصحاب الصحيح حديث الرجل عن شيخ معين لخصوصيته به ومعرفته بحديثه وضبطه له ولا يخرجون حديثه عن غيره لكونه غير مشهور بالرواية عنه ولا معروف بضبط حديثه أو لغير ذلك فيجيء من لا تحقيق عنده فيرى ذلك الرجل المخرج له في الصحيح قد روى حديثا عمن خرج له في الصحيح من غير طريق ذلك الرجل فيقول هذا على شرط الشيخين أو على شرط البخاري أو على شرط مسلم لأنهما احتجا بذلك الرجل في الجملة وهذا فيه نوع تساهل فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره فلا يكون على شرطهما» الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص256) 4 - ومما ينبغي التفطن له أنّ من منهج الإمامِ البخاريّ في الرواية عن شيوخه المتكلم فيهم أنْ ينتقي من أصولهم ما صحَّ من حديثهم، ومما يدل على ذلك: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 - قول البخاريّ: ((كَانَ إسماعيلُ بنُ أبي أُويس إذا انتَخَبتُ مِنْ كِتابهِ، نَسَخَ تلك الأحاديثَ لنفسِهِ، وَقَالَ: هذه الأحاديثُ انتخبها مُحَمَّد بنُ إسماعيل مِنْ حَدِيثي)). انظر: "تاريخ بغداد" (2/ 19)، "تاريخ مدينة دمشق" (52/ 77). - وقول البخاريّ أيضاً: قَالَ لي مُحَمَّد بنُ سَلاَم: انظرُ في كتبي فما وجدتَ فيها من خطأ فاضرب عليه كي لا أرويه، فَفَعلتُ ذلكَ. "تاريخ مدينة دمشق" (52/ 77)، "مقدمة فتح الباري" (ص483). - قول الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص391): ((روينا في "مناقبِ البخاريِّ" بسندٍ صحيحٍ أنّ إسماعيلَ أخرج له أصوله، وأذن له أن ينتقي منها، وأنْ يعلمَ لهُ على ما يحدث به ليحدث به، ويعرض عما سواه، وهو مشعرٌ بأنَّ ما أخرجه البخاريُّ عنه هُو مِنْ صحيحِ حديثه لأنه كتب من أصوله، وعلى هذا لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ما قدح فيه النسائي وغيره إلا أن شاركه فيه غيره فيعتبر فيه)). -وقال أيضاً في "النكت على كتاب ابن الصلاح" (1/ 288): ((الذينَ انفردَ بهم البخاريُّ ممنْ تُكُلمُ فيهِ أكثرهُمْ مِنْ شيوخهِ الذينَ لَقِيهم، وَعَرَفَ أحوالَهُم، وَاطلع عَلَى أحاديثهم فميّز جيدها مِنْ رديها بخلافِ مُسلم، فإنَّ أكثرَ مَنْ تفردّ بتخريجِ حَدِيثه ممن تُكُلمُ فيه مِنْ المتقدمين، وقد أخرج أكثر نسخهم كما قدمنا ذكره. ولا شكَ أنَّ المرءَ أشدّ معرفة بحديثِ شيوخهِ، وبصحيحِ حَدِيثهم مِنْ ضعيفه ممن تقدم عَنْ عصرهم)). وقال نحوه في "مقدمة الفتح" (ص12). وانظر: "مقدمة الفتح" (ص387، 388، 413)، "فتح المغيث" (1/ 29). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 وكذلك الانتقاء من منهج مسلم في صحيحه قال ابن القيم: «ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه فغلط في هذا المقام من استدرك عليه إخراج جميع حديث الثقة ومن ضعف جميع حديث سئ الحفظ فالأولى: طريقة الحاكم وأمثاله والثانية: طريقة أبي محمد بن حزم وأشكاله وطريقة مسلم هي طريقة أئمة هذا الشأن والله المستعان» قلتُ: وَمَنهجُ انتقاء ما صحَّ من مرويات المجروحين مما في أصولهم منهجٌ لكبار نقاد الحديث؛ ومما يدل على ذلك: قولُ البرذعيّ رأيتُ أبا زُرْعةَ يسيىءُ القولَ فيه-أي في سُوَيد بنِ سَعِيد- فقلتُ له: فأيش حَاله؟ قَالَ: أمَّا كُتُبهُ فَصِحَاحٌ، وكنتُ أتتبعُ أصولَهُ وَأكتبُ مِنْها، فَأمَّا إذا حدّثَ مِنْ حفظهِ فلا. سؤالات البرذعي (ص409). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 ولابن القيم كلام متين في هذه المسألة قال فيه: «وربَّما يظنُّ الغالط الذي ليس له ذوق القوم ونقدهم أَنَّ هَذَا تناقض مِنْهُم، فإنهم يحتجون بالرَّجل ويوثقونه فِي موضع، ثم يضعِّفونه بعينه ولا يحتجُّون به فِي موضع آخر. ويقولون إن كَانَ ثقة وجب قبول روايته جملة، وإن لم يكن ثقة وجب ترك الاحتجاج به جملة. وهذه طريقة فاسدة مجمع بين أهل الحديث عَلَى فسادها، فإنهم يحتجُّون من حديث الرجل بما تابعه غيره عليه وقامت شهوده من طرق ومتون أخرى، ويتركون حديثه بعينه إذا روى ما يخالف الناس أوانفرد عنهم بما لا يتابعونه عليه. إذ الغلط فِي موضع لا يوجب الغلط فِي كل موضع والإصابة فِي بعض الحديث أو فِي غالبه لا توجب العصمة من الخطأ فِي بعضه ولا سيما إذا علم من مثل هذا أغلاط عديدة ثم روى ما يخالف الناس ولا يتابعونه عليه فإنه يغلب عَلَى الظن أو يجزم بغلطه. وهنا يعرض لمن قصر نقده وذوقه هنا عَنْ نقد الأئمة وذوقهم فِي هذا الشأن نوعان من الغلط ننبه عليهما لعظيم فائدة الاحتراز منهما: - - أحدهما: - أن يرى مثل هذا الرجل قد وثق وشهد له بالصدق والعدالة أو خرج حديثه فِي الصحيح فيجعل كل ما رَواهُ عَلَى شرط الصحيح، وهذا غلط ظاهر فإنه إِنَّمَا يكون عَلَى شرط الصحيح إذا انتفت عنه العلل والشذوذ والنكارة وتوبع عليه فأما مع وجود ذَلِكَ أو بعضه فإنه لا يكون صحيحاً ولا عَلَى شرط الصحيح. ومن تأمل كلام البخاري ونظرائه فِي تعليله أحاديث جماعة أخرج حديثهم فِي صحيحه، علم إمامته وموقعه من هذا الشأن وتبين به حقيقة ما ذكرنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 - النوع الثاني من الغلط: - أن يرى الرجل قد تكلِّم فِي بعض حديثه وضعِّف فِي شيخ أو فِي حديث فيجعل ذَلِكَ سببا لتعليل حديثه وتضعيفه أين وجد كما يفعله بعض المتأخرين من أهل الظاهر وغيرهم وهذا أَيْضَاً غلط فان تضعيفه فِي رجل أو فِي حديث ظهر فيه غلط لا يوجب التضعيف لحديثه مطلقاً. وأئمة الحديث عَلَى التفصيل والنقد واعتبار حديث الرجل بغيره والفرق بين ما انفرد به أو وافق فيه الثِّقَات. وهذه كلمات نافعة فِي هذا الموضع تبين كيف يكون نقد الحديث ومعرفة صحيحه من سقيمه ومعلوله من سليمه «ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورَاً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ» انتهى من كتاب الفروسية (ص242). وانظر: "العلل الكبير" للترمذي (ص 394 تحقيق: السامرائي) "الجرح والتعديل" (5/ 147)، "زاد المعاد" (1/ 364)، "شرح علل الترمذي" (1/ 420)، "التنكيل" للمعلمي (1/ 123). 5. ومما ينبه عليه أنّ الأحاديث في الصحيحين على قسمين: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 1 - قسم تكلم فيه أئمة الحديث وكبار النقاد سواء من حيث الصناعة الحديثية -وهو الغالب على كلام أئمة الحديث الذين لهم تعقبات وتتبعات على الصحيحين ممن تقدم ذكره- أو من حيث نقد بعض الأحاديث جملة-وهو قليل ونادر- أو من حيث نقد بعض الألفاظ فهذه سبيله النظر في الخبر وما أحتف به من قرائن ووجه النقد ومن ثمّ الموازنة، والترجيح، وكلّ حديث له نَظَرٌ خَاص، فكيفما دار طالب العلم دار على ملي، ومن أحيل على ملي فليتبع!. قال ابن حجر: «ينبغي لكل منصف أنْ يعلم أن هذه الأحاديث وإن كان أكثرها لا يقدح في أصل موضوع الكتاب فإن جميعها وارد من جهة أخرى، وهي ما ادَّعاه الإمام أبو عمرو بن الصلاح وغيره من الإجماع على تلقي هذا الكتاب بالقبول والتسليم لصحة جميع ما فيه، فإنَّ هذه المواضع متنازع في صحتها فلم يحصل لها من التَّلقي ما حصل لمعظم الكتاب وقد تعرَّض لذلك ابن الصلاح في قوله "إلا مواضع يسيرة انتقدها عليه الدارقطني وغيره" وقال في مقدمة شرح مسلم له: ما أخذ عليهما يعني على البخاري ومسلم وقدح فيه معتمد من الحفاظ فهو مستثنى مما ذكرناه لعدم الإجماع على تلقيه بالقبول، انتهى. 2 - قسم لم يتكلم فيه أحد من أئمة الحديث المتقدمين وكبار النقاد فهذا القسم لا يقبل الكلام عليه من المعاصرين، ولو تأمل الأخ السائل عبارة الذهبي وهي قوله: «لولا هيبة الجامع الصحيح ... » فالذهبي على جلالته وبراعته في هذا الفن يقول مثل هذا، لمَّا لم يتبين له وجه إخراج البخاري لهذا الحديث لم يضعفه كما يفعل بعض المعاصرين، ومع ذلك أرى أن من يتكلم في الصحيحين من الأخوة الذين يريدون الحق ولكن عندهم نقص في دقائق الحديث أن يتلطف معهم ويرفق بهم ويعلمون ما تقدم ذكره، وتسهل لهم العبارة وتوضح لهم شروط صاحبي الصحيح وشيء من دقيق مسالكهما .. وهذا هو المطلوب، والهداية والتوفيق من الله. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 إذا تبين ما تقدم سهل الإجابة عن هذا السؤال بعينه وهو تفرد البخاري بهذا الحديث وما نقله الأخ السائل-بارك الله فيه- من كلام حول هذا الحديث: وهنا لنا نظران: -النظر الأوَّل: تحقيق القول في حال خالد بن مخلد القطواني وهل هو ثقة أم لا أم فيه تفصيل؟ وكيفية رواية البخاري عنه؟ وكم روى له، ومن هم شيوخه وتلاميذه الذين اعتمدهم في الرواية عنه؟ وهل هو من شيوخه الذين ميز أحاديثهم أم لا؟ وما هو السر في أنّ البخاري يروي عنه مباشرة وأحيانا يروي عنه بواسطة؟! فيلاحظ عناية البخاري بالرواية عنه، فمثل هذه الأسئلة الافتراضية تخدم الكلام على هذا الحديث وتؤدي إلى إجابات علمية موضوعية. وتحقيق القول في خالد بن مخلد أنه من كبار شيوخ البخاري الذين ميز حديثهم من خلال كتبهم أو من خلال موافقتهم للثقات أو من خلال استقامت المتون التي يرويها، وأنه -بالجملة-صدوق، ولكنه في روايته عن سليمان بن بلال متقن، رمي بالتشيع وله بعض المنكرات خاصة عن الإمام مالك، ولكن لم يذكر أحد من المتقدمين هذا الحديث من منكراته، يراجع الكامل لابن عدي (3/ 34). قال الذهبي: «خالد بن مخلد القطواني من شيوخ البخاري صدوق إن شاء الله». الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 وهاهنا أمر في غاية الأهمية في هذه المسألة وهو أنه يلاحظ أن البخاري أكثر من الرواية عن خالد بن مخلد القطواني عن شيخه سليمان بن بلال دون غيره، وهو شيخه في هذا الحديث المنتقد، مما يدل على عناية خالد بن مخلد بمرويات شيخه سليمان، وتأمل هذه النصوص النفيسة التي لم يتفطن لها بعض المعاصرين ممن تكلم على الحديث، قال ابن رجب: «ومنهم-أي من الضرب الثاني من حدث عن أهل مصر أو إقليم فحفظ حديثهم وحدث عن غيرهم فلم يحفظ - خالد بن مخلد القطواني، ذكر الغلابي في تاريخه قال: القطواني يؤخذ عنه مشيخة المدينة وابن بلال فقط، يريد سليمان بن بلال، ومعنى هذا أنه لا يؤخذ عنه إلا حديثه عن أهل المدينة وسليمان بن بلال منهم لكنه أفرده بالذكر» شرح علل الترمذي (2/ 776). وقال ابن عبد الهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي (1/ 256): «فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره؛ فلا يكون على شرطهما، وهذا كما يخرج البخاري ومسلم حديث خالد بن مخلد القطواني عن سليمان بن بلال وعلي بن مسهر وغيرهما، ولا يخرجان حديثه عن عبد الله بن المثنى، وإن كان البخاري قد روى لعبد الله بن المثنى من غير رواية خالد عنه». وهذه الجملة التي ذكرتها تحتاج إلى صفحات لبيانها ونقل أقوال العلماء فيها، ولكن أكتفي بنصوص يسيرة تدل على ما ورائها: -قال ابن حجر: «خالد بن مخلد القطواني الكوفي أبو الهيثم، من كبار شيوخ البخاري، روى عنه، وروى عن واحد عنه!. قال العجلي: ثقة فيه تشيع، وقال ابن سعد: كان متشيعا مفرطا، وقال صالح جزرة: ثقة إلا أنه كان متهما بالغلو في التشيع، وقال أحمد بن حنبل: له مناكير، وقال أبو داود: صدوق إلا أنه يتشيع، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 قلتُ: أما التشيع فقد قدمنا أنه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضره؛ لا سيما ولم يكن داعية إلى رأيه، وأما المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه وأوردها في كاملة وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري، بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد، وهو حديث أبي هريرة (من عادى لي وليا) الحديث» مقدمة الفتح (ص400)، والذي يقوى عندي أن رواية المبتدع مقبولة مطلقا حتى لو كان داعية. -قال المعلمي: «أقول: في باب الإمام ينهض بالركعتين من (جامع الترمذي): (قال محمد بن إسماعيل: ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً) والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله (لا أروي عنه) أي بواسطة، وقوله (وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً) يتناول الرواية بواسطة وبلا واسطة، وإذا لم يرو عمن كان كذلك بواسطة فلأن لا يروي عنه بلا واسطة أولى، لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيراً ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة. وهذه الحكاية تقتضي أن يكون البخاري لم يرو عن أحد إلا وهو يرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه وهذا يقتضي أن يكون الراوي على الأقل صدوقاً في الأصل فإن الكذاب لا يمكن أن يعرف صحيح حديثه. فإن قيل قد يعرف بموافقته الثقات لروى عن ابن أبي ليلى ولم يقل فيه تلك الكلمة فإن ابن ليلى عند البخاري وغيره صدوق وقد وافق عليه الثقات في كثير من أحاديثه ولكنه عند البخاري كثير الغلط بحيث لا يؤمن غلطه حتى فبما وافق عليه الثقات، وقريب منه من عرف بقبول التلقين فأنه قد يلقن من أحاديث شيوخه ما حد ثوابه ولكنه لم يسمعه منهم، وهكذا من يحدث على التوهم فأنه قد يسمع من أقرأنه عن شيوخه ثم يتوهم أنه سمعها من شيوخه فيرويها عنهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الرواي من شيوخه بمجرد موافقة الثقات، وإنما يحصل بأحد أمرين إما أن يكون الراوي ثقة ثبتا فيعرف صحيح حديثه بتحديثه وإما أن يكون صدوقاً يغلط ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى كأن يكون له أصول جيدة، وكأن يكون غلطه خاصاً بجهة كيحيى بن عبد الله بكير روى عنه البخاري وقال في (التاريخ الصغير): ما روى يحيى [بن عبد الله] بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني اتقيه ... )) انتهى كلام المعلمي من التنكيل وهو كلام في غاية الجودة. قلتُ: والأمر في شريك بن عبد الله بن أبي نمر أخف لأنه أوثق من خالد فلا نطيل الكلام عليه. -النظر الثاني: في متن الحديث فهذا المتن أخرجه البخاري في كتاب الرقاق باب التواضع، ومثل هذه المتون لا يتشدد فيها المحدثون بخلاف أحاديث العقائد أوالحرام والحلال، مع وجود شواهد للحديث وإن كانت ضعيفة، قال ابن رجب: «وقد روى هذا الحديث من وجوه أخر لا تخلو كلها عن مقال ورواه عبد الواحد بن ميمون أبو حمزة مولي عروة ابن الزبير عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من آذي لي وليا فقد استحل محاربتي وما تقرب إلى عبد بمثل أداء فرائضي وإن عبدي ليتقرب إلى بالنوافل ... » جامع العلوم والحكم (ص358). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 قال ابن حجر: «ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا منها: عن عائشة أخرجه أحمد في الزهد وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد من طريق عبد الواحد بن ميمون عن عروة عنها، وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد به، وقد قال البخاري: إنه منكر الحديث، لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة، وقال: لم يروه عن عروة إلا يعقوب وعبد الواحد، ومنها عن أبي أمامة أخرجه الطبراني والبيهقي في الزهد بسند ضعيف، ومنها عن علي عند الإسماعيلي في مسند علي، وعن ابن عباس أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف، وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي سنده ضعف أيضا، وعن حذيفة أخرجه الطبراني مختصرا وسنده حسن غريب، وعن معاذ بن جبل أخرجه ابن ماجة وأبو نعيم في الحلية مختصرا وسنده ضعيف أيضا، وعن وهب بن منبه مقطوعا أخرجه أحمد في الزهد وأبو نعيم في الحلية، وفيه تعقب على ابن حبان حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة: لا يعرف لهذا الحديث إلا طريقان يعني غير حديث الباب وهما هشام الكناني عن أنس وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة وكلاهما لا يصح» فتح الباري (11/ 341). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 وأمّا غرابة لفظه فلم يتبين لي وجه ذلك بدقة، فالبخاري وغيره صححوا الحديث ويلزم من ذلك-هنا-صحة المتن، ثمّ الغرابة في هذا شيء نسبي تقوم في أذهان بعض الناس دون آخرين، فربما استغربتَ معنى ما في حديث لم يتبين لك وجهه، بينما غيرك بان له المعنى بوضوح ومن طالع كتب شروح الحديث وجد هذا جليا، فعالم يستشكل مسألة ما، والآخر يستغرب هذا الاستشكال ويبين أنه ليس مشكلاً .. وهكذا، والخطير في هذه المسألة ما وقع في هذا العصر من بعض المسلمين المنهزمين حيث ردوا بعض النصوص الثابتة لأنها لم توافق عقولهم .. ولست أدري هل هناك عقل بشري كمدلول مطلق نحتكم إليه؟! .. هناك عقلي وعقلك وعقل فلان وعلان وهذه عقول متفاوتة واقعة تحت مؤثرات شتى علمية .. ومكانية .. وزمانية .. وغيرها .. ففتح هذا الباب بدون مراعاة الضوابط التي سار عليها سلفنا الصالح أئمة الحديث ونقاده أمر بالغ الخطورة، وله أثر سيء في الأمة، نسأل الله السلامة والعافية. وقد قلتُ في كتابي (إِشْكَالٌ وَجَوَابُهُ-في حَدِيثِ أُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان-): «إنّ كثيراً من هذه الإشكالات التي تورد على الأحاديث الصحيحة في هذا العصر إنّما هي إشكالات تعرض نتيجةً لضعفِ التسليم لله ولرسوله ?، أولقلة العلم، أولضعف الديانة، أو لنصرة مذهب وقول، وكلما بعد الزمان أثيرت شبهات وإشكالات متوهمة لم تكن عند السلف الصالح وهذا مصداق لقوله ?: (لا يَأْتِي زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ)» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 وقد علق المعلمي على حديث من (من عادى لي وليا) فقال: «هو من جملة الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات القرآن إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم بما تجده في الفتح وفي الأسماء والصفات ص 345 - 348 وقد أومأ البخاري إلى حاله فلم يخرجه إلا في باب التواضع من كتاب الرقاق»، وقال أيضاً - تعليقا على قول أبي رية ((ومن له حاسة شم الحديث يجد في هذا الحديث رائحة إسرائيلية)) -: «أقول: قد علمنا أن كلام الأنبياء كله حق من مشكاة واحدة، وأن الرب الذي أوحى إلى أنبياء بني إسرائيل هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم. ولو جاز الحكم بالرائحة لما ساغ أدنى تشكك في حكم البخاري لأنه أعرف الناس برائحة الحديث النبوي، وبالنسبة إليه يكون أبو رية اخشم فاقد الشم أو فاسدة» الأنوار الكاشفة (ص193). ومما تقدم يعلم أنَّ الكلام على أحاديث الصحيحين ليس من السهولة لمن لم يستفرغ وسعه في البحث والتنقيب والتتبع، مع سؤال الله دائما أن يعلمه ويفهمه، ويبعد عنه حب الشهرة والثناء والتصدر، والولع بالغرائب والشواذ من الأقوال، ففي معرفة العلم البين الواضح الذي ورثه لنا سلفنا الصالح كفاية وغنية، والله المستعان. ـ[ورد التثبت في رواية الراوي الواحد، ف هل ورد التثبت في رواية الراويين الثقتين !! وهل رواية الاثنين يخرجها عن رواية الآحاد؟ ]ـ المقصود بالآحاد: ما لم يجمع شروط المتواتر سواء كان رواته واحدا، أو اثنين أو أكثر ولم يبلغ حد التواتر، والتواتر: ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه. إذا تبين هذا علم أنّ التثبت مطلوب دائما سواء في رواية الواحد أو الاثنين أو أكثر. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 ومما أنبه عليه أنّ خبر الواحد الذي توفرت فيه شروط القبول يفيد العمل باتفاق أهل السنة، وأنه حجة سواء أكان في العقائد أم في الأحكام أم في غيرها، وأدلة هذا كثيرة من الكتاب والسنة الصحيحة وعمل الصحابة، وقد عني كثير من العلماء في هذا العصر بتحرير هذه المسألة وتصنيف الكتب فيها، ومن هذه المصنفات كتاب: حجية السنة النبوية للشيخ عبد الغني عبد الخالق، وكتاب: وجوب الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة والأحكام للشيخ الألباني-رحمه الله-، وكتاب: أخبار الآحاد في الحديث النبوي، حجيتها، مفادها، العمل بموجبها للشيخ عبد الله الجبرين. ـ[ ما الفرق بين مسند البزار المعلل وعلل الدارقطني، وبماذا يفسر منهج الأخير في العلل والسنن، وتباين ذلك . ]ـ من أهم الفروق التي تظهر لي بين مسند البزار المعلل وعلل الدارقطني: - أنَّ البزار عني بجمع الغرائب والأفراد، ولذا تجده ينبه على ذلك بعد رواية الحديث، ولذا كان كتابه من أشهر الكتب التي هي مظنة الأحاديث الأفراد، قَالَ ابنُ حجر: ((تنبيه: من مظان الأحاديث الأفراد: مسند أبي بكر البزار، فإنه أكثر فيه من إيراد ذلك وبيانه، وتبعه أبو القاسم الطبراني في "المعجم الأوسط"، ثم الدارقطني في"كتاب الأفراد"، وهو ينبئ على اطلاع بالغ، ويقع عليهم التعقب فيه كثيراً بحسب اتساع الباع وضيقه، أو الاستحضار وعدمه، وأعجب من ذلك أن يكون المتابع عند ذلك الحافظ نفسه!، فقد تتبع العلامة مغلطاي على الطبراني ذلك في جزء مفرد. وإنما يحسن الجزم بالإيراد عليهم حيث لا يختلف السياق، أو حيث يكون المتابع ممن يعتبر به، لاحتمال أن يريدوا شيئاً من ذلك بإطلاقهم والذي يرد على الطبراني، ثم الدارقطني من ذلك أقوى مما يرد على البزار لأنَّ البزارَ حيثُ يحكم بالتفرد إنما ينفي علمه، فيقول: "لا نعلمه يروي عن فلان إلا من حديث فلان"، وأما غيره، فيعبر بقوله: "لم يروه عن فلان إلا فلان"، وهو وإن كان يلحق بعبارة البزار على تأويل، فالظاهر من الإطلاق خلافه، والله أعلم)) النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 708). ومعرفة الأفراد والغرائب من أهم وسائل الكشف عن العلة كما قال ابن الصلاح في مقدمته (ص81): «ويستعان على إدراكها-يعني العلة- بتفرد الرواي» وأمَّا أبو الحسن الدارقطني فعني في كتابه العلل بجمع الأحاديث التي وقع فيها اختلاف على أحد الرواة. - ومن الفروق أنّ الدارقطني يوضح لك الاختلافات ويحدد مدار الحديث وكيفية وقوع الخلاف فهو مدرسة في تعليم العلل وتسهيلها على طلاب هذا الفن، والبزار ربما فعل هذا، ولكن بقلة مقارنة بعمل الدارقطني في كتابه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 - ومن الفروق أنّ الدارقطني أكثر توسعا وبسطا من البزار، فنَفَس الدارقطني في بيان الاختلافات وسرد الطرق طويل، ولذا كان كتابه أوسع كتاب في بيان علل الأحاديث، قال ابن كثير: «وقد جمع أزمة ما ذكرناه كلّه الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتاب ذلك، وهو أجلّ كتاب بل أجلّ ما رأيناه وضع في هذا الفنّ، لم يسبق إليه مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده، فرحمه الله، وأكرم مثواه» اختصار علوم الحديث (ص: 64). ومما أنبه عليه أن الدارقطني ربما ترك ذكر بعض الاختلافات والأوجه لأسباب منها: شدة ضعف هذا الوجه أو الطريق لأنّ رواية ضعيف جدا أو متروك وما كان كذلك لا يعول عليه في الترجيح والجمع، فلا فائدة من إطالة الخلاف بذكره إلاّ إذا كان من باب التنبيه عليه. ومن الأسباب أيضا: ظهور الترجيح في الأسانيد المذكورة كأن تكون من رواية كبار الحفاظ الأثبات فلا حاجة للتطويل في ذكر بقية الأوجه الموافقة، ومن الأسباب أيضا: عدم حفظ الدارقطني للطريق المعين في تلك الساعة، وقد قال في عدد من المواضع عن بعض الطرق: «لا أَحْفَظُهُ السَّاعَةَ». وهذه النقطة تسوقنا إلى الفرق الآخر وهو: - أنّ البزار يسند أحاديثه في الغالب الأعم-يعني يرويها بإسناده- بخلاف الدارقطني حيث يغلب عليه تعليق الأسانيد، وإسناد الحديث عند البزار أعطاه ميزة على «علل الدارقطني»، ومن أسباب تعليق الدارقطني للأوجه والطرق التي يرويها في علله: أنّ الدارقطني لو أسند جميع الأوجه والطرق لكان الكتاب كبير الحجم جدا، فانظر مثلاً إلى حديث بسرة بنت صفوان في الوضوء من مس الذكر ذكر الدارقطنيُّ الاختلافاتِ في أسانيد الحديث ثم أسند جميع هذه الاختلافات فبلغت قرابة المئة حديث-إسنادا ومتناً-، هذا حديثٌ واحد فقط، فما بالك بجميع الكتاب لو أسنده؟! وكذلك حديث أم كرز في العقيقة أسنده فبلغت قرابة ستين حديثا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 - ومن الفروق أيضاً النظر في منزلة المصنفين فمنزلة الدارقطني في هذا الفن أجل بكثير من البزار، ومن طالع ترجمة الرجلين، وقرأ في كتابيهما بان له هذا بوضوح، وهذا الفرق يعطي كتاب «علل الدارقطني» ميزة أنه من تأليف إمام مبرز من أئمة العلل. وهناك فروق أخرى لا نطيل بذكرها مثل: كثرة أحكام الدارقطني على الأوجه والطرق وغيرها. والجواب عن قول الأخ السائل-بارك الله فيه-: «وبماذا يفسر منهج الأخير في العلل والسنن، وتباين ذلك» أنه لا تباين بين منهج الدارقطني في العلل والسنن بل بين الكتابين توافق يدل على أنّ مؤلف الكتابين إمام في علل الحديث يوضح هذا أمران: الأمر الأوَّل: أنّ مقصد الدارقطني من تأليف سننه بيان غرائب وعلل أحاديث أحكام، وقد نصّ على ذلك أبو علي الصدفي، وابن تيمية، وابن عبد الهادي، والزيلعي، وأكد ذلك -من خلال دراسةٍ عميقة بالأرقام- الباحث عبد الله الرحيلي في رسالته العلمية «الإمام الدارقطني وكتابه السنن». ولمّا كان مقصد الدارقطني كذلك لم يبوب سننه، قال أبو علي حسين بن محمد الصّدفي (ت514) -وهو من أتقن من روى "سنن الدارقطني" -: ((الكتاب غير مبوّب، قرأته على ابن خَيْرون .. وكان عند ابن خَيْرون منه أجزاء بخط الدارقطني، فكان إذا أشكل من الكتاب شيء استخرج تلك الأجزاء، فربما وجد فيه اختلافاً، وفي النسخة مواضع علمتُ على بعضها لم يتجه لي أمرها ... ))، المعجم في أصحاب أبي على الصدفي" لابن الأبار (ص: 80). وما يوجد من تبويبات وتراجم هي من عمل النساخ، والناشرين-انظر: مقدمة محقق"سنن الدارقطني" (1/ 38 - 58) تحقيق: شعيب-. وعندي أنّ هذا العمل فيه تجاوز لوظيفة المحقق الأصلية، وهي إثبات النص كما أراده مؤلفُهُ بدون تعديل أو تحسين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 الأمر الثاني: النَّفَسُ النقدي في الكتاب يوافق تماما نفس الدارقطني في كتابه العلل يَبين ذلك من خلال تعليل الأحاديث، وبيان الاختلافات، والحكم على الأسانيد والرجال- مع الفرق بين طبيعة الكتابين المنهجية-. وأرجو من الأخ السائل -بارك الله فيه- أن يقرأ في الكتابين، ويكثر من ذلك ليلحظ هذا بنفسه، والله أعلم. ـ[ما هي الطريقة المثلى في التعامل مع أحاديث الرواة الذين خف ضبطهم ومن ثم اختلطوا ، أريد منهج أو خطوات يسير عليها طالب العلم ليكون منصفا! بحيث لا تهمل أحاديث مثل هؤلاء؟ ]ـ الخطوات العلمية في مثل هؤلاء الرواة في نظري هي: -تحديد درجتهم في الرواية بدقة، وذلك من خلال النظر في أحاديث هذا الراوي، وكذلك أقوال النقاد، والتوسع في ذلك بالرجوع إلى المصادر الأصلية، ويلاحظ هنا أن مفهوم خفة الضبط واسع، فتحدد درجة هذا الرواي بعينه بدقة. وهنا يلاحظ: هل حديثه عَنْ جميع شيوخه متساوٍ أم فيه تفصيل؛ فقوي عَنْ بعضهم، وضعيف عَنْ البعض الآخر؟ وكذلك هل حديثُ تلاميذهِ عنه متساوٍ أم فيه تفصيل؛ فبعضهم أقوى من بعض؟ - ثم .. يحدد متى طرأ عليه الاختلاط؟ والتأكد من نوعية الاختلاط بمعنى هل هو تغير أواختلاط؟ وهل هذا التغير ضار أم غير ضار؟ وهل حدّث بعد التغير أم لا؟ وهل ظهرت له مناكير بعد التغير أم لا؟، وهل هناك تلاميذ ضبطوا حديثه بعد الاختلاط وآخرون لم يضبطوا .... ؟ جميع هذه الأسئلة الافتراضية تقود إلى منهجية علمية سليمة في التعامل مع هؤلاء الرواة من خلال النظر في الأمرين السابقين: النظر في أحاديث هذا الراوي، والنظر في أقوال النقاد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 ـ[ما رأيك في سلسلة أبي الزبير عن جابر. ]ـ أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس القرشي المكي والأرجح أنه ثقة ثبت، وهو من أتقن الناس لحديث جابر بن عبد الله، قال أبو الزبير عن نفسه: كان عطاء بن أبي رباح يقدمني إلى جابر أحفظ لهم الحديث، وقال عطاء: كنا نكون عند جابر، فإذا خرجنا من عنده، تذاكرنا حديثه، فكان أبو الزبير، أحفظنا للحديث. المعرفة والتاريخ (2/ 14). والأرجح أنّ تدليسه مقبول، لأنّ تدليسه عن الثقات أمثال: سليمان بن قيس اليشكري. وله عن جابر بن عبد الله الصحابي الجليل سلسلة مشهورة، بلغت أحاديثها في الكتب الستة (360) ستين وثلاثمائة حديث كما في تحفة الأشراف، وغالب هذه الأحاديث صرح أبو الزبير بسماعها من جابر، وهناك أحاديث لم يصرح أبو الزبير بسماعها فالأصل أنها مقبولة لما تقدم من أن تدليسه مقبول، ما لم يتبين غير ذلك. وقد حظيت سلسلة أبي الزبير عن جابر بالعناية في هذا العصر من لدن الباحثين والمتخصصين فكتبوا عددا من البحوث عن هذه السلسلة، وكان من أسباب هذه العناية أن بعض العلماء الأجلاء ضعف عددا من الأحاديث التي في صحيح مسلم بسبب رواية أبي الزبير عن جابر-والتي من غير رواية الليث بن سعد- معللا ذلك بتدليس أبي الزبير، ومن هذه الدراسات ما كتبه زميلنا الدكتور: خالد العيد -وفقه الله- في رسالته العلمية الماجستير بعنوان: «ضوابط تصحيح الإمام مسلم في صحيحه لمرويات أبي الزبير المكي بالعنعنة عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه» وهذه الرسالة نوقشت عام 1419هـ، ومن الدراسات كذلك بحث قيم للدكتور: صالح بن أحمد رضا-وفقه الله- بعنوان «صحيفة أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما» نشرت في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية- العدد الثامن 1413هـ، ولزميلنا الدكتور: خالد الدريس-وفقه الله- رسالة نفيسة عن «رواية أبي الزبير عن جابر» كتبها سنة 1409 أو قبل، ولعله أن يطبعها ففيها تحريرات نفيسة. وهذه البحوث المتخصصة أثبتت النتيجة السابقة، والله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 ـ[ما هي أصح الأقوال في مسألة ثبوت السماع بين المتعاصرين ؟ وما هو الخلاف بين منهج الإمام مسلم والإمام البخاري؟ ]ـ الخلاف بين منهج الإمام مسلم والإمام البخاري في هذه المسألة: أنّ البخاري يشترط العلم بالسماع واللقيا لاتصال السند المعنعن-وهو مذهب كبار أئمة الحديث ونقاده- ومنهج البخاري هذا دلَّ عليه منثور كلامه في الصحيح وفي التاريخ الكبير وفي جزء القراءة، بل ربما أورد البخاري حديثا في الصحيح من أجل بيان سماع راوٍ، وربما أثبت السماع بالقرائن. قال ابن حجر: «أن مسلما كان مذهبه على ما صرح به في مقدمة صحيحه وبالغ في الرد على من خالفه: أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن ومن عنعن عنه وأن لم يثبت اجتماعهما، إلا أن كان المعنعن مدلسا، والبخاريّ لا يحمل ذلك على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة، وقد أظهر البخاري هذا المذهب في تاريخه، وجرى عليه في صحيحه وأكثر منه، حتى أنه ربما خرّج الحديث الذي لا تعلق له بالباب جملة إلا ليبين سماع راو من شيخه لكونه قد أخرج له قبل ذلك شيئا معنعنا، وسترى ذلك واضحا في أماكنه إن شاء الله تعالى، وهذا مما ترجح به كتابه لأنا وأن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال» مقدمة فتح الباري (ص12). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 ومما يبين هذا بجلاء قول البخاريّ في سليمان بن بريدة بن الحصيب: « .. ولم يذكر سليمان سماعا من أبيه» التاريخ الكبير (4/ 4رقم1761) فنص البخاري على هذا مع تحقق الإدارك والمعاصرة - حيث أدرك سليمان بن بريدة قرابة أربعين سنة من حياة أبيه - دال على عناية البخاري الشديد بمذهبه ودقته في هذا فهو استقرى جميع أحاديث سليمان فلم يره صرح بالسماع، لذا لم يخرج عنه في الصحيح!!، ومع هذا فقد حسن حديث سليمان بن بريدة عن أبيه في موضعٍ-نقله عنه الترمذي في العلل الكبير- لما احتف برواية سليمان من قرائن قوية دالة على ثبوت السماع، ولهذا نظائر بينها زميلنا الدكتور: خالد الدريس في كتابه «موقف الإمامين البخاري ومسلم» (ص141ومابعده). وأمّا الإمام مسلم فقد صرح برأيه في هذه المسألة في مقدمته صحيحه فقال: «القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديما وحديثا: أنَّ كلّ رجلٍ ثقة روى عن مثله حديثا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا» صحيح مسلم (ص29). والذي أميل إليه في هذه المسألة العويصة ما كان عليه البخاري وكبار النقاد وأئمة الحديث في هذه المسألة، مع إعمال القرائن لإثبات السماع. تنبيهات: - أنّ في تطبيق رأي البخاري وكبار النقاد احتياطاً للسنة فكم رأينا من تساهل بعض المعاصرين في الحكم على الأحاديث المنقطعة، من غير نظر في سماع الرواة بعضهم من بعض، بل حتى الضوابط التي نصَّ عليها مسلم لا يلتفت إليها!، فرأي البخاري وكبار النقاد في هذه المسألة يجعل الباحث أشدّ عناية بتتبع السماع والعناية به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 - عني بتحرير هذه المسألة أئمة أجلاء وباحثون فضلاء ومن أفضل من كتب في هذه المسألة -حسب علمي- ابن رُشيد الفهري (المتوفى721) في كتابه القيم «السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الأمامين في السند المعنعن» وكذلك زميلنا الدكتور: خالد الدريس في كتابه النفيس «موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين»، وللشيخ الدكتور: إبراهيم اللاحم بحث ماتع حول هذه المسألة في كتابه «الاتصال والانقطاع» وهو جدير بالقراءة والعناية، ولفضيلة الشيخ الدكتور: حاتم الشريف رأي في هذه المسأله حرره في كتابه «إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين» انتصر فيه لقول مسلم، وبين أنه لا خلاف بين البخاري ومسلم في هذه المسألة، ومع تقديري الكبير للشيخ-وفقه الله ونفع بعلمه- إلاَّ أني لا أوافقه في هذا لما تقدم من ظهور قول البخاري في كتبه وتصرفاته، والله أعلم. - هذه المسألة من المسائل الدقيقة في علوم الحديث، والخلاف فيها قديم بين كبار المحدثين كما تقدم، فمن اختار هذا القول أو ذاك فهو مسبوق من قبل سلف صالح من أئمة الحديث المتقدمين، والمطلوب من الباحث المنصف أن يستفرغ وسعه في طلب الحق، وأن يؤيد كلامه بالحجج التي بانت له وأن يجيب عن الاعتراضات الواردة، وهو في ذلك بين أجر وأجرين. والله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 ـ[قال الإمام مسلم في صحيحه: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير. حدثنا أبو خالد (يعني الأحمر) عن حسين المعلم. ح قال: وحدثنا إسحاق بن إبراهيم (واللفظ له) قال: أخبرنا عيسى بن يونس. حدثنا حسين المعلم عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة ؛ قالت: كان رسول الله يستفتح الصلاة، بالتكبير. والقراءة، بالحمد لله رب العالمين. وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه. ولكن بين ذلك. وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما. وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا. وكان يقول، في كل ركعتين، التحية. وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى. وكان ينهى عن عقبة الشيطان. وينهى أن يفرش الرجل ذراعيه افتراش السبع. وكان يختم الصلاة بالتسليم. . . وهذا الحديث مما أشكل كثيراً، فهلا بينتم وجه تصحيح الإمام مسلم له؟. . والشيخ الألباني قوّى الحديث بمجموع طرقه في "مشكاة المصابيح"، وأورد له طريقاً من "كتاب الصلاة" لجعفر الفريابي، وفيها أن أبا الجوزاء أرسل رسولاً إلى عائشة. فما رأيكم. ]ـ وجه الإشكال في هذا الإسناد أنّ أبا الجوزاء لم يثبت سماعه من عائشة مع تحقق الإدارك والمعاصرة، وقد قيل في الجواب عن هذا الإشكال: إن هذا الإسناد على شرط مسلم الذي قرره في مقدمة صحيحه لما تقدم من أنّ أبا الجوزاء أدرك عائشة وعاصرها، وهذا التوجيه تبناه رشيد الدين العطار في كتابه القيم: «غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة» حيث يقول: «وإدراك أبي الجوزاء هذا لعائشة رضي الله عنها، معلوم لا يختلف فيه وسماعه منها جائز ممكن، لكونهما جميعاً كانا في عصر واحد، وهذا ومثله محمول على السماع عند مسلم رحمه الله، كما نص عليه في مقدمة كتابه الصحيح، إلا أن تقوم دلالة بينة على أن ذلك الراوي، لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئاً، فحينئذ يكون الحديث مرسلاً والله أعلم» الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 ولكن يشكل على هذا التوجيه ما أخرجه جعفر الفريابي في كتاب «الصلاة» قال: حدثنا مزاحم بن سعيد حدثنا ابن المبارك حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثنا بديل العقيلي عن أبي الجوزاء قال: أرسلت رسولا إلى عائشة يسألها فذكر الحديث قال رشيد الدين العطار: «وهذا الحديث مخرج في كتاب الصلاة، لأبي بكر جعفر بن محمد بن الحسن الفريابي، وهو أمام من أئمة أهل النقل، ثقة مشهور، وإسناده جيد، لا أعلم في أحد من رجاله طعناً، وقول أبي الجوزاء في أرسلت إلى عائشة، يؤيد ما ذكره ابن عبد البر». وقول ابن عبد البر الذي أشار إليه العطار ذكره العطار بنصه في أول كلامه- فقال: «حديث أخرج مسلم رحمه الله في كتاب الصلاة، حديث أبي الجوزاء الربعي عن عائشة ... وأورده أبو عمر بن عبد البر النمري الحافظ في تمهيده، في ترجمة العلاء بن عبد الرحمن، وقال عقيبه ما هذا نصه: اسم أبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي، لم يسمع من عائشة، وحديثه عنها مرسل، وأورده أيضاً في كتابه المسمى بالإنصاف، وقال عقيبه: رجال إسناد هذا الحديث ثقات كلهم، لا يختلف في ذلك، إلا أنهم يقولون، أن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة. وحديثه عنها إرسال» انظر: التمهيد (20/ 205). قال ابن حجر: «فهذا ظاهره أنه لم يشافهها لكن لا مانع من جواز كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان اللقاء والله أعلم». والذي يظهر لي في الجواب عن إخراج مسلم لهذا الحديث أن هناك عددا من القرائن جعلت الإمام مسلم بن الحجاج يتساهل في إخراج الحديث من جهتين: -الأولى: أنّ أبا الجوزاء مع ثقته وجلالته - فهو من كبار العلماء - ومعاصرته لعائشة أرسل رسولا يثق به وبنقله ولولا ذلك لم يقبل خبره ولم يرسله أصلاً، ومعلوم قلة الكذب في التابعين، فمثل هذا مما يتساهل فيه، مع القرينة الثانية وهي: الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 -أنّ المتن معروف وله شواهد عديدة تدل على معناه وقد ذكر بعضها محقق كتاب «غرر الفوائد المجموعة» الأستاذ: صلاح الأمين، وذكر أيضا متابعة عبد الله بن شقيق لأبي الجوزاء التي أخرجها البيهقي في السنن الكبرى. ـ[من هم المحدثون في ديار نجد رعاها الله في الأزمنة المتأخرة من عهد دعوة الشيخ والإخوان وهل تذكر أن أحد جمعهم وترجم لهم؟ ]ـ لا أعلم أحداً جمع المحدثين في ديار نجد من عهد دعوة الشيخ، وفي الحقيقة الموضوع جدير بذلك، فالصبغة الحديثية بينه على كلام علماء نجد من عهد دعوة الشيخ سواء في الكلام على الأسانيد أو المتون، وفي رأيي أنّ اشتغالهم بتقرير عقيدة التوحيد والدعوة إليها والذب عنها كان له أثر كبير في عدم التأليف في الحديث وعلومه والتوسع في ذلك-وإن كان لهم بعض المؤلفات اليسيرة-، ولا شك أنّ العناية بجانب التوحيد عند التزاحم أولى كما لا يخفى. ومن أبرز المحدثين من أئمة الدعوة الإمام سليمان بن عبد الله آل الشيخ، وهناك رسالة علمية للباحث رياض بن عبد المحسن بعنوان: «جهود الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ في علم الحديث» ولازال الطالب-وفقه الله- يعمل في الرسالة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 ـ[ما رأيك في مطبوع إتحاف المهرة وكيف يستفيد منه طالب العلم؟ ]ـ كتاب «إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة» للحافظ ابن حجر من أنفع الكتب لطالب العلم وخاصة المحدث، وقد حوى هذا الكتاب أطراف أحاديث أحد عشر كتابا من كتب الحديث، وبعض هذه الكتب المطبوعة إمّا ناقصة أو مفقود بعضها مثل مسند أبي عوانة، وصحيح ابن خزيمة فمن فوائد كتاب «إتحاف المهرة» جبر هذا النقص، وكذلك الكتاب مليء بتعقبات ابن حجر على أصحاب الكتب وبيان علل الأحاديث والكلام على الرواة، وقد يسر الله ليّ فقمت بقراءة الكتاب كاملا-المطبوع منه- واستخرجت ما مرّ علي من فوائد نفيسة ونكت بديعة، وقد اقترحت على بعض الطلاب موضوعا مناسبا لرسالة علمية بعنوان «تعقبات ابن حجر في إتحاف المهرة على مستدرك الحاكم» وقد قام الباحث بجمع هذه التعقبات فبلغت قرابة السبعمائة. والنسخة المطبوعة من الإتحاف لا تخلو من تصحيف وتحريف مثل بقية الكتب، وبالنظر لضخامة الكتاب وكثرة الأسانيد وتشعبها نجد أنّ هذه التصحيفات والتحريفات ليست بكثيرة تشوه الكتاب وتمنع من الثقة به، ولزميلنا الفاضل الدكتور: ماهر الفحل عناية بجمع هذه التصحيفات والتحريفات نبه عليها في هذا الملتقى الطيب المبارك فجزاه الله خيرا ونفع به وبارك في جهوده. وعلى كل حال لا ينبغي لطالب العلم أن تخلو مكتبته من كتاب «إتحاف المهرة» لابن حجر، وكتاب «تحفة الأشراف» للمزي. ـ[للشيخ ناصر الفهد كتاب بعنوان [الجرح والتعديل عند ابن حزم ] هل اطلعتم عليه، وما مدى الاستفادة منه. ]ـ كتاب [الجرح والتعديل عند ابن حزم] للشيخ: ناصر الفهد كتاب نافع مفيد جمع فيه المؤلف أحكام ابن حزم على أكثر من 1300 راو، وقدم للكتاب بمقدمة قصيرة وجيدة عن منهج ابن حزم الحديثي فجزاه الله خيرا ونفع به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 وابن حزم كغيره من العلماء له وعليه، غير أنه يتنبه أنَّ لابنِ حزم في باب " علل الحديث" منهجاً يخالف أئمة الحديث ونقاده، ويوافق مشربه- رحمه الله-، بينه في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام"، قال ابنُ القيم: ((وأما تصحيح أبي محمد بن حزم له فما أجدره بظاهريته، وعدم التفاته إلى العلل والقرائن التي تمنع ثبوت الحديث بتصحيح مثل هذا الحديث، وما هو دونه في الشذوذ والنكارة، فتصحيحه للأحاديث المعلولة وإنكاره لنقلتها نظير إنكاره للمعاني والمناسبات والأقيسة التي يستوي فيها الأصل والفرع من كل وجه والرجل يصحح ما أجمع أهل الحديث على ضعفه، وهذا بيّن في كتبه لمن تأمله)) الفروسية (246)، وقد صرّح ابن حزم ببعض هذه الأقوال في كتابه " الإحكام في أصول الأحكام" (2/ 90، 149)، وكلام ابن القيم -على قصره- بيّن منهج ابن حزم في علل الحديث: فهو لا يلتفت إليها ألبتة فهو يقبل زيادة الثقة مطلقاً، ولا يرى التفرد علة أصلاً بدون تفصيل، ويرى أنَّ الحديث الضعيف لا يتقوى بالضعيف ألبتة بدون تفصيل، وأي حديث رواه ثقة -أي ثقة-فهو في غاية الصحة، وأي حديث رواه ضعيف -أي ضعيف- فهو في غاية السقوط!!. وقال الذهبيُّ: ((ولي أنا مَيْلٌ إلى أبي محمد لمحبته في الحديث الصحيح، ومعرفته به، وإن كنتُ لا أُوافقه في كثيرٍ مما يقولهُ في الرجال والعلل، والمسائل البشعة في الأصول والفروع، وأقطع بخطئه في غيرِ ما مسألة، ولكن لا أكفّره ولا أضللُه، وأرجو له العفوَ والمسامحة وللمسلمين. وأخضعُ لفرط ذكائهِِ وسعة علومه)). سير أعلام النبلاء (18/ 201). ويتنبه لتشدد ابن حزم في توثيق الرواة، وكذلك تسرعه في تجهيل الرواة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 ـ[: أسأل عن معنى قول الشافعى رحمه الله فى الرسالة: «ويكون إذا شرك أحداً من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه ووجد حديثه أنقص، كانت في هذه دلائل على صحَّة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفت أضرَّ بحديثه حتَّى لا يسع أحداً منهم قبول مرسله»، وما رأيه فى قبول زيادة الثقة؟ ]ـ وضع الإمام الشافعيُّ شروطا لقبول المرسل، شروطا في المُرسِل، وشروطا في الخبر الذي يرسله، ومن الشروط التي وضعها في المُرسِل الشرط الثالث الذي وقع السؤال عنه وهو قوله: «ويكون إذا شرك أحداً من الحفاظ في حديث لم يخالفه، فإن خالفه ووجد حديثه أنقص، كانت في هذه دلائل على صحَّة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفت أضرَّ بحديثه حتَّى لا يسع أحداً منهم قبول مرسله». فمضمون شرط الشافعي هذا أنّ من علامةِ المتقنين عند المخالفة نقصان الرواية قَالَ العلائيّ: ((الأمر السادس: أنْ ينظرَ إلى هذا الذي أرسلَ الحَدِيث فإنْ كَانَ إذا شرك غيره من الحفاظ في حَدِيث وافقه فيه ولم يخالفه دلّ ذلك على حفظه، وإن كَانَ يخالف غيره من الحفاظ فإن كانت المخالفة بالنقصان إما بنقصان شيء من متنه أو بنقصان رفعه أو بإرساله كَانَ في هذا دليل على حفظه وتحريه كما كَانَ يفعله الإمام مالك رحمه الله كثيرا، قَالَ الشافعي رحمه الله: النّاس إذا شكوا في الحَدِيث ارتفعوا، ومالك إذا شك فيه انخفض. يشير إلى هذا المعنى، وإن كانت المخالفة للحفاظ بالزيادة عليهم فإنها تقتضي التوقف في حديثه، والاعتبار عليه بالمتابعة أو الشاهد ... )) إلى آخر ما حرره العلائي في كتابه جامع التحصيل فليراجع. وَقَالَ ابنُ رَجَب: ((ورخص طائفةٌ في النقص في الحَدِيث للشك فيه دون الزيادة، منهم مجاهد وابن سيرين، وروى أيضا عَنْ مالك أنه كَانَ يترك منه كل ما شك فيه)) شرح علل الترمذي (1/ 430). الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 وَقَالَ الذهبي -تعليقاً على قول ابن عدي أنَّ ثقات البغداديين "يرفعون الموقوف، ويصلون المرسل، ويزيدون في الإسناد"-: ((قلتُ: بئستْ الخصال هذه!، وبمثلها ينحط الثقة عَنْ رتبه الإحتجاج به، فلو وَقَفَ المُحَدّث المرفوعَ أو أرسلَ المتصل لَسَاغَ لَهُ كَمَا قِيلَ: أنقصْ مِنْ الحَدِيث ولا تزدْ فيه)) سير أعلام النبلاء (13/ 513). وأما رأيه في زيادة الثقة فيؤخذ من كلام الشافعي السابق أن الزيادة ليست مقبولة من الثقة مطلقا كما يقوله كثير من المتأخرين، بل حسب القرائن والمرجحات كما هو مذهب كبار أئمة الحديث، وقد ذكر ذلك العلائي في كتابه المذكور. ـ[ الخطيب البغدادي هل يعتمد على توثيقة إذا ما كان هناك قول ثاني وهل هو متساهل أم معتدل ؟ ]ـ نعم يعتمد على الخطيب البغدادي في الجرح والتعديل وينظر في أقواله كما ينظر في أقوال بقية النقاد من حيث الموافقة والمخالفة، وقد ذكره الذهبي في رسالته: «ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل» وأقواله في البغداديين لها مزية على غيره، وكذلك أقواله في طبقة شيوخه وشيوخ شيوخه، والغالب عليه الاعتدال. ـ[رأيك حرب بن ميمون: أبو الخطاب الأكبر، أولعله ميمون بن حرب. ]ـ الذي يظهر لي أنّ التحقيق أنهما اثنان: الأوّل: حرب بن ميمون أبو الخطاب الأنصاري وهو حرب الأكبر وهو ثقة. الثاني: حرب بن ميمون، صاحب الأغمية وهو ضعيف. قال الفلاس وغيره: حرب بن ميمون الأصغر ضعيف الحديث، وحرب بن ميمون الأكبر ثقة. قال الذهبيُّ: «وقد جعلهما واحداً أبو عبد الله البخاري ومسلم والذي لا شك فيه ولا مرية أنهما رجلاً ن، قال عبد الغني الأزدي: هذا مما وهم فيه البخاري». الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 ـ[في موضوعك عن أحاديث الربا تكلمت عن أن أحمد يعل الأحاديث في مسنده إذا روى بعدها طريق موقوفة فأحب - وفقك ربي - تعطيني أمثلة متعددة ودراسة للموضوع وهل فيه كلام للعلماء في نفس الموضوع؟ ]ـ نعم الإمام أحمد بن حنبل في مسنده يشير إلى إعلال بعض الأخبار، وليس ذلك بمنهج مطرد له، إنما هي كما عبرت إشارات، وقد جمعها بعض الباحثين فلم تتجاوز العشرين، وقد أشار إلى ذلك المعلمي في الفوائد المجموعة. ـ[ما رأيك في المطبوع من تاريخ الفسوي المعرفة والتاريخ؟ ]ـ تاريخ الفسوي «المعرفة والتاريخ» بتحقيق أكرم العمري كتاب قيم -على النقص الذي فيه-، والمحقق بذل جهدا طيبا في العناية بالكتاب وفهرسته، والله أعلم. ـ[بعض رواة السؤالات عن العلماء الأئمة تُكُلِّم فيهم، كمحمد بن عثمان بن أبي شيبة، وكهاشم بن مرثد الطبراني أبي سعيد. فهل يؤخذ بنقلهم؟ ]ـ الأصل في مثل من هذه حاله أن يقبل قوله في هذه النقول ما لم يكن في النقل ريبة تدل على وهم أو خطأ. ـ[هل لك أن تحدثنا عن بعض الجوانب التي عرفتها عن الشيخ عبد الله السعد حفظه الله؟ ]ـ أما ما يتعلق بشيخنا المحدث أبي عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن السعد فقد كتبتُ مع بعض الزملاء المقربين من الشيخ ترجمة موسعة عن الشيخ تحدثنا فيها عن سيرته الذاتية والعلمية والعملية، وسوف تطبع هذه الترجمة في مقدمة سلسلة آثار الشيخ عبد الله السعد-إن شاء الله تعالى-. ولعلي أذكر هنا ما لم يذكر في الترجمة الآنفة الذكر، وقبل ذلك أنبه على أمور: الأوَّل: أنَّ شيخنا-حفظه الله وبارك في عمره- كاره للترجمة له ولكن مع إلحاح بعض المحبين وبيان أن الترجمة لن تحمل غلوا ولا إطراء، بل يذكر فيها ما يفيد طالب العلم علما وعملاً على غرار منهج المحدثين في التراجم والسير استجاب الشيخ جزاه الله خيرا فكُتبت الترجمة السابقة بالشرط المذكور. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 الثاني: أنّ ما أذكره هنا عن شيخنا هو نتاج معرفتي بالشيخ وصحبتي له منذ صغري، لازمته فيها أوقاتا طويلة سفرا وحضرا، وربما نقلت بعض أخبار الشيخ عن زملائي المقربين من الشيخ مثل الشيخ: سامي بن محمد بن جاد الله-المشرف على دار المحدث- وغيره. الثالث: أني لن أذكر التفصيلات العلمية واختيارات الشيخ فليس هذا موضع ذكرها، ثمَّ هي مبثوثة في هذا الملتقى الطيب المبارك «ملتقى أهل الحديث»، والمقصود هنا ذكر منهج الشيخ العام وأصول هذا المنهج حسب ما تبين لي. وقد رأيتُ أن يكون الكلام عن شيخنا من خلال محورين: الأوَّل: لمحات من منهج الشيخ العلمي. الثاني: لمحات من منهج الشيخ العملي. الأوَّل: لمحات من منهج الشيخ العلمي من منهج الشيخ: - «ربط طالب العلم بالمصادر الأصلية في كل فن»: من ذلك أن شيخنا يعتني كثيرا بالمصادر الأصلية في كل فن، ومنه علم الحديث وفروعه، فقد ربى طلابه على ذلك من البداية مما جعل عندهم معرفة كبيرة بكتب المتقدمين وكيفية التعامل معها، والحرص على تحصيلها، وفهم ألفاظ مؤلفيها ومصطلحاتهم، ومن هذه الكتب: كتاب «العلل» لعلي بن المديني، وكتب ابن معين، وأحمد، والبخاري، ومسلم وغيرهم كثير. وهذه العناية جعلت بعض الناس يظن أنّ الشيخ لا يعبأ بكتب الأئمة المتأخرين، وهذا خطأ كبير على الشيخ، فالشيخ يحث على الاستفادة من هذه وتلك، ولكنه ينزل كلاً منزلته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 وقد صرّح الشيخ بهذا المعنى فقال في كلامٍ له: «ولا يظن أنني عندما أدعوا إلى السير على طريقة الأئمة المتقدمين في علم أصول الحديث أنني أدعوا إلى عدم الأخذ بكلام من تأخر من أهل العلم والاستفادة منهم، هذا لم أقل به ولا يقول به عاقل، ومع الأسف ظن بعض الإخوان هذا، ثم عندما ظن هذا الظن السئ وتخيل بعقله هذا الرأي الفاسد أخذ يرد بسذاجة واضحة على هذا القول حتى إنه عندما أراد أن يؤيد رأيه ضرب مثلاً بأبي الفداء ابن كثير وأتى بمثال يبين فيه أن ابن كثير يستطيع أن ينقد الأخبار ويبين العلل التي تقدح في صحه الحديث. فيا سبحان الله! هل هذا الإمام الجليل، والحافظ الكبير يحتاج إلى أن تأتي بمثال حتى يشهد له بالعلم بالحديث ومؤلفاته كلها تشهد بعلو كعبه في هذا العلم وتمكنه من صناعة الحديث حتى كأن السنة بين عينيه، حتى أن طالب العلم ليعجب من هذا العالم الجليل عندما يسوق الأخبار من كتب الحديث بأسانيدها ثم يؤلف بينها ويتشبه في هذا بمسلم ابن الحجاج وأبي عبد الرحمن النسائي هذا مع الكلام على أسانيدها ونقد متونها وهو رحمه الله تعالى من البارعين في نقد المتون، حتى أنه عندما يتكلم في باب من أبواب العلم يغنيك عن الرجوع إلى كتب كثيرة كما فعل عندما ساق حجة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم منذ خروجه من المدينة إلى مكة إلى رجوعه، ويأخذك العجب من استحضاره وقوة علمه وجلالة فضله، وهذا جزء يسير من كتابه النفيس (البداية والنهاية) الذي ذكر فيه بدء الخليفة إلى قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى زمنه يسوق النصوص من كتاب الله ومن السنة النبوية ومما جاء من الصحابة والتابعين وهلم جرا. وتفسيره النفيس الذي أتى فيه بالعجب وفسر فيه القرآن بالقرآن، وبالسنة والآثار التي جاءت عن الصحابة والتابعين. فمن أنكر علم هذا الفاضل إما أن يكون إنساناً غاية في البلادة أو ممن أعمى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 الله بصره وبصيرته، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» انتهى كلام الشيخ والشيخ كذلك إنما ينتقد من يغرق في المباحث النظرية ويغرق معه طلابه في أمور لا ثمرة لها إنما هي مباحث انتقلت إلى علم الحديث من كتب الأصوليين الذين يولعون بالحدود والتعريفات الجامعة المانعة، وقد شرح الشيخُ عددا من كتب علوم الحديث المتأخرة مثل كتاب «الاقتراح» لابن دقيق العيد، وكتاب «الموقظة» للذهبي، وكتاب «شرح علل الترمذي» لابن رجب، وكتاب «نخبة الفكر» لابن حجر. - «العناية بالتطبيق العملي مع النظري»: من ذلك أن الشيخ يوصي دائما بدراسة علم الحديث من خلال دراسة موطأ الإمام مالك بن أنس، فيعرف بحال الإسناد والمتن والمصطلحات التي تدور عليهما، وسبب اختيار الشيخ للموطأ قلة رجاله من جهة وثقتهم من جهة أخرى، وكذلك غالب رجال الموطأ ممن يدور عليهم الاسناد مما ينمي في طالب العلم مهارة معرفة مخارج الأسانيد وعلل الأخبار .. وغير ذلك من الفوائد. ومن تطبيقات هذا الجانب أني مع بعض الزملاء نقرأ على الشيخ كتاب «تهذيب التهذيب» ترجمة ترجمة قراءة مدارسة وتحقيق وبحث فنقرأ الترجمة أولا ثم نتوسع في النظر في كتب الرجال المتقدمة والمتأخرة، وربما تتبعنا أحاديث الراوي التي استنكرت عليه مما ذكره العقيلي أو ابن عدي وغيرهما، ثم بعد بحث واسع يملي الشيخ خلاصة الكلام على ذلك الراوي. - «العناية بالتقسيمات والتقعيد من غير تكلف»: من تأمل منهج الشيخ رأى عنايته بالتقسيمات والتقعيد سواء في علم العقيدة أو الحديث أو الفقه، وللشيخ دروس عديدة في تقعيد علم علل الحديث، وعلم الرجال، وغير ذلك مما هو مبثوث في دروس الشيخ ومحاضراته. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 - «تنمية ملكة الاستقراء والتتبع»: الشيخ كثيرا ما ينصح بتتبع أحاديث الرواة والتأكد من سلامتها، ويطبق ذلك عمليا كما هو بين في كتابات الشيخ ودروسه، وكذلك يطلب أحيانا من بعض طلابه تتبع ألفاظ بعض الأئمة ومصطلحاتهم، وكان لهذا أكبر الأثر في تعليم هؤلاء الطلاب وتمرينهم. - «استفادة الشيخ من تحريرات الحافظ ابن رجب والعلامة المعلمي»: كثيرا ما يحث الشيخ على الاستفادة من كتب الحافظ ابن رجب خاصة كتابه «شرح علل الترمذي» والعلامة المعلمي خاصة كتابه «التنكيل». - «العناية بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكتب أئمة الدعوة»: كثيرا ما يوصي الشيخ طلاب العلم بقراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكتب أئمة الدعوة، خاصة لمن أراد معرفة العقيدة الصحيحة وما يناقضها. - «البدء بالأهم فالمهم، وترتيب الأولويات، وعدم الاشتغال بالوسيلة عن الغاية»: ينبه الشيخ على هذه المسألة في كثير من دروسه، ويبين أنّ الاسناد وسيلة فلا ينبغي أن يشتغل به عن الغاية وهي معرفة الصحيح من الضعيف، والتفقه في النصوص والاستنباط منها. وكثيرا ما نبه الشيخ طلاب العلم على الاهتمام بالعقيدة وتعلمها والعناية بذلك، وإنزال المسائل العلمية منزلتها بدون إفراط ولا تفريط. - «قوة حفظ الشيخ وسرعة استحضاره للنصوص والشواهد»: وأذكر أني عدة مرات أراجع بعض الأحاديث وأطيل البحث فيها وعللها ثم أخرج بخلاصة معينة عن هذا الحديث وربما تكون هذه الخلاصة عندي دقيقة وما إنْ ألقى شيخنا وأذكر له الحديث إلاّ ويقول -بعفوية ودون تكلف- الراجح في هذا الحديث كذا وكذا؟؟! نفس الخلاصة التي خرجت بها بعد بحث طويل!. وهذا الموقف لم يقع مرة ولا مرتين ولا ثلاثا ... بل أكثر من ذلك!، وأكاد أجزم أنّ كثيرا من الأخوان ممن يعرف الشيخ وقع لهم مثل ذلك .. ربما مرات .. ودروس الشيخ المسجلة تدل على ذلك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 - «محبة الشيخ للتعليم وإلقاء الدروس وانصرافه عن التأليف»: شيخنا عنده جلد كبير في تعليم الناس وإلقاء الدروس والكلمات والمحاضرات بل لا يكاد يمر عليه يوم إلاّ وله درس أو كلمة أو محاضرة أو لقاء علمي، وقد بلغت دروس الشيخ المسجلة قرابة (600) ساعة-علما أن كثيرا من الدروس لم تسجل-، والكتب التي شرحها كثيرة جدا ومتنوعة في جميع الفنون، وقد ذكرنا الكتب التي شرحها الشيخ بتوسع في الترجمة المفردة للشيخ-يسر الله نشرها-. وهذا من أسباب عدم تأليف الشيخ علما أنَّ للشيخ بعض الكتابات القليلة مثل: «رسالة في حديث جابر في الجمع بين أدعية الاستفتاح»، «رسالة في تضعيف حديث أبي هريرة: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير» -وكلاهما لم يطبع بعد-، وقد قدم الشيخ لأكثر من عشرين كتابا وقد جمعت هذه المقدمات وسوف تطبع قريبا-إن شاء الله تعالى-. - «تنوع معارف الشيخ العلمية»: فالشيخ له مشاركات جيدة في جميع الفنون وخاصة الأنساب القديمة والمعاصرة، ومن جالس الشيخ بان له ذلك. - «العناية بالدليل من الكتاب والسنة، ودقة الاستنباط منهما»: قلما يورد الشيخ مسألة إلاّ ويعتني بذكر دليلها من الكتاب والسنة ويبين وجه الدلالة. - «مجالس الشيخ مجالس علم وذكر لا يتطرق فيها للدنيا إلاّ نادرا»: قلما تخلو مجالس الشيخ من قراءة وذكر وفائدة، فالشيخ في سفره وحضره لا بدّ من مصاحبة كتب تقرأ عليه، وقد سافرتُ مع الشيخ مرات عديدة وفي جميع هذه الأسفار كنا نقرأ ونبحث ونراجع وربما أخذنا معنا حاسوبا ليسهل لنا عملية البحث والمراجعة وتحرير المسائل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 المحور الثاني: لمحات من منهج الشيخ العملي وقد عرفتُ عن الشيخ في هذا المحور أمورا منها: - «قيام الليل»: من خلال ملازمتي للشيخ سفرا وحضرا لم أره ترك قيام الليل، ولذا كان شيخنا يحب الانفراد في مكان خاص في السفر فإذا كنا في منزل فالشيخ يحب أن يكون في غرفة خاصة لا يراه أحدٌ، وإذا كنا في مخيم فهو يحب أن يكون في خيمة منعزلة، يَعرفُ هذا من سيرة الشيخ من سافر معه. ولا يخفى أهمية قيام الليل وفضله، ونصوص الكتاب والسنة في هذا الباب كثيرة، فينبغي لطالب العالم العمل بالعلم وقيام ما تيسر من الليل. قَالَ ابنُ مفلح: «باتَ عند الإمام أحمد رجلٌ فَوَضع عنده ماء، قالَ الرجلُ: فلم أقمْ بالليل، ولم أستعمل الماء، فلمَّا أصبحتُ قال لي: لِمَ لا تستعمل الماء؟ فاستحييتُ وسكتُّ، فقالَ: سبحان الله! سبحان الله! ما سمعتَ بصاحب حديثٍ لا يقوم بالليل. وجرت هذه القصة معه لرجلٍ آخر فقال: أنا مسافر، قالَ: وإن كنت مسافراً حَجَّ مسروقٌ فما نام إلاّ ساجداً، قال الشيخ تقيّ الدين: فيه أنه يكره لأهل العلم ترك قيام الليل، وإن كانوا مسافرين» الآداب الشرعية (2/ 169) .. ومن لطائف ما مرّ علىّ في هذا قول إبراهيم بن محمد بن رزق: لما ولي حفص بن غياث القضاء بالكوفة قال لهم أبو يوسف: اكسروا دفترا لتكتبوا فيه نوادر قضاياه فمرت قضاياه وأحكامه كالقدح، فقالوا لأبي يوسف: أما ترى؟! قال: ما أصنع بقيام الليل!! - يريد أن الله وفقه بصلاة الليل في الحكم. تاريخ بغداد (8/ 194) - «كثرة الحج»: الشيخ ملازمٌ للحج منذ أن عرفته، ولم أره ترك الحج إلاّ نادرا ولظرف شديد، ومن سيرته في ذلك: - أنه يحج مع خواص تلاميذه في الغالب أمثال: الشيخ خالد السويح-وله مكانة خاصة عند الشيخ-، والشيخ: عبد الله الدهيشي، والشيخ: عبد المجيد الوهيبي، والشيخ: خالد العقيل، والشيخ: عبد المجيد العجلان، والشيخ: نائل النائل وغيرهم. -والشيخ لا يحج إلاّ من نفقته الخاصة، ويحرص على التمتع، فهو يميل إلى وجوب التمتع لمن لم يسق الهدي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 -ومن سيرة الشيخ أنه يذهب قبل يوم التروية بعشرة أيام وذلك من أجل الدعوة إلى الله وبيان عقيدة التوحيد والتحذير من الشرك مستغلا وجود الحجيج وفراغهم كل ذلك محتسبا الأجر والمثوبة من الله. - «طول الصلاة وحسنها»: الشيخ - وفقه الله - طويل الصلاة، نادر الحركة، يحرص على تطبيق جميع السنن الواردة في الصلاة، ومنها جلسة الاستراحة وغيرها، والحق أني إذا رأيتُ صلاة الشيخ تذكرت الإمام شعبة بن الحجاج، الذي قال عنه أبو قَطَن: ما رأيتُ شعبةَ ركع قط إلا ظننت أنه قد نسي، ولا سَجَدَ إلا ظننت أنه قد نسى. حلية الأولياء (7/ 145)، تذكرة الحفاظ (1/ 193). - «لزوم المسجد عصر الجمعة تحريا لساعة الاستجابة»: من سنين والشيخ لا يفارق المسجد عصر الجمعة تحريا لساعة الاستجابة، وهو في ذلك بين دعاء، وقراءة قرآن أو مدارسة علم وتصفح كتاب. - «الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان»: لا أعلم الشيخ من سنين ترك هذه السنة، ويعتكف معه بعض تلاميذه المقربين، وللشيخ اجتهاد عظيم في هذه العشر فهو بين قراءة قرآن وذكر ودعاء وبكاء. - «البكاء من خشية الله»: كثيرا ما رأيتُ الشيخ يبكي في أحوال مختلفة ومناسبات متعددة، في يوم عرفته رأيتُه، وعند ذكر أحوال المسلمين وذلهم وهوانهم وتسلط الأعداء عليهم، وفي المواعظ، وقد حدثني أخي الشيخ خالد السويح أنّ الشيخ رتبت له محاضرة فلما بدأ أحد الأخوة بالتقديم للمحاضرة -وكان هذا الأخ واعظا من الدرجة الأولى-بكلمات فيها تذكير ووعظ بكى الشيخ بكاء شديدا، ولم يلق تلك المحاضرة!. - «رفع اليدين يوم عرفة من زوال الشمس إلى غروبها»: وقد حججتُ مع شيخنا مرات عديدة فرأيته يرفع يديه من زوال الشمس إلى غروبها لا ينزل يديه إلاّ إلى ما لا بدَّ منه من شرب ماء أو قضاء حاجة، ولا أعلم أحدا يفعل هذا في هذه الأزمنة، والله أعلم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وفي حديث أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قال: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خِطَامُهَا فَتَنَاوَلَ الْخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الْأُخْرَى. أخرجه النسائي وأحمد وصححه ابن خزيمة وبوَّب عليه بقوله: «باب رفع اليدين في الدعاء عند الوقوف بعرفة وإباحة رفع إحدى اليدين إذا احتاج الراكب إلى حفظ العنان أو الخطام بإحدى اليدين». صحيح ابن خزيمة (4/ 258). وأذكرُ أنَّ سائلا -سائل مال-جاء إلى الشيخ يسأله في يوم عرفة فغضب عليه الشيخ وكاد أن يبكي وهو يقول له: في مثل هذا اليوم، وهذا المكان تسأل غير الله؟! وأخذ ينصحه ويوجهه، وقد ذكرني هذا الموقف موقفا مشابها لهذا وقع للفضيل بن عياض قال بشر بن الحارث: رأى فضيل بن عياض رجلا يسأل في الموقف فقال له: أفي هذا الموضع تسأل غير الله عز وجل؟!. تاريخ مدينة دمشق (48/ 401) - «العناية بتطبيق السنن في كل شيء»: وعناية الشيخ بتطبيق السنن عظيمة وفي كل شيء: في لباسه، وفي أكله وشربه، وفي مشيه .. وغير ذلك. - «العناية بأخبار المسلمين وتتبعها ومساعدتهم قدر المستطاع»: للشيخ عناية كبيرة بأخبار المسلمين في أنحاء العالم، ويحرص على لقي العلماء منهم والسؤال عن أحوالهم وأحوال المسلمين، ويزور الشيخ في منزله كثير من العلماء وطلبة العلم من بلدان شتى. - «العناية بمجالسة العلماء والاستفادة منهم»: وقد كان الشيخ يكثر من زيارة العلماء وأذكر أنّ الشيخ كان يكثر من زيارة الشيخ: عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، والشيخ: إسماعيل الأنصاري رحمه الله، والشيخ: عبد الله بن قعود-شفاه الله- وغيرهم. ولا يزال الشيخ يقرأ على الشيخ: عبد الله بن عقيل في الفقه، والشيخ د. حسن حفظي في اللغة وعلومها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 - «عفة اللسان وعدم الخوض في تصنيف الناس وأعراضهم والنصح في ذلك»: تقدم أنَّ مجالس الشيخ مجالس علم وذكر لا يتطرق فيها للدنيا إلاّ نادرا، وكذلك لا يسمح الشيخ لأحد أن يتكلم في شخص في غيبته أبدا، وترى الكراهية والغضب في وجه الشيخ إذا فعل أحد ذلك. وأذكرُ أنَّ شخصا ذكر عند الشيخ مسألةً قالها أحد طلبة العلم، فقال أحد الحاضرين: هذه سمعنا منك يا شيخ قبل أن يُعرف فلان، فربما استفادها منك، فكره الشيخُ كلامه وقال -ما محصله- إنّ العلم رحم بين أهله، ولا ينبغي لطالب العلم أن يعود نفسه هذه الأخلاق، فينسب لنفسه المسائل والاختيارات، ويتهم الناس بأنهم سرقوا أفكاره وأقواله، وذكر أنَّ السلف رضوان الله عليهم يأتون بالمسائل العظيمة والفوائد النفيسة ولا يريدون أن تنسب إليهم خوفا على أنفسهم من الرياء والسمعة فكانوا من ذلك برآء لشدة إخلاصهم ومراقبتهم لربهم في أعمالهم وذكر قول الشافعي المشهور: «وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولا ينسب إلى شيء منه أبدا فأوجر عليه ولا يحمدوني»، ثم بين أن القبول من الله وأنّ الله إذا أحب عبدا أوقع حبه في قلوب الناس كما في الحديث المشهور ... إلى آخر ما قال الشيخ، وبين ونصح جزاه الله خيرا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 وكلام الشيخ هذا ذكرني بمقولة جميلة قالها أحد الفضلاء وهي: «إننا نحن (نحتكر) أفكارنا وعقائدنا، ونغضب حين ينتحلها الآخرون لأنفسهم، ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا، وعدوان الآخرين عليها! إننا إنما نصنع ذلك كله، حين لا يكون إيماننا بهذه الأفكار والعقائد كبيراً، حين لا تكون منبثقة من أعماقنا كما لو كانت بغير إرادة منا حين لا تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا! إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لأن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكاً للآخرين، ونحن بعد أحياء. إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح ـ ولو بعد مفارقتنا لوجه الأرض ـ زاداً للآخرين ورياً، ليكفي لأن تفيض قلوبنا بالرضى والسعادة والاطمئنان! (التجار) وحدهم هم الذين يحرصون على (العلامات التجارية) لبضائعهم كي لا يستغلها الآخرون ويسلبوهم حقهم من الربح، أما المفكرون وأصحاب العقائد فكل سعادتهم في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لأنفسهم لا إلى أصحابها الأولين! ». - «التجول في المدن والقرى للدعوة ونشر الخير ونفع المسلمين»: وقد خصص الشيخ سيارة خاصة للدعوة ونشر لخير وإلقاء الدروس في المدن والقرى وقد مرّ الشيخ على غالب مدن المملكة للدعوة، وله في كل مدينة تلاميذ ومحبون يتشوقون إلى لقائه والاستفادة منه، والشيخ لم يسافر قط خارج السعودية؛ لأنه لا يملك جوازا بسبب الصورة. - «الكرم والبذل على قدر الاستطاعة». - «الحرص على المداومة على الأعمال الصالحة». - «تواضع الشيخ الجم، وحسن أخلاقه، وسلامة صدره». هذه بعض اللمحات العامة والسريعة عن منهج الشيخ العلمي والعلمي مما سنح لي في هذا المقام، ونشطتُ لذكره وبيانه، وهذا «ما عرفته عن شيخي المحدث عبد الله السعد» ولعل الله أن ييسر مقاما أتوسع فيه أكثر ليستفيد طالب العلم من سير العلماء وطلبة العلم المعاصرين ويعرف لهم منزلتهم وقدرهم. نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يحفظ شيخنا وأن يمد في عمره على عمل صالح، وأن يثبته على دينه، وأن يحفظه من فتنة القول والعمل، وأن يجنبه الحساد والوشاة وأهل الشر والفساد، وأن يصبره على ما أصابه من بلاء لا يكاد يسلم منه داع للحق!، وأن يعظم أجره، وأن يغفر له ولوالديه ولأهله ولجميع المسلمين. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 الشيخ عبد الله الغنيمان تعريف مختصر بالشيخ عبد الله الغنيمان اسمه: عبد الله بن محمد بن عبد الله الغنيمان. مولده: ولد الشيخ في بلدة الشماسية من منطقة القصيم عام 1352هـ. نشأته وطلبه للعلم: نشأ الشيخ نشأة طيبة صالحة، فحفظ القرآن ثم تلقى العلم عن عدد من علماء القصيم كالشيخ محمد بن صالح المطوع، ثم التحق بالمدرسة السعودية بالشماسية عند افتتاحها، ولم يكمل دراسته فيها، حيث انتقل إلى الرياض، وطلب العلم على الشيخ عبد العزيز المرشد مدة سبع سنين درس عليه كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أكثر من مرة، وبعض مؤلفات ابن القيم، وبعض مؤلفات علماء نجد .. وفي عام 1377هـ، عاد إلى القصيم، والتحق بالمعهد العلمي ببريدة، وتخرج عام 1382هـ، ثم ذهب إلى الرياض، والتحق بكلية الشريعة، وفي مدة دراسته بالكلية، عاد للدراسة على شيخه عبد العزيز المرشد، ثم تخرج من الجامعة عام 1386هـ، واختير للقضاء بأمر من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم لكنه لم يقبل تورعا، وفي عام 1387هـ عين بأمر من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مدرسا بالمعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، ودرس به سنتين، ثم وجِّه للتدريس في الجامعة الإسلامية في كلية الشريعة، ودرس بها العلوم الشرعية، وقد تولى بعد ذلك رئاسة قسم الدراسات العليا بالجامعة. ودرس بالمسجد النبوي عشر سنين من عام 1405هـ -1415هـ. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 1 وبعد تقاعده من الجامعة عاد إلى بلده القصيم، وسكن في مدينة بريدة، وله دروس متعددة في عدد من مدن القصيم مؤلفات: 1 - شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري. طبع في مجلدين. 2 - مختصر منهاج السنة للشيخ الإسلام ابن تيمية. 3 - ثبات العقيدة الإسلامية أمام التحديات المعاصرة. 4 - المنهج الصحيح. 5 - تحقيق وتعليق على كتاب الصفات للإمام الدارقطني. 6 - ذم الفرقة والاختلاف في الكتاب والسنة. 7 - الهوى وأثره في الخلاف. 8 - لا يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها (رسالة). 9 - الإيمان حقيقته، وزيادته. 10 - دليل القارئ إلى مواضع الحديث من صحيح البخاري (مجلد). 11 - الطرق التي يعلم بها صدق الخبر من كذبه. 12 - أول واجب على المكلف. 13 - تحقيق كتاب "متشابه القرآن" للمناوي. وغيرها وللشيخ شروح مسجلة كثيرة منها: 1 - شرح الفتوى الحموية 14 شريطا. 2 - تفسير سورة الفاتحة شريط. 3 - شرح الأصول الثلاثة 5 أشرطة. 4 - شرح رياض الصالحين 6 أشرطة. 5 - شرح كتاب التوحيد ثلاث مجموعات. 6 - شرح كتاب "فتح المجيد" 107أشرطة. 7 - شرح كتاب "سنن أبي داود 55 شريطا. 8 - شرح كتاب"العقيدة الواسطية" وعددها 23 شريطا. 9 - شرح كتاب"الوابل الصيب" ... وعددها 19 شريطا. 10 - شرح كتاب"الصلاة لابن القيم" 11 شريطا، وغيرها وبعض هذه الشروح لم يكتمل. نسأل الله أن يبارك في الشيخ، وأن يمد في عمره على طاعته، وأن ينفع به المسلمين. وفي حياة الشيخ أشياء كثيرة حسنة، ولولا كراهته، وخشيتنا من غضبه لذكرنا شيئا من ذلك .. وصلى الله على نبينا محمد وآله، وصحبه. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 2 ـ[ هل يوجد في كتب العقيدة ما استوعب مسائلها جميعا ولو على سبيل الاختصار ، بحيث يكون مرجعا لجميع القراء في جميع بلاد المسلمين وغيرها. لأنني أجد الكتب التي بين يدي تتناول جزءا من مسائل العقيدة وليست شاملة. ]ـ لا يوجد في كتب العقيدة فيما نعلم كتابا يستوعب جميع مسائل العقيدة إلا كتاب الله تعالى، ثم سنة رسوله التي هي إيضاح، وبيان لكتاب الله، وذلك أن الذين كتبوا في العقيدة يذكرون المسائل التي وقع فيها خلل، أو خالف فيها أهل البدع. ـ[ما حكم التسمّي بـ (وجه الله)؟ ]ـ لا يجوز التسمي بوجه الله تعالى وتقدس، ولا بيد الله، ولا بصفة من صفات الله تعالى؛ لأن ذلك من خصائص الله تعالى، فلا يجوز إطلاقها على مخلوق، وقد أنكر الرسول على من تكنى بأبي الحكم. ـ[مارأيك - حفظكم الله - في قول من يقول أن طالب العلم يقتصر في هذا الوقت على كتب المعاصرين من أهل السنة لفهم العقيدة دون الرجوع إلى كتب المتقدمين - كابن منده وابن خزيمة والبربهاري. . ويعلل ذلك بأن الكتب المتقدمة حوت الكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة بخلاف كتب المتأخرين التي نُقحت وصُفيت من تلك الشوائب. ]ـ أرى أن هذا الرأي، مجانب للصواب، فكتب المتقدمين هي التي فيها العلم والبركة، وفيها التأصيل، ودقة الفهم، والاعتماد على الأصول، وإذا وجد فيها حديث ضعيف؛ فالغالب أنهم يبينون حكمه إما بالنص عليه أو ذكر سنده، والغالب أنهم يذكرونه للاستشهاد، والاعتضاد به، لا للاعتماد عليه، ومن الملاحظ على كتب المتأخرين كثرة الكلام في المسألة الواحدة حتى تقرأ الصفحات الكثيرة، ولا تخرج بطائل، وهذا خلاف كتب المتقدمين. ـ[قال إبن الجوزي رحمه الله في (تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر):. . " وبهذا العمر اليسير يشتري الخلود الدائم في الجنان والبقاء الذي لا ينقطع كبقاء الرحمن ... ". . ما رأيكم - بارك الله فيكم - في هذه العبارة؟ ]ـ أرى أن هذه العبارة لا يجوز إطلاقها، فالمخلوق يمتنع أن يشارك رب العالمين في صفاته، ومنها البقاء، فهو تعالى الأول والآخر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 3 ـ[ما صحة حديث: " أبى الله أن يقبل توبة صاحب بدعة حتى يدع بدعته ". . وكذلك: " من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام "؟ ]ـ أما الحديث "أبى الله أن يقبل توبة صاحب بدعة .. " رواه ابن ماجه، وابن أبي عاصم في السنة، وحسنه السيوطي وغيره. وأما حديث " من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام " فرواه الطبراني، وقال ابن الجوزي موضوع، وضعفه السيوطي. ـ[ما هي أفضل الكتب التي تكلمت عن البدع وأحكام المبتدعة ؟ ]ـ أفضل الكتب التي تبحث في البدع في نظري "الاعتصام" للشاطبي. ـ[ما قولكم في من يحضر مجالس أهل البدع التي يجري فيها الشرك بالله تعالى من دعاء الأموات والإستغاثة بغير الله. . . ويعتذر لنفسه بأنه لا يشاركهم في ذلك بل ماهو إلا مشاهد لا غير. ]ـ الذي يحضر مجالس البدع، بلا إنكار عليهم، ودعوة لهم إلى الحق = هو ظالم لنفسه يجب أن يتوب. ـ[ لا شك أن من ثبت كفره بالبرهان القاطع فإن تكفيره واجب، فهل يقال مثل ذلك في المبتدع الذي ثبتت بدعته؟ ]ـ المبتدع يختلف حكمه باختلاف بدعته، فقد تكون البدعة مكفرة؛ كدعاء الميت، والاستنجاد به، وقد لا تكون مكفرة؛ كالسؤال بجاه فلان مثلا. ـ[ما تقولون -أحسن الله إليكم- في الحديث القدسي؛ هل لفظه من الله، أم لفظه من الله والمعنى من النبي علما بأن كثيرا من الأحاديث القدسية المبثوثة في كتب السنة تختلف روايتها من كتاب لآخر؟ ]ـ الحديث القدسي: لفظه ومعناه من الله تعالى، غير أنه لا يتعبد بتلاوته، وليس هو معجزا، ويثبت بخبر الآحاد، وغير ذلك من الفروق بينه وبين القرآن ـ[ وما الرد على من يحتج على أن القرآن معناه من الله ولفظه من النبي أو من جبريل= باختلاف القراءات في الآية الواحدة؟ ]ـ ويجب أن يعلم الإنسان أن القرآن لفظه، ومعناه قول الله، وكلامه حقا، ولا يجوز أن يقال: لفظه من النبي أو جبرئيل. أما إضافته إلى الرسول في آية الحاقة، والتكوير، فلأنه مبلغ له، والقرآن نزل على سبعة أحرف كلها كلام الله تعالى. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 4 ـ[ ما وجه الدلالة من قوله عز وجل: فأجره حتى يسمع كلام الله على أن القرآن منزل غير مخلوق؟ فقد ذكرها اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد نقلا عن الحافظ الطبري رحمه الله تعالى. ]ـ وجه الدلالة من قوله تعالى: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ} [(6) سورة التوبة] واضحة، فإن الله أضاف الكلام إليه، والْمُسْمِع لكلامه هو الرسول، أو من يبلغ عنه. ـ[ كيف ندرس العقيدة لعوام المسلمين الذين يكثر بينهم الجهل والأخطاء والبدع ، فما هو المنهج التي تقترحه فضيلتكم لتعليم هؤلاء الناس العقيدة مع اعتبار أنه يصعب عليهم فهم الكتب المعروفة في العقيدة؟ ]ـ عقيدة الإسلام موافقة للفطرة التي فطر الله عليها بني آدم، فتعليم الناس اليوم لا يختلف عن تعليم الرسول لهم في وقته، غير أنه يجب أن يفهموا معنى الألفاظ، والكلمات في اللغة العربية، إذ أكثر الناس اليوم يجهلون اللغة العربية، وهو السبب في عدم فهم الشرع. والعوام يفهمون معاني ما قاله الله وقاله رسوله مما يلزم كل مسلم ومسلمة مثل: معنى لا إله إلا الله ومعنى العبادة ومعنى الإله ونحو ذلك وكذلك الوضوء والصلاة وما لا بد للمسلم منه. ـ[ كيف نستطيع أن نبحث مسألة عقدية؟ ]ـ المسائل العقدية وغيرها تبحث من كتاب الله وسنة رسوله وهما أبين وأقرب إلى الفهم من كلام الناس. ـ[ ما هو المنهج الصحيح لطالب علم العقيدة؟ ]ـ المنهج الصحيح لطالب علم العقيدة أن يبدأ بالأهم ثم الأهم كما في حديث جبريل عليه السلام. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 5 ـ[تناقش بعض الأخوة في مسألة علة قتل الكفار هل هي الكفر أم المحاربة فما هو الصحيح في هذه المسألة؟ ]ـ قال الله تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله .. ) والفتنة هي الشرك. ـ[ هل هذه العبارة صحيحه (إن نعمة الأمن والاستقرار أعظم النعم كلها بعد نعمة الإسلام) ، وقد قدمها الله - سبحانه وتعالى- على لسان خليله إبراهيم على التوحيد بدليل قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35]]ـ بل نعمة الإسلام هي أعظم نعم الله على عبده فإن الدنيا لا استقرار فيها، ولهذا قيل: الحياة باطل، والموت حق. ـ[هل هناك من أهل السنة من قال: بأن الإعانة المجردة للكفار على المسلمين لا تكون كفراً إلا إذا اقترنت بالاستحلال أومحبة الظهور للكفار؟ وهل هذا القول صحيح؟ ]ـ لا أعلم أحداً قال ذلك وقصة حاطب مشهورة وقد قال الله فيها (ومن يفعله منكم فقد ظل سواء السبيل). ـ[ هل صحيح أن وثيقة صلح الحديبية وثيقة كفرية؟ وعلى هذا يجوز التوقيع على الوثائق الكفرية التي فيها معارضة للإسلام لفعل الرسول ذلك في وثيقة صلح الحديبة]ـ . هذا قول سوء قاله جاهل يجب أن يتعلم بل هي وثيقة فتح للإسلام والمسلمين كما سمى الله تعالى ذلك فتحاً. ـ[ما حكم إعانة الكفار على المسلمين ، وهل يشترط في التكفير به قصد علو دين الكافرين، أم أن مجرد الإعانة كفر مخرج من الملة، وهل من قائل من أهل السنة المتقدمين بشرطية قصد علو الدين في التكفير بالإعانة؟ ]ـ من أعظم المحرمات وقد يكفر الفاعل لذلك مع العلم والقدرة ولا أعلم أحداً من العلماء المعتبرين قال بالشرط المذكور في السؤال. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 6 ـ[متى يسمى الرجل (خارجياً) هل بمجرد الخروج على الحاكم الشرعي أم بالقول بأصل الخوارج؛ تكفير فاعل الكبيرة؟ ]ـ الخوارج هم الذين يكفرون بالذنوب، وأما الخروج على الإمام فيشترك معهم في ضلالهم المعتزلة، وقد جاءت النصوص الكثيرة تحذر منه، ولكنهم خالفوها. ـ[ ما ضابط التقنين المخرج من الملة ؟ وهل يصح أن يقال: إن من الأنظمة الوضعية ما ليس مخرجاً من الملة، وما صورة ذلك؟ ]ـ ضابطه استبدال الشرع بالقانون الوضعي. ـ[ هل يصح أن يقال عن الأشاعرة أنهم من مجمل أهل السنة والجماعة ، وأن خلافهم مع أهل السنة هو خلاف في الصفات فقط؟ ]ـ الأشاعرة هم من أهل السنة في مقابل الرافضة وليسوا من أهل السنة المحضة. ـ[انتشر - شيخي الفاضل - في الآونة الأخيرة فكر دخيل على مجتماعاتنا، ألا وهو الفكر العصراني ، وقد استشكل جمع من الأخوة عدة أمور في هذا الشأن أهمه بالنسبة لي: ما هو التعريف المناسب للعصرانية؟ وما أبرز أصولها وسماتها المميزة لها؟ ]ـ العصرانية حركة تسعى لتطويع الدين للحضارة الغربية، وهي مستوردة من اليهود والنصارى، ومعتنقوها مبهورون بالغرب، ومزدرون للمسلمين ودينهم. ـ[ذكر بعض أهل العلم المعاصرين في باب أحكام أهل الذمة أنه لا تجوز غيبتهم . . فهل هذا صحيح , أم أن غيبتهم جائزة؟ ]ـ الجواب: القرآن يدل على أنه لا غيبة له قال تعالى {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} والكافر ليس بعضا لنا، وقال تعالى {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} والكافر ليس أخ لنا. ـ[ هل الإعجاب بصناعة الكفار وربما مجدناهم في صنعهم لجودة الصناعة لديهم وربما كتبت فيهم الأشعار من الكثير ,, هل هذا الإعجاب يعتبر من الولاء لهم؟ ]ـ الجواب: الإعجاب بإتقانهم الصنعة ليس من موالاتهم إلا إذا أحبهم لذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 7 ـ[ ما القول الراجح في نظركم في صحة توبة من سب الرسول صلى الله عليه وسلم؟ من حيث تطبيق الحد عليه؟؟ ]ـ أما بالنسبة لنا فلا توبة له، وأما بينه وبين الله فإذا صدق فلا أحد يحول بينه وبين والتوبة، وكذا من سب الله تعالى. ـ[ما رأيكم شيخنا الفاضل في من يشترط للتكفير كون الأمر المكفر به مجمعاً عليه؟ ]ـ هو اشتراط باطل، وإنما الشرط ثبوت المكفر بالكتاب أو السنة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 8 لدي بعض الأسئلة حول قضية التصويت والبرلمان : ـ[ما حكم التصويت في الانتخابات البرلمانية التشريعية التي تقام في البلاد التي تحكم بالقوانين الوضعية. فقد كثر الجدال حول هذه القضية في الآونة الأخيرة خصوصا في بريطانيا وأمريكا. ]ـ ـ[ما حكم من يصوت ويقول هو - أي النائب - أدرى من غيره بمصلحتي، وسيعارض القوانين المخالفة لشريعة الله، رغم أنه متاح الفرصة بأن بقبل أو يخالف (أي أنه منح هذا الحق، لكن لن يستعمله في معصية الله)]ـ ـ[ما حكم من دخل هذه البرلمانات من المسلمين؟ ]ـ ـ[ما رأيك في من يقول إن الذين يقولون بالتحريم والكفر هم قلة، شواذ في الرأي؟ ]ـ ـ[ما رأيك في من استدل بالحديث الآتي على جواز التصويت وقارن بين الدعاء من أجل النجاشي بالنصر والتمكين في بلاده بالتصويت في الانتخابات التشريعية؟. . والحديث: (عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي .... إلى أن قالت: قالت فوالله إنا على ذلك إذا نزل به يعني من ينازعه في ملكه قالت فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك تخوفا أن يظهر ذلك على النجاشي فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه قالت وسار النجاشي وبينهما عرض النيل قالت فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر قالت فقال الزبير بن العوام أنا قالت وكان من أحدث القوم سنا قالت فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ثم انطلق حتى حضرهم قالت ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده واستوسق عليه أمر الحبشة فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بمكة). . رواه أحمد والبيهقي، وهذا اللفظ لأحمد من طريق ابن إسحاق قال: حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة. ]ـ ـ[هل هذه من المسائل الاجتهادية الخلافية؟ ]ـ ـ[ما رأيكم في من احتج بأن هذا النظام الديمقراطي سائر، مفروض عليك، ولا يمكن تغييره في المدى القريب، فإن لم نصوت فسيأتي من هو أسوأ لنا وللمسلمين وعلينا أن نتحرى ونبحث عن مصلحتنا وما شابه هذا الكلام؟ ]ـ هو معاون في حكم الطاغوت، وكذا بقية الأسئلة. وأما قصة النجاشي فلا دليل فيها. وليست هذه مما يسوغ فيه الخلاف، لأنها مصادمة لنصوص الكتاب. ولا يجوز للمسلم أن يخضع للقانون إلا مكرها. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 9 ـ[شيخنا نريد توضيح ما إذا كان من عقيدة أهل السنة إجراء البيعة لغير ولي الأمر بأي من أنواع البيعة المختلفة؟ وما هو المٌحرَّم في ذلك والمٌبتدَع؟ ]ـ البيعة تكون لإمام المسلمين للأدلة على ذلك، وغيره لا يبايع. ـ[استشكل علي قتال أبي بكر لمانعي الزكاة . فإن الحديث الثابت الصحيح إنما يشير إلى قتالهم لبغيهم وتركهم الزكاة. وفي السير والتواريخ نجد أنه قاتل أهل الردة ولم أقف على نص يشير أنه قاتل فعلا مانعي الزكاة فهل توجد أخبار عن ذلك غير الكلام الذي بين الشيخين رضي الله عنهما]ـ ثبت في الصحيحين في مراجعة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، وقول أبي بكر له " والله لو منعوني عقالا كانوا يأدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ". ـ[ما رأيكم أيها الشيخ بما وجد من فتاوى لأئمة الدعوة النجدية في كتاب الدرر السنية الطبعة الحديثة باب حكم المرتد الجزء التاسع من تكفير لبعض الأعيان والأشخاص وهل يطبق رأيهم في هذا الزمن أرجوا من فضيلتكم الإجابة بالتفصيل والله يحفظكم ويرعاكم. ]ـ حكم الشرع ما يتبدل، ولا يختلف باختلاف أحوال الناس، فإذا وقع الإنسان في الكفر، وأقيمت عليه الحجة، وكشفت الشبه إذا كان لديه شبهة؛ وجب تكفيره؛ لأنه حكم شرعي. ـ[فضيلة الشيخ: ما هي أقرب الأوجه في تخرج جواز الصلاة في المسجد النبوي مع وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ؟ ]ـ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبر في المسجد، وإنما قبر في بيته، فلما أدخل الوليد بن عبد الملك حجر زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم برأيه وسياسته جعل حوائل دون القبر لا أحد يصل إليه، ولا تزال تلك موجودة، وبني عليه جدارا مثلثا ينتهي من جهة الشمال بزاوية بحيث لا يستطيع أحد أن يستقبل القبر، والمقصود أنه كما قال الصنعاني رحمه الله: هو فعل الملوك لا دليل فيه على المدعى. ـ[ هل العمل شرط كمال في الإيمان أم شرط صحة ، وهل الخلاف هنا يندرج ضمن خلاف التنوع؟ ]ـ العمل ركن في الإيمان لا يمكن وجود إيمان بلا عمل. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 10 ـ[ إذا علم أن العور مطلق العيب، وصح أن الدجال أعور اليمنى واليسرى، فما دلالة حديث (إن ربكم ليس بأعور) على ثبوت العينين لله جل علا؟ ]ـ العور عمى إحدى العينين، ولذلك صار هذا الحديث دليلا على ثبوت العينين لله تعالى. ـ[ هل يشترط في القسم أن يكون تلفظا باللسان , أم يمكن أن يكون مكتوبا؟. . وهل يصح إذا كان القسم مطبوعا في ورقة مثلا , ويحتاج إلى علامة موافقة فقط؟ ]ـ إذا كتب ذلك فحكمه حكم النطق قال تعالى {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا} ـ[ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة التدمرية قاعدة: ما لا يتوقف إلا على أمور وجودية يكون الموجود الواجب القديم: أحق به من الممكن المحدث . . . فهل من شرح مختصر لهذه القاعدة سلمكم الله. ]ـ القاعدة التي ذكرها لإلزام المنكر لصفات الله تعالى، وهي قاعدة الكمال؛ لأن جائز الوجود له موجد كامل الوجود، وما يلزم له. ـ[هل مصطلح جنس العمل أو تارك جنس العمل من المصطلحات المُحْدَثَة أم قال به السلف وهل يُبَدَع من يقول بهذا المصطلح ?]ـ الجنس يشمل ما يطلق عليه الاسم فإذا قلت "رجل " صدق ذلك على كل من يسمى رجلا، وكذا امرأة، وشجرة، ونخلة، وهذا من مبادئ اللغة. ـ[ذكر الطبري أن تفسير قوله جل وعلا: ( لا تدركه الأبصار ) على أحد قولي أهل السنة: لا تراه، وأنه عام مخصوص بأدلة رؤية الله يوم القيامة. . ومن المعلوم أن عائشة رضي الله عنها استدلت بهذه الآية على نفي الرؤية في الدنيا، ولم يخالفها أحد من الصحابة في هذا الاستدلال. . . ثم علم أن الإدراك مطلق اللحوق والوصول، وأنه بحسب ما يضاف إليه، فإذا أضيف إلى البصر فهو لحوق البصر بالمبصرات أي الإبصار والرؤية، وإذا أضيف إلى اليد فهو الإمساك، وهكذا، وأن آية (إنا لمدركون) ظاهرها أي بالأيدي، لأن الترائي وقع. . . ألا يكون القول بأن معنى الآية نفي الإحاطة خطأ، وإن كان أحد قولي أهل السنة؟ ]ـ قوله " ثم علم أن الإدراك مطلق اللحوق " باطل فلا يكون مجرد اللحوق إدراكا، فليس كل من رأى شيئا أدركه، كما أنه لا يحيط به، ولهذا لما سئل ابن عباس عن ذلك قال: ألست ترى السماء؟ قال السائل: بلى. فقال: أكلها تراها؟ قال: لا. ومن رأى جانب المدينة أو البيت لا يقال: أدركه. ومن المعلوم أن النصوص من القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا تتعارض، ولذلك قال عائشة رضي الله عنها: أن ذلك في الدنيا، وتبعها في ذلك طائفة من السلف. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 11 ـ[ما قول ابن القيم رحمه الله في عمل الجوارح ؟ والمقصود بعد العلم أنه من الإيمان، فلابن القيم كلمات في مواضع ظاهرها أن من أتى بقول القلب وهو المعرفة والعلم والإقرار باللسان وعمل القلب فهو مؤمن ناقص الإيمان، وأن فِعلَ ما أمر به من كمال الإيمان. ]ـ مقصود ابن القيم أن أصل الإيمان في القلب، ولكن لا بد من انبعاث الجوارح في العمل، واستجابتها للقلب، فلا تفرقة بين العلم والعمل كما هو مذهب أهل السنة. ـ[هل صاحب القول بأن الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص، والاستثناء على معناه عند أهل الحديث سنة ماضية، إلا أن أعمال الجوارح التي من الإيمان هي من كماله وليست من أصله، وسواء أخطأ فقال شرط وهو لا يعني المعنى الاصطلاحي للشرط المخرج عن الماهية أو لم يقل، هل هذا يصح أن يقال فيه قول غلاة المرجئة من الجهمية نكاية بصاحبه؟ ]ـ إذا وافق أهل الباطل نسب إليهم، سواء علم ذلك أو جهله، ولكن لا يلزم الحكم عليه بحكمهم؛ لأنه قد يرجع إلى الحق إذا تبين له. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 12 ـ[القائلون من أهل العلم بأن المؤمن صاحب الشرك الأصغر لا يدخل تحت المشيئة والوعد بالمغفرة، هل يضمون إلى ذلك صاحب الكفر الأصغر؟ على القول بالمغايرة أو اتحاد بين مسمى الشرك والكفر. . . إن كان الجواب نعم يضمونه؛ ف ما حدود الكفر الأصغر فبعض أهل العلم يذكر أن المعاصي كلها من شعب الكفر كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان. ]ـ السؤال بهذا التركيب خطأ؛ لأنه قال: المؤمن صاحب الشرك الأصغر. والخلاف في الشرك فقط، لا في كل عمله، وعليه: فالتفريع أيضا خطأ. ـ[نقل الإمام البخاري قول أهل الإجماع على عدم تكفير أحد من أهل القبلة بالذنب ، لقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). . . فما وجه الاستدلال بالآية على ذلك، خاصة على قول من يدخل تحت عدم المغفرة الشرك الأصغر، وهل يكون هذا النقل من البخاري لاستدلال أهل الإجماع أحد الأدلة على خطأ القول بعدم الغفران لصاحب الشرك الأصغر، لأن بدخوله لا يستقيم الاستدلال بالآية لقول أهل الإجماع. ]ـ وجه الاستدلال بالآية ظاهر؛ لأنه تعالى خص من جميع الذنوب الشرك فقط، وعلى القول بأن الشرك الأصغر غير مغفور؛ لا يعارض هذا؛ لأن صاحبه لا يكون خارجا عن الإسلام، ولا خالدا في النار، وعدم مغفرته: معناه أن يعذب عليه؛ فالاستنتاج في السؤال باطل. ـ[ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن في موضع من الفتاوى النجدية أن مقدم الذبابة كفر ولو لم يعتقد، والعبارة أشكلت علي، فما المراد بالتقديم، وما الاعتقاد المنفي؟ وما صحة هذا الكلام؟ ]ـ الذي ذكره عبد الرحمن ذكره الشيخ في مسائل التوحيد قال: إنه لم يرد التقرب إلى الصنم، وإنما أراد التخلص، ومع ذلك كفر. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 13 ـ[بعض العلماء شراح كتاب التوحيد خطؤوا الإمام الشافعي في قوله في السحر بعدم التكفير المطلق، وقد عرفوا السحر بصورة أضيق منها عند الشافعي، فهل الصورة التي يكفرون بها لا يكفر بها الشافعي حتى يكون هناك خلاف يلزم معه الترجيح؟ ]ـ ذلك بناء على أن السحر لا ينفك عن الشرك كما هو الواقع لمن سبر أحوال السحرة. ـ[بعض العلماء الأفاضل شراح كتاب التوحيد بعد تعريفه للسحر شرعا بأنه عزائم ورقى وعقد يؤثر في ... إلخ، قسم السحر إلى حقيقي وتخييلي ، فهل على هذا التعريف لحقيقة السحر يستقيم هذا التقسيم، خاصة ممن لا يفصل في حكم الساحر؟ ]ـ السحر أقسام عدة كما بين ذلك الفخر الرازي في كتابه "السر المصون" ومنه التخيل إلى الرائي. ـ[ ما هو سحر سحرة فرعون الذي وصفه الله بأنه سحر عظيم؟ هل هو كما يقول بعض العلماء الأجلاء حشو العصي بالزئبق وببعض المواد التي لا يعلمها الناس؟ مع أنه من القائلين أن السحر لا يكون إلا بالشياطين، ولا يفصل في حكم الساحر. ]ـ ليس هو من الحيل بل هو سحر حقيقي، وهو بمعاونة الشياطين. ـ[ هل الشعور بوجود الجن أو الشياطين في حالة ما هو حضور يكفي لشرط الحضور في الاستغاثات والنداءات والاستعانات للمساعدة فيما يستطيعون؟ أرجو التفصيل]ـ الجن عالم غير مشاهد لنا، ولكن قد يتراءون في صور مختلفة، ويعلم وجودهم بخطابهم، وأفعالهم، أما مجرد الظن فلا يكفي في ذلك. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 14 ـ[ ذكر ابن القيم أن الله جل وعلا جعل الآثار العلوية علامات وأدلة وأسبابا لحوادث أرضية لا يعلمها أكثر الناس، وأنه جل وعلا ربط العالم العلوي بالسفلي، وجعل علويه مؤثرا في سفليه دون العكس، ثم ذكر من أمثلة ذلك استدلال الأطباء بأحوال القمر والشمس على اختلاف طبيعة الإنسان وتهيئها لقبول التغير واستعدادها لأمور غريبة ونحو ذلك، ثم بين أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم من تعاطي ذلك ما مضرته أكثر من نفعه، أو ما لا منفعة فيه، أو ما يخشى على صاحبه أن يجره إلى الشرك. . . السؤال ما ضابط ذلك؟ إذا علم أن كثيرا مما كان يظن أنه تسبب خفي فيما مضى أثبت العلم أن له علاقة معقولة، فقد نجد من المتقدمين من حكم عليه بأنه من التنجيم الشركي، وهو حسي الآن. ]ـ ليس لذلك ضابط معلوم للبشر، ولكن قد يتوقف على الدليل الشرعي، أو الخلقي، أو الحسي لمن ينظر في ذلك ويسبره. ـ[ذكر بعض أهل العلم أن الصفة بعد الإضافة تختص من جهة اللوازم الحقيقة تبعا للذات المضافة إليها، أما اللوازم اللغوية فتبقى مشتركة لأنها تبعا للمعنى اللغوى الذهني الكلي، أليس بعض هذه اللوازم اللغوية عقلية أصلا، فكيف تضاف إلى الله جل وعلا، أم أن وصف الله جل وعلا نفسه بلازمها كان في ذلك إثباتا لها؟ ]ـ الصفة إذا أضيفت أو خصت زال الاشتراك في المعنى واللفظ. ـ[ما قولكم حفظكم الله في من يخطأ الأئمة النجدية ويقدح في الدرر السنية .. ويقول أن عندهم غلو في بعض الجوانب .. فهل هذا صحيح. . . وهل غلوهم في باب العقيدة أم النصيحة؟. . . . وهل الأئمة النجديين من العلماء المجتهدين؟ ]ـ أئمة الدعوة لا يقولون بآرائهم وأذواقهم، وأغراضهم كمن يطعن عليهم، ولكنهم يتقيدون بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما عليه أئمة السلف، وهذا لا يعجب كثيرا من الناس، ولا سيما من يريد أن يعايش الكفار، ونحوهم. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 15 ـ[نرجو من سماحتك بيان مذهب أهل السنة في مسألة ترك جنس العمل فلقد كثر الخوض في هذه المسألة في هذه الأيام]ـ سبق جواب سؤالك. ـ[ما قولكم رعاكم الله في عوام الرافضة من الذين يدعون علي وآل البيت رضي الله عنهم ويقدمون لهم النذور ويحجون إلى قبورهم، وهم في نفس الوقت يكفرون الصحابة ويوالون النصارى على أهل السنة، علما أن هؤلاء العوام جهلة ولا يفقهون شيئا من الدين، وإنما يفعلون ذلك تقليداً لأجدادهم؟ ]ـ حكمهم حكم من قلدوهم واتبعوهم في باطلهم، وقد أعطوا عقولا، ولكنهم عطلوها. ـ[ما قولكم رعاكم الله في التفريق بين الموالاة والتولي ؟ والقول إن احدهما مخرج من الملة والآخر لا يخرج من الملة، وما هو الحد الفاصل بينهما إن صحت هذه التفرقة؟ ]ـ المولاة هي: الود والمحبة، والتولي: المناصرة والمعاونة. ـ[ هل مقاطعة بضائع الكفار في عصرنا هذا من الولاء والبراء ؟ ]ـ الواجب على المسلمين أن يستغنوا بما لديهم مما خلق الله لهم، وبما أوتوا من ذكاء ومقدرة عمّا في أيدي الكفار حتى لا يكونوا عونا للكفار على أنفسهم. ـ[أما السؤال الآخر هو: ما هي أقوال أهل العلم في معنى "الفرقة الناجية المنصورة"وفي معنى "أهل السنة والجماعة" , وما هو أصوبها في العبارتين؟ ]ـ أما الفرقة الناجية فقد كتب فيها كتابات كثيرة قديما وحديثا، ويكفي في بيان ذلك ما جاء في رواية الترمذي " قيل من هم يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي ". والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 16 ـ[ما هي المسائل التي لا يعذر فيها الجاهل في مثل عصرنا ؟ ]ـ التي لا يعذر الجاهل بها هي التي بينها الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم. ـ[و هل التأويل مانع مطلق من موانع التكفير والتبديع ؟ ]ـ قد ذكر العلماء أن التأويل المانع من ذلك ما كان سائغا. ـ[يظهر الفرق في تنزيل التكفير على المعين بين شيخي الإسلام ابن تيمية وابن عبد الوهاب واضحا جليا فهل يختلف التأصيل بين منهجيهما كما يختلف التنزيل؟ كالتوسع في الإعذار من عدمه أرجو بسط المسألة]ـ التأصيل لا يختلف، ولكن يجب أن نراعي حال الشخص، فقد يعظم الجهل في وقت دون آخر، وفي بلد دون آخر. ـ[ هل بركة الرجل الصالح لذاته أم لصلاحه أم ليس له بركة ]ـ ؟ المبارك من جعله الله مباركا، وذلك بالعمل لا بالذات؛ فالرجل الذي ينفع أينما حل هو المبارك. ـ[ هل يجوز ترتيل الدعاء والذك ر (اي تنغيمه ليسهل على اللسان الإكثار منه) أو نظمه شعرا وهل للمستدل بقوله تعالى (يا جبال أوبي معه والطير .... ) ممسك]ـ ـ[وهل نظم الرجز والشعر بالذكر والدعاء والتزامه كورد خاص مستحب؟ ]ـ الدعاء النافع ما واطئ عليه القلب اللسان، وليس ذلك بالأنغام، والتغني، وبه يظهر الجواب عمّا بعده. ـ[هل صحيح ما يذكر بأن هناك تفريق في مسألة التبرك، بحيث أن هناك تبرك حكمه شرك أكبر وتبرك حكمه شرك أصغر ؟ ]ـ طلب البركة من الأشجار والأحجار والأماكن هذا من الشرك، أما طلبه من الرجل الصالح ففيه خلاف بين العلماء، والصواب المنع من ذلك، كما حققه صاحب "تيسير العزيز الحميد"، وصاحب "فتح المجيد"؛ فارجع إليهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 17 ـ[ هل صحيح ما يقال بأن النووي ألف رسالة في جواز التبرك؟ ]ـ النووي ـ رحمه الله ـ أكثر من ذلك في شرحه لصحيح مسلم، وغيره، ولا أعرف له في ذلك رسالة خاصة. ـ[ما حكم تعلم اللغة الأنجليزية للحاجة وغير الحاجة ، وهل يجوز الكلام بها للحاجة وغير الحاجة، حيث أني سمعت من بعض المشايخ يقول أن ذلك من التشبه بالكفار؟ ]ـ تعلم اللغة غير العربية قد يكون واجبا، وقد يكون مستحبا، وقد يكون مكروها حسب الحاجة، والظروف. ـ[ما ضابط المولاة المكفرة؟ ومتى يكون الإكراه مانعاً معتبراً؟ ]ـ سبق الجواب عن سؤالك. ـ[ما مدى صحة القول بأن في التصوف جوانب مشرقة وحسنة كالتصوف في بدايته بعد عصر الصحابة والتابعين?. . خصوصا أن هناك دعوات في هذه الأيام للإنصاف ما يسمى بالجيل الجديد في الصوفية وكذلك التشجيع - بحسب ما يقولون - نظرة المنهج السلفي للتصوف وانه لا بد من تسامح مع الصوفية في بعض الجوانب? ومن ذلك المؤتمر الأخير في السودان عن الصوفية بين الواقع والمأمول وكذلك بعض الدعوات في الملحق الأسبوعي في جريدة المدينة حيث يتبنى هذا الرأي بعض العلماء الفضلاء - وفقهم الله - من الجامعة الإسلامية وأنا أقول هذا الكلام بناء على ما قرأته في ملحق جريدة المدينة لمدة أسبوعين من كتابة هذه الرسالة. . أرجو يا شيخنا التفصيل في نظرة الاتجاه السلفي القائم على الكتاب والسنة إلى مفهوم التصوف وهل هذه النظرة متغيرة بين التصوف في القديم والتصوف في الحاضر. . أسأل الله أن يسدد أقوالكم وأفعالكم]ـ كان التصوف يطلق على التقشف والزهد والاجتهاد في العبادة، ثم في ما بعد صار التصوف إلى الغلو في الرجال، والانحراف في العبادة وتأليه طقوسهم، ومعظمِيهم من الأحياء والأموات، ولذلك لا يمكن الموافقة بينه، وبين الهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وعليك أن تسبر حالهم، وما هم عليه في كثير من البلاد، ولا سيما التي يظهر فيها سلطانهم مثل: السودان ومصر، وغيرهما. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 18 ـ[ ما معنى اللعن؟ هل يعني الطرد من رحمة الله فقط ؟ أم لها معنى آخر؟ ]ـ ـ[هل يجوز لعن من فعل ما يستحق اللعن بعينه استدلالاً بهذا الحديث:. . قال الحاكم أخبرناه محمد بن علي الشيباني بالكوفة ثنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة, ثنا علي بن حكيم حدثنا شريك عن أبي عمر الأزدي عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اطرح متاعك في الطريق. قال: فجعل الناس يمرون به فيلعنونه, فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, ما لقيت من الناس. قال: وما لقيت منهم؟ قال: يلعنونني. قال: فقد لعنك الله قبل الناس. قال: يا رسول الله, فإني لا أعود. قال: فجاء الذي شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أمنت أو قد لعنت". . . رواه الحاكم في مستدركه وروي من طريق أبي هريرة بلفظ آخر. قال عنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: صحيح لغيره. ]ـ اللعن هو ضد الرحمة، ومن لازمه الطرد، والإبعاد عن الخير والرحمة، والله تعالى يلعن من يستحق ذلك إذا شاء، كما أنه يرحم من يشاء. أما من الناس فيطلق على الشتم، والسب، ونحوه. ـ[ هل النور، والناصر من أسماء الله الحسنى ، وهل يجوز التسمي بها؟ ]ـ النور من الأسماء الحسنى، وقد أطال ابن القيم في تقرير ذلك في عدد من كتبه، وكذلك شيخ الإسلام كما في الفتاوى، ولا بأس بالتسمية بعبد النور. أما الناصر فلم يثبت أنه من الأسماء الحسنى فلا يجوز التعبيد به. والله أعلم، وصلى وسلم الله على نبينا محمد. الجزء: 4 ¦ الصفحة: 19 الشيخ حسن الحفظي بسم الله الرحمن الرحيم أشكر كل من شارك في الأسئلة الموجهة إليّ عبر هذا اللقاء، وأسأل الله أن ينفع بالإجابات التي سنذكرها وأن يوفق الجميع لما فيه الخير .. وهذه ترجمة الشيخ وفقه الله ، كما كتبها بنفسه في هذا الملتقى. الاسم/حسن بن محمد بن إبراهيم الحفظي. الميلاد/عام 1368 هـ بقرية من قرى عسير تدعى (البتيلة). تلقى تعليمه الابتدائي في قرية البتيلة, ثم درس في معهد أبها العلمي على نظام خمس سنوات, ثم واصل الدراسة الجامعية في كلية اللغة العربية بالرياض, فحصل على الشهادة الجامعية من قسم اللغة العربية عام1394هـ, ومن الكلية نفسها حصل على الماجستير (العالمية) بتقدير جيد جداً عام 1402هـ, عنوان الرسالة: آراء أبي عمرو بن العلاء النحوية واللغوية جمعها ودراستها. حصل على الدكتوراة (العالمية العالية) مع مرتبة الشرف الثانيةعام1407هـ, عنوان الرسالة: القسم الأول من شرح الرضي لكافية ابن الحاجب تحقيقاً ودراسة. أشرف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه. ناقش عدداً من رسائل الماجستير والدكتوراه. عين معيداً بكلية اللغة العربية بالرياض عام1394هـ ثم محاضراً عام 1402هـ ثم أستاذاً مساعداً عام 1407هـ. عمل وكيلاً لقسم النحو والصرف وفقه اللغة لمدة عامين ووكيلاً للكلية للدراسات العليا والبحث العلمي لمدة سبع سنوات, ورئيساً لقسم النحو لمدة سنتين. رأس إلى فترة قريبة جداً مجلس الإدارة في الجمعية العلمية السعودية للغة العربية. له عدد من البحوث والمؤلفات منها: موقف النحاة من القراء طبع في مجلة نادي أبها الأدبي. شرح الآجرومية (طبع في مكتبة الرشد) شرح الآجرومية المرئي على قناة المجد الفضائية في برنامج (مجالس العلم) الاستشهاد بالحديث النبوي عند النحويين (لم يطبع). أربعة بحوث مقدمة للترقية إلى درجة أستاذ مشارك. عضو في عدد من اللجان في الجامعة. شارك في عدد من الاستشارات في وزارة التخطيط ووزارة المعارف (سابقاً). حضر عدداً من المؤتمرات داخل المملكة وخارجها, وشارك فيها. له بحث في كتابة القرآن الكريم بلغة برايل. خدم اللغة العربية بدروس عديدة وشرح كتباً نحوية متنوعة في المساجد على مدى أكثر من خمس عشرة سنة, وفي بيته كذلك. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. ـ[[ عن تحصيل علوم اللغة ]]ـ ـ[ما هو البرنامج العلمي المقترح للمبتدئ ليتمكن من العلوم التالية:. . - علم النحو. . - علم الصرف. . - علم البلاغة (البيان والمعاني والبديع). . - علم العروض. . - علم اللغة (أو فقه اللغة). والرجاء من الشيخ حفظه الله أن يذكر - في كل علم - أهم الكتب منسقة بشكل متدرج. ]ـ أقول ما قيل أولاً: فمن خلال حياتي التعليمية، وخبرتي في الدرس والتدريس خلال أعوام عديدة - أسأل الله أن يكتبها في ميزان الحسنات ويغفر الزلات - أرى أن تحصيل علوم اللغة بعامة يحتاج إلى ثني الركب أمام المشايخ والإفادة من علمهم ومشافهتهم ومن ثم الرجوع إلى ما يدلون عليه من مراجع وكتب - على حسب مايوجهون إليه من حيث البداية والتدرج -. أولاً: بالنسبة لعلم النحو والصرف وبعض علوم اللغة، فأحيلهم إلى الرابطين التاليين، فأحسب أني أشبعت المسألة بحثاً فيهما .... الجزء: 5 ¦ الصفحة: 1 أ- الرابط الأول: مقدمة في علم اللغة، وهي محاضرة ألقيتها في جامع الأمير فيصل بن فهد بحي الملقا بالرياض .... http: //www. al-daawah. net/muqadimat. htm ب- الرابط الثاني: مفاتيح علم النحو، وهي محاضرة ألقيتها في جامع الشيخ محمد بن عثيمين بحي الواحة بالرياض http: //www. liveislam. net/browsearchive. php?sid=&id;=8277 ثانياً: علم البلاغة، أقترح الإفادة من كتابٍ صغير الحجم عظيم الفائدة موسوم بـ (زهر الربيع في البيان والمعاني والبديع)، وقريبٌ منه كتاب جواهر البلاغة لأحمد الهاشمي. ومثل ما قلنا سابقاً أن هذه الكتب تحتاج إلى من يفكك مغاليقها من العلماء، وإن كانت في الغالب سهلةً واضحةً، لكن يزيد من وضوحها وسهولتها بحثكم عن من يشرحها ويبين مواضع الجمال فيها والأسرار التي تشتمل عليها. ثالثاً: علم العروض علم تخصصي، وفائدته في معرفة أوزان الشعر العربي التي قعّدها الخليل بن أحمد الفراهيدي في خمسة عشر بحراً، واستدرك عليه الأخفش البحر السادس عشر، وسماه المتدارك. وهو للمتخصصين أكثر فائدة، ولا يزداد الشاعر بمعرفة هذا العلم موهبةً ولا إتقاناً لأوزان شعره، والكتب التي تبين هذا العلم كثيرةٌ، وتسمى في الغالب بـ (العروض والقافية). ومنها كتابٌ سهلٌ اشتمل على معظم ما يحتاج إليه طالب هذا العلم، وهو (أهدى سبيل إلى علمَي الخليل). وأكرر أنني أرى أنه لا يمكن أن يفيد منه الشخص إلا بأستاذ. رابعاً: أما الحديث في علم اللغة وفقهها فهو حديثٌ ذو شجون، من حيث كثرة المؤلفات فيها وكثرة المجالات التي تبحث فيها. وأحيل على الرابط الأول الذي كان مقدمة في علم اللغة، وهي محاضرة ألقيتها في جامع الأمير فيصل بن فهد بحي الملقا بالرياض .... ولا بأس أن نذكر هنا أن ما يتعلق بعلم اللغة ينظر إلى أصول اللغة من حيث: المراد بها، ونشأتها، والاختلاف في أصل وضعها أهي توقيفية أم تواضع الناس عليها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 2 ويتحدث أيضاً في بداياتها وفي وسائلها، أما فقه اللغة فهو ينظر إلى ما تختص به اللغة العربية وقد يشاركها بعض اللغات كالترادف والاشتقاق والمشترك اللفظي ونحو ذلك. ومعظم الكتب التي تتحدث في فقه اللغة عنوانها (فقه اللغة)، ودراسة هذين العلمين مهمةٌ للمختصين، ومما يدرس فيهما المعاجم وأنواعها وطرق البحث فيها (وهذه الجزئية - أعني طرق البحث - مهمة لعامة الناس، وبخاصة المختصون في علوم الشريعة، ومما يساعد على فهم هذه الجزئية التمكن من معرفة أصول الكلمات العربية المسماة بـ "الجذور"، ومعرفة ترتيب حروف الهجاء حتى تستطيع البحث عما تريد). من الكتب التي يمكن الإفادة منها في علم اللغة كتاب (علم اللغة) للأستاذ الدكتور علي عبد الواحد وافي -رحمه الله - وله كتاب آخر في فقه اللغة موسوم بـ (فقه اللغة)، ومما يعين على معرفة خصائص هذين العلمين وما أُلِّف فيهما: كتاب جليل القدرموسومٌ بـ (فقه اللغة في الكتب العربية) للأستاذ الدكتور عبده الراجحي. أرجو أني قدمت ما يفيدكم في هذا الجانب. ـ[ثمة رأي لبعض المتخصصين يقول أن علوم العربية بالخصوص قد تدرس بغير لغة المتون ، بل قد تدرس عبر كتب مناسبة لطبقة المتعلم، فقد يدرس المبتدىء مثلا كتاب د سعيد الأفغاني أو د فؤاد نعمة، بدل الأجرومية أو ... مثلا والمهم ربط الطالب بنصوص عربية أصيلة إضافة إلى القواعد. . . وما يسند هذا القول في الواقع ما نلحظه من تمكن كبير لطلاب دار العلوم المصرية من علوم اللغة سيما في شقها التطبيقي بينما قد نجد عند غيرهم استحضارا للألفية ونحوها لكن الجانب التطبيقي يبقى قاصرا. . . المرجو من فضيلة شيخنا النحوي أن يعلق على هذا الرأي مبديا ما يراه في هذا الموضوع. ]ـ أقول - وبالله التوفيق-: الكتب التي تسهل عباراتها وتكثر تطبيقاتها نافعةٌ ومفيدةٌ وأنا أدعو دائماً إلى محاولة تسهيل هذا العلم - علم النحو- وتعظم الفائدة: إذا قرنت القاعدة بالكلام الفصيح - وأوله كتاب الله سبحانه وتعالى، ثم سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم فصيح الكلام شعراً ونثراً- وطُبِّق على هذه النصوص تطبيقاً صحيحاً كثيراً. فإذا حصل هذا تمكنت القاعدة في النفوس وثبتت واستطاع الطالب الإفادة في كلامه وكتابته مما تضمنته هذه الكتب التي على هذا النحو. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 3 وهذا لا يعني الاستغناء عن حفظ بعض المتون كألفية ابن مالك، وفيها علمٌ نحويٌ كثيرٌ يغني - في كثيرٍ من الأحيان - إذا وجد من يطبق على هذه المتون تطبيقاً سليماً ويحسن الاختيار للنصوص المعتد بها. إذن جامع الكلام (((أن التطبيق هو القاسم المشترك بين المنهجين))) أعلق أخيراً على نقطة مهمة: وهي أن من أراد تأصيل علمه، فلا يمكنه الاستغناء عن المتون بعامة، وإنما الفائدة من النوع الأول من الكتب تظهر واضحة للمبتدئين. ـ[مَن مِن أهل اللغة فسر الاستواء بالعلو مع ذكر المصدر إن تيسر. ]ـ إن معاجم اللغة قد ذكرت معاني متعددة للاستواء، وقد ذكر أبو حيان في كتابه البحر المحيط عدداً من الأقوال في تفسير قوله سبحانه ((إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ... )) منها المقولة المنسوبة إلى الإمام مالك رحمه الله، ومعروف أن أبا حيان من النحويين واللغويين. وذكر ابن منظور كلاماً طيباً في مادة (س وى) نسب فيه إلى الأخفش تفسير الاستواء بالعلو، ونقل عن ابن الأعرابي ما ينفي تفسيرها بالاستيلاء بحجة قوية، وذكر الزبيدي في تاج العروس أن من معانيها (صعد). هذا ما وقفت عليه. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 4 ـ[ ما الذي دعا النحاة الى افتراض وجود "ضمير مستكن" فى المشتقات؟ ]ـ أ- لا مشاحة في الاصطلاح، والنحويون يرون أن المشتق إذا وقع خبراً اشتمل على ضمير، أما إن كان جامداً فلا يشتمل على الضمير عند معظمهم. ب- لعل مما دفعهم إلى تقديره في المشتق خاصةٌ مشابهته للفعل، والفعل لابد له من فاعل. ـ[ كيف يطرأ البناء على الكلمة وهي معربة فى الأصل , كما فى حالة المنادى واسم لا النافية للجنس؟ ]ـ النحويون بنوا قواعدهم على المسموع من كلام العرب، وقد وجدوا كلماتٍ معربةً، فإذا صارت في باب النداء أو لا النافية للجنس - مثلاً - بُنِيَت، فبنوا قاعدتهم على هذا السماع. ـ[ما رأيكم -حفظكم الله - في قول شيخ الإسلام ابن تيميَّةَ، والّذي لخَّصه ابن هشام في الشُّذور، حيث ذكر أنَّ المثنَّى من أسماء الإشارة لا ينصب ولا يجرُّ بالياءِ، وذلك بسبب كونه اسمًا مبنيًّا مبهمًا. . . وقال إنَّ الَّذين ذكروا نصبه وجرَّهُ بالياء إنَّما أثبتوه بمحض القياس؟. . ثمَّ ذكر رحمه الله تبعًا للفرَّاء وابن كيسان أنَّ الألف في (هذان) إنَّما هي ألف (هذا)، وأنَّ النَّونَ هي الدَّالة على المثنَّى، ومثاله (الّذين) فإنَّ ياءَهُ من المفرد وهو (الَّذي)، والدَّالّ على الجمع هو (النُّون). . . فهل للعرب شواهد على نصب أو جرِّ أسماء الإشارة المثنَّاة بالياءِ؟. . وما قوَّة هذا القول؟ ]ـ يرى معظم النحويين أن هذين وهاتين واللذين واللتين معربة لمشابهتها للمثنى فقربت من الأسماء، وللمبرد في هذه الأسماء رأي جميلٌ جداً وهو قريبٌ مما نقله ابن هشام عن شيخ الإسلام، وهو أن هذه الأسماء على هاتين الصورتين لا تزال مبنيةً، وليست معربةً، (سواءً أكانت بالألف، أو بالياء) ولو كانت معربةً لقيل: هذيان وهذيين وهاتيان وهاتيين إلخ كما يُفعل في تثنية الاسم المقصور إذ تقلب ألفه ياء نحو هدى وهديان ومصطفى ومصطفيان. ولشيخ الإسلام رسالة مطبوعة في توجيه قراءة قوله تعالى (إنّ هذان لساحران ... ) " بتشديد النون، والألف في هذان " وفيها كلام رائعٌ جداً وردّ قويّ على من نسب إلى بعض الصحابة - رضي الله عنهم - وغيرهم وجودَ لحنٍ في هذه الآية الكريمة. وأنا عند تدريسي لطلابي اسم الإشارة والاسم الموصول أذكر هذا الرأي وأؤيده (أعني أن هذه الأسماء مبنية بالألف أو بالياء). الجزء: 5 ¦ الصفحة: 5 ـ[ما هو أفضل شرح مطبوع لألفية ابن مالك ؟ ]ـ هناك كتابان رائعان معاصران أحدهما للدكتور عبد الله الفوزان، والثاني للدكتور عبد العزيز الحربي، وأحسبهما من أحسن ما اطلعت عليه من شروح الألفية وأوضحها وأيسرها. وشروح الألفية أكثر من أن تحصى. ـ[ هل هناك من يعتبر هو النحوي على مستوى العالم ,وذلك لأني سمعت من أحد فضلاء بلاد الرافدين أن عندهم شيخ يقال أنه النحوي الأول على مستوى العالم؟ ]ـ أنا لا أظن أن هناك - من المعاصرين - من هو أنحى من الشيخ (محمد بن عبد الخالق عضيمة) رحمه الله صاحب كتاب دراسات لأسلوب القرآن الكريم وغيره. ـ[ما رأيك حفظك الله ب مؤلفات الدكتور فاضل السامرائي ؟ ]ـ لم أطلع على مؤلفاته، فلا أستطيع الحكم عليها. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 6 ـ[هل هناك كتاب يربط بين العقيدة والنحو , أي كتاب يرد فيه على أهل البدع من خلال المسائل النحوية؟ وإن كانت تحضرك أي مسألة فأتمنى أن تتحفنا بها. ]ـ لا أعلم كتاباً بهذه الصفة. ـ[ عن كتابة كلمة (رضا) ]ـ لأنها من الرضوان تكتب ألفاً ممدودة كما كتبت. ـ[نريد منهجا من الإبتداء إلى الإنتهاء في العلوم العربية للمتخصص (نحو - بلاغة - صرف) - ماذا يحفظ على طريقة العلماء البارعين وماذا يقرأ مع ذكر أجود الشروح للمتن المحفوظ؟؟؟ ]ـ المتخصص يحتاج على حفظ الألفية وشروحها، ومن أفضلها شرح الأشموني، وأوضح المسالك، وابن عقيل. هذا في النحو. أما في الصرف فالممتع لابن عصفور، وشرح الرضي للشافية. أما البلاغة فزهر الربيع في البيان والمعاني والبديع، وجواهر البلاغة، وبغية الإيضاح. ـ[ وكذلك لغير المتخصص في اللغة العربية ولكن يريد أن يأخذ أهم ما ينفعه من العلوم العربية لتساعده في بقية العلوم - نفس التفصيل في السؤال السابق - (هذا سؤال جدا مهم أرجو الإجابة عليه احسن الله اليكم)]ـ أما غير المتخصص فيحتاج على البدء بالآجرومية، ومن أفضل شروحها شرح احمد الرملي، وشرح محيي الدين عبد الحميد. ثم ينتقل إلى قطر الندى وشرحه لابن هشام، وفي الصرف شذا العرف في فن الصرف للحملاوي، وفي البلاغة بغية الإيضاح. ـ[ما رأي الشيخ في الألفيات في الفنون العربية- غير النحو - كعقود الجمان في البلاغة وغيرها وهل يحفظها غير المتخصص.؟؟ ]ـ لم أطلع على عقود الجمان، فأعتذر. ـ[ما رأي الشيخ في أفضل الشروح للجوهر المكنون للمبتدىء والمنتهي ؟؟ ]ـ لا أعرف أفضل الشروح للجوهر المكنون. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 7 ـ[ علم الإشتقاق ما أحسن الكتب فيه للمبتدي والمنتهي؟؟؟ ]ـ الاشتقاق فرع من فروع فقه اللغة، وإن أُلِّف فيه كتب مستقلة، فأرى أن يكتفى بما كتبه مؤلفو فقه اللغة كالأستاذ علي عبد الواحد وافي، والأستاذ عبده الراجحي. ـ[ هل تأثر علم النحو بعلم الكلام أو الفلسفة؟ وما مظاهر هذا التأثر: في أي زمن ظهر - أبرز المصنفات على هذا النحو .. ؟. . وهل تناول هذه القضية مؤلف؟ ]ـ لم يتأثر علم النحو بعلم الكلام ولا بالفلسفة فيما أرى، وإن كانت الكتب المبسوطة النحوية تأثرت بالمنطق في كثير من تقسيماتها وتفريعاتها. ولا أعرف كتاباً مخصصاً للبحث في هذا الموضوع. ـ[ما رأي الشيخ في ما يذهب إليه بعض المتأخرين من أنه لا مدارس في النحو , وأن الخلاف بين البصريين والكوفيين ليس في أصول هذا العلم وإنما في مسائل فرعية لا تتصل بالأصول, ولا تستحق هذا القدر من التفريق بين المناهج؟ ]ـ أما وجود المدارس النحوية فلا أشك فيه، وأما كون الخلاف ليس في الأصول وإنما هو في الفروع فهذا كلام صحيح، ومنشأ الخلاف بين المدارس النحوية بسبب اختلافهم في مناهج التأليف، واعتماد المصادر، وقدر الشواهد قلة وكثرة، واختلافهم في بعض القبائل من حيث الوثوق بهم وعدمه. ـ[عند العزو إلى لسان العرب هل الأولى أن يُقال: قال ابن منظور, أو: جاء في لسان العرب؟ وما حدود إضافة ابن منظور في كتابه هذا في جانب اللغة؟ ]ـ أنت بالخيار، وإضافات ابن منظور في كتابه اللسان قليلة كما ذكر هو في مقدمة كتابه، لاعتماده على نقل عدد من الكتب في اللسان، وهو محسن أيما إحسان في عمله، وأمين غاية الأمانة، إذ أخبر في أول كتابه بمنهجه وبقدر عمله، رحمه الله ونفع به. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 8 ـ[ما هو أفضل منهاج لتعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها ؟ ]ـ فيما اطلعت عليه فإن معهد تعليم اللغة العربية بجامعة الإمام قد أصدر سلسلة متميزة متكاملة، فيها علمٌ راقٍ ونافعٌ، وأظنهم لا يترددون في إمداد الراغبين في هذه السلسلة، وأذكر رقم عميد المعهد 2585400/ 009661 ووكيله 2585357/ 009661 ـ[لو أرشدتنا حفظك الله إلى كتاب في الإملاء، يغنيني عن بقية ما أُلف في هذا الفن. . . وذلك بأن يكون حاوياً للقواعد الإملائية، وما يتبع ذلك من علامات الترقيم وغيره. . . . . لايهمني أكان مؤلفه من المعاصرين أو من السابقين، المهم أن يكون كافياً شافياً مغنياً عن غيره. ]ـ أعرف كتاباً جامعاً مانعاً اسمه (الإملاء وعلامات الترقيم) ومؤلفه أ. عبد العليم إبراهيم. ـ[قال النووي في شرح مسلم: " وهجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين قال الجوهري في صحاحه هجر اسم بلد مذكر مصروف قال والنسبة إليه هاجري وقال أبو القاسم الزجاجي في الجمل هجر يذكر ويؤنث قلت وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث اذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع بها وهي غير مصروفة ": (3/ 69). . سؤالي: ما هو الضابط في هذا الباب، وكنت قبل أظن أن جميع أسماء المدن والقرى مؤنثة؟ ]ـ أسماء المواضع والبلدان يجوز اعتبارها مؤنثات لأنها (بلدة)، ويجوز اعتبارها مذكرات لأنها (مكان) أو (بلد)، وكذا القبائل فإن نظرت إلى (الأب) فجعلته اسم أبي القبيلة صرفت، لأنه مذكر، وإن نظرت إلى أنها (قبيلة) فهي مؤنثة فتمنعها من الصرف إذا اجتمع فيها مع العلمية والتأنيث كونها مختومة بعلامة تأنيث، أو زائدة على ثلاثة، وبعضهم أيضاً يمنع الثلاثي المحرك الوسط، أما ساكن الوسط فهم متفقون على جواز الوجهين. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 9 ـ[في علم النحو عند كل بلد لهم عدة كتب يعتمدون عليها في التدرج. . مثلا في بلدنا الاجرومية ثم نظم العمريطي ثم الكواكب ثم ملحة ثم قطري الندي ثم ألفية. . ما هي الكتب التي يعتمد عليها في السعودية؟ حبا لمعرفة علماء النحو من هم علماء الجزيرة في علم النحو ولغة؟ فضيلة الشيخ هل ممكن ان تذكر لنا شيئا عن العالم النحوي شيخ الزامل رحمه الله. . الذي لا يعرفه كثير من طلبة. . . ]ـ الكتب التي يتدرج في قراءتها في السعودية هي الآجرومية، فالقطر، فالألفية، فشروحها. أما علماء النحو في الجزيرة فكثيرون، ومنهم شيوخ وشباب، ولا أحب أن أعدد حتى لا أنسى من يستحق الذكر لغفلة في ّ. ولكني أرى أن أساتذة النحو في أقسام اللغة العربية في جامعات المملكة كلهم جديرون بأن يكونوا من الشيوخ. أما العالم النحوي الشيخ الزامل فيؤسفني أنه ليس عندي معلومات عنه. واسأل الله لي ولك ولجميع المسلمين العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 10 ـ[أرجو من الشيخ الفاضل أن يعطينا تعريفا موجزا عن صاحب كتاب (الرد على النحاة) ونبذة عن الكتاب وعن منهج مؤلفه وعن سبب تأليفه له؟ ]ـ الرد على النحاة هو كتاب لابن مضاء القرطبي، ومعظم ما في الكتاب هجوم على النحويين لاعتمادهم العامل النحوي، وهو لا يرى له تأثيراً، وليس الكتاب معي الآن، لكن الذي يظهر لي أن سبب تأليفه مبالغة بعض النحويين في الاعتداد بالعامل. ـ[وهل هناك كتاب يبين الأخطاء العقدية في كتب النحاة ؟ ]ـ لا أعرف كتاباً يبين الأخطاء العقدية في كتب النحاة. ـ[وماهو أفضل كتاب تكلم عن نشأة النحو وتاريخه ؟ وما المقصود بعلم الجدل النحوي؟ أرجو ذكر بعض أسماء المؤلفات فيه. ]ـ الكتب التي أُلِّفت في تاريخ النحو كثيرة، بعضها قديم، وبعضها معاصر، وكتاب الشيخ محمد طنطاوي (نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة) كتابٌ جديرٌ بالقراءة. أما علم الجدل النحوي فهو ما يحصل بين المتناظرين من النحويين، ومنها ما سجل في الكتاب الجميل (مجالس العلماء) للزجاج. ـ[وماهي أفضل طبعة لكتاب المزهر في علوم اللغة للسيوطي ؟ ]ـ أفضل طبعة لكتاب المزهر هي طبعة دار إحياء الكتب العربية، بتحقيق محمد أحمد جاد المولى - علي البحاوي - محمد أبو الفضل إبراهيم. ـ[ وهل يحتج بأبيات أبي نواس وأبي العلاء؟ وهل هناك خلاف في الاحتجاج بذي الرمة؟ . . ]ـ لا يحتج النحويون بشعر أبي نواس، وأبي العلاء المعري. ولا اعلم خلافاً في الاحتجاج بشعر ذي الرمة (*). ـ[بحثكم المعنون بـ ( الاستشهاد بالحديث النبوي عند النحويين ). . . . هل من سبيل للظفر به. ]ـ بحث (الاستشهاد بالحديث النبوي على مسائل النحو واللغة) بحث صغير، نشر في مجلة الدعوة السعودية، ولا أذكر رقم العدد. ويغني عنه كتاب الدكتورة خديجة الحديثي في الاستشهاد بالحديث، ولا أعلم كتاباً يضاهيه.   (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: علّق على هذا الأخ أبو مالك العوضي قائلا: خالف في الاحتجاج بشعر ذي الرمة الأصمعي من المتقدمين، ولا يعرف له موافق. وكان يقول: ذو الرمة أكل البقل والمملوح في حوانيت البقالين حتى بشم!! [يريد - والله أعلم - أنه اختلط بالحضر وغُلِب على اللغة البدوية الفصيحة] الجزء: 5 ¦ الصفحة: 11 ـ[قال السياب في قصيدته (غريب على الخليج):. . "جلس الغريب، يسرح البصر المحير في الخليج ... ويهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج ... أعلى من العباب يهدر رغوه ومن الضجيج ... صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى: عراق ... كالمد يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون ... الريح تصرخ بي: عراق ". . . . ما وجه الشبه بين الصوت المتفجر وبين السحابة؟؟. . وبين (الدموع إلى العيون)؟؟. . أليست الدموع تنزل ولا تصعد؟ ]ـ هذا شعر، ومصحوب بالخيال، وهو من الشعر الحديث، وربما يقلبون المعاني في أشعارهم، فقد يكون التشبيه من هذا القبيل. والله أعلم ـ[سألني أحد الإخوة وهو يدرس عند أحد المشائخ وأخبرني أنه إنتهى من متن الآجرومية لكنه لم يحفظها لأنه يقول بودي أن أدع الحفظ إلى الألفية وبعد أن أنهى الآجرومية يقول أشار عليه الشيخ بأن يقرأ كتاب تعجيل الندى للشيخ عبد الله الفوزان حفظه الله لأن الشيخ ألفه ليكون بعد الإنتهاء من الآجرومية هكذا ذكره في مقدمة الكتاب والأخ يقول استشرت الشيخ الذي أدرس عليه بحفظ الألفية فقال له إن الألفية تحتاج إلى همه وطول زمن لضبطها وأنت بالخيار إن أردت فلابأس أسمعها عليك قبل الدرس أو احفظ ملحة الإعراب أو انتظر. . . فبعد أن تركه الشيخ بالخيار ولم يشر عليه بشئ سأل أحد المشائخ الذين يثق بعلمهم وكأن الشيخ أشار عليه بأن لايحفظ الألفية إلا مع شرحها ثم أحاله الشيخ إلى هذا الملتقى وموقع آخر فقال له لعلك تستفيد من أهل هذا الإختصاص. ]ـ 1 - يوجد بعض الأخطاء النحوية والإملائية في السؤال. 2 - حفظ الألفية لا يوازيه ولا يقرب منه حفظ الآجرومية، فالألفية أعلى وأكمل، لكن الآجرومية مكانها في الترتيب - لسهولتها وقصرها - قبل الألفية، والمسألة تحتاج إلى جِدٍّ ونشاط، وأعانكم الله. الجزء: 5 ¦ الصفحة: 12 ـ[قرأت منذ عدة سنوات أن شرح الشاطبيّ العظيم لألفية ابن مالك، قد حققه عدد من الأفاضل بكلية اللغة العربية بجامعة أم القرى .... . . فهل طبع؟. . ولو تحدثونا - والإخوة - عن اهمية الكتاب ومكانته بين شروح الألفية وبين كتب النحو والصرف؟ ]ـ الذي أعلمه أن شرح الشاطبي للألفية حقق - كما ذكرتم - لكني لم اطلع علي مطبوعاً، والمطلعون عليه يقولون إنه أفضل شروح الألفية على الإطلاق، وهذا ليس غريباً على الشاطبي صاحب المؤلفات العظيمة. ـ[ثم أسال -ومعذرة للاطالة- عن شرح د. عبد العزيز الفيصل للمعلقات الجاهلية ... لو تعرفون أين أجده؟ ]ـ الدكتور عبد العزيز الفيصل أستاذ الأدب في كلية اللغة العربية بالرياض - جامعة الإمام، وبإمكانكم التواصل مع قسم الأدب ليوصلكم به لمعرفة مكان كتابه هذا، وهذا رقم القسم 2585340/ 009661 2585341/ 009661 الجزء: 5 ¦ الصفحة: 13 الشيخ زهير الشاويش ـ[كتب عبد الله المزروع: ]ـ الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد: فيسر إدارة ملتقى أهل الحديث أن تزف لكم هذه البشارة: حيث شرفنا الشيخ الفاضل زهير الشاويش - حفظه الله - بموافقته على إجراء لقاء معه على صفحات الملتقى. والشيخ ذو أيادٍ بيضاء في نشر العلم، وطباعة الكتب الإسلامية، ونشر التراث ... ومثله لا يخفى. واللقاء سيكون حول المكتب الإسلامي، ومطبوعاته، وجهود الشيخ في نشر التراث، وطبعات الكتب، وما يتعلق بذلك. فأهلاً ومرحباً بالشيخ زهير، وجعل ما قام به في ميزان حسناته، وأحسن له العاقبة، ونفع به. نبذة عن المكتب الإسلامي، ودعوة إلى التسجيل في الموقع. وهذا هو الرابط للاطلاع: http: //www. almaktab-alislami. com/aboutusnew. asp ترجمة ذاتية موجزة الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، والرضا عن آله وصحبه الكرام، ومن ثم الشكر الجزيل لصاحب هذا البيت العامر الغامر، الأخ الكريم الشيخ عبد المقصود خوجه، وشكرًا لكم رواد هذه الندوة الندية، والروضة العطرة الزكية، وتحية للذين سبق أن جمعتهم منذ إنشائها من أهل العلم والفضل، ورجال الدعوة إلى الخير. وأخص المتفضلين بالحضور اليوم، بأعظم امتناني ووافر ثنائي. وأنا أعلم من نفسي أن مشاركتكم صاحب الدار في هذا التكريم، هو الموافق لما أنتم عليه من خلق رفيع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 1 وقد قبلت هذه الدعوة لإيماني بأن ذلك تشجيع من أخي عبد المقصود لأجيالنا المقبلة على الخير، حيث يكرم صاحب العمل القليل، والجهد المتواضع، في خدمة المثل العليا التي دعا الله إليها، وحض رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عليها. وأراني متمثلاً قول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في الحديث الصحيح: (من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فقولوا: جزاك الله خيرًا). ايها الإخوة الأكارم: منذ أن تبلغت خبر اقتراح أن أكون من المكرمين وهو شرف أعتز به، كنت أفكر في أمرين: الأول: من أنا حتى أكون من هذه الفئة المُكْرَمَة والمكرِّمة؟! ووجدت الجواب: إن الكريم يضع كرمَهُ حيث شاء!!. والثاني: بماذا أُقدم نفسي إليكم: وما عساي أن أقول عن نفسي .. وتاريخي .. وعملي .. فوجدتُني راقمًا ترجمةً ذاتية موجزة أكشف فيها عن جوانب من سيرتي ومسيرتي في حقل العلم والدعوة، وعمل ما رجوت به نفع أمتي، فإذا قبلتم بها كان تفضلكم هذا تابعًا لفضلكم القديم ـ يوم اقترحتموني ـ وإلا فبعد انتهاء هذا الاحتفال الحافل قولوا: كان تكريمنا لزهير من باب (ولا يشقى بهم جليسهم). وإذا أقلتموني منه فلن تجدوا مني سوى الرضى والتسليم. وحسبي أنني جلست بينكم على كرسي الامتحان، وهو شرف بحد ذاته، وما كل من يرشَّحُ يَنْجَحُ!!. اسمي: محمد زهير (ومحمد اسم تشريف يقدم على أكثر الاسماء في بلدنا) وعرفت بـ: زهير الشاويش، ووالدي مصطفى بن أحمد الشاويش، من الذين كانوا يتعاطون التجارة، في عدد من الأقطار العربية، وحالتنا كانت فوق المتوسطة من الناحية الاجتماعية والمادية. ووالدتي زينب بنت سعيد رحمون (وفي بعض بلادنا أَنَفةٌ من ذكر اسم الأم والزوجة والبنت) ووالدها من الوسط نفسه الذي منه أهلي. وعندنا أوراق وحجج تثبت أننا من نسل الحسين بن علي الهاشمي (والناس أمناء على أنسابهم). الجزء: 6 ¦ الصفحة: 2 ولدت في دمشق سنة 1344 من الهجرة 1925 ميلادية، ولا أجد ضرورة لذكر مفاخر بلدي دمشق، فهي أشهر من أن يُنَوه بها أبقاها الله ذخرًا للإسلام، وحصنًا وملاذًا للعرب والمسلمين. ولكن اسمحوا لي أن أتحدث عن حي الميدان الذي أنا من وسطه بكلمات والإنسان ابن بيأته ـ كما هو ابن أهله وعشيرته ـ. الميدان هو الحي الجنوبي لمدينة دمشق، وكان مجموعة قرى متفرقة، وساحات واسعة، ومنازل مشتتة ضمن البساتين ... وعند كل مدخل زقاق قبر يدعى أنه لصحابي، أو عالم، أو ولي ـ ولا شك أن بعضها ثابت ـ وأما طريقنا السلطاني الواسع فيبدأ من باب الجابية .. وينتهي ببوابة الله. لأنه طريق الحج إلى بيت الله الحرام، وزيارة مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ. وأصبح الميدان شبه قرية كبيرة لا سور لها، ولكنها منعزلة عن المدينة دمشق، ومفارقة لما حولها من قرى ومضارب العشائر، وطرق التجارة. وفي الميدان أبناء عشائر توطنت أيام الفتوحات وقبلها، وكنا نعرف العصبية اليمانية والقيسية حتى عهد قريب، ونعرف حيَّ عقيل وقهوةَ (العكيل) من سكان نجد، وعلى الاخصِّ أهل القصيم .. كما عندنا حارة المغاربة وخان المغاربة ممن هاجر إلينا من كل بلاد المغرب. الحياة العلمية: وفي الميدان تجمعات علمية وخلقية وخصوصيات وميزات متأصلة فيه، وهي باقية حتى اليوم ـ والحمد لله ـ (وأنا أتكلم عما كان أيام طفولتي وقبلها بقليل من الزمن). فالفقه الشائع بين أبناء الشعب كافة كان فقه الإمام الشافعي .. مع وجود آثار يراها المتتبع من بقايا الحنبلية والظاهرية في المعتقد والفقه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 3 وأما السلفية فلم تنقطع عنا، منذ أن كان مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية قرب بيتنا، ويسمى مسجد القرشي. وبيته في المدرسة السكرية قبيل بداية الحي في باب الجابية، وما يتداوله الخلف عن السلف من أخبار أمره بالمعروف، وشجاعته في كل المواطن وجهاده، وما قام به الشيخ ابن عروة الحنبلي الميداني في جمع تراث السلف في كتابه الموسوعي الكبير النادر (الكواكب الدرية) وأدخل فيه العشرات من مؤلفات شيخ الإسلام. وجور الحكام حاف علينا في أوقات كثيرة .. حتى كانت نهضة الشيخ جمال الدين القاسمي، والشيخ عبد الرزاق البيطار، والعلامة بهجة البيطار، وكلكم يعرف فضله، ومعهم أفراد غمرهم الجحود .. ومنهم الشيخ سعيد الحافظ، والشيخ محمد بدر الدين الفقيه المصري، رحم الله الجميع. وحي الميدان كان قلب المقاومة ضد فرنسا منذ دخولها إلى بلادنا، ومنه انطلقت الثورة السورية الكبرى سنة 1344هـ 1925م أي سنة مولدي، وكان القائم الأكبر بأعباء الجهاد في فلسطين من عما 1927 إلى 1939. من هنا أقول: أنا زهير الشاويش تتمثل بي بعض من مؤثرات هذا الحي، وما يضاف إلها من قناعاتي وما أثرته في بيأتي، والموروث من عائلتي. فلا غرو إن وجدتم عندي ملامح من مغامرة الحسين، والإصرار عليها ولو انتهت بالفشل، ومن المحافظة على نصرة عثمان وتأييده في عدم تخليه عن الخلافة، وأن الله يزغ بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن، ومن دمشقيتي: المحافظة على شعرة معاوية ووضعها نصب عيني في تعاملي مع الناس ـ أحيانًا ـ ومن الشهبندر شعاره: خيرٌ لنا أن نغرق متحدينَ من أن نعوم متفرقين، وحتى الحجاج ليس نابيًا عندي في كل أعماله وضرباته، وفي تعاملي عند الاختلاف: التعاون فيما نتفق عليه والنصح فيما نختلف فيه، وأخيرًا غض الطرف عن الإيذاء، وعدم المقابلة بالمثل، إيمانًا مني بعدل الله سبحانه وتعالى. التعليم أيامنا: وكان التعليم في وقتنا يجري بطريقين: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 4 الأول: هو الغالب يتمثل بالكتاب عند شيخ يلقن الأطفال قصار السور، وبعض الأحاديث القليلة، ومبادئ الحساب، وأحكام الوضوء، والصلاة ـ وأكثرها ينمي الوسوسة عند الطالب ـ. والثاني: في تلك الأيام بُدِأ بفتحِ المدارس الرسمية، ولكن قوبلت بردة فعل عنيفة خوفًا على عقائد الأبناء .. ورفضًا لسيطرة المستعمر الكافر على مناهجنا، وتربية أولادنا، وقد برز ذلك من بعض هل التدين، وتمثل بمظهرين: الأول: مقاطعة المدارس الحكومية المجانية. الثاني: رفع مستوى الكتاتيب وجعلها مدارس تعلم المواد التي ألزمهم بها نظام التعليم الحديث، مع المحافظة على المواد الأولى، وكانت هذه الكتاتيب محل ثقة الناس، مع أنها كانت بأجور، ولم توفر لأصحابها مالاً، لكثرة النفقات، وضعف الموارد، وتعدد هذه المدارس. وأنوه بمدرستين منها لوثيق صلتي فيهما، ولهما الفضل في تربيتي: الأولى: المدرسة الأموية، وعلى رأسها الشيخ محمد سعيد الحافظ. وكان ـ فضلاً على علمه ـ من أهل الوعي والجهاد، والعمل العام محرر الفكر، وهو في السياسة مثل غالبية أهل الحي على خط الزعيم عبد الرحمن الشهبندر، والرئيس حسن الحكيم، وفي التلعيم والتعبد على (المستطاع من نهج السلف الصالح). وبعد أن أغلقت المدرسة ـ بعد الاستقلال الجزئي وتحسن أوضاع المدارس الحكومية ـ اشتركت معه في العمل العام، بجميع جوانبه الدعوية والاجتماعية، وكان معنا العدد الكبير من إخواني الأساتذة، مثل سعيد أبو شعر، وكامل حتاحت، ومحمد الكنجي، ومحمد خير الجلاد، تغمدهم الله برحمته وبارك بالأحياء منهم الذين لم أذكرهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 5 والمدرسة الثانية (أو الكتاب): هي المدرسة المحمدية، أسسها وعلم فيها بمفرده الشيخ محمد بدر الدين الفقيه (المصري) الحافظ لكتاب الله، والجامع للقراءات والداعية السلفي (بالحكمة والقدوة الحسنة، وأدب اللفظ، وأمانة التعامل) وأنتم هنا عرفتم أخويه الكبيرين، أبا السمح وعبد المهيمن ـ إمامي الحرم المكي ـ وقد أحضرهما للحجاز مع غيرهما من أهل العلم، وجه مدينة جُده الشيخ محمد نصيف، وساعده في ذلك الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع، والشيخ كامل القصاب، والشيخ بهجت البيطار. وحضور الشيخ محمد إلى دمشق كان بمسعى القصاب والبيطار. واستمرت صلتي ونمت بأهل العلم في الميدان، ومنهم الشيخ بهجة، والشيخ حسن حبنكة، وأخيه الشيخ صادق، والشيخ مسلم الغنيمي، والشيخ سعدي ياسين وغيرهم. وبعد ذلك دخلت المدرسة الرسمية (الابتدائية طبعًا) واتفق أن جاء إلينا والدنا الأستاذ العلامة الفذ الشيخ على الطنطاوين وأثار فينا معاني عزة المسلم، ونخوة العربي، وعلمنا نم الشعر ما لم نكن نعلم، وأسمعنا من النثر ما كان له أكبر الأثر في حسنا وحياتنا ـ عافاه الله وجزاه عنا كل خير ـ. وأيامَها جرت لي معه حادثةُ ضربي التي أكرمني بالحديث عنها في ذكرياته (لأنني كنت أطول طلاب الصف) وأدب في المدرسة .. وأرضاني بما أبقى بيننا من الصلة حتى اليوم، تفضلاً منه حفظه الله، وجعلني أحد خمسة أو ستة من الذين يعتبرهم أبناءً له، وهم من أفاضل الناس، وأنا أقلهم شأنًا ومنهم الأساتذة: عصام العطار، وعبد الرحمن الباني، وهيثم الخياط. وبعد الصف الثالث الابتدائي انصرفت عن المدرسة لأسباب متعددة منها: 1 - إصابتي بالرمد الذي طال عهده أكثر من سنتين وأعقبني الضعف في بصري، ولما حاولت الرجوع إلى المدرسة وجدت أن مكاني في المدرسة مع من يصغرني سنًا، وأجلست آخر الصف لطول قامتي، وكنت لا أشاهد ما يكتب على اللوح لضعف نظري ورفضي استعمال النظارة فتأففت وتركت المدرسة!. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 6 2 - وافق ذلك حاجة والدي إلى من يساعده في تجارته الرابحة الناجحة، وفيها ما يرغبني بالسفر بين البلاد العربية، مصر، والعراق، وبادية الشام، وتجارته كانت مرتبطة بالفروسية حيث كانت بالخيل الأصائل للسباق، وأيامها تعرفت على رجالات من أهل التوحيد والدعوة والعمل مثل الشيخ الخضر حسين، وفوزان السابق، وخير الدين الزركلي، وسليمان الرمح، وعبد العزيز الحجيلان. 3 - رغبة الوالد بأن يكون من أولاده من يؤمن حاجات البيت الواسع، ويحافظ على المركز المرموق في استقبال وحل مشكلات من لهم بنا صلة، وأن يكون ابنه فتى الحي، أو شيخ الشباب فيه .. وكلها تبعات تأكل الأوقات والأموال. ويدخل في المؤثرات نصائح واقتراحات الأقارب وأهل الحي ليتابع الفتى المرموق (بنظرهم) ما كان عليه رجالات الميدان من الانتصار للقضايا المتعددة وبعضها محلي ضيق، وأشرفها الجهاد في سورية، والقتال في فلسطين، وقد عملت في هذا المضمار، ولم أتجاوز الثالثة عشرة من عمري. وتركي المدرسة صادف مخالفة لرغبة والدتي، وأورثها الحزن الشديد وكانت أكثر علمًا من جميع الأقارب، وبيت أبيها ألصق برجالات الزعامة والسياسة. فكانت تريد أن يكون ابنها من أهل القرآن والعلم أولاً، وأن يكون محل الوالد والجد في ديوان العائلة (المجلس البراني) المعد للضيوف، وأن يكون ابنها مجاهدًا مثل أهله وأهلها وغيرهم، وسياسيًا مثل الشهبندر والقصاب، ورغبات أخرى ما كانت تحلم بها غيرها من النساء. ولما كانت هذه الرغبات لا تتوافق مع عملي ورغبات والدي، لذلك أرضيت الوالدة بأنني سوف أبقى في حلقات الشيوخ في الشام، وأدرس في الأزهر عندما أكون في مصر، وعملت مع الوالد!! وظننت أنني في ذلك أرضيت الوالدة .. ، وأطعت الوالد!! ولكنني اليوم وقد تجاوزت السبعين، تأكدت بأنني لم أرض الوالد كما يريد، فقد قصرت عما كان يطمح إليه، من إبقاء البيت مفتوحًا، وأن أكون زعيم الحارة!! الجزء: 6 ¦ الصفحة: 7 وقصرت كثيرًا عما كانت تريده الوالدة، لأكون من أهل القرآن والعلم كما كانت تتخيل من عرفتهم من المشايخ، ولا كنت سياسيًا يشبه الزعماء، ولا تاجرًا بحجم تجارة أبي وأبيها، ولا مجاهدًا كالذين اختارهم الله للشهادة! لقد كانت هذه الرغبات من أهلي، ومثلها مع أبناء حيي .. حافزًا لي على أن أقوم بأعمال فيها الجرأة والإقدام، وأحيانًا التضحية والمغامرة والإيثار والإسراف!! فشاركت في مقاومة فرنسا بالحجارة سنة 1973 وبابارود والنار سنة 1945، وبعدها في فلسطين تحت راية زعيمين مجاهدين كبيرين، الحاج أمين الحسيني، والدكتور مصطفى السباعي، واستمرت مشاركتي من سنة 1946 إلى 1949 قبل الحوادث وبعدها في مهمات متنوعة ... مما ذكرت بعضه في (ذكرياتي المحكية) وهذه السنوات قضت على آخل أمل لي بمتابعة الدراسة معن أنني التحقت بعدد من الجامعات، ولكنني لم أتم شيئًا منها ولا الحصول على شهادات مما يسمى (جامعي) ولكنني نميت الصلة بالعدد الكبير من أفاضل أهل العلم، وحصلت على إجازات ودراسات ممن قارب عددهم المئة، وعندي من بعضهم إجازات خطية هي محل اعتزازي، وما زلت حتى اليوم (طالب علم). كما قمت بالمشاركة في الأعمال الخيرية والاجتماعية والسياسية مدة من الزمن، ولم أكن فيها الأول، ولا الأخير، وإنما يتراوح مكاني بين الثالث والرابع في كل تجمع. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 8 وشاركت في تأسيس التعليم الحديث في دولة قطر، وقدر الله بفضله أن أُقَدَّم وأُقَدَّر من حكامها ورجالاتها، مما مكننا أن ندخل في المناهج ما هو نافع وضروري، وتثبيت تعليم الإناث، ونشره بين أبناء البادية، وكنت أول من عين من دائرة المعارف ورئاسة المحاكم الشرعية لإنشاء المعهد الديني في قطر، وزرت المملكة للإفادة من المعاهد والكليات، وأيامها توثقت صلتي بعدد كبير من العلماء ومنهم: المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم وأخويه الشيخ عبد اللطيف والشيخ عبد الملك، والشيخ عمر بن حسن، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ عبد العزيز بن باز، والأديبين الكبيرين حمد الجاسر وعبد الله بن خميس وغيرهم. وأصبحت همزة الوصل بين العلماء والحاكم ورجالات العشائر، وأحيانًا كنت سفيرًا خاصًا بين بعض الملوك والرؤساء، وأجرى الله على يديَّ الكثير من إيصال خيرات المحسنين إلى مستحقيها وفي حل الكثير من المشكلات. وقد شاركت في تأسيس مكتبات الشيخ علي آل ثاني في قطر والأحساء ولبنان وساعدت غيره على إنشاء مكتبات عامة وخاصة، وفي طبع الكتب وتوزيعها على العاهد والطلاب وأهل العلم. العمل العام: وبعد أن رجعت إلى دمشق، وقامت الوحدة مع مصر، رفضت الدخول في تنظيماتها مع عدد من أهل العلم والرأي، غير أننا شاركنا في كل ما ينفع البلاد، ويثبت وحدة بلاد العرب في وجه الهجمة الشرسة علينا ـ ورأسُ حربتها الصهيونية ـ ونالنا من جزاء ذلك الكثير من العنت. غير أننا عملنا في رفع العديد من المظالم عن الشعب، ومن ذلك منع الإدارة المحلية التي كان المراد منها تجزئة البلاد، وتمكين الأوضاع الجاهلية والعصبية والطائفية في عدد من المحافظات. وكذلك إبقاء دروس الدين في الشهادات العامة كلها، وقد تولى قيادتنا ودفع العلماء للتأييد أستاذنا الطنطاوي، والذي تولى التنبيه له الأستاذ الباني. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 9 ثم انتخبت نائبًا عن دمشق سنة 1961 ميلادية مع أن إقامتي في بلدي كانت قليلة، وكانت لقيادتنا الحكيمة الشجاعة المواقف المشرفة. ومما يمكن أن يذكر الآن: نجاحنا في منع الربا من قانون الإصلاح الزراعي، وهو أول منع للربا في جميع المجالس النيابية قاطبة. وتعطيل اقتراح إقامة النصب والتماثيل، واقتراح مشاركة العدد الفائض من الجند عن حماية الحدود، في الأعمال النافعة مثل: الزراعة، والصناعة، والنقل، وإعمار المساكن الشعبية لذوي الدخل المحدود، وإقامة السدود .. الخ. وخلال تنقلي وإقامتي في مختلف البلاد بعيدًا عن وطني، كنت ألقى الإكرام والمواساة حيث ذهبت وحللت، بل أدعى للمشاركة في الأعمال العامة على أوسع نطاق، وكأنني من أهل البلاد، وهذا تكرر في فلسطين، ولبنان، والمملكة السعودية، ودول الخليج. والله أسأل أن يحسن مثوبة كل من حسن ظنه بي، وتفضل علي. وأسست " المكتب الإسلامي ـ للطباعة والنشر " وبفضل الله كان هذا العمل مدرسة في التحقيق والنشر تعتبر الأولى في بلاد الشام لولا سبق الأستاذ الفاضل أحمد عبيد تغمده الله برحمته في القليل مما نشر. وعن المكتب ـ والحمد لله ـ انبثقت عشرات الدور، والمكتبات، والمطابع، ومنه خرج العشرات من المحققين والدارسين، وبارك الله في إنتاجها، وما زال المكتب حتى اليوم يتابع الجهد والإنتاج، بعد أن أحَلْتُ نفسي عن إدارته ومباشرة الإشراف عليه إلى ولديَّ بلال وعلي بارك الله فيهما، وقد زادت مطبوعاته على الألوف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 10 وعندي من المؤلفات ما يزيد على العشرين، غير أنني لم أطبع منها سوى عدد من المقالات والمحاضرات والرسائل الصغيرة. (والملحوظات على الموسوعة الفلسطينية) تلك الموسوعة التي أبعدت الإسلام عن فلسطين .. وكان أن ألغيت الموسوعة في أجزائها الأحد عشر مجلدًا كبيرًا، والتي عمل بها أكثر من ثلاثمائة باحث، وساعدها عدد من المؤسسات العلمية!! وحظيت بأموال أكثر من متفضل ومتبرع كريم. وهذا فضل أكرمني الله به وحدي. ووجدت أن تحقيق كتب التراث أنفع للعباد من كثير من المؤلفات الحديثة، فعملت في إعداد وتحقيق العشرات من الكتب سواء بمفردي، أو بمساعدة عدد من أهل العلم، أو اقترحتها عليهم وقدمت لهم ما يعينهم في عملهم، ومن ثم الإشراف على طبعها، وفي عملي بصحاح السنن الأربعة وضعافها، التي طبعها مكتب التربية العربي لدول الخليج أيام إدارته من العالم الفاضل معالي الدكتور محمد الأحمد الرشيد، وتابعها خلفه، ما يشهد على التزامي بالمنهج العلمي الرصين. كما كان لي في تحقيق كتابين صغيرين منهج آخر في رد عدوان المتعرضين للناس وكراماتهم، وهما: - الرد الوافر للعلامة ابن ناصر الدين الدمشقي المتوفى 842 هجرية، في الدفاع عن شيخ الإسلام ابن تيمية بعد الهجمة الشرسة عليه وعلى منهج وعلوم السلف. - وكتاب تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب لابن المرزبان المتوفى 310 هجرية، الذي كشف فيه زيف الذين حرموا التوفيق والوفاء في تعاملهم مع من يحسن إليهم!! وخلال الخمسين سنة، قمت بجمع مكتبة هيأ الله لي أسباب جمعها، هي محل اعتزازي وافتخاري، وكانت من أكبر أسباب بقائي في لبنان أيام الحوادث التي دامت قرابة عشرين سنة بعد أن عجزت عن إيجاد مكان آمن لها عند كل من قصدتهم لذلك، من الذين يدعون الحفاظ على التراث!! .. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 11 وأنا لا أعرف ـ الآن ـ ما هو عدد الكتب المطبوعة التي تحويها، ولكني أعرف أن فيها من نوادر المطبوعات ما يسر به كل من يزورها ويستعين بها، ويقال: بأنها أكبر مكتبة شخصية في المنطقة. ولكن الذي أعرفه: إن فيها العدد الكبير من المخطوطات الأصلية وقريب من عشرة آلاف من مصورات المخطوطات واللوحات والأفلام. وألوف الوثائق العلمية والسياسية والاجتماعية، وهي تحت الفهرسة. وفيها العدد الكبير جدًا من التحف والخرائط والرسوم والصور للحوادث والأشخاص (وأنا ممن يرى إباحة التصوير). وأما الدوريات والصحف فقد تجاوزت الـ 1200 دورية وهذا العدد أكبر مما تحتويه أية مكتبة مماثلة (باللغة العربية). وإذا ما ذكرت هذا، فإنني أذكره تحدثًا بنعمة الله، فإن كان فيه النافع فإنه من الله سبحانه، مع اعترافي بتقصيري، وأن ذنوبي تغطي كل عمل لي، وأنا أعرف بنفسي وبما عندي، وكلي أملٌ أن يتغمدني الله برحمته، وأن يستر عيوبي في الدنيا والآخرة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 12 ـ[وعدتم حفظكم الله في مقدمة طبعتكم لـ "سؤالات ابن هاني لأحمد". . بأن ستخرجون بعض كتب السؤالات التي وقفتم عليها للإمام، فلماذا توقفتم عن هذا المشروع، وقد مضى الآن على وعدكم نحو ثلاثين سنة. ]ـ واقع الأمر أنني نشرت مسائل ابن هانئ عن نسخة وحيدة في الدنيا، وعليها خطوط كبار العلماء، ومنهم شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، والمحفوظة في خزانتي المخطوطة حتى الآن والحمد لله. ونشرت بعدها "مسائل ابنه عبد الله" عن مخطوطتين كانتا في المكتبة الظاهرية، والتي حوِّلت بعد ذلك إلى مكان آخر. ووجدت صعوبة في نقلها والتوافق بين المنسوختين. واستعنت بعدد من أخواني أهل العلم، وجرى طبعها!. غير أنه لم يمض على طبعها سوى أشهر معدودة حتى سطا عليها أحدهم، وأضاف إليها بعض الكلمات من كتب الفقه؟! مما عطَّل عليَّ توزيع كتابي. ثم قمت بإعداد سؤالات صالح، وهي بثلاث مجلدات كبار. ولكن قبل تقديمها للطبع علمت أن أحد الأفاضل قد طبعها، ولذلك توقفت عن طبعها، فإن التزاحم غير مشكور في العلم، وإن كان بعض الناس يخوضون (بالسرقة حيناً) أو من غير ضرورة نافعة. وقمت بإخراج عدد من مسائل الإمام أحمد ومنها: مختصر الخرقي، وهو غير معروف أنه من مسائله؟! وكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكتاب الأشربة وكتاب الترجل وكتاب الوقوف وقد أعاقني في نشر باقي مسائل إمامنا أحمد وغيره من الكتب الكثيرة، ما تعرّض له المكتب الإسلامي من ظلم وعدوان، مما اضطرني لمغادرة وطني الأول، ثم الوطن الثاني الذي اخترته، والثالث أيضاً بعد ذلك، وأمور أخرى، أرجو الله أن يجعلها هجرة في سبيله. ولذلك قمت بإرسال ما عندي من مخطوطات إلى من طلبها من العلماء، ومنها الموجود من مسائل حرب الكرماني، وطلاب الدراسات الجامعية لتقدم منهم لنيل الشهادات، وفقهم الله تعالى. والحمد لله رب العالمين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 13 ـ[كتب الأخ (صخر):. . هل يمكن يا شيخ حفظك الله وضع بعض المخطوطات في الملتقى كي يستفيد منها الطلاب. . أسال الله ان يحفظك]ـ الأخ صخر حفظك الله السلام عليك، وبعد وأما السؤال فإنه من (صخر)، وإلا فكيف أضع ما عندي من مخطوطات، وقد تجاوزة العشرة آلاف، لتكون في الملتقى. والأمر الأسهل أنّ من احتاج كتاباً بعينه، وطلبه بالطريق السهل (لا الصخر)، أرجو أن نبعث به إليه، بعد أن نعرف من هو، وما عنوانه. ولم نبخل على أحد سابقاً، ولا لاحقاً -إن شاء الله-، وهذه المخطوطات لا يراد منها إلا النشر والفائدة. ـ[ ما سبب تاسيسكم للمكتب الإسلامي للطباعة؟ ]ـ إن السبب من تأسيس المكتب الإسلامي للطباعة والنشر. أنه لم يكن عن تفكير طويل عندي، وإنما كانت فلتة خاطرة، وبعدها عرفت أنها موفقة، مع المحافظة على إسلامية العمل، مقابل ما كان سائداً من أسماء عروبية أو قومية، أو إقليمية (مصرية، سورية، لبنانية، مغربية .. إلخ). وصادف أنه اسم لم يسرقه أو يقلده أحد، اللهم سوى شخص اعتدى علينا بأحد البلاد العربية متعاوناً من أحد الذين كنت أطبع له، والقصد من ذلك سرقة مطبوعاتنا لوجود اسم آخر بـ "المكتب الإسلامي"؟. ولكن قدّر الله أن اختلف مع الشيخ إيَّاه، وتوقفت الكتب والسرقة؟، وبقي اسم المكتب الإسلامي لنا وحدنا، والحمد لله. ـ[ ما هو أول كتاب طبع في المكتب الإسلامي؟ ]ـ كنت أطبع العديد من الرسائل بالمشاركة مع المشايخ من أهل الفضل، أمثال: الأستاذ عبد الرحمن الباني، والأستاذ عصام العطار، والأستاذ راتب النفَّاخ -رحمه الله-، والدكتور هيثم الخياط. ومن مصر: الدكتور عبد العزيز كامل، والدكتور عز الدين إبراهيم، والأستاذ عبد العزيز السيسي، والدكتور جمال عطية، غيرهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 14 نطبعها بأسماء دور نشر مختلفة. ولكن بعد أن رجعت من قطر سنة 1376هـ1957م عملت مطبعة مع بعض الشركاء، وكان اسمها (دار السلام)، طبعت فيها كتاب فقه حنبلي صغير اسمه (الأجوبة الجلية في الأحكام الحنبلية) تأليف الشيخ موسى القدومي. وطبعت كتاب: "مطالب أولي النهى في الجمع بين الإقناع والمنتهى"، والمجلد الأول حققته مع المفتي الحنبلي الشيخ محمد جميل الشطي -رحمه الله-، ثم اختلفت معه لأنني كنت أضع تعليقات من كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، وهو يريد طبع الكلام المفتى به، ولو خالف ابن تيمية .. ، فقمت بمتابعة الطبع على رأي للمجلدين الباقيين. ثم طبعت كتاب (منار السبيل في شرح الدليل) تأليف الشيخ محمد بن ضويان، وهذا الكتاب كان عن نسخة المؤلف الوحيدة المكتوبة بيده، ولكن لم يبقى دار نشر إلا نادراً إلا وسرقته تلك الدور وادعت أنه الطبعة الأولى (كذباً)، وأنه لا يجوز لأحد أن ينقل عنه؟؟. وكان طبع الجزء الأول منه باسم (مطبعة دار السلام)، والجزء الثاني باسم (المكتب الإسلامي). وقد شاركني في عملي هذا الأخ الشيخ شعيب الأرناؤوط، وبعد ذلك استمر طبع كل ما حققت وطبعت باسم (المكتب الإسلامي)، وهو مستمر بهذا الاسم في بيروت. وأما مكتبنا في دمشق مغلق، ولنا مكتب في عمَّان، وسبق أن افتتحت مكتباً في مكة المكرَّمة ثم أغلقته لبعض الظروف. ـ[(كتب حسام سعيد: ) قد أنعم الله علي بإجازةٍ من طريقكم بنزول، فهل لي أن أحصل عليها منكم بعلوٍّ؟ أرجو بيان عنوانكم وكيف أكتب لكم للحصول عليها بارك الله فيكم. ]ـ الأخ الكريم الأستاذ حسام سعيد أسعد الله أيامك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فإن عنواني هو على كل كتاب طبعه المكتب الإسلامي. وأما طلبك الإجازة فإنني ألتزم بإجابة من يطلبها مني بعد أن تجاوزت السبعين من عمري، منذ أكثر من عشر سنوات، إذا كنت أعرفه، أو زكَّاه وعرّف به أخواننا الأساتذة الكرام في بلده، أو يكون لديه إجازات معتبرة ممن عرف من الأفاضل العلماء. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 15 ـ[نرجو التكرم ببيان طبقات دور النشر، وأول من كان معكم في الساحة ، ومن تأملون فيه خيرًا أن يخدم الدين من الدور الجديدة، ومن تلمسون في نشره بالدقة والعناية بالمطبوعات؟ وحبذا لو تكرمتم علينا بتسمية بعض الدور من كل بلد من بلاد العرب والمسلمين لعموم النفع وخاصة مصر. ]ـ ـ[ما هي وجهة نظركم في الكتاب الإلكتروني ، والنشر على الشبكة؟ وهل يغني عن الكتاب الورقي المطبوع؟ وهل تأثر الكتاب المطبوع بالإلكتروني؟ أم ساعد النشر الإلكتروني على نشر الكتاب المطبوع؟ ]ـ فأرجو إعفائي منهما [[أي من السؤالين المتقدمين]]، فإنني أصبحت بعيداً عن المباشرة الآنية على المكتب بعد أن تسلم أولادي المؤرخ بلال إدارة المكتب، والمهندس علي المحاسبة. ـ[ جهودكم في تبني أهل العلم والعناية بهم وتشجيعهم معروفة، فهل لا زلتم على هذا العهد برعاية أشبال طلبة العلم، وصغار الطلبة والأخذ بأيديهم؟ وما هي نصيحتكم لدور النشر وطلبة العلم بهذا الخصوص؟ ]ـ وأما السؤال الثالث: فإنني -والحمد لله- مازلت على ما سمعت عني، والله أسأل أن يكون لي عوناً لكل من يقصدنا. والسلام عليك ـ[يقال إن فضيلتكم لديه مخطوطات نادرة وأن في نيتكم إظهارها، فلماذا لا تسعون في استقطاب علماء التحقيق للعمل عليها تحت إشرافكم؟ ]ـ نعم عندي -بفضل الله- مخطوطات كثيرة، وقد طبعت منها عدداً كبيراً بالنسبة لمقدرتي، ولظروفي المتعبة. وأما استحضار علماء التحقيق للقيام على إظهارها، فإنه بحاجة إلى دولة تنفق بعض مالها في هذا السبيل، كما تنفق على غير ذلك؟، وفهمكم كافي -إن شاء الله-. فإذا وجدت هذه الدولة؟، فأرشدها لذلك. ـ[ نحس بضعف المكتب الإسلامي في النشر مقارنة بحاله في السابق فما هي الأسباب؟ ]ـ وأما ما أحسسته بضعف المكتب الإسلامي في النشر، مقارناً بالحال السابق؟ أولاً أنا لا أعرف من أنت؟، وكيف عرفت أنت المكتب وأحواله؟، وكيف عرفت ما يتعرض له المكتب وغيره من دور النشر. وأبشرك بأن المكتب -والحمد لله- يقوم بحركة طيبة مباركة بنشر العدد الكبير من كتبنا السابقة، ويقوم بنشر الكتب الحديثة، وإذا طلبت فهارس المطبوعات السنوية ستجد عدداً كبيراً من الإصدارات. وكذلك عندنا كتب كثيرة تحت الطبع، يسر الله لنا طبعها. ولعلك تزور موقعنا على شبكة الإنترنت: http: //www. almaktab-alislami. com وترى الإصدارات الحديثة منها. ـ[ هل الشيخ في الرياض ]ـ الشيخ زهير مقيم الآن في بيروت، الحازمية. واللقاء به يكون في بيروت إن شاء الله، بعد الاتصال وتحديد الموعد. وأهلاً وسهلاً بكم (مكتب الشيخ زهير) الجزء: 6 ¦ الصفحة: 16 هلا تكرمتم على الملتقى ب مخطوط مسائل عبد الله ومسائل ابن هانئ ، مأجورين إن البحث عن هذين الكتابين يحتاج إلى فراغ، وهذا غير ممكن -الآن من الشيخ زهير-. وأما ما عنده من مخطوطات، فالأمر عندنا، وعلينا أسهل. (مكتب الشيخ زهير) ـ[ذكر المحدث الشيخ عبد القادر الارنؤوط - رحمه الله - في مقابلته بقناة المجد - برنامج صفحات من حياتي أن جامع الاصول - لابن الأثير، وشرح ثلاثيات مسند أحمد - للسفاريني ستخرج في طبعة مراجعة ومصححة. . . فهل المكتب الاسلامي هو من سيخرجها. . . نرغب التوضيح مشكورين. . ونفع الله بكم وبما تقومون به من نشر العلم. . . آمين]ـ ما ذكره أخي عبد القادر -رحمه الله- عن جامع الأصول صحيح، ولا أعرف أين سيكون صدوره، وطبعه، ونشره. وأما كتاب "شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد للسفاريني"، فقد صدر بعد انتقال الشيخ لرحمة الله بأيام، وهو الآن يباع في مجلدين من مطبوعات المكتب الإسلامي، وعنوانه: "نفثات صدر المكمد، وقرة عين الأرمد، لشرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد"، وهذه الوصلة لتصفح غلاف ومقدمة الكتاب: http: //www. almaktab-alislami. com/thulatiyat/index. htm. وكذلك أرفق لك غلاف ومقدمة هذا الكتاب. ومقال للشيخ زهير بعنوان: "من مجالس العلماء بالخليج في القرن الماضي". وقصيدتين: الأولى بعنوان: "كتبي"، والثانية بعنوان: "مكتبتي". ولك وللأخوة في الملتقى من الشيخ زهير ومكتبه الإسلامي خالص التحية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 17 ـ[ما هو وجه روايتكم عن الشيخ بدر الدين الحسني وعمن تروون من مشايخ المغرب وهل لكم اتصال أو لقاء بالشيخ عبد الحي الكتاني وما هي كتب الحديث التي سمعتموها على شيوخكم والله يحفظكم ويرعاكم وباحسانه وانعامه يتولاكم والسلام]ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فإن طرق تلقي الإجازات للطلبة من السادة العلماء المشايخ، كانت وسط القرن الرابع عشر الهجري في دمشق على صور مختلفة. والذي رأيته منها، أو سمعته من المشايخ مثل الشيخ محمد بهجة البيطار، والشيخ علي الطنطاوي، والشيخ ياسين عرفة وغيرهم هي الغالبة، على الصورة الآتية: كان يحضر طالبوا الإجازة في مجالس الشيخ محمد بدر الدين الحسني، ويسجل أسماء الطلبة الشيخ يحيى المكتبي (المشهور بزميا)، ويعرضها على الشيخ في بيته أو مدرسة دار الحديث الأشرفية، في العصرونية، -حيث للشيخ غرفة بها، بعد أن استخلصها والده محمد يوسف ممن كان يقيم فيها خمَّارة؟ -، ثم يكتب الأسماء على كل إجازة ويأتي صاحبها بعد ذلك فيأخذها! وأما ما رأيته بنفسي هو: كانت تقام حفلات بذكرى المولد النبوي في شهري ربيع الأول والآخر، أو مناسبات غيرها، وتقام الدعوات لها، ويدعى العلماء إليها. ومنهم عم والدتي الشيخ أبو ياسين محمود بن بكري رحمون، وكان بيته جوار بيتنا، وكان يحضر إليه الشيخ محمد بدر الدين -وكانت له معه شراكة في عمله بالحبوب-، ومعه العدد الكبير من المشايخ وأذكر منهم: الشيخ علي الدقَّر، والشيخ راشد القوتلي، والطيب الشيخ رفيق السباعي، والشيخ محمد أمين سويد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 18 وأحياناً معهم المنشد الضرير الشيخ عمر بن مصطفى العيطة المدني. وكان يسكن بالقرب منَّا، وأصله من المدينة المنوَّرة، وجاء لدمشق بعد دخول الملك عبد العزيز آل سعود إليها. ونقوم نحن الأولاد وأعمارنا ما بين الخمس سنوات إلى الثانية عشرة بالسلام على المشايخ نقبِّل جميع تلك الأيدي المبسوطة؟!، ثم نجلس بالقرب منهم، ومنّا من يكون قريباً من أهله، أو يقرب من المشايخ. ويكون الدرس الذي يلقيه أحد المشايخ، ويختم بقصة عن المولد النبوي (وبعد ذلك عرفت أنها قصص لا سند لها ولا خطام)، وبعد ذلك يتولى أحد المشايخ من الحضور، تلاوة الحديث المسلسل بالأولية، أو غيره من المسلسلات (ومنها الكثير المخترع الذي لا يصح فيه حديث)، وكان يسمى الشيخ المكلف بإلقاء الحديث: المعيد، ويذكر في أول السند الشيخ محمد بدر الدين في أول الرواة. ويدار على الناس الماء المعطر بماء الزهر، وفيه بعض السكر والليمون، وهو ضمن زبادي كبيرة، ثم يدار الشاي، وبعد ذلك يوزع الملبس ضمن صرر محكمة الربط، وفي بيوت الأغنياء يكون العشاء المعد لذلك، وكان عم والدتي منهم، وكنّا نسميه (جدنا) .. وبعد ذلك يقول الشيخ محمد بدر الدين بصوت منخفض: أجزتكم والله يبارك بكم، أو كلمات بهذا المعنى. وقد يقول مثل ذلك الشيخ يوسف النبهاني، ويقدم إذا حضر لمنزلته عندهم، وهو يحضر من بيروت، وهو قاضيها، وله شهرة كبيرة بسبب مؤلفاته وبعضها جيد. وقد تلقيت الإجازة من الشيخ محمد بدر الدين وغيره من العلماء في اجتماعات متعددة في بيت زوج خالة أبي الشيخ أبو حسين شقير، ولم يكن له ذريَّة، وكانت خالتي تبقيني عندها الأيام ذوات العدد (وهي من بيت عياش)، وكان زوجها يشرف على جامع كريم الدين المشهور بالدقَّاق. * * * وكذلك كان يحضر عدد من المشايخ لزيارة المدارس الأهلية، ومنها المدرسة الأموية تقوية لهذه المدارس التي قامت بوجه المدارس الحكومية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 19 وكانت المدرسة تنظف يوم حضورهم، ويكون فيها عدد من المدرسين المساعدين للمدير الشيخ سعيد الحافظ في ذاك اليوم، وكان يحضر المحامي الكبير الأستاذ وحيد الحكيم، لأن الرخصة كانت باسمه. ويجمع كل الطلاب في الباحة حول البحرة، ويلقي المدير كلمة ترحيبية، وبعده أحد الطلبة، ثم تكون الإناشيد، ومنها ما لم يكن الشيخ سعيد يوافق عليها، ولكن لا بد منها في مجالس علماء ذاك الزمن؟!، وهي: يا أبا الزهراء أغثني روحي فدا لك؟؟، و: يا رسول الله خذ بيدي ... ، أو شيء من هذا. وبعدها -مما أذكره- أن الشيخ يوسف النبهاني، ألقى كلمة وختمها، بأن أجاز جميع الحضور من المدرسين والطلاب بحديث الأولية، وأخذ أسماء المجازين من المدير. * * * وأما المشايخ الكبار الأفاضل الأربعة الذين لم أجد منهم أي تشجيع على الإجازة، لا طلباً لها ولا إعطاءها منهم، وهم: الشيخ مسلم الغنيمي الميداني، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والدكتور الشيخ مصطفى السباعي، والشيخ علي الطنطاوي. وسمعت من كل واحد منهم: أنه لا يراها في هذه الأزمان، وكان أبرزهم بذلك الشيخ علي الطنطاوي ومما قاله لي: "يا زهير كانت الإجازات من العلماء لتلاميذهم، الذين هم على أتم الصلة بهم، أو من يأتي للشيخ ويدرس عليه كتابه من أوله إلى آخره. وأما ما نجده -هذه الأيام- بكلمات، أو ورقة مطبوعة، فلا!! وكنت مثل هؤلاء، ولذلك لم أطلبها -على الصحيح- من أحد، وذكرت ذلك في إجازتي: "بأنني لم أتطلب الإجازات عن كثير من العلماء، الذين أدركتهم وعاصرتهم، وكان بيني وبينهم صداقة وصلات وكثيراً ما حصلت على الإجازة من أمثالهم مشمول بمن حضر من الراغبين الطالبين لها". ولكن بفضل الله تجمع لي عدداً كبيراً من الإجازات، رحم لله من تكرَّم عليَّ بها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 20 وبقيت لا أجيز أحداً، حتى بلغت السبعين، وغلبت على أمري، بعد أن مات كل مشايخي. ولم يبق من زملائي سوى شخصين وبيني وبينهما (مدامجة) حفظهما الله. وهناك أفراد ممن لا يظن الصدق فيهما والله أعلم. * * * وهناك طرق أخرى أغلبها فردية حيث يجمع الشيخ المجيز مع الطالب للإجازة في درس، أو بيت، أو مكاتبة، أو مشافهة ... وفي هذا الزمن كثرت طلبات الإجازات، وهذا أمر لم أكن أعرفه أبداً - وبعضها يجري مشافهةً بالاتصال الهاتفي أو بوسائل الاتصالات الحديثة الأخرى (بريد، فاكس، انترنت)، وبعضها بعد التزكية من العلماء لطالب الإجازة-، وعند بعضهم تشدد، وعند غيرهم تساهل. * * * ومن طرائف ما أجزت به: أنني كنت في مركز الجماعة الجديد في السنجقدار سنة 1365هـ - 1946م في المكتبة أستخرج بعض الأحاديث لجريدة الحائط التي كنت أصدرها في شعبة الميدان باسم: (التوجيه الإسلامي)، وأضع منها نسخ في المركز العام والشعب الأخرى. وكان عندنا: شعبة فيرعانكة، وشعبة المهاجرين، وشعبة القيمرية، وباب الجابية، ونادي الفتيان الرياضي. وكان بيدي كتاب الجامع الصغير مع الزيادة للإمام السيوطي، وكنت أضع بالقلم الرصاص علامات على الأحاديث التي سوف أنشرها، حتى يكتبها أحد أخواني على الآلة الكاتبة، لأن خطي كان (وما يزال) سيئاً جداً. وكان ظهري يواجه الداخل للغرفة، وأحسست بمن دخل ووقف ورائي ينظر ما أفعل، والتفت مرحباً، وكان رجلاً معمماً ربعة لا أعرفه، وله لحية قصيرة داخلها الشيب، ومعه أستاذنا محمد المبارك؟! -ثم عرفت أنه العلامة الشيخ محمد راغب الطباخ عالم حلب-، ولم أقف لهما، ولكن قدمت للشيخ أحد الكراسي ليجلس عليه. فقال الأستاذ المبارك للشيخ الطباخ: هذا سلفي لا يقف لأحد؟!. غير أن الشيخ أمسك بالكتاب من يدي، ونظر لما أشرت عليه من الأحاديث وسأل: ماذا تفعل. قلت: أنقل بعض الأحاديث لتوضع في مجلة الحائط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 21 قال: ولماذا علّمت على هذه الأحاديث وتركت تلك. قلت: لأن الذي علمت عليه سيكتبه أحد أخواني، وما تركته لا يكتب لأنه ضعيف، أو غير ذلك. ووجد حديثاً في الطبعة، وكتب بعده (ص) قل هذا لماذا تركته، وفي الطبعة أنه صحيح؟ قلت: أنا أعرف أن الشيخ السيوطي -رحمه الله- وضع كلمات لبعض أحاديث كتابه، للدلالة على الصحة، أو الضعف وغيره، وبعضها لعله من أخطاء النساخ، أو خطأ مطبعي؟. قال للأستاذ المبارك: هذا عالم، وسوف أجيزه؟ فقال الأستاذ: هو من تلاميذ الشيخ ناصر، وسوف أزوره معك. وبعد أيام أحضر لي الأستاذ المبارك، إجازة لي، وإجازة للشيخ محمد ناصر الألباني، سلّمتها إليه، رحم الله الجميع. ـ[ الذين أجازوني أو التقيت بهم من علماء المغرب ]ـ وأما الجواب عن الذين أجازوني أو التقيت بهم من علماء المغرب فإن عددهم كبير، بصرف النظر عن الإجازات الرسمية؟! فإن من لقيت منهم: العلامة الشيخ الخضر حسين شيخ الأزهر فيما بعد، فقد كان يأتي كل صيف إلى دمشق، وينزل في دار أخيه أستاذنا الشيخ زين العابدين التونسي (والآن ذكر أولاده الحسني)، ثم التقيت به بمصر سنة 1952 و 1953 مرات كذلك. والعلامة المجاهد الشيخ البشير الإبراهيمي، والأستاذ كامل التونسي، والعلامة الدكتور تقي الدين الهلالي، والشيخ محمد الكافي (التونسي)، والشيخ الزمزي الكتاني (وابنه السيد المنتصر الكتاني)، وأخيه الوجيه السيد مكي الكتاني، والأستاذ الفضيل الورتلاني الزعيم السياسي، وكان يتكرم وينزل في دارنا -أيام اختفائه بعد حوادث اليمن- ثم في بيروت، حيث أقام أواخر عمره. والشيخ محمد العربي العزوزي أمين الفتوى في لبنان في عهد الشيخ محمد علايا، والشيخ حسن خالد، وله العديد من المؤلفات في تاريخ المغرب. وقد أجازني، واشتريت مكتبته لسمو الشيخ علي آل ثاني حاكم قطر السابق -رحم الله الجميع-، وهي مكتبته العامرة بقطر. وغيرهم العشرات من العلماء، وأهل السياسة. ولعلي أعود لذكرهم إن شاء الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 22 ـ[ هل لكم رواية عن حامد التقي وكيف والسلام وشكرا]ـ وأما الرواية عن الشيخ محمد بن أديب بن رسلان التقي 1299 - 1387 هـ = 1881 - 1967م. فإنه كان من مشايخي، وكنت محباً له، لشخصيته المحببة أولاً، ولقربه من شيخ مشايخي الجمال القاسمي (الحلاق)، وكان يتكرم بزيارتي في المكتب الإسلامي كثيراً. وكان يثني عليه كثيراً الأستاذ ظافر بن جمال الدين القاسمي، وينقل عنه الأخبار الطيبة. وكان -رحمه الله- سلفياً يفتي بأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية في قضايا الطلاق. وأنا مثله من يفتي بذلك، وكان عندنا في دمشق كذلك الشيخ توكلنا، والشيخ عبد القادر الأرناؤوط وغيرهما. وطيه رسالة منه بعث بها إليَّ بعد أن نجحت بالانتخابات، وأصبحت عضواً في المجلس النيابي. ـ[هل هناك نية في المكتب الإسلامي إعادة طبع شرح السنة للخطابي والمبدع لابن مفلح في مجلد واحد على غرار زاد المسير لابن الجوزي؟ ]ـ إن كتاب (شرح السنَّة) المطبوع عندنا هو للشيخ "الحسين بن مسعود الفراء البغوي (432 - 516هـ) "، وليس "للخطابي". ونقوم بطبعه مجموعاً على طريقتنا بمجلد واحد على غرار كتاب (زاد المسير لابن الجوزي). ـ[قرأت في كتابكم هوامش في دفتر المخطوطات ذكر عن مكتبة محب الدين الخطيب فما فعل الله بها؟ ]ـ إن مكتبة أستاذنا الشيخ محب الدين الخطيب في مصر عند ورثته، وكان منهم الأخ قصي. وأنا منذ سنة 1953 لم أدخل مصر، لأنني مطلوب من حكامها. ولذلك لا أعرف ما الذي تم بها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 23 ـ[قرأت كتابكم عن الموسوعة الفلسطينية برأيكم هل مؤلفات عارف العارف هي خير من تكلم عن النكبة الفلسطينة في زمنه خاصة كتابه النكبه؟ ]ـ إن الشيخ عارف العارف -رحمه الله- التقيت به في القدس سنة 1948م، واستفدت من كتبه المطيوعة بعد ذلك عن القضية الفلسطينية. وهو كمؤلف جيد، وكان يكتب ما عنده في أوراق مفردة، ثم طبعها في كتب على تبعة من نقل عنهم، وفيها الجيد، وفيها غير ذلك -تغمده الله برحمته. ـ[ هل سيكتب الشيخ مذكراته الشخصية والعلمية والدعوية في بلاد الشام بحكم أنك أحد شهودها؟ ]ـ أرجو الله أن يكتب لي العون على جمع مذكراتي في بلاد الشام وغيرها من البلاد التي أقمت بها. ـ[هل لكم أن تحدثوننا عن علاقتكم بالشيخ محمد بن مانع رحمه الله؟ ]ـ الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع (1300 - 1385هـ)، تعرفت عليه بالاطلاع على بعض مؤلفاته القديمة، وسمعت منه وعنه في الشام يوم كان يزورها قديماً، ثم التقيت به في مكة المكرَّمة سنة 1374هـ - 1955م. وبعدها كنت أجتمع به مع سمو الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، وبعد ذلك كنت أجتمع إليه في بيروت، وقطر، أو أيام الحج، حيث كنت وإياه نلتقي الساعات الطويلة، وأقرأ عليه الكتب التي طبعها لحساب الشيخ علي أو لحساب الشيخ قاسم بن درويش فخرو، أو يسمع مني بعض ما أطبع من كتب المكتب حتى وفاته في مستشفى البربير في بيروت في 12 رجب 1385هـ رحمه الله. وكلفني أولاده أن أصلي أنا عليه، ثم ذهبت معهم من بيروت إلى الدوحة، حيث جرى دفنه. وكان يقول: "أولادي أربعة، وهم: عبد العزيز، وعبد الرحمن، وأحمد، وزهير". وكان يكتب إليَّ -فضلاً منه- مع تعظيم بما لا أستحق، لذلك كنت أحذف تكريمه لي في الكتب التي أطبعها ويكتب المقدمات لها، وعندي العشرات من رسائله، ومن أوراقه التاريخية والعلمية!، ومن ذلك الرسالة المرفقة، وهي منذ خمسين سنة تقريباً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 24 ـ[أقترح على الشيخ أن يكون له موقع شخصي على النت ليسهل التواصل معه من محبيه؟ ]ـ الموقع الشخصي هو: باسم المكتب الإسلامي. ـ[هل للأستاذ اهتمام ب تراث محمود شكري الألوسي المخطوط لأن المكتب سبق أن طبع شيئا منه؟ ]ـ ليس عندي أشياء تخص الشيخ محمود شكري الآلوسي -رحمه الله-، ولكن في العراق -فرّج الله عنه- ما تسأل عنه، ولكن علمت عنه أشياء كثيرة من أستاذي الشيخ محمد بهجة البيطار، والشيخ محمد بن مانع رحمهما الله. ـ[هل يعلم الأستاذ عن حال مكتبة الشيخ محمد بهجة الأثري العراقي بعد موته؟ ]ـ الشيخ محمد بهجة الأثري انتقل إلى رحمة الله من قريب، والعراق كانت فيه الفتن، ولعل بعض أخواننا في العراق يعلموا شيئاً عنها، ومنهم الدكتور عماد الدين خليل -حفظه الله-. ـ[هل لكم أن تحدثونا عن صلتكم بوجيه الحجاز محمد نصيف رحمه الله ؟ ]ـ إن ما ذكرته عن العالم الجليل الشيخ محمد نصيف -رحمه الله- في مقدمة كتاب "محمد نصيف حياته وآثاره" تأليف الأخ الأستاذ الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد المدرس بدار الحديث الخيرية، والأستاذ الشيخ عبده بن أحمد العلوي المستشار الثقافي برابطة العالم الإسلامي، وكانت كلمتي قد طبعت في رسالة مفردة بعنوان "محمد نصيف ذكريات لا تنسى، ومآثر لا تضيع". ولعلي أبعث به إلى الأخوة الكرام في الملتقى لنشره عندهم، ومرفق طيه صورة أغلفة الكتابين، ومقدمتي لكتاب "محمد نصيف حياته وآثاره". ـ[هل سبق أن زرتم منطقة القصيم لغرض علمي فهل لكم أن تحدثوننا عنها؟ ]ـ زرت منطقة القصيم مرتين. الأولى: للحصول على مخطوطة من مكتبة عنيزة. وقد تكرَّم عليَّ الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- وأعطاني صورة عنها، وتجدها في كتابي "الرد الوافر". والثانية: بدعوة من الأمير فهد بن محمد بن عبد الرحمن آل سعود وسبق أن تكرَّم بزيارتي في بيتي بالحازمية، وطيه صورة له معي ومع أستاذنا العلامة الشيخ سعدي ياسين، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني-، اصطحبت معي أستاذنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني واجتمعنا بالمشايخ في كل بلدة وقرية. وكانت كل الجلسات علمية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 25 ـ[سؤالي عن معرفتكم بالشيخ فوزان السابق حيث حصل الوقوف على أحد كتبه اللطيفة وقصته في الدفاع عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الشام (ولا أدري هل له غيره) ولم أجد من ترجم له في حد علمي فهل تتكرم بالإحالة أو ذكر ما تعرفه عنه]ـ عن معرفتي بالشيخ فوزان السابق، فهي قديمة، وكانت بواسطة والدي أبو أحمد مصطفى بن أحمد بن علي الشاويش الحسيني، التاجر في الخيل بين العراق ومصر!. فقد كان والشيخ فوزان يتاجران معاً (من غير شراكة) بين دمشق (حيث كان يقيم الشيخ فوزان) والعراق بالخيل والجمال والبضائع (مثل بعض أهل نجد والشام). وبعدها أصبح الشيخ فوزان معتمد الملك عبد العزيز آل سعود في حكومة مصر، وكان السكريتير (أمين السر) الأستاذ العالم خير الدين الزركلي. وهذا كان صاحب لوالدي أيضاً، وشاركا معاً في بعض المعارك أيام احتلال الملك فيصل بن الحسين الهاشمي لدمشق، وبعدها في مقاومة فرنسة. وكنت أذهب مع والدي وأنا صغير السن لزيارة الشيخ فوزان في مصر وأستمع للأحاديث بينهما، ويأمر الشيخ فوزان من عنده لإحضار ألواح الشوكولا لي، وكان يعطيني مجموعات من الكتب السلفية التي تطبع في مصر، ويسألني بعدها عنها، وليأخذها أبي معه إلى علماء الشام السلفيون، وأعرف منهم أستاذنا الشيخ بهجة البيطار، والشيخ محمد الفقيه المصري، والشيخ حامد التقي، والشيخ محمد كامل القصاب. وأذكر من هذه الكتب كتاب هو مجموعة مؤلفات شيخ الإسلام أحمد بن تيمية طبعه شخص من آل رميح وأخوانه، كانوا من القنيطرة على حدود مصر، ومنهم رجل وجيه اسمه (سليمان بن رميح). وطيه ترجمة له في كتاب "علماء نجد خلال ثمانية قرون" تأليف الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام 5/ 378، الطبعة الثانية 1419هـ. وترجمة في كتاب "الأعلام" للأستاذ خير الدين الزركلي 5/ 162. وكذلك مقالاً لي عنه بعنوان "من ذكرياتي عن أهل نجد في الشام وعلاقة الشيخ فوزان السابق بالميدان والسلفيين"، نشرت في جريدة الرياض السعودية العدد 12901 الجمعة 21 شعبان 1424 = 17/ 10/2003 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 26 ـ[ متى بدأ الشيخ الألباني رحمه الله بالتعاون مع المكتب الإسلامي؟ وما هي أسباب النزاع بعد ذلك؟ ]ـ لقد بدأ الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في العمل معنا في المدة الأولى قبل أن نسمي (المكتب الإسلامي)، طبعنا له "آداب الزفاف"، و "حجّة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "، و "صفة صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". ثم هيئت له طبع "سلسلة الأحاديث الضعيفة" في مجلة التمدن الإسلامي مع الأستاذ الكبير أحمد مظهر العظمة -رحمه الله-، حيث كنت عضواً إدارياً في جمعية التمدن الإسلامي. ثم هيئت له بعد ذلك طبع "سلسلة الأحاديث الصحيحة" بعد قيام شبه ثورة عليه، وكان عملي بالتعاون مع تلميذه الأول أستاذنا عبد الرحمن الباني، والأستاذ أحمد مظهر العظمة، وقد اشترطنا عليه أمران: الأول: عدم التعرض للصحيحين البخاري ومسلم. والثاني: عدم نشر شيء من الفقه ليس له ما يؤكده في أحد المذاهب الأربعة المعترف بها. وفي سنة 1376هـ-1957م كان الشيخ الألباني يعمل في إصلاح الساعات في دكانه المعروف بالعمارة. ولما اتسع عملي في المكتب الإسلامي، فذهبت إليه مع أستاذنا الباني وطلبت إليه العمل معنا، فوافق على العمل في كل يوم أربع ساعات، بأجر متفق عليه. فقلت له هذا لثلاثة أسابيع من كل شهر، والأسبوع الرابع تذهب به إلى حلب والبلاد الشمالية فتنسخ لنا من مكتبة حلب بعض الكتب حتى نتولى طبعها، وتزور إخواننا هناك من السلفيين، وتأخذ أجور الأربعة أسابيع، فوافق. كما هيئت له السفر إلى مصر، والسعودية، وأوروبة مرات متعددة. ولكن بعد مدة اتسع عمله في المكتب حتى شغل كل وقته، وهيئت له عدداً كبيراً من الأساتذة للعمل معه، وبعضهم لخدمته، والنسخ لكتبه القديمة أيضاً؟. وجرت ظروف دعته للسفر إلى عمان في الأردن سنة 1390هـ-1970م، وبقي يعمل مع المكتب حتى سنة 1409هـ-1988م. وعندها جرى انقطاعٌ، ولله في خلقه شؤون. وأما السؤال عن النزاع بيننا فإنه لا فائدة من الكلام به. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 27 ـ[ما هي دور النشر القديمة التي كان لها دور بارز في نشر المطبوعات الإسلامية ؟ ]ـ أما دور النشر التي كان لها دور بارز في نشر المخطوطات بسورية فهي قطعاً "المكتب الإسلامي". ولكن كانت المكتبة العربية لصاحبها الفاضل العالم أحمد عبيد، فقد نشر عدداً قليلاً من الكتب النافعة المحققة. ـ[ ما هي حقيقة تتلمذ الشيخ شعيب الأرناؤوط على كتب الشيخ الألباني؟ ]ـ إن هذا السؤال من حقه -إن كان لك به نفعٌ وضرورة- أن يوجه إلى الشيخ شعيب الأرناؤوط حفظه الله، وعنوانه معروف عندكم، ومسجل على كل كتبه في عمَّان. ـ[ ما هي أسباب اهتمامكم بطبع كتب الحنابلة وتخريج أحاديثها؟ ]ـ إنني حنبلي عقيدةً، وكذلك فقهاً، لأن الإمام أحمد عليه رحمة الله كان سلفياً، ولم يؤلف كتباً في الفقة، وإنما اكتفي بالإجابة على المسائل. فلذلك كنت على منهجه، وطبعت عدداً كبيراً من مسائله. ثم عملت في قطر بالمعارف، وأدخلت مذهب الإمام أحمد في مناهج الدراسة (وأهل قطر أكثرهم على مذهبه). ثم كان سمو الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني حنبلي، وشيخه الشيخ محمد بن مانع حنبلي، يردد: أنا حنبلي ما حييت وإن أمت ... فوصيتي للناس أن يتحنبلوا وكذلك قاضي قطر شيخي وأخي الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود وهو مجتهد وحنبلي، فكنت أطبع الكتب الحنبلية للتوزيع مجاناً من الشيخ علي رحمه الله أو غيره مثل: الشيخ قاسم بن درويش فخرو، وأبيع بعضها بموجب اتفاقات. وأما التخريج فإن أستاذي الشيخ محمد ناصر لدين الألباني -رحمه الله- كان يعمل عندي لمدة أربعين سنة تقريباً، وأحياناً لا يكون عندي كتب يعمل في تخريجها، فأكلفه العمل في كتب الحنابلة أو غيرها، ومن ذلك عمله في أكبر كتاب له بالتخريج، وهو "إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل". وقد عمل به 8 سنوات، وهذا ظاهر في أول الكتاب وآخره، وفي مراسلات له معي، وفي التحكيم الذي أجراه بيننا الأخوة الأكارم الشيخ عبد الرحمن الباني، والدكتور محمد الصباغ، والمستشار محمد سليم العوا، وهم من خبراء أمور الطباعة، ورجالات الدعوة السلفية، حفظهم الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 28 ـ[ هل لا زلت تقوم بالإشراف على المكتب الإسلامي إلى الآن؟ ]ـ نعم ما زلت وقد تجاوزت الثمانين أتمتع بفضل الله بالقوة والقدرة على مزاولة الكثير من الأعمال، وفي الدعوة إلى الله على منهج السلف الصالح، وفي المؤتمرات والهيئات الإسلامية وغير ذلك. ولكن الإشراف المباشر على المكتب الإسلامي فليس بإمكاني الاتساع به لأعمال المكتب أولاً، وأنها تحتاج لملاحظات دائمة. ـ[ما حقيقة ما حصل حول طباعة صحيح السنن الأربع ؟ ]ـ كان أصل عملي مع الشيخ ناصر الاهتمام بتقسيم السنة إلى صحيح وضعيف، وهذا معروف بكل ما أصدرت من مطبوعات باسم الشيخ ناصر، وغيره من المؤلفات. غير أن الدكتور الفاضل محمد الأحمد الرشيد مدير مكتب التربية العربي لدول الخليج، فقد حرّضه على هذا العمل الأخوة الشيخ عبد الرحمن الباني، والدكتور محمد بن لطفي الصباغ، والمستشار محمد سليم العوا. وما سبق وسمعه مني، ونشرته في بعض الصحف عن الشيخ ناصر، وما قاله أستاذنا الشيخ علي الطنطاوي والشيخ محمد نصيف وغيرهما عن عمل الشيخ الألباني في المكتب الإسلامي. فذهبوا إلى الألباني في عمان، واتفقوا معه على القيام بذلك للسنن الأربعة: أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقام الشيخ الألباني بذلك، غير أن العمل كاد يضيع عليهم لأسباب لا أحب أن أدخل فيها بذكر -الآن-، ولكن جاء بعضه في مقدمة ضعيف سنن ابن ماجه، ويمكن سؤال معالي الدكتور محمد الأحمد الرشيد مدير عام مكتب التربية العربي لدول الخليج عن ذلك، والمدير الذي جاء بعده سعادة الدكتور علي بن محمد التويجري، والأخ الدكتور كمال الهلباوي الداعية المشهور، وغيرهم من موظفي مكتب التربية العربي لدول الخليج، أو الأخوة الأكارم الشيخ عبد الرحمن الباني، والدكتور محمد بن لطفي الصباغ، والمستشار القانوني الدكتور محمد سليم العوا، فإن عندهم الخبر اليقين. وهم الذين أجروا التحكيم الملزم للمتخاصمين، وأَخَذَ الحكم الدرجة القطعية، ونصح العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز بالالتزام به! الجزء: 6 ¦ الصفحة: 29 ولما جرى بعد ذلك من أخذ كتبي، أو الكلام عنها في بعض المقدمات والتعليقات للشيخ ناصر -غفر الله له-، سواءً صحَّ صدورها منه، أو أدخل عليه؟! -ممن لا خلاق لهم- فإنه من الكذب والافتراء. فإنني أترك أمره إلى الله سبحانه، الذي لا يضيع عنده شيء. مع أن عندي من وثائق الرد على كل أمر الكثير الكثير بخطوط أصحابها!! ومرفق طيه مقالاً نشرته عند وفاة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله بعنوان: "نقاط يسيرة من سيرة عطرة للشيخ الألباني مع الحديث النبوي الشريف" ـ["السلفية حركة قائمة في وجه الإلحاد، والشرك، والضلال، والطغيان" [[عنوان مقال للشيخ زهير]]. . "السلفية حركة". . هل مصطلح "حركة" وافد أم أصيل" ؟. . ثم هل الأولى استبداله بـ " المنهج أو الدعوة "؟ ]ـ كلمة (الحركة) قد أطلقت على (السلفية) وعلى غيرها من الحركات: الدعوية والعلمية السليمة. بل وحتى على غيرها مثل: الصوفية، والدعوية، والجهادية، والثقافية، والتحريرية ... إلخ، ولعلي استعملت هذا اللفظ. وسؤالك: هل الأولى: المنهج أو الدعوة .. إلخ. فإن ذلك مرده إلى اصطلاحات تنبع من الكاتب إتباعاً للشائع بين الناس، من غير تحديد ملزم للحركات نفسها. وقديماً قالوا: "لا مشاحة في الاصطلاح". وأن تعبير "المنهج" أولى، ولكن قد لا يلتزمه كل الكتاب، وقد لا يفهمه كل القرَّاء. كما نرفق لكم مجموعة مقالات: 1 - السلفية حركة قائمة في وجه الإلحاد، والشرك، والضلال، والطغيان / النسخة الأخيرة. 2 - الإبداع في قضايا الاجتهاد والتقليد والاتباع والابتداع. 3 - من ذكرياتي مع الداعية الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري. 4 - أبو الأعلى المودودي إمام العصر. 5 - الحج قبل خمسين عاماً .. واليوم. انشرها حيث تشاء، وجزاك الله خيراً. ـ[(كتب أبو علي: ) لقد ذُكر َ في كتب العلامة ابن مانعٍ كتاب اسمه (الرَّدّ على الجهميّة) ووصف بأنَّهُ كبير، فهل تعرفون عنه شيئًا؟ ]ـ الأخ أبا علي أعلا الله مقامك في الدنيا والآخرة وما ذكر في كتب أستاذي العلامة الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع عن كتاب "الرد على الجهمية" فلا أذكره الآن، ويراجع ما بقي من كتبه، ووضع في مكتبة "الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله" الجزء: 6 ¦ الصفحة: 30 ـ[لكم معرفة برجالات العالم الإسلامي ومنكم استفاد الزركلي في ذلك فهل لكم أن تحدثوننا عن ذلك]ـ إن العلامة الكبير، والمؤرخ المشهور، والشاعر المبدع، والسياسي البارع، وصديق والدي مصطفى الشاويش، وشيخي الأستاذ خير الدين الزركلي الدمشقي المولد والأقامة، والكردي الأصل. وكان يعد للطبعة السادسة من كتابه "الأعلام"، وجمع لها عدداً كبيراً من التراجم، والتصحيحات، وذكر عن مخطوطاتي وأوراقي في عشرات المواضع!، وجعلها في ظروف كتب على كل واحد منها اسم الشخص ومكان التصحيح. ولكن الورثة -غفر الله لهم- تصرفوا في مكتبته، فباعوها في بيروت إلى من لا يقدِّر قيمة عمل والدهم المتقن -رحمه الله-. ولما قامت "دار العلم للملايين" بطبع الكتاب في الطبعة السادسة، وأشرف عليه الأستاذ الأديب زهير بن عبد الباسط فتح الله، المولود سنة 1916م والمتوفى سنة 31/ 7/ 2002م -رحمه الله-. ولما سألني عمّا عند الأستاذ الزركلي من إضافات وتصحيحات، وكذلك سأل صديقه الوفي المرافق له أواخر أيامه الأستاذ ظافر بن الشيخ جمال الدين القاسمي. قلنا له هي في غرفة مكتبته في داره ببناية الهزار على ساحل بيروت، ضمن الظروف في خزانة ذات 5 رفوف بجوار كرسيه. وكذلك أفادتهم السيدة (وهي من آل المنجد)، التي كانت تساعد الزركلي في النسخ والكتابة على الآلة الكاتبة. غير أنهم لم يجدوا شيئاً منها. وقال لهم (الذي اشترى المكتبة): أنه جمع الكتب وباعها، وأما الأوراق فلم يلقى لها بالاً؟! والله أعلم. وقدّر الله وما شاء فعل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد تكرّمت "دار العلم للملايين" والأستاذ زهير فتح الله بأن عرضوا علي العمل معهم بتحقيق هذه الطبعة، بناءً على توصية الأستاذ الزركلي لهم. غير أنني -لظروفي الخاصة- اعتذرت. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 31 فكرروا الطلب بشكل آخر، وهو أن يأخذوا إحدى نسختي من كتاب "الأعلام"، والتي عليها تعليقات لي (حيث كنت ومازلت أضع من كل كتاب نسختين، الأولى في بيتي -خاصة- عليها تعليقاتي، والثانية في مكتب التصحيح، وعليها تعليقات أيضاً). وفعلاً نقلوا الكثير منهما، والذي أرجو أن يكون النافع المفيد، وقد قالوا في الجزء الأول من كتاب "الأعلام" الطبعة السادسة الصفحة 7: [[وفي هذه الطبعة أبدلنا رمز (خ) لعديد من الكتب المخطوطة، بعد أن تأكدنا من أنها قد طبعت، وكان أكثر ذلك نقلا عن نسخة الأخ الأستاذ زهير الشاويش]] وهذا الأقل مما نقلوا، وسوف تجد أنهم نقلوا أيضاً تراجم عمن كانت وفاتهم بعد الزركلي؟! وبعد ذلك كل من قام بعمل تبعاً للأستاذ الزركلي في التراجم استفاد من كتاب الأعلام، ومنهم: - إتمام الأعلام، تأليف: نزار أباظة، ومحمد رياض المالح -رحمه الله، طبع دار صادر- بيروت. - معجم المؤلفين، تأليف عمر رضا كحالة -رحمه الله، طبع دار إحياء التراث العربي - بيروت، وغيرها. - أعلام النساء، تأليف عمر رضا كحالة -رحمه الله، طبع مؤسسة الرسالة - بيروت، وغيرها. وبعضهم استفادوا مما فعلت. ومن ذلك أخي الفاضل الأستاذ أحمد العلاونة في كتابيه: - ذيل الأعلام 1/ 2، طبع دار المنارة للنشر والتوزيع - جدة. - نظرات في كتاب الأعلام للزركلي، طبع المكتب الإسلامي - بيروت. وكذلك الأستاذ محمد خير رمضان يوسف في كتابه: - تتمة الأعلام للزركلي 1/ 3، طبع دار ابن حزم - بيروت. وأكتفى مع الدار الناشرة بوضع الورقة التالية في كل النسخ قبل بيعها. [[لقد تفضل أستاذنا الشيخ زهير الشاويش مشكورا بمراجعة هذا الكتاب (تتمة الأعلام) وأفادنا بملحوظاته المفيدة، جزاه الله خيرا وقد فاتنا أن نذكر ذلك في هذه الطبعة على أمل استدراكها في الطبعة القادمة والحمد لله رب العالمين]] ثم رفعها من طبعته الثانية، علماً أنني لم أسألهم جزاءً ولا شكوراً، وسامحهم الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 32 ذهاب العديد من المكتبات ـ[(كتب الأخ مكي: ) في أحد كتبكم ـ نسيت اسمه ـ ذكرتم استطرادا المكتبات الخاصة التي تحوي مخطوطات .. ومما ذكرتم مكتبة ابن سويلم في الخبر في السعودية .. وقد سألت عنها ولم أقف لها على خبر فهل اشتبه الأمر علي؟ أم هو وهم؟ ]ـ الأخ مكي، حفظ الله مكة، وبكة، وأم القرى وأهلها الذين نعرفهم؟ وكذلك الذين لا نعرفهم - وأنت منهم! إن ما ذكرته في كتابي "هوامش دفتر المخطوطات" الصفحة 34 هو الصحيح. وهذه المكتبة (مكتبة سويلم): اتصلت بي، واشتروا كمية من مطبوعات المكتب الإسلامي. وأهديت لها مجموعة من الكتب المطبوعة لحساب الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، والأخ الشيخ قاسم درويش فخرو، وأنا مكلف منهما بذلك، وإذا لم يجد الأخ هذه المكتبة فلعل لذلك أمر لا أعرفه. وسبق أن ذهبت العديد من المكتبات، مثل: - مكتبة الشيخ علي آل ثاني في الأحساء، وكانت تسمى "مكتبة آل ثاني"، ويشرف عليها علماء كرام من عائلة آل المبارك، وسمعت بأنه فتح مكانها طريق، ونقلت إلى أحد المساجد. - ومكتبة الشيخ علي في "مسجد عاليه" شرقي بيروت، ذهب بعضها في حوادث لبنان، وحفظ أخي الشيخ سعيد الطباع -رحمه الله- وأولاده بمساعدتي على البقية. وقد أخذها بعض أولاد الشيخ علي، حيث ضموها إلى مكتبته في الدوحة. - وحتى المكتبة الأولى المشهورة في دمشق (الظاهرية)، التي جمعت عشر مكتبات دمشقية كبرى قديمة، بمسعى العالم المصلح السلفي الشيخ طاهر الجزائري، نقلت بعد ذلك إلى مكتبة كبرى بدمشق باسم مكتبة الأسد! - ومكتبة "مسجد مرجان" في بغداد لم أجد لها أثراً، بعد أن كانت مطلع القرن الماضي عامرة. وعن مكتبتها نسخ أحدهم مخطوطة "شرح العقيدة الطحاوية" لأبي العز الحنفي التي طبعتها سنة 1381 هـ وما بعد ذلك بتحقيقها مع مجموعة من العلماء، وكلَّفت بتخريج أحاديثها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله-، وقد زعم أحدهم أنها من تحقيقه -وهذا غير صحيح-. وأخيراً استفاد كل من طبع شرح العلامة أبي العز الحنفي من مطبوعتي على مخطوطتي وما فيها من زيادات كثيرة! وجميعهم لم يذكروا أنهم استفادوا منها -سامحهم الله-. وقد ذهبت إلى بغداد مرتين، أيام حكم عبد السلام عارف، ولم أجد لها أثراً ولا خبراً، واستعنت بعدد من إخواني أهل العلم والمعرفة، ولم يعرفوا أين صارت كتبها. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 33 ولكن وجدت نسخة في المتحف العراقي من ديوان ذي الرمّة كانت فيها، فصورتها وأرسلتها لأحد أصحابي مع مجموعات من شعر ذي الرمّة، كنت جمعتها أيام طبعي "ديوان ذي الرمّة" بتحقيق الدكتور رضوان الداية، واستفاد صاحبي محقق الطبعة الجديدة منها، ونسي أن يذكر اسم من أمّن له المخطوطات التي وقعت له؟ في طبعته لهذا الديوان؟. وذكر أنه استفاد (كلمة واحدة) من مكتبة نصرانية، فذكرها وشكرها على ذلك؟ وطعن برجل من أشراف أهل البصرة، مع أنه أطلعه على أقدم مخطوطة من ديوان ذي الرمَّة! وأيضاً -سامحه الله الذي تقدّست أسمائه- وحفظ علينا (رسالة) الأمانة العلمية. - ومكتبة مركز الشبان المسلمين في دمشق، والتي صارت إلى جماعة الأخوان المسلمين، وأفرغ لها غرفة في مركز السنجقدار. وكنت أشرف عليها أثناء عملي في الجماعة، وفيها شاهدني العلامة الشيخ راغب الطباخ، وكنت أعمل بنقل الأحاديث النبوية وأجازني، وعن طريقي مع الأستاذ محمد الطيب المبارك أجاز الشيخ محمد ناصر الدين الألباني سنة 1365هـ-1946م. وأهتديت إلى كتاب فيها هو الجامع الصغير، وكان الشيخ ناصر أهداه إلى المكتبة، وكتبت على الجزء الأول فيه كلمة نقلت فيها "في مقدمتي لصحيح الجامع الصغير وزيادته، طبع المكتب الإسلامي" (انظر الطبعة الثالثة 1408هـ-1988م، الصفحات: 5 - 10)، وسرّ بها كثيراً الشيخ محمد ناصر الدين الألباني. وفي إحدى هجمات الأمن، قام بعض الأخوة بنقل المكتبة إلى بيت أحدهم، ولما فتشت عن هذه النسخة، وساعدني أخوة كرام منهم: الفاضل (ز-م)، ووجد الجزء الثاني، ولم يجد الجزء الأول، وجزاه الله كل الخير. ومرفق صورة الغلاف وعليها خط الشيخ ناصر مع الإهداء، وصفحة منه عليها تعليق للشيخ ناصر على حديث. وذهب اسم المكتبة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 34 - وكذلك الأخوة في حلب كانت لديهم مكتبة باسم (دار الأرقم)، وبعد حل الجماعة نفسها بتاريخ 1958م لإتمام الوحدة بين مصر وسورية، نقلها الأخوة، وكان لهم ديون على الجماعة. فباعوها إلى المكتب الإسلامي. ومرفق ورقة البيع. وعلمت بعد ذلك أن أحدهم استولى على عدد من مخطوطات كانت فيها مع بعض الكتب اشتراها لنفسه؟ وبذلك ذهب اسم المكتبة. - ومكتبة أستاذنا الدكتور مصطفى حسني السباعي -رحمه الله. فقد استولى عليها أحد الأوصياء على أولاده، فباعها إلى دولة الكويت بثمن بخس. وكان فيها أكثر من عشرة مخطوطات لي استعارها شيخنا وأدخلت مع المكتبة -سامحهم الله-. - ومكتبة الشيخ عبد القادر بدران - غفر الله له. بعد أن خرج من بلدته دومة أقام في غرف مدرسة وقفية في سوق العصرونية، وكان عنده مجموعة من المخطوطات، ومن مؤلفاته، فذهب أكثرها؟! بطرق ملتوية. وقد استطعت -بعد ذلك- من شراء عدد منها من ورثتهى (أقاربه)، وطبعت منها عدداً مثل: 1 - جواهر الأفكار ومعادن الأسرار المستخرجة من كلام العزيز الجبار. 2 - منادمة الأطلال ومسامرة الخيال، الآثار الدمشقية والمعاهد العلمية. - ومكتبة آل الشطي الحنبلية بدمشق. فقد كان أكثر ما فيها جمعه الشيخ عبد السلام الشطي، وكان له خط على كل كتاب منها. كما كان يكتب بخطه على كثير من كتب غيرها: أنه اطلع على الكتاب. وأظنه توفي عن غير أولاد، فورث أبناء أخوته وإحدى أخوانه المكتبة، وقسمت إلى عدداً منهم. العلامة الشيخ حسن الشطي قاضي دمشق، وهو الذي أعارني نسخة من مخطوطة " مختصر الخرقي من مسائل الإمام أحمد"، وتكرّم أستاذنا الشيخ عبد الرحمن الباني وساعدني بذلك. وقد بيعت هذه المكتبة بعد ذلك (بعد أن خرجت من دمشق). وقسم كان عند المفتي الحنبلي الشيخ محمد جميل الشطي، وقد تملكتها -والحمد لله- بجميع مخطوطاتها، والكثير من مطبوعاتها. من قبل ورثته، ومنهم الشيخ فيصل جميل الشطي رحمه الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 35 واستعنت بها بطبع عدد من مخطوطاتها مثل: "مطالب أولي النهى في الجمع بين الغاية والمنتهى" بتحقيق الجزء الأول مع الشيخ جميل، وانفردت بطبع الجزئين الباقيين. وعندي من أخبار المكتبان الشامية والسورية، ما أرجو أن أفرّغ للكلام عنها -إن شاء الله-. وطيه الكلمة مع المرفقات بعنوان: ذهاب العديد من المكتبات، ومقال ذات صلة بعنوان: طرائف مع الشيخ سعدي ياسين. . . ـ[ نداء من الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي إلى الأخوة السلفيين ]ـ من مكتب الشيخ زهير الشاويش إلى الأخوة في ملتقى أهل الحديث حفظهم الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد لقد قام الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي بزيارة شيخه الشيخ زهير الشاويش في المكتب الإسلامي ببيروت بتاريخ 22/ 12/1425هـ الموافق 1/ 2/2005م. وكتب الكلمة المرفقة، متمنياً على الشيخ زهير نشرها حيث يشاء، داعياً الأخوة السلفيين إلى جمع الكلمة، ونبذ الخلاف، وتحكيم الشرع الحنيف في جميع أمورهم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوانكم مكتب الشيخ زهير الشاويش ـ[هل يوجد في لبنان مسندون من أهل السنة غير شخصكم الكريم والشيخ حسين عسيران؟ ]ـ نعم!، كان في لبنان الشيخ سعدي ياسين، والمفتي الشيخ محمد خالد، والمفتي الشيخ محمد علايا، والمفتي الشيخ حسن خالد، والشيخ محمد العربي العزوزي المغربي، والشيخ أحمد العجوز، والشيخ واصف الخطيب الدمشقي الأصل، والشيخ صلاح الدين بن رضا الزعيم الدمشقي الأصل، والشيخ محمد نديم الجسر (الطرابلسي)، وغيرهم تغمدهم الله برحمته. وعلمت بأن بعض المشايخ يجيزون -هذه الأيام-، ولكن كل أسانيدهم متأخرة جداً. ـ[ هل أجاز الشيخ رمزي دمشقية بعض طلبة العلم في لبنان بمروياته، وهل يجيزون طلبة العلم؟ ]ـ وأما الأخ الشيخ رمزي دمشقية -رحمه الله-، فقد انتقل إلى رحمة الله صغيراً، ولا أعلم أنه أجاز أحداً، ومروياته أيضاً متأخرة جداً. ويمكن سؤال (دار البشائر الإسلامية)، فلعل عندهم ما لم أطلع عليه. وسبق أن نشرت كلمة عند وفاته بعنوان: عالم عامل فقدناه، نرفقه في هذا اللقاء المبارك. وحبذا لو أرسلت (إليَّ) باسمك الكامل على البريد الخاص. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوك زهير الشاويش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 36 ـ[هل طُبع كتاب البداية والنهاية لابن كثير بتحقيق محمود الأرنؤوط وجماعة بإشراف المحدّث الراحل عبد القادر الأرنؤوط -تغمده الله برحمته-؟ ]ـ ـ[هل من خبر عن إمكانية طبع " معجم الحديث " للمحدّث الراحل الشيخ العلّامة محمد ناصر الدين الألباني -تغمده الله برحمته- والذي يُقال أنه يقع في ما يقارب 40 مجلد]ـ ـ[هل من خبر حول جمع وترتيب فتاوى الألباني وطبعهم في " مجموع فتاوى "؟ ]ـ أما [[هذه الأسئلة الثلاث]]: فليس عندي ما أخبرك عنه. ـ[هل ستطبعون الأجزاء الناقصة من التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر ؟ ]ـ حول الأجزاء الناقصة من التاريخ الإسلامي للعلامة الفاضل الشيخ محمود شاكر: فأرجو أن يتم طبعها قريباً -إن شاء الله-. ـ[ هل عندكم علم بحال المخطوطات التالية :. . - المستحلى في إختصار المحلى للحافظ الذهبي. . - مختصر البداية والنهاية للحافظ ابن حجر العسقلاني. . - التكميل في أسماء الثقات والضعفاء والمجاهيل للحافظ ابن كثير. . - التذكرة الصلاحية لصلاح الدين الصفدي]ـ إن عندي مختصراً من كتاب المحلى مخطوطاً، ولعله للحافظ الذهبي. وأما الكتب الثلاثة: فليس عندي من مخطوطاتها شيء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 37 [ موقع المكتب الإسلامي على الإنترنت ] الأخوة الأحبة أعضاء وزوّار ملتقى أهل الحديث المبارك حفظكم الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فهذه وصلة تجدون فيها ما يلي: 1 - نبذة عن المكتب الإسلامي للطباعة والنشر. 2 - كلمة الشيخ زهير الشاويش في مقدمة فهرس المطبوعات. 3 - فهرس المطبوعات هجائي بصيغة pdf. 4 - فهرس المطبوعات هجائي بصيغة excel. 5 - بعض ما قيل عن المكتب الإسلامي حديثاً. 6 - دعوة إلى التسجيل في موقع المكتب الإسلامي، مع ذكر المصدر: "عضو ملتقى أهل الحديث". 7 - عنوان المكتب الإسلامي الكامل. وهذا هو الرابط للاطلاع: http: //www. almaktab-alislami. com/aboutusnew. asp وجزاكم الله كل خير، ونفع بكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوانكم في مكتب الشيخ زهير الشاويش ـ[أسال عن كتاب سلسلة المواطن الاسلامية للمؤرخ الشيخ محمود شاكر ?. . وهل من ترجمة للشيخ?]ـ العلامة محمود شاكر -حفظه الله- من أهل قرية حرستا - شرقي دمشق (1351هـ - 1933م). وهو عالم مؤرخ -وداعية للإسلام- وعامل في تصحيح العقائد التي دخلت على الإسلام والمسلمين. ويطبع كل كتبه في المكتب الإسلامي، ومن أهمها كتابه القيِّم: "التاريخ الإسلامي 1/ 22". وبالنسبة لسلسلة مواطن الشعوب الإسلامية، فهي من مطبوعات المكتب الإسلامي، وانظرها في هذين الرابطين: 1 - مواطن الشعوب الإسلامية في آسيا 1 - 17: http: //www. almaktab-alislami. com/bookpage. asp?id=18 2 - مواطن الشعوب الإسلامية في أفريقية1 - 10: http: //www. almaktab-alislami. com/bookpage. asp?id=19 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مكتب الشيخ زهير الشاويش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 38 ـ[قرأت قديما خبر الأمير عبد القادر الجزائري وكيف كان يصنع في تتبع كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وحرقها .. ولا أدري هل قرأتها عن الشيخ الطنطاوي أم الألباني أم عنكم .. المقصود هلا أفضتم الحديث حول هذه النقطة. ]ـ جواباً على سؤالك عن خبر الأمير عبد القادر الجزائري، وما كان يصنع بكتب شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية -رحمه الله-. وإنني لم أسمع من أستاذي العالم الداعية الشيخ علي الطنطاوي، ولا من أستاذنا الشيخ الألباني، بل هما -على ما عندهما من فضل- سمعا مني عنه ما نشرته في مقدمتي لكتاب "الكلم الطيب". وتكرّم بالنظر إليه من طبع المكتب الإسلامي الصفحات (5 - 7)، والذي حذف بفعل الظالمين من الطبعات المسروقة!! ـ[وفي المقابل لو ذكرتم لنا حال المكتبات الشامية وخصوصا دمشق قبل انتقالها إلى المكتبات الحكومية. . أعني لما كانت في المدارس والربط والجوامع .. أين ذهب هذا التراث؟ وهل كانت جهود الشيخ طاهر الجزائري فريدة في جانب الحفاظ على التراث؟. . ألا تتصور أنه بقي كثير من التراث مجهولا حبيس الصناديق في البيوت التي توارثته أو بقي في أماكن أخرى!! ]ـ وأما حال المكتبات الشامية، فقد تكلمت عن عدد منها فيما تقدم في هذا اللقاء الكريم، ولعلي أتكلم أيضاً أكثر عنها، إذا فرَّج الله في العمر، ووهبني القدرة. وفي كتاب (منادمة الأطلال) للشيخ عبد القادر بدران عن دمشق وما فيها الكثير، وقد طبعت هذا الكتاب، وإنك تجده لدى المكتب الإسلامي. ـ[أشرتم إلى نيتكم الكتابة حول المكتبات الشامية والسورية وأنا أشد على أيديكم أستاذنا الكريم ولعلنا نراه في القريب العاجل .. مع آخر فيه تقييد ل سيرتكم العلمية وأخبار رجال العصر الذين صحبتموهم ولقيتموهم . ]ـ وأما سيرتي (التي قلت عنها: علمية) فأنا لا أسمح لنفسي بمثل هذا اللقب، ولكن أرجو الله أن يسهل لي ذكر ما وعت ذاكرتي من أخبار، وقد نشرت بعض ذلك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 39 ـ[هل من الممكن الحصول على ترجمة لهؤلاء الأعلام [[المعاصرين]]. . 1 - الشيخ حمدي السلفي. . 2 - الشيخ بكري الطرابيشي. . 3 - الشيخ شعيب الأرناؤوط. . وأتمنى أن تكون ترجمة مفصلة وكذلك الدكتور بشار عواد , والدكتور محمد حجي , والدكتور عبد الرحمن عميرة]ـ جواباً على سؤالك عن تراجم الأخوة المشايخ والدكاترة الذين ذكرتهم وهم: حمدي عبد المجيد السلفي - بكري الطرابيشي - شعيب الأرناؤوط - بشار عواد - محمد الحجي - عبد الرحمن عميرة. فإن المشايخ والدكاترة الذين ذكروا هم ما زالوا على قيد الحياة -بارك الله في أعمارهم وأعمالهم-، والتراجم لا تكون إلا بعد انتقال الشخص إلى رحمة الله، فعندها يؤمن عليه حسن الخاتمة -إن شاء الله-، ويذكر بما كان عليه من خير. وأما إذا كان السؤال لأسباب أخرى (مثل التزاوج، أو العمل .. إلخ)، فعليك أن تبين ما قصدك، لعلنا نجيبك -إن شاء الله- على بعض ذلك، لأننا في مكتب الشيخ زهير عندنا عن أكثر من ذكرت معلومات كثيرة. غير أننا ننصحك بالتوجه بالسؤال لكل واحد منهم مباشرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مكتب الشيخ زهير الشاويش ـ[ هل لقيتم الشيخ عبد الحي الكتاني وهل لكم رواية عنه وهلا حدثمونا عن ما تعرفونه عن هذا الشيخ رحمه الله وحفظكم ورعاكم وباحسانه وانعامه تولاكم]ـ لدى سؤال شيخنا عن لقاءه بالشيخ عبد الحي الكتاني، أفادنا: أنه التقى به في دمشق، وفي جدة عند الشيخ محمد نصيف، فقد كان حاجاً أيام ابن عرفة، وأنه مات في باريس، انظر الأعلام 6/ 187. ولقي الشيخ زهير عدداً من العائلة الكتانية (الحسنية) وبعضهم كان بجوارنه في حي الميدان، ومنهم السيد الزمزمي الذي مات بدمشق، والسيد مكي (رئيس رابطة العلماء في سورية، وكانت له وجاهة، والسيد ناصر، الذي زاره في بيروت، وعند الشيخ زهير منه رسالة، وهو الأقرب للسنة منهم -رحمه الله-، وفاتح وتاج أولاد مكي، وعدد من الأخوة. والشيخ عبد الحي روي للشيخ زهير عنه: أنه كان يصحح بعض الأحاديث الساقطة، معتمداً على المنامات؟، أو رواية عن (رتن الجني، وهو عنده تابعي) والله اعلم! وعندما زار دمشق، شاهد عند الكتبي القصيباتي مصحفاً نادراً، ودقيق الخط جداً. وسأل صاحبه عن قيمته؟ فقال المكتبي: هو هدية (تورعاً عن ذكر البيع). فقال الكتاني: قبلت، وحاول وضع المصحف في عبه؟ (مداعباً)، فتنبه البائع، وحاول أخذ المصحف منه، وهو يقول: بعد دفع الثمن؟ وصادر الملك محمد الخامس نصف مكتبته، والملك في ذلك ظالماً، وزاره في باريس أستاذنا سعيد الأفغاني، وحدّث الشيخ زهير عنه وعن ما حمل معه من كتب كثيراً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 40 ـ[ شرح نونية ابن القيم لابن عيسى . . طبعه المكتب الإسلامي الطبعة الأولى 1382هـ تقريبا، أي اكثر من 30 سنة. . والنسخ الموجودة منه الآن في المكتبات التجارية مصورة عن هذه الطبعة لكنها غير واضحه. . . فهل سيعيد المكتب طباعة الكتاب وصفه من جديد مع استدراك الملاحظات، كما كان الحال مع منار السبيل لابن ضويان]ـ فإن طبع كتاب "شرح نونية الإمام ابن القيم" عائد لإخوانك في المكتب الإسلامي. ولكن الأفضل أن ترسل لنا الصفحات الأول من الطبعة (المسروقة) عندكم، لنعرف من الذي سرقها (*). . . . بالنسبة لإعادة طبع كتاب "توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم الموسومة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية 1 - 2". قريباً -إن شاء الله- سنقوم بإعادة صف الكتاب وإخراجه من جديد. وطيه صورة الغلاف. وشكر الله لك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.   (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: علّق السائل على هذا بقوله: الطبعة المصورة هي للمكتب الاسلامي لكنها غير واضحة، فكنت استفسر عن اعادة طباعة هذا الكتاب النفيس بصف جديد كما اعاد المكتب اعادة صف وطباعة منار السبيل. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 41 ـ[أسأل متع الله بأوقاتكم عن صاحبكم: حسن عبد الحميد صالح رحمه الله تعالى. . من هو , وماهي مؤلفاته؟. . وقد ذكر رحمه الله في كتابه (الحافظ أبو طاهر السلفي) أنه قد حقق (معجم السفر) للسلفي. . فهل طبع المعجم بتحقيقه؟. . وما تعرفون - حفظكم الله - عن (معجم الشعراء) للسلفي , مع أن الأستاذ مناع الطرابيشي ينفي وجوده , ويزعم أنه معجم السفر لا غير , مع أني قد رأيت الجزء الأول من (معجم الشعراء) وقد نقل منه ياقوت في معجم الأدباء .. . . وماهي أهم مؤلفات الحافظ السلفي التي لم تطبع؟ ]ـ ترجمة مؤلف كتاب "العلامة أبي طاهر السلفي" بقلم: زهير الشاويش *** هو أخ عزيز، وصديق كريم، من أهل فلسطين الذين هاجروا منها سنة 1948مع أهله، وأقاموا في الأردن. ودراسته الثانوية كانت في العراق، مع مجموعة طيبة أعرف منهم: العلامة النائب الأستاذ يوسف العظم، والدكتور داود عباس، والأستاذ المربي عرفات التكروري، وغيرهم. وكان من الدعاة بجماعة الأخوان المسلمين، وهو مثل أكثر الأخوان سلفي المنهج، صحيح المعتقد، العامل بالحديث النبوي الشريف. ثم أن الدكتور حسن ذهب إلى بريطانيا ونال شهادة الدكتوراه في علوم الحديث من كلية الدراسات الإسلامية بجامعة كامبردج سنة 1972، ثم عمل أستاذاً في المملكة العربية السعودية في كلية التربية بالرياض. وانتقل إلى رحمة الله بحادث مروري بمكة المكرَّمة معتمراً في 28 رمضان 1396هـ الموافق 22/ 9/1976م. وقد طبعت له كتابه "أبو طاهر السلفي" غير أن أكثر الكتاب ضاع بسبب الحوادث التي مرت على لبنان، وأصابت المكتب الإسلامي (كما ألمحت إلى بعض ذلك في أول الكتاب)، فتوقف طبعه. ثم كانت وفاة الأخ المؤلف، فقمت بطبع الكتاب مجدداً "الحافظ أبو طاهر السلفي" بعد وفاته سنة 1397هـ-1977م. وكانت النية تتجه إلى طبع كتاب "معجم السفر" الذي أتمه، بالاتفاق معه، غير أننا وجدنا له طبعة قامت به الدكتورة بهيجة الحسني مع منشورات وزارة الثقافة - الجمهورية العراقية 1398هـ-1978م. وفي كتابه "أبو طاهر" الصفحة 189 كلام عن مؤلفات الإمام السلفي وتعريف فيه مفيد. وأما كتاب "معجم الشعراء" فليس لدي عنه شيء من أخباره، وأن الأخ الفاضل هو (مطاع الطرابيشي جارنا الدمشقي)، وعمّه الشيخ بكري أقدم رواة القرآن هذه الأيام. وفي كتاب "أبو طاهر" صفحات 83 - 85 ذكر فيها أسماء الشعراء الذين عرفهم، وأغلب ظني أن ما قاله الأخ مطاع الطرابيشي صحيح (*). وإليك صورة خطه في بعض رسائله إليَّ ملحقة برسالتي هذه. وإذا أردت معلومات عنه وعن أولاده أكثر مما كتبت لك، فعليك مراسلة الأخ العلامة الشاعر الدكتور عدنان النحوي، فقد تجد عنده أشياء أخرى كثيرة، وهذا هو عنوان موقعه على الإنترنت: www. alnahwi. com. أو الدكتور داود عباس في الأردن، وهاتفه هو: 00962647762760. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بيروت في 22/ 6/1426هـ الموافق 28/ 7/2005م   (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: علّق السائل على هذا بقوله: "وسأعود إلى حيث رأيتُ (معجم الشعراء) لأتأكد من الأمر .. " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 42 ـ[هل هناك نيّة ل طبع "مطالب أولي النهى" للرحيباني ]ـ مطالب أولي النهى تحت الطبع بمجلدين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 43 ـ[ المكتب الإسلامي بمصر!! ]ـ إن المكتب الإسلامي أنشأه الشيخ زهير الشاويش سنة 1376هـ-1957م وقبله بسنوات طبع عدداً من الكتب النافعة في مصر، والشام، وقطر، ومن هذه المكتب برز اسم الشيخ الشاويش وغيره من العلماء الأفاضل، وعرفنا الكتب الحديثية والعقائدية والفقهية الحنبلية، والتي أشرف عليها الشيخ الشاويش والعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الألباني، والشيخ محمد بهجة البيطار، والعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، والدكتور مصطفى السباعي، والشيخ عبد القادر الأرناؤوط، والشيخ شعيب الأرناؤوط والعشرات غيرهم. وجميع مطبوعات المكتب الإسلامي هي كتب سلفية لأهل الحديث. وأما (مكتب إسلامي بمصر؟؟؟ ) فهو كذبة اخترعها رجل دعي منذ سنوات (مثل مسجد الضرار)، وحاول سرقة رسالة صغيرة من مطبوعات المكتب الإسلامي. ورفع عليه دعوى في مصر مكتب العلامة المستشار الدكتور محمد سليم العوا، وأخذ حكم بذلك. . . . (المكتب الإسلامي بمصر!! )، ونحن نعلم أنه لا يوجد مكتباً بهذا الاسم مطلقاً، والذي زعم رفعت عليه الدعوى القانونية، ومنع من استعمال هذا الاسم، وبعد سنوات تحايل وأضاف إليه كلمات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 44 ـ[ "التنكيل" و "القائد" ]ـ قد طبع كتاب "التنكيل" لدى المكتب الإسلامي أول مرة بمشاركة من وجيه الحجاز الشيخ محمد نصيف عليه رحمه الله، ومشاركة الشيخ زهير الشاويش وأشرف عليه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله سنة 1386هـ-1966م. ولم يكتب عليه اسم المكتب (لأسباب كانت دائرة عليه من مفتي الجمهورية السورية وبعض الأجهزة الأمنية أيام الوحدة) وانظر ما كتب الشيخ الشاويش في مقدمة الكلم الطيب عن ذلك (المرفق رقم: 4 - 7) ثم قام المكتب الإسلامي بإعادة طبعه سنة 1406هـ-1986م في بيروت وصحح الأغلاط، وفصل كتاب القائد، وقال في مقدمته (انظر المرفق رقم: 3). وهذا رابط بطاقة الكتابين من موقع المكتب الإسلامي للطباعة والنشر - التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل: http: //www. almaktab-alislami. com/bookpage. asp?id=374 - القائد إلى تصحيح العقائد: http: //www. almaktab-alislami. com/bookpage. asp?id=727 والحمد لله رب العالمين. مكتب الشيخ زهير الشاويش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 45 ـ[ما هو الأفضل لطالب العلم , الدراسة على محدث؟ أم الدراسة على أصولي ؟. . وإن أراد أن يدرس على محدث وأصولي فكيف يوافق بينهما؟ ]ـ إن طالب العلم محتاج إلى من سميته (الأصولي) كما هو محتاج إلى (المحدث). فإن الأول يفيده في قواعد العلم، ويدربه على متونه، وقد يكون ضعيفاً في الرواية. والثاني يعطيه الرواية الصادقة للأحاديث، ولكن قد يكون ضعيفاً في الدراية. ولذلك فاجمع بين الشيخين، بل وعدد من المشايخ أفضل. والإنفراد بالشيخ الواحد فقط كانت من طرائق المتصوفة ومن شابههم من غيرهم، وحتى بعض السلفيين. وقد حدثنا شيخنا العلامة علي الطنطاوي أنه عوقب من أساتذته لأنه شوهد ينظر للشيخ عبد القادر بدران في درسه. وكذلك تحدث الشيخ عبد الغني الدقر أنه عوقب، حيث شوهد يمشي خطوات مع أستاذنا الشيخ محمد بهجة البيطار. وهذه الأيام طرد من السنة النهائية في مدرسة؟ لأنه زار بيروت وحضر حفل أقيم لي. وهذا الإنفراد بالشيخ الواحد، وكذلك العمل مع الشيخ الواحد على خلاف ما أوصى به سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلم أهل العلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوك زهير الشاويش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 46 ـ[رأيت صورة من إجازتك لشيخ الحنابلة عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - وذكرت فيها اسم الشيخ ( سيف بن محمد بن مدفع الشارقي) وكتبت عنده بخطك (سلفي). . سؤالي هو هل لي بترجمة الشيخ سيف بن محمد. . وهل تعرف أحداً من أحفاده هنا بالإمارات؟ ]ـ قد عرفت الشيخ سيف بن مدفع في قطر سنة 1956 مسيحية، وكان معه عدد من أهل الشارقة، ومنهم الشيخ مبارك الناخي، والشيخ عبد الله المحمود ومحمد المحمود ... وكانت الأبحاث معهم كلها تدور حول السلفية. وقال لي المدفع: أنه كان تلميذاً للشيخ محمد بن مانع في مدرسة القبيب في الدوحة، وكان من زملاءه العلامة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود والشيخ قاسم بن درويش فخرو، وكل هؤلاء سلفيون، ولا أزكي على الله أحداً، والترجمة تجدها عند أولاده، ومعهم وزراء ومدرسات عندكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوك زهير الشاويش الجزء: 6 ¦ الصفحة: 47 ـ[هل لي بترجمه عن الشيخ عبد الغني [بن علي] الدقر رحمه الله وذكر أشياء عن سلفيته؟؟ وهل خالف الصوفية (سيما وان والده كما يُذكر كان شيخ التجانية في زمانه)؟؟؟؟؟ .. فأني رأيت في أحد منتديات الصوفية من يقول بأن الشيخ علي الدقر كان شيخ التجانية واحد محدثيها. . حيث قال:. . ((العلامه علي الدقر كان شيخ التيجانيه ببلاد الشام واحد اعلام فقهائها ومحديثيها. . ورائد نهضتها العلميه واحد المجاهدين الاعلام ضد الاحتلال الفرنسي))]ـ ـ[أرجو أن تفيدنا بمن ذكر أن الشيخ عليا الدقر كان شيخ التجانية في عصره؛ فهذا أمر غريب جدا. . وقد كان رؤوس التجانية في عهد الدقر: حفيده التجاني بعين ماضي، بالأغواط، وحفيد خليفته بعين تماسين، بورجلان، ومحمد بن محمد الحجوجي بدمنات، وأحمد بن العياشي آل سكيرج بوجدة، والحافظ التجاني - وليس بحافظ ولا كرامة، خلافا لمن يهرف بما لا يعرف - بمصر ... ]ـ الأخوة الأكارم ملتقى أهل الحديث الأغر السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فقد رجعت من العمرة المقبولة -إن شاء الله- وبقيت بفضل الله تعالى 45 يوماً لغاية الإكرام- ووجدت عدداً من أسألتكم الكريمة، وأجيب على ما وجدت فيه نفع -إن شاء الله-. - إن الأخ الشيخ عبد الغني بن علي الدقر -رحمه الله- لم يكن تيجانياً، وعبد الغني كان منفتحاً على الدعوة السلفية -بالجملة-، وكان يصرح أنه: طاهري، ووهابي، وأديب .. إلخ. ومع ذلك بقي على صلة طيبة بكل من عرف عنه أنه سلفي، ولذلك كانت علاقة ولده الشيخ علي بالتيجانية، فلها بحث طويل أرجو أن أكتب عنها. وقد تلقاها من شيخ من آل الغبرة، عم والد أخي السلفي الدكتور نبيه الغبرة. وفي ذكريات أستاذنا علي الطنطاوي حديث مطلق عن وقوع الجمعية الفراء بالتجانية. وسبق أن طبعت لبيان حقيقة التيجانية كتاب "الهدية الهادية إلى الطائفة التيجانية" للعلامة الشيخ تقي الدين الهلالي أثناء وجوده في الأزهر بمصر مع السلفي الفاضل الشيخ عز الدين علم الدين التنوخي، وكان طبعها بالاتفاق مع سماحة أستاذنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز سنة. . . .، وانظر مقدمتي لكتاب: "النقد والبيان في دفع أوهام خزيران" طبع المكتب الإسلامي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 48 ـ[وقد رأيت أحد المجازفين التالفين يزعم أن الشيخ المجاهد الكبير عز الدين القسام - رحمه الله تعالى - من رؤوس التجانية ، وهذا مما لا يسكن عليه القلب، ولا تركن اليه النفس، ومن قرأ كتاب البيان الذي دبجه يراعه ويراع رصيفه الفاضل الكامل القصاب؛ ظهر له تحرره في الجملة، وبان للحصيف أن مدبجه ليس من جنس من تنطلي عليه هنبثات التجانية المارقين، المليئة بالكفر البواح، والالحاد الصراح .. وقد بلغني أن القسام كان قد انضم الى احدى الطرق - وليست هي التجانية -]ـ وأما الزعم بأن المجاهد الشيخ عز الدين القسام وأنه تيجاني فإنه كذب، بل كان سلفياً من صغره، ومن زعم أنه كان تيجانياً فقد افترى الكذب عليه. ـ[وكذلك اسأل عن الشيخ راغب الطباخ رحمه الله هل كان سلفيا ؟؟؟ ]ـ وأما شيخي راغب الطباخ فإنه سلفي بالجملة، وكان من عقلاء أهل العلم، وتعرف مني ومن الأستاذ محمد بن عبد القادر المبارك على الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وأجازنا بيوم واحد سنة 1365هـ-1946م رحم الله الجميع. ـ[جزاكم الله خيرا على حسن الأدب رغم الخلاف الذي استشرى بينمكا مع الألباني إلا أن القارىء يلمس أدبا شديدا في التعامل والرد وحفظ حقوق الصحبة ودونها أيامنا هذه خرط القتاد. ]ـ وما قاله في كلامي عن الشيخ الألباني، فإنه هو الواجب علي، وكنا أخوين أكثر من ستين سنة، وما شاهده هو وغيره من كلام سيء منسوب إلى الشيخ الألباني، فإنه يحمل أحد وجهين لا ثالث لهما: الأول: أن الشيخ الألباني لقن كلام غير الذي يعرف. والثاني: أن بعضهم قالوا على لسانه ما لم يقل، وهم كاذبون سارقون! وفي كلا الحالين هم كذبوا. وأنا والمكتب الإسلامي لا نقول إلا حقاً، وغفر الله لأستاذنا الألباني. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ـ[أود الاستفسار عن معرفتكم و علاقتكم بالشيخ يوسف بن راشد المبارك رحمه الله متى بدأت وهل. . كان بينكم وبينه مراسلات .. ؟ ]ـ قد كانت علاقتي بالعديد من آل المبارك في الأحساء والإمارات والسعودية طيبة ووثيقة. وكلفت من قبل الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني رحمه الله بتأسيس مكتبة لهم في الأحساء، وكان يشرف عليها الشيخ يوسف، وكان يزورنا في قطر ودمشق. وقبيل وفاته جاء إلى بيروت ونزل في فندق (فيه علاج للأمراض أيضاً) قرب بيتي في الحازمية، ولم نكن ننقطع عن بعضنا سوى ساعات الليل. وكانت مجالسه مليئة بما يحفظ من الشعر والأدب - تغمده الله برحمته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 49 مقالات للشيخ زهير الشاويش : - مهنتي نشر تراث أمتي. مهنتي نشر تراث أمتي بقلم: زهير الشاويش الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وجميع صحبه، وبعد؛ ففي شعر: أبي الطيب -رحمه الله-: أَتى الزَمانَ بَنوهُ في شَبيبَتِه ... فَسَرَّهُم وَأَتَيناهُ عَلى الهَرَمِ ِفقد مضى عليَّ العمل بالتراث أكثر من ستين سنة، وما زلت. وقد تجاوزت الثمانين أعمل يومياً ما لا يقل عن عشر ساعات بها، وأكثر منها أيام العطل؟! ومع أن الذي كان عندي قبل ذلك عدداً من مخطوطات أهلي القليلة، ومن ذلك "قرآن كريم" بخط والد جدتي لأمي، و"مولد" زعموا أنه للإمام ابن الجوزي، وقصة "تودد الجارية"، و"دلائل الخيرات"، ومخطوطة أيضاً لقصة "عنترة" بأربعين مجلد. ولكن كان عندنا رسالة خاصة حفظت منذ سنة 1066هـ عند أجدادي لأحدهم الذي كان من زعماء الأحياء، ويتولى تأمين مسيرة طريق الحج والتفاهم مع القبائل إلى المدينة المنوَّرة بعد فتح سورية، وفلسطين، ومكة من السلطان سليم العثماني. وكانت دمشق -وحي الميدان تحديداً- يومها مجمع الحجَّاج من تركية وأهل المشرق وشمالي سورية، ويكون معهم -أحياناً- محمل العراق. وجدي هذا هو الذي لقب بـ (الجاويش: الشاويش) من السلطان العثماني، ويومها كان لقباً كبيراً، لا كما هو اليوم يطلق على مثلي؟! وليس عندي عشرة من الجنود، أو الموظفين؟! وهذه الرسالة اسمها "دفتر إرسالية المدينة المنورة". ومعها مال كثير من أوقاف الحرمين الشريفين بدمشق وما حولها، وكان يحملها الجيش المرافق للوالي، ومعه القاضي بدمشق، ويتولى جدي الحراسة لها، إلى أن تصل إلى المدينة المنوَّرة، ومكة المكرَّمة، وتوزع على العلماء والموظفين، وأهل البلد، ويكتب كل ذلك في دفتر التقارير الموقعة والمجموعة بهذه الرسالة (سأعرض بعضها على الأخوة في معرض دار الفرقان). ثم دار الزمن دورته، وأصبحت أمتلك (لنفسي) رسالة مخطوطة صغيرة اسمها " أيها الولد" للعلامة المربي (حجة الإسلام) الشيخ محمد بن محمد الغزالي -رحمه الله-. اشتريتها من سوق المسكية بدمشق، عند الباب الغربي لمسجد بني أمية -رحمهم الله-، حيث تباع الكتب المستعملة ولها دلال خاص، والأوراق والأقلام والعطور وعيدان الأراك. وبعد ذلك فتح الله عليَّ وتملكت حتى اليوم أكثر من عشرة آلاف مخطوط جمعتها من اغلب ما بيع في سورية ولبنان والبلاد العربية، في مدة تزيد على الخمسين سنة، كما أنني أحضرت بعضها من تركية، وما هُرِّب من داغستان وجوارها من البلاد التي كانت تحت الحكم الشيوعي، والتي كانت تنفذ أقسى العقوبات بمن يمتلك الكتب العربية، في عهد ستالين الظالم. كما أنني استرجعت بعضها مما كان هرِّب ليباع في أوروبة وغيرها. والعجيب أنني تملكت عدداً من كتب السادة الحنابلة، وفيها بعض كتب شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله-، وأكثر ذلك من مكتبة كانت في الرياض لصاحبها الشيخ عبد الله بن حنيشل الخالدي، في منطقة دخنة قرب الجامع الكبير سنة 1376هـ - 1956م، وهي أول مكتبة رأيتها في الرياض. وكذلك اشتريت مكتبات علمية كبيرة ذات تاريخ عريق، وأهلها كانوا ومازالوا أغنياء، مثل مكتبة آل: الشطي، والكزبري، والأتاسي، والخطيب، والعطار، والمنيِّر، والبيطار، والشيخ كامل القصاب، والشيخ عبد القادر بدران، ومكتبات حمص وحماة، ولبنان، وفلسطين، ومصر وغيرهم. ولم يُعرض عليَّ كتاب مخطوط معتبر إلاَّ واشتريته -بفضل الله-، كما أنني لم أبع ورقة واحدة لأحد، رغم ما عُرض عليَّ من إغراء. ولم أبخل على طالب علم من الاستعانة بما عندي -والحمد لله-. وقمت بتنظيف وترميم تلك الكتب، ورفع عاديات الحشرات عنها، وما لحق بها من الرطوبة والتمزيق والتداخل. وقمت بتجليد ما زال عنه غلافه، حتى عادت -والحمد لله- إلى ما كانت عليه. وقمت بفهرستها مع أهلي، وأولادي، وأحياناً بمساعدة بعض الإخوة العلماء والموظفين عندي. وقد مرت علينا ظروف صعبة لتأمين الجو المناسب من الحر والبرد والمطر والرطوبة، وتأمين الحماية لها وحفظها من الحرائق والتدمير، في العشرين سنة من حرب لبنان. وإن كان من شكوى أقولها فهي: أنني طلبت يد العون -أيام الحروب الطويلة والهجرة المتعددة لعدد من البلاد- من بعض الذين يدَّعون حماية التراث، وأن تكون محفوظة عندهم بصورة أمانة مؤقَّتة، ولكن تعذَّر ذلك منهم مع الأسف؟! لعلَّ لها عذراً وأنت تلوم. وقد سلِمت عندي -والحمد لله-، وما خسرته منها كان قليلاً، بل قليل جداً، {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64]. وأمَّنت لصاحب السمو العالم الجليل الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني -رحمه الله- أكثر من أربعة آلاف مخطوط، وساعدني في هذه المجموعة الأستاذ الفاضل عبد البديع صقر -رحمه الله-، والعلامة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي -حفظه الله-. وقمت خلال أكثر من ستين سنة -أيضاً- على طبع ما لا يقل عن ألف كتاب مخطوط مباشرة، أو مستعيناً على طبعها بعدد من مخطوطات أجلبها عن كل كتاب، وكان يشاركني عدد من ذلك الإخوة الأفاضل أهل العلم. وقد قام بعض الناس بطبع أو تصوير ما طبعت مدَّعين لأنفسهم ما شاءوا من العناية المزعومة، ويغفر الله لي ولهم. والأخ القارئ المنتفع سيجد في مطبوعات المكتب الإسلامي للمخطوط والمطبوع، وفي كتابي "هوامش دفتر المخطوطات" شيئاً من هذا، وفي كتابي "المقدمات" بأجزائه الثلاثة، وسوف ألحقه بثلاثة مجلدات قريباً إن شاء الله. وآمل أن أتمكن من فهرسة مكتبتي "للمطبوعات"، وما عندي من "الدوريات" و"المصورات" التي جمعتها في تلك المدة. والحمد لله رب العالمين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 50 - مسجد الجامعة السورية وإعادة فتحه سنة 1370 - 1951. مسجد الجامعة السورية وإعادة فتحه سنة 1370هـ - 1951م بقلم: زهير الشاويش نشر أحد الأصدقاء من المؤرخين كتاباً مطلع هذه السنة (2006)، وتعرَّض فيه إلى مسجد الجامعة السورية، ومما قاله: ((وفي مطلع الخمسينات، نشب خلاف كبير بين طلبة الجامعة السورية على الصلاة في المسجد الذي يتوسط مباني الجامعة، فرأى طلبة [جماعة الإخوان المسلمين] إن من حقهم نشر دعوتهم من خلال المسجد وحشد المصلين من خارج الجامعة، وخالفهم زملاؤهم الطلبة في هذا التوجه، وأصروا على أن يقتصر زوار المسجد على الطلبة فقط، ووقفنا نحن الطلبة [من القوميين] مع هذا الجانب، وقمنا بمنع دخولهم الحرم الجامعي. وتلقف الدكتور زريق هذا الموضوع منذ بداياته، وتجاوز الإحراج المهني، إذ أن المرشد العام [هو المراقب] للإخوان المسلمين، الدكتور مصطفى السباعي، كان من أساتذتنا في كلية الحقوق، وتمكن الدكتور زريق من عقد اجتماع مع الطلبة المسلمين الذين لم يخرجوا من هذا الاجتماع إلا والموضوع بات منتهياً كلياً ... إلخ .. )) وأردَّ على ما قاله عن مسجد الجامعة السورية بما يلي: أقول -أنا زهير الشاويش-: حقيقة الموضوع: إن إحياء مسجد الجامعة كان بعمل وطلب من الأساتذة والطلاب الإسلاميين، وهم أغلب أساتذة وطلاب الجامعة، ومنهم شباب الأخوان، وكان يشاركهم الطلاب، من كل المدن السورية، حيث كانت الجامعة الوحيدة يومها، ويُدرس فيها من كل بلد سوري أو أردني وبعض اللبنانيين!! فحمل الموضوع على الإخوان مسألة فيها نظر!! إن لم يكن يحمل بعض الأغراض! وأما الخلاف الذي أشار إليه الأستاذ الفاضل، وسماه: خلافاً على الصلاة، وأن يقتصر زوار المسجد على الطلبة فقط!! [ونرجو أن يكون المانعون فيهم واحد من المصلين؟ ] وقال: ووقفنا نحن الطلبة القوميون مع هذا الجانب [وارجو -أيضاً- أن يكون يومها يوجد جانب آخر]، وقمنا بمنع دخول الأغراب الحرم [كذا] الجامعي ... إلى آخر ما قال؟. إن هذا الكلام من الأستاذ المؤرخ يذكره بعد مضي أكثر من خمسين سنة، وفيه وهم وغلط، وتحسين لوضع [لهم] ما كان موجوداً. بل كان المتدينون القوة الساحقة الغالبة. وكنت شاهداً على هذا الموضوع، بل ومشارك فيه؟، فلا يجوز لي السكوت عن بيان حقيقته. والحقيقة: أنه ومن سماهم ...... ، ولا البنات الذين أحضروهم لمنع المصلين، لم ينجحوا في منع الدخول للمسجد، بإغلاق الباب الحديدي الخارجي، منتهزين عدم وجود الإخوان يوم تلك الجمعة، لذهابهم لافتتاح مقرهم في بلدة درعا. فكان الاتفاق بين من حاول منع المصلين مع الدكتور نعيم الحمصي [لعله يومها كان المشرف على شؤون الطلاب]، فطلبوا من حراس الجامعة إغلاق الأبواب، وأوقفوا ثلاث من بناتهم [وهن معروفات، والحق أن الأستاذ المؤرخ ابتعد لما كنت أحاور الحمصي] عند الباب الرئيس، الذي كن البنات يقفن عند فتحة واحدة منه، ويطلبن من كل مصل الرجوع، لأن المسجد تحول إلى نادي ومتحف؟ مع الاستهزاء بالمصلين، وأكثرهم من كبار السن؟ ومحاولة لمس أيديهم لنقض وضوئهم؟ ولكن حضر السيد صلاح الدين القطيفاني، ولما حاولن منعه، دفع الباب بقوته، وألقى البنات جانباً، وجعلن يصرخن، ووقف حراس الجامعة، ساكتين لأنهم من المتدينين. وحاول الدكتور نعيم الحمصي الحضور إلى قرب الباب. فاتجهت إليه، ودخلت معه بنقاش شديد ملخصه: هذا مسجد عمّره السلطان عبد الحميد، وهو وقف للصلاة من أرضه إلى سمائه، ويحق لكل مسلم دخوله. وغداً نسأل الأوقاف الإسلامية هل سمحت لكم بإغلاق المساجد؟ فقال: هو من حرم الجامعة. فقلت: اليوم جمعة، والجامعة معطلة، وأنت هنا فلماذا؟ وأنت لم تكن تصلي معنا، وهؤلاء الذين معك والبنات كذلك، فلماذا حضرتم اليوم، ونحن الآن سندخل المسجد حتماً، وغداً أنا أسأل مدير الجامعة الدكتور قسطنطين زريق، وهل هو كلفك بهذا؟ وفي هذه الأثناء، سمعنا من تجمع طلابهم -بعيداً عن الباب- ولا يتجاوز عددهم الثلاثين طالباً: بعض الصياح، وأحد طلابهم (ج .. ) ينادي ونحن بدنا كنيسة، وواحد يقول: سنلغي المسجد، ونجعله نادياً للفن، والبنات بعد أن دفعهن القطيفاني كن يصرخن مولولات، وسمعنا كلمات من تجمعهم فيها شتم للدين. وهنا انتهزت الفرصة، وقلت للدكتور نعيم الحمصي: هل ترضى أن يسب الدين؟ وأنت تسمع، وغداً سأرفع الأمر للقضاء .. وهنا جاء العديد الكبير من المصلين من المسجد، ومن القادمين للصلاة في المسجد، وفيهم الكثير (من الجيش والشرطة العسكرية المجاورة)، فانسحب مرشد الطلاب ومن معه مبتعدين، ولم يأت لصلاة الجمعة أي واحد منهم، ودخل الناس للصلاة، وترك الباب شبه محطم!! وفي اليوم الثاني ذهبت إلى مقابلة الدكتور قسطنطين زريق مع وفد من لجنة مسجد الجامعة، وكان معه الحمصي، وبينت له ما حدث البارحة، وحرصت على بيان الاعتداء على المصلين ومسبة الدين، وأنني اتصلت ليلاً بوزير المعارف الدكتور منير العجلاني، وطلب إليَّ التفاهم معك، وإخباره بما يتم؟ فالتفت إلى الدكتور نعيم الحمصي وقال له بشكل عنيف: لازم تشوف من فعل مثل هذا حتى تعاقبه، ولا يجوز لأحد منع أحد، وأن الدين للجميع، والمشايخ -وأشار لنا- لا يحبوا رفع الأمر للقضاء. وهنا تدخل الأستاذ سعيد الطنطاوي وقال: نحن لم نحضر للشكوى من هؤلاء، ولكن حضرنا نريد إيقاف الدهان من إعادة تزيين المسجد بالصور والرسوم، ونطلب فرش المسجد مما في الجامعة من الفرش والسجاد، ونطلب تحديد قاعة للمصليات الطالبات، ونريد وضع أماكن وضوء للرجال، وأماكن خاصة للطالبات؟ فطلب الدكتور زريق من الدكتور نعيم، أن يذهب مع الأخوة، ليأخذوا ما عندنا من سجاد وحصر، وإعطاءنا قاعة لصلاة النساء، وهذه القاعة الكبرى، كانت مركزاً للداعيات، ومنها خرجن متسترات لما سمي: الحجاب الشرعي، الذي تستر به مئات الألوف بعد ذلك، وانظر مجلة الرسالة المصرية. حيث كتب الأستاذ علي الطنطاوي عن ذلك في مقال عنوانه (الآنسة ن). والذين حضروا لمقابلة الدكتور زريق من لجنة مسجد الجامعة هم: الدكتور هيثم الخياط، والدكتور مخلص الحكيم، والأستاذ راتب النفاخ، والأستاذ سعيد الطنطاوي، والدكتور محمد الصباغ، وكلهم طلاب في الجامعة يومها، وليسوا من الإخوان غير واحد منهم. ولم يتم اللقاء مع من سماهم الأستاذ المؤرخ مع الدكتور قسطنطين زريق بحضورنا، والذي كان في الحقيقة بغاية اللطف والتجاوب التام مع المصلين واللجنة. ويؤكد كلامي هذا مقدمتي لكتاب "رسائل مسجد الجامعة" في الطبعة الثانية 1985، بمجلداته الثلاث، طبع المكتب الإسلامي. وما أذيع من مقابلة (صفحات من حياتي) مع الدكتور هيثم الخياط على قناة المجد الفضائية السعودية منذ سنتين مع الدكتور فهد بن عبد العزيز السنيدي. وأن حقيقة موضوع مسجد الجامعة السورية بقي حتى اليوم، وفيه نشاط إسلامي واسع، ولم يزل والحمد لله كذلك. وحبذا لو أن الأستاذ المؤرخ رجع عن قوله عن الإخوان: أن من حقهم، لأن الحق كان لدين الله. (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) [الجن: 18] وعن قوله: قمنا بمنع، ويتوب إلى الله، ومع أنكم لم تستطيعوا منع أحد، ولكن بأي حق تمنعوا الناس من الوصول للمسجد؟ وفي المسجد المئات، إن لم أقل أكثر؟ وأحياناً الألوف من المصلين. وكنت أتمنى على الأستاذ المؤرخ: أن يحذف هذا الموقف من كلامه كما حذف غيره، وأرجو الله أن لا يجعلني وإياه من الذين قال فيهم: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى، عَبْداً إِذَا صَلَّى) [العلق: 9 - 10]. * * * ويكفي هذا المسجد أنه كان السبب الرئيس لعزل رئيس الوزراء خالد العظم لخطبة الشيخ علي الطنطاوي فيه عن قضية الآداب، وملاحقة الأستاذ محمد لطفي الصباغ من قبل الأمن لخطبته بعد الجمعة الثانية عن نفس الموضوع. واستقالة رئيس الوزارة بشير العظمة لخطبة الأستاذ عصام العطار بسبب حرية البلاد. ونحن إذ ننشر هذا عن مسجد كان له في دنيا الثقافة السورية، الأثر الكبير، بل وفي البلاد العربية والإسلامية القدح المعلى في العقود الستين الماضية، ومازال حتى اليوم مركزاً للدعوة إلى الله بشكل واسع، وكتاب رسائله طبع مرات! ويسرنا أن يعرف من تاريخ هذا المسجد ما ذكرنا. كما علمنا أن لجنة مسجد الجامعة كانت مؤلفة من أفراد جرى انتخابهم من كل كلية واحد. ووافقت على هذا الانتخاب رئاسة الجامعة، أيام ولاية الدكتور زريق ومن قبله وبعده، ووراء كل واحد منهم مئات الطلاب. وأما انتم (المانعون) فقد كنتم باعتدائكم ومحاولات منعكم المصلين، لا تمثلون سوى أنفسكم، وليس ورائكم أي واحد من الطلاب، والذي جاء معكم الدكتور نعيم الحمصي ظهر أنه لا يمثل الجامعة أيضاً كما تبين من كلام الفاضل الدكتور قسطنطين زريق رئيس الجامعة! وأما موقفي والأخ القطيفاني -ثم من جاء معنا- كان السماح للمصلين بحكم حق المصلي: أن يدخل المسجد الذي هو في وسط حديقة الجامعة للصلاة، ولا يحق لأحد -أياً كان- منعه من ذلك. وقد نزل الدكتور نعيم الحمصي على رأينا مرغماً، وانسحب مع مجموعته!؟ وكان معنا وزير المعارف، ثم رئيس الجامعة في اليوم الثاني، ومن ثم سلم لجنة المسجد قاعة ثانية لصلاة الطالبات، وأماكن للوضوء، والفرش للمسجد، واستمرار الصلاة للجميع طلاباً ورواداً لأكثر من ستين سنة!؟ ومن العلماء الذين تناوبوا على خطب الجمعة في هذا المسجد في السنتين الأولتين، أو كان كلامهم في الرسائل، أو الذين وردت أسماءهم في كتاب ((رسائل مسجد الجامعة 1 - 3)): علي الطنطاوي، مصطفى السباعي، عصام العطار، محمد سعيد العرفي، محمد ناصر الدين الألباني، سيد قطب، محمد خير الجلاد، محب الدين الخطيب، محمد هيثم الخياط، عز الدين إبراهيم، محمد المجذوب، مظهر العظمة، عبد القادر عودة، محمد أسد (ليولد فايس - المسلم الألماني)، عبد العزيز كامل، تقي الدين الهلالي، رأي مصطفى صادق الرافعي، أبو الحسن علي الحسني الندوي، محمد سعيد الطنطاوي، محمد بن عبد الرحمن خليفة، أبو الأعلى المودودي، محمد بن لطفي الصباغ، سليمان الندوي، أمين أحسن إصلاحي، أبو عمر الداعوق، محمد سعيد المولوي، محمد أحمد الغمراوي، عبد الوهاب حمامي، وهبي سليمان الألباني، كلام من حسن البنا، كلام من عباس محمود العقاد، جودت سعيد، محيي الدين القليبي التونسي، وحيد الدين خان، والدكتور حسن هويدي، والدكتور عز الدين جوالة، وغيرهم العشرات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 51 ـ[كلمة للشيخ زهير الشاويش في التعليق على مقال الشيخ صفوت السقا حفظه الله في جريدة الندوة بتاريخ 28 جمادى الأولى 1426هـ. ]ـ الأحاديث النبوية والشيخ صفوت السقا ورابطة العالم الإسلامي بقلم: الشيخ زهير الشاويش *** طالعتنا جريدة "الندوة الغرَّاء" بكلمة بتاريخ 28 جمادى الأولى 1426هـ الموافق 6/ 6/2005م للشيخ صفوت السقا -الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي-، حوت الدفاع عن أحاديث سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونشر ما وصل إليه من جهود العلماء المتأخرين عنها. وكانت كلمة قيمة، بارك الله فيه، وحفظ على الناس سلامة الأحاديث. ويوم أجرى الملك فيصل -رحمه الله- ترتيب إقامة الرابطة، واختيار معالي الشيخ محمد سرور الصبان أميناً عاماً لها، ثم اختيار الشيخ صفوت الأمين العام المساعد، ولم تنقطع علاقاته بدور النشر، ومنها المكتب الإسلامي، ونقل أخبار ما ينشر، وما يحسن أن يطبع، لكبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية، جزاه الله وإياهم كل خير. وتحدث عن الجهود المشكورة التي بذلها عدد من المحدثين من علماء السنة المطهرة، وتعميم نشرها، وهذا يدل على ما كان عليه، ولم يزل يتمتع به من عناية علمية واسعة في مختلف النواحي الثقافية الإسلامية الواسعة. وهو الموسوعي المعلومات بارك الله بعمره ومتعه بالقدرة التي عرفناها منه خلال السنوات الخمسين التي رافقنا بها. وما زلت أذكر تكرمه بالحضور لزيارة المكتب الإسلامي (في دمشق وبيروت)، ومعه الأمناء العامين لرابطة العالم الإسلامي، ومنهم الشيخ محمد سرور الصبان، والشيخ صالح القزاز، والشيخ محمد العبودي، والدكتور عبد الله نصيف. رحم الله من سبقنا منهم، وبارك بالباقين، وكانت زياراتهم تشجيعاً لنا. وهذه الأيام أيضاً، حيث تسلم العمل الجاد مثلهم معالي الأخ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بارك الله عمله. وأدرك -اليوم- الجهود التي بذلها مؤخراً سمو الأمير نايف بن عبد العزيز بجائزات منه للفائزين في أبحاث السيرة النبوية، وتركيزهم في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. وإنني أرجو من سعادة أخي صفوت المتابعة في نشر ما عنده من معلومات قيِّمة عن التجارب التي عاشها وشارك فيها، مما يخص جهود المملكة العربية السعودية، بل وكل العالم الإسلامي. ولا بد لي من تقديم الشكر لجريدة "الندوة" الغرَّاء على اهتماماتها النافعة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. بيروت في 1 جمادى ثان 1426هـ الموافق 7/ 6/2005م هاتف: 009615450638، 009615456280 فاكس: 009615450657 ص. ب: 3771/ 11 بيروت - لبنان   Web Site: www. almaktab-alislami. com E-Mail: islamic_of@almaktab-alislami. com الجزء: 6 ¦ الصفحة: 52 مات خادم السنة النبوية الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بقلم: زهير الشاويش. انتقل إلى رحمة الله صباح الثالث عشر من شوال 1425هـ الموافق 26/ 11/2004م أخي الغالي، وصاحبي في العمل، وصديقي العالم الإمام المحقق الشيخ عبد القادر (قدري) المشهور بـ الأرناؤوط، الدمشقي، تغمده الله برحمته، وأدخله فسيح جنته، وعوّض أهله وأولاده والمسلمين بفقده خيرا، ولله سبحانه وتعالى ما يشاء، ولنا التسليم التام بكل ما يصيبنا من قضاء وقدر. جاء والد الشيخ عبد القادر من كوسوفو، وأقام في دمشق في حي الديوانية، وفيه مجموعة من الألبان، فنُسب إليهم، ولم يكن عنده ما عرفنا من بعضهم من شدة!! وكان مولده سنة 1346هـ الموافقة سنة 1927م. ونشأ الأخ عبد القادر في بيئة دينية فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم التحق بمدارس الفتح الإسلامي؛ التي أسسها الشيخ صالح فرفور عليه رحمة الله. وبعد ذلك عمل مدرسا وواعظا في مدرسة الإسعاف الخيري لرعاية الأيتام. وفي سنة 1377هـ الموافقة سنة 1957م انتقل إلى المكتب الإسلامي لصاحبه زهير الشاويش، وهناك ظهر نبوغه بقيامه بنشر آثار السلف الصالح مع مجموعة من أهل العلم، ومنهم: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ شعيب الأرناؤوط، والدكتور محمد الصباغ، والشيخ عبد القادر الحتاوي، وآخرون. وعمل فترة مديرا للمكتب الإسلامي بعد سفري خارج سورية لظروف قاهرة، وكان عمله في المكتب الإسلامي أكثر من عشر سنوات منقطعا، ثم كان متعاونا مع المكتب حتى وفاته رحمه الله. وهناك تأثر بالمنهج السلفي السليم، فأصبح من أكبر دعاته في سورية، وظهر ذلك في دعوته العامة في دروسه ومساجده وتلامذته، وفي تحقيقاته للكتب مثل باقي إخوانه في المكتب الإسلامي. وشارك في تحقيق عدد من إصدارات المكتب مُعينا لصاحبه زهير، وللشيخ ناصر، والشيخ شعيب، والدكتور الصباغ، والشيخ الحتاوي، وغيرهم. فشارك بتحقيق عدد من الكتب المخطوطة التي طُيع أكثرها في المكتب الإسلامي، مثل: "الكلم الطيب"، و"مشكاة المصابيح"، وساعد في إعداد مؤلفات الشيخ ناصر الدين الألباني، مثل "صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته الفتح الكبير"، و"شرح العقيدة الطحاوية"، و"سلسلة الأحاديث الصحيحة والضعيفة"، و"شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد"، وغير ذلك. وكان من أواخر أعماله إعادة تحقيق "شرح ثلاثيات مسند الإمام أحمد"، عمله للمكتب الإسلامي، وهو تحت الطبع الآن، وكانت آخر رسالة منه إليّ بتاريخ .. رمضان 1425هـ مهنئا بالشهر، وراغبا بطبع شرح الثلاثيات. وفي أواخر عمر الشيخ ناصر الألباني -غفر الله له- وبعد إقانته في الأردن محاطا بالذين لم يوفروا أحدا من أعمالهم الضارة صدرت منه كلمات بحق الشيخ عبد القادر وغيره من أهل العلم. غير أن الشيخ عبد القادر غضَّ الطرف، ولم يذكره بشيء مما يعرف عنه، بل سمعت منه أنه قال: يغفر الله للشيخ ناصر كل ما قال، مع أنه ليس بحق! وكانت الصلات عامرة مع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، فإنه يقدّر الشيخ عبد القادر وجميع العاملين في المكتب الإسلامي، وكان للشيخ ابن باز مع الشيخ عبد القادر علاقة خاصة، دلّت على تقديره البالغ له، فعينه داعية في كوسوفو يذهب إليها كلما أتيحت له الفرصة. وكان متأثرا جدا بالعمل العام الذي يقوم به الأستاذ عصام العطار، وبالدعوة السلفية التي يقوم بها الأستاذ عبد الرحمن الباني، وكذلك ببعض الإخوان. وكان رحمه الله سهل العبارة، فصيح اللسان، حسن الاستشهاد بالأحاديث النبوية الصحيحة، وبما كان عند السلف الصالح من مواعظ مختارة منتقاة. وذهب إلى بلاده الأصلية كوسوفو أكثر من مرة يعظ الناس ويدلهم على الخير (وكان يتقن لغتهم). وكان يُحْضِر من بلاده الأولى ومن تركية الطلاب للدراسة في الشام، وتأمين التحاقهم في المملكة العربية السعودية للتعليم، وتقديم المساعدات المالية والعلمية لهم. والشيخ عبد القادر رحمه الله نُكب أكثر من مرة بأمور صعبة، فقد أصيب بوفاة زوجته الأولى أم محمود رحمها الله. ثم لقي المتاعب من قبل بعض الجهات، فمنع من الخطابة والتعليم ومن حضور الاجتماعات، ثم أُلزم البقاء في بيته لفترات، مع أنه كان رقيق الوعظ، حسن النصح للناس. والتف الناس حوله محبين له، ومنهم مجموعة من طلاب العلم الذين تخرجوا على يديه، وفيهم من بلغ منزلة عالية وكبيرة في سورية وغيرها. وقد صُلِّي عليه في جامع الشيخ زين العابدين التونسي الحسيني عقب صلاة الجمعة، وشهده الخلق الكثير، ثم دفن في مقبرة الحقلة، وأم المصلين شيخ القراء العلامة الشيخ محمد كريم راجح. تغمده الله برحمته، ولله ما أخذ ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بمقدار، وأرجو أن يكون الله عونا لأهله وأولاده الثمانية وبناته، وأن ينبتهم النبات الحسن، ويُحسن إليهم (وكان أبوهما صالحا)، والحمد لله على كل حال، وإنا لله وإنا إليه راجعون. الجمعة 13 شوال 1425 إن المكتب الإسلامي للطباعة والنشر والشيخ زهير الشاويش يذكر انتقال المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط إلى رحمة الله وعفوه وغفرانه في دمشق، وقد دُفن في مقبرة الحقلة، وإنا نحتسبه عند الله جل شأنه، ولله ما أخذ، ولله ما أعطى، والحمد لله على كل حال. (*)   (*) قال محمد زياد التكلة: انتهى مقال الشيخ زهير الشاويش، وفيه تصحيحات بقلم العلامة المربي عبد الرحمن الباني، كما أخبرني الشيخ محمد الصباغ، وهو الذي أفادني بالمقال مصححا، حفظ الله الجميع، وبارك في عمرهم وجهودهم، ورزقنا برهم والاستفادة من علمهم وأدبهم الجزء: 6 ¦ الصفحة: 53 رثاء الدكتور عاصم ابن الشيخ محمد بهجة البيطار ـ[بعنوان:. . مات أخي: عاصم البيطار، مربي الأجيال، والساعد الأيمن لشيخنا العلامة محمد بهجة البيطار. . . بقلم: الشيخ زهير الشاويش. ]ـ مات أخي: عاصم البيطار مربي الأجيال، والساعد الأيمن لشيخنا العلامة محمد بهجة البيطار بقلم: زهير الشاويش *** اتصل بي ابن تيمية سبطي من دمشق، وأخبرني بوفاة الدكتور عاصم ابن شيخ الشام محمد بهجة البيطار، مساء الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى 1426هـ الموافق 24/ 6/2005م. وعرف حفيدي أن لي علاقة به، لأن عنده من مطبوعات المكتب الإسلامي كتاب "حياة شيخ الإسلام ابن تيمية" للشيخ بهجة البيطار. ولم يعرف أن أخي عاصم كان الساعد الأيمن لوالده في حلِّه وترحاله، وفيما ينقل أو يحقق من كتب، وبين يدي -الآن- العشرات من النقول التي يقول فيها الشيخ بهجة: " ... أكتب هذه الكلمة في مكتبكم الإسلامي العامر بالعلم والدين، ولله الحمد ... ... ولكني منتظرفي هذه الأيام مجيئ ابني عاصم من (الرياض)، وأرجو مسامحتي على تقصيري في الكتابة، إذ أن رجيف اليد يشوهها، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". أنا أقدم ولادة من أخي عاصم بمقدار سنة ونصف تقريباً، وكان "عاصمٌ" (لصلة الأبوة) الأوثق والألصق بشيخنا علاّمة الشام والده الشيخ محمد بهجة البيطار. والشيخ بهجة قد ربى الأجيال وكبار العلماء أمثال: الشيخ سعدي ياسين الصبَّاغ، والشيخ مسلم الغنيمي، والشيخ نعيم البيطار، والمئات بل الألوف، وكنت أنا من تلامذته الصغار. كما أنه درَّس زوجتي أم بلال كذلك. كان عاصم الوسط بين أخويه: فيسار الأكبر، وعبد العزيز الأصغر، وسبقاه إلى رحمة الله تعالى. درس عاصم العربية مع والده بصورة متواصلة، ثم كان خير خلف لوالده يربي ويعلم جيلاً بعد جيل. ذهب عاصم إلى السعودية مع والده وعلَّم معه في الطائف. وكان معهما العلامة الشيخ سعدي ياسين، والعالم الرياضي الشيخ نسيب المجذوب، وكان لهم الأثر العلمي الباقي حتى اليوم، جزاهم الله الخير. وكان -أكثر الطلاب إن لم أقل كلهم- أكبر من عاصم سناً. رجع عاصم إلى دمشق والتحق بكلية الآداب في الجامعة السورية، ورافق عدداً من أصحابي، منهم الدكاترة: محمد بن لطفي الصباغ، وعبد الكريم الأشتر، ومازن المبارك حفظهم الله، والأستاذ أحمد راتب النفَّاخ رحمه الله تعالى الذي اختير عضواً في المجمع العلمي العربي مكان أستاذه الشيخ بهجة البيطار. وبعد ذلك قدَّر الله وفاة راتبٍ، وأن يكون اختيار المجمع لعاصم محل الأستاذ أحمد راتب النفَّاخ -رحم الله الجميع-. وكانت صلتي بالأخ عاصم عريقة وثيقة. ثم قدَّر الله أن أغادر بلدي، ووجدت عاصماً قد عاد إلى المملكة العربية السعودية أستاذاً للصفوف العليا في معهد اللغة العربية، الذي أصبح فيما بعد "كلية اللغة في جامعة الملك سعود". وبعد ذلك تسلم إدارة مجلة "الفيصل" السعودية سنوات عدة، وتوّجها بإدارة جيدة جداً، مما جعلها من أكبر مجلات العالم العربي. ومنذ سنوات قليلة قرر الاستقالة من المجلة -مع حرصهم على بقاءه-، ورجع إلى دمشق، واختير عضواً في المجمع العلمي العربي، وكان أهلاً لذلك، ولما هو أكبر وأنفع. كان من مآثر أستاذنا الشيخ محمد بهجة البيطار، أنه لا يتقاضى نصيبه من نشر مؤلفاته، ولمَّا كان مني الإصرار ومنه الامتناع، فإنه كان يوافق -رحمه الله- أن أوزع ما يكافئ نصيبه عيناًً على طلاب المدارس. فإذا ما احتاج لبعض النسخ فإنه كان يحاول شراءها؟! وبعد وفاة الشيخ بهجة، قلت لأخي عاصم: "الآن أصبح الحق لكم، فما تريد أن نفعل؟ ". فقال: "يا زهير كان (والدي المادي؟ )، وكان يسميك (ولده الروحي)؟، فهل تريد أن تتغلب المادة على الروح!؟، افعل ما كان والدي يرضاه، وبس". وكان يشير إلى ما كان شيخنا بهجة يخاطبني به، وما كان يكتبه لي وعني، ومن ذلك هذه الرسائل المرفقة. لم أعرف في مشايخ الشام أكرم من الشيخ بهجة البيطار، ووجدت في ابنه الدكتور عاصم مثل ذلك في دمشق، وأثناء وجوده في الرياض كان كذلك، ومعه ومثله في ذلك الدكتور محمد بن لطفي الصباغ -حفظه الله. وكان أخي الدكتور عاصم حريصاً على الحصول على ما عندي من مراسلات بيني وبين والده الكريم معي، أو ما جمعته من مراسلاته، أو فتاوى له مع الفاضل الشيخ محمد نصيف، أو آل اللاذقي في بيروت -الشيخ محمد طاهر وأخيه عبد الحفيظ وابنه إبراهيم-، الذي كان يحرص على جمع فتاوى كبار العلماء حول القضايا المستجدة، وكان منهم أستاذنا الشيخ محمد بهجة. ليتني أستطيع تذكر كل ما كان بيني وبين عاصمٍ من علاقات فأكتبها، ولكن: إن الثمانين وقد بلغتها .. !؟ رحم الله الوالد شيخنا محمد بهجة، وابنه أخينا الطبيب عاصم. وإنا لله وإنا إليه راجعون. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. بيروت في 20 جمادى أول 1426هـ الموافق 27/ 6/2005م الجزء: 6 ¦ الصفحة: 54 كلمة عند وفاة الشيخ رمزي دمشقية تقديم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وجميع صحبه، أما بعد،، فقد سبق للشيخ زهير الشاويش حفظه الله تعالى، أن كتب كلمة ساعة سماعه خبر انتقال الشيخ رمزي دمشقية إلى رحمة الله. ونشرت كلمته القيِّمة يوم وفاته في عدد من الجرائد والمجلات -جزاه الله خيراً. كما شارك في تقبل العزاء به في ساحة مسجد الخاشقجي مع مندوب سماحة المفتي محمد رشيد رضا القباني (لسفره)، وبعض أهل العلم، ومنهم: سماحة الشيخ محمد كريم راجح شيخ قراء دمشق، وفضيلة الشيخ محمد كنعان رئيس المحاكم الشرعية في لبنان. ثم قرئت كلمته في مشاركته بتقبل العزاء بعد صلاة المغرب في خلية حمد. واليوم وقد مضى على وفاة الأخ رمزي ما يقرب من السنة. وقد مرّت على الأمة ما شاهدنا من النكبات، وكان أكثرها بسبب بعدنا عن أوامر ديننا. نسأل الله -سبحانه- أن يعافي المسلمين من منغصاتها. فقررنا جمع هذا الكتاب عن ذكراه باسم "دار البشائر وأقوال أخوان الشيخ رمزي عنه" [أو الاسم المقرر]. فطلبنا من أستاذنا المحدث العلامة الشيخ زهير الشاويش أن يشارك في كلمة عنه، فتفضل وأضاف إلى كلمته ما ذادها وضوحاً وإفادة. ولذلك فإننا ننشر كلمته المعدلة في كتابنا هذا. راجين الله أن يكتب للأخ رمزي الرحمة، ولجميع الأخوة الذين شاركونا بذكراه طول البقاء، إنه جلَّ وعلا على كل شيء قدير. وأن الحمد لله رب العالمين، وصلىَّ الله على سيدنا محمد وآله وجميع صحبه. *** عالم عامل فقدناه بقلم: زهير الشاويش انتقل إلى رحمة الله العالم الشاب الشيخ رمزي سعد الدين دمشقية، صاحب "دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر"، فلله سبحانه وتعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجر وثواب. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 55 كان -رحمه الله- من شباب بيروت المؤمنين العاملين في حقل الدعوة إلى الإسلام، والأخلاق الحميدة، ونشر العلم. درس الهندسة المدنية في الجامعة الأمريكية، ووجد في الجامعة المغريات، ولكن ترفع عنها مع مجموعة من رفاقه، والتحق بالدعوة إلى الله، ورفض الانجرار وراء ما وقع فيه العديد من شباب عصره، الذين انساقوا وراء العاجل من التفلت، واغتنام الاتصالات المشبوهة، والدخول في الخصومات بين أبناء البلد الواحد، والاندفاع في الأعمال التي أودت بالوطن إلى الحضيض، وتقسيم البلاد إلى طوائف أوجدت بينهم الاحقاد. بعيداً عن السمو المطلوب، والعيش المرغوب، تحت رعاية المفتي السابق العلامة الشهيد الشيخ حسن خالد -تغمده الله برحمته، ومع سماحة المفتي الشيخ محمد رشيد رضا القباني -حفظه الله-، متعاوناً مع العديد من شيوخ وسياسييّ الإسلام في لبنان. وكذلك العديد من الشباب، حيث يعقد الجلسات العلمية والدعوية في منزله، وبالرغم من ظروف لبنان الصعبة ... وقبل أن يتخرّج حاملاً شهادة الهندسة، كانت له شهادة هي محل الفخر بدراسة العلوم الشرعية، وعمل بتحقيق الكتب، والقيام على نشر المجموع الكبير منها بإتقان مشهور مشهود في "دار البشائر الإسلامية". واستمر يعمل باعتدال ووسطية معروفة عنده وعند القلة ممن سبقه في هذا العمل، الذي هو تابع لما عند الأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام. وكان -ومن معه- بعيدين عن الشدة والتطرف، عاملين في الدعوة الى الله -سبحانه- بما علموا من أدلة الكتاب والسنة، بالحكمة والموعظة الحسنة، والاعتدال الذي وجدنا أثره الحسن في حياتنا الاجتماعية. مع الدقة التامة المقبولة مع قربها المقبول من التزمت من باب الحرص على الأمانة التي أمر سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كل مؤمن إذا عمل عملاً أن يتقنه. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 56 وكتب الله له النجاح في دار البشائر الإسلامية، ومن ذلك ما كان له معنا من تعامل في المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، سواءً في دمشق أو بيروت. ووجدنا في أكثر كتبه كل ما ذكرت، وإذا وجدنا شيئاً خلاف ذلك فهو مع ندرته وقلته، مما لا يخلو منه كتاب فيما هو معتاد عند الناس، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، بل كانت الكلمة الذهبية أمام أنظارنا: "نتعاون فيما اتفقنا عليه، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا به"، كما كان الأمر عند كبار دعاتنا منذ شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، وتلميذه الإمام ابن القيم، وعند الشيخ رشيد رضا، والإمام الشهيد حسن البنا -رحمهم الله-. وبعض ذلك من اختلاف الاجتهاد، وهذا أيضاً لا يخلو منه كتاب، ولا محقق، ولا مؤلف، ولا دار نشر. لأن الله سبحانه أبى العصمة لغير كتابه القرآن الكريم. وقد قام مع عدد من أفاضل العلماء الشباب، فتعاهدوا على اللقاء في العشر الأخير من رمضان يتدارسون بعض الكتب، ثم يخرجون بعضها بالطباعة المتقنة، وقد سموها: "لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام"، وعرفت من الذين قاموا بهذا الجهد المفيد غير الأخ رمزي، أخي فضيلة الشيخ محمد بن ناصر العجمي، و ... ، و ... ، و ... . وقد اطلعت على بعض أجزائها، ومنها: - بغية المستفيد في علم التجويد، لابن بلبان. - جزء فيه شروط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على النصارى. - نشر ألوية التشريف، لابن علاّن. - الإعلام الملتزم بفضيلة زمزم، لأحمد الشافعي. - تحرير الأقوال في صوم الست من شوال، للعلامة ابن قطلوبغا. - إجازة الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ حفيد الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى لتلميذه. - رسالة في شرح حديث "انت ومالك لأبيك"، للأمير الصنعاني. - إفادة المبتدي المستفيد، لبرهان الدين الناجي. - قطع الجدال في أحكام الاستقبال، للعجيمي. - مقدمة إملاء الاستذكار، للحافظ أبي طاهر السَّلفي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 57 - الانتهاض في ختم الشفا للقاضي عياض، للحافظ السخاوي. وهذه كتب تعليمية تربوية مفيدة يحتاج إليها للمراجعة العالم المربي، كما هي لازمة للطالب في عبادته وتربيته ودراسته. ومن يراجع فهرس مطبوعات داره الكريمة لا يكاد يجد فيها أي كتاب مرفوض، بل هي مقبولة، والاختلاف في بعضها من باب اختلاف الاجتهاد كما قدمت، ومثل ذلك ما تجده في التعليقات عليها فإنه من تلك البابة. * * * وأذكر اليوم الذي جائني به مع أحد إخوانه منذ سنوات بعيدة، وهما من أفاضل طلاب العلم لزيارتي في المكتب الإسلامي ببيروت، لرغبتهم في زيادة العلم، والتماس الطريق الصحيح إلى العقيدة السليمة، التي ارتضاها الله لعباده، وبعد مدارسة استمرت أياماً طويلة، وجدنا أن الأفضل لهم الذهاب والالتحاق في إحدى المعاهد القائمة خارج لبنان، وعلى الأخص في البلاد السعودية. وقد ذهب مع صحبه، ورجعوا بعد أن نالوا شهادات تلك المعاهد، وتلقوا العلم والإجازات على المشايخ الأفاضل والدعاة فيها. وأظن أنه لم يتابع الدراسة هناك، ولكنه كان فيمن تلقى بعد ذلك العلم على نفسه، في بلده -بيروت- على علماء تخيرهم، على فراغ من وقته، ومع ذلك فقد نال مما عندهم علماً جيداً، نجد آثاره فيما نشر من كتب، وفيما كان يقوله من كلام في دروسه ومقدماته. وقد وجدت عنده من الكرم ما يذكر بأهل التضحية وحسن الضيافة، فلا يكاد يحضر إلى لبنان من بلاد الله الواسعة أحد من أهل العلم والدعوة، إلا ويجد في داره المآوي والطعام، ووسائل الراحة، وتسهيل الانتقال بين بيروت والجبل، والمساعدة على الرحلة للحج، أو السفر إلى دمشق، وغيرهما من البلاد السورية. ومن ثم قيامه مع ضيوفه بزيارة كبار أهل العلم للتعريف بهم، وتمكين الصلة بينهم، ومدارسة ما في كل بلد من شؤون العمل الدعوي، وتبادل الإجازات العلمية على ما كانت عليه في الأيام الخوالي بين الطلاب والمشايخ. * * * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 58 ومن باب ذكر الخير لأهله أقول: لقد وجدنا من تعامله التجاري مع المكتب الإسلامي الأمانة، شراءً وبيعاً، وعنايةً متقنة، ورد الحق إلى أصحابه. وإذا ذكرت هذا عنه وعن قلة ممن تعاونّا معهم خلال أكثر من الستين سنة الماضية، أذكره وقد وجدنا من كثيرين ضياع هذا عندهم. وقد وجدت منه وعياً عاماً، ونباهة واضحة، والأدب في التحدث، ونحن في بلد كثرت مشاكله، وتداخلت أموره. اللهم إن الأخ الشيخ رمزي دمشقية، قد غادرنا إلى ديار الحق، فيا رب وسع مدخله، واغفر له وارحمه وعوضه الجنة. وإننا نرفع حسن العزاء به إلى سماحة الشيخ محمد رشيد رضا راغب القباني المفتي العام، وإلى جميع العلماء وإخوانه من الدعاة. ويا رب اكتب الصبر لوالدته، وزوجته، وقد كانتا خير معين له في دنياه، واحفظ ابنه (محمداً)، وبناته الثلاث، وعوضهم عنه خيراً، وأحسن تربيتهم بفضلك، يا أرحم الراحمين، وأسبغ من نعمك وأفضالك على أهله وإخوانه، وأحسن عزاء أخواله وأقاربه بما أنت له أهل، يا رب استجب. وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وجميع صحبه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. نشرت في 24 شعبان 1423 هاالموافق 30/ 10/2002م، ثم أعيد النظر فيها في 28 ربيع ثان 1424 هـ الموافق 28/ 06/2003م. * * * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 59 طرائف مع الشيخ سعدي ياسين بقلم: زهير الشاويش هذا العلامة دمشقي الأصل، تتلمذ على أستاذنا الشيخ بهجة البيطار مع الشيخ مسلم الغنيمي، والشيخ نعيم البيطار إمام جامع الدقاق، والشيخ نسيب المجذوب (الرياضي)، والعديد من رجالات العلم. والشيخ سعدي مثل الشيخ البيطار سلفي المعتقد بل وأكبر دعاة السلفية في عهده لما حضر إلى لبنان وأقام في بيروت، وبعد أن طلب القبض عليه من حكومة فرنسة لأنه اشترك في الثورة السورية. وكان رحمه الله يعتبرني كأحد أولاده، بل فوق ذلك، لأنه كان له ولد درس الهندسة، وبقي في أمريكا، وآخر مازال مريضاً عافاه الله، وعدد من البنات، وله سبط يعمل في الصحافة -وفقه الله-. ومنذ أن وصلت إلى بيروت لم ينقطع عن رعايتي -تغمده الله برحمته-، وصادف أن مرض أواخر أيامه، فكرر إجازته لي في القرآن والحديث، ثم طلب ورقة وكتب زيادة على إجازته الشيء الذي لا يكون إلا من كريمٍ فاضلٍ (المرفق). وكانت وفاته أيام القصف الشديد على بيروت، في حوادث لبنان الأليمة، ولم أتمكن من حضور جنازته، وبيننا مسافة بسيطة، وكذلك لم يتمكن جوار بيته من تشييعه، فدفن بجوار صديقه الزعيم الإسلامي الكبير الحاج أمين الحسيني في مقبرة الشهداء -القسم الفلسطيني-. وبعد أن هدئت الأحوال (قليلاً)، أقمنا له احتفالاً في دار الفتوى برعاية الشهيد حسن خالد بمناسبة مرور عشر سنوات على رحيله (المرفق). وتكرَّم بالحضور من الرياض ابن عمه الدكتور الشيخ محمد بن لطفي الصباغ ليتكلم باسم العائلة، ثم ألقى الشيخ فهمي أبو غنيمة، والمفتي العام الشيخ حسن خالد. وقال: لقد وهب الشيخ سعدي مكتبته إلى أخيه الشيخ زهير، ولكن الأخ زهير أمر أن توضع في مدرسة الإيمان، وبعد ذلك تكون في مكتبة دار الفتوى إذا تقرر إغلاق المدرسة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 60 وقد حضر من دمشق لهذا الحفل الشيخ حسن حبنكة، والشيخ مسلم الغنيمي، والشيخ صادق حبنكة، وشيخ القرَّاء محمد كريم راجح، ومن السعودية الشيخ محمد السقا أميني الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي ووفد من العلماء مندوبين من قبل الإمام سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، وغيرهم العدد الكبير. وجاءت البرقيات من أقطار الدنيا. * * * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 61 من ذكرياتي مع الداعية الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري بقلم: زهير الشاويش لست أدري ما الذي يدفعني اليوم لتذكر مواقف كانت لي مع أخي العالم الجليل الداعية المنفتح على جميع الناس والمذاهب في كل القضايا الفقهية والاجتماعية والتربوية، الشيخ عبد الله الأنصاري ابن قاضي مدينة الخور في قطر الشيخ إبراهيم الأنصاري. أذكرها لتكون عبرة للناس في زماننا هذا الذي وجدنا فيه التشدد في الدين ممن قلَّ علمهم، وضاعت معارفهم، وساقوا الناس إلى التشدد، وورطوا بعضهم إلى السجون والمعتقلات. كما وجدنا ممن قلَّ تمسكهم بالدين، وتورط مع غيرهم بالسير وراء العولمة، والانشغال بما لا ينفع، وغير ذلك من الأمور التافهة، واتباع الخط (الإفرنجي، بزعم أنه البرنجي، يعني الأول)، وهو في حقيقته الأخير ... وإنني أسأل الله سبحانه تعالى: أن يعيد المسلمين إلى دينهم الحق، والتمسك بالوسط الذي جعله الله لنا شرعة ومنهاجا، بقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]. ومنذ مدة مرَّ بخاطري عدد من أخواني الأفاضل، ومنهم الشيخ الأنصاري، وفي أثناء ذلك، تكرم واتصل بي الأخ الأستاذ عمر ناجي، وسألني عن الشيخ عبد الله، بعد أن اطلع على ما كتبت عن الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وسمو حاكم قطر الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، والشيخ محمد نصيف، وغيرهم من الأفاضل. فأجيبه وأقول: الجزء: 6 ¦ الصفحة: 62 عملي في قطر ذهبت إلى قطر أوائل سنة 1360 هـ، وبعد تكليفي بإدارة إحدى مدارس الدوحة، الروضة القديمة، اتفق أن تعرف عليَّ في اليوم الثاني مباشرة صاحب السمو الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني -حاكم البلاد- وهو الرجل العالم. ووزير المعارف الشيخ قاسم بن درويش فخرو، وبتدخل مدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر رحمهم الله، لأنني اعترضت على الكتب المقررة لدروس الدين، وامتناعي عن تدريسها في مدرستي أولاً، ونصحي بعدم تدريسها في كل المدارس ثانياً، لأنها مؤلفة حسب طريقة بعيدة عن الأساليب العلمية المناسبة، في بلد يُنشأ فيه التعليم لأول مرة، وتعطى لطلاب الروضة والابتدائي؟، بعد أن يطلب من كل تلميذ أن يختار المذهب الذي عليه أهله مثلاً؟ أهو المالكي أو الشافعي!، مع أن الأساتذة الذين جاءوا للتعليم، من طلاب مدارس علمانية، وأكثرهم من فلسطين، ولا يعرفون الفارق بين المذهبين، إن لم أقل غير ذلك. وعدّلت الكتب بعد الاجتماع مع سمو حاكم البلاد، وفضيلة القاضي الشرعي العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، وكان أن كلفت المستشارية بطبع الكتب المصححة مني في البحرين، ووزعت على المدارس. وهذا الموضوع أوجد لي عند سمو الحاكم منزلة، حيث أُدعى أكثر من مرة في الأسبوع للجلوس مع سموه، حتى أصبحت شبه مستشار له في أمور كثيرة، (والكلام عن ذلك يطول). زيارة الخور وفتح المدارس وفي تلك الأيام ذهبت لزيارة مدرسة بلدة الخور مع الأخ الأستاذ موسى بن الشيخ حسن أبو السعود مستشار المعارف، وكان مديرها السيد روحي الخطيب الفلسطيني، وهو رجل طيب، ومدرس الديانه العالم الفاضل الشيخ عبد الله الخليفي (1).   (1) والذي طلب نقله إلى مدرسة الروضة القديمة التي بجوار بيته في حي المرقاب، بناء على طلب قريبه عضو لجنة المعارف الشيخ صالح الخليفي جاري في البيت -حفظه الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 63 وكان في مدينة الخور قاضيها الشيخ إبراهيم الأنصاري، وهو رجل مسن ملئ علماً وفضلاً، وكان شافعي المذهب. ودارت الأبحاث معه (وكنت على معرفة بسيطة بمذهب إمامنا الشافعي)، فوجد في كلامي بعض ما أعجبه، وأخبرني أن ابنه يدرس في دارين (من بلاد المملكة السعودية)، وأنه سيحضر خلال أيام ليكون في التعليم معكم في قطر. ولم يمض سوى أسابيع حتى حضر الشيخ عبد الله وزارنا في إدارة المعارف، وسأل عني، وقمت بواجب تعريفه بسعادة مدير المعارف الشيخ عبد البديع صقر، والمفتش الأستاذ موسى أبو السعود، وباقي الموظفين، وتقرر أن يكون موظفاً في المعارف، تحت اسم: مدير الشؤون الدينية في المعارف. وكان يومها شاباً (أصغر سناً مني)، وله نشاط كبير، ودعوة للخير واضحة. وجرئ على أشياء لم يكن أحد يقدر على التعرض لها. الأمر بالمعروف من ذلك أنه طالب يومها بمنع تقبيل ولمس الأنف، الأمر المعتاد في بلاد الخليج!، مكتفياً بالعناق السائد بين الناس في أكثر البلاد الإسلامية. وكان لا يقوم بتقبيل أحد على أنفه سواء كان الحاكم أو العلماء الكبار، مما جعله موضع الإعجاب عند الكثيرين الذين لم يعتادوا ذلك. ولم يكتف بذلك، بل أظنه ألَّف رسالة في الموضوع (ولم أجدها عندي الآن). وكنا ندخل معه بجدل (لطيف)، وأذكر أنني نقلت له يومها ما كان معروفاً عند بعض السلف، ويمثله الشعر الذي كان متداولاً عند التابعين وقبلهم، وتمثل به سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن ابنه سالم: يُديرونَني عَن سالِمٍ وَأُديرُهُم ... وَجِلدَةُ بَينَ العَينِ وَالأَنفِ سالِمُ واعتبر هذا منه، مع غيره من التصرفات الكثيرة، دليل خير منه عند الكثير من الأهالي، وموظفي الدولة في المعارف، وغيرها من الدوائر. وكانت تصرفاته هذه مدار الحديث في مجالس القوم في البيوت والأسواق، في بلد ليس فيه صحف ولا مجلات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 64 وفي إحدى المرات قامت دائرة الأشغال بنقل الماء المبتذل المتجمع من الأبنية، ويصب حولها في حفر متَّسعة، ونقل ذاك الماء لسقي الحدائق ذات المروج بين الشوارع والممرات، ووراء المساجد. وكان الناس يصلون عليها، فأصدر بياناً باسم (إعلان هام)، وطالب الناس باتخاذ حواجر للطهارة لتصح صلاتهم، وقوله هو الموافق لمذهب الشافعية الذي كان الأنصاري يتبعه. وإن كان هناك أمامه قول آخر عند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، وقول عند السادة الأحناف يبيح تلك الصلاة مع الرطوبة، وهذا من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر [انظر المرفق رقم: 7]. تدريس العلوم الدينية في المدرسة الثانوية واقترحت على مدير المعارف: أن يقوم الشيخ عبد الله بتدريس علوم الدين في المدرسة الابتدائية الثانوية (الوحيدة)، وأن يؤم الطلاب ظهراً في المدرسة إضافة لعمله، فوافق على القسم الأول، واعتذر عن القسم الثاني لارتباطه بإمامته في مسجد وسط البلد قرب بيته، وأظنه كان مسجد الأمير الشيخ خليفة بن حمد. طلب العشائر فتح المدارس وجاءت وفود العشائر من أطراف قطر، وكل شيخ يطلب فتح مدرسة عند بيوته (ونصف البيوت كانت مضارب شعر)، والإقامة فيها غير تامة كل السنة، وإنما يذهب الأهل إلى البادية مع أغنامهم، وأولادهم. وطبعاً يراد أن يذهب المعلم معهم في خيمة تأمنها له إدارة المعارف، وأن تصلهم كل يوم سيارة ماء (صهريج)، من قبل متعهد ينقلها من مكان بعيد، ويدفع للطلاب مبالغ يومية!!. وكلفت بزيارة هذه المضارب، والاجتماع بأهل القرى مع فضيلة الشيخ عبد الله، وفي السنة الثانية كان معنا (بل يرئس بعثتنا) الأخ الدكتور عز الدين إبراهيم (المفتش العام). الجزء: 6 ¦ الصفحة: 65 وكانت الرحلات متعبة جداً، والسيارات من دائرة الأشغال التي تعطى لنا (مع غنى الحكومة) ولكنها من النوع المقيد سرعتها بـ 60 كيلوامتراً في الساعة، وطبعاً لم تكن مكيفة، ونحمل فيها الطعام والشراب وبعض الحوائج. وكان الكثير منها يعد في بيت الشيخ عبد الله، وأكثر الأحيان لا نأكل ما أعددنا، بل نتركه للعربان في الطريق، لأن أهل الشمال كانوا أهل كرم وضيافة. وأما في بلدة الخور حيث كنا نقيم فيها ساعات في الذهاب وفي العودة، وهي في منتصف الطريق بين الدوحة وقرية الرويس آخر قطر، وسكانها من سادة آل البيت النبوي - صلى الله عليه وسلم -. فكان الطعام الأول عند والده الشيخ إبراهيم، وكان رئيس المحاكم الشرعية الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود عينه بعد عودته من بارين في منطقة الخور، وهي أكبر تجمع سكاني في قطر بعد الدوحة، للحكم في كل القضايا المستعجلة، من تحرير الإقرارات، وتثبيت الشهادات، وإبرام عقود الزواج، وهذه كانت تسجل في قطر للمرة الأولى. وبعد ساعات عند الصديق الوفي لنا جميعاً الشيخ عبد الله المسند شيخ قبيلة المهاندة، وبيته كان مفتوحاً لكل الناس، فضلاً عن بعثة المعارف. وحدثت صلات قوية بيني وبينه (حتى أنه كان يترك شرب النرجيلة (الكدو) بحضوري، ومع أولاده الشيخ ناصر، والشيخ أحمد، واستمرت الصلة معهم يوم هاجروا إلى الكويت (لبعض الخلافات العشائرية)، وتكرموا بزيارتنا في سورية ولبنان، وتعرفوا على القيادات الإسلامية في سورية، مثل: الشيخ محمد الأشمر، والدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ عصام العطار، ووالدي مصطفى الشاويش رحم الله الجميع. وأنشأنا المدارس في كل القرى الشمالية، وجمعنا بعض المضارب مع بعضها، وتم نقل الطلاب بواسطة السيارات. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 66 وصادفنا بعض التعنت خصوصاً من الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني شيخ (قرية أم صلال محمد) بإدخال كل الأطفال في مدرسة أوجدها قرب بحيرة حفرها هناك، وأقام حولها مزارع من النخيل والثمار، حتى أنشأ معملاً لألياف النخيل يصدر الفراشي لتنظيف الخيل والحيوانات وطرش البيوت، ومما يستعمله عمال الدهان، ويصدّر ذلك للسعودية وغيرها. وكان رجلاً يقارب التسعين من عمره، ولكنه كان قوي البنية والإرادة، وحججت معه ومع الشيخ عبد الله الأنصاري في إحدى السنوات مع سمو الشيخ علي، ووجدت منه عبادة مستمرة مع السؤال عن العلم والفقه رحمه الله. ووجدنا كل التسهيلات من رجل الفضل الشيخ علي بن جاسم آل ثاني وأولاده في قريتهم (أم صلال علي). تسلمه شؤون القرى وبعد ذلك تسلم الشيخ عبد الله إدارة شؤون القرى بما يخص دائرة المعارف وغيرها من دوائر الدولة، ونجح في ذلك نجاحاً واضحاً سنة 1385=1965، وفي الرسالة إلي منه [انظر المرفق رقم: 6]. شكواه من الملحدين في التربية وفي نهاية السنة الثانية تركت ومدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر العمل في المعارف، لخلاف دبَّ في العائلة الحاكمة، واعتبرت والأستاذ المدير أننا مع أحد الأطراف، (وأنا والله لم أكن مع أي واحد منهما، ولكن اعتبرت عند الطرف الذي تسلم المعارف -مدير المعارف غير المتوج-). وصادف ذلك أن المدير الجديد للمعارف كان من حزب قومي من بلدي، وله خصومة معنا شخصية، وعنده روح تربية علمانية. ندوة المعارف وقد أقامت دائرة المعارف ندوة إسبوعية، وكلفت بإدارتها، وحاضر فيها عدد كبير من علماء البلاد، وكان منهم الشيخ عبد الله الأنصاري، ومدير الجوازات علي الأنصاري، ومدير المعارف الأستاذ عبد البديع صقر، والدكتور عز الدين إبراهيم، ومن كان يزور قطر من العلماء، مثل: الشيخ محمد سالم البيحاني، والشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر، وعلماء آل المبارك، وعبد الحكيم عابدين، ومحمد سعيد الطنطاوي، وغيرهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 67 وصادف أن اعترض على بعض ما يلقى فيها أحد وجوه قطر، ورددت عليه مخالفاً لرأيه المبني على العصبية، فما كان من الشيخ الأنصاري إلا أن قام ورد عليه مباشرة رداً مفحماً. وقد استمر الشيخ عبد الله بعد ذلك في إقامة ندوات مماثلة لها أسبوعية في المساجد، أو المدارس، أو في بيته بصورة مستمرة. وعندي دعوة منه لحفلة أقامها للشيخ ضياء الدين رئيس الإدارة الدينية في طشقند أيام الاتحاد السوفييتي سنة 1392هـ. ولكن بقيت صلتي مع سمو حاكم البلاد الشيخ علي آل ثاني قوية جداً، وعند تركي العمل طلبني أن أذهب إليه في الحج بالبر (ولم يكن هناك طيران بين قطر والسعودية) إلا عن طريق البحرين بواسطة طيران الخليج بطائرات صغيرة جداً، وأن أرجع معه من مكة، ولم يكن الطريق معبداً بعد إلى الدوحة، وعدنا بسيارته الخاصة (1). تسلمه إدارة الشؤون الدينية وبعد ذلك تسلم الشيخ عبد الله المراكز الكبيرة في دولة قطر، ومنها إدارة الشؤون الدينية في وزارة التربية والتعليم، وأحياناً كان يقوم بأعمال مدير المعارف لأشهر من السنة، وأصبح الرجل الأول عند سمو الحاكم الجديد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، وعند إخوانه الأمراء، ومنهم معالي وزير الداخلية الأخ الشيخ خالد بن حمد آل ثاني حفظه الله. وتسلم بعدها مركز (إدارة الشؤون الدينية في دولة قطر، وقد توسعت كثيراً وزاد من نشاطها ما جعلها أهم مراكز وزارة المعارف. وانبثق عن ذلك "إدارة إحياء التراث الإسلامي" التي تولى إدارتها حتى وفاته رحمه الله، والتي تولت إحياء ما كان سابقاً في عهد سمو الشيخ علي بن عبد الله، بتوزيع الكتب الإسلامية على الدنيا، كما كنت المستشار لسمو الشيخ علي في ذلك وغيره. ويقوم العالم الجليل الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع باقتراح الكتب التي تطبع على نفقة سموه.   (1) مع وجود خط سكة حديد من الدمام إلى الرياض فقط. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 68 وقام الشيخ عبد الله بطبع وتصوير العشرات من الكتب وتوزيعها، وقمت بمساعدته في طبع ذلك في المكتب الإسلامي. وكان بيني وبينه تعاون جزئي في ذلك، وتوقف هذا التعاون فترات لأسباب ليست بدافع مني ولا منه، وإنما لظروف متعددة أصابتنا جميعاً، مع بقاء الأخوة عامرة بفضل الله علينا. ثم لتوسعه في الخلق الجميل المحمود، ولعل في بعض الرسائل التي أنشر بعضها آخر المقال، ما يدل على ذلك. دعوته إلى المؤتمرات في قطر وقد قام بالدعوة إلى عدد من المؤتمرات في قطر تخص العالم الإسلامي، ومنها المؤتمر الثالث للسيرة والسنة النبوية في شهر محرم 1400 - تشرين الثاني 1979، وكان يشرفني بدعوتي لحضورها، وقد حضرت أكثرها، واعتذرت عن بعضها لأسباب قاهرة، خارجة عن إرادتي. ومرة دعينا لقطر في أحد تلك المؤتمرات، وأيامها قامت فتنة (جماعة جهيمان في مكة المكرَّمة)، وكان إمام الحرم والمسؤول عن الحرمين الشريفين صديقي العلامة الشيخ حمد الراشد، الذي كان المسؤول عن تعليم البنات في السعودية سابقاً، وهي الآن أضيفت لوزارة التربية أيام الوزير الحالي العالم الدكتور محمد أحمد الرشيد. وتكلم أثناء حصار البيت الحرام العلامة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود، وبيّن أن ليس هناك مهدي ينزل أو يحضر، والذي لخصه في رسالته (لا مهدي ينتظر بعد محمد خير البشر). وتكلم الشيخ الأنصاري بما يماثل ذلك. ويومها انتخب الشيخ عبد الله الأنصاري رئيساً للمؤتمر لتلك السنة في المؤتمر الخامس عشر للسيرة والسنة النبوية. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 69 وقد جمع هذا المؤتمر بعض من ليس لهم في السنة والسيرة قول ولا فعل، وذلك بتأثير بعض من حول الشيخ يومها ممن لا همَّ لهم سوى الاستفادة المادية والدعائية من هذا العمل الكبير، وهم من موظفي المعارف الذين لا يعرفون شيئاً عن السنة والسيرة، وحرم من الدعوة له الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والأستاذ عبد الرحمن الباني، والدكتور عمر سليمان الأشقر، والشيخ محمد إبراهيم شقرة، والدكتور محمد لطفي الصباغ، وعدد من الذين يخدمون السنة النبوية!، مع أنني اقترحت دعوتهم وغبرهم للحضور، وكان ذلك من عجائب الأمور. ويومها ذهب مجموعة (اختارها الذين أحاطوا بالشيخ) لزيارة سمو أمير البلاد الشيخ خليفة بن حمد. ولما لم يجدني معهم سألهم أين الشيخ زهير؟، وأين الشيخ الألباني؟، وسبق أن زارانا وهما يعملان في خدمة السيرة والسنة النبوية. والشيخ زهير ممن أسس العلم في قطر؟. فقال له الشيخ الأنصاري: "الشيخ زهير موجود غير أنه لم يحضر معنا الآن، والشيخ ناصر دعي ولكنه مرتبط بأعمال حالت دون حضوره (وهذا الكلام كان من ادعاء الذين عملوا معه، ولم يصدقوه القول). وقال الشيخ خليفة: "نحب الاجتماع بالشيخ زهير قبل سفره"، وفعلاً كان لي لقاء خاص معه بحضور الشيخ الأنصاري. وفي تلك الاجتماعات جرى بحث بيني وبين بعض الحاضرين المتأثرين بالمذهب الحنفي، وقال أحدهم: "صحاح السنن الستة؟، وقدّم بحثاً بذلك". فقلت له: "لا يقال الكتب الستة صحاحاً، وإنما هذا يقال: عن الصحيحين البخاري ومسلم فقط، وأما الأربعة الباقية فيقال لها: السنن الأربعة". وطلبت منع إلقاء البحث الذي عنوانه يدل على خطأ، وحاول أحد أهل الشام الدفاع عن البحث، عصبيةً لمذهبه الحنفي!!، ولم يفلح. وانتصر لي الشيخ الأنصاري، ولكن سمح بعد ذلك لمداخلات بطبع بحث ذاك الرجل الهندي ليوزع فقط من غير إضاعة الوقت في قراءته في اللقاءات. إمارة الحج الجزء: 6 ¦ الصفحة: 70 وقد تولى إمارة الحج القطري سنوات متعددة، وأمَّن للحجَّاج التطبيب والأدوية، والنقل، والأماكن المناسبة في الحجاز، ويحمل معه الكتب والأموال للمساعدة، ثم أنشأ مسجداً ومعه دائرة لتوزيع المصاحف والكتب الإسلامية، ومازال المسجد والمركز حتى الآن في مكة المكرّمة، والحمد لله. وحججت مرة بعد وفاة الشيخ علي آل ثاني، ولم أكن مدعواً للحج من قبل إدارة الحرمين الشريفين، حيث كنت أدعى من قبل سماحة مدير الحرمين الشريفين العلامة الشيخ سليمان بن عبيد، أو من رابطة العالم الإسلامي، التي كنت أُدعى مرات متعددة للنزول في مركزها، لأنني كنت من المؤسسين لها. ونزلت في فندق، وزارني الشيخ عبد الله الأنصاري -رحمه الله- وأصر عليَّ أن أنزل في مركز حملتهم القطرية، لأنني مازلت أعتبر قطري الجنسية!. غير أنني اعتذرت لارتباطي مع مجموعة أحج معهم. وفي السنة الثانية وقبل الحج بثلاثة أشهر وصلتني دعوة من فضيلته، أن أحج -أنا ومن أحب- وأنزل في مراكزهم، وكتبت له شاكراً معتذراً. ولما زرت قطر مع سماحة الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله، وأخي فضيلة الشيخ طه الصابونجي، استقبلنا الشيخ عبد الله في بيته (الجديد يومها)، الذي يقيم به دروس القرآن الكريم، وأقام لنا حفلاً كبيراً جمع العدد الكثير من أهل قطر والموظفين من الخارج، وفيهم الأخوة الأكارم فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-، وفضيلة الشيخ علي الخشان، والأستاذ خليل حمد، والداعية الشيخ إسماعيل الكيلاني، والأستاذ عمر عبيد حسنه مدير مكتبة الشيخ علي، ومدير مركز البحوث والدراسات، والأستاذ محمد الشافعي، والأستاذ فاروق عرب، والشيخ عبد الله الدباغ، وغيرهم. وكذلك عندما زرت قطر ومعي أستاذنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في طريقنا إلى نجد والحجاز، أقام لنا احتفالاً كبيراً جداً. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 71 صبره على المصائب ومما أذكر من صبره وتوكله على الله سبحانه: أنه يوم أن مرض والده الشيخ إبراهيم ونقل إلى مستشفى صغير كان في الدوحة قرب وزارة المالية الحالي، وكنت أزوره كثيراً، وأجد الشيخ عبد الله عنده يقوم بخدمته شبه الكاملة بِراً بوالده تأسياً بقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسراء 23]، مع أن المستشفى على صغره، هيَّأ عدداً من الأطباء والممرضين لذلك. ولما توفي والده الشيخ إبراهيم -تغمده الله برحمته- وجدته محتسباً عند الله بمصابهم الأليم، وحضرت مع سمو الشيخ علي حاكم البلاد للتعزية به، ومعنا العديد من العلماء، مثل: الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، والشيخ محمد بن عبد العزيز المانع، ووجوه البلد، وكان صابراً. ولما أصيب بنكبة وفاة زوجته الشهيدة السعيدة -إن شاء الله- رحمها الله بحادث بيتي أليم، تلقى ذلك أيضاً بصبر المؤمن المتمكن بما عند الله تعالى. الموسوعة الفلسطينية وعندما صدرت "الموسوعة الفلسطينية"، والتي نالت من الحكومات العربية الكثير من الأموال، وصرفت بدعوى الدفاع عن حق المسلمين العرب في فلسطين. ولكنها صدرت على غير ذلك تماماً، وكتبت بفضحها كتابي: "الملحوظات على الموسوعة الفلسطينية" فقام -رحمه الله- بشن حملة على "الموسوعة" معتمداً على ما في كتابي "الملحوظات"، وقابل حاكم البلاد، وناقش الأخوة في وزارة التربية، ومنهم الأستاذ كمال ناجي، ومنع توزيع "الموسوعة" على المدارس. وبعد أن وزعتُ الطبعتين من "الملحوظات" كتبَ إليّ راغباً بأن أطبعها مرة ثالثة (وهذا توافق مع عدّة طلبات كريمة من الجهات الإسلامية الأخرى"، وفعلاً تم طبعها للمرة الثالثة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 72 مما أدى -بفضل الله- إلى إلغاء "الموسوعة" وتأليف لجنة جديدة فيها عدد ممن عرفت فضلهم، للنظر بما فيها من أخطاء، وأجرت إصلاحات لها (غير أنها لم تطبع بعد أن مضى على تأليفها أكثر من سنتين، وكانت هذه اللجنة تكرمت واتصلت بي لمعرفة ما عندي مما لم أنشره لينشروه). توقيت الصلوات كانوا في قطر وتقريباً كل بلاد الخليج يستعينون بتوقيت الصلوات الذي يصنعه آل العجيري في البحرين. فقمت بطبع توقيت للصلاة أوزعه شهرياً في سورية ولبنان، ثم طلب إليَّ سمو الشيخ علي آل ثاني -رحمه الله- أن أطبع كميات كبيرة توزع في قطر شهرياً، فطلبت من الشيخ عبد الله بن إبراهيم أن يبعث إليَّ بالتوقيت مع العناية بالذي يهتم به أهل الخليج. فتكرم وبعث إليّ بما طلبت، ولما وجدت أن توقيتي متناسب مع توقيته الدقيق، وما وضعت معه من خطوط شيخ خطاطي الشام الشيخ بدوي الديراني، وما أضفت إليه من مواعظ جانبية كتبتها، فرغب أن أعينه على إصدار توقيت لقطر يطبع باسمه، ومازال حتى اليوم 1425 - 2004 يطبع والحمد لله. وفي رسالة تفضل وطلب مني ذلك بشكل موسع، وفيها ما يفيد [انظر المرفق رقم: 5]. الشكوى من إدارة المعارف الجديدة وقبل ذلك كتب إليّ بعد أن وجد ممن عين مديراً للمعارف بعد الأستاذ عبد البديع صقر ما يلي: "فقد مضت الأيام التي كانت جميلة بحضوركم عندنا في قطر. وقدّر الله أن تتغير بالذين لم نحبهم، لأننا وجدنا منهم ما نستعيذ بالله منه. وعلى الأخص المدير الذي قدِم لنا بدلاً من الأخ الشيخ عبد البديع. وهذا قدِم إلينا على أنه ابن عالم جليل من حمص، وأنه مدير تربية، ومتخرج بلقب (دكتوراه)، غير أننا وجدناه، بعد طول الخبرة، فاسد الخلق في دينه، حزبي في معتقده، بل متحزب لكل فاسد صعلوك. وقد استعان بمن أظهروا ما كانوا يخفوه علينا من شيوعية، وبعثية، ومذاهب لا نعرف عنها والله شيئاً، والآن ظهر الخفاء، وعرفنا منهم كل شر. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 73 وأنا بفضل الله لم ينالني منهم سوء أبداً، ولكنني أهتم بإخواني المؤمنين الذين صاروا بعدك كالأيتام على موائد اللئام، وانتصرت ما أمكن لعدد منهم عند الشيوخ الحكام، وفرَّج الله عن أكثرهم. ". اهتمامه بالأخبار الطيبة وكتب إلي مرة ثانية بما يلي: "حضر إلى قطر الشيخ محمد سالم البيحاني، ولما سأل عنك أخبرته أنك في الشام، وبعث إليك بالتحيات العطرات، وتذكر أنه أملى على الشيخ محمد بن علي المحمود إجازته لك بالحديث النبوي الشريف، الذي وجدك أهلاً لحمله، وأنه شملني والشيخ عبد البديع تبعاً لك، فجزاك الله وإياه كل خير. ومن عندنا الجميع يسلمون عليك، وأذكر منهم الشيخ مبارك الناخي، وآل محمود (أهل الشارقة)، وجمعنا الله بكم على أحسن حال. ". تهنئته لي بالنجاح في الانتخابات النيابية السورية ولما نجحت بدخول المجلس النيابي السوري، وأعلن ذلك في 9 شعبان 1381 الموافق 15/ 1/1962، كتب إلي الرسالة الآتية: "فضيلة شيخنا الواعي المكرم زهير الشاويش عضو مجلس النواب السوري السلام عليكم وعلى إخوانكم نواب الحركة الإسلامية في دمشق. لقد علمنا بفوزكم الكبير من الأخوة والإذاعات والصحف، بما أدخل السرور على المشايخ وإخوانكم الأحباب في قطر، الذين عرفوا ما لكم من فضائل عليهم وعلى بلدهم، بل على العالم الإسلامي. فلكم التهنئات، وننتظر أن يجري الله على يدكم الخير للبلاد والعباد. ولن أسمي من كلفني بحمل التحيات لكم، فإنهم أكثر من أن يتسع لهم كتابي هذا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. " الجزء: 6 ¦ الصفحة: 74 منع الربا في المجلس النيابي ولما علم بأنني -بفضل الله- انتصرت على دعاة الربا في المجلس النيابي، كتب إلي بما معناه: "فقد تلقينا من العزيز الأستاذ عبد البديع صقر، والعم الشيخ قاسم بن درويش، وما جاءنا من الجرائد: الأخبار السارة عن انتصاركم على رئيس الوزراء، ووزير العدلية، وبعض من انحرفوا عن الإسلام، ومنهم مع الأسف أحد المشايخ!!، حيث أرادوا إقرار الربا، ونجاحكم بتحريم الربا في مجلس الشعب السوري. وكان لموقفكم الذي كان محل الشجاعة التي عرفناها منكم في كل مواقفكم، الأثر الكبير عندنا وعند إخوانكم أهل العلم في قطر والسعودية، وكل الخليج. ". صلته الاجتماعية معي وكان رحمه الله يبلغني إذا توفي أحد من أصحابنا في الخليج، وكنت أكتب له التعزية بهم، وكان ممن أخبرني عن وفاته: الشيخ اليماني الشاعر الضرير، والذي أملى لنا الإجازة الشيخ محمد سالم البيحاني -العدني- مع عدد من المشايخ ومنهم: الشيخ عبد الله العلي المحمود، والشيخ عبد الله بن تركي السبيعي، والشيخ مبارك الناخي، والشيخ عبد الله المسند، وغيرهم. وكان ابني بلال خلال زياراته للدوحة يجتمع به ويجد منه كل اهتمام وسؤال عن أحوالنا -جزاه الله خيراً. وبعد وفاته زرت قطر في رمضان 1419 فما كان من أولاده إلا التكرم بالاحتفاء بي وبمن معي بما ذكرني بالأيام الجميلة التي أمضيتها في قطر بحضور كل من عرفت من أهل البلاد من الأمراء والعلماء والأخوان، رحم الله تعالى من سبقنا، وحفظ من بقي بفضله وكرمه. وكذلك وجدت زوجتي أم بلال من أهله وزوجات أولاده، ومنهم بنات عائلة الدرويش كل عناية وإكرام. جزى الله الجميع الخير، وحفظ الأبناء والحفدة، ورحم بفضله وكرمه الآباء والأجداد. وفي الرسائل الملحقة بمقالي هذا، والتي بلغ عددها 10 رسائل، ما يدل على فضله في التعامل معي بأخوة حميمة واهتمام بالغ. تغمده الله برحمته، وإننا نحتسبه عند الله جلَّ شأنه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 75 الإبداع في قضايا الاجتهاد والتقليد والاتباع والابتداع بقلم: زهير الشاويش 20/ 8/2002 إن هذا البحث المقدم إلى المركزين الكريمين: المعهد العالمي للفكر الإسلامي - فرع بيروت-. كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية -بيروت-. في ندوة بناء الشخصيَّةِ الإسلامية في دعم خصائص الإبداع. وتنقية الثقافة من عوامل التخلف. فلابُدَّ من تقديم الشكر للجهتين الكريمتين, واللجنة التحضيرية, على اهتماماتهم المتعددة في خدمة الإسلام, وتنمية الثقافة العربية. وإن كلامي سيكون في المنهج المقدَّمِ في المادتين 3و4 لما فيهما من تقارب وتداخل, راجياً التوفيق من الله، ثم القبول من إدارة الندوة, واللجنة التحضيرية, والرضى من الحضور الكريم. * * * إنَّ أهميةَ تنمية روح البحث والاجتهاد, وحض الإسلام على الاجتهاد والإبداع والتجديد, وإقراره المتنوع، كل ذلك يفتح أمام المتكلم باباً واسعاً جداً. ولكن مع ضيق الوقت المحدد للإعداد أولاً, ومن بعد ذلك التقديم, يُلزم القائل بالإيجاز, وتقديم عناوين لرؤوس المسائل فقط. ولكن -للمرة الثانية أيضاً- آمل باستدراك بعض ذلك, إذا تقرر طبع ما يكتب, وأتيح له المجال للزيادة والإضافة, لأنَّ النشرَ يوصلُ البحث إلى ما يحتاج إليه من إيضاح وبيان أكثر مما يسمعه الحضور الكريم في هذه الندوة, التي تجمع جُلَّ العلماء المطَّلعين, كما أن في الأبحاث المتعددة التي ستقدم في هذه الندوة المباركة, ما يسد الكثير من الثغرات, وما سيكون فيه غنى وثراءٍ إن شاء الله تعالى. الحمد لله الذي أنزل على محمد بن عبد الله الدين الذي سعدنا به, وفَتَحَ للناس من أبوابِ رحمته ما وَسَّع علينا أمور حياتنا, وخفف عنَّا ما تراكم من عقائد من سبقنا من أهل الكفر والشرك والعدوان والظلم من الأمم السابقة. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد, وعلى آله وجميع أصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 76 فإننا نعيش في زمن اضطربت فيه أحوال الأمة الإسلامية, فتجد جماعة أو أفراداً أوجدوا لأنفسهم منهجاً انفردوا فيه عن الأكثرية الساحقة, فكانت لهم اجتهادات وتشريعات, وإن استقلت بفكر نشأ بينهم, غير أنها لا تعتمد على الأصلين الذين قام عليهما وبهما الإسلام: الكتاب والسنة. وبالمقابل نجد بقايا الجمود مستولياً على عدد كبير من أتباع التقليد الأعمى, والمذهبية الضيقة التي قادت الكثير إلى التعصب المذهبي, بناءً على ما وجدوا عليه آباء آبائهم, وكان أصل فكرتهم جيداً, وهو الاعتماد على الكتاب والسنة وفقه أئمة كبار سبقوهم, غير أن التعصب حاد بهم عن الطريقة المثلى, فأصبح عملهم الفقهي مبنياً على التخلف, وأثراً من الماضي البعيد, المبني غالباً على الأقيسة والتأويل, حتى وجدنا عند بعضهم قولهم: الحكم كذا -قياساً- ثم بقول الله كذا, أو الحديث كذا؟ وبعد ذلك تجد أن الحديث لا أصل له, وأن القياس غير صحيح, فتأمَّل!! واقتنع العديد بالثقافة الأجنبية, مقتدين بالأمم التي نقلوا عنها القانون البشري المتحلل, البعيد عن مصلحة الأمة وأخلاقها, فاستوردوا قانونهم مع بقايا مخترعاتهم وبضائعهم, وتراث بداوتهم الهمجية. وساد هذا الفهم عند الكثير من أبنائنا, بل وبعض مثقفينا, منذ مطلع القرنين الماضيين الذين تولى أمرنا فيهما مستعمرون من أعدائنا, والتخلف في الحياة المدنية عندنا. وأمثال ذلك كثير في مختلف مناحي الحياة, حتى اختلط الحابل بالنابل, وهذا كله أوصلنا إلى ما نحن فيه. تجديد الاجتهاد وهذا مهَّدَ السبيلَ أمام فئةٍ مخلصةٍ من علماء الدين, والشباب الناهض المثقف, في عدد من بلادنا, نادوا بلزوم إيجاد حركة فقهية متجددة, تبث روحاً في العلوم الإسلامية, مع بقاء الإفادة من الأصلين: الكتاب والسنة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 77 فطرقوا أبواب هذا الفقه القديم بفهم وإمعان نظر, وأساليب جديدة, فكان منهم بالجملة إصلاح جديد للمجتمع البشري كافة, وإنقاذ للإنسانية من هاوية المادية المتردية. وهذا أوجد فيهم بعض الخلاف بين بعضهم في الجزئيات, تبعاً لظروفهم الخاصة, وسيراً على ما عند كل واحد منهم من علوم وثقافة ومعرفة, بل وأحياناً ما تأثر به في محيطه الخاص, وبيئته المحيطة به, سواء كانت علمية أو أدبية أو تربوية. واشتد الخلاف بينهم وبين من سبقهم من أهل الجمود والرضى بالبقاء على ما كان عليه الفقه من القرن الرابع الهجري (عندما تأسست المذاهب) وأصبحنا نسمع من كلامهم: "كل آية أو حديث ليس في مذهبنا, فهو مؤول أو منسوخ؟ ". وهو بهذا جعل مذهبه هو الحكم على القرآن الكريم, والله عز وجل يقول: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: 1] , وقال أيضاً: {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء: 8] , والرسول الكريم قال: "بلغوا عني ولو آية"! وعلى آراء غيره من خلق الله, وفيهم أهل علم وتجارب, من الصحابة ومن بعدهم. ووجدنا القول بوجوب اتباع أحد المذاهب الأربعة دون غيرها, بدعوى أن الخروج عن هذه المذاهب ضلال, وقد يصل إلى الكفر, وبعضهم صرح بذلك, وفتح باب التكفير من غير دليل, والعياذ بالله سبحانه. * * * فيسر الله لهؤلاء المجددون الانطلاق بأبحاث اجتهادية فيما تحتاج الأمة إليه, ولم تخرج عن القديم في الحقيقة والواقع, ولكن عملت بكل قديم مقبول, بعد إيجاد الدليل لكل مسألة, والتبويب لكل قضية. واعتبر بعض عملهم من باب "التلفيق المذهبي", الذي عابه بعض الباقين على تعصبهم, مع أنه ليس من بابة هذه المقولة, بل هو الموافقة, والاقتداء, والاتباع فقط, وقد يوافق في بعضه مذهباً ما, ثم يوافق مذهباً آخر في قضية ثانية, مع الدليل لكل واحدة منها, وهكذا .. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 78 ووجد من أباح التلفيق بشروط أوجدوها, وهذا كان منهم دليل خير, يواجه أهل التعصب المذهبي! ويرد دعواهم. وكذلك اجتهدوا بما حدث من مستجدات طرأت على حياتهم مما لم يكن معروفاً (أيام المذهب القديم) فأصابوا في أكثرها, وفتحوا للناس أبواب العلم بالفهم والعقل والاقتداء والاتباع الصحيح بالأصل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, وهو الكتاب الكريم وصحيح السنة المطهرة بأقسامها: القولية, والفعلية, والإقرارية. وهذه أحكامهم وآراءهم موجودة بيننا متفرقة متداولة, مع أنه لا يكاد يجمعها كتاب جامع, ولا فقه مدون, ولا مذهب مقنن -إلى اليوم-. حتى قامت منذ عشرين سنة -تقريباً- تلك المجامع الفقهية في عدد من البلاد, ونادت بحركة اجتهادية جماعية أوجدت الكثير من الأحكام النافعة (مع اختلاف فيما بينهم بآراء قليلة) وهذا لم يمنع بعض الأفراد من اجتهادات (على انفرادها) مقبولة. وبين أيدينا العشرات من الكتب التي ألفت, دعا فيها أصحابها إلى الاجتهاد الكلي أو الجزئي, وهي بالجملة مقبولة بل ومتداولة, وزاد الله في أعداد أتباعها, بما يسر الله في التوسع بالنشر والطباعة المتقنة, والفهرسة المساعدة, مما لم يعد خافياً على أحد. * * * واليوم يفتح لنا المعهدان الكريمان الباب الواسع للحديث عن الاجتهاد في تربية المسلم والمسلمين, بعد أن شهدنا آثار الاضطراب السابق في المجتمعات الإسلامية المتعددة, ومنها انتشار الإسلام الواسع في الميادين والمواطن الجديدة في أوروبة وأمريكا والمشرق وإفريقية وغير ذلك من البلاد. وبعد أن قامت علينا بعض الدنيا -بالظلم- من بلاد الكفر بنشر حرب تعلن على الإسلام, تارة بصريح القول, وأحيانا بالكيد المستتر .. وفينا ويا للأسف سماعون لهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 79 ولهذا كان لنا الدخول في البحث العلمي مع ثقافات العالم, ووسيلة لإقناع الناس بصلاحية فقهنا الإسلامي القديم والجديد على السواء وأنهما الصالحان لكل زمان ومكان والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" (1) , وأنهما سبيل النهضة بالشريعة لتطبق على الجميع, وفي مقدمتهم المسلمين. وبالمناسبة فإن هذه الثروة الفقهية ذخيرة لا نظير لها عند غيرنا!! ولم يهمل الله - جل شأنه - عقول هذه الأمة التي أُخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر, وتؤمن بأنه -سبحانه- خالقهم, وسوَّى أمورهم, ولم يعطِّل مداركهم, ولم يجمِّد أفكارهم, لتكون متحيرة أمام المسائل الجزئية التي تحل بهم وتنزل في ساحتهم مع تغيير العصر, أو تبدل المصر, بل ساقهم إلى التفكير الدائم في الإنسان, والكون, والحياة, وحثهم على العمل الدؤوب لصالح الأمة, وحملهم على الاجتهاد المنشود لاستنباط الجزئيات المتفرعة من الكليات المقررة, والأصول الثابتة من الكتاب والسنة. {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} [النساء: 8] , وقوله تعالى {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر: 2] , وقال العلماء بأنها بمعنى العبور من النص الموجود إلى المسألة الجديدة. ولما كان إعمال الفكر في نصوص الكتاب والسنة, هو الوسيلة إلى التعرف على الأحكام التي لا نصوص عليها, وأن الاجتهاد طريقاً حتمياً للوقوف على أهداف الشريعة, وسبيل الحفاظ على خلودها وصلاحيتها ومرونتها.   (1) الحديث رقم 7287 بصحيح الجامع الصغير وزيادته, تخريج الشيخ محمد ناصر الدين الألباني, إشراف الشيخ زهير الشاويش, طبع المكتب الإسلامي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 80 لذلك فتح الإسلام باب الاجتهاد على مصراعيه إلى أن تقوم الساعة, أمام علماء الأمة الأكفاء البررة العاملين بالكتاب والسنة, وذلك لتأمين حاجات الناس الضرورية حسب تجدُّد المصالح, وتغيُّر الأعراف, وتقدم الزمن, وهو في كل ذلك أوجد للناس السعادة والحياة الطيبة. وقد وضع العلماء شروطاًً للاجتهاد قررها الأصوليون, وفيها بعض الاختلافات من حيث الزيادة والنقصان والدلالة, وفي بعض ما ذكروا -مع الأسف- التعنت والتعجيز والإطالة بلا مستند شرعي من غير فائدة, ولن ندخل في شرح تفاصيلها -في عجالتنا هذه- لأنه ليس محلها هنا, وأنتم في غنى عنها. أهمية الاجتهاد وإن الاجتهاد في الإسلام أقوى دليل على أن ديننا الحنيف هو الدين الشامل الخالد الوحيد الذي يساير ركب الحضارات الإنسانية عبر كل العصور والأجيال, ويرحب بكل التغيرات الطارئة, والمشاكل الناجمة من تجدد الحوادث والظروف والمصالح على اختلاف المجتمعات الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها, ويعرض لها الحلول المناسبة في ضوء الأحكام الكلية, والأصول الثابتة من الكتاب والسنة إلى قيام الساعة. والاجتهاد هبة ربانية أتاحها الله للإسلام إن مسائل العصرِ -وكل عصر- تتجدَّدُ, ووقائعُ الوجود لا تنحصر, ونصوص الكتاب والسنة (مع اتساعها) محصورة محدودة, فكان لزوم وجوب ووجود الاجتهاد في الأمور المستحدثة, حاجةً إسلامية -بل إنسانية- ملحة لمسايرة ركب الحياة وتأمين مصالح الخلق. وتلبية لهذه الحاجة فقد قام عدد من فقهاء الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين- بالاجتهاد ومنهم الخلفاء الراشدون الأربعة, وابن مسعود, وابن عباس, وأبي هريرة, والسيدة الصديقة عائشة أم المؤمنين, وغيرهم, وتبعهم من بعدهم من علماء التابعين وأتباعهم, وكان منهم أئمة الإسلام وفقهاء الأمة -رحمهم الله- أيضاً, بالاجتهاد في المسائل المستجدة في عصورهم, وصار الاجتهاد منحة ربانية مستمرة, يتمتع بها المسلمون, بجهود المجتهدين في كل زمانهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 81 غير أن ذلك لم يكن خاصاً بعصرهم, بل استمر -في أغلبهم- بعدهم, ومن ثم جاءت العصبية لبعضهم, حتى كاد أن يفهم -ونعوذ بالله تعالى- أن رحمة الله عز وجل صارت عقيمة بعد ذلك, وانقطعت عن العلماء المتأخرين المتأهلين, وهنا رأينا بعد ذلك آثار العصبية المذهبية وحزازاتها, إن لم أقل مصائبها وبلاييها. ولا شك أن هذا الاعتقاد بالعصبية, أدى إلى الإيمان بانتهاء الاجتهاد والمجتهدين, وهو تحجير لرحمة الله الواسعة, وحكم على قدر الله وقضائه بدون علم, أمام فضل الله, تجاه ما حكم به الناس, ويسره لعباده, في كل الأمور, ومنها: العلم والقدرة على الاستنباط, وأمامهم قول الله عز وجل: {وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم, ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} [الجمعة: 2 - 3]. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 82 حرية التفكير والاجتهاد عند الأئمة إن الأئمة منهم من لذكرهم نوع اختصاص: النعمان, ومالك, والشافعي, وأحمد, والأوزاعي, وداود الظاهري, مع وجود العشرات غيرهم قبلهم وبعدهم -رحمهم الله- كانوا يبذلون أقصى جهودهم للوصول إلى الحق في المسائل الاجتهادية, ومع هذا لم يكونوا يقطعون بأن اجتهادهم هو الحق الذي لا مرية فيه, وإنما هو رأي وقد يقابله رأي آخر, ولا يجوز أن يكون في الناس خلافه قطعاً, بل كانوا يحتاطون احتياطاً لازماً عند إبداء آرائهم في المسائل, ويخافون في كل ذلك مخالفة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة, ولأجل هذا نصوا على الرجوع إلى السنة عند ظهور مخالفتهم إياها, وأوصوا تلاميذهم وأصحابهم بترك أقوالهم المخالفة لها, وهي مستفيضة في مكانها (1).   (1) قال الإمام أبو حنيفة النعمان -رحمه الله-: "إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين .. " الإحياء للغزالي (1/ 79) ومختصر المؤمل رقم (147) , ومعنى قول الإمام المطلبي محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله- (105 - ضمن الرسائل المنيرية المجلد الثالث) , وانظر "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- طبع المكتب الإسلامي. وقال النعمان أيضاً: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" (رد المحتار إلى الدر المختار لابن عابدين 1/ 67 - 68 وقال: "فإذا نظر أهل المذهب في الدليل وعملوا به صح نسبته إلى المذهب, لكونه صادراً بإذن صاحب المذهب, إذ لا شك أنه لو علم ضعف دليله رجع عنه واتبع الدليل الأقوى". أقول: غير أن هذا لم يسير عليه أتباعه غالباً؟ غفر الله لهم. وقال الإمام مالك: "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه" (أصول الأحكام لابن حزم 6/ 790، وجامع بيان العلم 2/ 32، ومختصر المؤمل رقم 143، ومعنى قول الإمام 3/ 105، (ضمن الرسائل المنيرية)، والإيقاظ للفلاني ص72. وقال الإمام الشافعي: "لقد ضل من ترك سنة رسول الله لقول من بعده" أنظر (الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/ 149). وقال الإمام أحمد: "لا تكتبوا عني شيئاً، ولا تقلدوني ولا تقلدوا فلاناً وفلاناً -وفي رواية مالكاً والشافعي, والأوزاعي ولا الثوري- وخذوا من حيث أخذوا", انظر "مسائل الإمام أحمد" لابن هانئ, تحقيق زهير الشاويش, وانظر أيضاً مسائل ابنه عبد الله طبع المكتب الإسلامي, تحقيق زهير الشاويش (ص 437 - 438) , حيث يقول الإمام أحمد في جوابه عن سؤال حول وضع الكتب؟ قال: "أكرهها, هذا أبو حنيفة وضع كتاباً, فجاء أبو يوسف ووضع كتاباً, وجاء محمد بن الحسن فوضع كتاباً, فهذا لا انقضاء له, كلما جاء رجل وضع كتاباً ... ويترك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم" , وانظر أيضاً (مختصر المؤمل رقم 144، إعلام الموقعين 2/ 201، الإنصاف للدهلوي ص105، والإيقاظ ص113). الجزء: 6 ¦ الصفحة: 83 ولا يتصور أن أي إمام من الأئمة الأعلام, مهما بلغ من العلم, والحفظ, والضبط, والإتقان, يستقل بالحكم على الشيء, ويستبد برأيه, ويفرضه على الآخرين من أتباعه فرضاً, ولا يجد لنفسه دليلاً بمثل قوله تعالى: {نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم} [يوسف: 76]. وأمام عينيه كلام الله جل شانه في قوله: {قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} [الإسراء: 85]. وإنني مع شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في خلاصة قوله في كتابه القيم "رفع الملام عن الأئمة الأعلام": أن الأئمة كانوا أبعد من أن يتصفوا بهذه الصفة من الاستبداد بالرأي, وفرضه على الآخرين. وكانوا يدورون حيث دار الحق بكل أمانة وإخلاص، حسب فهمهم, وما وصل إليه علمهم. فالحق ليس محصوراً في رأي أحد قطعاً, إلا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم [فيما يبلغ عن ربه جل وعلا]. ويتضح من ذلك أن اجتهاد المجتهد ورأيه لا يمكن أن يكون بمثابة حكم الله عز وجل، ولو كان كذلك لما ساغ لأتباع الأئمة أن يخالفوا آراء شيوخهم. وهكذا كان الفقه الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى المشهود لها بالخير في ازدهار مستمر، ونمو متواصل، وتقدم دائم. وكانت اجتهاداتُ الأئمةِ بين الأخذ والعطاء، والرد والقبول, حتى في أوساط أصحابهم، حتى إن تلامذة الإمام أبي حنيفة لم يتركوا من أقواله في المذهب إلا أقلَّ من 30% وأصبح المذهب من كلام الأتباع, بل وأتباع من جاء بعدهم بأزمان! وكذلك كان الأخذ والرد بينهم وبين خصومهم, حيث يرجع بعضهم أحياناً إلى رأي غيره, والحادثة المشهورة عن رجوع الإمام محمد بن الحسن الشيباني الحنفي إلى مذهب أصحاب الإمام مالك في عدد من المسائل معرفة مشهورة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 84 وكذلك اعتماد الإمام الشافعي على أقوال تلميذه الإمام أحمد بن محمد بن حنبل فيما صح عنده من أحاديث, أكثر من أن تحصر, فضلاً عن رجوعه في مذهبه المصري الجديد, عن الكثير من أقواله في مذهبه في العراق, وأن رجال مذهبه أبقوا المذهب على عدد كبير من المسائل تابعة لما كان عليه في بغداد, مع أن رسالته "الأم" بين أيديهم. إلى أن فشا التقليد في منتصف القرن الرابع، وبدأ التعصب المذهبي البغيض يسود بعض تلك الأوساط. وكلما جاء قرن بعد ذلك, كان أكثر تقليداً، وأشد انتزاعاً للأمانة من صدور الرجال, حتى اطمأنوا كلهم, أو كثرتهم الغالبة إلى القول: {إنا وجدا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون} [الزخرف: 22] (1). وكان بعد ذلك التناحر بين أتباع المذاهب بحيث لم يكن يحب صاحب مذهب -أو كبار أتباعه- أن تبقى المذاهب الأخرى، وذلك تحت رعاية الدولة التي تدين برأيه. يقول المقريزي: "وكانت الإفريقية الغالب عليها السنن والآثار, إلى أن أقدم عبد الله بن فروج أبو محمد الفارسي بمذهب أبي حنيفة، ثم غلب أسد بن الفرات بن سنان (2) قاضي إفريقية بمذهب أبي حنيفة".   (1) "الإنصاف" للمرداوي (ص96). (2) كان رحمه الله من المجاهدين الكبار وشهد فتوحات في إفريقية, وتفقه على مذهب الإمام أبي حنيفة, وكانت وفاته سنة 213هـ = 828م. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 85 " ... ثم إن المعز بن باديس حمل جميع أهل إفريقية على التمسك بمذهب مالك، وترك ما عداها من المذاهب، فرجع أهل إفريقية وأهل الأندلس كلهم إلى مذهب مالك إلى اليوم رغبة فيما عند السلطان، وحرصاً على طلب الدنيا، إذ كان القضاء والإفتاء في جميع تلك المدن وسائر القرى لا يكون إلا لمن تسمى بالفقه على مذهب مالك, فاضطرت العامة إلى أحكامهم وفتاواهم، ففشا هذا المذهب هناك فشوًا طبق تلك الأقطار, كما فشا مذهب أبي حنيفة ببلاد المشرق" (1). وليس عهدنا ببعيد عما كانت عليه الدولة العثمانية والبلاد التي وراءها, من العصبية الشديدة لمذهب السادة الأحناف, وسوق الناس إلى مذهبهم بالترهيب قبل الترغيب, حتى حولت الخلافات السياسية إلى خلافات دينية, كما فعلت مع حنابلة الجزيرة مستعينة بمحمد علي باشا الألباني, وقادة الجيش الفرنسي والإنكليزي. "وذكر الحافظ أبو الفدا إسماعيل بن كثير الدمشقي: أن الملك الأفضل ابن صلاح الدين (ت 595هـ) كان قد عزم في السنة التي توفى فيها على إخراج الحنابلة من بلده، وأن يكتب إلى بقية إخوته بإخراجهم من البلاد" (2). (وذكر أيضاً أن المحدث عبد الغني المقدسي تعرض إلى مسألة صفات الله عز وجل في دمشق, فغضب عليه أتباع المذاهب الأخرى، فأمر الأمير صارم الدين برغش بنفيه من البلد، وأرسل الأسارى من القلعة فكسروا منبر الحنابلة، وتعطلت يومئذ صلاة الظهر في محراب الحنابلة (3). وفيهم قال الإمام أحمد بن رسلان الشافعي -المتوفى سنة 844هـ وكان من أهل الرملة ردها الله وسائر بلاد المسلمين- في كتابه متن الزبد:   (1) "الخطط المقريزية" (2/ 333) , والمقريزي هو العالم المؤرخ السلفي الشيخ أحمد بن علي البعلبكي الأصل المتوفى سنة 845هـ. (2) "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير الدمشقي (13/ 18). (3) "البداية والنهاية" (13/ 19) , والشيخ عبد الغني كان من كبار علماء الحديث والفقه, مقدسي الأصل, وعاش في دمشق, وتوفي سنة 600هـ. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 86 فعالم بعلمه لم يعملن ... معذب من قبل عباد الوثن ولكن جاء بعده الشيخ إبراهيم اللقاني المتوفى سنة 1041هـ فنظم: فواجب تقليد حبر منهم كذا حكى القوم بلفظ يُفهم مع أنه يشيد باتباع سلف الأمة في الأرجوزة نفسها بمثل قوله: فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف وبرروا ذلك بقولهم: من قلد عالماً لقي الله سالماً؟ مع أن العالم القادر على الاجتهاد إن قلد غيره, لقي الله مجرماً, لأنه عطل نعم الله عليه, ولم يعمل بعلمه. وهذا بحث يحتاج إلى كلام طويل نكتفي منه بالإشارة. وبعد أن بينا طرفاً من التناحرات المذهبية المقيتة, آمل أن يتضح أمام أنظاركم الكريمة حقيقة دعوى "أن المذاهب كلها حق وعلى صواب" وتنكشف نوايا المقلدة البعيدة عن الحق والصواب, ضد الأئمة الآخرين، وحربهم العشواء على المذاهب الأخرى بدعواهم, مؤمنين إيماناً جازماً بأن المذهب الذي هم عليه, هو الحجة الشرعية الوحيدة, وعلى كل فرد من أفراد الأمة إتباعه وتقليدهم فيه. ولا يجوز لأحد أن يخرج عنه, ولا حتى للدليل الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم, وجعلوا الأحاديث تروى للتبرك فقط!!. ومن المؤسف المحزن أن الجذوة التقليدية الجائرة هذه, بكل فروعها ومسائلها, لم تخمد حتى الآن في أوساط أتباع بعض المذاهب الأخرى. ودع عنك أكثر ما تسمع من افتراء على الدعاة الباقين على أصل الاتباع, التاركين للتقليد الأعمى, والتعصب المذهبي الذين يتألمون من واقع المسلمين المرير، ووضع الأمة المتدهور, وينادون بوحدة الأمة بالرجوع إلى الكتاب والسنة، والتحاكم إليهما في المسائل المختلف فيها مع التقدير والاعتبار لجميع اجتهادات الأئمة السابقين وروّاد هذه الأمة. وكذلك دع عنك من يرمونهم بالتقوقع، والرجعية, والتقهقر، والانفلات. باب الاجتهاد لم يغلق ولم يسد! الجزء: 6 ¦ الصفحة: 87 لما تغلغل تقليد المذهب في سويداء قلوبهم، وغرز التقليد الجامد براثنه في جسم الأمة، وفرّطوا في القيام بالاجتهاد في المسائل النازلة بهم، واعتمدوا على الاحتكام إلى مذهب واحد فقط من المذاهب المتعددة, بل ولم يرجعوا إلى كلام الأئمة المشهود لهم بالعلم من غير مذهبهم. ولكن رجعوا إلى أفراد تأخر بهم زمنهم, وتأخروا عن معاصرة أهل العلم السابقين, وحتى أبناء أزمانهم, فكتبوا فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان, فكانت لهم المرجع والمرتكز! وكان قولهم هو المعتمد، مهما كان دليله قوة وضعفاً, وكيف كان قبوله في واقع الحياة. وذلك لأنهم نادوا بسد باب الاجتهاد في منتصف القرن الرابع بدون دليل, وبدون حق, والذين نادوا بذلك ليسوا باعترافهم من أهل الاجتهاد .. وقد لخص ذلك أخي الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه "المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية" كما يلي: (ضعف السلطان السياسي للخلفاء العباسيين مما أثر في حياة الفقه والفقهاء. فلم يجدوا التشجيع الذي كان يحفزهم على الإنتاج الفقهي. (تدوين المذاهب وترتيب مسائلها وتبويبها مما جعل الفقهاء يركنون إلى هذه الثروة الفقهية، ويستغنون بها عن البحث والاستنباط. (ضعف الثقة بالنفس والتهيّب من الاجتهاد مما جعل الفقهاء يؤثرون التقليد على الخوض في ميدان الاجتهاد المطلق. (إدعاء الاجتهاد ممن ليسوا أهلاً له، فأفتوا بسد باب الاجتهاد دفعاً لهذا الفساد وحفظاً لدين الله (1). (شيوع التحاسد بين العلماء مما جعل الكثير منهم يحجم عن الاجتهاد خوفاً من أن يكيد له أعداؤه، ويرموه بالابتداع، فوقفوا عند أقوال المتقدمين. (تعيين القضاة والمفتين على المذاهب مما كسر همم الفقهاء في الخوض في المسائل. (عدم اعتداد العامة باجتهادات العلماء المعاصرين، وثقتهم بالعلماء المتقدمين.   (1) وتبعته الأخت الدكتورة نادية شريف العمري في كتابها "الاجتهاد في الإسلام" (ص 218 - 219). الجزء: 6 ¦ الصفحة: 88 (خوف الحكام من استمرار الاجتهاد، لما كانت تسببه اجتهادات بعض المجتهدين لهم من تشويش وإحراج وقلق. يتضح جلياً بعد إمعان النظر في هذه الأسباب بأن مخاوف العلماء في استمرار الاجتهاد التقت مع رغبة الحكام والساسة على إغلاق باب الاجتهاد، وإن اختلفت المقاصد والأهداف. متى انسد باب الاجتهاد اختلف العلماء القائلون بسد باب الاجتهاد في تعيين وقت بدء إغلاق باب الاجتهاد, قال صاحب فواتح الرحموت بشرح مُسَلَّم الثبوت: "ثم إن من الناس من حكم بوجوب الخلو من بعد العلامة النسفي، واختتم الاجتهاد به، وعنوا الاجتهاد في المذهب. وأما الاجتهاد المطلق فقالوا: اختتم بالأئمة الأربعة, حتى أوجبوا تقليد واحد من هؤلاء على الأمة. وهذا كله بعيد عن الحق, يجانب الدين, ولم يقل به أحد من أهل العلم من الأئمة, فضلاً عن خلوه من أي دليل, ولذلك لا يعبأ بكلامهم، وإنما هم من الذين حكم الحديث أنهم: أفتوا بغير علم، فضلّوا وأضلّوا، ولم يفهموا أن هذا إخبار بالغيب في خمس لا يعلمهن إلا الله تعالى" (1). وقد خالفهم الحنابلة حيث قالوا بعدم جواز خلو العصر عن المجتهد, وهو قول الإمام أحمد في مقدمتهم ولذلك لم يؤلف أي كتاب في الفقه, بل اكتفى بتقديم الأجوبة على المسائل التي قدمت إليه, وهي التي وصلتنا, ووجدنا فيها الفقه الغزير المعتمد على الكتاب والسنة, واتباع من سبقه من أهل العلم.   (1) "فواتح الرحموت" (2/ 399 - 400) , ويشير إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما, والذي رواه الأئمة أحمد, والبخاري, ومسلم, والترمذي, وابن ماجة, وغيرهم وانظر "صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) " تخريج الألباني, ترتيب زهير الشاويش برقم 1854, بلفظ: "إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جُهالاً, فسئلوا, فأفتوا بغير علم, فضلوا وأضلوا". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 89 والجميل من الإمام أحمد إنكاره لدعوى الإجماع من بعد الصحابة, والإجماع المدعى بعدهم كان من أسباب الفرقة بين المسلمين عند دعواهم: أن من أنكر الإجماع فقد كفر!! من غير أن يعرفوا كيف كان هذا الإجماع!! (1) وقال شيخ مشايخنا عبد القادر ابن بدران (2): "ذهب أصحابنا إلى أنه لا يجوز خلو العصر عن مجتهد، وإلى ذلك ذهب طوائف، ولم يذكر ابن عقيل خلاف هذا إلا عن بعض المُحْدَثِين" (3). وقد رد العلماء على مقالة سد باب الاجتهاد في كل عصر. وإليكم بيان وجهات نظرهم حول سد باب الاجتهاد باختصار، نصاً أو إشارة. (قال أبو الحسن علي بن عمر المعروف بابن القصار المالكي البغدادي (ت 397هـ) في كتابه "المقدمة في أصول الفقه" الباب التاسع عشر في الاجتهاد، وفيه تسعة فصول، ثم قال: "الثالث فيمن يتعين عليه الاجتهاد: أفتى أصحابنا -رحمهم الله- بأن العلم على قسمين: فرض عين, وفرض كفاية. ففرض العين الواجب على كل أحد هو علمه بحالته التي هو فيها. (وأما فرض الكفاية: العلم الذي لا يتعلق بحالة الإنسان، فيجب على الأمة أن تكون منهم طائفة يتفقهون في الدين ليكونوا قدوة للمسلمين حفظاً للشرع من الضياع، والذي يتعين من هذا من الناس من جاد حفظه, وحسن إدراكه، وطابت سجيته، ومن لا فلا" (4).   (1) أنظر "مسائل الإمام أحمد لابنه عبد الله" الصفحة 390بتحقيقي, طبع المكتب الإسلامي. (2) هو العلامة الشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى شيخ مشايخي, ولد في دوما سنة 1265هـ, ثم سكن دمشق. وله المؤلفات السلفية الرائعة, وقد طبعت له, "جواهر الأفكار ومعادن الأسرار (تفسير بدران) ", وكتاب "منادمة الأطلال في تاريخ ووصف مساجد ومدارس دمشق", وعندي له عدد من مخطوطاته تحت الطبع. توفي رحمه الله سنة 1346هـ. (3) "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (ص 191). وراجع "الاجتهاد في الإسلام" (ص 224 - 225) مفصلاً. (4) "الرد على من أخلد إلى الأرض" للسيوطي (ص 80). الجزء: 6 ¦ الصفحة: 90 فلذلك وجب الاجتهاد على من تقع به الكفاية. "وفرض الكفاية هو أن يتعلم ما يبلغ رتبة الاجتهاد ومحل الفتوى والقضاء، ويخرج من عداد المقلدين، فعلى كافة الناس القيام بتعلمه، غير أنه إذا قام من كل ناحية واحد أو اثنان سقط الفرض عن الباقين، فإذا قعد الكل عن تعلمه عصوا جميعاً لما فيه من تعطيل أحكام الشرع. قال الله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين} [التوبة: 122] (1). (وقال أحمد بن علي بن محمد المعروف بابن برهان (ت 520هـ): "الباري سبحانه وتعالى قادر على التنصيص على حكم الحوادث والوقائع ولم يفعل، ولكن نصّ على أصول، وردّ معرفة الحكم في الفروع إلى النظر والاجتهاد" (2). (قال أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548هـ): "ثم الاجتهاد من فروض الكفايات لا من فروض الأعيان حتى إذا اشتغل بتحصيله واحد سقط الفرض عن الجميع، وإن قصر فيه أهل عصر عصوا بتركه، وأشرفوا على خطر عظيم. فإن الأحكام الاجتهادية إذا كانت مرتبة على الاجتهاد، وترتيب المسبّب على السبب، ولم يوجد السبب كانت الأحكام عاطلة، فلا بد إذن من مجتهد" (3). (وقال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية بعد ذكر من يقول بوجوب التقليد بعد عصر أبي حنيفة ومالك مطلقاً: "والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد، وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد، والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد" (4).   (1) الرد للسيوطي (ص 69). (2) المرجع نفسه (ص 170). (3) المرجع نفسه (ص 74). (4) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (20/ 203 - 204) , ويراجع "رفع الملام عن الأئمة الأعلام", فإن هذا الكتاب من أحسن ما ألف في بيان الدفاع عن علماء الأمة, وقد طبعته بعد تحقيقه في المكتب الإسلامي. وانظر في أخبار شيخ الإسلام الكتب الآتية: "الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام كافر" للعلامة ابن ناصر الدين الدمشقي بتحقيقي, و"الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية" للإمام البزار بتحقيقي, وهي من مطبوعات المكتب الإسلامي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 91 (وقال شمس الدين محمد بن أبي بكر المعروف بابن قيم الجوزية (ت 751هـ) بصدد الرد على التقليد: "وهذه بدعة حدثت في الأمة لم يقل بها أحد من أئمة الإسلام، وهم أعلى مرتبة وأجل قدراً، وأعلم بالله ورسوله من أن يلزموا الناس بذلك، وأبعد منه قول من قال: يلزمه أن يتمذهب بمذهب عالم من العلماء. وأبعد منه من قال: يلزمه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة. فيا لله العجب! ماتت مذاهب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة الإسلام، وبطلت جملة [وتفصيلا] إلا مذاهب أربعة أنفس فقط من سائر الأئمة والفقهاء. مع أن المذاهب التي دُونت اكثر من ثمانين مذهباً, ومنها مذهب الظاهرية, ومذهب إمام أهل الشام عبد الرحمن الأوزاعي الذي كان سائداً لمدة مائتي سنة في بلاد الشام والأندلس, خلال الخلافة الأموية فيها وبعدها, فضلاً عن المذاهب الفردية الأخرى. هل قال ذلك أحد من الأئمة، أو دعا إليه، أو دلت عليه لفظة واحدة من كلامه عليه؟! والذي أوجبه الله تعالى ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي أوجبه على من بعدهم إلى يوم القيامة، لا يختلف الواجب ولا يتبدل، وإن اختلفت كيفيته أو قدره باختلاف القدرة والعجز والزمان والمكان والحال. فهذا أيضاً تابع لما أوجبه الله ورسوله" (1). (وقال أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي (ت 790هـ).   (1) "إعلام الموقعين" (4/ 262 - 263) بتصرف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 92 " ... إن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره. فلابد من حدوث وقائع لا تكون منصوص على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد. وعند ذلك فإما أن يترك الناس مع أهوائهم، أو ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضاً اتباع للهوى، وذلك كله فساد، فلا يكون بدّ من التوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزوماً، وهو مؤد إلى تكليف ما لا يطاق، فإذاً لا بد من الاجتهاد في كل زمان، لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان" (1). (وقال الزركشي: "فلا بد أن يكون وجود المجتهد من فروض الكفاية، ولا بد أن يكون في كل قطر من تقوم به الكفاية، ولهذا قالوا: إن الاجتهاد من فروض الكفايات" (2). (وقال جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت 911هـ) في مقدمة كتابه: "الرد على من أخلد إلى الارض". "وبعد، فإن الناس قد غلب عليهم الجهل وعمهم، وأعماهم حب العناد وأصمهم، فاستعظموا دعوى الاجتهاد, وعدّوه منكراً بين العباد. ولم يشعر هؤلاء الجهلة أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر, وواجب على أهل كل زمان أن يقوم به طائفة في كل قطر, وهذا كتاب في تحقيق ذلك ... " (3). (وقال محمد بن إسماعيل المعروف بالأمير الصنعاني. " ... فالحق الذي ليس عليه غبار الحكم بسهولة الاجتهاد في هذه الأعصار, وإنه أسهل منه في الأعصار الخالية, لمن له في الدين همة عالية، ورزقه الله فهما صافياً وفكراً صحيحاً ونباهة في علمي السنة والكتاب".   (1) "الموافقات" للشاطبي (4/ 104). (2) "الرد" للسيوطي (ص 79) , والزركشي من كبار علماء الشافعية, وله كتاب "الإجابة فيما استدركته عائشة على الصحابة", تحقيق أستاذنا سعيد الأفغاني -تغمده الله برحمته-, طبع المكتب الإسلامي. (3) "الرد" للسيوطي (ص 65) , والأمير الصنعاني توفي سنة 1182 هجرية رحمه الله. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 93 والعجب من مقالات تخالف ذلك والقول ببقاء التقليد على العالم والجاهل, فإن هذه المقالة تستلزم رفع التعبد بالكتاب والسنة، وأنه لم يبق إلا تقليد الرجال الذين هم متعبدون بالكتاب والسنة كتعبد من جاء بعدهم على حد سواء, فإن كان التعبد بالكتاب والسنة مختصاً بمن كانوا في العصور السابقة, ولم يبق لهؤلاء إلا التقليد لمن تقدمهم, ولا يتمكنون من معرفة أحكام الله من كتاب الله وسنة رسوله، فما الدليل على هذه التفرقة الباطلة والمقالة الزائفة وهل النسخ إلا هذا, سبحانك هذا بهتان عظيم"؟!! (1) (وقال عبد القادر بن أحمد المعروف بابن بدران الدمشقي: "قد أطال العلماء النفس في هذا الموضوع، وأورد كل من الفريقين حججاً وأدلة, وكأن القائلين بجواز خلو عصر عن مجتهد, قاسوا جميع علماء الأمة على أنفسهم، خيّلوا لها أنه لا أحد يبلغ أكثر من مبلغهم من العلم, ثم رازوا أنفسهم فوجدوها ساقطة في الدرك الأسفل من التقليد, فمنعوا فضل الله تعالى, وقالوا: لا يمكن وجود مجتهد في عصرنا البتة, بل غلا أكثرهم فقال: لا مجتهد بعد الأربعمائة من الهجرة، ويَنْحَّلُّ كلامهم هذا أن فضل الله كان مدراراً على أهل العصور الأربعة ثم أنه نضب فلم يبق منه قطرة تنزل على المتأخرين، مع أن فضل الله لا ينضب, وعطاؤه ومدده لا يقفان عند الحد الذي حدده أولئك" (2). (وقال الأخ المعاصر العلامة الدكتور وهبة الزحيلي -بارك الله فيه-: " وقد أحسن بعض العلماء كابن تيمية, والحركات السلفية الحديثة إذ قرروا بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً لمن كان أهلاً له" (3).   (1) "إرشاد الفحول" (ص 254). (2) "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد" (ص 192). (3) "الاجتهاد في الشريعة الإسلامية" (ص 198, 252) مجموعة بحوث نشرتها جامعة الإمام بالرياض. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 94 ونقل أيضاً عن الشيخ محمد سعيد الباني: "لا دليل أصلاً على سد باب الاجتهاد, وإنما هي دعوى فارغة وحجة واهنة أوهن من بيت العنكبوت، لأنها غير مستندة إلى دليل شرعي أو عقلي سوى المتوارث" (1). وقال أخي العلامة الشيخ يوسف القرضاوي -حفظه الله-: "وإن مما اتفقت عليه كلمة الداعين إلى تحكيم الشريعة الغراء: أن هذا لا يتم إلا بإحياء (الاجتهاد) الذي هو إحدى الوسائل الأساسية لتجديد الدين, وأداة ضرورية لإثبات سعة شريعته ومرونتها وقدرتها على مواجهة التطور, وحل مشكلات الفرد والمجتمع .... والذي أومن به, وأدعو إليه, وأدافع عنه هو: (المنهج الوسط) للأمة الوسط, وهو الاجتهاد بكل أنواعه ودرجاته, كلياً وجزئياً, فردياً وجماعياً, ترجيحياً وإنشائياً, بشرط أن يصدر من أهله في محله, منضبطاً بضوابطه الشرعية المعتبرة, بعيداً عن غلو الغالين, وتفريط المفرّطين" (2). (وقال أستاذنا الشيخ محمد أبو زهرة: "إن قضية فتح باب الاجتهاد في المذهب الحنبلي قضية تضافرت عليها أقوال المتأخرين وأقوال المتقدمين, حتى لقد قال ابن عقيل من متقدمي الفقهاء في ذلك المذهب الجليل: إنه لا يعرف خلافاً فيه بين المتقدمين". ثم قال: "وإذا كان الاجتهاد مفتوحاً, وإذا كان العلية من أصحاب أحمد وأتباعه قد استنكروا أن يخلوا زمن من المجتهدين المستقلين، فإن ذلك المذهب يكون ظلاً ظليلاً لاحرار الفكر من الفقهاء, ولذلك كثر فيه العلماء الفطاحل في كل العصور" (3). لأجل هذا قال الإمام الشوكاني:   (1) المرجع نفسه (ص 193 - 194) نقلاً عن "عمدة التحقيق في التقليد أو التلفيق" للشيخ السلفي محمد سعيد الباني أمين الفتوى بدمشق رحمه الله. (2) أنظر مقدمة الكتاب القيم "الاجتهاد المعاصر بين الانضباط والانفراط" طبع المكتب الإسلامي. (3) "ابن حنبل: حياته عصره - وآراءه - وفقهه" (ص 416 - 417). الجزء: 6 ¦ الصفحة: 95 "لا يخفى على من له أدنى فهم أن الاجتهاد قد يسره الله للمتأخرين تيسيراً لم يكن للسابقين لأن التفاسير للكتاب العزيز قد دونت وصارت في الكثرة إلى حد لا يمكن حصره, والسنة المطهرة قد دوّنت, وتكلم الأمة على التفسير والتجريح والتصحيح والترجيح، بما هو زيادة على ما يحتاج إليه المجتهد. وقد كان السلف الصالح ومن قبل هؤلاء المنكرين يرحل للحديث الواحد من قطر إلى قطر, فالاجتهاد على المتأخرين أيسر وأسهل من الاجتهاد على المتقدمين, ولا يخالف في هذا من له فهم صحيح وعقل سوي. " (1) ولأخي العالم الفاضل الأستاذ عمر عبيد حسنة كتاب جليل طبع باسم "الاجتهاد للتجديد سبيل الوراثة الحضارية" ذكر فيه من المباحث والنظريات الكثير النافع المفيد, ولست بحاجة الآن إلى النقل عنه, ولكن أَلِفْتُ النظر إليه, فقد توسع فيه بما يغني كل محتاج (2). وتوضيح لبعض المشكلات لابد من قول فيه بعض التفصيل أولاً: إن العلماء الذين ردوا على القول بإغلاق باب الاجتهاد بعد الأئمة الأربعة لم يدّعوا لأنفسهم الاجتهاد (3) , بل حاولوا الدفاع عن المواهب الإلهية التي حظي بها العلماء الفطاحل القادرين على الاجتهاد, وإخراج الفقه الإسلامي من دائرة محدودة إلى ميدان واسع فسيح, وذلك مع الاستمداد من فقه الصحابة والتابعين وأتباعهم, وفقه المذاهب الأربعة وغيرها من فقه أئمة الاجتهاد الآخرين.   (1) "إرشاد الفحول" (ص 254). (2) وهو من مطبوعات المكتب الإسلامي. (3) اللهم إلا عدد قليل منهم, وفي مقدمتهم الإمام السيوطي (ت 911هـ) رحمه الله فإنه ادّعى لنفسه الاجتهاد كما لا يخفى على من طالع كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض", وعدد من المعاصرين!!. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 96 ثانياً: لا يعني الاجتهاد الآن إحداث آراء جديدة لوقائع مستحدثة فقط, وإنما مجاله أيضاً النظر في دلالة أدلة المذاهب الفقهية من حيث القوة والضعف, وترجيحها على الأخرى, بدون تقيّد بمذهب معين, ليجد الباحث عن الحق بغيته بدون أي تخبط. ثالثاً: ليس المقصود بهذا العرض أن يسمح لكل من هب ودب أن يتلاعب بالشريعة باسم الاجتهاد, ولذلك قلنا مع شيخ الإسلام ابن تيمية: بوجوب الاجتهاد على العالم, ووجوب التقليد على العامي. بل المقصود أن لا يُشَنَّع على من زَيَّنَه الله عز وجل بعلم الشريعة وفقهها, ولا يُمْنَع فضله سبحانه على من عنده كفاءة للخوض في المسائل, ولا يُتَّهَم بالخروج على الأئمة لأجل الاجتهاد, ولا يُرمى بالشذوذ إذا خالف آراء الآخرين بالأدلة, لأن أدلة الكتاب والسنة لا تكون شاذة, بل هي مستقلة بذاتها لا تحتاج إلى دليل آخر (1). قال محمد أبو زهرة: "ولقد كان ابن تيمية ينهى من عنده أدوات الاجتهاد عن التقليد, ويوصي الدارس الفاحص ألا يَتَّبِعَ إلا من يوصله عليه الدليل, غير معتد على سواه, ولا يتبع غير سبيله ... " "وأنه يفتح باب الاجتهاد على مصراعيه للقادر عليه, وإن كان يستطيع أن يجتهد في بعض أبواب الفقه دون البعض الآخر, وسعه أن يقلد فيما لا يستطيع أن يجتهد فيه, ولا يسعه التقليد فيما يستطيع الاجتهاد فيه" (2). اجتهادات منتقدة نعم وقد وجد عند بعض المُحدَثين بعض المسائل التي اجتهد فيها أفراد منهم, وكانوا محل اعتراض من غيرهم, من أهل العلم مثل:   (1) وانظر كتاب "الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني, وكان حديثاً ألقاه في كلية الشريعة بدار الفتوى في بيروت, وطبع في المكتب الإسلامي. (2) "ابن تيمية" محمد أبو زهرة, (ص 451) دار الفكر العربي. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 97 الذين أفتوا بمنع الزكاة بالأوراق النقدية, لأنها ليست من النقدين, فأمات من أموال الزكاة ما لا يقل عن 95% فلقد أصبحت هذه الأوراق هي النقد المتعامل به بين الناس, وهو في الحقيقة ما كان إلا عِوضاً عن النقدين أو ما يماثلهما (أي غطاء لها) من أموال الدولة التي أصدرته. ومثلهم من فتح أبواب التعامل بالربا زاعماً الفرق بين ربا الفضل وربا النسيئة, والذي أبقاه من الأموال قابلاً لإدخاله في القروض الربوية لا يعادل 5% من التعامل بقروض الحبوب الزراعية التي يستعين بها الفلاح في طعامه أيام الشتاء منتظراً البيدر؟ وأباح ربا البنوك والأموال الكثيرة الفائضة. والذي أباح الربا في أحد المجالس النيابية للخلاص -بزعمه- من تأميم الأرض الزراعية؟ وتبعه بعض المشايخ. وكذلك من أفتى بجواز الاحتفالات بالمولد واعتبرها سنة حسنة؟ , وما يترتب على قوله, وعلى فعلهم من مخالفات شرعية, ناهيك عن الاحتفالات بالذكريات الحسنة أو السيئة التي تثير حساسياتٍ تُفَرِّق المسلمين إلى يوم القيامة, مع أن محل الخلاف انقرض زمانه, ومات وقته .. ومثلهم من نادى بتحريم صوم يوم السبت, لأنه فهم حديثاً واحداً -واحد فقط- لم يَقُلْ به أحد من العلماء من قبله, ولم يُنْقَلْ في دواوين السُنَّةِ المطهرة بكتابٍ واحدٍ معتبرٍ, إلا مع بيان حكمه وأنه في حكم المنسوخ, مما أدخل على الناس في عبادتهم التشويش, والعمل بما لا يَصِحُّ من الحديث. والذي منع على النساء التحلي بالذهب المُحَلَّقِ مع السماح بالمبسط, وما لا يحيط (كذا) , مع أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد أباحه للنساء, وحرمه على الرجال, وأفتى بجهل أكثر أهل العلم, إن لم أقل كُلَّهم (1).   (1) أنظر كتاب "آداب الزفاف في السنة المطهرة" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني, ص 150 وما بعدها, طبع المكتب الإسلامي, الطبعة الشرعية الوحيدة سنة 1409. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 98 ومن أفتى -دون جميع علماء زمانه وأهل الجهاد والخبرة بالفقه بواقع الحياة- بخروج أهل فلسطين من أرضهم وبلادهم, لأن اليهود قد استولوا على بعض تلك الأرض, زاعماً -بما لقن من الأدعياء- بأن هذا لتأمين عبادتهم, مع أن عبادتهم لم تُمَسْ, بَل تُؤَدَّى على أوسعِ ما تُؤَدَّى به في بعض الجوار, واليوم نجد في الصحف أن الذين أدوا صلاة الجمعة في المسجد الأقصى في الرابع عشر من جمادى الآخرة 1423 = 23/ 8/2002 بلغ أكثر من أربعين ألفاً, وأن مجموع الحجاج -أو الذين ذهبوا لأداء العمرة- من أرض فلسطين تفوق نسبتهم ما ذهب للحج من ليبيا (طرابلس الغرب) بأربع مرات!! وغافلاً عن أن أرض المسلمين المجاورة لهم لا تقبل منهم أحداً, للسكنى فيها, وإن أكثرهم ذهبوا إلى بلاد الكفر مثل كندا وغيرها, ونتيجة هؤلاء الكفر بعد الجيل الثاني أو الثالث كما هو مشاهد!!. وأن اليهود لهم رغبة في إخراجهم للاستيلاء على أرضهم وإدخال الملايين من أتباع ديانتهم وإسكانهم في تلك الأرض, بما هو مشاهد وظاهر للعيان. والذي أباح زواجَ المسلمةِ برجل من أهل الكتاب عدواناً منه واتباعاً لما نادى به المستعمرُ في قانون الأحوال الشخصية, منذ أن دخلت فرنسا إلى بلادنا بعد الحرب العالمية الأولى بقيادة الجنرال غورو, ولكن الثورة السورية الكبرى سنة 1925 أفسدت مسعاه, وكذلك سنة 1937 عُطِّل في الشام وفي بلاد المغرب بمسعى من المجاهدين الكرام. وحتى الذين حاولوا وضع مثل هذا القانون الجائر! في لبنان استعانوا بتلك الفتاوى الجائرة. ولكن الله سبحانه أسقط دعواهم وعطل مسعاهم بفضله ثم بجهود المؤمنين التي ترأس حملتها سماحة مفتي الجمهورية الدكتور محمد رشيد قباني, ودولة رئيس مجلس الوزراء السيد رفيق الحريري من الجهة الإسلامية, وغبطة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير من الجانب المسيحي, وغيرهم من أهل العلم والغيرة على الأعراض. * * * الجزء: 6 ¦ الصفحة: 99 وطبعاً فإن أمثال هذه الفتاوى الفردية لا تمنع ما وجدنا من خير عميم في فتح باب الاجتهاد على مصراعيه في غير ذلك من الأمور, وأن تطبيق التلفيق والأخذ به من كل المذاهب كان الأنفع للأمة. وكل هذه الأمثلة تحتاج إلى شرح -إن شاء الله- فيما بعد. وإنني أختم عجالتي هذه داعياً إلى: 1 - وجوب الاتباع للأئمة بعد معرفة دليل كل منهم. 2 - وجوب إعمال الفكر فيما وصلوا إليه بعد دراسة الأدلة التي يصل إليها العالم بعد بذل الجهد, وعلى الأخص في الأحوال المستجدة. 3 - وجوب التقليد على الجاهل العامي، والأفضل له تقليد أحد المذاهب الأربعة المدونة, أو سؤال عالم متحقق مُطَّلِعٍ على السنة المطهرة, والفقه المقارن. 4 - أدعو الجهات العلمية إلى التوسع في تنظيم مجالس وندوات في هذا المجال مثل ندوتنا هذه. وأخيراً وفق الله المعهدين الكريمين للخير والسداد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 100 السلفية ((حركة قائمة في وجه الإلحاد، والشرك، والضلال، والطغيان)) بقلم: زهير الشاويش حفل معهد الدراسات الإسلامية للمعارف الحكمية، بيروت 13 ذو القعدة 1424=5/ 1/2004 * * * إن الحمد لله، والصلاة على رسل الله، وآل كل واحد منهم، وصحب وحواري الجميع، من الذين اتبعوا ما أنزل الله على كل رسول من الوحي، وآمنوا بما جاء عنهم من الحكمة والموعظة الحسنة، حتى آخر ما أرسل به سيدنا محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وحامل راية التوحيد، والقيام بالعبادة، والتفقه الحق، وذلك الدين القيِّم، إلى يوم الدين. وبعد فإن البحثَ الذي عُرض عليَّ أن أتكلمَ به وعنه، في هذا الجمع الكريم، واللقاءِ العلميِّ، من الذين أحترمُ وأقدِّرُ من أهلِ العلمِ والجهادِ والدعوة، والصحوةِ الإسلاميةِ العامةِ والشاملة، ولا أستطيع لهم مخالفة. وفيهم من يوافقني في خطِّي ومنهجي، ومنهم من يخالِفُني في بعضِ ذلكَ أو أكثرِه، ولكنَّ اختلافَ الرأيِ لا يُفسدُ للودِّ قضية. وإننا جميعاً -كما عهدتهُم- ننشدُ الحقَّ ونسعى إليه، والحقُّ أحقُّ أن يُتَّبع. وكنّا في حياتنا نبتغي عندَ الوفاقِ والخلافِ الرجوعَ إلى الجملةِ -القاعدة- التي وُجِدَ أصلُها عندَ شيخِ الإسلامِ ابن تيميةَ (ت 728هـ) من كتابِ "رفعِ الملام"، وفي كلامِ تلميذهِ العلامة ابن قيِّم الجوزية (ت 751هـ) في كتاب "إعلامِ الموقعين"، ووجدتُ العددَ الكبيرَ من مشايخي قد أخذ بها، وهي: "نتعاونُ فيما اتفقنا عليه، ويَعذُرُ (وينصَحُ) بعضُنا بعضاً فيما اختلفْنا فيه" السلفية والسلفيةُ لم يكن لها أصلٌ من هذه التسميةِ إلا بعدَ زمنٍ طويلٍ من عصرِ الدعوةِ التي حملَ رايتها وأَرسَىَ قواعِدَها سيدُنا وقدوتُنا جميعاً رسولُ الله محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - وصحبُهُ الكرام - رضي الله عنهم -، وقد كانوا يوصَفوُنَ بأنَّهُم "السَّلَفُ الصالِح". الجزء: 6 ¦ الصفحة: 101 وتسميةُ (السلفيةِ) لا بُدَّ لها مِن سَلفٍ يَسبِقُها تنتهي إليه، وهي تكونُ خلفاً لسلف. وكان هذا السلفُ من تابعيِ التابعين. وقد تَبِعَ كُلُ السلفيين وغيرُهُم من المذاهِبِ من كل الفِرق. بعضاً من التابعينَ حتى أصبحَ الفِقهُ بل والعقيدةُ، وحتى الأخلاقُ أنواعاً كثيرةً جداً، وفي بعضها اختلافٌ ظاهرٌ من اتباعِ الأثر، أو التمسّكِ بالنَّصِ والدليل، أو الجنوح إلى الرأيِ وقولةِ: "نحنُ رجالٌ وهُم رجال"، بعضُهُم اقتصرَ على ما دلَّتهم عليهِ عُقُولُهُم. وكان مثلُ ذلكَ عنَد كُلِّ المَذاهِبِ الإسلاميةِ المنقَرِضَةِ أو الباقيةِ حتى اليوم: من الحنفية، والمالكيةِ، والشافعيةِ، والحنابلةِ، والظاهريةِ. والسلفية: أثبتت أكثر ما تقدم، أخذت من كل فرقة ما صحّ عندها عنهم. والبعض بالبعض اكتفى ... ومن حوى الكل حاز الشرفا ووجدْنا مِثلَ ذلكَ تماماً في عُهُودٍ أقدمَ من ذلكَ وأقربَ إلى عهدِ الصحابة، كما وجد عند الخوارج، والعثمانيِة، والشيعة، وما تفرق عن كلِّ فِرقَةٍ منها من الجماعات والأتباع. وكذلك ما ترسَّبَ من عقائد المعتزلة، ومن ذلك تقديم العقل على النقل، وهو من أخطر ما عندهم!، وكذلك الأشاعرة، وقد توسطوا في كل ذلك، والماتريدية الذين خالفوا الأشاعرة بعشرات المسائل من غير دليل راجح غالباً!، وكلهم اعتمد التأويل، ولكن على درجات مختلفة، والحق أنها كلها باطلة، وهي مبنية على علم الكلام، ويجمع كل ذلك قولهم على القاعدة عندهم هي: "طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم"، والحق أن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم". والسلفيون ينكرون التأويل اللفظي والباطني. وقل على مثل ذلك كان هؤلاء السلفيون، مع أن كل المذاهب والفرق الباطنية، وحتى عند الديانات المنحرفة، وما أوجدَ الناس من أحزابٍ مُخترعة مثل ذلك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 102 ولا بد من صرف النظر عما كان من فُرقة واختلافات بعد الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وما ترسب بين المسلمين من أقوال وفرق في مسائل الحكم، والعقائد، والفقه، وكان منهم عدد كبير من مختلف الفرق، وكان منهم من سمي: "السلفيون". إذن فالسلفية: طريقة في المعتقد، والفقه، مفادها: الرجوع إلى ما كان عليه الجيل الأول -السلف الصالح- في العقيدة، والعبادة، والأخلاق، والسلوك -كما في باقي المذاهب أنها ترجع إلى من انتسبت إليه، وبقيت هكذا حتى اليوم-. تتسع حيناً، وتضيق حيناً آخر، لعوامل مختلفة. وفيها الصواب كل الصواب من جانب، وفيها بعض الخطأ من جانب آخر، وهو مغفور لهم إن شاء الله. لأنه من الاجتهاد الذي يؤجر صاحبه أجرين عند الصواب، ويؤجر أجراً واحداً أيضاً عند الخطأ، وأرجو الله أن تكون كل المذاهب الإسلامية كذلك. وأما اتساع السلفية فقد كان في فترات، كما أن ضيقها كان في فترات أخرى، وهذا كله لعوامل متعددة. والسلفية معتمدة على الصحيح الواضح من الكتاب والسنة، والوقوف عند اتفاق الصحابة، وما تتابع بعد ذلك بعمل وفهم التابعين من القرون الثلاثة التي شهد لها سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - بالخيرية، وتتابعت بعد ذلك بأقوال أهل العلم، والمعتقد، والحديث، والدعوة. وتركزت أقوالهم عند الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (ت 241هـ) في المعتقد، وفي الفقه غير المكتوب، والمعتمد على مسائل الإمام أحمد، والإمام إسحاق بن راهويْه (ت 238هـ)، ومجموعة أمثالهما. خصوصاً بعد فتن المعتزلة وعلى رأسها أحمد بن أبي دُؤاد (ت 240هـ) أيام الخليفة المأمون العباسي (ت 218هـ) بدءاً من فتنة خلق القرآن، وما تبع ذلك من أقوال المعتزلة الخمسة، وهي: [1 - التوحيد، 2 - العدل، 3 - الوعد والوعيد، 4 - المنزلة بين المنزلتين، 5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ] الجزء: 6 ¦ الصفحة: 103 وما تعرض له الإمام أحمد، وأتباع الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ)، وغيرهما من العلماء للفتنة، والحبس، والنفي، والضرب، والقتل، حتى نصر الله أهل السنة في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله (ت 247هـ). وبعد ذلك تجمع لهم الرأي، أيام فتنة عبد الرحيم بن عبد الكريم القشيري (ت 514هـ) في القرن الخامس الهجري، حتى انتصارات الحنابلة عليهم في بغداد وخراسان. وكذلك كانت للسلفيين الجولات المنصورة في عصر شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية على من قام عليهم من آل السبكي (في القرن السابع) من الشافعية، والإمام المطهّر الحلي من الشيعة (ت 726هـ)، وبعض الحكام من المماليك الجراكسة، ومجموعة محمد بن محمد العجمي (العلاء البخاري (ت 841هـ) من الحنفية. ومضى الزمن والخلاف بين الأخذ والرد، حتى ظهر إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التميمي النجدي (ت 1206هـ). وإذ ذاك نشأت معارضة شديدة لهم من قبل العثمانيين الأتراك، والدولة الإنكليزية والإفرنسيين بعد الثورة الفرنسية وعهد نابليون. ومن قبل حاكم مصر محمد علي باشا وأولاده (ت 1265هـ)، حيث تسلَّط كلّ هؤلاء على المشرق العربي، وأحوال محمد علي في الجزيرة العربية والحجاز ونجد، وسورية، ولبنان معروفة، لا تخفى على أي مؤرِّخٍ حصيفٍ بصير. وكل ذلك لم يمنع تمتعهم بانتشارات كبرى في الشام: العلامة جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ)، والشيخ طاهر الجزائري (ت 1338هـ)، وتلامذته ومنهم الشيخ محب الدين الخطيب (ت 1389هـ)، والشيخ محمد سعيد الباني (ت 1351هـ)، وآل البيطار وآخرهم شيخنا محمد بهجة البيطار (ت 1396هـ)، والشيخ عبد القادر بدران (ت 1346هـ)، ومن تبعهم. وكذلك في اليمن كالإمام محمد بن علي الشوكاني (ت 1250هـ)، والإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني (ت 1182هـ). الجزء: 6 ¦ الصفحة: 104 وكذلك ظهر في الهند علماء أفاضل رغم الانتشار الماتريدي الحنفي، ورغم قيام الإنكليز على هؤلاء العلماء الأفاضل أيام الحكم البريطاني الذي أوجد طوائف لمحاربة الإسلام، مثل: البابية، والبهائية، والقاديانية. وكانت منهم الجماعة الإسلامية في الهند، ثم باكستان والبنغال (الإمام أبو الأعلى المودودي (ت 1399هـ) وجماعات أهل الحديث المتعددة. وفي المغرب العربي ومع انتشار المذهب المالكي فقهاً، وعقائد ما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري (ت 324هـ)، ظهر أمثال المشايخ: عبد الحميد بن محمد بن باديس (ت 1359هـ)، ومحمد البشير طالب الإبراهيمي (ت 1385هـ)، والفضيل الورتلاني (ت 1378هـ)، والدكتور تقي الدين الهلالي (ت 1407هـ)، وفيما نراه حتى اليوم في بعض فصائل الجهاد الجزائري الصادق. وقد تركت الأحياء من السلفية، أو غيرها لأن الإنسان لا يحكم عليه إلا بعد وفاته، ونسأل الله أن يحسن ختام الجميع. وقد قامت الدولة السعودية معتمدة على السلفية عقيدةً وفقهاً في مجمل شبه الجزيرة العربية، وتمكنت من الانتشار في الحجاز مرتين إحداهما سنة (. . . =. . . )، والثانية 1343هـ=1944 وحتى اليوم. وقامت بمصر نهضات دعوية، وتألفت جمعيات اعتمدت على السلفية في أصول مناهجها، كدعوة الشيخ محمد رشيد رضا (ت 1354هـ)، وجماعة أنصار السنة المحمدية برئاسة الشيخ محمد حامد الفقي (ت 1378هـ)، والأخوان المسلمين، وأفراد من الأزهر الشريف، مثل المفتي الأكبر شيخ الأزهر الشيخ عبد المجيد سليم (ت 1372هـ)، والشيخ سيد سابق (ت 1420هـ)، مؤلف كتاب: "فقه السنة"، والشيخ محمد الغزالي الجبالي (ت 1416هـ)، والشيخ عبد الرزاق عفيفي (ت 1415هـ)، والدكتور عبد العزيز كامل (ت 1411هـ)، والشيخ عبد الرحمن الوكيل (ت 1390هـ)، وغيرهم. وكذلك ظهر في الأردن: المفتي العام الشيخ عبد الله القلقيلي (ت 1393هـ)، والأستاذ أبو الوليد إبراهيم الترهي (ت 1392هـ)، وغيرهما. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 105 وكذلك حركة اعتمدت الحديث النبوي، قام بها جماعة رأسهم من الناحية العلمية الشيخ محمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ) رحمه الله وقام المكتب الإسلامي بنشر الكثير من مؤلفاته. وفي سورية ظهرت جماعة الأخوان المسلمين بقيادة الدكتور مصطفى السباعي (ت 1384هـ)، والأستاذ عبد الفتاح الغندور وغيرهما. وكان مشاركاً لهم في الجماعة أو قبلها: الشيخ عبد القادر بدران، والشيخ عبد الفتاح الإمام (ت 1383هـ)، والشيخ علي الطنطاوي (ت 1420هـ)، وغيرهم. ثم في حلب ظهر الشيخ نسيب الرفاعي (ت 1413هـ)، وفي حماه الشيخ سعيد الجابي (ت 1376هـ)، والشيخ نعسان معطي (ت 1412هـ). وفي دير الزور الشيخ محمد سعيد العرفي (ت 1375هـ)، والدكتور عز الدين جوالة، والأستاذ عبد الرؤوف بعاج، والأستاذ سعيد شرف، وغيرهم. وكل من ذكرت، ومن لم أذكر هم تجمعات وأخوان وأتباع يربط بينها اتفاق عام على أكثر الأمور السلفية، واختلافات فرعية في العديد من الأمور. وقد تركت الكلام عما في المملكة العربية السعودية لأن الدولة هناك كلها تقوم على الفكر السلفي المتمثل بالشيخين ابن تيمية وابن عبد الوهاب، وليس على مجرَّد حركات اجتماعية أو فردية كالتي في البلاد الأخرى. ولكن وجدنا فيها أخيراً خلافات بين المجموعات التي تدّعي كلها بأنها سلفية، وأكثر هذه الخلافات على جزئيات شبه لفظية، ولا يكاد يعرفها سواهم. * * * وفي هذا العرض البسيط يمكن تحديد ما هي السلفية -اليوم-. هي عقائد متفقة على الأصول، وقد تختلف في الفروع، كما اختلفوا في بعض الأمور المستجدة، مما جعلها فرقاً متعددةً لا جامع صحيحاً بين بعضها على التحقيق والعمل المشترك. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 106 وثورات وانتفاضات فلسطين منذ عام 1920 وحتى اليوم، ما قام بها إلا من تمثلوا العقيدة السلفية، من الحاج محمد أمين الحسيني (ت 1394هـ)، والشيخ فرحان السعدي (ت 1356هـ)، والشيخ محمد الأشمر (ت 1380هـ)، والشيخ عطية سالم (ت 000هـ)، والأستاذ أبو الوليد إبراهيم الترهي، وغيرهم. وأما ثورة القسام عام 1935 فكان قائدها من كبار السلفيين هو الشيخ عز الدين القسام من أهل جبلة من الساحل السوري (ت 1354هـ)، والدال على ذلك كتابه الذي ألفه مع الداعية الشيخ محمد كامل القصاب (ت 1373هـ)، وسمياه: "النقد والبيان"، وقدّمت له ببحثْ ضافٍ مع التوسع في التراجم. وأكبر دليل على ذلك قادة وعلماء الانتفاضة يوم أبعدتهم الصهيونية إلى مرج الزهور في جنوب لبنان سنة (1413هـ)، اللذين أنشأوا لأنفسهم جامعة تنشر فيما بينهم العلم، وتخرجهم على معالم الجهاد والدعوة السليمة، حيث أطلقوا عليها اسم "جامعة ابن تيمية"، وقد تخرج منها أكثر المجاهدين من شباب حركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهم. والسلفية في لبنان موجودة -والحمد لله- من غير مشاكل مع الناس، ولا مع الدولة، وما سمعتم عنهم، أو سمي منهم من جهات ليست منهم، منذ ثلاث سنوات فإنه بعيد عنهم، وعن السلفية جملة وتفصيلاً، وإنما هو تسلط على التسمية. وقد بلغني -من خصومهم أيضاً- أن التوبة انتشرت فيهم، والموجود حقيقة هو حلقات علمية دعوية بعيدة عن الغلو والتطرف. حضور السلفية بقيت السلفية بعد الإمام أحمد بن محمد بن حنبل هي السائدة في عقائد المسلمين السنة على التحديد. وكان الإمام أبو الحسن الأشعري حامل اللواء فيها، مناهضاً للاعتزال والمعتزلة بعد انسحابه منها، ومعرفة ما فيها من أخطاء. ولم يبق عنده من مذهبهم سوى كلمات قليلة، ليست محل نزاع من أفاضل العلماء، وبذلك بقي مذهبه هو مذهب أهل السنة والجماعة بالجملة لمدة زادت على المئتي سنة. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 107 حتى قام ابن القشيري (الزاعم بأنه شافعي الفقه) بفتنته التي فرقت المسلمين، وادعى أنه على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري عقيدة. ثم كان للسلفيين بعد ذلك "بيان أهل السنة والجماعة" تأليف الإمام أبي جعفر الطحاوي (ت 321هـ)، وهو حنفي مشهور. وبعده بمئتي سنة قام آل السبكي بإضافة ما عندهم من تفصيلاتٍ في العقيدة، زاعمين بأنَّ ذلك معتمدٌ على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري، ومرتكز على فقه مذهب الإمام الشافعي. وتولى الرد عليهم الإمام ابن تيمية وتلامذته خلال مئة سنة، ولعل من أبرز ما يمثل تلك الفترة كتاب "شرح العقيدة الطحاوية للإمام ابن أبي العز الحنفي (ت 792هـ) ". واستمر ذلك الخلاف يظهر حيناً ويختفي أحياناً أخرى، حتى ظهر الشيخ محمد زاهد الكوثري (ت 1371هـ)، وأثار حقد الماتريدية، وحتى الأشعرية، رغم أنه على خلاف معها، ضد السلفية في حملة مسعورة، ومع علمه فقد حرّف النقول!!، وطعن في الصحابة الكرام، الذين نقلوا لنا دين الله، وتبع الكوثري عدد ممن جاء بعده ممن شم لديه انطلاقاً عن مذهبه الحنفي في تركية ومصر، وأفرادٌ في بعضهم علم، ولكن غلبت عليهم المذهبية والعصبية. وكذلك كانت الفتن المتأخرة، وشارك في الدفاع عن السلفية كبار علماء العصر الماضي، أمثال: الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني (ت 1386هـ)، والشيخ محمد نصيف (ت 1391هـ)، والعلامة أحمد محمد شاكر (ت 1375هـ)، والشيخ محمد حامد الفقي، والشيخ محمد بهجت البيطار، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني. ومع أن الخلافَ في قول بعضهم (خلافٌ لفظيٌ) فمازال حتى اليوم يثيره من هؤلاء طرف، ويرد عليهم من الطرف الآخر أفراد وجماعات. وتبع هؤلاء من ليس في العير ولا في النفير ممَّن يدعي أتباعه التفقه بالمذهب الشافعي، ووالله ما وجدت عندهم سوى أقوال ضعيفة غير مفتى بها في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وتشير إلى اتباع فيه لا يقبل قولهم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 108 ووجدت عندهم أيضاً أقوالاً وأفعالاً يدعى أنها من طريقة الإمام الزاهد أحمد الرفاعي العراقي (ت 578هـ). وأقول: والله لدى بحثي وتنقيبي لم أجد لها أصلاً صحيحاً، وبيَّنت أنها ليست لهذا الإمام الداعية أو أنها أقواله. بل هي خزعبلات تنسب إلى الطريقة من القبوريين، والمزمرين المطبلين، وهو منها براء. وقد كشف أمرهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. ولعلّ أوضح شيء يظهر للعيان تلك الفرق الموسيقية ذات الأوتار والأبواق والأجواف التي يجتمعون عليها أمام الناس، وقد أجمع العلماء من كل المذاهب والاتجاهات على تحريم جميع ذلك. ولكن الفتن تفتح الأبواب، ويدخل فيها من يشاء، والله أسأل هداية الجميع. مناقشات وقد قام أحد العلماء الأفاضل بتأليف كتاب عن السلفية، أطلق عليه عنوان: "السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي" والحق أن ما جاء في كتابه يخالف ما كتبه عنواناً له. ووجدت في الكتاب النقول الكثيرة التي تثبِّت للسلفية ما نفاه عنهم، بل وتثبت أن السلفية مذهب إسلامي، وحركة مباركة، مثل باقي المذاهب الأخرى، التي اعتبرها مذاهب!!، وقديماً قالوا: لا مشاحة في الاصطلاح، بل إن مذاهب الأئمة السابقين مثل الإمام أبي حنيفة النعمان (ت 150 هـ)، والإمام مالك (ت 179هـ)، والإمام الشافعي لا تكاد تجد عند واحد منهم أنه سمى فقهه (مذهباً)، وما سمي كذلك إلا بعد ذلك بزمن طويل، وكذلك التسمية "السلفية". وهذا كان عند من صار له مذهب (فيما بعد) وعند من لم يكن له مذهب، كالأئمة: إبراهيم النخعي (ت 96هـ)، والحسن البصري (ت 110هـ)، والأوزاعي (ت 157هـ) ... إلخ. ولا يغيب عني أفراد من أهل العلم في مختلف العصور، سموا أنفسهم بـ (الأثريين) تميزاً عن غيرهم من (المذهبيين المقلدين). ولهم أن يفعلوا ذلك، إذا وافق قولهم الفعل الصحيح بأنهم من أتباع الأثر الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأتباعه، ومن جاء بعدهم من غير تقليد!!. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 109 ولكن وجدنا في أيامنا من تطاول وافتخر بإلحاق ذلك باسمه ونسبه أو كتاباته ولقبه، دون أن نجد عندهم ما يُصَحِّحُ ذلك لهم من التزام بالأثر. وعلى كل حال فإن هذا منهم ينطبق على هؤلاء الأفراد، ولا ينسحب إلى تلك الطائفة السلفية. ولله في خلقه شؤون. ومن سمح لهؤلاء أن يكون لهم مذهب! يسمح للسلفيين أن يكون لهم طريقة ومنهج في فهم الإسلام. ففي العقيدة: اتباع ما جاء من الجيل الأول، وفي الفقه: الأخذ بما صحَّ من الدليل، وفي العبادة: التمسك بالسنة وعدم الابتداع. وكل ذلك مذهب، بل موفق المذاهب، وهو معتمد ومعتبر. ومن باب الجدل هب أنهم ليسوا مذهباً، فماذا يضرهم أن يكونوا واقعاً منذ عهد التابعين وحتى اليوم على الطريقة التي اختاروها نسبة لأنفسهم، وعُرفوا بها!!، يرحمك الله يا أخي. وإن باقي ما جاء في كتابه (القيم بحق) يدخل في باب اختلاف وجهات النظر، لو ابتعد عن حزلقات المماحكة المتأثرة بالعداوة لبعض معاصريه، من المجاهدين الصابرين الذين دخل وإياهم في معارك ما أنزل الله بها من سلطان، وكتابه قارب الثلاثمائة صفحة، وفقه الله وهداه. وقد رد عليه العديد من السلفيين، وطبعاً بالحق، وقد يكون من بعضهم بالباطل!، وركوب الصعب والذلول. ولكن ثمةَ كتاب صدر في هذا الموضوع كان في غاية اللطف والأدب، وحسن الدعوة اسمه: "هي السلفية نسبة وعقيدة ومنهاجاً"، لسماحة الشيخ محمد إبراهيم شقرة -من علماء الأردن- زاد عليه بمئة صفحة. أثبت فيه كل ما نفاه المؤلف السابق بغاية الإقناع، والأدب الجم، والأسلوب الحكيم، والحجج المقنعة، استناداً على الكتاب والسنة الصحيحة، والأقوال المعتمدة عن كبار علماء المسلمين من مختلف العصور، وأثبت فيه أن السلفية ليست فرقة واحدة، بل هي فرق متعددة. ولم أجد فيه كلمة نابية (خلافاً لما نجده عند بعض إخواننا السلفيين، وإخواننا غير السلفيين غفر الله للجميع) فحق للكتاب الرواج، والنفع العام للناس. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 110 والله أسأل للأخ المؤلف الصحة والعافية، وأن يكتب له التوفيق والخير. وكذلك كتاب "العقيدة السلفية، والرد على المنحرفين عنها" تأليف الأخ الطيب عمر بن الحسين الجكني، وفيه كلام طيب، ومناقشات علمية مفيدة، كتبت بروح توافقية، وما أحوجنا إلى التوافق بين المسلمين. * * * والسلفية اليوم بالجملة تنكر كل ما جاء مخالفاً لما كان عليه المسلمون في العهود الأولى، مما اخترع في العقائد، والفقه (من التقليد الأعمى، والعصبية المذهبية)، وما وجد عند المتصوفة من عقائد، أمثال: وحدة الوجود، وإسقاط التكاليف، وإباحة أنواع من المنكرات، وتعطيل العبادات، وعلى الأخص عند مشايخهم الكبار. ولذلك فإن السلفيين ينكرون كل ما نسب إلى الشاذلية بأنواعها المتعددة، وما ينسب إلى الجشية الهندية، والقادرية (بعد الشيخ عبد القادر الجيلاني (ت 561هـ))، والرفاعية (بعد الشيخ أحمد الرفاعي)، والتجانية وكتب مؤسسها أحمد التجاني (ت 1230هـ) وخلافاته، وكلها نشهد لهم بضلالها ديناً وسياسة. * * * وقد تجنب السلفيون كل ما علق بالصفات الإلهية، والعقائد في منطق الفلاسفة اليونان، ووثنيات الرومان، والفلسفات الأخرى، وعلم الكلام، وكل أقوال القدرية، وهم المعتزلة منكري القدر الذين سموا علم التوحيد بعلم الكلام، واعتمد السلفيون على رفض التأويل، مكتفين بما صح من كلام عربي مبين، وردوا كلام الجبرية بأنها ضلال ومحال، والجهمية والماتريدية ومن تبعهم من الأشاعرة المتأخرين. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 111 أما الأوائل من الأشاعرة فليسوا كذلك، وكتاب "الإبانة" لأبي الحسن الأشعري السلفي بل الحنبلي شاهد على ذلك، والغلط هو عند المتأخرين، لأنه من أكبر الانحرافات عن العقيدة في منهج الاستدلال الصحيح الاعتماد على ما أحدثه علماء الكلام بعد نزول القرآن، وورود الأحاديث، لأن الواجب اتباع كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقول الأشاعرة منه خليط بين الحق والباطل، بينما العقيدة تعتمد على الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح. * * * والسلفيون ومن كان قبلهم يعملون بخبر الواحد، ويأخذون به، خلافاً لمن زعم أنه لا يؤخذ به في العقيدة، مع أنه في الواقع يعمل به مستدلين بالآيات والأحاديث الكثيرة، التي تجاوزت العشرات، بل وبعهد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأهل السنة والجماعة وفي مقدمتهم السلفيون يأخذون بخبر الواحد في العقيدة، وهو عندهم يفيد العلم، وفي الفقه قد يفيد الظن عند التعارض، وهو معمول به بإجماع أهل الفقه. * * * خاتمة أقول: هذه هي السلفية بمفهومها القديم، وواقعها المعاصر بالجملة، وأنا أعلم أن إخواني خصوم السلفية لن يعجبهم قولي، لأنه لم يعطهم ما فهموه عنها .. ، ويريدون مني المزيد لأنني -في ظنهم- أعرف منهم بأمورها وخفاياها. وكذلك ما أظنه يعجب بعض إخواني السلفيين الذين نشأت معهم وبينهم، ولعلي قدمت لهم في مطبوعاتي الكثير الكثير، مما اعتمدوا عليه في دعوتهم، وكأنهم يريدون مني أن أنتصر لما هم عليه ... ولكن الحق أقررت، وقدمت ما علمت وما ظننت أنه النافع المفيد في سبيل جمع أمة الإسلام على الحق. وإنني لم أقل إلا ما علمت أنه الصدق. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 112 وسبق لي في "المؤتمر الثامن للوحدة الإسلامية المنعقد بطهران (15 ربيع الأول 1416هـ = 11/ 8/1995م) أن دعوت جميع العاملين في شأن الدعوة إلى الوحدة الإسلامية، إلى التمسك بالقاعدة الذهبية التي سبقني بها العلامة ابن قيم الجوزية، وتبعه فيها السيد محمد رشيد رضا، وشيخنا محمد بهجت البيطار، ونسبت إلى أستاذنا الإمام حسن البنا (ت 1368هـ)، وهي: نتعاون فيما اتفقنا عليه، (وينصح) بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه مع رعاية أسباب التقريب والبعد عن إثارة كوامن الحقد .. ، لتحقيق التقريب المنشود لدى أهل الخير من الطرفين. وقد استقبل كلامي من فضيلة رئيس المؤتمر ومن أعضائه، وفيهم ما لا يقل عن خمس مائة من العلماء المجتهدين، وأغلبهم من أخواننا الشيعة، بكل ترحيب وقبول. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.   المصادر - كتاب الوحدة الإسلامية، تأليف زهير الشاويش، سعود المولى. - المجاهد الصامت الشيخ محمد الأشمر، تأليف لجنة الدراسات الاستراتيجية. - العقيدة السلفية، والرد على المنحرفين عنها، تأليف الأخ الطيب عمر بن الحسين الجكني. - هي السلفية نسبة وعقيدة ومنهاجاً، تأليف محمد إبراهيم شقرة. حفل معهد الدراسات الإسلامية للمعارف الحكمية، بيروت 13 ذو القعدة 1424=5/ 1/2004 * * * إصدار الكتاب عن معهد المعارف الحكمية، جريدة النهار 25/ 4/2004 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 113 كلمة الشيخ زهير الشاويش حول مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية المنعقد في بيروت في 15 شوال 1424هـ الموافق 9/ 12/2003م بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونصلِّي ونسلم على سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى أهله الصالحين، وجميع أصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد فقد تلقيت خبر قيام دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية بالدعوة إلى عقد اجتماعات المجلس التنفيذي لمؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية من دول العالم الإسلامي. وحمدت الله أن مكّن دار الفتوى من القيام بهذا الواجب، بعد أن خيّم الله بفضله على لبنان، وأعاد إليه أمنه الذي افتقده لمدة عشرين سنة تقريباً، وهذا الأمن الذي نرجوه ونتمناه لكل بلد إسلامي، والله سبحانه قد امتنَّ على عباده يوم قال: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) قريش 3 - 4، فجعل الله جلَّ شأنه سبيل عبادته، أمنهم وسد جوعهم. وإن لبنان البلد العريق في العمل والدعوة للإسلام، لوجود من فيه من أهل العلم والمطابع والمكتبات والصحف، وفي الكثير منها النافع المفيد، ويشرُف لبنان بمثل هذا المؤتمر، وعلى الأخص وجود سماحة المفتي العام الأكبر أخي الدكتور محمد رشيد راغب القباني، وباقي الوزراء الأكارم، وخصوصاً حضور سماحة أخي معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ. وإننا في المكتب الإسلامي للطباعة والنشر يشرفنا أن نستقبل معاليه لزيارة المعلم الأول لنشر وإعداد وطبع كتب الدعوة في مطبوعاته في لبنان وتوزيعها على العالم. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 114 وإنني وقد أمضيت في لبنان أربعين سنة تقريباً، متعاوناً مع سماحة المفتي الشيخ محمد رشيد راغب القباني، ومن قبله سماحة الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله، والداعية السلفي أستاذنا الشيخ سعدي ياسين، وباقي المفتين والعلماء والدعاة الكرام، وسعادة مدير الأوقاف الأسبق ورئيس صندوق الزكاة الأخ الدكتور مروان القباني، والجمعيات الإسلامية الخيِّرة في العمل العام. أرحب بحضور معالي وزير الأوقاف السعودي وإخوانه، والذي كان له ولأسلافه الكرام ودولته الفضل الكبير في رعاية الدعوة إلى العقيدة الصحيحة والمنهج السلفي السليم، والنهج التعليمي الأثر الكبير. وبهذه المناسبة لا بد من شكر وزارة الشؤون الإسلامية في المملكة وباقي هيئات الحج والعمرة والدعوة ما قدمت وتقدم من خير لحجاج ومعتمري بيت الله العتيق، وزوار مسجد سيدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم من مساعدات وخدمات، سبق ونوهت بها في كلمتي في مجلة الحج والعمرة العدد الخامس جمادى الأولى 1424هـ بعنوان: "ذكريات حاج قبل خمسين عاماً". وذكر ما وجدت في البلد الأمين قبل خمسين سنة، وما أنعم الله على الحجاز من فضل وعمران. وقد سبق لي أن اقترحت على مؤتمر "وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 1399هـ/1979م، حيث شاركت به مع سماحة المفتي السابق الشهيد الشيخ حسن خالد رحمه الله. بأن طلبت أن تشكل لجنة لمتابعة أوقاف الحرمين الشريفين والقدس في مختلف البلاد الإسلامية لمتابعة ما لكل حرم من أوقاف ما زالت محجوزة عليها، وفيها المزارع الكبيرة والعقارات العامة الدارة للمبالغ الضخمة، وعندي دفتر من القرن التاسع الهجري فيه ما كان يجمع ويوزع على علماء مكة المكرمة والمدينة المنورة. واليوم أعيد طلب ذلك، وأرجو أن تشكل مثل هذه اللجنة لتسجل الأوقاف والعناية بها، وأما نقل الأموال منها فمتروك للدولة السعودية، والدولة التي فيها تلك الأوقاف لتأخذ سبيلها بالاتفاق الموافق للشرع الحنيف. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 115 وهذه رسالتي التي قدمتها منذ خمسة وعشرين سنة في مكة المكرمة. بسم الله الرحمن الرحيم واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا رابطة العالم الإسلامي ... مؤتمر وزراء الأوقاف الأمانة العامة ... والشؤون الإسلامية مكة المكرمة ... 1399هـ/1979م معالي رئيس مؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية وأعضاؤه الكرام ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فإنه غير خافٍ عليكم أنَّ تحرير القدس وجميع فلسطين يحتاج فيما يحتاجه المال الكثير، وإن جمع التبرعات مهما كثر العطاء سيكون أقل من المطلوب، قياساً على ما نعرف في هذه المجالات، يضاف إلى ذلك أن المطلوب جمعه وإنفاقه غير مقيّد بزمن قريب فقط، بل هو من الأمور التي تحتاج المورد الدائم، والجمع المستمر، والإنفاق المتتابع أيضاً. لذلك فإنني أقترح ما يلي: 1 - إيجاد صندوق خاص لدى الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي يسمى "صندوق إنقاذ المقدسات الإسلامية في فلسطين، وحفظ الأوقاف"، تجمع به التبرعات، ويوظفها وينفقها حسب الحاجة، ضمن أغراضها الإسلامية التي أوقفت وحبست من أجلها فقط. 2 - اتخاذ قرار من المؤتمر الكريم بالطلب من الدول المشتركة به لعمل جدول يتضمن ما عندها من أوقاف مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وبيت المقدس، ومسجد الخليل، وسكة حديد الحجاز وغيرها، ودفع ريع هذه الأوقاف إلى الصندوق المذكور آنفاً. وفي حال تعذّر معرفة العين الموقوفة، كأن تكون دخلت في مرافق أخرى عطلت مواردها. يقوم الصندوق أو لجنة منبثقة عنه بالاتفاق مع وزارة أوقاف البلد الذي فيه لإيجاد بديل مماثل عن ذلك الوقف. 3 - ولما كانت هذه الأوقاف من الكثرة بمكان يعرفه من اطلع على تاريخ هذه البلاد، وعلى وقفيات الملوك والمحسنين في تاريخنا القديم والحديث. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 116 لذلك أقترح تأليف لجنة علمية فنية مهمتها البحث عن هذه الأوقاف، وجمع وثائقها بالطرق التي تراها مناسبة، والاستعانة بمن ترى من اهل العلم والخبرة بذلك، وتكون عوناً للصندوق والحكومات في استخراج هذا الحق ووضعه في مصرفه الشرعي. مع التوصية لجميع وزارات الأوقاف بتسهيل مهمتها .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، عضو وفد لبنان زهير الشاويش وختاماً فإنني باسمي واسم المكتب الإسلامي أرحب بسماحة أخي العلامة الشيخ صالح ضيف سماحة المفتي الشيخ القباني. وإنه حيث يحل يكون صاحب المكان، وأهلاً وسهلاً به، وبباقي وزراء الأوقاف، ونرجو من الله سبحانه التوفيق للأخوة المؤتمرين في هذا اللقاء الذي تتعاون فيه الجهود الخيِّرة، وعلى الأخص بما ينفع أرضنا السليب وما حولها من ديار الإسلام، التي بارك الله فيها، ومنها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين (القدس). والحمد لله رب العالمين. زهير الشاويش عميد المكتب الإسلامي الجزء: 6 ¦ الصفحة: 117 ملاحق مقال نُشر في جريدة الرياض بعنوان: الشيخ زهير الشاويش: صاحب أكبر مكتبات العالم الإسلامي كتب راشد بن محمد بن عساكر: لن أقدم شيئاً جديداً في التعريف بهذا العالم المحدَث بل الموسوعي الثقافة، وفضله على التراث الإسلامي، وتحقيقه وطبعه ونشره، فإن ذلك يحتاج إلى تآليف خاصة، وبحوث متعددة، حيث استفادت الأمة الإسلامية من إثراءات هذا العالم وتطريزاته وتعليقاته الفريدة، وفوائده الجمة التي مازالت مستمرة منذ أكثر من ستة عقود، كالسحابة التي تجود بمائها، ومازال بحمد الله يقدم هذا العطاء، والدفاع عن عقيدة السلف الصالح حتى اليوم، رغم الظروف العصيبة التي مرت عليه في حياته .. صادم الأمواج المتلاطمة حاملاً راية الدفاع عن عقيدة هذا البلد ودولة التوحيد طوال العقود الماضية رغم تباعد المسافات في البلاد الشامية على الأخص. أمضيت عدة أيام وساعات طوال في مدينة بيروت ودارته العامرة، من أيام شهر رجب لهذا العام - 1424هـ - تمنيت ان تزداد للاستماع والفائدة من غزارة علم الشيخ وفوائده. ثم أكرمني خلالها وفقه الله بمطالعتي لجزء من مكتبته الضخمة، أمضيت فيها مع شيخنا أجمل الأوقات، وفي الافادة من بعض المخطوطات، والاستفاضة الكريمة مع كل زائر، كل ذلك بتواضع وسمت عرف عنه، كما هو خلق العلماء، الأمر الذي اخجلني رغم أن الشيخ في الثمانين من عمره أطال الله بقاءه حيث (ولد في دمشق عام 1344هـ) متغالباً على ما يعتريه من مرض بقوله: "مع المحابر حتى المقابر! ". دار الحديث حول شؤون التراث والمخطوطات وحول ما لدى علماء الجزيرة العربية والعلماء الحنابلة النجديين من مشاركة في التأليف وطلب العلوم ولاسيما في بلاد الشام ونسخهم للكتب المفيدة كما دار الحديث عن زيارة الشيخ للرياض قبل خمسين عاماً ولقائه الملوك والأمراء والعلماء وكيف كانت الرياض آنذاك، كما أفاض بالحديث عن شيخ الإسلام ابن تيمية باقعة العصر وأعجوبة التاريخ، والذي يمتلك الشيخ العالم زهير عدداً من مخطوطاته وتعليقاته وتلامذته رحمهم الله، وحدثني ان بعضها قد اشتراها من الرياض. ثم أخبرني عن مكان مسجد شيخ الإسلام في دمشق الذي يصلي فيه ويدرس به والمسمى بالجامع القرشي، إضافة إلى غيره من العلماء وغيرها من المعلومات المفيدة. في مكتبة الشيخ: أكرمني الشيخ بالاطلاع على بعض المخطوطات والمصورات وهذه عادته بدون منة، حيث يراسله كثير من الدارسين في مختلف بقاع العالم، والباحثين وطلبة الدراسات العليا، للاستفادة منه ويقدم لهم ما يحتاجونه مبتغياً الأجر من الله عز وجل. أما في مكتبة الشيخ فقد شاهدت بعض ما تحويه مكتبته من المخطوطات المفيدة النادرة، وقد حرصت على تتبع بعض المخطوطات والوثائق التي لها علاقة بجهود بعض العلماء النجديين أو ما يخص تاريخ الجزيرة العربية، فوجدت الكثير، وليعلم القارئ الكريم ان هذا غيض من فيض كما يقال ولا يمكن الإلمام بجميع ما فيها - وقد أذكر ذلك في مواضيع أخرى. نماذج من هذه المخطوطات: 1 - بلاد العرب: للغدة الأصفهاني (ت310) تقريباً ولعلها من أقدم النسخ لهذا الكتاب، وقد علمت من الشيخ زهير انه أرسلها للشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - قلت: ولعل ذلك تم بعد تحقيق الشيخ حمد لكتاب لغدة سنة 1388هـ والنسخة واضحة الخط مشكلة تخلو من السقط. كتب في أعلاها تاريخ الحجاز. جاء في أول هذه النسخة ما نصه: (بسم الله الرحمن الرحيم وهو المستعان وعليه التكلان قال أبوعلي لغدة الأصفهاني رحمه الله تعالى قال أبوالورد العقيلي من مياة بني عقيل بنجد ... ). 2 - رسالة تقع في أكثر من مائة وتسعين ورقة وهي عبارة عن حمل الأموال وتوزيع الأوقاف من مدينة دمشق إلى المدينة المنورة في سنة 992هـ وهي بيان للأموال ونتاج ما يخرج من الضياع التي كانت تجمع للحرمين الشريفين مما هو وقفاً عليها، وقد سجل على جوانب هذا المخطوط تقديرات وحسابات لهذه الأموال حتى القرن الحادي عشر الهجري، ويرد في هذه الأسماء بعض الأسر الحنبلية ومقدار أوقافهم، وهذا الكتاب شيء نادر جداً وعلمت من الشيخ زهير الشاويش أن أحد أجداده بكري الحسيني "وهو الذي لقب بالشاويش" كان يحمل هذا الدفتر مع العلماء والقضاء إلى المدينة لتوزيعها، وفي هذه النسخة أرقام وتعليقات معينة، وتواريخ مختلفة. 3 - نسخة من مخطوطة (تذكرة الألباب بأصول الأنساب) للبتى الأندلسي ت488هـ والمعروف ان هذه النسخة حققها العلامة الجاسر واعتمد على نسختين محفوظتين في مكتبة عارف حكمت في المدينة النبوية ونشرها في مجلة العرب عام 1401هـ كما نشرت محققة - على نسخة مكتبة عارف حكمة أيضاً - وحققها السيد محمد مهدي الموسوي ونشرها في مجلة الذخائر في عام 1420هـ ولعل هذه النسخة المحفوظة لدى الشيخ زهير من أقدمها وتعود إلى ما قبل القرن الثاني عشر الهجري تقديراً. 4 - نسخة في صيام يوم الشك: للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ وهي رسالة رد بها على الشيخ عثمان بن منصور. ثم سؤالات أخرى واجابات الشيخ عبد الرحمن كالتحذير من التكفير. ورسالة لعبد الله أبا بطين وفيها اختصارات لكتب الإمام ابن القيم. ورسالة من حسن بن حسين إلى الشيخ حسن العجيري وغيره من الرسائل. وهذه النسخة بخط الشيخ والكاتب المشهور عبد الله بن عبد الرحمن الربيعي المتوفي في نهاية الستينات من القرن الماضي والذي كان كاتباً للشيخ محمد بن عبد اللطيف وهذه النسخة كتب الشيخ زهير عليها (من كتب الرياض) حيث سألت الشيخ زهير عنها فقال: (انه اشتراها مع مجموعة كبيرة من الرياض من دكان في منطقة دخنة من شخص اسمه حنيشل .. ) وذلك في السنة الأولى لقدومه للرياض سنة 1375هـ. قلت: وحنيشل هو ممن زاول مهنة بيع الكتب فيما بعد الخمسينات الهجرية من القرن الماضي مع غيره من الوراقين في الرياض. 5 - تحفة السالك في أحكام المناسك للشيخ عبد الله بن داود النجدي الحنبلي في سنة 1290هـ. 6 - ذاد المستقنع شرح مختصر المقنع للمقدسي وهو بخط محمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد (تملك ابن فهيد) سنة 1294هـ. 7 - شرح ديباجة المصباح كتبت سنة 1063هـ محمد بن ميكائيل (شراء من الرياض). 8 - شرح الاجرومية للكفراوي، وهو شرح نادر وناسخة من أهل الرس من منطقة القصيم في نجد وجاء اسمه: زيد بن حزيم بن سلامة من أهل بلدة الرس النجدي الحنبلي خطه في سنة 1269هـ. 9 - شرح الأربعين النووية نسخ سنة 1054هـ (وهذا الكتاب شراه من الرياض). وتحفل هذه المكتبة بخطوط وتعليقات العلامة والمؤرخ النسابة ابراهيم بن صالح بن عيسى المتوفى سنة 1343هـ - ولعل الشيخ زهير اشترى بعض هذه المخطوطات لابن تيمية من الرياض - حيث تملك هذا العالم ابن عيسى نسخاً مهمة لمخطوطات شيوخ الإسلام ومن خطوطهم بأيديهم كخط ابن تيمية، حيث قال ابن عيسى ما نصه: قف على خط شيخ الإسلام أحمد بن تيمية بيده رحمه الله تعالى قاله كاتبه ابراهيم بن صالح بن عيسى ساكن بلد اشيقر). كما تأتي تعليقات ابراهيم بن عيسى على خط الإمام عبد الله المقدسي المتوفى سنة 637هـ حيث قال ابن عيسى: (قف على خط عبد الله بن عبد الغني المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي المولود في شوال 581هـ المتوفى في رمضان سنة 637هـ رحمه الله تعالى له ترجمة في الطبقات لابن رجب .. ). وفي نسخة مخطوطة أخرى علق العلامة ابن عيسى على خط المزي فقال: (وقف على خط المزي يوسف ابن الزكي) .. وغيرها من التعليقات والفوائد. قلت كم يتحفنا العلامة الباقعة ابراهيم بن عيسى بهذا الاهتمام والتعليقات النادرة له على طرة المخطوطات ويا ليت طلبة الدراسات العليا وغيرهم من المهتمين يتجهون إلى دراسة شاملة ومفيدة عن جهود العلامة ابن عيسى في جمع التراث المخطوط، هذا فضلاً عن كشف مخطوطاته واظهارها للنور التي لاتزال بعض منها قابعة فوق الأرفف وتحت الأقبية!! حدثني الشيخ الشاويش عن بعض علماء الجزيرة العربية وتتبعهم للتراث الإسلامي وصبرهم وتحملهم على طلب العلوم الشرعية ومنها ما كان يقوم به الشيخ العلامة محمد بن مانع - ت 1385هـ - في أيام الطلب في بلاد الشام وتردده على الظاهرة فقال: (كان الشيخ محمد بن مانع - رحمه الله - يأتي إلى مكتبة الظاهرية ويحمل معه أكلاً بسيطاً - وهو شيء من الحمص المحمص - وعندما ينتهي عمل المكتبة يغلقون الباب عليه، ويمكث إلى مساء اليوم .. وهكذا يستمر أياماً .. وقد اطلع على قضايا في مخطوطات الظاهرية من حفظه منذ خمسين عاماً منها: الفقهية كقضية متعلقة بالذبح من كتاب روضة الطالبين للشافعية ومن غرائب الأمور انه حدثني بها منذ خمسين عاماً وأحدثك بها بعد خمسين عاماً كذلك). قلت كم كنت أتمنى ولازلت والكثيرون غيري كذلك أن يقوم ابنة الشيخ العالم والأديب المبتعد عن الأضواء شيخنا أحمد بن الشيخ محمد بجمع ما يخص والده العلامة من فتاوى ومراسلات وفوائد تاريخية وأنساب وتراجم، وظني ان العلامة زهير لن يتوانى في تقديم ما يخص والده في هذا الأمر إذا علمنا ان الشيخ - زهير - يحمل محبة لشيخه ابن مانع رحمه الله. كما انه ينبغي حث طلبة الدراسات العليا والمهتمين في القيام بدراسة هذه الشخصية التي عنيت بالاهتمام بالتراث الإسلامي العظيم من تراجم وأعلام وكتب، هذا بخلاف اشرافه على التعليم في منطقة نجد. ولكن الشيخ زهير يحرص على مراسلة العلماء في السعودية ويبعثون له بعضاً من المخطوطات النجدية لأنها نادرة كنسخة بعثها له الشيخ عبد الملك بن ابراهيم آل الشيخ وهو كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل للمقدسي المتوفى في 620هـ وهي مخطوطة في عام 1226هـ وهي بخط محمد بن ابراهيم بن مانع ابن حمدان وقد أعارها عبد الرحمن بن رشيد بن عوين للشيخ عبد الملك وهي النسخة التي طبع عليها كتاب الكافي. ومن النسخ التي رأيتها في مكتبة الشيخ القاموس المحيط وهي من النسخ النادرة وعليها تعليقات وهواش غير التي في المطبوع، وهي بخط متقن جداً مع الشكل الكامل. واطلعت لدى الشيخ على مخطوطة الرسالة القشيرية كتبت بالقلم الأندلسي، وهي نسخة نادرة جداً كانت - كما أعلمني الشيخ - أوراقها متلاصقة إلا انه قام بعلاجها والآن يسعى في نشرها وعلى هذه النسخة سماعات كعام 586هـ. والقشيري توفي عام 465هـ. ويحتفظ الشيخ زهير - حفظه الله بفهارس وأضابير كثيرة من العلماء ومما شاهدته لديه على سبيل المثال أضابير خاصة للعلامة الدكتور لمصطفى السباعي، وكذلك للشيخ عبد الفتاح أبوغدة، وللداعية عبد القادر بدران، ولزعيم فلسطين المفتي الأكبر الشيخ محمد أمين الحسيني، والعلامة الشيخ محمد بهجت البيطار، وغيرهم. كما يوجد لديه أضابير خاصة لمراسلاته مع علماء المملكة العربية السعودية كالشيخ محمد بن مانع - ت 1385هـ - وهذه المجاميع فيها من الفوائد العلمية والأخبار التاريخية والتراجم النجدية التي ستقدم معلومات جديدة إذا خرجت للنور كما ذكرت من قبل. كما وضع الشيخ زهير لهذه المكتبة اضبارات خاصة عن البلدان وأخباره التاريخية كالأردن والسعودية وقطر والبحرين وسوريا ولبنان وغيرها. كما اهتم الشيخ بوضع اضابير مختلفة لبعض الفرق المذهبية كالشيعة والماسونية والدروز والبهائية وغيرها من الفنون .. كما شاهدت بعض المخطوطات الفلكية، وتصفحتها مع الشيخ شارحاً لبعض مؤلفيها، ورأيت المخطوطات ذات اللغات المختلفة كالتوراتية العبرية في لفافات ضخمة، وغيرها. هذا بخلاف الدشتات الممتلئة بالمخطوطات الكثيرة في كل فن .. وبالجملة فإن هذه المكتبة حافلة لكل العلوم والفنون وهي في نظري المتواضع أضخم مكتبة خاصة شاهدتها، وتحتوي على هذا العدد الضخم من المخطوطات التي تتجاوز أربعة عشر ألف مخطوطة بخلاف الكتب المطبوعة والتي تعد من بواكير الطباعة العربية ويبلغ عمر بعض هذه الكتب مائتي عام. هذه لمحة موجزة عن فوائد الشيخ ومكتبته العامرة هذا بخلاف ما سجلته من الفوائد التي لا تتسع الصفحات لها. نسأل الله ان يجزي الشيخ زهير خير الجزاء على ما قدمه لحفظ تراث أهل السنة وأهل الحديث، والتي بحمد الله مازالت مضيئة بأمثال هؤلاء العلماء وقبل الختام. كما لا يفوتني ان أشكر أولاده الفضلاء الذين يساعدونه في حفظ هذه المكتبة العامرة وحسن أخلاقهم كالأستاذ بلال والمهندس علي والاخوة الذين يساعدونهم في حفظها، وفي ادارة المكتب الإسلامي. وفي النهاية نسأل الله ان يجزي الشيخ خير الجزاء على ما قام به من خدمة السنّة المطهرة والشرع الحنيف. كما يهنئه محبيه على نجاح العملية التي أجريت لعينيه الكريمتين قبل أسبوع ونسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية وأن يمد في عمره على طاعته. الجزء: 6 ¦ الصفحة: 118 مجلس مع ملتقى أهل الحديث (كتب الشيخ عبد الرحمن بن عمر الفقيه الغامدي 23\ 12\1423 هـ: ) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد جمعنا الليلة جلسة علمية حافلة مع الشيخ زهير الشاويش حفظه الله مع جمع من أهل العلم في منزل الشيخ طلال الملوح صاحب دار عالم الفوائد ومعنا المشايخ حاتم بن عارف العوني والشيخ علي بن محمد العمران والشيخ عبد الله المطيري والشيخ عبد الرحمن حسن قائد الريمي والأخ خليل بن محمد الشاعري وقد أجازنا جميعا بمروياته وقد اطلع الشيخ على الموقع وكتب كلمة طويلة، نسأل الله أن يحفظ الشيخ ويبارك في علمه وعمره وهذه كلمة الشيخ حفظه الله إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونصلي على محمد وآله وجميع صحبه ... وبعد فقد أسعدني الله سبحانه في مكة المكرمة وبجوار بيته الحرام باللقاء بأفاضل علماء هذا البلد الكريم وآنست بهم وتشرفت بالحديث إليهم وأسأل الله أن يكتب لهم التوفيق والسداد. وأحمل إليهم تحيات إخوانهم في بلاد الشام كل الشام وسوريه ولبنان والأردن وفلسطين درة بلادنا ومركز جهادنا فرج الله عنها وجعلنا من الشهداء في سبيلها ومن السعداء في الإقامة بها. وإننا في بلاد الشام قد كتب الله لنا القدرة على كثرة مطبوعات علم الحديث النبوي الشريف وكتب العقيدة السليمة التي ارتضاها الله لعباده المروية عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وتلقاها علماء الأمة بالقبول والعمل وإنني أدعوا الله ان يفرج عنا ما نحن فيه من كروب بفضلة وكرمه وقد امتن الله علينا بالقدرة على القيام بهذه العبادة الطيبة بسهولة ويسر ومعونة لنا ولجميع المسلمين. وإنني أشكر هذا الجمع الغفير ممن لقيت من علماء المملكة وشكرت لهم اهتمامهم بإخوانهم من مختلف البلاد وفي هذا المؤتمر الذي جعله الله للمسلمين في كل عام وتتلاقى أجسامهم وتجتمع أفكارهم ويتعاونوا على البر والتقوى مع الدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يفرج عنهم جميعا. كما شاهدت الاهتمام بالعقيدة الإسلامية الصحيحة التي هي عماد الدين ومنها ينبع النصر المأمول من فضل الله. وإنني أدعوا لإخواني المسلمين أن يبارك في أيامهم وأن يجعلني وإياهم من عباده الصالحين وإنني أنتهز هذه الفرصة الكريمة التي دعاني إليها إخواني الأفاضل في (ملتقى أهل الحديث) على الشبكة المفيدة النافعة، وأرجوا الله أن أتمكن مستقبلا من التعاون معهم على الخير عملا بقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وكتب ابو بكر محمد زهير بن مصطفى الشاويش الهاشمي الحسني -الدمشقي الميداني- البيروتي ثم الحازمي -غفر الله له مكة المكرمة الإثنين 23\ 12\1423 الجزء: 6 ¦ الصفحة: 119 مشايخ الشيخ زهير الذين يجيز عنهم في إجازته (كتب الشيخ عبد الرحمن بن عمر الفقيه الغامدي: ) أسوق هنا مشايخ الشيخ زهير الذين يجيز عنهم في إجازته وقد انتقاهم من جمع ممن أخذ منهم الإجازة: 1 - الداعية الجليل المجاهد الشيخ صلاح الدين بن رضا الزعيم (الدمشقي). 2 - العلامة الأديب الداعية الشيخ سعدي بن أسعد ياسين الصباغ (الدمشقي ثم البيروتي). 3 - السيد الحسيب حسين أحمد المدني (مرجع أسانيد أهل الهند). 4 - العلامة المحدث عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العتمي (اليمني ثم المكي). 5 - العلامة المؤرخ الشيخ محمد راغب الطباخ (الحلبي). 6 - العالم الداعية الشيخ محمد بن محمود الحامد (الحموي). 7 - العلامة السياسي الشيخ محمد سعيد العرفي (الفراتي). 8 - العلامة محمد بن عبد العزيز المانع (القصيمي ثم القطري). 9 - العلامة الرحالة الدكتور تقي الدين الهلالي (المغربي) 10 - العلامة المجاهد الشيخ محمد البشير الإبراهيمي. 11 - المحدث المحقق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي (الهندي). 12 - العالم المربي الشيخ إبراهيم الراوي -شيخ الرفاعية- (العراقي). 13 - العالم الشاعر الشيخ محمد سالم البيحاني (العدني). 14 - العالم الشيخ سيف بن محمد بن مدفع (الشارقي). 15 - العالم الجليل الشيخ عبد الله القلقيلي (مفتي فلسطين والأردن). 16 - المفتي الحنبلي الشيخ محمد جميل الشطي. 17 - شيخ أحناف الشام الشيخ عبد الوهاب الحافظ -دبس وزيت- (الدمشقي). 18 - العلامة الشيخ محمد بن عبد الله آل عبد القادر (الأحسائي). 19 - العلامة اللغوي المحدث الشيخ أحمد محمد شاكر (المصري). 20 - العالم المربي الشيخ نافع الشامي (الإدلبي). الجزء: 6 ¦ الصفحة: 120 تنبيه (مهم) من زهير الشاويش بخصوص كتاب (المرعشلي) ذكر الشيخ / زهير الشاويش ـ حفظه الله ـ، أن الدكتور / يوسف المرعشلي أخطأ في كتابه الأخير (معجم المعاجم والمشيخات ... ) خطأً كبيرًا في حقه، حيث زاد (بقلمه) على إجازته أربعة من الشيوخ وهم بأرقام: 21 ـ محمد بن إبراهيم آل الشيخ. 22 ـ أخوه عبد اللطيف. 23 ـ أخوه عبد الملك. 24 ـ عبد الرحمن الإفريقي. انظر (معجم المعاجم: 4 / الملاحق ـ صور إجازات الشيوخ، ويظهر فيها بوضوح إلحاق هؤلاء الأربعة بالقلم، زيادة على العشرين شيخاً الذين سماهم الشاويش في إجازته) قال الشيخ: وهؤلاء الأربعة أعرفهم، ولي بهم صِلات قوية، لكني لم أستجزهم. ثم قال لي: لقد هاتفت المرعشلي، فاعتذر عن ذلك، وأنه فعل ذلك ظناًّ منه أنهم قد أجازوني، لما سمعني أذكرهم كثيراً (*). قال: ثم أرسل إليَّ اعتذاراً خطياًّ، يوضح فيه ذلك. قال: وقد استغلّ هذا الخطأ بعض الناس في الرياض (وهو محمد الرشيد، صاحب أبي غدة)، وأخذ يشنع علي َّ، ويتهمني بالكذب والتزوير .. و ..   (*) لقد تم التصحيح في الطبعة الجديدة من الكتاب بعد اتصال الدكتور المرعشلي حفظه الله، وتم حذف الأسماء الأربعة من قائمة شيوخ فضيلة المحدث الشيخ زهير الشاويش بارك الله في عمره. والدكتور يوسف المرعشلي شيخ فاضل لا يتعمد الكذب على شيوخه الجزء: 6 ¦ الصفحة: 121 الشيخ علي بن محمد العمران ترجمة الشيخ المحقق علي بن محمد العمران الاسم: علي بن محمد بن حسين العمران (بكسر العين) ولد في اليمن عام 1390, في السودة، إحدى ضواحي مدينة عمران (بفتح العين). ثم انتقل إلى المملكة وهو دون الخامسة، واستقر بمدينة الطائف، وأكمل بها المراحل التعليمية الثلاث. ثم التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية بكلية الحديث والدراسات الإسلامية، وتخرج فيها عام 1412 بتقدير ممتاز فأخذ من مشايخ الجامعة، كفضيلة الشيخ عبد الله الغنيمان , والشيخ عبد المحسن العباد في العقيدة، والشيخ حافظ الحكمي في المصطلح، والشيخ عبد العزيز العبد اللطيف _ رحمه الله_ في الجرح والتعديل، وأخذ عن غيرهم من مشايخ الكلية، وأساتذتها. وكان لتعرفه على ثلة من من طلبة العلم النابهين أثر كبير في حياته العلمية، كالشيخ صالح بن حامد الرفاعي والشيخ أحمد بن علي القرني، وغيرهم. واستقر بعد التخرج في مدينة الطائف وانتفع فيها بإمور ثلاثة: 1 - تفرغه للطلب والتحصيل والبحث والتأليف. 2 - ملازمته للدروس العلمية للشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- في يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع في أيام الإجازة الصيفية. 3 - ملازمته لمجالس الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد - حفظه الله - في بيته، فقل يوم إلا ويجتمع به ويستفيد منه ويذاركره العلم. له عدد من المصنفات والتحقيقات وهي: 1 - تعقبات الحافظ ابن حجر على الإمام الذهبي في ميزان الإعتدال- جمع وتعليق. 2 - القواعد والفوائد الحديثية من منهاج السنة النبوية - جمع وتعليق-. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 1 3 - المشوق إلى طلب العلم (وهو ماتع جدا) - تأليف. 4 - العلماء الذين لم يتجاوزا سن الأشد - تأليف-. 5 - الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية- خلال سبعة قرون - جمع وتعليق وفهرسة فنية دقيقة- بالإشتراك مع الشيخ الشيخ / محمد عزير شمس - وفقه الله - قدم له العلامة الفهامة الشيخ / بكر بن عبد الله أبوز زيد- حفظه الله- وفي هذا الجامع فوائد عظيمة!!!. 6 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين لابن الجزري - اعتناء وتحقيق-. 7 - أسامي شيوخ البخاري للصغاني-أخرجه بخط مؤلفه وقدم له ووضع فهارسه -. 8 - عمدة القاري والسامع في ختم الصحيح الجامع للسخاوي - اعتناء وتحقيق-. 9 - تجريد التوحيد المفيد للمقريزي - تحقيق-. 10 - منسك شيخ الإسلام ابن تيمية - اعتناء وتحقيق-. 11 - تقييد المهمل وتمييز المشكل لأبي علي الغساني - دراسة وتحقيق في ثلاثة مجلدات - بالإشتراك مع الشيخ محمد عزير شمس. 12 - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير - دراسة وتحقيق - قدم له الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد. 13 - النفحة القدسية والتحفة الأنسية، للحفظي، تحقيق. 14 - مختصر الصارم المسلول. 15 - المنهج القويم اختصار الصراط المستقيم، كلاهما للبعلي، تحقيق. 16 - ذيل التبيان لبديعة البيان، للحافظ ابن حجر، تحقيق. 17 - بدائع الفوائد، لابن القيم، في خمسة مجلدات، تحقيق. تحت الطبع: 18 - شفاء العليل اختصار بطلان التحليل، للبعلي، تحقيق. 19 - اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية للبرهان ابن القيم، تحقيق. 20 - صوارم اليقين لقطع شكوك القاضي أحمد بن سعد الدين، ليحيى بن الحسين بن القاسم، تحقيق. 21 - الجامع لسيرة الإمام ابن قيم الجوزية. 22 - العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، لابن عبد الهادي، تحقيق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 2 ثناء الشيخ العلامة بكر أبو زيد عليه: قال الشيخ بكر أبو زيد في تقديمة لكتاب الروض الباسم لابن الزير (1/ج) (وقد سمت همة الشيخ الفاضل / علي بن محمد العمران، إلى الإمساك بناصيته، والاعتناء بإخراجه على مجموعة نسخ خطية، فلما أحضره الي _ تقبل الله منا ومنه- مطبوعا في تجربته الأخيرة في نحو ((600)) صفحة، ومقدمة التحقيق في نحو ((100)) صفحة، قرأت مقدمة التحقيق، وجملة من التعاليق، وفي مواضع من المتن، وفي فهارسه الكاشفة عن مخبآته، فتذكرت قول من مضى: ((دل على عاقل حسن اختياره)) وأضيف اليه ((ودل على عاقل حسن عمله وإتقانه)) فقد جمع هذا الفاضل بين الحسنيين، وحاز الدلالتين؛ إذ قد مشى في تحقيقه على أصول نيرة، يعرف بها التزامه بها من كان له فضل عناية بالتحقيق، ولا أريد أن أطيل، فالعمل أمام فوقة القراء، ومنصفيهم. وقد عافاه الله من حشر الحواشي الطوال بلا طائل - تلك الظاهرة التي تمكن غير المختصين من استباحة حمى العلوم الشرعية -. وله - أثابه الله - لفتات نفيسة في المقدمة، والحواشي، وقد أحسن كل الإحسان في كشافات الكتاب المصنفة على مجموعتين: ((الفهارس النظرية)) التي في وسع كل أحد عملها، و ((الفهارس العلمية)) التي لايستطيع عملها بصفة موعبة إلا طالب علم متمكن، ولا أحسب المحقق الا كذلك)) انتهى كلام الشيخ بكر حفظه الله. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 3 حول رسالة العشق المنسوبة لابن تيمية ـ[الشيخ الفاضل وفقه الله. . وجدت كلاما حول مشروعكم عن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض المنتديات. . وخاصة في نسبة رسالة في العشق لابن تيمية. . وهذا نص الموضوع. . ((حبا لشيخ الاسلام ولما له من الفضل واليد الطولى في نصرة السنة وتحقيق المسائل المشكلة، وحماية له من ان ينسب له ما ليس له كتبت هذا التنبيه على هذا المجموع الذي لا يخلو من انتقادات. . فمن اهم الملاحظات:. . نسبتهم فتوى لشيخ الاسلام في العشق .. !!!. . مع ما فيها من كلام يخالف كلام شيخ الاسلام ابن تيمية فهو ايضا خاوي من نفس شيخ الاسلام - رحمه الله -. . وذلك: بان في هذه الرسالة المنسوبة لشيخ الاسلام - زعموا - يجيز فيها تقبيل المعشوق شهوة .. !!. . والكلام فيها كلام ركيك ودعوة للعشق بذكر فوائده وجواز الكلام بين المعشوقين والنظر والتقبيل إن دعت الحاجة الى ذلك .. !!. . وهذا مع مصادمة للسنة فهو ايضا مصادم لما قرره شيخ الاسلام في المجلد العاشر من مجموع الفتاوى (السلوك). . . وقد اعتمد المحقق على نسخة خطية ليس عليها سماع ولا اسم للناسخ وقال: انها نسخت في القرن العاشر على الاقرب (أو بما معناه). . فهل هذا تحقيق!!؟؟ أم شغل تجاري!!؟؟. . أرجو أن تصل هذه الملاحظة إلى الأخ المحقق ليراجع نفسه وما خطت يده. . . وان شاء الله لي وقفة مع كتاب المجموع في ترجمة شيخ الاسلام المطبوع ضمن هذه المجموعة. )). . ]ـ ـ[أود التأكيد على طلب الأخ، وأرجو عرض الموضوع على الشيخ محمد عزير؛ فهذه الرسالة (العشق) أكاد أجزم بأنها ليست لشيخ الإسلام رحمه الله لأسباب:. . 1 - لم يذكر المحقق من ذكر هذه الرسالة من العلماء عن شيخ الإسلام، وهذا في غاية الأهمية نظرا لغرابة الكلام المذكور فيها. . . 2 - ليس من سبيل لإثباتها إلا ما جاء على طرتها من اسم شيخ الإسلام!!. . 3 - أن أسلوبها الركيك يشكك في ثبوتها، فليس فيها ذاك النفس المعهود عنه رحمه الله. . . 4 - أنه من غير الممكن أن يقول الشيخ رحمه الله بجواز تقبيل المعشوق في ألأحيان!!! وأنه من الأفضل أن يمكنه المعشوق من ذلك!!!. . . 5 - أن كلام الشيخ في غير هذا الموطن يخالف المذكور هناك، وأن على العاشق البعد عن من عشقه، وأن هذا يزيل عنه ما يجد، انظر مثلا: 10/ 132. . أتمنى من الشيخ علي إيصال هذا الموضوع إلى المحقق، كما أتمنى أن يتحفنا برأيه فيما ذُكر ... خاصة إذا تأمل المتأمل في حجم الخطر الكامن وراء انتشار هذا الكلام بين ضعاف النفوس، فاللهم سلم. ]ـ ـ[كتب بعض الإخوة كلاما في أحد المنتديات، قال [كنت هممت من عدة أيام كتابة ملاحظات على المجموعة التي أصدرتها عالم الفوائد والتي تتضمن مجموعة رسائل لابن تيمية وبعض المختصرات ومقدمة لبكر أبو زيد ولكن أشغلتني قضايا أخرى حتى رأيت لشخص يسمي نفسه القشيري كتب تعليقا على هذه المجموعة، وغرضي هنا بيان بطلان فتوى العشق المنسوبة لابن تيمية التي نشرها عزير شمس أصلحه الله فعزير شمس لم يتبع المنهج العلمي في توثيق الكتب والرسائل لأصحابها ولذلك وقع في هذه المشكلة وفتوى العشق التي نشرها في مجموعته في الجزء الأول بين الإمام ابن قيم الجوزية في كتاب روضة المحبين كذب هذه الفتوى على ابن تيمية ففي روضة المحبين ص118 ذكر ابن القيم جزءا من هذه الفتوى التي نشرها عزير شمس، وبين في ص131 أنها مكذوبة على شيخ الإسلام وأنها بخط رجل متهم بالكذب فهذا أخص تلاميذ ابن تيمية وهو ابن القيم ومن أعرف الناس بكتب شيخه وفتاويه ومذهبه يبين للناس كذب هذه الفتوى وأنها لا تصح نسبتها إلى ابن تيمية وإنه لمن الواجب على دار عالم الفوائد أن تتقى الله وتقوم بسحب جميع نسخ الكتاب من السوق واتلاف الجزء الأول منها وإعادة طباعته بدون الفتوى المذكورة، لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فقد أسهموا بنشر هذا الكتاب وما تحويه من فتوى خطيرة يطير بها الفساق فرحا يسهمون بنشر الفساد ونسبة جواز الفسق إلى علم من أعلام الأمة اللهم أهدنا جميعنا لما تحبه وترضاه]. . آمل من الشيخ - حفظه الله - مراجعة ما كتبه الأخ بهذا الخصوص وجزاكم الله خيراُ، والله يحفظكم ويحفظ المسلمين آمين]ـ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: في أول إجاباتي على الأسئلة الواردة من الإخوة الفضلاء، أقدم الجواب عن سؤال تكرر كثيرا في هذا المنتدى وفي غيره من المنتديات ألا وهو ما يتعلق ب ((رسالة العشق)) المطبوعة في (جامع المسائل: 1/ 177 - 186)، ومدى صحة نسبتها لشيخ الإسلام ابن تيمية، فأقول: أولا: ينبغي على طالب العلم أن يستعمل الأدب في حواراته العلمية، وأن يدعم قوله بالأدلة والحجج ما استطاع الى ذلك سبيلا، وبعيدا عن سفيه القول وطائش الكلام، الذي يذهب بروح البحث. ثانيا: مهما كان الباحث واسع الإطلاع قوي المعرفة بما يكتب - كالشيخ محمد عزير شمس - فإنه قد يفوته كثير مما يدركه غيره، وهذا من طبيعة البشر، فكان ماذا لو فاته الاطلاع على كلام ابن القيم في نفي هذه الرسالة وأنها مكذوبة على الشيخ؟! ثالثا: أن عذره في إثبات هذه الرسالة أمور: 1 - كثرة كتب ابن تيمية ورسائله وفتاويه، فعدم ذكرها ضمن كتبه ومؤلفاته، ليس دليلا على نفيها. 2 - أن ابن القيم قد نقل بعض التقسيمات الموجودة فيها في كتابه ((الجواب الكافي)) كما أشار إليه عزير شمس في الهوامش. 3 - أن النسخة الخطية قد نسبت هذه الفتوى لابن تيمية. 4 - أن الرأى الذي استغربه الكثيرون وهو: جواز تقبيل من خاف على نفسه الهلاك، ليس رأيا خارجا عن الإجماع، بل قد اختاره بعض العلماء ومنهم أبو محمد بن حزم - كما ذكر ابن القيم-. أقول فهذه الأمور مجتمعة - إذا تجردت عن قرينة نفي ابن القيم للرسالة وتكذيبه لها الذي لم يطلع عليه عزير شمس - تسوغ هذه النسبة، وإن لم نجزم بها جزما لايقبل الشك. رابعا: هذا العذر - في تقديري على الأقل -مسوغ لهذه النسبة، فكيف لو اجتمع إليه دليل خامس، وهو: أن الأمير علاء الدين مغلطاي وهو من تلاميذ ابن تيمية وأنصاره - قد أثبت هذه الرسالة للشيخ ونقل منها في كتابه ((الواضح المبين فيمن مات من المحبين)). خامسا: بعد هذا كله فالرسالة - عندي - لاتثبت لشيخ الإسلام ابن تيمية، فليس فيها نفسه ولا أسلوبه المعهود في الكتابة، وما ذكره ابن القيم من أدلة في نفيها كاف. وقد ذكر في الروضة " ((ص/131) أن أحد الأمراء - ويعني به مغلطاي - قد أوقفه على هذه الفتوى، ثم نقدها. سادسا: استدراكا لهذا الأمر؛ فإنه سينبه في آخر (المجموعة الخامسة) - إن شاء الله- على ما استجد من معلومات وفوائد وتصحيحات فيما يتعلق بهذه السلسة (1 - 8) تحت عنوان: ((استدراكات)) وسيكون التنبيه على هذه الرسالة منها. هذا أولا. وثانيا: أنه في الطبعة الجديدة (للآثار. . . ) - وهي قريبة إن شاء الله تعالى - ستحذف هذه الرسالة منها. هذه خلاصة رأيي في هذه المسألة، والحمد لله حق حمده. . . . وآمل أن يكون فيما ذكرته كفاية ومقنع، وأخبر الأخوة أن الشيخ محمد عزيز شمس خارج البلاد الآن، والإ لا لتمسنا منه أن يجيب على هذا التسائل بنفسه. ـ[هل مغلطاي المذكور هو الأمير (*) المشار اليه]ـ نعم هو الأمير المذكور على ما أرجح   (*) يشير إلى ما ذكره ابن القيم في "الروضة " (ص/131) أن أحد الأمراء قد أوقفه على هذه الفتوى (المنسوبة لابن تيمية). . . الخ الجزء: 7 ¦ الصفحة: 4 ـ[من واقع عنايتكم بالتحقيق الرجاء إبراز أهم الصعوبات التي تواجه المحقق ؟ وكيف يمكن أن يتغلب عليها. ]ـ بالنسبة للصعوبات التي تواجه المحقق؛ فلا يخفى أنها كثيرة ومتنوعة بتنوع متعلقات المخطوط، من جهة عدد النسخ، فقد تكون المشكلة من كثرة النسخ وقد تكون من قلتها، ومن جهة تمامها وعدمه، ومن جهة موضوع المخطوط ومادته، ومن جهة وضوح الخط وعدمه. . . . الخ ولو نظر الناظر في مقدمات الكتب المحققة فى الرسائل الجامعية لوجد فصلا ثابتا عن الصعوبات التي واجهوها في التحقيق، وهذا النظر كفيل بأن يطلع الباحث على ما يعانية المحققون، وكيف عالجوا تلك المصاعب، وأرجو أن لا تكون صارفة له عن التفكير في التحقيق جملة. والموضوع يحتمل أكثر من هذا، ولكن .. !!! الجزء: 7 ¦ الصفحة: 5 ـ[ هل الأصوب في مجال التحقيق التلفيق، أم الاعتماد على أصل واحد وذكر الفوارق في لحواشي؟ ]ـ خلاصة رأيي في مسألة التلفيق، أو اختيار أصل واحد يتلخص في أمور 1 - أن المسألة اجتهادية اعتبارية، ولايمكن الجزم بخطأ إحدى الطريقتين. 2 - أن التنفير من طريقة (النص المختار) بأن يطلق عليه (التلفيق) لا يغني من الحق شيئا. 3 - يلزم المحقق أن يختار أصلا واحدا في حالة ما إذا وجد الكتاب بخط مؤلفه، أو بخط أحد تلاميذه وعلية قراءة أو تصحيح المؤلف، أو كان بخط أحد العلماء وكان مع ذلك في درجة من الصحة والجودة بحيث يركن اليها المحقق، فهنا يلزمه أن يختار هذا الأصل ولا يحيد عنه إلا في حالات نادرة، كأن يكون الإخراج الأول للمؤلف. . . . أو نحو ذلك مما يعلمه أهل الشأن، فهنا يجوز الخروج عن الأصل مع التنبيه على ذلك. 4 - آما إذا كانت النسخ متقاربة في الصحة أو لا مزية لأحدها على الأخرى فلا يلزم المحقق حينئذ اختيار أصل واحد وجعله حاكما على بقية النسخ، وإن كانت هذه الطريقة (اعني اختيار أصل واحد) مريحة للمحقق، لأنه سيثبت ما في النسخة المختارة ويملأ هوامش الكتاب بفروق النسخ الأخرى، بدون إعمال ذهن، ولا ترجيح راجح، ولا فهم لطريقة المؤلف وأسلوبه، فسيقول لك مثلا: (في الأصل [غير] وفى م: عير)!! فهو لا يفرق بين (غير وعير)!! وهذه الطريقة (أعنى اختيار أصل واحد) يوصى بها -غالبا- المبتدئون في التحقيق من طلبة الماجستير، لعدم امتلاكهم أهلية أختيار النص الصحيح، أما المتمرسون في هذا الشأن فطريقتهم هي اختيار النص السليم مثل: محمود شاكر وعبد السلام هارون وغيرهم، وليس معنى هذا تصويب أخطاء المؤلف، كلا. . . الجزء: 7 ¦ الصفحة: 6 ـ[هل هناك فرق بين التصحيف والتحريف ؟ مع ذكر الأمثلة. ]ـ في التفريق بين التصحيف والتحريف، فجمهرة المتقدمين لايفرقون بينهما بل يطلقون كل واحد منها على الآخر , والأكثر عندهم استعمال (التصحيف) وأول من فرق بينهما تفريقا واضحا هو الحافظ ابن حجر في (النزهة) - وإن سبقه العسكري - ببعض التفريق نظريا لاعمليا. وقد شرح ذلك مع ذكر الأمثلة، وبيان تفرد الحافظ بذلك الأستاذ: اسطيري جمال في مقدمة كتابة (التصحيف .. ): (من /23 - 41). فلم يدع قولا لقائل. وانظر: (تحقيق النصوص: 65 - وما بعدها) لعبد السلام هارون، و (مناهج تحقيق التراث: 124 - وما بعدها) لرمضان عبد التواب، ومحاضرة في التصحيف والتحريف للطناحى في أخر كتابة (مدخل الى تاريخ نشر التراث: 285 - 316). الجزء: 7 ¦ الصفحة: 7 ـ[ هل من الممكن اعتبار الطبعات القديمة على أنها نسخ للكتاب ]ـ تجده محققا محررا في كتاب العلامة عبد السلام هارون (تحقيق النصوص: 31 - 32). الجزء: 7 ¦ الصفحة: 8 ـ[هلا ألقيت الضوء على ترتيب النسخ على حسب أهميتها ، مع المثال؟ وكيف نتعامل مع أكثر من نسخة بخط المؤلف؟ ]ـ الجواب ذو شقين: الأول: ترتيب نسخ الكتاب الواحد قد أشبعها المتكلمون في هذا الباب، بما لامزيد علية، وبما لا يخفى عليكم. الثانى: إذا وجد للكتاب نسختان جميعها بخط المؤلف، فأقول: إن وجود الكتاب بخط المؤلف يعتبر من القليل النادر، كما يعلمه أهل الشأن، فكيف بوجود نسختين كذلك؟! لكن إن وجد ذلك - وقد وجد حقيقة- فلا يخلو الأمر حالتين. الأولى: أن تتفق النسختان ولايقع بينهما خلاف، فهنا لا إشكال- وان اختلفتا في تأريخ النسخ فعدم اختلافهما في المضمون هو المهم. الثانية: أن يقع في النسختين اختلاف، بالزيادة أو النقص أو التغيير أو التصحيح أو غير ذلك، فهنا: إما أن يعلم أن أحدهما متقدمة على الأخرى، فتعتمد الآخرة منهما، لأن الأولى تكون الإخراج الأول للكتاب، ثم أضاف اليها المؤلف وزاد ونقص. . . . وإما ألا يعلم تأريخ كل منهما، لكن يمكن تمييز أيتهما الآخرة بقرائن، فالمسودة تعرف بكثرة البياضات والشطب والإلحاقات، والمبيضة بخلاف ذلك، وإما بنص العلماء كان يقولوا: إن له إخراجين للكتاب الآخر منها أكبر، فيعتبر. . . إلى غير ذلك من أوجه الترجيح والموازنة. والحمد لله رب العالمين الجزء: 7 ¦ الصفحة: 9 ـ[شيخنا الفاضل ما رأيكم ب اختيارات شيخ الاسلام للبعلي من حيث صحه نسبة الأقوال والاختيارات التي يذكرها البعلي عن شيخ الاسلام؟؟؟. . نرجو تفصيل القول فيها؟؟؟؟. . وفقكم الله ,,,]ـ حول اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية للبعلي، فأقول: أما تفصيل القول فيها تفصيلا شافيا فطريقه ما ذكره الشيخ العلامة بكر أبو زيد - فيما نقل عنه محقق كتاب البعلي قال: (توثيق الاختيارات [يكون] بالموازنة مع المطبوع من كتب شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - وما ذكره ابن القيم في كتبه، وما ذكره ابن مفلح في الفروع وهو نحو 825 من الاختيارات التي ذكرها عن شيخه، وما ذكره المرداوي في الإنصاف. وبالله التوفيق) اهـ وبعد هذا كله يتبين جواب السؤال بدقة، وقد تكلم عن هذا الكتاب وعن نسبة بعض ماجاء فيه من الاختيارات د/أحمد موافي في كتابه (اختيارات ابن تيمية). وهناك عدة رسائل جامعية في جامعة الإمام حول اختيارات الشيخ، فلعل فيها بسطا لهذه المسألة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 10 ـ[نرجو إعطاءنا خلفيه عن الطبعات التي يصح اعتمادها للكتب الستة ، وهل هناك محاولات جادة لجمع الروايات والمخطوطات لتحقيقها. ]ـ أحسن طبعات الكتب الستة - فيما أعلم - هي: أ- صحيح البخاري (الطبعة السلطانية)، والتي مع شرح القسطلاني. ب- صحيح مسلم (التي بهامش شرح القسطلاني)، وطبعة محمد فؤاد عبد الباقي. ج- سنن النسائي (الطبعة التي بترقيم أبي غدة). د- سنن أبي داود (طبعة الدعاس وطبعة عوامة). هـ- سنن ـ الترمذي (لا أعلم له طبعة تعتمد، وأصح ما في الباب طبعة د/ بشار عواد) وسنن ابن ماجه (طبعة بشار عواد). وهذا لا يعني التزكية المطلقة لهذه الطبعات، فقد يوجد فيها من الأخطاء ونحوها ما يشكك الباحث في صحتها، ولكن نعني أنها أصح الموجود، وتبقى العناية بهذه الكتب - في نظري - دين على هذه الأمة، وأعني بالعناية: طبعها بما يليق بمكانتها، من جمع نسخها، وتحقيقها، وطبعها في أحسن حلة، وفهرستها. وإلا فقد اعتنى بها علماء الإسلام أيما عناية. وهناك محاولات - لكن لا أدري هل هي جادة - ففي مركز خدمة السنة بالمدينة عمل على تحقيق الكتب الستة، وكذلك عمل في مؤسسة الرسالة بإشراف شعيب الأرناؤوط، إلى محاولات أخرى فردية، وهذا الشأن لا يقوم به أفراد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 11 ـ[ما هي آخر مشاريعك العلمية حالياً ومستقبلاً. ]ـ آخر المشاريع العلمية التي تخصني، ذكرت في الترجمة (*).   (*) تجد الترجمة في هذا الكتاب الإلكتروني، في بداية اللقاء الجزء: 7 ¦ الصفحة: 12 ـ[أيهما أفضل طبعة لمسند الإمام أحمد : طبعة دار الكتب أم مؤسسة الرسالة ولماذا. ]ـ مسند أحمد لا أعلم أن (دار الكتب) طبعته، إلا إن كنت تقصد (دار عالم الكتب)، فهي جيدة، والموازنة بين الطبعتين في هذا الكتاب الضخم تحتاج إلى وقت طويل، وهذا ما لا أملكه!! الجزء: 7 ¦ الصفحة: 13 ـ[ما هي أخبار تهذيب التهذيب لابن حجر فقد طال إنتظاره عند الشيخ الميره، ]ـ (تهذيب التهذيب) قد طال انتظاره حقا، ولا أدري أين وصلوا في العمل عليه (لكن الذي يعمل عليه أحمد معبد عبد الكريم) وليس الميرة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 14 ـ[وما هي أخبار الدرر الكامنة هل هناك من يقوم بتحقيقه]ـ لا أعلم أن أحدا يحققه الجزء: 7 ¦ الصفحة: 15 ـ[وأيضاً تفسير الطبري ]ـ قد علمت أنه أحد مشاريع د/ عبد الله التركي، وأنه يقوم على تحقيقه وطبعه، ولعله يكون في عشرين مجلدا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 16 ـ[بالنسبة ل طبعة بشار عواد للترمذي ، الم يحذف احاديث تقرب من الثلاثين هي موجوده في طبعة شاكر، وأخذ أهل العلم عليه ذلك؟؟. ]ـ طبعة بشار عليها ملحوظات كثيرة، لكن مقام الإجمال يقتضي الاختصار، وأهم ملاحظة ـ في نظري ـ أنه لم يعتمد على نسخ خطية، مع أن للكتاب نسخا كثيرة قديمة وجيدة، فبقي عمله قاصرا، خاصة في مثل كتاب الترمذي. أما الأحاديث التي أشرت إليها، فكان مستنده في حذفها: أن المزي في (التحفة) لم يذكرها، وقد ساقها بشار في الهامش. أما طبعة الشيخ أحمد شاكر فهي الأخرى عليها ملحوظات كثيرة، أهمها عدم اعتماده نسخا موثوقة، ولا يغرنك كثرة الفروق في الهومش فأكثرها مطبوعات!! على أنه لم يتم من تحقيقه إلا أقل من الربع. فطبعة بشار هي أصح ما في الباب، ولايلزم من ذلك صحتها، والله أعلم. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 17 ـ[ كتاب (الجامع لسيرة شيخ الاسلام) هل ستقومون بتحقيق أمنية الشيخ بكر في تقديمه له؛ حيث تمنى أن تصاغ منه ومن غيرها (السيرة الشاملة لشيخ الإسلام). . . ولا أظن أقدر على ذلك منكم وفقكم الله. ]ـ الترجمة التى أشار الشيخ بكر بعنوان (السيرة الجامعة .. ) لعل الشيخ بكرا يقوم بها، وفهمت من كلامه ما يوحي بذلك. وأما ظنك ففي غير مكانة إن بعض الظن إثم .. !! الجزء: 7 ¦ الصفحة: 18 ـ[ لامية شيخ الإسلام هل وقفتم على أصل لها مخطوط يثبت صحة نسبتها إليه]ـ لامية شيخ الإسلام نشرها الأخ خالد الحيان معتمدا على عدة نسخ خطية متأخرة، وذكر بعض أدلة ثبوتها، وإن كنت لا أوافقه على الجزم بنسبتها اليه، بل فيه نظر كبير. ثم وقفت على نسخة خطية منها على طرة مجموع فيه فناوى لابن تيمية بخط أحد أبناء عمومته ابن يمية، بتاريخ (762) في غاية الجودة والنفاسة، لكنه لم يجزم بنسبتها لشيخ الإسلام، فيبقى أن تجمع هذه الدلائل والقرائن إذا أردنا الجزم بإثباتها أو نفيها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 19 ـ[ الفوضوية في تحقيق التراث هل من وقفة لكم تجاهها. . فإنه لا يتصدى لتحرير أصول التحقيق إلا من عاش التحقيق. . . ومثلكم موثوق بعلمه. ]ـ الفوضى في تحقيق التراث؛ قد تصدى لها كثير من الغيورين على تراث أمتهم ن وألفوا في ذلك كتبا وبحوثا، وعقدوا مؤتمرات، ولكن العبث أكثر بكثير من هذه الجهود المبذولة!! وقد شاركت بعدد من المقالات في بعض الملاحق التراثية في نقد بعض الطبعات، ولا تمر مباسة في الكتب التي أعتنيت بها إلا وذكرت فيها ما يناسب المقام من الإرشاد بطبعة جيدة أو نقد طبعة سقيمة، وعندي من التقييدات والضمائم ما لو جمع أو حرر لجاء كتابا في هذا الباب. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 20 ـ[ العناية المهلكة بنسخ المخطوط ما رأيكم بها]ـ الإغراق في جمع نسخ الكتاب الواحد، نتكلم عنها في نقاط أ- إذا كان للكتاب نسخ جيدة معتمدة يركن إليها في إخراج الكتاب، فلا معنى لانتظار نسخ أخرى لا قيمة لها، أو لايعرف تأريخ نسخها أو لا ميزة لها. ب- إذا كان للكتاب نسخ جيدة، وهناك نسخ جيدة - أيضا- فينبغي له جلبها، فلعلها أجود من نسخه، أو فيها زيادات أو تصويبات أو نحو ذلك، لكن لو تعذر الحصول عليها وكان الكتاب مهما أو لم يطبع من قبل؛ فلا ينبغي ترك طبعه بحجة انتظار نسخ أخرى. ج- يحلو للبعض أن يستكثر من النسخ عند التحقيق، سواء كان لها قيمة أو لم يكن، ثم يملأ هوامش الكتاب باختلافات النساخ، كما هو دأب المستشرقين، فيتضاعف حجم الكتاب، بلا فائدة تذكر، والأمثلة كثيرة، كما في تحقيق السعوي (للتدمرية)، وكتاب (اليواقيت والدرر والدرر- للمناوي- طبعة الرشد الثانية) وغيرها. د- لكن إذا كان الكتاب ناقصا، وله نسخة تامة، فلا ينبغي إخراجه إلا إذا وجدت حتى لو طال انتظارها، كما هو الحال في كتاب (الطب النبوي) لأبي نعيم، فنسخته المعروفة في الاسكريال ناقصة، وله نسخة تامة في تركيا، أعرف أحد طلبة العلم قد انتهى من تحقيق الكتاب من عدة سنوات لكنه لم يخرجه انتظارا لهذه النسخة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 21 ـ[هل المطلوب من المحقق أن يعتني بـ :. . أ- جمع النسخ. . . ب- العناية بالفروق. . . ج- التحشية والتعليق. . . . . أم أن المطلوب منه:. . أ- إظهار النص مضبوطاً متقنا. . . ب- إبراز فوائد الكتاب. ]ـ المطلوب من المحقق أمور 1 - تحقيق عنوان الكتاب 2 - تحقيق اسم مؤلفه 3 - تحقيق نسبته إليه 4 - تحقيق متن الكتاب حتى يظهر بأقرب صورة تركها مؤلفه وهذا الرابع يكون بأمور /1 - جمع النسخ الخطية /2 - إثبات أهم الفروق بين النسخ /3 - التعليق على النص بما يزيل غموضه ويحرر معانيهن وتخريج ما يحتاج إلى تخريجه من نصوصه باقتصاد وعد إطالة /4 - ضبط ما يشكل في نص الكتاب من العلام وغيرها 5 - إبراز فوائد الكتاب بفهرسته هذا على سبيل الاختصار والايجاز الجزء: 7 ¦ الصفحة: 22 ـ[هل هناك ما يسمى بـ (التخريق) في فن (التحقيق) ، حيث أخرج الغفيلي كتاباً كتب على طرته: تحقيق وتخريق. . فلا أدري أهو مصطلح عند أهل التحقيق، أم هو باقٍ على أصل الكلمة والمعنى اللغوي. ]ـ لا أعرف هذا المصطلح الجديد المسمى بـ ((التخريق))!! ولعله تصحف عن (التخريج). الجزء: 7 ¦ الصفحة: 23 ـ[ هل هناك مجلات ودوريات تعتني بالمخطوطات ]ـ نعم هناك عدد من المجلات والدوريات التى تعتني بالمخطوطات، مثل: -مجلة عالم المخطوطات -مجلة عالم الكتب -مجلة معهد المخطوطات، وكان لديهم نشرة تراثية جيدة في التعريف بالمخطوطات والكتب التى تحقق وغير ذلك. -أكثر المجلات لها ركن خاص إما بتحقيق الكتب أو نقدها أو التعريف بالمخطوطات، أو فهرستها أو نحو ذلك، كمجلة المجمع العلمى العربي، ومجلة العرب، والدارة، والحكمة، والمشكاة، والمورد ............ الخ ـ[ نريد بعض الكتب التي تتحدث عن تحقيق المخطوطات . ]ـ الكتب التى تتحدث عن التحقيق كثيرة , وأهمها: -تحقيق النصوص، لعبد السلام هارون، وهو أول كتاب في هذا الباب بالعربية -مناهج تحقيق التراث، لرمضان عبد التواب -محاضرات في تحقيق النصوص، للخراط -وتعليقة لصلاح الدين المنجد، وبشار عواد، وهما مفيدتان ..... وغير ها كثير .. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 24 ـ[ نريد بعض الكتب التي تتحدث عن (علامات الترقيم). ]ـ الكتب التى تتحدث عن علامات الترقيم، أهمها -علامات الترقيم، لأحمد زكي باشا، وهو أول كتاب متخصص فيها. -المطالع النصرية، لنصر الهوريني. -فن الترقيم في العربية، لعبد الفتاح أحمد الحموز. ـ[ ما صحة نسبة كتاب ((الحيدة)) للكناني. ]ـ أما كتاب (الحيدة) للكناني، فالكلام فيها طويل الذيل، وارجع إلى مقدمة المحقق جميل صليبا، ثم الفقيهي. ومقال للأخ فهد البلادي في نفي نسبتها في ملحق التراث بجريدة المدينة، وأربعة مقالات في الرد علية في الملحق نفسة للفقيهي. وجملة القول: أن الرسالة في ثبوتها نظر لتفرد محمد بن الأزهر بها وهو كذاب. ولكن المناظرة ثابتة ومشهورة. والله أعلم ـ[خرج هذه الأيام رسالة لشيخ الإسلام اسمها:. . قاعدة في الإنغماس في العدو، فهل هذه ثابته لشيخ الإسلام وهل هي موجوده في المجموع الذي أخرجته أنت والشيخ عزيز. وإن كانت موجوده فهل هي نفس الاسم أم يختلف]ـ رسالة الإنغماس في العدو، ليست ضمن الرسائل التى طبعت ولعلها تكون في المجموعة الخامسة او السادسة. وهى ثابتة الى شيخ الإسلام إن شاء الله، أما تسميتها، فللشيخ رسالة بهذا الاسم ذكرها ابن عبد الهادي، فغالب الظن أنها هذه. ـ[اختصار الفتاوى المصرية للبعلي هل حققتموه. . وما رأيكم في المطبوعة حاليا]ـ أما مختصر الفتاوى المصرية فلم يعمل علية أحد الى الآن، وطبعته الحالية تحتاج الى المقابلة على النسخة التى وجدت بخط المؤلف، ففيها بعض الزيادات والتصحيحات التى ظهرت عند المقابلة. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 25 ـ[ارجو منك ان تعطينا نبذة مختصرة عن كتاب مؤلفات شيخ الإسلام هل يصح نسبته لابن القيم أم هو لغيره للفائدة]ـ جواب سؤالك عن كتاب (مؤلفات ابن تيمية) المنسوب لابن القيم - رحمة الله- فالصواب أنه لأبي عبد الله بن رشيق المغربي (ت749) وهو من تلاميذ ابن تيمية، وناسخ كتبه، وكان أبصر بخط الشيخ منه، كما يقول ابن كثير. وقد فصلنا القول في ذلك بأدلته في مقدمة (الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية: 56 - 63) فيرجع إليه، وقد كتبت في ذلك مقالا في (ملحق التراث بجريدة البلاد السعودية) ـ[وكيف حال شيخك وإمامنا الشيخ بكر أبو زيد ]ـ أما الشيخ بكر - حفظه الله- فهو في خير حال إن شاء الله تعالى، ويزاول نشاطه المعهود كما عهدته وعهدتموه (*) ـ[ تكثر المكتبات في الغرب التي تحوي آلاف المخطوطات الإسلاميّة. . . فما هو واجب طلبة العلم الذين يسكنون قريباً من تلك المكتبات؟. . وما هي أفضل طريقة للاستفادة من تلك المخطوطات؟. . علماً بأنّ القائمين على تلك المكتبات يشتكون من قلّة اهتمام المسلمين بمخطوطاتهم عندهم. ]ـ أما سؤالك فهو سؤال جيد، جدير بالبحث والدراسة للوصول إلى سبل وقنوات للأ تصال بين طلبة العلم في تلكم البلاد، وبين غيرهم ...... ونذكر ههنا أمورا: أولا: لابد من توعية طلبة العلم في تلك البلاد بأهمية هذا التراث المسلوب، لأعطائه الاهتمام اللائق به، خاصة وأن كثيرا منهم منصرفون عن هذا الأمر إلى أشياء أخرى. ثانيا: ينبغي ملاحظة أن الكثير من تلك المكتبات قد أصبحت بحمد الله تعالى قريبة المنال منا، إذ أصبحت من مقتنيات المكتبات العامة، والمراكز العلمية وغيرها فعلى سبيل المثال (المتحف البريطاني) والمكتبة الوطنية بباريس ومكتبة تشستربتي وبرنستون بأقسامها، وأورشليم، القدس، ... ) كلها موجودة في مركز الملك فيصل ومكتبة الملك فهد وجامعة الإمام. فينبغي الاهتمام بما لم يصور. ثالثا: كثير من هذه المكتبات أصبحت سريعة التجاوب مع الباحثين فممجرد ما يصل الطلب إليهم حتى يسرعوا في تلبية ما فيه، بخلاف الحاصل في البلاد العربية والإسلامية - على تفاوت بينها -؟! رابعا: سبل التعاون يكون على أنحاء شتى: فمنها: إعلامهم بما يجد من فهارس المخطوطا ت، أو توفيرها لهم. ومنها: تزويدهم بالنشرات التراثية أو المجلات التى تعنى بهذا الشأن ومنها: توفير بعض الكتب المطبوعة بتحقيق المستشرقين، مما أصبح الآن في حكم المخطوط، لندرتة وقلة نسخه ومنها: إيجاد بعض السبل لتسهيل الحصول على المخطوط من المكتبات النى لم تصور في المراكز العلمية. وغيرها على أوجة التعاون.   (*) ثم توفي الشيخ بكر، في عام 1429 هـ، رحمه الله رحمة واسعة الجزء: 7 ¦ الصفحة: 26 ـ[ما رأيكم فيمن يشكك في بعض ما جاء عن ابن تيمية ضمن المجموع الذي اخرجه ابن قاسم . ]ـ أولا: إن هذا المجموع غرة في جبين الدهر، نفع الله به أمما لا يحصون. فلا سبيل إلى الطعن فيه لطاعن. ثانيا: إن كان طعنا مجملا، لغرض التشكيك فيه، أو أي غرض آخر، فلا يقبل من قائله، بل يرد عليه، وقد لجأ كثير من أعداء الشيخ إلى مثل هذا، لكن هيهات. . . ثالثا: ان كان التشكيك مفصلا في رسالة بعينها، فهذا ينظر في مستندة فى الشكيك، فإن كان وجيها فالحق أحق أن يتبع، وغرضنا جميعا الوصول إلى الحق ونفي الكذب عن الشيخ , واثبات ما ثبت له. رابعا: بعضهم قد يذكر شبها هي عند التحقيق مندفعة، كقول بعضهم: إن ابن القيم مذكور في (مجموع الفتاوى) سبع مرات وهى (4/ 343، 6/ 507، 10/ 761، 16/ 249، 25/ 287، 289، 28/ 658). فنقول: لو راجعت هذه المواضع لعلمت أنها غير مشكلة أبدا، إلا في موضع واحد وهو (10/ 761) والذى يظهر فيه أنه تحريف وأن صوابه (ابن الزبير)، لأنه هو الذي له كتاب في النية كما ذكر الشيرازي والذهبي وغيرهم. ولهم شبه غير ذلك، أضربنا عنها اختصارا. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 27 ـ[ ما القول الحق في مسئلة فناء النار عن ابن تيمية؟ ]ـ قال شيخ الإسلام في رسالتة الأخيرة التى ألفها في محبسه الأخير - وكان سببها سؤال وجهه اليه ابن القيم -: (وأما القول بفناء النار، ففيها قولان معروفان عن السلف والخلف، والنزاع في ذلك معروف عن التابعين ومن بعدهم. . . . . ) (ص / 52) وانظر سؤال ابن القيم في شفاء العليل: 2/ 721 - 722). فالشيخ يرى أن هذه المسألة خلافية بين السلف وغيرهم، فلا ضير عنده في أختيار أحد القولين في المسألة. وابن القيم قد حكى في غير ما كتاب أن هذا القول - أعني فناءها - هو اختيار شيخه، واختاره هو، وهو أعلم بشيخه. وقد كتب في المسألة عدة بحوث، منها: رسالة ماجستير في أم القرى، ورجح القول بفنائها، وألف د/ علي الحربي في الذب عن شيخ الإسلام رسالة وألف الصنعاني ردا على من قال بفنائها، وغير ذلك والله اعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 28 ـ[ ما هى الكتب التى تنصحون بها لدراسة العقيدة الصحيحة؟ ]ـ أما الكتب التى تشرح معتقد أهل السنة والجماعة (عقيدة الإسلام الصافية)، فهى بحمد الله كثيرة، ما بين مختصر ذكر أصول المسائل، وكبير ذكر الأصول وغيرها بالأدلة والرد على من خالف الحق. وأصل معتقد أهل السنة مأخوذ من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. فقام العلماء الثقات بتلخيص ذلك في مختصرات اشتهرت وحفظت ونفع الله بها، ومن أمثلتها ((بيان عقيدة أهل السنة)) للإمام الطحاوي المشهور ((العقيدة الطحاوية)) ومثل العقيدة الواسطية - لشيخ الإسلام -، و ((كتاب التوحيد)) و ((كشف الشبهات)) للشيخ محمد بن عبد الوهاب، و ((تجريد التوحيد المفيد)) للمقريزي، و ((قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر)) للقنوجي، وغيرها كثير. وهذه الكتب لها شروح كثيرة فتراجع لزيادة البيان والتفصيل. ـ[ كيف يمكننا الرد على أصحاب الاهواء الذين يكيدون للمرأة؟ ]ـ أولا: يكفي المرء لدينه أن يعلم: أن هؤلاء هم (الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا) فلهم عذاب أليم, ويكفي أن يعلم: أنهم من الطاعنين في الإسلام الخارجين على شريعته، فأي خير يرتجى من مثلهم؟! ويكفي أن يعلم: أن هؤلاء صنيعة الاستعمار وخريجي مدارسة ومؤسساته، صنعوهم على أعينهم ثم وجهوهم الى بني جلدتهم، فنازعوهم أغلى ما يملكونه: إسلامهم - أخلاقهم - وقيمهم - ومبادئهم، وصاغوا ذلك كله في أسماء براقة خلابة، تمويها وتدليسا، وعدوانا وظلما = (ألا لعنة الله على الظالمين). ثانيا: أما من أراد التوسع في الرد عليهم، ومعرفة مكايدهم وأساليبهم، فقد أشبع المصلحون الكلام فيها، من جميع جهاتها، فما على الشخص إلا أن يتتبع هذه الكتب ويقرأها، ففيها إن شاء الله - البيان الشافي. ومنها: (المؤامرة على المرأة المسلمة، وعودة الحجاب، وقضية تحرير المرأة، وحراسة الفضيلة، والصارم المشهور على أهل التبرج والسفور) وغيرها. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 29 ـ[سؤالي حول بعض الشخصيات العلمية المعاصرة ومدى جودتهم في العلم وعقائدهم. . شكيب ارسلان. . وعبد السلام هارون. . ومحمود شاكر. . وعائشة بنت الشاطي]ـ أولا: الأمير شكيب أرسلان أديب مترسل، صاحب إنتاج غزير، وله مواقف كثيرة في الدفاع عن المسلمين وقضاياهم، وكانوا يسمونه ((أمير البيان)) وأسلوبه الأدبي له مرحلتان، تفصيلها في غير هذا المكان. وهو مع هذا درزي الأصل من جبل لبنان، ولكن هل بقي على عقائدهم أم تركها؟! هذا ما يحتاج إلى دراسة تجلي الأمر، وعلاقته بالدروز هناك كا نت باقية إلى أخر حياته، لكن علاقاته الواسعة بالمصلحين أمثال رشيد رضا، ومحب الدين الخطيب وغيرهم تبقى موضع نظر هل أثرت فيه أم لا؟ ثانيا: بخصوص (محمود شاكر وعبد السلام هارون وعائشة بنت الشاطئ) فيمكن الكلام عليهم في سياق واحد، إذ يجمعهم رابط واحد وهو الغيرة على تراث الأمة والعناية به تحقيقا ودرسا وما إلى ذلك، ولهم عناية كبيرة باللغة العربية ودراستها. ويتميز محمود شاكر بأنه أصبح شيخ العربية في هذا العصر، بلا مدافع ولا منازع، وهو مع ذلك صاحب منهج في الدراسة والبحث والتحقيق، وقد أكثر طلابه ومحبوه من الكتابه في منهجه بما يكفي، ويمكن أن تنظر في (مقالات الطناحى) ففيها ما يكفي عنه. ويتميز عبد السلام هارون بأنه أصبح شيخ المحققين، وهو أول من ألف كتابا في قواعد تحقيق النصوص بالعربية، ومن أكثر المحققين إنجازا فقد بلغت مؤلفاته وتحقيقاته أكثر من (20000) عشرين ألف ورقة. والله أعلم الجزء: 7 ¦ الصفحة: 30 ـ[وبودي أن تذكر لنا بحكم قربك من الشيخ العلامة بكر أبو زيد نبذة عن الشيخ وهل ترجم له أحد وما هي مشاريعه الأخيرة]ـ أما الشيخ بكر فقد كتب ابنه عبد الله ترجمة جيدة في عدة ورقات ونشرت في مقدمة فتاوى اللجنة الدائمة، فيمكن أن تراجع، وانا بصدد كتابة ترجمة له، فلعل الله ييسر ذلك بمنه وكرمه. ـ[ من هم أفضل محققي الكتب في وقتنا؟. ]ـ من أفضل المحققين (عبد السلام هارون، محمود شاكر، رمضان عبد التواب، إحسان عباس، محمود الطناحي، عبد الفتاح الحلو، بشار عواد، شعيب الأرناؤوط، عبد العزيز الميمني، عبد الرحمن العثيمين، رفعت فوزي عبد المطلب) وغيرهم كثير لكن ينبغي ملاحظة أمرين: الأول: أن الأفضلية ههنا نسبية إجمالية، وليست لكل الأعمال التي قام بها المحقق، فرب كتاب لم ينل حظه اللائق به من محقق قدير لظروف أحاطت بذلك … ثانيا: كم من محقق قدير، يمتلك آلة التحقيق، لكنه لم يشتغل به كثيرا، فهو غير مشهور ولا معدود من جملة المحققين، لكنه إذا عمل على كتاب فهو في غاية التحرير والجودة … فهذا هو الحري أن يوصف بالمحقق، وليست العبرة بالكثرة، وإن كان المراس في هذا الباب له أهميته البارزة في صقل المحقق. ـ[ بم تنصح الذي يريد الإشتغال بالتحقيق؟ ]ـ نوصي المشتغل بالتحقيق بأمور: 1 - بالاجتهاد في طلب العلم، لأن هذا سينعكس إيجابيا على أعماله وتحقيقاته. 2 - الأمانة العلمية، فهو خلق قل من يلتزم به. 3 - الأناة وعدم العجلة، وألا يبخل بالوقت لأجل استقامة النص. 4 - إحتساب عمله عند الله، وأن ما يقوم به هو من خدمة العلم ونشره، وحمايته وحراسته. 5 - الإكثار من القراءة في كتب الفن، ليسير على هدى فيما يواجه من مشكلات. 6 - تقييد ما يمر به من تجارب وفوائد ونكات، لتكون لبنة يمكن أن تضاف أو ضابطا يمكن أن يستدرك في هذا الفن. وبالله التوفيق. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 31 أما السائل عن (كلية الحديث) بالجامعة الإسلامية، فأقول - باختصار -: إن كلية الحديث إحدى أقوى الكليات الشرعية في الجامعات السعودية بمناهجها ومدرسيها، بل هي أول كلية متخصصة في الحديث وعلومه0 والله الموفق ـ[لعل كثيرا من طلبة العلم لايعرفون شيئاً عن الرجل الفاضل والعالم السلفي: الشيخ محمد عزير شمس - حفظه الله - والذي أعتبره رجل المخطوطات الأول خاصة مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، والذي قال فيه الشيخ حاتم الشريف (لقد أثبت محمد عزير في تحقيقه لكتاب قاعدة في الاستحسان لابن تيمية أنه عالم فعلاً) فهلا تكرمتم بنبذة عن هذا الشيخ لما بدأ يتعرض له من استخفاف من بعض كتاب المنتديات حول رسالة العشق لابن تيمية وكأنهم يظنونه يتاجر على حساب كتب شيخ الاسلام!! ]ـ عن ترجمة الشيخ محمد عزير شمس، فاقول: لقد طلبت من الشيخ ذلك، فلعله أن يلبيه في أقرب وقت - إن شاء الله -. وهو - عندي - من القلائل الذين رأيتهم سعة اطلاع، وقوة ومعرفة، وتعدد معارف، وبصيرة بالمخطوطات والمطبوعات … يعلو ذلك تواضع جم وتفان في خدمة العلم. ـ[لماذا لايكون هناك دورات لطلبة العلم في تحقيق المخطوطات يشرف عليها أهل الاحتصاص أمثالكم وأمثال الشيخ محمد عزير وغيركم لنتمكن من قطع الطريق على تجار الكتب باسم التحقيق العلمي المزيف؟ ]ـ من المفترض في من يقوم بالتحقيق أن يكون ذو دراية وخبرة بما يقوم به؛ لأنه أمانة ودين، وعليه فلا بد أن يأخذ بالسباب الكفيلة بجعله عارفا بالتحقيق وطرائقه ومناهجه. وهذا الأمر الذي أشرت إليه، تقوم الجامعات بجزء منه، وهو يحتاج إلى مراكز متخصصة في هذا الشأن، أما الأعمال الفردية فلا تنضبط غالبا. . . ـ[ما هو أوسع كتاب في تراجم المتأخرين في ذكر أسماء شيوخ وتلاميذ المترجم. ]ـ عن أوسع كتاب في تراجم المتأخرين من الحيثية التي ذكرت، فلا أعلم كتابا هذه صفته!! ثم من تقصد بالمتأخرين؟ ـ[ما هو تقييمكم لكتاب الاستدراكات على كتاب سزكين الذي أصدره المجمع الفقهي؟ ]ـ عن كتاب (الاستدراكات على سزكين)، فأقول: إنه جهد طيب، فيه كثير من الفوائد، وقد ذكر الشيخ بكر في مقدمته (بعض) ما يؤخذ عليه. إلا أنني لم أسبر الكتاب حتى أصدر فيه حكما. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 32 ـ[ما هي أفضل وسيلة للحصول على المخطوطات التركية خاصة لمن هم في السعودية؟ ]ـ عن سبل الحصول على المخطوطات التركية فأقول: 1 - بعض المخطوطات التركية، قد حصل تصويرها في كثير من المراكز العلمية بالرياض والمدينة ومكة وغيرها، فيتأكد الباحث من ذلك قبل تجشم عناء البحث. 2 - مكن الحصول على المخطوطات عن طريق (مجلة الحكمة) كما أعلنوا مرات عدة في المجلة، وكما جرب كثيرون ومنهم أنا شخصيا، إلا أنه قد يصعب عليهم التصوير في بعض المكتبات البعيدة. 3 - وكذلك يمكن الحصول عليها من طريق مركز الملك فيصل للبحوث، فلهم جهود جيدة في هذا. ـ[ إذا كان في النسخة المخطوطة تصحيحات في هامشها ، فهل من المستحسن للمحقق أن يذكر في الحاشية أن هذه اللفظة مصححة في هامش المخطوط؟ ]ـ نعم يستحسن ذكر ذلك، خاصة إذا كان التصحيح مهما، أو يخالف نسخا أخرى، أو كان للنسخة قيمة علمية ـ[ إذا كان هناك أكثر من نسخة للكتاب، ومثلا في نسخة ((تقول)) والأخرى بدون نقطة التاء، والصواب ((يقول)) بالياء فما عمل المحقق للنص في هذه الحالة ؟. . وفق الله الجميع. ]ـ في هذه الحالة يثبت المحقق الصواب دون إشارة إلى شيء، إلا إذا كانت النسخة بخط المؤلف، فحسن أن ينبه على ما وقع فيها، مع التأني في جميع ذلك، وعدم المسارعة إلى مخالفة النسخ إن كان لما فيها وجه مقبول ـ[ما رأيكم في ـ[تحقيق كتاب العقود الدرية الذي خرج حديثا]ـ ]ـ أما تحقيق (العقود الدرية) الذي صدر حديثا؛ فلم يقدم فيه جديدا ونسخه التي أعتمد عليها متأخرة جدا ولا مزية لها، ونسخة الكتاب التي ينبغي أن تعتمد لم تعتمد. وقد شرعت في تحقيقه يسر الله إتمامه. ـ[ تاريخ بغداد بتحقيق بشار عواد، وتاريخ الإسلام بتحقيق تدمري وهل تحقيق د. بشار يفوقه؟ ]ـ أما (تاريخ بغداد) فلا شك أن تحقيق بشار عواد أفضل من تحقيق عبد السلام تدمري، فقد وقع في الثاني أخطاء ليست بالقلية، وسقط جملة من التراجم، تبينت عند مقارنتها بالمخطوط الجزء: 7 ¦ الصفحة: 33 ـ[حول المنتقى في أخبار المصطفى (صلى الله عليه وسلم) للمجد. . . هل هناك مشروع لتحقيقه؟. . وما أفضل الطبعات الموجودة له؟. . وهل له نسخ خطية متعددة وأين توجد؟. . وما رأيكم في صنع نسخة من المنتقى وفق مواصفات معينة تساعد الحفاظ على الحفظ وفق البرامج التي يلتزمونها؟ ]ـ عن كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيمية 1 - الكتاب يعمل عليه أكثر من شخص، وقد انتهى صبحى حلاق من تحقيقه، واطلعت عليه مصفوفا قبل أن يطبع، وقد اعتمد فيه على نسخة واحدة، ولم أنصح الدار الناشرة بطبعه، وأظنه يكون في (ثلاثة مجلدات). 2 - لعل أفضل طبعة، تلك التي أخرجها محمد حامد الفقي. 3 - للكتاب نسخ كثيرة أكثر من (30) نسخة انظر فهرس آل البيت / قسم الحديث. 4 - لا أرى تغيير معالم الكتاب بتقسيم جديد، إلا إن كان عملا فرديا، أو يسمى (ترتيب المنتقى … أو تهذيب … أو ما أشبه ذلك. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد. الجزء: 7 ¦ الصفحة: 34 الشيخ عبد الله السعد مقدّمة الأجوبة لفضيلة الشيخ: عبد الله السعد (حفظه الله): بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فأشكر الإخوان في ملتقى أهل الحديث على النشاط الذي يقومون به من الدعوة إلى السنة وإلى نشر العلم بين الناس، وبحمد الله يبلغني عنهم ما يسر الخاطر ويشرح النفس، والله أسأل أن يزيدهم من فضله وأن يعينهم على ما يقومون به، وأذكّرهم ونفسي أولاً بالاهتمام بالسنة على وجه العموم وبالذات أعني السنة التي يقصدها أو التي قصدها أهل العلم بقولهم: إن فلاناً من أهل السنة أو الكتب ألّفت في السنة مثل: كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد أو مثل كتاب السنة لابن أبي عاصم أو شرح السنة للبغوي وأمثال هذه الكتب التي ألفت في السنة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 1 والمقصود بالسنة هنا: بيان الإيمان وبيان العقيدة السليمة وبيان التوحيد الذي جاء في كتاب الله وجاء في سنة رسوله (صلى الله عليه وسلّم)، فلا شك أنه يجب على كل مسلم أن يهتم بهذا الأمر غاية الاهتمام وأن يدعو الناس إلى ذلك وأن لا ينشغل بما هو دونه؛ ينشغل به عن هذا الأمر العظيم، فلا يخفى أن التوحيد وأمور العقيدة هي أساس الدين: ما يتعلق بالشهادتين: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله هو أساس الدين، والذي كل ما أوجبه الله (جل وعلا) علينا إنما يرجع إليه، ولذلك ربنا (جل وعلا) يقول لرسوله الكريم (عليه الصلاة والسلام): "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك"، فأمره (جل وعلا) بأن يعلم بأنه لا معبود بحق إلا الله، وأن يستغفر لذنبه. مع أنه (عليه الصلاة والسلام) هو المبعوث بالتوحيد وهو الذي دعا الناس إلى شهادة ألا إله إلا الله، ولكن ربنا (جل وعلا) مع ذلك كله يذكره بهذا الأمر العظيم وبهذا الركن الركين والأساس الكبير الذي ينبني عليه كل ما طالب (عز وجل) به عباده، وما أمرهم به (سبحانه وتعالى) من أصول الدين وفروعه فكلها ترجع إلى هذا الأمر. ولذلك ربنا (جل وعلا) أيضاً قال لرسوله (عليه الصلاة والسلام) -وهذا أيضاً خطاب لجميع أمته من بعده- قال لهم (جل وعلا) أو قال لرسوله (صلى الله عليه وسلّم): "قل هو الله أحد"، أي: يا محمد! وحّد ربك؛ قل هو أن الله (عز وجل) واحد، واحد في ربوبيته وألوهيته وفي أسمائه وصفاته (سبحانه وتعالى)، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. كما أنه قال له (جل وعلا): "قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد" إلى آخر السورة، دعاه إلى أن يظهر دينه ويظهر عقيدته ويظهر ما أنزله الله (جل وعلا) عليه وأن يتبرأ من الكفار والمشركين وأنه لا يعبد ما يعبده الكفار والمشركين. نعم ... كما أنه قال (جل وعلا) له: "قل الله أعبد مخلصاً له الجزء: 8 ¦ الصفحة: 2 ديني". إلى غير ذلك من النصوص التي فيها الأمر بهذا الركن العظيم والأساس الكبير الذي كل ما شرعه الله (جل وعلا) إنما يرجع إليه ويعود إليه، والذي لا يستقيم للإنسان قول ولا عمل ولا فعل إلا باستقامة هذا الأمر. ولذلك ربنا (عز وجل) يقول: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا"، وقال (جل وعلا): "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً"، هؤلاء عملوا ولكن مع ذلك ربنا (عز وجل) جعل عملهم هباءً منثوراً، لأن هذا العمل لم يكن مبنياً على عقيدة مستقيمة ولا على توحيد صحيح فلذلك أصبحت أعمالهم هباءً منثورا، عافانا الله وإياكم من ذلك. فأدعو نفسي وأدعو الإخوان في (ملتقى أهل الحديث) وأدعو كل مسلم إلى أن يهتم بهذا الأمر وبهذا الأساس، وأن يبذل غاية وسعه في تفهم هذه القضية وهذا الأمر العظيم الكبير الذي لا يستقيم الدين إلا به. ـ[ أيهما أولى بالحفظ مختصر صحيح مسلم أو بلوغ المرام؟ ]ـ لا شك أن حفظ النصوص الشرعية؛ لا شك أن هذا أمر مطلوب وشيء مرغب فيه، وأول ذلك هو ما يتعلق بكتاب الله (جل وعلا)، ثم بعد ذلك هو ما يتعلق بسنة رسوله (صلى الله عليه وسلّم). وفيما يتعلق بالسنة هناك طريقان أو منهجان: 1) المنهج الأول: هو أنّ الإنسان يبدأ بالتدريج، يبدأ أولاً بالأربعين النووية مثلاً، ثم بعد ذلك بعمدة الأحكام، ثم بعد ذلك مثلاً ببلوغ المرام، وهكذا. 2) أو يبدأ بمختصر مسلم، ثم يضيف إليه زوائد البخاري على مسلم، وهكذا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 3 والمنهج الأول هو أولى وأحسن: وذلك أنه ينبغي له أن يبدأ بالأربعين النووية ثم يتفقه بها، ولا يذهب إلي حفظ غيرها قبل أن يتفقه في هذه النصوص التي حفظها، ولذلك كان هكذا منهج الصحابة (رضي الله عنهم): كانوا إذا حفظوا خمس آيات من القرآن الكريم علموا ما فيها من العلم وعملوا بما دلت عليه من العمل، ثم بعد ذلك تجاوزوها إلى غيرها. هذا هو المنهج السليم: أن الإنسان يبدأ بالأربعين النووية ويتفقه فيها ويعرف ما دلت عليه من الأحكام، ثم بعد ذلك عمدة الأحكام ويتفقه أيضاً بما دلت عليه من أحكام، وبعد ذلك بلوغ المرام، وهكذا. هذه الطريق أولى وهذه السبيل أقوم. ويلاحظ على بعض الإخوان أنهم يحفظون ويحفظون ولا يهتمون بالتفقه فيما حفظوا، ولا شك أن المقصود من الحفظ هو الفهم. ومعرفة ما دلت عليه هذه النصوص، فهذا هو المقصود الأعظم. وأما كون الإنسان يحفظ ويحفظ ولا يفهم: فلا شك أن هذا الطريق وهذا المسلك فيه تقصير وفيه نقص. فلا شك أن الأولى والذي ينبغي هو الحفظ وبعد ذلك التفقه والفهم -فهم ما حفظ-، ثم بعد ذلك يحفظ ما بعده، وهكذا. فكما ذكرت في جواب هذا السؤال: أنه يبدأ بالأربعين أحسن، ويبدأ بعد ذلك بعمدة الأحكام، وبلوغ المرام، أو المحرر (مثلاً). ثم إذا أراد أن يستزيد فليحفظ مختصر مسلم ثم بعد ذلك زوائد البخاري، أو يبدأ بالبخاري ثم زوائد مسلم. ويكتفي بذلك! لأني لاحظت أو سمعت أن بعض الإخوان أيضاً يحفظ أكثر وأكبر من هذا المقدار، ولا شك أن هذا طيب ولكن لا يخفى ضعف الحفظ وضعف الهمم، ومثل هذا عندما يكون ديدنه الحفظ، هذا سوف يجعله يقصر في جانب الفهم ومعرفة ما دلت عليه هذه النصوص. ومما ذُكر عن عبد الله بن عمر (وهذا جاء معلقاً) أنّ عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) جلس في حفظ سورة البقرة ثمان سنين أو سبع سنوات. فأوصي الإخوان أنهم لا يكثرون من الحفظ بدون فهم يهتمون بالفهم ثم بعد ذلك يحفظون شيئاً آخر، وهكذا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 4 ـ[كيف نجمع بين حديث البراء (رضي الله عنه) في خروج روح المؤمن بسهولة وفيه "تخرج نفسه تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء"، وحديث: "إن للموت لسكرات" ؟ ]ـ لا شك أن النصوص الشرعية لا تختلف لأنها من لدن حكيم عليم خبير (سبحانه وتعالى)، ولكن أحياناً الإنسان قد يستشكل الجمع بين هذا النص ونصٍ آخر لأنه يظن أن هناك اختلافاً ما بين هذا النص والنص الآخر. وهذا طبعاً راجع إلى ذات هذا الشخص؛ لم يتبين له وجه الجمع ما بين هذه النصوص. وقد أثر عن الإمام أبي بكر ابن خزيمة (رحمه الله تعالى) أنه قال: "لا يأتيني أحد بنص أو يأتيني بنصين متعارضين (طبعاً متعارضين فيما يرى هذا الشخص) إلا وأجمع بينهما". فلا شك أن النصوص متفقة وليست بمختلفة. وفيما يتعلق بهذا السؤال الذي جاء السؤال عنه، فلا شك أن للموت سكرات وقد حصل هذا للرسول (صلى الله عليه وسلّم)، فإذاً ما بالك بغيره، فلا شك أن الموت يحصل قبل أن تقبض روح المؤمن، يحصل له سكرات قبل أن تقبض روحه، وهذا لا ينافي ما جاء في حديث البراء بن عازب. وحديث البراء بن عازب طبعاً قد صححه جمع من أهل العلم، وممن صحح هذا الحديث: أبو نعيم صاحب الحلية وغيرهم من أهل العلم. فهذا لا ينافي ما جاء في حديث البراء بن عازب أن روح المؤمن تخرج مثل ما تخرج القطرة من في السقاء، فهذا (والله أعلم) عند قبض الروح قبل أن تكون السكرات التي تكون قبل قبض الروح، هذا الذي يظهر لي ويبدو، والله أعلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 5 ـ[حديث المرأة التي نذرت أن تضرب على رأس الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالدف وإقرار الرسول (صلى الله عليه وسلم) لها، هل يدل على جواز سماع الرجال للدف ؟ ]ـ من المعلوم أن آلات المعازف محرمة ولا تجوز، وقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي مالك الأشعري (رضي الله عنه) أن الرسول (صلى الله عليه وسلّم) قال: "ليستحل طائفة من أمتي الحرير الخمر والحر والمعازف"، أو كما قال (صلى الله عليه وسلم). فالمعازف جمع معزفة وهي حرام كما جاء في هذا الحديث، وأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أخبر أن طائفة من أمته سوف تستحل هذه المعازف، وهذا يدل على حرمتها وأنها لا تجوز. وقد رخص الشارع للنساء فقط لإستعمال المعازف في حالات ثلاث: 1 - الحالة الأولى، حالة العرس. 2 - الحالة الثانية، في العيد، كما جاء في حديث عائشة المتفق على صحته. 3 - الحالة الثالثة، عند قدوم غائب، كما جاء في هذا الحديث الذي رواه أبو داود وغيره وهو حديث صحيح، ولو كان الضرب بالدف لا يجوز لما رخص الرسول (صلى الله عليه وسلم) لهذه المرأة، لأنه لا يجوز الوفاء بالنذر المحرم أو بالنذر في شيء حرام، فدل على ترخيص الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالوفاء في هذا النذر؛ وقال لهذه المرأة: "أوفي بنذرك" دلّ هذا على أن هذا الشيء يجوز، وأنّ هذا فعل بحضرة الرسول (صلى الله عليه وسلّم) وأن هذا الشيء لا بأس به، لدلالة الحديث الصحيح عليه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 6 ـ[قوله تعالى: "فاقتلوا المشركين حيث وجتموهم"، وحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .. الحديث"، هل هذه النصوص ناسخة لقوله تعالى: "لا إكراه في الدين"؟ البعض يستدل بالآية والحديث على أن الإسلام انتشر بالسيف : فكيف نرد عليهم؟ ]ـ لا شك أن الله (عز وجل) قد أمرنا بجهاد الكفار والمشركين وأنه إمّا أن يسلموا -وهذا هو المطلوب والمقصود-؛ وإما أن يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون فيدخلوا تحت حكم المسلمين، كما قال (عز وجل): "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر"، وإمّا أن يمتنعوا من دفع الجزية: فهنا الواجب قتالهم كما جاء هذا في حديث بريدة بن الحصين الذي خرجه الإمام مسلم أن الرسول (صلى الله عليه وسلم): كان إذا أرسل سرية كان يوصيهم بتقوى الله ويقول: اغزوا في سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله .. إلى آخر الحديث، أو كما قال (صلى الله عليه وسلم). فهذا هو الواجب، ففي قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" المقصود بذلك: أن الإنسان لا يكره على أن يترك دينه ويدخل في دين الإسلام إلا باقتناع، لكن يكره في جريان أحكام الإسلام عليه ويلزم بذلك. إما أن يسلم كما تقدم في حديث بريدة وهذا هو المقصود؛ وإما أن يدفع الجزية فتجري عليه أحكام الإسلام ويكون خاضعاً لحكم المسلمين. فإذا أبى فلا شك أنه يجب قتاله إذا كان المسلمون قادرون، فهنا يجب عليهم أن يقاتلوا من أبى أن يسلم أو أبى أن يدخل تحت حكم المسلمين فتجري عليه أحكام أهل الإسلام، فهنا الواجب قتاله في هذه الحالة. فيكون "لا إكراه في الدين" أي: لا يكره على الدخول في دين الإسلام إلا باقتناع منه، ولكنه يكره أن تجري عليه أحكام الإسلام يكره على هذا إكراهاً وإلا فإنه يقاتل وهذا من الإكراه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 7 ـ[ما رأيكم بمن يقول أن مستدرك الحاكم لم ينفرد بإخراج حديث صحيح ؟ ]ـ ما أدري ماذا يقصد هذا الأخ السائل في قوله: إن مستدرك الحاكم لم ينفرد بحديث صحيح. إذا كان يقصد أنه لا يوجد حديث تفرد به الحاكم عن باقي كتب الحديث ويكون صحيحاً بل يكون ضعيف؛ فإذا كان يقصد هذا الشيء فأقو ل: هذا هو الغالب لكن ليس هو الدائم، وإنما هذا هو الغالب. ـ[ما رأيكم ب الإكثار من دراسة علم المصطلح وقراءة المطولات فيه ؟ ]ـ فيما يتعلق بدراسة علم المصطلح والإكثار من ذلك وقراءة المطولات. لاشك أن علم المصطلح من العلوم المهمة، لكن كما تقدم أن علم المصطلح هو في الحقيقة وسيلة لا غاية: وسيلة إلى معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، فيعمل بالصحيح ويترك الحديث الضعيف، فلا يكون الاهتمام بهذا الشيء أكثر من الاهتمام بإمور التوحيد وقضايا العقيدة ومعرفة ما يتعلق بإقامة الصلاة وكيفية صلاة الرسول (صلى الله عليه وسلّم) وفيما يتعلق بأحكام الطهارة، يعني فيما يتعلق بالعلم الواجب على الإنسان، لاشك أن العلم الواجب هذا مقدم. فكما أشرت في بداية الكلمة أن بعض الإخوان قد يلاحظ عليه أنه يهتم بقضايا المصطلح على حساب قضايا التوحيد والعقيدة أو على حسان التفقه في ما يجب عليه أن يؤديه فيما يتعلق بصلاة وفيما يتعلق بصيام وفيما يتعلق بطهارة أوفيما يتعلق بحج. فلا شك أن التفقه في هذه القضايا وهذه المسائل لا شك أنه هو الذي ينبغي أن يقدم كما قدمه الشارع. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 8 وفيما يتعلق بقراءة المطولات في كتب المصطلح: لاشك أن كتب المصطلح في الغالب أنها مفيدة وأن كل كتاب قد يتميز عن غيره بشيء آخر لا يوجد في الكتاب الثاني، وهكذا. لكن غالباً أن كثيراً من هذه الكتب أو أن بعض هذه الكتب يغني بعضها عن البعض الآخر، فلو أقتصر الإنسان على بعض الكتب منها فهذا قد يغنيه عن كثير من الكتب التي ألفت في المصطلح. فمن هذه الكتب المهمة عندنا: كتاب معرفة علوم الحديث للحاكم، وكتاب الكفاية للخطيب البغدادي، وكتاب شرح العلل لابن رجب، وكتاب الموقظة للذهبي، وكتاب نخبة الفكر. فمثل هذه الكتب تغني عن كثير من الكتب التي ألفت في المصطلح ولو أن الشخص أيضاً أطلع على غيرها من الكتب لاشك أن هذا شيء حسن وطيب. لكن الشيء المهم هو ينبغي له أن يتتبع كلام الأئمة المتقدمين وكلام الحفاظ السابقين من كتب العلل والجرح والتعديل وكتب التخريج وما شابه ذلك. فيتتبع كلام هؤلاء الحفاظ حتى يفهم هذا العلم ويتمكن في هذا الفن ويدخل طبعاً في هذا مقدمة الإمام مسلم في صحيحه وأيضاً العلل الصغير للترمذي ورسالة أبي داود إلى أهل مكة وأمثال هذه الرسائل التي كتبها الأئمة المتقدمون. فأقول ينبغي له أن يحرص على مثل هذه الكتب. ـ[ما رأيكم ب دراسة المطولات من علم الأصول ؟ ]ـ لاشك أن علم الأصول أيضاً علم مهم وعلم مفيد، لكن ينبغي له أن ينتبه أن الذين ألفوا في الأصول ينقسمون إلى قسمين أو الكتب المؤلفة في الأصول أنها تنقسم إلى قسمين: 1) كتب ألفها السلف أو من سار على طريقة السلف، ككتاب الرسالة للإمام الشافعي ومن سار على منهجه وطريقته ككتاب الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، وكذلك أيضاً المدخل للبيهقي، ومقدمة كتابه دلائل النبوة، وكذلك أيضاً مقدمته في كتاب المعرفة له، وأيضاً كذلك كتاب جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر بن عبد البر فأيضاً في هذه الكتب أو في هذا الكتاب في الحقيقة فيه أيضاً كلام فيما يتعلق بعلم الأصول. وكذالك غيره من كلام متناثر للأئمة السابقين وقواعد وأشياء يذكرونها تتعلق بعلم أصول الفقه. 2) القسم الثاني من الكتب التي ألقت في علم الأصول: الكتب التي ألفها أناس ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة، ومن المعلوم أن كثيراً من المعتزلة أو الأشاعرة وأمثالهم ألفوا في علم الأصول فهذه الكتب فيها أشياء لا تنبغي، وفيها أخطاء، وبعض هذه الكتب تقلل عند المسلم من هيبة النصوص الشرعية، ومن اتباع هذه النصوص. وحتى أن في بعض هذه الكتب يقولون أن الشخص لا يحق له أن يعمل بآية أو بحديث حتى تنتفي عنها الاحتمالات العشرة، ويقصدون بذلك: أن هذا النص قد يكون منسوخ وهناك ما ينسخه، إذاً عليه أن يبحث عن الناسخ وأيضاً يقولون قد يكون هذا النص مجمل وهناك ما يفسره، أو يقولون إن هذا النص مطلق وهناك ما يقيده أو إن هذا النص عام وهناك ما يخصصه، وهكذا. فبالتالي قد يصدون الشخص عن العمل بما دلت عليه النصوص الشرعية، فبعض هذه الكتب تقلل من هيبة النص الشرعي في قلب المسلم. فهذه الكتب ينبغي الانتباه إليها وعدم الإكثار من القراءة فيها لما تقدم ذكره. ثم أيضاً كثير من المباحث أو قد توجد مباحث في هذه الكتب لا فائدة منها مباحث كلامية مباحث نظرية وليست بعملية فتكون الفائدة منها قليلة، بالإضافة إلى أن هذه الكتب فيها أيضاً ما يخالف العقيدة الصحيحة. فلذلك لا ينبغي الإكثار من القراءة في هذه الكتب، بل كما تقدم الكتب السابقة ينبغي الاستفادة منها. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 9 ثم أن هناك أمر مهم جداً وهو عندنا ما يسمى بعلم القواعد الفقهيه، وهذا العلم أي علم القواعد الفقهيه علم مهم جداً، وفائدته كبيرة بحيث يجمع كثير من المسائل الجزئية تحت قاعدة تعم هذه المسائل تحت قاعدة كلية تندرج فيها كثير من المسائل الجزئية، فعلم القواعد الفقهيه هذا علم مهم وعلم مفيد، فينبغي الإكثار من القراءة في هذه الكتيب التي تتحدث عن القواعد الفقهية. ثم أيضاً فيه قضية مهمة وهي: ينبغي للشخص عندما يقرأ في كلام الأئمة أن ينتبه إلى كيفية استنباطهم للأحكام من الأدلة وكيفية (مثلاً) جمعهم ما بين النصوص عندما يظن أنه وقع فيها اختلاف للناظر. فأقول أنه ينبغي عندما الإنسان يقرأ (مثلاً) للإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم (مثلاً) ينبغي له أن ينتبه كيف يستنبطون الأحكام من النصوص الشرعية وكيف يرجحون ويوازنون ما بين الأدلة. فينبغي الانتباه إلى هذه القضية، يعني يوجد كثير من الناس عندما يقرأ (مثلاً) يكون قصده هو معرفة قول هذا العالم هل هو يرجح هذا القول أو يرجح القول الثاني، وهكذا. هذا لاشك أنه مطلوب، ولكن هناك أمر مهم جداً وهو: كيف استنبط هذا العالم هذه الفائدة وكيف أخذها من هذا النص الشرعي. والمقصود من علم الأصول هو أن يتوصل الإنسان إلى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة، هذا هو المقصود من علم أصول الفقه، فأقول عندما الإنسان يقرأ لأهل العلم ولكبار أهل العلم ينبغي له أن ينتبه كيف استنبطوا هذه الفوائد وهذه الأحكام، وكيف تعاملوا مع هذه النصوص، وكيف يتعاملون عندما يحصل في مسألة من المسائل خلاف، وكيف يرجحون، وكيف يستدلون فينبغي الانتباه إلى كل هذا فإن هذا مفيد جداً. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 10 ـ[ ما صحة لفظة "يوم الجمعة" في حديث قراءة سورة الكهف؟ ]ـ جاء حديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) في استحباب قراءة سورة الكهف. وحديث أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) وقع فيه اختلاف في أمرين: 1) في رفعه ووقفه، والراجح هو الوقف، لكن مثل هذا ما يقال بالرأي فيكون له حكم الرفع. 2) أنه وقع اختلاف ما بين هشيم وما بين سفيان الثوري وشعبة، ففي رواية هشيم عن حصين تقييد قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة هذا في رواية هشيم عن حصين، وأما رواية شعبة والثوري: فلم يقيدا قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة وإنما: من قرأ سورة الكهف أضاء له نور ما بين الجمعتين، أو كما جاء في الحديث بدون أن يقيد ذلك بيوم الجمعة، ورواية شعبة والثوري أرجح والله أعلم. وذلك لأنهما من كبار الحفاظ، ولاجتماعهما على هذه اللفظة مع أن هشيم من أثبت الناس في حصين هشيم بن بشير، لا شك أنه حافظ ومن كبار الحفاظ وأثبت الناس في حصين بن عبد الرحمن السلمي، ولكن اجتماع شعبة والثوري مع جلالة قدرهما ومكانتهما في العلم والحفظ والإتقان: فروايتهم أرجح. لكن لو أن الإنسان قرأ سورة الكهف يوم الجمعة يكون عمل بكلا الروايتين برواية هشيم ورواية شعبة والثوري لأنه إن كانت رواية شعبة والثوري هي الأرجح فيكون أيضاً عمل باللفظ الذي رواه شعبة والثوري لأن رواية شعبة والثوري كما تقدم بدون أن يقيد هذا بيوم. فمن قرأ سورة الكهف ينطبق عليه الفضل الذي جاء في الحديث. وإن كانت رواية هشيم هي الراجحة يكون أيضاً قد عمل برواية هشيم فقرأها في يوم الجمعة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 11 ـ[ما القول الراجح في ابن لهيعة ؟ ]ـ عبد الله بن لهيعة الحضرمي المصري من كبار أهل العلم في بلاد مصر في زمانه، وكان قاضي مصر (رحمه الله)، وكان مكثراً جداً من الحديث والرواية، فهو من أهل العلم والفضل، ولكنه رحمه الله لم يكن بالمتقن ولم يكن أيضاً بالحافظ (رحمه الله)، وخاصةً في حديثه المتأخر، فلذلك وقعت أحاديث منكرة في حديثه ووقع في أوهام في روايته، وهذا مرجعه إلى أشياء منها: 1) عدم إتقانه وحفظه. 2) أنه ما كان يحدث من كتابه، هو حدث قديماً فيما سبق من حياته حدث من كتابه ثم بعد ذلك لم يحدث من كتابه، وإنما يقرأ من كتب الناس أو يأتي إليه أناس ويقولون هذا من حديثك فيقرؤون عليه، ثم بعد ذلك يروون هذه الأحاديث، فلا شك أن مثل هذا أوقعه في أوهام وأخطاء. 3) تدليسه: فكان يدلس، وأحياناً كان يسقط راويين، فهذا أيضاً من الأسباب التي أدت إلى أن يقع في حديثه ما وقع من المنكرات والأخطاء. والخلاصة في حديثه رحمه الله أنه على ثلاثة أقسام: 1) القسم الأول: وهو أصح حديثه وهو ما حدث به قديماً، وممن سمع منه قديماً عبد الله بن وهب، والدليل على هذا هو حديث، أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: "لو أن القرآن كان في إيهاب لما احترق". هذا الحديث حدث به ابن لهيعة. قال ابن وهب: لم يكن ابن لهيعة يرفع الحديث من قبل، يعني ثم بعد ذلك رفعه. ورفع هذا الحديث منكر فعبد الله ابن وهب سمع هذا الحديث من ابن لهيعة قديماً ولم يكن يرفعه، ثم سمعه منه عبد الله بن يزيد المقرئ. وعبد الله بن يزيد المقرئ أيضاً ممن روى عنه قديماً ولكن ابن وهب أقدم من عبد الله بن يزيد المقرئ وأكثر ملازمة لعبد الله بن لهيعة، ولذلك بيّن عبد الله بن وهب أن هذا الحديث ما كان ابن لهيعة يرفعه من قبل، يعني ثم بعد ذلك رفعه، فسمعه منه عبد الله بن يزيد المقرئ فرفع هذا الحديث منكر. وهذا القسم لا يحتج به. وسوف يأتي بإذن الله لماذا لا يحتج به. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 12 2) القسم الثاني من حديث عبد الله بن لهيعه: هو ما حدث به قديماً، وما رواه قبل أن تحترق كتبه. ومن سمع منه من كتابه، فهذا القسم الثاني هو يلي القسم الأول وأقوى من القسم الذي سوف يذكر وهو القسم الثالث. والسبب في هذا القسم هو أن ابن لهيعة (رحمه الله) احترقت كتبه، فزاد ضعفه بعد احتراق هذه الكتب. وبالمناسبة فقد اختلف هل احترقت كتبه أم لم تحترق: فهناك من نفى أن تكون كتبه قد احترقت. ووجه الجمع (والله أعلم) أن كثيراً من كتبه قد احترقت أو جزء من كتبه قد احترق وبعضها لم يحترق. وهناك ما يدل على ذلك، جاء ما يدل على أن بعض كتبه بقيت، وحتى سمع من ابن لهيعة من كتبه من سمع منه أخيراً، فجزء من كتبه قد احترق. فهذا الذي حصل زاده ضعفاً، وأيضاً كما ذكرت فيما سبق أن ابن لهيعة كما ذكر في ترجمته من قبل بعض أصحابه أنه حدث من كتبه قديماً ثم بعد ذلك ما أخرج كتبه إلا من يأتي إليه ويسأله أو يقف على بعض كتبه فيسمع منه من كتابه وإلا فيما بعد أخذ يكثر من الحديث من حفظه فلذلك ازداد ضعفاً على الضعف الموجود فيه. فلذلك يقال أن من سمع منه قديماً ومن روى عنه قبل أن يتغيرقبل أن تحترق كتبه ومن سمع منه من كتابه أو من كتب عمن كتب عنه مثل قتيبة بن سعيد. قتيبة بن سعيد كتب عمّن كتب عنه ولذلك أثنى الإمام أحمد على رواية قتيبة بن سعيد. 3) القسم الثالث، من سمع منه أخيراً بعد احتراق كتبه وسمع منه من حفظه. فهذه أقسام حديث ابن لهيعة. طبعاً كل هذه الأقسام لا يحتج بها. لماذا؟ لأن جل الحفاظ، أكثر الحفاظ على تضعيف عبد الله بن لهيعة مطلقاً، كما قال يحيى بن معين: "كان ضعيفاً قبل الاختلاط وبعده". فجلّ الحفاظ على تضعيف حديثه مطلقاً بدون تفصيل، ولذلك قال أبو الحسن الدرقطني: "يعتبر برواية العبادلة عنه"، ما قال: "تُصحح"، وإنما قال: "يُعتبر" يعني لأنهم سمعوا منه قبل أن تحترق كتبه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 13 ثم أمر آخر: وهو أن لابن لهيعة أحاديث منكرة حتى من رواية العبادلة ومنهم عبد الله بن وهب، والدليل على هذا هو عندما تقرأ في كتاب العلل لابن أبي حاتم تجد أحاديث عديدة أنكرها أبو حاتم الرازي على عبد الله بن لهيعة، وهي من رواية ابن وهب. فلعبد الله بن لهيعة أحاديث منكرة حتى من رواية من سمعوا منه قديماً. فعندما تقرأ في كتب العلل وغيرهم من كتب أهل العلم تجد أحاديث كثيرة أنكرت على ابن لهيعة مع أنه من رواية القدماء عنه. وأما من قوى ابن لهيعة من رواية العبادلة فالجواب عن ذلك أولاً بما تقدم، والأمر الثاني: أن الذين نقل عنهم تقوية حديث العبادلة عنه هم الحافظ عبد الغني المصري والساجي وهما لا شك أنهما من كبار الحفظ لكنهما ليسا مثل يحي بن معين أو مثل الإمام أحمدو مثل أبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم من كبار الحفاظ. فلا شك أن مثل هؤلاء يقدمون على الساجي وعلى الحافظ عبد الغني المصري. ثم قد يكون قصد الحافظ عبد الغني المصري أن ما رواه عنه العبادلة هو صحيح؛ يقصد (والله أعلم): أن رواية العبادلة من حديث ابن لهيعة. لأن هناك من روى عن ابن لهيعة أحاديث ليست من حديثه وذلك كما ذكرت: يأتي إليه أناس يقرؤون عليه أحاديث وهو يسكت ثم بعد ذلك يروونها عنه وتكون هذه الأحاديث ليست من حديثه. فلعل قصد الحافظ عبد الغني الغني المصري والساجي كذلك: أنهم يقصدون أن رواية العبادلة هي من حديث ابن لهيعة نفسه وليست من غير حديث ابن لهيعة. وكما ذكرت فإن لعبد الله بن لهيعة أحاديث منكرة حتى ممن سمع منه قديماً وهذه الأحاديث المنكرة كثيرة في الحقيقة وليست بالقليلة. فالراجح أنه لا يحتج به وكما قال الدارقطني أنه يعتبر برواية العبادلة عنه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 14 والخلاصة أن رواية ابن وهب في الأصل أنها أقوى ممن روى عنه من غيره أو ممن روى عنه غيره لما ذكرت قبل قليل، ثم بعد ذلك من سمع منه قديماً غير عبد الله بن وهب، ثم بعد ذلك أضعف حديثه من سمع منه أخيراً إلا ما استثني ممن كتب عنه (مثلاً) ممن كتب من كتب ابن لهيعة ذاتها كما ذكرت مثل قتيبة بن سعيد أو محمد بن رمح، فأيضاً هذا مما استثني، أو مثل نظر بن عبد الجبار أيضاً، هذا ممن أستثني. وأثني على روايته كما أثنى عليها حماد بن صالح المصري. نعم الخلاصة أن حديث ابن لهيعة لا يكتب ولا يحتج به لكن رواية القدماء عنه أقوى. ـ[ما المنهج الصحيح في تقوية الطرق الضعيفة ؟ ]ـ طبعاً لا يخفى أنّ الأحاديث على قسمين: أحاديث ثابتة بذاتها، وإمّا أحاديث ثابتة بمجموع طرقها. والسؤال هو عن هذا القسم الثاني. فهناك أحاديث إنما تثبت بمجموع الطرق وليس في كل طريق لذاته. وأحب أن أنبه قبل أن أكمل الجواب بإذن الله أن هناك من يعزو للمتقدمين بأنهم لا يرون تقوية الطرق بالشواهد والمتابعات، وهذا غير صحيح: هناك من يرى أن لا يتقوى الحديث بالشواهد وهذا ليس من مذهب المتقدمين. نعم هذا من منهج أبي محمد بن حزم (رحمه الله) فهو يرى أن الخبر إذا كانت جميع طرقه ضعيفة أنها لا تتقوى وأن هذا الخبر لا يثبت مهما بلغت هذه الطرق إذا كان كل طريق لوحده ضعيف وهناك ممن يسير على هذا المنهج. وأما المنهج الصحيح فهو أن الأسانيد إذا تعددت والطرق تكاثرت فهنا يقوى الخبر: لكن هذا بشروط، وقبل أن أذكر الشروط أقول: ومما يدل على أن الأئمة المتقدمين يرون ذلك أنهم يقولون: يكتب حديث فلان للاعتبار، ويكتب في الشواهد، وكما قال الدارقطني: أن رواية العبادلة يعتبر بها، وكما قال أبو عيسى الترمذي في كتاب العلل الصغير في معنى الحسن عنده أو مقصوده بالحسن: "هو أن يروى من غير وجه ويكون في إسناده كذاب وأن لا يكون شاذاً". وقد تكلم الإمام الشافعي متى يتقوى المرسل تكلم على ذلك في كتابه الرسالة. فإذاً: الأئمة المتقدمون يرون ذلك. ولكن فرق بين منهج الأئمة المتقدمين وبين منهج من تأخر في ذلك أن: الأئمة المتقدمون ما كانوا يتوسعون في ذلك بخلاف المتأخرين أو كثير من المتأخرين، وهذا الذي أقصده، لا أقصد كل المتأخرين، وإنما أقصد كثير منهم، أو جمع كبير منهم، أنهم توسعوا في تقوية الحديث الضعيف بمجموع طرقه حتى وصل بهم إلا أنهم يقوون الأحاديث المنكرة والباطلة والأحاديث البينة الضعف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 15 ومن ذلك (مثلاً) أنّ الرسول (صلى الله عليه وسلّم) كان يخلل لحيته، وهذا الحديث ضعيف ولا يصح من جميع طرقه، ولذلك جاء عن الإمام أحمد وجاء كذلك عن أبي حاتم الرازي أن هذا الخبر لا يصح. و (مثلاً) حديث التسمية عند الوضوء "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" أيضاً هذا الحديث له طرق كثيرة ولا يصح منها شيء ضعفه أيضاً الإمام أحمد وأيضاً أبو بكر بن المنذر، وأيضاً هذا ظاهر كلام ابن حبان وقبله البخاري والترمذي بينما تجد أن هذه الأحاديث قد قواها وصححها أو حسنها جمع ممن تأخر من أهل العلم. فالفرق بين منهج الأئمة المتقدمين وبين من تأخر أنهم لا يتوسعون في تقوية الأخبار الضعيفة بل لهم شروط. ومن هذه الشروط: 1) أن يكون هذا الضعف يسيراً لا يكون هذا الضعف شديداً، وأيضاً هذا يقوله من تأخر ولكن عند التطبيق قد لا يلتزمون بهذا الشرط، فلا بد أن يكون هذا الضعف ليس بالشديد، أن يكون (مثلاً) فيه راوٍ معروف بالحفظ ثم اختلط، فإن جاء ما يشهد له وهنا يتقوى وهذا يدل على أنه قد حفظ هنا أو تسيء الحفظ ولا يكون سيئ الحفظ جداً، فلا بد أن لا يكون هذا الضعف شديداً، أو يكون مرسل لكبار التابعين وجاء من طرق أخرى مراسيل مثله أو أسانيد موصولة فيها ضعف فهنا يتقوى، وهكذا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 16 2) فيما يتعلق بالمتن فلا بد أن يكون المتن الذي يشهد لهذا مثله أو يوافقه في أكثر ألفاظه، لأنه لوحظ أن هناك من يقوي الأخبار بطريقة وهي أنه يأتي بالحديث الضعيف ويقول (مثلاً) أن هذه الكلمة من هذا الحديث أو هذه الجملة يشهد لها الحديث الفلاني وهذه الجملة يشهد لها الحديث الفلاني وهذه الجملة يشهد لها الححديث الفلاني، وهكذا، وبالتالي يكون الخبر ثابتاً، لا هذا غير صحيح. وإنما لابد أن يكون المتن الذي يراد به تقوية هذا الخبر، أي المتن الذي جاء في الطريق الأخرى، أن يكون هو مثل المتن الذي جاء في الطريق الأولى، أو في أكثر ألفاظه بحيث يغالب على الظن أن هذا الحديث واحد: رواه فلان وكذلك رواه فلان، فهذا أيضاً لا بد من ملاحظته في الحكم على الحديث وعند تقويته لابد من هذه الملاحظة. كذلك عندما تكون الزيادة شاذة أو يكون الخبر منكراً ومعلولاً فهنا أيضاً ينبغي الانتباه لهذا، ومثل هذا لا يقوى الخبر. الخبر في مثل هذه الحالة لا يقوى ولا يتقوى. ـ[ما رأيكم في حديث "السلطان ظل الله في الأرض" ؟ ]ـ هذا الحديث قد رواه ابن أبي عاصم وغيره ولكنه لا يصح، هذا الحديث ضعيف ولا يصح، والأحاديث الصحيحة لم يأت فيها أن السلطان ظل الله في أرضه. ـ[ما قولكم في زيادة "يحيي ويميت" في التسبيح عقب الصلاة ؟ ]ـ أنا لا أعرف خبراً صحيحاً فيه هذه الزيادة وتكون ثابتة وهي زيادة "يحيي ويميت". من المعلوم أن زيادة يحيي ويميت جاءت في أحاديث كثيرة، لكن أنا ما أعلم في خبر من الأخبار أن هذه الزيادة التي جاءت وهي "يحيي ويميت" أنها صحيحة سواء كان ذلك في التهليل عندما الإنسان يهلل عشراً [أو أكثر أو غير ذلك]، ما أعلم أن هذه الزيادة صحيحة بل كل ما جاءت إما ضعيفة أو شاذة غير محفوظة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 17 ـ[ما هو الأمثل في الحفظ: التركيز على السند أم المتن ؟ ]ـ لا شك أن الإسناد وسيلة لا غاية، والغاية هو المتن، هذه هي الغاية، فإذن يكون التركيز على المتن لاشك أنه هو المقصود، وهو الأولى، وأما كون الإنسان يركز على الإسناد ويدع المتن فلا شك أن هذا خطأ. ـ[ هل القول برأي أبي عمرو ابن الصلاح في مسألة التصحيح والتضعيف المشهورة، هل القول بذلك أمر مبتدع لا يجوز تقليده فيه؟ ]ـ أما ما يتعلق بالتصحيح والتضعيف في العصور الأخيرة أو العصور التي تلت عصور الرواية إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة، فلاشك أن هذا أمر مطلوب، وأمر باقي وهذا قول جل أهل العلم، وما قاله ابن الصلاح (رحمه الله) لاشك أن هذا فيه، نظر والصواب هو خلافه، هذا هو الصواب، ولم يزل أهل العلم يصححون ويضعفون، وهذه المسائل من مسائل الاجتهاد، فإذا كانت من مسائل الاجتهاد فالإنسان عليه أن يبذل وسعه في معرفة كون هذا الحديث صحيح أو ضعيف، ومن المعلوم أن هناك أحاديث لم يحكم عليها أهل العلم السابقين، فإذن ما لذي ينبغي علينا حتى نعرف صحة هذه الأحاديث من ضعفها أننا نسلك طريقتهم ونسير وفق منهجهم، وبالتالي نحكم على هذا الحديث بما يليق بحاله. ـ[ ما صحة حديث حصار العراق اثنا عشرة سنة؟ ]ـ الجواب: هذا الحديث غير صحيح، وأنا أول مرة أسمع بهذا الحديث، وإنما الذي جاء في صحيح مسلم أنه "منعت العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام أيضاً ومصر"، فهذا الحديث الذي جاء في صحيح مسلم، وهذا الحديث قال بعض أهل العلم: أنه وقع فيما سبق، والذي قال هذا صديق حسن خان (رحمه الله تعالى) وقال وهذا بسبب استيلاء الكفار. من المعلوم أن العراق وغيرها من الدول سيطر عليها الكفار، مثل العراق سيطر عليه البريطانيون ومثل سوريا سيطر عليها الفرنسيون، فقال صديق حسن خان (رحمه الله) أن هذا وقع فيما سبق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 18 ـ[ما رأيكم ب خروج طلبة العلم في الفضائيات والتلفاز ؟ ]ـ هناك رسالة بحمد الله ألفت في هذه المسألة، وهذه الرسالة للأخ طلال بن سيف، وبين حكم هذه القضية وهذه المسألة، ووصل إلا المنع من الخروج. ولا شك هذا هو الصحيح وذلك لأن الصورة أولاً لا تجوز فالصورة محرمة. والأمر الثاني أن أصحاب هذه الفضائيات هم أناس من الفجرة والفسقة وأن الغالب على ما يخرج في هذه الفضائيات هو الشر والفساد. ولذلك هم يخرجون أمثال هذه البرامج من أجل التعمية على الناس ومن أجل -في الحقيقة- فتنة الناس، فيخرجون بعض البرامج لمدة ساعة أو نحوها ثم يكون الغالب أو الباقي هو الشر والفساد. وإذا كان الله منع رسوله (صلى الله عليه وسلّم) من الصلاة في مسجد الضرار وقال جل وعلا: "ولا تقم فيه أبداً" لأن مسجد الضرار لم يؤسس على طاعة الله. ومنع ربنا عز وجل رسوله (صلى الله عليه وسلم) أن يصلي فيه لله في هذا المسجد لأنه لم يؤسس على تقوى من الله ورضوان: فهذه القنوات لم تؤسس على تقوى من الله ولا رضوان وفيها من المفاسد والشرور الشيء الكثير. ـ[ما هي شروط التكفير المعين ؟ ]ـ التكفير إما أن يكون على جهة التعيين وإما أن يكون على جهة العموم، ويظن بعض الناس جهلاً منهم أن المعين لا يكفر لذاته فهذا غير صحيح، إذا ثبت بالدليل أن هذا الشخص قد فعل فعلاً أو قال قولاً يوجب كفره وردته وقامت عليه الحجة في ذلك فلا شك أن هذا يحكم بكفره لذاته ولعينه. وهذه المسألة فيها تفصيل مطول فنضرب بعض الأمثلة ويتضح بعض التفصيل: الجزء: 8 ¦ الصفحة: 19 فلو أن إنساناً (مثلاً) استهزأ بالدين وسب رب العالمين والعياذ بالله فلا شك أن هذا كافر بعينه ولا يقال نقيم عليه الحجة، لأن الحجة أصلاً قائمة عليه، لأنه لا يخفى على إنسان حرمة مسبة الله والعياذ بالله، وأن هذا الذنب أنه من عظائم الذنوب ومن الذنوب العظيمة الكبيرة، فهذا لا يخفى على أحد، وهناك ذنوب لابد فيها من إقامة الحجة يعني (مثلاً) إنسان توّه أسلم وقال إن الخمر حلال، فهذا الشخص لا بد من إقامة الحجة عليه لأن هذا مما يغلب على الظن أنه خفي عليه، لأنه الرجل توّه أسلم، أو إنسان في مكان بعيد عن المسلمين فيجهل أشياء هي معلومة من الدين بالضرورة، فهنا لابد من إقامة الحجة فيها على هذا الشخص فإذا عاند فهنا يكفر، فمثلاً إنسان ما يدري بأن حكم تارك الصلاة بأنه كفر فلا بد من إقامة الحجة عليه، لكن إنسان بين المسلمين: فهذا غالباً أنه لا يخفى عليه أن ترك الصلاة كفر فمن تركها فيكون كافراً بعينه من كانت حالته مثل الذي ذكرنا. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 20 ـ[ هل نستطيع أن نهزم اليهود في هذا الزمان وبنفس الأسلحة التي معنا؟ ]ـ هذا السؤال مهم فجواباً عليه أقول وبالله التوفيق: أنّ ربنا (عز وجل) وعد بنصر عباده إذا هم نصروه (سبحانه وتعالى)، انقادوا لأمره واتبعوا شريعته، فلا شك أن ربنا (عز وجل) سوف ينصرهم كما قال تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"، وكما قال جل وعلا: "وكان حقاً علينا نصر المؤمنين". فجعل ربنا (عز وجل) ذلك من الحق عليه (سبحانه وتعالى) أنه ينصر عباده المؤمنين. ونصرة الله (عز وجل) بنصرة أوامره وتطبيق شريعته. وكما نصر ربنا (جل وعلا) عباده المؤمنين في عهد عهد رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلّم) وفي الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ومن المعلوم أن الكفار كانوا أكثر عدداً وأكثر عدة؛ مع ذلك نصر الله عباده المؤمنين عليهم. فكذلك في هذا الوقت وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. لكن بقي أن الإنسان ينصر دين الله (جل وعلا) وينصر أوامر الله بأن يطبقها ويتبعها، فمن فعل ذلك فلا شك أنه سوف ينصر ولن يتخلف وعد الله (سبحانه وتعالى). الجزء: 8 ¦ الصفحة: 21 ـ[ شخص في غيبوبة لمدة طويلة سنة أو أكثر هل يقضي جميع الصلوات التي فاتته؟ ]ـ إذا كان الإنسان في غيبوبة وفاتته جميع الصلوات: أختلف أهل العلم هل يقضي أو لا يقضي هذا في المدة التي ليست بالكثيرة وأما إذا كانت المدة طويلة كما جاء في هذا السؤال: سنة كاملة فهذا ما يقضي. بعض أهل العلم حدد المدة في القضاء ثلاثة أيام، قال: إذا كانت المدة أكثر من ثلاثة أيام فإنه لا يقضي وما كان دونها فإنه يقضي. وثبت عن ابن عمر في الموطأ (رضي الله عنه) إنه أغمي عليه حتى خرج وقت الصلاة فلم يقضها. وإلى هذا ذهب الإمام مالك والشافعي، قالوا لأن مناط التكليف العقل وهذا غير مكلف وهذا عقله ليس معه إذن هو ليس بمكلف. وذهب بعض أهل العلم كما ذكرت بتحديد ثلاثة أيام فمن كان دون ثلاثة أيام فهذا يقضي ومن كان أكثر من ذلك فهذا لا يقضي. وأما في سؤال هذا السائل فإن المدة طويلة جداً فإنه لا يقضي طبعاً. جاء عن عمّار بن ياسر أنه عندما أغمي عليه أنه قضى لكن كانت مدة قصيرة أما إذا كان مدة طويلة فإنه لا يقضي. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 22 ـ[ هل يصح أن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) حرق عبد الله بن سبأ . وما هو حكم ذلك؟ وهل يجوز الحكم بالقتل بالنار؟ ]ـ لم يثبت أن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قد حرق عبد الله بن سبأ، وإنما طلبه ففر منه واختفى من علي (رضي الله عنه). وإنما حرق علي (رضي الله عنه) أناساً من الغالية غير عبد الله بن سبأ غلوا فيه حتى ادعوا فيه الألوهية -والعياذ بالله- فحرقهم بالنار، كما جاء ذلك في صحيح البخاري. وأنكر عبد الله بن العباس ذلك وذكر أنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) قال: "لا يعذب بالنار إلا رب النار" فاتفق علي وابن عباس على قتل هؤلاء. لكن الخلاف في هذه الوسيلة: ولا شك أن حديث ابن عباس دلّ على أنه لا يجوز استعمال هذه الوسيلة وهي التحريق. وأما فعل علي (رضي الله عنه) فالذي يظهر أنه خفي عليه هذا الحديث لا شك أن الذي يظهر أنه خفي عليه هذا الحديث وهو الغالب على الظن. وإنما فعل ذلك بتحريق هؤلاء لأن هؤلاء وقعوا في ذنب عظيم وفي شرك وخيم -نسأل الله العافية والسلامة-، فتعظيماً لأمر الله (جل وعلا) حرق هؤلاء بالنار. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 23 ـ[إذا لم نجد في الراوي إلا توثيق ابن حبان والعجلي أو أحدهما فما العمل؟ ]ـ طبعاً لا يخفى أن ابن حبان (رحمه الله) عنده أن الثقة الذي لم يجرح، والعجلي (رحمه الله) قريب مذهبه من مذهب ابن حبان، وأنه يتوسع في توثيق المجاهيل وبالذات إذا كانوا من طبقة كبار التابعين وطبقة التابعين. وهذا يظهر لمن تتبع كلام العجلي، إذا تتبع الإنسان كلام العجلي: لو تتبع مائتين راوي أو ثلاثمائة راوي ممن ذكرهم العجلي في كتابه الثقات وحكم بتوثيقهم العجلي فلو تتبع هذا العدد مائتين أو ثلاثمائة سوف تجد هذا ظاهراً ولذلك نص المعلمي (رحمه الله تعالى) على هذا. والعجلي (رحمه الله) لا شك أنه من كبار أهل العلم والفضل (رحمه الله)، لكن فيما يتعلق بتوثيق المجاهيل هو هذا الشيء يسلكه، نعم، ويتوسع فيه. وكذلك أيضا يتساهل ببعض الضعفاء فيوثقهم أيضاً كما أنه أحياناً قد يكون الشخص لا يصل إلى درجة أن يقال عنه ثقة ثبت أو ثقة يصل إلى درجة الصدوق أو الثقة الذي له أوهام فيقول عنه مثلاً: ثقة أو ثقة ثبت، وما شابه ذلك. فهو عنده (رحمه الله) شيء من التساهل في هذا. وعند التحقيق أن هناك أيضاً غير العجلي وابن حبان يفعلون ذلك منهم ابن جرير الطبري في كتابه (تهذيب الآثار) ممن أيضاًَ يفعل ذلك ويتوسع في هذا الأمر، منهم أبوعبد الله الحاكم في كتابه (المستدرك) أحياناً يفعل ذلك: يصحح حديث المجهول، نعم، وغير هؤلاء. فهناك من يسلك هذا المنهج، نعم، وطبعاً لا يخفى أن أيضاً بعض الأئمة كيحيى بن معين أو النسائي أحياناً أو أبوزرعه أحياناً قد يوثقون أيضا أناس ليسو بالمشهورين وفي الحقيقة أن هذه المسألة فيها ثلاثة مذاهب: 1) من يتوسع في ذلك كابن حبان والعجلي. 2) وفي طرف يقابل هذا الطرف وهو: التضييق في هذا والتشديد في ذلك كما يفعل ذلك ابن حزم وابن القطان الفاسي حتى أنهم قد يجهلون أناس من الثقات أو أناس لابأس بهم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 24 3) والقول الوسط هو مذهب ابن معين والنسائي وغيرهم: أنهم قد يوثقون أحياناً من ليس بالمشهور، ولكن وفق شروط: إذا استقام حديث هذا الشخص فهنا قد يوثقونه ويقبلونه. وهناك أمثله كثيرة على هذا من تتبع (الميزان) للذهبي يجد أنه ينبّه على هذا. وقد نبه أيضاً المعلمي على هذا في كتابه (التنكيل). والمسألة تحتاج إلي بسط أكثر لكن لعله يكتفى بما تقدم. ـ[ هل هناك فرق بين الحديث الحسن والحديث الجيد؟ ]ـ الجواب: الحديث الجيد أحياناً يطلق بمعنى الصحيح وأحياناً يطلق بمعنى دون الصحيح، فهذا يختلف باختلاف من يحكم على هذا الحديث بأنه جيد. فينبغي معرفة هذا الشخص وماذا يقصد بالحديث الجيد. فأحياناً يكون الجيد بمعنى الصحيح ويكون مثل الصحيح والمقصود به الصحيح وأحياناً لا ما يُقْصَد، يقصد دون ذلك لكن لا يقال عن حديث جيد إلا أن يكون هذا الحديث ثابتاً. ـ[ما هي نصيحتكم لمن يريد أن يقرأ في كتب العلل ؟ ]ـ نصيحتي لهذا الشخص أنه يتدرج في القراءة في هذه الكتب. يبدأ مثلاً في كتاب (التمييز) للإمام مسلم فإنه كتاب نفيس جداً، وكتاب مبسط، وشرح فيه الإمام مسلم كيفية تعليل الأخبار وبيّن أن الخبر إمّا أن يعل من جهة الإسناد أو من جهة المتن، وذكر أمثلة وأفاض في ذكر الأمثلة. فيبدأ بهذا الكتاب. ثم بعد ذلك ليقرأ في (العلل الكبير) للترمذي. ثم بعد ذلك ليقرأ في (العلل للدار قطني). ثم بعد ذلك ليقرأ في كتب العلل كعلل أبي حاتم وغيرها. يعني مثلاً علل ابن أبي حاتم من أصعب كتب العلل لأنك تجد عبارات مختصره فيقال مثلاً: هذا حديث باطل، هذا حديث منكر، أحياناً أو كثيراً ما [لا] يبيّن وجه النكارة فقد يصعب على الإنسان فهم كلام أبى حاتم: لماذا حكم على هذا الحديث بأنه منكر أوباطل؟ وما السبب الذي دعاه إلى ذلك؟ فلذلك يحتاج حتى يفهم كلام أبى حاتم أو أبي زرعه إلي مقدمات فإذا سار على ما ذكرت لعل بإذن الله يفهم كلام أبي حاتم وأمثاله. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 25 ـ[ما حكم المولودين في الردة هل هم كفار أصليون أم مرتدون؟ وهل تحل ذبائحهم وكيف نتعايش معهم؟ مثال على ذلك تاركي الصلاة عمداً. ]ـ تارك الصلاة عمداً وهو بين المسلمين هذا يعتبر مرتداً، وهو إنسان في مكان بعيد ما يدري عن حكم تارك الصلاة فهذا يكون مرتداً في هذه الحالة هذا يكون مرتداً والعياذ بالله، وبالتالي لا تجوز ذبيحته لا يجوز الأكل من ذبيحته وأمثال هؤلاء الذين وقعوا في الردة -نسأل الله العافية والسلامة- كما تقدم هم في هذه الحالة كفار وأشد من الكفار لأن المرتد أشد من الكافر الأصلي، ولاشك أن الواجب إقامة الحد عليهم. لكن هذا الإنسان لا يملك إقامة الحدّ وإنما يملك أنه يدعوهم ويذكرهم ويبين لهم. فعليه أن يفعل ذلك وأن يعاملهم معاملة الكفار لأنهم وقعوا في الردة. ـ[ما صحة حديث: "من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة"؟ ]ـ ما أذكر درجة هذا الحديث. ـ[ هل بناء بيت في الجنة لمن صلى ثنتي عشرة ركعة لمن داوم عليها أم يكفي ليوم واحد؟ ]ـ لا، الذي يظهر -والله أعلم- أنه من حافظ عليها. كما جاء في الحديث من حافظ على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة يعني تقييدها باليوم والليلة هذا يفيد الاستمرار على المحافظة، قد الإنسان في بعض الأحيان يفوته أو يكون مريضاً وما شابه ذلك: فهنا معذور، فإذا كان الغالب عليه فإن شاء الله يرجى أن ينطبق عليه هذا الحديث. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 26 ـ[ذكرت حفظك الله في أحد الأشرطة فتوى لك أن حديث الاعتماد على اليد عند القيام منكر (وهذا غالب ظني). أنا يا شيخ أعمل بسنية جلسة الاستراحة وأجلسها منفرداً لا مأموماً إذا كان إمامي لا يفعلها، وإماماً إذا أميت طلبة علم ولكن عند الاعتماد بعد الجلسة أعتمد على صدور قدمي ولا أعتمد على يدي لأن حديث العجن منكر. . . ولكني قرأت في البخاري هذا الحديث صحيح البخاري ج: 1 ص: 283: باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة: حدثنا معلى بن أسد قال حدثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة قال جاءنا مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا فقال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) يصلي، قال أيوب: فقلت لأبي قلابة: وكيف كانت صلاته، قال: مثل صلاة شيخنا هذا يعني عمرو بن سلمة، قال أيوب وكان ذلك الشيخ يتم التكبير وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام. . . فهل هذا الحديث يدل على أن يعتمد الإنسان على يديه إذا قام أي يعجن وما الفرق بينه وبين حديث العجن؟ ]ـ يبدو أن هذا الأخ فهمني خطأً: فالاعتماد عند القيام على اليدين هذا أنا أذهب إليه للحديث الذي ذكر وهو: حديث أيوب عن قلابة عن مالك بن الحويرث أن الرسول (صلى الله عليه وسلّم) كان يعتمد على الأرض عند القيام، وفسر هذا الاعتماد الإمام الشافعي وغيره بالاعتماد على اليدين، وهذا الأقرب (والله اعلم). لأن الإنسان قدميه على الأرض، فقول الراوي: "يعتمد على الأرض" إذاً بيديه، فالسنة هو الاعتماد على اليدين عند القيام. وأما الحديث الذي ضعفته فهو حديث ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه كان يعتمد على يديه كهيئة العاجن، هذا الحديث لا يصح. لكن فيما يتعلق بالنزول ينزل على ركبتيه، كما جاء في حديث وائل بن حجر (رضي الله عنه) وإن كان فيه ضعفاً، ولكن يشهد له ما ثبت عن عمر (رضي الله عنه) موقوفاً عليه ولم يثبت عن أحد من الصحابة ما يخالفه ما جاء عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أنه كان ينزل على يديه هذا لا يصح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 27 ـ[يقول بعض الفضلاء: لا داعي لحفظ الأسانيد في هذا العصر لأن الإنسان كُفى ذلك من خلال كتب التخريج بل يكتفي بحفظ المتن فقط وراوي الحديث أما السند فيكفي البحث عنه فما رأيكم فيما قال؟ ]ـ طبعاً هذا، يعني، لاشك أنه غير صحيح، ولاشك -بحمد الله- كل الدين محفوظ، فالقرآن الكريم محفوظ، والسنة النبوية محفوظة. فإذا قلنا أنا كفينا وأن هذا الشيء محفوظ الأسانيد. حتى الباقي القرآن والمتن كلها محفوظة لكن لاشك طبعاً الإسناد ليس هو مثل المتن كما تقدم، الإسناد وسيلة لا غاية، الغاية هو المتن. فإذا كان الإنسان بحمد الله يشتغل في هذا العلم واهتم بهذا العلم فهذا يحتاج إلى أن يعرف الأسانيد وإذا أمكن حفظه فهذا طيب وحسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 28 ـ[ما الذي يكفي الإنسان في كتب العقيدة قراءة وحفظاً؟ ]ـ هذا السؤال مهم جداً وذلك كما تقدم أن العقيدة هي الأساس وهي الأمر الأول الذي ينبني عليه باقي الأمور، فينبقي لطالب العلم أن يهتم بها غاية الاهتمام. فيبدأ مثلاً بـ (ثلاثة الأصول)، ثم بعد ذلك بـ (كشف الشبهات)، ثم بعد ذلك كتاب (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد)، ثم بعد ذلك ليقرأ فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته ككتاب (الواسطية)، ثم (الحموية)، ثم (التدمرية). فإذا قضى ذلك كله وأراد أن يتوسع أكثر فليقرأ المجلدات الأولى من (الدرر السنية) فإنها مفيدة جداً. وإذا أمكن أن يقرأ كل (الدرر السنية) فهذا أحسن وأكمل. وكذلك أيضاً إذا أراد الزيادة فليقرأ في المجلدات الأولى من (مجموع فتاوى الإمام بن تيمية)، وإن اطلع على كل الفتاوى فهذا أكمل وأحسن. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 29 ـ[ما صحة هذا الحديث: عن فضالة بن عبيد أن النبي (صلى الله عليه وسلّم): كان يأمرنا بالاحتفاء أحيانا ً. وهل أعله أحد من المتقدمين؟ وهل يصح في هذا الباب شيء وجزاكم الله خيراً. ]ـ هذا حديث رواه أبو داود والإمام أحمد من حديث عبد الله بن بريدة بن الحصين أن رجلاً من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلّم) رحل إلى فضالة بن عبيد، وفيه ذكر هذا الحديث الذي معنا. وهذا الحديث إسناده صحيح إلى عبد الله بن بريد بن الحصين لكن بقي هل عبد الله بن بريده سمع من هذا الرجل الذي لم يسمه أو سمع من فضالة بن عبيد؟ لم يثبت أن عبد الله بن بريده سمع من فضاله بن عبيد. وهذا الرجل لم يسمه عبد الله بن بريدة، فهذا الحديث في إسناده نظر من حيث الاتصال. وكذلك في إسناده نظر من حيث المتن، وذلك أنه في حديث عبد الله بن بريدة بن الحصين عن هذا الرجل الذي هو من الصحابة ورحل إلى فضالة بن عبيد في هذا الحديث أن الرسول (صلى الله عليه وسلّم) نهى عن الترجل إلا غباً، فهذه الزيادة "نهى عن الترجل إلا غباً" هذه جاءت في أحاديث عديدة، جاءت في هذا الحديث وجاءت كذلك في حديث عبد الله بن المغفل أن الرسول (صلى الله عليه وسلّم) نهى عن الترجل إلا غباً أو نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم، وجاءت أيضاً عن رجل من الصحابة رواه أبو داود. فقوله نهى أن يمتشط أحدنا كل يوم هذا صحيح هذا جاء في أحاديث عديدة أو عدة أحاديث، وأمّا أمرنا أن نحتفي أحياناً: فهذه إنما جاءت في الحديث السابق. ويؤيد عدم صحتها: أن حديث فضالة بن عبيد الذي تقدم السؤال عنه قد جاء له طريق آخر عند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن شقيق العقيلي وليس فيه هذه الزيادة وهي "أمرنا أن نحتفي أحياناً" وإنما فيه النهي عن الإرفاء أو عن الترفه: كان ينهانا عن كثير من الارفاء يعني الترفه، وجاء تفسير هذا -والله أعلم- بالامتشاط كل يوم، والمقصود هنا بالامتشاط هنا هو ما جاء في رواية أخرى نهى عن الترجل إلا غباً، وهو الجزء: 8 ¦ الصفحة: 30 دهن الشعر وتنظيفه وترجيله: فهذا جاء النهي عنه أن يفعله الإنسان في كل يوم، وأما مجرد التمشيط -والله أعلم- فهذا لا بأس به، لأن هذا ليس مثل الأول، الترجيل هو: دهن الشعر كما ذكرت وتنظيفه وتمشيطه فهذا يحتاج إلى وقت فهذا الذي جاء النهي عنه. والخلاصة أن هذه الزيادة: "أمرنا بالاحتفاء أحياناً" في صحتها نظر لما تقدم، وأيضاً قد جاء في صحيح مسلم أن الرسول (صلى الله عليه وسلّم) قال: استكثروا من النعال فإن الرجل لا يزال راكباً ما أنتعل. ـ[ما قول فضيلتكم فيما لو صرح أحد المدلسين بالتحديث، ثم أنكره أحد الأئمة ؟ ]ـ عندما يصرح من هو موصوف بالتدليس يصرح بالتحديث فإذا ثبت الإسناد إليه الأصل قبول تصريحه بالتحديث هذا هو الأصل ولكن عندما يأتي أحد الأئمة كما في هذا السؤال وينكر هذا التصريح بالتحديث هذا يوجب التوقف ويجعل الباحث يتأمل ويراجع الطرق أكثر فإنكار هذا الحافظ أو الإمام هذا التصريح بالتحديث معناه أن هذا التصريح لم يثبت وأنّ أحد الرواة هو الذي أخطأ رواية هذا التصريح ولذلك أحياناً الحفاظ يردون بعض التصريح الذي يأتي من طريق مبارك بن فضالة فيما يرويه عن الحسن عندما يكون هناك تصريح في التحديث ما بين الحسن وما بين الصحابي الذي روى عنه الحسن فتجد بعض الحفاظ ينكر هذا التصريح ويعدون أن هذا نوع من التدليس من مبارك بن فضالة فالراوي أحياناً يخطئ. فأقول عندما ينكر أحد الأئمة هذا التصريح ينبغي للباحث أن يتأمل وينظر ولا يستعجل حتى يتأكد، فإنكار هذا الإمام يفيد أن هذا التصريح خطأ، هذا هو الأصل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 31 ـ[ أيهما أقوى المرسل الصحيح أم المسند الضعيف؟ ]ـ هذا السؤال في الحقيقة مجمل لأنه أحياناً قد يكون المرسل أقوى من المسند الضعيف وأحياناً بالعكس يكون المسند الضعيف أقوى من المرسل. وذلك عندما يكون هذا المرسل مثلاً لأحد كبار التابعين بالذات -مثلا ً- مراسيل سعيد بن المسيب التي يغلب عليها الصحة ويأتي طريق مسند وفيه ضعف واضح وبين فإذا كان هذا الضعف شديداً فلا شك أن هذا المرسل يكون أقوى من هذا المسند الضعيف، وأحياناً كما ذكرت بالعكس قد يكون المسند الضعيف أقوى من المرسل وذلك عندما يكون هذا المرسل لأحد صغار التابعين - مثلاً - كأن يكون مرسلاً للزهري أو للأعمش فهذه المراسيل شديدة الضعف وجاء طريق مسند وفيه ضعف ولكن هذا الضعف ليس بالشديد ضعف يسير فيكون هذا المسند أقوى - مثلاً - يكون في هذا المسند عبد الله بن محمد بن عقيل وعبد الله بن محمد بن عقيل لا يحتج به لكنه ليس ببيّن الضعف وإنما له أحاديث تستنكر وله أوهام وله أحاديث أخرى صحيحة بدليل أنها جاءت من طرق أخرى فيكون هذا المسند الذي فيه ضعف أقوى من هذا المرسل ففي الحقيقة أحياناً وأحياناً. ما يحكم بحكم عام. وإنما كل حديث يحكم عليه لوحده عند المقارنة بينه وبين هذا المرسل مثلاً. وأما حكم عام فهذا لا يمكن كما تقدم لأنه أحياناً يكون المسند الذي فيه ضعف أقوى وأحياناً المرسل أقوى. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 32 ـ[إذا وصف أحد المتأخرين الراوي بالتدليس ولم يسبقه أحد من الأئمة . فما قولكم في ذلك؟ ]ـ هذا المتأخر عندما وصف هذا الروي بالتدليس ينبغي أن يُتأكد ما نوع هذا التدليس، لأنه في الحقيقة أن التدليس كلمة واسعة جداً تطلق على أشياء كثيرة تدليس يطلق على تدليس الإسناد المعروف ويطلق أيضاً على الإرسال كما أنه يطلق أيضاً على تدليس الشيوخ هو أن يسمي شيخه باسم ليس بالمشهور به ويطلق كذلك على تدليس التسوية ويطلق كذلك على تدليس المتون وكذلك يطلق على ما يسمى بتدليس البلدان. ففي الحقيقة أن التدليس أنواع متعددة وكلمة عامة واسعة فأقول: ينبغي أن يتأكد ما نوع هذا التدليس ويبحث عن دليل لوصف هذا الراوي بالتدليس. يعني - مثلاً- بعض أهل العلم يسمي الإجازة وما شابه ذلك إذا لم تبين يسميها تدليساً ولعل من هذا الباب وصف ابن سعد لعبد الله بن وهب حافظ مصر وصفه بالتدليس، والتدليس الذي يقصده ابن سعد والعلم عند الله هو أن عبد الله بن وهب كان يتوسع يروي عن الشخص بالإجازة ويأخذ كتاب أحد الشيوخ فيطلب منه أن يروي عنه فإذا أجازه بذلك رواه فيبدو أن وصف ابن سعد له بالتدليس هو من هذا القبيل فالخلاصة أنه ينبغي يتأكد ويبحث عن الدليل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 33 ـ[بالنسبة لمسألة التفرد، لو تفرد أحد الحفاظ الثقات الأثبات ممن هو في طبقة تبع تبع الأتباع ومن دونهم (كالإمام أحمد والبخاري) فهل يعد ذلك علة في الحديث ؟ ]ـ التفرد هو في الأصل كثيراً ما يكون علة في صحة هذا الحديث وفي عدم صحته، ويكون علة بأمور: 1) أن يكون هذا المتفرد من المتأخرين يعني كما في هذا السؤال مثل طبقة الإمام أحمد، ومن المعلوم أن هذه الطبقة يندر فيها التفرد لأن الأحاديث كثرت وانتشرت وتعددت حتى أن الحديث يكون له طرق كثيرة لأن الأحاديث انتشرت وكثرت، بخلاف ما يكون التفرد في طبقة التابعين أو أتباعهم. أما في طبقة الإمام أحمد وأمثاله فهذا يندر وجوده وإذا وجد غالباً أنه لا يصح كما نص على مثل ذلك الذهبي في كتابه الموقظة. 2) ومن التفرد أيضاً الذي يرد به الخبر عندما يكون المتفرد ليس من ثقات هذا الشيخ أو ليس من أصحابه الحفاظ الملازمين له يعني مثل الزهري له أصحاب كثر حفاظ ملازمين له فعندما يأتي واحد ليس بمشهور ومعروف بذلك يتفرد بشيء ففي مثل هذه الحالة لا يقبل وفي الحقيقة أن مسألة التفرد هذه مسألة تحتاج إلى زيادة كلام. ولعله يرجع إلى كلام الأئمة في ذلك يرجع إلى كلام الذهبي في الموقظة. ـ[ما قول فضيلتكم في أحاديث التنعل قائما ً؟ ]ـ الجواب: هذا الحديث لا بأس بإسناده وهو أن الرسول (صلى الله عليه وسلّم) نهى عن الانتعال قائماً وهو محمول -والله أعلم- على النعال التي تحتاج إلى فك وربط، من المعلوم أن بعض النعال وهي الأحذية أو ما يسمى بالأحذية بعضها يحتاج إلى فك وربط؛ فهذه تحتاج إلى أن الإنسان يجلس أولى له وأحسن وأريح له فهذا الحديث محمول والله أعلم على ذلك. وأظن بعض أهل العلم قد نص على هذا الشيء. ـ[ما قول فضيلتكم في حديث كفارة المجلس ؟ ]ـ الجواب: حديث كفارة المجلس له طرق كثيرة، ولعله والله أعلم ثابت بمجموع هذه الطرق، نعم، بعض هذه الطرق معلولة كما في قصة البخاري ومسلم لكن للحديث طرق أخرى عديدة فأقول لعله بمجموع هذه الطرق ثابت. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 34 ـ[ قول إمام من أئمة الحديث " أكتب عنه " وذلك حينما يسأل عن راو معاصر ل ه، ماذا يعني ذلك، وهل هو توثيق؟ ]ـ إذا قال أكتب عنه ففي الحقيقة هذا تقوية منه لهذا الراوي والإمام مسلم قد يستعمل مثل هذا، فقد يقول اكتبوا عن هذا الراوي ويعني بذلك توثيقه كما نص على ذلك الحاكم، فمثل هذا تقوية لهذا الراوي وقد يكون أحياناً توثيق. ـ[ هل كثرة مؤلفات الشخص تدل على علمه وفضله مع أنا نرى الكثير من أهل عصرنا لهم مؤلفات وتحقيقات وليس لها أثر عليهم أرجو التوضيح أكثر حول المسألة بارك الله فيك؟ ]ـ أقول مثل ما ذكر هذا السائل في سؤاله، ليس كل إنسان له مؤلفات كثيرة يكون هذا دليلاً على علمه وفضله، كما أنه بالعكس: ليس كون الإنسان ليس عنده مؤلفات فيكون هذا دليل على عدم علمه وعدم فضله. فمن المعلوم أن هناك جمع من أهل العلم ليس عندهم مؤلفات وهم من أهل العلم والفضل، كما أنه بالعكس يوجد من يكون عنه مؤلفات كثيرة فهذا أيضاً لا يدل على علمه وفضله. فكما أشار هذا الأخ السائل في سؤاله. فكثرة المؤلفات أو عدم ذلك هذا لا يدل على العلم أو عدم العلم أو الفضل أو عدم الفضل. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 35 ـ[هل يكتفي طالب الحديث بالأخذ بتصحيحات العلماء الذين عرفوا بالحديث سواء من المتقدمين أو المتأخرين، أم يبحث عن طرق الحديث ويخرجه ثم يستأنس بحكمهم على ذلك الحديث؟ ]ـ عندما الشخص يريد أن يبحث عن حكم حديث ما فهذا الباحث إما أن يكون عنده علم بالحديث وإما أن لا يكون عنده علم، فإن كان عنده علم في الحديث فعليه أن ينظر هو وأن يبحث في كلام الأئمة وبالذات من تقدم منهم، ويستفيد أيضاً من كلام المتأخرين من أهل العلم الذين حكموا على هذا الحديث أو جمعوا طرق هذا الحديث. وأيضاً ينبغي له أن ينظر ويقارن ما توصل إليه بما حكم به أهل العلم على هذا الحديث، وبالتالي سيتعلم ويستفيد فائدة كبيرة من هذا المنهج وهذه الطريقة. وأما إذا كان الباحث ليس عنده علم فهذا لا شك يكتفي بكلام أهل العلم في الحكم على هذا الحديث. ولكن أنصح مثل هذا الشخص أن يرجع بالذات إلى من تقدم من الحفاظ ويستفيد من كلام من تأخر وكل واحد له كلام سواء من تقدم أو من تأخر ينبغي له أن يستفيد من عنده، لكن لا شك من تقدم هم أعلم فليحرص أعلى كلم الأئمة السابقين مع الاستفادة من كلام أهل العلم المتأخرين. ـ[من المعروفين لديكم بارك الله فيكم بأنهم على منهج المتقدمين من أهل هذا العصر؟ ]ـ أقول بحمد الله أن هناك جمع من أهل العلم هم يهتمون بكلام الأئمة السابقين ويتتبعون كلام الحفاظ ويسيرون وفق منهجهم ويسلكون طريقتهم فهناك مجموعة من أهل العلم الذين هم على هذا المسلك والذين هم على هذه الطريقة. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 36 ـ[ما القاعدة التي يعرف بها المرسل الخفي من التدليس ؟ ]ـ بالنسبة للمرسل الخفي والتدليس طبعاً لا يخفى أن المرسل كما تقدم يسمى تدليس ويوصف من يفعله بأنه مدلس كما يوصف أحياناً بأنه يرسل، ولا شك أن بينهما فرقاً من حيث التعامل. فإذا كان الراوي يدلس تدليس الإسناد وذلك بأن يروي عن شخص قد سمع منه أحاديث سمعها من شخص آخر فيحذف من حدثه ويروي مباشرةً عن هذا الشخص فهذا هو تدليس الإسناد أو التدليس المعروف أو في الغالب إذا أطلق ينصرف إليه فهذا يعامل معاملةً أخرى غير معاملة الشخص الذي يرسل. فمعاملة الشخص الذي يرسل يُنظر فإن ثبت سماعه من هذا الراوي فتحمل أحاديثه على السماع والاتصال إلا لدليل يدل على خلاف ذلك بعني مثلاً الحسن البصري فالأئمة الحفاظ يتعاملون معه على أنه إذا ثبت سماعه من أحد الصحابة إذاً باقي أحاديثه تكون محمولة على السماع والاتصال وإذا لم يثبت سماعه من أحد من الصحابة تكون أحاديثه منقطعة حتى لو جاء التصريح بالتحديث لأن الحسن (رحمه الله) من المعلوم أنه يتأول (رحمه الله) فيقول خطبنا ابن عباس ويعني بذلك خطب أهل البصرة وهو لم يثبت سماعه من ابن عباس -فمثلاً- كل ما يرويه عن ابن عباس فهذا منقطع إلا إذا جاء دليل يخالف ذلك يعني -مثلاً - رواية الحسن عن سمرة: الحسن ثبت في القول الصحيح أنه سمع من سمرة حديث العقيقة كما جاء الجزء: 8 ¦ الصفحة: 37 في صحيح البخاري عندما جاء رجل إلى محمد بن سيرين وهو حبيب بن الشريد يحدثه بحديث عن الحسن عن سمرة في حديث العقيقة فقال: أذهب واسأل الحسن ممن سمعه فذهب وسأله فقال: سمعته من سمرة، باقي الأحاديث التي رواها عن سمرة وهي كثيرة يعني قد تكون بالمكرر أكثر من مئة حديث فهذه الأحاديث أختلف الحفاظ هل كلها سمعها أو لم يسمعها أو بعضها دون بعض مع أن هناك من الأئمة من يرى أن الحسن لم يسمع من سمرة ولا حديث فأقول أن رواية الحسن عن سمرة لا تحمل على السماع والاتصال لما تقدم. لكن من رواه عن غيره ممن ثبت سماعه منهم كأنس بن مالك فكل ما يرويه الحسن عن أنس فهذا محمول على السماع والاتصال إلا إذا دل دليل على خلاف ذلك. نعم، فهذه القاعدة في ذلك فيما يتعلق بهذه المسألة وفيما يتعلق بالتدليس أنا تكلمت على هذا في مقدمة كتاب (منهج المتقدمين في التدليس). ما قولكم بارك الله فيكم في هذه الأحاديث؟ ـ[(أ) من أدرك تكبيرة الإحرام لصلاة الفجر أربعين ليلة برئ من النفاق (في الترمذي): ]ـ الجواب: هذا الحديث ضعفه الترمذي والأقرب أنه موقوف على أنس كما جاء عند عبد الرزاق في كتابه المصنف. ـ[(ب) أمتي هذه أمة مرحومة جُعل عذابها في دنياها أو نحو هذا اللفظ. ]ـ هذا جاء في حديث أبو موسى الأشعري وقد جاء من طرق متعددة وهذا لا ينافي أحاديث الشفاعة والتي فيها أنه يعذب أناس من هذه الأمة يعذبون في النار ثم يخرجون بشفاعة الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام)، وبالذات نبينا محمد (عليه الصلاة والسلام)، وبشفاعة الملائكة وبشفاعة الأولياء والصالحين وبشفاعة الأفراط لآبائهم. فأقول هذا لا ينافي الأحاديث التي جاءت في الشفاعة فهي لا شك أصح وأكثر وأكبر كما جاء في تاريخ البخاري الكبير لكن حديث أبو موسى (رضي الله عنه) حديث صحيح وأصله في صحيح مسلم. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 38 ـ[(جـ) من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له قصراً في الجنة. ]ـ هذا الحديث ضعيف جاء من طريقين وكلاهما لا يصح. ـ[(د) أمر بعبد من عباد الله أن يجلد في قبره مئة جلدة .. حتى خفف إلى واحدة فلما جلد اشتعل عليه (قلبه) ناراً .. الطبراني من حديث ابن عمر، والطحاوي من حديث ابن مسعود (مع أن الطحاوي قد تفرد بهذا الإسناد في كل الطبقات فهل يكفي هذا لإعلال الحديث مع وجود جعفر الضبعي وعاصم بن بهدلة). ]ـ لعله قبره وليس قلبه كما جاء في السؤال. بالنسبة لهذا الحديث لا أدري عن صحته ولكن فيما يتعلق بجعفر بن سليمان الضبعي اختلف فيه، وثقه قوم وتكلم فيه آخرون، وخرج له الإمام مسلم في صحيحه عدة أحاديث فجعفر بن سليمان له أحاديث مستقيمة وله أحاديث أنكرها بعض الأئمة عليه وعاصم بن بهدلة أيضاً مختلف فيه على جلالته في القراءة لكن في الحديث مختلف فيه له بعض الأوهام والأخطاء وحديثه ينقسم إلى أقسام لعله ليس هذا موضع ذكر هذه الأقسام لكن الأصل أنه لا بأس به فهو حسن الحديث هذا هو الأصل إلا في بعض مروياته هذا من حيث الرجلين؛ وأما من حيث الحديث فكما ذكرت لم أدرسه من قبل. ـ[(هـ) مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره (أنا خرجت الحديث وكل طرقه ضعيفة فما رأيكم يا شيخ، وأيضاً هل المتن منكر أم لا)؟ ]ـ هذا الحديث كما ذكر السائل جاء من طرق متعددة وبعض أهل العلم قواه كالسخاوي ونقل عن ابن عبد البر أنه حسنه، لكن من المعلوم أن التحسين بالذات عند المتقدمين أن أمره واسع، يعني يطلق على عدة أمور، والأقرب في هذا الحديث كما توصل إليه السائل أنه لا يصح وأن الصواب في هذا الحديث أنه مرسل عن الحسن البصري. هذا الأقرب (والله أعلم) وبالتالي لا يصح. وأما المتن: فهذا المتن لو ثبت الإسناد لكان صحيحاً وقد جاءت أحاديث تفيد أنه سوف يكون في آخر هذه الأمة تمكين لهذا الدين ونصر لعباد الله المؤمنين وذلك بخروج المهدي ونزول عيسى بن مريم (صلى الله عليه وسلم). الجزء: 8 ¦ الصفحة: 39 ـ[(و) حديث الأوعال : ]ـ هناك من صححه كأبي بكر بن خزيمة، وإلى ذلك يميل الإمام ابن تيمية وهناك من ضعفه وهذا هو الأقرب والله أعلم. وفيه ثلاث علل: 1) أن الأحنف بن قيس لم يثبت له سماع من العباس بن عبد المطلب، وهذا تعليل البخاري. 2) عبد الله بن عميرة فيه جهالة. كما قال الحربي. 3) والاضطراب الذي وقع في إسناده على سماك كما قال ابن حجر أو البخاري قال أن عبد الله بن عميرة لم يثبت له سماع من الأحنف. فهذا الحديث لا يصح لما تقدم وبحمد الله فيما يتعلق بإثبات العلو لله جل وعلا فهذا ثابت بالكتاب والسنة والفطرة والعقل. ـ[(حـ) أن الرعد ملك والبرق سوطه (وقد ذكر السيوطي في الدر روايات كثيرة، فما درجة هذا الحديث). ]ـ بعض طرقه رواه ابن أبي حاتم في كتاب التفسير وهناك من أهل العلم ممن قواه ولكن بالنسبة لي ليس عندي حكم فيه. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 40 ـ[(ط) حديث ركعتي الإشراق . ]ـ لعل السائل يقصد "من صلى الصبح ثم جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس وصلى ركعتين كتب له أجر حجة وعمره تامة تامة" هذا الحديث قواه جمع من أهل العلم وضعفه جمع آخر والأقرب أنه لا يصح وأبو عيسى الترمذي ما صححه، وابن حبان ضعف بعض طرقه، وهذا الحديث له طرق كثيرة وكلها لا تصح. والأقرب أنه لا يتقوى ومما يدل أيضاً على ضعفه غير ضعف أسانيده غير ما تقدم هو ما جاء في صحيح مسلم من حديث سماك عن جابر بن سمرة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) "كان يجلس عندما يصلي الصبح حتى تطلع الشمس حسناً، وعند أبي داود حتى تطلع الشمس حسناء" وهذا الحديث قد رواه عن سماك شعبة بن الحجاج ورواه أيضاً أبو الأحوص. فهذا الحديث حديث صحيح وهذا من قديم حديث سماك وقد صححه كما تقدم الإمام مسلم. الشاهد من هذا الحديث أنه ما ذكر أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يصلي بعد جلوسه ركعتين. وما أعرف عن الصحابة أنهم كانوا يصلون ركعتين. نعم جاء بأن عبيد بن عمير عندما كان يذكر أنه كان يقوم ناس في وقت السنة كانوا يصلون، يعني يصلون صلاة الضحى أما صلاة الإشراق فهذه غير صحيحة وإنما صلاة الضحى. فهذا الحديث لا يصح لكن لا شك أن الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح أو في أي وقت هذا مرغب فيه كما جاءت بذلك الأحاديث وكون الإنسان يصلي ركعتين أو أكثر بعد ارتفاع الشمس أيضاً بنيّة سنة الضحى هذا قد جاءت به النصوص. لكن الكلام على الحديث السابق باللفظ الذي تقدم ذكره لا يصح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 41 ـ[أين أجد تقسيمات مرويات الرواة الذي تذكرونه دائما ً في دروسكم، هل هو اجتهاد شخصي؟ وهل يمكن أن نجده مطبوعاً في كتاب لكم؟ ]ـ بالنسبة للتقسيمات التي أذكرها أحياناً في الحكم الراوي، هذه إما أن يكون أهل العلم ذكروها نصوا عليها صراحةً وإما أن تؤخذ من جمع كلام أهل العلم في الراوي فمثلاً ما تقدم الكلام فيه على عبد الله بن لهيعة أصل التقسيم ذكره أهل العلم أو ذكره بعض أهل العلم فرقوا ما بين من روى عنه بعد الاختلاط أو قبل احتراق كتبه ومن روى عنه بعد احتراق كتبه. وبالمناسبة أن الذين رووا عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه هم جمع كبير ليس خاصاً بالعبادلة، فأقول أصل هذا التقسيم ذكره بعض أهل العلم وأنا فرقت أيضاً بين من روى عنه قديماً فجعلت عبد الله بن وهب أقوى من غيره وهذا لما ذكرت أن عبد الله بن يزيد المقرئ ذكر بأنه روى عنه قديماً لكن عبد الله بن وهب أقدم فذكر في الحديث الذي تقدم ذكره وهو أن القرآن لو كان في إيهاب لما احترق قال عبد الله بن وهب أن ابن لهيعة ما كان يرفعه في ما سبق يعني رفعه فيما بعد فاستفدت من هذا أن ابن وهب أقوى في ابن لهيعة من عبد الله بن يزيد المقرئ مثلاً فأقول هذا من التنصيص لبعض الحفاظ أو يؤخذ من جمع كلام الحفاظ في هذا الراوي فمثلاً أبو معاوية جمع من الحفاظ قدم أبو معاوية في روايته عن الأعمش وبعض الحفاظ تكلم في أبي معاوية في روايته عن غير الأعمش كهشام ابن عروة مثلاً فيقال أن حديث أبي معاوية ثلاثة أقسم: 1) ما رواه عن الأعمش وهو مقدم فيه. 2) ما رواه عن غير الأعمش ولا يكون هذا الذي روى عنه تُكلم في رواية أبي معاوية عنه كهشام بن عروة مثلاً. 2) رواية أبي معاوية عن من تُكلم في رواية أبي معاوية عنه فهذا كما ذكرت يُؤخذ من كلام الحفاظ. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 42 ـ[ما رأيكم في الخلاصة التي خرج بها الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب عن أحوال الرواة؟ وهل يصح أن يعتمد عليها طالب العلم عند الحكم على الحديث؟ ]ـ كتاب التقريب للحافظ ابن حجر (رحمه الله) كتاب مفيد جداً وكتاب قيم ويستفيد منه طالب العلم كثيراً وذلك لما حوى من كلام الحافظ ابن حجر على آلاف من الرواة الذين ذكروا في هذا الكتاب وأن هؤلاء الرواة أكثرهم من المشاهير وهم كلهم من رجال الكتب الستة فهم من أشهر الرواة. فهذا الكتاب كتاب قيم ومفيد لطالب العلم لكن لا شك أن هذا الكتاب لا يكفي في الحكم على الراوي وذلك لأن الحافظ (رحمه الله) أراد أن يختصر ما في تهذيب التهذيب وغيره من كتب الرجال فيعطي حكم مختصر على هذا الراوي فهناك بعض الأشياء التي ما يذكرها وذلك إما أنه رحمه الله أراد أن يعطي حكماً مختصراً فإذا فصل فإنه لم يعط حكماً مختصراً في الراوي، أو قد تفوت الإنسان وما شابه ذلك فأقول لا يكتفى في الحكم على الراوي بما جاء في حكم الحافظ ابن حجر وإنما يستفاد منه ويُرجع أيضاً إلى كتب الرجال وكتب الجرح والتعديل ويُتتبع كلام الأئمة في الحكم على هذا الراوي. ـ[ماذا ظهر لكم في مصطلح (مقبول) الذي يستخدمه الحافظ في حال بعض لرواه؟ وكما لا يخفى عليكم أنه استخدمه في بعض رواة الصحيحين. ]ـ الحافظ عندما يستخدم مصطلح مقبول يقصد به (لين) كما ذكر هو (رحمه الله) في مقدمة التقريب، ثم هذا اللين إما أن يكون ضعف في هذا الراوي فحكم عليه باللين وهذا قليل في استخدامه لكلمة مقبول، وإما أن يكون هذا اللين جاء من عدم شهرة هذا الراوي أي أن هذا الراوي ليس فيه توثيق معتبر وإنما فيه توثيق ابن حبان أو العجلي مثلاً فيقول عنه أنه مقبول وكم ذكرت هو قد نص في المقدمة أن معنى مقبول عنده أي حيث يتابع وإلا فلين. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 43 ـ[لا يخفى أن من معتقد أهل السنة والجماعة أن الصحابة (رضوان الله عليهم) كلهم عدول ثقات، ولكن نجد في بعض الروايات أن بعض الصحابة -من الذين تأخر إسلامهم- قد وقعوا في أمور تنافي التعريف المشهور للعدالة . وهذا كالذي يروى مثلا عن سمرة بن جندب أو المغيرة بن شعبة (رضوان الله عليهما). فهل هذه الروايات عنهم صحيحة؟ فإن لم يصح شيء منها، فالسؤال ساقط من أصله. وإلا فما توجيهها لتوافق ما تقرر في اعتقاد أهل السنة؟ ]ـ أولاً أشكر هذا الأخ السائل على دعواته التي ذكرها وأسأله جل وعلا أن يوفقنا وإياه وأن يقبل منا ومنه وكما ذكر هذا السائل أن الصحابة لا شك أنهم عدول بثناء الله (جل وعلا) عليهم غي كتابه الكريم وثناء الرسول (صلى الله عليه وسلم) عليهم في سنته فهم عدول (رضي الله تعالى عنهم) وما جاء مما فيه قادح في بعضهم فهذا إما أن يكون غير ثابت أصلاً مثل القصة التي تحكى في اجتماع إبي موسى مع عمرو بن العاص رضي الله عنهما في الصلح وأنه ذكر أن عمرو بن العاص خدع أبو موسى وأنه قال له لنخلع الاثنين يعني علي ومعاوية (رضي الله عن الجميع) ثم بعد أن اتفق معه على ذلك قال تكلم يا أبا موسى فأنت أقدم مني إسلام وأفضل مني وما شابه ذلك فأخبر أبو موسى أنه خلع علي (رضي الله عنه) وأنه عندما جاءت النوبة لعمرو بن العاص أنه ثبت معاوية فهذا لم يصح وإ نما أرادوا أن يتفقوا على الصلح ولم يحصل هذا الصلح ولم يقع فأقول أن هناك أخبار غير صحيحة. وإما أن تكون هذه الأشياء التي قد يظن أنها قادحة في بعض الصحابة أنها من قبيل الاجتهاد والتأول، يعني مثل ما حصل من خروج عائشة (رضي الله عنها) وكذلك الزبير (رضي الله عنه) وطلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه) في معركة الجمل كانوا متأولين وأرادوا الإصلاح بين طائفة علي (رضي الله عنه) وبين طائفة معاوية (رضي الله عنه) وأرادوا أيضاً أن يتتبعوا قتلة عثمان ونحو ذلك فقد خرجوا وهم قد تأولوا في خروجهم فلذلك عائشة عندما سمعت نباح الكلاب أرادت أن ترجع فقالوا لها كيف ترجعين ولعل الله أن يصلح بك بين طائفتين من المسلمين أو لعل الله أن يصلح بك بين المسلمين فاستمرت في مسيرها. فالشاهد من هذا أنهم أرادوا الإصلاح فهم تأولوا في ذلك ولا شك أن المجتهد المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد. أو تكون هذه الأشياء قد تابوا منها ورجعوا عنها كما حصل لماعز (رضي الله عنه) لما وقع فيه فتاب وطلب من الرسول (صلى الله عليه الجزء: 8 ¦ الصفحة: 44 وسلم) أن يقيم عليه الحد وكما حصل من المرأة الغامدية عندما أيضاً طلبت من الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يقيم عليها الحد. فيحمل على ما تقدم. فالصحابة (رضي الله عنهم) عدول وثقات رضي الله عنهم أجمعين. ـ[من المعلوم أن بعض الكتب الحديثية المشهورة مفقودة (مثل مسند بقي بن مخلد، أو قسم من صحيح ابن خزيمة). وهنا سؤال يطرح بإلحاح: هل يمكن أن تكون هذه الكتب قد انفردت بأحاديث (أو على الأقل بطرق وأسانيد) لا توجد في الكتب المشهورة؟ فإن كان الجواب: لا، كان ذلك بعيداً، لأنه يلزم منه أن يكون أصحاب هذه الكتب ما زادوا على أن كرروا ما في الكتب الأخرى. والاستقراء في الكتب التي كانت مفقودة ثم وجدت، أو كانت مخطوطة ثم طبعت، يثبت العكس. فكم هي المتون والأسانيد التي اطلعنا عليها في هذه الكتب بعد أن لم تكن معروفة لدينا .. وإن كان الجواب: نعم، كان ذلك منافياً لما تقرر من أن الله (عز وجل) قد حفظ السنة من الضياع. فالرجاء منكم إزالة هذا الإشكال. ]ـ لا شك أن الدين محفوظ بحفظ الله له فقوله (جل وعلا): "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" هذا يشمل ويلزم منه حفظ السنة النبوية لأن السنة النبوية تفسر وتبين القرآن الكريم وألا إذا لم تحفظ السنة فهذا يودي إلى عدم حفظ القرآن لأن السنة تبين القرآن فإذا كان ليس هناك ما يبين القرآن إذاً فهو غير محفوظ فلا شك أن القرآن والسنة محفوظان بحفظ الله (عز وجل) لهما وبالتالي يتبين جواب سؤال هذا الأخ أو استشكاله: فبحمد الله من كتب الحديث وكتب الآثار الموجود منها الشيء الكثير والشيء الكبير. وليعلم هذا الأخ أن أغلب الأحاديث الصحيحة إنما هي في الكتب الستة، أغلب الأحاديث الصحيحة إنما هي في الجزء: 8 ¦ الصفحة: 45 الكتب الستة. نعم موجود في غير الكتب الستة أحاديث كثيرة صحيحة لكن الأكثر والأغلب هو موجود في الكتب الستة ومثلاً ابن خزيمة الذي جاء السؤال عنه أن ربعه الموجود وثلاثة أرباعه غير موجود فأقول: كثيراً ما يتفق ابن خزيمة مع ابن حبان في رواية الأحاديث إما أن يرويها ابن حبان عن ابن خزيمة مباشرةً أو يرويها عن شيوخ آخرين فأغلب ما في ابن خزيمة هو موجود في صحيح ابن حبان كما أنه أغلب ما هو موجود في مسند بقي بن مخلد موجود في مسند الإمام أحمد أو في مصنف أبي بكر بن أبي شيبة لأن بقي بن مخلد من رواة أبي بكر بن أبي شيبة. فلا شك أن الدين محفوظ بحفظ الله له. ـ[ ما هي الفوائد التي تنصحون بأن يستخرجها من أراد القيام بجرد الكتب التالية: فتح الباري لابن حجر وسميه لابن رجب - المحلى لابن حزم - شرح السنة للبغوي - نيل الأوطار للشوكاني - المغني لابن قدامة - تفسير ابن كثير. ]ـ طبعاً هذه الكتب بينها اختلف في الموضوعات يعني تفسير ابن كثير هذا في تفسير كلام الله (جل وعلا) وبعضها في الحديث في شرح كلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) كفتح الباري لابن رجب ولابن حجر وبعضها في الفقه ككتاب المغني لابن قدامة فاختلاف الموضوعات هذا يؤدي إلى اختلاف الفوائد التي تستخرج منها والتي ينبغي أن ينبه عليها أو تقصد من قراءة وجرد هذه الكتب لكن السمة العامة لهذه الكتب هو أنه ينبغي للشخص أن ينتبه إلى أمرين: 1) ما فيها من فوائد وهذا واضح. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 46 2) تتبع مناهج الأئمة ومسالكهم من خلال هذه الكتب لأن هذه الكتب تجمع كلام أهل العلم من الصحابة ومن التابعين ومن أتباع التابعين وهلم جراً. فمثلاً ما يتعلق في فتح الباري لابن رجب: يذكر كلام الأئمة والحفاظ فينبغي تتبع مناهجهم حتى الإنسان يسلك ويسير وفق هذه المناهج أو كتاب المغني لابن قدامة يعني ينبغي هنا عندما يذكر كلام أهل العلم في المسائل العلمية ينبغي أيضاً تتبع مناهجهم في المسائل العلمية ومعرفة القواعد الفقهية فمن المعلوم أن كتاب المغني فيه قواعد فقهية كثيرة وفيه مسائل أصولية عديدة فأيضاً ينتبه إلى مثل هذا وفيما يتعلق بفتح الباري لابن رجب وابن حجر فيما يتعلق بالصناعة الحديثية يتتبع الفوائد التي تكون في ذلك أو في كتاب المحلى لابن حزم يعرف كيف يستدل بطريقته ومنهجه والأشياء التي يذكرها فكل هذا ينبغي للشخص أن ينتبه له في قراءته فهذه كتب موسوعات فيها من الفوائد ومن الأشياء المفيدة الشيء الكثير. ـ[ما رأيكم في كتاب تحرير تقريب التهذيب ؟ ]ـ الجواب: هذا الكتاب لم أطلع عليه فلذلك ولم أقرأ فيه لكن بالنسبة لأحد المؤلفين وهو بشار عواد له كلام جميل في الحكم على الرواة أو نقل كلام الحفاظ من الكتب الأخرى فيستفاد من هذا الكتاب ومن غيره من الكتب التي الفت في الصناعة الحديثية والحكم على الرواة. ـ[ ما حكم التسمية عند الوضوء؟ ]ـ تقدم فيما سبق أن أحاديث التسمية على الوضوء أنها لاتصح وأغلب الحفاظ السابقين ضعفوها كالإمام أحمد كما ذكرت وابن المنذر وكذلك ابن الجوزي وهذا ما يستفاد من كلام البخاري والترمذي وهناك من قواها والأقرب أنها لاتصح لأمرين: 1) لأن الأحاديث أسانيدها كلها ضعيفة ولا تتقوى بمجموع طرقها. 2) أن الصحابة قد نقلوا لنا صفة وضوء النبي (صلى الله عليه وسلم) بالأسانيد الصحيحة كحديث عثمان الثابت في الصحيحين وحديث عبد الله بن زيد الثابت في الصحيحين وحديث ابن عباس في البخاري وغيره من الأحاديث وليس فيها ذكر التسمية، فلو كان التسمية ثابتة لجاءت في هذه الأحاديث الصحيحة فلذلك الأقرب أنها لا تتقوى الجزء: 8 ¦ الصفحة: 47 وأحب أن أنبه على قضية قد يغفل عنها وهي أنه ينبغي أن يفرق بين أمرين: الأول: عندما يأتي إليك شخص وهو ليس بالحافظ له أوهام وأخطاء فيخبرك عن شيء حصل فهنا تشك في ثبوت ما أخبرك به هذا الشخص وذلك لأنه عنده بعض الأوهام والأخطاء والأغلاط، وعندما يأتي ثاني مثله يخبرك بمثل ما أخبرك به الأول فهنا يقوى عندك هذا الخبر بمجموع هذين الطريقين وعندما يأتي ثالث تجزم بثبوت هذا الأمر. الثاني: الذي ينبغي أن يفرق به هذه المسألة عن الأولى هو عندما يأتي إليك عشرة من الناس سبعة منهم حفاظ من أهل الإتقان وثلاثة منهم عندهم ضعف وعندهم خطأ فالسبعة اتفقوا على شيء الثلاثة زادوا رووا نفس ما رووا السبعة وزادوا شيء آخر فهنا لن تقبل رواية هؤلاء الثلاثة لأمرين: 1) أن فيهم ضعف. 2) أن هذا الضعف لاينجبر باجتماعهم وذلك لأن هذه الزيادة ما جاءت في رواية هؤلاء الحفاظ السبعة فلو كان هذا الشيء ثابت لجاء في رواية هؤلاء الحفاظ السبعة فيكون عندنا تعارض وتضاد بين رواية جمع من الحفاظ وبين رواية جمع من الرواة الذين فيهم ضعف. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 48 فعندما يكون هناك تعارض فهنا تقدم رواية الأحفظ والأوثق فكذلك هنا في حديث التسمية جاءت أحاديث كثيرة تبين صفة وضوء الرسول (صلى الله عليه وسلم) وليس فيها أنه سمى فدل على ضعف هذه الأحاديث وأنها لا تتقوى بالإضافة إلى ضعف طرقها. هناك أحاديث أخرى لكن ليس فيها دلالة على التسمية وهذه الأحاديث جاءت في حديث أنس وابن مسعود نحو حديث أنس وهو أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في مره من المرات عندما قل عندهم الماء وحضرت الصلاة أوتي بإناء فيه قليل من الماء ما كادت أن تدخل يد النبي (صلى الله عليه وسلم) فيه فعندما قال: بسم الله، أخذ الماء ينبع من بين أصابعه (صلى الله عليه وسلم) فهذه التسمية ليست للوضوء إنما للبركة في الماء لأنه لم تأت إلا في مثل هذا. ولذلك جاء في حديث ابن مسعود حي على الطهور المبارك والبركة من الله فهنا ذكر التسمية من باب البركة في هذا الماء لعل الله أن يبارك فيه ولذلك أخذ ينبع من بين إصابته فهذه الأحاديث قد استدل بها بعض أهل العلم كالنسائي على مشروعية التسمية والأقرب أنه ليس فيها ذلك لما تقدم هذا وبالله التوفيق. الجزء: 8 ¦ الصفحة: 49 الشيخ حمزة المليباري مقدمة الأجوبة للشيخ حمزة المليباري بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم اجعلنا وإياكم ممن اتبعوهم بإحسان. أما بعد: فإني أشكر إخوتي الأفاضل القائمين على هذا الملتقى (المبارك بإذن الله تعالى)، الذي يشكل مرجعا متخصصا في الحديث وعلومه، ومؤسسة تعليمية مفتوحة الأبواب أمام الطلبة والباحثين في دول العالم كلها، كما أنه يتيح لهم جميعا فرص الاطلاع دون عناء على الأبحاث والمناقشات التي تدار فيه كل يوم، بل وطرح إشكالات أو أسئلة، ليستفيد الكل من ذلك. مما يشد انتباهي أن هذا الملتقى يحافظ بقدر الإمكان على القيم الإسلامية بعيدا عن الغيبة والنميمة والسب والشتم والطعن في أعراض الناس باسم الإسلام، مما يعكس نزاهة القائمين على هذا الملتقى، وحرصهم الشديد على نشر العلم النافع والدفاع عن الحق. وفقكم الله - إخوتي الأفاضل - لما فيه الخير، وسدد خطاكم، وحفظكم من كل شر وفتنة تصرفكم عن الانشغال بالأهم. وعلينا أن نستبشر دائما بقول الله تعالى (إن العاقبة للمتقين) الذي تكرر في كتابه العزيز أكثر من مرة. وقول الله تعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين. (العنكبوت 69) وقول الله تعالى: أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا، ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله، كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال. (الرعد 17). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 1 وحين أتابع بعض المناقشات والمداخلات التي تدار في هذا الملتقى (المبارك إن شاء الله)، أرى لغة المحدثين النقاد آخذة في بلورتها بين كثير من الشباب والباحثين، وهذا خير كثير يبشرنا بمستقبل هذه الأمة، وما كنا نسمع هذه اللغة العلمية أصلا حين كنا في مرحلة التكوين، بل إن كثيرا من الأساتذة كانوا يفرضون على الطلبة الباحثين التقيد بمراتب الجرح والتعديل في عملية التصحيح والتضعيف والتحسين؛ فما رواه الثقة عندهم يعني صحيح لذاته، وإذا كان الراوي صدوقا فحسن لذاته، وإذا كان ضعيفا فحديث ضعيف، وإذا توبع فحسن لغيره، وما رواه المتروك يسمى متروكا، وما رواه المتهم يطلق عليه حديث واه، أو حديث مطروح، وما رواه الكذاب فموضوع، وما خالف فيه الثقة لمن هو أوثق فشاذ، والراجح الذي رواه الأوثق يقال عنه محفوظ، وما خالف فيه الضعيف للثقة فمنكر، والراجح الذي رواه الثقة فمعروف، بعد أن اعتبروا كتاب التقريب للحافظ ابن حجر دليلا في ذلك. وهذه هي الخطوات العامة التي يتم تدريب طلاب الدراسات العليا عليها، ورسائل الجامعات خير شاهد على ذلك. وفي هذه المناسبة لا يسعني إلا أن أدعو الله تعالى أن يوفق إخوتي الأفاضل القائمين على هذا الملتقى، ومسؤوليه، ومشرفيه، ومشاركيه، لمزيد من الإثراء، وتجدد العطاء، وتشييد ما بناه السابقون، حتى يظل هذا الملتقى منارا شامخا ومنبعا صافيا، ومرجعا موثوقا، وقدوة حسنة، كما أدعو الله جل جلاله أن يمنهم جميعا بالإخلاص، والرفق في الأمر كله، والتوفيق للتحمل والصبر في سبيل الدفاع عن الحق إيمانا واحتسابا. كما أتقدم بالشكر والامتنان إلى كل إخواني الذين رحبوا بهذا اللقاء مع هذا العبد الضعيف وأعلنوا حبهم لي وطرحوا أسئلتهم لطفا منهم، وتواضعا للحق، وحرصا على زيادة المعرفة، وأقول لهم جميعا: زادكم الله علما وتقوى وإخلاصا، ومتعة بالعلم والصحة والعافية، وأحبكم الله الذي أحببتموني من أجله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 2 كما أرجو منكم جميعا التسامح على تأخر الإجابات، فقد كنت مشغولا ببعض الشواغل العلمية ثم جاءنا شهر رمضان المبارك شهر العبادة. وها أنا أود أن أركز على إجابة أسئلتكم، متوكلا على الله تعالى، وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم. ـ[ ما هي نصيحتكم ـ بارك الله فيكم ـ لطالب العلم، وبخاصة علم الحديث. ]ـ نصيحتي لطلبة العلم، أن يخلصوا لله النية، ويتضرعوا إلى الله تعالى دائما دون انقطاع، ويرجوا منه الصحة والعافية والسلامة والتوفيق وسداد الخطوات ونجاح الجهود، ويحاولوا بقدر الإمكان أن يهيئوا أنفسهم من خلال دراسة كتاب مختصر، كخطوة أولى في مجال التكوين، وحفظ ما فيه من المصطلحات أو القواعد، وإن لم يفهم منها شيئا؛ إذ الهدف من ذلك هو تهيئة النفس لدراسة الكتب الأخرى في الموضوع ذاته. بعد ذلك ينتقل الطالب إلى كتاب آخر لدراسة الموضوع ذاته، لكن بأسلوب آخر، وهو دراسة كل مسألة على حدة عن طريق المقارنة بين أكثر من كتاب، لا سيما بين كتب المتقدمين وكتب المتأخرين، حيث يساعد ذلك على استيعاب الطالب الموضوع الذي يقوم بدراسته. فإذا لاحظ الطالب في أثناء المقارنة شيئا من الفروقات بين الكتب حول مسألة ما، فعليه أن يتجه نحو أستاذ متخصص، أو يعتمد على نفسه - إن أمكن - لتحديد الإشكال ثم الإجابة عنه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 3 لا ينبغي أن يشكّل هاجس الخوف من احتمال وقوع خطأ في فهمه أو استنتاجه مانعا من سعيه شخصيا في سبيل ذلك، وإن كان الخطأ مما لا بد منه في بداية الطريق بشكل طبيعي فإن هذا الأسلوب المتمثل في المقارنة يساعده في المستقبل على تجنب الأخطاء، وتنمية مواهبه العلمية، وذلك فقط إذا كان نفسه مستعدا للنقاش مع إخوانه حول ما استنتجه وتوصل إليه، وقبول الحق منهم، حتى وإن كانوا ممن يكرههم أو أقل منه شأنا. أما إذا كان متكبرا ومقدسا لما كان يفهمه، ومعظما لنفسه، فعليه أن يترك هذا المجال العلمي لأهله. إن طريقة المقارنة في الدراسة مفيدة جدا، وعلى الطالب أن يتدربها شيئا فشيئا منذ الخطوة الأولى في مرحلة التكوين، فإذا اعتمد الطالب في بداية حياته العلمية هذا الأسلوب، واستمر على ذلك تحت توجيهات الأساتذة المتخصصين، فإنه بإذن الله تعالى يستطيع أن يكوِّن نفسه تكوينا علميا صحيحا يساعده على إثراء المكتبات العلمية بالإبداع والعطاء العلمي المتجدد. للأسف الشديد نرى من الباحثين من لا يهتم بدراسة المقارنة إلا لدافع عدائي، فإذا ظهر بينه وبين غيره عداوة سعى جادا في تتبع ما ألقاه من المحاضرات وما كتبه من الأبحاث وما ألفه من الكتب، ونبش المهملات التي تراجع عنها مخالفه، ذلك من أجل المقارنة بين الجديد والقديم، ثم يهيئ نفسه لتوجيه التهم نحوه بالتناقض أو بالانحراف أو غير ذلك. أما في غير ذلك فهو هادئ مقلد ومعيد ومعظم مقدس. بقي هنا أمر آخر مهم للغاية، وهو ما يتصل بسلوك الطالب؛ فمثلا؛ لما تتبين له الإجابة ويتم حل الإشكال، سواء عن طريق الأستاذ أو بناء على جهده الشخصي، وأصاب الحق في ذلك، فعليه أن يحمد الله تعالى ويشكره، ولا يتخذ من ذلك ذريعة لإثارة الفتن أو للتكبر على زملائه أو أساتذته، ولتحقيرهم، كما يجب عليه أن يعتقد ذلك نعمة من الله تعالى، أعطاه الله تعالى إياها ليبلوه أيشكر أم يكفر. (والله تعالى أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 4 ـ[فضيلة الشيخ حفظك الله وسدد خطاك:. . معرفة رجال الحديث لا يتقنه أي أحد بالجرح والتعديل، ولا يسير على منهجه الصحيح إلا من وفقه الله تعالى لذلك، فأرشدنا حفظك الله للطريق الصحيح لهذا الدرب. وهل هو بسرد كتب الرجال؟ أم يعتمد ذلك على حفظ الأسانيد؟ ]ـ أقول: (وبالله التوفيق) جزاك الله خيرا، وكم يسرنا أن نسمع من شبابنا اليوم مثل هذا السؤال الذي يدل على مدى اهتمامهم بالحديث وعلومه، وما يلاقونه في سبيل طلب العلم من حيرة، لقلة من يوجههم توجيها سليما. أحب أن أذكرك بما يلي: أولا: إن علم الجرح والتعديل ليس أساسا في التصحيح والتعليل، كما هو الشائع لدى الكثيرين، وإنما جاء هذا العلم بعد التصحيح والتعليل كنتيجة، لقد كان النقاد يستثمرون جهدهم في تصحيح الأحاديث وتضعيفها من أجل معرفة أحوال رواتها وتمييز الثقات من الضعفاء، وتصنيفهم في سلم الجرح والتعديل بدقة متناهية ليكون ذلك معولا عليه في التصحيح والتضعيف عند الضرورة؛ لذا ينبغي أن لا نتوجه مباشرة - قبل أن نعرف حالة الرواية من حيث التفرد والمخالفة والموافقة - نحو ترجمة كل من ورد في السند من الرواة، وهذا عمل غير منهجي، بل هو عمل مرهق دون فائدة تذكر. ثانيا: على الباحث أن يستوعب القواعد والضوابط في ترجمة الرواة، التي ذكرها الشيخ عبد الرحمن المعلمي في الجزء الأول من كتابه التنكيل، ثم طبقها في نماذج كثيرة من تراجم الرواة، وكذلك ما ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح العلل. ثالثا: على الباحث أن يقوم قبل الترجمة بتخريج الحديث تخريجا علميا، ليمهد نفسه للمقارنة بين ما جمعه من المرويات لمعرفة مدى الموافقة بين رواة ذلك الحديث أو المخالفة أو التفرد، ثم يقوم بترجمة الراوي الذي خالف أو الذي تفرد بالحديث، مرتكزا على إبراز الجزء: 9 ¦ الصفحة: 5 الجوانب التي تقتضيها مناسبة البحث؛ من أهمها الصلة بين الراوي وبين شيخه، ومدى تميزه عن غيره من المحدثين الذين شاركوا معه في رواية ذلك الحديث، وينبغي للباحث أن لا يقتصر جهده على مختصرات المتأخرين؛ بل عليه أن يتتبع المصادر الأصيلة وما اختصره المتأخرون المحققون المدققون كالذهبي وابن حجر وغيرهما، عسى أن يجد فيها ما يساعده على معرفة سبب مخالفته لغيره أو تفرده بما لا يعرفه غيره، وقد يجد نصوص الأئمة صريحة في ذلك أو ما يساعده على فهمه واستنباطه. كما ينبغي أن يحاول معرفة مخارج التوثيق والتجريح ومناسباتهما، وهذه أمور ينبغي التركيز عليها، وحينئذ تتهيأ نفسه تدريجيا لمعرفة ملابسات الرواية، وقرائنها، وفقه ترجمة الرواة. هذا وقد شرحنا هذا الموضوع بشئ من التفصيل في كتابي (كيف ندرس علم تخريج الحديث). أما حفظ الأسانيد فلا أنكر ما فيه من الفوائد، لكن بدون فقه التراجم فإن جهد الحفظ وفوائده تضيع. وأما ترجمة كل من ورد في الإسناد بداية دون أن يتأمل في حال الرواية من حيث التفرد والمخالفة والموافقة - كما تعود عليه كثير من المعاصرين - ثم اهتمامه بنقل كل ما ورد في الترجمة من الأقوال فذلك كله يحول بحثه إلى نسخة جديدة من كتب التراجم، وبالتالي يفقد الباحث فرصة التركيز على ما يخدم موضوع بحثه من النقاط العلمية المهمة، والإجابة عما يبحث عنه القارئ. (والله أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 6 ـ[ما هي منزلة كتاب الكفاية في علم الرواية للخطيب ؟ ولماذا أهمل في تحقيقه تحقيقاً علمياً؟ ]ـ كتاب الكفاية له أهمية كبيرة؛ حيث يحتوي على نصوص النقاد في كثير من مسائل علوم الحديث؛ لذا يكون هذا الكتاب أكبر مساعد لطلبة العلم على استيعابهم منهج المحدثين عموما، وبناء تصوراتهم حول علوم الحديث من خلال نصوص النقاد، إلا ما تفرد به الخطيب من الآراء التي يشوبها علم المنطق، والأمور المستجدة في عصره في مجال الحديث وعلومه. أما الكتاب فبحاجة إلى تحقيق علمي وشرح موضوعي حتى يفهمه القارئ. أما الإهمال في تحقيقه تحقيقا علميا فهو من المصائب العامة التي تعاني منها الكتب وقراؤها عموما، وأنت إذا نظرت في طريقة كثير من المعاصرين في التحقيق تبين لك أنهم عادة لا يلتفتون إلى أهمية تحقيق الكتاب إلا إذا كان مخطوطا، وأما إذا كان مطبوعا فلا يطمعون في تحقيقه ليس لأن الكتاب غير قيم، وإنما لأغراض أخرى يعرفها الجميع، وللأسف الشديد يخوض الكثيرون في التحقيق دون أن يعرفوا أبجديات علم التحقيق، لذا نراهم لا يتجاوزون بيان الفروقات بين النسخ دون ترجيح وتحقيق، ودون دراسة لاختيار أوثق النسخ ولا تتبع أسانيدها، بل بعضهم يستعجلون عملهم في إخراج الكتاب لئلا يسبقه أحد. ولذا بقي كتاب فتح المغيث للسخاوي، وغيره من الكتب فترة طويلة بطبعتها السيئة والمحرفة، ومن هنا يعرف سبب إهمال تحقيق كتاب الكفاية تحقيقا علميا، ولا يعني ذلك أنه غير قيم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 7 ـ[ما هي مرتبة الخطيب البغدادي بين علماء الجرح والتعديل ؟ ]ـ الخطيب البغدادي - رحمه الله تعالى - من الحفاظ وعلماء الجرح والتعديل، وعليه يدل ما قام به من استخلاص الفوائد والنقاط من علم الجرح والتعديل، وأحوال الرواة، وأسانيدهم، وهو الذي أبدع بإفراد تأليف في كثير من مسائل علوم الحديث، وكان اهتمامه قد انصب نحو ذلك، ومع ذلك قام بنقد أحاديث بعض الكتب لبعض معاصريه، ويعرف ذلك بالتخريجات، والانتخابات، ولم يقتض عمله العلمي عموما أن يخوض في الجرح والتعديل كما خاض القدامى، وعلى كل كلامه في الجرح والتعديل مقبول ومعتمد لا سيما في الرواة المتأخرين. (الله أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 8 ـ[أما وقد وصل الشيخ - وفقه الله - إلينا فلا بد أن أقول مافي نفسي حول مصطلح (المتقدمين والمتأخرين) وكنت كتبته سابقاً، فآمل القرآة بتركيز حفظ الله الجميع:. . أرى والله أعلم أن مسائل المصطلح لم تتغير على مر السنين وهي مبثوثة والحمد لله في مصنفات أهل العلم عبر القرون، ولازال كل عصر يخرج لنا من تصفونهم أنتم بأنهم على منهج المتقدمين، أما أنا فلا أقول بهذا المصطلح، لأني إن قلت به فيلزمني كذلك القول به في بقية علوم أهل الإسلام - لا علوم أهل الكلام - إذاً ما الذي يحدث، فالواقع أننا نرى انحرافاً عن المنهج الصحيح في تصحيح الأحاديث وتضعيفها؟ ]ـ ـ[الجواب والله أعلم - والكلام ما زال للسائل - ذو شقين: ]ـ ـ[1 - قد يجتهد أحد العلماء في تتبع مسائل المصطلح والنظر فيها وتأمل كلام الأئمة الأوائل واقتفاء آثارهم في الجانب النظري، ثم إذا جاء الى التخريج والتطبيق فقد ينشط وقد يضعف، وهذا الأمر له أسباب كثيرة جداً، ولعل من أبرزها: الرغبة في كثرة المؤلفات - الرغبة في البروز على حساب حديث نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا إن كان قليلاً في السابقين فهو في وقتنا كثير نوعًا ما - إلى غير ذلك من الأسباب كالمرض والضعف وقلة المراجع ..... الخ. . . وأنت لو سألت هؤلاء عن المسألة الاصطلاحية هل قمت بمراجعتها في الكتب المعتمدة في المصطلح؟ لأجاب بالنفي، ولقال لك: الحقيقة أنني خريج كتب التخريج. . . فمثلا: مسألة زيادة الثقة .... هذه المسألة لا زالت كتب المصطلح تتناقل أن القول الصحيح أنه لابد من تتبع القرائن ثم الحكم على ضوء ذلك، فالقول الصحيح مبثوث في الكتب .... وهذا الكلام يقال في جميع فنون العلم كذلك]ـ ـ[2 - يجب أن نسعى جاهدين لتقرير مسائل المصطلح من طريقين:. . أ- بيان طريقة الأئمة في كل أبواب المصطلح دون أن ندعي منهجاً للمتقدمين، باعتبار أن هذا المنهج موجود يصيبه من بحث عنه شأنه شأن بقية العلوم، وأن الذي ينبغي أحياؤه هو: روح المحدث الباحث عن الصواب ... ومن هنا ينبغي أن نحذر من إحياء مسألة المتقدمين والمتأخرين دون إحياء روح البحث والهمة في تتبع الطرق والروايات فنقع فيما نقدنا الناس فيه، فطالب علم الحديث ينبغي أن يتقرر لديه أنه يصحح أو يضعف كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه أن يخلع من رأسه كل غرض دنيوي، فالتجارة ليس هذا أحد ميادينها. . . ب - التطبيق العملي المرافق للدراسة النظرية، وهنا ينبغي دراسة الأمثلة الصحيحة والواضحة، مع تربية الطالب على احترام وتقدير أقوال أئمة هذا الفن، مع كشف حال من يدعي من المحققين المعاصرين أنه وقف على طريق أو شاهد لم يقف عليه أئمة هذا الفن. . . والخلاصة - عندي - أن من اجتهد في مسألة المتقدمين والمتأخرين لم يصب، العنوان الصحيح: وهو: ضرورة بذل الوسع والجهد في التصحيح والتضعيف، مع عدم إغفال كلام نقاد الحديث المعتبرين ... والله أعلم. ]ـ أقول (وبالله التوفيق): جزاك الله خيرا أخي، وكلامك جميل، وقرأته بتركيز أكثر من مرة حتى أقف على الخيوط التي تربط أول الكلام بآخره، لكني فشلت في ذلك، وعلى كل ففيه من الملحوظات ما يأتي: أولا: مسائل المصطلح لم تكن كما قلتَ؛ بل إنها تغيرت، مثل بقية علوم الشريعة، بل إن اللغة العربية لم تكن الآن مثل ما هي في العصور السابقة، حتى أصبحت لغة القرآن غير معروفة الآن، لذا كان الناس يحتاجون في معرفة خصائصها إلى معاجم اللغة وكتب التفاسير. إن اللغة لا سيما المصطلحات العلمية كانت تتبدل وتتغير وتتوسع حسب الظروف العلمية التي تمر عليها؛ لذا لا ينبغي تفسير شئ منها بما استقر عليه الآن من المفاهيم والمعاني دون مراعاة أسلوب القدامى في استخدام تلك الكلمات، ودون تأمل في تاريخ دلالتها اللغوية. وذلك واضح جدا من خلال نظرة سريعة في مصطلحات العلوم، وقد شرح ذلك بشئ من التفصيل محققو علمائنا السابقين. على سبيل المثال مصطلح التوسل والوسيلة، إذ يفسر الآن هذا المصطلح بما هو غير مألوف في العصور الأولى. انظر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته القيمة في التوسل. وكذلك مصطلح (الفقيه) يتداول الآن بحيث يضيق معناه الذي وسع فيه القدامى، وكيف يفسر الفقه الذي جاء في حديث (من يرد الله خيرا يفقهه في الدين)، وما المقصود بالفقه هنا في هذا الحديث؟ هل يعني أنه عالم في فقه العبادات والمعاملات كما هو المتبادر الآن في الأذهان؟ أو عالم في أمور الدين كلها؛ كالسلوك والعقيدة والشريعة؟ ونرى ذلك التفاوت أيضا في مصطلح (النية) الذي أصبح الآن مصطلحا فقهيا، يتبادر إلى الذهن عند الإطلاق ما هو أخص من الإخلاص الذي كان هو المقصود بالنية في العصور الأولى. هذه الأمثلة ذكرتهاكنماذج على وجه السرعة. أما في كتب المصطلح فآثار التغيير ملموسة عند من يملك منهجا سليما في فهم النصوص. من تلك الآثار إطلاق صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن لذاته، وحسن لغيره، والحاكم، والمسنِد، وغير ذلك مما لن تجد له في نصوص النقاد أثرا. بل إذا تأملت في كتب المصطلح ترى بأم عينيك أن كثيرا من المصطلحات وتعريفاتها كانت مرتبطة بأحوال الرواة، وبتغيرها تختلف المصطلحات وتعريفاتها، ويشهد على ذلك ما يأتي من المصطلحات وتعريفاتها: صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن لغيره وحسن لذاته، والشاذ والمنكر، والمحفوظ والمعروف، والحديث المتروك، والحديث الموضوع، وهذه المصطلحات وتعريفاتها قائمة على ربطها بأحوال الراوي، الأمر الذي أدى إلى فهم كثير من المعاصرين أن التصحيح والتضعيف والتحسين تابع لأحوال الرواة، كما أدى ذلك إلى التباين المنهجي بينهم وبين النقاد القدامى. أما تصحيح الفقهاء المتأخرين وتضعيفهم للأحاديث فكان على غير نهج المتقدمين النقاد كما صرح بذلك ابن دقيق العيد واللاحقون. وإذا تتبعنا عمل كثير من المتأخرين المحدثين والمعاصرين وجدناهم على منهج الفقهاء. ومن وقف على هذا الواقع من التباين المنهجي فإنه لا يفسر الصحيح الذي أطلقه الإمام السيوطي مثلا بالمعنى الذي قصده النقاد، ومن لم يقف على ذلك فإنه يكون قد قلب الأمور رأسا على عقب. ومن أخطر آثار التبديل والتغيير في مسائل المصطلح فصل الإسناد عن المتن في الحكم، في الواقع أن السند لا يحكم عليه بالاتصال أو الانقطاع أو الإرسال أو التدليس أو الصحة أو الضعف أو الحسن إلا في ضوء المتن، وإلا فحكم عام يقوم على ظاهر حال الراوي، والمعاصرة، واللقاء، ولا يكون لذلك صلة بذلك الحديث الذي رواه، وبالتالي لا يفهم من ذلك الحكم أن الراوي سمع هذا الحديث ممن هو فوقه، ولا أنه قد أصاب في روايته، أو أخطأ فيها. إذن يكون قولك إن مسائل المصطلح لم تتغير تنقصه الدقة في نظري، ولا أعني بذلك إلصاق تهمة التبديل إلى أئمتنا السابقين، إذ أعتقد جازما بأنهم لم يقصروا في جمع ما يتعلق بمنهج النقاد من المسائل، وأضافوا في كتبهم ما استخدموا من المصطلحات، ولم يتركوا شيئا إلا أوردوه فيها، لكن ذلك مبثوث فيها بغير ترتيب، ويحتاج القارئ إلى منهج سليم أساسه المقارنة، وهناك مسائل كثيرة ينبغي تقييدها بما ذكر في مواطن أخرى، وأحسن مثال لذلك مسألة زيادة الثقة، وقد شرحت ذلك في بعض أبحاثي حول زيادة الثقة بعد أن رأينا بعض أفاضل العصر يقول زيادة الثقة مقبولة كما هو مقرر في كتب المصطح، وإن دل هذا على شيئ فإنما يدل على مدى تغير مسائل المصطلح. ثانيا: الانحراف في التصحيح والتضعيف. الذين يصححون الأحاديث ويضعفونها بناء على أحوال الرواة يشكل ذلك منهجا مختلفا عمن يصحح ويضعف بناء على مدى موافقة الراوي للواقع الحديثي أو مخالفته له أو تفرده بما له أصل أو بما ليس له أصل، سواء أأطلقنا عليهم مصطلح: المتقدمون والمتأخرون، أم نقاد الحديث وغيرهم، أو غير ذلك؛ فإن التباين المنهجي بين النقاد وغيرهم أمر واقع لا يمكن إنكاره. ثالثا: مصطلح: المتقدمون والمتأخرون. هذا مصطلح آثرته لاعتبارات كثيرة؛ من أهمها كونه مألوفا لدى الجميع في جميع انواع العلوم الشرعية، ثم إنه لا مشاحة في الاصطلاح، لذا ينبغي تفسيره بالمعنى الذي بينته في أكثر من موضع من كتبي، وقد صرحت فيها بأني لا أقصد بذلك جميع المتقدمين ولا جميع المتأخرين، وأن الفاصل بينهم ليس زمنيا، وإنما هو منهجي، ولم يكن استثناء الحافظ ابن خزيمة والحافظ ابن حبان والحاكم من منهج النقاد إلا على ذلك الأساس، وأن هذا الاستثناء متفق لدى الجميع، مع بيان تفاوت مراتبهم في التساهل. فمعنى ذلك أنه من الضرورة استثناء كل من يسلك طريقة هؤلاء الحفاظ المعروفين بالتساهل في التصحيح والتضعيف، سواء كان متقدما أو متأخرا، وبأي مصطلح كان ذلك، والمهم هو عدم الخلط بين المناهج المختلفة في التصحيح والتضعيف، وقواعدهما ومعاني المصطلحات المنبثقة عنها. أما إذا استخدنا مصطلح: (المحدثون والفقهاء) كما يحب بعض الإخوة؛ فإن ذلك يساعد على رسوخ خطأ فادح في نفوس الأجيال، ألا وهو الفصل بين المحدثين والفقهاء، وأن المحدثين ليسوا فقهاء، هذا في الحقيقة نكران التاريخ. ثم إن ذلك يوهم أن المحدثين كانوا جميعا يمارسون النقد، وليس الأمر كذلك. ولم يسبقنا أحد باستخدام هذا المصطلح في المجال الذي نحن بصدده، بينما مصطلح: المتقدمون والمتأخرون قد استخدمه من قبلنا، انظر الحافظ ابن حجر والذهبي والسخاوي وغيرهم ممن أوردنا أسماءهم في كتاب الموازنة. من المعلوم أن لا مشاحة في الاصطلاح، لذا ينبغي تفسير المصطلح بما اصطلح عليه واضعه. رابعا: إحياء روح التتبع والبحث. إذ نطرح هذه المسألة فإننا نهدف إلى إحياء روح التتبع والبحث في التصحيح والتضعيف وإحياء منهج النقاد فيهما حتى يستوعبه الباحثون، إذ النقاد هم المصدر الأصيل في هذين المجالين، أما المتأخرون فهم عالة عليهم فيما يخص الحديث الشريف رواية ونقدا. وإذا لم يستوعب الباحث منهج النقاد ولم يفهم مصطلحاتهم فما فائدة التتبع والبحث والهمة والنشاط؟ وهو كما قلت أنت إذا سألت أحدهم يقول أنا خريج كتب التخريج، أوليس هذا مما ينبغي علاجه أخي!. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 9 ـ[ما قولكم في مصطلح الإمام الترمذي " حسن غريب " . ]ـ أما مصطلح (حسن غريب) فقد شرحته في بعض أبحاثي. إني أرى - في ضوء تتبعي وحدود فهمي - أن الإمام الترمذي يقصد بهذا المصطلح أن متن الحديث سليم من الشذوذ والغرابة، لكن السند فيه غرابة وإشكال. ومما يزول به شذوذ المتن أن يكون قد عمل به بعض الصحابة مثلا، وربما تضر غرابة السند بصحة الرواية وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم. لذا لا يلزم من تحسين الترمذي لحديث ما أن يكون صالحا للاحتجاج به كما بين ذلك الحافظ ابن حجر في كتابه (النكت). ـ[ هل يصح في المهدي المنتظر عندكم شيء . ]ـ أما ما يتصل بالمهدي فلم أقم بدراسته، بل قرأت ما كتبه الدكتور/ عداب قراءة عابرة وسريعة، فوجدته يضعف بعض الأحاديث بتكلف شديد. ـ[ما هي مرتبة أقوال الحافظ البيهقي والحافظ الطحاوي في نظركم بين أقوال المتقدمين. ]ـ أما الحافظ البيهقي فيختلف عن الحافظ الطحاوي، حيث يعد الأول ناقدا بينما لا يعد الثاني كذلك. ـ[ هل ترون من فرق بين مجرد ذكر ابن حبان لراو في كتابه الثقات دون التنصيص على أنه ثقة وبين من ينص على أنه ثقة أو مستقيم الحديث في ذلك الكتاب]ـ نعم هناك فرق؛ فمن قال فيه ابن حبان: مستقيم الحديث، فمعناه أن التوثيق كان بناء على تتبع أحاديثه، وكذلك الأمر كلما تضمن تعليقه على الراوي عبارة تدل على أنه قام بتتبع أحاديثه، وأما إذا أورد في كتابه الثقات راويا ولم يصفه بشيء فليس فيه ما يدل على أنه قام بتتبع أحاديثه، قد يكون مجهولا. وعلى كل فالرواة في ثقات ابن حبان على أقسام ومراتب كما شرح ذلك الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى في كتابه التنكيل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 10 ـ[هل الاقتصار على تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر رحمه الله في الحكم على الرجال منهج سديد؟ ]ـ ليس منهجا سديدا بالنسبة إلى كل الرواة، فقد يكون بعض الرواة مختلفا فيه يقتضي ذلك الوقوف على مخارج التوثيق والتجريح، وبالتالي ينبغي مراجعة الكتب القديمة من تأليف أئمة الجرح والتعديل أنفسهم. ـ[ما هو عدد الأحاديث النبوية المرفوعة الصحيحة هل بالإمكان حصرها في كتاب معين فإن بعضهم ينكر قول من يقول إنها لا تتجاوز الأربعة آلاف حديث أو عشرة الآف حديث كما جاء عن الذهبي فهل تُحد بحد معين أم أن كلامه صلى الله عليه وسلم كثير فلا يُعقل حصره. ]ـ الله أعلم. ـ[أرجو منكم حفظك الله أن تذكروا لمن انتهى من دراسة كتب المصطلح وأتمها وعرف المراد بمصطلحات الأئمة منهجاً في إتمام دراسته سواءً كان ذلك إرشاداً لدراسة كتب الرجال والطريقة المناسبة أو عملاً وتمرناً على التخريج أو جرداً للسنة وشروحها. ]ـ فيما أرى أن التخريج هو الأنسب بالنسبة إلى من استوعب مسائل علوم الحديث نظريا، إذ هو مرحلة تطبيقية لعلوم الحديث، لكن يجب أن يكون التخريج تخريجا علميا بعيدا عن التخريج الفني الذي يتمثل في تكثير مصادر الحديث وترجمة كل من ورد من الرواة، وإذا كنت راغبا في التدريب على التخريج العلمي فإني أنصحك بقراءة كتاب (كيف ندرس علم تخريج الحديث) قراءة متأنية وواعية. وإذا قمت بممارسة التخريج العلمي، سيكون ذلك بإذن الله تعالى عونا على استيعاب علوم الحديث نظريا وتطبيقيا، وفهم منهج نقاد الحديث في التصحيح والتضعيف فهما صحيحا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 11 ـ[أعتذر في البداية على أن سؤالي فيه إطالة، ولكنه معضلة في المصطلح والخلاف فيها واسع، ولم أجد من حرّر ذلك بتفصيلٍ يشفي الغليل ويطفئ ظمئ ويحلّ الإشكال. ألا وهي قضية توثيق من ليس له إلا بضعة أحاديث . ]ـ ـ[أقول إني أستطيع تصنيف منهج توثيق الرجال (متشدد أم متوسط أم متسهل). هذا في من كان كثير الحديث. أما من كان قليل الحديث فيختلف الأمر كثيراً. والناس فيه على مذاهب: ]ـ ـ[1) مذهب توثيق المجاهيل، حتى لو كانوا لا يعرفون عنهم شيئاً. وهو مذهب ابن حبان والعجلي وابن خزيمة والحاكم. ]ـ ـ[2) مذهب توثيق قليل الحديث، من ليس بالمشهور حتى لو لم يكن له إلا حديثٌ واحد. وهو مذهب محمد بن سعد (مع المدنيين)، وابن معين والنسائي وأبو نُعَيْم والبزّار وابن جرير الطبري والدارقطني والبزار وأبو زرعة الرازي. كل هذا وجدت من نصّ عليه ووجدته بالاستقراء كذلك. ]ـ ـ[3) مذهب الجمهور: لا يوثقون أحداً حتى يطلعون على عدة أحاديث له تكون مستقيمة. وبذلك يجزمون بقوة حفظ هذا الراوي. وهو مذهب غالب علماء الجرح والتعديل وبخاصة البخاري وأبي حاتم الرازي. ]ـ ـ[4) مذهب التضييق في هذا والتشديد في ذلك. كما يفعل ذلك ابن حزم وابن القطان الفاسي حتى أنهم قد يجهّلون أناساً من الثقات أو أناساً لا بأس بهم. ]ـ ـ[المذهب الأول والرابع مردودين. والثالث معتمد. لكن الإشكال في الثاني. ويعتمده أكثر المتأخرون، لكن فيه نظر. والمشكلة في أصحاب المنهج الثاني يوثِّقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابعٌ أو مشاهد، وإن لم يرو عنه إلا واحد ولم يبلغه عنه إلا حديث واحد. وقد يكتفي ابن معين بسماع عدد قليل من الأحاديث كما في محمد بن القاسم الأسدي (كذبه أحمد وأبو داود والدارقطني، وضعفه علماء الحديث كلهم إلا العِجلي وابن معين! ). ]ـ ـ[قال المعلمي اليماني في كتابه التنكيل (1\ 67): "وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخاً فسمع منه مجلساً، أو ورد بغدادَ شيخٌ فسمع منه مجلساً، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة، ثم سُئِلَ عن الشيخ وثَّقه! وقد يتفق أن يكون الشيخ دجَّالاً استقبل ابنَ معين بأحاديث صحيحة، ويكون قد خلط قبل ذلك أو يخلط بعد ذلك. ذكر ابن الجنيد أنه سأل ابنَ معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي فقال: "ما كان به بأس" (وهو توثيق باصطلاحه). فحكى له أحاديث تُستنكر، فقال ابن معين: "فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذَّاب، وإلا فإني رأيتُ حديث الشيخ مستقيماً"". قلت: وهذا سبب الاختلاف الكبير الذي نجده أحياناً في أحكام ابن معين على الرجال. . . وألحق السخاوي (كما في فتح المغيث) الدارقطني والبزار في توثيق المجهول إذا روى عنه اثنان كما يفعل ابن خزيمة وابن حبان. أما البزار فقد عُلِم تساهله. والدارقطني وجدته كذلك: يوثق أحياناً تابعين مجاهيل قليلي الحديث لم يوثقهم أحدٌ قبله. بل إن الدارقطني نص على ذلك في سننه (3/ 174). ]ـ ـ[أما أغلب علماء الحديث فلا يوثقون أحداً حتى يطلعون على عدة أحاديث له تكون مستقيمة، وتكثر حتى يغلب على ظنه أن الاستقامة كانت ملَكةً لذلك الراوي. ولذلك تجد البخاري دقيقٌ جداً في أحكامه، وإلا سكت عن الرجل. فإذا جاءك الحكم من البخاري بالتوثيق أو التضعيف فحسبُكَ به. وكذلك كان أبو حاتم شديدٌ في نخل الروايات. فإن لم يجتمع له عدد كافٍ لإصدار حكم على الراوي فإنه قد يسميه شيخاً أو يسكت عنه عادةً. . . المشكلة يا شيخنا أننا لا يمكن أن نعرف قوة ضبط الراوي إلا بمقارنة حديثه مع حديث غيره. فإن كان له حديث كثير، يكون الحكم عليه ممكناً ودقيقاً. لكن المشكلة فيمن لم تكن له إلا بضعة أحاديث تفرد بها. . . فبالله عليك كيف نعرف إن كان ضابطاً أم لا؟ ]ـ ـ[نعم، الأصل في المسلمين العدالة، لكن الكلام على الضبط. النسائي مثلاً مشهورٌ عنه أنه متشدد. لكني وجدت أن ذلك في كثير الحديث فقط. . . لكنه متساهل جداً في توثيق المجاهيل حتى ممن لم يرو عنه إلا واحد. وهو بذلك يشابه ابن حبان كثيراً. قال الذهبي في الموقظة "وقولهم: (مجهول)، لا يلزمُ منه جهالةُ عينِه، فإن جُهِلَ عينُه وحالُه، فأَولَى أن لا يَحتجُّوا به. وإن كان المنفردُ عنه من كبارِ الأثبات، فأقوى لحاله، ويَحتَجُّ بمثلِه جماعةٌ كالَّنسائي وابنِ حِباَّن". وقد أجد الراوي من الطبقة الثالثة مثلاً يقول عنه ابن المديني أنه مجهول لم يرو عنه إلا واحد. وأجد النسائي (على تأخر زمنه النسبي) قد وثقه أو قال لا بأس فيه. مع أنه ليس له إلا بضعة أحاديث عن تابعي واحد، ولم يرو عنه إلا رجل واحد. وابن سعد كثيراً ما يوثق الراوي رغم قلة حديثه (باعترافه). وقد أجد وصف حال هذا الراوي مطابقة لقول شيخه الواقدي، أي أنه قد اعتمد بتوثيقه على قول الواقدي المتروك. ولطالما نبه ابن حجر على ذلك. . . وقال في مقدمة فتح الباري (1\ 443): "ابن سعد يقلد الواقدي. والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق". ]ـ ـ[والمشكلة هو ماذا نفعل فيمن يوثقهم إلا هؤلاء؟! ثم إني قد وجدت اضطراباً في منهج هؤلاء أيضاً. فقد رأيت الحافظ الدارقطني - رحمه الله- يجهّل العالية امرأة أبي إسحاق السبيعي (رغم رواية زوجها وابنها عنها وهما من هما)، لأنها تنقل خبراً يعارض مذهبه الشافعي. وقد رد عليه ابن الجوزي. لكنه في المقابل يوثق رجلاً مجهولاً لم يرو عنه إلا مكحول وليس له إلا حديث واحد في القراءة خلف الإمام (وهو المذهب الشافعي) رغم أن خبره شاذ. ]ـ ـ[ولا ريب أنه لم يفعل ذلك عن قصد منه. ونحن نأخذ أفعال علماء المسلمين على أحسن محمل. فكيف بأمير المؤمنين في الحديث في عصره؟ لكنه غير معصوم أيضاً على أن يخالف مذهبه في التوثيق الذي نص عليه. ]ـ ـ[إجمالاً فالمشكل في هذه المسألة أني وجدت الكثير من هؤلاء الرواة لم يوثقهم إلا من كان من أصحاب المذهب الثاني. بعض هؤلاء هم مجاهيل فعلاً (إما نص واحد على ذلك، أو لم يكن له إلا بضعة أحاديث ولم يرو عنه إلا واحد). لكن من هؤلاء من أخرج له مسلم في صحيحه، خاصة من قدماء التابعين. فهذا هو الذي يجعلني أحتار كثيراً في أحاديث هؤلاء. ]ـ ـ[وليتك يا شيخنا الفاضل تخصص لهذا الموضوع كتيّباً من كتبيّباتك القيمة المفيدة. فقد عرفت فيك بعد النظر وسعة الاطلاع وحسن الفهم ما يقل أن يوجد عند غيرك. والموضوع شائك يحتاج فعلاً لكلمة أطول من "نعم" أو "لا". وجزاك الله خيراً على جهودك، وبارك بك]ـ أقول: جزاك الله تعالى خير الجزاء، وبارك في جهدك، وعلمك، وسدد خطاك، ومداخلاتك قوية تدل على كثرة الاطلاع والتتبع والتحليل. مسألة الجرح والتعديل مسألة شائكة جدا، وفي كثير من الأحيان لا يصفو كدر الإشكال فيها، لذا يتوقف استيعابها على ممارسة طويلة لنصوص النقاد فيها، لأن مناهجهم - وإن كانت كما شرحت - مؤسسة على المعرفة والخبرة، فكلامهم في الجرح والتعديل منضبط بقواعدهما، لكن الخلل والغموض والإشكال يأتي دائما من تفسيرنا لمصطلحاتهم، وسوء فهمنا لمقصودهم بها. الذي ينبغي فهمه في ضوء ما ذكرتَ في السؤال هو ما يأتي: أ - إذا كان منهج العلماء في الجرح والتعديل معروفا، وطريقة استخدامهم لمصطلح (ثقة) تتفاوت بين ناقد وآخر، أو بين حين وآخر بالنسبة إلى ناقد واحد؛ فإن تفسير هذا المصطلح لا يكون مستقيما إلا إذا راعينا فيه ذلك التفاوت. فمثلا: علمنا من خلال التتبع أن ابن معين كان يستخدم مصطلح (ثقة) فيمن كثرت أحاديثه واستقامت معظمها، وفيمن لم يعرفه هو إلا بحديث واحد مستقيم، وبالتالي فإن معنى هذا المصطلح لا يكون موحدا في الحالتين؛ فيعني ابن معين في الأولى: أن الراوي كثير الحديث مع استقامة حفظه في رواية معظمه، أو أنه ضابط للأحاديث ولم يختل حفظه فيها، بينما يكون المعنى في الحالة الثانيه غير ذلك، وهو أنه وقف على حديث واحد مستقيم لذلك الراوي، وأنه ثقة في هذا الحديث، ولا يعني أبدا أنه ثقة ضابط في جميع أحاديثه، وإذا فسرناه في الحالتين جميعا بما هو متبادر في الذهن، ألا وهو قوي الحفظ وضابط لمعظم أحاديثه أو أكثره، فإن مصدر الخلل هنا فيما يخص توثيق ابن معين يكون من سوء فهمنا. لا شك أن الراوي الذي وثقه ابن معين بناء على استقامة حديث واحددون تتبع لما رواه من الأحاديث قد يكون محل اضطراب، وتذبذ، إذا راجعه أحد بواقع أمره غير رأيه بسهولة. إذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى منهج ابن معين في الجرح والتعديل فإنه لا يقدم قوله في توثيق راو جرحه غيره بعد أن جرب أحاديثه. من المعلوم أن معرفة منهج العلماء في الجرح والتعديل لها فوائد عظيمة، من أهمها الترجيح عند الاختلاف، وفي حال كون الراوي لم يجرحه أحد ولم يوثقه، بل تفرد ابن معين - مثلا - بتوثيقه يكون ذلك التوثيق محتملا للوجهين مما يقتضي التريث والتحفظ في نسبة الحكم إلى ابن معين، بل يتطلب إلى سبر مرويات ذلك الراوي، وعرضها على رواية الثقات. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن علماء الجرح والتعديل- منهم البخاري ومسلم- قد يوثقون الرواة من التابعين ويصححون أحاديثهم مع أنهم لم يعرفوا إلا من جهة راو واحد، وقد أقر ذلك الإمام الدارقطني حين وضع كتابا تحت عنوان (الإلزامات). هذا لا يعني أن ذلك يكون مطلقا، وإنما يتوقف ذلك على جلالة الراوي الذي روى عنه الحديث، وإمامته، وطبيعة روايته عن الشيوخ عموما، وتحفظه في ذلك. فالإمام الدارقطني قد وافق البخاري ومسلما في تصحيح أحاديث بعض الرواة التابعين، ممن لم يعرفوا إلا عن طريق أحد الأئمة الأجلاء، ثم أضاف إلى ذلك الدارقطني عددا آخر من التابعين قياسا على صنيع الشيخين، فعبر عن ذلك بالإلزام. وليس ذلك استدراكا على الشيخين بما فاتهما من الأحاديث، لكن بعض المتأخرين فهموا كذلك، فأجابوا بقولهم بأنه لا يلزمهما؛ إذ لم يشترطوا استيعاب الأحاديث الصحيحة. وحسب القواعد التي درسناها في كتب المصطلح، والتصورات التي بنيناها حول مسائل علوم الحديث لا يصفو لنا كدر الإشكال في ذلك الصنيع المتمثل في توثيق بعض التابعين ممن لم يعرفوا إلا عن طريق راو واحد، ويكتنف حولها الغموض، بل نعدهم من المجاهيل، فإن الجهالة حسب تلك القواعد لا ترتفع إلا برواية أكثر من واحد، لكن الأمر ليس كذلك عند النقاد، قد يكون الراوي عندهم مجهولا على الرغم من رواية غير واحد عنه، وقد يكون معروفا بل يكون ثقة وصحيح الحديث مع كونه لم يرو عنه إلا واحد، إذن ليست المسألة متوقفة على العدد، والقياس، وإنما على نوعية الراوي الذي روى عنه. راجع كتاب شرح العلل لابن رجب الحنبلي. وعليه يكون سبب الإشكال هو الخطأ في فهمنا لمصطلحاتهم وعدم استيعابنا لمنهجهم. فالإشكال الذي أثرته أخي- حفظك الله - أرى من هذا القبيل. (والله أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 12 ـ[هل الحديث الحسن الإسناد -على حد المتأخرين - له حقيقة عند المحدثين؟ بل حقيقة في واقع الأمر. ]ـ إن طريقة المتأخرين عموما في الحكم على الحديث هو الاعتماد على أحوال الرواة، لذا يكون الحديث الحسن على حد المتأخرين قد لا يكون كذلك عند النقاد ولا في الواقع. هذا وقد شرحنا هذا الموضوع في ((الموازنة)). ـ[ما رأيكم في التسامح في باب الأثار الموقوفة وما دونها من حيث قبول رواية من تكلم فيه قليلا أو كان فيه سوء حفظ، بشروط وضوابط مثل أن لا تعارض شيئا ثابتا عن قائل الأثر أو لا تكون مما يخالف أصلا ثابتا في أصل الشرع وهكذا؟ ]ـ نعم الأمر كذلك فيما أرى. (الله أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 13 ـ[ما رأيكم في تعارض رواية الثقة والضعيف ، هل تقديم رواية الثقة مطرد، فإنك تجد من الأئمة من يرجح أحيانا رواية الضعيف أو من تكلم فيه على رواية غيره ممن هو أعلى منه ثقة وضبطا ويقول: هي أشبه بالصواب لاحتفافها بقرينة كلزوم الثقة للجادة أو كون المتن منكرا أو غير ذلك من القرائن المعرفة بخطأ الراوي أو احتمال خطئه؟ ]ـ نعم يتوقف الترجيح على وجود قرائن وحسب دلالتها، والقرائن غير محصورة، ويتوفق فهمها واعتمادها في الترجيح على الخبرة الحديثية والمعرفة الواسعة، كما الإمام الحاكم: الحجة عندنا الحفظ والمعرفة والفهم لا غير. أما في حال عدم وجود قرائن يكون الثقة مقدما على من دونه بدون شك. ـ[ هل رواية المتروك لا تصلح للاعتبار مطلقا ؟ وإن كانت لا تصلح فما تعليقكم على عبارة الترمذي فيما يقول عنه حديث حسن قال (كل حديث يروى .. وفيه لا يكون في سنده كذاب) فهل يعني أن روايات المتروكين تدخل ضمن حد الحسن عنده؟. . أو هل يعني أن الحسن عنده لا يراد به النوع المحتج به؟. . أو يدخل فيه ما يكون حجة وما دونه؟. . وقد قال الدارقطني وهو يعلل حديث يروى عن أبي هريرة وقد حصل فيه اضطراب من رواته الثقات: (ورواه عبد الله بن زياد بن سمعان عن المقبري عن القعقاع عن حكيم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشبهها بالصواب وإن كان ابن سمعان متروكا) العلل 8/ 159. ]ـ الذي احترز عنه الترمذي بقوله في الحسن هو المتهم بالكذب، ويدخل فيه المتروك المتفق على تركه أيضا، كما أوضح ذلك الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح العلل. وإن كان الراوي كذابا أو متروكا متفقا على تركه فإن الأصل المعمول به لدى عامة المحدثين هو أن لا يروى حديثه في كتبهم، لغير بيان الضعف، بخلاف المفسرين وأصحاب السير وغيرهم من الفقهاء، وقد يروي المحدث عن المتروك، لكن فقط على سبيل التساهل أو غفلة منه، كما وقع في بعض السنن والمسانيد غير المعللة. أما تحسين الترمذي للحديث فلا يلزم منه أن يكون صالحا للاحتجاج به، كما سبق شرح ذلك في أكثر من مناسبة. أما ما ذكرت من ترجيح الدارقطني فمبناه القرائن التي أوضحتها في الأسئلة فيما أرى، ومن نظر في عمل النقاد من جهة أحوال الرواة أشكل ذلك عليه، ومثل هذه المسألة التطبيقية ليس من السهل أن نعلق عليها قبل الفهم، وقد حاولت ذلك من خلال تتبع سريع، لكن وجدت نفسي تميل إلى ما ذكرت أنت أخي من سلوك الرواة الجادة، وأنا مقتنع باحتمال وجود أمور أخرى قد تكون معولا عليها لدى الدارقطني في الترجيح. وعلى كل لا مانع من القول إن هذا الراوي المتروك لم ينفرد بإضافة الحديث إلى سعيد، وهو مصدر هذا الحديث، وباتفاق جميع الرواة ثبت أن الحديث قد حدث به سعيد، كما أن الحديث مرفوع أيضا باتفاق معظم الرواة، وليس ذلك مما انفرد به ابن سمعان أيضا. لكن الرواة اختلفوا حول شيخ سعيد في هذا الحديث، وحول الصحابي الذي رواه، ثم عند المقارنة بين الوجوه المختلفة نجد ما قاله ابن سمعان أصعب على اللسان أن يسلكه وهما وأن ينزلق إليه بغير شعور، بخلاف ما ذكره غيره مع اختلاف فيما بينهم، فالداقطني قد عبر عن ذلك بعبارة محترمة حين قال: (وهو أشبهها بالصواب وإن كان ابن سمعان متروكا). والله أعلم. هذا وقد صحح ابن حبان هذا الحديث من رواية الوليد عن الأوزاعي عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال إذا وطىء أحدكم بنعله في الأذى فإن التراب لها طهور، على الرغم من الاختلاف على الأوزاعي الذي ذكره الإمام الدارقطني. (4/ 249)، وقد يكون ذلك التصحيح من تساهل ابن حبان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 14 ـ[ ما هو رأيكم في مسالة اشتراط السماع واللقي من عدمه بين المتعاصرين وهل اطلعت على ما كتبه الشيخ حاتم العوني؟ ]ـ ما ذكره الشيخ حاتم الشريف - حفظه الله تعالى - في كتابه (الإجماع) هو عين الصواب، وكنت أرى ذلك منذ سنوات حين كنت في الجزائر، وقد طرحنا هذا الموضوع أمام بعض الطلبة هناك، فلما وجدت الشيخ حاتم قد عالج الموضوع بالأدلة الكافية سررت كثيرا، ودعوت له من أجل ذلك. لا أدري كيف شاع بين العلماء أن مذهب مسلم في حكم الاتصال بالمعاصرة دون اللقاء بين راويين متعاصرين كان مطلقا، بينما يقيد الإمام مسلم ذلك بصريح قوله في المقدمة: "أما والأمر مبهم .... "، يعني عند الإبهام، وليس ذلك مطلقا في عنعنة المتعاصرين. ومن المعلوم بدهيا أن الحكم بظاهر الأمر عند إبهام الحقيقة وفقدان آليات البحث عنها والتفتيش مألوف لدى الجميع، والخارج منه مشدد على نفسه دون أمر شرعي، لذا أصبحت دعوى مسلم بإجماع المحدثين على الحكم بالاتصال بمجرد المعاصرة مع إمكانية اللقاء بشرط أن لا يكون الراوي متهما بالتدليس أمرا واقعيا، ومن المحدثين البخاري وعلي بن المديني. وأود أن أقول إن الشيخ حاتم ممن أحبه وأحترمه كثيرا لجودة ما كتبه وقدرته على تأسيس فكرته واستنتاجاته، ونفسه الطويل في البحث والتتبع والإبداع، وما يكتبه يعد نموذجا رائعا للأبحاث العلمية المبدعة. جزاه الله تعالى خيرا وسدد خطاه، وحفظه من كل شر وفتنة تصرفه عن الانشغال بالأهم. ـ[هل تتفضلون علينا بشرح طريقة مختصرة للحكم على الأسانيد . ]ـ إن شاء الله سأفعل ذلك في المستقبل القريب إن شاء الله. ـ[ما قولكم شيخنا في دعوى عدم احتجاج الإمام احمد بالحديث الضعيف وأن مقصوده الحسن. مع كون الشواهد تثبت قبول أحمد بالحديث الضعيف الذي لا وجه لتحسينه. ]ـ فيما أرى أن المسألة فيها شيء من الخلط. هنا عدة نقاط: الأولى: أن الضعيف الذي يحتجون به أو يستأنسون به أو يقدمونه على الرأي هو الحديث الذي لم يتبين صوابه ولا خطؤه، وذلك لاحتمال أن يكون قولا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد يطلقون عليه بالضعف أو بالحسن. وأما ما تبين فيه الخطأ، وثبت أنه قول صحابي أو تابعي وليس قولا للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا يحتج به، ولا مجال لتقديمه على رأي آخر، لتساويهما في الأمر. الثانية: يظهر معنى احتجاجهم بهذا النوع من الأحاديث الضعيفة، وقصدهم بذلك من خلال النصوص الآتية: يقول الأثرم: كان أبو عبد الله، ربما كان الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجئ خلافه أثبت منه، مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري، وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجئ خلافه (شرح العلل ص: 188 - 189). وقال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن عمرو بن شعيب،: أنا أكتب حديثه وربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء. وقال أبو داود عن أحمد بن حنبل: أصحاب الحديث إذا شاؤوا احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه وإذا شاؤوا تركوه، وقال البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، قال البخاري: من الناس بعدهم (التهذيب 8/ 49). وفي ضوء هذه النصوص يمكن القول بأن احتجاجهم بتلك الأحاديث الضعيفة التي لم يتبين فيها الخطأ كان على سبيل الاحتياط لاحتمالها أن تكون مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وليس احتجاجهم بها كما يحتجون بجميع أنواع الأحاديث الصحيحة وما يقاربها. (والله أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 15 ـ[حكم الأثر الذي رواه الطبراني في الكبير 9/ 163 قال: حدثنا أبو يزيد القراطيسي ثنا أسد بن موسى ثنا وكيع عن الأعمش عن أبي وائل قال قال عبد الله ثم لو أن علم عمر وضع في كفة ميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علمه بعلمهم قال وكيع قال الأعمش فأنكرت ذلك فأتيت إبراهيم فذكرته له فقال وما أنكرت من ذلك فوالله لقد قال عبد الله أفضل من ذلك قال إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر رضي الله عنه. ]ـ ـ[وإشكالي فيما أرسله النخعي عن ابن مسعود وأقسم عليه، وجدت كلاماً لشيخ الإسلام يفيد صحته ولم أقف له على سند متصل، وكل طرقه من إرسال النخعي أو منصور وأظنه ابن المعتمر. . . وهذا الأثر أورده جم غفير من أهل العلم في معرض التقرير أذكر منهم الشيرازي في طبقات الفقهاء، والبري في الجوهرة، والمكي في قوت القلوب، والصفدي في الوافي بالوفيات، والبسوي في معرفة التاريخ، وابن الضياء في تاريخ مكة والمسجد الحرام، وأبونعيم في تاريخ أصفهان، والسيوطي في تاريخ الخلفاء، والسخاوي في التحفة اللطيف، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والمزي في تهذيب الكمال، وابن سعد في الطبقات، والطبري في الرياض النضرة وقال خرجه أبوعمر القلعي، وكذلك ابن الأثير في أسد الغابة، وذكره ابن عبد البر في التمهيد بالسند، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، وكذلك الهيثمي في مجمع الزوائد، والدارمي في سننه، وذكره غيرهم مقرراً له ومن أجلهم عندي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه شمس الدين ابن القيم. . . فهل له طريق موصول إلى ابن مسعود رضي الله عنه وأو غيره من الصحابة وأين أجده. ]ـ جزاك الله خيرا، فقد أفدتني بما ذكرت، من التخريج، نعم قول إبراهيم عن ابن مسعود منقطع، ولعل العلماء قد اعتمدوا في قبولهم لذلك الأثر المنقطع على صيغة الجزم التي استخدمها إبراهيم النخعي مع التأكيد بالقسم، يبدو أن الرواية هكذا وردت منقطعة، ربما لم يذكره إبراهيم في غير هذه المناسبة؛ لذا يصعب علينا أن نجد الرواية متصلة في موطن آخر؟ (والله أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 16 ـ[سؤالي يا فضيلة الشيخ عن تفرّد الإمام الحافظ. ما حكمه من حيث القبول والرد. ]ـ جواب هذا السؤال ما قاله الحافظ ابن رجب في شرح العلل: "وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا تفرد به واحد، وإن لم يرو الثقات خلافه: إنه لا يتابع عليه ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أيضا ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه". التفرد نوعان: تفرد الراوي بما له أصل، وتفرده بما ليس له أصل، والأول مقبول ومحتج به، دون الثاني، أيا كان ذلك الراوي المتفرد، لكن من الذي يفرق بينهما؟ إنما هو الناقد وحده. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 17 ـ[ من هو القائل وما دليله بالحد الفاصل سنة 300 هـ الذي يعرف فيه بين العلماء المتقدمين والعلماء المتأخرين والتفريق بين علماء امة محمد صلي الله عليه وسلم، وبهذا يكون: ]ـ ـ[1) الإمام الدارقطني (توفي سنة 385)]ـ ـ[2) الإمام ابن خزيمة (توفي سنة 311)]ـ ـ[3) الإمام ابن حبان (توفي سنة 354)]ـ ـ[4) الإمام الحاكم (توفي سنة 405)]ـ ـ[5) الإمام الطحاوي (توفي سنة 321)]ـ ـ[6) الإمام ابن المنذر (توفي سنة 318)]ـ ـ[7) الإمام الطبراني (توفي سنة 360)]ـ ـ[8) الإمام ابن حزم (توفي سنة 456)]ـ ـ[9) الإمام ابن عبد البر (توفي سنة 463)]ـ ـ[10) الإمام البيهقي (توفي سنة 458)]ـ ـ[وغيرهم كثير من العلماء المتأخرين الذي يزهد في قولهم لأنهم ليسوا من العلماء المتقدمين. . . وإن كان هناك حد فاصل غير سنة 300 هـ بين العلماء المتقدمين والعلماء المتأخرين فمن هو قائله وما دليله علي تفريق أمة محمد صلى الله عليه وسلم بين متقدم ومتأخر. ]ـ أرجو من أخي العزيز - حفظه الله تعالى وسدد خطاه - قراءة كتاب ((الموازنة))، فيها جواب كاف عن هذه الأسئلة، ومع ذلك فهذه إجابات سريعة: من يقرأ كتابا في العلوم الشرعية يجد إطلاق هذين المصطلحين: المتقدمين والمتأخرين في مناسبات عدة. إذا كان هناك تباين منهجي أو علمي بين العلماء في معالجة شيء من القضايا هل تحب أنت يا أخي الخلط بينهم؟ وقد صرح ابن دقيق العيد بوجود تباين منهجي بين المحدثين النقاد وبين الفقهاء وعلماء الأصول في التصحيح، وذلك حين قال ابن الصلاح بعد تعريفه للصحيح، "هذا هو الصحيح عند أهل الحديث". راجع كتاب الموازنة. وفي ضوء تباين منهجي في ذلك نجد العلماء يفرقون بين النقاد وبين ابن حبان والحاكم وغيرهما من المحدثين مع كونهم من المتقدمين الذين يعتمدون على الرواية المباشرة في نقل الحديث. إذن يكون التفريق بين العلماء أمرا مهما للغاية إذا وجد بينهم تباين منهجي، وذلك لئلا يقع الخلط بينهم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 18 ومن هنا نقول: من كان على منهج النقاد سواء كان متقدما أو متأخرا فهو على منهج المتقدمين، ومن كان على غير منهجهم - مهما كان سبب ذلك - ينبغي التفريق بينهم وبين النقاد بأي مصطلح كان، ولا مشاحة في الاصطلاح. وإذا تتبعت تصحيح المتأخرين والمعاصرين عموما وجدتهم على غير منهج النقاد، فيصححون ويضعفون بناء على أحوال الرواة عموما. مع الملاحظة أن المتأخرين لم يتكلموا جميعا في التصحيح والتضعيف، كما أن المتقدمين لم يتكلموا جميعا في ذلك. فالمقصود بالمتقدمين هنا هم النقاد، ومن سلك منهجهم ولو كان متأخرا زمنيا، وبالمتأخرين هم الذين يصححون الأحاديث ويضعفونها بناء على ظواهر السند، ولو كان متقدما. هذا واحد، والأمر الثاني أن الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين فاصل علمي وليس فاصل زمني محدد. فكل من يعتمد على الرواية المباشرة في نقل الحديث فهو من المتقدمين، ومن يعتمد على الكتاب دون السند فهو من المتأخرين. أما تحديدهم بفاصل زمني ففيه صعوبة فإن تحول العادات والأعراف لم يتم إلا على التدرج. وفي ضوء ذلك فجميع من ذكرتَ أسماءهم في السؤال من المتقدمين. وعلى هذا الأساس قد فرق بين المتقدمين والمتأخرين ابن الملقن في كتابه (البدر المنير 1/ 276)، حين قال: هذا كله كان على رأي السلف الأول، يذكرون الأحاديث بالأسانيد في هذه التصانيف إذ عليه المعول. وأما المتأخرون فاقتصروا على إيراد الأحاديث في تصانيفهم بدون الإسناد، مقتصرين على العزو إلى الأئمة الأول إلا أفرادا من ذلك وآحادا: كأحكام عبد الحق الكبرى والصغرى والوسطى. ثم قال: وأنبه - مع ذلك - على ما أظهره الله على يدي مما وقع للمتقدمين والمتأخرين من وهم أو غلط، أو اعتراض، أو استدراك قاصدا بذلك النصيحة للمسلمين، حاشا الظهور أو التنقيص، معاذ الله من ذلك فهل الفضل إلا للمتقدم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 19 ولما كان أغلب النقاد من المتقدمين جاء استخدامي لمصطلح (المتقدمين)، وكذلك لما كان أكثر من خالفهم عمليا في طريقة التصحيح والتضعيف هم المتأخرون والمعاصرون أطلقت عليهم جميعا مصطلح (المتأخرون)، ولا مشاحة في ذلك، وليس ذلك أبدا تفريق أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأئمتهم، وإذا كان التفريق بينهم بالسلف والخلف من حيث العقيدة أمرا مألوفا، فما الذي يمنعنا من الفصل بينهم من حيث المنهج في التصحيح والتضعيف، بعد أن أثبتنا التباين المنهجي فيما بينهم، دون أن نطعن في أحدهم. (والله أعلم). ومن الذي يزهد في علم السابقين لكونهم من المتأخرين؟ وإذا رجح أحد قول النقاد المتقدمين في التصحيح أو التضعيف على من خالفهم من المتأخرين، أو دعى الباحثين إلى ذلك، لا يعني أبدا أنه قد زهد في علم المتأخرين. والذي كان يحتج بنصوص المتأخرين وتحقيقاتهم في هذا المجال كيف يتهم بأنه قد زهد في علمهم؟ والله نحن نقدر جهود علمائنا السابقين انطلاقا من إيماننا، وهم الذين علمونا أهمية الفصل بين المناهج المختلفة، وضرورة الابتعاد عن قلب الأمور رأسا على عقب، ولذلك تجدوننا ننقل في هذا المجال من نصوص علمائنا المتأخرين. انظر يا أخي الفاضل - هدانا الله وإياكم - ما سطرتُه في الموازنة، واقرأه جيدا. وكم من قول صحيح وآفته الفهم السقيم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 20 ـ[ هل إذا اجتهد أحد من العلماء المتأخرين الذين هم بعد سنة 300 هـ في الحكم علي حديث (بالصحة) وخالف أحد من العلماء المتقدمين الذين هم قبل سنة 300 هـ يعد هذا العالم المتأخر مبتدع منهج جديد؟ ]ـ سياق الكلام مقلوب، يا أخي هناك منهجان في التصحيح والتضعيف هما: منهج قائم على معرفة مدى الموافقة والمخالفة والتفرد، أو بعبارة أخرى: منهج قائم على مدى سلامة الحديث من شذوذ وعلة، ومنهج قائم على ظواهر السند والتجويز العقلي، وقد أفادنا بذلك الإمام السخاوي وابن دقيق العيد وغيرهما من الأئمة المتأخرين؛ أما الأول فعليه النقاد، وعلى الثاني الفقهاء المتأخرون وتبعهم في ذلك المحدثون المتأخرون والمعاصرون، إلا نادرا. إذا خالف أحد من المتأخرين نقاد الحديث القدامى غير المتساهلين لا يقال إنه ابتدع منهجا جديدا، وإنما يقال إن هذا المتأخر قد أخطأ في الحكم فقط، أما إذا وجدناه قد اتخذ منهجا عاما في التصحيح والتضعيف، وفق منهج الفقهاء، واستخدم مصطلح (صحيح) فيما إذا كان رواته ثقات، واتصل سنده ظاهرا، بغض النظر عن سلامته من شذوذ وعلة، وأصبح بذلك يخالف نقاد الحديث بتصحيح ما ضعفوه، أو تضعيف ما صححوه، فعلينا أن نبين ذلك لئلا يقع الخلط بين المناهج المختلفة، ولئلا يفسر قوله (هذا صحيح) بما استخدمه فيه النقاد، كما نبهنا علماؤنا السابقون بتساهل ابن حبان والحاكم وغيرهما، مع كونهم من المتقدمين الذين يعتمدون الرواية المباشرة في نقل الأحاديث. ـ[هل العالم المتقدم الذي هو قبل سنة 300 هـ معصوم من الخطأ والوهم الذي يقع فيه العلماء المتأخرين الذين هم بعد سنة 300 هـ جميعاً؟ ]ـ كلا ثم كلا، ولم يقل به أحد فيما أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 21 ـ[يا شيخ / كثر في هذا الزمان بين طلبة علم الحديث (خاصة) من يزهد في العلماء المتأخرين وفي علمهم واجتهادهم حتي إن أحد طلبة العلم يرفض ويزهد في (فتح الباري) لابن حجر رحمه الله ويقول (لا أريد شرح هؤلاء المتأخرين). ]ـ ـ[يا شيخ / ويوجد طلبة علم تقول لهم هذا الحديث صححه (الحافظ ابن حجر، والحافظ البيهقي وغيرهم ولا يوجد لهم مخالف من تقدمهم من العلماء فيقول وبكل بساطه وزهد: (هؤلاء علماء متأخرين). إنا لله وإنا إليه راجعون. ]ـ وأنا أقول أيضا إن لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله تعالى العافية والسلامة، وهذا الذي ذكرته سلوك منحرف، وغرور بالنفس، ولا ينبغي أن يكون ذلك سلوك طالب علم يخشى الله تعالى. هذا وجزاك الله خيرا ـ[ ما رأيكم بكتاب منهج المتقدمين في التدليس لناصر الفهد. ]ـ حتى الآن ما وجدت هذا الكتاب، ولم أجد فرصة سانحة لقراءته، وأحب أن أستفيد منه. ـ[ ما رأيكم بمنهج المشايخ عبد الله السعد والشيخ عبد العزيز الطريفي والشيخ العلوان وحاتم الشريف ومن نحى نحوهم فيما يقولونه عن منهج المتقدمين فالحقيقة جعلونا في حيرة. ]ـ لست أنا خيرا منهم حتى أُسأل عنهم. وإنما يسألون عني. إن ترك المألوف حتى ولو كان خطأ مما يصعب على الإنسان، ويزداد ذلك صعوبة إذا كان منغلق التفكير، ومقدس الماضي. وما فعله الشيوخ الكرام إنما هو نهوض بما تقتضيه مستجدات عصرنا من الواجبات نحو السنة، وتفرضه عليهم فوضى الباحثين المعاصرين في التصحيح والتضعيف. ولا يسعني إلا أن أقول: جزاهم الله تعالى عنا خير الجزاء. وشكرا لكم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 22 ـ[ إذا كان لا يوجد فرق بين الحسن والصحيح - حسب اصطلاح المتأخرين - من جهة العمل بهما فما فائدة التقسيم إذن؟؟ ]ـ التقسيم الذي ذكرته شكلي فقط، وقائم على اعتبار أحوال الرواة، وتكون فائدة ذلك الترجيح عند التعارض إذا لم تكن هناك قرائن. ـ[ متى وكيف يرتقي الحديث الضعيف إلى رتبة الحسن أو الصحيح ؟؟ ]ـ إذا لم يتبين فيه الخطأ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 23 ـ[كما تعلمون، للدكتور عمراني الحنشي كتاب اسمه (كيف يَرِدُ - بكسر الراء- الخطأ على العلماء الكبار) وتكلم على حديث ابي ذر رضي الله تعالى عنه في صحيح البخاري والذي فيه سؤال النبي صلى الله عليه وسلم له (يا أبا ذر هل تدري أين تذهب الشمس حين تغرب؟ ... فإنها تذهب تسجد تحت العرش .. الى آخر الحديث). . . وقد أعل الدكتور الحديث بتدليس ابراهيم التيمي (وقد عنعن) بسبب أن الكرابيسي قد وصفه بذلك، ثم العلائي في جامع التحصيل، ثم ابن حجر وصفه بذلك في تقريبه فقط. . . وإذا ناقض هذا الوصف بالتدليس وعارضه بأن ابراهيم التيمي هذا لم يصفه بالتدليس أحد سواهم .. حتى ان ابن حجر لم يذكره في كتابه المشهور بطبقات المدلسين والذي إنما هو اعادة صياغة لكتاب العلائي المذكور .. وسائر من ترجم له ذكر أنه يرسل عمن لم يلقاهم، ولم يصفوه بالتدليس. . . ف ما هو اختياركم وترجيحكم في حال إبراهيم التيمي من حيث احتياجه اثبات التحديث والسماع أم عدمه ، وهل هذا عام في كل مروياته أم أن هناك تفصيل؟ ]ـ هنا ثلاثة أمور؛ الأول: أن إبراهيم التيمي ثقة إمام، غير أنه تُكلِّم فيه بما يدل على أن روايته عن بعض الصحابة منقطعة، ولعل الكرابيسي جعله من المدلسين بسبب روايته عن زيد بن وهب المخضرم؛ إذ قال: (حدث عن زيد بن وهب قليلا أكثرها مدلسة) كما في التهذيب، يعني أن إبراهيم التيمي كان يخفي الواسطة بينه وبين زيد، وتبعه في ذلك العلائي وغيره. وعلى هذا فما رواه إبراهيم عن شيوخه متصل وإن لم يصرح بالسماع، إلا في روايته عن زيد بن وهب، فإن الحكم عليه بالاتصال يتوقف على ثبوت سماعه منه ذلك الحديث بعينه، وكذا روايته عمن لم يسمع منه من الصحابة تكون منقطعة أيضا بدون نزاع، ويتأيد ذلك بتعامل النقاد قاطبة مع رواياته، لا سيما اعتماد الإمامين: البخاري ومسلم عليها في الصحيحين. أما الحديث الذي نحن بصدده ليس مما ينبغي الشك في اتصاله، إذ رواه عن أبيه، ولم يتكلم في روايته عنه أحد من الأئمة، كما لم يتوقف أحد منهم عن تصحيحها عموما في حدود علمي، وفي هذا الحديث خصوصا، بل هي رواية مشهورة ومعتمدة في الصحيحين. وعليه فما قاله الدكتور المحترم (حفظه الله) حول حديث إبراهيم عن أبيه عن أبي ذر في سجود الشمس غير سديد لا منهجيا ولا علميا. والأمر الثاني: ما ذكرتَه في السؤال يعد نموذجا لاجتهادات المعاصرين في التصحيح والتضعيف، يقومون بها قبل أن يستوعبوا منهج النقاد في التصحيح والتضعيف، ويعتبرون ما ورد عن بعض الأئمة في معالجة موضوع ما، قاعدة مطردة قبل أن يفهموا مغزى ذلك، ثم يستعجلون في تطبيق هذه القاعدة على الأحاديث التي صححها هؤلاء الأئمة أنفسهم قرنا بعد قرن، ويستدركون عليهم بالذي ورد عنهم، وهذا غريب ومؤسف جدا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 24 ومن أجل معالجة هذه الظاهرة التي تسود ساحتنا العلمية اليوم قمنا بإثارة موضوع المتقدمين والمتأخرين، وتوعية الباحثين بأهمية مراعاة التأهل، وفهم منهج القوم في النقد، واحترام ما صدر عنهم من الأحكام، وخطورة مزاحمتهم بأفكار سطحية لا تغيب عنها حتى أذهان الطلبة المبتدئين. الأمر الثالث: من أهم وسائل الحكم على الحديث بالاتصال والانقطاع أن تجمع الروايات وأن ينظر في مدى تفاوت صيغ أدائها، وحتى القول بانقطاع رواية المدلس المعنعنة يتوقف على ذلك أيضا، ولا يكتفى بمجرد صيغة العنعنة التي ترد في الإسناد، إذ الراوي المدلس قد لا يكون مسؤولا عن تلك الصيغة، وإنما تكون العنعنة من تصرف الراوي المتأخر، ولذلك قد يشكل على بعض الباحثين قول النقاد بانقطاع رواية المدلس مع ورود التحديث فيها أو صيغة السماع، كما يشكل عليه قولهم باتصال روايته مع كونها معنعنة. وبالنسبة إلى هذا الحديث الذي تكلم عنه الدكتور الفاضل؛ لقد قمت بجمع ما ورد في روايته من الطرق فوجدتها تدور على إبراهيم عن أبيه عن أبي ذر، دون أن أعثر على شئ يدل على انقطاع هذه الرواية؛ مثل وجود واسطة بين إبراهيم وأبيه، أو صيغة تدل على أن إبراهيم لم يسمع من أبيه هذا الحديث بعينه؛ كأن يقول: بلغني عن أبي، أو أخبرت عن أبي أو غير ذلك. ألا يكفي لنا صنيع النقاد في عدم تعرضهم لرواية إبراهيم عن أبيه مع شهرتها، في مناسبة بيان انقطاع ما رواه عن بعض شيوخه، بل احتجاجهم المطلق بما رواه عن أبيه معنعنا يلزمنا القول بصحة ذلك الحديث؟. الخلاصة: إن رواية إبراهيم عن أبيه متصلة جزما، دون أن يعكرها قول الكرابيسي الخاص بما رواه إبراهيم عن زيد بن وهب. وشكوكنا أو تشكيكنا فيما لم يشك فيه النقاد قاطبة يعد مجازفة خطيرة. (والله أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 25 ـ[ ما رأيكم في (محمد بن المصفى). ]ـ الذي أفهمه من كلام النقاد أن محمد بن المصفى تكلم فيه بسبب الغرابة في بعض ما رواه ونكارته، وهو في الأصل ثقة صدوق، يعني أن هذه الغرابة وقعت من سوء حفظه، لذا يكون ما تفرد به من الأحاديث بحاجة إلى نظر وتتبع ومقارنة، وعليه فقبول حديثه أو رده أو تحسينه يتوقف أساسا على مدى موافقته مع الآخرين ومخالفته لهم وتفرده بما ليس له أصل، أو تفرده بما له أصل. ولكل ما يرويه من الأحاديث مناسبة خاصة، تختلف باختلاف شيوخه، أو باختلاف طبيعة حديثه، وحسب ذلك يكون الحكم تصحيحا أو تضعيفا أو تحسينا. وأما حال محمد بن مصفى فلا يعد مقياسا مطردا للحكم على كل ما يرويه من الأحاديث إلا إذا لم يستغرب الناقد تفرده ويستنكره. فعلى سبيل المثال إذا تفرد محمد بن المصفى عن شيخ معروف بما لا يعرفه أصحابه المعروفون ثم كان ذلك الحديث معروفا بطريق آخر فإن تفرده يعد منكرا، كما استنكر الإمام أحمد ما تفرد به عن الوليد عن الأوزاعي عن ابن عباس مرفوعا إن الله تجاوز .. الحديث. ولو كان سؤالك عن حديث معين مما رواه لكان الجواب محددا وواضحا بإذن الله تعالى. ـ[ ما رأيكم في كتابات (عداب الحمش). ]ـ قرأت بعضها، وقد أعجبني أسلوبه في البحث والتحليل ونفسه الطويل في التتبع، لكني أكره جانب التشدد والتكلف في الدفاع عما يميل إليه، وكنت أتمنى أن تصحب مواهبه العلمية والفكرية بالإنصاف، والاحترام، والتواضع، حتى ينال قبول المنصفين. ـ[ ما رأيكم في تحقيق (عبد الفتاح أبو غدة) للسان الميزان. ]ـ لم أطلع بعد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 26 ـ[ القواعد المحررة المعتمدة في الحكم على الحديث أو سنده هل توجد أم لا ؟ وإذا كانت موجودة فمن الذي جمعها في كتابٍ معتمد يُرْجَع إليه؟ ]ـ يقوم التصحيح والتضعيف عند المحدثين النقاد على قواعد علمية واقعية وواضحة الجوانب، لا يشوبها غموض ولا إشكال، قد يظن البعيد أن ذلك إلهام أو تخمين أو غير منضبط بقواعد النقد أو غير ذلك، وإذا أمعنت النظر - يا أخي الكريم حفظك الله - في كتب النقاد القدامى مع رصيد من الفهم والخبرة وجدت منهجهم منضبطا بالقواعد المعمول بها لدى الجميع. والمشكلة أننا - من خلال دراسة كتب المصطلح ولا أثناء تخريج الأحاديث - لم نُكوِّن تكوينا علميا صحيحا يساعدنا على فهم مصطلحاتهم وأبعادها النقدية. وأما الكتب التي تعالج تلك القواعد جامعة ومرتبة، وتشرحها شرحا وافيا يغطي جميع جوانبها فأظن أنها غير موجودة، وإن كانت كتب المصطلح قد جمعت مصطلحات الحديث التي تحمل في طياتها قواعد النقد، دون أدنى تقصير، لكنها غير مرتبة ترتيبا موضوعيا، بل هي مبثوثة في بطونها، وهي لا زالت بحاجة ملحة إلى ترتيب علمي موضوعي يسهل على القارئ الفهم والاستيعاب. وإذا أردت الوقوف على تلك القواعد وأبعادها النقدية أثناء دراسة تلك الكتب فما عليك إلا مراعاة ما يأتي: 1 - أن يقوم بالمقارنة بين جميع المصطلحات التي تتصل بعضها ببعض في المعنى الجوهري. 2 - أن يقوم بالمقارنة بينها وبين جوانبها التطبيقية لنقاد الحديث. 3 - تقييد ما ينبغي تقييده، وإطلاق ما ينبغي إطلاقه. 4 - أن لا يخلط في ذلك بين أقوال المحدثين النقاد، وآراء أئمة الفقه والأصول، ولكل منهم منهج خاص. وقد كتبت بعض أبحاثي لبلورة هذه الأمور وأهمية مراعاتها لدى دراسة كتب المصطلح. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 27 ومن الجدير بالذكر أن هناك كتبا عديدة تساعدك على استيعاب منهج المحدثين النقاد، وفهم قواعده، منها مقدمة الإمام مسلم، وكتب العلل عموما، والمعجم الأوسط للطبراني، وكتب الضعفاء لابن عدي وابن حبان، والعقيلي، وشرح العلل لابن رجب، وكتاب النكت للحافظ ابن حجر والتنكيل للشيخ عبد الرحمن المعلمي - رحمهم الله تعالى جميعا - (والله تعالى الموفق). ـ[من خلال نقاشي مع المهتمين بهذا المنهج كشيخنا (عبد الله السعد) وأحد كبار طلابه عن المنهج كان منهم إبداءُ أمرٍ مشكلٍ وهو: أن هذا المنهج إنما هو مبنيٌ على فهوم العارف بالأسانيد. فما مدى صحة هذه القولة؟ ومما لا شكَّ أن منهجاً قام على فهومٍ دون قواعد فمآله إلى انهيار وأفولٍ لنجمه. ]ـ إن منهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف منضبط بقواعد، ساعدهم على تطبيقها تلقائيا الحفظ والفهم والمعرفة، حتى أصبح هذا التطبيق العملي منبعا أصيلا لقواعد النقد وضوابطه تصحيحا وتعليلا. ومثلهم في ذلك مثل حافظ القرآن الكريم، إذا كان الحافظ يستطيع بحفظه أن يكتشف تداخل الآيات والسور على من يقرؤها، فكذلك الأمر بالنسبة إلى الحافظ الذي حفظ الأحاديث بشكل منظم، مع رصيد معتبر من الفهم والمعرفة، ولذا فإن الأمر في اكتشاف الخطأ والوهم لن يكون تابعا لأحوال الرواة ولا يكفي في ذلك مجرد حفظ للأحاديث، أو مجرد إطلاع واسع عليها؛ فمن حفظ أو اطلع على أحاديث الزهري عن سالم عن أبيه، وأحصاها، وأحاديثه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وأحاديثه عن أبي سلمة عن أبي هريرة مع إحصاء عدد هذه الأحاديث، كل على حده، يقدر أن يعرف من أدخل في أحاديث الزهري عن سالم عن أبيه ما كان يرويه عن غيره، وحين وقوع تداخل على الراوي في أحاديث الزهري فإن الناقد يعبر عن ذلك بقوله: "إنما هو كذا وليس ذلك محفوظا"، أو "هذا باطل وإنما هو كذا"، وغير ذلك من العبارات العلمية التي تزخر بها كتب العلل وكتب الضعفاء. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 28 وهذا العمل التطبيقي القائم على الحفظ والمعرفة والفهم هو أساس تنظير قواعد النقد التي تضمها المصطلحات؛ كالصحيح والمعلول والمنكر والمقلوب والمدرج، وغيرها، وظهور هذه المصطلحات دليل ناصع على دقتهم في النظر وشمولية التفكير، وعدم اعتمادهم على ظاهر أحوال الرواة، ولو كان الحكم تابعا لأحوال الرواة ما ظهر مصطلح العلة وما يتصل بها من الأنواع؛ إذ معنى ذلك تصحيح ما رواه الثقة، وتحسين حديث الصدوق وتضعيف ما رواه الضعيف، والحكم على ما رواه المتروك بأنه متروك أو مطرح أو واه، وعلى ما رواه الكذاب موضوعا. وإذا قرأت بعض الدراسات والتخريجات المعاصرة ترى فيبها سعيا حثيثا (طبعا دون أن يشعر الباحث) على إلغاء مصطلحي المعلول والشاذ، بسبب التساهل والتوسع في التصحيح والتحسين. وكذلك المصطلحات المتصلة باتصال السند وانقطاعه، كالمرسل والمعلق والمدلس وغيرها تدل دلالة واضحة على أنهم لم يكتفوا بأحوال الرواة العامة من المعاصرة والسماع واللقاء، بل كانوا يدققون النظر أيضا هل سمع الراوي ممن فوقه ذلك الحديث بعينه، وإلا فإن كانوا يكنفون بالمعاصرة واللقاء والسماع بشكل عام ما ظهر مصطلح التدليس أبدا ولا الإرسال الخفي. ويمكن لنا تلخيص قواعد النقد من مصطلحات النقاد بالآتي: إذا خالف الراوي الواقع المعروف، أو تفرد بما ليس له أصل في الأمر الواقع دل ذلك على خطئه، وإذا تكرر منه ذلك علم أنه سيئ الحفظ عموما. وإذا وافقه أو تفرد بما له أصل دل على صوابه، وإذا كان ذلك هو الأغلب في أحاديثه أصبح ثقة، وإذا لم يعرف هذا أو ذاك رجع الأمر إلى الأصل الغالب في الراوي، الذي حدد النقاد مراتبه في الجرح والتعديل من خلال مروياته. وحسب ذلك يكون الحكم؛ فقد يكون صحيحا أو حسنا أو ضعيفا، وإذا لم يعرف الأصل في الراوي يتوقف الحكم فيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 29 وعلى هذه الأحوال الثلاث تدور معظم المصطلحات في التصحيح والتحسين والتضعيف. وباختلافها يحتلف الحكم على الحديث، ولذا قال بعض المحققين من المتأخرين كالحافظ ابن رجب وابن حجر وغيرهما إن الحكم على الحديث ليس تابعا لأحوال الرواة. ومع ذلك جاءت تعريفات هذه المصطلحات في كتب المصطلح عموما بحيث يفهم القاريء المستعجل أن الأحكام تابعة لأحوال الرواة. وقد شرحنا ذلك بشيء من التفصيل في الكتاب (علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد). والله تعالى أعلم. ـ[ التسلسل الزمني للدعوة لهذا المنهج ، فالمعلوم أن من أوائل من دعا إليه هو (ابن رجب) ثم تلاه من بعده كـ (المعلمي) و (الغماري). فما قبل (ابن رجب) وما بعده _ فيما بينه وبين التالين له _ هل من داعٍ لهذا المنهج؟ ]ـ هذا يحتاج إلى دراسة استقرائية. ـ[ منهجية جمع الأسانيد والمقارنة بينها واستخراج النتيجة من تلك المقارنة حولها مسائل:. . الأولى: من هو المؤهلُ لتلك المهمة؟. . الثانية: قواعد الخوض في تلك المهمة؟ ]ـ المؤهل هو حافظ الأحاديث أو المطلع عليها، على الصورة التي سبق ذكرها آنفا، وإلا سيكون مضطرا للاعتماد على ظواهر السند، والقواعد التي يعول عليها هذا الباحث غير المؤهل لا تكون إلا شكلية؛ ترجع في حكمه على الحديث إلى أحوال الراوي. ـ[ جهود المتأخرين كـ (العراقي) و (ابن حجر) و (السخاوي) وغيرهم ما مدى عناية الداعين لهذا المنهج بها؟. . ومما لا شك أنهم حازوا قصب السبق في التحرير للحديث وأصوله لم يدرك درجتهم من تلاهم. ]ـ الذين يدعون إلى منهج المتقدمين إنما وصلوا إلى ذلك عبر جهود هؤلاء الأئمة المحققين، وهم الذين نقلوا لنا ذلك المنهج، بل كانوا يدعون إلى الاستفادة من منهجهم الرائع في تحقيق التراث وحفظه من تصحيف وتزوير وانتحال، كما يفهم ذلك كل منصف يقرأ ما كتب في ذلك من الأبحاث والكتب. وهنا أود أن ألفت الانتباه إلى ضرورة الفصل بين المصدر الأصيل والمرجع المساعد في علوم الحديث، وعدم الخلط بينهما بأي حال من الأحوال، وبالتالي يرى الباحث ضرورة ملحة في عرض ما وجد في المرجع المساعد على المصدر الأصيل إذا وقع إشكال أو غموض حول مسألة من المسائل، وذلك من أجل التأكد من مدى صواب ذلك، وأما إذا لم يفصل بين المصادر، وخلط بينها فإنه لا تخطر على باله أبدا أهمية عرض كلام المتأخرين على كلام المتقدمين أو عملهم التطبيقي. وأما الفصل بينهما فيما يخص الحديث وروايته فلا يختلف فيه اثنان ممن لديهم علم وخبرة في هذا المجال؛ فما أورده الإمام النووي في كتابه رياض الصالحين مثلا لا يعد مصدرا أصيلا في التخريج. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 30 ـ[يقول الشافعي في الرسالة "والعلمُ به عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه، لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيءٌ فإذا جُمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فُرّق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها، ثم ما كان ذهب عليه منها موجوداً عند غيره. . . وهم في العلم طبقات منهم الجامع لأكثره، وإن ذهب عليه بعضه، ومنهم الجامع لأقلَّ مما جمع غيره. وليس قليلُ ما ذهب من السنن على من جمع أكثرَها: دليلاً على أن يُطلب علمه عند غير طبقته من أهل العلم، بل يُطلب عن نظرائه ما ذهب عليه حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله - بأبي هو وأمي - فيتفرَّد جملة العلماء بجمعها، وهم درجات فيما وَعَوا منها. "]ـ ـ[ألا يصلح قوله هذا ليكون قاعدة في تضعيف الحديث؟؟ بحيث إذا لم نجد الحديث عند أحد في تلك الطبقة فلا نحكم عليه بالصحة وإن جمع شروطها. وهو يقارب ما قاله ابن الصلاح في الفائدة الثانية. ]ـ كلامك سليم جدا، وقد صرح بذلك الإمام البيهقي، وقد نقلته في الموازنة، وبهذا يفسر ما ورد عن الإمام ابن الصلاح من عدم إمكانية تصحيح المتأخرين لما تضمنته كتب المتأخرين كالمشيخات والأثبات وغيرها من الأحاديث التي يروونها. وللأسف نرى في الباحثين المعاصرين من يرفض التفرد الذي أعل به النقاد قائلا: "قلت: لم يتفرد وقد وجدت له متابعا"، ثم يورد الحديث من تاريخ دمشق أو تاريخ الخطيب أو من كتب الفوائد أو غيرها من الكتب التي ترتكز أساسا على ذكر الغرائب (والله تعالى أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 31 ـ[هل صحت أحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام .. أو أثر صحيح يثبت أن في الجن صحابة .. لهم ما للمهاجرين والأنصار من فضل .. وهل هناك من السلف من فصل في ذلك؟ دمتم مأجورين. ]ـ لا أذكر شيئا من هذا القبيل، وإنما توجد حكايات غريبة يحكيها بعض المتأخرين، كنوادر في كتبهم الخاصة كالمشيخات والفهارس (والله أعلم). ـ[هل ينجبر المرسل إذا تُوبِعَ؟ ]ـ نعم ينجبر بالشروط التي ذكرها الإمام الشافعي، وبعد أن تقوى الحديث المرسل قد يكون صحيحا أو حسنا. وحتى أنواع الانقطاع الأخرى تنجبر بالمتابعات والشواهد إذا لم تكن هذه المتابعات والشواهد معلولة بينة الخطأ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 32 ـ[ما قولكم في الحديث الذي علّقه البخاري عن شيخه؟ ]ـ هو ما شرحه الحافظ ابن حجر في النكت. ـ[ماذا عن تفرّد الإمام الذهبي بالتوثيق في ((الكاشف))، وبخاصه لمن وُصِفَ بالجهالة. ]ـ بما أن الكاشف من أوائل تصنيفات الإمام الذهبي، وأنه مجرد اختصار لتهذيب الكمال فإنه لا يكون في مرتبة الميزان والسير وغيرهما من الكتب التي ألفها الذهبي بعد أن نضجت موهبته العلمية وصار إماما، ولذا يستأنس فقط بما ذكر في الكاشف. والله أعلم. ـ[هل هناك فرقٌ بين (الحديث الباطل) و (الحديث الموضوع). ]ـ الكلام فيه تفصيل، وتتوقف معرفة المقصود بهذين المصطلحين على معرفة مناسبة ورودهما، وإذا تتبعت كتاب علل ابن أبي حاتم وكتب الضعفاء وغيرها وجدت النقاد يطلقون لفظة الموضوع على الباطل، بل على ما رواه الثقة إذا أخطأ، ولا يريدون بذلك أن الحديث قد وضعه راو على النبي صلى الله عليه وسلم متعمدا، وأما إذا ورد هذان المصطلحان في كتب خاصة بذكر الموضوعات والأباطيل يكون المعنى في الغالب أن الحديث مما وضعه الراوي الكذاب. (والله أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 33 ـ[هل هناك دليل صريح على أنّ الشيخين اشترطا لإيراد الحديث في صحيحيهما شروطا ًأشدّ صرامة ممّا اشترطاه لصحة الأحاديث خارج الصحيحين؟ بمعنى: هل هناك أحاديث صحّحها الشيخان ولم يورداها صحيحيهما بسبب كونها لا ترقى لشرطيهما فيهما؟ ]ـ ليس لدى الشيخين شرط زائد على ما تضمنه تعريف الصحيح من الشروط، يعرف ذلك من نظر في الصحيحين؛ إذ يحتويان كل أنواع الصحيح، دون أن خصصا بما هو أعلى صحة دون سواه. وربما نجد لديهما اهتماما بالغا ذكر الأصح والأفضل والأجود سندا ومتنا إذا ورد الحديث بطرق متعددة عن إمام مشهور كالزهري مثلا، فيختار كل منهما من هذه الطرق ما هو أعلى سندا وأجود، ويتميز الإمام مسلم بذكر مجموعة من الروايات في موطن واحد مرتبا إياها حسب الأصحية والأفضلية، وقد شرحنا ذلك في كتاب عبقرية الإمام مسلم. ولم تتوقف الأفضلية الأصحية على أحوال الرواة فقط، بل تكون لذلك معايير علمية لم أستوعبها من خلال دراسة كتب المصطلحات، ومن أهم هذه المعايير العلمية علو السند، وجودة المتن، كما أن للعلو مقاييس متعددة ذكرها الإمام الحاكم وغيره من الأئمة، وكثير منها لا يعرف إلا من خلال الموازنة بين الروايات، وأحوال الرواة، ووفياتهم، وسماعاتهم، ورحلاتهم، ومراتبهم في الجرح والتعديل، وعاداتهم في الرواي والتلقي، وغير ذلك من الخصائص الإسنادية، كالتسلسل والشهرة. ومن المعلوم أن الإمامين لم يستوعبا ذكر جميع ما صح لديهما؛ لذا توجد بعض الأحاديث التي صححاها ولم يخرجاها في الصحيحين، وسبب ذلك عدم استيعابهما للأحاديث الصحيحة، واكتفائهما بما أوردا فيهما من أصل الحديث، أو لنزول سندهما. ومما يلفت الانتباه إليه أنهما قد يطلقان على حديث مقبول بصحته ولا يريد بها المعنى المتعارف لمصطلح (صحيح). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 34 ـ[عندما أطبّق قواعد التفرّد على أحاديث (النهي عن التنعّل قائماً) أَصِلُ (بارك الله فيكم) إلى نتيجة كون الحديث لا يصحّ، فما قول فضيلتكم؟ ]ـ نعم، لا يصح الحديث، وهي نتيجة سليمة فعلا، وبها تنسجم - أخي الكريم، حفظك الله تعالى - مع منهج النقاد؛ كأحمد بن حنبل والبخاري والترمذي وابن عدي وغيرهم (رحمة الله تعالى عليهم) إذ أعلوا هذا الحديث بعبارات مختلفة، واتفقوا على عدم صحته، على الرغم من تعدد طرق هذا الحديث، وفي الوقت ذاته لم يتجاوز المتأخرون موقف النقاد، ولم يعترضوا على تعليلهم، حين اكتفوا بالحكم على ظاهر السند؛ فمنهم من حسن بعض أسانيده، ومنهم من قال إن رواة بعض الأسانيد ثقات، أو الإسناد صحيح، وهذا الحكم لم يتجاوز ظاهر السند، يعني غاية ما في ذلك أن رواة بعض الأسانيد ثقات، أو فيهم صدوق لا أكثر ولا أقل، بغض النظر عما تكلم النقاد من التفرد، اللهم إلا ما ذكر المباركفوري (رحمه الله تعالى) معقبا على الترمذي بقوله: "فقول الترمذي لا نعرف لحديث قتادة عن أنس أصل محل نظر". وأنت ترى أن تعليل النقاد لم يكن مبنيا على أحوال الرواة، وإنما على التفرد والمخالفة، مع أنهم أدرى بأحوالهم، ولم يصدر منهم ما يدل على ضعف الرواة الثقات أو الراوي الصدوق. وهذا التفاوت المنهجي هو الذي يرتكز عليه أساسا كلامنا حول المتقدمين والمتأخرين؛ فنرى الحافظ المقدسي يحسن سند حديث أنس، بعد أن نقل قول الترمذي بأنه لا يصح عند أهل الحديث، ويتمثل هذا التفاوت المنهجي بينهما فيما يأتي: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 35 كان الحافظ المقدسي قد حسن السند بناء على أحوال الرواة؛ يعني أن السند ليس فيه ضعيف، بينما الترمذي يتجه إلى الحديث وروايته بقوله ''هذا حديث غريب''، وأيده بقول البخاري '' ولا يصح هذا الحديث، ولا حديث معمر عن عمار عن أبي هريرة''، كما استنكره الإمام أحمد من قبل، ثم بعد ذلك رجح الدارقطني وقف الحديث على أبي هريرة، وأما المتأخرون فنظروا في ظاهر السند، ففيهم من حسن السند كالإمام النووي، ومنهم من قال: رواته ثقات؛ كالهيثمي والمباركفوري، وفيهم من قال: هذا إسناد صحيح، دون أن يقول: ''هذا حديث صحيح''، وبين القولين فرق يعرفه من درس كتب المصطلح. وإذا قمت بتتبع كل ما ورد في رواية الحديث من الطرق، كطريق جابر وأنس وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس، وحاولت فهمها على منهج النقاد فإنك لا تقدم أبدا على الاعتراض عليهم بتطبيق قاعدة تعدد الطرق يقوي بعضها بعضا، بحجة أنها ليست من رواية المتروكين. ـ[ما هي المباحث العلميّة التي تقترحون على طلاب الحديث أن يشتغلوا بها في هذا الوقت؟ ]ـ تقع على عاتق طلاب الحديث مسؤولية كبيرة تجاه السنة النبوية التي أصبحت في المرحلة الزمنية التي نعيشها مجالا مفتوحا ومسموحا لكل من هب ودب، فيصححون ويضعفون ويحسنون ويستنبطون الأحكام أو يستدلون بها، دون أن ينضبط ذلك بقواعد التصحيح والتعليل، وأصول التفسير والتأويل، ولذلك تكون مهمة الطلاب في هذه المرحلة كبيرة، ولا يجوز التهاون بها، لينفوا عن السنة تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين. وتختلف طبيعة المهمة العلمية تجاه السنة النبوية باختلاف ميل كل منهم. فمن يميل إلى فقه السنة فعليه أن يتحصل على قواعد تفسير النصوص، ومن يميل إلى نقد الأحاديث فعليه أن يتدرب على التصحيح والتعليل من خلال التخريج العلمي مراعيا فيه أسلوب النقاد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 36 وبالتعاون مع أصحاب التخصصات العلمية المختلفة يتم إسقاط السنة على الواقع الذي نعيشه، والدفاع عنها دفاعا يقتضيه طبيعة التشكيك في مكانة السنة ونزاهتها. ومن الجدير بالذكر أن العمل بالحديث لا بد أن يمر على مراحل ثلاثة وهي: المرحلة الأولى: مرحلة التأكد من مدى صحة الحديث. والمرحلة الثانية: معرفة المقصود بالحديث وفقهه، وهي تخضع لقواعد وأصول، لكيلا يفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يقصده، ولا يحمل على غير محمله. ومن أصول التأويل أن يكون فهم الحديث وفقا لما يقتضيه سياق النص، أو يفسر في ضوء عمل الصحابة، أو في ضوء الروايات الأخرى لذلك الحديث طبعا بعد التأكد من صحتها، فإن الحديث من طبيعته أن يختلف سياقه وتتفاوت ألفاظه كلما تتعدد طرقه، فمن خلال جمع الروايات يستطيع الباحث الوقوف على سياق الحديث ولفظه الصحيح، أو يفسر في ضوء النصوص الأخرى التي وردت في الموضوع ذاته، أو في ضوء العناوين التي عنون بها المحدثون لذلك الحديث في كتبهم، أو يراعى في تفسير الكلمات أسلوب العصر النبوي في استخدامها. والمرحلة الثالثة: مرحلة إسقاط النص على الواقع، فإن النص قد يكون له بعد مقصدي أو بعد زمني أو بعد مكاني، وعلى مراعاة هذه الأمور مرحليا قامت اجتهادات الأمة سابقا. وبمراعاتها يتم الفصل بين التأويل الباطل الذي فيه تكلف أو تعسف وبين التأويل الصحيح. وهذه صورة عامة لتلك القواعد التي يجب على طلاب العلم اليوم أن يوجهوا عنايتهم نحو تأسيسها، دون أن يضيعوا الأوقات فيما لا يساعده على التكوين العلمي الصحيح الذي تقتضيه المرحلة الزمنية الجديدة، ولا شك أن هذه القواعد بحاجة إلى التوضيح من خلال الأمثلة لكن المناسبة غير صالحة لذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 37 ـ[من خلال إقامتكم في (الأردن): عمّن من طلبة العلم تنصحون أخذ علم الحديث فيه؟ ]ـ لم يسألني أحد عن ذلك خلال إقامتي بالأردن، وكان عندي من الطلبة من يعد من تلاميذ العلامة المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني (رحمه الله)، ومنهم من يصحب الشيخ مشهور حسن، ومنهم من يحضر مجلس الشيخ الحلبي، وكنت أشجعهم على الاستفادة منهم جميعا لكن دون تعصب، وما كنت أتحدث في المحاضرات ولا في مجالس العلم عن الأشخاص بعينهم، ولا عن أخطائهم، وما كنت أغتاب أحدا منهم، بل أمدحهم وأثني عليهم في مناسبات أخرى، وأحاول بقدر الإمكان إبعاد الطلبة عن سؤالهم عن الأشخاص بعينهم. ـ[ (المليباري) نسبة إلى ماذا؟ ]ـ هذه النسبة إلى شمال ولاية كيرلا التي تقع بجنوب الهند، وهذه المناطق التي تقع في شمال ولاية كيرلا قد اشتهرت باسم (المليبار) قديما بين التجار من العرب، ثم أصبحت النسبة إليها مفضلة لدى مؤلفي الكتب من العلماء القدامى بهذه المناطق. ـ[ هل من الممكن عمليا - لا نظريا - جمع السنة النبوية كلها بمتونها وأسانيدها؟ وهل في ذلك فائدة ما؟ ]ـ أرى ذلك ممكنا جدا لا سيما في عصرنا الذي تطورت فيه التقنيات المعلوماتية، إذا تضافرت الجهود الجماعية تحت إشراف مركز تتوافر فيه جميع الإمكانيات العلمية والمادية، بشرط واحد أن يكون ذلك العمل خالصا لوجه الله، ويعد ذلك خطوة عظيمة في سبيل الدفاع عن السنة، ونشرها بين المجتمع، إذا كان الجمع قائما على التمييز بين المقبول والمردود في ضوء منهج المحدثين النقاد، وعلى التفسير المنضبط بقواعده، دون تعصب ولا تعسف. ـ[ لم أر شيئا من كتبكم في المغرب . فهل من سبيل للحصول عليها؟ ]ـ فيما أعلم أن دار ابن حزم التي تقوم بنشر وتوزيع كتبي، لها اهتمام بالغ بمشاركة جميع المعارض التي تقام في المشرق والمغرب، وإن شاء الله تعالى سأؤمن لك بما تبقى عندي من الكتب، وأرجو أن تراسلني بالعنوان الآتي: H_abdella@maktoob. com Hamza777@gawab. com الجزء: 9 ¦ الصفحة: 38 ـ[ لماذا لم يقع الاعتناء بمسند الإمام أحمد كما وقع للكتب الستة (الشرح، تراجم الرجال، التهذيب .. الخ). جزاكم الله خيرا. ]ـ ج/ لقد اهتم به العلماء سابقا في جوانب متعددة غير الشرح، فإن طبيعة ترتيب أحاديث المسند لا تساعد على القيام بالشرح إلا إذا رتبت على الأبواب كما عمل الشيخ الساعاتي (رحمه الله تعالى). ـ[ قسم علماء مصطلح الحديث الصحيح إلى مراتب :. . 1ـ ما أخرجه الشيخان. . . 2ـ ما أخرجه البخاري. . . 3ـ ما أخرجه مسلم. . . 4ـ ما كان على شرطهما. . . 5ـ ما كان على شرط البخاري. . . 6ـ ما كان على شرط مسلم. . . السؤال هو: ما الفرق بين ما كان على شرطهما، وما كان على شرط البخاري، مع العلم أن شرط مسلم داخل في شرط البخاري؟! ]ـ المراتب الثلاثة الأولى للحديث الصحيح لا إشكال فيها، إلا إذا لم يجعل ذلك التقسيم مطردا، لأن ما أخرجه مسلم دون البخاري قد يكون أصح مما أخرجاه لأسباب علمية؛ كشهرة الأول وغرابة الثاني - مثلا - كما أوضح ذلك الحافظ ابن حجر وغيره. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 39 أما الأقسام الباقية ففيها كلام، أولا: ما معنى قولهم: ما كان على شرطهما وما كان على شرط أحدهما؟ ما المقصود بالشرط هنا؟ وما مصدر هذا التقسيم؟ إذا علمنا أساس هذا التقسيم، وأن مبناه قول الإمام الحاكم في تضاعيف كتابه المستدرك، ففي جعل تلك الأقسام الثلاث الأخيرة من الصحيح نظر قوي؛ إذ معنى قوله هذا صحيح على شرط الشيخين أو شرط أحدهما أن رواة الحديث ممن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما بغض النظر عن مدى سلامة الحديث من الشذوذ والعلة وحتى عن قضية العنعنة التي أثير حولها خلاف بين الشيخين، فبمجرد كون الراوي من رواة البخاري أو مسلم أصبح حديثه على شرطه، هذا هو الذي نفهمه من تضاعيف كتاب الحاكم (المستدرك). وحذى حذوه بعض المتأخرين والمعاصرين، وحتى قال بعضهم قياسا على هذا الأسلوب: هذا إسناد صحيح على شروط الستة. وعلى كلٍّ فالحديث الذي قيل فيه إنه على شرط الشيخين أو شرط أحدهما قد يكون صحيحا أو حسنا أو معلولا واهيا، وقد يكون الإسناد متصلا أو منقطعا، وبالتالي فلا مجال للإشكال الذي ورد في السؤال، حيث إن التقسيم يكون غير سليم أصلا. ثم إن التقسيم حسب هذا المعنى الذي سبق ذكره لا يوهم أن للصحيح شروطا تختلف باختلاف المحدثين، وشروط الصحيح التي تضمنها تعريف الصحيح متفق عليها لدى المحدثين النقاد، ولم يختلف فيها إلا الفقهاء، وأما إذا كان التقسيم مبنيا على مراعاة شروط الصحيح فإنه يوهم اختلاف هذه الشروط وتنوعها حسب الأشخاص من المحدثين، وليس الأمر كذلك في الواقع، ولم يقل أحد بذلك التنوع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 40 كما لا يكون هناك فرق بين ما كان على شرطيهما وبين ما أخرجاه؛ لأن الحديث الذي أخرجاه في الصحيحين لم يخرجاه إلا لوجود شروط الصحيح فيه، وما وُجدت فيه شروط الصحيح فعلا حسب رأي النقاد لا سيما الشيخان، لا يتأخر عن مرتبة ما أخرجاه، لمجرد كون ذلك الحديث الصحيح الذي صححوه غير مخرج في الصحيحين، وأما إذا قال غير النقاد إنه على شرط الشيخين فقد يكون صحيحا أو حسنا أو ضعيفا معلولا، وبالتالي لا يكون هذا الحديث مثل ما أخرجه الشيخان أو أحدهما قطعا. ـ[ما تحرير القول في الخلاف في الحديث المعنعن , وما حقيقة مذهب البخاري ومسلم في هذه المسألة؟. . وما تقييمكم للدراسة التي قام بها الشيخ الشريف حاتم لهذه القضية في كتابه (إجماع المحدثين)؟ وفقنا الله جميعا إلى بلوغ الحق, وبرد اليقين. ]ـ وفقنا الله وإياكم لمعرفة الحق واتباعه والدفاع عنه إيمانا واحتسابا، ولمعرفة الباطل واجتنابه. فيما أرى أنه لا خلاف بين الشيخين في مسألة العنعنة، ولم يقصد مسلم بنقده اللاذع الإمام البخاري ولا علي بن المديني ولا أحدا من الأئمة السابقين له، وإنما قصد به من المنتسبين إلى الحديث من استعجل في أمر العنعنة في عصره، ولم يوفق في ذلك لانتهاج منهج الأئمة السابقين، هذا وقد حدد مسلم مسألة العنعنة بقوله: "وأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسرنا فالرواية على السماع أبدا حتى تكون الدلالة التي بينا" ولم يكن كلامه (رحمه الله) حول عموم العنعنة، كما أوضحنا ذلك في إحدى الإجابات السابقة. وكذلك سبق فيها ما يتعلق بكتاب الشيخ الشريف حاتم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 41 ـ[ذكر أحد الأفاضل في كتاب له: أنّه عند سرد أقوال أهل العلم في راوٍ معيّن فإنّه لا ينبغي ذكر قول ابن حجر وغيره من المتأخرين في ذلك الراوي جنبا ًإلى جنب أقوال المتقدّمين. وحجّته في ذلك هي أنّ المتأخرين إنّما بنوا قولهم في ذلك الراوي ـ بالدرجة الأولى ـ على أقوال المتقدّمين. فما رأيكم (وفقكم الله لكلّ خير)؟ ]ـ هذا هو الصواب للسبب الذي ذكرت في السؤال، وأما في حالة اختلاف أقوال أئمة الجرح والتعديل فيعول على ما رجحه الحافظ ابن حجر أو الذهبي أو غيرهما إذا لم يوجد دليل على خلاف ذلك. (والله أعلم). ـ[ما رأيكم في من أعل أحاديث في مسلم بحجة تدليس أبي الزبير عن جابر مع أنه ليس هناك دليل واحد صحيح على هذه المسألة،، وفيمن فرق بين ما هو في مسلم حيث حمله على الاتصال وما كان خارجه فهو معلول؟ ]ـ رأيي حول ما ورد في سؤالك فذلك استعجال في الحكم وبعيد عن الدقة، ويقع في ذلك كل من يعتمد على ظاهر السند وأحوال رواته العامة في حكمه على الحديث، مطبقا ما درسه في كتب المصطلح من القواعد دون فهم مواقع تطبيقها، أو تساهلا منهم في ذلك. إن تدليس أبي الزبير عن جابر يقتضي نوعا خاصا من المعالجة يختلف عما تقتضيه بقية انواع التدليس، لأن معنى تدليس أبي الزبير عن جابر: أنه لا يصرح فيما أخذه من الكتاب من أحاديث جابر بأنه وجادة، فإذا ورد عنه حديث من أحاديث جابر، ولم يصرح بالسماع ولم يأت ذلك الحديث عن طريق ليث بن سعد فإنه يحتمل أن يكون مما أخذه وجادة، وما أخذه وجادة دون السماع أو القراءة على الشيخ قد يدخل فيه تصحيف وتحريف وانتحال، وإذا وافقه غيره أمن من ذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 42 لذلك ما ورد عن أبي الزبير من أحاديث جابر معنعنا يقتضي أن يبحث الباحث عن وجود سماع صريح في طريق صحيح من طرق ذلك الحديث، أو ما يدل على ذلك من القرائن، أو راويا آخر يوافق أبا الزبير فيما رواه عن جابر، وفي حال وجود شيء من ذلك يكون السند سليما من الشبهات التي أثارتها العنعنة الواردة فيه. وفي ضوء ذلك فإطلاق الحكم بانقطاع السند أو بالتدليس بمجرد عنعنة أبي الزبير عن جابر على الرغم من اعتماد مسلم عليه في صحيحه ينطبق عليه ما قيل: (القواعد لدى العالم غير المجرب كالعصا في يد الأعمى) , وكذا إطلاق الحكم بالاتصال فيما رواه مسلم والانقطاع في خارج مسلم يكون بعيدا عن الدقة أيضا، لأن الأمر في ذلك يتوقف على التتبع والبحث. ومن الجدير بالذكر أن مسلما يورد الحديث في الأصول أصح ما عنده من الروايات وأفضله، ويختلف ذلك عما يورده في الشواهد، وعليه فما أورده في أول الباب من حديث أبي الزبير عن جابر لا ينبغي القول فيه إنه معنعن بمجرد أن الباحث لم يطلع إلا على ما وقعت يده عليه من المصادر - مطبوعة كانت أو مخطوطة -، فإن أولئك الأئمة ينظرون إلى الواقع الذي يعرفونه من خلال معاينة الأصول أو صحبة المحدثين، وليس على مجرد صيغ التلقي والأداء التي قد يكون بريئا منها الراوي المدلس. يقول الإمام الذهبي: "وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث، فإن أولئك الأئمة، كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود، عاينوا الأصول، وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفقدت العبارات المتيقنة، وبمثل هذا ونحوه دخل الدَّخَل على الحاكم في تصرفه في المستدرك" (الموقظة ص: 46). ويقول الحافظ ابن عبد البر في مبحث العنعنة: "إنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ، وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع" (مقدمة التمهيد 1/ 26). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 43 ويقول ابن حبان: "فإذا صح عندي خبر من رواية مدلس أنه بين السماع فيه، لا أبالي أن أذكره من غير بيان السماع في خبره بعد صحته عندي من طريق آخر" (صحيح ابن حبان 1/ 151) نسأل الله تعالى العافية والسلامة. ـ[أليس اختيار الشيخ سعد آل حميّد وفقه الله تعالى في التسمية (منهج المحدثين ومنهج الفقهاء) أوضح من (المتقدمين والمتأخرين) علما أني أعلم أنك تقرر في كتبك نفس المعنى كقولك: ولهذا أكرر قولي بأن من كان عمله على اعتبار ظواهر السند في التصحيح والتضعيف فهو على منهج المتأخرين حتى وإن كان في عصر الرواية، ومن كان اعتماده في ذلك على القرائن فهو على منهج المتقدمين حتى وإن كان من المعاصرين وبالتالي فالذي نصل إليه هو أن تفريقنا بين المتقدمين والمتأخرين في قسمي علوم الحديث النظري والتطبيقي تفريق منهجي لا زمني ... . الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين الطبعة الثانية ص 226 ولكن التسمية قد تختلف؟ ]ـ صحيح، وقد فكرت في هذا المصطلح (المحدثون والفقهاء)، وقد طلب مني إطلاق ذلك بعض أصدقائي في الجزائر، لكني - مع أنه لا مشاحة في الاصطلاح - أردت أن أحافظ على سمعة المحدثين النقاد بإمامتهم في الفقه وأصوله على تفاوت مراتبهم في ذلك، بما تيسر لنا من الوسائل والمصطلحات، ولو أطلقنا هذا المصطلح الذي ذكرتَه ثم رسخ ذلك في أذهان الناس سوف يؤدي لا محالة إلى أن يتصور الناس أن المحدثين ليسوا فقهاء، ولذلك آثرت ما ألفنا في الكتب من مصطلح (المتقدمون والمتأخرون) مع توضيح المقصود به، وهو كما نقلته من الموازنة. والله تعالى نسأل أن يرشدنا إلى الصواب، ويجنبنا الخطأ، ويقينا من شره، اللهم آمين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 44 ـ[ هل المرسل (عن ابن المسيب) يقوي رواية عن راو قال فيه الإمام أحمد أحاديثه أحاديث مناكير ، وقال ابن حبان يروي نسخة كأنها موضوعة (حديث من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة). ]ـ لا يقوي تلك الرواية إذا كانت منكرة، يعني بذلك أنه إذا كان هذا الراوي المنكر قد أضاف الحديث إلى شيخه خطأ، وهذا الخطأ الذي وقع منه في الرواية لا يمكن جبره بمرسل سعيد بن المسيب مرسلا، لأن المفروض أن يروي هذا الراوي ذلك الحديث مرسلا عن سعيد كما يروي الناس، غير أنه اختلط عليه، فأضافه إلى شخص آخر بدل أن يضيفه إلى سعيد المسيب مرسلا. ومثل هذا الأمر لا يتضح إلا بالمثال مع ممارسة منهج القوم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 45 ـ[أعلَّ الإمام أبو حاتم روايةً (للأوزاعي عن عطاء) حيث نص على أن الأوزاعي لم يسمع هذا الحديث من عطاء بل بينهما رجل،، وقال البيهقي جود إسناده الراوي عن الأوزاعي ... فهل نرد قول أبي حاتم بهذا الكلام من البيهقي رحمهما الله تعالى علما أن السخاوي في فتح المغيث (1/ 214) ط العلمية قال (وأما القدماء فسموه تجويدا حيث قالوا: جوّده فلان، وصورته أن يروي المدلس حديثا عن شيخ ثقة بسند فيه راو ضعيف فيحذفه المدلس من بين الثقتين الذي لقي أحدهما الآخر، ولم يذكر أولهما بالتدليس، ويأتي بلفظ محتمل فيسوي الاسناد كله ثقات) وقد قال الأخ (الدرع): (جوده بشر بن بكر) فليس مراده من (جوده) أنه جيد، بل قصده أنه (رواه موصولاً) فبشر بن بكر وصل الحديث فذكر (عبيد بن عمير) بينما هو مقطوع كما رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ولم يذكر (عبيد بن عمير) ولهذا قال الإمام الطبراني في الأوسط (لم يروه عن الأوزاعي - يعني موصولاً - إلا بشر ... ) وكلام الأخ (الدرع) هو الذي تبين لي من خلال تتبع كثير من إطلاقات أهل العلم لهذا المصطلح (جوّده)، حيث إنهم لا يقصدون به الصحة، بل يريدون الوصل، وهم لا يريدون التسوية أيضا، كما قال السخاوي رحمه الله تعالى. وهل نقبل إعلال أبي حاتم ذلك أم نطالبه بالاسناد الذي فيه الواسطة (كما يقول بعضهم)؟ ]ـ ما قاله الأخ الدرع (ولله دره) حق لا مرية فيه، وبهذا لا يوجد تناقض بين قول الإمام أبي حاتم وقول البيهقي، وأما سؤالك - حفظك الله وسدد خطاك - عما أعله أبو حاتم هل نقبل ذلك أم نطالبه بالإسناد، فجوابه ما قال الحافظ ابن حجر وغيره من أئمتنا المتأخرين: ('' … فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه، وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث'' (انظر النكت 2/ 721 واختصار علوم الحديث ص: 64). وقال السخاوي '' .. ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث، كابن خزيمة والإسماعيلي والبيهقي وابن عبد البر، لا ينكر عليهم، (يعني نقاد الحديث القدامى) بل يشاركهم، ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة. هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح كما اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله، ومن تعاطى تحرير فن غير فنه فهو متعن، فالله تعالى بلطيف عنايته أقام لعلم الحديث رجالا نقادا تفرغوا له، وأفنوا أعمارهم في تحصيله والبحث عن غوامضه وعلله ورجاله ومعرفة مراتبهم في القوة واللين''. فتقليدهم، والمشي وراءهم، وإمعان النظر في تواليفهم، وكثرة مجالسة حفاظ الوقت مع الفهم وجودة التصور، ومداومة الاشتغال، وملازمة التقوى والتواضع، يوجب لك (إن شاء الله) معرفة السنن النبوية ولا قوة إلا بالله'' (فتح المغيث 1/ 274). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 46 ـ[هناك نقطة مهمة يغفل عنها الكثير من العلماء الذين عرفوا منهج المحدثين الصافي من أكدار أهل الكلام ألا وهي: لماذا لا يكون لكم عمل على كتب السنة تصحيحا وتضعيفا وفق هذه القواعد التي نعلم أنها هي الصواب. فالتقعيد النظري مهم جدا ولكن لا بد من التطبيق العملي حتى يتبين للناس المغالطات الموجودة في كثير من الكتب المحققه باسم المحدثين وهي تخالف كثيرا من قواعد المحدثين الحقيقيين؟ ]ـ خدمة السنة تتوقف على المجتمع، ولا يقدر فرد أن يقوم بجميع وظائفها، ولكل منا دوره قدر المستطاع، وأما نحن وبفضل الله تعالى وحده بعد ادراك خطورة المشكلات العلمية التي نعاني منها اليوم وبعد تشخيصها قمنا بمعالجتها من خلال توضيح القواعد وتأسيسها بأبعادها الحقيقية وبعد ذلك يكون الجانب التطبيقي محترما لدى المنصفين وقد نوفق بأداء هذه المهمة أو يوفق غيرنا من طلاب العلم. وأنت ترى كيف يشغلنا بعض الناس عن توجهنا نحو التطبيق العملي بإثارة مشكلات حول ذلك المنهج الذي انتهجه النقاد، دون أن يقرؤا ما كتب في ذلك من الأبحاث والكتب، أو يناقشوننا في البراهين التي اعتمدناها، ولذلك قلت إن خدمة السنة عمل جماعي، ولكل دوره، وحتى اعتراض المعترضين أراه دورا فاعلا في سبيل الخدمة، وكل ذلك بأجره عند الله حسب النية، وفقنا الله تعالى وإياكم للإخلاص في العمل، وأن يجنبنا جميعا ما يفسد عملنا، والله ولي التوفيق. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 47 ـ[قال الحاكم في علوم الحديث (ص 82) ( ... فاجتمع جماعة من مشايخ الاسلام، واجتمع عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن إبراهيم بن مربع وأبو الأذان وكليجة وغيرهم فتشاورا من ينتقي لهم على الشيوخ فاجتمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي وكتبوا كلهم بانتخابه). ]ـ ـ[* ما معنى يكتبون بانتخابه؟ ]ـ ـ[* لماذا لا يأخذون كل حديث ذلك الراوي؟ ]ـ ـ[* هل كان الأئمة أحمد وابن المديني ومن قبلهم ينتخبون أحاديث كل الرواة، أم كانوا ينتخبون أحاديث بعض الرواة دون الرواة الآخرين؟ ]ـ الانتخاب على الشيوخ عمل علمي قام به الحفاظ المتقنون، ويقال عنه الانتقاء أيضا، ولهم فيه أغراض مختلفة، منها منهجي، ومنها نقدي. أما المنهجي فمن عادة المحدثين عموما أن يحرصوا على أوقاتهم، لا سيما إذا كانوا مسافرين، ويركزون على الأحاديث التي تعد فوائد بالنسبة لهم، أو الأحاديث التي لم يسمعوها بعلو، ويعد هذا من أهم جوانب التنظيم التي يتم بها استثمار الأوقات في سماع ما يعنيهم من المرويات، وقد يكون الانتخاب ضروريا إذا كان الشيخ عسيرا في الرواية. لذلك يقوم المحدثون قبل لقاء الشيوخ بانتخاب ما يريدون سماعه من مسموعاتهم، ويتبادلون المعلومات حول ما يحتاج إليه كل منهم من أحاديث الشيوخ من خلال المذاكرة فيما بينهم، أو من خلال زملائهم في الرحلة والسماع. قد ينتخب بعض المحدثين لشيوخهم قبل انعقاد مجلس الإملاء، ما يملون لهم، حتى يرتكزوا في الإملاء على ما يعني طلابهم من المرويات لعلوها أو لغرابتها وتفردهم بها أو لجودة أسانيدها أو لشهرة رواتها أو غير ذلك من خصائص الأسانيد والرواية، وقصتهم في ذلك مبثوثة في كتب التراجم، وغاية ما في ذلك كسب الوقت وعدم انشغالهم بما لا يعنيهم من المرويات والمسموعات لكونهم قد سمعوها بعلو من مصادر أخرى، أو سمعوها منه قديما، وهذا هو المعنى الإجمالي لما ورد في السؤال. وهناك من المحدثين القدامى من يسمع دون انتخاب ويقوم بنسخ كل ما تحتوي أصول الشيخ ويقال عن ذلك: كتابة الحديث على وجهه، وقد يتفاوت اهتمامهم بهذا الأسلوب الاستيعابي باختلاف الشيوخ والأوقات والظروف. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 48 وعلى كل حال فإن السماع في الحالين: الانتخاب والاستيعاب، يكون له سلبيات وإيجابيات، ذكرها الأئمة في أكثر من مناسبة. ومن هنا جاء في ذم كتابة الحديث على وجهه، قولهم: فلان حاطب ليل. يعني بذلك يكتب الحديث دون انتخاب. كما جاء أيضا الثناء مثل قولهم: إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش. يعني عليك أن تكتب كل ما لدى الشيوخ من الأحاديث دون انتخاب، وإذا أردت أن تحدث فعليك التفتيش لما تحدث به. وشرح ذلك مستوفى في كتب المصطلحات، لا سيما في كتاب الخطيب (الجامع لأخلاق الراوي). ومثل هذه الجوانب التاريخية المتصلة بتلقي الأحاديث وكتابتها لا زالت مجهولة لدى فئة كبيرة من الباحثين، وهي بحاجة إلى دراسة علمية متخصصة لبلورتها، لما في ذلك من فوائد جمة. ومشكلتنا تكمن في جهلنا تاريخ أئمتنا السابقين في جانب عنايتهم بتلقي الحديث وكتابته وضبطه التي كانت محل تطور عبر العصور الماضية حسب مستجداتها وأعرافها العلمية. وكانت عنايتهم هذه حرصا منهم - سواء كانوا متأخرين أو متقدمين - على أن يتم نقل الحديث من شخص إلى شخص أو يتم نقل الكتاب من شخص إلى شخص، وهو بعيد عن جميع احتمال التصحيف والتحريف والانتحال. وقد بذلوا جميعا ما في وسعهم في سبيل حماية السنة حسب مقتضيات عصورهم، ورحمهم الله تعالى، وجزاهم عنا أحسن جزاء، ولو لم ينهضوا - سواء في عصور الرواية أو في عصور ما بعد الرواية - بمقتضيات عصورهم لوقعت في السنة تحريفات وتصحيفات وأوهام وافتراءات، وقد شرحنا ذلك في كتاب الموازنة. وأما الانتخاب لهدف نقدي فكتمييز الصحيح من الضعيف الغريب، قد يكون ذلك بوضع علامات خاصة على الضعيف الغريب ضمن المرويات التي تضمنتها نسخ المحدثين وأصولهم، كما ورد في حديث قتيبة عن الليث في جمع التقديم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 49 قد يكون ذلك باستخراج أحاديث شيخ معين مع بيان ضعفها وصحتها، كما عمل الخطيب البغدادي بالنسبة إلى بعض كتب أقرانه، مثل (كتاب الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب لأبي القاسم المهرواني، تخريج الخطيب)، و (كتاب الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب، انتقاء الخطيب البغدادي من حديث الشريف أبي القاسم علي بن إبراهيم). وللإمام الدارقطني عمل مشهور في هذا المجال. وقد يكون ذلك الانتخاب تلبية لطلب المحدث الذي لم يكن قادرا على تمييز ما أصاب مما أخطأ فيه من أحاديثه ومروياته، كما انتخب البخاري أحاديث شيخه إسماعيل بن أبي أويس بعد أن طلب منه ذلك. وقد يكون ذلك لغرض امتحان الشيوخ لمعرفة مدى ضبطهم وإتقانهم، حكى الخطيب البغددي أن فضلك الرازي نصح صالح جزرة عند سفره إلى نيسابور بكتابة الأحاديث عن محمد بن يحيى، فلما قدم إلى نيسابور انتخب ما يريد كتابته عنه من الأحاديث وبعد قراءتها على محمد بن يحيى قال صالح جزرة: أفادني الفضل بن عباس الرازي حديثا عنك عند الوداع فقال: هات، فقلت: حدثكم سعيد بن عامر عن شعبة ... فذكر الحديث فقال محمد بن يحيى: من ينتخب مثل هذا الانتخاب ويقرأ مثل هذه القراءة يقول الخطيب تعقيبا على الحديث الأخير الذي عرضه على محمد بن يحيى: قصد صالح امتحان محمد بن يحيى في هذا الحديث لينظر أيقبل التلقين أم لا، فوجده ضابطا لروايته حافظا لأحاديثه محترزا من الوهم بصيرا بالعلم. (راجع تهذيب الكمال 26/ 626، والتهذيب 9/ 454). والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 50 ـ[الحديث أخرجه ابو بكر بن أبي شيبة في المصنف وأبو داود في السنن (4094) والنسائي (8/ 208) وابن ماجة (3576) وغيرهم من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الإسبال في الازار والقميص والعمامة من جر شيئا خيلاء لم ينظر الله اليه يوم القيامة). قال أبو بكر بن أبي شيبة (ما أغربه) وقال الحافظ في الفتح (10/ 262) (وعبد العزيز فيه مقال) قال أحدهم: (أما قول ابن أبي شيبة: (ما اغربه) فهذا لا يعني التضعيف). . . أقول: سئل الإمام أحمد رحمه الله عن حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس (تردين عليه حديقته ... )، فقال إنما هو مرسل- يعني أن من وصله فقد أخطأ ـ فقيل لأحمد: إن ابن أبي شيبة زعم أنه غريب، فقال الإمام أحمد: صدق إذا كان الحديث خطأ فهو غريب. فما رأيكم في كلامه بارك الله فيك، و هل الغريب عند ابن أبي شيبة يعني الخطأ ؟ وجزاكم الله خيرا]ـ إذا أطلق النقاد هذا حديث غريب دون ذكر حكم آخر كالصحيح فمعناه أنه خطأ، أو لفت الانتباه إلى قوة احتمال خطأ فيه. وأما إذا ورد عنهم جمعا بينه وبين الصحيح فيعني أن الحديث صحيح مع تفرد أحد رواته به، ولم يضر التفرد في صحة الحديث كحديث (إنما الأعمال بالنيات). وإذا أراد المحدث أن يبين أن المتن ليس فيه نكارة مع غرابة السند وعدم ثبوت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية فإنه قد يضيف إليه مصطلح حسن ويقول: حسن غريب، ولا يعني بذلك ثبوت الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 51 وأما قول القائل إن قول ابن أبي شيبة غريب لا يريد التضعيف - وهو يرى بأم عينيه طبيعة رواية ذلك الحديث وتفرد عبد العزيز به عن سالم الإمام المشهور بالمدينة - فغير دقيق، ولعل هذا القائل أخذ معنى الغريب بعمومه فطبقه هنا في هذا الحديث، دون مراعاة الفوارق الجوهرية بين حال وأخرى، أو من غير اعتبار منهج المحدثين في إطلاق الغريب. (والله تعالى أعلم). ـ[سؤال عن موسوعة رجال الكتب التسعة كتاب موسوعة رجال الكتب التسعة طبعة دار الكتب العلمية 1413هـ تصنيف د. عبد الفغار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن قالوا في المقدمة: فهذا مصنف أسميناه (موسوعة رجال الكتب التسعة) حيث يدل اسمه للوهلة الأولى على أننا جمعنا فيه كل رواة الأحاديث الذين تضمنتهم مصنفات الكتب التسعة وهم بالترتيب:. . 1 - رجال ورواة أحاديث صحيح البخاري 2رواة أحاديث صحيح مسلم 3سنن أبي داود الترمذي 5النسائي خاصة المجتبى. 6 ابن ماجة. 7 موطأ مالك. 8 سنن الدارمي 9 - مسند الإمام أحمد 10 - مسند الشافعي 11 - مسند أبي حنيفة. وأضيف إلى تراجم هذه الكتب تراجم الكتب التالية - البخاري في التعاليق - البخاري في الأدب المفرد - البخاري في جزء رفع اليدين في الصلاة - البخاري في خلق أفعال العباد - البخاري في جزء القراءة خلف الإمام - مقدمة صحيح مسلم - مراسيل أبي داود - ابو داود في القدر - ابو داود في الناسخ والمنسوخ - أبو داود في فضائل الأنصار - والمسائل - ومسند مالك - والترمذي في الشمائل - والنسائي في اليوم والليلة - والنسائي في مسند مالك - وخصائص علي- ومسند علي - وابن ماجة في التفسير. . . فيكون الكتاب قد جمع تراجم التسعة أصلاً وأما فعلاً وواقعاً فقد احتوى التراجم الموجودة في ثلاثين مصنفاً من مصنفات السنة الأصلية هل هذه الموسوعة جيده ويكفي البحث فيها أم لا وماذا يكفي من الكتب للبحث عن رجال الكتب التسعة. ]ـ عمل مفيد دون شك من حيث إن هذه الموسوعة قد استوعبت رواة الأئمة المشهورين القدامى التسعة، لكن بالنسبة إلى شيوخ الأئمة اللاحقين ورواة أسانيدهم كابن خزيمة وابن حبان والطبراني والدارقطني والحاكم والبيهقي وغيرهم تشتد حاجة الباحث إليها، هذا من جهة. ومن جهة ثانية فما المصادر التي اعتمدها أصحاب هذه الموسوعة؛ هل استوعبوا الكتب القديمة والمطولة والمختصرة التي قامت بترجمة رواة الأئمة التسعة؟ وفي حال استيعابها لتلك الكتب القديمة؛ كالسؤالات والتواريخ وغيرها فإن الرجوع إليها يظل ملحا في كثير من الأحوال من أجل التوثيق والتدقيق. وبما أني لم أقف على هذه الموسوعة فلا أستطيع تقييمها، لكني مقتنع بأننا لا زلنا بحاجة في هذا المرحلة الزمنية إلى تأسيس منهج يمكن القارئ من فقه التراجم، ولا يتم ذلك من خلال الجمع والتأليف الموسوعي وحده. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 52 ـ[ هل يشهد الموقوف للمرفوع، والعكس. ]ـ إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قول أو فعل أو تقرير فلا حاجة إلى قول أحد كائنا من كان، كما أكد ذلك أئمتنا من قبل، وإنما قول الآخرين هو الذي يحتاج إلى شاهد وتأييد. وأما إذا ورد إشكال في رواية حديث مرفوع لم يتبين خطأ راويه فإن الموقوف يشهد له ويقويه وقد يجعله صحيحا أو حسنا لا بأس به، كما ورد في تقوية الأحاديث المرسلة المرفوعة، كما أن كون الحديث غير منسوخ قد يشهد له الموقوف، ولذلك كله نرى الإمام الترمذي يركز على ذكر الموقوف كشاهد حين يقول بعد التصحيح ''وعليه العمل عند العلماء أو بعضهم '' ونحو ذلك. ـ[ ما هو المنهج المقترح لطالب علم الحديث. ]ـ سبق أن أجبت عن هذا السؤال. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 53 ـ[ما رأي فضيلتكم بهذا الكتاب: ((فيما صحّ من آثار الصحابة)) للباكستاني. ]ـ ليس عندي حاليا هذا الكتاب. ـ[الدكتور الفاضل حمزة المليباري -حفظكم الله ورعاكم وسدد للخير خطاكم. . . إني والله لأحبك في الله. . . سؤالي: ما هو رأيكم بكتاب " تحرير تقريب التهذيب " ؟ ]ـ أحبك الله الذي من أجله أحببتني وجزاك لله خيرا وسدد خطاك. حين كنت في الأردن زارني بعض الإخوة ليشرح لي أسلوب هذا الكتاب ومحتواه، لكن إلى الآن لم أستطع دراسته والنظر فيه، وما مرت علي مناسبة علمية تفرض علي قراءته قراءة متأنية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 54 ـ[يقال دوماً أن التلميذ الملازم للراوي يقدم في مسألة الوصل والإرسال، وفي مسألة الرفع والوقف. ولعل ذلك على الغالب. لكن بنظري فمن الممكن أن يكون الراوي يرسل حديثه في الغالب عند طلابه، وهم يثقون بمراسيله فلا يسألونه عنها. فلما يأتي غريب إليه، يطلب منه الإسناد فيسمعه. فهل يقال في هذا الحالة تفرد بإسناده فلان فيما أرسله أصحابه الملازمون؟. . لا يخطر ببالي أمثله كثيرة. لكن منها حديث "لا نكاح إلا بولي". وقد رواه شعبة وسفيان عن أبي إسحاق مرسلاً وهما أوثق أصحابه. فيما رواه إسرائيل وأبي حنيفة موصولاً، وصححه الأئمة ذلك لأن شعبة وسفيان أخذاه عنه مذاكرة. لكن ألا يمكن أن تطبق هذه الحالة على غيرها كذلك؟ ومثال آخر ما رواه ابن حزم في الإحكام (1\ 132): "قد روينا عن عبد الرزاق بن همام قال كان معمر يرسل لنا أحاديث فلما قدم عليه عبد الله بن المبارك أسندها له". . . فهذا عبد الرزاق تلميذه الملازم قد سمعها منه مرسلة. أما ابن المبارك فقد سمعها مسندة. والمثال فيه ما فيه من جهة أن كلاهما من أوثق أصحاب معمر، لكن يبقى المثال صالحاً. . . ف كيف نعرف إن كان إرسال غير الملازم وهماً أم لا؟ هذا طبعاً إن لم يكن عندنا نص صريح من المتقدمين في المسألة. ]ـ قولك سليم للغاية، نعم إذا تبين من خلال القرائن أن الراوي قد حدث مرة بوجه، وأخرى بوجه آخر - كما ورد في سؤالك - , وأن كلا من أصحابه حدث عنه ما سمع، فإنه لا مجال للترجيح بينهم، وأنه لا اعتبار لكون هذا الراوي ملازما لشيخه، أو ذاك أوثق الناس، كما أنه لا يقال: تفرد فلان بوصله - مثلا -. ومن المعلوم أنه يرجع في التصحيح والتضعيف والترجيح إلى القرائن الظاهرة التي يشترك في معرفتها الناقد وغيره، كأن يكون الرواي ملازما لشيخه أو هو أوثق الناس فيه، أو هو صاحب كتاب أو غير ذلك مما يعرف من خلال قراءة التراجم، لكن فقط في حال ما إذا أحس الناقد بفهمه ومعرفته وحفظه بانعدام قرينة قوية تدل خلاف ذلك، وهذا بالنسبة إلينا صعب للغاية، كما أقر بذلك كبار الأئمة المتأخرين. وكثيرا ما تكون أصول الشيوخ مرجعا لحل الاختلاف، ويفهم ذلك من تتبع التاريخ الكبير وغيره من كتب النقاد بفهم ومعرفة. وأين هذه الأصول اليوم؟ إلا ما ورد عن النقاد من النصوص. غير أن الباحث المجرب والممارس بأسلوب المحدثين والمطلع على طبيعة الروايات قد يوفق بفضل الله لفهم ذلك استقلالا، ولا شك أن معرفة القرائن تتوقف على الممارسة الطويلة مع أصناف كثيرة من الروايات وطبيعة الرواة في سؤالهم للشيوخ ومراجعتهم فيما حدثوه وتحققهم في ذلك، وأحوالهم العامة ومدى صلتهم بشيوخهم وطريقة تلقيهم للأحاديث شخصا شخصا، كما قال بعض الأئمة: الحجة عندنا الحفظ والفهم والمعرفة، وقال بعضهم: إنما هو علم أوتينا. وفي ضوء هذا الواقع إذا رجح الناقد خلاف ما رواه الملازم، أو خلاف ما رواه الأوثق، أو صحح الحديث خلاف ما يقتضيه ظاهر السند أو ضعفه خلاف ما يقتيضه ظاهر السند فما علينا إلا التسليم والقبول ولا ينبغي لنا اتهامه بنقض القاعدة، لأن أقصى ما لدينا بعد البحث والتتبع هو أننا لم نقف على ما وقف عليه الناقد من القرائن. وهذا لا يعني بالضرورة أننا نجعله معصوما من الخطأ والوهم، وإنما فقط أن نقدم علمهم على علمنا إذا كان لدينا علم بالحديث. (والله أعلم). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 55 ـ[هل الإسناد (المعنعن) مقبول مطلقاً أم هناك خلاف في قبوله. ]ـ الإسناد المعنعن متصل إلا إذا لم يعرف من خلال القرائن، أو من نصوص النقاد أنه منقطع أو أنه لم يلتق به أصلا، أو التقى به لكنه لم يسمع منه شيئا، أو سمع منه لكنه لم يسمع منه هذا الحديث، وأما أن نقول باتصاله إذا لم يكن مدلسا، وانقطاعه إذا كان مدلسا ردا على النقاد فغير سليم منهجيا ولا سلوكيا. وأنت تعرف جيدا أن ظهور مصطلح التدليس وتحديد مراتب المدلسين دليل ناصع على أن النقاد لم يكتفوا بظاهر أحوال الراوي، ولا بمعاصرته مع من فوقه في سلسلة السند، بل يبحثون أيضا إذا توفرت لديهم آليات البحث والتتبع عن مدى صحة سماع الراوي لذلك الحديث الذي رواه ممن فوقه، بل أكثر من ذلك أنهم يبحثون أيضا ويحاولون معرفة أن الراوي قد سمع ذلك الحديث بحيث يستطيع ضبطه كتابة أو حفظا، أو أنه وقع في سماعه خلل ما. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 56 ولو أنهم قد اكتفوا بظاهر السند ومعاصرة الراوي مع من فوقه عموما في حكمهم على الإسناد بالاتصال ما قرأنا في كتبهم أصلا مصطلح التدليس ولا علمنا المدلسين ولا مراتبهم. وأما إذا لم تتوفر لدى الناقد آليات البحث والتتبع فليس له إلا اعتماد الظاهر، وعليه فعنعنة الراوي تحمل على الانقطاع إذا كان مدلسا، وإلا فتحمل على الاتصال. ـ[ هل قول شعبة - رحمة الله - فلان عن فلان ليس بحديث. صحيح وإذا كان كلامه صحيحاً هل خالفه أحد من الائمة في ذلك القول. وجزاكم الله خيراً. ]ـ وأما قول شعبة (فلان عن فلان ليس بحديث) فقد رواه الإمام ابن عبد البر في التمهيد 1/ 13، غير أنه رواه عن وكيع أن شعبة قد رجع بعد ذلك إلى قول سفيان إنه حديث يعني حديثا متصلا. هذا وقد اشتهر عن شعبة قوله بأن الحديث الذي ليس فيه حدثنا وأخبرنا خل وبقل. أورده الأئمة في كتبهم في مناسبة كلامهم عن الإسناد وأهميته. يعني بذلك أن الحديث بدون سند ليس بشيئ، وعليه فقوله الأول خاص بالإسناد المنعنعن، والقول الثاني يكون حول الإسناد وأهميته عموما. ويمكن أيضا أن يكون قصده بالقولين واحدا، وعليه فإنه قد رجع عنه وقال إنه حديث فيما رواه ابن عبد البر. والله أعلم. ـ[ما قولكم ـ بارك الله فيكم ـ في من يقول: أن تعليل الأئمة لا يُقبل حتى يكون مُفسّراً. ويردّ بطريقته هذه كثير من تعليلات الأئمة. ]ـ قد يكون ذلك جهلا من القائل، أو تعصبا لرأي يتأيد بذلك الحديث الذي أعله النقاد. وأياكان دافع هذا القائل فإن قوله ذاك مستفز لشعور من يعرف منهج المحدثين، بل مضحك مبك في آن واحد لغرابته وجرأته وغروره بالنفس، والأغرب من ذلك أن بعضهم يرد بذلك على النقاد حين يبينون سبب التعليل - كالتفرد والغرابة مثلا- غير أن هذا القائل لم يكن منتبها لحقيقة قصدهم بذلك السبب، ولا فاهما لأبعاده النقدية. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 57 ومن المعلوم أن طلب السبب واستفسار الوجه إنما يعقل إذا أغرب الناقد برد حديث صححه غيره من النقاد، أو بتصحيح حديث أعلوه، أو إذا أصدر الحكم من لم يكن من أهله، وأما في غير ذلك فيعد تلاعبا بكلام القوم دون أن يشعر. يقول الحافظ ابن حجر: … فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه، وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث (النكت 2/ 711). ويقول السخاوي في نوع "الموضوع": فمتى وجدنا في كلام أحد المتقدمين الحكم به كان معتمدا لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح اهـ (فتح المغيث 1/ 237) ويقول أيضا في مناسبة تعليقه على شرح أبي حاتم منهج النقاد في معرفة صحيح الحديث وضعيفه: ''وهو أمر يهجم على قلوبهم، لا يمكنهم رده، وهيئة نفسانية، لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث، كابن خزيمة والإسماعيلي والبيهقي وابن عبد البر، لا ينكر عليهم، بل يشاركهم، ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة'' (فتح المغيث 1/ 274). ويقول الحافظ ابن كثير: ''أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم، واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصفوا بالإنصاف والديانة، والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكا أو كذابا، أو نحو ذلك. فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في مواقفهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم'' (اختصار علوم الحديث ص: 79) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 58 ـ[قرأتُ لأحدهم قوله: أن الحديث لا يكون شاذاً إلا عند المخالفة، فما قولكم. ]ـ لم يصب هذا القائل، لأن الشاذ عند المحدثين النقاد هو الغريب الذي لا أصل له - سواء تفرد به الثقة أو غيره - وقد نقل عنهم ذلك الحافظ الخليلي، وحتى الإمام الشافعي يقول: فعليك من الحديث بما تعرفه العامة وإياك والشاذ منه (الأم 7/ 703 - 704) وقال أيضا فيما تفرد به الأوزاعي بعد أن نقل عن أبي يوسف رحمه الله قوله: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، - قال رحمه الله -: ''فهو كما قال وقد بلغنا من هذا ما قال الأوزاعي وهو عندنا شاذ والشاذ من الحديث لا يؤخذ به'' (الأم 7/ 360) ومما قال الإمام ابن الصلاح في مبحث العلة: ''ويستعان على إدراك (العلة) بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم ... ''. وبهذا القول أصبح الإمام ابن الصلاح قد أقر بأن التفرد مثل المخالفة في التعليل، لكن فقط إذا انضمت القرائن إليهما تنبه العارف بهذا الشأن - سواء أفهم ذلك غيره ممن لم يتأهل أم لم يفهم -. ويتأيد ذلك بأن النقاد في كتبهم يعلون الأحاديث بالتفرد والغرابة كما يعلون بالمخالفة. ومن أين لهذا القائل أن الشاذ لا يكون إلا بالمخالفة؟ ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد فرق بين الشاذ والمعلول، حسب تعريف الشاذ الذي استقرت عليه كتب المصطلح، إما أن يكون كلاهما مخالفا للصواب، أو غريبا ليس له أصل في حديث الراوي الذي أضيف إليه، وبالتالي يكون كل منهما مردودا غير مقبول. وإذا نظرنا إلى واقعنا تبين لنا ذلك بجلاء، فالإنسان إذا أخطأ في نقل الخبر أو كذب فيه متعمدا إما أن يكون مخالفا لما يعرفه الناس، أو غريبا ليس له أصل في الواقع ولا يعرفه أحد من الناس. وأما إذا أصاب في النقل وكان صادقا فيه أصبح موافقا لما يعرفه الناس أو غريبا له أصل في الواقع. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 59 وليس كل ما تفرد به راو يعد شاذا منكرا وإنما إذا تفرد بما ليس له أصل في حديث شيخه، وكذلك لا يعد كل ما خالفه غيره شاذا منكرا وإنما فقط ما خالف فيه الصواب، ولذلك قال ابن الصلاح في النص السابق مقيدا '' مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه العارف بهذا الشأن ..... ''. وهذا الأمر ما لا يدركه كل من هب ودب، وهذا من أبرز المجال الذي ينكشف فيه التساهل والدقة، ويتميز به الجهل من العلم، رضي من رضي وأبى من أبى. ومن الباحثين المعاصرين من يتجرأ بقبول حديث الثقة بل حديث الضعيف أيضا، على الرغم من مخالفته لغيره من الثقات إذا وجد لذلك متابعا أو شاهدا، وبذلك يكون هذا الأخ الباحث قد ألغى - من غير أن يشعر - مصطلحات تركز عليها كتب المصطلح؛ مثل العلة والشذوذ والنكارة. وقد شرحت هذه المسألة بشيء من التفصيل في الموازنة، والكتاب الجديد (علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين). (الله تعالى أعلم) ـ[ما هو ضابط الحسن عند المتقدمين وهل الحسن عندهم وصف ام حكم وهل الشاذ والحسن عنده بمعنى واحد. ]ـ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،، أرجو أن تصبر قليلا فإن الجواب يحتاج إلى شيء من التفصيل: أولا: علينا أن نعرف ونقتنع أن الأحكام ليست تابعة لأحوال الرواة، كما يتجلى ذلك بوضوح في تضاعيف كتب النقاد، وقد أقر بذلك المتأخرون أنفسهم، وفي طليعتهم الحافظ ابن حجر. وبقدر ما يتوفر لدى الناقد من الشعور العلمي المبني على التجربة والحفظ والفهم والمعرفة، بمدى صواب الحديث وخطئه كانوا يعبرون عنه بمصطلحات شتى، بغض النظر عن أحوال الرواة، وقد جمع لنا أئمتنا المتأخرون هذه المصطلحات في كتب المصطلح؛ فإذا كان شعور الناقد بأن الراوي قد أصاب في الحديث قال (هذا صحيح) وهو الأغلب، وقد يقول: (حسن)، وقد يقول بعضهم (حسن صحيح)، وإن كان ذلك الراوي صدوقا أو ضعيفا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 60 وإذا كان الناقد قد شعر من خلال المعرفة الحديثية أن الراوي قد أخطأ في الحديث جاء التعبير عنه بقوله: هذا غير محفوظ، أو باطل، أو منكر، أو وهم، أو تفرد به فلان، أو غير ذلك من المصطلحات، وإن كان هذا الراوي إماما. وأما إذا لم يشعر الناقد بهذا أو بذاك فعبارته تكون دقيقة أيضا؛ مثل قولهم هذا حسن أو لا بأس به أو جيد، وقد يكون الراوي ثقة أو ضعيفا غير متروك أو صدوقا. وإذا لم تتوفر لدى الناقد آليات البحث، أو الخلفية العلمية أو القرائن، فإن تعويلهم في وصف الحديث بالصحة والحسن والضعف يكون على أحوال الرواة؛ فإن كان راويه ثقة فصحيح مع وجود تفاوت في ذلك فما رواه الأوثق مثلا لا يكون مثل ما رواه الثقة، وإن كان ضعيفا فحديث ضعيف، وإن كان صدوقا مثلا فحسن، وبقدر تفاوت مراتب الرواة في سلم الجرح والتعديل يتفاوت انطباع الناقد تجاه المرويات. ومن هنا يتجلى أن منهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف والتحسين منهج نطبقه نحن في معاملاتنا اليومية، وإن لم نلتزم بتلك المصطلحات ذاتها. وذلك واضح وجلي حين نتأمل قليلا أسلوبنا الذي نعتمده في معالجة الأخبار التي تصلنا؛ إذ لم نكن نعتمد على أحوال الناس في الحكم على ما ينقلون من الأخبار الدنيوية، قبولا أو ردا أو توقفا أو ترجيحا إلا في الحالات التي نفقد فيها آليات التتبع والتدقيق، فإننا حينئذ فقط نعتمد على أحوالهم العامة، وإن كان الأمر كذلك فإن العلوم الدينية والأحاديث النبوية تكون أحق بذلك التدقيق والتحفظ في القبول والرد والتوقف والترجيح. فالخلاصة أن الأحكام ليست تابعة لأحوال الرواة، إلا في بعض الأحوال التي لم يطلع الناقد فيها على ملابسات الرواية وقرائنها، فحينئذ يميل فيها الناقد إلى أحوال الرواة في قبول الحديث أو رده أو تردده. وأما عند كثير من الباحثين المعاصرين فصار الأصل هو أن الأحكام تابعة لأحوال الرواة ويردون بذلك أحكام النقاد. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 61 ويحسن بنا أن نقرأ في هذه المناسبة قول الحافظ السخاوي وهذا نصه: '' ..... ربما تطرق إلى التصحيح متمسكا بذلك من لا يحسن، فالأحسن سد هذا الباب، وإن أشعر تعليل ابن الصلاح ظهور الحكم بصحة المتن من إطلاق الإمام المعتمد صحة الإسناد بجواز الحكم قبل التفتيش؛ حيث قال: ''لأن عدم العلة والقادح هو الأصل الظاهر '' فتصريحه بالاشتراط يدفعه ... ''. يعني أن ما أورده الإمام ابن الصلاح في تعريف الصحيح من سلامة الحديث من شذوذ وعلة شرطا من شروط الصحيح كاف في رد ذلك الذي يفهم مما نقله السخاوي عنه أن عدم العلة هو الأصل الظاهر. أما لو كانت الأحكام تابعة لأحوال الرواة - كما يظن اليوم - لما قال النقاد: إنما هو علم أوتينا، أو هذا العلم إلهام، أو هذا العلم مثل علم الصيرفي أو الحجة عندنا الحفظ والفهم والمعرفة. وفي ضوء هذا الواقع فإن تعريف المصطلحات يحتاج إلى هذا التفصيل المذكور، وإلا سيكون اعتقادنا أن الحكم مرتبط بأحوال الرواة، وبالتالي تكون المفاهيم والتصورات تجاه علوم الحديث مشوهة ومعوجة، والذي نرى في أبحاث كثير من الباحثين اليوم من الاعتراض على النقاد وعدم فهم مصطلحاتهم إنما هو من نتائج ذلك، وكلما يكون الباحث متمكنا تقل منه مثل هذه النتائج. ثانيا الجواب عن سؤالك: إن ضابط الحسن عند النقاد ليس حال الراوي، قد يكون ثقة وقد لا يكون، وإنما الضابط عندهم شعورهم بعدم وجود الخطأ ولا بأنه صواب في إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبقدر وجود العواضد وعدمها يقترب الحديث من الصحة أو من الضعف. وأما بالنسبة إلينا فشعورنا فليس مؤسسا على الفهم والتجربة. وأما أن يكون الشاذ حسنا فلا، إلا إذا فسرنا الشاذ بمطلق الغرابة، وحينئذ قد يكون صحيحا أو حسنا أو ضعيفا. (والله أعلم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 62 ـ[ هل المنكر عند المتقدمين هو نوع الشاذ المردود أم انه حكم مستقل لوحده. ]ـ عادة لا يستخدم النقاد في التعليل مصطلح الشاذ وكثيرا ما يستخدمون المنكر فيما يصدق عليه الشاذ المردود، وقد جمع بعضهم بين هذه المصطلحات مثل قول بعضهم: (الحديث الشاذ المنكر الذي لا يعرف). وليس المنكر في لغة المحدثين النقاد حكما مستقلا لوحده. ـ[عند مطالعتي لتخريج حديث: "العقيقة تذبح لسبع أو أربعة عشر أو إحدى وعشرين" في إرواء الغليل وجدت أن الشيخ الألباني أعل بعض روايات الحديث بالانقطاع بين عطاء وأم كرز. وبعد بحث متواضع وجدت أن علي بن المديني قال: لم يسمع عطاء من أم كرز شيئا. فهل تعلمون أحدا من المتقدمين وافق ابن المديني على هذا؟ ]ـ نقله ابن أبي حاتم في مراسيله عن علي بن المديني، كما نقل عنه المزي أيضا في التهذيب. ويدل على الانقطاع ما وقع في هذا الحديث من الاختلاف على عطاء، وفي معظم الروايات ذكرت الواسطة بينه وبين أم كرز، مع الاختلاف في تحديد هذه الواسطة، وهذا دليل واضح على انقطاع رواية عطاء عن أم كرز. وقد رجح الحافظ ابن حجر أن الراجح هو عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة عن أم كرز. انظر الإصابة للحافظ ابن حجر ترجمة أم كرز. ـ[ما رأيكم أدام الله عزكم في معنى الحديث (الحسن) واختلاف المحدثين فيه وما هو الراجح في تقييد مصطلحه، وهل يفرق في اطلاقه في العصر الحالي عند نقله عن أحد الأئمه أم يلتزم فيه جادة واحده لا تخالف، بحيث نأخذ تعريف الخطابي او الترمذي مثلا ونعممه، أم نقصر ما قصداه في تعريف الحسن على ما أطلقاه هما عليه دون من سواهما؟ ]ـ لم يختلف المحدثون في تقسيم الحديث تقسيما ثلاثيا، وهذا التقسيم الثلاثي كما حكى الخطابي عن أهل الحديث إنما بالنسبة إلى شعورهم ومعرفتهم، وإلا فالخبر عموما في الواقع إما الصواب وإما الخطأ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 63 وإن كان الخبر في الواقع إما صواب وإما خطأ لا ثالث لهما، فإن المخاطب لا يكون قادرا على أن يشعر دائما بما هو في الواقع كما هو، مع قناعتنا التامة أن الأئمة لم يتفقوا على تصحيح ضعيف ولا على تضعيف صحيح. وقد يعرف الناقد أن الخبر صحيح أو خطأ، وقد لا يعرف هذا ولا ذاك ولا يستطيع أن ينكره في الوقت ذاته، وبحسب توافر العواضد الخارجية تتفاوت الانطباعات من ناقد إلى آخر، أو يتفاوت انطباع ناقد واحد من وقت لآخر. تقسيم الحديث تقسيما ثلاثيا أمر واقعي لا يختلف فيه اثنان، غير أن النقاد لم يتفقوا على تسمية هذه المرتبة المتوسطة بمصطلح خاص مثل الحسن، ولهم في ذلك عبارات مختلفة ولم يكن الخطابي حين قال: الحديث عند أهله صحيح أو حسن أو سقيم، قصد بيان أن المحدثين القدامى قد حددوا هذه الأقسام بهذه التسميات، وإنما قصده بيان التقسيم الثلاثي للحديث، وأما تسمية هذه الأقسام بمصطلحات خاصة بحيث إذا أطلق مصطلح منها لا يتبادر إلى الذهن إلا ذلك المسمى فكان ذلك في العصور المتأخرة. وأما الترمذي فلم يعرف الحسن كمصطلح عام، وإنما عرف أسلوبه في الكتاب فيما يخص هذا المصطلح. ولذا لا ينبغي التزام جادة واحدة في تحديد معنى الحسن الذي يرد في كلام النقاد، لأنهم قد يطلقون الحسن على الصحيح أيضا. ـ[جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: (بلغنا أن الصراط أحد من السيف وأدق من الشعر)، ف لم يذكر مسلم الإسناد إلى أبي سعيد ، فماذا نسمي هذا النقل في مسلم بلاغا، أم مرسل صحابي، مع أني رجعت الى غرر الفوائد المجموعه للرشيد العطار فلم أجده ذكر في المعلقات أو المقطوعات أو غير ذلك؟! ]ـ هذا الحديث يقال له مرسل الصحابي فإنه قال: بلغنا، وليس معلقا ولا بلاغا ولا مقطوعا، وهو متصل بالإسناد السابق، والدليل على ذلك ما ورد في آخر حديث أبي سعيد هذا: ''وليس في حديث الليث (فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين وما بعده) فأقر به عيسى بن حماد''، وكان هذا جوابا عن سؤال مسلم لعيسى بن حماد: أخبركم الليث بن سعد عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري. (والله تعالى أعلم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 64 ـ[ما هي القاعدة التي نميز بها الأصول من غيرها في الصحيحين ؟ وذلك أن البعض يضعف بعض أحاديث فيهما ثم يقول هي في الشواهد ويطلب إثبات أنها في الأصول]ـ إذا لم يستوف الحديث شروط الحديث الصحيح فهو من الشواهد، وهي بالنسبة إلى صحيح مسلم تكون في آخر الباب في الغالب، وليس معنى هذا أن كل حديث في آخر الباب فهو من الشواهد، بل قد تكون جميع أحاديث الباب من الأصول ولكن حسب المناسبة. ـ[ما قولكم في قضية نقد المتن ؟ هل كان هذا النقد من صنيع المتقدمين الأوائل؟ وهل هناك مثال نقد فيه الأوائل المتن مع كون السند لا مطعن فيه البتة؟ وجزاكم الله تعالى كل خير وأتم النفع بكم]ـ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فأعتذر إخواني عن تأخري عن الإجابة على أسئلتهم، وقد كنت منشغلا طوال الأيام الماضية بعدة أمور، ولم أجد وقتا كافيا للنظر فيها، وها أنا بفضل الله أجد الآن بعض الوقت أردت أن أستغله لمخاطبتكم ومشاركتكم في هذا العمل العلمي الجليل، أسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا جميعا. إنه سبحانه وتعالى أهل التقوى وأهل المغفرة. أما عن سؤالك أخي العزيز - زادك الله علما وإخلاصا وتوفيقا - فأقول: إن فصل الإسناد عن المتن عند النقد، لم يكن من منهج المحدثين النقاد، بل يعد ذلك أسلوب كثير من المتأخرين والباحثين المعاصرين؛ إذ كان حكهم منصبا على الإسناد دون ربطه بالمتن، لذا اشتهر عنهم القول (إسناد صحيح) أو (إسناد ضعيف) أو (إسناد حسن) بدل قولهم (حديث صحيح) و (حديث ضعيف) و (حديث حسن). أما على منهج المحدثين النقاد فلم يكن الحكم على الإسناد بانقطاعه واتصاله أو صحته وضعفه دون اعتبار متنه، وإنما يتوجهون في النقد صوب ما أخبر به الراوي عمن فوقه سندا ومتنا دون الفصل بينهنا؛ ذلك لأن الإسناد لا يتحقق إلا بانتهائه إلى المتن، وإلا فبماذا يحدث الشيخ عمن فوقه إذا لم يكن هناك متن. وحديث ''تسلبي ثلاثا'' شاذ عند الإمام أحمد وغيره مع أن إسناده سليم من الانقطاع، وجميع رواته ثقات، وذلك لمخالفة أحد رواته في هذا المتن الأحاديث الصحيحة الثابتة في مدة العدة. كذلك حديث قتيبة عن الليث في جمع التقديم، فقد أعل النقاد متنه مع كون رواته ثقات أجلاء. وكتب العلل والضعفاء زاخرة بهذا النوع من الأمثلة التي تدل على نقد الأئمة القدامى للمتون مع كون السند متصلا ومسلسلا بالرواة الثقات، بل إن ظهور مصطلح (المدرج) و (المقلوب) و (المعلول) و (الشاذ) و (زيادة الثقة) الذي يتصل بالمتن يعد أوضح دليل على ذلك؛ لأن هذه المصطلحات تدل على أن النقاد لم يكتفوا في النقد بمعرفة الأحوال العامة لرواة الحديث، بل إنهم ينظرون فيما أخبر به الراوي عمن فوقه سندا ومتنا، ولو اعتمدوا في ذلك على أحوال الرواة لصححوا كل ما رواه الثقة، وما ظهر مصطلح الشاذ ولا المعلول ولا المقلوب ولا المدرج. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 65 كما أنهم في معرفة الانقطاع والاتصال لم يكتفوا بمجرد وجود المعاصرة بين الرواة ولا اللقاء فيما بينهم بل يتتبعون الأدلة والقرائن التي تدل على أن هذا الراوي سمع الحديث ممن فوقه، أو أنه لم يسمعه منه، على الرغم من وجود المعاصرة واللقاء بينهما، وإلا كيف ظهر مصطلح التدليس بكل أنواعه، وكيف استطاعوا إذن أن يبينوا أحوال الرواة وعاداتهم في التدليس بكل تفاصيلها. والجدير بالذكر أن قول الأخ السائل - حفظه الله - (مع كون السند لا مطعن فيه) معناه أن الرواة ثقات، والسند متصل، بغض النظر عن مدى خلوه من شذوذ وعلة. وفي الواقع أن الخطأ في المتن لا بد أن يكون من أحد رواته، والسند الذي يضم ذلك الراوي المخطئ - وإن كان إماما - لن يكون سليما، والراوي الثقة إذا أخطأ في المتن فمعناه أنه لم يرو هذا الحديث كما سمع من شيخه، لذا لا يقال إن السند لا مطعن فيه. ومن هنا أصبح السند وثيقة علمية عظيمة تحمل في طياتها ما يدل على مصدر الخطأ بدقة متناهية، وبذلك لم يستطع أحد لا عمدا ولا سهوا، أن يدخل في حديث الراوي ما ليس منه، إلا وقد اكتشفه النقاد، فضلا عن السنة النبوية، لذلك قال ابن المبارك رحمه الله: الإسناد من الدين لولاه لقال من شاء ما شاء. ـ[ما رأيكم في اصطلاحات الترمذي في سننه كقوله (حديث حسن) (حسن صحيح) (حديث غريب) (حديث حسن غريب) (صحيح غريب)]ـ . جزاك الله خيرا أخي الكريم وسدد خطاك، هذه المصطلحات لا يمكن تحديد معانيها بأحوال الرواة، ولا تفسر في ضوء ما تعارف عليه المتأخرون، وإنما ينبغي تفسيرها وفق منهج الإمام الترمذي وغيره من المتقدمين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 66 من خلال تتبع أمثلة كثيرة من السنن تبين لي أنه (رحمه الله) يطلق مصطلح (حسن صحيح) على الحديث الصحيح، ومصطلح (حسن) على الحديث الذي زال عن متنه شذوذ وغرابة؛ إما لكونه مرويا من طرق أخرى كالشواهد، أو لعمل بعض الصحابة بمقتضاه أو لقوله به، حتى وإن كان سنده ضعيفا أو معلولا بغرابته أو بتفرده. وفي حال كون السند غريبا قد يقول الترمذي (حسن غريب) أو يقول (غريب) فقط دون مصطلح (حسن) وأما (صحيح غريب) فقد يطلقه على ما هو حسن أيضا، وقد يكون معناه حسن صحيح، أو يكون ذلك من اختلاف النسخ. أما إذا فسرنا هذه المصطلحات في ضوء ربطها بأحوال الرواة فإن ذلك لا يخلو من الإشكال. (والله أعلم). ـ[ما رأيكم في رواية أبي اسحاق السبيعي بالعنعنة خارج الصحيح . ]ـ رواية أبي إسحاق بالعنعنة تفيد الاتصال إذا ثبتت من طريق شعبة ويحيى بن سعيد القطان، وعموما فإن عنعنة المدلس لا تكون سببا مباشرا للحكم عليها بالانقطاع، إلا إذا تبين أن الراوي المدلس لم يسمع ذلك الحديث ممن فوقه، أو إذا لم تتوافر لدى الناقد إمكانية البحث وأصبح الأمر في ذلك مبهما فإنه يعول حينئذ على تلك العنعنة وتحمل على الانقطاع. والله أعلم ـ[ما رأيكم ب رواية سعيد بن المسيب عن عمر هل هي صحيحة مطلقا وفي كل حال وكذلك رواية النخعي عن ابن مسعود ورواية ابن ابي نجيح وابن جريج وليث عن مجاهد عن ابن عباس .. وما رايكم في رواية ابي عبيدة عن ابيه ابن مسعود هل يطلق القول بصحتها دائما. ]ـ لا أستحضر الآن ما يتصل برواية هؤلاء الأئمة بتفاصيله، وكلام الأئمة حوله مستوفى في كتب التراجم، والذي أعرفه الآن بشكل إجمالي أن رواية سعيد بن المسيب عن عمر منقطعة، وليس في الصحيحين شيء منها، وكذا رواية النخعي عن ابن مسعود منقطعة، الجزء: 9 ¦ الصفحة: 67 أما رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد فمتصلة، لقد سمع منه الأحاديث، وأما التفسير الذي يرويه عنه فيه كلام. وليث - هو ابن أبي سليم - ضعيف تكلم فيه وما رواه عن مجاهد وتفرد به لا يعد صحيحا لا سيما إذا روى جمعا بين شيوخه عطاء ومجاهد وطاؤس، لسبب خلطه بين أحاديثهم المختلفة والتلفيق بينها دون بيان وجوه الاختلاف بينهم. أما رواية أبي عبيدة عن أبيه فهي منقطعة، هذا ما أعرفه الآن، لكني بحاجة إلى الدراسة والتحقيق حول تفاصيل هذه المسائل. ـ[ما رأيكم في رواية مجالد عن الشعبي التي تعتبر كثيرة جدا هل يتسامح فيها. ]ـ مجالد ضعيف في الشعبي وغيره، ولا ينفعه كثرة روايته عن الشعبي فيما رواه عنه، وإذا روى عنه حديثا وتفرد به ينبغي التوقف عن قبوله. ـ[ هل الإعلال في التفرد يعمل به في الموقوفات؟ ]ـ كل تفرد يثير الإشكال ينبغي أخذه بعين الاعتبار عند الحكم على الرواية، سواء كانت حديثا أو أثرا موقوفا، والذي لا يثير الإشكال فيعول عليه لا سيما في الموقوف. ـ[ما الصحيح في رواية مجاهد عن عائشة ؟ هل ثبت السماع؟ ]ـ روايته عنها منقطعة. ـ[ما صحة حديث القلتين ؟ ]ـ الحديث صحيح فيما أذكره، والاختلاف في تفسير القلة لا يؤثر في صحته والعمل به، لأن القلة ينبغي حملها على ما اشتهر في الحجاز، وهو قلة هجر باعتباره أقرب إلى المدينة، ومخالفة الآخرين في بلاد أخرى لما اشتهر بالحجاز لا تقدح في العمل بالحديث، هذا وقد تناوله الشيخ عبد الرحمن المعلمي في كتابه التنكيل الجزء الثاني فأجاد فارجع إليه. ـ[كتب الآثار لمحمد بن الحسن وأبي يوسف هل هي مصادر معتبرة يأخذ منها أهل العلم. ]ـ ليس لي علم عن هذه الكتب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 68 ـ[ذكر ابن حجر رحمة الله عليه في أول "طبقات المدلسين " الثالثة من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقا ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي الرابعة من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد) فما الفرق بين الطبقتين مادام أنه لن يحتج بحديث أحدهم إلا ما صرح فيه بالسماع . أفيدونا أكرمكم الله. ]ـ قد ذكر الحافظ ما يدل على الفرق بين المرتبتين، وهو أن الأولى اختُلِف فيها من بعض الأئمة، وأما الثانية فمتفق على عدم الاحتجاج بها للسبب الذي ورد في السياق نفسه، وهو كثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل. وفي الواقع أنه لا فرق بينهما في عدم قبول العنعنة، والسبب كثرة تدليسهم، وكثرة احتمال التدليس إذا عنعنوا، والجدير بالذكر أن الأساس في تقسيم المدلسين على مراتب هو ندرة التدليس وكثرته، وكلما يندر تدليس الراوي مع كونه ثقة إماما ينبغي حمله على الاتصال إلا إذا دل على أنه لم يسمع ذلك الحديث بعينه ممن فوقه، ويكون في المرتبة الأولى، وذلك لندرة احتمال التدليس إذا عنعن، وحسب كثرة التدليس يدرج الراوي في المراتب التالية. وهناك تفاصيل شرحتها في الموازنة في القسم الثاني. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 69 ـ[ ما معنى قول ابن معين إذا سئل عن رجل يقول "صالح " ]ـ يفيد هذا المصطلح أن الراوي ليس متروكا، وليس متهما بالكذب، بل صالح للقبول والكتابة والاعتبار، بل قد يطلق هذا اللفظ مع لفظ ثقة أو صدوق أو ضعيف، وقد يطلق مع هذه المصطلحات جميعا، ويقال: ثقة صدوق ضعيف صالح. يكون معناه: أن الراوي ليس متروكا، وما وقع فيه من الأخطاء ليس تعمدا منه، وقد يخيل ذلك إلى الناظر في منكراته، لكنه رجل صالح لا يتعمد الكذب. والله أعلم. ـ[هل تعتبر كلمة "لا بأس به" توثيقاً عند غير ابن حبان؟ وجدت ابن أبي حاتم نص على أنها ليست كذلك (في أول كتابه الجرح والتعديل). لكن ابن حجر يعتبر قول أبي زرعة أو أو أبي حاتم "لا بأس به" توثيقاً. وكذلك عن النسائي وغيره. ]ـ لعل الأخ السائل أراد به ابن معين وليس ابن حبان، لأن ابن معين هو الذي نص على أنه يريد به التوثيق. نعم لا تعتبر كلمة لا بأس به توثيقا عند غير ابن معين، لأن فيه نوعا من التليين بعيدا عن التجريح، ولذا لم يقبل العلامة المعلمي ذلك من الحافظ ابن حجر، بل قال: ينبغي البحث عن ألفاظ النقاد، لأنه قد لا يصرح بأن فلانا ثقة. ـ[ما حكم الراوي إذا لم نجد فيه إلا التوثيق المعلَّق؟ أقصد مثل قول ابن سعد: "كان ثقة إن شاء الله". أو قول ابن عدي: "وأرجو أن يكون باقي حديثه مستقيماً". ]ـ فيما يبدو أن هذا اللفظ فيه نوع من التليين، ولا يصل إلى مرتبة من قيل فيه ثقة، وقد يستخدم ابن عدي ذلك في حق بعض الثقات الذين تكلم فيهم لسبب ما، لكن الجزم بشئ من ذلك يتوقف على تتبع مواقع استعمال ذلك اللفظ ومقارنة بعضها ببعض. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 70 ـ[ في قول البخاري ((حديث حسن)) هل هو من قسم الصحيح؟ وهل الإمام البخاري يشترط لتصحيح الحديث اللقاء حتى خارج الصحيح؟ مثال: قال الترمذي في العلل الكبير: وسألت محمدا عنه يعني حديث الحسن عن علي بن أبي طالب رفع القلم الحديث فقال: الحسن قد أدرك عليا وهو عندي حديث حسن. هل قوله: (أدرك عليا) أي سمع منه أو أن قوله: (هو عندي حديث حسن) بطرق أخرى. قال الترمذي حدثنا قتيبة ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقرأ على المنبر ((ونادوا يامالك)) سألت محمدا عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن وهو حديث ابن عيينة الذي تفرد به. (العلل الكبير). . . قال الإمام البخاري في صحيحه: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن صفوان بن يعلي عن أبيه رضي الله عنه قال ثم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك قال سفيان في قراءة عبد الله ونادوا يا مالك). ]ـ قد شرحت هذه المصطلحات وخلفية النقاد فيها، - منهم البخاري- في كتاب (نظرات جديدة في علوم الحديث)، وخلاصة ذلك أن البخاري وغيره قد يطلقون مصطلح حسن على الحديث الصحيح، وبالعكس أيضا، كما يطلقون الضعيف على الحسن. ومواقع إستخدام النقاد تلك المصطلحات هي التي توضح قصدهم بذلك، ولا يعني بذلك أبدا أن قسم الحسن من قسم الصحيح. بل إنهم متفقون عمليا على تقسيم الحديث تقسيما ثلاثيا كما حكى عنهم الخطابي، لكنهم لم يتفقوا على تسمية هذه الأقسام بألفاظ خاصة. راجع من فضلك كتاب (نظرات جديدة) ففيه شيء من التفصيل حول ذلك، وكذلك كتاب (علوم الحديث في ضوء تطبيقات المحدثين النقاد). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 71 أما اشتراط اللقاء فأمر لا يختلف فيه أحد من المحدثين النقاد ليتصل السند، أعني بذلك أنه إذا ثبت أن فلانا لم يلتق بفلان لا يكون حديثه متصلا، لكن قد يختلف بعضهم عن بعض حول الاتصال والانقطاع إذالم يتبين لهم ما يدل على ذلك اللقاء، وهذا لا يعني أن بعضهم لا يشترطون اللقاء، وإنما فقط في حال عدم وضوح الأمر فيما يخص لقاء فلان بفلان هل يشترط العلم باللقاء جملة أو لا. وفي الواقع أن عناصر التصحيح لم يستوعبها جميعا تعريف الصحيح المشهور في كتب المصطلح، إنما تضمن ما هو الأغلب في التصحيح. ولذا لا ينبغي اعتبار ذلك التعريف معيارا لفهم الصحيح عند النقاد، حتى لا يصطدم ذلك مع حديث البحر (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) الذي تفرد به سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة، والمغيرة في لغة كتب المصطلح يعد من المجاهيل أو من المستورين، وشرط الصحيح أن يكون الرواة ثقات. لذا مجرد حفظ المصطلحات والتعريفات لا يؤهل صاحبه لفهم لغة المحدثين، وإنما يتوقف على مدى احتكاكه مع نصوصهم ومنهجهم واستيعاب طرق إطلاقاتهم ومواقع استعمالهم. ـ[قال الإمام علي بن المديني: حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني ممسك بحجزكم عن النار قال هذا حديث حسن الإسناد وحفص بن حميد مجهول لا أعلم أحدا روى عنه إلا يعقوب)) كيف الجمع بين قوله مجهول وحسن الإسناد. وهل قوله: ((حسن الإسناد)) هو تصحيح للمتن أيضا؟ عذرا على الإطالة والله يحفظكم يافضيلة الشيخ ويزيدكم من فضله. ]ـ فيما يبدو لي أن المعنى: هذا الحديث ليس فيه راو متروك، بل كل الرواة ثقات إلا حفص وهو وإن كان مجهولا، فالمتن ليس فيه مخالفة لنصوص أخرى، والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 72 ـ[ما رأيكم بكتابات عداب الحمش؟ ]ـ ـ[وماذا عن كتابات حسان عبد المنان؟ ]ـ يبدو أن مثل هذا السؤال قد سبق، إبداء رأي حول الكتب وأصحابها لا يمكن إلا بعد تتبع محتواها بطريقة علمية دقيقة، وأنا لم أتمكن من ذلك حتى الآن. ـ[ما شروط الإجتهاد في التصحيح والتضعيف وهل هذه الشروط متوفرة في أحد المشايخ في عصرنا أو حتى في المتأخرين؟ ]ـ هذا سؤال مهم جدا، وأنا أشكر لك هذا السؤال. وقد يكون الجواب طويلا وأرجو منك الصبر. يا أخي العزيز - حفظني الله وإياك -! من المعلوم بديهيا أن لكل علم رجالا متخصصين يشكلون مصادره الأصيلة، ومن خلال عملهم النقدي انبثقت قواعد ذلك العلم ومسائله، لذلك فإن الباحث يكون أكثر أمناً من الخطأ والتخبط في الفهم والتطبيق بقدر رجوعه إلى تلك المصادر الأصيلة، ومداومة الاشتغال بها وإمعان النظر فيها، كما أنه لا يُعد الباحث أو العالم مصدرا أصيلا بمجرد أنه قد ألف كتابا أو كتابين أو كتبا في ذلك العلم أو أنه كان منشغلا به، أو بمجرد كونه إماما في مجال علمي آخر، وإنما يعد فقط مصدرا مساعدا. وهذا كما قال الشاعر: ''للحرب أقوام لها خلقوا ... وللدواوين كتاب وحساب''. وقال مسلم في التمييز ص: 20: (فإنك يرحمك الله ذكرت أن قبلك قوما ينكرون قول القائل من أهل العلم إذا قال: هذا حديث خطأ وهذا حديث صحيح، وفلان يخطيئ في روايته حديث كذا، والصواب ما روى فلان بخلافه، وذكرت أنهم استعضموا ذلك من قول من قاله ونسبوه إلى اغتياب الصالحين من السلف الماضين وحتى قالوا إن من ادعى تمييز خطأ روايتهم من صوابها متخرص بما لا علم له به ومدع علم غيب لا يوصل إليه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 73 واعلم وفقنا الله وإياك أن لولا كثرة جملة العوام مستنكري الحق وراميه بالجهاله لما بان فضل عالم على جاهل، ولا تبين علم من جهل، ولكن الجاهل ينكر العلم لتركيب الجهل فيه، وضد العلم هوالجهل، فكل ضد ناف لضده، دافع له لا محالة، فلا يهولنك استنكار الجهال وكثرة الرعاع لما خص به قوم وحرموه، فإن تعداد العلم دائر إلى معدنه، والجهل واقف على أهله. وجاء في تذكرة الحفاظ 3/ 1031: ''فكم من إمام في فن مقصر عن غيره، كسيبويه مثلا إمام في النحو ولا يدري ما الحديث ووكيع إمام في الحديث ولا يعرف العربية، وكأبي نواس رأس في الشعر عري من غيره، وعبد الرحمن بن مهدي إمام في الحديث لا يدري ما الطب، وكمحمد بن الحسن رأس في الفقه ولا يدري ما القراءات، وكحفص إمام في القراءة تالف في الحديث، وللحروب رجال يعرفون بها''. وقول السخاوي في هذا المجال مشهور، وهذا نصه: ''هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم (يعني نقاد الحديث) في التعديل والتجريح كما اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله، ومن تعاطى تحرير فن غير فنه فهو متعن، فالله تعالى بلطيف عنايته أقام لعلم الحديث رجالا نقادا تفرغوا له، وأفنوا أعمارهم في تحصيله والبحث عن غوامضه وعلله ورجاله ومعرفة مراتبهم في القوة واللين''. ''فتقليدهم، والمشي وراءهم، وإمعان النظر في تواليفهم، وكثرة مجالسة حفاظ الوقت مع الفهم وجودة التصور، ومداومة الاشتغال، وملازمة التقوى والتواضع، يوجب لك (إن شاء الله) معرفة السنن النبوية ولا قوة إلا بالله''. ومشكلة إخواننا في المجال العلمي هو خلطهم بين المصادر الأصيلة وبين المصادر المساعدة وإحلال بعضها مكان الآخر أو إهمال الأصيل واعتماد المساعد ومبالغتهم فيه. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 74 ولذا نرى بعضهم يعتمدون على عالم من علماء هذا العصر في دراساته وتحقيقاته، ويدمنون نظرهم في تواليفه، وتقليدهم له ومشيهم وراءه، دون الرجوع إلى نقاد الحديث ونصوصهم وتآليفهم، وذلك لفرط حبهم واحترامهم وتقديرهم له نظرا لما يتميز به من العناية الكبيرة بالحديث وعلومه وانشغاله بها تخريجا وتحقيقا، وبروزه في مجال الدعوة إلى العمل بما صح من الأحاديث ومحاربة البدع، بحيث لا يسوغون لأحد أن يعيد النظر فيما قام به هذا العالم الفاضل المحترم من الدراسات والتخريجات، ومن دعا إلى إعادة النظر فيها، أو انتقده في بعض أخطائه فإنه قد عرض نفسه للخطر، حتى وصل غلو بعضهم في التعصب إلى حد أن يزعم أن ذلك الشخص أعلم من الإمام أحمد بن حنبل. فما هذا الهراء الذي يسيء إلى هذا العالم وسمعته؟ ولا ينبغي أن يكون حبنا واحترامنا وتقديرنا لشخص ما بهذه الدرجة التي تعمي قلوبنا وتحجبها عن إدراك الحقيقة والصواب، بل يجب أن يكون ذلك في حدود رسمها لنا القرآن الكريم من العدل والإنصاف والحق. وإن كنا لا نسوغ ذلك التعصب والمبالغة في حق الأئمة السابقين الذين هم أكثر علما وعملا وتقوى منا فإن عدم جواز ذلك في حق المعاصرين أولى وأجدر. زارني في البيت في الصيف الماضي بعض الإخوة وكان من بينهم شاب لا أعرفه، ولفتت انتباهي طبيعة هذا الشاب من بينهم منذ أن دخل معهم في المجلس، وكان عابس الوجه، ولما رأيته غير مبتسم ألح سؤالا في نفسي وهو: لماذا لا أرى هذا الشاب مبتسما في وجهي بخلاف الآخرين. واستمر هذا السؤال في نفسي لمدة أيام إلى أن جاءني الخبر بأن الشاب يصفني في بعض المواقع بما يأتي: هذا الهندي المليباري الجاهل لا يعرف حتى اللغة العربية ولا قراءة القرآن الكريم، ولا أدري لماذا يلتف حوله الشباب. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 75 ففهمت أن الشاب كان يكرهني وكان يخبئ ذلك في نفسه لسبب ما، قد يكون - والله أعلم - اهتمامي بتفضيل نقاد الحديث وتقديمهم على الشيخ الألباني وغيره من المعاصرين والمتأخرين، ثم ازداد هو كراهية لما أجبته في ذلك المجلس عن سؤال يتصل بالشيخ الألباني بما لم يعجبه. ومن المناسبة أن أنقل لك ما جرى بيني وبين هذا الشاب في ذلك المجلس حسب ما يحضرني الآن؛ بعد ترحيبي بالإخوة الضيوف الكرام، خاصة الأخ الفاضل المحترم الشيخ أبو الحسن المأربي الذي تميز بتواضعه وأدبه وعلمه، بدأت الحديث بلفت الانتباه إلى ضرورة التمييز بين المصادر الأصيلة لعلوم الحديث وبين مصاردها المساعدة، وشأن ذلك شأن العلوم كلها، وذكرت التشريع الإسلامي مثالا لذلك، فإنه لا يختلف أحد في أن القرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأصيلان للتشريع الإسلامي، وأما الأئمة وآراؤهم ومذاهبهم وكتبهم فتشكل فقط مصادره المساعدة، كما أنه لا يختلف أحد في خطورة التلفيق بين الأصيل والمساعد فيما يخص التشريع الإسلامي، أو إحلال أحدهما مكان الآخر. وكذلك بالنسبة إلى علوم الحديث وغيرها من سائر العلوم، إذن لا بد من التركيز على هذا الجانب الأساس عند دراسة علوم الحديث أو البحث فيها. وأيدني الشيخ أبو الحسن بصفة عامة. وسألني ذلك الشاب: هل الشيخ الألباني مؤهل للتصحيح والتضعيف؟ قلت: يا أخي لا يهمني أن أعرف أن فلانا مؤهل للتصحيح أو غير مؤهل، وإنما يهمني فقط العمل الذي يقوم به، هل هو وفق منهج المحدثين النقاد في ذلك أولا، فما ينسجم معه فذلك المقبول، وما لا يكون كذلك فمرفوض، كائنا من كان، دون تعرض للطعن فيه، وبذلك نستطيع تقييم الباحثين، أما كونهم مؤهلين لذلك أو غير مؤهلين فليس لدي وقت للنظر فيه، ولا أرى في ذلك كبير فائدة. فقال لي: هل الحافظ ضياء الدين المقدسي مؤهل والحافظ ابن حجر مؤهل؟ فوجئت بإلحاحه علي في هذا السؤال؟ قلت له: ما الفائدة من معرفة ذلك؟ الجزء: 9 ¦ الصفحة: 76 فقال لي: إذا كان مؤهلا نسوغ له مخالفة النقاد، وإلا لا نسمح له بذلك. قلت له: الأمر لا يتوقف على ما تصدره أنت من الفتوى والحكم، وإنما الذي يهمنا هو من يفهم لغة المحدثين ويوافقهم وينتهج منهجهم في التصحيح والتضعيف. فسألني الشاب: إسناد يكون مثل الشمس ضعفه الإمام البزار وصححه أحد المتأخرين، وماذا تقول عنه؟ قلت له: الجواب يتوقف على دراسة هذا السند. وأنت تقول إسناد مثل الشمس، وذلك نظرا لظاهر حاله، لكنه في الواقع قد لا يكون كذلك عند النقاد لشذوذه وغرابته، بل إن الإسناد إذا كان مثل الشمس حقيقة فمن المستحيل عرفا أن يخفى ذلك على النقاد أو أحدهم، ومع ذلك فإذا ضعفه إمام من الأئمة فذلك دليل واضح على أن الإسناد فيه شيئا ينبغي البحث عن علته. وهذا الإمام الحاكم يقول: ''إذا وجدت حديثا صحيح الإسناد ولم يخرجه الشيخان فعليك بالبحث عن علته''، وكيف يكون ذلك إذا ضعفه أحد النقاد! إذا كنا نحن قد وقفنا على نصاعة السند وأنه مثل الشمس فإن ذلك لن يكون بعبقريتنا في نقد الحديث، وإنما بشدة غرورنا بظاهره، ثم إن الإسناد الذي لم يعرفه المتقدمون ولم يشتهر لديهم ثم اشتهر في رواية المتأخرين فلا يمكن إلا أن يكون وهما وخطأ وإن كنت تعده كالشمس. ثم استدللت له بقول الحافظ البيهقي، وأيدني في ذلك الشيخ أبو الحسن المأربي. ووجدت الشخص يلح في السؤال نفسه، فقلت له: أنا أذكر لك انطباعي تجاه الشيخ الألباني: إن الشيخ الألباني - رحمه الله - أكثر الناس اليوم فهما لمنهج المحدثين، وأكثرهم قربا له، وأكثرهم انشغالا بالحديث وعلومه، ومع ذلك فإني أرى أنه ليس مؤهلا لنقد الحديث، واستغرب بعض الإخوة هذا الجواب ومنهم الشيخ أبو الحسن المأربي قبل أن أكمل الكلام. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 77 قلت: نعم ليس مؤهلا لنقد الحديث مثل البخاري ومسلم وأحمد، وحتى الحافظ ابن حجر - فيما أرى - ليس بناقد مثل الأئمة السابقين، ولا الحافظ ضياء الدين المقدسي، وهؤلاء محققون ومدققون لكلام النقاد ومعتمدون عليه. فقاطعني الشاب بقوله: حتى الحافظ ابن حجر والحافظ المقدسي ليسا من المؤهلين لتصحيح الحديث؟ قلت له: نعم، أسرد لك من نصوص المتأخرين ما يفيد ذلك، وذكرت له قول الحافظ الذهبي وابن حجر والسخاوي، ومع ذلك فلم يقتنع بذلك. وعند نهاية الجلسة قلت: على كل حال فإننا مطالبون بإنزال الناس منازلهم، ونحن نجد في الإسلام ما يشجعنا على النقد الموضوعي، يقول الله تعالى: (فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه). ولا يمكن هذا إلا بالنقد الموضوعي، وإلا كيف يعرف الأحسن. هذا ما يحضرني الآن، وقد جرى الحديث والنقاش حول الجرح والتعديل ومنهج البخاري في التاريخ الكبير وأبي حاتم في علله، وتعليلهما أحيانا لحديث صحيح باعتبار بعض طرقه بقولهم هذا باطل، مع أن الحديث صحيح لا نزاع في صحته، وكان الشيخ أبو الحسن - حفظه الله - قد أجاد في ذلك، وتركت له معظم الأوقات احتراما له وتواضعا. ثم وصلني في اليوم الثاني خبر مفاده: هناك شائعة حولي يلوك بها بعض الشباب، وهي: أنني كنت أقول في الشيخ الألباني إنه غير مؤهل للتصحيح، وليس له باع في الحديث، والحافظ ابن حجر غير مؤهل، والحافظ المقدسي غير مؤهل. والشيخ أبو الحسن شرح لهم مقصودي بما قلت أثناء الجلسة، لكنهم لم يقتنعوا بذلك. قلت لصاحبي الذي حكى لي ذلك: الله المستعان، هكذا ينقلون الأخبار تشويها لأصحابها، وهم بعيد عن الأمانة والدقة، لا لشيئ سوى أنهم لم يروا فيهم ما يرضي وجدانهم وأهواءهم. أعود إلى الإجابة، اسمح لي هذا الاستطراد يا أخي العزيز: أما ما يتصل بشروط الاجتهاد في معرفة صحة الحديث وخطئه فيمكن تلخيصه من قول الحافظ ابن حجر: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 78 ''هذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غائصا واطلاعا حاويا وإدراكا لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم، وإليهم المرجع في ذلك، لما جعل الله تعالى فيهم من معرفة ذلك والاطلاع على غوامضه، دون غيرهم ممن يمارس ذلك. وقد تقصر عبارة المعلل منهم، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، كما في نقد الصيرفي سواء، فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه، وهذا الشافعي مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث''انتهى. أما اليوم فيكثر المتكلمون في الحديث دون تأهلهم لذلك، ثم يتطاول بعضهم على نقاد الحديث بحجة كم ترك الأول للآخر. هذا الذي ذكره الحافظ صحيح للغاية، بل يؤيده الواقع العلمي الذي نعيشه اليوم، ذلك لأنه إذا قارنا بين تصحيح كثير من المعاصرين وتصحيح النقاد وجدنا فرقا واضحا لا يمكن إنكاره، وهو أن المعاصرين يقولون عند التصحيح (إسناده صحيح) أو (رجاله ثقات)، وكذا من صحح الحديث من المتأخرين، بينما النقاد القدامى قالوا (حديث صحيح). هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المتأخرين على اقتناعهم التام بأنهم غير مؤهلين لإدراك العلل والشذوذ، كما أدركها النقاد الجهابذة الذين سبق وصفهم في سياق كلام الحافظ ابن حجر، لأن ذلك من اختصاصهم، وقد صرح المتأخرون أنفسهم بذلك في كتب المصطلح، وأما خلاف ذلك فلن تجد فيه نصا واحدا للأئمة، سوى خزعبلات بعض الباحثين الجدد وما ينسجه خيالهم. والله إنه لأمر مستغرب ومؤسف أن يقول الباحث المعاصر عن الحديث الصحيح الذي اتفق على صحته النقاد أو الذي صححه أحد النقاد: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 79 ''إسناده صحيح ''، وما قيمة تصحيح هذا الباحث المعاصر الذي لا يتجاوز نظره ظاهر الإسناد وأحوال الرواة، في مقابل قول النقاد إن الحديث صحيح وسليم من شذوذ وعلة؟ أيهما أتم وأدق: تصحيح الباحث أو تصحيح النقاد؟ وهل يحتاج القارئ بعد تصحيح النقاد إلى المعاصر الذي يعبر عن ظاهر السند؟ وهل أتى بشئ جديد يزيد تصحيح الناقد قوة؟ وإذا أجاب أحد منا بنعم فهو عامي متعصب، ينبغي أن نقرأ فيه قوله تعالى: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). ولو صحح المعاصر على منهج المحدثين النقاد لزاد الحديث الصحيح الذي صححه النقاد قوة بعد قوة، كما عمل الحافظ البغوي في كتابه شرح السنة، إذ يقول (حديث صحيح)، وكما زاد الصحيحين قوة بعد قوة تتبع الإمام الدارقطني وغيره. والإنسان الذي لا تتوفر لديه من الخلفية العلمية في مجال ما يكون عاجزا عن معرفة حقائقه ودقائق أموره، بل يضطر إلى اعتماد ظواهر الأمور، وقد يشتد غروره بها بحيث يندفع إلى المغامرة إذا كان معاندا، لكن لا يقف على حقيقة فعله ولا يندم على حماقته التي قد تكون قاتلة إلا إذا وقع في المخاطر. وهذه أمور مجربة في حياتنا اليومية، ومن يخالف هذا المألوف فشاذ خطير معاند. وأنا لا أرى شخصا مؤهلا لنقد الحديث إلا إذا كان عنده خلفية علمية واضحة حول أحاديث الحفاظ الذين يشكلون مدار الروايات، بحيث إذا انقلب على أحد من الرواة حديث هذا الحافظ بحديث ذاك، أو وقع التلفيق بين حديثين ولو بوجه بسيط، يعلم ذلك دون عناء، ويرجعه إلى أصله. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 80 وإذا تأملنا في سيرة المحدثين النقاد المبثوثة في تضاعيف كتب التراجم، وجدناهم يحفظون الأحاديث مثل ما يحفظون سور القرآن الكريم. فيحفظون الأحاديث مقيدة براويها المدار، فمثلا: ما رواه مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، ويحصون أحاديثه عددا، وكم أحاديثه في باب كذا. وبذلك لم يستطع أحد من قبل أن يدس فيها ما لم يحدث به مالك ولو كلمة صغيرة إلا وقد اكتشف ذلك من قبل الناقد. وللحفاظ النقاد وسائل عدة في إحصاء الأحاديث حسب رواتها الذين تدور عليهم رواياتها؛ كتتبعهم للأصول التي يملكها بعض الحفاظ أو ما يتداوله الثقات، أو المذاكرة مع الحفاظ المعاصرين لا سيما مع أثبتهم وأحفظهم، وتعد المذاكرة أكثر الوسائل شهرة لدى الحفاظ في هذا المجال. وكذا ما رواه مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وعن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهكذا ما يتصل بأصحاب الزهري، ممن يشكل مدارا رئيسا في الحديث. وآثار هذا الإحصاء، ونتائجه تزخر لها كتب التراجم والعلل، وبذلك استطاعوا الجزم بأن فلانا تفرد، وهذا الحديث إنما يروى هكذا، أو هذا مقلوب، وغير ذلك من العبارات التي لا تصدر منهم إلا بضبط الأحاديث وإحصائها على الطريقة السابقة. وبهذا الحفظ والاستيعاب والضبط والإحصاء يكون بعضهم أدرى وأكثر تخصصا في أحاديث بعض الحفاظ، ويقال فلان أعلم الناس بأحاديث فلان، ويقول قتادة: أحفظ أحاديث فلان مثل ما أحفظ سورة البقرة. وقال عبد الرحمن بن مهدي: ما فاتني الذي فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق إلا اتكالا على إسرائيل لأنه كان يأتي به أتم. ورد عن إسرائيل قوله: '' كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ سورة الحمد'' وأنا لا أظن أن هذه الحقائق لا تخفى على المشتغلين بالتراجم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 81 (انظر فقط كتاب معرفة علوم الحديث ص: 140 - 146، وص: 164 - 165، لتعرف أسلوبهم في حفظ الأحاديث وتركيزهم عليه في المذاكرة) بالله عليك أرني واحدا فقط من المعاصرين يحفظ الأحاديث مثل ما يحفظ النقاد، أو يحفظ أحاديث أحد الرواة المشهورين فقط، ويفهم ملابسات الرواية مثل ما يفهمون، ويعرفون الواقع في تلك الأحاديث مثل ما يعرفون. ومن يستطيع اليوم أن يقول: للزهري عن فلان من الأحاديث كذا؟ ولمالك عن نافع أحاديث كذا، ولشعبة عن قتادة عن أنس مما لم يسمعه ابن أبي عروبة أو هشام الدستوائي كذا، وفي باب كذا أحاديث كذا؟. إذن أقول لك هو مؤهل للاجتهاد في التصحيح والتضعيف. ونتذكر ما قاله الحافظ الذهبي: '' ... ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل لكن هم أكثر الناس صوابا وأندرهم خطأ وأشدهم إنصافا وأبعدهم عن التحامل وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح فتمسك به واعضض عليه بناجذيك ولا تتجاوزه فتندم ومن شذ منهم فلا عبرة به فخل عنك العناء وأعط القوس باريها فوالله لولا الحفاظ الأكابر لخطبت الزنادقة على المنابر ولئن خطب خاطب من أهل البدع فإنما هو بسيف الاسلام وبلسان الشريعة وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فنعوذ بالله من الخذلان''. وقال في تذكرة الحفاظ وهو ينصح طلبة الحديث: '' ... ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكى نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب، والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل: فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو سودت وجهك بالمداد قال الله تعالى عز وجل (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 82 فإن آنست يا هذا من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا وإلا فلا تتعنَّ، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأى ولمذهب فبالله لا تتعب، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البهرج وينكُب الزغل، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فقد نصحتك فعلم الحديث صَلِف، فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب''. وقال في موضع آخر من تذكرة الحفاظ: ''فلقد تفانى أصحاب الحديث وتلاشوا، وتبدل الناس بطلبة يهزأ بها أعداء الحديث والسنة، ويسخرون منهم''. وقال في سير أعلام النبلاء: ''وليس في كبار محدثي زماننا أحد يبلغ رتبة أولئك في المعرفة، فإني أحسبك لفرط هواك تقول بلسان الحال إن أعوزك المقال: من أحمد؟ وما ابن المديني؟ ولا يفقهون الرأي .. إلى أن قال: وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل، فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه. ومن تكلم بالجاه وبالجهل أو بالشر والبأو فأعرض عنه، وذره في غيه، فعقباه إلى وبال. نسأل الله العفو والسلامة ''. وقال أيضا: فقد عم البلاء، وشملت الغفلة، ودخل الدخل على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون، فلا عتب على الفقهاء وأهل الكلام. وأين من قال '' لو درس أبو حاتم وغيره من الأئمة حتى البخاري لما تجاوزوا النتائج التي توصلت إليها .. ''؟ وأين الذي يردد في كل مناسبة يمر بها: ''كم ترك الأول للآخر ''؟ وفي الواقع أن كل ما نستطيع معرفته اليوم إنما هو عن طريق التخريج من الكتب المتوفرة لدينا. وإذا حفظ منها الأحاديث فإنما يحفظونها وهي خليطة بين ما ثبت وبين ما لم يثبت، بخلاف النقاد فإنهم يحفظونها من الأصول أو من خلال المذاكرة مع الحفاظ مميزا بين الصواب والخطأ. ولا يمكن معرفة مصدر الحديث وصاحبه الحقيقي حين قلبه الراوي وهما، إلا إذا استوعب أحاديث شيخه، والإسناد الذي يروى به ذلك الحديث. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 83 انظر إلى العقيلي كيف صدر منه قوله فيما يخص حديث خالد بن عمرو: '' ليس له أصل من حديث سفيان الثوري، وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني، ولعله أخذه عنه ودلسه لأن المشهور به خالد هذا '' ويقول الإمام أحمد: ''كل شيئ يرويه ابن فضيل عن عمارة إلا هذا الحديث يعني أنه رواه عن أبيه عن عمارة، وبقية الأحاديث يرويها ابن فضيل عن عمارة '' وقد قال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم. وعن عبد الرحمن بن مهدي: كنت عند أبي عوانة فحدث بحديث عن الأعمش فقلت: ليس هذا من حديثك. قال: بلى! قلت: لا. قال: يا سلامة، هات الدرج فأخرجت، فنظرت فيه فإذا ليس الحديث فيه. فقال: صدقت، يا أبا سعيد، فمن أين أتيت؟ قلت: ذوكرت به، وأنت شاب، فظننت أنك سمعته. وهذا يحي بن معين يقول: حضرت نعيم بن حماد بمصر فجعل يقرأ كتابا صنفه فقال: حدثنا ابن المبارك عن عون، وذكر أحاديث، فقلت: ليس ذا عن ابن المبارك فغضب، وقال: ترد علي، قلت إي والله، أريد زينك، فأبى أن يرجع، فلما رأيته لا يرجع قلت: لا والله ما سمعت هذه من ابن المبارك، لا سمعها هو من ابن عون قط، فغضب وغضب من كان عنده، وقام فدخل، فأخرج صحائف، فجعل يقول _ وهي بيده _ أين الذي يزعمون أن يحيى بن معين ليس بأمير المؤمنين في الحديث؟ نعم يا أبا زكريا غلطت، وإنما روى هذه الأحاديث غير ابن المبارك عن ابن عون. وكثيرا ما نسمع النقاد يقولون عند نقد الحديث ''إنما هو كذا وما رواه ليس بصحيح، وهو مقلوب''، وهذا لا يمكن القول به إلا إذا استوعب أحاديث الراوي بإحصاء دقيق، وإلا لا يستطيع الجزم بذلك التعقيب، بل تدور في رأسه شكوك وتساؤلات تعجزه عن الجزم بأن الأمر كذا. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 84 أما نحن فإن كنا لا نفهم قول النقاد ولغتهم العلمية وأسلوب تعليلهم بالتفرد وبالمخالفة فكيف نعلم استقلالا بوجود العلة أو عدمها أو أن الثقة لم يهم ولم يخطئ في الحديث الذي نقله عمن فوقه، ونحن لا ندري ما الذي في الأصول التي يعتمدها النقاد. وفي الواقع نحن عالة على النقاد القدامى، وعن طريق المتأخرين وقفنا على نصوص هؤلاء النقاد وأعمالهم النقدية، وباحتكاكنا مع هذه النصوص وبقدر انسجامنا معها نستوعب هذا العلم العظيم ونفهم لغة المحدثين ونطبق قواعده كما طبقوها. ونحن إذ نقوم بتخريج الأحاديث ونحاول معرفة مدار رواياتها فإننا نعتمد في ذلك كله على المراجع المتوفرة اليوم، مطبوعة كانت أو مخطوطة، وكم فاتنا من المصادر التي دونها السابقون؟ وأين مسند الإمام يعقوب بن شيبة الذي لم يكمل منه إلا 30 مجلدا؟ وأين مسند الإمام الماسرجسي الذي يبلغ 1000 جزءا، وكيف نقف على المسانيد الأخرى التي فقدت؟ ونحن إذا قمنا بتخريج حديث بكل ما أوتينا من قوة ثم قمنا بمقارنة ذلك بما أورده الدارقطني في علله تبين لنا بشكل واضح مقدار عجزنا ومدى علمنا، وجزمنا بأننا عالة على الأئمة القدامى. ومع ذلك قد يستدرك الباحث على الناقد بما رواه لاحقه وهما، وهذه مصيبة أخرى، لكن مما يؤسفني أن بعضهم يبرر ذلك بقوله (كم ترك الأول للآخر)، ولله في خلقه شؤون. ولا بد أن نتذكر جيدا في هذه المناسبة قول الحاكم الحجة عندنا الحفظ والفهم والمعرفة. وبعد فإني أود أن أذكر القارئ بأني لم أقصد بهذه الدردشة السريعة الشيخ الألباني - رحمه الله - ولا الطعن فيه، وإنما قصدي هو تصحيح الأخطاء حين تقع، وتوضيح المفاهيم حين تختلط، ومعالجة الظاهرة السيئة المتمثلة في التعصب على شخص في حساب جهابذة العلماء، وتبرير المخالفة معهم بحجة كم ترك الأول للآخر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 85 والشيخ الألباني من علمائنا الأفاضل الذين أسهموا في إحياء هذا العلم العظيم، ومن شيمه الرجوع إلى الحق إذا تبين وتصحيح خطئه إذا اتضح. ولا يمكن أن يطعن في رجل منصف يرجع إلى الصواب إن وقف على خطئه. ومن منا لا يخطئ؟، وقوع الخطأ ليس عيبا، وإنما العيب في الإصرار على الخطأ، فرحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عنا خير الجزاء. وهذا لا يمنعني أن أبين خطأه وتساهله إن وقع، وهذا يمثل حقيقة احترامه بل قمته، وبهذا دون أئمتنا تاريخهم المجيد طوال القرون الماضية، واحترم اللاحق السابق. وبهذا النقد واستدراك اللاحق على السابق يكتمل عمل الأمة وخدمتهم. (والله أعلم). ـ[قول بعض الناس ان الامام أحمد رضي الله عنه يحتج بالحديث الضعيف في الاحكام هل هذا صحيح مع العلم ان نص منطوقه يخالف ذلك حين قال اذا روينا في الاحكام شددنا وكذلك تشبيك يديه حين قال اردنا رجالا - أي أثبات ثقات. ]ـ سبق لي أن أجبت عن هذا السؤال. احتجاجه بالحديث الضعيف الذي لم يتبين فيه الخطأ لن يكون مثل احتجاجه بالحديث الصحيح الذي تبين صوابه في رفعه، فالضعيف الذي لم يتبين الخطأ في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم احتج به إن أراد، وتركه إن أراد، يعني ذلك أن الاحتجاج على سبيل الاحتياط فقط. وأما قوله (إذا روينا في الأحكام شددنا) فهو الأصل المعول عليه لدى الإمام أحمد وغيره. وهذا لا يمنع تعاملهم مع الأحاديث الضعيفة على أساس الاحتياط أو الاستئناس، لا سيما في الفضائل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 86 ـ[ما حقيقة الخلاف بينكم وبين الشيخ ربيع اهو في المنهج العقدي أم في المنهج الحديثي؟ ]ـ الخلاف بيني وبينه خلاف في فهم نصوص النقاد ومنهجهم في التصحيح والتضعيف، ولا أقول إنه خلاف علمي لأن الشيخ لا يتكلم منهجيا، وإنما على أساس تصوره الخاص الذي يختلف باختلاف المخاطب، كان يفهم كلام النقاد فهما سطحيا، ويتهم من يفهم خلاف فهمه باطنيا صوفيا يقدس الأشخاص، وقد نشأ هذا الخلاف وبلغ أشده حين ذكرته بأخطائه الفادحة في فهم نصوص النقاد ومنهجهم في التصحيح والتعليل، والغريب أن الرجل لا يعرفني، ولم يرني ولم يسمع صوتي، وأنا أيضا لم ألتق به ولم أسمع صوته حتى هذا اليوم، فإذا به أعلم الناس بي وأكثرهم اطلاعا على ما نفسي؟ والشيء الوحيد الذي أدى إلى إشعال غضبه في أعصابه هو تنبيهي بأخطائه الفادحة في رسالته الماجستير المطبوعة. وليس الخلاف بيني وبينه خلاف عقدي أيضا لأني لم أتطرق أثناء ذلك النقاش لشيء من ذلك، لكن الرجل سعى سعيه لتحقيق غرض في نفسه. (يغفر الله لي وله). ـ[من أول من ذكر اسم الحديث الحسن قبل الاصطلاح عليه؟ ]ـ مصطلح حسن استخدمه النقاد قديما، لكن يقال إن أول من وضع له تعريفا هو الإمام الخطابي، أما الإمام الترمذي فقد شرح أسلوبه في الكتاب، ولا ينبغي أن نعد ذلك تعريفا لمصطلح حسن، كما أنه تميز بكثرة استعماله في كتابه السنن. ـ[ما قولكم في من يقول إن الحافظ ابن حجر عنده أوهام كثيرة وكتابه تهذيب التهذب هو عبارة عن رأيه يقبل القبول والرد؟ وان ابن الصلاح ليس له اثر كبير في علم الحديث الا المقدمة؟ وجزاكم الله كل خير. ]ـ الحافظ ابن حجر محقق ومدقق، ومن أكثر الناس في عصره فهما لمنهج النقاد وعلماء الجرح والتعديل، وكان من عادته أن ينتقد المتأخرين في أخطائهم، ويدافع عن منهج المحدثين النقاد في التصحيح والتضعيف إذا خالفهم المتأخرون في ذلك، ولذلك أمثلة في كتابه فتح الباري؛ فقد انتقد ابن القطان الفاسي وغيره حين خالفوا النقاد في التصحيح والتضعيف أوالجرح والتعديل. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 87 وعلى إمامته تدل كتبه التي آثرها لنفسه، وليس من الإنصاف أن نحشر جميع كتاباته في خانة واحدة من التحقيق والتدقيق والمستوى العلمي العام، بل هي متفاوتة المستويات كما أقر بذلك هو نفسه، وذلك لأن المؤلف من طبيعته أن يستفيد من التأليف الذي يمر على مراحل مختلفة من النضج الفكري واستقرار الرأي والاطلاع. ولا يقال إنه كثير الأوهام بمجرد وجود بعض التناقضات في بعض كتبه لا سيما أوائل كتبه، وكثير من الكتب في التراجم مختصرات لكتب السابقين، كتهذيب التهذيب مثلا فإنه مختصر لتهذيب الكمال، وما فيه من الأخطاء لا ينسب إلى الحافظ، وإنما ينسب إلى السابق، إلا فيما أضافه في التهذيب مميزا بقوله (قلت) كاستدراكاته على السابق. وكتاب التهذيب ليس رأيه، وإنما هو مختصر تهذيب الكمال، إلا القدر الذي أضافه فيه. وأما ابن الصلاح - رحمه الله - فكتابه في علوم الحديث يكفي دلالة على قدرته في علم الحديث واستيعابه واطلاعه على كلام الأئمة، وفيه ما ينبغي كتابته بماء الذهب، وقد جمع في هذا الكتاب ما يتعلق بمنهج المحدثين من القواعد والضوابط، لكنها مفرقة ومشتتة في أماكن مختلفة من الكتاب، ولذا يحتاج إلى جمع وترتيب على الوحدة الموضوعية. وكفاك دليلا على مكانة هذا الإمام في علوم الحديث اهتمام اللاحقين بهذا الكتاب، وهو كما قال الحافظ ابن حجر. لكنه أحيانا يرجح رأي الفقهاء وعلماء الأصول بسبب تخصصه في الفقه والأصول. ومهما كان الأمر فكتابه في علوم الحديث يعد مصدرا مساعدا ينبغي عرضه على تطبيقات المحدثين النقاد، وذلك لأنه ناقل عن السابقين والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 88 ـ[شيخنا الفاضل لماذا يشدد العلماء في الروايات الحديثية مع أنهم يتسامحون في رواية الضعفاء في أسانيد القراءات . ]ـ الموضوع يحتاج إلى شيء من التوضيح؛ قبول رواية الراوي فيما يخص القراءة وعدم قبولها في الحديث لا يعني بالضرورة أن ذلك تساهل أو تسامح في الأولى وتشدد في الثاني، فإن الراوي قد يكون كثير الاهتمام في جانب دون آخر ومنشغلا به. كما لا يلزم من كون الراوي ضعيفا في الحديث كونه ضعيفا كذلك في القراءات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن القراءات غير المتواترة يشترط في قبولها واعتمادها شروط أهمها أن لا يكون شاذا، بمعنى أن لا تخالف القراءة الرسم العثماني وقواعد اللغة. وبالتالي لا تختلف القراءات عن الحديث في هذا الجانب من التدقيق والتوثيق. وفي ضوء ذلك فإن التساهل في رواية الضعفاء في أسانيد القراءات أمر غير وارد في نظري. والله أعلم. ـ[ إذا قلنا بتواتر القراءات السبع ألا يلزمنا تصحيح الأوجه التي رواها القراء وهي ضعيفة عند المحدثين كالتكبير بعد سور الضحى عند الإمام المزي. الكثير من ألفاظ القراءة تواترت عند القراء وليس لها أسانيد موثوقة عند المحدثين مثل (الحروف المنفصلة) طه ـ المر ـ وغيرها لم يرد فصلها على شرط المحدثين الا يأخذ التكبير حكمها لكونها جميعا لم تثبت إلا باسانيد القُراء. ]ـ معذرة أخي السائل، لم أفهم قصدك من عبارتك الأخيرة، وعلى كل حال فما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من القراءات يختلف عما لم يتواتر، حيث لا يشترط في الأول ما يشترط في الثاني؛ مثل القراءة المستفيضة، وكذلك ما اشتهر في طبقة متأخرة من طبقات القراء، فإنه يحتاج إلى إسناد متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. كما هو الحال الجزء: 9 ¦ الصفحة: 89 في موضوع التكبير عند ختم القرآن، حيث اشتهر بين القراء في طبقة متأخرة عن القرون الفاضلة دون أن يكون لذاك إسناد متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الصحابة. وكم من حديث اشتهر عند علماء اللغة أو الفقه أو الأصول وهو غير ثابت أصلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل يعده المحدثون موضوعا. وشهرة الحديث عند قوم لا يلزم منها أن يكون صحيحا في الواقع، ومن الإنصاف الرجوع في كل علم إلى أهله. وإذا تأملت فيما قاله البزي عن التكبير علمت أن العمل به عند اختتام تلاوة القرآن غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: أن الأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم انقطع عنه الوحي فقال المشركون: قلى محمدا ربه فنزلت سورة (والضحى) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر. وذلك لأن البزي قد أقر أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر عند ختمه للقرآن الكريم من سورة (والضحى) إلى آخره، ولا عن الصحابة ولا عن تابعيهم، حين صرح بأن الأصل في التكبير الذي اشتهر بين القراء هو ما ورد في سبب نزول سورة (والضحى)، ولو ثبت العمل بالتكبير عنه صلى الله عليه وسلم ما قال البزي أن الأصل هو ما ورد في سبب نزول سورة (والضحى). هذا وفي ثبوت الكلمة الأخيرة ـ وهي قوله (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر) ـ نظر لعدم اتفاق الرواة على ذكرها في رواياتهم عن جندب، وبعض هذه الروايات موجودة في صحيح البخاري دون هذه الكلمة، وإنما انفرد بها البزي، ولذا أنكرها بعض المتقدمين عليه. والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 90 ـ[ما قولكم في ما أثاره الشيخ المحدث الطريفي عن اختلاف التدليس عند المتقدمين عن المتأخرين . وتوثيقه لعدد من الروايات في هذا الباب وتشدده في قبول الشواهد! ]ـ في الواقع إنني لم أقرأ كتابه لكنني في شوق كبير إلى قراءته والاستفادة منه. وفي العموم أن هذه المسألة تعد من المسائل الكثيرة التي ينبغي طرحها للنقاش والتأمل لأنها تمثل نقطة تباين واضح بين المتقدمين والمتأخرين، وكذلك ما يتعلق بقبول الشواهد والمتابعات. ولعل ما نلمسه في كثير من الأبحاث المعاصرة من التساهل والتجاوز في قبول الشواهد والمتابعات قد حرك الشيخ إلى طرح هذه المسألة توضيحا لمنهج المحدثين النقاد والدفاع عنه. والله أعلم. ـ[ هل صحيح أن السيرة النبوية لا يشترط فيها ما يشترط في الحديث النبوي ، وهل يمكن تطبيق منهج المحدثين على التاريخ الإسلامي؟ وما رأيكم فيمن ينكر بعض الأعلام في التاريخ الإسلامي أمثال القعقاع بن عمرو وغيره إستنادا إلى تطبيق منهج المحدثين على التاريخ على حد قوله؟ ]ـ جزاك الله خيرا، ووفقنا وإياكم لخدمة الكتاب والسنة بما يناسب مكانتهما خالصة لوجه الله سبحانه. إن المحدثين النقاد قدموا لنا منهجا علميا رائعا، ومتميزا بدقته البالغة في نقد المعلومات التي تقوم على نقل أو رواية، سواء كانت حديثية أو تاريخية أو غير ذلك. والمشكلة ليست في المنهج، وإنما المشكلة فينا: هي أن تصوراتنا حول علوم الحديث غير دقيقة، ولا يزال الناس يظنون أن الجرح والتعديل هو الأساس في نقد الحديث عند المحدثين، ولذلك استغربوا واستبعدوا تطبيق هذا المنهج في السيرة والتاريخ وغيرهما، لأنه قد يكون راويها مجهولا لا يعرفه المحدثون أو يكون متهما في رواية الحديث، أو متكلما فيه من الجانب الحديثي. ولذا يستبعدون تطبيق الجرح والتعديل في نقد التاريخ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 91 غير أن الصواب أن الجرح والتعديل نتيجة علمية تحصل النقاد عليها خلال نقدهم للأحاديث ومقارنتهم لما رواه الراوي مع ما ثبت واشتهر، وفي ضوء نتائج النقد رتبوا الرواة ترتيبا دقيقا، وبينوا أحوالهم بكل تفاصيلها حتى يتم لهم الرجوع إلى مراتبها عند الضرورة، والاعتماد عليها في التصحيح والتضعيف حين ينقطع البحث عن القرائن والملابسات، ويصبح الأمر مبهما. وعليه فمنهج المحدثين النقاد في نقد الأحاديث قائم أساسا على إجراء المقارنة بين الروايات، أو بين النصوص، وبالتالي نستطيع تطبيق هذا المنهج في التاريخ والسيرة وغيرهما من المجالات، بغض النظر عن أحوال الرواة فيما يخص رواية الحديث، لكن الباحث يحتاج إلى خلفية علمية واسعة تمكنه من التعرف على جميع المصادر التي لها صلة مباشرة بالموضوع التاريخي أو لها صلة غير مباشرة، كالكتب التي تشكل الجانب التطبيقي لمن سلف، ككتب الفقه وشروح الحديث والتفسير وغيرها، وبذلك يكون موفقا في المقارنة بين ما ورد في مواضع من التاريخ، أوبينه وبين بقية كتب التاريخ، أو بينه وبين مصادر أخرى التي تتمثل في جميع أصناف كتب العلوم الشرعية. والله اعلم. ـ[كيف تردون على من يتهم أهل الحديث بأنهم لا فقه عندهم ، وأنهم مثل الصيادلة نقلة للأخبار من دون فقه؟ ]ـ هذا صحيح بالنسبة إلى المحدثين الذين يتمثل دورهم في رواية الحديث وحفظه وضبطه، وهم الكثر. أما في حق النقاد فليس بصحيح؛ إذ جمعوا بين الحديث والفقه، وحتى النقد لا يكون متكامل الجوانب إلا إذا كان الناقد فقيها، لأنه قد يضطر إلى مقارنة الحديث مع الجانب العملي أو القولي الذي يتمثل في فتاوى الصحابة ومن بعدهم. وما في سنن الترمذي خير شاهد على ذلك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 92 ـ[ هل ثبت اتهام حسان بن ثابت رضي الله عنه بالخوف؟ ]ـ جاء ذلك في كتب التاريخ، لكن لم يرد ذكره في كتب التاريخ تهمة في شخصيته، ونحن لا نتحدث عن الصحابة من هذه الزاوية، ومهما كان الأمر فإنه يكفي له شرفا مع صحبته أنه قد دافع بلسانه وشعره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا نوع من الجهاد، وكل يجاهد في سبيل الله ويدافع عن دينه ورسوله قدر المستطاع. ـ[ما هو تقويم فضيلتكم لبرامج الحاسب الآلي ؟ آمل التفصيل إن أمكن. ثم لي اقتراح حيث قرأت معظم أسئلة الإخوة الكرام فوجدت طائفة كبيرة منها حول التفرقة بين منهج المتقدمين والمتأخرين، فأقترح على فضيلتكم طرح موضوع أو كتاب خاص حول (الشبهات حول منهج المتقدمين والمتأخرين) تجيبون فيه على استفسارات الإخوة طلبة العلم، وهناك شبه عندي أيضا مع اقتناعي بأصل المسألة، ومنها أن الدعوة لتقليد المتقدمين شبيهة بالدعوة لعدم الخروج على المذاهب الأربعة في الفقه؟ ونحو ذلك. وجزاكم الله خيرا]ـ . أما برامج الحاسب الآلي ففائدتها معرفة مواطن النص الذي يكون محل بحث، لكن لا تصلح للاعتماد افي التوثيق لوجود تصحيف وتحريف وسقط فيها، ولهذا السبب لا يتم البحث في كثير من الأحيان، بل يضطر الباحث إلى تصفح الكتب يدويا. أما اقتراحك حول تأليف كتاب خاص بمعالجة الشبهات فأشكرك على هذا الاقتراح، وسأحاول إنجاز العمل إن شاء الله بالتعاون مع الإخوة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 93 وأما ما يخص قولك إن تقليد المتقدمين في التصحيح والتضعيف شبيه بعدم الخروج على المذاهب الأربعة فأقول إن الخروج على المذاهب الأربعة في ضوء الأحاديث الصحيحة التي ثبت العمل بها عند بعض السلف لا يلزم منه ترك إجماع المتقدمين، ولا ترجيح المتأخرين عليهم، فإن اتفاق المذاهب الأربعة على شيء لا يعني أبدا الإجماع، فقد يخالفهم بعض الأئمة المتقدمين، ويمكن أن يكون رأيه أقرب إلى الصواب في ضوء الأحاديث. وكل يجتهد ويستنبط حسب الإمكانية المتاحة له، وليس لأحد منهم استيعاب جميع السنن، وقد يفوت بعضهم ما يعرفه الآخر، وكلما يمضي الزمن يتوسع العالم بعلمه واستيعابه، فيستدرك اللاحق على السابق كلما تتوافر عنده آليات الاجتهاد. والسؤال المطروح في هذه المناسبة هو هل يستطيع أحد اليوم أن يفهم من النصوص المتعلقة بالعبادات والمعاملات والعقائد ما لم يفهمه أحد من المتقدمين في العصور الأولى التي صح فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... )؟ وهل يمكن استدراكه على كل من مضى؟ كلا ثم كلا. وهذا لا يعني بالضرورة إنكار إمكانية الاجتهاد في الأمور المستجدة فرادى أو جماعة، وهذا أمر آخر لا صلة له بالمسألة التي نحن بصددها. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 94 نعم يمكن أن نخالف أحدا من الأئمة وحتى الأئمة الأربعة كما ورد في سؤالك، لكن يتم ذلك فقط بناء على رأي إمام آخر من المتقدمين، وبالتالي أصبح مرجحا لرأيه على رأي الأخرين لا مبدعا برأي جديد،. ثم إن المجتهد يجتهد في النصوص المتوفرة لديه، ويستنبط منها ما استطاع استنباطه، وقد يقف على ما وقف عليه غيره من الأحاديث، وإن كانوا يرون جميعا صحتها دون خلاف بينهم، لكنهم قد يختلفون في فهمها لأسباب كثيرة، ولهذا لم يحدث في التاريخ اتفاق الأئمة على خطأ ثم استدرك عليهم جميعا من جاء بعدهم. نعم حدث استدراك بعضهم على بعض، وأما الاستدراك على جميع المتقدمين بما أبدعه المتأخرون في مجال العبادات والمعاملات والعقائد فلم يحدث في التاريخ. وقد جاء في سير أعلام النبلاء: قال إسحاق بن راهوية إذا اجتمع الثوري والأوزاعي ومالك على أمر فهو سنة. واستدرك عليه الذهبي بقوله: بل السنة ما سنه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده. والإجماع هو ما أجمعت عليه علماء الأمة قديما وحديثا إجماعا ظنيا أو سكوتيا فمن شذ عن هذا الإجماع من التابعين أو تابعيهم لقول باجتهاده احتمل له، فأما من خالف الثلاثة المذكورين من كبار الأئمة فلا يسمى مخالفا للإجماع ولا للسنة، وإنما مراد إسحاق أنهم إذا اجتمعوا على مسألة فهو حق غالبا، كما نقول اليوم لا يكاد يوجد الحق فيما اتفق أئمة الاجتهاد الأربعة على خلافه، مع اعترافنا بأن اتفاقهم على مسألة لا يكون إجماع الأمة ونهاب أن نجزم في مسألة اتفقوا عليها بأن الحق في خلافها. ـ يعني في الغالب ـ. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 95 وأما تصحيح الحديث وتضعيفه فيتوقف أيضا على الخلفية العلمية الحديثية الواسعة، وبقدر استيعاب الناقد المعلومات اللازمة والخلفيات الحديثية يستطيع الاستدراك على من أخطأ من السابقين، هذا فقط عندما كان العلم يتجه نحو التطور والصعود والتوسع، وأما عند الانحطاط والتقليد فلا يقال: نحن رجال وهم رجال. وكم ترك الأول للآخر؟. ولا ينبغي النظر إلى من سبق من جهة أنهم استدركوا وصححوا، بل لا بد أن ننظر أيضا كيف استدركوا وصححوا. ونحن إذ ندعو إلى احترام المتقدمين وتقديم منهجهم في تصحيح الحديث وتعليله فإننا لا نقصد بذلك تعيين عدد من النقاد في عصر من العصور، لا أربعة ولا خمسة، فافترق الأمر عما ورد في سؤالك، فإن الخلاصة عدم إمكانية تصحيح المتأخر ما اتفق المتقدمون على تضعيفه في مختلف العصور، إذ لا يمكن أن يعرف هذا المتأخر ما لم يعرفه أحد من المتقدمين، لا رواية ولا نقدا. وهذا العلم إنما يأتي عن طريقهم، ولا يمكن أن يخفى على جميع النقاد في عصور مختلفة، ثم يأتي بعدهم من هو أقل علما منهم وأقل فهما، وأضيق معرفة، ليستدرك عليهم جميعا. وأما ما تفرد بتضعيفه أحد من الأئمة المتقدمين ولم يوجد له خلاف عند غيره ثم صححه أحد من المتأخرين بقوله هذا إسناد صحيح فلا يكون الأمر فيه مثل الخروج على الأئمة الأربعة، بل يسلم الأمر للمتقدم في ضوء نصوص المتأخرين أنفسهم. هذا كله في عدم وجود المعارضة بين المتقدمين، وأما في حال وجود الخلاف بين المتقدمين فيتوقف الأمر على الترجيح الذي يقوم على معرفة منهجهم والاطلاع على أدلة كل منهم، وفي هذه الحالة فإنه لم يخرج على المتقدمين جميعا، وإنما يخرج على بعضهم بناء على رأي الآخر من المتقدمين. والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 96 ـ[أشهد الله أني أحبك في الله، ولي سؤال: حديث: ابن آدم تفرغ لعبادتي املاء صدرك غنى . ]ـ جزاك الله خيرا، وأشهد أني أحب في الله طلبة العلم الجادين، وأرجو أن تكون منهم، وأجعل خدمتهم من أهم واجباتي في الحياة، وأعتبر مجالستهم العلمية من أنفس الأوقات التي أقضيها في الحياة، وأعوذ بالله أن يكون هذا الكلام تزكية لنفسي. حفظنا الله وإياكم من شرور النفس. وأما الإجابة عن سؤالك فأقول: هذا الحديث تفرد به عمران بن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد الوالبي عن أبي هريرة. يقول الدراقطني: اختلف على عمران، والصواب أنه موقوف على أبي هريرة. وقد ورد في كتاب الزهد لهناد السري عن خيثمة قال في التوراة مكتوب يا ابن آدم تفرغ لعبادتي .. إلى آخره. (انظر كتاب الزهد 2/ 354، وحلية الأولياء 4/ 117). ولعل أصل هذا الحديث الموقوف من الإسرائيليات (والله أعلم). ـ[ حديث من أصبح وهمه الآخرة جمع الله له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة (وإن كان ضعيفا فما علته). ]ـ نظرت فيما أخرجه أحد الإخوة من طرق هذا الحديث ولم أجد فيه ما يشكل علة، بل وجدت الحديث قد اشتهر عن شعبة، ولا أدري ما مدى صحته مرفوعا؟ إن تخريج الحديث ودراسته يحتاج إلى متسع من الوقت، وأنا الآن غير متفرغ ولذا اعتذر للأخ عن عدم الإجابة المتكاملة عن أمر هذا الحديث. ـ[حديث (يا ابن آدم سر في طاعتي يطيعك كل شئ لي عليك فريضة ولك على رزق ... ) الحديث مشهرو بين العامة والوعاظ. ]ـ لم أجد الحديث في حدود بحثي المستعجل، وتخريجه يحتاج إلى وقت أكثر. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 97 ـ[ ما هو حكم زيادة ومغفرته في رد السلام . ]ـ لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حدود علمي، وقد جاء عن ابن عباس - كما في الموطأ - قوله (انتهى السلام إلى البركة)، وكذا ورد عن ابن عمر حسبك (إلى وبركاته)، انتهى إلى (وبركاته). ولا شك أن الخير هو أن نجعل النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في جميع مجالات الحياة، ولذا يكون من الأفضل أن ننظر كيف كان صلى الله عليه وسلم يعلم الناس السلام، وكيف كان صلى الله عليه وسلم يسلم على الصحابة ويرد عليهم حين سلموا عليه، وهو أعلم الناس بالقرآن وأكثرهم تطبيقا له. وقد جاء في القرآن الكريم: قوله تعالى (فحيوا بأحسن منها أو ردوها). وأما إذا سلم الرجل على أخيه وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فهل يستحب الزيادة عليه بناء على قوله تعالى "فحيوا بأحسن منها أو ردوها"؟. هذا ابن دقيق العيد ينقل عن أبي الوليد بن رشد أنه يؤخذ من هذه الآية الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدئ. (فتح الباري 11/ 6)، وعلى كل فما قاله ابن عباس هو أقرب إلى السنة فيما أرى، وهو أن السلام ينتهي إلى (وبركاته). ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زاد على (وبركاته). وأما الروايات التي فيها ذكر الزيادة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تصح، وليست مما يتقوى بمجموعه ويصير حسنا، لا سيما تلك الروايات التي جاءت غريبة في مقابل المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 98 ـ[حكم زيادة وكل ضلالة في النار في خطبة الحاجة ؟ أرجو أن تسامحونا على الاطالة وإنما شفاء العيي السؤال والسلام عليكم ورحمة الله. ]ـ حديث الخطبة اشتهر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر. ورواه عنه كل من عبد الوهاب وسليمان بن بلال ويحيى بن سليم ومصعب بن سلامة ووهيب ويحيى بن سعيد وأبو موسى إسحاق بن موسى دون ذكر كلمة (وكل ضلالة في النار)، وهكذا رواه مسلم عن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن جعفر بن محمد، بعد أن صدر الحديث برواية عبد الوهاب الثقفي عن جعفر. كما اتفق الرواة على عدم ذكرها في حديث عرباض بن سارية. لكن جاءت هذه الكلمة باتفاق الرواة عن ابن المبارك عن سفيان عن جعفر بن محمد، واختلف الرواة على أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن جعفر في ذكرها. كما اختلفوا في ذكرها في حديث ابن مسعود موقوفا عليه. وقبل أن أتأكد على مدى احتمال رواية ابن المبارك بالمعنى من خلال نصوص النقاد لا أستطيع الجزم بأنها صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. ـ[ما صحة من يقول إن البخاري قد استوعب كل أحاديث الأحكام التي على شرطه في الصحيح ؟ أحاديث غير الأحكام لم يستوعبها يقيناً (كصحيفة وهب بن منبه). لكن وجدت ابن عبد البر يرد الحديث بأن البخاري ومسلم لم يخرجا في ذلك الباب أي حديث فيه. وقد أطال في هذه المسألة الزيلعي في نصب الراية في بحث البسملة في الصلاة (ولعله ينقل عن ابن التركماني). فهل كان منهج البخاري ومسلم استيعاب كل ما هو على شرطهما؟ أم أهم أحاديث الباب؟ أم أنهما لم يستوعبا ذلك أصلاً؟ مثلاً حديث (لا نكاح إلا بولي) صححه البخاري خارج الصحيح. وصححه الأئمة الكبار من السلف كذلك. وألزم بعضهم (أظنه الإسماعيلي) البخاري بإخراجه لأنه على شرطه. لكن البخاري لم يخرجه بل لم يعلقه أصلاً (على فرض أنه دون شرطه). فما هو السبب يا ترى؟ ]ـ لا زالت هذه المسألة معضلة عندي. نعم صرح الإمام البخاري بأنه لم يستوعب الأحاديث الصحيحة، لكن الإجابة به في جميع المناسبات تحتاج إلى شيء من الحذر. وكل من يشتغل بالحديث يرى في كلام السابقين حول هذه المسألة شيئا من الاضطراب. والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 99 ـ[ صنف الإمام أحمد مسنده حتى نعرض الحديث عليه فإذا وجدناه في مسنده علمنا أن له أصلا ً. لكني لم أجد أحدا من العلماء يضعف الحديث بمجرد عدم إخراج أحمد له. فكيف نوجه كلام الإمام أحمد؟ وهل خلو المسند والسنن والصحيحين من حديث يجعلنا نجزم بضعفه، بمعنى لو لم يرد الحديث إلا في المعجم الأوسط مثلاً فهل نحكم عليه بالضعف دوماً؟ ]ـ أستطيع أن أجزم بأن قول الإمام أحمد ليس على ظاهره الذي يتبادر إليه ذهننا. ولذلك لم نجد أحدا من العلماء يضعف الحديث بمجرد عدم وروده في المسند. وإذا حملنا على ظاهره فيلزم منه القول إن أحمد حفظ جميع السنة، وأودعها جميعا في مسنده، وهذا غير مسلم لدى الجميع، ولم يتم ذلك لأحد، كما لم يدع أحد ذلك من قبل، اللهم إلا ما ورد عن بعض الأئمة في سبيل مدح بعضهم والثناء عليهم مثل قوله: الحديث الذي لم يعرفه البخاري ليس بحديث. هذا مدح وليس حكم. وهذا قول الإمام أحمد كما نقله الذهبي: (هذا الكتاب - يعني مسنده - جمعته وانتقيته من أكثر من سبع مئة ألف وخمسين ألفا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة). ثم عقبه الذهبي بقوله: ''قلت: في الصحيحين أحاديث قليلة ليست في المسند، لكن قد يقال: لا تَرِد على قوله؛ فان المسلمين ما اختلفوا فيها، ثم ما يلزم من هذا القول: أن ما وجد فيه أن يكون حجة، ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها. وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة ولكنها قطرة في بحر .... ) اهـ. وتبين بذلك أن قول الإمام أحمد ليس على ظاهره، بل له محمل صحيح، لكن تتوقف معرفته على بحث ومقارنة. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 100 ـ[بعض الناس يقسّم منهج المتقدمين إلى مناهج في علل الحديث. فيقول إن هناك منهج البصريين وهو يشابه منهج أهل الحجاز. ويتزعمه ابن المديني ويعقوب بن شيبة والبخاري وغيرهم. ويقابله منهج أهل الكوفة الذي يتزعمه ابن معين وغيره من أئمة الكوفة. وهناك من جمع بين المنهجين مثل أحمد والدارقطني. ما هي مصداقية مثل هذا الكلام؟! ]ـ لا أجد لهذا التقسيم أي أساس في الواقع، ولا أشار إلى ذلك أحد ممن تكلم في علوم الحديث من القدامى أو المحدَثين. يبدو أن صاحب هذا التقسيم اخترعه قياسا على اختلاف المدارس الفقهية. أو على اختلاف علماء اللغة والنحو باختلاف بلدانهم. والواقع أن مبنى النقد وأساسه هو المعرفة الحديثية عن ملابسات رواية الأحاديث، ومن توفرت لديه هذه المعرفة الحديثية حول حديث ما علم صحته وخطأه، سواء كان كوفيا أو بصريا أو حجازيا. وعلى سبيل المثال: حديث اشتهر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، لو قلبه أحد من الرواة، ورواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة لقال كل من يعرف الواقع في حديث الزهري: هذا خطأ والصواب عن الزهري عن سالم عن ابن عمر. وهذا الفهم يكون موحدا عند جميع من يعرف الواقع، ولا يختلف باختلاف البلدان. نعم يختلف العلماء حول الحكم لكن ليس على أساس اختلاف البلاد، وإنما على مدى استحضار ما ينبغي استحضاره في النقد. وقد هالني بعض الإخوة حين زعم: إن علوم الحديث قد تشفعت، لا لسبب علمي وإنما لمجرد أن أغلب المؤلفين فيها هم الشافعية. ما هذا الكلام؟ يتحدث الناس عن هذا التراث العلمي العظيم الذي نعده من أقدس تراثنا الإسلامي، بالهوى وبدون دراسة استقرائية ولا مقارنة. وتمنيت أن يصبر هذا الأخ على ما يدور في خياله، ويحجم عن إثارته أمام الناس، إلى أن يتحقق ذلك في ضوء البحث والاستقراء والدراسة المقارنة. والله المستعان. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 101 ـ[ هل الخمر نجسة؟؟؟ ]ـ ج/ لا أعرف دليلا واضحا على نجاستها. ـ[ من هم علماء العلل وكيف نعرفهم ؟؟؟ ]ـ انظر كلام الحافظ العلائي، والحافظ ابن حجر، والسخاوي، وغيرهم. وقد نقلته عنهم في أكثر من مناسبة، كما نقله غيري في كتبهم من أجل أن يطلع عليه الناس ويصبح مألوفا لديهم لكثرة قراءتهم ذلك. وهذه نصوصهم مرة أخرى: قال الحافظ العلائي - وهو بصدد بيان موقف نقاد الحديث من زيادة الثقة -: (كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أن لا يحكم في هذه المسألة ـ يعني زيادة الثقة ـ بحكم كلي، بل عملهم في ذلك دائر على الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في حديث حديث). وقال الحافظ ابن حجر - وهو بصدد بيان موقف نقاد الحديث من زيادة الثقة -: (والمنقول عن أئمة الحديث المتقدمين كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة). وقال السخاوي في نوع الموضوع: (ولذا كان الحكم من المتأخرين عسرا جدا، وللنظر فيه مجال، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه كشعبة والقطان وابن مهدي ونحوهم وأصحابهم مثل أحمد وابن المديني وابن معين وابن راهويه وطائفة، ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي، وهكذا إلى زمن الدارقطني والبيهقي ولم يجىء بعدهم مساو لهم ولا مقارب أفاده العلائي، وقال: الجزء: 9 ¦ الصفحة: 102 فمتى وجدنا في كلام أحد المتقدمين الحكم به كان معتمدا لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح) اهـ. وهؤلاء مصدر هذا العلم، وكل من ينتهج منهجهم في التصحيح والتضعيف يعد من علماء العلل، بخلاف من يصحح الأسانيد ويضعفها ويحسنها بناء على أحوال الرواة. وفي الحقيقة أن هذا العلم لا يختلف عن العلوم الأخرى التي نجد الناس يقدرونها بفطرتهم، ويحترم المتخصصون فيها من هو أكثر تخصصا، ويسلمون لهم الأمور المتصلة بها إذا أشكلت عليهم؛ كالطب والهندسة والفيزياء وغيرها. لكن هذا العلم عند كثير من الناس مثل الهوى الذي يعد حقا للناس جميعا في هذه الأرض. والواجب أن يكون هذا العلم من أكثر العلوم احتراما لأنه يتصل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تحذير شديد من التساهل في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم. قيضنا الله تعالى وإياكم جميعا للدفاع عن الكتاب والسنة خالصة لوجهه الكريم كما قيض عباده الصالحين لذلك. ـ[وسؤالي فضيلة الشيخ حول هذه المقولة: حديث فيه ضعف والعمل عليه عند أهل العلم وهي مقولة موجودة في أكثر كتب المصطلح والتخريج فما هو دليل هذه المقولة وكيف يعمل أهل العلم بحديث ضعيف ومن المقصود بأهل العلم؟ ]ـ كان الإمام الترمذي يكثر من هذه المقولة، ومعناها أن الحديث وإن كان ضعيفا من حيث الرواية لكنه جرى العمل به في عصور الصحابة والتابعين، وبالتالي فإن الحديث له أصل قوي قد يرتقي إلى الصحة أو الحسن. وأما إذا كان العمل مبنيا على هذا الحديث الضعيف، إما تساهلا من بعض الفقهاء، فلا يدل قطعا على أن الحديث له أصل. وهنا نجد الفرق واضحا بين قول الإمام الترمذي وبين ما يردده كثير من المتأخرين في كتب الفقه. والله أعلم. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 103 ـ[ذكر البخاري في تاريخه الكبير في ترجمة أبي إسماعيل التيمي زيادة في السلام "ومغفرته" فما هو رأي فضيلتكم في هذه الزيادة وهل تحسن بكثرة شواهدها. ]ـ وما رواه أبو إسماعيل إبراهيم بن المختار عن شعبة دون أصحابه يعد غريبا منكرا. ولا يثبت به الحديث عن شعبة. ولذلك قال البيهقي في شعب الإيمان 6/ 456: ''إن في إسناده إلى شعبة من لا يحتج به''. وقد قال شعبة مرة حين سئل من يترك حديثه: إذا روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون فأكثر طرح حديثه. أعني بهذا النص الاستدلال به على أن تفرد إبراهيم بن المختار عن شعبة بما لم يعرفه المعروفون من أصحابه يعد غير مقبول. ولهذا أورده البخاري في ترجمة إبراهيم. وبمثل هذه الروايات الغريبة التي ينفرد بها عن المعروفين غير المعروفين من أصحابهم لا تثبت السنة، ولا مانع من الاستئناس بتلك الروايات، أو العمل بها على سبيل الاحتياط إذا لم يقتنع الباحث بحكم النقاد. و (الله أعلم) الجزء: 9 ¦ الصفحة: 104 ـ[الدكتور / ماهر ياسين الفحل العراق / الأنبار / الرمادي يسأل:. . شيخنا الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. . . أرجو أن تكون بصحة جيدة، وصلني سلامك عن طريق شيخي الدكتور هاشم جميل عبد الله؛ فجزاكما الله خيراً. . . وأسألكم عن منهج بعض المحققين يفكون ألفاظ السماع ويذكرونها كما هي من غير اختصار، مع إضافة (قال) وقد وجدت المزي صنع هذا حينما اطلعت على النسخة التي بخطه. فما هو الأحسن، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ]ـ تشرفت بالتعرف عليكم عن طريق عالم كبير محترم من علماء بغداد، وهو الشيخ الفاضل هاشم جميل - حفظه الله -، وكنت معجبا بخلقه وتواضعه وعلمه وصبره. الشيخ ماهر / جزاك الله خيرا، وكنا خائفين عليك، وسررنا لما سمعنا أخبارك بعد الحرب، ونحمد الله تعالى على سلامتك وسلامة إخواننا الآخرين الذين سلموا من وحشية الأعداء، ومع ذلك فإن قلوبنا حزينة بما جرى لإخواننا المسلمين، وبما يجري اليوم في عراقنا بحيث لا نستطيع أن نشاهد صور ذلك عن طريق التلفزة، وكم يحز في نفوسنا حين نرى الأقدام القذرة المحتلة توضع على رقاب إخواننا المسلمين في بلادهم!!. حمى الله المسلمين في جميع البلاد من شرور الطغات المتكبرين المتجبرين. والذي يطمئننا دائما هو أن الظلم لا يبقى كثيرا، بل يزول إما آجلا أو عاجلا. وأن العاقبة للمتقين. وأما سؤالكم يا شيخ ماهر - أعزك الله ورفعك - فإني أرى في الأمر متسعاً. ـ[أولا أريد أن أقول للشيخ حمزة المليباري جزاك الله خيرا ووفقك الله وزادك علما فوق علمك فقد قضينا سنة طيبة معك في علم الحديث ونسأل الله العظيم بأن ندرس عندك مرة أخرى. . . السؤال هو: ما الكتب التي تنصح بها لطالب علم مبتدئ ويريد معرفة أساسيات علم الحديث ... وجزاكم الله خيرا .. ]ـ جزاك الله خيرا، ووفقك لكل خير. يبدو أنه سبق لي أن أجبت عن مثل هذا السؤال. وعلى كل فإن الطالب المبتدئ ينبغي أن يكون همه عند دراسة أي كتاب ابتداء هو التمهيد، أكثر من هدف التحصيل والمعرفة المباشرة. ولذا فإنه ينبغي أن يختار أولا كتابا مختصرا وبذلك يتحقق غرضه، ألا وهو تمهيده إلى التحصيل وإعداده للمعرفة، وتهيئته للتفكير. وكلما يكون الكتاب الذي يبتدئ به أسهل وأوجز يكون أفضل. ومن المعلوم أن جميع الكتب في علوم الحديث تدور حول فلك واحد، وأي كتاب قرأته وجدت فيه التعريفات والأساليب نفسها عموما. ولا يفوتك شيئ من الأساسيات والمصطلحات والتعريفات باختيارك هذا دون ذاك. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 105 ولذلك لا أريد أن أعين لك كتابا دون آخر. والغرض الذي نريد تحقيقه في مرحلة الابتداء هو التمهيد إلى التحصيل العلمي، وليس التحصيل العلمي مباشرة. وبعد ذلك يخطو الطالب خطوة خطوة نحو التحصيل العلمي، وذلك من خلال مقارنة بين أكثر من كتاب ثم يقوم بعرض ما فهمه من ذلك على الكتب التي تشكل تطبيقا عمليا لنقاد الحديث. وينبغي أن يكون ذلك على سبيل التدرج، وتحت إرشاد أستاذ ماهر. هذا ما أريد أن أنصحك أخي الكريم في ضوء تجربتي. أكرمنا الله وإياك بالتقوى والعلم والتواضع والصبر. ـ[بعض طلبة العلم يطالب بعدم التقليد في مسألة أحوال الرواة وبخاصة التدليس . فهو لا يقبل وصف المتقدمين لأحد بالتدليس حتى يقيم الحجة على ذلك كأمثال وصف النسائي وأبي حاتم لأبي الزبير بالتدليس، ووصف عدد من الأئمة لعطية الكوفي بذلك وأشباه هؤلاء. وبعضهم يعمم هذا فلا يقبل تضعيف راو حتى يسرد من ضعفه الأحاديث التي أنكرت عليه. وإذا لم تكن كثيرة قالوا إن هذا لا يضعف الراوي. السؤال هل من الممكن تطبيق هذا المنهج على جميع الرواة في هذا اليوم؟. . ]ـ لا يمكن تطبيق هذا المنهج اليوم إذا عرفنا مبلغ علمنا، وحقيقة حالنا، وطريقة دراستنا وتفكيرنا. والواقع أننا عالة على المتقدمين ثم على المتأخرين في علم الحديث. ونحن نرى المتأخرين أمثال المزي والذهبي وابن حجر في كتبهم يقومون بجمع نصوص النقاد المتقدمين، ويقارنون بينها ثم يرجحون أصح الأقوال أو يوفقون بينها، دون أن نراهم يقومون بسبر مرويات الرواة للحكم عليهم، بخلاف الأئمة المتقدمين. وهذا كتاب (الكامل) يعد أنموذجا لسبر المتقدمين روايات الراوي وأحاديثهم مع نقل نصوص الأئمة السابقين. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 106 ومن المعلوم أن مصدر الجرح والتعديل هو سبر مرويات الرواة. وهل توفرت لدينا المرويات حتى نقوم بالمقارنة؟ ثم يزداد الأمر تعقيدا أننا لا نميز بين التفرد المقبول وبين التفرد غير المقبول، وبين خطأ الراوي الثقة وبين صوابه. وكيف نطالَب بعدم تقليد القدامى؟ والمحدث الناقد أو إمام الجرح والتعديل ليس من عادته عند تضعيف الراوي أن يذكر جميع ما أنكر عليه من الأحاديث، وحتى الإمام ابن عدي الذي يولي اهتماما بالغا بذكر المرويات عند ترجمة الراوي المتكلم فيه في كتابه الكامل لا يوردها على سبيل الاستيعاب في كثير من الأحيان. ثم إن الإنسان الذي لم يفهم لغة المحدثين، ومصطلحاتهم ومواقع استعمالهم، ولم يطلع على حقيقة هذا العلم، وليس له خبرة علمية كافية في هذا المجال، لا يسعه إلا أن يجمع نصوص النقاد ويحاول فهمها ويحترمها. ولا يمكننا إصدار حكم فيما يخص الإسناد لا بالانقطاع ولا بالتدليس بناء على سبر مرويات الراوي وتمييز ما سمع مما لم يسمع، وكيف يمكننا ذلك ونحن حاطبوا ليل، لا نعرف سوى إطلاق القواعد. فمثلا إذا وجدنا رواية الراوي المدلس معنعنة ورواية أخرى فيها حدثنا نحكم مباشرة بالاتصال دون أن نراعي أو نتأمل في مدى احتمال كلمة (حدثنا) خطأ أو وهما من الراوي المتأخر. وكل من يعرف قدر نفسه ومبلغ علمه يجزم بذلك. (رحم الله امرءا عرف قدر نفسه). يقول الحافظ ابن عبد البر في مبحث العنعنة: (إنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ، وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع) (مقدمة التمهيد1/ 26). وأين الذين يستروحون ويعتمدون ظاهر الرواية، وما ورد فيها من صيغ التلقي دون تدقيقها وتمييز ما صح منها مما لم يصح من هذا النص؟ فإنهم لا يميزون بمنهجهم هذا بين المدلس وبين غيره. ويقول ابن حبان: (فإذا صح عندي خبر من رواية مدلس أنه بين السماع فيه، لا أبالي أن أذكره من غير بيان السماع في خبره بعد صحته عندي من طريق آخر) (صحيح ابن حبان 1/ 151). الجزء: 9 ¦ الصفحة: 107 ويقول: (وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث، فإن أولئك الأئمة، كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود، عاينوا الأصول، وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفقدت العبارات المتيقنة، وبمثل هذا ونحوه دخل الدَّخَل على الحاكم في تصرفه في المستدرك) (الموقظة ص: 46). ويقول الحافظ ابن كثير: (أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب، وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم، واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصفوا بالإنصاف والديانة، والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل أو كونه متروكا أو كذابا، أو نحو ذلك. فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في مواقفهم، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم) (اختصار علوم الحديث ص: 79). ويقول الحافظ الذهبي: ( ... ونحن لا ندعي العصمة في أئمة الجرح والتعديل لكن هم أكثر الناس صوابا وأندرهم خطأ وأشدهم إنصافا وأبعدهم عن التحامل وإذا اتفقوا على تعديل أو جرح فتمسك به واعضض عليه بناجذيك ولا تتجاوزه فتندم ومن شذ منهم فلا عبرة به فخل عنك العناء وأعط القوس باريها فوالله لولا الحفاظ الأكابر لخطبت الزنادقة على المنابر ولئن خطب خاطب من أهل البدع فإنما هو بسيف الاسلام وبلسان الشريعة وبجاه السنة وبإظهار متابعة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فنعوذ بالله من الخذلان). ويقول في تذكرة الحفاظ: ( ... ولا سبيل إلى أن يصير العارف الذي يزكى نقلة الأخبار ويجرحهم جهبذا إلا بإدمان الطلب، والفحص عن هذا الشأن وكثرة المذاكرة والسهر والتيقظ والفهم مع التقوى والدين المتين والإنصاف والتردد إلى مجالس العلماء والتحري والإتقان وإلا تفعل: فدع عنك الكتابة لست منها ... ولو سودت وجهك بالمداد قال الله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}. الجزء: 9 ¦ الصفحة: 108 فإن آنست يا هذا من نفسك فهما وصدقا ودينا وورعا وإلا فلا تتعنَّ، وإن غلب عليك الهوى والعصبية لرأى ولمذهب فبالله لا تتعب، وإن عرفت أنك مخلط مخبط مهمل لحدود الله فأرحنا منك، فبعد قليل ينكشف البهرج وينكُب الزغل، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فقد نصحتك فعلم الحديث صَلِف، فأين علم الحديث؟ وأين أهله؟ كدت أن لا أراهم إلا في كتاب أو تحت تراب) اهـ. هكذا ينبغي أن يكون موقفنا أيضا، ونحن لم نتفوق عليهم بأي إبداع في مجال الجرح والتعديل ولا باكتشاف جديد. وكلما يكون الإنسان مطلعا على حقائق هذا العلم ومقتنعا بشخصية أئمة الجرح والتعديل وعارفا بقدر نفسه يكون أكثر الناس اقتناعا بما يقول هؤلاء العلماء؟ نعم إذا وجد خلاف بين أئمة الجرح والتعديل حول تضعيف راو وتوثيقه، يجب أن يراعي الباحث الأصول والقواعد التي أجاد فيها الشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي في كتابه ((التنكيل)). والله تعالى الموفق. وفي خاتمة هذا اللقاء الذي تشرفت به أود أن أصرح لكم ـ إخواني الاعزاء ـ بأنني كنت غير متفرغ للإجابة عن أسئلتكم، وكنت قد كتبت كثيرا من الأجوبة أثناء انشغالي بأعمال علمية أخرى، وأرجو من الله أن يقيني وإياكم من شرور أخطائي، ولله الحمد على توفيقه، كما أشكر أخوي: أبا خالد وبطي بن أحمد اللذَين قاما بإرسال الأجوبة كلما تتم، بعد تصحيح الأخطاء التي ترد فيها. كما أوجه شكري إلى الشيخ عبد الرحمن الفقيه، والشيخ خليل، والشيخ هيثم والشيخ عبد الله، وغيرهم من الإخوة القائمين بالإشراف على هذا الملتقى: (ملتقى أهل الحديث). رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين. وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى. أخوكم / حمزة عبد الله المليباري الجزء: 9 ¦ الصفحة: 109 أجوبة الشيخ محمد عزير شمس على أسئلة رواد الملتقى الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد: فقد سبق أن وضعت عدة لقاءات في ملتقى أهل الحديث على الشبكة العنكبوتية- الأنترنيت- في مواضيع علمية متنوعة مع نخبة من أهل العلم ولله الحمد ثم بعد ذلك افتتحت جلسة جديدة في ملتقى أهل الحديث بعنوان (التعريف بالكتب وطباعتها وما يتعلق بالتحقيق) وكان الهدف من إيجادها متابعة ما يجد من المطبوع في عالم الكتب الشرعية وكذلك نقد بعض الطبعات وغير ذلك مما يهم من يتصدى لتحقيق الكتب. فكان من المهم في هذه الجلسة أن يكون هناك لقاءات مع أبرز المحققين المعاصرين الذين اهتموا بتحقيق الكتب وأصبحت لهم خبرة فائقة في هذا المجال كي يستفيد منهم من يريد التصدي لهذا الشأن في وقت كثر من يقوم بتحقيق الكتب على طريقة ناقصة أو غير مرغوب فيها والله المستعان. وهذا هو اللقاء الأول من ملتقى أهل الحديث مع أبرز المحققين في عالم المطبوعات، يليه - بإذن الله - جماعة من المعروفين في هذا الفن، المشهود لهم بالفضل والعلم، والتمكن في هذا الباب. وهذه ترجمة لفضيلة الشيخ - حفظه الله - كتبها بيده الاسم: محمد عزير بن شمس الحق بن رضا الله سنة الولادة: 1957 م في ولاية بنغال الغربية في الهند مكان الدراسة: الابتدائية في مدرسة فيض عام في مدينة (مو) التي كان منها الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي ومحمد مصطفى الأعظمي وسعيد الأعظمي ومقتدى حسن الأزهري وغيرهم وبعد ذلك الدراسة العربية والتى استغرقت عشر سنوات في المدارس التالية: 1 - دار العلوم الأحمدية السلفية في دربنجه في ولاية بيهار 2 - دار الحديث في مدينة بيل دانجه في ولاية بنغال 3 - المدرسة الرحمانية في مدينة بنارس الجزء: 10 ¦ الصفحة: 1 4 - الجامعة السلفية في مدينة بنارس وكان الأنتهاء من الدراسة بها عام 1976 م 5 - الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية كلية اللغة العربية سنة التخرج 1401 هـ 6 - جامعة أم القرى _ ماجستير 1406 هـ بعنوان (التأثيرالعربي في شعر حالي) ورسالة الدكتوراة كانت بعنوان (الشعر العربي في الهند - دراسة نقدية) ولم تناقش. المشايخ: 1 - والده الشيخ شمس الحق السلفي ت (1406) درس عليه الموطأ والبخاري وكتب أخرى كثيرة في المدارس التى كان يدرس فيها وكان يتنقل معه فيها. 2 - الشيخ محمد رئيس الندوي (كبير علماء الحديث في الهند) 3 - محمد إدريس الرحماني 4 - عبد المعيد البنارسي 5 - عبد السلام الرحماني 6 - صفي الرحمن المباركفوري 7 - عبد السلام المدني 8 - عبد النورالندوي 9 - عبد الوحيدالرحماني 10 - عمه الشيخ عين الحق السلفي وغيرهم كثير قرأ على والده الشيخ شمس الحق السلفي: صحيح البخاري والموطأ وعلى الشيخ محمد ادريس الرحماني: النصف الأول من صحيح مسلم وعلى الشيخ عبد الوحيد الرحماني: النصف الثاني من صحيح مسلم وعلى الشيخ عابد حسن الرحماني: سنن أبي داود وعلى الشيخ محمد رئيس الندوي: جامع الترمذي وعلى الشيخ عبد المعيد البنارسي: سنن النسائي وعلى الشيخ عبد السلام الطيبي: النصف الأول من مشكاة المصابيح وعلى الشيخ عبد السلام البستوي: النصف الثاني من المشكاة وعلى الشيخ عبد السلام الرحماني: بلوغ المرام من زملائه في الدراسة بالجامعة السلفية: د- رضاء الله المباركفوري (محقق كتاب العظمة لأبي الشيخ وغيره من الكتب) - الشيخ صلاح الدين مقبول أحمد (مؤلف "زوابع في وجه السنة" وغيره من الكتب) د- بدر الزمان محمد شفيع النيبالي (محقق"ردّ الأنتقاد على ألفاظ الشافعي" للبيهقي وغيره ومؤلف عدد من الكتب بالأردية) د- عبد القيوم محمد شفيع البستوي (مؤلف ومترجم) - الشيخ شهاب الله جنغ بهادر البستوي (مؤلف وباحث) الجزء: 10 ¦ الصفحة: 2 - الشيخ عبد الله سعود البنارسي (أمين عام الجامعة السلفية حالياً) المؤلفات: 1 - حياة المحدث شمس الحق وآثاره (طبع طبعتين في بنارس بالهند) 2 - كتاب آخر بالأردية عن حياة المحدث شمس الحق (طبع في كراتشي بباكستان) 3 - أعلام أهل الحديث في الهند (بالأردية) غير مطبوع 4 - رسالة في حكم السبحة (بالأردية) 5 - مؤلفات الإمام ابن قيم الجوزية التحقيقات: 1 - رفع الألتباس عن بعض الناس للعظيم آبادي 2 - غاية المقصود شرح سنن أبي داود، للعظيم آبادي (المجلد الأول) 3 - مجموعة فتاوى الشيخ شمس الحق العظيم آبادي (بالأردية والفارسية) 4 - ردّ الإشراك، لاسماعيل بن عبد الغني الدهلوي 5 - تاريخ وفاة الشيوخ الذين أدركهم البغوي، لأبي القاسم البغوي 6 - جزء في استدراك أم المؤمنين عائشة على الصحابة، لأبي منصور البغدادي 7 - روائع التراث (عشر رسائل نادرة في فنون مختلفة) 8 - بحوث وتحقيقات للعلامة عبد العزيز الميمني 9 - إتحاف النبيه بما يحتاج إليه المحدث والفقيه، لولي الله الدهلوي (تعريب) 10 - مجموعة رسائل الإمام ولي الله الدهلوي (غير مطبوع) 11 - مجموعة رسائل المحدث شمس الحق العظيم آبادي (غير مطبوع) 12 - الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية (بالاشتراك) 13 - تقييد المهمل وتمييز المشكل، لأبي علي الجياني (بالاشتراك) 14 - قاعدة في الاستحسان، لشيخ الإسلام ابن تيمية 15 - جامع المسائل (5 مجلدات) لشيخ الإسلام ابن تيمية 16 - الرسالة التبوكية، لابن قيم الجوزية 17 - تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل، لشيخ الإسلام ابن تيمية، (بالاشتراك) جهود علمية أخرى: قام بفهرسة المخطوطات في مكتبة خدا بخش خان بمدينة باتنه (الهند) لمدة اربعة شهور. وفي مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لمدة ثلاث سنوات وفي مكتبة جامعة أم القرى في فترات مختلفة الجزء: 10 ¦ الصفحة: 3 كتب ومقالات كثيرة في مجلات أردية وعربية .. منها مجلة الجامعة السلفية، ومجلة المجمع العلمي الهندي، ومجلة مجمع اللغة العربية بدمشق ومجلة المعارف، ومجلة برهان وغيرها. ترجم بعض الكتب من العربية الى الأردية وبالعكس. قام بتدريس بعض العلوم (مثل الرياضيات والمنطق والعروض) في فترات مختلفة في بعض المدارس ألقى محاضرات في ندوات مختلفة في الهند وخارجها يعمل منذ سنوات في إعداد ببليو غرافيا عن شيخ الإسلام ابن تيمية المشايخ الذين حصل منهم على الإجازة: منهم والده الشيخ شمس الحق السلفي ومشايخ آخرون ذُكروا سابقا ومنهم الشيخ صبحي السامرائي من العراق / والشيخ أبو محمد عليم الدين السلفي من بنجله ديش. وكتب لي الشيخ علي بن محمد العمران في (14/ 3/1425) عن الشيخ محمد عزير: عرفت الشيخ الأستاذ محمد عزير شمس بكتبه وبعلمه قبل أن أعرف بشخصه وأخلاقه. ويعود لقائي به لأول مرة إلى نحو ثمان سنوات خلت في أواخر عام 1417هـ بمكة المكرمة وقد حفزني على لقائه والتعرف عليه ما سمعته من شيخنا العلامة ((بكر بن عبد الله أبوزيد)) من الثناء عليه. ومنذ ذلك الحين توثقت الصلة بيننا وازداد توثقها بعد أن اشتركنا في العمل على عدة كتب كان أولها كتاب ((الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون)) ثم في تحقيق ((تقييد المهمل وتمييز المشكل)) وأخيرا ً في كتاب ((تنبيه الرجل العاقل .. )) لشيخ الإسلام ابن تيمية. وقد عرفت من أخلاقه الحسنة الكثير فهو دمث الأخلاق، لين العريكة، قليل التكلّف، متقللا من كثير من المظاهر، دائم النفع لطلبة العلم والباحثين ولو كان في ذلك إجحاف بوقته أو بأعماله الخاصة، وقد شهدت من ذلك بنفسي شيئا كثيرا .. وكثيراما يقصده الباحثون للأستفادة منه في قسم المخطوطات بجامعة أم القرى، فيفيدهم منشرح النفس غير متبرم من أحد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 4 أما الناحية المعرفية ... فهو واسع الأطلاع في مختلف العلوم الإسلامية ذو معرفه كبيرة بالمكتبة التراثية وما طبع من الكتب وما لم يطبع، ذودراية واسعة بالمخطوطات وفهرستها، فقد عمل في ذلك سنوات طويلة تزيد على العشرين، اكسبته معرفة بالخطوط وأنواعها يفك عويصها ومغلقها .. ولاأدل على ذلك مما تميز به من قراءة مسوّدات كتب شيخ الإسلام ابن تيمية التي استعصت على الكثير من الباحثين والمحققين. وللشيخ معرفة متميزة باللغة وعلومها خاصة - العروض- وله بالدواوين الشعرية والمجاميع الأدبية عناية ظاهرة، يشهدكم بذلك من له معرفة بهذه الأمور من المختصين. وبالجملة فالشيخ من أكثر من رأيتهم عناية بالتراث ومعرفة بقيمته وتفانيا في خدمته ويشهد بذلك كل من عرفه أو جالسه. هذه كلمة كتبتها على عجالة والإفالتفصيل يحتمل أكثر من ذلك ... كتبه علي العمران 14/ 3/ 1425هـ) كتب هذه الترجمة الشيخ عبد الرحمن الفقيه الجزء: 10 ¦ الصفحة: 5 وهذه أجوبة الشيخ المحقق محمد عزير شمس حفظه الله على أسئلة رواد ملتقى أهل الحديث، السؤال الأول: ـ[شيخنا الفاضل: سؤالي عن كتاب غاية المقصود، شرح سنن أبو داود ، هل أصل هذا الشرح بالأوردية، وهل أتم الشيخ العظيم آبادي هذا الكتاب، وهل تم العثور عليه كاملا، وما هو المقدار الذي عثر عليه، وهل لديكم النية في إخراجه، وأخبرني بعض الأحبة أنكم تدرسون اللغة الفرنسية، فهل لي أن أعرف ما الفائدة من دراستها؟. ]ـ " غاية المقصود" هو الشرح الكبير على سنن أبي داود، ألَّفه الشيخ العظيم آبادي بالعربية، ولم يتمه، وقد كان انتهى من تأليف الثلثين منه (أي إلى الجزء 23 من أصل 32 جزءاً من سنن أبي داود حسب تجزئة الخطيب البغدادي)، كما يظهر من إحالات " عون المعبود" إليه. وتمَّ العثور على الأجزاء الثلاثة الأولى منه فقط في مكتبة خدا بخض في باتنه (بالهند)، وهي تحتوي على شرح كتاب الطهارة كاملاً وبعض أبواب كتاب الصلاة. وتمَّ طبعها في كراتشي سنة 1414هـ في ثلاث مجلدات. ـ لم أتعلَّم اللغة الفرنسيَّة، بل درست الإنجليزية وشيئاً من الألمانية (من بين اللغات الأوربية). وكلّ من تعلَّم بعض هذه اللغات يستفيد مما نُشِر فيها من بحوث ودراسات تهِمُّه، فلا ضيرَ في تعلُّمها بعد دراسة اللغة العربية. السؤال الثاني: ـ[س 1: ما هي آخر مشروعاتكم العلمية تجاه كتب ابن تيمية ؟ ]ـ ج 1: انتهيتُ (مع الأخ الشيخ علي العمران) من تحقيق كتاب " تنبيه الرجل العاقل في تمويه الجدل الباطل" لشيخ الإسلام، وسيصدر قريباً في مجلدين إن شاء الله. وأشتغل الآن في إعداد المجموعة السادسة من " جامع المسائل"، التي تحتوي على فتاوى ومسائل جديدة للشيخ. ـ[س 2: هل أنتم بصدد إخراج كتب ابن القيم كاملة مجموعة ؟ ]ـ ج 2: تنوي دار عالم الفوائد بمكة المكرمة إخراج كتب ابن القيم كلّها بإشراف الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد وقد خرجت المجموعة الأولى منها تقريباً. ـ[س 3: من هم أجود المحققين المعاصرين ؟. ]ـ ج 3: أما أجود المحققين المعاصرين فهم يختلفون باختلاف الفنون التي يشتغلون بها، وكلهم يتبعون مناهج الروّاد الأوائل من المحقّقين الكبار أمثال: عبد العزيز الميمني (في اللغة والأدب)، وأحمد محمد شاكر (في الحديث والأدب)، ومحمود محمد شاكر (في الأدب وتراث الإمام الطبري)، وعبد السلام هارون (في اللغة والأدب وتراث الجاحظ)، والسيد أحمد صقر (في الأدب وتراث ابن قتيبة)، وعبد الرحمن المعلمي (في كتب الرجال والتراجم)، ومحمد ناصر الدين الألباني (في الحديث)، ومحمد رشاد سالم (في تراث شيخ الإسلام) وحمد الجاسر (في تحديد الأماكن وضبطها)، وإحسان عباس (في التراجم والأدب وتراث ابن حزم). وتجد الموجودين من المحققين ينهجون نهج هؤلاء، والمحسنون منهم قليل، واهتمام الكثير منهم بالتعليق على الكتاب بما لا فائدة منه إلاّ زيادة حجمه فيبقى المتن مضطرباً مشوشاً محرّفاً في مواضع كثيرة. ولا أريد أن أخوض في تفصيل هذا الإجمال، وتفضيل بعض المعاصرين على بعض، فهم معروفون لدى الباحثين والمهتمين بكتب التراث. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 6 السؤال الثالث: ـ[أرجو من فضيلة الشيخ: إرشادي إلى الكتب المختصرة في تراجم الرواة حيث إنني ما زلت في بداية هذا الطريق، وجزاك الله خيراً .. ]ـ جواب السؤال الثالث: من أجود الكتب المختصرة في تراجم الرواة: تقريب التهذيب، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال (في رجال مؤلفي الكتب الستة) والمغني للفتني (في ضبط أسماء الرجال)، ومقدمة " تنزيه الشريعةُ المرفوعة" (في معرفة الكذابين والوضاعين)، والكواكب النيرات (في معرفة المختلطين) وتعريف أهل التقديس .. (في معرفة المدلسين) وديوان الضعفاء والمتروكين للذهبي، (في عامة الضعفاء). الجزء: 10 ¦ الصفحة: 7 السؤال الرابع: ـ[س 1: ما هي أفضل طبعة لتفسير ابن جرير الطبري ؟. . ]ـ ج 1: أفضل طبعة لتفسير الطبري هي التي صدرت أخيراً بإشراف الدكتور عبد الله التركي في مصر في 26 مجلداً. ـ[س 2: وهل صحيح أن طبعة بولاق هي أفضل طبعة لهذا التفسير؟. ]ـ ج 2: وطبعة بولاق ينقصها تفسير بعض الآيات في بعض السور، كما يظهر من مقدمة الطبعة المشار إليها. أما طبعة الأستاذ محمود شاكر ففائدتها في تعليقاته العلمية وتحقيقاته المنثورة في هوامش الأجزاء المطبوعة. السؤال الخامس: ـ[ ما أفضل طبعات الكتب التالية : 1 - فتح الباري لابن حجر. 2 - شرح النووي على صحيح مسلم. 3 - تفسير القرطبي .. ]ـ 1 - أفضل طبعة لفتح الباري أولاها التي طبعت في بولاق على نفقة النواب صديق حسن خان البوفالي، وعنها صدرت طبعتا المطبعة السلفية بالقاهرة مع ترقيم أحاديث البخاري (من قبل محمد فؤاد عبد الباقي)، وشيء من التصحيح والتعليق. 2 - شرح النووي له طبعات كثيرة هندية ومصرية، والمتداول الآن طبعة القاهرة سنة 1349هـ في 18 جزءاً، على أخطاءٍ فيها لا تخفى على القارئ المدقق. 3 - أما تفسير القرطبي فالطبع المعتمدة منه هي التي صدرت من دار الكتب المصرية في 20 جزءاً، وصُحِّحتْ بعناية واهتمام. والطبعات المتداولة الآن إما مصورة عنها أو مسروقة منها بتصفيف جديد وتحريف مزيد. السؤال السادس:. ـ[ ما هي دور العلم الباقية المهتمة بالحديث وعلومه بالديار الهندية ، وحبذا أن تكون الإجابة على النحو التالي: اسم الدار أو المدرسة،، مكان وجودها،، أشهر علمائها .. ]ـ أهم دور العلم الباقية المهتمة بالحديث وعلومه بالديار الهندية هي: 1 ـ الجامعة السلفية (بمدينة بنارس): الشيخ محمد رئيس الندوي. 2 ـ الجامعة المحمدية (بمدينة ماليكاؤن): الشيخ اقبال أحمد البسكوهري. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 8 3 ـ جامعة ابن تيمية (في جندن باره ـ ولاية بهار): الشيخ أمان الله البهاري. 4 ـ دار الحديث (في مدينة مئو): الشيخ عبد العزيز العمري. 5 ـ جامعة دار السلام (في مدينة عمر آباد ـ مدراس): الشيخ ثناء الله العمري. 6 ـ الجامعة المحمدية (في كوجرانداله ـ باكستان): الشيخ عبد المنان النورفوري. 7 ـ جامعة لاهور الإسلامية (في لاهور ـ باكستان): الحافظ ثناء الله المدني. 8 ـ الجامعة السلفية (في فيصل آباد ـ باكستان): الشيخ مسعود عالم. السؤال السابع: ـ[ ما هي أفضل التحقيقات للكتب التالية : ]ـ 1 - الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لابن علان. (الطبعة المتداولة هي طبعة جمعية النشر والتأليف الأزهرية في 7 أجزاء، 4 مجلدات، صدرت سنة 1939م). 2 - الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم. (تحقيق عبد الرحمن بن حسن بن قائد، نشر: دار عالم الفوائد بمكة، حديثاً). 3 - كتاب صيد الخاطر (طبعة دار الفكر دمشق) تحقيق ناجي الطنطاوي. وكتاب التذكرة لابن الجوزى. (كتاب التذكرة لابن الجوزي لم أقرأه). 4 - مفتاح دار السعادة لابن القيم. (يشتغل به الآن الأخ عبد الرحمن بن حسان بن قائد، وسيصدر قريباً من دار عالم الفوائد بمكة). 5 - سير أعلام النبلاء للذهبي. (طبعة مؤسسة الرسالة) 6 - روضة المحبين لابن القيم. (الطبعة الأولى بتحقيق أحمد عبيد). 7 - تحفة الذاكرين بشرح متن عدة الحصن الحصين للشوكاني. (طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1350هـ). وهل تعرف يا فضلية الشيخ شروح أخرى لمتن العدة لابن الجزري مع أفضل التحقيقات لهذه الشروح؟ (العدة مختصر من " الحصن الحصين " وعليها بعض الشروح والحواشي أكثرها لم تطبع. ومما طبع: الحرز الثمين لملاّ علي القاري، وحاشية لعبد الحيّ اللكنوي). الجزء: 10 ¦ الصفحة: 9 وماذا تعرف يا شيخنا من كتب أخرى في باب شروح الأذكار؟ (لم أقرأ في هذه الشروح كثيراً، وللنواب صديق حسن خان القنوجي كتاب " نزل الأبرار "، وللخطابي: بيان شأن الدعاء، وشرحَ ابن الأنباري في " الزاهر " كثيراً من الأدعية). 8 - عدة الصابرين لابن القيم. (الطبعات المتداولة غير محققة، وانتظر صدوره من دار عالم الفوائد). 9 - وماذا تعرف يا شيخنا من كتب تتحدث عن أفضل التحقيقات وعن تحقيقات الكتب؟ (أفضل طريقة لمعرفة الطبعة الجيدة: الاطلاع عليها مباشرةً والمقابلة بينها، ثم سؤال المختصين عنها، ولمعرفة طبعات الكتب يراجع: معجم المطبوعات العربية والمعربة، وذخائر التراث العربي، والمعجم الشامل للتراث العربي المطبوع). 10 - طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم. (طبعة قطر، ولكنها تحتاج إلى المقابلة على نسخ جيدة). 11 - وما هو تعليق فضيلتك على أحد الردود في إحدى المشاركات للأخ: (متأمل) وهذا الرد هو: ..... وأنصحك بكتاب ممتاز يساعد طالب العلم في تحديد التحقيق الجيد للكتاب .. وهو كتاب المدخل لتاريخ نشر التراث العربي للدكتور محمود الطناحي. ولعل في فرصة أخرى يكون بين الإخوة تحاور عن مسألة الطبعات القديمة، والتي يظن لعدم وجود حواشي عليها أنها غير مخدومة والحقيقة بخلاف ذلك تماما .. . اهـ. (ذكرتُ رأيي في معرفة الطبعات الجيدة، وكتاب الطناحي يساعد القارئ في اختيار بعضها. أما ما يتعلق بالطبعات القديمة فأنا أوافق الكاتب، فإنها أفضل من الطبعات المتأخرة في كثير من الأحيان). 12 - وما هو أيميل فضيلتك وهل لفضيلتك موقع أو سنراه قريباً - إن شاء الله -؟ (لا يوجد). الجزء: 10 ¦ الصفحة: 10 السؤال الثامن: ـ[ملحوظة: بالنسبة لكتاب (صيد الخاطر) فمن ناحية التعليق على الكتاب فتحقيق الشيخ: علي الطنطاوي، هو أفضل تحقيق من هذة الناحية؛ والله أعلم. ولكن المخطوطة المعتمد عليها في هذا التحقيق لم تسلم من كثير من الغموض ومن آثار تحريف النساخ، ولم يجدوا نسخة مخطوطة صحيحة يعتمد عليها. فسؤالي هو: عن تحقيق للكتاب يقل فيه التحريف والسقط بشكل كبير؟. ]ـ الأمر كما قلتَ بشأن كتاب " صيد الخاطر". وينبغي أن يُحقَّق الكتاب بالاعتماد على النسخ الموجودة منه في تركيا وألمانيا، وأغلب الظن أنها تكون أحسن مما اعتمد عليه الناشرون. وقد ذكر / عبد الحميد العلوجي هذه النسخ في " مؤلفات ابن الجوزي "، فحبذا لو نشط أحدهم لجمعها، ثم تحقيق الكتاب اعتماداً عليها، والله الموفق. السؤال التاسع: ـ[شيخنا الفاضل: لدي بحث سوف أقدمه لنيل الماجستير في قسم العقيدة بالجامعة الأردنية وعنوانه: موقف الشاعر أبو تمام من المسيحية والاثنى عشرية (عرض ونقض). ما الكتب التي تنصحونني بها في هذا الباب. وجزاكم الله خيراً .. ]ـ عليك أن تدرس ديوان أبي تمام وشروحه المختلفة، وتستنبط من شعره كلَّ ما يتعلق بموضوعك، كما فعل الأستاذ محمود شاكر مع المتنبي وكمال اليازجي مع أبي العلاء. ثم من أجل التوضيح والدراسة تراجع كتب التاريخ التي تناولت تفصيل الأحداث التي أشار إليها أبو تمام، وكتب الملل والنحل التي شرحت الآراء والمعتقدات المتعلقة بالنصرانية والاثنى عشرية، والتي أشار إليها أبو تمام. السؤال العاشر: ـ[بالنسبة ل كتاب المطالب العالية لابن حجر ؛ أيهم أفضل طبعة العاصمة أم الوطن؟!. ]ـ كل من يقارن بين الطبعتين يجد أن طبعة العاصمة أفضل من حديث الضبط والتخريج والتحقيق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 11 السؤال الحادي عشر:. ـ[س 1: حول رسالة العشق التي طبعتموها ما الجديد حولها حيث إني قرأت كلام في اللقاء مع الشيخ علي العمران حولها وهو: الشيخ الفاضل وفقه الله وجدت كلاما حول مشروعكم عن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض المنتديات وخاصة في نسبة رسالة في العشق لابن تيمية وهذا نص الموضوع ((حبا لشيخ الإسلام ولما له من الفضل واليد الطولى في نصرة السنة وتحقيق المسائل المشكلة، وحماية له من أن ينسب له ما ليس له كتبت هذا التنبيه على هذا المجموع الذي لا يخلو من انتقادات: فمن أهم الملاحظات: نسبتهم فتوى لشيخ الإسلام في العشق .. !!! مع ما فيها من كلام يخالف كلام شيخ الإسلام ابن تيمية فهو أيضا خاوي من نفس شيخ الإسلام - رحمه الله -، وذلك: بأن في هذه الرسالة المنسوبة لشيخ الإسلام - زعموا - يجيز فيها تقبيل المعشوق شهوة .. !! والكلام فيها كلام ركيك ودعوة للعشق بذكر فوائده وجواز الكلام بين المعشوقين والنظر والتقبيل أن دعت الحاجة إلى ذلك .. !! وهذا مع مصادمة للسنة فهو أيضاً مصادم لما قرره شيخ الإسلام في المجلد العاشر من مجموع الفتاوى (السلوك). وقد اعتمد المحقق على نسخة خطية ليس عليها سماع ولا اسم للناسخ وقال: أنها نسخت في القرن العاشر على الأقرب (أو بما معناه) فهل هذا تحقيق!!؟؟ أم شغل تجاري!!؟؟ أرجو أن تصل هذه الملاحظة إلى الأخ المحقق ليراجع نفسه وما خطت يده. وإن شاء الله لي وقفة مع كتاب المجموع في ترجمة شيخ الإسلام المطبوع ضمن هذه المجموعة)) الكاتب: لقد قرأت الفتوى هذه وأعدت قرأتها عدة مرات فوجدت إما إنها مدرجة أو تضمنت سقط أخل بمعناها الفتوى في المجموعة الأولى صفحة 177، ولعل من يستطيع من الإخوة أن يعرض هذه الفتوى على الشيخ بكر أبو زيد حتى نعرف صحة النسبة لشيخ الإسلام)) فما هي الإجابة عن هذا الإشكال؟! . . . فأود التأكيد على طلب الأخ، وأرجو عرض الموضوع على الشيخ محمد عزير؛ فهذه الرسالة (العشق) أكاد أجزم بأنها ليست لشيخ الإسلام رحمه الله لأسباب: 1 - لم يذكر المحقق من ذكر هذه الرسالة من العلماء عن شيخ الإسلام، وهذا في غاية الأهمية نظرا لغرابة الكلام المذكور فيها. 2 - ليس من سبيل لإثباتها إلا ما جاء على طرتها من اسم شيخ الإسلام!! 3 - أن أسلوبها الركيك يشكك في ثبوتها، فليس فيها ذاك النفس المعهود عنه رحمه الله. 4 - أنه من غير الممكن أن يقول الشيخ رحمه الله بجواز تقبيل المعشوق في ألأحيان!!! وأنه من الأفضل أن يمكنه المعشوق من ذلك!!!. 5 - أن كلام الشيخ في غير هذا الموطن يخالف المذكور هناك، وأن على العاشق البعد عن من عشقه، وأن هذا يزيل عنه ما يجد، انظر مثلا: 10/ 132 أتمنى من الشيخ علي إيصال هذا الموضوع إلى المحقق، كما أتمنى أن يتحفنا برأيه فيما ذُكر ... خاصة إذا تأمل المتأمل في حجم الخطر الكامن وراء انتشار هذا الكلام بين ضعاف النفوس، فاللهم سلم. أتمنى من الشيخ أن يتحفنا إن كان لديه تحقيق حول ثبوت المنظومة المنسوبة لشيخ الإسلام: اللامية جزاكم الله خيرا وبارك فيكم نقل من الأخ (ابن الوردي) في ما نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: كنت هممت من عدة أيام كتابة ملاحظات على المجموعة التي أصدرتها عالم الفوائد والتي تتضمن مجموعة رسائل لابن تيمية وبعض المختصرات ومقدمة لبكر أبو زيد ولكن أشغلتني قضايا أخرى حتى رأيت لشخص يسمي نفسه القشيري كتب تعليقا على هذه المجموعة، وغرضي هنا بيان بطلان فتوى العشق المنسوبة لابن تيمية التي نشرها عزير شمس - أصلحه الله -، فعزير شمس لم يتبع المنهج العلمي في توثيق الكتب والرسائل لأصحابها ولذلك وقع في هذه المشكلة وفتوى العشق التي نشرها في مجموعته في الجزء الأول بين الإمام ابن قيم الجوزية في كتاب روضة المحبين كذب هذه الفتوى على ابن تيمية ففي روضة المحبين ص118 ذكر ابن القيم جزءا من هذه الفتوى التي نشرها عزير شمس، وبين في ص131 أنها مكذوبة على شيخ الإسلام وأنها بخط رجل متهم بالكذب فهذا أخص تلاميذ ابن تيمية وهو ابن القيم ومن أعرف الناس بكتب شيخه وفتاويه ومذهبه يبين للناس كذب هذه الفتوى وأنها لا تصح نسبتها إلى ابن تيمية وإنه لمن الواجب على دار عالم الفوائد أن تتقى الله وتقوم بسحب جميع نسخ الكتاب من السوق وإتلاف الجزء الأول منها وإعادة طباعته بدون الفتوى المذكورة، لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فقد أسهموا بنشر هذا الكتاب وما تحويه من فتوى خطيرة يطير بها الفساق فرحا يسهمون بنشر الفساد ونسبة جواز الفسق إلى علم من أعلام الأمة اللهم أهدنا جميعنا لما تحبه وترضاه أهـ. كلام ابن الوردي من (الساحة) آمل من الشيخ؟ حفظه الله مراجعة ما كتبه الأخ / بهذا الخصوص وجزاكم الله خيراُ، والله يحفظكم ويحفظ المسلمين أمين. وكان جواب الشيخ علي العمران هو حول رسالة العشق لابن تيمية: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: في أول إجاباتي على الأسئلة الواردة من الإخوة الفضلاء، أقدم الجواب عن سؤال تكرر كثيرا في هذا المنتدى وفي غيره من المنتديات ألا وهو ما يتعلق ب ((رسالة العشق)) المطبوعة في (جامع المسائل: 1/ 177 - 186)، ومدى صحة نسبتها لشيخ الإسلام ابن تيمية، فأقول: أولاً: ينبغي على طالب العلم أن يستعمل الأدب في حواراته العلمية، وأن يدعم قوله بالأدلة والحجج ما استطاع الى ذلك سبيلا، وبعيدا عن سفيه القول وطائش الكلام، الذي يذهب بروح البحث. ثانياً: مهما كان الباحث واسع الإطلاع قوي المعرفة بما يكتب - كالشيخ محمد عزير شمس - فإنه قد يفوته كثير مما يدركه غيره، وهذا من طبيعة البشر، فكان ماذا لو فاته الإطلاع على كلام ابن القيم في نفي هذه الرسالة وأنها مكذوبة على الشيخ؟! ثالثاً: أن عذره في إثبات هذه الرسالة أمور: 1 - كثرة كتب ابن تيمية ورسائله وفتاويه، فعدم ذكرها ضمن كتبه ومؤلفاته، ليس دليلا على نفيها. 2 - أن ابن القيم قد نقل بعض التقسيمات الموجودة فيها في كتابه ((الجواب الكافي)) كما أشار إليه عزير شمس في الهوامش. 3 - أن النسخة الخطية قد نسبت هذه الفتوى لابن تيمية. 4 - أن الرأى الذي استغربه الكثيرون وهو: جواز تقبيل من خاف على نفسه الهلاك، ليس رأيا خارجا عن الإجماع، بل قد اختاره بعض العلماء ومنهم أبو محمد بن حزم - كما ذكر ابن القيم- أقول فهذه الأمور مجتمعة - إذا تجردت عن قرينة نفي ابن القيم للرسالة وتكذيبه لها الذي لم يطلع عليه عزير شمس - تسوغ هذه النسبة، وإن لم نجزم بها جزما لا يقبل الشك. رابعاً: هذا العذر - في تقديري على الأقل - مسوغ لهذه النسبة، فكيف لو اجتمع إليه دليل خامس، وهو: أن الأمير علاء الدين مغلطاي وهو من تلاميذ ابن تيمية وأنصاره - قد أثبت هذه الرسالة للشيخ ونقل منها في كتابه ((الواضح المبين فيمن مات من المحبين)) خامساً: بعد هذا كله فالرسالة - عندي - لاتثبت لشيخ الإسلام ابن تيمية، فليس فيها نفسه ولا أسلوبه المعهود في الكتابة، وما ذكره ابن القيم من أدلة في نفيها كاف. وقد ذكر في الروضة " (ص/131) أن أحد الأمراء - ويعني به مغلطاي - قد أوقفه على هذه الفتوى، ثم نقدها. سادساً: استدراكا لهذا الأمر؛ فإنه سينبه في آخر (المجموعة الخامسة) - إن شاء الله- على ما استجد من معلومات وفوائد وتصحيحات فيما يتعلق بهذه السلسة (1 - 8) تحت عنوان: ((استدراكات)) وسيكون التنبيه على هذه الرسالة منها. هذا أولاً. وثانياً: أنه في الطبعة الجديدة (للآثار000) - وهي قريبة إن شاء الله تعالى - ستحذف هذه الرسالة منها. هذه خلاصة رأيي في هذه المسألة، والحمد لله حق حمده. فهل من تفصيل حول هذه الرسالة وجزاكم الله خيراً. ]ـ لا جديد يضاف حول نفي رسالة العشق عن شيخ الإسلام ابن تيمية، بعدما كتب أخونا الشيخ علي العمران. وقد أشرتُ إلى شيء من ذلك في آخر " المجموعة الخامسة " من جامع المسائل. ولم أجد في كلام شيخ الإسلام في مواضع أخرى ما يؤيّد مضمون رسالة العشق، ولذا قرَّرتُ أنها تحذف في الطبعة الثانية. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 12 ـ[س 2: ما هي الصعوبات التي نسمعها في خط شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهل مر معك مواقف صعبة في قراءتها؟ ]ـ 2 - أول ما نشرتُ من آثار الشيخ: "قاعدة في الاستحسان" وقد ألحقتُ بها كامل النصّ بخط الشيخ، وكلّ من يقابل بين المخطوط وقراءتي له يعرف هذه الصعوبات. ـ[س 3: هل يمكنك إجازتنا بالرواية عن مشائخك ؟ ]ـ 3 - لا أعتبر نفسي أهلاً للإجازة، فكيف بأن أجيز؟ ـ[س 4: من هم أحسن أدباء الهند من المعاصرين ؟ ]ـ 4 - أدباء الهند الذين يكتبون وينظمون بالأردية وغيرها كثير، وأحسن من يكتب بالعربية: مقتدي حسن الأزهري، وسعيد الأعظمي، وأبو محفوظ الكريم المعصومي (وينظم الشعر أيضاً). ـ[س 5: نطلب منك أن تكتب لنا منهجا مختصراً حول طريقة تحقيق الكتب والضوابط المتبعة في ذلك .. ]ـ 5 - لو قرأت " ضبط النصّ والتعليق عليه " لبشار عواد معروف، " وتحقيق النصوص ونشرها " لعبد السلام هارون، " وقواعد تحقيق المخطوطات " لصلاح الدين المنجد ـ وجدت جميع القواعد النظرية في هذا الباب. والمهم الممارسة والتطبيق. والله الموفق. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 13 السؤال الثاني عشر: ـ[سؤالي - بارك الله فيكم - عن منتقى الإمام الباجى هل اشتغل عليه بعض طلبة العلم دراسة وتحقيقاً؟ وأين أجد - حسب علمكم - بعض المخطوطات الجيدة لهذا الكتاب .. ]ـ لا أعلم أحداً اشتغل بكتاب المنتقي للباجي دراسة وتحقيقاً، ولعل مخطوطاته توجد في مكتبة القرويين وغيرها من مكتبات المغرب. وأفيدك بأن أخي الفاضل الدكتور محمد السليماني اشتغل بتحقيق كتاب " المسالك شرح الموطأ " لأبي بكر ابن العربي، وابن لؤي كثير النقل عن الباجي، فالنصوص الكثيرة المنقولة في المسالك تعتبر بمثابة نسخة مهمة من "المنتقى". السؤال الثالث عشر: ـ[س 1: أرجو أن تطلعنا بشكل موسع على ملامح خطتك في نشر تراث الإمام ابن القيم , ومتى سنسمع البشارة بوصولها للأسواق - بإذن الله -. ]ـ 1 - مشروع نشر تراث الإمام ابن القيم يُشرف عليه الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله، وقد صدرت المجموعة الأولى منه قبل أسبوعين من دار عالم الفوائد بمكة المكرمة، تحتوي على سبعة كتب محققة بالاعتماد على أهم مخطوطاتها. وستصدر الكتب الأخرى تباعاً. ـ[س 2: قرأت في تقديم العلامة بكر أبو زيد لكتابكم الجميل ( سيرة شيخ الإسلام ) , أن هناك مشروعاً آخر مكمل لهذا الكتاب يستقرأ فيه حياة شيخ الإسلام وأحداثها العلمية والعملية بشكل مفصل من خلال كتبه وكتب تلاميذه فضلاً عن كتب التاريخ التي تحدثت عنه .. ما هي أخر أخبار هذا العمل المنتظر بشوق؟! ]ـ 2 - استقراء سيرة شيخ الإسلام من خلال كتبه وكتب تلاميذه قام به بعض الإخوة، وقمتُ أيضاً بتدوين كثير من الأخبار في أثناء قراءتي لهذه الكتب ولم أفرغ حتى الآن لجمعها وترتيبها. ـ[س 3: أيضاً قرأت في تقديم العلامة بكر أبو زيد لنفس الكتاب أن هناك مشروعاً مماثلاً ل تراجم الإمام ابن القيم .. هل عندك خبر حوله؟ ]ـ 3 - تراجم ابن القيم جمعها أخونا الشيخ علي العمران، وستُنشر فيما بعد ضمن المشروع، كما سيُنشر " مؤلفات ابن القيم نسخها الخطية وطبعاتها " من إعدادي. ـ[س 4: ما هو أفضل تحقيق لكتب : 1 - تفسير القرطبي. 2 - لسان العرب. 3 - الكامل في التاريخ. 4 - النهاية في غريب الحديث والأثر. 5 - تاريخ إبن خلدون. ]ـ 4 - أفضل تحقيق أو طبعة للكتب التالية في نظري: • تفسير القرطبي (طبعة دار الكتب المصرية في 20 جزءاً). • لسان العرب (طبعة بولاق في 20 جزءاً). • الكامل (طبعة دار صادر). • النهاية (طبعة الطناحي) • تاريخ ابن خلدون (طبعة بولاق في 7 مجلدات). ـ[س 5: تأكيد فقط على سؤال الأخ أبو عبد الله حول مدارس ومعاهد الحديث في الهند وباكستان في الوقت الحاضر . ]ـ 5 ـ أجبت على هذا السؤال فيما مضى. ـ[س 6: ما هو أقرب كتاب أدب [تراثي] إلى قلبك وروحك ؟. ]ـ 6 ـ أقرب كتاب أدب (تُراثي) إلى قلبي: " أمالي القالي " مع شرحه " اللآلي" لأبي عبيد البكري / والتعليق عليه للعلامة الميمني بعنوان " سمط اللآلي "، فقد انتقى فيها المؤلف نصوصاً أدبية وفوائد لغوية وأخباراً تاريخية ومختارات شعرية رائعة مع تحقيق الروايات والاهتمام بالأسانيد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 14 السؤال الرابع عشر: ـ[أريد أن اسأل عن أفضل الطبعات والتحقيقات والشروح لهذه الكتب : ]ـ 1/ شرح مقامات الحرير: (المقامات طبعت طبعات كثيرة، ومن أجودها طبعة دار بيروت، أما شرح الشريشي عليها فأجود طبعاته: طبعة محمد أبو الفضل إبراهيم في 5 مجلدات). 2/ كتاب الاعتصام للشاطبي (لم أقارن بين طبعاته، وقد قرأته في طبعة السيد رشيد رضا، وفي مواضع منها خلل واضطرابات). 3/ روضة العقلاء لابن حبان (لم أقارن بين طبعاته، وقد قرأته في طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد). 4/ نفح الطيب للتلمساني، وجدت طبعة (هي أفضل طبعة له، والدكتور إحسان عباس حقق النصوص وضبطها بعنايةٍ، وخرَّجها من المصادر)، طبعة عام1408هـ. 5/ عمدة التفسير لأحمد شاكر (طبعة دار المعارف بمصر. وأما ما صدر أخيراً في ثلاث مجلدات إلى آخر التفسير فلم يفرغ أحمد شاكر من إعداد وتحقيقه كما كان يرجو، فهو اختصار مجرد دون تحقيق وتعليق). 6/ العدة شرح العمدة المطبعة السلفية .. ما رأي فضيلتكم؟ (لم أقرأ فيها كثيراً، ولم أقابل بين الطبعات المختلفة لها). 7/ المقنع، في ثلاثة أجزاء .. المطبعة السلفية .. أيضا ما رأي فضيلتكم به؟ (لم أقرأ فيه، والحكم على الطبعة يحتاج إلى استخدامها كثيراً ومقارنتها بالطبعات الأخرى). 8/ أسد الغابة لابن الأثير (طبعة محمد إبراهيم البنا وآخرين بمصر). 9/ الإصابة لابن حجر (الطبعة المصرية القديمة التي بهامشها الاستيعاب وفيها أخطاء كثيرة، ولكني لم أستخدم غيرها، والطبعات اللاحقة مأخوذة عنها). 10/ تاريخ الخلفاء للسيوطي (تحقيق: إبراهيم صالح). 12/ السيرة النبوية لابن كثير (اقرأها في البداية والنهاية " الذي طبع بإشراف الدكتور عبد الله التركي ولا تلتفت إلى الطبعات الأخرى). 13/ الفروسية لابن القيم (تحقيق: محمد نظام الدين الفتيح) وسيصدر قريباً بتحقيق جديد من دار عالم الفوائد بمكة المكرمة، فانتظر. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 15 السؤال الخامس عشر: ـ[وما هي أفضل التحقيقات للكتب التالية أيضاً للأهمية الشديدة ويرجى بالغ الاهتمام بذكر أفضل التحقيقات لهذه الكتب. وهل تعرف يا شيخنا: مؤلفات أخرى أو مؤلفات معاصرة في علاج (الوسوسة في الطهارة)]ـ أنصحك بأن لا تقرأ في الكتب المستلة من الكتب الكبيرة، ولا تعتمد عليها في البحث والتحقيق. ولهذا فالأرقام 2، 4، 7 لا داعي إلى البحث عنها فهي مستّلّة من " إغاثة اللهفان"، وباقي الكتب كما يلي: 1 - التبصرة في الوسوسة للجوينى. (تحقيق: محمد بن عبد العزيز السديس، ط. مؤسسة قرطبة). 2 - مكائد الشياطين في الوسوسة (شرح ذم الموسوسين) لابن القيم. 3 - إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم. (ط. محمد حامد الفقي) 4 - الوسوسة لابن القيم. 5 - ذم الموسوسين لابن قدامة. (تحقيق الدكتور: عبد الله الطريقي). 6 - تلبيس إبليس لابن الجوزى. (ط. المنيرية، أو أي طبعة أخرى). 7 - ذم الموسوسين والتحذير من الوسوسة لابن القيم. 8 - التبصرة في ترتيب أبواب للتمييز بين الاحتياط والوسوسة للجويني. (= هو الأول). وجزاك الله خيراً. (لا أذكر منها إلاّ " الوسوسة وأحكامها في الفقه الإسلامي " تأليف حامد بن مرّه الجدعاني، وهو مهم في بابه). الجزء: 10 ¦ الصفحة: 16 السؤال السادس عشر: ـ[تحية تقدير للشيخ محمد عزير شمس ... وأغتنم هذا اللقاء بشكره على الاعتناء الجيد بعلم من أعلام الهند المغمورين عند طلبة العلم في زماننا الحاضر ألا وهو العلامة عبد العزيز الميمني الراجكوتي ... وسؤالي: هل في النية إصدار طبعة ثانية من الكتاب تكون أصح وأشمل من الطبعة الأولى ويضاف إليها بعض أبحاث الشيخ وتحقيقاته المفردة التي أصبحت في حكم المفقود مثل أبو العلاء وما إليه والطرائف الأدبية؟ ]ـ 1 ـ صدرت " بحوث وتحقيقات " للميمني من دار الغرب بدون مراجعتي لبروفاتها، فكثرت فيها الأخطاء المطبعية، وفي النية إصدار طبعة ثانية لها قريباً إن شاء الله، وأضيف إليها بحثاً وجدته منشوراً في مجلة المقتطف. ـ أما " أبو العلاء وما إليه " " والطرائف" فينبغي أن ينشرا مستقلين، وتجد مصوراتهما موجودة في المكتبات. ـ[فيما يتعلق بجامع المسائل لشيخ الإسلام نسمع عن الفتاوى العراقية وأجوبة الصلت التي أخرجتموها طبعت سابقا في الجزء الذي طبع من الفتاوى العراقية فهل في النية تحقيق ما لم يطبع من الفتاوى العراقية ضمن عملكم؟ ]ـ 2 ـ الأجزاء الأخرى التي ستصدر من " جامع المسائل " أنشر بقية الموجود (غير المنشور) من الفتاوى (نسخة العراق) إن شاء الله. ـ[وهل في النية من ضمن مشروع شيخ الإسلام بما أنكم وقفتم على كثير من النسخ الخطية عمل قراءات تصحيحية لمجموع الفتاوى الذي طبع بتحقيق الشيخ ابن قاسم؟ ]ـ 3 ـ قمت في نسختي الخاصة من " مجموع الفتاوى " تصحيح كثير من الأخطاء بمراجعة المخطوطات، ولكني لم أفكر في نشرها. ـ[وهل هناك شئ جديد في مشروع الفتاوى المصرية خاصة وقد قرأت لكم أنكم وقفتم على قطع جديدة مكمله للمطبوع؟. ]ـ 4 ـ عثرتُ على أربعة أجزاء مخطوطة من الفتاوى المصرية، ولا زلت أبحث عن الباقي، وفي النية تحقيقها بالاعتماد على النسخ التي عثرتُ عليها. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 17 السؤال السابع عشر: ـ[أسأل عن كتاب المبسوط للبيهقي ، وهل منه نسخة خطية كاملة؟ وفي كم يقع؟ ]ـ . كتاب " المبسوط" (في نصوص الشافعي) للبيهقي كتاب كبير كما وصفه السبكي وغيره، ولا أظنه موجوداً بتمامه، وقد أشار بروكلمان في تاريخ الأدب العربي (6/ 232 من الترجمة العربية طبعة دار المعارف) إلى وجود نسخة منه في بودليانا 1/ 828 بعنوان " نصوص الإمام الشافعي"، ولم أطلع عليها. ولعلها قطعة من هذا الكتاب أو غيره من مؤلفات البيهقي الكثيرة. ولا يمكن البتُّ فيها دون الاطلاع على النسخة وفحصها بعناية. ولعلكم تهتمون بتصويرها من المكتبة المذكورة الواقعة في جامعة أوكسفورد ببريطانيا. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 18 السؤال الثامن عشر: ـ[س 1: هل هناك من يقوم على تحقيق الرد على المنطقيين ومن هو؟ ]ـ ج 1: لا أعرف من أعاد تحقيق كتاب " الرد على المنطقيين "، وقد حاولتُ تصوير نسخته الفريدة (التي عليها خط المؤلف وتصحيحاته) من حيدر آباد، فلم أفلح. ولا يمكن إعادة تحقيقه إلاّ بالاعتماد على هذا الأصل. وقد نُسختْ من هذا الأصل عدة نسخ ناقصة وكاملة في العصر الحديث موجودة في بعض مكتبات الهند، ولا قيمة لها مع وجود الأصل ـ[س 2: أي الكتابين أفضل - يا شيخ - من ناحية التحقيق وصحة النسخ: (التفسير الكبير) تحقيق الدكتور عميرة، أو (دقائق التفسير) تحقيق الجلينيد ؟ ]ـ ج 2: سألتني عن " التفسير الكبير" و " دقائق التفسير"، فأقول: كلاهما مستخرجُ من أجزاء من " مجموع الفتاوى" مع تغيير في الترتيب ومقابلة بعض النصوص الموجودة فيهما على بعض المخطوطات، ولا يوجد فيهما نصُّ يزيد على ما في " مجموع الفتاوى" (كما ظهر لي بالتتبع الدقيق). وأنا أستغرب ادعاءَ السيد الجليند بأنه أمضى في تحقيق الكتاب عشر سنوات ثم لم يزد شيئاً على ما كان مجموعاً ومنشوراً وكان في متناول الباحثين والقراء!! و "والتفسير الكبير" ليس أحسن حالاً من "دقائق التفسير"، ولا أريد الخوض في التفصيل. فلا تسألني عن المفاضلة بينهما يا أخي، فكلاهما لا جديد فيه ولا تحقيق، ولا بيان للأصول الخطية لجميع السور والآيات المفسَّرة عند شيخ الإسلام، إلاَّ بطريق التلبيس والتدليس. ومن أظهر الأدلة على ذلك أن النسخ التي ذكراها لا تحتوي على جميع النصوص المنشورة في المجموعين. ـ[س 3: هل هناك تنسيق بينكم وبين الشيخ هشام الصيني (صاحب المجموعة العلية من كتب ابن تيميه)؟ ]ـ ج 3: أعرف الشيخ هشاماً الصيني، منذ سنوات، وكلّ واحد منَّا يشتغل بتحقيق رسائل الشيخ الجديدة، وليس بيننا تنسيق في " هذا الشأن وهناك رسائل نشرها كلُّ واحدٍ منا في مجموعته بمنهجه الذي اختاره. ـ[س 4: أين سينتهي مشروعكم بخصوص جامع الرسائل ؟. ]ـ ج 4: لا أدري متى ينتهي صدور أجزاء " جامع المسائل"، فإنني بسبب عملي الببليوغرافي عن شيخ الإسلام أطَّلع على الكتب والمجاميع الموجودة في مكتبات العالم ومصوَّراتها، وأعكف على دراستها ومقارنتها بما في " مجموع الفتاوى"، وبهذا تتجمع لديَّ بعد كل فترة مجموعة من مسائل وفتاوى لا يحتوي عليها "مجموع الفتاوى"، فإذا صلحت أن تخرج في مجموع نشرتُها. وهذه السلسلة لا تتوقف إلاّ بعد الانتهاء من مراجعة أغلب المجاميع الموجودة حاليّاً في المكتبات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 19 السؤال التاسع عشر: ـ[س 1: يسأل بعض طلبة العلم في بلدنا عن نسخة (الموطأ) برواية محمد بن معاوية الحضرمي الإطرابلسي، هل لها وجود في عالم المخطوطات؟! ]ـ ج 1: لا أعرف عن وجود الموطأ برواية محمد بن معاوية الإطرابلسي شيئاً، ولم أجد ذِكره في فهارس المخطوطات التي اطلعت عليها. ـ[س 2: وهل وقفتم - بارك الله فيكم - على شيء جديد يتعلق ب مسند الإمام بقي بن مخلد ؟ ]ـ ج 2: ومسند بقي بن مخلد، قيل: إنه يوجد في مكتبة كارل ماركس بألمانيا، ولم أجد ذِكره في فهرسها المطبوع، ولم يظهر شيء من المسند حتى الآن. ـ[س 3: وسألت كثيرا عن المنتقى الصحيح لابن السكن فلم أجد جواباً؟. ]ـ ج 3: وصحيح ابن السكن مفقود منذ قرون، قال الذهبي في " السير" (16: 117): "لم نَرَ تواليفَه، هي عند المغاربة ". فكيف بنا نحن في القرن الخامس عشر! الجزء: 10 ¦ الصفحة: 20 السؤال العشرون: ـ[هل هناك ضابط أو قاعدة يمكن عن طريقها معرفة جودة الكتاب أو الطبعة ؛ فمثلاً بعض الناس يقول: كل كتاب طبعته دار الكتب العلمية فهو تجاري سيء لا يمكن الاعتماد عليه. فهل تصح هذه القاعدة، وهل هناك قواعد أو ضوابط في هذا الباب؟!. ]ـ ـ ذكرتُ فيما مضى من الأجوبة أن جودة الطبعة أو رداءتها تُعرف بالمقارنة بين طبعات مختلفة من كتابٍ واحدٍ، ثم بينها وبين الأصل المخطوط (أو النماذج المرفقة من أوله وآخره " بمقدمة التحقيق)، ثم النظر في سلامة النصّ المحقق من الأخطاء والتحريفات الواضحة، والنظر في دقة الإحالات والتخريجات والحواشي، واحتوائها على فوائد جديدة وإضافات مفيدة تدلُّ على اهتمام المحقق وعنايته بمسائل الكتاب. وعملية النقد والمقارنة هذه ينبغي أن يقوم بها كلُّ باحثٍ مدقّق قبل الاعتماد على طبعة معينة، وبعد طول الممارسة ستظهر له أشياء في هذه الطبعات المتداولة لم تخطر على باله من قبل، والتجربة أكبر دليل على ذلك. ـ والأمر الذي يجب على القارئ والباحث عند اختيار طبعة معينة من الكتاب أن ينظر: هل هذا الكتاب صدر من قبل بتحقيق أحد الكبار من المحققين المعروفين (الذين سميتُ رُوَّادهم فيما مضى من الأجوبة)؟ إذا كان كذلك فليبحث عن تلك الطبعة أو مصدراتها، وسيجدها في المكتبات التجارية أو الجامعية أو الشخصية. ولا يَعدِل عنها إلى غيرها من الطبعات إلاّ ببيّنةٍ، كصدور الكتاب كاملاً، أو بالاعتماد على مخطوطات أخرى مع العناية بتحقيق النص. ـ أغلب طبعات دار الكتب العلمية سيئة، وخاصةً تلك التي صدرت منذ سنوات بتصفيف الحروف من جديد، ومع ذلك فقد نَشَرتْ فيما مضى مصادرَ مهمة في فنون مختلفة بالتصوير عن الطبعات القديمة أو المحققة، فهذه يجب اقتناؤها والاستفادة منها، بل لا سبيل إلى الحصول على هذه الطبعات القديمة إلاّ في هذه المصوَّرات. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 21 السؤال الواحد والعشرون: ـ[هل طبع كتاب بيان تلبيس الجهمية المحقق في ثمان رسائل جامعية، وأين؟ ]ـ لم يطبع " بيان تلبيس الجهمية " (المحقق في ثمان رسائل جامعية) حتى الآن، وقد كنا سمعنا من مدَّةٍ أنه سيطبع قريباً في الرياض، ولا ندري ماذا حصل له؟ ـ[وما هي الكتب المحققة من قبل وتنوون إعادة تحقيقها مرة أخرى لأسباب ما سواء لكم أو لغيركم؟. ]ـ ينبغي الاهتمام بإعادة تحقيق الكتب من الأنواع التالية: (1) ما طبع ناقصاً، ونسخه الأخرى موجودة، مثل أمالي ثعلب، وأمالي الزجاجي، وبيان تلبيس الجهمية، وغيرها كثير. (2) ما طُبع مضطرب الترتيب ومحتملاً حسب ما وُجد في الأصل، مثل: الخطب والمواعظ لأبي عبيد، كتاب القروض لأبي الحسن العروضي، وغيرهما كثير. (3) ما لم يوجد كاملاً، ولكن وجدت أجزاء منه لم تُطبع حتى الآن، مثل جزء من " معجم الأدباء" (مخطوط في إيران)، وأجزاء من كتاب " الأوراق" للصولي، وأجزاء من " المنثور والمنظوم" لابن أبي طاهر طيفور. (4) أيّ كتاب مطبوع إذا وُجدت نسخته الخطية بخط المؤلف، ولم يُعتَمد عليها في المطبوع، وعلى هذا فينبغي على سبيل المثال ـ إعادة تحقيق كل ما نُشِر من كتب شيخ الإسلام، ووُجِدتْ أصولها بخطه، وهذا كثير. (5) ما طبع من كتب الحديث والرجال وغيرها، إذا وُجدتْ له أصولٌ متقنة وقد طبع مسند الطيالسي وتفسير الطبري وتاج العروس وغيرها طبعات محققة، وظهر بها سقط أوراق وفصول من طبعاتها القديمة والباحث الجادّ يبحث عن أصولٍ قديمة للكتب والمصادر المهمة، وإذا وجدها أطال النظر في مقارنتها بالمطبوعة، وإذا وجدَ زيادة أو تصحيحاً فرح بها ونشرها للفائدة، وإن لم يُعِدْ تحقيق الكتاب من جديد. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 22 السؤال الثاني والعشرون: ـ[ليتك تحدثنا عن كتاب (التحفة الاثنى عشرية) للإمام الدهلوي - رحمه الله -، من حيث: _ الترجمة إلى العربية، هل تم ذلك أم لا؟! _ مختصرات الكتاب. _ ردود الروافض عليه، وخاصة كتاب (عبقات الأنوار) لحامد الحسيني اللكهنوي. وغيرها من الفوائد عن هذا الكتاب وماذا عن كتب الشيخ الدهلوي الأخرى المكتوبة بالفارسية، ليتك تسردها لنا مع ذكر الذي ترجم منها والذي لم يترجم .. ]ـ الجزء: 10 ¦ الصفحة: 23 ـ قام بتعريب (التحفة الاثنى عشرية) كاملاً: الشيخ غلام محمد الأسلمي المدراسي سنة 1227هـ بعنوان " الترجمة العبقرية والصولة الحيدرية "، وهو في مجلد ضخم، توجد نسخهُ الخطية في مكتبة خدا بخش والمكتبة الآصفية وغيرهما في الهند. ولم يطبع بتمامه حتى الآن، وإنما طبع مختصره الذي هذّبه العلامة محمود شكري الآلوسي. ولم يطبع من مختصراته بالعربية إلاّ هذا فيما أعلم. ـ أما ردود الروافض عليه فكثيرة، بعضها بالعربية وأكثرها بالفارسية، وأشهر من ردّ عليه منهم: 1) دِلْدار علي اللكنوي، له كتب عديدة في الدر على فصولٍ من "التحفة"، منها: صوارم الإلهيات، وحسام الإسلام، وإحياء السنة، وذو الفقار، رسالة في إثبات الغيبة لصاحب العصر والزمان. 2) محمد بن دِلدار علي، له في الرد عليه: البوارق (في مبحث الإمامة)، وطعن الرماح (في مبحث فدك والقرطاس) وغيرهما. 3) مرزا محمد بن عناية أحمد الدهلوي، له: النزهة في الردّ على التحفة. 4) محمد قلي خان الكنتوري، له عدة كتب في الرد على أبواب التحفة، منها: السيف الناصري، وتقليب المكائد، وبرهان السعادة، وتشييد المطاعن، ومصارع الأفهام. 5) حامد حسين بن محمد قلي خان / الكندي له في الرد على التحفة: " عبقات الأنوار في إثبات الإمام للأئمة الأطهار" في مجلدات كبار. 6) ناصر حسين بن حامد حسين، له تكملة " عبقات الأنوار" لوالده. ـ ولأهل السنة ردودٌ على الكتب السابقة، لا مجال لتفصيل الكلام عليها هنا، وتوجد هذه الكتب والردود في مكتبات الهند، وخاصةً في مكتبات مدينة لكنو التي يكثر فيها الشيعة. وأغلب هذه الكتب بالفارسية، وبعضها بالأردية والعربية. ـ أما كتب الشيخ عبد ال الدهلوي (مؤلف التحفة) فهذه بعضها: 1) تفسير القرآن بالفارسية يُسمَّى " تفسير ي" أو فتح ال (مجلدان في تفسير أول القرآن وآخره) مطبوع. 2) مجموعة من فتاواه بالفارسية (مجلدان) مطبوعة. 3) بستان المحدثين (بالفارسية) طبع تعريبه من دار الغرب الإسلامي ببيروت، ومن دار الداعي بالرياض. 4) العجالة النافعة (بالفارسية)، طبع تعريبها في باكستان، ثم في الرياض من دار الداعي. 5) رسالة فيما يجب حفظه للناظر (بالعربية) طبعت قديماً بالهند. 6) ميزان البلاغة (بالعربية) مطبوع 7) ميزان العقائد (بالعربية) مطبوع مع شرحه من تأليفه. 8) السر الجليل في مسالة التفضيل (مطبوع) 9) سرّ الشهادتين (بالفارسية) مطبوع. وله حواشٍ على بعض كتب المنطق والفلسفة، مطبوعة في الهند وله "شرح أرجوزة الأصمعي" (مخطوط في مكتبة رضا في رامفور بالهند) وله قصائد ومنظومات بالعربية والفارسية. هذا ما عندي، والله أعلم. الجزء: 10 ¦ الصفحة: 24 أجوبة الشيخ عبد العزيز الطريفي على أسئلة ملتقى أهل الحديث السؤال الأول: ـ[بالنسبة ل كتابكم التحجيل بودنا لو تذكر لنا نبذة عنه وهل سيكون له طبعة جديدة؟ ]ـ كتاب التحجيل هو تتميم لعمل العلامة الالباني في كتابه الإرواء خرجت فيه ما فاته، وما لم يلتزم تخريجه مما اعتاد الحفاظ على تخريجة عند الكلام على المصنفات، فآثار الصحابة وهي الموقوفات لم يلتزم العلامة الألباني تخريجها رغم أن المعتنين بالتخريج إلتزموا بذلك كالزيلعي وابن حجر وغيرهما، وقد أشرت الى شرطي فيه في مقدمته، وسيكون له باذن الله طبعة ثانية قريبا، فيها زيادات مهمة، وتصويبات لما لا يسلم منه كاتب، وسيلحق بذلك فهرس يقوم به أحد طلاب العلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 1 السؤال الثاني: ـ[بالنسبة ل شروح نخبة الفكر ما هو أجودها ؟ ]ـ نخبة الفكر للحافظ ابن حجر من الكتب المختصرة المفيدة في المصطلح، وخاصة إذا شرحت من عارف بمناهج الأئمة الحفاظ، ومن شروحها الجيدة شرح مصنفها المسمى نزهة النظر فهو تعليقات مختصرة نافعة جداً، وقد اهتم بشرحها جمع من العلماء كابن صدقة وابن همات والشمني وغيرهم. السؤال الثالث: ـ[ذكر بعض الإخوة في الإنترنت عنكم أن أذكار الصباح والمساء لا تسرد مرة واحدة بل تقال طول النهار وطول الليل. السؤال ماهو الدليل على هذا الأمر من قال به من أهل العلم؟ بارك الله فيكم. ]ـ أذكار الصباح والمساء التي جاءت في النصوص، جاءت منثورة في أخبار متعدده حملها جماعة من الصحابة متفرقون، منها ما دلّ الدليل على كونها في وقت معين كقراءة آخر آيتين من سورة البقرة فإنها تكون ليلاً بعد غروب الشمس، ومن ذكرها بابتداء المساء على أنها من أذكار المساء فقد خالف السنة، ومنها ما جاء مطلقاً بذكر الصباح والمساء فهذه تكون بابتداء الصباح وابتداء المساء ولا تهذ هذاً، وما اعتاده كثير ممن ينتسب للصلاح من أهل زماننا من هذ أذكار الصباح والمساء في مجلس واحد، ثم الغفلة بقية اليوم، فهذا خلاف السنة. والمراد: أنه ينظر في الأذكار فما جاء منها مقيد بليل فذكره في ابتداء المساء خلاف السنة، وما جاء مقيد بوقت فإنه يذكر في وقته، لأنني رأيت كثيراً ممن يكتب ويجمع هذه الأذكار في مطبوعات صغيرة وكبيرة، يجملها لتذكر سرداً بلا تنبيه، وهذا خلاف السنة. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 2 السؤال الرابع: ـ[السلام عليكم ورحمة الله شيخنا الفاضل جزاك الله خيراً ما رأيك في الاهتام ب دراسة علم المنطق ولا أقول اهتمام بل حفظ منظومة (السلم المنورق) فقط فيه وهل يدخل في النهي الذي نهى العلماء عنه من دراسة لعلم المنطق؟ ]ـ علم المنطق اهتم به أهل العلم في وقت وزمن كانت الحاجة له، لتلبس واحتجاج كثير من اهل البدع به، وذلك عندما قام المسلمون بتعريب كتب فلاسفة اليونان واضرابهم، فتأثر بهذا العلم كثير من المسلمين فضلّوا، وأحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا زالت الحاجة لهذا العلم تقل زمناً بعد زمن لقلة احتجاج أهل البدع به، وفي وقتنا هذا لا أرى حاجة لدراسة هذا العلم، ولا تضييع الوقت في حفظ كتبه ومنظوماته، وقد تعلمنا هذا العلم فما استفدنا منه شيئاً، فنصيحتي لطلاب العلم الأعراض عنه والإقبال على كتب السلف والتبصر في كتب الاعتقاد والتفسير والفقه والحديث واللغة ونحوها مما ينفع العبد في دينه ودنياه. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 3 السؤال الخامس: ـ[هل من السنّة أن يعتمد الإنسان على يديه بعد جلسة الاستراحة وإذا كان ممن ينكر حديث العجن فكيف يعتمد على يديه مع أنها سنة عنده؟ ]ـ الاعتماد على اليد عند القيام في الصلاة من السنة وقد جاء في ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث قال: إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) يصلي، قال أيوب: فقلت لأبي قلابة: وكيف كانت صلاته، قال: مثل صلاة شيخنا هذا يعني عمرو بن سلمة، قال أيوب وكان ذلك الشيخ يتم التكبير وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام، وقد ترجم له البخاري بقوله: باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة. والاعتماد المراد به على اليدين كما فهمه جماعة من أهل العلم كالشافعي وابن خزيمة، ,والاعتماد يكون بباطن الكف أو كالعجن من غير اعتقاد سنية العجن لان الخبر فيها ضعيف، وقد جاء عن بعض السلف كراهية الاعتماد على اليدين كابراهيم النخعي، وجاء في السنن النهي عن الاعتماد على اليدين حال القيام، وجاء فيها مرفوعاً الاعتماد على صدور القدمين، ولا يصح، وقد روي عن بعض الصحابة عليهم رضوان الله أنهم ينهضون في الصلاة على صدور قدميهم كما في مصنفي ابن أبي شيبة وعبد الرازق وفي البيهقي في سننه ولايحتج بها، إلا أن عدم المداومة على الاعتماد على اليدين أولى. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 4 السؤال السادس: ـ[هل يصح قول من يقول إن الإعداد البدني للجهاد فرض عين مطلقا ً لأن الأمر في قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وعليه فلا يلزم استئذان الولد لوالده ولا الدائن لمدينه فما قولكم حفظكم الله؟ ]ـ الإعداد البدني من الأمة الأصل فيه هو أنه فرض على الكفاية، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، إلا أنه يحرم على من تعلم إعداداً بدنيا كالرماية ونحوها أن ينساها، بل يجب عليه تعاهدها، لما جاء في الصحيح عن الحارث بن يعقوب عن عبد الرحمن بن شماسة أن فقيما اللخمي قال لعقبة بن عامر تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك قال عقبة لولا كلام سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم أعانيه قال الحارث فقلت لابن شماسة وما ذاك قال إنه قال: من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى وأما قوله سبحانه وتعالى: (وأعدوا لهم .. ) فهو مفسر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) كما في الصحيح أنّ القوة هي الرمي ويدخل فيه ما في حكمه مما يتقوى به المسلمون على الاعداء، وقد جاء الدليل بوجوب ملازمة الرمي على من تعلمه، والاعداد فرض على الكفاية، فإن لم يقم من يكفي بالاعداد أثم المسلمون جميعاً، ويتأكد الأثم على من ولاه الله الأمر، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 5 السؤال السابع: ـ[ذكر الكثير من العلماء أن المدلس الملازم لشيخه، فإن حديثه المعنعن عنه يُحمل على الاتصال. وهذا معروفٌ لا شك فيه، عن البعض كالأعمش عن أبي صالح. ولكن كأن الأمثلة الموجودة على ذلك عند السلف قليلة. ثم ما هي ضوابط هذه الملازمة، وما شروطها؟ إن كانت مدة الملازمة فهذا الحسن لازم أنس مدة طويلة، مع أن مروياته عنه قليلة. وإن كانت كثرة الرواية عن الشيخ، فهل نقبل حديث أبي الزبير عن جابر، وحديث الوليد عن الأوزاعي؟ ثم هذا مجاهد تجد غالب أحاديثه قد تفرد بها عبد الله بن أبي نجيح (ثقة مدلس، قدري معتزلي داعية). وقد قال يحيى القطان: لم يسمع التفسير كله من مجاهد بل كله عن القاسم بن أبي بزة. ومن المؤسف أن يتفرد بغالب تفسير مجاهد هذا المبتدع المدلس. ولكن يبقى السؤال عن ضابط الملازمة. ثم هذا ابن جريج رغم طول ملازمته لعطاء (بل هو أوثق الناس به) لم يستوعب حديثه كله كما يعترف بنفسه. جاء في تهذيب الكمال (8/ 25): قال أبو قلابة الرقاشي عن عبيد الله بن محمد العيشي حدثنا بكر بن كلثوم السلمي قال أبو قلابة وهو جدي أبو أمي قال قدم علينا بن جريج البصرة فاجتمع الناس عليه فحدث عن الحسن البصري بحديث فأنكره الناس عليه فقال ما تنكرون علي فيه لزمت عطاء عشرين سنة ربما حدثني عنه الرجل بالشيء الذي لم أسمعه منه!! وهذا يفتح علينا إشكال آخر وهو ما حكم عنعنة ابن جريج عن عطاء. فإن الأئمة اتهموه بالتدليس الشديد عن الضعفاء. قال الدارقطني: تجنب تدليس بن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما. وأما بن عيينة فكان يدلس عن الثقات. ويشوش على هذا ما رواه يحيى بن سعيد عن بن جريج قال: إذا قلت "قال عطاء"، فأنا سمعته منه، وإن لم أقل سمعت. وقد قال يحيى بعكس ذلك فقد قال: كان بن جريج صدوقا فإذا قال حدثني فهو سماع وإذا قال أنبأنا أو أخبرني فهو قراءة وإذا قال قال فهو شبه الريح. وإذا قلنا بأن الحادثة الأولى مخصصة للثانية، فهل ما يقوله بصيغة (عن) هي محمولة على الاتصال كذلك مثل (قال)؟ ثم إن ابن جريج فيه أمر محير فعلاً. فهو حافظ ثبت بلا ريب. ولكنه كان ممن يبيح المتعة بإطلاقها (أي ولا حتى بتفصيل ابن عباس في وقت الشدة) بخلاف الأحاديث المشهورة في مكة بالتحريم. أفلا يسقط هذا العدالة أم أنه أمر اجتهادي؟! قال أبو غسان زنيج سمعت جريرا الضبي يقول كان ابن جريج يرى المتعة تزوج بستين إمرأة وقيل إنه عهد إلى أولاده في أسمائهن لئلا يغلط أحد منهم ويتزوج واحدة مما نكح أبوه بالمتعة. قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم سمعت الشافعي يقول استمتع ابن جريج بتسعين امرأة حتى إنه كان يحتقن في الليل بأوقية شيرج طلباً للجماع؟ وجزاكم الله خيراً على جهودكم. ]ـ الملازمة التي يتقوى فيها أمر التلميذ على غيره إذا روى عن شيخة لا تنضبط بضابط معين، بل هي بحسب الحال، وليست هي بكثرة الأحاديث ولا بقلتها، فلا يدل إكثار الراوي عن شيخة أنه يعتبر من الضابطين المقدمين على غيره من الرواة فربما يكون الراوي من المتوسطين عن الشيخ ويعد من الملازمين المقدمين، وأغلب ما تعرف الملازمة المعتبرة به هو طول المدة التي صحب الشيخ بها، وقد يوجد من هو طويل الملازمة إلا أن الحفاظ لا يعتبرونها، ولكن هذا هو الغالب، واختصاص التلميذ بشيخة وملازمته له في الغالب أن الحفاظ ينبهون على هذا، فيقولون: فلان أدرى بحديث فلان، وفلان أثبت الناس في فلان، وفلان ثقة في فلان، وتنحو هذا. والملازمة لا تفيد في باب التدليس فحسب، ولكن في كثير من الأبواب تكون من أقوى المرجحات عند الشك والمخالفة، وقد تقدم رواية الراوي خفيف الضبط لملازمته ومعرفته بشيخه على الثقة، ولا يلزم من طول الملازمة كثرة الحديث عن الشيخ وهذا أمر ينبغي التنبه له، ولا يعني أن المقل طويل الملازمة لا تعتبر ملازمته لقلة حديثة، وكما ذكرت أن الملازمة لا تنضبط بضابط معين ينسحب على جميع الرواة، لا في المدة ولا في كثرة الرواية، بل كل راو بحسب النظر لحال شيخة وحال تلاميذة معة، وعمر الشيخ والتلميذ ومدة جلوس الشيخ للتحديث كل هذه لا بد من الاخذ بها عند النظر في الترجيح والتقديم لبعض الرواة على بعض. وطول الملازمة لا يعني استيعاب الحديث وهذا لا اشكال فيه، ولذا نقول ان الملازمة ليست مرجحة مطلقا بل هي من المرجحات أو من اقواها. وأما ابن جريج الاصل في حديثه الاتصال، والحفاظ يصفونه بالتدليس يعنون به في الغالب الارسال أي أنه يروي عمن لم يلقه والحفاظ المتقدمون كثيراً ما يطلقون التدليس ويعنون به الإرسال، وابن جريج قليل التدليس بالمعني الذي يقصده أهل المصطلح، ولذا قال ابن حجر في الفتح في مساق كلامه عن ابن جريج قال: وهذا دال على قلة تدليسه -أو نحو هذا- ولا يرد حديث ابن جريج إلا ما بان تدليسه من طريق آخر أو نبّه الحفاظ عليه، ومخالفة ابن جريج في بعض المسائل الفقهية وشذوذاته لا تعني رد روايته، بل قلما تجد إماما بشهرة ابن جريج إلا وله مخالفة للسنة ظاهرة، إما لخفاء السنة عليه واجتهاده الخاطيء، أو لسبب آخر، ويجب في مثل هذا لزوم الحق والتماس العذر لمن خالف الصواب من أئمة الاسلام، بلا تشنيع ولا رد لأخباره، والا لما بقي لنا من السنة شيء. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 6 السؤال الثامن: ـ[فضيلة شيخنا الجليل العالم فنحن سعيدون جداً بوجودكم هنا ونتشرف بلقائكم. ما صحة حديث تباركوا بالنواصي والبقع ؟ ]ـ لا أعرف هذا الحديث، ولا أعلمه في دواوين الاسلام المعروفة. السؤال التاسع: ـ[فضيلة الشيخ لقد سمعنا كثيراً أنّ لديكم انتقادات على كتاب الألباني (إرواء الغليل) غير التحجيل ستخرجونها. هل هذا صحيح وما رأيكم في الارواء؟ وما أفضل كتب التخريج؟ ]ـ كتاب الارواء للعلامة الألباني من الكتب المفيدة في التخريج، وقد وقع فيه-كما يقع في غيره من كتب أهل العلم- شيء من الوهم والفوت، والكمال لله ولكتابه. والارواء كما ذكرت أنه من أنفع كتب التخريج، ومفيد في معرفة أدلة المذهب الحنبلي وغيره. وكتب التخريج كثيرة جداً، وقد اعتنى الحفاظ بذلك قديماً فقد صنف الحافظ ابن الجباب مسند الموطأ ومثله أبو القاسم الجوهري وأبو ذر الهروي، وصنف النسائي مسند حديث مالك، وصنف ابن عبد البر كتابه التمهيد، وظهر التخريج في القرن الثامن ظهوراً لم يكن قبله، ومن أنفع كتب التخريج (البدر المنير في تخريج الاحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير للرافعي) لابن الملقن، وتلخيصه لابن حجر المسمى (التلخيص الحبير)، وكتاب (نصب الراية) للزيلعي و (تغليق التعليق) لابن حجر و (الارواء) للألباني وغيرها. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 7 السؤال العاشر: ـ[فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم ما مدى صحة حديث التكبير بعد سورة الضحى إلى سورة الناس عند ختم القرآن والذي من طريق البزي عن ابن كثير؟ ]ـ هذا الحديث منكر، فقد تفرد به أبو الحسن البزي المقريء كما أخرجه الحاكم في مستدركه والبيهقي في الشعب والفاكهي. وابو الحسن المقريء البزي إمام في القراءة إلا أنه ضعيف في الحديث ضعفه أبوحاتم، وقال: لا أحدث عنه، وقال العقيلي: منكر الحديث، وقد أنكر حديثه هذا أبوحاتم وغيره. السؤال الحادي عشر: ـ[حفظك الله أيها الشيخ الفاضل ونفع بك، نشهد الله على حبك وبلغنا عنك خيراً عظيماً يا شيخ. ولدي أسئلة ما رأيكم بكتب المصطلح المعاصرة ؟ ]ـ كتب المصطلح المعاصرة كغيرها من كتب المصطلح، والتلقّي منها بلا استشراح من عالم محقق عارف بمناهج الحفاظ، يوقع في المخالفة واضطراب المنهج، والذي ينبغي على طالب العلم أن لا يعتمد على التلقي من كتب المصطلح فقط بلا رجوع للشراح، فقواعد المصطلح ليست مضطردة بل هي أغلبية، واعتمادها في كل حال يوقع في الخطأ، وهذا لا يعني عدم أهمية المصطلح، بل إنه علم مهم جداً لطالب علم الحديث. السؤال الثاني عشر: ـ[ كتابكم التحجيل، هل فاتكم شيء مما فات الألباني ؟ ]ـ هناك فوت يسير جداً، وسيتم بعضه في الطبعة الثانية بإذن الله، وبعضه رأيت بعض الحفاظ ذكروا أنه لا أصل له، وأنهم لم يقفوا على مخرجه، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 8 السؤال الثالث عشر: ـ[ ما رأيكم بمقوله (ووافقه الذهبي) ؟ ]ـ إذا مقصد السائل موافقة الذهبي للحاكم في مستدركه، فهذه العبارة ليست بصحيحة، فالذهبي لم يوافق الحاكم في جلّ ما يطلق الموافقة عليه أهل العصر، فالذهبي عمله على المستدرك تلخيصٌ لا استدراك، ومجرّد اختصاره لمقوله الحافظ الحاكم عقب الأحاديث (صحيح على شرط البخاري ومسلم) أو على شرط البخاري أو شرط مسلم، لا يعني أنه مؤيد، بل هو ناقل، وإلا فالذهبي ينتقد جزء كبير جداً من المستدرك كما في ترجمة الحاكم من تاريخه ومن ذلك قوله في السير: (في المستدرك شيء كثير على شرطهما وشيء كثير على شرط أحدهما ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب بل أقل فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما وفي الباطن لها علل خفية مؤثرة وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد وذلك نحو ربعه وباقي الكتاب مناكير وعجائب وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها كنت قد أفردت منها جزءا). فكيف يوافقه، نعم الذهبي قد يستدرك في بعض الأحيان، لكنه لا يعني أنه يوافقه في الباقي، ومن أوائل من تساهل وأطلق هذه العبارة (ووافقه الذهبي) المناوي صاحب الفيض، وأطلقها جماعة كالخزرجي صاحب الخلاصة فقد رأيته أطلق هذه العبارة في ترجمة مهدي الهجري، وتجوز فيها أيضاً جماعة كصديق حسن خان والصنعاني ومن المعاصرين الألباني فقد أكثر منها (رحم الله الجميع). الجزء: 11 ¦ الصفحة: 9 السؤال الرابع عشر: ـ[الشيخ الفاضل الجليل عبد العزيز الطريفي شكراً لكم يا ملتقى أهل الحديث بلقائتكم للعلماء. هنا أسئلة: م ا رأيكم بحديث (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)؟ ]ـ هذا الحديث ضعيف بهذا اللفظ، فقد أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو يعلى والبيهقي في الشعب. من طريق محمد بن ثابت البناني عن أبيه عن أنس، ومحمد بن ثابت ضعيف الحديث، قال أبوحاتم: منكر الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال البخاري: فيه نظر، وقال مرة: له عجائب. وروي نحوه عن جابر عند أبي يعلى والبزار والطبراني في (الأوسط) والحاكم من طريق عمر بن عبد الله مولى غفرة عن أيوب بن خالد عن جابر، ولا يصح. وروي نحوه أيضاً عن ابن عمر عند أبي نعيم في الحلية بإسناد واه جداً. وروي عن عبد الله بن عمرو وابن مسعود عند الخطيب، ولا تصح، ومعنى هذا الخبر ثابت بألفاظ كثيرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم). السؤال الخامس عشر: ـ[بلغنا عنكم تضعيف حديث مبيت علي في فراش النبي عند الهجرة ؟ ]ـ حديث مبيت علي على فراش النبي عند هجرته لا يصح، فقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه وعنه أحمد في المسند وابن جرير الطبري والطبراني في معجمه الكبير وغيرهم من حديث عثمان الجزري عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس، وفيه نسج العنكبوت بيتاً على الغار. وفيه عثمان الجزري قال فيه أحمد: روى أحاديث مناكير زعموا أنه ذهب كتابه. وقال ابن ابي حاتم عن أبيه: لا أعلم روى عنه غير معمر والنعمان، ومال إلى تحسينه الحافظ ابن كثير وابن حجر!. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 10 السؤال السادس عشر: ـ[ ما صحة حديث (كفر دون كفر) لابن عباس ؟ ]ـ الجواب: هو من الموقوف على ابن عباس، ولا يثبت بهذا اللفظ، فقد أخرجه ابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن والمروزي في تعظيم قدر الصلاة وابن عبد البر في التمهيد عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بنا أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: كفر دون كفر. وهشام بن حجير ضعفه أحمد وضعفه ابن معين جداً وقال ابن عيينة: لم نكن نأخذ عن هشام بن حجير ما لا نجده عند غيره، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وذكره العقيلي في الضعفاء، ووثقه العجلي وابن سعد. وقد خولف في لفظه فقد رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة وابن جرير وعبد الرزاق في المصنف من حديث معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر. وهذا هو الصحيح. السؤال السابع عشر: ـ[ ما رأيكم بقرائة المبتديء للعلل الكبيرة كعلل الدارقطني وأحمد ؟ ]ـ قراءة كتب العلل من المهمات لطالب علم الحديث، وبها يفهم الناظر منهج الحفاظ الصحيح، ويفهم تقعيدات أهل الاصطلاح على الصواب، فلا بد من الجمع بين النظر في كتب المصطلح مع كتب العلل، والنظر في كتب العلل مع التأني والدقة يورث القاريء ملكة وقوة في الحكم، مع العناية بما أفاد به الحفاظ عن مناهج أصحاب العلل في تعليلهم من الذين عرفوا بالسبر وقوة النظر كالذهبي وابن القيم ومن المتاخرين المعلمي وغيرهم، ولا بأس بالبداءة بعلل أحمد أو الدارقطني أو التمييز لمسلم أو ابن أبي حاتم وغيرها كلها من أصول هذا الفن. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 11 السؤال الثامن عشر: ـ[فضيلة الشيخ الكريم لدي شيء من المسائل: ما رأيكم بالحفظ كيف يبدأ الطالب بالمتون الحديثية ؟ ]ـ حفظ المتون هو الأساس لكل فن، فلا بد للطالب من متن أو اكثر يحفظه فيما يريد تعلمه من علم، وفي علم متون الحديث، من المهم للطالب حفظ الأربعين النووية التي سماها مصنفها كما في شرحة للبخاري: (الاربعون في مباني الاسلام وقواعد الأحكام) وأشتهرت تجوزاً بالأربعين النووية، نسبة لمؤلفها، حفظها ومعرفة صحيحها من ضعيفها من المهمات، ثم يبتديء بما تيسر من كتب الأحكام كتاب بلوغ المرام وهو من أنفعها ومعرفة ما صح وما ضعف منه، ثم الصحيحين إن تيسر له ذلك فهي أصح الكتب بعد كتاب الله، ثم إن تيسر له السنن وأولها سنن أبي داوود ثم الترمذي فالنسائي فابن ماجه، وإن قدم الموطأ فلا بأس. السؤال التاسع عشر: ـ[ أي السنن الأربع أصح ؟ ]ـ الجواب: السنن الأربع باستثناء ابن ماجه هي من أقل دوواين الاسلام ضعفاً، وتقديم أهل العلم لبعض السنن على بعض ليس هو باعتبار الصحة فحسب بل لاعتبارات منها الصحة، فسنن النسائي هي أقل السنن الأربع ضعفاً بل لا أعلم فيها حديثاً موضوعاً، بخلاف بقية السنن، لكن أهل العلم كالحافظ المزي وابن حجر وغيرهم يقدمون سنن أبي داود على بقية السنن باعتبارات ثم يذكرون الترمذي فالنسائي، من أهل العلم من قدم الدارمي على ابن ماجه لأنه أصح. السؤال العشرون: ـ[ هل مسند الإمام أحمد المطبوع ناقص ، فقد سمعت أنه ناقص هل ذا صحيح؟ ]ـ الجواب: مسند أحمد كان قبل سنوات قليلة ناقصاً وذلك لسقط في بعض مسانيد الصحابة كمسند أرقم بن أبي الأرقم وبديل بن ورقاء وخارجه بن حذافة وطلق بن علي وعمارة بن حزم وعمرو بن حزم من الخامس عشر من مسند الأنصار وغيره كأحاديث متفرقة وهي قليلة جداً، لكنه فيما أعلم أنه كمل بطبعته الحديثه الصادرة قبل نحو عام. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 12 السؤال الحادي والعشرون: ـ[ ما رأيكم بمؤلفات المعاصرين ممن يعتني بالحديث ؟ ]ـ مؤلفات المعاصرين في الحديث وغيره كغيرها، فيها الجيد والرديء، إلا أنه يغلب على المعاصرين النقل والجمع. السؤال الثاني والعشرون: ـ[ما حكم المقاطعة لسلع الكفار ؟ ]ـ البيع والشراء من الكفار محاربين وغيرهم الأصل فيه الجواز وهذا معلوم بالضرورة، أما المقاطعة لسلع الكفار فإنه بحسب المصلحة الراجعة للمسلمين، فإن كان في المقاطعة نفع وفائدة، وقوة وتمكين، ورفعة عليهم، فهي مرغب بها، بناء على الأصل من إلحاق الضرر بالكفار المحاربين، والله اعلم. السؤال الثالث والعشرون: ـ[ما رأيكم ب التكفير مطلقاً للحاكم بغير ما أنزل الله؟ ]ـ تقدم الكلام على الخبر الموقوف على ابن عباس، وقد حكى الإجماع على الكفر الحافظ ابن كثير في تاريخه، وهناك خلاف عند السلف (رحمهم الله)، وفي هذه المسألة تفصيل وتحرير يطول ذكره، والله اعلم. السؤال الرابع والعشرون: ـ[ هل صحيح أنكم تصححون جميع روايات المدلسين ؟ ]ـ الكلام على روايات المدلسين بحاجة إلى تصنيف كامل، لكن بالجملة أن الأصل في روايات أكثر من اتهم بالتدليس أنه صحيحة، ومحمولة على الاتصال، إلا ما ثبت التدليس فيه بنص الأئمة الحفاظ، أو بان ذلك من طريق آخر، والحفاظ المتقدمون يطلقون التدليس كثيراً ولا يريدون به التدليس عند المتأخرين، فيريدون به كثيراً الإرسال، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 13 السؤال الخامس والعشرون: ـ[ هل المبتدع ترد روايته ؟ ]ـ الأصل في رواية المبتدع إذا كان ثقة ضابطاً القبول، سواء روى فيما يوافق بدعته أم لا، ما لم يكن قد كفر ببدعته، فحينئذ يرد لكفره، وعلى هذا الأئمة الحفاظ فهم يخرجون للمبتدع إذا كان ثقة ثبتاً ويصححون خبره، فقد أخرج الإمام أحمد ومسلم في صحيحه والنسائي في الكبرى والضغرى والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وابن منده في الإيمان والبيهقي في الإعتقاد وغيرهم عن عدي بن ثابت عن زر قال: قال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأمّي إليّ أنّ لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. وعدي بن ثابت: ثقة وصفه بالتشيع الأئمة كابن معين وأحمد وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان بل قال المسعودي: ما رأيت أقول بقول الشيعة من عدي بن ثابت. ومع هذا أخرج له الأئمة، بل قال بتوثيقه من وصفه بالتشيع وأخرج له فيما يوافق بدعته كأحمد والنسائي. السؤال السادس والعشرون: ـ[ هل يوجد موضوعات في السنن الأربع ؟ ]ـ سنن النسائي لا أعلم فيها حديثا واحداً موضوعاً، وسنن ابن ماجه أكثر ما في السنن من موضوعات فهو فيها، وفي أبي داود والترمذي أحاديث معدودة أنكرها أهل العلم ومنهم من حكم عليها بالوضع، وبعضها ثابت معناه في أحاديث أخر. السؤال السابع والعشرون: ـ[هل صحيح أن هناك خلاف بين المتقدمين والمعاصرين ؟ وكيف نفهم منهج العلماء المتقدمين؟ ]ـ الجواب: وقع عند المتأخرين شيء من التوسع في بعض الأبواب كالتدليس وكزيادة الثقة والتصحيح بالشواهد والوصل والانقطاع وغيرها مما يجب على الناظر في هذا العلم أن يتعلمه، وقد تكلمنا عن هذا في مواضع بتوسع، وبسط، والكلام على هذا يطول ذكره، ولنا فيه مصنف يسر الله نشره. وفهم منهج الحفاظ المتقدمين يكون بالنظر في ما يلي: 1) إدامة النظر في كتب العلل، والحديث مع حسن الفهم، كالاطلاع على علل الدارقطني مع طريقته في سننه وكلامه على الرواة في سؤلاته، فبهذا تعرف طريقة الدارقطني ومنهجه، ومثله النظر في علل الإمام أحمد مع كلامه على الرواة في مسائله وغيرها فبالجمع بينها يفهم منهجه ومثله ابن أبي حاتم ومسلم والنسائي وغيرهم. 2) الفهم لقواعد المصطلح التي قررها العلماء فهماً جيداً، وأن ما يذكرونه من قواعد في المصطلح ليست مضطردة وعلى إطلاقها، بل هي أغلبية تقريبية، وليست محققة تحقيقاً دقيقاً، فمثلا التدليس والمنقطع والمرسل والمجهول يجعل في قسم الضعيف في المصطلح، فهذا ليس على اطلاقه بل المراد به التقريب، فليس كل منقطع ضعيف ولا كل من اتهم بالتدليس يرد خبره ولا كل مجهول يرد خبره، وهكذا ويفهم ذلك بإدامة النظر في كتب الحفاظ كالعلل والصحاح والسنن والمسانيد وغيرها. 3) العلم أن صيغ الجرح والتعديل تختلف بإختلاف اصطلاح الائمة وباختلاف طرقهم، فلا تنضبط بضابط معين فلفظ (ضعيف) تختلف في الجرح عند إمام عن الاخر، وكثيراً ما تطلق عبارات الجرح والتعديل في كتب المصطلح ويراد بها غير معانيها الدقيقة، ويعرف ذلك بطول الممارسة والنظر، أو بتصريح الائمة أنفسهم عن مناهجهم ومرادهم، أو بتصريح عالم عرف بالسبر وادامة النظر، وطول الممارسة. 4) وصف الائمة بالتساهل والتشدد والتوسط ليس على إطلاقه، فقد يكون الامام متساهلاً في موطن متشدداً في آخر، فابن حبان وصف بالتساهل لكن هذا ليس على إطلاقه، ويعرف ذلك بالممارسة لكلامهم مع حسن الفهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 14 السؤال الثامن والعشرون: ـ[ما رأيكم ب دراسة الفقه على مذهب معين ؟ هل هذا منهج سليم؟ ]ـ دراسة الفقه على أحد المذاهب الأربعة مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد لأجل معرفة المسائل الفقهية ووجوه الاستدلال عليها، مع التزام الدليل إن صح، لا لأجل التقليد منهج متبع معروف لدى أهل العلم، وهو المنهج الذي ينصح به، لكن إن قصد بدراسة الفقه على مذهب معين هو التقليد مع القدرة على معرفة الأدلة ووجوه الاستدلال منها فهذا مما ينبغي تجنبه، وقد ذم أهل العلم ذلك قديماً وحديثاً. السؤال التاسع والعشرون: ـ[ ما حكم الكذب للمصلحة ؟ ]ـ الأصل في الكذب التحريم، والأدلة على تحريمة متواترة، وتحريمة معلوم من دين الإسلام بالضرورة، قال تعالى: (إنّ الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) وقال: (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) وما في الصحيح من حديث منصور عن أبي وائل عن عبد الله عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: إن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب صديقاً، وإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذاباً. وقد جاء الإذن من الشارع الحكيم بالكذب في مواطن للمصلحة الظاهرة كما جاء في الصحيح من طريق ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أمه أم كلثوم بنت أخبرته أنها سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول: ليس الكذّاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيراً وينمى خيراً. قال الزهري ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. ولا خلاف عند أهل العلم في جواز الكذب في هذه الأمور، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 15 السؤال الثلاثون: ـ[ما هي أفضل شروح صحيح البخاري ؟ ]ـ أنفس شروح البخاري فتح الباري لابن حجر العسقلاني، فهو غزير الفوائد كبير العوائد، وشرح القسطلاني على الصحيح مهم أيضاً فقد اهتم بالرواة ومعرفتهم اهتماماً كبيراً، ومن اعتنى بهذا الكتاب فإنه يتقن الرواة بما لا نظير له، وشرح الحافظ ابن رجب شرح نفيس أيضاً لكنه لم يكمل. السؤال الحادي والثلاثون: ـ[ما رأيكم بمن يطبق منهج علماء الحديث وقواعدهم على كتب التاريخ ؟ ]ـ الذي يظهر لي (والله أعلم) أن ذلك بحاجة الى تفصيل، فتطبيق طريقة الحفاظ المحدثين في إعلالهم للأحاديث على التاريخ مطلقاً ليست بمرضية، فالحق أن ذلك بحاجة الى تفصيل، فما كان من التاريخ ينسب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ويستنبط منه حكماً من الأحكام فهذا يطبق عليه ما يطبق على أحاديث الأحكام، وما كان ينسب الى النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا يستنبط منه حكماً شرعياً كبعض أخبار المغازي والأيام فهذا يتسامح فيه، إلا أنه يحتاط فيه لكونه ينسب إلى النبي (عليه الصلاة والسلام)، وما كان من أخبار الأمم والصحابة والتابعين ومن بعدهم فإنه يتسامح فيه ولا تطبق فيه طريقة المحدثين في نقد أحاديث الأحكام أو ما ينسب للنبي (صلى الله عليه وسلم)، ما لم يتضمن أمراً منكراً مخالفاً ينسب للصحابة أو التابعين وأئمة الإسلام، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 16 السؤال الثاني والثلاثون: ـ[ وما صحة التأذين والاقامة في أذن المولود ؟ ]ـ الحديث في أذان المولود لا يصحّ فقد أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والترمذي والبزار في مسنده والطبراني في معجمه والبيهقي في الشعب وعبد الرزاق في مصنفه من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أذّن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة. وفي اسناده عاصم بن عبيد الله قال أبو حاتم: منكر الحديث مضطرب الحديث ليس له حديث يعتمد عليه، وضعفه ابن معين وقال البخاري: منكر الحديث. وأخرجه أبو يعلى عن حسين قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من ولد له ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان، وفيه مروان بن سالم الغفاري وهو متروك. وأخرج البيهقي في الشعب من طريق الحسن بن عمرو عن القاسم بن مطيب عن منصور بن صفية عن أبي معبد عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى. وهذا منكر، فالحسن بن عمرو كذبه البخاري. ولا يثبت في استحباب الأذان في أذن الصبي حديث. السؤال الثالث والثلاثون: ـ[ما الصحيح في شهر بن حوشب هل هو ضعيف أم ثقة؟ ]ـ الحفاظ اختلفت عباراتهم في شهر بين جرح وتعديل وأكثر الحفاظ على تعديله كما هو ظاهر في كتب الجرح والتعديل، إلا أنه بالنظر لنقد الحفاظ للاحاديث عند الكلام على أحاديثه فإنهم يعلونها به والذي يظهر لي أنه ضعيف، يقبل المتابعة، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 17 السؤال الرابع والثلاثون: ـ[ما رأيكم بمن يريد أن يحفظ في الصحيحين ، كيف يبدأ، وما رأيكم بتلخيص القرطبي؟ ]ـ من وفقه الله لحفظ المختصرات في الأحكام ورغب في حفظ الصحيحين، فأرى مناسبة البدء بصحيح مسلم ثم يعقبه بالبخاري وإن ابتدأ بالبخاري يعقبه بزوائد مسلم عليه إن لم يتيسر له حفظ الأصل. وتلخيص القرطبي أتمّ مختصرات مسلم، فهو لا يحذف الأحاديث والألفاظ والزيادات بل يحذف الأسانيد والمكرر من المتون. السؤال الخامس والثلاثون: ـ[ما رأيكم في نسبة رسالة العشق لابن تيمية ؟ ]ـ الذي يظهر لي (والله أعلم) أن هذه الرسالة لا تثبت عن شيخ الاسلام، فأسلوبها بعيد عن أسلوبه وطريقته، وقد أنكرها الحافظ ابن القيم وهو أدرى الناس بما يصدر عن شيخه، وإن كان أثبته غيره من أهل العلم، إلا أن القرائن تؤيد نفي ابن القيم لها. السؤال السادس والثلاثون: ـ[ما الصحيح في رواية أبي عبيدة عن أبيه ابن مسعود وفي رواية سعيد عن عمر و رواية عامر عن علي و رواية الحسن عن سمرة ؟ ]ـ أولاً: رواية أبي عبيدة عن أبيه الأصل فيها الصحة، إلا ما لم يستقم متنه لنكارة ونحوها وقد رأيت الحافظ الترمذي يصححها في مواضع ويعل بها في مواضع قليلة، وجمهور الحفاظ على قبولها كابن المديني والنسائي والدارقطني وغيرهم. ثانياً: رواية سعيد عن عمر: الأصل فيها الصحة إلا عند عدم الاستقامة أو النكارة ونحوها، وعامة الحفاظ المتقدمين على تصحيحها كأحمد ويحي بن سعيد والترمذي وأبي حاتم الرازي وغيرهم. ثالثاً: رواية عامر عن علي ضعيفة ومع أن عامراً قد رأى علياً وهو أقرب لعلي من سعيد لعمر إلا أن الحفاظ يقبلون رواية سعيد عن عمر ويردون رواية عامر عن علي، لأن عامراً يتساهل في التحديث عن الضعفاء، وكثيراً ما تكون الواسطة بينه وبين علي من الضعفاء فيسقطه، كالحارث الأعور فإن عامة ما ينقله عامر عن علي من الفرائض هي عن الأعور، ويحدث عن ضعفاء عن علي كجابر الجعفي وغيره. رابعاً: الحسن عن سمرة: جمهور الحفاظ المتقدمين على قبول روايته، وهو الأصل فيها ما لم يكن نكارة في المتن، وقد قال بصحتها البخاري وأبن المديني وابو داود والترمذي وأبو حاتم وابن خزيمة وغيرهم، وضعفها بعض الحفاظ واستثنوا حديث العقيقة كالنسائي والبرديجي وابن عساكر وغيرهم، وضعفها بالجملة آخرون. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 18 السؤال السابع والثلاثون: ـ[ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. هل هو صحيح ؟ ]ـ هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من طريق الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) مرفوعاً، ولا يصح مرفوعاًَ إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد، أورده النووي في الأربعين محسناً له، ووافقه على ذلك ابن عبد البر وغيره، قال ابن عبد البر: هذا الحديث محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات. قال الاوزاعي: ما أحد أعلم بالزهري من قرة ذكر كلام الأوزاعي ابن حبان في الثقات وقال: كيف يكون قرة أعلم الناس بالزهري وكل شيء روى عنه لا يكون ستين حديثاً. وقال أحمد: منكر الحديث جداً. وضعفه يحي، وقال أبوزرعة الأحاديث التي يرويها مناكير، وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي، وقال أبوداود في حديثه نكاره وهذا الخبر لا يصح وصله، والصواب أنه مرسل، وصله قرة بن عبد الرحمن المعافري عن الزهري فأخطأ فيه، ورواه مرسلاً جماعة من الحفاظ منهم مالك ومعمر ويونس وإبراهيم بن سعد كلهم عن الزهري عن علي بن الحسين مرسلاً، صوب إرساله الحفاظ كأحمد والبخاري وابن معين والدارقطني وغيرهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 19 السؤال الثامن والثلاثون: ـ[يقول ابن خزيمة أحياناً عند الحديث (إن صح الخبر) ماذا يعني بها، هل هي تضعيف أو توقف؟ ]ـ الإمام ابن خزيمة من الأئمة الكبار، وقوله: (إن صح الخبر)، يريد بهذه العبارة الضعف في الغالب، وقد قال ذلك في أخبار فيها ضعفاء كعبد الله بن عمر العمري ضعفه ابن المديني والنسائي وابن معين. والحجاج بن أرطاة قال النسائي ليس بالقوي وضعفه ابن معين وقال يعقوب بن شيبة واهي الحديث، وعدله جماعة. وعبد الله بن عامر الأسلمي ضعفه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وقال البخاري ذاهب الحديث وجسرة بنت دجاج قال البخاري: عندها عجائب، وقال الدارقطني: يعتبر بحديثاً إلا أن يحدث عنها من يترك، وإسحاق بن أبي فروة قال البخاري: تركوه، ونهى أحمد عن حديثه وقال: لا تحل الرواية عنه، وعبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف معروف الضعف ضعفه أحمد وابن معين وعلي بن زيد بن جدعان وأشعث بن سوار وهما ضعيفان وقال ابن خزيمة أيضاً ذلك في أخبار في أسانيدها مجاهيل كقدامة بن وبرة وعبد الله بن النعمان وأبو فروة وأبو سويد وإياس بن أبي رملة، وقال ابن خزيمة ذلك في أحاديث للانقطاع في إسانيدها كرواية الحسن عن جابر، والأعمش عن ابن بريدة وأبي البختري عن ابي سعيد وموسى بن الحارث عن جابر، وأبي قلابة عن النعمان وقد يريد ابن خزيمة بها في القليل التوقف وعدم الجزم. السؤال التاسع والثلاثون: ـ[ ما صحة حديث لا ضرر ولا ضرار ؟ ]ـ هذا الحديث أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس والدارقطني من حديث أبي سعيد، وروي عن عبادة وغيره ولا يصح، وهذا الحديث رغم كثرة طرقه وتعددها إلا أنها لا تعضده، ولا يصح إلا مرسلاً كما قال ذلك الحافظ ابن عبد البر. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 20 السؤال الأربعون: ـ[ ما رأيكم في تصحيحات وتحسينات الإمام السيوطي ؟ ]ـ السيوطي رحمه الله من الأئمة المحققين إلا أنه متساهل في تصحيح الأخبار بكثرة الطرق، حتى وإن كانت شديدة الضعف، ومن تأمل كتبه علم ذلك منه (رحمه الله)، وقد توسع في تقوية الاحاديث بالشواهد والمتابعات، ويقوي أحاديث لم يسبقه إلى تقويتها أحد من الحفاظ المعتبرين. السؤال الحادي والأربعون: ـ[ما أفضل كتب التفسير الجامعة ؟ ]ـ كتب التفسير متنوعة النهج والمسلك ولا يغني كتاب منها عن غيره، فمن المهم العناية بكتب التفسير المفسرة بالمأثور كتفسير ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر فهي أنفس التفاسير في هذا الباب، وكذلك من التفاسير المتأخرة كتفسير الحافظ ابن كثير، وكذلك الدر المنتثور للسيوطي ولو ذكر الأسانيد ولم يحذفها لكان لا نظير له في بابه، وكلام شيخ الاسلام ابن تيمية والحافظ ابن رجب المتفرق على كثير من آي القرآن وقد جمع ملفقاً في أجزاء. السؤال الثاني والأربعون: ـ[ما رأيكم ب أخذ العلم من الكتب وإهمال الاخذ عن الشيوخ ؟ ]ـ التلقي عن العلماء هو الأصل في العلم، ولا بد للمتعلم من وقت في عمره يجالس أهل العلم ويأخذ منهم، ويتتلمذ عليهم، وكذلك فإن التحصيل على الأشياخ ليس بكاف، فلا بد من المطالعة وإدامة النظر وإكثار القراءة، فالتحصيل من الكتب ملازم لأهل العلم في كل العصور وفي جميع العلوم، ومن قال (من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه) فقوله ليس بصحيح بهذا الإطلاق، بل إن أهل العلم لا يزال تحصيلهم من الكتب وإدامة النظر أكثر من تحصيلهم من الشيوخ، مع أهمية الأخذ عن الشيوخ وضرورته لكل متعلم. السؤال الثالث والأربعون: ـ[ هل يصح ذكر بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام ؟ ]ـ لا يصح شيء من الأذكار بين الإقامة وتكبيرة الاحرام، والواجب على المصلي إماماً أو مأموماً في مثل ذلك الاشتغال في تسوية الصف، وهو المعروف عن الإمام أحمد (رحمه الله). الجزء: 11 ¦ الصفحة: 21 السؤال الرابع والأربعون: ـ[ما هي أفضل شروح الكتب الستة ؟ ]ـ أنفس شروح صحيح البخاري فتح الباري لابن حجر العسقلاني، فهو غزير الفوائد كبير العوائد، وشرح القسطلاني على الصحيح مهم أيضاً فقد اهتم بالرواة ومعرفتهم اهتماماً كبيراً، ومن اعتنى بشرح القشطلاني فإنه يتقن الرواة بما لا نظير له، وشرح الحافظ ابن رجب شرح نفيس أيضاً لكنه لم يكمل. وكذلك فإن من أفضل شروح مسلم شرح النووي وشرح الأبي، وإكمال المعلم للقاضي عياض. وأما شروح أبي داود فأنفسها المنهل العذب المورود للسبكي ولم يتمه ثم شرح ابن رسلان وكتاب عون المعبود، وأما شروح سنن الترمذي فأتمها وأجمعها تحفة الأحوذي للمباركفوري، وأما سنن النسائي وابن ماجه فعليهما حواشي وتعليقات. السؤال الخامس والأربعون: ـ[ما رأيكم ب العمل بالحديث الضعيف ؟ ]ـ العمل في الحديث الضعيف في الأحكام لا يجوز بإجماع أهل العلم، ولا أعلم في ذلك مخالفاً سوى قول لابن الهمام من الحنفية، وهو قول شاذ لا يعول عليه، واختلف أهل العلم في التحديث بالضعيف في فضائل الأعمال، والاحتياط عدم التحديث إلا بما ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) من الصحاح والحسان، ففيها غنية عن الأحاديث الضعيفة في الفضائل وغيرها. السؤال السادس والأربعون: ـ[هل هناك من قال من أهل العلم بأن عدم الأخذ من اللحية ما زاد عن القبضة مخالف للسنة أو أنه بدعة؟ ]ـ روي عن بعض أهل العلم من الحنفية استحباب أخذ ما زاد عن القبضة وهو المشهور عندهم وحكاه محمد بن الحسن في كتاب الآثار عن أبي حنيفة، ويروى عن عامر الشعبي وابن سيرين، واستحسن الشافعي الأخذ من اللحية في النسك كما في الأم، أما إطلاق البدعية فلا أعلم قائلاً به من السلف، وهو بعيد، هذا من جهة الاستحباب أما من جهة التخيير بالأخذ وعدمه فروي عن جماعة، والأولى هو الترك مطلقاً والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 22 السؤال السابع والأربعون: ـ[ما هي كيفية دراسة كتب الاعتقاد التي تناسب طالب العلم المبتدئ ؟ ]ـ كتب الاعتقاد كثيرة لكن طالب العلم يأخذ ما يناسبه بحسب تقدمه في العلم، واستشارته لمن يعلم حاله، فمن المناسب للمبتديء دراسة كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب كـ (الأصول الثلاثة) ثم (كتاب التوحيد) ثم (كشف الشبهات)، ثم (لمعة الاعتقاد) مع شرحها لابن عثيمين و (العقيدة الواسطية) وشرحها و (التنبيهات السنية) للرشيد، تم التوسع بقراءة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وكتب أئمة الدعوة كـ (الدرر السنية) وغيرها. السؤال الثامن والأربعون: ـ[ هل هناك صلة بينكم وبين الشيخ الألباني وهل قابلتموه؟ وهل اطلع على تعقيبكم؟ ]ـ لا يوجد صلة ولم أقابله، وهو من العلماء المحققين (رحمه الله)، ولم يطلع (فيما أعلم) على ما تضمنه كتاب التحجيل. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 23 السؤال التاسع والأربعون: ـ[الشيخ الفاضل عبد العزيز الطريفي زاده الله علماًً وفقهاً: ما هو القول في (ثم اقرأ بأم القرأن) في حديث المسئ صلاته حيث روي عند أحمد، وأبي داود، وابن حبان بهذه الزيادة؟ ]ـ هذه الزيادة زيادة شاذة جاءت في حديث رفاعة بن رافع رواه أحمد وأبو داود والنسائي والطبراني والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة والحاكم وغيرهم من حديث علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن رفاعة، وأختلف فيه على علي بن يحي في ذكر (أبيه) فرواه بدون ذكر ابيه محمد بن عمرو في وجه عند أحمد وغيره وشريك بن أبي نمر عند الطحاوي وعبد الله بن عون عند الطبراني وحماد بن سلمة عند أبي داود وغيره واضطرب فيه حماد فذكره على الوجهين وبالشك وهو وهم. وروى اسماعيل بن جعفر عن يحي عن ابيه عن جده عن رفاعه وروي محمد بن عجلان ومحمد بن عمرو وداود بن قيس وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق كلهم عن علي بن يحي بذكر أبيه وهو الصحيح رجحه أبوحاتم وغيره. ولم يذكر اسحاق بن عبد الله ومحمد بن اسحاق وداود هذه الزيادة زيادة: قراءة أم القرآن، وجاءت عن محمد بن عمرو وفي بعض الطرق عن محمد بن عجلان ولم يوردها من روى حديث المسي صلاته كحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيره، وهي فيما يظهر من تصرف الرواة بالرواية بالمعنى، وإن احتج بها بعض أهل العلم، ففي الأحاديث المتفق عليها كفاية في وجوب الفاتحة، وقد تمسك بظاهر حديث المسي صلاته الحنفية، وليس فيه حجة فما لم يذكر فيه ذكر مفصلاً في غيره، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 24 السؤال الخمسون: ـ[ما هو القول ب صلاة النافلة بعد العصر والشمس مرتفعة ؟ وما القول في حديث أم المؤمنين عائشة: " والله ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ركعتين بعد العصر عندي قط" في مسند الامام أحمد؟ ]ـ حديث عائشة في الصحيحين وفي المسند من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ركعتين بعد العصر عندي قط. والأولى عزوه للصحيحين. وهذا وغيره من الأحاديث في معناه قد حمله بعض أهل العلم على قضاء الفوائت من السنن ومنهم من حمله على خصوصية النبي (صلى الله عليه وسلم)، والذي يظهر (والله أعلم) عدم المنع من الصلاة بعد العصر ما لم تصفر الشمس، لحديث عائشة وغيره. السؤال الواحد والخمسون: ـ[ هل يسوغ لي العمل بحديث صححه أحد علماء الحديث الثقات (في هذا العصر أو في عصر سابق) وضعفه آخرون علماً بأني لا أملك الأدوات الشرعية للتصحيح والتضعيف؟ ]ـ إذا لم يكن الشخص ممن يملك آلة النظر والحكم على الأحاديث، فيمكنه تقليد غيره من أهل العلم بشرط أن يكون تقليده له عن ثقة في علمه وصلاحه، لا عن هوى ورغبة في النفس وافقها تصحيح ذلك العلم، فإن هذا مما لا يجوز العمل به، وهو تتبع للرخص مذموم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 25 السؤال الثاني والخمسون: ـ[ هل ينكر على من يعمل بالحديث الضعيف إذا وجد من صححه ؟ ]ـ الجواب: ليس كل تصحيح معتبر، ولا كل تصحيح يؤخذ به، ووجود من يصحح الحديث من أهل العلم ليس مسوغاً للعمل به، ما لم يحمل العالم نفسه (بتجرد وسلامة قلب) على النظر والحكم على الاحاديث إذا كان يملك القدرة على ذلك، وإذا لم يكن يملك ذلك فله التقليد لأهل العلم الذين يثق بهم وبعلمهم ودينهم، لا عن هوى وتشهي، وإذا عمل بذلك فلغيره من أهل العلم أن ينكروا عليه ما خالفهم به بالحجج البينه من غير تعنيف فربما يكون على خطأ في حكمه أو في تقليده ويتبصر، وهذا مسلك معروف عند أهل العلم فلا يزالون ينكرون على بعض ويتعقبون بعضا، والعلماء قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً او سنةً وإن وافق فيه بعض العلماء، وأما إذا لم يكن في المسالة سنة ظاهرة ولا إجماع صحيح وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر هذه المسالة على من عمل بها معتقداً لها مجتهداً أو مقلداً، ولهذا تجد في كتب أهل العلم في أنواع العلوم من عقيدة وتفسير وفقه وحديث مناظرات وردود، وبيان من يرد قوله ومن لا يرد، والله اعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 26 السؤال الثالث والخمسون: ـ[هل هناك أبحاث أو دراسات تنصحون طلاب الحديث بالاشتغال بها للحاجة إليها؟ ]ـ كثرة البحوث والكتابات في هذا العصر فيما لا طائل تحته، إلا من رحم الله، والموفق من وفقه الله، ومن البحوث والكتابات التي أرى مناسبتها ولم تطرق من قبل بهيئة وصورة قوية: منهج الإمام مسلم في سياقة للأسانيد، فمسلم (رحمه الله) يخرج الحديث في صحيحه ثم يعقبه بطرق له من غير ذكر للمتن كاملاً، فهذه الاسانيد التي هي متابعات، ماهي متونها؟ هي موجودة في كتب السنة عند النظر فيها، فهناك من يوافق مسلماً في نفس الشيخ فيقطع بأن هذا المتن هو لما أورده مسلم من إسناد، وما مراد مسلم بقوله بعد سياق الاحاديث (بنحوه) (بمثله) ونحوها، وكذلك فإن كتب أهل الفقه مليئة من الاحتجاج بألفاظ مرويه في بعض الأحاديث لم تأتي في بعض الطرق، فتجد الفقهاء يحتجون على مسأله بقولهم: (لما جاء في رواية كذا) أو نحوها وهذا كثير جداً، وهذه الألفاظ كثير منها لا تصح، واختلاف الألفاظ في الأحاديث مع اتحاد طريقه في الغالب أنها من الرواية بالمعنى، أو خفة ضبط من الراوي، فلو حررت فهي مفيدة جداً. السؤال الرابع والخمسون: ـ[ما الصحيح في وقت انتهاء صلاة العشاء ؟ ]ـ اختلف أهل العلم في آخر وقت العشاء، والذي يظهر أن وقت العشاء يمتد إلى حين طلوع الفجر لما في الصحيح من حديث عبد الله بن رباح عن ابي قتادة عن النبي (صلى الله عليه وسلم): ليس في النوم تفريط انما التفريط على منلم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى. ولغيره من الأدلة، وهذا الذي قررة جماعة من المحققين كشيخ الاسلام ابن تيمية (رحمه الله). السؤال الخامس والخمسون: ـ[ما مقصود ابن حجر بقوله في الفتح (شيخنا شيخ الإسلام) ؟ ]ـ هو العلامة البلقيني، رحمه الله. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 27 السؤال السادس والخمسون: ـ[ زيادة الثقة ما الصحيح في قبولها؟ ]ـ زيادة الثقة أو التفرد، اختلف فيها أهل العلم المتأخرون فمنهم من قبل الزيادة والتفرد مطلقاً، ومنهم من تشدد وردها، ومنهم من قبلها عند عدم المخالفة، والتحقيق الذي عليه جماعة الحفاظ المحققين من أهل العم كأحمد وابن المديني وأبو حاتم وأبو زرعة والبخاري من المتقدمين أن زيادة الثقة لا يطلق القول بقبولها ولا ردها وإنما لا بد من النظر للقرائن التي تحتف بها، وإعمال القرائن هو الأصل في قبولها، وتقعيد قاعدة معينة في قبول زيادة الثقة قول ليس من التحقيق، ومن القرائن التي يعملها الحفاظ مكانة الراوي _ الذي تفرد أو زاد _من جهة الضبط، مكانته من شيخه وقربه منه أو تخصصه في حديثه، مكانة من خالفة من جهة الضبط والكثرة والقرب من الشيخ، ومنها النظر في نوع الخبر الذي تفرد به أو زاده وهل يحتمل مثله تفرد الواحد، والنظر للشيخ وكثرة حديثه ومجالسه وتلاميذه وطريقته ومنهجه، وكذلك منها النظر لطبقة الراوي فكلما تأخرت طبقته بعد صحة تفرده، إلى غير ذلكم من القرائن التي يعملها الحفاظ، وباب التفرد وزيادة الثقة باب دقيق جداً لا تحكمه قاعدة، ولا يضبطه ضابط، وإنما يتوقف بحسب تمرس المحدث وتمكنه في معرفة ما ذكرناه من قرائن وغيرها، والله اعلم. السؤال السابع والخمسون: ـ[ هل يوجد في الصحيحين أحاديث ضعيفه ؟ ]ـ صحيح البخاري ومسلم مما تلقتهما الأمة بالقبول بالجملة، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله، وفيهما أحاديث قليلة منتقدة، وجل ما هو معلول منهما معلول بما لا يقدح، فليس كل علة قادحة مؤثرة، ولا يوجد في الصحيحين حديث واحد ضعيف بأصله وتمامه، وكل ما هو معلول فيهما إما معلول بما لا يقدح أو أعل الحفاظ منه لفظة أو زيادة لشذوذها وتفرد راوي بها، والحديث باق على أصله من الصحة، نعم هناك من العلماء من أعل وضعف أحاديث قليلة فيهما بأصلها، ولكن لا حجة في ذلك، والحق مع صاحبي الصحيح. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 28 السؤال الثامن والخمسون: ـ[ إذا قال البخاري: قال فلان ، وهو من شيوخه هل يعتبر معلقاً أم موصولاً على شرطه؟ ]ـ في بعض المواضع يذكر البخاري رحمه الله عن شيوخ له ما سمعه منهم بقوله: (قال) أو (قال لي) وقال ذلك عن جماعه من شيوخه كعلي بن عبد الله بن المديني وأحمد بن حنبل وعبد الله بن صالح ومسدد وهشام بن عمار ومن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب اللباس قال: قال لي مسدد حدثنا معتمر قال سمعت أبي قال رأيت على أنس برنساً أصفر من خز. والذي يظهر والله أعلم أن البخاري إذا قال (قال لي فلان) فهو في حكم شرط الصحيح وأراد به الاتصال، وقد اضطرب في هذا النوع قول الحافظين المزي وابن حجر، فقد أخرج البخاري في صحيحه فقال: قال لي علي بن عبد الله عن يحيى بن آدم عن ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن بن عباس رضي الله عنهما قال خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوصاً من ذهب فأحلفهما رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم قال وفيهم نزلت هذه الآية يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم. فقد رمز المزي لعبد الكريم بن سعيد ومحمد بن أبي القاسم بالتعليق في تهذيبه، ورمز للحديث في التحفة بالوصل، ورجح الوصل ابن حجر ثم رمز لمحمد بن أبي القاسم بالتعليق ورمز لعبد الكريم بالوصل في تقريبه، مع أن حديثهما واحد ليس لهما في الصحيح غيره. وإذا قال البخاري: قال فلان وهو من شيوخه كما حكاه عن هشام بن عمار وعلي بن المديني وعبد الله بن صالح وغيرهم فيظهر أنه أراد أنه دون شرطه في الصحيح مع ثبوت الاتصال في هذا الخبر لأن البخاري ليس من أهل التدليس، والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 29 السؤال التاسع والخمسون: ـ[الشيخ الفاضل: هل صح شيء من الأحاديث المرفوعة والموقوفة عن السفياني ؟ ]ـ لا يصح في ذكر السفياني حديث مرفوع ولا موقوف، وأمثل ما يروى ما أخرجه الحاكم في مستدركه من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب .. الحديث، وصححه الحاكم وما هو بصحيح بل منكر، فالوليد يدلس عن الأوزاعي، وخبر السفياني يروى من حديث علي وابن مسعود وابن عباس وحذيفة وعمار وثوبان منها المرفوع ومنها الموقوف ويروى عن جماعة من السلف من التابعين وغيرهم كمكحول ومطر والزهري وضمرة ويزيد بن أبي حبيب ومحمد بن الحنفية، وكلها لا يعول عليها ولا يحتج بها إذا اجتمعت فكيف اذا انفردت، وأطال في ذكره نعيم بن حماد الخزاعي في كتابه الفتن، وكتابه هذا كتاب مليء بمناكير وأعاجيب كما قاله الذهبي، وأورد جملة من أخباره هذه أبو عمرو الداني في الفتن والحاكم في المستدرك. السؤال الستون: ـ[ما رأيكم فيمن يقول أنه لا يروي إلا عن ثقة، هل يعتبر بتوثيقه لكل شيخ له ؟ ]ـ من لا يروي إلا عن ثقة سواء قال عن نفسه ذلك أو علم ذلك بالسبر لشيوخه، فإن هذا يعد تقوية لمن روى عنه، ولا يعتبر توثيقاً ولا يقال وثقه فلان ويقصد بذلك أنه روى عنه لأنه قال عن نفسه لا يروى إلا عن ثقة أو علم من شيوخه أنهم ثقات، فالإمام مالك لا يروي إلا عن ثقة وروى عن بعض الضعفاء كعاصم بن أبي النجود وعبد الكريم بن أبي المخارق، وكذلك شعبة لا يروي إلا عن ثقة وشيوخه صفوة إلا أنه روى عن بعض من ضعف. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 30 السؤال الحادي والستون: ـ[ما صحة حديث لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ؟ ]ـ هذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده وأهل السنن وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء، مرفوعاً قال: "لا تصوموا يوم السبت، إلا فيما افترض عليكم فإن لم يجد أحدكم إلا لحاءَ عنب، أوعود شجرة فليمضغها". وجاء في بعض طرقه عند النسائي عن خالته الصماء، وجاء في رواية عند النسائي عن عمته الصماء. ورواه النسائي أيضا عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وجاء الحديث أيضاً عن عائشة (رضي الله عنها). وهذا الحديث وإن كان رجاله ثقات معروفون، إلا أنه ليس بالقائم بل هو مضطرب فتارة يجعل من مسند الصماء وتارة يجعل من مسند عائشة وتارة من مسند عبد الله بن بسر، وفي بعض الطرق يقول عبد الله بن بسر عن عمته ومرة عن خالته ومرة عن أخته. وفي متنه نكارة، ومخالفة للأحاديث الصحاح في صوم يوم الجمعة ويوماً بعده، كما في الصحيحين من حديث جويرية وكذلك صوم أيام البيض، وصيام داود صيام يوم وفطر يوم كما في الصحيحين، وصوم يوم عرفة وست من شوال كما في صحيح مسلم من حديث أبي ايوب وغيرها. وقد أنكر هذا الخبر الحفاظ، قال الأوزاعي رحمه الله: لم نزل نكتمه حتى انتشر. قال الإمام أحمد: يحيى بن سعيد ينفيه أبى أن يحدثني به. وقال الأثرم: حجة أبي عبد الله -أحمد بن حنبل- في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر. وقال الإمام مالك: هذا الحديث كذب، واستغربه الزهري فقال: هذا حديث حمصي. وقال أبو داود أنه منسوخ. السؤال الثاني والستون: ـ[ما صحة القاعدة المشهورة (لا غيبة لمجهول) ؟ ]ـ إذا علم أن السامع لا يعلم من هو المغتاب أو المتكلم فيه، ولا يوجد قرينة توصله لمعرفة المتكلم فيه، فيظهر أن هذا الكلام لا يدخل في حد الغيبة المحرمة شرعياً والله أعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 31 السؤال الثالث والستون: ـ[فضيلة الشيخ الطريفى السلام عليكم ورحمه الله. وفقكم الله لكل خير: لا يكاد يخلو كتاب من كتب المصطلح من مبحث أحاديث الصحيحين وأن الأمه قد تلقت كتابيهما بالقبول إلا أنه فى الواقع العملى نرى أن هؤلاء الذين نقلوا هذا التلقي من الأمة قد يحكمون على بعض الزيادات بأنها شاذه ولا يلزم من ذلك أن تكون هذه الأحاديث مما انتقدت على الشيخين من قبل وقد فعل هذا من الحفاظ مثل الذهبى والعسقلانى وابن تيمية وابن القيم والسيوطى وغيرهم، فهل نقول أن هذا التلقى هو الأصل إلا أن يتبين فى الحديث علة؟ ولكن إذا قلنا ذلك فقد رجعنا من حيث بدأنا لأن كل من ضعف حديثاً سوف يقول ذلك جزاكم الله خيراً. ]ـ صحيح البخاري ومسلم هما أصح الكتب بعد كتاب، وقد تلقتهما الأمة بالقبول، وسبق أن ذكرت أنه لا يوجد حديث واحد في الصحيحين ضعيف بتمامه وأصله، وإما من أعل من أهل العلم فإما أن يكون أعل بما لا يقدح أو قوله مرجوح، وأما الكلام على الزيادة والألفاظ في الصحيحين فهي لا تعني طعناً في نفس الخبر وتضعيفاً له، بل إن هذا الباب مفتوح لمن ملك الأهلية في النظر لا أن يأخذ بهواه، ولا يخالف هذا تلقي الأمة بالقبول، فالأمة تلقت أخبار الصحيحين بالقبول بالجملة، لا أنها تلقتها بالقبول بالحروف والألفاظ، فهذا ليس إلا للقرآن فهو الذي قبوله فرض على الأعيان بحروفه وألفاظه، فالذي عليه أهل العلم هو قبول أخبار الصحيحين بالجملة، لا يوجد خبر واحد منها ضعيف بتمامه وأصله، ومن بان له منهم إعلال للفظة أو زيادة من وجه صحيح فله ذلك، وهذا ليس بقادح بذات الخبر فهو مقبول لدى الجميع، فأهل العلم قد أجمعوا على أن ما ينقل إلينا من أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما لم يكن النبي (صلى الله عليه وسلم) تلفظ بها بحروفها جميعها، بل منها ما روي بالمعنى من عارف بمعاني ألفاظه (عليه الصلاة والسلام)، وعلى هذا يدل صنيعهم في مصنفاتهم ومسائلهم، فنقد الألفاظ لا نقد الخبر بتمامه من عالم عارف بوجوه النظر في إعلال الاخبار سائغ، وهذا الذي عليه المحققون من الأئمة الحفاظ كالنووي وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والذهبي وغيرهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 32 السؤال الرابع والستون: ـ[قد جاء عن ابن عباس أنه قال أن الكرسى هو موضع القدمين من العرش وهذا أثر صحيح موقوفاً على ابن عباس كما فى مختصر العلو للعلامه الألباني (رحمه الله) وبه أثبت أهل السنه هذه الصفه إلا أنه لا يخفى أن مثل هذا لا يُقال من قبل الرأي، فلو قلنا أنه فى حكم المرفوع يُشكل علينا أن ابن عباس قد كان يأخذ من كتب أهل الكتاب كما صرح بذلك بعض العلماء، فقد كانت هذه المسألة تُشكل علي حتى علمت أنه قد روى هذا الأثر غيره من الصحابه مثل أبو موسى وأبو هريره وجاء أيضاً عن عكرمه وأبى مالك فهل صحت هذه الأثار عن هذين الصحابيين؟ فإن كان لا فما هو الجواب؟ مع العلم أني على عقيدة سلفية والحمد لله. ]ـ عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) ليس من المشهورين بالأخذ عن اهل الكتاب، خبره قد أخرجه وكيع وعبد الله بن احمد في السنة والحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير وفي السنة والدارقطني في الصفات والضياء في المختارة وغيرهم من طريق سفيان عن عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. ورواه شجاع بن مخلد وابن مردويه في تفسيره عن ابي عاصم عن سفيان به مرفوعا وهو خطأ والصحيح الوقف. وأما خبر أبي موسى فرواه عبد الله بن أحمد في السنة وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الصمد عن أبيه عن محمد بن جحادة عن سلمة بن كهيل عن عمارة بن عمير عن أبي موسى. وسماع عمارة من أبي موسى في النفس منه شيء، وقد قال ابن حجر روى ابن المنذر بسند صحيح عن أبي موسى. وأما خبر أبي هريرة فمنكر رواه ابن مردوية عن الحكم بن ظهير عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة، والحكم قال البخاري: منكر الحديث وقال أبو زرعة: واهي الحديث وقال أبوحاتم متروك الحديث وروي من حديث أبي ذر أخرجه أبو الشيخ من حديث أصبغ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي ذر مرفوعاً ولا يصح. وروي عن أبي مالك رواه عبد الله بن أحمد في السنة عن رجل عن اسرائيل عن السدي عن أبي مالك الغفاري، وفيه جهالة وابن عباس وإن جاء أنه يأخذ من أهل الكتاب فلا يعني حمل أقواله التي لا تقال من قبيل الرأي على ذلك، فأخذه من الوحيين جل أمره، فلما لا يحمل على ذلك، وخاصة أن باب الصفات يبعد أن يتساهل فيه الصحابة ومن هو في مثل علم ابن عباس منهم، وأهل العلم على ما جاء عن ابن عباس قال يحيى بن معين شهدت زكريا بن عدي سأل وكيعاً فقال: يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعنى مثل حديث الكرسي موضع القدمين ونحو هذا فقال وكيع أدركنا إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعر يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون بشيء، وهذا مروي عن جماعة من السلف كالإمام أحمد وأبي عبيد القاسم بن سلام وغيرهم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 33 السؤال الخامس والستون: ـ[ما رأي فضيلتكم هل يوجد كتب تلقت أحاديثها الأمة بالقبول مثل الصحيحين ؟ وهل الإمام أحمد اشترط الصحة في مسندة؟ ]ـ لا يوجد شيء من المصنفات تلقته الأمة كما تلقت الصحيحين، وهناك من اشترط الصحة في مصنفه وهذا معلوم كابن السكن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء المقدسي وغيرهم. والإمام أحمد لم يشترط الصحة في مسنده بل التزم إخراج ما اشتهر، وليس المراد بالشهرة هنا ما هو مقرر في كتب المصطلح، بل المراد أوسع من ذلك، وهو ما عرف لدى الحفاظ من الأخبار، ولذا فإنه يوجد في كتابه أفراد وغرائب، والإمام لم يلتزم الصحة ولذا فإنه يوجد في مسنده أحاديث يسأل عنه فيضعفها كما في مسائله وعلله وهي قليلة. إلا أنه لا يخرج للوضاعين، وهذا قد قرره جماعة من أهل العلم كابنه عبد الله وأبي يعلى وابن الجوزي وابن تيمية، بل قد قال الامام أحمد نفسه لابنه عبد الله: قصدت في المسند الحديث المشهور وتركت الناس تحت ستر الله ولو أردت أن أقصد ما صح عندي، لم أرو هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث لست أخالف ما فيه ضعف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه. وهو يخرج في مسنده ما يحكم هو بضعفه وهو قليل كحديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد مرفوعاً: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان. ومنه ما رواه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة، قال الحافظ أبو داود في سؤالاته لأحمد عن أحمد: لا أصل له. إلا أن هذه الأحاديث قليلة، وما لم يعلم لأحمد قول فيه من المسائل أو جاء عنه قولان ولا مرجح، وهناك مما في مسنده من أحاديث تؤيد أحد القولين فهي تعتبر مرجحة، وقد اختلف الأصحاب في الأخذ والاعتبار بهذا المرجح إلا أن الذي يظهر اعتباره وقد رجحه ابن مفلح كما في الآداب، والله اعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 34 السؤال السادس والستون: ـ[ما رأيكم ب كفر تارك الصلاة هل الصحيح كفره أم لا؟ ]ـ تارك الصلاة كافر بإجماع السلف من الصحابة والتابعين، وقد حدث خلاف عند المتأخرين، وهو بعد إجماع خير القرون حكى الإجماع غير واحد من السلف كعبد الله بن شقيق وأيوب السختياني واسحاق بن راهوية والمروزي والأدلة في ذلك ظاهرة صريحة. روى مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي الزبيرعن جابر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: بين الرجل والشرك ترك الصلاة. وروى الترمذي والمروزي عن بشر بن المفضل قال حدثنا الجريري عن عبد الله بن شقيق رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد لا يرون من الأعمال شيئاً تركه كفر غير الصلاة. وروى المروزي حماد بن زيد عن أيوب قال: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه. وهو مروي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وحذيفة وعبد الله بن عمرو. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 35 السؤال السابع والستون: ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أحسن الله إليكم، ونفع بعلمكم. سؤالي: ما درجة الأحاديث التالية : ]ـ ـ[ أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله . ]ـ أما حديث أفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله: فهو ضعيف بهذا اللفظ رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه من حديث يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن رجل عن أبي ذر وهو معلول بعلل: فيزيد قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي وضعفه الدارقطني وغيره. وفي إسناد الخبر جهالة. وأخرجه البزار في مسنده من حديث جرير بن عبد الحميد عن يزيد عن مجاهد عن أبي ذر. وفيه انقطاع مع ضعف يزيد. وروي نحوه في سنن البيهقي ومعجم الطبراني والطيالسي من حديث عقيل عن أبي اسحاق عن سويد بن غفله عن ابن مسعود. ولا يصح أنكره أبو حاتم. وروي من حديث معاذ وابن عباس والبراء وفيها نظر. ـ[ أما إني قد جئتكم بالذبح (لمشركي قريش). ]ـ - وأما حديث أما إني قد جئتكم بالذبح (لمشركي قريش) فرواه الامام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والبزار من طريق ابن اسحاق قال حدثني يحي بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن عمرو في خبر طويل قال (عليه الصلاة والسلام) لقريش قبل الهجرة وهم في الحجر: والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح. وإسناده لا بأس به، فيه ابن اسحاق وحديثه يحمل على الاستقامة. ـ[ قول عبد الله بن عمرو: من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم. ]ـ - وأما قول عبد الله بن عمرو: من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم: فرواه البيهقي في سننه من طريق أبي أسامة عن عوف عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عمرو قال: من بنى في بلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة. وأبو المغيرة مجهول لم يروي عنه غير عوف قاله ابن المديني ووثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات ولينه سليمان التيمي، وقد اورد هذا الخبر ابن تيمية في مواضع من كتبه، ولا يصح. ـ[ العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، من تركها فقد كفر . ]ـ - وأما حديث: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، من تركها فقد كفر فرواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وغيرهم عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر. وفي اسناده الحسين بن واقد قال أبو زرعة وأبو داود والنسائي: ليس به بأس، وكذا قال الإمام أحمد ووثقه ابن معين، إلا أنه في حديثه عن عبد الله ابن بريدة شيء قال أحمد: ما أنكر حسين بن واقد وأبي المنيب عن ابن بريدة. لكن حديثه يحمل على الاستقامه إلا ما خالف فيه أو انفرد به، وحديثه هذا حديث حسن، وقد روي معناه من أحاديث كثيره منها ما روى مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي الزبيرعن جابر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: بين الرجل والشرك ترك الصلاة. ـ[ خمس صلوات من حافظ عليهن كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له نور يوم القيامة، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون، وقارون، وهامان، وأبي بن خلف]ـ - وأما حديث: خمس صلوات من حافظ عليهن كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له نور يوم القيامة، ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون، وقارون، وهامان، وأبي بن خلف فرواه احمد والدارمي وابن حبان والطبراني في الأوسط بسند حسن عن كعب بن علقمة عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعيسى بن هلال مقلّ الرواية وأحاديثه مستقيمة. ـ[ قصة قدامة بن مظعون وشربه الخمر . جزاكم الله خيرا. ]ـ وأما قصة قدامة بن مظعون وشربه الخمر، فهي قصة معروفة ثابته أخرجها عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في سننه عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة بالقصة المعروفة، وهي قصة معروفة يوردها أهل الفقه في الحدود وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب السختياني قال: لم يحد في الخمر أحد من أهل بدر إلا قدامة بن مظعون (رضي الله عنه). الجزء: 11 ¦ الصفحة: 36 السؤال الثامن والستون: ـ[فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم ما مدى صحة هذه الزيادة (بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث) . ]ـ أما زيادة "بسم الله" فهي زيادة شاذه في حديث أنس في دخول الخلاء ولا تثبت بوجه فيه: فقد أخرج البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم جماعة من طرق عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس مرفوعاً كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل الخلاء قال: أعوذ بالله من الخبث والخبائث. لكن رواه المعمري في عمل اليوم والليلة وخالف فيه فرواه عن عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب مرفوعاً: إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث. وهذا اللفظ غير ثابت فقد جعل الحديث بلفظ الأمر وزاد التسمية في أوله مما يدل على عدم الضبط. وخالف فيه المعمري في عمل اليوم والليلة عن ابن المختار الرواة الثقات، وما جاء في الأصول واعتمده الائمة. ورواه الطبراني في الاوسط والعقيلي في الضعفاء عن قطن بن بسير عن عدي بن ابي عمارة عن قتادة عن انس بهذه الزيادة. ولا يصح اسناده ورواه أيضا الطبراني في الأوسط عن يوسف بن عدي عن عبد الرحيم عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة عن أنس بهذه الزيادة ولا يصح أيضاً. ورواه الخطيب في الموضح عن الهيثم بن جميل عن أبي معشر عن حفص بن عمر عن أنس بها وهو واه. وأخرجه أحمد وبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم عن قتادة عن النضر عن زيد بن أرقم بنحو حديث الجماعة وليس فيه التسمية. ورواه أحمد وابن ماجه وابن حبان وغيرهم عن قتادة عن القاسم الشيباني عن زيد نحوه وليس فيه التسمية. ـ[وكذلك الزيادة في حديث عائشة (رضي الله عنها): (كان يعجبه التيامن في ... وسواكه) لأني وجدتها ولا أعلم صحة هذه الزيادة والله يحفظكم. ]ـ - وأما زيادة: "وسواكه"، فهي زيادة شاذه خالف فيها مسلم بن ابراهيم، فقد روى الحديث الإمام أحمد في مسنده والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان من طرق عن شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة أن النبي كان يعجبه التيامن في طهوره وتنعله وترجله. رواه عن شعبة جماعة من الحفاظ وغيرهم منهم حفص بن عمر وسليمان بن حرب وحجاج بن المنهال وعفان وبشر بن عمر ومحمد بن جعفر وبهز وأبي عمر الحوضي والنضر بن شميل وغيرهم ليس فيها وسواكه. ورواه الإمام أحمد عن والد وكيع ومسلم والترمذي وابن ماجه عن أبي الأحوص كلاهما عن الأشعث به ولم يذكروا هذه الزيادة. وانفرد بها مسلم بن إبراهيم عن شعبه عند أبي داود في سننه ومسلم مع ثقته وجلالته إلا أنه خالف فيها الحفاظ بما ليس في هذا الحديث، والله اعلم. الجزء: 11 ¦ الصفحة: 37 أجوبة فضيلة الشيخ محمّد بن الأمين بوخبزة على أسئلة ملتقى أهل الحديث ـ[1) هل يقاس على المجوس غيرهم في أخذ الجزية أم أن الجزية لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس؟ وإذا كانت العلة كما قال بعض العلماء في المجوس أن فيهم شبهة أهل الكتاب، فهل كل ملة ونحلة فيها هذه الشبهة نلحقهم بها مثل السيخ؛ فإنهم هندوس جمعوا إلى أفكارهم أشياء من المسلمين واليهود والنصارى … والبوذية يزعم بعض الباحثين أن أصلها كان يدعو للتوحيد، ثم حرف الرّهبان أوامر بوذا، ويستدلون بنصوص من كلام بوذا موثقة حتى الآن … فهل مثل هذا شبهة في إلحاق البوذيين بأهل الكتاب؟؟؟ وفقكم الله وسددكم .. ]ـ حديث: (سنّوا بهم سنة أهل الكتاب)، صحيح، وهو وارد في مجوس هَجَر (البحرين وناحيتها) فالواجب الاقتصار عليهم وعلى من هم على نهجهم ونحلتهم من مجوس العصر إن كانوا موجودين، أما إلحاق غَيرهم من الوثنيين قياساً، فلا وجه له لمخالفته للمبدأ المتفق عليه، وهو أخذ الجزية من أهل الكتاب: اليهود والنصارى بفِرَقهم، والله أعلم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 1 ـ[2) شيخنا الفاضل من هو أول من شرح صحيح البخاري ، هل هو أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي (المتوفى سنة 402 هـ) أم هو الخطابي؟ وهل شرح الداودي هذا "النصيحة" موجود أم مفقود (إذ أن فؤاد سزكين لم يذكره في كتابه، ولا المستشرق بروكلمان). ]ـ لا أستطيع الآن الجزم بتحديد أول شارح لصحيح البخاري، وإن كنت أميل إلى أنه أبو سليمان الخطابي في (أعلام السنن) وقد طبع، أما النصيحة للداودي التلمساني، فلا أعلم عنها شيئا إلا النقول عنها في (فتح الباري) وغيره. ـ[3) ما رأيكم في المسألة التي رفع لواء الدعوة إليها بعض المعاصرين؛ وهي التفريق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين في تصحيح الأحاديث وتضعيفها في هذه الأزمنة المتأخرة؟ ]ـ مزاعم بعض الطلبة الآن حول أصول الحديث، والدعوة إلى إعادة النظر في بعضها، هي في نظري محاولة فاشلة، لعل الداعي إليها الرغبة في الشهرة ودعوى التجديد، وهي مسبوقة بمحاولات قام بها بعض أهل الأهواء من الشيعة وغيرهم كابن عَقيل الحضرمي الزيدي، وقد ضمن أفكاره كُتيبا مطبوعا سماه (العتب الجميل، لأهل الجرح والتعديل) وتبنى هذا المنهج بالمغرب شيخنا أحمد بن الصديق الغماري كما تراه في رسالته (فتح الملك العلي، بصحة حديث باب مدينة العلم علي) وهي مطبوعة؛ نعم في دعوة بعض أهل العصر من السباب المعني بالحديث إلى عدم تقليد الحافظ ابن حجر تقليداً أعمى في أحكامه على الرواة في (تقريب التهذيب) بعضُ الحق، تلوح معالمُه في طبعة بشار عوّاد معروف للكتاب التي بناها على البحث والمقارنة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 2 ـ[4) هل التقيتم بأحد من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، وكيف كانت متابعتكم لأخبار الجمعية في المغرب الأقصى؟ ]ـ لم أَلق من أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إلا زعيمَهم الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله، وقد كان لسان الجمعية الناطق، وقطبَها الذي عليه مدارها مع صديقه الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله، كما عرفتُ مؤخرا أحد أعضائها وهو الشيخ الحسين السليماني المقيم الآن بجُدّة، ولا أدري ما فعَل الله به فقد كان مريضا جدا شفاه الله تعالى. ـ[5) ذكر الشيخ فرحات بن الدراجي (أحد أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) في مجلة الشهاب (جزء 6 مجلد 15) أنه حصل على نسخة خطية من كتاب " تهذيب المدونة " لأبي سعيد البراذعي القيرواني، وتبلغ صفحاتها 566 صفحة في القالب الكبير، ولم يذكر ناسخها، ولا تاريخ نسخها. وكان الشيخ ينوي طبعها ولم يوفق لذلك رحمه الله. فما هي أفضل طبعات هذا الكتاب، وما هي قيمته العلمية؟ ]ـ كتاب تهذيب المدونة للبراذعي أشهر مختصراتها وأوفرُها حظا من الخدمة والعناية، ونُسخُه كثيرة، ووقفت بالخزانة الحسنية بالرباط على نسخة منه عتيقة جدا مكتوبة على الرق بخط أندلسي، وقد طُبع الآن بدبي ولا أدري هل تم طبعة أم لا، فقد أُرسل إلي جزؤه الأول وهو يشكل ثلثه. ـ[6) ما مدى أهمية كتاب (المبسوط) لإسماعيل القاضي لدى علماء المالكية ، وهل الكتاب موجود أو مفقود؟ فإن كان مفقودا فهل تستطيعون تحديد آخر من وقف عليه من العلماء؟ وأيضا التكرم بذكر من شرح الكتاب أو اختصره. وهل كتاب (أحكام القران) لإسماعيل القاضي موجود أو مفقود؟ وإن كان مفقودا فحسب، فهل في علمكم من آخر من اطلع عليه من أهل العلم، وهل هناك من اختصره أو اعتنى به، وجزاكم الله خيرا. ]ـ الجواب: (المبسوط) للقاضي إسماعيل الجهضمي من مالكية العراق، كتاب مشهور من أمهات فقههم، ولا وجود له الآن فيما أعلم، ولا نعلم من شرَحه، نعم يمكن اختصاره لطُوله، ولا أذكر آخر من نقَل عنه، إلا أن الشيخ عبد الله بن أبي زيد القيرواني ضمّن كتابه (النوادر والزيادات، على ما في المدونة من غيرها من الأمهات) وهو مطبوع في اثني عشر مجلدا منها اثنان بتحقيقي، نصوصا كثيرة منه، ومن كتاب محمد ابن سحنون، وواضحة عبد الملك بن حبيب وكتاب ابن عبدوس وابن شعبان وغيرها مما فقد، ومن هنا تبرز أهمية كتاب (النوادر)، و (المبسوط) يحتوي على روايات كثيرة للإمام مالك وكبار أصحابه مما خلت منه (المدونة)، ومثله (أحكام القرآن) للقاضي إسماعيل نفسه، لم أقف عليه ولا على من وقفَ على نسخة منه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 3 ـ[7) من المعلوم أن كتب المالكية فقيرة جدا إلى الأدلة، خاصة منها كتب المتأخرين المصابين بداء الجمود والتقليد. لذلك فقد رأيت بعض طلبة العلم يضطرون للجوء إلى كتب المذاهب الأخرى بحثا عن أدلة مذهب المالكية!! فهل لكم أن تدلوني على أهم كتب المالكية التي تعنى بالاستدلال (ويشمل ذلك الأدلة الأصولية المختلف فيها كالمصلحة والاستحسان ونحوها) سواء منها ما كان مطبوعا أو مخطوطا؟ جزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ]ـ حدثني بعض الإخوان عن الدكتور وهبَة الزحيلي السوري أنه شكا إليه خلوّ كتب المالكية من الاستدلال والتوجيه، وما عاناه من المشقة والعنَت في البحث عن أدلة مذهبهم لمَا كان يؤلف كتابة (الفقه الإسلامي وأدلته) المطبوع، ونفسُ الشكوى أبداها الشيخ أحمد ابن الصديق لما ألف كتابه (مسالك الدلالة، في شرح أدلة الرسالة) وهو مطبوع، وقد استغرق في تأليفه سنوات، و (مسالك الدلالة) هذا، و (إتحاف ذوي الهمم العالية، بأدلة مسائل العشماوية) لشقيقه عبد العزيز ابن الصديق، وهو عالةٌ فيه على شقيقه المذكور، وكتاب (التمكين، لأدلة المرشد المعين) لأحمد الوَرَايْني من خريجي دار الحديث الحسنية بالرباط، هذه الكتب الثلاثة لهؤلاء المعاصرين ليس للمالكية المتأخرين مثلُها. ولا أعرف فيما اطلعتُ عليه من كتبهم -وهو كثير- ما فيه من غَناء في هذا الباب، إلا قليلا ككتاب (البيان والتحصيل) لابن رشد الجَد، ومقدماته وهما مطبوعتان، وشرح المازَري لكتاب التلقين للقاضي عبد الوهاب، وقد طُبع بعضُه، وكتاب التوضيح وهو شرح مختصر ابن الحاجب الفرعي، للشيخ خليل وهو مخطوط، وكتاب (الإشراف) للقاضي عبد الوهاب، وهو مطبوع، و (التوجيه) لابن بشير وهو مخطوط، ولبعض المعاصرين من الشناقطة شرح مختصر خليل بالدليل نسيت اسمه، وقد طبعته رابطة العالم الإسلامي بمكة، وقفت عليه، فإذا به يذكر دليل المسائل المعروفة المتداولَة ويسكت عن الباقي وهو أكثر من النصف، وللدَّاه الشنقيطي كتاب اقتصر فيه على ما يكثُر من مختصر خليل مع ذكر الدليل فيما يزعم وهو مطبوع ولعل اسمه (فتح الرحيم الرحمن .. )، وتراه فيه يستدل للمسائل بأقوال مالك وأصحابه على إعواز فيه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 4 ـ[8) شيخنا الفاضل سلام الله عليك ورحمته وبركاته .. وبعد .. فقد كان لي شرف القراءة والسماع عليكم لكتاب (الأوائل العجلونية) سنة (1420هـ) بمكة المكرمة .. وبصحبة بعض الفضلاء .. وعلى رأسهم أخي الحبيب الشريف حاتم العوني .. وقد كتبتم لي الإجازة بخطكم على نسختي الخاصة المقروءة عليكم .. وإنه ليشرفني أن أحدث عنكم في حياتكم (بارك الله في علمكم ونفع بكم). ومما فهمت منكم في ذلك المجلس أن لكم إجازة من الشيخ العلامة المحدث محمد ناصرالدين الألباني (رحمه الله) .. وقد أجزتموني بذلك. والسؤال: هل تلكم الإجازة عامة .. في جميع مروياته؟ .. أم أن ذلك يخص المقروء عليه من سنن النسائي الكبرى .. وهل هناك مناولة لشيءٍ من كتبه؟ .. لأنه حصل عندي لبس في ذلك. إني لفي أشد اللهف لمعرفة ذلك بالتفصيل .. وباللفظ الذي عبر به لكم في الإجازة .. وتقبلوا فائق شكري. محبكم وتلميذكم البار .. يحيى (العدل) (9/ 5/1423هـ). ]ـ ما سمعتم مني وكتبتُه لكم على نسختكم من الأوائل العجلونية، كان موجزاً جدا، وهو في نص الإجازة المطوَّل -ويظهر أنكم لم تحصلوا عليه- مبسوط نوعاً، وروايتي عن الشيخ الألباني رحمه الله إنما هي مُناولة منه مأذونة بمنزله بالمدينة المنورة عام 1382هـ، وكانت لرسائله صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصلاة التراويح، وحجاب المرأة المسلمة في طبعتها الأولى، وفهرسة كتب الحديث الظاهرية قبل أن يطبع منتخبه، وفي زيارتي له بعَمّان بعد انتقاله من دمشق ناوَلني المجلد الرابع من السلسلة الصحيحة طبع المكتب الإسلامي، وكَتَب عليه الإهداء وأذن بالمناولة، ومعلوم أنه لم تكن له عناية بالإجازات ولم يُجزه إلا الشيخ راغب الطباخ الحلَبي بمبادرة منه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 5 ـ[9) شيخنا الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله. لقد سمعت عنك كثيراً، وأسأل الله أن يُمد في عمرك ويحسن لنا ولك العاقبة. ما منهج ورأي من فضّل صحيح مسلم على البخاري؟ وما هو الجواب عنه؟ ]ـ الجواب: مسألة المفاضلة بين الصحيحين شهيرة، ومعلوم أن المغاربة أعني الأندلسيين يُفضلّون مُسلماً، وقد قيل في هذا: تنازعَ قومٌ في البخاري ومسلم ... قديماً وقالوا: أيَّ ذَين تُقدِّمُ فقلتُ: لقد فاق البخاريُّ صحةً ... كما فاق في حُسن الصناعة مُسلمُ الجزء: 12 ¦ الصفحة: 6 ـ[10) شيخنا الفاضل العلامة أبا أويس محمد بن الأمين بوخبزة -كان الله له بإنعامه- من أبي محمد عصام البشير بن محمد عصام المراكشي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: هَذي تحيةُ حبٍّ خالصٍ مُزجتْ ... بالشوقِ، أبعثُها لِحَبر تطوانِ محمد بن الأمينِ مَن له جُمعتْ ... شتى الفنون له ربي بإحسانِ أتشرف بأن أبعث لكم بالأسئلة التالية، راجيا من المولى القدير أن ييسر لي أسباب الاجتماع بكم، والنهل من حياض علمكم. - ذكر بعض من ترجم للشيخ أحمد بن الصديق أنه كان في درس صحيح مسلم بالجامع الكبير بطنجة يبدأ بسرد الأحاديث من حفظه بأسانيدها، فتبلغ ثمانين حديثا ونحوها، ثم يكر عليها بالكلام على رواتها، وما فيها من غريب وفقه ونحو ذلك. وذكر كثيرون عنه قصصا من هذا القبيل، تشهد لاتساع دائرة حفظه كثيرا. فهل كان فعلا يحفظ الأحاديث سردا، أم أن حفظه هو المعرفة والفهم كما هو حال أكثر المتأخرين؟ ]ـ كان الشيخ أحمد ابن الصديق عَقَد مجالس إملاء بالأزهر في شبابه، وأراد بها إحياء أمالي ابن حجر والسَّخاوي، وأنا لم أدرك هذا كما لم أُدرك إملاءه بجامع طنجة، إلا أن ما يقال عن حفظه مبالغ في بعضه وكذب في الآخر، فالمبالَغ فيه إملاء ثمانين حديثاً بأسانيدها، إلا أن يكون حدّث مرة مع إعداد ومعاناة حفظ، وأماليه بالأزهر لم يكن المجلس فيها يتجاوز العشرةَ مع ملاحظة نزول الأسانيد، أما الكذب فما سمعتُه في الحرمين من أنه يحفظ صحيح البخاري أو الصحيحين معاً عن ظهر قلب، وهو لا يستطيع إملاء كتاب من كتب الصحيح ابتداءً، وشقيقه الشيخ الزمزمي أحفظ منه للمتون، وهو فيما عدا ذلك كغيره من العلماء بل في هؤلاء من كان يستحضر اكثر منه كالشيخ المدني بن الحُسْني وبوشعيب الدكالي. ـ[11) سمعت من يقول إن الشيخ الزمزمي بن الصديق لم يكن قويا في العلم كإخوته أحمد وعبد الله وعبد العزيز، وإنما كان داعية من دعاة السنة ونبذ التصوف. ويستشهدون بأن كتاباته مبسطة جدا وليس فيها عبارات العلماء واصطلاحاتهم. فما رأيكم؟ ]ـ عن الشيخ الزمزمي ابن الصديق: لم تكن له عناية بالأسانيد والطرُق، وكان متفرغاً لدعوة العامة وأشباههم، وهؤلاء يحتاجون إلى من يخاطبهم بما يفهمون، فلذلك كانت خطبُه ودروسه باللهجة الدارجة، إلا إذا كان يُدَرس مع الطلبة، وهو في العلم أقل درجةً من شقيقيه: أحمد وعبد الله، أما الآخران فكان أحفظ منهما وأعرفَ بالفقه والمتون، ويُتقن حفظ القرآن دونهم. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 7 ـ[12) شيخنا الفاضل حفظك الله وبارك فيك وأمدك في عمرك على طاعته. هناك سؤال يدور في ذهني كثيرا وقد سألت بعضا من العلماء عنه، ولكني لم أجد الجواب المفصل والسؤال هو عن فائدة علم المنطق وهل يُنصح بدراسته، وأنا في الحقيقة لم يوصيني به وبحفظ (السلم المنورق) خصوصا وقد حفظتها سابقا - إلا من درس على يد شيخ شنقيطي فقط، أما غيرهم فلم ينصحني بها، ويذكرون كلاما لشيخ الإسلام رحمه الله في ذمّه وهم يحملونه على جميع أقسام هذا العلم فما رأيكم في ما ذكرت؟ وأتمنى أن تذكروا أهم المتون في هذا الفن؟ ]ـ علم المنطق صناعة لفظية تتمسَّح بالفكر، وليس كما يزعم مناصرُوه الغُلاة، وهو مما كان يُحذر منه السلف الصالح كما تعلمون، وقد قرأت السُّلَّم المرَوْنق للأخضري وبشرح بناني، وإليه المنتهى فيه عند المغاربة، فلم أجد فيه كبير غَناء، مع عظيم عَناء، ومَن أوتي فطنة وفضلَ ذكاء أدرك ما فيه من زَيف وخلل كما بيَّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في (نقض المنطق) والمؤلفات فيه كثيرة من أيسرها (إيسَاغُوجي) ومصنف البِقاعي والمغيلي، والمنطق الحديث لعبد الوصيف وغيرها كثير. ـ[13) رجل صلى صلاة الفجر ونسي وصلى أربع ركعات، ولم يذكر إلا وهو جالس في التشهد الثاني، فماذا يصنع ؟ ]ـ من صلى فريضة الصبح أربعا ناسياً، فهي له نافلة، وليستأنف صلاةَ الصبح ركعتين بشروطها وأحكامها كما أمر الله. ـ[14) مسافر صلى خلف مقيم وجهل أن متابعة الإمام واجبة فلما قام الإمام إلى الركعة الثالثة سلم المسافر وانصرف فماذا يجب عليه ؟ ]ـ إتمام المسافر خلف المقيم هو الصواب إن شاء الله، ومن قَصَّر خلفَه إن كان يتصرف عن دليل كما هو مذهب ابن حزم والبخاري والبيهقي وأحمد بن الصديق والزمزمي فإنها تجزئه لأنه على كل حال يعبُد الله على بصيرة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 8 ـ[15) الشيخ الفاضل بارك الله فيك ونفع بك، هل كتاب علل صحيح البخاري لابن عبد البر موجود؟ فقد سمعنا أنه مخطوط عندك. ]ـ كتاب ابن عبد البر (الأجوبة المستوعبة) جزء صغير على بتْر فيه وليس كما تتصوره، وقد أخذه مني بعض الإخوان لتحقيقه. ـ[16) هل كتاب المداوي للغماري المطبوع ناقص أم أنه مكتمل ؟ ]ـ (المداوي لعلل المناوي) لأحمد ابن الصديق طُبع بمصر وقد ذكر محققُه في أوله أنه وقع التصرفُ فيه من طرف شقيقه عبد الله بحذف ما فيه من سب وتجهيل مبالَغ فيه للمناوي، وفيما تركوه كفاية. ـ[17) ما هو أجمع كتاب لكتب تراجم المالكية ؟ ]ـ أجمع كتاب في تراجم المالكية مع الاختصار: (شجرة النور الزكية) للشيخ مخلوف التونسي، وهو مطبوع، وأجلها وأعظمها فوائد: (ترتيب المدارك) للقاضي عياض، طبعة الأوقاف بالمغرب. ـ[18) الغماريون الإخوة: عبد الله وأحمد وعبد العزيز، ما هي عقائدهم وأيهم أقوى علما، ما هو المأخذ عليهم؟ ]ـ الغُماريون الخمسة الأشقاء، هم على ترتيب أسنانهم: 1 - أحمد، 2 - عبد الله، 3 - الزمزمي، 4 - عبد الحي، 5 - عبد العزيز. أولهم أحمد، وهو أكبرهم سِنّاً وعلما، يليه عبد الله، ثم الزمزمي، ثم عبد الحي، ثم عبد العزيز، وقد ابتُلوا ببَليتين: التشيع، والتصوف، وكان فرطُهم إلى الحق في الجملة: الزَّمزمي الذي طلَّق الزاوية وتبرأ منها ومن طُقُوسها، وقد درجوا جميعاً رحمهم الله وعفا عنهم، ولولا هذا البلاء لكان سيدُهم وأعلم أحمد فردَ المغرب وعالمَه ومُحَدّثَه دون منازع، وقد قال عنه شيخنا الدكتور الهلالي: عالمُ الدنيا أفسَدَتهُ السُّبحة، ومنهم أخوهم المُفرد الحسن، فقيه أصولي مُطّلع على ذكاء وألمعية، وأصغرهم سِنا الدكتور إبراهيم وهو مُفرد أيضا، على معرفة واطّلاع، وكلهم صوفية خُرافيون كما ألمعنا ما عَدا الزمزمي رحمه الله تعالى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 9 ـ[19) كتبكم وبحوثكم شبه مفقودة لدينا ، هل بإمكانكم إرسالها لنا، ونتحمل التكلفة؟ ]ـ كتبتُ كثيرا من مذّكرات مختلطة من قَبيل كتب المحاضرات والنوادر والفوائد المنثورة، منها: نُقل النديم في مجلد، حَفْنة دُرّ مجيليد، رونق القِرطاس ومَجلب الإيناس، مجلد وسط، وسَقيط اللآل، وأُنسُ اللَّيال، مجلد وسط، وآخرون، ديوان خُطب مجلد، الشذرات الذهبية في السيرة النبوية، مجلد وسط- جربا السّائح تم منه مجلدات ولم ينتَه بعدُ، وطُبع لي مؤخرا أربعون حديثا في النهي عن اتخاذ القبور مساجد في جُزء، وتعليق على رائية ابن المُقرئ اليمني في الرد على الاتحاديين في جزء مخطوط، ومن التحقيقات: سراج المهتدين لابن العربي القاضي في الحديث طُبع بتطوان، أربعون حديثا في الجهاد لعلي بركة الأندلسي، طبع بتطوان، و9 مجلدات من الذخيرة في الفق المالكي للشهاب القرافي طُبع بدار الغرب الإسلامي في 13 مجلدا، والنوادر والزيادات لابن أبي زيد حققتُ منه مجلدين طُبع بدار الغرب في 12 مجلدا، وشاركتُ بمواد كثيرة في تحرير (معلمة المغرب) طُبع منها 14 مجلدا، ومجموعة رسائل كثيرة إخوانية وأجوبتها، هذا ما أذكُرُه الساعة، ومعظم هذه الأوضاع مخطوط، وفيها ما يُتحرَّز من نشره لتعلّقه بأفراد أحياء، ويمكن الاطلاع على بعض ما تمَّ عند الإخوان والأصدقاء، الذين يَغشَون منزلي، ويترددون إلي. ـ[20) من هم العلماء البارزين في المغرب من أهل السنة ؟ ]ـ عن العلماء البارزين من أهل السنة في المغرب: عن الجيل الحاضر لا أعرف أكثرهم، وعن الماضين أعرف من سميتُ سابقاً، وأُضيف إليهم محمد بن العربي العلَوي، وعبد الحفيظ الفاسي الفهري، والنتيفي. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 10 ـ[21) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نرجو مساعدتنا للوصول إلى أفضل حل لهذه المشكلة: نعمل بشركة للاستيراد والتصدير، ويوجد بعض الموظفين تسند إليهم عُهد مالية لتسوية بعض المهام والأعمال الخاصة بالشركة (ومهام عملهم صرف فقط لا تحصيل من عملاء الشركة)، وعند تسوية عهدة أحد الموظفين في نهاية الشهر وجد معه مبلغ من المال زيادة في العهدة، وقد أفاد الموظف بأنه يخلط ماله الخاص بمبلغ العهدة، وأفاد أيضاً بأن هذا المبلغ زيادة في عهدته ولا يعلم مصدره، وقد تمت مراجعة حسابات الشركة من قبل الإدارة المالية على مدار 6 أشهر، وجميع حسابات الإيرادات والمصروفات سليمة ولا خلل بها، وأفادت الإدارة المالية أن هذا المبلغ الزائد لا يندرج تحت بند العهد والمصروفات ولا يعلم مصدرة من جانبها. فما حكم الشرع في هذا المبلغ الذي ما زال معلقا في حيازة الموظف ، وما الجهة الشرعية لصرفه؟ أفيدونا أفادكم الله بما يحقق لنا ولموظفينا الورع في المعاملات المالية، وجزاكم الله عنا خيرا. ]ـ مسألة المال الزائد الذي لا يُعرف مصدره بعد مراجعة الحسابات، تُشبه اللُّقطة، فأَرى أن يحتفظ المكلَّف بهذا المال إلى أن يُعرف مصدرُه، ويظهر صاحبُه، ويمكن التصرفُ فيه على أن يبقى في ذمة المكلَّف، فإن ظهر صاحبه دُفع إليه، وإلا انتفع به المكلف. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 11 ـ[22) رجل يسكن في حي يلعب فيه أبناء الحي الكرة، ويسببون له الإزعاج والأذى بسبب لعبهم، وكان يأخذ الكرة منهم عندما يلعبون أمام منزله ويتلفها عليهم ولا يعيدها، ومضى على ذلك سنوات، والآن ما الواجب على الرجل هل يشتري كرة ويعيدها لهم؟ أم يعيد قيمتها؟ ولمن يعيدها للآباء أم لأبنائهم الذين كانوا يلعبون؟ وإذا سامحه الابن البالغ، هل يجب أن يسامحه الأب الذي هو ولي أمر الابن؟ ]ـ مسألة الكُرة: إذا سبق أن تقدمتَ إليهم إلى اللاَّعبين والحال أنهم بَالغون مكلفون، بالكف عن الإزعاج والأَذى، فلم يفعلوا واستمرا على أَذاهم لك حتى أتلفتَ كُرتَهم، فأرَى أنه لا ضمانَ عليك، لأنك أنذرتَهم فلم ينزَجروا، ودفع الأذى مشروع، وقد أعذَر من أنذَر. ـ[23) إذا كان الرجل يتحدث في المجلس عن رجل لم يذكر اسمه وليس معروف، مثل: (كان لي جار … ونحوها) هل تعد غيبة؟ ]ـ ذكرُك رجلاً بالوصف دون الاسم، ينظر في طبيعة الذكر، فإن كان مما يُكره، فهو غيبة لأنه معيَّن عندك وإن لم تُسمِّه، وإن كانَ مُجرد ذكر لا عيبَ فيه، فلا يعتبر غيبةً لأنها ذكرك أخاك بما يكره. ـ[24) كنت طالبا في الثانوية في السنة النهائية، وفي مادة التربية الرياضية (البدينة) طلب المدرس منا طلاب الفصل في الامتحان النهائي أن يؤدي كل طالب تمرين رياضي معين (25) مرة، وعليها خمس وعشرون درجة من المجموع الكلي للمادة، وهي 100درجة، ولم أستطع أن أقوم بها سوى ثلاث مرات تقريباً؛ ليس خداعاً أو احتيالا، وكنت أنوي أن أعملها في المنزل لعدم استطاعتي أن أعملها دفعة واحدة؛ وكنت أريد أن أخبر المدرس، لكنني نسيت وبعد تخرجي التحقت بكلية المعلمين تخصص دراسات قرآنية -ولله الحمد والمنة-، والآن أنا خائف من أن تكون المكافأة التي استلمتها من الكلية حرام ؛ ولقد أثر الأمر علي كثيراً مع مضي سنتين تقريبا، وأنا خائف من الله، وأصبحت أحس أن ما أنفقه من الصدقات، وما أعطيه لوالدي حرام وسحت؛ ولقد كنت في دراستي أحذر الغش، والله المستعان؛ وما الحل جزاكم الله خيراً؟ لأنني أنتظر ردكم بفارغ الصبر حفظكم الله؟ ]ـ مسألة المكافأة التي تسلمتَها من الإدارة وأنت طالب لا شيء فيها، لأنك نجحتَ وأنهيتَ المِشوار بسَلاَم مع سلامة النية، والبراءة من الغش. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 12 ـ[25) إذا بلع الصائم النخامة ، هل يبطل صيامه مع مضي سبع سنوات على هذه الحال؟ وهل يطعم مسكينا إذا كان صيامه فسد؟ ]ـ بلعُ الصائم نخامتَه لا يُفسد صومَه لأنه ليس أكلاً ولا شُرباً، وكثيراً ما يقع هذا. ـ[26) (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء: من الآية48]، هل يعنى أن المسلم إذا أشرك ثم أسلم لا يغفر الله له، ولابد أن يعذب؟ ]ـ إذا وقعَ المسلم في الشرك بالله والعياذ بالله، ثم ندمَ وتَاب بصدق فإنه لا يُعذّب، والمراد بآية: (إن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به) من أصَرَّ على الشرك إلى الممات، وأما من تاب فإنه مغفور له، (قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سَلَف). ـ[27) هل كتب الزوائد لابن الملقن موجودة جميعها؟ 28) وما هي الكتب التي اعتنت بزوائد الترمذي ؟ ]ـ لا علم عندي بهذه الزوائد. ـ[29) ما رأيكم بكتاب ( الأنيس والرفيق في ترجمة أحمد بن الصديق ) لتلميذه عبد الله التليدي، وهل التلميذ موافق لشيخه في عقيدته المنحرفة؟ ]ـ كتاب (الأنيس والرفيق) لعبد الله الكرفطي سيرةٌ مشوهة لشيخه أحمد ابن الصديق، ملأها بالأكاذيب والخرافات، ومنها ما عَرف الناس كثيراً من خفَايا ومساوي شيخه، ولله في خلقه شؤون، وقد تراجع مؤلفُه الكرفطي عن بعض فواقره كسبّ الصحابة، ووحدة الوجود، واتخاذ القبور مساجد، ولعله يتوب إلى الله توبة نصوحا، هدانا الله وإياه. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 13 ـ[30) لأحمد الغماري مناظرة مع الشيخ الألباني فهل سمعتم شيئا عنها؟ ]ـ عن مناظرة الألباني والزمزمي: سمعتُ بعضَ تسجيلها، وكان الشيخ الزمزمي بادر إلى طبع مُلخَّصها، ومن سمع تسجيلَها المفصل، علم أن تلخيصها لم يكن سَليماً، وموقف الشيخين في موضوع المناظرة: (الأسماء والصفات) معلوم، فإن الألباني سلفي خالص، والزمزمي اتخذ لنفسه مذهبا خاصا فلا هو سَلَفي ولا جهمي أشعري، على أن هذه المناظرة التي وقعت بطنجة كانت بين الألباني والزمزمي وفي بيت هذا الأخير، أما مناظرته للشيخ أحمد فقد أشار إليها الألباني في (تحذير الساجد) ولا علم لي بتفاصيلها إن كان لها تفاصيل. ـ[31) سمعت من لسان التليدي أن شيخه كان يلعن معاوية -رضي الله عنه- فهل بقي على ذلك إلى مماته؟ ]ـ الشيخ أحمد وإخوته، حتى الزمزمي وأبناؤه كلُّهم منحرفون عن معاوية رضي الله عنه، ويزيد الأول على لعن معاوية لعنَ أبيه، وعمرو بن العاص، وسمُرة بن جندب، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم نسأل الله العافية. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 14 ـ[32) لقد أصهرتم إلى بيت الغماري فليتكم تحدثونا عن قصة الصراع العلمي بين أحمد وعبد الله من جهة وبين أخيهم السلفي محمد الزمزمي ومسبباته، وما أبقى هذا الصراع العلمي من أثر مكتوب؛ نريد حديثا مفصلا في الموضوع، وأحوال محمد الزمزمي لأني سمعت من لسان الشيخ عبد الله التليدي ومضةً خاطفة. ]ـ معرفتي بالشيخ أحمد وشقيه الزمزمي تَرجع إلى عهد الصِّبا، أما عبد الله وعبد الحي وعبد العزيز فكانوا يومئذ بمصر يدرسون، ولي مع الشيخ عبد الله مراسلات، ولم أعرفه مُباشرة إلا بعد قدومه المغرب إثر خروجه من السجن، وكذلك الأخَوَان لم أعرفهما إلا بعد قدومهما إلى المغرب قديما، والعداء الناشبُ بين الإخوة والأشقاء كانت له أسباب على رأسها: الحسَدُ والتنافس العلمي، ثم تصرُّف الشيخ أحمد في ميراث والدِهم بسبب أنه النائب الوصي عليهم خصوصاً الدار الكبرى التي باعَها، ومكتبة والدِهم العامرة، وهذا ما سمعتُه بنفسي منهم في محاولة للإصلاح بينهم، ومما زاد في تأجيج نار هذه العداوة نميمةُ عبد الله الكرفطي الذي أبلى البلاءَ السّيّء في هذا المجال بتشجيع من الشيخ وترشيح له لهذه المهمة، خصوصاً بين الشيخ وشقيقه الزمزمي الذي أفضَت ذاتُ بينهما إلى تأليف الرسائل في مثالب كل منهما، وقد أحسن الشيخ الزمزمي في إحراق هذه الرسائل بعد وفاة أخيه. وقد رأيت أنا هذه الرسائل، أما الشيخ أحمد فقد كان عازما على تأليف حقيبة الغرائب في إخوته، فرجوته التخلي عنها ففعل، وكذلك ما جرى بين الشيخ أحمد وشقيقه عبد العزيز الذي كان يسطُو على آثار أخيه فيدَّعيها لنفسه بعد التغيير، وأؤكد أن معظم ما جرى بين هؤلاء الإخوة يرجع إلى سعي الكرفطي وشيطَنَتَه لحاجة في نفس يعقوب، وعند الله تجتمع الخصوم، والله المَوعد، وقد حدثني الدكتور إبراهيم بن الصديق وكان مع أخيه الشيخ أحمد بمصر بعد هجرته إليها أن أخاه كان يُعاني من تصلُّب الشرايين، وقد اشتد به المرضُ بسبب محنة أخيه عبد الله، وكان أحيانا يخِفّ مرضُه ما لم تصِلهُ رسالة من الكرفطي (التليدي)، فإذا وصلَت انتكَس وعاودَه الأَلَم لما تحملُه رسائلُه من سُوء. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 15 ـ[33) في كتاب (در الغمام الرقيق برسائل أحمد بن الصديق) للتليدي ذكر أن هنالك نحو من ألف رسالة لأحمد عند أخيه عبد العزيز فليتكم تجمعون هذه الرسائل مع ما بحوزتكم وما عند غيركم وتنشر. ]ـ (درّ الغمام الرقيق) للكرفطي رأيتُه، والجدير بالذكر أنه سطَا على أكثر من عشرين رسالة كتبَها الشيخ إليّ وفيها فوائد وحوار مفيد، ولَم يُشر إلى صاحبها ولم يسمِّه ليعلَم الناسُ طبيعةَ المسائل وموضوعاتها، وإنما أشار من بعيد إليَّ مع تهديد على عادة مُخَرّفي الصوفية بأنني سألقى جزائي قريبا لبحثي عن أخطاء الشيخ، وهو يشير بهذا إلى كتاب (التنبيه القاري، إلى فضائح أحمد الغماري) الذي ألفه مصطفى السفياني، ولم أكتب فيه حرفاً، وإنما نَقَل مؤلفُه عن مجموعة رسائل الشيخ إليّ وجؤنة العطّار بخزانة تطوان، وبعض مؤلفاته التي صوَّرها من عندي، ومن عادتي أن لا أبخل بشيء مما تحت يدي، أما تهديد الشيخ أبي الفتوح فهو فَسْوة على كُدية، وطَنزة عَنْز، وما عبّر بأخطاء الشيخ، هذه عينة منها: سبُّ ولعن نحو سبعة من الصحابة مع ردّ ما أجمع عليه السلف من عدالة الصحابة، اعتقاد أن الصحابة كانوا يُبغضون علياً، والحديث يقول: لا يُبغضك إلا منافق، والشيخ يحكم بنفاق ابن تيمية لهذا الحديث فيلزَمُه الحكمُ بنفاق الصحابة إلا الأقل، القول بإيمان فرعون وأنه مات مؤمنا، القول بوحدة الوجود في غلوّ مقيت ينحط إلى دعوى أن من لم يعتقدها فإيمانه مدخول، القول بفَناء النار، دعوى استمرار النبوة الخ، أما رسائل الشيخ إلى شقيقه عبد العزيز وأنها تبلغ الألف، فلا أعرفها، ومن المؤكد أن معظمها خاصٌّ وبعضها علمي وهو القليل، وما تحت يدي من رسائل الشيخ إليّ علاوة على ما سرقه الكرفطي ونشره، سوف يُنشر قريباً إن شاء الله تعالى. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 16 ـ[34) ألا ترون أن مصنفات الشيخ أحمد فيها عجلة وحدة شديدة وبعد عن الدقة وتبني مسائل مستنكرة وتجاسر في الهجوم على الأشخاص والحط عليهم؟ ]ـ مصنفات الشيخ ولا سيما ما كتب في أواخر عُمره تتّسم بالعجَلَة، وهي تعكس نفسية الشيخ المضطربة. ـ[35) وجدت كثيرا من علماء المغرب ينتسبون إلى البيت النبوي ، هل هذا النسب عند الكثير منهم له أساس صحيح؟ أم أنها دعوى بلا برهان؟ ]ـ دعوى النسَب النبوي بَليَّة قديمة، والدافع إليها، وهو الرغبة في الفخر والتعالي والتميُّز، والمتفق عليه بين العلماء أن الناسَ مُصدَّقون في أنسابهم وأن الإنسان مسؤول عن تصرفه، والحديث الصحيح يقول: "لعن الله من انتسب إلي غير موالِيه"، ويقول: "ومن انتسبَ إلي غير أبيه فالجنة عليه حرام"، وكل امرئ بما كسبَ رَهين، وقد ظهر زَيف كثير من هذه الدّعاوي، ومنها دعوى التليدي أنه إدريسي، ولم يُحلّه شيخُه بذلك، ولا مرة واحدة. ـ[36) كتاب (تاريخ تطوان) لمحمد داود ، هل هو أفضل تاريخ لمدينة تطوان أم لا؟ ]ـ تاريخ تطوان لصديقنا محمد داود رحمه الله، أوفى وأفضلُ تاريخ لها، ولجوانبَ من تاريخ المغرب عموماً، وقد طبع منه 9 مجلدات وما زال نحوُ ستة منه مخطوطة، إلى ملاحق، كملحق العائلات، والمساجد والزوايا، وأمثال أهل تطوان. ـ[37) ما حال المخطوطات المغربية ؟ وهل مازالت تباع عند الكتبيين؟ وما مصير مكتبة الأستاذ محمد المنوني -رحمه الله-؟ ]ـ حالة المخطوط العَربي بالمغرب جد سيّئة، والسَّرقة والتجارة قائمةٌ على قدم وساق للقضاء على ما تبقَّى منها، والحكومة لا تُعير اهتماماً لهذا، أما مكتبة الصَّديق المبرور المنوني فقد بيعت لجامعة محمد الخامس بالرباط فيما سمعت. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 17 ـ[38) الدكتور محمد تقي الدين الهلالي شيخكم ، فليتكم تكتبون عنه مقالة محررة عن دعوته وجهاده تنشر في هذا المنتدى. ]ـ شيخي الدكتور الهلالي رحمه الله، ذو جوانب متعددة، وكتابة سيرة مفصَّلة عنه تحتاج إلى وثائق ومستندات لا أعرف الكثير منها، والرجل كما تعلمون عاش قُرابة قرن كامل، وهو رُحَلة تَقلَّب في وظائف، واستوطَنَ أقطاراً، وصحاب عُلماء وزُعماء، ومذكراته واسعة، وما عندي منها إلا صُبابة لا تُغني. ـ[39) مجلة (الدوحة) المغربية المتخصصة بالأنساب ، هل مازالت تصدر وما صنع الله بها؟ ]ـ مجلة (الدوحة) لا أعرفها، وأذكر أنني رأيت مرة في الأكشاك جريدة النَّسَب، ولم أرها بعد ذلك. ـ[40) الشيخ الفاضل أبو أويس المبجل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: سؤالي هو ماذا يعني قول معمر في اسماعيل بن شروس: "كان يثبج الحديث "، وقد قال معمر كما في ترجمة (خلاد بن عبد الرحمن بن جندة الصنعاني الأبناوي): "ما رأيت أحداً بصنعاء إلا وهو يثبج الحديث". وهذا اللفظ أخرجه البخاري في تاريخه في ترجمة خلاد، وأما ابن أبي حاتم فقد رواه عن معمر من طريق آخر ولفظه: "لقيت مشيختكم فلم أَرَ أحداً كاد أن يحفظ الحديث إلا خلاد بن عبد الرحمن"، وإسماعيل بن شروس صنعاني يدخل في قول معمر عن مشايخ صنعاء، فهل يعني أنهم أصحاب كتاب لا يحفظون؟ أم أنّهم يروون الحديث بالمعنى؟ أفتونا مأجورين، والله الموفق. ]ـ قول معمر: ما رأيتُ أحداً بصنعاء إلاَّ وهو يُثبِّج الحديث، معناه: لا يأتي به على وجهه، بل يضطرب فيه، وهو معناه اللغوي، يقال ثَبَّج فلانٌ الكلامَ، لم يأتِ به على وجهه، وثَبَّج الخطَّ لم يُبيِّنه، وهذا خط مُثبَّج، وهذه من ألفاظ التجريح الغريبة، ولأخينا الدكتور سعدي الهاشمي العراقي صهر الدكتور أكرم ضياء العمري كتاب طريف في ألفاظ التجريح الغريبة، وهو مطبوع، ولا تَطولُه يدي الساعة. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 18 ـ[41) شيخنا أبا أويس حفظكم الله، وبارك في عمركم، ونفعنا بعلمكم: هلا أطلعتمونا على بعض النفائس التي تحتوي عليها الخزانة العامة بتطوان أو المخطوطات التي لا توجد إلا فيها. فقد سمعت منكم شيخنا أنكم أعددتم لائحة بها .. ؟ وكذا الجامع الكبير الذي آلت مخطوطاته إلى كلية أصول الدين. ]ـ عن نوادر المخطوطات في خزانة تطوان: كنتُ أعددتُ جريدة بها نحو عشرين عنواناً، وهي عند محافظ الخزانة، وكذلك خزانة الأوقاف بتطوان، وما فيهما من النفائس قليلٌ بالنسبة إلى القرويين والحَسَنية وابن يوسف بمراكش، وخزانة الرباط. ـ[42) هل يعد التحقيق على النسخة الواحدة تحقيقا علميا ؟ ]ـ تحقيق الكتاب على نُسخة واحدة إن لم يُوجد غيرُها ضرورة، وفيه صُعوبة. ـ[43) توجه بعض الشباب إلى تحقيق المطبوعات الحجرية ، هل يمكن أن نعد هذا تحقيقا، وهل تشجعون طلبة العلم على ذلك، وما هي بعض المطبوعات الحجرية التي تستحق التحقيق؟؟ ]ـ المخطوطات الحَجَرية بل المطبوعات كثيرة جدا لعلها فوق الألف، وفيها ما يستحق التحقيق والدراسة، وهي تختلف باختلاف الميول والتخصُّص، والحقيق يرجع إلى المٌحقِّق ومعرفته، ويَخضع لقواعدَ ومنهج علمي. ـ[44) وهل تأذن بنشر بعض محاضرتكم في هذه المنتديات ؟ ]ـ محاضراتي ومقالاتي محدودة، ولا مانع عندي من نشر ما يستحق النشر منها. ـ[45) ما هي العقيدة السائدة في المغرب ؟ ]ـ العقيدة السائدة بالمغرب هي الأشعرية منذ أيام الموحدين، والعقيدة السَّلَفية حديثة العهد بالظهور به، وهي مستهدفة للطعن والتنفير من صنفي الفقهاء والصوفية، والحكام. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 19 ـ[46) هل تنصحون طلاب العلم بحفظ الأسانيد في هذا الوقت، فإننا نرى من يهتم بالحفظ حتى لأسانيد الصحيحين!! ]ـ حفظ أسانيد الأحاديث أَرَى أنه عَناء لا دَاعي إليه بعد طبع آلاف الكتب والأجزاء الحديثية، نَعَم العناية بها والبحثُ عن رجالها وأحوالها ضروري للبحث العلمي والتحقيق، وبدون ذلك لا يمكن الحكم على الحديث حكما علميا صحيحا. ـ[47) ما رأيكم في منهج المشايخ البارزين في علم الحديث عندنا في المملكة كالشيخ المحدث عبد الله السعد، والشيخ المحدث سليمان العلوان، والشيخ المحدث عبد العزيز الطريفي ، ما رأيكم بهم وبأقوالهم التي يخالفون فيها السواد الأعظم من أهل الحديث في وقتنا؟ وهل تنصحون بالاستفادة منهم أم لا؟ ]ـ عن المشايخ المُسَمَّين وأقوالهم المخالفة لمناهج أهل العلم المتخصصين، أقول بأني لا أعرف منهم إلا القليل، ولا أقرأ ما يكتبون شيئا، وأرى أن صرف الوقت في تحقيق ما ينفَع وفهمه على الوجه الصحيح، هو الصواب الواجب، ورحم الله ابن مالك القائل: ما أصح علمَ من تقدَّما. ـ[48) ما صلتكم بالشيخ عبد الله الغماري ؟ وأين مسكنكم في المغرب؟ وهل لكم مصنفات جديدة أو ستطبع؟ ]ـ صلتي بالشيخ عبد الله بن الصديق قديمة، وسببُها المُصاهرة، وقد أفدتُ من مكاتبته قديماً عندما كان نشيطاً في الكتابة بالصحف والمجلات كمجلة الإسلام، وهدي الإسلام، والهداية الإسلامية، ومجلة المسلم وغيرها، بالقاهرة، وقد أشرتُ سابقاً إلى ما كتبتُ وما نسعَى لطبعه إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مَصيف (تامَرْنُوت) صباح الأحد 17 جمادى الثانية 1423هـ أبو أوّيس الحسن. الجزء: 12 ¦ الصفحة: 20 الشيخ الدكتور مُسَاعِد بن سُليمان الطَّيَّار هذه ترجمة للشيخ (حفظه الله) : * اسم الشيخ: مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار. * دراسته: • تخرج الشيخ من قسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين بالرياض، في العام الدراسي 1408/ 1409. • ثم التحق بالتدريس في كلية المعلمين بالرياض في قسم الدراسات القرآنية منذ عام 1409، ولا زال يعمل فيها أستاذاً في هذا القسم إلى هذا اليوم. • والتحق الشيخ بالدراسات العليا لنيل درجة الماجستير في تخصص علوم القرآن للعام الدراسي 1409/ 1410، وأنهى رسالة الماجستير بتقدير (ممتاز)، وكانت بعنوان (وقوف القرآن وأثرها في التفسير). • التحق (حفظه الله) في الكلية نفسها لنيل درجة الدكتوراه، وانتهى من مناقشتها في 12/ 7/1421 بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وكانت بعنوان (التفسير اللغوي للقرآن الكريم). * وللشيخ عدد من الكتب هي: 1. فصول في أصول التفسير / 1413. 2. تفسير جزء عم / 1420. 3. أنواع التصنيف المتعلقة بالقرآن الكريم / 1421. 4. التفسير اللغوي للقرآن الكريم / 1421. 5. مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر / 1422. 6. متن التفسير (تفسير جزء عم)، وهو مستل من تفسير جزء عم السابق / 1423. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 1 [مقدمة د مساعد الطيار] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن تبعه ووالاه إلى يوم الدين، أما بعد: فأشكر الله ما أنعم به علي من نعمه الوافرة، وأشكره على ما فتح علي به من العلم بكتابه، وأسأله في ذلك المزيد، كما أسأله الإخلاص في القول والعمل، وان يجعل ما انعم به حجة لي لا عليَّ إنه وسميع مجيب. ثم أشكر الإخوة القائمين على (ملتقى أهل الحديث) الذي يتميز بما فيه من الطرح العلمي الجادِّ، وأسأل الله لهم التوفيق والسداد، أشكرهم على حسن ظنهم بي، وعلى حرصهم على هذا اللقاء الذي أتمنى أن يكون كما أحبوه. ثم أتوجه بالشكر لكل من سأل، وانتظر أن أجيب عليه، مع اعتذاري عن إجابة بعض الأسئلة، ولعله يكون لها زمن مناسب بعد حين. وإني أتوجه إليهم وإلى كل أصحاب الطرح العلمي الجادِّ ممن يطرح رأيه في هذا الملتقى أو غيره أن يكون المراد من طرحه الوصول إلى الحقيقة العلمية، وليس الانتصار للأشخاص أو المشايخ، إذ كم تحجب الأقوال الصحيحة بهذا السبب، وكم يمتنع قوم من طرح ما لديهم لأجل ألا يجابهوا بمثل هذا الردِّ الذي لا يعتمد الأسلوب العلمي، بل ينحى منحى التعصب للرأي، حتى ترى أنه يخرج في كثير من الأحيان إلى الأسلوب الخطابي المتهيج للرد على المخالفين، ويضمحلُّ الأسلوب العلمي بين الباحثين. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 2 كما أن بعض الباحثين قد يرتجل في ردِّ مسألة، ثمّ يتبين له في قرارة نفسه خطؤها، وتراه بعد ذلك يُصرُّ على قوله المرتجل، ويصعب عليه النزوع عنه، وذلك مسلك غير حميد، وكما قيل: الرجوع إلى الحق فضيلة، ولا أشكُّ أن كثيرًا ممن في هذه الملتقيات الجادِّة قد اطَّلع على قصص رائعة من قصص السلف في التنازل عن الرأي الخطأ إذ نُبِّه عليه، إذ الإصرار غير المبرر على مسألة ظاهرٍ خطؤها مذمة للشخص من حيث لا يدري. وأدعو الإخوة ونفسي إلى التثبت من نقل المعلومة، فكم ترى نسبة قولٍ إلى عالم من العلماء، ولا تكاد تراه قال به، لكن الباحث نقل ما فهم من كلامه، ونسبه إليه ظنًّا منه أنه قول له، فالحرص على نقل قول العالم بحذافيره أولى من تقويله القول بما فهمه الباحث. وإنني أدعو إلى أن يكون بين أهل العلم اختلاف التغاير والتنوع، لا اختلاف التناقض والتضاد، وليعلم أنه لا يوجد أحد يستطيع أن يتسلط على فهم العباد، ويلزمهم بما لم يقتنعوا به، فإذا لم تقبل قولي أو لم أقبل قولك فليبق بيني وبينك الودُّ والصفاء، وإخاء الإيمان والولاء. وأسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن اختارهم من بين خلقه، وجعلهم خيرته، وأن يرفعني وإياكم بالعلم والعمل، إنه سميع مجيب. تنبيه: لقد سلكت في بعض الأسئلة سبيل التوسع، أو الزيادة على ما أراده السائل من باب تتميم المنفعة والفائدة، وأرجو أن أكون قد وفقت في هذا، والله الموفق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 3 ـ[ التفسير الكبير للفخر الرازي ]ـ التفسير الكبير للفخر الرازي من أوسع كتب التفسير، وقد حشاه مؤلفه بمباحث كثيرة جدًا تخرج به عن التفسير، حتى قيل فيه: فيه كل شيء إلا التفسير، وهذا من باب المبالغة لكثرة ما فيه من المباحث التي هي خارجة عن صلب التفسير، بل قد تكون ليست من علوم الشريعة. والكتاب يُعدُّ من مراجع التفسير الكبيرة، وفيه فوائد كثيرة، ومسائل علمية نادرة، لكن لا يصلح أن يقرأ فيه إلا من كان عارفًا بعلم الاعتقاد، وضابطًا لعلم التفسير ليعرف كيف يستفيد منه. وقد استفاد الرازي من كتب التفسير التي قبله، خصوصًا كتب المعتزلة، وقد يذكرها لينقدها، لكنه كما قيل: يورد الشبهة نقدًا، ويردها نسيئة. فهو قويٌّ في عرض الشبه، ضعيف في ردِّها. ومن أعلام المعتزلة الذين نقل عنهم: قطرب (ت: 206)، وأبو بكر الأصم، والجبائي (ت: 303)، والكعبي (ت: 319)، وأبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني (ت: 322)، والزمخشري (ت: 538). وقد جعل العقل حجة عنده، فتراه يقدمه على النقل بدعوى التعارض بينهما، بل تراه يستخدمه في مجالات لا يُقبلُ فيها نقد العقل، كبعض الأحاديث الصحيحة الواردة في حق بعض الأنبياء، فهو يفندها من جهة العقل فحسب. وقد استفاد في الوجوه البلاغية من تفسير الزمخشري على وجه الخصوص، لذا تراه يشقِّق سطرًا مضغوطًا بالمعلومات عند الزمخشري فيجعله في مسائل يبسط فيها البحث. ومما ظهر في كتابه غير الأمور العقلية والفلسفية وبحوث العلوم التجريبية ما يأتي: 1 ـ الاعتناء بعلم المناسبات. 2 ـ الاستنباط في جميع المجالات. 3 ـ ذكر الملح واللطائف التفسيرية. 4 ـ العناية بجانب البلاغة القرآنية. وهذا الكتاب من الكتب التي تحتاج إلى الاختصار الذي يقرِّبها للقارئ، ويبعد ما فيها من الاستطرادات العلمية التي لا تفيد جمهور القراء، والتي قد تكون مخالفة للاعتقاد. والله الموفق. ـ[قال السائل: تناقش الإخوة في الملتقى حول صحة نسبة الكثير من تفسيرات ابن عباس (رضي الله عنهما) إليه، وخصوصاً تلك التي من طريق علي بن أبي طلحة عنه. فما قول فضيلتكم في ثبوت التفسير عنه؟ ]ـ إن السؤال عن تفسير علي بن أبي طلحة يدخل في منظومة موضوع عامٍّ، وهو أسانيد روايات التفسير. ومما قد لا يخفى أن التفسير قد نُقِلَ بروايات يحكم علماء الحديث عليها بالضعف أو ما هو أشد منه، لكن الذي قد يخفى هو كيفية تعامل هؤلاء العلماء مع هذه الروايات في علم التفسير. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 4 ولتصوير الحال الكائنة في هذه الروايات، فإنك ستجد الأمر ينقسم بين المعاصرين وبين السابقين. فالفريق الأول: بعض المعاصرين يدعو إلى التشدد في التعامل مع مرويات السلف في التفسير. والفريق الثاني: جمهور علماء الأمة من المحدثين والمفسرين وغيرهم ممن تلقَّى التفسير واستفاد من تلك الروايات، بل قد اعتمدها في فهم كلام الله. هذه صورة المسألة عندي، والظاهر أن الاستفادة من هذه المرويات، وعدم التشدد في نقدها إسناديًا هو الصواب، وإليك الدليل على ذلك: 1 ـ أنك لا تكاد تجد مفسرًا من المفسرين اطرح جملة من هذه الروايات بالكلية، بل قد يطرح أحدها لرأيه بعدم صحة الاعتماد عليها، ومن أشهر الروايات التي يُمثَّل بها هنا رواية محمد بن مروان السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. 2 ـ أن المفسرين اعتمدوا اعتمادًا واضحًا على هذه المرويات، سواءً أكانوا من المحررين فيه كالإمام الطبري وابن كثير، أم كانوا من نَقَلَةِ التفسير كعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. وهؤلاء قد أطبقوا على روايتها بلا نكير، مع علمهم التام بما فيها من الضعف. ولا يقال كما قد قال من قال: إن منهج الإمام الطبري في هذه الروايات الإسناد، وإن ليس من منهجه الصحة اعتمادً على قاعدة من أسند فقد أحالك. ففي هذه المقولة غفلة واضحة عن منهج الإمام الطبري الذي لم ينصَّ أبدًا على هذا المنهج في تفسيره، والذي اعتمد على هذه المرويات في بيان معاني كلام الله، وفي الترجيح بين أقوال المفسرين، ولم يتأخر عن ذلك إلا في مواضع قليلة جدًّا لا تمثِّل منهجًا له في نقد أسانيد التفسير، أعني أنَّ الصبغة العامة رواية هذه الآثار والاعتماد عليها في بيان كلام الله. وقس على الإمام الطبري غيره من المفسرين الذين اعتمدوا هذه المرويات في التفسير. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 5 3 ـ أنَّ أئمة المحدثين لهم كلام واضح بين في قبول هذه الروايات واحتمالها والاعتماد عليها؛ لأنهم يفرقون بين أسانيد الحلال والحرام وأسانيد غيرها من حيث التشديد والتساهل، ونصوصهم في ذلك واضحة، ومن ذلك: قال عبد الرحمن بن مهدي: «إذا روينا في الثواب والعقاب وفضائل الأعمال = تساهلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال. وإذا روينا في الحلال والحرام والأحكام = تشدَّدنا في الأسانيد وانتقدنا الرجال» (1). وقد انجرَّ هذا التَّساهل على روايات التفسير، فاحتملوا قومًا معروفين بضعفهم في نقل الحديث، فقبلوا عنهم ـ من حيث الجملة ـ رواياتهم، قال يحيى بن سعيد القطان: «تساهلوا في التفسير عن قومٍ لا يوثِّقونهم في الحديث، ثمَّ ذكر ليث بن أبي سليم، وجويبر بن سعيد، والضحاك، ومحمد بن السائب؛ يعني: الكلبي. وقال: هؤلاء يُحمد حديثهم (كذا، ولعل الصواب: لا يحمد)، ويُكتب التفسير عنهم» (2). وقال البيهقيُّ (ت: 458): « ... وأما النوع الثاني من الأخبار، فهي أحاديث اتفق أهل العلم بالحديث على ضعف مخرجها، وهذا النوع على ضربين: ضرب رواه من كان معروفًا بوضع الحديث والكذب فيه، فهذا الضرب لا يكون مستعملاً في شيء من أمور الدين إلا على وجه التليين ... . وضرب لا يكون راويهِ متَّهمًا بالوضع، غير أنه عُرفَ بسوء الحفظِ وكثرة الغلطِ في روايته، أو يكون مجهولاً لم يثبت من عدالته وشرائط قبول خبره ما يوجب القبول. فهذا الضرب من الأحاديث لا يكون مستعملاً في الأحكام، كما لا تكون شهادة من هذه صفته مقبولةً عند الحكَّام. وقد يُستعمل في الدعوات، والترغيب والترهيب، والتفسير، والمغازي؛ فيما لا يتعلق به حكمٌ» (3).   (1) دلائل النبوة، للبيهقي، تحقيق: الدكتور عبد المعطي قلعجي (1: 34). (2) دلائل النبوة، للبيهقي، تحقيق: الدكتور عبد المعطي قلعجي (1: 35 ـ 37). (3) دلائل النبوة، للبيهقي، تحقيق: الدكتور عبد المعطي قلعجي (1: 33 ـ 34). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 6 4 ـ ومما يُعلمُ من نقد الأسانيد أنَّ المحدِّثينَ قد فرَّقوا في نقدِهم لبعض الأعلامِ، فجعلوه في نقل الحديث من المجروحين المتكلَّمِ فيهم، وأثنوا عليه في علمٍ برعَ هو فيه، بل قد يكون فيه إمامًا يُؤخذُ قوله في ذلك العلم، وهذا يعني أنَّ تضعيفه في روايةِ الحديث لم ينجرَّ إلى تضعيفه في ذلك العلمِ الآخرِ، ومن الأمثلة التي يمكنُ أن تُضربَ في هذا ما يأتي: 1 ـ عاصم بن أبي النَّجود الكوفي (ت: 128)، قال عنه ابن حجر العسقلاني (ت: 852): «صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون» (1). 2 ـ حفص بن سليمان الأسدي (ت: 180) الراوي عن عاصم بن أبي النَّجود (ت: 128)، قال عنه الذَّهبي (ت: 748) ـ بعد أن ذكر جرح علماء الحديث فيه ـ: «قلت: أما في القراءةِ، فثقة ثبت ضابط، بخلاف حاله في الحديث» (2). وقال ابن حجر العسقلاني (ت: 852): «متروك الحديث مع إمامته في القراءة» (3). 3 ـ نافع بن أبي نعيم المدني (ت: 169): «صدوق ثبت في القراءة» (4). 4 ـ عيسى بن ميناء المدني، المعروف بقالون (ت: 220)، أحد راويَي نافع المدني (ت: 169)، قال عنه الذهبي: «أما في القراءةِ فثبتٌ، وأما في الحديث فيكتب حديثه في الجملة. سئل أحمد بن صالح المصري عن حديثه فضحك، وقال: تكتبون عن كلِّ أحدٍ! » (5). 5 ـ حفص بن عمر الدُّوري (ت: 246)، قال ابن حجر (ت: 852): «لا بأس به» (6).   (1) تقريب لاتهذيب، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: صغير أحمد الباكستاني (ص: 471). (2) معرفة القراء الكبار، للذهبي (1: 140). (3) تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: صغير أحمد الباكستاني (ص: 257). (4) تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: صغير أحمد الباكستاني (ص: 995). (5) ميزان الاعتدال (3: 327). (6) تقريب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، تحقيق: صغير أحمد الباكستاني (ص: 259). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 7 وقال ابن الجزري (ت: 833): «إمام القراءة، وشيخ الناس في زمانه، ثقة ثبت كبير ضابط» (1). ولا يبعد أن يكونَ بعضُ المتميِّزينَ في علمٍ من العلومِ لا يكاد يُعرفُ لهم روايةٌ للحديثِ؛ كعثمان بن سعيد الملقب بورش (ت: 197) أحد راويَي قراءة نافع المدني (ت: 169). فإذا كان ذلك واضحًا في علمِ القراءةِ، فإن علم التفسير لم يوجد له كتبٌ تخصُّ طبقات المفسرين وتنقدُ روايتهم على وجه الخصوصِ، بخلاف ما وُجِدَ من علم القراءة الذي تميَّزَ تميُّزًا واضحًا عند الترجمة لأحد القراء كما تلاحظُ في الأمثلة السابقةِ. ولذا لا تجد في الكلام عن المفسرين سوى الإشارة إلى أنهم مفسرون دون التنبيه على إمامتهم فيه وضعفهم في غيره كما هو الحال في نقد القراء، وإذا قرأت في تراجم المحدثين ستجد مثل هذه العبارات: «المفسر، صاحب التفسير»، ومن ذلك: قال الذهبي (ت: 748): «مجاهد بن جبر، الإمام، أبو الحجاج، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، المكي، المقرئ، المفسر، أحد الأعلام» (2). قال الخليلي: « ... ورواه شيخ ضعيف، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، وهو إسماعيل ابن أبي زياد الشامي صاحب التفسير» (3). وقال: «مقاتل بن سليمان صاحب التفسير خراساني محله عند أهل التفسير والعلماء محل كبير واسع العلم لكن الحفاظ ضعفوه في الرواة» (4). قال ابن سعد: «أبو مالك الغفاري صاحب التفسير، وكان قليل الحديث» (5). قال ابن سعد: «أبو صالح واسمه باذام، ويقال باذان، مولى أم هانئ بنت أبي طالب، وهو صاحب التفسير الذي رواه عن ابن عباس، ورواه عن أبي صالح الكلبيُّ محمد بن السائب» (6).   (1) غاية النهاية، لابن الجزري (1: 255). (2) معرفة القراء الكبار (1: 66). (3) الإرشاد للخليلي (1: 448). (4) الإرشاد للخليلي (3: 928). (5) الطبقات الكبرى (6: 295). (6) الطبقات الكبرى (6: 296). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 8 قال ابن سعد: «إسماعيل بن عبد الرحمن السدي صاحب التفسير، مات سنة سبع وعشرين ومائة» (1). قال ابن سعد: «أبو روق واسمه عطية بن الحارث الهمداني من بطن منهم يقال لهم بنو وثن من أنفسهم، وهو صاحب التفسير، وروى عن الضحاك بن مزاحم وغيره» (2). قال ابن سعد: «مقاتل بن سليمان البلخي صاحب التفسير، روى عن الضحاك بن مزاحم وعطاء وأصحاب الحديث يتقون حديثه وينكرونه» (3). قال الخطيب البغدادي: «قال يحيى بن معين السدى الصغير صاحب التفسير محمد بن مروان مولى الخطابيين ليس بثقة» (4). قال الخطيب البغدادي: «يزيد بن حيان الخراساني أخو مقاتل بن حيان صاحب التفسير» (5). ويظهر أنَّ سبب عدم تمييز نقد المفسرين على وجه الخصوص أمران مشتركان لا ينفكان عن بعضهما: الأول: أن رواية التفسير كانت مختلطةً برواية الحديث في كثير من الأحيان. الثاني: أن كثيرًا من رجال الإسناد في التفسير هم من نقلة السنة النبوية، فكان الحديث في نقدهم والحكم عليهم من جهة التفسير والحديث واحدًا. لكن المحدثين لم يجعلوا مقاييس قبولهم لروايات الحديث كمقاييس قبولهم لروايات التفسير، وإن كانوا حكموا على بعض روايات التفسير بالضعف كما سبقت الإشارة إلى كلام بعضهم في هذا التفريق.   (1) الطبقات الكبرى (6: 323). (2) الطبقات الكبرى (6: 369). (3) الطبقات الكبرى (7: 373). (4) تاريخ بغداد (3: 292). (5) تاريخ بغداد (14: 332). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 9 لكن قد يقع أنَّ بعض روايات التفسير تكون متمحِّضةً فيه، ولا تكادُ تجدُ أسانيدها إلا في علم التفسيرِ، وقد لا ترى بواسطتها روايةً لحديث نبويٍّ، وإن وُجِدَ فهو قليلٌ، ومن أمثلةِ ذلك رواية العوفييِّن التي تنتهي بعطيَّة العوفي (ت: 111) عن شيخه ابن عباسٍ (ت: 68)، وهي روايةٌ مسلسلةٌ بالضُّعفاءِ (1)، وأمرها مشهورٌ معروفٌ في التفسيرِ، لكن لاتجدُ روايةَ أحاديث بهذه السلسلةِ العوفيَّةِ. 5 ـ ولعلَّ مما يبيح تساهل التعامل مع أسانيد المفسرين من جهة الإسناد أن كثيرًا من روايات التفسير روايات كتبٍ، وليست روايات تلقين وحفظٍ؛ لأنك لا تكاد تجد اختلافًا بين ما رواه نقلة هذه المرويات بهذه الأسانيد. ولذا تجدهم ينسبون التفسير إلى من رواه مدوَّنًا كتفسير عطية العوفي (ت: 111) عن ابن عباس (ت: 68)، وتفسير السدي (ت: 128) عن بعض أشياخه، وتفسير قتادة (ت: 117) الذي يرويه سعيد ابن أبي عروبة ومعمر بن راشد، وتفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (ت: 68)، وتفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت: 182)، وغيرها من صحف التفسير. وإذا كان كثير من هذه الروايات رواية الكتاب فإن هذا يجعلها صالحة للاعتمادُ، أو الاستئناسُ بها من حيث الجملةِ. ومن باب المناسبة أذكر أن صحف التفسير من البحوث التي لم تطرح حتى الآن، فياحبذا لو تولاَّها أصحاب هذا الشأن. 6 ـ أنه مما يتبع هذه المسألة أنه قد اشتهر بعض هؤلاء الأعلام في التفسير إما رواية وإما دراية، ويجب أن لا ينجرَّ الحكم عليه في مجال الرواية إلى مجال الدراية، بل التفريق بين الحالين هو الصواب، فتضعيف مفسر من جهة الرواية لا يعني تضعيفه من جهة الرأي والدراية، لذا يبقى لهم حكم المفسرين المعتبرين، ويحاكم قولهم من جهة المعنى، فإن كان فيه خطأ رُدَّ، وإن كان صوابًا قُبِلَ.   (1) ينظر في رجال إسناد تفسير العوفي: تفسير الإمام الطبري، تحقيق: محمود شاكر (1: 263). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 10 إذا تأمَّلت هذه المسألة تأمُّلاً عقليًّا، فإنَّه سيظهر لك أنَّ الرأي لا يوصف بالكذب إنما يوصف بالخطأ، فأنت تناقش قول فلان من جهة صحته وخطئه في المعنى، لا من جهة كونه كاذبًا أو صادقًا؛ لأن ذلك ليس مقامه، وهذا يعني أنَّك لا ترفضُ هذه الآراء من جهة كون قائلها كذابًا في الرواية، إنما من جهة خطئها في التأويلِ. وهذا يعني أنَّ الحكم على الكلبيِّ (ت: 146)، ومقاتل بن سليمان (ت: 150) بالكذب من جهة الرواية، لا يعني أنَّك لا تأخذ بقولِهما الذي هو من اجتهادهما في التفسيرِ، بل إذا ظهرت عليه أمارات الصِّحةِ من جهة المعنى يُقبلُ، ولا يردُّ لكون صاحبه كذَّابًا. وكذا الحال في من وُصِفَ بالضَّعف في روايته؛ كعطيَّةَ العوفي (ت: 111)، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (ت: 182)، وغيرهما. وغياب هذه القضيةِ يوقعُ في أمرين: الأول: طرحُ أراء هؤلاء المفسرين، وهم من أعلام مفسري السلف. الثاني: الخطأ في الحكم على السندِ الذي يروى عنهم، فيُحكم عليه من خلال الحكم عليهم، وهم هنا ليسوا رواةً فيجرى عليهم الحكم، بل القول ينتهي إليهم، فأنت تبحث في توثيق من نقل عنهم، ومن الأمثلة التي وقع فيها بعض الباحثين الفضلاء: قال ابن أبي حاتم: «حدثنا أبي، قال: حدثنا الحسن بن الربيع، قال: حدثنا عبد الله بن إدريس، ثنا محمد بن إسحاق، قوله: {الحي القيوم}] آل عمران: 2 [: القائم على مكانته الذي لا يزول، وعيسى لحم ودم، وقد قضى عليه بالموت، زال عنة مكانه الذي يحدث به» (1). ولما درس المحقق رجال الإسناد خرج بما يأتي:   (1) تفسير ابن أبي حاتم، تحقيق: حكمت بشير ياسين (ص: 27). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 11 الحسن بن الربيع ثقة، وعبد الله بن إدريس ثقة، ومحمد بن إسحاق صدوق، ثمَّ قال في نتيجة الحكم: «درجة الأثر: رجاله ثقات، إلا ابن إسحاق صدوق، فالإسناد حسنٌ» (1). فجعل الإسناد حسنًا بسبب ابن إسحاق، وهذا الحكم فيه نظر، إذ الصحيح أن يُحكم على الإسناد بأنه صحيح؛ لأنَّ الذين نقلوه عن ابن إسحاق هم الذين يتعرَّضون للتعديل والتجريح، أما قائل القول، فلا يدخل في الحكم. 7 ـ إن من تشدد في نقد أسانيد التفسير، فإن النتيجة التي سيصل إليها أنَّ كثيرًا من روايات التفسير ضعيفة، فإذا اعتمد الصحيح واطَّرح الضعيف فإن الحصيلة أننا لا نجد للسلف إلا تفسيرًا قليلاً، وهم العمدة الذين يعتمدون في هذا الباب، فإذا كان ذلك كذلك فمن أين يؤخذ التفسير بعدهم؟! لقد طرحت هذه المسألة على بعض من يرى أنه يجب التشدد أسانيد التفسير، وتنقية كتب التفسير من الضعيف والإسرائيليات، والخروج بتفسير صحيح الإسناد عن السلف يُحتكم إليه، فقلت له: أنت تعلم أنَّ اتباع هذا المنهج سيخرج كثيرًا من روايات التفسير، وأنه قد لا نجد في بعض الآيات تفسيرًا محكيًا عن السلف سوى ما طرحته، فمن أين ستأخذ التفسير؟ قال: نرجع للغة، لأن القرآن نزل بلغة العرب. قلت له: فممن ستأخذ اللغة؟ قال من كتبها وأعلامها؛ من الخليل بن أحمد والفراء وأبي عبيدة وغيرهم. فقلت له: أنت طالبت بصحة الإسناد في روايات التفسير، فلم لم تعمل بها في نقل هؤلاء وحكايتهم عن العرب، فأنا أطالبك بأن تصحح الإسناد في نقل هؤلاء أن معنى هذه اللفظة هو كذا عند العرب نقلاً صحيحًا متصلاً من الفراء وغيره إلى ذلك العربي الذي علَّمه ذلك. فهل يا تُرى أن هذا المنهج صحيح؟   (1) تفسير ابن أبي حاتم، تحقيق: حكمت بشير ياسين (حاشية ص: 28) / وقد سار على تحسين هذا الإسناد في تحقيقه، ينظر مثلاً (ص: 71). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 12 إنَّ طبيعة العلوم تختلف، فإثبات السنة النبوية، وإلزام الناس بها ليس كإثبات اللغة، فاللغة تثبت بما لا يثبت به الحديث، وكذا الحال في التفسير، فإنه يثبت بما لا يثبت به الحديث، والاعتماد على هذه الروايات جزءٌ أصيل من منهجه لا ينفكُّ عنه، ومن اطَّرحها فقد مسخ علم التفسير. 8 ـ إن التفسير له مقاييس يعرف بها عدا مقاييس الجرح والتعديل، إذ التفسير يرتبط ببيان المعنى، وإدراك المعنى يحصل من غير جهة الحكم على الإسناد، لذا فإن عرض التفسير على مجموعة من الأصول تبين صحيحه من ضعيفة، كالنظر في السياق والنظر في اللغة، والنظر في عادات القرآن والنظر في السنة ... الخ وقد أشار البيهقي إلى هذا الملحظ فقال: «وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم لأن ما فسروا به؛ ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب، وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط» (1). ومن قرأ في كتب التفسير ومارس تدريسه أدرك هذا المعنى، وإلا لرأيته يقف كثيرًا حتى يتبين له صحة هذه المرويات ليعتمد عليها، وفي هذه الحال أنَّى له أن يفسِّر. 9 ـ ومما يحسن ملاحظته هنا أنَّ التفسير المنقول بطرق فيها ضعف له فوائد، منها أن يكون المعنى الذي يحمله التفسير مما قد اشتهر بين السلف فيستفاد منه في حال الجدل مع المعارضين، خصوصًا إذا كان في مجال الاعتقاد؛ لذا ترى بعض العلماء ينص على أنَّ بعض المعاني الباطلة في التفسير المرتبطة بالمعتقد = لم تثبت لا بالطرق الصحيحة ولا الضعيفة. 10 ـ وأخيرًا، فإني أرى في هذه المسألة التي يطول فيها الجدل أن يُفرَّق بين الاعتماد التام على منهج أهل الحديث في نقد الروايات وبين الاستفادة منه، فالصحيح أن يُستفاد منه، ويأتي وجه الاستفادة منه في حالات معينة؛ كأن يكون في التفسير المروي غرابة أو نكارة وشذوذًا ظاهرًا.   (1) دلائل النبوة للبيهقي (1: 37). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 13 ومن أمثلة ذلك ما تراه من فعل الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}] المائدة: 55 [حيث تتبع أسانيد المرويات ونقدها، لكنك تجده في مواطن أخرى يرويها ولا ينقدها، وما ذاك إلا لما في الخبر المنقول في هذه الآية من النكارة التي جعلته يتتبع الإسناد، أما في غيرها فالأمر محتمل من جهة المعنى وليس فيها ما ينكر فقبله، والله أعلم. وهذا الموضوع له جوانب أخرى، وهو يحتاج إلى تأصيل وتمثيل، ولعل فيما طرحته غنية، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والصواب في القول والعمل. وقوف المصاحف ـ[قال السائل: ما رأيكم بالعلامات الموجودة في المصاحف الآن ,وهل يجب أن يلتزم بها القارئ للقرآن؟ ]ـ إن الأصل في وقوف القرآن أنَّها مبنية على الاجتهاد، وليس هناك وقف يحرم أو يجب إلا بسببٍ. ومبنى الوقوف على المعنى، لذا يعاب على من لم يحرر المعاني في الوقوف، لكنه لا يصل بعمله هذه إلى الحرمة. والحرمة والوجوب تحتاج إلى دليل شرعي؛ إذ أنها تدل على فعل شيء يخالف الشريعة، وليس ذلك في الوقوف القبيحة التي حكم العلماء عليها بالقبح. وتعمد الوقف على ما لا يحسن الوقف عليه فعل قبيح بلا إشكال، لكنه لا يصل إلى حدِّ الحرمة إلا إذا كان يعتقد ذلك المعنى القبيح، وإذا كان يعتقد ذلك المعنى القبيح فإنه آثم سواءً أكان في حال قراءة أم كان في غيرها. فمن وقف على قوله: {يد الله مغلولة}، وهو يعتقد هذا المعنى ويريده، فهو آثم باعتقاده قبل وقفه، والله أعلم. أما التزام القارئ بها من أجل تحسين الأداء وتبيين المعاني، فإنها إنما جُعلت لهذا الغرض، وإذا كان هذا هو الغرض منها فالتزامها أولى من تركها، مع مراعاة أن تركها ليس فيه إثمٌ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 14 وهذه العلامات الموجودة في المصاحف مأخوذة من وقوف السِّجاوندي (ت: 560) من كتابه الكبير (علل الوقوف)، ووقوفه هي: الوقف اللازم، وعلامته (م)، والوقف المطلق، وعلامته (ط)، والوقف الجائز، وعلامته (ج)، والوقف المجوز لوجه، وعلامته (ز)، والمرخص ضرورةً، وعلامته (ص)، وما لا يوقف عليه، وعلامته (لا). وقد بقيت هذه الوقوف إلى هذا العصر، وهي المعمول بها في مصاحف الأتراك والقارة الهندية. أما المصحف المصري وما انبثق عنه كمصحف المدينة النبوية المطبوع بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، فإنه استفاد من وقوف السجاوندي وإن كان خالفه في بعض مواطن الوقف أو في الزيادة عليه في المصطلحات التي هي في الحقيقة نابعة منه، ووقوف هذه المصاحف هي: الوقف اللازم، وعلامته (م)، والوقف الجائز، وعلامته (ج)، والوقف الأولى، وعلامته (قلى)، والوصل الأولى، وعلامته (صلى)، ووقف المعانقة، وعلامته ( .. .. ) ثلاث نقاط على جملة المعانقة أو كلمتها، والوقف الممنوع، وعلامته (لا). ولعلك تلاحظ أنه لا يوجد فيها الوقف المطلق والوقف المرخص ضرورة والوقف المجوز لوجه التي هي من وقوف السجاوندي. كما تجد في المصحف المصري ومن تبعه وقف المعانقة والوقف الأولى والوصل الأولى، وهذه لم ينص عليها السجاوندي، لكن بالنظر إلى أنواع الوقف الجائز عنده وباستقراء علله تجد أنها موجودة عنده، وإن لم ينصَّ عليها. وباستقراء تطبيقات الوقف الجائز عند السجاوندي (ت: 560) ظهر أنه على مراتب ثلاثٍ: 1 ـ ما يستوي فيه موجب الوقف وموجب الوصل، وهو الذي اصطلح عليه بأنه (الجائزُ). 2 ـ ما يكون الوصل فيه أولى من الوقف، وهو الذي اصطلح عليه بأنه (المجوز لوجه). والوقف المجوز لوجه عنده: ما تكون علة الوصل فيه أقوى من علة الوقف، لكن يجوز الوقف لأجل هذه العلة المرجوحة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 15 3 ـ ما يكون الوقف فيه أَولى من الوصل، وهذا القسم لم يذكر له مصطلحاً كالسابقين، غير أنه ظهر عنده في تطبيقاته، حيث ينصُّ في بعض مواطن الوقوف على جواز الوصل والوقف، ويرجح الوقف على الوصل. ومن أمثلة ذلك الوقف على لفظ " أزواجًا " الثاني من قوله تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجا يَذْرَأُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} حيث حكم عليه بالجواز، وقال في عِلَّةِ ذلك الوقف الجائز: «لأن الضمير: {فيه} قد يعود إلى الأزواج الذي هو مدلول قوله: {أزواجًا}، والأصح أنه ضمير الرَّحِم، وإن لم يسبق ذكره، فكان الوقف أوجه». - وأما وقف التعانق أو المعانقة المرموز له بالنقاط الثلاث، فقد كان يسمى عند المتقدمين وقف المراقبة، وأول من نبه عليه أبو الفضل الرازي (ت: 454) (1). وعرَّفه أبو العلاء الهمذاني (ت: 569)، فقال: «المراقبة بين الوقفين: أن لا يثبتا معًا، ولا يسقطا معًا، بل يُوقف على أحدهما» (2). وقد أشار إلى هذا الوقف السجاوندي (ت: 560) في قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ - مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ... }] المائدة: 31 ـ 32 [.   (1) النشر، لابن الجزري (1: 238). (2) الهادي إلى معرفة المقاطع والمبادي (رسالة علمية لم تطبع) (ص: 55). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 16 قال: « ... {النادمين} ج. {من أجل ذلك} ج، كذلك؛ أي هما جائزان على سبيل البدل، لا على سبيل الاجتماع؛ لأن تعلُّق {من أجل} يصلح بقوله: {فأصبح}، ويصلح بقوله: {كتبنا}، وعلى {أجل ذلك} أجوز؛ لأن ندمه ـ من أجل أنه لم يوارِ ـ أظهر». وهذه الوقوف لا ينبغي التهييج عليها لانتشارها بين المسلمين في مصاحفهم، وليس فيها ما يوجب الخطأ المحض، إذ هي اجتهادات اجتهد فيها علماء أفذاذ، واتباعها أولى من تركها. كما أنَّ من كان له اجتهاد وخالفهم في أماكن الوقف أو في مصطلحاته فإنه لا يشنَّع عليه أيضًا. لكن لا تُجعل اجتهادات الآخرين في الوقوف سبيلاً إلى التشنيع على وقوف المصحف، ولو ظهرت صحتها؛ لأنَّ في ذلك استطالة على جلالة المصحف، وجعل العمل فيه عرضة للتغير، وذلك ما لا ينبغي. لكن لو عمل الإنسان لنفسه وقوفًا خاصة به لرأي رآه، واجتهاد اجتهده، فإنه لا يثرَّب عليه أيضًا؛ لأن أصل المسألة كله مبناه الاجتهاد. ـ[قال السائل: ما رأيكم بما يسمى الآن ب الإعجاز العلمي للقرآن , وهل يدخل تحت علوم القرآن؟ ]ـ إن هذه المسألة تعتبر من المسائل العلمية التي حدثت في هذا العصر، والموضوع أكبر من أن يجاب عنه في مثل هذا الموضع، لكن أستعين بالله، وأذكر من ما يفتح الله به عليَّ. 1 ـ إنَّ هذا الموضوع يدخل تحت التفسير بالرأي، فإن كان المفسر به ممن تأهل وعَلِمَ، كان تفسيره محمودًا، وإن لم يكن من أهل العلم فإن تفسيره مذموم، وإن كان قد يصل إلى بعض الحقِّ. 2 ـ إنَّ الإعجاز العلمي يدخل في ما يسمى بالإعجاز الغيبي، وهو فرع منه، إذ مآله الإخبار بما غاب عن الناس فترة من الزمن، ثمَّ علمه المعاصرون. وإذا تحقَّق ذلك، فليعلم أنَّ هذا النوع من الإعجاز ليس مما يختص به القرآن وحده، بل هو موجود في كل كتب الله السابقة؛ لأنَّ الإخبار في هذه الكتب عن الحقائق الكونية لا يمكن أن يختلف البتة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 17 وعدم وجود ما يطابق علم القرآن في كتبهم التي بين يديهم إنما هو لتحريفهم لها، فلينتبه لذلك. ومن باب إيضاح هذه المسألة بالذات؛ يقال: إنَّ كتب الله السابقة توافق القرآن في جميع ما يتعلق بوجوه الإعجاز المذكورة عدا ما وقع به التحدِّي، إذ لم يرد نصُّ صريح يدل على أنه قد تُحدِّي الأقوام الذين نزل عليهم كتب، كما هو الحال بالنسبة للقرآن. 3 ـ إن قصارى الأمر في مسألة الإعجاز العلمي أنَّ الحقيقة الكونية التي خلقها الله، وافقت الحقيقة القرآنية التي تكلم بها الله، وهذا هو الأصل؛ لأنَّ المتكلم عن الحقيقية الكونية المخبر بها هو خالقها، فلا يمكن أن يختلفا البتة. وكل ما في الأمر أنَّ هذه الحقيقة الكونية كانت غائبة من جهة تفاصيلها عن السابقين، فمنَّ الله على اللاحقين بمعرفة هذه التفاصيل، فكشفوا عنها، وأثبتوا حقيقة ما جاء في القرآن من صدق، فكان اكتشاف ذلك من دلائل صدق القرآن الذي أخبر عنها بدقة بالغة، لم تظهر تفاصيلها إلا في هذا العصر الذي نبغ فيه سوق البحث التجريبي الذي صارت دولته إلى الكفار دون المسلمين، فصاروا إذا ما اكتشفوا أمرًا جديدًا عليهم سارع المعتنون بالإعجاز العلمي لإثبات وجوده في نصوص القرآن. 4 ـ إن كثيرًا ممن كتب في الإعجاز العلمي ليس ممن له قدم في العلم الشرعي فضلاً عن علم التفسير، وكان من أخطار ذلك أن جُعلت الأبحاث في العلوم التجريبية أصلاً يُحكم به القرآن، وتأوَّل آياته لتتناسب مع هذه النظريات والفرضيات. وكل من دخل إلى التفسير وله أصل، فإن أصله هذا سيؤثر عليه، وسيقع في التحريف، كما وقع التحريف عند المعتزلة الذين جعلوا العقل المجرد أصلاً يحتكمون إليه، وكما وقع لغيرهم من الطوائف المنحرفة. والذي يدل على وقوع الانحراف في هذا الاتجاه الحرص الزائد على إثبات حديث القرآن عن كثير من القضايا التي ناقشها الباحثون التجريبيون. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 18 5 ـ إن كتاب الله أعلى وأجل من أن يجعل عرضة لهذه العقول التي لم تتأصل في علم التفسير، فأين هم من قول مسروق: «اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله». 6 ـ إنَّ في نسب الإعجاز، أو التفسير إلى «العلمي» فيها خلل كبير، وأثر من آثار التغريب الفكري، فهذه التسمية منطلقة من تقسيم العلوم إلى أدبية وعلمية، كما هو الحال في المدارس الثانوية سابقًا، وفي الجامعات حتى اليوم، وفي ذلك رفع من شأن العلوم التجريبية على غيرها من العلوم النظرية التي تدخل فيها علوم الشريعة. وإذا كان هذا يسمى بالإعجاز العلمي، فماذا يسمى الإعجاز اللغوي، أليس إعجازًا علميًا، أليست اللغة علمًا، وقل غيرها في وجوه الإعجاز المحكية. لا شكَّ أنها علوم، لكنها غير العلم الذي يريده الدنيويون الغربيون الذين أثروا في حياة الناس اليوم، وصارت السيادة لهم. ومما يؤسف له أن يتبعهم فضلاء من المسلمين في هذا المصطلح دون التنبه لما تحته من الخطر والخطأ. 7 ـ ومما يلاحظ في أصحاب الإعجاز العلمي عدم مراعاة مصطلحات اللغة والشريعة، ومحاولة تركيب ما ورد في البحوث التجريبية على ما ورد في القرآن، ومن الأمثلة على ذلك أن القرآن يذكر عرشًا وكرسيِّا وقمرًا وشمسًا وكواكب ونجومًا وسموات سبع، من الأرض مثلهن ... الخ ومصطلحات العلم التجريبي المعاصر زادت على هذه، وذكرت لها تحديدات وتعريفات لا تُعرفُ في لغة القرآن ولا العرب، فحملوا ما جاء في القرآن عليها، وشطَّ بعضهم فتأوَّل ما في القرآن إلى ما لم يوافق ما عند الباحثين التجريبين المعاصرين. فبعضهم جعل السموات السبع هي الكواكب السبع السيارة، وجعل الكرسي المجرات التي بعد هذه المنظومة الشمسية، والعرش هو كل الكون. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 19 وآخر يجعل ما تراه من نجوم السماء التي أقسم الله بها وأخبر عن عبوديتها، وجعلها علامات؛ يجعل ما تراه مواقع النجوم، وإلا فالنجوم قد ماتت منذ فترة. إلى غير ذلك من التفسيرات الغريبة التي تجيء مرة باسم الإعجاز العلمي، ومرة باسم التفسير العلمي ... الخ من المسميات. وكل هذا الجهد إنما هو لأجل التوفيق بين ما يسمونه علمًا، وبين ما جاء في القرآن. ولقد كان لهذه القضية سلفٌ كالفلاسفة الذين عاشوا في ظلِّ الإسلام حين أرادوا أن يوفِّقوا بين ما في القرآن وبين ما في الفلسفة مما يسمونه حقيقة. 8 ـ إنَّ بعض من نظَّر للإعجاز العلمي، وضع قاعدة، وهي أن لا يفسَّر القرآن إلا بما ثبت حقيقة علمية لا تقبل الشكَّ، لئلا يتطرق الشك إلى القرآن إذا ثبت بطلان فرضية فسِّرت بها آية. وهذا القيد خارجٌ عن العمل التفسيري، ولا يتوافق مع أصول التفسير، وهو قيد يلتزم به مقيِّده ـ وإن لم يكن في الواقع قد التزمه كثيرون ممن بحث في هذا الموضوع ـ ولا يُلزِمُ به المفسِّرَ؛ لأنَّ التفسير أوسع من الإعجاز. ومن عجيب الأمر أن بعضهم يؤكد على هذه القاعدة، ويجعل المقام في الإعجاز مقام تحدٍ للكفار، ويقول: ... أن القرآن الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة على النبي الأمي - صلى الله عليه وسلم - في أمة غالبيتها الساحقة من الأميين ـ يحوي من حقائق هذا الكون ما لم يستطع العلماء إدراكه إلا منذ عشرات قليلة من السنين الجزء: 13 ¦ الصفحة: 20 هذا السبق يستلزم توظيف الحقائق، ولا يجوز أن توظف فيه الفروض والنظريات إلا في قضية واحدة وهي قضية الخلق والإفناء ... لأن هذه القضايا لا تخضع للإدراك المباشر للإنسان، ومن هنا فإن العلم التجريبي لا يتجاوز فيها مرحلة التنظير، ويبقى المسلم نور من كتاب ربه أو من سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - يعينه على أن يرتقي بإحدى تلك النظريات إلى مقام الحقيقة، ونكون بذلك قد انتصرنا للعلم بالقرآن الكريم أو بالحديث النبوي الشريف، وليس العكس. انتهى كلامه. ولعلك ترى كيف أن هذا القائل ينقض قاعدته في نفس كلامه عنها، إذ يمكن أن يستخدم غيره هذا الضابط الذي خرم به القاعدة في الحديث عن الخلق والإفناء كما استخدمه هو، وبهذا فإنه لا يوجد قاعدة تخصُّ الإعجاز العلمي على هذا السبيل؛ إذ يمكن أن تكون كثير من فرضيات البحوث التجريبية مما لا تخضع للإدراك البشري، ثم نصححها لورود ما يدل عليها من القرآن اجتهادًا أن هذه الآية تشهد لتلك النظرية. وهنا مسألة مهمة، وهي من الذي يُثبتُ أنَّ هذه القضية صارت حقيقةً لا فرضية؟ أي: من هو المرجع في ذلك؟ أيكفي أن يُحدِّثَ بها مختصٌّ، أتكفي فيها دراسةٌ بحثيةٌ، أتحتاج إلى إجماعٍ من المختصين؟ هذه المسألة من أولى ما يجب أن يعتني به من يريدون تفسير القرآن بالحقائق التي أثبتها البحث التجريبي المعاصر. وفي نظري أنَّ هذا هو أول ما يجب على الباحث تأصيله وتأكيد ثبوته من جهة البحث التجريبي، فإذا ثبت ذلك له، انتقل من يريد الحديث عن ما يسمى بالإعجاز العلمي إلى المرحلة الثانية، وهي تعلُّم التفسير وأصوله لئلا يشتطوا في تفسيراتهم، أو يلووا أعناق النصوص إلى ما يريدون. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 21 9 ـ أما بالنسبة للمفسر، فإنه لا يمكنه أن ينكر ما يُحكمُ بثبوته من حقائق العلم التجريبي؛ لأنه لا يملك الأدوات التي يصل بها إلى أن يثبت أو ينكر، وهذه الأدوات متكاملة عند الباحثين التجريبيين، وإن أخذها منهم، فإنما يأخذها ثقة به فيهم لا غير. وعمل المفسِّر هنا أن يرى صحة انطباق تلك القضية على ما جاء في القرآن من جهة دلالة اللغة والسياق وغيرها، أي أن عمله عمل تفسيري بحت، وهو يمتلك أدواته بخلاف كثير ممن كتب في ما يسمى بالإعجاز العلمي الذين لا يملكون تلك الأدوات، فتراهم يخبطون خبط عشواء. فكما لا يرضى أصحاب ما يسمى بالإعجاز العلمي بما عند المفسرين من تفسير كل ظواهر الكون التي أثبت البحث التجريبي المعاصر خطأها، فإن المفسرين لا يرضون لك واحد من الباحثين التجريبين أن يوافق بين البحث التجريبي وما ورد في القرآن. وإن كنت أرى أن المفسر أقدر في الربط من الباحث التجريبي. 10 ـ إن الربط بين ما يظهر في البحث التجريبي المعاصر وبين ما يرد في القرآن إنما هو من عمل المفسِّر به، كائنًا من كان هذا المفسر، وعمليته في هذا بيان معاني القرآن، وإذا كانت هذه مهمته هنا فإنَّ المفسِّر يبين معانيه بجملة من المعلومات التي قد يكون فيها الضعيف من جهة أفراده، كبعض الآثار الضعيفة مثلاً. فلو أن مفسِّرًا اعتمد في تفسيره على نظريةٍ من النظريات التي ثبت بطلانها لاحقًا فإنَّ الأمر أن هذا تفسير ضعيف لا يصحُّ، ولا علاقة للقرآن به، فالخطأ خطأ المفسر، وليس الخطأ في القرآن قطعًا. وهذا يشبه ما لو فسّر مفسِّر بمعنى شاذٍّ، فهل ينال القرآن خطأ منه، وهل يقال: إن الخطأ من القرآن؟ لا شكَّ أن الأمر ليس كذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 22 لكن الأمر اختلف هنا لأنَّ الباحثين فيما يسمى بالإعجاز العلمي يريدون أن يلزموا الناس بما توصَّلوا إليه على أنَّ القرآن حقٌّ لا مرية فيه؛ لأنه أثبت هذه القضايا قبل أن يعرف الناس تفاصيلها، فألزموا أنفسهم من جهة التفسير بما لا يلزم، فأوقعوا أنفسهم في الضيق والحرج، وظهر عندهم الإلزام بتفسير القرآن بالحقائق، وذلك ما لم يطبقوه في تفسيراتهم، كما قلت. 11 ـ إن موضوع ما يسمى بالتفسير العلمي طويل جدًّا، ولست ممن يردُّه جملة وتفصيلاً، لكنني أدعو إلى تصحيح مساره، ووضعه في مكانه الطبيعي دون تزيُّدٍ وتضخيم كما هو الحاصل اليوم، حتى لقد جعله بعضهم الطريق الوحيد لدعوة الكفار، وأنَّى له ذلك؟ ‍ لقد أسلم كثير منهم في هذا العصر ـ ولا زالوا يسلمون بما يعرفه كثير ممن خبر إسلامهم ـ ولم يكن إسلامهم بسبب ما ورد في القرآن من حقائق وافقها البحث التجريبي. نعم لقد كان له أثر في إسلام بعض الكفار، لكنهم أقل بكثير ممن يسلم عن سبيل الاقتناع بالإسلام، وبما فيه مما يلائم فطرة البشر، وهذا الموضوع بذاته بحث يصلح للمتخصصين في قسم الدعوة، وهو يحتاج إلى عناية. 12 ـ إنَّ أي تفسير جاء بعد تفسير السلف، فإنه لا يقبل إلا بضوابط، وهذه الضوابط: 1 ـ أن لا يناقض (أي: يبطل) ما جاء عن السلف (أعني: الصحابة والتابعين وأتباع التابعين). ملاحظة: السلف عند أصحاب الإعجاز العلمي كل المفسرين السابقين، وليس مقصورًا على هذه الطبقات الثلاث. وذلك لأنَّ فهم السلف حجة يُحتكم إليه، ولا تجوز مناقضته البتة، فمن جاء بتفسير بعدهم، سواءً أكان مصدره لغة، أو بحثًا تجريبيًا، فإنه لا يقبل إن كان يناقض قولهم. فإن قلت: إنه يرد عن السلف في تفسير الآية اختلاف، فكيف العمل؟ فالجواب: أنَّ الاختلاف الوارد عنهم أغلبه اختلاف تنوع، وليس بينه تضادٌّ إلا في القليل منه. والقاعدة في اختلاف التنوع: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 23 - أن تقبل الأقوال الواردة عنهم على سبيل التنوع ما دام ليس في قبولها جميعًا ما يمنع ذلك. - أن يُرجَّح أحد أقوالهم على سبيل القول الأَولى والأرجح دون اطِّراح غيره وتركه بالكلية؛ لأنه قد يستفاد منه في موضع آخر. والقاعدة في اختلاف التضاد الوارد بينهم أن يرجَّح أحدها على سبيل التعيين لا التنوع؛ لأنه لا يمكن القول بها معًا، فلزم الترجيح، وهو هنا تصحيح لقول، وترك للآخر. واطراح ما جاء عنهم بالكلية في هذين النوعين من الاختلاف معناه مناقضة قولهم، وعدم الاعتبار به، وهذا واقع كثير ممن تعرض للتفسير وجعل مصدره البحث التجريبي المعاصر. 2 ـ أن يكون المعنى المفسَّر به صحيحًا. وهو على قسمين: الأول: أن يكون المعنى من جهة اللغة، وهذا لابدَّ أن يثبت لغةً، وأي تفسير بمعنى لم يثبت من جهة اللغة، فإنه مردود، كمن يفسِّر الذرة الواردة في القرآن بالذرة الفيزيائية، وهذا مصطلح حادث لا يثبت في اللغة. الثاني: أن يكون المعنى جمليًا لا من جهة اللغة، كمن يفسِّر خلق الأطوار بأنها الأطوار الداروينية. وهذا مخالف لما جاء في الشريعة، وهو غير صحيح في نفسه؛ لذا لا يصحُّ التفسير به، ولا بما هو على منهجه البتة. 3 ـ أن يتناسب مع سياق الآية، وتحتمله الآية. وهذا قيد مهمٌّ، وفيه مجال للاختلاف، لكن لا يجب إلزام الآخر به، وكثيرٌ من التفسيرات بما وصل إليه البحث التجريبي تدخل في هذا الضابط؛ إذ قد يكون المعنى غير مناقض لما ورد عن السلف، وهو معنى صحيح، لكن يكون وجه ردِّه عدم احتمال الآية له، والحكم باحتمال الآية له من عدمه محلُّ اجتهادٍ، وإذا كان الاجتهاد في احتماله أو عدمه عن علم فلا تثريب على الفريقين، بل في الأمر سعة، كما هو الحال في الاجتهاد الكائن في علماء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 24 وسأضرب مثلاً أرجو أن يوضح هذا الأمر، وهو ما ورد في تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}] الأنعام: 125 [. تأمل السياق الذي وردت فيه هذه الآية، وانظر ـ تكرمًا ـ إلى ما قبلها، يقول تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون َ - وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ - وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ - فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ - وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ}] الأنعام: 122 ـ 126 [. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 25 إن الحديث عن حال الكافر وحال المؤمن، ثم ضرب مثالاً بحال الأكابر من المجرمين الذين لا يمكن أن يدخل الإيمان قلوبهم لما فيهم من الكفر والإجرام، ثمَّ بين سبحانه مشيئته في الهداية والإضلال، وذكر أن من أراد هدايته، فإنه يشرح صدره للإيمان به وييسره له، ومن أراد له الضلال، فإنه يجعل صدره في حال ضيق وحرج شديد، ولو أراد الإيمان فإنه لا يستطيعه، كما لا يستطيع الإنسان أن يصعد في السماء. قال الطبري: «القول في تأويل قوله تعالى: {كأنما يصعد في السماء}: وهذا مَثَلٌ من الله ـ تعالى ذكره ـ ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه؛ مثل امتناعه من الصعود إلى السماء، وعجزه عنه؛ لأن ذلك ليس في وسعه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ... ». ثم ذكر الرواية عطاء الخراساني، قال: مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء. وعن ابن جريج: يجعل صدره ضيقا حرجا بلا إله إلا الله حتى لا يستطيع أن تدخله، كأنما يصعد في السماء من شدة ذلك عليه. وعن السدي: كأنما يصعد في السماء من ضيق صدره. وتقدير المعنى عندهم: إن عدم قدرة الكافر على الإيمان كعدم قدرة الإنسان على الصعود إلى السماء، ويكون الضيق والحرج بسبب عدم قدرته على الإيمان لا بسبب التصعد في السماء. وتفسيرهم لا يعيد التشبيه إلى الضيق والحرج، وإنما إلى الامتناع من الإيمان وعدم القدرة عليه. وانشراح النفس للإيمان سابقة له، فمن يشاء الله له الهداية يشرح نفسه له، كما أن من أراد الله له الكفر فإنه يجعل صدره ضيقًا حرجًا، فلا يستطيع أن يؤمن بالله، وهو ممتنع عليه الإيمان كامتناع الصعود إلى السماء على الإنسان. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 26 وهذا التفسير من دقائق فهم السلف، وتفسيرهم يرجع إلى لازم معنى الجملة الثانية، وهي جعل الضيق والحرج في صدر الكافر، إذ من لازمه أنه لو أراد الإيمان فإنه لا يستطيعه، كما لا يستطيع الإنسان الصعود للسماء، فنبهوا على هذا اللازم الذي قد يخفى على كثير ممن يقرأ الآية. وفي تفسيرهم إثبات القدر، وأن الله يفعل ما يشاء، فمن أراد الله هدايته شرح صدره، ومن أراد ضلاله ضيَّق صدره وجعله حرجًا لا يدخله خير، وفي هذا ردٌّ على القدرية الذين يزعمون أن العبد يخلق فعله. أما البحث التجريبي المعاصر فقد كشف عن قضية تتعلق بالصعود إلى الأجواء العليا، حيث وجد أن الإنسان تتناقص قدرته على التنفس الطبيعي درجة بعد درجة كلما تصاعد إلى السماء، وسبب ذلك انخفاض الضغط الجزئي للأكسجين في طبقات الجو العليا، وقد جعل أصحاب الإعجاز العلمي هذه الظاهرة الكونية تفسيرًا للحرج الذي يصيب الكافر بسبب عدم قدرته على الإيمان. وقد جعلوا التشبيه يعود إلى الضيق والحرج، والمعنى عندهم: إن حال ضيق صدر الكافر المعرض عن الحق وعن قبول الإيمان بحال الذي يتصعد في السماء. وذكر وجه الشبه، وهو الصفة المشتركة بينهما: ضيقًا وحرجًا، وجاء بأداة التشبيه (كأن) ليقع بعدها المشبه في صورة حسية واضحة ... وإذا تأملت هذين التفسيرين وعرضتهما على سياق القرآن ومقاصده، فأي القولين أولى وأقوى؟ لا شكَّ أن ما ذكره السلف أولى وأقوى، والثاني ـ وإن كان محتملاً ـ لا يرقى إلى قوته، وإن قُبِلَ هذا القول المعاصر على سبيل التنوع فالأول هو المقدَّم بلا ريب. ووجه قوته كائن في أمور: الأول: أن ما قاله السلف مُدركٌ في كل حين، منذ أن نزل الوحي بها إلى اليوم، أما ما ذكره المعاصرون، فكان خفيًّا على الناس حتى ظهر لهم أمر هذا المعنى هذا اليوم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 27 الثاني: أن التنبيه عن امتناع الإيمان عنهم بامتناع صعود الإنسان إلى السماء أقوى وأولى من التنبيه عن تشبيه الحرج والضيق الذي يجده الكافر في نفسه بما يجده من صعِدَ طبقات السماء. فالحرج والضيق مدرك منه بخلاف امتناع الإيمان الذي يخفى سبيله، وهو الذي جاء التنبيه عليه في الآية، وذلك من دقيق مسلك قدر الله سبحانه. 4 ـ أن لا يُقصَر معنى الآيةِ على هذا المعنى المأخوذ من البحوث التجريبية. وهذا الضابط كثيرًا ما ينتقضُ عند أصحاب الإعجاز العلمي، وقد وجدت حال بعضهم مع تفسير السلف على مراتب: ـ فمنهم من لا يعرف تفسير السلف (الصحابة والتابعين وأتباعهم) أصلاً ولا يرجع إليه، وكأنه لا يعتد به ولا يراه شيئًا. وهؤلاء صنفٌ يكثر فيهم الشطط، ولا يرتضيهم جمهورٌ ممن يتعاطى الإعجاز العلمي. ـ ومنهم من يقرأ تفسير السلف، لكنه لا يفهمه، وإذا عرضه فإنه يعرضه عرضًا باهتًا، لا يدل على مقصودهم، ولا يُعرف به غور علمهم، ودقيق فهمهم. ـ ومنهم من يخطئ في فهم كلام السلف، ويحمل كلامهم على غير مرادهم، وقد يعترض عليه وينتقده، وهو في الحقيقة إنما ينتقد ما فَهِمَه هو، وليس ينتقد تفسيرهم؛ لأنه أخطأ في فهمه. ومما يظهر من طريقة عرض أصحاب هذا الاتجاه لما توصلوا إليه من معانٍ جديدة أنهم يقصرون معنى الآية على ما فهموه، دون أن ينصوا على ذلك صراحة، وهذا مزلق خطير لا ينتبه إليه كثير من الفضلاء الذين دخلوا في هذا الميدان. بل إنهم يتفوهون بكلام يلزم منه تجهيل الصحابة وتصغير عقولهم، وأني لأجزم أن هؤلاء الفضلاء لو تنبهوا لهذا اللازم لعدَّلوا عباراتهم، لكن طريقة البحث التي سلكوها جعلتهم لا ينتبهون إلى هذا المزلق الخطير. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 28 ومن ذلك أن بعضهم يقول: « ... وهناك آيات وألفاظ قرآنية لم تكن لتفهم حقيقتها حتى جاء التقدم العلمي يكشف عن دقة تلك المعاني والألفاظ القرآنية، مما يوحي إلى كل عاقل بأن كلام الكتاب الكريم كلام الله المحيط علمًا بكل شيء، وإن كان قد حدث جهلٌ بفهم بعض ألفاظه ومعانيه، فإن زيادة علوم الإنسان قد جاءت لتُعرِّف الإنسان بما جهل من كلام ربه». ألا يلزم من هذا الكلام أن الصحابة قد خفي عليهم شيء من معانيه، وكذا خفي على التابعين وأتباعهم، وبقي بعض القرآن غامضًا لا يُعرف حتى جاء (التقدم العلمي! ) فكشف عن هذه المعاني. ولو كان يعتقد هذا اللازم، فالأمر خطير جدَّا. لكني لا أشكُّ ـ محسنًا الظن بقائله ـ أنه لم يتنبه لهذا اللازم الخطير، وأُراه لو انتبه له لعدَّل عبارته. ولقد كان من نتيجة هذا التقعيد أن لا تُذكر أقوال السلف بل يذكر ما وصل إليه البحث التجريبي المعاصر، وتفسير الآية به، وهذا فيه قصر لمعنى الآية على ذلك التفسير الحادث، وهذا خطأ محضٌ. وقد سئل آخر: لماذا لم يبين الرسول هذه الوجوه للصحابة؟ فكانت إجابته أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لو أخبرهم بهذه الحقائق العلمية لما أدركوها، وقد يقع منهم شك أو تكذيب. وهذا الجواب من أعجب العجب، فكيف يقال هذا في قوم آمنوا بما هو أعظم من هذه الحقائق الكونية، وأرى أن خطأ هذا أوضح من أن يوضَّح، وإني أخشى أن يكون هؤلاء ممن فرح بما أوتي من العلم، فنسب الجهل للصحابة الذين آمنوا بما هو أعظم من هذه الأمور. ألم يؤمنوا بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسري به، ثم عرج به في جزء من الليل، ورأى ما رأى من آيات ربه الكبرى؟ أليس هذا أعجب مما يذكره الباحثون التجريبيون؟ وقل مثله في غير ذلك مما آمنوا به وصدَّقوا ولم يعترضوا. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 29 وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإني قد رأيت لأحد الفضلاء كتابًا في مناهج المفسرين، وأجاب عن سبب عدم تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كاملاً، وكان مما أجاب به، فقال: «لضعف المستوى العلمي عند الصحابة، ولو فسره لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما حوت آياته من علوم ومعارف فقد لا يستوعبونها، وقد تكون محل استغراب بعضهم، والعلماء الذين جاؤوا بعد الصحابة قدموا بعض المضامين العلمية للآيات، ولذلك قيل: خير مفسر للقرآن هو الزمن». وهذا القول من ذلك الفاضل من أعجب العجب، إذ كيف يكون خيرة الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفي المستوى العلمي، ومالمراد بالعلم الذي ضعفوا فيه؟! أليسوا أعلم الأمة، والأمة عالة عليهم في هذا؟! ألم يخبرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما هو كائن إلى يوم القيامة؟! حفظه منهم من حفظه، ونسيه من نسيه. إن مثل هذا القول خطير، وإني لأحسن الظن بأن قائله لم يتنبه لما يتبطنه هذا الكلام من خطأ محضٍ، وأن الأمر يحتاج إلى تعديل أسلوب وعبارات، والله المستعان. وبعد، فإن هذين النقلين اللذين نقلتهما فيما يتعلق بالإعجاز العلمي إنما هما عن أفاضل ممن تكلموا في الإعجاز العلمي دون غيرهم ممن تخبط في هذا المجال. وهنا يجب أن يُفرَّق بين فضلهم، وما لهم من قدم في الدعوة إلى الله، والحرص على هداية الناس، وبين ما وقعوا فيه من الخطأ، فالأول يشكر لهم ويُذكر ولا يُنكر، ولكن هذا الفضل ليس حجابًا حاجزًا عن التنبيه على ما وقعوا فيه من الخطأ. كما أن التنبيه على خطئهم لا يعني نبذهم وعدم الاعتداد بهم، وإنما المقصود هنا تصحيح المسار في هذه القضية التي رُبِطت بكتاب الله، وجُعلت من أهم ما توصل إليه المعاصرون، بل جعله بعضهم هو طريق الدعوة للكفار. وأختم هذا البحث بمسائل متفرقة في هذا الموضوع، وهي كالآتي: أولاً: قضايا العلم التجريبي بين القرآن والعلم الحديث: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 30 - العلم بالسنة الكونية لا يرتبط بالمعتقد، ولا بالأفكار؛ لأنها نتيجة البحث والتأمل، وهي من العلوم التي وكلها الله لعباده، فعلى قدر ما يكون الجهد في البحث يصل البشر بإذن الله إلى نتائجه المرجوة، ولما كان الوصول إلى هذه العلوم التجريبية مرتبطًا بالقدرة على البحث ووجود المناخ المناسب له، وكان الغرب الكافر قد حرص عليه، فإنهم قد سبقوا المسلمين في ذلك. - أن إشارة القرآن لبعض هذه المسائل المرتبطة بالعلوم التجريبية لم يكن هو المقصد الأول، ولم ينْزل القرآن من أجلها، وإذا وازنتها بين المعلومات العقدية والشرعية، ظهر لك أنَّ المعلومات العقدية والشرعية ـ أي: كيف يعرفون ربهم، وكيف يعبدونه ـ هي الأصل المراد بإنزال القرآن، وهي التي تكفلَّ الله ببيانها للناس، أما المعلومات الدنيوية بما فيها العلوم التجريبية فهي موكولة للناس كما سبق، وإن جاءت فإنها تجيء مرتبطة بالدلالة على حكم عقدي أو شرعي، فهي جاءت تبعًا وليس أصالةً؛ أي أن القرآن لم يقصد أن يذكرها على أنها حقيقة علمية مجردة، بل ليستدل بها مثلا: على توحيد الله وأحقيته بالعبادة، أو على حكم تشريعي، أو على إثبات اليوم الآخر. - القضايا العلمية التي يفسر بها من يبحث في الإعجاز أو التفسير العلمي لا يدركها إلا الخواص من الناس، ولا يوصل إليها إلا بالمراس. - الفرق بين القرآن والعلم التجريبي في تقرير القضية العلمية: 1 ـ أن القرآن يقررها حقيقة حيث كانت وانتهت، والعلم التجريبي يبدأ في البحث عنها من الصفر حتى يصل إلى الحقيقة العلمية. 2 ـ القرآن يذكر القضية العلمية مجملة غير مفصلة، أما العلم التجريبي فينحو إلى تفصيل المسألة العلمية. - علم البشر قاصر غير شمولي، ونظره من زاوية معينة، لذا قد يغفل عن جوانب في القضية، فيختلَّ بذلك الحكم ونتيجة البحث. وقد يكتشف ما لم يحتسب له عن طريق الصدفة لا الممارسة العملية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 31 - القرآن طرح القضايا العلمية بعيدًا عن الخيالات التي كانت إبان نزوله، سواءً أكانت هذه العلوم عند العرب أم عند غيرهم، وهذه الخيالات بان خطئوها في القرون المتأخرةِ، ولا يزال هناك غيرها مما سيكشفه العلمُ التجريبي، وكل ذلك مما لا يمكن أن يخالف حقائق القرآن إن صحَّة تلك العلوم. - قد تكون بعض القضايا العلمية صحيحة في ذاتها، لكن الخطأ يقع في كون الآية تدلُّ عليها، وتفسَّر بها. ثانيًا: موقف المسلم من قضايا العلوم التجريبة المذكورة في القرآن: - الإيمان بالقضية الكونية التي ذكرها القرآن لا تحتاج إلى إدراك الحسِّ، بل يكفي ورودها في القرآن، بخلاف القضايا العلمية التي تحتاج إلى الإيمان بها إلى الحسِّ، سواءً أكانت هذه القضايا مذكورة في القرآن أم لم تكن مذكورة. - المسلم مطالب بالأخذ بظواهر القرآن، وأخذه بها يجعله يسلم من التحريف أو التكذيب بها، ولو كانت مخالفة لقضايا العلم التجريبي المعاصر. فإذا عارضت النظريات العلمية، ولو سُميت حقائق علمية فإنه لا يلزم الإيمان بها، بل يقف المسلم عند ظواهر القرآن؛ لأن المؤمن مطالب بالإيمان بنصوص القرآن لا غير. - يجب الحذر من حمل مصطلحات العلوم المعاصرة على ألفاظ القرآن وتفسيره بها. - البحوث العلمية الناتجة عن الدراسات لا يلزم مصداقيتها، وهي درجات من حيث المصداقية، لذا ترى دراسة علمية تذكر فوائد شيء، وتأتي دراسة تناقضها في هذه الفوائد. ثالثًا: هل نحن بحاجة إلى التفسير العلمي، أو الإعجاز العلمي؟ إن نتيجة ما يتوصل إليه الباحث في الإعجاز العلمي هي إثبات أن الحقيقة أو النظرية الكونية أو التجريبية قد ورد ذكرها في القرآن صراحة أو إشارة، وهذا فيه دليل على صدق القرآن وأنه من عند الله. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 32 وهذه النتيجة لا يمكن الوصول إليها إلا بعد البحث المجرد في الحقائق الكونية والمواد التجريبية، ولا شكَّ أن الباحث إذا كان ممن يؤمن بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لن يأتي بشيء مخالف لما في القرآن والسنة، أما إذا كان الباحث كافرًا فقد يقع منه مخالفات للشرع، ويكون ذلك دليلا على خطئه في مسار بحثه. ومن ثمَّ فإنَّ عندنا أمران: الأول: العناية بالبحث التجريبي والنظر في هذا الكون والتدبر فيه للننافس بذلك أعداء الله الذين تقدموا علينا في هذا المجال. الثاني: العناية بما يسمى بالإعجاز العلمي لإثبات صحة هذا الدين لأولئك الذين لا يؤمنون إلا بالحقائق المادية، ودعوتهم إلى الإسلام، وذلك أنه لما كان هذا العصر عصر الثورة العلوم التجريبية الدنيوية، فإنَّ تقديم هذه التفسيرات الموافقة لما ثبت في هذه العلوم للناس دعوة لهم لهذا الدين الحقِّ. وهذا القول حقٌّ لكن الأمر يحتاج إلى توازن في طرح مدى الدعوة بهذه التفسيرات العلمية للقرآن، وهل أثبتت نجاحها وتميُّزها؟ إنَّ الذي يُخشى منه أن تكون الدعوة بهذه التفسيرات الموافقة للعلوم التجريبية قد أخذت أكبر من حجمها، وأنَّ عدد المتأثرين بها قليلٌ لا يكادون أن يوازوا بعددهم ما يقوم به داعية أو مركز إسلامي يبيَّن للناس هذا الدين الحقَّ. ومن المعلوم أن الأفواج الكثيرة التي دخلت في الإسلام أسلمت بأبسط من هذا الطرح العلمي، فأغلبهم أسلم لما يجد في الإسلام من موافقته لفطرته التي فطره الله عليها دون أن يصل إلى الإيمان بالله بهذا العلم الذي لا يدركه إلا القليل من الناس. ثمَّ إنَّ من سيسلم من الباحثين في العلوم التجريبية من الكفار بسبب هذا الإعجاز العلمي يلاحظ فيه ما يلي: ـ أنه لا وقت عنده لدعوة غيره، بل لتفهم الدين الجديد الذي دان به، بسبب كبر السنِّ ـ في الغالب ـ والانشغال بالأبحاث والتجارب التي تجعله بعيدًا عن تفهُّم هذا الدين وطبيعته. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 33 ـ أنَّ بعض من يسلم منهم يكون إسلامه صوريًا، ولم يتحقق فيه الاستسلام الحقُّ. ـ أنَّ تأثير هؤلاء يكاد يكون معدومًا، بل لو ثبت إسلامهم قد يُحاربون، ويسفَّهون، ولا يُحترمون في مجتمعاتهم العلمية. وأخيرًا، فإن بعض من يستسلم لهذه الحقائق المذكورة في القرآن أو السنة، يأخذها بنظره العلمي التجريبي، ولا يدرك حقيقة الوحي، وأنَّ هذا القرآن من عند الله، فبينه وبين ذلك حجاب مستور، والله أعلم. ومن ثمَّ، فإن العناية بالأمر الأول ـ وهو البحث التجريبي والنظر في هذا الكون والتدبر فيه ـ يجب أن تكون أكبر وأكثر من العناية بالأمر الثاني ـ وهو ما يسمى بالإعجاز العلمي ـ لوجهين: الوجه الأول: أنه هو المجال الوحيد الذي سبقنا فيه أعداؤنا، ولابد لنا من منافستهم في ذلك، والسعي للتقدم عليهم فيه. الوجه الثاني: أنه عندما يقوم الباحثون المسلمون بتلك البحوث نضمن أنهم لن يصلوا إلى نتائج خاطئة مخالفة للكتاب والسنة، بل إنهم سوف يعيدون النظر في بعض النتائج المخالفة للكتاب والسنة التي وصل إليها البحث الغربي الكفار. وإذا بقي همُّنا منصبًّا على العناية بما يسمى بالإعجاز العلمي لإثبات صحة هذا الدين لأولئك الذين لا يؤمنون إلا بالحقائق المادية، فإننا سنبقى عالة على الغرب ننتظر منه كل جديد في العلوم، ثمَّ نبحث ما يوافقه في شرعنا، ولا يخفاك ما دخل علينا من هذه العلوم مما هو مخالف لشرعنا، وما ذاك إلا بسبب أنَّ موقفنا نحن المسلمين موقف التلميذ الضعيف المتلقي الذي يشعر أنه لا شيء عنده يمكن أن يقدمه. والبحث العلمي بلا قوة تحميه لا يمكن أن ينفعل في الواقع، لذا لابدَّ من أن يواكب العلم قوةٌ تكون في الأمة كي تدعم هذا العلم وتحافظ عليه، وإلا صار ما تراه من هجرة العلماءِ عن ديار المسلمين إلى ديار الغرب الكافرة. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 34 وأسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأرجو أن يبعد عني وعنكم الشطط والتحامل في هذه القضية وفي غيرها، وإن هذه القضية بالذات حسَّاسة، وتدخلها العواطف، ويبرز في الردَّ على من يعترض عليها الكتابة الخطابية، فتخرج عن كونها قضية علمية تحتاج إلى تجلية وإيضاح إلى قضية دفاع عن مواقف وشخصيات. وأقول أخيرًا: إنَّ في الموضوع قضايا كثيرة تحتاج إلى تجلية وإيضاح، ولولا ضيق المقام لأشرت إليها، وإني أسأل الله أن يوفقني ويعينني على الكتابة فيه على منهجٍ عدل وسط لا شطط فيه. ـ[قال السائل: تفسير الصحابي للآية ، هل يعتبر حجة يجب الأخذ بها؟ خصوصاً إذا لم يتابعه عليه أحد. ]ـ إن هذا افتراض عقلي، فهل يوجد له مثال كي يُتكلَّم عنه، وإلا فلو أُجيب عن كل افتراض لكثر الكلام، وطال المقام، والنتيجة المحصَّلة ليست بشيء، فأرجو منك أيها الأخ الكريم أن تذكر مثالاً لذلك ليناقش عبر المثال. وقولك: «ولم يتابعه عليه أحد» ماذا يعني؟ هل يعني أنه عُرِفَ التفسير عنه، ولم يؤخذ به، فإن كان ذلك كذلك، فأين مثاله. أو أنه لم يُعرف، وهو قول غير مشهورٍ، وهو قول مطمور وُجِدَ بعد زمن من الأقوال المنقولة. وكل هذا مما يحتاج إلى مثال، لكن مما يجب أن يُعلم أن قول الصحابي ـ من حيث الجملة ـ معتبر في التفسير، والله الموفق. ـ[ إذا اختلف في التفسير اثنان من الصحابة، أحدهما ابن عباس ؛ هل يجب الأخذ بقول الحبر؟ أم ينظر في ذلك إلى القرائن، كمطابقة ظاهر اللغة، والمعلوم من خطاب الشارع، ونحو هذا؟ ]ـ لا يلزم الأخذ بقول الحبر مطلقًا، لأنَّ في ذلك إدعاءٌ العصمة له من الخطأ، وذلك ما لا يقال به، لكن إذا وقع الاختلاف في التفسير بينهم، عُمِدَ إلى المرجِّحات عن كان الاختلاف يحتاج إلى ترجيح، لكن إذا كان الاختلاف من باب التنوع، والآية تحتمل هذه الأقوال، فليس أحدها متروكًا، بل كلها معتبرة، والله أعلم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 35 ـ[قال السائل : هل بالإمكان أن يأتي متأخِّر بتفسير معتبر لآية غفل عنه المتقدّمون؟ ]ـ هذه المسألة مهمة جدًّا، وهي تحتاج إلى معرفة ما يترتب على القول بأن المتأخرين لا يمكن أن يأتوا بتفسير معتبر لم يقل به المتقدمون، إذ نتيجة القول بأنَّ المتأخرين لا يمكن أن يأتوا بتفسيرٍ معتبر لم يقل به السلف ما يأتي: 1 ـ أن التفسير توقَّف على ما قال به السلف فقط. 2 ـ أنه لا يجوز القول في التفسير بغير ما قال به السلف. 3 ـ أن كل قول بعد قولهم، فهو باطل على الإطلاق. والمسألة ترجع إلى أصل من أصول التفسير، وهي مسألة (وجوه التفسير)، فهل يوجد للآية أكثر من وجه تفسيري معتبر أم لا؟، وإنما قلت: معتبرًا؛ لئلا يُفهم أن الوجوه الباطلة والباطنة تدخل في مرادي. وهذه المسألة قد فهمها السلف ومن جاء بعدهم من العلماء، وقد وجدت في تطبيقاتهم التفسيرية، ومن أمثلة أقوالهم: عندَ تفسيرِه قولَ اللهِ تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيطَانٍ رَجِيمٍ}] الحجر: 17 [قالَ الشَّنقيطيُّ (ت: 1393): « ... فقوله رضيَ اللهُ عنه: إلاَّ فهماً يعطيه الله رجلاً في كتابِ اللهِ، يدلُّ على أنَّ فَهْمَ كتابِ اللهِ تتجدَّدُ به العلومُ والمعارفُ التي لم تكنْ عند عامَّةِ الناسِ، ولا مانعَ من حمل الآيةِ على ما حملها المفسِّرونَ، وما ذكرْناه أيضاً أنَّه يُفْهَمُ منها، لِمَّا تَقَرَّرَ عندَ العلماءِ مِنْ أنَّ الآيةَ إنْ كانت تحتملُ معانيَ كلُّها صحيحٌ، تَعَيَّنَ حَمْلُهَا على الجميعِ، كما حَقَّقَه بأدلتِهِ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أبو العباسِ بنُ تَيمِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ في رسالتِهِ في علومِ القرآنِ» (1). وأما تطبيقاتهم، فأكثر من أن تُحصى، وإلا فما عمل المفسرون الذين جاؤا بعدهم؟! ولقد بُحثت هذه المسألة في أصول الفقه، وصورة المسألة عندهم: إذا ورد عن السلف تفسيران، فهل يجوز إحداث قول ثالث؟   (1) أضواء البيان (3: 124). الجزء: 13 ¦ الصفحة: 36 وفي نظري أن إيراد هذه المسألة بهذه الصورة في كتب أصول الفقه فيه نظر؛ لأنه لا يفرق بين علم التفسير وعلم الفقه. فعلم الفقه يرتبط بالعمل، إذ يتضمن افعل أو لا تفعل، وهذا إما أن يكون كذا وإما أن يكون كذا، فلا يصلح القول الثالث في كثير من الأحيان في مجال الفقه. أما في مجال التفسير، فالتفسير مرتبط بالمعنى، والمعنى يمكن أن يتعدد، ولم يكن من شرط التفسير أنَّ السابقين قد أتوا على جميع محتملاته، بل هناك بعض المحتملات الصحيحة التي لم يذكرها السلف، وهذه المحتملات تقبل إذا توفرت فيها الضوابط الآتية: 1 ـ أن يكون المعنى المذكور صحيحًا في ذاته. 2 ـ أن لا يبطل قول السلف. 3 ـ أن تحتمله الآية. 4 ـ أن لا يُقصر معنى الآية على هذا المحتمل الجديد، ويترك ما ورد عن السلف. وإن قال قائل: هل يعني هذا جهل السلف بهذا المعنى الذي ذكره المتأخرون؟ فالجواب: إنه لا يلزم أن يوصف السلف بجهل المعنى الجديد، ولكن للمسألة وجه آخر، وهو أنه لو ظهرت لهم أمارات تدعو للقول به، وتركوه، أو قيل لهم فاعترضوا عليه، فإنه يمكن في هذه الحال أن يقال: لا يصلح القول به. ومما يدل على ذلك تعدد اجتهاد السلف في طبقاتهم الثلاث (الصحابة والتابعين وأتباع التابعي)، ولو كان لا يجوز القول في التفسير إلا بما سمعوا، لما ورد تفسير للصحابة، ولو اكتفى التابعون بما سمعوه من الصحابة لما ورد تفسير للتابعين ... الخ. ولو كان التفسير لا يجوز فيه الاجتهاد والإتيان بمعنى جديد، لكان مما بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يتركه لمن بعده. ومما يستأنس به في هذا المقام أن بعض السلف قد نزَّلوا آيات على بعض أهل البدع الذين عاصروهم، وهذا من باب الرأي، ولو كان لا يجوز مثله لما قالوا به، والله أعلم. وإنما ترك الرسول - صلى الله عليه وسلم - تفسير جميع القرآن، وفسَّر بعضه مما احتاج التنبيه عليه أو مما وقع في إشكال على الصحابة، فسألوه، فأجابهم. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 37 أما ما بقي مما لم يفسر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإنه ـ مع وجود اختلاف بين السلف ـ معلوم لا يحتاج إلى بيان نبوي في كل آية. وأخيرًا، لا تكاد تجدُ قائلاً بهذه المسألة إلا أن يكون قولاً فلسفيًا؛ لأنه يخالف تطبيقات العلماء في التفسير، والله أعلم. ـ[قال السائل : هل ترون تبايناً منهجياً بين المتقدِّمين والمتأخرين والمعاصرين في تفسير القرآن الكريم؟ ]ـ لست أعرف المراد بالمتقدمين والمتأخرين، لكن إن كان المراد بالمتقدمين السلف، وبالمتأخرين من جاء بعدهم، فلا شكَّ أن من اطلع على تفاسيرهم، فإنه سيجد فرقًا واضحًا بين معلومات التفسير بين الفريقين، كما سيجد فرقًا بينهم في طريقة كتابة التفسير، ومنهجهم فيه، وقد أشرتُ إلى شيء من ذلك في مبحث مفهوم التفسير من كتاب (مفهوم التفسير والتأويل ... ). أما المعاصرون فلا يمكن أن ينفكوا عن ما كتبه من كان قبلهم، وإن كانت قد حدثت طرائق جديدة في التفسير، كالذي يسمى بالتفسير الموضوعي، والله أعلم. ـ[قال السائل: ما رأيكم (وفقكم الله) فيما انتشر هذه الأيام من قيام بعض الباحثين بجمع شروح بعض الأئمِّة لآيات متعدِّدة في رسالة وتسميتها بـ " تفسير الإمام الفلاني "؟ حيث إنَّ أغلب كلام ذلك الإمام لا يكون تفسيراً مستقصياً للآيات، ولكن كلاماً مجملاً فيها. ]ـ ما ذكره السائل صحيح بلا إشكال، ويمكن تلخيص الملحوظات على مثل هذا العمل فيما يأتي: 1 ـ أنَّ كثيرًا ممن جُمِع تفسيرهم لا يُعرفون بهذا العلم. 2 ـ أن فصل التفسير من وسط كلامٍ لا علاقة له بالتفسير فيه صعوبة بالغة، ولا يتأتى فصله في كل حين للباحث. 3 ـ أنَّ الباحث يُدخِل منقول العالم مع مَقُولِهِ، وينسب له التفسير، وذلك غير سديدٍ، إذ نقله لا يعني أنه يعتدُّ بذلك القول؛ إلا إذا قال بهذه القاعدة. 4 ـ أن بعض الباحثين يدخلون في جمعهم جملة من علوم القرآن التي لا علاقة لها بالتفسير. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 38 5 ـ أن هذا الجمع لا يؤخذ منه منهج البتة. لكن يبقى أن يُذكر هنا أنه قد يرد في سياق كلام بعض العلماء نص تفسيري صريح، فإذا كان كذلك فإن جمعه والاستفادة منه مفيدة، لكن لا يؤخذ من هذه المنقولات منهج للعالم في التفسير. ـ[قال السائل: هل القراءات السبعة هي الأحرف السبعة ؟ وما القول الراجح فيها؟ ]ـ إن موضوع الأحرف السبعة من الموضوعات التي لا زالت تشغل الكثيرين، ولا يرون فيها جوابًا شافيًا، لما في هذا الموضوع من الغموض. ولقد تصدَّى للكتابة فيه أعلام كثيرون، وأنفس ما كتب فيه كتاب الدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري حفظه الله، وهو بعنوان (حديث الأحرف السبعة / دراسة لإسناده ومتنه واختلاف العلماء في معناه وصلته بالقراءات القرآنية). ولقد قرأت هذا الكتاب كثيرًا واستفد منه ومن غيره ممن كتب في هذا الموضوع، ورأيت بعد فترة من قراءة هذا الموضوع أن أفصله على مباحث متتالية يتجلى فيها صلة الأحرف السبع بالرسم والقراءات والعرضة الأخيرة ... الخ، وإليك ملخص ما كتبته في هذا. معنى الحرف في الحديث: الوجه من وجوه القراءة . أنواع الوجوه الواردة في اختلاف القراءات: 1 ـ اختلاف الحركات؛ أي: الإعراب: فتلقى آدم من ربه كلمات. 2 ـ اختلاف الكلمة باعد باعَدَ، وننشرها نُنشزها بظنين بضنين. 3 ـ اختلاف نطق الكلمة: جِبريل جَبريل جَبرئيل جبرئل. 4 ـ اختلاف راجع إلى الزيادة والنقص: تجري تحتها تجري من تحتها. سارعوا وسارعوا. 5 ـ اختلاف عائد إلى اللهجة الصوتية، وهذا مما يعود إليه جملة من الاختلاف المتعلق بالأداء، كالفتح والإمالة والتقليل في الضحى. نزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان على حرف واحدٍ مدة بقائه في الفترة المكية، وزمنًا كثيرًا من الفترة المدنية، ثمَّ أذن الله بالتخفيف على هذه الأمة، فأنزل الأحرف التي يجوز القراءة بها، وكان عددها سبعة أحرف في الكلمة القرآنية. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 39 روى البخاري (ت: 256) وغيره عن ابن عباس (ت: 68)، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: «أقرأني جبريل - عليه السلام - على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف». وقد ورد في روايات أخرى: «كلها كاف شاف ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، وآية عذاب بآية رحمة». وورد كذلك سبب استزادة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «لقيت جبريل عند أحجار المرا، فقلت: يا جبريل. إني أرسلت إلى أمة أمية: الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ العاني الذي لم يقرأ كتابًا قط، فقال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف». وقد وقع اختلاف كبير في المراد بهذه الأحرف السبعة، وسأعرض لك ما يتعلق بهذا الموضوع في نقاط: 1 ـ أنَّ التخفيف في نزول الأحرف السبعة كان متأخرًا عن نزوله الأول، فلم يرد التخفيف إلا بعد نزول جملة كبيرة منه. 2 ـ أنَّ هذه الأحرف نزلت من عند الله، وهذا يعني أنه لا يجوز القراءة بغير ما نزل به القرآن. 3 ـ أنَّ هذه الأحرف السبعة كلام الله، وهي قرآن يقرأ به المسلمون، ومعلوم أنه لا يجوز لأحد من المسلمين أن يحذف حرفًا واحدًا من القرآن، ولا أن ينسخ شيئًا منها فلا يُقرأ به. 4 ـ أن القارئ إذا قرأ بأي منها فهو مصيب. 5 ـ أن القراءة بأي منها كاف شاف. 6 ـ أنَّ الذي يعرف هذه الأحرف المنْزلة هو الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لذا لا تؤخذ إلا عنه، ويدل على ذلك حيث عمر وأبي في قراءة سورة الفرقان، حيث قال كل منهما: أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 7 ـ أنَّها نزلت تخفيفًا للأمة، وقد نزل هذا التخفيف متدرجًا، حتى صار إلى سبعة أحرف. 8 ـ أنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين سبب استزادته للأحرف، وهو اختلاف قدرات أمته الأمية التي فيها الرجل والمرأة والغلام والشيخ الكبير. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 40 هذا ما يعطيه حديث الأحرف السبعة من الفوائد المباشرة، لكنه لا يحدِّدُ تحديدًا دقيقًا المراد بالأحرف السبعة، وهذا ما أوقع الخلاف في تفسير المراد بها. علاقة هذه الأحرف بالعرضة الأخيرة : عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «أسرَّ إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ جبريل كان يعارضني بالقرآن كلَّ سنة، وإنه عارضني هذا العام مرتين، ولا أُراه إلا قد حضر أجلي». وفي هذه العرضة نُسِخَ ما نُسخَ من وجوه القراءت التي هي من الأحرف السبعة، وثبت ما بقيَ منها، وكان أعلم الناس بها زيد بن ثابت، قال البغوي في شرح السنة: «يقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة التي بين فيها ما نسخ وما بقي، وكتبها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقرأها عليه، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر في جمعه وولاه عثمان كتب المصاحف». والدليل على وجود أحرف قد نُسخت ما تراه من القراءات التي توصف بأنها شاذة، وقد ثبتت بسند صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فأين تضع هذه القراءات الصحيحة الشاذة من هذه الأحرف؟!. علاقة هذه الأحرف بالقراءات المتواترة : القراءات المتواترة: السبع التي جمعها ابن مجاهد، وما أضيف إليها من القراءات الثلاث المتممة للعشر. والأحرف السبعة مبثوثة في هذه القراءات المتواترة، ولا يوجد شيءٌ من هذه القراءات لا علاقة له بالأحرف السبعة، غير أنَّ الأمر كما وصفت لك من أنها مبثوثةٌ فيها، وبعضها أوفر حظًا بحرف من غيرها من القراءات. وإن لم تقل بهذا، فما ماهية الأحرف الستة الباقية التي يُدَّعى أنَّ عثمان ومن معه من الصحابة اتفقوا على حَذْفِها، أو قل: نَسْخِها. وكم أنواع القراءات التي ستكون بين يديك ـ لو كنت تقول بأنَّ هذه القراءات على حرف واحد ـ لو وُجِدَت هذه الأحرف الستة التي يُزعم عدم وجودها الآن؟! الجزء: 13 ¦ الصفحة: 41 لقد سبق أن بينت لك بموجز من العبارة، وأراك تتفق معي فيه: أنَّ هذه الأحرف قرآن منَزَّلٌ، والله سبحان يقول: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، أفترى أنَّ القول بحذف ستة أحرف قرآنية يتفق مع منطوق هذه الآية؟! ومن قال بأن الأمة مخيَّرةٌ بين هذه الأحرف فلا دليل عنده، ولا يوافق قولُه منطوق هذه الآية، ولو كان ما يقوله صحيحًا لوُكِلَ إلى المسلمين حفظ القرآن، كما وُكِلَ إلى من قبلَهم حفظُ كتب الله، وأنت على خُبْرٍ بالفرق بين الحِفْظَين، فما تركه الله من كتبه لحفظ الناس غُيِّرَ وبدِّل ونسي، وما تعهَّد الله بحفظه فإنه باقٍ، ولا يمكن أن يُنقص منه حرف بحال من الأحوال. ولعلك على خبر كذلك بأن من كفر بحرف من القرآن، فقد كفر به كلِّه، فكيف بمن ترك أكثره مما هو منَزَّلٌ واقتصر على واحدٍ. هذا ما لا يمكن أن يقع فيه صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتأمَّل ذلك جيِّدًا، يظهر لك جليًا أنَّ القول بأنَّ القراءات التي يُقرأ بها اليوم على حرفٍ واحدٍ لا يصحُّ البتة. إنَّ القول بأنَّ هذه القراءات على حرفٍ واحدٍ لا دليل عليه البتة، بل هو اجتهاد عالم قال به وتبعه عليه آخرون، والاجتهاد يخطئ ويصيب. ويظهر هنا أنَّ الصواب لم يكن حليف من رأى أنَّ هذه القراءات على حرفٍ واحدٍ. علاقة الأحرف السبعة بمصحف أبي بكر ومصاحف عثمان : اعلم أنَّه لا يوجد نصٌّ صريحٌ في ما كتبه أبو بكر ولا عثمان رضي الله عنهما، لذا ظهر القول بأنَّ أبا بكر كتب مصحفه على الأحرف السبعة، وكتبه عثمان على حرف واحدٍ. وهذا القول لا دليل عليه البتةَ، وهو اجتهاد مدخولٌ. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 42 والذي يدل عليه النظر أنه لا فرق بين ما كُتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو مفرق في أدوات الكتابة آنذاك من رقاع ولخف وأكتاف وغيرها، وبين ما جمعه أبو بكر في مصحف واحد، ثمَّ بين ما فرَّقه عثمان ونسخه في المصاحف المتعددة في الأمصار، هذا هو الأصل، وهو أن القرآن الذي توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تمَّ أنه هو الذي بين يدي الأمة جيلاً بعد جيل، ولست أرى فرقًا بين هذه الكتبات الثلاث من حيث النص القرآني، وإنما الاختلاف بينها في السبب والطريقة فحسب. ولو تتبعت المسألة عقليًا، ونظرت في اختيار زيد بن ثابت دون غيره من الصحابة، وبدأت من هذه النقطة = لانكشف لك الأمر، فلأبد معك مفقِّرًا هذه الأفكار كما يأتي: 1 ـ لا يجوز ألبتة ترك شيء من القرآن ثبت أنَّه نازل من عند الله، وأنَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قرأ به، وأقرأ به الصحابة، وقد مضى الإشارة إلى ذلك. 2 ـ أنَّ القرآن قد كُتِبَ في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مفرَّقًا في الرقاع واللخف والعسب، ولم يكن مجموعًا في كتاب. 3 ـ أنَّ القرآن كان متفرقًا في صدور الرجال، وهم على درجات في مقدار حفظه، قال زيد بن ثابت: «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال». 4 ـ أنَّ من أسباب اختيار زيد بن ثابت ما ذكره أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، قال زيد: «وقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا أتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتتبع القرآن واجمعه». فكان في هذا ما يميِّزه على متقدمي قراء الصحابةِ، أمثال أبيِّ بن كعب، وأبي موسى الأشعري، وسالم مولى حذيفة وغيرهم. كما كان هذا ما ميَّزه على ابن مسعود خصوصًا، الذي جاء في الآثار أنه حضر العرضة الأخيرة، وقد كان اعترض على عدم إشراكه في جمع القرآن في عهد عثمان. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 43 5 ـ أنَّ زيدًا الذي هو من أعلم الصحابة بالعرضة الأخيرة = سيكتب في المصحف الذي أمره أبو بكر بكتابته ما ثبت في هذه العرضة، ولن يترك حرفًا ثبت فيها من عند نفسه أو بأمر غيره. ومن هنا يكون مصحف أبي بكر قد حوى ما بقي من الأحرف السبعة التي ثبتت في العرضة الأخيرة. ولما جاء عثمان، وأراد جمع الناس على المصحف، جعل مصحف أبي بكر أصلاً يعتمده، وقام بتوزيع الأحرفِ التي تختلفُ القراءة بها في هذه المصاحف، فكان عمله نسخَ المصاحفِ، وتوزيع الاختلاف الثابت في القراءةِ عليها، ولم يترك منها شيئًا، أو يحذف حرفًا. وما لم يُرسم في المصاحف، وقرئ به فإنه مأخوذٌ عن المقرئ الذي أرسله عثمان مع المصحف، وقراءة المقرئ قاضية على الرسم؛ لأنَّ القراءة توقيفية يأخذها الأول عن الآخر لا مجال فيها للزيادة ولا النقص، والرسم عمل اصطلاحيٌّ قد يتخلَّف عن استيعاب وجوه القراءات فلا يصطلح عليه. فإن اعترض معترض بما روى البخاري عن أنس: «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق». . ووجه الاعتراض من جهتين: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 44 الأول: أنَّ الاختلاف قائمٌ في القراءات المشهورة التي يقرأ بها الناس إلى اليوم، فما وجه عمل عثمان، وهو إنما كان يخشى اختلاف القراءة؟ فالجواب: إنَّ القراءة قبل هذا الجمع لم تكن صادرة عن إجماع الصحابة وإلزام الناس بما ثبت في العرضة الأخيرة مما كتبه زيد في مصحف أبي بكر، والذي يدل على ذلك أنَّ قراء الصحابة كانوا يقرئون الناس بما صحَّ عندهم عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، وليس كلهم بَلَغَهُ ما نُسِخَ في العرضة الأخيرة. فلما وزع عثمان المصاحف = أرسل مع كل مصحف قارئًا يُقرئُ الناس، بما في هذا المصحف الذي أثبت فيه وجه مما ورد في العرضة الأخيرة، وكان في ذلك حسمٌ لمادة الخلاف، وذلك أنه لو التقى قارئٌ من البصرة وقارئ من الكوفة، فقرأ كل منهما على اختلاف ما بينهما، فإنهما يعلمان علمًا يقينيًا بأن ذلك عائدٌ إلى وجه صحيح مروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبهذا يكون الاختلاف قد تحدَّد بهذه المصاحف ومن معها من القراء، وأنَّ ما سواها فهو منسوخ لا يُقرأ به. وهذا يعني أنَّ عمل عثمان هو تقرير الأوجه التي ثبتت في العرضة الأخيرة التي كُتِبَت في مصحف أبي بكر، وإلزام الناس بها، وترك ما عداها مما قد نُسخ، وليس أنه حذف ستة أحرف. الثاني: أن يقول المعترض: إنَّ في الرواية السابقة: «وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا» أوكد الدليل على أنهم كتبوا المصحف العثماني على حرف واحدٍ، وهو ما يوافق لغة قريش. والجواب عن ذلك أن يقال: إنَّ هذه المسألة ترتبط بالرسم، وهي مسألة تحتاج إلى توضيح أمور تتعلق بالرسم، وليس هذا محلها، لكن سآتي على ذكر ما يلزم من حلِّ هذا الاعتراض، وبالله التوفيق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 45 أولاً: إنه قد ثبت أنَّ بعض وجوه القراءات التي يقرأ به في المتواتر الآن بغير لغة قريش، كالهمز وتسهيله، فقريش لا تهمز، والهمز قراءة جمهور القراء، فكيف تخرج هذه القراءات التي ليست على لغة قريش. ثانيًا: إنه يمكن أن يُحمل الأمر على رسم المصحف لا على قراءته؛ وهذا هو الظاهر من ذلك الأثر، فقوله: «فاكتبوه على لغة قريش» إشارة إلى الرسم لا إلى القراءةِ، أمَّا القراءة فإنه يُقرأ بها بغير لغة قريش وإن كان برسم لغتها ما دام ثابتًا. ويدلُّ لذلك أنَّه قد وردت بعض الألفاظ التي كُتبت في جميع المصاحف على وجه واحد من الرسم، وقد ثبتت قراءتها بغير هذا الرسم. ومن ذلك ما حكاه أبو عمرو الداني (ت: 444) من أنَّ مصاحف أهل الأمصار اجتمعت على رسم الصراط وصراط بالصاد، وأنت على خُبرٍ بأنها تُقرأ في المتواتر بالصاد وبالسين وبإشمامها زايًا. وإنما قرئت هي وغيرها مما رسم على وجه، وقرئت أيضًا على وجه آخر بالأخذ عن القارئ الذي أقرأ بهذه المصاحف، وهذا يعني أنَّه لا يلزم أخذ القراءة من الرسم حتى توافق قراءة القارئ، وأنه يجوز أن يقرأ القارئ بما يخالف المرسوم، لكنه يكون من الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو مضبوط معروف، لذا لم يكن في مصحف عثمان مثل قراءة أبي الدرداء وابن مسعود: «والذكر والأنثى» مع صحة سندها إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ويقال: إنما رُدَّت مع صحة سندها لأنه لم يقرأ بها في العرضة الأخيرة، ولم توافق المصحف، وليس ردها لمخالفة رسم المصحف فقط، والله أعلم. وبعد هذا يكون الفرق بين عمل أبي بكر وعمل عثمان كما يأتي: 1 ـ أنَّ أبا بكر أراد حفظ القرآن مكتوبًا، خشية أن يموت قراء الصحابة، فيذهب بذهابهم. أما عثمان بن عفان، فكان الاختلاف الذي نشأ بين التابعين سببًا في نسخه للمصاحف. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 46 2 ـ أنَّ أبا بكر كتب مصحفًا واحدًا بما يوافق رسم ما بقي من الأحرف السبعة، أما عثمان بن عفان، فنسخ من هذا المصحف عدة مصاحف، ولم يحذف منه شيئًا. 3 ـ أنَّ أبا بكر لم يلزم المسلمين باتباع المصحف الذي كتبه، ولم يكن هذا من مقاصده لما أمر بكتابة المصحف، لذا بقي الصحابة يُقرئون بما سمعوه من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكان في ذلك المقروء كثير من المنسوخ بالعرضة الأخيرة. أما عثمان، فألزم المسلمين باتباع المصحف الذي أرسله، ووافقه على ذلك الصحابة، لذا انحسرت القراءة بما نسخ من الأحرف السبعة، وبدأ بذلك معرفة الشاذ من القراءات، ولو صح سندها، وثبت قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - بها. وبهذا يكون أكبر ضابط في تشذيذ القراءة التي صح سندها، ولم يقرأ بها الأئمة = كونها نسخت في العرضة الأخيرة. علاقة الأحرف السبعة بلغات العرب : لا يخفى على من يقرأ في موضوع الأحرف السبعة ارتباطها بلغات العرب، بل إنَّ بعض العلماء جعل سبع لغات من لغاتها هي المقصودة بالأحرف السبعة، وفي ذلك إهمال لوجوه اختلافات لا تنتج عن كونها من لغة دون لغة. ولعل من أكبر ما يشير إلى أنَّ اللغات تدخل في الأحرف السبعة كون القرآن بقي فترة من الزمن يقرأ بلسان قريش، حتى نزلت الرخصة بالأحرف السبعة، فظهرت الأحرف التي هي من لغات غير قريش. ومما يشير إلى ذلك ما ورد من نهي عمر ابن الخطاب لابن مسعود من أن يقرئ بلغة هذيل، ولا يتصور أن يقرئ ابن مسعود بما لم ينْزل ويأذن به النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي تحديد اللغات التي هي أسعد حظًّا بنُزول القرآن خلاف بين العلماء، ويظهر أنَّ في ذلك صعوبة في بعض مواطن الاختلاف في تحديد القبيلة التي تقرأ بهذا الوجه دون غيرها، كما قد تشترك أكثر من لغة في وجه من الوجوه، فيكون نسبه إلى لغة أحدها دون غيرها قصور في ذلك. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 47 وتظهر الصعوبة أيضًا في أنه لا يوجد تدوين تامٌّ للهجة قبيلة دون غيرها، وإن كان في الكتب إشارة إلى بعض الظواهر اللهجية لهذه القبائل. وإذا تأمَّلت ما يتعلق باللغات العربية، وجدته أكثر ما يتعلق به الخلاف في القراءات، خصوصًا ما يتعلق بالنطق، فقبيلة تعمد إلى الإدغام في كلامها، وقبيلة تعمد إلى الإمالة، وقبيلة تعمد إلى تسهيل الهمز، وقبيلة تعمد إلى تحقيق الهمز، وقبيلة تعمد إلى ترقيق بعض الأحرف، وقبيلة تعمد إلى تفخيمها، وهكذا غيرها من الظواهر المرتبطة بالصوتيات التي تتميَّز بها قبيلة عن قبيلة. ويظهر أنَّ هذه الصوتيات هي أكبر ما يراد بنُزول الأحرف السبعة، وهي التي يدل عليها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أسأل الله مغفرته ومعافاته، وإن أمتي لا تطيق ذلك»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «يا جبريل. إني أرسلت إلى أمة أمية: الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ العاني الذي لم يقرأ كتابًا قط». إذ الذي يستعصي على هؤلاء هو تغيير ما اعتادوا عليه من اللهجات إلى غيرها، دون ما يكون من إبدال حرف بحرف، أو زيادة حرف، أو إعراب، فإن هذه لا تستعصي على العربي. لكن أن يكون عاش جملة دهره وهو يميل، فتريد أن تعوده على الفتح، أو كان ممن يدغم، فتريد أن تعوِّده على الإظهار = فذلك ما يعسر، والله أعلم. ولا يفهم من هذه الجملة في هذا الحديث أنَّ الاختلاف في الأحرف يرتبط بهذه اللهجات دون غيرها من وجوه الاختلاف، بل يُحملُ هذا على أن هذا النوع المتعلق باللهجات هو أعظم فائدة مقصودة في نزول الأحرف السبعة، وليس هذا الفهم بدعًا، ففي الشريعة أمثلة من هذا النوع، ومن ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الحج عرفة»، والحج يشتمل على أعمال غير الوقوف بعرفة، فقوله - صلى الله عليه وسلم - يدل على أنَّ هذه العمل أعظم أعمال الحج. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 48 وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث القدسي: «قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل: فإذا قال: {الحمد لله رب العالمين}، قال الله: حمدني عبدي. وإذا قال: {الرحمن الرحيم}، قال الله: أثنى علي عبدي. فإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي. فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل ... » وإنما سُمِّيت الفاتحة: الصلاة، وهي جزء منها؛ لأنها أعظم شروط الصلاة. وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الدين النصيحة»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء هو العبادة»، وغيرها من الأمثلة التي يسمى فيها الجزء باسم الكلِّ؛ للتنبيه على أهميته، وللدلالة على الاعتناء به. وإذا صحَّ لك هذا، فإنَّ جميع وجوه الاختلاف في القراءة تدخل في الأحرف السبعة، وأنَّ أعظم هذه الوجوه ما يتعلق باللهجات، والله أعلم. علاقة الأحرف برسم القرآن : يرتبط هذا الموضوع بلغات العرب، وقد سبق الحديث عنها، والمراد هنا التنبيه على كون ما يتعلق برسم القرآن من الأحرف السبعة هو ما يمكن رسمه من الألفاظ، أمَّا وجوه القراءة التي ترجع إلى اللهجات؛ كالإمالة والتقليل، والمد والإظهار والإدغام والسكت والتسهيل والإبدال، وغيرها = فلا يمكن أخذها من الصحف ولا كتابتها في المصاحف إلا بما يصطلح عليه أنه يشير إليها، ومعلوم أن علم ضبط المصحف كان متأخرًا، ولم يكن في عصر الصحابة إطلاقًا. وهذا يعني أنك إذا قلت: كُتِبَ المصحف على الأحرف السبعة، فالمراد كتابة الألفاظ ووجوه قراءتها اللفظية لا الصوتية. وهذه الصوتيات إنما تؤخذ عن السابق بطريق المشافهة والرواية، فينقلها كما سمعها، وهكذا من أو السند إلى منتهاه. وبهذا تعلم أن رسم المصحف لا يمكن أن يحوي جميع وجوه الأحرف السبعة، وإنما يمكن أن يحوي منها ما يتعلق برسم الألفاظ، أمَّا غيرها فيؤخذ من طريق الأئمة القراء. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 49 ولهذا السبب ـ لما أراد عثمان أن يلزم الناس بالقراءة التي أجمع الصحابة على أنها ما ثبت في العرضة الأخيرة ـ أرسل مقرئًا مع كل مصحف، فقد ورد أنه أمر زيد بن ثابت أن يقرئ في المدينة، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن أبي شهاب مع الشامي، وأبو عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن عبد القيس مع البصري. ومن ثَمَّ فالرواية قاضية على الرسم لا العكس. تلخيص المراد بالأحرف السَّبعة الأحرف السبعة: أوجه من الاختلاف في القراءة، وما لم ينسخ منها في العرضة الأخيرة، فهو محفوظ ومبثوث في القراءات المتواترة الباقية إلى اليوم. ومن ثَمَّ، فإنه لا يلزم الوصول إلى سبعة أوجه في هذه القراءات المتواترة الباقية؛ لأنَّ بعض هذه الأحرف قد نُسِخَ. كما أنه لا يلزم أن يوجد في كل كلمة سبعة أوجه من أوجه الاختلاف، وإن وُجِدَ، فإنه لا يتعدَّى السبعة، فإن حُكيَ في لفظ أكثر من سبعة، عُلِمَ أنَّ بعضها ليس بقرآن؛ كبعض الأوجه الواردة في قوله تعالى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوت}. والمراد بعدد الأوجه من أوجه الاختلاف التي لا تزيد على سبع: الاختلاف في الكلمة الواحدة في النوع الواحد من أنواع الاختلاف؛ كالمد والقصر، والإمالة والفتح. ومن ثَمَّ، فلا إشكال في أن تكون أنواع الاختلاف أكثر من سبعٍ في العدد، كما اختلف في ذلك من جعل الأحرف السبعة أنواع من الاختلاف في القراءات عموماً، والصحيح أنها كلها أوجه اختلاف مندرجة، لكن لا يجتمع أكثر من سبعة منها في اختلاف أداء الكلمة القرآنية. ويلاحظ أنَّ هذه الأوجه على قسمين: الأول: ما يتعلق بالنطق واللهجة، كالإمالة والتقليل والفتح، وكالإدغام والإظهار، وغيرها، وهذا ما جاء تأكيد النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه في طلب التيسير، حيث أن أكبر فائدة في هذه الحرف هو التيسير على الشيخ الكبير وغيره، ولا يتصور هذا إلاَّ في النطق. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 50 الثاني: ما يتعلق بالرسم والكتابة؛ كالاختلاف في زيادة الواو وعدمها في لفظ {وسارعوا}، والاختلاف في حركات الكلمة في لفظ {تَرجِعون}، و {تُرجَعون}، وغيرها، وهو ما ركَّز عليه من جعلها أنواعاً من الاختلاف في القراءة (ابن قتيبة، وأبو الفضل الرازي، وابن الجزري وغيرهم)، وإنما دخل هذا في الأحرف، مع أنه قد لا يعسر على الناطقين؛ لأنك تجد هذا القسم من الاختلاف في القراءة، فلا بدَّ أن تحمله على الأحرف السبعة، وإلاَّ كان هناك شيء من الاختلاف غير اختلاف هذه الأحرف السبعة. هذا ما يسر الله تقييده، ولازال البحث يحتاج إلى إعادة صياغة وتحرير، والله الموفق. ـ[قال السائل: هل من كتاب في أحكام الوقف والابتداء ميسر وسهل حيث إن كتاب الأشموني فيه شيء من الصعوبة. ]ـ إن معرفة هذه الكتب تحتاج إلى معرفة المصطلحات التي اعتمدتها، وغالب هذه الكتب اعتمدت مصطلح التام والكافي والحسن والقبيح، فمعرفة هذه المصطلحات، والاجتهاد في دراسة تطبيقاتها تجعل هذا العلم سهلاً شيئًا فشيئًا. ومما يحسن علمه في هذا العلم أنه يقوم على ثلاثة علوم، هي: التفسير، والقراءات، والنحو. والجامع بين هذه العلوم هو معرفة المعنى (أي: التفسير)، فالإعراب فرع المعنى، والقراءة إما أن تكون مرتبطة بالإعراب، فهي تعود في النهاية إلى المعنى، وإما أن تعود إلى دلالة المفردة، والحاجة إلى هذا النوع من القراءات في هذا العلم قليل. لكن كثيرًا من المواقف لا يمكن أن تُفهم بدون معرفة النحو، وإن كان كما قيل إنه فرع المعنى. علة هذه المصطلحات: الجزء: 13 ¦ الصفحة: 51 جعل علماء الوقف الذين قسَّموا الوقف إلى تامٍّ وكافٍ وحسنٍ وقبيحٍ، جعلوا اللفظ والمعنى عمدةً في التفريق بين هذه المصطلحات، وذكر بعضهم علة هذا التقسيم، ومنهم ابن الجزري، حيث قال: «وأقرب ما قلته في ضبطه: أن الوقف ينقسم إلى اختياري واضطراري؛ لأنَّ الكلام، إمَّا أن يتمَّ، أو لا؛ فإن تمَّ كان اختيارياً. وكونه تامَّا لا يخلو: إمَّا أن لا يكون له تعلق بما بعده البتة ـ أي: لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ـ فهو الوقف الذي اصطلح عليه الأئمة بالتامِّ، لتمامه المطلق، يوقف عليه ويبتدأ بما بعده. وإن كان له تعلق، فلا يخلو هذا التعلق، إما أن يكون من جهة المعنى فقط، وهو الوقف المصطلح عليه بالكافي، للاكتفاء به عما بعده، واستغناء ما بعده عنه، وهو كالتام في جواز الوقف عليه والابتداء بما بعده. وإن كان التعلق من جهة اللفظ، فهو الوقف المصطلح عليه بالحسن؛ لأنه في نفسه حسن مفيد، يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده، للتعلق اللفظي. . وإن لم يتمَّ الكلام كان الوقف عليه اضطرارياً، وهو المصطلح عليه بالقبيح، لا يجوز تعمد الوقف عليه إلا لضرورة: من انقطاع نفس ونحوه، لعدم الفائدة، أو لفساد المعنى». (1) وهذا السبر والتقسيم الذي ذكره ابن الجزري واضح الدلالة على صحة هذا التقسيم وعلله. غير أنه يبقى أن ابن الجزري وغيره ممن تقدمه لم يوضحوا المراد باللفظ والمعنى توضيحاً جلياً. ويحتاج القارئ في كتب الوقف والابتداء التي تعتمد هذه المصطلحات أن يعرف مرادهم باللفظ والمعنى عنده.   (1) النشر 1: 225 ـ 226 (بتصرف)، وانظر: منار الهدى 9 ـ 10. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 52 وقد بين بعضُ العلماء المتأخرين المراد بالتعلق اللفظي، وقالوا بأنه ما يكون ما بعده متعلقاً بما قبله من جهة الإعراب، كأن يكون صفة، أو معطوفاً، أو غيرها من التوابع النحوية (1). وما نصَّ عليه هؤلاء ظاهر من استقراء كتب الوقف، خاصة عند ذكر _ما لا يوقف عليه)، حيث يعتمدون على الإعراب، ومن ذلك ما ذكره ابن الأنباري تحت باب (ما لا يتم الوقف عليه)، حيث قال: «واعلم أنه لا يتمُّ الوقف على المضاف دون ما أضيف إليه، ولا على المنعوت دون النعت، ولا على الرافع دون المرفوع، ولا على المرفوع دون الرافع، ولا على الناصب دون المنصوب، وعلى المنصوب دون الناصب، ولا على المؤكد دون التأكيد. . . » (2). ومن أمثلة اعتماد الرابط النحوي في الحكم، ما ذكره النحاس عند قوله تعالى: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إله واحداً ونحن له مسلمون} [البقرة: 133]، قال: «{إبراهيم وإسماعيل وإسحاق}، حيث قال: ليس بتام ولا كاف؛ لأن {إله واحداً} [البقرة: 133] منصوب على الحال، أو على البدل من الأول، فلا يجوز الوقف على ما دونه، والتمام: {ونحن له مسلمون}» (3). ومن ذلك ما ذكره الداني في أسباب قبح الوقف، ومثل له بالرابط اللفظي؛ كالوقف على {بسم} من {بسم الله} [الفاتحة: 1]، والوقف على {لقد كفر الذين قالوا} [آل عمران: 181]، والابتداء بقوله تعالى: {إن الله فقير}، وغيرها (4).   (1) انظر: الحواشي الأزهرية 41، المنح الفكرية 59، العميد في علم التجويد 184، وهداية القارئ 375. وهناك روابط غير إعرابية سيأتي التنبيه عليها. (2) إيضاح الوقف والابتداء 1: 166 ـ 149، وانظر: نظام الأداء 22، وجمال القراء 2: 554 ـ 562، ومنار الهدى 17، والمنح الفكرية 60. (3) القطع والائتناف 164 ـ 165، وانظر آية 61، ص 143، آية 66، ص 173. (4) انظر: المكتفى 148 ـ 150، 152. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 53 وبهذا يظهر أن المراد بالتعلق اللفظي التأثير الإعرابي. ولهذا قد يقع اختلاف في تحديد الوقف ونوعه بسبب الاختلاف في الحكم الإعرابي؛ كأن يختلف في (الواو) بين أن تكون استئنافية أو حالية. فعلى الأولى ينعدم التأثير، وعلى الثانية يكون التأثير الإعرابي موجوداً. أما المعنى، فيظهر أنه نوعان: الأول: المعنى المرتبط بالجملة القصيرة، فإذا رأوا أنه قد تم كلامٌ وانتقل بعده إلى غيره، فإنه تام، وإن كان السياق والحديث لا زال في موضوعٍ معين. الثاني: المعنى المرتبط بالقصة أو جملة الآيات التي تتحدث في موضوع واحدٍ، وهذه يقع فيها التمام. وبسبب النوع الأول يصعب تحديد المراد بالمعنى عند علماء الوقف والابتداء؛ لأنهم لم يبينوا مرادهم به، ولذا تجدهم يختلفون في الحكم على الموضع: تماماً وكفايةً، نظراً لاختلافهم في المعنى، قال محمود علي بسة: «ثم إن الفرق بين الوقف التام والكافي غير محدد تحديداً منضبطاً عند جميع القراء، كالفرق بين الحسن والقبيح؛ لأن وجه الاختلاف بين التامِّ والكافي تعلقه بما بعده بالمعنى، أو لا، وهو أمر نسبي يرجع في إلى الأذواق في فهم المعاني واعتبار ما وقف عليه متعلقاً بما بعده في المعنى، أو مستغنياً عنه. ولذا تجد منهم من يعدُّ بعض الوقوف الكافية في نظر غيره تامة، والعكس ... » (1). ومع هذا الوضوح الفرق بين التعلق اللفظي والتعلق المعنوي، تجد من يجعل شيئاً مما به تعلق لفظي من قسم الكافي الذي يكون التعلق فيه بالمعنى، وهذا يدلُّك على عدم وضوح المراد بالمعنى.   (1) العميد في علم التجويد 186. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 54 ومن الأمثلة التي وقع فيها الحكم بالتعلق بالمعنى، وفيه تعلق لفظي، ما ذكره الداني في تمثيله للوقف الكافي، قال: «وذلك نحو الوقف على قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23]، والابتداء بما بعد ذلك في الآيةِ كلها ... » (1). وقد انتُقد الداني في تمثيله للوقف الكافي، ومن ذلك ما قاله السخاوي في جمال القراء: «وهذا ليس بالوقف الكافي؛ لأن هذه المواقف يتعلق ما بعدها بما قبلها في اللفظ والمعنى، وإنما هي من الأوقاف الحسان» (2). وقال ملا علي قاري في تعليقه على تمثيل ابنِ ابنِ الجزري بهذا المثالِ: «وفيه أن الظاهر أن ما بين المعطوف والمعطوف عليه تعلق لفظي، فهو من قبيل الوقف الحسن» (3). وما ذكره السخاوي وملاَّ علي قاري هو الصواب؛ لأن العطف رابط لفظي إعرابي، ثم إن البدء يقوله تعالى: {وبناتكم وأخواتكم ... } [النساء: 23] لا يفيد معنى مستقلاًّ؛ لأنه متعلق بقوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: 23].   (1) المكتفى 143، وانظر الأمثلة الأخرى فهي تشبه هذا المثال من حيث تعلقها بالعطف، وقد تابع الدانيَّ من جاء بعده؛ كالطحان في نظام الأداء (ص: 39)، والزركشي في البرهان في علوم القرءان (1: 352)، وابنُ ابنِ الجزري في شرحه منظومة أبيه، نقل عنه ذلك ملا علي قاري في المنح الفكرية (ص: 58)، وكذا تابعه خالد الأزهري في حواشيه على الأزهرية على المنظومة الجزرية (ص: 41). (2) جمال القراء 2: 566. (3) المنح الفكرية 58، وكذا نقد الأمثلة الأخرى التي تابع فيها الداني. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 55 وإنما يجوز البدء بأحد هذه المعطوفات للضرورة، وهي كثرة المعطوفات مع طول الآية، وعدم بلوغ النفَسِ نهايتها إلاَّ بتقطيعها. وقد نبَّه ابن الجزري أن مثل هذا الطول مما يتسامح الوقف فيه وإن كان من الوقف الحسن، قال: «يغتفر في طول الفواصل والقصص والجمل المعترضة ونحو ذلك، وفي حالة جمع القراءات، وقراءة التحقيق والترتيل، مالا يُغتفر في غير ذلك، فربما أُجيز الوقف والابتداء لبعض ما ذكر، ولو كان لغير ذلك لم يُبَحْ، وهذا الذي يسميه السجاوندي: المرخص ضرورة» (1). ولما كان (المعنى) في النوع الأول غير محدد تحديدا دقيقًا، فإنك تجد كثيرًا مما حُكِيَ فيه التمام بينه وبين ما بعده علاقة في المعنى تمنع أن يكون من قسم التامِّ. ومن أمثلة ذلك: حكمهم بالتمام على قوله تعالى: {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} [النمل: 27]، قال ملاَّ علي قاري: «وقد يوجد قبل انقضاء الفاصلة؛ كقوله تعالى: {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} [النمل: 27]، قال ابن المصنف: هذا الوقف تامٌّ؛ لأنه انقضاء كلام بلقيس، وهو رأس آيةٍ أ. هـ. يعني قوله تعالى: {وكذلك يفعلون} [النمل: 27] ابتداء كلام من الله شهادة على ما ذَكَرَتْهُ. وفيه أنَّ له تعلقاً معنوياً، فلا يكون وقفه تاماً، بل كافياً. وقال بعض المفسرين: {وكذلك يفعلون} أيضاً من كلامها تأكيدًا لما قبلها، فالوقف على {أذلة} كافٍ، وعلى {يفعلون} تامٌّ. وقد يقال: لأنه كافٍ أيضاً؛ لأن ما بعده من جملة مقولها، فله تعلق معنوي بما قبله. ثمَّ قال ـ أي: ابن المصنف ـ: وقد يوجد بعد انقضاء الفاصلة بكلمة؛ كقوله تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين. وبالليل} [الصافات: 137 ـ 138]؛ لأنه معطوف على المعنى؛ أي: في الصبح والليل؛ يعني: فيهما.   (1) النشر: 1: 236. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 56 وفيه البحث السابق؛ إذ من جملة التعلق المعنوي قوله: {أفلا تعقلون} [الصافات: 138]، فهو وقف تامٌّ، وما قبله كافٍ» (1). ومن هذه النقول السابقة يتضح أن المراد بالمعنى غير واضح المعالم، وليس له تعريف محدد، مما يجعله عائماً غير منضبط، وبسبب ذلك يقع الخلاف في الحكم على بعض المواطن بالتمام أو الكفاية. ولو تأملت كثيراً من أمثلة التامِّ لوجدت فيها رابطاً لفظياً غير إعرابيٍّ، وهي كثيرةٌ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} [العنكبوت: 17]، حكم ابن الأنباري والداني بالوقف التامِّ على قوله: {واشكروا له} (2)، ولو نظرت في قوله تعالى: {وإليه ترجعون} لوجدت فيه رابطاً لفظياً غير إعرابي، وهو الضمير في قوله: {وإليه ترجعون}، وهو يربط بين الجملتين في المعنى، ويدل على عدم تمام الكلام ِ، ولذا فالحكم على مثل هذا يكون بالكفاية، واللهُ أعلمُ. وإذا عرف طالب علم الوقف والابتداء وأتقنه فإنه سيفهم كثيرًا مما في كتب الوقف والابتداء، ولا يوجد كتاب في الوقف يقال عنه: إنه سهل ما لم يُدرك ما ذكرته لك، والله الموفق. ـ[قال السائل: ما أفضل كتاب في إعراب القرءان ؟ ]ـ لا يوجد كتاب يمكن أن يقال: إنه أفضل كتاب، لكن هناك مجموعة من الكتب يمكن الاستفادة منها في إعراب القرآن، منها: 1 ـ إعراب القرآن، لأبي جعفر النحاس (ت: 338). ومن باب الفائدة، فإن كل كتب النحاس مفيدة جدًّا. 2 ـ الفريد في إعراب القرآن المجيد، للمنتجب الحسين بن أبي العز الهمداني (ت: 643). 3 ـ البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (ت: 745). 4 ـ الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، للسمين الحلبي (ت: 756)، وهو كتاب منظَّمٌ. وقد كتبت في كتابي (أنواع التصنيف المتعلقة بالقرآن الكريم) بعض الفوائد المتعلقة بإعراب القرآن، والله الموفق.   (1) المنح الفكرية 58، وقد نقلته بطوله؛ لأن هذه الأمثلة من أشهر ما يمثل بها للوقف التامِّ، وهي من أمثلة الداني في المكتفى 140 ـ 141. (2) انظر: إيضاح الوقف 2: 826، والمكتفى 443. الجزء: 13 ¦ الصفحة: 57 الشيخ الدكتور سعدي الهاشمي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فيسر ملتقى أهل الحديث أن يرحب بفضيلة الأستاذ الدكتور سعدي مهدي الهاشمي (أستاذ الدراسات العليا بقسم الكتاب والسنة بجامعة أم القرى) ضيفاً على منتدى الدراسات الحديثية ليجيب عن أسئلة طلاب العلم في مجال السنة النبوية. وإننا لنشكر لفضيلته موافقته على هذا اللقاء مع علمنا بكثرة أشغاله، فنسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء، وأن يبارك في وقته وعلمه. علماً أن اللقاء سيكون حول: _ تاريخ السنة من نشأتها إلى عصرنا الحاضر. _ ومصادر السنة المخطوطة والمطبوعة: (تقويماً لمطبوعها، وبحثاً لأهم مخطوطاتها، ومعرفة لمناهج مؤلفيها، وغير ذلك) .. فنرجو من إخواننا أن تكون أسئلتهم واضحة ومختصرة وفي مجال اللقاء. هشام بن عبد العزيز الحلاف المحاضر في قسم الكتاب والسنة جامعة أم القرى / مكة المكرمة الجزء: 14 ¦ الصفحة: 1 السيرة الذاتية للأستاذ الدكتور سعدي مهدي الهاشمي •حصل على الدكتوراه في الحديث من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بمرتبة الشرف الأولى (عام 1398هـ _1978م) في أطروحته (أبوزرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية، مع تحقيق كتابه الضعفاء وأجوبته على أسئلة البردعي). •بدأ التدريس بكلية الحديث بالجامعة الإسلامية عام 1398هـ -1978م. •بدأ التدريس بالدراسات العليا في شعبة السنة عام 1402هـ -1982م. •أشرف على ما يزيد عن 40 رسالة ماجستير ودكتوراه في الحديث والعقيدة والتفسير بالمأثور، ولازال مستمراً في الإشراف على العديد من رسائل الدكتوراه، كما شارك في مناقشة عشرات في الحديث وعلومه والعقيدة والسيرة والتاريخ. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 2 •ساهم في تقويم العديد من الأعمال العلمية لجامعات مختلفة، وكذا الترقيات العلمية للعديد من الأساتذة. •شارك في دورة المجلس العلمي في عام 1401هـ -1403هـ (1981 - 1983م). •شارك في مجلس مكتبات الجامعة الإسلامية منذ عام 1399هـ -1979م. •تمت ترقيته إلى أستاذ مشارك عام 1405هـ -1985م. •تمت ترقيته إلى أستاذ عام 1411هـ - 1991م. •انتقل إلى جامعة أم القرى بتاريخ 16/ 3/1416هـ للتدريس بكلية الدعوة وأصول الدين والإشراف على رسائل الدكتوراه. مؤلفاته: 1_ دراسة حول قول أبي زرعة في سنن ابن ماجه _ مجلة الجامعة الإسلامية: العددين 47، 48 (1400هـ -1980م)، والعددين 55، 56 (1402هـ -1982م). 2_ دور المؤسسات الدينية في منع الجريمة _ بحث مقدم للمنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة: أمانة المنظمة في الرباط (1401هـ -1981م). 3_ أبوزرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية مع تحقيق كتابه الضعفاء وأجوبته على أسئلة البردعي (3أجزاء) (1402هـ -1982م). 4_ الرواة الذين كنوا بأبي زرعة _ مجلة الجامعة الإسلامية: العدد 58 (1403هـ - 1986م). 5_ ابن سبأ حقيقة لا خيال _ مكتبة الدار بالمدينة المنورة (1406هـ - 1986م). 6_ نصوص ساقطة من طبعات أسماء الثقات لابن شاهين (ت 385هـ): نشر مكتبة الدار بالمدينة المنورة (1407هـ - 1987م). 7_ شرح ألفاظ التجريح النادرة أو قليلة الاستعمال _ القسم الأول _ المكتبة السلفية بالقاهرة. 8_ شرح ألفاظ التجريح النادرة أو قليلة الاستعمال _ القسم الثاني _ دار الصفا (1408هـ - 1988م). 10_ الرواة الذين تأثروا بابن سبأ - (1409هـ - 1989 م). 11_ اختلاف أقوال النقاد في الرواة المختلف فيهم مع دراسة هذه الظاهرة عند ابن معين: نشر ضمن أبحاث ندوة عناية المملكة بالسنة والسيرة النبوية بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة 1425هـ. 12_ دراسات حول سنن أبي داود _ لم تطبع _. 13_ دراسات حول سنن ابن ماجه _ لم تطبع _. وغيرها من الدراسات التي لم تتم طباعتها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 3 إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فهذه أجوبة الأسئلة التي وجهها من يحسن الظن بالعبد الضعيف، وسأحاول الرد باختصار غير مخل، إذ بعض الأسئلة تحتاج إلى صفحات بل دراسات. ـ[س 1: حياكم الله شيخنا الجليل الهاشمي، وبارك لكم في المال والأهل والولد، واسمحوا لي بهذه الأسئلة، وأشكر الشيخ هشام الحلاف والملتقى الجميل الذي أتاح لنا هذه الفرصة، فجزاكم الله خيرًا وبارك فيكم جميعًا، ولا حرمنا الله منكم أبدًا: أولًا: ما رأيكم في طبعة «الثقات» لابن حبان رحمة الله عليه؟ وقد سمعنا أن المعلِّمي اليماني قد عمل فيها فهل هذا صحيح؟ وما هي منزلة ابن حبان بين نُقَّاد الحديث، والمتكلمين في علل الروايات؟ ]ـ طبعة «الثقات» (الهندية / حيدر آباد الركن من 1393هـ - 1403هـ وتقع في 1 - 9 أجزاء) متواضعة وقع فيها الخطأ، والتحريف، والتصحيف، ولم أقف على ما يدل أو يشير إلى أن العلامة المعلِّمي اليماني (ت 1386هـ) قد عمل فيها، فقد صدر المجلد الأول من «الثقات» عام 1393 هـ، أي بعد وفاة الشيخ بسبعة أعوام، إلا أن يكون الشيخ المعلِّمي قد عمل فيه قبل وفاته؟ وهذا سؤال يوجه إلى القائمين على مجلس دائرة المعارف العثمانية. وقد اعتمدوا في طبعتهم على ثلاث نسخ خطية: 1 ـ نسخة المكتبة الآصفية بحيدر آباد الدكن، وهي الأساس لتصحيح الكتاب، وتاريخ نسخها ربيع الآخر سنة اثنين وتسعين ومائتين بعد الألف. 2 ـ نسخة مكتبة السلطان محمود (استانبول)، وتاريخ نسخها شعبان سنة سبع وثمانين وثمان مائة. 3 ـ نسخة المكتبة السعيدية بحيدر آباد، وتاريخ نسخها يوافق تاريخ كتابة النسخة الآصفية. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 4 والكتاب بحاجة ماسة إلى إعادة تحقيق، وتصحيح التصحيف، وتحرير التحريف، وإتمام السقط، وذلك من خلال جمع النسخ الأخرى، إضافة إلى النسخ المذكورة آنفا ومن تلك النسخ: 1ـ نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة النبوية برقم 85، وهي المجلد الأخير، ويقع بـ 139 ورقة بتاريخ 751هـ، وكذا المجلد الرابع في المحمودية (98) ويقع بـ 126 ورقة. 2ـ نسخة طلعت - دار الكتب المصرية - رقم مصطلح 208 مجلد، يقع بـ 183 ورقة. 3ـ نسخة الحرم المكي، المجلد الأول، ويقع بـ 248 لوحه، والمجلد الثاني ويقع بـ 218 لوحه، 130/ 62، 130/ 63. 4ـ نسخة الظاهرية، تاريخ 710، 711 المجلد الأول، والثاني تاريخ النسخ القرن السابع الهجري، ويقع الأول بـ 138 ورقة، والثاني بـ 164 ورقه. 5ـ مجلد يقع بـ (99) ورقة، بخط قديم، دار الكتب المصرية، وهي محفوظة في جامعة الإمام رقم (7345 ف). وكذلك الاستفادة من «ترتيب الثقات لابن حبان» للهيثمي (ت807 هـ)، انظر مثلاً جامعة الإمام فلم رقم (7346 ف)، ودار الكتب المصرية 1/ 177 (37). أما منزلته بين نقاد الحديث، فهو شديد في التجريح، حتى يُقَصّب الثقة، بل كما قال الحافظ ابن حجر: «ابن حبّان ربما جَرَح الثقة، حتى كأنه لا يدري ما يَخرُجُ من رأسه». وأما في التوثيق فهو متساهل، قال ابن عبد الهادي في «الصارم المنكي» ص 139: لم يعرف حاله، ولهذا كان توثيقه من أدنى درجات التوثيق، وقد جمع ابن حبان في كتابه عدداً كثيراً وخلقاً عظيماً من المجهولين الذين لا يعرف هو ولا غيره أحوالهم، وقد صرَّح بذلك في غير موضع في هذا الكتاب، ولاشك الحكم على الأحاديث يعتمد فيها على الحكم على الرواة أساساً. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 5 ـ[س 2: ثانيًا: ما هي أهم المخطوطات التي يتمنى شيخنا لو رآها مطبوعة ؟ وما هي أهم المطبوعات التي يتمنى شيخنا لو لم يكن رآها؟ ]ـ لا شك أن العقود الماضية شهدت حركة قوية في نشر التراث ومع ذلك لازال الكثير بحاجة إلى خدمة وعناية كي يخرج إلى النور ويستفيد منه أهل العلم وهذه طائفة من الكتب التي أتمنى العناية بها وإخراجها: 1 - شرح صحيح البخاري للعلامة مغلطاي (ت 762هـ) واسمه «التلويح في شرح الجامع الصحيح» وهو شرح كبير يقع في عشرين مجلداً - «لحظ الألحاظ» 139 - منه نسخة في مكتبة فيض الله، تحت رقم (477) وتقع بـ (15) مجلداً. 2 - «نخب الأفكار في شرح معاني الآثار» للعيني (ت 855هـ)، ويقع مع مقدمته لـ الرجال «مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار» (1 - 8) مجلدات بخط المؤلف القاهرة، ومنه نسخة عنها أيضاً أحمد الثالث. 3 - نسخ منتقاة بعناية ودراسة (للكتب الستة) تصور عن الأصول الخطية كي تكون مراجع لطلاب العلم. 4 - «إكمال تهذيب الكمال» لمغلطاى (ت 762هـ)، نسخة كاملة بعد جمع ما تفرق منه، لأن المطبوع ناقص، وغير محقق التحقيق العلمي. وأما الكتب التي أتمنى لو لم تطبع فكثيرة، وهي التي تسيء إلى صفاء الإسلام ومعتقد السلف الصالح. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 6 ـ[عندي مخطوط لابن الجزري رحمه الله ، أخذتُه من بعض المشايخ الكرام، ومكتوب عليه أنه اختصار لتاريخ الإسلام للذهبي، لكن بالمقارنة بينه وبين بعض تراجم كتاب الذهبي وجدتُ فيه زيادات كثيرة على الأصل في مواضع كثيرة جدًا، وفي بعضها اختصار للأصل، والسياق غير مستقيم في مواضع أخرى؟ فهل عندكم خبر حوله؟ وكيف نتصرف في مثله إذا أردنا إخراجه؟ علمًا بأنها نسخة وحيدة؟ ]ـ يستحسن الوقوف على هذا المخطوط حتى يكون الحكم عليه بصورة صحيحة ودقيقة، والحافظ الذهبي قد ذَيَّل على «تاريخ الإسلام» الذي وصل به إلى سنة 700هـ = إلى غاية سنة 740 هـ، وقد أسقط فيه كثيراً من الأعلام الذين ترجم لهم في «تاريخ الإسلام»، وقد نشر مازن باوزير كتاباً باسم «ذيل تاريخ الإسلام» للذهبي، وكتب على عنوان الغلاف: يضم هذا الذيل تراجم ... (701 - 750هـ)! علماً أن الذهبي توفي 748هـ. إضافة إلى ذلك فقد أشار أ. د بشار عواد العبيدي الحميري إلى أن المطبوع في «دول الإسلام» في حيدر آباد عام 1337هـ يشمل الأصل والذيل وهو ما لم ينتبه إليه ناشرو الكتاب بله طبعة القاهرة (1974) فيها إلى سنة 744هـ، ولعل هذه السنوات الأربع زيادات من بعض النساخ أو غيرهم، وقد مر بنا أن ـ والكلام لـ أ. بشار ـ أن السخاوي أكمل الذيل ابتداء من سنة 741 هـ، مما يدل على وقوف الذهبي في الذيل عند سنة 740هـ. انتهى، ص 169 - 170 «الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام»، ولم يذكر الجزري، فلعله لم يقف عليه، ولا يبعد أن يكون الجزري قام باختصار «تاريخ الإسلام»، وأضاف إليه تراجم من مصادر أخرى، وهذا شأن المختصرين والمستدركين، والله اعلم. ـ[رابعًا: ما هو المصدر الوفير لمعرفة روايات الكتب الستة ، وبيان اختلافاتها؟ ]ـ المصدر الأساسي في معرفة روايات الكتب الستة هو كتاب «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» للحافظ أبي بكر محمد بن عبد الغني الحنبلي البغدادي (ت629هـ)، وهو ديوان عظيم حافل بروايات الكتب الستة وغيرها، وينص على ما فات من سماع لطائفة في الرواة، ويعتبر هذا الكتاب مفخرة لأهل السنة في حفظ تراث النبوة وطرق وصولها إلى مصنفيها، مع تتبع المختص بنسخ الدواوين الستة وغيرها في بيان النسخة المعتمدة الصالحة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 7 ـ[س 5: ما رأيكم في طبعات السنن ؟ وأحسن الطبعات لها؟ خاصة «سنن ابن ماجه»؟ ]ـ طبعات السنن كثيرة ومتعددة في الوقت الحاضر، ومعظمها لم تحرر التحرير العلمي، بتتبع الأصول، والاعتماد هي النسخة المتقنة، فسنن ابن ماجة (ت 273هـ) على سبيل المثال طبع بتحقيق: 1 - محمد فؤاد عبد الباقي، عام 1373هـ الحلبي القاهرة، معتمداً على الطبعة العلمية عام 1313هـ القاهرة، وعلى ط هندية عام 1847م، وأعتمد في نشر الكتاب بعد على طبعة محمد فؤاد. 2 - كـ ط أ. د الأعظمي، عام 1403هـ. 3 - ط الشيخ خليل مأمون، دار المؤيد عام 1416هـ. 4 - أ. د بشار عواد، عام 1418هـ دار الجيل. 4 - ط علي حسن الحلبي، المعارف عام 1419هـ. إضافة إلى طبعات أخرى صدرت في لبنان والقاهرة وغيرها، والأربعة السابقة كل واحدة اعتمد محققها على منهج يختلف عن الآخر. ومن يقرأ مقدمات تلك الطبعات يعلم حقيقة الأعمال؟ والغريب أن الطبعات المذكورة عدد أحاديث سنن ابن ماجه فيها (4241) حديثاً، وفي ط الحلبي (4418) حيث قال في ج 1/ 11 ح1: «ولقد رقَّمنا كل أحاديث ابن ماجه ترقيماً جديداً، مراعين في ذلك ما عطفه من أسانيد خالية عن المتون إحالة على النص السابق، جاعلين لها رقماً مفرداً تابعاً للتسلسل»، وفي ط أ. د- الأعظمي (4397) حديثاً، بما فيها زيادات القطان - أي ابن القطان وجميعاً ينتهي بحديث: «ما منكم من أحد إلا له منزلان ... »، واذكر مثالاً مهماً يدل على ضرورة بل (لزوم) الرجوع إلى النسخ المختلفة إذا ما أردنا تحقيق هذا الديوان (من دواوين السنة النبوية) تحقيقاً علمياً على منهج أهل الحديث. فالزيادات الواردة في «سنن ابن ماجه» للرواية المشهورة (أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر القزويني الحافظ ت345هـ) (44) زيادة والتي قام بتمييزها وإفرادها بجزء الأخ أ. د مسفر بن غرم الله الدميني عام 1410هـ. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 8 وفي ط على حسن الحلبي بـ (49) زيادة، بينما بلغت في دراسة خاصة بهذه الزيادات حررتها عام 1410 هـ (66)، زيادة وذلك بالاعتماد على نسخ اجتهدت في جمعها بفضل الله ومنّه، منها نسخة بخط الحافظ ابن النجار البغدادي (ت 643هـ)، ونسخة المقادسة (المحفوظة) في المكتبة التيمورية القاهرة، والتي هي أصل لنسخة (جار الله) التي اعتمد أ. د- الأعظمي، وكذا نسخة فاتح، ونسخة المنذري (ت656هـ) التي اعتمد على نسخة مقابلة عليها علي حسن الحلبي - ذكر هذه النسخة - باريس 706 - بعد- وحسب كلامه ج1/ 7 - مراجعتهم أي الحلبي مع الأخوين الجزائري، وجمال عبد اللطيف- لطبعة الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي على الطبعة المحققة الصادرة سنة (1404هـ) بتحقيق الدكتور الأعظمي، وهي نسخ لم يصرح أحد من المحققين الأفاضل السابقين باطلاعهم عليها. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 9 ولا يُعذر أ. د- بشار عواد بقوله: «ولا يمكن ضبط نسخة متقنة منها إلا بجمع جميع النسخ، وهو أمر متعذر علينا لعدة أسباب منها: كثرة النسخ وتبعثرها في أنحاء العالم وصعوبات التصوير وكلفته، وصعوبة تنقلنا في البلدان لظروف خارجة عن إرادتنا والوقت الذي يستلزمه مقابلة كل هذا العدد من النسخ ثم وجود من فعل ذلك قبلنا .... المزي (742هـ) في كتابيه العظيمين «تحفة الأشراف» و «تهذيب الكمال» ... إلى آخر كلامه في ج1/ 15، مقدمة التحقيق لسنن ابن ماجه، لأن من يروم خدمة سنة النبي الكريم رحلوا إلى البلدان، وقطعوا الفيافي والقفار، للتثبت من رواية حديث واحد روي عن الرسول ?، ثم إن الإمام الجليل ـ حافظ عصره المزي رحمه الله وجزاه خير الجزاء على خدمته لسنة نبيه ? ـ أتقن حفظ الأسانيد في كتابه، ولم يذكر إلا طرفاً وربما كلمه في المتون ... ونحو هذا الكلام أو مثله يقال عن تحقيق كتب السنن الأخرى، حيث يعمد بعض المحققين إلى نسخة فرع ويترك الأصل في الاعتماد عليها بالتحقيق، والبعض يعتمد على المطبوع! والنتيجة نفس عدد الأحاديث الواردة في الطبعة الأولى. ـ[س 6: ما هو الطريق الصحيح لإخراج المخطوطات في عصرنا هذا، خاصة بعد اكتشاف الحاسب؟ من حيث الإطالة في التخريج وعدمه؟ ]ـ الطريق الصحيح لإخراج المخطوطات هو جمع نسخ الكتاب المراد تحقيقه، وبعد دراسة تلك النسخ من حيث الإتقان والضبط وصحة السماعات ووصف الحفاظ المتقنين لبعض النسخ ترشح النسخة التي تميَّزت بتلك المواصفات، ويشرع بالتحقيق من هو أهل له، وكما قالوا: (التحقيق عمل الشيوخ). أما الاستفادة من الحاسوب فممكنة في ضبط الفوارق بين النسخ وتدوينها، أما التخريج فلا يعتمد على الحاسوب، ونستفيد منه كاستفادتنا من (الفهارس والمفاتيح)، ولابد بعد ذلك من الرجوع إلى الأصول حيث ضبط النصوص والتثبت من الأسانيد. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 10 والأمر المهم في تحقيق السنن هو إخراجها متقنة كما حررها مصنفها، والمحافظة على أمانة النص، وبالله التوفيق. ـ[سابعًا: ما رأي شيخنا الكريم في المخطوطات مجهولة المصدر ؟ وما مدى الوثوق فيها؟ وما رأيكم بنشر المخطوطات على الشبكة في المواقع دون بيان لمصدرها؟ وكذا في الكتب المطبوعة؟ وهل بإمكاننا الاعتماد والاستفادة من الكتب مجهولة المصدر مطبوعة ومخطوطة؟ خاصة وأن الكتب المطبوعة ربما كانت لبعض الشركات أو لبعض الأشخاص ولكنها وصلت إلى الشبكة وتداولها الناس بعد ذلك، فهل يحلها التداول وتصبح مشاعًا للجميع؟ أم علينا التورع في سحبها والاستفادة منها؟ وكذلك الحال بالنسبة للمخطوطات؟ ]ـ لابد من ذكر مصادر النسخ المخطوطة المعتمدة في التحقيق، والتثبت من صحة نسبتها، والتثبت من صحة رواياتها، وكان السلف رحمهم يخرجون الرجل إذا أضاف أسماء غير صحيحة (طباق السماع) أي أسانيد رواية تلك النسخة. ولا يحق ولا يصح شرعاً نشر كتاب بذل فيه محققه جهداً - الله أعلم به- على الشبكة (الالكترونية)، أما إذا كان أحد أهل العلم يمتلك مخطوطة علمية بالحديث أو غيره وأراد أن ينشرها (بطريقة الاسكنر) محمية محفوظة من الدخيل والعابث فلا بأس به، والله اعلم. ـ[س 8: هل هناك علاقة بين برامج الحاسب في عصرنا وبين تدوين السنة ؟ من حيث هل يعد هذا نوعًا جديدًا من التدوين؟ وما هي أنسب الطرق في هذا المجال؟ وأخيرًا ما هي شروط شيخنا لنيل الإجازة منه، وهل لشيخنا بريد إلكتروني نكتب له عليه؟ وجزاكم الله خير الجزاء وبارك فيكم، وسامحوني للإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ]ـ لا شك ولا ريب في قدرة ودقة جهاز الحاسوب ولابد من الاستفادة منه في حفظ السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام، ولي جهد متواضع في هذا المضمار لا بأس بنشره على هذا الموقع، وهو مشاركة في (ندوة علمية) عقدتها كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى في مكة المكرمة - حماها الله- بتأريخ 25/ 7/1418هـ. أكتفي في هذه الأجوبة بذكر (ضوابط مشروع الحاسب الآلي في خدمة السنة وهي: 1 - لا بد من تحقيق النصوص المدخلة، وهذه القضية كثر الكلام عنها وأخذت حيزاً كبيراً في مناقشتها وبحثها، وذلك من خلال مناقشتي لرسالة دكتوراه عام 1407هـ، وكذا في مداولات العلماء والمتخصصين في الحديث والمبرمجين للحاسب الآلي، وذكروا أن الأمر يحتاج إلى سنوات عديدة لاختيار النص المناسب للتحقيق. 2 - وهذه المعضلة تم التغلب عليها وذلك بوجود برنامج (comparative) القادر على اجراء المقارنات بين النصوص. 3 - أو كبديل عنه يتم اختيار نسخة خطية موثقة معززة بسماعات أو منسوخة ومقابلة من أحد أعلام المحدثين الحفاظ لكل كتاب من الكتب المدخلة، وذلك للرجوع إليها والتثبت من صحة النص المحفوظ في البرنامج، ولا شك أن الكثير من المكتبات تزخر بالمخطوطات الأصول لكتب السنة النبوية. 4 - إدخال كتاب «تحفة الأشراف» الذي ضم (19626) من أسانيد الأحاديث المرفوعة، والمرسلة، وكذلك كتاب «إتحاف المهرة في أطراف الكتب العشرة» (حم، عم، ط، ش، مي، جا (جارود)، خز، عه، طح، حب، قط، كم) للحافظ ابن حجر (ت2م)، والذي قامت وزارة الأوقاف بطبعه، وصدر منه لحد الآن (19) مجلداً، ويكمل بـ (20)، والأخير هو فهارس، وبلغ مجموع الأحاديث لحد (19) (25513) حديثاً. 5 - التسجيل الصوتي للأحاديث المدخلة، وهنالك ـ والحمد لله ـ عدد كبير من المؤهلين لهذه المهمة العظيمة الأَثَرْ، ولهذا أمثلة ونماذج مشرفة لعلمائنا الأعلام. وأذكر في هذا نموذجاً لوعي علمائنا في هذا الشأن ما فعله الإمام الحافظ المتقن شرف الدين علي بن محمد بن أحمد اليونيني الهاشمي (ت701هـ): «وكان السماع بحضرة جماعة من الفضلاء، ناظرين في نسخ معتمد عليها، فكلما مر بهم لفظ ذو إشكال بينت فيه الصواب، وضُبط على ما اقتضاه علمي بالعربية، وما افتقر إلى أبسط عبارة وإقامة دلالة أخرت أمره إلى جزء استوفى فيه الكلام، مما يحتاج إليه من نظير وشاهد ليكون الانتفاع به عامًا، والبيان تاماً إن شاء الله، وكتبه محمد بن عبد الله بن مالك»، بلغت مقابلة وتصحيحاً وإسماعاً بين يدي شيخه الطائي الجيَّاني، أمدّ الله تعالى عمره، في المجلس الحادي والسبعين، وهو يراعي قراءتي، ويلاحظ نطقي، فما اختاره ورجَّحه وأمر بإصلاحه أصلحته وصححتُ عليه، وما ذكر أنه يجُوزُ إعرابان أو ثلاثة فأعلمت ذلك على ما أقترح ورجُّحَ، وأنا أقابل بأصلِ الحافظ أبي ذر والحافظ الأصيلي، والحافظ ابن عساكر. ومَنَّ الله علىّ بإجازات حديثية لعدد من الشيوخ، نسأل الله عزّ وجل أن يجعلنا من طلاب العلم، وخدمة سنة النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 11 ـ[س 9: أرجو المسامحة شيخنا الجليل، فقد أثقلتُ عليكم، ولكنها فرصة العمر أن نراكم هنا ونقدر على سؤالكم والانتفاع بعلومكم، فبارك الله لنا فيكم، وحفظكم. سؤال: ما رأيكم شيخنا الجليل في الأحاديث المضروب عليها ، ولا أقصد التي ضرب عليها النساخ، فهذه قد علمنا أنها خطأ من النساخ، ولكن أقصد تلك الأحاديث التي ضرب عليها أصحاب الكتب أنفسهم، ولم يُحَدِّثوا بها، أو رفضوا التحديث بها؟ ومن أمثلة ذلك (ونرجو من الشيخ الاستفاضة حوله): «المسند» للإمام أحمد، فقد ضرب الإمام أحمد على أحاديث، وأمر ابنَه عبد الله بالضرب عليها، ومع ذلك لا زالت هذه الأحاديث في المسند، فما هو رأي فضيلتكم؟ وما معنى الضرب عليها هنا؟ هل ضرب عليها لعلة وفقط؟ أم ضرب عليها ولم يُحَدِّث بها بمعنى أنه لم يرضها في تصانيفه؟ وهل علينا الآن أن نثبتها في متون الكتب؟ أم نضعها في حواشي الكتب؟ نرجو الإفاضة في هذا الأمر من كافة جوانبه؟ ]ـ الأحاديث المضروب عليها إما أن تكون سبب الضرب عليها الانحراف العقدي أو ضعف الراوي من حيث الشذوذ والنكارة، وغير ذلك. أما الانحراف العقدي فهو ما حصل في موقف بعض الأمة النُّقَّاد والحُفَّاظ في فتنة خلق القرآن، حيث قاطع الإمام أحمد كل من أجاب بفتنة خلق القرآن وقال بخلقه، وأمر ولده عبد الله بعدم رواية أحاديثهم. قال أبو زرعة: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن علي بن الجعد، ولا سعيد بن سليمان، ورأيت في كتابه مضروباً عليهما، ولا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن أبي معمر، ولا يحيى بن معين، ولا أحد ممن امتحن فأجاب». والخبر رواه أبو زرعه والخطيب بإسناده إليه، وكذا ابن الجوزي، وغيرهما. وفيهم أئمة وغيرهم لم يذكروا في هذا النص كالإمام علي بن المديني، ودافع عنهم الحفاظ، وشهدوا لهم بالحفظ والإتقان، فهذا الحافظ الذهبي يقول بعد ذكره موقف الإمام أحمد من أبي نصر التمار: «قلت: أجاب تقية وخوفاً من النكال، وهو ثقة بحاله ولله الحمد» «سير أعلام النبلاء» ج /573. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 12 وعدَّ ذلك (تشدد ومبالغة، والقوم معذورون، تركوا الأفضل فكان ماذا)، وقد خَرَّج الإمام البخاري لبعضهم في «الصحيح»، ومع هذا الاعتذار يبقى موقف الإمام أحمد بن حنبل هو الصواب وهو الحق، حيث ثبَّت الله عزَّ وجل بثباته الأمة وعدم التأثر بأفكار المبتدعة ومعتقداتهم المخالفة لمعتقد السلف الصالح، وقد صَرَّح عبد الله بن الإمام أحمد بهذا الأمر في تركه الرواية عمن أجاب بفتنة خلق القرآن، قال الحافظ ابن حجر في ترجمة إبراهيم بن الحسن الباهلي (ت 235 هـ): «قلت: كان عبد الله بن أحمد لا يكتب إلاّ عمن أذن له أبوه في الكتابة عنه، وكان لا يأذن له أن يكتب إلا عن أهل السنة، حتى كان يمنعه أن يكتب عمن أجاب في المحنة، فلذلك فاته علي بن الجعد ونظراؤه من المسندين» [«تعجيل المنفعة» 1/ 258]، والتزم بهذا الأمر بعض خواص الإمام أحمد، فهذا أبو زرعه الرازي (ت 264 هـ) الذي قال عن علي بن المديني وقد سئل عنه «لا نرتاب في صدقه»، نراه ترك الرواية عنه. قال ابن أبي حاتم في ترجمته: «كتب عنه أبي وأبو زرعة، وترك أبو زرعة الرواية عنه من أجل ما كان منه في المحنه، ووالدي كان يروي عنه لنزوعه عما كان منه» [«الجرح والتعديل» ج3/ ق 1/ 194]، و [«ميزان الاعتدال» 3/ 138]، و [«تهذيب التهذيب» 7/ 356]، وكذا موقف إبراهيم بن إسحاق الحربي [«تاريخ بغداد» 11/ 470]، [«مناقب الإمام أحمد» لابن الجوزي ص 392]، و [«ميزان الاعتدال» 3/ 138] وانظر بتفصيل في «أبو زرعة وجهوده في السنة ... » ج 3/ 975، ورغم هذه النصوص العديدة وغيرها نجد الأحاديث المخرَّجة في 1003. «المسند» عن بعض الرواة الذين امتنع الإمام أحمد عن الكتابة عنهم ومن الذين أوصى ولده بالضرب على أحاديثهم، ففي أفضل طبعة للمسند والتي بلغ مجموع الأحاديث فيها بالمكرر (27646) حديثاً نجد: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 13 1 - (خ م د س) إسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهذلي أبو معمر (ت 236 هـ) حديثاً واحداً رقم (26876). 2 - (ع) سعيد بن سليمان الضبي أبو عثمان الواسطي (سعدويه) (ت 225 هـ) ثلاثة أحاديث (15320، 26911، 26974). 3 - (خ د ت س فق) علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي أبو الحسن البصري (ت 234 هـ) قرابة (70) حديثاً (1387، 1610، 2248، 3897، 5437، 5871، 5873، 6908، 7073، 8768، 8996، 8998، 9437، 11063، 11761، 11762، 22864، 11765، 13816، 14107، 14108، 14109، 14110، 14111، 14881، 14883، 15288، 15299، 16298، 16301، 16302، 16387، 17625، 17726، 18506، 18962، 18963، 18965، 19327، 19404، 19566، 19567، 19569، 1968، 19682، 19720، 19723، 1992، 19925، 19993، 20118، 20119، 20120، 20192، 20460، 20620، 21382، 21663، 22420، 22708، 23358، 23854، 24009/ 7 24009/ 28، 24009/ 39، 24617. 4 - (ع) يحيى بن معين بن عون بن زياد المرى الغطفاني مولاهم البغدادي (ت 233 هـ) حديثان (51، 21119). الجزء: 14 ¦ الصفحة: 14 ولعل السبب في بقاء هذه الأحاديث في «المسند» هو أن الإمام أحمد كما يقول الحافظ الذهبي: «كان لا يرى التّصْنيف، وهذا كتاب «المسند» له لم يصنِّفه هو، ولا رتَّبه، ولا اعتنى بتهذيبه، بل كان يرويه لولده نُسخاً وأجزاءاً ويأمره: أنْ ضَعْ هذا في مُسْنَد فلان، وهذا في مسند فلان) [«سير أعلام النبلاء» ج 13/ 522]، ثم زاد الحافظ الجزري (ت 833 هـ) حيث وضح الأمر أكثر فقال: «إن الإمام أحمد شرع في جمع هذا «المسند»، فكتبه في أوراق مفردة، وفرقه في أجزاء منفردة على نحو ما تكون المُسَوَّدة، ثم جاء حلول المنيَّة قبل حصول الأُمنية، فبادر بإسماعه لأولاده وأهل بيته، ومات قبل تنقيحه وتهذيبه، فبقى على حاله، ثم إن ابنه عبد الله الحقَ به ما يشاكِلُه، وضمَّ إليه من مسموعاته ما شابهه ويماثله ... » [«المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد» ص 10]، وأول من سمعه في أهل بيته هو عبد الله [«سير أعلام النبلاء» جـ13/ 523]. ومع ذلك لم يُحرِّر عبد الله ترتيب «المسند» كما يقول الذهبي: «ولا سَهَّله فهو محتاج إلى عمل وترتيب، ... ولم يكن القطيعي- الحافظ أحمد بن جعفر ثقة ت 368هـ- من فرسان الحديث ولا مجوِّداً، بل أدَّى ما تحمَّله، إنْ سَلِم من أوهام في بعض الأسانيد والمتون» [«سير أعلام النبلاء» ج13/ 524]. فعدم تحرير «المسند» من حيث الترتيب والعناية ربما بقيت تلك الأحاديث رغم الضرب عليها - والله أعلم- والأمر يحتاج إلى دراسة مفصلة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 15 وهنالك أمر آخر يتعلق بضرب الإمام أحمد على أحاديث كان لا يرى بقائها في «المسند»، وليس رواتها ممن ساهموا أو امتحنوا بفتنة خلق القرآن، فمثلاً حديث: «يُهْلِكُ أُمَّتي هذا الحيُّ من قريش»، قالوا: فماذا تأمرنا به يا رسول الله؟ قال: «لو أنَّ الناس اعتزلوهم»، أخرجه أحمد في «المسند» ج 2/ 288، 299، 301، 304، 485، والحديث صحيح أخرجه البخاري في «صحيحه»، رقم (3064، 3065)، «فتح الباري» ج 6/ 612، ج 13/ 9. ومع ذلك قال عبد الله: قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: أضرب على هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. يعني: قوله: «اسمعوا أطيعوا» [«المسند» ج2/ 301]. قال أبو موسى: «وهذا - مع ثقة رجال إسناده- حين شذَّ لفظه عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه .... » [«خصائص المسند» ص 24] و [«الفروسية» ص 266 - 267]. قلت - القائل ابن قيم الجوزية ت 751 هـ وهو يرد على أبي موسى المديني الحافظ -: هذا لا يدلُّ على أن كل حديث في «المسند» يكون صحيحاً عنده، وضربُه على هذا الحديث مع أنه صحيح أخرجه أصحاب الصحيح، لكونه عنده خلاف في الأحاديث، والثابت المعلوم من سنته ? في الأمر بالسمع والطاعة، ولزوم الجماعة، وترك الشذوذ والانفراد، كقوله ?: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌّ» [رواه البخاري]، وقوله: «من فارق الجماعة، فمات، فميتته جاهلية» [رواه مسلم]، وقوله: «الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد» [رواه الترمذي]، وقوله: «من فارق الجماعة، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» [رواه أبو داود]، وقوله: «ثلاث لا يُغلُّ عليهن قلب رجل مسلم: إخلاص العمل لله ... » [رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد ... ]، وقوله: «عليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [رواه أحمد- صحيح -]، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة المستفيضة المصرِّحة بلزوم الجماعة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 16 فلما رأى أحمد هذا الحديث الواحد يخالف هذه الأحاديث وأمثالها، أمر عبد الله بضربه عليه» [«الفروسية» ص 270]. وتوجد طائفة كبيرة من الأحاديث أمر بالضرب عليها لضعف رواتها. ومن هؤلاء الرواة: 1 - أبان بن أبي عياش، فيروز البصري، قال عنه الإمام أحمد: (متروك الحديث، ترك الناس حديثه مُذ دهر من الدهر) [«العلل» رقم (872)]. قال عبد الله: قرأت على أبي حديث عباد، فلما انتهى إلى حديث أبان بن أبي عياش قال: اضرب عليها، فضربت عليها وتركتها. [«العلل» (4887)] و [«الضعفاء» للعقيلي (22)]، ومع ذلك يوجد له حديث رقم (12686) في «المسند». 2 - سعيد بن عبد الجبار الزُّبيدي أبو عثمان الحِمصيّ. قال المرُّوذي: قلت له (يعني لأبي عبد الله) سعيد بن عبد الجبار مكي؟ قال: لا، هذا من أهل الشام، حدثنا أبو بدر عنه بحديثين، وقد ضربتُ عليهما. قلت: وأيش حاله؟ قال: حدَّث بأحاديث مناكير. [«سؤالات المروذي» رقم (148)]. 3 - عبد الله بن مور بن عبد الله بن عون بن جعفر بن أبي طالب أبو جعفر القرشي المدائني، قال عبد الله: قال أبي: واسمه عبد الله مور بن عون بن جعفر بن أبي طالب، قال أبي: اضرب على حديثه، أحاديثه موضوعة، أبى أن يُحدثنا عنه. [«العلل» رقم (640)]. 4 - (ت ق) فائد بن عبد الرحمن الكوفي، أبو الورقاء العطّار (ت بحدود 160 هـ). قال عنه أحمد بن حنبل: (متروك الحديث) [«العلل» (4149)] و [«تهذيب التهذيب» 8/ (473)]. وحديثه في «المسند» برقم (19410، 1941)، وقال عبد الله عقب الحديث الثاني: (فلم يحدث أبي بهذين الحديثين، ضرب عليهما في كتابه لأنه لم يرض حديث فائد بن عبد الرحمن، وكان عنده متروك الحديث، واكتفى بهؤلاء الرواة. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 17 وعليه وبناء على موقف الإمام أحمد من الرواة الضعفاء والرواة الشيوخ الذين امتنع عن الرواية عنهم بسبب خلق القرآن وبعض البدع كعلي بن الجعد يلزم وضع أحاديثهم الواردة في «المسند» في الحاشية خارج المتن، مع التعليق على كل واحد بما حكم عليه الإمام أحمد، وتقديم دراسة عن موقفه ممن أجاب بفتنة خلق القرآن، وسرد أسماء من وردت له رواية عنه، والله أعلم. وتوجد حالة أخرى هي نفس حالة الضرب على الحديث، فمثلاً حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لئن بقيت لنصارى بني تغلب لأقتُلَنَّ المقاتلة، ولأسبِتنَّ الذرية، فإني كتبت الكتاب بينهم وبين النبي ? على أن لا يُنَصروا أبناءهم» [ج1/ 429، رقم (2040)]. قال أبو علي اللؤلؤي الإمام (ت 333 هـ) راوي «سنن أبي دواد»: «ولم يقرأه أبو داود في العرضة الثانية»، والسبب أن أبا داود قال: «هذا حديث منكر، بلغني عن أحمد أنه كان ينكر هذا الحديث إنكاراً شديداً»، ومع هذا نجد الحديث يذكر في طبعات «سنن أبي داود». ونجد غير الإمام أحمد أيضاً من اتبع نفس الأسلوب والمنهج، فهذا الإمام الرازي (أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم ت 264). وكان من يقرأ عليه كالبرذعي (ت هـ) مثلاً من كتبه التي دونها وروى فيها عن الشيوخ حينما يمر على حديث ثبت عنده أن راويه من الضعفاء والمتهمين والوضاعين لا يقرأه ويأمره أن يضرب عليه، وتوجد أمثلة غير قليلة، منها قول البرذعي: «فسألت أبا زرعة عنهما - حديثان - فأمرني أن أضرب عليهم، ولم يقرأهما» [«جهود أبي زرعة» ص: 410]. قلت - أي البرذعي - «أبو بكر القرشي؟ قال: ضعيف الحديث، وأمرنا أن نضرب على حديثه» ص: 510. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 18 وقال لي أبو زرعة: «محمد بن عيسى الهلالي، لا ينبغي أن يحدث عنه وأمرنا أن نضرب على حديثه» ص: 517 وفي «الجرح والتعديل» 4/ ق 1/ 38 قال عنه: «ضعيف الحديث لا ينبغي أن يحدث عنه، حدث عن محمد بن بن المنكدر بأحاديث مناكير وأمر أن يضرب على حديثه ولم يقرأ علينا حديثه». وقال ابن أبي حاتم في ترجمة عبيد الله بن تمام البصري: «سئل أبو زرعة عنه فقال: ضعيف الحديث وأمر أن يضرب على حديثه» [ج 2/ ق 2/ 309]. وفي بعض الأحيان يلح البرذعي أو غيره على أبي زرعة بقراءة الحديث الذي أمر بالضرب عليه فلم يقرأه، فقد سئل مرة عن حديثين من رواية (عبد الله بن المبارك العيشي) فأمر بالضرب عليهما، قال البرذعي: فأمرنا أن نضرب عليهما وأنكرهما فجهدت به أن يقرأهما فأبى وقال: «هما شبيهان بالموضوع أو ما قال» [ص: 708]. ـ[س 10: هل ترون أن الموسوعات الإلكترونية المعاصرة ستؤثر على عملية التأليف ؟ بمعنى هل ستوقف اختصارات الكتب مثلا؟ أو ستوقف عملية الفهرسة اليدوية؟ ونحو هذا من الأمور التي لم يعد الناس بحاجة إليها الآن نظرًا لوجود الموسوعات الإلكترونية؟ وما مدى تأثير هذا العمل على النتاج الإنساني والعقلي؟ ]ـ هنالك الكثير من العمل الفكري الذي يحتاج أن ندخله إلى الحاسوب. كالقواعد الثلاثة التي هي أساس العمل لخدمة السنة النبوية وهي: 1 - قاعدة معلومات للأحاديث سنداً ومتناً. 2 - قاعدة معلومات لتراجم الرواة. 3 - قاعدة معلومات لمصطلح الحديث. وتفصيل المراد بالقواعد الثلاثة هو التالي: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 19 1 - أما قاعدة معلومات للأحاديث سنداً ومتناً، جمع طرق كل حديث من جميع المصنفات المدخلة إلى الحاسب لدراستها والاستفادة منها، ومعرفة المفاريد، والمتواتر، والمشهور، والعزيز، وللتوصل إلى (شجرة الأسانيد) لكل حديث، لأن الطريقة الصحيحة للحكم على هذا الحديث هو جمع كافة المتابعات والشواهد، وكما قال علي بن المديني (ت 234هـ): «الباب إذا لم تُجمع طرقه لم يتبين خطؤه»، ومن جملة تلك الغايات التي نروم الوصول إليها من ذلك تحقيق السند، ويشمل استدراك السقط، وتحرير التحريف، وتصحيح التصحيف، ومواضع البياض في بعض الأصول، وكذلك معرفة اتصال السند، وانقطاعه ومعرفة نوع الانقطاع، من تدليس، أو عضل، أو إرسال، والترجيح بين الوقف والرفع، والوصل والإرسال في حالة التعارض، إضافة إلى الوصول إلى الأحاديث بالوسائل المختلفة، جذر الكلمة (معجم مفهرس)، جملة منه، طرق الحديث، أحد رواته أو أحد الأعلام المذكورين فيه أو المكان، وهذه القاعدة تتألف من عدة دوائر، الأولى: (الكتب الستة الجزء: 14 ¦ الصفحة: 20 ويخدمنا فيها كتاب «تحفة الأشراف» للمزي 742هـ). والثانية: (حم، ط، ش، طح، خز، حب، كم، عوانه، قط، مي، جا) ويخدمنا فيها كتاب «إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة» لابن حجر (ت 852 هـ)، قال الحافظ بن حجر: «وهذه المصنفات قلَّ أن يَشُذَّ عنها شيء من الأحاديث الصحيحة، لا سيما في الأحكام إذا ضُمَّ إليها أطراف المزّي» ج 1/ 160 «إتحاف المهرة» (المزي 19626ـ ابن حجر 513/ 25). والدائرة الثالثة وهي: زوائد المسانيد العشرة (ابن أبي شيبة، الحميدي، عبد بن حميد، العدني، مسدد بن مسرهد، أحمد بن منيع، الحارث، أبو يعلى، إسحاق، الطيالسي)، ويخدمنا فيها («إتحاف الخيرة» للبوصيري 840هـ و «المطالب العالية»). والدائرة الرابعة («مصنف ابن أبي شيبة»، و «سنن سعيد بن منصور»، وعبد الرازق، والبزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة، و «معرفة السنن والآثار»). 2 - قاعدة معلومات لتراجم الرواة من «التقريب»، و «التعجيل»، و «تهذيب الكمال»، و «الإكمال»، و «الجرح والتعديل»، و «الثقات» لابن حبان، و «الطبقات» لابن سعد، والعجلي، والتواريخ المحلية كتاريخ بغداد، والمعاجم، والمشيخات، ويتم التدوين في كل ترجمة (النسب، الشيوخ، الرواة عنه، أقوال النُّقَّاد فيه، الرحلات، سنتي الولادة والوفاة، سنة الاختلاط بالنسبة للمختلطين والذين رووا عنهم قبل اختلاطهم، تدليسه وطبقته فيه) وغير ذلك. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 21 ومن خلال تراجم الجم الغفير لرواة الحديث نطمع بالوصول إلى غاية لها الأثر الكبير في هذه الموسوعة ألا وهي المساعدة في الحكم على الأحاديث من خلال الحكم على رجال الأسانيد وتمييز الأحاديث الصحيحة من الحسنة، وكذا الضعيفة، ولتذليل المعضلات التي تحول دون ذلك نضع قواعد النُّقَّاد في الجرح والتعديل بعد معالجة كل إمام وما له من مصطلحات والوصول إلى نتائج البحث الاستقرائي وببحوث خاصة للماجستير ودكتوراه، المختلف فيهم عدة ألوف (دار التأصيل) 1987، فمثلاً الرواة الثقات الذين ضعفوا في حالة من الحالات، فمثلا: (ي 4) إسماعيل بن عَيّاش العَنْسي الحمصي (صدوق في روايته عن أهل بلده، مُخَلِّط في غيرهم ط8 ت ا18هـ. قال أحمد بن حنبل: (ليس أحدٌ أروى لحديث الشاميين منه، وهو الوليد بن مسلم. قال أحمد يحفظ 30. 000. وقال ابن معين: إذا حدّث عن الشاميين فهو ثقة، وإذا حدّث عن الحجازيين والعراقيين خَلَّطَ ما شئت، فنزود الحاسب بشيوخه الشاميين، وكذلك الحجازيين والعراقيين. وكذلك نقوم ببحوث جانبية خاصة تعتمد على الاستقراء فيما يتعلق ببعض النُّقَّاد الذين لهم مصطلحات خاصة كا (قط) (يعتبر به) والألفاظ الخاصة بالمتابعات، والعقيلي: (لا يتابع عليه) ومدى متابعته للإمام البخاري في مصطلحه، وتحرير القول في الرواة المختلف فيهم وآخر الأقوال التي توصل إليها النُّقَّاد كالذهبي، وابن حجر، كابن لهيعة والحارث الأعور، وأبان بن أبي عياش وغيرهم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 22 3 - أما قاعدة معلومات الخاصة بمصطلح الحديث. فهي مهمة جداً من حيث خدمتها للقاعدتين السابقتين، وفيها نستوعب كافة كتب الحديث الخاصة بقوانين الرواية (مصطلح الحديث) ابتداء من المحدث «الفاصل للرامهرمزي» إلى حد الكتب المعاصرة التي توصل فيها أصحابها إلى نتائج مبينة على الاستقراء تتعلق بكافة الألفاظ الخاصة بالمصطلح وأنواع الحديث، وألفاظ الجرح والتعديل وتنظيم كل المواد المتفرقة ابتداء بتلك المروية عن الأئمة من السلف الصالح التي لم يدنوا أقوالهم بكتاب خاص بل رواها عنهم تلامذتهم. ملاحظة: وهذه القواعد لم تخدم إلا الأولى بإدخال المتون مع أسانيدها وهي غير محققة التحقيق العلمي على منهج المحدثين. وكل ما يستفيد من الموسوعات عمل الفهارس والبحث عن الأحاديث بطرق مختلفة، الصحابي، طرف الحديث، جذر الكلمة في الحديث، الكتب والأبواب. إضافة إلى معرفة الرواة وما لكل واحد منهم من حديث. وبالله التوفيق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 23 ـ[سؤال آخر شيخنا الجليل، وهو حول ابن سبأ ، وقد قرأت في ترجمتكم الذاتية أنكم كتبتكم فيه قبل ذلك لكن لم ييسر لي الله الاطلاع على كلامكم، ولي استشكال فيه شيخنا الكريم من ناحيتين: الأولى: قولكم: الرواة الذين تأثروا بابن سبأ، فهل هذا يعني أنه قد أثر في تدوين السنة بشكل ما؟ وما مدى ذلك؟ الثاني: لم نجد في المصادر التي تكلمت عنه ترجمة وافية، فهل وقفتم فيه على ترجمة وافية له؟ وما هو فكره بالتحديد؟ وما مدى علاقة ابن سبإ بالفرق المعاصرة؟ وما مدى تأثر الأجيال المسلمة بفكره؟ وما تأثير ذلك على حركة العلوم عبر الأجيال؟ وجزاكم الله خيرًا، واسمحوا لي أن أضع لكم بعض الأسئلة الأخرى إن شاء الله تعالى، وسامحوني لكثرة أسئلتي، ولكنكم تعلمون شيخنا: أن السؤال نصف العلم، وليس على مثلي لوم إذا سأل مثلكم، وجزاكم الله خير الجزاء. ]ـ 1) المقصود بالرواة الذين تأثروا بابن سبأ أي من اعتقد منهم ببدعة من بدعه وصرح بها أو اشتهر بها، ولم يؤثر أي واحد منهم ولا غيرهم بحمد الله تعالى في تدوين السنة أو الأحاديث التي وضعوها، فقد هيأ الله سبحانه وتعالى لها الأئمة الحفاظ كي يذبوا عنها، وصدق الخليفة هارون الرشيد رحمه الله حينما أخذ زنديقا وأمر بقتله فقال: " أين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله؟، قال: وأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلاّنها فيخرجانها حرفاً حرفاً". تاريخ دمشق 2/ 257 وتاريخ الإسلام صفحة 58 ت (8). 2) ترجم له الكثير من أصحاب المصنفات وكتبت فيه بعض الدراسات منها دراسة د. سليمان العودة (ماجسيتر). ولقد جمعت الكثير من النصوص المتعلقة بشخصيته وبدعه وضلاله في كتب الشيعة (خاصة كتب الرجال)، ولعل أقوى النصوص المتعلقة فيه هي التي رواها أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي - معاصر لابن قولويه ت 369هـ - في كتابه (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) وهو من الكتب الموثقة الصحيحة عندهم لماذا؟ لأن إمام الشيعة الثقة الثبت عندهم (الطوسي) الذي يلقبونه بشيخ الطائفة ت460هـ عمد إلى كتاب الكشي فهذبه وجرده من الزيادات والأغلاط وسمّاه (اختيار الرجال)، وأورد فيه روايات عن أئمة أهل البيت في تكذيبه ولعنه، ولا يجوز في معتقدهم تكذيب الإمام ولا يعقل صدور اللعنة من الإمام على مجهول، إذاً هو حقيقة ثابتة عندهم. وأما الكلام في فكره ومعتقد فيستغرق الكثير. . وخلاصة ذلك: 1) القول بالوصية 2) أول من أظهر البراءة من أعداء على رضي الله عنه بزعمه، وكاشف مخالفيه وحكم بكفرهم 3) أول من ادعى النبوة الجزء: 14 ¦ الصفحة: 24 4) أول من أحدث القول برجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا بعد قوته وبرجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم 5) ادعى أن عليا رضي الله عنه هو دابة الأرض وأنه هو الذي خلق الخلق وبسط الرزق 6) وقال أنهم لا يموتون وإنما يطيرون بعد مماتهم وسموا بـ (الطيارة)، ولقد استخدم أئمة الجرح والتعديل من الشيعة هذه التسمية وهي من ألفاظهم في تجريح بعض الرواة. يقول الطوسي - وهو شيخ الطائفة عندهم - في ترجمة نصر بن صباح: " يكني أبا القاع من أهل بلخ، لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء وروى عنهم ألا أنه قيل كان (الطيارة) غالٍ". رجال الطوسي صفحة515. لكن المامقاني - من العلماء المتأخرين ت1351هـ الذين صنفوا في مصرف الرجال عند الشيعة - قال عنه: "من تتبع الرجال يظهر عليه أن المشايخ قد أكثروا من النقل عنه على وجه الاعتماد وقد بلغ إلى حد لا مزيد عليه" 7) قال قوم من السبئية بانتقال روح القدس في الأئمة وقالوا (بتناسخ الأرواح)، ولعل كتاب الحسن بن موسى النوبختي (الرد على أصحاب التناسخ) في الرد عليهم. مقدمة فرق الشيعة للتوبختى ص17. 8) قالوا -أي السبئية-: هدينا لوحي ضلَّ عنه الناس وعلم خفي عنهم، وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي. ورد عليهم الإمام الحسن بن محمد بن الحنفية في رسالته التي سمّاها بـ (الأرجاء) والتي رواها عنه الرجال الثقات عند الشيعة وانظر شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد 2/ 309. 9) وذكر فيه أيضاً قولهم إن عليا في السحاب. 10) ولكن أخطر ما صرح به واعتقد به ادعاءه الربوبية في أمير المؤمنين فقد روى الكشي بسنده إلى أبي عبد الله أنه قال: "لعن الله عبد الله سبأ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله طائعا، الويل لمن كذب علينا وأن قوما يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم" رجال الكشي ص100ط الأعلمي. ولا يتأثر بفكره إلا من هو مثله أو أشرب النفاق قلبه، وفي هذه الحالة لا مانع لديه من الاعتقاد بما قال حتى لو لم يسمه. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 25 ـ[شيخنا الفاضل: نعلم مدى سعة اطلاعكم بكل ما يختص بالسنة النبوية وما يتعلق بها،،، وتواجهني مشكلة في الرواة الذين قيل عنهم: متشيعون أو فيهم تشيع .... . - كيف أثبت ذلك أو أنفيه. - هل أطلع على مصادر الشيعه التي اعتنت بالرجال أو لا، وما هي؟ - هل هناك كتب حررت الألفاظ التي تطلق على بعض من قيل فيه أنه متشيع، مثل أن يقال: فلان شيعي جلد، أو خشبي، وغيرها. ]ـ الرواة الشيعة لهم تراجم في كتب الرجال المشهورة كتهذيب الكمال والمستدركات عليه والمختصرات، وكذا في ميزان الاعتدال واللسان، وللتحقق من ذلك دراسة أسانيد تلك الروايات إلى قائليها، ولا حاجة للرجوع إلى كتب رجال الشيعة إلا في حالة التثبت من معتقدات بعض الرواة كجابر الجعفي مثلاً، وبرجوعنا إلى كتبهم نجد الروايات الصريحة في معتقده كالرجعة والوصية وانتقال الإمامة والباب وغير ذلك، فنثبت معتقده من كتبهم إضافة إلى ما أتهمه بها أئمة النقد عند أهل السنة والجماعة. أما كتب الرجال عندهم فهي كثيرة ومتنوعة ومختلفة المناهج، بخلاف كتب الرجال عندنا فمثلاً نجد الرواة المترجم لهم في تهذيب الكمال يذكرون في تهذيب التهذيب وتذهيب التهذيب والتقريب وإكمال تهذيب الكمال، وعلى نسق واحد ومنهج واضح من حيث الترتيب والمصادر المعتمد عليها، والوضوح مع القواعد الثابتة المتقنة. أما كتب الرجال عندهم والتي ذكرت جميعها في معجم (مصفى المقال في مصنفي علم الرجال) لأغا بزرك الطهراني (ت1389هـ) فهي تختلف تماماً في حيث مراتب التعديل والتجريح وكذا الألفاظ والمصطلحات وكذا بعض القواعد، فمن ألفاظ الجرح والتعديل عندهم: ثقة، حسن، ثقة وإلى ثقة، موثق، لا يبعد حسنه، شيخ لا بأس به، ضعيف في الغاية- قالها في سفيان الثوري -. صحابي مجهول زنديق - أسيد بن حصين في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كذا ذكره المامقاني، وكذا بقية الألفاظ منه، صحابي في غاية الضعف - المغيرة بن شعبة -، زندقته أشهر من كفر إبليس - معاوية بن أبي سفيان-، ضعيف دينه الدرهم - عبد الله بن العباس بن عبد المطلب-. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 26 عليه لعائن الله -أبو جعفر المنصور-، في اللعناء - عبد الله بن عمر وبن العاصي - الولد على سر أبيه - عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة، متوقف في حقه - صهيب بن سنان الرومي -، صحابي سيء العاقبة - خالد بن يزيد البجلي - وكذا حسان بن ثابت، من أضعف الضعفاء - طلحة عبيد الله رضي الله عنه وكذا الزبير بن العوام، هو العدوى الخبيث - عبد الله بن عمر بن الخطاب البدري -. ومن ألفاظهم الخاصة بالتوثيق، من الأركان الأربعة، رجال الطوسي (صفحة57، 46، 43، 36)، من (شُرطة الخمس) بحار الأنوار 42/ 151، البرقي ص3، تنقيح المقال 196. (عددهم ستة آلاف) واستفاد المولى الوحيد وغيره على عدالة الرجل كونه من شرطة الخمس - تنقيح المقال المقدمة صفحة 196 - (مشكور) التحرير الطاوؤسي ترجمة الأصبغ بن نباته. ومن أمثلة قواعدهم الخطيرة الأثر قولهم في دفاعهم عن جابر الجعفي ((وأما ما رواه النجاشي به من الاختلاط فلا أصل له أصلا، وإنما ذلك ناشئ من روايته لأمور في الأئمة لم صارت اليوم من ضروريات مذهب الشيعة وكانت تعد يومئذ غلّوا، فمن بنوا يومئذ على كونه مخلطا للروايات المشار إليها لا نبني على اختلاطه اليوم بعد كون مفاد تلك الروايات من ضروريات المذهب)) تنقيح المقال ترجمه جابر الجعفي. ومن أشهر الكتب عندهم: 1 - كتاب الرجال لأبي جعفر أحمد بن أبي عبد الله البرقي ت6، رتبه على نظام الطبقات الصحابة، ثم الرواة عن الأئمة علي، الحسن، والحسين ..... ، ولايتا عبارات الجرح والتعديل ولا يذكر الوفيات ولا يطيل في التراجم. 2 - رجال الكشي لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (من علماء ق4هـ) والذي وصلنا تهذيبه باسم (اختيار الرجال)، والذي هذبه ونقاه في الأغلاط الجزء: 14 ¦ الصفحة: 27 الموضوعات هو الشيخ الطوسي (430هـ) وأصل الكتاب (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) وقد فقد منذ فترة مبكرة - انظر مقدمة الكتاب للحسيني - ورتبه أيضا على الطبقات، وتختلف تراجمه ما بين الصفحات إلى السطر والسطرين، ويذكر عقائد بعض الرواة كقوله: (كان واقفيا)، تطلق على ثلاث فرق من فرقهم من وقف الإمامة على موسى الكاظم الممطورة، والموسوية، والرجعية (فرق الشيعة للنوبختي91ـ92، وكذا الواقفة على الحسين ت على ص67. 3 - كتاب الرجال لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ) وهو مؤلف على نظام الطبقات، أصحاب النبي، أصحاب علي، أصحاب الحسن، إلى أصحاب الحسن العسكري، من لم يرو عن واحد من الأئمة، وذكر في كتابه طائفة من ألفاظ الجرح والتعديل. ومن الكتب المعاصرة: 4 - (تنقيح المقال في علم الرجال) لعبد الله بن محمد بن الحسن المامقاني (ت1351طبعة النجف 1352هـ وهو كبير الحجم ذكر فيه (4305) صحابي مجهول؟ 5 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة لأبي القاسم الخوئي (1 - 1323طبعة قم، وهو نقول مجمعة من كتب رجالهم ويذكر فيه مرويات كل راو في كتبهم الأربعة المعتمدة: (الكافي)، (التهذيب) (الاستبصار) (فقيه من لا يحضره الفقيه). وربما تتوفر فرصة أخرى للاستفاضة في تقديم دراسة موسعة في كتب الرجال عندهم وقواعدهم في الجرح والتعديل مع ألفاظهم المختلفة في ذلك. ولا أعلم وجود كتاب مفصل يتناول هذه المصطلحات والألفاظ إلا ما ورد في بعض كتب علوم الحديث عندهم ككتاب (قواعد الحديث) لمحي الدين الموسوي الُغريفي طبعة 1968م وكتاب (التحرير الطاووسي) لحسن بن زين الدين الشهيد الثاني (ت1011هـ) وغيرهما. ولا يوجد عند أهل السنة ما يشرح تلك المصطلحات ومنها: الجزء: 14 ¦ الصفحة: 28 قول يحي بن معين في (بخ س ص) الحارث ين حصيرة الأسدي الكوفي ط 6 (ثقة خشبي ينسبون إلى خشبة زيد بن على لما صلب عليها)، وهذا المصطلح الخشبي يطلق على صنفين أو فريقين في الشيعة، قال الأمير ابن ماكولا (ت475هـ) الخشبي صنف من الرافضة يقال لهم الخشبية يقال للواحد منُهم خشبي، وكذا قال السمعاني (ت652هـ) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ) في منهاج السنة ((ولما طلب - زيد بن على بن الحسين رضي الله عنه وعن أبائه قتل بالكوفة سنة 122هـ - كانت العباد تأتي إلى خشبته بالليل فيتعبدون عندها، وقال في نفس الصفحة ج1/ 10 وهو يتكلم عن تسمية الشيعة بالرافضة: كما يسمون الخشبية لقولهم إنا لا نقاتل بالسيف إلا مع إمام معصوم فقاتلوا بالخشب - وذلك عام 66هـ - حينما أرسل المختار الثقفي جيشا لإخراج محمد بن الحنفية من حبس ابن الزبير بمكة - ولهذا جاء في بعض الروايات عن الشعبي ما رأيت أحمق من الخشبية. هذا باختصار من مادة حررتها في ألفاظ الجرح والتعديل النادرة أو قليلة الاستعمال تتعلق بهذا المصطلح أرجو من الله عز وجل التوفيق لإنجازها مع غيرها ونشرها. وكذا شيعي جلد أو من العتق، كال لك من جراب النُّورة، كان شيعيا متحرق قلت -الحافظ الذهبي - تحرقه على من حارب أو نازع الأمر عليا رضي الله عنه وهو معظم للشيخين. . . . الجزء: 14 ¦ الصفحة: 29 ـ[و هل يقدح ذلك التشيع (غالياً أو غير غالي) في الراوي والمروي؟ وما درجات التشيع؟ هلّا دعمت كل ما سبق بالأمثلة جزاك الله خيراً، وأدامك ناصراً للسنة!! ]ـ قد فصل فيه الأئمة والحفاظ منهم الحافظ الذهبي في ترجمة أبان بن تَغْلب وكرره الحافظ ابن حجر في مقدمة اللسان ج1/ 201 ط1423هـ وغيرهما، وخلاصة الأمر ما ذكره الحافظ في هدي الساري وتهذيب التهذيب 1/ 94: "التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأنّ عليا كان مصيبا في حروبه، وأن مخالفه مخطئ مع تقديم الشيخين وتفضيلهما، وربما اعتقد بعضهم أن عليا أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معتقد ذلك ورعا دينا صادقاً مجتهدا فلا ترد روايته بهذا، سيما إن كان غير داعية، فمن قدَّمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيَّعه ويطلق عليه: رافضي، وإلا فشيعي، فإن أنضاف إلى ذلك السبُّ أو التصريحُ بالبغض - وهو التشيُّعُ في عرف المتأخرين - فغال في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا فأشدُّ في الُغلُوّ، ولا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة". وقال الذهبي في ترجمة إبراهيم بن الحكم بن ظُهير: " اختلف الناس في رواية الرافضة على ثلاثة أقوال 1 - المنع مطلقاً 2 - الترخصُ مطلقا إلا في من يكذبُ ويضع 3 - التفصيل، فتقبلُ رواية الرافضي الصدوق العارف بما يُحدَّث، وَُتردُّ رواية الرافضي الداعي، ولو كان صدوقاً". ـ[فضيلة الشيخ ... مرحبا بكم، هناك عدة أسئلة: - عملكم في سنن أبي داود ، بالتعاون مع مركز خدمة السنة، أين وصل؟ - ما رأيكم في عمل محمد عوامة على سنن أبي داود؟ ]ـ بالنسبة لعملي في سنن أبي داود؟ فقد انتهيت من القسم المكلف به بعد انتقالي إلى مكة حماها الله. وأما تقييمي للطبعة التي سألتم عنها فأعتذر عنها في هذه المناسبة وكذلك التحقيقات الأخرى الخاصة بسنن أبي داود، فيحتاج إلى دراسة خاصة وقد ذكرت ملاحظة تتعلق بسنن ابن ماجه تنطبق تقريبا على تحقيقات سنن أبي داود وأن بعض المحققين اعتمد على نسخة فرع من أصل موجود وغير ذلك. وقد قدمت خطة مُفَصّلة لتحقيق هذا الديوان العظيم إلى مركز خدمة السنة والسيرة مراعيا فيها النسخ المختلفة الروايات المتعددة عن أبي داود - واعتقد أن التحقيق إذا ما طبق فيه بنود الخطة يبلغ الغاية والله أعلم. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 30 ـ[- ما رأيكم في مسوَّدات كتب العلماء هل تنشر أم لا أم هناك ضوابط يحتكم إليها، مع ذكر أمثلة. ]ـ مسودات كتب العلماء لا تنشر إذا وصل إلينا أصولها كبعض أجزاء كتاب إكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (ت762هـ) حيث وصل إلينا المسودة والمبيضة لبعض الأجزاء وغيرها، أما في حالة عدم وصولها فمن الممكن نشرها بعد تقديم دراسة وصفية للمخطوط (المسودة)، ومن الأمثلة على ذلك كتاب العُجاب في بيان الأسباب للحافظ ابن حجر وقد اعتني بتحقيقه وإخراجه الدكتور عبد الحكيم محمد الأُنيس ط دار ابن الجوزي 1418هـ وأحيل السائل إلى منهج المحقق في إخراجه لهذا الكتاب (المسودة) ولا توجد نسخة أخرى له فيما أعلم، وأما إذا وقفنا على كلام في بعض العلماء يصف تراجع صاحب المسودة عما ورد فيها أو نحو ذلك فلا يجوز نشرها لأننا قد نسيء إلى ذلك العالم، وبعض الأحيان يعمد أحد الباحثين إلى نشر (تعليقة) لعالم جليل لكتاب مشهور بين أيدينا، أو تلخيصا كتبه لنفسه للمراجعة، أو غير ذلك من المقاصد الأخرى التي أرادها والأمر يحتاج إلى تفصيل ولكل حالة حكمها، والله أعلم. ـ[ ألفاظ الجرح النادرة ]ـ ألفاظ الجرح النادرة ربما تتفق في المعنى المراد بها عند علماء النقد الذين صرحوا بها وقد تختلف من ناقد إلى آخر. ـ[ عن تحقيق سنن أبي داود، نسخه ورواياته ]ـ ورد عن بعض الحفاظ نسخة جمع فيها بين بعض الروايات ويثبتها في المتن، وورد عن بعضهم اعتماده على رواية كاللؤلؤي مثلاً ويضع الفوارق واختلافات أو بعض الزيادات في الهوامش والصواب - والله أعلم - هو اعتماد نسخة صحيحة متقنة من رواية اللؤلؤي وتثبيت الألفاظ والروايات الأخرى في الحاشية وقد فصلت في ذلك الأمر في الخطة التي قدمتها إلى مركز خدمة السنة والسيرة وهنالك من الروايات التي أشكلت على الحافظ الإمام المزّي (ت742هـ) رحمه الله حيث تردد فيها أهي من رواية أبي داود أم من زيادات ابن الإعرابي (ت340هـ) أحد رواة سنن أبي داود وكذا الحافظ ابن حجر (ت852هـ) وقد وضعت بحمد الله بعض الضوابط لتمييز روايات ابن الأعرابي (الزيادات) عن روايات أبي داود، هذا، وبالله التوفيق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 31 ـ[ أ. د. أكرم ضياء العمري ]ـ أ. د. أكرم ضياء العمري لا زال مقيما في الدوحة وهو أستاذي درس لي مادة التاريخ (السيرة وعصر الراشدين) وقد قدم أعمالاً علمية نافعة في خدمة السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام والسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي وأشرف على العشرات من الرسائل (الماجستير والدكتوراة) في السنة النبوية (المتون والرجال) والتاريخ وغير ذلك وأثره على طلابه معروف وملموس ويكفيه أن طبق منهج أهل الحديث في نقد الروايات التأريخية (والسيرة) في تلك الرسائل العلمية التي أشرف عليها، والتي سدت ثغرة كان يلج منها المُشكك والشعوبي والإمعة الذي يردد آراء المسترقين حفظه الله ومتعه بصحة وعافية ونفع به الإسلام والمسلمين رغم جهل بعض الناس به وزهدهم بعلمه. ـ[ التحقيق على نسخ خطية ]ـ يلزم المحقق تجميع النسخ الخطية للكتاب الذي يروم تحقيقه، ودراستها للخروج بالنسخة الأم التي يعتمدها في التحقيق، وهي التي كتبها المصنف أو النسخة المقروءة عليه أو المنقولة عن نسخته، وهذا يختار من النسخ التي تحتوى على أكبر عدد من الشروط التي تميّزها عن غيرها، ويشترط في هذه النسخ أن لا تكون منقولة عن بعضها لأنها تعتبر في هذه الحالة نسخة واحدة ويتوصل إلى كونها واحدة في الاتفاق أو التشابه فيما بينها بالتحريف والتصحيف والسقط، وقد يصرح الناسخ المتأخر بأنه نقل الكتاب عن فلان السابق له، وفي هذه الحالة لا حاجه للمقابلة لمعرفة التشابه، وبعد إجراء هذه التطبيقات والتدقيقات تتوفر عنده بعض النسخ المتقنة التي يستفيد منها في تثبيت الاختلافات إن وجدت ويضبط النص بالصورة التي حررها المصنف، وبالله التوفيق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 32 ـ[ جهود المستشرقين في خدمة السنة ]ـ في الحقيقة لا توجد جهود للمستشرقين في خدمة السنة بل العكس، هو الصحيح يسعون في دراساتهم إلى النيل والتشكيك في الكتاب والسنة ويركزوا دائماً على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على دراية بالتعاليم اليهودية وأن القرآن ليس وحيا إلهيا. وكرسوا جهودهم وأفنوا حياتهم في إلقاء الشبهات والشكوك والضلال والريب بكل ما يتعلق بالقرآن والسنة والعقائد والنظم الإسلامية والتاريخ الإسلامي إضافة إلى السيرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام، ومعظمهم من القسس واليهود وأعمالهم ومناهجهم تنتظم ما بين الكنيسة ودوائر المخابرات ووزارات الخارجية إلا أفراداً هوايتهم العلم والبحث وهم قلة قليلة، وما صنيع ا. ج. ونسنك (882 - 1939) (والمعجم المفهرس لألفاظ السنة) و (مفتاح كنز السنة) ألا توفيراً للوقت لمن يأتي بعدهم فيجدوا مادة ميسرة للوقوف عما يحتاجون في دراساتهم وكتاباتهم ضد الإسلام، وهذا العمل الذي قام به أستاذ العبرية في جامعة ليدن وانضم إليه لفيف من المستشرقين العالميين وباشروه عام (1923) فلما قضى نحبه كان قد صدرت منه إحدى عشرة ملزمة واستمر فيه مينسنج خليفته ثم وان لوون ودي هاس بمعاونة الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، وبروخمان ودي بروين فتم نشره في سبعة أجزاء (ليون 1963ـ 1969) وأشرف برنارد لويس - الذي يرى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم (نبي مزيف) - المستشرقون ط جامعة الأمام ص 99 - وشارب بيلا وجوزيف شاخت على الطبعة الجديدة من م ـ 10 (ليدن 1957)، ومن مؤلفات ونسنك (موقف الرسول من يهود المدينة) رسالته للدكتوراه (ليدن 1908) و (محمد واليهود) و (الإسرائيليات في الإسلام) و (الأثر اليهودي في أصل الشعائر الإسلامية) - وللمزيد أنظر - (المستشرقون ج 2/ 319ـ 320) فلا يتوقع من هؤلاء تقديم خدمة للإسلام - الكتاب والسنة -. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 33 ـ[ نسخ خطية للمنتقى لابن الجارود ]ـ توجد نسخة خطية للمنتقى لابن الجارود عبد الله بن علي النيسابوري (ـ 307هـ في المكتبة السعيدية / الهند برقم (32) / 362 وتقع بـ (263) ورقة بقياس 18×26 وهي نسخة معاصرة بتاريخ 1308هـ. ويوجد (المجتنى) بالنون وهو مستخرج على المنتقى للحافظ قاسم بن أصبغ (ت 340هـ) المجلد الأول منه ويقع في (307) ورقة مبتور البادية بخزانة الجامع الكبير بمكناس بالمغرب - مجل دار الحديث الحسنية - عدد (3) من سنة (1402هـ) ص 103. ـ[ تحقيق إتحاف المهرة لابن حجر ]ـ يعتبر تحقيق كتاب إتحاف المهرة للحافظ ابن حجر تحقيقاً جيداً وقد انتهى الأخوة من تحقيقه وسيصدر المجلد الأخير مع الفهارس قريباً إن شاء الله، وقد بذلوا فيه جهداً مشكوراً ويعتبر من الأعمال المفيدة جداً التي تعين الباحثين وطلاب العلم للوقوف على طرق الأحاديث التي تبلغ (513, 25) تقريباً كما وأن طبعته تعتبر طباعة ممتازة من حيث الإتقان والإخراج. ـ[ ألفاظ الجرح والتعديل النادرة ]ـ إن مشروع ألفاظ التجريح وكذا التعديل النادرة والقليلة الاستعمال لم ينته بعد وقد توفرت لدي طائفة كبيرة من الألفاظ أرجو الله عز وجل أن يعينني على إتمامها من حيث التوثيق وتاريخ الاستعمال ودرجاتها ضمن مراتب الجرح والتعديل. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 34 ـ[ تحرير التقريب ]ـ (تحرير التقريب) لا يسع المجال في هذه العجالة لتقييم كتاب (تحرير التقريب) واكتفي بذكر بعض الملاحظات ينبغي التوقف عندها. 1 - الحافظ ابن حجر رحمه الله هو خاتمة الحفاظ في وقته (ت852هـ)، وصنف طائفة من الكتب في علم الرجال، وقد تتكرر أسماء الكثير من الرواة فيها وقد تختلف أحكامه عليهم، فينبغي معرفة تواريخ مصنفاته فالتهذيب مثلاً (فرغ منه في يوم الأربعاء (9) جمادى الآخرة سنة 808هـ)، وتعريف أهل التقديس براتب الموصوفين بالتدليس يقول رحمه الله: (علقت هذه النبذة في شهور سنة815هـ وعلقها عني بعض الطلبة سنة 816 ثم زدت فيها بعد ذلك)، (الدينار في معرفة رجال الآثار بدأ به سنة 813هـ وانتهى منه سنة 833هـ)، (فتح الباري شرح صحيح البخاري) بدأ به أوائل سنة 718هـ وفرغ منه في رجب 842هـ لكنه ظل يتعاهده بالتنقيح إلى قبيل وفاته تكلم فيه على 600 راو تقريباً بالتوثيق والتجريح، وأما (تقريب التهذيب) فصنفه عام (827هـ) وظل يتعاهده إلى قبيل وفاته بأكثر من عام، فإذا ما عرفنا تواريخها (هذه وغيرها لا يسع المجال لذكرها) نعرف تغير اجتهاده فيهم. 2 - دراسة منهجه في تقريب التهذيب دراسة علمية ولقد أحسنت بعض الجامعات منها (الإمام محمد بن سعود، وأم القرى في مكة) حيث خصصت رسائل دكتوراه لدراسة من قال فيهم الحافظ رحمه الله (مقبول) وله رواية في الصحيحين والسنن الأربعة، وكذا في أم القرى الرواة الذين اختلفت أقوال الحافظ فيهم (4) رسائل وقد ناقشتُ بعضها في الجامعتين وفي خلال تلك الرسائل نعرف مدى التزام الحافظ بمنهجه الذي وصفه رحمه الله في التقريب، وكذا رسالة عبد العزيز التخيفي (دراسة المتكلم فيهم من رجال التقريب). الجزء: 14 ¦ الصفحة: 35 3 - (تقريب التهذيب) اجتهد فيه الحافظ وضمنه محصلة أقوال أئمة الجرح والتعديل في كل راو، وقد وفقه الله أيما توفيق للخروج بتلك الأحكام الصائبة، والتي سار فيها حسب منهج دقيق، ويلتزم بأحكام أئمة نقاد اختاروا ألفاظا دقيقة في طائفة من الرواة، ولو تتبع أحوالهم أي منصف يجد أحكامهم هي الصواب وقد تقع منه مخالفات للأصل والمنهج الذي اتبعه ولكن نسبتها تكاد تكون قليلة للأصل الصحيح الراجح رحمه الله. وقد تلقاه الحفاظ من بعده بالقبول وانتفعوا به كابن فهد (ت871هـ). وابن المبرد (ت 909هـ) ووضع بعضهم الحواشي المفيدة لعبد الله سالم البصري (ت 1134هـ، ومحمد أمين الميرغني ت (116هـ) في (التقريب). ورغم تشكيك البعض ممن ينتسب إلى العلم وأهله أو التقليل من شأنه يبقى (تقريب التهذيب) هو ملاذ طلاب العلم في الحكم على الرجال وهو كما لخص الحافظ السخاوي (ت902هـ) فيه العبارة: (هو عجيب الوضع) ولعل الله عز وجل ييسر دراسة معززة بالإحصائيات لإثبات صحة وسلامة منهج الحافظ ابن حجر في التقريب، وبالله التوفيق. ـ[ العناية بإسناد الحديث وفقه المتن ]ـ باختصار في كل عصر على طلاب علم الحديث وأهل أن يعتنوا بشقي الحديث فقه الحديث ورجاله، كما قال على بن المديني (الفقه في معاني الحديث نصف العلم ومعرفة الرجال نصف العلم)، الفقه في معاني الحديث حتى يعرض الناس بأسلوب علمي معزز بقواعد أئمة العلم ومعرفة الأسباب والعلل ...... ومعرفة الرجال كالعناية بالرواة المختلف فيهم ودراستهم مع التوثق والتثبت لأقوال الأئمة النقاد فيهم مع ملاحظة مروياتهم وبالله التوفيق. الجزء: 14 ¦ الصفحة: 36 ـ[ مواضيع مقترحة لرسائل الماجستير ]ـ إذا ما بقيت مناهج الدراسات العليا تشترط كتابة رسائل علمية في مرحلة (الماجستير)، فأرى عناية كل طالب براو أو أكثر ممن تختلف أقوال النقاد فيهم بحيث تجمع أقوالهم في الجرح والتعديل والمتعارضة من قبل بعضهم في نفس الراوي، وتوثق وتدرس أسباب التجريح، والعناية بمروياتهم وتخريجها ومعرفة تطبيق قواعد النقاد فيهم، فيكتسب طالب الدراسات العليا بعض الدراية والخبرة في التعامل مع قواعد النقاد وأقوالهم وحسن تطبيقها حتى يتهيأ لرسالة الدكتوراه التي تعالج مشكلة من المشاكل أو موضوعاً من موضوعات علم الحديث (المصطلح) أو (الجرح والتعديل) أو غير ذلك. ـ[ نسخ متقنة للكتب الستة ]ـ يوجد العديد من النسخ المتقنة والصحيحة السماع لكتب الستة، وهذا أمر يحتاج إلى تفصيل موسع، وإذا ما أرادت مؤسسة علمية الأقدام على مثل هذا المشروع (تحقيق الكتب الستة) مثلاً، أو انتقاء بعضها لتصويرها والاستفادة منها فانا مستعد لتقديم العون أن شاء الله. أما المطبوعات فقد سبق وأن ذكرت بعض النماذج. ـ[ تواريخ خراسان ]ـ مع الأسف أن معظم التواريخ المحلية الخاصة بمدن تابعة لإقليم خراسان قد فقدت، ومنها وحسب اعتبار ما وراء النهر: 1 - تاريخ بخارى لأبي بكر محمد بن جعفر النرشخي (ت 348هـ) ط دار المعارف مصر1965. 2 - تاريخ بيهق لعلى بن زيد البيهقي (ابن فندق) ت560هـ. ط بعناية بهمينار طهران (1939هـ). 3 - القند في ذكر علماء سمرقند لعمر بن محمد النسفي (ت 537هـ) تحقيق نظر الفاريابي 1412هـ). 4 - السياق لعبد الغافر بن إسماعيل الفارس (ت529هـ). 5 - وانتخب منه (المنتخب) لإبراهيم الصريفيني (ت641هـ). 6 - سفرنامة لناصرخسرو المروزي (ت438هـ). الجزء: 14 ¦ الصفحة: 37 الشيخ الدكتور محمد بن حسين الجيزاني [مقدمة الدكتور الجيزاني] الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين. أما بعد فيطيب لي أن أتوجه للإخوة الفضلاء القائمين على هذا الملتقى المبارك بالشكر الجزيل، والله أسأل أن يمدهم بعونه وتوفيقه، وأن يجعل جهودهم صدقة جارية لهم وعلما ينتفع به، كما أشكر الإخوة المشاركين على حسن مشاركتهم، وفقني الله وإياهم للعلم النافع والعمل الصالح. وقبل الإجابة على أسئلة السائلين واستفساراتهم أود التنبيه على أمرين: أولا: لقد فوجئت بهذا الحضور العلمي المتميز في ملتقى أهل الحديث، ولم يخطر ببالي من قبل أنه يوجد على الشبكة العالمية نحو من ذلك، بل كنت أظن أن هذه الشبكة قاصرة على مطالعة الأخبار ونشر بعض الأبحاث والمقالات ونحو ذلك. وقد كانت الأسئلة مفاجأة ثانية لي، من حيث الكم؛ فهي كثيرة، ومن حيث الكيف؛ فإن بعضها يتصف بالدقة العلمية وبعضها يتعلق بقضايا كلية ومسائل منهجية. ثانيا: أوصي نفسي وإخواني من طلبة العلم، خاصة هؤلاء الذين يرتادون المواقع العلمية على الشبكة العالمية، ومثلهم أولئك الذين يتعاملون مع الحاسب الآلي في تصفح الكتب والمراجع العلمية ويعتمدون في أبحاثهم على الكتاب الإلكتروني: أوصي الجميع بلزوم الكتاب الورقي والرجوع إليه والتعامل معه مباشرة ما أمكن، وعدم الاستغناء أو التخلي عنه، وليكن جهاز الحاسب الآلي بكل إمكاناته وسيلة وسببا إلى الرجوع إلى الكتاب الورقي، وألا يجعل أصلا. ومما لاحظته في ذلك: وقوع أخطاء علمية وفنية في تلكم الكتب الإلكترونية، مع ما في الركون إليها من الميل إلى الدعة والراحة، مع الحيدة عن الجادة في اختيار المصدر والطبعة، والرضا بالدون، والقناعة باليسير وإن هزل. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 1 وربما حصل من وراء ذلك الإسراف في النقل والاقتباس، والاستكثار من المراجع، والتخلي عن الاستنباط وسد باب التفكير والإبداع، والوقوع في التكرار. وطالب العلم الفطن هو الذي يستثمر هذه التقنية في تعزيز قدراته العلمية والبحثية، ويجعلها خادمة لمبتغاه، وألا يسترسل معها، أو يغتر بما فيها من تسهيلات وإمكانات؛ فإنها ـ عند التحقيق ـ سارقة للأوقات، مخدرة للعقول، مثبطة للهمم، آسرة للعلوم والفهوم. أسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين، والحمد لله أولا وآخرا. يتعلق بكتاب الشيخ (فقه النوازل) ـ[فضيلة الشيخ ما رأيك في اختصار الكتاب وذلك بصياغة جميع النوازل التي صدر فيها فتاوى وقرارات على شكل متن فقهي مرتب على الأبواب فيقال مثلاً: (باب الأوراق النقدية وهي نقد مستقل يختلف جنسه باختلاف جهة إصداره فيحرم فيه الربا بنوعيه، وتجب فيه الزكاة) أ. هـ. فما رأيكم في هذه الطريقة من حيث: 1 - الفائدة. 2 - الإمكان 3 - الخطوات التي يمكن اتباعها لتطبيق الطريقة. 4 - هل يمكن أن يكون ذلك وفق مذهب معين (حنبلي، شافعي .. إلخ) أم يكون وفق قرارت المجامع والهيئات من غير ربطها بأي مذهب. جزاكم الله خير الجزاء. ]ـ صياغة متن فقهي خاص ينتظم النوازل المعاصرة ما أمكن فكرة رائدة، وهي نافعة لمن أراد التعرف على حكم نازلة معينة؛ حيث إن هذا المتن يعد مرجعا يجمع له النوازل في محل واحد. لكن هذا الأمر يصعب القيام به؛ لأن هذه النوازل إنما تمثل جزءا يسيرا من الأبواب الفقهية، فيصبح هذا المتن ناقصا، ويتخلله ثغرات كبيرة، ويحصل من ذلك انقطاع يشكل، ومن جهة أخرى فإن هذه النوازل تتعدد فيها الآراء ـ وإن كانت هذه الآراء للمجامع الفقهية ـ فهي بحاجة إلى دراسة وترجيح يقوم به صاحب المتن، وهذا الأمر دونه خرط القتاد. لكن المفيد في قضية النوازل هو التوجه لها والعناية بها، وإنما يكون ذلك عن طريق التخصص في بعض الأبواب والمسائل من قبل أهل العلم وطلابه في أبحاثهم ودروسهم، وعدم ترك هذه النوازل خلوا لمن هب ودب، وهذه مسؤولية عظمى وأمانة كبرى، ويترتب على التخلي عنها مفاسد واسعة، والله المستعان. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 2 ـ[شيخنا الفاضل أحسن الله إليكم لدي بعضُ أسئلة - عن الحد المجزئ للمتفقه خصوصاً (في كتب أهل الأصول) من علم المنطق؟ ]ـ يمكن أن يكتفى من ذلك برؤوس المسائل، ومن ذلك: مدارك اليقين، الحدود والتصورات، تركيب الأقيسة، النسب الأربع. ومن الكتب المهمة في ذلك: شرح السلم، وآداب البحث والمناظرة للشنقيطي، وتسهيل المنطق للشيخ عبد الكريم مراد، وضوابط المعرفة للميداني. ـ[- علم المقاصد ، هل هناك تعريفٌ دقيقٌ يجمعه؟ - أهمية علم المقاصد لدى طالب العلم المتفقه، وهل من منهجية معينة يسير عليها في ضبطه لعلم المقاصد؟ ]ـ لقد أحسنت في طرحك لهذا السؤال والسؤال الأول فإن الحديث ـ يا أخي الكريم ـ عن مقاصد الشريعة حديث ذو شجون فأقول والله وحده المعين: يرد على علم مقاصد الشريعة إشكال علمي عريض، وهو أن جميع من كتب فيه من المعاصرين، ابتداء من الطاهر ابن عاشور فمن بعده إنما قصروا تصور هذا العلم على ما كتبه الشاطبي في القسم الخاص بالمقاصد من كتابه الموافقات، وأحسنهم حالا من رجع إلى سائر كتاب الموافقات فاقتبس منه واستوعب ما فيه، وربما زاد بعضهم على ذلك كتاب الاعتصام للشاطبي. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 3 لكن الجميع إنما أخذ تصوره عن هذا العلم من خلال شخصية واحدة، ولذلك تجدهم يتفقون على ذكر التقسيمات التي تعرض الشاطبي لبيانها، ويرددون المسائل والقضايا ذاتها، بل تتكرر لديهم الأمثلة والأدلة والشواهد، اللهم إلا أن البعض ربما يتوسع في الإتيان بأمثلة جديدة لا توجد عند الشاطبي، والبعض الآخر ربما يعيد شيئا من أفكار الشاطبي وفوائده إلا أنه يضعها في قالب جديد ويعرضها بصيغة مختلفة، ويسهب في بعض الجوانب ويفصل فيها. هذا هو حال من كتب في مقاصد الشريعة من المعاصرين، لا يستثنى منهم في الغالب أحد. فالشاطبي هو غايتهم وإليه مآلهم، ومنه ابتداء الفكرة وانتهاؤها، وهو عمدتهم في التأصيل والتدليل والتعليل والتمثيل. وقد استبشرت ببعض الأبحاث التي درست مقاصد الشريعة عند العز أو عند ابن تيمية ونحوها، وانتظرت منها الإتيان بما هو جديد ومفيد، إلا أن المشكلة هي هي؛ حيث كانت هذه الأبحاث إنما تنطلق من الشاطبي وإليه تعود؛ إذ جعلت من كلام الشاطبي متنا محكما، وكانت مهمة الباحث وغايته إنما هي استجلاب الأمثلة والشواهد من كلام أولئك الأئمة لما قرره الشاطبي والمحاكمة إليه، فكان الشاطبي عندهم هو المعيار. أليس هذا الصنيع وهو تصور علم المقاصد بإجماله وتفصيله من خلال كلام إمام واحد من علماء الشريعة وقصر تصور هذا العلم عليه يعتبر قصورا وتقصيرا، وفيه هضم كبير لأئمة الدين وعلماء الشرع! وليس المشكل في الأمر الرجوع إلى الشاطبي والإفادة منه والأخذ عنه، فهذا أمر حسن بل مطلوب، ولا إشكال فيه، ولكن الأمر المشكل أن يبقى الباحث أسيرا لفكر الشاطبي ونظره، يدور في فلكه، ولا ينهل إلا من معينه. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 4 هل عزب عن علماء الشريعة ـ غير الشاطبي ـ بيان مقاصد الشريعة وضبطها وتقرير الكلام فيها؟ ألا توجد جهود لأئمة الإسلام ومؤلفات ـ قبل الشاطبي وبعده ـ في تأصيل المقاصد وبثها في العالمين! وبعبارة أخرى: لو افترضنا أن الشاطبي لم يخلق ولم يوجد، ولا يعرف كتاب اسمه الموافقات ألا يمكننا تصور علم مقاصد الشريعة؟ أقول: لا شك أن للشاطبي في مقاصد الشريعة سبقا وفضلا، لا ينكر هذا إلا مكابر أو معاند، ولكن المنهج العلمي والأمانة التاريخية تقتضي أن يجعل الشاطبي حلقة ذهبية في سلسلة مقاصد الشريعة، وأن ينظر إلى علم المقاصد نظرة متكاملة شاملة؛ بحيث تنتظم فيها جهود السابقين واللاحقين. ومن هذا المنبر فإني أدعو إلى دراسة جادة في تأصيل علم المقاصد، والانطلاق بهذا العلم نحو أفق أرحب، وبنظرة أوسع، بطريقة موضوعية أصيلة، وبمنهج بحثي متين. ـ[ من له الأحقية أن يحكم على مسألة أصولية بأنه لا ثمرة من الخلاف المترتب حولها ، وهل هناك ضوابط علمية دقيقة لتجريد علم أصول الفقه من المسائل العارية وتقعيد المسائل المتأصلة؟ ]ـ كون المسألة الأصولية لا ثمرة لها أو أن لها ثمرة قد يكون أمرا واضحا، وقد يكون محل خلاف، ولا بد عند التنازع من التبين والتثبت من صورة المسألة وصيغتها، وهو ما يعرف بتحرير محل النزاع. وهنا يظهر ترابط بين ثلاث قضايا: أولها: ثمرة الخلاف أو تخريج الفروع على الأصول، وثانيها: الخلاف اللفظي، وثالثها: تحرير محل النزاع أو تصوير المسألة وصياغتها والأمثلة عليها. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 5 أما تجريد أصول الفقه من المسائل العارية عن الفائدة والثمرة فهذا أمر حسن إذا كان خلوها عن الثمرة أمرا جليا متفقا عليه. وأما تجريد أصول الفقه من المسائل العارية عن موضوعه فهذا أمر حسن ما لم يكن في بحث هذه المسألة وإدراجها في علم أصول الفقه تحقيق مقصد صحيح، فالإدراج ـ عندئذ ـ أحسن وأولى. ومن الأبحاث المعاصرة في ذلك: الخلاف اللفظي للدكتور عبد الكريم النملة، والسبيل في تصفية علم الأصول من الدخيل للدكتور أسامة عبد العظيم. وفي المقابل: هنالك كتب تخريج الفروع على الأصول، وهي نافعة لمعرفة الثمرة، إلا أن الإشكال فيها يأتي من جهة التكلف بتخريج فروع افتراضية. ـ[ علم الفروق الفقهية بالنسبة للمذهب الحنبلي ، نجد أن المصنفات الفقهية فيه قليلة مقارنة بالمذاهب الأخرى، فهل هذا عائدٌ لأصول الحنابلة الفقهية التي بنوا عليها مذهبهم؟ ]ـ الفروق الفقهية في الغالب تكون مبثوثة في كتب الفقه وقواعده دون أن تفرد في علم مستقل. والله أعلم. ـ[ تدريب طلبة العلم على تخريج الفروع على الأصول ، وكشف علل الأحكام الفقهية، وضم الأشباه إلى بعضها .. برأيكم ما هي أفضل الكتب التي عنت بهذا الأمر .. خصوصاً للمتخرج على مذهب الحنابلة - رحمهم الله - ورحم الله جميع المذاهب الأخرى .. وفقكم الله وبارك فيكم]ـ كتاب إعلام الموقعين لابن القيم يعد أنموذجا صالحا في التدريب على تخريج الفروع على الأصول، وفي معرفة علل الأحكام وحِكَم التشريع. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 6 ـ[ كتاب القواعد الفقهية الكبرى للطوفي الحنبلي - رحمه الله - هل وقفتم على مخطوطٍ له، أفيدونا أفادكم الله؟ ]ـ للطوفي كتاب القواعد الكبرى وكتاب القواعد الصغرى، كما ذكر ذلك ابن بدران في المدخل، وجمع من المعاصرين الذين حققوا بعض كتب الطوفي، لكن لم يذكر أحد منهم شيئا عن وجود مخطوط لهذين الكتابين، والله أعلم. ـ[ملكة تخريج الفروع على الأصول، كيف تُنمّى في طالب العلم المتفقه، وخصوصاً في الحلق التعليمية المنتشرة في بلادنا، حيث ربما يكون هناك نوع من الإغفال لها؟ ]ـ مما يعين على تنمية ملكة تخريج الفروع على الأصول: دراسة القواعد الأصولية بطريقة فقهية تطبيقية، وذلك بالتركيز على الآثار الفقهية، وأيضا بدراسة الفقه بطريقة أصولية تقعيدية، وذلك بالتركيز على تأثير القواعد الأصولية في الأقوال والاستدلال والترجيح. فالقضية تفتقر إلى عناية بكلا الجانبين: الجانب الأصولي بدراسته دراسة تطبيقية، والجانب الفقهي بدراسته دراسة أصولية. ومن الكتب النافعة في الجانب الأول: مفتاح الوصول للتلمساني، وفي الجانب الثاني: بداية المجتهد لابن رشد. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 7 ـ[استشارة - أحسن الله إليك -، ما رأيكم في موضوع: " الاستثناء من القواعد الفقهية " مثل: مسألة اسُتثنيت من أفرادها لعلة مخصوصة .. هل بُحث هذا الموضوع من قبل بحثاً محكماً أو رسالة علمية من ناحية الجانب النظري لا التطبيقي مثل: أنواع المستثنيات باعتبارات متعددة، القياس على المستثنيات من القواعد الفقهية. أفيدونا أفادكم الله. وشكر الله لكم كريم تفضلكم بالمشاركة في ملتقى أهل الحديث. ]ـ لفضيلة الدكتور عبد الرحمن الشعلان دراستان قيمتان: كتاب بعنوان: الاستثناء من القواعد الفقهية: أسبابه وآثاره، وهو من مطبوعات جامعة الإمام بالرياض وبحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد: (69) بعنوان: الاستثناء من القواعد الفقهية: حقيقته والمؤلفات فيه. وبالنسبة للمستثنى من قاعدة القياس عند الأصوليين فلابن تيمية رسالة نفيسة في بيان أنه ليس في الشريعة ما يخالف قياسًا صحيحًا، انظر مجموع الفتاوى" (20/ 504 - 583) كما عقد ابن القيم في ذلك فصلاً في كتابه القيم "إعلام الموقعين: (2/ 3 - 70) فقال: "فصل في بيان أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس ...... " ولفضيلة الدكتور عمر بن عبد العزيز كتاب فريد بعنوان: (المستثنى من القياس). وفي الختام أشكر الأخ الفاضل على هذه الأسئلة العلمية، وفقنا الله لكل خير. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 8 ـ[من استقراء فضيلة الشيخ الدكتور بحكم تخصصه, هل قد نعتبر أن هناك -- تجوزاً- 73 فرقة في الفقه؟؟ ]ـ لا يصح على أي حال أن يحمل حديث الافتراق على الخلاف الفقهي والمذاهب الفقهية، وإنما المراد به قطعا الخلاف في أصول الدين؛ لأن هذا الافتراق هو المذموم الذي ورد ذمه في الحديث، أما الخلاف الفقهي فلا ذم فيه من هذا الوجه. وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في مسائل وفروع، ورد بعضهم على بعض، وهذا أمر مشهور، لكنهم لم يفترقوا في أصول الدين ولم يقع تنازع بينهم في مسائل الإيمان، والله أعلم. ـ[ أحكام أصول الدين, وأبكار الأفكار , هل العنوان يعبر بدقة عن المضمون وعن شخصية الآمدي؟؟ وهل هو أقرب للأشعرية أم لائمة مذاهب أهل السنة والجماعة أم لغيرهم؟؟ وكيف هي عقيدته في الإستواء واليد ومثل هذا؟؟ وفق الله الشيخ وسدد خطاه]ـ الجواب: أبكار الأفكار للآمدي من المصادر المعتمدة في تحقيق مذهب الأشاعرة، وله أيضا غاية المرام في علم الكلام، وكلاهما مطبوع، والآمدي من نظَّار هذا المذهب، والله أعلم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 9 ـ[حفظكم الله يذكر بعض أهل العلم أن الاستدلال بالعموم في العبادات لا يصح ما لم يستدل به الصحابة, وأن القول بالاستدلال به مدخل لأهل البدع في إثبات كثير من بدعهم, فما رأيكم؟ وما الضابط في الاستدلال بالعموم؟ ]ـ العبادة إما أن تكون عامة مطلقة؛ مثل الحث على مطلق صلاة الليل، وفضل الصوم مطلقا، وفضل الإكثار من الذكر بإطلاق. فهذا يكفي في ثبوته النص العام. وإما أن تكون العبادة خاصة مقيدة؛ مثل: فضل صلاة معينة في زمن معين أو في مكان معين، وفضل صوم يوم معين من الأسبوع، أو من الشهر، أو من السنة، وفضل ذكر معين في زمن معين أو بعدد معين. فهذا لا يكفي في ثبوته مجرد النص العام، بل لابد في ثبوته من دليل خاص معين، وذلك لأمرين: أولهما: أن العبادة الخاصة المقيدة غير داخلة تحت دلالة النص العام من جهة خصوصها وتعيينها؛ حيث إن هذا التخصيص والتعيين قدر زائد لم يرد به النص العام، وإلا لم يكن عاما، وإنما دلالة النص العام على العبادة الخاصة قاصرة على جهة العموم والإطلاق فحسب. وثانيهما: أن إثبات العبادة الخاصة المعينة بمجرد النص العام يلزم منه فتح باب الاختراع والإحداث في باب العبادات، مع أن الأصل في العبادات هو المنع والتوقيف، ولا يشرع منها إلا ما ورد به الدليل، وبيان ذلك: الجزء: 15 ¦ الصفحة: 10 أنه قد وردت النصوص العامة بالحث والترغيب في الاستكثار من نوافل الصلاة والصيام والذكر، وورد النص العام بالثناء على أهل هذه العبادات؛ فانظر وتأمل معظم البدع التي في باب العبادات فإنك تجدها ـ في الغالب ـ لا تخرج عن هذه الأنواع الثلاثة: الصلاة والصيام والذكر، فكل من اشتغل بشيء من الصلوات البدعية أو بصيام بدعي أو أتى بأذكار بدعية أمكنه الاحتجاج بالنص العام والتمسك به في خصوص بدعته، فينفتح باب الابتداع على مصراعيه. مثال ذلك: أن التقرب إلى الله بصيام أول أيام السنة الهجرية وآخرها لا يكفي في ثبوته شرعا ورود النص العام؛ كقوله تعالى: (والصائمين والصائمات) وقوله كما في الصحيحين: (من صام يوما فى سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا) بل لابد من دليل خاص معين. وحاصل القول: أن النص العام له دلالة على أفراده، لكنها دلالة إجمالية، واقعة على كل فرد من جهة العموم والإطلاق، وهذه دلالة ثابتة، ثم إن هذه الدلالة لا تقتضي ولا يلزم منها ثبوت دلالة أخرى للنص العام، وهي دلالته على أفراده المندرجين تحته على سبيل الخصوص والتعيين؛ حيث إن دلالة اللفظ العام قاصرة عن ذلك. ومن هنا تظهر لنا أهمية هذه القاعدة وخطورتها في التمييز بين ما هو من البدع في باب العبادات، ومن أجل ذلك فإن تقرير هذه القاعدة وتفصيلها يحصل به كشف وضبط لمسألة الابتداع وحماية وحفظ لأحكام الدين، وتضييق على أهل البدع، ولأجل ذلك أيضا فقد أهدر هذه القاعدة وانصرف عنها وأغفل بيانها من رغب عن اتباع السنة وكان جل همه ومبتغاه تأصيل البدع المحدثة. ولعل من المناسب في هذا المقام بيان هذه القاعدة بشيء من التفصيل، فأقول: الجزء: 15 ¦ الصفحة: 11 كل عبادة مطلقة ثبتت في الشرع بدليل عام؛ فإن تقييد إطلاق هذه العبادة بزمان أو مكان معين أو نحوهما بحيث يوهم هذا التقييد أنه مقصود شرعًا من غير أن يدلّ الدليل العام على هذا التقييد فهو بدعة. وبيان ذلك: أن الأمر المطلق لا يمكن امتثاله إلا بتحصيل المعين، كالأمر بعتق الرقبة في قوله تعالى ? فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ? فإن الامتثال للأمر بالإعتاق - وهو مطلق - لا يمكن إلا بإعتاق رقبة معينة هي زيد أو عمرو. قال ابن تيمية: ( ... فالحقيقة المطلقة هي الواجبة، وأما خصوص العين فليس واجبًا ولا مأمورًا به، وإنما هو أحد الأعيان التي يحصل بها المطلق؛ بمنزلة الطريق إلى مكة، ولا قصد للآمر في خصوص التعيين). إذا عُلمت هذه القاعدة، وهي أن الأمر المطلق لا يتحقق إلا بتحصيل المعين فإن هنالك قاعدة أخرى مبنية عليها، وهي أن إطلاق الأمر لا يدل على تخصيص ذلك المعين بكونه مشروعًا أو مأمورًا به، بل يُرجع في ذلك إلى الأدلة؛ فإن كان في الأدلة ما يكره تخصيص ذلك المعين كُره، وإن كان فيها ما يقتضي استحبابه استحب، وإلا بقي غير مستحب ولا مكروه. مثال ذلك: أن الله شرع دعاءه وذكره شرعًا مطلقًا عامًا وأمر به أمرًا مطلقًا، فقال: (اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)، وقال: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) فالاجتماع للدعاء والذكر في مكان معين، أو زمان معين، أو الاجتماع لذلك: تقييد للذكر والدعاء، وهذا التقييد لا تدل عليه الدلالة العامة المطلقة بخصوصه وتقييده، لكنها تتناوله لما في هذا التقييد من القدر المشترك. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 12 فإن دلت الأدلة الشرعية على استحباب ذلك؛ كالذكر والدعاء يوم عرفة بعرفة، أو الذكر والدعاء المشروعين في الصلوات الخمس والأعياد والجمع وطرفي النهار وعند الطعام والمنام واللباس ودخول المسجد والخروج منه ونحو ذلك: صار ذلك الوصف الخاص مستحبًا مشروعًا استحبابًا زائدًا على الاستحباب العام المطلق. وفي مثل هذا يعطف الخاص على العام، فإنه مشروع بالعموم والخصوص، وإن لم يكن في الخصوص أمر ولا نهي بقي على وصف الإطلاق، وجاز الإتيان بأي فعل معين يتحقق به امتثال الأمر المطلق وقد عبَّر ابن تيمية عن القاعدة الأخيرة بقوله: (شرع الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - للعمل بوصف العموم والإطلاق لا يقتضي أن يكون مشروعًا بوصف الخصوص والتقييد). ثم بين رحمه الله أن هذه القاعدة إذا جُمعت نظائرها نفعت، وتميز بها ما هو من البدع من العبادات التي يشرع جنسها. مثال ذلك: أن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصه الشرع بوقت دون وقت، ولا حدَّ فيه زمانًا دون زمان، ما عدا ما نهى عن صيامه على الخصوص كالعيدين، وندب إليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء، فإذا خص المكلَّف يومًا بعينه من الأسبوع كيوم الأربعاء، أو أيامًا من الشهر بأعيانها كالسابع والثامن لا من جهة ما عينه الشارع فلا شك أن هذا التخصيص رأي محض بغير دليل، ضاهى به تخصيص الشارع أيامًا بأعيانها دون غيرها، فصار التخصيص من المكلف بدعة؛ إذ هي تشريع بغير مستند. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 13 (ومن ذلك: تخصيص الأيام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تشرع لها تخصيصًا، كتخصيص اليوم الفلاني بكذا وكذ من الركعات، أو بصدقة كذا وكذا، أو الليلة الفلانية بقيام كذا وكذا ركعة، أو بختم القرآن فيها أو ما أشبه ذلك). إذا عُلمت هاتان القاعدتان فالواجب - كما سبق - إتباع الشارع في إطلاقه وتعيينه. ذلك أن الشارع إذا أطلق الأمر بعبادة من العبادات فينبغي أن يفهم من هذا الإطلاق: التوسعة، ولهذا فإن من خصص عبادة مطلقة بوقت معين أو بمكان معين فقد قيَّد ما أطلقه الشارع، وهذا التقييد مخالفة واضحة لمعنى التوسعة المستفاد من أمر الشارع المطلق. قال أبو شامة: (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع، بل يكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان، ليس لبعضها على بعض فضل إلا ما فضَّله الشرع وخصَّه بنوع من العبادة، فإن كان ذلك؛ اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها، كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، والصلاة في جوف الليل، والعمرة في رمضان). وقد بيَّن ابن تيمية المفسدة المترتبة على مثل هذا التخصيص فقال: ( ... من أحدث عملاً في يوم؛ كإحداث صوم أول خميس من رجب ... ... فلا بد أن يتبع هذا العمل اعتقاد في القلب. وذلك لأنه لا بد أن يعتقد أن هذا اليوم أفضل من أمثاله، وأن الصوم فيه مستحب استحبابًا زائدًا على الخميس الذي قبله وبعده مثلاً ... ... إذ لولا قيام هذا الاعتقاد في قلبه، أو في قلب متبوعه لما انبعث القلب لتخصيص هذا اليوم والليلة؛ فإن الترجيح من غير مرجع ممتنع). الجزء: 15 ¦ الصفحة: 14 من هنا يُعلم أن هذا التخصيص يسوغ متى خلا من هذه المفسدة، وذلك بأن يستند التخصيص إلى سبب معقول يقصد مثله أهل العقل والفراغ والنشاط، كتخصيص يوم الخميس لصلاة الاستسقاء لكونه يومًا يفرغ الناس فيه من أعمالهم، فهو أيسر لاجتماع الناس، وكقصر المرء نفسه على ورد محدد من العبادة يلتزمه في أوقات مخصوصة، كل ليلة أو كل أسبوع، لكون ذلك أدعى لديمومة العمل وأقرب إلى الرفق، فمثل هذا التخصيص موافق لمقصد الشارع. أما إذا صار التخصيص ذريعة إلى أن يعتقد فيه ما ليس مشروعًا فيمنع منه لأمرين: أولاً: لأجل الذريعة، وثانيًا: لكونه مخالفًا لمعنى التوسعة. قال الشاطبي: (ثم إذا فهمنا التوسعة فلابد من اعتبار أمر آخر، وهو أن يكون العمل بحيث لا يوهم التخصيص زمانًا دون غيره، أو مكانًا دون غيره، أو كيفية دون غيرها، أو يوهم انتقال الحكم من الاستحباب - مثلاً - إلى السنة أو الفرض). وبهذا يتبين أن تخصيص العبادة المطلقة يسوغ بشرطين: الأول: ألا يكون في هذا التخصيص مخالفة لمقصود الشارع في التوسعة والإطلاق. والثاني: ألا يوهم هذا التخصيص أنه مقصود شرعًا. وفي هذا المقام تنبيهات: 1 - أن في تخصيص العبادة المطلقة مخالفة لإطلاق الدليل وعمومه. 2 - أن في هذا التخصيص فتحًا للذرائع حيث يوهم ما ليس مشروعًا. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 15 3 - أن في هذا التخصيص معارضة لسنة الترك، وذلك من جهة دلالة السنة التركية على المنع من هذا التخصيص، وقد تقرر أن سنة الترك دليل خاص مقدم على الأدلة العامة المطلقة. 4 - أن في هذا التخصيص مخالفة لعمل السلف الصالح حيث كانوا يتركون السنة لئلا يعتقد أنها فريضة؛ كتركهم للأضحية مع قدرتهم عليها. 5 - أن في هذه القاعدة ردًا على الذين يتمسكون في الأخذ ببعض البدع بعمومات الأدلة وإطلاقاتها. 6 - وبذلك يظهر أن هذه القاعدة خاصة بالبدع الإضافية، التي لها متعلق بالدليل العام من جهة، لكنها مخالفة لمعنى التوسعة - المستفاد من العموم - من جهة أخرى. 7 - وبذلك أيضًا يُعلم أن الابتداع الواقع من جهة هذه القاعدة دقيق المأخذ، يندر التفطن له. قال ابن تيمية: (واعلم أنه ليس كل أحد، بل ولا أكثر الناس يدرك فساد هذا النوع من البدع، لا سيما إذا كان من جنس العبادات المشروعة، بل أولو الألباب هم يدركون بعض ما فيه من الفساد). ! الجزء: 15 ¦ الصفحة: 16 ـ[المشهور عند الأصوليين أن الأمر المجرد من القرائن يكون للوجوب ومع هذا يكثر في كتب الفقه الاحتجاج على الاستحباب بنص فيه أمر مع عدم ذكر القرينة الصارفة عن الوجوب . ولهذا فقد شرعتُ في جمع هذه المسائل والبحث عن القرائن الصارفة لها في كتاب فهل أكمل عملي هذا أو أنه قد بُحِثَ من قبلُ؟! ]ـ هذا النوع من البحوث نافع من جهة كونه يجمع متفرقات متناثرة، وهذا الجمع معين على استنباط ضوابط كلية وقواعد جامعة، ومن وجهة نظري الخاصة فإن هذا الموضوع يُشجَع على الاستمرار فيه من يحسن الجمع ويميل إليه، وعلى كل فأرى أنه موضوع جدير بالبحث. وأرجو أيضا النظر في الجواب على آخر سؤال من هذه الأسئلة، مع الشكر. ـ[السلام عليكم أحسن الله إليكم. ما هي الكتب العمدة في كل مذهب بالنسبة لأصول الفقه والقواعد الفقهية؟ ومن أبرز المشايخ في هذا الفن الذين يتلقى عنهم هذا العلم في هذا العصر؟ ]ـ يمكن مراجعة ما نشر لي في منتدى أصول الفقه من ملتقى أهل الحديث بعنوان: سلسلة المصادر الأصولية. ـ[حفظ الله الشيخ وبارك فيه سؤالي هو ما الفرق بين العام والمطلق والخاص والمقيد مع ضرب المثال للتقريب جزاكم الله خير. ]ـ إذا كان اللفظ مطلقا، وكان في الوقت نفسه من صيغ العموم فإن وصف اللفظ بالعموم أو الإطلاق حينئذ يكون من الأمور النسبية، ومعنى ذلك: أنه يسمى عاما باعتبار، ويسمى مطلقا باعتبار آخر، مثال ذلك: قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم) فلفظ: (أولادكم) عام بالنظر إلى شموله جميع الأفراد الذين تحته، لكنه بالنظر إلى تناوله جنس الأولاد دون قيد زائد هو مطلق. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 17 ـ[السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بالنسبة لطالب العلم المبتدئ الذي يدرس كتب الحنابلة حصراً في الفقه , أيّ الكتب في أصول الفقه تنصحونهُ بقراءتها وجزاكم الله خيراً]ـ وردت إجابة مقاربة في موضع آخر، والمهم في هذا الشأن العناية بالمنهجية في طلب العلم والتعلم. ـ[ما أفضل شرح لمتن الورقات ؟ وهل هناك كتاب من الكتب المعاصرة في القواعد الفقهي ة تنصح طالب العلم بقراءته وما أفضل شرح لمنظومة ابن سعدي في القواعد الفقهية ]ـ أفضل شرح للورقات ـ من وجهة نظري ـ هو شرح الجلال المحلي، ولهذا الإمام شروح نافعة تمتاز بالإيجاز والفائدة على متون بارزة؛ كمنهاج النووي وجمع الجوامع، ومن أحسن كتب المعاصرين في القواعد الفقهية: كتاب الوجيز للدكتور محمد صدقي البورنو؛ حيث تميز بحسن الترتيب والعرض مع التوثيق وحسن الجمع. أما منظومة ابن سعدي فلا بد أن يعلم أنها ليست خاصة بالقواعد الفقهية، بل فيها شذرات متفرقة من القواعد الشرعية والفقهية والأصولية، وهي نافعة في المسائل الواردة فيها. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 18 ـ[ما هي الخطوة التالية لطالب العلم الذي درس ((الأصول من علم الأصول)) للشيخ ابن العثيمين رحمه الله؟ ]ـ وردت إجابة مقاربة في موضع آخر، والمهم في هذا الشأن العناية بالمنهجية في طلب العلم والتعلم. ـ[ما هي درجة حجية الإجماع السكوتي ؟ خاصة وأنه في باب العقيدة كثيرا ما يستخدم هذا النوع من الإجماع حيث يقال: ولم ينقل عن السلف خلاف هذا، بل يقرر شيخ الإسلام أن عامة الإجماع في العقيدة هو من هذا الباب؟ ]ـ قاعدة ترك السلف قاعدة متينة، خاصة في أمور الاعتقاد، وهي أصل في معرفة البدع وتمييزها، ولهذه القاعدة أهمية بالغة في إبطال البدع والرد على أهلها، حيث اعتمد أئمة السلف - كثيرًا - على هذه القاعدة في مناظراتهم للمبتدعة والرد عليهم. فمن ذلك: أن الإمام الشافعي قال لبشر المريسي: (أخبرني عما تدعو إليه؟ أكتاب ناطق وفرض مفترض وسنة قائمة ووجدت عن السلف البحث فيه والسؤال) فقال بشر: (لا إنه لا يسعنا خلافه) فقال الشافعي: (أقررت بنفسك على الخطأ. . . ). وقال الإمام أحمد لابن أبي دؤاد يسأله: (خبِّرني عن هذا الأمر الذي تدعو الناس إليه: أشيء دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لا ... ) قال: (ليس يخلو أن تقول: علموه أو جهلوه؛ فإن قلتَ علموه وسكتوا عنه وسعنا وإياك من السكوت ما وسع القوم، وإن قلتَ: جهلوه وعلمتَه أنت فيا لكع بن لكع يجهل النبي صلى الله عليه وسلموالخلفاء الراشدون رضي الله عنهم شيئًا وتعلمه أنت وأصحابك). وإليك فيما يأتي ما يقرر هذه القاعدة من كلام أهل العلم: الجزء: 15 ¦ الصفحة: 19 1 - قال سعيد بن جبير: (ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين). 2 - قال مالك بن أنس: (إياكم والبدع، فقيل: يا أبا عبد الله وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان). 3 - قال الشافعي: (كل من تكلم بكلام في الدين أو في شيء من هذه الأهواء ليس له فيه إمام متقدم من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد أحدث في الإسلام حدثًا). 4 - قال بعض السلف: (ما تكلم فيه السلف فالسكوت عنه جفاء، وما سكت عنه السلف فالكلام فيه بدعة). 5 - قال البربهاري: (واعلم أن الناس لو وقفوا عند محدثات الأمور، ولم يجاوزوها بشيء، ولم يولدوا كلامًا مما لم يجئ فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه لم تكن بدعة). ـ[جزى الله الشيخ عنا خير الجزاء وأسأل الله أن يجعل هذا اللقاء فى ميزان حسناته السؤال الأول يا شيخنا: عن قاعدة ابحث عن شرحها وأدلتها وتطبيقاتها منذ زمن ( إذا أختلفت الأيدى اختلف الحكم )]ـ الجواب: لعل المراد بذلك يتضح بما ذكره ابن رجب في القواعد بقوله: (القاعدة التسعون: الأيدي المستولية على مال الغير بغير إذنه ثلاثة: يد يمكن أن يثبت باستيلائها الملك فينتفي الضمان عما يستولي عليه سواء حصل الملك به أو لم يحصل، ويد لا يثبت لها الملك وينتفي عنها الضمان، ويد لا يثبت لها الملك ويثبت عليها الضمان). فلعلك تراجع هذه القاعدة، والله أعلم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 20 ـ[البعض يجعل الأوامر والنواهى المجردة فيما يتعلق بالآداب (كالأكل باليمين مثلا) من باب الندب لا الوجوب فهل هناك دليل على أن الأمر إذا كان فيما يتعلق بالآداب كان على الإستحباب وكذا النهى ينزل من التحريم للكراهة؟ ]ـ كون الأمر أو النهي واردا في باب الآداب يصلح قرينة تصرفه إلى الاستحباب أو الكراهة ما لم يظهر ويقوى جانب التعبد. ـ[ما هى أهمية كتاب (الفقيه والمتفقه) لطالب الفقه؟ نسأل الله أن يزيدكم علما وأن يثقل موازينكم. ]ـ يمكن أن يسمى كتاب "الفقيه والمتفقه" بأصول فقه المحدثين، خاصة وأن المؤلف أراد بتأليف هذا الكتاب التقريب بين المحدثين والفقهاء، والرفع من قيمة الفقه وشأن الفقهاء، وفي الوقت نفسه الإرشاد إلى أهمية معرفة الحديث وشرف أهله، لكن مما ينبغي ذكره أن المؤلف من أئمة علم الحديث، وهو حافظ بغداد، ولم يشتهر كأصولي فقيه، وإنما هو فقيه محدث. ويمكن بيان أهم مزايا الكتاب في الآتي: 1 - خصص المؤلف ما يقارب ثلث الكتاب للكلام على فضل الفقه والتفقه في الدين، وأخلاق الفقيه وآدابه. 2 - نقل المؤلف في كثير من المسائل الأصولية أقوال الإمام الشافعي واقتفى آراءه، واستفاد كثيرا من معاصره الشيرازي. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 21 3 - استشهد المؤلف بالكثير من الآيات والأحاديث والآثار المروية بالإسناد عن الصحابة والتابعين والأئمة في تثبيت القواعد الأصولية، والاحتجاج للأدلة الشرعية، وهذه المزية عزيزة الوجود في الكتب الأصولية. 4 - ساق المؤلف بأسانيده ما استشهد به من أحاديث وآثار -في الغالب- وهذا الصنيع يسهل مهمة التحري لمن أراد ذلك. 5 - حرر المؤلف كثيرًا من المسائل الأصولية وأدلى فيها برأيه، وكثيرًا ما يذكر الرأي المخالف وأدلته ويجيب عنها. 6 - اعتنى المؤلف بالتعريفات والتقاسيم في بداية كل باب. 7 - يلاحظ أن هذا الكتاب قد أُلف في زمن متقدم، وذلك قبل اكتمال ونضج هذا العلم؛ فإن علم الأصول إنما اتضحت مسائله وتحررت قواعده على يد الإمام الغزالي. ـ[ من درس الورقات ثم المدخل لابن بدران فهل المناسب له الآن الكوكب المنير أو شرح مختصر الروضة للطوفي أو أن هناك كتاب أنسب من هذين الكتابين مع العلم أنه سيقرأ هذا الكتاب على أستاذ جامعة متخصص في لأصول]ـ شرح الكوكب أو شرح الطوفي أو الروضة كلها كتب مناسبة، ويمكنك استشارة أستاذك في ذلك. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 22 إلا أن الأهم من ذلك هو اقتفاء المنهجية الصحيحة في التعلم، ويحسن في هذا المقام أن أشير إشارة سريعة إلى ضوابط دراسة الفقه، وهي التاءات الخمس للتفقه والتعلم، وهي: (التدرج والتركيز والتكامل والتوالي والتكرار) وبيان ذلك على النحو الآتي: 1. لابد من التتابع والتدرج؛ إذ العلم درجات ومراحل، ولكل مرحلة متن يناسبها، ولا يصلح لطالب العلم الشروع في مرحلة قبل الانتهاء من المرحلة التي قبلها، ومن الأمثلة على قضية التدرج تلك الكتب الأربعة التي صنفها ابن قدامة في الفقه، ويراعى في المتن الذي يقرأ: أن يكون متداولا، وسهلا ميسورا، وفيه عناية بالدليل، وأن يكون مؤلفه من المحققين. 2. التركيز دون استطراد مشغل عن الأصل، ولا زيادات تشوش على الذهن؛ لئلا ينتقل وهو لا يشعر إلى المرحلة التي تليها، فالعلم بحر واسع، والإحاطة به متعذرة، ولابد من الاقتصار على قدر مناسب من المعلومات، يتيسر ضبطها ثم الانتقال إلى ما بعدها. 3. التكامل، بحيث يضم إلى هذا العلم القدر الضروري من العلوم المساعدة، وهي تلك العلوم المحيطة بالعلم المقصود، الخادمة له، ذات الصلة به؛ فيدرس مثلا مع دراسة الفقه: أصول الفقه وقواعده، ويعنى مع ذلك بالحديث والأثر. 4. التوالي لا التواني، فلابد أن يؤخذ المتن في مدة مناسبة متقاربة، أما أن يكون ذلك خلال سنوات تنسي آخرها أولها فلا. 5. التكرار والمدارسة والبحث؛ فلا يقتصر على الدرس أو القراءة، بل لابد من المطارحة والبحث والحوار والمناظرة. وهذه الضوابط ليست خاصة بدراسة الفقه بل هي عامة لدراسة جميع العلوم؛ كالأصول والنحو، فهي قضية منهجية وقعت الغفلة عنها: إما من قبل المدرسين وإما من قبل الدارسين وإما من الجميع. ولابد لهذه الضوابط الخمسة أن يتقدمها وأن يقارنها وأن يلحقها ضابط أهم وأجل، ذلكم هو: تقوى الله والصدق والإخلاص. فهي إذن تاءات ست، لُبُّها تقوى الله. أسأل الله أن يصلح نياتنا وأعمالنا. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 23 ـ[بارك الله في القائمين على هذا الموضوع وأدام توفيقهم لكل الخير، وسعدنا بحضور ضيفنا الكريم والسلام على الجميع ورحمة الله وبركاته. ضيفنا الكريم، وأستاذنا الفاضل أدام الله توفيقكم لكل الخير وبارك خطواتكم. تعلمون قيمة العُرْف في بناء كثيرٍ من الأحكام، وقد تفرّعت عليه عدة قضايا أخذ بها فقهاء الإسلام، بل أخذ القانون الوضعي بكثير منها أيضًا. فنرجو منكم التفضل بإلقاء الضوء على مسألة العرف المعتبر من غير المعتبر ، وهل العرف المعتبر قبل فساد الأذواق هو ما كان عليه أئمة الإسلام؟ أم هو ما وافق أصول الشريعة في عصرنا قبل فساد الناس؟ في وقت دون وقت؟ وما هو ضابط فساد الأذواق؟ إلى آخر هذه المسألة. كما نود التكرم بالإفاضة القصوى في قاعدة ((العادة مُحَكَّمة)) وعلاقتها بكثير من أحكام العرف، ومن هو أجود من كتب فيها من المتقدمين؟ وهل لكم أية ملاحظات على ما ذكره السيوطي في الأشباه والنظائر عن هذه القاعدة؟ وما هو دليلها من الشريعة خلاف ما ذكروه من حديث ابن مسعود: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) فقد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم؟ ]ـ المراد بالعرف: العادات المعمول بها بين الناس في أمورهم الدنيوية مما لم يرد في الشرع تعرض له؛ كأجور العمال، وقيم الأشياء، والعبرة إنما هي بالعرف المقارن دون العرف السابق أو اللاحق، والمراد بذلك: العرف الذي يجري عليه العمل وقت العقد. أما فساد الأذواق فهذا لا يدخل تحت العرف المعتبر طالما كان مخالفا للشرع. أما دليله من الشريعة فهو أن الناس إنما تحمل عقودهم وتصرفاتهم وكلامهم على عاداتهم وأعرافهم السائدة في زمانهم وبلادهم، وهذا أمر قرره الشرع، وهو مقتضى العقل والنظر الصحيح والعدل، لأن الناس إن تُركوا وأهواءهم حصل لهم فساد واضطراب ووقع بينهم ظلم عظيم. ومسألة العرف أُلفت فيها دراسات معاصرة، منها ما كتبه السيد صالح عوض وأحمد فهمي أبو سنة رحمهما الله ود. أحمد سير مباركي. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 24 ـ[حول إطلاق السنة على الواجب لدى متقدمي الأئمة ، فهل وقفتم في هذا على ضابط زمني؟ ومن في نظركم أول من استخدم السنة بمعنى المستحب؟ وهل توافقون على هذا التقسيم؟ فقد أنكره بعض الأئمة كما تعلمون، فما رأيكم دام توفيقكم؟ دام توفيقكم لكل الخير، وسعدنا بوجودكم بيننا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ]ـ تأتي السنة بمعنى: الطريقة المسلوكة في الدين وهي ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وإن كان الغالب تخصيص اسم السنة بما يتعلق بالاعتقادات لأنها أصل الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم. ومن ذلك ما كتبه أئمة السلف من مؤلفات أو أبواب باسم السنة، ولذلك أُطلق لقب أهل السنة على من كان على ما عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وتطلق السنة عند الأصوليين والمحدثين على الدليل الثاني بعد القرآن الكريم وهو ما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم. واصطلح الفقهاء والأصوليون على إطلاق السنة على المستحبات دون الواجبات يعني على المندوبات. ومن أقدم من ذكر ذلك أبو الحسين البصري في المعتمد وحكاه عن بعض الفقهاء، حيث يقول: (إلا أن قولنا مندوب إليه في العرف أنه قد بعث عليه من غير إيجاب وقولنا مرغب فيه أنه قد بعث المكلف على فعله بالثواب ويفيد في العرف ما هذه سبيله مما ليس بواجب ويوصف أنه مستحب ومعناه في العرف أن الله سبحانه قد أحبه وليس بواجب وقولنا نفل يفيد أنه طاعة غير واجبة وأن للإنسان فعله من غير لزوم وحتم وكذلك وصفنا له بأنه تطوع يفيد أن المكلف انقاد إليه مع قربة من غير لزوم وحتم ويوصف بأنه سنة ويفيد في العرف أنه طاعة غير واجبة ولذلك نجعل ذلك في مقابلة الواجب لو قال أهذا الفعل سنة أو واجب. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 25 وذكر قاضي القضاة أن قولنا سنة لا يختص بالمندوب إليه دون الواجب وإنما يتناول كل ما علم وجوبه أو كونه ندبا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وبإدامة فعله لأن السنة مأخوذة من الإدامة ولذلك يقال إن الختان من السنة ولا يراد أنه غير واجب. وحكي عن بعض الفقهاء أن قولنا سنة يختص بالنفل دون الواجب وهذا أشبهه من جهة العرف. ويوصف بأنه إحسان إذا كان نفعا موصلا إلى الغير قصدا إلى نفعه، ويوصف بأنه مأمور به لأن أمر الله تعالى قد تناوله. فهذه هي الأوصاف التي تختص الندب). ومن هذا النقل نستخرج ثلاثة أمور: 1. أن للمندوب ستة ألقاب: مرغب فيه ومستحب ونفل وتطوع وسنة وإحسان. 2. أن القاضي عبد الجبار يذهب إلى أن لفظ (السنة) يتناول الواجب والمندوب، ولا يختص بالمندوب وحده. 3. أن مستند إطلاق لفظ (السنة) على النفل دون الواجب هو العرف، ومن ذلك: السنن الرواتب. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 26 ـ[موضوع مشكل جدا عندى والحمد لله أن أكرمنا الله بلقائكم لأنه يتعلق بالبدع وتحديدها ومعرفتها، عنوانه: تسويغ الخلاف فى التصحيح والتضعيف وما يترتب عليه من التبديع والإنكار . كيف يكون الخلاف فى الحكم على حديث معين خلافا سائغا ويكون الخلاف فيما يترتب عليه من العمل سائغا وفى نفس الوقت يبدع أحد الفريقين فعل الأخر؟ مثاله: حديث صلاة التسابيح البعض يصححه والبعض يضعفه فعند من قال بصحته الصلاة مشروعة وعند من قال بضعفه الصلاة لا تجوز ويقول ببدعيتها وفى نفس الوقت يقول أن الحديث يحتمل التصحيح لذلك لن ينكر على من يصليها!! كيف يعتقد أنها بدعة ولكن لا يجوز إنكارها؟ أنا لا أريده أن ينكر ولكن أريده من الأصل ألا يدخلها فى باب البدع وأن نفرق بين ما جاء فيه دليل ضعيف ويحتمل التصحيح عند البعض وبين ما جاء فيه دليل تالف أو لم يرد عليه دليل أصلا. فيكون الأول من باب الخلاف السائغ ولا ندخله فى باب البدع من الأصل. ويكون الثانى من باب البدع التى تستوجب الإنكار. أما أن نقول (فعله بدعه ولكن لا إنكار فيها) فهذا لا أهضمه. نرجوا التوضيح من شيخنا الكريم]ـ الأمر في ذلك واضح، ولله الحمد. وهو أنه متى أمكن رد قول ما من الأقوال إلى دليل شرعي فإن هذا القول لا يعد بدعة. قال الشاطبي في مسألة من مسائل الفروع: "فمثل هذا لا بدعة فيه لرجوعه إلى أصل شرعي". والمقصود أن البدعة لا تدخل في المسائل الاجتهادية؛ إذ لا ابتداع في مسائل الاجتهاد، كما قال بعضهم: "وليس من شأن العلماء إطلاق لفظ البدعة على الفروع". والحاصل أن الاجتهاد يرفع البدعة، فمتى ثبت كون المسألة اجتهادية فلا يصح إطلاق البدعة على من خالف فيها، ومتى ثبت كون القول أو الفعل بدعة في مسألة من المسائل كان هذا دليلا على أن هذه المسألة لا مدخل فيها للاجتهاد. والدليل على أن المخالفة في المسائل الاجتهادية لا تكون بدعة أمور ثلاثة: 1. أن المسائل الاجتهادية ليست محل افتراق، فقد وقع اختلاف بين الصحابة والتابعين، ولم ينسب المخالف منهم إلى البدعة والضلالة. 2. أن الاختلاف المشروع في مسائل الاجتهاد كله سعة ورحمة، وأما البدعة فإنها لا تكون إلا باب شر وضلالة. 3. أن المسائل الاجتهادية لها حظ معتبر من الدليل الشرعي، بخلاف مسائل الابتداع؛ فإنها ـ عند التحقيق ـ ليس لها حظ معتبر من الدليل الشرعي. وبناء على ذلك فإن قولك في السؤال صحيح لا غبار عليه: ( ... أن نفرق بين ما جاء فيه دليل ضعيف ويحتمل التصحيح عند البعض وبين ما جاء فيه دليل تالف أو لم يرد عليه دليل أصلا. فيكون الأول من باب الخلاف السائغ ولا ندخله فى باب البدع من الأصل. ويكون الثانى من باب البدع التى تستوجب الإنكار). وإني أشكر الأخ السائل على عنايته بهذه المسألة، وأرى أن لها أهمية عظمى، فبها تزول إشكالات، وبها تتضح أمور معضلات. وفقني الله وإياكم إلى الفقه في الدين، واتباع السنة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 27 ـ[ألا ترى في عد روضة الناظر لابن قدامة من المصادر التي يستقى منها ((معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة))؛ نوعا من التجوز. وتوضيحا للسؤال: ظهر من ترجمتكم أن لكم بحث في بناء الأصول على الأصول ألم يتضح لكم أن الروضة مليئة بالمسائل المتأثرة بطرائق أهل الكلام من الأشاعرة والمعتزلة فكيف والحال كما ترون تصبح الروضة مصدر من مصادر ((معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة))]ـ انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر. ـ[السلام عليكم: - كيف يفرق طالب علم الفقه بين الخلاف السائغ وغير السائغ ؟ ]ـ الخلاف السائغ يحصل في المسائل الاجتهادية، والخلاف غير السائغ يحصل في المسائل غير الاجتهادية، ويشترط في المسائل الاجتهادية أمران: أولاً: ألا يوجد في المسألة نص قاطع ولا إجماع. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 28 والدليل على هذا الشرط حديث معاذ رضي الله عنه المشهور (بم تقضي)؛ إذ جعل الاجتهاد مرتبة متأخرة إذا لم يوجد كتاب ولا سنة. وقد كان منهج الصحابة رضي الله عنهم النظر في الكتاب ثم السنة ثم الإجماع ثم الاجتهاد. ومعلوم أن الاجتهاد يكون ساقطًا مع وجود النص. ثانيًا: أن يكون النص الوارد في هذه المسألة -إن ورد فيها نص- محتملاً، قابلاً للتأويل، كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة» فقد فهم بعض الصحابة من هذا النص ظاهره من الأمر بصلاة العصر في بني قريظة ولو بعد وقتها، وفهم البعض من النص الحث على المسارعة في السير مع تأدية الصلاة في وقتها ولم ينكر - صلى الله عليه وسلم - على الفريقين ما فهم، ولم يعنف الطرفين على ما فعل. قال الشافعي: «قال: فما الاختلاف المحرم؟ قلت: كل ما أقام الله به الحجة في كتابه أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا لم يحل الاختلافُ فيه لمن علمه، وما كان من ذلك يحتمل التأويل ويدرك قياسًا، فذهب المتأول أو القايس إلى معنى يحتمله الخبر أو القياس، وإن خالفه فيه غيره، لم أقل: إنه يضيق عليه ضيق الخلاف في المنصوص» (الرسالة: 560). وقد استدل الشافعي على أن الاختلاف مذموم فيما كان نصه بينًا بقوله تعالى: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) وقوله تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ). إذا علم ذلك لزم التفريق بين المسائل الاجتهادية والمسائل الخلافية. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 29 إذ يجب الإنكار على المخالف في المسائل الخلافية غير الاجتهادية، كمن خالف في قولٍ يخالف سنة ثابتة، أو إجماعًا شائعًا. وكذلك يجب الإنكار على العمل المخالف للسنة أو الإجماع بحسب درجات إنكار المنكر. أما المسائل الاجتهادية فلا يصح فيها الإنكار؛ إذ لا إنكار في مسائل الاجتهاد، وإنما سبيل الإنكار فيها بيانها بالحجة والدليل، والله أعلم. ـ[ هل يمكن للإجماع أن ينقعد في هذا العصر ؟ ]ـ يمكن وقوعه ـ من وجهة نظري ـ لكن ذلك عسير ونادر، والله أعلم. ـ[هل من موضوعات يقترحها فضيلتكم تصلح أن تكون رسائل ماجستير في علم أصول الفقه ؟ ]ـ آمل أن تجدي في ثنايا هذه الإجابات بعض ما تسألين عنه. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 30 ـ[مَن هُم أهم وأبرز من تلقيتم عنه علم الأصول (مع ترجمة موجزة لكل ممن تذكرونه) ؟ ]ـ 1 - د. جلال الدين عبد الرحمن جلال رحمه الله توفي سنة 1427 هـ، وهو مصري، يمتاز بأمرين: أولهما: أن له قدرة على صنع مخططات للبحوث والرسائل العلمية بطريقة حسنة، وثانيهما: اطلاعه الواسع ومعرفته التامة بأعلام أصول الفقه وأخبارهم ومؤلفاتهم قديما وحديثا، ومن كتبه ـ وهو أجلها ـ غاية الوصول إلى دقائق علم الأصول: (القسم الأول في المبادئ والمقدمات) وقد ذكر لنا عن نفسه أنه من نسل الإمام السيوطي وأن اسمه أيضا وافق اسمه، وكان رحمه الله من تلاميذ الشيخ عبد الغني عبد الخالق القريبين منه، ومن العجائب أن الشيخ عبد الغني كان يشرف حينذاك على خمسين رسالة تقريبا في وقت واحد، وكان الدكتور جلال رحمه الله قد أوقف مكتبته كاملة في حياته لمكتبة كلية الشريعة بجامعة الأزهر. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 31 2 - د. عمر بن عبد العزيز بن محمد الشيلخاني، وهو عراقي، من مواليد عام 1944م حصل على الدكتوراه من الأزهر، ومن شيوخه والده الذي شرح جمع الجوامع نحو أربعين مرة، ومنهم الشيخ مصطفى عبد الخالق، وهو أقرب شيوخه إليه وأجلهم عنده، وأخوه عبد الغني عبد الخالق، والدكتور عمر له عناية بالغة وشغف كبير بطريقة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومؤلفاتهما، بل بمنهج السلف وأئمتهم عامة، وله في ذلك محاضرة مطبوعة بعنوان: مقتضى النواهي عند السلف، ويتصف هذا الشيخ بدقته العلمية وعمقه في البحث والنظر، وغوصه في دقائق المسائل الأصولية، وله طريقة حسنة في التدريس، وقدرة عجيبة على تقريب المتون الأصولية وفك رموزها، وهو متقن للمنطق وعلوم اللغة، وصاحب قلم رصين ومنهجية دقيقة في البحث العلمي، والشيخ معروف بتواضعه الجم وأخلاقه الكريمة العالية، وله مؤلفات تدل على مكانته وفضله، فمن ذلك: الزيادة على النص والنقص من النص والمعدول به عن سنن القياس، وقليله كثير، وللشيخ فضل سابق وأثر مشهود على جميع منسوبي قسم أصول الفقه ـ أو أكثرهم ـ في الجامعة الإسلامية بالمدينة، وكان من أوائل أساتذة قسم الدراسات العليا المؤسسين له، حيث كان أول رئيس له الدكتور محمد أمين المصري رحمه الله وكان الشيخ عمر وكيلا للقسم مدة ثمان سنوات، كما أن للشيخ أثرا آخر في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وهو الآن مقيم في قطر، في وزارة الشؤون الإسلامية، أمده الله بعونه وأعطاه مبتغاه. 3 - د. أحمد بن محمود بن عبد الوهاب الشنقيطي، وهو تلميذ الشيخ محمد الأمين صاحب أضواء البيان وابن عمه، ولهذا الشيخ معرفة تامة بالفقه وأصوله، خاصة باب القياس، ورسالته في الدكتوراه كانت في أدق موضوعاته، وهو الوصف المناسب، والشيخ معروف بسعة خلقه وتواضعه، ويقضي الشيخ جل وقته في تدريس الطلاب ونفعهم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 32 ـ[السؤال كالتالي هل من المناسب لمن أراد دراسة الأصول أن يلم بشيء من علم المنطق؟ وهل هو جائز أصلا دراسته؟ ]ـ دراسة شيء من المنطق أمر ضروري لمن أراد التخصص في أصول الفقه، وانظر أيضا إجابة مقاربة في موضع آخر، ولك الشكر. ـ[ما ا لمنهاج الصحيح لضبط الأصول من مبدئه حتى الإلمام به جملة لغير المتخصص ؟ (أرجو ذكر الكتب بالتدرج)]ـ الجواب: انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر. ـ[فضيلة الشيخ: تعجبني كثيراً كتبكم، ولها مكانة عندي؛ فأسأل الله أن يبارك فيكم، وينفع بكم. سؤالي: ألن يكون هناك تكملة لكتاب (فقه النوازل) ؟ وتضاف له الرسائل العلمية في بعض النوازل. ]ـ النية معقودة بعون الله تعالى على استكمال كتاب فقه النوازل بحسب الجهد والطاقة، لكن لابد من التريث والانتظار، وذلك لأجل أن يخرج المستدرك بصورة مناسبة مع ملاحظة أن يكون متمما للجهد السابق ومبنيا عليه. وأرجو ممن لديه ملاحظة أو اقتراح ألا يبخل به، وله مني الشكر والتقدير. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 33 ـ[درست كتاب في الأصول والآن أدرس كتاب مفتاح الوصول للتلمساني كتطبيق للاصول على احد طلاب الشيخ عمر عبد العزيز وأحمد عبد الوهاب الشنقيطي لكن في رأيك ما هو الكتاب التالي؟ ]ـ انظر الإجابة في موضع آخر أو أكثر من هذه الأسئلة، ولك الشكر. ـ[عندي فكرة بحث وهي جمع علم البخاري في علم الأصول من خلال تراجم الأبواب ؟ ]ـ هنالك كتاب توجيه القاري فيه شيء من ذلك، وبحث آخر للدكتور الكريم سعد الشثري، وهو منشور في إحدى المجلات العلمية. ـ[من هو أفضل من ينقل الإجماع هل هو ابن المنذر أم ابن حزم أم ابن القطان الفاسي؟ ]ـ لا أدري، الله أعلم. ـ[ما رأيكم في الدعوات المعاصرة التي تنادي بتجديد أصول الفقه ، ككُتَيب الترابي مثلا]ـ الدعوات كثيرة، وهي بحاجة إلى دراسة بعد دراسة، وهنالك أبحاث في تجديد أصول الفقه لبعض المعاصرين، فمن ذلك: التجديد والمجددون في أصول الفقه للشيخ أبي الفضل عبد السلام عبد الكريم، وقضية تجديد أصول الفقه د. علي جمعة، ومفهوم التجديد د. محمود الطحان، وهو رد على كتيب الترابي، وللباحث الكريم الحوالي رسالة علمية حول دعوات التجديد المعاصرة في علم أصول الفقه. وأوصي بالنظر والإفادة من كتاب قيم للدكتور الفاضل: عدنان أمامة، وهو بعنوان: التجديد في الفكر الإسلامي، نشرته دار ابن الجوزي. ولعل من المناسب في هذا المقام اقتراح جوانب من علم أصول الفقه، جديرة ببحثها وتجديد النظر فيها: 1 - الناحية الببلوغرافية، وذلك بالنظر في التسلسل العلمي والفكري للمؤلفات الأصولية، ومدى استفادة بعضهم من بعض، ومعرفة حلقات الوصل بين هذه المؤلفات. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 34 2 - الناحية التاريخية والمسيرة التأليفية لهذا العلم، فمن ذلك: النظر في الكتب المعاصرة في أصول الفقه، وتقييم الرسائل الجامعية في الجامعات، ودراسة الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات المحكمة ومحاولة حصرها والتنبيه على مضامينها وأساليبها وبيان النافع منها والنفيس. 3 - دراسة تطبيقية موسعة لتخريج الفروع الفقهية على القواعد الأصولية، ومن خلالها يظهر بيان نوع الخلاف في المسائل الأصولية ودرجته، ويمكن التعرف على المسائل العقيمة في أصول الفقه، وهي التي لا ثمرة لها، وتلك المسائل الدخيلة، وهي الخارجة عن موضوعه. 4 - عصرنة أصول الفقه، ذلك أن الكتب الأصولية مليئة من الرد على الأقوال الشاذة والمذاهب المنكرة؛ كالجاحظ والنظام والسمنية، وقد آن في عصرنا هذا أن ينظر في خلف هؤلاء وأشباههم، وأن تستقصى مقالات ودعاوى بعض المتعالمين من العلمانيين ومن نحا نحوهم، وأن تكشف طرائقهم في التلاعب والجناية على القواعد الأصولية. وقد سلك هؤلاء القوم للوصول إلى أغراضهم مسلكين: المسلك الأول: اقتداؤهم بأسلافهم من أصحاب الأقوال الشاذة المنكرة، وذلك بإحياء وبعث تلك المقالات، والانتصار لها واستجلاب المسوغات العقلية والحضارية لقبولها وترويجها من جديد، ويحصل في أثناء ذلك شيء عظيم من الزخرفة والتمليح والتلميع. المسلك الثاني: التعلق بالقواعد الأصولية المقررة وركوب متنها في تحقيق مآربهم، ولا يتحقق لهم ذلك ـ يقينا ـ إلا مع التأويل الفاسد لمعاني هذه القواعد والإهدار لمقاصدها وضوابطها، مع سوء التطبيق وتحريف الكلم عن مواضعه، ومن أقرب القواعد الأصولية التي جعلوها مطايا: مقاصد الشريعة والمصالح المرسلة والقياس وتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان. وممن جاهد بقلمه في تتبع مسالك هؤلاء القوم: الدكتور محمد محمد حسين رحمه الله، خاصة في كتابيه: الإسلام والحضارة الغربية، وحصوننا مهددة من داخلها، والدكتور محمد الناصر، خاصة في كتابيه: بدع الاعتقاد، والعصرانيون. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 35 ـ[ أغلب كتب الأصول المؤلفة في الأصول ألفها أشاعرة , خاصة في المذهب الشافعي. ونحن هنا في مصر ابتلينا بشيوع هذه العقيدة وهي ما يدين بها المفتي وأكثر الأزاهرة. فما السبيل لدراسة علم الأصول على المذهب الشافعي منقحاً من شوائب الأشاعرة وخاصة أن فيه من الأمور التي قد تخفى على المتدئين ونحن نخشى على أنفسنا من الضلال؟ وكيف نفرق بين أصول الأشاعرة وأصول أهل السنة بغض النظر عن المذهب الفقهي؟ جزاكم الله خيراً]ـ أشكرك على حرصك على عقيدة أهل السنة والله أسأل أن يثبتنا على دينه وسنته، وأنصحك يا أخي الفاضل بالرجوع في ذلك إلى كتب أهل السنة في أصول الفقه؛ ومن ذلك: الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، وجامع بيان العلم لابن عبد البر، وقواطع الأدلة للسمعاني، وروضة الناظر لابن قدامة، ومجموع الفتاوى لابن تيمية في المجلد (19 - 20)، وإعلام الموقعين لابن القيم، وشرح الكوكب للفتوحي، وهذا الكتاب أجمعها وأيسرها، ومذكرة الشنقيطي. وأوصي طلاب العلم أن يشرعوا في مستهل دراستهم الشرعية في نوعين من العلوم، هما: العقيدة، والفقه. وقبل ذلك ومعه وبعده: حفظ القرآن الكريم وضبطه، وحفظ ما تيسر من السنة الشريفة، فهما أصل العلوم والفهوم ومفاتيح البركة والخير، وأسباب التوفيق والفلاح، مع القدر المناسب من علوم اللغة العربية. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 36 ولا بد عند دراسة العقيدة من العناية بفهم مذهب السلف والرسوخ في منهجهم والتشبع من طريقة خير القرون من الصحابة والتابعين؛ فإن هذا التشبع والرسوخ إن حصل كان بعون الله حصنا حصينا وسدا منيعا من التأثر بالطرق الكلامية والمناهج البدعية. وقد كانت هذه وصية أئمة السلف لحماية صغار الطلبة من الانزلاق في متاهات الباطل وتلبيسات المبطلين، فمن ذلك قول يوسف بن أسباط رحمه الله: (من نعمة الله على الشاب أن يوافق رجل سنة يحمله عليها) وقال أيوب: (إن من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله لعالم من أهل السنة) ذلك أن النشأة الأولى لها أعظم الأثر في معتقد المرء وفي منهجه، وانظر إن شئت في سير العلماء وأحوالهم ألا ترى أن بعضهم لما كانت نشأته الأولى في تعلم علوم الأوائل والتشرب من العلوم العقلية لم ينتفع كثيرا في آخر عمره من رجوعه ومطالعته لآثار السلف، بل بقي في نفسه شيء من تلك التركة المظلمة، أما من كان في أول عمره مقبلا على علوم الكتاب والسنة متعلقا بآثار السلف لم يضره فيما بعد مطالعته للعلوم العقلية وتعمقه فيها، وهذا ما حصل لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ فإنه تمكن من الرد على الفلاسفة وأهل المنطق دون أن يتأثر بهم. إن العناية بالنشء أمر في غاية الأهمية، وذلك إنما يكون بتربيتهم على المتون النافعة، الخالصة من الشوائب، وقصرهم عليها في نشأتهم الأولى، ونظير هذا تلكم الجرعات الوقائية التي تعطى للرضع والأطفال لكي تصبح أجسامهم قادرة على مدافعة الجراثيم والفيروسات الحاملة للأوبئة والأمراض ومقاومتها بإذن الله، وقد صار هذا الصنيع في وقتنا الحالي عرفا متبعا وعادة ملزمة. ولاشك أن حماية الدين وحفظه أهم وأوجب من حفظ النفوس، ومن هنا كانت وسائل حفظ الدين أعلى رتبة من وسائل حفظ النفس. أسأل الله أن يشرح صدورنا لمنهج خير القرون ولنصرة هذا الدين. اللهم آمين. وراجع أيضا: إجابة مقاربة في موضع آخر، ولك الشكر. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 37 ـ[كيف تجمعون بين ما يحكم عليه الإمام أحمد من الحديث بالضعف أو النكارة بينما نجد أنه رواية في مذهبه وأخذ به وعمل بمقتضاه]ـ سبب ذلك فيما يبدو الاختلاف الواقع في المراد بالحديث الضعيف؛ حيث يطلق أحيانا ويدخل فيه الحديث الحسن، والحديث الضعيف الذي يعتضد بالشواهد، ويطلق أحيانا أخرى ويراد به ما اشتد ضعفه. ومن جهة أخرى فروايات الإمام أحمد المتعددة محمولة على ورودها في أوقات مختلفة، وذلك بحسب ما يظهر له، وهذا دليل على سعة علمه وزيادة اطلاعه، وعلى تورعه وتجرده لاتباع الدليل، والله أعلم. ـ[السلام عيكم ورحمة الله وبركاته سؤالي لفضيلة الشيخ حفظه الله ما رأي فضيلتكم في كتاب التأسيس في أصول الفقه لمصطفى سلامة]ـ انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر. ـ[ هل للامام الشوكاني مسائل أصوليه خالف فيها مذهب أهل الحديث ؟. جزاكم الله خيرا. ]ـ انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر. ـ[ ما تقييمكم لمباحث الأصول التي عقدها الزحيلي في كتابه أصول الفقه الاسلامي ]ـ ؟ انظر الإجابة في موضع آخر، ولك الشكر. ـ[هل وقفتم شيخنا على كتاب المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين للدكتور العروسي وهل جهدكم في معالم أصول الفقه هو نفس الجهد أم لا؟ ]ـ نعم لقد اطلعت على كتاب المسائل المشتركة، وهو كتاب فريد في بابه، وله فضل السبق، وأما موضوعه فهو المسائل العقدية المبحوثة في علم أصول الفقه، وبيان وجه الاشتراك الحاصل بينهما. فهذا الكتاب فيه تركيز على جهة الاشتراك بين أصول الفقه وأصول الدين. أما كتابي (المعالم) فموضوعه تحرير موقف أهل السنة في مسائل أصول الفقه عموما وجمع كلامهم عليها مع التنبيه على المزالق العقدية التي فيها مخالفة لمذهب أهل السنة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 38 ـ[هل تعتقدون أن ا لشيخ عطية سالم له منهج أصولي خاص أم لا؟ ]ـ كل فقيه لابد أن يكون له منهج أصولي مناسب لمذهبه الفقهي. ـ[ما أفضل طريقة لتعلم أصول الفقه أرجو التفصيل؟؟؟ وأنا الآن دخلت كلية الشريعة كيف تنصحنا بدراسة الأصول فيها هل ثمة طريقة معينة تراها مفيدة؟؟؟ وجزاك الله خيرا. ]ـ ينظر ذلك في موضع آخر أو أكثر من هذه الأسئلة، ولك الشكر. ـ[سؤالى يتعلق ب كيفية التعامل مع الأحاديث النبوية عند التعارض و متى يستعمل العلماء قواعد الترجيح مثل قاعدة الحاظر مقدم على المبيح وقاعدة القول مقدم على الفعل بارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء]ـ أشكرك على مشاركتك، وأعتذر عن الإجابة؛ فإن كل فقرة تحتاج إلى بحث، ومن الكتب النافعة في قضية التعارض بين الأحاديث: كتاب اختلاف الحديث للإمام الشافعي، وكتاب تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة. ـ[ المؤلفات الأصولية للقاضي عبد الوهاب المالكي؛ هل ما زالت مفقودة , أم طُبع منها شيء؟ ]ـ قام أحد الأساتذة الجزائريين بجمع شيء من تراث القاضي عبد الوهاب، وذلك على النحو الآتي: 1 - المقدمة في أصول الفقه. 2 - مسائل مستخرجة أصول الفقه من كتاب المعونة على مذهب عالم المدينة. 3 - إجماع أهل المدينة من كتاب الملخص. 4 - الإجماع من شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني. 5 - فصول مختارة في أصول الفقه من كتاب الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي. جميع ذلك منشور في ملاحق لكتاب (المقدمة في الأصول) لابن القصار المالكي بتعليق الأستاذ محمد بن الحسين السليماني، وهو من مطبوعات دار الغرب الإسلامي 1996 م. وهناك رسالة علمية نوقشت منذ سنوات في جامعة الإمام بالرياض بعنوان: (آراء القاضي عبد الوهاب جمع ودراسة) أو نحو ذلك. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 39 ـ[ (رفع الحاجب شرح مختصر ابن الحاجب) للسبكي أبحث عنه منذ ما يقرب من عام ولم أجده , كانت تطبعه عالم الكتب وتوزعه دار الجيل , ولا توجد عندهم أي نسخة فهل وقفتم فضيلتكم على مصدر آخر له؟ ]ـ هذا الكتاب هو لتاج الدين السبكي (الابن) وقد طبع في أربع مجلدات سنة 1419 هـ بتحقيق تجاري وهو كما ذكرت في السؤال من منشورات عالم الكتب ببيروت. والمشكلة يا أخي الكريم أن كتب الأصول في الغالب يعاني منها الناشر (البائع) وطالب العلم (المشتري) والمؤلف أو المحقق، وذلك لصعوبة تسويقها وندرة الطلب عليها وقلة الكمية المطبوعة، أقول هذا عن تجربة ومعاناة تزيد على عقدين. وأرى أن تقوم بتصويره وتجليده إن كنت مضطرا إليه. ـ[بخصوص مذهب الإمام الشافعي في سد الذرائع , فكما تعلمون اختلف علماء الشافعية في إثبات ونفي قول الإمام الشافعي بها ففي إحدى رسائل الدكتوراة المطبوعة جزم صاحبها بالإثبات , بينما في رسالة دكتوراة أخرى جزم صاحبها بالنفي (لم تُطبع الرسالة ولكن دارت مناقشة طويلة بيني وبين الدكتور الفاضل صاحبها) فهل وقفتم على نص صريح (غير محتمل للتأويل) للإمام الشافعي يحسم هذه القضية؟ ]ـ يمكنك مراجعة كتاب سد الذرائع عند شيخ الإسلام ابن تيمية للباحث إبراهيم المهنا دار الفضيلة بالرياض ففيه تفصيل حول موقف الإمام الشافعي رحمه الله. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 40 ـ[كما تعلمون أن لابن برهان عدة كتب أصولية , طُبع منها " الوصول إلى علم الأصول فهل طُبعت كتبه الأصولية الأخرى وهي: البسيط والوسيط والأوسط والوجيز والتعجيز (كذا ذكرهم محقق الوصول) وأخص بالذكر كتابه " الأوسط " لأن الإمام الزركشي ينقل عنه في " البحر المحيط "]ـ ليس لابن برهان ـ فيما أعلم ـ كتب مطبوعة في أصول الفقه سوى كتاب (الوصول)، وقد نُقل إلي أن محقق كتاب الوصول بصدد إعادة نشر الكتاب بصورة أكمل. ـ[جاء في خاتمة كتاب " تأسيس النظر" عدة أصول للإمام الكرخي وذكر أمثلتها للإمام النسفي , وهي في أقل من 8 صفحات ولكن ذكر البعض أن له كتاب " أصول الكرخي " طبعتة مكتبة الخانجي , ولم أجده بها فهل هذا الكتاب موجود؟ وأين؟ وجزاكم الله خير الجزاء وبارك الله فيكم ونفع الله المسلمين بعلمكم]ـ في غالب الطبعات يطبع أصول الكرخي وأمثلتها للنسفي نظرا لصغر حجمه مع تأسيس النظر للدبوسي فلعلك تبحث عنه باسم تأسيس النظر. وعندي له طبعتان، كلتاهما باسم تأسيس النظر: إحداهما بتحقيق مصطفى القباني دار ابن زيدون بيروت ـ مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة. والثانية: طبعة باكستانية بمطبعة ايجو كيشنل كراتشي. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 41 ـ[فضيلة الشيخ: ما ردُّكم العلمي للاعتراضات التي أثارها الباحث مشهور حسن - في مقدمة تحقيقه للمرافق لماء العينين - على تهذيبكم كتاب الموافقات للإمام الشاطبي رحمه الله. وجزاكم الله خير الجزاء. ]ـ القد اطلعت على ما كتبه الشيخ مشهور في مقدمته لتحقيق المرافق، وجميع ما ذكره من ملاحظات يرجع إلى أمرين: أولهما: أخطاء مطبعية ونحوها. وثانيهما: اعتراض على مبدأ التهذيب من حيث الأصل، وعلى منهج التهذيب من جهة أخرى. ـ[احسن الله اليكم وبارك فيكم وبارك في علمكم: ما رأيكم في طرح موضوع أكاديمي (جامعي) ماجستير او دكتوراه في الاستدراكات على ما عده ابن المنذر او ابن حزم في كتاب {الإجماع} إجماعاً وهو ليس كذلك كما فعل ابن تيمية رحمه الله مع كتاب ابن حزم وكذلك محاولة جمع الإجماعات التي نقلها النووي سواء في المجموع أو شرح مسلم وغيرها من الكتب وعرضها ودراستها؟؟ ]ـ لا شك أن دراسة إجماعات ابن المنذر من خلال كلام أهل العلم عمل جليل ونافع، لكن يجدر بمن عزم على الكتابة في هذا الموضوع ـ أو في غيره ـ الإفادة من الدراسات السابقة له والاطلاع عليها، فربما تكون ثمرة ذلك الانصراف إلى موضوع آخر، أو التحول في معالجة هذا الموضوع إلى ثغرات مفتوحة. ـ[أيهما أفضل اختصاراً للروضة في رأيكم ((مختصر الطوفي)) ام ((مختصر البعلي))؟؟ وما الفرق بينهما؟؟ ]ـ اختصار الطوفي للروضة فيه تصرف في الألفاظ وفي الأسلوب وفي الترجيح، وقد كتبه الطوفي بلغة علمية راقية، جمع له دقيق فهمه وعميق فقهه، وكتبه على طريقة ابن الحاجب في مختصره، وفيه تظهر براعته الأصولية وشخصيته الاجتهادية ونظرته الواسعة الرحبة، ثم هو اختصار شديد، يعسر فهمه دون مراجعة شرحه. أما اختصار البعلي فهو نسخة أخرى (مكررة) لكتاب الروضة بألفاظه وأسلوبه وترجيحه، لكن البعلي قام بحذف بعض من الاعتراضات والتطويلات. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 42 ـ[أرغب من فضيلتِه أن يوضحَ لنا بإسهابٍ ما يرجُحُ عنده في مسألة ِ اقتضاءِ النهيِ الفسادَ وجزاكم الله خيرًا]ـ الذي عليه سلف الأمة أن النهي يقتضي الفساد، لا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات والعقود، ولا بين ما نُهي عنه لذاته أو لغيره، إذ كل نهيٍ للفساد، وهذا مذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين. ومن الأدلة على ذلك: أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»؛ يعني: مردود كأنه لم يوجد. ثانيًا: أن الصحابة استدلوا على فساد العقود بالنهي عنها، وهذا أمر مشتهر بينهم من غير نكير فكان إجماعًا. ثالثًا: أن المنهي عنه مفسدته راجحة، وإن كان فيه مصلحة فمصلحته مرجوحة بمفسدته، فما نَهَى الله عنه وحرمه إنما أراد منع وقوع الفساد ودفعه؛ لأن الله إنما ينهى عما لا يحبه، والله لا يحب الفساد، فعُلم أن المنهي عنه فاسد ليس بصالح. وكون النهي يقتضي الفساد مشروط بأن يتجرد النهي عن القرائن، أما مع وجود القرائن فيختلف الحال؛ إذ يقتضي النهي هاهنا ما دلت عليه القرينة، لذا فإن النهي إذا تجرد عن القرائن أفاد التحريم والفساد معًا في آن واحد ـ[يقول الأصوليون: الحكم يدور مع علته ، ثم يقولون في موضع آخر: الأحكام معلقة بأسبابها لا بالحكمة منها، فما وجه الجمع بينهما؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا]ـ يطلق السبب عند الأصوليين على العلة؛ فإن السبب اسم من أسماء العلة. ـ[تكلم بعض العلماء عن مبطلات الصلاة فقال: ترك ركن أو شرط عمدا ً، والسؤال ما صحة وضع هذا القيد " عمداً " أي: هل ترك الركن والشرط جهلاً أو نسياناً لا يبطل الصلاة؟ ]ـ العمد لا يتحقق مع الجهل أو النسيان. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 43 ـ[إن أحد المشايخ المختصين باصول الفقه عندما كان يشرح في العقود ذكر أن العقود نوعان لازمة وجائزة وعندما تطرق الى الشروط الفاسدة قال إن الشرط الفاسد في العقد اللازم مفسد للعقد بالكلية وفي العقد الجائز فالشرط فاسد غير مفسد للعقد. فهل هذا صحيح أرجو منك شيخي التفصيل فيها ذاكرا أمثلة توضح لنا هذه العقود. أسال الباري ان ينفع بكم. ]ـ بيان هذه القضية يحتاج مني إلى مراجعة، والله الموفق. ـ[بعض الأحيان نرى أن بعض العلماء يردون بعض الإجماعات في الاستدلال فما السبب وهل هناك اختلاف اومراتب للاجماع بحيث بعضها يمكن الاستدلال بها والاخرى لا. ]ـ أصعب شيء في الإجماع التحقق من وقوعه، لأن الإجماع إذا لم يثبت وقوعه فالاستدلال به يكون من قبيل الأدلة الموهومة، ولله أعلم. ـ[السلام عليكم اخي الكريم لقد احل الله البيع وحرم البيع فما رأيك اخي الكريم في من يحرم بيع المخطوطات والسلام. ]ـ هذه المخطوطات متى كانت وقفية لم يجز بيعها، لكن ربما جاز شراؤها لمن يريد نشر ما فيها من الخير والعلم. ـ[ ألا يمكن أن يتحول كتاب "فقه النوازل" إلى موقع على الإنترنت يتم تحديثه باستمرار، ليستوعب ما كتب في النوازل من بحوث وقرارات وفتاوى ودراسات؟ أرجو أن تكون الفكرة محل اهتمام لديكم فأحسب أنه سيكون لها نفع عظيم جزاكم الله خير الجزاء. ]ـ أسأل الله أن يهيأ من يقوم بذلك، والمسألة تحتاج إلى جهد ووقت ومال، وكل ميسر لما خلق له، والله الموفق. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 44 ـ[ما هو الفرق بين تقسيم الأصوليين للدلالات إلى دلالة تضمن ومطابقة والتزام وتقسيمهم لها تارة أخرى إلى دلالة نص وظاهر وإشارة واقتضاء وجزاكم الله خيرا]ـ هذه تقسيمات ثلاثة باعتبارات متعددة: فالأول تقسيم لدلالة اللفظ على مسماه؛ إذ الدلالة إما مطابقة أو تضمن أو التزام. والتقسيم الثاني للفظ من جهة دلالته على المعنى بالنظر إلى الوضوح وعدمه؛ إذ هو ينقسم إلى: نص، وظاهر، ومجمل. وذلك أن اللفظ لا يخلو من أمرين: إما أن يدل على معنى واحد لا يحتمل غيره. فهذا هو النص. وإما أن يحتمل غيره، وهذا له حالتان. الأولى: أن يكون أحد الاحتمالين أظهر. فهذا هو الظاهر. والثانية: أن يتساوى الاحتمالان بألا يكون أحدهما أظهر من الآخر. فهذا هو المجمل. والتقسيم الثالث: بالنظر إلى دلالة اللفظ المنطوق على معناه؛ إذ هو ينقسم إلى دلالة إشارة واقتضاء وإيماء، وهذا التقسيم بأقسامه الثلاثة هذه يدخل تحت دلالة الالتزام. وهناك تقسيمات أخرى؛ كتقسيم اللفظ إلى عام وخاص، وإلى مطلق ومقيد، وإلى أمر ونهي، وإلى منطوق ومفهوم. والمقصود عدم الخلط بين هذه التقسيمات؛ إذ كل تقسيم له اعتبار خاص به. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 45 ـ[ما رأي فضيلتكم في مسألة الإسبال : وخاصة أنها مسألة الفتوى فيها مستندة لعلم أصول الفقه مع اتفاق الأدلة لدى الفريقين مع الاختلاف في تطبيق قاعدة: حمل المطلق على المقيد وصريح المعنى مقدم على المؤول فقد علمنا أن جمهور أهل العلم من المذاهب الأربعة وخاصة ابن تيمية وابن حجر والنووي على خلاف الفتوى المشهورة لنا عن كل من العلامة ابن عثيمين وسماحة الشيخ ابن باز رحمهما الله وقد ذكر هذا الخلاف كل من: الشيخين خالد عبد الله مصلح، وصالح الأسمري]ـ الجواب: مسألة الإسبال تفتقر إلى نظر خاص، وذلك من جهة معرفة النصوص الواردة فيها وكيفية إعمال القواعد الأصولية فيها، ومن جهة عمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين. وليس هذا الكلام خاصا بمسألة الإسبال على وجه الخصوص، بل هو عام لكل مسألة؛ إذ لا يصلح أن يحكم على المسألة الفقهية من خلال قاعدة أصولية معينة، أو نصوص محدودة، بل لا بد من استكمال النظر وجمع الأدلة الممكنة كيما يكون الحكم سليما. أسأل الله أن يرزقنا الفقه في دينه. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 46 ـ[هناك قاعدة فقهية هي أن المحرم لغيره يجوز عند الحاجة فهل تفسر لنا هذه القاعدة يا شيخنا الغالي؟ وما هي الحاجة؟ وهل الخمر محرم لغيره فهل يمكن التطبب به وكيف نوفق بين هذا وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله لم يجعل دواء هذه الأمة في ما حرم عليها) أو كما قال؟ جزاكم الله خير وأسأل الله ان يوفقكم. ]ـ أحسنت، لابد أولا من معرفة: هل هذا المحرم منهي عنه لذاته أو لغيره حتى لا يحصل خلط وخلل. ذلك أن المنهي عنه لذاته يُنهى عنه أبدا ودائما، وذلك على سبيل القصد والأصالة؛ كتحريم الظلم والزنا. والمنهي عنه لغيره هو الذي لا يُنهى عنه أبدا ودائما، وإنما وقع النهي عنه لأجل أمر خارجي، وذلك النهي على سبيل التبع لا الأصالة؛ كتحريم البيع بعد النداء من يوم الجمعة. أما قاعدة: أن المحرم لغيره يجوز عند الحاجة فتظهر إذا عرفنا أن الحاجة لما كانت من قبيل المصالح الراجحة فقد اختصت بارتكاب المحرم لغيره، وهو ما نهي عنه سدا للذريعة، بخلاف الضرورة فإنها تبيح ارتكاب المحرم لغيره، وتبيح أيضا ارتكاب المحرم لذاته، وهو ما نهي عنه على وجه القصد والأصالة. ومعلوم أن ما حرم سدا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد. قال ابن القيم: "وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة: كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم. وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال لسد ذريعة التشبه بالنساء الملعون فاعله وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة". أما بالنسبة للتداوي بالخمر فقد ذهب الجمهور إلى حرمة ذلك، وذلك أخذا بقوله تعالى: (فاجتنبوه) فإنه عام في جميع أنواع الانتفاع والاستعمال. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 47 وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمرة فنهاه أو كره له أن يصنعها فقال: إنما أصنعها للدواء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ليس بدواء ولكنه داء) رواه مسلم. بل قد ألحق العلماء بالخمر في حرمة التداوي به سائر النجاسات والمحرمات، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام) الحديث صححه الألباني، والله أعلم. ـ[العبادة المكونة من عدة أجزاء هل فساد أو بطلان جزء من أجزائه يبطل جميع العبادة مثاله: الصلاة مكونة من عدة ركعات هل إذا بطلت إحدى ركعاتها تبطل جميع الصلاة؟ وليقس ما لم يقل سؤال محير لي. ]ـ الشيء لا يتحقق وجوده مع تخلف بعض أركانه، وهنا ينبغي التمييز في العبادة بين ما هو ركن فيها وما ليس ركنا. والله أعلم. ـ[ما رأيكم فى كتاب مزالق الأصوليين للصنعانى فإنه قد أنكر فيه الإجماع والقياس وأنواع الدلالات دلالة المطابقة والتضمن والإلتزام وقال هل كان أبو ذر يعلمها؟ وفيه غير ذلك حتى أصبح بعض الناس يحذر من علم أصول الفقه ويستدل بكلام الصنعانى]ـ لقد اطلعت على هذا الكتاب، وألفيته نافعا لعلم أصول الفقه من جهة أنه لفت الأنظار إلى شيء من المآخذ والأخطاء الواقعة لدى كثير من الأصوليين. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 48 وتوجيه النقد أمر مطلوب لا غبار عليه. لكن الأمر المشكل هو مخالفة مذهب السلف الصالح لدى الصنعاني في هذا الكتاب، وهذا الإشكال موجود أيضا ـ من حيث الجملة ـ عند الشوكاني من بعده في إرشاد الفحول. وهذا يظهر في مسائل عدة، فمن ذلك: إنكار حجية الإجماع، وإنكار حجية القياس، وإنكار حجية قول الصحابي، وإيجاب الاجتهاد، وتحريم التقليد. ولهذين الإمامين كتب نافعة، ومصنفات مسددة، لها قبول حسن ومكانة معروفة، أسأل الله أن يرحمهما رحمة واسعة، وأن يجزيهما خير الجزاء. والذي أنصح به نفسي وعامة أهل العلم وطلابه في هذا العصر أن يقصر كل أحد نفسه ما أمكن على كتب المتقدمين من أهل العلم، وذلك في الدراسة والتدريس والبحث والتوثيق، خاصة في تلك العلوم التي نضجت مصادرها وتقررت مسائلها وضبطت أطرافها. وأن يكون فرحه بالظفر بكلام المتقدمين وتقريراتهم أعظم من الظفر بكلام لبعض المعاصرين أو من قاربهم. وألا يستكثر مما كتبه المتأخرون، فضلا عن أن يجعله أصلا ومعيارا للعلم. وبهذا تكون الحاجة إلى ما كتبه المتأخرون محدودة، والرجوع إلى سابقيهم محتومة. وهذا هو الموقف الصحيح من كتب المعاصرين: فإن الأصل المطرد إنما هو النهل من كتب أهل العلم المتقدمين والاعتماد عليها في الاقتناء والبحث والدرس والاستغناء بها عما كتبه المعاصرون. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 49 وهذا الأصل عام لجميع العلوم التي نضجت مسائلها وضبطت قواعدها واستقرت مادتها؛ كعلوم الشريعة وعلوم اللغة. ويبقى جانب التجديد مفتوحا في هذا النوع من العلوم، وذلك بتصحيح الأخطاء وبيان وجوه الخلل الطارئة عليها، وإعادة تقريبه والسعي في تيسيره. ولذلك فالذي أنصح به طلبة العلم فيما يخص الكتب المعاصرة في أصول الفقه، والتي يكثر السؤال عنها أن يصيروا إلى كتب القدامى قدر الطاقة والإمكان. ومن تعسَّر عليه ذلك وصار إلى كتاب معاصر؛ لأنه قد وجد فيه ضالته واطمأن لطريقته فهو في ذلك فقيه نفسه. إلا أن هذه تبقى حالة ضرورة لا يحكم بعمومها لكل أحد، وإنما تكون قضية استثنائية مؤقتة لمن عجز عن الائتمام بكتب الأقدمين. نعم قد توجد كتب لبعض المتأخرين، تتصف بحسن الجمع والضبط، ويوفق مؤلفها لسد ثغرات وبيان مهمات، إلا أن هذا النوع من الكتب يحتاج للتعرف عليه ونعته باسمه والتوصي به إلى تزكية مستفيضة وقبول مشهود من فضلاء العصر ونبلائه. ومن حسن التوفيق للمعاصرين أن تكون مؤلفاتهم محفزة على مراجعة كتب المتقدمين، مبينة لها، مبنية عليها. إن كتب علمائنا السالفين تعطي ممارسها متانة في العلم وقوة في اللغة وقدرة عالية على الفهم، وهي نور وخير وبركة، الجزء: 15 ¦ الصفحة: 50 وهنا أتوجه للقائمين على الدروس العلمية من المشايخ والأساتذة الكرام بأن يوجهوا الطلبة ويحثوهم على ملازمة كتب المتقدمين وأن يغروهم بها وييسروا لهم قراءتها وضبطها والرجوع إليها واقتناءها، وحملهم على معالي الأمور. وحذار حذار من وضع العوائق والصعوبات حول هذه الكتب، أو قصر الطلبة على كتاب معاصر. إنها مسؤولية عظيمة وأمانة كبرى، وكم هي الجناية في حق طلاب هذا العصر أن يحرموا من خير أسلافهم وأن يضرب بينهم وبين كتب المتقدمين بسور لا باب له، ومتى حصل ذلك فإن حاضر هذه الأمة ينقطع عن ماضيها، وإنما يسعى لذلك ويفرح به أعداء الملة والدين. اللهم وفقنا لحسن الاتباع. ـ[ما هو موقف ابن القيم من القياس ، اعنى ما قرره فى الإعلام أحيانا يكاد أن يصنف مع النفاة. . . وأحيانا يكاد أن يصنف مع المتوسعين فى القياس أحيانا يضيق باب القياس عندما يقرر أن النصوص محيطة بجميع الجزئيات وأحيانا يوسع باب القياس عندما يقرر أن جميع الأحكام معللة لا أقصد أنه متناقض، ولكن الخلل فى فهمى أنا فأحيانا يظهر لى أن الخلاف بينه وبين الجمهور (القياسيين) لفظى إلا فى بعضه _وهو تضييق باب القياس فمن يشرح لى موقفه من القياس ويفهمنى ذلك وله منى الشكر والدعاء]ـ إذا جمعنا كلام ابن القيم بعضه مع بعض ظهر لنا مراده بجلاء، وهو أنه يقول بصحة العمل بالقياس وفق ضوابط، ويقول بنفي القياس وبطلانه متى خلا من هذه الضوابط. وهذه الضوابط هي: 1. أن يستعمل القياس في محله، وذلك فيما لا نص فيه. 2. أن يصدر هذا القياس من إمام مجتهد. 3. أن يكون القياس في نفسه صحيحا. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 51 ـ[ما رأيكم ب تحقيق التعليقة فى أصول الفقه للسبكى كرسالة علمية ]ـ لم أطلع على هذا الكتاب ولا أعرف عنه شيئا سوى قول مؤلفه: (وقد أطلنا في التعليقة الرد على المصنف [أي ابن الحاجب] وألجأناه إلى دعوى القطع في الآية، فلينظره من أراده) رفع الحاجب: 2/ 154. ومؤلفات التاج السبكي عموما وفي أصول الفقه خصوصا تمتاز بحسن الصناعة والسبك، وتتصف بالتدقيق والتحقيق، وجدير بأي كتاب نافع لهذا الإمام أن يسعى لإظهاره ليعم الانتفاع به، رحمه الله رحمة واسعة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 52 ـ[هل هذه القاعدة التى ذكرها ابن تيمية والشاطبى وهى " الفرد من أفراد العموم إذا لم يعمل به أحد من السلف أو إذا لم نعلم أن أحدا عمل به من السلف فالعمل به بدعة " صحيحة وهل هى معارضة لقول العلماء أن العموم بتناول جميع أفراده فى الدلالة وجزاكم الله خيرا]ـ توجد إجابة على ذلك في موضع آخر، فراجعه مشكورا. ـ[هل أُصول الفقه أو بعضها ظني؟ ]ـ القواعد الأصولية منها ما هو مقطوع به؛ كحجية الكتاب والسنة وأخبار الآحاد والإجماع والقياس، ومنها ما هو ظني؛ كحجية مفهوم المخالفة. والأمر الخطير: أن يقال إن جميع القواعد الأصولية ظنية، ولا يوجد فيها ما هو قطعي، فهذا قول مقطوع بفساده وبطلانه، والعلم عند الله. وجدير بالبحث والضبط: جمع المسائل القطعية في أصول الفقه، أو القطعيات في أصول الفقه، أو القواعد الأصولية المقطوع بها، ومظان هذا النوع من المسائل الكتب المصنفة في القرنين: الرابع والخامس في العقيدة وأصول الفقه لأئمة أهل السنة على وجه الخصوص، فمن ذلك: كتب الشافعي، وابن قتيبة، وكتب العقيدة المسندة؛ كابن بطة والآجري واللالكائي، وابن عبد البر والخطيب البغدادي والسمعاني. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 53 ـ[هناك قاعدة - ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب - فهل يقال في تفاوت درجات هذا الإتمام يعني هل من الممكن أن تصاغ العبارة كالتالي [ما تم الواجب بأدناه فهو واجب] وما زاد يكون له درجة معينه من حيث الاحتياط. نفع الله بكم،،،، ]ـ الجواب: قولهم: (ما لا يتم الواجب إلا به) معناه: ما تم الواجب بأدناه؛ فإن هذا الأدنى هو ما لا يتم الواجب إلا به، أما ما زاد فهذا يتم الواجب بدونه فلا يوصف بالوجوب. أما الاحتياط فإنه يدخل مع الواجب إذا كان الواجب لا يتم إلا به؛ كغسل جزء من الرأس مع الوجه في الوضوء. والله أعلم. ـ[هل اعتراض البقلاني على تعريف الفقه - اصطلاحا - أنه العلم بالأحكام الشرعية . . . مقبول أم نقول أنه معرفة الأحكام الشرعية. . . كما قاله الشيخ العثيمين رحمه الله]ـ الأمر في ذلك سهل، والمقصود أن يكون المعنى صحيحا. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 54 ـ[ ما الفرق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية مع ذكر الأمثلة ]ـ الفرق بينهما هو الفرق بين أصول الفقه والفقه، فالقواعد الأصولية تتعلق بالدليل الشرعي إجمالا والقواعد الفقهية تتعلق بفعل المكلف. مثال ذلك: قاعدة الاستصحاب: هي دليل على الإباحة وحجة في إثبات الأحكام، فهذا من جهة كونها قاعدة أصولية، وهي قاعدة فقهية، وذلك بالنظر إلى الحكم على طهارة هذا الثوب ونحوه. ـ[ما رأي فضيلتكم في كتابان (المهذب للشيخ النملة) والآخر (اتحاف ذوى البصائر بشرح روضة الناظر) للمؤلف نفسه ؛ وما هي تعليقات فضيلتكم أو الاستدراكات عليهما. وجزاكم الله خيرا. ]ـ ينظر ذلك في موضع آخر من هذه الأجوبة، مع جزيل الشكر. ـ[قلتم حفظكم الله في كتابكم معالم أصول الفقه صـ182"المسألة الثانية إذا اختلف الصحابة في مسألة على قولين لم يجز للتابعين الإجماع على أحدهما لأن في انعقاد هذا الإجماع نسبة الأمة إلى تضييع الحق والغفلة عن الدليل الذي أوجب الإجماع" سؤالي: ما المقصود "تضييع الحق ... والدليل الذي أوجب الإجماع" أقول المخالف من أقوال الصحابة أم ماذا؟ ]ـ السر في ذلك: أن الإجماع لا ينعقد عن هوى بل لابد له من دليل يستند إليه، وصفة هذا الدليل أنه واضح موجب للاتفاق، فانعقاد الإجماع بعد الاختلاف يلزم منه أن أهل الإجماع اطلعوا على دليل واضح لم يطلع عليه السابقون الذين اختلفوا. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 55 فسبب اختلاف السابقين أنهم لم يطلعوا على دليل واضح يوجب إجماعهم، وسبب إجماع من بعدهم أنهم اطلعوا على دليل واضح يوجب إجماعهم. هذا إذا اختلف أهل العصر فيما بينهم على قولين أو أكثر ثم وقع بعدهم إجماع في عصر لاحق على أحد هذين القولين أو الأقوال. أما وقوع الإجماع بعد الاختلاف من أهل العصر الواحد فيما بينهم فهذا ممكن وهو واقع، كما حصل عند الصحابة في مسائل؛ كاختلافهم في الغسل من الجماع دون إنزال ثم إنهم أجمعوا على وجوب الغسل، فهذا جائز؛ وذلك لأنه لا يترتب عليه بالنسبة لأهل العصر الواحد المفسدة السابقة، وهي خفاء الدليل. والله أعلم. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 56 ـ[ ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه أمر في خطبته بقتل الكلاب ووذبح الحمام حيث جاء في سبب أمره بذلك ما ظهر بالمدينة من اللعب بالحمام والمهارشة بين الكلاب ذكر ذلك الخطابي في غريب الحديث (2/ 142) وابن عبد البر في التمهيد (23/ 131، 132) مع العلم أن الأثر روي من عدة طرق إلا أنه مخالف لآخر الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو النهي عن قتل الكلاب ونظيره ماروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه البخاري في الأدب المفرد باب قمار الديك ح (1261) كيف يمكن الاستدلال به وفق القواعد الفقهية في تحريم المهارشة بين الكلاب أو التحريش بين الحيوانات عموما مصارعة الديكة ومناطحة الكباش وغيرها؟ تخريج الأثر الوادر عن عثمان رضي الله عنه بشكل مختصر: روي من عدة طرق وهي كما يلي: 1_ من طريق يونس عن الحسن به أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ح (19733) (11/ 3) باب الكلاب والحمام، وابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 406) باب ما قالوا في قتل الكلاب، والبيهقي في السنن الكبرى كتاب البيوع باب النهي عن ثمن الكلب (6/ 7)، وفي معرفة السنن والآثار كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الكلاب ح (11540) (8/ 175) 2_ من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن به أخرجه أحمد في مسنده ح (521) (1/ 543) واللفظ له، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (39/ 229) وأخرجه البيهقي في الجامع لشعب الإيمان ح (6115) (11/ 496، 497)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (10/ 317) قال الهيثمي: (رواه أحمد وإسناده حسن إلا أن مبارك بن فضالة مدلس) مجمع الزوائد (باب ذبح حمام القمار (4/ 42) 3_ من طريق يوسف بن عبده عن الحسن به أخرجه البخاري في الأدب المفرد باب ذبح الحمام ح (1301) ص 474 قال الألباني: (ضعيف الإسناد موقوف منقطع الحسن هو البصري مدلس ويوسف لين الحديث) ذكره في تخريجه لأحاديث الأدب المفرد ص 474 4_ من طريق سليمان بن أرقم عن الحسن به أخرجه الطبري في تفسيره (10/ 127) قال ابن كثير: (هكذا رواه ابن جرير من رواية سليمان بن أرقم وفيه ضعف) تفسير القرآن العظيم (3/ 401) وجزيتم خيرا]ـ الجواب: لا يحضرني جواب في هذه المسألة، والعلم عند الله. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 57 ـ[سؤال للشيخ لماذا لم تورد مسائل العلة فى كتابك معالم أصول الفقه وهذا السؤال يحيرنى]ـ يوجد في كتاب المعالم مسألة خاصة باسم أبحاث العلة، وهي المسألة الخامسة من مبحث القياس، وتحت هذه المسألة ثلاثة أبحاث: 1. تعريف العلة وبيان أقسامها. 2. مذهب أهل السنة في التعليل. 3. مسالك العلة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 58 ـ[ من درس الورقات وحفظ نظمها ، ودرس الأصول من علم الأصول للشيخ ابن عثيمين، وبعض الكتب المختصرة في الأصول، هل يناسبه بعد ذلك مراقي السعود، أو أنها في مرحلة متأخرة، خاصة إذا رأى من نفسه النشاط على الحفظ. ]ـ ينظر ذلك في موضع آخر من هذه الأجوبة، مع الشكر. ـ[ هل مسألة المشي إلى السترة، مبنية على مسألة " هل الأمر يفيد التكرار "؟ ]ـ لا يحضرني شيء في هذه المسألة، والله أعلم. ـ[ما هو أحسن كتاب يستعين به الطالب المبتدئ في تخريج الفروع على الأصول ؟ ]ـ أهم الكتب في علم تخريج الفروع على الأصول: كتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجاني الشافعي، والتمهيد في بناء الفروع على الأصول للأسنوي والقواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام الحنبلي، ومفتاح الوصول للتلمساني المالكي وهو أحسنها، والوصول إلى قواعد الأصول للتمرتاشي الحنفي، وللمعاصرين جهود مشكورة من أحسنها كتاب تخريج الفروع على الأصول لعثمان شوشان ولا يزال هذا العلم ـ بالرغم من أهميته والحاجة إليه ـ بحاجة إلى نوعين من الدراسة: دراسة تأصيلية ودراسة تطبيقية تجمع شتاته وهي أجدر وأجدى. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 59 ـ[فضيلة الشيخ .. هل هناك أنواع للإجماعات ؟؟ .. بعض العلماء كابن المنذر ينقل الاجماع على شي ما ولكنا نجد مثلا ان الامام النووي نقل الاجماع على أمر مخالف فكيف نوفق بينهما؟؟ ]ـ للوقوف على سبب ذلك ووجهه لابد من النظر في المسألة التي نُقل فيها ذلك نظرا خاصا، والله أعلم. ـ[فضيلة الشيخ .. ما هي الشروط للتحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى ؟؟ .. أخبروني ان هذه المسألة من أقسام أصول الفقه .. ]ـ اشترط الأصوليون للرواية بالمعنى ألا يكون ذلك في الألفاظ التعبدية ونحوها؛ كألفاظ الأذكار وجوامع الكلم، مع كون الراوي عالما بلغة العرب. ـ[فضيلة الشيخ .. بماذا تنصح طالب العلم المبتدأ لكي يصبح أصوليا متمكنا ؟؟ وما هي افضل الكتب والشروحات مع بيان مستوياتها .. ]ـ ينظر ذلك في موضع آخر من هذه الأجوبة، مع الشكر. ـ[فضيلة الشيخ .. هل هناك تعارض بين قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) وبين قاعدة (التخصيص بقضايا الأعيان) ؟؟ ]ـ ليس هناك تعارض، وذلك أن قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) معناها: أن الحكم إذا ذُكر بلفظ عام؛ فيحمل على العموم؛ سواء كان له سبب خاص؛ كقصة الظهار، أو ليس له سبب خاص؛ كسائر الأحكام. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 60 أما قضايا الأعيان فهي السبب الخاص ذاته، الذي ورد حكمه بلفظ خاص؛ كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بردة {تجزيك، ولا تجزي أحدا بعدك} أي في الأضحية، فهذا من قضايا الأعيان. والأصل في قضايا الأعيان أن تحمل على الخصوص ما لم يكن المعنى عاما، وهذا له أثر في كثير من الفروع؛ فإن حكمه صلى الله عليه وسلم على واحد من أمته يعد حكما عاما لجميع الأمة متى كان المعنى عاما في هذا الواحد وفي غيره، لكن متى ثبت لدينا أن هذا الحكم خاص لكون المعنى خاصا بصاحب القصة فهذا يسمى قضية عين، لا يصح تعميم حكمها، كتخصيصه صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة، وأضحية أبي بردة. وبناء على ذلك فيمكن فيما يأتي الإشارة إجمالا إلى بعض القواعد المتعلقة بمسألة قضايا الأعيان: • أن الأصل في جميع أحكام الشريعة عمومها لجميع المكلفين، ولو كان سبب هذا الحكم خاصا؛ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. • أن تخصيص شيء من الأحكام الشرعية وجعله قضية عين لا عموم لها يفتقر ولابد إلى دليل، والأصل عدمه. • أن سبب الحكم (سبب النزول) يتعين حمله على الخصوص؛ فيكون قضية عين لا عموم له بشرطين: ألا يرد الحكم بلفظ عام، وأن يقوم دليل على الخصوصية. • أن الأصل وجوب حمل الألفاظ العامة وإجرائها على العموم، ولا يجوز تخصيصها ـ على الصحيح ـ بخصوص سببها بأن يقال: هذه من قضايا الأعيان. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 61 • أن الأصل في أمر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ونهيه له العموم، فإن الأمة تشاركه ما لم يثبت الاختصاص، ولا يقال: إن هذا الأمر خاص به صلى الله عليه وسلم أو هو قضية عين لا عموم لها • أن الأصل في أفعاله صلى الله عليه وسلم العموم؛ فإن الأمة تتأسى بأفعاله إلا ما خصه الدليل، ولا يقال: إن فعله صلى الله عليه وسلم قضية عين لا عموم لها. • أن الأصل في أمره صلى الله عليه وسلم أو إقراره أو نهيه لواحد من أمته عموم هذا الحكم لجميع الأمة، ولا يصح أن يقال: إن هذا الحكم مختص بصاحب الواقعة دون غيره؛ بناء على أن ذلك من قضايا الأعيان، وذلك لما عُلم من عموم هذه الشريعة لعامة المكلفين وأنهم يدخلون تحت أحكامها على السواء. • أن قضايا الأعيان قد تستثنى من قاعدة القياس فلا يقاس غيرها عليها، وذلك متى ثبت كون المعنى خاصا والعلة قاصرة على محلها. • أن قضايا الأعيان قد ترد بلفظ عام ظاهره العموم، فيتعين حينئذ حمله على الخصوص ويبطل به العموم. وبعد فإن مسألة قضايا الأعيان جديرة ببحث يستجمع أحوالها ويكشف ضوابطها، ويجلي حقيقتها وأثرها. والله المستعان. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 62 ـ[ هل يجوز شرعا لطالب العلم الذي لم تكتمل عنده الآلة أن يرجح بين كلام المجتهدين في مسائل الفقه على أساس الدليل؟ أي أنه سيقلد أحد المجتهدين على أساس أنه أقربهم للدليل؟؟ وهل على المرء جناح أن يتنقل بين أقوال المجتهدين بما لديه من علم متواضع طالما كانت عينيه على الدليل الشرعي الصحيح؟ أرجو التوضيح وجزاكم الله خيرا]ـ من كانت لديه القدرة على فهم الدليل ووجوه الاستدلال واتسع لديه الوقت فعليه أن ينظر في الأدلة بحسب قدرته ويختار أقرب الأقوال مع الحذر في ذلك من اتباع الهوى عند الاختيار والترجيح؛ فإن الهوى له مداخل خفية، والمطلوب: تقوى الله على كل حال. والضابط في مسألة حكم الاجتهاد والتقليد: القدرة والاستطاعة: فمن كان من أهل الاجتهاد وقادرا عليه تعين عليه الاجتهاد لا يسعه إلا ذلك؛ إذ ليس له أن يقلد مجتهدا غيره إلا في حالة الضرورة. وأما من لم يكن من أهل الاجتهاد وليست لديه قدرة على فهم الدليل ووجه الاستدلال، بل هو من الجهال العوام تعين عليه التقليد وسؤال أهل العلم، لا يسعه إلا ذلك، ولا يجوز لمثل هذا أن يجتهد. وأما من لم يكن من أهل الاجتهاد إلا أنه كان قادرا على فهم الدليل وإدراك وجه الاستدلال طولب بما يقدر عليه من الفهم والإدراك، وسقط عنه ما لا يقدر عليه من الترجيح والاستنباط. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 63 وهذا هو ـ في الغالب ـ شأن طلبة العلم الذين ليسوا من أهل الاجتهاد ولم تتوفر فيهم شروط المجتهد، فلا يلتحقوا بالمجتهدين، كما أنهم ليسوا كالعوام الجهال، فلا يلتحقوا بهم، بل لديهم قدرة على فهم الدليل ووجوه الاستدلال، فهذه مرتبة متوسطة بين مرتبة المجتهد ومرتبة المقلد، وهي مرتبة المتبع، وأهل هذه المرتبة يطالبون بما يقدرون عليه دون ما لا يقدرون عليه؛ لعموم قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) (فاتقوا الله ما استطعتم). والله الموفق. ـ[ هل صحيح أنه لا تسلم قاعدة أصولية من الاستثناءات ؛ كالنهي يقتضي الفساد , والأصل في الأوامر الوجوب إن لم تكن ثمة قرينة]ـ الأقرب أنه لا تسلم قاعدة أصولية من قرائن، أما بالنسبة للاستثناء من القواعد الأصولية فهذا ليس على إطلاقه؛ فإن بعض القواعد تطرد ولا استثناء فيها؛ مثل كون دلالة النص قطعية، وبعضها يرد عليه الاستثناء والقرائن؛ كالأمثلة المذكورة في السؤال. ـ[ رأيكم في كتاب (أصول الفقه) لعياض السلمي ]ـ ينظر ذلك في موضع آخر من هذه الأجوبة، مع الشكر. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 64 ـ[شيخنا الكريم، في كتابكم (معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة) ، التزمتم الرجوع في المسائل إلى كتب أهل السنة مما ظهر لكم أنه خال من المزالق العقدية، ولكن ألا ترون - رعاكم الله - أن كل من كتب في هذه الصنعة الشريفة هو عالة على الأئمة من الأشاعرة كالرازي والغزالي وابن الحاجب والآمدي والزركشي والقرافي والبزدوي ... ، بما في ذلك (روضة الناظر)، فهو يكاد يكون اختصارا للمستصفى. فقد طالعت كتابكم فألفيتكم لا تنقلون إلا من الحنابلة في أغلب الأحيان، وهذا آخذكم عليه كثير من المشايخ والأساتذة عندنا - ولو أنه التزام منكم لشرطكم في العنوان - فهذا قد جعل بعض طلبة العلم لا ينظرون في كتب الأصوليين من الأشاعرة - وهم أغلب من كتب في الفن - بدعوى أنهم مبتدعة والعياذ بالله - ويمكن أن يقاس عليه صنعة الحديث رواية ودراية لأن سواد من صنف فيه هم الأشاعرة -. ثم هل كل المباحث الأصولية يُخاف فيها على طالب العلم المبتدئ حتى تنزهون كتابكم مما ألفه الأشاعرة؟ ثم ألا ترون فضيلتكم في إخراجكم لهؤلاء القوم - ولست أشعريا - من زمرة أهل السنة والجماعة نوعا من التجوز الذي رآه الكثيرون تجنيا؟ وحبذا لو أحلتمونا على سلفكم في إخراج الأشاعرة من (أهل السنة والجماعة) من الأئمة الأولين. أدام الله عليكم موفور الصحة والعافية وتمام التوفيق. ]ـ هناك تنبيهات مهمة حول تقسيم وتصنيف المؤلفات الأصولية، إلى ثلاث طرق: طريقة المتكلمين (وهي الطريقة النظرية)، وهي التي سلكها في الغالب الشافعية، وتبعهم فيها المالكية والحنابلة. وطريقة الفقهاء (وهي الطريقة التطبيقية)، وهي التي سلكها الحنفية في الغالب. وهناك ما يسمى بطريقة المتأخرين أو الجمع بين الطريقتين. وحول هذا التقسيم التنبيهات الآتية: 1. أن أول من ذكر هذا التقسيم هو ابن خلدون في مقدمته. 2. أن هذا التقسيم إنما على سبيل الإجمال وبحسب الغالب. 3. أن الطريقة الثالثة، وهي طريقة المتأخرين راجعة ـ عند التمحيص والتأمل ـ ولابد إلى إحدى الطريقتين الأوليين. 4. أنه قد وجدت بعض المؤلفات الأصولية خرجت عن هذه الطرق الثلاث ولا يمكن نسبتها إلى شيء منها، وهذا قليل جدا، وهو أيضا نسبي، وذلك مثل كتاب الموافقات للشاطبي؛ فإنه يصعب نسبته إلى طريقة المتكلمين، إلا أنه يمكن نسبة هذا الكتاب إلى طريقة المتكلمين، نظرا لكون الشاطبي اعتمد كثيرا في كتابه على كتب المتكلمين الأصولية؛ مثل كتب القرافي، والغزالي والرازي، فهو بهذا النظر يدور في فلكهم، ثم إنه مالكي وقد استفاد أيضا من كتب المالكية، والمالكية عموما ينسبون إلى طريقة المتكلمين. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 65 5. أن هذا التقسيم إنما هو بالنظر إلى منهج الكتابة وطريقة التأليف، ولا يمثل اتجاها عقديا أو مذهبا فقهيا معينا، اللهم إلا أن الغالب على الشافعية ومن معهم سلوك طريقة المتكلمين، وأن معظمهم من المعتزلة والأشاعرة، وأن الغالب على الحنفية سلوك طريقة الفقهاء، وأن معظمهم من الماتريدية. 6. أن هنالك تقسيمات أخرى باعتبارات أخرى لم يلتفت إليها في هذا التقسيم، كاعتبار العقيدة والمذهب الفقهي والاختصار والإسهاب. أثر المتكلمين في أصول الفقه: قد يقول قائل: إن علم أصول الفقه ـ في معظم مسائله ـ من قبيل علوم الآلة، وهي لا تختلف في بيانها وتقريرها باختلاف العقائد والمذاهب، كما هو الحال في علوم الآلة؛ كقواعد علم النحو والصرف والبلاغة. لكن هذا القول يعكر عليه ذلكم الواقع المشهود؛ فإن كثيرا من المؤلفين بثوا طرفا من عقائدهم ضمن مؤلفاتهم، وأدخلوا طائفة من معتقداتهم في ثنايا كلامهم، حيث إن للعقيدة تأثيرا ظاهرا لا يجحد خاصة في مؤلفات الأصوليين، بل قد كان الباعث لدى بعض الأصوليين من تأليفه في أصول الفقه إنما هو نصرة عقيدته والدعوة إليها وتكثير سوادها، وتأسيس القواعد الناصرة لها، وإبطال قواعد المخالفين لها، وكل مؤلف لابد أن ينطلق من عقيدته في مؤلفاته ويبني عليها ويتأثر بها ويدعو إليها. ويتضح ذلك التأثير من خلال الوجوه التالية: 1. تأسيس طائفة من القواعد الأصولية على أصول عقدية؛ كالتحسين والتقبيح عند المعتزلة، ونفي العلة والحكمة عند الأشاعرة، وعصمة الأئمة عند الشيعة. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 66 2. تركيب الأدلة، سواء في ذلك النقلية منها أم العقلية. 3. منهج الاعتراض والإبطال لأدلة الآخرين. 4. إنشاء مسائل وبحثها ضمن علم أصول الفقه، وإنما الباعث على ذلك ترسيخ المذهب العقدي وتجليته. 5. إيراد الأمثلة، كالتمثيل للتأويل والمجاز بنفي الصفات وتعطيلها، وهذا أهون الوجوه على الرغم من خطورته. 6. بث طائفة من التصورات المبنية على مناهج كلامية مجافية لمنهج السلف الصالح، وهذا الوجه أخطر الوجوه وأدقها؛ لشدة خفائه وصعوبة حصره، وسعة انتشاره، ومن الأمثلة على ذلك: توهين هيبة نصوص الوحي. وقد عمت هذه الوجوه وطمت، وتأثر بها ووجد غبارها وسيء آثارها في عامة كتب الأصول، بل حتى في بعض كتب أهل السنة في أصول الفقه، والسبب في ذلك كثرة مؤلفات أهل الكلام الأصولية واتساع انتشارها وما هي عليه من حسن عرض وإتقان ترتيب وتبويب. وقد انبنى على هذه الوجوه وحصل معها وبها ومنها مفاسد عظيمة، فمن ذلك: • اتساع باب الجدل، بذكر مسائل لا ثمرة لها، وفرض احتمالات عقلية لا وقوع لها، فضاعت بذلك الأوقات وكلت الأذهان. • الإغراق في نقد الحدود ونحوها والانشغال بذلك عن كثير من المقاصد. • تنكب منهج السلف في التعامل مع الحديث والأثر، وهذا يظهر من خلال: الاستكثار من الأدلة العقلية واللغوية، وقلة الاستشهاد بالأحاديث، ومجافاة الآثار، وإيراد الضعيف منها بل الموضوع، وعدم ضبط اللفظ النبوي. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 67 • انصراف عامة الطلاب وتنفيرهم عن دراسة علم أصول الفقه؛ حيث صار عسر المأخذ، بعيد الثمرة، صعب المنال. فهل بعد هذه المفاسد والبلايا العظام نجد من يقول: ليس لأهل السنة منهج وطريقة خاصة بهم في أصول الفقه؟ وقد كان ـ بفضل الله ـ للإمامين ابن تيمية وابن القيم سبق عظيم في التنبيه على هذه المفاسد وأمثالها، وتحرير منهج السلف الصالح والرد على مخالفيهم، وهذا من حفظ الله لدينه، ونصرته لأهل السنة والجماعة. ومن الاعتبارات التي تنقسم بها المصنفات الأصولية: اعتبار العقيدة؛ فإن هناك كتبا للأشاعرة، وأخرى للمعتزلة، وأخرى للماتريدية، وأخرى للشيعة، كما أن هناك كتبا لأهل السنة والجماعة، وهذه النسبة إنما جرت نسبة إلى المذهب العقدي لمؤلفيه. واعتبار المذاهب الفقهية: فهناك كتب أصولية على المذهب الحنفي، وعلى المذهب المالكي، وعلى المذهب الشافعي، وعلى المذهب الحنبلي، وعلى المذهب الظاهري. ومثل اعتبار التوسع والاختصار: فهناك متون مختصرة، وهناك شروح وحواشٍ، وهناك كتب مطولة. ومثل اعتبار شمول هذه المؤلفات لمباحث هذا العلم أو الاقتصار على بعضها: فهناك مؤلفات أصولية شاملة لجملة مباحث علم الأصول، وهناك مؤلفات خاصة ببعض المباحث، مثل كتاب: «تنقيح الفهوم في تنقيح صيغ العموم» للعلائي. وبناء على ما مضى فإن كتاب روضة الناظر يعد: الجزء: 15 ¦ الصفحة: 68 من كتب المتكلمين بالنظر إلى طريقة التأليف ومنهج الكتابة، وهذا واضح في ترتيبه لمسائل الكتاب وفي تقريره للقواعد الأصولية بطريقة كلامية مجردة خالية عن التطبيق الفقهي. ثم هو من كتب أهل السنة؛ لأن مؤلفه من أهل السنة والجماعة، وقد قرر في كتابه هذا عقيدتهم في أكثر من موضع، كما فعل في الرد على القائلين بالكلام النفسي. ثم هو من كتب الحنابلة بالنظر إلى المذهب الفقهي، وهذا واضح في عنايته بأقوال الإمام وأحمد وأقوال الحنابلة. ثم هذا الكتاب يعد من الكتب المتوسطة في هذا الفن؛ فليس هو بالمبسوط كإحكام الآمدي ولا بالمختصر كابن الحاجب، بل هو وسط بينهما. ثم هو كتاب شامل لجملة مسائل هذا العلم، وليس خاصا ببعضها. والمقصود ألا نخلط بين هذه الاعتبارات والتقاسيم، أو ندخل بعضها في بعض، وهذا النظر الذي طبقناه على كتاب الروضة يجري على جميع الكتب الأصولية، لا يستثنى منها كتاب. ختاما: أقول إن تاريخ أصول الفقه ومناهج التأليف فيه لا يزال أرضا خصبة بكرا لمن أراد السير في طريق الحق والبحث عن الحقيقة، والله المستعان. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 69 ـ[ سؤال حول عذر التأويل .. نرى أن هناك من يقع في بدعة وأحياناً تكون مكفرة ونرى أن العلماء يعذرونه بالتأويل .. وأحياناً لا يعذرونه .. كيف نفرق بين التأويل المقبول والمردود؟ وهل يُعذر المتلبس بالشرك الأكبر بالتأويل؟ ]ـ لابد عند الحكم على الشخص المعين الذي صدر منه خطأ من مراعاة ضابطين: الضابط الأول: أن الإثم الواقع على المخالف ليس على رتبة واحدة، بل هو يختلف حسب مرتبة المخالفة، ودرجة دليلها، وأثرها، وحال المخالف. والواجب حينئذ: النظر في المخالفة بحسب هذه الاعتبارات ثم الحكم على صاحبها على قدر المخالفة. الضابط الثاني: أن الحكم على الشخص المعين يتوقف على توفر شروط وانتفاء موانع، وهي ثلاثة: المانع الأول: الإكراه، فيشترط ـ في الحكم على المعين ـ أن يقع الفعل عن إرادة واختيار. والدليل على ذلك: قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} وقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). المانع الثاني: الجهل، فيشترط ـ في الحكم على المعين ـ إقامة الحجة عليه حتى يعرف أن فعله هذا مخالف للدليل الصحيح. والدليل على ذلك: قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 70 وقيام الحجة "يختلف؛ باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص؛ فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر؛ إما لعدم عقله وتمييزه، كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له، فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئا ولا يتمكن من الفهم". المانع الثالث: الخطأ في الاجتهاد وهو التأويل، فيشترط ـ في الحكم على المعين ـ أن تقع منه المخالفة على وجه مذموم. قال ابن تيمية: "فلا يلزم إذا كان القول كفرا أن يكفر كل من قاله مع الجهل والتأويل". والدليل على ذلك: قوله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} وقوله صلى الله عليه وسلم: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان). والمتأول المعذور هو الذي توفرت فيه الشروط الآتية: 1. أن يكون من أهل النظر والاجتهاد. 2. أن يكون معه أصل الإيمان بالله سبحانه. 3. أن يكون ذا نية صادقة في طلب الحق وابتغاء الصواب. 4. أن يبذل جهده ووسعه في البحث والنظر. فهذا وأمثاله لا يقع منه الخطأ إلا فلتة، وهذه تسمى زلة، وهو معذور ـ مهما بلغ خطؤه ـ ثم إن هؤلاء يرجعون إلى الحق متى تبين لهم. أسأل الله أن يرشدنا إلى أحسن الأقوال والأفعال. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 71 ـ[فيعجب المطالع لكتب الفقه من كثرة النواهي الشرعية التي يجد أن جمهور الفقهاء صرفوها عن التحريم إلى الكراهة و كثرة الأوامر الشرعية التي صرفت إلى الإستحباب بحيث يقف طالب العلم حائرا متى يصرف الأمر والنهي عن ظاهره ومتى لا يصرف؟ نرجو من فضيلتكم أن يعطينا ضابطاً جلياً فاصلاً للحالات التي يبقى فيها الأمر والنهي على أصلهما والحالات التي تصرف عن الأصل. ]ـ أشكرك أخي الكريم على هذا السؤال المهم. وأقول: الأصل في الأمر والنهي أن يحمل كل منهما على ظاهره، ولا يترك هذا الظاهر إلا بقرينة توجب الصرف عنه. إلا أن القرائن كثيرة منتشرة. وهي متفاوتة: تختلف بحسب المسائل، وبحسب الناظرين، ويعتري بعضها الاختلاف ويرد عليه الاجتهاد. ثم هذه القرائن منها ما هو دليل آخر مستقل، ومنها النقلي والعقلي، ومنها دليل تابع متصل باللفظ. ومنها: ما يؤخذ من السياق، ومنها ما يعرف من مقصود الشارع وعادته، ومنها ما يدرك بعد جمع النظائر والأشباه. والتعرف على القرائن يحتاج ولابد إلى معرفة واسعة بالنصوص وما يحيط بها وإلى علم باللغة وبالقواعد الأصولية وقواعد الشريعة الكلية. فالقرائن إذن بحاجة إلى أصول تُرد إليها وتحكمها، وقواعد كلية تجمعها. ومسألة القرائن لا تزال بحاجة ماسة إلى دراسة تأصيلية تطبيقية، فهل من مشمر؟ هذا آخر ما يسَّر الله تدوينه إجابة على أسئلة الإخوة المشاركين في ملتقى أهل الحديث نفع الله به وبهم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الجزء: 15 ¦ الصفحة: 72