الكتاب: موسوعة الفقه الإسلامي المصرية المصدر: موقع وزارة الأوقاف المصرية   [الكتاب مرقم آليا] ---------- موسوعة الفقه المصرية مجموعة من المؤلفين الكتاب: موسوعة الفقه الإسلامي المصرية المصدر: موقع وزارة الأوقاف المصرية   [الكتاب مرقم آليا] معنى الفقه معنى الفقه لغة: قال فى الصحاح: الفقه الفهم. قال أعرابى لعيسى بن عمر: شهدت عليك بالفقه. تقول منه فقه الرحل بالكسر، وفلان لا يفقه ولا ينقه (أى يفهم) . وفى القاموس المحيط: الفقه بالكسر العلم بالشىء والفهم لة. وفى المصباح المنير الفقه فهم الشىء. قال ابن فارس: وكل علم لشىء فهو فقه. فالفقه هو الفهم لما ظهر أو خفى، قولا كان أو غير قول، ومن ذلك قول الكتاب الكريم: {ما نفقه كثيرا مما تقول} (1) {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} (2) . {انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون} (3) . غير أن القرافى قال فى شرح تنقيح الفصول: وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى: الفقه فى اللغة إدراك الأشياء الخفية. فلذلك تقول: فقهت كلامك ولا تقول فقهت السماء والأرض 0 وعلى هذا النقل لا يكون لفظ الفقه مرادفا لهذه الألفاظ، والألفاظ التى يشير إليها القرافى هى: الفهم والعلم والشعر والطب. ولفظ الفقه من المصادر التى تؤدى معناها، وكثيرا ما يراد منها متعلق معناها كالعلم بمعنى المعلوم، والعدل بمعنى العادل. معنى الفقه فى الصدر الأول: وقد غلب فى الصدر الأول استعمال الفقه فى فهم أحكام الدين جميعها، أى فهم كل ما شرع الله لعباده من الأحكام، سواء أكانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها، أم كانت أحكام الفروض والحدود والأوامر والنواهى والتخيير والوضع، فكان اسم الفقه فى هذا العهد متناولا لهذين النوعين على السواء، لم يختص به واحد منهما دون الأخر، وكان مرادفا إذ ذاك لكلمات " شريعة، وشرعة، وشرع، ودين " التى كان يفهم من كل منها النوعان جميعا. وكما كان اسم الفقه يطلق على فهم جميع هذه الأحكام، كان يطلق على الأحكام نفسها، ومن ذلك قولة عليه الصلاة والسلام: "رب حامل فقه غير فقيه " " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ". وهذا الاستعمال الجامع قد استمر أمدا ليس بالقصير، يرشدنا إلى هذا ما نقل عن الإمام أبى حنيفة: من أن الفقه هو معرفة النفس ما لها وما عليها، وما هذه المعرفة إلا معرفة أحكام الله بنوعيها، كما أنة سمى كتابة فى العقائد " الفقه الأكبر ". ثم تغير هذا الاستعمال ودخل التخصيص على اسم الفقه، ونشأ اصطلاح للأصوليين وآخر للفقهاء. معنى الفقه عند الأصوليين: يحسن بنا أن نشير أولا إلى أن ما نزل به الوحى الإلهى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، كتابا كان أو سنة، من الأحكام العملية، قد يكون دليله قطعى الثبوت وقطعى الدلالة معا، وهو ما تعورف إطلاق النص علية، وهذا النوع لا مجال فيه للاجتهاد، وإن كان محلا للنظر، فمنه ما يكون ضروريا وشعيرة إسلامية كوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، ومنة ما هو نظرى ومثل النص فى كل هذا الإجماع إذا كان ثابتا ثبوتا قطعيا. وقد يكون الدليل قطعى الثبوت ظنى الدلالة، وقد يكون ظنى الثبوت قطعى الدلالة، وقد يكون ظنى الثبوت والدلالة. وهذه الأنواع الثلاثة هى محل الاجتهاد وتسمى أحكامها أحكاما ظنية وأحكاما اجتهادية، فقولة تعالى: {وامسحوا برءوسكم} (4) قطعى الثبوت وقطعى الدلالة على وجوب أصل المسح، فهو حكم قطعى، لكن دلالته على مقدار ما يمسح من الرأس، أهو الكل أو الربع أو البعض، دلالة ظنية، فالأخذ بأى مقدار يكون حكما ظنيا اجتهاديا. بعد هذا نقول: إن الأصوليين قد اتجهت عنايتهم إلى بيان- مفهوم الفقه فى اصطلاحهم بالمعنى الوصفى، أى الحال التى إذا وجد عليها المرء سمى فقيها 0 ولم يعرضوا لمعناه الاسمى، أى المسائل والأحكام التى يطلق عليها اسم الفقه، وإن كان من الممكن أن يقال: إن الأحكام التى تسمى معرفتها فقها هى التى يمكن أن تسمى فقها بالمعنى الاسمى، والأحكام التى لا تسمى معرفتها فقها لا تسمى فقها بذلك المعنى. غير أن المسألة مسألة اصطلاح ونقل له- لا مسألة استخراج وتفهم واستنباط لوازم. وقد أفاض الأصوليون، وبخاصة المتأخرين منهم، فى بيان معنى الفقه الوصفى فى مصطلحهم، وكانت لهم فى ذلك تعريفات واعتراضات ومناقشات وكلام طويل خلاصته أن لهم فى ذلك ثلاث طرائق. فالطريقة التى جرى عليها جمهورهم هى أن الفقه معرفة الأحكام الشرعية التى طريقها الاجتهاد كما قال الشيرازى فى اللمع 0 وهو بعينة ما عرّف به غيره الفقه: من أنه العلم بالأحكام الشرعية العملية بالاستدلال كما قال بعضهم أو من طريق أدلتها التفصيلية كما قال البعض الآخر، فالعلم بالذوات من أجسام وصفات وسواها ليس فقها لأنه ليس علم أحكام. والعلم بالأحكام العقلية والحسية والوضعية كأحكام الحساب والهندسة والموسيقى والنحو والصرف لا يسمى فقها لأنه علم أحكام ليست بشرعية. وعلم أحكام أصول الدين وأصول الفقه ليس فقها، لأنها أحكام شرعية علمية وليست عملية. وبقيد الاستدلال خرج عن أن يكون فقها علم جبريل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلم المقلد بالأحكام الشرعية العملية، لأنه علم ليس عن استدلال، وكذلك العلم بشعائر الإسلام كوجوب الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك مما هو معلوم بالضرورة. من غير استدلال، فهذا لا يسمى فقها لحصوله للعوام والنساء والأطفال المميزين، فالفقه هو العلم الاجتهادى والفقيه هو المجتهد. والطريقة الثانية: هى ما انتزعه صدر الشريعة مما جاء بأصول البزدوى مع شىء من التصرف. فقد اختار فى التنقيح تعريف الفقه: بأنه العلم بكل الأحكام الشرعية العملية التى قد ظهر نزول الوحى بها والتى انعقد الإجماع عليها من أدلتها مع ملكة الاستنباط الصحيح منها، فلكى يتحقق معنى الفقه عنده، يجب العلم بالأحكام الشرعية العملية المعروفة أخذا من أدلتها، قطعية كانت أو ظنية، وليس الاستدلال بمعنى الاجتهاد شرطا لحصول هذا العلم، ويجب أيضا أن تكون مع هذا ملكة الاستنباط الصحيح من الأحكام الشرعية التى نزل بها الوحى،. أو انعقد عليها الإجماع. فالفقيه على هذا من كان أهلا للاجتهاد وإن لم يقع منه اجتهاد. والطريقة الثالثة: هى التى جرى عليها الكمال بن الهمام فى التحرير ولا تعرف لغيره، وهى لا تختلف عن الطريقة السابقة إلا فى بعض أمور أهمها ما يرجع إلى المراد من الأحكام الشرعية، فقد ذهب إلى أنها القطعية لا الظنية، وأن الظن ليس من الفقه، وأن الأحكام المظنونة ليست مما يسمى العلم بها فقها. فالفرق بين الطرائق الثلاث يرجع إلى المراد من الأحكام. فمنهم من أراد منها الظنية وحدها، ومنهم من أراد القطعية وحدها، ومنهم من جعلها شاملة للقطعية والظنية، وقد نقل ابن عابدين فى رد المحتار عن شرح التحرير، أن التعميم قد نص غير واحد من المتأخرين على أنه الحق وعليه عمل السلف والخلف. ودعوى هذا الشارح فى جريان العمل عليه دعوى جريئة لا يصدقها الواقع. معنى الفقه فى اصطلاح الفقهاء: واسم الفقه قد استعمل فى اصطلاح الفقهاء للدلالة على أحد معنيين، أحدهما: حفظ طائفة من مسائل الأحكام الشرعية العملية الواردة بالكتاب والسنة وما استنبط منها، سواء حفظت مع أدلتها أم حفظت مجردة عن هذه الدلائل. فاسم الفقيه عندهم ليس خاصا بالمجتهد كما هو اصطلاح الأصوليين، بل يتناول المجتهد المطلق، والمجتهد المنتسب، ومجتهد المذهب، ومن هو من أهل التخريج وأصحاب الوجوه، ومن كان من أهل الترجيح، ومن كان من عامة المشتغلين بهذه المسائل. وتكلموا فى المقدار الأدنى من هذه المسائل الذى يسمى حفظه فقها وانتهى تحقيقهم إلى أن هذا متروك للعرف، غير أنهم لا يصفون بفقه النفس إلا من كان واسع الاطلاع، قوى الفهم والإدراك، متين الحجة، بعيد الغور فى التحقيق والغوص على المعانى، ذا ذوق فقهى سليم نقى، وإن كان مقلدا، كما اعتادوا أن يصفوا بذلك الكمال بن الهمام وأضرابه من الفقهاء المقلدين. والمعنى الثانى الذى يطلق عليه اسم الفقه: مجموعة هذه الأحكام والمسائل. فإذا ذكرت دراسة الفقه أو فهم الفقه، أو ما ورد فى الفقه، أو التأليف فى الفقه، أو كتب الفقه أو ما هو من هذا القبيل، فإنهم لا يعنون إلا هذه المجموعة التى تحتوى على الأحكام الشرعية العملية التى نزل بها الوحى، قطعية كانت أو ظنية، وعلى ما استنبطه المجتهدون على اختلاف طبقاتهم، وعلى ما اهتدى إليه أهل التخريج والوجوه، وعلى ما ظهرت روايته واشتهرت وما لم يكن كذلك، وعلى الأقوال الصحيحة والأقوال الراجحة والأقوال غير الصحيحة والمرجوحة والضعيفة والشاذة، وعلى ما أفتى به أهل الفتوى فى الواقعات والنوازل، وإن لم يقم على استنباط ولم يكن إلا تطبيقا للأحكام المقررة، وعلى بعض ما احتيج إليه من مسائل العلوم الأخرى كبعض أبواب الحساب التى ألحقت بالوصايا والمواريث، وعلى ما رآه متأخروا الفقهاء الذين ليسوا من أهل الاجتهاد ولا التخريج من طريق ما سموه تفقها، أو استظهارا أو أخذا، أو أشبه ذلك، فقل هذا الذى ذكرنا قد اندمج بعضه ببعض وسار فقها. ولكل مذهب من المذاهب الفقهية مجموعته الخاصة التى تنسب إليه، فيقال فقه مذهب أبى حنيفة، وفقه مذهب مالك وفقه مذهب الإمامية، وفقه الزيدية، وفقه الأباضية، وهكذا. ومنذ الأزمنة البعيدة وجدت مجموعة عامة شاملة لفقه المذاهب الفقهية كلها أو أشهرها، وهى التى اختصت باسم اختلاف الفقهاء، والمجموعات الخاصة والمجموعات العامة كلاهما يتناوله اسم الفقه. والفقه بهذين المعنيين يطلق عليه أيضا علم الفروع، أو الفروع، أما فى مقابلة العقائد وأصول الدين، لأن التصديق بالأحكام العملية فرع للتصديق بالعقائد، وأما فى مقابلة أصول الفقه لتفرع تلك الأحكام عن أصولها وأدلتها التى هى موضوع أصول الفقه. وقد يطلق الفقهاء اسم الفروع أيضا على بعض المسائل المتفرعة على أصول المسائل الفقهية الكلية.   (1) الآية: 91 سورة هود. (2) الآية: 44سورة الإسراء. (3) الآية: 65 سورة الأنعام. (4) الآية:6 سورة المائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 الشريعة والفقه الشريعة والشرعة معناها فى اللغة: مورد الناس للاستقاء، سمى بذلك لوضوحه وظهوره، وتجمع الشريعة على شرائع والشرع مصدر شرع بمعنى وضح وأظهر. وقد غلب استعمال هذه الألفاظ فى الدين وجميع أحكامه (شرع لكم الدين ما وصى به (نوحا والذى أوحينا إليك ((5) (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ((6) (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ((7) . فالشرع أو الشريعة أو الشرعة، هو ما نزل به الوحى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - من الأحكام فى الكتاب والسنة، مما يتعلق بالعقائد والوجدانيات وأفعال المكلفين قطعيا كان أو ظنيا، ومعناه يساوى معنى الفقه فى الصدر الأول. ولا نعرف أنه قد طرأ عليه تخصيص، اللهم إلا ما قد يشعر به استعمال بعض الفقهاء أحيانا لكلمة " شرائع الأحكام " ولا يريدون منها إلا الأحكام التكليفية والوضعية، ولكن هذا لا يرقى إلى مرتبة التخصيص والاصطلاح. أما الأحكام التى لم ترد لا فى الكتاب ولا فى السنة نطقا ولا عملا، وكانت مما استنبطه المجتهدون من معانى تلك الأحكام، ولم يجمع عليها من أهل الإجماع، فليست إلا أفهاما وآراء لأربابها، ولا تسمى فى الحقيقة شرعا ولا شريعة. وما نسبت إلى الشرع وسميت أحكاما شرعية فى تعريف الفقه وفى غيره من المواطن إلا لأنها مستنبطة من الشرع، لا لأنها منه. فإذا وازنا بين مفهوم الشرع أو الشريعة، ومفهوم الفقه بالمعنى الاسمى فى اصطلاح الفقهاء، وجدنا أن بينهما العموم والخصوص الوجهى، يجتمعان فى الأحكام التى وردت بالكتاب والسنة، وينفرد الشرع أو الشريعة فى أحكام العقائد وما إليها مما ليس فقها، وينفرد الفقه فى الأحكام الاجتهادية وما يلتحق بها. وقد ظهر فى عصرنا إطلاق اسم الشريعة الإسلامية على الفقه وما يتصل به. وربما كان بدء ظهور هذا فى مدرسة الحقوق بالقاهرة، ثم كثر استعماله، حتى إنه لا يفهم الآن من الشريعة الإسلامية عند الإطلاق إلا هذا المعنى، وعلى هذا الأساس سميت الكليات التى خصصت فى بعض البلاد الإسلامية لدراسة الفقه، وما يتصل به، كلية الشريعة الإسلامية. وقد فشا أخيرا فى القضاء استعمال عبارة " المنصوص عليه شرعا كذا "، وقد يكون ما ينقل ليس إلا رأيا لأحد المؤلفين فى الفقه. على أن الأمر ليس ذا شأن كبير ما دامت المسألة مسألة اصطلاح، فقديما قالوا: أنه لا مشاحة فى الاصطلاح. ما ليس فقها: والأفهام والآراء التى يتوصل إليها من طريق النظر فى الأحكام الشرعية لا تسمى فقها، إلا إذا وقعت موقعها وصدرت عمن هو أهل لها، وإلا كانت مهدرة ليس لأحد أن يعول عليها، ولا أن يد خلها فى باب اختلاف الفقهاء ويعتبرها فقها. ومن القضايا المشهورة المسلمة، كان الاجتهاد فى مقابلة النص لا يقبل. وقال الفقهاء: إن الاجتهاد إذا كان مخالفا للكتاب أو السنة أو الإجماع، أو كان قولا بلا دليل لا يكون معتبرا، ويكون خلافا، ولا يكون من قبيل اختلاف الفقهاء، وإذا قضى به القاضى وقع قضاؤه باطلا. وواضح أنهم لا يعنون من مخالفة الكتاب والسنة، إلا مخالفة نصهما، أى ما هو قطعى الثبوت والدلالة منهما. ومخالفة الكتاب الكريم تكون برد نصه القاطع فى دلالته، كالقول بحل الربا فى بعض صوره، لأنه مخالف لقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} (8) كما يكون بحمل النص على ما لا سبيل إلى حمله عليه، لا من دلالة اللغة ولا من سواها. كالقول بأن للمسلم أن يجمع بين تسع زوجات، بحمل قوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع} (9) على معنى اثنين وثلاث وأربع، فتكون الجملة تسعا، وهو حمل لا تسيغه لغة، ولا يقره فهم سليم. ومن مخالفة السنة المشهورة القاطعة فى دلالتها، القول بحل المطلقة ثلاثا لزوجها الأول إذا تزوجها آخر بعقد صحيح ولم يدخل بها ثم طلقها، لأنه رد لحديث العسيلة المعروف الذى اشترط للحل الدخول والإصابة، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-، فيما رواه ابن عمر، قال. سئل نبى الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا، فيتزوجها آخر فيغلق الباب، ويرخى الستر، ثم يطلقها قبل كان يدخل بها. هل تحل للأول؟ قال: " لا، حتى يذوق العسيلة". ومن مخالفة الإجماع القول بأن للقاضى أن ينقض الحكم الذى صدر فى مسألة اجتهادية بناء على اجتهاد معتبر إذا رفع إليه هذا الحكم وكان لا يرى الرأى الذى انبنى عليه. ومن القول بلا دليل، القول بسقوط الحق بالتقادم، فإنه قول لا دليل عليه من أى نوع من أنواع الأدلة. والقول بلا دليل هو القول يكون لمجرد استحسان العقل من غير استناد إلى دليل من الأدلة المعتبرة، وهذا هو القول بالتشهى والهوى وهو الرأى المذموم الذى فاض العلماء فى رده، وفرقوا بينه وبين الرأى المحمود. أما الأقوال الضعيفة المنقولة فى المذاهب الفقهية، فإن كان ضعفها ناشئا عما يدخلها فى الأنواع السابقة، فهى من الخلاف وليست من قبيل الاختلاف. أما إذا كان القول بضعفها ناشئا عن الموازنة بين دليلها ودليل ما يخالفها من ناحية القوة والضعف، فلا سبيل إلى إخراجها من دائرة اختلاف الفقهاء، وما مثلها إلا مثل مذاهب الأئمة المجتهدين، فان كل إمام يرى أن مذهبه أقوى دليلا من مذهب مخالفة، ويرى كل منهم أن مذهبه صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفه خطأ يحتمل الصواب. وهذا هو الشأن فى الأقوال المختلفة فى المذهب الواحد. والحكم فى كل ما ذكرت هو الرأى العام الفقهى. فهو الذى يعتمد عليه فى معرفة ما إذا كان الرأى من باب الخلاف أو من باب اختلاف الفقهاء. وسيان أن يكون هذا الرأى العام رأى الكل أورأى الأكثرين وجمهور من يعتد بهم. فلا وزن لما ذهب إليه بعض الأقلين الذين انحرفوا وأسرفوا فى تطبيق قاعدة الخلاف، ورموا أعلاما يهتدى بهم بالضلال ومخالفة الكتاب الكريم ورد السنة الصحيحة والخروج على الإجماع وقالوا فى بعض أقوالهم إنها خلاف وليست من الدين فى شىء. أما أصحاب النظر وأهل الرأى الذى يعتد به فهم الأئمة المجتهدون، والمجتهدون المنتسبون، وهم الذين تلقوا فقههم عن إمام معين، وتأثروا بطريقته فى الاجتهاد إلى حد كبير، فإن له أثرا واضحا فى اجتهادهم ولكنهم يخالفون أستاذهم فى الأصول وفى الفروع. والمجتهدون فى المسائل، وهم فقهاء أظهر أحوالهم أنهم مقلدون لإمام معين لا يخالفونه فى أصول ولا فى فروع، ولكنهم يجتهدون فى المسائل التي لا رواية فيها. وأهل الوجوه والتخريج وهم فقهاء مقلدون لا اجتهاد لهم وكل عملهم هو تفصيل ما روى مجملا وتكميل ما روى محتملا، ثم يأتى بعد ذلك أهل التفقه والاستظهار والأخذ الذين برزوا فى صفوف أواخر المتأخرين ودونت آراؤهم فى المذاهب وتنوقلت ولا سبيل إلى استبعادها بل ربما كان الحرص عليها أشد من سواها. أما من لم يكن من أهل الاجتهاد بأنواعه، ولا من أهل الوجوه والتخريج ومن بعدهم فإنه لا يعتد برأيه ولا يعتبر ما ذهب إليه فقها، لأنه صادر عمن ليس أهلا له. ويكون رده أولى إذا كان مخالفا لرأى الإمام الذى يقلده. ولذا ترى الحنفية يقولون- فى بعض ما يعترض به الكمال بن الهمام ويقرر خلال ذلك ما يراه، أن الاعتراض وارد والفقه مسلم، فإذن لا سبيل إلى جعل هذا الرأى من مذهب الحنفية، لمخالفته له، ولا سبيل إلى الأخذ به تقليدا لصاحبه، لأنه هو نفسه مقلد وليس ممن يقلدون، فلا يعتبر ما ذهب إليه فقها بأى حال. وإذا كان عمل الفقيه أو المتفقه الذى ليس من الطوائف التى ذكرت هو الترجيح بين الأقوال المختلفة، أو تصحيح الروايات وتحرير الأقوال، فليس هذا مما نحن فيه هنا. والحكم فى كل ما أوردناه فى هذه الناحية هو الرأى العام الفقهى على النحو الذى ذكر فى المسألة السابقة، فلا وزن لقول من قال تصريحا أو تلويحا: إن الإمام أحمد بن حنبل ليس فقيها، وإنما هو محدث، ولا لقول من قال: إن داود بن على الأصفهانى، رأس الظاهرية، ليس من المجتهدين، فقد حكم لهما الرأى العام الفقهى أقوى الأحكام فى مختلف العصور. أما آراء المشتغلين بالفقه المعاصرين التى تخالف المعروف فى الفقه، أو التى لا رواية فيها، أو التى ترجح مذهبا على آخر، فإن الرأى العام الفقهى لم يصدر حكمه فيها، أما تحريرهم للمنقول وتحقيقه فالحكم فيه ما يكون عليه.   (5) الآية: 13 سورة الشورى. (6) الآية: 48 سورة المائدة. (7) الآية: 18 سورة الجاثية. (8) الآية: 275 سورة البقرة. (9) الآية: 2 سورة النساء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 المصادر الفقهية لا حاكم سوى الله سبحانه، ولا حكم إلا ما حكم به، ولا شرع إلا ما شرعه. على هذا اتفق المسلمون، وقال به جميعهم حتى المعتزلة (أهل العدل) الذين يقولون: إن فى الأفعال حسنا وقبحا يستقل العقل بإدراكهما ’ وأن على الله أن يأمر وينهى على وفق ما فى الأفعال من حسن وقبح، فالحاكم عند الجميع هو الله سبحانه، والحكم حكمه. وهو الشارع لا غيره، وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أطلق عليه اسم الشارع فى بعض عبارات العلماء، فما كان ذلك إلا تجوزا مراعاة لأنه المبلغ عنه. وإذا كان الشاطبى فى بعض المواطن قد سمى عمل المجتهد تشريعا فما كان ذلك منه إلا تساهلا أساغه أن عمل المجتهد كاشف عن التشريع ومظهر له، فالسلطة التشريعية هى الله وحده. والشريعة، أو الشرعة، أو الشرع، فيما يختص بالعمليات، هى حكم الله تعالى، وهو أثر خطابه جل شأنه المتعلق بأفعال العباد اقتضاء أو تخييرا أو وضعا. والله جلت حكمته لم يفوض إلى أحد من عباده، لا إلى رسول ولا نبى ولا إمام ولا ولى ولا إلى غيرهم، أن يشرع للناس من الأحكام ما يريد وأن يحكم بينهم بما يراه هو من عند نفسه وكيف اتفق، وقد نقل القول بالتفويض أو العصمة عن بعض الناس، فمن العلماء من أبقاه على ظاهره وأقام الحجة البالغة على بطلانه، ومنهم من تأوله وحمله على إرادة النظر والاجتهاد. والإحالة (بمعنى الإسناد فى لغة القانونيين) إلى شريعة أو أحكام أخرى تحل محل حكام الشريعة الإسلامية أحيانا أو تكمل أحكامها، أمر يحتاج إلى شىء من البيان. فغير المسلمين الكتابيون إذا كانوا من أهل دار الإسلام، اتفق الجميع على أنهم لا يتعرض لهم فى عباداتهم والقيام بشعائر دينهم، أما فيما عدا ذلك فالجمهور على أنهم خاضعون للشريعة الإسلامية فيتعرض لهم إذا خالفوا أحكامها ويقضى بينهم بتلك الأحكام متى كان القضاء بينهم حقا لنا- وهى مسألة اختلافية- وذهب الإمام أبو حنيفة نفسه: إلى أنه لا يتعرض لهم فى معاملاتهم التى لا يتعدى ضررها إلى المسلمين ويقضى بينهم فى ذلك بأحكام دينهم. أما فيما يتعدى ضرره إلى المسلمين، فإنهم خاضعون لأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا مجمل مذهبه بوجه عام. وذهب صاحباه إلى عدم التعرض لهم فى ذلك، ولكن يقضى بينهم بأحكام الشريعة الإسلامية. ومن هذا الموجز يعرف من يقول بالإحالة ومدى قوله بها. أما العرف فلا توجد إحالة تشريعية إلى أحكامه، فالعرف إنما يلجأ إليه فى معرفة ما يريده المتكلم من الأيمان والعقود وما إلى ذلك، وفى معرفة قيم المتلفات وأشباهها، وكفى الوقوف على الشروط التى يصحح العرف اشتراطها فى العقود. هذا هو كل ما يلجأ فيه إلى العرف، ولا يلجأ إليه فى معرفة حكم تشريعى ليطبق، وإنما يلجأ إليه فى تكييف الواقعات والنوازل ليطبق عليها الحكم المعروف فى الشريعة، ولا يترك بسببه حكم نص ولا إجماع ولا حكم فقهى لم يكن مبنيا على العرف، وإنما يترك به الحكم الفقهى إذا كان مبنيا على عرف ثم تغير إلى عرف آخر. فاعتبار العرف فى الشريعة الإسلامية ليس من باب. الإحالة التشريعية، كما أنه ليس من الأدلة الإجمالية، ولا يعدو أن يكون قاعدة فقهية. أما شرائع من قبلنا، فالكل متفقون على أن ما لم يروه الشارع لنا لا يكون شريعة لنا، وأن ما رواه لنا وأمرنا باتباعه كان من أحكام شريعتنا، واختلفوا فيما رواه لنا ولم يأمرنا باتباعه، فذهبت طائفة: إلى أن مجرد الرواية يعتبر كالأمر فيكون من شريعتنا، وذهبت طائفة أخرى: إلى أنه لا يكون شريعة لنا. فمسألة شرائع من قبلنا أبعد ما تكون عن موضوع الإحالة وعن أن تكون دليلا إجماليا ومصدرا فقهيا. والمعتزلة قد ذهبوا: إلى أن العقل يستقل بادراك ما فى الأفعال من حسن وقبح، وبالتالى يستقل بادراك حكم الله الملائم لذلك وإن لم يأت به شرع ولم ينزل به الوحى. فالمصدر الأصلى عندهم للوقوف على حكم الله هو العقل. أما جمهور المسلمين فعلى أنه لا حكم للعقل وأن حكم الله لا يعرف إلا من قبله، ولا يكون ذلك إلا من طريق الوحى إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (الكتاب والسنة) الذى أمر بتبليغه إلى الناس فبلغه. فالطريق الوحيد إلى ذلك هو تبليغ الرسول - عليه الصلاة والسلام،- فلا عبرة بالإلهام والمكاشفة وأشباهها، فكل هذا لا يكون طريقا لمعرفة حكم الله، لأنه ليس وحيا. والتبليغ إنما يكون من الرسول - عليه الصلاة والسلام- فى يقظة المبلغ إليه، فلا عبرة بتبليغ الأحلام. 1- المصادر عند الجمهور: ذهب جمهور الأصوليين والفقهاء إلى أن مصادر الفقه أى أدلته الإجمالية هى الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وقالوا أن المصدر الحقيقى هو الوحى كتابا كان أو سنة، أما الإجماع والقياس فمردهما إليه، وما ذكرا استقلالا إلا لكثرة بحوثهما، وذلك لأن المجمعين لا يضعون أحكاما من عند أنفسهم، ولا يجمعون عن الهوى والتشهى، ولا يكون إجماعهم إلا مستندا لأحد هذين المصدرين. وكل من الكتاب والسنة قد أديت معانيه بلغة العرب الفصحى، ويخضع فى إفادته لهذه المعانى لأنواع الدلالات اللغوية ومنها دلالة اللفظ بمنطوقه، ومنها دلالة معنى اللفظ ومناط الحكم الذى شرع باللفظ المنطوق، وهذه الدلالة هى القياس. فكل من الإجماع والقياس راجع إلى الكتاب والسنة. القرآن: والقرآن هو كتاب الله تعالى الذى أنزله على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم- بلفظة ومعناه، المكتوب فى المصاحف، المنقول عنه - عليه الصلاة والسلام - نقلا متواترا، فغير المتواتر لا يسمى قرآنا. فالقرآن جميعه قطعى الثبوت. والكتاب الكريم لا كلام لأحد فى حجيته ولا فى أنه أول المصادر الفقهية. وإنما اختلفوا فى مسائل كثيرة تتعلق بالنسخ والعموم والخصوص ومقتضى الأمر والنهى وغير ذلك مما يرجع إلى طرق استفادة الأحكام منه. السنة النبوية: سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولا أو عملا أو تقريرا- هى الأصل الثانى من الأدلة الإجمالية والمصادر الفقهية، ولم يتكلم فى ذلك ولم يشكك فيه إلا أهل البدع والأهواء الذين طار بعض المستشرقين فرحا بما ظفروا به من أقوالهم، وضموا إليها ما شاء الله أن يضموا من أخطائهم وتحريفاتهم ومفترياتهم. أما ذوو الدين والاستقامة من العلماء وسائر المسلمين، فقد أدوا للسنة حقها، ومتى صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تقبلوه أحسن القبول، ولم يرد أحد منهم حديثا صحيحا، ولم يعمل على خلافه، إلا أن يكون قد خفى عليه ولم يبلغه أو تأوله تأولا يراه صحيحا، أو قدم عليه ما هو أقوى منه عند التعارض. والحق أن مخالفيهم كان له أكبر نصيب فيما تردى فيه أهل البدع والأهواء، وبعض المستشرقين وأشياعهم. وقد عنى الأئمة بأسانيد السنة وطرق إثباتها وبيان أقسامها، وما يحتج به منها وما لا يحتج، واختلفوا فى كل هذا، كما اختلفوا فى مسائل النسخ المتعلقة بها وفى طرق الدلالة واستفادة الأحكام منها على النحو الذى سبقت الإشارة إليه فى الكتاب الكريم. وأيا ما كان الأمر فالسنة عند الجميع منها قطعى الثبوت ومنها ظنى الثبوت ومنها قطعى الدلالة ومنها ظنيها. الإجماع: الإجماع الفقهى هو اتفاق مجتهدى عصر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - على حكم شرعى عملى استنادا إلى الكتاب أو السنة أو القياس. وهذا ما جرى عليه الأكثرون، وقال النظام وبعض الشذاذ: إلا الإجماع لا يتصور وقوعه، وكذلك كانت بحوث ومناقشات حول الإجماع من بعد الصحابة، وإجماع بعض الصحابة وإجماع أهل البيت، وإجماع فقهاء بعض الأمصار، والأخذ بأقل ما قيل على أنه إجماع على الأقل. والحق أن الكلام فى إجماع من عدا الصحابة ليس إلا جدلا نظريا، إذ لم يستطع أحد أن يأتى بحكم ثبت بالإجماع بعد عصر الصحابة. أما أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد اجتهدوا واختلفوا واجتهدوا وأجمعوا ودون العلماء مسائل إجماعهم. وإذا نقل الإجماع من طريق قطعى كان قطعى الثبوت وإلا كان ظنية، وهو قطعى فى دلالته على ما أجمع عليه. القياس: للقياس تعريفات مختلفة يطول إيرادها، والأكثرون على أن القياس حجة ودليل من الأدلة الإجمالية ومصدر فقهى، وقال الأقلون: ليس بحجة، ومنهم النظام والشيعة وأهل الظاهر. وكان للأصوليين طرائق مختلفة فى تقسيم القياس، وبيان كل قسم منها، والقسم المتفق عليه من القائلين بالقياس، هو قياس العلة. أما بقية الأقسام ففيها اختلافهم. وعلى القياس يقوم أكثر الفقه الاجتهادى وكله ظنى. ب - مصادر أخرى: وقد اعتاد كثير من الأصوليين. أن يذكروا مصادر أخرى على أنها مصادر مختلف فيها وهى فى الواقع لا تعدو أن تكون أنواعا من المصادر الأربعة السابقة أو قواعد كلية فقهية محضة. فيذكرون شرائع من قبلنا، وقد عرفت ما فيها آنفا، وهى إن كانت شريعة لنا فهى من الكتاب والسنة. ويذكرون إجماع الشيخين، وإجماع أبى بكر وعمر وعثمان، وإجماع الأربعة الراشدين، وإجماع أهل البيت، وإجماع أهل المدينة، وإجماع أهل الكوفة، وإجماع أهل البصرة، والأخذ بأقل ما قيل للإجماع عليه من المختلفين، وكل هذه ليست إلا أنواعا من أنواع الإجماع. ويذكرون الاستحسان والمصلحة المرسلة والاستقراء وهى من أنواع القياس. ويذكرون الاستصحاب والبراءة الأصلية، وسد الذرائع، والعادة وا لعرف، وكلها قواعد فقهية وليست دليلا يستند إليه فى استنباط حكم شرعى. ويذكرون العصمة وهى التفويض الذى سبق الكلام فيه. وبهذا اتضح أن الدليل الحقيقى والمصدر الوحيد للتشريع الإسلامى والفقه الإسلامى بأجمعه، هو الوحى الإلهى، وأن مرد الإجماع والقياس اليه، وأن المصادر الأخرى ليست مصادر خارجة عن الأربعة أو هى ليست مصادر للفقه. ج - أسباب اختلاف الفقهاء: من الاستعراض السابق نفهم فى وضوح أن اختلاف الفقهاء المجتهدين يرجع إلى اختلافهم فى كون المصدر دليلا أو غير دليل، واختلافهم فى ثبوت المصدر أو عدم ثبوته، واختلافهم فى الترجيح عند التعارض، واختلافهم فى أنواع الدلالات وسائر طرق الاستفادة، ثم يأتى بعد كل هذا تفاوتهم فى الإحاطة وفى الأفهام وملكة الاستنباط وكمال الذوق الفقهى. هذه هى الأمور الرئيسية التى ترجع إليها أسباب اختلاف الفقهاء من غير تفصيل، وهذه الأسباب قد عرض لها ابن حزم فى الأحكام، وابن تيمية فى رفع الملام وقال كل منهما: إنها عشرة، أما الشاطبى فقد روى فى الموافقات: أن ابن السيد وضع فيها كتابا وحصرها فى ثمانية، واكتفى بذكر عناوين الأبواب التى وردت فى ذلك الكتاب. د- مصدر آخر: ما سبق إيراده من المصادر هى مصادر الأئمة المجتهدين، أما غير المجتهدين من المقلدين فليس لهم إلا مصدر واحد، هو، أقوال الأئمة الذين يقلدونهم وإن كانوا من أصحاب الوجوه وأهل التخريج، أو من أهل الترجيح، أو من المحصلين المطلعين القادرين على التمييز بين الأقوال الصحيحة والفاسدة والقوية والضعيفة، والراجحة والمرجوحة، فما داموا لم تتوافر لهم الأهلية لأى نوع من أنواع الاجتهاد، فليس لهم أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة والإجماع، وليس لهم أن يقيسوا على ما ورد بها من الأحكام، وليس لهم إلا الرجوع الى أقوال أئمتهم ينظرون فيها نظر المجتهد فى الأدلة. ويستنبطون منها ما شاء الله أن يستنبطوا، وما استخرجوه منها يكون أقوالا فى مذهب إمامهم سواء وافقت أقوالا سابقة لفقهاء هذا المذهب، أو لم يسبقها ما يوافقها، ويقضى بهذه الأقوال ويفتى بها ويتبع فى شأنها ما يتبع فى العمل بأقوال مجتهدى المذهب عند اختلاف الرواية. هكذا قال المتأخرون، وأمعن بعضهم فى هذا فقال: وإن قيل أن ما روى عن الإمام صاحب المذهب ليس قرآنا ولا أحاديث صحيحة. فكيف تستنبط الأحكام منه؟ قيل إنه كلام أئمة مجتهدين عالمين بقواعد الشريعة والعربية مبينين للأحكام الشرعية، فمدلول كلامهم حجة على من قلدهم، منطوقا كان أو مفهوما، صريحا كان أو إشارة، فكلامهم بالنسبة له كالقرآن والحديث بالنسبة لجميع المجتهدين. قد لا يرضى بعض الناس عن هذا، وقد يمجده آخرون، إلا أن له فضلا عظيما لا يستطيع أحد إنكاره، وهو أنه فتح بابا واسعا لتطور الفقه ومسايرته لأحداث الحياة، بعد أن سادت لدى الجمهور فكرة انقطاع الاجتهاد، لأنه لا يوجد أهله. ومن الناس من لم يفهم الأمر على حقيقته، وسمى هذا الطور طور التقليد وجمود الفقه وشايعه من شايعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 التشريع والاجتهاد والمذاهب الفقهية تكلم الأصوليون طويلا فى معنى الاجتهاد والتقليد وفى البحوث المتصلة بكل منها، ولا يعنينا من كل هذا هنا إلا أن نقول: أن القول فى دين الله وشرائع الأحكام بمجرد استحسان العقل من غير دليل لا يكون اجتهادا فقهيا ولا تقليدا، وليس إلا القول بالهوى والتشهى وهو الرأى المذموم الذى صان الله منه أئمتنا وأتباعهم، وما أسرف به بعضهم نحو الآخرين لا يحكى الواقع، وما دفع إلى الوقوع فيه إلا الحمية والتسرع. وأن الأخذ والعمل بقول من ليس قوله من الحجج والأدلة الشرعية تقليد إذا كان ذلك بلا حجة. والأخذ بلا حجة يشمل العمل بقوله، من غير أن يعرف الآخذ من أين قال ذلك، والأخذ بقوله مع الوقوف على حجته، ولكن الآخذ لا يستطيع أن يستقل باستفادة الحكم من هذه الحجة، أما إن كان أهلا لأن يستقل بهذه الاستفادة لم يكن مقلدا، بل يكون موافقا له فى رأيه. فمتبعوا الأئمة من العامة ومن المتفقهة ومن الفقهاء على اختلاف مراتبهم فى التحصيل والقدرة على النظر فى أدلة من اتبعوا، لكنهم لم يصلوا إلى مرتبة الاجتهاد مقلدون لهم. وأن اتباع كل ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حياته واتباع ما علم من الدين بالضرورة، وهو الثابت بنص قطعى أو بإجماع بعد وفاته عليه- الصلاة والسلام - ليس اجتهادا ولا تقليدا. أما الاجتهاد فى الشريعة فهو استنفاد الطاقة للوصول إلى الحكم من مصدره الشرعى. ومما أسلفنا فى بيان معنى الفقه عند الأصوليين يعرف من هو هل الاجتهاد. والاجتهاد يكون على ضربين: اجتهاد لمعرفة حكم الله، واجتهاد لمعرفة محل العمل بحكم الله المعروف. والضرب الأول قد يكون راجعا إلى حجية الدليل ذاته، أو إلى ثبوته وطريق الوصول إليه، أو إلى قوته وترجحه على ما يعارضه، أو إلى بقاء الحكم أو نسخه. وقد يكون راجعا إلى دلالة الدليل وفهمه وقد يكون راجعا إلى استنباط حكم ما لم ينطق الشارع بحكمه من معنى ما نطق الشارع بحكمه، وهذا الضرب بأنواعه هو الاجتهاد الفقهى الذى دار الجدل حول أن الزمان لا يخلو من وجوده، أو أنه مما يجوز انقطاعه، لعدم وجود أهله، - وحول انقطاعه فعلا ووقت هذا الانقطاع. أما الضرب الآخر فقد يكون راجعا إلى ما يعبر عنه اليوم بالتكييف، ويكون بالنظر فى الحادثة وتعيين النوع الذى هى منه ليطبق عليها حكمه، فالاجتهاد ليس للوصول إلى معرفة حكم لم يكن معروفا، ولكن لتعيين حكم من الأحكام المعروفة ليعمل به فى حادثة معينة، وهذا ما يسميه الشاطبى تحقيق المناط. ويكون هذا الاجتهاد من المفتى والقاضى، وقد يكون هذا الاجتهاد راجعا إلى إثبات الحادثة المعينة، ليطبق عليها حكمها المعروف، وهو اجتهاد لا يعنى إلا القاضى وحده. وهذا الضرب من الاجتهاد بنوعيه قد وجد. وهو موجود، وهو ماض إلى يوم الدين. والفقه الإسلامى بالمعنى الشامل وبالنظر إلى اجتهاد الضرب الأول وإلى التقليد. قد مر بأطوار ثلاثة متعاقبة، وهى طور التشريع، وطور الاجتهاد، وطور التقليد. أ- طور التشريع: وطور التشريع الإسلامى هو عصر البعثة المحمدية، عصر الوحى الذى بدأ بمبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانقضى بلحاقه بالرفيق الأعلى، وكانت مدته ثلاثا وعشرين سنة، وكانت أحوال المسلمين الأولين ليست أحوال تشريع أحكام عملية فى أول الأمر، ولم ينزل منها إلا النزر اليسير. ولما كانت الهجرة إلى المدينة ووجد الإسلام أنصاره وداره، وقامت الدولة الإسلامية بدأ نزول الأحكام العملية، وبدأ التشريع الإسلامى بمعناه الكامل. وقد سايرت نشأته نشأة الدولة ينمو بنموها، فهو تشريع ليس شأنه كشأن ما يوضع من التشريعات لدولة قد اكتمل تكوينها واستقر بناؤها. فكان نزوله منجما، وكان أكثر أحكامه على التدرج، وكان فيها الناسخ والمنسوخ. وقد روعى فى ذلك عاملان هامان: أحدهما: أن حملة هذا التشريع الأولين كانوا أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وجل اعتمادها على ما تعى وتحفظ، فمن حقها وحين التشريع نفسه أن يكون منجما وفى مناسبات معينة وحوادث معروفة حتى يعين ذلك على حفظه وتثبيته فى النفوس. وثانيهما: أن ما يصلح للدولة فى أول تكوينها وحداثة عهدها وبدء قوتها قد لا يصلح البعض منه لها بعد أن تبلغ أشدها، ولا لمن يأتى بعد أهلها الأولين ممن يدخلون تحت سلطان هذه الأحكام من الأمم الأخرى، فكان لابد من التغيير والتبديل، حتى إذا استقر أمر الدولة وأرسيت قواعدها اكتمل تشريعها وأحكمت أحكامه، وكذلك كان. فما لحق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى حتى أتم الله دينه وأبرم تشريعه، وصارت الأحكام الشرعية كلها محكمة. وكان الفقه فى هذا الطور فقه الوحى لا مصدر له سوى الكتاب والسنة النبوية. وقد اختلف العلماء فيما بعد فى اجتهاده - صلى الله عليه وسلم- وفى اجتهاد أصحابه فى حياته وهو اختلاف فيما نرى ليس ذا شأن يذكر، إذ الوحى موجود فلو وقع اجتهاد منه لوجب أن يقره الوحى أو ينكره، ويكون إذ ذاك هو مصدره وهو ما يؤكده تتبع الحوادث، وليس فى وسع أحد من القائلين بهذا الاجتهاد أن يرشدنا إلى حكم واحد كان من طريق هذا الاجتهاد ولم يقره الوحى. ولو أن مثل هذا الحكم كان موجودا ما خالف فى هذا الاجتهاد أئمة أعلام. وما نزل به الوحى من الأحكام الفقهية نوعان عظيمان، أما أحدهما: فهو ما من شأنه ألا يتأثر كثيرا باختلاف البيئات والأقاليم والأعراف والعادات، وتجدد الأحداث وتقلب الظروف، وهذا قد قررت أصول مسائله وفصلت أحكامه تفصيلا وافيا، ومع هذا كان تفصيلا يفسح الطريق للاجتهاد إذا دعا داعيه. وأما الآخر: فهو ما من شأنه أن يتأثر تأثرا ملحوظا بالعوامل التى أشرت إليها، وهذا كانت له القواعد الكلية المرنة التى تصلح لكل زمان ومكان وبيئة، وتتسع لحاجات الناس، وتفتح للاجتهاد فى أحداثها بابا واسعا. وهذه الأحكام بنوعيها إنما شرعها الله سبحانه لمصالح العباد تفضلا منه، وتقوم على تحقيق سعادتهم فى الدارين، وتدور مقاصدها على الضروريات التى لا غنى عنها بحال، لإقامة مصالح الدين والدنيا، حتى إذا فقدت اضطربت هذه المصالح وانتشر الفساد وساد الاضطراب، وعلى الحاجيات التى تكفل التوسعة على الناس ورفع المشقة عنهم، ويؤدى فقدانها إلى الاضطراب، غير أنه لا يبلغ ما ينشأ عن فقدان الضروريات، وعلى التحسينات التى تكفل الأخذ بمحاسن العادات وتجنب ما تنبو عنه الفطرة. هذا هو واقع تلك الأحكام، وواقع ما تدور عليه مقاصدها، وهذا ما فهمه أهلها وسار ركبهم فى طريقه فأفلح وأنجح، اللهم إلا شرذمة قليلة أنكرت دلالة المعانى، وتنكرت لتعليل الأحكام وللقياس، فيسرت على (يوسف شخت) المستشرق اليهودى وعلى أمثاله من قبله، أن يفتروا الكذب على التشريع الإسلامى، وأن يقولوا أن شرع الله لا يمكن إدراك أسراره بالعقل، فهو تعبدى أى أن الإنسان يجب أن يقبله مع تناقضه وأحكامه التى لا يدركها العقل من غير نقد وأن يعد ذلك حكمة لا يمكن إدراك كنهها إلى آخر ما جاء به من المفتريات التى لا يتردد قارئها فى أنه يصف بها دينا آخر وأسرارا أخرى. ولقد افترى هذا وهو عالم بحقيقة كل شىء وقد تقلب بيننا فى القاهرة طويلا وحاضر وناقش وفهم كل شىء على حقيقته. ولا ريب أن التشريع الإسلامى استبقى المحمود من عادات العرب وأقره، ولا فى أنه قضى قضاء مبرما على أكثر ما هو ممقوت منها، وسلك بباقيها سنة التدرج حتى ذهب ريحه. وتلك هى الطريقة المثلى، وسنة كل تشريع حكيم يراعى الصالح فمما يقرره من الأحكام. كما أنه لا ريب فى أن التشريع الإسلامى امتداد لما قبله من الشرائع السماوية الحقة، التى تكون دينا واحدا ساير الإنسانية فى نموها وتطورها حتى إذا بلغت أشدها كانت الخاتمة الملائمة هى ما استقر عليه التشريع الإسلامى وتم به دين الله، والكتاب الكريم ينطق بهذا فى مواطن كثيرة، فلا غضاضة على هذا التشريع إن هو أقر عادات محمودة صالحة للبقاء أو كانت فيه آثار الشرائع الإلهية السابقة، فذلك من كماله ومن أفضل محاسنه. ومن راض نفسه على البحث العميق سليم الطوية، وأخذ نفسه بقولة الحق وبالإنصاف، وراعى ما كان عليه القسم الأعظم الشمالى من جزيرة العرب حين ظهور الإسلام، وما كان عليه من العزلة الاجتماعية إلا فى النزر اليسير من الرحلات التجارية الموسمية، ومن الإعراض عن الشرائع الوضعية والتمسك بنظامه القبلى، وراعى أن التشريع الرومانى الذى جمع جوستنيان أمشاجة كان مقصورا على طائفة معينة ولم يؤلف فيه إلا كتاب واحد تعليمى، وأن هذا التشريع قد اختفى بانتهاء عصر جوستنيان قبل ظهور الإسلام بعشرات السنين، وراعى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه ما كان يدرى ما الكتاب ولا الإيمان، وراعى ما كان عليه خصوم الإسلام من المشركين واليهود من الدأب على أن يلصقوا كل نقيصة بهذا الدين وأهله، إذا راعى كل هذا وأن الموازنة بين التشريع الإسلامى والتشريع الرومانى، أظهرت ما بينهما من التباين فى المبادئ وفى القواعد وفى الأصول وفى الفروع، أيقن أن القول بأن التشريع الإسلامى قد تأثر بالتشريع الرومانى، ليس إلا فرية منكرة ونفثة مصدور، وأباطيل ينشرها أنصار الاستعمار التشريعى. ب- طور الاجتهاد: والذى نعنيه بطور الاجتهاد: هو العصر الذى ظهر فيه الاجتهاد ظهورا لم ينازع فيه أحد كما أنه لم يختف فى وقت منه اختفاء متفقا عليه، وهو طور يبتدىء بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ويصل إلى حدود الثلاثمائة من الهجرة. ويقع فى عهد الخلفاء الراشدين، وفى عهد الدولة الأموية، وفى الشطر الأول من الدولة العباسية، وصدر الدولة الأموية بالأندلس، وكان فيه اجتهاد فقهاء الصحابة - رضوان الله عليهم-، واجتهاد الفقهاء التابعين كبارهم وصغارهم، واجتهاد فقهاء الأمصار الذين اشتهرت مذاهبهم وكان لهم أصحابهم وأتباعهم، وبقى من هذه المذاهب ما بقى، ومنها ما هجر وانقرض أتباعه ومقلدوه. ولما لحق عليه - الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى انقطع الوحى، ولكن الواقعات متجددة، والنوازل تنزل وليس لها بعينها حكم فيما نزل به الوحى، فانفتحت للاجتهاد أبوابه الواسعة، وكان لتجدد الواقعات وحوادث النوازل فى هذا الطور عوامله العادية التى تعرفها الحياة الهادئة. وعوامل أخرى غير عادية. فكانت حروب الكذابين المتنبئين، وحروب الردة، وكانت الفتن والحروب الداخلية، فكان مقتل عثمان، وكانت واقعة الجمل، وكانت حروب علىّ ومعاوية التى ما انتهت حتى خلفت وراءها أحزابا سياسية كبرى، وكثر الكلام فى الإمامة والسياسة، وكان فى كل حزب كبير فرقه وشيعة، كما بدأ الكلام فى القضاء والقدر والأرجاء وغير ذلك مما يتصل بالعقيدة. وتعددت الأحزاب والفرق من هذه الوجهة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، توالت الفتوح الإسلامية، واتسعت الرقعة الإسلامية فى أسيا وفى أفريقيا، وفى أوربا، وبلفت الممالك الإسلامية قمة الرخاء والازدهار، وذروة الحضارة والمجد. وكانت لكل هذه الأحداث العظيمة السارة والمحزنة آثارها البالغة فى الفقه ومصادره، أما المصادر فقد وجد منها أولا مصدران لم ينازع فيهما أحد، هما الإجماع والقياس، ثم طرأ النزاع فيهما فى الطور نفسه. وأما الأحكام الفقهية، فكان لا مناص لها من مواجهة النوازل والأحداث فى رقعة مترامية الأطراف، ودولة ناشئة تحتاج إلى تنظيم مواردها المالية وترتيب كل أمورها، رقعة تضم أقطارا وأجناسا مختلفة، لها أعرافها وعاداتها وتقاليدها المتباينة، وفى بلادها الكثير مما لا تعرفه الجزيرة العربية عن الأنهار والحيوان والزروع والمعدن وغيرها مما هو بباطن الأرض أو بظاهرها، إلى غير ذلك مما تغير به وجه الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية. والفقه عليه أن يواجه كل هذا، فهو السيد وحده، وهو صاحب السلطان المطلق، فاتسع نطاقه اتساعا عظيما، وكثرت مسائله وأبوابه وصارت أضعافا مضاعفه. والمجتهدون الأولون هم الفقهاء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا كغيرهم من الناس، فمنهم العامة الذين لم يعرفوا بفقه ولا رواية، وإذا نزلت بأحدهم نازلة سأل فيها أهل الذكر. وجاعت الرواية عن نيف وثلاثمائة وألف صاحب. وجاءت الفتيا عن نيف وثلاثين ومائة صاحب، وكان منهم المكثرون الذين يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سفر ضخم. وكان منهم المتوسطون الذين يمكن أن يجمع من فتيا كل منهم جزء صغير، ومنهم المقلون. وليس كل من أفتى كان يسمى فقيها، وما كان يسمى فقيها منهم، كما ذكر ذلك صدر الشريعة، إلا من كانت له ملكة الاستنباط، وقد عرف بذلك وبالعلم واشتهر به أم المؤمنين عائشة، وعمر، وعلى، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وابن عمر، وابن عباس، وأبو بكر، وأبى، ومعاذ، وابن عوف، وأبو موسى الأشعرى، وأبو سعيد الخدرى، ومعاوية، ومن فقهاء الصحابة من كان دون هؤلاء. وكان الفقهاء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجع بعضهم إلى بعض ليعرف ما عنده من سنة وفقه، فكان عمر وابن مسعود وزيد يرجع بعضهم إلى بعض. وكذلك كان على، وأبى، وأبو موسى. وكانت سنة الخليفتين أبى بكر وعمر أنه إذا نزلت النازلة لا يظهر لهما فيها شىء من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجمعا لذلك العالمين، فإن وجدت عندهم سنة أخذ بها، وإن لم توجد اجتهدوا، فإذا اجتهدوا واتفقوا كان ذلك إجماعا يجب على الكافة أن يأخذوا به، وإن اجتهدوا ولم يتفقوا وأمر ولى الأمر باتباع رأى وجبت طاعته، وإن لم يكن إجماع ولا أمر عمل كل بما أداه إليه اجتهاده. وكانت سنة الخليفتين فى هذا هى السنة التى يتبعها أمير كل مصر من الأمصار إن لم يرفع الأمر إلى الخليفة. وكان فقهاء الصحابة حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة. ولما لحق بالرفيق الأعلى بدأ تفرقهم فى الجهاد، ثم ازداد تفرقهم فى عهد عمر حينما مصر الأمصار، وأسكنها المسلمين، وأرسل إليهم الأمراء والولاة والمعلمين والعمال. وما كان يؤمر أمير على جيش أو غيره، وما كان يولى وال أو عامل، إلا أن يكون فقيها عالما، فانتشروا فى الآفاق وملأوا الأمصار فكانوا عصبة الإيمان، وأئمة الهدى، وأعلم الأمة بالأحكام وأدلتها وأفقه الناس فى دين الله، وعليهم دارت الفتيا، وعنهم انتشر العلم والفقه. وكانوا إذ ذاك بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام ومصر. وعن هذه الأمصار انتشر الفقه فى الآفاق. وفقهاء التابعين قد ملئوا الأمصار، وقد شارك كبارهم فقهاء الصحابة فى الاجتهاد والفتيا. وكانت المصادر الفقهية فى عصر التابعين هى المصادر فى عهد فقهاء الصحابة: الكتاب والسنة وإجماع الصحابة. وإذا نزلت الحادثة ولم يجد الفقيه التابعى فيها كتابا ولا سنة ولا إجماعا من الصحابة، ووجد أقوالا لفقهاء الصحابة، نظر فيها وتخير منها واتبع عن نظر ودليل، لا عن تقليد، ومن هذا الاتباع أطلق عليهم اسم التابعين. وإذا لم يجد التابعى شيئا من ذلك اجتهد رأيه. وإذا اجتهد التابعون وأجمعوا، كان إجماعهم حجة عند الكثيرين. وذهب داود وأصحابه إلى أن إجماعهم لا يكون حجة ولا مصدرا فقهيا. ومن الواضح أن من لا يحتج بإجماع الصحابة لا يحتج بإجماع التابعين. على أن الخلاف فى إجماع التابعين نظرى محض ما دمنا لا نعرف حكما بعينه ثبت بإجماع التابعين. وقد اجتهد فقهاء التابعين وكانت لهم أقوال فى مختلف أبواب الفقه اتسع بها نطاقه وصار أكثر اتساعا منه فى عهد أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد حفظت أقوالهم ونقلت عنهم ثم دونت فيما بعد، ومما يلفت النظر أنه ظهر فى هذا العهد مناقشات واضحة فى باب كبير من أبواب الفقه هو باب الوقف، فالقاضى شريح يقول: إنه باطل لا يجوز، لأنه حبس عن فرائض الله، وقد جاء محمد ببيع الحبيس، ويقول قائل آخر مثله، لأن الصدقة لا تجوز لمن لم يوجد ولا يدرى أيكون أو لا. وفقهاء التابعين قد ملئوا الآفاق من أقصى السند وأقصى خراسان إلى أرمينية وأذربيجان إلى الموصل وديار ربيعة وديار مضر إلى أقصى الشام إلى مصر إلى إفريقية إلى أقصى الأندلس إلى أقصى بلاد البربر إلى الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب إلى العراق إلى الأهواز إلى فارس إلى كرمان إلى سجستان إلى كابل إلى أصفهان وطبرستان وجرجان إلى الجبال. وهؤلاء لم يحصهم أحد، ولكن كان من بينهم المشهورون فى كل إقليم، وهم كثيرون، يضيق مقامنا هذا عن عدهم. وعهد الصحابة وكبار التابعين من خير القرون، وهو عهد لم يبتعد عن عصر الرسالة، والإيمان فيه لا يزال غضا، والعقائد لا تزال راسخة ولأحكام الدين المكان الأول فى نفوس المسلمين عامة، لا فرق فى ذلك بين الحاكمين والمحكومين، فهى أحكام دين، وقانون دولة إسلامية هى معقد العز وجماع الفخر لكل من ينتمى إليها، فليس متصورا أن تلقى تلك الأحكام إهمالا عاما ولا انتهاكا فى علانية. إن لكل دين وكل قانون من يعصاه فى كل وقت، أما أن تهمل أحكامه إهمالا عاما أو تنتهك حرماته انتهاكا كليا ودولته قائمة فى قوتها ولا تقوم إلا على أحكامه، فهذا ما لا يقبله أى منطق. ولكن ما للمستشرقين ولكل هذا إذا تحدثوا عن الإسلام والمسلمين، وبخاصة إذا كان الهدف من حديثهم هو قطع الصلة بين عصور الفقه الإسلامى ليصلوا إلى أغراضهم الخبيثة وإلى هدم هذا الفقه من أساسه، فزعموا أن الحديث إنما دون بعد الفقه ليخدمه، كما زعموا أن القرن الأول، قرن الصحابة وكبار التابعين، كانت تسوده ظاهرة لدى الحكام والعلماء والشعب، وهى عدم الاهتمام بأحكام الدين، وعدم المعرفة بشئونه، والتأرجح وعدم القطع والجزم فيها، حتى فى العبادات، ولم يكن التابعون على وضوح بالنسبة للأمور الفقهية. هذا مجمل ما قاله اليهودى المستشرق جولد تسيهر، وقاله أمثاله من معاصريه، وقاله أشياعه من بعده، وكل مفترياته وضيعة، يكذبها الواقع. إنهم لم يستندوا إلا إلى بعض جمل التقطوها من مواضعها وفصلوها عما قبلها وما بعدها، وإلى أكاذيب موضوعة، وإلى تأولات صدرت من خصم سياسى للطعن فى خصمه، وإلى أمور تدل على عكس ما يقولون. فهم يقولون: أن هناك أقوالا متناقضة فى جميع أبواب الفقه ووجود هذه الأقوال أفظع ما يكون فى الدلالة على العناية والاهتمام وبذل الجهد فى استنباط الأحكام. والاختلاف فى الأمور الاجتهادية التى ليس فيها نص قاطع، لا يدل على التأرجح وعدم القطع، فكل قد اعتقد واطمأن إلى ما أداه إلية اجتهاده، واختلاف الأفهام فى موضع النظر والاجتهاد من الأمور الفطرية عند الناس جميعا، وما كان فقهاء المسلمين بدعا فى هذا، وهو واقع عند جميع الناس منذ كانت الخليقة حتى اليوم، ولم يذهب أحد إلى أنة آية على التأرجح وعدم القطع والجزم. وزعموا- كذبا- أن فى سنن أبى داود والنسائى ما يدل على أنه كان يوجد فى بلاد الشام من ولا يعرف عدد الصلوات المفروضة فراحوا يسألون الصحابة عن ذلك على أنه لو صح ذلك لكان دليل الاهتمام والعناية، وافتراض أن يوجد واحد أو أكثر على هذه الشاكلة لسبب من الأسباب لا يقوم دليلا على الاختراع الذى اخترعوه. وأشد من هذا تجنيا، زعمهم أن الأمويين غيروا أوقات الصلاة برأيهم، يقولون ذلك ليوهموا أن هناك عبثا بعماد الدين وأقوى أركانه، مع أن المسالة لا تعدو أن مروان ابن الحكم قدم خطبة العيد على الصلاة، وحديث أبى سعيد الخدرى فى هذا معروف، فما أهون هذا وأبعده عما يوهمون ويضللون. وعضوا بالنواجذ على ما أخترعه بعض أتباع مالك تأييدا للأخذ بما عليه عمل أهل المدينة، وهو أن ابن عباس خطب فى آخر رمضان على منبر البصرة فقال: " أخرجوا صدقة صومكم ". فكان الناس لا يعلمون، فقال: " من هاهنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم، فإنهم لا يعلمون من زكاة الفطر الواجبة عليهم شيئا". وأخذ المستشرقون من هذا أن الشعب كان فى الواقع قليل الفهم والمعرفة للفقه، ولم يكن يعرف هذه الشئون إلا أهل المدينة وحدهم. وهذه الأقصوصة الكاذبة والمكذوبة عرض لها ابن حزم وأفاض فى تكذيبها ما شاء الله أن يفيض فى قوة ومتانة. ومما أورده فى أدلة تكذيبها أنها مروية عن الحسن البصر ى، والحسن لم يسمع من ابن عباس أيام ولايته على البصرة شيئا، لأنه لم يكن بالبصرة، وكان بالمدينة فلم يشهد له صلاة ولا خطبة ولم يحضر له مجلسا بالبصرة. وقال أيضا: أن بناء البصرة كان سنة أربع عشرة من الهجرة، ووليها ولاة من المدينة ونزلها من الصحابة المدنيين أزيد من ثلاثمائة، ووليها ابن عباس بعد صدر كبير من سنة ست وثلاثين. أفلم يكن فى هؤلاء كلهم من يخبرهم بزكاة الفطر؟ بل ضيعوا ذلك وأهملوه واستخفوا به، أو جهلوه مدة تزيد على اثنين وعشرين عاما، مدة خلافة عمر بن الخطاب وعثمان حتى وليها ابن عباس بعد يوم الجمل. أترى عمر وعثمان قد ضيعا أعلام رعيتهما هذه الفريضة؟ أترى أهل البصرة لم يحجوا أيام عمر وعثمان ولا دخلوا المدينة فغابت عنهم زكاة الفطر إلى ما بعد يوم الجمل؟ إن هذا لهو الضلال المبين والكذب المفترى، ونسبة البلاء إلى الصحابة رضوان الله عليهم. ولكن ما ليهود المستشرقين وأشياعهم ولكل هذا؟ وما لهم وللبحث عن الحقائق التى تقف فى سبيل مطامعهم؟ إنهم لا همّ لهم إلا تلقف الأكاذيب التافهة، واتخاذها قواعد عامة يرمون بها المسلمين، ويمزقون بها الصلة بين عصور الفقه، ويتخذونها وسيلة إلى القول بأن ما كان من الفقه بعد ذلك إنما هو فقه مخترع وضعت له أحاديث تؤيده، ويسهل على الآخرين القول بأن الفقه الإسلامى مأخوذ عن الفقه الرومانى، تلك الأكذوبة التى تسممت بها عقول بعض من أبنائنا زمنا طويلا إلى أن كشف الله الغشاوة عن بصائرهم وعرفوا ما بين الفقهين من تباين فى الأصول والفروع وما كان عليه الفقه الرومانى إذ ذاك من الاختفاء التام. وأحكام كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- وما اجتمع من إجماع الصحابة واجتهادهم وما كان من اجتهاد التابعين، كل ذلك قد نقل إلى من بعدهم وتدارسوه فى حلقات دروسهم، يطرحون فيها الكتاب والسنة، ويطرحون فيها الآثار.. آثار الصحابة والتابعين، ويديرون المسائل فيما بينهم ويعقب الأستاذ برأيه، وكان لكل أستاذ تلاميذه وأصحابه، وكانت هناك مناظرات على نطاق أوسع مما كان فى عهد الصحابة والتابعين، وكانت حجج وردود ينتصر فيها كل لطريقته وما ذهب إليه، وقد جر ذلك إلى وجود الفقه الفرضى، فقه أرأيت كذا وكذا، وقد قام بجانب ذلك أبواب للتدريب الفقهى وتوسيع الأفق فيه. كمسائل الحيل، والمسائل التى تشتبه فيها الأحكام وتدعو إلى الدقة التامة لمعرفة الفروق التى بينها، ومسائل المعاياة وما يسأل عنه من المحال الذى لا يكون. كما قضى تطور الحياة بوجود ما لم يكن موجودا من مسائل الشروط والوثائق، ومسائل المحاضر والسجلات، والتوسع فى تفريع الأحكام ببعض الأبواب كالوقف وتصرفات المأذون وأشباهها. فازداد اتساع نطاق الفقه فى النصف الثانى من هذا الطور اتساعا عظيما حتى قالوا فيما بعد إن من العلوم ما نضج حتى احترق وهو علم الفقه. والكلام فى أصول الدين كان من قبل على أضيق نطاق، ثم أخذ يزداد حتى وجد ما يسمى علم الكلام، وقامت بشأنه مجادلات ومناظرات كان مركزها البصرة والكوفة وكان له أهله وحلقاتة، كما كانت للفقه حلقاته. ثم كان هناك أيضا القصص والقصاصون وكانوا أولا من خيرة العلماء كالحسن البصرى ثم إنحدر أمر القصص وتولاه المرتزقة وواضعوا الحديث وكانت له حلقات أيضا، وهنا ظهر التخصص واضحا وكانت لكل ناحية رجالها، واختص المتفرغون للأحكام الفقهية باسم الفقهاء. وفى عهد فقهاء الأمصار كان التدوين، فدونت المذاهب الجماعية، إذ دون مذهب كل أستاذ مع ما ذهب إليه أصحابه المجتهدون مثله ونسب الجميع إلى الأستاذ لأنه رأس هذه الطائفة. النزعات الفقهية: اختلف المجتهدون فى نزعا تهم الاجتهادية ولاختلافهم جهات متعددة. منها جهة المعنى ودلالته والوقوف عند ظاهر النص. وجهة الكلام فيما وقع وفيما لم يقع. وهاتان الناحيتان هما اللتان نعنى بهما النزعات فى هذا المقام. لم يكن المجتهدون الأولون يتكلمون بعبارات التعليل والقياس وما إلى ذلك وإنما هى عبارات استعملها متأخروا المجتهدين وكان الأولون يذكرون المعانى دون العلل والقياس ولكن المراد لا يختلف. والمجتهدون جميعا من هذه الناحية كانت لهم نزعات ثلاث: نزعتان لأرباب المعانى ونزعة لأرباب الظاهر. أرباب المعانى: الناس بفطرتهم جد مختلفين. يتناولون من الأمور وما يسلكون من طرق البحث والاستنباط. ففريق منهم لا يبخس الألفاظ ودلالتها ما لها من حق، ولكنه يتغلغل فى معانيها ويسبر أغوارها ويتحرى مراميها وفريق آّخر لا يضيع عنده حق المعانى ولكنه يرعى ذلك بقدر ويهاب التغلغل فى التعليل والقياس، ويقف عند ما تدل عليه الألفاظ. هذا هو شأن الناس فى أمورهم، وهكذا كان شأن المجتهدين الفقهاء الذين يرون التعليل والاعتماد على القياس فى تناولهم للأحكام الفقهية واجتهادهم فى استنباطها، كلهم يعطى الألفاظ أتم الرعاية وكلهم يقيس الأشياء بنظائرها، ولكنهم مختلفون فى المعنى الذى ذكرت. ففريق منهم يسعى الى فهم روح التشريع وتذوق معانيه والغوص على علله وحكمه، وشوطه فى هذه الناحية أبعد من شوط الفريق الآخر الذى يحرص على ما ظهر من المعا نى، ولا يريد الابتعاد عنه بالمقدار الذى يبتعد به الفريق الأول. وللفريق الأول فى هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم معين. فقد كان حريصا على توجيههم إلى المعانى وتذوق أسرار التشريع. فقد قال لمن سأله أيقضى أحدنا شهوته ويؤجر: أرأيت لو وضعها فى حرام أكان يأثم؟ قال: نعم. قال: فكذلك يؤجر، أفتجزون بالشر ولا تجزون بالخير؟ وقال لمن أخبره أن امرأته ولدت غلاما أسود: هل لك من إبل! قال: نعم. قال: ما ألوانها؟ قال: حمر. قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا. قال: فأنى أتاها ذلك قال: عسى أن يكون نزعة عرق. قال: فهذا عسى أن يكون نزعة عرق. وقال لعمر بن الخطاب حين سأله عن قبلة الصائم لامرأته: أرأيت لو تمضمض بماء ومجه وهو صائم؟ قال عمر: لا بأس. قال: فكذلك هذا. وقال للخثعمية حين سألته عن الحج عن أبيها: أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان ذلك ينفعه؟ قالت: نعم. قال: فدين الله أحق. وأمر المسلمين ألا يصلوا العصر إلا فى بنى قريظة. فوقف بعضهم عند ظاهر الأمر. وتفهم الآخرون المعنى وعملوا بما رأوا أنه مرماه فما عابهم، وهذه هى سنة القراّن الكريم فى مخاطبة العقول ودعوتها الى التدبر والنظر فى جميع الأمور. أما الفريق الثانى فآثر ما يراه احتياطا فى الوصول إلى حكم الله، وطلب السلامة لنفسه فى ذلك. ومن طبيعة الاتجاه الأول أن يحل صاحبه متى اطمأن إلى غزارة علمه وقوة إدراكه، على البحث والنظر فيما ورد بالكتاب والسنة من جهة دلالة اللفظ ودلالة المعنى مع الغوص والتعمق، ثم الإقدام على الفتيا وعدم التهيب. ومن طبيعة الاتجاه الثانى أن يحمل صاحبه على التهيب وتمنى أن لو كفاه الأمر غيره. وكان على الاتجاه الأول أم المؤمنين عائشة وعمر وعلى وابن مسعود وزيد وابن عباس وغيرهم من فقهاء الصحابة المكثرين. كما كان عليه فقهاء المدينة السبعة وبخاصة ابن المسيب الذى كان يسمى سعيدا الجرىء، ومسروق وعلقمة والزهرى وربيعة وإبراهيم النخعى وحماد وأبو حنيفة وأصحابه وابن أبى ليلى والأوزاعى والشافعى والمزنى وأبو ثور وكثيرون من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار. وكان على الاتجاه الثانى مثل أبى الدرداء وابن سيرين وأحمد بن حنبل وبعض فقهاء الأمصار، ثم انتهت نزعة التهيب ولم يبق لها إلا أثر ضئيل حتى فى طور التقليد. أما الرأى الذى لا يقف عند دلالة ما نزل به الوحى ويعتمد على استحسان العقول فذلك هو الرأى المذموم الذى حمى الله سبحانه وتعالى منه جميع المجتهدين. أهل الظاهر: أما أهل الظاهر فإنهم ينكرون ما للمعانى من دلالة، ولا يقولون بتعليل ولا قياس. ولا يعتمدون إلا على ظاهر النص. ويرون أنه لا حاجة إلى القول بالتعليل والقياس، والنصوص تفى بالأحكام ما دامت هذه الحياة. فما أوجبه الله تعالى من طريق الوحى بدلالة لفظه الظاهرة فهو واجب، وما نهى عنه من هذا الطريق فهر المحرم، وما عدا ذلك فمباح ومنه المكروه والمندوب. فلا اجتهاد إلا للوصول إلى حكم الوحى وفى تفهم المراد من لفظه وليس هناك اجتهاد آخر لعدم الحاجة إليه. ناحية الواقع: كان المجتهدون من الصحابة والتابعين لا يتكلمون إلا فيما وقع ونزل، ولا يجتهدون فى أمر قدر وفرض ولم يقع، وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يلعن من فوق منبره من يسأل عما لم يقع، فلم يكن فى هذين العصرين فقه فرضى، وإنما كان ذلك فى عهد فقهاء الأمصار، حيث كثرت المجادلات والمناظرات الفقهية التى جرت إلى الالتجاء إلى الصور المفروضة، ليتمكن المناظر من إفحام خصمه وإلزامه بما هو غير مقبول، ثم دخلت هذه الفروض فى الفقه لغير ذلك، وكان أصحاب هذه الطريقة يفخرون بأن وضع المسائل يعتبر نصف الفقه، ويبررون بحثهم عن حكم ما لم يقع بأنه استعداد للبلاء قبل وقوعه. وكان من لا يرون ذلك يعيبون طريقة الفقه الفرضى، ويشنعون على أهله ويسمونهم الأرأيتيين (أخذا من قولهم: أرأيت كذا) ، ومن الفريق الأول أبو حنيفة وأ صحابه، والشافعى وأصحابه. أما مالك نفسه فكان يأبى الكلام فيما لم يقع، وكان أصحابه يتحيلون فيرسلون إليه بالمسألة من يزعم له أنها وقعت، ولما قدم إليه أسد بن الفرات بمسائل أهل العراق لم يرض بالكلام معه فيها، ولكنه أحاله على ابن القاسم. غير أنه لم تمض إلا فترة وجيزة حتى اشتغل الكل بالفقه الفرضى، فيما بقى من طور الاجتهاد وفى طور التقليد، وإنك لتجد هذا واضحا فى المؤلفات الفقهية. والحق أنه لو قدر نجاح الفكرة التى تقاوم هذا النوع من الفقه ما كانت لنا هذه الثروة الفقهية العظمى الوافية التى نعتز ونفاخر بها. ج - المذاهب الفقهية: كان لكل مجتهد من فقهاء الصحابة والتابعين من أخذوا عنه واتبعوه. غير أن الوسيلة الوحيدة إذ ذاك للنقل كانت الحفظ، ينقل عن كل مجتهد ما ذهب إليه غير مختلط بما ذهب إليه أصحابه ومن أخذ عنه. ولما بدأ التدوين دون أصحاب المجتهدين أقوالهم وأقوال أساتذتهم مجتمعة، أو أملى المجتهد مذهبه، ثم لم يلبث أصحابه أن دونوا كما دون السابقون، وأطلق فيما بعد اسم الأستاذ على المجموعة كلها، ونسب هذا المذهب المختلط إليه تكريما له واعترافا برياسته، كما هو الحال فى مذاهب أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد وداود والطبرى. أما الذين دونوا مذاهبهم بأنفسهم ولم يتدخل أصحابهم فى تدوينها كالثورى والأوزاعى وأبى ثور والليث، وأما الذين بقى حظ مذهبهم هو النقل من طريق الحفظ، فبقيت مذاهبهم مذاهب فردية لم تختلط فيها أقوالهم بأقوال غيرهم، وينقلها الآخرون فيما يدونون كما ينقلون مذاهب الصحابة والتابعين. ومنذ أواخر عصر التابعين ظهرت المذاهب الفقهية التى نشأت عن المذاهب السياسية ظهورا بينا، وهى: مذاهب الخوارج، الذين كانوا يسمون أيضا بالحرورية، وكانوا هم يسمون أنفسهم الشراة وهم طوائف متعددة. ولا يعرف لهم مذاهب فقهية إلا مذهب الإباضية الذى بقى حتى اليوم. ومذاهب شيعة على رضى الله عنه، وهم طوائف كثيرة جدا، أشهرها الزيدية أتباع زيد بن على زين العابدين بن الحسين الشهيد ابن على. والإمامية وهم فرق أشهرها الشيعة الإمامية الاثناعشرية والجعفرية، والإسماعيلية أو الباطنية ومنهم العبيديون أو الفاطميون الذين ظهروا بالمغرب ثم استولوا على مصر وما جاورها. والمذاهب الثلاثة لا تزال قائمة. وإن كان الغموض حليف فقه الإسماعيلية منذ ظهورها حتى اليوم. ومذاهب من عدا الخوارج والشيعة أطلق عليها اسم مذاهب أهل السنة، كما أن الشيعة لا يطلقون اسم المؤمن فى كتبهم الفقهية إلا على من كان شيعيا ويسمون أهل السنة المسلمين العوام، والعامة. ورغم أن الكلام فى العقائد كثر جدا وكانت هناك فرق وآراء، وكان أظهر الآراء بين الفقهاء آراء أهل السنة، والأشعرية والماتريدية، والمعتزلة والقدرية والمشبهة وكان من هذه الآراء ما يطعن به بعض الفقهاء على البعض الآخر لينفر من اتباعه، غير أن المذاهب الكلامية لم تكن سببا فى تمييز مذاهب فقهية كما أدى الى ذلك الاختلاف السياسى. والمذاهب الفقهية كغيرها من الكائنات لا تقوم ولا تحيا إلا بحيويتها هى وقوة مناعتها، وما يكتب لها من القبول، وما يهبها الله سبحانه وتعالى من كثرة الأتباع وقوة عارضتهم وما منحوا من حصافة الرأى وقد يكون للسلطان دخل فى ذلك ولكنه ليس كل شىء كما يرى ابن حزم، بل هو آخر العوامل فى مثل هذه الأمور الدينية التي يسندها الإيمان والاعتقاد أكثر من أى شىء آخر، وإلا فلم كان منصب القضاء والقرب من أولى الأمر سعيا فى انتشار مذهب أبى حنيفة فى العراق، ولم يكن سببا لانتشاره فى مصر ولا فى سائر الأقطار الأخرى، مع أن الخلافة واحدة والدولة فى ذروة قوتها؟ وإذا كان سلطان الحكم بن هشام والقربى منه قد أعانا على دخول مذهب مالك وانتشاره بالأندلس فلم لم يقض عليه ما كان بين الحكم نفسه وبين يحيى بن يحيى وزمرة الفقهاء من الفتن والثورات، ولم أعرض المصريون أتم الإعراض عن مذهب الفاطميين وقد بقى سلطانهم بمصر الأمد الطويل وكان لهم من أساليب الدعاية ما هو معروف، ولم لم يحول سلطان الأتراك ونفوذهم أهل مصر عن المذاهب التى يتبعونها؟. إن المسألة مسألة القوة والحيوية للمذهب نفسه ولأتباعه قبل كل شىء. ولسنا ننكر أن فى كل عصر من يغريهم السلطان والقربى من أهله ومن يرجون النفع باعتناق فكرة أو مذهب معين. ولكنهم على الدوام تافهون، ولم يكونوا يوما من العوامل القوية التى يكون لها الأثر الواضح فى المحيط العام ولا يتجاوز أثرهم المناطق الخاصة، فالمسلم فى كل عصر لا ينزع إلى مذهب ديني إلا عن عقيدة منشؤها أما النظر والبحث إن كان من أهلها، وأما الثقة بمن يحبهم ويجلهم وتربى فى حجورهم، وأما الدعاية البارعة المحببة ممن لهم مكانة فى نفوس العامة، أما سيف المعز وذهبه فقل أن يفلحا فى مثل هذا الأمر الدين الإسلامى نفسه لم ينتشر إلا بقوته ومنعته ومزاياه، وأى مذهب فقهى فسبيل انتشاره هو سبيل انتشار هذا الدين. وغفر الله لأصحاب نظريه السلطان. لقد ذهبوا إليها فى حسن نية، ولو تيقظوا إلى ما انفتح علينا من بعدهم لتدبروا أمرهم ولأعرضوا عنها بحق وعن بينة. ويقيننا أنهم ما كانوا يعنون منها أكثر من أن السلطان مكن أتباع هذه المذاهب من الدعوة إليها، وإظهار ما فيها من القوة فحببوا فيها العامة بهذا وحده، كما كان يفعل زفر ابن الهذيل حينما كان قاضيا بالبصرة، فكان يدرس ويبدى الرأى الدقيق الذى ترضاه النفوس حتى إذا رأى الإعجاب من سامعيه قال لهم أن هذا هو مذهب أبى حنيفة وما زال يجرى على هذه الطريقة حتى حبب إليهم أبا حنيفة ومذهبه بعد أن كانت شقة الخلف واسعة بين الكوفة والبصرة بسبب الصراع فى مسائل العقائد. ولو أن أصحاب فكرة السلطان أرادوا غير هذا لكانوا على خط بين من شأنه أن يفتح علينا أبوابا من المطاعن المختلفة والمتربصون لهذا كثيرون. فالمذاهب الفقهية إنما عاشت بقوتها ِومنعتها، وبأتباعها وحسن أسلوبهم فى الدعاية والتحبب وإظهار المحاسن. أما أسلوب الطعن والتشهير بالمذاهب فأسلوب ممقوت إن ارتضاه واحد لعنه مئات، وإن راج فى لحظة انحط قدره سنوات وسنوات، وهكذا كان حكم الرأى العام على أسلوب إمام الحرمين والرازى والخطيب البغدادى ومن نهج منهجهم فى الطعن على أبى حنيفة، وكذلك كان حكمه على من طعنوا على إمام دار الهجرة وعلى من طعنوا على غيره، وكان حكمه المبرم أتهم جميعا أئمة هدى ومن سلك طريق أى واحد منهم لقى الله سالما، ومن المذاهب الفقهية ما قصر أجله، ومنها ما طال عمره وقوى نفوذه. ومذاهب الصحابة والتابعين ليست مما نعنيه بهذا القول، فهى الموارد الفعالة والعاصر القوية التى تكونت منها مذاهب فقهاء الأمصار واندمجت فيها اندماجا لم يميزها على حده فى الكتب الفقهية المذهبية. ومع هذا بقيت متميزة محفوظة فى كتب الآثار، وفى كتب اختلاف الفقهاء، وفى كتب التفسير الأولى وشروح الحديث الموسعة، ونقلت إلينا نقلا صحيحا، وهى الذخيرة الأولى الباقية، وهى الضياء الهادى فى كل عصر، فلا يصغ إلى ما قاله إمام الحرمين وابن الصلاح فى شأن اتباعها والأخذ بها، فليس ذلك إلا عصبية مذهبية عرفت عن نفر قليل عن الشافعية ومن المذاهب الفقهية من لم يعرف أنه كان له من الأتباع من التزموا الأخذ بها فهى كما نشأت حتى اليوم ولا نعرف عن أحكامها إلا ما نقل إلينا فى ثنايا الكتب الفقهية أو كتب اختلاف الفقهاء. أما سفيان الثورى الذى توفى سنة 161 هجرية فكان له أتباع أخذوا عنه ورووا كتبه ولكنه مات مستترا من ذوى السلطان ودفن عشاء. وكان قد أوصى فى كتبه فمحيت وأحرقت. وكان من الآخذين عنه أناس باليمن، وآخرون بأصفهان، وقوم بالموصل وقد انقرض أهل هذا المذهب فى وقت قصير جدا ثم اختفت كتبهم. أما عبد الرحمن الأوزاعى المتوفى سنة 157 هجرية فقد انتشر مذهبه بالشام حتى ولى قضاء دمشق أبو زرعة محمد بن عثمان من أتباع الشافعى الذى أدخل مذهبه بالشام وصل على نشره، وكان يهب لمن يحفظ مختصر المزنى مائة دينار. وبالدعوة إلى هذا المذهب انقرض أتباع الأوزاعى بالشام فى القرن الرابع. وكان مذهب الأوازعى الغالب على أهل الأندلس، ثم انقطع هناك بعد المائين وتغلب مذهب مالك. ويقول ابن فرحون المتوفى سنة 799 هجرية إن داود بن على المتوفى سنة 270 هجرية كثر أتباعه وانتشر مذهبه ببلاد بغداد وبلاد فارس وأخذ به قليلون من أهل إفريقية وأهل الأندلس وهو ضعيف الآن أى فى عصر ابن فرحون. ويقول ابن خلدون المتوفى سنة 808 هجرية: إن مذهب أهل الظاهر قد اندرس اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحليه ولم يبق إلا فى الكتب المجلدة وربما عكف عليها كثير من الطالبين الذين تكلفوا انتحال هذا المذهب ليأخذوا منه مذهبهم وفقههم فلا يظفرون بطائل، ولا ينالون إلا مخالفة الجمهور وإنكارهم عليهم وربما عدوا مبتدعين بنقلهم العلم من الكتب من غير مفتاح المعلمين. وقد فعل ذلك ابن حزم بالأندلس على علو مرتبة فى حفظ الحديث، وصار إلى مذهب أهل الظاهر، ومهر فيه باجتهاد زعمه، وخالف إمامهم داود، وتعرض للكثير من أئمة المسلمين فنقم ذلك الناس عليه، وأوسعوا مذهبه استهجانا وإنكارا وتلقوا كتبه بالإغفال والترك، حتى أنه ليحظر بيعها بالأسواق وربما مزقت فى بعض الأحيان. وهذا التعصب البغيض لم يقو على هدم الإمام ابن حزم ولا على إبادة الكثير من مؤلفاته وبقيت آراؤه واجتهاداته ومؤلفاته نبعا فقهيا صافيا فياضا، لم يذهب ببهجتها وجلالها وروعتها ما فيها من سلاطة القول، وشناعة التشهير بمخالفيه. أما الطبرى، أبو جعفر محمد بن جرير المتوفى سنة 310 هجرية فقد أخذ الفقه عن داود، ودرس فقه أهل العراق ومالك والشافعى على رجاله، ولم ير أحمد فقيها وما رآه إلا محدثا، ولذا شنعوا عليه بعد موته. وبعد أن نضج كان له مذهب فى الفقه اختاره لنفسه وكان له أتباع من أجلهم المعافى النهروانى القاضى، وكانت له ولأتباعه مؤلفات فقهية لكنها لم تصل إلينا ولولا تفسيره الجليل ما وصل إلينا هذا القدر القيم من مذهبه. ولم نقف حتى الآن على أنه كان له أتباع موجودون بعد القرن الرابع. والمذاهب الفقهية الباقية أتباعها حتى اليوم هى المذاهب الأربعة ومذهبا الزيدية والجعفرية والإمامية والاثنا عشرية ومذهب الإباضية. أما الفرقة الإسماعيلية فلها أتباعها ولكن فقهها ليس بظاهر. والمذهب الحنفى قد انتشر من العراق ودخل مصر والروم وبلخ وبخارى وفرغانة وطشقند وخيوى وخوارزم وبلاد فارس وأكثر بلاد الهند والسند وبعض بلاد اليمن وغيرها، ولما قامت دولة الأتراك العثمانيين كان مذهب الدولة. والحنفية اليوم يوجدون بقلة فى شمال أفريقيا وأكثرهم بتونس وأكثرهم من بقايا الأسر التركية، وتمتاز حاضرتها بمشاركة القضاء الحنفى للقضاء المالكى وفيها كبيرا المفتين وهما حنفى ومالكى، وكان الحنفى يلقب بشيخ الإسلام وله التقدم على المالكى وكان المتبع أن يكون نصف مدرسى جامع الزيتونة من الحنفيين والنصف الآخر من المالكيين. ورغما من أن سلسلة العلماء من الحنفيين لم تنقطع بمصر كان إقبال أهلها على اتباع هذا المذهب ضعيفا ويكاد يكون قاصرا على الأسر التركية والشركسية وما إليها، وبتوالى الزمن كادت مدرسة هذا المذهب تكون قاصرة على المدرسين والطلاب برواق الأتراك، ورواق الشوام بالأزهر، غير أن الشيخ محمدا الرافعى حبب نخبة صالحة من المصريين فى دراسة هذا المذهب وانضم إلى ذلك إنشاء أبى بكر راتب باشا مدير ديوان عموم الأوقاف وزارة الأوقاف لرواق الحنفية بنصيحة من مفتى الحنفية وشيخ الأزهر الشيخ محمد المهدى العباسى. أنشأه من ماله ووقف عليه الأوقاف الكافية ورتب للعلماء والطلاب ما يجرى عليهم من الخبز والمال، كما انضم إليه أيضا أن الإفتاء والقضاء يكونان بهذا المذهب بإلزام من الخليفة فازداد علماء هذا المذهب وطلابه باطراد حتى أصيح أهله أكثر من أهل أى مذهب آخر، ولكن هذا لم يغير من الوضع خارج معاهد التعليم، ويكاد يكون نصف أهل الشام اليوم من الحنفية، وكانوا قلة بفلسطين، وهم الأكثرون من الأتراك العثمانيين والألبان وسكان بلاد البلقان وهم قليلون فى بلاد فارس. وهم الأكثرون فى تركستان الغربية وتركستان الشرقية وبلاد القوقاز وما والاها، والكثرة الساحقة من مسلمى باكستان هم الحنفية، وهم الأقلون فى سيام نزحوا إليها من الهند وفى البرازيل نحو 25 ألف حنفى. ونشأ مذهب مالك بالمدينة وأدخله بمصر عبد الرحمن بن خالد وعثمان بن الحكم ونشراه بها هما وعبد الرحمن بن القاسم ثم زاحمه مذهب الشافعى بها. وانتشر فى أوائل القرن الخامس بأفريقيا وسائر بلاد المغرب. كما دخل الأندلس فى عهد هشام وتغلب هناك. وكان بالقرن الرابع بالعراق وبالأهواز، وهو اليوم متغلب فى بلاد المغرب، أى شمال أفريقية، وفى السودان وفى صعيد مصر وينافسه المذهب الشافعى فى المدن وفى بلاد الوجه البحرى. ويغلب فى قطر وفى البحرين والكويت، كما يوجد فى بعض مدن الحجاز. ومذهب الشافعى ظهر بمصر وبالعراق، وغلب على بغداد وكثير من بلاد خراسان والشام واليمن ودخل بلاد ما وراء النهر وبلاد فارس والحجاز وبعض بلاد الهند، ودخل شىء منه أفريقية والأندلس، والشافعية فى العراق وخراسان وما وراء النهر شاركوا الحنفية فى الفتوى والتدريس وعقدت مجالس المناظرات بينهم وشحنت كتب الاختلاف بأنواع حججهم كما نجد العناية بذلك واضحة فى كتب كل من المذهبين التى ألفها فقهاء تلك البلاد من الفريقين. وهو اليوم يزاحم مذهب مالك بمصر، ويتبعه نحو الربع من أهل السنة بالشام، كما تبعه الأقلون من أهل فلسطين قبل نكبتها. وله المرتبة الثانية بعد مذهب أبى حنيفة فى العراق، ويغلب فى بلاد الأكراد وبلاد أرمينية، وأكثر السنيين من أهل فارس شافعية، ومنهم أقلية فى القوقاز والهند. ويغلب فى جاوة وسيلان والفلبين وسيام والهند الصينية واستراليا والحجاز واليمن وعدن وحضرموت. ومذهب الحنابلة ظهر ببغداد ومقلدوه منذ ظهوره كانوا قليلين وكان أكثرهم بالعراق والشام، ولم يسمع بأنه كان له تغلب إلا ببغداد حوالى سنة 323 هجرية حيث استفحل أمرهم، وكانت منهم بتلك السنة فتنة الأمر بالمعروف، وكانت لهم فتنة مع الشافعية أيضا. ويغلب هذا المذهب اليوم على أهل نجد، وأتباعه نحو ربع أهل السنة بالشام، ويوجد بعضهم بالأفغان والحجاز وقطر والبحرين. وكاد ينقرض علماؤه ومتعلموه وأتباعه بمصر لولا ما كان من أبى بكر راتب باشا فى وقفه الذى وقفه على رواق الحنفية فقد جعل لعلماء وطلاب مذهب أحمد نصيبا هينا، كان السبب فى بقاء نفر يعدون على الأصابع ولا يعرف أن تقليده من عامة المصريين مر بخاطر أحد منهم. أما الشيعة الإمامية الإسماعيلية أو الباطنية فقد ظهر مذهبهم فى شمال إفريقية ودخلوا به مصر حينما استولوا عليها وعلى بلاد الشام، وكان مذهبهم المذهب الرسمى وشاركه بعض المذاهب الأربعة وبقى بمصر مدة دولتهم غير أن أحدا من أهل مصر لم يتبع هذا المذهب. وقد انقرض هذا المذهب وأهله من مصر بزوال دولة الفاطميين ولم يبق اليوم من هذه الطائفة سوى أتباع أغاخان بالهند وجنوب أفريقيا وبعض بلاد الشام. ولا يعرف لهم فقه اليوم. أما الشيعة الإمامية الاثنا عشرية فكان مذهبهم منتشرا بالعراق وآسيا الشرقية وبعض بلاد الجزيرة وهو اليوم بالعراق وفارس، وأتباعه أقلية فى البلاد الأخرى. أما الزيدية فكانوا بالعراق وشرق آسيا والجزيرة، وهم اليوم باليمن. ولكل من المذهبين فقهه القائم المتتابع وأئمتهم ومؤلفاتهم المدروسة المحققة. وأما الإباضية (بكسرالهمزة وينطقها أهل شمال أفريقيا بالفتح) فهم أتباع عبد الله بن إباض المتوفى حوالى سنة 80 هجرية فى عهد عبد الملك بن مروان. وقد وجدت الحركة الإباضية تربتها الخصبة فى بلاد العرب. وبخاصة فى عمان حيث أصبحت بتوالى الزمن المذهب السائد بها، ودخل (1) هذا المذهب المغرب وانتشر بين البربر، وحكمت منهم أسر لم يزل حكمها إلا بقيام دولة الفاطميين، والإباضية أكثر فرق الخوارج اعتدالا ولهم مذهبهم فى الإمامة وفى بعض العقائد. أما الفقه فإنهم فيه كغيرهم إلا بمقدار ما يتأثر بالمذهب السياسى وهم الآن بعمان، وشمال أفريقيا، وزنجبار. د) طور التقليد: الاتباع والتقليد لم يخل منهما عصر من العصور. فأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا جميعا من المجتهدين فكان منهم المجتهد، وكان من يليه، وكان العامى وهكذا كان حال من جاءوا بعدهم. وما نعنى بطور التقليد إلا الطور الذى اختفى فيه ظهور أئمة مجتهدين مستقلين معترف لهم بذلك من الرأى العام الفقهى. ويبدأ هذا الطور من نهاية طور الاجتهاد وهو لم ينته بعد. على أن هذا الطور لم يخل ممن ادعى الاجتهاد المطلق، أو ادعى له، كالقفال الصغير، وعز الدين بن عبد السلام، وابن دقيق العيد، والسبكى، الذى يقول الصفدى إن تسويته بالغزالى ظلم له وإنما هو كسفيان الثورى، وكابنه عبد الوهاب صاحب جمع الجوامع والطبقات الذى يكتب فى ورقة لنائب الشام " أنا اليوم مجتهد الدنيا على الاطلاق ولا يقدر أحد يرد على هذه الكلمة ". وكان فى هذا العصر مجتهدون منتسبون كأبى جعفر الطحاوى المتوفى سنة 321 هجرية من المنتسبين إلى مذهب أبى حنيفة، وكابن المواز، وقاسم الأموى القرطبى، والقاضى عبد الوهاب من المنتسبين إلى مذهب مالك، وكالمزنى ومحمد بن نصر المروزى وأبى بكر الصيرفى المنتسبين إلى مذهب أحمد وابن حزم المنتسب الى الظاهرية.. فهؤلاء وأمثالهم كانت لهم موافقات للمذاهب التى انتسبوا إليها كما كانت لهم مخالفات واختيارات خارجة عنها. وكان فى هذا الطور كثيرون من مجتهدى المسائل، أو من يسمون مجتهدى المذهب ومن أهل التخريج وأصحاب الوجوه وأهل التخريج. فمن هؤلاء من الحنفية: أبو منصور الماتريدى المتوفى سنة 333 هجرية وأبو الحسن الكرخى المتوفى سنة 340 هجرية والحاكم الشهيد المتوفى سنة 344 هجرية والجصاص المتوفى سنة 370 هجرية وإمام الهدى أبو الليث السمرقندى المتوفى سنة 373 هجرية وأبو جعفر النسفى المتوفى سنة 414 هجرية وأبو على النسفى المتوفى سنة 454 هجرية وأبو الحسن القدورى المتوفى سنة 428 هجرية وأبو زيد الدبوسى المتوفى سنة 430 هجرية. وأبو العباس الناطفى المتوفى سنة 440 هجرية. وشمس الأئمة الحلوانى المتوفى سنة 448 هجرية وشمس الأئمة السرخسى المتوفى سنة 483 هجرية والصدر الشهيد المتوفى سنة 536 هجرية وعلاء الدين الكاسانى المتوفى سنة 587 هجرية. وقاضيخان المتوفى سنة 592 هجرية والميرغينانى المتوفى سنة 593 هجرية. وكان من هؤلاء من المالكيين: ابن أبى زيد القيروانى المتوفى سنة 386 هجرية وأبو سعيد البرادعى صاحب التهذيب المتوفى سنة 392 هجرية واللخمى المتوفى سنة 478 هجرية والباجى المتوفى سنة 494 هجرية وابن رشد المتوفى سنة 520 هجرية والمازنى المتوفى سنة 536 هجرية وابن الحاجب المتوفى سنة 646 هجرية والقرافى المتوفى سنة 684 هجرية وخليل بن إسحاق. وكان من هؤلاء من الشافعية: أبو سعيد الأصطخرى المتوفى سنة 328 هجرية والقفال الكبير الشاشى المتوفى سنة 507 هجرية وأبو حامد الأسفرايينى المتوفى 406 هجرية وابن فورك المتوفى سنة 406 هجرية وأبو إسحاق الشيرازى المتوفى سنة 476 هجرية وأبو إسحاق الأسفرايينى المتوفى سنة 418 هجرية وأبو منصور عبد القادر بن طاهر المتوفى سنة 429 هجرية والماوردى المتوفى سنة 450 هجرية وابن اللبان المتوفى سنة 446 هجرية وإمام الحرمين المتوفى سنة 478 هجرية وحجة الإسلام الغزالى المتوفى سنة 505 هجرية والرافعى المتوفى سنة 623 هجرية والنووى المتوفى سنة 676 هجرية وابن الرفعة المتوفى سنة 710 هجرية. وكان من هؤلاء من الحنابلة: أبو بكر الخلال المتوفى سنة 311 هجرية وأبو بكر غلام الخلال المتوفى سنة 363 هجرية وأبو القاسم الخرقى المتوفى سنة 334 هجرية والقاضى أبو يعلى الكبير المتوفى سنة 458 هجرية وأبو الخطاب المتوفى سنة 510 هجرية وأبو يعلى الصغير المتوفى سنة 560 هجرية وموفق الدين بن قدامة المتوفى سنة 620 هجرية وابن القيم المتوفى سنة 751 هجرية وابن مفلح المتوفى سنة 763 هجرية وابن رجب المتوفى سنة 795 هجرية. وكان فى الطبقة التى تلى جميع هؤلاء من لم يبلغوا مرتبتهم ولكنهم لجأوا إلى الاستظهار والأخذ والتفقه فلم يقفوا بالفقه جامدا وواجهوا الأحداث وقرروا الأحكام على وجه لا يتردد من يطلع عليه فى أنه اجتهاد ونظر فى الكتاب وفى السنة وفى وجوه المعانى كما يفعل المجتهدون تماما. وإنك لتجد هذا واضحا فيما لا يكاد يحصى من المسائل، وأذكر منها على سبيل المثال ما كان بشأن فقدان وقت العشاء الذى جر إلى الكلام عن المنطقة القريبة من المنطقة القطبية الشمالية وعن المواقيت فيها. وما كان بشأن بيع الوفاء. والنزول عن الوظائف والمرتبات فى الأوقاف نظير عوض. وبشأن تصرفات الأصحاء فى بلد نشأ فيه الوباء، وبشأن التلفيق فى العبادة الواحدة والمعاملة الواحدة، وبشأن الحكر وما يتعلق به، وبشأن تناول القهوة المتخذة من شجرة البن، وبشأن استعمال الطباق (الدخان) سعوطا وتدخينا وامتضاغا، وبشأن السوكرة أو السوكرتاه وضمان ما يهلك من التجارة ة وإذا استثنينا المجتهدين من الأنواع الثلاثة لم تكن المصادر الفقهية مصادر لمن عداهم وما بصدرهم إلا ما نقل إليهم من كلام أئمة المذهب الذين يقلدون أهله، فهذا هو مصدرهم الوحيد. هكذا قالوا، وهكذا توارثوا هذا القول، ولكننا نجد من أهل هذه الطبقة الفقهاء المحصلين والمحدثين البارعين القادرين، ونجدهم يتغلغلون فى أدلة الأحكام على اختلاف أنواعها ويؤيدون ويزيفون فى قوة حجة ومتانة رأى، غير أن الرأى العام الفقهى لم يعترف لهم بأكثر من هذه المرتبة. ولكن هذا المسلك لم يصب الفقه بأذى وسيان أن تكون مسايرة الحياة ومواجهة الأحداث باسم الاجتهاد أو باسم التخريج ونظائره أو باسم الأخذ والتفقه، ما دام الكل مؤديا للغاية ومحققا للمقصود. والفقه فى هذا الطور قد اتسع نطاقه وتمت مسائله وأخذ أوضاعا لها شأنها. فقد كثرت الفتاوى فى الواقعات والنوازل وفيها ما ينطوى عنى استنباط أحكام وفيها ما لا استنباط فيه ولكنه تطبيق للأحكام المعروفة يتفاوت القائمون به فى الدقة وملاحظة الاعتبارات الخفية. فكان هذا وما كان من اختلاف الروايات عن أئمة المذهب الواحد واختلاف آراء الفقهاء فيه كان كل أولئك سببا لتعدد الأقوال والحاجة إلى الترجيح ثم إلى قواعد للترجيح يعتمد عليها فى معرفة الراجح من ليس من أهل الترجيح واندمج كل هذا فى الفقه، فاتسع نطاقه. وقد عنى الفقهاء فى هذا الطور بمسائل أصول الفقه التى ما كانت تعدو أن تكون مقدمة فقهية وما زالوا يبحثون ويتوسعون حتى جعلوا ذلك علما مستقلا. وفى هذا الطور ظهر لون من الفقه لم يكن واضحا قبله حيث وضعت أصول للمسائل وقواعد كلية تدور فى أبواب مختلفة من الفقه، كما فعل الكرخى فى رسالته، وأبو زيد الدبوسى فى تأسيس النظر، وقاضيخان والحصيرى فى أوائل كل باب من شرحهما للجامع الكبير لمحمد، وصاحب جامع الفصول فى أكثر فصوله، وابن نجيم فى الأشباه والنظائر، والقرافى فى الفروق، وابن عبد السلام، والزركشى فى القواعد، وابن رجب فى القواعد الكبرى ... كما توسعوا فى بيان الجمع والفروق بين المسائل، وفى وضع الألغاز الفقهية ومسائل المعاياة. وفى هذا الطور لم تقف دراسة الفقهاء عند المذاهب التى ينتسبون إليها بل اتجهت عنايتهم إلى دراسة اختلاف الفقهاء وجمعة وتدوينه، فاشتغل به أبو جعفر الطحاوى ووضع فيه موسوعة بلغت نيفا وثلاثين ومائة جزء، اختصرها فيما بعد الجصاص، واشتغل به أيضا ابن جرير الطبرى يذكر فيه أحمد بن حنبل وقال إنه محدث وليس بفقيه، ولذلك رماه أتباع أحمد بعد موته بالرفض. وكذلك اشتغل به المجتهد المنتسب أبو على الحسن بن خطير فجمع اختلاف الصحابة والتابعين والفقهاء، والنيسابورى الشافعى وله كتاب الانتصاف فى اختلاف العلماء قال فيه الشيرازى إنه مما يحتاج إليه الموافق والمحا لف. ولابن هبيرة الإفصاح. وللإسفرايينى فى الاختلاف كتاب الينابيع، وللشعرانى الميزان وهذه الثلاثة الأخيرة لم يذكر فيها إلا اختلاف المذاهب الأربعة ولم تكن كالتى ذكرت قبلها. ومن الكتب التى كان أصل وضعها أن تكون مذهبية إلا أنها من أوسع كتب اختلاف الفقهاء: المغنى لابن قدامة الحنبلى، والمحلى لابن حز م، وهما البقية الباقية لنا من مبسوطات كتب الاختلاف. وفى هذا الطور تحولت الدراسة إلى المختصرات المتعاصرة أو المتتالية فى كل مذهب، فانصرفت الهمم إلى شرحها والتعليق عليها كمختصرات الطحاوى والكرخى والقدورى والبداية للميرغينانى والوقاية والنقاية لصدر الشريعة وجده، وكنز النسفى وما كان بعدها من المختصرات عند الحنفية. وكمختصر ابن أبى زيد وتهذيب البرادعى ومختصر ابن الحاجب فى الفروع ومختصر خليل بن إسحاق وأقرب المسالك للدردير ومجموع الأمير عند المالكية. وكمختصر المزنى والمهذب والتنبيه للسيرازى والوجيز للغزالى والمنهاج للنووى والتحرير لشيخ الإسلام زكريا الأنصارى والمنهج للسيوطى عند الشافعية. والإقبال على هذه المختصرات التى عرفت أخيرا باسم المتون أدى إلى إهمال المبسوطات السابقة واعتبارها مراجع، فلم تلق من العناية بالتحرير والرواية ما لقيته المختصرات المتدارسة والمشروحة، فصارت عرضة للضياع، بل ضاع الكثير منها وما وصل إلينا وصل إلينا محرفا تحوم حوله شبهات، وبلغت العناية بالمختصرات أشدها ثم زادت أخيرا عن حدها، وكثر التعرض لتحليل ألفاظها وغير ذلك مما لا صلة له بالفقه وامتلأت بذلك الحواشى والتقريرات. والمساجد كانت هى أماكن المدارسة الأصلية، وتقوم بجانبها بيوت العلماء، وفى بداية هذا الطور وجدت المدارس التى أنشئت ووقفت عليها الأوقاف التى تكفل معونة العلماء والطلاب وتكفل أرزاقهم كسا وضعت بها الكتب الموقوفة التى يحتاجون إليها. وربما كانت أول مدرسة هى المدرسة النظامية التى أنشأها نظام الملك بنيسابور للشيرازى، وتوالى يعدها إنشاء المدارس النظامية فى بغداد ودمشق وغيرها من البلاد. وكثر إنشاء المدارس كثرة منقطعة النظير فى مصر والشام وما والاهما فى عهد الأيوبيين والمماليك، كما كثرت فى عهد الأتراك العثمانيين، وكان من أشهرها مدارس الآستانة الثمان. وكانت مدارس للتفسير والحديث. ومدارس للفقه ومدارس لفقه مذهب بعينه، ولا ريب فى أن المدارس أدت للفقه الإسلامى أجل الخدمات وأخرجت أعلاما وأئمة فى الفقه، وفيها صنفت المؤلفات الفقهية العظيمة، وهى ككل أعمال هذه الحياة لا يمكن أن تخلو من نقض ولا أن تكون خيرا مطلقا، وهذا لا يبرر الحملة القاسية التى حملها على المدارس التلمسانى والمقرى من فقهاء المالكية فى القرن الثامن الهجرى فقد قالا إن المدارس كانت سببا فى ضياع الفقه، وذلك لأن هذه المدارس جذبت إليها طلاب العلم لما فيها من المرتبات الجارية عليهم، غير أنه لا يختار للتدريس بها من هو أهل لذلك وما سبيل القبول بها إلا الشفاعات والزلفى إلى ذوى الرياسة، أما الأكفاء فإنهم لا يدعون إليها، وإن دعوا لم يجيبوا، وإن أجابوا لم يوف لهم بما شرطوا فانصرفوا، وبذلك ضاع العلم وضاع الطلاب حتى أنه كان يجلس على كرسى الأستاذ من لم يقرأ الرسالة ولم يفتح كتابا وربما جلس للتدريس من طريق التوارث، إلى آخر ما قالا. ولا ريب فى أن هذا خلل واضح ذو أثر سيئ ولكنه ليس خللا عاما فى كل المدارس، ولقد شهدنا مثل هذا الخلل فى رواق الحنفية، وقد كان خللا طارئا لم يكن فى عهد الأستاذ الإمام محمد عبده ونائبه عبد الكريم سلمان، وبالتزام الجادة والحزم فترة وجيزة عاد الحق إلى نصابه. وكان بناء المدارس وما كان لها من أوقاف سببا لتدخل الحكومات الإسلامية فى شأن هذا التعليم بها ثم الإشراف عليه ثم تولى أمره كما هو الحال فى مصر وفى أكثر البلاد، وبذلك انقضى عهد التعليم والتعلم الفقهى الحر، اللهم إلا فى يسير من الأماكن. وتعليم الفقه وتعلمه الآن فى المعاهد الدينية تعلم دينى كما كان من قبل. أما فى كليات الحقوق فتعليم تشريعى يتلقاه المسلم وغير المسلم. ويعلم الفقه فى المساجد وفى المدارس بقدر ما يحتاج إليه المسلم فى تصحيح عبادته. وبعد أن اتسع الكلام فى العقائد وفى الحديث رواية ودراية، وفى التفسير- كان لكل ناحية منها أهلها المختصون بها كما كان للفقه أهله. وفى منتصف هذا الطور بدأ التعليم يكون مختلطا، وجمعت فى هذه العلوم إلى بعضها فى دور التعليم، فكان التعليم الدينى يتناول ما يسمى بالعلوم الآلية وهى النحو والصرف وعلوم البلاغة الثلاثة وأصول الفقه والمنطق والتوحيد والفقه والتفسير والحديث، وقد سرى فى المحيط الإسلامى ما أعجب به علماء الأتراك العثمانيين وأغرقوا فيه من الانغماس فى العلوم العقلية والفلسفية وتقدير البارز فيها وعدم المبالاة بالنبوغ فى غيرها وإن كان الفقه. ثم كانت فيما بعد العودة إلى الطريقة المثلى طريقة التخصص فكانت للفقه فى أكثر الأقطار الإسلامية كليات الشريعة. وما تقدم أول هذا الفصل عن المصدر الوحيد للمقلدين مهما كان مقدار تحصيلهم ومالهم من الذوق الفقهى هو الذى يجرى عليه الكثيرون. ويخالفه على استقامة فريق آخر يرى أن الاجتهاد واجب على كل إنسان حتى على العامى ولهم فى ذلك تفصيلات وحجج يضيق عنها المقام. وهناك طريقة أخرى يبدو منها الاعتدال هى طريقة ابن عبد البر وهى خاصة بالمتفقهة وأهل الفقه فعاب على طلاب العلم فى بلده وفى زمنه أن حادوا عن طريق السلف وأطرحوا الكتاب والسنة والآثار والوقوف على الإجماع والاختلاف، واعتمدوا على ما دون لهم من الرأى والاستحسان ومن مولدات الفروع بحجة أن من قبلهم كفاهم الرجوع إلى الأصول. ومع ذلك فهم لا ينفكون عن ورود النوازل عليهم فيما لم يتقدمهم إلى الجواب عنه غيرهم فهم يقيسون على ما يحفظون من المسائل ويستدلون منها ويتركون طريق الاستدلال الصحيح وطالبهم بما يريده فى استفاضة، ومحصل ما يرمى إليه أنه لا يريد أن يكون هناك إلا متفقهة وطلاب ومجتهدون ولا يرضى عن الطبقات الوسطى التى يقول بها سواه كما لا يرضى عسا يقول به الآخرون من اجتهاد المتفقهة والعوام. وفى أواخر هذا الطور أخذ نطاق الفقه يضيق بزوال الحاجة إلى كثير من أبوايه.   (1) البلاد الواقعة شرق العراق والأناضول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 تقسيمات الفقه وخصائصه للأحكام الفقهية بالمعنى العام الشامل تقسيمات كثيرة تقوم على معانى واعتبارات مختلفة، فهى من ناحية أدلتها ثبوتا ودلالة تنقسم إلى أحكام قطعية وإلى أخرى ظنية. وهى من ناحية المقاصد التى شرعت من أجلها تنقسم إلى أحكام لحفظ الضروريات، وأحكام لصيانة الحاجيات، وأحكام لتحقيق التحسينات، وقد مضى ما يتعلق بهذين التقسيمين. وقسموا هذه الأحكام إلى أحكام تكليفية، وأحكام تخييرية، وأحكام وضعيه. فالحكم التكليفى هو اثر خطاب الله تعالى الموجه إلى المكلف بطلب الفعل أو بطلب تركه، وأثر الأول هو الفرض والوجوب والندب، وأثر الثانى هو الحرمة أو الكراهة، أما الخطاب التخييرى فأثره الإباحة. أما الخطاب الوضعى فهو ما تعلق بالصحة والفساد والبطلان، وبكون الشىء أمارة أو علامة أو شرطا أو سببا أو علة لشىء آخر أو مانعا منه. وقسموا الأحكام الشرعية أيضا إلى أحكام يمكن للقضاء أن يتدخل للإلزام بها والحكم بموجبها، وأحكام أخرى لا تدخل موضوعاتها تحت القضاء ولا يمكن الإلزام بها وتنفيذ ما تقضى به لاعتبارات مختلفة منها أن لا فائدة للإلتزام فى بعضها، ومنها أن بعضها لا يصح مع الجبر، ومنها أن موضوعات بعضها دقيقة وحساسة، فمن الخير أن يترك فيها لربه ولدينه. وهذا النوع أحكامه كثيرة جدا ومنثورة فى مختلف أبواب الفقه. وقسموها أيضا إلى عبادات، وإلى معاملات أو تجارات وإلى ما له شابه بهما وهو ما تعارفنا اليوم على تسميته الأحوال الشخصية. وإلى دعاوى وبينات وأقضية، وهو ما سماه المرحوم الشيخ محمد زيد الأبيانى بالمرافعات الشرعية، مجاراة لإصلاح المرافعات الوضعية، واشتهرت هذه التسمية فى مصر. وإلى وثائق أو عقود إستيثاق وإلى جنايات، وإلى وصايا ومواريث. وهذا التقسيم تقسيم تأليفى جمع فيه النظير إلى نظيره، كما وضع كل نوع مع ما يناسبه، وللفقهاء فى هذا طرائق مختلفة حتى فى مؤلفات المذهب الواحد، وأن اتفق الكل على وضع العبادات فى الطليعة. ويقسمون المسائل الفقهية إلى قسمين: أصول المسائل، أو مسائل الأصول كما يعبرون أحيانا، والقسم الآخر هو ما عدا هذه المسائل. ومسائل الأصول أو أصول المسائل تطلق على معان مختلفة، فتطلق تارة على المسائل التى يكون فيها الاستنباط، أما بيان المراد منها فيما هو منطوق به أو بدلالة معناها والقياسى عليها، فهى الأحكام التشريعية الواردة بالكتاب والسنة، فهى أصل لما تفرع عنها من طريق الاجتهاد. وتطلق تارة أخرى على الأحكام الكلية التى تذكر فى كل كتاب أو باب من أبواب الفقه، فهى أصول لما يتفرع عنها من المسائل ومن هذا المعنى كانت تسمية كتب المجتهدين الأولى كتب أصول، كما كان يطلق على كتاب المبسوط لمحمد بن الحسن كتاب الأصل، وكذلك كان يطلق ذلك على نظيره من مؤلفات سواه، كما يظهر ذلك واضحا من الرجوع إلى الفهرست لابن النديم. وتارة يطلق الأصل على قاعدة عامة لا تختص بباب بعينه وينبنى عليها فى كل باب أحكام تسمى أصولا بالمعنى الثانى، وذلك كقول الكرخى: الأصل أن الإجارة تصح ثم تستند إلى وقت العقد. وكقول الدبوسى: الأصل عند أبى يوسف أنة إذا لم يصح الشىء لم يصح مافى ضمنه وعند أبى حنيفة يجوز أن يثبت ما فى ضمنه وإن لم يصح. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قسموا هذه المسائل إلى مسائل ظهرت روايتها واشتهرت، ويقابلها المسائل النادرة التى لم تشتهر روايتها، وإلى المسائل القوية وتقابلها المسائل الضعيفة والشاذة، وإلى الراجح والمرجوح، وبينوا ترتيب كل هذه المسائل وما يجب العمل به منها إذا اختلفت. وقسموا الأحكام الشرعية بالنظر إلى من يضاف إليه الحق الذى تقرره. وقالوا إن من يضاف إليه الحق قد يكون الله وقد يكون العبد. وقالوا إن المراد من حق الله ما يتعلق به النفع العام للعالم فلا يختص به أحد. وإنما كانت نسبته إلى الله للتعظيم فإنه جل شأنه متعال عن أن ينتفع بشىء. وذلك كحرمة الزنا التى يتعلق بها عموم النفع من سلامة الأنساب وصيانة الفراش وارتفاع السيف بين العشائر بسبب ما يكون من التنازع من أجل الأعراض والتزاحم. وقالوا أن حق العبد ما تتعلق به مصلحة خاصة دنيوية كحرمة المال للمملوك. وقالوا إن من الحقوق ما هو خالص لله وما هو خالص للعبد ومنها ما اجتمع فيه الحقان وحق الله غالب، ومنها ما غلب فيه حق العبد وأن الاستقرار قد دل على أنه لا يوجد ما استوفى فيه الحقان. وبينوا الأحكام التى تندرج فى كل قسم من هذه الأقسام. هذا هو ما يجرى عليه الأكثرون فى هذا التقسيم وهو يقوم على أن الحقوق فى الواقع لمصلحه العباد، ولكن الشاطبى قد تنبه إلى معنى أدق لما يمكن أن يسمى حكم الله وأفاض فى بيانه ثم خلص إلى قوله أن كل حكم شرعى ليس بخال عن حق الله تعالى وهو جهة التعبد، فان حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه بإطلاق. وإن جاء ما ظاهره أنه حق للعبد مجردا فليس كذلك بإطلاق بل جاء على تغليب حق العبد فى الأحكام الدنيوية، كما أن كل حكم شرعى فيه حق للعباد إما عاجلا وإما آجلا بناء على أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد. وما قرره الشاطبى هو ما تناصره أى الكتاب الكريم والسنة النبوية ووضع الشريعة نفسها، ولا سبيل إلى رده بحال. فكل حكم شرعى من أى نوع كان، يقوم على معنيين على السواء، المعنى التعبدى وهو إطاعة الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والمعنى المصلحى للعباد دينا ودنيا، وإن شئت قلت المعنى الروحى والمعنى القانونى، فمن باع بيعا شرعيا أفاد بيعه ما يقتضيه العقد وكان هو مطيعا لله مستحقا لثوابه بامتثال أمره فى بيعه، ومن باع بيعا فاسدا، وتقابض البيعان، ترتب أثره المصلحى أو القانونى وهو إفادة الملك، وذلك هو المعنى القانونى، ولكنه لم يمتثل أمر ربه، فكان عاصيا لم يؤد إليه حقه التعبدى، الحق الروحى. ومن قتل آخر فقد أرتكب جريمة العدوان على النفس ولها جزاؤها الخاص، وارتكب جريمة أخرى هى عصيانه لربه. وهاتان الجريمتان متمايزتان، وقد تنفصلان كما يتضح ذلك من بعض ما ذكره ابن حزم من الأمثلة. فقد قال: رجل لقى رجلا فقتله على نية الحرابة: أى العدوان، فإذا بذلك المقتول هو قاتل والد الذى قتله، أو وجد مشركا محاربا، فهذا ليس عليه إثم قاتل مؤمن عمدا، ولا قود عليه ولا دية، لأنه لم يقتل مؤمنا حرام الدم عليه، وإنما عليه إثم مريد قتل المؤمن ولم ينفذ ما أراد، وبين الاثنين بون كبير، لأن أحدهما هام والآخر فاعل. وكإنسان لقى امرأة ظنها أجنبية فوطئها فإذا هى زوجته، فهذا ليس عليه إثم الزنا، لكن عليه إثم مريد الزنا ولا حد، ومن قذف حد القذف ولا يقع عليه اسم فاسق بذلك. إذا وضح هذا المعنى وضح أن الأحكام الشرعية ليست فى هذا كالأحكام الوضعية الجافة التى لا تنطوى على أى معنى روحى، فمن خالف القانون فى أى عقد من العقود طبق على عقده الحكم الملائم لكن القانون لا يغضب لمخالفة أحكامه يكثر من هذا ولا يعتبرها جريمة مستحقة للعقاب. ومن هذا يظهر أن ما فى الشريعة من المعنى التعبدى الروحى كفيل بتربية الوازع الدينى وهو أعظم حافز على إطاعة القانون، وأن الالتجاء إلى الشريعة فيه أعظم خير للإنسانية ولتنفيذ النظم التى تكفل صلاح أمرها. خصائص الشريعة الإسلامية: أما وقد انساق بنا القول إلى هذا المعنى فقد أصبح هذا الموضع خير مكان لبيان مزايا الفقه الإسلامى وتفوقه على الشرائع الوضعية فى حكم الإنسانية وذلك لما يأتى: أولا: المعنى التعبدى الروحى الذى يلازم كل حكم شرعى ويكفل تربية الضمير الروحى والوازع الدينى وفيهما أعظم كفيل بإطاعة القانون وليس للشرائع الوضعية شىء من ذلك. ثانيا: أن الأحكام الشرعية أوسع نطاقا من الشرائع الوضعية وبخاصة فيما يرجع إلى الفضائل والرذائل فجميع الفضائل مأمور بها فى الشريعة، فهى واجبة، والرذائل جميعها منهى عنها، فهى محرمة، وفى أحكام كل من النوعين المعنى الخلقى والمعنى التعبدى الروحى فلها قوتها وشمولها بخلاف الشرائع الوضعية فإنها مع جفافها لا تنظر إلى الفضائل والرذائل إلا النظرة المادية المجردة. ثالثا: أن لكل من الأحكام الشرعية والشرائع الوضعية الجهاز الدنيوى الذى يراقب تنفيذه وهما سواء فى ذلك. وتمتاز الأحكام الشرعية بمراقبة أعلى هى مراقبة العليم الخبير الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. فمن خالف القانون الوضعى وأفلت من المراقبة فلا عليه بعد ذلك. أما من خالف الشريعة الإسلامية وأفلت من جهاز المراقبة الدنيوية فإنه لن يفلت من المراقبة العليا وهو ملاق جزاءه لا محالة. وذلك من أعظم مزايا التشريع ومن أقوى العوامل على إطاعته وتنفيذ أحكامه فى السر وفى العلن. رابعا: أن الفقه الإسلامى بجميع أحكامه قد عاش قرونا متطاولة متلاحقة متتابعة، الأمر الذى لم يظفر به ولا بما يقرب منه أى تشريع فى العالم لا فى القديم ولا فى الحديث. وقد طوف فى الآفاق شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ونزل السهول والجبال والصحارى، ولاقى مختلف العادات والتقاليد، وتقلب فى جميع البيئات وعاصر الرخاء والشدة، والسيادة والاستعباد، والحضارة والتخلف، وواجه الأحداث فى جميع هذه الأطوار فكانت له ثروة فقهية ضخمة لا مثيل لا، وفيها يجد كل بلد أيسر حل لمشاكله، وقد حكمت فى أزهى العصور فما قصرت عن الحاجة، ولا قعدت عن الوفاء بأى مطلب، ولا تخلفت بأهلها فى أى حين. فحرام علينا أن نتسول ونحن الأغنياء، وأن نتطفل على موائد المحدثين ونحن السادة الأكرمون. قاتل الله الاستعمار التشريعى وصنائعه وما يفعلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 تدوين الفقه أ) حال الأمة العربية حين البعد: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمة العربية أمة بادية، لا تقرا ولا تكتب إلا نادراً، وفى أطراف الجزيرة، حيث كانت بقايا الحضارة الحميرية، وحيث يكثر الاختلاط بالفرس وبالروم، أما سائر الجزيرة فكان على بداوته،. وما كان بمكة حين البعثة ممن يقرأ ويكتب إلا نفر قليل. وقد حرص - عليه الصلاة والسلام -، ومن ورائه المسلمون، على تعليم القراءة والكتابة للمسلمين، ولكن هذا لم يكن من شأنه أن ينقل الأمة الإسلامية فى زمن يسير إلى أن تكون أُمة قارئة كاتبة. كان من الطبيعى- وهذه حال الأمة الإسلامية- أن يكون اعتمادها فيما تتلقى وما تنقل على الحفظ والرواية لا على الكتابة. ومع هذا فقد كان لرسول الله - صلى الله علية وسلم - كتاب يكتبون له الوحى بالقرآن، ويكتبون له كتبه إلى الملوك والرؤساء، كما كتب بعض المسلمين لنفسه ما تلقى من آى الكتاب الكريم. وبأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب لعمرو بن حزم وغيره كتاب الصدقات، والديات والفرائض والسنن، وكان عند على صحيفة فيها العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر. وكان عبد الله بن عمرو يكتب كل شىء يسمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى حال الرضا وحال الغضب، وأقره عليه - الصلاة والسلام - على هذا وأومأ بإصبعه إلى فيه وقال له: " اكتب، فو الذى نفسى بيده ما يخرج منه إلا حق ". وقال أبو هريرة: لم يكن أحد من أصحاب محمد أكثر حديثا منى إلا عبد الله ابن عمرو، فإنه كتب ولم أكتب. ولكن كل هذا لا يمكن أن يعد تدوينا، ولا يرقى عن أن يكون من المسائل الفردية التى قام بها نفر قليل، ولم يكن من قبيل التدوين للناس. ب) حال التدوين فى القرن الأول: ومع أن القراءة والكتابة قد انتشرتا بين المسلمين قبل وفاته - عليه الصلاة والسلام - وكان انتشارهما فى زيادة مطردة بعد ذلك، فإنه لم يكن فى عهد أصحابه تدوين بالمعنى الصحيح إلا للكتاب الكريم، فقد جمع مرتبا فى عهد أبى بكر، ووحدت المصاحف واتخذ المصحف الإمام وأُرسل للأمصار فى عهد عثمان. أما السنة، وأما الأحكام المروية، وأما ما اجتهد فيه الصحابة والتابعون، فإنه لم يدون شىء منها فى القرن الأول، وبقى الاعتماد فيه على الحفظ والتلقى والرواية. وكان لهم أول الأمر فى شأن التدوين نزعتان: فطائفة تكرهه وتعرض عنه، وتروى فى ذلك من السنة ما يؤيدها، وتقول أن من كتب إنما كتب الشىء ليحفظه، حتى إذا حفظه محاه. وطائفة لا ترى بذلك بأسا ويردون فى قوة ما احتج به الآخرون ويروون فى ذلك سننا وآثارا. وكانت النزعة الأولى هى السائدة فى القرن الأول، ويرجع ذلك الى الأمور الآتية: الأول: إن الأمة العربية بفطرتها ونمط الحياة التى كانت تحياها قد مرنت على الحفظ واعتمدت عليه منذ أمد طويل، فلم يكن ثم ما يدعوها إلى أن تتحمل عناء التدوين وأن تعرض عما ألفته. الثانى: أن العهد قريب، ولأحكام لم يتسع نطاقها، والاختلاف فيها لم يبلغ ما بلغه فيما بعد وفى وسع كل أحد أن يرجع إلى الحفاظ الثقاة، فكانوا لهذا فى غنية عن تدوين الأحكام. الثالث- إن الحفظ خير من الكتابة فى الاعتماد عليه وفى الضبط والإتقان وإصابة الصواب. فمن عمد إلى التدوين والكتابة أهمل الحفظ وعول على ما كتب، وقد يضيع منه ما كتب لسبب أو آخر، فيفوت عليه ما روى. كما أن الكتاب مما يمكن أن يزاد فيه وينقص، وأن يدخل عليه التغيير والتحريف والتصحيف، أما المحفوظ فلا يمكن أن يطرأ عليه شىء من ذلك. ومن أجل كل هذا انقضى القرن الأول. لم يقع فيه تدوين بالمعنى الصحيح. ج) بدء التدوين: ولما انتشر الإسلام: واتسعت رقعته وتباعدت أطرافها، وكثرت الأمصار، وتفرق فقهاء الصحابة والتابعين فى الأقطار، واتسع نطاق الاجتهاد والاستنباط، وانتشرت الفتاوى وعظم اختلاف الآراء، كما كانت الفتن والأحداث، كان لابد من تدوين السنة والفقه، فأقدم عليه العلماء قياما بحق العلم والدين، وبدأ التدوين بمعناه الصحيح واسترسل وتتابع حتى كان غيثا منهمرا. ولم تتفق كلمتهم فى أول من بدأ التدوين. وتحديد ذلك تحديدا دقيقا ليس ميسورا، علىأن الفائدة من الاشتغال بتحقيق ذلك ليس فيها جزاء يكافئ ما فيه من العناء. ومن نظر فى الأقوال المختلفة عرف أن سعد بن إبراهيم قال: أمرنا عمر بن عبد العزيز (وقد توفى سنة 101 هجرية) بجمع السنن فجمعت دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا. وأن عبد العزيز بن محمد الداروردى المتوفى سنة 186 هجرية قال: أول من دون العلم وكتبه ابن شهاب الزهرى المتوفى سنة 124 هجرية. وقال أبو الزناد: ما كنا نكتب الحلال والحرام، وكان ابن شهاب الزهرى يكتب كل ما سمع، فلما احتيج إليه علمنا أنه أعلم الناس. ودون حماد بن سلمة بالبصرة، ومعمر باليمن، ولما حج المنصور سنة 143 هجرية رغب إلى مالك فى تأليف الموطأ، كما رغب هو وولاته العلماء فى التدوين. وقد دون ابن جريج، وابن عروبة، وابن عيينة، وا لثورى، وغيرهم، ودون سائر فقهاء الأمصار وأصحابهم. د- أغراض التدوين: والفقه، كغيره من العلوم والفنون، كان تدوينه فى العصور المختلفة لتحقيق الأغراض الآتية: أولا: نقل المحفوظ فى الصدور، وقيده فى الأوراق، ليبقى محفوظا لا يذهب بذهاب أهله، ويكون مجموعا فى الأوراق بدلا من تفرق مسائله لدى الأفراد الذين يكون عند أحدهم ما لا يكون عند الآخرين. وهذا هو الغرض الأساسى لأصل التدوين. ثانيا: ترتيب هذه المجموعات ترتيبا يجعل مسائلها متآلفة. ويكون منها مؤلفات متناسقة من غير تصرف فى عبارات واضعيها. كما وقع فى ترتيب كتب محمد بن الحسن وغيره من المؤلفين الأولين. ثالثا: شرح هذه المؤلفات بإيضاح معانيها، وإيراد دلالتها من الكتاب والسنة، وذكر الروايات المختلفة فى المسائل. رابعا: اختصار المؤلفات المبسوطة، بحذف ما تكرر فيها، وإيراد مسائله بعبارات موجزة جامعة، ليسهل على طلاب الفقه استيعابه فى غير ملل وتقصير. خامسا: شرح هذه المختصرات شروحا مبسوطة أو متوسطة أو وجيزة على قدر الحاجة، وأخيرا التعليق على هذه المختصرات وشروحها بما يكشف عن غوامضها ويصحح أخطاءها، ويخصص عامها، ويقيد مطلقها، وغير ذلك مما يتعلق بها. وعرفت هذه التعليقات باسم الحواشى لأنها كانت تكتب فى حواشى أوراق الشروح. ثم وجد أخيرا جدا بجانب الحواشى تقريرات هى تعليق على ما جاء بهذه الحواشى وشروحها. سادسا: إصلاح المختصرات الأولى بمختصرات أخرى تقضى على ما أخذ على الأولى وتضيف إلى مسائلها ما قصرت فى إيراده أو ما حدث بعدها من المسائل. وكانت لهذه المختصرات شروحها والتعليق عليها، ثم ما اشتق منها من المختصرات. سابعا: تدوين اختلاف الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقد يكون بإيراد المذاهب والأقوال مجردة أو مع إشارات موجزة للدلائل بدون توسع فيها. ثامنا: العناية بآيات الأحكام والتأليف فى تفسيرها خاصة، وبيان آراء المجتهدين فيما استنبط منها. وكذلك العناية بأحاديث الأحكام والسير فى شرحها على هذه الشاكلة. تاسعا: تدوين القواعد الكلية وأصول المسائل التى انبنى عليها التفريع فى المذاهب المختلفة، وكانت متفرقة فى كلام الأئمة المجتهدين، ومنشورة فى مختلف الأبواب. عاشرا: الجمع بين المسائل المتشابهة مختلفة الأحكام وبيان ما بينها من الفروق التى دعت إلى اختلاف أحكامها. وهذه المؤلفات. هى المسماة يكتب الفروق. حادى عشر: وحرصا على تثبيت الأحكام الدقيقة فى الأذهان، لم يكتفوا فى هذا بكتب الفروق ووضعوا هذه المسائل على صورة ألغاز، ودونوا فيها كتب الألغاز الفقهية. ثانى عشر: الانتصار لرأى معين فى مسألة أو مسائل معينة، بتحقيق ما ورد عنها فى كتب مذهب بعينه أو فى الكتاب والسنة والآثار. وقد كان هذا قديما فيما كان يسمى بالردود، كرد محمد على أهل المدينة، ورد الشافعى على محمد بن الحسن، ولكن هذا أخيرا كان فى رسائل، تعالج الرسالة منها مسألة حصل اختلاف بشأنها فى الإفتاء أو القضاء، أو اعتراض على رأى ذهب إليه مؤلف، وقد تكونت من هذه الرسائل على مر العصور مجموعات قيمة. ثالث عشر: تدوين فتاوى مفت معين أو مفتين فى إقليم خاص. وكانت هذه الفتاوى أولا تشتمل على شىء من استنباط الأحكام ممن هم أهل لذلك من مجتهدى المذاهب، أو من أهل التخريج، وأصحاب الوجوه، أو تشتمل على ترجيح قول على آخر ممن هم أهل للترجيح، فكانت تجمع إلى الاجتهاد فى التطبيق اجتهادا أو تخريجا أو ترجيحا، وهذه هى التى كانت تعرف قديما بكتب الواقعات. ولكن هذا النوع من فتاوى المتأخرين كان تطبيقا للأحكام فى الحوادث، ولم تشتمل على غير ذلك جهرة، وإن لم تخل منه فى الواقع باسم الأخذ بما تقتضيه أقوال الفقهاء وما تدل عليه عبارات المؤلفات المعتبرة. رابع عشر: وفى عصرنا وجد غرض آخر حمل على التأليف فى الفقه بعد ركوده ركودا تاما هو تيسير الأحكام الفقهية على من يتلقونه فى المدارس العليا ثم بالجامعات المصرية، الذين يصعب عليهم الرجوع إلى المؤلفات الفقهية التى دونها السابقون، فألفت لهم المؤلفات- سهلة العبارة واضحة المعانى- الملائمة لحياتهم العلمية. خامس عشر: ولما أنشئت مدرسة القضاء الشرعى كان فى منهجها الدراسى دراسة بعض القضايا ذات المبادىء، واستمر ذلك فى تخصص القضاء بها وبكلية الشريعة وفى قسم إجازة القضاء بكلية الشريعة. وهى دراسة تقوم على نقد الأحكام والتمهيد لذلك بإيراد الأحكام الفقهية والقانونية المتصلة بما فصل فيه الحكم. وهذا لون من التأليف الفقهى لم يكن موجودا من قبل إلا فى كتب المحاضر والسجلات التى أهملت من زمن بعيد. وقد عنى بعض القضاه بجمع أحكامهم التى يرون أنها أحكام ذات قيمة قضائية. هذه هى الأغراض التى حملت من قبل على التأليف الفقهى وهى وما يماثلها من الأغراض هى التى ينبغى أن تحمل علية، أما إذا لم يأت التأليف بفائدة زائدة على ما جاء فى التأليفات السابقة، ولم يكن إلا نقل ما فيها " قص ولصق "، كما قال بعض أساتذة القانون، كان إراقة للمداد وإتلافا للأوراق، كما قال الفقيه ابن عرفة المالكى. الهاء) طرائق التدوين: تبينت، من الأغراض التى حملت وتحمل على تدوين الفقه والتأليف فيه، كثيرا من طرائقه فى العصور المختلفة، وننبه هنا على الطرائق التى كان عليها تدوين الفقه فى بدايته. فقد دون أول ما دون مختلطا بالسنة وآثار الصحابة والتابعين، كما صنع ابن شهاب الزهرى فى كتبه، وأبو يوسف فى كتاب الآثار، ومحمد بن الحسن فى كتاب الآثار، ومالك فى الموطأ، وسفيان الثورى فى الجامع الكبير، والشافعى فى كتاب اختلاف الحديث، والطحاوى فى معانى الآثار، وفى مشكل الآثار. وقد وجد بجانب ذلك تلوين الفقه مجردا عن ذلك لا على أنه حديث أو أثر ولا على أنه حجة ودليل، كالكتب والسنة المروية عن محمد بن الحسن، والمدونة التى رواها سحنون عن ابن القاسم، ومختصرات الطحاوى والمزنى وأمثالهما. كما وجد بجانب ذلك نوع ثالث هو تدوين مسائل الفقه مع أدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وسائر وجوه المعانى، كما تجد ذلك فى كتاب المبسوط " الأم " الذى رواه الربيع المؤذن عن الشافعى. وقد وجدت هذه الأنواع الثلاثة من البداية، ثم انفصل كل من علم الحديث والفقه، فعنيت مؤلفات الأول بالصحيح من الحديث وروايته بأسانيده وطرقه المختلفة، وما فيها من زيادة ونقص، أو اختلاف عبارة، أكثر من عنايتها بما يدل عليه الحديث من الأحكام. أما الأخرى فإن عنايتها متجهة إلى الأحكام، وإنما يذكر الحديث للاستدلال. فلا يصدق من يقول أن تدوين الحدث تأخر عن تدوين الفقه ليمهد لإفكه ومطاعنه المفتراه. و) الوثوق بالمؤلفات: كانت نشأة المسلمين الأولين نشأة تلق ورواية وحفظ، لهذا كانت عنايتهم بالرواية عظيمة فى كل شىء: فى الكتاب الكريم وطريقة أدائه، وفى الحديث والفقه، وفى الشعر والأدب وسائر الفنون. وإنك لتجد هذا واضحا فى المؤلفات الأولى، فليس من الغريب إذن أنه تلقى رواية الكتب الفقهية حظها العظيم عند الأولين. فكان لكل فقيه سنده فيما تلقى من الكتب الفقهية حتى يصل به إلى مؤلفيها أنفسهم، ورواية الكتب الفقهية لها فوق ما تثبته من صدور الكتاب عمن نسب إليه، مزية الوصول إلى ما أراده المؤلف من عباراته، ووصول الكتاب إلى من يتلقاه سليما من الزيادة والنقص، وتحريف النساخ وتصحيفهم، وقد تشدد الأولون فى أمر هذه الرواية حتى أن سائلا سأل القاضى بكارا أن يرد على ما جاء بمختصر المزنى مخالفا لمذهب العراقيين، فقال إننى لم أسمع هذا المختصر لا منه ولا ممن رواه عنه، فلا يحل لى أن أرد عليه، ولما عاد إليه وقد رواه عنه رواية موثوقا بها لديه، قال الآن حل لى أن أقول قال المزنى. ورواية الكتب وما اشتملت عليه من المسائل مختلفة كرواية غيرها، ولذلك كانت الرواية المشهورة تكسب المروى قوه على ما كانت روايته نادرة أو رواية غير معول عليها ولذا ترى الحنفية يقدمون ما فى كتب ظاهر الرواية، كتب محمد الستة، على ما يخالفه مما جاء فى كتب النوادر، لأن رواية الأولى رواية مشتهرة دون رواية الثانية. ويقدم المالكية ما روى عن مالك فى مدونة سحنون على ما روى عنه فى غيرها. ويقدم الشافعية ما روى عنه فى مبسوط الربيع المؤذن "الأم " على ما رواه الزعفرانى عنه.. لهذا السبب نفسه. ولما تطاول الزمن قلت العناية بالرواية.، ووجد لون منها غريب عجيب، وهو أجازه الراوى بما رواه لآخر من غير أن يكون قد تلقاه منه، ثم توسعوا فى هذه الإجازة التى ليس منها فائدة أصلا، وكانت الإجازة بالمراسلة بين من لم يلتقيا أصلا، وكان هذا فى الفقه كما كان فى السنة نفسها. وقد بين ابن حزم فساد هذه الإجازات وبطلانها مستندا إلى أمتن الحجج. وبعد أمد آخر تحللوا من الرواية ومزاياها وقالوا إن نقل الأحكام إما أن يكون بالرواية، أو بالأخذ من الكتب المعروفة التى تداولتها الأيدى وكانت من التصانيف المشهورة لأنها بمنزلة الخبر المتواتر والمشهور. ثم جاء من لم يلتزم ذلك أيضا وقال لا تشترط الشهرة ولا التواتر، وتكفى غلب الظن يكون ذلك الكتاب هو المسمى بهذا الاسم، بأن وجد العلماء ينقلون عنه، ورأى ما نقلوه عنه موجودا فيه، أو وجد منه أكثر من نسخة، فإنه يغلب على الظن أنه هو، وإلا لزم أنه لا يجوز النقل عن الكتب المطولة المشهورة أسماؤها ولكن لم تتداولها الأيدى حتى صارت بمنزلة الخبر المتواتر أو المشهور لكونها لا توجد إلا فى بعض المدارس أو عند بعض الناس، وفى هذا ضياع لكثير من المؤلفات المعتبرة. وكلا الرأيين عجيب فان الرواية ليست إلا لإثبات نسبة الكتاب لصاحبه أولا ثم لإثبات أنه هو كما صدر عنه، لا نقض فيه ولا زيادة، ولا تصحيف ولا تحريف، ولا تغيير على أى وضع. وإذا كان للتداول فائدة فى المعنى الأول فإنه لا يغنى فيما عداه شيئا، أما غلبة الظن هذه فإنها لا تنفع فى شىء. ولقد فتح هذا التهاون بابا واسعا من الشر حتى حمل التلمسانى والمقرى من فقهاء المالكية على القول باب كثرة التأليف قد أفسدت الفقه، لأن الرواية قد تركت وانقطعت سلسلة الاتصال، فكثر التصحيف، ونقلت الأحكام من كتب لا يدرى ما زيد فيها وما نقص، وقد كان أهل المائة السادسة وصدر من السابعة لا يجوزون الفتيا من كتاب التبصرة للخمى لأنها لم تصحح على مؤلفها ولم تؤخذ عنه وأكثر الناس اليوم لا يسيرون على هذا النمط: ولهذا كان التأليف سببا لفساد الفقه. وإذا كانت الحملة على نفس التأليف قاسية، فإن ما قيل فى شأن المؤلفات غير المروية هو الحق عين الحق. وقد أصبحنا اليوم فى وضع لا يمكن تداركه إلا بالعناية بالمؤلفات ومراجعتها وتحقيقها تحقيقا تاما بالقد ر المستطاع، حتى يؤدى إحياؤها على هذا الوجه قسطا مما كانت تؤديه الرواية. ولقد عمت المصيبة اليوم فى ديارنا بأن تصدى لنشر بعض المبسوطات من لا صلة لهم بالفقه أصلا، ولا هم لهم إلا الربح التجارى، فجمعت من أغاليط الطبع وتحريفاته، فوق ما كان فيها من تحريف الناسخين، ما لا يحصى ولا يعد. وفى الرجوع إلى مبسوط السرخسى ومدونة سحنون ومقدمات ابن رشد، ما يغنى عن الإفاضة. إن أول واجب دينى على العامة والرياسات الدينية فى الأقطار الإسلامية أن يقوموا بإحياء هذه المؤلفات على الود الذى ذكرت، وإن هم لم يقوموا بهذا فلا أقل من أن يقوموا بواجب الرقابة نحو ما ينشر من هذه المؤلفات. والثقة بالكتاب الفقهى لا تقف عند الحاجة إلى الرواية أو ما يؤدى وظيفتها أو قريبا منها، بل هى فى حاجة ملحة إلى قدرة المؤلف وكفايته. ولقد كان العهد بالمؤلفين الأولين فى الفقه ألا يقدموا على التأليف إلا بعد النضج التام، وبعد أن تكون لهم فى الفقه مكانة مرموقة، وكانوا لا يتعجلون فى إخراج ما شرعوا فيه إلا بعد تنقيح وتمحيص وبذل أقصى المجهود والعناية، مهما كلفهم ذلك من العناء وأبطأ بهم. وإذا كان ما قيل عن الأزمنة التى ألف فيها أمثال " الهداية " من كتب الحنفية، و " مختصر خليل " من كتب المالكية ... تشتم منه رائحة المبالغة، فإن دلالته على العناية وبذل المجهود فى التنقيح لا يمكن إنكاره، وإذا كانت أمثال هذه المؤلفات لم تسلم من المآخذ فإنها جاءت من المؤلفات الفقهية الممتازة. ولكن العهد قد تغير، ولم يحجم عن التأليف فى الفقه الطالب حين طلبه، والمتفقه قبل نضجه، ومن لا يحسن شيئا سوى الجمع والنقل على غير هدى، ولذلك اتفقت كلمة الفقهاء على تقسيم المؤلفات إلى مؤلفات معتبرة يصح الاعتماد عليها والأخذ عنها، وإلى كتب ضعيفة لا يصح التعويل عليها لأن مؤلفيها من الضعفاء الذين ينقلون الغث والثمين، ولا يميزون بين الصحيح وغير الصحيح، وهم فيما يؤلفون كحاطب ليل، وذكروا من هذا القبيل عددا كثيرا ... وإنا لنرى حقا واجبا للفقه على الرياسات الدينية أن تقوم نحو التأليف الفقهى بواجب الرقابة التامة التى تعلن للناس فيما ينشر عنها، ما يكون من الأخطاء فيما يظهر من مؤلفات. ومما يذهب بالثقة بالمؤلف الفقهى المبالغة فى الاختصار الذى يؤدى إلى تغيير الأحكام وإيرادها على غير وجهها الصحيح، وإنك لتجد هذا فى كثير من الكتب المعروفة اليوم. وقد اتفقت كلمة المتأخرين على أنه لا يصح الاعتماد على التقييدات وما يكتب بحواشى النسخ، التى لا يعرف من أين أخذت، ولا من أى مرجع نقلت، ومثال هذا ما ينقل على أنه فقه، ويقول ناقله إننى ظفرت بنقله، ولكن شذ عنى موضعه أو يقول وجدت بخط شيخنا فلان كذا، فكل هذا لا يصح الاعتماد عليه ولا يعتبر من الفقه. كما اتفقت كلمتهم على أنه لا يعول فى نسبة حكم إلى مذهب من المذاهب الفقهية على نقله فى كتب مذهب آخر. وإنهم لعلى الحق المبين فى هذا فالهداية مع أحكامها، ومع أن مؤلفها جليل القدر، قد وقع فيها ما يكفى للاقتناع بهذا. ولكن إذا كانت الكتب من كتب اختلاف الفقهاء، لا يمكن أن تعتبر كتب مذهب خاص، ولا أن يقال فيها مثل هذا القول، وإن كان مؤلفها من أتباع مذهب بعينه. ز) لغة التدوين وطريقته: لغة تدوين الفقه هى اللغة العربية الفصحى، وكان المؤلفون الأولون ممن عرفوا بالفصاحة والبلاغة، أمثال محمد بن الحسن، والشافعى، وإذا كان ما بين أيدينا اليوم من مؤلفاتهم يشوبه شىء، فليس منشؤه إلا ما أصابها من التحريف وما وقع من السقط. ولما كثر الاختلاط وتطاول الأمد، ونشأ اللحن، كان لهذا أثره فى اللغة التى دون بها الفقه فيما بعد، التى ظهرت عليها مسحة من مسحات العجمة، وقد أدى هذا- وما لعلم الفقه من طبيعته الخاصة- إلى أن كان له أسلوب معين، وإن كانت به عبارات لا تتفق مع قواعد اللغة. ومن الناس من حاول التكلف لتصحيحها ولكنه ركب شططا، أما من أنصفوا فأراحوا أنفسهم وقرروا أنها من العبارات الخاصة بالفقهاء. وفى الأزمنة الأخيرة عرف يجانب التأليف بالعربية التأليف باللغات الأخرى،كما يعرف من الرجوع إلى الفتاوى القاعدية ومعروضات المفتى أبى السعود وأمثالهما. والمؤلفات الفقهية الأولى كانت سهلة سلسلة العبارة، سواء فى ذلك كتب الأصول أو شروحها والمختصرات. وكان الشرح مبسوطا موسعا، وكان شرحا بالقول، يبدأ بالعبارة المشروحة يتلوها الشرح متصلا بها، فتبدو عباراته متسقة كأنها عبارات كتاب واحد مستقل، وكان يطلق على هذه الشروح أسماء الكتب المشروحة. فيقولون مثلا " الجامع الصغير، للصدر الشهيد " و " الجامع الكبير، لقاضيخان "، ولا يعنون بهذا إلا شروحهم لهذه الكتب. وكان من جمال هذه الشروح فوق هذا أن تشرح الكتب التى تحتاج إلى عناية " كالجامع الكبير " لمحمد بن الحسن، بأن تبدأ بذكر الأصول التى تنبني عليها، بأن تبدأ بالذى تشرحه وتتبعها بذكر كل مسألة مع بيان ابتنائها على هذه الأصول كما صنع كل من قاضيحان والحصيرى فى شرح " الجامع الكبير " لمحمد بن الحسن. أما المتأخرون فمنهم من ألح عليهم حب الإيجاز وبالغوا فيه حتى خفيت معانى مختصراتهم وكاد بعضها يشبه الشفرة كمختصر خليل بن إسحاق المالكى. وقد عمد بعضهم إلى التعقيد فيما يأتى به من التعريفات حتى لا تكاد تفهم، كتعريفات ابن عرفة المشهورة. أما شروحهم فأعرضت عن طريقة الشرح بالقول التى كان يجرى عليها المتقدمون وجعلوا عبارات المختصرات، المتون، تتخلل كلام الشروح مكتوبة بالحمرة وكلام الشارح مكتوبا بالسواد، ثم حلت الأقواس البوم محل الحمرة، وأصبح المداد فى الكتب المطبوعة كله واحدا. وهذه الطريقة فى الشرح تشوش الأفهام وتقطع أوصال الكلام، وقد زادها تشويشا عدم العناية بالحمرة والسواد فى الكتب المنسوخة، وبوضع الأقواس فى الكتب المطبوعة. أما الحواشى فى الكتب المطبوعة فقد وضعت فى صلب الكتاب لطولها ووضعت الشروح بالحواشى. ومن عنوا فى مؤلفاتهم من المتأخرين بذكر الخلاف المذهبى والأقوال والوجوه فى المذهب الواحد كانت لهم اصطلاحات أملاها حب الاختصار، كتخصيص جمل معينة بآراء كل فقيه، كما فعل ابن الساعاتى فى مجمع البحرين، أو بتخصيص كلمة (كلديه. وعنده. ورأيه) لكل فقيه، كما فعل الإسفرايينى فى الينابيع، أو بالرقم بالحروف فوق الكلمات إشارة للفقهاء كما صنع الغزالى فى الوجوه والمذاهب، وهذا النوع الأخير من الرموز ليس مأمون العاقبة ولا يمكن الاعتماد عليه. وكذلك عمد كثير من المتأخرين إلى الرمز للكتب التى ينقلون عنها بحروف مركبة كما فى " قنية الزاهدى " و " جامع الفصول " وكثيرا ما يقع فيها التحريف والخلط ويضيع المقصود منها. وإذا كان الأصل فى تدوين الكتب الفقهية هو النثر، فإنها نالت حظها من النظم فى كل المذاهب وفى أكثر العصور. ومن النظم الفقهى ما هو سلس مقبول ظاهر المعنى، ومنه ما هو غث ثقيل مملوء بالضرورات هـ ولا يكاد يبين. وقد عرفنا تقسيم الفقه إلى أنواع كالعبادات، والمعاملات إلخ ... والكتب الفقهية ليست متفقة فى ترتيب هذه الأنواع إلا فى البدء بالعبادات وتختلف فيما وراء ذلك، وليس هذا خاصا بكتب المذاهب المختلفة، بل هو واقع فى كتب المذهب الواحد، لكل فريق ملحظه ومناسباته التى ارتضاها وكثيرا ما يكررونها فى أوائل كل كتاب أو باب. ح) السرقات الفقهية: من حق العلم والأمانة على كل مؤلف أن ينسب الرأى أو الفكرة إلى من أبداها، بهذا تقضى الفطرة السليمة كما تقضى به بداهة العقل، وهو ما يحترمه الناس فى جميع العصور وفى جميع الأقطار. ولكن الفقه، كغيره، كانت فيه سرقات لبعض الآراء التى لم تنسب إلى أهلها، كما وقع من ابن هارون وابن عبد السلام فى شرحيهما لمختصر ابن الحاجب، فقد سرقا كلام ابن رشد ونسباه إلى أنفسهما، وقد أعلن هذا فى مواجهتهما ابن الحباب فلم يستطيعا أن يردا عليه. والفقه قد وقعت فيه سرقات لا تعرت فى غيره، وهى سرقات كتب برمتها، فهذا رجل اسمه علاء الدين على بن خليل الطرابلسى الحنفى قاضى القدس المتوفى سنة 844 هجرية، سرق تبصرة ابن فرحون المتوفى سنة 799 هجرية برمتها مع تغيير يسير فى بعض العبارات القليلة ونسبها إلى نفسه وسماها معين الحكام، ويظهر أن الذى جرأه على ذلك أن العهد قريب لم يسمح بانتشار التبصرة انتشارا يحول دون هذه السرقة التى لا تغتفر، لما فيها من جناية الكذب وانتحال ما للغير، وما هو أعظم من ذلك نحو الفقه، وهو أنه دس على الحنفية كتابا أكثر أحكامه لا تتفق مع ما فى مذهبهم، وكان من العجب أن ينقل عن هذا الكتاب بعض مؤلفى الحنفية. وإذا اطلعت على شرح الرملى لمنهاج النووى وشرحه لابن حجر الهيتمى المكى وجدتهما متطابقين فى العبارات إلا فى النزر اليسير، ومن المحال أن يكون هذا من توافق الخواطر، لكن من هو السارق ومن هو المسروق منه؟ العلم عند الله. أما شرح شمس الدين بن قدامة لمتن المقنع فهو صورة طبق الأصل من المغنى لعمه موفق الدين بن قدامة الذى شرح به مختصر الخرقى. ولست أدرى لم كلف ناشر الكتابين نفسه وطبعهما مع بعضهما، وهل فاته هذا؟ وكيف يفوته مع أن الأمر أوضح من الشمس الطالعة. ومن السرقات الخفية أن يجد المرء فى البحث والتنقيب والجمع ثم يؤلف ويرشد إلى المراجع التى أخذ منها فيأتى الأخر فيأخذ ثمرة مجهوده دون أن يشير إليه بكلمة ويعزوها إلى مراجعها التى عزا إليها الباحث المطلع الحقيقى، وقد يكون هذا السارق المدلس لم ير هذه المراجع أصلا. وقد نقل مؤلف من كتاب مستشرق لم يذكره بتاتا وذكر المراجع التى ذكرها ومنها مخطوطات فى بلد أجنبى لم يدخله مؤلفنا فى حياته كما أن المخطوط لم يخرج من بلده، وهذه السرقة قد حملت بعض المؤلفين من الباحثين أن يغفلوا المراجع التى أخذوا عنها هربا من هؤلاء السراق المدلسين. وللسرقات الفقهية ضروب أخرى لا حاجة بنا إلى الإطالة بذكرها. ط) التدوين الجماعى: تدوين المؤلفات الكثيرة التى توالى ظهورها على مر القرون المتطاولة كانت مجهود الأفراد، ويستوى فى ذلك المبسوطات والمختصرات وما بينهما، والكتب الخاصة بمذهب من المذاهب الفقهية وكتب اختلاف الفقهاء، ولا يعرف أن جماعة أوأكثر من واحد اشتركوا فى تأليف كتاب أو جمع مجموعة فقهية إلا فى أحوال نادرة جدا لا تكاد تستحق الذكر بإزاء هذا العمر المديد الذى عاشه الفقه الإسلامى وهو عمر بلغ أربعة عشر قرنا إلا يسيرا. والذى نعرفه من ذلك هو ما يأتى: أ) الكتاب المعروف بالفتاوى الهندية أو العالمكيريه، وهو مجموعة الأحكام الفقهية فى مذهب أبى حنيفة، قام بجمعها جماعة من علماء الهند المشهورين يرأسهم المولى الشيخ نظام، وقد قاموا بهذا العمل بأمر من سلطان الهند أبو المظفر محى الدين محمد أورنك زيب بهادر عالم كيرشاه، الذى بذل لهم كل معونة تكفل لهم رواتبهم وتفتح لهم أبواب خزائن كتبه وبلغ ما أنفق فى هذا السبيل 200 ألف روبية، قاموا بهذا الجمع ليكون ميسورا على الناس أن يقفوا على الروايات والأقوال الصحيحة وما تجرى عليه الفتوى من أحكام هذا المذهب، وهى مجموعة ضخمة تقع فى ستة أجزاء كبار مطبوعة وقد التزم ناقلوها إسناد كل حكم نقلوه إلى الكتاب الذى أخذ منه ولما يتصرفوا فى عبارات الفقهاء كما ختموا هذه المجموعة بكتاب المحاضر والسجلات وكتاب الشروط، وهما كتابان لا يوجدان إلا فى المبسوطات. وأحكام هذه المجموعة مجردة عن الدلائل غالبا وإن ذكر شىء منها كان يسيرا جدا. ب) مجلة الأحكام العدلية، وهى كتاب فقهى وضع فى أحكام المعاملات ولم يتناول أحكام النكاح والطلاق والنسب والولاية على النفس والمال ولا أحكام الوصايا والمواريث، وصيغت أحكامها فى مواد على غرار مواد القوانين الوضعية، وقد بلغت ثلاثا وخمسين وأربعمائة وألف مادة تقع فى ستة عشر كتابا. وقد وضعت المجلة لجنة علمية ألفت بديوان العدلية بالآستانة يرأسها ناظر هذا الديوان أحمد جودت باشا. وكان السبب فى وضعها أن الدولة العثمانية أنشأت محاكم تجارية وضع لها قانون خاص كالقوانين التجارية الأوروبية، وهى تحيل على القوانين المدنية فى بلا دها ولا سبيل إلى ذلك فى الدولة العلية، فالإحالة فيها تكون على مما يقابل القوانين المدنية وهو الأحكام الشرعية. كما أنه أنشئت بالدولة العثمانية محكمة للتمييز، ورجال كل من المحاكم التجارية ومحكمة التمييز لا يسهل عليهم معرفة الأحكام الشرعية من مراجعها فتيسيرا عليه وضعت هذه المجلة. وقد ألزمت الجمعية العلمية الأخذ بالأقوال الراجحة والمفتى بها من مذهب أبى حنيفة عدا بعض مسائل قليلة أخذت فيها بما ليس راجحا فى هذا المذهب الذى لم تخرج المجلة عن أحكامه كما بدأت كل كتاب بالقواعد والضوابط الملائمة، وأكثرها مأخوذ من كتاب " الأشباه والنظائر " لابن نجيم وكل ذلك مفصل بالتقرير الذى رفعة رئيس الجمعية العلمية إلى محمد أمين غالى باشا الصدر الأعظم فى غرة المحرم سنة 1286 هجرية. وفى شرح يوسف آصاف آخر الكتاب السادس عشر أن تاريخ الإرادة السنية 26 من شعبان سنة 1293 هجرية. ج) الأحكام التى تخيرتها لجنة بوزارة العدل المصرية وصدر بها القانون رقم 25 لسنة 1920م والقانون رقم 25 لسنة 1929 م وهى أحكام تخيرت من المذاهب الأربعة فى بعض مسائل الأحوال الشخصية. والأحكام التى تخيرتها لجنة الأحوال الشخصية بمصر من المذاهب الأربعة ومذاهب الصحابة والتابعين ومذهب الطبرى ومذهب ابن حزم ومذهب الزيدية، وأخذت فيها بمبدأ التلفيق، ووضعتها فى مواد صدر بها قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943م وقانون الوقف رقم 48 لسنة 1946م وقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م. هذا هو كل ما نعرفه حتى الآن عن التدوين الجماعى للفقه وهو يختلف عما يراد بالموسوعة التى يراد بها أن تكون جامعة لكل المذاهب الفقهية الباقية، وأن تكون مرتبة على حر وف المعجم فلا يكون تدوينها بطريقة صياغة المواد القانونية إذ أنها لا توضع للإلزام التشريعى. ى) حاجة الفقه: الفقه الإسلامى غنى بثروته الضخمة وما حواه من الأقوال والآراء وأعظم المبادىء، وهو فى الوقت نفسه غنى عن شهادة هؤلاء المحدثين الذين بدأوا ينزلون عن شىء من عصبيتهم وغرورهم وكبريائهم، ويشهدون له من أطراف أنوفهم، وأخذنا نطير فرحا بهذا ونتغنى به، هو غنى عن كل هذا، فهو من صنع العليم الخبير وما استنبط من صنعه، وقد شهد له من قبل تاريخه الطويل والحضارات الاجتماعية المتعاقبة، أيام أن كان أسلاف هؤلاء الشهداء يضربون فى الجمالات وينشرون الجور والظلم، وما هداهم الطريق السوى إلا ما وصل إليهم من شعاع المدنية الإسلامية، فما كان لهؤلاء أن يشهدوا ما كان لنا أن نعتز بما شهدوا. حقا أن الفقه الإسلامى فى أشد الحاجة إلى شيئين: أن تراثنا من المؤلفات الفقهية قد سلب وهلك الكثير منه- إن لم نقل الأكثر- لعوامل وأسباب كثيرة، والبقية الباقية منه إما حبيسة مكدسة فى أقبية المكتبات بالآستانة أو غيرها أو شبه معتقلة بدور الكتب الأخرى مع أن فيها من المبسوطات والمختصرات ما له أرفع القيمة وعظيم النفع، وإما متداولة منشورة النشر التجارى وبالطريقة الأولى التى تخلق الصعوبات لأهل هذا الفقه وغيرهم البعيدة عما وصل إليه العالم من طرق التحقيق والنشر. فالفقه أحوج ما يكون إلى بعث المقبور، ومسايرة أحدث أساليب النشر ليصبح الفقه الإسلامى ميسورا يسهل الوصول أليه لكل من يبتغيه. تفرق المسلمون شيعا وأحزابا بسبب الحكم والإمامة والسياسة وأورثهم هذا التنازع الضعف والوهن والفشل والخذلان وتسلط أعدائهم عليهم وعلى ديارهم وأخذهم بنواصيهم، فأماتوا فيهم أحكام ربهم وفرضوا عليهم شرائعهم التى لا تلائم فطرتهم ولا تقاليدهم. وفتنوا من فتنوا من أبنائهم فكانوا أولياءهم وأشد منهم حمية فى تعطيل أحكام الله وحدوده، فحق على المسلمين أن يفيقوا من غشيتهم، وأن يعتصموا بحبل الله جميعا وألا يتفرقوا، وأن يميتوا أسباب خلاف قد انقضىعهده وأن يواجهوا عدوهم بوحدة الكلمة والعودة إلى سيرة السلف الصالح، وحق عليهم أن يعملوا على اجتماع كبار الفقهاء من جميع الأقطار وأئمة المذاهب الإسلامية للتقصى والباحث والتشاور وإعادة سنة الخلفاء الراشدين فى ذلك، ليواجهوا المحدثات من الواقعات والنوازل فيستنبطوا لها أحكامها مما أنزل الله وسنن رسوله واهتدى إليه أئمة الدين، وليتخيروا من كل هذا أصول المسائل والقواعد الكلية التى تكون مصدرا أساسيا لأى تشريع يصدر فى بلد إسلامى، ليعملوا جاهدين على إحياء تراثنا الفقهى المهدد من جميع نواحيه، وليراقبوا التأليف الفقهى المعاصر لينقضوه النقد العلمى الأمين، وليدفعوا بكل ما فيهم من قوة عن الفقه الإسلامى الهجوم الظالم المتواصل الذى أولع به الآخرون، وأن يقوموا بكل ما فيه خير هذا الفقه. هذا هو ما يحتاج إليه الفقه الإسلامى، وهذا ما يحس به المسلمون فى جميع الأقطار وكان ولا يزال موضع الأحاديث، غير أن لكل من شئونه ما يفتنه ويغويه، أو ما يشغله ويلهيه، أو ما يخيفه ويثنيه. لذا كانت الأعمال قليلة والجهود ضئيلة منثورة. فقد قامت بحيدر أباد الدكن جمعية أحياء المعارف النعمانية ونشرت سلسلة من مؤلفات محمد بن الحسن والصدر الشهيد والسرخسى. وقام بعض العلماء والموسرين من أهل نجد والحجاز بإحياء طائفة قيمة من المؤلفات الفقهية فى مذهب أحمد. ونشر بعض اليمنيين شيئا من مؤلفات الفقه الزيدى، كما نشر المرحوم الشيخ محمد بن يوسف أطفيش شرحه لكتاب النيل فى فقه الإباضية. أما جامعة القاهرة فكان حظها من ذلك أنها عنيت بإحياء كتاب الأصل محمد بن الحسن، وعهدت بذلك إلى الدكتور شفيق شحاته أستاذ القانون المدنى بكلية الحقوق التابعة لها، وعهدت إليه وحده بذلك فأخرج قسما مشتملا على البيع والسلم يقول أنه حققه وعلق عليه. هذا هو ما كان وكفى. ك) موسوعة دمشق: فى يونية سنة 1951 م عقدت شعبة الحقوق الشرقية من " المجمع الدولى للحقوق المقارنة" مؤتمرها الثانى فى كلية الحقوق بجامعة باريس للبحوث فى الفقه واطلع المؤتمرون على بحوث الفقهاء فى خمسة موضوعات فقهية كان المجمع قد عينها، وقد قرر المؤتمرون أنهم استخلصوا من هذه البحوث وما جرى حولها أمرين بينوهما وأعلنوا أملهم فى أن تؤلف لجنة لوضع معجم للفقه الإسلامى يسهل الرجوع إلى مؤلفات هذا الفقه فيكون موسوعة فقهية تعرض فيها المعلومات الحقوقية الإسلامية وفقا للأساليب الحديثة. ومضت الأيام ولم ينشط أحد للعمل على تحقيق هذا الأمل حتى أسست كلية الشريعة بجامعة دمشق سنة 1955م فأقدمت على تحمل هذا العبء وألفت لجنة تقوم بوضع الموسوعة الفقهية، وعملت حتى صدر المرسوم الجمهورى السورى رقم 1711 فى 3 مايو سنة 1956م الذى ينص على أن تصدر كلية الشريعة الإسلامية بالجامعة السورية موسوعة (دائرة معارف) غايتها صياغة مباحث الفقه الإسلامى بمختلف مذاهبه وإفراغها فى مصنف جامع مرتب على غرار الموسوعات القانونية الحديثة بحيث يعرض مواد الفقه الإسلامى عرضا علميا حديثا ويسهل الرجوع إلى نصوصه فى كل موضوع للإفادة منها إلى أبعد حد، ويرشد الباحثين إلى مصادر هذا الفقه. وبين هذا المرسوم الأحكام المرتبطة بهذا الموضوع كما أقر تأليف لجنة للموسوعة. وبعد الوحدة السورية المصرية صدر القرار الجمهورى رقم 1536 لسنة 1959 م الذى نصت المادة الأولى منه على تعديل الماد الثالثة من المرسوم سالف الذكر. وقد سار العمل هناك بقدر ما تعين عليه السعة المالية. 12- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: وخلال سنة 1960م كانت اتصالات عديدة بين رجال الموسوعة بدمشق وبين السيد وزير الأوقاف وأعوانه انتهت بنتائج حسنة بفضل النوايا الطيبة من الجانبين. وتحقيقا لأهداف الثورة البناءة، واقتداء بتوجيهات زعيمها، وفق الله وزير الأوقاف - يومئذ- أحسن توفيق، فأنشأ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بلجانه الكثيرة التى تسد الكثير من النقص وتعمل على نصرة الإسلام من النواحى المختلفة، ومن لجان هذا المجلس لجنة لموسوعة الفقه الإسلامى بينت أهدافها وجميع ما يتعلق بها فى المواد (29-33) من القرار الوزارى رقم 1 لسنة 1961م. وأعيد تشكيل اللجنة بالقرار الوزارى رقم 24 لسنة 1961 بتاريخ 18 يناير سنة 1961م من السوريين والمصريين. ومنذ البداية صدر القرار الوزارى رقم 33 لسنة 1961م بتسمية الموسوعة التى تقوم اللجنة بوضعها " موسوعة جمال عبد الناصر فى الفقه الإسلامى " للمعانى القيمة التى أفصحت عنها المذكرة الإيضاحية لهذا القرار. وقد سارت اللجنة بجد وإخلاص ورغبة صادقة، وكان من خطتها فى هذا العمل: أ) أن تكون الموسوعة مدونة ترتب موادها ترتيب حروف المعجم، مراعى فى ذلك أول الكلمة والحروف التالية لها كما ينطق بها من غير نظر إلى أصلها. ب) أن تكون أسماء أبواب الفقه مواد مستقلة - مصطلحات - توضع فى ترتيبها الهجائى، أما ما عدا ذلك فيتبع بشأنه ما تقرره لجنة المراجعة ثم اللجنة العامة. ج) أن تكون الموسوعة جامعة لأحكام المذاهب الفقهية الثمانية التى ذكرت فيما سلف وجمع ما فى كل منها من الأقوال إلا الأقوال الشاذة ساقطة الفكرة. د) أن يكون إيراد أدلة الأحكام فى الاعتدال وبمقدار ما تستبين به وجهة النظر. الهاء) أن تتناول الموسوعة مسائل أصول الفقه والقواعد الفقهية لارتباطها الوثيق بالأحكام الفقهية. و) أن وظيفة الموسوعة ليست الموازنة بين الشرائع ولا بين المذاهب الفقهية ولا ترجيح بعض الأقوال على بعض ولا نشر البحوث والآراء، وإنما وظيفتها جمع الأحكام الفقهية وترتيبها ونقلها فى دقة وأمانة بعبارات سهلة تساير أحوالنا من المراجع الفقهية التى تلقاها الناس بالقبول حتى نهاية القرن الثالث عشر الهجرى، وذلك دون تفرقة بين احول به وغير المعمول به الآن، أما ما عدا ذلك مما ليس من وظيفتها الأصلية فيكون له ملحق خاص. وإنا نسأله جلت قدرته أن يوفق العاملين فى هذه الموسوعة ويسدد خطاهم ويقيهم أسباب الفشل وشرور أنفسهم ليجاهدوا فى الله حق جهاده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 آبد قال فى المصباح المنير: أبد الشىء من بابى ضرب وقتل نفر وتوحش فهو آبد على وزن فاعل.. وكذا قال فى لسان العرب: أبدت البهيمة توحشت.. وهذا المعنى هو ما صرح به ابن الأثير فى الجزء الأول من كتاب النهاية فى غريب الحديث. والفقهاء يعبرون عن معنى الآبد بعبارات مختلفة، كالمتوحش والناد. أما حكمه فى التذكية فإنه يكفى عقره عند العجز عن الذبح فيما يذبح أو النحر فيما ينحر على تفصيل فى ذلك: انظر مصطلح (تذكية) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 آبق 1- التعريف بالآبق، والفرق بينه وبين الضال: الآبق فى اللغة من حصل منه الإباق، والإباق هو الهرب سواء كان الهارب عبدا أم حرا فقد قال تعالى: (وإن يونس لمن المرسلين. إذ أبق إلى الفلك المشحون) (1) أما فى الاصطلاح فكما يلى: الحنفية: يعرفه الحنفية بأنه انطلاق العبد تمردا والتمرد هو الخروج عن الطاعة وهذا يشمل ما إذا كان هروب العبد من سيده أو مستأجره أو مستعيره أو مودعه أو الوصى على من كان صغيرا وآل إليه العبد (2) فالآبق إذا هو الذى انطلق تمردا على من ذكروا. أما الضال فهو الذى ضل الطريق إلى منزل سيده أو غيره ممن ذكروا بلا قصد (3) .. ويتحقق التمرد بأن يكون الانطلاق من العبد لغير ظلم ممن هو فى يده كما بين ذلك صاحب الجوهرة شرح القدورى نقلا عن الثعالبى (4) . المالكية: يعرف المالكية الآبق بأنه من ذهب مختفيا بلا سبب وفرقوا بينه وبين الهارب بأن الهارب من ذهب مختفيا لسبب ولكن قد قال الدسوقي فى حاشيته على الشرح الكبير للدردير (5) . بعد أن ذكر المعنى السابق ولعل هذا فرق بحسب الأصل وإلا فالعرف الآن أن من ذهب مطلقا أى لسبب أو غيره يقال له آبق وهارب. وقد بين الصاوى فى حاشيته على الشرح الصغير للدردير أن الآبق غير الضال فقد قال به عند تعليقه على عبارة الشرح الصغير فيما يتعلق بجعل من عادته رد الآبقين وأنه له جعل مثله إن اعتاده أى كمان عادته الإتيان بهم أو غيرهم فقد قال الصاوى هنا " أو غيرها كالإتيان بالضوال " (6) فالضال إذن غير الآبق بناء على هذا. الشافعية: أما الشافعية فقد بينوا الفرق بين الآبق والضال فعرفوا الآبق بأنه من كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل فقد قال صاحب المغنى شرح المنهاج: " الضال لا يقع إلا على الحيوان إنسانا أو غيره، أما الآبق فقال الثعالبى: لا يقال للعبد آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل وإلا فهو هارب، قال الأزرعى: لكن الفقهاء يطلقونه عليهما " (7) . الحنابلة: الحنابلة جعلوا الآبق هو الهارب من سيده فقد قال فى كشاف القناع: يقال أبق العبد إذا هرب من سيده. ثم قال: وقال الثعالبى فى سر اللغة لا يقال للعبد آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل وإلا فهو هارب (8) ولم يعقب صاحب كشاف القناع على كلام الثعالبى كما فعل الشافعية على ما تقدم ويظهر من هذا أن الآبق عنده هو الهارب مطلقا ولم يبين تعريف الضال. الظاهرية: يرى من صنيع ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى ما يدل على أن الآبق غير الضال فقد قال فى المحلى كتاب اللقطة والضالة "وهى تشمل العبد الضال والآبق " ثم سرد الحكم فيها وجعل كل هذه الأصناف سواء فى الحكم من حيث أخذها والتعريف بها وإعطائها لصاحبها.. الخ ما ذكره. ولكنه لم يبين معنى الضال ولا معنى الآبق اعتمادا على اختلافهما فى اللغة على نحو ما روى عن الثعالبى وهو ما ذكرناه فيما تقدم قريبا عند الكلام عن مذهب الشافعية فى ذلك (9) . الشيعة والزيدية: لم نعثر على نص صريح فى التفرقة بين الضال والآبق عندهم من حيث التعريف بهما. الإباضية: قد ذهب الإباضية إلى أن الآبق هو الهارب دون أن يقيدوا الهرب بأنه من غير خوف ولا كد فى العمل كما ذكر الثعالبى وسار عليه الحنابلة وغيرهم على ما تقدم فقد جاء فى النيل " وأبق بهمزة مفتوحة تليها باء مكسورة وهو الإنسان المملوك الهارب فى إباقته بكسر الهمزة " (10) .   (1) الآيتان: 139، 140 سورة الصافات (2) المر المختار حاشية ابن عابدين " رد المختار عليه" ج 3 ص 355- 356 طبعة دار الكتب العربية. (3) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 3 ص 355 الطبعة السابقة. (4) ج 1 ص 466. (5) ج 4 ص 127طبعة دار إحياء الكتب العربية. (6) ج 2 ص 257 طبعة المطبعة الخيرية. (7) ج 2 ص 13 طبعة مصطفى الحلبى. (8) كشاف القناع ج 2 ص420 المطبعة العامرية الشرقية سنه 1319. (9) المحلى ج 8 ص 257 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (10) النيل ج 4 ص 73. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 السن التى يعتبر فيها العبد آبقا. الحنفية: يرى الحنفية أن السن التى يعتبر فيها العبد آبقا هى السن التى يعقل فيها الإباق فقد قال فى الأنقروية نقلا عن مختصر التتارخانية " قال محمد فى الأصل: والحكم فى رد الصغير كالحكم فى الكبير إن رده من دون مسافة السفر، فله الرضخ وهو عطاء قليل غير مقدر وفى الكبير أكثر مما يردخ فى الصغير إن كان الكبير أشد مؤنة. قالوا: وما ذكر فى الجواب فى الصغير محمول على صغير يعقل الإباق، أما من لا يعقله فهو ضال وراد الضال لا يستحق الجعل " (1) وقد صاحب الكافى وشارحه السرخسى فى المبسوط ذلك بأن يكون قد قارب الحلم، فقد جاء فى المبسوط: " وإذا أبقت الأمة ولها صبى رضيع فردها رجل فله جعل واحد لأن الإباق من الرضيع لا يتحقق ثم قال: وإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم فله جعلان ثمانون درهما لأن الإباق تحقق منهما (2) وقد علل الكمال ابن الهمام وجوب الجعل على من قارب الحلم فقال فى فتح القدير: " لأن من لم يراهق لم يعتبر آبقا " (3) ولكن ابن عابدين قال نقلا عن النهر أن قوله أى فى المبسوط قد قارب الحلم غير قيد لقول شارح الوهبانية: " اتفق الأصحاب ان الصغير الذى يجب الجعل برده فى قول محمد هو الذى يعقل الإباق وحاصله أنه لا يشترط كونه مراهقا فى وجوب الجعل برده سواء كان مع أحد أبويه أو وحده بل الشرط أن يعقل الإباق " (4) . المالكية: يرى المالكية أن الآبق من كبيرا فقد قال الدسوقى فى حاشيته: على الشرح الكبير للدردير عند تعريف الدردير اللقطة بأنها مال معصوم: المال المعصوم يشمل الرقيق الكبير والاصطلاح أنه آبق لا لقطة: " نعم الرقيق الصغير لقطة " ولكنه لم يذكر حد الكبر " (5) . الشافعية: لم نعثر فيما قرأنا من كتب للشافعية على نص يدل على السن التى يعتبر فيها العبد آبقا، غير أنه جاء فى كتاب المنهاج ما قد يؤخذ منه هذا فإنه قد جاء فيه فى باب اللقطة ويجوز أن يلتقط عبدا غير مميز وعند هذه العبارة قال صاحب المغنى ولا يجوز التقاط المميز فى الأمن: " لا فى مفازة ولا غيرها لأنه يستدل فيه على سيده فيصل إليه " ومقتضى هذا أن المميز الذى يراد التقاطه يكون ضالا. وإذا اعتبر التمييز أولى. الحنابلة: لتحق الضلال فإنه يعتبر للإباق من باب لم نعثر فيما لدينا من كتبهم على سن محددة للآبق بحيث لو لم يبلغها يكون ضالا ولا يكون آبقا ولكن يمكن أن يؤخذ من جعلهم الآبق الهارب - أن السن فى الإباق هى التى يمكن معها الهرب وهى على الأقل سن التمييز فغير المميز ضال وليس بآبق وقد ذكرنا سابقا ما جاء فى كشاف القناع يقال أبق العبد إذا هربت من سيده (6) . الزيدية: يرى الزيدية أن الإباق الذى يعتبر إباقا شرعا يرد به العبد المبيع إنما يكون إذا كان كبيرا قال صاحب البحر الزخار: " ولو أبق صغيرا ثم أبق عند المشترى كبيرا لم يرد ". ثم نسب إلى الإمام حد الكبر.. فقال: " وحده أى حد الكبر البلوغ وقيل المراهقة قلنا البلوغ أضبط وأقيس (7) وعدم الرد إلا إذا أبق كبيرا عند المشترى يدل على أن الإباق فى الصغر عند البائع ليس عيبا فليس إباقا شرعا. الظاهرية: لم نعثر على سن يكون به العبد آبقا عندهم والذى يظهر أنهم لما اعتمدوا على اللغة فى الفرق بين الضال والآبق يكونون قد اعتبروا أن الإباق ملحوظ فيه الهرب عن الكد والإيذاء، ولا يكون هذا إلا من مميز فيكون التميز هو مناط الإباق. الشيعة الإمامية: لم نعثر على نص صريح عندهم بخصوص السن التى يكون بها الإباق، ولكنا وجدنا من النصوص ما يؤخذ منه أن الآبق يلزم أن يكون مميزا، فقد جاء فى كتاب شرائع الإسلام بصدد تقسيمه للملقوط بأنه إنسان أو حيوان أو غيره " اللقيط: وهو كل صبى ضائع لا كافل له ولا ريب فى تعلق الحكم بالتقاط الطفل (8) غير المميز وسقوطه فى طرف البالغ العاقل وفى الطفل المميز تردد أشبهه جواز التقاطه لصغره وعجزه عن دفع ضرورته " ثم قال فى شأن من التقط " ولو التقط مملوكا ذكرا وأنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه ولو أبق منه أو ضاع من غير تفريط لم يضمن ولو كان بتفريط ضمن ". فهذا النص يؤخذ منه أن اللقيط إذا أبق من آخذه لا يكون ضامنا واللقيط هو الصغير الذى لم يبلغ على ما ذكره هو فى أول كلامه والمعقول أن الهروب لا يكون من الصغير إلا إذا كان مميزا يعقل الهرب وليس بلازم أن يكون قد بلغ سن المراهقة فغير المميز ضال وليس بهارب. الإباضية: لم نعثر على نص عندهم فى هذا ولكنهم لما جعلوا الأبق هو الهارب كما تقدم فإنه يمكن أن يقال إن الآبق عندهم إنما يكون آبقا إذا كان ممن يتأتى منه الهرب وهذا إنما يتصور فى سن التمييز.   (1) ج 1 ص 199، المطبعة الأميرية. (2) ج 11 ص 24، طبعة الساسى. (3) ج 4 ص 439، المطبعة الأميرية. (4) رد المحتار ج 4 ص 358، دار الكتب العربية الكبرى. (5) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 117 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (6) كشاف القناع ج 2 ص 420 المطبعة العامرية الشرقية 1319. (7) البحر الزخار ج 2 ص 257 طبعة 1949. (8) شرائع الإسلام ج 2 ص 173 طبعة دار مكتبة الحياة سنة 1930. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 حكم أخذ الآبق الحنفية: إذا نظرنا إلى الحكم بمعنى الصفة الشرعية فإن أخذ واجده له أفضل من تركه إن كان يقدر على حفظه حتى يرد إلى مولاه وإن كان يعلم من نفسه العجز عن ذلك والضعف فلا، وذلك لأن الآبق هالك فى حق الموالى فيكون الرد إحياء له، ولكن ابن الهمام اختار أن يكون فيه التفصيل الذى فى اللقطة فقال: ويمكن أن يجرى فيه التفصيل الذى فى اللقطة بين أن يغلب على ظنه تلفه على المولى إن لم يأخذه مع قدرة تامة عليه فيجب أخذه وإلا فلا، وذلك بخلاف الضال وهو الذى لم. يهتد إلى طريق منزله فقد قيل أخذة فضل لما فيه من إحياء النفوس والتعاون على البر، وقيل تركه أفضل لأنه لا يبرح مكانه منتظرا لمولاه حتى يجده وقد جعل ابن الهمام هذا الحلاف فى الضال إذا لم يعلم واجد الضال مولاه ولا مكانه فقال: "ثم لا شك أن محل هذا الخلاف إذا لم يعلم وأجد الضال مولاه ولا مكانه أما إذا علمه فلا ينبغى أن يختلف فى أفضلية أخذه ورده (1) وإذا أخذه وجب عليه فى اختيار شمس الأئمة السرخسى أن يأتى به إلى السلطان أو القاضى فيحبسه منعا له عن الإباق لأنه لا يستطيع هو أن يحفظه أما شمس الأئمة الحلوانى فإنه يختار أن الآخذ بالخيار أن شاء حفظه بنفسه إن كان يقدر على ذلك وإن شاء دفعه إلى الأمام (2) . أما الحكم بمعنى الأثر المترتب على الأخذ فان الآخذ للآبق إن كان قد أشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده تكون يده عليه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدى فإذا هلك أو أبق لا يضمن وكذا إذا حبسه عن صاحبه بعد أن وصل إليه رادا له حتى يستوفى الجعل فأبق أو هلك ولكنه فى هذه الحال لا جعل له (3) ، أما إذا لم يشهد يكون قد أخذه لنفسه، وأخذ ملك الغير بدون إذنه غصب، فيكون ضامنا له إذا هلك أو أبق كذا يضمنه إذا استعمله فى الطريق فى حاجة نفسه ثم ابق منه ولا جعل له فى هذه الحال (4) . المالكية: أما حكمه بمعنى الصفة الشرعية فإنه يندب لمن وجد آبقا وعرف ربه أن يأخذه له لأنه من باب حفظ الأموال إذا لم يخش ضياعه فإن خشى ضياعه وجب عليه أن يأخذه لسيده حتى وإن علم الواجد خيانة نفسه، وعليه أن يترك الخيانة اللهم إذا خاف على نفسه ضررا من السلطان إذا أخذه ليخبر صاحبه به فإن خاف على نفسه هذا حر م عليه أن يأخذه وإذا كان لا يعرف ربه يكره له أخذه لاحتياجه إلى الإنشاد والتعريف فيخشى أن يصل إلى علم السلطان فيأخذه وإذا أخذه وهو لا يعرف صاحبه رفعه إلى الأمام لرجاء من يطلبه منه (5) وأما حكمه بمعنى الأثر المترتب عليه فإن يده عليه يد أمانة لا يضمن إلا بالتقصير فى حفظه أو التعدى ولذا إذا أبق من عنده بعد أخذه أو أنه مات عنده أو تلف فلا ضمان عليه لربه إذا حضر حيث لم يفرط لأنه أمين ولا يمين عليه، أما إذا فرط كما لو أرسله فى حاجة يأبق فى مثلها فأبق فإنه يضمن (6) ، وكذلك يضمنه الملتقط إن أرسله (أى أطلقه) بعد أخذه ولو كان ذلك لخوف من شدة النفقة عليه أى يضمن قيمته يوم الإرسال لربه إذا إن كان هلك وسواء فى ذلك ما إذا كان قد أرسله قبل مضى السنة التى يجب عليه تعريفه فيها أو بعده إلا أن يكون قد أرسله لخوف منه أن يقتله أو يؤذيه فى نفسه أو ماله أو لخوف من السلطان بسبب أخذه أن يقتله أو يأخذ ماله أو يضربه ولو كان الضرب ضعيفا لذى مروءة بملأ، والظاهر أن عدم الضمان إذا أرسله لخوف منه محله إذا لم يكن رفعه للأمام وإلا رفعه ولا يرسله فإن أرسله مع إمكان رفعه ضمن ومحله أيضا إذا كان لا يمكنه التحفظ منه بحيلة أو بحارس ولو بأجرة وإلا فلا يرسله ارتكابا لأخف الضررين، والظاهر رجوعه بأجرة الحارس كما يرجع بالنفقة لأنها من متعلقات حفظه (7) . الشافعية: جاء فى كلام الشافعية ما يدل على أن حكم الأخذ بمعنى الصفة الشرعية غير جائز بدون رضا المالك فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى " وإن عمل بلا إذن كأن عمل قبل النداء فلا شىء له، لأنه عمل متبرعا وإن كان معروفا برد الضوال. ودخل العبد - مثلا- فى ضمانه كما جزم الماوردى (8) ". وجاء فيه أيضا وألحق الأئمة بقول الأجنبى: من رد عبد زيد فله على كذا " قوله: فله كذا، وإن لم يقل على لأن ظاهره التزام، فإن قيل: لا يجوز لأحد بهذا القول وضع يده على الأبق بل يضمن، فكيف يستحق الأجرة؟ أجيب بأنه لا حاجة إلى الإذن فى ذلك لأن المالك راض به قطعا، أو بأن صورة ذلك أن يأذن المالك لمن شاء فى الرد (9) 0 "، فهذان النصان يدلان على أنه لا يجوز أخذ الآبق بدون إذن صاحبه: كأن ينادى بجعل لمن يرد آبقه أما قبل الإذن فلا يصح التقاطه، وقد جعلوا نداء الأجنبى كإذن المالك، لأن المالك يرضى بالرد والجعل قطعا. وأما حكمه بمعنى الأثر المترتب على الأخذ- فهو أن من أخذه بدون رضا المالك بصورة ما يكون ضامنا له، لأنه فى حكم الغاصب حينئذ، أما إذا أخذه بعد إذنه فإنه يكون أمينا لا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء فى المغنى " يد العامل على ما يقع فى يده (والآبق داخل فى ذلك) إلى أن يرده يد أمانة فإن خلاه بتفريط ضمن لتقصيره (10) ". الحنابلة: يرى الحنابلة أن حكم أخذ الآبق - بمعنى صفته الشرعية- جائز فقد جاء فى كشاف القناع " وليس لواجده بيعه ولا تملكه بعد تعريفه، لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو (أى الآبق) كضوال الإبل، لكن جاز التقاطه لأنه لا يؤمن لحاقه بدار الحرب (11) " والذى يدل على أن المراد بالعبد فى عبارة كشاف القناع هو الآبق- كما فسرته- ما جاء فى المغنى لابن قدامة: " ويجوز أخذ الآبق لمن وجده.. ثم علل ذلك بقوله: وذلك لأن العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب وارتداده واشتغاله بالفساد، بخلاف الضوال التى تحتفظ بنفسها (12) ولم يستدل من كتب المذهب على المراد بالجواز عندهم: هل هو الاستحباب أو الإباحة؟ ولعله الإباحة لأنهم قابلوه بما لا يجوز أخذة، وهو الضوال التى تحتفظ بنفسها، لاختلافه عنها بأنه يخشى لحاقه بدار الحرب أو اشتغاله بالفساد. أما حكم الأخذ بمعنى الأثر المترتب عليه - فهو أن الآبق أمانة: لا يضمن أخذه إلا بالتقصير أو التعدى. فقد جاء فى المغنى لابن قدامة فإن أخذه فهو أمانة فى يده إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا أقام البينة أو اعترف العبد أنه سيجده، وإن لم يجد سيده دفعه للأمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه ثم قال: وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد يحتفظ بنفسه (أى لا يتلف) فهو كضوال الإبل (13) ". الزيدية: يرى الزيدية أن ضبط العبد الآبق من حيث الحكم بمعنى الصفة الشرعية مستحب فقد جاء فى حواشى شرح الأزهار " والعبد الآبق كالضالة، فيستحب ضبطه وينفق عليه من كسبه إن كان، وإلا فكالضالة (14) ". أما حكمه بمعنى الأثر المترتب على أخذه فإن يد آخذه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى البحر الزخار فى كتاب الضالة " ولا يضمن الملتقط إجماعا إلا لتفريط أو جناية إذ هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه فإن جنى أو فرط فالأكثر يضمن (15) ". وقوله هنا فى هذا النص: حيث لم يأخذ لغرض نفسه يريد منه إذا لم يأخذ للتملك لأنه قد قال فى الضالة وإن أخذها ليملك فهو غاصب، وقوله الأكثر يريد منه العترة والأئمة الأربعة والآبق كالضالة من حيث جواز الالتقاط فيأخذ حكمها من حيث ضمان الأخذ وعدم ضمانه. وكذلك يضمن إذا أخذها بنية الرد، ولكنه أعادها إلى حيث كانت فقد جاء فى البحر الزخار " ومن أخذ لمجرد نية الرد لم يضمن ما تلف، فإن ردها إلى حيث كانت ضمن للتفريط (16) . الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى أن حكم أخذ الآبق من حيث صفته الشرعية أنه فرض، فقد جاء فى كتابه المحلى (والإباق من العبيد والإماء، وما أضل صاحبه منها، والغنم التى تكون ضوال بحيث لا يخاف عليها الذئب ولا إنسان وغير ذلك كله ففرض أخذه وضمه وتعريفه أبدا، فإن يئس من معرفة صاحبها أدخلها الحاكم أو واجدها فى جميع مصالح المسلمين (17) . ثم استدل على أخذ الإباق والضوال من الحيوان والضال من العبيد بقوله، (18) وبقى حكم الحيوان كله حاشا ما ذكرنا (19) موقوفا على قوله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى (20) ،، ومن البر والتقوى إحراز مال المسلم أو الذمى وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فلا يحل لأحد مال أحد إلا ما أحله الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أما حكم أخذ الأبق من حيت الأثر المترتب عليه فإنه يجب على من أخذه أن يعرفه أبدا فإن يئس من معرفة صاحبه أدخلها الحاكم أو الواجد فى جميع مصالح المسلمين ولا يملكه الواحد أبدا وقد ظهر لك هذا من النقل الذى نقلناه عن المحلى فى أول الكلام عن هذا الموضوع ولكنه يجب عليه قبل التعريف أن يشهد عند أخذه كما يظهر ذلك من قوله: من وجد مالا فى قرية أو مدينة أو صحراء فى أرض العجم أو أرض العرب العنوة أو الصلح مدفونا أو غير مدفون، إلا أن عليه علامة أنه ضرب مدة الإسلام أو وجد مالا قد سقط أى مال كان فهو لقطة وفرض عليه أخذة وأن يشهد عليه عدلا واحدا فأكثر ثم يعرفه ولا يأتى بعلامته وتعريفه هو أن يقول فى المجامع التى يرجو وجود صاحبها فيها أو لا يرجو: من ضاع له مال فليخبر بعلامته هذا كله إذا لم يعرف صاحبها أما إذا عرف فيقول ابن حز م الظاهرى فيه: وأما ما عرف ربه فليس ضالة لأنها لم تضل جملة بل هى معروفة وإنما الضالة ما ضلت جملة فلم يعرف صاحبها أين هى ولا عرف أتجدها لمن هى وهى التى أمر عليه السلام أتنشدها (21) . ومقتضى هذا النص أنه لا يجب عليه نشدها أى التعريف ولكن يجب عليه أخذها ليردها إلى صاحبها من حيث ذكر فى الآبق وا لضال سابقا وجوب أخذه ونشده إلى أن ييأس من معرفة صاحبه، فإذا انتفى منا وجوب نشده لمعرفة صاحبه، بقى وجوب أخذه والرد على صاحبه. الشيعة الإمامية: يرى الشيعة عدم أخذ العبد الذى ليس فى يد صاحبه إن كان بالغا أو مراهقا، ولم يفرقوا بين الضال والآبق وجعلوه كالضالة الممتنعة من السباع والإنسان وتحتفظ بنفسها، فقد جاء فى شرائع الإسلام: إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ، وكان كالضالة الممتنعة (22) . هذا هو الحكم بمعنى الصفة الشرعية أما الحكم بمعنى الأثر المترتب على أخذ الآبق فإنه يكون ضامنا له ولا يبرأ لو أرسله بعد أخذه ويجب عليه أن يسلمه لصاحبه أو إلى الحاكم، وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام حينما أحال حكم أخذ الآبق إلى حكم الضالة الممتنعة فى النص السابق، وإننا حينما ننظر إلى حكم الضالة الممتنعة نجده يقول: " فالبعير لا يؤخذ إذا وجد فى كلأ وماء أو كان صحيحا لقوله - صلى الله عليه وسلم - " خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تمتحه " أى لا تأخذه، فلو أخذه ضمنه ولا يبرأ لو أرسله ويبرأ لو سلمه لصاحبه فإن فقده أى لم يجد صاحبه أو لم يعرفه سلمه إلى الحاكم لأنه منصوب للمصالح، فإن كان له (أى الحاكم) حمى أرسله فيه، وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه (23) . ومراده بالضالة الممتنعة التى تمتنع على صغار السباع كالإبل القوية والبقر الكبار والغزلان المملوكة، وفى النص السابق ذكره أنه أخذ عبدا مملوكا بالغا أو مراهقا ولم يفصل بين ما إذا كان ضالا أو آبقا فيكون مقتضاه أن حكمهما واحد، وأن الأبق مثل الضال وضالة الإبل القوية ونحوها مما ذكرنا. ما يجب أن يفعله أخذ الأبق عند أخذه: الحنفية: يرى الحنفية أنه يجب على آخذ الأبق أن يشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده على مالكه، لأنه يجب عليه أن يفعل ذلك عند أخذ اللقطة إذ الآبق حكمه فى ذلك حكم اللقطة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم- " من وجد لقطة فليشهد ذوى عدل، وليحفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها، وإن لم يجىء صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء ". رواه أحمد وابن ماجه. " والعفاص: الوعاء الذى تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة، والوكاء هو الرباط الذى تربط به. وهذا عند أبى حنيفة ومحمد، أما أبو يوسف فإنه يذهب إلى أن الإشهاد ليس بواجب، بل مستحب (24) " 0 وبعد هذا الإشهاد يجب عليه أن يأتى به إلى السلطان إذا كان لا يقدر على حفظه بنفسه، أما إذا كان يقدر على ذلك فإنه مخير بين أن يأتى به إلى السلطان ليحفظه وبين أن يحفظه بنفسه، وهذا التفصيل هو ما اختاره شمس الأئمة الحلوانى أما شمس الأئمة السرخسى فإنه يختار أن يأتى به إلى السلطان لأن الآخذ لا يقدر على حفظه عادة من الإباق بعد أخذه إياه والسلطان أو القاضى هو الذى يستطيع أن يحبسه منعا له عن الإباق مرة أخرى (25) فإذا أخذه السلطان حبسه تعذيرا إلى أن يجىء صاحبه (26) . المالكية: يرى المالكية أنه إذا أخذه وكان يعرف صاحبه يرده عليه، وإن لم يكن يعرفه وأخذه مع إن ذلك مكروه وجب عليه أن يرفعه إلى الحاكم لرجاء من يطلبه منه ويجب عليه عند أخذه سواء أكان يعرف صاحبه أم لم يعرفه أن يشهد عند التقاطه وإن يستمر فى تعريفه سنة وإذا خاف على نفسه أو ماله منه دفعه إلى الحاكم (27) . الشافعية: ذهب الشافعية إلى أنه لا يجب على آخذ الآبق الإشهاد ككل لقطة، فقد جاء فى المنهاج والمذهب أنه لا يجب الإشهاد على الالتقاط (28) . وإذا أشهد يذكر فى الأشهاد بعض صفات اللقطة ليكون فى الأشهاد فائدة ثم قال ولا يستوعبها لئلا يتوصل إليها كاذب 0 الحنابلة: يذهب الحنابلة إلى أن آخذ الآبق يحفظه وهو أمانة فى يده إن تلف بغير تفريطه، وعليه أن يعرفه وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه، لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإذا جاء صاحبه دفعه إليه إذا أقام صاحبه البينة أو اعترف العبد أنه سيده وإن لم يجد سيده دفعه للأمام أو نائبة فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة فى بيعه ونحو ذلك (29) . الزيدية: لم نجد كلاما خاصا بالآبق عندهم فى هذا الموضوع ولكنهم يجعلونه فى الالتقاط وفى الضمان كالضالة واللقطة فالظاهر أنه عندهم كذلك فيما يجب أن يفعله آخذه، وقد جاء فى مفتاح الأزهار شرح المنتزع وحواشيه أنه لا يلزمه أن يدفعها للأمام فقد قال فيه " وهى (أى اللقطة بمعنى الضالة) كالوديعة إلا فى أربعة أحكام ثم ذكر منها وتصييرها إلى الإمام غير واجب بل إذا أحب ذلك وإلا فالولاية إليه ". ثم قال ويجب التعريف وقت الالتقاط بما لا يتسامح بمثله (30) . الظاهرية: يؤخذ من كلام ابن حزم الظاهرى الذى نقلنا نصه فى حكم آخذ الآبق أنه يجب عليه بعد أخذه أن يشهد عليه على الوضع الذى سبق ذكره. الشيعة الجعفرية: قد ذكرنا فيما تقدم فى حكم (أخذ الآبق) أن الشيعة الجعفرية يرون ألا يؤخذ المملوك إذا كان بالغا أو مراهقا وأن حكمه حكم الضالة الممتنعة.   (1) البداية وشرح الهداية وفتح القدير والعناية ج 4 ص 434 الطبعة الأميرية. (2) العناية شرح الهداية وفتح القدير ج 4 ص 424 (المطبعة الأميرية) ، والمبسوط ج11 ص 19 (طبعة الساسى) . (3) الأنقروية نقلا من البزازية ج1 ص 198، المطبعة الأميرية. (4) المصدر السابق. (5) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (6) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 128، طبعة دار إحياء الكتب العربية. (7) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 128 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (8) ج 2 ص 429 طبعة مصطفى الحلبى. (9) المرجع السابق ج 2 ص 430. (10) المعنى شرح المنهاج ج 2 ص 434 الطبعة السابقة. (11) كشاف القناع ج 2 ص 421 الطبعة العامرية الشرفية 1319. (12) المرجع السابق ج 6 ص 357 طبعة المنار 1346. (13) المغنى شرح المنهاج ج 2 ص 434 الطبعة السابقة. (14) شرح الأزهار ج4 ص 68 الطبعة الثانية لسنة 1358. (15) المرجع السابق ج 4 ص 281. (16) المرجع السابق ج 4 ص 28. (17) المحلى ج 8 ص 270، 271، طبعة دار الطباعة المنيرية. (18) والذى ذكره هو الإبل القوية على الرعى وورود الماء فإنها لا يحل أخذها، والغنم التى يخاف عليها الذئب أو غيره فإنها تؤخذ وتصير حلالا لأخذها ولو جاء صاحبها وجدها حية أو مذبوحة. (20) سورة المائدة: 2. (21) المحلى ج 8 ص 257. (22) المحلى ج 8 ص 271. (23) شرائع الإسلام ج 2 ص 177 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (24) المرجع السابق ج2 ص 176. (25) الزيلعى (تبيين الحقائق) ج 3 ص 309 فى باب الآبق، وص 302 فى باب اللقطة، وحاشية الشلبى على الزيلعى ج 3 ص 302 المطبعة الأميرية. (26) العناية شرح الهداية على هامش فتح القدير ج 4 ص 434 المطبعة الأميرية. (27) الزيلعى (تبيين الحقائق) ج 3 ص 308، المطبعة الأميرية. (45) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 126، 127، وطبعة دار إحياء الكتب العربية. (28) المنهاج وشرح المغنى عليه ج2 ص 407 طبعة شركة مكتبة مصطفى البابى الحلبى وأولاده سنة 1377 - المغنى الصفحة السابقة. (29) المغنى لابن قدامة ج 6 ص 257 طبعة المنار سنة 1347. (30) شرح الأزهار، شرح المنتزع وحواشيه ج 4 ص 61، 62، 64 -الطبعة الثانية لسنة 1358. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 مقدار الجعل ومتى يستحق. مقدار الجعل ومتى يستحق ومتى يكون عليه الجعل: الجعل هو المقدار المعين من المال الذى يستحقه من رد الآبق أو الضالة وكلامنا عليه هنا يكون فى مقداره، ومتى يستحق وعلى من يكون، وللفقهاء فى هذا آراء نذكرها فيما يأتى: الحنفية: مقدار الجعل عند الحنفية كان بتقدير الشارع وهو قول الرسول - عليه السلام- " جعل الآبق أربعون درهما " وهو أربعون درهما إذا رده من مسافة قصر للصلاة وهى ثلاثة أيام بلياليها فأكثر فإن رده لأقل من ذلك فقولان، قول بأن الجعل يكون بحسب المسافة التى رد منها منسوبة للأربعين درهما أى أنه إذا رده لربع مسافة القصر يكون له عشرة دراهم وإذا رده لنصفها يكون له عشرون درهما وهكذا، وقول بأنه يرضخ له أى يعطى قليلا غير كثير فإن اتفقا على الرضخ فيها، وإن اختلفا قدره الإمام وكذلك إذا رده فى المصر يكون بحسابه أو يرضخ له بناء على الرأيين السابقين وروى عد أبى حنيفة أنه لا شىء له إذا رده فى المصر، ولكن الرضخ هو المفتى به على ما ذكر صاحب الدر المختار وجعله صاحب رد المحتار ابن عابدين نقلا عن صاحب البحر أنه الصحيح (1) ولا فرق فى إيجاب الأربعين بين ما إذا كانت قيمة الآبق أقل من أربعين أو أربعين فأكثر على الرأى المشهور عند الحنفية وهو رأى أبى يوسف، لأن تقديره ثبت بالنص بلا تعرض لقيمته فيمنع النقصان كما تمنع الزيادة ولذا يكون الصلح بأكثر منه غير جائز بخلاف الصلح على الأقل لأنه حط للبعض ولو حط الكل كان جائزا فكذا البعض، أما محمد فقد قال: تجب قيمته إلا درهما لأن وجوبه ثبت إحياء لحقوق الناس نظرا لهم ولا نظر فى إيجاب أكثر من قيمته، وقد روى أيضا عن كل من محمد وأبى يوسف مثل رأى صاحبه وروى عن أبى يوسف أيضا أنه ينقص منه قدر ما تقطع اليد (2) ، وأما أبو حنيفة فرأيه كرأى محمد كما ذكر الشهاب الشلبى فى حاشيته على كتاب تبيين الحقائق للزيلعى على الكنز نقلا عن شرح الطحاوى (3) وكذا ذكره الكمال ابن الهمام فى فتح القدير (4) ، وقد ثبت الجعل للراد استحسانا وإن لم يشترط لأن القياس يقضى بأنه لا شىء له إلا بالشرط كأن يقول مالكه: من رد عبدى على فله كذا لأنه فى حالة عدم الشرط يكون متبرعا بمنفعته، ووجه هذا الاستحسان هو ما روى عن عمرو بن دينار أنه قال: لم نزل نسمع أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: " جعل الآبق أربعون درهما " فقد جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم- لرد الآبق جعلا، أما الضال فلا جعل فى رده لأنه لم يسمع عنه - صلى الله عليه وسلم - جعلا فى رده فيلزم الاقتصار فى ذلك على مورد النص ولأن إيجاب الجعل فى رد الآبق حامل لوا جده على رده إذ الحسبة نادرة فتحصل صيانة أموال الناس والحاجة إلى صيانة الضال أقل من الحاجة إلى صيانة الآبق، لأن الآبق يختفى عن أعين الناس هربا من الرجوع إلى سيده، أما الضال فإنه يظهر ليرده الناس (5) . ويستوى فى وجوب الجعل كل رقيق أبق ولو كان فيه شائبة الحرية كالمدبر وأم الولد إلا المكاتب، فإنه لا جعل له، لأن المدبر وأم الولد وإن كان فيهما شائبة الحرية لتحرر المدبر بموت سيده متى خرج من الثلث وأم الولد تعتق بموت سيدها- إلا أنهما مملوكان للسيد ويستكسبهما كالقن، فيحصل بالرد إحياء المالية من هذا الوجه. والجعل إنما كان لإحياء المالية، أما المكاتب فإنه أحق بمكاسبه، فلا يوجد فيه إحياء لمال المولى وهذا فيما إذا رد المدبر وأم الولد فى حياة المولى. أما إذا ردا بعد وفاته فلا جعل للراد بخلاف ما إذا رد القن بعد وفاته، وذلك لأن المدبر إن خرج من الثلث يعتق، ولا جعل فى الحر، وإن لم يخرج فكذلك عند الصاحيين، لأنه حر عليه دين، إذ العتق لا يتجزأ عندهما، وهو عند الإمام مكاتب ولا جعل على المكاتب، وأما أم الولد فإنها تعتق بموت سيدها، فلا جعل فيها لحريتها بعد موت سيدها ولا جعل فى الحر أما القن الذى جاء بها الراد بعد موت سيده ففيه الجعل، لأنه لا يزال رقيقا (6) . أما متى يستحق الجعل فإن الراد يستحقه برده لسيده، فلو مات أو أبق منه قبل الرد فلا جعل له، ويعتبر متسلما له إذا باعه من الراد عند حضوره وقبل أن يقبضه بيده لسلامة البدل وهو الثمن له أى للسيد وكذا لو اعتقه فى هذه الحال لأن الإعتاق منه قبض وكذا إذا وهبه لابنه الصغير لأن هبة الآبق لصغيره جائزة لأنه باق فى يده حكما فيصير قابضا للصغير باليد الحكمى الذى بقى له أما إذا وهبه لغير صغيره ولو كان للراد نفسه لا يكون قابضا قبل الوصول إلى يده (7) وهذا مشروط بأن يصدقه السيد فى الإباق فإذا أنكر المولى إباقه كان القول له مع يمينه إلا إذا شهد شهود أنه أبق من مولاه أو يشهده على إقرار المولى بإباقه (8) ولكنه يلزم مع ما تقدم لاستحقاق الجعل أن يشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده على سيده متى تمكن من الإشهاد وإلا فلا يشترط الإشهاد ويكون القول قوله فى أنه لم تمكن وإن لم يشهد عند أخذه مع التمكن لا يكون له الجعل لأنه يكون آخذا لنفسه فيكون غاصبا، ولو كان الراد قد اشتراه من وا جده وأشهد حين اشتراه أنه قد اشتراه ليرده على سيده يكون له الجعل لأنه لا يقدر على رده إلا بالشراء ولكنه يكون متبرعا بالثمن وكذلك يلزم الاستحقاق الراد الجعل ألا يكون ممن يجب عليه ذلك ولا ممن يعمل متبرعا فليس للسلطان أو نائبه ولا لحافظ المدينة ولا للخفير جعل، لأن ذلك مما يجب عليه ولا لوصى اليتيم المالك للعبد ولا لعائله جعل لأن من شأنه حفظ ماله، وكذا من استعان به السيد فى رده كان يقول له السيد: إن وجدته فخذه فقال: نعم لأن ذلك متبرع بالإعانة، ومثله كل من جرت العادة بأنه يرده عليه تبرعا كأحد الزوجين أو أحد الأبناء أو أحد الشركاء أو من يكون فى عياله بأن يكون ممن يعوله المالك ويمونه فلا جعل للأب أو الأم إذا رد عبد الابن إذا كان فى عيال الابن (9) أما إذا لم يكن أحد الأبوين فى عيال الابن فله الجعل لأن خدمة الابن غير مستحقة عليه (10) . واشتراط إشهاد الراد- عند أخذ الآبق- أنه أخذه ليرده حتى يستحق الجعل هو المشهور عند الحنفية لم وهو رأى أبى حنيفة ومحمد، أما أبو يوسف فإنه يذهب إلى أنه يستحق الجعل وإن لم يشهد ما دام قد أخذه ليرده لا لنفسه، لأن الإشهاد غير واجب عليه عنده، بل مستحب (11) أما من يكون عليه الجعل فهو السيد فيما ذكرنا: من القن والمدبر وأم الولد، وكذا إذا كان مأذونا ولم يركبه دين، أما إذا كان مأذونا وركبه دين فإنه يكون على السيد إذا اختار قضاء دينه، وعلى الغرماء إذا اختار بيعه فى الدين. وحينئذ يأخذ الراد جعله من الثمن، وما بقى يعطى لأصحاب الديون لأنه مؤنة الملك فيجب على من يستقر له الملك ويكون على صاحب الخدمة إذا أوصى سيده برقبته لشخص وبخدمته لأخر يدفعه المخدوم فى الحال ولكنه يرجع به على صاحب الرقبة عند انتهاء الخدمة أو يباع العبد فيه إن لم يدفع صاحب الرقبة الجعل، لأن الموصى له بالرقبة فى حكم المالك ويكون على المرتهن إذا كانت قيمته مساوية للدين أو أقل أما إذا كانت أكثر فعليه بقدر دينه والباقى على الراهن لأن حقه: أى المرتهن، بالقدر المضمون منه أى من العبد وهو قيمة الدين فلو كانت قيمته أربعمائة والدين ثلاثمائة يكون على المرتهن ثلاثون وعلى الراهن عشرة لأن الجعل المقدر شرعا أربعون درهما وإن اصطلحا على أقل يكون بهذه النسبة (12) ويكون على من سيصير إليه إذ كان العبد قد جنى خطأ قبل الإباق أو بعده قبل أن يأخذه الراد فيكون على المولى إن اختار فداءه وعلى أولياء الجناية إن اختار دفعه إليهم، ولو اختار المولى الدفع ثم قضى عليه بدفع العبد إلى أولياء الجناية كان له الرجوع على المدفوع إليه الجعل، وإنما كان الجعل على المولى إن اختار فداءه لأنه طهره عن الجناية باختياره فصار كإنه لم يجن وأحيا الراد ماليته بالرد عليه، وأما كون الجعل على أولياء الجناية إن اختار المولى دفعه بها فلأن الراد برده قد أحيا حقهم (13) . أما الموهوب له هذا الآبق فقد جاء عنه فى الزيلعى " فإن الجعل عليه وإن رجع الواهب فى هبته بعد الرد لأن الموهوب هو المالك وزوال ملكه فى حالة رجوع الواهب بعد الرد إنما كان بتقصير منه وهو بتركه التصرف فيه فلا يسقط عنه ما وجب عليه بالرد، أما إذا كان الآبق مغصوبا فإن جعله على الغاصب لأن ضمان جناية العبد المغصوب تكون على الغاصب، وإذا كان الأبق ملكا لصبى فجعله فى ماله لأنه مؤنة ملكه (14) " وما دام الجعل يكون على المالك فى بعض الأحوال. " فإنه إذا كان الآبق مشتركا بين شخصين يكون على كل واحد من الجعل بقدر نصيبه فلو كان أحدهما غائبا فأعطى الحاضر الجعل كله للراد لا يكون متبرعا بنصيب الغائب لأنه لا يمكن أن يأخذه حتى يعطى تمام الجعل فيكون له الرجوع على الغائب بما أصابه من الجعل لأنه مضطر فيما أعطاه للراد إذ أنه لا يصل إلى نصيبه إلا بذلك (15) ". المالكية: مقدار الجعل عندهم هو ما سماه الجاعل وسمعه العامل مباشرة أو بالواسطة وليس عندهم قدر معين شرعا فى الجعل كما هو عند الحنفية على نحو ما ذكرنا عنهم فقد قال الدردير فى الشرح الكبير: من سمع قائلا يقول: من يأتينى بعبدى الآبق مثلا فله كذا فأتاه به من غير تواطؤ فإنه يستحق ما التزمه الجاعل (16) . وقد ينتقل الجعل من المسمى إلى جعل المثل فقد قال الدسوقى: لا يشترط العلم بالمجعول عليه بل تارة يكون مجهولا كالآبق فإنه لا بد فى صحة الجعل على الإتيان به ألا يعلم مكانه فإن علمه ربه فقط لزمه الأكثر مما سمى وجل المثل وإن علمه العامل فقط كان له بقدر تعبه عند ابن القاسم، وقيل لا شىء له وإن علماه معا فينبغى أن له جعل مثله نظرا لسبق الجاعل بالعداء (17) وكذلك يستحق جعل المثل إذا لم يسمع العامل - ولو بالواسطة- الجاعل حينما سمى جعلا فى رد آبقه إذا كان هذا العامل من عادته رد الإباق فقد قال الدسوقى: " ولمن لم يسمع الجاعل أى لا مباشرة ولا بالواسطة وإلا استحق المسمى بتمام العمل وحاصله أنه إذا قال المالك من أتى بعبدى الآبق فله كذا فجاء شخص لم يسمع كلام ربه لا مباشرة ولا بالواسطة أو أن ربه لم يقل شيئا فجاء به شخص فانه يستحق جعل المثل سواء كان جعل المثل أكثر من المسمى أو أقل منه أو مساويا له بشرط كون ذلك الشخص الآتى به من عادته طلب الإباق فإن لم يكن عادته ذلك فلا جعل له وله النفقة فقط (18) ، والمراد من النفقة التى ذكرها هو ما أنفقه فى سبيل تحصيله فقد قال الدسوقى نفسه: أى فله ما أنفقه حال تحصيله على نفسه وعلى العبد من أجرة دابة أو مركب اضطر إليها بحيث لم يكن الحامل على صرف تلك الدراهم إلا تحصيله لأن تلك الدراهم بمثابة ما فدى به من ظالم، أما ما شأنه أنه ينفقه العامل على نفسه فى الحضر كالأكل والشرب فلا يرجع به على ربه، ثم قال تعليقا على كلام الدردير: وما أنفقه عليه من أكل وشرب الأولى إسقاط ذلك لأن نفقة الطعام والشرب والكسوة على ربه ولو وجب للعامل جعل المثل أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه (19) أما إذا سمعه من شأنه رد الإباق ولو بالواسطة فلا شىء له إلا المسمى وفى حالة ما إذا لم يسمعه يكون لرب الآبق أن يترك عبده للعامل فقد قال الدردير: ولربه - أى الآبق- تركه للعامل حيث لم يسمع من عادته طلب الضوال وأتى به لربه كانت قيمته قدر جعل المثل أو أقل أو أكثر ولا مقال له، بخلاف ما إذا سمعه سمى شيئا ولو بالواسطة فله ما سماه ولو زاد على قيمة العبد لأن ربه ورطه (20) وكذلك يكون له جعل المثل إن اختلفا فى الجعل وتحالفا ولم يشهد الظاهر لقول أحدهما، فقد جاء فى الشرح الكبير للدردير بعد أن ذكر أن جعل المثل يكون لمن لم يسمع ولكنه معتاد لطلب الإباق: كحلفهما أى المتجاعلين بعد تخالفهما أى بعد اختلافهما فى قدر الجعل بعد تمام العمل ولم يشبها أى لم يشبه أحدهما فى قوله ظاهر الأمر فيقض له بجعل المثل (21) وإن جاء به اثنان يكون الجعل بنسبة ما سمى لكل منهما فقد جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أن رب الآبق إذا جعل لرجل درهما على أن يأتيه بعبده الآبق وجعل لأخر نصف، درهم على أن يأتيه بعبده فأتيا به معا فإنهما يشتركان فى ذلك الدرهم، إذ هو غاية ما يلزم رب العبد بنسبة ما سماه لكل منهما بمجموعة التسميتين فيأخذ الأول ثلثه ويأخذ الثانى ثلثه لأن نسبة نصف الدرهم إلى درهم ونصف: ثلث، ونسبة الدرهم كذلك ثلثان. ثم ذكر أن هذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم، وآن ابن نافع وأبن عبد الحكم قالا أن لكل واحد منهما نصف ما جعل له، ورجحه التونسى واللخمى (22) . هذا ما يتعلق بمقدار الجعل أما متى يستحق الجعل فإنه يكون عند تسليم الراد الآبق لسيده وذلك يكون بتمكينه منه أو أن يكون الآبق قد استحق لشخص آخر أو حرره سيده بعد وصوله إلى بلد صاحب الآبق وقبل قبضه له. فقد جاء فى شرح الدردير وحاشية الدسوقى عليه " يستحقه أى الجعل السامع من الجاعل ولو بواسطة أن ثبت أنه قاله بالتمام للعمل بتمكين ربه منه وذلك بأن يمكن ألمجاعل عليه رب الشىء المجاعل عليه منه فإن أبق قبل قبضه بعد مجىء العامل به لبلد ربه لم يستحق العامل جعلا" (23) . وقال الدردير أن من أتى بالعبد الآبق فاستحقه شخص أو استحق بحرية فإنه يستحق الجعل على الجاعل ولو لم يقبضه لأنه ورطه فى العمل ولولا الاستحقاق لقبضه واستولى علية ولا يرجع الجاعل بالجعل على المستحق عند ابن القاسم وهو المشهور وقد بين الدسوقى وقت الاستحقاق للآبق الذى لا يسقط به الجعل فقال: " وإن استحق أى بعد وصول المجاعل للبلد وقبل قبض ربه أما لو أستحق منه وهو فى الطريق قبل إتيانه للبلد فلا جعل له كما ارتضاه البنانى (24) ". واشترطوا لاستحقاق الجعل عند التسليم أو الاستحقاق بعد وصول البلد أن يكون هناك عقد جعالة بين سيد العبد وبين الراد وذلك يكون بإيجاب وقبول أو بأن يقول رب العبد من رد عبدى فله كذا وسمع الراد ذلك مباشرة أو بالواسطة إن ثبت أنه قاله كما قدمنا أما إذا كان راد الآبق ممن اعتادوا رد الإباق فإنه يستحق جعل المثل إن لم يتعاقد معه أو لم يسمع ولو بالواسطة 0 أما إذا تعاقد معه فلا يستحق إلا ما سمى متى مكنه منه كما قدمنا وأما من يكون عليه الجعل فهو الملتزم له من المتجاعلين لأنه نشأ عن تعاقد. قال الدردير فى الجعل المعلوم يستحقه السامع من الجاعل ولو بواسطة أن ثبت أنه قاله (25) وقال فى حالة ما إذا استحق الآبق قبل تسليمه لصاحبه فإنه أى العامل يستحق الجعل على الجاعل ولو لم يقبضه ثم قال ولا يرجع الجاعل بالجعل على المستحق عند ابن القاسم وهو المشهور 0 وقد علق الدسوقى على هذا فبين الرأى الآخر غير المشهور فقال أى خلافا لمحمد بن المواز القائل للجاعل أن يرجع على المستحق بالأقل من المسمى ومن أجر المثل (26) . الشافعية: أما مقدار الجعل عندهم فهو ما اتفق عليه بين الإذن بالعمل والعامل فقد جاء فى الأم للشافعى: " ولا جعل لأحد جاء بآبق ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء فى ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به (27) " فهم يحالفون المالكية فى جعل من عرف بطلب الضوال واعتاده من حيث أنهم لا يجعلون له جعلا إلا بالتسمية بخلاف المالكية كما يعلم مما تقدم ولكن قد ينتقل من الجعل المسمى إلى جعل أزيد أو أنقص قبل الفراغ من العمل بناء على اتفاق (28) . والجعل يقبل التجزئة عندهم على قدر العمل فقد جاء فى المنهاج والمغنى ولو قال شخص بناء على صحة الجعالة على عمل معلوم من رد عبدى مثلا من بلد كذا فله كذا فرده العامل من مكان أقرب منه فله قسطه. أى قسط الأقرب من الجعل، لأنه جعل كل الجعل فى مقابلة العمل، فبعضه فى مقابلة البعض فإن رده من نصف الطريق مثلا استحق نصف الجعل ويجب فرضه كما قال ابن الرفعة فيما إذا تساوت الطريق سهولة وحزونة، فإن تفاوتت بأن كانت أجره نصف المسافة ضعف أجرة النصف الآخر فيقابله ثلثا الجعل (29) . وأما متى يستحق الراد الجعل؟ فإن الراد يستحقه بتمام العمل فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى " ولو تلف المردود قبل وصوله كأن مات الآبق بغير قتل المالك له فى بعض الطريق ولو بقرب دار سيده أو غصب، أو تركه العامل، أو هرب ولو فى دار المالك قبل تسليمه له، فلا شئ للعامل وإن حضر الآبق لأنه لم يرده ". ثم قال " وإذا رده: أى الآبق العامل على سيده فليس له حبسه لقبض الجعل، لأن الاستحقاق بالتسليم، ولا حبس قبل الاستحقاق (30) ". ومن هذا النص يؤخذ أن الرد الذى يستحق به الجعل هو نفس التسليم، ولا تكفى موجهته له. ويشترط لاستحقاق الراد الجعل أن يأذن رب الآبق وغيره بالعمل، فقد جاء فى المغنى " فلو عمل بلا إذن، أو أذن لشخص فعمل غيره فلا شىء له. ولو قال أجنبى: من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على الأجنبى، لأنه التزمه. وإن قال الأجنبى: قال زيد: من رد عبدى فله كذا- وكان الأجنبى كاذبا- لم يستحق العامل عليه: أى على الأجنبى، لعدم التزامه، ولا على زيد إن كذب القائل (31) ". أما من يكون عليه الجعل فإنه يؤخذ من النصوص السابقة أنه يكون على الملتزم: وسواء فى ذلك أن يكون رب العبد وأن يكون أجنبيا، ولكن لا يعتبر ولى الصغير أجنبيا يكون عليه الجعل فى ماله هو إذا طلب رد الآبق من مال موليه، بل يكون فى مال الصغير، فقد جاء فى المغنى: " قد يفهم تعبير المصنف كغيره بالأجنبى " أى فى قوله: ولو قال أجنبى: من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على الأجنبى " أنه لو قال الولى ذلك عن محجور على وجه المصلحة بحيث يكون الجعل قدر أجرة مثل ذلك العمل أن الراد يستحقه فى مال المالك بمقتضى قول وليه، قال بعض المتأخرين وهو واضح، ولم أر من تعرض له (32) ". ولو كان مغصوبا فإن الجعل يكون على الغاصب، فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " وعلى الغاصب الرد للمغصوب عند التمكن وإن عظمت المؤنة فى رده ولو كان غير متمول كحبة بر أو كلب يقتنى، للحديث المار: على اليد ما أخذت حتى تؤديه (33) ". الحنابلة: مقدار الجعل عندهم هو ما سمى، فإن لم يسم فله ما قرره الشارع، فقد جاء فى المحرر: " ولا يستحق الجعل بغير شرط إلا فى رد الآبق خاصة فإن له الجعل بالشرع: دينارا أو اثنى عشر درهما. وعنه (أى عن أحمد) إن رده من خارج المصر فله أربعون درهما (34) ". ولكن هل إذا سميا جعلا يكون اللازم ما سميا؟ قد بين هذا صاحب كشاف القناع فقال: " إذا كان المسمى ليس أكثر من المقدر شرعا فإنه حينئذ يكون له ما قدره الشارع وتلغى التسمية، قطع بهذا الحارثى وصاحب المبدع، لأن من أوجب عليه الشارع شيئا مقدرا من المال عند وجود سببه استقر عليه كاملا بوجود سببه (35) ". ومقتضى هذا النص أنه إذا سمى أقل من المقدر شرعا يكون لة المقدر أما إذا لم يسم جعل فإن الجعل يكون ما قدره الشارع كما يفهم من عبارة المحرر السابقة. وكما روى عن أحمد روايتان فى المقدر شرعا كما يفهم من عبارة المحرر السابقة فيما إذا جاء به من خارج المصر، فقد روى عنه فيما إذا جاء به من المصر نفسه أنه عشرة دراهم أو دينار (36) . وقد روى عنه أيضا أنه لا جعل فى رد الآبق فقد جاء فى المغنى: " وقد روى عن أحمد أنه لم يكن يوجب ذلك: أى جعلا إذا لم يوجد شرط ". قال أبو منصور: " سئل أحمد عن جعل الآبق فقال: لا أدرى، تكلم الناس فيه، لم يكن فيه عنده حديث صحيح. فظاهر هذا أنه لا جعل فيه، وهو ظاهر قول الخرقى ثم علل ذلك بقوله: لأنه عمل لغيره عملا من غير أن يشرط له عوضا (37) ". والجعل المتفق عليه، أو المقدر شرعا إن لم يكن شرط جعل يستحقه العامل على الرواية الراجحة. وإن زاد على قيمة العبد. وسواء فى ذلك أن يكون الراد معروفا برد الإباق أولا فقد جاء فى المغنى: " ولا فرق عند إمامنا بين أن يزيد الجعل على قيمة العبد أو ينقص.. ثم علل ذلك بقوله: ولنا عموم الدليل (أى الأدلة التى وردت عن السلف بتقدير الجعل الذى لم يشترط) . ولأنه جعل يستحق فى رد الآبق، فاستحقه وإن زاد على قيمته كما لو جعله صاحبه ... ثم قال إذا ثبت هذا فلا فرق بين كونه من المعروفين برد الإباق أو لم يكن (38) ". وبهذا يخالفون المالكية فى أنه لا يكون جعل فى حالة عدم الشرط إلا لمن اعتاد رد الإباق. وقد ينتقل الجعل عندهم من المسمى إلى أجره المثل، وذلك إذا فقد شرطا من شروط صحة الجعل. فقد جاء فى المغنى: " متى شرط عوضا مجهولا كقوله: إن رددت عبدى فلك ثوب أو فلك سلبه، أو شرط عوضا محرما كالخمر والحر، أو غير مقدور عليه كقوله: " من رد عبدى فله ثلثه، أو من رد عبدى فله أحدهما فرده إنسان- استحق أجر المثل، لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له، فاستحق أجره كما فى الإجارة (39) ". أما من يكون له الجعل فإنه الراد إن كان هو الذى اتفق معه سيد الأبق أو كان السيد لم يعين أحدا، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " ويجوز أن يجعل الجعل فى الجعالة لواحد بعينه فيقول له: إن رددت عبدى فلك دينار، فلا يستحق الجعل من يرده سواه. ويجوز أن يجعله لغير معين فيقول من رد عبدى فله دينار، فمن رده استحق الجعل (40) ". ولا فرق عندهم فى الراد من حيث استحقاق الجعل أن يكون من ولد المالك، أو زوجا، أو غير ذلك، فقد جاء فى كشاف القناع: " وسواء (أى فى استحقاق الجعل) كان الراد زوجا للرقيق الآبق، أو ذا رحم فى عيال المالك أولا، لعموم ما سبق " يريد مما سبق الأدلة الدالة على استحقاق الجعل (41) . وقد يكون للراد جزء من الجعل المسمى بقدر نصيبه فى العمل، وذلك بأن يشترك فى العمل أكثر من واحد من المبدأ إلى النهاية فقد جاء فى المغنى: " فإن قال: من رد لقطتى فله دينار، فردها ثلاثة فلهم الدينار بينهم أثلاثا، لأنهم اشتركوا فى العمل الذى يستحق به الجعل، فاشتركوا فى العوض، كالأجرة فى الإجارة (42) ". والآبق عندهم كاللقطة فى هذا لأن الكلام قبل هذه العبارة فى جواز جعل الجعل لواحد. فقد جاء فى المغنى فى نفس الموضوع " ويجوز أن يجعل الجعل لواحد بعينه فيقول له: إن رددت عبدى فلك دينار استحق الجعل " ثم ذكر حالة ما إذا لم يجعله لواحد بعينه كما فى العبارة السابقة وفى نفس الصفحة. وكذلك إذا حدد السيد مكانا فرده الراد من منتصف طريق هذا المكان مثلا، فقد جاء فى المغنى (43) " وإن قال: من رد عبدى من بلد كذا فله دينار فرده إنسان من نصف طريق ذلك البلد استحق نصف الجعل ". هذا إذا جعل جعلا واحدا. أما إذا جعل أجعالا مختلفة فإن كل واحد يأخذ من جعله بنسبة عمله، فقد جاء فى المغنى: " فإن جعل لواحد فى ردها دينارا، ولآخر دينارين، ولثالث ثلاثة فرده الثلاثة- فلكل واحد منهم ثلث ما جعل له لأنه عمل ثلث العمل فاستحق ثلث المسمى (44) ". وأما متى يستحق الجعل؟ فإنهم لا يجعلونه إلا بالرد بشرط أن يكون العمل بعد النداء بالرد، وسواء فى ذلك ما إذا كان قد شرط أو لم يشرط، لأنه حينئذ يستحق المقدر شرعا، فقد قال الخرقى فى المختصر: " وإن كان التقطها قبل ذلك (أى قبل نداء صاحبها بالجعل) فردها لعلة الجعل لم يجز له أخذه (45) ". وجاء فى المغنى: " أما العبد الآبق فإنه يستحق الجعل برده وإن لم يشترط له (46) ". والجعل حينئذ هو المقدر شرعا، وقد سبق أن ذكرناه. وليس للعامل حبس الآبق حتى يسترد الجعل، فقد جاء فى كشاف القناع: " وإذا رد العامل اللقطة أو العبد أو نحوهما لم يكن له الحبس، أى حبس المردود على الجعل، وإن حبسه عليه وتلف ضمنه (47) ". أما من يكون عليه الجعل فإنه يكون على السيد ولو مات، فقد جاء فى المغنى: " ويستحقه إن مات سيده فى تركته (48) " ومقتضاه أنه على صاحب العبد. وهذا إذا أبق من يد سيده، أما إذا أبق من يد مستأجره فإن ما ينفقه عليه فى سبيل الرد يكون على المالك، فقد جاء فى المغنى: " وقياس المذهب أن له الرجوع (أى الرجوع بما أنفق على الجمال التى استأجرها وهرب مالكها) لقولنا يرجع بما أنفق على الأبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة ألمرهونة (49) ". وكذلك إذا كان مرهونا، فقد جاء فى المغنى: " أن مؤنة الرهن من طعامه وكسوته ومسكنه وحافظه وحر زه ومخزنه وغير ذلك على الراهن (50) ". ثم قال: " وإن أبق العبد فأجرة من يرده على الراهن". وأما إذا كان مغصوبا فإن أجرة رده تكون على غاصبه، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " فإن المغصوب متى كان باقيا وجب عليه (أى الغاصب) رده، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: " على اليد ما أخذت حتى ترد " ... ثم قال: " فإن غصب ثمينا فبعده لزم رده وأن غرم عليه أضعاف قيمته، لأنه جنى بتبعيده فكان ضرر ذلك عليه (51) ". الزيدية: الجعل عندهم ما شرطه المتجاعلان فى الجعالة، أو ما سماه الجاعل، كأن يقول: من رد عبدى أو ضالتى فله كذا. ويكون هذا المسمى هو الجعل. ويستحقه من سمع النداء وفعل، لا من لم يسمع (52) . ومقتضى قولهم: لا من لم يسمع صادق بصورتين: ألا ينادى صاحب الآبق بجعل، أو ينادى ولكن لم يسمعه الراد. وعلى هذا لا بد أن يكون هناك جعل مسمى، وأن يسمع الراد تسميته. وقد ينتقل الجعل من المسمى إلى أجرة المثل، وذلك فيما إذا اختلفا فى مقدار الجعل، فقد قال صاحب البحر الزخار: " وأما فى قدر الجعل (أى إذا اختلفا عليه) فالأجرة (53) ". وحكم الأجرة إذا اختلفا جاء فى قول صاحب البحر الزخار: " وإذا اختلفا فى قدر الأجرة أو جنسها ولا بينة تحالفا وبطل العقد، وتجب أجرة المثل بعد العمل (54) ". ومقتضى هذا أنه إذا لم توجد بينة يتحالفان، ويبطل العقد، ويكون للراد أجرة مثل عمله. أما إذا بينا فقد قال فيه صاحب البحر الزخار: " فإن بينا فبينة مستحقها أولى، إذ هو الخارج " ثم قال قلت: القياس أن القول للمستأجر كالمشترى (55) ". ومقتضى هذا ان بينة الراد تقدم، ولكن صاحب البحر الزخار اختار أن تقدم بينة رب العبد. وكذلك يكون له أجر المثل، إذا كان المسمى مجهولا، فإذا جاء فى البحر الزخار (56) : " فإن عقدا على أن الحاصل بينهما أى شركة فسد العقد لجهالة الأجرة كجهالة الثمن ... ثم قال ومتى فسد العقد لجهالة الأجرة من، أصله لزمت أجرة المثل بعد استيفاء المنافع أو بعضها، كتفويت العين المملوكة ". وقد نسب هذا إلى العترة من الزيدية، وارتضاه. ويعتبر الجعل الأخير هو الجعل المسمى إذا سمى اجعالا مختلفة فى أزمان مختلفة فقد جاء فى البحر الزخار: وتدخلها، " أى الأجرة المجعولة " الزيادة والنقص، كمن رد ضالتى فله مائة، ثم قال من ردها فله خمسون، ونحو ذلك- ويستقر الأخير منهما (57) . والجعل الذى يستقر يستحقه الراد، أو يستحق منه بقدر عمله إذا كان رب العبد قد عين مكان الأخذ فقد جاء فى البحر الزخار: ولو قال: من رد عبدى من مكة فرده من نصف الطريق استحق النصف وكذا ما أشبهه، ولو رد من غير جهتها لم يستحق شيئا وإن كان أبعد (58) ، وأما وقت استحقاق الجعل فإنهم قالوا إنما يستحق الجعل بعد تمام العمل فلو هرب الآبق بعد إيصاله إلى باب المالك سقط الجعل. وظاهر من عبارة (فلو هرب ... الخ) أن تمام العمل يكون بقبض ربه له. ولكن هل يلزم قبضه وتسلمه بالفعل، أو يكفى التمكين من قبضه؟ الظاهر من فروعهم أن التمكين من قبضه يكفى، لأنهم قالوا يصح للراد أن يحبس الآبق ولا يسلمه لربه حتى يستوفى النفقة، والجعل حقه كالنفقة، وقد جاء بخصوص النفقة على الآبق فى البحر الزخار: " وينفق عليه (أى على الآبق) من كسبه إن كان، وإلا فكالقطة (59) . وجاء فيما يتعلق بنفقة اللقطة قوله: ويرجع بما أنفق عليها أو لنقلها ... ثم قال: وله حبسها حتى يستوفى بما أنفق (60) . وأما من يكون عليه الجعل فإنه يكون على مالكه إذا أبق من يده، فإن أبق من يد غيره فإن كان مستأجرا فأبق من يد مستأجره فلا جعل عليه فقد جاء فى البحر الزخار من المبادئ ما يدل عليه وإن لم يكن نصا فيه إذ جاء فيه أن يد المستأجر يد أمانة، فقد قال: ويضمن بالتضمين، ويصير كالمستأجر على الحفظ ببعض المنافع فصح كتضمين العارية (61) . ومقتضاه أن العين المؤجرة أمانة فى يده، وهو لا يضمنها- إن لم يضمن- إلا بتقصير أو تعد فأولى ألا يلتزم بجعل ردها. وأما إذا كان مرهونا فإن كان هو الذى جاعل على ردها يكون عليه أن يدفع الجعل للعامل، لأن المطالب بالجعل هو المجاعل. والظاهر من مبادئهم أنه يرجع به على المالك فقد جاء فى البحر الزخار " ومؤن الرهن كنفقته وتجهيزه وتكفينه ... ونحو ذلك- على الراهن (62) ". وأما إن كان مغصوبا فعلى غاصبه، فقد جاء فى البحر الزخار: " ويجب الرد على موضع ألغصب وإن كان له مؤنة لوجوب رده كما أخذه، وهذا من صفاته ". وقد نسب هذا إلى أبى طالب الآملى أحد علماء العترة. والقاضى زيد الجيلى علامة الزيدية (63) . أما إذا أبق من الوصى فالجعل فى مال المالك القاصر، لأن يد الوصى يد أمانة. الظاهرية: يقول أبن حزم الظاهرى: " لا يجوز الحكم بالجعل على أحد، فمن قال لآخر (أى أجير) : إن جئتنى بعبدى الآبق فلك على دينار، أو قال إن فعلت كذا وكذا فلك على درهم أو ما أشبه هذا فجاءه بذلك أو هتف وأشهد على نفسه: من جاءنى بكذا فله كذا فجاءه به- لم يقض عليه بشىء ويستحب لو وفى بوعده- وكذلك من جاءه بآبق فلا يقضى له بشئ (أى من غير ان يهتف ويشهد بالجعل) سواء عرف بالمجىء بالإباق أو لم يعرف بذلك. إلا أن يستأجره على طلبه مدة معروفة، أو ليأتيه به من مكان معروف فيجب ما استأجره به (64) ". وقد علل ذلك بأن هذا فرض عليه حيث يقول: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (65) ". ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن إضاعة المال. وقال تعالى: " وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان (66) " ففرض على كل مسلم حفظ مال أخيه إذا وجده. ولا يحل له أخذ ماله بغير طيب نفسه، فلا شئ لمن أتى بآبق، لأنه فعل فعلا هو فرض عليه كالصلاة والصيام ولو أعطاه بطيب نفسه لكان حسنا ولو أن الإمام يرتب لمن فعل ذلك عطاء لكان حسنا (67) . الشيعة الإمامية: أما من حيث مقدار الجعل فإنهم يرون أنه هو ما سماه الجاعل على رد الآبق، ولو لم يسم كان له ما قدره الشارع، وهو دينار إذا أخذه من مصره، فإذا أخذه مصره كان أربعة دنانير، فقد جاء فى شرائع الإسلام للمحقق الحلى: " إذا بذل جعلا فإن عينه فعليه تسليمه مع الرد، وإن لم يعينه لزم مع الرد أجرة المثل إلا فى رد الآبق على رواية أبى سيار عن أبى عبد الله - عليه السلام - أن النبى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - جعل فى الآبق دينارا إذا أخذ فى مصره، وإن أخذ فى غير مصره فأربعة دنانير وقال الشيخ هذا على الأفضل لا على الوجوب. والعمل على الرواية ولو نقصت قيمة العبد ... أما لو أستدعى الرد ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شئ، لأنه تبرع بالعمل ". وقد يأخذ الواحد بنسبة عمله من المسمى، كما إذا قال من رد عبدى فله كذا فرده جماعة قال فى شرائع الإسلام: إذا قال: من رد عبدى فله دينار فرده جماعة كان الدينار لهم جميعا بالسوية لأن الرد حصل من الجميع ... ثم قال: " لو جعل لكل واحد من ثلاثة جعلا أزيد من الآخر فجاءوا به جميعا كان لكل واحد ثلث ما جعل له " ... ثم قال: " لو جعل لبعض الثلاثة جعلا معلوما ولبعضهم مجهولا (كأن يقول: أن جئتنى به فلك ثوب أو دابة) فجاءوا به جميعا، كان لصاحب المعلوم ثلث ما جعل له. وللمجهول ثلث أجرة مثله (68) . ولا جعل إلا لمن سمى له، وإن شاركه غيره كان متبرعا- فقد جاء فى شرائع الإسلام (69) : " لو جعل لواحد جعل على الرد فشاركه أخر فى الرد كان للمجعول له نصف الأجرة، لأنه عمل نصف العمل، وليس للأخر شئ، لأنه تبرع وقال الشيخ: يستحق نصف أجرة المثل، وهو بعيد ". ثم قال: " لو جعل جعلا معينا على رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له من الجعل بنسبة المسافة (70) ". والتسمية الأخيرة تكون هى المعتبرة، فقد جاء فى شرائع الإسلام " ولو عقب الجعالة على عمل معين بأخرى وزاد فى العوض أو نقص عمل بالأخيرة (71) ". أما متى يستحق الجعل- فإن الجعل، عنده يستحق بالتسليم، فقد جاء فى شرائع الإسلام " ويستحق الجعل بالتسليم، فلو جاء به إلى البلد ففر لم يستحق الجعل، ويشترط لاستحقاق الجعل عند التسليم أن يبذله أى يسميه الجاعل أولا، فلو استولى عليه إنسان قبل بذل الجعل لزمه التسليم ولا شىء له. فقد جاء فى شرائع الإسلام: " لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أولا، ولو حصلت الضالة، (ومثلها الآبق فى هذا) فى يد إنسان قبل تسمية الجعل لزمه التسليم، ولا أجرة، وكذا لو سعى فى التحصيل تبرعا (72) ". ومن السعى فى التحصيل تبرعا ما لو نادى برد آبقه ولم يسم جعلا. فقد قال فى شرائع الإسلام: " أما لو استدعى الرد ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شئ، لأنه تبرع بالعمل (73) ". وتسليم الآبق حتى يستحق الجعل يتحقق بالتخلية (74) . وأما من يكون عليه الجعل- فهو الجاعل ولو كان أجنبيا، أما الجعل المالك فلأنه التزم دفع الجعل، والجعالة لازمة من طرف الجعل، وأما الأجنبى فقد قال فى شرائع الإسلام: " ولو تبرع أجنبى بالجعل وجب عليه الجعل (75) ". هذا إذا أبق من المالك، أما إذا أبق من يد غيره ففيه تفصيل: إن كانت يد من أبق منه يد ضمان كالغاصب فقد جاء فى شرائع الإسلام: " يجب رد المغصوب ما دام باقيا ولو تعسر (76) ،. وقال أيضا: " إذا نقل المغصوب إلى غير بلد الغصب لزم إعادته. ولو طلب المالك الأجرة على إعادته لم يلزم الغاصب، لأن الحق هو النقل (77) ". أما إذا كانت اليد يد أمانة فإنه لا يلزم بالجعل إلا إذا فرط فى حفظه أو تعدى تعديا "تسبب فى الإباق فقد جاء فى تهذيب الأحكام للطوسى " إذا ارتهنت عبدا أو دابة فماتا فلا شىء عليك وإن هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن. فالمعنى فيه أيضا أن يكون سبب هلاكه إباقة شيئا من جهة المرتهن فأما إذا لم يكن بشىء من جهته لم يلزمه شىء، وكان حكمه حكم الموت سواء (78) ". وما دام لا شىء عليه إذا لم يقصر تكون نفقة رده بما فيها من جعل ليست على المرتهن، وحينئذ فعلى من تكون؟ يظهر هذا ما جاء فى شرائع الإسلام (79) : " إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ وكان له حكم الضوال الممتنعة ". وقال فى الضوال التى يأخذها الآخذ وإن كان لا يجوز له الأخذ: " إذا لم جد الآخذ سلطانا ينفق على الضالة انفق من نفسه ورجع به، وقيل لا يرجع، لأن عليه الحفظ، وهو لا يتم إلا بالإنفاق، والوجه الرجوع دفعا لتوجه الضرر بالالتقاط (80) ". الإباضية: جاء فى كتاب النيل: " وإن قال: من جاءنى بعبدى أو غيره من الحيوان- وقد هرب فله كذا جاز عند بعض، وقيل: له العناء. وإن استأجر اثنين أو أكثر بإجارة مختلفة فوجده أحدهما فله ما سمى له، وللآخر عناؤه ". وأن وجدوه جميعا فلكل واحد منهم نصف ما سمى له. وقيل لكل واحد ما سمى له، وقيل لكل واحد عناؤه (81) ". وإذا كان مرهونا يكون الجعل فى رده على الراهن، فقد جاء فى كتاب النيل: " وإذا كان الرهن رقيقا أو بهيمة لزمه ما احتاج إليه من ختان ومداواة الختان أو احتجا م ... من ماله لا منه: أى لا من الرهن أيضا، وكذا نكاح الرقيق وطلاقه وفداؤه وارتجاعه وكفنه ودفنه وغسله إن مات بيده: أى فى بلده أو أميال، دون المرتهن أو المسلط عليه، فإنهما لا يلزمهما شىء من ذلك (82) ". وكذا إذا كان فى يد وصى فأبق منه فإن جعل رده يكون فى مال المولى عليه، إذ يد أتوصى يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء فى كتاب النيل: " فإن قبلها: أى قبل الوصى الوصية لزمته حالة كونها أمانة فى عنقه، وليجتهد فى إنفاذها لوجوب أداء الأمانة إلى أهلها (83) ".   (1) الدر المختار ورد المحتار ج 3 ص 358، 359 طبعة دار الكتب العربية. (2) الزيلعى " تبيين الحقائق " على الكنز ج 3 ص 208 الطبعة الأميرية. (3) الزيلعى ج 3 ص 308. (4) فتح القدير ج 4 ص 436 الطبعة الأميرية. (5) الزيلعى ج3 ص 308 الطبعة الأميرية. (6) الزيلعى ج3 ص 309. (7) المبسوط ج11 ص 22 طبعة السا سى والعناية وفتح القدير والهداية ج 4 ص 438 الطبعة الأميرية. (8) فتح القدير والهداية ج4 ص 438. (9) الدر المختار ورد المحتار (ابن عابدين) ج3 ص 357 طبعة دار الكتب العربية الكبرى. (10) العناية على هامش فتح القدير ج 4 ص 437 الطبعة الأميرية. (11) حاشية الشلبى على شرح الزيلعى للكنز ج 3 ص 302 الطبعة الأميرية. (12) الزيلعى على الكنز ج 3 ص 309، 310 الطبعة الأميرية وفتح القدير ج 4 ص 439 الطبعة الأميرية. (13) الدر المختار وشرحه رد المحتار (ابن عابدين) ج 3 ص 359 طبعة دار الكتب العربية والزيلعى على الكنز ج 3 ص 310 الطبعة الأميرية. (14) الزيلعى على الكنز ج 3 ص 310. (15) الفتاوى الأنقروية ج 1 ص 199 الطبعة الأميرية. (16) الدردير على الشرح الكبير ج 4 ص 60 ' 61 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (17) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج4 ص 61 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (18) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 64 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (19) المرجع السابق ص 65 الطبعة السابقة. (20) المرجع السابق ص64، 65 الطبعة السابقة. (21) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 64 الطبعة السابقة. (22) المرجع السابق ص 65 الطبعة السابقة. (23) حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 61. (24) حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 62 الطبعة السابقة. (25) الشرح الكبير للدردير ومتنه ج 4 ص 60، 61 الطبعة السابقة. (26) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 62 الطبعة السابقة. (27) الأم للشافعى ج 4 ص 69 طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة ونشر مكتبة الكليات الأزهرية. (28) المنهاج وشرحه المغنى ج 4 ص 433، 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى. (29) شرح المغنى ج 2 ص 431 طبعة مصطفى الحلبى. (30) ج 2 ص 434 الطبعة السابقة. (31) ج 2 ص 430 الطبعة السابقة. (32) ج 2 ص 430 الطبعة السابقة. (33) ج 2 ص 276، 277 الطبعة السابقة. (34) ج 1 ص 372 طبعة مطبعة أنصار السنة المحمدية. (35) ج 2 ص 417 الطبعة الشرقية ص 1319. (36) المغنى ج 6 ص 356 طبعة المنار سنة 1347. (37) ج 6 ص 355 الطبعة السابقة. (38) ج 6 ص 356، 357 طبعة المنار سنة 1347. (39) ج 6 ص 354 الطبعة السابقة. (40) ج 6 ص 352 الطبعة السابقة. (41) ج 2 ص 419 طبعة العامرية الشرقية عام 1319. (42) ج 6 ص 352 الطبعة السابقة. (43) ج 6 ص 353 الطبعة السابقة. (44) ج 6 ص 353 الطبعة السابقة. (45) المغنى ج 6 ص 358 الطبعة السابقة. (46) ج 6 ص 355. (47) ج 3 ص 418 طبعة المطبعة العامرية الشرقية. (48) ج 6 ص 356 طبعة المنار سنة 1347. (49) ج 6 ص 98 الطبعة السابقة. (50) ج 4 ص 495 الطبعة السابقة. (51) ج 5 ص 423 طبعة دار المنار سنة 1947. (52) انظر البحر الزخار ج 4 ص 62 - 63 الطبعة الأولى سنة 1949. (53) ج 4 ص 63 الطبعة السابقة. (54) ج4 ص 61 الطبعة السابقة. (55) ج4 ص 61 الطبعة السابقة. (56) البحر الزخار ج 4 ص 33 الطبعة السابقة. (57) ج 4 ص 63 الطبعة السابقة. (58) ج 4 ص 63 الطبعة السابقة. (59) ج 4 ص 279 - 280 الطبعة السابقة. (60) ج4 ص 282 الطبعة السابقة. (61) ج4 ص 33 الطبعة السابقة. (62) ج4 ص 120 طبعة سنة 1949م. (63) ج4 ص 179 الطبعة السابقة. (64) ج 8 ص 204 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (65) سورة الفتح: 29 (66) سورة المائدة: 2 (67) ج 8 ص 210 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (68) ج 2 ص 117 - 118 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (69) ج 2 ص 118 نشر المكتبة السابقة. (70) ج 2 ص 118 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (71) ج 2 ص 117 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (72) ج 2 ص 117 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (73) ج 2 ص 118 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (74) ج 1 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (75) ج2 ص 117 نشر مكتبة الحية ببيروت. (76) ج2 ص 152 نشر مكتبة الحية ببيروت. (77) ج2 ص 157 نشر مكتبة الحية ببيروت. (78) ج7 ص 173 مطبعة النعمان بالنجف. (79) ج2 ص 177 نشر مكتبة الحية ببيروت. (80) ج ص 176 - 177 الطبعة السابقة. (81) ج 5 ص 96. (82) ج 5 ص 531. (83) ج 6 ص 493. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 نفقة الآبق والرجوع بها الحنفية: يرى الحنفية أن آخذ الآبق إذا انفق عليه بدون إذن الحاكم يكون متبرعا، فلا يرجع بما أنفق على سيده، أما إذا أذنه الحاكم فإنه يرجع على سيده بما أنفق بشرط أن يقول فى إذنه له: " على أن ترجع بما أنفقت " فإذا لم يقل ذلك لا يكون له الرجوع فى الأصح، وذلك لأنه لو أذنه بشرط الرجوع يكون دينا على سيده، لأن للقاضى. ولاية فى مال الغائب، وهو هنا السيد وولايته على الآبق نظرا لهما وقد يكون النظر بالإنفاق. أما إذا لم يشترط فى إذنه الرجوع فإنه لا يكون دينا فى الأصح ولآخذ الآبق أن يحبسه عن السيد حتى يأخذ ما أنفق، كما يصح للبائع أن يحبس المبيع حتى يأخذ الثمن (1) . وإذا كان المنفق عليه السلطان فى حالة ما إذا عجز الآخذ عن حفظه وأتى به إلى السلطان فإن السلطان ينفق عليه من بيت المال مدة حبسه، ثم يأخذ ما أنفقه من صاحبه عندما يجىء لطلبه ويرده إلى بيت المال. فإذا لم يجىء للعبد طالب وطالت مدته: بأن بلغت ثلاثة أيام كما جاء فى فتح القدير، وستة أشهر كما جاء فى ابن عابدين نقلا عن التترخانية - باعه القاضى وامسك ثمنه بعد أخذ ما أنفق لبيت المال منه. فإذا جاء مالكه وأقام البينة على أنه مالكه وحلف أنه لا يزال على ملكه- وهو قائم فى يد المشترى- لا يأخذه ولا ينتقص بيع القاضى، لأنه كحكمه، ولا يؤجره السلطان أو آخذه وينفق عليه من أجرته، لأنه يخشى إباقه، ولا يقاس فى ذلك على الضال، لأن الضال لا يخشى إباقه، كما أنه لا يقاس عليه فى عدم بيعه وإن طالت مدته، لأن الضال ينفق عليه من أجرته فلا يخشى أن تستأصل النفقة ثمنه 0 أما الآبق فإن دارة النفقة تستأصل ثمنه. ضرورة أن نفقته من ثمنه لا من أجرته (2) . المالكية: يرى المالكية أن نفقة العبد الآبق فى رقبة لا فى ذمة سيده، قال الدردير فى الشرح الكبير فى حالة ما إذا أبق العابد الآبق من الملتقط: " لا يبين على الملتقط (أى يصدق فى دعواه أنه أبق عنده من غير يمين) لأن نفقته على الآبق فى رقبته فلا يتهم بالتفريط لضياع نفقته عليه (3) ". ومعنى كونها فى رقبته أنه إذا جاء سيده لأخذه دفعها، لأن الرقبة للسيد: فقد جاء فى حاشية الدسوقى: " إن نفقة الطعام والشراب والكسوة على ربه، ولو وجب للعامل جعل المثل أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه (4) ". وقد تقدم فى عنصر (حكم أخذ الآبق) أن الظاهر أنه يرجع على السيد أيضا بما أنفقه على المحافظة على الآبق كأجرة الحارس إذا كان يخشى منه إيذاء لأنها من متعلقات حفظه. هذا إذا كان من رده غير معتاد لرد الإباق والضلال أما إذا كان معتادا ذلك وقد وجب له الجعل، أو وجب له جعل المثل، فإن نفقة الآبق عليه ولو استغرقت الجعل (5) . أما إذا كان الآخذ قد رفعه إلى الأمام فإن الأمام ينفق عليه من بيت المال مدة وقفه (أى حفظه) ، وهى سنة. فإذا جاء ربه أخذ منه النفقة وردها إلى بيت المال. أما إذا لم يجىء إلى نهاية السنة فإنه يبيعه، كما أن له أن يبيعه قبل مضيها إن خشى عليه ويأخذ ما أنفق من ثمنه ويرده إلى بيت المال (6) . الشافعية: يرى الشافعية أن الإنفاق على الآبق ممن أخذه ليرده يكون تبرعا إلا إذا كان قد انفق عليه مدة الرجوع بإذن الحاكم، أو يشهد أن لم يجد الحاكم أنه أنفق ليرجع، فقد جاء فى المغنى للخطيب الشربينى: " وإن أنفق عليه مدة الرجوع فمتبرع إلا أن يأذن الحاكم، أو يشهد عند فقده (أى فقد الحاكم وعدم وجوده عنده) ليرجع (7) ". وليس له حبسه حتى يأخذ النفقة إذا كانت بإذن المالك، كما أنه لا يحبسه حتى يأخذ الجعل، فقد جاء فى المغنى شرح المنهاج: " وإذا رده: أى الآبق على سيده فليس له حبسه لقبض الجعل، لأن الاستحقاق بالتسليم. ولا حبس قبل التسليم. وكذا لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك (8) ". الحنابلة: يرى الحنابلة أنه إذا أنفق عليه آخذه ليرده إلى سيده تكون النفقة على سيده، يأخذها منه عند رده، فقد جاء فى مختصر الخرقى وشرحه المغنى: " وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه. وإنما كان كذلك لأن نفقة العبد على سيده، وقد قام الذى جاء به مقام سيده فى الواجب عليه، فرجع به عليه كما لو أذن له، وأنه أدى عنه ما وجب عليه عند تعذر أدائه منه، فرجع به عليه، كما أدى الحاكم عن الممتنع من الإنفاق على إمرأته ما يجب عليه من النفقة (9) ". الزيدية: يرون أن آخذه ينفق عليه من كسبه إن كان له كسب، وإلا فكاللقطة، فقد جاء فى البحر الزخار: " وينفق عليه من كسبه إن كان، وإلا فهو كاللقطة (10) ". وقد ذكر حكم الإنفاق على اللقطة بقوله: " يرى القاسمية أن عليه أن ينفق عليها ولو بنية الرجوع. ويرجع بما أنفق عليها، أو لنقلها، ولو بغير إذن الحاكم. ويرى زيد بن على والناصر والمؤيد بالله أنه لا ينفق عليها إلا بإذنه. قلنا: له الولاية على حفظها بدليل مطالبة غاصبها بعينها أو قيمتها، فكذا إنفاقها، وله حبسها حتى يستوفى بما أنفق (11) ". الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى أن من وجد الضالة فأنفق عليها كان متبرعا، لأن صاحبه لم يأذنه بذلك، فقد قال فى المحلى: " ولا يلزم من وجد متاعه إذا أخذه أن يؤدى إلى الذى وجده عنده ما أنفق عليه، لأنه لم يأمره بذلك، فهو متطوع بما أنفق ... ثم روى عن الشعبى: إن رجلا أضل بعيرا له نضوا أى مهزولا فأخذه رجل فأنفق عليه حتى صلح وسمن، فوجده صاحبه عنده فخاصمه إلى عمر بن عبد العزيز فقضى له بالنفقة ورد الدابة إلى صاحبها. قال الشعبى: أما أنا فأقول: يأخذ ماله حيث وجده: سمينا أو مهزولا. ولا شىء عليه (12) ". فهو 0 كما ترى يأخذ برأى الشعبى فى الضالة، والآبق عنده فى حكم الضالة كما ذكرنا. الشيعة الإمامية: يرون أن نفقة الآبق تكون على مالكه، إن لم يكن قد وضع عليه يد ضامنة كيد الغاصب، وقد تقدم أن ذكرنا ذلك حين الكلام على من يكون عليه الجعل، وقد قال صاحب شرائع الإسلام: " ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه ... ثم قال: ولو أنفق عليه باعه فى النفقة إن تعسر عليه استيفاؤها (13) ". دية الآبق، ولمن تكون وعلى من يكون ضمان ما يتلفه هو؟ الحنفية: يذهب الحنفية إلى أن حكم الآبق فى الجناية منه أو عليه كالحكم فيها فى المصر، فقد جاء فى المبسوط للسرخسى: " والحكم فى جناية الآبق والجناية عليه وفى حدوده كالحكم فيها فى المصر لأن الرق فيه باق بعد الإباق. وملك المولى قائم فيه. وباعتباره يخاطب بالدفع والفداء عند قدرته عليه (14) " فتكون ديته إذا قتل على وجه يستوجب الدية، أو قطع من أطرافه ما يستوجب الأرش- لسيده. ودية العبد بقدر قيمته، ونصفها بقدر نصفها ومادون ذلك فبالنسبة إليها. أما متى تجب الدية كاملة أو نصفها أو دون ذلك فينظر فيه مصطلح (دية) . ضمان ما يتلفه الآبق حكم الآبق فى جنايته على شىء كالحكم فيها فى المصر كما قدمنا. والعبد فى المصر قد تكون جنايته إتلافا للنفس أو لجزء من آدمى، وقد تكون إتلافا لمال، فقد جاء فى الفتاوى الأنقروية بشأنهما " ففى الأول خير المولى بين الدفع والفداء. وفى الثانى خير بين الدفع والبيع (15) ". أما فى حالة القصاص فإنه لا بد أن يدفعه إلى الحاكم أو ولى الدم ليستوفى منه القصاص إلا إذا رضى ولى الدم بالعفو عنه وتصالح على أخذ الدية. ومتى اختار المولى أحد الأمرين الدفع أو الفداء فى الحالة الأولى وفعله فلا شىء لولى الجناية سواه. أما الدفع فلأن حق ولى الجناية متعلق به فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط حق المطالبة عن المولى. وما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش. فإذا أوفاه حقه سلم العبد له. وكذا إذا اختار أحدهما قولا ولم يفعل، أو فعل ولم يختره قولا يسقط حق ولى الجناية فى الأخر لأن المقصود تعيين المحل حتى يتمكن من الاستيفاء. والتعيين يحصل بالقول كما يحصل بالفعل ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون المولى قادرا على الأرش أو غير قادر عند أبى حنيفة رحمه الله لأنه اختار أصل حقهم إذ أصل حقهم الأرش، وإنما جاز دفع العبد تخفيفا عنه، ومتى اختار أصل حقهم بطل حقهم فى العبد لأن ولاية التعيين للمولى لا لأولياء الدم. وقال الصاحبان: لا يصح اختياره الفداء إذا كان مفلسا إلا برضاء الأولياء، لأن العبد صار حقهم بإفلاسه لأن الأصل عندهم دفع العبد، حتى إن المولى يضمنه بالإتلاف، فلا يملك إبطال حقهم إلا برضاهم أو بوصول البدل إليهم، وهو الدية. ومتى اختار أحدهما وجب عليه حالا (16) . أما إن كان ما أتلفه مالا فقد بينا لك أنه مخير بين الدفع والبيع ليدفع قيمة ما أتلفه فيما نقلناه عن الفتاوى الأنقروية، وإذا كان مرهونا فإن ما يتلفه يكون على المرتهن إذا كانت قيمة العبد تساوى الدين أو أقل. أما إذا كانت أكثر فإن قيمة ما يتلفه تقسم بين المرتهن والراهن بنسبة الدين والزيادة فى القيمة (17) . المالكية: أما المالكية فعندهم دية العبد هى قيمته بالغة ما بلغت، فقد قال ابن رشد الحفيد: " وأما إذا قتل العبد خطأ أو عمدا على من لا يرى القصاص فيه، فقال قوم على القاتل قيمته بالغة ما بلغت وإن زادت على دية الحر وبه قال مالك والشافعى وأبو يوسف " ... ثم قال: وعمدة مالك أنه مال قد أتلف فوجب فيه القيمة أصله سائر الأموال (18) . وواضح ان الأبق لا يزال عبدا مملوكا لسيده فديته تكون لسيده. أما ما يتلفه العبد فأما أن يكون بجناية على الآدمى، وأما أن يكون بجناية على المال. فإن كان بجناية على آدمى. فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: "وإن قتل عبد عبدا مثله أو حرا عمدا وثبت القتل ببينة أو، قسامة فى الحر- خير ولى المقتول ابتداء فى قتل العبد واستحيائه (أى طلب بقائه حيا على أن يأخذه أو يأخذ الدية) فإن اختار القتل فواضح، وإن استحياه فلسيده الخيار ثانيا فى أحد أمرين تسليمه، أو فداؤه (19) . ومادام سيده له فداؤه فهو الذى سيكون ملزما بهذا الفداء نظير جناية العبد الآبق وواضح أن هذا الخيار لا يتحقق إلا إذا كان الآبق قد رد فلا تلزمه هذه الدية إلا بعد رد الآبق. الشافعية: يرى الشافعية أن دية الرقيق لسيده والآبق رقيق، فقد جاء فى الإشباه والنظائر للسيوطى: من أستحق القصاص فعفى عنه على مال فهو له (20) - أنظر جناية الرقيق وديته. وقال فى الإشباه أيضا: " إذا جنى على عبد فى حال رقه فقطع يده مثلا ثم عتق ومات بالسراية فوجب فيه دية حر فإن للسيد فيها على أصح القولين- أقل الأمرين: من كل الدية ونصف القيمة (21) . ومعروف أن الآبق لا يزال عبدا. فيكون حكمه ما ذكر. أما ما يتلفه الآبق فإما بجناية على الآدمى، أو على المال. فإن كان جناية على الآدمى وكانت موجبة للمال فقد قال صاحب المنهاج وشارحه صاحب المغنى: " جناية العبد الموجبة للمال وهى ما كانت غير عمد أو عمدا وعفا ولى الجناية على مال فالمال يتعلق برقبته بالإجماع كما حكاه البيهقى إذ لا يمكن الزامه لسيده لأنه إضرار به مع براءته ولا أن يكون فى ذمة العبد إلى عتقه للإضرار بالمستحقين " ثم بين صاحب المغنى معنى التعلق بالرقبة بأنه يباع ويصرف ثمنه إلى الجناية، ولا يملكه المجنى عليه بنفس الجناية وإن كانت قيمته أقل من أرشها لما فيه من إبطال حق السيد من التمكن من الفداء.. ثم بين هذا الفداء فقال وله أيضا فداؤه فيتخير بين الأمرين فإن اختار الفداء فيفديه فى الجديد بالأقل من قيمته ومن الأرش لأن الأقل إن كان القيمة فليس عليه غير تسليم الرقبة وهى بدلها أو الأرش فهو الواجب ثم قال: وفى القديم يفديه بأرشها بالغا ما بلغ لأنه لو سلمه ربما بيع بأكثر من قيمته (22) . وواضح أن ثبوت حق الولى فى الاختيار إنما يكون بعد رد الآبق أما قبله فلا يمكن الاختيار فينتظر إلى أن يرد فإذا لم يرد فلا شىء عليه، ويدل على هذا، أو يوحى به ما جاء فى المنهاج والمغنى: " ولو هرب العبد الجانى أو مات قبل اختيار السيد الفداء برىء سيده من عهدته لأن الحق متعلق برقبته وقد فاتت إلا إذا طلب تسليمه منه ليباع فى الجناية فمنعه ".. ثم قال صاحب المغنى لو علم السيد موضع العبد الهارب وأمكنه رده- قال الزركشى: يتجه أن الرد يجب لأن التسليم واجب عليه (23) . وقد استثنوا من الخيار بين التسليم لتباع وبين الفداء ما إذا كان الجانى أم ولد فقد جاء فى المنهاج والمغنى: " ويفدى السيد جوبا أم ولده الجانية حتما بالأقل من قيمتها والأرش قطعا لأنه بالاستيلاء منع بيعها مع بقاء الرق فيها فأشبه ما إذا جنى العبد فلم يسلمه للبيع ... ثم قال: وقيل فى جناية أم ولده: القولان السابقان فى جناية القن. ولعل مأخذه جواز بيع أم الولد (24) ". وعلى القول بوجوب الفداء، فى أم الولد يكون حق المجنى عليه قد تعلق بالسيد، فقد قال السيوطى فى الأشباه والنظائر فى الأمور المتعلقة بالعبد: " الرابع ما يتعلق بالسيد، وذلك جناية المستولدة والعبد الأعجمى (أى الذى أمره آمر بالجناية فإنها تكون على الآمر لأنه يعتقد طاعة آمره) (25) أما ما يتلفه من المال فإنه يباع فيه لأنه يتعلق برقبته فقد قال السيوطى فى الأشباه فى الأمور المتعلقة بالعبد: الأول "ما يتعلق برقبته فيباع فيه وذلك أرش الجناية، وبدل المتلفات سواء كان بإذن السيد أم لا، لوجوبه بغير رضا المستحق (26) ". وظاهر أن بيع الآبق إنما يكون بعد أن يرد. الحنابلة: يرى الحنابلة أن دية العبد تكون لسيده ولم يفرقوا بين كونه آبقا أو غير آبق فقد جاء فى المحرر عند الكلام على ما يشترط لوجوب القود: " ولو قال العبد اقتلنى أو إجرحنى ففعل المقول له ضمن الفاعل لسيده المال (27) ". وقال فى المغنى " وإن قطع يد عبد فأعتق ثم عاد فقطع رجله وأندمل القطعان فلا قصاص فى اليد لأنها قطعت حال رقه. ويجب فيها نصف قيمته أو ما نقصه القطع لسيده (28) ". أما ما يتلفه فإنه يتعلق برقبته سواء أكانت جناية على آدمى أو مال، فقد جاء فى المحرر: وإذا جنى العبد خطأ أو عمدا لا قود فيه، أو فيه قود واختير فيه المال أو أتلف مالا فسيده بالخيار بين شيئين فقط فداؤه أو بيعه فى الجناية وعن أحمد رواية أخرى يخير بين الفداء أو دفعه بالجناية فقط. وعنه يخير بين الثلاثة وهنالك تفصيلات أخرى انظر مصطلح (دية) . الزيدية: يرون أن دية العبد بقدر قيمته إلا بعض علماء الزيدية فإنهم يشترطون ألا تزيد القيمة على دية الحر فغن زادت لم يضمن الزائد، ومن حيث أن الآبق لا يزال مملوكا لسيده فهو داخل فى ذلك الحكم، وقد جاء فى البحر الزخار عن دية العبد: " والعبد والمدبر وأم الولد مضمونون بالقيمة إذ هم مال كالثياب والأسلحة " ثم نسب إلى زيد بن على، ولكتاب المنتخب، وللمؤيد بالله، ويحى بن الحسين من علماء العترة وأبى العباس الهاشمى الحسنى. أنهم قالوا: " إذا تعدت القيمة دية الحر لم يضمن الزائد لقول على عليه السلام (لا يزاد) الخبر وهو توقيف وقد روى صاحب جواهر الأخبار كلام على - عليه السلام - فقال العبد مال يؤدى ثمنه ولا تكون دية العبد أبدا أكثر من دية الحر (29) ". وتكون أطراف العبد وأروشه (بدل جراحاته) منسوبة إلى قيمته فقد جاء فى البحر الزخار منسوبا إلى العترة " وأطراف العبد وأروشه منسوبة إلى قيمته كنسبتها إلى الدية فى الحر إذ روى عن على - عليه السلام - وعمر بن الخطاب ولم يخالفا (30) ". وفى هذا تفصيل ينظر فى مصطلح " دية". أما لمن تكون دية الآبق فالذى يدل عليه كلامهم أنها تكون للسيد لأنه لا يزال عبدا له ودية العبد لسيده فقد جاء فى البحر الزخار منسوبا إلى المؤيد بالله ويحيى بن الحسين أبو طالب من العترة " وإذا جنى على العبد فلمالكه إمساكه ويطالب بالأرش كغيره من السلع (31) ". أما جناية الآبق فإنها كجناية كل عبد تتعلق برقبته، فقد جاء فى البحر الزخار: " فإن هلك العبد وفى رقبته جناية لم ضمنه سيده. قلت: ولو بعد تمرده، لتعلقها برقبته، إلا أن يموت بعد اختياره للفداء (32) ". ومقتضى هذا أن الآبق كغيره فى تعلق الجناية برقبته. فإذا جنى ففى ذلك تفصيل، لأنه إما أن يكون أبق من سيده، أو أبق ممن عليه ضمانه كالغاصب. فإن كان قد أبق من سيده- فإن كانت جنايته على النفس تستوجب قصاصا فإنه يجب على سيده تسليمه بعد الرد إلى ولى الجناية، فقد قال صاحب البحر الزخار: " وإذا قتل عبد حرا سلمه مالكه لولى الجناية. ويخير ولى الجناية بين قتله، واسترقاقه، والتصرف فيه بأنواع التصرف إذ الاسترقاق والتصرف أخف حكما من القتل، وقد جاز القتل. وله أن يعفو أو يصالح (33) ". أما إذا تنازل ولى الجناية عن القصاص على أن يعوض عن الجناية مالا فإن السيد عند رده- يكون مخيرا بين تسليمه أو فدائه، فقد جاء فى البحر الزخار- كما نقلنا سابقا- أن لولى الجناية أن يعفو أو يصالح والمصالح معه السيد، وما دام قد صالح فإنه يكون الحكم كما لو جنى على عضو، وقد جاء فى البحر عن الجناية على عضو: " وإذا جنى على طرف فللولى القصاص أو العفو بعوض أو لا، إذ الحق له. وإذا اختار الأرش خير السيد بين تسليمه أو فدائه بالغا ما بلغ. وكذا لو جنى مالا قصاص فيه". هذا إذا كان قنا 0 أما إذا كان الجانى أم ولد (والفرض أنها آبقة) فإنها لا تسلم للاسترقاق بل للقصاص، وقد جاء فى البحر الزخار فى ذلك: " ولا تسلم أم الولد للاسترقاق، بل للقصاص، إلا عند من جوز البيع. وحيث يسقط القصاص يلزم السيد الأقل من قيمتها أو الأرش ... ثم قال: فإن أعسر السيد سعت فى قدر قيمتها فقط (34) ". وأما إذا كان الجانى مكاتبا فإنه يسلم للقصاص وإن استحق فى الجناية أرش لمصالحة ولى الجناية فإنه يكون من كسبه، ولا شىء على السيد، فقد جاء فى البحر الزخار: " والمكاتب يقتص منه كالحر، لكن بشرط التكافؤ. ويتأرش من كسبه " ولكن الإمام يحيى بن حمزة الحسينى قال على ما رواه صاحب البحر الزخار: " إن أيسر السيد فعليه إلى قدر قوته كالمدبر، والجامع كونه عتق بإذن مولاه. وإن أعسر فوجهان: يسعى فيه وفى الكتابة ويقدم ما طلب. فإن نفقت فالجناية أقدم. إذ الدماء أعظم حرمة فإن عجز فكا لرق (35) " أما إذا كان الجانى مدبرا فإنه يقدم للقصاص، لا للاسترقاق ولو رضى ولى الدم بالعوض المالى فإن سيده يدفع الأرش، وقد قال صاحب البحر الزخار فى ذلك: " ويقتص من المدبر كغيره، ولا يسترق، وما لا قصاص فيه فعلى سيده الموسر اتفاقا، كأم الولد". ولكن القاسمية من الزيدية يرون أن هذا مقيد بيسار السيد، فقد قال صاحب البحر الزخار " نقلا عن القاسمية فإن أعسر فالقن: يسلمه أو يفديه (36) ". هذا إذا كانت جنايته على آدمى. أما إذا كانت جنايته على مال فإنها بناء على أن الجناية تتعلق برقبته فيكون على المالك تسليمه لصاحب المال، أو الأرش كله متى رد إليه، فقد جاء فى البحر الزخار: " عن المؤيد بالله، وأبى طالب يحيى بن الحسين، وجناية العبد على المال تتعلق برقبته فيسلمها المالك، أو كل الأرش. وقيل: بل قدر قيمته. قلنا: إمساكه حول الجناية إلى ذمة السيد فضمنها ": أى أن السيد لما اختار إمساكه يكون قد حول الجناية إلى ذمته فيضمنها (37) . هذا فى القن أما المدبر وأم الولد فلا خيار للسيد بين التسليم ودفع الأرش بل يلزم بدفع الأرش لأن تسليمها إنما يكون ليسترقهما من أصابه التلف، وهما لا يسترقان وقد قال صاحب البحر الزخار فى هذا: " وأما أم الولد والمدبر فتسليمهما للرق متعذر، فتعين فى ماله قيمتهما حيث لا قصاص ... ثم قال: بخلاف القن فاختيار إمساكه اختيار لتسليم كل الأرش لصحة استرقاقه. وما زاد على قيمتها من الأرش ففى رقبة المدبر، إذ يصح بيعه للضرورة وفى ذمة أم الولد إذ لا يصح بيعها. أما جناية المكاتب فمن كسبه (38) ". هذا كله إذا رد الآبق إلى السيد. أما إذا لم يرد بحيث يهلك قبل أن يرد فلا شىء على السيد، كما لو هلك غير الآبق قبل أن يختار سيده التسليم فى الجناية أو الفداء وهذا ما أفصح عنه صاحب البحر الزخار بقوله " وإن هلك العبد وفى رقبته جناية لم يضمنه سيده. قلت: ولو بعد تمرده، لتعلقها برقبته إلا أن يموت بعد اختياره للفداء (39) ". ويكون السيد مختارا للفداء إذا عبر بذلك صراحة أو فعل ما يتضمن أنه اختار الفداء بأن يعتقه أو يبيعه، أو يقتله بعد أن يكون قد علم جنايته، وهذا ما ذكره صاحب البحر بقوله: " فإن أعتقه أو قتله أو باعه عالما فهو اختيار للفداء فيلزمه، لا المشترى إذ لم تقع فى ملكه. وكذا لو رهنه بعد الجناية إذ أوجب فيه حقا للغير كالبيع (40) ". أما إذا كان قد أبق ممن يضمنه كأن يكون غاصب قد غصبه فإن ضمان جنايته على الغاصب وإن تعلقت برقبته. فقد قال صاحب البحر الزخار: "وجناية المغصوب على غاصبه إلى قيمته أى مضمومة إلى قيمته ثم فى رقبته. ثم قال: فإن قتل غاصبه اقتص منه الورثة، وعليهم قيمته من تركة الغاصب. وكذا لو قتل العبد سيده اقتص منه ورثته، وضمن الغاصب قيمته، إذ لا مسقط لضمانه (41) ". الظاهرية: الآبق لا يزال رقيقا، وملكه لا يزال لسيده، فالجناية عليه جناية على عبد مملوك فإذا جنى عليه بما يستوجب الدية أو أرش الجناية فقد بينه ابن حزم الظاهرى بقوله: " وكل ما جنى على عبد أو أمة فإن فى الخطأ فى العبد وفى الأمة خطأ أو عمدا ما نقص من قيمته بالغا ما بلغ. وأما العبد والأمة ففيما جنى عليهما عمدا القود وما نقص من قيمتهما. أما القود فللمجنى عليه، وأما ما نقص من القيمة فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله (42) ". ثم قال: " والعبد والأمة مال فعلى متلفهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ (43) ". ومقتضى هذا أنه لا يحدد للرقيق دية: بأن تكون على النصف من دية الحر، أو أنها قيمته ما لم تبلغ عشرة آلاف درهم فإن بلغت لا يعطى سيده إلا عشرة آلاف درهم ينقص منها عشرة إن كان عبدا أو خمسة آلاف درهم ينقص منها خمسة إن كان أمة، إلى غير ذلك مما لا يجعل الدبة قيمته بالغة ما بلغت ولو وصلت إلى عشرين ألف درهم أو يزيد، وقد علل ابن حزم رأيه بأن العبد والأمة مال فعلى متلفهما لسيدهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ كما تقدم أما من حيث القصاص إن كان القاتل عبدا أو حرا فينظر فيه مصطلح (قصاص) . وأما ما يتلفه العبد آبقا أو غيره فقد بينه ابن حزم بقوله: " وأما جناية العبد على مال غيره ففى مال العبد إن كان له مال. فإن لم يكن له مال ففى ذمته يتبع بها حتى يكون له مال فى رقه أو بعد عتقه، وليس على سيده فداؤه، لا بما قل، ولا بما كثر، ولا إسلامه فى جنايته ولا بيعه فيها وكذلك جناية المدبر والمكاتب وأم الولد والمأذون وغير المأذون سواء. الدين والجناية فى كل ذلك سواء (44) " أما جناية العبد على النفس فإن كان القتل عمدا ففيه القصاص، وإن كان خطأ ففيه الدبة المقررة. وينظر فى ذلك مصطلح (قصاص) ومصطلح (دية) . ولكن الدية تكون على العبد آبقا أو غيره فى ماله إن كان له مال وألا تكون فى ذمته يتبع بها إلى أن يكون له مال فى رقه أو بعد عتقه. ويرى ابن حزم أن العبد يملك (45) . الشيعة الإمامية: يرون أن دية العبد (آبقا أو غيره) إنما هى قيمته، وإنها تكون لسيده، فقد جاء فى شرائع الإسلام: "ودية العبد قيمته ولو جاوزت دية الحر ردت إليها ... ثم قال: ودية أعضائه وجراحاته، مقيسة على دية الحر، فما فيه دية ففى العبد قيمته كاللسان لكن لو كان قد جنى عليه جان بما فيه قيمته لم يكن لمولاه المطالبة إلا مع دفعه. وكل ما فيه مقدر فى الحر من ديته فهو فى العبد كذلك من قيمته: ولو جنى عليه جان بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد وليس له دفع العبد والمطالبة بقيمته (46) ". أما تفصيل الديات من حيث وجوب كلها أو نصفها أو غير ذلك- فلينظر فيه مصطلح (دية) . وأما ما يجنيه العبد (آبقا أو غيره) فإما أن يكون جناية على النفس، وإما أن يكون جناية على المال. فإن كان جناية على النفس ووجب فيه الماء فصاحبه مخير بين فدائه ودفعه بالجناية فقد جاء فى شرائع الإسلام " ولو جنى العبد على الحر خطأ لم يضمنه المولى، ودفعه إن شاء أو فداه بأرش الجناية، والخيار فى ذلك إليه. ولا يتخير المجنى عليه. وكذا لو كانت جنايته لا تستوعب ديته تخير مولاه فى دفع أرش الجناية أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية. ويستوى فى ذلك كله القن والمدبر: ذكرا كان أو أنثى. وفى أم الولد تردد على ما مضى- والأقرب أنها كالقن فإذا دفعها المالك فى جنايتها استرقها المجنى عليه أو ورثته، وفى رواية جنايتها على مولاها (47) ". ومقتضى ما تقدم أن ما يتلفه العبد (آبقا أو غيره) بالجناية على النفس أو الأطراف يتعلق برقبته، وقد صرح بهذا صاحب شرائع الإسلام حيث قال: " ولو قتل العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه، فإن قتل جاز، وإن طلب الدية تعلقت برقبة الجانى، وإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه، ولا يضمنه مولاه، لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية (48) ". وكذلك ما يتلفه من المال يتعلق برقبته، وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام حيث يقول: " ولو اركب مملوكه دابة ضمن المولى جناية الراكب، - ومن الأصحاب من شرط صغر المملوك وهو حسن. ولو كان بالغا كانت الجناية فى رقبته إن كانت على نفس آدمى. ولو كانت على مال لم يضمن المولى. وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا عتق (49) ". وقال فى موضع آخر: " إذا التقط العبد ولم يعلم المولى فعرف حولا ثم أتلف العبد اللقطة تعلق الضمان برقبته يتبع بذلك إذا أعتق كالغرض الفاسد (50) ". الإباضية: الآبق لا يزال على ملك سيده فحكمه فى الدية حكم كل العبيد. ودية الرقيق قدر قيمته فقد جاء فى كتاب النيل: " ودية الرقيق قدر قيمته، ولا يجاوز بها دية حر (51) ". هذا إذا كان قد قتل إما إذا كان قد جرح جراحة فيها دية فعلى نحو ما فى الحر بالنسبة لقيمته فقد جاء فى كتاب النيل: " وما فى حر كنصف ديته أو ثلثها ففى الرقيق كذلك، والتام كالتام ... الخ (52) ". وتكون الدية إذا قتله حر، فقد جاء فى كتاب النيل: " والحر لا يقتل بالعبد، وعليه قيمته (53) ". ومقتضى النص الذى قبل هذا أن الواجب القيمة ما لم تبلغ دية الحر، ولكن جاء فى كتاب النيل فى موضع آخر: " ثم رأيت ما نصه: ومن قتل عبدا فعليه قيمته: عمدا أو خطأ، وإن جاوزت دية الحر (54) ". أما إذا قتله عبد فإن ربه مخير بين عدة أمور ذكرها صاحب النيل ومتنه فيما يأتى: " وإن قتل العبد عبدا مثله فى القيمة خير رب العبد القتيل فى أخذه، أو أخذ قيمته، أو فى قتله أو العفو، وقد مر حكم كون العبد القاتل أكثر قيمة من العبد المقتول إذ قال (أى صاحب المتن) ولا عبدا أكثر قيمة بآخر حتى يرد ربه الفضل. وخير رب العبد القتيل فى أخذ العبد القاتل أو قيمته، أو قتله أو العفو فى عكسه، وهو أن يكون العبد القاتل أقل قيمة (55) " وواضح من النصوص المتقدمة أن ديته تكون لسيده. أما إذا جنى الآبق على غيره فإن جنايته إما أن تكون على النفس أو على المال، فإن كانت على النفس بقتل عمد أو خطأ فقد بين صاحب النيل حكمه بقوله: " وإن قتل عبد حر اولو خطأ فهو أى العبد لوليه أى لولى الحر مطلقا: شاء سيده أو ولى القتيل أو كره أحدهما، استحقه بوليه: إن شاء استعبده وإن شاء قتله. كما أنه إذا أراد الولى قتل الحر الذى قتل وليه أدرك ذلك ولو أراد القاتل أن يعطى الدية: شاء الولى قيمة العبد أو لا. ماله إلا العبد وقيل له العبد إن شاء، وإلا أدرك قيمته على سيده. وقيل: إن قتله عمدا فله العبد لا غيره أو خطأ فالخيار لربه ". أما إذا كانت جنايته لم تصل إلى القتل: بأن كانت جروحا أو غيرها فقد بين صاحب النيل الحكم فى ذلك إذ يقول " ودون النفس من الجروح والآثار وقوات المنافع كالصمم- الخيار لربه إذا كان الجرح مثل قيمة العبد أو كثر. وكذا غير الجرح كذهاب السمع. فإن شاء رب العبد أعطاه ذلك العبد، وإن شاء أعطاه قيمته بتقويم العدول. وإن كان أقل من نفس العبد فالأرش (56) ". وأما إذا كانت جنايته على عبد مثله فى القيمة، أو أكثر منه أو أقل بالقتل فقد تقدم حكمه فى النص الذى قدمناه فى الجناية على العبد. وأما إذا أتلف مالا فى عمد أو خطأ فلا يلزم ربه أكثر من قيمته (57) ، وذلك يظهر من قول صاحب النيل وشارحه " والعبد إن قتل أو قتل خطأ. أو أفسد بالخطأ مالا لم يلزم عاقلة ربه، إذ لا تعقل عبدا ولا عمدا: أى ما تعمده الإنسان- ولا اعترافا: أى ما أقر به الجانى قبل أن يبين عليه بالبينة العادلة، ولا صلحا ... إلى أن قال: ولا يلزم ربه أكثر من قيمته وإن فى عمد، إن لم يأمره، وإن أمره لزمه كل ما فعل فى مال أو نفس ولو ديات أو أموالا عظيمة ". وما دام كلامنا فى جناية الآبق حين إباقه فغير معقول أن يكون سيده أمره بالإتلاف وحينئذ لا يكون على ربه كثر من قيمته.   (1) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر ج1 ص 434، 436 طبعة دار الطباعة العامرة. (2) فتح القدير ج 4 ص 435 الطبعة الأميرية. ابن عابدين ج 4 ص 256 طبعة دار الكتب العربية. (3) ج 4 ص128 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (4) ج 4 ص 65 الطبعة السابقة (5) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج4 ص 65 الطبعة السابقة. (6) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (7) ج2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده. (8) ج 2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده. (9) ج 9 ص 317 طبعة المنار سنة 1347. (10) ج 4 ص 279 - 280 الطبعة الأولى سنة 1949. (11) ج 4 ص 281 - 282 الطبعة الأولى سنة 1949. (12) ج 8 ص 241 إدارة الطباعة المنيرية. (13) ج 2 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (14) ج11 ص 23 طبعة الساسى. (15) ج1 ص 184 الطبعة الأميرية. (16) الزيلعى تبيين الحقائق، شرح الكنز ج6 ص 154 الطبعة الأميرية. (17) فتح القدير ج 4 ص 439 الطبعة الأميرية. (18) بداية المجتهد ج 2 ص 347 طبعة الأستانة. (19) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 241 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده. (20) الإشباه والنظائر للسيوطى ص 350 طبعة المكتبة التجارية. (21) الإشباه والنظائر للسيوطى ص 360 طبعة المكتبة التجارية. (22) المنهاج وشرحه المغنى ج 4 ص 100 طبعة الحلبى سنة 1377هجرية (23) المنهاج وشرحه المغنى ج4 ص 101، 102 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1377هجرية 1958م. (24) المنهاج والمغنى ج 4 ص 101، 102 الطبعة السابقة. (25) المغنى ج 4 ص 100، 197 الطبعة التجارية. (26) ص 196 طبعة المكتبة التجارية. (27) ج2 ص 125 طبعة السنة المحمدية. (28) ج 9 ص 401 طبعة المنار سنة 1348. (29) البحر الزخار وجواهر الأخبار معه ج 5 ص 261 الطبعة الأولى 949. (30) البحر الزخار الجزء والصفحة السابقة. (31) ج 5 ص 261 الطبعة السابقة (32) ج5 ص 263 الطبعة السابقة. (33) ج5 ص 263 الطبعة السابقة. (34) ج 5 ص263 الطبعة السابقة. (35) ج5 ص263 الطبعة السابقة. (36) الجزء والصفحة والطبعة السابقة. (37) انظر ج5 ص 267 الطبعة الأولى سنة 1949. (38) انظر ج5 ص 268 الطبعة السابقة. (39) ج5 ص 268 الطبعة السابقة. (40) ج5 ص 268 الطبعة السابقة. (41) ج5 ص 264 الطبعة السابقة. (42) المحلى ج 8 ص 149طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (43) المحلى ج 8 ص 155 الطبعة السابقة. (45) المحلى ج 8 ص 156 الطبعة السابقة. (46) المحلى ج 8 ص 159 الطبعة السابقة. (47) ج ص 290 نشر مكتبة الحياة. (48) شرائع الإسلام ج 2 ص 290 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (49) ج 2 ص 270 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (50) ج 2 ص 296 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (51) ج2 ص 179 نشر مكتبة الحياة. (52) ج 8 ص 57 المطبعة السلفية. (53) ج 8 ص 58 المطبعة السلفية. (54) ج 8 ص 178. (55) ج 8 ص 59 المطبعة السلفية. (56) ج 8 ص 189 - 190 طبعة المطبعة السلفية. (57) ج 8 ص 189 الطبعة السابقة. (58) ج 8 ص 107 طبعة المطبعة السلفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 بيع الآبق ومتى يجوز؟ الحنفية: بيع الآبق قد يكون من المالك وقد يكون من القاضى وقد يكون من الآخذ فالمالك يصح له أن يبيعه إن كان قادرا على تسليمه للمشترى، وذلك بأن يحضر به الآخذ إلى سيده ليرده فباعه إليه السيد قبل تسليمه فعلا لأنه بالتخلية بين الأبق والراد يعتبر مسلما فقد جاء فى المبسوط: " وإذا انتهى الرجل بالعبد الآبق إلى مولاه فلما نظر إليه أعتقه فالجعل واجب ... إلى أن قال: وكذلك إن باعه مولاه من الذى أتاه به لأنه صار قابضا له لما نفذ تصرفه فيه بالتمليك من غيره ". " أى الراد " (1) . بخلاف ما إذا باعه لغير واجده فإنه لا يجوز للعجز عن التسليم. قال صاحب المبسوط: " ويجوز بيع الآبق ممن أخذه " أى لمن أخذه لأن امتناع جواز بيعه من غيره لعجزه عن التسليم إليه ولا يوجد ذلك هنا لأنه بنفس العقد يصير مسلما إلى المشترى لقيام يده فيه فلهذا جاز بيعه منه (2) . أما بيع القاضى له فإنه يكون له بيعه إذا حبسه وطالت مدة حبسه ولم يحضر صاحبه ليأخذه، وقد جاء فى فتح القدير أن طول هذه المدة يقدر بثلاثة أيام (3) . وعلل ذلك بأن دارة النفقة أى استمرارها مستأصلة ولا نظر فى ذلك للمالك بحسب الظاهر، واعتبره فى هذا بالضالة الملتقطة. ولكن صاحب الفتاوى الأنقروية قد ذكر نقلا عن التترخانية أن مدة هذا الحبس تقدر بستة أشهر ثم يبيعه بعدها (4) . أما آخذه، فإنه لا يصح له بيعه إلا إذا كان ذلك بأمر القاضى فقد جاء فى المبسوط: "دخل أخذ عبدا آبقا فباعه بغير إذن القاضى ثم أقام المولى بينة أنه عبده فإنه يسترده من المشترى والبيع باطل لأن الآخذ باعه بغير ولاية له فإن ولاية تنفيذ البيع له فى ملك الغير إنما تثبت بإذن المولى أو إذن القاضى بعد ما تثبت الولاية له فإذا باعه بدون إذن القاضى كان البيع باطلا (5) ". المالكية: يرى المالكية أن بيع المالك للآبق حال إباقه لا يصح إلا إذا علم المبتاع مكانه وإنه عند من يسهل أخذه منه وعلم صفته، فقد قال الدسوقى فى حاشيته على الشرح الكبير نقلا على المتيطى: " ويجوز بيع العبد الآبق إذا علم المبتاع موضعه وصفته وكان عند من يسهل خلاصه منه فإن وجد هذا الآبق على الصفة التى علمها المبتاع قبضه وصح البيع وإن وجده قد تغير أو تلف كان ضمانه من البائع ويسترجع المبتاع الثمن (6) ". أما القاضى فله بيعه بعد مضى سنة والقاضى. هنا هو الإمام أو القاضى الذى أنابه عنه فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " فإن أخذه (أى الملتقط) رفعه إلى الأمام رجاء من يطلبه منه ووقف عند الإمام سنة: أى وينفق عليه فيها فإن أرسله فيها ضمن ثم إذا مضت السنة ولم يجئ ربه بأن الإمام: أى إذا لم يخش عليه قبلها وإلا بيع قبلها ولا يهمل أمره بل يكتب اسمه وحليته "أى أوصافه " مع بيان التاريخ والبلد وغير ذلك مما يحتاج إلى تسجيله ويشهد على ذلك ويجعل ثمنه فى بيت المال حتى يعلم ربه ويأخذ النفقة التى أنفقها عليه فى السنة من ثمنه ولا يلزمه الصبر إلى أن يحضر ربه وكذا أجرة الدلال ومضى بيعه وإذا قال ربه عند حضوره: كنت أعتقته سابقا قبل الإباق أو بعده لا يلتفت إلى قوله لاتهامه على نقض بيع القاضى ولكن إذا أقام بينة عمل بها ونقض البيع (7) ". وأما الآخذ فلا يصح له بيعه فقد جاء فى حاشية الدسوقى والشرح الكبير: "ولا يلزمه (أى القاضى) الصبر (أى بنفقته وعدم بيعه) إلى أن يحضر ربه: أى بخلاف من أخذه لكونه يعرف ربه فإنه يلزمه الصبر بنفقته حتى يحضر دبه ولا يجوز له بيعه وأخذ نفقته من الثمن قبل أن يجئ ربه (8) ". الشافعية: يرى الشافعية أنه لا يصح للمالك بيع الآبق ولا الضال ولا الرقيق المنقطع خبره ولا المغصوب لأنه غير مقدور على تسليمه ولكنهم استثنوا بعض حالات يصبح فيها هذا البيع فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " الثالث (أى من شروط البيع) إمكان تسليمه فلا يصح بيع الضال والرقيق المنقطع خبره والمغصوب من غير غاصبه للعجز عن تسليم ذلك حالا ... ثم قال: فإن باعه: أى المغصوب لقادر على انتزاعه دونه أو الآبق لقادر على رده دونه صح على الصحيح نظرا لوصوله إليهما إلا أن احتاجت قدرته إلى مؤنة فالظاهر البطلان. والثانى (أى المقابل للصحيح) لا يصح لأن التسليم واجب على البائع وهو عاجز عنه أما إذا كان البائع قادرا على انتزاعه أو رده فإنه يصح بلا خلاف إلا إذا كان فيه تعب شديد والأصح عدم الصحة " (9) . أما الوالى ومن ينوب عنه كالقاضى فإنه يجوز له بيعه إذا كان قد وصل إليه فقد جاء فى الأم للشافعى: " وإذا كانت الضالة فى يدى الوالى فباعها فالبيع جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت عبدا فزعم سيد العبد أنه اعتقه قبل البيع قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشترى يمينه وفسخت البيع وجعلته حرا ورددت المشترى بالثمن الذى أخذ منه. قال الربيع: وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع إلا ببينة تقوم لأن بيع الوالى كبيع صاحبة فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه " (10) . والشافعى قد جعل الآبق والضال متماثلان فى هذا الحكم لأنهما فى حكم اللقطة فقد جاء عنه فى الأم: " وإذا كان فى يدى رجل العبد الآبق أو الضال من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ". الحنابلة: يرى الحنابلة أنه يجوز للمالك بيع عبده الآبق فى بعض الحالات فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى " ولا يجوز بيع المغصوب لعدم إمكان تسليمه فإن باعه لغاصبه أو القادر على أخذه منه جاز لعدم الغرر فيه ولا مكان قبضه، وكذلك إن باع الآبق لقادر عليه صح كذلك وإن ظن أنه قادر على استنقاذه ممن هو فى يده صح البيع فإن عجز عن استنقاذه منه فله الخيار بين الفسخ والإمضاء لأن العقد صح لكونه مظنون القدرة على قبضه وثبت له الفسخ للعجز عن القبض " (11) . أما الإمام أو نائبه كالقاضى فإنه يبيعه إذا رأى المصلحة فى ذلك فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " وإن لم يجد (أى الآخذ) سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة فى بيعه " (12) . وأما الآخذ فإنه لا يجوز له بيعه فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإن باعه فالبيع فاسد" (13) . الزيدية: يرى بعض الزيدية أن بيع العبد الآبق لا يجوز ويرى بعض آخر أنه موقوف ويرى بعض ثالث أنه يجوز لمن يكون فى يده وهذا يظهر من عبارة صاحب البحر الزخار: عن الهادى والمؤيد بالله: ولا " معطوف على عدم جواز البيع فيما سبق " العبد الآبق والمسروق والفرس الشارد ونحوه، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ... ثم نسب " إلى تخريج أبى العباس أحمد بن إبراهيم الهاشمى الحسنى الذى كان إماميا ثم تزيد وإلى المؤيد بالله أحمد بن الحسيين الحسنى الآملى وإلى أبى طالب يحى بن الحسين ": يصح موقوفا على التسليم لعموم: " وأحل الله البيع وحر م الربا " (14) مع خيار التعذر وقد رده صاحب البحر بقوله: " قلنا يلزم فى الطير " أى مع أن هؤلاء لم يقولوا به ونسب إلى العترة: " فأما إلى من أبق إليه فيجوز إذ لا غرر (15) " وخيار التعذر الذى ذكره هو الذى يكون للبائع والمشترى مدة ثلاثة أيام عند بيع ما يتعذر تسليمه فى الحال وقيل للمشترى فقط إن جهل لا إن علم (16) . الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى أن بيع الآبق جائز: عرف مكانه أو لم يعرف دون تفصيل فى المشترى من حيث قدرته على أخذه أو معرفته لمكانه أو غير ذلك فقد جاء فى المحلى له: " وبيع العبد الآبق: عرف مكانه أو لم يعرف جائز وكذلك بيع الجمل الشارد: عرف مكانه أو لم يعرف وكذلك الشارد من سائر الحيوان ومن الطير المتفلت وغيره إذا صح الملك عليه قبل ذلك وإلا فلا يحل بيعه ثم قال: وكل ما ملكه المرء فحكمه فيه نافذ بالنص إن شاء وهبه وإن شاء باعه وإن شاء أمسكه وإن مات فهو موروث عنه (17) . وقد بنى هذا على الملك كما تقدم وعلى أن التسليم ليس بلازم ولم يوجبه القرآن ولا السنة ولا دليل أصلا وإنما اللازم ألا يحول البائع بين المشترى وبين ما بيع له فقط ثم قال: " ويملكه المشترى ملكا صحيحا فإن وجده فذلك وإن لم يجده فقد استعاض الأجر الذى هو خير من الدنيا وما فيها وربحت صفقته (18) . الشيعة الإمامية: لا يصح عندهم بيع الآبق إلا إذا انضم إليه فى الصفقة شىء آخر مقدور التسليم وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام فقال: " الثالث (أى من شروط المبيع) أن يكون مقدورا على تسليمه فلا يصح بيع الآبق منفردا ويصح منضما إلى ما يصح بيعه ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع وكان الثمن مقابلا للضميمة " (19) . الإباضية: لا يجوز عندهم بيع العبد الآبق حال إباقه فقد جاء فى كتاب النيل: " والأكثر على منع بيع سمك فى بركة.. ثم قال: وذلك للجهل به وهو فى الماء، إذ لا يتبين فيه، ولأنه قد لا يملك قبضه، لامتناعه بالماء وأبق: بهمزة مفتوحة تليها باء مكسورة وهو الإنسان المملوك الهارب فى إباقته: بكسر الهمزة. ومثله بيع حيوان فى نفاره وهروبه) " (20) . هل الإباق عيب فى العبد الحنفية: الإباق عيب فى العبد عندهم، بخلاف الهرب، اذ الإباق الهرب من غير ظلم السيد له أما الهرب فيكون إذا كان السيد قد ظلمه. قال صاحب الجوهرة نقلا عن الثعالبى: الآبق الهارب من غير ظلم السيد له، فإن هرب من الظلم لا يسمى آبقا، بل يسمى هاربا فعلى هذا الإباق عيب والهرب ليس بعيب (21) . وعلى ذلك يكون للمشترى رده بالعيب. المالكية: الإباق عند المالكية عيب فى العبد كالحنفية، فقد قال ابن رشد الجد فى المقدمات الممهدات حين الكلام على العيوب التى يرد بها. "وهذا فى العيوب التي تكون ظاهرة فى البدن، وأما ما لا يظهر: من الإباق والسرقة وما أشبه ذلك فادعى المبتاع أنه كان بالعبد قديما فقال ابن القاسم يحلف البائع واحتج بروايته عن مالك، وقال أشهب لا يمين عليه " وقد بين حكم البيع بوجود العيوب قديمة فقال: " فأما العيب القديم فيرد به فى القيام والرجوع بقيمته فى الفوات (22) ". الشافعية: كذلك يرى الشافعية إن الإباق عيب، ولكن لهم فيه تفصيل بينه صاحب المغنى فى شرحه للمنهاج وقال عند قول صاحب المنهاج (للمشترى الخيار لظهور عيب قديم كخصاء رقيق وزناه وسرقته وإباقه) : "أى كل منها، وإن لم يتكرر ولو تاب منها.. ثم قال: وما تقرر من أن السرقة والإباق مع التوبة عيب هو المعتمد.. خلافا لبعض المتأخرين.. ثم قال: واستثنى من إباق العبد ما لو خرج عبد من بلاد الهدنة بعد أن اسلم وجاء إلينا فللإمام بيعه، ولا يجعل بذلك إباقا من سيده موجبا للرد، لأن هذا الإباق مطلوب (23) ". الحنابلة: الإباق عيب فى العبد عندهم، وذلك إذا كان قد جاوز العاشرة، لأن الصبى العاقل يتحرز من مثل هذا عادة كتحرز الكبير، فوجوده منه فى تلك الحال يدل على أن الإباق لخبث فى طبعه وحد ذلك بالعشر، لأن النبى - صلى الله عليه وسلم- أمر بتأديب الصبى على ترك الصلاة عندها، والتفريق بينهم فى المضاجع لبلوغها. أما من دون ذلك فيكون هذا منه لضعف عقله وعدم تثبته (24) . الزيدية: يرى الزيدية إن الإباق عيب فى العبد يكون للمشترى الخيار معه، لأنه وصف مذموم تنقص به قيمة ما اتصف به عن قيمة جنسه السليم، فقد قال صاحب البحر " فى التمثيل للعيوب التى تنقص بها القيمة: نقصان عين كالعور، أو زيادة. كالإصبع الزائد ... أو حال كالبخر والإباق (25) . ولكنه لا يكون عيبا إلا فى الكبير إذا عاد الإباق عند المشترى. قال فى البحر بصدد تعداد العيوب: " والإباق والصرع ونحوه، ولا يرد به حتى يعود مع المشترى لتجويز زواله 0 ولو أبق صغيرا ثم أبق عند المشترى كبيرا لم يرد لما ".. ثم قال منسوبا إلى الإمام: " وحد الكبر البلوغ، وقيل المراهقة. قلنا: البلوغ أضبط وأقيس (26) ". الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى- كغيره من الفقهاء السابقين- أن الإباق عيب يرد به المبيع إن لم يبين له، فقد قال فى المحلى: " ومن اشترى عبدا أو أمة فبين له بعيب الإباق أو الصرع فرضيه فقد لزمه، ولا رجوع له بشيء: عرف مدة الإباق وصفة الصرع أو لم يبين له ذلك، لأن جميع أنواع الإباق إباق، وجميع أنواع الصرع صرع، وقد رضى بجملة إطلاق ذلك. فلو قلل له الأمر فوجد خلاف ما بين له بطلت الصفقة، لأنه غير ما اشترى. ولو وجد زيادة على ما بين لة فله الخيار فى رد أو إمساك، لأنه عيب لم يبين له (27) ". الشيعة الإمامية: يرون أن الإباق عيب فى العبد يرد به فى البيع إذا ثبت انه آبق عند بائعه، قال الطوسى فى تهذيب الأحكام رواية عن الرضى يقول: " يرد المملوك من أحداث السنة: من الجنون والجزام والبرص. فإذا اشتريت مملوكا فوجدت فيه شيئا من هذه الخصال ما بينك وبين ذى الحجة فرده على صاحبه. فقال له محمد بن على فأبق، قال: لا يرد إلا أن يقيم البينة أنه أبق عنده (28) . الإباضية: الإباق عندهم عيب فى العبد يرد به عند البيع، فقد جاء فى كتاب النيل- فى أثناء ذكر عيوب المبيع: " وإباقه، وغصب، وشرك (29) . طريق ثبوت ملكية الآبق لمدعيها وما يلزم فى ذلك الحنفية: إذا حبس الإمام الآبق فجاء رجل وادعاه يلزم أن يقيم بينة أنه عبده، فإذا أقامها يستحلفه بالله أنه باق غلى الآن على ملكه لم يخرج ببيع ولا هبة، فإذا حلف دفعه إليه. وهذا الاستحلاف لاحتمال أنه عرض بعد علم الشهود بثبوت ملكه على وجه زواله بسبب لا يعلمونه. وإنما يستحلفه مع عدم وجود خصم يدعى لصيانة قضائه من الخطأ، ونظرا لمن هو عاجز عن النظر لنفسه من مشتر أو موهوب له. ثم إذا دفعة لة عن بينة ففى أولوية أخذ الكفيل وتركه روايتان وكذلك يثبت الملك بإقرار العبد أنه لة، فيدفعه له إذا أقر العبد بذلك. ولكن هنا يجب أن يأخذ من المدفوع إليه كفيلا رواية واحدة (30) هذا إذا كان فى يد السلطان وهو الذى يدفعه إليه. أما إذا كان فى يد الآخذ له فإن الأوثق ألا يدفعه إليه إلا بأمر القاضى. فإذا دفعه بغير أمر القاضى فهلك فى يد المدفوع إليه ثم جاء رجل فاستحقه فله أن يضمن الدافع إن شاء. وإن شاء يضمن المدفوع إليه، فإن ضمن الدافع ينظر فإن كان الدافع حين دفعه إليه صدقه أنه له لا يرجع عليه بما ضمن. وإن كان حين دفعه كذبه، أو لم يكذبه ولما يصدقه، أو صدقه وضمن. فله أن يرجع عليه فى الآبق (31) . وإذا دفعه بأمر القاضى لا يكون له أن يأخذ عليه كفيلا بعد ثبوت أنه له، وإذا دفعه يغير أمر بمجرد العلامة أو تصديق العبد الآبق أنه سيده كان له أن يأخذ كفيلا (32) . المالكية: يستحق - عندهم- سيد الآبق آبقه إن كان تحت يد ملتقطه بشاهد ويمين. وقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " واستحقه سيده من يد الملتقط إذا كان لا يعرف سيده فحضر إنسان وادعى إنه سيده فإنه يستحقه بشاهد ويمين (أى يمين المدعى أنه عبده) وأولى من الشاهد واليمين فى استحقاقه بهما الشاهدان، يستحقه بشهادتهما من غير يمين، ويأخذه مدعيه حوزا لا ملكا إن لم يكن إلا دعواه أنه عبدى إن صدقة العبد على دعواه. وذلك بعد الرفع للحاكم والإمهال فى الدفع له وهذا الإمهال يكون باجتهاد الحاكم. وكون مدعيه يأخذه حوزا لا ملكا فى حالة تصديق العبد له، إن لم يكن للمدعى إلا دعواه يقتضى أنه لا يجوز له بيعه ولا وطؤها إن كانت أمة وإن جاز له ذلك فيما بينه وبين الله إن كان صادقا (33) . وكذلك له أخذه إن كذبه العبد على التفصيل الذى ذكره الدردير فى الشرح الكبير بقوله: " ومفهوم صدقه أنة إن كذبة أخذه أيضا إن وصفه ولم يقر العبد إنه لفلان، أو أقر وكذبه المقر له (34) ". الشافعية: إذا كان الآبق فى يد آخذه وجاء ربه يريد أخذه فالحكم فى ذلك كما قال الإمام الشافعى فى الأم: " وإذا كان فى يدى دجل العبد الآبق أو الضالة من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ليس عليه أن يدفعه إلا ببينة يقيمها. فإذا دفعها ببينة يقيمها عنده كان الاحتياط له ألا يدفعه إلا بأمر الحاكم، لئلا يقيم عليه غيره بينة فيضمن، لأنه إذا دفعه ببينة تقوم عنده فقد يمكن أن تكون البينة غير عادلة ويقيم الآخر بينة عادلة فيكون أولى. ثم قال: وإذا أقام رجل شاهدا على اللقطة أو ضالة حلف مع شاهده وأخذ ما أقام عليه بينة لأن هذا مال (35) ". أما إذا كان فى يد القاضى فقد جاء فى كتاب الأم للشافعى ما يؤخذ منه حكم ثبوت الملكية لمدعيه فقد قال: " وإذا أقام الرجل بمكة بينة على عبد ووصفت البينة العبد، وشهدوا أن هذه صفة عبده، وأنه لم يبع ولم يوهب، أو لم نعلمه باع ولا وهب وحلف رب العبد- كتب الحاكم بينته إلى قاض بلد غير مكة فوافقت الصفة صفة العبد الذى فى يديه لم يكن للقاضى أن يدفعه إليه بالصفة ولا يقبل إلا أن يكون شهود يقدمون عليه فيشهدون عليه بعينه (36) " فهذا يدل على أن القاضى الأول لا يدفعه إلى صاحبه إن كان عنده بمجرد الصفة بل لابد من بينة تقوم على النحو الذى ذكره: من وصف للعبد وإنه لم يبع ولم يوهب ويحلف رب العبد، أو يقيم شاهدا ويحلف ليكون له أخذه. الحنابلة: يرى الحنابلة أن العبد الآبق إذا جاء سيده يطلبه من آخذه رده إليه بعد أن يقيم بينة، أو يعترف العبد بأنه سيده. فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " فإذا أخذ الآبق فهو أمانة فى يده. إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه. وإن وجد صاحبه دفعه إلية إذا أقام به البينة أو اعترف العبد أنه سيده (37) ". وإذا كان الآبق عند القاضى فإنه لا يدفعه لمدعيه إلا إذا أقام البينة على أنه له. فقد جاء فى المغنى ما يدل على هذا وهو: " فإذا أبق العبد فحصل فى يد حاكم فأقام سيده بينة عند حاكم بلد آخر أن فلانا الذى صفته كذا وكذا واستقصى صفاته- عبد فلان ابن فلان أبق منه فقبل الحاكم بينته، وكتب إلى الحاكم الذى عنده العبد: ثبت عندى إباق عبد فلان الذى صفته كذا وكذا قبل كتابه وسلم العبد (38) ". وهذا يؤخذ منه أنه لا يثبت عند الحاكم الذى كتب إلا إذا أقيمت البينة وشهدت بأوصافه وأنه عبد فلان هذا، وأن الذى عنده العبد يكتفى بهذا الإثبات. الزيدية: لم نجد للزيدية كلاما خاصا بالآبق فى هذا الموضوع، ولكنهم يجعلون أخذه مستحبا كأخذ الضالة- كما قدمنا- وقد ذكرنا سابقا أن آخذ الضالة يعرف بها وأنه يجوز له أن يستبقيها عنده، وعلى هذا فماذا يجب عليه إذا جاء رب الضالة يطلبها؟ قد بين ذلك صاحب مفتاح الأزهار فقال: " ولا يجوز للملتقط أن يرد الضالة إلى من ادعاها إلا أن يحكم له الحاكم أنه يستحقها ويجوز الحبس عمن لم يحكم له ببينة" ثم قال: " وحاصل الكلام فى المسألة أن مدعى اللقطة لا يخلو إما أن يكون له بينة أو لا إن كان له بينة وحكم بها حاكم لزم الملتقط ردها. فإن أقام غيره البينة بأنها له لم يلزم الملتقط له بشئ لانضمام الحكم إلى بينة خصمه. وإن لم يحكم له ببينة قال الفقيه أبو العباس: جاز الرد ولا يجب، وهو ظاهر كلام أبى طالب.. وأما إذا لم تكن له بينة، بل أتى بأمارتها وأوصافها ففى ذلك ثلاثة أقوال: الأول: المذهب أنه لا يجوز الرد، قال - عليه السلام-: وظاهر كلام أصحابنا ولو غلب فى ظنه صدقه، لأن العمل بالظن فى حق الغير لا يجوز. الثانى: ذكره فى شرح الإبانة قال فيه: يجوز الرد بالعلامة ولا يجب فى قول عامة أهل البيت. الثالث: أنه يجب، وقد ذكر هذا منسوبا للهادى والمؤيد بالله: أنه يجب فيما بينه وبين الله تعالى، لأن العمل بالظن واجب (39) ". أما إذا كانت فى يد الحاكم فلم نجد نصا صريحا فيه، ولكن جاء فى البحر الزخار أن القاضى لا يحكم باستحقاقه لة إلا إذا أقام البينة بأنه ملكه. فقد جاء فى البحر الزخار: " ويحكم بالبينة العادلة الكاملة ما لم تعارض إجماعا، وفى تأكيدها باليمين خلاف (40) ". الظاهرية: يبين ابن حزم الظاهرى طريق ثبوت ملكية من يدعى العبد الآبق بقولة فى المحلى عند كلامه فى الآبق واللقطة والضالة: وأن اللقطة ما وجد من مال سقط أى مال كان بقوله: " فإن جاء من يقيم بينة، أو من يصف عفاصه (أى الوعاء الذى يكون فيه الملتقط من جلد أو خرقه أو نحوها إن كان فى وعاء) ويصدق فى صفته، ويصفه وعاءه، ويصدق فيه ويصف رباطه ويصدق فيه ويعرف عدده ويصدق فيه، أو يعرف ما كان له من هذا: أما العدد والوعاء إن كان لا عفاصه له ولا وكاء (الرباط) أو العدد إن كان منثورا فى غير وعاء دفعه إليه كانت له بينة أو لم تكن (41) ". ولا شك أن التعريف للعبد بأوصافه يكون كالتعريف بالعفاص والوكاء ونحوها. وإذن يكون إثبات الملكية عنده بالبينة أو الوصف. كما يشعر به ما سبق أن ذكرناه فى حكم أخذ الآبق. من أنه يبقى عند واجدة أو الحاكم حتى يجئ صاحبه ويعرفه فهو يرى أنه لا ضرورة لإقامة البينة لثبوت ملكيته للآبق بل يكفى وصفه. الشيعة الإمامية: عندهم أن الآبق والضال لا يصح أخذه، ولو أخذه يرده لصاحبه، وإلا دفعة إلى الحاكم، فإذا جاء صاحب العبد لزم أن يقيم بينة. وقد قال صاحب شرائع الإسلام: " ومن وجد عبده فى غير مصره فأحضر من شهد على شهوده بصفته لم يدفع إليه لاحتمال التساوى فى الأوصاف، ويكلف إحضار الشهود ليشهدوا بالعين. ولو تعذر إحضارهم لم يجب حمل العبد إلى بلدهم ولو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز (42) ". حكم الإباق من يد كل من المستأجر والمرتهن والغاصب والوصى الكلام هنا يتعلق بالجعل والضمان: أما الجعل فقد سبق الكلام عليه وأما الضمان فتفصيله كما يلى: الحنفية: أما المستأجر فإن الحنفية يرون أنه لا ضمان عليه ما دامت يده يد أمانة فلا يكون ضامنا له بإباقه إلا إذا كان ذلك ناشئا عن تعد منه، فقد جاء فى جامع الفصولين: "لو قال إذا جاء غد فقد أجرتك هذه الدابة فحمل المستأجر على الدابة فى الليل، فلما طلعت الشمس تلفت لم يضمن، إذ صار غاصبا بحمله، إلا أنه عند طلوع الفجر انعقدت الإجارة فصارت اليد يد أمانة (43) ". وأما المرتهن فإنه يكون مضمونا عليه إذا أبق منه بالأقل من قيمته ومن الدين فقد جاء فى جامع الفصولين: " ولو رهن قنا فابق سقط الرهن. فلو وجده عاد رهنا ويسقط من الدين بحسابه لو كان أول إباق له ولو أبق قبل ذلك لا يسقط من الدين شىء (44) ". والمراد من أنه يسقط من الدين بحسابه هو أنة يسقط من الدين بقدر نقصانه الذى هو عيب الإباق وقد بين هذا صاحب التنوير وشارحه صاحب الدر المختار وابن عابدين بقولهم: " ولو أبق عبد الرهن وجعله الراهن أو القاضى بالدين ثم عاد يعود الدين إلا بقدر نقصان عيب الإباق (45) ". وأما الغاصب فإنه يكون ضاما له فيلزم بقيمته فقد قال صاحب جامع الفصولين: " ولو رهن قنا فأبق فجعله القاضى بما فيه ثم ظهر القن قال أبو يوسف رحمه الله هو رهن كما كان وقال زفر هو للمرتهن كغاصب ضمن القيمة (46) ". وأما الوصى فإنه إذا أبق منه العبد فإنه لا ضمان عليه لأن يده على مال الموصى عليه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدى (47) ". المالكية: يرون أن يد المستأجر يد أمانة فلاضمان عليه إلا بالتقصير أو التعدى. وعليه فإباق العبد من يد المستأجر إن لم يكن بتفريط فى حفظه أو بسبب اعتداء عليه منه لا يجعله ضامنا. وقد بين ذلك الدردير فى الشرح الكبير والدسوقى فى حاشيته عليه، إذ جاء فيهما: " وهو: أى من تولى المعقود عليه أو من تولى العين المؤجرة: من مؤجر بالفتح كراع، ومستأجر كمكترى الدابة ونحوها- أمين فلا ضمان عليه إن ادعى الضياع أو التلف: كان مما يغاب عليه (أى يمكن إخفاؤه وكتمه) أولا. ويحلف إن كان منهما لقد ضاع وما فرطت. ولا يحلف غيره (أى غير المتهم) وقيل يحلف ما فرطت: أى يحلف على التفريط فقط 0 ولا يحلف على الضياع، بل يصدق فيه من غير حلف عليه، لأن الضياع ناشىء عن تفريطه غالبا. فيكفى حلفه ما فرطت. وفى المسألة قول ثالث وهو أنه يحلف على الضياع والتفريط (48) ". وأما المرهون فلا يكون مضمونا على المرتهن إلا إذا كذبه شهود فى دعواه أنه أبق. فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " لو كان الرهن بيد المرتهن وهو مما لا يغاب عليه (أى لا يمكن إخفاؤه وكتمه) كدور وعبيد والحال أنه لم يحصل من المرتهن تعد فلا ضمان على المرتهن ولو اشترط الراهن عفى المرتهن ثبوت الضمان عليه، خلافا لا شهب الذى قال: أنه يعمل بالشرط، إلا أن يكذبه عدول. وحلف المرتهن فيما يغاب عليه وأولى فيما لا يغاب عليه- لأنه إذا حلف فيما يضمنه فأولى فيما لا يضمنه (49) "0 وأما المغصوب فان غاصبة يتعلق به الضمان من يوم استيلائه عليه والحيلولة بينه وبين مالكه. أما الضمان بالفعل فإنما يكون إذا حصل مفوت ولو بسماوى أو جناية غير الغاصب عليه، فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: " وضمن الغاصب المميز بالاستيلاء على المغصوب: عقارا أو غيره: أى تعلق الضمان بالغاصب بهذا الاستيلاء: أى الحيلولة بينه وبين مالكه، ولا يحصل الضمان بالفعل إلا إذا حصل مفوت ولو بسماوى أو جناية غيره (50) "وإباق العبد مفوت له (51) . وأما الوصى فإنه أمين فى مال موليه فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى (52) . الشافعية: يرى الشافعية أن يد المستأجر على العين المستأجرة يد أمانة فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " ويد المكترى على المستأجر من الدابة والثوب وغيرهما يد أمانة مدة الأجارة جزما، فلا يضمن ما تلف فيهما بلا تقصير، إذ لا يمكن استيفاء حقه إلا بوضع اليد عليها (53) ". وهذا يقتضى أن العبد إذا أبق لا يكون مضمونا على المستأجر إلا إذا كان إباقه بتقصير من المستأجر أوبتعد عليه سبب هذا الإباق. وكذلك المرتهن فإنه لا يضمن إذا تلف إلا بتقصير أو تعد كما فى المستأجر ولا يسقط من ديته شىء به فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: " وهو (أى المرهون) أمانة فى يد المرتهن، لخبر (الرهن من راهنه) : أى من ضمان راهنه له غنمه وعليه غرمه. ثم قال: فلو شرط كونه مضمونا لم يصح الرهن، ولا يسقط بتلفه شىء من ديته (54) " وأما المغصوب إن أبق فإنه يكون مضمونا على الغاصب فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى وعلى الغاصب الرد للمغصوب على الفور عند التمكن وإن عظمت المؤنة فى رده.. ثم استدل على هذا بحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه (55) " وأما الوصى إذا أبق منه عبد موليه فلا يضمن لأن يده يد أمانة إلا بالتقصير أو التعدى (56) . الحنابلة: يرى الحنابلة أن العين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر، فإذا أبق منه العبد المستأجر دون تقصير فإنه لا يكون مضمونا عليه إلا بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " والعين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر. إن تلفت بغير تفريغ لا يضمنها. ثم قال: ووجهه أنه عقد لا يقتضى الضمان فلا يقتضى رده ومؤنته كالوديعة " (57) . أما المرتهن فإنه كالمستأجر لا ضمان عليه إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى: " أن الرهن إذا تلف فى يد المرتهن فإن كان تلفة بتعد أو تفريط فى حفظه ضمنه، لا نعلم فى ذلك خلافا، لأنه أمانة فى يده، فلزمه ضمانه إذا تلف بتعديه، أو تفريطه كالوديع. فأما إن تلف بغير تعد منه ولا تفريط فلا ضمان عليه وهو من مال الراهن " (58) . وإباق العبد إن لم يكن تلفا فهو دونه فلا يضمن من باب أولى إلا إذا قصر فى المحافظة عليه. وأما الغاصب فان الآبق يكون مضمونا عليه فقد جاء فى المغنى: " أن من غصب شيئا يعجز عن رده كعبد أبق أو دابة شردت فللمغصوب منه المطالبة ببدله فإذا أخذه ملكه ولا يملك الغاصب العين المغصوبة بل متى قدر عليها لزمه ردها ويسترد قيمتها التى أداها " (59) . وأما الوصى فإن يده على مال موليه يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى (60) . الزيدية: يرون أن المستأجر العين غير ضامن لها ما لم يشترط الضمان عند العقد (61) . كما أنه يضمن إذا كان إباقه بعد انتهاء مدة الإجارة المتفق عليها وقبل رده إلا لعذر فقد جاء فى البحر الزخار: " وعلى المستأجر الرد إذ لا وجه لإمساكها بعد استيفاء الحق ثم قال: فإن لم يرد (أى العين المستأجرة) ضمنها وأجرتها وإن لم ينتفع كالمغصوب إلا لعذر " (62) . وأما المرتهن فإنه يكون ضامنا لما ارتهنه ولو تلفه بآفة سماوية ومن باب أولى بالتعدى فقد قال صاحب البحر الزخار: " ومتى جنى عليه المرتهن ضمنه إجماعا لقوله - صلى الله علية وسلم -: " على اليد ما أخذت حتى ترد" ثم قال زيد بن على: والقاسمية وكذا إن تلف بآفة سماوية لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمرتهن الفرس فنفق ذهب حقك " (63) . وأما الغاصب فإنه يضمنه إذا أبق ويكون ضمانه بقيمته فقد جاء فى البحر الزخار: " وإذا أبق المغصوب فهو فى ضمان الغاصب حتى يقبضه المالك وإن جهله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (على اليد ما أخذت حتى ترد) (64) . ويعتبر فى قيمته أوفر القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف، فقد جاء فى البحر الزخار: " وفى تالف القيمى أوفر القيم من الغصب إلى التلف، إذ هو مطالب فى كل وقت (65) "0 وأما الوصى فهو أمين على ما فى يده من مال المولى عليه، فلا يضمن إلا بالتعدى أو التقصير فى الحفظ، وقد جاء فى ذلك قول صاحب البحر الزخار: " ويعمل باجتهاده، إذ هى ولاية، إلا فيما عين له ". ثم قال: " ويضمن بمخالفة الموصى وبالجناية والتفريط فى الحفظ (66) ". الظاهرية: يرون أن يد المستأجر يد أمانة فلا يضمن (67) . أما إذا أبق العبد من يد المرتهن فلا ضمان، بل يبقى دينه على الراهن، ويتبعه المرتهن به، فقد قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى: " فإن مات الرهن أو تلف أو أبق العبد أو فسد أو كانت أمة فحملت من سيدها أو أعتقها أو باع الرهن أو وهبه أو تصدق به أو أصدقه فكل ذلك نافذ، وقد بطل الرهن، وبقى الدين كله بحسبه (68) ". وأما الغاصب فإن الآبق مضمون عليه إن لم يرد. وقد بين هذا ابن حزم الظاهرى بقوله: " لا يحل لأحد مال مسلم ولا مال ذمى إلا بما أباح الله - عز وجل - على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى القرآن أو السنة نقل ماله عنه إلى غيره، أو بالوجه الذى أوجب الله به تعالى أيضا كذلك نقله عنه إلى غيره، كالهبات الجائزة والتجارة الجائزة أو القضاء الواجب بالديات والتقاص، وغير ذلك مما هو منصوص، فمن أخذ شيئا من مال غيره أو صار إليه بغير ما ذكرنا: فإن كان عامدا عالما بالغا مميزا فهو عاص لله - عز وجل -، وإن كان غير عالم أو غير عامد أو غير مخاطب فلا إثم عليه، إلا أنهما سواء فى الحكم فى وجوب رد ذلك إلى صاحبه، أو فى وجوب ضمان مثله إن كان ما صار إليه قد تلفت عينه، أو لم يقدر عليه (69) ". الشيعة الإمامية: العين المستأجرة عندهم يد المستأجر لها يد أمانة لا يضمن إلا بالتعدى قال صاحب شرائع الإسلام: " إذا تعدى فى العين المستأجرة ضمن قيمتها وقت العدوان (70) " 0 فالأساس فى الضمان عندهم التلف بالعدوان، وهذا يقتضى أن العبد إذا أبق بسبب تعديه يكون ضامنا، لأن الإباق تلف، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " لو فك القيد عن الدابة فشردت، أو عن العبد المجنون فأبق ضمن، لأنه فعل يقصد به الإتلاف (71) ". وأما المرتهن فقد ذكرنا نص كلام الطوسى فى أنه لا ضمان عليه إذا أبق بدون تسبب منه، أما إذا تسبب فى إباقه فإنه يكون ضامنا. ويكون ضمانه بقيمته يوم قبضه، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " إذا فرط فى الرهن وتلف لزمه قيمته يوم قبضه، وقيل يوم هلاكه، وقيل أغلى القيم، فلو اختلفا فى القيمة كان القول قول الراهن، وقيل القول قول المرتهن وهو الأشبه أى الذى تدل عليه أصول المذهب (72) . وأما الغاصب فإن يده على الغصوب يد ضمان ويجب عليه رده ولو تعسر، والآبق متعسر الرد، وواجب عليه رده، فكل ما أنفقه على رده يكون ملزما به. كما أنه يكون ضامنا له إذا أبق، لأن الإباق تلف، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " فإن تلف المغصوب (ولا شك أن الإباق تلف) ضمنه الغاصب بمثله إن كان مثليا، فإن تعذر المثل ضمن قيمته يوم الإقباض لا يوم الإعواز أى المرافعة إلى الحاكم ". ولو أعوز فحكم الحاكم فزادت أو نقصت لم يلزم ما حكم به الحاكم، وحكم بالقيمة يوم تسليمها، لأن الثابت فى الذمة ليس إلا المثل، فإن لم يكن مثليا ضمن قيمته يوم الغصب، وهو اختيار الأكثر. وقال بعضهم يضمن أعلى القيم من حين الغصب إلى حين اختلف، وهو حسن (73) ". وأما الوصى فإنه لا ضمان عليه إلا إذا قصر فى المحافظة عليه، أو تعدى، لأنه أمين وقد قال فى ذلك صاحب شرائع الإسلام: " والوصى أمين لا يضمن ما يتلف إلا عن مخالفته لشرط الوصية أو تفريط (74) " 0 الإباضية: يرون أن العبد إذا أبق من مستأجره لا يكون ضامنا، لأن يده يد أمانة، فلا ضمان عليه ما لم يكن إباق بتقصير منه أو تعد. ولكن جاء فى شرح النيل ما يدل على ضمان المستأجر فى رأى، فقد جاء فيه: " وضمن الأجير: أراد به ما يشمل المكترى.. ثم علل ذلك بقوله: إن الأجير والمكترى كليهما بمعنى واحد. وهو الذى فى يده مال غيره على أجر معلوم للعمل (75) ". وأما إذا أبق من يد مرتهن فقد جاء ما يتعلق بذلك فى النيل وشرحه: " إن ضاع رهن بيد مرتهن بلا تعد منه ولا تضييع فقيل: لا يرجع أحدهما على الآخر بشىء مطلقا: زاد الدين على قيمة الزمن أو نقص ... ثم قال: وقيل: يترادان الفضل وقيل يرجع المرتهن على الراهن بما زاد الدين على الرهن إن زاد لا عكسه إن زاد الرهن على الدين، لأن المرتهن أمين فيه. ثم قال: وإن شرط الراهن أن تكون المصيبة على المرتهن فى الكل أو فى مقدار الرهن فهما على شرطهما (76) ". وأما إذا أبق من يد وصى فإنه لا ضمان عليه، لأن يده يد أمانة، إلا إذا قصر فى حفظه أو تعدى عليه بما قد أدى إلى إباقه، فقد جاء فى النيل وشرحه: " فإن قبلها، أى قبل الوصية، لزمته حالة كونها أمانة فى عنقه، وليجتهد فى إنفاذها، لوجوب أداء الأمانة إلى أهلها (77) ". عتقه قبل الرد الحنفية: لو أعتق المولى عبده الآبق قبل استلامه من الراد صح عقه، وصار بهذا العتق قابضا لة، ولذا يجب الجعل للراد، لأن الإعتاق إتلاف للمالية فيصير كما لو قبضه ثم اعتقه، وذلك كما فى العبد المشترى فإنه يصح أن يعتقه قبل أن يقبضه ويصير بإعتاقه قابضا، ولذا يجب عليه الثمن (78) . المالكية: كذلك يرى المالكية أن عتق العبد حال إباقه وقيل الرد جائز، فقد قال الدردير فى الشرح الكبير: " وله، أى لرب الآبق عتقه حال إباقه والتصدق به والإيصاء به للغير وهبته لغير ثواب، أى لغير عوض (79) ". الشافعية: كذلك يرى الشافعية جواز عتق الآبق، فقد جاء فى المغنى شرح المنهاج " ولو اعتق المالك رقيقه قبل رده، قال ابن الرفعة: يظهر أن يقال: لا أجرة للعامل إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم، لحصول الرجوع ضمنا: أى فلا أجرة لعمله بعد العتق تنزيلا لإعتاقه منزلة فسخ (80) ". وهذا يدل على أن عتق الآبق جائز، ولا جعل لمن رده بعد العتق. الحنابلة: عتق العبد عندهم جائز ولازم بمجرد العقد، فإذا عتق السيد عبده الآبق قبل الرد جاز، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " وإن باعه الإمام، أى الآبق، لمصلحه رآها فى بيعه فجاء سيده واعترف أنه كان أعتقه قبل منه ". فقوله هنا: " كان أعتقه " صادق بأنه أعتقه حين الإباق أو قبله (81) . الزيدية: يرى الزيدية أن عتق الآبق حال إباقه جائز، إذ أنهم إنما يعتمدون على ملك المعتق (82) . الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى أن العتق يعتمد على ملك المعتق للمعتق له (83) . الشيعة الإمامية: يرون أن عتق السيد لآبقه جائز متى كان ممن يملك العتق، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " ويعتبر فى المعتق الإسلام والملك ". ثم قال: " ولو أعتق غير المالك لم ينفذ عتقه (84) ". آباق العبد من أخذه قبل الرد الحنفية: إذا أبق العبد من آخذه فإن كان قد أخذه ليرده فلا ضمان عليه إذا كان قد أشهد أنه أخذه ليرده، لأن يده حينئذ يد أمانة. أما إذا لم يشهد فإنه يضمن، لأنه حينئذ فى حكم الغاصب (85) . وكذلك يكون ضامنا له إذا أبق منه فى الطريق وكان قد استعمله فى حاجة نفسه (86) . المالكية: يرى المالكية أن الآبق إذا أبق من ملتقطه لا ضمان عليه إلا إذا كان متعديا فقد جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير: " إن من التقط آبقا ثم بعد أخذه أبق من عنده أو أنه مات عنده أو تلف فلا ضمان عليه لربه إذا حضر حيث لم يفرط، لأنه أمين ولا يمين عليه. أما إذا فرط كما لو أرسله فى حاجة يأبق فى مثلها فأبق فإنه يضمن (87) . الشافعية: يد الراد على الآبق يد أمانة فلا يضمن إلا بالتفريط، فقد جاء فى المغنى على المنهاج: " يد العامل على ما يقع فى يده إلى أن يرده يد أمانة. فإن خلا الآبق بتفريط ضمن لتقصيره (88) ". الحنابلة: لا ضمان على الراد إن أبق منه دون تلف ودون تفريط فى حفظه، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: " فإذا أخذه فهو أمانة فى يده إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه (89) ". الزيدية: لا ضمان على آخذه إذا أبق منه قبل رده (90) . الشيعة الإمامية: يرون أن العبد إذا أبق من ملتقطه لا ضمان عليه، فقد جاء فى شرائع الإسلام: " ولو التقط مملوكا، ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه، ولو أبق منه أوضاع من غير تفريط لم يضمن، ولو كان بتفريط ضمن، ولو اختلف فى التفريط ولا بينة فالقول قول الملتقط بيمينه (91) ".   (1) ج 11 ص 20 طبعة الساسى. (2) ج 11 ص 28 الطبعة السابقة. (3) ج 4 ص 43 الطبعة الأميرية. (4) الفتاوى الأنقروية ج 1 ص 198 الطبعة الأميرية. (5) المبسوط ج 11 ص 26 طبعة الساسى (6) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 11 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (7) المرجع السابق ج 4 ص 127 الطبعة السابقة. (8) المرجع السابق ج 4 ص 127 الطبعة السابقة. (9) ج 2 ص 13 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر (10) ج 4 ص 68 نشر مكتبة الكليات الأزهرية. (11) ج 4 ص 28 طبعة المنار سنة 1347هجرية. (12) ج 1 ص 357 الطبعة السابقة. (13) ج 4 ص 257 الطبعة السابقة. (14) سورة البقرة: 275. (15) ج 3 ص 313 الطبعة الأولى سنة 949. (16) ج 3 ص 354 الطبعة السابقة. (17) ج ص 288 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (18) ج 389 الطبعة السابقة. (19) ج 166 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (20) ج 4ص 73. (21) الجوهرة على القدورى ج 1 ص 466 طبعة الأستانة. (22) ج ص 254 ’ 255طبعة الساسى. (23) ج 2 ص 50 طبعة مصطفى الحلبى. (24) المغنى لابن قدامه ج 4 ص 276، 277 الطبعة الأولى لمطبعة المنار سنة 1347 هجرية. (25) ج 2 ص 355. (26) ج 3 ص 357. (27) ج 9 ص 73 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (28) ج 7 ص 63 طبعة مطبعة النعمان بالنجف. (29) ج 4 ص 240. (30) فتح القدير ج 4 ص 434، 435 الطبعة الأميرية. (31) الفتاوى الأنقروية نقلا عن النتف ج 1 ص 198 طبعة دار الطباعة المصرية ببولاق سنة 1281هجرية. (32) الفتاوى الأنقروية الجزء والصفحة السابق ذكرهما نقلا عن فتاوى ابن نجيم. (33) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 128. (34) الجزء والصفحة السابقة. (35) ج 4 ص 67 نشر مكتبة الكليات الأزهرية. (36) ج 4 الصفحة والطبعة السابقة. (37) ج 6 ص 357 طبعة المنار سنة 1347 هجرية. (38) ج 6 ص 257 الطبعة السابقة. (39) ج 4 ص 62، 63 الطبعة الثانية سنة 1358 هجرية. (40) ج 4 ص 396 الطبعة السابقة. (41) ج 8 ص 257 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (42) ج 2 ص 177 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (43) ج 2 ص 156 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية. (44) ج 2ص 162 الطبعة السابقة. (45) ج 5 ص 330 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (46) ج 2 ص 162 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية. (47) الزيلعى على الكنز ج 3 ص 310 الطبعة الأميرية. (48) ج 4 ص24 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (49) ج 3 ص 255 الطبعة السابقة. (50) ج 3 ص 443 الطبعة السابقة. (51) ج 3 ص 447 الطبعة السابقة والمربع السابق. (52) المرجع السابق ج 4 ص 454 الطبعة السابقة. (53) ج 2 ص 351 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده. (54) ج ص 136 ’ 137 الطبعة السابقة. (55) ج 2 ص 276، 277 الطبعة السابقة. (56) ج 3 ص 78 الطبعة السابقة. (57) ج 6 ص 117 طبعة المنار سنة 1347 هجرية. (58) ج 4 ص 467 وقد وضع بذيل المغنى. (59) ج 5 ص 417 الطبعة السابقة. (60) ج ص 372 الطبعة السابقة. (61) البحر الزخار ج 4 ص 63 طبعة سنة 1949. (62) ج 4 ص 33 الطبعة السابقة. (63) ج 4 ص 113 الطبعة السابقة. (64) ج 4 ص 187 الطبعة السابقة. (65) ج 4 ص 175 الطبعة السابقة. (66) ج 4 ص 332، 333 الطبعة السابقة. (67) المحلى ج 8 ص 183. (68) ج 8 ص 93 الطبعة السابقة (69) المحلى ج 8 ص 134، 135 الطبعة السابقة. (70) ج 1 ص 237 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (71) ج 2 ص 151 الطبعة السابقة. (72) ج 1 ص 198 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (73) ج 2 ص 152 الطبعة السابقة. (74) ج 1 ص 264 الطبعة السابقة. (75) ج 5 ص 162. (76) ج 5 ص 544. (77) ج 6 ص 493. (78) الهداية وفتح القدير والعناية ج 4 ص 438 الطبعة الأميرية. (79) ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (80) ج 4 ص 434 طبعة مصطفى ألباب الحلبى وأولاده. (81) ج 4 ص 357 طبعة المنار سنة 1347 هجرية. (82) البحر الزخار ج 4 ص 192 الطبعة الأولى سنة 1949. (83) المحلى ج 8 ص 185. (84) ج 2 ص 93. (85) الكنز وشرح الزيلعى عليه " تبيين الحقائق " ج 3 ص 309 (86) الفتاوى الأنقروية نقلا عن شرح المجمع لابن ملك ج 1 ص 198. (87) ج 4 ص 128 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (88) ج 2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى. (89) ج 6 ص 357 طبعة المنار سنة 1347. (90) البحر الزخار ج 4 ص 63 طبعة سنة 1949. (91) ج 2 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 آسن المعنى اللغوى: ذكر القاموس ولسان العرب أن الآسن من الماء مثل الآجن وأن المعنى فى كليهما: الماء المتغير بطول مكثه سواء أكان التغير فى طعمه أو لونه. ونقل اللسان عن ثعلبة أن التغير قد يكون فى ريحه، وجملة هذا أن الماء الذى تغير أحد أوص افه الثلاثة أو كلها بالمكث دون شىء القى فيه هو الذى يسمى آسنا أو آجنا، وفعله من باب ضرب ودخل فمصدره يكون أسنا أو أسونا. مواضع استعمال لفظ آسن ولفظ آسن يذكر فى باب الطهارة عند الكلام على أنواع المياه كما ذكره المالكية فى الجزء الأول من الشرح الصغير، ذكره الشافعية فى كتاب الطهارة من شرح الجلال المحلى، وكما ذكره الحنابلة والأحناف فى باب الطهارة أيضا. المعنى الفقهى: والمعنى الفقهى للفظ آسن هو نفس المعنى اللغوى، الماء المتغير بطول مكثه فى مكانه. حكم استعماله: نص الحنابلة فى كتاب كشاف القناع على جواز استعمال الآسن فى التطهر به من غير كراهة، لأن تغيره بطول مكثه مع مشقة الاحتراز عنه سواء أكان مكثه فى أرض أو إناء من جلد أو نحاس أو سوى ذلك. واستشهد الحنابلة على ذلك بما ثبت أن النبى - صلى الله عليه وسلم - توضأ من بئر كان ماؤه نقاعة الحناء، وعللوا ذلك بمشقة الاحتراز عنه (1) . ويتفق أصحاب المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والأحناف (2) مع هذا الذى ذكره الحنابلة فى جواز استعمال الماء الآسن فى الطهارة، ومن باب أولى فى غير الطهارة كالشرب لمن أراده. المذهب الزيدى: الماء الآسن، أى المتغير لمكث طاهر مطهر عند الزيدية (3) . جاء فى شرح الأزهار ما نصه: والأصل فى ماء التبس مغيره الطهارة، يعنى إذا وجد ماء متغير ولم يعلم بماذا تغير أبنجس أم بطاهر أم بمكث فإنه يحكم بالأصل، وأصل الماء الطهارة. وقد جاء ما نصه (4) : أن الماء الذى ظهرت له رائحة مستخبثة ولم تكن ثائرة عن نجس أنه يجوز التطهر به لدخوله فى الماء المطلق. الإمامية: الماء الآسن عندهم طاهر مطهر مكروه استعماله مع وجود غيره (5) . ولو مازجه، أى الجارى، وما فى حكمه طاهر فغيره لونا أو طعما أو رائحة أو تغير من قبل نفسه من غير ممازجة لشىء لم يخرج عن كونه طاهرا مطهرا ما دام إطلاق الاسم باقيا، وبما يرشد إليه أيضا كراهية الطهارة بالماء الآسن إذا وجد غيره. وما نقل عن المنتهى (6) لو كان تغير الماء لطول بقائه فإن سلبه الاسم لم يجز الطهور به ولا يخرج عن كونه طاهرا، وإلا فلا بأس ولكنه مكروه، ولا خلاف بين عامة أهل العلم فى جواز الطهارة به إلا ابن سيرين. المذهب الإباضى: يقولون أن المانع من استعمال الماء ينقسم قسمين: - إما نجاسة تمنع التطهر به، وإما تغيير يمنع حكم التطهر به (7) . المذهب الظاهرى: الماء الراكد عندهم طاهر مطهر يجوز الوضوء منه وفيه ويجوز الاغتسال منه لكن لا يجوز الاغتسال المفروض فيه فإن اغتسل فيه لم يكن مغتسلا وله أن يعيد الغسل منه (8) .   (1) كشاف القناع ج 1 ص 5 ومنتهى الإرادات ج 1 ص 11 طبعة سنة 1319هجرية. (2) للمالكية: الشرح الصغير ج 1 ص 13 المطبعة التجارية. وللشافعية: المهذب ج 1 ص 8 طبعة الحلبى. وللأحناف: الطهطاوى على مراقى الفلاح ص 7. (3) شرح الأزهار ج 1 ص 60. (4) الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 1 ص 179. (5) جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام ج 1 ص 104. (6) المرجع السابق. (7) كتاب الوضع ص 41 الطبعة الأولى. (8) المحلى ج 1 ص 210 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 آفة ال تعريف بها: يقال فى اللغة آفة أوفا: أضره وأفسده، وآفت البلاد أوفا وآفة وأووفا صارت فيها آفة- والآفة العاهة وما يفسد- وهو عرض مفسد لما أصاب من شىء (1) ولم يخرج بها الفقهاء والأصوليون فى استعمالاتهم عن هذه المعانى اللغوية. الآفة عند الأصوليين: هى عند الأصوليين سماوية ومكتسبة، يذكرونها عند الكلام على عوارض الأهلية. أما السماوية فهى ما ثبتت من قبل صاحب الشرع بلا اختيار للعبد فيها مثل الجنون (انظر جنون) ، ومثل العته (انظر عته) ، ومثل اعتقال اللسان (انظر اعتقال اللسان) وغير ذلك. والمكتسبة ما يكون لاختيار العبد فى حصولها مدخل مثل الجهل (انظر جهل) ، ومثل السفه (انظر سفه) (2) . ويترتب على الآفة بقسميها تغيير فى بعض الأحكام مثل إسقاط كل العبادات المحتملة للسقوط كالصلاة والصوم عن المجنون (انظر جنون) . ومثل الجهل فى موضع الاجتهاد الصحيح أو فى موضع الشبهة إذ يصلح عذرا وشبهة دارئة للحد والكفارة كما إذا أفطر المحتجم فى رمضان ظانا أن الحجامة مفطرة وأن الأكل بعدها مباح جهلا منه، فإن جهله عذر (انظر جهل) ، ومثل منع مال السفيه عنه (انظر سفه) (3) . الآفة عند الفقهاء: ويستعملها الفقهاء مفرديها بالحكم حينا كما يستعملونها ضمن استعمالهم لمصطلح تلف، وقد تحدث الفقهاء عن الآفة السماوية التى تصيب الثمار والزروع وما يترتب عليها من أحكام فى بعض الأبواب الفقهية وعرفوها بأنها ما لا صنع لآدمى فيها، كالثلوج والغبار والريح الحار والجراد والنار ونحو ذلك (4) . أثرها فى الزكاة: ذهب الحنفية فى الزروع التى تصيبها آفة سماوية، وهى ما لا صنع لآدمى فيه ... إلى أنها تسقط عنها الزكاة إذا أهلكت المال الذى تجب فيه. وذلك لأن الواجب عندهم جزء من النصاب تحقيقا للتيسير فيسقط (5) . وإن هلك البعض يسقط الواجب بقدره وتؤدى زكاة الباقى قل أو كثر فى قول أبى حنيفة، وعند أبى يوسف ومحمد من الحنفية يعتبر قدر الهالك مع الباقى فى تكميل النصاب إن بلغ نصابا يؤدى، وإلا فلا. وفى رواية عن أبى يوسف يعتبر كمال النصاب فى الباقى بنفسه من غير ضم قدر الهالك إليه (6) . أما الحنابلة: فيقولون لو تلف المال بعد الحول قبل التمكين من إخراج الزكاة ضمنها، ولا تسقط الزكاة بتلف المال، أما بالنسبة للحبوب والثمار فإن وجوب الزكاة لا يستقر فيها إلا بجعلها فى جرين (7) ومسطاح ونحوه، فإن تلفت قبل الوضع بها بغير قصد من صاحبها سقطت الزكاة خرصت الثمرة أو لم تخرص، وإن تلف البعض من الزرع أو الثمر قبل الاستقرار زكى المالك الباقى إن كان نصابا، وإن لم يكن نصابا فلا زكاة فيه، وإن تلف بعد الاستقرار فى الجرين والمسطاح ونحوها لم تسقط زكاتها كتلف النصاب بعد الحول (8) . ويرى المالكية: أن إصابة الثمر بعد التخريص بجائحة (أى إصابته بآفة سماوية) فإنها تعتبر فى سقوط الزكاة فيزكى ما بقى إن وجبت فيه زكاة وإلا فلا (9) زكاة فيه. ويرى الشافعية: عدم وجوب الزكاة فيما يتلف من الزرع بآفة سماوية لفوات الإمكان فإن بقى فيه بعد طروء الآفة عليه نصاب زكاة أو دونه أخرج حصته بناء على أن التمكن شرط للضمان لا للوجوب (10) . ويرى ابن حزم الظاهرى: أن كل ما وجبت فيه زكاة من الأموال والزروع والثمار وإن تلف كله أو بعضه أكثره أو أقله، أثر إمكان إخراج الزكاة منه، أثر وجوب الزكاة بما قل من الزمن أو كثر بتفريط تلف أو بغير تفريط، فالزكاة كلها واجبة فى ذمة صاحبه، كما كانت لو لم يتلف، لأن الزكاة واجبة فى الذمة لا فى العين، وكذلك لو أخرج وعزلها ليدفعها إلى أهل الصدقات فضاعت الزكاة كلها أو بعضها فعليه إعادتها كلها ولابد لأنه فى ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله تعالى بتوصيلها إليه (11) . ويرى الزيدية: أن الزكاة قبل إمكان الأداء كالوديعة قبل أن يطالب بها، إذا تلفت فإنها لا تضمن إلا أن تتلف بتفريط الوديع أو بجنايته وإن تلفت من دون تفريط ولا جناية فلا ضمان وكذلك المال وما أخرجت الأرض إذا تلف قبل إمكان أداء الزكاة إن تلفت بتفريط ضمن الزكاة وإلا فلا، فلو تلف بعض المال من دون تفريط وبقى البعض وجب إخراج زكاة الباقى ولو قل، ولا يضمن زكاة التالف (12) . أما بعد إمكان الأداء فتجب وجوبا مضيقا فيضمن إذا لم يخرج بعد الأداء حتى تلف المال ولو بغير تفريط (13) . أما الشيعة الجعفرية: فلا يجوزون تأخير دفع الزكاة عن وقت وجوبها مع الإمكان ويضمنون بالتأخير لا لعذر ولو كان تلف المال من غير تفريط كما لا يجوزون نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا عند عدم وجود المستحق، فإن نقلت مع وجوده ثم هلكت ضمن وإلا فإن تلفت مع النقل لعدم وجود المستحق فإنه لا يضمن (14) . وعند الإباضية: تسقط الزكاة عن الغلة بعد وجوب الحق فيها وقبل إمكان إخراجه إذا تلفت بريح أو نار أو سيل لا بتفريط فإن بقى بعضها زكى عليه وحده إن وجبت فيه وقيل مطلقا وجبت أو لم تجب عن الباقى وعن التالف أما إن اجتيحت بعد تمكن من إخراج بلا تفريط فالأكثر على التضمين فى زكاة ما تلف وزكاة الباقى وإن قل والأقوى سقوط التضمين عما تلف. ولا يزكى الباقى إلا إذا بلغ نصابا فإن اجتيحت بتفريط ضمنت اتفاقا (15) . أثر الآفة فى البيع: يذهب الأحناف: إلى أن هلاك المبيع كله قبل القبض بآفة سماوية يفسخ البيع، وإذا انفسخ البيع سقط الثمن عن المشترى. وكذا إذا ملك بفعل المبيع بأن كان حيوانا فقتل نفسه لأن فعله على نفسه هدر فكأنه هلك بآفة سماوية (16) . فإذا هلك كله بعد القبض بآفة سماوية لا ينفسخ البيع والهلاك على المشترى وعليه الثمن لأن البيع تقرر بقبض المبيع فتقرر الثمن وإذا هلك بعض المبيع فإن كان قبل القبض وهلك بآفة ساويه ينظر إن كان النقصان نقصان قدر بأن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا ينفسخ العقد بقدر الهالك وتسقط حصته من الثمن لأن كل قدر من المقدرات معقود عليه فيقابله شىء من الثمن (17) وهلاك كل المعقود عليه يوجب انفساخ البيع وسقوط الثمن بقدره والمشترى بالخيار فى الباقى إن شاء أخذ بحصته من الثمن وإن شاء ترك لأن الصفقة قد تفرقت عليه، وإن كان النقصان نقصان وصف - وهو كل ما يدخل فى البيع من غير تسمية كالشجر والبناء فى الأرض وأطراف الحيوان والجودة فى المكيل والموزون- لا ينفسخ البيع أصلا ولا يسقط عن المشترى شىء من الثمن لأن الأوصاف لا حصة لها من الثمن إلا إذا ورد عليها القبض أو الجناية لأنها تصير مقصودة بالقبض والجناية فالمشترى بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك لتعيب المبيع قبل القبض وإن هلك بفعل المبيع بأن جرح نفسه لا ينفسخ البيع ولا يسقط عن المشترى شىء من الثمن لأن جنايته على نفسه هدر فصار كما لو هلك بعضه بآفة سماوية وهلاك بعضه نقصان الوصف والأوصاف لا تقابل بالثمن ولا يسقط شىء من الثمن ولكن المشترى بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك لتغير المبيع، وإذا هلك بعضه بعد القبض بآفة سماوية فالهلاك على المشترى لأن المبيع خرج عن ضمان البائع بقبض المشترى فتقرر عليه الثمن (18) . أما الحنابلة: ففى كشاف القناع: وأن تلف المكيل والموزون والمعدود والمزروع أو تلف بعضه بآفة (أى عاهة) سماوية، لا صنع لآدمى فيها قبل قبضه فهو من البائع لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن، والمراد به ربح ما بيع قبل القبض وينفسخ العقد فيما تلف بآفة قبل القبض سواء كان التالف الكل أو البعض لأنه من ضمان بائعه، ويخير المشترى فى الباقى بين أخذه بقسطه من الثمن وبين رده (19) . وفيه أيضا: " وإن تلفت الثمرة المبيعة دون أصولها قبل بدو صلاحها بشرط القطع بجائحة قبل التمكن من أخذ الثمر ضمنه البائع ". وفى الروض المربع: " وإن تلفت ثمرة بيعت بعد بدو صلاحها دون أصلها قبل أوان جذاذها بآفة سماوية (وهى ما لا صنع لأدمى فيها كالريح والحر والعطش) رجع ولو بعد القبض على البائع لحديث جابر رضى الله عنه أن النبى - صلى الله عليه وسلم- أمر بوضع الجوائح (20) . ويرى المالكية: أن تلف المبيع وقت ضمان البائع بسماوى مبطل لعقد البيع فلا يلزم البائع الإتيان بمثله، إلا إذا كان موصوفا متعلقا بالذمة كالسلم، فان المسلم إليه إذا احضر المسلم فيه فتلف قبل قبضه لزمه الإتيان بمثله، وإذا تلف بعضه ينظر فى الباقى بعد التلف إن كان الباقى نصفا فكثر لزم الباقى بحصته من الثمن إن تعدد وكان قائما، فإن اتحد أو فات خير المشترى وإن كان الباقى أقل تعين الفسخ إلا إذا كان مثليا فيخير المشترى مطلقا (21) . والشافعية يذهبون: فى تلف المبيع قبل القبض بآّفة سماوية إلى ما ذهب إليه الأحناف إلا إذا رضيه المشترى وأجاز البيع فانه يأخذ المبيع بكل الثمن (22) . وفى المحلى لابن حزم الظاهرى: كل بيع صح وتم فهلك المبيع أو كان ثمرا قد حل بيعه فأجيح كله أو أكثره أو أقله فكل ذلك من المبتاع ولا رجوع له على البائع بشىء (23) . ويذهب العترة من الزيدية: كما جاء فى كتاب البحر الزخار إلى أنه إذا تلف المبيع بآّفة سماوية أنفسخ العقد لقول النبى - صلى الله عليه وسلم-: " إذا بعت من أخيك تمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا" (24) . ورأى المذهب أنه إذا تلف بعضه قبل القبض لم ينفسخ فى الباقى بل فى التالف فقط (25) . ويرى الشيعة الإمامية: أن المبيع لو تلف قبل القبض ضمن البائع إذا كان تلفه من الله تعالى فإذا تلف بعضه أو تعيب من قبل الله تعالى تخير المشترى فى الإمساك مع الأرش وفى الفسخ (26) . الإباضية: جاء فى كتاب النيل: "ويوضع بقدر المصاب من المجاح ولو قل وقيل لا يوضع ما دون ثلث الثمار، لقول النبى - صلى الله عليه وسلم-: إذا أصيب ثلث الثمرة فصاعدا فقد وجب على البائع الوضيعة، ولا يعتبر الثلث فى القيمة بل فى الثمار ولا وضع إذا بيعت مع الأصل أو بيع الأصل ثم بيعت. وإن بيعت أولا فالوضع واجب والثمر والتمر فى ذلك كله سواء. وتوضع جائحة البقول وإن قلت، وقيل الثلث فصاعدا مثل أن تنقطع عنه عين سقيه أو المطر ولا جائحة فى الزرع وما يبس من الثمار، والجائحة ما لا يستطاع دفعه كالثلج والجليد والريح والبرد والجيش والجراد. وليس منها السارق عند الأكثر، لأنه يطاق دفعه لو علم به، وقيل لا يجوز بيع الثمار قبل بدو الصلاح، ولو قطع لعموم ظاهر النهى (27) . وإن تلف المبيع فى يد المشترى ثم خرج " ظهر " عيب كان قبل البيع فمن ماله ويدرك " أى يرجع به " على البائع أرش العيب فيما بينه وبين الله إلا أن تلف بذلك العيب فإنه يدرك عليه الثمن كله وكذا إن كان فى يد البائع بالتعدى وهلك بالعيب أو هلك فى يد المشترى بفعل البائع، وإن هلك فى يد البائع وكان بيده أمانة أو عارية أو وديعة أو بإجارة ونحو ذلك مما ليس تعديا أو خيانة فمن مال المشترى (28) . وإن تلف المبيع بعد القبض فضمانه من المشترى وإن هلك قبل القبض وبعد العقد ففيه خلاف، قيل من مال المشترى وقيل من مال البائع وذلك إذا كان الهلاك فجأة على أثر العقد قبل إمكان القبض أو بلا فجأة لكن قبل إمكانه، وإذا لم يمنع المشترى من القبض فالحق أنه من مال المشترى ومجرد تخليتة قبض وقيل من مال البائع ما لم يقبضه المشترى بيده وعلى هذا فإذا قال له البائع اقبضه أو خذه أو نحو ذلك كان من مال المشترى، وأصحابنا يشترطون القبض، لكن التخلية قبض عندهم، واستدل مشترط القبض (29) بنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما لم تقبض، وربح ما لم تضمن. أثر الآفة فى عقد المساقاة: يذهب الحنفية: إلى أن عقد المساقاة الصحيح لا ينفسخ إذا لم تخرج الأرض ثمرا لآفة وبقى العقد صحيحا ولا شىء لكل من صاحب الأرض ولا زارعها عند صاحبه (30) . أما الحنابلة: فإنهم يقولون إن ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا، فلم تحمل الثمرة تلك السنة فلا شىء للعامل لأنه دخل على ذلك (31) . ويرى المالكية: أن العامل فى المساقاة ليس له شىء إذا ما أجيحت الثمرة لكن له الخيار بين التمادى فى لزوم العقد أو الخروج منه (32) . ويتفق الشافعية: مع الأحناف فى لزوم عقد المساقاة ولو تلفت الثمرة كلها بآفة (33) . ويرى ابن حزم الظاهرى: فى المحلى الجزء الثامن المسألة 1330، والمسألة 1346 بأن الأرض إذا لم تخرج فلا شىء للعامل ولا شىء عليه (34) . ويذهب الشيعة الجعفرية: إلى أن تلف الزرع جميعه لا يضمن لصاحب الأرض عند الزراع، ولو تلف البعض سقط منه بالنسبة (35)   (1) لسان العرب مادة " أوف ". (2) شرح المنار ص 947 وما بعدها. (3) المرجع السابق. (4) الروض المربع ج 1 ص 186. شرح النيل ج 2 ص 23. كشاف القناع ج 1 ص 452. (5) فتح القدير ج 1 ص 514، 515 الطبعة الأميرية سنة 1315هجرية. (6) بدائع الصنائع للكاسانى الطبعة الأولى ج 2 ص 65 (7) الجرين جمع جرن. وهو موضع تجفيف الثمر ونموه. المسطاح: الحصير من الخوص. (8) كشاف القناع ج 1 ص 434، 451 طبعة المطبعة العامرية الشرفية سنة 1319 الطبعة الأولى. (9) دردير ج 1 ص 203 المطبعة التجارية الكبرى. (10) نهاية المحتاج ج 3 ص 81، 82 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1357 هجرية. (11) محلى ج 5 ص 263 طبع منير. (12) شرح الأزهار ج 1 ص 457 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة. (13) شرح الأزهار ج 1 ص 457. (14) الروضة البهية فى شرح اللمعة الدمشقية ج1 ص 127 طبع دار الكتاب العربى والمختصر النافع فى فقه الإمامية الطبعة الثانية ص 82 طبع وزارة الأوقاف. (15) شرح النيل ج 2 ص 23. (16) بدائع الصنائع للكاساتى الطبعة الأولى ج 5 ص 239. (17) المرجع السابق ص 240. (18) بدائع الصنائع للكاساتى الطبعة الأولى ج 5 ص 241. (19) كشاف القناع ج 2 ص 80 طبعة المطبعة العامرية الشرقية سنة 1319 هجرية الطبعة الأولى. (20) الروض المربع ج 1 ص 185. (21) بلغة السالك ج 2 ص 67. (22) نهاية المحتاج ج 4 ص 79، 80، 82. (23) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 389 طبع منير. (24) البحر الزخار ج 3 ص 368 الطبعة الأولى سنة 1366هجرية مطبعة السعادة بمصر. (25) المرجع السابق ج 3 ص 369. (26) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 336 للشهيد الجيعى العاملى طبع دار الكتاب العربى. (27) شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 4 ص 64. (28) شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 4 ص 262. (29) شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 4 ص 287، 288. (30) فتح القدير ج 8 ص 47 الطبعة الأولى سنة 1318. (31) كشاف القناع ج 2 ص 278، 279 طبعة المطبعة العامرية الشرقية سنة 1319 الطبعة الأولى. (32) بلغة السالك لأقرب المسالك ج 2 ص 238. (33) نهاية المحتاج ج 5 ص 255. (34) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 211. (35) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجيعى العاملى ج 1 ص 359 طبع دار الكتاب العربى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 آل كلمة آل: اسم ثلاثى، عينه ألف ممدودة، ومن اللغويين من ذهب إلى أن أصلها الواو كما هو الحال فى مثل قال وصال. ومنهم من قال: إن أصلها الهاء وسهلت. ولكلمة آل معان كثيرة أوردتها كتب اللغة، فالآل هو الشخص. وهو ما تراه أول النهار وآخره مما يشبه السراب وليس هو السراب. والآل ما أشرف من البعير. والخشب. وعمد الخيمة. واسم جبل وأطراف الجل ونواحيه ... وليس فى هذه المعانى ما يناسب المعنى الذى تكلم فيه الفقهاء. وآل الرجل أهله وعياله، وآله أيضا أتباعه وأولياؤه. وهذه هى المعانى المناسبة لما تكلم فيه الفقهاء. والفقهاء تكلموا فى آل الرجل، أى رجل كان، فى الوقف وفى الوصية. وتكلموا فى آل محمد- صلى الله عليه وسلم - فى تحريم الصدقة عليهم، وفى استحقاقهم للخمس، وفى الصلاة عليهم فى التشهد، وفى غيره، وفى حجية إجماعهم، وفى الكفاءة والسيادة والشرف، وفى غير ذلك. الآل والوقف عليهم والوصية لهم: قال فقهاء مذهب أبى حنيفة (1) : أنه لو وقف على أهل بيته، أو وقف على آله، كان الحكم واحدا فى الحالين، وهو أن يدخل فى وقفه كل من يناسبه بآبائه إلى أقصى أب له فى الإسلام، وهو أبوه الذى أدرك الإسلام وإن لم يسلم، ويدخل فيه أبو الواقف وولده، فى كل من آله وأهل بيته، ويدخل فيه الذكور والإناث من ولده لصلبه ومن ولد الذكور من أولاده، أما أولاد الإناث فلا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين، لأنهم ليسوا من آله ولا من أهل بيته وإن كانوا من ذريته ومن قرابته. وقالوا أيضا: إن الوصية للآل أو لأهل البيت يدخل فيها كل من اجتمع مع من أضيف له الآل أو البيت بآبائه إلى أقصى أب له فى الإسلام، فلو أوصى لأله أو لأهل بيته وكان علويا دخل فى وصيته كل من ينتسب بآبائه إلى على، وأن كان عباسيا دخل فيها كل من ينتسب إلى العباس، ذكرا كان أو أنثى، إذا كان ينتسب بنفسه أو بواسطة الأباء، إلا أولاد النساء فإنهم لا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين. ومن أوصى لآله أو أهل بيته دخل فى وصيته أبوه وجده الصحيح إذا كانا غير وارثين. ولو أوصى إلى أهل فلان كانت الوصية لزوج فلان خاصة فى قول أبى حنيفة، وعند صاحبيه تكون الوصية لكل من يعولهم فلان ممن تضمهم نفقته من الأحرار، فتدخل فيها زوجه واليتيم الذى فى حجره، والولد إذا كان يعوله، أما إذا كان كبيرا قد اعتزل عنه، أو كان بنتا قد تزوجت، فليس من أهله، فلا يدخل فى الوصية للأهل المماليك، ولا وارث الموصى إذا كانت وصيته أهله، ولا يدخل فى الوصية لأهل فلان فلان نفسه، هذا هو فرق ما بين الوصية لأهل فلان وبين الوصية لآله أو لأهل بيته. وقال فقهاء مذهب مالك (2) : أنه لو وقف على آله أو وقف على أهله، كان وقفه هذا على عصبته وعلى كل امرأة لو رجلت- أى فرضت رجلا- كانت عصبة، فلا يدخل أولاد النساء من قرابة الأب، كما لا يدخل فيه أحد من قرابة الأم. والراجح عندهم أن الوقف على الأقارب يشمل الأقارب من جهة الأب ومن جهة الأم، وقيل إنه لا يشمل الأقارب من النساء من الجهتين، غير أنهم لم يفرقوا بين العصبة وغير العصبة منهم. فالآل والأهل معناهما وأحد عندهم فى الوقف.. كما أنه يختلف عن معني القرابة. وقالوا: أنه لو أوصى لأقاربه، أو لأهله، أو لذى رحمه، ولم يكن له أقارب من جهة أبيه أو كان له أقارب من جهته يرثونه لم يدخلوا فى وصيته واختص بها قرابته من جهة الأم. وإن كان له أقارب من جهة الأب وكانوا لا يرثونه اختصوا بالوصية ولا يشاركهم فيها قرابته من جهة الأم. ولو أوصى للأقارب فلان، أو لأهل فلان، أو لذي رحم فلان وكان له أقارب من الجهتين اختص بالوصية أقارب فلان من جهة الأب وارثين كانوا أو غير وارثين لفلان، وأن لم يكن لفلان أقارب من جهة أبيه استحق الوصية أقاربه من جهة أمه وقد صرحوا بأن كلا من الألفاظ الثلاثة يشمل القرابتين معا فى الوصية، وأن قرابة الأب تحجب قرابة الأم إذا اجتمعت القرابتان وكانت قرابة الأب تستحق الوصية، ولا تحجبها إذ كانت غير مستحقة للوصية. والموازنة بين ما قيل فى الوقف وفى الوصية تظهر مدى اختلاف المعاني فى البابين. وقال فقهاء مذهب أحمد (3) أنه لو وقف على آله، أو على أهل بيته، أو على أهله، أو على قرابته من أو على قومه، أو على نسبائه، أو وقف على آل فلان، أو على أهل بيت فلان، أو على أهل فلان، أو.. أو.. إلخ، كان الوقف على الذكر والأنثى من أولاد الواقف أو من أولاد فلان، ومن أولاد أبيه، ومن أولاد جده، ومن أولاد جد أبيه، أربعة آباء. ويستوى فى ذلك الذكر والأنثى والصغير والكبير والغنى والفقير، من قبل أبيه. ولا يدخل فى هذا الوقف من يخالفه فى الدين، ولا أمه، ولا من تكون قرابته له من قبل أمه إلا أن يكون فى كلامه ما يدل على أنه أراد ذلك. وقيل إن وقفه على آله وعلى آل فلان، أو على أهله أو أهل فلان أو.. أو.. إلخ يكون كما لو وقف على ذوى رحمه وهم ولده وقرابته من الجهتين. ونقل صالح عن أحمد أنه لو وقف على آله، أو 0.. أو إلخ، اختص بهذا الوقف من بصلة الواقف من قرابة أبيه وقرابة أمه وإن جاوز أربعة آباء. واختار ابن الجوزى الفرق بين الوقف على أهل البيت أو على القوم وبين الوقف على القرابة وقال: إن هذا الأخير يختص به قرابة الأب أما الآخر فيكون لقرابة الأبوين. وقال ابن تيمية: أنه لو وقف على أهله أو على أهل بيته دخل فى هذا الوقف أزواجه، وأنه لو وقف على آله ففى دخول أزواجه فى هذا الوقف روايتان، وأختار هو الرواية التي تقول بدخولهن فى هذا الوقف. وقالوا: إنه لو وقف على آله أو على أهل بيته دخل هو فى هذا الوقف أما لو وقف على أهله فإنه لا يدخل فيه. وقالوا: أنه لو أوصى لآله كان كمن أوصى لقرابته فتكون الوصية لقرابته من قبل أبيه، وذلك لأنه جاء فى بعض الروايات لحديث زيد بن أرقم أنه قبل أبيه: من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "أهله وعشيرتها الذين حرمت عليهم الصدقة: آل على وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل. وفى الوصية لأهل بيته والوصف لقرابته روايات كالتي ذكرت فى الوقف، غير أنى لم أقف على أنها ذكرت فى الوصية للآل. آل محمد صلى الله عليه وسلم تحريم الصدقة عليهم: رويت أحاديث كثيرة- قالوا: إنها متواترة المعنى- فى تحريم الصدقة على آل محمد ومما جاء فيها قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ". " إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد، وإن مولى القوم من أنفسهم ". " إن الصدقة لا تنبغى لآل محمد إنما هى أوساخ الناس. وقد اتفق الفقهاء على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حرمت عليه الصدقة المفروضة وصدقة التطوع، ولكنهم اختلفوا فيمن هم آله الذين حرمت عليهم الصدقة وفى الصدقة التى حرمت عليهم. ذهب الحنفية إلى أن آل محمد الذين حر مت عليهم الصدقة هم بنو هاشم بن عبد مناف إلا من ورد النص بنفي قرابتهم. وهاشم لا ولد له إلا من أبنه عبد المطلب. فمن يعتبرون آل محمد وقرابته فى هذا الباب هم آل على وآل العباس وآل عقيل، وآل جعفر، وآل الحارث، من أولاد عبد المطلب، أما آل أبى لهب بن عبد المطلب فليسوا من آل محمد هنا، ولا تحرم عليهم الصدقة وإن كانوا مسلمين، وذلك لأن تحريم الصدقة على بني هاشم إنما كان تكريما من الله تعالى لهم ولذريتهم لقاء نصرتهم له عليه الصلاة والسلام فى الجاهلية وفى الإسلام، أما أبو لهب فكان أحرص الناس على آذاه عليه الصلاة والسلام، حتي أنه عليه الصلاة والسلام قد برئ من قرابته، فقال: " لا قرابة بينى وبين أبى لهب، لقد آثر علينا الأفخر ين، فلم يستحق لا هو ولا ذريته هذه الكرامة ". وآل محمد فى هذا الباب لا يتناول آل المطلب وآل عبد شمس وآل نوفل أبناء عبد مناف وليسوا ممن حرمت عليهم الصدقة. وما ذهب إليه الحنفية فى هذا هو المشهور من مذهب مالك، وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب الزيدية ومذهب الإمامية. وقال الشافعى وابن حزم: إن آل محمد هنا هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، وهو مقابل المشهور من مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد. والحجة فى ذلك ما ورد فى الصحاح عن جبير بن مطعم (من ولد نوفل) أنه جاء هو وعثمان بن عفان من ولد عبد شمس يكلمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قسم من الخمس بين بتي هاشم وبنى المطلب فقال جبير: يارسول الله قسمت لإخواننا بنى المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم واحدة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد) . فقالوا: إذن لا يفرق بين حكمهم فى شىء أصلا لأنهم شىء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام، وخرج بنو نوفل وبنو عبد شمس وسائر قريش عدا هذين البطنين. وقال أصبغ بن الفرج المالكى: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم جميع قريش وهم بنو قصى. وعن غيره من المالكية أنهم بنو غالب. وقال فقهاء الحنفية: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم الذين ينتسبون إلى هاشم بأنفسهم أو بواسطة آبائهم دون من ينتسبون إليه بواسطة النساء. فأولاد البنات من آل محمد ليسوا من آل محمد ولا تحرم عليهم الصدقة، وبهذا قال جمهور الفقهاء ولا يعرف من خالف فى هذا إلا السيد المرتضى من فقهاء أهل البيت فقد قال: إن أولاد البنات من آل محمد - وإن كان آباؤهم من قوم آخرين - تحرم عليهم الصدقة ويكونون ممن يستحقون فى الخمس. وقد وافقه على ذلك جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية ذكرهم صاحب جواهر الكلام وقال: إن بعض فضلاء الأعاجم قد ألف رسالة فى الانتصار لهذا المذهب. ولكن عدم دخولهم هو الأشهر الذى عليه عامة الإمامية. وقال فقهاء الحنفية إن موالى آل محمد منهم وتحرم عليهم الصدقة، وهذا هو مذهب ابن حزم، وذلك لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فأراد أن يصحبه أبو رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأبى إلا أن يستأذن رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال له: " إن الصدقة لا تحل لآل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم ". أما مذهب أحمد ومذهب الشيعة الإمامية أن موالى آل محمد ليسوا من قرابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يكونون من آل محمد فتحل لهم الصدقة. وقال ابن قدامة فى المغنى: إن هذا قول أكثر العلماء. ولا إختلاف بين الفقهاء فى أن أزواج بنى هاشم لسن من آل محمد فى هذا الباب فتحل لهن الصدقة. غير أن ابن قدامة قال إن الخلال روى بإسناده عن ابن أبى مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة شعيرة من الصدقة فردتها وقالت: إنا آل محمد - صلى الله عليه وسلم -لا تحل لنا الصدقة. وهذا يدل على تحريمها على أزواج النبى- صلى الله عليه وسلم- وقد اتفق الفقهاء على أن الزكاة المفروضة صدقة محرمة على آل محمد فلا يحلى لأحد منهم أن يتناول منها إذا كان من الأصناف التى تستحق الزكاة لو لم يكونوا من بنى هاشم سوى صنف العاملين عليها ففيه اختلافهم كما سيجئ. وقال الإمامية: إنها محرمة عليهم لا فرق فى ذلك بين أهل العصمة وغيرهم، وقد ورد فى الخبر الذى رواه أبو خديجة عن أبى عبد الله قوله: أعطوا الزكاة من أراد من بنى هاشم وإنما تحرم على النبى وعلى الإمام بعده وعلى الأئمة. فقالوا: إن فى سند هذا الخبر مقال، وبغض النظر عن ذلك فانه يجب طرحه، او حمله على. حال الضرورة، وهى حال لا تقوها بالنبي ولا بالأئمة، أو حمله على صدقة التطوع التى اختص منصب النبوة ومنصب الإمامة بالترفع عنها. وجمهور الحنفية على أنه لا يحل لأحد من الآل أن يكون عاملا على الصدقة يتناول أجر عمله منها، وهذا هو مذهب الشافعى وأظهر الروايتين عن أحمد، ومذهب ابن حزم، ومذهب الإمامية، وإحتجوا فى هذا بقوله عليه الصلاة والسلام للفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة حينما سألاه أن يؤمرهما على بعض الصدقة ليصيبا كما يصيب غيرهما: أن الصدقة لا تنبغى لأل محمد إنما هى أوساخ الناس، وبحديث أبى رافع الذى سبق ذكره، وقالوا: إن الصدقة تخرج من مال المتصدق إلى الأصناف التي سماها الله تعالى فيملك العامل على الصدقة بعضها على أنه مصرف لها وعلى أنها صدقة وذلك لا يحل لأحد من آل محمد. وقال الطحاوى: إن أبا يوسف كان يكره لبنى هاشم أن يعملوا عنى الصدقة إذا كانت جعالتهم منها وخالفه فى ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس أن يعمل الهاشمي على الصدقة ويأخذ أجره منها لأنه إنما يملك أجره بعمله لا على أنه صدقة عليه، فالأجر لا يصل إليه باسم الصدقة، فهو كالصدقة إذا بلغت محلها ثم أهدى منها من أخذها - إلى من لا تحل له الصدقة فإنه يحل له تناول هذا وإن كان أصله الصدقة وساق فى بيان هذا حديث بريرة وغيره. وقال فى حديث الفضل وصاحبه: قد يجوز أنه ما منعهما العمل على الصدقة إلا ليجنبهما العمل على أوساخ الناس لا لأن أخذهما أجرهما منها محرم عليهما، وقال أنه وجد ما يدل على ذلك وهو أن العباس سأله عليه الصلاة والسلام أن يستعمله على الصدقة فقال له: " ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس " ثم قال إن هذا هو النظر وهو أصح مما قال أبو يوسف فى ذلك. وما ذهب إليه الطحاوى رواية عن أحمد، وقد وجهوها بأن أجر العامل عليها كأجر بيته لو استؤجر لتوضع فيه الصدقة. وذهب فقهاء الحنفية إلى تحريم ما أوجبه الله سبحانه من الصدقة سوى الزكاة على آل محمد، فلا يجوز أن يصرف إليهم شئ من كفارة اليمين والظهار والقتل وجزاء الصيد وعشر الأرض، أخذا بعموم السنن التى وردت فى تحريم الصدقة على آل محمد، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية وابن حزم وأحد وجهين فى مذهب أحمد وبه قال جماعة من الإمامية، وقال آخرون منهم: إن الحرمة قاصرة على الزكاة، وهذا هو الاحتمال لآخر فى مذهب أحمد. وفى مؤلفات متأخري الحنفية عد النذر من الصدقة المحرمة على آل محمد من غير إشارة إلى خلاف فى ذلك. وهذا متفق مع أوجه الاحتمالين فى مذهب الشافعى، وصرح بعض الإمامية بأن من الصدقة المحرمة الصدقة الواجبة بالنذر، والصدقة الموصى بها، والهدى الواجب. وواضح أن من يقولون بحرمة صدقة التطوع عليهم يقولون بحرمة هذا النوع من الصدقة عليهم. والاحتمال غير الوجيه فى مذهب الشافعية أن النذور تحل لهم. ومذهب أحمد أنه يجوز لهم الأخذ من الوصايا للفقراء ومن النذور لأنها من صدقة التطوع، فهم لا ينظرون إلا إلى إيجاب الشارع، أما إيجاب العبد على نفسه فإنه لا يخرج الصدقة عن أن تكون صدقة تطوع. أما صدقة النفل أو التطوع فقد اختلفت بشأنها عبارات مؤلفى الحنفية. فالطحاوى بعد أن روى السنن الواردة فى التحريم قال: فدل ذلك على أن كل الصدقات من التطوع وغيره قد كان محرما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى سائر بني هاشم، والنظر يدل على استواء حكم الفرائض واقع فى ذلك. وذلك أنا رأينا غير بنى هاشم من الأغنياء والفقراء فى الصدقات المفروضات والتطوع سواء من حرم عليه أخذ صدقة مفروضة حرم عليه اخذ صدقة غير مفروضة فلما حرم على بنى هاشم أخذ الصدقات المفروضات حر م عليهم اخذ الصدقات غير المفروضات. فهذا هو النظر فى هذا الباب، وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله. وقد اختلف النقل عن أبى حنيفة فى ذلك، فروى عنه أنه قال: لا بأس بالصدقات كلها على بنى هاشم. وذهب فى ذلك عندنا إلى أن الصدقات إنما كانت حرمت عليهم من أجل ما جعل لهم فى الخمس من سهم ذوى القربى فما انقطع ذلك عنهم ورجع الى غيرهم بموت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حل لهم بذلك أخذ ما كان محرما عليهم من أجل ما كان قد أحل لهم. وقد حدثنى سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد عن أبى يوسف عن أبى حنيفة فى ذلك مثل قول أبى يوسف، فبهذا نأخذ ... هذا كلام الطحاوى وهو قاطع فى أن عن أبى حنيفة روايتين: رواية حرمة المفروضة والتطوع وإن انقطع حقهم فى الخمس. ورواية حلهما بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وانقطاع حقهم فى الخمس. وهذا ما يقرره البابرتى فى " العناية "، فقد قال: وذكر فى " شرح الآثار " أن النافلة والمفروضة محرمتان عليهم عندهما وعن أبى حنيفة فيهما روايتان غير أنه نقل فى " فتح القدير " عن النهاية أن صدقه النفل تجوز لهم بالإجماع. وجاء فيه أيضا أن جواز صدقة التطوع قد ورد فى " الكافى " من غير إشارة إلى خلاف. وهذا هو ما صنعه صاحب الهداية أيضا، وقال الكمال: إنه قد ورد فى شرح الكنز " أنه لا فرق بين الصدقة الواجبة وصدقة التطوع. ثم قال: وقال بعضهم يحل لهم التطوع وقال الكمال أنه قد اثبت الخلاف على وجه يشعر بترجيح حرمة النافلة وهو الموافق للعمومات فوجب اعتباره. وفى العناية أن صاحب الفتاوى الكبرى أختار حرمة التطوع. وقد حقق الكمال أن الوقف من صدقة التطوع بعد أن نقل أن فيه عند الحنفية أقوالاً ثلاثة: الجواز مطلقا، والمنع مطلقا، والجواز إذا سماهم حتي يكون كالوقف على الأغنياء. والقول بحرمة صدقة التطوع عليهم مذهب الشافعى ومذهب أبن حزم، وقول فى مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد. وحل هذه الصدقة لأل محمد هو المعتمد فى مذهب مالك مع الكراهة وهو أظهر الروايتين عن أحمد. وقال الإمامية: أن صدقة التطوع محرمة على النبى وعلى الأئمة جائزة لغيرهم من آل محمد. وقد وقفنا على ما جاء بإحدى الروايتين عن أبى حنيفة من حل المفترضة والتطوع لهم وما رأى الطحاوى أنه وجه ذلك عنده ". وهو انقطاع حقهم فى الخمس. وأن الرواية الأخرى هى الحرمة فيهما وإن انقطع ذلك، وأن هذا هو قول أبى يوسف ومحمد والحرمة مع ذلك هى أيضا المذهب عند الشافعية. أما رواية الحل فى الصدقتين فهى أيضا مذهب المالكية إذا أصابهم ضر ومذهب الإمامية، وقول فى مذهب الشافعية. ومذهب الحنفية أن الصدقة لا تحل لهم وأن كانت من بعضهم لبعض وهذا مذهب المالكية أيضا. وفى رواية عن أبى يوسف وأخرى عن أبى حنيفة حل الصدقة من آل محمد بعضهم لبعض، وذلك مذهب الإمامية. وقال الشوكانى: أنه قد نقل فى البحر عن زيد بن على وعن المرتضى وأبى العباس والإمامية وأنه نقل فى الشفاء عن أبنى الهادي والقاسم، وقال إنه قول جماعة وافرة من أئمة العترة وأتباعهم وأولادهم، وأن البعض قد أدعى إجماع فقهاء الشيعة على ذلك، ولكنه أنكر هذه الدعوى وأفاض فى ردها واستنكار ما كان يجرى باليمن فى عهده (4) مستحقو الخمس والفئ أثبت الكتاب الكريم لذى القربى قربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حقا فى خمس الغنائم بقوله تعالى: "واعلموا أنما غنمتم من شىء فإن لله خمسه وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شىء قدير" (5) . وحقا فى الفئ بقوله تعالى: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا، واتقوا الله، إن الله شديد العقاب ((6) . وقد اختلف الفقهاء فى مقدار استحقاق ذى القربى، وفى مصير هذا الاستحقاق بعد موته عليه الصلاة والسلام وفى كثير من الأحكام المتصلة بهذا، فيرجع إلى معرفة ذلك كله فى مواد: " خمس. غنيمة. فئ". وذوو القربى هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم آل محمد الوارد ذكرهم فى تحريم الصدقة، فمن ذهب فيهم إلى رأى هناك قال به هنا ما عدا الحنفية الذين أخذوا هنا بحديث جبير بن مطعم الذى سبق إيراده هناك. فهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب عند الحنفية والشافعية وابن حزم، وفى قول عند المالكية ورواية فى مذهب أحمد. وهم بنو هاشم (7) وحدهم إلا آل أبى لهب فى القول المشهور عند المالكية والرواية الأخرى فى مذهب أحمد، ونقل هذا عن عمر بن عبد العزيز وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين، وإليه ذهب جميع أهل البيت ومن قال هناك بدخول أولاد البنات قال به هنا، ومن أخرجهم هناك أخرجهم هنا، ولم أر من عرض لذكر الموالى والأزواج هنا سوى قول ابن حزم ولا حق فيه لمواليهم ولا لخلفائهم ولا لبنى بناتهم من غيرهم. الصلاة على آل محمد: جمهور العلماء على أن الصلاة على آل محمد فى التشهد الأخير مندوبة والراجح من مذهب الشافعى إنها سنة، وقال الشيعة إنها واجبة فى التشهدين. ويرجع فى تفصيل ذلك إلى مادة " صلاة. تشهد ". وقال الجمهور: أنه لا ينبغى لأحد أن يصلى على آل محمد استقلالا، وإنما الصلاة عليهم تكون تبعا للصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فالآل فى ذلك كغيرهم من الناس. واختلف العلماء فى معنى الآل فى هذا المقام ونظائره على أقوال كثيرة، فقيل هم الأزواج والذرية. وقيل هم الذين حرمت عليهم الصدقة وهم بنو هاشم وحدهم أو بنو هاشم وبنو المطلب. وقيل على فاطمة والحسنان وأولادهم. وقيل هم القرابة بغير تقييد وقيل هم الأمة جميعا. وقال النووى إن هذا أظهر الأقوال (8) . وفيما يتعلق بإجماع آل محمد وشرفهم وكفاءتهم ونسبهم يرجع إلى مواد "إجماع. كفاءة. نسب ".   (1) أحكام الوقوف والصدقات للخصاف ص 36، 41 بدائع الصنائع للكسانى ج7 ص 351 وما بعدها (2) مختصر خليل والشرح الكبير للدردير ج4 ص 94 - 432 (3) المغنى لابن قدامة ج6 ص 549، 553، 554، الفروع لابن مفلح ج 6 ص886، 888 كشاف القناع ج2 ص 467 (4) انظر: شرح معانى الآثار للطحاوى ج1ص297 وما بعدها. بدائع الصنائع للكسانى ج2 ص44، 49 الهدية وفتح القدير والعناية ج2 ص24، 25 رد المختار لابن عابدين ج2 ص68، 69.الطحطاوى على مراقى الفلاح ص700، 701 من كتب الحنفية وانظر: مختصر خليل والشرح الكبير للدردير ج1 ص493 وما بعدها، من كتب المالكية. وانظر: المغنى لابن قدامة ج2ص519 وما بعدها، من كتب الحنفية. وانظر: المحلى لابن حزم ج6ص146، من كتب الظاهرية. وانظر: نيل الأ وطار للشوكانى ج4ص146، شرائع الإسلام وشرحه جواهر الكلام ج3ص99 وما بعدها، 157 وما بعدها، من كتب الشيعة. (5) سورة الأنفال:40 (6) سورة الحشر:6 (7) وانظر: مبسوط السرخسى ج10 ص 9. مختصر خليل والشرح الكبير ج2 ص 190. الوجيز للغزالى ج1 ص 173. التحفة لابن حجر ج 3 ص 80. المحلى لابن حزم ج7 ص 327. نيل الأوطار للشوكانى ج 8 ص 58. جواهر لكلام ج3 ص 157 وما بعدها. (8) وانظر: الوجيز للغزالى ج1 ص 53. شرح الحلبى لمنية المصلى ص 3. جواهر الكلام ج2 ص 341 وما بعدها. نيل الأوطار ج2 ص 244. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 آلة التعريف بكلمة آلة: جاء فى القاموس واللسان فى بعض معانى الآلة أنها ما اعتملت به من الأداة، يكون واحدا وجمعاً، والمراد " باعتملت " استعنت، ويفسرون الأداة بالآلة، ويقول ابن منظور (1) (إن أداة الحرب سلاحها..) والآلة لا تخرج فى اصطلاح الفقهاء وتعبيراتهم عن هذا المعنى اللغوى، وإنما يذكرونها فى أبواب من الفقه لمناسبات يتعلق بالآلة فيها حكم شرعى، والذى يعنينا بيانه مما ورد مبعثرا فى كتب الفقه فى استعمال الفقهاء لكلمة آلة وما يتعلق بها من أحكام هو الآتى: 1- آلة الرى، وآلة الصناعة، فى كتاب الزكاة. 2- آلة الصيد، وآلة الذبح، فى باب الصيد والذبائح. 3- آلة القتل، وآلة الحد، فى الجنايات والقصاص والحدود. 4 - آلة القتال، فى الجهاد. 5- آلة اللهو، فى البيوع والإجارة وما يتعلق بضمان المتلفات، والقطع فى سرقتها. آلة الرى: اتفق الفقهاء (2) فى زكاة الزروع والثمار على أن ما سقى بالأمطار وماء الأنهار بلا آلة وحب فيه العشر، وأما المسقى بآلة كالدلو والدولاب والساقية والناقة ونحو ذلك، فيجب فيه نصف العشر، لأن المؤنة تكثر فيه وتقل فيما يسقى بالسماء أو السيح. وقد نقل أبو شجاع من الشافعية عن البيهقى الاجماع على ذلك، كما حكاه صاحب البحر الزخار من الزيديه وقال ابن قد امة الحنبلى لا نعلم فيه خلافا. وفى مسلم: (وفيما يسقى بالسانية نصف العشر) . والسوانى هى النواضح التى هى الإبل يستقى بها لشرب الأرض. وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن، فأمرنى أن آخذ مما سقت السماء أو سقى بعلا العشر، ومما سقى بدالية نصفه العشر، إلا أن بعض المالكية لا يعتبرون النقالات من البحر وهى النطالة والشادوف على حد تعبيرهم من الآلات ويقول بعضهم أنها منها.. آلة الصناعة: قال الأحناف (3) : لا زكاة فى آلات المحترفين سواء كانت مما لا تستهلك عينه فى الانتفاع كالقدوم والمبرد، أو تستهلك ولا يبقى أثر عينه كالصابون للغسال، أما ما يستهلك ويبقى أثر عينه كالعصفر والزعفران للصباغ والدهن والعفص للدباغ ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، ونصوا على أن مثل قوارير العطار ولجم الخيل والحمير إن كان من غرض المشترى بيعها ففيها الزكاة وإلا فلا، وقريب من هذا يقول الشافعية (4) والحنابلة (5) والإباضية (6) من آلات الصناعة لا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة وأما مسلك المالكية. فإنهم يقولون فى العروض. بوجه عام- ويدخل فيها آلات الصناعة - أنه لا زكاة فيها مطلقا إلا فى عرض تلك بمعاوضة مالية وتملكه بنية التجارة ولو صاحبها نية الإقتناء بشرط إلا تكون فى عينه زكاة أخرى، وقالوا (7) : لا زكاة فى المباخر والمراود والمكاحل ونحوها إذا اتخذت كراء إلا إذا كان كراء محرما. وأما ابن حزم فيصور مذهب الظاهرية (8) بقوله: إن السلف اتفقوا على أنه لا زكاة فى كل ما اكتسب للقنية. مثل آلات الصناعة، لا للتجارة من آنية وسلاح وغير ذلك كله لا تحاشى منه شيئا. ولم نقف للشيعة الإمامية على ذكر لآلات الصناعة بين ما تجب فيه الزكاة أو تستحب إلا فى شمول قول صاحب الروضة البهية (9) " وتستحب الزكاة فى مال التجارة، وقيل تجب " فمفهومه أن الآلات إذا كانت لغير التجارة لا زكاة فيها. ويقول الزيدية (10) : لا تجب الزكاة فى غير أجناس عشرة عدها صاحب البحر، وليس منها آلات الصناعة إلا لتجارة أو استغلال، وهذا يفيد أنها لا تجب فيها الزكاة إلا إذا اتخذت للتجارة أو الاستغلال. آلة الصيد: قد تكون آلة الصيد حيوانا معلما يصاد به كالكلب، وقد تكون جمادا كالسهام والنبال ونحوها، ولكل من النوعين شروط واعتبارات قد تختلف باختلاف المذاهب. الاصطياد بالحيوان المعلم: الأصل فيه قول الله تعالى: " قل أحل لكم الطيبات، وما علمتم من الجوارح مكلبين، تعلمونهن مما علمكم الله، فكلوا مما أمسكن عليكم وأذكروا اسم الله عليه (11) ". وقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز الاصطياد بالكلب المعلم ويحل صيده بشروط مبينة فى موضعها من كتب الفقه، انظر " صيد " واختلفوا فى جواز الاصطياد ببعض الحيوانات الأخرى.. أنظر جارح. وإليك بيان الحكم فى المسألتين فى المذاهب. أجمع فقهاء المذاهب على خل الصيد بكل ذى ناب من السباع ومخلب من الطير بشرط كونه معلما، ما عدا الزيدية. فإنهم يجيزون الاصطياد بالكلب والفهد لا غير، ويضاف إليهما الأسد والنمر إن قدرنا على قبولهما التعليم قياسا على الكلب، وعدا الأباضية كذلك فإنهم يجيزون الإصطياد بغير السبع كالهر. كما أجمعوا على وجوب التسمية الا أن للفقهاء اعتبارات واشتراطات فى التعليم، وفى بعض شروط أخرى ... انظر " تذكية ". آلات الصيد غير الحيوان المعلم: لاخلاف بين الفقهاء (12) فى جواز الاصطياد بالشبكة والشرك، وإلجاء الصيد إلى مضيق لا يفر منه، وبالسهام والنبال والرماح، وبكل محدد وإن كان له ثقل كالمعراض والحجر بشرط أن يقتل بحده ولم يجيزوا الصيد بالبندقة الثقيلة ولو كانت محددة- والمراد بالبندقة الكرة من الطين المجمد-، لأنها تقتل بثقلها، ويقولون: إن مثقل الحديد وغير الحديد سواء إن خرق حل وإلا فلا. وخالف الظاهريه إذ أجازوا الاصطياد بالبندقة والحجر ونحوهما مما لا يقتل بحده إذ يقول أبن حزم (13) فى تصوير المذهب: إن كل ما شرد فلم يقدر عليه من حيوان البر كله وحشيه وانسيه لا تحاشى شيئا لا طائرا ولا ذا أربع مما يحل كله، فان ذكاته أن يرمى بما يعمل عمل الرمح أو عمل السهم أو عمل السيف أوعمل السكين فإن أصاب بذلك فمات قبل أن تدرك ذكاته فأكله حلال. ثم ذكر حديث عدى بن حاتم وقد سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن المعراض فقال: " أذا أصاب بحده فكل، وإذا أصاب بعرضه فقتل فانه وقيذه فلا تكل ". ثم قال: وقد اختلف الناس فى هذا، فقال عمار بن ياسر إذا رميت بالحجر أو البندقة ثم ذكرت اسم الله فكل، ونقل مثله عن سعيد ابن المسيب، ونقل عن عمر بن الخطاب خلاف هذا ... ثم قال إن من ذهب إلى قول عمار وسعيد يحتج بقول الله تعالى: " ليبلونكم الله بشئ من الصيد تناله أيديكم ورماحكم (14) ". ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى ثعلبة الخشنى: " ما أصبت بقوسك فاذكر أسم الله عليه وكل ". ثم قال: إنه لا حجة فى حديث عدى بن حاتم لأنه لا يحل ترك نص لنص، ورجح مذهب القائلين بإباحة الصيد بالبندقة ونحوها بإطلاق.. ثم قال: ومن نصب فخا أوحبالة أوحفر زبية للصيد فكل ما وقع من شىء من ذلك فهو له. ويقول الدسوقى المالكى: فيما يتعلق بصيد بندق الرصاص " أن الصيد ببندق الرصاص لم يوجد فيه نص للمتقدمين لحدوث الرمى به بحدوث البارود فى وسط المائة الثامنة، وأختلف فيه المتأخرون، فمنهم من قال بالمنع قياسا على بندق الطين، ومنهم من قال: بالجواز لما فيه من الإنهيار والإجهاز بسرعة ". وقد نص الحابلة على أنه لا يجوز صيد السمك بالنجس كالعذرة، وعلى كراهة الصيد بالخراطيم وكل ما فية الروح، وعلى جواز أن يطعم الصيد ما يسكره. آلة الذبح: نص الأحناف (15) على حل الذبح بكل ما أفرى الأوداج- أى قطعها- وأنهر الدم - أى أساله- ولو بقشرة قصب إلا السن والظفر إذا كانا قائمين، ولو كانا منزوعين حل مع الكراهه، ويندب إحداد الشفرة. ولم يخالف الزيدية (16) والأباضية (17) والحنابلة 4 فى هذا، إلا أنهم أطلقوا القول بمنع الذبح بالسن والظفر حيث نصوا على أن تكون الآلة محددة، وألا تكون سنا ولا ظفرا، كما نص الإباضية على أن الذبح بالسكين الكالة منهى عنه. ووافقهم الشافعية على ذلك وزادوا عدها جواز الزبح بالعظام. يقول صاحب الاقناع (18) : تجوز الذكاة بكل ما يجرح كمحدد حديد وقصب وحجر ورصاص وذهب وفضة، إلا بالسن والظفر وباقى العظام متصلا كان أو منفصلا من آدمى أو غيره. ونصوا على حل الذبح بالسكين الكالة بشرط ألا يحتاج القاطع إلى قوة الذبح (19) . أما المالكية (20) : فيوافقون على جواز الذبح بالحديد المحدد.، وبكل محدد غيره اذا لم يوجد الحديد، وعلى ندب الاحداد قبل الذبح، ألا أنهم يجيزون الذبح بالعظم والسن متصنلين أو منفصلين، ويقول بعضهم أن محل الجواز أن أنفصلا ومنعها بعضهم مطلقا كالحنابلة والشافعية، إلا أن المالكية يقولون: أن محل الخلاف عندهم إن وجدت آلة للذبح غير الحديد، فإن وجد الحديد تعين، وإن لم يوجد غيرهما جاز جزما. ويوافق الجعفرية المالكية فى ذلك حيث قالوا (21) : يجب التذكية الاختياريه أن تكون الآلة حديدا يفرى الأعضاء ويخرج الدم، فان تعذر الحديد جاز بما يفرى الأعضاء كالليطة. وهى القشر الأعلى للقصب، المتصل به، والمروة الحادة- وهى حجر يقدح النار- والزجاج، وكذا ما أشبهها من الآلات الحادة غير الحديد لما نقل عن الصادق قال: إذبح بالحجر والعظم والقصبة (22) والعود إذا لم تصب الحديد إذا قطع الحلقوم وخرج الدم، ومثله عن الكاظم وفى السن والظفر متصلين أو منفصلين للضرورة قول بالجواز. أما مسلك الظاهرية فيصوره ابن حزم إذ يقول (23) : التذكية جائزة بكل شىء إذا قطع قطعة السكين، أو نفذ نفاذ الرمح سواء فى ذلك العود المحدد والحجر الحاد والقصب الحاد وكل شئ حاشا آلة أخذت بغير حق، وحاشا السن والظفر وما عمل منهما منزوعين أو غير منزوعين، وإلا عظم الخنزير والحمار الأهلى، أو عظم سبع من ذوات الأربع أو الطير حاشا الضباع، أو عظم "انسان فلا يكون حلالا ما ذبح أو نحر بشىء مما ذكرنا. والتذكية جائزة بعظم الميتة، وبكل عظم جاشا ما ذكرنا، وهى جائزة بمدى الحبشة، فلو عمل من ضرس الفيل سهم أو رمح أو سكين لم يحل أكل ما ذبح أو نحر لأنه سن، فلو عملت من سائر عظامه حل الذبح والنحر بها. آلة القتل فى الجنيات: آلة القتل العمد عند أبى حنيفة السلاح وما أجرى مجرى السلاح، كالمحدد من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار، ويستدل على أن ذلك هو العمد، بأن العمد هو القصد، ولا يوقف على القصد إلا بدليله، وهو استعمال الآلة القاتلة، فإذا كانت الآلة غير السلاح ولا ما أجرى مجرى السلاح فهى آلة شبه العمد. وقال أبو يوسف ومحمد: أن من آلة العمد أن يضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة أو ما إلى ذلك مما يقتل غالبا، وأما آلة شبه العمد، فهى ما لا يقتل غالبا، لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لأنه يقصد بها غيره، كالتأديب ونحوه، فكان شبه عمد (24) . وفى التنوير وشرحه الدر وحاشية أبن عابدين عليه (25) : ومما يعتبر آلة للعمد عند أبى حنيفة الحديد والسيف والسكين والرمح والخنجر والنشابة والإبرة فى مقتل، وجميع ما كان من الحديد سواء كان يقطع أو يبضع كمطرقة الحداد والزبرة، سواء كان الغالب منه الهلاك أم لا، ولا يشترط الجرح فى الحديد فى ظاهر الرواية لأنه وضع للقتل، وروى الطحاوى عن الإمام اعتبار الجرح فى الحديد، قال صدر الشهيد وهو الأصح ورجحه فى الهداية وغيرها قال ابن عابدين: وعلى كل فالقتل بالبندقة الرصاص عمد لأنها من جنس الحديد وتجرح، ونقل الحصكفى عن شرح الوهبانية ان كل ما به الذكاة فيه القود وإلا فلا، ونقل عن البرهان: أن الحديد غير المحدد كالسنجة فيه روايتان أظهرهما أنها عمد. ومن آلات القتل العمد عند الامام أيضا الابرة فى المقتل قال فى الاختيار (26) : روى أبو يوسف عن أبى حنيفة فيمن ضرب رجلا بإبرة وما يشبهها عمدا فمات لا قود فيه، وفى المسلة ونحوها القود لأن الإبرة لا يقصد بها القتل عادة بخلاف المسلة. وفى روايه أخرى أن غرز بالإبرة فى المقتل قتل وإلا فلا، وفى البزازية غرزة بابرة حتى مات يقتض به لأن العبرة للحديد، وقال فى موضع آخر: لا قصاص إلا إذا غرزه فى المقتل وكذا لو عضه 0 والشافعية كالصاحبين يقولون: أن آلة القتل العمد ما يقتل غالبا جارحا كان أو مثقلا، وينصون على أنه يدخل فى المثقل التجويع والسحر والخصاء فيكون هذا. من قبيل القتل العمد، أما آلة القتل شبه العمد فهى ما لا يقتل غالبا، ومثلوا له بالضرب بالسوط وبالعصا الخفيفة فى غير مقتل وبالابرة كذلك. والحنابلة لا بختلفون عن ذلك (27) ، قال أبن قدامة: " إن القتل العمد يكون بمحدد يقطع. ويدخل فى البدن كالسيف والسكين والسنان وما فى معناه مما يحدد فيجرح من الحديد والنحاس والرصاص والذهب والفضة والزجاج والقصب والخشب، فهذا كله إذا جرح به جرحا كبيرا فمات فهو- قتل عمد، وكذلك غير المحدد مما يغلب على الظن حدوث الزهوق به عند استعماله " ثم يقول: إن غير المحدد يتنوع أنواعا منها المثقل الكبير الذى يقتل مثله غالبا سواء أكان من حديد كالسندان والمطرقة أو حجر ثقيل أو خشبة كبيرة، ومن هذا النوع الحائط والصخرة، ومنها المثقل الصغير كالعصا والشوط والحجر الصغير إذا كان فى مقتل أو فى حال ضعف من المضروب أو فى زمن مفرط الحر أو البرد، أو كرر الضرب حتى قتله، ومنها أن يمنع نفسه كأن يجعل فى عنقه حبلا ثم يعلقه فى خشبة أو شئ بحيث يرتفع عن الأرض فيختنق ويموت سواء مات فى الحال أو بقى زمنا لأن هذا أسرع أنواع القتل، وهو الذى جرت العادة بفعله من الولاة مع بعض المفسدين، ومنها أن يخنقه وهو على الأرض بيديه أو منديل أو حبل أو بوسادة أو شىء يضعه على فمه أو أنفه أو يضع يده عليهما فيموت، ومنها أن يلقيه فى مهلكة ويدخل فيه ما اذا ألقاه من شاهق كرأس جبل أو حائط عال يهلك به غالبا فيموت، ويدخل فيه أن يلقيه. فى نار أو ماء يغرق ولا يمكنه التخلص منه أما لكثرة الماء أو النار واما لعجزه عن التخلص لمرض أو صغر أو كونه مربوطا أو منعه الخروج، أو كونه فى حفيرة لا يقدر على الصعود منها، ويدخل فيه ان يجمع بينه وبين أسد أو نمر فى مكان ضيق فيقتله، وكذلك إذا حبسه فى مكان ومنعه من الطعام والشراب مدة لا يبقى فيها حتى يموت، وكذالك اذا سقاه سما فمات، وكذلك إذا قتله بسحر يقتل غالبا، كما يدخل فيه أن يتسبب فى قتله بما يقتل غالبا أن يكره رجلا على اقتل آخر فيقتله، أو يشهد رجلان على رجل، - أى شهادة زور- بما يوجب قتله فقتل - وأما آلة شبه العمد فهى ما لا يقتل غالبا كالضرب بالسوط والعصا والحجر الصغير والوكز باليد وسائر ما لا يضل غالبا اذا كان بقصد الضرب لا القتل. اما المالكية (28) : فمسلكهم أن آلة القتل الموجب للقصاص هى المحدد والمثقل والقضيب والسوط إن فعله لعداوة أو غضب ومات من ذلك، وكذلك الخنق ومنع الطعام والشراب بقصد الإمانة، وكذلك طرح غير محسن للعوم فى نهر عداوة، وكذلك البئر يحفرها الرحل وكذلك المزلق كقشرة البطيخ إذا قصد الضرر مع هلاك المقصود، وكذلك الكلب العقور والاكراه فإن الشخص المكره على القتل يعتبر آلة إذا كان لا يمكنه المخالفة، وكذلك الطعام المسموم يقدمه الشخص العالم به لغير العالم به فيتناوله فيموت، وكذلك الحية يرميها على شخص فيموت. وقال الدسوفى (29) : انه إذا أشار بآلة القتل إلى شخص فهرب فطلبه فمات فإما أن يموت بدون سقوط أو يسقط، وفى كل ذلك إما أن يكون بينهما عداوة أو لا، فإن لم يكن عداوة فليست بآلة تحل موجبة للقصاص، وإن كان بينهما عداوة فهى آلة قتل موجب للقصاص. والعبرة عند الظاهريه (30) فى العمد أن تكون آلة مما قد يمات بمثله وقد لا يمات بمثله، مع التعمد، فإذا تعمد بما لا يموت به أحد أصلا لم يكن عمدا ولا خطأ. ولا يبعد الشيعة الجعفريه عن مسلك الظاهرية فهم يقولون (31) : إن آلة القتل العمد ما يقتل به غالبا أو نادرا إذا اتفق به القتل، نظرا لأن العمد يتحقق بقصد القتل من غير نظر إلى الآلة فانه إذا لم يقصد به القتل وإن اتفق الموت كالضرب بالعود الخفيف والعصا الخفيفة فى غير مقتل اعتبر القتل شبه خطأ ... ويقولون أيضا أنه لو كرر ضربه بما لا يحتمل مثله بالنسبة إلى بدنه وزمانه فهو عمد، وكذا لو ضربه دون ذلك فاعقبه مرض فمات أو رماه بسهم أو بحجر غامز أى كابس على البدن بثقله، أو خنقه بحبل ولم يرخ عنه حتى مات، أو بقى المخنوق ضمينا- أى مزمنا- ومات بذلك، أو طرحه فى النار فمات، أو فى اللجة فمات منها ولم يقدر على الخروج. أو جرحه عمدا فسرى الجرح عليه ومات، أو ألقاه من مكان شاهق أو قدم له طعاما مسموما يقتل مثله ولم يعلمه، أو جعله فى منزله ولم يعلمه به، أو حفر بئراً بعيدة القعر فى الطريق، أو فى بيته ودعا غيره إلى المرور عليها مع جهالته بها فوقع فمات، أو أغرى به كلبا عقورا فقتله ولا يمكنه التخلص ... إلى غير ذلك مما لا يخرج عن ما ورد فى كتب المالكية والحنابلة. ومسلك الزيدية: أن آلة القتل الخطأ ما مثله لا يقتل فى العادة، والعمد ما مثله يقتل فى العادة، ويقولون (32) أن كل ما يحصل عقبه الموت فهو إما شرط أو علة أو سبب. فالشرط كمن حفر بئرا أو أعطى سكينا أو نصب سلما فتوصل به القاتل إلى القتل فلا شىء على فاعل الشرط إلا التوبة، وأن حصل الموت عقب علة من غير واسطة كالإغراق وإصابة المقتل، أو بواسطة كجرح قاتل بالسراية إلى المقتل فهو موجب للقود، وأما السبب فمنه ما يشبه المباشرة كالإكراه وشهادة الزور وتقديم الطعام المسموم، (33) وهذا موجب للقصاص، وما لا يشبهه كحفر بئر فى الطريق فيوجب الديه. ولا يختلف مذهب الإباضية فى جملته عن الشافعية والحنابلة إلا أن الإباضية يذكرون. قولا بأن آلة شبه العمد ما ليس من شأنه القتل كالسوط والعصا واللطمة والوكز، أو ما من شأنه القتل لكن ليس بقصد القتل كفعل الذابح لولده، أو يكون على صفة القتل وتتقدمه القرائن على عدم القتل كالمصارعة. آلة القصاص: ونص الأحناف (34) : على أن القصاص يكون بالسيف إن كان القتل بغيره، ونقل فى الدر عن الكافى أن المراد بالسيف السلاح وذكر أيضا أن ذلك هو ما صرح به فى كتاب " المضمرات " في باب الحج حيث قال: اننا ألحقنا الرمح والخنجر بالسيف فى قوله عليه الصلاة والسلام: " لا قود إلا بالسيف ". كما نصوا (35) : " على أن آلة القصاص فى العين بعد ذهاب ضوئها المرآة المحماة مع وضع قطن رطب على عين الجانى الذى يراد القصاص منها، وان ذلك مأثور عن جماعة من الصحابة. ونصوا أيضا على أن القصاص فى السن يكون بالمبرد بأن تبرد به سن الجانى بقدر ما كسر من المجنى عليه ". ووافق الإباضية الأحناف فى هذا المسلك فقالوا (36) " ويقتص بمثل السيف كالخنجر والموسى والشفرة الحادة، ولايستعمل الكليل فى القصاص ولو كانت الجنايه بآلة كالة إلا إذا وجدت بعينها عند القصاص، ويضيفون إلى ذلك أن الجانى اذا فر أو امتنع جاز أن يسلط عليه سبع أو كلب ". كما نصوا (37) : على أن من فقئت عينه أو تلفت نتيجة عدوان فإن المقتص يجعل على وجه المقتص منه مانعا من حرارة النار لم يحمى مرآة هندية فيمسكها مقابلها حتى تسيل، ويصح باليد إذا لم يتجاوز ما فعل به، ويقولون فى السن عند القصاص أنها تنشر بمبرد حتى تساويها أو تساوى اللثة. وعلق على ذلك شارح كتاب " النيل " بقوله: لايحسن شىء من هذا، والواجب الدية. أما الحنابلة (38) ففى روايه عن أحمد أن القصاص لا يستوفى"إلا بالسيف فى العنق وهو مذهب الشيعة الجعفرية (39) والزيدية (40) يستدلون بحديث " لا قود الا بالسيف، " رواه ابن ماجة، والرواية الأخرى عن أحمد: أن القصاص يعتمد المماثلة (41) لأن الجانى أهل لأن يفعل به كما فعل قوله تعالى: " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" (42) . وقوله: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم (43) ". ولأن النبى صلى الله عليه وسلم رض رأس يهودى- أى هشمها- لرضه رأس جارية من الأنصار، ولما روى أنه قال: " من حر ق حرقناه (44) .. " إلخ. وهو مذهب الشافعية والمالكية والظاهريه (45) ، ورأى أورده الشيعة الجعفريه عن أبن الجنيد، وان كان بعضهم يختلف فى بعض استثناءات وتصويرات تصورها كتبهم. يقول الشافعية (46) : "إن من قتل بمحدد كسيف أو غيره كحجر أو خنق أو تجويع ونحوه كتغريق بماء ملح أو عذب اقتص بمثله أن شاء وله العدول إلى السيف وإن لم يرض الجانى لأنه أسرع، ولو تعذر معرفة آلة القتل فهل يؤخذ باليقين أو يعدل إلى السيف الأصح الأول. وأن كان القتل بسحر تعين فى آلة القصاص سيف غير مسموم، وان قتله بانهاش أفعى قتل بالنهش فى أرجح القولين وعليه تتعين تلك الأفعى، فإن فقدت فمثلها، والخمر واللواط يتعين فى كل منهما السيف فى الأصح. والظاهر أنه لو قتله- بالغمس فى الخمر لم يفعل به مثله لأن التضمخ (أى التلطخ) بالنجاسة حرام. وقيل: لو قتل بشرب الخمر يوجر فى القاتل مائع كخل أو ماء حتى يموت، ويقولون أنه يتعين بالسيف جزما فيما لا مثل له. كما لو جامع صغيرة فى قبلها فقتلها، ولوذبحه كالبهيمة جاز قتله بمثله فيما يظهر خلافا لابن الرفعة من تعين الصف. ويقولون (47) : لا قصاص يكسر السن كما لا قصاص فى كسر العظام إلا إذا كان لأهل الصنعة آلات قطاعة. وقالوا (48) : لو أوضحه فذهب ضوء عينه أوضحه، فإن ذهب الضوء فيها وإلا أذهب بأخف ممكن كتقريب حديدة محماة من حدقة عينه، أو وضع كافور فيها. ويقول المالكية (49) : ان آلة القصاص تكون بمثل ما قتل به ولو نارا، إلا إذا ثبت القتل بقسامة فيقتل بالسيف، وكذلك القتل بخمر أو لواطة أو سحر، أو ما يطول كمنعه طعاما أو ماء حتى مات، فإنه يقتص بالسيف، والقصاص من القاتل بالسم فيه وجهان: - قيل يقتل بالسيف وقيل يقتل به ويجتهد فى قدره. ويقولون كالشافعية: إن مستحق الدم إذا طلب أن يقتص من الجانى بالسيف فانه يجاب الى ذلك سواء الجانى قتل بالسيف أو غيره، حتى لو قتل بأخف من السيف خلافا لابن عبد السلام. ويقولون (50) : فيمن أذهب بحر غيره والعين قائمة إن آلة القصاص ما يستطاع به إذهاب البصر بحيلة من الحيل. آلة الرجم: أتفق الفقهاء ماعدا الإباضية على مشروعية رجم الزانى المحصن بالحجارة المتوسطة التى هى دون الكبيرة وفوق الصغيرة. إلا أن لهم مسالك فى التصوير وفى التوسعة أو التضييق نوردها فيما ننقله من كتبهم، فيقول الأحناف (51) : أن آلة حد الزنا للمحصن الرجم بالحجارة حتى يموت. وينص المالكية (52) على كون هذه الحجاره متوسطة بين الصغير والكبير دون الصغار خشية التعذيب والعظام خشية التشويه، ويقول الحنابلة (53) : أن آلة الرجم تكون بالحجارة وغيرها. ونص الشافعية (54) : على أنها تكون بالمذر (أى الطين المتحجر) وبنحو خشب وعقم، والأولى كونه بنحو حجارة معتدلة بأن يكون كل منها يملأ الكف، ويحرم حجر كبير مذفف لتفويته المقصود من التنكيل، ويحرم صغير ليس له كبير تأثيرا ولطول تعذيبه. ويقول الشيعة الجعفريه (55) : ان آلة حد الزنا القتل بالسيف ونحوه للزانى بالمحترم النسبى كالأم والأخت وللذمى إذا زنا بالمسلمة مطاوعة أو مكرهة، والزانى مكرما للمرأة، ولا يعتبر الاحصان فى هذه المسائل الثلاث كما تكون عقوبه حد الزنا الرجم بالحجارة المتوسطة وهذا بالنسبة للمحصن إذا زنا ببالغة عاقلة. ونصوا (56) : على أنه لا يجوز الرجم بغير الحجا رة. والزيديه ينصون (57) على أن الرجم بالنسبة للزانى المحصن يكون بالحجارة المتوسطة ويجزئ ضرب الرقبة بالسيفه إذ القصد القتل. أما الإباضية فليس لهم كلام فى الرجم لأنهم لا يقولون به. وأما الظاهريه فلم نقف على أكثر من قولهم بالرجم للزانى المحصن دون تعرض لما يكون به الرجم. آلة الجلد: نص الأحناف (58) على أن آلة الجلد سوط لا ثمرة له، أى لا عقده ويكون فى جريمة الزنا لغير المحصن والقذف والنشرب. كما نصوا (59) على أن من كان حده الجلد وهو مريض أنتظر حتى يبرأ لأنه إذا كان مريضا لحقه الضرر أكثر من المستحق عليه، وكذا إذا كان الحر شديدا والبرد شديدا. والشافعية (60) يوافقون الأحناف على أن الجلد بالسوط لغير المريض إلا إذا كان لا يرجى برؤه، فإنه يجلد عندهم بعثكال (أى عرجون) عليه مائة غصن، فإن كان عليه خمسون ضرب به مرتين بحيث تمس الأعضاء جميعها، فان برئ أجزاءه. كما نصوا (61) على أنه يجوز جلد القوى السليم بسوط أو أيد أو نعال أو أطراف الثياب إذا كانت الأطراف مشدودة مفتولة، وقيل يتعين السوط لأن الزجر لا يحصل إلا به، ولا يجوز السوط فى المريض. ثم نصو على أن سوط الحدود والتعازير يكون بين قضيب (أى غصن رقيق) وعصا غير معتدلة، وبين رطب ويابس، ليحصل به الزجر مع أمن الهلاك، ويمتنع بخلاف ذلك لما يخشى من شدة ضرره او عدم ايلامه. وينص الحنابلة (62) على أن آلة الجلد السوط الوسط الذى ليس بخلق ولا جديد وإن خيف من الوسط لم يتعين فيقام بطرف ثوب وعثكول نخل. وينص أبن قدامة على التفرقة بين حد الخمر وغيره فيقول (63) : أن آلة الجلد السوط ولا نعلم فى هذا خلافا بين أهل العلم غير حد الخمر، فأما الخمر فقال بعضهم يقاما الحد فيه بالأيدى والنعال وأطراف الثياب. قال: وذكر بعض أصحابنا أن للامام فعل ذلك إن رآه. ثم قال: ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا شرب الخمر فاجلدوه. والجلد إنما يفهم من اطلاق الضرب بالسوط، ولأنه أمر بجلده، كما أمربجلد الزانى فكان بالسوط مثله. والخلفاء الراشدون ضربوا بالسياط وكذلك غيرهم فكان اجماعا. أما المالكية (64) فقالوا: إن آلة الجلد فى الحدود مطلقا سوط له رأس لين لا رأسان، ولا يجزئ فيها القضيب ولا الشراك، أى النعل، ولا الدرة، وإنما كانت درة عمر للتأديب. والشيعة الجعفريه (65) سلكوا مسلكا قريبا من الحنابلة إذا قالوا: إن آلة الجلد للصحيح السوط وللمريض الضغث، وهى جملة من العيدان ونحوها المشتمل على العدد المعتبر فى الحد وضربه به دفعة واحدة مؤلمة بحيث يمسه الجميع أو تكبس بعضها على بعض فيناله ألمها، ولو لم تسع اليد العدد أجمع ضربه به مرتين فصاعدا إلى أن يكمل ولا يشترط وصول كل احد من العيدان إلى بدنه، ولو احتمل سياطا خفافا فهى أولى من الضغث، والظاهر الاجتزاء فى الضغث بمس المضروب به مع حصول الألم به فى الجملة. وإن لم يحصل بآحاده. ويرى الظاهرية (66) : أن آلة الجلد فى الزنا والقذف سوط أو حبل من شعر أو كتان أو قنب أو صوف أو قضيب من خيزران أو غيره، أما آلة حد الخمر فتى كما ورد فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم جلد فيها بالجريد والنعاد، وفى حديث آخر أنه قال فى الشارب: أضربوه. فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه. فالجلد فى الخمر خاصة يكون بذلك، فأى شئ رآه الحاكم من ذلك فحسن، ولا يمتنع أن يجلد فى الخمر بسوط لا يكسر ولا يجرح ولا يعفن لحما. ونصوا (67) على أن من كان مريضا أو ضعيفا جدا جلد بشمروخ فيه مائة عثكول جلدة واحدة، أو فيه ثمانون عثكولا كذلك، ويجلد فى الخمر أن اشتد ضعفه بطرف ثوب على حسب طاقة كل أحد ولا مزيد، ثم قال: وبهذا انقطع بأنه الحق.. والزيدية (68) ينصون على أنه لا يكون الجلد بخشبة لئلا يكسر عظما بسوط أو عود بين الرقيق والغليظ والجديد والعتيق، خلى من العقد فإن أيس ضربه بعثكول أن احتمله لأمر الرسول أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة، ولابد أن يباشره كل ذيوله ليقع المقصود، وقيل يجزئ وإن تداخلت ولا يجزئ بالنعال وأطراف الثياب. والإباضية فى آلة حد الشرب يأخذون بما رو ى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أوتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين. قال وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر رضى الله عنه. وعن على فى قصة الوليد بن عقبة جلد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلى (69) . آلة القطع فى حد السرقة: لم نقف لفقهاء المذاهب عن بيان لآلة القطع إلا ما جاء فى كتب الزيدية (70) : عن آلة القطع فى حد السرقة إذ قالوا يشد فى الكف حبل وفى الساعد الآخر، ويجذب كل إلى ناحية حتى يبين المفصل ويظهر مفصل الكف، ثم يقطع بحاد قطعة واحدة إذ القصد الحد لاالتعذيب وقالوا: إنه يندب حسم موضع القطع بزيت أو سمن أو قطران مغلاة بالنار ويكون بإذن السارق، فإن كره لم يحسم. وقد جاء فى كتب الأحناف (71) والمالكية (72) والشافعية (73) وصف الحسم الذى يحدث بعد القطع، غير أن كتب الشافعية التى بأيدينا تنقل عن الماوردى الشافعى: أنه خص الغمس فى زيت أو دهن بأهل الحضر، أما البدو فيحسم بالنار لأنه عادتهم. آلة التعزير: الفقهاء (74) متفقون على أن التعزير يكون بالسوط وغيره مما يراه ولى الأمر أو من يقوم مقامه كالضرب بالدرة والصفع بالكف مبسوطة أو بجمع الكف أو بالحبس وبغير ذلك. آلة القتل: يقول الله تعالى: " وأعدوا لهم ما أستطعتم من قوة ومن رباط الخيل (75) " قال المفسرون: أن المراد بالقوة ما يتقوى به فى الحرب. وعن ابن عباس أن القوة أنواع الأسلحة. وقال عكرمة: هى الحصون والمعاقل، وفى الحديث: " ألا إن القوة الرمى ". وهى تشمل كل ما يرمى به العدو من سهم أو قذيفة وغير ذلك (76) . ومن الآلات الواردة فى كتب الأحناف: المجانيق تنصب على الأعداء والنبال يرمون بها ونحو ذلك. قال ابن عابدين (77) : إنها تركت اليوم للاستغناء عنها بالمدافع الحادثة والرصاص فى زماننا. ومما نص عليه الشافعية (78) : أن العدو يرمى أيضا بالنار، وأن من آلات الحرب الدروع. وزاد أبن قدامة (79) أن من آلات الخرب الخيل والابل والفيلة ونحوها، كما أن منها الأظافر لقول عمر رضى الله عنه: " وفروا الأظافر فى أرض العدو فانه سلاح ". وقال الحكم بن عمرو: أمرنا رسول الله ألا نحفى الأظافر فى الجهاد. ونص المالكية: (80) أن من آلات القتال السيف والرمح وقطع الماء عليهم حتى يغرقوا وبالنار أن لم يمكن بغيرها وقد خيف منهم ولم يكن فيهم مسلم. ونصوا على تحريم القتال بالنبال المسمم والرمح المسمم وغيرهما وجاء فى بلغة السالك (81) : المرد بآلة القتال جميع أنواع الأسلحة وما ألحق بها كالقلاع. ونصوا أيضا على منع بيع آلة الحرب للحربيين من سلاح وكراع وسرج وكل ما يتقوى به فى الحرب من نحاس وغيره. ونص الشيعة الجعفرية: (82) على هدم الحصون وكراهة إرسال الماء على العدو ومنعه عنهم، وإرسال النار، أما إلقاء السم فيحرم إن أمكن بدونه، ويجوز أن توقف عليه الفتح. أما الزيدية (83) : فأجازوا أيضا الاحراق والاغراق إن تعذر السيف، كما أجازوا الرمى بالحيات والعقارب والمبارزة. وجاء فى النيل وشرحه فى فقه الإباضية (84) : والدفاع يكون بما قدرت عليه وإن بلا سلاح إن لم يجد أو عوجل عليه أو كان الدفع بغيره أولى له. ثم قال (85) : وأفضل السلاح السكين ثم السيف ثم الرمح. والأفضل فى كل نوع أشده قطعا ... وإن لم يمسك الأفضل فلا إثم. وليس من السلاح عصا لم يكن فى رأسها التى يضرب بها حديد، وأن كان فى رأسا حديد فهى سلاح ولو لم يكن قاطعا، ولا درع ولا درقة ومغفر ونحوهن وما يتصحب فى القتال. آلة اللهو: وقال قبل ذلك (86) : ويرفع العدو عن نفسه أو ماله أو عنهما بما قدر عليه مما يرجون الدفع ومثل لذلك. نقل الأحناف (87) عن الإمام تضمين من يكسر معزفا وهو آلة لهو كبربيط ومزمار ودف وطبل وطنبور وأنه يصح بيعها كلها. لأنها أموال متقومة لصلاحيتها للانتفاع بها فى غير اللهو فلم تناف الضمان وعن الصاحبين أنه لا ضمان بالمتلف ولا يصح بيعها وعليه الفتوى. ونصوا على أن طبل الغزاة والصيادين والدف الذى يباح فى العرس مضمون اتفاقا. ونص الكاسانى (88) : على جواز بيع آلات الملاهى عند أبى حنيفة، لكنه يكره، وعند الصاحبين لا ينعقد بيعها لأنها معدة للتلهى بها. ثم قال: وعلى هذا الخلاف بيع النرد والشطر نج. قال الكاسانى: والصحيح قول أبى حنيفة لأن كل واحد منهم منتفع به شرعا، بأن يجعل صنجات للميزان. وفى ابن عابدين (89) لا تصح الاجارة لأجل المعاصى مثل الغناء والنوح والملاهى كالمزامير والطبل وإذا كان الدل لغير اللهو فلا بأس به كطبل الغزاة والعرس والقافلة. وفيه عن البزازيه (90) : استماع صوت الملاهى كضرب قضيب ونحوه حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: " استماع الملاهى معصية". وفى التنوير وشرحه (91) : لا قطع فى سرقة آلة اللهو ولو كان طبل الغزاة لأن صلاحيته للهو صار شبهة تمنع القطع. وعلق ابن عابدين بأنه لا خلاف فى ذلك لعدم تقومها عندهما حتى لا يضمن متلفها، وعنده وإن ضمنها لصلاحيتها لغير اللهو إلا أن يتأول اخذها للنهى عن المنكر. والشافعية كالصاحبين من الأحناف فى عدم القطع فى سرقة آلات اللهو معللين ذلك بأنه توصل إلى إزالة المعصية. وقالوا (92) : اذا بلغ " مكسره " نصابا فيقطع لأنه سرق نصابا، ولو كسر إناء الطنبور ثم أخرجه قطع أن بلغ نصابا، وكذلك لا يصح بيع آلات اللهو المحرمة عندهم ولا يباح استعمالها إلا للضرورة فيما اذا أخبره الطبيب العدل بأن هذا المرض يزول بسماعها " (93) . وفى نهاية المحتاج (94) : يصح بيع نرد صاح- لبيادق شطرنج من غير كبير كلفة فيما يظهر بر وبيع جاريه غناء محرم، وقيل يصح بيع هذه الألات ان اعتبر مكسبرها مالا لأن فيها نفعا متوقعا أما المالكية (95) : فيقولون فى القطع تعتبر القيمة بالبلد التى بها السرقة، والمجرة بالتقويم شرعا بأن تكون المنفعة التى لأجلها التقويم شرعية ويرتبون على هذا أن آلات اللهو لو كانت لا تساوى الثلاثة دراهم، التى هى نصاب القطع عندهم، دون اللهو وكانت معها تساويها فلا قطع على سارقها. ونصوا (96) على كراهة اكراء دف ومعزف ويشمل المزمار والإعداد لعرس، وقيل يجوز فى النكاح، ولا يلزم من جوازها جواز كرائها. والراجح أن الدف والكيرة جائزان لعرس مع كراهة الكراء، وأن المعازف حرام كالجميع فى غير النكاح فيحرم كراؤها. ونصوا (97) فى البيع على أن من شروط صحه البيع فى المعقود عليه الطهارة والإتنفاع به والإباحة وعدم النهى. والحنابلة (98) كالشافعية والصاحبين، فهم يقولون: من كسر مزمارا أو عودا أو طبلا أو دفا بصنوج أو نردا فلا ضمان لأنه لا يحل. بيعه، ومثل ذلك آلة السحر أو التعزيم أو التنجيم عندهم. ويقولون (99) بعدم القطع فى آلة اللهووان بلغت قيمته نصابا مفصلا. ونصوا (100) على حرمه بيع الأمة للغناء أو اجادتها، وأشباه ذلك، على ان العقد يعتبر باطلا. ونصوا (101) على أنه لا تجوز اجارة ما منفعته محرمة كالمزمور والنوح والغناء. قال ابن قدامة به وبه قال مالك والشافعى وأبو حنيفة وصاحباه وأبو ثور. أما مذهب الطاهرية فيصوره أبن حزم بقوله (102) : بيع الشطرنج والمزامير والمعازف والطنابير والعيدان حلال، ومن كسر شيئا- من ذلك ضمنه الا أن يكون صورة مصورة فلا ضمان على كاسرها. وكذلك بيع الجوارى المغنيات وأبتياعهن لأن الله تعالى قال" وقد فصل لكل ما حرم عليكم " (103) . ولم يأت نص بتحريم بيع شىء من ذلك، ويقول أبن ص ما (104) : لا يحل ببع النرده.. والصور ألا للعب الصبايا فقط. والجعفرية (105) : يحرمون بيع آلات اللهو من الدف والمزمار والقصب وغيرها، وآلات القمار كالنرد والشطرنج وبيع الخشب لتصنع منه آلات محرمة. والزيدية: ينصون (106) . على كراهة بيع الخشب للمزامير ونحوها، كما نصوا (107) على أنه يضمن ما يصح تحوله لاما لا قيمة له ولا آلات الملاهى للمسلم، ويجب تكسير الآلات وان لم يظهرها لتحريمها عليه، ولا يجوز أحراقها أذ فيه اتلاف مال ولا يكفى تقطيع الأوتار بل ترض بالحجارة وقيل يكفى ازالة تأليفها بحيث يجتاج الى اعادة صنعتها، فان أزال تأ ليفها وبقيت أكسارها تنفع فى مباح ضمنها الكاسر لها ثانيا. ونصوا (108) على أنه لا قطع فى طبل الملاهى لا طبل الحرب لصحه تملكها ولا قطع فى النرد والشطرنج. والأباضيه كما فى النيل وشرحه يقولون (109) : يجعل الحاكم أو نحوه على كل سوق قائما بمصالحه يعبر عليهم موازينهم ومكاييلهم، كما يكسر المزمار والطبل ونحوه ... لأن ابقاءه ضرر.   (1) راجع القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادى، لسان العرب لمحمد بن منظور. (2) راجع فى الفقه الحنفى " فتح القدير على الهداية، للكمال بن الهمام ج 2 ص 2 مطبعة مصطفى محمد، حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأ بصار ج2 ص53- 55 المطبعة الميمنية سنه 1307هجرية وفي فقه الشافعية تحفة الحبيب للبجرمى على الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع طبع القاهرة سنه1294 وفي فقه الحنابلة المغنى لابن قدامة ج 2 ص698 طبع دار المنار سنه 1367هجرية، وفى فقه المالكية حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج1 ص449 المطبعة الإزهرية بمصر، وفي فقه الظاهرية المحلى لابن حزم ج 5 ص 256هجرية مطبعة الإمام بالقاهرة، وفي الفقه الاباضى كتاب الوضع لابى زكريا الجناوى 179- 180 الطبعة الأولى مطبعة الفجالة الجديدة بمصر، وفي الفقه الزيدى البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص168 - 170 مطبعة السعادة بالقاهرة سنه 1366هجرية، وفى فقه الشيعة الجعفرية الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى ج1ص126 طبعة دار الكتاب العربى. (3) راجع الفتح والهداية ج1 ص 489، حاشية ابن عابدين ج2 ص9. (4) الاقناع: ج2 ص 274. (5) المغنى: ج3 ص 30. (6) الوضع: ص 184. (7) حاشية الدسوقى على شرح الدردير: ج1 ص 472. (8) المرجع السابق: ص 460. (9) المحلى: ج5 ص 214. (10) الروضة البهية: ج1 ص 121. (11) البحر الزخار: ج2 ص 145. (12) سورة المائدة: 4 (13) حاشية ابن عابدين الحنفى على الدر المختار ج5 ص 320، وحاشية البجرمى على الاقناع للخطيب الشافعى ج4 ص 256 ونهاية المحتاج وحواشيه ج8 ص 116، وحاشية الدسوقى على شرح الدردير المالكى ج2 ص 103، والمغنى لابن قدامه الحنبلى ج8 ص 551 -564، والبحر الزخار ج4 ص 299، الروضة البهية ج2 ص 265، شرح كتاب النيل ج2 ص 559 (14) المحلى لابن حزم ج7 ص 539 -547 مسألة (01067) (15) سورة المائدة:94 (16) حاشية أبن عابدين ج5 ص 304. (17) البحر الزخار ج4 ص 306. (18) شرح كتاب النيل ج2 ص 520. (19) المغنى ج8 ص 573. (20) الاقناع للخطيب الشافعى مع حاشية البجرمى ج4 ص 256. (21) المرجع السابق ص 252. (22) حاشية الدسوقى على شرح الدردير ج2 ص 107. (23) الروضة البهية ج2 ص 167. (24) المحلى ج7 ص 527 مسألة 1051. (25) الهداية ج4 ص 128 طبعة المطبعة الخيرية بالقاهرة سنة 1326هجرية (26) حاشية ابن عابدين ج5 ص 369 - 371. (27) حاشية ابن عابدين ج5 ص 270. (28) المنهاج وحواشيه ج7 ص 236، الاقناع وحاشية البجرمى ج4 ص 102 - 103. (29) المغنى ج7 ص 637-647. (30) حاشية الدسوقى ج2 ص242 -244 (31) المرجع السابق ج3 ص244. (32) المحلى ج10 ص417. (33) الروضة البهية ج2 ص397 - 398. (34) البحر الزخار ج5 ص215، 216. (35) شرح كتاب النيل ج8ص92، 94. (36) تنوير الأبصار والدر مع حاشية أبن عابدين ج5 ص 376 تكملة الفتح على الهداية والعناية. (37) بهامشه ج8 ص 260، الكنز بشرح العينى ج2 ص 302 مطبعة وادى النيل بمصر سنة 1299 هجرية. الكنز لشرح العينى ج2 ص 305 تكملة الفتح ج8 ص270، 271. (38) شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج8 ص 203، 206. (39) المرجع السابق ج8 ص219، 2200. (40) المغنى ج7 ص 685. (41) الروضة البهية ج2 ص414. (42) البحر الزخار ج5 ص 235,237. (43) المغنى ج7 ص685. (44) سورة النحل:126. (45) سورة البقرة: 194. (46) المحلى ج10 ص 450 (47) المنهاج وحواشيه ج7 ص 289. (48) الاقناع حاشية البجرمى ج4 ص 911. (49) نهاية المحتاج وحواشية ج7 ص 272. (50) حاشية الدسوقى على الدردير ج4 ص 265. (51) المرجع السابق ج4 ص 253. (52) الهداية ج2 ص72. (53) الدسوقى على الدردير ج4 ص 320، بلغة المسالك ج2 ص 392. (54) المغنى ج8 ص 158. (55) المنهاج وحواشيه ج7 ص 413. (56) الروضة ج2 ص352. (57) المرجع السابق ص 255. (58) البحر الزخار ج5 ص158. (59) الفتح على الهداية ومعه العناية ج4 ص 121، 126، 158، 186، 190. (60) الجوهرة النيرة على القدروى ج2 ص240 طبعة سنة 1301 بالقاهرة. (61) المنهاج وحواشية ج7 ص414. (62) المرجع السابق ج8 ص13. (63) منتهى الارادات ج2 ص457، 458. (64) المغنى ج8 ص512، 515. (65) بلغة السالك ج2 ص407، الدسوقى ج4 ص 354. (66) الروضة ج2 ص 358. (67) المحلى ج11ص206- 209. (68) المحلى ج11 ص213. (69) البحر الزخارج5 ص155. (70) شرح النيل ج7 ص652. (71) البحر الزخار ج5ص188. (72) أبن عابدين ج3 ص224. (73) حاشية الدسوقى ج4 ص332. (74) نهاية المحتاج ج7 ص444. (75) أبن عابدين ج3 ص242 الوقاية نتاج الشريعة وشرحها لجنيد، صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود مطبوع بهامش كشف الحقائق على الكنز الطبعة الأولى سنة 1318 بالمطبعة الادبية، المنهاج وحواشية ج8 ص19، الأحكام السلطانية للمأوردى ص226، منتهى الارادات ج2 ص 478، المغنى ج8 ص 324، 326، حاشية الدسوقى على الدردير ج4 ص355، المدونة ج16 ص49، 50 تبصره الحكام لابن فرحون ج2 ص184 وص 207 الطبعة الأولى بمصر، المحلى ج11 ص206، 207، الروضة البهية ج2 ص389، البحر الزخار ج5 ص211. (76) سورة الأنفال:60. (77) المحلى ج10 ص414 -415. (78) حاشية ابن عابدين ج3 ص242. (79) نهاية المحتاج ج8 ص61. (80) المغنى ج8 ص448، ج8 ص409. (81) حاشية الدسوقى ج2 ص177 -178، ج3 ص7 (82) المرجع السابق ج1 ص332. (83) الروضة البهية ج1 ص219. (84) البحر الزخار ج5 ص398. (85) ج7 ص631. (86) ج7 ص633. (87) ج7ص483. (88) متن التنوير والدر وحاشية أبن عابدين ج5 ص146. (89) البدائع ج5 ص 146. (90) أبن عابدين ج5 ص37 (91) المرجع السابق ج5 ص 242. (92) ج5 ص216 مع حاشية ابن عابدين. (93) الاقناع للخطيب وحاشية البجرمى ج4 ص32. (94) حاشية البجرمى على الإقناع ج3 ص8. (95) ج3 ص 384. (96) حاشية الدسوقى مع شرح الدردير ج4 ص334. (97) المرجع السابق ج4 ص18. (98) المرجع السابق ج3 ص10. (99) المغنى ج 5ص 278، منتهى الارادات ج1 ص256. (100) المغنى ج8 ص 273. (101) المغنى ج4 ص223. (102) المغنى ج5 ص 502. (103) المحلى ج9 ص66 -68. (104) سورة الأنعام:119. (105) المرجع السابق ج9 ص29 -30. (106) الروضة البهية ج1 ص271. (107) البحر الزخار ج3 ص300. (108) المرجع السابق ج4 ص174. (109) شرح النيل ج7 ص200. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 آمة الآمة فى اللغة (1) هى الشجة التى تفضى إلى أم الدماغ وأم الدماغ جلدة رقيقة مفروشة عليه متي انكشفت عنه مات من أصابه ذلك غالبا. ولا يختلف معنى الآمة فى الفقه عن معناها اللغوى، ومن ذلك قول الحنابلة: الآمة والمأمومة شىء واحد. قال ابن عبد البر: أهل العراق يقولون لها الآمة، وأهل الحجاز: المأمومة، وهى الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ. سميت أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه. فإذا وصلت إليها سميت آمة ومأمومة ويوافقهم فى هذا الاستعمال الحنفية والشافعية والمالكية والظاهرية والشيعة والجعفرية والزيدية. (2) ويزيد الإباضية فيطلقون على الأمة أيضا. " الناقبة " و " اللآمة " لما فيها من معنى اللفظين (3) . أحكام الآمة حكم القصاص فى عمدها قال الإمام مالك فى " الموطأ ": الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيها قود (أى قصاص) وعلق عليه شارحه أبو الوليد. الباجى فقال: " وبهذا قال أكثر الفقهاء، وهو المروى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، قال ابن المواز: أجمع جميع الفقهاء على ذلك إلاَ ربيعة. والدليل على ما نقوله أن معني القصاص أن يحدث عليه مثل ما جني، ولما كان الغالب من هذه الجناية أنها لا تقف على ما انتهت اليه فى المجني عليه بل تؤدى إلى النفس (أى إلى إزهاقها) لم يجز القصاص فيها لأن قصد القصاص يكون قصدا إلى أتلاف النفس ". وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية وهو الراجح فى مذهب الإمامية (4) . وقد خالفه فى ذلك أبو محمد على بن حزم الظاهرى (5) إذ يرى أنه يقتص فى عمد الآمة كما يقتص من سائر جراح العمد إلا أن يعفو صاحب الحق ويتصالح لأن النص عام فى قوله تعالى: (والجروح قصاص ((6) بضم الحاء، وفى قوله تعالى: (والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ((7) (وماكان ربك نسيا ((8) . فلو علم الله تعالى أن شيئا من ذلك لا يمكن فيه مماثلة لما أجمل لنا أمره بالقصاص فى الجروح جملة ولم يخص شيئا منها. الحكم فى الآمة: الحنفية والمالكية والحنابلة والزيدية يقولون: يجب فى الآمة ثلث الدية لا فرق بين عمدها وخطئها ويستدلون بما ورد فى كتاب النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل اليمن وهو الذى رواه عمرو بن حزم عن أبيه من قوله " وفى المأمومة ثلث الدية " وبأدلة أخرى (9) يقررها ابن قدامة. والراجح فى مذهب الشافعية (10) أنه لا يجب فيها إلا ثلث الدية خلافا لمن يرى أن فيها مع الثلث حكومة (ما يقدره خبير وهو الأرش المقدر) لخرق غشاوة الدماغ كما أن فى الجائفة الثلث والحكومة. والإباضية يقولون (11) : فى المأمومة ثلث الدية ويفرقون بين الخطأ والعمد فيقولون " ولا تأديب فى الخطأ ولا قصاص، وأما العمد ففيه التأديب ولو بتعزير أو نكال مع الأرش أو العفو " وأما ابن حزم الظاهرى (12) : فيرى أنه لا تجب دية فى شىء مما دون النفس خطأ ويقول بعد تقريره أن القصاص واجب فى كل ما كان بعمد من جرح أو كسر. وبقى الكلام: هل فى ذلك العمد دية يتخير المجنى عليه فيها أو فى القصاص أم لا وهل فى الخطأ فى ذلك- دية مؤقتة (أى معينة من الشارع مبينة) أما لا؟ قال على (يعني نفسه) : فنظرنا فى هذا فوجدنا الله تعالى يقول: " وليس عليكم جناح فيما خطأتم به، ولكن ما تعمدت. قلوبكم (13) " وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ان الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . وقال الله تعالى: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ألا أن تكون تجارة عن تراض منكم (14) (. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) فصح بكل ما ذكرنا أن الخطأ كله معفو عنه لا جناح على الإنسان فيه، وإنما الأموال محرمة، فصح من هذا ألا يوجب على أحد حكم فى جنايه خطأ، ألا أن يوجب ذلك نص صحيح أو إجماع متيقن وإلا فالأموال محرمة والغرامة ساقطة لما ذكرنا. الحكم فى الآمة تقع على العبد: الحنفية (15) : إذا جنى أحد على العبد آمة ففى المذهب قولان: أحدهما وهو الصحيح وظاهر الرواية أن أرشها ثلث قيمة العبد بالغة ما بلغت. الثانى: وهو الذى فى عامة الكتب وجزم به فى الملتقى أن الأرش هو ثلث القيمة غير أنه لا يزاد على ما يجب للحر من الدية بل يجب أن ينقص ثلثه عن ثلث دية الحر بثلاثة دراهم وثلث درهم، وذلك أخذا بأثر ابن مسعود الذى يقرر أنه " لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم " وهذا كالمروى عن النبى - صلى الله عليه وسلم- لأن المقادير لا تعرف بالقياس، وإنما طريق معرفتها السماع من صاحب الوحى. ولما كان المقدر نقصه فيما يقابل بالدية الكاملة من قيمة العبد هو عشرة دراهم كان الذى ينقص من الثلث إذا بلغ ثلث الدية هو ثلاثة دراهم وثلث درهم. وفى مذهب الحنابلة (16) : إذا كان الفائت بالجناية على العبد مؤقتا فى الحر ففيه عن أحمد روايتان إحداهما أن فيه ما نقصه بالغا ما بلغ، وذكر أبو الخطاب أن هذا هو اختيار الخلال. والأخرى: وهى ظاهر المذهب أن فيه من القيمة بمقدار ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة تقع على العبد ثلث قيمته ... وفى مذهب الشافعية (17) : قولان كما فى مذهب الحنابلة، أرجحهما أن فى الجناية على العبد من القيمة ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة ثلث القيمة. والقول الثانى: وهو القديم، ان فيها ما نقص من القيمة نظرا إلى انه مال. اما المالكية والزيدية والإمامية والإباضية فيرون أن ما وجب فيه للحر ثلث الدية كالأمة فيه ثلث القيمة من العبد (18) . ويرى ابن حزم الظاهرى (19) : أنه إذا جنى أحد على عبد أو أمة خطأ ففى ذلك ما نقص من قيمته بأن يقوم صحيحا مما جنى عليه ثم يقوم كما هو الساعة ويكلف الجانى أن يعطى مالكه ما بين القيمتين وإذا جنى أحد عليهما عمدا. ففى ذلك القود وما نقص من قيمتهما، أما القود فللمجنى عليه وأما ما نقص من القيمة فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله. الواجب فى الآمة يحدثها العبد: يقول الحنفية (20) : إذا جنى عبد جناية دون النفس) كالآمة مثلا (عمداً أو خطأ فمولاه بالخيار بين أن يدفعه إلى ولى الجناية فيملكه بجنايته وبين أن يفديه بأرشها، وذلك لما روى عن ابن عباس أنه قال: " إذا جنى العبد فمولاه بالخيار ان شاء دفعه وإن شاء فداه ".. واختلفوا هل الواجب الأصلى هو دفع العبد او هو فداؤه على قولين أولهما هو الصحيح كما فى الهداية والزيلعى، ويترتب على القول الأول أن يسقط الواجب بموت العبد، وعلى القول الثانى " أن السيد لو اختار الفداء ولم يقدر عليه أداه متى وجد ولا يبرأ بهلاك العبد. وإذا فدى السيد عبده ثم جنى العبد بعد ذلك جناية أخرى فحكمها كالأولى بالتفصيل الذى ذكرناه لأنه لما فداه عن الأولى صارت كان لم تكن، وكانت الجناية الث انية كالمبتدأة، فإن جنى جنايتين دفعه بهما الى وليهما أو فداه بأرشهما " والمالكية يقولون: إذا جنى الآمة عبد على حر فثلث الدية فى رقبة العبد أى أن العبد تتعلق جنايته بنفسه لا بذمته ولا بذمة سيده، فهو فيما جنى، فإن شاء سيده أسلمه فيها وأن شاء فداه بأرشها ولا يطالب السيد ولا العبد بشئ إذا زاد ثلث الدية عن قيمته. وإذا كانت جناية العبد على عبد فكذلك غير أن الثلث. الواجب هنا هو ثلث قيمة العبد المجنى عليه فيخير سيد العبد الجانى بين ان يسلم عبده لولى الجناية أو يفديه (21) . والشافعية يقولون (22) : إذا جنى العبد جناية موجبة للمال ومنها الآمة تعلق المال برقبته لا بذمته والسيد بالخيار بين بيعه بنفسه أو تسليمه للبيع وبين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية فان لم يفعل باعه القاضى وصرف الثمن الى المجنى عليه وإذا سلمه للبيع وكان الأرش يستغرق قيمته بيع كله وإلا فبقدر الحاجة إلا أن يأذن التقيد أو لم يوجد من يشترى بعضه. والحنابلة يقولون (23) ": إذا جنى العبد آمة أو غيرها فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه فإن كانت الجناية أكثر من قيمته لم يكن على سيده كثر من قيمته. وقال ابن قدامة تعليقا عليه وتعليلا للحكم فى الموضع نفسه: هذا فى الجناية التى تودى بالمال أما لكونها لا توجب إلا المال وأما لكونها موجبة للقصاص فعفا عنها إلى المال، فان جناية العبد تتعلق برقبته، إذ لا بخلو من أن تتعلق برقبته او ذمته أو ذمة سيده أو لا يجب شىء، ولا يمكن إلغاؤها لأنها جناية آدمى فيجب اعتبارها كجناية الحر، ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه، فجناية العبد أولي، ولا يمكن تعلقها بذمته لأنه أفضى إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غايته، ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعلقها برقبة العبد. ولأن الضمان موجب جنايته فتعلق برقبته كالقصاص ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته فما دون أو كثرا، فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفدية بأرش جنايته أو يسلمه الى ولى الجناية فيملكه، لأنه إن دفع أرش الجناية فهو الذى وجب للمجنى عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذى تعلق الحق به " ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها، وإن طالب المجنى عليه بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه لما ذكرنا. وأن دفع السيد عبده فأبى الجانى قبوله، وقال بعه وأدفع إلى ثمنه فهل يلزم ذلك؟ على روايتين، وأما إن كانت الجناية كثر من قيمته ففيه روايتان: إحداهما: أن سيده يخير بين أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته وبين أن يسلمه. والرواية الثانية: يلزمه تسليمه إلا أن يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت. والزيديه (24) : - عندهم روايتان عن على إحداهما إذا جنى العبد جناية لا قصاص فيها ومنها الآمة لا يلزم سيده أكثر من ثمنه فإذا اختار ولى الدم الأرش فليس على سيده الا تسليم قيمته فقط ما لم تعد دية الحر. وهذا مذهب الهادى والمؤيد وحجته ما رواه زيد بن على عن أبيه عن جده عن على قال فى جناية العبد لا يلزم سيده أكثر من ثمنه ولا يبلغ بدية عبد دية حر والأخرى أن السيد بخير بين تسليم العبد للمجنى عليه فيسترقه وبين أن يسلم له كل الأرش بالغا ما بلغ. وقد روى هذه الرواية الأخيرة محمد ابن منصور بأسانيده عن الحارث عن على ولا شىء على السيد إن امتنع المجنى عليه من قبول العبد، فلو باعه أو اعتقه بعد ذلك لم يلزمه إلا قدر قيمته والزائد على العبد يطالب به إذا اعتق بخلاف ما إذا باعه او أعتقه قبل ذلك فانه يكون اختيار منه لالتزام الأرش فيلزمه جميعه، وكذا لو أخرجه عن ملكه بأى وجه من وجوه التصرف بعد علمه بالجناية فهو مختار وعليه الأرش وتصرفه صحيح وأن كان لا يعلم فعليه الأقل من- قيمته ومن أرش الجناية وأن مات العبد قبل ان يختار سيده لم يلزم المولى شىء من أرش الجناية. ويقول الإمامية (25) : جناية العبد تتعلق برقبته ولا يضمنها المولى، وللمولى فكه بأرش الجناية ولا تأخير لمولى المجنى عليه ولو كانت الجناية لا تستوعب قيمته تأخير المولى فى دفع الأرش أو تسليمه ليستوفى المجنى عليه قدر الجناية استرقاقا أو بيعا. والإباضية يقولون (26) : إذا أحدث العبد جرحا (كآمة) مثلا فان كان الأرش الواجب فيها مساويا لقيمة العبد أو أكثر كانت لرب العبد الخيار فى أن يعطيه العبد الجانى أو يعطيه قيمته وإن كان للأرش الواجب أقل من نفس العبد كان للمجنى عليه أرشه الواجب له فقط، وهو هنا الثلث ثلث الدية إن كانت الجناية على حر وثلث- القيمة إن كانت الجناية على عبد. ويرى ابن حزم الظاهرى (27) : أن جناية العبد التى يترتب عليها مال هى فى مال العبد أن كان له مال، فإن لم يكن له مال ففى ذمته يتبع به حتى يكون له، مال فى رقَه أو بعد عتقه وليس على سيده فداؤه لا بما قل ولا بما كثر ولا إسلامه فى جنايته ولا بيعه فيها.   (1) لسان العرب مادة (أمم) . (2) المغنى فى فقه الحنابلة ج9 ص 446 طبعة المنار بمصر سنه 1348، الاختيار شرح المختار لابن مودود الموصلى الحنفى طبعة الحلبى سنة 1355 بمصر ج2 ص 372، الأنوار فى فقه الشافعى للإردبيلى المطبعة اليمنية بمصر سنة 1326 ج2 ص 253، وشرح اللمعة الدمشقية فى فقه الإمامية للعاملى مطبوع بمصر سنة 1378 ج2 ص 442، الروض النضير فى فقه الزيدية للصنعانى مطبعة السعادة بمصر سنة 1349 ج4 ص 257، والمحلى لابن حزم الظاهرى مطبعة منير بمصر سنة 135 2 ج10 ص 461. (3) كتاب النيل فى فقه الإباضية ج8 ص10 (4) انظر شرح الباجى على الموطأ مطبعة السعادة بمصر سنة 1332 ج7 ص88 وبهامشه الموطأ، الدور المختار طبع استانبول ج5 ص512 فى عدم القصاص وص 510 فى ترتيب الشجاع والأنوار ج2 ص253 والمغنى ج9 ص446، والمختصر النافع للجعفرية طبع مصر سنة 1378 ص315، والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج2ص442، وشرح الروض النضير ج4 ص258 وشرح كتاب النيل ج2ص208 (5) المحلى ج10ص461 (6) سورة المائدة:45. (7) سورة البقرة:194 (8) سورة مريم:64 (9) المغنى ج9 ص646، الاختيار شرح المختارج22 ص، 174وأقرب المسالك ج2ص372 والروض التفسير ج4 ص257، 258. (10) شرح المنهاج طبعة الحلبى ج4 ص133. (11) كتاب النيل ج 8 ص13 (12) المحلى ج10 ص403 وما بعدها. (13) سورة الأحزاب:5 (14) سورة النساء:29 (15) الدر المختار ج5 ص547 وحاشية ابن عابدين عليه (16) المغني ج9ص667 (17) شرح المنهاج ج4 ص144 (18) المالكية أقرب المسالك ج2 ص383.الزيدية الروض النضير ج4 ص270. الإمامية المختصر النافع ص317. الإباضية كتاب النيل ج8ص58 (19) المحلى ج 8 ص 142، 149. (20) الدر المختار ج5، ص 539، وحاشية ابن عابدين علية (21) شرح أقرب المسالك للدر دير ج2 ص 370، والباجى على الموطأ ج7 ص 21 وشرح أبى الحسن على رسالة أبى زيد القيروانى وحاشية العدوى علية ج2 ص 337. (22) الأنوار للإردبيلى ص 279 (23) مختصر الإمام أبى القاسم الخرقى - متن المغنى ج9 ص 511، 512 من الطبعة السالفة الذكر (24) الروض النضير ج4 ص 283، 284 (25) المختصر الناقع ص 317 (26) النيل ج8 ص189. (27) المحلى ج8 ص155، 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 آنية مدلول الكلمة: جاء فى المصباح: الإناء والآنية الوعاء والأوعية وزنا ومعني، والأوانى جمع الجمع هذا المعنى يستعمله الفقهاء فى كتب المذاهب. حكم استعمال الآنية: جمهور الفقهاء على حظر استعمال آنية الذهب والفضة فى الوضوء وغيره، وفى استعمال غيرها تفصيل تختلف المذاهب فى بعضه باختلاف أنواع الآنية وجواهرها، وسنورد ما يصور ذلك فى المذاهب. قال الأحناف (1) : لا يجوز. الأكل والشرب والإدهان والتطيب فى آنية الذهب والفضة للرجال والنساء، وكذا لا يجوز الأكل بملعقة الذهب والفضة، وكذلك المكحلة والمحبرة وغير ذلك. وأما الآنية من غير الذهب والفضة فلا بأس بالأكل والشرب فيها والإدهان والتطيب منها والانتفاع بها للرجال والنساء كالحديد والصفر والنحاس والرصاص والخشب والطين ولا بأس باستعمال آنية الزجاج والرصاص والبللور والعقيق وكذا الياقوت ويجوز الشرب فى الإناء المفضض عند أبى حنيفة إذا كان يتقى موضع الفضة بحيث لا يلاصقه الفم ولا اليد وقال أبو يوسف يكره ذلك وعن محمد روايتان إحداهما مع الإمام والأخرى مع أبى يوسف وعلى هذا الخلاف فى الإناء المضبب بالذهب والفضة. وأما التمويه فلا بأس به إجماعا فى المذهب وفى متن التنوير وشرحه وحاشيته (2) : التصريح بكراهة الأكل والشرب والدهان والتطيب ونحو ذلك من آنية الذهب والفضة وأن محل الكراهة إذا استعملت ابتداء فيما صنعت له بحسب متعارف الناس وإلا فلا كراهة حتي لو نقل الطعام من إناء الذهب الى موضع آخر أو صب الماء أو الدهن فى كفه لا على رأسه ابتداء ثم استعمله فلا بأس به. وقال صاحب الدر (3) : ان محل الكراهة فيما يرجع للبدن وأما لغيره تجملا بأوان متخذة من ذهب او فضة فلا بأس به بل فعله السلف. ونقل ابن عابدين عن جماعة من فقهاء الأحناف القول بأن نقل الطعام منها إلى موضع آخر استعمال لها ابتداء وأخذ الدهن باليد ثم صبه على الرأس استعمال متعارف. وقد نص (4) صاحب التنوير على كراهة إلباس الصبي ذهبا أو حريرا، وعلله الشارح بأن ما حرم لبسه وشربه حرم إلباسه وأشرابه ومقتضاه كراهة استعمال آنية الذهب والفضة للصبية بواسطة غيرهم. أما المالكية (5) : فيصرحون بتحريم استعمال إناء الذهب والفضة فى كل من الأكل والشرب والطبخ، والطهارة مع صحة الصلاة بها، كما يصرحون بحرمة الاقتناء - أى اقتناء إناء الذهب والفضة- ولو لعاقبة دهر وبحرمة التجمل على المعتمد خلافا للأحناف ويقولون: إن المغشى ظاهره بنحاس أو رصاص والمموه أى المطلى ظاهره بذهب أو فضة فيه قولان مستويان عندهم. وفى حرمة استعمال واقتناء الإناء المضبب أى المشعب بخيوط من الذهب أو الفضة وذى الحلقة من ذهب أو فضة قولان أيضا: وفى حرمة استعمال واقتناء إناء الجوهر النفيس كزبرجد وياقوت وبلور قولان، والجواز هو الراجح وهو ما قال به الأحناف. والشافعية يوافقون الأحناف فى التصريح بعدم جواز استعمال شئ من أوانى الذهب والفضة للرجل والمرأة، ويستدلون بقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تشربوا فى آنية الذهب والفضة ولا تنالوا فى صحافها ". وقياس غير الأكل والمشرب عليهما. ويقول البجرمى: أن سائر وجوه الاستعمال مقيسة على الأكل والشرب فى عدم الجواز ولو كان الاستعمال على وجه غير مألوف كأن كب الإناء على رأسه واستعمل أسفله فيما يصلح له ثم قال وفهم من عدم الجواز الاستئجار على الفعل وأخذ الأجرة على الصنعة وعدم الغرم على الكاسر كآلة اللهو لأنه أزال المنكر. وقال صاحب الإقناع: ويحرم على الولى أن يسقى الصغير بمشفط من إنائهما ثم قال ولا فرق بين الإناء الصغير والكبير (6) . ويوافق الشافعية المالكية فى حرمة اقتناء آنية الذهب والفضة فيصرح الخطيب بقوله: وكما يحرم استعمالهما يحرم اتخاذهما من غير استعمال لأن ما لا يجوز استعماله يحرم اتخاذه، ويرون حل استعمال كل أناء طاهر ليس من الذهب والفضة سواء كان من نحاس أو غيره، فإن موه إناء من نحاس أو نحوه بالنقد ولم يحصل منه شئ، أى لم يزد على أن، يكون لونا أو موه النقد بغيره أو صدئ مع حصول شىء من المموه به أو الصدى حل استعماله لقلة المموه فى الأولى فكأنه معدوم، ولعدم الخيلاء فى الثانية. ثم أكد التعميم (7) فى إباحة آنية غير الذهب والفضة بقوله: ويحل استعمال واتخاذ النفيس كياقوت وزبرجد وبللور، وصرح بأن ما ضبب من أناء بفضة ضبة كبيرة حرم استعماله وأتخاذه أو صغيرة بقدر الحاجة فلا تحرم. ويقول البجرمى: إن من الاستعمال المحرم أخذ ماء الورد منها لاستعماله ولو بصب غيره أو كان الذهب على البزبوز فقط. ثم قال: نعم، أن أخذ منه بشماله ثم وضع الماء فى يمينه واستعمله جاز مع حرمة الأخذ منه لأنه استعمال حينئذ، وذهب بعضهم الى عدم الحرمة. والحنابلة ينصون على حرمة استعمال آنية الذهب والفضة دون خلاف عندهم، وعلل لذلك ابن قدامه (8) بأنه يتضمن الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وعندهم خلاف فى صحة الوضوء والاغتسال من آنية الذهب والفضة، فيقول بعضهم تصح طهارته لأن فعل الطهارة وماءها لا يتعلق بشيء من ذلك ويقول بعضهم: لا تصح لأنه استعمل المحرم فى العبادة كالصلاة فى الأرض المغصوبة، وقالوا لو جعل آنية الذهب والفضة مصبا للوضوء ينفصل الماء عن أعضائه إليه صح الوضوء0 قال ابن قدامة: ويحتمل أن تكون ممنوعة لتحقق الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء.. وهم كالشافعية والمالكية يحرمون إتخاذ آنية الذهب والفضة لعلة أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه. ويقولون فى المضبب بالذهب والفضة أن كان كثيرا فهو محرم بكل حال. وأما اليسير من الذهب والفضة فأكثر الحنابلة (9) على أنه لا يباح اليسير من الذهب إلا إذا دعت اليه ضرورة، وأما الفضة فيباح منها اليسير لما روى عن أنس أن قدح النبى - صلى الله عليه وسلم- إنكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. رواه البخارى. ولأن الحاجة تدعو إليه وليس فيه سرف ولا خيلاء قال القاضى " أبو يعلى " يباح ذلك مع الحاجة وعدمها إلا أن ما يستعمل من ذلك بذاته لا يباح كالحلقة وما لا يستعمل كالضبة يباح. وقال أبو الخطاب لا يباح اليسير إلا لحاجة لأن الخبر ورد فى شعب القدح فى موضع الكسر، وهو لحاجة، ويفسرون الحاجة بأن تدعو حاجة الى ما فعله به وان كان غيره يقوم مقامه. ثم صرح بأن سائر الآنية بعد ذلك مباح اتخاذا واستعمالا ولو كانت ثمينة كالياقوت والبلور، ولا يكره "استعمال شىء منها فى قول العامة. قال صاحب المغنى: إلا أنه روى عن ابن عمر أنه كره الوضوء من الصفر والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك، وأختاره المقدسى لأن الماء يتغير فيها. ويقول ابن حزم الظاهرى (10) : لا يحل الوضوء ولا الغسل ولا الشرب ولا الأكل لرجل ولا لامرأة فى إناء عمل من عظم ابن آدمي ولا فى إناء عمل من عظم خنزير ولا فى إناء من جلد ميتة قبل الدبغ ولا فى أناء فضة أو ذهب، وكل أناء بعد هذا من صفر أو نحاس أو رصاص أو قصدير أو بلور أو ياقوت أو غير ذلك فمباح أكلا وشربا ووضوءا وغسلا للرجال والنساء. ثم قال والمذهب والمضبب بالذهب حلال مساء دون الرجال لأنه ليس أناء ذهب أو فضة، وكذلك المفضض والمضبب. والزيدية (11) : يصرحون كالمالكية والحنابلة بتحريم استعمال آنية الذهب والفضة فى الوضوء وغيره، ويصح التوضؤ منه وإن عصى (أى مستعملها) لانفصال الطاعة بالوضوء منفصلة عن المعصية بالاستعمال. وفى اقتنائها وجهان، وقال يحيى أصحهما المنع للخيلاء. وفى الياقوتة ونحوها وجهان أصحهما كالذهب لنفاسته. قال يحيى: وكذلك الزجاج والخشب والنحاس إذا عظم بالصنعة والزخرفة قدرها للخيلاء. وقالوا لا يحرم الإناء من المدر (طين متماسك لا يخالطه رمل) ومالم يعظم بالصنعة قدره ويكره الرصاص والنحاس المطعم بالذهب والفضة والمفضض والمموه والمضبب والجعفرية قالوا (12) : بحرمة استعمال أوانى الذهب والفضة فى الأكل والشرب والوضوء والغسل وتطهير النجاسات وغيرها من سائر الاستعمالات حتي وضعها على الرفوف للتزين بل يحرم اقتناؤها من غير استعمال ويحرم بيعها وشراؤها وصياغتها وأخذ الأجرة عليها، بل نفس الأجرة حرام، لأنها عوض محرم، وإذا حرم الله شيئا حرم ثمنه وقالوا ان الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلا، وأما إذا لم يكن كذلك فلا يجرم كما إذا كان الذهب والفضة قطعا منفصلات لبس بهما الإناء من الصور داخلا أو خارجا. ولا بأس بالمفضض أو المطلى أو المموه بأحدهما نعم يكره استعمال المفضض بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضة. ولا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما إذا لم يصدق عليه اسم أحدهما. ويحرم ما كان ممتزجا منهما وأن لم يصدق عليه اسم أحدهما، وكذا ما كان مركب منهما بأن كان قطعة منه ذهبا وقطعة فضة وقالوا إن المراد بالأواني ما يكون من قبيل الكأس والكوز والصينى والقدر والفنجان وما يطبخ فيه القهوة وكوز الغليان والمصفاة ونحو ذلك. وقالوا إن الأحوط فيما يشبه ذلك الاجتناب وذلك كقراب السيف والخنجر والسكين وقاب الساعة وظرف الغالية (أى المسك) وظرف الكحل، ويقولون إنه لا فرق فى حرمة الأكل والشرب. من آنية الذهب والفضة بين مباشرتهما لفمه أو أخذ اللقمة منها ووضعها فى الفم، وكذا إذا وضع ظرف الطعام فى الصينى من أحدهما وكذا لو فرغ ما فى الإناء من أحدهما فى ظرف آخر لأجل الأكل والشرب لا لأجل التفريغ فإن الظاهر حرمة الأكل والشرب لأن هذا يعد استعمالا لهما فيهما. ونقل الطباطبائى عن بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه فصب الشاى من القدر المصنوع من الذهب أو الفضة فى الفنجان وأعطاه شخصا آخر فشرب فإن الخادم والآمر عاصيان، والشارب لا يبعد أن يكون عاصيا، ويعد هذا منه استعمالا، وقالوا إذا كان المأكول أو المشروب فى آنية من أحدهما ففرغه فى ظرف آخر بقصد التخلص من الحرام لا بأس به ولا يحرم الشرب والأكل بعد هذا. وقالوا إذا انحسر ماء الوضوء أو الغسل فى إحدى الآنيتين وأمكن تفريغه فى ظرف آخر وجب وإلا سقط وجوب الوضوء والغسل ووجب التيمم وإن توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء أخذ الماء منهما بيده أوصبه على محل الوضوء بهما أو انغمس فيهما وأن كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ فى ظرف، ومع ذلك توضأ أو اغتسل منهما فالأقوى البطلان لأنه وإن لم يكن مأمورا بالتيمم إلا أن الوضوء أو الغسل حينئذ يعد استعمالا لهما عرفا فيكون منهيا عنه بل الأمر كذلك لو جعلهما محلا لغسالة الوضوء لأن ذلك يعد فى العرف استعمالا. وقالوا إنه لا فرق فى الذهب والفضة بين الجيد والردىء والمعدنى والمصنوع والمغشوش والخالص إذا لم يكن الغش إلى أحد يخرجها عن صدق الاسم وإن لم يصدق الخلوص أما إذا توضأ أو اغتسل من أناء الذهب أو الفضة مع الجهل بالحكم أو الموضوع صح، أما الأوانى من غير الجنسين فلا مانع منها وإن كانت أعلى وأغلى كالياقوت والفيروز، وكذلك الذهب الفرنكى لأنه ليس ذهبا. وقالوا إنه إذا اضطر إلى استعمال آنية الذهب والفضة جاز إلا فى الوضوء والاغتسال فإنه ينتقل الى التيمم، وإذا دار الأمر فى حالة الضرورة بين استعمالها واستعمال المغصوب قدمهما. وقالوا لا يجوزاستعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة من الأكل والشرب والوضوء والغسل، بل الأحوط عدم استعمالها فى غير ما يشترط فيه الطهارة أيضا بل وكذا سائر الانتفاعات غير الاستعمال، فإن الأحوط ترك جميع الانتفاعات منها، وأما ميتة ما لا نفس له كالسمك ونحوه فحرمة استعمال جلده غير معلوم وإن كان أحوط وكذا لا يجوز استعمال المغصوبة مطلقا والوضوء والغسل منها مع العلم باطل، نعم لوصب الماء منها فى ظرف مباح فتوضأ أو أغتسل صح وأن كان عاصيا من جهة تصرفه فى المغصوب، وأما أواني المشركين وسائر الكفار فإنها طاهرة ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة التى تسرى إليها بشرط ألا تكون من الجلود، ولا يكفى الظن فى ذلك، وإلا فمحكومة بالنجاسة إلا إذا علم تذكية حيوانها أو علم سبق يد مسلم عليها، وكذا غير الجلود. أما ما لا يحتاج إلى التذكية فطاهر إلا مع العلم بالنجاسة، ويجوز عندهم استعمال أوانى الخمر بعد غسلها وإن كانت من الخشب أو القرع أو الخزف غير المطلى بالقير ونحوه فلا يضر نجسة باطنها بعد تطهير ظاهرها داخلا وخارجا، ويكفى تطهير الداخل. نعم يكره استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه إلا إذا غسل على وجه يطهر باطنه. وجاء فى الفقه الإباضى (13) : "وكره الوضوء من المشمس " الذى سخن ماؤه فى الشمس. " أو من إناء ذهب، أو فضة، أو صفر " بضم فسكون نحاس، ولو أبيض، وذلك كله للإسراف " وقيل " التوضؤ " من الأولين " الذهب والفضة " حرام "، فيعاد. والقولان فى الرجل والمرآة جميعا لأن المحلل للنساء ليس الذهب لا الشرب فيه ونحو الشرب بدليل كراهة الفضة أو تحريمها أيضا عليها وعليه فى الوضوء. والذى أقول أن ما فيه فخر يكره أيضا مثل أناء القزدير فيكره مطلقا ولو لم يفخر به سدا للذريعة اختلاط الأوا نى: قال الأحناف (14) : إذا تجاوزت أوان بكل منها ماء واشتبه الشخص فيها- لأن بعضها طاهر وبعضها نجس- فإن كان أكثرها طاهراً وأقلها نجس فإنه يتحرى لكل من الوضوء والاغتسال، وإن تساوت الأوانى 0 فكان عدد الطاهر مثل عدد النجس- فانه يعدل عنها ويتيمم لفقد المطهر قطعا، وإن وجد ثلاثة رجال ثلاثة أوان أحدهما نجس، وتحرى كل " أناء"، جازت صلاتهم وحدانا، وكذا يتحرى مع كثرة الطاهر لأوانى الشرب لأن المغلوب كالمعدوم وإن اختلط إناءان ولم يتحر وتوضأ بكل وصلى صحت إن مسح فى موضعين من رأسه لا فى موضع لأن تقديم الطاهر مزيل للحدث. وأما إن كان أكثر الأوانى نجسا فإنه لا يتحرى إلا للشرب لنجاسة كلهما حكما للغالب فيريقها عند عامة المشايخ ويمزجها لسقى الدواب عند الطحاوى ثم يتيمم. وأما مسلك المالكية (15) فإنهم قالوا إذا اشتبه طهور بمتنجس كما لو كان عنده جملة من الأواني تغير بعضها بتراب طاهر وتغير بعضها بتراب نجس واشتبهت هذه بهذه فان مريد التطهير يصلى صلوات بعدد أوانى النجس كل صلاة بوضوء وزيادة إناء ويبني على الأكثر أى يجعل الأكثرهو النجس فإن كان عنده ستة أوان علم أن أربعة منها من نوع واثنتين من نوع وشك هل الأربعة من نوع النجس أو من نوع الطهور فانه يجعلها من النجس ويصلى خمس صلوات بخمس وضوءات هذا إذا اتسع الوقت وإلا تركه ويتيمم. ولو اشتبه طهور بطاهر، أى غير مطهر كالماء المستعمل. فانه يتوضأ بعدد الطاهر وزيادة إناء ويصلى صلاة واحدة ويبني على الأكثر أن شك. وأما الشافعية (16) : فإنهم يقولون إن الاشتباه فى الأوانى يقتضى الاجتهاد مطلقا ولو قل عدد الطاهر كإناء من مائة وجوبا إن لم يقدر على طهور بيقين، وجوازا إن قدر على طهور بيقين، إذ العدول إلى المظنون مع جواز المتيقن جائز. وللحنابلة فى هذا المقام تفصيل (17) خلاصته، أن الأواني المشتبهة لا تخلو من حالين: أحدهما: ألا يزيد عدد الطاهر على النجس فلا خلاف فى المذهب أنه لا يجوز التحرى فيها بل يريقها ويتيمم، فهم كالأحناف فى هذا. الثانى: أن يكثر عدد الطاهر فذهب بعضهم إلى جواز التحرى لأن الظاهر إصابة الطاهر لأن جهة الإباحة قد ترجحت فجاز التحرى، وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز التحرى فيها بحال، وهو قول أكثر أصحابه. ثم قال ابن قدامة (18) : إذا أشتبه طهور بماء قد بطلت طهوريته توضأ من كل واحد وضوءا كاملا وصلى بالوضوءين صلاة واحدة، وقال أنه لا يعلم فى ذلك خلافا لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين فلزمه كما لو كانا طهورين ولم يكف أحدهما وهذا غير ما لو كان أحدهما نجسا لأنه ينجس أعضاءه بيقين فلا يأمن أن يكون النجس هو الثانى فإن احتاج إلى أحد الإناءين فى الشرب تحرى وتوضأ بالطهور عنده ويتيمم معه ليحصل له اليقين. ويقول ابن حزم (19) : إن كان بين يدى المتوضىء إناءان فصاعدا، فى أحدهما ماء طاهر بيقين وسائرها نجس أو فيها واحد نجس وسائرها طاهر ولا يميز من ذلك شيئا فله أن يتوضأ بأيها شاء ما لم يكن على يقين من أنه قد تجاوز عدد الطاهرات وتوضأ بما لا يحل الوضوء به لأن كل ماء منها فعلى أصل طهارته على انفراده. فإذا حصل على يقين التطهر فيما لا يحل التطهر به فقد حصل على يقين الحرام فعليه أن يطهر أعضاءه إن كان ذلك الماء حراما استعماله جملة،. فإن كان فيها واحد " معتصر " لا يدريه لم يحل له الوضوء بشىء منها لأنه ليس على يقين من أنه توضأ بماء واليقين لا يرتفع بالظن. وأما الزيدية (20) فيقولون كالشافعية: إن التحرى مشروع عند لبس الطاهر بالنجس مطلقا لوجوب العمل بالظن. ونقل صاحب البحر عن الأكثر- العترة والأئمة الأربعة- أنه لابد فى التحرى من اجتهاد بأمارة من ترشيش أو غيره فإن أريقت الأنية كلها إلا واحدا فوجوه، أصحها تبين طهارة الباقى رجوعا إلى الأصل وقيل يتيمم إذ لا تحرى إلا بين اثنين وقيل يتحرى فى الباقى لإمكانه. وإذا ظن قبل الصلاة أن الذى توضأ به هو النجس يتيمم لبطلان الأول فإن وجد أناء تيقن طهارة مائه ترك الملتبس حتما إذ لا يكفى الظن مع إمكان اليقين، ونقل عن الأكثر أن له التحرى. ونقل عن المنصور بالله وبعض البغداديين أنه إذا التبس قراح (أى طهور) بطاهر غير مطهر استعملها لتيقن الامتثال. وهذا النقل كالذى سبق عن المالكية ونقل عن الخرسانيين أنه يتحرى فى هذا أيضا. ولم نقف للجعفرية على كلام فى مسألة اختلاط الأوانى. الإباضية: وإن اختلط إناء نجس أو اثنان أو أكثر بإناء طاهر أو إناءين أو أكثر، تطهر بأحدهما وأمسك عن ثوبه حتى يجف بدنه ثم يصلى ثم بأخر كذلك إلى آخرها ويصادف الطاهر ولابد أن يتطهر بعد لا مكان أن يكون ختم بالنجس، وذلك خطأ، لأنه يتنجس بأحدها ويتوضأ بلا غسل النجس إن كان يتوضأ وكذا الاغتسال إلا أن ينوى بالمرتين غسل النجس إن كان ما قبله نجسا عند الله وبالمرة بعد دفع الحدث أو ينوى الأولى مثلا أن كان ظهر عند الله ما قبلها. وقيل يتحرى أحدها فيستعمله وهو خطأ إذ لا يعمل على شك. والصواب أن يتيمم. وزعم بعض أنه جلطها كلها فلا يبقى معه طاهر فيكون غير واجد وهو ضعيف. وقيل إن كانت طاهرة إلا واحدا تطهر بواحد ولزمه شراء الماء أو الآلة بالثمن فى محله أو أقل لا بأكثر (21) . تطهير الأوانى: قال الحنفية (22) : تطهر الآنية المصقولة التى لا مسام لها من النجاسة بمسح يزول به أثرها مطلقا سواء كانت النجاسة لها جرم أو لا رطبة ويابسة، مع أن الأصل فى التطهير عندهم هو الماء. ولم تذكر المذاهب الأخرى تطهيرا للآنية بغير الماء إلا ما ذكر من خلاف فى أهاب الحيوان. ونقل ابن عابدين عن الخانية أن الظاهر أن اليابسة ذات الجرم تطهر بالحت والمسح. بما فيه بلل ظاهر حتى يذهب أثرها. وقالوا (23) فى سؤر الكلب أنه نجس ويغسل الإناء من ولوغه فيه ثلاثا (انظر سؤر طهارة) . ويقول المالكية (24) : بكراهة استعمال إناء ولغ فيه الكلب وماؤه قليل ولو تحققت سلامة فمه من النجاسة، وعندهم (25) قول فى المذهب بأن مسح الصقيل وتدخل فيه بعض الآنية مطهر له (انظر سؤر) . ويقول الشافعية (26) : ما تنجس- بملاقاة شىء من الكلب سواء كان بجزء منه أو من فضلاته غسل سبعا إحداهن بالتراب. وقالوا إن الخنزير كالكلب فى الأظهر لأنه أسوأ حالا منه. وقال الحنابلة (27) : كل إناء حل فيه نجاسة من ولوغ كلب أو بول أو غيره فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب. وعن أحمد أنه يجب غسلها ثمانية إحداهن بالتراب، فإن جعل مكان التراب غيره من الأشنان والصابون والنجاسة ففيه وجهان (انظر سؤر) . المذهب الظاهرى (28) : يقول ابن حزم أن تطهير الإناء إذا كان لكتابى مما يجب التطهير منه يكون بالماء، إذا لم يجد غير ذلك الإناء سواء علم فيه نجاسة أو لم يعلم فإن كان إناء مسلم فهو طاهر فان تيقن فيه ما يلزمه اجتنابه فبأى شىء أزاله كائنا ما كمان من الطاهرات إلا أن يكون لحم حمار أهلي أو ودكه أو شحمه أو شينا منه فلا يجوز أن يطهر إلا بالماء، فإن ولغ فى الإناء كلب مطلقا صغيرا أو كبيرا كلب صيد او غيره غسل بالماء سبع مرات ولابد أولاهن بالتراب مع الماء فإن كل الكلب فى الإناء أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع بكله فيه لم يلزم غسل الإناء ولا إراقة ما فيه (انظر سؤر) . الجعفرية (29) : يطهر الإناء المتنجس بصب الماء عليه مرتين. ويكفى صب الماء فيه بحيث يصيب النجس وإفراغه منه ولو بآلة لا تعود اليه ثانيا إلا طاهرا، وإن ولغ فى الإناء كلب قدم علق الغسلتين بالماء مسحه بالتراب الطاهر دون غيره مما أشبهه وألحق بولوغ الكلب لطمه الإناء دون مباشرته له بسائر أعضائه، وقالوا لو تكرر الولوغ تداخل كغيره من النجاسات ويستحب غسله سبع مرات خروجا من خلاف من أوجبها كما تستحب السبع عندهم فى الفأرة والخنزير. الزيديه (30) : نقل صاحب البحر عن العترة والشافعى وأصحابه أن طهارة الصقيل كالخشن بالغسل خلافا للأحناف الذين قالوا تطهر بالمسح. ونقل (31) عند كلامه عن سؤر الكلب أنه يكفى عند العترة التثليث بالغسل من ولوغ الكلب. الإباضية: وكل إناء تنجس وإن بكونه من ذمى احتج إليه واستحسن التعجل بإزالة النجس وأن يمسح عند تعذر الماء. والنطفة والغائط والقىء إذا خالطا أناء فيصح غسلها منه ولو رطوبات غير مقشرات ولا مخلوطات بتراب؟ ويصعب فى مصنوع كقصعة وفخار أن سبق النجس إليه قبل كل مائع هل يطهر بالماء ثلاثا بإبقائه فيه كل مرة يوما وليلة ثم يراق أو ليلا فقط فيراق نهارا ويصل فى الشمس فارغا إلى الليل أو بماء واحد يوما وليلة أو لا حد فى ذلك إلا غلبة الظن بالطهارة وبلوغها حيث بلغ النجس أقوال (32) . ويقولون: يسن غسل أناء ولغ فيه الكلب غير المعلم على الصحيح سبعا أولاهن وأخراهن بتراب، وصحح الجواز بثلاث كغيره. الضمان: نقصر الكلام فيما يتعلق بالضمان فى الآنية على ما له أحكام خاصة فى المذاهب التى أفردت أحكامها لبعضها كآنية الذهب والفضة وآنية الخمر وهو ما قاله ابن حزم الظاهرى (33) وهو مذهب الشافعية (34) مذهب الحنابلة (35) : من كسر آنية من ذهب أو فضة لم يضمنها لأن اتخاذها محرم وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه يضمن فإن بعضهم نقل عنة فيمن هشم على غيره إبريقا فضة علية قيمته بصوغه وكان قيل له أليس قد نهى النبى عن اتخاذها فسكت، والصحيح أنه لا ضمان علية، نص علية أحمد فى رواية المرزوى فيمن كسر إبريق فضة أنه لا ضمان علية لأنه اتلف ما ليس بمباح فلم يضمن كالميتة، ورواية البعض السابقة تدل على أنة رجع عن قولة بعدم الضمان لكونه سكت حين ذكر لسائل تحريمه، وإن كسر آنية الخمر ففيها روايتان: أحدهما: يضمنها لأنة مال يمكن الانتفاع به ويحل بيعة كما لو لم يكن فيها خمر، ولأن كون جعل الخمر فيها لا يقتضى سقوط ضمانها كالبيت الذى جعله مخزنا للخمر. والثانية: لا يضمن لما روى احمد فى سنده بسنده لعبد الله بن عمر قال: أمرنى رسول الله أن آتيه بمدية فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال اغد بها على ففعلت، فخرج بأصحابه الى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام فأخذ المدية منى فشق ما كان تلك الزقاق بحضرته كلها، وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معى ويعاونونى، وأمرني أن آتى الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت. يقول الشافعى (36) : فى إناء الخمر إن بلغ نصابا ولم يقصد - آخذه - بإخراجه إراقتها، وقد دخل بقصد السرقة قطع به على الصحيح أما لو قصد بإخراج الإناء تيسر إفساد الخمر وإن أخرجه بقصد السرقة فلا قطع. يقول الأحناف (37) : أنه لا قطع إناء الخمر ولو كان ذهبا لأن الإناء تابع ولم يقطع فى المتبوع. فكذا فى التبع. وفى رواية عن أبى يوسف انه يقطع ورجحة فى الفتح فيما تعاين ذهبيتة بأن الظاهر إن كلا مقصود بالأخذ بل أخذ الإناء أظهر (38) ويقول الشيعة الجعفرية (39) : يجب على صاحب آنية الذهب والفضة كسرها، وأما غيره إن علم إن صاحبها يقلد من يحرم اقتناءها أيضا وإنهما من الأفراد المعلومة فى الحرمة يجب علية نهيه. وإن توقف على الكسر يجوز له كسرها ولا يضمن قيمة صياغتها نعم لو اتلف الأصل ضمن وإن احتمل أن يكون صاحبها ممن يقلد من يرى جواز الإقتناء أو كائنا مما محل خلاف فى كونه آنية أم لا. لا يجوز له التعرض له.   (1) حاشية ابن عابدين ج5 ص 238 (2) حاشية ابن عابدين على شرح الرد لمتن التنوير ج5 ص 252 (3) حاشية ابن عابدين ج5 ص 238 (4) حاشية ابن عابدين على شرح الرد لمتن التنوير ج5 ص 252 (5) شرح الدردير مع حاشية الدسوقى ج1 ص 64 المطبعة الأزهرية بمصر. (6) الجوهرة النيرة على مختصر القدوري ج 2ص383 طبع إستامبول سنة 1301هجرية (7) حاشية ابن عابدين ج5 ص236 المطبعة الميمنية سنة 1307هجرية (8) الاقناع وحاشية البجرمى ج1 ص 101، 102 طبعة القاهرة. (9) الاقناع وحاشية البجرمى ج1 ص 104 (10) المغنى ج1 ص 75، 77 (11) المغنى ج1 ص 78 طبعة دار المنار سنة 1376هجرية (12) المحلى ج1 ص 391 مطبعة الإمام بالقاهرة. (13) البحر الزخار ج 1 ص41 مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1366هجرية. (14) مستمسك العروة الوثقى الطبعة الثانية بالنجف سنة 1336 هجرية ال آية الله العظمى الطباطبائى ج2 ص130 وما بعدها (15) شرح النيل ج1ص53، 54. (16) حاشية الطحطاوى ج1 ص21. (17) المغنى ج1ص60. (18) المرجع السابق ص63. (19) المحلى ج2 ص225 (20) البحر الزخار ج1 ص39 (21) شرح النيل ج2 ص 298 (22) الدر وحاشية ابن عابدين ج1 ص 226 (23) الهداية ج1 ص 12 (24) حاشية الدسوقى ج1 ص 43 (25) المرجع السابق ص 43 (26) نهاية المحتاج ج1 ص 234 (27) المغنى ج1 ص 52 (28) المحلى ج1 ص 92 فما بعدها (29) الروضة البهية ج1 ص 20 (30) البحر الزخار ج1 ص 18 (31) المرجع السابق 20 (32) شرح النيل ج1ص243، 285، 286، 287 (33) محلى ج7 ص 171. (34) نهاية المحتاج ج5 ص 166 (35) المغنى ج5 ص 278 (36) نهاية المحتاج ج7 ص 421 (37) ابن عابدين ج3 ص 315 (38) الاختيار ج3 ص 63 طبعة الحلبى سنة 1355 هجرية (39) مستمسك العروة الوثقى ج2 ص 155، 156 مطبعة النجف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 آية معنى الآية فى اللغة: قال فى القاموس: الآية العلامة، والشخص والجمع آيات وآى، والعبرة والإمارة، ومن القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه (1) . الآية فى الاصطلاح: قيل الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها ليس بينها شبه بما سواها. وقال ابن المنير فى البحر: ليس فى القرآن كلمة واحدة آية إلا " مدهامتان ". وقال بعضهم: الصحيح أنها إنما تعلم بتوقيف من الشارع لا مجال للقياس فيه كمعرفة السورة. فالآية، طائفة حروف من القرآن علم بالتوقيف بانقطاعها معنى عن الكلام الذى قبلها وعن الكلام الذى بعدها (2) . هل البسملة آية من القرآن أو بعض: لاخلاف بين علماء المسلمين فى أن البسملة الواردة فى سورة النمل من قوله تعالى: " أنه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم (3) " ليست آية كاملة بل هى بعض آيه. وإنما الخلاف بينهم فى البسملة الواردة فى أوائل السور ما عدا براءة. ففى المجموع للنووى قال: هناك رواية للإمام أحمد أنها ليست من الفاتحة (4) . وفى المجموع أيضا قال مذهبنا (أى الشافعية) أن بسم الله الرحمن الرحيم آية كاملة بلا خلاف، وليست فى أول براءة بإجماع المسلمين، وأما باقى السور غير الفاتحة وبراءة ففى البسملة فى أول كل سورة منها ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون وأشهرها، وهو الصواب أو الأصوب: أنها آيه كاملة والثانى أنها بعض آية. والثالث أنها ليست بقرآن فى أوائل السور غير الفاتحة. والمذهب أنها قرآن فى أوائل السور غير براءة (5) . ثم قال فى المجموع: واحتج أصحابنا بأن الصحابة رضى الله عنهم أجمعوا على إثباتها فى المصحف جميعا فى أوائل السور سوى براءة بخط المصحف بخلاف الأعشار وغيرها فإنها تكتب بمداد أحمر، فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها بخط المصحف من غير تمييز، لأن ذلك يحمل على اعتقاد إنها قرآن فيكونون مغررين بالمسلمين حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، فهذا مما لا يجوز اعتقاده فى الصحابة رضى الله عنهم (6) . وفى حاشية الصفتى للمالكية (7) : قال وذهب الإمام مالك وجماعة إلى أن البسملة ليست فى أوائل السور من القرآن أصلا، وإنما هى للفصل بين السور. والدليل على ذلك أحاديث كثيرة منها ما رواه مالك والبخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم. والحديث القدسى الذى رواه مالك فى الموطأ ومسلم فى صحيحه- واللفظ له - عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج (8) ثلاثا غير تمام فقيل لأبى هريرة: إنا نكون وراء الإمام فقال: اقرأ بها فى نفسك، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: (قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين، ولعبدى ما سأل. فاذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى: حمدنى عبدى وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: اثنى على عبدى. وإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدنى عبدى وقال مرة: فوض إلى عبدى. إذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل. فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدى. ولعبدى ما سأل) (9) . قال النووى فى شرح مسلم: وهذا من أوضح أدلة المالكية. وعند الحنابلة: قال فى كشاف القناع: وليست بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة. جزم به أكثر الأصحاب وصححه ابن الجوزى وابن تميم. وصاحب الفروع وحكاه القاضى إجماعا لحديث " قسمت الصلاة ". ولو كانت آيه لعدها وبدأ بها ولما تحقق التنصيف وقال أيضا إنها ليست آية من غير الفاتحة (10) . وعند الإمامية: قال فى تذكرة الفقهاء: البسملة آية من الحمد ومن كل سورة عدا براءة وفى النمل آية (أى فى أولها) وبعض آية أى فى وسطها، وذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية " الحمد لله رب العالمين" آيتين. وقال عليه الصلاة والسلام: إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها من أم الكتاب، وإنها من السبع المثانى. وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ومن طريق الخاصة قول الصادق وقد سأله معاويه بن عمار: إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فى فاتحه الكتاب؟ قال نعم: قلت فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة قال: نعم. وقد أثبتها الصحابة بخط المصحف مع تشددهم فى عدم كتابة ما ليس من القرآن فيه. ومنعهم من النقط والتعشير (11) . وعند الزيدية قال فى البحر الزخار: والبسملة آية إذ هى فى المصاحف ولم يثبت فيها (أى المصاحف) غير القرآن. ثم قال: وهى آية من كل سورة لانفصالها معنى وخطا ولفظا ... وهى سابعة الفاتحة قطعا لتواترها معها خطا ولفظا. ويؤيد ذلك ما روى عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: كم الحمد آية؟ قال: سبع آيات. قلت: فأين السابعة؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم وعن ابن عباس أيضا: " ولقد آتيناك سبعا من المثانى (12) " قال: فاتحة الكتاب.. ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم. وقال: هى السابعة. وحكى فى الكشاف إنه قال: من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية (13) . وعند الظاهرية قال ابن حزم فى المحلى: ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم آيه من القرآن لم تجزه الصلاة إلا بالبسملة. وهم عاصم ابن أبى النجود وحمزة والكسائى وعبد الله بن كثير وغيرهم من الصحابه والتابعين رضى الله عنهم. ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن فهو مخير بين أن يبسمل وبين إلا يبسمل وهم ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب. وفى بعض الروايات عن نافع (14) . وعند الحنفية: قال الإمام أبو بكر الحصاص فى أحكام القرآن: ولا خلاف بين علماء الأمة وقرائها إن البسملة ليست بآيه تامة فى سورة النمل وإنها هناك بعض آية، وإن ابتداء الآية من قوله سبحانه " أنه من سليمان "، ومع ذلك فكونها ليست بآية تامة فى سورة النمل لا يمنع أن تكون آية تامة فى غيرها، لأنا نجد مثل ذلك فى مواضع من القرآن ألا ترى أن قول الله تعالى " الرحمن الرحيم " فى ثنايا سورة الفاتحة آية تامة وليست بآيه تامة من قوله عز وجل " بسم الله الرحمن الرحيم " باتفاق الجميع. وكذا قوله سبحانه " الحمد لله رب العالمين " آية تامة فى أول الفاتحة. وبعض آية فى قوله تعالى: " وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين (15) "، وإذا كان كذلك احتمل أن تكون بعض آية فى فصول السور، واحتمل أن تكون آية، فالأولى أن تكون آية تامة من القرآن من غير سورة النمل، لأن التى فى سورة النمل ليست بآية تامة باتفاق الأمة والدليل على أنها آية تامة حديث ابن أبى مليكة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها فى الصلاة فعدها آية. وفى لفظ آخر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان - يعد بسم الله الرحمن الرحيم آية فاصلة، كما رواه الهيثم بن خالد فثبت بهذا إنها آيه إذ لم تعارض هذه الأخبار أخبار غيرها فى كونها آية (16) . وعند الإباضية: فى كتاب النيل وشفاء العليل. والبسملة آية من كل سورة على المختار (17) . آية البسملة فى بدء القراءة: قال الإمام أبو بكر الجصاص: وافتتاح القراءة بالبسملة أمر ورد مصرحا به فى أول وحى قرآنى أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: " اقرأ باسم ربك الذى خلق " فقد أمر سبحانه فى افتتاح القراءة بالتسمية كما أمر بتقديم الاستعاذة أمام القراءة فى قوله تعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (18) "، والبسملة وإن كانت خبرا فإنها تتضمن معنى الأمر. لأنه لما كان معلوما أنه خبر من الله عز وجل بأنه يبدأ باسم الله ففيه أمر لنا بالابتداء به والتبرك بافتتاحه لأنه سبحانه إنما أخبرنا به لنفعل مثله (19) . آى فاتحة الكتاب سبع: وهل تقرأ البسملة معها فى الصلاة؟ فى تفسير القرطبى: أجمعت الأمة على ان فاتحة الكتاب سبع آيات إلا ما روى عن حسين الجعفى انها ست وعن عمرو بن عبيد أنها ثمانى آيات، ويؤيد ما أتفقت عليه الأمة من أن الفاتحة سبع آيات، قوله تعالى: " ولقد آتيناك سبعا من المثانى والقرآن العظيم ". وقوله صلى الله عليه وسلم: فيما يروية عن ربه عز وجل: "قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ... الحديث "، وبه يرد على هذه الأقوال. وفى الإتقان للسيوطى: ويردها أيضا ما أخرج الدار قطنى بسند صحيح عن عبد خير قال: سئل على كرم الله وجهه عن السبع المثانى، فقال: الحمد لله رب العالمين. فقيل له: إنما هى ست آيات فقال: بسم الله الرحمن الرحيم آية. وأما قراءة البسملة مع الفاتحة فى الصلاة فاختلف الفقهاء فيها على النحو الآتى: - فكان أبو حنيفة وأصحابه يقولون بقراءتها فى الصلاة سرا، لا يرون الجهر بها لامام ولا لمنفرد، بعد الاستفادة وقبل فاتحة الكتاب تبركا بها فى الركعة الأولى كالتعوذ، باتفاق الروايات عن أبى حنيفة، وذلك مسنون فى المشهور عند أهل المذهب. وصحح الزاهدى وغيره وجوبها كما فى البحر الرائق، وقال ابن عابدين فى حاشيته على البحر ناقلا عن النهر، والحق أنهما قولان مرجحان فى المذهب، إلا أن المتون على الأول. واختلف الحنفية فى الإتيان بها فى كل ركعة، ولأبى حنيفة رحمه الله روايتان: الأولى: ما رواه محمد بن الحسن والحسن بن زياد أنه قال: إذا قرأها فى أول ركعة عند ابتداء القراءة لم يكن عليه أن يقرأها حتى يسلم، لأنها ليست من الفاتحة عندنا، وإنما تفتح القراءة بها تبركا، وذلك مختص بالركعة الأولى شأنها شأن الاستعاذة. الثانية: ما رواه المعلى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة أنه يأتى بها فى كل ركعة وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، وهو أقرب الى الاحتياط لاختلاف العلماء والأثار، ولأن التسمية وأن لم تجعل من الفاتحة قطعا بخبر الواحد، لكن خبر الواحد يوجب العمل فصارت من الفاتحة عملا (20) . وقالت المالكية: تكره البسملة فى صلاة الفرض لكل مصل، إماما كان أو مأموما أو منفردا، سرا كانت الصلاة أو جهرا، فى الفاتحة وغيرها، قال ابن عبد البر: هذا هو المشهور عن الإمام مالك رضى الله عنه وبه وردت السنة المطهرة، وعليه عمل الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم. قال أنس رضى الله عنه: صليت خلف رسول الله صلى عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى، فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم اسمعهم يبسملون. وقيل بإباحتها، وقيل بندبها، وقيل بوجوبها. قال القرافى وغيره: الورع البسملة أول الفاتحة للخروج من الخلاف. ثم قال: ومحل كراهة الإتيان بالبسملة إذا لم يقصد الخروج من خلاف المذاهب فإن قصده فلا كراهة (21) . وفى حاشية الصفتى. قال: وأما التسمية فى النافلة فجائزة مطلقا فى السر والجهر، فى الفاتحة والسورة (22) . وعند الشافعية: آيه البسملة تفرض قراتها مع الفاتحة، لأنها آية مكملة لها فلا تكمل الفاتحة بدونها. قال فى شرح الإقناع: " الرابع من أركان الصلاة قراءة الفاتحة فى كل ركعة، وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها لما روى إنه صلى الله عليه وسلم عد الفاتحة"سبع آيات، وعد بسم الله الرحمن الرحيم آيه منها " رواه البخارى فى تاريخه. وروى الدار قطنى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قرأتم الحمد لله فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم، انها أم الكتاب وأم القرآن والسبع المثانى، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها ". وروى ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم عد بسم الله الرحمن الرحيم آية،. والحمد الله رب العالمين ... إلى آخرها ست آيات (21) . مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة فى المغنى: واختلفت الروايات فى البسملة عن الإمام أحمد، هل هى آية من الفاتحة تجب قراءتها فى الصلاة أو لا؟ فعنه إنها من الفاتحة، لحديث أم سلمة وحديث أبى هريرة " إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم ". ولأن الصحابه إثبتوها فى المصحف، ولم يثبتوا بين الدفتين سوى القرآن. وروى عن الامام احمد إنها ليست من الفاتحة، ولا آية من غيرها، ولا تجب قراءتها فى الصلاة. وهى الرواية المقصودة عند أصحابه، والدليل على أنها ليست آيه من الفاتحة حديث " قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين.. إلخ (22) ". مذهب الإمامية: قالوا البسملة آية من الحمد ومن كل سورة، عدا براءة أى فتجب قراءتها فى الصلاة. قال فى تذكرة الفقهاء: البسملة آية من الحمد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم، وعدها آيه ... إلى آخر الحديث وقال عليه الصلاة والسلام: " إذا قرأتم الحمد فاقراوا بسم الله الرحمن الرحيم ... إلخ " (23) وفى مجمع البيان للطبرسى قال: اتفق أصحابنا على ان بسم الله الرحمن الرحيم آيه من سورة الحمد وان من تركها فى الصلاة بطلت صلاته سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا (24) . وعند الزيدية: البسملة آية من الفاتحة أى"فتجب قراءتها مع الفاتحة وتبطل الصلاة بتركها. قال فى البحر الزخار (وهى أى البسملة) سابعة الفاتحة قطعا لتواترها معها خطأ ولفظا ويؤيده الأخبار التي سبق الاستدلال بها على أنها آية من الفاتحة فى مذهبهم. ، فى فقه الإباضية من كتاب النيل: قال " ولزمت البسملة مع الفاتحة وهى أية من أول كل سورة على المختار سرا فى سر، وجهرا فى جهر. وإن تعمد تركها أعاد صلاته. وأن تذكر البسملة فى ركوع مضى. وهل يرجع إليها إن ذكرها فى قراءة ما لم يتم الفاتحة أو السورة؟ قولان ... ويعيدها ما قرأ إن رجع " (25) . مذهب الظاهرية: سبق ذكر رأى صاحب المحلى فى هذا عند الكلام على كونها آيه من كل سورة. الآيات التى يطلب قراءتها مع الفاتحة فى الصلاة وحكم البسملة معها: قال فى البدائع: والواجب عند الحنفية آية طويلة أو ثلاث آيات قصار أو سورة تعدل ثلاث آيات من أى جهة من القرآن شاء لما روى " لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وسورة معها " وفى رواية " وشىء معها ". ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأقل السور ثلاث آيات. وفى فقه الإباضية: فرض الصلاة قراءة سورة مع الفاتحة بمحل الجهر على خلاف فى مقدار هذه السورة (26) . وعند المالكية: قال فى الشرح الصغير وسن قراءة آية (أى بعد الفاتحة) واتمام السورة مندوب ويقوم مقام الآية بعض آيه طويلة له بال أى شأن نحو " الله لا إله إلا هو الحى القيوم (27) "، ولايكفى قراءة ذلك قبل الفاتحة. وإنم ا يس ن ما زاد على أم القرآن فى الركعة الأولى والثانية إذا اتسع الوقت فإن ضاق بحيث يخشى خروجه بقراءتها لم تسن بل يجب تركها لإدراكه (28) . وعند الشافعية: يسن قراءة سورة ولو قصيرة فى الركعتين الأوليين من كل صلاة ولو نفلا بعد الفاتحة وذلك هيئة من هيئات الصلاة ولو تركها لا يسجد للسهو عنها. ففى شرح الوجيز للرافعى قال: ويسن للإمام والمنفرد قراءة سورة بعد. الفاتحة فى ركعتى الصبح والأوليين من سائر الصلوات، وهذأ يتأدى بقراءة شىء من القرآن لكن السورة أحب حتى أن السورة القصيرة أولى من بعض سورة طويلة (29) وعند الحنابلة: قال فى كشاف القناع: " ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة كاملة "، ولا خلاف بين أهل العلم فى استحباب قراءة سورة مع الفاتحة. فى الركعتين الأوليين من كل صلاة وتجزىء آية، إلا أن استحب أن تكون الأيه طويلة، كآية الدين وآيه الكرسى، لتشبه بعض السور القصار (30) . وعند الإمامية، قال فى المختصر النافع: " وفى وجوب سور مع الحمد فى الفرائض للمختار مع سعة الوقت وإمكان التعلم قولان أظهرهما الوجوب " (31) . عند الزيدية: قال فى الروض النضير: ذهب القاسم والهادى والمريد بالله واختاره صاحب النجوم، ويحكى عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعثمان بن إبى العاص الى أنه لابد من شىء مع الفاتحة. فقال الهادى: ثلاث آيات لتسمى قرآنا. وقال القاسم والمزيد بالله أو آية طويلة. واحتجوا بحديث أبى داود والنسائى. " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا " (32) ومذهب الظاهرية: قال ابن حزم فى المحلى: " والجمع بين السور فى ركعة واحدة فى الفرض والتطوع أيضا حسن، وكذا قراءة بعض السور فى الركعة فى الفرض والتطوع أيضا حسن الإمام والفذ " (33) . هل الآية الواحدة تكفى فى الصلاة بدل الفاتحة؟ مذهب جميع الأئمة فرضية قراءة الفاتحة فى الصلاة ما عدا مذهب الحنفية غير أن أبا حنيفة رحمه الله قال فيمن لا يحسن إلا آية واحدة لا يلزمه تكرارها بل يكفيه قراءتها مرة واحدة. وقال صاحباه لابد من ثلاث آيات. أما مذهب الحنفية فان الفرض الذى تصح به الصلاة هو مطلق القراءة وعند أبى حنيفة يكفى قراءة آية ولو قصيرة وعند الصاحبين لابد من قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة بمقدارها. اما العاجز فقد قال فى منية المصلى: " ومن كان لايحسن إلا قراءة آية واحدة من القرآن لا يلزمه تكرار تلك الآية عند أبى حنيفة، وعندهما يلزمه التكرار ثلاث مرات. بناء على أن مذهبهما أن صحة الصلاة تتوقف على قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة تبلغ هذا المقدار من القراءة (34) . ثم قال: وأما القادر على قراءة آيه واحدة لو كرر نصف تلك الآية مرتين أو كرر كلمة مرارا حتى بلغ قدر آيه لا يجوز عند أبى حنيفة. وكذا القادر على قراءة ثلاث آيات لو كرر آية ثلاث مرات لا يجوز عندهما لأن التكرار لا يؤدى معنى المجموع من القرآنية فلا تجزىء عنه عند القراءة (35) . قراءة الآية بغير العربية فى الصلاة مذهب الأئمة جميعا ما عدا الحنفية أنه لا تجزئ القراءة بغير العربية فى الصلاة مطلقا، سواء كان قادرا على العربية أم عاجزا عنها. أما الحنفية فقد قال فى الهداية " ثم جواز الصلاة وصحتها كما يثبت بالقراءة بالعربية يثبت بالقراءة بغيرها فارسية كانت أو غير فارسية وهو الصحيح من مذهب أبى حنيفة " (36) وزاد فى المبسوط سواء كان يحسن العربية أو لا يحسنها، فالقراءة جائزة غير أنه يكره أن كان يحتقن العربية، وقال أبو يوسف ومحمد إن كان لايحسن العربية يجوز. وإن كان يحسن العربية لا يجوز. هل يغنى عن الآية أو الآيات شئ من الذكر أو الدعاء فى الصلاة عند الشافعية والظاهرية: من عجز عن الفاتحة وغيرها من القرأن يأتى بذكر ودعاء بدلها وإن عجز عن الذكر والدعاء سكت بمقدار الفاتحة وليسع فى تعلمها وجوبا. وعند الزيدية: من لا يحسن الفاتحة يسبح الله ويذكره بدل الفاتحة. قال فى الروض النضير: سألت زيد ابن على عن الأمى الذى لا يحسن أن يقرأ كيف يصلى؟ فقال: يسبح ويذكر الله تعالى ويجزئه ذلك (37) . وعند المالكية: إن لم يجد معلما أو لم يقبل التعليم يأتم بمن يحسنها. فإن لم يجد إماما سقطت القراءة عنه (38) . وعند الإمامية: قال فى المختصر النافع: ولو عجز سبح الله وكبره وهلله بقدر القراءة (39) . وعند الإباضية: أن قرأ القرأن بغير العربية أو قرأ غير القرآن فسدت الصلاة (40) . آيات سجود التلاوة: تسمى سجود القراءة وسجود العزائم، كما فى المصباح. وعزائم السجود ما أمر بالسجود فيها وعدد آيات سجود. التلاوة عند الأحناف والشافعية والحنابلة والظاهرية أربع عشرة سجدة إلا أن بينهم خلافا فى تعيينها سنذكره إن شاء الله بعد. وعند المالكية: عددها إحدى عشرة سجدة لأنهم يقولون ليس فى المفصل منها شىء. وعند الإمامية والزيدية: إن آى السجود فى أربع سور من القرآن: ا- حم السجدة، فصلت. 2- ألم، تنزيل (41) . 3- سورة النجم. 4- وسورة اقرأ. تعيين آيات السجود عند غير الإمامية والزيدية: اتفق الفقهاء ما عدا الإمامية والزيدية على عشرة مواضع: 1- آخر سورة الأعراف وهى قوله تعالى: " إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون ". 2- فى سورة الرعد وهى قوله تعالى " ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ". 3- فى سورة النحل وهى قوله " ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ". 4- فى سورة الإسراء وهى قوله تعالى: " إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ". 5- فى سورة مريم وهى قوله تعالى: " أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا وأجتبينا، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ". 6- الأولى من سورة الحج وهى قوله تعالى: " ألم تر أن الله يسجد له من فى السموات ومن فى الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب، ومن يهن الله فما له من مكرم، ان الله يفعل ما يشاء". 7- فى سورة الفرقان وهى قوله تعالى: " وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ". 8- فى سورة النمل وهى قوله تعالى: " ألا يسجدوا لله الذى يخرج الحبء فى السموات والأرض، ويعلم ما تخفون وما تعلنون. الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ". 9- فى سورة ألم تنزيل، السجدة، وهى قوله تعالى: " إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون ". 10- فى حم، فصلت، السجدة وهى قوله تعالى: " ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا للشمس ولا للقمر، واسجدوا لله الذى خلقهن إن كنتم إياه تعبدون، فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون " وأما الآيات التى أختلف فيها الأئمة فهى آيه " ص " والآية الأخيرة من سورة الحج، والآيات الثلاث التى فى المفصل، واليك بيان مذاهبهم فيها: فأما المالكية: فاعتبروا آيه " ص " هى الحادية عشرة، وهى قوله تعالى " وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا واناب " واقتصروا فى عد آيات السجود على ذلك، ولم يعدوا منها آيات المفصل الثلاثة كما سبق. وأما الأحناف فانهم وإن وافقوا المالكية فى عد آية " ص " من آيات السجود إلا أنهم زادوا على المالكية ثلاث آيات فى المفصل وهى ما يأتى: 1- فى سورة النجم وهى قوله تعالى: " أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون. وأنتم سامدون. فاسجدوا لله واعبدوا". -2- فى سورة الانشقاق، وهى قوله تعالى: " فما لهم لا يؤمنون. واذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ". 3- فى سورة العلق، وهى قوله تعالى: " كلا لا تطعه واسجد واقترب " ... فهى عندهم أربع عشرة سجدة وآية " ص " منها. وأما الشافعية: فقالوا أيضا: انها أربع عشرة سجدة ولم يعدوا آية " ص ". منها، بل عدوا بدلها الآيه التى فى آخر سورة الحج وهى قوله تعالى: " يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ". ووافق الحنابلة الشافعية فى عد لثانية من سورة الحج ولم يعدوا آبه " ص " من عزائم السجود بل اعتبروها كالشافعية سجدة تثكر تسن فى غير صلاة، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " سجدها داود توبة ونسجدها شكرا " رواه النسائى. وأما الظاهرية: فقد وافقوا الأحناف فى عد آيه " ص " ولم يعدوا الآية الأخيرة من سورة الحج. وقد علم مما سبق ان الإمامية (42) والزيدية (43) يعدون آيات السجود أربعا فقط. ويقولون لما روى عن على عليه السلام أنه قال: عزائم القرآن أربع: 1- حم، السجدة، فصلت. 2- الم تنزيل، السجدة. 3- سورة النجم. 4- سورة اقرأ باسم ربك. وسائر ما فى القرآن ان شئت فاسجد، وان شت فاترك وفى رواية ذكر سورة إذا السماء انشقت بدلا من سورة النجم، والذى حكاه فى مجموع زيد بن على عليه السلام نحو الرواية الأولى فقط. ومذهب الإباضية فى آيات السجود: قال فى النيل: " سن للتلاوة والسجود بلا إحرام ولا سلام بعده فى: - خاتمة الأعراف. 2- الرعد. 3- النحل. 4- الا سراء. 5- مريم. 6- الحج. 7- الفرقان. 8- النمل. 9- الم تنزيل. 10- "ص". 11- حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، عند قوله تعالى " لا يسأمون " (44) . حكم قراءة آية أو كتابتها للجنب والحائض والنفساء وحكم مس آية وحملها لغير المتوضئ مذهب الأحناف: قال فى الفتاوى الهندية وغيرها: يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءة شئ من القرآن ولو بالفارسية قل أو كثر، والآية ومادون الآية سواء فى التحريم على الأصح إلا إذا لم يقصد قراءة القرآن بما دون الآية مثل أن يقول الحمد لله عند الخبر السار أو يقصد بذلك شكر نعم الله تعالى عليه، أو يقول بسم الله عند الأكل أو الشرب أو للتبرك بها عند دخول مكان أو بدء عمل، أو سبحان الله عند ألاستحسان أو التعجب، أو يقرأ الآيات التى تشبه الدعاء قاصدا الدعاء لا التلاوة، مثل قوله تعالى: " ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار (45) ".. فإن ذلك لا بأس به. ولو قصد التعليم ولقن الآيه كلمة كلمة مع قطع الكلمات بعضها عن بعض جاز. وكذا التهجى، والحائض والجنب فى ذلك - سواء على ما هو المختار من المذهب (46) . وفى الدر المختار مع حاشية ابن عابدين، وكذا يحرم على من أحدث حدثا أصغر أو أكبر مس أى شىء مكتوب فيه آية أو أقل مثل الدرهم والجدار والورق وكذا المصحف (47) . وعند المالكية: قال. فى الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى، ومنع حدث أصغر أو أكبر مس مصحف سواء كان مصحفا جامعا أو جزءا أو ورقة فيها بعض سورة أو لوحا أو كتفا عليها آية أو آيات مكتوبة (48) . وعند الشافعية: قال ابن حجر، - ويحرم بالحدث الأصغر حمل المصحف ومس ورقه وحواشيه وجلده المتصل به لا المنفصل عنه (49) . مذهب الحنابلة: قال فى كشاف القناع، ويحرم على المحدث ولو أصغر مس مصحف وبعضه ولو من صغير حتى جلد المصحف وحواشيه وما فيه ومن ورق أبيض لأنه يشعله اسم المصحف (50) . مذهب الظاهرية: قال ابن حزم فى المحلى وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز كل ذلك بوضوء وبغير وضوء وللجنب وللحائض (51) . مذهب الإمامية: قال فى تذكرة الفقهاء: يحرم على الجنب قراءة العزائم دون ما عداها ويكره ما زاد على سبع آيات من غيرها. وتتأكد الكراهة فيما زاد على سبعين (52) . مذهب الزيدية: قال فى البحر الزخار ما نصه: ولا يقرأ الجنب والحائض باللسان أو الكتابه المرتسمة ولو بعض آية، ويجوز ما فعل لغير التلاوة، وفى الروض النضير ما يفيد عدم جواز مس المصحف لهما (53) . مذهب الإباضية: قال: فى النيل: والأكثر على منع الجنب من القراءة ومس المصحف (54) ومنع الحائض من القراءة ومس المصحف (55) . حكم قراءة آية أو أكثر أو كتابتها وحملها لدفع ضر أو جلب نفع - وقد ذكر الحافط ابن حجر فى فتح البارى ما يلى: قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: ا- أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته. 2- أن يكون باللسان العربى أو بما يعرف معناه من غيره. 3- أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها (56) (انظر: رقية) وقال الخطيب الشربينى الشافعى فى آخر باب الحيض: ويحرم مس ما فى لدرس قرآن ولو بعض آيه كلوح، لأن القران قد أثبت فيه الدراسة فأشبه المصحف. أما ما كتب لغير الدراسة كالتميمة وهى ورقة يكتب فيها شئ من القرآن وتعلق على الرأس مثلا للتبرك. فلا يحل مسها ولا حملها. ثم قال: ويكره كتابه الحروز (التمائم) وتعليقها ألا اذا جعل عليها وقاية كشمع أو نحوه. ثم قال: ولا يكره كتب شئ من القرآن فى إناء ليسقى ماؤه للشفاء، وأكل الطعام (أى المكتوب عليه قرآن) كشرب الماء لا كراهة فيه (57) . حكم أخذ الاجرة على قراءة آية أو تعليمها قال ابن عابدين فى حاشيته على الدر المختار: واختلف فى أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقال الحاكم من أصحابنا فى كتابه الكافى: ولا يجوز أن يستأجر رجل رجلا ليعلم أولاده القرآن والفقه ... إلخ. ثم قال: وفى خلاصة الفتاوى لا يجوز الاستئجار على الطاعة كتعليم القرآن والفقه والأذان، يعنى لا يجب الأجر. وفى الزيلعى: والفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن، وهو مذهب المتأخرين من مشايخ بلخ، استحسنوا ذلك وقالوا: بنى المتقدمون الجواب على ما شاهدوه من قلة الحفاظ ورغبة الناس، وكان لهم عطيات فى بيت المال، فكانوا يفتون بوجوب التعليم خوفا من ذهاب القرآن. وتحريضا على التعليم فيكثر حفاظ القرآن. وأما اليوم فذهب ذلك كله، واشتغل الحفاظ بمعاشهم، وقل من يعلم حسبة، ولا يتفرغون له أيضا فان حاجتهم تمنعهم من ذلك، فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر لذهب القرآن. فأفتوا بذلك لذلك ورأوه حسنا، وقالوا: الأحكام تختلف بإختلاف الزمان. ألا ترى أن النساء كن يخرجن الى الجماعات فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وفى زمن أبى بكر رضى الله عنه حتى منعهن عمر رضى الله عنه واستقر الأمر عليه وكان ذلك هو الصواب (58) . وقال الصنعانى فى سبل السلام: ذهب الجمهور ومالك والشافعى إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن سواء كان المتعلم صغيرا أم كبيرا ولو تعين تعليمه، عملا بحديث البخارى عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم: " ان أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " (59) . وقال ابن حزم فى المحلى: والإجارة جائزة على تعليم القرأن وعلى تعليم العلم مشاهرة وجملة وكل ذلك جائز، وعلى الرقى وعلى نسخ المصاحف ونسخ كتب العلم لأنه لم يأت فى النهى نص، بل جاءت الاباحة فى حديث " أن أحق ما أخذتم عليه أجرأ كتاب الله (60) وفصلت الإمامية بين الأجر الذى يؤخذ بطريق الاشتراط وبين ما لم يكن مشروطا بل جاء بطريق الإهداء: 1- ففى تذكرة الفقهاء قال: يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحكم والآداب والأشعار وتكره على تعليم القرآن، لحديث " من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة " 2- وورد عن الصادق عليه السلام قال: " المعلم لا يعلم بالأجرة ويقبل الهدية إذا أهدى اليه ". 3- ولا تنافى بين الخبرين لأن الأول محمول على أنه لا يجوز له أن يشارط فى تعليم القرآن أجرا معلوما. والثانى على أنه ان أهدى إليه بشىء، وكرم بتحفة جاز له أخذها (61) . وفى كشاف القناع: ويحرم ولا يصح اجارة على عمل لا يقع الا قربه لفاعله ويصح أخذ جعالة على ذلك كما يجوز أخذه عليه بلا شرط وكذا حكم الرقية (62) . مذهب الإباضية: فى حكم أخذ الأجرة على التعليم والقراء ة، قال فى النيل (63) : " وجاز أخذ عوض على تعليم القرآن وعمل مؤد لنفعه ونفع مؤاجره ". هل تعليم آية او آيات من القرآن يجزئ مهرا الزوجة قال فى البحر الرائق شرح كنز الدقائق: " يجب مهر المثل اذا جعل الصداق تعليم القرآن لأن المشروع إنما هو الابتغاء بالمال.، أى وهو قوله تعالى: " وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين " (64) . والتعليم ليس بمال، وكذا المنافع على أصلنا لأن التعليم عبادة فلا يصح أن يكون صداقا، ولأن قوله تعالى: " فنصف ما فرضتم (65) " يدل على انه لابد أن يكون المفروض مما له نصف حتى يمكنه أن يرجع عليها بنصفه اذا طلقها قبل الدخول بعد القبض، ولا يمكن ذلك فى التعليم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " زوجتكما بما معك من القران " فليست الباء متعينة للعوض لجواز أن تكون للسببية أو للتعليل أى لأجل أنك من أهل القرآن أو المراد ببركة ما معك من القرآن فلا يصلح دليلا (66) . وفى حاشية ابن عابدين الحنفى قال: يجب مهر المثل فيما لو تزوجها على أن يعلمها القرآن أو نحوه، لأن المسمى ليس بمال كما فى البدائع لعدم صحة الاستئجار على الطاعات عند أئمتنا الثلاثة رحمهم الله تعالى ثم قال: ولما جوز الامام الشافعى رحمه الله أخذ الأجرة على تعليم القرآن صح تسميته مهرا (67) . وفى كشاف القناع (68) : وان أصدقها تعليم شئ معين من القرآن لم يصح الإصداق، لأن الفروج لا تستباح إلا بالمال لقوله تعالى: " أن تبتغوا بأموالكم " " ومن لم يستطع منكم طولا (69) " والطول المال، ولأن تعليم القرآن قربة، ولا يصح ان تكون صداقا كالصوم. وحديث الموهوبة معناه زوجتكها لأنك من أهل القرآن. وفى البحر الزخار (70) للزيدية قال: ويصح جعل تعليم القرآن أو بعضه مهرا. فتطالبه بالتعليم على عادة المعلمين، ولها المطالبة بأى السور لاستوائها فى الفضل، فإن سميت بعضا لزمه بعينه لسؤاله صلى الله عليه وسلم خطيب الواهبة عما معه من القرآن فقال البقرة والتى تليها، فقال: " زوجتكها على أن تعلمها عشرين آية " ويصح أصداق الكتابية تعليم القرآن ان رجا إسلامها لقوله تعالى " حتى يسمع كلام الله " (71) . وفى المختصر النافع للإمامية: قال: كل ما يملكه المسلم يكون مهرا عينا كان أو دينا أو منفعه كتعليم الصنعة والسورة ويستوى فيه الزوج والأجنبى (72) . فى المحلى لابن حزم قال: وجائز أن يكون صداقا كل ماله نصف قل أو كثر ولو إنه حبة بر أو حبة شعير أو غير ذلك، وكذا كل عمل حلال موصوف كتعليم شىء من القرآن، أو من العلم أول البناء أو الخياطة أو غير ذلك اذا تراضيا بذلك (73) . الاستماع الى صدى الصوت قال فى غنية المتملى، مذهب الأحناف: ولو تهجى آية السجود لا يجب عليه السجود ولا على من سمعه لأنه تعداد للحروف وليس بقراءة وكذا لايجب بالكتابة أو النظر من غير تلفظ لأنه لم يقرأ ولم يسمع ولو سمعها من الطائر أو الصدى (صدى الصوت) لا يجب السجود لأنها محاكاة (74) (انظر مادة قرآن) . هل الآية الواحدة تسمى قرآنا؟ قال ابن حزم فى المحلى: وبعض الآية والآية قرآن بلا شك (75) . وقال ابن حزم أيضا: ومن الآيات ما هو كلمة واحدة مثل " والضحى. والعصر. والفجر. ومدهامتان " ومنها كلمات كبيرة (76) . وفى البرهان للزركشى: حد الأيه قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ذو مبدأ ومقطع مندرج فى سورة (78) . وقال فى المجموع للنووى: والمذهب أن البسملة قرآن فى أوائل السور غير براءة وأنها آية كاملة بلا خلاف (79) .   (1) ج4 ص302. (2) نهاية المحتاج ج7ص421 (3) ابن عابدين ج3 ص315. (4) ج1 ص166. (5) سورة النمل:30. (6) ج3 ص334. (7) ج3 ص333. (6) ج3 ص335. (8) ص5، 6. (9) الخداج: النقصان. يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج. (10) صحيح مسلم ج4 ص101، 102. (11) ج1 ص223. (12) ج1 ص113 طبع حجر. (13) الحجر:87. (14) ج4 ص244. (15) ج2 ص251. (16) سورة يونس:10. (17) ج1 ص10، 11. (18) ج1 ص60. (19) سورة النمل:98. (20) ج1 ص12. (21) جواهر الأكليل على شرح خليل ج1 ص53. (22) ص188. (23) ج1 ص117، 118. (24) ج1 ص480 (25) ج1 ص113 (26) ج1 ص26 (27) سورة البقرة:255. (28) ج1 ص107. (29) ج3 ص354. (30) ج1 ص228. (31) ج1 ص160. (32) كتاب النيل ج1 ص61. (33) ج1 ص54. (34) ج2 ص22، 23. (35) ج3 ص56. (36) ج3 ص279. (37) ج2 ص200. (38) ج2 ص23. (39) حاشية الصفتى ص147، 148. (40) ص30. (41) النيل ج1 ص62. (42) سورة السجدة. (43) تذكرة الفقهاء ج1 ص115. (44) البحر الزخار ج1 ص343. (45) ج1 ص100 من كتاب النيل. (46) سورة البقرة:200. (47) ج1 ص38، 39. (48) ج2 ص122. (49) ج1 ص135. (50) ص76 -80. (51) ج1 ص100، 101. (52) ج1 ص77. (53) ج1 ص23. (54) ج1 ص103. (55) ج1 ص17. (56) ج1 ص34. (57) ج1 ص153. (58) ج1ص92. (59) ج5 ص124. (60) ج3 ص110. (61) ج8 ص193. (62) من تذكرة الفقهاء باب أنواع الكسب ج1. (63) ج2 ص 300، 301. (64) ج2 ص78. (65) سورة النساء:24. (66) سورة البقرة:237. (67) ج3 ص168. (68) ج2 ص342، 343. (69) ج3 ص77. (70) سورة النساء:24، 25. (71) ج3 ص108. (72) سورة التوبة:6. (73) ص212. (74) ج9 ص494. (75) ج ص 500. (76) ج1 ص78. (77) ج1 ص79. (78) ج1 ص266. (79) ج3 ص333. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 آيس معنى الإياس الإياس كما فى القاموس، القنوط وعدم الرجاء ومثله اليأس، وقد عرفه الفقهاء (1) بأنه أن تبلغ المرأة من السن ما لا تحيض فيه مثلها. سن الإياس يروى عن أب ى حنيفة أن سن الإياس يتحقق بأن تبلغ من السن ما لا تحيض فيه مثلها فإن بلغته وانقطع دمها حكم بإياسها والمماثلة تتحقق بالمشابهة فى تركيب البدن والسمن والهزال ويقول الحنفية: أنه إذا انقطع دمها قبل أن تبلغ هذه السن كالمرضع فى مدة الرضاع فليست بآيس (2) ، وتلك إذا بلغت ذلك السن والدم يأتيها إذا كانت تراه على العادة. وقيل (3) إنه يحد بخمسين سنة، وجاء فى التنوير وشرحه أن هذا هو المعول عليه وعليه الفتوى. وقيل: يحد بخمس وخمسين، وعن محمد بن الحسن أنه قدره فى الروميات بخمس وخمسين سنة، وفى غيرهن بستين وفى رواية (5) عنه بسبعين. ويقول المالكية: أن الآيسة على سبيل الجزم من بلغت سبعين سنة، وإن المرأة إذا رأت الدم بين الخمسين والسبعين سئل عنه النساء فإن قلن ليس بحيض اعتبرت آيسة وأما من انقطع حيضها بعد الخمسين فهى آيس (6) . ويقول الشافعية: إن المعتبر فى اليأس يأس أقاربها من الأبوين الأقرب فالأقرب، وفى قول عندهم المعتبر يأس كل النساء وحدده بعضهم باثنتين وستين سنة، وقال بعضهم: أقصاها خمس وثمانون وأدناها خمسون (7) . وقد اختلف النقل عن ابن حنبل فى سن اليأس، ففى رواية إن أوله خمسون سنة وفى رواية إن كانت من نساء العجم فخمسون، وإن كانت من العرب فستون، وصحح ابن قدامة أن المرأة إذا بلغت خمسين فأنقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة، وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التى كانت عليها فهو حيض، وإن رأته بعد الستين فليس بحيض (8) . ويقول الشيعة الجعفريه: إن فى حد اليأس روايتين أشهرهما خمسون، والأخرى ستون (9) وبها قال الزيدية وقالوا أنه الأحوط ولادليل على الأقل (10) وهو اختيار الإباضية أيضا (11) . أما الظاهرية فلم نر لهم تحديدا لسن اليأس، ولكن ابن حزم يعبر عن الآيس بالعجوز المسنة (12) . عدة الآيس: لاخلاف بين الفقهاء (13) فى أن عدة الآيس إذا كانت مطلقة وهى حرة بعد الدخول بها ثلاثة أشهر هلالية لقوله تعالى: " واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر (14) . أما إذا كانت متوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام كغيرها، وإذا كانت غير مدخول بها فلاعدة عليها كغيرها، والأمة الآيسة عدتها نصف عدة الحرة عند الجمهور على ما هو مبين فى موضعه (انظر "عدة") . الآيس إذا رأت الدم: يقول الأحناف (15) : إذا كانت المرأة آيسة فاعتدت بالشهور فرأت دم الحيض أثناء الأشهر أو بعدها انتقض ما مضى من عدتها وعليها أن تستأنف العدة بالحيض وقيل أنها لا تنتقض سواء رأته أثناء الأشهر أو بعدها، وقيل إذا رأته قبل تمام الأشهر تنتقض وقيل تنتقض ذا لم يقض القاضى بإياسها. والذى صححه الكمال بن الهمام أنها تنتقض بالنسبة للمستقبل فلاتعتد إلا بالحيض لا بالنسبة للماضى فلا يفسد النكاح إذا كانت تزوجت بعد الأشهر الثلاثة. ويقول الشافعية (16) : إنه لو حاضت الآيس فى أثناء العدة بالأشهر وجبت الأقراء وإذا رأته بعد انقضاء الأشهر فانها تعتد بالأقراء أيضا لتتبين إنها ليست آيسة فإن كانت تزوجت بآخر فلا شئ عليها لانقضاء عدتها ظاهرا مع تعلق حق الزوج بها. ويقول المالكية (17) : أنه يرجع إلى النساء فيما تراه الآيسة، أى المشكوك فى يأسها وهى بنت الخمسين إلى السبعين على ما ذكرناه قبل، فمن رأت الدم بعد السبعين فإنه لا يعتبر حيضا قطعا، وتعتد بالشهور والحنابلة يرون إن الدم الذى تراه الآيسة ليس حيضا حتى يتغير به الحكم، بل هى تعتد بالأشهر. وقد نص صاحب منتهى الإرادات على ذلك اذ يقول: إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم ولأنه زمن لايرى فيه الدم غالبا فلم يكن ما تراه حيضا كالآيسة (18) وفى الفقه الظاهرى يقول ابن حزم (19) : إن المعتدة إذا حاضت فى العدة فليست من اللائى يئسن من المحيض فوجب أن عدتها ثلاثة قروء فصح أن حكم الاعتداد بالشهور قد بطل وصح إنها تنتقل إلى الأقراء. وفى الفقه الإباضى أن الآيسة إذا رأت الدم بعد الإياس كعادتها لا عبرة به وتصوم معه وتصلى (20) ولم نجد عند الشيعة الجعفرية ولا الزيدية شيئا فى هذا. طروء الإياس على ذات الاقراء: المعتدة بالأقراء لو حاضت حيضة أو حيضتين ثم آيست تستأنف العدة بالأشهر فى المذاهب الثمانية (21) .   (1) شرح التنوير مع حاشية ابن عابدين ج1 ص221 المطبعة الأميرية. (2) فتح القدير ج3 ص78 المطبعة الاميرية سنة 1316 وابن عابدين ج1 ص221، 222. (3) ابن عابدين ج1 ص222. (4) فتح القدير ج3 ص278. (5) حاشية الدسوقى ج2 ص473 المطبعة الأزهرية. (6) نهاية محتاج ج7 ص126 طبعة الحلبى سنة 1357. (7) المغنى ج7 ص460، 416 طبعة المنار سنة 1367 (8) المختصر النافع ص200 طبعة دار الكتاب العربى الروضة البهية، شرح اللمعة الدمشقية ج1 ص34 طبعة دار الكتاب العربى. (9) البحر الزخار ج1 ص134، 135 طبعة السعادة. (10) شرح النيل ج3 ص579. (11) المحلى ج1 ص369. (12) انظر المراجع السابقة فى المواضع المذكورة والمحلى ج10 ص322 مطبعة الإمام (13) سورة الطلاق:4. (14) الفتح ج3 ص277، 278 طبعة مصطفى محمد وابن عابدين ج2 ص657 (15) الإقناع بحاشية البجرمى ج4 ص43 المطبعة الميمنية سنة 1310. (16) حاشية الدسوقى ج2 ص473. (17) منتهى الارادات ج1 ص94 بهامش كشاف القناع المطبعة العامرية سنة 1319 (18) المحلى ج10 ص325 مطبعة الامام. (19) شرح النيل ج3 ص580 فى باب العدة وقوله صامت وصلت يفيد أنه ليس بحيض. (20) الهداية والفتح ج3 ص279.ابن عابدين ج2 ص658.الإقناع وحاشية البجرمى ج4 ص43 الدردير وحاشية الدسوقى ج2 ص499.المغنى ج7 ص465.المحلى ج10 ص226.شرح النيل ج3 ص578. البحر الزخار ج3 ص212.الروضة البهية ج2 ص156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 أب قال الراغب فى مفرداته "غريب القرآن":الأب الوالد، ويسمى كل من كان سببا فى إيجاد شىء أو إصلاحه أو ظهوره أبا. بيان ما تكون به الأبوة تتحقق الأبوة النسبية بواحد من ثلاثة: الفراش، والاستيلاد، والدعوة والاستلحاق. وينتفى النسب عن الولد والأبوة عن الأب باللعان غالبا، وقد ينتفى الولد بدون لعان وذلك فى مسائل تأتى. الأب: هو الراعى الأول لأسرته والمسئول عن أولاده، فهم أمانة أودعها الله عنده، وفرض عليه حفظهم، وأوجب عليه أن يسعى فيما يصلحهم، ويجتهد فيما يقومهم، وقد قال النبى -صلى الله عليه وسلم-: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها، والخادم راع فى مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والولد راع فى مال أبيه وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته". أمر الأب أولاده بالصلاة وتعليمهم ما به تصح أتفق الفقهاء على أنه يجب على الأب أن يأمر ولده بالصلاة لسبع، ويضربه ويؤدبه عليها لعشر، ويعلمه ما به تصح الصلاة من الطهارة وغيرها، فلا تجب الصلاة على صبى ولو مميزا (1) ويأمره الأب بها إذا ميز ولو قضاء لما فاته بعد التمييز ويضرب على تركها بعد عشر سنين لخبر: " مروا الصبى بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " أى على تركها. صححه الترمذى وغيره. قال فى "المجموع ": والأمر والضرب واجبان على الولى، أبا كان أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضى00 قال الطبرى: ولا يقتصر على مجرد صيغة الأمر بل لابد من التهديد وقال فى "الروضة": يجب على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الطهارة والصلاة والشرائع (2) . وهذا الحكم يجرى فى الصوم ونحوه أيضا كما ذكره النووى فى " شرح المهذب "، ويعرف بطلب المأمورات وترك المنهيات، وأنه بالبلوغ يدخل فى التكليف ويعرفه ما يبلغ به. وقيل: هذا التعليم مستحب والصحيح وجوبه. والأمر والضرب فى حقه لتمرينه عليها حتى يألفها ويعتادها فلا يتركها بعد البلوغ. وذهب الحنابلة إلى مثل ما سبق عن الشافعية، وزادوا وجوب تعليم الأولاد جميع ما يلزم من أمور الدين، وأجرة تعليمه من مال الطفل إن كان له مال، وإلا فعلى من تلزمه نفقته (3) . وعند المالكية مثل ما سبق، إِلا أنهم قيدوا الضرب على ترك الصلاة ونحوها بما إذا ظن أَنه يفيد (4) . وعند الظاهرية قال ابن حزم فى "المحلى": لا صلاة على من لم يبلغ من الرجال والنساء، ويستحب لو علموها إذا عقلوها، ثم ساق أحاديث مثل ما سبق وزاد قول النبى - صلى الله عليه وسلم-: " رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبى حتى يكبر " ثم قال: ويستحب أن يدرب عليها، فإذا بلغ عشر سنين أدب عليها (5) ". وفى مذهب الإباضية: من حق الابن على أبويه تأديبه وتعليمه القرآن والصلاة ومعانيها وشرائع الإسلام كلها قبل البلوغ، وإذا بلغ ثلاث عشرة ضرب على الصلاة، وفى الحديث يؤمر بالصلاة ابن ثمان ويضرب عليها ابن عشر (6) . الأب وإلباس موليه الصغير الذهب والحرير مذهب الحنابلة: يحرم على الولى، أبا أو غيره، إلباس صبى ما يحرم على رجل من اللباس من حرير أو منسوج بذهب أو فضة أو مموه بأحدهما: لقوله -عليه الصلاة والسلام- " وحرم على ذكورها ". وعن جابر قال: كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجوارى، رواه أبو داود. وشقق عمرو بن مسعود وحذيفة قميص الحرير على الصبيان، رواه الخلال، ويتعلق التحريم بالمكلفين بتمكينهم من الحرام كتمكينهم من شرب الخمر، وصلاة الصبى فى المحرم ولبسه كصلاة الرجل. وعند الشافعية فى باب اللباس: وللولى إلباس ما ذكر من الحرير، وما صنع أكثره من الحرير صبيا، إذ ليس له شهامة تنافى خنوثة الحرير بخلاف الرجل، ولأنه غير مكلف (7) . وعند الحنفية: يكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير، لأن التحريم لما ثبت فى حق الذكور وحرم اللبس حرم الإلباس، كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها (8) . مذهب الزيدية (9) : يحرم على الذكر ويمنع الصغير من لبس واستعمال ما فوق ثلاث أصابع من المشبع صفرة وحمرة وقيل: أنه يجب منعه من لبس الحلى والمذهّب. مذهب المالكية (10) : جاء فى "الحطاب" عن بعض فقهاء المالكية أنه يحرم على ولى غير المكلف أن يلبسه شيئا من حلى الذهب ولكن ظاهر المذهب عند كثير من الشيوخ كراهة تحلية الصغار بالذهب. مذهب الإمامية (11) : لا بأس بلبس الصبي الحرير، فلا يحرم على الولى إلباسه إياه، وتصح صلاته فيه بناء على المختار من كون عباداته شرعية. الأب وغسل الميت (انظر غسل الميت) . الأب والزكاة فى مال الصبى يختلف الفقهاء فى وجوب الزكاة فى مال الصبى- والمخاطب بها حينئذ وليه أبا كان أو غيره أو عدم وجوبها أصلا لسقوط التكليف عنه (انظر زكاة) . الأب وزكاة الفطر عن أولاده مذهب الأحناف (12) : يزكى الأب زكاة الفطر عن نفسه. ويخرجها عن أولاده الصغار، عند أبى حنيفة والشافعى ومالك وابن حنبل. ويخرج عن أولاده الصغار لأن السبب رأس يمونه ويلى عليه لأنها تضاف إليه يقال زكاة الرأس وهى أمارة السببية، والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته، ولهذا تتعدد بتعدد الرءوس مع اتحاد اليوم، والأصل فى الوجوب رأسه وهو يمونه ويلى عليه فيلحق به ما هو فى معناه كأولاده الصغار. وعند الشافعية (13) : ومن وجبت عليه فطرته وجبت عليه فطرة من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين. وعند المالكية (14) : زكاة الفطر واجبة على الحر المسلم القادر عن نفسه وعن كل مسلم تلزمه مؤنته لقرابة كوالدين فقيرين، وأولاده الذكور للبلوغ قادرين على الكسب، والإناث للدخول بالزواج أو الدعاء إليه. وعند الحنابلة (15) : وتلزمه فطرة قريبة ممن تلزمه مؤنته كولده الصغير، ولا تجب عن جنين، بل تستحب الفطرة عن الجنين لفعل عثمان. وعن أبى قلابة: كان يعجبهم أن يطعوا زكاة الفطرة عن الصغير والكبير حتى عن الحمل فى بطن أمه. روى فى الشافى. وعند الإمامية (16) : زكاة الفطر إنما تجب على البالغ العاقل الحر الغنى، يخرجها عن نفسه وعياله من مسلم وكافر وحر وعبد وصغير وكبير ولو عال تبرعا، وتعتبر النية فى آدائها، وتسقط عن الكافر لو أسلم. أما الزيدية فقد جاء فى "الروض النضير" (17) : حدثنى زيد بن على عن أبيه عن جده عن على عليهم السلام قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" صدقة الفطر على المرء المسلم يخرجها عن نفسه وعمن هو فى عياله، صغيرا كان أو كبيراً، ذكرا أو أنثى، حرا أو عبداً، نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير. وعند الظاهرية (18) : يخرج عن الصغار زكاة الفطر الأب والولى من مالهم إِن كان لهم، وإن لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ ولا بعد ذلك. مذهب الإباضية (19) : زكاة الفطر يخرجها المرء عن نفسه وعمن لزمته نفقته كزوجة وولد وعبد ولو مشركا. دفع الأب الزكاة لأولاده وأخذها منهم عند الحنفية (20) : لا يدفع المزكى زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل، لأن منافع الأملاك بينهم متصلة، فلا يتحقق التمليك على الكمال. وقالوا: إن دفع إليه فى ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه. وقال أبو يوسف: عليه الإعادة لظهور خطئه بيقين. وعند الشافعية (21) ": لا يجوز دفع الزكاة إلى من تلزمه نفقته من الأقارب والزوجات من سهم الفقراء، لأن ذلك إنما جعل للحاجة ولا حاجة بهم مع وجوب النفقة. وعند المالكية (22) : لا تجزئ إن دفعت لمن تلزمه نفقته أو دفع عرضا عنها بقيمتها. وعند الحنابلة (23) : لا يجوز دفع الزكاة إلى عمودى نسبه. وعند الإمامية (24) : من شروط من تعطى له الزكاة ألا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك ويعطى باقى الأقارب. مذهب الظاهرية (25) : ومن كان أبوه أو أمه أو ابنه أو أخوته أو امرأته من الغارمين أو غزوا فى سبيل الله أو كانوا مكاتبين- جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض، لأنه ليس عليه آداء ديونهم ولا عونهم فى الكتابة والغزو كما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء ولم يأت نص بالمنع مما ذكرنا. مذهب الزيدية (26) : ولا يجزىء أحدا أن يصرف زكاته فى أصوله وهم آباؤه وأجداده وأمهاته وجداته ما علوا وفصوله وهم أولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا ويدخل فى ذلك أولاد البنات. مذهب الاباضية (27) : ولا يدفع الأب زكاته لمن تلزمه نفقته من أولاده، لأن القاعدة عندهم أن الرجل لا يدفع زكاته لمن تلزمه نفقته. الأب والعقيقة عن ولده وما يطلب من الأب بعد الولادة العقيقة: هى ما يذبح عن المولود، وقيل: هى الطعام الذى يصنع ويدعى إليه من اجل المولود يقدمها الأب. وأختلفت المذاهب فى حكمها، فقيل: إنها سنة، وقيل: إنها مندوب، وقيل: إنها فرض. (انظر: عقيقة) . الأب والضحية عن الصبى عند الأحناف (28) : الأضحية واجبة على كل مسلم موسر فى يوم الأضحى عن نفسه وعن أولاده الصغار على تفصيل فى المذاهب. (انظر أضحية) . الأب والولاية على المحجور عليه لصغر أو جنون أو سفه مذهب المالكية (29) : والولى أصالة- على المحجور عليه من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد رشده أو مجنون- هو الأب الرشيد، لا الجد ولا الأخ ولا العم، إلا بإيصاء الأب. ونصوا على أن المجنون محجور عليه والحجر لأبيه أو وصيه أن كان، وإلا فللحاكم أن وجد منتظما وإلا فلجماعة المسلمين ويمتد الحجر للإفاقة من جنونه. مذهب الأحناف: قالوا: الأب أولى الأولياء بالولاية فى النفس والمال باتفاق فقهائهم، إلا فى تزويج المجنونة الكبيرة إذا كان لها ابن. (انظر ولاية) . مذهب الشافعية (30) : فى باب الحجر على الصبى والمجنون: وينظر فى ماله الأب ثم الجد، لأنها ولاية فى حق الصغير. وقدم الأب والجد فيها على غيرهما كولاية النكاح، فإن لم يكن أب ولا جد نظر الوصى لأنه نائب عن الأب والجد. مذهب الحنابلة (31) : وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكرا كان أو أنثى للأب. تذهب الزيدية (32) : وذهب الزيدية إلى مثل ذلك. مذهب الإمامية (33) : الأب والجد يليان على الصغير والمجنون، فإن فقدا فالوصى، فإن فقدا فالحاكم. مذهب الظاهرية (34) : يقول ابن حزم: من حجر عليه ماله لصغر أو جنون فسواء كان عليه وصى من أب أو من قاض كل من نظر له نظراً حسنا فى بيع أو ابتياع أو عمل ما فهو نافذ لازم لا يرد وإن أنقد عليه الوصى ما ليس نظراً لم يجز لقول الله تعالى: " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين. (35) " (انظر ولاية) .   (1) شرح أبى الشجاع ج1 ص 10. (2) شرح الخطيب: كتاب الصلاة. (3) كشاف القناع ج1 ص157،158. (4) الشرح الصغير ج1 ص 89. (5) المحلى ج 2 ص 232. (6) شرح النيل ج2 ص 601، 602، 605. (7) الخطيب الشربينى ج1 ص 177. (8) الهداية ج4 ص 65 (9) التاج المذهب ج 3ص 484،485. (10) الحطاب ج1 ص 124. (11) مستمسك العروة الوثقىج5 ص 313. (12) الهداية ج1 ص 89. (13) المهذب ج1 ص163. (14) الشرح الصغير ج1 ص 217. (15) كشاف القناع ج1 ص 473. (16) المختصر النافع ص 85. (17) ج2 ص 439. (18) المحلى ج 2 ص 138. (19) شرح النيل ج2 ص 165. (20) الهداية ج4 ص 87. (21) المهذب ج1 ص 174. (22) الشرح الصغير ج1 ص 216. (23) كشاف القناع ج1 ص497. (24) المختصر النافع ص 59. (25) المحلى ج 6 ص 151. (26) شرح الأزهار ج1 ص 525. (27) شرح النيل ج1 ص 144،145. (28) الهداية ج4 ص 55. (29) الشرح الصغير ج2 ص 130. (30) المهذب ج1 ص 329. (31) كشاف القناع ج2 ص 223. (32) التاج المذهب ج 4 ص 160،166. (33) المختصر النافع ص 141. (34) المحلى ج 6 ص323. (35) سورة النساء:135. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الأب وتصرفه فى مال أولاده مذهب الشافعية: جاء فى "المهذب": لا يتصرف الناظر أبا أو غيره فى مال الصغير إلا بما فيه حظ واغتباط. ثم قال فى "المهذب" أيضاً (1) : ولا يسافر بمال الصغير من غير ضرورة، فإن دعت إليه ضرورة بأن خاف عليه الهلاك فى الحضر لحريق أو نهب جاز أن يسافر به، لأن السفر هاهنا أحوط. ولا يودع ماله ولا يقرضه من غير حاجة لأنه يخرجه من يده فلم يجز. فان خاف من نهب أو حريق أو غرق أو أراد سفرا وخاف عليه جاز الإيداع والإقراض، فان قدر على الإيداع دون الإقراض أودعه ثقة، وإن قدر على الإقراض دون الإيداع أقرضه ثقة مليئا، فإن أقرض ورأى أخذ الرهن عليه أخذ، وان رأى ترك الرهن لم يأخذ، وأن قدر على الإيداع والإقراض فالإقراض أولى لأن القرض مضمون بالبدل والوديعه غير مضمونة فكان القرض أحوط. ويجوز أن يقترض له إذا دعت إليه الحاجة ويرهن ماله عليه لأن فى ذلك مصلحه له فجاز. وينفق عليه بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير وإن رأى أن يخلط ماله بماله فى النفقة جاز لقوله تعالى: " وإن تخالطوهم فإخوانكم " (2) . فإن بلع الصبى واختلفا فى النفقة فإن كان الولى هو الأب أو الجد فالقول قوله وإن كان غيرهما ففيه وجهان: أحدهما: يقبل لأن فى إقامة البينة على النفقة مشقة فقبل قوله. والثانى: لا يقبل قوله كما لا يقبل فى دعوى الضرر والغبطة فى بيع العقار. وإِن أراد أن يبيع ماله بماله (3) فان كان أبا أو جداً جاز ذلك، لأنهما لا يتهمان فى ذلك لكمال شفقتهما، وإن كان غيرهما لم يجز لأنه متهم فى طلب الحظ له فى بيع مال موليه من نفسه. ثم قال: وان أراد أن يأكل من ماله فإن كان غنيا لم يجز لقوله تعالى "ومن كان غنيا فليستعفف (4) " وإن كان فقيرا جاز أن يأكل لقوله تعالى " ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف " (5) وفى ضمان الأب للبدل قولان: أحدهما: لا يضمن لأنه أجيز له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كالرزق الذى يأكله الإمام من أموال المسلمين. والثانى: يضمن لأنه مال لغيره أجيز له أكله للحاجة فوجب ضمانه كمن اضطر إلى مال غيره. ويرى الحنابلة: أن للأب أن يبيع ويشترى ويرهن لنفسه من مال موليه، ولا يصح (6) إقرار الولى عليه بمال ولا إتلاف، لأنه إقرار على الغير. وأما تصرفاته النافذة منه كالبيع والإجارة وغيرهما فيصح إقراره بها كالوكيل ولا يصح أن يأذن له فى حفظ ماله: ولوليه مكاتبة رقيقه وعتقه على مال إن كان فيه حظ، وله تزويج رقيقه من عبيد وإماء لمصلحة. والسفر بما له لتجارة وغيرها فى مواضع آمنة فى غير بحر، ولا يدفعه إلا إلى الأمناء، ولا يغرر بماله، وله المضاربة بماله بنفسه ولا أجرة له فى نظير اتجاره به، والربح كله للمولى عليه والتجارة بماله أولى من تركها لحديث " اتجروا فى أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة " فقاسوا الأب على ولى اليتيم فى ذلك. وله دفعه مضاربة إلى أمين يتجر فيه بجزء من الربح وله ابضاعه وهو دفعه إلى من يتجر فيه، والربح كله لمولى عليه. وله بيعه نسيئة لملىء وقرضه لمصلحة فيهما، ولا يقرضه الولى لمودة ومكافأة. ولا يقترض وصى ولا حاكم منه شيئا لنفسه، كما لا يشترى من نفسه ولا يبيع لنفسه للتهمة، وجاز ذلك للأب لعدم التهمه عند الأب لكمال شفقته. وللأب أن يرتهن ماله لنفسه، ولا يجوز ذلك لولى غيره، ولوليه أبا كان أو غيره شراء العقار له من ماله ليستغل مع بقاء الأصل له. وله بناؤه بما جرت به عادة أهل بلده ومتى كان خلط مؤنته بقوت وليه (7) أرفق وألين لعيشه فهو أولى طلبا للرفق، قال تعالى: " وإن تخالطوهم فإخوانكم " وإن كان أفراده أرفق أفرده، ويجوز تركه فى المكتب ليتعلم ما ينفعه، وتعليم الخط والرماية والأدب وما ينفعه وأداء الأجرة عنه من ماله. وله أن يسلمه فى صناعة إذا كانت مصلحة. وله بيع عقاره لمصلحه ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله. وأنواع المصلحة كثيرة إما لاحتياج نفقة أو كسوة أو قضاء دين أو ما لابد منه وليس له ما تندفع به حاجته أو يخاف عليها الهلاك بغرق أو خراب أو يكون فى بيعه غبطة أو يكون فى مكان لا ينتفع به أو كان نفعه فيه قليلا فيبيعه ويشترى له بثمنه. وإن أوصى له بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته وجب على الولى قبول الوصية وإلا لم يجز له قبوله. وتملك الأب مال الولد بشروط ستة: أحدها: أن يكون فاضلا عن حاجة الولد لئلا يضره. الثانى: ألا يعطيه الأب لولد آخر فلا يملك من مال ولده زيد ليعطيه لولده عمرو. الثالث: ألا يكون التملك فى مرض موت أحدهما. الرابع: ألا يكون الأب كافرا والابن مسلما، لا سيما إذا كان الابن كافرا ثم أسلم وقال ابن قدامة صاحب "المغنى": الأشبه أن الأب المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئا لانقطاع الولاية والتوارث بينهما. الخامس: أن يكون ما يتملكه الأب عينا موجودة فلا يتملك الأب دين ابنه بقبضه. السادس: ولا يصح تصرفه فى مال ولده قبل القبض مع القول أو النية ولو عتقا. ولا يملك الأب إبراء نفسه من دين ولده، ولو أقر الأب بقبض دين ولده من غريمه فأنكر الولد أو أقر بالقبض رجع الولد على غريمه بدينه لعدم براءته بالدفع إلى أبيه ورجع الغريم على الأب بما أخذه منه إن كان باقيا، وببدله أن كان تالفا، لأنه قبض ما لبس له قبضه لا بولاية ولا بوكالة، ولو أقر بقبض دين ابنه فأنكر رجع على غريمه وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين قرض ولا ثمن مبيع ولا قيمة متلف ولا ارش جناية ولا بأجرة ما أنتفع به من ماله، لما روى الخلال أن رجلا جاء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم- بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال: " أنت ومالك لأبيك " وليس للابن أن يحيل عليه بدينه ولا مطالبة للولد على والده بغير ذلك من سائر الحقوق إلا بنفقته الواجبة على الأب لفقر الابن وعجزه عن التكسب فله الطلب بها وله مطالبته بعين مال له فى يده ويحرم الربا بينهما كما يحرم بين الأجنبيين لتمام ملك الولد على ماله واستقلاله بالتصرف فيه ووجوب زكاته عليه وتوريث ورثته وحديث " أنت ومالك لأبيك " على معنى سلطة التملك ويدل عليه إضافة المال للولد. ويثبت للولد فى ذمة الوالد الدين من بدل قرض وثمن مبيع ونحوه (8) . ولا يسقط بموته فيؤخذ من تركته، ولا يملك إحضاره فى مجلس الحكم، فإن أحضره فادعى الولد عليه فأقر الأب بالدين أو قامت به بينة لم يحبس، وإن وجد عين ماله الذى أقرضه لأبيه أو باعه له بعد موته فله أخذه إن لم يكن قبض ثمنه لتعذر العوض، ولا يكون ما وجد من عين المال ميراثا لورثة الأب بل هو له دون سائر الورثة. ولو قضى الأب الدين الذى عليه لولده فى مرضه أو أوصى بقضائه فمن رأس ماله، لأنه حق ثابت لا تهمة فيه، فكان من رأس المال كدين الأجنبى، ولا اعتراض للأب على تصرف الولد فى مال نفسه بعقود المعاوضات وغيرها، لتمام ملك الولد على ماله. وعند الأحناف (9) : إذا أذن ولى الصبى للصبى فى التجارة وكان يعقل البيع والشراء ينفذ تصرفه، والمعتوه الذى يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبى يصير مأذونا بإذن الأب والجد دون غيرهما وحكمه حكم الصبى. ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه عينا لابنه الصغير لأنه يملك الإيداع وهذا أنظر فى حق الصبى منه لأن قيام المرتهن بحفظها أبلغ خيفة الغرامة ولو هلكت تهلك مضمونة والوديعة تهلك أمانة والوصى بمنزلة الأب فى هذا الباب لما بينا. وعن أبى يوسف وزفر- رحمهما الله-:أنه لا يجوز ذلك منهما، وهو القياس، اعتبارا بحقيقة الإيفاء ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحسان أن فى حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله فى الحال، وفى هذا نصب حافظ لماله ناجزا مع بقاء ملكه فوضح الفرق. وإذا جاز الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك فى يده، ويصير الأب أو الوصى موفيا له ويضمنه للصبى لأنه قضى دينه. ثم قال: وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه، أو من ابن له صغير، أو عبد له تاجر لا دين عليه- جاز، لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين وأقيمت عبارته مقام عبارتين فى هذا العقد، كما فى بيعه مال الصغير من نفسه فتولى طرفى العقد (10) وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب فليس للابن أن يرده حتى يقضى الدين، لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه، ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به فى مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه فأشبه معير الرهن وكذا إذا هلك قبل أن يفتكه لأن الأب يصير قاضيا دينه بماله فله أن يرجع عليه. ولو رهنه بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز، لاشتماله على أمرين جائزين. فإن هلك ضمن الأب حصته من ذلك الولد لإيفائه دينه من ماله لهذا المقدار وكذا الوصى وكذا أب الأب إذا لم يكن الأب أو وصى الأب. مذهب المالكية (11) : إن للأب بيع مال ولده المحجور عليه تحت ولايته أصلا أو ثمرة، إذ تصرفه محمول على المصلحة وإن لم يبين السبب، وله الأخذ بالشفعة، وترك قصاص وجب للمحجور عليه بالنظر والمصلحة، وليس له العفو عن عمد أو خطأ بالمجان. وله إسقاط الشفعة إذا كان ذلك عن نظر فلا تسقط بلا نظر على الراجح، ومقابله أنها تسقط بإسقاطه مطلقا. ويجوز للأب أن يرهن مال محجوره فى دين استدانه على المحجور لمصلحته كالطعام والكسوة وغيرهما من الأمور الضرورية (12) . ويجوز للأب رد تصرف سفيه أو صبى مميز بمعاوضة باشره بلا إذن وليه كبيع وشراء وهبة ثواب، فإن لم يكن بمعاوضة، كهبة وصدقة وعتق، تعين على الأب رده، كإقرار من المحجور عليه بدين فى ذمته أو بإتلافه شيئا لغيره فيتعين عليه رد الإقرار. وإذا ترك الأب رد ذلك كان للصبى المميز رده إذا رشد (13) . والظاهرية والإمامية والزيدية: يجيزون للولى، أبا أو غيره، أن يتصرف فى مال من فى ولايته لمصلحة. أما بالنسبة للرهن فيقول الظاهرية: لا يجوز للأب ولا للوصى أن يرهن مال موليه عن نفسه، كما لا يجوز لأحد أن يرهن مالا لغيره إلا بإذن مالكه (14) . ويقول الإمامية: وللولى أن يرهن لمصلحة المولى عليه، وليس للراهن التصرف فى الرهن بإجارة ولا سكنى ولا وطء، لأنه تعريض للإبطال وفيه رواية بالجواز مهجورة. الأب وإسقاط حق موليه فى الشفعة: ترك الأب طلب الشفعة لموليه لا يسقط حقه فى الشفعة وله الأخذ بها إذا بلغ وعقل ورشد على تفصيل فى المذاهب. (انظر شفعة) .   (1) ج1 ص 33. (2) سورة البقرة:220. (3) المهذب ج1 ص331. (4) سورة النساء:6. (5) سورة النساء:6. (6) كشاف القناع ج2 ص 225. (7) كشاف القناع ج2 ص 225، 226. (8) كشاف القناع ج2 ص487. (9) الهداية ج4 ص8،9. (10) الهداية ج4 ص 100. (11) الشرح الصغير ج2 ص 130،206،211. (12) الشرح الصغير ج2 ص 102،131. (13) الشرح الصغير ج2 ص 126،127. (14) المحلى ج 6 ص102، المختصر النافع ص137،141. التاج المذهب ج 4 ص 166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الأب وأحكام الهبة. يذهب الحنابلة (1) : إلى أن الأب يقبض الهبة لولده الصغير والمجنون، ولو كان الأب غير مأمون قبل الحاكم الهبة للصغير ونحوه، أو كان الأب مجنونا قبل الحاكم الهبة لولده أو كان قد مات ولا وصى له، وللأب الحر أن يتملك من مال ولده ما شاء. ثم قال صاحب "كشاف القناع": للأب فقط إذا كان حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء ما لم يتعلق به حق كالرهن، مع حاجة الأب إلى تملك مال ولده ومع عدمها، فى صغر الولد وكبره، وسخطه ورضاه، وبعلمه وبغير علمه، لما روى الترمذى، وذكر انه حديث حسن، عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:" إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم " وروى الطبرانى فى معجمه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " جاء رجل إلى النبى -صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبى اجتاح مالى، فقال: "أنت ومالك لأبيك". ولأن الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع، وما كان موهوبا كان له أخذ ماله كعبده، ويؤيده أن سفيان بن عيينة قال فى قوله تعالى: " ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون " (2) . ذكر الأقارب دون الأولاد لدخولهم فى قوله تعالى " من بيوتكم "، لأن بيوت أولادهم كبيوتهم ولأن الرجل يلى مال ولده من غير تولية كمال نفسه. مذهب الأحناف (3) : وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد، لأنه فى قبض الأب فينوب عن قبض الهبة ولا فرق بين ما إذا كان فى يده أو فى يد مودعه، لأن يده كيده، بخلافه ما إذا كان مرهونا أو مغصوبا أو مبيعا بيعا فاسدا، لأنه فى يد غيره أو فى ملك غيره، والصدقة فى هذا كالهبة. مذهب الشافعية (4) : وإن وهب للولد أو ولد الولد وإن سفل جاز أن يرجع لما روى ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما رفعاه إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- " لا يحل للرجل أن يعطى العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده "، ولأن الأب لا يتهم فى رجوعه لأنه لا يرجع إِلا لضرورة أو لإصلاح الولد وإن تصدق عليه فالمنصوص أن له أن يرجع كالهبة، ومن أصحابنا من قال: لا يرجع لأن القصد بالصدقة طلب الثواب وإصلاح حاله مع الله عز وجل، فلا يجوز أن يتغير رأيه فى ذلك، والقصد من الهبة إصلاح حال الولد، وربما كان الصلاح فى استرجاعه، فجاز له الرجوع، وإن تداعى رجلان نسب مولود ووهبا له مالا لم يجز لواحد منهما أن يرجع، لأنه لم يثبت له بنوته، فإن لحق أحدهما ففيه وجهان: أحدهما: يجوز، لأنه فى ملك من يجوز له الرجوع فى هبته. والثانى: لا يجوز، لأنه رجوع على غير من وهب له فلم يجز. وأن وهب لولده شيئا فأفلس الولد وحجر عليه ففيه وجهان: أحدهما: يرجع لأن حقه السابق لحقوق الغرماء. والثانى: لا يرجع، لأنه تعلق به حق الغرماء فلم يجز له الرجوع كما لو رهنه. وللفقهاء فى جواز رجوعه فى الهبة شروط هى محل خلاف بينهم (انظر رجوع) . مذهب المالكية (5) : جاء فى "الشرح الصغير": وصح حوز وأهب شيئا وهبه لمحجوره من صغير أو سفيه أو مجنون، كان وليه الواهب أبا أو غيره، لأنه هو الذى يحوز له. ثم قال (6) : وجاز للأب فقط لا الجد اعتصارها أى الهبة،:أى أخذها من ولده قهراً عنه بلا عوض مطلقا، ذكرا كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، فقيراً أو غنياً، سفيهاً أو رشيداً، حازها الولد أولا. مذهب الظاهرية (7) : جاء فى "المحلى": ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ يلفظ بها، إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما، فلهما الرجوع فيه أبداً، الصغير والكبير سواء، وسواء تزوج الولد أو الابنة على تلك العطية أو لم يتزوجا، داينا عليها أو لم يداينا. فإن فات عينها فلا رجوع لهما بشىء، ولا رجوع لهما بالغلة، ولا بالولد الحادث بعد الهبة. فإن فات البعض وبقى البعض كان لهما الرجوع فيما بقى. مذهب الزيدية (8) : جاء فى "التاج المذهب": ويقبل إذا وهب للصبى وكذا المجنون وليه المتولى لماله ولو من جهة الصلاحية أو يقبل هو فإنه يصح قبوله إن كان مأذونا له بالتصرف مطلقا، وإن لم يكن مأذونا لم يصح قبوله، بل يقبل له ولى ماله. قال فى البيان: ولا حكم لرد المولى لما قبله له الأجنبى وقبله الصبى المميز، فإذا أجازه الولى من بعد إجازة الصبى بعد بلوغه صح. قال فى "التاج (9) المذهب" وهو يتحدث عن شروط جواز الرجوع فى الهبة: ألا يكون الموهوب له ذا رحم محرم، نسبا لارضاعا، فإن كان ذا رحم محرم نسبا لم يجز الرجوع فيها ولم يصح سواء كانت الهبة لله أم لا، إلا الأب ولو فاسقا أو كافرا، فله الرجوع فى هبة طفله متى لم يحصل أحد الموانع، وإذا لم يكن طفلا بل كان بالغا ولو مجنونا أصليا أم طارئا لم يصح للأب الرجوع فيما وهب له. فلو وهب له فى صغره وأراد الرجوع بعد بلوغه لم يصح ذلك. وقال (10) : ويكره تنزيها مخالفة التوريث فى الهبة والصدقة ونحوهما من نذر ووقف ووصية، لأنه يؤدى إلى إيغار الصدور، ولما فيه من الحيف عن سنن العدل، وصريح الأحاديث قاضية بالعدل والتسوية بين الأولاد فى النحل والعطية، إلا أن يفضل أحد الورثة لبره، أو لكثرة عائلته، أو لضعفه: كالأعمى والمقعد ونحوهما، أو لفضله، فإن ذلك غير مكروه إلى قدر الثلث. مذهب الإمامية (11) : قال فى "المختصر النافع": لو وهب الأب أو الجد للولد الصغير لزم لأنه مقبوض بيد الولى ولا يرجع - أى الولد- فى الهبة لأحد الوالدين بعد القبض. مذهب الأباضية (12) : جاء فى" شرح النيل": يشترط القبض فى صحة هبة الأب لولده ذكرا أو أنثى كذا قيل. وذكر قومنا أن من أعطى ابنه أو ابنته عند التزوج شيئا لم يحتج للقبض، فإن مات ابنه أو بنته أخذ منه وارثه، لأنه لما أنعقد عليه النكاح صار كالبيع، وقيل: لا تصح إلا بالقبض. (وصح عود والد فيها) أى فى الهبة، وذلك فى الحكم وعند الله، إلا أن عنى التقرب إلى الله بإعطائه ولده فلا يجوز له الرجوع عند الله، وإن أحدث الولد أمرا فيه لم يصح الرجوع إلا إن خرج من ملكه ثم رجع فلا رجوع للأب فيه لحديث " لا يحل الرجوع فى الهبة إلا لوالد ".   (1) كشاف القناع ج2 ص486. (2) سورة النور: 61. (3) الهداية ج3 ص 182. (4) المهذب ج1 ص 451. (5) الشرح الصغير ج2 ص 288. (6) المرجع السابق ص 289. (7) المحلى ج 6 ص 127. (8) ج 3 ص 264. (9) المرجع السابق ص 269. (10) المرجع السابق ص 274. (11) ص 160. (12) ج6 ص5،8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 الأب وأحكام الوصية والإيصاء وعند الشافعية (1) : " من ثبتت له الولاية فى مال ولده ولم يكن له ولى بعده جاز له أن يوصى إلى من ينظر فى ماله، لما روى سفيان بن عيينة رضى الله عنه عن هشام بن عروة قال: " أوصى إلى الزبير تسعة من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم- منهم عثمان والمقداد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود رضى الله عنهم، فكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أبنائهم من ماله ". وإن كان له جد لم يجز أن يوصى إلى غيره، لأن ولاية الجد مستحقة بالشرع فلا يجوز نقلها عنه بالوصية. ومن ثبتت له الولاية فى تزويج ابنته لم يجز أن يوصى إلى من يزوجها. وقال أبو ثور: يجوز كما يجوز أن يوصى إلى من ينظر فى مالها، وهذا خطأ، لما روى ابن عمر قال: زوجنى قدامة بن مظعون ابنة أخيه عثمان بن مظعون، فأتى قدامة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أنا عمها ووصى أبيها وقد زوجتها من عبد الله بن عمر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- " إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها " ولأن ولاية النكاح لها من يستحقها بالشرع فلا يجوز نقلها بالوصية كالوصية بالنظر فى المال مع وجود الجد. مذهب المالكية: قال فى "الشرح الصغير" (2) : وإنما يقيم وصيا على محجور عليه لصغر أو سفه أب رشيد أو وصيه إن لم يمنعه الأب من الإيصاء بأن قال: أوصيتك على أولادى وليس لك أن توصى عليهم. وكذلك للأب أن يوصى على تزويج بناته، والراجح له الجبر أن ذكر البضع أو النكاح أو التزويج بأن قال له الأب: أنت وصى على بضع بناتى أو على نكاحهن أو على تزوجهن أو على بنتى حتى تزوجها قبل البلوغ أو بعده أو ممن شئت وإن لم يذكر شيئا من الثلاثة، فالظاهر عدم الجبر كما إذا قال: أنت وصى على بناتى. أما لو قال: أنت وصى فقط أو على مالى فلا جبر اتفاقا. مذهب الحنابلة: قال فى "كشاف القناع" (3) : يملك الأب الإيصاء على أولاده. كما قال: وتصح وصية المسلم إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل، ولو مستوراً أو أعمى أو امرأة أو أم ولد أو عدوا للطفل الموصى عليه، وكذا لو كان عاجزا، ويضم إليه قوى أمين معان، ولا تزال يده عن المال، ولا يزال نظره. وهكذا إن كان قويا فحدث فيه ضعف، ويكون الأول هو الوصى دون الثانى أى وهو المعين. مذهب الأحناف (4) : للأب أن يقيم وصيا على أولاده الصغار ومن فى حكمهم، كما له أن يقيم وصيا على تركته عند الحاجة إلى ذلك، من تنفيذ وصاياه أو قضاء ديونه أو استيفائها ونحو ذلك، كقسمة التركة. ويكون الوصى حينئذ مقدما على الجد، وهو ما يسمى بالوصى المختار. وتفصيل أحكام الإيصاء- ينظر مصطلح (إيصاء) مذهب الإمامية (5) : يعتبر فى الذى يجعله الأب وصيا أن يكون مكلفا مسلما، وفى اعتبار العدالة تردد أشبهه أنها لا تعتبر. أما لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته، ولا يوصى إلى المملوك إلا بأذن مولاه. ويصح إلى الصبى منضما إلى كامل لا منفردا، ويتصرف الكامل حتى يبلغ الصبى ثم يشتركان، وليس له نقض ما أنفذه الكامل بعد بلوغه. ولا تصح الوصية من المسلم إلى الكافر، وتصح من مثله وتصح الوصية إلى المرأة. وللموصى تغيير الأوصياء، وللموصى إليه رد الوصية ويصح أن بلغ الرد. ولو مات الموصى قبل بلوغه لزمت الوصية، وإذا ظهر من الوصى خيانة استبدل به، والوصى أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط، وتختص ولاية الوصى بما عين له الموصى، عموما كان أو خصوصا ويأخذ الوصى الأجرة (أجرة المثل) ، وقيل قدر الكفاية، هذا مع الحاجة. وإذا أذن له فى الوصية جاز، ولو لم يأذن فقولان، أشبههما أنه لا يصح، ومن لا وصى له فالحاكم وصى تركته. وتصح الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر. ولا يجوز إخراج الولد من الإرث ولو أوصى الأب، وفيه رواية مطرحة. مذهب الزيدية (6) : قال فى "التاج المذهب": وإنما يتعين وصيا من جمع شرطين. الأول: أن يكون قد عينه الميت ولو امرأة، بأن قال: أنت وصيتى، أو أنت وصيى، أو قم على أولادى بعدى، أو نفذ ما أوصيت به، أو أنت خليفتى، أو أخلفنى أو وكلتك بعد موتى، أو أنت وكيلى فى حياتى وبعد مماتى. مذهب الإباضية (7) : ومن قال: فلان وصيى فهو وصيه ولو فى أولاده وتزويج بناته، وقيل: إلا فيهن وليس للجد أن يوصى فى أولاد أولاده إلا أن أوصاه ولده أى أبوهم، ولا وصاية لغير الأب فيهم. مذهب الظاهرية (8) : ومن أوصى إذا مات أن تزوج ابنته البكر الصغيرة أو البالغ فهى وصية فاسدة، لا يجوز إنفاذها، برهان ذلك أن الصغيرة إذا مات أبوها صارت يتيمة، وقد جاء النص بأن لا تنكح اليتيمة حتى تستأذن، وأما الكبيرة فليس لأبيها أن يزوجها فى حياته بغير أذنها فكيف بعد موته.   (1) المهذب ج1 ص 455. (2) ج2 ص 432. (3) ج2 ص 533. (4) الهداية ج4 ص 195. (5) المختصر النافع ص 165،166. (6) ج4 ص 385. (7) شرح النيل ج6 ص 454. (8) المحلى ج 9 ص 464. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الأب وأحكام العتق مذهب الشافعية (1) : إذا ملك الأب أحد أولاده عتق عليه وكذا العكس. ومن ملك أحد الوالدين وإن علوا أو أحد المولودين وإن سفلوا عتقوا عليه، لقوله تعالى " تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمن ولداً. وما ينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا. إن كل من فى السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبداً (2) " فالآية تدل على التنافى بين الولدية والعبودية. مذهب الأحناف (3) : ومن قال عن عبده: هذا ابنى وثبت ذلك عتق. ومعنى المسألة: إذا كان يولد مثله لمثله ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف يثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد محتاج إلى النسب فيثبت نسبه منه. وإذا ثبت نسبه عتق، لأن النسب يستند إلى وقت العلوق، أى الحمل. وإن كان له نسب معروف لا يثبت منه للتعذر، ويعتق إعمالا للفظ فى مجازه عند تعذر أعماله بحقيقته. مذهب الحنابلة (4) : ولا يصح أن يعتق الأب عبد ولده الصغير، كما لا يصح أن يعتق عبد ولده الكبير، ولا عبد ولده المجنون، ولا عبد يتيمه الذى فى حجره، لأنه تبرع وهو ممنوع منه. ومن ملك ذا رحم محرم عليه للنسب عتق عليه ولو كان مخالفا له فى الدين (5) . مذهب المالكية (6) : وعتق بنفس الملك بدون حكم حاكم على المشهور أصله نسبا لا رضاعا، وإن علا فيعتق الجد وفرعه، وإن سفل بالإناث فأولى بالذكور. مذهب الظاهرية (7) : من ملك ذا رحم محرم هو حر ساعة يملكه، فإن ملك بعضه لم يعتق عليه إلا الوالدان خاصة والأجداد والجدات خاصة فإنهم يعتقون عليه كلهم أن كان له مال يحمل قيمتهم، فإن لم يكن له مال حمل قيمتهم استسعوا، وهم كل من ولده من جهة أم أو جدة أو جد أو أب، وكل من ولده هو من جهة ولد أو ابنة. وقال فى "المحلى" (8) : لا يجوز للأب عتق عبد ولده الصغير. مذهب الزيدية: من أسباب العتق ملك ذى الرحم المحرم كالأباء وإن علو والأولاد وإن سفلوا (9) . مذهب الإمامية (10) : قد يحصل العتق بالملك فيما إذا ملك الذكر أحد العمودين أو إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا. الأب والكتابة للعبد مذهب الأحناف (11) : وإذا اعتق المكاتب عبده على مال، أو باعه من نفسه، أو زوج عبده، لم يجز، لأن هذه الأشياء ليست من الكسب ولا من توابعه. وكذلك الأب والوصى فى رقيق الصغير بمنزلة المكاتب، لأنهما يملكان الاكتساب كالمكاتب. ثم قال: وإذا اشترى أباه أو ابنه دخل فى كتابته، لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق فيجعل مكاتبا تحقيقا للصلة بقدر الإمكان. الا ترى أن الحر متى كان يملك الإعتاق يعتق عليه. مذهب الزيدية (12) : وإذا أدخل المكاتب معه غيره، نحو أن يكاتب عن نفسه وأولاده بعقد واحد. فلا يعتق واحد منهم إلا بدفع مال المكاتبة عن الجميع منهم أو من غيرهم، سواء تميزت حصص عوض الكتابة بأن يقول: كاتبت كل واحد منكم بمائة، أم لم تميز، لئلا يفرق العقد. وأما إذا كانت العقود مختلفة عتق من أوفى ما عليه أو أدى عنه تقدم أو تأخر. ثم إن الأب إن كاتب بإذنهم رجع عليهم كل بحصته حيث سلم بإذنهم، فإن كانت بغير أذنهم لم يرجع. (انظر مصطلح: عتق، كتابة) .   (1) المهذب ج2 ص 4. (2) سورة مريم:91،92،93. (3) الهداية ج2 ص 43. (4) كشاف القناع ج2 ص 627. (5) المرجع السابق ص 628. (6) الشرح الصغير ج2 ص 405. (7) المحلى لابن حزم ج 9 ص 200. (8) المرجع السابق ج 9 ص215. (9) شرح الأزهار ج53 ص 566. (10) الروضة البهية ج2 ص 195. (11) ج 3ص 208. (12) التاج المذهب ج 2 ص 399. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ولاية الأب فى النكاح مذهب الشافعية (1) : وإن كانت من يراد تزويجها حرة فأولى الناس بذلك أبوها. وقالوا: إنه يجوز للأب أن يزوج أبنه الصغير إذا رأى ذلك (2) . ويجوز للأب (3) . والجد تزويج البكر من غير رضاها، صغيرة كانت أو كبيرة، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: " الثيب أحق بنفسها، والبكر يستأمرها أبوها فى نفسها " فدل على أن الولى أحق بالبكر، وإن كانت بالغة فالمستحب أن يستأذنها للخبر، وأذنها صماتها، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن فى نفسها، وأذنها صماتها " ولأنها تستحى أن تأذن لأبيها بالنطق فجعل صماتها إذنا. ولا يجوز لغير الأب والجد تزويجها إلا أن تبلغ وتأذن. وأما الثيب فإنها إن ذهبت بكارتها بالوطء فان كانت بالغة عاقلة لم يجز لأحد تزويجها إلا بأذنها، لما روت خنساء بنت خذام الأنصارية: أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها. وأذنها بالنطق لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: " والبكر تستأذن فى نفسها وأذنها صماتها" فدل على أن أذن الثيب النطق. وإن كانت صغيرة لم يجز تزوجيها حتى تبلغ وتأذن، لأن إذنها معتبر فى حال الكبر، فلا يجوز الإفتيات عليها فى حال الصغر. وإن كانت مجنونة جاز للأب والجد تزويجها صغيرة كانت أو كبيرة، لأنه لا يرجى لها حال تستأذن فيها. ولا يجوز لسائر العصبات تزويجها لأن تزويجها إجبار، وليس لسائر العصبات غير الأب والجد ولاية الإجبار. مذهب الأحناف: يجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولى، بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا، والولى هو العصبة، فإن زوجها الأب أو الجد، أى الصغير أو الصغيرة، فلا خيار لهم بعد البلوغ (4) . وإذا اجتمع فى المجنونة أبوها وابنها فالولى فى أنكاحها أبنها فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله: أبوها لأنه أوفر شفقة من الابن. وهم (5) لا يجيزون للولى إجبار البكر البالغة على النكاح. مذهب الحنابلة (6) : أحق الناس الذين لهم ولاية النكاح بنكاح المرأة الحرة أبوها، لأن الولد موهوب لأبيه، قال تعالى: " ووهبنا له يحيى (7) "، وقال على لسان إبراهيم الخليل: " الحمد لله الذى وهب لى على الكبر إسماعيل وإسحاق (8) "، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أنت ومالك لأبيك " وإثبات ولاية للموهوب له على الهبة أولى من العكس، ولأن الأب أكمل شفقة وأتم نظراً، بخلاف الميراث، بدليل أنه يجوز أن يشترى لها من ماله وله من مالها. وكذلك يذهب الحنابلة (9) : إلى أن للأب خاصة تزويج بنيه الصغار وبنيه المجانين ولو كان بنوه المجانين بالغين،لأنهم لا قول لهم، فكان له ولاية تزويجهم كأولاده الصغار. وروى الأثرم أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا. وحيث زوج الأب ابنه لصغره وجنونه فإنه يزوجه بحرة لئلا يسترق ولده ويزوجه غير معيبة عيبا يرد به النكاح. ويزوج ابنه الصغير أو المجنون بمهر المثل وغيره ولو كرها، لأن للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها، وهذا مثله، فإنه قد يرى المصلحة فى ذلك، فجاز له بذل المال فيه كمداواته بل هذا أولى، فإن الغالب أن المرأة لا ترضى أن تتزوج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول إلى النكاح بدون ذلك. وليس لهم، أى للبنين الصغار والمجانين، إن زوجهم الأب خيار إذا بلغوا وعقلوا كما لو باع مالهم. وللأب تزويج بناته الأبكار ولو بعد البلوغ لحديث ابن عباس مرفوعا: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها) رواه أبو داود. فلما قسم النساء قسمين، وأثبت الحق لأحدهما، دل على نفيه عن الأخر وهى البكر فيكون وليها أحق منها بها، ودل الحديث على أن الاستئمار هنا. والاستئذان فى حديثهم مستحب غير واجب. وللأب أيضا تزويج ثيب لها تسع سنين بغير أذنها، لأنه لا أذن لها. وإذا زوج ابنه الصغير فبامرأة واحدة، وله تزويجه بأكثر إن رأى فيه مصلحه، وهذا ضعيف جدا، وليس فى ذلك مصلحة بل مفسدة. وعندهم (10) : وحيث أجبرت البكر، زوجت بمن تختاره بنت تسع سنين فأكثر كفئا لا بمن يختاره المجبر من أب أو وصيه، لأن النكاح يراد للرغبة فلا تجبر على غير ما ترغب فيه. وشروط الإجبار: أن يزوجها من كفء بمهر المثل، وألا يكون الزوج معسرا، وألا يكون بينهما وبين الأب عداوة ظاهرة، وأن يزوجها بنقد البلد. فإن امتنع المجبر عن تزويج من أختارته بنت تسع سنين فأكثر فهو عاضل، فتسقط ولايته ويفسخ به إن تكرر. وليس للأب تزويج ابنه البالغ العاقل بغير إذنه، لأنه لا ولاية له عليه إلا أن يكون سفيها وكان النكاح أصلح له، بأن يكون زمنا أو ضعيفا يحتاج إلى إمراة تخدمه، فإن لم يكن محتاجا إليه فليس له تزويجه. وللأب قبول النكاح لابنه الصغير ولو مميزا ولابنه المجنون. مذهب الزيدية (11) : وولى عقد النكاح فى الحرة الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبة النسب، واقرب العصبة هو الابن، ثم ابنه ما نزل، ثم الأباء، وأقربهم الأب ثم أبوه. وذهب الزيدية: إلى أنه إذا زوجها أبوها أو وكيله لمعين فى صغرها فإنه لا خيار لها إذا بلغت بشرطين: أحدهما: أن يكون زوجها كفئا لها فى نسبه ودينه. الشرط الثانى: أن يكون زوجها من لا يعاف فى عشرته. فأما لو زوجها أبوها من تعاف عشرته، كالأجذم والأبرص، فإنها إذا بلغت بالمحيض ثبت لها الخيار بأول الحيض، واستمر خيارها فى اليوم الأول والثانى والثالث، ولا يبطل الخيار إلا إذا تراخت بعد الثلاثة، لأنها قد تيقنت أن الثلاثة حيض بمجاوزتها. وذهبوا كذلك إلى أن الصغير من الذكور كالأنثى إذا عقد له ولى نكاحه بزوجة كفء كان النكاح موقوفا، فيخير متى بلغ إلا من زوجه أبوه فلا خيار له عند بلوغه إن زوجه من هى كفء له لا تعاف وعلى الجملة فهو كالأنثى فى الأصح من المذهب. مذهب الإمامية (12) : ولاية الأب والجد على الصغيرة ثابتة ولو ذهبت بكارتها بزنا أو غيره، ولا خيار لها. ويرى الإمامية (13) : أن ولاية الأب والجد ثابتة على الصغيرة ولو ذهبت بكارتها بزنا أو غيره، لأن مناط الولاية للأب والجد على الثيب صغرها، فلا فرق بين وجود الوصف بين كونها بكراً أو ثيبا لوجود المقتضى فيهما. ولا خيار للصبية مع البلوغ، وفى الصبى قولان، أظهرهما أنه كذلك. ولو زوجها أبوها وجدها فالعقد للسابق، فإن اقترنا ثبت عقد الجد. وتثبت ولايتهما على البالغ مع فساد عقله ذكرا كان أو أنثى ولا خيار له لو أفاق. والثيب تزوج نفسها، ولا ولاية عليها لأب ولا لغيره. ولو زوجها من غير إذنها وقف على إجازتها. أما البكر البالغة الرشيدة فأمرها بيدها. ولو كان أبوها حيا قيل لها: الانفراد بالعقد دائما كان أو منقطعا، وقيل: العقد مشترك بينها وبين الأب فلا ينفرد أحدهما به، وقيل: أمرها إلى الأب وليس لها معه أمر. ويرى المالكية (14) : أن الولى قسمان: مجبر، وغير مجبر. فالمجبر المالك ولو أنثى، فالأب له الإجبار ولو بدون صداق ولو كان الزوج أقل حالا منها أو لقبح منظر. والإجبار لثلاث من بناته: الأولى: البكر ما دامت بكرا ولو عانسا بلغت ستين سنة أو أكثر إلا إذا رشدها الأب، أى جعلها رشيدة أو أطلق الحجر عنها لما قام بها من حسن التصرف، فلا جبر عليها حينئذ ولابد أن تأذن بالقول كما يأتى، أو أقامت سنة ببيت زوجها ثم تأيمت وهى بكر. الثانية: ثيب صغيرة لم تبلغ، تأيمت أو كبرت وزالت بكارتها بزنا ولو تكرر منها، أو ولدت منه، أو زالت بكارتها بعارض لا بنكاح فاسد. الثالثة: مجنونة إلا من تفيق فتنتظر إفاقتها. وقال (15) : والأولى عند تعدد الأولياء تقديم ابن للمرأة فابنه على الأب فأب للمرأة فمرتبته بعد الابن وابنه. وقيل: تقديم أولى الوليين واجب لا سنة، فإن فقد المجبر ينتقل الحق لمن يليه الأقرب فالأقرب. وقال (16) : ويزوج السفيه ذو الرأى مجبرته بإذن وليه، وإن لم يأذن له نظر الولى ما فيه المصلحة، فإن كان صوابا أبقاه وإلا رده. وقال (17) : وإذا تزوج صغير بغير أذن وليه كان لوليه فسخ عقده إذا اطلع عليه، ولا مهر للزوجة ولا عدة عليها إن وطئها ولو أزال بكارتها، لأن وطأه كالعدم وفسخه بطلاق. وإذا تزوج سفيه (18) : بغير أذن وليه كان للولى رد نكاحه بطلقة فقط بائنة إن لم يرشد. وللزوجة إن فسخ الولى النكاح ربع دينار إن دخل بها لأن كل عقد مختلف فى صحته يفسخ بطلاق ويحرم الأصول والفروع كالعقد الصحيح. فالعقد الفاسد المختلف فيه يحرمها على أصوله وفروعه ويحرم عليه أصولها لأن العقد على البنات يحرم الأمهات. وقال (19) : وجبر أب ووصى وحاكم ذكراً مجنونا مطيقا وصغيرا لمصلحة والصداق على الأب إذا جبر ابنه الصغير أو المجنون أن أعدما، أى لم يكن لهما مال. ولو شرط الأب خلافه فان كانا موسرين فعليهما المهر، ولا يلزم الوصى والحاكم مطلقا إلا لشرط من ولى الزوجة على الأب أو على الوصى أو على الحاكم فيعمل به. وان اختلف الابن والأب على التزام المهر، فإن كان قبل الدخول فسخ ولا مهر وإن لم يلتزمه أحدهما، وإن كان بعد الدخول حلف الأب وبرئ ولزم الزوج صداق المثل وحلف أن كان أقل من المسمى، ويرجع للأب نصف الصداق الذى التزمه إذا حصل طلاق قبل الدخول. قال (20) : ويرجع نصف الصداق للأب الذى زوج ولده وضمن له الصداق، أو زوج ابنته لشخص بصداق والتزمه بالطلاق قبل الدخول، وليس للزوج المطلق فيه حق، ورجع جميعه بالفساد أى بالفسخ قبل الدخول، ولا رجوع للأب على الزوج بما استحقته الزوجة من النصف قبل الدخول أو الكل بعده. وقال (21) : وليس للأم كلام فى تزويج الأب ابنته الموسرة المرغوب فيها من فقير لا مال له، إلا لضرر بين كأن يزوجها بذى عيب أو فاسق. مذهب الظاهرية (22) : ولا يحل للمرأة نكاح، ثيبا كانت أو بكراً، إلا بأذن وليها الأب أو غيره من الأولياء. ومعنى ذلك أن يأذن لها. فى الزواج، فإن آبى أولياؤها من الأذن لها زوجها السلطان. برهان ذلك قوله تعالى: " وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم (23) " وهذا خطاب للأولياء لا للنساء. مذهب الأباضية (24) : وأولى الأولياء بالنكاح الأب. الأب ومحرمات النكاح ينص الشافعية (25) : على أنه يحرم على الرجل من جهة النسب البنت وإن سفلت. وجاء عندهم فى حرمة المصاهرة: وتحرم عليه حليلة الابن لقوله تعالى: " وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم (26) "، وتحرم حليلة كل من ينتسب إليه بالبنوة من بنى الأولاد وأولاد الأولاد، كما أن حليلة الأب تحرم على فروعه لقوله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء (27) ". وإن زنى بامرأة فأتت منه بابنة فقد قال الشافعى رحمه الله: أكره أن يتزوجها، فإن تزوجها لم أفسخ " فمن أصحابنا من قال: إنما كره خوفا من أن تكون منه، فعلى هذا لو علم قطعا أنها منه بأن أخبره النبى - صلى الله عليه وسلم- فى زمانه لم تحل له. ومنهم من قال: إنما كره ليخرج من الخلاف، لأن أبا حنيفة يحرمها، وعلى هذا لو تحقق أنها منه لم تحرم، وهو الصحيح، لأنها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب، فلم يتعلق بها التحريم، كالولادة لما دون ستة أشهر من وقت الزنا. واختلف أصحابنا فى المنفية باللعان فمنهم من قال: يجوز للملاعن نكاحها لأنها منفية، فهى كالبنت من الزنا، ومنهم من قال: لا يجوز للملاعن نكاحها، لأنها غير منفية عنه قطعا، ولهذا لو أقر بها ثبت النسب. وجاء فى "المهذب" (28) : ويحرم على الأب نكاح جارية ابنه ولا يحد لأن له فيها شبهة تسقط الحد. ومذهب الأحناف (29) : إلى أنه لا يحل للرجل أن يتزوج ببنته ولا ببنت ولده وإن سفلت للإجماع، ولا بامرأة أبيه وأجداده، ولا بامرأة ابنه وبنى أبنائه نسبا أو رضاعا دون زوجة المتبنى. فإذا تزوج المجوسى (30) ابتنه ثم أسلما فرق بينها، لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عند الصاحبين أما عند أبى حنيفة فله حكم الصحة فى الصحيح، إلا أن المحرمية تنافى بقاء النكاح فيفرق. مذهب المالكية (31) : والمالكية يحرمون على الشخص إجماعا الأصل وهو كل من له ولادة وإن علا والفرع وإن كان من زنا وزوج الأصل والفرع فيحرم عليك زوجة أبيك وزوجة جدك وإن علا وزوجة ابنك وإن سفل. وحرم تزوج من هى فى ملك فرعه وفسخ أبدا، ولو كان ملك الفرع للامة طارئا بعد التزوج بشراء أو هبة أو صدقة أو أرث. ويملك الأب أمة ولده بتلذذه بها بالوطء، أو مقدماته بالقيمة يوم التلذذ، ويتبع بها فى ذمته أن أعدم، وتباع عليه فى عدمه إن لم تحمل. وينص الحنابلة (32) : على أن من المحرمات أبدا البنت من حلال أو من حرام أو من شبهة أو منفية بلعان، لدخولهن فى عموم لفظ " بناتكم"، ولأن ابنته من الزنا خلقت من مائه فحرمت عليه كتحريم الزانية على ولدها، والمنفية بلعان لا يسقط احتمال كونها من مائه، ويكفى فى التحريم أن يعلم أنها ابنته ظاهراً وإن كان النسب لغيره. وبنات الأولاد ذكورا كانواً أو إناثا وأن سفلن لقوله تعالى: " وبناتكم". ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فيحرم على الأب ابنته من الرضاع وبنات أولاده لمن الرضاع ذكوراً أو إناثا، وحليلة الابن وإن سفل من نسب أو رضاع لقوله تعالى "وحلائل أبناكم الذين من أصلابكم (33) " مع قوله - صلى الله عليه وسلم- " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وقوله "من أصلابكم"، للاحتراز من المتبنى. وليس للأب (34) أن يتزوج أمة ولده من النسب دون الرضاع فله أن يتزوج أمة ولده من الرضاع. مذهب الزيدية (35) : يحرم على المرء ذكرا كان أم أنثى أصوله، وهى الأمهات والجدات من قبل الأم والأب وأبويهما ما علوا، وفصوله أى فروعه ولو من زنا، سواء الزوجات والمملوكات، وسواء قد كان وطئ الأصل أو الفرع الزوجة أو عقد عليها فقط وأما المملوكة فلابد أن يكون قد نظر أو لمس بشهوة أو نحو ذلك. مذهب الإمامية (36) : حرمت الموطوءة على أبى الواطئ وإن علا وأولاده وان نزلوا، ولو تجرد العقد عن الوطء حرمت عليه أمها عينا على الأصح، وبنتها جمعا لا عينا. فلو فارق الأم حلت البنت. ولا تحرم مملوكة الابن على الأب، بالملك وتحرم بالوطء، وكذا مملوكة الأب. ولا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الأخر ما لم يكن عقد أو تحليل نعم يجوز أن يقوم الأب مملوكة ابنه الصغير على نفسه ثم يطأها. الأب وصداق أولاده مذهب الحنابلة (37) : لأب المرأة الحرة أن يشترط شيئا من صداقها لنفسه، بل يصح ولو اشترط الكل، لأن شعيبا زوج موسى - عليهما الصلاة والسلام- ابنته على رعاية غنمه، ولأن للوالد الأخذ من مال ولده، لقوله عليه الصلاة والسلام: " أنت ومالك لأبيك " ولقوله - عليه الصلاة والسلام-: " إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم " رواه أبو داود والترمذى وحسنه فإذا شرط شيئا لنفسه من مهر ابنته صح إذا كان ممن يصح تملكه (انظر مصطلح تملك) ، فيكون ذلك أخذا من مالها، فتعتبر له شروطه. فإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح ذلك، وكان الألفان جميعا مهرها، وعلى أن الكل له يصح أيضا، وكان الكل مهرها، ولا يملكه الأب إلا بالقبض مع النية لتملكه كسائر مالها، وشرطه إلا يجحف بمال البنت، وقيل: ليس بشرط. فإن طلقها قبل الدخول بعد قبضه رجع الزوج عليها فى الأولى بألف لأنه نصف الصداق، وفى الثانية بقدر نصف ما شرط له، ولا شئ على الأب فيما أخذه من نصف أو كل إن قبضه بنية التملك، لأنه أخذه من مال أبنته فلا رجوع عليه بشىء منه كسائر مالها، وإن طلقها قبل القبض للصداق المسمى سقط عن الزوج نصفه المسمى ويبقى النصف للزوجة ويأخذ الأب من النصف الباقى لها ما شاء. وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها وإن كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة، لأن عمر خطب الناس وقال: " لا تغالوا فى صداق النساء، فما أصدق النبى- صلى الله عليه وسلم- أحدا من نسائه ولا بناته أكثر من اثنتى عشرة أوقية" وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر، فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون مهر مثلها، ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض، وإنما المقصود السكن والازدواج ووضع المرأة فى منصب عند من يكفيها ويصونها. والظاهر من الأب مع تمام شفقته وحسن نظره أنه لا ينقصها من الصداق إلا لتحصيل المعانى المقصودة، بخلاف عقود المعاوضات، فإن المقصود منه العوض. وإن زوج الأب ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر صح، لأن تصرف الأب ملحوظ فيه المصلحة، ولزم الصداق ذمة الابن، لأن العقد له، ولا يلزم به الأب إلا إذا ضمنه. وإن تزوج امرأة فضمن أبوه أو غيره نفقتها عشر سنين مثلا صح الضمان موسرا كان الأب أو معسرا. وإن دفع الأب الصداق عن ابنه الصغير أو الكبير ثم طلق الابن قبل الدخول فنصف الصداق للابن دون الأب. وكذا لو ارتدت الزوجة قبل الدخول فرجع الصداق جميعه فهو للابن دون الأب ولو قبل بلوغ الابن، لأن الابن هو المباشر للطلاق الذى هو سبب استحقاق الرجوع بنصف الصداق، وليس للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع فى الهبة، لأن الابن ملكه من غير أبيه وهى الزوجة. وللأب قبض صداق ابنته المحجور عليها من صغر أو سفه أو جنون، لأنه يلى مالها، فكان له قبضه كثمن مبيعها. ولا يقبض صداق الكبيرة الرشيدة ولو بكرا إلا بأذنها، لأنها المتصرفة فى مالها، فاعتبر إذنها، فلا يبرأ الزوج. وإذا غرم رجع على الأب. ولا يملك (38) الأب العفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة إذا طلقت ولو قبل الدخول. مذهب الشافعية (39) : إذا زوج الرجل ابنه الصغير وهو معسر ففيه قولان: قال فى القديم: يجب المهر على الأب، لأنه لما زوجه مع العلم بوجوب المهر والإعسار كان ذلك رضا منه بالتزام المهر. وقال فى الجديد: يجب على الابن، وهو الصحيح، لأن البضع له فكان المهر عليه. مذهب الأحناف (40) : إذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير وزاد فى مهر امرأته جاز ذلك عليهما، ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد، وهذا عند أبى حنيفة رحمه الله. وقالا: لا يجوز الحط والزيادة إلا بما يتغابن الناس فيه: أى يتسامحون فى الغبن فيه. مذهب المالكية (41) : للأب فى مجبرته الرضا بدون صداق المثل ولو بعد الدخول. ولو جهز الرجل (42) ابنته بزائد على صداقها ومات قبل البناء أو بعده اختصت به عن بقية الورثة إن أورد الجهاز بيتها أو أشهد لها الأب بذلك قبل موته. ولا يضر إبقاؤه تحت يده بعد الإشهاد أو اشتراه الأب ووضعه عند غيره كأمها أو عندها هى فإنها تختص به إن سماه لها وأقرت الورثة بالتسمية لها أو شهدت البينة بالتسمية. مذهب الزيدية (43) : إذا زوج الأب صغيرته بدون مهر مثلها لم تستحق توفيته، وأما إذا كانت كبيرة فزوجها بغير رضاها بأقل من مهر مثلها فإنها تستحق التوفية إلى مهر مثلها. وكذلك إذا زوجها بأقل مما رضيت من المهر فإنها تستحق أن توفى مهر مثلها إذا ما كان المسمى دون ذلك، كما تستحق ذلك أيضا إذا أذنت بأن تزوج لفلان بدون مهر مثلها فزوجها أبوها من غيره بما أذنت به. مذهب الإمامية (44) : لو سمى لها مهرا ولأبيها شيئا سقط ما سمى لأبيها. مذهب الظاهرية (45) : لا يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها، ولا يلزمها حكم أبيها فى ذلك وتبلغ إلى مهر مثلها. برهان ذلك أنه حق لها، لقول الله عز وجل: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " (46) فإذا هو حق لها ومن جملة مالها، فلا حكم لأبيها فى مالها لقول الله عز وجل: " ولا تكسب كل نفس إلا عليها (47) ". ولا يجوز أن يقضى بتمام مهر مثلها على أبيها إلا أن يضمنه مختارا لذلك فى ماله، لأن الله تعالى يقول: " يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " (48) . والصداق بنص القرآن على الزوج لا على الأب، والقضاء به على الأب فى ماله قضاء ظالم وجور وأكل مال بالباطل لا يحل. الأب والتفويض فى الصداق والنكاح مذهب الحنابلة (49) : تفويض البضع: أن يزوج الأب ابنته المجبرة بغير صداق، أو تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بغير صداق، سواء سكت عن الصداق أو شرط ألا صداق فيصح العقد. ويجب له مهر المثل لقوله تعالى: " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة (50) " ولقضائه - صلى الله عليه وسلم- فى بروع بنت واشق. ولا فرق فى ذلك (51) بين أن يقول: زوجتك بغير مهر، أو يزيد: لا فى الحال ولا فى المآل، لأن معناهما واحد. وتفويض المهر، وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو ما شاء الولى، فالنكاح صحيح، ويجب مهر المثل بالعقد فى الحالتين. ثم قال (52) : وإذا أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول أو بعده فلحرة مكلفة الفسخ. فلو رضيت بالمقام معه مع عسرته أمتنع الفسخ، ولها بعد رضاها منع نفسها حتى تقبض مهرها الحال. ولا خيار لولى زوجة صغيرة ومجنونة ولو أبا، لأن الحق لها فى الصداق دون وليها وقد ترضى بتأخيره. مذهب الشافعية (53) : يستحب تسمية المهر فى العقد، فإن لم يسم صح العقد بالإجماع لكن مع الكراهة. وقد تجب التسمية فى صور: الأولى: إذا كانت الزوجة غير جائزة التصرف، أو مملوكة لغير جائز التصرف. الثانية: إذا كانت جائزة التصرف وأذنت لوليها أبا أو غيره أن يزوجها ولم تفوض فزوجها هو أو وكيله. الثالثة: إذا كان الزوج غير جائز التصرف وحصل الاتفاق على أقل من مهر مثل الزوجة. وإذا خلا العقد عن التسمية، فإن لم تكن مفوضة استحقت مهر المثل بالعقد، وإن كانت مفوضة. والتفويض: أن تقول الحرة الرشيدة لوليها: زوجنى بلا مهر فيزوج على ذلك، أو يزوج ويسكت، وحينئذ يصح العقد، ويجب لها المهر بواحد من ثلاثة أشياء: 1- أن يفرضه الزوج على نفسه وترضى بذلك ولها حبس نفسها حتى يفرض لها. 2- أن يفرضه الحاكم إذا امتنع الزوج من فرضه ولا يفرض الحاكم المهر المثل. 3- أن يدخل بها فيجب لها مهر المثل وان أذنت له فى وطئها على الا مهر لها، لأن الوطء لا يباح بالإباحة لما فيه من حق الله تعالى. وجاء فى الحاشية: خرج بالرشيدة ما لو كانت صغيرة أو كبيرة مجنونة أو سفيهة فانه يجب إلا مهر المثل بمجرد العقد. ولا يتوقفه على فرض زوج أو حاكم ولا على وطء، ومثل هذه مجبرة يجب لها مهر المثل، ولا يقال لها مفوضة. ثم قال: إذا قالت له الرشيدة زوجنى بمهر المثل فإنه لا يكون تفويضا، فيجب لها مهر المثل بالعقد فإن زوج بمهر المثل فالأمر ظاهر، وإن نقص عنه استحقت مهر المثل بالعقد كما تقدم. مذهب الأمامية (54) : إذا زوج الأب ولده الصغير الذى لم يبلغ ويرشد وللولد مال يفى بالمهر ففى ماله المهر، وإن لم يكن له مال أصلا ففى مال الأب ولو ملك مقدار بعضه فهو فى ماله والباقى على الأب. هذا هو المشهور بين الأصحاب. مذهب الزيدية (55) : قال الناصر: لا يصلح أن يزوج الصغيرة غير الأب والجد. وقال: الأوزاعى، روى عن القاسم، لا يزوجها إلا الأب فقط. وتخير الصغيرة تخييرا مضيقا متى بلغت، أى إذا زوجت صغيرة كان لها الخيار متى بلغت، إن شاءت فسخت النكاح، وإن لم تفسخ نفذ، وقيل: لا يشترط علمها بأن لها الخيار إلا من زوجها أبوها فى صغرها، فأنه لا خيار لها إذا بلغت إجماعا، لكن بشرطين: أن يكون زوجها كئفاً، وأن يكون ممن لا يعاف. وكذلك الصغير من الذكور كالأنثى، لا يصح العقد له من غير الأب بل يكون العقد موقوفا حقيقة فلا يصح فيه شىء من أحكام النكاح حتى يبلغ فيجيز العقد. مذهب المالكية (56) : يجوز للأب أن يجبر الذكر المجنون والصغير لمصلحة اقتضت تزويجهما. بأن خيف الزنا على المجنون أو الضرر فتحفظه الزوجة، ومصلحة الصبى تزويجه من غنية أو شريفة أو ابنة عم أو لمن تحفظ ماله. والصداق على الأب إذا أجبر ابنه المجنون أو الصغير وإن مات الأب لأنه لزم ذمته بجبره لهما فلا ينتقل عنها ويؤخذ من تركته، وهذا إن أعَدما، أى لم يكن لهما مال حال العقد، ولو أيسرا بعد ذلك. ولو شرط الأب خلافه بأن قال: ولا يلزمنى صداق بل الصداق على الصبى أو المجنون فلا يعمل بشرطه وإلا يعدما حال العقد بأن كانا موسرين به أو ببعضه حاله وإن أعَدما بعده فعليهما ما أيسرا به كلا وبعضا لا على الأب إلا لشرط من وَلىّ الزوجة على الأب. وإن عقد أب لابن رشيد بإذنه ولم يبين كون الصداق عليه أو على ابنه وتطارحه ابن رشيد وأب تولى العقد بأن قال الابن لأبيه: أنت التزمت الصداق رضيت إلا أنه عليك وقال الأب: بل ما قصدت إلا أنه أبنى، فإن كان قبل الدخول فسخ ولا مهر على واحد منهما ان لم يلتزمه أحدهما، وإلا لزم من التزمه ولا فسخ. وإن تطارحاه بعد الدخول حلف الأب أنه ما قصد به الصداق إلا على أبنه وبرئ ولزم الزوج صداق المثل. مذهب الأحناف (57) : ولاية قبض المهر للأب بحكم الأبوة إلا باعتبار أنه عاقد. مذهب الظاهرية (58) : لا يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها، ولا يلزمه حكم أبيها فى ذلك، وتبلغ إلى مهر مثلها ولابد. برهان ذلك أنه حق. لها لقول الله عز وجل " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " (59) . الأب وطلاق زوجة ابنه وخلع ابنته الصغيرة مذهب الشافعية (60) : ولا يجوز للأب أن يطلق امرأة الابن الصغير بعوض وغير عوض، لما روى عن عمر- رضى الله عنه- قال: إنما الطلاق بيد الذى يحل له الفرج، ولأن طريقه الشهوة، فلم يدخل فى الولاية. ولا يجوز أن يخلع البنت الصغيرة من الزوج بشىء من مالها، لأنه يسقط بذلك حقها من المهر والنفقة والاستمتاع. فإن خالعها بشىء من مالها لم يستحق ذلك، وإن كان بعد الدخول فله أن يراجعها لما ذكرنا. ومن أصحابنا من قال: إذا قلنا إن الذى بيده عقدة النكاح هو الولى فله أن يخالعها بالإبراء من نصف مهرها، وهذا خطأ، لأنه إنما يملك الإبراء على هذا القول بعد الطلاق وهذا الإبراء قبل الطلاق. مذهب الحنابلة (61) : ليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير والمجنون ولا طلاقها لقوله -عليه الصلاة والسلام- " إنما الطلاق لمن أخذ بالساق ". والخلع فى معناه. وليس لأب خلع ابنته الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة بشىء من مالها، لأنه إنما يملك التصرف بما لها فيه الحظ، وليس فى ذلك حظ، بل فيه إسقاط حقها الواجب لها. والأب وغيره من الأولياء فى ذلك سواء. مذهب المالكية (62) : جاز الخلع من المجبر، أبا كان أو وصيا أو سيدا، عن مجبرته بغير إذنها ولو بجميع مهرها، وذلك ظاهر قبل الدخول وبعده ولا يجوز لغيره من الأولياء إلا بأذن منها له فيه. وفى كون السفيهة كالمجبرة خلاف ثم قال: (63) " وموجب الطلاق أى موقعه زوج مكلف ولو سفيها أو عبدا أو ولى غير المكلف من صبى أو مجنون لنظر، أى مصلحة، ولا يجوز عند مالك وابن القاسم أن يطلق الولى عنهما بلا عوض، ونقل ابن عرفة عن اللخمى أنه يجوز لمصلحة، إذ قد يكون فى بقاء العصمة فساد لأمر ظهر أو حدث. مذهب الأحناف (64) : من خلع ابنته وهى صغيرة بمالها لم يجز، لأنه لا نظر لها فيه، إذ البضع فى حالة الخروج غير متقوم والبدل متقوم بخلاف النكاح، لأن البضع متقوم عند الدخول. ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثلث ونكاح المريض بمهر المثل من جميع المال وإذا لم يجز لا يسقط المهر ولا يستحق مالها، ثم يقع الطلاق فى رواية، وفى رواية لا يقع. والأول أصح لأنه تعليق بشرط قبوله فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط. وإن خالعها على ألف على أنه ضامن فالخلع واقع والألف على الأب، لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبى صحيح، فعلى الأب أولى. ولا يسقط مهرها لأنه لم يدخل تحت ولاية الأب. وان شرط الألف عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، فإن قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط، ولا يجب المال لأنها ليست من أهل الغرامة. فإن قبله الأب عنها ففيه روايتان، وكذا إن خالعها على مهرها ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها، فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر، فإن قبل الأب عنها فعلى الروايتين. وإن ضمن الأب المهر وهو ألف درهم طلقت لوجود قبوله وهو الشرط، ويلزمه خمسمائة استحسانا لحصوله قبل الدخول بها. وفى القياس يلزمه الألف نظرا لضمانه وأصله فى الكبيرة إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف، ففى القياس عليها خمسمائة زائدة، وفى الاستحسان لا شىء عليها لحدوث المقاصة من مالها من المهر وما لزم بالخلع لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها. مذهب الظاهرية (65) : ولا يجوز أن يخالع عن المجنونة ولا عن الصغيرة أب ولا غيره، لقول الله تعالى: "ولا تكسب كل نفس إلا عليها " (66) ، وقوله تعالى: " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " (67) فمخالفة الأب أو الوصى أو السلطان عن صغيرة أو كبيرة كسب على غيره وهذا لا يجوز. واستحلال الزوج مالها بغير رضا منها أكل مال بالباطل فهو حرام. مذهب الزيدية (68) : ولا يصح الخلع من ولى مال الصغيرة إلا إذا كان لها فيه مصلحة، ولا يصح مع المصلحة الا إذا كان العوض من غيرها لعدم اعتبار نشوزها قبل التكليف. أى لأن الخلع لا يكون إلا عن نشوز منها عن شىء مما يلزمها، فإذا خالع عن الصغيرة أبوها بمهرها لزمه لها ذلك سواء صح أم لا، ويكون الطلاق خلعا لأنه يصح فيه العوض من الغير، وللمرأة أن تطالب الزوج بمهرها وهو يرجع به على أبيها. مذهب الإمامية (69) : لوليها الإجبارى الذى بيده عقدة النكاح أصالة وهو الأب والجد للأب بالنسبة إلى الصغيرة العفو عن البعض، أى بعض النصف الذى تستحقه بالطلاق قبل الدخول، لأن عفو الولى مشروط بكون الطلاق قبل الدخول. ولو بلغ الصبى فطلق قبل الولد كان النصف المستعاد للولد لا للأب، لأن دفع الأب له كالهبة للابن، وملك الابن له بالطلاق ملك جديد لا إبطال لملك المرأة السابق ليرجع إلى مالكه. وكذا لو طلق قبل أن يدفع الأب عنه لأن المرأة ملكته بالعقد وإن لم تقبضه. وقطع بسقوط النصف عن الأب، وأن الابن لا يستحق مطالبته بشىء ولو دفع الأب عن الولد الكبير المهر تبرعا أو عن أجنبى ثم طلق قبل الدخول ففى عود النصف إلى الدافع أو الزوج قولان.   (1) متن المهذب ج 2 ص 38. (2) المهذب ج 2 ص 42. (3) المهذب ج 2 ص 39. (4) الهداية ج1 ص 155،158. (5) المرجع السابق ج 1 ص 154 وما بعدها. (6) كشاف القناع ج3 ص 28. (7) سورة الأنبياء:90. (8) سورة إبراهيم:40. (9) كشاف القناع ج3 ص 23. (10) كشاف القناع ج3 ص 24. (11) التاج المذهب ج 2 ص 17. (12) المختصر النافع ص 172،173. (13) المرجع السابق ص 172. (14) الشرح الصغير ج1 ص 347. (15) المرجع السابق ج 1 ص 350. (16) المرجع السابق ج 1 ص 360. (17) المرجع السابق ج 1 ص 360. (18) المرجع السابق ج 1 ص 363. (19) المرجع السابق ج 1 ص 362. (20) الشرح الصغير ج1 ص 363. (21) المرجع السابق ج 1 ص 364. (22) المحلى ج 9 ص 451. (23) سورة النور: 32. (24) شرح النيل ج1 ص 265،267. (25) شرح المهذب ج2 ص 44-55. (26) سورة النساء:23. (27) سورة النساء:22. (28) المهذب ج 2 ص 48. (29) الهداية ج1 ص 150. (30) الهداية ج1 ص 173. (31) الشرح الصغير ص 364،368. (32) كشاف القناع ج3 ص 40. (33) سورة النساء:23. (34) كشاف القناع ج3 ص 51. (35) التاج المذهب ج 3 ص 7. (36) المختصر النافع ص 174 وما بعدها. (37) كشاف القناع ج3 ص 80. (38) كشاف القناع ج3 ص 86. (39) المهذب ج 2 ص 65. (40) الهداية ج1 ص 159. (41) الشرح الصغير ج1 ص 381. (42) المرجع السابق ج 1 ص 384. (43) التاج المذهب ج 2 ص 53. (44) المختصر النافع ص 188. (45) المحلى ج 9 ص 466، 467. (46) سورة النساء:4. (47) سورة الأنعام:164. (48) سورة النساء:29. (49) كشاف القناع ج3 ص 92. (50) سورة البقرة:236. (51) كشاف القناع ج3 ص 93. (52) كشاف القناع ج3 ص 97. (53) الخطيب الشربينى شرح أبى الشجاع ج2 ص 126،127 طبعة الحلبى. (54) الروضة البهية ج2 ص 122. (55) شرح الأزهار ج53 ص 248،251. (56) الدردير ج1 ص 369. (57) الهداية ج1 ص 176. (58) المحلى ج 9 ص 466. (59) سورة النساء:4. (60) المهذب ج 2 ص 75. (61) كشاف القناع ج3 ص 127. (62) الشرح الصغير ج1 ص 403. (63) المرجع السابق ج 1 ص 405. (64) الهداية ج2 ص 14. (65) المحلى ج 10 ص 244. (66) سورة الأنعام:164. (67) سورة النساء:29. (68) التاج المذهب ج 2 ص 177. (69) الروضة البهية ج2 ص 118،123. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الأب والقصاص منه للولد والعكس مذهب الشافعية (1) : لا يجب القصاص على الأب بقتل ولده، ولا على الأم بقتل ولدها، لما روى عمر ين الخطاب - رضى الله عنه- أن النبى - صلى الله عليه وسلم- قال: " لا يقاد الأب من ابنه " فإذا ثبت هذا فى الأب ثبت فى الأم لأنها كالأب فى الولادة. ولا يجب على الجد وإن علا، ولا على الجدة وإن علت بقتل ولد الولد وإن سفل، لمشاركتهم الأب والأم فى الولادة وأحكامها. وإن ادعى رجلان نسب لقيط ثم قتلاه قبل أن يلحق نسبه بأحدهما لم يجب القصاص، لأن كل واحد منهما يجوز ان يكون هو الأب. وإن رجعا فى الدعوى لم يقبل رجوعهما، لأن النسب حق وجب عليهما فلا يقبل رجوعهما فيه بعد الإقرار. ويقتل الابن بالأب، لأنه إذا قتل بمن يساويه فلأن يقتل بمن هو أفضل منه أولى. وإن جنى المكاتب على أبيه والأب فى ملكه ففيه قولان: أحدهما: لا يقتص منه، لأن المولى لا يقتص منه لعبده. والثانى: يقتص منه، وإليه أومأ الشافعى- رحمه الله - فى بعض كتبه، لأن المكاتب ثبت له حق الحرية بالكتابة، وأبوه ثبت له حق الحرية بالابن، ولهذا لا يملك بيعه فصار كالابن الحر إذا جنى على أبيه الحر. مذهب الظاهرية (2) : ويبطل القود إذا قتل الأب ابنه. مذهب المالكية (3) : إذا قتل أحد ولدين أباه ثم مات غير القاتل ولا وارث له سوى القاتل فقد ورث القاتل دم نفسه كله فصار معصوما. ولو أكره شخص أبا على قتل ابنه فقتله فلا قصاص على الأب للشبهة (4) . مذهب الإمامية (5) : ولا يقتل الوالد وإن علا بابنه وإن نزل، لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقاد لابن من أبيه " والبنت كالابن إجماعا أو بطريق أولى. وفى بعض الأخبار عن الصادق: لا يقتل والد بولده ويقتل الولد بوالده، وهو شامل للأنثى. ويعزر الوالد بقتل الولد ويكفر وتجب الدية لغيره من الورثة. مذهب الإباضية (6) : ولا يقتل الأب بابنه ولا الأم ويقتل الولد بهما. مذهب الأحناف (7) : لا يقتل الرجل بابنه، لقوله - عليه الصلاة والسلام-: " لا يقاد الوالد بولده " ولأنه سبب أحيائه، فمن المحال أن يستحق له افناؤه، ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده فى صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن، فالقصاص يستحقه المقتول ثم يخلفه وارثه. والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أم بعدت لما بينا. ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط. مذهب الحنابلة (8) : فى شروط القصاص: الشرط الرابع: ألا يكون المقتول من ذرية القاتل، فلا يقتل والده أبا كان أو أما وإن علا بولده. وقال -عليه الصلاة والسلام- " أنت ومالك لأبيك " فمقتضى هذه الإضافة تمكينه إياه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية تثبت بالإضافة بشبهة فى إسقاط القصاص ولأنه كان سببا فى إيجاده فلا يكون سببا فى إعدامه، ولا تأثير لاختلاف الدين واختلاف الحرية، فلو كان أحدهما مسلما والأخر كافرا أو أحدهما رقيقا والآخر حرا فلا قصاص كاتفاقهما فى الدين والحرية. فلو قتل الكافر ولده المسلم أو العبد ولده الحر لم يجب القصاص لشرف الحرية إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنا فيقتل الوالد به، لأنه ليس بولده حقيقة. ولو تداعى شخصان نسب صغير مجهول النسب ثم قتلاه قبل إلحاقه بواحد منهما فلا قصاص عليهما لأنه يجوز. أن يكون ابن كل واحد منهما أو ابنهما وإن ألحقته القافة بواحد منهما، ثم قتلاه لم يقتل أبوه وقتل الآخر لأنه ليس بأب وإن رجعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما عن إقرارهما كما لو ادعاه واحد فالحق به ثم جحده فإنه لا يقبل جحوده لأن النسب حق للولد فرجوعه عنه رجوع إقرار بحق لأدمى وإن رجع أحدهما صح رجوعه وثبت نسبه من الآخر ويسقط القصاص عن الذى لم يرجع ويجب على الراجع لأنه أجنبى وإن عفا عنه ولى المقتول فعليه نصف الدية، ولو اشترك رجلان فى وطء امرأة فى طهر واحد وأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما لم يجب القصاص على واحد منهما وإن نفيا نسبه لم ينتف إلا باللعان بشروطه التى منها أن يكون بين زوجين وأن يتقدمه قذف وأن نفاه أحدهما لم ينتف لقوله لأنه لحقه بالفراش فلا ينتفى إلا باللعان ويقتل الولد بالوالد لأنه يحد بقذفه فيقتل به. مذهب الزيدية (9) : لا يجب القصاص يفرع من النسب فلا يقتص من أصل له، فلا يقتل أب ولا جد وإن علا ولا أم ولا جدة وإن علت لفرع لهم وإن سفل. القصاص فيما دون النفس من لا يقاد بغيره فى النفس لا يقاد به فيما دون النفس، ومن اقتيد بغيره فى النفس اقتيد به فيما دون النفس، لأنه لما كان ما دون النفس كالنفس فى وجوب القصاص كان كالنفس (10) . الأب واستيفاء القصاص أو العفو مذهب الأحناف (11) : إذا قتل ولى المعتوه فلأبيه أن يقتل لأنه من الولاية على النفس شرع لأمر راجع إليها وهو تشفى الصدور فيليه كالانكاح، وله أن يصالح لأنه أنظر فى حق المعتوه، وليس له أن يعفو لأن فيه إبطال حقه وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا لما ذكرنا. مذهب الحنابلة (12) : لولى المجروح بعد السراية العفو عن القصاص، وله حينئذ كمال الدية. وإن عفا الولى مطلقا أو عفا عن القود مطلقا فله الدية، لأن الواجب أحد الشيئين فإذا سقط القود تعنيت الدية. ثم قال (13) " ومن لا يجرى القصاص بينهما فى النفس لا يجرى فى الطرف، كالأب وأبنه والحر مع العبد والمسلم مع الكافر، فلا تقطع يد الأب بيد ابنه ولا يد الحر بيد العبد ولا يد المسلم بيد الكافر. مذهب المالكية (14) : الاستيفاء فى النفس للعاصب الذكر على ترتيب الولاية فى النكاح إلا الجد والإخوة فسيان. ولو كان (15) للصغير ولى من أب أو وصى واستحق الصغير قصاصا بلا مشارك له فعلى وليه النظر بالمصلحة فى القتل وأخذ الدية كاملة. ويخير إن استوت، ولا يجوز له أخذ بعض الدية مع يسر الجانى، والحكم كذلك لو قطع أحد يد الصغير مثلا فله الصلح بأقل، أما لو قتل الصغير فلا كلام لوليه لانقطاع نظره بالموت والكلام للعاصب. ولولى الصغير النظر فى القتل أو الدية كاملة، قال فى المدونة: من وجب لابنه الصغير دم عمدا أو خطأ، لم يجز له العفو إلا على الدية لا أقل منها. وإن قتل شخص عبد الصبى أو جرحه فالأولى للولى أخذ القيمة أو الأرش دون القصاص، إذ لا نفع للصبى فيه. ويقتل أب أمر صبيا بقتل إنسان فقتله، ولا يقتل الصغير لعدم تكليفه. مذهب الظاهرية (16) : عفو الأب عن جرح ابنه الصغير أو المجنون أو استقادته له غير جائز بل هما على حقهما فى القود حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون. مذهب الزيدية (17) : ليس للأب أن يتولى القصاص عن الصبى وكذا سائر الأولياء، بل ينتظر بلوغه وللأب أن يعفو عن القاتل لمصلحة. ولو قتل رجل أباه وله أخ وأم فإن عليه القتل للأخ والأم، فإذا قتل الأخ الأم أو ماتت سقط عن قاتل الأب القود، لأنه قد ورث نصيب الأم أو بعضه، ويقتل قاتل الأم. مذهب الإمامية (18) : ولو كان الولى صغيرا وله أب. أو جد لم يكن له أى وليه من الأب لاستيفاء إلى بلوغه، لأن الحق له ولا يعلم ما يريده حينئذ، ولأن الغرض التشفى ولا يتحقق تعجيله قبله وحينئذ فيحبس القاتل حتى يبلغ. وقال أكثر المتأخرين: يراعى المصلحة، فإن اقتضت تعجيله جاز، لأن مصالح الطفل منوطة بنظر الولى، ولأن التأخير ربما استلزم تفويت القصاص وهو أجود. مذهب الإباضية (19) : ويقتص طفل بواسطة أبيه لا غيره، أى يقتص له أبوه من بالغ إن كان له أب وإلا اقتص أبو أبيه. الأب والأذن لولده فى الجهاد والحج وغيره مذهب الشافعية (20) : إن كان أحد أبويه مسلما لم يجز له أن يجاهد بغير إذنه، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص - رضى الله عنهما - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يستأذنه فى الجهاد فقال: "أحى والداك؟ " قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد. وروى عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه- قال: سألت النبى - صلى الله عليه وسلم-: أى الأعمال أفضل؟ فقال- عليه الصلاة والسلام-: " الصلاة لميقاتها " قلت: ثم ماذا؟ قال: " بر الوالدين ". قلت: ثم ماذا؟ قال:" الجهاد فى سبيل الله". فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد، ولأن الجهاد فرض على الكفاية ينوب عنه فيه غيره، وبر الوالدين فرض يتعين عليه لأنه لا ينوب عنه فيه غيره، ولهذا قال رجل لابن عباس -رضى الله عنهما-: إنى نذرت أن أغزو الروم وان أبوى منعانى، فقال: " أطع أبويك فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك ". وإن كان الأبوان كافرين جاز أن يجاهد من غير إذنهما، لأنهما متهمان فى الدين. وإن كانا مملوكين فقد قال بعض أصحابنا: إنه يجاهد من غير إذنهما، لأنه لا أذن لهما فى أنفسهما فلم يعتبر أذنهما لغيرهما، وقيل: إنه لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنهما لأن المملوك كالحر فى البر والشفقة فكان كالحر فى اعتبار الأذن. وإن أراد الولد أن يسافر فى تجارة أو طلب علم جاز من غير إذن الأبوين لأن الغالب فى سفره السلامة. وإن (21) أذن الوالد لولده ثم رجع أو كان كافرا فأسلم فإن كان ذلك قبل التقاء الزحفين لم يجز الخروج أى للجهاد إلا بالأذن، وإن كان بعد التقاء الزحفين ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يجوز أن يجاهد إلا بالأذن لأنه عذر يمنع وجوب الجهاد، فإذا طرأ منع من الوجوب كالعمى والمرض. والثانى: أنه يجاهد من غير أذن لأنه اجتمع حقان متعينان، وتعين الجهاد سابق فقدم. وإن أحاط العدو بهم تعين فرض الجهاد وجاز من غير إذن الأبوين،لأن ترك الجهاد فى هذه الحالة يؤدى إلى الهلاك فقدم على حق الأبوين. مذهب الحنابلة (22) : لا يجاهد متطوعا من أبواه حران مسلمان عاقلان إلا بإذنهما وإن كان أحدهما حرا مسلما عاقلا لم يجاهد تطوعا إلا بإذنه، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: جاء رجل إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أجاهد. فقال: " لك أبوان؟ " قال: نعم. قال: " ففيهما فجاهد ". وروى البخارى معناه من حديث ابن عمرو. روى أبو داود عن أبى سعيد أن رجلا هاجر إلى النبى صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: " هل لك أحد باليمن؟ ". فقال: أبواى. فقال: " أذنا لك؟ " قال: لا. قال: " فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما. ولأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية والأول مقدم إلا أن يتعين عليه الجهاد لحضور الصف أو حصر العدو أو استنفار الإمام له أو نحوه، فيسقط إذنهما، لأنه يصير فرض عين وتركه معصية، ولا طاعة للوالدين فى ترك فريضة، كتعلم علم واجب قوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك، وإن لم يحصل فله السفر لطلبه بلا أذنهما، لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق. ولا إذن لجد ولا لجدة، فإن خرج فى جهاد تطوع بإذن والديه ثم منعاه منه بعد سيره وقبل تعينه عليه فعليه الرجوع، إلا أن يخاف على نفسه فى الرجوع، أو يحدث له عذر من مرض ونحوه، فإن أمكنه الإقامة فى الطريق أقام حتى يقدر على الرجوع فيرجع وإلا مضى مع الجيش، وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره، وسقط إذنهما. وإن كانا كافرين فأسلما ثم منعاه كان كمنعهما بعد إذنهما على ما تقدم تفصيله. مذهب الظاهرية (23) : لا يجوز الجهاد إلا بإذن الأبوين، إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إغاثتهم أن يقصدهم مغيثا لهم، أذن الأبوان أم لم يأذنا، إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده، فلا يصل له ترك من يضيع منهما. وروى البخارى: حدثنا آدم وحدثنا شعبة وحدثنا حبيب بن أبى ثابت قال: سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم فى الحديث قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فى الجهاد، فقال له عليه الصلاة والسلام: "أحى والداك؟ " قال: نعم. قال: "ففيهما فجاهد ". ثم ذكر عن ابن عمر - رضى الله عنهما- عن النبى - صلى الله عليه وسلم- قال: " السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ". مذهب الزيدية (24) : حيث يكون الواجب آكد كالجهاد والنفقة الواجبة أو نحوهما أو أفضل نحو أن يكون فى غير وطنه أقرب إلى الطاعات وأبعد عن الشبهات، فإنه يجب عليه الخروج للواجب، وينب للمندوب. فإن كره الوالدان أو أحدهما خروجه فلا يصده كراهتهما عن الخروج ما لم يتضررا أو أحدهما بخروجه، سواء كان التضرر من جهة الإنفاق أو البدن لحدوث علة أو زيادتها أو بطء برئها فلا يجوز خروجه، إذ طاعتهما آكد، وتضررهما محظور ولو كافرين غير حربيين. وترك الواجب- وهو الخروج- أهون من فعل المحظور، وهو تضررهما. قال تعالى: " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون " (25) ولا يمتنع الخروج لتضرر الوالدين الحربيين كما لا يجب الإنفاق عليهما. مذهب الأحناف (26) : إذا تعين الجهاد بهجوم العدو فلا يحتاج الابن لإذن أبويه فى الخروج للجهاد فان لم يتعين فلابد من إذنهما. مذهب المالكية (27) : للوالدين منع الولد من الجهاد إذا كان فرض كفاية، أما إذا كان الجهاد فرض عين فلا يحتاج لإذنهما ولو لم يكونا فى كفاية، وهو مذهب المدونة. مذهب الأمامية (28) : وللأبوين منع الولد من الجهاد إذا كان المقصود جهاد المشركين ابتداء لدعائهم للإسلام، إلا أن يتعين عليه الجهاد بأمر الإمام له أو بضعف المسلمين عن المقاومة بدونه، إذ يجب عليه حينئذ الجهاد عينا، فلا يتوقف على أذن الأبوين. أما جهاد من يدهم على المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلاءهم على بلادهم وأخذ مالهم وما أشبهه وإن قل فإنه لا يحتاج إلى أذن الأبوين. مذهب الإباضية (29) : أن تعين الجهاد على الابن واحتيج إليه ككونه إماما عادلا احتيج لحضوره، أو كان قائما بأمر من أمور الحرب لا يقوم به غيره - فإنه يخرج بدون إذن الأبوين. فإن كان له أبوان فقيران أو كبيران أو مريضان ولم يكن لهما غنى عن الابن- فالإقامة معهما أفضل من الجهاد وذلك حيث لم يتعين الجهاد. فإن كان لهما غنى عنه فإنه يخرج إلى الجهاد استحسانا ولو كرها لأنهما لا يمنعانه مما لم يمنعه الله منه. هل للأب منع ولده من الحج وغيره؟ مذهب الحنابلة (30) : وليس للوالدين منع ولدهما من حج الفرض والنذر ولا تحليله منه، ولا يجوز للولد طاعتهما فيه، أى: فى ترك الحج، أو فى التحليل. وكذا كل ما وجب كصلاة الجماعة والجمع والسفر للعلم الواجب لأنها فرض عين، فلم يعتبروا فيه إذن الوالدين. ولهما منعه من حج التطوع ومن كل سفر مستحب كالجهاد، وكما أن لهما منعه من الجهاد مع أنه فرض كفاية لأن بر الوالدين فرض عين، ولكن ليس لهما تحليله من حج التطوع إذا شرع فيه، ويلزم طاعتهما فى غير معصية. قتل الابن أباه الكافر فى الحرب مذهب الشافعية (31) : ويكره أن يقصد قتل ذى رحم محرم، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منع أبا بكر من قتل ابنه. فإن قاتله لم يكره أن يقصد قتله، كما لا يكره إذا قصد قتله وهو مسلم. وإن سمعه يذكر اسم الله عز وجل أو رسوله - صلى الله عليه وسلم- بسوء لم يكره أن يقتله، لأن أبا عبيدة بن الجراح - رضى الله عنه- قتل أباه وقال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: سمعته يسبك، ولم ينكر عليه. مذهب الأحناف (32) : يكره أن يبتدئ الرجل أباه من المشركين فيقتله، لقوله تعالى: " وصاحبهما فى الدنيا معروفا " ولأنه يجب عليه إحياؤه بالإنفاق فيناقضه الإطلاق فى إفنائه، فان أدركه امتنع عليه حتى يقتله غيره، لأن المقصود يحصل بغيره من غير اقتحام المأثم. وان قصد الأب قتله بحيث لا يمكنه دفعه إلا بقتله فلا بأس به، لأن مقصوده الدفع، ألا ترى أنه لو شهر الأب المسلم سيفه على ابنه ولا يمكنه دفعه ألا بقتله يقتله لما بينا فهذا أولى. مذهب الحنابلة (33) : يقتل المسلم أباه وابنه ونحوهما من ذوى قرابته فى المعترك لأن أبا عبيده قتل أباه فى الجهاد فأنزل الله " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون (34) . وإن سبى (35) غير البالغ مع أبويه فهو على دينهما لبقاء التبعية، وإن أسلم أبو حمل أو طفل أو مميز فالابن مسلم. لا إن أسلم جد وجدة فلا يحكم بإسلامه بذلك، أو أسلم أحدهما فمسلم أو مات أحدهما فى دارنا أو عدما أو عدم أحدهما بلا موت فمسلم فى الجميع للخبر السابق وانقطاع التبعية. وإذا بلغ من حكم بإسلامه تبعا لأبويه أو موته بدارنا عاقلا ممسكا عن الإسلام والكفر قتل قاتله لأنه مسلم معصوم الدم. ومن أسلم (36) منهم قبل القدرة عليه أحرز ماله ودمه أو أسلم حربى فى دار الحرب أحرز دمه وماله ولو منفعة أجارة لقوله - عليه الصلاة والسلام- " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم " وأولاده الصغار والمجانين ولو حملا، فى السبى كانوا أو فى دار الحرب، للحكم بإسلامهم تبعا له، وإن دخل كافر دار الإسلام فأسلم وله أولاد صغار فى دار الحرب أو حمل صاروا مسلمين تبعا له ولم يجز سبيهم لعصمتهم بالإسلام. مذهب الزيدية (37) : لا يجوز أن يقتل مسلم ذو رحم رحمه من الكفار سواء كان يحرم عليه نكاحه لو كان أنثى أم لا، وذلك كالأب وان علا والابن وإن سفل والإخوة والأعمام وبنيهم ونحو ذلك، لأن فى ذلك قطيعة رحم، إلا فى أحد وجهين فإنه يجوز قتله: الأول: أن يقتله مدافعة عن نفسه أو عن غيره أو ماله أو مال غيره حيث لم يندفع إلا بالقتل. أو يقتل رحمه بنفسه فإنه يجوز لئلا يحقد على من قتله من المسلمين لو قتله غيره فيؤدى إلى التباغض والشحناء بينه وبين غيره من سائر المسلمين. وهذا هو الوجه الثانى من وجهى جواز قتل الرحم. مذهب الإباضية (38) : ولا يمنع الأبوان ولدهما عن طاعة ربه، ولا طاعة لهما فى ترك طاعته، ويأمرهما بالمعروف وينهاهما عن المنكر. وإذا وجب عليهما حد أو أدب أو حبس فالأولى أن يلى ذلك غيره، وكذا فى القتال إن تعرض له أبوه فالأولى إلا بقتله، وإن فعل ذلك فلا بأس عليه. مذهب المالكية (39) : وكره للرجل قتل أبيه أى دنية حالة كون ذلك الأب من البغاة، سواء كان مسلما أو لا، بارز ولده بالقتال أم لا. ولا يكره قتل أخيه أو جده أو ابنه. مذهب الظاهرية (40) : إذا رأى العادل أباه الباغى أو جده يقصد إلى مسلم يريد قتله أو ظلمه ففرض على الابن حينئذ إلا يشتغل بغيره عنه، وفرض عليه دفعه عن المسلم بأى وجه أمكنه، وإن كان فى ذلك قتل الأب والجد والأم.   (1) المهذب ج2 ص 186. (2) المحلى ج 11 ص 361. (3) الدردير ج 2 365. (4) شرح الحطاب ج6 ص 242. (178) (5) الروضة البهية ج 2 ص 407. (6) شرح النيل ج 8 ص 75. (7) الهداية ج4 ص 130. (8) كشاف القناع ج3 ص 351. (9) التاج المذهب ج 4 ص 265. (10) المهذب ج2 ص 190. (11) الهداية ج4 ص 131. (12) كشاف القناع ج3 ص 369. (13) المرجع السابق ص 371، 373. (14) الشرح الصغير ج1 ص 355. والحطاب ج6 ص 252. (15) المرجع السابق ص 357. (16) المحلى ج10 ص 485. (17) التاج المذهب ج 4 ص 280، 284. (18) الروضة البهية ج 2 ص 415،416. (19) شرح النيل ج 8 ص 208. (20) المهذب ج 2 ص 245. (21) المرجع السابق ص 246. (22) كشاف القناع ج 1 ص 657. (23) المحلى ج7 ص 292. (24) التاج المذهب ج 4 ص 416. (25) سورة العنكبوت: 8. (26) ابن عابدين ج3 ص 304، 306. (27) الحطاب ج 3 ص350. (28) الروضة البهية ج1 ص 216-218. (29) شرح النيل ج2 ص 586. (30) كشاف القناع ج1 ص 552. (31) المهذب ج 2 ص 249. (32) ج 2 ص 117. (33) كشاف القناع ج 1 ص ا66. (34) المجادلة: 22. (35) كشاف القناع ج 1 ص664. (36) المرجع السابق ج1 665. (37) التاج المذهب ج4 ص 431. (38) شرح النيل ج 2 ص 594. (39) الشرح الكبير على الدسوقى ج4 ص 300. (40) المحلى ب 11 ص 109. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الأب وعصمة إسلام ولده الصغير مذهب المالكية (1) : الحربى الذى أسلم وفر إلينا، أو بقى حتى غزا المسلمون بلده، ولده فىء إن حملت به أمه قبل إسلام أبيه. مذهب الشافعية (2) : إن بلغ صبى من أولاد أهل الذمة فهو فى أمان، لأنه كان فى الأمان بأمان أبيه، فلا يخرج منه من غير عناد. فإن اختار أن يكون فى الذمة ففيه وجهان:- أحدهما: أن يستأنف له عقد الذمة، لأن العقد الأول كان للأب دونه فعلى هذا جزيته على ما يقع عليه التراضى. والثانى: لا يحتاج إلى استئناف عقد، لأنه تبع الأب فى الأمان فتبعه فى الذمة. وإن أسلم رجل وله ولد صغير تبعه الولد فى الإسلام، لقوله تعالى " والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم (3) وإن أسلم أحدهما - أى الأبوين - والولد حمل، تبعه فى الإسلام، لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبع المسلم منهما كالولد. وإن أسلم أحد الأبوين دون الأخر تبع الولد المسلم منهما، لأن الإسلام أعلى، فكان إلحاقه بالمسلم منهما أولى. وإن لم يسلم واحد منهما فالولد كافر، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ". فإن بلغ وهو مجنون فأسلم أحد أبويه تبعه فى الإسلام، لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبع الأبوين فى الإسلام كالطفل. وإن بلغ عاقلا ثم جن ثم أسلم أحد أبويه ففيه وجهان، أحدهما: أنه لا يتبعه لأنه زال حكم الاتباع ببلوغه عاقلا فلا يعود إليه. والثانى: أنه يتبعه، وهو المذهب، لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبع أبويه فى الإسلام كالطفل. وإن سبى المسلم صبيا فإن كان أحد أبويه معه كان كافراً (4) . مذهب الأحناف (5) : من أسلم منهم فى دار الحرب أحرز بإسلامه نفسه وأولاده الصغار لأنهم مسلمون بإسلامه تبعا. وإذا دخل الحربى (6) دارنا بأمان فأسلم هاهنا وله أولاد صغار- فإنهم يكونون مسلمين تبعا لإسلام أبيهم إذا كانوا فى يده وتحت ولايته، ومع تباين الدارين لا يتحقق ذلك. وإن أسلم فى دار الحرب ثم جاء فظهر على الدار فأولاده الصغار أحرار مسلمون تبعا لأبيهم، لأنهم كانوا تحت ولايته حين أسلم، إذ الدار واحدة. وما كان من مال أودعه مسلما أو ذميا فهو له، لأنه فى يد محترمة، ويده كيده، وما سوى ذلك فئ. مذهب الظاهرية (7) : إذا أسلم الحربى فأولاده الصغار مسلمون أحرار، وكذلك الذى فى بطن امراته إن كان الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد فامرأته حرة لا تسترق، لأن الجنين حينئذ بعضها، ولا يسترق لأنه جنين مسلم، ومن كان بعضها حرا فهى كلها حرة، بخلاف حكمها إذا نفخ فيه الروح قبل إسلام أبيه، لأنه حينئذ غيرها، وهو ربما كان ذكرا وهى أنثى. وأى الأبوين الكافرين أسلم فكل من لم يبلغ من أولادهما مسلم بإسلام من أسلم منهما، الأم أسلمت أو الأب. مذهب الزيدية (8) : من أسلم من الحربيين أو دخل فى الذمة وهو حال إسلامه فى دارنا لم يحصن فى دارهم إلا طفله الموجود وولده المجنون حال الإسلام ولو بالغا، فلا يجوز للمسلمين إذا استولوا على دار الحرب أن يسبوا طفله أو ولده المجنون ولا مال طفله المنقول، لأنه قد صار مسلما بإسلام والده. مذهب الإمامية (9) : حكم الطفل حكم أبويه، فإن أسلما أو أسلم أحدها لحق بحكمه ولو أسلم حربى فى دار الحرب حقن دمه. مذهب الحنابلة (10) : وإذا أسلم أبوا الطفل الكافران أو أحدهما أو سبى الطفل منفردا عنهما حكم بإسلامه. وإن سبى مع أحدهما فى دار بإسلامه. وأن سبى مع أحدهما وهما على دينهما أو ماتا أو أحدهما فى دار الإسلام. فهل يحكم بإسلامه؟ على روايتين. والمميز كالطفل فيما ذكرنا نص عليه، وقيل: لا يحكم بإسلامه حتى يسلم بنفسه كالبالغ. ولا يتبع الصغير جده ولا جدته فى الإسلام. الأب لا يحد بقذف ولده مذهب الشافعية (11) : إن قذف الوالد ولده أو قذف الجد ولد ولده لم يجب عليه الحد، وقال أبو ثور: يجب عليه الحد لعموم الآية: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون (12) ". والمذهب الأول، لأنه عقوبة تجب لحق الآدمى، فلم تجب للولد على الوالد كالقصاص. وإن قذف زوجته فماتت وله منها ولد سقط الحد، لأنه لما لم يثبت له عليه الحد بقذفه لم يثبت له. وإن كان لها ابن آخر من غيره وجب له لأن حد القذف يثبت لكل واحد من الورثة على الانفراد. وإن مات من له الحد أو التعزير وهو ممن يورث انتقل ذلك إلى الوارث (13) . مذهب الأحناف (14) : إذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد خلافا لزفر. مذهب المالكية (15) : ليس لمن قذفه أبوه أو أمه تصريحا حد والديه على الراجح وهو مذهب المدونة. ومقابله يقول: له حدهما ويحكم بفسقه، وأما فى التعريض فلا يحد الأبوان اتفاقا. مذهب الحنابلة (16) : لا يحد الأبوان لولدهما وإن نزل فى قذف ولا غيره، فلا يرث الولد حد القذف على أبويه، كما لا يرث القود عليهما. فإن قذف أم أبنه وهى أجنبية منة أى غير زوجة له فماتت المقذوفة قبل استيفائه لم يكن لابنه المطالبة به عليه، لأنه إذا لم يملك طلبه بقذفه لنفسه فلغيره أولى، وكالقود فإن كان لها ابن آخر من غيره كان له، استيفاؤه فله إذا ماتت بعد المطالبة لتبعضه: أى لقبوله التجزئة بخلاف القود، ويحد الابن بقذف كل واحد من آبائه وأمهاته وإن علوا. وإذا تشاتم (17) والد وولده لم يعزر الوالد لحق ولده، كما لا يحد بقذفه ولا يقاد به، ويعزر الولد لحق الوالد كما يحد لقذفه ويقاد به. ولا يجوز تعزيره إلا بمطالبة الوالد بتعزيره لأن للوالد تعزيره بنفسه، ولا يحتاج التعزير إلى مطالبة إلا فى هذه الصورة لأنه مشروع للتأديب فيقيمه الإمام إذا رآه. مذهب الزيدية (18) : لو كان القاذف والدا للمقذوف فإنه يلزمه الحد لقذف ابنه ولا يسقط لحق الأبوة، قال فى الغيث: فإن قيل لم حد للقذف ولم يقتص منه مع أنه لا شبهة له فى بدنه؟ قلنا: القذف مشوب بحق الله تعالى والقصاص له محض. مذهب الإمامية (19) : لا يحد الأب لقذف ولده وإنما يعزر. مذهب الظاهرية (20) : الحدود والقود واجبان على الأب للولد فى القذف والسرقة وقتله إياه وجرحه إياه فى أعضائه. الأب والقطع بالسرقة من مال ولده والعكس مذهب الشافعية (21) : من سرق من ولده أو ولد ولده وإن سفل أو من أبيه أو من جده وإن علا لم يقطع، وقال أبو ثور: يقطع لقوله عز وجل " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" (22) " نعم ولم يخص. وهذا خطأ لقوله- عليه الصلاة والسلام - " ادرءوا الحدود بالشبهات "، وللأب شبهة فى مال الابن، وللابن شبهة فى مال الأب، لأنه جعل ماله كماله فى استحقاق النفقة ورد الشهادة فيه، والآية نخصها بما ذكرناه. مذهب الحنابلة (23) : يشترط انتفاء الشبهة لقوله - عليه الصلاة والسلام- " ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" فلا يقطع بسرقة مال ولده وإن سفل، فلا قطع لسرقة ولد مال والده وإن علا، لأن النفقة تجب للولد على الوالد فى مال والده حفظا له فلا يجوز إتلافه لحفظ ماله. مذهب الأحناف (24) : من سرق من أبويه أو ولده أو ذى رحم محرم منه لم يقطع. مذهب المالكية (25) : لا قطع إن قويت الشبهة كوالد سرق نصابا من ملك ولده فلا قطع بخلاف العكس. وجاء فى حاشية الصاوى: إنما لم يقطع الأب لقوله فى الحديث " أنت ومالك لأبيك ". مذهب الظاهرية (26) : قال ابن حزم: قال أصحابنا: القطع واجب على من سرق من ولده أو من والديه. مذهب الزيدية (27) : ولا يقطع والد من النسب لولده إذا سرقه وكان الولد حراً وأن سفل الولد كابن الابن ومن تحته، ويقطع الوالد إذا سرق ولده العبد لأنه لا شبهة له فى ملك الغير، وكذا يقطع إذا سرق من مال ولده من الزنا، فأما الولد إذا سرق من مال أبويه فإنه يقطع عندنا كسائر المحارم. مذهب الإمامية (28) : يشترط فى قطع يد السارق ألا يكون والدا لمن سرق منه. مذهب الإباضية (29) : لا قطع على ولد إن سرق من بيت والده إن كان تحته ولم يحزه ولو لم يكونا فى منزل واحد ولو لم يسرق من منزل هما فيه، وإن أحازه قطع، ولا قطع على أبويه: أبيه أو أمه مطلقا، ولو من منزل لم يسكنوا فيه. الأب والقضاء لولده أو عليه وبالعكس مذهب الشافعية (30) : لا يجوز أن يحكم لوالده وإن علا ولا لولده وإن سفل، وقال أبو ثور: يجوز، وهذا خطأ، لأنه متهم فى الحكم لهما كما يتهم فى الحكم لنفسه. وإن تحاكم والد القاضى مع ولد القاضى إليه فقد قال بعض أصحابنا أنه يحتمل وجهين: أحدهما: أنه لا يجوز كما لا يجوز إذا حكم له مع أجنبى. والثانى: أنه يجوز لأنهما استويا فى التعصيب فارتفعت عنه تهمة الميل. وإن أراد أن يستخلف فى أعماله والده أو ولده جاز، لأنهما يجريان مجرى نفسه ثم يجوز أن يحكم فى أعماله، فجاز أن يستخلفهما للحكم فى أعماله. وأما إذا فوض الإمام إلى رجل أن يختار قاضيا لم يجز أن يختار والده أو ولده، لأنه لا يجوز أن يختار نفسه فلا يجوز أن يختار والده أو ولده. مذهب الأحناف (31) : حكم الحاكم لأبوية وزوجته وولده باطل، والمولى والمحكم فيه سواء، وهذا لأنه لا تقبل شهادته لهؤلاء لمكان التهمة، فكذلك لا يصح القضاء له، بخلاف ما إذا حكم عليه، لأنه تقبل شهادته عليه لانتفاء التهمة، فكذا القضاء. مذهب المالكية (32) : لا يحكم الحاكم لمن لا يشهد له كأبيه وابنه، وجاز أن يحكم عليه. مذهب الحنابلة (33) : ليس لمن ولاه الإمام تولية القضاة أن يولى نفسه ولا والده ولا ولده. الأب وشهادته لولده وعليه والعكس مذهب الشافعية (34) : ولا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا، ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا. وقال المزنى وأبو ثور: تقبل، ووجهه قوله تعالى: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم (35) " فعم ولم يخص، ولأنهم كغيرهم فى العدالة فكانوا كغيرهم فى الشهادة، وهذا خطأ لما روى ابن عمر- رضى الله عنهما - أن النبى - صلى الله عليه وسلم- قال: " لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى أحنة ". والظنين: المتهم، وهذا متهم لأنه يميل إليه ميل الطبع، ولأن الولد بضعة من الوالد، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام-: " يا عائشة إن فاطمة بضعة منى، يريبنى ما يريبها ". ولأن نفسه كنفسه، وماله كماله، ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام- لأبى معشر الدارمى: " أنت ومالك لأبيك" وقال - عليه الصلاة والسلام- " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه " ولهذا يعتق عليه إذا ملكه، ويستحق عليه النفقة إذا احتاج، والآية نخصها بها ذكرناه. والاستدلال بأنهم كغيرهم فى العدالة يبطل بنفسه، فإنه كغيره فى العدالة، ثم لا تقبل شهادته لنفسه، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر فى جميع الحقوق. ومن أصحابنا من قال: لا تقبل شهادة الولد على الوالد فى إيجاب القصاص وحد القذف، لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه، فلا يلزمه ذلك بقوله. والمذهب الأول، لأنه إنما ردت شهادته له للتهمة، ولا تهمة فى شهادته عليه. مذهب الأحناف (36) : لا تقبل شهادة الوالد لولده وولد ولده، ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده، والأصل فيه قوله - عليه الصلاة والسلام- " لا تقبل شهادة الولد لوالده، ولا الوالد لولده، ولا المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته، ولا العبد لسيده، ولا المولى لعبده، ولا الأجير لمن استأجره " ولأن المنافع بين الأولاد والأباء متصلة، ولهذا لا يجوز آداء الزكاة إليهم، فتكون شهادة لنفسه من وجه أو تتمكن فيه التهمة. مذهب الحنابلة (37) : موانع الشهادة ستة أشياء: أحدها قرابة الولادة، فلا تقبل شهادة عمودى النسب بعضهم لبعض من والد وان علا، ولو من جهة الأم كأب الأم وابنه وجده ومن ولد وإن سفل من ولد البنين والبنات، لأن كلا من الوالدين والأولاد متهم فى حق صاحبه، لأنه يميل إليه بطبعه، بدليل قوله - عليه الصلاة والسلام-: " فاطمة بضعة منى يريبنى ما أرأبها " وسواء اتفق دينهم أو اختلف، وسواء جر بها نفعا للمشهود له أو لا كقذف وعقد نكاح إلا الولد من زنا أو رضاع، فتقبل شهادة الولد لأبيه من زنا أو رضاع وعكسه، لعدم وجوب الإنفاق والصلة وعتق أحدهما على صاحبه. وتقبل شهادة بعضهم على بعض، لقوله تعالى " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين (38) " ولأن شهادته عليه لا تهمة فيها وهى أبلغ فى الصدق كشهادته على نفسه. مذهب المالكية (39) : لا تصح شهادة لمتأكد القرب لاتهامه بجر النفع لقريبه كوالد لولده، وإن علا كالجد وأبيه، وولد لوالده وإن سفل كابن الابن أو البنت وزوجها، فلا يشهد الوالد لزوجة ابنه ولا لزوج ابنته ولا الولد لزوجة أبيه وزوج أمه. مذهب الزيدية (40) : تجوز شهادة الابن لأبيه والأب لابنه الكبير لا الصغير.   (1) الشرح الصغير ج1 ص 334. (2) المهذب ج 2 ص 266. (3) سورة الطور: 21. (4) المهذب ج2 ص 255، 256. (5) الهداية ج 2 ص 123. (6) الهداية ج 2 ص 132. (7) المحلى ج 7 ص 311. (8) التاج المذهب ج 4 ص443. (9) المختصر النافع ص114. (10) المحرر ج 2 ص 169. (11) المهذب ج 2 ص290. (12) سورة النور: 4. (13) المهذب ج 2 ص 292. (14) الهداية ج 2 ص 86، 96. (15) الشرح الصغير ج 2 ص 389. (16) كشاف القناع ج 2 ص 62. (17) كشاف القناع ج 4 ص 73. (18) التاج المذهب ج4 ص 227. (19) المختصر النافع ص299. (20) المحلى ج11 ص 296. (21) المهذب ج 2ص 299. (22) سورة المائدة: 38. (23) كشاف القناع ج4 ص 84. (24) الهداية ج 2 ص 105. (25) الشرح الصغير ج 2 ص392. (26) المحلى ج11 ص 313. (27) التاج المذهب ج 4 ص 251. (28) المختصر النافع ص 223. (29) شرح النيل ج 8 ص 75. (30) المهذب ج 2 ص309. (31) الهداية ج 3 ص 87. (32) الشرح الصغير ج 2 ص 311. (33) كشاف القناع ج 4 ص 172. (34) المهذب ج 2 ص 347. (35) صورة البقرة: 282. (36) الهداية ج 3 ص98. (37) كشاف القناع ج4 ص 261. (38) سورة النساء: 135. (39) الشرح الصغير 319. (40) التاج المذهب ج 4 ص 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 الأب ومسائل الإقرار بالنسب أو الإرث مذهب الأحناف (1) : ومن أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه وصدقه الغلام ثبت نسبه منه وإن كان مريضا، لأن النسب مما يلزمه خاصة، فيصح إقراره به، وشرط أن يولد مثله لمثله، كى لا يكون مكذبا فى الظاهر، وشرط ألا يكون له نسب معروف، لأنه يمنع ثبوته من غيره، وإنما شرط تصديقه، لأنه فى يد نفسه إذ المسألة فى غلام يعبر عن نفسه بخلاف الصغير. ولا يمتنع بالمرض، لأن النسب من الحوائج الأصلية، ويشارك الورثة فى الميراث، لأنه لما ثبت نسبه منه صار كالوارث المعروف فيشارك ورثته ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى (2) . مذهب الحنابلة (3) : إن أقر مكلف بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب بأن قال: إنه ابنى وهو يحتمل أن يولد لمثل المقر بأن يكون أكبر ممن أقربه بعشر سنين فأكثر ولم ينازعه منازع ثبت نسبه منه، لأن الظاهر أن الشخص لا يلحق به من ليس منه كما لو أقر بمال. وإن كان الصغير أو المجنون المقر به ميتا ورثه، لأن سبب ثبوت النسب مع الحياة الإقرار، وهو موجود هنا. وإن كان المقر به كبيراً عاقلا لم يثبت نسبه من المقر حتى يصدقه، لأن له قولا صحيحا. فاعتبر تصديقه، كما لو أقر له بمال. وإن كان ميتا ثبت إرثه ونسبه لأنه لا قول له فأشبه الصغير. مذهب الزيدية (4) : لو أقر بصغير كان الصغير فى حكم المصدق، لأنه فى حال الصغر لا يصح منه الإنكار. فإذا بلغ ولم يصدق فإنه يبطل الإقرار ولو حكم الحاكم، لأن الحكم مشروط بالتصديق. ومن أقر بأحد توأمين أنه ابنه وصدقه لزمه الثانى ولو كذبه، لأنه إذا ثبت نسب أحدهما ثبت نسب الثانى. مذهب الشافعية (5) : وإن هنأه رجل بالولد فقال: بارك الله لك فى مولودك وجعله الله لك خلفا مباركا، وأمن على دعائه، أو قال: استجاب الله دعاءك- سقط من النفى (أى نفى نسب الولد) ، لأن ذلك يتضمن الإقرار به. مذهب الشافعية (6) : الإقرار بالنسب يشترط فيه أهلية المقر للإقرار، ببلوغه وعقله وإمكان إلحاق المقر به بالمقر شرعا. ويشترط التصديق: أى تصديق المقر به للمقر فى دعواه النسب، فيما عدا الولد الصغير ذكرا كان أو أنثى، والمجنون كذلك، والميت. مذهب الإباضية: ومذهب الإباضية كالأحناف. مذهب المالكية (7) : وإذا أقر أن مجهول النسب ابنه لحق به الولد إن لم يكذبه عقل لصغره: أى مدعى الأبوة. أو عادة كاستلحاقه من ولد ببلد بعيدة جدا يعلم أنه لم يدخلها أو شرع، فلو كان مجهول النسب المستلحق (بالفتح) رقا أو مولى (أى عتيقا) لمكذبه: أى لشخص كذب الأب المستلحق له- لم يصدق مدعى أبوته، لأنه يتهم على نزعه من مالكه آو الحائز لولائه. مذهب الظاهرية (8) : وإقرار المريض فى مرض موته وفى مرض أفاق منه لوارث ولغير وارث نافذ من رأس المال كإقرار الصحيح ولا فرق. الأب والميراث فيه مباحث: أولا: أن الأب أحد الأفراد الخمسة الذين لا يحجبون عن الميراث بغيرهم بحال. ثانيا: يرث الأب تارة بالفرض فقط، ويرث تارة بالتعصيب فقط، ويرث تارة بهما معا فله فى الإرث ثلاثة أحوال: ا- بالفرض فقط. 2- بالتعصيب فقط. 3- بهما معا. الحالة الأولى: يرث بالفرض إذا كان للميت فرع وارث ذكر. يكون للأب السدس فرضا، لأنه وإن كان من العصبة إلا أن مرتبته من عصوبة الإرث مؤخرة عن عصوبة البنوة، قال تعالى: {ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له الولد} (9) الثانية: يرث بالتعصيب فقط إذا لم يكن للميت فرع وارث ذكر أو أنثى، فيأخذ التركة كلها إن انفرد، ويأخذ الباقى بعد ذوى الفروض أن كان معه ذو فرض. الحالة الثالثة: يرث بالفرض والتعصيب معا إذا كان للميت فرع وارث أنثى، فيأخذ الأب فرضه السدس أولا، ثم يقف عاصبا يرصد ما بقى من أصحاب الفروض، فإن بقى شىء أخذه بالتعصيب، وإن لم يبق شىء من أصحاب الفروض أقتصر الأب على السدس الذى ورثه بالفرض فقط، يأخذه الأب فرضا ولم يبق له شىء يأخذه بالتعصيب. ثالثا: لا يحجب الأب فرع الميت ذكراً أو أنثى وإن نزل، ولا يحجب الأم وإن علت، ولا يحجب الزوج ولا الزوجة، ويحجب من عدا هؤلاء.   (1) الهداية ج 3 ص 153. (2) المرجع السابق ج 3 ص 154. (3) كشاف القناع ج 4 ص 299، 300. (4) التاج المذهب ج44 وما بعدها. (5) المهذب ج 2 ص 123. (6) الروضة البهية ج 2 ص225. (7) الدردير ج 2 ص 181. (8) المحلى ج 8 ص 254 (9) سورة النساء: 11 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 إباحة الإباحة عند أهل اللغة: ذكر علماء اللغة للإباحة عدة معان نذكر منها ما يتصل بمعناها الفقهى وذلك قولهم: " أبحتك الشىء أحللته لك، وأباح الشيء أطلقه " (1) . الإباحة عند الأصوليين: ينظر الأصوليون للإباحة باعتبار أنها مأخوذة من أبحتك الشىء بمعنى أحللته لك أطلقتك فيه. أو يعرفونه ا بأنه ا: التخيير بين فعل الشىء وتركه. وهذا مفاد تعريف الإمام الغزالى للجواز الذى هو مرادف للإباحة عنده إذ يقول (2) : إن حقيقة الجواز مرادف للإباحة. ثم يقول: إن الجواز هو التخيير بين الفعل والترك بتسوية الشرع. وقد ارتضى كل من البيضاوى والإسنوى هذا التعريف وقالا (3) : لا اعتراض عليه. لكن الآمدى اعترض عليه بأنه تعريف غير مانع لدخول الواجب المخير والموسع فيه، (انظر مصطلح واجب) . وقالت (4) : إن الأقرب لسلامة التعريف أن يزاد فيه قيد " من غير بدل " ليخرج ما عدا الإباحة فيكون التعريف: الإباحة هى التخيير بين فعل الشيء وتركه من غير بدل.. والشاطبى رأى ما رآه الآمدى من فساد التعريف المذكور ورأى (5) " زيادة قيد من غير مدح ولا ذم لا على الفعل ولا على الترك " ويكون تعريفها " التخيير بين فعال الشىء وتركه من غير مدح ولا ذم لا على الفعل ولا على الترك ". وهناك تعريف آخر نقله الآمدى أيضا يفيد إن الإباحة أعلام الفاعل أو دلالته أنه لا ضرر عليه فى فعل الشىء أو تركه ولا نفع له فى الآخرة. ولابن السبكى تعريف للإباحة قريب من هذا. وكذا منلا خسرو، وعبيد الله بن مسعود صدر الشريعة، والشوكانى (6) . لكن الآمدى نص على أنه تعريف غير جامع لأنه يخرج عن حد الإباحة ما خير الشارع فيه مع اشتمال الفعل أو الترك على ضرر، كما يخرن عنها ما دال الدليل على الاستواء فيه فى الدنيا والآخرة. تم انتهى الآمدى بوضع تعريف للإباحة بأنها دلالة خطاب الشارع على التخيير بين فعل الشئ وتركه من غير بدل. الإباحة عند الفقهاء: يستعمل الفقهاء لفظ الإباحة كثيرا وخاصة الأحناف عند الكلام عن الحظر والإباحة، ونقل كل من الميدانى وأبى بكر اليمنى والحصكفى عن عبد الله بن مودود الموصلى أن الإباحة ضد الحظر وان المباح ما أجيز للمكلفين فعله وتركه بلا استحقاق ثواب ولا عقاب أو مأخذ فيه (7) . وفسر العينى الإباحة بأنهما " الإطلاق فى مقابلة الحظر الذى هو المنع " (8) . وسلك مسلكه فى هذا كل من قاضى زاده (9) وشيخ زاده، وقد ورد هذا التعبير أيضا فى عبارة صاحب الاختيار حيث قال (10) وهو بصدد التعليل لتسمية صاحب القدورى مسائل باسم الحظر والإباحة: " هو صحيح لأن الحظر المنع، والإباحة الإطلاق " (11) . فتفسير العيني ومن سلك مسلكه للإباحة لوحظ فيه المعني اللغوى الذى هو الإطلاق سواء أكان من جانب الله أم من جانب العباد، فهو أعم من التعريف الأول للفقهاء الذى قصروا الإباحة فيه على تخيير الله لعباده 0 وعلى التعريف الفقهى الثانى تكون الإباحة لمعنى الإذن وهو ما جرى عليه الشريف الجرجانى فى تعريفها حيث قال (12) : " الإباحة الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل ". فالإباحة ليست إجراء تعاقديا، فلا يشترط فيها أن يكون المأذون له معينا معلوما للإذن وقت الإذن لا بشخصه ولا باسمه، فمن يضع الجوابى والأباريق على قارعة الطريق مملوءة بالماء فانه يبيح بذلك لكل من يمر أن يشرب منها دون تعيين للمأذون له لم لا بالاسم ولملا بالوصف. وكذلك فان الإباحة جائزة، كما يقول - أبن حزم الظاهرى (13) فى المجهول، وذلك كطعام يدعى إليه قوم وكذلك قال الإباحة جائزة، كما يقول ابن حزم الظاهرى فى المجهول، وذلك كطعام يدعى إليه قوم يباح لهم أكله ولا يدرى كم يأكل كل منهم. وقال: أن هذا منصوص من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد قال: " من شاء أن يقتطع إذا نحر الهدى، كما أمر المرسل بالهدى إذا عطب أن ينحره ويخلى بينه وبين الناس؟. صيغ الإباحة: بتتبع ألفاظ القرآن لم نجد كلمة الإباحة ولا شيئا مما تصرف منها بفعل أو مشتق، وإنما يوجد فى أساليب القرآن، كما يوجد فى السنة النبوية الكريمة ما يدل عليها، ولا سبيل إلى حملها على غير الإباحة، على ما تفيده عبارات المفسرين وإفهام الفقهاء ومن ذلك نفى كل الحرج ونفى الجناح والإثم والمؤاخذة والحنث والسبيل والبأس وكثيرا ما استعمل الفقهاء كلمة لا بأس بمعنى الإباحة فى كتب الفقه: ومن ذلك قول صاحب الاختيار (14) : ولا بأس بتوسد الحرير وافتراشه، ولا بأس بلبس ما سداه إبريسم ولحمته قطن أو خز، ومثله فى درر المنتقى (15) . وهناك أساليب يترجح فيها معنى الإباحة ومنها إثبات الحل، فانه وإن كان صالحا للاستعمال فى الإباحة وغيرها مما ليس بحرام، فإن السياق والقرينة هما اللذان يحددان الغرض، ولذلك قال الفقهاء فى الحديث الذى رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق) : أن الطلاق مباح. ومن الأساليب التى يترجح فيها معنى الإباحة نفى التحريم مثل قوله تعالى: (قل من حرم زينة الله ((16) . ونفى النهى مثل قوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم ((17) . والاستثناء من التحريم الصريح مثل قوله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ((18) . والاستثناء الضمنى من التحريم الصريح كما فى قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به (إلى قوله: (فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فان الله غفور رحيم ((19) . فقد صرح القرطبى المالكى (20) باعتبار هذا الأسلوب إباحة حيث قال: فاشترط فى إباحة الميتة للضرورة ألا يكون باغيا. ومن الألفاظ التى يستفاد منها الإباحة صيغة الأمر، وقد نقل الآمدى (21) عن بعض الأصوليين أن صيغة الأمر وضعت حقيقية لإفادة الإباحة، وأنها تفيد غيرها بطريق المجاز، وتحتاج فى إفادتها غير الإباحة إلى قرينة. ومنهم من قال أنها حقيقة فى الطلب مجاز فيما سواه ودلالة صيغة الأمر على الإباحة تعتبر مجازية عند من يقول أن الأمر موضوع للندب وهو أبو هاشم الجبائى والمعتزلة ورواية عن الشافعى. وكذلك تعتبر مجازيه على رأى الماتريدى وأتباعه الذين يقولون أن صيغة الأمر موضوعة فى الأصل للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب، فإنها تفيد الإباحة بطريق المجاز، وأحتاج فى إفادة ذلك إلى فريضة. وكذلك بالنسبة للقائلين بأن صيغة الأمر مشتركة بين كل من الوجوب والندب أى موضوعة لكل على حدة، فإنها تكون مجازا أيضا فى استعمالها للإباحة. وحتى عند القائلين بأن صيغة الأمر مشتركة فى إفادة الوجوب والندب والإباحة حقيقة والقائلين بأنها مشتركة فى إفادة ذلك وفى إفادة التهديد أيضا فإن استعمالها فى الإباحة وإن كان حقيقيا عندهم إلا أنه يحتاج إلى قرينة باعتباره مشتركا، إذ المشترك لا يستعمل إلا بقرينة دفعا للبس، وبذا يكون لابد من القرينة فى استعمال الأمر للإباحة سواء قلنا انه مجاز أو مشترك (22) . ويقول البيضاوى (23) : إن صيغة الأمر تستعمل فى الإباحة نحو (كلوا من الطيبات ((24) وعلى ذلك الأسنوى بقوله: يجب أن تكون الإباحة معلومة من غير الأمر حتى تكون قرينة لحمله على الإباحة كما وقع العلم به هنا. وقد نقل والشوكانى (25) عن بعض الأصوليين أن صيغة الأمر مشتركة اشتراكا لفظيا بين الوجوب والندب والإباحة وأن المرتضى من الشيعة قال: إنها للقدر المشترك بين الوجوب والندب والإباحة وأن جمهور الشيعة قالوا إنها مشتركة بين الثلاثة المذكورة والتهديد وهو محكى عن ابن سريج، ومن استعمالات الأمر فى الإباحة بالقرينة قول الله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا ((26) بقرينة أنه كان ممنوعا وقت الإحرام بقوله تعالى: (غير محلى الصيد وأنتم حرم ((27) ولهذا يقول الأصوليون: إن الأمر بعد النظر يفيد الإباحة (28) فإن ورد الأمر بعد حظر لمتعلقه أو استئذان فيه - على رأى الرازى - فهو للإباحة حقيقة لتبادرها الى الذهن فى ذلك، وقيل للوجوب، ومما جاء دالا على الإباحة قوله صلوات الله عليه فيما رواه الطبرانى عن شداد بن أوس: (صلوا فى نعالكم ولا تتشبهوا باليهود) . فالأمر هنا يدل على الإباحة ويفيد أن الصلاة بالنعل جائزة على سبيل الإباحة ما دامت طاهرة 0 وقد علق على ذلك الحديث العلقمى بقوله: صلوا فى نعالكم إن شئتم فالأمر للإباحة، فالصلاة بالنعل جائزة حيث لا نجاسة (29) . ويقود الآمدى (30) : إذا وردت صيغة أفعل " الأمر" بعد الحظر فمن قال أنها للوجوب قبل الحظر اختلفوا، فمنهم من أجراها على الوجوب، ومنهم من قال أنها للإباحة وهم أكثر الفقهاء ومنهم من توقف كإمام الحرمينر. وذكر من أمثلة ذلك قوله تعالى: (وإذا حللتم فاصطادوا ((فإذا طعمتم فانتشروا ((31) (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا ((32) وقوله عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحى فادخروا) . ثم رجع احتمال الحمل على الإباحة نظرا إلى غلبة ورود مثل ذلك للإباحة دون الوجوب. ومن الألفاظ التي تستفاد منها الإباحة: النهى بعد الوجوب على بعض الآراء. قال السبكى والمحلي فى جمع الجوامع وشرحه (33) : إن النهى بعد الوجوب للتحريم عند الجمهور، وقيل للكراهة وقيل للإباحة نظرا إلى أن النهى عن الشىء بعد وجوبه يرفع طلبه فيثبت التخيير فيه. وجاء فى تقرير الشربينى على جمع الجوامع بهذا الصدد: إن الوجوب لشىء إذا نسخ بقى الجواز بمعني عدم الحرج فى الفعل والترك، وقيل تبقى الإباحة فقط، كما قالوا بالنسبة لنسخ الوجوب فى آية الوصية، وقيل يبقى الاستحباب. وجاء فى المنهاج للبيضاوى وشرحه للأسنوى (34) : إن القائلين بالإباحة فى الأمر بعد الحظر اختلفوا فى النهى بعد الوجوب فمنهم من طرد القياس، وحكم بالإباحة لأن تقدم الوجوب قرينة، ومنهم من حكم بأنه للتحريم كما لو ورد إبتداء. وقالوا: إن مما يدل على الإباحة استعمال مادة المشيئة فى مثل قوله تعالى: {ترجى من تشاء منهن وتؤوى إليك من تشاء ((35) فإنها تفيد إباحة ترك الرسول صلوات الله عليه القسم بين زوجاته وذلك إذا لم تكن هناك قرينة تدل على أن المراد التهديد كما فى قوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} (36) فى مسألة المباح. ومما يؤيد ذلك قود الغزالى (37) : أن من الأفعال ما صرخ الشارع فيه، وقال إن شئتم فافعلوه، وإن شئتم فاتركوه ومنها ما لم يرد فيه خطاب بالتخيير، لكن دل دليل السمع على نفى الحرج فى فعله وتركه. ومما يدل على الإباحة من غير لفظ أفعال الرسول فى بعض أنواعها فقد نص الآمدى (38) على أن ما كان من الأفعال الجبلية أى الطبيعية كالقيام والقعود والأكل والشرب ونحوه، فلا نزاع فى كونه على الإباحة بالنسبة إلى النبى وإلى أمته. ويقول الشوكانى (39) : إن ما لا يتعلق بالعبادات ووضح فيه أمر الجبلية كالقيام والقعود ونحوها فليس فيه تأس ولا به اقتداء ولكنه يدل على الإباحة عند الجمهور ثم أورد خلافا لغيرهم فى ذلك فقد نقل البالقلانى عن قوم أنه مندوب ولمحات كذا حياء الغزالى فى كتابه المنخول، وقال: لأن عبد الله بن عمر يتتبع مثل هذا ويقتدى به كسا هو معروف عنه. وأما تقرير النبى عليه الصلاة والسلام، فإن ما سكت النبى عنه ولم يكن قد سبق منه النهى عنه ولا عرف تحريمه فإن سكوته عنه يدل على إباحته. ومثل الشوكانى (40) لذلك بأكل العنب بين يدى الرسول ونقل عن أبن، القشيرى أن هذا مما لا خلاف فيه يقول الآمدى (41) : إن ما أقره النبى ولم يكن قد سبق منه النهى ولا عرف تحريمه فسكوته عن فاعله وتقريره له يدل على جوازه، ورفع الحرج عنه لأنه لو لم يكن فعله جائزا لكان تقريره له عليه مع القدرة على إنكاره حراما على النبى عليه الصلاة والسلام، فحيث لم يوجد منه ذلك دل على الجواز غالبا. الصلة بين الإباحة والتخيير والحل والجواز والصحة والعفو الصلة بين الإباحة والتخيير: الإباحة عند الأصوليين هى التخيير بين الفعل والترك من غير ثواب ولا عقاب على ما تقدم، أما التخيير فهو أعم من ذلك لأنه تارة يكون على سبيل الإباحة وتارة يترتب على الترك عقاب، وعلى الفعل ثواب فى الجملة كتزويج البكر الطالبة للنكاح من أحد الكفأين الخاطبين، وعند الإمامة لأحد الإمامين الصالحين (42) انظر " تخيير ") . 2- الصلة بين لفظي الإباحة والحل: الحل ومشتقاته يستعمل فى لسان الشرع بمعنى ما يقابل التحريم ومشتقاته، ومن ذلك قوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا ((43) . ومقتضى ذلك أن الحلال مقابل للحرام وقسيم له فوجب أن يشمل الحلال كل ما عدا الحرام فيكون أعم من المباح، وهذا ما فهمه الفقهاء وظهر فى عباراتهم واضحا. الصلة بين لفظي الإباحة والجواز: (44) الغزالى يرى أن لفظ الجواز مرادف للفظ الإباحة حيث يقول: إن حقيقة الجواز التخيير بين الفعل والترك والتسوية بينهما بتسوية الشرع. ولكن الأحناف يرون (45) أنه مرادف للحل وأعم من الإباحة (انظر جواز) . الصلة بين لفظي الإباحة والصحة: يرد البيضاوى الصحة إلى الإباحة فيقول (46) : الصحة إباحة الانتفاع. أما جمهور الأصوليين فإنهم يرون أن الصحة وصف للفعل الذى يقع من المكلف إن كان مستجمعا لشرائطه فهى من الأحكام الوضعية والعقلية كما يرى بعض الأصوليين (47) بينما الإباحة من الأحكام التكليفية (أنظر: صحة. حكم) . الصلة بين لفظى الإباحة والعفو: لما كان ما فى مرتبة العفو ليس مطلوبا فعله ولا تركه التبس بالمباح لرفع المؤاخذة فى كل وإن لم يكن العفو من الأقسام الخمسة التكليفية: الواجب، المندوب، المباح، المكروه، الحرام ... على ما بينه الشاطبى (48) . وأدخل الشاطبى فى مرتبة العفو كل، فعل صدر عن غافل أو ناس أو مخطئ. وقال: أن مما يظهر فيه معنى العفو الرخص، لا فرق بين أن تكون الرخصة مباحة أو مطلوبة، فلفظ العفو مما يتردد ذكره فى الشريعة الإسلامية، وهو قريب المعنى من المباح وإن لم يكن مندرجا تحته فى بعض الجزئيات والاطلاقات. وهذه الجزئيات والاطلاقات على الجملة أما أن تكون مسكوتا عنها فى الشريعة، وهذه تتسم بسمة الإباحة الأصلية التي عبر عنها الأصوليون أحيانا بالبراءة الأصلية وأما أن تكون منصوصا على حكمها بالطلب أو المنع وخالف المكلف من غير عمد ولا قصد، أو بحكم الاضطرار، فيتجاوز الشارع عن ترتيب الأثر ويدخل هذا تحت مفهوم الإباحة العارضة. تغير وصف الإباحة: قد يكون الشىء فى ذاته مباحا، ولكنه يكون فى بعض الأحيان ذريعة إلى مطلوب أو محظور فيأخذ حكمه. قال الشاطبى (49) : المباح من حيث ما هو ذريعة إليه ثلاثة أقسام: ذريعة إلى ما هو منهى عنه، فيكون من تلك الجهة مطلوب الترك، أى على سيل التحريم الكراهة. الثانى: ما يكون ذريع إلى مأمور به كالمستعان به على أمر أخروى. ففى الحديث: (نعم المال الصالح للرجل الصالح) وذلك فى الشريعة كثير لأنها لما كانت وسائل إلى مأمور به كان لها حكم ما توسل بها إليه، وهذا القسم مطلوب الفعل على سبيل الوجوب أو الندب 0 الثالث: ما لا يكون ذريعة إلى شئ فهو المباح المطلق، وعلى الجملة فإذا فرض ذريع إلى غيره، فحكمه حكم ذلك الغير. أقسام الإباحة: يقسم الغزالى (50) ، الأفعال المباحة ثلاثة أقسام: الأول: ما بقى على الأصل فلم يرد فيه تعرض لا بصريح اللفظ ولا بدليل من أدلة السمع، فينبغى أن يقال استمر فيه ما كان ولم يتعرض له السمع فليس فيه الحكم. الثانى: ما صرح فيه الشارع بالتخير وقال إن شئتم فافعلوه وإن شئتم فاتركوه، فهذا خطاب والحكم لا معني له إلا الخطاب ولا سبيل إلى إنكاره وقد ورد. الثالث: ما لم يرد الخطاب فيه بالتخيير، ولكن دل دليل السمع على نفى الحرج عن فعله وتركه فقد عرف بدليل السمع، ولولا هذا لكان يعرف بدليل العقل نفى الحرج عن فاعله وبقاؤه على النفى الأصلى 0 وعلى هذا فالمباح لذاته عند الغزالى قسمان: ما ورد فيه حكم الشارع بالتخيير أى ما ثبت بالدليل السمعى الصريح التالي: ما لم يرد فيه خطاب صريح، لكن دل عليه دليل سمعى غير صريح وأيده العقل. أما الفقهاء" فإنهم لما كانوا يستعملون الإباحة استعمالا دارجا بمعني الإذن، وكان مصدر هذا الإذن مختلفا فى الظاهر أمكن تقسيم الإباحة من ناحية منشأ الإذن المباشر إلى قسمين: إباحة مصدرها الشارع مباشرة بما ورد من نصوص تدل عليه أو استنباط المجتهدين له، وإباحة مصدرها المباشر العباد بعضهم مع بعض. كما أنها تنقسم من ناحية متعلقها إلى قسمين أيضا: 1- إباحة استهلاك. 2- إباحة استعمال. وفى كل هذا فإنها إما أن تكون إباحة عامة أو إباحة خاصة، فالإذن العام من الشارع بالاستهلاك كما فى الأشياء التي ورد النص على أن الناس شركاء فيها فتكون مباحة لكل من يستولى عليها، ومن ذلك صيد البحر مطلقا وصيد البر لغير المحرم، ومن ليس فى الحرم يقول الله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ((51) ومما ورد فيه الإذن العام الماء والكلأ والنار بنص الحديث الذى رواه الخلال أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (الناس شركاء فى ثلاث: الماء والكلأ والنار) . ومن ذلك الأرض الموات، يقول النبى عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذى عن سعيد بن زيد: (من أحيا أرضا ميتة فهى له) إلى غير ذلك مما جاء فى كتب الفقه) انظر صيد- حرم- موات) . الإذن العام من الشارع بالاستعمال: يتناول إباحة المنافع العامة التي أباحها الشارع لاستعمال المعين بنص شرعى أو قاعدة عامة تتصل بمصالح العباد، وذلك كالطرق العامة، فحق المرور فيها ثابت للناس جميعا بالإباحة الأصلية ولأصحاب العقارالمتصل بها أيضا بعض نواحى الانتفاع الأخرى كفتح الأبواب والنوافذ وغيرها مما لا ضرر فيه 0 يقول الغزالى (52) : فالشوارع على الإباحة كالموات إلا فيما يمنع الطروق (أى المرور) فلكل واحد أن يتصرف بما لا يضر المارة وكذلك الهواء كما يقول السرخسى (53) . ويقول الفقهاء فى الطريق الخاص: إن حق العامة يتعلق به أيضا فيستعملونه فيما شرع من أجله من المرور واللجوء إليه وقت الزحام ما دام أصحاب الطريق لم ينشئوا عند أحداثه ما يدل على تخصيصه بهم، والإذن الخاص من الشارع بإباحة الانتفاع بشئ مثل إباحة الرسول عليه الصلاة والسلام لأحد الأفراد أن يتزوج امرأة بما معه من القرآن دون أن ينقذها مهرا أو يشترط لها التعلم كما فى الحديث المتفق عليه أن النبى - صلى الله عليه وسلم - وهب امرأة لرجل بقوله: (ملكتكها بما معك من القرآن فقد أباح له المتعة بما لم يبحها به لغيره) (54) . ومن ذلك فيما يرى الخطابى الشخص الذى جامع امرأته فى نهار رمضان ولما ذهب إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وقص عليه، قال له فى شأن الكفارة وكانت الإطعام: (أذهب فأطعمه أهلك) . ويقول الخطابى: (إن الإذن فى إطعام الكفارة لأهله الدين تجب نفقتهم عليه كان رخصة له خاصة) (55) . ومن ذلك الإذن للمسافر فى الفطر على ما ذكره ابن الحاجب والبيضاوى فى المنهاج. والإذن للطبيب بالاطلاع على عورة المرأة للعلاج إذا لم يكن متعينا لذلك العلاج وإلا كان واجبا لا مباحا. إذن العباد بعضهم مع بعض: ويتحقق هذا فى أمرين، أحدهما الأموال الخاصة التى يأذن فيها بعض الناس لبعض كهبات، والطعام والشراب إباحة عامة أو خاصة. وكذا فى نثر الدراهم والورود أو ترك الشىء من ذلك مع الإذن بأخذه، ففى هذه الجزئيات وأمثالها تسليط على نفس العين وإباحة لاستهلاكها. الثانى: منافع هذه الأموال وكذا الحقوق التى تستباح بإباحة الأفراد وهى ما كانت حقا خالصا للعباد، لأنها تستباح بإباحة المالك وتتحقق الإباحة الخاصة فى ذلك بالإذن لأخر من مالك العين أو من مالك المنفعة لينتفع المأذون له بالعين على الوجه الذى أذن له فيه، كأن يأذن إنسان لآخر بأن يركب سيارته أو يضيفه للمبيت عنده أو يأذنه باجتياز ممره الخاص أو إمرار الماء فى مجراه الخاص، ويستوي فى ذلك أن يكون الآذن مالكا لرقبة ما أذن فيه ومنفعته أو مالكا لمنفعته فقط، كأن يأخذه بطريق الإجارة أو الإعارة أو الوصية أو الوقف إذا تحقق شرط صحة الإذن لمالك المنفعة على التفصيل الوارد فى كتب الفقه فى مواضعه. أسباب الإباحة: الإباحة الأصلية سببها فى الواقع انتفاع الناس والتوسعة عليهم، يقول الله تعالى: {هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا} (56) فاللام تفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين ألا ترى أنك لو قلت الثوب لزيد فإن معناه أنه مختص بنفعه (57) . ويرى الشاطبى فى موافقاته أن الرخصة غالبا من قبيل الحكم التخييرى فغالب الرخص على نمط المباح، فالترخيص غالبا سبب من أسباب الإباحة الطارئة لأن معنى الترخيص التيسير والتسهيل على المكلف بتخييره بين الأخذ بالعزيمة أو الرخصة، وهذا هو معنى الإباحة ولا أدل على ذلك من ورود الترخيص بأساليب الإباحة فى النصوص القرآنية قال تعالى: (فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلا أثم عليه ((58) . ففى الإثم من أساليب الإباحة وقد ورد الترخيص به، قال تعالى: (وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ((59) . فالترخيص ورد بأسلوب الإباحة وهو نفى الجناح الأمر الذى يدل على أن المرخص به مباح، وأن الترخيص من أسباب الإباحة الطارئة، وقد أورد الشاطبى شبها على هذا ورد عليها (60) (انظر رخصة) . وغيره من الأصوليين يقسمون الرخصة إلى واجبة كأكل الميتة عند الاضطرار، ومندوبة كقصر الصلاة للمسافر، ومباحة كالسلم والإجارة. فلا يعد الترخيص سببا من أسباب الإباحة عندهم إلا فى القسم الأخير، فالترخيص الذى يعد سببا هو ترخيص الشارع للمكلف بفعل المرخص به أو تركه دون أن يكون أحدهما راجحا على الأخر (61) وكذا فإنه يباح للمضطر أن يتناول من الميتة عند ضرورة خوف الهلاك من شدة الجوع بأن يأخذ منها ما يسد به رمقه عند الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية ير وقد أوجبه الحنابلة (62) . وكقتل الصائل فإنه يباح للمجني عليه قتل الجانى أو قطع طرفه والمعتبر فى الفقه عدم ترتب أى جزاء على هذا القتل، فعدم ترتب الجزاء من ناحية العقوبة أو المثوبة دليل على أن الفعل مباح مستوى الطرفين ولا خلاف بين العلماء فى أن الإكراه الملجئ يكون سببا من أسباب الإباحة لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: " رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " والمرفوع هو الإثم باتفاق الفقهاء وهذا آية الإباحة الفعل المكره عليه إذ لو لم يكن مباحا لما أرتفع إثمه ولما ارتفعت المؤاخذة عليه، فالمكره على شرب الخمر إكراها تاما يباح له ان يتناول الخمر ولو تناوله لا يقام عليه الحد اتفاقا. وقال أبو يوسف، من الأحناف: إنه يباح له أن يترك التناول حتى لو مات كان غير آثم، وذهب جمهور العلماء إلى أن المكره على شرب الخمر لا يسعه أن يترك الشرب فالترك الجائز له بمقتضى الإباحة التى تدل على استواء الطرفين يمنع منه انه يفضى الى التهلكة، وهذا محرم يقول الله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (63) (وإن كان الإكراه ناقصا فالأحناف على أن الشرب يحرم على المكره فلا يكون الإكراه الناقص سببا من أسباب الإباحة ويرى بعض العلماء أن الإكراه بنوعيه التام أو الناقص يبيح الفعل عملا بالإطلاق الموجود فى حديث " رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ". غير أن المالكية والظاهرية يرون الإكراه على إتلاف مال الغير لا يبيح الفعل ولو كان الإكراه تاما لتعلق حق العبد به فالشارع لم يبح لإنسان أن يدفع الضرر عن نفسه بإضرار غيره ولقول الرسول: " لا ضرر ولا ضرار "، وقد يكون الاستحسان سببا من أسباب الإباحة كالسلم مثلا محظور أستفيد حظره من قوله عليه الصلاة والسلام: " لا تبع ما ليس عندك " لأن النهى يفيد الحظر، ولكن ورد نص شرعي يقتضى استثناءه من عموم هذا الحظر وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " من أسلف فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ". فللمكلف بمقتضى هذا الاستحسان أن يتعامل بالسلم وأن يترك التعامل به فهو مجر بين فعله بناء على الاستحسان، وتركه بناء على أصل الحظر، ومن ذلك أيضاً إباحة عقد الإجارة وهى عقد على المنافع، فالأصل فيها الحظر لاندراجها تحت حديث " لا تبع ما ليس عندك "، إذ المنافع معدومة، لكن ورد نص شرعى يقتضى إخراجها من عموم هذا الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " 0 ومن ذلك إباحة وقف الكتب وآلات الحرب، وإباحة استعمال سؤر سباع الطير قياسا على سؤر الإنسان، مع أن القاعدة أن الوقف لا يكون إلا مؤيدا، والقياس على سؤر سباع البهائم يقتضى عدم إباحة سؤر الطير. والبيع بشرط محظور عملا بما روى عن النبى عليه الصلاة والسلام: أنه نهى عن بيع وشرط، ولكن جرى العرف ببيع الساعة مثلا بشرط إصلاحها مدة معينة، فيجريان العرف بذلك جعل البيع بشرط مع كونه محظورا باعتبار النص، مباحا باعتبار العرف. ومن ذلك الاستصناع، فالأصل فيه الحظر لأن المعقود عليه غير موجود فهو مخالف للقواعد العامة التى تقضى بوجود المعقود عليه، لكن لما جرى العرف بذلك كان جريان العرف سببا من الأسباب المبيحة لذلك المحظور، فالمكلف مخير بين أن يتعامل بالاستصناع وبين أن يتركه، وإذا كان هناك فعل حظره الشارع كقتل المسلم بغير حق، فقد تعرض لهذا المحظور مصلحة تجعل القتل مباحا كما إذا تترس الكفار بجماعة من المسلمين، بحيث لو كففنا عنهم لتغلب الكفار علينا واستولوا على دار الإسلام، ولو رمينا الترس وقتلنا المسلمين الذين معهم لاندفعت القوة عن كافة المسلمين قطعا، فهذا القتل وإن كان الدافع له المصلحة إلا أن هذه المصلحة لم يدل دليل من الشرع على اعتبارها ولا على إلغائها، وهى التى كانت سببا فى إباحة القتل المحظور. وأكثر الفقهاء والأصوليين على أن الطلب بعد الحظر يفيد الإباحة، وإن كان المعتزلة يرون أنه يفيد الوجوب. وتوقف أمام الحرمين فى حكمه، فقد طلب الرسول ادخار لحوم الأضاحى بعد نهيه عن ذلك، وذلك فيما روى عنه من أنه قال: " كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحى، فكلوا وادخروا ". كما طلب زيارة القبور بعد نهيه عن ذلك فيما روى عنه من قوله: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها " ... فكل من الادخار من لحوم الأضاحى وزيارة القبور كان محظورا، فطلب الشارع فعله فذهب أكثر الفقهاء إلى أن هذا يفيد إباحة ما كان محظورا لا وجوبه أو ندبه (64) . ومن ذلك قوله تعالى: {وإذا حللتم فاصطادوا} (65) . وقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} (66) . طروء الإباحة على الواجب: قد ينسخ الواجب فيصبح النسخ سببا فى إباحته اتفاقا، وهذا إذا ورد فى النص الناسخ ما يفيد الإباحة. أما إذا كان النص الناسخ لم يرد فيه ما يدل على إباحته أو تحريمه فهو أيضا يفيد الإباحة عند بعض العلماء.، وخالف فى ذلك الغزالى لأن الوجوب يتضمن جواز الفعل الحرج في الترك ومعنى ذلك أنه لا حرج فى الفعل ولا حرج فى الترك، وهذا هو المباح لاستواء الطرفين من حيث الفعل والترك. هل الإباحة حكم شرعى؟: أجمع الأصوليون على أن الإباحة حكم شرعى يقول صاحب مسلم الثبوت (67) : الإباحة حكم شرعى، لأنه خطاب الشرع تخييرا والإباحة الأصلية نوع منه. ويقول الغزالى (68) : " المباح من الشرع " ولم يخالف فى ذلك الا بعض المعتزلة فإنهم قالوا: " إنه ليس من الشرع، إذ معنى المباح رفع الحرج عن الفعل والترك، وذلك ثابت قبل السمع، فمعنى إباحة الشارع شيئا أنه تركه على ما كان عليه قبل ورود السمع ولم يغير حكمه "، " وكل ما لم يثبت تحريمه ولا وجوبه بقى على النفى الأصلى فعبر عنه بالمباح " وقد ناقش الشارع المعتزلة بما خلاصته: أن بعض الأفعال نص الشارع على التخيير فيه صراحة، وبعضها ذكر ما يدل على التخيير فيه بغير لفظ صريح وأيده العقل فهذه إباحة شرعية بلا كلام.- وأما ما لم ينص الشارع فيه على شىء، فيمكن أن يقال أن السمع دل عليه على معنى أنه قال: " ما لم يرد فيه طلب فعل ولا ترك فالمكلف مخير فيه " كما رد الآمدى عليهم بقوله: " نحن لا ننكر أن انتفاء الحرج عن الفعل والترك ليس بإباحة شرعية، وإنما الإباحة الشرعية خطاب الشارع بالتخيير، وذلك غير ثابت قبل ورود الشرع ولا يخفى الفرق بين القسمين، فإذن ما أثبتناه من الإباحة الشرعية لم يتعرض المعتزلة لنفيه، وما نفى غير ما أثبتناه. مذهب الكعبى فى الإباحة: هذا وقد نفى الكعبى من المعتزلة وجود المباح فى الشرع إذ كل فعل موصوف بالإباحة مظهره تخيير المكلف بين الفعل والترك هو فى الواقع واجب مأمور به، لأن الأمور فى الشرع مترددة بين أن يكون فعلها هو المطلوب أو تركها هو المطلوب، تبعا للأكثر نفعا، إذ الشارع إنما يأمر بالذى نفعه أكثر من ضرره، ولا يمكن أن يتساوى الفعل والترك بالنسبة لنفع المكلف وضرره وما دام كذلك فلا يكون هناك تخيير فى الحقيقة، لأن الذى نفعه اكثر مأمور به والذى ضرره أكثر منهى عنه لانتفاء التساوى بين النفع والضرر على هذا الوجه ومادام التساوى منتفيا فالتخيير بين الفعل والترك غير متصور، فينتج أنه لا يمكن أن يكون فى الشرع مباح. فالأكل والشرب كل منهما مطلوب بالقدر الذى يقيم الأود، واللهو المشروع مطلوب بالقدر الذى ينتفع به الذهن والجسم، والنوم مطلوب بالقدر الذى يسلم به العقل والجسم، والسعى فى طلب الرزق مطلوب بالقدر الذى تبقى به الحياة ... وهكذا بالنسبة لكل ما اتصف بأنه مباح. ونص دليل الكعبى الذى نقله الآمدى هو:" ما من فعل يوصف بكونه مباحا إلا ويتحقق بالتلبس به ترك حرام ما، وترك الحرام واجب ولا يتم تركه دون التلبس بضد من أضداده، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبذا يكون فعل ما ظاهره التخيير واجبا عند الكعبى) ". وقد نقل الآمدى (69) ردا على الكعبى بأنه " إن كان ترك الحرام واجبا فالمباح ليس هو نفس ترك الحرام بل شىء يترك به الحرام مع إمكان تحقق ترك الحرام بغيره فلا يلزم أن يكون واجبا ". ثم يقول: " وهذا الموضوع فى غاية الغموض والإشكال ". هل المباح يدخل تحت التكليف ومما يتصل بهذين الموضوعين كون المباح داخل تحت التكاليف أم لا؟ فجمهور العلماء اتفقوا على أنه غير داخل فى التكاليف، إذ التكليف يكون بطلب ما فيه كلفة ومشقة، وهذا غير متصور فى التخيير بين الفعل والترك، غير أن أبا إسحاق الأسفرايينى يرى دخول لمباح تحت التكاليف، لأنه يجب اعتقاد إباحته والوجوب من خطاب التكليف. ولعلهم يدخلون المباح الذى عبروا عنه بالتخيير فى التكليف تغليبا للأحكام التكليفية عليه لكثرة أنواعها من ناحية، إذ التكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة، ولا شىء من ذلك فى المباح، وقد يكون ذلك التغليب لأن كثيرا من الأفعال المباحة جاءت بصيغة الطلب الذى هو الاقتضاء، وقد يكون ذلك بالنظر إلى وجوب اعتقاد كونه مباحا لا بالنظر إلى الفعل نفسه، وقد قال الشاطبى: إن المباح لا يكون مطلوب الفعل، ولا مطلوب الاجتناب، وأفاض فى الاستدلال على ذلك. حكم أفعال العباد الاختيارية قبل بعثة الرسول: نقلت كتب الأصول خلافا طويلا فى هذا فجمهور أهل السنة على أن أفعال العباد الاختيارية قبل بعثة الرسل لا ثواب عليها ولا عقاب فتكون كل الأفعال على البراءة الأصلية التى يعبرون عنها أحيانا بالإباحة الأصلية 0 أما المعتزلة: فيقولون فيما أدرك العقل حسنه وقبحه وانعدام كل منهما فيه أنه ينقسم إلى الأقسام الخمسة التي تعلق فيها حكم الشرع بأفعال المكلفين بعد ورود الشرع وما لم يدرك العقل حسنه ولا قبحه، فإنهم يختلفون فيه على ثلاثة مذاهب: مذهب يقول بالإباحة. وآخر يقول بالتحريم. وثالث بالتوقف. على أن هذه الأقوال نفسها تنقل عن الأشاعرة من أهل السنة فى الأفعال الاختيارية بصفة عامة قبل البعثة (70) . وأما أفعال المكلفين بعد بعثة الرسل فيما لم يرد نص بحكمه، فيقول الأسنوى (71) : الأصل فى الأشياء النافعة الإباحة، وفى الأشياء الضارة الحرمة. ويقول ابن السبكى (72) فى جمع الجوامع وشرح المحلى: الصحيح فى حكم أفعال العباد بعد البعثة فيما لم يرد به نص أن أصل المضار التحريم والمنافع الحل. وقد نقل الكمال (73) خلافا بين أهل السنة فى أن الأصل فى الأفعال الإباحة أو الحظر وناقش كلا من الرأيين بما يفيد ان الخلاف فى الأفعال قبل البعثة. ويقول الشوكانى (74) : الأصل فيما وقع فيه الخلاف ولم يرد فيه دليل يخصه أو يخص نوع الإباحة أو المنع أو الوقف فذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الأصل الإباحة، وذهب الجمهور إلى أن الأصل المنع، وذهب الأشعرى وبعض الشافعية إلى الوقف وصرح الرازى فى المحصول بأن الأصل فى المنافع الإذن وفى المضار المنع. اثر الإباحة - إذن الشارع بالاستهلاك والاستعمال يقتضى ملكية مستقرة بالاستيلاء الحقيقى على المأذون فيه أو اختصاصا لمن سبق فلا يملك أحد أن ينتزعه منه أو ينحيه عنه إذ لا يتصور انتهاؤها من الإذن. وأما إذن العباد فانه مختلف فى أثره بين المذاهب على الوجه الآتي: أولا- المذهب الحنفى: جاء فى رد المختار (75) : إذا تعلقت الإباحة بعين كما إذا ترك شخص ماله وقال من شاءه فليأخذه، ومن نثر نقودا ليأخذ كل من تناوله يده أو دعا صديقا إلى تناول طعامه فالجمهور من الحنفية على أن المال يظل مملوكا لصاحبه إلى أن تناله يد المباح له فيمتلكه بأخذه أو بتناوله، فإذا استهلكه بعد ذلك فقد استهلك مالا مملوكا. وذهب آخرون إلى أن ذلك ليس من قبيل التمليك وأن المباح له لا يتملك المال بتناوله وإنما يظل المال ملكا لصاحبه ويستهلكه المباح له على ملك صاحبه بإذنه ولهذا لا يضمنه وعلى الرأي الأول أفتى فى كثير من المسائل. وفى الدر المختار (76) أن من دعا قوما إلى طعام وفرقهم على أخونة فليس لأهل خوان مناولة أهل خوان آخر، ولا إعطاء سائل وخادم وهرة وكلب، ومثله فى الفتاوى الهندية (77) والبرازية (78) . وعلله صاحب الجوهرة بأنه أباح لهم خوانهم دون غيرهم، فإن ناول أهل خوان غيرهم لا يحل لهم أن يأكلوه. ومثله فى الفتاوى الهندية (79) بل ذكر صاحب الفتاوى الهندية أنه لا يجوز أن يدفع الضيف إلى ولد صاحب المائدة وعبده وسنوره، ثم قال: أن الاستحسان جواز ذلك. وفى التتارخانية (80) عن فتاوى النسفى: سئل نجم الدين عن امرأة أعطت زوجها مالا بسؤاله ليتوسع بالتصرف فيه فى المعيشة فظفر بالزوج بعض الغرماء واستولى على المال، هل للمرأة أن تأخذ ذلك المال من ذلك الغريم؟ قال: إن كانت وهبته للزوج أو أقرضته له فلا، وإن كانت أعطته ليتصرف فيه على ملكها فلها ذلك. وفى الفتاوى الهندية أيضا: أن من وضع مقدارا من السكر أو عددا من الدراهم بين قوم وقال: من شاء أخذ منه شينا، أو قال: من أخذ منه شيئا فهو له فكال من اخذ منه شيئا يصير ملكا له ولا يكون لغيره ان يأخذ ذلك منه (81) ومن أصرح ما أورده الفقهاء فى هذا المقام من عدم أفاد الإباحة التمليك ما جاء فى مبسوط السرخسى، من أن المباح له الطعام لا يملكه وإنما يتناوله على ملك المبيح وفى مرير الرافعى ما يقيد أنه يستهلكه وهو على ملك صاحبه. ثانيا- فى الفقه الشافعى: جاء فى حاشية البجرمى على الإقناع (82) أن رجلا لو أعطى آخر كفنا لأبيه فكفنه فى غيره فعليه رده له إن كان لم يقصد التبرع على الوارث وعلم قصده، فان قصد التبرع وعلم قصده كان هبة للوارث فلا يلزمه رده، وعبارة الشافعية تنفق فى دلالتها مع مسلك بعض الأحناف من أن مجرد الإباحة لا تفيد تمليكا وإنما هى طريق إليه. يقول القليوبى فى حاشيته على شرح المنهاج (83) : " إن الملك فى الضيافة يترتب عليها بالوضع فى الفم أو بالازدراد على الأصح، ورجح صاحب نهاية المحتاج تبعا للشرح الصغير والمفتى به عندهم أنه يملكه بوضعه فى فمه ". ثم قال: إنه يحل التقاط المنثور فى الأملاك وليمة النكاح، كالسكر واللوز والفلوس، وأن من أخذ من المنثور أو التقط وبسط ثوبه لأجله فوقع فيه ملكه. وفى حاشية الباجورى (84) على ابن القاسم والمنهاج وشرحه أيضا (85) . يجوز للضيف الأكل مما قدم له بلا لفظ من مضيفه اكتفاء بالقرينة العرفية كما فى الشرب من السقايات التي فى الطريق إلا أن ينتظر الداعى غيره أو يكون قبل تمام السفرة، فلا يأكل حتى يحضر أو يأذن المضيف لفظا بخلاف غير ما قدم له فليس له الأكل منه. ولا يتصرف فيما قدم له بغير الأكل لأنه المأذون فيه عرفا، فلا يطعم منه سائلا ولا هرة إلا بإذن صاحبه أو علم رضاه. نعم له أن يلقم منه غيره من الأضياف إلا أن يفاصل المضيف الطعام بينهم فليس لمن خص بنوع أن يطعم غيره منه ويملك الضيف ما التقمه بوضعه فى فمه بمعنى أنه إن ازدرده استقر على ملكه، وإن أخرجه من فمه تبين بقاؤه على ملك صاحبه. ثالثاً - فى الفقه المالكى: جاء فى حاشية الصاوى على الشرح الصغير للدردير (86) : " هل الطعام المقدم للضيوف يملكونه بمجرد التقديم أو لا يملكونه إلا بالأكل وعلى كل لا يجوز للواحد من الضيوف أن يعطى أحدا منه شيئا بغير إذن صاحبه بناء على أنه لا يملكه إلا بالأكل أو بغير إذن من بقية أصحابه بناء على ملكهم له بالتقديم فعلى الأول العبرة بإذن بعضهم وعلى الثانى العبرة بإذن صاحب الطعام. وفى فتاوك عليش (87) : " وسئل سيدى أحمد الدردير عن ذى فرح نثر على حاضريه دراهم فوقع فى حجر رجل منهم دراهم أكثر من غيره فهل يختص بها عن الحاضرين؟ قال: يختص الذى سقط فى حجره الدراهم الزائدة بها. وينقل القرطبى المالكى (88) وغيره من المفسرين عند قوله تعالى فى سورة النور: " ولا على أنفسكم أن تأكلوا (89) "، ينقلون عن أئمة السلف أن الإباحة فى هذه المسائل لا تعدو أن تكون إذنا بالانتفاع القاصر، وأنه لا يجوز للمباح له أن ينقل العام إلى الخارج ولو إلى نفسه، هذا وإباحة المنافع كإباحة الأعيان لا تقتضى تمليكا فلا يملك المأذون له الإنابة ولا المعاوضة، وقد سمى القرافى من المالكية (90) إعطاء هذا الحق بتمليك الانتفاع وفرق بينه وبين ملك المنفعة وعبارته: تمليك الانتفاع يراد به أن يباشره هو بنفسه فقط وتمليك المنفعة أعم وأشمل فيباشر بنفسه ويمكن غيره من الانتفاع بعوض وبغير عوض، وتمليك الانتفاع كسكنى المدارس والرباط، ومنه الوقف على السكن إذا لم يزد على ذلك فإن زاد كقوله ينتفع بجميع أنواع الانتفاع، فهو تصريح بتمليك المنفعة وصار من النوع الثانى. وفى تهذيب الفروق (91) : " القاعدة أن الأصل بقاء الأملاك على ملك أربابها والنقل والانتقال على خلاف الأصل، فلذا متي شككنا فى رتب الانتقال حملناه على أدنى المراتب استصحابا للأصل فى الملك السابق ". وفرع على هذا أنه لا يجوز للضيف أن يبيع الطعام المعد للضيافة، ولا أن يأكله للغير، بل يكله هو خاصة، على جرى العادة. نعم، له إطعام الهرة اللقمة واللقمتين ونحوهما بشهادة العادة لذلك. رابعاً - فى الفقة الحنبلى: ينقل ابن قدامة فى المغنى (92) أن النثار وإن كان مكروها إلا أنه لو حصل فى حجره شىء من النثار فهو له غير مكروه لأنه. مباح حصل فى حجره فملكه كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت فى. حجره، وليس لأحد أن يأخذه من حجره (93) . وفى المحرر فى باب الوليمة: " النثار والتقاطه مكروه تنزيها وعنه لا يكره كالمضحى يقول من شاء اقتطع ويملكه مرن أخذه أو وقع فى حجره مع القصد له وبدون القصد وجهان ". خامسا- فى الفقة الظاهرى (94) : جاء فى المحلى: " وكدار يبيح سكناها ودابة يمنح ركوبها وأرض يمنح زراعها وعبد يخدمه فما حازه الممنوح من كل ذلك فهو له لا طلب للمانح فيها وللمانح أن يسترد عين ما منح متى شاء سواء عين مدة أو لم يعين أشهد أو لم يشهد لأنه لا يحل مال أحد بغير طيب نفسه إلا بنص، ولا نص فى هذا وتعيينه المدة عدة والوعد لا يلزم الوفاء به فى باب النذور.. فما قبضه المجعول له فلا رجوع لصاحب الرقبة فيه وما لم يقبضه المجعول له فلصاحب الرقبة استرجاع رقبة ماله. سادسا - فى فقة الإمامية جاء فى مفتاح الكرامة (95) : ملك المباحات متوقف على الحيازة والنية، ومع هذا فقد جاء فى موضع أخر: " إن المباح لا يحتاج فى تملكه إلى نية إذ نيته عين إحرازه عند بعضهم. سابعاً - فى فقة الزيدية: جاء فى البحر الزخار (96) : النثار مباح إذ ما نثره مالكه إلا إباحة له ولا قول للهادى فيه لا نصا ولا تخريجا. وفيه: من مد ثوبه فله ما وقع فيه كالشبكة فإن سقط منه شئ ففى جواز أخذه تردد الأصح لا يجوز. وكذا انتهاب الناهب واحضاره يغنى عن الإباحة وقيل لا قلنا القرينة كافية، وإنما يؤكل بالإباحة كالطعام وله الرجوع ما لم يمضغ على الخلاف فى الطعام، قال وفيه نظر. إذ قد جعلوا له حكم الملك بعد الإحراز، وفيه أيضا: الإباحة لا تفتقر إلى لفظ بل تكفى القرائن كتقديم الطعام لعرف المسلمين والجهاز للمجهز ما لم يصدر منه لفظ تمليك أو قرينة هدية. إذ مجرد التسليم غير كاف بل ملك لمن صار إليه العرف المطرد فى دفعه تمليكا كالهدية وعدم ارتجاعه لا غرامة لما أتلف منه قولا واحدا إذ أدنى حالة الإباحة. ثامناً - فى فقه الإباضى: يقول صاحب شرح النيل: " ولا تناول أحداً شيئا على مائدة غيرك وهذا حق على الضيف فإن شاء صاحب الطعام أعطى سائلا أو قطا أو غيرهما أو إذن وللضيف فى الإعطاء ... وإن اعطى بدلالة عليه صحيحه مقبولة شرعا جاز، وإن رأى ما لابد فى حسن النظر من إعطائه شاور صاحب المال. ما تنتهى به الإباحة أشرنا إلى أن الإباحة الشارع لا يتصور إنهاؤها من قبله بعد انتهاء فترة الوحي، وأما الإباحة التى مصدرها العباد فإن الإذن فيها ينتهى بانتهاء المدة إن كان هناك أمد من الأذن أو بعدول الآذن عن إذنه ورجوعه فيه أو بوفاته أو بوفاة المأذون له، فإذا وجد شىء من هذه الأشياء بطل حق المأذون له فى الانتفاع ولم يبق لورثته حق فيه، لأن الإباحة لا تفيد تمليكا وإنما تفيد حق انتفاع شخصا وانتهاء الإذن بانتهاء أمده أمر واضح لا يحتاج إلى بيان. أما أنتهاؤه برجوع الآذن فلأن هذا الإذن لا يتقيد به الآذن ولا يلزمه المضي فيه عند جمهور العلماء لأنه تبرع كطرف. غير أن الإباحة لا تنتهى بمجرد الرجوع وإنما تتوقف على علم المأذون له بذلك فى قول عند الشافعية. وروى السيوطى فى الأشباه قولا آخر يفيد أن الإباحة تنتهى بمجرد رجوع الآذن ولو لم يعلم المأذون له بذلك. وما انتهاؤها بموت الأذن فلأن الاستحقاق منوط ببقاء الإذن وقد بطل بالوفاء، وكذلك تنتهي الإباحة بوفاة المأذون له لأن حق الانتفاع رخصة شخصية فلا تنتقل إلى الورثة.   (1) يراجع القاموس المحيط ولسان العرب وغيرهما. (2) المستصفى ج1 ص 74 المطبعة الأميرية. (3) المنهاج وشرحه بهامش التقرير والتحبير ج1 ص 31،36. (4) الأحكام لأصول الأحكام ج1 ص 175، 178 طبع دار الكتب بمصر. (5) الموافقات ج 1 ص 68، 69 المطبعة السلفية سنة 1341 هجرية. (6) جمع الجوامع لابن السبكى ج1 ص 105 الطبعة الأولى سنة 1316. مرآة الأصول، شرح مرقاة الوصول لمنلاخسرو ص 278 طبع الآستانة سنة 1296. التنقيح والتوضيح لصدر الشريعة ج3 ص 75 الطبعة الأولى سنة 1332. إرشاد الفحول للشوكانى الطبعة الأولى ص6. (7) راجع: للميدانى اللباب شرح الكتاب المطبعة الأزهرية سنة 1927 م ص 384 ولأبى بكر اليمنى: الجوهرة النيرة طبع الأستانة سنة 1304 هجرية ج2 ص 382. وللحصكفى: الدر المختار ج3 ص 609 الطبعة المليحية بمصر. ولعبد الله بن مودود: الأختيار ج3 ص 127 المطبعة الحلبى سنة 1355هجرية. (8) رمز الحقائق ج2 ص 265. (9) راجع القاضى زاده: نتائج الأفكار تكملة فتح القدير على الهداية ج8 ص 79 المطبعة التجارية، ولشيخ زاده مجمع الأنهر طبع الآستانة ج2 ص 523. (10) الاختبار ج3 ص 108. (11) والواقع أن هذا لا يعتبر تعريفا منه للإباحة بناء على تعريفه السابق الذى نقل عنة فى الكتب ولا سيما أنه عبر عنه فى ص 127 بما يفيد أن المباح هو الذى لا أجر فيه ص 127 بما يفيد أن المباح هو الذى لا أجر فيه ولا وزر، فقولة الحظر المنع إذن يكون مجرد تفسير لغوى لبيان المناسبة. (12) التعريفات الجرجانية ص 2 المطبعة الخيرية الطبعة الأولى. (13) المحلى ج9 ص 163 مطبعة الإمام سنة 1964 م. (14) الإختبار شرح المختار ج3 ص 222. (15) درر المنتقى ج2 ص 525 مطبوع بهامش مجمع الأنهر طبع الآستانة. (16) سورة الأعراف:32. (17) سورة الممتحنة:8. (18) سورة الأنعام:119. (19) المائدة:3. (20) القرطبى ج2 ص 216 طبع دار الكتب الطبعة الأولى.. (21) الأحكام فى أصول الأحكام ص 208. (22) راجع مختصر الأصول لابن الحاجب ج1 ص 428. (23) المنهاج ج1 ص 253 بهامش التقرير. (24) سورة المؤمنون:51. (25) إرشاد الفحول ص 89. (26) سورة المائدة:2. (27) سورة المائدة:1. (28) جمع الجوامع وشرحه ج1 ص 431. (30) العزيزى على الجامع الصغير ج2 ص 255. (31) الأحكام ج2 ص 260. (32) سورة الأحزاب:53. (33) سورة الجمعة:10. (34) المنهاج للبيضاوى وشرحه للأسنوى ج1 ص 269. (35) سورة الأحزاب:51. (36) سورة الكهف:29. (37) المستصفى ج1 ص 75. (38) الأحكام فى أصول الأحكام ج1 ص 270. (39) إرشاد الفحول ص 33. (40) إرشاد الفحول ص 29. (41) الأحكام فى أصول الأحكام ج1 ص 270. (42) المستصفى ج1 ص 67. (43) سورة البقرة: 275. (44) راجع المنتقى شرح الملتقى ج2 ص 524 بهامش مجمع الأنهر وحاشية ابن عابدين ج5 ص 205 والإقناع ج1 ص 40. (45) التوضيح لصدر الشريعة ج1 ص 69. (46) الأسنوى على المنهاج بهامش التقرير ج1 ص 27. (47) جمع الجوامع ج1 ص 26 التعريفات الجر جانية ص 57. (48) الموافقات للشاطبى ج1 ص 107،119. (49) الموافقات ج1 ص 72. (50) المستصفى ج1 ص 75 (51) سورة المائدة:96 (52) الوجيز ج1 ص 178 (53) المبسوط ج 27 ص 9 (54) نيل الأوطار ج2 ص 171 (55) البخارى بشرح الكرمانى ج9 ص110 المطبعة المصرية. (56) سورة البقرة:29 (57) الأسنوى ج2 ص 352 (58) البقرة: 173 (59) سورة النساء:101. (60) الموافقات للشاطبى ج1 ص 215. (61) الأسنوى على المنهاج بهامش التقرير والتخيير ج1 ص 53، 55 المطبعة الأميرية. (62) باب الإكراه فى البدائع وحاشية الدسوقى وحاشية الشرقاوى على التحرير والمحلى وكشاف القناع (63) سورة البقرة:195. (64) الأحكام للآمدى ج2 ص 27. (65) سورة المائدة:2. (66) سورة الجمعة:9،10 (67) بهامش المستصفى ج1 ص 112 (68) المستصفى ج1 ص 75 (69) الأحكام ج1 ص 179 (70) المستصفى ج1 ص 63 الأحكام ج1 ص 130 شرح المنهاج ج1 ص 96، 105 جمع الجوامع وشرحة ج1 ص 79 (71) الأسنوى ج3 ص 119 (72) ج1 ص 79 (73) تيسير التحرير ج2 ص 121 (74) إرشاد الفحول ص265 (75) رد المختار ج3 ص 355 طبعة الحلبى. (76) الدر المختار ج4 ص 373 (77) الفتاوى الهندية ج5 ص 254 (78) البزازية ج6 ص 243 (79) الفتاوى الهندية ج5 ص 344 (80) التتارخانية ج4 ص 404 (81) الفتاوى الهندية ج1 ص 15 (82) حاشية البجرمى ج3 ص 227 (83) شرح المنهاج ج3 ص 110 (84) حاشية الباجورى ج2 ص 139 (85) المنهاج وشرحه ج3 ص 298 (86) حاشية الصاوى ج2 ص 490 طبعة الحلبى (87) ج2 ص 196 المطبعة الشرفية. (88) تفسير القرطبى ج12 ص 15 والفخر الرازى ج24 ص 36 (89) سورة النور:61 (90) الفروق ج1 ص 187 (91) الفروق ج1 ص 194 (92) المغنى ج7 ص 13، 14 (93) وهذا أيضا من قبيل الهبة المعطاة التى تتحقق بها الهبة فى مذهب أحمد (94) المحلى ج9 ص 163 (95) مفتاح الكرامة ج6 ص 179 (96) البحر الزخار ج3 ص 87، 88 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 إبانة بيان العنى: يقال فى اللغة: بأن الأمر يبين فهو بين: أى واضح. وبان الشىء إذا انفصل فهو بائن وأبنته: فصلته ويقال: ضربه فأبان رأسه عن جسده أي فصله. وبانت المرأة بالطلاق فهى بائن وأبانها زوجها فهى مبانة. والبين بفتح الباء يطلق على الوصل كما يطلق على الفرقة فهو من الأضداد. وأستعمل الفقهاء كلمة إبانة بمعنى الفرقة والفصل فى إبانة جزء من الحيوان أو الصيد وفى إبانة المرأة بالطلاق حكم ما أبين من الحيوان قبل زكاته: إذا أبين جزء من حيوان حى مأكول اللحم - غير السمك والجراد- قبل ذبحه قال فقهاء الحنفية إن الجزء المبان يعتبر ميتة فالا يحال أكله. فإذا قطع إنسان قطعة من إليه الشاة أو من فخذها أو من سنم البعير أو فخذه أو من دجاجة قبل ذبح الشاة أو البعير أو الدجاجة فإن الجزء المبان لا يحل أكله لأن شرط حل الأكل من الحيوان البرى المأكول - غير الجراد- هو الذكاة فلا يحل الأكل من الحيوان بدون الذكاة لقوله عز وجل (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ((1) استثنى سبحانه وتعالى من الأشياء المذكورة المحرمة ما ذكى والاستثناء من التحريم إباحة. وأيضا قال تعالى" يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات " (2) وقال: عز وجل (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ((3) والحيوان البرى لا يعتبر طيبا إلا بخروج الدم المسفوح وذلك بذكاته. وروى أن أهل الجاهلية كانوا يقطعون قطعة من الية الشاة أو من سنام البعير فيأكلونها فلما بعث النبى عليه الصلاة والسلام نهاهم عن ذلك فقال عليه السلام: (ما أبين من الحى فهو ميت) وهذا الجزء المبان لا يحل أكله وإن ذبح الحيوان بعد ذلك لأن حكم الذكاة لم يكن ثابتا ولا موجودا وقت الإبانة. ويعتبر هذا الجزء ميتا لا تحله ذكاة الحيوان بعد حتى ولو بقى متعلقا بجلد الحيوان لأن بقاءه متعلقا بالجلد لا اعتبار له فكان وجوده بمنزلة العدم فهو مبان حكما. أما إذا بقى متعلقا باللحم فإن ذكاة الحيوان تحل أكل الحيوان واكل الجزء المبان لأنه لا يزال معتبرا من جملة الحيوان فذكاة الحيوان تكون له ولما أتصل به. والزكاة التى تحل أكل الحيوان وأكل الجزء المبان الذى بقى متعلقا باللحم يجب أن تكون مستوفية لشرائطها الشرعية التى سيأتى بيانها كما أن الحيوانات التى يحل أكلها والتى لا يحل سيأتى بيانها- انظر ذبائح وحيوان- (4) . ومذهب المالكية كمذهب الحنفية بالنسبة لما تقدم مستندين فى ذلك إلى قوله عليه السلام (ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميته) غير أن فقهاء المالكية خالفوا الحنفية فيما إذا بقى الجزء المبان متعلقا باللحم إذ قالوا إن الجزء المبان يعتبر ميتا لا تحله ذكاة الحيوان إذا بقى متعلقا بجزء يسير من جلد الحيوان أو اللحم (5) ومذهب الشافعية كمذهب الحنفية أيضا بالنسبة لما تقدم غير أن فقهاء الشافعية. يقولون أن العضو المبان إذا بقى متعلقا بجلد الحيوان فقط حل بذبح الحيوان لأن كلمة الإبانة لا تصدق على مثل ذلك (6) . ومذهب الحنابلة كمذهب الشافعية استندوا إلى الحديث الذى استند إليه فقهاء المالكية (7) . ومذهب الظاهرية والزيدية والإباضية والإمامية كمذهب الحنفية بالنسبة لما أبين من حيوان حى مأكول اللحم - غير السمك والجراد - قبل ذبحه فلا يحل أكل الجزء المبان حتى ولو ذكى الحيوان بعد ذلك (8) . حكم إبانة جزء من الجراد أو السمك قال فقهاء الحنفية: إذا أبين جزء من الجراد او السمك وهو حى أكل الجزء المبان. وقوله عليه الصلاة والسلام: (وما أبين من الحى فهو ميت (، وأن تناول بعمومة السمك والجراد، إلا أن ما أبين من السمك والجراد يحل أكله لأن ميتة السمك والجراد يحل أكلها لقوله عليه الصلاة والسلام: " أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد واما الدمان فالكبد والطحال "، وهذا الحديث صريح فى أن ميتة السمك والجراد يحل أكلها فما أبين منها وإن كان ميتة إلا أنه يحل أكله لهذا الحديث وهو يعتبر استثناء من حديث (ما أبين من الحى فهو ميت (. كما أن حديث " أحلت لنا ميتتان إلخ "، حديث مشهور مؤيد بالإجماع فيجوز تخصيص الكتاب به، فقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة ((9) خصصت بهذا الحديث. والجزء المبان من السمك يحل أكله سواء أكان السمك حيا أما ميتا إلا أنهم استثنوا من ذلك السمك الطافى فلا يحل أكل الجزء المبان منه لأن السمك الطافى لا يحل أكله عند الحنفية. والطافى هو الذى مات تحف أنفه فطفا فوق الماء وبطنه من فوق. أما الذى لم يمت وتحف أنفه فلا يعتبر طافيا مات بسبب إنسان مسلم أو غير مسلم أو قتله حيوان. والحكم الخاص بحل الجزء المبان من السمك يشمل جميع أنواع السمك ومنه الجريت بكسر المعجمة وتشديد المهملة وهو سمك اسود مدور والمارماهى وهو سمك فى صورة الحية. وهذا الحكم خاص بأنواع السمك فقط فلا يشمل باقى أنواع الحيوانات المائية فما أبين من غير السمك لا يحل أكله لأن الحيوانات المائية غير السمك لا يحل أكلها (10) . ومذهب المالكية كمذهب الحنفية بالنسبة لإبانة جزء من السمك غيرأنهم قالوا إن جميع أنواع الحيوان المائى حكمها حكم السمك. أما الجراد فلا يؤكل عندهم من غير ذكاة. وذكاته عندهم أن يقتل إما بقطع رأسه أو بغير ذلك فإذا أبين من الجراد جناحه فمات من ذلك أكل الجراد وما أبين منه لأن هذه ذكاته (11) . واختلف فقهاء الشافعية فى حكم الجزء المبان من السمكة وهى حية فيرى بعضهم أنه لا يحل أكل الجزء المبان لعموم قوله عليه السلام (ما أبين من الحى فهو ميت) والأصح عندهم أنه لا يحل أكل الجزء المبان من السمك لأنه يحل أكل ميتة السمك وما حلت ميتته لا حاجة الى تذكيته. وجميع أنواع الحيوان المائى وهى التى لا تعيش إلا فى البحر ولا تبقى فى البر إلا بمقدار حياة المذبوح فقط حكمها عد الشافعية حكم السمك. والجراد عندهم حكمه حكم السمك فى جميع أحواله (12) . مذهب الحنابلة (13) : وقال فقهاء الحنابلة أن السمك وغيره من ذوات الماء التى لا تعيش إلا فيه يحل أكل ميتته لقوله عليه السلام فى البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) وهذا أيضا هو حكم الجراد عندهم والظاهر من ذلك إن الجزء المبان من كل يحل أكله. وقال ابن حزم الظاهرى: أن ميتة الجراد حلال وكذلك السمك وكل ما يسكن جوف الماء ولا يعيش إلا فيه. وأما ما يعيش فى الماء والبر كالسلحفاة فلا يحل أكله إلا بذكاة عدا الضفدع فإنه لا يحل أكله أصلا. ويؤخذ من هذا أنه إذا أبين جزء من حيوان حى يعيش فى الماء وفى البر مما يؤكل عندهم قبل ذكاته فلا يحل أكل هذا الجزء المبان كما أن تذكية الحيوان بعد ذلك "لا تحل الجزء المبان (14) . ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية بالنسبة لإبانة جزء من الجراد أو السمك. والجزء المبان من السمك يحل أكله سواء أبين من السمك وهو حى أو كان قد مات بسبب اصطياد الإنسان له أو بسبب جزر الماء عنه وبقاء السمك مكشوفا أو بسبب قذف الماء له فى البر أو بسبب نضوب الماء أو بسبب ازدحامه فى الحظيرة التى أعدها الصائد لإصطياد السمك. فان مات السمك بسبب سوى ما تقدم اعتبر طافيا فلا يحل أكله لقوله عليه الصلاة والسلام: " ما وجدتموه طافيا فلا تأكلوه " ومن قبيل الطافى عندهم ما قتله حيوان. فهم يخالفون الحنفية فى بيان معنى الطافى. والحكم الخاص بحل الجزء المبان من السمك يشمل عندهم كل ما يحل آكله من حيوان الماء. أما ما لا يحل أكله من حيوان الماء فلا يحل أكل الجزء المبان منه. وهم يحرمون من حيوان الماء ما حرم شبهه من حيوان البر كالمارماهى والسلحفاة كما أن ما يعيش فى الماء والبر كالضفدع يحرم أكله لخبثه (15) . ومذهب الإباضية كمذهب الحنفية فى أن ما أبين من السمك والجراد يحل أكله سواء أكان السمك أو الجراد حيا أو ميتا والصحيح من مذهبهم أن صيد البحر يشمل كل حيوان مائى وإن كان على صورة كلب أو خنزير أو آدمى (16) . وفقهاء الإمامة يقولون: أن السمك والجراد لا يحل أكلهما بدون التذكية. وتذكية السمك عندهم استيلاء الإنسان عليه خارج الماء حيا سواء أخرجه الإنسان من الماء أو خرج بنفسه من الماء فأدركه الإنسان حيا وأخذه ولو كان الآخذ له غير مسلم متى شاهده المسلم والراجح عندهم أنه يجوز أكله حيا وقيل لا يباح حتى يموت. وبناء على ما تقدم فإن ما أبين من السمك وهو حى يحل أكله على الرأى الأول ولا يحل أكله على الرأى الثانى. وتذكية الجراد عندهم أخذه حيا باليد أو الآلة ولو كان الأخذ له غير مسلم إذا شاهده المسلم. ويباح أكله حيا إذا كان الجراد يطير بنفسه. أما الدبى- أى الجراد قبل أن يطير- فلا يحل أكله. وبناء على ذلك فإن ما أبين من الجراد وهو حى يحل أكله متى كان الجراد يطير بنفسه وذكى (17) حكم ما آبين من الحيوان بعد تذكيته وقبل موته: قال فقهاء الحنفية: إذا أبين جزء من الحيوان بعد ذبحه وقبل موته حل أكل هذا الجزء مع الكراهة سواء أكان الجزء المبان هو الرأس أو غيرها. وقوله عليه السلام "ما أبين من الحى فهو ميت " لا يقتضى تحريم هذا الجزء لأن كلمة الحى وردت فى الحديث مطلقة والمطلق ينصرف إلى الفرد الكامل وذلك بأن يكون الحى حيا حقيقة وحكما. والحيوان بعد ذبحه وقبل موته وإن كانت فيه حياة حقيقة إلا أنه يعتبر ميتا حكما لأن الشارع لا يعتبر مثل هذه الحياة ولا يرتب عليها حكما وإنما كره إبانة جزء من الحيوان فى هذه الحالة لأنه تعذيب بلا فائدة. وكل ما فيه تعذيب للحيوان بلا فائدة فهو مكروه (18) ومذهب المالكية كمذهب الحنفية فى ذلك (19) والظاهر من مذهب الشافعية إن الجزء المبان فى هذه الحالة يحل أكلة لأن شرط حل أكل الحيوان البرى المأكول هو الزكاة وقد وجدت ولم يشترطوا فى حل أكل الموت مع الذكاة. وأما الإبانة فى ذاتها فقال بعضهم ان ذلك محرم وقال بعضهم أنه مكروه والحرمة أو الكراهة إنما هى لذات الفعل لما فى ذلك من تعذيب الحيوان (20) ومذهب الحنابلة كمذهب الحنفية فى ذلك فيحل أكل الجزء المبان عندهم لأن الإبانة كانت بعد حصول الزكاة فكانت شبيهة بالإبانة بعد الموت. وأما الكراهة فلأن إبانة هذا الجزء قد يترتب عليها سرعة زهوق الروح فضلا عن أنه تعذيب للحيوان وذلك مكروه واستندوا فى ذلك الى ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال (21) بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديل ابن ورقاء الخزاعى على جمل أورق يصيح فى فجاج منى بكلمات منها " لا تجعلوا الأنفس أن تزهق " واستندوا أيضا إلى قول عمر رضى الله عنه:" لا تجعلوا الأنفس حتى تزهق ". وقال ابن حزم الظاهرى: أن الجزء المبان فى هذه الحالة لا يحل أكله مادام الحيوان حيا فإذا مات الحيوان حل أكله وأكل الجزء المبان واستندوا فى ذلك إلى قوله تعالى: (فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها (22) (فالله لم يبح أكل شىء من الحيوان بعد تذكيته إلا بعد وجوب الجنب وهو فى اللغة الموت فإذا مات الحيوان حل أكله وأكل الجزء المبان (23) . ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية فى ذلك واستندوا فى كراهة الإبانة فى هذه الحالة إلى قوله عليه الصلاة والسلام: " لا تعجلوا الأنفس ... " الحديث. ولأنه تعذيب للحيوان بلا فائدة (24) . وقال فقهاء الإباضية أنه يحرم إبانة جزء من الحيوان بعد ذبحه وقبل موته ولا يحل أكل هذا الجزء المبان لأنه أبين من حى أما باقى الحيوان فقد اختلفوا فى جواز أكله. وقال فقهاء الإمامية: " إذا ذبحت الذبيحة وسلخت أو سلخ شىء منها قبل أن تموت فليس يحل أكلها "، وقالوا أيضا: إن تذكية الحيوان مشروطة بموته بالذبح أو النحر أو ما فى حرصهما. وهذا يفيد أنه إذا أبين جزء من الحيوان بعد ذبحه حرم أكل الجزء المبان كما حرم أكل باقى الحيوان أما الفعل فى ذاته فقال بعضهم أنه محرم استنادا إلى تلازم تحريم الأكل وتحريم الفعل وقال بعضهم أنه مكروه لاشتماله على تعذيب الحيوان. وهذا الحكم خاص بإبانة غير الرأس أما الرأس فقد اختلفوا فى إبانتها بعد الذبح وقبل الموت فقال بعضهم أن ذلك مكروه لحديث روى عندهم هو: " لا تنخع ولا تقطع الرقبة بعد ما تذبح "، وقال بعضهم أن ذلك حرام لأن النهى فى الحديث المشار إليه يقتضى التحريم. كما اختلفوا فى أن إبانة الرأس تحرم الذبيحة أم لا؟ فقال بعضهم أن ذلك يحرم الذبيحة لأن الزائد عن قطع الأعضاء يخرجه عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون مبيحا وقال بعضهم أن الذبيحة لا تحرم بذلك لأن المعتبر فى الذبح قد حصل فلا اعتبار بالزائد (25) . رمى الصائد الصيد فأبان عضوا منه هل يؤكل هذا العضو؟ قال فقهاء الحنفية إذا رمى الصائد صيدا يؤكل لحمه فأبان عضوا منه فان كانت حياة الصيد ممكنة بعد إبانه هذا العضو- أى بقيت فيه حياة فوق حياة المذبوح- فان العضو المبان لا يؤكل لأن العضو المبان قد أبين من حى فهو ميتة لقوله عليه السلام " ما أبين من الحى فهو ميت " والصيد هنا يعتبر حيا حقيقة وحكما أما الحقيقة فلوجود الحياة فيه وأما حكما فلأن الشارع أعتبره حيا بعد إبانة العضو منه. ولذلك لو وقع الصيد فى الماء بعد ذلك فمات فإنه لا يؤكل لحمه لاحتمال أن يكون موته بسبب وقوعه فى الماء. وإذا بقى العضو متعلقا بالصيد فى هذه الحالة، فإن كان بمكن التئامه فإن هذا العضو يكون حكمه حكم باقى الصيد لأنه لا يصدق عليه أنه أبين، وإن كان لا يمكن التئامه كأن بقى متعلقا بجلد الصيد فقط فإنه لا يؤكل لأنه مبان حكما. وإن كانت حياة الصيد بعد إبانة العضو منه غير ممكنة- أى لم تبق فيه حياة أكثر من حياة المذبوح- فإنه يحل كل الجزء المبان سواء كان الجزء المبان هو الرأس أو غيرها لأن العضو المبان فى هذه الحالة هو مبان من حى صورة لا حكما إذ الحياة الباقية فيه لا يعتبرها الشارع ولا يرتب عليها حكما ولذلك لو وقع الصيد فى الماء أو تردى من جبل أو سطح فمات يحل أكله. والجزء المبان إنما يحل أكله إذا تحققت الشروط التى اشترطها الفقهاء فى الصائد وفى الصيد التى سيأتى بيانها (26) (انظر صائد وصيد) . وقال فقهاء المالكية إذا أبان، الجارح أو السهم جزءا من الصيد فان كان فى إبانة هذا الجزء إنفاذ مقتل أكل الجزء المبان وإن لم تكن فى الإبانة إنفاذ مقتل لا يحل أكل الجزء المبان لأنه ميتة حتى ولو بقى متعلقا بجزء يسير من جلد الصيد أو لحمه. وقيد فقهاء المالكية الصيد بما له نفس سائلة - أى دم يسيل - لأن مالا نفس له، سائلة كالجراد مثلا إذا قطع جناحه فمات من ذلك أكل الجميع لأن هذه ذكاة (27) . وقال فقهاء الشافعية إذا رمى الصائد الصيد فأبان عضوا منه بجرح مذفف- أى مسرع للقتل- فمات فى الحال حل العضو المبان كما يحل باقى الصيد. أما إذا لم يمت فى الحال ثم تركه بعد قدرته عليه حتى مات لم يحل العضو المبان وكذلك لا يحل الصيد لأن شرط حل الصيد أن يموت قبل أن يتمكن من ذبحه أما إذا أدركه ولو بعد جرح مذفف وفيه حياة مستقرة- أى فيه حركة قوية أو تفجر دم أو قيام- وأمكنه ذبحه ولم يذبحه ومات فإنه يحرما. أما إذا أبان منه عضوا بجرح غير مذفف ثم تمكن من ذبحه وذبحه أو لم يتمكن من ذبحه ولكنه جرحة جرحا آخر مذففا حرم الجزء المبان وحل باقى الصيد. وإذا لم يتمكن من ذبحه ومات بالجرح الأول قيل يحل الجزء المبان والمعتمد أنه يحرم لأنه أبين من حى. (28) . وقال فقهاء الحنابلة إذا رمى الصائد الصيد فقطعه قطعتين متساويتين أو متفاوتتين أو أبان رأسه أو عضوا آخر منه ولم يبق فى الصيد حياة مستقرة حل العضو المبان وباقى الصيد وإذا بقى فى الصيد حياة مستقرة يمشى معها ويذهب ويجئ فلا يحل العضو المبان لأنه مبان من حى. وإذا بقى العضو معلقا بجلد الحيوان حل العضو إذا حل الحيوان لأن العضو المعلق بالجلد لا يصدق عليه أنه أبين (29) . وابن حزم الظاهرى وافق الحنفية فيما إذا رمى الصائد الصيد فأبان منه عضوا ولم تبق فيه حياة أكثر من حياة المذبوح فقالوا أن العضو المبان يؤكل كما يؤكل باقى الصيد. أما إذا بقى فى الصيد حياة أكثر من حياة المذبوح فإن مات الصيد بسبب هذا الجرح لكن الصائد لم يدركه إلا بعد موته أو أدركه وقد حضرته أسباب الموت أكل العضو المبان كما يؤكل باقى الصيد ولا حاجة الى تذكيته. وأما إذا أدركه وفيه حياة أكثر من حياة المذبوح فإن الجزء المبان لا يحل أكله (30) . وقال فقهاء الزيدية ما أبين من الصيد يحل أكله إذا كانت الإبانة بضربة أدت إلى موت الصيد (31) . وقال فقهاء الإباضية إذا رمى الصائد الصيد فأبان رأسه فان وجد الصيد ميتا أكلت الرأس والجسد وإن وجد حيا حرم أكل الكل وإن كانت هذه الحياة غير معتادة. وإن أبان عضوا غير الرأس حرم هذا العضو سواء وجد الصيد ميتا أو حيا وقيل يحل العضو ان مات الصيد بمجرد الإبانة. والعضو المبان إن بقى معلقا بالجلد فقد يعتبر مبانا حكما وإن بقى معلقا باللحم لا يعتبر مبانا (32) . وقال فقهاء الإمامية إذا أبين من الصيد عضو بسهم أو سيف أو رمح فإن بقى فى الصيد بعد الإبانة حياة مستقرة لا يؤكل العضو المبان وإن لم يبق فى الصيد حياة مستقرة حل أكل العضو المبان (33) إبانة المرأة بالطلاق: الطلاق قد يكون بائنا وذلك بأن يطلق الرجل زوجته قبل الدخول بها أو يطلقها على مال أو يطلقها الطلقة الثالثة- إلى غير ذلك من أقسام الطلاق البائن- وفيه يقال أن الزوجة طلقت تطليقه بائنة وهذا هو المقصود من إبانة المرأة بالطلاق (انظر بائن، طلاق) .   (1) سورة المائدة آية 3 (2) سورة المائدة آية 4 (3) سورة الأعراف آية 157 (4) البدائع ج5 ص 40،44،45 طبعة 1328 هجرية الدر المختار، حاشية ابن عابدين ج5 ص 270 الطبعة الثالثة سنة 1299 هجرية. الهداية وحواشيها ج8 ص 50،65 طبعة سنة 1318 هجرية. (5) راجع بداية المجتهد ج1 ص 357 طبعة سنة 1933 هجرية. الشرح الكبير ج2 ص 109 طبعة سنة 1355 هجرية ج1 ص 53. (6) راجع: شرح المحلى على المنهاج وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص 241 طبعة سنة 1368 هجرية. (7) راجع المغنى ج11 ص40،41،53،54 طبعة 1348هجرية وشرح منتهى الإرادات ج3 ص 415 طبعة 1366 هجرية (8) راجع فى فقه الظاهرية: المحلى لابن حزم ج7 ص 398،437،438،449 وراجع فى فقه الزيدية البحر الزخار ج4 ص 309 طبعة سنة 1366. وفى فقه الإباضية شرح النيل ج2 ص 516،536،537،570 وفى فقه الإمامية الروضة البهية ج2 ص 264،273 طبعة سنة 1378هجرية. (9) سورة المائدة أية 3. (10) راجع الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج5 ص 267،268 الطبعة الثالثة سنة 1299هجرية. والبدائع والهداية وحواشيها. (11) راجع بداية المجتهد ج1 ص 356،359 طبعة سنة 1333 هجرية والشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج2 ص 109،114 طبعة 1355 هجرية. (12) راجع: شرح المحلى على المنهاج وحاشية القليوبى وعميرة ج4 ص 241 طبعة سنة 1368 هجرية (13) راجع المغنى ج11 وشرح منتهى الإرادات ج3 المراجع السابقة الإشارة إليها. (14) راجع المحلى لابن حزم ج7 ص 393، 398، 437، 438 طبعة سنة 1347 هجرية (15) راجع البحر الزخار ج4 ص 291،302،304 طبعة سنة 1366 هجرية. (16) راجع شرح النيل ج2 ص 574. (17) راجع الروضة البهية ج2 ص 272، 273 طبعة سنة 1378 هجرية. (18) راجع الدر المحتار وحاشية ابن عابدين ج5 ص 258، 270 الطبعة الثالثة سنة 1299 هجرية (19) راجع حاشية الدسوقى ج2 ص 109 طبعة سنة 1355 هجرية (20) راجع شرح المحلى على المنهاج وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص 239، 242، 243 طبعة سنة 1368 هجرية (21) راجع شرح منتهى الإرادات ج3 ص 409 طبعة سنة 1366 هجرية، والمغنى ج11 ص 53، 54 طبعة سنة 1384 هجرية. (22) آية 36 سورة الحج. (23) راجع المحلى لابن حزم ج7 ص 398،449 طبعة 1349 هجرية. (24) راجع البحر الزخار ج4 ص 308 طبعة 1366 هجرية. (25) راجع شرح النيل ج2 ص 536، 537. (26) راجع الروضة البهية ج2 ص 270، 273 طبعة سنة 1378 هجرية.. (27) راجع الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج5 ص 418، 419 الطبعة الثالثة سنة 1299 هجرية. والهدايه وحواشيها ج8 ص 185، 186. والبدائع ج5 ص 44، 45 طبعة سنة 1328 هجرية والزيلعى ج6 ص 59 طبعة سنة 1315 هجرية. (28) راجع الشرح الكبير وحاشية السوقى ج2 ص 109 طبعة سنة 1355 هجرية (29) راجع شرح الجلال المحلى على المنهاج وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص 241، 242. (30) راجع شرح منتهى الإيرادات ج3 ص 414 طبعة سنة 1366 هجرية (31) والمغنى ج11 ص 23 طبعة سنة 1348 هجرية (32) راجع الروضة البهية ج2 ص 265، 266 طبعة سنه 1378 هجرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 إبراء 1- التعريف به:- الابراء فى اللغة التنزبه من التلبس بشئ وفى الشريعة اسقاط شخص حقا له فى ذمة آخر كإسقاط الدائن دينا له فى ذمة مدينه بقوله، له: ابرأتك من ديونى أو ما يفيد ذلك العنى يريد بذلك إسقاط ما فى ذمته من دين له. وقد يكون الابراء فى صورة اخبار به مثل ان يقول الدائن: أبرأت فلانا من دينى، فى معرض اقراره بذلك، وقد يكون فى صورة هبة كأن يقول الدائن لمدينه وهبتك ما لى فى ذمتك من دين. وقد يكون فى وصية كأن يقول الدائن لمدينه أوصيت لك بما فى ذمتك من دين لى فلا يبرأ بذلك ألا بعد وفات. وقد يكون فى صورة اقرار كما فى ابراء الاستيفاء، وسيأتى. - والابراء كما يظهر من التعريف به اسقاط لحق شخص قبل شخص آخر - ولذا كان ضربا أو نوعا من الاسقاط، لأن الاسقاط كما يكون تركا لحق فى ذمة شخص واطراحا له كما فى اسقاط الدين تشغل به ذمة المدين يكون لحق ثابت لصاحبه دون ان تشغل به ذمة آخر كما فى اسقاط الشفيع حقه فى الشفعة وكما فى اسقاط الموصى له بسكنى دار حقه فى سكناها وعلى ذلك يكون كل ابراء اسقاطا وليس كل اسقاط ابراء ومع ظهور هذا المعنى فيه على هذا التفسير فانه يحتمل تفسيرا آخر يجله من قبيل التمليك، ذلك لأن صاحب الدين لا يستطيع محو دينه الثابت فى ذمة مدينه وإنما يستطيع تركه واطراحه وذلك ما يعنى تركه للمدين وتمليكه اياه وعدم مطالبته به. وعلى هذا الأساس البادى من التأويلين السابقين ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والزيدية والشيعة الإمامية الى أنه يحمل معنيين معنى الاسقاط بالنظر إلى الدائن إذ قد تخلى عنه فلم يبق من عناصر ثرائه وأنقطعت مطالبته به ومعنى التمليك بالنظر إلى المدين إذ قد تملكه فزاد ثراؤه بقدره ألا يرى أنه- كان مطالبا بانتقاص قدره من ماله فى سبيل الوفاء به فاستبقى له ذلك وذلك ما يعنى تملكه إياه وقد كان لهذين المعنيين فيه أثر فيما أعطى من أحكاما فأعطى بعض أحكام التمليك تغليبا لهذه الناحية فيه، وأعطى بعض أحكام الإسقاط تغليبا لهذه الناحية فيه، كما كان من قبيل التبرع لأنه يتم لا فى نظير عوض. أما الحنابلة: فقد كان نظرهم إليه على أنه إسقاط فكان له حكم الإسقاط عندهم فى جميع أحواله أو أن ذلك كان نظر جمهورهم (1) . 2- أركانه: وركنه عند الحنفية الإيجاب الصادر من صاحب الحق وهو ما يصدر منه من عبارة تدل على ترك حقه واطراحه دلالة واضحة لا احتمال فيها أو ما يقوم مقام ذلك من كتابة أو إشارة. والشافعية ومن أجرى علي اصطلاحهم يرون أن أركانه "أربعة": صاحب الحق المبرأ وعبارته " الإيجاب " والحق المبرأ منه والمدين إذان الإبراء لا يتحقق إلا بهذه الأركان ولا يتصور إلا بها. ويكون إيجاب فيه بمثل إبرأتك من دينى أو أحللتك منه أو أسقطته عنك أو ملكتك إياه أو تركته لك أو نحو ذلك. ويرى ابن حزم عدم صحته بألفاظ التمليك مثل وهبت أو أعطيت أو ملكت لأنه لا يملك ألا الشئ الموجود المادى المعلوم مكانه، أما الأوصاف الأعتبارية فلا تقبل تمليكا، ولكنه مع ذلك أستثنى صحته بلفظ التصديق، وإن كانت من ألفاظ التمليك، لورود النص بذلك، فقد قال تعالى: " ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا (2) " وتصدقهم عند ذلك انما يكون بتنازلهم عنها وإبرائهم منها، ولما روى عن أبى سعيد الخدرى قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار أبتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تصدقوا عليه "، وهو خطاب لغرمائه، وتصد قهم يكون بابرائه من ديونهم (3) . 3- قبول الابراء من المدين:- الدين حق خالص لصاحبه واقدام صاحبه على إسقاطه تصرف منه فى خالص حقه دون أن يمس ذلك حقا لغيره ودون أن يستوجب تكليفا على أحد ومن ثم لم يتوقف نفاذه على قبوله ممن عليه الدين بل ينفذ مع رد المدين له ... ذهب إلى ذلك الحنابلة وجمهور الحنفية والشافعية وجمهور الشيعة الجعفرية تغليبا لمعنى الإسقاط فيه على التمليك (4) . وذهب زفر إلى أنه يتوقف على القبول لغلبة معنى التمليك فيه وهو قول لبعض الشيعة الجعفرية. وللمالكية، الزيدية فى ذلك قولان، أحدهما: أنه يتوقف على القبول مراعاة لجانب التمليك فيه وهو الأرجح. وثانيهما: أنه لا يتوقف ويتم من غير قبول بل ومع رده مراعاة لمعنى الإسقاط فيه كالطلاق والعتق. وعلى القول باشتراط القبول فيه عند المالكية يجوز أن يتراخى القبول عن مجلس الإيجاب، وهو صريح ما ذكره ابن عرفة، كما يجوز رجوع الدائن فيه قبل القبول (5) . وإذا كان الإبراء من الدين بهبته للمدين كان توقفه على القبول محل خلاف عند الحنفية، ذهب بعضهم إلى أن هبة الدين للمدين لا تتوقف على القبول فتنفذ مع سكوت المدين فى مجلس الإيجاب لما فيها من معنى الإسقاط (6) . وهو مذهب الشافعية والحنابلة. وذهب آخرون إلى أنها تتوقف لما فيها من معنى التمليك وذلك رأى المالكية فيها لأنها نص فى التمليك. وكذلك يرى الحنفية أن الإبراء من الكفالة والحوالة لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد لتمحضه فى معنى الإسقاط، وأستثنى الحنفية من عدم توقف الإبراء على القبول الإبراء عن بدلى الصرف والسلم، إذ يرون توقفه على القبول دون خلاف فيه عندهم، حتى لا ينفرد أحد العاقدين فيهما وهو من أبرأ بفسخ عقد الصرف أو السلم وكلاهما عقد لازم لا يجوز أن يستبد بفسخه أحد طرفيه إذ أن فى نفاذ الإبراء فوات القبض فى المجلس وهو شرط فى صحه كل منهما. والمشهور عند الحنفية أن هبة الدين للمدين وإبراءه منه كلاهما يتم من غير قبول ويرتد بالرد فهما فى ذلك سواء وإذا إرتدا بالرد لم يجز قبول بعد الرد لبطلان الإيجاب بالرد. 4- رد الإبراء من المدين ذهب الحنفية والزيدية إلى أن الإبراء يرتد برد المدين فى المجلس وبعده ما دام لم يحدث منه قبول صريح قبل رده، وذلك لما فيه من معنى التمليك. ومن الحنفية من قيد صحة الرد ونفاذه بأن يكون فى مجلس الإبراء لا بعده، فالرد بعد المجلس لا أثر له عندهم، والرد فى المجلس صحيح يرتد به الإبراء ولا يسقط به الدين إذا لم يسبقه قبول صريح له من المدين لأن الرد، بعده غير صحيح مطلقا فى المجلس وبعده. وتستوى هبة الدين للمدين فى هذا الحكم مع الإبراء منه. وخالف الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى أن الإبراء يتم بإرادة الدائن ولا يرتد برد المدين تغليبا لمعنى الإسقاط فيه. ولذا لايفتقر الى القبول من المدين عندهم. ويرى المالكية أنه يرتد بالرد فيبطل الإيجاب برد المدين لغلبة معنى التمليك فيه ولذا يحتاج القبول عندهم على الأصح وذهب الحنفية إلى صحة إبراء المدين بعد موته وعندئذ يرتد برد الوارث عند أبى يوسف خلافا لمحمد. وإذا كان الإبراء إبراء من الحوالة كان أبرأ المحتال المحال عليه عن الحوالة، أو كان ابراء من الدائن للكفيل من كفالته، أو كان الإبراء مطلقا بعد طلبه من المدين- لم يرتد والرد مطلقا. أما فى الإبراء من الحوالة والكفالة فلتمحضه فى الاسقاط فلم يتوقف على القبول ولم يقبل الرد. وأما الابراء بعد طلبه من المدين فلأن رده يعد كأنه رد بعد قبوله ولا يرتد الابراء بالرد بعد القبول (7) . وذهب الزيدية الى أن الابراء وتد يرتد لغلبة معنى التمليك فيه ولذا توقف على القبول عندهم، فإن خلا من معنى التمليك فكان اسقاطا محضا كالإبراء من الشفعة لم يتوقف على القبول ولم يرتد بالرد. ومن الزيدية من غلب فيه معنى التمليك فى جميع أحواله فتوقف على القبول عندهم وأرتد بالرد (8) . وإذا صدر الإبراء من فضولى توقف على أجازة الدائن فإن أجازه نفذ عند الحنفية والزيدية. شروط الإبراء: من شروط الإبراء شروط ترجع إلى المبرئ، وشروط ترجع إلى صيغة الإبراء وشروط ترجع إلى المبرأ، وشروط ترجع إلى المبرأ منه. فأما ما يرجع إلى المبرىء فهو أن يكون من أهل التبرع فيجب أن يكون عاقلا بالغا غير محجور عليه لسفه أو لدين، لأن الإبراء تبرع من الدائن إذ لا يقابله عوض من المدين، ويلاحظ أن عدم الحجر للدين انما هو شرط نفاذ، فإبراء المحجور عليه بسبب الدين لمدينه صحيح متوقف على إجازة دائنيه لأن منعه من التبرع إنما هو للمحافظة على حقوقهم ... وهذا مذهب الحنفية مع ملاحظه أن أبا حنيفة رحمه الله لا يرى الحجر للدين وإنما يراه الصاحبان وأثره عندهما هو المنع من التبرع محافظة على حقوق الغرماء دون أن يمس الحجر أهلية المحجوز عليه للدين، أما من يراه ماسا بأهليته من الفقهاء فهو عندهم شرط صحة. (أنظر مصطلح حجر ومصطلح تبرع) كما يشترط فيه أن يكون ذا ولاية فى إبرائه كأن يكون هو الدائن أو وصيا على الدائن وقد وجب الدين منه أثرا لعقد باشره عنه فعند ذلك تصح براءته ويضمن ما أبرأ المدين منه، ولكن إذا كان الدين لم يجب أثرا لعقده لم يصح إبراؤه. وأما ما يرجع إلى الصيغة فهو أن تكون دالة دلالة ظاهرة غير محتملة على تمليك الحق للمدين أو على سقوطه. وأما ما يرجع إلى المدين المبرأ فهو أن يكون معلوما غير مجهول، فإذا كان مجهول لم يصح إبراؤه، كما لو قال شخص: أبرأت كل مدين لى، أو كل مدين لمورثى، أو أبرأت أحد هذين. ولكن إذا كان من أبرأه الدائن محصورا معلوما، كأبرأت هؤلاء المدينين لى صح الإبراء. وقد ذهب إلى اشتراط هذا الشرط فى المبرأ الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية. ومن الفقهاء الحنابلة من ذهب إلى أن الدائن إذا قال: أبرأت أحد غريمى هذين صح الإبراء وطلب إليه التبيين والبيان. ولكن جاء فى كشاف القناع أن المذهب عدم صحة الإبراء مع إبهام المحل، كأبرأت أحد غريمى هذين أو أبرأت فلانا من أحد دينى اللذين فى ذمته والشافعية لا يرون صحه الإبراء مع جهالة المدين المبرأ لغلبة معنى التمليك، فيه ولايملك المجهول وعلى هذا لايصح الإبراء ولو كان. بصيغة إقرار إذا ما قال الدائن: لا دين لى قبل أحد. أو قال: كل مدين لى فهو برىء إلا أن يتبين أنه يقصد بذلك شخصا بعينه (9) . ويشترط الزيدية مع ما تقدم خلو الإبراء من التدليس فإذا أفهم شخص دائنه بأن ما عليه من الدين حقير. تافه فأبرأه منه بناء على ذلك ثم تبين خلاف ذلك للدائن لم يصح إبرأؤه لغلبة معنى التمليك فيه. وأما ما يرجع الى الحق موضوع الايراء فهو ما يأتى: أولا: ألا يكون عينا من الأعيان، والأعيان المشخصة لا تثبت فى الذمة فلا تقبل الإسقاط وإنما يقبل الإسقاط ما يشغل الذمم من الحقوق ولذا كان الإبراء من الأعيان المشخصة باطلا. أما ما كان من الإعيان دينا فإنه يقبل الإبراء إذ أنه يقبل الإسقاط كالديات من الإبل مثلا ونحو ذلك وعلى ذلك إذا غصب شخص كتابا فأبرأه منه مالك الكتاب كان إبرأء. باطلا لا يترتب عليه أثر 00.وعلى ذلك صح الإبراء عن الديون بأنواعها. وصح الإبراء عن الدعوى لانها حق فإذا قال المدعى للمدعى عليه أبرأتك من أدعاء هذه العين أو من دعواى هذه العين لم تقبل له فيها دعوى ملك بعد ذلك " مجمع الانهر " وكذلك يصح إبراء الدائن الكفيل من الكفالة وإبراؤه المحال عليه من الحوالة إذ البراءة فيهما تنصب على حق هو الكفالة أو الحوالة. ثانيا: أن يكون موجودا عند الإبراء وعلى ذلك عل الإبراء من الحق قبل وجوده، فلا يصح أن تبرأ شخصا من كل ما سيقرضه منك أو مما سيجب لك علية، كما لا يصح ابراء الزوجة زوجها من نفقة مستقبلة ولا من نفقة العدة قبل أن يطلقها، لأن الإبراء- إسقاط وما سيوجد ساقط فعلا فلا يقبل إسقاطا. وسنبين فيما يأتى الحكم فى الإبرأء عن النفقة. ولا يشترط فى الحق المبرأ منه أن يكون معلوما ... ذهب إلى ذلك الحنفية والحنابلة والمؤيد من الزيدية، فجوزوا الإبرأء من الحق المجهول سواء أكان مجهولا لدى المبرئ أم لدى المبرأ. وخالف فى ذلك الشافعية والناصر من الزيدية فاشترطوا علم المبرىء بما أبرأ منه واستثنوا من هذا الحكم أن يكون الدائن جاهلا مقدار دينه ولكنه ذكر له عند الإبراء منه نهاية يتحقق أن دينه دونها فى المقدار، كما إذا قال له أبرأتك من دينى البالغ الفا جنيه وهو متحقق من أن دينه دون ألالف (10) . وذهب الحنابلة الى أن البراءة من الدين لاتصح اذا كان المبرىء لايعلم بوجود الدين فى حين أن المدين يعلمه ولكنه كتمه عنه خوفا من أنه إذا علمه طالبه به ولم يبرئه منه لأن هذا يعد هضما للحق وظلما للدائن ولا يعد الإبراء فى هذه الحال صادرا من صاحبه عن إرادة معتبرة وإنما صدر منه على وجه الهزلى أو اللعب ويرون صحه الإبراء من المجهول ولو لم يتعذر العلم به، كما يرون صحه الإبراء ممن يعتقد أنه لا لدين له فى ذمة من أبراء" ثم تبين أنه كان مدينا عند إقدامه على إبرائه. والإبراء من دين الأب مع ظن حياته فبان أن الأب كان ميتا عند صدور الإقرار (11) . وذهب الزيدية إلى عدم صحة الإبراء مع التدليس كأن يبرىء الدائن مدينه بناء على تفهيم المدين اياه بأنه فقير أو أن الدين حقير ثم تبين خلاف ذلك (12) . وأختلف الزيدية فى صحة الإبراء من المجهول، فمنهم من ذهب إلى صحته ومنهم من ذهب الى عدم صحته. موضوع الابراء الإبراء عن الأعيان الإبراء عن الحقوق ذكرنا فى شروط الإبراء أن الإبراء لا يكون إلا عن حق للمبرىء قبل غيره ويجب فيه وأن يكون موجودا عند الإبراء وهذا محل اتفاق بين المذاهب. وذكرنا أنه لا يشترط فيه- أن يكون معلوما عند المبرأ ولا عند المدين المطالب به وهو من عليه الحق وذكرنا خلاف الشافعية فى ذلك، وبناء على ذلك كان الإبراء عن الأعيان غير صحيح ولا يترتب عليه أى أثر فى أكثر أحواله أذ أن الإبراء اسقاط أو يحمل معنى الإسقاط، والأعيان بطبيعتها لا تقبل الإسقاط، ولذا يصح الإبراء فيها إذا كان القصد منه الإبراء من حق متعلق بها لا الإبراء منها، أما الإبراء منها فلا أثر له. ولايعد تمليكا لها بناء على ما يحمله من معنى التمليك بل تظل فى يد من هى فى يده مملوكة لصاحبها وله إذا ظفر بها أن يأخذها ولكن مع ذلك لا تسمع دعواه بها بعد الإبراء منها إذ ينصرف إبراؤه هذا إلى حق الإدعاء بها، فلا يبقى له حق فى الدعوى بها بعد الإبراء بل يسقط به. وليس هذا الحكم محل إتفاق عند الحنفية فقد جاء فى الخلاصة قال: أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتى فيها أو عن دعواى فيها. فهذا كله باطل حتى لو ادعاها بعد هذا الإبراء سمعت دعواه ولو أقام بينته لاثباتها قبلت. وجاء فى الخانية أن الإبراء عن العجين المغصوبه إبراء عن ضمانها وتصير به أمانة فى يد الغاصب، ولو كانت العين مستهلكة صح الإبراء وبرأ من قيمتها. وقد نقل صاحب الأشباه هذا وعلق عليه بقوله: فقولهم الإبراء عن الأعيان باطل معناه أنها لا تكون به ملكا وإلا فالإبراء عنها بقصد سقوط ضمانها صحيح أو يحمل قولهم على الإبراء عن الأمانة، أى أن البطلان محل إذا كان الإبراء عن أعيان هى أمانة لأنها اذا كانت أمانة لم تلحقه عهدتها فلا وجه للابراء منها. وحاصله: ان الابراء المتعلق بالأعيان أما أن يكون عن دعواها وذلك صحيح بلا خلاف مطلقا لأنه فى الواقع إسقاط لحق وأما أن يتعلق بنفسها. فإن كانت فى هذه الحال مغصوبة هالكة صح أيضا كالإبراء من الدين إذ يعد إبراء من قيمتها، وإن كانت قائمة كان معنى البراءة منها البراءة من ضمانها لو هلكت فتصير بعد هذا الإبراء كالأمانة لا تضمن إلا بالتعدى عليها. ويرى الزيدية أن الإبراء عن العين المضمونة مثل أن يبرىء مالكها الغاصب إسقاط لضمانها 00.وهذا أحد قولى المؤيد بالله، وذهب بعضهم إلى أنه يفيد إباحتها. وذهب زفر إلى عدم صحة الإبراء فى هذه الحال فتظل بعده العين مضمونة (خانية) . وإن كانت العين أمانة فالبراءة منها لاتصح ديانة بمعنى أنه إذا ظفر بها صاحبها أخذها وتصح قضاء فلا يجوز للقاضى أن يسمع دعواه بها بعد البراءة. ويرى الزيديه أنه يعد إباحة لها فيجوز لذى اليد أن يستهلكها ولمالكها أن يرجع عن هذا الإبراء قبل إستهلاكها. ومنهم من ذهب إلى أن الإبراء عن الأعيان يفيد تمليكها لافرق فى ذلك بين عين مضونة وعين هى أمانة فى يد صاحب اليد عليها (13) . وبناء على ما تقدم لايصح الإبراء عن الأعيان على معنى تمليكها لمن هى فى يده وإنما يفيد ابراءه عن ضمانها إذا كانت يده مضمونة فتنقلب أمانة فى يده. وكذلك لا يصح بالنسبة إلى الأعيان غير المضمونة على هذا الإعتبار، وإنما يصح على أساس البراءة من الإدعاء بها. وعليه يكون للمبرأ أن يأخذها إذا ما ظفر بها لأنها مازالت على ملكه. وكذلك لا يصح الإبراء من الحقوق التى لا تقبل الإسقاط كحق الرجوع فى الهبة والرجوع فى الوصية، لأن فى جواز ذلك تغييرا للشرع وذلك غير جائز خالافا للممالكية كما فى التزامات الحطاب. وكذا لا يصح الإبراء من خيار رؤية المبيع ولا من حق الإستحقاق فى الوقف: حق الإرث لنفس السبب. أما ما عدا ذاك من الحقوق المالية أو المتعلقة بالأموال فيصح الإبراء منها كالإبراء من الديون بأنواعها، والإبراء من الديات، والإ براء من القصاص، والإبراء من حق القسم بالنسبة إلى الزوجة، والإبراء من حق الإنتفاع، ومن حق الفسخ بخيار العيب ونحو ذلك من الحقوق التى تثبت فى الذمم. وفيما يلى بيان لأحكام الإبراء فى بعض الحقوق لاختصاصها بأحكام خاصة. الابراء من نفقة الزوجة: إذا صارت نفقة الزوجة دينا فى ذمة زوجها صح إبراؤه منها أما قل شغل ذمة الزوج. بها فلا يصح إبراء الزوج منها لأن الإبرا لا يكون إلا من دين قائم موجود عند حدوثه كما قدمنا. وبناء على ذلك لايصح إبراء الزوجة زوجها من نفقتها إلا إذا كانت مفروضة بالقضاء أو الرضا عند الحنفية، لأنها ألا تصير دينا واجبا عندهم إلا بفرضها من القاضى أو بالتراضى إذ تشغل بها ذمة الزوج بذلك لا قبل ذلك، إذا ما ابتدأت مدتها، فإذا فرضت مشاهرة شغلت بها ذمة الزوج بدخول الشهر فيصح الابراء عن نفقة هذا الشهر فى بدايتة اذا ما حل أو فى أثنائه، ولا يصح عن نفقة شهر آخر يأتى لمجده لأن الذمة لم تشغل بها، كما يصح الإبراء عن النفقات المتجمدة التى سبق فرضها. لصيرورتها دينا شاغلا للذمة لعدم أدائها، وعلى ذلك إذا أبرأت الزوجة زوجها فى بداية السنة عن نفقتها لم يصح الإبراء إلا إذا كانت قد فرضت لها مسانهة فان كانت قد فرضه مشاهرة صح الإبراء من الشهر الأول فقط. منها، وإن كانت مياومة صح عن اليوم الأول منه الذى حدث فيه الابراء وما قد يكون سبقه من الأيام وهكذا. وهذه الأحكام محل اتفاق لاتفاق الفقهاء على اشتراط وجود الدين عند الإبراء غير أنه يلاحظ أن من الفقهاء من لا يشترط فى شغل ذمة الزوج بنفقة زوجته القضاء بها أو التراضى عليها (أنظر نفقة الزوجة فى نفقة وبما تصير دينا فى ذمة الزوج) . المبارأة بين الزوجين: المبارأة مفاعلة من البراءة وتكون بين الزوجين لفصم عرى الزوجية بينها نظير عوض مالى تدفعه الزوجة لزوجها وتستوجب سقوط الحقوق الزوجية بينهما، ويترتب عليها بينونة الزوجة بطلقة بائنة عند الحنفية فهى بين الزوجين بمنزلة الخلع بينهما فتفيد انفصام عقد الزواج مع سقوط الحقوق الزوجية لكل منهما قبل الآخر نظير ما تدفعه الزوجة لزوجها وذلك بأن يقول الزوج لزوجته: بارأتك على ألف جنيه. فتقول له: قبلت. أو ما فى معنى ذلك، والمعنى خالعتك من الزواج على ذلك وهذا عند الحنفية (انظر مصطلح خلع) يجوز إبراء المدين بعد وفاته من دينه وهذا محل إتفاق وفى التتار خانية.. رجل مات فوهبت له امرأته مهرها الشاغل لذمته جاز لأن "قبول المدين ليس بشرط فى صحة البراءة. وقال قاضيخان: رجل له على آخر دين فبلغه أنه قد مات فقال: جعلته فى حل من دينى، أوقال أبرأته منه. ثم ظهر أنه حى لم يكن للدائن المبرىء أن يأخذه منه لأنه قد وهبه إياه بلا شرط. وفيه دليل على عدم صحة. رجوع المبرأ عن إبرائه ... هذا وقد اختلفت الحنفية فى جواز رد الإبراء من الوارث إذا ما أبرأ الميت دائنه.. وقد علمت الشافعية والحنابلة يرون أن الإبراء لا يرتد بالرد وفى ارتداده بالرد عند الزيديه خلاف، وهو مذهب المالكية وإن كان الأرجح عندهم أنه يرتد بالرد (14) . أحوال صيغة الابراء: الأصل فى الإبراء أن يكون منجزا" مثل أن يقول الدائن لمدينه ابرأتك من دينى، واذا علق على شرط لم يصح ولم يترتب عليه أثر ... ذهب إلى ذلك الحنفية والشافعية والحنابلة، وذلك لما فيه من معنى التمليك. فكان معتبرا بالتمليكات وإن كان فيه معنى الإسقاط وهذا إذا علق على غير الموت، فان علق على الموت صح، وكذلك إذا أضيف إلى ما بعده لأنه يكون حينئذ وصية والوصية بالبرأءة من الدين جائزة ... ذهب إلى ذلك الحنابلة والحنفية. وجاء فى البحر أن تعليق الإبراء على الشرط مفسد له إذا كان الشرط غير متعارف، أما إذا كان الشرط متعارفا فانه يصح تعليقه عليه. وقال أنه يجب تقييد كلام من قال الفقهاء كصاحب الكنز أن الإبراء يبطل بتعليقه على الشرط. ويؤيد ذلك ما جاء فى القنية وهو أن تعليق الإبراء على الشرط المتعارف جائز. وفساد الإبراء بالتعليق إنما يكون فى الإبراء الذى يعد تمليكا كالإبراء من الدين أما الذى يعد من قبيل الإسقاط كالإبراء من الكفالة أو الحوالة فيصح تعليقه بالشرط الملائم. فإذا قال الدائن المكفيل: إن وافيتنى بالمدين غدا فأنت برىء من الكفالة. فوافاه به فى الغد برأ منها ... ذهب إلى ذلك بعض الحنفية واختاره صاحب التكملة وقال إنه الأوجه لأن الإبراء فى هذه الحال إسقاط محض. وجاء فى البحر على الكنز إن الإبراء يجوز تقييده بالشرط الصحيح ويبطل إذا اقترن بالمشرط الفاسد وأن أضافة الإبراء تبطله وإذا اقترن بخيار الشرط صح الإبراء وبطل الشرط (15) وذهب الزيدية الى صحة الإبراء مع اقترانه بالشرط ولا يضيره أن يكون شرطا مجهولا وقت حدوثه أو شرطا لا تتعلق به أغراض الناس كتقييده بنزول المطر أو بنعيب الغراب مثل أن يقول الدائن لمدينه: أبرأتك بشرط نزول المطر فى وقت كذا أو عند نزول المطر. وإذا قيد بشرط لم يصح الرجوع فيه قبل تحقق الشرط أى إذا علق على شرط لم يصح أن يرجع فيه قبل تحقق الشرط. وهذا دليل صحة تعليقه على المشرط عند الزيديه، وأجازوا أن يكون فى نظير عوض مالى أو غير مالى كأبرأتك على أن تهب لى كذا أو على أن تطلق زوجتك فلانة فإذا تحقق ذلك صح وإلا لم يصح وتصح اضافته إلى الموت عندهم وعندئذ يكون وصية (16) أنواع الابراء: يتنوع الإبراء بالنظر إلى صيغته نوعين عند الحنفية: إبراء إسقاط، وإبراء استفاء فإذا دلت صيغته وضعا على الإسقاط كأبراتك من الدين أو أسقطت عنك الدين أو أحللتك منه أو تصدقت به عليك، أو نحو ذلك.. كان إبراء إسقاط لأن الدائن قد عبر بما يدل على أنه قد ترك دينه وأسقطه عن مدينه، وسواء فى ذلك أن يكون ذلك بالنسبة إلى الدين كله أم بالنسبة إلى بعضه. وإذا دلت صيغته على أن زوال الدين بسبب وفائه كان إبراء استيفاء، ويكون ذلك بإقرار الدائن باستيفاء دينه من مدينه كقوله: استوفيت دينى قبل فلان، ونحو ذلك. مما يدل على هذا المعنى من العبارات وإنما سمى هذا النوع إبراء نظرا إلى نتيجته وهى عدم جواز المطالبة به بعد ذلك. وسواء فى ذلك أن يكون المدين قد قام بالوفاء فعلا أم لا، إذ الأثر فى الحالين واحد، وهن عين الأثر فى النوع الأول وذلك الأثر هو سقوط الدين. ولاختلاف هذين النوعين فى العبارة الدالة- على زوال الدين ودلالتها قالوا إن إبراء الإسقاط يختص بالديون إذ أن العبارة فيه صريحه فى اسقاطها، ولا يصغ فى الأعيان، وذلك لعدم صحه إسقاط الأعيان. أما إبراء الاستيفاء فإنه يكون فى الدين والعين جميعا من إذ الإقرار بالوفاء كما يتحقق فى الدين يتحقق فى العين، وذلك بدفعها إلى مالكها (17) . وإبراء الاستيفاء إذا كان إقرارا بالوفاء كما بينا لا يحمال معنى الاسقاط، ويتمحض تمليكا بخلاف إبراء الاسقاط، فإنه كما تقدم، كما يمكن أن يعد تمليكا للدين للمدين، يمكن أن يعد اسقاطا له. ذلك لأن وفاء الدين لا يكون إلا بتمليك مثله للدائن. ومن هذا قال فقهاء الحنفية أن الديون تقضى بأمثالها، فإذا أعطى المدين الدائن مثل دينه فيه فقد ملكه مثله واستوجب عليه بهذا التمليك مطالبته به لولا ما عليه من دين مماثل يستوجب عليه مطالبته به من قبل الدائن فسقطت مطالبته بما أوفى نظير سقوط مطالبة الدائن إياه بما له من دين فى ذمته. وهذا معنى قولهم ان الدينين يلتقيان قصاصا. ونتيجة لذلك يرى أن ذمة كل من المدين والدائن بعد الوفاء بالدين مشغولة فذمة المدين لاتزال مشغولة بالدين ولكن لا يطالب به، وذمة الدائن أصبحت بالوفاء مشغولة بما أعطى فى دينه فإذا ما أبرأ الدائن مدينه فى هذه الحال أى يعد وفاء الدين إبراء اسقاط صادف ذلك الإبراء محلا وهو دينه الذى لا يزال شاغلا ذمة المدين فسقط بذلك الإبراء وخلصت ذمته منه وأصبحت ذمة الدائن وحدها مشغولة بما كان قد أعطى فى دينه من المال لا فى نظير شىء، فكان للمدين بسبب ذلك أن يسترد من الدائن مما سبق إن كان وفاه به، وهذا هو حكم الإبراء من الدين بعد الوفاء به. أما إبراء الاستيفاء فإذا كان إقرارا بالوفاء لم يكن إلا إخبارا بما حدث من تمليك للدائن فى نظير دينه، فلم يترتب عليه سقوط أحد العوضين، ولم يكن للدائن ولا للمدين مطالبة الأخر (18) بشىء، وهذا هو اختيار السرخسى، والصدر الشهيد، وذكر خواهر زاده: أنه لا رجوع فى الحالين، واختاره بعض المشايخ. ويتنوع إبراء الاسقاط بالنظر إلى موضوعه نوعين: إبراء خاص وإبراء عام، فيكون خاصا إذا ما كان موضوعه حقا معينا أو حقوقا معينة مثل أن يقول شخص لآخر: أبرأتك من دينى أو من ديونى التى ثبتت لى فى ذمتك فى سنة كذا أو من دعواى هذه الأرض أو من جميع الدعاوى التى رفعتها عليك أو القائمة بينى وبينك الآن. ويكون عاما إذا كان موضوعه عاما يتناول كل حق للمبرأ قبل شخص معين أبرأه. على أن عموم الإبراء وخصوصه مسألة نسبية، فإن قول شخص لآخر: أبراتك من كل دعوى تتعلق بأى عقار تحت يدك فى بلد كذا، يعد عاما بالنسبة لما تحت يد المبرأ من عقار فى هذا البلد، ويعد خاصا بالنظر إلى حقوقه كلها، سواء تعلقت بهذا العقار أو بغيره والإبراء سواء أكان خاصا أو عاما لا يتناول إلا ما تدل عليه العبارة من حق قائم عند الإبراء، ولا يتناول ما يجد ممن حقوق بعده، وإن شملته العبارة كما تقدم ذلك. وبناء على ذلك إذا قال شخص لآخر: لاحق لى قبلك، يشمل جميع الدعاوى المتعلقة بالأعيان أمانة كانت أم مضمونة، وجميع الديون وجميع الحقوق من كان حق هو مال ومن كل حق ليس بمال كالكفالة والقصاص وحق القذف وما إلى ذلك فلا تسمع منه دعوى بحق ثابت على هذا الإبراء وكذلك إذا قال أبرأت فلانا من كل دعوى لى قبله لا يحق له أن يدعى عليه بشئ سابق على هذا الإبراء سواء أكان الادعاء متعلقا بدين أو بعين وإذا قال أبرأته من كل دين لى قبله سقطت جميع ديونه التى له قبل هذا الإقرار، فلا يملك مخاصمته فى دين سابق عليه. وجاء فى تكملة ابن عابدين: لا تسمع دعوى بعد الإبراء العام إلا ضمان الدرك. والضمان الدرك هو ضمان ما يدرك المبيع أو اليمن من استحقاق الغير له كله، أو بعضه بعد العقد ". ذلك لأن ضمان الدرك الحق فيه لم يثبت إلا بعد الإبراء وإن كان سببه سابقا على صدوره فعند صدوره لم تكن الذمة مشغولة بشىء معين، ولم يحكم بالإستحقاق إلا بعد الإبراء ولو قال أبرأت فلانا من كل حق لى عنده تناول الأمانات فيسقط الإدعاء بها دون الديون (19) . وفيه حكم الرجوع عنه وبطلانه ببطلان ما تضمنه. حكم الإبراء: إذا صدر الإبراء مستوفيا شروطه ترتب عليه أثره، وهو سقوط الحق المبرأ منه كان الإبراء خاصا، وإذا سقط لم تجز المطالبة به بعد ذلك، وإذا كان عاما شمل جميع الحقوق الموجودة عند صدوره التى تتناولها عبارته فلا تجوز المطالبة بحق منها ولا يتناول ما يحدث بعده من الحقوق ولزم ذلك المبرىء فلا يقبل منه رجوع ولا عدول فيه، لأن الحق إذا سقط لم يعد مرة أخرى، وهو مذهب الحنفية والحنابلة (20) . وقد جاء فى تكملة ابن عابدين أن الدائن لإيملك أن يرجع فى هبته الدين لمدينه بعد قبوله ويرجع فيها قبل قبوله، لأنها اسقاط أى والساقط لا يعود. وذهب الشافعية إلا أن الإبراء إذا كان من أب لولده لم يصح الرجوع فيه على قول مراعاة لمعنى الإسقاط فيه ويصح الرجوع فيه على قول آخر مراعاة لمعنى التمليك ألا يرى أن الأب له الرجوع فى هبته لابنه، ذكر ذلك الرافعى. وقال النووى: ينبغى ألا يكون للمبرئ حق الرجوع عن ابرائه فى جميع الأحوال. وجملة القول أن الابراء إنما يتناول ما تدل عليه عبارة المبرىء من حق قائم عند صدورها، أما يحدث من الحقوق بعد ذلك فلا يتناوله الإبراء. ومن المسائل التى فرعت على ذلك ما إذا أدعى المبرئ حقا وكانت دعواه بعد الإبراء دون أن يؤرخ ثبوت هذا الحق له، ففى الاستحسان أنها لا تسمع حملا للحى على انه سابق على الإبراء "حامديه" وقد ذكروا أن الدعوة بعد الإبراء العام تسمع فى أربع مسائل: ا- إذا أبرأ إبراء عاما ثم ادعى عليه ضمان الدرك فى بيع سابق على الإبراء، إذ الحق وهو الضمان لم يحدث إلا بعد الإبراء فتسمع استحسانا. 2- اذا بلغ القاصر فأبرأ وصية من كل حق ثم ظهر له شئ لم يكن يعلمه سمعت دعواه إذ التناقض مغتفر فيما فيه خفاء. 3- إذا أقر الوصى أنه استوفى جميع ما كان للميت على الناس جميعا ثم ادعى على رجل دينا للميت سمعت دعواه لارتفاع التناقض بسبب وجود الخفاء، وأيضا: يلاحظ فيه المبرأ مجهول وتقدم عدم صحة إبراء المجهول. 4- إذا أقر الوارث أنه استوفى جميع، ما كان للمورث على الناس جميعا ثم أدعى لمورثه دينا على آخر سمعت دعواه للسبب السابق فى المسألة فى قبلها. هذا ويبطل الإبراء اذ ا بط ل ما تضمنه إذا كان الإبراء قائما على حقوق تترتب على ما تضمنه وبناء على ذلك إذا باع شخص عينا وقبض ثمنها، وتضمن عقد البيع براءة البائع من كل دعوى تتعلق بالعين أو براءة المشترى من كل دعوى تتعلق بالثمن، ثم بطل البيع لاستحقاق العين المبيعة فإنه لا يكون لهذا الإبراء الذى تضمنه عقد البيع أثر فى استحقاق المشترى مطالبة البائع برد الثمن كما لا يكون، له أثر فى مطالبة المشترى برد المبيع إذا ما كان الثمن عينا ظهر استحقاقها فبطل البيع بناء على ذلك. وكذلك إذا تضمن الصلح إبراء من أحد طرفيه للآخر ثم بطل الصلح بسبب من الأسباب بطل تبعا لذلك ما تضمنه من الإبراء،لأن الإبراء كان من عناصر الصلح فإذا بطل الصلح بطلت أيضا عناصره (21) إبراء المريض: يراد بالمريض من به مرض الموت وهو ما يغلب فيه الموت عادة ويتصل به، والإبراء عند الحنفية كما قدمنا. إما إبراء اسقاط وإما إبراء استيفاء، فإن كان إبراء اسقاط فهو فى مرض الموت من قبيل التبرع المنجز وحكمه حكم الوصية، وإن لم يكن وصية فإن كان لوارث توقف على إجازه سائر الورثة، وأن كان لأجنبى نفذ فى حدود ثلث التركة بعد سداد الديون، ولا تنفذ فيما زاد على ذلك لا بإجازة الورثة بعد وفاة المبرئ وهم من أمل التبرع عالمين بما أجازوا. وفى حكم إبراء الوارث إبراء المريض أجنبيا من دين كفله أخد ورثته لأن أبراء الأصيل يستلزم براءة الكفيل فكان إبراؤه المدين الأجنبى إبراء لوارثه. وإن كان الإبراء الصادر من المريض إبراء استيفاء وقد علمت أنه عبارة عن إقراره باستيفاء حقه، أختلف الحكم فيه بإختلاف أحواله بحسب صدوره لوارث أو لأجنبى فى حدود الثلث أو فيما تجاوزه، وفيه أختلاف الفقهاء (أنظر مصطلح إقرار) وإلى مذهب الحنفية ذهب الزيدية. وأعلم أن الإبراء إذا صدر فى صورة إقرار كأن يقول المريض لا حق لى قبل فلان ونحوه، فإن كان ذلك لوارث توقف نفاذه على تصديق سائر الورثة عند الحنفية سواء إعتبرته إقرار أم إبراء. وإن كان لأجنبى فهو نافذ أن عد اخبارا وله حكم الوصية أن عد إبراء من دين معلوم (22) . ذلك رأى الحنفية. أمال لشافعية فلهم رأيان فى إبراء المريض لوارثه وفى إبرائه لأجنبى عنه، أحدهما يقضى بصحته فى الحالين. والآخر يقضى بإعطائه حكم الوصية كما ذهب إليه الحنفية (23) . ولم نعثر على رأى للحنابلة فى إبراء المريض غير أن رأيهم فى إقرار المريض كرأى الحنفية فيه فهل الأمر كذلك فى الإبراء؟ وذهب ابن حزم إلى أنه لا فرق بين إبراء المريض. وإبرأء الصحيح، ذلك لأنه لا يرى تفرقة بين تصرف الصحيح وتصرف المريض فى الحكم، والحكم فيهما الصحة والنفاذ فى جميع الأحوال (24)   (1) راجع تكملة ابن عابدين ج2 ص347 طبعة بولاق،والاشباه للسيوطى ص187 والدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج4 ص99 طبعة الحلبى، وشرح الأزهار المتفرع من الغيث المدرار ج4 ص258، وكشاف القناع ج2 ص477. (2) آية 92 سورة النساء. (3) المحلى ج9 ص117. (4) المهذب للشيرازى من كتاب الهبة ج1 ص454 والأشباه للسيوطى ص188 وكشاف القناع ج2 ص478. (5) الدسوقى على الشرح الكبير ج4 ص99 وشرح الأزهار ج4 ص258 والفروق للقرافى ج2 ص101، 111. (6) نهاية المحتاج ج5 ص 410. (7) كشاف القناع ج2 ص478. (8) شرح الأزهار ج4 ص298 وما بعدها. الشرح الكبير للدردير ج4 ص99. الأشباه والنظائر لابن نجيم طبعة إسلامبول تكملة ابن عابدين ج2 ص347 طبعة بولاق، كشاف القناع ج2 ص347 طبعة بولاق. كشاف القناع ج2 ص478 طبعة المطبعة الشرفية سنة 1319. الأشباه للسيوطى ص188 وما بعدها. المهذب ج2 ص454 طبعة دار الكتب العربية لمصطفى الحلبى. مطالب أولى النهى شرح غاية المنتهى ج4 ص392 وما بعدها طبعة سنة 1961. (انظر مصطلح حجر ومصطلح تبرع) (9) كشاف القناع ج2 ص 478طبعة المطبعة الشرقية، الأشباه للسيوطى ص187. جامع الفصولين المطبعة الأزهرية سنة 1300 ههجرية ج1 ص125 وما بعدها. (10) الأشباه للسيوطى ص571 (11) كشاف القناع ج2 ص478. (12) شرح الأزهار ج4 ص298، 299. (13) حاشية الدسوقى على الشرح الكبيرج4 ص99. الأزهار ج4 ص298. كشاف القناع ج2 ص478. الأشباه للسيوطى ص188. الدر وابن عابدين ج2 ص614 وما بعدها طبعة الحلبى. الأشياه للسيوطى ص187. (14) المهذب للشيرازى ج1 ص454 جامع الفصولين ج2 ص2،4،182 التكملة على الهداية ج7 ص44. البحرج7 ص310،322. الهندية ج4 ص385. مطالب اولى النهى ج4 ص392،393. (15) شرح الأزهار ج4 ص258. (16) تكملة ابن عابدين ج1 ص359. (17) الفتاوى الهند ج4 ص204. (18) تكملة ابن عابدين ج2 ص347 طبعة بولاق. (19) كشاف القناع ج2 ص478 المطبعة الشرقية سنة 1319. (20) الاشباه للسيوطى ص 188. (21) تكملة ابن عابدين ج1 ص359 الفتاوى الهند ج4 ص204. (22) تكملة ابن عابدين ج2 ص347 طبعة بولاق. كشاف القناع ج2 ص478 المطبعة الشرقية سنة 1319. (23) شرح الجوهرة على القدورى من كتاب الاقرار والاشباه والنظائر من كتاب القضاء والشهادة والدعوى ص 357 طبعة اسلامبول. (24) الهندية ج4 ص179، 181. تكملة أبن عابدين ج2 ص347. والأزهار ج4 ص300. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 إبط الأبط: ما تحت الجناح (1) والكلام عنه فى موضعين: الأول: حكم نتفه، أى إزالة السعر الموجود فيه. الثانى: حكم جعل الرداء تحت ال إبط ال أيمن وإلقائه على الكتف الأيسر فى الحج وهو المسمى بالاضطباع. أما نتقه فمسنون عند جميع المذاهب (2) . يقول صلى الله عليه وسلم، فى روايات متعددة ومختلفه فى بعض ألفاظها: عشر من الفطرة: قص الشارب، واعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الأبط، وحلق العانة، وإنتفاض الماء، أى الاستنجاء، قال مصعب بن شيبة: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضمة. وأما الاضطباع، ويقال له التوشح والتأبط فسنة أيضا، فقد روى أن الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباظهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى، وهذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة والزيديه والأباضية (3) . وقال مالك ليس الاضطباع سنة لأنه لم يسمع أحدا من أهل العلم ببلدة يذكر ذلك ولم نعثر على حكمه عند الإمامية والظاهرية   (1) المصباح المنير. (2) فتح القدير ج1ص 38 طبعة الأميرية. - رسالة ابن أبى زيد القيروانى بشرح الآبى ص553 طبعة دار الكتب العربية. - والمجموع شرح المهذب ج1 ص283. - المغنى ج1 ص87 طبعة المنار. - المحلى لابن حزم ج2 ص218. - البحر الزخار ج2 298. - المختصر النافع ص82. - النيل ج1 ص516. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 إبطال معناه لغة: الإبطال فى اللغة النقض والإلغاء والإفساد والإزالة. يقال أبطل الشئ، جعله باطلا، ويقال أبطل إذا جاء بالباطل وهو ضد الحق أو الهزل، وأثر الإبطال البطلان وهو الضياع والفساد، يقال بطل بطولا إذا ذهب ضياعا وخسرا الضياع والفساد، يقال بطل بطولا إذا ذهب ضياعا وخسرا (1) معناه اصطلاحا: يستعمله الفقهاء بمعنى الإلغاء والإفساد والنقض، ومحله عندهم الأفعال الشرعية كالصلاة والصوم والحج والأقوال، وتتناول التصرفات الشرعية والأحكام والأدلة، يقولون: أبطل عقده أو قوله إذا نقضه وأفسده أو عدل عن المضى فيه، وأبطل صلاته أو صيامه أو حجه إذا أفسده بما يجعله فى نظر الشارع فاسدا غير مجزى فإن ما صدر عنه من ذلك مسلوب الأثر الشرعى الذى رتبه الشارع على وجوده صحيحا على وفؤ ما طلب، وأبطل دليله إذا نقضه فجعله غير منتج للنتيجة التى أريدت منه، وهذا هو معنى البطلان فى الأدلة أما معناه فى الأفعال والتصرفات الشرعية فهو صيرورتها على خلاف ما طلب الشارع فيها سواء كان ذلك الطلب متعلقا بأركانها وعناصرها الأساسية التى يتوقف وجوده حقيقتها الشرعية على تحققها أم متعلقا بأوصافها العارضة لها التى رأى الشارع وجوب وجوده عليها. ومن ثم وصف بالبطلان كل فعل أو قول أو عقد وجد على خلاف ما طلب الشارع. وإلى هذا المعنى ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية والزيديه. وذهب الحنفية إلى أن البطلان مخالفة القول أو التصرف لما بينه الشارع فى حقيقته وأركانه، فإذا وجد مخالفا لهذا البيان كان باطلا وغير مشروع بأصله، أما مخالفته لما طلبه فيه من أوصاف عارضة يجب أن يوجد عليها، فالا تسمى عندهم بطلانا، وإنما تسمى عندهم فساداً ووجوده على هذه الأوصاف التى كره الشارع وجوده عليها تجعله فاسدا لا باطلا، ويكون يخر مشروع بوصفه وجملة القول فى ذلك أن الشارع إذا نهى عن تصرف من التصرفات فقد يكون مرجع هذا النهى إلى خلل فى أركانه أو فى محله"أو لعدم تحقق معناه، وقد يكون مرجعه إلى وصف ملازم للتصرف عارض له، وقد يكون مرجعه إلى أمر مجاور له غير ملازم وليس شرطا فيه وإنما عرض له بسبب المجاورة فهذه أحوال ثلاثة. ففى الحال الأولى يكون أثر المخالفة فيها البطلان إتفاقى كما فى بيع الميتة وعقد المجنون. وفى الحال الثانية يكون الأثر- فيها الفساد عند الحنفية والبطلان أيضا عند غيرهم، كما فى بيع أجل الثمن فيه الى الميسرة، أو يسر دابه من قطيع، ومن هذأ يتبين أن الحنفيةقد فرقوا بين البطلان والفساد، وخالفهم فى ذلك المالكية والشافعية والحنابلة، فلم يفرقوا بين هذين الحالين فى التسمية وفى الأثر به وكانت المخالفة فيهما عندهم بطلان أو فسادا وكان اللفظان عندهم مترادفين. وهذا ما جرى عليه استعمالهم فى أكثر أبواب الفقه بصفة عامة، وقد يرى فى بعض الأبواب أنهم يفرقون بين معنى البطلان والفساد بناء على اختلاف فى الأحكام، وذلك ما يفصل فى مصطلح بطلان وفسادا فإرجع إليه. أما مخالفة الحال الثالثة فلا توجب بطلانا ولا فسادا، ولا تسمى بذلك عند الحنفية والمالكية والشافعية، وإنما توجب الكراهة فقط، وهذه رواية عن أحمد. وفى رواية أخرى عنه أنها توجب الفساد والبخلان، ذلك فيما يتعلق بالتصرفات الشرعية على العموم سواء أكانى عقودا أم الزأما بإرادة منفردة ما عدا النكاح إذ يرق فيه يرى فيه جمهور الفقهاء أن لا فرق بين باطله وفاسدة فى الحكم، ومن ثم أطلقوا على ما يوجد منها مخالفا لطلب الشارع أسم الباطل تارة، وأسم الفاسد تارة أخرى من غير تفرقة بين الحالين فى العنى سواء أكان مرد ذلك إلى مخالفة فى أصل العقد أو مخالفه فى وصفه كما فى النكاح المؤقت. أما فى الأفعال الشرعية كالصلاة والصوم عدا الحج فإن الإتيان بفعل منها على وضع مخالف لما أمر الشارع يجعلها غير مجزئة فلا تبرأ بها الذمة ولا يتحقق بها الإمتثال المطلوب أو الطاعة الواجبة سواء أكان مرجع النهى فيما نهى عنه مها هو فقدان ركن من أركانها أو شرط من شروطها أو وجودها على صفه كرهها الشارع فيها ومن ثم يصفها الفقهاء فى هذه الحال تارة بالبطلان وتارة بالفساد من غير تفرقة بين حال وحال فيقولون الصلاة بغير ركوع باطلة أو فاسدة والصلاة بغير طهارة باطلة أو فاسدة والصلاة مع كشف العورة فاسدة أو باطلة. لا يفرقون فى الوصف ولا فى الأثر بين حال وحال (2) (أنظر مصطلح: بطلان وفساده) أما الحج فقد فرقوا بين فاسده وباطله" إذ أوجبوا المضى فى فاسده وأوجبوا على الحاج مع ذلك الذبح والإعادة مرة أخرى وإنما وجبت الإعادة لتمكن الخلل فى الحج الذى أتى به لا لعدمة (3) . ويلاحظ أن المخالفة إذا كانت راجعة إلى فقدان ركن من الأركان أو فقدان معنى التصرف فإن أثرها حينئذ هو انعدام السهل المطلوب أو العقد المراد انشاؤه، وعند ذلك لا يتحقق لهما وجود شرعى وأن ثبت لهذا وجود حمى فى الواقع، فالصلاة إذا فقدت أركانها لا تعد صلاة ولا يتحقق لها وجود عند ذلك شرعا، وكذلك العقد إذا فقد أحد أركانه لم يكن له وجود فى نظرالشارع. وفى هذه الحال يوصف كل منهما بالبطلان، فيقال فى الصلاة حينئذ أنها باطلة وفى العقد أنه باطل، ومعنى، ذلك فى واقع الأمر إنعدام كل منهما شرعا وفى مثل هذه الحال لا يكون كل منهما محلا للابطال، إذ معناه جعل الفعل أو التصرف باطلا بعد أن بدأ صحيحا، فإذا بدأ باطلا لم يقبل إبطالا، لأن الباطل لا يبطل. ومن ثم كان البطلان الذى يحدث أثرا للإبطال حكما طارئا يطرا على الفعل الشرعى أو التصرف، وعلى هذا لا يقال لمن صلى بلا ركوع وسجود أبطل صلاته إلا على معنى جاء بصلاة باطلة نجر موجودة ولا لمن باع- سلعة بغير قبول أبطل بيعه إلا على، معنى جاء بعقد باطل وفد يكون المراد بالإبطال إظهار بطلان الفعل الباطل أو العقد الباطل، وذلك يحدث فى القضاء بإبطال تصرف من التصرفات إذ لا يراد بقول القاضى أبطلت هذا العقد أو هذا الحق إلا أظهرت بطلانه، ذلك لأن القضاء مظهر ولا ينشئ إلا نادرا فى أحوال خاصة ومما تقدم يتبين ما يأتى: أولا: أن الإبطال جعل الفعل أو القول باطلا بر وذلك بإعدامه فى نظر الشارع وتجريده من وصف الوجود شرعا وهو الوجود الذى ناط به للتنازع ترتب الآثار الشرعية عليه، ومن ثم عد الباطل معدوها فى نظر الشارع واعتباره وكان العقد الباطل معدوما لا يترتب عليه أثر، والصوم الباطل معدوما لا يجزئ عن الواجب الشاغل للذمة وهو بهذا المعنى يتناول معنى الفسخ كما سيتضح ذلك فيما يأتى. ثانيا: ان الإبطال عند الحنفية يكون بإدخال سبب كب حلل على الفعل أو التصرف، بعد بداية بداية صحيحه، وذلك بإعدام ركن من أركان، كمن بدأ صلاته بداية صحيحة، ثم ترك فيها ركوعا أو سجودا أو بدأ صيامه، ثم أكل عامدا فى أثناء النهارا بدأ حجه ثم أرتد أو باع ثم أبطل بيعه بخيار مجلس عند القائل به أو بخيار شرط إذا ما شرطه لنفسه فى العقد أو أذن الموهوب له فى قبض العين الموهوبة ثم عدل عن إذنه أو أوجب فى عقد من العقود ثم عدل عن إيجابه فى مجلس العقد أو تزوج ثم أبطل زواجه بردته أو بخيار بلوغ، فكل ذلك أبطل لما بدأ صحيحا، وهذا بخلاف الإفساد فإن معناه عندهم إلحاق مفسد بما شرع فيه من عمل أو تصرف، كمن شرع فى صلاته ثم تكلم فيها بما يتكلم به الناس أو انحرف فيها عن القبلة انحرافا جعلها إلى ظهره، أو صام فجامع فى صيامه، أو حج فجامع قبل وقوفه بعرفة، أو باع بثمن فأجله إلى وقت الميسرة أو اشترط فيه شرط خيار لمدة سنة أو بغير مدة، أو قارض فاشترط لنفسه ربحا معين المقدار، أو رهن فاشترط بقاء الرهن تحت يده 000 فذلك كله عند الحنفية إفساد لا إبطال، إذ أنه لا يرجع إلى خلل فى أصل الفعل أو التصرف، وإنما يرجع إلى وصف من أوصافه، ولا يفرق غيرهم بين الحالين فهى عندهم إبطال أو إفساد.) (راجع مصطلح: بطلان وفساد) الفرق بين الإبطال والفسخ: بينا فيما سبق معنى الإبطال ومحله، ونقرر هنا أن الإبطال كما يحدث أثناء القيام بالعمل الشرعى، كما فى المصلى يتحدث فى صلاته بنا يشبه كلام الناس، وكما فى البيع إذا فصل بين إيجاب البائع وقبول المشترى ما يحول دون اتصال القبول بالإيجاب من قيام أو كلام أو اشتغال بأى عمل يترتب عليه ذلك عرفا، وكما فى الزواج إذا أقترن بقبول الزوج ما يوجب بطلان العقد من ردة أو فعل يوجب حرمة المصاهرة، كذلك يحدث الإبطال بعد التمام. غير أن ذلك لا يتصوره الأفعال الشرعية كالصلاة والصيام والحج إذ بعد تمامها لا يمكن أن يلحق بها ما يبطلها، لأنها وقعت على وفق طلب الشارع مجزئة وبرأت منها الذمة، فلا تشغل بها مرة أخرى. ولكنه يحدث فى التصرفات ... فقد ذكروا أن الوقف يبطل بردة الواقف بعد تمامه، وأن الوصية تبطل برجوع الموصى عنها، وأن التوكيل يبطل بعدول الموكل عنه بشرط وصول الخبر إلى الوكيل وأن العارية تبطل برجوع المعير عنها، وأن البيع يبطل بخيار العيب وبخيار الرؤية عند إرادة الرد بهما، وأن الهبة تبطل برجوع الواهب فيها بشرط رضا الموهوب له أو قضاء القاضى، والمسائل من هذا النوع كثير عديدة يخطئها الحصر. ولكن الملاحظ أن التعبير عن الإبطال بعد التمام أكثر الحالات والمواضع يكون بالفسخ، وقد يستعمل لفظ الإبطال، ولكن التعبير الأول أكثر استعمالا، ويندر أن يعبر عن الإبطال الحادث فى أثناء العمل بالفسخ وإذا عبر عنه بذلك كان من قبيل التجوز فى التعبير. ففى الإقالة قالوا إنها فسخ فى حق المتعاقدين عقد جديد فى حق غيرهما، وفى العقد غير اللازم قالوا أنه ما يستبد أحد العاقجين بفسخه وفى الرجوع فى الهبة من الواهب قالوا إذا رجع الواهب فى هبته بقضاء أو رضا كان فسخا لعقد الهبة وإعادة لملكه لا هبة جديدة، وفى خيال العيب قالوا إن الرد بخيار العيب قبل القبض يعد فسخ كالرد بخيار الرؤية أو بخيار الشرط (4) وهكذا، كما عبروا فى مثل هذه المواضع بالإبطال (5) . وأذن فالفرق بين الإبطال والفسخ أن الإبطال أعم من الفسخ، فالإبطال كما يكون فى أثناء المباشرة يكون بعد التمام والفسخ لا يكون ألا بعد التمام، فكل فسخ أبطال، وليس كل إبطال فسخا، وذلك ما يشعر به ويدل عليه لفظ الفسخ لغة (6) ، فهو فيها النقض والتفريق، فقول العرب فسخت الشئ فرقته، وفسخت المفصل عن موضعه أزلته، وتفسخ الشعر عن الجلد، وليس يكون ذلك إلا عند إتصال شيئين فتفرق بينهما (أنظر مصطلح فسخ) . أسباب الإبطال: تبين مما سمها أن الإبطال هو جعل العمل أو التحرف باطلا، وإنما يكون ذلك ممن يباشر العمل بالنسبة للأفعال الشرعية أو ممن له شأن فى التصرف بالنسبة للتصرفات بناء على ثبوت الحق له فى ذلك شرعا تطبيقا لحكم شرعى، وعلى ذلك لا يكون الإبطال إلا بسبب مبطل شرعا، أى بسبب رتب الشارع عليه حكم الإبطال عند تحققه، فما لا يبطل به العمل أو التصرف شرعا لا يصلح سببا للإبطال، وإذا جعل سببا للإبطال لم يترتب عليه، وبناء على ذلك لا يملك المصلى أو الصائم أو الحاج أن يبطل صلاته أو صيامه أو حجه إلا بما جعله الشارع مبطلا لها فلا يملك المصلى أن يبطل صلاته بنظره إلى السماء عند صلاته أو بقيامه على رجل واحدة، ولا يستطيع الصائم أن يبطل صيامه بأكله ناسيا، ولا يستطيع الحاج أن يبطل حجه بلبس مخيط فى إحرامه. إذ أن الشارع لم يرتب على شىء من ذلك بطلان العمل، وليس لإرادة المصلى أو الصائم والحاج سلطان فى ذلك، بل الحكم فى الشارع. ومما يجب ملاحظته أن أقدام المكلف على أبطال عمله. المتطوع به فى غير حج وعمرة بغير عذر مكروه، فإذا أبطله لزمه أعادته عند أبى حنيفة ومالك لقوله تعالى: " ولا تبطلوا أعمالكم (7) " فقد أمر بعدم أبطالها، فوجبت بالشروع فيها، وذلك ما فوجبت بالشروع فيها وحرمة إبطالها بغير عذر ووجوب قضائها إذا أبطلها مطلقا. وذهب الشافعى وأحمد (8) إلى استحباب اتمامه، وإذا أبطله لم يلزمه قضاؤه هو المراد فى الأية بإبطالها أبطال ثوابها بالمن أوالرياء والشروع فى التطوع لا يغير حقيقته وحكمه. أما الحج والعمرة فيجب المضى فيهما وإعادتهما عند إبطالهما. وذهب الشيعة الإمامية إلى عدم جواز إبطال الصلاة اختيارا من غير عذر، وإلى أنها تصير واجبة بالشروع فيها (9) . وكذلك بالنظر إلى التصرفات الشرعية لا يستطيع ذو الشأن أن يبطلها إلا بما جعله الشارع مبطلا لها فالتصرف إذا كان غيرلازم بالنسبة- إلى طرفيه كالعارية والوكالة والشركة والوديعة يكون لكل عاقد حق أبطاله أو فسخه بإرادته المنفردة دون أن يتوقف ذلك على رضا الطرف الآخر، وإذا كان لازما بالنسبة إلى أحد طرفية غير لازم بالنسبة إلى الطرف الأخر كالرهن والكفالة كان لمن لا يلزم العقد بالنسبة له فقط أن يبطله بإرادته المنفردة، فكان للمرتهن هذا الحق دون الراهن، وكان للمكفول له هذا الحق دون الكفيل. أما الراهن أو الكفيل فليس له الإبطال إلا برضا المرتهن أو المكفول له، وإذا كان التصرف لازما بالنسبة إلى طرفيه كالبيع والإجازة ونحوهما لم يملك أحدهما إبطاله برضا الطرف الأخر، وهذا ما يسمى بالإقالة، وإذا فقد لزومه بسبب خيار كخيار رؤية أو شرط أو عيب كان له إبطاله إلا بناء على خياره وإذا كان التصرف بإرادة المتصرف المنفردة كالوقف والوصية والهبة والجعالة كان له إبطاله إذا جعله الشارع غير لازم كالوصية والجعالة والهبة فى بعض أحوالها، ولم يكن له ذلك بإرادته فيما جعله الشارع لازما كالوقف وعقد الصبى الممير موقوف فلوليه إبطاله عند الأحناف والمالكية، وكذلك عقد الفضولى لصاحب الشأن فيه أبطاله عند القائلين بوقفه 0 وعلى الجملة فليرجع إلى مبطلات الصلاة فى مصطلح صلاة، وإلى مبطلات الصوم فى مصطلح صوم وإلى مبطلات الحج فى مصطلح حج وإلى بما! ت البيع والإجارة والرهن والصح والوقف فى مصطلحاتها وهكذا، وإلى مبطالات الحج حكام فى مصطلح قضاء. أثر الإبطال وحكمه: إذا حدث الإبطال قبل إتمام العمل الشرعى أو الإلتزام الشرعى كان أثره البطلان وبذلك صار معدوما فى نظر الشارع، وترتب على ذلك صيرورة العمل غير مجزئ وصيرورة الالتزام لاغيا لا يترتب عليه أثر، وهذا محل إتفاق بين المذاهب، إلا أن ترتب الآثار على أسبابها إنما هو نتيجة لإعتبار الشارع لها وترتيبها عليها، وإنما يكون ذلك عند وجوده فى اعتباره ونظره. أما اذا حدث الإبطال بعد التمام، وذلك لا يتصور كما قلنا إلا فى التصرفات الشرعية، فإن أثره حينئذ هو إنهاء التصرف، ولا يكون لهذا الإنهاء عندئذ أثر رجعى فلا يترتب على إبطال الزواج حرمة ما حدث فيه من مباشرة سابقة ولا إنتفاء ما ثبت به من أنساب ولا سقوط ما وجب فيه من نفقات على الزوج، وكذلك الحال فى الهبة يرجع فيها الواهب بعد تمامها بالقبض، فإن جميع منافع العين وزوائدها قبل إبطالها وفسخها تكون للموهوب له متى كانت منفصلة لأنه المالك للعين الموهوبة قبل الرجوع، وزيادة الملك ونماؤه لمالكه ولا تكون للواهب، غير أن الزيادة المتصلة كالسمن مثلا تمنع الرجوع عند الحنفية وتمنع الإعتصار عند مالك، وهو رجوع الأب فيما وهبه لولده وتمنع الرجوع كذلك عند أحمد على رواية جواز رجوع الأصل فيما وهبه لفرعه ولا تمنع رجوع الأصل فيما وهبه لفرعه عند الشافعى، بل تتبع أصلها فتكون للواهب، وهو مذهب الأباضية. أما المنفصلة ظل ملكا للموهوب له وإلى هذا ذهب الشيعة الجعفرية. ولا يرى أهل الظاهر جواز الرجوع فى الهبة (10) . وذهب الزيدية الى أن الزيادة المتصلة تصنع الرجوع لا المنفصلة إذا تكون للموهوب له (11) ونتيجة ذلك اقتضاء الرجوع فى الهبة وعدم استناده إلى وقتها، وكذلك الحكم فى الوكالة إذا أبطلها أحد عاقديها، والشركة والقراض والعاريه والمساقاة والمزارعة والإجارة إذا فسخت بسبب عذر أو بإقالة، فالفسخ فى جميع هذه الأحوال لا يستند إلى وقت حدوث العقد، وإنما يقتصر الإبطال على وقته فلا يترتب عليه أثره إلا من ذلك الوقت، إذ أن الإبطال لا يرفع عقدا ولا يبطله فقد حدث بعد تمامه وترتب آثاره عليه، أيضا ينهيه من وقت فسخه فيرفعه بذلك الفسخ والإبطال. وبناء على ذلك اذا حدث الفسخ أو الإبطال قبل تمام العقد وترتب آثاره عليه فإن الحكم يختلف تبعا لما تم من آثاره وما لم يتم ومما فرع على ذلك عقد البيع إذا كان فيه خيار شرط أو خيار رؤية أو خيار عيب ذلك أن خيار الشرط يقف ترتب آثار العقدعليه عند الحنفية. فإذا حدث الفسخ الإبطال بناء عليه لم يترتب على العقد شئ جديد، وأرتفع بالفسخ (12) . ويرى مالك فى أصح أقواله أن خيار الشرط يحول كذلك دون ترتب آثاره عليه أيضا، وعلى ذلك فالبيع فى زمن الخيار لا يزاد مملوكا للبائع، والثمن لا يزال مملوكا للمشترى سواء أكان الخيار لأحدهما أم لهما وعلى ذلك فيكون الحكم هو ما ذكرنا عند الحنفية وهو أن العقد لم يترتب عليه أثر جديد وأنه بالفسخ يرتفع وعلى ذلك يكون نماء المبيع وزوائده للبائع متى كانت حادثة زمن الخيار سواء أجيز العقد أم فسخ عن وهناك آراء أخرى للمالكية فى ذلك (13) . ويرى الشافعى أن ملك المبيع فى مدة الخيار لمن له الخيار، فإن كان الخيار للبائع وحده فهو المالك للمبيع وحده، وإن كان الخيار للمشترى وحده كان ملك المبيع له كما يكون ملك الثمن للبائع، وإذا كان الخيار لهما فالأمر موقوف إلى أن يظهر مآل العقد، فإذا فسخ البيع ظهر أن المبيع لم يخرج من ملك البائع وأن الثمن لم يزل فى ملك المشترى، وعلى هذا الأساس يكون لحكم على الزوائد والنماء فى مدة الخيار فهى لمن له الملك فى تلك المدة قبل أن يئول العقد إلى فسخه (14) ويرى أحمد أن اشتراط الخيار لا يحول دون ترتب آثاره عليه، وهذا ظاهر المذهب، وعلى هذا الأساس يكون الحكم على الزيادة والنماء فيهما للمشترى لحدوثهما على ملكه وفسخ العقد إنما يكون من وقت الفسخ لاين وقت إنشائه. غير أن الزيادة كانت متصلة كالسمن فإنها تتبع أصلها عند الفسخ (15) فتكون لمن كان له ملك أصلها. وعلى هذا يرى أيضا أن الفسخ أو الإبطال يقتصر على وقت حدوثه فلا يثبت بأثر رجع إلى وقت نشأة العقد. ويلاحظ أنه بالنسبة إلى العقد الموقوف عند فسخه، فإن فسخه يثبت بأثر رجعى إلى وقت إنشائه، ذلك لأن العقد الموقوف لا يترتب عليه آثر وإنما ينفذ بإجازة) (راجع خيارات) . فى الجملة ففسخ العقد يقتصر على وقت إنشائه عند الفقهاء اذ لا يعدم التزام وجد صحيحا فى زمن صحته، وإنما ينهيه من وقت حدوثه، وذلك ما يرى أنه ليس محالا للخلاف. ويلاحظ كذلك أن العقد إذا حدث فاسدا كان له وجود فى نظر الحنفية ووجب على كل من طرفيه فسخه وإذا وصل علم القاضى إليه فسخه القاضى إن لم يفسخه أحد طرفيه، أما عند غيرهم فليس له وجود حتى يقتضى، ذلك فسخه وإبطاله (16) .   (1) المعجم الوسيط- مفردات الراغب - القاموس في مادة بطل. (2) راجع الشرح الكبير للدردير فى كتاب البيع من الجزء الثالث، وفى كتاب النكاح من الجزء الثانى طبعة الحلبى وشرح مسلم الثبوت ج1 ص122 والإحكام للآمدى ج 1ص 187 وروضة الناظر فى أصول فقه ج1 ص 164 وما بعدها المطبعة السلفية سنة 1342، وارشاد الفحول للشوكانى ص104 مطبعة السعادة سنة 1327. (3) أبن عابدين ج2 ص 228، 229. (4) الدر المختار ج 4 ص 96. (5) أرجح الى ابن عابدين ج4 ص80 من باب خيار العيب. (6) المصباح المنير والقاموس والاساس فى مادة فخ. (7) سورة محمد: 33. (8) كشاف القناع ج1 ص 528. أحكام القرآن لابن العربى. أحكام القرآن للجصاص ج3 ص219. وأحكام القرآن للقرطبى ج16 ص255. (9) مصابيح الفقه وكتاب الصلاة ص 427، 428. (10) تكملة ابن عابدين فى الهبة ج 2 فى آخره. كشاف القناع ج2 ص 185. الخرشى ج 7 ص 134. البجرمى على المنهج ج 3 ص244. المحلى وتحرير الاحكام ج1 ص441. (11) شرح الأزهار ج 3 ص441. (12) راجع البدائع ج 5 ص346. (13) الشرح الكبير للدردير ج 3 ص 104. الخرتشى ج 5 ص137. شرح النيل ج6 ص10 شرح الأزهار ج 35 ص441. (14) نهايه المحتاج ج4 ص19. روض الطالب ج 2 ص 53. (15) المغنى ج4 ص26. كشاف القناع ج 2 ص 50 (16) الدر المختار أحكام البيع الفاسد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 أبطح 1- التعريف به: أ) المعني اللغوى: جاء فى لسان العرب ومثله فى القاموس أنه اسم لمسيل واسع فيه دقاق الحصى. وقيل بطحاء الوادى تراب لين مما جرته السيول، فإن اتسع وعرض فهو الأبطح. وقال ابن الأثير: إن أبطح الوادى حصاة اللين فى بطن المسيل، وفى الحديث أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالأبطح يعنى أبطح مكة وهو مسيل واديها، وفى المصباح أن الأبطح كل مكان متسع، والأبطح بمكة هو المحصب، ثم فسر كلمة محصب بأنه موضع بمكة على طريق منى، وبأنه مرمى الجمار بها. ب) المعنى الاصطلاحى: يقول الأحناف (1) أنه اسم الموضع الذى نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من منى إلى مكة ويسمى المحصب والأبطح. وهو فناء مكة ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك وأنت صاعد فى الشق الأيسر فى طريقك إلى منى من بطن الوادى، ولم يختلف عليهم أحد من أهل المذاهب الأخرى فى التعريف به. 2- حكم النزول به: يقول الأحناف أنه يسن للحاج بعد رمى الجمار أن يأتى الأبطح فينزل به لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل به قصدا وذلك لما روى عن أسامة بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: إنا نازلون غدا بالخيف (2) خيف بنى كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم. يريد الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك الإشارة إلى عهد المشركين فى ذلك الموضع على هجران بنى هاشم وبنى المطلب بألا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم الرسول، فعرفنا بذلك أن نزوله بالأبطح كان قصدا ليرى المشركين لطيف صنع الله به، وليتذكر فيه نعمته سبحانه عليه حيث يقارن بين نزوله هذا وما كان عليه أيام الحصار فيكون النزول فيه سنة بمنزلة الرمل فى الطواف واستدلوا أيضا بأن الخلفاء نزلوا كذلك بهذا المكان وقد صرح بعضهم كما فى ابن عابدين بأن الأظهر أن النزول به سنة كفاية، لأن الموضع لا يسع جميع الحجاج، ويتحقق أصل السنة عندهم بأن ينزل الحاج ولو ساعة يقف على راحلته يدعو. وذكر الكمال بن الهمام أن الحاج يصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويهجع هجعة ثم يدخل مكة. وهذه كما يقول ابن عابدين: سنة كمال وقد صرح المالكية (3) : بأن النزول به مع الصلوات الأربع مندوب، واستثنوا المتعجل فى سفره، ومن كان رجوعه يوم الجمعة، وصرحوا أيضا أن محل ندب صلاة الظهر إذا وصله قبل ضيق وقتها فلو ضاق عليه الوقت يصلى الظهر حيث أدركه. ونصوا على أن الراجع من منى يفعل ذلك سواء أكان آفاقيا (4) أم من مكة أم مقيما بمكة، وأنه يقصر الصلاة ولو كان مكيا لأنه من تمام المناسك. ويرى الشافعية (5) : أنه يندب لمن نفر من منى أن ينزل بالمحصب الذى يقال له الأبطح وخيف بنى كنانة، ويصلى به العصرين والمغربين ويبيت به لاتباع الرسول وقالوا: إن ذلك ليس من المناسك. وصرح الحنابلة: باستحباب النزول وأداء الصلوات الأربع المذكورة والاضطجاع اليسير، وروى ابن قدامة أن ابن عمر يرى التحصيب سنة. ونص الشيعة الجعفرية (7) : على أن النزول به مستحب. كما نصوا (8) على أنه يستحب الإكثار من الصلاة بمسجد الخيف. ويضيف الزيدية (9) : للحكم بندب النزول به أن الحاج يصلى فيه العصر والعشاءين ويدخل مكة بعد هجعة كفعلته - صلى الله عليه وسلم-. هذا وقد أوردت كتب الأحناف والحنابلة والزيدية التي أشرنا إليها اختلافا بين بعض الصحابة وبعض فى أن النزول به سنة أو غير سنة، ويرجع اختلافهم فى ذلك إلى أن نزول الرسول صلى الله عليه وسلم به أكان عن قصد أم غير قصد، ونقلوا عن ابن عباس وعائشة أن نزوله به كان اتفاقا لا قصدا، وقد واجههم الحنفية بالرد بما تقدم. ولم نعثر فى كتابى المحلى فى الفقه الظاهرى وشرح النيل فى الفقه الإباضى على شىء فى ذلك الموضوع.   1) المبسوط ج4 ص24 مطبعة السعادة سنة 1324ههجرية البدائع للكاشانى الطبعة الأولى بالقاهرة سنة 1327ههجرية ج2 ص160. الفتح ج2 ص187، مطبعة مصطفى محمد، الدر المختار حاشية ابن عابدين ج2 ص201، المطبعة الميمنية سنة 1307ههجرية. 2) الخيف فى الأصل ما ارتفع عن الوادى قليلا عن مسيل الماء وقد اشتهر إطلاقه على مكان قرب منى فيه مسجد الخيف. 3) الدردير والدسوقى ج2، ص53، طبعة المطبعة الأزهرية سنة 1345ههجرية. 4) أى من خارج مكة. 5) المهذب ج1، ص231، طبعة عيسى الحلبى، حاشية القليوبى على المنهاج ج2 ص124 طبعة الحلبى سنة 1353ههجرية. 6) المغنى ج3 ص 457، الطبعة الثالثة بدار المنار. 7) المختصر النافع ص98 طبع دار الكتاب العربى. 8) الروضة البهية ج1 ص 203، مطبعة دار الكتاب العربى. 9) البحر الزخار ج2 ص 360. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 أبكم فى اللغة يقال: رجل أبكم أى أخرس. والأخرس: هو الذى منع من الكلام خلقة. أى خلق ولا نطق له. وقد وضع الفقهاء له أحكاما تتعلق بذبيحته وصلاته وطلاقه ووصيته وعقوده وإشارته ... ..إلى غير ذلك (انظر أخرس) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 إبل التعريف بالإبل: الإبل بكسرتين وبتسكين الباء: الجمال والنوق، لا واحد له من لفظه، مؤنث، وجمعه آبال، ويقال: إبلان للقطيعين من الإبل (1) . منافع الإبل: وقد أحل الله تعالى ذكور الإبل وإناثها فقال سبحانه: (ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أمَّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئونى بعلم إن كنتم صادقين. ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أمَّا اشتملت عليه أرحام الأنثيين.. الآية ((2) ونعى سبحانه على من عطل منافعها فى الأكل أو فى العمل بأى نوع من أنواع التعطيل فقال: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ((3) البحيرة: كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، بحروا أذنها أى شقوها، وحرموا ركوبها، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى، وإذا لقيها المعيى لم يركبها واسمها البحيرة (4) . السائبة: كان الرجل يقول: إذا قدمت من سفرى أو برئت من مرضى فناقتى سائبة وجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها واسمها السائبة (5) . الوصيلة: الناقة البكر، تبكر فى أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر (6) . الحام: والحام فحل الإبل، يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه تركوه للطواغيت وأعفوه عن الحمل فلم يحمل عليه شىء وسموه الحامى (7) . طهارة الإبل: والإبل الحية طاهرة ما دام جسمها خاليا من ملابسة النجاسات التي تخرج من الإبل، ومن غيرها من النجاسات، ولمن شاء أن يزاول أية منفعة من المنافع التى تطلب من الإبل دون حرج أو مانع فإذا تلبست بنجاسة وجب أن يتحرز الإنسان من تلك النجاسة وأن يزيلها. يخرج من أبدان الإبل، ما يأتى: 1- أبوالها. 2- أرواثها. 3- الدم السائل منها. أما أبوالها، فقد قال أبو حنيفة وأبو يوسف: أنها نجسة، وقال محمد: أنها طاهرة، حتى لو وقع فى الماء القليل لا يفسده ويتوضأ منه ما لم يغلب عليه (8) . ويقول الشافعية: كل مائع خرج من أحد السبيلين نجس سواء كان ذلك من حيوان مأكول اللحم أم لا (9) . ويرى المالكية: أن بول ما يباح أكله طاهر إذا لم يعتد التغذى بنجس، والإبل مباحة الأكل فبولها طاهر (10) . وعند الحنابلة: بول الإبل وما يؤكل لحمه طاهر إلا إذا كانت تأكل النجاسة فبولها نجس، فإن منعت من أكلها ثلاثة أيام لا تأكل فيها إلا طاهرا صار بولها طاهرا (11) . والزيدية: ترى أن بول ما يؤكل لحمه كالإبل طاهر لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا بأس ببول البقر والغنم والإبل) وبول الجلالة نجس (12) . و ابن حزم يقول: البول كله من كل حيوان، إنسان أو غير إنسان، مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، أو من طائر يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، فكل ذلك حرام أكله وشربه، إلا لضرورة تداو أو إكراه أو جوع أو عطش فقط، وفرض اجتنابه فى الطهارة والصلاة إلا مالا يمكن فهو معفو عنه (13) . والإمامية قالوا: أن بول الإبل طاهر (14) . والإباضية يرون: أن بول الإبل نجس إذ يقولون أن البول مطلقا من الإنسان والحيوان خبيث لأن النبى صلى الله عليه وسلم سماه خبيثا فكل بول خبيث (15) . روث الإبل: أما الأرواث فيقول الأحناف: إنها نجسة عند عامة العلماء وقال زفر: روث ما يؤكل لحمه طاهر (16) . ويقول الشافعية: إن كل ما خرج من السبيلين من حيوان مأكول فنجس كالبعر والروث (17) . ويرى المالكية: أن الروث الخارج من مباح الأكل كالإبل والبقر طاهر إذا لم يعتد التغذى بالنجاسة فإن اعتاد التغذى بها يقينا أو ظنا فروثه نجس (18) . ويرى الحنابلة أن روث الحيوان الذى يؤكل طاهر (19) . ويرى الزيدية أن زبل الإبل والحيوانات المأكولة طاهر، فإذا كانت جلالة كان زبلها نجسا قبل الاستحالة، فأما بعد الاستحالة التامة بتغير اللون والطعم والريح عما كانت عليه فإنه يحكم بطهارته (20) . ويرى ابن حزم الظاهرى: أنه نجس، وتجب إزالته عما يصيبه من جسم الإنسان وثيابه ومكانه وكل ما يخصه لأن الله تعالى أمر على لسان رسوله بإزالته (21) . وقال الإمامية: إن روث الإبل نجس لأن العذرات نجسة (22) . حكم الدم السائل من الإبل: اتفقت المذاهب على أن الدم الذى يسيل من الإبل بأن يفارق مكانه نجس كغيره من دماء الحيوانات الأخرى- انظر مصطلح (دم) - حكم الإبل الميتة: اتفق فقهاء المذاهب ما عدا الحنفية على أن ميتة الإبل التى تموت بغير تذكية نجسة بجميع أجزائها، أما الحنفية فيرون أن الأجزاء التى فيها دم سائل منها نجسة، لاحتباس الدم النجس فيها وهو الدم المسفوح، وأما الأجزاء التي ليس فيها دم، فإن كانت صلبة كالعظم والسن والخف والصوف والأنفحة الصلبة، فليست بنجسة بلا خلاف بين أصحاب أبى حنيفة، وأما الأنفحة المائعة واللبن فكذلك عند أبى حنيفة وعند الصاحبين نجس. سؤر الإبل وعرقها: السؤر هو ما بقى فى الإناء من الماء بعد الشرب منه، والعرق معروف. ويرى الحنفية أن سؤر الإبل طاهر كسؤر مأكول اللحم من الحيوانات الأخرى إلا الجلالة التى يظهر لها رائحة منتنة إذا قربت، فإن سؤرها مكروه وعرفها نجس، ويرى الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والإمامية أن سؤر الإبل وعرقها طاهران (23) . حكم الوضوء من أكل لحم الإبل: يرى الحنابلة وابن حزم من الظاهرية أن الوضوء ينتقض بأكل لحم الجزور، أى الإبل، فعلى من أكل منه أن يتوضأ. ويرى الأحناف والمالكية والزيدية والإمامية والشافعية فى المعول عليه عندهم أنه لا ينتقض الوضوء بأكله، غير أن الأحناف والشافعية نصوا على أنه يندب الوضوء من أكله مراعاة للمذاهب الأخرى (24) الصلاة بمعاطن الإبل: الأحناف: نهى النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فى معاطن الإبل بقوله: (صلوا فى مرابض الغنم ولا تصلوا فى معاطن الإبل) ، والنهى هنا للكراهة، ومعاطن الإبل مباركها (25) . والشافعية: قالوا تكره الصلاة فى عطن الإبل ولو طاهرا (26) . وقال المالكية: كرهت الصلاة بمعطن إبل وهو موضع بروكها عند الماء للشرب، وأما موضع مبيتها وقيلولتها فليس بمعطن، فلا تكره الصلاة فيه، وقيل: تكره، فالمعطن محل بروكها مطلقا، ولو أمن النجاسة أو فرش فرشا طاهرا ويعيد صلاته ندبا (27) . وقال الحنابلة: ولا تصح أيضا تعبدا صلاة فى أعطان الإبل، للحديث السابق، والأعطان ما تقيم فيها الإبل، وتأوى إليها طاهرة كانت أو نجسة فيها إبل حال الصلاة أولا، لعموم الخبر، وأما ما تبيت فيه الإبل فى مسيرها أو تناخ فيه لعلفها أو سقيها لا يمنع من الصلاة فيه لأنه ليس بعطن (28) . وقال ابن حزم الظاهرى: لا تحل الصلاة فى عطن إبل، وهو الموضع الذى تقف فيه الإبل عند ورودها الماء وتبرك، وفى المراح والمبيت، فإن كان لرأس واحد من الإبل، أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة، وإنما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا، فمن صلى فى عطن إبل بطلت صلاته عامدا كان أو جاهلا (29) وقال الإمامية: تكره الصلاة فى المعطن (بكسر الطاء) واحد المعاطن، وهى مبارك الإبل عند الماء للشرب (30) . أما الزيدية فلم نعثر على رأى صريح لهم فى هذا الصدد، لكنه ورد بشرح الأزهار حديث رسول الله الذى ينهى فيه عن الصلاة بمعاطن الإبل (31) . ولمعاطن الإبل أحكام تتعلق بمواضع اتخاذها ومقدارها انظر مصطلح (إحياء- موات) . زكاة الإبل: قال الأحناف: ليس فيما دون خمس من الإبل زكاة، وفى الخمس شاة وفى العشر شاتان، وفى خمسة عشر ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين بنت مخاض، وهى ما تم لها سنة ودخلت فى الثانية من الإبل، وفى ست وثلاثين بنت لبون، وهى التى تمت لها سنتان، ودخلت فى الثالثة، وفى ست وأربعين حقة وهى التى دخلت فى الرابعة، وفى إحدى وستين جذعة وهى التى دخلت فى الخامسة وهى أقصى سن لها مدخل فى الزكاة، والأصل فيه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه، فكتبه أبو بكر لأنس، وكان فيه: وفى أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم، فى كل خمس ذود (32) شاة فإذا كانت خمس وعشرين إلى خمساً وثلاثين ففيها بنت مخاض فإذا كانت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، فإذا كانت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقه، فإذا كانت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا كانت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا كانت إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين ففيها حقتان، ولا خلاف فى هذه الجملة. واختلف العلماء فى الزيادة على مائة وعشرين: فقال الأحناف: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين تستأنف الفريضة، ويدار الحساب على الخمسينيات فى النصاب، وعلى الحقاق فى الواجب، لكن بشرط عدد ما قبله من الواجبات والأوقاص (33) بقدر ما يدخل فيه وبيان ذلك إذا زادت الإبل على مائة وعشرين فلا شىء فى الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون حقتان وشاة، وفى العشر شاتان وحقتان، وفى خمسة عشر ثلاث شياه وحقتان، وفى عشرين أربع شياه وحقتان، وفى خمس وعشرين بنت مخاض وحقتان إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق فى كل خمسين حقة، ثم تستأنف الفريضة، فلا شىء فى الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون فيها شاة وثلاث حقاق، وفى العشر شاتان وثلاث حقاق، وفى خمس عشرة ثلاث شياه وثلاث حقاق، وفى عشرين أربع شياه وثلاث حقاق فإذا بلغت مائة وخمسا وسبعين ففيها بنت مخاض وثلاث حقاق، فإذا بلغت مائة وستة وثمانين ففيها بنت لبون وثلاث حقاق، إلى مائة وستة وتسعين ففيها أربع حقاق، إلى مائتين فإن شاء أدى منها أربع حقاق، من كل خمسين حقة، وإن شاء أدى خمس بنت لبون، من كل أربعين بنت لبون، ثم يستأنف الفريضة أبدا، فى كل خمسين كما استؤنفت من مائة وخمسين إلى مائتين، فيدخل فيها بنت مخاض وبنت لبون وحقة مع الشياه (34) واستدل الأحناف بحديث عمرو بن حزم، وفيه: فإذا زادت الإبل عن مائة وعشرين استؤنفت الفريضة، فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم، فى كل خمس ذود شاة، وروى هذا المذهب عن على وابن مسعود، وهذا باب لا يعرف بالاجتهاد، فيدل على سماعهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والشافعية كالأحناف إلى أن يصير عدد الإبل مائة وعشرين، فإذا زادت الإبل إلى مائة وإحدى وعشرين وجب ثلاث بنات لبون، ثم يستمر ذلك إلى مائة وثلاثين فيتغير الواجب فيها، وفى كل عشر بعدها ففى كل أربعين من الإبل بنت لبون، وفى كل خمسين حقة، ففى مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة، وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفى مائة وخمسين ثلاث حقاق (35) والمالكية قالوا: إذا زادت الإبل عن مائة وعشرين إلى مائة وتسعة وعشرين فلا شىء فى هذه الزيادة، ولكن يخير الساعى إن شاء أخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون إن وجد النوعان أو فقدا فإن وجد أحدهما تعين إخراج الزكاة منه، ثم فى عشر بعد المائة والثلاثين يتغير الواجب فيجب فى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة، ففى مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفى مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفى مائة وستين أربع بنات لبون. وهكذا (36) . الحنابلة قالوا: إذا زادت الإبل واحدة عن عشرين ومائة كان فيها ثلاث بنات لبون، وقالوا أنه بالواحدة حصلت الزيادة، ثم تستقر الفريضة ففى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة، ففى مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وهكذا، إلى مائتين فيخير؛ فله أن يخرج خمس حقاق أو خمس بنات لبون فهم كالشافعية (37) . أما الزيدية فقد أخذوا فى تفصيلات نصاب الإبل مأخذ الأحناف (38) . وجرى ابن حزم الظاهرى مجرى الحنابلة فى بيان نصاب الإبل (39) . وجعل الإمامية نصاب الإبل اثنى عشر نصابا، تبدأ من خمس من الإبل، وتجب فيها شاة، وينتهى الثانى عشر بأنه مائة وإحدى وعشرون من الإبل، وهم ينهجون منهج غيرهم من المذاهب إلا فى ثلاث مسائل: أ) النصاب الخامس عندهم خمس وعشرون من الإبل، ففيها خمس شياه، بينما هو فى بقية المذاهب مبدأ وجوب الزكاة من الإبل وعدم جواز الأغنام وفيه ابنة مخاض. ب) جعلوا وجوب ابنة المخاض فى الصدقة يبدأ عندما يتكامل على الإبل ستة وعشرين بينما هو عند سواهم خمسة وعشرين. ج) فى النصاب الأخير الثانى عشر وهو مائة وإحدى وعشرون، وفيها فى كل خمسين حقة، وفى كل أربعين بنت لبون بمعنى أنه يجوز أن يحسب أربعين أربعين وفى كل منها بنت لبون وخمسين خمسين وفى كل منها حقة ويتخير بينهما إلخ (40) . الإباضية: وأما نصاب الإبل عندهم فهو على إحدى عشرة درجة. الدرجة الأولى خمس من الإبل ثم زيادة خمس أربع مرات، ثم زيادة عشر مرتين، ثم زيادة خمس عشرة ثلاث مرات، ثم زيادة ثلاثين مرة واحدة. ويعد صغير الإبل وكبيرها ذكرها وأنثاها، والحجة على نصاب الإبل من السنة (ليس فيما دون خمس ذود) صدقة وأما الناقة فهى فرض الإبل إذا بلغت خمسا وعشرين لأنه روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كتب كتابا فى زكاة الإبل ولم نجده بتمامه إلا هنا فنذكره لذلك " بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التى فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التى أمره الله بها، فمن سألها على وجهها يعطاها، ومن سألها على غير وجهها لا يعطاها ألا فى الأربع والعشرين من الإبل فما دونها، فى كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين ففيها حقتان، فإذا زادت واحدة على المائة وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون، ثم بعد ذلك ففى كل أربعين بنت لبون، وفى كل خمسين حقة" (41) وقد أجاز الإباضية فيما إذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ابن لبون ذكرا إذا لم تكن بنت مخاض. أما نصاب زكاة الإبل فى حال الاشتراك بين اثنين فأكثر وهو المعبر عنه فى كتب الفقه (بالخلطة) فهو كغيره، من الشركة فى بقية الأنعام، اختلف فيه الفقهاء (انظر زكاة- زكاة الخلطة) . الزكاة فى السائمة والمعلوفة من الإبل: حكم الزكاة فى السائمة والمعلوفة من الإبل وما يتعلق بها من صفات وشروط فيما تجب فيه الزكاة وما يؤخذ (انظر مصطلح زكاة وسائمة) . أجزاء الإبل فى الهدى: للفقهاء فى هذا تفصيل "ينظر فيه مصطلح هدى". أجزاء الإبل فى الأضحية: " انظر أضحية ": تذكية الإبل: التذكية شرط لحل الأكل من الحيوان: وهى إما اضطرارية أو اختيارية (انظر مصطلح تذكية) . وتذكية الإبل عند الأحناف إما بالنحر وهو قطع العروق فى أسفل العنق عند الصدر وإما بالذبح بقطع العروق فى أعلا العنق تحت اللحيين والعروق هى: الحلقوم والمرىء والودجان (42) . ويكتفى بقطع ثلاث منها، وندب نحر الإبل لموافقة السنة ولاجتماع العروق فى المنحر، وكره ذبحها لمخالفته للسنة وإن كان ذلك لا يمنع الجواز والحل (43) . والشافعية قالوا: وما قدر على ذكاته أى ذبحه أو نحره من الحيوان المأكول فذكاته فى حلقه ولبته إجماعا والحلق أعلا العنق واللبة أسفله، ويسن نحر الإبل فى اللبة، والنحر: الطعن بما له حد فى المنحر وهو وهدة فى أعلا الصدر وأصل العنق، ولابد فى النحر من قطع كل الحلقوم والمرىء، ويجوز ذبح الإبل بلا كراهة، وما لم يقدر على ذكاته فذكاته عقره بجرح مزهق للروح فى أى موضع من بدنه (44) . وقال المالكية: الذكاة فى النحر طعن بلبة، وإن لم يقطع شيئا من الحلقوم والودجين، والذكاة الاضطرارية لا تحل الإبل ولا تجيز أكلها بل لا بد من ذبحها، إذ لا تحل الأنعام الشاردة ولا المشرفة على الهلاك فى حفرة ونحوها- وعجز عن إخراجه- فلا يأكل بالعقر أى بالطعن بحربة مثلا فى غير محل الذكاة، ولا بد من ذكاته بالذبح أو بالنحر إن كان مما ينحر وقال ابن حبيب: يؤكل الحيوان المتردى المعجوز عن ذكاته مطلقا بقرا أو غيره بالعقر صيانة للأموال ووجب نحر إبل ووجب ذبح غيره (45) . وعند الحنابلة: هى ذبح الحيوان المقدور عليه أو نحره المباح أكله الذى يعيش فى البر، ولابد لصحة الذكاة من قطع الحلقوم والمرىء- وهو تحت الحلقوم- ولا يشترط قطع الودجين- وهما عرقان محيطان بالحلقوم- والأولى قطعهما خروجا من الخلاف، وما عجز عن ذبحه كواقع فى بئر كأن ينفر بعير أو يتردى من علو فلا يقدر المذكى على ذبحه فذكاته بجرحه، فى أى محل كان، فى أى موضع أمكنه جرحه منه ويسن نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيطعنها بالحربة فى الوهدة التى بين أصل العنق والصدر (46) . وقال الإمامية: لا بد من قطع الأعضاء الأربعة المرىء والودجان والحلقوم، ويكفى فى النحر الطعن فى الثغرة ويشترط نحر الإبل وذبح ما عداها فلو ذبح المنحور لم يحل، وما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصى والمتردى فى بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يجرح إذا خشى تلفه (47) . وقال ابن حزم الظاهرى كل ما جاز نحره جاز ذبحه، وكل ما جاز ذبحه جاز نحره، الإبل والبقر وسائر ما يؤكل لحمه وما لا يتمكن من ذبحه فذكاته بإماتته حيث أمكن منه من خاصرة، أو عجز أو فخذ أو غير ذلك (48) . الإبل فى الدية: للإبل مباحث كثيرة متنوعة يشملها الحديث فى مصطلحى (دية- عاقلة) ، ولكنها فى نطاق علاقتها بالإبل تختص بمقدار الدية فيها وهذا ما نعرض له. والدية من الإبل عند الحنفية بالنسبة للذكر مائة ثم دية القتل الخطأ من الإبل أخماس بلا خلاف، عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وهذا قول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وقد رفعه إلى النبى عليه الصلاة والسلام. ودية شبه العمد أرباع عند الشيخين خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وهو مذهب عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، وعند محمد أثلاث ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل، وكلها خلفة وهو ما دخل فى السنة السادسة وهى الحوامل وهو مذهب سيدنا عمر وزيد بن ثابت رض الله عنهما، وعن سيدنا علىَّ رضى الله عنه أنه قال فى شبه العمد أثلاث: ثلاثة وثلاثون حقة وثلاثة وثلاثون جذعة وأربعة وثلاثون خلفة. دية الأنثى: ودية المرأة على النصف من دية الرجل. فإنه روى عن سيدنا عمر وسيدنا على وابن مسعود وزيد بن ثابت رضوان الله تعالى عليهم أنهم قالوا فى دية المرأة: أنها (49) على النصف من دية الرجل. ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد فيكون إجماعا. والشافعية قالوا: الدية الواجبة على ضربين: مغلظة ومخففه. فالمغلظة مائة من الإبل ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهى الحوامل، وتجب فى القتل العمد سواء وجب فيه قصاص وعفى على مال أو وجب فيه المال (50) ابتداء كقتل الوالد ولده. والمخففة مائة من الإبل وتجب أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وهى واجبة فى القتل الخطأ (51) . ودية المرأة على النصف من دية الرجل (52) . المالكية: والدية من الإبل فى القتل الخطأ مخمسة بنت مخاض وبنت لبون وابن لبون وحقة وجذعة، عشرون من كل نوع من هذه الأنواع الخمسة. وهى فى العمد مغلظة وتجب فى الحقة والجذعة وبنت اللبون وبنت المخاض من كل نوع من هذه الأنواع خمس وعشرون. وثلث الدية فيما لو قتل أحد الوالدين ولده فيجب ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وجملة ذلك مائة من الإبل (53) . وللأنثى نصف دية الذكر. الحنابلة: والدية من الإبل مائة وتجب أرباعا فى القتل عمدا أو شبه عمد خمس وعشرون من كل من بنات المخاض وبنات اللبون والحقة والجذعة، وقيل: هى ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة. وإن كان خطأ وجبت أخماسا ثمانون من الأربعة المذكورة أولا وعشرون بنو مخاض. ودية نفس المرأة على النصف من دية الرجال (54) (انظر مصطلح دية) . لقطة الإبل: الأحناف قالوا: ويجوز الالتقاط فى الشاة والبقر والبعير، وقال الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد إذا وجد البعير والبقر فى الصحراء فالترك أفضل، واستدلوا بأن الأصل فى أخذ مال الغير الحرمة والإباحة مخافة الضياع، وإذا كان معها ما تدفع عن نفسها به كالقرن مع البقر وكالرفس مع الكدم وزيادة القوة فى البعير يقل الضياع ولكن يتوهم فيقضى بكرامة أخذها ويندب إلى تركها. وقال الأحناف ردا على ذلك: إنها لقطة يتوهم ضياعها فيستحب أخذها وتعريفها صيانة لأمول الناس كما فى الشاة (55) . وقال الشافعية- أنه يجوز التقاط الحيوان فى المفازة والعمران للتملك والحفظ إلا الحيوان الممتنع من صغار السباع إما بفضل قوة كالإبل والخيل والبغال والحمير، وإما بشدة عدوه كالأرانب والظباء المملوكة، وإما بطيرانه كالحمام فإنه لا يجوز التقاطها للتملك متى كانت فى مفازة آمنة لأنه مصون بالامتناع عن أكثر السباع مستغن بالرعى إلى أن يجده صاحبه لطلبه له، ولأن طروق الناس فيها لا يعم، فمن أخذه للتملك ضمنه، ويبرأ من الضمان برده إلى القاضى لا برده إلى موضعه، هذا إذا أخذها للتملك، أما إذا أراد أخذها للحفظ فيجوز للحاكم ونوابه وللآحاد لئلا يضيع بأخذ خائن، ولو كانت المفازة والصحراء غير آمنة بأن كان زمن نهب فإنه يجوز التقاط الحيوان الممتنع للتملك، لأنه حينئذ يضيع بامتداد اليد الخائنة إليه (56) . وقال المالكية: اللقطة مال معصوم عرضة للضياع فلا تدخل الإبل فى هذا التعريف لأنها لا يخشى عليها الضياع فإنها تترك سواء وجدها فى الصحراء أو فى العمران ولو بمحل خوف إلا إذا خيف عليها من أخذ الخائن فإنها تؤخذ وتعرف وعدم التقاط الإبل قيل: إن ذلك فى جميع الزمان وهو ظاهر قول مالك وقيل: هو خاص بزمن العدل وصلاح الناس، وأما فى الزمن الذى فسد، فالحكم فيه أن تؤخذ وتعرف فإن لم تعرف بيعت ووقف ثمنها لربها فإذا آيس منه تصدق به كما فعل عثمان لما دخل الفساد على الناس فى زمنه، وقد روى ذلك عن مالك أيضا، ولا يراعى فيها خوف جوع أو عطش أو ضياع (57) . وقال الحنابلة: والقسم الثانى من أقسام اللقطة وهو الذى لا يجوز التقاطه ولا يملك بتعريفه وهى الضوال التى تمتنع من صغار السباع كالأسد الصغير والذئب وابن آوى وامتناعها إما لكبر حجمها كالإبل ونحوها فيحرم التقاطها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل: "مالك ولها، دعها فإن معها حذاءها (أى إخفافها) وسقاءها (أى فمها) ترد الماء، وتكل الشجر حتى يجدها ربها " وتضمن كالغصب ولو كان الملتقط لها الإمام أو نائبه إذا أخذها على سبيل الالتقاط لا على سبيل الحفظ. ولا يرون ضمان ما حرم التقاطه عن ملتقطها إلا بدفعها للإمام أو نائبه، لأن للإمام النظر فى ضوال الناس فيقوم مقام المالك، أو يرد اللقطة المذكورة إلى مكانها بإذن الإمام أو نائبه، ومن كتم شيئا مما لا يجوز التقاطه عن ربه ثم أقربه أو قامت به بينة فتلف لزمه قيمته مرتين، وإذا تبع شىء من الضوال المذكورة دوابه فطرده أو دخل شىء منها داره فأخرجه لم يضمنه فى الصورتين حيث لم يأخذه (58) . وقال الإمامية: والبعير الضال لا يؤخذ، ولو أخذ ضمنه الآخذ، ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد فى غير كلأ ولا ماء، ويملكه الآخذ (59) .   1) القاموس المحيط مادة (إبل) . 2) سورة الأنعام الآيات 142، 143، 144. 3) سورة المائدة الآية 103. 4) الكشاف ص277. 5) المرجع السابق. 6) ابن كثير ج2 ص107. 7) المرجع السابق. 8) البدائع ج1 ص61، 62. 9) البجرمى ج1 ص296. 10) الدسوقى ج1 ص51. 11) منتهى الإرادات ج1 ص89. كشف القناع ج1 ص139. 12) شرح الأزهار ج1 ص35. 13) المحلى ج1 ص168. 14) المختصر النافع ص255. 15) الوضع ص41. 16) البدائع ج1 ص62. 17) البجرمى ج1 ص296. 18) الدسوقى ج1 ص51. 19) منتهى الإرادات ج1 ص89. 20) شرح الأزهار ج1 ص35. 21) المحلى ج1 ص91، 94. 22) المختصر النافع ص255. 23) للأحناف البدائع ج1 ص64. وللشافعية البجرمى ج1 ص103. وللمالكية الدسوقى ج1 ص34، 35، 44، 50 وللحنابلة منتهى الإرادات ج1 ص90. كشاف القناع ج1 ص139. وللظاهرية المحلى ج1 ص129، 132. وللإمامية الروضة البهية ج1 ص18. 24) للأحناف مراقى القلاع ص50. وللشافعية البجرمى ج1 ص190. وللشافعية البجرمى ج1 ص190، 191. وللمالكية الدسوقى ج1 ص123، 124. وللحنابلة كشاف القناع ج1 ص96، 97. وللظاهرية المحلى ج1 ص241. وللإمامية الروضة البهيى ج1 ص22. وللزيدية البحر الزخار ج1 ص95، 96. 25) البدائع ج1 ص115. 26) البجرمى ج1 ص87. 27) الدسوقى ج1 ص189. 28) منتهى الإرادات ج1 ص146، 147. 29) المحلى ج4 ص24. 30) الروضة البهية ج1 ص65. 31) شرح الأزهار ج1 ص184. 32) الذود يقال للثلاثة من الإبل إلى العشرة، واستعملت هنا فى الواحد: فتح القدير ج1 ص494. 33) الأوقاص جمع وقص وهو ما بين الفريضتين نحو أن تبلغ الإبل خمسا ففيها شاة، ولا شىء فى الزيادة حتى تبلغ عشرا ففيها شاتان، المعجم الوسيط ج2 ص1062، مادة (وقص) . 34) البدائع ج2 ص26، 27. ومثله فى الدرر ج1 ص175، 176. والفتح ج1 ص194. والتنوير والدر وحاشية ابن عابدين ج2 ص18. 35) البجرمى ج2 ص296، 297. 36) الدسوقى ج1 ص422، 434. 37) كشاف القناع ج1 ص426، 437. ومنتهى الإرادات على هامش السابق ص462، 465. 38) شرح الأزهار ج1 ص481، 482. 39) المحلى ج6 ص17، 18. 40) مستمسك العروة الوثقى ج9 ص57، 64. 41) الوضع ص178، 181. 42) الحلقوم مجرى النفس والمرىء مجرى الطعام والشراب. والودجان عرقان حول الحلقوم والمرىء يجرى فيهما الدم. 43) الدرر ج1 ص276، 281. والبدائع ج5 ص40. 44) البجرمى ج4 ص264، 268. 45) الدسوقى ج2 ص99، 114. 46) نيل المآرب شرح دليل الطالب ج2 ص158. 160 ج1 ص113. 47) المختصر النافع ص250، 252. 48) المحلى ج7 ص438، 445، 446. 49) البدائع ج7 ص252، 254. 50) البجرمى ج4 ص122. 51) المرجع السابق ص123، 126. 52) المرجع السابق ص123، 126. 53) الدسوقى ج4 ص266 - 268. 54) المحرر ج2 ص144 -145. 55) فتح القدير ج4 ص428، 429 فى كتاب اللقطة والبدائع ج6 ص200. 56) البجرمى باب اللقطة. 57) الدسوقى ج4 ص117، 122. 58) نيل المآرب فى شرح دليل الطالب ج1 ص178، 179. 59) المختصر النافع ص263. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 ابن 1- التعريف به وهل يدخل ضمن الأقارب: فى اللغة: الابن: الولد الذكر، والابن من الأناسى يجمع على بنين جمع سلامة، وجمع القلة أبناء، وأما غير الأناسى مما لا يعقل مثل ابن مخاض وابن لبون، فيقال: فى الجمع بنات مخاض وبنات لبون، وفى لغة محكية عن الأخفش أنه يقال: بنات عرس وبنو عرس، وقد يضاف ابن إلى ما يخصصه لملابسة بينهما نحو ابن السبيل، أى مار الطريق (1) . وفى الشريعة: الابن بالنسبة للأم: كل ذكر ولدته أمه، سواء من نكاح أو من سِفاح. وأما بالنسبة للأب: فهو كل ذكر ولده على فراش صحيح، أو نتيجة لمخالطة بناء على عقد نكاح فاسد، أو بناء على شبهة معتبرة شرعا، أما ابن الرجل من الزنا فهو- وإن كان ابنه حقيقة- إلا أنه لا يعتبر ابنه شرعا. والابن لا يعد من أقارب أبيه، ولا من أقارب أمه، لأن القريب عرفا من يتقرب إليه غيره بواسطة الغير، والابن قريب بنفسه لا بغيره. عقيقة الابن وختانه: العقيقة هى: ما يذبح أو ما يعد من طعام بمناسبة ولادة الصغير، وقد اختلف الفقهاء فى حكمها (2) (انظر عقيقة) . والختان: قطع الجلدة التى فوق حشفة الذكر، وقد اختلف الفقهاء فى حكمه (3) (انظر ختان) . تعويد الابن على الصلاة: من حق الابن على أبيه أن يعوده على الصلاة طبقا لما أمر به الشارع، وقد بين فى أحكام الأب (4) (انظر مصطلح أب) . وهل يجوز دفع المصحف إليه قبل البلوغ؟ الابن قبل البلوغ يجوز دفع المصحف إليه، لأنه ليس أهلا للتكليف بالطهارة (5) (انظر مصحف) . إذا بلغ الابن أثناء السفر مع أبيه هل يقصر الصلاة أو يتمها؟ الابن قبل البلوغ إذا خرج مع أبيه فى سفر ثلاثة أيام فصاعدا، ثم بلغ الابن أثناء السفر، فإن كان وقت البلوغ لا يزال بينهما وبين مقصدهما مدة السفر- أى ثلاثة أيام فصاعدا- فإن الابن يقصر الصلاة، وإن كانت المدة الباقية أقل من مدة السفر، قال بعض الفقهاء: إن الصبى يتم الصلاة، لأنه لا يعتبر مسافرا إلا من وقت البلوغ، وقال بعضهم: يقصر الصلاة بناء على أن الابن تابع لأبيه المسافر (6) (انظر مصطلح سفر- قصر) . الابن والنفقة: قال فقهاء الحنفية: الابن إذا كان غنيا تكون نفقته فى ماله، سواء كان صغيرا أو كبيرا. وإن كان فقيرا فإن كان قادرا على الكسب فنفقته فى كسبه، لأنه حينئذ يكون مستغنيا بكسبه، وإن كان غير قادر على الكسب لعجزه حقيقة بأن كان صغيرا لم يبلغ حد الكسب أو مريضا مرضا مزمنا منعه عن الكسب كالجنون والعته والشلل ونحو ذلك، أو لعجزه عن الكسب حكما، بأن كان مشتغلا بطلب العلم، فإن نفقته تكون على أبيه إذا كان الأب موسرا أو قادرا على الكسب، ولا يشترط فى وجوب نفقة الابن على أبيه اتحاد الدين، لأنها وجبت بسبب الولادة والجزئية وإن كان الأب غير موجود أو كان فقيرا وعاجزا عن التكسب، وكانت الأم موسرة فنفقة الابن تجب على الأم إذا لم يكن معها جد صحيح للابن، فان كان معها جد صحيح فالنفقة عليها وعلى الجد أثلاثا- الثلث على الأم والثلثان على الجد. وكما تجب نفقة الابن على أحد أبويه على النحو الذى سبق بيانه، فإن نفقة الأبوين الفقيرين، تكون واجبة على الابن، إذا كان الابن موسرا، ولو كان صغيرا، وإن كان الابن فقيرا وعاجزا عن الكسب فلا نفقة لهما عليه، وإن كان قادرا على الكسب وفى كسبه فضل لا يتسع إلا لنفقة الفقير منهما أو لنفقتهما معا وكانا فقيرين فعليه النفقة، وإن كان فضل كسبه لا يتسع إلا لنفقة أحدهما وكلاهما فقير فهل يكلف بالإنفاق على أبيه أو على أمه؟ اختلف العلماء فى ذلك، ولا يشترط فى وجوب نفقة الأب الفقير على ابنه عجزه عن الكسب بل تجب له النفقة ولو كان قادرا على الكسب، ولا يكلف بالتكسب لما فى ذلك من الإيذاء المنهى عنه شرعا، لأن الإيذاء فى ذلك أكثر منه فى التأفيف المحرم بقوله تعالى: (ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ((7) . أما الأم الفقيرة فإنها بحكم أنوثتها تعتبر عاجزة عن التكسب ولا يشترط فى وجوب نفقة الأبوين على الابن اتحاد الدين لما سبق بيانه، وتسقط نفقة الابن بمضى المدة الطويلة حتى ولو كان مفروضة إلا إذا كانت مستدانة بإذن القاضى- أى أذن له القاضى بالإستدانة واستدانها- فعلا والمدة الطويلة هى الشهر فأكثر، وإنما سقطت نفقته بمضى المدة الطويلة، لأنها وجبت له على أبيه باعتبار حاجته إليها، ومحافظة على نفسه من الهلاك، فإذا مضت المدة ولم يطالب بها فقد تبين بذلك أن حاجته إلى النفقة قد اندفعت واستثنى بعض الفقهاء نفقة الصغير المفروضة وألحقها بنفقة الزوجة فى أنها تصير دينا بالقضاء ولا تسقط بمضى المدة الطويلة فى هذه الحالة (8) . وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة: الابن الغنى نفقته فى ماله، والفقير العاجز عن الكسب نفقته على أبيه الموسر، والفقير القادر على الكسب نفقته فى كسبه، ويرى بعض الشافعية أن الابن الفقير القادر على الكسب نفقته على أبيه الموسر. وقال فقهاء الزيدية: نفقة الابن الصغير أو المجنون سواء كان موسرا أو معسرا على أبيه إن كان موسرا أو فقيرا كسوبا، فإن كان الأب لا كسب له فنفقة الابن فى ماله إن كان غنيا، وإن كان فقيرا فنفقته على أمه الموسرة لترجع بها على الأب على تفصيل على أبويه على حسب الإرث على الأم الثلث على أبويه على حسب الإرث على الأم الثلث وعلى الأب الثلثان (9) . (انظر مصطلح نفقة) أحكام الابن بالنسبة للحضانة: قال فقهاء الحنفية: الابن فى حال صغره يحتاج إلى رعاية خاصة من ناحية إرضاعه وأكله وشربه ونظافته وملبسه، والنساء على ذلك أقدر، ولذلك كانت حضانته من وقت ولادته إلى أن يستغنى عن خدمة الغير من حق النساء، فتكون للأم أولا ما لم يقم بها مانع (10) وهذا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية (11) . (انظر مصطلح حضانة) دفع الزكاة واللقطة إلى الابن إذا لم يتبين صاحبها: قال فقهاء الحنفية: لا يجوز للإنسان أن يدفع إلى ابنه زكاة ماله أو صدقة الفطر أو العشر أول الكفارات، وهذا الحكم عام بالنسبة لكل ابن، سواء أكان الابن ثبت نسبه شرعا أم كان من زنا، وكذلك لا يدفع الإنسان شيئا مما ذكر إلى الولد الذى نفى نسبه منه (12) ، وعدم جواز دفع الزكاة إلى الابن هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية (13) . (انظر زكاة) أما خمس الركاز، فيجوز دفعه للابن الفقير عند الحنفية. وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة مصرفه مصرف الزكاة (انظر ركاز) . وإذا وجد أحد الأبوين لقطة وعرف عليها إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها كان له أن يدفعها إلى ابنه الفقير، لينتفع بها، كما أن الابن إذا وجد لقطة وعرف عليها إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها كان له أن يدفعها إلى أبويه الفقيرين (14) . فإن جاء صاحبها ووجدها قائمة فله أخذها، وإن كانت هالكة فله قيمتها. وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة: إن اللقطة إذا دخلت فى ملك الملتقط بعد تعريفها شرعا كان ضامنا لها فإن جاء صاحبها ووجدها قائمة عند الملتقط فله أخذها وإن كانت هالكة فله قيمتها (15) . (انظر لقطة) حكم صدقة الفطر بالنسبة للابن: قال فقهاء الحنفية: إذا كان الابن بالغا عاقلا فلا تجب صدقة الفطر بالنسبة له على أبيه، سواء أكان غنيا أم فقيرا، لأنه إن كان غنيا وجب عليه أداؤها من ماله، وإن كان فقيرا فلا تجب صدقة الفطر بالنسبة له، وإذا كان الابن صغيرا فقيرا وجبت صدقة الفطر بالنسبة له على أبيه الموسر، وكذلك الحكم بالنسبة للابن الكبير الفقير إذا كان مجنونا أو معتوها وإذا كان الابن صغيرا غنيا فلا تجب صدقة الفطر بالنسبة له على أبيه، وكذلك الحكم بالنسبة للابن الكبير المجنون أو المعتوه إذا كان غنيا، ولكن هل تجب صدقة الفطر فى مالهما فيخرجها الولى من مالهما؟ اختلف فقهاء الحنفية فى ذلك بناء على اختلافهم فى أن كلا من العقل والبلوغ شرط فى وجوب صدقة الفطر أم لا (16) . وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة الابن الموسر تجب صدقة الفطر فى ماله، والابن الفقير إذا كانت نفقته واجبة على أبيه فصدقة الفطر على أبيه، وقال فقهاء الزيدية: تجب صدقة الفطر فى مال الابن إن كانت نفقته فى ماله وإن كانت نفقته على أبيه فصدقة فطره على أبيه إن كان الأب موسرا، وإن كان معسرا وله كسب والابن موسر فهل تجب صدقة الفطر بالنسبة للابن فى ماله؟ قولان، والأظهر أنها تجب فى ماله لأنه موسر (17) (انظر صدقة الفطر) . حكم الزكاة بالنسبة لمال الابن: قال فقهاء الحنفية: الابن الغنى إذا كان بالغا عاقلا وجبت عليه زكاة ماله أما إذا كان صغيرا أو مجنونا فقد اختلف فقهاء الحنفية فى وجوب الزكاة فى ماله، فقال محمد: إن البلوغ والعقل شرطان فى وجوب الزكاة، فلا تجب الزكاة فى مال الابن الصغير أو المجنون، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن العقل والبلوغ ليسا بشرط لوجوب الزكاة، لأنها حق مالى فتجب الزكاة فى مالهما كما تجب نفقة الزوجات والأقارب فى مالهما (18) . وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية: تجب الزكاة فى مال الابن ولو كان صغيرا أو مجنونا (19) (انظر زكاة) . الأضحية عن الابن: الراجح عند فقهاء الحنفية أن الابن الصغير الفقير لا تجب على أبيه الأضحية بالنسبة له، لأنها عبادة، والأصل فى العبادات أنها لا تجب على أحد بسبب غيره، وقيل: تجب على الأب الأضحية بالنسبة له لأنه فى معنى نفسه، والابن الصغير والمجنون الموسران، اختلف فقهاء الحنفية فى وجوب الأضحية بالنسبة لهما، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن البلوغ والعقل ليسا من شرائط وجوب الأضحية، فتجب الأضحية فى مال الصبى والمجنون الموسران، وقال محمد: إن العقل والبلوغ من شرائط الوجوب فلا تجب الأضحية فى مال الصبى والمجنون الموسرين، حتى لو ضحى الأب من مالهما يضمن (20) . وقال فقهاء المالكية: الابن عديم الأهلية إن كان موسرا، فالأضحية سنة فى ماله، وإن كان فقيرا فيسن لأبيه أن يضحى عنه إن كان الأب ملزما بنفقته. وقال فقهاء الشافعية: الابن الصغير أو المجنون الموسران لا يضحى عنهما أبوهما، من مالهما ويسن أن يضحى عنهما من ماله. وقال فقهاء الحنابلة: الابن عديم الأهلية إن كان موسرا فالأضحية تكون من ماله صغيرا كان أو كبيرا وإن كان فقيرا فلا أضحية بالنسبة له. وقال فقهاء الزيدية: الأضحية سنة بالنسبة للمكلف فلا تصح من الصغير، إذا فالابن عديم الأهلية لا أضحية بالنسبة له موسرا كان أم فقيرا (21) . (انظر أضحية) الولاية على الابن فى النكاح والمال والنفس: تثبت الولاية على الابن الصغير أو المجنون أو المعتوه فى نفسه وفى ماله وفى تزويجه على تفصيل فى المذاهب (انظر مصطلح ولاية) . تصرف الابن الصغير فى ماله: الابن الصغير إذا كان غير مميز كانت تصرفاته القولية كلها باطلة، سواء أكان التصرف يعتبر نفعا محضا كقبول الهبة بغير عوض أو يعتبر ضررا محضا كالهبة والوصية والوقف والطلاق، أو كان دائرا بين النفع والضرر كالبيع والشراء، وغير المميز هو الذى لا يميز بين الضار والنافع، ولا يعقل أن البيع سالب للملك عن البائع وأن الشراء جالب للملك إلى المشترى، وهو الذى لم يبلغ السابعة من عمره، ومثله الابن المجنون والابن المميز- أى الذى يميز بين الضار والنافع وهو الذى بلغ السابعة من عمره- تصرفاته أقسام ثلاثة: أولا: تصرف فيه نفع محض وهو التصرف الذى يترتب عليه أخذ شىء بغير مقابل كقبول الهبة بغير عوض، وهذا التصرف يصح منه ولا يتوقف على إجازة الولى ومن هذا القسم شهر إسلامه. ثانيا: وتصرف فيه ضرر محض: وهو التصرف الذى يترتب عليه خروج شىء من ملكه بغير مقابل كالهبة والوصية والوقف والطلاق، وهذا التصرف غير صحيح وإن أجازه الولى إلا أنه أجيز للصبى المميز الوصية بتجهيز نفسه ودفنه. ثالثا: وتصرف دائر بين النفع والضرر: أى يحتمل الربح والخسارة كالبيع والشراء والإجارة والشركة، وهذا التصرف إن صدر منه بعد إذن الولى له بمباشرة هذه التصرفات يكون صحيحا ونافذا وإن صدر منه قبل إذن الولى له بذلك يكون موقوفا على إجازة الولى، والابن المعتوه مثل الابن المميز فى تصرفاته (22) (انظر صغير) . شفعة الأب فيما يشتريه لابنه: الابن الصغير إذا اشترى له أبوه دارا وكان الأب يستحقها بالشفعة فللأب أخذها بالشفعة بأن يقول: اشتريت وأخذت بالشفعة، فتصير الدار له ولا يحتاج إلى القضاء، وقيد بعض الفقهاء ذلك بما إذا لم يكن فيه للابن ضرر ظاهر قياسا على شرائه مال ابنه لنفسه (23) (انظر شفعة) . ثبوت نسب الابن وهل يصح الصلح عن نسب الابن: نسب الولد لأمه شرعا، سببه ولادتها له بغض النظر عن سبب حملها به، فمتى جاءت المرأة بولد ثبت نسبه منها، سواء جاءت به بناء على عقد زواج صحيح أو فاسد، أو نتيجة لمخالطة بشبهة أو جاءت به من زنا، أما ثبوت نسب الابن من أبيه فسببه: (أولا) الفراش الصحيح بأن تكون أم الابن حلالا للرجل بناء على عقد زواج صحيح. (ثانيا) الدخول بناء على عقد نكاح فاسد كالعقد بغير شهود (ثالثا) الوطء بشبهة معتبرة شرعا، وإذا أقر الرجل ببنوة ابن مجهول النسب إقرارا مستوفيا شرائطه الشرعية ثبت نسبه منه على أساس افتراض أنه رزق به نتيجة لإحدى الحالات السابقة، ونسب الابن متى ثبت لا ينتفى بالنفى، كما أن الصلح عن دعوى نسب الابن لا يصح، لأن الصلح إما إسقاط أو معارضة والنسب لا يحتملهما (24) . (انظر نسب) حفظ الوديعة عند الابن: للأب أن يحفظ الوديعة بواسطة ابنه الذى يسكن معه بشرط أن يكون أمينا وإن كان صغيرا متى كان مميزا وقادرا على الحفظ فإذا هلكت الوديعة عند ذلك فإن الأب لا يضمن. فإن كان الابن غير أمين ويعلم الأب خيانته فليس له حفظ الوديعة عنده (25) (انظر وديعة) . الجزية على الابن الصغير: إذا فرضت الجزية على الأب فلا تفرض على ابنه الصغير لأن الجزية لا تفرض على صبى (26) (انظر جزية) . ولاية القود على الابن: إذا قطع أجنبى يد الابن عديم الأهلية بأن كان صغيرا أو مجنونا أو معتوها كان لأبيه ولاية المطالبة بالقود وكذلك إذا قتل أجنبى ابن الابن وكان الابن عديم الأهلية تثبت للأب ولاية المطالبة بالقود باعتباره وليا على نفسه وله أن يصالح عن القود بشرط أن يكون الصلح على قدر الدية أو على أكثر منه وليس له حق العفو (27) (انظر مصطلح قود) . شهادة الابن وقضاؤه: قال فقهاء الحنفية: الابن لا تقبل شهادته لأحد أبويه لأنه متهم فى شهادته والأصل فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته ولا العبد لسيده ولا المولى لعبده ولا الأجير لمن استأجره) . أما شهادة الابن على أحد أبويه فإنها جائزة لانتفاء التهمة فى هذه الحالة، ويصح أن يكون الابن شاهدا فى عقد نكاح أحد أبويه لأنه أهل للولاية فيكون أهلا للشهادة أى لتحمل الشهادة، ولكن لا تقبل شهادته فى إثبات هذا العقد إذا كان المشهود له هو أحد أبويه وعدم صحة كونه شاهدا لأحد أبويه لا يمنع من صحة العقد بشهادته، لأنه لا يلزم من كونه غير أهل لأداء الشهادة أن يكون غير أهل لتحمل الشهادة، أما إذا كان الابن شاهدا على أحد أبويه فى إثبات العقد فإن شهادته تقبل لكن تجوز شهادته عليه ويجوز أن يكون الابن شاهدا على شهادة أبيه بأن يقول الأب لابنه: اشهد على شهادتى بأنى أشهد بكذا، ولا تقبل شهادة الابنين أن أباهما أقام فلانا وصيا على التركة لأنهما متهمان فى هذه الشهادة لأنها تجر لأنفسهما نفعا بنصب حافظ للتركة ولا يجوز أن يكون الابن قاضيا لأحد أبويه، لأنه إذا كانت لا تقبل شهادته لهما فأولى ألا يصح قضاؤه لهما، ويجوز قضاؤه عليه على تفصيل فى كل ذلك (28) . وعدم جواز شهادة الابن وقضائه لأحد أبويه هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة غير أن بعض الشافعية يرى جواز قضائه بناء على البينة. أما شهادة أحدهما على الآخر فهى جائزة عند الشافعية والحنابلة وفيها تفصيل فى مذهب المالكية. وقال فقهاء الزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية تجوز شهادة الابن لأحد أبويه. وقال فقهاء الإباضية: لا تجوز شهادة الابن لأحد أبويه، أما قضاؤه لأحدهما فإن كانت الخصومة بين أحد الأبوين وأجنبى فالأولى أن يدفعها الابن إلى غيره وإن حكم بينهما بالحق فحسن وإن كانت الخصومة بين أحد الأبوين وقريبه جاز الحكم بينهما (29) . (انظر شهادة وقضاء) إقرار الابن: الأب إذا توفى عن ابنين فأقر أحدهما بأن أباه قبض كل دينه أو نصفه وكذبه الابن الآخر فلا شىء للمقر من هذا الدين ويكون لغير المقر نصف الدين فى الحالين بعد أدائه اليمين، واليمين هنا تكون على نفى العلم فيحلف غير المقر بالله ما يعلم أن والده قبض كل الدين أو ما يعلم أن والده قبض نصف الدين، ولا يرجع الابن المقر على أخيه بنصف ما قبضه حتى ولو تصادقا على أن يكون المقبوض شركة بينهما، ولو أقر الابن بعد قسمة تركة والده بدين على أبيه تعلق حق الدائن بما أخذه الابن المقر من التركة، وبذلك يجب على الابن أن يدفع كل ما فى يده من التركة إذا كان الدين مستغرقا لما فى يده منها، لأن الدين مقدم على الميراث فيكون مقرا بتقدم دين المقر له على إرثه فيقدم حق المقر له على حق الابن فى الإرث (30) على تفصيل فى مصطلح (إقرار) . الابن والوصية: قال فقهاء الحنفية: أنه لا تجوز الوصية للابن باعتباره وارثا إلا إذا أجازها الورثة (31) ، وإذا اقر أحد الابنين بعد قسمة التركة بينهما بوصية صادرة من أبيه بثلث ماله لفلان قال بعض الفقهاء يجب على المقر أن يدفع للموصى له نصف ما فى يده وهذا هو القياس، لأن إقراره يتضمن أن الموصى له يستحق مثله فى التركة أى لكل منهما الثلث فعليه أن يعطيه نصف ما فى يده ليكون مساويا له وقال بعض الفقهاء: عليه أن يدفع ثلث نصيبه فقط وهذا استحسان، لأنه اقر له بثلث شائع فى التركة وهو فى أيديهما فيكون مقرا بثلث ما فى يده فقط، لأن الموصى له يستحق ثلث التركة فيكون لكل وارث مثلاه (32) والابن لا يدخل فى الوصية الصادرة من أحد أبويه ولا فى الوقف إذا أوصى أحدهما لأقاربه أو أقربائه بثلث ماله أو وقف عليه لأن القريب عرفا من يتقرب بواسطة الغير والابن قريب بنفسه لا بغيره وقد سبقت الإشارة إلى ذلك فى تعريف الابن (33) أما إذا أوصت الأهل لأهل بيتها وجنسها، فإن كان الابن من قوم أبيها- بأن كانت تزوجت ابن عمها مثلا- فإن الابن يدخل فى هذه الوصية، أما إذا لم يكن ابنها من قوم أبيها أى أنها تزوجت أجنبيا عنها، فإن الابن لا يدخل فى الوصية (34) . وعدم جواز صحة الوصية للابن باعتباره وارثا (35) هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم من فقهاء الظاهرية وإن اختلف هؤلاء فى جوازها إن أجازها باقى الورثة فقال بعضهم: تجوز، وقال بعضهم لا تجوز. وأجاز فقهاء الزيدية الوصية للوارث، وقالوا: إنها مندوبة لقوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف ((36) . (انظر وصية) أحكام الابن فى الميراث: قال فقهاء الحنفية: الابن من العصبات النسبية وهو عصبة بنفسه لأن العصبة بالنفس كل ذكر لا تدخل فى نسبته إلى الميت أنثى، والعاصب بنفسه إذا انفرد أخذ جميع التركة بطريق التعصيب، وإن اجتمع معه أصحاب فروض أخذ الباقى بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم وإن تعدد الأبناء يكون المال بينهم بالسوية، والابن يعصب البنت إن وجدت معه فإذا مات الميت عن ابن وبنت كان المال لهما بطريق التعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حد الأنثيين ((37) والابن لا يحجبه غيره من الميراث أصلا لا حجب حرمان ولا حجب نقصان والابن إذا تحققت فيه شروط الإرث قد يحجب غيره حجب حرمان أو حجب نقصان فيحجب غيره من العصبات حجب حرمان فلا يرث أحد منهم معه إلا الأب والجد فيرثان معه، ولكن بطريق الفرض لا بطريق التعصيب وهو أيضا يحجب جميع الحواشى وذوى الأرحام حجب حرمان، ويحجب الزوج والزوجة والأهم حجب نقصان، فيحجب الزوج من النصف إلى الربع والزوجة من الربع إلى الثمن والأم من الثلث إلى السدس، وأحكام الابن فى الميراث السابق بيانها هو محل إجماع المذاهب الإسلامية (38) . عتق الابن أو الأب بملك أحدهما للآخر: قال فقهاء الحنفية: إذا ملك الابن أحد أبويه بأى سبب من الأسباب عتق عليه، وكذلك إذا ملك أحدهما ابنه عتق عليه، بشرط أن تكون الأبوة أو البنوة من جهة النسب، والأصل فيه أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر" وملك الابن أحد أبويه يكون سببا للعتق ولو كان الابن صبيا أو مجنونا أو مسلما أو كافرا إذا كان فى دار الإسلام، أما فى دار الحرب فلا يكون الملك سببا فى العتق عند أبى حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: أنه يكون سببا للعتق، وملك الابن أباه أو ملك الأب ابنه هو سبب للعتق فى باقى المذاهب، وقد استند الشافعية فى ذلك إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " لن يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" كما أن المالكية يرون أنه إنما يعتق الأب بدخوله فى ملك ابنه نسبا إذا كانا مسلمين أو أحدهما مسلما (39) . (انظر عتق) صلاة الجنازة على الابن القاتل والمسبى: قال فقهاء الحنفية: إذا قتل الابن أحد أبويه عمدا ثم قتل قصاصا، فإنه لا يصلى عليه إهانة له وزجرا لغيره وإذا سبى الابن الصغير أو البالغ المجنون مع أحد أبويه، ثم مات قبل إسلامه أو إسلام أحد أبويه فإنه لا يصلى عليه لتبعيته لأحد أبويه، وإذا مات بعد إسلام أحد أبويه اعتبر مسلما حكما فيصلى عليه، وكذلك يصلى عليه إذا كان مميزا وأسلم، لأنه يعتبر مسلما ضيقة، أما إذا سبى الابن وحده فإنه يصلى عليه إذا مات لأن تبعية الأبوين تنقطع باختلاف الدار فيحكم بإسلامه تبعا للسابى أو الدار (40) وفقهاء المالكية لم يمنعوا الصلاة على الابن إذا قتل أحد أبويه عمدا ثم قتل قصاصا، لكن يكره عندهم للإمام وأهل الفضل الصلاة عليه، باعتباره قد قتل قصاصا، لأنهم نصوا على كراهية صلاة الإمام وأهل الفضل على من حده القتل، ومذهب المالكية كمذهب الحنفية فيما إذا سبى الابن الصغير مع أبيه أو سبى وحده وكان مجوسيا، أما إذا سبى وحده وكان كتابيا، فالراجح عندهم أنه لا يعتبر مسلما تبعا لإسلام سابيه، وإذا فلا يصلى عليه إذا مات، فقد جاء فى الشرح الكبير فى باب الردة وأحكامها: وحكم بإسلام مجوسى صغير لإسلام سابيه، وجاء فى حاشية الدسوقى: المجوسى يحكم بإسلامه تبعا لإسلام سابيه، ثم قال: الكتابى لا يحكم بإسلامه تبعا لإسلام مالكه مطلقا، وإذا أسلم الابن الصغير الذى سبى وكان مميزا ثم مات فإنه يصلى عليه لأن إسلام المميز معتبر (41) ، ومذهب الشافعية لا نص فيه على منع الصلاة على الابن إذا قتل أحد أبويه عمدا ثم قتل قصاصا، والشافعية كالحنفية فيما إذا سبى الابن الصغير أو البالغ المجنون مع أحد أبويه، وكذلك يعتبر الابن الصغير أو المجنون البالغ مسلما إذا سبى وحده وكان السابى له مسلما سواء كان السابى عاقلا أو مجنونا بالغا أو صغيرا، أى فيصلى عليه إذا مات، أما إذا كان السابى ذميا فلا يحكم بإسلامه بل يكون على دين سابيه، فإذا مات لا يصلى عليه (42) . ومذهب الحنابلة: لا نص فيه على منع الصلاة على الابن إذا قتل أحد أبويه عمدا ثم قتل قصاصا وإذا سبى الابن غير البالغ سواء كان مميزا أو غير مميز مع أبويه ثم مات قبل أبويه وقبل إسلام أحدهما فإنه لا يصلى عليه لأنه لا يعتبر مسلما لتبعيته لأبويه فى الدين، وملك السابى له لا يمنع تبعيته لأبويه، واستندوا فى ذلك إلى حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) وإذا أسلم الأبوان أو أحدهما اعتبر الابن مسلما تبعا لإسلامهما أو إسلام أحدهما، فإذا مات صلى عليه، وكذلك يعتبر هذا الابن مسلما إذا مات أحد أبويه بدار الإسلام، لأن الحديث المشار إليه قد جعل تبعية الولد لأبويه معا فإذا لم يكن أبواه معه انقطعت التبعية ووجب بقاؤه على حكم الفطرة، ويترتب على هذا أنه إذا سبى الابن غير البالغ وحده أو مع أحد أبويه فقط وكان السابى مسلما، فإنه يعتبر مسلما، لانقطاع تبعيته لأبويه فى الحالين بانقطاعه عنهما أو عن أحدهما، فإذا مات يصلى عليه، وإذا كان السابى له ذميا فإنه يعتبر ذميا تبعا لسابيه فى كل حال يكون فيها مسلما تبعا لسابيه المسلم، والابن الذى بلغ مجنونا إذا سبى يعتبر كالابن غير البالغ فى جميع ما تقدم. أما الابن الذى بلغ عاقلا ثم جنَّ فإنه لا يتبع أحد أبويه فى الدين لزوال حكم التبعية ببلوغه عاقلا فلا يعود حكم التبعية بزوال العقل (43) . وقال فقهاء الزيدية: الابن إذا قتل أحد أبويه ثم قتل قصاصا، فإن كان قتله قصاصا بعد التوبة، فإنه يغسل ويصلى عليه، وإن كان قبل التوبة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، وليس هذا خاصا بمن قتل قصاصا لقتله أحد أبويه بل هو عام فى كل من قتل قصاصا (44) ، وإذا سبى الابن الصغير أو المجنون مع أبويه غير المسلمين فإنه يعتبر غير مسلم تبعا لأبويه، فإذا مات قبل موتهما وقبل إسلامهما أو إسلام أحدهما فإنه لا يصلى عليه، وإذا مات بعد إسلام أحدهما فإنه يصلى عليه لأنه يعتبر مسلما بإسلام أحد أبويه، ولو كان الآخر كافرا، وكذلك إذا مات أبواه قبله حكم بإسلامه لأنه إذا مات الأبوان ولو كانا ذميين ولهما ابن صغير فى دار الإسلام حكم بإسلامه بعد موت أبويه، لأن كل مولود يولد على فطرة الإسلام فإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه، فإذا ماتا انقطعت تبعية الابن لهما، وحكم بإسلامه تبعا لدار الإسلام، وإذا سبى الابن الصغير أو المجنون وحده فإنه يعتبر مسلما بكونه فى دار الإسلام تبعا للدار فإذا مات صلى عليه (45) ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية: إنه يصلى على الابن إذا قتل قصاصا لقتله أحد أبويه، لأنه نص على أنه يصلى على كل مسلم بر أو فاجر مقتول فى حد أو فى حرابة أو فى بغى، ويصلى عليهم الإمام وغيره (46) . ويرى ابن حزم أن الابن الصغير إذا سبى ثم مات فإنه يصلى عليه سواء سبى وحده أو مع أبويه أو مع أحدهما، ولذلك يقول: ومن سبى من صغار أهل الحرب فسواء سبى مع أبويه أو مع أحدهما أو دونهما هو مسلم، لأن حكم أبويه قد زال عن النظر له، وصار سيده أملك به، فبطل إخراجهما له عن الإسلام الذى ولد عليه ويقول فى موضع آخر: والصغير يسبى مع أبويه أو أحدهما أو دونهما، فيموت، فإنما يدفن مع المسلمين فيصلى عليه، قال تعالى: (فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم (47) ، فصح أن كل مولود فهو مسلم إلا من أقره الله تعالى على الكفر، وليس إلا من ولد بين ذميين كافرين، أو حربيين كافرين، ولم يسب حتى بلغ. ومن عدا هذين فمسلم (48) . وفى مذهب الإمامية يصلى على الابن إذا قتل قصاصا لقتله أحد أبويه لأن الصلاة تجب عندهم على كل ميت مسلم حقيقة، كالبالغ العاقل الذى نطق بالشهادتين، أو حكما كالطفل والمجنون المتولدين من مسلم، والذى لا يصلى عليه عندهم هو من حكم بكفره فقط. والمختار عند فقهاء الإمامية أن الابن إذا سبى بيد مسلم اعتبر مسلما وعلى ذلك إذا مات يصلى عليه (50) . قتل الابن أباه الحربى أو الباغى: قال فقهاء الحنفية: لا يجوز للابن أن يقتل أباه الحربى ابتداء، لقوله تعالى: (وصاحبهما فى الدنيا معروفا ((51) وليس من المعروف البداءة بالقتل، ولأنه تسبب فى حياته فلا يكون هو سببا لإفنائه ولكن يمنعه من الرجوع إلى صفوف الحربيين حتى لا يكون حربا على المسلمين. وإن قتل الابن أباه فى هذه الحالة لا يجب عليه شىء، لأن دم الأب غير معصوم، وإن أراد غير الابن قتله ليس للابن أن يمنعه من قتله: وإذا قصد الأب قتل ابنه ولم يمكنه دفعه إلا بقتله جاز قتله، لأن هذا يعتبر دفاعا عن النفس، والدفاع عن النفس واجب فان الأب المسلم إذا قصد قتل ابنه جاز للابن قتله فالكافر أولى (52) ، ولا يجوز للابن أن يقتل أباه إذا كان من أهل البغى (53) . وهم الخارجون على الإمام. وقال فقهاء الشافعية: يكره للابن أن يقتل أباه الحربى وليس هذا الحكم عندهم خاصا بقتل الابن أباه، بل يكره لكل غاز قتل قريب له من الكفار فإذا كان القريب محرما كانت الكراهية أشد، إلا أن يسمعه يسب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يكره قتله (54) . وقال فقهاء الحنابلة (55) : للابن أن يقتل أباه الحربى، لأن أبا عبيدة قتل أباه فى الجهاد فأنزل الله تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ((56) . وقال فقهاء المالكية يكره للابن قتل أبيه الباغى سواء كان الأب مسلما أو غير مسلم بارز ولده بالقتال أم لا، وكذلك يكره للابن قتل أمه، بل هى أولى لما جبلت عليه من الحنان والشفقة ولضعف مقاتلتها عن مقاتلة الرجال وإذا قتل الابن أباه ورثه إن كان مسلما لأن القتل وإن كان عمدا لكنه غير عدوان، ولا يكره قتل الابن أو الجد أو الأخ (57) . وقال فقهاء المالكية أيضا يجوز للابن قتل الأب الحربى لأن بر الوالدين وإن كان واجبا حتى ولو كانا مشركين لقوله تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا ((58) ، إلا أن هذا فى غير الحربيين، أما الأبوان الحربيان فيجب اجتنابهما وللابن قتلهما (59) . وقال فقهاء الزيدية لا يجوز للابن أن يقتل أباه إذا كان حربيا أو من أهل البغى، وليس هذا الحكم عندهم خاصا بوصف الأبوة والبنوة، بل عام يشمل الرحم مطلقا، سواء كان محرما أو غير محرم، فيشمل الأب وإن علا والابن وإن سفل، والأخوة والأعمام وبنيهم ونحو ذلك، لأن فى ذلك قطيعة الرحم، واستثنوا من ذلك ما يأتى: أولا: إذا قتله دفاعا عن نفسه أو عن غيره أو دفاعا عن ماله أو مال غيره إذا كان لم يندفع إلا بالقتل. ثانيا: للابن أن يقتل أباه الحربى أو الباغى بنفسه إذا خاف أن يقتله غيره من المسلمين لئلا يحقد على من قتله فيؤدى إلى التباغض والشحناء بينه وبين غيره من سائر المسلمين (60) . ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية أنه لا حرج على الابن فى قصده قتل أبيه الحربى أو الباغى وإن كان الأولى ألا يعمد إلى أبيه أو جده ما دام يجد غيرهما، وسنده فى ذلك أن بر الوالدين وصلة الرحم إنما أمر الله تعالى بهما، ما لم يكن فى ذلك معصية لله تعالى، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا طاعة لأحد فى معصية الله تعالى) ، وقد أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية ولم يخص بذلك ابنا من أجنبى قال الله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ((61) ، وقال تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون (. وقتال أهل البغى قتال فى الدين، وإذا رأى الابن أباه أو جده يقصد إلى مسلم يريد قتله وجب على الابن حينئذ الدفاع عن المسلم بأى وجه أمكنه، حتى ولو كان فى ذلك قتل الأب أو الجد (62) . ويرى فقهاء الإباضية أن الأولى للابن ألا يقتل أباه حتى ولو تعرض له أبوه فى القتال وأن يترك ذلك لغيره، لكن إن قتله فلا شىء عليه، فقد نصوا فى حقوق الأبوين على الابن على أن (يأمرهما وينهاهما وينتصف منهما لغيره باللين وإذا وجب عليهما حد أو أدب أو حبس فالأولى أن يلى ذلك غيره وكذا فى القتال أن تعرض له أبوه فالأولى ألا يقتله وإن فعل ذلك فلا بأس عليه (63) . القود فى قتل الابن لأبيه: قال فقهاء الحنفية: الابن إذا قتل أحد أبويه قتلا يوجب القصاص، وجب القصاص من الابن للعموم الوارد فى قوله تعالى: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ((64) ، وقوله تعالى: (كتب عليكم القصاص فى القتلى (65) . وقوله عليه الصلاة والسلام: (العمد قود) فعموم هذه النصوص يوجب القود من الابن إذا قتل أباه ولم يرد نص يقتضى إسقاط القصاص بالنسبة (66) . ومذهب الشافعية كمذهب الحنفية فيقتل الابن إذا قتل أباه قتلا يوجب القصاص، لأنه إذا قتل بمن يساويه فلأن يقتل بمن هو أفضل منه أولى (67) . ومذهب الحنابلة كمذهب الحنفية أيضا (68) ، ومذهب المالكية كمذهب الحنفية فى ذلك أيضا لأنهم إنما استثنوا من وجوب القتل قصاصا الأب فقط فى حالة خاصة وهى ما إذا لم يقصد إزهاق روح ابنه أما الابن فإنه كغيره (69) . ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية أيضا (70) . ويرى فقهاء الإمامية أن الابن إذا قتل أباه فإن هذا القتل يوجب القود متى وجد التكافؤ فى الدين والحرية، فيقتل الابن بوالده إلا إذا كان الابن مسلما والأب كافرا أو الابن حرا والأب رقيقا، فلا يقتل الابن لعدم التكافؤ فى الدين والحرية (71) . ويرى فقهاء الإباضية أن الولد إذا قتل أحد أبويه قتلا يوجب القصاص فإنه يقتل بهما، فقد نصوا: على أنه يقتل الولد بهما أى بالأب والأم (72) . وقال ابن حزم من فقهاء الظاهرية: ولا قود على مجنون فيما أصاب من جنونه، ولا على سكران فيما أصاب من سكره المخرج له من عقله، ولا على من لم يبلغ، ولا على أحد من هؤلاء دية ولا ضمان، وهؤلاء والبهائم سواء، لما ذكرنا فى الطلاق وغيره من الخبر الثابت فى رفع القلم عن الصبى حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل، والسكران حتى يفيق، والحق المتيقن فى هذا أن الأحكام لازمة لكل بالغ حتى يوقن أنه ذاهب العقل جنون أو سكر وأما ما لم يوقن ذلك فالأحكام له لازمة، وظاهر مما تقدم أن ابن حزم يرى أنه لا قود على القاتل عمدا إذا كان عديم الأهلية لصغر أو جنون أو سكر، ومن عداه يجب عليه القود، لا فرق فى ذلك بين الابن وغيره، وإذا فالابن إذا قتل أباه فإن هذا القتل يوجب القود (73) . إرث الابن ولاية الدم على أبيه: قال فقهاء الحنفية إذا ورث الابن قودا على أبيه سقط القود، سواء فى ذلك قود النفس وما دونها فإذا قتل الأب أخ امرأته ثم ماتت المرأة قبل أن يقتص منه فإن ابنها منه يرث القصاص الذى لها على أبيه، ويسقط القصاص فى هذه الحالة لحرمة الأبوة، وكذلك إذا قتل الأب زوجته عمدا ليس لابنه منها أن يطلب القصاص منه بل يسقط القصاص وكذلك إذا قطع يدها عمدا (74) . ومذهب الشافعية والحنابلة كمذهب الحنفية (75) ومذهب المالكية أن الابن إذا ورث القود على أبيه لا يسقط هذا القود لأن الأب إذا قصد قتل ابنه حقيقة أو حكما فإنه يقتص منه، فأولى إذا قصد قتل أم ابنه عمدا عدوانا (76) . ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية فى ذلك إذ نصوا على أنه إذا كان المقتول أو ولى الدم فرعا فلا يجب القود، فإذا قتلت المرأة زوجها أو ابن ابنها أو أخاه أو عمه، وولاية القصاص أو بعضه إلى ابنها، لم يكن لولدها أن يقتلها (77) . وذهب ابن حزم من فقهاء الظاهرية إلى أن الابن إذا ورث القود على أبيه فإن هذا القود لا يسقط لأنه يرى أن الأب إذا قتل ابنه عمدا فإن هذا الفتل يوجب القود، وقد تقدم بيان ذلك، فأولى إذا قتل الأب أم ابنه عمدا. حد الابن بالسرقة من أحد أبويه: قال فقهاء الحنفية لا يحد الابن إذا سرق من أحد أبويه ولو كان المسروق مال غيرهما، وليس هذا الحكم خاصا بوصف البنوة والأبوة، بل الأصل فيه أن السرقة من ذى الرحم المحرم لا توجب الحد، لأن حد السرقة- أى قطع اليد- لا يجب إلا بأخذ المال وهتك الحرز، وهتك الحرز هنا غير موجود، لوجود الإذن بالدخول عادة ولهذا يدخل الرحم المحرم من غير استئذان فلا يبقى المال محرزا فى حق السارق، فانتفى شرط القطع وإذا سرق الابن مال أحد أبويه من بيت أجنبى فهل هذه السرقة توجب الحد؟ قالوا: إن سرقة مال ذى الرحم المحرم من بيت غيره توجب القطع لوجود الحرز وهذا بعمومه يفيد أن سرقة الابن مال أحد أبويه من بيت أجنبى توجب القطع، ولكن الإمام الزيلعى- رضى الله عنه- يقول: (وينبغى ألا يقطع فى الولاء لما ذكرنا من الشبهة فى ماله) أى أنه يرى أنه لا قطع فى سرقة الفرع مال أصله ولا فى سرقة الأصل مال فرعه لوجود الشبهة بالنسبة للمال، وإذا سرق الابن من أحد أبويه رضاعا فهذه السرقة توجب الحد. وروى عن أبى يوسف- رضى الله عنه- أن السرقة من الأم رضاعا لا توجب الحد لأنه يدخل عليها من غير استئذان فبينهما انبساط فى دخول المنزل وهذا كاف لدرء الحد، والراجح فى المذهب هو وجوب الحد لأن المحرمية بدون القرابة لا تحترم، ولذلك فإن السرقة من الأخت رضاعا توجب القطع إجماعا، وأيضا فإن الرضاع اشتهاره قليل عادة فلا انبساط بينهما تحرزا عن موقف التهمة، بخلاف الأم من النسب فإن النسب أمر يشتهر، فالانبساط متحقق لا محالة (78) . وقال فقهاء المالكية: إن الابن إذا سرق من أحد أبويه يحد، لضعف الشبهة، ولذلك يحد الابن إذا وطئ جارية أبيه، أما سرقة أحد الأبوين مال الابن فإنها لا توجب الحد للشبهة القوية فى مال الولد، ولذلك لا يحد الأب إذا وطئ جارية ابنه (79) . وقال فقهاء الحنابلة: لا يحد الابن بسرقة مال أحد أبويه لأن نفقته تجب عليهما فى مالهما حفظا له، فلا يجوز إتلافه حفظا للمال (80) . وقال فقهاء الشافعية: لا يحد الابن إذا سرق مال أحد أبويه لأن من شروط وجوب الحد عنهم عدم الشبهة فى المال المسروق، فلا قطع بسرقة مال الأصل أو الفرع لما بينهما من الاتحاد (81) . وقال فقهاء الزيدية: إن الابن إذا سرق من أحد أبويه فإنه يحد (82) . وهذا هو رأى ابن حزم من فقهاء الظاهرية أيضا، لأنه نص على أن القطع واجب على من سرق من ولده أو من والديه أو من جدته أو من جده أو من ذى رحم محرم أو غير محرم (83) . ومذهب الإمامية: يحد الابن بسرقته من أحد أبويه، لأن الشبهة التى تمنع إقامة الحد عندهم كون الحرز والمال أو أحدهما مملوكا للابن، أما إذا كان المال مملوكا لأحد الأبوين فإنه لا يعتبر شبهة تمنع من إقامة الحد (84) . وقال فقهاء الإباضية: لا قطع على ولد إن سرق من بيت والده إن كان تحته ولم يحزه ولو لم يكونا فى منزل واحد ولو لم يسرق من منزل هما فيه وإن أحازه قطع والظاهر من هذا أنه لا يجب الحد على الولد إن سرق من بيت والده، سواء كان يقيم مع والده فى المنزل الذى سرق منه أو كان يقيم فيه والده فقط أو كانا لا يقيمان فيه، وهذا إذا كان المال المسروق لا يزال تحت يد الابن ولم يعطه إلى غيره، أما إذا أعطاه إلى غيره فقد وجب الحد (85) . تبعية الابن لأبيه: التبعية فى الدين: الابن البالغ العاقل لا يتبع أحد أبويه فى الدين، والابن الصغير والذى بلغ مجنونا، قال فقهاء الحنفية: إنه يتبع خير الأبوين دينا، لأن هذا أنفع للابن، فإذا كان أحدهما مسلما والآخر غير مسلم اعتبر مسلما، سواء أكان إسلامه أصليا بأن تزوج مسلم كتابية أو كان إسلامه عارضا بأن كانا كافرين فأسلم أحدهما، وإذا كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر كتابيا، لأن الكتابى له دين سماوى يحسب دعواه، ولهذا يحل للمسلمين أكل ذبيحة الكتابيين والتزوج بنسائهم وتبعية الابن لأحد أبويه فى الدين إنما تكون إذا اتحدت الدار بينهما، واتحاد الدار قد يكون حقيقة بأن يكونا معا فى دار الإسلام أو فى دار الحرب وقد يكون حكما كما إذا كان الصغير فى دار الإسلام وأسلم أبوه فى دار الحرب لأن الأب يعتبر من أهل دار الإسلام حكما. وأما إذا اختلفت الدار بأن كان الصغير فى دار الحرب، ووالده فى دار الإسلام فأسلم والده فلا يكون الصغير مسلما تبعا لأبيه لأنه لا يمكن أن يجعل الوالد من أهل دار الحرب، لأن هذا يقتضى أن تسرى عليه أحكام دار الحرب على أنه مسلم فى دار الإسلام (86) . والمرتد إذا كانت له أمة مسلمة ولدت بعد ارتداده وثبت نسب الولد منه بادعائه بنوته، فهذا الابن يعتبر مسلما سواء كان بين الارتداد والولادة أقل من ستة أشهر أو أكثر لأنه يعتبر مسلما تبعا لأمه، وإن كانت الأمة مسيحية أو يهودية وجاءت به لأقل من ستة أشهر وقت الارتداد وثبت نسبه منه بادعائه بنوته فإنه يعتبر مسلما أيضا فى هذه الحالة لأن الحمل به كان منه فى حال الإسلام فيكون مسلما، وإن جاءت به لستة أشهر فأكثر من وقت الردة فهو مرتد لأن حصول الحمل كان منه وهو مرتد، وإنما اعتبر الابن مرتدا فى هذه الحالة تبعا للأب، لأن الأب باعتباره مرتدا هو أقرب إلى الإسلام من الأم، لأنه يجبر على الإسلام والظاهر من حاله أن يسلم فكانت تبعية الابن لأبيه خيرا له من تبعيته لأمه (87) . ومذهب الشافعية كمذهب الحنفية فى تبعية الابن لأحد أبويه فى الدين، فقالوا: إن الابن يتبع أعلى الأبوين دينا فيكون الابن مسلما إذا كان أحد أبويه مسلما، سواء كان إسلامه أصلبا أو عارضا بأن كانا كافرين فأسلم أحدهما- الأب أو الأم (88) وابن المرتد عند الشافعية يكون مسلما إذا كانت أمه مسلمة أو كان أحد أصوله= أى أحد أجدداه- مسلما فإن كانت أمه مسيحية ولم يكن أحد أجداده مسلما كان مسيحيا. وإن كانت أمه مرتدة أيضا وأحد أجداده مسلما اعتبر مسلما، وإن لم يكن أحد أجداده مسلما قال بعضهم: أنه يكون مسلما، وقال بعضهم: أنه يعتبر مرتدا، وقال بعضهم: إنه يعتبر كافرا أصليا (89) . وقال فقهاء المالكية: إن الابن يتبع أباه فى الدين، فإذا كان أبوه مسلما أصليا أو عارضا، كان الابن مسلما تبعا له، وإن كان أبواه كافرين فأسلمت أمه لا يعتبر مسلما بإسلام أمه، ولذلك جاء فى الشرح الكبير: " وحكم بإسلام من لم يميز لصغر أو جنون ولو بالغا إذا كان جنونه قبل الإسلام بإسلام أبيه فقط لا بإسلام جده أو أمه". وجاء فى حاشية الدسوقى فى موضوع آخر: " لتبعية الولد لأمه فى الرق والحرية ولأبيه فى الدين (90) ". وقال فقهاء الحنابلة: إن الابن الكبير العاقل لا يتبع أحد أبويه فى الدين، أما الابن الصغير أو الكبير المجنون فإنه: أولا: يكون تبعا لأبويه أو لأحدهما فى الدين إذا كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلما، سواء كان هذا الإسلام أصليا أو عارضا، فإذا كان أبوه مسلما كان مسلما تباعا له ولو كانت أمه غير مسلمة وإذا كان أبواه غير مسلمين فأسلم أبوه أو أمه كان مسلما تبعا لمن أسلم منهما. ثانيا: يكون تبعا لأبويه غير المسلمين فى الدين إذا كان معهما، سواء كان الأبوان ذميين أو حربيين ولو فى دار الإسلام بعقد أمان أو كان قد سبى معهما، لقوله عليه الصلاة والسلام: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" رواه مسلم. ثالثا: إذا كان أبواه غير مسلمين فماتا أو مات أحدهما بدار الإسلام، انقطعت تبعيته لأبويه فى الدين بانقطاعه عنهما أو عن أحدهما ويكون مسلما تبعا للدار- أى لدار الإسلام- وكذلك إذا عدم أحد أبويه بلا موت كذمية جاءت بابن من سفاح فإنه لا يكون تبعا لأمه فى الدين، بل يكون مسلما تبعا لدار الإسلام لأن الذى يهوده أو ينصره هما الأبوان معا للحديث المشار إليه سابقا، والموجود أحدهما فقط، أما إذا مات أبواه بدار الحرب فإنه لا يجعل مسلما بذلك، لأنها دار كفر لا دار إسلام (91) . ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية أن الابن قبل البلوغ إذا كان أبواه أو أحدهما مسلما فإنه يكون مسلما تبعا لهما أو لمن أسلم منهما سواء كان الذى أسلم هو الأب أو الأم وسواء كان الإسلام أصليا أو طارئا وسواء كان إسلامه فى دار الإسلام أو فى دار الحرب فالأبوان الكافران إذا أسلم أحدهما كان الابن قبل البلوغ مسلما تبعا لمن أسلم منهما، وإذا كان الابن قبل البلوغ أبواه غير مسلمين فإن الابن يكون غير مسلم تبعا لأبويه، لما روى عن أبى هريرة- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء (92) هل تحس فيها من جدعاء) . والحديث يدل على أن الابن الذى يعتبر غير مسلم هو الذى اتفق أبواه على تهويده أو تنصيره أو تمجيسه فقط، فإذا أسلم أحدهما فلا يصدق عليه أن أبويه نصراه أو هوداه، ولذلك يكون الابن مسلما تبعا لمن أسلم منهما كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وكذلك إذا كان له أحد الأبوين فقط كالابن من الزنا فإنه يكون مسلما ولو كانت أمه غير مسلمة لأنه ولد على ملة الإسلام وليس له أبوان يخرجانه من الإسلام فيكون مسلما لذلك (93) . وقال فقهاء الزيدية الابن الصغير أو المجنون سواء كان الجنون أصليا أو طارئا إذا كان مع أبويه كان تابعا لهما فى الدين؛ إن كانا غير مسلمين كان غير مسلم تبعا لهما وإذا كانا مسلمين أو أحدهما مسلما اعتبر مسلما تبعا لهما أو لمن أسلم منهما لا فرق فى ذلك بين الأب والأم، وإذا كان وحده فى دار الإسلام اعتبر مسلما تبعا لدار الإسلام، سواء كان أبواه حيين فى دار الحرب أو ميتين، وكذلك يعتبر الابن مسلما إذا كان أبواه ذميين وماتا بدار الإسلام وتركاه صغيرا، لأن كل مولود يولد على فطرة الإسلام وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه فإذا ماتا حكم بإسلامه تبعا لدار الإسلام، واستثنوا من ذلك رهائن الكفار فإن وجودهم فى دار الإسلام دون أبويهم لا يكون سببا للحكم بإسلامهم (94) . وقال فقهاء الإمامية: لو كان الزوجان غير المسلمين صغيرين قد أنكحهما الولى فالمعتبر إسلام أحد الأبوين فى إسلام ولده (95) ونص فقهاء الإمامية أيضا على أن (ولد الكافر يتبعه فى النجاسة إلا إذا أسلم بعد البلوغ أو قبله مع فرض كونه عاقلا مميزا وكان إسلامه عن بصيرة) . ونصوا أيضا على أنه لو كان أحد الأبوين مسلما فالولد تابع له إذا لم يكن عن زنا، بل مطلقا على وجه (96) . وظاهر مما تقدم أن الأبوين إذا كانا مسلمين كان الولد مسلما تبعا لهما وإذا كانا كافرين كان الولد كافرا تبعا لهما، وإذا أسلم أحد الأبوين الكافرين كان الولد مسلما تبعا لمن أسلم منهما سواء أكان الأب أو الأم إذا كان الولد ثابت النسب. أما إذا كان الابن من زنا فهل يعتبر هذا الابن مسلما بإسلام أحد أبويه أم لا. اختلفوا فى ذلك، والابن الصغير إذا كان مميزا واسلم صح إسلامه. تبعية الابن لأحد أبويه فى النسب: قال فقهاء الحنفية الابن يتبع أباه فى النسب لأن المقصود من النسب التعريف وذلك يكون بنسبته إلى أبيه لأن الأم لا تشتهر ولا تعرف (انظر مصطلح نسب (97)) . تبعية الابن لأحد أبويه فى الرق والملك والحرية: قال فقهاء الحنفية: الابن يتبع أمه فى الرق والملك والحرية لأنه منها بيقين، فولد الأمة يكون رقيقا ومملوكا لسيدها تبعا لأمه، ولو كان أبوه حرا، واستثنوا من ذلك ما يأتى: أولا: إذا كان أبوه هو سيد الأمة فإنه يكون حرا، لأنه منه فيعتق عليه، وقد ترجح جانب الأب هنا باعتباره سيدا للأمة لأن ماء الأمة مملوك له أيضا. ثانيا: إذا اشترى رجل أمة من بائعها على أنها ملك البائع فولدت من المشترى ولدا، ثم تبين أنها ملك لغير البائع فإن الولد يكون حرا تبعا لأبيه. ثالثا: إذا تزوج رجل امرأة على أنها حرة فولدت ولدا ثم تبين أنها أمة فإن الولد يكون حرا تبعا لأبيه. وإنما كان الولد حرا فى المسألتين الثانية والثالثة لأنه ابن حر ولم يرض أبوه أن يكون ابنه رقيقا، ويلزم الأب بقيمة الولد فى هاتين الصورتين رعاية لجانب التبعية الأصلية التى أهدرت، وهى تبعية الأم والولد فى الصورتين، يقال له ولد المغرور، لأن أباه كان مغرورا حين استولد أم الصغير على أنها مملوكة له أو حين تزوجها على أنها حرة فتبين خلاف ذلك (98) . وقال فقهاء المالكية إن الابن يتبع الأم فى الرق والحرية وهذا هو مذهب الشافعية أيضا (99) . وقال فقهاء الزيدية: الولد يتبع أمه فى الملك والرق والحرية فإن كانت حرة كان الولد حرا ولو كان أبوه عبدا، وإن كانت مملوكة كان الولد مملوكا لمالكها ولو كان أبوه حرا (100) . وهذا هو مذهب الحنابلة أيضا (101) . ويرى فقهاء الإمامية: إن الولد يتبع أحد الأبوين فى الحرية، فإذا كانا حرين أو أحدهما حرا كان الابن حرا تبعا لهما أو لأحدهما، وإن كانا رقيقين كان الابن رقيقا تبعا- لهما، ويكون مملوكا لمولاهما إن كانا مملوكين لواحد، وإذا كان كل من الأبوين مملوكا لمالك وأذن كل منهما فى النكاح أو لم يأذن أحدهما بالنكاح فالابن مملوك لهما معا لأنه نماء ملكهما، ولا مزية لأحدهما على الآخر، وإن أذن أحدهما بالنكاح فقط فالولد لمن لم يأذن، سواء كان مولى الأب أو مولى الأم ولو شرط أحد الموليين انفراده بملكية الولد أو بكثرة صح الشرط لعموم (المؤمنون عند شروطهم) ولأنه شرط لا ينافى النكاح. وإذا كان أحد الزوجين حرا وشرط مولى الرقيق منهما أن يكون رقيقا قال بعضهم: جاز هذا الشرط وصار الابن رقيقا، وقال بعضهم: إن هذا الشرط لا تأثير له فى حرية الابن (102) . وقال ابن حزم من فقهاء الظاهرية: وجاز بيع الحامل بحملها إذا كانت حاملا من غير سيدها وهى وحملها للمشترى (103) . وهذا يفيد أن ولد الأمة إذا لم يكن من سيدها فإنه يكون رقيقا تبعا لها سواء كان أبوه حرا أو رقيقا ويكون مملوكا لسيدها. عصمة الابن تبعا لأبيه: مذهب الحنفية: الابن الكبير العاقل لا يكون معصوما بإسلام أبيه الحربى أو المستأمن لأنه لا يكون مسلما تبعا لإسلام أبيه. والابن الصغير يكون معصوما بإسلام أبيه إذا اعتبر الابن وهو فى دار الحرب مسلما تبعا لإسلام أبيه فإذا كانا معا فى دار الحرب وأسلم الأب هناك فإن الابن يكون معصوما بإسلام أبيه لأنه صار مسلما تبعا له. فإذا جاء الأب بعد ذلك إلى دار الإسلام وبقى الابن فى دار الحرب ثم استولى المسلمون على الابن فإنه يكون حرا مسلما ولا يسترق. أما إذا أسلم الأب بعد دخوله فى دار الإسلام فإن ابنه الصغير الذى بقى فى دار الحرب لا يكون معصوما لأن الابن لا يعتبر مسلما تبعا لأبيه فى هذه الحالة لتباين الدارين (104) . وقال فقهاء المالكية: إن الحربى إذا أسلم فولده الذى حملت به أمه قبل إسلامه لا يكون معصوما بل يكون غنيمة سواء كان الولد صغيرا أو كبيرا وسواء أسلم الحربى وفر إلينا أو بقى فى دار الحرب، وأما ولده الذى حملت به أمه بعد إسلام أبيه فيكون حرا، أى يكون معصوما بإسلام أبيه (105) . وقال فقهاء الشافعية إذا أسلم الحربى قبل أسره فإن ابنه الصغير والكبير المجنون والحمل يكون معصوما بإسلام أبيه، لأنه يكون مسلما تبعا لأبيه وكذلك إذا أسلم الحربى بعد الأسر لأنه إذا أسلم بعد الأسر فقد عصم الإسلام دمه لقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم) . وولده الصغير والكبير المجنون والحمل يكون مسلما تبعا لإسلام أبيه فيكون معصوما (106) . ومذهب الحنابلة: كمذهب الشافعية فإذا أسلم الحربى فى دار الحرب أو بعد السبى فإن ابنه الصغير والكبير المجنون والحمل يكون معصوما بإسلام أبيه لأنه يكون مسلما تبعا له. أما ابنه الكبير العاقل فإنه لا يكون معصوما بإسلام أبيه فقد جاء فى كشاف القناع: إذا أسلم حربى فى دار الحرب أحرز دمه وماله ولو منفعة إجارة لقوله عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم) . وأحرز أولاده الصغار والمجانين ولو حملا، فى السبى كانوا أو فى دار الحرب، للحكم بإسلامه تبعا له، ولا يعصم أولاده الكبار لأنهم لا يتبعونه (107) . قال فقهاء الزيدية: إذا أسلم الحربى فى دار الإسلام أو فى دار الحرب فإن ابنه الصغير أو المجنون حال إسلامه يكون معصوما بإسلام أبيه، فلا يجوز للمسلمين إذا استولوا على دار الحرب أن يسبوا طفله وولده المجنون لأنه قد صار مسلما بإسلام أبيه (108) . ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية أن الابن الصغير والحمل الذى فى بطن الزوجة كلاهما يكون معصوما بإسلام أبيه سواء أسلم الأب الحربى فى دار الإسلام أو فى دار الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام أو لم يخرج، لأن الابن الصغير يعتبر مسلما حرا تبعا لأبيه، وكذلك الحمل الذى فى بطن الزوجة، أما الابن الكبير فإنه لا يكون معصوما بإسلام أبيه، فإذا سبى كان فيئا (109) . ويذهب فقهاء الإمامية: إلى أن الأناسى تملك بالسبى مع الكفر الأصلى وكونهم غير ذمة. واحترز بالأصلى عن الارتداد فلا يجوز السبى وإن كان المرتد حكمه كالكافر فى جملة من الأحكام وحيث يملكون بالسبى يسرى الرق فى أعقابهم وإن أسلموا بعد الأسر ما لم يعرض لهم سبب محرر من عتق أو كتابة أو غير ذلك (110) .   1) راجع المصباح المنير ولسان العرب. 2) حاشية الدرر ج1 ص266 طبعة سنة 1329. 3) الدر ج5 ص656، 657 الطبعة الثالثة. والزيلمى ج6 ص226، 227. 4) الدرر ج1 ص50. 5) الدرر ج1 ص21. 6) الدرر ج1 ص136. 7) سورة الإسراء: 23. 8) الدرر وحاشيته ج1 ص418 - 421. والدرر وحاشية ابن عابدين ج2 ص923 وما بعدها الطبعة الثالثة. 9) راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج2 ص522 وما بعدها. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج3 ص356 وما بعدها. وللزيدية شرح الأزهار ج2 ص546، 547. 10) الدرر ج1 ص410. والدر وحاشية ابن عابدين ج2 ص871 وما بعدها. 11) للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج2 ص526. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص88. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج3 ص363. وللزيدية شرح الأزهار ج2 ص522. وللظاهرية المحلي ج10 ص323. 12) الدرر ج1 ص185. 13) للمالكية المرجع السابق ج1 ص492. وللشافعية النهاية ج1 ص168. وللحنابلة كشاف القناع ج1 ص497. وللزيدية شرح الأزهار ج1 ص525. 14) الدرر ج2 ص130. 15) للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج4 ص123، 124. وللشافعية النهاية ج2 ص101، 103. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج2 ص460. 16) الدرر ج1 ص193، 194. 17) راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج1 ص504 - 506. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج2 ص32، 34. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج1 ص514. وللزيدية شرح الأزهار ج1 ص548، 549. 18) البدائع ج2 ص4. 19) للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج1 ص455. وللشافعية شرح جلال الدين وحاشيتى القليوبى وعميرة ج2 ص39. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج1 ص445. وللزيدية شرح الأزهار ج1 ص45. 20) الدرر ج1 ص267 والبدائع ج5 ص64. 21) راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج2 ص118. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص249. وللحنابلة كشاف القناع ج1 ص644، 645. وللزيدية شرح الأزهار وحواشيه ج4 ص84. 22) الدرر ج1 ص319، ج2 ص176، 20، 273، 281. والزيلعى ج5 ص190، 191. 23) الدرر وحاشية ابن عابدين ج5 ص216. 24) الدرر ج2 ص351، 352، 395، 398. 25) الدرر وحاشيته ج2 ص245، 247. والدرر وحاشية ابن عابدين ج4 ص681، 682. 26) الدرر ج1 ص298. 27) الدرر ج2 ص94. 28) الدرر ج1 ص329، وج2 ص379، 391، 411، 450. 29) راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج4 ص152، 168، 171. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج4 ص268، 325، 326. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص303، 322. وللزيدية شرح الأزهار ج4 ص198. وللظاهرية المحلى ج9 ص415. وللإباضية شرح النيل ج6 ص584، 585، 656. 30) الدرر ج2 ص367، 369، 438. 31) المرجع السابق ص429. 32) الدرر وحاشيته ج2 ص438. 33) المرجع السابق ص440. 34) المرجع السابق ص 442. 35) راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج40 ص427. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج3 ص159. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات ج2 ص549. وللظاهرية المحلى ج9 ص316. وللزيدية شرح الأزهار ج4 ص516. 36) سورة البقرة: 180. 37) سورة النساء: 11. 38) راجع السراجية ص5، 11، 21، 28. وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج4 ص459، وما بعدها. وللشافعية المهذب ج2 ص25، 59 وما بعدها. وللحنابلة كشاف القناع ج2 ص543 وما بعدها. وللإباضية شرح النيل ج8 ص253 وما بعدها. وللزيدية: الروض النضير ج2 ص26. وللإمامية الروضة البهية ج2 ص295 وما بعدها. وللظاهرية المحلى ج9 ص253، 258، 262. 39) راجع للأحناف الزيلعى ج3 ص70 والدرر ج2 ص4، 5. وللمالكية: الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج4 ص366. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص354. وللحنابلة كشاف القناع ج2 ص628، 629. وللظاهرية المحلى ج2 ص200. وللزيدية شرح الأزهار ج3 ص566. وللإمامية الروضة البهية ج1 ص294، ج2 ص195. وللإباضية شرح النيل ج2 ص75. 40) الدرر وحاشيته ج1 ص163، 166. 41) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج1 ص424، 426، 427،، وج3 ص99. 42) النهاية ج3 ص99. 43) كشاف القناع ج1 ص401، 663، 664، 723. 44) شرح الأزهار ج1 ص403 - 406. 45) التاج المذهب ج4 ص465، 466. 46) المحلى ج5 ص169. 47) سورة الروم: 30. 48) المحلى ج7 ص234، ج5 ص143. 49) الروضة البهية ج1 ص38، 42. 50) المرجع السابق ص38. 51) سورة لقمان: 15. 52) الزيلعى ج3 ص245، والدرر ج1 ص283، 284. 53) حاشية الدرر ج1 ص283. 54) شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص218. 55) كشاف القناع ج1 ص661. 56) سورة المجادلة: 22. 57) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج4 ص300. 58) سورة لقمان: 15. 59) الشرح الصغير ج2 ص484. 60) التاج الذهبى ج4 ص431. 61) سورة الممتحنة: 8، 9. 62) المحلى ج11 ص 108، 109. 63) شرح النيل ج2 ص593، 594. 64) سورة المائدة: 45. 65) سورة البقرة: 178. 66) الزيلعى ج6 ص105، الدرر ج2 ص91. 67) المهذب ج2 ص186، والنهاية ج3 ص46، 47. 68) كشاف القناع ج3 ص352. 69) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج4 ص237، 267. 70) التاج المذهب ج4 ص261، 265. 71) الروضة البهية ج2 ص406. 72) شرح النيل ج2 ص75. 73) المحلى ج10 ص345. 74) الزيلعى ج6 ص105، 106، والدرر ج2 ص94. 75) للشافعية شرج جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص107، وللحنابلة كشاف القناع ج3 ص352. 76) الشرح الكبير ج4 ص267. 77) التاج المذهب ج4 ص265. 78) الزيلعى حاشيته ج3 ص220، الدرر ج2 ص80، والهداية وفتح القدير ج3 ص328، 239. 79) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج4 ص37. 80) كشاف القناع ج4 ص84. 81) شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص188. 82) التاج المذهب ج4 ص251. 83) المحلى ج11 ص344. 84) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج2 ص375، 376. 85) شرح النيل ج8 ص75. 86) الزيلعى ج2 ص173، الدرر وحاشية ابن عابدين ج2 ص541، 542، الدرر ج1 ص353. 87) الزيلعى ج3 ص288، 289. والدرر ج1 ص303. والدر ج3 ص420، 421. 88) المهذب ج2 ص255، وحاشية القليوبى على شرح جلال الدين المحلى ج1 ص69. 89) شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص177، 178. 90) الشرح الكبير وحاشية القليوبى ج2 ص200، وج4 ص308. 91) كشاف القناع ج1 ص663، 664، 665. شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج1 ص723، 724. 92) جمعاء أى سليمة من العيوب مجتمعة الأعضاء كاملتها فلا جدع فيها ولا كى. 93) المحلى ج7 ص322، 323، 324. 94) التاج المذهب ج2 ص67، ج4 ص466. 95) الروضة البهية ج2 ص99. 96) العروة الوثقى ج1 ص320، 321، 323. 97) الزيلعى ج3 ص72، الدرر ج2 ص6. الدر وحاشية ابن عابدين ج3 ص18. 98) الزيلعى ج3 ص72. والدرر ج2 ص6. والدر ج3 ص15، 16. 99) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج2 ص200، وج4 ص269. وشرح جلال الدين المحلى على المنهاج وحاشيته ج1 ص69، وج4 ص361. 100) التاج المذهب ج2 ص85. 101) كشاف القناع ج2 ص628، 638. وشرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج3 ص76. 102) الروضة البهية ج2 ص108، 109. 103) المحلى ج8 ص393. 104) الزيلعى ج3 ص270، الدرر ج1 ص294، 295. الدر ج3 ص348، 349. 105) شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى ج2 ص200. 106) شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج4 ص220، 221. 107) كشاف القناع ج1 ص655. شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج1 ص724. 108) التاج المذهب ج4 ص443. 109) المحلى ج7 ص309. 110) الروضة البهية ج2 ص293. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ابن الابن التعريف به وهل يدخل ضمن الأقارب: فى اللغة: ابن الابن هو الولد الذكر للابن. وفى الشريعة: هو كل ذكر ولد للابن على فراش صحيح، أو نتيجة لمخالطة بناء على عقد نكاح فاسد، أو بناء على شبهة معتبرة شرعا. وابن الابن بعد من الأقارب لأن القريب عرفا من يتقرب إليه غيره بواسطة الغير، وابن الابن قريب بغيره لا نفسه. أحكام الابن فى الميراث: قال فقهاء الحنفية: ابن الابن من العصبات النسبية، وهو عصبة بنفسه فإذا انفرد أخذ جميع التركة بطريق التعصيب، وإن اجتمع مع أصحاب قروض أخذ الباقى بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم، وأن تعدد أبناء الأبناء يكون المال بينهم بالتقريب، وابن الابن لا يحجبه غيره حجب نقصان، ويحجب حجب حرمان بالابن وبمن هو أقرب منه درجة من أبناء الأبناء فيحجب ابن ابن الابن بابن الابن، ولا يحجب بالبنت واحدة أو أكثر، بل يعتبر عصبة فيأخذ الباقى بعد استيفائهن فرضهن، كما لا يحجب ببنت الابن إذا كانت أقرب منه درجة وابن الابن إذا كان وارثا قد يحجب غيره حجب حرمان أو حجب نقصان، فيحجب غيره من العصبات عدا الابن حجب حرمان، فلا يرث أحد منهم معه إلا الأب والجد فيرثان معه لأن بطريق الفرض، لا بطريق التعصيب، ويحجب الحواشى وذوى الأرحام حجب حرمان وكذلك يحجب من هو أنزل منه درجة من أولاد الأبناء ذكورا أو إناثا حجب حرمان، ويحجب الزوج والزوجة والأم حجب نقصان، فيحجب الزوج من النصف إلى الربع، والزوجة من الربع إلى الثمن، والأم من الثلث إلى السدس. وابن الابن يعصب بنت الابن إذا كان مساويا لها فى الدرجة، بأن كان أخاها أو ابن عمها أما إذا كان أقرب منها درجة فإنه يحجبها حجب حرمان، وإذا كان أنزل منها درجة فإنه يعصبها إذا لم يبق لها شىء من نصيب البنات وهو الثلثان، بأن كان للمتوفى بنتان فأكثر، أما إذا كان له بنت واحدة فإن بنت الابن ترث معها السدس فلا يعصبها ابن ابن هو أنزل منها درجة، وما تقدم هو أيضا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإباضية غير أن الإباضية يرون أن ابن الابن يعصب من فوقه من بنات الابن، وإن لم يكن للمتوفى بنت، فقد جاء فى شرح النيل (1) : ويعصبهن الذكر من جنسهن ولو كان ابن عم لهن فى درجتهن أو أسفلهن، مثاله فى درجتهن أن يترك بنت ابن وابن ابن آخر أو بنت ابن ابن وابن ابن ابن آخر ومثاله أسفل، بنت ابن وابن ابن ابن. ومذهب ابن حزم من فقهاء الظاهرية كمذهب الحنفية إلا فيما يأتى: أولا: أنه لا يعصب من فوقه، ثانيا: أنه لا يعصب من فى درجته إن كان للميت بنتان، ويعصب من فى درجته بشرط ألا يزيد نصيبهن عن السدس إن كان للميت بنت، فإذا ترك الميت بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن فللبنتين الثلثان والباقى لابن ابن الابن ولا شىء لبنت الابن، وإن ترك الميت بنتين وأبناء ابن ذكورا وإناثا كان للبنتين الثلثان والباقى للذكور من أبناء الابن ولا شىء لبنات الابن، وإذا ترك الميت بنتا وأبناء ابن ذكورا وإناثا كان للبنت النصف والباقى لأولاد الابن الذكور والإناث، للذكر مثل حظ الأنثيين بشرط ألا يزيد نصيب الإناث على السدس، فإن زاد نصيبهن على السدس أعطى لهن السدس فقط، والباقى للذكور. وقال فقهاء الإمامية: ابن الابن يقوم مقام أبيه، وهو الابن فى أحكام الميراث عند عدم الابن، فيحجب الزوج من النصف إلى الربع، ويحجب الزوجة من الربع إلى الثمن، ويحجب الأم من الثلث إلى السدس، وإذا انفرد أبناء الابن وكانوا ذكورا فقط فالباقى بينهم بالسوية وإن كانوا ذكورا وإناث فللذكر مثل حد الأنثيين، وإن كان للمتوفى أبناء ابن وأبناء بنت أخذ كل فريق نصيب أصله (2) . ابن الابن والنفقة: ابن الابن الموسر والمعسر القادر على الكسب حكمه كالابن عند الحنفية المالكية والشافعية والحنابلة، فتكون نفقته فى ماله أو فى كسبه (انظر ابن) . والفقير العاجز عن الكسب تكون نفقته على جده عند الحنفية والشافعية. وقال فقهاء المالكية: لا تجب نفقته على جده. وقال فقهاء الحنابلة: تكون على من يرثه على قدر إرثهم. وقال فقهاء الزيدية ابن الابن الموسر نفقته فى ماله، والمعسر ولو أمكنه التكسب نفقته على عصبته على حسب الإرث (3) . أحكام ابن الابن بالنسبة للحضانة: قال فقهاء الحنفية ابن الابن فى حال صغره كالابن يحتاج إلى رعاية خاصة من ناحية إرضاعه ومأكله ومشربه ونظافته وملبسه، والنساء على ذلك أقدر ولذلك تكون حضانته لأم الأم ما لم يقم بها مانع، وهذا هو رأى المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية (4) دفع الزكاة إلى ابن الابن: لا يجوز دفع الزكاة إلى ابن الابن، وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية. وقال فقهاء المالكية: يجوز دفع الزكاة إليه (5) . قال فقهاء الحنفية: إن كان ابن الابن بالغا عاقلا فلا تجب صدقة فطره على جده، وإن كان عديم الأهلية لصغر أو جنون أو عته، فإن كان فقيرا فصدقة فطره على جده إن كانت نفقته واجبة عليه، وإن كان موسرا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: تجب صدقة فطره فى ماله، وقال محمد: لا تجب صدقة الفطر بالنسبة اليه. وقال فقهاء المالكية: لا تجب صدقة فطر ابن الابن على الجد، لأنه لا نفقة له عليه. وقال فقهاء الشافعية والحنابلة والزيدية إن كان ابن الابن موسرا وجبت صدقة الفطر فى ماله، وإن كانت نفقته على جده وجبت صدقة فطره على جده (6) . حكم الزكاة بالنسبة لمال ابن الابن: حكم الزكاة بالنسبة لمال ابن الابن كحكم الزكاة بالنسبة لمال الابن (راجع ابن) . حكم الأضحية عن ابن الابن: فى مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية ابن الابن كالابن بالنسبة للأضحية (راجع ابن) . وقال فقهاء المالكية إن كان ابن الابن موسرا، فهو كالابن أى تكون الأضحية سنة فى ماله، وإن كان فقيرا فلا يضحى عنه جده لأنه لا يلزم بنفقته (7) . عتق ابن الابن أو الجد بملك أحدهما الآخر: قال فقهاء الحنفية: إذا ملك ابن الابن أحد أجداده نسبا بأى سبب من الأسباب عتق عليه، وكذلك إذا ملك أحد الأجداد ابن ابنه عتق عليه وهذا أيضا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية وابن حزم من فقهاء الظاهرية (8) . صلاة الجنازة على ابن الابن المسبى: إذا سبى ابن الابن الصغير أو البالغ المجنون وحده أو مع جده ثم مات فحكمه بالنسبة للصلاة عليه كحكم الابن الصغير إذا سبى وحده ثم مات (انظر ابن) . قتل ابن الابن جده الحربى أو الباغى: قال فقهاء الحنفية: حكم قتل ابن الابن أحد أجداده إذا كان حربيا أو من أهل البغى والخوارج كحكم قتل الابن أباه الحربى أو الباغى (انظر ابن) . وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية حكم قتل ابن الابن جده الحربى كحكم قتل الابن أباه الحربى (انظر ابن) . وقال فقهاء المالكية لابن الابن أن يقتل جده إذا كان من أهل البغى، ولا كراهية فى ذلك كما أن الجد له أن يقتل ابن ابنه إذا كان من أهل البغى (9) . القود فى قتل ابن الابن لجده: ابن الابن إذا قتل أحد أجداده قتلا يوجب القصاص وجب القصاص من ابن الابن، لأن الابن إذا قتل أحد أبويه وجب القصاص من الابن، فأولى إذا قتل ابن الابن جده وهذا الحكم محل إجماع المذاهب الإسلامية (راجع ابن) . إرث ابن الابن ولاية القصاص على جده: قال فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية: ابن الابن إذا ورث قصاصا على أحد أجداده يسقط القصاص (10) . وقال فقهاء المالكية وابن حزم من فقهاء الظاهرية إذا ورث ابن الابن قصاصا على أحد أجداده لا يسقط القصاص لأن الابن إذا ورث القصاص على أبيه لا يسقط القصاص، فأولى إذا ورث ابن الابن على جده (راجع ابن) . حد ابن الابن بالسرقة من أحد أجداده: يرى فقهاء الحنفية والشافعية: أنه لا يحد ابن الابن بسرقته من أحد أجداده (راجع ابن) . وهذا أيضا هو مذهب الحنابلة (11) . ويرى فقهاء المالكية والزيدية والإمامية وابن حزم من فقهاء الظاهرية انه يحد لأن الابن إذا سرق من مال أبيه فإنه يحد، فأولى إذا سرق ابن الابن من مال جده. (راجع ابن) . لم يقل أحد من الفقهاء أن ابن الابن يتبع أحد أجداده فى الدين إلا ما ورد فى مذهب الشافعية من أن ابن المرتد يكون مسلما إذا كان أحد أصوله مسلما (راجع ابن) . شهادة ابن الابن وقضاؤه: ابن الابن كالابن فلا تجوز شهادته وقضاؤه لجده عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكذلك لا تجوز شهادته لجده عند الإباضية، أما قضاؤه له فإن كانت الخصومة بين الجد وأجنبى فأولى أن يدفعها إلى غيره، وإن حكم بينهما بالحق فحسن، وإن كانت الخصومة بين الجد وقريبه جاز الحكم بينهما. وقال فقهاء الزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية أن شهادة ابن الابن لأحد أجداده جائزة. ابن الابن والوصية (12) : ابن الابن إن كان وارثا فحكمه كالابن عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم من فقهاء الظاهرية وتجوز عند الزيدية (راجع ابن) . وإن كان غير وارث فهى جائزة عند الزيدية من باب أولى وتجوز أيضا عند الحنفية والمالكية والشافعية وقال فقهاء الحنابلة: تسن الوصية له إن كان فقيرا ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية: أنها فرض لقوله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين. فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ((13) . 1) 2)   3) شرح النيل 8 ص301. 4) راجع للأحناف السراجية طبعة 1326 ص13، 21، 22، 23، 27، 28. وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 4 ص459، 460، 465، 466 طبعة سنة 1355. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 3 ص139، 140، 141، 142 طبعة سنة 1768. وللحنابلة كشاف القناع 2 ص542 وما بعدها. وللزيدية البحر الزخار 5 ص329 وما بعدها. وللزيدية البحر الزخار 5 ص339 وما بعدها طبعة سنة 1343. وللظاهرية: المحلى لابن حزم 9 ص253، 271. وللإمامية الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية 2 كتاب الميراث، والمختصر النافع ص269. 5) راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 2 ص 522، 523. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 3 ص 356، 357. وللزيدية شرح الأزهار وحواشيه 2 ص546 وما بعدها. 6) راجع للأحناف الدر وحاشية ابن عابدين 2 ص877. وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 2 ص527. 7) راجع للأحناف الزيلعى 1 ص168، وللشافعية النهاية 1 ص168، وللحنابلة كشاف القناع 1 ص497، وللزيدية شرح الأزهار 1 ص255، وللمالكية منح الجليل 1 ص384. 8) راجع للأحناف الدر وحاشية ابن عابدين 2 ص99 وما بعدها. وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 1 ص504 وما بعدها. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 2 ص32 وما بعدها. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع 1 ص514. وللزيدية شرح الأزهار وحواشيه 1 ص548 وما بعدها. 9) راجع الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 2 ص118. 10) راجع المرجع السابق بيانها فى مصطلح (ابن) . 11) راجع الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 4 ص300. 12) راجع للأحناف الزيلعى 6 ص105، 106. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 4 ص107. وفى مذهب الحنابلة كشاف القناع 3 ص352. وللزيدية التاج المذهب 4 ص265. 13) راجع كشاف القناع 4 ص84. 14) راجع للأحناف الدرر 2 ص427. وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى 4 ص427. وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة 3 ص157. وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع 2 ص548، 549. وللزيدية شرح الأزهار 4 ص198. وللظاهرية: المحلى 9 ص314. 15) سورة البقرة: 180، 181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ابن الأخ ابن الأخ عند الإطلاق ينصرف إلى ابن الأخ النسبى، وإن كان قد يطلق بالتقييد على ابن الأخ من الرضاع، بأن يقال ابن الأخ رضاعا، وهذا ليست له أحكام فقهية واضحة إلا فى مسألة تحريم الزواج بسبب الرضاع، فتحرم عليه عمته رضاعا على ما هو مبين فى موضعه (انظر مصطلح رضاع) . أما ابن الأخ النسبى فقد يكون ابن أخ شقيق، وقد يكون ابن أخ لأب، وقد يكون ابن أخ لأم. وسنتناول أحكامه بأقسامه فى الميراث، والولاية، والنفقة، والرجوع فى الهبة، ودفع الزكاة له. أولا: فى الميراث (1) : أما ابن الأخ لأم فإنه من ذوى الأرحام، ولا ميراث لذوى الأرحام مطلقا مع وجود أصحاب الفروض النسبية أو العصبات، وإذا انعدام هؤلاء فقد اختلف الفقهاء فى توريثهم على ما هو مبين فى ميراث ذوى الأرحام. وميراث ابن الأخ لأم عند القائلين بتوريث ذوى الأرحام إنما يكون بعد انعدام من هم أولى منه جهة، وأقرب درجة وأشد قوة، فلا يرث مع وجود أحد من أصحاب الفروض النسبية، ولا العصبات، ولا فروع الميت أو أصوله من ذوى الأرحام، ولا الفروع الذين ينتمون إلى أبوى الميت من ذوى الأرحام ممن هم أقوى منه قرابة، كأولاد الأخوات لأبوين، أو بنات الأخوة كذلك، وهو يحجب فى الميراث من هو أضعف منه قرابة من ذوى الأرحام، وهم الفروع الذين ينتمون إلى أبوى الميت، إلى أجداد الميت وجداتهم، كالأعمام لأم. وابن الأخ لأم يرث مع صاحب فرض سببى، وهو الزوج أو الزوجة عند انعدام من هو أحق منه بالإرث. (انظر مصطلح: ذوى أرحام) . وأما أبن الأخ شقيقا كان أو لأب، فهو عاصب بنفسه، فيرث الباقى بعد أصحاب الفروض عند انعدم من هو أقرب منه فى التعصيب، إذ يقدم عليه العصبة من فروع الميت أو من أصوله أو من حواشيه القريبة كالأخ شقيقا أو لأب. على أن ابن الأخ الشقيق يقدم فى التعصيب على ابن الأخ لأب، لأنهما وإن استويا فى الجهة والدرجة، فإن ابن الأخ الشقيق أقوى فى القرابة على ما هو مبين فى الإرث بالتعصيب. انظر فى مصطلح (ارث) العصبة. ثانيا: فى الولاية: وتتناول ولايته فى النكاح، ثم فى الحضانة، ثم فى القصاص. 1) ولاية ابن الأخ فى النكاح: المذهب الحنفى: لا يكون ابن الأخ شقيقا أو لأب وليا فى النكاح مع وجود أحد من العصبة- الفروع أو الأصول أو الحواشى القريبين- ويقدم عند انعدام هؤلاء ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، لقوة قرابته، وكلاهما يقدم على الأعمام وأبنائهم (2) . وإذا كان ابن الأخ هو ولى النكاح وزوج من فى ولايته بغير كفء أو بغبن فاحش فى المهر، فالزواج غير صحيح، وإذا كان بكفء وبمهر المثل، فالزواج صحيح نافذ، لازما عند أبى يوسف، لتحقق المصلحة، وغير لازم عند الطرفين، فيثبت لها خيار البلوغ عند أبى حنيفة ومحمد، ولا يثبت عند أبى يوسف (3) . وأما ابن الأخ لأم فليس له ولاية فى النكاح عند محمد، إذ ليس لغير العصبات ولاية عنده، وتثبت له الولاية عندهما، يبينها صاحب الدر المختار بقوله: الأم (4) وأم الأب والبنت وبنت الابن وبنت البنت وبنت ابن الابن وبنت بنت البنت وبقية الفروع وإن سفلوا، والجد الفاسد والأخت الشقيقة والأخت لأب والأخ لأم ذكرا كان أو أنثى وابن الأخ لأم بعد هؤلاء تثبت ولايته عند الشيخين ويقدم على العمات والأخوال والخالات ... الخ. المذهب المالكى: جاء فى كتب المالكية (5) أن ولاية ابن الأخ شقيقا أو لأب لا تكون إلا بعد فقد الأبناء وإن سفلوا، والآباء والأخوة الأشقاء والأخوة لأب، على أن يقدم أبناء الأخوة الأشقاء على أبناء الأخوة لأب، ثم الجد ثم العمومة ثم المولى ثم السلطان فهم يقدمون ابن الأخ الشقيق أو لأب على الجد. مذهب الشافعية (6) : لا ولاية لابن الأخ مطلقا فى النكاح، إلا بعد الأب والجد والأخ الشقيق والأخ لأب، ويقدم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، ويليهما العم وابنه، فإذا عدمت العصبات، فالمعتق ثم عصباته ثم الحاكم، ولم يذكر كل من المالكية والشافعية ذوى الأرحام، ومنهم ابن الأخ لأم فى ولاية النكاح. المذهب الحنبلى (7) : لا ولاية لابن الأخ مطلقا فى النكاح مع وجود الأب والجد والابن وابنه والأخ الشقيق والأخ لأب، وهو مقدم على الأعمام وأبنائهم، وقالوا: ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ لأم وابنه، ونقل أنه قول الشافعى وأحد روايتين عن أبى حنيفة. المذهب الظاهرى كما يصوره ابن حزم: أجمل ابن حزم فقال (8) : إن الولى فى النكاح، الأب أو الأخوة أو الجد أو الأعمام أو بنو الأعمام وإن يعدوا، والأقرب فالأقرب أولى، وليس ولد المرأة وليا الخ.. ثم قال: فإن أبى أولياؤها من الإذن لها زوجها السلطان. الشيعة الجعفرية (9) : ينصحون على أنه لا ولاية فى النكاح لغير الأب والجد له وإن علا، والمولى والحاكم والوصى، فلا ولاية لابن الأخ من أى نوع كان عندهم. الزيدية (10) : والزيدية كالأحناف فى ترتيب ولاية النكاح عندهم بين العصبات فيقدم فيها جهة البنوة، ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة، ويقدم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، وكلاهما يقدم على الأعمام وبنيهم، ولا يذكر الزيدية أيضا كالمالكية والشافعية ذوى الأرحام ومنهم ابن الأخ لأم فى ولاية النكاح. الإباضية (11) : أولى الأولياء بالنكاح الأب فالجد فالأخ فابن الأخ. ويلاحظ أن من ذهب من الفقهاء إلى إثبات الولاية لابن الأخ فى النكاح يرى أنها ليست ولاية إجبار، ما عدا الأحناف، إذ يجعلون للولى حق تزويج الصغيرة والصغير دون انتظار لبلوغهما- انظر مصطلح ولاية، نكاح. ب) ولاية ابن الأخ فى الحضانة: المذهب الحنفى: الحضانة لا تكون لابن الأخ إلا بعد انعدام النساء اللاتى لهن حق الحضانة والآباء، والأخ لأبوين أو لأب، على أن يقدم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، جاء فى التنوير وشرحه وحاشية ابن عابدين: " تثبت الحضانة للأم، ثم أم الأم، ثم أم الأب وإن علت، ثم الأخت الشقيقة، ثم الأخت لأم، ثم الأخت لأب، ثم بنت الأخت كذلك، ثم الخالات كذلك، ثم العمات كذلك وقال صاحب الدر: ثم حانة الأم كذلك، ثم خالة الأب كذلك، ثم عمات الأمهات والآباء بهذا الترتيب، ثم العصبات بترتيب الإرث، فيقدم الأب ثم الجد، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم بنوه كذلك. وقال ابن عابدين: أى بنو الأخ الشقيق ثم بنو الأخ لأب وكذلك كل من سفل من أولادهم، ثم العم (12) إلخ. فابن الأخ لأم على هذا لا يستحق فى الحضانة، لأنه ليس من نساء ذوى الأرحام ولا من العصبات غير أن العينى فى شرحه على الكنز (13) يقول: إذا لم يكن للصغير عصبة يدفع إلى ذوى الأرحام عند أبى حنيفة كالأخ من الأم، وعم من الأم، وخال ونحوهم، لأن لهم ولاية النكاح، فكذا الحضانة. وهذه العبارة تشمل ابن الأخ لأم. المذهب الشافعى: للشافعية نظام فى ترتيب الحضانة فيما إذا اجتمع النساء فقط، أو الذكور فقط، أو اختلط الصنفان، ومرتبة ابن الأخ لأبوين أو لأب إذا اجتمع الذكور فقط، تكون بعد الأب، والجد، والأخ بأقسامه الثلاثة، ويلى هؤلاء العم لأبوين أو لأب، فإذا اجتمع النساء والرجال فإن منزلة ابن الأخ ت كون بعد انعدام الأصناف الأربعة: الأم وأمهاتها والأب وأمهاته ثم انعدام الأقرب من الحواشى، ذكورا كانوا أو إناثا. المذهب الحنبلى (14) : يقول الحنابلة أن ترتيب ابن الأخ الشقيق فابن الأخ لأب بين الرجال من العصبات فى استحقاق الحضانة يكون بعد الأب والجد والأخ الشقيق والأخ لأب، أما الأخ لأم فهو من الرجال ذوى الأرحام الذين لا حق لهم فى الحضانة عند وجود أحد من أهل الحضانة سواهم، فإن لم يكن هناك غيرهم احتمل وجهين، أحدهما: تثبت لهم الحضانة، والثانى لا حق لهم فيها وينتقل الأمر إلى الحاكم. وإذا اجتمع الرجال والنساء وانعدمت الأمهات والآباء والأخوات والأخوة تكون الحضانة لأبنائهم، ولا حضانة لابن الأخ لأم (15) . الحضانة لابن الأخ تكون عند انعدام الأمهات والخالات وجدة الأب والأب والأخت والعمة وخالة الأب والوصى والأخ والجد، ويقدم ابن الأخ الشقيق ثم لأم ثم لأب، يقول خليل والدردير (17) : " يقدم الشقيق ذكرا أو أنثى، ثم الذى للأم، ثم الذى للأب فى جميع المراتب التى يمكن فيها ذلك"، ونصوا على أنه يقدم فى المتساويين بالصيانة والشفقة. المذهب الظاهرى: نص ابن حزم (18) على أن الحضانة تكون للأم والجدة، ثم الأب والجد، ثم الأخ والأخت، ثم الأقرب فالأقرب، هذا إذا استووا فى صلاح الحال. الشيعة الجعفرية: ينصون (19) على أن الحضانة بعد الأم والأب والجد تكون للأقارب، الأقرب منهم فالأقرب وقيل لا حضانة لغير الأبوين اقتصارا على موضع النص. الزيدية يقولون (20) : متى بطلت حضانة النساء فالأقرب فالأقرب من العصبة المحارم كذلك، ولا حق لمن عدا الأب من الرجال مع وجود أحد من النساء ولو فى درجتهن قربا. (انظر ترتيب الحضانة فى مصطلح حضانة) . ) ولاية ابن الأخ فى استيفاء القصاص: المذهب الحنفى: يقول ابن عابدين (21) : إن القود من قبيل الولاية على النفس، فيليه الأب كالإنكاح. والأخ يملك الإنكاح ... ولا يملك القود ... وقد جعل التشفى للأب كالحاصل للابن بخلاف الأخ، ثم نقل عن الاتقانى: أن الأخ يملك القود أيضا إذا لم يكن ثمة أقرب منه. فعلى القول بأن الأخ لا ولاية له هنا فلا ولاية لابنه بالأولى، وعلى القول بإثبات الولاية له هنا عند انعدام من هو أقرب من العصبات، فيحتمل أن يحل ابن الأخ الشقيق أو لأب بمحل الأخ الشقيق أو لأب. وأما أبن الأخ لأم فإنه من ذوى الأرحام، ولا ولاية لهم فى القصاص. المذهب المالكى: يقول المالكية (22) إن الاستيفاء فى النفس للعاصب الذكر ... ويقدم الابن فابنه كالولاء يقدم الأقرب فالأقرب من العصبة فى إرثه إلا الجد والأخوة، فسيان هنا فى القتل والعفو، قال الدردير: " وأشعر الاستثناء بسقوط بنيهم مع الجد لأنه بمنزلة أبيهم". المذهب الشافعى: نص الشافعية (23) : على أن الصحيح ثبوته لكل وراث بفرض أو تعصيب بحسب إرثهم للمال، سواء أورث بنسب وإن بعد كذوى رحم إن ورثناه، أم بسبب كالزوجين، فابن الأخ الوارث يستحق استيفاء القصاص بحسب حاله فى الميراث. مذهب الحنابلة: ينص الحنابلة على أن القصاص لورثة المقتول (24) ، ولم نر لهم بيان ترتيب معين، ويظهر من إضافة الحكم إلى الوراثة أن الترتيب يكون حسب ترتيب الوراثة. ولم تقف للظاهرية على تحديد فى ذلك. الشيعة الجعفرية: يرى الجعفرية (25) : أن القصاص يرثه وارث المال مطلقا، إلا الزوجين وقيل ترثه العصبة لا غير، وهم الأب ومن تقرب منه دون الأخوة والأخوات لأم ومن يتقرب بها من الخئولة وأولادهم، والأول أقوى، وواضح أن القول الأول يشمل ابن الأخ الشقيق أو لأب دون ابن الأخ لأم. الزيدية: يرى الزيدية (26) أن ولاية القصاص يستحقها الوارث بنسب أو سبب وينقلون ذلك عن الأحناف والشافعية كما ينقلون عن المالكية أنه يختص بالعصبة كولاية النكاح.. انظر مصطلح قود. ثالثا- النفقة على ابن الأخ وله: المذهب الحنفى (27) : تجب النفقة لكل رحم محرم عاجز عن الكسب بقدر الإرث، ويتحقق فى ابن الأخ أنه رحم محرم، فتجب له النفقة من عمه أو عمته، كما تجب عليه النفقة لعمه أو عمته بقدر الإرث. وقد نص الحنابلة (28) : على أنه لا نفقة لابن الأخ على عمته، ولا نفقة لها عليه وفى رواية عن أحمد (29) بوجوب النفقة على ابن الأخ لعمته، وقال القاضى: أن الرواية السابقة محمولة على العمة من الأم. كما نصوا (30) على أن النفقة تجب على كل وارث لمورثه بشروط، فيدخل فيهم بتلك الشروط ابن الأخ. كما نصوا (31) : على أن ترتيب النفقات الواجبة على ترتيب الإرث. وينص ابن حزم الظاهرى (32) : أنه إن فضل شىء عن نفقة الشخص على نفسه وأصوله وفروعه والأخوة والأخوات والزوجات أجبر على النفقة على ذوى رحمه المحرمة وموروثيه إن كان لا مال لهم ولا عمل، وهم الأعمام والعمات وإن علوا، وبنو الأخوة وإن سفلوا. وينص الزيدية (33) على قاعد عامة تقول: على كل موسر نفقة معسر على ملته إذا كان يرثه بالنسب ونقلوا عن بعض المذاهب موافقتهم على ذلك. وينص الشيعة الجعفرية (34) على أن النفقة بعد الزوجة والأبوين والأولاد لا تجب على غيرهم، بل تستحب وتتأكد فى الوارث. فنفقة ابن الأخ له وعليه مستحبة مؤكدة فى حال الإرث عندهم. أما المالكية والشافعية فلم تقف فيما رجعنا (35) إليه عندهم فى النفقة على غير الأصول والفروع من الأقارب (انظر مصطلح نفقة الأقارب) . رابعا: رجوع ابن الأخ فى الهبة: الأحناف يقولون (36) : إن من موانع الرجوع فى الهبة القرابة، على معنى أنه لو وهب لذى رحم محرم منه لا يرجع فى الهبة. وابن الأخ داخل فى ذلك كالعم والعمة. ويرى المالكية (37) : كما فى متن خليل والدردير وحاشية الدسوقى: أن الهبة من ابن الأخ أو له لا رجوع فيها إذ لا يرون الاعتصار، أى الرجوع فى الهبة إلا لكل من الأب والأم فى بعض الأحوال للأبناء، وفى رواية عن مالك، قصر ذلك على الأب فقط. والشافعية (39) كالمالكية فى عدم جواز الرجوع فى الهبة لابن الأخ أو منه، وكذا الظاهرية (40) ولم يجز الحنابلة (41) الرجوع فى الهبة إلا للأب وحده، وكذا الإباضية (42) والزيدية (43) ، والجعفرية (44) يقولون: إن الرحم مانع وإن لم يكن محرما، ففى الهبة لابن الأخ أو منه لا يصح الرجوع. (انظر مصطلح هبة- رجوع- اعتصار) . خامسا: دفع الزكاة لابن الأخ: الأحناف: الزكاة تجوز لمن عدا الأصول والفروع كالإخوة والأعمام الفقراء، بل هم أولى، لأنها صلة وصدقة، حتى لو كانت نفقته واجبة عليه ما دام لا يحبسها من النفقة (45) ولا يمنع المالكية إعطاءها للأقارب، ومنهم ابن الأخ والعم إلا إذا كانت نفقته تلزم المزكى (46) . وينص الشافعية (47) : على أن من الأصناف الذين لا تدفع لهم الزكاة من تلزم المزكى نفقته بزوجية أو بعضية فلا يدفعها إليهم باسم الفقراء، ولا من سهم المساكين، وله دفعها إليهم من سهم باقى الأصناف إذا كان منهم، وابن الأخ لا تلزم النفقة إليه، لا بزوجية ولا ببعضية. ويقول الحنابلة (48) : إن من عدا الأصول والفروع فمن لا يورث منهم يجوز دفع الزكاة إليه، وفى رواية عن بعض أئمة المذهب أن يعطى كل القرابة إلا الأبوين والولد، وفى رواية لا يجوز دفعها إلى من تلزمه مؤنته، فعلى هذا إن كان أحدهما يرث الآخر كالعمة مع ابن أخيها، فعلى الوارث منهما نفقة مورثه، وليس له دفع زكاته إليه. ويقول الشيعة الجعفرية تعطى الزكاة لجميع الأقارب إلا من تلزمه نفقته، جاء فى المختصر النافع (49) : إن من شروط الزكاة لا يكون المعطى ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا، والزوجة والمملوك ويعطى باقى الأقارب. ويقول ابن حزم الظاهرى (50) : من كان أبوه أو أمه أو ابنه أو أخوته أو امرأته من الغارمين، أى مدينين أو غزوا فى سبيل الله، جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض، لأنه ليس عليه أداء ديونهم، ولا عونهم فى الغزو كما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء، ومقتضاه أن من تلزمه نفقتهم لا تدفع الزكاة لهم، وقد تقدم رأيه فى النفقة لابن الأخ. ونص الزيدية (51) : على أن الزكاة لا تجزىء فى أصوله أو فروعه ولا فيمن يلزمه إنفاقه حال الإخراج إذ ينتفع بها بإسقاط النفقة. ونص الإباضية (52) : على أن الرجل لا يعطى زكاته لكل من تلزمه نفقته. (انظر مصطلح زكاة) . 1) 2)   3) يرجع فى هذا إلى باب الميراث فى سائر كتب الفقه. 4) حاشية ابن عابدين 2 ص337. 5) المرجع السابق 2 ص330، 332. 6) المرجع السابق 2 ص338. 7) حاشية الدسوقى على الدردير 2 ص225. وبداية المجتهد لابن رشد 2 ص11. 8) شرح الخطيب على بى شجاع 3 ص341. 9) المغنى لابن قدامة 6 ص456، 460 طبعة المنار سنة 1367. 10) المحلى 9 ص551. 11) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية 2 ص71. 12) البحر الزخار 3 ص46. 13) شرح النيل 1 ص266. 14) التنوير وشرحه وحاشية ابن عابدين 2 ص687 فما بعدها. 15) العينى على الكنز 1 ص228 مطبعة وادى النيل بمصر سنة 1299ههجرية. 16) المغنى لابن قدامة 7 ص622 فما بعدها. 17) المغنى لابن قدامة 7 ص604. 18) الدردير على خليل وحاشية الدسوقى 2 ص526. 19) المرجع السابق ص528. 20) المحلى 10 ص392. 21) الروضة البهية 2 ص140. 22) البحر الزخار 3 ص288. 23) 5 ص376. 24) الدسوقى على الشرح الكبير 4 ص256. 25) نهاية المحتاج 7 ص283. 26) المغنى 7 ص742. 27) الروضة البهية 2 ص415. 28) البحر الزخار 5 ص235. 29) الدر وابن عابدين عليه 2 ص729، 740. 30) المغنى 7 ص586. 31) المرجع السابق ص590. 32) المرجع السابق ص 589. 33) المرجع السابق ص592. 34) المحلى 10 ص124. 35) البحر الزخار 3 ص280. 36) المختصر النافع ص915. 37) حاشية الدسوقى والخطيب على أبى شجاع. 38) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 4 ص596، والعينى على الكنز 2 ص188. 39) حاشية الدسوقى والدردير على خليل 4 ص110. 40) بداية المجتهد 2 ص279. 41) حاشية البجرمى على الإقناع 2 ص279. 42) المحلى 9 ص155. 43) المغنى 5 ص609، 610. 44) النيل وشرحه 6 ص8. 45) البحر الزخار 4 ص139. 46) الروضة البهية 1 ص268. 47) ابن عابدين 2 ص69. 48) حاشية الدسوقى 1 ص498. 49) البجرمى على الإقناع 2 ص317. 50) المغنى 2 ص647، 648.س 51) ص79. 52) المحلى 5 ص447. 53) البحر الزخار 2 ص177. 54) شرح النيل 1 ص145. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 ابن الأخت ابن الأخت قد يكون ابن أخت شقيقة أو لأب أو لأم، أما الابن رضاعا من الأخت النسبية أو الابن النسبى من الأخت الرضاعية فيرجع فيه إلى رضاع. وابن الأخت رحم محرم لخالته فيحرم عليه نكاحها. ميراث ابن الأخت: يشمل الكلام فى ميراث ابن الأخت نقطتين: الأولى: ميراثه باعتباره من ذوى الأرحام والثانية: كيفية توريثه عند من يقول بتوريثه. وقد اختلف الفقهاء فى النقطة الأولى: فمذهب الحنفية والحنابلة والإمامية والزيدية والإباضية أنه من الوارثين باعتباره من ذوى الأرحام، لأن ذوى الأرحام يرثون عندهم. أما المالكية فلهم فى ذلك آراء: فرأى متقدميهم أن ذوى الأرحام لا ميراث لهم، ويعطى المال الباقى بعد أصحاب الفروض والعصبات أو المال كله عند عدم وجود أحد منهم لبيت المال، ولو كان غير منتظم، واتفق شيوخ المالكية المعتد بهم بعد المائتين على توريث ذوى الأرحام، إذا كان بيت المال غير منتظم، وقيل أن بيت المال إذا كان غير منتظم يتصدق بالمال عن المسلمين، لا عن الميت، والقياس صرفه فى مصارف بيت المال إن أمكن، وذو الرحم أولى إن كان من مصارف بيت المال. وعند الشافعية رأيان: الأول: وهو المذهب عدم توريث ذوى الأرحام ويصرف فى مصالح المسلمين. والثانى: أنهم يرثون بعد أصحاب الفروض والعصبات. وابن حزم الظاهرى يرى عدم توريث ذوى الأرحام ومن بينهم ابن الأخت. أما فى النقطة الثانية: فالحنفية يقسمون ذوى الأرحام إلى أصناف أربعة: فروع الميت وأصوله، وفروع أبويه وفروع أجداده، فيكون ابن الأخت عنهم من الصنف الثالث، وإنما يرث عند عدم وجود أحد من الصنفين الأولين، فإذا انفرد أخذ كل التركة، فإذا اشترك معه غيره من الصنف الثالث قدم الأقرب درجة، ثم الأقوى قرابة، وعند الاستواء يكون للذكر مثل حظ الأنثيين. وعند الحنابلة والزيدية والإمامية والإباضية ومن يورثه من المالكية والشافعية: ينزل منزلة أصله الذى يدلى به إلى الميت، وهو الأصح عند المالكية ممن يورثون، فيعطى ابن الأخت على هذا نصيب أمه (1) . الهبة لابن الأخت: إذا وهب الرجل لابن أخته فتمت الهبة بالقبض امتنع عليه الرجوع فى جميع المذاهب اتفاقا، أما قبل القبض فإن الهبة لم تتم، وعلى ذلك يكون الرجوع فى هذه الحالة رجوعا عن الإيجاب، وهو جائز سواء أكان ذلك قبل القبول أم بعده، خلافا لمالك، فإنه يمتنع عليه الرجوع بعد إيجابه على المشهور ولو بعد القبول (2) . مذهب الحنفية والظاهرية والإباضية والزيدية تجب النفقة لذى الرحم المحرم، ومنهم ابن الأخت بشروط وجوبها (انظر نفقة) ، أما الحنابلة فعندهم روايتان: الأولى تقضى بعدم وجوبها إن كانوا من غير ذوى الرحم، نص عليها أحمد، والثانية وهى رواية أبى الخطاب تقضى بأن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات، وذوى الفروض، لأنهم وارثون فى تلك الحالة (3) . ابن الأخت فى أحكام الجنازة: الحنفية: إذا ماتت المرأة ولا امرأة معها تغسلها، ولكن معها ذو رحم محرم منها كابن أختها فإنه ييممها باليد لا بالخرقة، ولا فرق بين العجوز والشابة. المالكية والشافعية والزيدية: يغسل الميتة ذو الرحم المحرم منها، يدلك ما ينظره ويصب على العورة مستترة. الإباضية: ورد فى مذهبهم أقوال: منشؤها هل يجوز للرجل مس ما يباح النظر إليه من المرأة أم لا؟ وبهذا قالوا: إذا كان الرجل منفردا أو المرأة منفردة فالرجل تغسله ذات الرحم المحرم كالخالة مثلا، غير الفرجين، لا العكس أى لا يغسل الرجل ذات الرحم المحرم منه بل ييممها، وقيل يُغسَّل كل منهما الآخر من فوق ثوب ويدلك بما يصلح للتدليك، وقيل يصب الماء عليه صبا، والطفل إلى سن السابعة يغسله الرجال والنساء. الظاهرية والإمامية: ذو الرحم المحرم وذات الرحم المحرم يغسل كل منهما الآخر من فوق الثياب فلا يحل تركه (4) . ابن الأخت فى الزكاة: مذهب الحنفية: يجوز دفع الزكاة إلى القريب الفقير، كابن الأخت مثلا، حتى ولو كان فى عيال المزكى بشرط ألا يفترض القاضى له نفقة على المزكى، فإن كانت له نفقة مفروضة من القاضى فدفعها إليه بنية الزكاة لا يجوز، لأنه أداء واجب بواجب آخر، وهذا لا يجوز، أما إذا دفعها إليه ولم تحسب من النفقة المفروضة عليه، فذلك جائز، لأنه صدقة وصلة، والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية يجوز عندهم دفعها له بشرطين، ألا يكون وارثا، وألا يكون له نفقة مفروضة من القاضى، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على المسكين صدقة وهى لذى الرحم ثنتان، صدقة وصلة) . الإباضية: لا يجوز دفعها إلى القريب الفقير إلا بإذن الإمام أو نائبه. الظاهرية: لا يجوز دفع الزكاة إلى ذى الرحم المحرم كابن الأخت مثلا وغيره، إلا إذا كان من الأصناف المستحقة للزكاة، فإذا كان من المستحقين فهو أولى، لكونها صدقة وصلة، وإن دفعت إليه وهو غير مستحق استردت منه إن كانت قائمة، وإلا أعاد إخراجها لحديث: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) (5) . ابن الأخت فى حد السرقة: إذا سر ق الرجل مقدار نصاب من مال ذى الرحم المحرم كخاله وخالته وبالعكس فهل تقطع يده حدا؟ قال الحنفية: لا حد عليه، لأنه مال ذى رحم محرم، ولا قطع فى سرقته، لأنها قرابة تمنع النكاح وتبيح النظر وتوجب النفقة، أشبه بقرابة الولادة، وفى وجوب الحد عليه تفصيل فى المذاهب الأخرى (انظر سرقة) (6) .   1) راجع للحنفية الميدانى على مختصر القدورى 3 ص327. وللمالكية حاشية الدسوقى 4 ص528. وللشافعية أسنى المطالب 3 ص31، 32. وللحنابلة المغنى 7 ص95 وما بعدها. وللظاهرية المحلى 9 ص316. وللزيدية البحر الزخار 5 ص352. وللإباضية شرح النيل 8 ص411. وللإمامية شرح تحرير الأحكام 2 ص155. 2) راجع للحنفية: فتح القدير 7 ص134. وللمالكية: حاشية الدسوقى باب الهبة 4. وللشافعية: أسنى المطالب 2 ص483. وللحنابلة: المغنى 6 باب الهبة. وللزيدية: البحر الزخار 4 ص135 وما بعدها. وللظاهرية: المحلى 9 ص137. وللإباضية: شرح النيل 6 ص35. وللإمامية: تحرير الأحكام 1 ص282. 3) راجع للحنفية: فتح القدير 3 ص35. وللحنابلة: المغنى 9 ص260. وللزيدية: البحر الزخار 3 ص241 وما بعدها. وللظاهرية: المحلى 10 ص100. وللإباضية: شرح النيل 7 باب النفقة. 4) راجع للحنفية: فتح القدير 1 ص452 - 456. وللشافعية: أسنى المطالب 1 ص313. وللظاهرية: المحلى 5 ص95. وللزيدية: البحر الزخار 2 باب غسل الميت. وللإباضية: شرح النيل 1 ص368 - 379. وللإباضية: تحرير الأحكام الشرعية 1 ص17. وللمالكية: الدردير 1 ص181، 182. 5) راجع الحنفية: فتح القدير 2 ص22. وللمالكية: حاشية الدسوقى 1 باب الزكاة. وللشافعية: أسنى المطالب 1 ص338. وللحنابلة: المغنى 2 ص512. وللظاهرية: 6 ص146. وللزيدية: البحر الزخار 2 ص21. وللإباضية: شرح النيل 2 ص21. وللإمامية: تحرير الأحكام الشرعية 1 ص58. 6) فتح القدير 4 ص226. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ابن البنت أحكامه: 1- نقض الوضوء بالملامسة بين ابن البنت وجدته: الحكم فى هذا مبنى على الخلاف بين الفقهاء فى أن اللمس بين الرجل والمرأة عامة ينقض أو لا ينقض، وخلافهم فى أن المحارم تأخذ حكم الأجانب فى النقض باللمس أو لا (انظر: لمس) . 2- الحكم فى تغسيل ابن البنت لجدته أو الجدة له بعد الموت هو حكم سائر المحارم فى هذا (انظر: غسل الميت) . 3- حكم ابن البنت فى الصلاة على جده وجدته لأمه: مذهب الحنفية: قال فى "شرح الهداية"، فى فصل الصلاة على الميت: " وأولى الناس بالصلاة على الميت السلطان إن حضر، فإن لم يحضر فالقاضى "، إلى أن قال: " ثم الولى، والأولياء على الترتيب المذكور فى النكاح " (1) . وقال صاحب الهداية فى باب الأولياء والأكفاء: "ويجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولى بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا، والولى هو العصبة " (2) . ثم قال: "ولغير العصبات من الأقارب ولاية التزويج عند أبى حنيفة، معناه: عند عدم العصبات ". وفى شرح العناية على الهداية تعليقا على قوله: "ولاية التزويج عند عدم العصبات ": "أى عصبة كانت، سواء كان عصبة يحل النكاح بينه وبين المرأة كابن العم، أو لا يحل النكاح بينهما كالعم، ومولى العتاقة وعصبته من العصبات ". ثم عند أبى حنيفة بعد العصبات الأم، ثم ذوو الأرحام، الأقرب فالأقرب: البنت ثم بنت الابن ثم بنت البنت ثم بنت ابن الابن..إلخ. ومن هذا يؤخذ أن ابن البنت أولى بالصلاة على جده وجدته لأمه بعد العصبات وبعد البنت وبنت الابن على ما ظهر لنا من تقديمهما فى ولاية النكاح التى أحال عليها صاحب الهداية فى باب " الصلاة على الميت "، كما أن جده وجدته لأمه مقدمان فى الصلاة عليه بعد العصبات. وقد قال فى شرح العناية على الهداية: " ذوو الأرحام هنا ليس على مصطلح الفرائض، بل على معناه اللغوى، فإن البنت وبنت الابن من أصحاب الفروض، وكذا الأخوات ". وهل تقدم الأخت على الجد الفاسد، أو يقدم الجد الفاسد على الأخت؟ فى هذا خلاف طويل فى " فتح القدير"، قال فى آخره: " وقياس ما صح فى الجد والأخ عن تقدم الجد يقدم الجد الفاسد على الأخت " 0 ومن هذا يؤخذ أن الجد لأم يقدم على الأخت فى الصلاة على ابن البنت (3) . مذهب الشافعية: فى الجديد أن الولى أولى بإمامة الصلاة على الميت من الوالى، فيقدم الأب، ثم الجد أبو الأب وإن علا، ثم الابن، ثم ابنه، إلى أن قال: ثم ذوو الأرحام يقدم منهم أولاد البنات ثم أبو الأم ثم الأخ للأم (4) . من هذا يتضح ان ابن البنت يقدم فى الصلاة على جدته وجده أبى أمه بالنسبة لمن عداه من ذوى الأرحام، كما أن جده لأمه مقدم فى الصلاة على ابن البنت بالنسبة للأخ للأم والخال.. إلخ. مذهب الحنابلة: يعتبر الحنابلة لذوى الأرحام مرتبة فى الصلاة على الميت، والنص عندهم: " والأولى بالصلاة على الميت إماما وصيه العدل، ثم بعد الوصى السلطان وخلفاؤه من بعده، ثم الحاكم وهو القاضى، ثم الأقرب فالأقرب من العصبة، ثم ذوو أرحامه الأقرب فالأقرب كالغسل، ثم الزوج، ثم الأجانب، فإن استووا أقرع بينهم " (5) . ومن هذا يتضح أن ابن البنت فى صلاته على جده وجدته لأمه تكون مرتبته بعد العصبات، وهو مقدم على من ذكر بعده من الزوج والأجانب، كما يستفاد أن جده لأمه مرتبته بعد العصبات ويقدم على الأجانب. مذهب الظاهرية: قال ابن حزم فى كتابه " المحلى ": وأحق الناس بالصلاة على الميت والميتة الأولياء، وهم الأب وآباؤه والابن وأبناؤه ثم الأخوة الأشقاء ثم الذين للأب ثم بنوهم ثم الأعمام للأب والأم ثم للأب ثم بنوهم ثم كل ذى رحم محرمة،. إلا أن يوصى الميت أن يصلى عليه إنسان فهو أولى، ثم الزوج، ثم الأمير أو القاضى، فإن صلى غير من ذكر أجزأ لقوله تعالى: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب الله " (6) . وهذا عموم لا يجوز تخصيصه. ومن هذا يستفاد أن ابن البنت أحق من غيره بالصلاة على جده وجدته لأمه ما لم يوجد موصى له من الميت بالصلاة عليه أو ولى أقرب، والجد لأم أحق بالصلاة على ابن البنت مالم يوجد من ذكر (7) . مذهب الزيدية: ابن البنت لا حق له فى أولوية الصلاة على جده أو جدته لأمه، بل هو فى ذلك كالأجنبى، ومثله الجد لأم، لأن كليهما من ذوى الأرحام، وليس لأحد من ذوى الأرحام ولاية التقدم فى الصلاة على الميت، بل ذلك للإمام الأعظم وواليه ثم الأقرب الصالح للإمامة فى الصلاة من عصبة الميت، الأقرب فالأقرب على حسب درجتهم فى القرب، وما ورد فى شرح الأزهار من قوله- عليه الصلاة والسلام-: " فإن عدمت العصبة فالأقرب من ذوى رحمه "، لم يؤخذ به فى المذهب، فقد جاء فى الحاشية تعليقا على ذلك قوله: " المذهب أنه لا ولاية لذوى الأرحام " (8) . مذهب الإمامية: جاء فى "الروضة البهية " الجزء الأول (أحكام الأموات) (9) . والأولى بميراث الميت أولى بأحكامه، وبما أن ابن البنت صاحب سهم فى الميراث عند الإمامية فيكون صاحب حق فى التقدم للصلاة على جده وجدته لأمه. وللجد لأم حق التقدم على الغير فى الصلاة على ابن البنت، وترتيبه فى الأولوية ترتيبه فى الميراث (انظر: ميراث) . مذهب الإباضية: ابن البنت أولى بالصلاة على الميت ودفنه من الأجنبى إذا لم يوجد من هو أقرب منه، أو كان الأقرب منه يجهل الصلاة والدفن (10) . الزكاة مذهب الحنفية: الأصل عندهم أن زكاة الفطر تجب على المكلف عن كل من يمونه ويلى عليه، ومن ثم وجبت زكاة الفطر عليه عن أولاده الصغار وعن أولاد أبنائه، وعلى هذا تجب زكاة الفطر عن ابن البنت على جده وجدته متى تحقق أنه يمونه ويلى عليه (11) . مذهب المالكية: ويجب على الشخص إخراج زكاة الفطر عن كل مسلم يمونه بقرابة كالأولاد الذكور إلى البلوغ والإناث إلى الدخول أو الدعاء له مع الإطاقة والوالدين الفقيرين. ويؤخذ من هذا أن ابن البنت لا تجب زكاة فطرته على جده ولا جدته، كما لا تجب زكاتهما عليه، لعدم وجوب النفقة لأحدهما على الآخر. وقد صرح بعدم وجوب النفقة (12) . مذهب الشافعية: ومن وجبت عليه زكاة الفطر لزمته فطرة من تلزمه نفقته، وذلك بملك أو قرابة أو نكاح من المسلمين. ومن هذا يستفاد أن الفطرة تابعة للزوم النفقة، ويدخل فى ذلك ابن البنت تحملا عن أصوله ذكورا وإناثا، وكذلك يتحمله عنه أصوله ذكورا وإناثا (13) . مذهب الحنابلة: ويلزم المسلم فطرة من يمونه هو ومن المسلمين من الزوجات والإماء والموالى والأقارب، ومفاد ذلك أن شأن ابن البنت فى زكاة الفطر أن تكون تابعة للنفقة سواء أكانت له أو عليه (14) . مذهب الظاهرية: ابن البنت لا تلزمه زكاة الفطر عن جده ولا جدته لأمه كما لا تلزم أحدا منهما زكاة فطر ابن البنت، ولا تلزمه الزكاة إلا عن نفسه ورقيقه فقط (15) . مذهب الزيدية: قال فى " البحر الزخار ": وتجب فى مال كل مسلم عنه وعن كل مسلم لزمته نفقته فى فجر أول شوال بالقرابة أو الزوجية أو الرق لقوله - صلى الله عليه وسلم - " وعمن تمونون "، وقول على - عليه السلام-: " من جرت عليك نفقته) " وهو توقيف، وقيل: لا تجب بالقرابة إلا حيث ثبتت الولاية على المال كالأب كالنفقة كما قيل: إن من كانت نفقته تطوعا لم تلزم عنه، وقيل: بل تلزم المنفق. ويستفاد من هذا أن ابن البنت تلزمه زكاة الفطر عن جده وجدته لأمه المسلمين إذا لزمته نفقتهما، وهذا فى مشهور المذهب، كما أن زكاة الفطر عن ابن البنت تلزم جده أو جدته لأمه إذا لزمتهما نفقته، وعلى الرأى الثانى لا تجب على ابن البنت زكاة الفطر عن جده ولا عن جدته لأمه، كما لا تجب عليهما زكاة الفطر عنه، لأن أحدا منهم لا تثبت له الولاية على مال الآخر. أما المصارف فقد جاء فيها قوله فى " البحر الزخار ": " مسألة "، ولا تجزىء الزكاة فى أصوله أو فصوله مطلقا إجماعا، إذ هم كالبعض منه، ولا فيمن يلزمه إنفاقه حال الإخراج، إذ ينتفع بها بإسقاط النفقة وكالآباء والأبناء. ولا تجزىء فى أصول المنفق إذ التطهرة له. ومن هذا يفهم أن ابن البنت لا يجزئه أن يدفع من زكاته لجده أو لجدته لأمه، وكذلك الجد والجدة لأم لا يجزئهما أن يعطيا الزكاة لابن البنت لأنهما من الأصول (16) . مذهب الإمامية: ابن البنت لا تجب عليه زكاة المال إن كان صبيا، وذلك فى زكاة النقدين بإجماع أئمة المذهب، ولا غيرهما فى أصح القولين. وإن كان يستحب لجده أو جدته لأمه إخراجها عنه إن كان ماله تحت يد أحدهما، ويرى بعض أئمة المذهب وجوبها فى غير النقدين على الصبى. ولا تجب زكاة الفطر على ابن البنت إن كان صبيا، بل تجب على من يعوله إن كان من أهلها (17) . وعلى ابن البنت البالغ فطرة جده وجدته لأمه إن كان يعولهما، سواء وجبت نفقتهما عليه أم لم تجب. ويجوز للجد والجدة لأم إعطاء ابن البنت من زكاة مالهما وفطرتهما لسداد دينه أو لاعتباره من أبناء السبيل أو غير ذلك فيما عدا جهة الفقر. وكذا لابن البنت إعطاؤهما من زكاة ماله وزكاة فطره، فقد جاء فى " الروضة البهية ": " ويشترط فى المستحق ألا يكون واجب النفقة على المعطى " من حيث الفقر. أما من جهة الغرم والعمولة وابن السبيل ونحوه إذا اتصف بموجبه فلا، فيدفع إليه ما يوفى دينه والزائد عن نفقة الحضر، والضابط أن واجب النفقة إنما يمنع من سهم الفقراء لقوت نفسه مستقرا فى وطنه. مذهب الإباضية: لابن البنت أن يعطى زكاة ماله لجده وجدته لأمه ما لم تلزمه نفقتهما، وقيل: ما لم يحكم عليه بها، كما يجوز للجدة والجد لأم إعطاء ابن البنت من زكاة مالهما ما لم تلزمهما نفقته، وقيل: ما لم يحكم بها. وجاء فى كتاب " النيل " قوله فى زكاة الفطر: يخرج المرء زكاة الفطر عن نفسه وعمن لزمته نفقته، فيخرج الجد لأم والجدة لأم زكاة الفطر عن ابن البنت، كما يخرج ابن البنت زكاة فطرهما، كل ذلك إذا لزمت النفقة (18) . الميراث مذهب الحنفية: ذو الرحم هو كل قريب ليس بذى سهم ولا عصبة. كانت عامة الصحابة يرون توريث ذوى الأرحام، وبه قال أصحابنا.. وذوو الأرحام أصناف أربعة: الصنف الأول: ينتمى إلى الميت، وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن. الصنف الثانى: ينتمى إليهم الميت، وهم الأجداد الساقطون والجدات الساقطات. والمفتي به عند الحنفية فى توريثهم أن أقرب الأصناف وأقدمهم إلى الميت فى الميراث الصنف الأول ثم الثانى. ومن هذا نأخذ أن ابن البنت يرث جده وجدته لأمه لأنه ينتمى إليهما، وأن جده وجدته لأمه يرثانه لأن الميت ينتمى إليهما. وابن البنت لا يرث إلا عند عدم أصحاب الفروض العصبات، فلو مات شخصا عن ابن بنت فقط كانت التركة كلالة، فإن تعدد اشتركوا، فإن كان معه بنت بنت كان للذكر مثل حظ الأنثيين (19) . مذهب المالكية والشافعية: الأصل عندهم أنه لا يرث ذوو الأرحام. وأفتى المتأخرون بالرد على أصحاب الفروض غير الزوجين إذا لم ينتظم أمر بيت المال، فإن لم يكونوا صرف المال إلى ذوى الأرحام إرثا، والأصح فى توريثهم مذهب أهل التنزيل، وهو أن ينزل كل فرع منزلة أصله الذى يدلى به إلى الميت، فيجعل ولد البنت كأمه (20) . مذهب الحنابلة: قال فى " كشاف القناع ": وتوريث ذوى الأرحام عند عدم أصحاب الفروض والعصبات، وهم أصناف: الأول منها ولد البنات فابن البنت يرث جده وجدته لأمه عند عدم أصحاب الفروض والعصبات، ويكون توريثه بتنريله منزلة البنت - أمه - فيأخذ ما كانت تأخذه، فإذا أنفرد أحرز المال كله فرضا وردا، وإذا اجتمع مع أخته أخذا المال بالتساوى لأنهم يرثون بالرحم المجرد، ليسوى بين ذكورهم وإناثهم (21) . مذهب الظاهرية: لا ميراث لابن البنت فى تركة جده وجدته لأمه، ولا ميراث للجد لأم فى تركة ابن البنت لأنهما من ذوى الأرحام ولا ميراث لذوى الأرحام عند الظاهرية (22) . مذهب الإمامية: ابن البنت يقوم مقام أمه عند عدمها، ويرث الثلث مع بنت الابن. وقيل: يرث الثلثين، ولبنت الابن الثلث مع مراعاة لذكورته وأنوثة بنت الابن، وللذكر ضعف الأنثى، فقد جاء فى " الروضة البهية": أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم، سواء أكان أبوا الميت موجودين أم أحدهما أم لا، خلافا للصدوق حيث شرط فى توريثهم عدم الأبوين، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به، فلابن البنت ثلث، ولبنت الابن ثلثان، وكذا مع التعدد. هذا هو المشهور بين الأصحاب رواية وفتوى. وقال المرتضى وجماعة: يعتبر أولاد الأولاد بأنفسهم، فللذكر ضعف الأنثى وإن كان يتقرب لأمه وتتقرب الأنثى بأبيها، لأنهم أولاد حقيقة، فيدخلون فى عموم " يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " (23) . إذ لا شبهة فى كون أولاد الأولاد وإن كن أناثا أولادا، فلابن البنت ثلثان، ولبنت الابن ثلث على خلاف قول المشهور (24) . الوصية مذهب الحنفية: ومن أوصى لأقاربه فهى للأقرب فالأقرب من كل ذى رحم محرم منه، ولا يدخل فيه الوالدان والولد، وهذا عند أبى حنيفة. وقال صاحباه: لكل من ينسب إلى أقصى أب له فى الإسلام 0 ومن هذا يكون ابن البنت داخلا فى الأقارب فى وصية جدته الساقطة أو جده لأمه، كما تدخل فى وصيته لأقاربه جدته غير الصحيحة أو جده لأمه. وجاء فى كتاب " الوقف ": أن من وقف على نفسه وولده ونسله لم يدخل فى وقفه ولد البنت فى الصحيح، وهو ظاهر الرواية، لأن ولد البنت ينسب إلى أبيه لا إلى أبى أمه، والوصية فى الحكم كالوقف (25) . مذهب المالكية: " إن أوصى لأقاربه أو أهله أو ذوى رحمه دخل فيهم أقاربه لأمه إذا لم يكن له أقارب لأب غير وارثين، وإلا قدم الأقارب للأب غير الوارثين ". ومن هذا يفهم دخول الجدة الساقطة فى وصية ابن البنت إذا لم يكن له أقارب لأب غير وارثين (26) . مذهب الشافعية: إذا أوصى لأقارب زيد دخل كل قرابة له وإن بعد، مسلما كان أو كافرا، فقيرا. أو غنيا، وارثا أو غير وارث، إلا أصلا وفرعا فى الأصح أى الأبوين والأولاد، إذ لا يسمون أقارب فى العرف، فيدخل الأجداد والأحفاد. قال القليوبى: وشمل ولد البنت، ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن، لأن الأول أقرب. وفى الوصية لأقرب أقارب زيد، وفى وصية المرء لأقاربه او لأقرب أقاربه لا يدخل الورثة فى الأصح، لأنهم لا يوصى لهم، فيختص بالوصية الباقون، وهذا الإطلاق يدخل ابن البنت فى الصورتين إذا لم يكن وارثا (27) . مذهب الحنابلة: جاء فى " كشاف القناع ": وإن أوصى لقرابته أو لأقرب الناس إليه أو لأقربهم رحما لا يدفع إلى الأبعد مع وجود الأقرب، ولا يدخل فى القرابة من كان من جهة الأم، كالأخوة لأم والجد لها والخال والخالة، وأحال بالحكم على باب الوقف. وفى باب " الوقف " قال: ولا يدخل ولد البنات فى الوقف على ولده أو أولاده أو ذريته ونحوه إلا بصريح، كقوله: وقفت على ولدى وأولادهم على أن لولد الإناث سهما ولولد الذكور سهمين ونحوه، أو بقرينة، كقوله: من مات منهم عن ولد فنصيبه لولده أو قال: وقفت على ولدى فلان وفلان وفلانة وأولادهم. ومن هذا يعلم أن ابن البنت يد خل فى وصية جده وجدته لأمه (28) . مذهب الظاهرية: لابن البنت حق الوصية بما طابت به نفس الموصى " الجد والجدة لأم " لا حد فى ذلك، على ألا تزيد على الثلث، فإن لم يفعل أعطى ابن البنت ولابد ما رآه الورثة أو الوصى (29) . مذهب الزيدية: ولا يختلف حكم الوصية لابن البنت أو منه عن مذاهب أهل السنة الأربعة (30) . مذهب الإمامية: الوصية لابن البنت مستحبة، وارثا كان أم غير وارث، كما أن الوصية من ابن البنت لجده وجدته لأمه كذلك، فقد جاء فى " الروضة البهية " (31) : وتستحب الوصية لذوى القرابة وارثا كان أم غيره، ولا تصح الوصية لأحد من هؤلاء إذا كان حربيا، إذ الحربى لا تصح الوصية له وإن كان رحما، لأن مال الحربى فىء للمسلم فى الحقيقة، ولا يجب على المسلم دفعه إليه، وهذا ينافى صحة الوصية. مذهب الإباضية: يرى الإباضية إن على المكلف الحر أن يوصى لأقاربه الذين يرثون إذا لم يوجد من يمنعه من الإرث، ويكون عاصيا إن لم يفعل (32) . الوقف مذهب الحنفية: إذا وقف على ولده ثم على المساكين، فلولد صلبه، يستوى فيه الذكر والأنثى 0 فإذا لم يكن له ولد وقت الوقف بل ولد ابن كان له، فإن كان ابن بنت لا يدخل فى ظاهر الرواية، وعن محمد يدخل، ولو ضم إلى الولد ولد الولد، فقال: على ولدى وولد ولدى ثم للمساكين، اشترك فيه الصلبيون وأولاد بنيه وأولاد بناته، وأنكر الخصاف رواية حرمان أولاد البنات وقال: لم أجد من يقول برواية ذلك عن أصحابنا، وعلى هذه الرواية الثانية يكون ابن البنت داخلا فى الوقف على ولدى فى الأول إذا لم يوجد إلا هو، كما يدخل فى قوله وولدى وولد ولدى فى الثانية مطلقا (33) . مذهب المالكية: إذا قال: وقفت على ذريتى أو ذرية فلان، أو قال: على ولد فلان وفلانة، أو على أولادى وأولادهم- فإنه يتناول الذكور والإناث وأولادهم وفيهم الحاقد، وفسروا الحاقد بولد البنت (34) . ومن هذا يظهر أن ابن البنت داخل فى الذرية، وفى أولادى وأولادهم فيدخل فى وقف لجده وجدته لأمه فى هذه الصور. مذهب الشافعية: ويدخل أولاد البنات فى الوقف على الذرية والنسل والعقب وأولاد الأولاد، إلا أن يقول: على من ينتسب إلى منهم، فإن أولاد البنات لا يدخلون فيمن ذكر، نظرا إلى القيد المذكور، أى إن كان معتبرا شرعا بأن يكون الواقف ذكرا، فإن كان أنثى دخلوا بجعل الانتساب لغويا (35) . مذهب الحنابلة: قالوا: وإن وقف على عقبه أو عقب غيره أو نسله أو ولد ولده أو ذريته - دخل فيه ولد البنين وإن نزلوا، ولا يدخل فيه ولد البنات بغير قرينة، لأنهم لا ينسبون إليه. وعن الإمام أحمد: يدخلون، وهذه الرواية قدمها فى المحرر والرعاية. واختارها أبو الخطاب فى " الهداية"، لأن البنات أولاده، وأولادهن أولاد أولاده حقيقة. قال فى " الشرح ": " والقول فى دخولهم أصح وأقوى ". وعلى هذه الرواية الثانية يكون ابن البنت داخلا فى وقف جده لأمه وجدته الغير الصحيحة (36) . مذهب الظاهرية: ابن البنت لا يدخل فى الوقف إذا حبس الواقف على عقبه وعلى عقب عقبه، أو على زيد وعقبه، إلا إذا كان ابن البنت ينتهى بنسب آبائه إلى الواقف. قال ابن حزم: ومن حبس على عقبه وعلى عقب عقبه، أو على زيد وعقبه- فإنه يدخل فى ذلك البنات والبنون، ولا يدخل فى ذلك بنو البنات إذا كانوا ممن لا يخرج بنسب آبائه إلى المحبس (37) . مذهب الزيدية: جاء فى " البحر الزخار ": ومن وقف على أولاده وأولادهم عم أولاد البنات، فإن قال: على أولاد أولادى الذين ينتسبون إلى- خرج أولاد البنات (38) . مذهب الإمامية: إذا قال الواقف: وقفت على أولادى- فإن ابن البنت يعتبر موقوفا عليه، ويشترك مع الأولاد فى الوقف. فقد جاء فى " الروضة البهية " قوله: إذا وقف على أولاده اشترك أولاد البنين والبنات، لاستعمال الأولاد فيما يشمل أولادهم استعمالا شائعا لغة وشرعا كقوله تعالى: " يا بنى آدم" (39) ، " يا بنى إسرائيل " (40) و " يوصيكم الله فى أولادكم " (41) ، وللإجماع على تحريم ولد الولد ذكرا وأنثى من قوله تعالى "وحلائل أبنائكم " (42) ، ولقوله -عليه الصلاة والسلام-: " لا تزرموا ابنى " يعنى الحسن.. إلى أن قال وهذا الاستعمال كما دل على دخول أولاد الأولاد فى الأولاد، دل على دخول أولاد الإناث أيضا، وقيل لا يدخل ابن البنت فى الوقف على الأولاد، لأن الوقف على الأولاد لا يشمل أولاد الأولاد. نعم لو قال وقفت على أولاد أولادى، فإنه حينئذ يدخل أولاد البنين والبنات بغير إشكال. وعلى القول بدخول ابن البنت فى الوقف فإن القسمة تكون بين الجميع بالسوية إذ الأصل عدم التفاضل، إلا أن يكون التفضيل بالتسريح، أو بقوله: على كتاب الله، ولا يدخل ابن البنت فيما إذا قال: وقفت على من انتسب إلى. قالوا: وهذا على أشهر القولين عملا بدلالة اللغة والعرف والاستعمال (43) . العتق مذهب الحنفية: ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه، وهذا اللفظ مروى عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام-، وهو بعمومه يتناول كل قرابة محرمية أولادا أو غيره. ومفاد ذلك أن ابن البنت إذا دخل فى ملك جده أو جدته عتق عليهما، كما أن أحدهما إذا دخل فى ملكه عتق عليه (44) مذهب المالكية: وعتق بنفس الملك أصله، أى بمجرد الملك، أى ملك غير المدين نسبا لا رضاعا وإن علا، فينعتق عليه الجد وفرعه وإن سفل بالإناث فأولى بالذكور، وأخوته ولو لأمه بشرط أن يكونا، أى الرقيق والمالك، مسلمين أو أحدهما. وهذا واضح فى أن ابن البنت يعتق على جده وجدته إذا ملكه أحدهما وأن كليهما يعتق عليه بالملك بشرط ألا يكون المالك مدينا (45) . مذهب الشافعية: إذا ملك أصله وفرعه عتق عليه، قال - عليه الصلاة والسلام-: " لن يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه ويعتق " أى بمجرد الشراء يصير عتيقا. وسواء فى الأصل الذكر والأنثى وإن علوا، وفى الصريح كذلك وإن سفل. قال القليوبى تعليقا على قوله " أصله وفرعه": أى من النسب ولو علا أو اختلفا دينا ومن هذا يتضح أن ابن البنت يعتق على جده أو جدته إذا دخلا فى ملك أحدهما، وكذا يعتقان عليه إذا دخلا أو أحدهما فى ملكه. قال الشارح: وسواء الملك الاختيارى بالشراء ونحوه، والقهرى بالإرث، ولا يعتق غير الأصل والفرع من الأقارب (46) . مذهب الحنابلة: قال صاحب " كشاف القناع ": ويحصل العتق بالقول وبالملك، إلى أن قال: وأما الملك الذى يحصل به العتق فمن ملك ذا رحم محرم ولو محالفا له فى الدين، بميراث أو غيره ولو حملا- عتق عليه، والمحرم من لا يحل التزوج به للنسب لا رضاعا ولا مصاهرة. وعلى ذلك إذا دخل ابن البنت فى ملك جده أو جدته عتق عليه كما يعتقان عليه إذا دخلا أو أحدهما فى ملكه (47) . مذهب الظاهرية: ابن البنت إذا ملك جدته أو جده لأمه أو بعضا منهما عتق عليه ساعة يملكه كما يعتق ابن البنت على جدته أو جده لأمه إذا ملكه أحدهما 0 ويجبر ابن البنت على شراء جدته وجده لأمه إذا كان له مال ولو بأغلى من قيمتهم إذا أراد سيدهم بيعهم: فإن أبى لم يجبر السيد على البيع (48) . مذهب الزيدية: جاء فى " البحر الزخار": وأسباب العتق خمسة: الأول: أن يملكه أو بعضه أى أصوله أو أى فروعه عند الأكثر، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " من ملك ذا رحم محرم فهو حر ". ومن هذا يؤخذ أن ابن البنت يعتق اذا. ملكه الجد أو الجدة لأم، كما يعتق كل منهما إذا ملكه ابن البنت، لا فرق فى ذلك بين ملك الكل وملك البعض (49) . مذهب الإمامية: ابن البنت إذا ملك جده أو جدته لأمه عتق كل منهما عليه، وكذلك يعتق ابن البنت لو ملكه جده أو جدته لأمه، وهذا بالإجماع عندهم فى قرابة النسب، وعلى أصح القولين رضاعا، ولا فرق فى ذلك بين الملك القهرى والاختيارى، ولا بين الكل والبعض. وقرابة الشبهة الناتجة عن الوطء بشبهة تأخذ حكم الصحيح، بخلاف قرابة الزنا على الأقوى. وهذا الحكم بالاجماع إذا ملك ابن البنت جده أو جدته لأمه وهو مكلف، أما إذا ملكهما وهو صبى- فقيل: يعتقان عليه فور الملك، وقيل: لا يعتقان عليه إلى أن يبلغ. وهذا مستفاد من قول صاحب " الروضة البهية " فى باب البيوع: " ولا يستقر للرجل ملك الأصول، وهم الأبوان وآباؤهما وإن علوا، والفروع وهم الأولاد ذكورا وإناثا وإن سفلن، والإناث المحرمات كالعمة والخالة والأخت نسبا إجماعا ورضاعا على أصح القولين. ولا يستقر للمرأة ملك العمودين: الآباء وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا، ويستقر على غيرهما وإن حرم نكاحه كالأخ والعم والخال ".. إلخ. وجاء فى كتاب " العتق " من " الروضة البهية " قوله: ويحصل العتق باختيار سببه وغيره، فالأول بالصيغة المنجزة والتدبير والكتابة والاستيلاد، وشراء الذكر أحد العمودين أو المحارم من النساء والأنثى أحد العمودين، كما جاء قوله: وقد يحصل العتق بالملك فيما إذا ملك الذكر أحد العمودين أو إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا والمرأة أحد العمودين (50) . مذهب الإباضية: ابن البنت نسبا إذا ملكه جده أو جدته لأمه عتق عليه مع تمام الشراء، وكذلك يعتق الجد والجدة لأم إذا ملكهما ابن بنتهما نسبا، وأما رضاعا فلا يعتق أحد من هؤلاء بملك الآخر له. فقد جاء فى شرح " النيل " ما نصه: "وإن كانت محرمة لبعض الورثة فاشتراها ذلك البعض وحده أو معهم أو مع بعضهم- حررت عليه مع تمام الشراء، وكان له الولاء. فبتمام الشراء تتحرر، لأن من ملك ذا محرم منه بالنسب أو ملك بعضه خرج حرا. وأما ذو محرم بالرضاع أو بالصهر كأم الزوجة، أو بالزنا فلا يخرج حرا إذا ملكه ذو محرم منه بذلك (51) . المحرمية حرمة النكاح بين ابن البنت وجدته لأمه ثابتة بإجماع المذاهب الثمانية (52) . ولاية التزويج مذهب الحنفية: ابن البنت من ذوى الأرحام، فليس له ولاية على جده وجدته لأمه إلا على مذهب أبى حنيفة حال ضعف أهليتها، وكذلك ليس للجد من ناحية الأم أو الجدة كذلك ولاية على تزويج ابن البنت ناقص الأهلية عند الصاحبين خلافا للإمام (53) . مذهب المالكية والشافعية والحنابلة: ليس لابن البنت ولاية تزويج جده لأمه أو جدته لأمه، كما أنه ليس لهما ولاية تزويجه لعدم العصوبة (54) . مذهب الظاهرية والزيدية والإمامية: ابن البنت لا ولاية لجده لأمه عليه، كما أنه ليس لابن البنت ولاية تزويج جده أو جدته لأمه إذا كانا فاقدى الأهلية "مجنونين " (55) . مذهب الإباضية: يرى الإباضية أن لابن البنت والجد لأم حق ولاية الإنكاح إذا لم يكن هناك ولى، أو غاب الولى فى مسافة ثلاثة أيام فأكثر، أو امتنع بما لا يقبل ولم يكن ولى دونه، أو كان ولى كالعدم كمجنون ومرتد ومشرك، فذو الرحم حينئذ أولى من السلطان، واختار البعض السلطان ولو جائرا (56) . الشهادات مذهب الحنفية: يقولون فى باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل: ولا تقبل شهادة الوالد لولده نسبا وولد ولده، ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده لحديث: " لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته ولا العبد لسيده ولا المولى لعبده ولا الأجير لمن استأجره "، ولأن المنافع بين الأولاد والآباء متصلة (57) . مذهب المالكية: ولا تقبل شهادة لمتأكد القرب، لاتهامه بجر النفع لقريبه، كوالد لولده وإن علا كالجد وأبيه، وولد لوالده وإن سفل كابن الابن وابن البنت (58) . مذهب الشافعية: ولا تقبل الشهادة لأصل ولا فرع للشاهد وتقبل منه عليهما (59) . مذهب الحنابلة: من موانع الشهادة قرابة الولادة، فلا تقبل شهادة عمودى النسب بعضهم لبعض من والد وإن علا ولو من جهة الأم كأب الأم وأبيه وجده، ولا من ولد وإن سفل من ولد البنين أو البنات، لأن كلا من الوالدين والأولاد متهم بالنسبة لصاحبه لأنه يميل إليه بطبعه، وسواء اتفق بعضهم أو اختلف، وسواء جر بها نفعا للمشهود له أو لا. وتقبل شهادة بعضهم على بعض لانتفاء التهمة (60) . مذهب الظاهرية: جاء فى " المحلى": وكل عدل فهو مقبول لكل أحد وعليه، كالأب والأم لابنهما ولأبيهما، والابن والابنة للأبوين والأجداد والجدات، والجد والجدة لبنى بنيهما، وكذا سائر الأقارب بعضهم لبعض كالأباعد ولا فرق.. إلخ. ومن هذأ يؤخذ أن الظاهرية يقبلون شهادة ابن البنت إذا كان عدلا، كما تقبل الشهادة عليه من جده أو جدته لأمه (61) . مذهب الزيدية: تقبل شهادة ابن البنت لجده وجدته لأمه، كما تقبل شهادتهما له بشرط العدالة، فقد جاء فى " البحر الزخار": وتصح من الوالد لولده والعكس، لعموم قوله تعالى:" ذوى عدل " (62) وتقبل من الأقارب بعضهم لبعض. وجاء فى شرح الأزهار: تجوز شهادة الابن لأبيه والأب لابنه والأخ لأخيه، وكل ذى رحم لرحمه إذا كانوا عدولا (63) . مذهب الإمامية: اشترط الإمامية فى قبول الشهادة عدم التهمة (وهى أن يجر إليه بشهادته نفعا أو يدفع عنه بها ضرا) ولا يقدح مطلق التهمة، فإن شهادة الصديق لصديقه مقبولة، والوارث لمورثه بدين وإن كان مشرفا على التلف ما لم يرثه قبل الحكم بموجب الشهادة، وعلى هذا تقبل شهادة كل منهما للآخر عند انتفاء التهمة المانعة (64) . مذهب الإباضية: فقهاء الإباضية يمنعون قبول شهادة ابن البنت لجده أو جدته لأمه، كما يمنعون قبول شهادة أحدهما له، فقد بين صاحب شرح " النيل ": من لا تقبل شهادته وذكر منهم متأكد القرب كأب وإن علا وولد وإن سفل (65) . القضاء مذهب الحنفية: كل من تقبل شهادته له وعليه يصح قضاؤه له وعليه (66) . مذهب المالكية: ولا يحكم الحاكم لمن لا يشهد له كأبيه وابنه وأخيه وزوجته إلا بإقرار المدعى عليه اختيارا وجاز أن يحكم عليه. ومفاد هذا عدم الحكم من ابن البنت لجده أو لجدته ولا من الجد لابن بنته إلا إذا كان الخصم المدعى عليه مقرا بالاختيار إذ لا تهمة حينئذ (67) . مذهب الشافعية: ولا ينفذ حكمه لنفسه ورقيقه وشريكه فى المشترك، وكذا أصله وفرعه ورقيق كل منهما وشريكه فى المشترك على الصحيح، والثانى ينفذ حكمه لهم بالبينة. فيتضح من ذلك عدم نفاذ حكم الجد لأم لابن بنته، كما أنه لا ينفذ حكم ابن البنت لجده أو لجدته، وعلى القول الثانى ينفذ حكم كل منهما للآخر بالبينة لعموم الأدلة (68) . مذهب الحنابلة: أنه لا يصح للقاضى أن يحكم لذى رحم محرم منه وله الحكم عليه (69) . مذهب الإباضية: قال فقهاء الإباضية: ويحكم بين القرابة كالأب والابن، فإن تحاكم إليه قريبه مع غيره فليدفعهم إلى غيره، وإن حكم بالحق بينهما فحسن، ويحكم بين قرابته (70) . ويستفاد من هذأ أنه يجوز لابن البنت أن يحكم بين جده لأمه أو جدته لأمه وغيرهم، قريبا كان أم بعيدا وإن كان ينبغى له دفعهم إلى غيره. القصاص مذهب الحنفية: ولا يقتل الرجل بابنه، لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يقاد الوالد بولده "، ولأنه سبب لإحيائه فمن المحال أن يستحق له إفقاده، ولهذا لا يجوز قتله وإن وجده فى صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن، والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا فى هذا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب والأم قربت أو بعدت لما بينا، ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط، ومن هذا يؤخذ أن ابن لبنت يقتص منه لجده أو جدته لأمه ولا يقتص منهما له (71) . مذهب المالكية: إذا قتل الولد أصله عمدا فإنه يقتص منه كالأجنبى، لتحقق شروط القصاص فيه (72) . مذهب الشافعية: ولا قصاص بقتل ولد للقاتل وإن سفل، لحديث " لا يقاد للابن من أبيه "، والبنت كالابن، والأم كالأب، وكذا الأجداد والجدات وإن علوا من قبل الأب أو الأم (73) . مذهب الحنابلة: الشرط الرابع من شروط ثبوت القصاص ألا يكون المقتول من ورثة القاتل، فلا يقتل والد أبا كان أو أما وإن علا بولده وإن سفل من ولد البنين أو البنات للحديث السابق إلى أن قال: " ويقتل الولد المكلف ذكرا كان أو أنثى بقتل واحد من الأبوين المكافئين وإن علوا" (74) . مذهب الظاهرية: يقاد من ابن البنت لجده وجدته كما يقاد له منهما، فقد جاء فى " المحلى" قوله: أن ذا القربى يحد فى قذف ذى القربى، ثم ذكر أن الحدود والقود واجبان على الأب للولد، وقال: أخذا من آية " والذين يرمون المحصنات " (75) إن الله تعالى إذ عم ولم يخص فإنه أراد أن يحد الوالد لولده والولد لوالده بلا شك (76) . مذهب الزيدية: ابن البنت يقتل إذا قتل جده أو جدته لأمه وتوفرت شروط القصاص، ولا يقتل الجد ولا الجدة لأم بقتل ابن البنت، فقد جاء فى " البحر الزخار": ولا يقتل والد بولده لقوله عليه الصلاة والسلام: " لا يقاد والد بولده "، وتلزمه الدية، ثم قال وتجب الكفارة لسقوط القود كالخطأ، قال: والجدات من الطرفين كالأباء ولسقوط القود إذ يعمهم لفظ الولد (77) . مذهب الإمامية: يقتل ابن البنت بجده وجدته لأمه ما لم يكن صبيا أو مجنونا، أو مسلما وجده أو جدته كافرين، أو حرا وهما عبدان، أو كانا غير محقونى الدم. فلو أباح الشرع قتلهما بزنى أو لواط أو كفر فقتلهما ابن البنت فلا قصاص عليه، كذلك الحكم لو قتل الجد أو الجدة لأم ابن البنت فإنهما يقتلان مع توفر الشروط السابقة، فقد جاء فى " الروضة البهية": يقتل الأقارب غير الأب بعضهم ببعض كالولد بوالده الأم بابنها والأجداد من قبلها وإن كانت لأب والجدات مطلقا (78) . مذهب الإباضية: يرى الإباضية أن الجد والجدة يقتلان بابن البنت، فقد جاء فى شرح " النيل ": ولا يقتلان، أى الأب والأم، به أى بولدهما إذا قتلاه. ويقتل به جده وجدته، إلا أن قتلاه لديانته فإنهما يقتلان حدا لا قصاصا، ويقتل الولد بهما (79) . النفقات مذهب الحنفية: قال فى الدر المختار: النفقة لأصوله - ولو كان أب أمه- الفقراء ولو قادرين على الكسب. وفى ابن عابدين تعليقا على قوله " ولد أب " أنه شمل التعميم الجدة من قبل الأب أو الأم، وكذا الجد من قبل الأم كما فى البحر (80) . ويجب للفرع ومنه ابن البنت على أصله والمعتبر فى الوجوب القرب بعد الجزئية دون الميراث (81) . مذهب المالكية: ولا يجب على الولد نفقة جده وجدته مطلقا من جهة الأب أو الأم، ولا يجب نفقة ولد ابن ذكرا أو أنثى على جده، وبالأولى ابن البنت (82) . مذهب الشافعية: يلزم الشخص ذكرا كان أو أنثى نفقة الوالد وإن علا من ذكر وأنثى، ويلزمه نفقة الولد وإن نزل من ذكر وأنثى (83) . مذهب الحنابلة: تجب على الشخص نفقة والديه وإن علوا، ويجب على الشخص أيضا نفقة ولده وإن نزل (84) . مذهب الظاهرية: ابن البنت وإن سفل تجب عليه نفقة جده الفقير مما ينفق منه على نفسه، فإن لم يفضل له عن نفقته شىء لم يكلف أن يشركه فى ذلك أحد (85) . مذهب الزيدية: ابن البنت الموسر تلزمه نفقة جديه المعسرين، ولا يلزم بإعفافهما بالتزويج، وقيل: يلزم (86) . مذهب الإمامية: تجب النفقة لابن البنت على جده وإن علا، كما تجب لجده عليه وإن نزل، بشرط أن يفضل عن قوت المنفق وقوت زوجته ليومه الحاضر وليلته، فإن لم يفضل شىء فلا شىء عليه، لأنها مواساة وهو ليس من أهلها وليس على أحد منهما تزويج الآخر، كما لا يجب عليه تأجير خادم له ولا النفقة على خادمه إلا مع الزمانة المحوجة إليه (87) . مذهب الإباضية: قال الإباضية: وإنه تجب عليك نفقة كل من ترثه، ولا تجب للرحم، إلا إذا لم يكن وارث سواك (88) . وقال: لا يدركها الجد من جهة الأم إلا إذا لم يكن لها وارث سواه، فإنه يرثها وينفقها، وهكذا سائر ذوى الأرحام (89) . وتجب على قدر الإرث والوسع والقتر ولو كلاليا على المختار. ثم قال أيضا: وتجب على قدر الإرث والقتر ولو كلاليا على المختار (90) ، وعلى هذا الرأى تكون نفقة ابن البنت واجبة على جده لأمه إذا لم يكن لابن البنت وارث سوى الجد، كما أن نفقة الجد واجبة على ابن بنته إذا لم يكن للجد وارث سوى ابن البنت. الرأى الثانى فى المذهب: عدم وجوب النفقة على ابن البنت لجده لأمه ولا على الجد لأم لابن البنت لأن وجوب النفقة إنما يكون على العصبات فقط (91) . السرقة مذهب الحنفية: ومن سرق من أبويه وإن علوا، أو ولده وإن سفل، أو ذى رحم محرم منه، لم يقطع (92) . مذهب المالكية: لا يقطع الجد ولو لأم إذا سر ق من مال ابن ولده، للشبهة القوية فى مال الولد وإن سفل، بخلاف الولد يسرق من مال أصله فيقطع لضعف الشبهة (93) . مذهب الشافعية: لا قطع بسرقة مال أصل وفرع للسارق، لما بينهم من الاتحاد (94) . مذهب الحنابلة: ويشترط للقطع فى السرقة انتفاء الشبهة، فلا يقطع بسرقة مال ولده وإن سفل، وسواء فى ذلك الأب والأم والابن والبنت والجد والجدة من قبل الأب والأم (95) . مذهب الظاهرية: جاء فى " المحلى" لابن حزم: وقال أصحابنا: القطع واجب على من سرق من ولد أو من والديه أو من جدته أو من جده أو من ذى رحم محرمة أو غير محرمة، لقوله تعالى: " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " (96) ، فصح أمر الله تعالى، بالقيام عليهم بالقسط وبأداء الشهادة عليهم، ومن القيام بالقسط إقامة الحدود عليهم، ولقوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" (97) . وأوجب رسول الله - عليه الصلاة والسلام- القطع على من سرق وقال: " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ". فلم يخص الله تعالى فى ذلك، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ابنا من أجنبى ولا خص فى الأموال مال أجنبى من مال ابن، ومن هذا يؤخذ أن ابن البنت يقطع إذا سرق من جده أو جدته لأمه كما يقطع الجد والجدة لأم إذا سرقا من ابن البنت (98) . مذهب الزيدية: قال فى " البحر الزخار": ولا يقطع الوالد لولده وإن سفل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " أنت ومالك لأبيك "، فله شبهة، والأم كالأب اتفاقا. ثم قال: ويقطع الولد لوالده، ثم قال: ويقطع سائر الأرحام المحارم وغيرهم (99) . مذهب الإمامية: جاء فى " الروضة البهية": لا يقطع من سرق من مال ولده وإن نزل وبالعكس، وهو ما لو سرق الولد مال والده وإن علا، أو سرقت الأم مال ولدها، يقطع كل منهما لعموم الآية، يريد قوله تعالى: "والسارق والسارقة" خرج منه الوالد، فيبقى الباقى. وقال بعض الفقهاء: لا تقطع الأم بسرقة مال ولدها كالأب، لأنها أحد الوالدين، ولاشتراكهما فى وجوب الإعظام، والجد لأم كالأم. ومن هذا يستفاد أن ابن البنت يقطع فى سرقته من جده أو جدته لأمه متى توفرت شروط القطع، وكذلك الحكم فيما لو سرق الجد أو الجدة لأم ابن بنتهما، وهذا هو مشهور المذهب وهو الأصح. وعند أبى الصلاح: لا يقطع الجد أو الجدة لأم إذ هما كالأم، والأم عنده لا تقطع لأنها كالأب (100) . مذهب الإباضية: يفهم مما ورد فى شرح " النيل " من قوله: ولا يقطع الأب بالسرقة من ابنه، وزاد الشافعى الجد وزاد أبو حنيفة كل ذى رحم- أن الإباضية يقولون يقطع الجد لأم والجدة لأم بالسرقة من ابن البنت، كما يقطع ابن البنت بالسرقة منهما أو من أحدهما، لأنه لما خص القطع بالأب، واعتبر قول الشافعى: بعدم قطع الجد زيادة على الأب- فهم أن المراد عندهم بالأب هو الأب المباشر، وأن الجد لا يدخل عندهم فى الأب، وإلا لما قال: وزاد الشافعى الجد، ولذلك فإن الجد يقطع عندهم. وقولهم: وزاد أبو حنيفة كل ذى رحم، يفهم منه أنهم يقولون بالقطع بحق ذوى الأرحام (101) . القذف مذهب الحنفية: ليس لابن البنت أن يطالب بحد جده لأمه أو جدته لأمه إذا قذفه واحد منهما أو قذف أمه (102) . مذهب المالكية: وليس لمن قذفه أبوه أو أمه وإن علا أحدهما على الراجح، وهو مذهب المدونة، ومقابله يحدان بقذفه تصريحا (103) . مذهب الشافعية: لا يحد الأصل بقذف الولد وإن سفل ذكرا كان أو أنثى، ويبقى ما عدا ذلك على الأصل، وهو وجوب الحد على القاذف (104) . مذهب الحنابلة: قال فى " كشاف القناع": من قذف وهو مكلف مختار محصن ذات محرم حد، سوى أبوى المقذوف وإن علوا فلا يحدان بقذف ولد وإن نزل. ثم قال: ويحد الابن بقذف كل واحد من آبائه وأمهاته وإن علوا لعموم الآية (105) . مذهب الظاهرية: يحد ابن البنت إذا قذف جده أو جدته لأمه كما يحد كل منهما بقذفه، وذلك مفهوم مما جاء فى "المحلى" لابن حزم من أن ذا القربى يحد فى قذف ذى القربى. ثم قال: الحدود والقود واجبان على الأب للولد، وقال: إن ذلك مأخوذ من آية: "والذين يرمون المحصنات " (106) وإذ عم الله تعالى ولم يخص علم أنه أراد أن يحد الوالد لولده والولد لوالده بلا شك (107) . مذهب الزيدية: جاء فى شرح الأزهار: ولو كان القاذف والدا للمقذوف فإنه يلزمه الحد. ثم قال بعد ذلك: ولا خلاف فى أن الابن إذا قذف أباه لزمه الحد. وفى " البحر الزخار " قال: ويحد الوالد للعموم، يريد عموم قوله تعالى: " والذين يرمون المحصنات " الآية. فإذا كان الوالد يحد لقذف ابنه والابن يحد لقذف أبيه فمن باب أولى يحد ابن البنت لقذف جده أو جدته لأمه، كما يحد كل منهما بقذف ابن البنت (108) . مذهب الإمامية: ابن البنت يحد إذا قذف جده أو جدته لأمه، كما يحد كل منهما إذا قذفه، يدل على ذلك ما جاء فى " الروضة البهية " من أن الوالد إذا قذف ولده حد، وبالأولى أن الولد يحد بقذف أبيه، وإذا تقرر هذا الحكم فى القذف بين الوالد والولد فأولى أن يتقرر بين ابن البنت وجده وجدته لأمه (109) . مذهب الإباضية: جاء فى شرح النيل: ويحد الوالد بقذف ولده، ومن هذا يفهم أن الجد والجدة لأم من باب أولى يحد كل منهما بقذف ابن البنت، كما يجد ابن البنت لقذف جده أو جدته لأمه (110) .   (1) شرح الهدايةج2 ص 1 8، 82. (2) المرجع السابق ج 3 ص 172. (3) الهداية ج3 ص 1 18. (4) قليوبى مع شرح الجلال على المنهاج ج1 ص 336 (5) كشاف القناع ج 1 ص393. (6) الأنفال:75. (7) المحلى ج 5 ص143، 144 مسألة584، 585. (8) شرح الأزهار ج 2 ص 427،، 428. (9) ص 38. (10) شرح النيل ج 1 ص 679، 0 68. (11) فتح القدير ج2 ص220. (12) الشرح الكبير ج1 ص 506 والشرح الصغير ج 1 ص 488. (13) قليويى وعميرة على الجلال ج2،ص 34. (14) كشاف القناع ج 1 ص 473. (15) المحلى ج 6 ص 137 مسألة 709. (16) البحر الزخار ج 2 ص 199، 186. (17) الروضة البهية ج 1 ص 120، 131، 132، مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 348، 349. (18) شرح النيل ج2 ص129، ج1 زكاة الفطر. (19) السراجية ص264 وما بعدها. (20) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج4 ص 468 طبعة الحلبى، ونهاية المحتاج ج 6 ص10، 12 طبعة الحلبى. (21) كشاف القناع ج2 ص 584. (22) محلى ج 9 ص 312 مسألة 1748. (23) سورة النساء: 11. (24) الروضة البهية ج 2 ص 309. (25) تكملة فتح القدير ج 8 ص473، وابن عابدين ج 3 ص604 طبعة استانبول. (26) الشرح الصغير ج 2 ص 435. (27) قليوبى وعميرة ج2 ص 170. (28) كشاف القناع ج 2 ص 264، 514. (29) المحلى ج 9 ص 314، 17 3 مسألة 1 175، 1753. (30) البحر الزخار ج5 ص 308، 309. (31) ج 2ص 54،55 (32) شرح النيل ج 6 ص 162. (33) فتح القدير ج 5 ص 451. (34) الشرح الصغير ج 2 ص 286. (35) قليوبى وعميره على الجلال، المحلى ج 3 ص،104. (36) الكشاف ج 2 ص 462. (37) المحلى ج 9 ص83 1 مسألة 656 1 0 (38) البحر الزخار ج4، ص 155. (39) سورة الأعراف: 31 وغيرها. (40) سورة البقرة: 40 وغيرها. (41) سورة النساء: 11. (42) سورة النساء: 23. (43) الروضة البهية ج اص 265، 266. (44) فتح القدير والكفاية ج 4 ص247. (45) الشرح الصغير مع الحاشية ج2 ص 412. (46) القليوبى وعميرة ج 4 ص354. (47) كشاف القناع ج2 ص 628، 629. (48) المحلى لابن حزم ج 9 ص 200 مسألة 667 1. (49) البحر الزخار ج 4 ص 193، 194. (50) الروضة البهية ج 2 ص190، 195. (51) شرح النيل ج 6 ص 329. (52) للأحناف فتح القدير ج 3 ص117، 121. وللمالكية الشرح الصغير ج 1 ص 371، 478. وللشافعية قليوبى وعميرة ج3 ص240 وللحنابلة كشاف القناع ج 3 ص 282، 339. وللظاهرية المحلى ج 9 ص520، 521. وللزيدية البحر الزخارج3 ص31. وللإمامية الروضة البهية ج2 ص80 وللإباضية شرح النيل ج 3 ص 12، 13، 14. (53) الهداية والفتح ج 2 ص 405 وما بعدها. (54) للمالكية: الشرح الصغير ج 1 ص6 35، 357 وللشافعية: الجلال لقليوبى وعميرة ج 3 ص 224.وللحنابلة: كشاف القناع ج3 ص27، 28، 29 (55) للظاهرية المحلى ج 9 ص8 45 وما بعدها. وللزيدية: البحر الزخار ج 3 كتاب النكاح. وللإمامية: الروضة البهية ج 2 كتاب النكاح. (56) شرح النيل ج3 ص70. (57) فتح القدير والكفاية ج 6 ص477. (58) الشرح الصغير ج 2 ص 324. (59) القليوبى وعميرة ج 4 ص 322. (60) كشاف القناع ج 4 ص 261، 262. (61) 1لمحلى ج 9 ص 415. (62) سورة الطلاق: 2 (63) البحر الزخار ج 5 ص 35، 36 وشرح الأزهار ج 4 ص198. (64) الروضة البهية ج1 ص 253. (65) شرح النيل ج 6 ص584، 585. (66) الدر على هامش ابن عابدين ج4 ص 495 طبعة استانبول سنة 1326 هجرية. (67) الشرح الصغير ج 2 ص 316. (68) القليوبى وعميرة ج4 ص303. (69) كشاف القناع ج 4 ص 186. (70) شرح النيل ج 6 ص 556. (71) تكملة فتح القدير على الهداية ج 8 ص259. (72) الشرح الكبير ج 4 ص237. (73) شرح الجلال لقليوبى وعميرة ج4 ص 107. (74) كشاف القناع ج 3 ص 1 35، 352. (75) سورة النور: 4. (76) المحلى ج 10ص295، 296. (77) البحر الزخار باب القصاص 225، 226. (78) الروضة البهية ج 2 ص 404، 405،407. (79) شرح النيل ج 8 ص 75. (80) ابن عابدين ج2 ص696- 698 (81) المرجع السابق ج 2 ص 934. (82) الشرح الكبير ج 2 ص 523. (83) القليوبى وعميرة ج 4 ص 84. (84) كشاف القناع ج 3 ص 313،314 طبعة 319 هجرية. (85) المحلى ج10 المسألة 1933م. (86) البحر الزخار ج3 النفقات. (87) الروضة البهية ج 2 باب النكاح. (88) شرح النيل ج 7 ص207، 208. (89) المرجع السابق ص209. (90) شرح النيل ج 2 باب التفليس. (91) شرح النيل ج 7 ص 208، 211. (92) شرح الهداية مع فتح القدير ج 5 ص 142طبعة الحلبى. (93) الشرح الكبير ج 4 ص337. (94) شرح الجلال المحلى بحاشية القليوبى ج 4ص 188 طبعة دار الكتب العربية. (95) كشاف القناع ج 4 ص 84 المطبعة الشرفية سنة 1319 هجرية (96) سورة النساء: 135. (97) سورة المائدة: 38. (98) محلى ج 11 ص 345، 346. (99) البحر الزخار ج هـ ص172. (100) الروضة البهية ج 2 ص377. (101) شرح النيل ج 7 ص ا 65. (102) فتح القديرج 4 ص 196. (103) الشرح الصغير بحاشية الصاوى ج 2 ص 396. (104) نهاية المحتاج ج 7 ص 415. (105) كشاف القناع ج 4 ص 62، 63. (106) سورة النور: 4. (107) المحلى ج 11 ص 295، 269. (108) شرح الأزهار ج 4 ص 355 والبحر الزخار ج 5 ص 164. (109) الروضة البهية ج 2 ص 365. (110) شرح النيل ج 7 ص 652. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ابن الخال تعريف ابن الخال: ابن الخال: هو ابن أخ الأم، وهو من الصف الرابع من ذوى الأرحام " الصف الرابع هو من ينتمى إلى أجداد الميت وجداته ". عدم محرميته ابن الخال رحم غير محرم، يحل النكاح بينه وبين " ابنة عمته " شأنه شأن الأجنبى فى ذلك وفى كثير من الأحكام. أحكام الجنائز الغسل والتكفين والصلاة مذهب الحنفية: ابن الخال- شأنه شأن الأجانب عن الميت- لا حق له دون غيره فى تغسيل ابن عمته وبنت عمته، ولا يلزم بتكفينهما، لأنه رحم غير محرم فلا ينفرد عن الأجنبى بحكم من هذه الأحكام. وقد جاء فى " مراقى الفلاح " " ولو ماتت امرأة مع الرجال المحارم وغيرهم يمموها - كعكسه- بخرقة تلف على يد الميمم الأجنبى حتى لا يمس الجسد.. وإن وجد ذو رحم محرم ييمم الميت، ذكرا كان أو أنثى، بلا خرقة لجواز مس أعضاء التيمم للمحرم بلا شهوة، كنظرها إليه " (1) . " ومن مات ولا مال له فكفنه على من تلزمه نفقته من أقاربه، وإن لم يوجد من تجب عليه نفقته ففى بيت المال تكفينه وتجهيزه ". "وابن الخال لا تلزمه نفقة لابن عمته ولا لبنت عمته ما لم يكن زوجا لها لأنه ليس ذو رحم محرم منهما ". وسيأتى بيان ذلك فى نفقة ابن الخال (2) . ولابن الخال الحق فى التقدم على غيره إذا لم يوجد من له حق التقدم عليه فى الصلاة. فقد جاء فى المصدر السابق: " السلطان أحق بصلاته ثم نائبه ثم القاضى ثم صاحب الشرط (3) ثم خليفة الوالى ثم خليفة القاضى ثم إمام الحى ثم الولى الذكر ويقدم الأقرب فالأقرب كترتيبهم فى النكاح " (4) . وعبارة ابن عابدين " بترتيب عصوبة الإنكاح ". ولما كان لابن الخال ولاية التزويج بترتيبه الوارد فى ولاية النكاح كان له حق التقدم للصلاة على الميت. وقد استظهر ذلك ابن عابدين فى حاشيته على " الدر المختار"، قال: " والظاهر أن ذوى الأرحام داخلون فى الولاية والتقييد بالعصوبة لإخراج النساء فقط فهم أولى من الأجنبى وهو ظاهر ويؤيده تعبير الهداية بولاية النكاح " (5) . وترتيب ابن الخال فى الصلاة على الميت ترتيبه فى باب الولى فى النكاح- وسيأتى بيانه فى ولاية النكاح لابن الخال. مذهب المالكية: جاء فى " حاشية الخطاب " على خليل، فيمن له حق الغسل: " ثم أقرب أوليائه على ترتيب ولاية النكاح وكذلك حكم التقدم للصلاة عليه " إلا أن يكون زوجا فيقدم على الأولياء فى الغسل بصفته زوجا لا باعتباره ابن خال. وليس لابن الخال ولاية النكاح كما سيأتى فى ولاية النكاح لابن الخال (6) . وأما التكفين: " والكفن على المنفق لقرابة ثم قال: إن لم يكن للفقير والد أو ولد أو كانوا فقراء فعلى بيت المال فإن لم يكن بيت مال أو لم يقدر على ذلك منه فعلى جميع المسلمين. وابن الخال لا تلزمه نفقة كما سيأتى بيانه فى نفقة ابن الخال (7) فى هذا البحث. مذهب الشافعية: ابن الخال له حق التقدم على غيره فى تغسيل ابن عمته بصفته من ذوى الأرحام إذا لم يوجد أحد من عصبته النسبية والسببية. ودوره بين ذوى الأرحام يأتى بعد أولاد بنات العم، وكذلك الحكم فى الصلاة عليه. فقد جاء فى الجزء الثانى من " نهاية المحتاج " ما نصه: " وأولى الرجال بالرجل إذا اجتمع فى غسله من أقاربه من يصلح لغسله- أولاهم بالصلاة عليه، وهم رجال العصبات من النسب ثم الولاء كما سيأتى بيانهم (8) . ثم قال فى نفس المصدر فى بيان الأولى بالصلاة بعد أن ذكر العصبات النسبية والسببية.. ثم ذوو الأرحام الأقرب فالأقرب، فيقدم أبو الأم ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم (9) . وقال الشبراملسى فى حاشيته على نهاية المحتاج إضافة إلى ما ذكر:" والظاهر أن بقية ذوى الأرحام يترتبون بالقرب إلى الميت.. " وقال: ودخل فى بقية الأرحام أولاد الأخوات وأولاد بنات العم وأولاد الخال والخالة.. والأقرب أن يقال تقدم أولاد الأخوات ثم أولاد بنات العم ثم أولاد الخال ثم أولاد الخالة. ولا حق لابن الخال فى تغسيل بنت عمته، فقد جاء فى المصدر المذكور قوله: " وأولى النساء بالمرأة فى غسلها إذا اجتمع من أقاربها من يصلح له قراباتها من النساء.. إلى أن قال: ثم الأجنبية ثم رجال القرابة كترتيب صلاتهم، إلا ابن العم ونحوه من كل قريب ليس بمحرم فكالأجنبى. أما حق ابن الخال فى الصلاة على ابن عمته وبنت عمته فثابت له بعد العصبات. ومن هو أقرب منه من ذوى الأرحام وترتيبه بعد أولاد بنات العم كما ذكر (10) . ولا يلزم ابن الخال بتكفين الميت: إذ التكفين يلزم من تلزمه نفقة الميت حال حياته. " ومحل التكفين أى الأصل الذى يجب منه كسائر مؤن التجهيز أصل التركة (11) . ثم قال: فإن لم يكن فعلى من عليه نفقته من قريب أصل أو فرع صغير أو كبير لعجزه بموته أو سيد فى رقيقه وكذا الزوج فى "الأصح.. إلخ (12) . مذهب الحنابلة: ابن الخال أحق الناس بغسل الميت إذا لم يوجد موصى له ولا عاصب ولا ذو رحم أقرب منه، فقد جاء فى "المغنى " " والشرح الكبير" فى غسل الميت ما يأتى: " وأحق الناس به وصيه ثم أبوه ثم جده ثم الأقرب فالأقرب من عصباته ثم ذوو أرحام إلا الصلاة عليه فان الأمير أحق بها بعد وصيه" (13) . وفى نفس المصدر قال فى ترتيب الأولياء وغيرهم فى الصلاة عليه: " فإن انقرض العصبة من النسب فالمولى المعتق " ثم أقرب عصباته، ثم الرجل من ذوى أرحامه الأقرب فالأقرب ثم الأجانب (14) . أما تكفين الميت فلا يلزم به ابن الخال إلا عند أبى الخطاب من فقهاء الحنابلة، لأن الكفن لا يجب إلا على من تجب عليه نفقة الميت حال حياته. وجاء فى المرجع السابق فى تكفين الميت قوله: " ويجب كفن الميت فى ماله مقدما على الدين وغيره ... إلى أن قال: فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته" (15) . وسيأتى فى النفقات أن ابن الخال لا يلزم بها لأنه من ذوى الأرحام إلا عند أبى الخطاب (انظر: نفقة ابن الخال فى هذا البحث) . وترتيب ابن الخال فى ذلك كله ترتيبه فى الميراث. (انظر ميراث ذوى الأرحام) . مذهب الظاهرية: ابن الخال كغيره من عامة الناس، لاحق له فى التقدم للصلاة على الميت، ولا لإنزاله القبر، كما أنه لا يلزم دون غيره بتكفينه. وقد جاء فى " المحلى ": " حق تكفين الميت - إذا لم يترك شيئا- واجب على كل من حضر من غريم أو غير غريم (16) لقوله تعالى " إنما المؤمنون أخوة " (17) . وفى الصلاة عليه قال: " وأحق الناس بالصلاة على الميت والميتة الأولياء وهم الأب وآباؤه والابن وأبناؤه ثم الأخوة الأشقاء، ثم الذين للأب، ثم بنوهم، ثم الأعمام للأب والأم، ثم للأب ثم بنوهم، ثم كل ذى رحم محرمة إلا أن يوصى الميت أن يصلى عليه إنسان فهو أولى ثم الزوج، ثم الأمير أو القاضى، فإن صلى غير من ذكرنا أجزأه " (18) . مذهب الزيدية: الغسل والصلاة: ليس لابن الخال حق يختص به دون غيره من سائر الأجانب فى غسل الميت والصلاة عليه. فقد جاء فى " البحر الزخار" فى باب غسل الميت: "وأقاربه أولى كالصلاة" (19) . وفى صلاة الجنازة، قال: والأولى بالإمامة الإمام وواليه. فإن كان لا إمام فالأقرب الأقرب الصالح من العصبة " (20) . وفى " شرح الأزهار" قال: " الأولى بالإمامة الإمام الأعظم وواليه ثم الأقرب نسبه إلى الميت الصالح للإمامة فى الصلاة من عصبة الميت " (21) . وأما قول صاحب " شرح الأزهار" بعد ذلك: - قال - عليه السلام-: " فإن عدمت العصبة فالأقرب من ذوى رحمه " فقد علق عليه فى حاشيته من نفس المصدر بقوله: "والمذهب أنه لا ولاية لذوى الأرحام" (22) . أما الكفن: فإنه يتبع النفقة. والتكفين 0 (وسيأتى بيان حكم ابن الخال فى النفقة) . مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية " أحكام الأموات " قو له: " والأولى بميراثه أولى بأحكامه، بمعنى أن الوارث أولى ممن ليس بوارث وإن كان قريبا " مع وجوب المماثلة بين المغسل والمغسل ذكورة وأنوثة. فإن اختلفا أذن صاحب الحق لغيره " المماثل " للميت فى نوعه أن يغسله وذلك فى غير الزوجين فيجوز لكل منهما تغسيل صاحبه اختيارا، والمشهور أنه من وراء الثياب " (23) . ومن هذا يستفاد أن ابن الخال، إن كان وارثا كان أولى بتغسيل الميت والصلاة عليه ممن ليس بوارث، مع وجوب المماثلة بينه وبين من يغسله. مذهب الإباضية: ابن الخال أولى بالصلاة على الميت ودفنه إذا لم يوجد أقرب منه (24) . وجاء فى متن كتاب " النيل" " أولى الناس بالصلاة على الميت أبوه ثم الزوج ثم الابن ثم الأخ ثم العم ثم الأقرب فالأقرب (25) . ولاية النكاح مذهب الحنفية: يثبت لابن الخال ولاية تزويج الصغير والصغيرة بالشروط المبينة فى باب الولى من كتاب النكاح إذا لم يوجد عاصب ولا ذو رحم أسبق منه. ويأتى ترتيبه فى هذه الولاية بعد أولاد العمات. فقد جاء فى " الدر المختار " ما نصه: " الولى فى النكاح العصبة بنفسه بلا توسط أنثى على ترتيب الإرث والحجب ". إلى أن قال: " فإن لم يكن عصبة فالولاية للأم ثم لأم الأب. وفى القنية عكسه، ثم للبنت ثم لبنت الابن ثم لبنت البنت ثم لبنت ابن الابن ثم لبنت بنت البنت وهكذا ثم للجد الفاسد ثم للأخت لأب وأم ثم لأب ثم لولد الأم ثم لأولادهم ثم لذوى الأرحام " غير من ذكر " العمات ثم الأخوال ثم الخالات ثم بنات الأعمام وبهذا الترتيب أولادهم". وهذا قول أبى حنيفة. والجمهور على أن أبا يوسف معه. وقال محمد: ليس لغير العصبات ولاية. إنما هى للحاكم (26) . مذهب المالكية: ليس لابن الخال ولاية تزويج ابن عمته أو بنت عمته إلا باعتباره من عامة المسلمين إذا لم يوجد عاصب ولا مولى ولا كافل ولا حاكم. فقد جاء فى الخطاب على خليل فى ولاية النكاح: " وقدم ابن فابنه فأخ فابنه فجد فعم فابنه " قال ابن عرفة: المعروف أن الأحق الابن وإن سفل ثم الأب ثم الأخ للأب ثم ابنه ولو سفل ثم الجد ثم العم ثم ابنه ولو سفل.. ثم قال: فمولى فكافل فحاكم فولاية عامة مسلم (27) . مذهب الشافعية: ليس لابن الخال ولاية تزويج المرأة لأنه ليس من العصبة. وولاية التزويج للعصبة على الترتيب (28) . مذهب الحنابلة: لا ولاية لابن الخال فى تزويج المرأة، لأنه ليس من العصبات، ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم. راجع " المغنى" "والشرح الكبير " ونصه: " ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ من الأم والخال وعم الأم والجد أب الأم ونحوهم " (29) . مذهب الظاهرية: ليس لابن الخال ولاية النكاح فقد فى جاء فى " المحلى" " وللأب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر ما لم تبلغ. إلى أن قال: فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ. وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها. وأما الصغيرة التى لا أب لها فليس لأحد أن ينكحها حتى تبلغ.. إلخ. وجاء فى " المحلى " ما يأتى: ولا يجوز للأب ولا لغيره إنكاح الصغير الذكر حتى يبلغ فإن فعل فهو مفسوخ أبدا.. إلخ (30) . مذهب الزيدية: " ولى النكاح: عند الزيدية هو ذو النسب من العصبة ثم ذو السبب ثم الولاية العامة: بمعنى أنه إذا لم يوجد نسبى ولا ولى سببى. فالولاية للسلطان أو نائبه، وكذلك إن تشاجر الأولياء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى لها" (31) . ومن هذا يستفاد أن ابن الخال ليس له ولاية فى النكاح، لأنه ليس من ذوى النسب العصبات عند الزيدية، فقد جاء فى نفس المصدر المذكور (32) قولهم: " النسب مقدم إجماعا، وهو البنوة ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة ". وقال بعد ذلك: والابن أولى من الأب، إذ ولاية النكاح تابعة للتعصيب فى الإرث. وقال أيضا: النكاح مبنى على التعصيب. وفى " شرح الأزهار" قال: " ولى عقد النكاح الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبة النسب" ثم قال بعد أن ذكر العصبات: وقوله: " من عصبة النسب " احترازا من القريب الذى ليس بعصبة كالخال والأخ لأم فإنه لا ولاية لذوى الأرحام على النكاح (33) . مذهب الإمامية: جاء فى " الروضة البهية" قوله: ولا ولاية فى النكاح لغير الأب والجد لأب وإن علا والولى والحاكم والوصى لأحد الأولين ومن هذا استفاد أن ابن الخال ليس له ولاية فى النكاح (34) . مذهب الإباضية: لابن الخال حق ولاية الإنكاح إذا لم يوجد ولى أو كان الولى غائبا فى مسافة ثلاثة أيام فأكثر أو امتنع بما لا يقبل. ولم يوجد من هو دونه من الأولياء، أو كان هناك ولى كالعدم كمجنون ومرتد ومشرك. وهو حينئذ أولى من السلطان بصفته من ذوى الأرحام. واختار البعض السلطان ولو جائرا (35) . الحضانة مذهب الحنفية: ليس لابن الخال حق فى الحضانة، فهو والأجنبى سواء، لأنه وإن كان رحما للمحضون إلا أنه رحم غير محرم فقد جاء فى " الدر المختار" فى باب الحضانة ما نصه: " ولا حق لولد عم وعمة وخال وخالة لعدم المحرمية " (36) . والمفهوم من تحقيق فقهاء الحنفية أن هذا بالنسبة للأنثى. والرأى فيه للقاضى. فقد نقل الطحطاوى عن الولواجية: أن الذكر يدفع إلى مولى العتاقة ولا تدفع إليه الأنثى.. فالذكر يدفع إلى المحرم وغيره، والأنثى لا تدفع إلا إلى المحرم. وعبارة التحفة تفيد أن الرأى للقاضى، ونصها: إذا لم يكن للأنثى غير ابن العم فالاختيار إلى القاضى: إن رآه أصلح ضمها إليه، وإلا وضعها عند أمينة. (37) . مذهب المالكية: لا حق لابن الخال فى الحضانة. فقد جاء ما نصه: " الحضانة للأم ثم أمها ثم جدة الأم إن انفردت بالسكنى عن أم سقطت حضانتها ثم الخالة ثم خالتها ثم جدة الأب ثم الأب ثم الأخت ثم العمة" (38) . (تنظر: حضانة) . مذهب الشافعية: لا حق لابن الخال فى حضانة الصغير (فى الأصح) لضعف قرابته، وقيل له: الحضانة لشفقته بالقرابة. فقد جاء فى " حاشيتى القليوبى وعميرة " ما نصه: " فإن فقد فى الذكر الإرث والمحرمية كابن الخال وابن العمة، أو الإرث دون المحرمية - كالخال والعم للأم وأب الأم - فلا حضانة له فى الأصح لضعف قرابته، والرأى الثانى: له الحضانة لشفقته بالقرابة " (39) . مذهب الحنابلة: قال فقهاء الحنابلة: إن لم يكن هناك غير ابن الخال احتمل وجهان: أحدهما: أنه أولى، لأن له رحما وقرابة يرث بهما عند عدم من هو أولى منه، كذلك الحضانة تكون له عند عدم من هم أولى بها منه. الثانى: لاحق له فى الحضانة وينتقل الأمر إلى الحاكم. والأول أولى. (انظر باب من أحق بكفالة الطفل) (40) . مذهب الظاهرية: لابن الخال حق حضانة الصغير والصغيرة إذا كان مأمونا فى دينه ولم يوجد من هو أولى منه بالحضانة. كما يستفاد من قوله " وذوو الرحم أولى من غيرهم بكل حال والدين مغلب على الدنيا " (41) . مذهب الزيدية: لابن الخال حق الحضانة بصفته من ذوى الأرحام 0 وذو الرحم له حق الحضانة إذا لم يوجد عاصب ولا ذو رحم محرم، وذلك كله عندما تبطل حضانة النساء. فقد جاء فى " البحر الزخار" قوله: ومتي بطلت حضانة النساء فالأقرب الأقرب من العصبة المحارم، فتقدم عصبة محرم ثم ذو رحم محرم ثم ذو رحم" (42) . مذهب الإمامية: ابن الخال أحق بالحضانة ما لم يوجد من الأقارب من هو أحق منه، فقد جاء فى " الروضة البهية " قوله: " وإن فقد أب الأب أو لم نرجحه فللأقارب، الأقرب منهم فالأقرب على المشهور، لآية (أولى الأرحام) يريد قوله تعالى: "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " (43) فالجدة - لأم كانت أم لأب وإن علت- أولى من العمة والخالة، كما أنهما أولى من بنات العمومة والخئولة، وكذا الجدة الدنيا والعمة والخالة أولى من العليا منهن، وكذا ذكور كل مرتبة.. إلخ (44) . مذهب الإباضية: لا حق لابن الخال فى الحضانة، لأن حق الحضانة إنما هو لذوات الرحم المحرم ثم العصبة الرجال بالنسبة لحضانة الذكر كابن العم وابن الأخ والمعتق والوصى ومن يقدمه السلطان (45) . النفقات مذهب الحنفية: جاء فى ابن عابدين فى باب نفقة الأقارب ما نصه: "تجب النفقة لكل ذى رحم محرم) " وقال فى الحاشية: " ولابد من كون المحرمية بجهة القرابة فخرج ابن العم إذا كان أخا من الرضاع فلا نفقة له ". ومن هذا يستفاد أن ابن الخال لا نفقة له ولا عليه لأنه وإن كان رحما فليس بمحرم (46) . مذهب المالكية: ابن الخال لا يستحق عند المالكية نفقة كما لا تلزمه نفقة، لأن نفقة القرابة عندهم إنما هى لأولاد الصلب والأبوين، وابن الخال لا يدخل فى واحد من الصنفين. وقد جاء فى كتب المالكية قولهم: " والسبب الثانى للنفقة القرابة، والمستحقون منهم للنفقة صنفان: أولاد الصلب والأبوان. ولا يتعدى الاستحقاق إلى أولاد الأولاد ولا إلى الجد والجدات بل يقتصر على أول طبقة من الفصول والأصول " (47) . مذهب الشافعية: ليس لابن الخال ولا عليه نفقة، فقد جاء: " ولا تجب نفقة من عدا الوالدين والمولودين من الأقارب كالأخوة والأعمام وغيرهما " لأن الشرع ورد بإيجاب نفقة والوالدين والمولودين، ومن سواهم لا يلحق بهم فى الولادة وأحكام الولادة، فلم يلحق بهم فى وجوب النفقة (48) . مذهب الحنابلة: ابن الخال لا تجب النفقة له ولا عليه، لأنه من ذوى الأرحام، وقرابة ذوى الأرحام قرابة ضعيفة، وهم إنما يأخذون المال عند عدم الوارث، فهم كسائر المسلمين، فإن المال يصرف إليهم إذا لم يكن للميت وارث، وذلك الذى يأخذه بيت المال، ولذلك يقدم الرد عليهم. وقال أبو الخطاب من فقهاء الحنابلة: يخرج فيهم رواية أخرى أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات وذوى الفروض لأنهم وارثون فى تلك الحالة. (انظر أحكام النفقة على ذوى الأرحام) (49) . مذهب الظاهرية: لا تجب النفقة لابن الخال كما لا تجب عليه إذ القاعدة أنه لا يجبر على نفقة ذى رحم محرمة إذا لم يكن هو وارثا له، ولا على نفقة مورثه إذا لم يكن ذا رحم محرمة منه (50) . مذهب الزيدية: جاء فى باب النفقات: " وندبت صلة الرحم " ثم نقل عن بعض أئمة الزيدية وغيرهم قولهم: " وعلى كل موسر نفقة معسر على ملته يرثه بالنسب " (51) . وجاء فى " شرح الأزهار" - باب النفقات قوله: " وتجب على كل موسر نفقة كل معسر بشرطين: أحدهما: أن يكون على ملته، وهذا فى غير الأبوين. الثانى: أن يكون وارثا بالنسب فيجب عليه من النفقة بقدر إرثه، وعلى ذلك تجب النفقة لذوى الأرحام كما نص على ذلك صاحب الحاشية على شرح الأزهار، فقد ذكر أن ذوى الأرحام إذا ورثوا أنفقوا (52) . مذهب الإمامية: تستحب النفقة على ابن الخال، ويتأكد الاستحباب فى الوارث منهم فى أصح القولين. وقيل: تجب النفقة على الوارث لقوله تعالى {وعلى الوارث مثل ذلك} بعد قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} (53) . ولا تجب النفقة على هذا الرأى إلا إذا كان المنفق عليه فقيرا عاجزا عن الكسب وفضلت النفقة عن قوت المنفق وقوت زوجته ليومه الماضى وليلته، فإن لم يفضل شىء فلا شىء عليه، والواجب قدر الكفاية من الطعام والكسوة والمسكن (54) . مذهب الإباضية: الوارد فى فقه الإباضية قولهم: " والمذهب أنه تجب عليك نفقة كل من ترثه، ولا تجب لرحم إلا أن لم يكن له وارث سواك، ولا يدركها الجد من جهة الأم إلا إن لم يكن لها وارث سواه فإنه يرثها وينفقها، وهكذا سائر ذوى الأرحام (55) . ومن هذه النصوص يستفاد أن ابن الخال تجب عليه النفقة إن كان وارثا، كما تجب له النفقة على من كان وارثا له من ذوى الأرحام. والرأى الثانى فى المذهب: أنها لا تجب إلا على من يتوارث معه من العصبة دون غيرهم، وعلى هذا الرأى لا تجب على ابن الخال نفقة لذى رحم منه كما لا تجب له عليه (56) . الميراث مذهب الحنفية: ابن الخال من الصنف الرابع من ذوى الأرحام، وترتيبه فى الميراث يأتى بعد الأخوال ومن فى درجتهم، وهم الخالات والعمات والأعمام لأم، فهؤلاء مستوون فى الدرجة لا يأتى فيهم أقربية وأبعدية (57) . وابن الخال من الطائفة الثانية من الصنف الرابع، وهم أبناء الطائفة الأولى، وتشمل الطائفة الثانية فيما تشمل أولاد كل من العمات والخالات والأخوال مطلقا لأبوين أو لأحدهما، فإذا انفرد ابن الخال من أى صورة من صوره الثلاث (الشقيق أو لأب أو لأم) أخذ المال كله 0 فإذا تعدد فالأقرب أولى بالإجماع، فمن كان لأب وأم فهو أولى بالميرا ث ممن كان لأب، ومن كان لأب فهو أولى ممن كان لأم 0 فإن كان أولاد الخال فى قوة واحدة بأن كانوا جميعا أولاد خال شقيق أو لأب أو لأم قسم المال عليهم على حسب أبدا نهم - أى بالتساوى- إن كانوا ذكورا، وللذكر مثل حظ الأنثيين إن كانوا ذكورا وإناثا، فإن اجتمع ابن الخال مع قرابة الأب ممن هو فى درجته كابن عم لأم أو ابن عمة من أى جهة كانت فلقرابة الأب الثلثان ولقرابة الأم الثلث. مذهب المالكية: جاء فى " حاشية الدسوقى " على " الشرح الكبير" قوله: " ولا يدفع ما فضل عن ذوى السهام إذا لم يوجد عاصب من النسب أو الولاء لذوى الأرحام، بل ما فضل لبيت المال، كما إذا لم يوجد ذو فرض ولا عاصب.. " ثم قال: وقيد بعض أئمتنا ذلك بما إذا كان الإمام عدلا وإلا فيرد على ذوى السهام أو يدفع لذوى الأرحام أى إذا لم يكن هناك ذوو سهام. وقال كذلك: اتفق شيوخ المذهب بعد المائتين على توريث ذوى الأرحام والرد على ذوى السهام لعدم انتظام بيت المال 0 وقال: واعلم أن فى كيفية توريث ذوى الأرحام مذاهب أصحها مذهب أهل التنزيل وحاصله أن ننزله منزلة من أدلوا به للميت (58) . ومن هذا كله يستفاد أن ابن الخال يرث بصفته من ذوى الأرحام على الرأى الراجح فى المذهب، وأنه يرث على طريقة أهل التنزيل، أى أنه ينزل منزلة من يدلى به إلى الميت (انظر: ميراث) . مذهب الشافعية: أصل المذهب أنه لا ميراث لذوى الأرحام، وأفتى المتأخرون من أصحاب المذهب بميراثهم إذا لم يوجد أحد من ذوى الفروض أو العصبات، فمن انفرد منهم حاز كل المال. وبناء على هذا الرأى يكون لابن الخال حظه فى الميراث بصفته من ذوى الأرحام إ ذا لم يوجد أحد من ذوى الفروض أو العصبات، وترتيبه بين ذوى الأرحام يأتى بعد الأخوال والخالات، فقد جاء فى " نهاية المحتاج ": فإن لم يوجد صاحب سهم ولا عاصب صرف المال إلى ذوى الأرحام وهم عشرة أصناف. أب الأم وكل جد وجدة ساقطين وأولاد البنات.. إلى أن قال: والأخوال والخالات والمدلون بهم (59) . مذهب الحنابلة: فقهاء الحنابلة يورثون ابن الخال بصفته من ذوى الأرحام، وينزلونه منزلة أبيه عند عدمه، فهم يأخذون فى توريث ذوى الأرحام بطريقة أهل التنزيل. (راجع توريث ذوى الأرحام) (60) . مذهب الظاهرية: لا ميراث لابن الخال، إذ لا ميراث لذوى الأرحام عند الظاهرية، فما فضل عن سهم ذوى السهام وذوى الفروض ولم يكن هناك عاصب ولا معتق ولا عاصب معتق - ففى مصالح المسلمين، لا يرد شىء من ذلك على ذى سهم ولا على غير ذى سهم من ذوى الأرحام، إذ لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ولا اجماع، فإن كان ذوو الأرحام فقراء أعطوا على قدر فقرهم والباقى فى مصالح المسلمين (61) . مذهب الزيدية: للزيدية مذهبان فى توريث ذوى الأرحام: الأول: مذهب المتقدمين، يورث ذوى الأرحام عند عدم العصبة وذوى السهام، فيرث ابن الخال إذا لم يوجد صاحب فرض ولا عاصب ولا من هو أقرب منه من ذوى الأرحام. الثانى: مذهب المتأخرين من أئمة المذهب وهم لا يورثون ذوى الأرحام. فقد ذهب الإمام شرف الدين ومن تابعه من متأخرى أئمة المذهب: إلى أنه لا ميراث لهم. قال ابن بطال: وهو قول أهل الحجاز فى الشام فيكون الميراث لبيت المال عند هؤلاء الجميع. (راجع باب ميراث ذوى الأرحام) (62) . مذهب الإمامية: يورثون ابن الخال بصفته من ذوى الأرحام، ويحلونه محل أبيه عند عدمه، إذ هم يأخذون بطريقة أهل التنزيل. (راجع ميراث الأعمام والأخوال) (63) . مذهب الإباضية: فقهاء الإباضية يورثون ذوى الأرحام إذا لم يوجد ذو فرض ولا عاصب. ويرون أنهم أحق من بيت المال لأنهم قد اجتمع فيهم سببان: القرابة والإسلام، فهم أولى بالمال من أهل الإسلام الذين ليس لهم إلا سبب واحد وهو الإسلام، قال تعالى: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض " (64) ، ولما روى أنه - صلى الله عليه وسلم - ورث ذا رحم غير فرض ولا عاصب، وقال: " الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له ". وابن الخال عند الإباضية كغيرهم من الفقهاء من الصنف الرابع من أصناف ذوى الأرحام، وهو من ينتمى إلى أجداد الميت وجداته، وهم العمومة للأم والعمات مطلقا وبنات الأعمام مطلقا والخئولة مطلقا وإن تباعدوا وأولادهم وإن نزلوا. فإذا انفرد ابن الخال أخذ جميع المال، شأنه فى ذلك شأن جميع ذوى الأرحام. وإن اجتمع مع غيره فأهل التنزيل ينزلون كل فرع منزلة أصله، وأهل القرابة يورثون الأقرب فالأقرب كالعصابة. وفقهاء الإباضية لا يلتزمون طريقة واحدة أو لا يجمعون على طريقة واحدة (65) . اجتماع ابن الخال و ابن الخالة إذا اجتمع ابن الخال وابن الخالة واتحدا فى قوة القرابة بأن كانا ابنى خال وخالة شقيقين للمتوفى أو لأب أو لأم اشتركا فى الميراث. فعلى طريقة أهل التنزيل.. يأخذ ابن الخال ضعف نصيب ابن الخالة. وعل طريقة أهل القرابة يقسم المال مناصفة بينهما. أما إذا كان أحدهما أقوى قرابة من الأخر قدم من كانت قرابته أقوى، فمن كانت قرابته لأب وأم كان أولى بالميراث ممن كان لأب، ومن كان لأب كان أولى ممن كان لأم (انظر المراجع السابقة فى جميع المذاهب) .   (1) مراقى الفلاح المطبوع على حاشية الطحاوى ص 333 الطبعة الثانية. (2) المرجع السابق ص334. (3) الشرط جمع شرطى وهم أعوان الحاكم وصاحبهم رئيسهم. (4) مراقى الفلاح على حاشية الطحاوى ص343. (5) ابن عابدين ج 1 ص 824. (6) الخطاب على خليل ج 2 ص 210، 211 الطبعة الأولى. (7) المرجع السابق ص 218. (8) نهاية المحتاج ج 2 ص 442 طبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هجرية. (9) المرجع السابق ص480. (10) نهاية المحتاج ج2 ص 443،444. (11) المرجع السابق ص 451. (12) المرجع السابق ص 452. (13) المغنى والشرح الكبير ج 2 ص 309 الطبعة الأولى فى مطبعة المنار 1345 هجرية. (14) المرجع السابق ص 368. (15) المغنى الشرح الكبير ج 2 ص338. (16) المحلى ج 5 ص 121 مسألة 566. (17) الحجرات: 10. (18) المحلى ج5 ص 143 مسألة 584. (19) البحر الزخارج2 ص 8 9. (20) المرجع السابق ص 114. (21) شرح الأزهار ج 1 ص427.. (22) شرح الأزهار ج 1 ص 428. (23) الروضة البهية ج 1 ص 38، 039 (24) شرح النيل ج 1 ص 379، 680. (25) متن كتاب النيل ج 1 ص 111نسخة دار الكتب. (26) الدر المختار وحاشية الطحطاوى على الدر المختار ج 2 باب الولى من كتاب النكاح. (27) الخطاب على خليل: فى ولاية النكاح، والحطاب على خليل ج 3 ص 29 4. (28) حاشيتى العلامة القليوبى وعميرة على المنهاج ج 2 ص224. (29) المغنى والشرح الكبير ج 7 ص350. (30) المحلى ج 9 فى كتاب النكاح، المسألة 1822 ص458، 462 مسألة 1823. (31) البحر الزخار باب الأولياء ج 3 ص 46. (32) المرجع السابق. (33) شرح الأزهار ج 2 ص 222، 223. (34) الروضة البهية ج 2 ص 71. (35) شرح النيل ج 3 كتاب النكاح ص 70. (36) الدر المختار والجزء الثانى من حاشية الطحاوى فى باب الحضانة. (37) حاشية الطحاوى الجزء الثانى باب الحضانة. (38) الخطاب ج 4 ص 214، 215. (39) الجزء الرابع ص 89. (40) المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 9 30 مطبعة المنار بمصر 0 (41) المحلى ج 10 ص 323،324 مسألة2014. (42) البحر الزخار ج 3. (43) سورة الأنفال: 75. (44) الروضة ج2- كتاب النكاح- الرضاع- الحضانة. (45) شرح النيل ج 3 ص 567، 568 نسخة دار الكتب (46) ابن عابدين ج 2 ص 8 93. (47) هامش التاج والإكليل لمختصر خليل من كتاب الخطاب ج 4 ص 208. (48) المهذب ج 2 ص 166. (49) المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 260 الطبعة الأولى. (50) محلى ج 10 مسألة 1933 باب النفقة. (51) البحر الزخار ج 3 ص 280. (52) شرح الأزهار ج 2 ص544. (53) البقرة: 233. (54) الروضة البهية ج 2 النققات. (55) شرح النيل ج 7 ص207، 208، 209. (56) المرجع السابق. (57) حاشية الطحطاوى على الدر المختارج4 ص400. (58) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4، ص 411. (59) نهاية المحتاج ج6 ص 11، 12 وج2 من حاشية قليوبى وعميرة على شرح المحلى على المنهاج ص137، 138. (60) المغنى والشرح الكبيرج7 (61) المحلى لابن حزم ص 9 مسألة 1748. (62) البحر الزخار ج هـ، ج 2 من تتمة الروض النضيرص63. (63) الروضة البهية ج2. (64) آخر سورة الأنفال: 75. (65) كتاب النيل ج 8 توريث ذوى الأرحام متنا وشرحا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 ابن الخالة تعريف ابن الخالة: ابن الخالة: هو الذكر من ولد الخالة. والخالة أخت الأم. قرابته: ابن الخالة من الصنف الرابع من ذوى الأرحام" وهو من ينتمى إلى أجداد الميت وجداته ". عدم محرميته: ابن الخالة رحم غير محرم يحل النكاح بينه وبين رحمه الأنثى " ابنة خالته " شأنه فى ذلك وفى كثير من الأحكام شأن الأجنبى. أحكامه فى الفقه: هى أحكام ابن الخال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ابن السبيل 1- تعريف ابن السبيل لغة: ابن السبيل هو المسافر المنقطع الذى يريد الرجوع إلى بلده ولا يجد ما يتبلغ به. وقيل: هو المسافر الذى لا مال له يكفيه للوصول إلى ما يقصد (1) ، وهذا أعم مما قبله. 2- تعريفه فى الاصطلاح الفقهى: مذهب الحنفية: هو الغريب المنقطع عن ماله وإن كان غنيا فى وطنه، لأنه فقير فى الحال (2) . وعرفه صاحب" تنوير الأبصار" " وصاحب الدر المختار" (3) بأنه كل من له مال ليس معه، ومنه ما لو كان ماله مؤجلا أو على غائب أو معسر أو جاحد ولو كان له بينة فى الأصح. فالتعريف الأول: جعل ابن السبيل خاصا بالمسافر المنقطع عن ماله الذى ببلده، وهو محتاج إليه. والتعريف الثانى: جعل ابن السبيل حقيقة اصطلاحية عامة شاملة للمسافر والمقيم المحتاجين: البعيدين عن مالهما، وأخرجه بذلك عن حقيقته اللغوية 0 أما فى مذهب الشافعى: فابن السبيل هو المسافر أو من ينشىء السفر أى من يبدأ السفر ولم يمض فيه، وهو محتاج فى سفره (4) . وقال البجيرمى: أن منشىء السفر ألحق بالمسافر قياسا (5) . ويعرفه الحنابلة: بأنه هو المسافر المنقطع لسفره فى سفر طاعة أو مباح كطلب رزق دون المنشىء للسفر من بلده، لأن الاسم لا يتناوله حقيقة، وإنما يصير ابن سبيل فى ثانى الحال: (6) أى بعد ما يمضى فى سفره ويغادر بلده. وعرفه المالكية: بأنه غريب حد مسلم غير هاشمى محتاج لما يوصله لبلده ولو غنيا فيها ليس معه ما يوصله وقد تغرب فى غير معصية أو تغرب فى معصية وتاب منها ولم يجد مسلفا وهو ملىء ببلده. وجملة القول أن الفقهاء فى المذاهب التى ذكرناها وفى باقى المذاهب الثمانية يعتمدون فى بيان ابن السبيل المعنى اللغوى مع إضافة قيود يعتبر معها مصرفا من مصارف الزكاة. 3- الشروط اللازم توافرها شرعا فى ابن السبيل ليكون مصرفا للزكاة: (أ) الشرط الأول: أن يكون مسافرا فى غير معصية. مذهب الحنفية: والمطيع بسفره والعاصى به كلاهما من حيث التمتع بالرخصة سواء، فابن السبيل يستحق الزكاة ولو كان عاصيا بسفره (7) . مذهب المالكية: لا يعطى ابن السبيل من الزكاة إن خرج فى معصية (8) . فإن كان غير عاص أصلا أو كان عاصيا فى سفره فيعطى فى هاتين الحالتين (9) . أما الحنابلة: فإنهم يرون ما يراه المالكية، غير أنهم اشترطوا توبة ابن السبيل العاصى بسفره، وسواء فى ذلك حالة السفر وحالة الرجوع فلم يعطوه اذا لم يتب، لا فرق بين حالة المسير وحالة الرجوع، وقالوا أيضا: إن من سافر للنزهة لا حق له فى الزكاة لأنه لا حاجة له فى هذا السفر (10) . مذهب الشافعية: لا يعطى ابن السبيل من الزكاة إذا كان عاصيا بسفره أو كان فى سفر مباح فى قول (11) . أما باقى المذاهب الثمانية، عدا الإباضية، فمنعوا إعطاء ابن السبيل مطلقا إذا كان مسافرا فى معصية فقط، لأن إعطاءه- كما قال الزيدية- إعانة على المعصية (12) . أما الإباضية: فمنهم من شرط أن يكون سفره فى طاعة (13) ومفاد ذلك أنه لا حق فى الزكاة لمن سافر فى معصية لا مباح. ب) الشرط الثانى: أن يكون ابن السبيل مسلما. ج) الشرط الثالث: ألا يكون ابن السبيل من بنى هاشم ولا من مواليهم. د) الشرط الرابع: ألا يكون ابن السبيل أصلا ولا فرعا للمزكى. الهاء) الشرط الخامس: ألا يكون ابن السبيل غنيا. 4- المقدار الذى يعطى لابن السبيل من الزكاة: مذهب الحنفية: وللمزكى أن يدفع زكاته إلى كل مصارف الزكاة المبينين فى آية المصارف " إنما الصدقات للفقراء " الآية، وله أن يعطى زكاته إلى صنف واحد من هذه الأصناف، كما أن له أيضا أن يدفعها إلى فرد واحد من أى صنف من أصنافها السبعة الواردين بالآية الكريمة، إلا المؤلفة قلوبهم، فإن نصيبهم قد سقط (14) . وجاز لابن السبيل أن يأخذ من الزكاة قدر حاجته ولا يحل له أن يأخذ أكثر من حاجته (15) . والأولى له أن يستقرض إن قدر عليه ولا يلزمه ذلك لاحتمال عجزه عن الأداء (16) ، والاستقراض لابن السبيل خير من قبول الصدقة (17) . مذهب الشافعية: يعطى ابن السبيل من الزكاة ما يوصله مقصده أو ماله إن كان له فى طريقه مال، ويهيأ له ما يركبه إن لم يطق المشى أو طال سفره وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما (18) . وأما مؤنة إيابه ففيها تفصيل: إن قصد الإياب أعطى مؤنة الإياب، وإن لم يقصده فلا يعطى مؤنته (19) . ولا يعطى مؤنة إقامته الزائدة على مدة المسافر وهى ثلاثة أيام (20) . مذهب المالكية: ابن السبيل إذا كان محتاجا لما يوصله لمقصده وكان تغربه فى غير معصية بالسفر فإن لم يجد مسلفا أصلا أعطى منها سواء كان معدما ببلده أو مليئا (21) . وإن وجد مسلفا أعطى إن كان عديما ببلده، وأما إذا كان مليئا ببلده فلا يعطى من الزكاة شىء (22) . وإن أقام ابن السبيل فى بلد الغربة بعد إعطائه من الزكاة وكان ما أخذه منها لا يزال باقيا فى يده نزعت منه واستردها معطيها له إلا أن يكون ابن السبيل فقيرا ببلده فيسوغ له أخذها لفقره ولا تنزع منه (23) . مذهب الحنابلة: ويعطى ابن السبيل ما يبلغه بلده ولو موسرا فى بلده لعجزه عن الوصول لماله، كمن سقط متاعه فى بحر أو ضاع منه أو غصب فعجز عنه، أو ما يبلغه منتهى قصده كمن قصد بلدا وسافر إليه واحتاج قبل وصوله فيعطى ما يصل به إليه ثم يعود به إلى بلده (24) . ولو وجد ابن السبيل مقرضا فليس بضرورى أن يقترض، ويعطى له من الزكاة (25) . وإذا فضل مع ابن السبيل شىء بعد انقضاء حاجته رد ما فضل معه لأنه لا يملك من كل وجه بل ملكا مراعى فيه حاجته، فإن صرفه فى جهته التى استحق أخذه لها وإلا استرجع منه (26) . مذهب الظاهرية: ومن تولى تفريق زكاة ماله أو زكاة فطره أو تولاها الإمام أو أميره يفرقانها ثمانية أجزاء مستوية، لكل صنف من الثمانية جزء منها. أما من فرق زكاته ففى ستة أسهم، ويسقط سهم العمال وسهم المؤلفة قلوبهم. ولا يجوز أن يعطى من أهل سهم أقل من ثلاثة أنفس، إلا أن لا يجد فيعطى من وجده. وكذلك لا يجوز أن يعطى بعض أهل السهام دون بعض، إلا أن لا يجد فيعطى من وجده (27) . مذهب الزيدية: ويعطى ابن السبيل من الزكاة إذا انقطع ما يبلغه إلى وطنه ولو كان ذلك المسافر غنيا لكن لم يحضر ماله فى حال السفر فإنه يجوز له الزكاة فى هذه الحال (28) ولو أمكنه القرض لم يمنع من استحقاقه من الزكاة (29) . وإذا أخذ ابن السبيل من الزكاة ما يبلغه إلى وطنه ثم أضرب عن المسير إليها فإنه يرد ما أخذه من الزكاة إلى من دفعه إليه من الإمام أو رب المال. أما إذا وصل لبلده وبقيت معه فضلة من مال الزكاة الذى أخذه فإنه يطيب له ولا يرده (30) . مذهب الإمامية: ويدفع إلى ابن السبيل قدر الكفاية اللائقة بحاله من الملبوس والمأكول وما يركبه أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلد هـ بعد قضاء وطره من سفره أو يصل إلى محل يمكن تحصيلها بالاستدانة أو البيع أو نحوهما (31) . ويشترط لكى يعطى ابن السبيل من الزكاة عدم تمكنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك (32) . ولو فضل شىء مما أعطى لابن السبيل بعد بلوغه مقصده ولو بالتضييق على نفسه أعاده إلى الحاكم من غير فرق بين النقد والدابة والثياب ونحوها فيدفعه إلى الحاكم ويعلمه بأنه من الزكاة (33) . مذهب الإباضية: وتعطى الزكاة لثمانية أصناف: أى لفرد أو أكثر من صنف أو أكثر من تلك الأصناف. ولا يجب تفريقها على الأصناف الثمانية ولاسيما إن لم يوجد بعضها (34) . ويعطى ابن السبيل إن لم يكن غنيا فى بلده ولو أكثر مما يوصله ويعطى له قدر ما يبلغه ولو استغنى ببلده. وهل يرد باقيا بيده إن وصل أهله وماله أو يمسكه قولان. ويغرم ما أخذ ويرده لمن أعطاه إذا وصل لأهله وماله (35) . 5- ابن السبيل وخمس الغنائم ابن السبيل الذى يستحق فى الغنيمة هو من سبق بيان المقصود به فى مصرف الزكاة. ويرى الأحناف: أن خمس الغنيمة يقسم أثلاثا: لليتامى والمساكين وابن السبيل لكل منهم الثلث، وذلك بعد وفاة الرسول- عليه الصلاة والسلام -. ونصوا على جواز صرفه لصنفه واحد، إذ ذكر الأصناف إنما جاء لبيان المصرف لا لإيجاب الصرف إلى كل منهم (36) . أما الشافعية والحنابلة: فيرون أن الخمس يقسم على خمسة أسهم من بينها سهم ابن السبيل، وباقى الأسهم للرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين، وسهم الرسول لا يسقط بوفاته بل يخلفه فيه الإمام ويصرفه فى مصالح المسلمين (37) . مذهب الزيدية: أن مصرف الخمس من فى الآية، ويجوز عندهم إعطاؤه لصنف واحد، ويوجبون تقديم الهاشمى فى المستحقين المذكورين فى الآية ومنهم ابن السبيل، فإن لم يوجد هاشمى صرف إلى أولاد المهاجرين، فإن لم يوجدوا فأولاد الأنصار، فإن لم يوجدوا فلأولاد المسلمين من هذه الأصناف (38) . ويرى المالكية (39) : صرف الخمس الذى ذكر فى الآية لبيت مال المسلمين، يصرفه الإمام باجتهاده فى مصالحهم العامة والخاصة، ويبدأ بالصرف ندبا لآله - عليه الصلاة والسلام - وهم بنو هاشم ثم للمصالح العائد نفعها للمسلمين من بناء المساجد وترميمها ورزق القضاة وقضاء الديون عن المعسرين وعقل الجراح وتجهيز الموتى ونحو ذلك. ويرى الإمامية (40) . قسمة الخمس ستة أسهم على الأصح: 1- سهم لله سبحانه. 2- وسهم للنبى - صلى الله عليه وسلم -. 3- وسهم للإمام.. وهذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان. وثلاثة للأيتام والمساكين وأبناء السبيل. ويشترطون فى أبناء السبيل الحاجة فى بلد التسليم سواء أكان سفره فى طاعة أو فى معصية. ولا يجب التعميم على الأصناف، بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم، وكذا لا يجب استيعاب أفراد كل صنف، بل يجوز الاقتصار على واحد، ولو أراد البسط لا يجب التساوى بين الأصناف أو الأفراد. مذهب الظاهرية: ويرى ابن حزم الظاهرى: أن يقسم خمس الغنيمة على خمسة أسهم: فسهم يضعه الإمام حيث يرى من كل ما فيه صلاح وبر للمسلمين. وسهم ثان لبنى هاشم. وسهم ثالث لليتامى من المسلمين. وسهم رابع للمساكين من المسلمين. وسهم خامس لابن السبيل من المسلمين (41) .   (1) ينظر القاموس المحيط والمعجم الوسيط ومعجم ألفاظ القرآن ج 3 ص 119 0 (2) بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 46 طبعة سنة 1327 هجرية. (3) تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار على هامش رد المحتار (حاشية ابن عابدين) ج 2 ص67. (4) المجموع للنووى ج 6 ص214. (5) حاشية البيجرمى على شرح الخطيب ج 2 ص 329، 330. (6) كشاف القناع ج اص494، ومنتهى الإيرادات على هامش كشاف القناع ص540 والمحرر ج 1 ص224 ونيل المآرب ص94. (7) الهداية وشرح العناية على الهداية بهامش فتح القدير ج اص 405، 406 وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 551. (8) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج1 ص 497 (9) المرجع السابق. (10) كشاف القناع ج1 ص494 ومنتهى الايرادات ج1 ص540. (11) المجموع ج 6 ص264 للنووى وحاشية البيجرمى ج 2 ص 330. (12) المحلى لابن حزم ج 6 ص 151، كتاب شرح الازهار ج 1 ص 516، مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 8 23، 239. (13) شرح النيل ج 2 ص 136، 37ا. (14) الهداية وفتح القدير ج 2 ص 18 وابن عابدين ج 2 ص67، 68 والبدائع ج2 ص48، 49. (15) الزيلعى ج 1 ص 298 والمرجعين السابقين. (16) الزيلعى ج 1 ص 298 والمرجعين السابقين. (17) الفتاوى الهندية ج1 ص 200. (18) بيجرمى ج 2 ص 1 33 شرحا وحاشية. (19) بيجرمى ج 2 ص 1 33 شرحا وحاشية. (20) بيجرمى ج2 ص 1 33 شرحا وحاشية. (21) حاشية الدسوقى ج 2 ص498. (22) المرجع السابق. (23) المرجع السابق. (24) منتهى الايرادات ج 1 ص540، 541 وكشاف القناع ج1 ص 494. (25) المرجعين السابقين. (26) المرجعين السابقين. (27) المحلى ج6 ص 143. (28) شرح الأزهار ج 1 ص 516، 517. (29) المرجع السابق. (30) شرح الأزهار ج 1 ص 516، 517. (31) مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 278، 239. (32) المرجع السابق ص 238. (33) المرجع السابق ص 9 23. (34) النيل ج 2 ص 125. (35) النيل ج 2 ص 6 3 1، 37 1. (36) الدر المختار ورد المحتار ج 3 ص 326 مطبعة درب سعادة سنة 1249 هجرية (37) البيجرمى ج 4 ص 241، 244. (38) شرح الأزهارج1 ص567، 570. (39) الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 190- طبعة دار إحياء الكتب العربية. (40) مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 494، 499. (41) المحلى لابن حزم ج 7 ص327، 330 0 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 ابن العم ابن العم من حيث: الجهة، والدرجة والقوة الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية: اتفق فقهاء هذه المذاهب على أن ابن العم الشقيق أو لأب من العصبة، لأن جهات العصوبة عندهم أربع: البنوة، والأبوة، والأخوة، والعمومة. وأنهم مرتبون على هذا النحو، وأن لهذا الترتيب تأثيرا فى الميراث بحيث يحجب من كان من جهة البنوة ميراث من كان من جهة الأبوة بالتعصيب وإن كان يرث ما فرض له بالنص. وكذا له تأثير فى بعض الأحكام كاستحقاق القصاص والعقل: الذى هو تحمل الدية عن قريبهم العاصب فى القتل الخطأ على خلاف بينهم فى بعض هذه الأمور سيجىء فى موضعه. واتفقوا على أن ابن العم الشقيق أو لأب فى درجة واحدة، ولكن الشقيق أقوى، ولذا يقدم عليه فى الميراث. وأن جهتهما جميعا هى الجهة الرابعة وهى العمومة. وفى ذلك يقول الحنفية: " العصبة نوعان، نسبية وسببية. فالنسبية ثلاثة أنواع: عصبة بنفسه، وهو كل ذكر لا يدخل فى نسبته إلى الميت أنثى وهم أربعة أصناف: جزء الميت، وأصله، وجزء أبيه، وجزء جده". " والمراد من جزء جده الأعمام وبنوهم وأعمام الأب وبنوهم " والأحق الابن ثم ابنه وإن سفل، ثم الأب، ثم أبو الأب وإن علا، ثم الأخ لأب وأم ثم الأخ لأب، ثم ابن الأخ لأب وأم، ثم ابن الأخ لأب، ثم الأعمام، ثم أعمام الأب ثم أعمام الجد على الترتيب: أى على الترتيب الذى ذكر فى الأخوة، وهو أن يقدم العم لأب وأم على العم لأب، ثم العم لأب على ولد العم لأب وأم (1) . مذهب المالكية: أما المالكية فقد ذهبوا إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب من العصبة وأنه من جهة العمومة، وأن جهته فى العصوبة هى الجهة الخامسة لأن الجهات عندهم على النحو التالى كما قد جاء فى "الشرح الصغير" للدردير، "وحاشية الصاوى "عليه: " والعاصب هو من ورث، المال كله إذا انفرد، أو ورث الباقى بعد الفرض، وهو الابن فابنه: أى ابن الابن وإن سفل فالأب عاصب يحوز جميع المال عند عدم الابن أو ابنه. فالجد وإن علا عند عدم الأب، والأخوة الأشقاء، ثم الأخوة للأب عند عدم الشقيق، فالعم الشقيق، فالعم لأب، فأبناؤهما، فعم الجد فابنه، يقدم الأقرب فالأقرب فى الدرجة على الأبعد وإن كان الأبعد أقوى منه فجهة البنوة تقدم على جهة الأبوة، وجهة الأبوة تقدم على جهة الجدودة والأخوة، وجهة الأخوة تقدم على جهة العمومة، ثم جهة بنى العمومة فيقدم ابن العم ولو غير شقيق على ابن ابن العم الشقيق للقرب، فلا ينظر إلى القوة إلا مع التساوى، فإنه يقدم الشقيق، ولكن بنى العمومة القريبة يقدمون على الأعمام الأباعد، فأولاد عم الميت يقدمون على أعمام أبيه " (2) . ولا يختلف الشافعية والحنابلة والزيدية والظاهرية عن هذا. مذهب الإمامية: ذهب الإمامية إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب من العصبة كغيرهم من الفقهاء، ولكنهم لم يجعلوا ميراثا بالعصوبة، بل جعلوا العاصب حسب المرتبة التى هو فيها من مراتب الوارثين. وقد جعلوا المراتب ثلاثة. فقد جاء فى "المختصر النافع": " التعصيب باطل، وفضل التركة يرد على ذوى السهام عدا الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها ". يريد من يحجبها حجب نقصان كولد الميت وأخوته. ثم قال: ومراتبهم (أى الأنساب) ثلاثة: الأولى: الآباء والأولاد. الثانية: الأخوة والأجداد إذا لم يكن أحد الأبوين ولا ولد وإن نزل فالميراث للأخوة والأجداد. الثالثة: الأعمام والعمات. ثم قال: ولا يرث الأبعد مع وجود الأقرب مثل ابن خال مع خال أو عم، أو ابن عم مع خال أو عم إلا ابن عم لأب وأم مع عم الأب فابن العم أولى (3) . ويفهم من هذا النص أن ابن العم. شقيقا أو لأب أقرب درجة من ابن ابن العم، كما أن القوة عندهم معتبرة، فالشقيق يحجب الذى لأب. فقد جاء فى "المختصر النافع": "ولو كانوا متفرقين أى الأعمام والعمات " فلمن تقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية، والباقى لمن يتقرب بالأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من يتقرب بالأب معهم ويقومون مقامهم عند عدمهم (4) . ومن حيث أن أبناء العمومة يرثون ما كان يرثه آباؤهم كما قد جاء فيه " ويقوم أولاد العمومة والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم " فإن ابن العم الشقيق يكون أقوى فيحجب الذى لأب فقط. مذهب الإباضية: والإباضية يجعلون العمومة ومنها ابن العم فى الدرجة الخامسة من العصبات كالمالكية (5) . أما ابن العم لأم فسيجىء الكلام عنه فى عنصر الميراث، لأنه من ذوى الأرحام، وقد اختلف فى توريثهم وطريقة توريثهم على ما سيجىء. أحكام ابن العم من حيث: الولاية، والحضانة، والنفقة، والميراث، والوصية، والحج، والزكاة، والإقرار، والقذف والجنايات، والديات، والعتق. الولاية مذهب الحنفية: الولاية عند الحنفية نوعان: ولاية على النفس وولاية على المال. أما الولاية على النفس-- ويراد بها ولاية التزويج ونحوه كتأجير الصغير- فإن الحنفية يرون: أن ابن العم الشقيق أو لأب يكون وليا على ابن عمه وبنت عمه فى التزويج إن كانا قاصرين أو مما ألحق بالقاصر. وهذا إذا لم يوجد من هو أولى منه بهذه الولاية، فقد جاء فى كتاب فتح القدير: " والترتيب فى العصبات فى ولاية النكاح كالترتيب فى الإرث " (6) . وولاية ابن العم إجبارية فى الصغير والصغيرة ومن فى حكمهما: بمعنى أنه يزوجهما وإن لم يكن لهما إذن، ولكنه إذا زوج أحدا منهما كان له الخيار عند البلوغ أو الإفاقة إن كان مجنونا. أما ابن العم لأم فإنه ليس من العصبة بل من ذوى الأرحام، وبين علماء الحنفية خلاف فى ولايته للتزويج، فأبو حنيفة ذهب إلى أن له الولاية ككل الأقارب الذين ليسوا بعصبة. وتكون مرتبته بعد مرتبة العصبة، وهذا إنما كان على سبيل الاستحسان. أما محمد فإنه يذهب إلى أنه لا ولاية لغير العصبات، والولاية بعدهم للحاكم. وأما أبو يوسف فالرواية عنه فى هذا مضطربة، والأشهر أنه مع محمد. وعلى ذلك يكون لابن العم لأم تزويج بنت عمه وابن عمه على رأى أبى حنيفة دون الصاحبين متى لم يكن هناك أقرب منه (7) . أما الولاية على المال فإن ابن العم مطلقا: شقيقا أو لأب أو لأم، فإنه لا تثبت له هذه الولاية. فقد جاء فى كتاب " الدر المختار" " ورد المحتار" لابن عابدين فى شأن الولى على المال: ووليه أبوه ثم وصيه بعد موته، ثم وصى وصيه وإن بعد.. ثم من بعدهم جده الصحيح وإن علا، ثم وصيه، ثم وصى وصيه. وقد زاد القهستانى والزيلعى: ثم الوالى بالطريق الأولى، لأن القاضى يستمدها منه، ثم القاضى أو وصيه: أيهما تصرف يصح (8) . ومن حيث أنه قد حصرت الولاية فى المال على من ذكروا فليس لابن العم ولاية فيه على ابن عمه ولا بنت عمه. المالكية والشافعية والحنابلة: ذهبوا إلى أن الولاية فى التزويج، وهى ولاية على النفس، نوعان: ولاية إجبار، وولاية اختيار. وأن ولاية الإجبار لا تكون لأحد من العصبة إلا للأب عند المالكية والحنابلة، وكذا الجد إذا فقد الأب عند الشافعية، فابن العم الشقيق أو لأب ليس له ولاية الإجبار كسائر العصبات، ولكن تكون له ولاية الاختيار إذا لم يوجد من هو أولى منه كالأخوة والأعمام. وابن العم الشقيق يقدم على ابن العم لأب عند فقهاء هذه المذاهب إلا عند الشافعية والمالكية، ففيه رأيان: الأول: أنه يقدم، وهو الأصح. والثانى: أنهما وليان. وعلى الأول إذا غاب الشقيق لا يزوج ابن العم لأب بل السلطان، وعلى الثانى يزوج. يقول الدردير المالكى فى "الشرح الكبير " والدسوقى فى حاشيته عليه: ثم بعد السيد والأب ووصيه لا جبر لأحد من الأولياء لأنثى ولو بكرا يتيمة تحت حجره.. إلخ. وتثبت لابن العم ولاية الاختيار فقد نص الدردير على ذلك وهو بصدد مراتب هذه الولاية: ".. فالعم فابنه " (9) . وقال صاحب " مغنى المحتاج" الشافعى فى ولاية الإجبار: " ومن على حاشية النسب كأخ وعم لأبوين أو لأب وابن كل منهما لا يزوج صغيرة بحال: بكرا كانت أو ثيبا، عاقلة أو مجنونة، لأنها إنما تزوج بالإذن، وإذنها غير معتبر ". أما فى ولاية الاختيار فقد قال: وأحق الأولياء- أى فى التزويج- أب لأن سائر الأولياء يدلون به كما قاله الرافعى، ومراده الأغلب وإلا فالسلطان والمعتق وعصبته لا يدلون به. ثم جد أبو الأب ثم أبوه وإن علا.. ثم أخ لأبوين أو لأب لأن الأخ يدلى بالأب فهو أقرب من ابنه، ثم ابنه (أى ابن كل منهما) وإن سفل لأنه أقرب من العم، ثم عم لأبوين أو لأب، ثم ابن كل منهما وإن سفل، ثم سائر العصبة من القرابة: أى باقيهم كالإرث لأن المأخذ فيهما واحد 00 ومما قال فى تعليقه على قول صاحب " المنهاج": " ويقدم ابن عم لأبوين على ابن عم لأب فى الأظهر الجديد، لزيادة القرب والشفقة كالإرث ".. ثم قال: وعلى القديم هما وليان لأن قرابة الأم لا مدخل لها فى النكاح " (10) . وكذلك جاء فى هذا قول الخرقى الحنبلى وابن قدامة شارح مختصره: " وإذا زوج الأب ابنته البكر فوضعها فى كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت: كبيرة كانت أو صغيرة، وليس هذا لغير الأب، يعنى ليس لغير الأب إجبار كبيرة ولا تزويج صغيرة، جدا كان أو غيره (11) . وقال الخرقى فى الولاية الاختيارية: " وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها، ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل، ثم أخوها لأبيها وأمها والأخ للأب مثله ". وقد علق ابن قدامة فى " المغنى " على هذا فقال: اختلفت الرواية عن أحمد فى الأخ للأبوين والأخ لأب إذا اجتمعا، فالمشهور عنه أنهما سواء فى الولاية.. والثانية الأخ من الأبوين أولى، ثم أولادهم وإن سفلوا ثم العمومة، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم عمومة الأب (12) . أما ابن العم لأم فلا ولاية له فى التزويج باعتباره قريبا عند فقهاء هذه المذاهب جميعا، لأنه من ذوى الأرحام (13) . هذه هى الولاية على النفس. أما الولاية على المال فليس لابن العم مطلقا، شقيقا أو لأب، أو لأم ولاية مالية على ابن عمه ولا بنت عمه، فى هذه المذاهب. فقد جاء فى " الشرح الكبير" للدردير المالكى: " والولى على المحجور من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد بلوغه (الأب الرشيد) ، لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب. ثم يلى الأب وصيه فوصى الوصى وإن بعد، ثم يلى الوصى حاكم أو من يقيمه " (14) . وجاء فى كتاب " مغنى المحتاج" للخطيب الشربينى الشافعى: " ولى الصبى أبوه ثم جده وإن علا ثم وصيهما، ولا ولاية لسائر العصبات كالأخ والعم " (15) . وجاء فى كتاب " المحرر" لمجد الدين أبى البركات الحنبلى: " والولاية عليهما (أى الصغير والمجنون) للأب ما لم يعلم فسقه، ثم لوصيه بهذا الشرط، ثم للحاكم، وعنه أنها بعد الأب للجد " (16) . مذهب الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى أن ابن العم ليس له ولاية إجبارية، لأنها ليست إلا للأب عند تحقق الصغر والبكارة. فقد جاء فى المحلى: " وللأب أن يزوج الصغيرة البكر ما لم تبلغ بغير إذنها، ولا خيار لها إذا بلغت، فإن كانت ثيبا من زوج مات عنها أو طلقها لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها حتى تبلغ، ولا إذن لها قبل أن تبلغ. وإذا بلغت البكر والثيب لم يجز للأب ولا لغيره أن يزوجها إلا بإذنها، فإن وقع فهو مفسوخ أبدا " (17) . وابن العم الشقيق أو لأب من هؤلاء الأولياء، فليس له الولاية الإجبارية فى الزواج، ولكن له الولاية الاختيارية، وهى تزويج الكبيرة بعد إذنها، كما يفهم مما تقدم 0 وقد بيَّن أن ابن العم من الأولياء بقوله: " ولا يحل للمرأة نكاح، ثيبا كانت أو بكرا، إلا بإذن وليها، الأب أو الأخوة أو الجد أو الأعمام أو بنى الأعمام، وإن بعدوا، والأقرب فالأقرب أولى. فإن أبى أولياؤها من الإذن لها زوجها السلطان " (18) . ومقتضى هذا أن الكبيرة يكون لابن عمها العاصب ولاية تزويجها، فلا تتزوج إلا بإذنه، كما لا يزوجها إلا بإذنها. وذلك شأن الولاية الاختيارية. وأما ولاية ابن العم على المال فليس له فيها عند ابن حزم إلا ما لعامة المسلمين من ولاية (19) . مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب له ولاية التزويج، وهى الولاية على النفس، فقد جاء فى " البحر الزخار": " ولى النكاح ذو النسب وذو السبب ثم الولاية العامة، ثم قال: النسب مقدم إجماعا وهو البنوة، ثم الأبوة، ثم الأخوة، ثم العمومة " (20) . والمراد بذى النسب العصبة. فقد جاء فى " شرح الأزهار": " وولى عقد النكاح الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبة النسب " (21) . فابن العم، شقيقا أو لأب، يكون له حق الولاية على النفس بالنسبة لابن عمه وبنت عمه، والشقيق مقدم فى ذلك على الذى لأب. فقد جاء فى " البحر الزخار": " وابن الأخ لأبوين أولى من ابن الأخ لأب إجماعا، اعتبارا بالقرب كالأعمام، إذ ولاية الأعمام وبنيهم تتبع الإرث إجماعا " (22) . وهذه الولاية له ولاية إجبارية علي الصغيرة ومن فى حكمها كالمعتوهة عند القاسمية وزيد بن على، ولكن لها الاختيار إذا بلغت. فقد جاء فى " البحر الزخار": وللأب إجبار الصغيرة ولا خيار إذا بلغت. ثم قال: وزيد بن على والقاسمية يقولون: وللإمام وسائر الأولياء إجبار الصغيرة كالأب، لكن تخير إذا بلغت " (23) . أما الصغير فقد جاء عنهم فيه: أن ابن العم شقيقا أو لأب وغيره من الأولياء يزوجه. فقد جاء فى "البحر الزخار": " يقول أبو العباس: ولا يختص الأب بتزويج الصغير إذ لأوليائه إنكاحه كما لو كان أنثى ويخير متى بلغ كالبنت ". ونقل عن المرتضى قوله: لا ولاية لغير الأب (24) . أما ابن العم لأم فلا ولاية له على النفس فلا يزوج بنت عمه لأمه. فقد جاء فى " البحر الزخار": " فإن عدما (أى ولى النسب وولى السبب) فالإمام أو واليه" (25) . وقد تقدم ما يدل على أن المراد بولى النسب العصبة لا ذوو الأرحام. أما الولاية على المال فالزيدية كغيرهم ممن قدمنا فى أنه لا ولاية لابن العم على المال (26) . مذهب الإمامية: أما الشيعة الإمامية فقد ذهبوا إلى أنه ليس لابن العم ولاية التزويج: فقد جاء فى " المختصر النافع": " لا ولاية فى النكاح لغير الأب، والجد للأب وإن علا، والوصى، والمولى، والحاكم " (27) . أما الولاية على المال فإنه قد جاء فى كتاب " شرائع الإسلام" ما يدل على أنهما لا ولاية لهما، وذلك قوله: " والولاية فى مال الطفل والمجنون للأب، والجد لأب، فإن لم يكونا فللوصى، فإن لم يكن فللحاكم. أما السفيه والمفلس فالولاية للحاكم لا غير" (28) . ومن هذا يعلم أيضا أن ابن العم لأم لا ولاية له فى تزويج ولا مال. مذهب الإباضية: ذهب الإباضية إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب تكون له الولاية فى النكاح ما لم يوجد أب ولا جد، ولا أخ ولا ابنه ولا عم، ويكون الشقيق مقدما على الذى لأب. فقد جاء فى كتاب " النيل ": " وأولى الأولياء بالنكاح الأب فالجد فالأخ فابنه فالعم فابنه.. والشقيق أولى من الأبوى فقط " (29) . وأما الولاية على المال فتجب على أقارب اليتيم الأقرب فالأقرب منهم (30) الحضانة مذهب الحنفية: يذهب الحنفية إلى أن لابن العم، شقيقا أو لأب حضانة الصغير الذكر إذا لم يوجد من النساء من يستحق الحضانة، ولا من الرجال من هو أولى منه لتقدمه فى الإرث عليه. فقد جاء فى " الزيلعى": " ثم العصبات: أى إذا لم يكن للصغير امرأة تكون الحضانة للعصبات على ترتيبهم فى الإرث على ما عرف فى موضعه، يقدم الأقرب فالأقرب، لأن الولاية له ". غير أن الصغيرة لا تدفع إلى غير محرم من الأقارب كابن العم (31) . أما ابن العم لأم فليس له حضانة لا للذكر ولا للأنثى لأنه وإن كان ذا رحم فإنه غير محرم، والحضانة إنما يعتمد فيها بالنسبة لغير العصبة على الرحم والمحرمية فقد جاء فى " حاشية الشلبى " على الزيلعى: " المراد من ذوى الأرحام هنا غير ذوى الأرحام المذكورين فى الفرائض، فإن ذا الرحم فى الفرائض كل قريب ليس بذى سهم ولا عصبة، فالأخ من الأم ليس من ذوى الأرحام، لأنه صاحب سهم. وأما ذو الرحم هنا فالمراد به كل قريب ذى رحم محرم من المحضون وهو غير عصبة، فإن كلا ممن ذكره الشارح من الأخ للأم، والعم من الأم والخال، قريب ذو رحم محرم من المحضون، وهو غير عصبة له " (32) . مذهب المالكية: يذهب المالكية إلى أنها لابن العم مطلقا، تثبت له الحضانة فى مرتبته بين أصحاب الحق فيها، ويقدم الذى لأم على الذى لأب. فقد جاء فى " الشرح الكبير" للدردير، بعد أن ذكر الحاضنات وبعض الحاضنين، ثم العم ثم ابنه قرب كل أو بعد، ومعلوم أن الأقرب يقدم على الأبعد. ثم قال: وقدم الشخص الشقيق ذكرا أو أنثى على الذى للأم، ثم الذى للأم، ثم الذى للأب فى الجميع، أى جميع المراتب التى يمكن فيها ذلك (33) . ولكن يشترط فى حضانته للكبيرة المطيقة للوقاع أن يكون محرما عليها ولو فى زمن الحضانة كأن يتزوج بأمها. وإلا فلا حضانة له. مذهب الشافعية: ذهب الشافعية إلى أن لابن العم: شقيقا أو لأب حق الحضانة لابن عمه وبنت عمه ولكن لا تسلم إليه إذا كانت مشتهاة، بل تسلم إلى أنثى ثقة يعينها هو. فقد جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج": " وتثبت لكل ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث وكذا وارث غير محرم كابن العم، فإن له الحضانة على الصحيح لوفور شفقته بالولاية ". والثانى: لا، لفقد المحرمية، ولا تسلم إليه مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة، بل تسلم إلى ثقة يعينها ولو بأجرة من ماله (34) . أما ابن العم لأم فإنه لا حق له فى الحضانة لابنة عمه لأمه، ولا لابن عمه لأمه بناء على ما سار عليه صاحب " المنهاج " " والمغنى"، إذ جاء فيهما: " فإن فقد الإرث والمحرمية معا كابن خال وابن عمة أو الإرث فقط والمحرمية باقية كأبى أم وخال، فلا حضانة لهم فى الأصح. لفقد الإرث والمحرمية فى الأول ولضعف قرابته فى الثانية، لأنه لا يرث بها ولا يعقل، وغير الأصح له الحضانة لشفقته بالقرابة " (35) . وابن العم لأم كابن الخال فى عدم الإرث وعدم المحرمية. مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، له حضانة ابن عمه، أما بنت عمه فلا يحق له حضانتها إن كانت كبيرة إلا إذا كانت محرمة عليه برضاع أو غيره مما يقتضى التحريم. فقد جاء فى " المحرر": " لا حضانة إلا لرجل من العصبة، أو لامرأة وارثة أو مدلية بعصبة أو بوارث، فإن عدموا فالحاكم، وقيل: إن عدموا ثبتت لسواهم من الأقارب، ثم الحاكم " 0 ثم قال: وليس لابن العم ونحوه حضانة الجارية إذا لم يكن محرما برضاع أو نحوه (36) . أما ابن العم لأم فلا حضانة له كما يؤخذ من النص السابق، إذ خصها بالعصبة. مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب، وكذا ابن العم لأمه يكون له حق الحضانة إذا لم يوجد من هو أولى منه. فقد جاء فى " المحلى"، عند الكلام على الحضانة بعد الأم: " فإن لم تكن الأم مأمونة فى دينها ودنياها نظر للصغير والصغيرة بالأحوط فى دينهما ثم دنياهما، فحيثما كانت الحياطة لهما فى كلا الوجهين وجبت هنالك: عند الأب أو الأخ أو الأخت أو العمة أو الخالة أو العم أو الخال، وذوو الرحم أولى من غيرهم بكل حال. فإن استووا فى صلاح الحال فالأم والجدة ثم الأب والجد ثم الأخ والأخت ثم الأقرب فالأقرب " (37) . وقد ذكر أبن العم صراحة فى أنه صاحب حق فى الحضانة حيث ساق حادثة الإمام على - رضى الله عنه- وأخيه جعفر فى طلب كل منهما لحضانة بنت عمهما حمزة فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجعفر لأنه كان متزوجا خالتها، فقد قال: "ونحن لا ننكر قضاءه - صلى الله عليه وسلم- بها لجعفر من أجل خالتها، لأن ذلك أحوط لها" (38) . وهذا النص يبين أن القضاء بها إنما كان لابن عمها جعفر، وأنه كان أولى من الإمام على مع أنه أخوه لأن خالتها كانت عند جعفر، وليس القضاء لخالتها لأنها بمركز الأم كما قال غيره من الفقهاء. مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب يكون له حق الحضانة للذكر دون الأنثى. فقد جاء فى " شرح الأزهار"، بعد أن ذكر حضانة المحارم من العصبة وذوى الأرحام: " ثم إذا عدم المحارم من العصبات وذوى الأرحام فالأولى بالذكر عصبة غير محرم الأقرب فالأقرب، وأما الأنثى فلا حضانة تجب لهم فيها، بل هم وسائر المسلمين على سواء فى حقها، فينصب الإمام أو الحاكم من يحضنها (39) . أما ابن العم لأم فإنه لاحق له فى الحضانة إلا للغلام إذا فقد المحارم من العصبة وذوى الأرحام، وفقد أيضا العصبة غير المحارم. فقد جاء فى " شرح الأزهار": " ثم إذا عدمت العصبات المحارم وغير المحارم وذوو الأرحام المحارم، انتقلت الحضانة إلى من وجد من ذوى رحم غير محرم كابن الخال وابن الخالة و ابن العمة : الأقرب فالأقرب، وولايتهم كذلك، أى هم أولى بالذكر دون الأنثى كالعصبات غير المحارم (40) . مذهب الإمامية: ذهب الإمامية، فى قول:،إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، أو لأم، يكون له حق الحضانة إذا لم يوجد من هو أولى منه كالأعمام والعمات. فقد جاء فى شرائع الإسلام: " فإن فقد الأبوان فالحضانة لأبى الأب، فإن عدم قيل: كانت الحضانة للأقارب وترتبوا ترتب الإرث، وفيه تردد " (41) . النفقة مذهب الحنفية: يرى الحنفية أن ابن العم مطلقا، شقيقا أو لأب أو لأم، لا تجب عليه نفقة ولد عمه. فقد جاء فى " الفتاوى الأنقروية ": وأما بيان صفة من تجب له هذه النفقة فهو من كان ذا رحم محرم، وهو الضابط عندنا، والأحراز بالإرث ليس بشرط، حتى وجبت على الخال والخالة دون ابن العم، والميراث له (42) . مذهب المالكية: قد ذكر الدردير فى كتابه " الشرح الكبير" من تجب عليهم النفقة للأقارب، فذكر وجوبها على الوالد لولده العاجز عن الكسب وعلى الولد لوالده ووالدته المعسرين إذا عجزا عن الكسب، وذكر أنه لا تجب على الولد نفقة جده ولا جدته ولا ولد ابنه، ولم يذكر ابن العم فيمن تجب عليهم نفقة أولاد عمه، فدل هذا على أن ابن العم مطلقا لا نفقة عليه لأولاد عمه (43) . مذهب الشافعية: كذلك ذهب الشافعية إلى أنه لا نفقة على ابن العم لابن عمه، لأن النفقة على القريب إنما تعتمد على البعضية. فقد جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج ": والموجب لها- أى النفقة- قرابة البعضية فقط، يلزمه: أى الشخص ذكرا كان أو غيره نفقة الوالد الحر وإن علا من ذكر أو أنثى، والوالد الحر وإن سفل من ذكر أو أنثى (44) . مذهب الحنابلة: يذهب الحنابلة إلى أن ابن العم إن كان شقيقا أو لأب تجب النفقة عليه لأولاد عمه الفقراء ذكورا أو إناثا، وفى رواية لا تجب عليه للإناث. فقد جاء فى " الشرح الكبير" للمقدسى: ظاهر المذهب أن النفقة تجب على كل وارث لمورثه إذا اجتمعت الشروط التى ذكروها: وحكى ابن المنذر عن أحمد فى الصبى المرضَع لا أب له نفقته وأجرة رضاعه على الرجال دون النساء. ثم قال: فإن كان اثنان يرث أحدهما قريبه ولا يرثه الآخر، كالرجل مع عمته، أو بنت عمه وابنة أخيه، والمرأة مع ابنة بنتها وابن بنتها، فالنفقة على الوارث دون الموروث. نص عليه أحمد فى رواية ابن زياد فقال: يلزم الرجل نفقة بنت عمه، ولا يلزمه نفقة بنت أخته. وذكر أصحابنا: لا تجب النفقة على الوارث ههنا، لأنها قرابة ضعيفة، لكونها لا تثبت التوارث من الجهتين (45) . والشروط الذى ذكر أنها سبقت هى: أن يكونوا فقراء، وأن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفقه عليهم فاضلا عن نفقة نفسه (46) . أما ابن العم لأم فإنه من ذوى الأرحام وقد ورد عندهم فى وجوب النفقة عليه لأولاد عمه لأمه روايتان ذكرهما ابن قدامه المقدسى فى " الشرح الكبير " (47) . مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب تجب عليه النفقة لأولاد عمه إن كان يرثهم: بأن يكون لا يحجبه حاجب عن ميراثهم، وإلا فلا نفقة عليه، فإنه قد قال فى " المحلى " - بعد أن ذكر النفقات على الآباء والأبناء، والأخوة والأخوات، والزوجات- فإن فضل عن هؤلاء بعد كسوتهم ونفقتهم شىء أجبر على النفقة على ذوى الأرحام المحرمة، ومورثيه، إن كان من ذكرنا لا شىء لهم، ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنته منه، وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا وبنو الأخوة وإن سفلوا، والمورثون هم من لا يحجبه أحد عن ميراثه إن مات: من عصبته أو مولى من أسفل. فإن حجب عن ميراثه لوارث فلا شىء عليه من نفقاتهم (48) . أما ابن العم لأم فلا نفقة عليه لأولاد عمه لأمه، فقد جاء فى " المحلى": فصح بهذا، أى بقوله تعالى: " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها، لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك "، أن النفقة على الوارث مع ذوى الرحم المحرمة. وخرج من ليس ذا رحم محرمة ولا وارثا من هذا الحكم، ومن تخصيصه بالنفقة منه أو عليه، لأنه كسائر من أدلته الولادات، ولادة بعد ولادة إلى آدم عليه السلام (49) . مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب أو لأم، تجب عليه نفقة ابن عمه متى كان ابن عمه هذا معسرا وهو موسر متى توفرت باقى الشروط اللازمة لذلك (50) . مذهب الإمامية: يذهب الإمامية إلى أنه لا نفقة لابن العم، شقيقا أو لأب أو لأم على ولد عمه. فقد جاء فى " شرائع الإسلام ": " تجب النفقة على الأبوين والأولاد إجماعا، وفى وجوب الإنفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم تردد، أظهره الوجوب. ولا تجب النفقة على غير العمودين (أى عمودى النسب، من الآباء والأولاد) من الأقارب كالأخوة والأعمام والأخوال وغيرهم، لكن تستحب وتتأكد فى الوارث منهم (51) . مذهب الإباضية: ذهب الإباضية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، تكون عليه نفقة ابن عمه وبنت عمه، فقد جاء فى كتاب " النيل " وشرحه ما حاصله: لزم أبا نفقة أطفاله ومجانينه وإن كان لهم مال، وله إنفاقهم من مالهم إن كان.. إلى أن قال: ومن يتوارث معه من ولى: (أى يرث كل منهما الآخر، وليس هذا شرطا) بل تجب عليك نفقة من ترثه سواء كان يرثك أو لا يرثك. وكأنه أراد من يقع الميراث بينك وبينه. أو ترثه ولا يرثك. وأما إن كان يرثك ولا ترثه فلا نفقة له عليك. وهذا معلوم من أن الإنفاق بحسب الإرث: أى مرتب على الإرث. واختلفوا فى وجوب النفقة على ابن العم لأم، فبعضهم لم يوجبها ولو كان وارثا، وصحح أبو زكريا إيجابها ورجحه صاحب " النيل" (52) . الميراث اتفقت كلمة الفقهاء فى المذاهب التى التزمناها إلا الناصر وأبو طالب من الزيدية وإلا الإمامية، على أن ابن العم: شقيقا أو لأب، يرث بجهة التعصيب، لأنه من العصبة، وهم من ليس لهم سهم مقدر، وأجمع هؤلاء على توريثهم بجهة التعصيب، وأن كلا منهما يأخذ كل التركة إذا لم يوجد وارث سواه، وإن وجد مع أصحاب فروض يأخذ ما بقى منهم بعد استيفائهم فروضهم، إذا لم يكن هناك من يقدم عليه من العصبة وهم الأبناء والآباء والأخوة والأعمام (53) . الناصر وأبو طالب من الزيدية: يذهب هذان إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب وغيرهما من العصبة لا يرث مع البنت، بل يرد عليها- بعد إرثها بالفرض- ما بقى من التركة. فقد جاء فى " البحر الزخار": إن كان معها (أى البنت) عصبة فلهم. وقال الناصر وأبو طالب: بل تسقطهم كالذكر (54) . مذهب الإمامية: يذهبون إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب وغيره من العصبة لا يرث ما دام هناك ذو سهم، بل يسقط العصبة ويرد ما بقى من التركة على ذوى السهام، ماعدا الزوج والزوجة والأم فى بعض الحالات. فقد جاء فى "المختصر النافع": والتعصيب باطل، وفاضل التركة يرد على ذوى السهام عدا الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها على تفصيل عندهم (55) . ولكنه يرث بالقرابة إذا لم يوجد ذو سهم، ولا أحد أسبق منه فى الدرجة كالعم، إلا إذا كان هذا العم عما لأب فإنه يقدم ابن العم الشقيق عليه فقد جاء فى " المختصر النافع ": ولا يرث الأبعد مع الأقرب مثل ابن خال مع خال أو عم، أو ابن عم مع خال أو عم، إلا ابن عم لأب وأم مع عم لأب فابن العم أولى (56) . وابن العم لأب إنما يرث إذا لم يوجد ابن عم شقيق ولا ابن عم لأم، فإن وجدا ورث من يتقرب بالأم السدس إذا كان أبوه غير موجود وكان واحدا، فإن كانوا أكثر أخذوا تركة ما كان يأخذه أبوهم وهو السدس إن كان واحدا أو ما يخصه من الثلث إن كان مع غيره من أخوته. والباقى يكون لمن هو شقيق. ولا يكون لابن العم لأب شىء، لأن أباه لا يرث مع وجود الأخ لأم والأصل الشقيق. فقد جاء فى " المختصر النافع": ويقوم أولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم. وحينما ذكر نصيب آبائهم قال: والعمومة والعمات للذكر مثل حظ الأنثيين، ولو كانوا متفرقين (أى ليسوا أشقاء ولا لأب ولا لأم جميعا) فلمن تقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية. والباقى لمن تقرب بالأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من يتقرب بالأب معهم، ويقومون مقامهم عند عدمهم (57) . أما ابن العم لأم فإنه من ذوى الأرحام عند الفقهاء، ومن ذوى القرابة النسبية على اصطلاح الإمامية فى الميراث. وقد اختلف الفقهاء فى توريثه على النحو الآتى: الحنفية والحنابلة والزيدية: ذهب هؤلاء الفقهاء إلى توريثه إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب ولا من هو أولى منه من ذوى الأرحام (58) (انظر: ميراث ذوى الأرحام) . مذهب المالكية: ذهب متقدمو المالكية إلى أن ابن العم لأم لا يرث، لأنه من ذوى الأرحام، وهم لا يورثون ذوى الأرحام، أما متأخروهم فقد أفتوا بإرثهم على تفصيل عندهم (59) . مذهب الشافعية: وقد جاء عند الشافعية فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج ": " ولو فقدوا (أى الورثة) من الرجال والنساء كلهم أو فضل عمن وجد منهم شىء، فأصل المنقول فى المذهب أنه لا يرث ذوو الأرحام أصلا.. وأصل المذهب أيضا أنه لا يرد ما بقى على أهل الفرض فيما إذا فضل منهم شىء، بل المال كله فى فقدهم كلهم أو الباقى فى فقد بعضهم بعد الفروض لبيت المال، سواء انتظم أمره بإمام عادل يصرفه فى جهته أم لا. هذا هو منقول المذهب فى الأصل، وقد يطرأ على الأصل ما يقتضى مخالفته. وأفتى جمهور المتأخرين من الأصحاب - إذا لم ينتظم بيت المال لكون الإمام غير عادل- بالرد: أى بأن يرد على أهل الفرض غير الزوجين ما فضل من فروضهم بالنسبة لسهامهم فإن لم يكونوا صرف لذوى الأرحام (60) . ولكن صاحب " مغنى المحتاج "- وهو الخطيب الشربينى- اختار أن هذا الرأى ليس لجمهور المتأخرين فقط، بل هو رأى عامة مشايخ الشافعية، متقدميهم ومتأخريهم. مذهب الظاهرية: أما ابن حزم الظاهرى فإنه يذهب إلى عدم توريث ذوى الأرحام مطلقا، فلا يكون ابن العم لأم وارثا (61) . مذهب الإمامية: ذهبوا إلى أن ابن العم لأم يرث باعتباره من ذوى النسب لا من ذوى الرحم، إذ أنهم لم يجعلوا لذوى الرحم منزلة خاصة فى الميراث (62) . مذهب الإباضية: ذهبوا، إلى توريث ابن العم لأم إذا لم يوجد ذو سهم ولا عاصب، وينزل منزلة أبيه فيرث ما كان يرثه أبوه على تفصيل عندهم (63) . هذه هى المذاهب فى توريث ابن العم مطلقا (انظر: إرث وذوى الأرحام) . الوصية لا يختص ابن العم بأحكام فى الوصية ولكن إن كان وارثا فالوصية له وصية لوارث، وإن كان غير وارث فالوصية له وصية لأجنبى وأحكام ذلك مبينة فى (وصية) . الخلوة ببنت العم والسفر بها للحج وغيره لا يختص ابن العم بحكم فى الحج بالنسبة لابنة عمه لكنه إذا كان زوجها أو ثبتت محرميته لها بنسب أو رضاع أو مصاهرة كان حكمه حكم المحارم وإن لم يكن أحد هذه الأربعة أخذ حكم الأجنبى. (انظر: محارم، أجنبى، خلوة) (64) . غير أن المالكية يذكرون فى الخلوة ما خلاصته: أنه لا تودع المحرم لغير ذى محرم إلا أن يكون مأمونا له أهل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يخلون رجل بامرأة ليس بينه وبينها محرم"، ويستثنى من ذلك ما إذا وجد الرجل- ابن عم أو غيره- امرأة فى مفازة ومكان منقطع وخشى عليها الهلاك فإنه يجب عليه أن يصحبها معه وأن يرافقها وإن أدى إلى الخلوة بها لكن يحترس جهده، وللولى والوصى غير المحرمين أن يسافرا بالصبية إذا لم يكن لها أهل تخلف عندهم وكانا مأمونين واختلفوا فيه إذا كان للصبية أهل وهو مأمون وله أهل (65) . مذهب الشافعية: وعند الشافعية: جاء فى " المنهاج " وشرحه ما حاصله: " وتثبت الحضانة لكل ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث وكذا غير محرم كابن عم على الصحيح لوفور شفقته، والثانى: لا، لفقد المحرمية، ولا تسلم إليه مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة، بل تسلم إلى ثقة يعينها. فإن كان له بنت مثلا يستحى منها جعلت عنده مع بنته (66) . الزكاة مذهب الحنفية: ذهبوا إلى أن ابن العم مطلقا يجوز أن يدفع زكاة ماله إلى أولاد عمه. فقد جاء فى كتاب " الهداية والعناية": ولا يدفع المزكى زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل: أى من يكون بينهم قرابة ولاد، أعلى أو أسفل، وأما سواهم من القرابة فيتم الإيتاء بالصرف إليهم، وهو أفضل لما فيه من صلة الرحم (67) . أما صدقة الفطر فلا يجب إخراجها عن أولاد العم. فقد جاء فى " الزيلعى " ما حاصله: يخرج صدقة الفطر عن نفسه وولده الصغير الفقير، وعبيده للخدمة، لأن السبب رأس يمونه ويلى عليه، لا زوجته ولا ولده الكبير (68) . مذهب المالكية: ذهبوا إلى ما ذهب إليه الحنفية. فقد جاء فى " الشرح الكبير" " وحاشية الدسوقى": " ومصرفها فقير ومسكين إن أسلم كل منهما وتحرر إذا لم يكن عنده شىء، أو كان عنده قليل. لا يكفيه عامه، أو ينفق نحو والد أو بيت مال بما لا يكفيه. فمن لزمت نفقته مليئا أو كان له مر تب فى بيت المال يكفيه لا يعطى منها (69) . وقد تقدم فى النفقة أن ابن العم لا تلزمه نفقة ابن عمه، وعلى ذلك يؤخذ مما تقدم أنه إذا كان فقيرا وليس له من تلزمه نفقته أعطى منها. أما صدقة الفطر فإن ابن العم مطلقا لا يلزمه إخراجها عن أولاد عمه، لأنهم لا تجب لهم عليه نفقة، فقد جاء فى " الشرح الكبير" " وحاشية الدسوقى" عليه: " يجب الإخراج (أى إخراج صدقة الفطر) عن كل مسلم يمونه: أى تلزمه نفقته بقرابته كالأولاد الذكور إلى البلوغ، والإناث إلى الدخول أو الدعوة إليه، والوالدين الفقيرين والزوجة، وزوجة الأب، وخادم الواحد من هؤلاء إن لم يكن بأجر، كأن كان رقيقا " (70) . مذهب الشافعية: إلى مثل ما تقدم ذهب الشافعية فى نفقة ابن العم على أولاد عمه. فقد جاء فى " مغنى المحتاج " عند الكلام عن شروط من تدفع إليه الزكاة: " ألا يكون ممن تلزمه نفقته " (71) . وكذا ألا تكون مكفية بنفقة على قريب أو زوج. فقد جاء فيه أيضا: " والمكفى بنفقة قريب أو نفقة زوج ليس فقيرا ولا مسكينا، فلا يعطى من سهمهما فى الأصح. والقول الثانى (أى غير الأصح) : نعم هو فقير أو مسكين لاحتياجهما إلى غيرهما، ومحل الخلاف إذا كان يمكن الأخذ من القريب أو الزوج (72) . وقد تقدم عند الكلام على النفقة أنها - عندهم- لا تجب على ابن العم مطلقا، لأن الموجب لها قرابة البعضية، وهى فى الوالد وإن علا، والولد وإن سفل. وعليه يصح إعطاء أولاد العم من الزكاة، أما صدقة الفطر فإنه لا يجب على ابن العم إخراجها عن أولاد عمه، فقد جاء فى " مغنى المحتاج ": " ومن لزمه فطرة نفسه (أى بأن كان ميسورا تجب عليه صدقة الفطر) . لزمه فطرة من تلزمه نفقته بملك أو قرابة أو زوجية " (73) . وقد عرفنا فيما تقدم أنه لا يلزمه نفقة أولاد عمه. مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن أبناء العم، شقيقا أو لأب يصح أن تصرف لهم زكاة مال ابن عمهم حينا، وفى حين آخر لا يصح، لأن صرفها عندهم إلى القريب يعتمد على الإرث والجزئية. فإن كان غير وارث صح، وإلا فلا، فقد جاء فى " الشرح الكبير" لابن قدامة المقدسى " والمغنى ": الأقارب غير الوالدين قسمان: من لا يرث منهم يجوز دفع الزكاة إليه، سواء كان انتفاء الإرث لانتفاء سببه لكونه بعيد القرابة ليس من أهل الميراث بحال، أو كان لمانع مثل أن يكون محجوبا عن الميراث كالأخ المحجوب بالابن، والعم المحجوب بالأخ وابنه فيجوز دفع الزكاة إليه، لأنه لا قرابة جزئية بينهما ولا ميراث، فأشبها الأجانب. والثانى من يرث، كالأخوين اللذين يرث كل واحد منهما أخاه ففيه روايتان: أحدهما يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر، وهى الظاهرة عنه. فقد سئل: أيعطى الأخ. والأخت والخالة من الزكاة؟ فقال: يعطى كل القرابة إلا الأبوين والولد. والرواية الثانية: لا يجوز دفعها إلى الموروث، وهو ظاهر قول الخرقى لقوله: ولا لمن تلزمه مؤنته، وعلى الوارث مؤنة الموروث، فإذا دفع الزكاة إليه أغناه عن مؤنته، فيعود نفع زكاته إليه (74) . وابن العم مع ابن عمه إذا لم يكن لأحدهما ولد ولا والد ولا أخوة ولا أعمام يدخل كل واحد منهما فى الوارث والموروث، فيكون حكمه كذلك، فيصح بناء على هذا أن يأخذ ابن العم زكاة ابن عمه فى الحالين: حالة الإرث فى الحال على الراجح عندهم، وحالة عدم الإرث فى الحال قولا واحدا. أما ابن العم لأم فإنه يصح صرف الزكاة إليه ولو كان وارثا ويكون أسبق إلى من يدلون به، أو يستوى مع غيره فى الدرجة إليه، أو ليس من ذوى الأرحام سواه مثلا. فقد جاء فى " الشرح الكبير" لابن قدامة المقدسى: " فأما ذوو الأرحام فى الحال التى يرثون فيها فيجوز دفعها إليهم فى ظاهر المذهب، لأن قرابتهم ضعيفة، لا يرث بها مع عصبة ولا ذى فرض غير الزوجين، فلم تمنع (أى القرابة) دفع الزكاة، كقرابة سائر المسلمين، فإن ماله يصير إليهم عند عدم الوارث " (75) . أما صدقة الفطر فإنه لا يجب عليه إخراجها عنهم، أشقاء أو لأب أو لأم. فقد جاء فى " مختصر الخرقى " وشرحه " المغنى " لابن قدامة: " ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عياله إذا كان عنده فضل عن قوت يومه وليلته. وعيال الإنسان من يعوله: أى يمونه فتلزمه فطرتهم كما تلزمه مؤنتهم إذا وجد ما يؤدى عنهم، لحديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون " (76) . وأولاد العم ليسوا ممن يمونهم ابن عمهم، وذكرنا النص الدال على عدم وجوب نفقتهم عليه. ولكن إن تبرع بالإنفاق عليهم أو على بعضهم فى شهر رمضان فإنه تلزمه فطرة من أنفق عليه. فقد جاء فى " المحرر ": " ومن تبرع بمؤنة شخص شهر الصوم لزمته فطرته، نص عليه، وقيل: لا تلزمه " (77) . أما صرف صدقة الفطر إليهم فإنه يصح، لأنه يصح أن يصرف إليهم زكاة المال، وصدقة الفطر تعطى لمن تعطى له زكاة المال فقد جاء فى " مختصر الخرقى " وشرحه " المغنى " لابن قدامة: " ويعطى صدقة الفطر لمن يجوز أن يعطى صدقة المال، لأن صدقة الفطر زكاة، فمصرفها مصرف سائر الزكوات ". مذهب الزيدية: قد اختلفوا، فمنهم من أجاز صرف الزكاة إلى ابن العم: شقيقا أو لأب، ومنهم من لم يجز (78) . فقد جاء فى " البحر الزخار": " ولا تجزىء (أى الزكاة) فى أصوله أو فصوله إجماعا، إذ هم كالبعض منه ". وقال القاسم والهادى والناصر والمؤيد بالله: ولا تجزىء أيضا فيمن يلزمه نفقته حال الإخراج، إذ ينتفع بها بإسقاط النفقة، وقياسا على الآباء والأبناء. وقال الإمام يحيى: يجوز، إذ لم يفصل الدليل، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: " صدقة وصلة " (79) . ويشير بقوله: صدقة وصلة، إلى ما روى سلمان بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذى الرحم اثنتان: صدقة وصلة ". وقد ذكرنا أنهم يوجبون على ابن العم الموسر الإنفاق على ابن عمه: شقيقا أو لأب، لأنه يرثه، وبناء على النص السابق يكون بينهم خلاف فى إعطاء ابن العم الصدقة. أما ابن العم لأم فإنه يصح أن تصرف له الزكاة عندهم جميعا، لأنه لا تجب له النفقة على ابن عمه لأمه، لأنه من ذوى الأرحام، وهم لا يوجبون نفقة لذوى الأرحام، بل تندب فقط، وأما صدقة الفطر فإنها لا تلزمه عن أولاد عمه مطلقا: أشقاء أو لأب أو لأم، لأنه لا تلزمه نفقتهم. فقد جاء فى " البحر الزخار ": " وتجب فى مال كل مسلم عنه، وعن كل مسلم تلزمه نفقته فى فجر أول شوال، بالقرابة أو الزوجية أو الرق، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " وعمن تمونون " (80) . مذهب الإمامية: ذهبوا إلى أنه يجوز لابن العم أن يعطى أولاد عمه من زكاة ماله. فقد جاء فى " المختصر النافع " فى شروط من تصرف لهم الزكاة: " ألا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك، ويعطى باقى الأقارب " (81) . وكذلك الحكم فى زكاة الفطر فيصح أن يصرفها لابن عمه مطلقا. فقد جاء فى " المختصر النافع " مصرفها: هو مصرف الزكاة، ويجوز أن يتولى المالك إخراجها. ويخرجها عن نفسه وعياله: من مسلم وكافر وحر وعبد وصغير وكبير، ولو عال تبرعا (82) . وعلى ذلك لو كان يعول أولاد عمه تبرعا وجب عليه إخراج صدقة الفطر عنهم، لأنه قد تقدم أن النفقة لا تجب إلا على الأبوين والأولاد وإن نزلوا. وفيمن علا من الآباء تردد، وأقوى الأمرين اللزوم 0 ولا تجب على غيرهم من الأقارب، بل تستحب، وتتأكد فى الوارث، فإذا كان ابن العم يرث أحدا من أولاد عمه لعدم وارث له تلزمه نفقته، فلا يصح أن يصرف له الزكا ة. مذهب الإباضية: ذهب الإباضية إلى أن الزكاة لا تعطى لابن العم، شقيقا أو لأب، لأنه ممن تجب نفقتهم على ابن عمهم. وكذا لبنت العم الشقيقة أو لأب. فقد جاء فى كتاب " النيل" وشرحه: " وبالجملة فالرجل يعطيها لكل من لا تلزمه نفقته فى الحال من أقاربه وغيرهم، ومن لزمته نفقته لا يعطيه. وقيل: حتى يحكم بها عليه، ولا تعطى لمن يمونه غنى كأب وزوجة وطفل، فهم لا تعطى لهم إذا كان من يمون الأب غنيا، وهو ابنه أو بنته وكان الذى ينفق على الزوجة غنيا وهو زوجها، وكان الذى ينفق على الطفل غنيا وهو الأب أو الجد 00 ولا لمن يتقوى بها على معصية " (83) . فهذا النص يفيد أنها لا تعطى لابن العم الشقيق أو لأب، ولا لبنت العم كذلك، إذا كان لهم حق النفقة على ابن عمهم. وقد ذكرنا فى عنصر النفقة من مصطلح " ابن العم " أن لأبناء العم الأشقاء أو لأب حق النفقة على ابن عمهم، لأنه يرثهم، وبناء على ذلك فلا يصح أن يعطيهم الزكاة. أما أبناء العم لأم فإنه يصح أن يعطيهم الزكاة، لأنهم ليسوا من قوم أبيه إلا على الرأى القائل بأن النفقة تتبع الإرث وإن لم يكونوا من قوم أبيه، فما دام يرثهم تجب لهم عليه النفقة، فلا يعطيهم الزكاة. وقد تقدم النص الدال على ذلك فى عنصر " النفقة " نقلا عن شرح النيل (84) . الإقرار يكون الإقرار بنسب أو مال، وسنجعل كلامنا هنا قاصرا على الأول، أما الثانى وفى غيره من قضايا الإقرار ككون المقر له وارثا، أو غير وارث، وكون الإقرار فى الصحة أو المرض.. إلى غير ذلك فينظر فيه مصطلح " إقرار ". مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، لا يصح إقراره بنسب ابن عمه ولا بنت عمه. فقد جاء فى " حاشية الشلبى " نقلا عن شيخ الإسلام الاسبيجابى: " ويجوز إقرار الرجل بالولد والوالد والزوجة، والمولى من فوق ومن تحت إذا صدقه الآخر، لأن الحكم لا يعدوهما، فيكون إقرارا على أنفسهما فيقبل، ولا يجوز الإقرار بغير هؤلاء الأربعة (85) . ومع عدم ثبوت النسب بإقراره يكون للمقر له ما قد تركه المقر من مال إذا لم يوجد للمقر وارث، لأنه فى حكم الوصية. ولا يلزم فى صرف المال له أن يكون إقرار المقر فى حالة عدم الوارث. ولكن يلزم ألا يكون له وارث عند الموت. فقد جاء فى " جامع الفصولين ": " أقر رجل له ابن أن فلانا أخى لا يعتبر إقراره فى حق إثبات النسب. فلو مات ابنه ثم مات المقر فجميع ماله للمقر له، لرضاه بأن يأخذ هو ماله، فصار كموص له بجميع المال. وليس شرط صرف المال إلى المقر له أن يكون إقراره فى حال عدم الوارث. ولكن فى أى حالة أقر ومات ولم يبق له وارث يكون ذلك للمقر له، ولو كان المقر له معروف النسب فقال المقر: هو ابن أخى أو ابن عمى ومات ولا وارث له، فكذا الجواب لما مر من رضاه، فيصير فى معنى الوصية" (86) . وابن العم لأم كابن العم الشقيق، أو لأب فيما تقدم، لأنه لما أطلق فى النص السابق لفظ ابن عم كان شاملا له، ولأنه ليس من الأربعة الذين يجوز الإقرار بنسبهم. مذهب المالكية: ذهب المالكية إلى أن إقرار ابن العم، شقيقا أو لأب، بنسب ولد لعمه، لا يصح، لأن هذا الإقرار إنما يكون من الوالد للولد، ولا يكون من غيره حتى الولد للوالد، وابن العم لأم مثله مثل ابن العم الشقيق أو لأب فى عدم ثبوت النسب بإقراره، لأنه لما نص على أن الإقرار بالنسب لا يكون من غير الوالد، فقد شمل ابن العم لأم (87) . مذهب الشافعية: جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج" ما حاصله: " أما إذا ألحق النسب بغيره: كهذا أخى أو عمى فيثبت نسبه من الملحق به إذا كان رجلا، أما إذا كان امرأة فلا يثبت النسب، لأن استلحاق المرأة لا يقبل على الأصح، فيكون بالأولى استلحاق وارثها وإن كان رجلا، لأنه خليفتها، وإنما يثبت النسب إذا كان الملحق به رجلا، لأن الورثة يخلفون مورثهم فى الحقوق والنسب من جملتها. ولا فرق بين أن يتعدى النسب من الملحق به إلى نفسه بواسطة واحدة كالأب فى قوله: هذا أخى، أو اثنتين كالجد والأب فى قوله: هذا عمى، وقد يكون ثلاثة كقوله: هذا ابن عمى. ويشترط أن يصدق الملحق إن كان بالغا عاقلا، ومن يكون مجهول النسب، كما يشترط أن يكون الملحق به ميتا، ويشترط ألا يكون الميت قد نفاه، وذلك على رأى قد صححه ابن الصلاح واختاره الأذرعى. والرأى الثانى: لا يشترط، وقد اختاره النووى، وقال: هو الأصح. ويشترط أيضا كون المقر وارثا حائزا لتركة الملحق به: واحدا كان أو أكثر. وإن كان أكثر من واحد فلابد من اتفاقهم جميعا (88) . وابن العم لأم- على القول بإرثه عندهم إذا فسد بيت المال- يكون فى حكم ابن العم الشقيق أو لأب، متى كان وارثا، كما هما إذا كانا وارثين. مذهب الحنابلة: جاء فى " المغنى " لابن قدامة ما حاصله: " إن كان الإقرار بالنسب إقرارا عليه وعلى غيره كإقرار بأخ أعتبر أن يكون المقر به مجهول النسب، وألا ينازعه منازع، وإن يمكن صدقه. بأن يولد مثله لمثل من حمل نسبه، وأن يكون المقر به ممن لا قول له كالصغير والمجنون، أو يصدق المقر إن كان ذا قول، وأن يكون المقر جميع الورثة. فلو كان بعض الورثة لا يثبت النسب إلا إذا أقر باقى الورثة، ما لم يكن باقى الورثة ممنوعين من الميراث بمانع. كأن يكون مخالفا لمورثه فى الدين أو قاتلا أو رقيقا، فإنه فى هذه الحال يثبت النسب بقوله وحده، لأنه حائز لكل الميراث. كما أنه لا يلزم أن يكون حائزا كل المال وقت الإقرار، بل إذا أقر ومعه من يرث ولكنه مات بعد الإقرار وهو وحده الذى يرثه فإنه يثبت النسب، لأن الإقرار يعتبر صادرا من الحائز لجميع المال، وإذا أقر بمن يحجبه كأن يقر بابن لابن عمه الذى مات وهو الوارث الوحيد له، فإنه يثبت نسب المقر به ويرث، ويسقط المقر.. وهذا اختيار ابن حامد والقاضى، لأنه ابن ثابت النسب ولم يوجد فى حقه أحد موانع الإرث، فيدخل فى عموم قوله تعالى: " يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " (89) ، أى فيرث، كما لو ثبت نسبه ببينة (90) . وابن العم لأم كابن العم الشقيق أو لأب إذا كان يرث، بألا يوجد من يمنع ذوى الأرحام كأصحاب الفروض، غير أحد الزوجين، أو عصبة، وذلك لأن النصوص التى ذكرناها سابقا جاءت مطلقة فتشمله. مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن إقرار ابن العم، شقيقا أو لأب، بولد لعمه أو لابن عمه لا يصح، لأن مذهبهم عدم الواسطة. فقد جاء فى " البحر الزخار": " لو أقر أحد الأخوين بأخ وأنكره آخر لا يثبت نسبه إجماعا، إذ النسب لا يتبعض، والمذهب والمؤيد بالله قالا: وكذا لو صادق الآخر، لأجل الواسطة. وعند المؤيد بالله إن كانوا عدولا ثبت النسب كالبينة 0 " وعند العترة يشارك المقر فى الإرث لا فى النسب، إذا أقر بأمرين: أى النسب والإرث، بطل أحدهما لدليل فبقى الآخر وعند الإمام يحيى بطل النسب فبطل الإرث كما لو كان مشهور النسب لغيره " (91) . وكذا ابن العم لأم إذا أقر بولد لعمه لأمه أو لابن عمه لأمه، لأن النصوص الدالة على الحكم جاءت مطلقة فتشمل ابن العم لأم، وابن العم الشقيق أو الذى لأب، ويثبت نسب ابن العم المقر له من أبيه إذا أقر عدلان من الورثة. فقد جاء فى " البحر الزخار": " المذهب والإمام يحيى: إن أقر عدلان من الورثة ثبت النسب لكمال الشهادة " (92) مذهب الإمامية: ذهب الإمامية إلى أنه إذا أقر ابن العم لشخص بأنه ابن عمه يصح هذا الإقرار إذا صدقه المقر له إن كان كبيرا، أما إن كان صغيرا فلا يلزمه تصديقه ولكن يشترط عدم المنازع وجهالة نسبه. واشترطوا لصحة هذا الإقرار ألا يكون للمقر ورثة مشهورون. فقد جاء فى " المختصر النافع"، بعد أن-بين إقرار الأب بالولد الصغير، وأنه لابد فى الكبير المقر ببنوته من تصديقه: " وكذا فى غيره من الأنساب، وإذا تصادقا توارثا فيما بينهما، ولا يتعدى المتصادقين، ولو كان للمقر ورثة مشهورون لم يقبل إقراره بالنسب ولو تصادقا، فإذا أقر الوارث بآخر وكان أولى منه دفع إليه ما فى يده، وإن كان مشاركا دفع إليه نسبة نصيبه من الأصل، ولو أقر اثنان عدلان من الورثة صح النسب وقاسم الوارث، ولو لم يكونا مرضيين لم يثبت النسب، ودفعا إليه مما فى أيديهما بنسبة نصيبه من التركة " (93) . مذهب الإباضية: يرون أن ابن العم إذا أقر - وهو وارث- بوارث لابن عمه لم يصح نسبه إذا لم يصدقه باقى الورثة، لكن يلزم هذا المقر بإقراره. فقد جاء فى " النيل وشرحه ": " إذا أقر بعض الورثة بوارث لم يصح نسبه إذا لم يصدقه الوارث الآخر، لكن لزم المقر أن يعطى من أقر به ما ينوبه فى حصته ويمسك الباقى.. وإن كان المقر يحجب بالمقر به أعطاه سهمه ولم يرث، وكذا كل من صدقه، فإن التصديق إقرار " (94) . وقد ذكر قولا آخر فى المذهب فقال: " وقال غيرهم (غير الأكثر) لا يعطيه من حظه شيئا، ولا يثبت النسب. وهذا مقابل قول الأكثر، لما لم يثبت النسب لم يثبت الإرث، لأنه فرع النسب " (95) . وابن العم لأم يكون حكمه كذلك إذا كان وارثا بألا يكون لمن نسب إليه المقر به ورثة فرضيون أو عصبة. وورث ذوو الأرحام وكان ابن العم لأم وارثا. القذف الذى يتصور فى هذا بالنظر إلى ابن العم أن يحصل منه قذف لابن عمه أو بنت عمه، أو أن يكون له الحق فى المطالبة بإقامة الحد على من قذف ابن عمه أو بنت عمه. وسنتكلم عنهما. أما الشروط التى تشترط فى القاذف والمقذوف، وما يعتبر من العبارات قذفا وما لا يعتبر، وغير ذلك مما يلزم توافره لوجوب الحد فينظر فيه مصطلح " قذف " مذهب الحنفية: لم نر خلافا بين أئمة الحنفية، ولا بينهم وبين غيرهم من الفقهاء أن ابن العم إذا قذف ابن عمه أو بنت عمه يجب حده متى ثبت القذف، لأنه ليس ممن استثنوا عند بعض الفقهاء كالأباء. أما من حيث حقه فى المطالبة بإقامة الحد على من قذف ابن عمه أو بنت عمه، فعند الحنفية: ليس له الحق فى ذلك، سواء أكان القذف حال حياة ابن عمه أو بنت عمه أو موتهما. فقد جاء فى " الفتاوى الأنقروية" نقلا عن " البدائع " خاصا بالحى: " المقذوف إن كان حيا: حاضرا أو غائبا، لا خصومة لأحد سواه، وإن كان ولده أو والده " (96) . أما إن كان المقذوف ميتا، فقد جاء فى " الهداية" وفتح القدير" والعناية " ما حاصله: " ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح فى نسبه بقذفه، وهو الوالد وإن علا والولد وإن سفل، ذكرا كان أو أنثى، لأن العار يلتحق بكل واحد منهم، فيكون القذف متناولا له معنى، وعندنا ولاية المطالبة ليست بطريق الإرث، بل لما ذكرنا من لحوق العار " (97) . مذهب المالكية: ذهب المالكية إلى خلاف ما ذهب إليه الحنفية، فقد جعلوه حقا لكل وارث ولو بالقوة، فيكون لابن العم شقيقا أو لأب الحق فى استيفاء حد القذف. أما ابن العم لأم فإنه لا حق له فيه إلا على الرأى الذى يقول بأنه يرث إذا فسد بيت المال، وهو رأى المتأخرين منهم، والمراد بالميراث بالقوة أن يرث الشخص إذا لم يوجد من هو حاجب له عن الميراث، فهو عند وجود هذا الحاجب وارث بالقوة. فقد جاء بخصوص أن لكل وارث الحق فى إقامة حد القذف، فى " الشرح الكبير" "وحاشية الدسوقى" عليه ما حاصله: " وللمقذوف القيام بحد قاذفه وإن علم أن ما رماه به القاذف صدر من نفسه، لأنه مأمور بالستر على نفسه. فقد قال فيها (أى فى المدونة) : حلال له أن يحده لأنه أفسد عرضه، كوارثه: له القيام باستيفاء حد القذف، لمورثه المقذوف قبل موته، بل وإن قذف بعد موته، وهذا الوارث ولد وولده وإن سفل، وأب وأبوه وإن علا، ثم أخ فابنه، ثم عم فابنه.. وهكذا باقى الورثة من العصبة والأخوات والجدات، إلا الزوجين فإن المذهب أن لا حق لهما فى ذلك. ولكل وارث من الورثة القيام بحق الموروث وإن وجد من هو أقرب منه كابن الابن مع وجود الابن، لأن المعرة تلحق الجميع، ولا سيما إذا كان المقذوف أنثى، خلافا لأشهب الذى يقول: يقدم الأقرب فالأقرب فى القيام بحق المورث المقذوف كالقيام بالدم (أى استيفاء حق القصاص) (98) . أما بخصوص أن المراد بالوارث فى استيفاء حد القذف هو الوارث ولو بالقوة. بأن وجد من يحجبه، فقد صرح به الدسوقى فى حاشيته على " الشرح الكبير" إذ يقول- فى بيان عبارة " الشرح الكبير": وللمقذوف القيام بحد قاذفه كوارثه- ما نصه: " المراد بقوله كوارثه: الوارث بالقوة لا بالفعل كابن الابن مع وجود الابن. وحينئذ فيشمل ما لو كان الوارث قاتلا أو عبدا أو كافرا، فله القيام بحد من قذف مورثه الحر المسلم: سواء كان ذلك المورث أصلا لذلك الوارث، أو فرعا له، أو غيرهما " (99) . هذا من حيث استيفاء حد القذف. أما من حيث العفو، فإن لابن العم مطلقا كما لسائر الورثة أن يعفو إلا إذا كان الميت قد أوصاه بالحد، فليس له فى هذه الحال أن يعفو. فقد جاء فى " حاشية الدسوقى " على " الشرح الكبير" نقلا عن البنانى عن ابن عرفة اللخمى: " إذا مات المقذوف وقد عفا فلا قيام لوارثه (أى بحد القذف) وإن أوصى بالقيام لم يكن لوارثه عفو. فإن لم يعف ولم يوص (أى باستيفاء الحد) فالحق لوارثه: إن شاء قام (أى باستيفاء الحد) وإن شاء عفا " (100) . مذهب الشافعية: ذهب الشافعية إلى أن ابن العم الوارث: مطلقا.. يحق له استيفاء حد القذف ولو عفا بعض الورثة أو سائرهم سواه على الأصح، فقد جاء فى " المنهاج" وشرحه مغنى المحتاج فى باب اللعان ما حاصله: " وحد القذف والتعزير فيه (يورثان) كسائر حقوق الآدميين والأصح أن حد القذف إذا مات المقذوف قبل استيفائه يرثه جميعه كل فرد من الورثة الخاصين (أى دون الوارث العام وهو الإمام) حتى الزوجين على سبيل البدل. وليس المراد أن كل واحد له حد، وإلا تعدد بتعدد الورثة. وقيل: يرثه جميعهم إلا الزوجين، لارتفاع النكاح بالموت، والأصح أنه لو عفا بعض الورثة عن حقه فللباقين استيفاء جميعه، لأنه لكل فرد منهم، ولأنه عار والعار يلزم الواحد كما يلزم الجميع. وقيل: يسقط جميعه كما فى القود. وقيل: يسقط نصيب العافى ويستوفى الباقى، لأنه قابل للإسقاط، بخلاف القود" (101) . وإذا كان ابن العم هو القاذف وكان هو الوارث سقط الحد. فقد جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج": " ويسقط الحد فى القذف إما بعفو عن جميعه كغيره (من الحدود) أو بأن يرث القاذف الحد " (102) . مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب يرث حد القذف عن مورثه إذا مات بعد أن طالب به، وليس لهما حق المطالبة به فى حياته أو بعد مماته إذا لم يطالب به، وقد بين هذا صاحب " المغنى " إذ يقول: " وإذا مات المقذوف قبل المطالبة بالحد سقط، ولم يكن لورثته الطلب به ".. ثم قال: " إنه حد تعتبر فيه المطالبة، فإذا لم يوجد- الطلب من المالك لم يجب كحد القطع فى السرقة، فأما إن طالب به ثم مات فإنه ترثه العصبات من النسب دون غيرهم، لأنه حق يثبت لدفع العار: فاختص به العصبات كالنكاح " (103) . وقوله إنه يكون للعصبات النسبية دون غيرهم رأى من آراء، فإنه قد جاء فى المحرر: " ويثبت قذف الميت والقذف الموروث لجميع الورثة حتى الزوجين، نص عليه، وقال القاضى: فى موضع يختص به من سواهما من الورثة. وقيل: يختص العصبة" (104) . أما إذا قذف وهو ميت فقد بينه صاحب " المحرر" بقوله: " وإن قذف له موروث ميت فله حد القاذف بشرط إحصانه (أى إحصان الوارث، لأن القذف فى الحقيقة موجه إليه) وإن لم يكن الموروث محصنا ". وقال أبو بكر: " لا حد يقذف ميت، والأول هو الأصح) " (105) . ولا يسقط بعفو بعض أصحاب الحق، فقد قال ابن قدامة فى " المغنى ": " ومتى ثبت للعصبات فلهم استيفاؤه، وإن طلب أحدهم وحده فله استيفاؤه، وإن عفا بعضهم لم يسقط، وكان للباقين استيفاؤه " (106) . أما ابن العم لأم فلا حق له فيما تقدم، لأنه ليس من العصبات، أو له الحق على رأى من يقول: إنه لكل وارث، إذا لم يكن له عصبة 0 مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن حد القذف حق لله تعالى لا يتوقف استيفاؤه على طلب المقذوف ولا يصح العفو عنه لأنه لا حق له فيه. فقد جاء فى " المحلى " أثناء الكلام على حد القذف: " أن عائشة أم المؤمنين قالت: لما نزل عذرى قام النبى - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فأمر بالمرأة والرجلين أن يضربوا حدهم. فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام حد القذف ولم يشاور عائشة أمنا - رضى الله عنها - أن تعفو أم لا ". ثم قال: " فصح أن الحد من حقوق الله تعالى ولا مدخل للمقذوف فيه أصلا، ولا عفو له " (107) . مذهب الزيدية: نقل صاحب " البحر الزخار " عن العترة أنه: إذا كان المقذوف حيا فهو الذى يطلب حق نفسه ولا يورث ذلك عنه لأنه ليس بمال ولا يؤول إلى مال كخيار القبول فى البيع والنكاح، وإذا كان المقذوف ميتا طالب بالحد ولى نكاحه تقديرا، على تقدير أنه موجود وأراد أن يزوجه (108) . فابن العم الشقيق أو لأب له هذا الحق إذا ثبتت له ولاية النكاح (109) . أما ابن العم لأم فليس له هذا الحق، لأنه لا ولاية له فى نكاح ولد عمه لأمه (110) . مذهب الإمامية: ذهب الإمامية إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب يرث حد القذف لولد عمه: ذكرا أو أنثى مادام وارثا. فقد جاء فى " شرائع الإسلام": " حد القذف موروث، يرثه من يرث المال من الذكور والإناث عدا الزوج والزوجة " (111) . وإذا كان مع ابن العم المذكور ورثة آخرون غيره لا يسقط الحق فى حد القذف ما لم يعف كل الورثة الذين لهم حق ميراثه. فقد جاء فى " شرائع الإسلام ": " إذا ورث الحد (أى حد القذف) جماعة لم يسقط بعضه بعفو البعض، وللباقين المطالبة بالحد تاما ولو بقى واحد " (112) . الجنايات إذا جنى ابن العم على ولد عمه جناية ما كقتل أو شجة أو غير ذلك من الجنايات يؤاخذ به كغيره من الناس، ولم نر خلافا بين الفقهاء فى هذا (راجع: جناية) . وإنما الخلاف فى حقه فى المطالبة يما تستوجبه هذه الجناية شرعا، وفى أن له حق العفو أم لا، وفى أنه لا يقتص منه لعارض استدعى ذلك. مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن ابن العم: مطلقا، إذا كان وارثا لابن عمه المقتول استحق استيفاء القصاص هو والورثة الآخرون، وهذا متفق عليه بين أئمة الأحناف، ولا خلاف بينهم إلا من حيث كون هذا الحق ثبت للورثة ابتداء، أو ثبت وراثة، والمآل فى استحقاق الإستيفاء واحد. فقد قال صاحب " الفتاوى الأنقروية" نقلا عن الحدادى شارح القدورى: " ويورث دم المقتول كسائر أمواله، ويستحقه من يرث ماله، ويحرم منه من يحرم أرث ماله، ويدخل فيه الزوجان " (113) . وقد جرى فى كونه إرثا هنا على رأى أبى يوسف ومحمد، أما أبو حنيفة فإنه يرى: أنه يثبت هذا الحق للورثة ابتداء. - فقد قال فى " الفتاوى الأنقروية"، نقلا عن الخلاصة: " القصاص حق الورثة ابتداء، وعندهما حق الميت ثم ينتقل إلى الورثة " (114) . ويصح لابن العم، شقيقا أو لأب أو لأم، إن كان وارثا، أن يعفو عن القاتل من غير بدل أو يصالح على بدل فى نصيبه وحينئذ يسقط حق باقى الورثة فى استيفاء القصاص. فقد جاء فى " الهداية": " وإذا عفا أحد الشركاء عن الدم، أو صالح من نصيبه على عوض سقط حق الباقين فى القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية ". ثم قال: " ومن ضرورة سقوط حق البعض فى القصاص سقوط حق الباقين فيه، لأنه لا يتجزأ " (115) . وحينئذ ينقلب حق الباقين مالا. مذهب المالكية: وذهب المالكية إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب، باعتباره أحد العصبة الذكور، يكون له حق استيفاء القصاص ابتداء. فقد جاء فى " الشرح الكبير" "وحاشية الدسوقى " عليه: " والاستيفاء، أى استيفاء القصاص فى النفس من الجانى لعاصب المقتول لا لغيره من الذكور، ويكون عاصبا بنفسه فلا دخل فيه لزوج إلا أن يكون ابن عم لزوجته المقتولة، ولا لأخ لأم، أو جد لأم، وقدم ابن فابنه كالولاء. يقدم الأقرب فالأقرب من العصبة فى إرثه، إلا الجد والأخوة فسيان هنا فى القتل والعفو " (116) . هذا ما يتعلق بحق ابن العم فى استيفاء القصاص ابتداء، أما استحقاقه إرثا فإنه يكون إذا كان وارثا لأحد المستحقين (117) للاستيفاء ابتداء. أما ابن العم لأم فلا يرث القصاص، على ما يفهم من النصوص السابقة، إلا فى حالة إرث القصاص ولم يكن لمستحق الاستيفاء الذى مات وارث قبله كأن يكون أبا لزوجة ابن عمه لأمه المقتول، فترك ابنا ورث حق الاستيفاء، ثم مات الابن قبل الاستيفاء، فورثته أمه حيث لا وارث له غيرها. ثم ماتت أيضا قبل الاستيفاء، فورثه أبوها، الذى هو ابن العم لأم. مذهب الشافعية: قد ذهبوا إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب يكون له الحق فى استيفاء القصاص فى النفس ابتداء إن كان وارثا، وفى رأى أن هذا الحق ثبت إرثا، لأنه كان حقا للمقتول. فقد جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج": " الصحيح المنصوص ثبوت القصاص فى النفس ابتداء لا تلقيا من المقتول، لكل وارث خاص من ذوى الفروض والعصبة: أى يرثه جميع الورثة لا كل فرد فرد من أفراد الورثة، وإلا لجاز انفراد الواحد منهم بالقصاص. ويقسم القصاص بين الورثة على حسب إرثهم، لأنه حق يورث، فكان كالمال. والقول الثانى: يثبت للعصبة الذكور خاصة، لأن القصاص لرفع العار، فاختص بهم كولاية النكاح 0 والثالث: يستحقه الوارثون بالنسب دون السبب، لانقطاع السبب بالموت " (118) . ومقتضى هذا النص ألا يستوفى قصاص النفس إلا باتفاقهم جميعا، وأما قصاص الأطراف إذا مات من يستحقه فقد بينه صاحب " مغنى المحتاج " فقال: " أما قصاص الطرف إذا مات مستحقه فإنه يثبت لجميع الورثة قطعا " (119) وإذا عفا ابن العم وكان معه ورثة آخرون صح العفو وسقط القصاص وإن لم يعف غيره. فقد جاء فى" المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج": " للولى عفو عن القود على الدية بغير رضا الجانى، ولو عفا بعض المستحقين سقط أيضا وإن لم يرض البعض الآخر، لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء، ولأن الشارع رغب فيه. قال تعالى: " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " (120) . أما ابن العم لأم عند عدم الوارث فرضا أو تعصيبا، فإنه لا يرث القصاص إلا على رأى المتأخرين الذين قالوا بتوريث ذوى الأرحام إذا فسد بيت المال. وقد بين ذلك صاحب " مغنى المحتاج " فقال: " وقياس توريث ذوى الأرحام فى غير القصاص أن يقال به: أى بالتوريث فى القصاص أيضا " (121) . مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن القصاص حق لأولياء القتيل، وهم كل من ورث المال، وابن العم شقيقا أو لأب منهم إن كان وارثا. وكل من ورث المال يرث القود على قدر إرثه من المال، ولا يستوفى القصاص إلا باتفاقهم على استيفائه. فإذا عفا بعضهم سقط القصاص. فقد قال صاحب " المحرر": " كل من ورث المال ورث القود على قدر إرثه من المال ". وقال فى شروط استيفاء القصاص: " يشترط إنفاق الأولياء المشتركين فيه على استيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به " (122) . والمراد بالوارث فى عبارة " المحرر " هو الوارث بالفعل. فقد جاء فى " المغنى " لابن قدامة ما يدل على هذا (123) . أما ابن العم لأم فإنه يرث القود كذلك إذا كان وارثا بالفعل. مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب، له الخيار فى القصاص أو الدية إذا شاء ذلك، رضى القاتل أو أبى، لأنه أحد الأولياء الذين لهم هذا الحق (124) . وهذا الحق لا يورث، فلو استحقه عم ومات وترك ابنا له، لا يكون له حق الخيار فليس كالمال. فقد جاء فى " المحلى": " ومن مات من الأهل لم يورث عنه الخيار، لأن الخيار للأهل بنص حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن لم يكن من الأهل فلا خيار له أصلا، إذ لم يوجب ذلك نص ولا إجماع. والخيار ليس مالا فيورث " (125) . ولا يلزم أن يكون ولى الدم وارثا (126) . وإذا أسقط أحد المستحقين حقه فى القصاص دون غيره لم يسقط القصاص، بل يجب (127) . وابن العم لأم ليس كابن العم الشقيق أو لأب، لأن المقتول لا ينتمى إليه، فلا يحق له طلب القصاص. مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون له حق استيفاء القصاص إن كان وارثا. فقد جاء فى " البحر الزخار": " ويورث القصاص إجماعا، وقال العترة: يستحقه الوارث بنسب أو سبب " (128) . وإذا أسقط ابن العم حقه فى القصاص بعفو سقط حق باقى الورثة فى القصاص. فقد جاء فى " البحر الزخار". " ويسقط القود بعفو أحد الشركاء ". أما إذا كان ابن العم، شقيقا أو لأب، هو القاتل فإن القود لا يسقط إلا بعفو بعض من يستحقه، وكذلك يسقط إذا ورث ابن العم هذا، بعض القود: بأن كان للقتيل ابن وبنت ثم مات الابن قبل استيفاء القصاص، فإن ابن العم القاتل يرث بعض القود فقد جاء فى " التاج المذهب": " يسقط القصاص بإرث القاتل بعض القصاص من مستحقه (129) . أما ابن العم لأم فحكمه كحكم ابنى العم، الشقيق ولأب، لأنه من قرابة النسب. مذهب الإمامية: ذهب الإمامية إلى أن ابن العم الوارث يثبت له حق القصاص، ويكون له العفو عن القصاص والدية، أو استبدال الفداء بالقصاص. وذلك إذا كان هو الوارث وحده. أما إذا كان معه وارث آخر غير الزوج والزوجة فلا يسقط القصاص بصلحه وحده. فقد جاء فى " المختصر النافع": " قتل العمد يوجب القصاص ولا تثبت الدية فيه إلا صلحا، ولا تخيير للولى (أى فى أحد الأمرين: القصاص أو الدية) ، ولو اختار بعض الأولياء الدية فدفعها القاتل لم يسقط القود على الأشبه، وللآخرين القصاص بعد أن يردوا على المقتص منه نصيب من فاداه. وإن عفا البعض (أى عفوا كاملا دون دية أو مفاداة أصطلح عليها) لم يقتص الباقون حتى يردوا على المقتص منه نصيب من عفا " (130) . وابن العم، شقيقا أو لأب، يرث القصاص كما يرث المال (131) . أما ابن العم لأم فإنه يرث القصاص إذا كان يرث بأن لم يكن للميت من هو أولى منه بالميراث من ذوى الأرحام بناء على أحد رأيين عندهم اعتبارا بإرث المال: وأما على الرأى الثانى، وهو الأظهر عندهم: فإنه لا يرث القصاص، لأن مقتضاه ألا يرث القصاص إلا العصبة. مذهب الإباضية: إذا قتل ابن العم أو بنت العم، شقيقين أو لأب فإن ابن عمهما الشقيق أو لأب يكون له حق إرث القصاص. فقد جاء فى كتاب " النيل" وشرحه: " وتورث الجناية لعاصب فقط " (132) . وكما يرث ابن العم، شقيقا أو لأب، دم المقتول باعتباره وليا له فإنه يرثه أيضا عمن مات من أولياء المقتول قبل استيفائه إن كان وارثا لهذا الميت فى الأصح (133) . الديات لا يختص ابن العم بحكم فى الدية باعتباره ابن عم، وإنما يدور الحكم فى ذلك على كونه قاتلا فيتحمل الدية إذا وجبت على القاتل وهو فى هذا كأى قاتل، وكونه وارثا فيستحق فيها كغيره ممن يرث. وللمذاهب فى ذلك تفصيلات ليس هنا موضوع بيانها، راجع فى ذلك مصطلح " دية ". العتق الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والزيدية: ذهبوا إلى أن من ملك ابن عمه أو ابنة عمه سواء أكانا شقيقين أم لأب أم لأم، بسبب من أسباب الملك فإنه لا يعتق عليه بمقتضى هذا الملك. وذلك لأنه ليس ذا رحم محرم نسبا كما يقول الحنفية والعترة من الزيدية، وابن حزم الظاهرى، أو لأنه ليس من عمود النسب ولا الحواشى القريبة وهم الأخوة والأخوات كما يقول المالكية، أو لأنه ليس ذا رحم محرم على رواية عند الحنابلة، أو ليس من عمود النسب علي رواية أخرى، أو لأنه ليس من عمود النسب كما يقول الشافعية (134) . مذهب الإمامية: أما الإمامية فقد جاء فى " المختصر النافع ": " ولا يملك الرجل ولا المرأة أحد الأبوين وإن علوا، ولا الأولاد وإن سفلوا، وكذا لا يملك الرجل خاصة ذوات الرحم من النساء المحرمات، وينعتق هؤلاء بالملك. ويملك غيرهم من الرجال والنساء على كراهية، وهل يعتق عليه بالرضاع من ينعتق بالنسب؟ فيه روايتان أشهرهما أنه ينعتق وثبت الملك (135) . تغسيل ابن العم لبنت عمه ابن العم حكمه حكم الرجال فى عدم جواز تغسيلهم النساء بعد الوفاة إلا إذا كان زوجا على تفصيل فى المذاهب فى حكم تغسيل الزوج لزوجته (انظر التغسيل فى مصطلح تغسيل الميت) . صلاة ابن العم على ولد عمه مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون أحق بالإمامة فى الصلاة على ولد عمه ذكرا كان أو أنثى إذا لم يوجد من هو أولى منه. وترتيب ابن العم، شقيقا أو لأب، يجىء بعد درجة البنوة والأبوة والأعمام (136) أما ابن العم لأم فلا حق له فى هذه الإمامة، لأنه من ذوى الأرحام، ولا حق لهم. مذهب المالكية: ذهب المالكية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون أحق بالإمامة فى الصلاة إذا كان أقرب العصبة إلى الميت بعد الخليفة والوصى، ولا مدخل للزوجية هنا، ويقدم على الجميع حتى الوالى إذا أوصت بنت عمه بأن يصلى عليها ورجى خيره لصلاحه (137) . أما ابن العم لأم فلا حق له فى ذلك، لأنه ليس من العصبة. مذهب الشافعية: يرى الشافعية أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون أحق بالإمامة فى الصلاة على بنت عمه إذا كان أقرب العصبة الموجودين ولا مدخل للزوجية هنا حتى ولو أوصت الميتة بأن يصلى عليها (138) . أما ابن العم لأم فإنه يكون أحق إذا لم يوجد عصبة وكان أقرب ذوى الأرحام الموجودين (139) . مذهب الحنابلة: ابن العم بالنسبة لإمامة الصلاة على ابن عمه أو بنت عمه على ترتيبه فى العصبات إلا إذا كان الميت أوصى إليه خاصة فيقدم على الأولياء ما لم يكن فاسقا أو مبتدعا (140) . ونظرا إلى أن ابن العم الشقيق فى درجة ابن العم لأب فقد ورد فيهما رأيان إذا اجتمعا: فقد جاء فى " المغنى " لابن قدامة: " فإن أجتمع أخ من الأبوين وأخ من الأب ففى تقديم الذى من الأبوين أو التسوية بينهما وجهان، والحكم فى أولادهما وفى الأعمام وأولادهم كالحكم فيهما سواء " (141) . أما ابن العم لأم فهو من ذوى الأرحام وله حق الصلاة على ترتيبه بينهم إذا لم يوجد عاصب (142) . مذهب الزيدية: ابن العم، شقيقا أو لأب، له حق الصلاة كغيره من العصبات على ترتيبه بينهم وعندهم خلاف فى تقديم السلطان على العصبات (143) . أما ابن العم لأم فلا حق له فى ذلك، لأنه ليس من الأولياء. مذهب الإباضية: جاء فى كتاب " النيل ": " أولى الناس بالصلاة على الميت أبوه ثم الزوج، ثم الابن ثم الأخ، ثم الأقرب فالأقرب " (144) .   (1) تبيين الحقائق / ج6 ص338 المطبعة الأميرية، والمختصر المزنى الملحق بالأم للشافعى / ج 8 ص 139 نشر مكتبة كليات الأزهر، والمغنى لابن قدامة ج 7- ص ا 2، 22 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هجرية وكتاب البحر الزخار / ج 5 ص 339 الطبعة الأولى سنة 368 1 هجرية والمحلى / ج 7 ص 253 طبع إدارة الطباعة المنيرية. (2) ج 2 ص 423- 424 المطبعة الخيرية. (3) ص 268، 269، 271 الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف. (4) ص 271 الطبعة السابقة. (5) النيل وشرحه ج 8 ص 292. (6) فتح القدير ج 2 ص 407 الطبعة الأميرية. (7) فتح القدير ج2 ص 407، 413. (8) ج 5 ص 122 طبعة دار الكتب العربية. (9) ج 2 ص 224، 225 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (10) ج 3 ص 149، 151 طبعة مصطفى البابى الحلبى (11) ج 7 ص 279، 382 طبعة المنار سنة 348 1 هجرية. (12) ج7 ص246، 247، 248، 249 طبعة المنار سنة 1348 هجرية. (13) المراجع السابقة للمالكية والشافعية والحنابلة. (14) ج 3 ص 299، 0 30 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (15) ج 2 ص173، 174 طبعة مصطفى الحلبى (16) ج 1 ص 46، مطبعة السنة المحمدية. (17) ج 9 ص458، 459 إدارة الطباعة المنيرية. (18) ج 9 ص 451 الطبعة السابقة. (19) المحلى ج 8 ص323. (20) ج3 ص 46 الطبعة الأولى سنة 1948. (21) ج 2 ص221- 223 طبعة حجازى. (22) ج 3 ص 46 الطبعة السابقة. (23) ج 3 ص 56 الطبعة السابقة. (24) ج 3 ص 56، 57 الطبعة السابقة 0 (25) ح 3 ص 48 الطبعة السابقة. (26) ج 5 ص 88 الطبعة الأولى سنة 1948م. (27) ص 196 الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف. (28) ج 1 ص 205 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت. (29) ج 2 ص 265. (30) شرح النيل ج 2 ص617. (31) ج 3 ص 48 الطبعة الأميرية. (32) المرجع السابق. (33) ج 2 صح 528، 529 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (34) ج 3 ص 453، 454 طبعة مصطفى الحلبى. (35) ج 3 ص 454. (36) ج 2 ص 119، 120 طبعة مطبعة السنة المحمدية. (37) ج 10 ص 323 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (38) ج 10 ص 326 الطبعة السابقة. (39) ج 2 ص 526 الطبعة الثانية- مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هجرية. (40) ج 2 ص 526 الطبعة السابقة. (41) ج2 ص 45 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت. (42) ج1 ص 105 الطبعة الأميرية. (43) ج 2 ص 522، 523 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (44) ج 3 ص 446 طبعة مصطفى البابى الحلبى (45) ج 9 ص 278، 279، 280 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هجرية. (46) ج 9 ص 276، 277 من الشرح الكبير طبعة المنار الأولى سنة 1348 هجرية. (47) ج 9 ص 280 الطبعة السابقة. (48) المحلى ج10 ص 100، 101. (49) المرجع السابق ص 106. (50) شرح الأزهار ج 2 ص 549، 550. (51) ج 2 ص 48 الطبعة السابقة. (52) ج 7 ص210،211. (53) الحنفية: تبيين الحقائق، الزيلعى ج 6 ص237، 238 الطبعة الأميرية. والمالكية: الشرح الكبير للدردير ج 4 ص465، 466 طبعة دار إحياء الكتب العربية. والشافعية: المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ج4 ص9 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر. والحنابلة: المغنى لابن قدامة ج 3 ص 19، 20 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هجرية. والظاهرية: المحلى ج 9 ص 256، 7 5 2، 268 مطبعة إدارة الطباعة المنيرية. والزيدية: البحر الزخار ج 5 ص 351 الطبعة الأولى سنة 1949 م. والإباضية: النيل وشرحه ج 8 ص 282، 290. (54) ج 5 ص 341، 342 الطبعة الأولى سنة 1949م. (55) ص 268 الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف. (56) المختصر النافع ص 271. (57) المرجع السابق. (58) تبيين الحقائق للزيلعى ج 6 ص 242 المطبعة الأميرية، والمغنى ج 7 ص 82 الطبعة الأولى، البحر الزخار ج 5 ص 352. (59) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 468، طبع دار الكتاب العربى. (60) ج 3 ص 6،7 طبعة مصطفى البابى الحلبى. (61) المحلى ج 9 ص 312 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (62) المختصر النافع ص 271 الطبعة الثانية. (63) شرح النيل ج 8 ص 412. (64) شرح الهداية وفتح القدير ج 2 ص 128، 130 الطبعة الأميرية، الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 8،9 طبعة دار إحياء الكتب العربية، مغنى المحتاج ج 1 ص 467 طبعة مصطفى البابى الحلبى والمجموع ج 7 ص 86 طبعة إدارة الطباعة المنيرية، المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 190،192 الطبعة الأولى للمنار، والمقنع ج 3 ص 190 الطبعة الأولى للمنار بذيل المغنى لابن قدامة، المحلى ج 7 ص 47، 50 طبعة إدارة الطباعة المنيرية، البحر الزخار ج 2 ص 23،286، الطبعة الأولى، شرائع الإسلام ج 1ص 115 نشر مكتبة الحياة ببيروت، كتاب النيل ج 2 ص 168، 169. (65) الخطاب ج 2 ص 523، 526 مطبعة السعادة. (66) ج 3 ص 453، 454 طبع مصطفى الحلبى. (67) ج 2 ص 21 الطبعة الأميرية. (68) ج 1 ص 306 طبع الأميرية. (69) ج 1 ص 492. (70) المرجع السابق ص 506 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (71) ج 3 ص 112 طبعة مصطفى البابى الحلبى. (72) ج 3 ص 107، 108 الطبعة السابقة. (73) مغنى المحتاج ج 1 ص 402 الطبعة السابقة. (74) ج2 ص 712- 713 بذيل المغنى لابن قدامة الطبعة الأولى للمنار والمغنى لابن قدامه ج 2ص 512 طبعة الشرح الكبير نفسها. (75) ج2 ص 713 الطبعة السابقة. (76) ج 2 ص670 الطبعة الأولى للمنار. (77) ج1 ص 226 طبعة أنصار السنة المحمدية. (78) ج 2 ص 690 الطبعة السابقة. (79) ج 2 ص 86 1 الطبعة الأولى سنة 949 1 م. (80) ج 2 ص199 الطبعة السابقة. (81) ص 83 الطبعة الثانية لوزارة الأوقات. (82) ص 85، 86 الطبعة السابقة. (83) ج 2 ص 130،131. (84) ج 7 ص 210، 211. (85) على هامش الزيلعى ج 5 ص27 الطبعة الأميرية. (86) ج 1 ص 158 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية. (87) الشرح الكبير / ج 3 ص 412، 415. (88) ج 2 ص 261، 262 طبعة مصطفى الحلبى. (89) سورة النساء: 11. (90) المغنى لابن قدامة ج 5 ص 327، 330 الطبعة الأولى للمنار. (91) ج 5 ص 12، 13. (92) ج 5 ص 12،13. (93) المختصر النافع ص244. (94) ج 8 ص497. (95) المرجع السابق ص 501. (96) ج 1 ص 154 طبعة الأميرية. (97) ج 4 ص 195 طبعة الأميرية. (98) ج 4 ص 331 الطبعة السابقة. (99) المرجع السابق. (100) المرجع السابق. (101) ج 3 ص 372 مطبعة مصطفى الحلبى. (102) المرجع السابق. (103) ج 9 ص 24، 25 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هجرية. (104) ج2 ص 96 طبعة مطبعة السنة المحمدية. (105) المرجع السابق. (106) ج 9 ص 25 الطبعة السابقة. (107) ج 11 ص 289، 290 الطبعة السابقة (108) ج 5 ص 166 الطبعة السابقة. (109) ج 3 ص 46، 47. (110) المرجح السابق. (111) ج 2 ص 250 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت. (112) المرجع السابق ص 251. (113) ج1 ص 173 طبعة الأميرية. (114) ج 1 ص 173 طبعة الأميرية. (115) نتائج الأفكار ج 8 ص 275، 277 الطبعة الأميرية. (116) ج 4 ص 256 الطبعة السابقة. (117) ج 4 ص 262 الطبعة السابقة. (118) ج 4 ص 39، 40 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر. (119) المرجع السابق ص 40. (120) ج4 ص 48، 49 الطبعة السابقة. (121) ج4 ص 40 الطبعة السابقة. (122) ج 2 ص 131 (123) ج 9 ص 364 الطبعة السابقة. (124) المحلى ج 10 ص 360 إدارة الطباعة المنيرية. (125) المرجع السابق ص 484 الطبعة السابقة. (126) المرجع السابق ص 481. (127) المرجع السابق ص 481، 482. (128) ج 5 ص 253 الطبعة السابقة. (129) ج 4 ص 283 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (130) ص 313، 314 الطبعة السابقة. (131) شرائع الإسلام ج 2 ص 281 نشر مكتبة الحياة ببيروت. (132) ج 7 ص 621. (133) شرح النيل ج 8 ص 168. (134) شرح الميدانى على القدورى ج 2 ص 128 طبعة الآستانة، الشرح الكبير ج 4 ص 366، الطبعة السابقة، المنهاج ومغنى المحتاج ج 4 ص 499، 500 الطبعة السابقة، المحرر ج 2 ص 4 الطبعة السابقة، البحر الزخار ج 4 ص 193، 194 الطبعة السابقة، المحلى ج 9 ص 200 الطبعة السابقة. (135) ص 237 الطبعة السابقة. (136) الميدانى شرح القدورى ج 1 ص 136 الطبعة السابقة. (137) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 428 الطبعة السابقة. (138) المنهاج وشرحه المغنى المحتاج ج 1 ص 347 الطبعة السابقة. (139) مغنى المحتاج ج 1 ص 347 الطبعة السابقة. (140) المغنى ج 2 ص 366، 368 الطبعة السابقة. (141) ج 2 ص 368 الطبعة السابقة. (142) المرجع السابق. (143) البحر الزخار ج 2 ص 114، 115 الطبعة الأولى. (144) ج 1 ص 110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ابن العمة قرابته بين ذوى الأرحام: مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة: شقيقة أو لأب أو لأم، من أولاد الصنف الرابع من ذوى الأرحام والصنف الرابع ينتمى إلى جدى الميت أو جدتيه، وهم الأعمام لأم، والأخوال والخالات ثم أولادهم وإن نزلوا (انظر: ذوى الأرحام) (1) . المالكية والشافعية والحنابلة: ذهب أصحاب هذه المذاهب إلى أن ابن العمة: شقيقة أو لأب أو لأم ليس له مركز خاص بين ذوى الأرحام بحيث يفضلهم، بل ينزل مثلهم منزلة من يدلى به ويرث ما كان يرثه. مذهب الزيدية: الزيدية جعلوا ابن العمة كغيره من ذوى الأرحام، لا يتقدم على أحدهم بصفته هذه، بل بعارض كأن يكون أسبق من غيره. مذهب الإمامية: ليس عندهم توريث خاص بالرحم، بل قسموا الميراث بين ذوى النسب وذوى السبب، وقسموا ذوى النسب إلى ثلاث مراتب: الآباء والأولاد، والجد وإن علا ومعه الأخوة والأخوات، المرتبة الثالثة مرتبة العمومة والخئولة وتشتمل على أولاد الأعمام وا لعمات والأخوال والخالات (2) . مذهب الإباضية: ذهبوا إلى أن كل واحد من ذوى الأرحام ينزل منزلة من يدلى به، فلا يكون لابن العمة مركز خاص يتعلق بقرابته عندهم. أحكام ابن العمة الولاية اختلف فقهاء الحنفية فى الولاية على النفس، فقال الصاحبان إنها قاصرة على العصبة، فليس لقريب آخر هذه الولاية. وقال أبو حنيفة: إنها تكون لغير العصبات فتنتقل إلى غيرهم إذا لم يوجدوا، فتكون لذوى الأرحام، فابن العمة له الحق فى هذه الولاية على رأى أبى حنيفة، وليس له ذلك على رأى الصاحبين (3) . أما الولاية على المال فابن العمة لا حق له فيها لأنها ليست إلا للأب ثم وصيه إلى آخر ما ذكر فى الولاية على المال (4) . مذهب المالكية: والمالكية على أن ابن العمة- باعتباره من ذوى الأرحام- لا تكون له ولاية على النفس، لأن هذه الولاية خاصة بالعصبات عندهم (5) . أما الولاية على المال فكذلك لا يتولاها، لأنها إنما تكون للأب الرشيد أو وصيه إلى آخر ما ذكره (6) . مذهب الشافعية: والشافعية عل أنه ليس لابن العمة ولاية تزويج بنت خاله، لأنهم جعلوها للعصبة الذين من قبل الأب وليس لذوى الأرحام حق فيها (7) . وكذلك ليست له الولاية على المال، لأنها خاصة بالأب ثم الجد إلى آخر ما ذكروه (8) . مذهب الحنابلة: والحنابلة: على أنه لا ولاية لابن العمة فى تزويج بنت خاله، لأنه ذو رحم لها، ولا ولاية عندهم فى ذلك إلا للعصبات، وكذلك لا ولاية له على المال (9) . مذهب الظاهرية: ليس لابن العمة ولاية فى تزويج بنت خاله، ولا يختص ابن العمة فى الولاية على المال بحكم وصفه ابن عمة (10) . مذهب الزيدية: والزيدية على أن ابن العمة ليس له ولاية على ولد خاله: ولدا أو بنتا، لا على النفس ولا على المال إذ الولاية على النفس إنما تكون للعصبة، فإذا لم توجد عصبة لا نسبية ولا سببية فإنها تكون للإمام، والولاية على المال، عندهم، قاصرة على الأب العدل ثم الجد إلى آخر ما ذكروه (11) . مذهب الإمامية: لا ولاية عندهم على النفس لغير الأب، والجد للأب وإن علا، والوصى، والمولى والحاكم، فليس لابن العمة ولاية على النفس، وكذلك ليس له ولاية على المال (12) . مذهب الإباضية: ذهبوا إلى أنه لا ولاية لابن العمة على ولد خاله الصغير: ذكرا أو أنثى فى النفس لأنه ليس من العصبة. أما الولاية على المال فإنه له إن يلى مال ولد خاله إذا لم يكن هناك أقرب منه، لأن هذه الولاية تشمل كل الأقارب، الأقرب فالأقرب. الحضانة مذهب الحنفية: ذهبوا إلى أنه ليس لابن العمة حضانة بنت خاله الصغيرة، لأنه وإن كان ذا رحم فإنه ليس محرما لها، وكذا ابن خاله، لأن حق الحضانة يكون لذوى الأرحام المحارم إذا لم يوجد عصبة (13) . مذهب المالكية: الذى يؤخذ من كلام الدردير فى " الشرح الكبير" أنه لا حضانة لابن العمة، شقيقة أو لأب أو لأم، لأنه ذكر الحاضنين من أقارب المحضون ولم يذكر فيهم ابن العمة وانتقل منهم إلى المولى الأعلى، أى المعتق (14) . مذهب الشافعية: ذهب الشافعية إلى أن ابن العمة لا يكون حاضنا على الأصح، فإنه بعد أن ذكر صاحب " مغنى المحتاج " على متن المنهاج من يكون لهم الحضانة قال: " فإن فقد فى الذكر الحاضن الإرث والمحرمية معا كابن خال وابن عمة، أو الإرث فقط والمحرمية باقية كأبى أم وخال فلا حضانة لهم فى الأصح.. ثم قال: وغير الأصح له الحضانة لشفقته بالقرابة " (15) . مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة ليس له حق الحضانة، لأنه ليس بعاصب، وقيل إن لم يكن هناك عصبة تثبت له كما تثبت لغيره من الأقارب الذين ليسوا بعصبة على هذا الرأى. ولكن يلزم إذا كانت كبيرة أن تكون محرمة عليه، برضاع ونحوه. مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة مطلقا صاحب حق فى الحضانة، ويتولاها إذا كان أحوط لابن خاله وابنة خاله فى دينهما ودنياهما إذا لم يكن هناك عصبة ولا ذوو أرحام محارم، لأنه من ذوى الرحم، وهم أولى من غيرهم بكل حال، ويقدم عليهم إن كان أقرب منهم (16) . مذهب الزيدية: جاء فى شرح الأزهار: إذا عدمت العصبات المحارم وغير المحارم وذوو الأرحام المحارم، انتقلت الحضانة إلى من وجد من ذوى رحم غير محرما كابن الخال وابن الخالة وابن العمة، الأقرب فالأقرب، وولايتهم كذلك: أى هم أولى بالذكر دون الأنثى كالعصبات غير المحارم. وعند الكلام على العصبات غير المحارم قال بخصوص الأنثى: " وأما الأنثى فلا حضانة تجب لهم فيها، بل هم وسائر المسلمين على سواء فى حقها، فينصب الإمام أو الحاكم من يحضنها " (17) . مذهب الإمامية: جاء فى شرائع الإسلام فى الحضانة:" فإن فقد الأبوان فالحضانة لأبى الأب فإن عدم قيل: كانت الحضانة للأقارب وترتبوا ترتب الإرث، وفيه تردد (18) . النفقة مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة لا تلزمه نفقة ابن خاله أو ابنة خاله، لأنه ليس كل منهما ذا رحم محرم منه وشرط وجوب النفقة عندهم أن يكون من تم له النفقة على قريبه ذا رحم محرم منه كما لا تجب نفقته على ابن خاله وابنة خاله، فقد جاء فى الفتاوى الأنقرويه (19) ، ما يدل على هذا. مذهب المالكية والشافعية: ذهب المالكية إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة ابن خاله ولا بنت خاله مثله فى ذلك مثل ابن العم مطلقا، كما لا تجب نفقته عليهما لأن النفقة عندهم لا تجب إلا للأصول والفروع المباشرين، وكذلك الحكم فى عدم وجوب النفقة من الجانبين عند الشافعية لأنها لا تجب عندهم إلا للأصول والفروع مطلقا (انظر: باب النفقة، نهاية المحتاج) ، ونقلا أيضا عن الشرح الكبير (20) . مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة ابن خاله ولا بنت خاله، ولا تجب له عليهما كذلك، لأن كلا منهما من ذوى الأرحام الذين ليسوا من عمودى النسب، وهذا أحد قولين، وخرج أبو الخطاب فى وجوبها عليهم رواية أخرى، وهى أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات وذوى الفروض، لأنهم وارثون فى تلك الحال، النصوص الدالة على ذلك (انظر: الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى) (21) . مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة لا يجب عليه الإنفاق على ولد خاله، ولا له عليهم، لأنهم جميعا ذوو رحم غير محرم. والنفقة إنما تكون بين ذوى الرحم إذا كانوا محرما، النصوص الدالة على ذلك من المحلى (22) . مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة يجب عليه نفقة ابن خاله وبنت خاله، وتجب عليهما له إذا كان من نحكم عليه بالنفقة يرث الآخر، النصوص الدالة على ذلك من شرح الأزهار (23) . مذهب الإمامية: قد ذهبوا إلى أنه لا تجب النفقة على ابن العمة ولا له على أولاد خاله لأنه لا تجب النفقة على غير عمودى النسب من الأقارب لكن تستحب وتتأكد فى الوارث منهم، والنصوص الدالة على ذلك من شرائع الإسلام (24) . مذهب الإباضية: ذهب هؤلاء إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة أولاد خاله كما لا تجب له عليهم لأن مدار النفقة عندهم أن يكون المنفق من قوم المنفق عليه ووارثا له وهؤلاء ليس بعضهم من قوم بعض ولو ورثه، لأنهم يورثون ذوى الأرحام ولكن ورد عندهم رأى صححه أبو زكريا منهم أنهم إن كان بعضهم يرث بعضا فيكون عليه بقدر إرثه والنصوص الدالة على ذلك من كتاب شرح النيل (25) . الميراث مذهب الحنفية: ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة يرث أولاد خاله إذا لم يوجد لهم صاحب فرض ولا عاصب ولا من هو أولى منه من ذوى الأرحام ولا يمنعه من ذلك وجود الزوج أو الزوجة لأنهما لا يرد عليهما شىء مما بقى من التركة بعد استيفاء الموجود منهما حقه (انظر: إرث ذوى الأرحام) . مذهب المالكية: قد ذهب متأخروهم إلى توريث ذوى الأرحام (انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقى) (26) وهم يسيرون فى توريث ابن العمة على مذهب أهل التنزيل فينزلونه منزلة من يدلى به إلى الميت. مذهب الشافعية. ذهب متأخروهم فى رأى، ومتقدموهم أيضا، إلى توريث ذوى الأرحام، وعلى ذلك يرث ابن العمة إذا لم يوجد عاصب ولا ذو فرض يرد عليه ولا يمنعه أحد الزوجين لو كان موجودا. طريقة توريثه يورثونه على طريقة أهل التنزيل، وهى الأصح عندهم إذا كان معه غيره من ذوى الأرحام، أما إذا انفرد فإنه يأخذ كل المال (انظر ارث ذوى الأرحام) . مذهب الحنابلة: ذهبوا كغيرهم ممن تقدم إلى أن ابن العمة، شقيقة أو لأب أو لأم، من ذوى الأرحام، وأن ذوى الأرحام يرثون إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب، المرجع: كتاب المغنى لابن قدامة (27) . طريقة توريثه: ينزل عندهم منزلة من يدلى به إلى الميت من الورثة، فإذا لم يكن معه أحد من ذوى الأرحام أحق منه أخذ كل المال (أنظر: إرث ذوى الأرحام) . مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة لا يرث، لأنه من ذوى الأرحام وهو لا يورث ذوى الأرحام، أنظر كتاب "المحلى " (28) . مذهب الزيدية: يرى الزيدية أن ابن العمة يرث، لأنه ذو رحم، وهم يورثون ذوى الأرحام، البحر الزخار (29) (أنظر: إرث ذوى الأرحام) . مذهب الإمامية: ذهبوا إلى أن ابن العمة يرث ما كانت ترثه أمه، فقد جاء فى المختصر النافع (30) : "ويقوم أولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم". والمراد من الآباء هنا ما يشمل الأمهات من باب تغليب المذكر علي المؤنث فى التعبير، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر (أنظر: أرث ذوى الأرحام) . مذهب الإباضية: ذهبوا إلى أن ابن العمة يرث إذا لم يوجد عاصب ولا ذو سهم إن لم يكن من هو أولى منه من ذوى الأرحام، لأنهم يذهبون إلى توريث ذوى الأرحام. طريقة توريثه: مذهبهم فى توريث ذوى الأرحام مذهب أهل التنزيل كالشافعية والحنابلة والمالكية، وعلى هذا ينزلون ابن العمة منزلة أمه، وأمه منزلة أب الميت (أنظر أرث ذوى الأرحام) . الوصية ذهب الحنفية إلى أن الوصية لوارث تتوقف فى نفاذها على إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا عند موت ولد خاله الذى أوصى له، أخذ هذا الحكم وإلا كان حكمه فى الوصية حكم الأجنبى (انظر: تبيين الحقائق للزيلعى) (31) . مذهب المالكية: ذهب المالكية فى المشهور عندهم إلى أن الوصية لوارث باطلة، فإذا كان ابن العمة وارثا لا تصح الوصية له ولو بقليل زيادة علي حقه، وعندهم رأى آخر أنها صحيحة متوقفة على إجازة الورثة. ويعتبر وارث أو غير وارث بحال الموت، والمعتبر فى وقت الإجازة التى تلزم المجيز هو موت الموصى، أو مرضه مرضا لم يبرأ منه، أما فيما عدا ذلك فالإجازة غير لازمة (الشرح الكبير وحاشية الدسوقى) (32) . مذهب الشافعية: ذهب الشافعية إلى أن الوصية لوارث تتوقف على إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا لا تصح الوصية له إلا إذا أجاز الورثة، وهو الرأى الراجح عندهم، والرأى الأخر أنها باطلة وإن أجازوها، والعبرة بكونه وارثا أو غير وارث هو وقت الموت لا وقت الوصية، وإن العبرة فى الإجازة أو الرد هو ما بعد موت الموصى، فلا يعتبر ما يكون منهم فى حال حياته (مغنى المحتاج والمنهاج) (33) . مذهب الحنابلة: عندهم أن الوصية للوارث تتوقف فى نفاذها علي إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا كانت الوصية له موقوفة على الإجازة وهو الأشهر، وفى قول أنها باطلة وإن أجازها باقى الورثة. والعبرة بكونه وارثا أو غير وارث هو وقت الموت. والعبرة فى إجازة الوصية أو ردها بوقت ما بعد موت الموصى (المغنى وكشاف القناع) (34) . مذهب الظاهرية: ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة تصح الوصية له، لأنه غير وارث، إذ هو من ذوى الأرحام، وهم لا ميراث لهم عنده ولو لم يكن للميت أقارب سواهم، ما لم تكن وصية أو حقوق أخرى عليه، ولكنه يشترط إذا أوصى لغير وارث ألا تزيد الوصية عن الثلث، حتى ولو أجاز الورثة ذلك (انظر المحلى) (35) . مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة إذا كان غير وارث تصح الوصية له إجماعا، ولكنها تنفذ من الثلث، أما ما زاد عليه فلابد فيه من إجازة الورثة، وإجازتها فى حال حياة الموصى وبعد موته. ولكنها إذا كانت فى حال الحياة فالرجوع فيها قد روى فيه رأيان: رأى بالجواز، ورأى بعدم الجواز، أما بعد موت الموصى فلا رجوع فيها قولا واحدا (البحر الزخار) (36) . مذهب الإباضية: يرى الإباضية أن ابن العمة يصح الإيصاء له ما دام مسلما غير وارث، والمراد بكونه غير وارث أن يكون كذلك عند موت ابن خاله الذى أوصى له، وإذا أذن الورثة للموصى بالوصية فى حال حياته بأكثر من الثلث لم يكن له الرد بعد وفاته على رأى. وفى رأى آخر لهم ذلك (كتاب النيل وشرحه) (37) . الحج والسفر والخلوة لا يختص ابن العمة فى الحج والسفر والخلوة بحكم فى هذا بالنسبة لابنة خاله لكنه إذا كان زوجها أو ثبتت محرميته لها بسبب آخر كالرضاع والمصاهرة كان حكمه حكم المحارم، وإن لم يكن أحد هذه الأمور أخذ حكم الأجنبى. غير أن المالكية يجيزون خلوة ابن العمة ببنت خاله عند الضرورة كأن يجدها فى مفازة أو مكان منقطع وخشى عليها الهلاك فإنه يجب عليه أن يصحبها ولو أدى إلى خلوة، وعليه أن يحترس جهده، كما أجازوا له أن يسافر بها إذا كان وصيا لها ولم يكن لها أهل تخلف عندهم، وكان مأمونا، وهذا الحكم يشمل ابن العمة وغيره (38) . مذهب الشافعية: وعند الشافعية: جاء فى المنهاج وشرحه (39) ما حاصله: وتثبت الحضانة لكل ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث وكذا غير المحرم كابن العم على الصحيح لوفور شفقته، والثانى: لا، لفقد المحرمية ولا تسلم إليه مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة، فإن كان له بنت مثلا يستحى منها جعلت عنده مع بنته، وابن العمة فى هذا كابن العم (انظر محارم، أجنبى، خلوة) . الزكاة ذهب هؤلاء الفقهاء إلى أن ابن العمة يجوز له أن يعطى أولاد خاله زكاة ماله متى توفرت فيهم شروط من تصرف لهم الزكاة: بأن يكونوا فقراء أو مساكين أو كانوا من العاملين عليها.. إلى آخر ما يذكر فى المصارف. وقد ذكرنا النصوص الدالة على ذلك عند الكلام على الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب " العناية والهداية عند الحنفية، والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه عند المالكية. ومغنى المحتاج عند الشافعية. والمختصر النافع عند الإمامية (40) . أما صدقة الفطر فلا يجب على ابن العمة خراجها عن أولاد خاله عند الحنفية أو المالكية والشافعية، وقد تقدم ذكر النصوص الدالة على ذ لك عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب الزيلعى عند الحنفية، والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ومغني المحتاج (41) . مذهب الإمامية: مع أنهم يقولون لا يلزم ابن العمة نفقة أولاد خاله، يقولون إذا عالهم تبرعا يجب عليه أن يخرج عنهم صدقة الفطر، وقد تقدم النص الدال على ذلك عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب المختصر النافع (42) . مذهب الحنابلة: ذهبوا إلى أن ابن العمة يصح أن يعطى الزكاة إلى ابن خاله، كما يصح أن يأخذها من ابن خاله، وهو ظاهر المذهب لأنهم من ذوى الأرحام. فقد جاء فى الشرح الكبير للمقدسى: فأما ذوو الأرحام فى الحال التى يرثون فيها فيجوز دفعها إليهم فى ظاهر المذهب.. الخ النص الذى ذكرناه عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " (43) . أما صدقة الفطر فإن ابن العمة لا يجب عليه أن يخرجها عن أولاد خاله، لأنه لا تلزمه مئونتهم، ولكن أن تبرع بها لهم أو لبعضهم فى شهر رمضان فإنه تلزمه فطرة من تبرع له كما صح أن يصرف لهم صدقة الفطر التى تلزمه، لأنها كزكاة المال، وقد ذكرنا النصوص الدالة على ما تقدم عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب المغنى لابن قدامة، والمحرر ومختصر الخرقى مع المغنى " (44) . مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة يجوز له أن يعطى زكاة ماله إلى أولاد خاله، كما يجوز لهم أن يعطوه زكاة أموالهم، لأن بعضهم ذوو رحم لبعض، وأساس منع صرف الزكاة عندهم أن يكون المصروف له أصلا أو فرعا باتفاق، أو من تلزم المزكى نفقته على رأى بعضهم وذوو الأرحام لا يجب لبعضهم النفقة على بعض، كما أن بعضهم ليس أصلا ولا فرعا لبعض. وعلى هذا يصح أخذ بعضهم زكاة بعض بالاتفاق. وقد ذكرنا النصوص الدالة علي ما تقدم عند الكلام على الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب البحر الزخار (45) . أما صدقة الفطر فإنها لا تلزمه عن أولاد خاله، كما لا تلزم أولاد خاله عنه لأن مبناها وجوب النفقة على من يصرفها، ولا نفقة لذى رحم على ذى رحم، وقد تقدم النص الدال على ذلك عند الكلام على الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب البحر الزخار (46) . مذهب الإباضية: عند الإباضية فى إعطاء ابن العمة الزكاة لأولاد خاله، وإعطائهم إياها له رأيان: رأى، وهو الراجح: أنه يصح لكل منهما ذلك، لأنهم ليس واحد منهما من قوم أبى الثانى. ورأى آخر: لا يصح، لأنه يجب عليه لهم النفقة إن كان وارثا،، وهم كذلك، إذ هم يورثون ذوى الأرحام، وما دام يجب لأحدهما النفقة على الآخر لا يصح أن يأخذ منه ا. لزكاة، وقد تقدم بيان ذلك، وذكر النص عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " من كتاب النيل وشرحه (47) . الإقرار مذهب الحنفية والمالكية: الحكم فى إقرار ابن العمة بنسب ابن خاله أو ابنة خاله كالحكم فى إقرار ابن العم بنسب ابن عمه (انظر: ابن العم) . مذهب الشافعية: ذهب الشافعية إلى أن ابن العمة إذا أقر بنسب ولد الخالة يكون أخا لابن خاله المعروف نسبه يثبت النسب ممن ألحق به إذا كان الملحق به ميتا، وكان ابن العمة حائزا لجميع الميراث: بأن يكون ابن خاله المعروف النسب قتل أباه المورث أو ارتد مثلا ولا وارث له غيره وهذا على القول الذى سار عليه المتأخرون بأن ذوى الأرحام يرثون ويشترط أن يصدقه الملحق، كأن يشترط ألا يكون الميت قد نفاه، فإذا كان هناك ورثة آخرون: زوج أو زوجة، فإنه يلزم موافقتهم للمقر (48) . مذهب الحنابلة: ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة إذا أقر بنسب شخص إلى خاله كأن يقول هذا أخ لابن خالى مثلا، أو هذا ابن ابن خالى، فإنه يثبت نسبه إذا استوفى الشروط المطلوبة فى ذلك، وقد ذكرنا الشروط المطلوبة وتفصيل القول فى ذلك عند الكلام على الإقرار فى مصطلح ". ابن العم، أخذا من كتاب المغنى لابن قدامة (49) . مذهب الزيدية: ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة إذا أقر بولد لابن خاله فحكمه حكم ما تقدم فى إقرار ابن العم (50) . مذهب الإمامية: إذا أقر ابن العمة بابن الخالة أو لابن خاله فحكمة حكم إقرار ابن العم على ما تقدم فى مصطلح " ابن العم ". القذف مذهب الحنفية: عند الأحناف أن ابن العمة إذا قذف ولد خاله ذكرا أو أنثى يحد به متى توفرت الشروط اللازمة لإقامة الحد، وتنظر هذه الشروط فى مصطلح" قذف ". أما إذا قذف آخر ابن خاله أو بنت خاله فليس له حق المطالبة بحده: سواء أكان المقذوف حيا أو ميتا، لأنه إن كان حيا لا خصومة لأحد سواه 0 وإن كان ميتا لا خصومة لأحد غير الوالد وإن علا والولد وإن نزل، لأن العار إنما يلتحق بهم (51) . مذهب المالكية: أما عند المالكية: فابن العمة لة حق فى استيفاء حد القذف الذى يحصل لابن خاله أو بنت خاله على الرأى القائل بأن ذا الرحم يرث إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب عدا الزوجين، إذ هو فى هذا وارث بالقوة، وهم يجعلون الوارث ولو بالقوة ذا حق فى استيفاء حد القذف وسواء فى ذلك أن يكون القذف قد حصل قبل موته أو حصل بعد موته، كما أن له كسائر الورثة حق العفو إلا إذا كان الميت قد أوصى قبل موته باستيفاء الحد، أما إن عفا هو فليس لابن العمة ولا غيره من الورثة استيفاؤه أما إذا لم يوص بالاستيفاء ولم يعف فإن الحق فى ذلك للوارث (52) . مذهب الشافعية: وعند الشافعية أن ابن العمة إن كان وارثا لابن خاله يرث استيفاء حد القذف. وذلك على رأى المتأخرين القائلين بتوريث ذوى الأرحام، لأنه حق من حقوق الآدميين، فيورث كسائر حقوقهم، والأصح أن الذى يرثه جميعه كل فرد من الورثة وقيل: يرثه جميعه إلا الزوجين، ويسقط بالعفو أو إرث القاذف للحد، ولا يسقط بعفو بعض الوارثين، لأنه حق لكل منهم (53) . مذهب الحنابلة: وعند الحنابلة: أن ابن العمة ليس له إرث حق القذف لابن خاله أو بنته، لأنه ليس من العصبة، وقد خصوهم به إلا فى رأى عندهم وهو أنه يرثه كل وارث حتى الزوجين. وقال القاضى فى بعض الروايات عنه: يختص به من سواهما (54) . وهذا إذا قذف المورث وهو ميت، أما إذا قذف وهو حى فليس لأحد غير المقذوف حق المطالبة به، فإذا مات ولم يطالب به سقط، وإن طالب به ثم مات فإن من ذكرنا يرث حق المطالبة به، وهو ميراث لابن العمة وجميع من يكون معه من ذوى الأرحام الوارثين لأنه لدفع العار والعار يلحقهم جميعا، ولو عفا بعض ذوى الحق لا يسقط بعفوه وللباقين استيفاؤه ولو كان الباقى واحدا (55) . مذهب الظاهرية: وعند ابن حزم الظاهرى: أن حد القذف حق محض لله تعالى، فليس لأحد العفو عنه حتى المقذوف نفسه، ولا لأحد إرثه، سواء أكان عصبة أو غير عصبة، فليس لابن العمة حق المطالبة به ولا العفو عنه لا فى حياة المقذوف ولا بعد مماته (56) . مذهب الزيدية: وعند الزيدية: أن ابن العمة ليس له حق المطالبة بحد قذف ابن خاله أو ابنة خاله، لأنه لا ولاية له فى نكاحهما عندهم إذ هذه الولاية خاصة بالعصبة (57) . مذهب الإمامية: وعند الإمامية: أن ابن العمة إذا كان وارثا له حق استيفاء هذا الحد، لأن هذا الحد يرثه عندهم من يرث المال عدا الزوج والزوجة (58) . الجنايات يرى الحنفية أن ابن العمة إذا كان وارثا لابن خاله فإنه يرث القصاص لابن خاله المقتول وحده إن انفرد بالإرث أو مع غيره من الورثة إن لم ينفرد. ويرى أبو حنيفة أنه يستحقه ابتداء لا إرثا ويجوز له أن يعفو عن القصاص فيسقط حق الباقين فيه وينقلب مالا هو الدية (59) . مذهب المالكية: ويرى المالكية: أنه لا يرث ابن العمة حق استيفاء القصاص عن ابن الخال أو بنت الخال، لأنه ليس عصبة له أو لها، وهذا الحق للعصبة الذكور وللنساء الوارثات ولكنه يصح أن يرثه ممن ورث هذا الحق (60) مذهب الشافعية: ويرى الشافعية: أن ابن العمة له الحق فى إرث حق القصاص، بناء على رأى المتأخرين القائلين بإرث ذوى الأرحام، فقد جاء فى مغنى المحتاج: " وقياس توريث ذوى الأرحام فى غير القصاص أن يقال به، أى بالتوريث، فى القصاص أيضا " (61) . وعلى هذا إذا كان الوارث وحدة استحقه كله، وإن كان مع غيره استحق منه بقدر نصيبه وإذا عفا هو أو غيره من المستحقين سقط القصاص، وبقيت الدية (62) . مذهب الحنابلة: ويرى الحنابلة: أن ابن العمة يرث حق القصاص إذا كان وارثا، بألا يكون لابن خاله وارث إلا ذوو الأرحام، فإن كان وحده ورثه كله، وإن كان معه غيره ورث منه بقدر نصيبه وإن عفا سقط القصاص، فليس لأحد آخر حق استيفائه، لأنه لا يستوفى إلا باتفاقهم على الاستيفاء، والمراد من الورثة الورثة بالفعل، نقلا عن المحرر وكتاب المغنى لابن قدامة (63) . مذهب الظاهرية: ويرى ابن حزم الظاهرى أن ابن العمة ليس له حق فى القصاص عن ابن خاله، لأنه ليس من أهله، إذ هو من ذوى الأرحام الذين لم يعتبرهم أهله، ولكن أمه من أهل المقتول فلها الحق، غير أنه لا يرث هذا الحق من أمه إن ماتت قبل استيفائه، لأن عنده أن هذا الحق شخصى لا يورث " الإيصال تكملة المحلى " لابن حزم (64) . مذهب الزيدية: ويرى الزيدية أن ابن العمة له حق استيفاء القصاص لابن خاله لأنهم جعلوها لجميع قرابة النسب وذوى الأرحام منهم، وإذا سقط حقه فى القصاص سقط كل القصاص فليس لأحد المستحقين استيفاؤه (65) . مذهب الإمامية: ويرى الإمامية أن ابن العمة لا يرث حق القصاص على الرأى الراجح عندهم، لأنه حق للعصبة وحدهم، وعلى رأى آخر حق لكل وارث عدا الزوج والزوجة، وذوو الأرحام عندهم من الورثة. وإذا عفا لا يسقط حق الباقين فى القصاص، ولكن لابد أن يردوا على المقتص منه نصيب من عفا من الدية أو ما فاداه به (66) . مذهب الإباضية: ويرى الإباضية فى نص عندهم أن حق استيفاء القصاص للعصبة فقط، فابن العمة ليس له هذا الحق بناء على هذا النص. وجاء عندهم نص آخر أنه لكل وارث كما هو للولى الذى هو العاصب، وإذا عفا أحد أصحاب الحق سقط القصاص وليس لغيره طلبه بشرط علمه بهذا العفو. وكذلك يرث ابن العمة حق الاستيفاء من موروثه الذى مات قبل استيفاء حق القصاص (67) . الديات مذهب الحنفية: يرى الحنفية أن ابن العمة إذا قتل ولد خاله عمدا كان عليه القصاص، فإن عفا عنه من له القصاص إلى مال وجبت عليه الدية فى ماله وكذا ما صولح عليه، أما إذا كان القاتل أجنبيا فإن ابن العمة الموجود يكون له حق فى الدية إذا كان وارثا (68) : وإذا لم يعف ابن العمة فى حقه فى الدية وعفا غيره من الورثة كذوى أرحام آخرين أو زوج أوزوجة لا يسقط حقه فيها. مذهب المالكية: ويرى المالكية أن ابن العمة لا حق له فى دية ابن خاله إذا عفا عن القاتل إلى الدية، إلا إذا كان وارثا على رأى من ورثوا ذوى الأرحام عندهم، وهم المتأخرون (69) . مذهب الشافعية: ويرى الشافعية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا تلزمه الدية فى ماله إن عفا عنه فى القصاص من له حق العفو. وإن كان القتل خطأ فعلى عاقلته وإذا لم يكن هو القاتل فإنه يتحمل فى الدية إذا لم توجد عصبات أو وجدت ولم يوف ما لزمها بما يجب من الدية لقلتها، وهذا إذا كان يرث بناء على رأى المتأخرين الذين يورثون ذوى الأرحام إذا لم ينتظم بيت المال، وكذلك يرث من دية ابن خاله كما يرث من ماله بناء على هذا الرأى (70) . مذهب الحنابلة: ويرى الحنابلة أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا وعفى له عن القصاص ممن يستحقه، فإنه تجب عليه الدية فى ماله. أما إذا كان القتل خطأ فإن الدية تكون على عاقلته، ولا يتحمل منها شيئا ويرث من الدية التى لزمت غيره بقتل ابن خاله إذا لم يحجبه حاجب (71) . مذهب الظاهرية: ويرى ابن حزم الظاهرى أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله يكون ككل قاتل إذا عفى من القصاص تلزمه الدية فى ماله هو، ويكون العفو من أهل المقتول جميعا، ولا يلزمه التحمل فى الدية إذا كان ابن خاله هو القاتل لأن الذى يتحملها هم العصبة، وأما من حيث إرثه من الدية فإنه لا يرث منها كما لا يرث من المال (72) . مذهب الزيدية: ويرى الزيدية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا تجب عليه الدية فى ماله إذا عفا عن القصاص أحد المستحقين. أما إذا كان القتل خطأ فإن الدية على العاقلة فى رأى، وفى رأى آخر على الأقرب فالأقرب من العصبة. أما إذا كان ابن خاله قتل شخصا ولزمته الدية فإنه لا يتحمل فيها، لأنه ليس من عصبته، كما أنه لا يرث من دية ابن خاله إن قتله هو، أما إن كان القاتل له غيره فإنه يرث منها إذا كان ذا حق فى الإرث (73) . مذهب الإمامية: وير ى الإمامية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا وعفى عن القصاص إلى الدية فإن الدية تجب فى ماله ككل قاتل، وكذا فى شبه العمد، أما إذا كان خطأ فإنها تجب على عاقلته. أما إذا قتل ابن خاله شخصا آخر فإنه لا يتحمل فى الدية التى تلزم عاقلة ابن خاله، لأن ذلك خاص بالعصبة ولكنه يرث من دية ابن خاله إذا لم يكن هو القاتل له وورث من فى رتبته (74) . مذهب الإباضية: ويرى الإباضية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا وعفى عن القصاص تجب الدية فى ماله، وكذلك عندهم فى شبه العمد على رأى. أما الخطأ فالدية فيه على العاقلة، وفى قول: يشارك فيها، فإنه لا يرث من ديته التى وجبت عليه، ولا من ماله أيضا فى العمد وشبه العمد، وكذا فى الخطأ إلا إذا كان بحق على رأى، وفى رأى يرث. أما إذا كان القاتل غيره فإنه يرث منها كما يرث من التركة ما دام وارثا. العتق فقهاء المذاهب السبعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والزيدية والإمامية، على أن ابن العمة إذا ملك ابن خاله أو ملكه ابن خاله لا يعتق أحدهما على الأخر بهذا الملك على اختلاف فى التوجيه والتعليل (75) . تغسيل ابن العمة لبنت خاله ابن العمة حكمه حكم الرجال فى عدم جواز تغسيلهم النساء بعد الوفاة إلا إذا كان زوجا لها على تفصيل فى المذاهب. فى حكم تغسيل الزوج لزوجته انظر: "تغسيل الميت ". صلاة ابن العمة على بنت خاله يرى الحنفية والمالكية والزيدية أن ابن العمة لا يكون ذا حق فى التقدم للصلاة على بنت خاله ولو كان زوجا لها (76) . مذهب الشافعية: ويرى الشافعية أن ابن العم يحق له أن يتقدم فى الصلاة على بنت خاله إذا لم يكن لها عصبة بشرط أن يكون أقرب ذوى الأرحام (77) . مذهب الحنابلة: وذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة لا يحق له التقدم فى الصلاة على ابنة خاله إلا إذا كان زوجا لها فى رواية عن أحمد، وكان لها عصبة موجودون، وفى الرواية الراجحة أنه إذا وجد عصبة لا يقدم ولو كان زوجا وكذا يحق له أن يتقدم إذا أوصت بصلاته عليها وكان غير فاسق ولا مبدع أو لم يكن لها عصبة وهو أقدم ذوى الأرحام (78) . مذهب الإمامية: وذهب الإمامية إلى أن ابن العمة يكون أولى بالصلاة على بنت خاله إماما إذا كانت زوجة له ما لم يوجد الإمام وإن وجد أخوها فهو أولى منه، وفى شرائع الإسلام ما يدل على أنه أولى من العصبة جميعا (79) . مذهب الإباضية: ذهب الإباضية إلى أن ابن العمة يكون أحق بالإمامة فى الصلاة عليها إذا كان زوجا لها، أما إذا لم يكن زوجا له فأحقيته فى هذه الإمامة إنما تكون إذا لم يوجد أقرب إليها منه (80) .   (1) السراجية ص 269، 270، 294 طبعة الكردى. (2) المختصر النافع ص 265، 268، 269، 271. (3) فتح القدير ج 2 ص413، الطبعة الأميرية. (4) ابن عابدين ج هـ ص 122 طبعة دار الكتب العربية. (5) الشرح الكبير ج 2 ص 225، 226 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (6) الشرح الكبير ج 3 ص 9 29. (7) مغنى المحتاج ج 2 ص 1 15، 152. (8) المرجع السابق ص173،174. (9) المغنى ج 7 ص350 الطبعة السابقة والمحرر لأبى البركات ج1 ص 6 24. (10) محلى ج9 ص 456، ج 8 ص 323. (11) البحر الزخار ج 3 ص 46، 48 وشرح الأزهار ج 2 ص 1 22، 223 طبعة حجازى، والبحر الزخار ج 5 ص 88. (12) المختصر النافح ص 196 الطبعة السابقة وشرائع الإسلام ج 1 ص205 الطبعة السابقة. (13) الزيلعى ج 3 ص48 الطبعة الأميرية وحاشية الشلبى عليه. (14) ج 2 ص527، 528 الطبعة السابقة. (15) ج 3 ص454 طبعة مصطفى الحلبى. (16) المحلى ج1 ص323 طبعة إدارة الطباعة المنيرية. (17) ج 2 ص6 52 الطبعة السابقة. (18) ج2 ص 45. (19) ج1 ص 105. (20) ج1 ص 522، 523. (21) ج 9 ص 280. (22) ج 10 ص100،106. (23) ج 2 ص 594،550. (24) ج 2 ص48. (25) ج 7 ص210،211. (26) ج 4 ص 468. (27) ج 7 ص 81 طبعة المنار. (28) ج 9ص 312 دار الطباعة المنيرية. (29) ج 5 ص 352 الطبعة الأولى. (30) ص 271 الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف. (31) ج 6 ص 182، 183 الطبعة الأميرية. (32) ج 4 ص427، 437، 438 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (33) ج 3 ص 43، طبعة مصطفى البابى الحلبى. (34) ج 6 ص19 4، 430 الطبعة السابقة، ج 3 ص 501 الطبعة العامرة. (35) ج9 ص317 الطبعة المنيرية. (36) ج 5 ص 308، 309، 306 الطبعة الأولى. (37) ج6 ص 215، 203، 205، 213. (38) الحطاب ج 2 ص523. (39) ج 1 ص467. (40) ج 2 ص 1 2، ج1 ص 492، ج 3 ص 2 1 1، ص 83 الطبعات السابقة. (41) ج1 ص 306، ج1 ص506، ج1 ص 402الطبعات السابقة. (42) ص5 8 الطبعة السابقة. (43) ج 2 ص713 فى زيل المغنى الطبعة السابقة. (44) ج 2 ص 670، ج 1 ص 226، ج 2 ص 690الطبعات السابقة. (45) ج 2 ص 186. (46) ج 2 ص 199 الطبعة السابقة. (47) ج2 ص 130،131. (48) المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ج 2 ص 1 26، 262 الطبعة السابقة. (49) ج 5 ص327، 330 الطبعة السابقة. (50) البحر الزخار ج 5 ص 12، 13، 14. (51) الفتاوى الأنقروية ج ص4 15 الطبعة الأميرية وكتاب الهداية والعناية وفتح القدير ج4 ص195 الطبعة السابقة. (52) حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 1 33 طبعة دار إحياء الكتب العربية. (53) مغنى المحتاج ج3 ص 372 الطبعة السابقة. (54) المحرر ج 2 ص6 9 طبعة أنصار السنة المحمدية (55) المغنى لابن قدامة ج 9 ص 24، 25 الطبعة السابقة والمحرر ج 2 ص 6 9 الطبعة السابقة. (56) المحلى ج11 ص 9 28، 290 الطبعة السابقة. (57) البحر الزخار ج 3 ص 46، 47 الطبعة السابقة. (58) شرائع الإسلام جم 2 ص 1 25 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت. (59) الفتاوى الأنقروية ج 1 ص173، والهداية ج 8 ص 5 28، 277، أى فتح القدير الطبعة السابقة. (60) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 6 25، 258، 262 الطبعة السابقة. (61) ج 4 ص40 الطبعة السابقة. (62) مغنى المحتاج ج 4 ص 39، 40،، 49 الطبعة السابقة. (63) ج 2 ص 131، ج 9 ص 364 الطبعة السابقة. (64) ج 10 ص 481،، 482،، 360 الطبعة السابقة. (65) البحر الزخار ج 5 ص 235، 239 الطبعة السابقة وكتاب التاج المذهب ج 4 ص283 الطبعة السابقة. (66) المختصر النافع ص 313، 314 الطبعة السابقة وكتاب شرائع الإسلام ج 2 ص 218 الطبعة السابقة. (67) النيل وشرحه ج 7 ص 1 62،622، ج 8 ص 164،148، 49 1، 168. (68) حاشية الشلبى ج 6 ص177 على هامش الزيلعى الطبعة الأميرية، ص 114. (69) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص262 الطبعة السابقة. (70) المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ج 4 ص53،54، 95، 96، 97، والأم ج 6 ص 34 نشر مكتبة كليات الأزهر. (71) المغنى لابن قدامة ج 9 ص 488، 496، 497، 515، 16 5، 1 66، 662 الطبعة السابقة. (72) المحلى ج 10 ص338، ج 11ص44، ج 10 ص 484، ج 9 ص 2 1 3 الطبعة السابقة. (73) البحر الزخار ج 5 ص 251، 253 الطبعة السابقة. (74) شرائع الإسلام ج 2 ص 281،289، 311، الطبعة السابقة. (75) الميدانى شرح القدورى ج 2 ص128 الطبعة السابقة، والشرح الكبير ج 4 ص 366 الطبعة السابقة، ومغنى المحتاج ج 4 ص9 49، 500 الطبعة السابقة، المحرر ج 2 ص 4 الطبعة السابقة، والبحر الزخار ج 4 ص193،194 الطبعة السابقة، والمختصر النافع ص237 الطبعة السابقة، والمحلى ج 9 ص 00 2. (76) الميدانى ج 2ص 6 13 الطبعة السابقة والجوهرة ج 2 ص 6 13 وحاشية الدسوقى ج1 ص428 الطبعة السابقة، والبحر الزخار ج 2 ص 114، 115 الطبعة السابقة. (77) المنهاج وشرحه. مغنى المحتاج ج1 ص 347، الطبعة السابقة. (78) مختصر الخرقى ج 2ص6 36، 267 والمغنى لابن قدامة ج 2 ص368 الطبعة السابقة. (79) المختصر النافع ص 64 الطبعة السابقة وكتاب شرائع الإسلام ج1 ص63 الطبعة السابقة. (80) النيل ج 1 ص110. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 إبهام 1- التعريف اللغوى: أبهم الأمر: اشتبه، والإبهام فى اليد والقدم أكبر الأصابع (1) 2- وللإبهام بالمعنى الثانى أحكام عند الفقهاء تتعلق بالجناية عليه، وقد فرق العلماء فى الجناية على الأطراف ومنها الأصابع بين العمد وشبهه والخطأ، فأوجب بعضهم القصاص فى الجناية عن عمد فيمادون النفس. مذهب الحنفية. العمد فيه القصاص لقوله تعالى: {والجروح قصاص} ، وهو ينبئ عن المماثلة، فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص وما لا فلا. وعدم جريان القصاص فى بعض صور التعمد لا يخرج الجناية عن العمدية فإنه لمانع، كما إذا قتل الأب ابنه عمدا (2) وجوز بعض العلماء فى جناية العمد القصاص أو الأرش. فقال الإباضية (3) : إذا صح القصاص فلصاحبه القصاص أو الأرش، وذلك على تفصيل فى شروط القصاص واختلافها عند المذاهب. قال الحنفية: لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين. ويجب القصاص فى الأطراف بين المسلم والكافر للتساوى بينهما فى الأرش (4) وقال المالكية: كل شخصين يجرى بينهما القصاص فى النفوس من الجانبين يجرى فى الأطراف، فأما إذا كان أحدهما يقتص له من آخر ولا يقتص للآخر منه فى النفس فقال مالك لا يقتص فى الأطراف، ولو قطع العبد أو الكافر الحر المسلم لم يكن له أن يقتص منهما فى الأطراف.. هذا هو المشهور فى المذهب. وروى عن مالك: وجوب القصاص هنا. وقال ابن الحاجب: وقيل أنه الصحيح. وروى أن المسلم مخير فى القصاص والدية. ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ليس له، أى للمسلم، إلا الدية فى الجراح بينه وبين الكافر والعبد (5) . واشترط الحنابلة للقصاص فى الأطراف شروطا: أولها: أمن الحيف وهو شرط لجواز الاستيفاء وشرط وجوبه إمكان الاستيفاء بلا حيف. وثانيها: المماثلة فى الإثم والموضع. وثالثها: استواء الطرفين: المجنى عليه والمقتص منه (6) . ويشترط الإمامية فى جواز الاقتصاص: التساوى فى الإسلام والحرية، وأن يكون المجنى عليه أكمل، فيقتص للرحل من المرأة ولا يؤخذ الفضل، ويقتص لها منه بعد رد التفاوت فى النفس أو الطرف، ويقتص للذمى من الذمى، ولا يقتص له من مسلم، وللحر من العبد ولا يقتص للعبد من الحر، والتساوى فى السلامة (7) . وأوجب الظاهرية فى عمد الجناية على الأصابع الدية لأنه لا دية عندهم فى الجناية الخطأ على مادون النفس (8) (انظر: جناية - قصاص) . وجمهور الفقهاء على وجوب الدية فى الخطأ وشبه العمد فيما دون النفس خلافا للأحناف الذين يقولون: ليس فيما دون النفس شبه عمد، وإنما هو عمد أو خطأ، وخلافا للظاهرية الذين يقولون: إن الخطأ لا دية فيه، وخلافا للإباضية فى شبه العمد فقد أوجبوا فيه دية العمد، وقيل: القصاص، إلا أن أراد الولى الدية (9) ويدفع الدية الجانى او العاقلة على تفصيل بين المذاهب (انظر: دية، عاقلة) 3- القصاص فى الإبهام: قال الأحناف: الإبهام لا تؤخذ إلا بالإبهام (10) . وقال المالكية: ما سبق من قولهم: كل شخصين يجرى بينهما القصاص فى النفوس من الجانبين يجرى فى الأطراف. وقال ابن رشد: لا خلاف فى أن الأنملة تقطع بالإنملة كانت أطول أو أقصر، والمشرط عندهم فى القصاص أتحاد المحل. قال ابن الحاجب: تشترط المماثلة فى المحل والقدر والصفة وتتعين عند عدم الدية (11) . وقال الشافعية: وتؤخذ الأصابع بالأصابع والأنامل لقوله تعالى" والجروح قصاص " ولأن لها مفاصل يمكن القصاص فيها من غير حيف فوجب فيها القصاص على أن يقطع من أصابع الجانى مثل أصابعه لأنها داخلة (12) . وقال الحنابلة: وتؤخذ الإصبع بإصبع تماما والأنملة بالأنملة كذلك (13) . وقال الزيدية: إذا وقعت الجناية عمدا على ذى مفاصل كمفاصل الأصابع فالقصاص، ويؤخذ ذو المفاصل بمثله (14) . وقال الشيعة الأمامية: وتؤخذ الإصبع بالإصبع مع تساويهما، وكل عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده مثل أن يقطع إصبعين وله واحدة (15) . وقال الإباضية: ويكون القصاص فى عضو بان من مفصل (16) . 4- دية الإبهام: تتفق أكثر المذاهب على أن الإبهام تؤخذ فيه عشر الدية إلا ما جاء فى بعض المذاهب على ما يبين فيما يلى: قال الأحناف: فى أصابع اليدين والرجلين فى كل واحد ة منها عشر الدية، وهى فى ذلك سواء، لا فضل لبعض على بعض، والأصل فيه ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " فى كل إصبع عشر من الإبل من غير فضل بين إصبع وإصبع ". وروى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما انه قال: هذه وهذه سواء، وأشار إلى الخنصر والإبهام. وسواء قطع الأصابع وحدها أو قطع الكف معها، وكذلك القدم مع الأصابع، لأن الأصابع أصل والكف تابعة لها، ولأن المنفعة المقصودة من اليد تحصل بالأصابع لما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: فى الأصابع فى كل إصبع عشر من الإبل من غير فضل بين ما إذا قطع الأصابع وحدها أو قطع الكف التى فيها الأصابع. وما كان من الأصابع فيه ثلاث مفاصل ففى كل مفصل ثلث دية الأصابع، وما كان فيه مفصلان ففى كل واحد منهما نصف دية الإصبع لأن ما فى الإصبع ينقسم على مفاصلها كما ينقسم ما فى اليد على عدد الأصابع (17) . وقال المالكية: فى كل إصبع عشر الدية وعى عشر من الإبل، وفى كل أنملة ثلث العشر إلا فى الإبهام فهو أنملتان فى كل واحدة منهما نصف الأرش، والمرأة تعاقل الرجل فى الجراح الى ثلث ديته لا تستكملها، فإذا بلغت ذلك رجعت إلى عقل نفسها (18) أنظر: عقل) . وقال الشافعية: ويجب فى كل إصبع عشر الدية لما روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: فى كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل، ولا يفضل إصبع على إصبع، لما ذكرناه من الخبر، ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مسندا: الأصابع كلها سواء، عشر عشر من الإبل، ولأنه جنس ذو عدد تجب فيه الدية، فلم تختلف ديتها باختلاف منافعها كاليدين، ويجب فى كل أنملة من غير الإبهام ثلث دية الإصبع وفى كل أنملة من الإبهام نصف دية الإصبع، وجب أن تقسم دية اليد على عدد الأصابع وجب أن تقسم دية الإصبع على عدد الأنامل (19) . وقال الحنابلة: وفى أصابع اليدين أو الرجلين الدية، وفى كل إصبع من يد أو رجل عشرها وفى أنملة إبهام يد أو رجل نصف عشرها. وقال ابن حزم الظاهرى: صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: للأصابع سواء هذه وهذه سواء، يعنى الخنصر والإبهام. وانه صلى الله عليه وسلم قال: الأصابع عشر عشر، فهذا نص لا يسع أحدا الخروج عنه. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع عن أمتى الخطأ. وصح قول الله تعالى: " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم " (20) فسقط أن يكون فى الخطأ فى ذلك دية أصلا. فرجعنا الى العمد فلم يكن بد من إيجاب دية الأصابع كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالدية واجبة على العامد بلا شك. وأيضا فإن الله تعالى يقول: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (21) وكان العامد مسيئا بسيئته فالواجب بنص القرآن أن يساء إليه بمثلها، والدية إذا أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفى" إساءة مسئ مثل سيئة ذلك المسئ بلا شك، وكذلك الحدود إذا أمر الله تعالى بها أيضا، فإذا فاتت المماثلة بالقود فى الأصابع وجبت المماثلة بالدية فى ذلك. والنبى صلى الله عليه وسلم حكم فى كل إصبع بعشر من الإبل، فواجب بلا شك إن العشر المذكورة مقابلة للإصبع، ففى كل جزء من الإصبع جزء من العشر المذكورة فعلى هذا فى نصفه الإصبع نصف العشر وفى ثلث الإصبع ثلث العشر وهكذا فى كل جزء. عن عبد الرزاق عن سفيان الثورى عن منصور عن إبراهيم النخعى قال: فى كان مفصل من الأصابع ثلث دية الإصبع إلا الإبهام فإنها مفصلان فى كل مفصل النصف (22) . وقال الزيدية (23) : فى كل إصبع، أى إصبع كانت، عشر الدية. هذا قول الأكثر، أى أكثر الزيدية. وكان عمر رضى الله عنه يفاضل بين أصابع اليدين، فجعل فى الخنصر ستا من الإبل، وفى البنصر تسعا، وفى الوسطى عشرا، وفى السبابة أثنتى عشرة، وفى الإبهام ثلاث عشرة 0 قيل: ثم رجع عن ذلك. وأصابع اليدين والرجلين سواء عندنا. وإذا وجب فى الأصابع الكاملة عشر الدية وجب فى مفصلها منه ثلثه، أى: ثلث العشر، الا الابهام فنصفه، أى نصف العشر، إذ ليس لها إلا مفصلان. وتجب فيما دونه، أى دون المفصل، حصته من، الأرش ويقدر بالمساحة. وقال الشيعة الأمامية: فى أصابع اليدين لدية، وكذا فى أصابع الرجلين، وفى كل واحدة عشر الدية. وقيل فى الإبهام ثلث الدية، وفى الأربع البواقى الثلثان بالسوية. ودية كل. إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية عدا الإبهام فإن ديتها مقسومة بالسوية على أثنين (24) . وقال الأباضية: وفى الأصابع وإن من رجل وتسمى، أصابع الرجل بالبنان الدية بلا تفاصل بين أصابع اليد- وأصابع الرجل، ولا بين أصابع اليد ولا بين أصابع الرجل إلا إبهام يد أن قطعت من مفصل ثالث وهو المفصل الأسفل إلى جهة الكف فلها ثلث دية اليد وهو ثلث نصفه الدية الكاملة وذلك ستة عشر بعيرا وثلثا بعير، ولكل من أصابع اليد أو الرجل عشرة أبعرة، وقيل: الإبهام وغيرها سواء، وفى كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل لأنه ليس فيه إلا أنملتان، وقيل ثلاثة وثلث على أن فيه ثلاث أنامل فتعد التى تلى الكف. وليس لإبهام الرجل فضل علي غيرها (25) .   (1) ترتيب القاموس المحيط ج1 ص278. (2) نتائج الأفكار وحواشيه: تكملة فتح القدير ج 8 ص 270,271 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميريه ببولاق مصر 1318هجرية. (3) شرح النيل ج 8 ص 280 طبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه. (4) نتائج الأفكار وحواشيه تكملة فتح القدير ج 8 ص 271, 272 الطبعة السابقة. (هـ) هامش التاج والإكليل لمختصر خليل على شرح مواهب الجليل طبعة أولى 1329 هجرية ج6 ص245. (6) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب من 521,520 مطبعة المدنى بمصر. (7) شرائع الإسلام ج 2 ص283، 284 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت. (8) المحلى لا بن حزم الظاهرى طبعة أولى سنة 1349 هجرية إدارة الطبعة المنيرية بمصر ج10 ص435ومابعدها. (9) شرح النيل ج 8 ص95. (10) بدائع الصنائع للكاسانى طبعة أولى سنة 1328هجرية مطبعة الجمالية بمصر ج 7 ص297. (11) هامش التاج والإكليل لمختصر خليل على شرح مواهب الجليل طبعة أولى سنة 1329 ج6 ص246 - 256. (12) المهذب لأبى إسحاق الشيرازى طبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر ج 2 ص180, 181. (13) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص520 مطبعة المدنى بمصر. (14) شرح الأزهار ج 4 ص385 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة1357 هجرية. (15) شرائع الإسلام ج 2 ص 286 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت. (16) شرح النيل ج 8 ص 209 الطبعة السابقة. (17) بدائع الصنائع للكاسانى ج7 ص314 الطبعة السابقة. (18) شرح مواهب الجليل على مختصر خليل ج6ص263. (19) المذهب لأبى إسحاق الشيرازى ج2 ص206. (20) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 525 مطبعة المدنى بمصر. (21) الأحزاب:5. (22) الشورى:40. (23) المحلى لابن حزم الظاهرى ج10ص435، 437 الطبعة السابقة. (24) شرح الأزهار الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة ج 4 ص447.. (25) شرائع الإسلام نشر دار مكتبة الحياة ببيروت ج2 ص 301. (26) شرح النيل طبعة محمد بن يوسف البارونى ج8 ص28,29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 اِتّبَاع التعريف به لغة: تبع الشىء تبعا وتباعا فى الأفعال، وتبعت الشىء تبوعا سرت فى أثره، واتبعه وأتبعه وتتبعه قفاه وتطلبه متبعا له، وكذلك وتتبعته تتبعا، والتابع التالى، وال اتباع أن يسير الرجل وأنت تسير وراءه، واتبع القرآن ائتم به وعمل بما فيه (1) . وهو لا يخرج فى استعمالات الأصوليين والفقهاء عن هذا المعنى، قال الآمدى: اتباع القول هو امتثاله على الوجه الذى أقتضاه القول، والإتباع فى الفعل هو التأسى بعينه (2) وقال الغزالى: الاتباع هو قبول قول بحجة. (3) اتباع الشريعة قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} (4) فقسم الأمر بين الشريعة التى جعله هو سبحانه عليها وأوحى إليه العمل بها وأمر الأمة بها وبين اتباع أهواء الذين لا يعلمون فأمر بالأول ونهى عن الثانى، وقال تعالى: {أتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} (5) فأمر باتباع المنزل منه خاصة، وأعلم أن من اتبع غيره فقد أتبع من دونه أولياء (6) . اتباع المستفتى قال الآمدى: المستفتى إما أن يكون عالما قد بلغ رتبة الاجتهاد أو لم يكن كذلك فإن كان الأول قد اجتهد فى المسألة وأداه اجتهاده إلى حكم من الأحكام فلا خلاف فى امتناع اتباعه لغيره فى خلاف ما أداه إليه اجتهاده. وذكر أن الراجح عنده عدم الجواز، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد فلا يخلو إما أن يكون عاميا صرفا، لم يحصل له شىء من العلوم التى يترقى بها إلى رتبة الاجتهاد، أو انه قد ترقى عن رتبة العامة بتحصيل بعض العلوم المعتبرة فى رتبة الاجتهاد، فإن كان الأول فقد اختلف فى جواز أتباعه بقول المفتى والصحيح أن واجبه اتباع قول المفتى، وإن كان الثانى فقد تردد أيضا فيه، والصحيح أن حكمه حكم العامى (7) . وقال الغزالى: العامى يجب عليه الاسستفتاء واتباع العلماء وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال لأنه يؤدى الى أن ينقطع الحرث والنسل وتتعطل الحرف والصنائع ويؤدى إلى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بجملتهم لطلب العلم وقد وجب على العامى ما أفتى به المفتى بدليل الإجماع كما وجب على الحاكم قبول قول الشهود، وذلك عند ظن الصدق والظن معلوم ووجوب الحكم عند الظن معلوم، وقال يجب على العوام اتباع المفتى اذ دل الاجماع على وجوب اتباع العامى لمفتيه (8) . وقال ابن حزم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ أمر باتباع سنن الخلفاء الراشدين، يكون قد أمر باتباعهم فى افتدائهم لسنته، وبهذا نقول، فمن كان متبعا لهم فليتبعهم فى هذا الذى اتفقوا عليه من ترك التقليد وفيما أجمعوا عليه من اتباع سنن النبى صلى الله عليه وسلم (9) . وقال: إنما نحرم اتباع من دون النبى صلى الله عليه وسلم بغير دليل فوجب اتباع من قام الدليل على اتباعه (10) . وقال: وليس من أتبع رسول الله صلى الله عليه مقلدا لأنه فعل ما أمره الله تعالى به (11) (انظر: استفتاء) . اتباع السواد الأعظم: قال الغزالى: متبع السواد الأعظم ليس بمقلد بل علم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب اتباعه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسواد الأعظم ". " ومن سره أن يسكن بحبوحة، الجنة فليلزم الجماعة "، و 0" والشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد "، وذلك قبول قول بحجة (12) . وقال ابن حزم الظاهرى: عليكم بالسواد الأعظم، رواية لا تصح وخبر لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحيح (13) . الفرق بين التقليد والاتباع: أكثر الأصوليين على أن الاتباع هو التقليد وعرفوا التقليد بأنه " العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة " (14) . وقال ابن حزم الظاهرى: أما من أعتقد قولا بغير اجتهاد أصلا لكن إتباعا لمن نشأ بينهم فهو مقلد مذموم بيقين أصاب أو أخطأ وهو آثم على كل حال، عاص لله تعالى عز وجل بذلك، لأنه لم يقصده من حيث أمر من أتباع النصوص (15) . وقد فرق ابن القيم بينهما فقال ردا على من يقول بتقليد الأئمة: وأن مقلديهم على هدى قطعا لأنهم سالكون خلفهم "وسلوكهم خلفهم مبطل وتقليدهم لهم قطعا فان طريقتهم كانت اتباع الحجة والنهى عن تقليدهم، فمن ترك الحجة وأرتكب ما نهوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم، وإنما يكون على طريقتهم من اتبع الحجة وانقاد للدليل ولم يتخذ رجلا بعينه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يجعله مختارا على الكتاب والسنة يعرضهما على قوله وبهذا يظهر بطلان قول من فهم أن التقليد إتباع. بل هو مخالف للاتباع، وقد فرق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فرقت الحقائق بينهما فإن الاتباع سلوك طريق المتبع والاتيان بمثل ما أتى به (16) . وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصرى المالكى: التقليد، معناه فى الشرع الرجوع الى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه فى الشريعة، والاتباع ما ثبت عليه حجة. وقال: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده والتقليد فى دين الله غير صحيح، وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه والإتباع فى" الدين سائغ والتقليد ممنوع (17) . وللعلماء فى التقليد والأخذ به لغير المجتهد خلاف ينظر فى مصطلح (تقليد) . اتباع المأموم للإمام مذهب الحنفية: يتحقق الاتباع عندهم بألا يكون المأموم متقدما على إمامه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " ليس مع الإمام من تقدمه " ولأنه إذا تقدم المأموم الإمام 0 يشتبه عليه حاله أو يحتاج إلى النظر وراءه فى كل وقت ليتابع فلا يمكنه المتابعة، ولأن المكان من لوازمه. ألا ترى أنه إذا كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق لم يصح لانعدام التبعية فى المكان وهذا بخلاف الصلاة فى الكعبة لأن وجهه إذا كان إلى الإمام لا تنقطع التبعية ولا يسمى قبله بل هما متقابلان ويشترط كذلك لتحقق التبعية اتحاد مكان الإمام والمأموم لأن الاقتداء يقتضى التبعية فى الصلاة والمكان من لوازم الصلاة فيقتضى التبعية فى المكان ضرورة وعند أختلاف المكان تنعدم التبعية فى المكان فتنعدما التبعية فى الصلاة لانعدام لازمها، ولأن اضلافه المكان يوحب خفاء حال الإمام على المقتدى فتتعذر عليه المتابعة ولو كان بين الإمام والمأموم حائط ذكر فى الأصل أنه يجزئه. وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا يجزئه، وهذا فى الحاصل على وجهين: إن كان الحائط قصيرا بحيث يتمكن كل أحد من الركوب عليه كحائط المقصورة لا يمنع الإقتداء لأن ذلك لا يمنع التبعية فى المكان ولا يوجب خفاء حال الإمام، ولو كان بين الصفين حائط إن كان طويلا وعريضا ليس فيه ثقب، يمنع الإقتداء، وإن كان فيه ثقب لا يمنع مشاهدة حال الإمام. لا يمنع بالإجماع. وإن كان الحائط كبيرا فإن كان عليه باب مفتوح أو خوخة فكذلك، وإن لم يكن عليه شئ من ذلك ففيه روايتان وجه الرواية الأولى التى قال لا يصح أنه يشتبه عليه حال إمامه فلا يمكنه المتابعة، ووجه الرواية الأخرى الوجود وهو ما ظهر من عمل الناس فى الصلاة بمكة فإن الإمام يقف فى مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبعض الناس يقفون وراء الكعبة من الجانب الأخر فبينهم وبين الإمام حائط الكعبة ولم يمنعهم أحد من ذلك فدل على الجواز (18) . وفى الهداية وفتح القدير والعناية (19) : وإن كان- أى المصلى- مقتديا بغيره يجب عليه أن ينوى متابعته فى صلاته وجاء فى الفتح أيضا (20) : إذا رفع المقتدى رأسه من الركوع قبل الإمام ينبغى أن يعود ولا يصير ركوعين وكذا فى السجود. ولو رفع الإمام من الركوع قبل أن يقول المقتدى سبحان ربى العظيم ثلاثا: الصحيح أنه يتابعه ولو أدركه فى الركوع يسبح ويترك الثناء وفى صلاة العيد يأتى بالتكبيرات فى الركوع. ولو قام الإمام إلى ثالثة قبل أن يتم المأموم التشهد يتمه وإن لم يتم وقام ليتابع الإمام جاز. وفى القعدة الثانية إذا سلم أو تكلم الإمام وهو فى التشهد يتمه ولو ترك الإمام القنوت وأمكن المأموم أن يقنت ويدرك الركوع قنت، وإن لم يدرك الركوع تابع الإمام وترك القنوت. وفى المبسوط للسرخسى (21) : قال: رجل أم قوما فنسى أن يتشهد حتى قام إلى الثالثة فعلى القومى أن يقوموا معه لأنهم تبع له. وقد جاء فى الحديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم " قام من الثانية إلى الثالثة ولم يقعد فسبحوا به فسبح بهم حتى قاموا " وإن كان الإمام تشهد فنعى بعض من خلفه التشهد حتى قاموا جميعا إلى من لم يتشهد أن يعود فيتشهد ثم يتبع أمامه وإن خاف أن تفوته الركعة الثالثة لأنه تبع للإمام فيلزمه أن يتشهد بطريق المتابعة بخلاف المنفرد لأن التشهد الأول فى حقه سنة أما هنا فالتشهد فرض عليه بحكم المتابعة وهذا بخلاف ما إذا أدرك الإمام فى السجود فلم يسجد معه السجدتين فإنه يقضى السجدة الثانية إلا إذا خاف فوات ركعة أخرى لأنه سيقضى تلك الركعة بسجدتيها، أما هنا فإنه لا يقضى هذا التشهد فعليه أن يأتى به ثم يتبع أمامه. وفى الزيلعى (22) : يجب على المأموم سجود السهو بسهو الإمام ولا يشترط أن يكون مقتديا به وقت السهو حتى لو أدرك الإمام بعد ما سها يلزمه أن يسجد مع الإمام تبعا له ولو دخل معه بعد ما سجد سجدة السهو يتابعه فى الثانية ولا يقضى الأولى وأن لم يسجد الإمام لا يسجد المأموم لأنه يصير مخالفا لإمامه وما التزم الأداء إلا تبعا له بخلاف تكبير التشريق حيث يأتى به المؤتم ولو تركه الإمام وليس على المأموم سجود سهو بسهو نفسه لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه ولو تابعه الإمام ينقلب التبع أصلا لكنه يسجد للسهو لو كان مسبوقا فسها فى قضاء ما سبق به لأنه منفرد فيما يقضيه. وجاء فى الفتاوى الهندية (23) : والمسبوق ببعض الركعات يتابع الإمام فى التشهد الأخير ولو ظن أن الإمام عليه سهو فسجد الإمام للسهو فتابعه المسبوق فيه ثم علم إنه لم يكن عليه سهو فأشهر الروايتين أن صلاة المسبوق تفسد، ولو قام الإمام إلى الخامسة فتابعه المسبوق أن قعد الإمام على رأس الرابعة تفسد صلاة المسبوق. والمسبوق يتابع الإمام فى السهو ولا يتابعه فى التسليم والتكبير والتلبيه فإن تابعه فى التسليم والتلبية فسدت وإن تابعه فى التكبير وهو يعلم أنه مسبوق إلا تفسد صلاته. ولو تذكر الإمام سجدة تلاوة وعاد إلى قضائها إن لم يقيد المسبوق ركعته بسجدة يرفض ذلك ويتابع الإمام فيها ويسجد معه للسهو ثم يقوم إلى القضاء ولو لم بعد فسدت صلاته، ولو تابعه بعد تقييد ركعته للسجدة فسدت روايه واحدة، وأن لم يتابعه ففى رواية كتاب الأصل تفسد أيضا. ولو تذكر الإمام سجدة صلبية وعاد إليها تابعه المسبوق فيها، وإن لم يتابعه فسدت. ولو سجد الإمام للسهو لا يتابعه اللاحق قبل قضاء ما عليه بخلاف المسبوق. والمقيم إذا اقتدى بمسافر فإنه يتابع الإمام فى سهوه وإذا كان المأموم المقيم قام إلى إتمام صلاته بعد ما تشهد الإمام قبل إن يسلم ثم نوى الإمام الإقامة حتى تحول فرضه أربعا فإن لم يقيد المأموم ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الإمام، وأن لم يعد فسدت صلاته، وإن قيد ركعته بالسجدة فصلاته فاسدة عاد إلى المتابعة أو لم يعد فى الروايات كلها 0 ولو سها الإمام فى صلاة الخوف سجد للسهو وتابعه فيهما الطائفة الثانية. مذهب المالكية: أعتبر المالكية أن من شروط صحة صلاة المأموم نية إتباع إمامه أولا فليس للمنفرد أن ينتقل للجماعة ولا العكس (24) . ومن شروط الإقتداء متابعة المأموم لإمامه فى الإحرام والسلام أى بأن يفعل كلا منهما بعد فراغ الإمام منه (25) . أما ما يفعله المأموم من حيث نقصان الإمام أو زيادته، فقد جاء فى الدردير (26) : أنه إذا ترك الإمام الجلوس الأول ثم رجع إليه بعد الوقوف فيجب أن يتبعه المأموم فى الرجوع. قال فى الحاشية: لأن مأمومه يجب عليه أتباعه، وان فات المؤتم ركوع مع أمامه بأن رفع الإمام رأسه من ركوعه واعتدل مطمئنا قبل انحناء المؤتم للركوع فلا يخلو من أربعة أحوال: أما أن يكون الفوات فى الركعة الأولى للمأموم سواء كانت أولى الإمام أيضا أو غيرها أو كانت فى غير أولى المأموم. وأما أن يكون ذلك الفوات بعذر أو بغير عذر، فإن كان الفوات فى غير أولى المأموم أتبع الإمام بأن يركع ويرفع ويسجد خلفه ما لم يرفع الإمام من سجودهما الثانى فإن رفع الإمام منه فاتته تلك الركعة ووجب عليه أتباعه فى التى قام لها ويجلس معه إن جلس لتشهد: فإن فعل ما فاته بعد رفع أمامه من السجود الثانى بطلت صلاته على المعتمد إن اعتد بتلك الركعة وسواء كان الفوات لعذر أم لا، وإن كان فوات الركوع برفع إمامه معتدلا فى أولى المأموم ولو كانت ثانية أمامه أو ثالثته، فإن كان الفوات لعذر كسهو وازدحام بين الناس أو مرض أو إكراه أو مشى لسد فرجة فإنه فى هذه الحالة لا يأتى بما فاته ويجب عليه إتباع أمامه فى الحالة التى صار إليها من قيامه أو جلوس لتشهد لأنه صار مسبوقا فاته الركوع فيتبع أمامه فى الحالة التى هو بها ويقضى الركعة التى فاتته برفع الإمام من ركوعه، وإن كان الفوات لغير عذر بل بإختياره بطلت صلاته، وأن فات المؤتم سجدة فإن طمع فى الإتيان بها وأدراك الركوع قبل عقد أمامه ركوع التى تليها سجدها، وإن لم يطمع فى الإتيان بها أتبع أمامه على ما هو عليه وقضاها بعد الإمام. وأن قام إمام لزائدة فإن كان المأموم متيقن الزيادة يجلس وجوبا ولا يتبعه، أما من تيقن موجب الزيادة أو ظنه أو شك أو توهم فيتبع الإمام فإن خالفه عمدا بطلت. وجاء فى المدونة (27) : قلت رأيت إماما سها فصلى خمسا فتبعه قوم ممن خلفه يقتدون به وقد عرفوا سهوه، وقوم سهوا بسهوه، وقوم فعدوا فلم يتبعوه. قال: يعيد من اتبعه عامدا وقد تمت صلاة الإمام وصلاة من اتبعه على غير تعمد وصلاة من قعد ولم يتبعه، ويسجد الإمام ومن سها بسهوه سجدتين بعد السلام، ويسجد معه من لم يتبعه على سهوه ولا يخالف الإمام. قال ابن القاسم: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " أنما جعل الإمام ليؤتم به "، فعلى من خلفه الإمام ممن لم يتبعه وقعد إن يسجد مع الإمام فى سهوه وإن لم يسه. وفى الدردير (28) : وإن سجد أمام سجدة واحدة وترك الثانية سهوا وقام لم يتبعه مأمومه بل يجلس ويسبح له لعله يرجع، فإن لم يرجع فإنهم يسجدونها لأنفسهم ولا يتبعونه فى تركهما وإلا بطلت عليهم ويجلسون معه ويسلمون بسلامه فإذا تذكر ورجع لسجودها فلا يعيدونها معه على الأصح وإن استمر تاركها حتى سلم وطال الأمر بطلت على الإمام دون المأمومين. وجاء فى الخرشى (29) : المسبوق مأمور بإتباع الإمام على الحالة التى هو فيها من ركوع أو سجود، فإذا اتبعه فى الركوع وتيقن إدراكه بأن مكن يدية من ركبتيه قبل رفع رأسه اعتد بتلك الركعة. وجاء فى الخرشى أيضا (30) : إذا لم يلحق المسبوق مع الإمام من الصلاة ركعة وسجد معه للسهو عمدا أو جهلا فإن صلاته تبطل لأنه ليس بمأموم وقال سحنون يتبع الإمام فى سجوده القبلى لا البعدى. وجاء فى الخرشى أيضا (31) : إذا أحرم الإمام بالقصر للسفر ثم قام من اثنتين سهوا أو جهلا فإن مأمومة يسبح به ليرجع إليهم فإن تمادى لم يتبعه بل يجلس لفراغه حتى يسلم، فإذا سلم سلم المسافر. مذهب الشافعية: جاء فى المهذب (32) : ولا تصح الجماعة حتى ينوى المأموم الجماعة لأنه يريد أن يتبع غيره فلابد من نية الإتباع فإن رأى رجلين يصليان على الإنفراد فنوى الإتمام بهما لم تصح صلاته لأنه لا يمكنه أن يقتدى بهما فى وقت واحد وإن نوى الإقتداء بأحدهما بغير عينه لم تصح صلاته لأنه إذا لم يعين لم يمكنه الاقتداء به وان كان أحدهما يصلى بالأخر فنوى الاقتدأء بالمأموم منهما لم تصح صلاته لأنه تابع لغيره فلا يجوز ان يتبعه غيره. وجاء فى المهذب أيضا (33) : وينبغى للمأموم أن يتبع الإمام ولا يتقدمه فى شىء من الأفعال، لما دوى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال-: " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، ولا تختلفوا عليه، فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا ولاترفعوا قبله " فإن كبر قبله أو كبر معه للإحرام لم تنعقد صلاته لأنه علق صلاته بصلاته قبل أن تنعقد فلم تصح، وإن سبقه بركن بأن ركع قبله أو سجد قبله لم يجز ذلك، ويلزمه أن يعود إلى متابعته لأن ذلك فرض، فإن لم يفعل حتى لحقه فيه لم تبطل صلاته لأن ذلك مفارقة قليلة وإن ركع قبل الإمام فلما أراد الإمام أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فإن كان عالما بتحريمه بطلت صلاته لأن ذلك مفارقة كثيرة، وإن كان جاهلا بذلك لم تبطل صلاته. ولا يعتد له بهذه الركعة لأنه لم يتابع الإمام فى معظمها. وقال فى موضع آخر (34) : وإن سها الإمام فى ترك فرض مثل أن يقعد والفرض أن يقوم، أو يقوم والفرض أن يقعد لم يلزم المأموم متابعة الإمام فى هذه الحالة، إنما تلزم المتابعة فى أفعال الصلاة وما يأتى به ليس من أفعال الصلاة وأن كان سهوه فى ترك سنة لزمه متابعته لأن المتابعة فرض، فلا يجوز أن يشتغل عنها بسنة فإن نسى الإمام التسليمة الثانية أو سجود السن هو لم يتركه المأموم لأنه يأتى به وقد سقط عنه المتابعة فإن نسيا جميعا التشهد الأول ونهضا للقيام، وذكر الإمام قبل أن يستتم القيام والمأموم قد استتم القيام، ففيه وجهان: أحدهما: لا يرجع لأنه قد حصل فى فرض. والثانى: يرجع وهو الأصح لأن متابعة الإمام آكد ألا ترى أنه إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام لزمه العود إلى متابعته وأن كان قد حصل فى فرض. وجاء فى موضع آخر (35) : إذا سها المأموم خلف الإمام لم يسجد، وأن سها الإمام لزم المأموم حكم السهو لأنه لما تحمل عنه الإمام سهوه لزم المأموم ايضا سهوه فإن لم يسجد الإمام لسهوه سجد المأموم. وقال المزنى وأبو حفص البابشامى: لا يسجد لأنه أنما يسجد تبعا للإمام، وقد ترك الإمام فلم يسجد المأموم والمذهب الأول لأنه لما سها الإمام دخل النقص على صلاة المأموم لسهوه فإذا لم يجبر الإمام صلاته جبر المأموم صلاته. وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة وسها فيما أدركه معه وسجد معه ففيه قولان،. قال فى الأم: يعيد، لأن الأولى فعله متابعة لإمامه ولم يكن موضع سجوده، وقال فى الاملاء والقديم: لا يعيد لأن الجبر ان حصل بسجوده فلم يعد، وان صلى ركعة منفردا فى صلاة رباعية فسها فيه ثم نوى متابعة إمام مسافر فسها الإمام، ثم قام إلى رابعته فسها فيها، ففيه ثلاثة أوج أصحها أنه يكفيه سجدتان، والثانى يسجد أربع سجدات لأنه سها سهوا فى جماعة وسهوا فى الإنفراد، والثالث يسجد ست سجدات لأنه سها فى ثلاثة أحوال. وجاء فى موضع آخر (36) : وإن أدرك المأموم الإمام فى القيام وخشى أن تفوته القراءة ترك دعاء الاستفتاح واشتغل بالقراءة لأنها فرض فلا يشتغل عنها بالنفل، فإن قرأ بعض الفاتحه وركع الإمام بر ففيه وجهان: أحدهما: يركع ويترك القراءة لأن متابعة الإمام آكد. وجاء فى المهذب أيضا (37) : وإن ائتم مقيم بمسافر أو بمقيم الظاهر منه أنه مسافر جاز أن ينوى القصر خلفه، لأن الظاهر أن الإمام مسافر، فان أتم الإمام تبعه فى الإتمام لأنه بان له أنه ائتم بمقيم أو بمن نوى الإتمام. مذهب الحنابلة: يرى الحنابلة (38) كغيرهم: وجوب متابعة المأموم للإمام فى الصلاة، فلو سبق الإمام المأموم فى القراءة وركع أتبعه وقطع قراءته لأنها فى حقه مستحبة والمتابعة وأجبة ولا تعارض بين واجب ومستحب بخلاف التشهد إذا سبق به الإمام وسلم فلا يتابعه المأموم بل يتمه. وأن سلم المأموم قبل إمامه عمدا بلا عذر تبطل صلاته لأنه ترك فرض المتابعة متعمد (39) . وجاء فى المغنى لابن قدامة المقدسى (40) : ليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو أمامه فيسجد معه، لأن المأموم تابع للإمام فإذا سها الإمام فعلى المأموم متابعته فى السجود سواء سها معه أو انفرد الإمام بالسهو. وإذا كان المأموم مسبوقا فسها الإمام فيما لم يدركه فيه فعليه متابعته فى السجود سواء كان قبل السلام أو بعده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد فاسجدوا ". ولأن السجود من تمام الصلاة فيتابعه فيه. وجاء فى المغنى والشرح الكبير آيضا (41) : إذا سبح أثنان بسهو الإمام فى الصلاة وكان يثق بقولهما لزمه قبوله والرجوع اليه بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انما أنا بشر أنسى، فاذا نسيت فذكرونى " يعنى بالتسبيح. فان كان الإمام على يقين من صوابه وخطأ المأمومين لم يجز له اتباعهم (42) وقال أبو الخطاب يلزمه الرجوع إلى قولهم. قال صاحب المغنى والشرح الكبير: وليس بصحيح، فانه يعلم خطأهم فلا يتبعهم فى الخطأ. وقال صاحب المغنى: إذا سبح المأمومون فى موضع يلزمه الرجوع فلم يرجع بطلت صلاته، نص عليه أحمد، وليس للمأمومين إتباعه، فإن اتبعوه لم يخل من أن يكونوا عالمين بتحريم ذلك أو جاهلين به، فإن كانوا عالمين بطلت صلاتهم لأنهم تركوا الواجب عمدا. وقال القاضى: فى هذا ثلاث روايات: إحداهن أنه لا يجوز لهم متابعته. والثانية: يتابعونه فى القيام إستحسانا. والثالثة: لا يتابعونه ولا يسلمون قبله لكن ينتظرونه ليسلم بهم، وهو أختيار ابن حامد، والأول أولى لأن الإمام مخطئ فلا يجوز إتباعه على الخطأ فإن تابعوه جهلا بتحريم ذلك فإن صلاتهم صحيحه لأن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم تابعوه فى التسليم فى حديث ذى اليدين. وجاء فى موضع آخر (43) : أن صلى مسافر خلف مسافر ونسى الإمام فصلاها تامة صحت صلاته وصلاتهم، وأن علم المأموم أن قيامه لسهو فلا يجب أتباعه لأنه سهو وله مفارقته ان سبح له ولم يرجع، فان تابعه لم تبطل الصلاة لأنهم لو فارقوا الإمام وأتموا صلاتهم فمع الموافقة أولى (44) . وقال القاضى: تفسد صلاتهم بإتباعه للزيادة عمدا، فإن لم يعلموا هل قام لإمام سهوا أو عمدا لزمهم متابعته ولم يكن لهم مفارقته لأن حكم وجوب المتابعة ثابت فلا يزول بالشك. مذهب الظاهرية: قال ابن حزم الظاهرى (45) : وفرض على كل مأموم ألا يرفع ولا يركع ولا يسجد ولا يكبر ولا يقوم ولا يسلم قبل إمامه، ولا مع إمامه فإن فعل عامدا بطلت صلاته لكن بعد تمام كل ذلك من إمامه فإن فعل ذلك ساهيا فليرجع ولابد حتى يكون ذلك كله منه بعد كل ذلك من إمامه وعليه سجود السهو. برهان ذلك ما روى عن ابى موسى أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فبين لنا سنة الخير وعلمنا صلاتنا فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " فقولوا " آمين " يجبكم الله. فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع ويرفع قبلكم فتلك بتلك وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك، حدثنا عبد الرحمن عن البراء بن عازب قال ": " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن ظهره حتى يقع النبى صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده ". وروى عن أبى هريرة رضى الله عنه أيضا أنه قال: " أن الذى يرفع رأسه قبل الإمام ويخفض قبله فان ناصيته بيد الشيطان "وقال فى موضع آخر (46) : ومن علم أن، أمامه قد زاد ركعة أو سجدة فلا يجوز له أن يتبعه عليها، بل يبقى علي الحالة الجائزة، ويسبح بالإمام، وهذا لا خلاف فيه، وقد قال الله عز وجل: " لا تكلف إلا نفسك " (47) . وقال أبن حزما الظاهرى أيضا (48) : وإذا سها الإمام فسجد للسهو ففرض على المؤتمين أن يسجدوا معه إلا من فاتته معه ركعة فصاعدا فإنه يقوم إلى قضاء ما عليه فإذا أتمه سجد هو للسهو، إلا أن يكون الإمام سجد للسهو قبل السلام ففرض على المأموم أن يسجدهما معه، وإن كان بقى عليه قضاء ما فاته، ثم لا يعيد سجودهما إذا سلم، برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سها فسجد وسجد المسلمون معه بعلمه بذلك، وأما من عليه قضاء ركعة فصاعدا فإن الإمام إذا سلم فقد خرج من صلاته ولزم المأموم القضاء- أى قضاء ما فاته-. وقال عليه الصلاة والسلام، أى فى روايه أخرى زيادة قوله فإنه لم يتم صلاته بعد. والسجود للسهو لا يكون إلا فى آخر الصلاة وبعد تمامها، بأمره عليه الصلاة والسلام بذلك، وأما اذأ سجدهما الإمام قبل أن يسلم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد فاسجدوا "، ففرض عليه الإتمام به فى كل ما يفعله الإمام فى موضعه وإن كان موضعه للمأموم بخلاف ذلك، وكذلك يفعل فى القيام والقعود والسجود. وقال فى موضع آخر (49) : ومن وجد الإمام راكعا أو ساجدا أو جالسا فلا يجوز البتة أن يكبر قائما لكن يكبر وهو فى الحال التى يجد إمامه عليها ولابد، تكبيرتين ولابد، أحداهما للإحرام بالصلاة والثانية للحال التى هو فيها،؟ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به "، ولقوله عليه الصلاة والسلام " ما أدركتم فيصلوا وما فاتكم فأتموا "، فأمر عليه الصلاة والسلام بالائتمام بالإمام، والإتمام به هو ألا يخالفه الانسان فى جميع عمله، ومن كبر قائما والإمام غير قائم فلم يأتم به فقد صلى بخلاف ما أمر ولا يجوز ان يقضى ما فاته من قيام أو غيره إلا بعد تمام صلاة الإمام لا قبل ذلك. وقال ابن حزم الظاهرى (50) : ومن زوحم حتى فاته الركوع أو السجود أو ركعة أو ركعات، وقف كما هو، فإن أمكنه أن يأتى بما فاته فعل، ثم إتبع الإمام حيث يدركه وصلاته تامة ولا شىء عليه غير ذلك. فإن لم يقدر على ذلك إلا بعد سلام الإمام بمدة قصيرة أو طويلة فعل كذلك أيضا، وصلاته تامة والجمعة وغيرها سواء فى كل ما ذكرنا. وقال فى موضع آخر (51) : فإن صلى مسافر بصلاة إمام مقيم قصر ولابد، وأن صلى مقيم بصلاة مسافر أتم ولابد، وكل أحد يصلى لنفسه، وإمامة كل واحد منهما للآخر جائزة ولا فرق. مذهب الزيدية: جاء فى شرح الأزهار (52) : من ائتم بإمامه فإنه تجب عليه متابعته فى الأركان والأذكار وفسر الأذكار فى الحاشية بقوله فى التسليم وتكبيرات العيد والإحرام والجنازة. ومعنى المتابعة ترك المخالفة فى ذلك إلا فى أمر مفسد للصلاة لو تعمد من فعل أو ترك نحو أن يزيد الإمام ركعة أو سجدة أو يترك أيهما أو نحو ذلك، فإذا فعل الإمام ذلك لم تجب متابعته بل لا تجوز، وحينئذ فيعزل المؤتم ويتم فرادى. وفى الغيث: لو أتم من غير عزل فسدت صلاته، ذكره المؤيد بالله، وذكر أيضا إن المؤتم لو كان فى حال التشهد الأخير فسلم من دون عزل فسدت صلاته. وقال فى موضع آخر (53) : وأما المخالفة فى الأمر المفسد فى الذكر كما فى قراءة جهر فإن المتابعة لا تجب هنا بل يجب على المؤتم أن يخالفه وجوبا ويسكت فى حال جهر الإمام. وهذا بناء على أن الإمام يتحمل وجوب القراءة عن المؤتم فى الجهريه إذا سمعه لا فى السرية. وقال الناصر إنه لا يتحمل فيهما ولو قرأ المؤتم فى حال سر الإمام بطلت صلاته عند الهادويه. قال المرتضى: ولو كانت قراءته ناسيا وفى الإفادة عن المؤيد بالله أن صلاة المؤتم لا تبطل بقراءته حال جهر الإمام. وجاء فى شرح الأزهار أيضا (54) : ومن فاتته الركعة الأولى مع الإمام من أربع فلا يتشهد التشهد. الأوسط وأن كان يجلس مع الإمام ولا يقعد فى ثانيته لأنها ثالثة الإمام وفى. القعود اخلال بالمتابعة الواجبة. قال فى الحاشية: ولو قعد الإمام سهوا فى الثالثة فلا يقعد معه المؤتم، فإن قعد فتقدت إن لم يعزل فإن عزل لم تفسد. وقال فى موضع آخر (55) لو فسدت صلاة الإمام بأى وجه من جنون أو لحن أو حدث سهوا كان أم عمدا فلا يتابعه المأموم بل يجب عليه أن يعزل صلاته فورا أى عقيب فساد صلاة الإمام، ولا يتابعه بعد ذلك فى شىء من الصلاة، فإن تابعه فسدت ولوجاهلا. وفى شرح الأزهار (56) : يندب فى خطبة العيد متابعة الخطيب فى التكبير والصلاة على النبى وآله. مذهب الإمامية: قال صاحب الروضة (57) : ويجب على المأموم المتابعة لإمامه فى الأفعال إجماعا بمعنى ألا يتقدمه فيها بل إما أن يتأخر عنه وهو الأفضل أو يقارنه لكن المقارنة تفوت فضيلة الجماعة وإن صحت الصلاة وإنما أفضلها مع المتابعة. أما الأقوال، فقال صاحب الروضة: قطع المصنف بوجوب المتابعة فيها أيضا فى غيره وأطلق هنا بما يشمله، وعدم الوجوب أوضح ألا فى تكبيرة الإحرام فيعتبر تأخره بها، فلو قارنه أو سبقه لم تنعقد، وكيف تجب المتابعة فيما لا يجب سماعه ولا اسماعة إجماعا مع ايجابهم علمه بأفعاله وما ذاك إلا لوجوب المتابعة فيها فلو تقدم المأموم على الإمام فيما يجب فيه المتابعة ناسيا تدارك ما فعل مع الإمام وعامدا يأثم ويستمر على حاله حتى يلحقه الإمام والنهى لإحق لترك المتابعة لا لذات الصلاة أو جزئها. وقال فى موضع آخر: ولا تصح الجماعة مع جسم حائل بين الامام والمأموم يصنع المشاهدة أجمع فى سائر الأحوال للإمام أو من يشاهده من المأمومين ولو بوسائط منهم فلو شاهد بغضة فى بعضها كفى كما لا تمنع حيلولة الظلمة والعمى الا فى المرأة خلف الرجل فلا يمنع الحائل حقا مع علمها بأفعاله التى يجب فيها المتابعة ولا مع كون الإمام أعلى من المأموم بالمعتد، عرفا فى المشهور (58) . مذهب الأباضية: جاء فى النيل وشرحه (59) : وشرط الإقتداء بإمام النية والمتابعة بعمل كل ما يعمل إلا ما يحمله عنه ويكون بعده لا معه ولا قبله. وجاء فى موضع آخر أيضا (60) : يجب إتباع الإمام فى الأقوال غير سمع الله لمن حمده فإنه لا يجب إتباعه فيه، بل جوز والأحسن أن يقول المأموم: رينا ولك الحمد: وفى الأفعال أن لم يصل جالسا وأن صلى جالسا بأن كان إماما عادل أو إمام صلاة حدثت له العلة أو إمام صلاة صلى بهم من أول جالسا على قول باجازته أى با جازته إمام الصلاة قاعدا من أول الأمر أو بعد حادث فلا يجب اتباعه فى فعله الذى هو الجلوس والايماء بل يجب عليهم القيام وقيل يجلسون ولا يجلسون خلف إمام الصلاة الجالس من أول.   (1) الروضة البهية ج1 ص116 الطبعة الثانية. (2) شرح كتاب النيل وشفاء العليل للإمام يوسف أطفيش ج1 ص432، 433 طبع محمد بن يوسف البارونى. (3) شرح النيل ج1 ص463، 464، الطبعة السابقة. (4) لسان العرب لأبن منظور ج 32 ص 28 طبع بيروت وترتيب القاموس المحيط ج1 ص296 مادة تبع الطبعة الأولى 1959 مطبعة الاستقامة بالقاهرة. (5) الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ج1 ص246 مطبعةالمعارف بمصر سنة 1332هجرية (6) المستصفى للغزالى شرح مسلم ثبوت الطبعه الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر سنه 1322 هجرية 0 (7) سورة الجالية: 18. (8) سورة الأعراف: 3. (9) أعلام الموقعين لأبن القيم ج1 ص 39، إدارة الطباعة المنيرية. (10) الإحكام فى أصول الاحكام للآمدى ج4، ص 278 وما بعدها، الطبعة السابقة. (11) المستصفى للغزالى ج2 ص387، 389 المطبعة السابقة. (12) الإحكام فى أصول الإحكام لأبن حزم ج6 ص79 مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1345 هجرية. (13) الاحكام لابن حزم ج1 ص70 الطبعة السابقة. (14) المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 1 ص70مسألة 108 ادارة الطباعة المنيربة مطبعة النهضة بمصر سنة 1347 هجرية. (15) المتصفى ج 2 ص 388 (16) الاحكام لابن حزم ج 4 ص 192،194،200،201. (17) الأحكام للآمدى ج4، ص297 الطبعة السابقة. (18) الأحكام لابن حزم ج 8 ص139 الطبعة السابقة. (19) أعلام الموقعين لابن القيم ج2 ص130 المطبعة السابقة. (20) المرجع السابق ج 2 ص 137. (21) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج1 ص 145 الطبعة الأولى مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هجرية. (22) ج1 ص 18 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنه 315 م. (23) ج1 ص 315 الطبعة السابقة. (24) ج 2 ص 111 طبع بمطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هجرية الطبعة الاولى. (25) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج1 ص195 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر 1313 هجرية. (26) المسماة بالفتاوى العالمكيرية ج 1 ص90 وما بعدها الطبعة الثانية طبع بالمطبعة الاميرية بمصر سنة 1310 هجرية. (27) شرح الخرشى على مختصر خليل وحاشيته ج 2 ص 37 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هجرية. (28) المرجع السابق ج2 ص40 الطبعة السابقة. (29) شرح الخرشى على مختصر خليل وحاشيته ج 2 ص 37 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هجرية. (30) المرجع السابق ج2 ص40 الطبعة السابقة. (31) بلغة السالك لاقرب المسالك للصاوى على الشرح الصغير للدردير- ج1 ص133. (32) المدونة الكبرى للإمام مالك ج1 ص134، الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هجرية. (33) الدردير على الشرح الصغير ج1 ص134. (34) شرح الخرشى على مختصر خليل وحاشيته ج 2 ص 48 الطبعة السابقة. (35) شرح الخرشى على مختصر خليل ج1 ص331، الطبعة السابقة. (36) المرجع السابق ج 2 ص 65 الطبعة السابقة. (37) المهلب للشيرازى ج1 ص64 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر. (38) المرجع السابق ج1 ص 96 الطبعة السابقة. (39) المهذب للشيرازى ج1 ص 96 الطبعة السابقة (40) المرجع السابق ج1 ص91. (41) المرجع السابق ج اص92 الطبعة السابقة. (42) المرجع السابق ج1 ص 95 الطبعة السابقة. (43) ج1 ص 103 الطبعة السابقة. (44) كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج1ص301 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرقية سنه 1319 هجرية. (45) المغنى ج2 ص699 وما بعدها المطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر فى سنه 1341هجرية. (46) ج2 ص 675 الطبعة السابقة. (47) المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج2 ص131، 132 الطبعة السابقة. (48) المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 60، 61 مسألة رقم 417 طبع إدارة الطباعة المنيرية مطبعة النهضة بمصر سنه 1347 هجرية الطبعة الأولى. (49) المحلى لابن حزم ج 4 ص 52 مسألة رقم، 414 الطبعة السابقة. (50) سورة النساء:84. (51) المحلى لابن حزم ج 4 ص 166، 167 مسألة رقم 469، الطبعة السابقة. (52) المحلى لابن حزم ج 4 ص 264 مسألة رقم 510 الطبعة السابقة. (53) المحلى لأبن حزم ج 4 ص157 صالة رقم 464 الطبعة السابقة. (54) المرجع السابق ج 5 ص 31، 32مسألة رقم 518 الطبعة السابقة. (55) شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ج1 ص 310 ومابعدها الطبعة الثانية المطبعة حجازى بالقاهرة سنه 1257 هجرية. (56) المرجع السابق ج1 ص310، 311 الطبعة السابقة. (57) ج1 ص 302 الطبعة السابقة. (58) شرح الأزهار ج1 ص 306 الطبعة السابقة. (59) ج اص 383 الطبعة السابقة. (60) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج1 ص118 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 إتْلاَف إتلاف الشىء لغة: إفناؤه، قال فى القاموس: تلف كفرح: هلك، وأتلفه أفناه وذهبت نفسه تلفا وطلفا أى هدرا، ورحل مخلف متلفه ومخلاف متلاف. وفى لسان العرب: التلف الهلاك والعطب وأتلف فلان ماله إتلافا إذا أفناه إسرافا. والإتلاف فى اصطلاح الفقهاء هو، كما عرفه صاحب البدائع: أتلاف الشىء إخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة مطلوبة منه عادة (1) . أنواع الإتلاف وأحكامه: تختلف أحكام الإتلاف باختلاف ما يرد عليه من أنواع وأحوال إذ هو كما قال صاحب بدائع الصنائع أما أن يرد على بنى أدم أو على غيرهم، وقال يجب الضمان فيما توفرت فيه الشروط الآتية: 1- أن يكون المتلف مالا فلا يجب الضمان بإتلاف الميتة والدم وجلد الميتة وغير ذلك مما ليس بمال. 2- أن يكون متقوما، فلا يجب مسلما بإتلاف الخمر والخنزير على المسلم سواء كان المتلف مسلما أو ذميا. 3- أن يكون المتلف من أهل وجوب الضمان عليه حتى لو أتلف مال إنسان بهيمة لا ضمان على مالكها لأن فعل العجماء جبار فكان هدرا ولا إتلاف من مالكها فلا يجب الضمان عليه. 4- أن يكون فى الوجوب فائدة فلا ضمان على المسلم بإتلاف مال الحربى ولا على الحربى بإتلاف مال المسلم فى دار الحرب، وكذا لا ضمان على العادل إذا - أتلف مال الباغى ولا على الباغى اذا أتلف مال العادل لأنه لا فائدة فى الوجوب لعدم إمكان الوصول إلى الضمان لانعدام الولاية. وتفصيلا لذلك وجمعا إجماليا لأهم ما جاءت به أمهات كتب الفقه للمذاهب الثمانية: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والإمامية والزيديه والإباضية فى هذا الموضوع أقول ما يجب فيه الضمان وما لا يجب من المتلفات. إتلاف الصيد مذهب الحنفية: يرى الحنفية انه اذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه قاتله فعليه ضمانه اذا توفرت شروط الضمان، فان كان الإتلاف جزئياً فعليه قيمة ما نقصه الحيوان ما لم يقصد إصلاحه فان قصد إصلاحه فلا شىء عليه وأن مات، وكذلك الحكم علي هذا البيان اذا قتل الحلال صيد الحرم أو أتلف جزءا منه، فقد جاء فى ابن عابدين (2) ما نصه: فإن قتل محرمة صيدا أى حيوانا بريا متوحشا بأصل خلقته أو دل عليه قاتله مصدقا له غير عالم وأتصل القتل بالدلالة أو الإشارة والدال أو المشير باق على إحرامه وأخذه قبل إن ينفلت بدءا أو عودا سهوا أو عمدا مباحا أو مملوكا فعليه جزاؤه ولو سبعا غير صائل أو مستأنسا أو حمامات أو هو مضطر إلى أكله. وجاء فى المصدر السابق (3) : ووجب بجرحه ونتف شعره وقطع عضوه ما نقص ان لم يقصد الإصلاح، فان قصده كتخليص حمامة من سنور أو شبكة فلا شىء عليه وان ماتت. وجاء فيه (4) : ووجبت نتف ريشة وقطع قوائمه وكسر بيضه وخروج فرخ ميت بالكسر وذبح حلال صيد الحرم وحلب لبنه.. قيمة فى كل ذكر. مذهب المالكية: يرى المالكية ما يراه الحنفية من وجوب الضمان على المحرم اذا قتل الصيد أو أتلف جزءا منه ألا أنهم يرون فى الدلالة على الصيد إساءة فقط، ولا ضمان فيها وان أدت الى الإتلاف كما هو مشهور المذهب كما لا ضمان على المحرم فى اتلاف سباع الوحش. فقد جاء فى التاج والإكليل للمواق (5) : قال ابن شاش: يحرم صيد البر ما أكل لحمه وما لم يؤكل لحمه من غير فرق بين أن يكون مستأنسا له أو وحشيا مملوكا أو مباحا ويحرم التعرض لأجزائه وبيضه وليرسله أن كان بيده أو رفقته فان لم يرفع يده عنه حتى مات لزمه جزاؤه. وجاء فيه: ما قتل المحرم من الصيد فعليه جزاؤه. قال ابن شاش: ولو لعله فى مخمصة ضمنه، وفى عدم الضمان بالدلالة ولو أدت الى اتلاف الصيد، قال الحطاب: دلالة محرم أو حل وكذا إن أعانه بمناولة سوط أو رمح إساءة لا جزاء فيها على المشهور، نقله فى التوضيح عن الباجى، واقتصر صاحب المدخل على القول بوجوب سبب الجزاء على المحرم فى دلالة المحرم على الصيد وفيمن أعطى سوطه أو رمحه لمن يقتل به صيدا. وجاء فى التاج والإكليل عن التهذيب (6) : إذا دل المحرم على صيد محرما أو حلالا فقتله المدلول عليه فليستغفر الدال ولا شىء عليه، وفى عدم الضمان على من أتلف شيئا من سباع الوحش قال: لا بأس أن يقتل المحرم سباع الوحش التى تعدو وتفترس وان لم تبتدئه ولا يقتل صغار ولدها التى لا تعدو أو لا تفترس، ثم قال: فله عندنا قتل الذئب والأسد والفهد والكلب العقور وكل ما يعدو. مذهب الشافعية: يرى الشافعية أنه جرم على المحرم اصطياد كل صيد مأكول برى طيرا أو غيره كما يحرم ذلك علي المحل فى الحرم فإن أتلف أحدهما شيئا من ذلك ضمنه كما يضمن المحرم بالدلالة اذا كان الصيد فى يده فإن لم يكن فى يده وقتله المدلول أثم الدال فقط ولا ضمان عليه. قال فى نهاية المحتاج (7) : الخامس من المحرمات اصطياد كل صيد مأكول برى من طير أو غيره كبقر وحش وجراد وكذا متولد منه ومن غيره كمتولد بين حمار وحشى وحمار أهلى وبين شاة وظبى إلى أن قال: وكذا يحرم فى الحرم على الحلال. ثم قال: فان اتلف من حرم عليه ما ذكر صيداً مما ذكر وان لم يكن مملوكا ضمنه، وقيس بالمحرم الحلال فى الحرم، ثم قال: ولا فرق بين الناس للإحرام أو كونه فى الحرمة وجاهل الحرمة. ثم قال: ولو دل المحرم آخر على صيد ليس فى يده فقتله أو أعانه بآلة أو نحوها أثم ولا ضمان، أو بيده- والقاتل حلال ضمن المحرم لأن حفظه واجب عليه ولا يرجع على القاتل. مذهب الحنابلة: يرى الحنابلة وجوب الضمان على من أتلف صيدا فى الحرم محرما كان أو حلالا، وأتلاف جزء منه أو أتلاف بيضه مضمون بقيمته، ويضمن أتلاف صيد الحرم بالدلالة والإشارة كما يضمن بالقتل ولا شئ بقتل صائل لم يمكن دفعه إلى بذلك. قال فى المغنى والشرح الكبير (8) : وصيد الحرم حرام على الحلال والمحرم.. وفيه الجزاء على من يقتله، ويجزى بمثل ما يجزى به الصيد فى الإحرام، وما يحرم ويضمن فى الإحرام يحرم ويضمن فى الحرم ومالا فلا. وقال: ومن قتل وهو محرم من صيد البر عامدا أو مخطئا فداه بنظيره من النعم إن كان المقتول دابة. وقال: وإن كان طائرا فداه بقيمته فى موضعه.. وقال: وإن أتلف جزءا من الصيد وجب ضمانه لأن جملته مضمونة فكان بعضه مضمونا كالآدمى والأموال. وقال: ويضمن بيض الصيد بيقيمته. وقال فى الضمان بالدلالة أو الإشارة: ويضمن صيد الحرم بالدلالة والإشارة كصيد الاحرام والواجب عليهما جزاء واحد نص عليه أحمد، وظاهر كلامه أنه لا فرق بين كون الدال فى الحل أو الحرم. وقال القاضى: لا جزاء على الحال إذا كان فى الحل، والجزاء على المدلول وحده كالحلال إذا دل محرما على صيده. مذهب الظاهرية: قتل الصيد عند الظاهرية مبطل للحج إذا قتله عامدا ذاكرا لإحرامه وعليه الجزاء ومثله فى وجوب الجزاء المحل فى الحرم إذا كان عامدا ذاكر أنه فى الحرم ومثل ذلك الذمى، فإن انعدم شرط من ذلك فلا شئ عليه. قال أبن حزم فى المحلى: ومن تصيد صيدا فقتله وهو محرم بعمرة أو بقبران. أو بحجة تمتع ما بين أول إحرامه إلى دخول وقت رمى جمرة العقبة أو قتله محرم أو محل فى الحرم فان فعل ذلك عامدا لقتله غير ذاكر لا حرامه أو لأنه فى الحرم أو غير عامد لقتله سواء كان ذاكرا لا حرامه أو لم يكن فلا شىء عليه لا كفارة ولا إثم وذلك الصيد جيفة لا يحل كله، فان قتله عامدا لقتله ذاكرا لإحرامه أو لأنه فى الحرم فهو عاص لله تعالى وجه باطل وعمرته كذلك. قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما، ليذوق وبال أمره، عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه ". وقال: وأما المتعمد لقتل الصيد وهو محرم فهو مخير بين ثلاثة أشياء أيها شاء فعله، وقد أدى ما عليه: أما أن يهدى مثل الصيد الذى قتل من النعم، وان شاء أطعم مساكين وأقل ذلك ثلاثة، وان شاء نظر الى ما يشبع ذلك الصيد من الناس فصام بدل كل إنسان يوما إلخ. وقال: فلو أن كتابيا قتل صيداً فى الحرم لم يحل أكله لقول الله تعالى: " وأن أحكم بينهم بما أنزل الله "، فوجب أن يحكم عليهم بحكم الله تعالى على المسلمين (9) إتلاف بيض النعام وغيره: لا شئ فيه ما لم يكن فيه فرخ حى، فجزاؤه مثله إن مات. قال فى المحلى: وبيض النعام وسائر الصيد حلال للمحرم وفى الحرم، لأن البيض ليس صيداً ولا يسمى صيداً ولا يقتل، وإنما حرم الله تعالى على المحرم قتل صيد البر فقط، فإن وجد فيها فرخ ميت فلا جزاء له لأنه ليس صيدا ولم يقتله فان وجد فيها فرخ حى فمات فجزاؤه بجنين من مثله لأنه صيد قتله (10) . إتلاف صيد البحر وما ليس بصيد لا شىء فى إتلاف صيد البحر ولا فى اتلاف ما ليس بصيد. قال فى المحلى: " وصيد كل ما سكن الماء من البرك أو الأنهار أو البحر أو العيون أو الآبار حلال للمحرم صيده وأكله (11) . قال: وجائز للحرم فى الحل والحرم وللمحل فى الحرم والحل قتل كل ما ليس بصيد من الخنازير والأسد والسباع، والقمل والبراغيث وقردان بعيره أو غير بعيره، والحكم كذلك، وهو القراد العظيم. مذهب الزيدية: يرى الزيدية أن من محظورات الإحرام قتل الصيد البرى الوحشى إلا ما استثنى كما يحظر على الحلال فى الحرم فإن فعل أحدهما شيئا من ذلك عن عمد وكان الصيد مأمونا وحب الجزاء سواء كان القتل مباشرة أو بسبب أو دلالة أو إشارة بحيث إذا لم يفعل ذلك لما قتل فان فعل ذلك خطأ فلا جزاء فيه. قال فى شرح الأزهار: من محظورات الإحرام قتل كل حيوان جنسه متوحش سواء كان صيدا أم سبعا كالظبى والضبع والذئب وأن تأهل، أى أستأنس، كما قد يتفق، فانه كالمتوحش فى التحريم، وأنما يحرما قتل المتوحش بشرط أن يكون مأمون الضرر، فأما لو خشى المحرم من ضرره جاز له قتله كالضبع حيث تكون مفترسة وعدت عليه، وكذا الأسد ونحوه إذا خاف ضرره، وذلك بأن يعدو عليه، فإن لم يعد لم يجز قتله وسواء قتله مباشرة أو تسبب بما لولاه لما انقتل نحو إن يمسكه حتى مات عنده أو حتى قتله غيره أو حفر له بئرا أو مد له شبكة أو يدل عليه أو يغرى به أو يسير إليه، ولولا فعله لما صيد. وفى هذه الوجوه كلها يلزمه الجزاء والإثم إن تعمد إلا المستثنى وهى الحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة فإن هذه أباح الشرع قتلها وسواء المحرم والحلال وإلا الصيد البحرى فإنه يجوز للمحرم قتله وأكله، والأهلى من الحيوانات كالحمير والخيل وكل ما يؤكل لحمه فانه لا يجب الجزاء فى قتلها لأنها غير صيد والمحرم هو الصيد ونحوه وان توحش الأهلى لم يجب الجزاء فى قتله لأن توحشه لا يصيره وحشيا، والعبرة بالأم فان كانت وحشية فولدها وحشى وان كانت أهلية فولدها أهلى، ويلزم الإثم والجزاء حيث قتله عمدا لا خطأ، إذ الخطأ لا جزاء عليه والمبتدئ والعائد فه فى فضل الصيد على سواء فى وجوب الجزاء عليهما. ولو قتله ناسيا لإحرامه لزمه الجزاء ويجب فى بيضة النعامة ونحوها اذا كسرها المحرم صوم يوم أو إطعام مسكين (12) . مذهب الإمامية: يحرم الإمامية. على المحرم وعلى المحل فى الحرم صيد الممتنع بأصله من حيوانات البر وقتلها مباشرة أو إعانة أو دلالة أو إشارة، ويوجبون الجزاء على من فعل ذلك ولو جاهلا أو ناسيا ويلزم غير المكلف بذلك فى ماله ولو اجتمعوا على إتلاف صيد فعلى كل جزاء. فقد جاء فى الروضة البهية (13) : وأما التروك المحرمة فثلاثون، صيد البر، وضابطه الحيوان الممتنع بالأصالة فلا يحرم قتل الأنعام وأن توحشت ولا صيد الضبع والنمر والصقر وشبهها من حيوان البر ولا الفأرة والحية ونحوهما ولا يختص التحريم بمباشرة قتلها بل يحرم الإعانة عليه ولو دلالة عليها وإشارة إليها بأحد الأعضاء وهى أخص من الدلالة ولا فرق فى تحريمها على المحرم بين كون المدلول محرما ومحلا ولا بين الخفية والواضحة، نعم، لو كان المدلول عالما به بحيث لم (14) يفده زيادة انبعاث عليها فلاحكم لها. وقال: وفى الحمامة- وهى المطوقة أو ما تعب الماء- شاة على المحرم فى الحل ودرهم على المحل فى الحرم على المشهور ويجتمعان على المحرم فى الحرم. وقال (15) : ولو أغلق على حمام وفراخ وبيض فكالإتلاف مع جهل الحال أو علم التلف فيضمن المحرم والمحل فى الحرم ولو باشر الإتلاف جماعة أو تسببوا فعلى كل فداء. وقال (16) : ولا كفارة على الجاهل والناسى فى غير الصيد، أما فيه فيجب مطلقا حتى على غير المكلف بمعنى اللزوم فى ماله. مذهب الإباضية: المحل فى الحرم والمحرم ولو فى غير الحرم ممنوعان من صيد البر وقتله وعليهما الجزاء سواء كان القتل عمدا أو خطأ ولو دلالة عليه أو إشارة إليه. قال فى كتاب النيل: منع المحرم والمحل من صيد الحرم.. ومن قتله وان أخطأ أو أشار إليه فاصيب أو أزمنه ولم يعلم بصحته بعد أو دل عليه أحدا أو حيوانا ففعل به شيئا مما ذكر لزمه الجزاء ولزم الاثنين أن قتلاه واحد أن أجتمعا عليه وإلا فعلى كل واحد يحكم به عدلان فقيهان (17) . إتلاف نبات الحرم مذهب الحنفية: قال ابن عابدين فى حاشيته (18) : اعلم أن النابت فى الحرم إما جاف أو منكسر أو اذخر أو غيرها، والثلاثة الأول مستثناة من الضمان. وغيرها إما أن يكون أنبته الناس أولا، والأول لا شىء فيه سواء كان من جنس ما ينبته الناس كالزرع أو لا كأم غيلان، والثانى إن كان من جنس ما ينبتونه فكذلك وإلا ففيه الجزاء، فما فيه الجزاء هو النابت بنفسه وليس مما يستنبت ولا منكسرا ولا جافا ولا اذخرا، وما يتلف من الزرع النابت فى ملك الغير فيه قيمتان إحداهما للمالك والأخرى لحق الله. مذهب المالكية: قال فى التاج والإكليل (19) : وحرم بالحرم قطع ما ينبت بنفسه إلا الأذخر والسنا، قال ابن يونس: ولا يقطع أحد من شجر الحرم شيئا يبس أو لم ييبس من حرم مكة أو من المدينة، فإن. فعل فليستغفر الله ولا جزاء. مذهب الشافعية: جاء فى نهاية المحتاج (20) : ويحرم على محرم وحلال قطع أو قلع نبات الحرم الرطب وهذا صادق بما إذا كان القطع أو القلع علي وجه الإتلاف أو لا، مباحا كان أو مملوكا، الذى لا يستنبت أى من شأنه ألا يستنبته الآدميون بأن ينبت بنفسه كالطرفاء شجرا أو غيره لقوله صلى الله عليه وسلم: " ولا يعضد شجره ولا يختلى خلاه " وهو بالقصر الحشيش الرطب وقيس بمكة باقى الحرم. إلى أن قال: والأظهر تعلق الضمان به أى بقطع نبات الحرم الرطب وبقطع الأشجار من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام. وفى المستنبت يقول صاحب نهاية المحتاج (21) : والمستنبت وهو ما استنبته الآدميون من الشجر كغيره فى الحرمة والضمان على المذهب وهو القول الأظهر لعموم الحديث والثانى المنع تشبيها له بالزرع أى كالحنطة والشعير والبقول والخضراوات فانه يجوز قطعه ولا ضمان فيه بلا خلاف، قاله فى المجموع. قال: ويحل من شجر الحرم الأذخر لاستثنائه فى الحديث ومثل ذلك فى الحكم نبات البقيع. قال صاحب نهاية المحتاج (22) فى باب إحياء الموات: أن من أتلف شيئا من نبات البقيع ضمنه على الأصح. مذهب الحنابلة: قال فى المغنى والشرح الكبير (23) : يجب فى إتلاف الشجر والحشيش-فى الحرم- الضمان. قال: ولأنه ممنوع من إتلافه بحرمة الحرم فكان مضمرنا كالصيد، والشجرة الكبيرة مضمونة ببقرة والصغيرة بشاة، والحشيش بقيمته، والغصن بما نقص، ومن إتلاف الشجر فى الحرم قلعه من مكان وغرسه فى مكان آخر أدى إلى يبسه فيجب الضمان. قال فى المغنى: ومن قلع شجرة من الحرم فغرسها فى مكان آخر فيبست ضمنها لأنه أتلفها. مذهب الزيدية: جاء فى شرح الأزهار (24) : وصيد الحرمين وشجرهما يجب فيهما القيمة على من قتل الصيد أو قطع الشجر، ويلزم الصغير والمجنون قيمة صيد الحرم وشجره إذا جنى على شىء من ذلك، لأن الجناية تلزم غير المكلف، وتسقط قيمة الشجرة إذا قلعها بالإصلاح لها بأن يردها إلى الحرم ويغرسها فيه. مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية (25) : بعد أن قال وتجب شاة فى لبس الخفين، قال: وقلع شجرة من الحرم صغيرة غير ما استثنى، ولا فرق هنا بين المحرم والمحل. وفى معنى قلعها قطعها من أصلها، والمرجع فى الصغيرة والكبيرة الى العرف والحكم بوجوب شىء للشجرة مطلقا هو المشهور، ومستنده رواية مرسلة. ثم قال: وفى الشجرة الكبيرة عرفا بقرة فى المشهور ويكفى فيها. وفى الصغيرة كون شىء منها فى الحرم سواء كان أصلها أم فرعها ولا كفارة فى قلع الحشيش وإن أثم فى غير الأذخر وما أنبته الآدمى، ومحل التحريم فيها الإخضرار، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقا لا قلعه أن كان أصله ثابتا، ويجوز تخلية الإبل وغيرها من الدواب للرعى فى الحرم وإنما يجرم مباشرة قطعه علي مكلف محرما أو غيره. مذهب الإباضية: يرى الإباضية أن إتلاف شجر الحرم ونباته الرطب محرم ومضمون، وهذا فى غير الأذخر وما يزرعه الآدمى أو يغرسه. جاء فى شرح كتاب النيل (26) : ولا يحل وأن لمحل شجر الحرم وصيده ولقطته وحلت لمعارفها ولا يحل خلاؤه وهو الرطب من النبات لا يحتش ويجوز رعيه، وجوز الأذخر، قيل ولزم بالدوحة بقرة وبالوسطى شاة وبقضيب درهم وبورقتها مسكين - أى إطعامه- وهذا إن لم يزرع أو يغرس. قال: والأصل فى شجر الحرم إنه غير مستنبت، ففيه الجزاء حتى يصح بثقة أنه مستنبت ولا يحل شجره وإن أخرج للحل. إتلاف- المبيع قد يحدث إتلاف المبيع من البائع أو من المشترى أو من أجنبى فيترتب عليه هلاكه وتلفه فإذا كان من أجنبى ضمنه بقيمته أو مثله لتعدية بإتلاف مال غيره وإذا كان من البائع قبل قبضه أنفسخ البيع ووجب رد الثمن إن قيض وإن كان من المشترى قبل قبضه عد بذلك قابضا له ولزمه الثمن، وإلى هذا ذهب الحنفية (27) وفى استيفاء أحكاما هذا الموضوع وتفصيلها يرجع إلى مصطلح تلف المبيع فى مصطلح بيع. إتلاف الرهن فى يد المرتهن إن كان من أجنبى فهو اعتداء على مال الغير يوجب ضمانه بمثله أو بقيمته علي حسب ما سبق بيانه ويكون بدله رهنا مكانه وكذلك إن كان من المرتهن لأن " المرتهن بالنسبة إليه غير مالك فكان ذلك منه اعتداء على مال الراهن يوجب عليه ضمانه بمثله أو بقيمته وبذلك يصير المرتهن مدينا للراهن بذلك مع كونه دائنا له من قبل وفى تفرقى الدينين، وأحكام ذلك تفصيل يرجع إليه فى أحكام اعتداء المرتهن على الرهن " مصطلح رهن ". أما إن كان الإتلاف من الراهن فإنه بعد اعتداء على مال له تعلق به حق المرتهن من ناحية أنه قد صار بعقد الرهن ضمانا لدينه وتوثيقا له ومحلا لاستيفائه منه واختصاصه به عند التنازع فوجب لذلك ضمانه ليكون ضمانه رهنا فى يد المرتهن والى هذا ذهب الحنفية (28) وفى تفصيل أحكام ذلك يرجع إلى مصطلح رهن " هلاكه". إتلاف المسلط على المال إتلاف الأجير لما في يده من مال مؤجره: الأجير إن كان خاصا فهو أمين فلا ضمان عليه إلا بالتعدى أو بالتقصير عند جميع المذاهب ومع هذا فما يتلف من مال مؤجره بعمله يضمنه، إن كان فيه مقصرا تجاوز الحد المألوف المعروف المأذون فيه بحكم العرف والعادة وإلا لم يضمن. وفى الدر المختار: ولا يضمن الأجير الخاص ما هلك بعمله كتخريق الثوب من دقة فى القصارة إلا إذا تعمد الفساد (29) . وإن كان مشتركا ضمن ما يتلف بعمله لأنه إنما أذن بالعمل المصلح المؤدى إلى المقصود من العقد وهو المعقود عليه حقيقة لا المؤدى إلى التلف، ألا ترى أن ذلك العمل لو حصل بفعل الغير يجب به الأجر وعلى ذلك لم يكن المفسد مأذونا فيه فيجب فيه الضمان. وذهب زفر إلى أنه لا ضمان عليه لأنه أمر بالفعل مطلقا فينتظم العمل بنوعية المعيب والسليم كالأجير الخاص وإلى هذا ذهب الحنفية (30) . وفى تفصيل أحكام هذا الموضوع وبيانها فى المذاهب يرجع إلى مصطلح ضمان "أجير فى الإجارة " الإتلاف بالسراية ومثالها فى الجرح حدوث مضاعفات غير منتظرة تؤدى إلى التلف. مذهب الحنفية: قال صاحب الهداية: وإذا فصد الفصاد أو بزغ البزاغ (البيطار، وهو الخاص بالبهائم) ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك، وفى الجامع الصغير. بيطار بزغ دابة بدانق فنفقت أو حجام حجم عبدا بأمر مولاه فمات فلا ضمان عليه. قال صاحب الهداية: ووجهه أنه لا يمكنه التحرز عن السراية لأنه يبتنى، على قوة الطبائع وضعفها فى تحمل الألم فلا يمكن التقيد بالمصلح من العمل، ولا كذلك دق الثوب ونحوه لأن قوة الثوب ورقته تعرف بالاجتهاد، فأمكن القول بالتقييد. وقال صاحب الدر المختار: ولا ضمان على حجام وبزاغ وفصاد لم يجاوز الموضع المعتاد، فان جاوز المعتاد ضمن الزيادة كلها اذا لم يهلك المجنى عليه وان هلك ضمن نصف دية النفس لتلفها، بمأذون فيه وغير مأذون فيه. ثم فرع عليه بقوله فلو قطع الختان الحشفة وبرئ المقطوع تجب عليه دية كاملة لأنه لما برئ كان عليه ضمان الحشفة وهى عضو كامل كاللسان، وأن مات فالواجب علية نصفها لحصول تلف النفس بفعلين: أحدهما مأذون فيه وهو قطع الجلدة، والآخر غير مأذون فيه وهو قطع الحشفة فيضمن النصف (31) . مذهب المالكية: قال المالكية: ما يتلف بالسراية إن كان بسبب مأذون فيه ولا جهل فيه ولا تقصير فلا ضمان، فان حدث عن جهل أو تقصير أو لم يؤذن له بمزاولة ذلك العمل وجب الضمان. قال فى التاج والإكليل هامش الحطاب (32) . فى كتاب موجبات الضمان والنظر فى ضمان سراية الفعل، قال أبن القاسم: لا ضمان على طبيب وحجام وخاتن وبيطار إن مات حيوان بما صنعوا به إن لم يخالفوا وضمن ما سرى كطبيب جهل أو قصر، ومثل الطبيب الخاتن والبيطار كلما يضمن لو بلا إذن معتبر. ونقل التاج والإكليل قول المدونة: من أرسل فى أرضه نارا أو ماءا فوصل إلى أرض جاره فأفسد زرعه فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يوصل ذلك إليها فتحاملت النار بريح أو غيره فاحترقت فلا شئ عليه وأن لم يؤمن من ذلك لقربها فهو ضامن. مذهب الشافعية: قال الشافعية: الإتلاف بالسراية إذا كان ناشئا عن جناية كان مضمونا ولا ضمان إذا كان بسبب مأذون فيه ولم يحدث خطأ وكان ذا علم بما يمارسه. قال صاحب نهاية المحتاج. فإن جنى عليه بتعد وهو بيد مالكه أو من يخلفه وتلف بسراية من تلك الجناية فالواجب أقصى القيمة من وقت الجناية إلى التلف لأن ذلك إذا وجب فى اليد العادية ففى الإتلاف أولى (33) . وقال صاحب نهاية المحتاج (34) : ومن عالج كأن حجم أو فصد بإذن ممن يعتبر إذنه فأفضى إلى تلف لم يضمن وإلا لم يفعله أحد ولو أخطأ الطبيب فى المعالجة وحصل منه التلف وجبت الدية على عاقلته وكذا من تطبب بغير علم كما قاله فى الأنوار لخبر من تطبب ولم يعرف الطب فهو ضامن. مذهب الحنابلة: لا ضمان لما تلف بسبب السراية إذا حذقت الصنعة ولم يحدث تفريط وإلا ضمن قال فى المغنى والشرح الكبير (35) : وإذا فعل الحجام والختان والمتطبب ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين أحدهما أن يكونوا ذوى حذق فى صناعتهم ولهم بها خبرة ومعرفة لأنه اذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع وإذا قطع مع هذا كان فعلا محرما فيضمن سرايته كالقطع ابتداء، الثانى ألا تجنى أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغى إن يقطع فإذا وجد هذان الشرطان لم يضمنوا لأنهم قطعوا قطعا مأذونا فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق فإما إن كان حاذقا وجنت يده مثل إن تجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها أو قطع فى غير محل القطع أو فى وقت لا يصلح فيه القطع وأشباه هذا ضمن فيه كله لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ فأشبه إتلاف المال ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء. مذهب الزيدية: التلف الحادث عن سراية لا ضمان فيه إذا كان الفعل معتادا وحدث من حاذق بصير. فقد جاء فى شرح الأزهار (36) : لا أرش للسراية عن المعتاد من بصير فإذا استؤجر الخاتن أو نحوه فحصل مضرة من عمله لم يضمن بشروطـ ثلاثة: الأول: أن يكون عن سراية، فلو كانت عن مباشرة نحو إن يقطع حشفة الصبى ضمن عمدا كان أو خطأ. الشرط الثانى: أن يفعل المعتاد، فلو فعل غير المعتاد ضمن. الشرط الثالث: أن يكون بصيراً، فلو كان متعاطبا، أى غير متدرب، ضمن. أو إذا كان الفعل جناية وسرت الى ذى مفصل وجب القصاص اذا توافرت شروطه وبالعكس يسقط القصاص. قال فى شرح الأزهار (37) : يجب القصاص بالسراية إلى ما يجب فيه فلو جرح إنسان فى غير مفصل ثم سرت الجناية إلى ذى مفصل فأتلفته وجب القصاص ويسقط بالعكس. مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية (38) : الطبيب يضمن فى ماله ما يتلفه بعلاج نفسا وطرفا لحه ميل ائتلفه المستند الى فعله وأن احتاط واجتهد وأذن المريض. وقال ابن إدريس لا يضمن مع العلم والاجتهاد للأصل ولسقوطه بإذنه ولأنه فعل سائغ شرعا فلا يستصحب ضمانا. وقد روى أن أمير المؤمنين ضمن ختانا قطع حشفة غلام ولو أبرأه المعالج من الجناية قبل وقوعها فالأقرب الصحة لمسيس الحاجة إلى مثل فى لك إذ لا غنى عن العلاج وإذا عرف الطبيب أده لا مخلص له عن الضمان توقف عن العمل مع الضرورة إليه فكان من الحكمة شرع الإبراء دفعا للضرورة ولرواية السكونى عن أبى عبد الله قال: قال أمير المؤمنين: من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو ضامن، وإنما ذكر الولى لأنه هو المطالب على تقدير التلف، فلما شرع الإبراء قبل الاستفزاز صرف إلى من يتولى المطالبة. مذهب الإباضية: جاء فى شرح النيل (39) : الطبيب والختان والبيطار وخالع الضرس والحجام لا ضمان عليهم إن لم يتعدوا وإن أخطأوا فالدية على العاقلة، وفى نفس المصدر (40) قال: ولزم طبيبا وخاتنا وحجاما. وبيطارا أو نحوهم أن تلف أحد بمعالجتهم قود أن زادوا على ما أمروا به فى الطب والصناعة، وقيل لا قود بل الدية وإن لم يزيدوا فلا قود ولا دية، وقيل القود فيمن عالج الطب أو الختن أو نحو ذلك ولم يتقنه ولو لم يزد على ما أمر وجاء فى شرح النيل (41) : ما فعله بمداواة أو معالجة حيث جاز له كقطع وكى وفصد وختن وبيطرة إذا أخطأ فى ذلك فنتج عنه هلاك فيلزمه الضمان لا الإثم وقيل يلزم العاقلة وقيل بيت المال وقيل فى خطأ الختان لا ضمان ولا أثم. إتلاف المغصوب له ينظر " غصب ". ضمان المتلفات بعد غصبها وبيان القيمة الواجبة ووقتها مذهب الحنفية: قال صاحب الدر المختار (42) : ويجب رد مثل المغصوب أن هلك وهو مثلى وأن أنقطع المثل بأن لا يوجد فى السوق الذى يباع فيه وإن كان يوجد فى البيوت فقيمته يوم الخصومة أى وقت القضاء. وعند أبى يوسف يوم الغصب، وعند محمد يوم الانقطاع ورجحه تهستانى، وتجب القيمة فى القيمى يوم غصبه إجماعا. مذهب المالكية: جاء فى كتاب " بلغة السالك لأقرب المسالك " (43) : وضمن الغاصب بالاستيلاء مثل المثلى وقيمة المقوم من عرض أو حيوان وقيمة ما ألحق بالمقوم من المثليات وقال: وأما الكلب غير المأذون فيه فلا قيمة له، ومثل الغاصب- من أتلفها أو عيبها". قال: أى هذه المذكورات المتقدمة. لكن فى الإتلاف يلزم القيمة بتمامها إن كان مقوما والمثل إن كان مثليا. وقال فى نفس المصدر (44) : الموهوب له يرجع عليه بمثل المثلى وقيمة المقوم وتعتبر القيمة يوم الجناية، وأما الغاصب فيوم الغصب. مذهب الشافعية: جاء فى نهاية المحتاج (45) : ما يأتى: تضمن نفس الرقيق بقيمته بالغة ما بلغت تلف أو أتلف تحت يد عادية، وسائر الحيوان بالقيمة وأجزاؤه بما نقص منها، وغير الحيوان من الأموال مثلى ومتقوم، فيضمن المثلى بمثله ما لم يتراضيا على قيمته، فإن تعذر المثل فالقيمة. والأصح أن المعتبر أقصى قيمة من وقت الغصب إلى تعذر المثل، أما لو كان المثل فيها مفقودا عند التلف فيجب الأكثر من الغصب إلى التلف. قال: ومقابل الأصح عشرة أوجه. الوجه الثانى: يعتبر الأقصى من الغصب إلى التلف. والثالث من التلف إلى التعذر. والرابع: الأقصى من الغصب إلى تغريم القيمة والمطالبة بها. والخامس: الأقصى من انقطاع المثل إلى المطالبة. والسادس: الأقصى من التلف إلى المطالبة. والسابع: الاعتبار بقيمة اليوم الذى تلف فيه المغصوب. والثامن: بقيمة يوم الأعواز. والتاسع: بقيمة يوم المطالبة. والعاشر: إن كان منقطعا فى جميع البلاد فالاعتبار بقيمة يوم الإعذار، وإن فقد فى تلك البقعة فالاعتبار بيوم الحكم بالقيمة قال (46) : وأما المتقوم فيضمنه بأقصى قيمة من الغصب إلى التلف، وفى الإتلاف بقيمة يوم التلف. مذهب الحنابلة: قال فى المغنى والشرح الكبير (47) : قال القاضى: ولم أجد عن أحمد رواية بأن المغصوبات تضمن بأكثر القيمتين لتغير الأسعار، فعلى هذا تضمن بقيمتها يوم التلف، رواه الجماعة عن أحمد وعنه أنها تضمن بقيمتها يوم الغضب لأنه الوقت الذى أزال يده عنه فيلزمه القيمة حينئذ كما لو أتلفه. مذهب الزيدية: جاء فى شرح الأزهار (48) قوله: وإذا تلف المغصوب وجب على الغاصب فى تالف المثلى مثله إن وجد فى ناحيته، وألا يوجد المثل فى الناحية فقيمته يوم الطلب، وصح للغاصب تملكه، فان لم يصح للغاصب تملكه نحو أن يغصب حرا على ذمى فقيمته تجب عليه يوم الغصب. ثم قال: وأما إذا كان التالف قيميا فالواجب قيمته يوم الغصب لا يوم التلف. مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية قوله (49) : " ويجب رد المغصوب ما دامت العين باقية يمكنه ردها سواء كانت علي هيئتها يوم غصبها أم زائدة أم ناقصة، فان تعذر رد العين لتلف ونحوه ضمنه الغاصب بالمثل إن كان المغصوب مثليا، وإلا يكن مثليا فالقيمة العليا من حين الغصب إلى حين التلف. وقيل يضمن الأعلى من حين الغصب إلى حين الرد، أى رد الواجب وهو القيمة، وهذا القول مبنى على أن القيمى يضمن بمثله كالمثلى، وإنما ينتقل إلى القيمة عند دفعها لتعذر المثل فيحسب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة لأن الزائد فى كل آن سابق من حين الغضب مضمون تحت يده. وقيل إنما يضمن بالقيمة يوم التلف لا غير لأن الواجب زمن بقائها أنما هو رد العين والغاصب مخاطب بردها حينئذ زائدة كانت أم ناقصة من غير ضمان شىء من النقص إجماعا. فإذا تلفت وجبت قيمة العين وقت التلف لانتقال الحق إليها حينئذ لتعذر البدل. ونقل المحقق فى الشرائع عن الأكثر أن المعتبر القيمة يوم الغصب بناء على أنه أول وقت ضمان العين. إتلاف مال الغير إتلاف الخير والخنزير مذهب الحنفية: قال صاحب الدر المختار (50) : خصر المسلم وخنزيره بأن أسلم وهما فى يده إذا أتلفهما مسلم أو ذمى نر ضمان، وضمن. المتلف المسلم قيمتهما لذمى لأن الخمر فى حقنا قيمى حكما ... قال ابن عابدين: أما الذمى فيضمن مثل الخمر وقيمة الخنزير، وقال نقلا عن الكافى: إذا أتلف المسلم الخنزير علي ذمى فلا ضمان عليه عنده خلافا لهما. مذهب الشافعية: قال صاحب نهاية المحتاج (51) : ولا تضمن الخمر المغصوبة ولو محترمة لذمى لانتفاء قيمتها كسائر النجاسات ولا تراق على ذمى ألا أن يظهر شربها أو بيعها أو هبتها أو نحو ذلك، ولو من مثله بأن يطلع عليه من غير تجسس، وتراق عليه، وآلة اللهو والخنزير مثلها فى ذلك. قال الإمام: وبأن يسمع الآلة من ليس فى دارهم، أى محلتهم ومحله حيث كانوا بين أظهرنا وإن انفردوا بمحلة من البلد، فإن انفردوا ببلد أى بأن لم يخالطهم مسلم كما هو ظاهر لم تتعرض لهم وترد عليه عند أخذها ولم يظهرها إن بقيت العين لإقراره عليها، وكذا المحترمة وهى التى عصرت لا بقصد الخمرية فشمل ما لو لم يقصد شيئا على الأصح أو قصد الخلية أى صيرورتها خلا. ثم قال المؤلف: وقولهم على الغاضب إراقة الخمر محمول على ما لو كانت بقصد الخمرية لعدم احترامها وإلا فلا يجوز أراقتها. وقال: إذا غصبت من مسلم يجب ردها ما دامت العين باقية إذ له إمساكها لتصير خلا، أما غير المحترمة وهى ما عصر بقصد الخمرية فتراق ولا ترد عليه. مذهب الحنابلة: جاء فى المغنى والشرح الكبير (52) : وإن غصب خمر ذمى لزمه ردها لأنه يقر على شربها فإن أتلفها لم يلزمه قيمتها سواء أتلفه مسلم أو ذمى وسواء كان لمسلم أو ذمى نص عليه أحمد فى رواية أبى الحارث فى الرجل يهريق مسكرا لمسلم أو لذمى فلا ضمان عليه وكذا الخنزير. مذهب الظاهرية: جاء فى المحلى لابن حزها قوله (53) : ومن كسر إناء فضة أو ذهب فلا شئ عليه وقد أحسن، لنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكذلك من أهرق خمراً المسلم أو لذمى إذ لا قيمة للخمر، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعها وأمر بهرقها فما لا يحل بيعه ولا ملكه فلا ضمان عليه. وقال (54) : لا يحل كسرونى الخمر ومن كسرها من حاكم أو غيره فعليه ضمانها لكن تهرق وتغسل الفخار. مذهب الزيدية: جاء فى شرح الأزهار (55) : ويجب أن يريق خمرا رآها له أو لمسلم غيره. قال فى الحاشية: أو لذمى غير مقرر أى إذا كان فى بلد ليس لهم سكناها ولو كان ابتداء عصرها وقع بنية الخل لكنه كشف. الغطاء فوجده لم تكتمل خليته بل هو خمر فإنه يلزمه إراقته "، ولو كان عصره بنية الخمر ثم لم يشاهده خمرا فإنه يلزمه إراقته. مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية (56) : إذا أتلف كلب الصيد ففى ذلك أربعون درهما على الأشهر، وقيل الواجب فيه قيمته كغيره من الحيوان، وفى كلب الحراسة عشرون درهما أو قيمته، ولو أتلف الخنزير ضمن للذمى مع الاستتار به بقيمته عند مستحله إن أتلفه وأرشه كذلك أن أعابه وكذا لو أتلف المسلم على الذمى المستتر خمرا أو آلة لهم مع استتاره بذلك، فلو أظهر شيئا منهما فلا ضمان على المتلف مسلما كان أم كافرا فيهما ".. مذهب الإباضية: إتلاف خمر الذمى الذى لم يظهرها يوجب الضمان، فإن أظهرها فلا ضمان على متلفها. جاء فى شرح النيل قوله: وان أفسد لذمى ضرا لم يظهرها فإن ذلك غصب، ويغرم له قيمتها، وإن أظهرها فلا شىء على مفسدها وليس ذلك غصبا (57) . إتلاف النجاسات المنتفع بها: مذهب الحنفية: قال صاحب الدر المختار (58) : وفى الأشباه الفحم واللحم ولو نيئا، والأجر قيمى، وفى حاشيتها لابن المصنف هنا، وفيما يجلب التيسير معزيا للفصولين وغيره، وكذا الصابون والسرقين والورق والإبرة والإهاب والجلد والدهن المتنجس، مضمون بالقيمة. وقال (59) فى نفس المصدر: ولا ضمان فى ميتة ودم أصلا ولو لذمى إذ لا يدين بتمولها أحد من أهل الأديان، وهذا فى الميتة حتف أنفها لأن ذبيحه المجوسى ومخنوقته وموقوذته يجوز بيعها عند أبى يوسف خلافا لمحمد، فينبغى أن يجب الضمان وجزم به فى الكفاية ابن عابدين. وقال (60) : ولا ضمان بإتلاف الميتة ولو لذمى ولا بإتلاف متروك التسمية عمدا ولو لمن يبيحه كشافعى لأن ولاية المحاجة ثابتة. مذهب الشافعية: النجاسات عندهم غير مضمونة، قال فى نهاية المحتاج: ولا تضمن الخمر ولو محترمة لذمى لانتفاء قيمتها كسائر النجاسات، ومثل ذلك الدهن والماء إذا تنجسا. مذهب الحنابلة: جاء فى المغنى (61) ما يلى: " وإن أتلفه الخمر أو تلفت عنده لم يجب ضمانها، لما روى أبن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ". ولأن ما حرم الانتفاع به لم يجب ضمانه كالميتة والدم. وقال فى المصدر نفسه (62) إذا أتلف جلد الميتة أو أتلف ميتة بجلدها لم يضمن لعدم التقوم، لعدم حل البيع فى هاتين الحالتين، وقال: وإن أتلف كلبا يجوز إقتناؤه لم يغرمه. مذهب الزيدية: قال فى شرح الأزهار (63) : "والمتنجس وهو الذى عينه طاهرة فطراً عليها نجاسة فهو أما متعذر الغسل، كالمائعات من ماء وسمن ونحوها فرجس حكمه حكم نجس العين فى تحريم الانتفاع به وعدم جواز بيعه، لكن يراق " قال فى الهامش: ندبا، وقيل وجوبا، وهذا يفيد عدم الضمان بالإتلاف. إتلاف آلات اللهو وصليب الذمى ونحوها وطيل الغزاة ودف العرس مذهب الحنفية: جاء فى الدر المختار: وضمن بكسر معزف قيمته خشبا منحوتا صالحا لغير اللهو. قال ابن عابدين: وصح بيع هذه الأشياء لأنها أموال متقومة لصلاحيتها للانتفاع بها لغير اللهو فلم تناف الضمان بخلاف الخمر فإنها حرام لعينها. وقال: وضمن اتفاقا لو كسر صليب ذمى قيمته بالغة ما بلغت لأنه مال متقوم فى حقه. وقال: وأما طبل الغزاة والصيادين والدف الذى يباح ضربه فى العرس فمضمون اتفاقا، ومثل ذلك كبش نطوح وحمامة طيارة وديك مقاتل حيث يجب قيمتها غير صالحة لهذا الأمر (64) . مذهب المالكية: جاء فى التاج والأكليل هامش الحطاب (65) قوله من شروط المسروق أن يكون محترما فلا قطع على سارق الخمر والخنزير ولا على سارق الطنبور من الملاهى والمزامير والعود وشبهه من آلات اللهو ألا إن يكون فى قيمة ما يبقى منها بعد إفساد صورتها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر. وهذا يفيد وجوب ضمان قيمته بإتلافه. مذهب الشافعية: قال صاحب نهاية المحتاج " والأصنام والصلبان وآلات الملاهى كطنبور ومثلها الأوانى المحرمة لا يجب فى إبطالها شئ لأن منفعتها محرمة والمحرم لا يقابل بشىء مع وجوب إبطالها على القادر عليه- أما آلة لهو غير مخرمة كدف فيحرم كسرها ويجب أرشها. والأصح أنها لا تكسر الكسر الفاحش لا مكان إزالة الهيئة المحرمة مع بقاء بعض المالية بل تفصل لتعود كما قبل التأليف لزوال أسمها وهيئتها المحرمة بذلك- والرأى الثانى لا يجب تفصيل الجميع بل بقدر ما يصلح للاستعمال- فان عجز المنكر عن رعاية هذا الحد فى الإنكار بسبب منعه من صاحب الآلة لقوته أبطله كيف تيسر ولو بإحراق تعين طريقا وإلا فبكسر فإن أحرقها ولم يتعين غرم قيمته مكسورة بالحد المشروع لتمول رضاضها - أى ما تخلفه عنها- واحترامه بخلاف ما لو جاوز الحد المشروع مع إمكانه فانه لا يلزمه سوى التفاوت بين قيمتها مكسورة بالحد المشروع وقيمتها متهيئة الى الحد الذى أتى به. ويجرى ما تقرر من الأبطال كيف تيسر وقال العلامة شمس الدين الرملى فى كتابه نهاية المحتاج- ولو أتلف ديك الهراش أو كبش النطاح ضمنه غير مهارش ولا ناطح (66) . مذهب الحنابلة: جاء فى المغنى والشرح الكبير (67) :- وإن كسر صليبا أو مزمارا أو طنبورا أو صنما لم يضمنه. مذهب الظاهرية: وجاء فى المحلى (68) : وبيع الشطرنج والمزامير والمعازف والطنابير حلال كله ومن كسر شيئا من ذلك ضمنه ألا إن يكون صورة مصورة فلا ضمان على كاسرها. مذهب الزيدية: قال فى شرح الأزهار (69) : يجب أن تمزق وتكسر آلات الملاهى التى لا توضع فى العادة إلا لها كرقعة الشطرنج والمزمار والطنبور ونحوه وأن نفعت فى مباح. فأما إذا كان معمولا للمباح والمحظور كالقدح والقارورة ونحوهما لم يجز كسرها لغير أهل الولايات ويرد من المكسور التى حصلت من آلات اللهو ما له قيمة وأما إذا كانت لا قيمة لها بعد التكسير لأجل انه لا ينتفع بها بوجه من الوجوه فلا وجه لردها إلا أن يرى صاحب الولاية أخذه عليه عقوبة له على معصية جاز له ذلك. ويصرفه فى المصالح. مذهب الإمامية: يضمن المسلم ما أتلفه من آلة لهو لذمى مستتر بها فان أظهرها فلا شىء على متلفها مسلما كان أو كافرا (70) . 10- إتلاف الوديعة: (انظر وديعة) . 11- إتلاف اللقطة (انظر لقطة) . 12- إتلاف اللقيط (انظر لقيط) . 13- إتلاف الشريك (انظر شركة) . 14- إتلاف الموقوف (انظر وقف) . 15- إتلاف العارية (انظر عارية) . " الإتلاف من البغاة والإتلاف عليهم ". مذهب الحنفية: جاء فى بدائع الصنائع: قوله: (71) من شروط وجوب الضمان أن يكون فى الوجوب فائدة فلا ضمان على المسلم بإتلاف مال الحربى ولا على الحربى بإتلاف مال المسلم فى دار الحرب وكذا لا ضمان على العادل إذ أتلف مال الباغى ولا على الباغى إذا أتلفه مال العادى لأنه لا فائدة فى الوجوب لعدم إمكان الوصول إلى الضمان لانعدام الولاية. مذهب المالكية: جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة (72) ولم يضمن متأول أتلف نفسا ومالا ثم قال: والخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء والأموال ثم تابوا ورجعوا وضعت الدماء عنهم ويؤخذ منهم ما وجد بأيديهم من مال بعينه وما استهلكوه لم يتبعوا به ولو كانوا أملياء لأنهم متأولون. مذهب الحنفية: قال فى نهاية المحتاج (73) - وما أتلفه باغ على عادل وعلمه أن لم يكن ذلك فى القتال ولم يكن من ضرورته ضمن متلفه نفسا ومالا وقيده الماوردى بما إذا قصد أهل العدل التشفى والإتنقام لا إضعافهم وهزيمتهم وإلا فلا ضمان لأمر العادل بقتالهم ولأن الصحابة رضى الله عنهم لم يطالب بعضهم بعضا بشىء نظرا للتأويل وفى نفس المصدر قال: والمتأول بلا شوكة لا يثبت له شئ من أحكام البغاة فحينئذ يضمن ما أتلفه ولو فى القتال كقطاع الطريق وعكسه وهو مسلم له شوكة لا بتأويل كباغ فى عدم الضمان لما أتلفه فى الحرب أو لضرورتها. مذهب الحنابلة: جاء فى المغنى والشرح. الكبير (74) إذا لم يمكن دفع أهل البغى إلا بقتلهم جاز قتلهم ولا شىء على من قتلهم من إثم ولا ضمان ولا كفارة لأنه فعل ما أمر به وقتل من أحل الله قتله وأمر بمقاتلته، وكذلك ما أتلفه أهل العدل عل أهل البغى حال الحرب من المال لا ضمان فيه لأتهم إذا لم يضمنوا الأنفس فالأموال أولى ثم قال: وليس على أهل البغى أيضا ضمان ما أتلفوه حال الحرب من نفس ولا مال. مذهب الظاهرية: جاء فى المحلى لابن حزم (75) قوله من تأول من أهل البغى تأويلا يخفى وجهه على كثير من أهل العلم فهم معذورون حكمهم حكم الحاكم المجتهد يخطئ فيقتل مجتهدا أو يتلفط مالا مجتهدا ففى الدم دية على بيت المال لا على الباغى ولا على عاقلته ويضمن المال كل من أتلفه وكذلك من تأول تأويلا خرق به الإجماع بجهالة لم تقم عليه الحجة ولا بلغته. وأما من- تأول تأويلا فاسداً لا يعذر فيه فعلى من قتل القود فى النفس فما دونها والحد فيما أصاب بوطء حرام وضمان ما استهلك من مال.. " مذهب الزيدية: جاء فى شرح الأزهار- الأمام وأن جاز له تضمين الظلمة فإنه لا يجوز له أن ينقض لأجل التضمين ما وضعوه من أموالهم فى قربة (76) . مذهب الإمامية: جاء فى كتاب شرائع الاسلام (77) - قوله ولو أتلف الباغى على العادل مالا أو نفسا فى حالة الحرب ضمنه. مذهب الإباضية: جاء فى كتاب النيل وشرحه (78) - قوله: لزم الباغى ضمان المال والدم إلا أن كان فعل ذلك تدينا فلا يلزم عند أصحابنا وقال: قال أصحابنا ما تلف بين أهل البغى والعدل من نفس أو مال فلا"ضمان على كل واحد من الفريقين لأن الصحابة ومن معهم تقاتلوا ولم يطالب أحدهم وعن الزهرى وقعت الفتنة العظمى بين الصحابة وهم متوافرون فأجمع رأيهم أن كل دم أريق بتأويل القرآن فهو هدر وكل ما تلف بتأويل القرآن فلا ضمان فيه. 17- إتلاف النفس وما دونها من الأطراف (أنظر قود ودية وأرش) . 18- إتلاف الجنين- فى إتلاف الجناية على الجنين (أنظر غرة) . 19- إتلاف الصبى ونحوه. مذهب الحنفية: يلزم كلا من الصبى والمجنون والنائم ضمان ما أتلفوه: قال صاحب الهداية:- وأن أتلف الصبى والمجنون شيئا- لزمهما ضمانه إحياء لحق المتلف عليه وهذا لأن كون إتلاف موجبا لا يتوقف على القصد كالذى يتلف بانقلاب النائم عليه. وقال ابن عابدين (79) - لو أن ابن يوم إنقلب على قارورة إنسان مثلا فكسرها يجب الضمان عليه فى الحال وكذا العبد والمجنون إذا أتلف شيئا لزمهما ضمانه فى الحال لكن ضمان العبد بعد العتق فى إتلافه المال أما فى النفس فيقتص منه فى الحال أن جنى على النفس بما يوجب القصاص، ويدفع أو يفدى أن جنى عليها بما لا يوجب القصاص أو جنى على الطرف عمدا أو خطأ. وقال فى الدر المختار نقلا عن الأشباه: الصبى المحجور مؤاخذ بأفعاله فيضمن ما أتلفه من المال للحال وإذا قتل فالدية على عاقلته. مذهب الشافعية: ما يتلفه الصبى والمجنون مضمون عليهما نفسا أو مالا قال صاحب نهاية المحتاج (80) - فى باب قاطع الطريق: " ولا عقوبة على صبى ومجنون ومكره وإن ضمنواً النفس والمال- ". مذهب الإباضية: جاء فى شرح النيل (81) - قوله: "وجناية طفل فى دم أو مال على أبيه أو وليه أن. لم يكن أبوه ولا يرجعان فى مال الطفل لأن الطفل كدابة يجب حفظه فإذا لم يحفظاه فقد ضيعا فلزمهما الغرم ولو كان له مال على الراجح- ومقابله القول بأنه يرجع فى مال الطفل أن كان فى الحين أو كان بعد وأنه إن شاء الأب أو الوالى أعطى من مال الطفل من أول مرة إن كان له مال وهو أولى من إعطائهما من مالهما ثم يأخذان من ماله ". ما تتلفه الدواب مذهب الحنفية: جاء فى الدر المختار نقلا عن الصيرفية: " حمار يأكل حنطة إنسان فلم يمنعه حتى أكل قال فى البدائع الصحيح أنه يضمن وقال ابن عابدين فى حاشيته تعليقا على ذلك (82) . ذكر الزاهدى هذا الفرع بلفظ رأى حماره قال الخيز الرملى فلو الحمار لغيره أفتيت بعدم الضمان ويستمر ابن عابدين فيقول: ولا يخفى ظهور الفرق بين حماره وحمار تيسره فإنه إذا كان الحمار له وتركه صار الفعل منسوبا إليه والنفع عائد عليه بخلاف حمار غيره فإنه وإن كان الإتلاف محققا وهو يشاهده لكنه لا ينتفع به. وقال صاحب الدر المختار: " وان أرسل طيراً ساقه أولا أو دابة أو كلبا ولم يكن سائقا له أو انفلتت دابة بنفسها فأصابت مالا أو آدميا نهارا أو ليلا لا ضمان فى الكل لقوله صلى الله عليه وسلم " العجماء جبار " أى المنفلتة هدر قال ابن عابدين أى فعلها إذا كانت منفلتة ثم قال صاحب الدر المختار كما لو جمحت الداية بالراكب ولم يقدر على ردها فإنه لا يضمن كالمنفلتة لأنه حينئذ ليس بمسير لها فلا يضاف سيرها إليه حتى لو أتلفت إنسانا فدمه هدر (83) . مذهب المالكية: وما أتلفته البهائم ليلا فعلى ربها وإن زاد على قيمتها. ونقل الباجى قول مالك ما أصابت الماشية بالنهار- فلا ضمان على أربابها وما أصابت بالليل "ضمنوه قال أبو عمر إنما يسقط الضمان نهارا عن أرباب الماشية إذا أطلقت دون راع، وإن كان معها راع فلم يمنعها فهو كالقائد والراكب والسائق، وقد ضمن مالك القائد والسائق والراكب. وقال الباجى: من المواضع ضرب تنفرد فيه المزارع والحوائط ليس بمكان مسرح. وهذا لا يجوز إرسال المواشى فيه، وما أفسدت فيه ليلا أو نهارا فعلى أربابها- وضرب جرت عادة الناس بإرسال مواشيهم فيه ليلا أو نهارا فاحدث رجل فيه زرعا لا ضمان فيه على أهل المواشى ليلا أو نهارا. وفى انفلات الدابة يقول صاحب التاج والإكليل على هامش الحطاب (84) : قال ابن سلمون: " وإذا عدت بهيمة على أخرى فقتلتها فلا شئ فى ذلك قال أبو عمر وكذلك إذا انفلتت ليلا أو نهارا فركبت على رجل نائم فجرحته أو قتلته لأن جرح العجماء جبار". مذهب الشافعية: قال صاحب نهاية المحتاج (85) " وأن كانت الدابة وحدها فأتلفت زرعا أو غيره نهارا لم يضمن من وضع يده عليه سواء أكانت بحق كمودع أم بغيره كغاصب فإن كان الإتلاف ليلا ضمن إذا العادة الغالبة حفظ الزرع نهارا. والدابة ليلا، ولذا لو جرت عادة بلد بعكس ذلك انعكس الحكم أو جرت العادة بحفظهما فيهما ضمن فيهما، والعادة محكمة. وقال (86) :- من كان مع دابة أو دواب فى طريق مثلا ولو مقطورة سائقا أو قائدا أو راكبا ضمن إتلافها نفسا على العاقلة ومالا فى ماله ليلا ونهارا لأن فعلها منسوب إليه وعليه تعهدها وحفظهما فإن كان معها سائق وقائد وراكب ضمن الراكب فإن لم يكن لها راكب فعليهما أو ركبها إثنان فعلى المتقدم دون الرديف. وفى انفلات الدابة: قال فى نهاية المحتاج (87) " ولو كان راكبها يقدر على ضبطها فاتفق أنها غلبته لنحو قطع عنان وثيق وأتلفت شيئا لم يضمن على ما قاله بعضهم والمعتمد الضمان " وقال (89) :- ولو بالت الدابة أو راثت بطريق فتلفه به نفس أو مال فلا ضمان وإلا لامتنع الناس من المرور ولا سبيل إليه. وإتلاف الطير والنحل لا ضمان فيه وفيما تتلفه الهرة روايتان: قال فى نهاية المحتاج (90) : لاضمان بإتلاف الطير مطلقا لأنه لا يدخل تحت اليد ما لم يرسل المعلم على ما صار إتلافه له طبعا، وأفتى البلقينى فى نحل قتل جملا بأنه هدر لتقصير صاحبه دون صاحب النحل لأنه لا يمكن ضبطه. وفى الهرة يقول صاحب نهاية المحتاج (91) وهرة تتلف طيرا أو طعاما أن عهد ذلك منها ضمن مالكها يعنى من يؤويها لأنه كان من حقه ربطها ليكفى غيره شرها فى الأصح ليلا ونهارا وأن لم يعهد ذلك منها فلا يضمن فى الأصح. والرأى الثانى لا ضمان لأن العادة أن الهرة لا تربط. مذهب الحنابلة: جاء فى المغنى والشرح الكبير:- وما أفسدت البهائم بالليل من الزرع فهو مضمون على أهلها وما أفسدت من ذلك نهارا لم يصعنوه - ثم قال: يعنى- اذا لم تكن يد أحد عليها فان كان صاحبها معها أو غيره فعلى من يده عليها ضمان ما أتلفته من نفس أو مال. وإن لم تكن يد أحد عليها فعنى مالكها ضمان ما أفسدته من الزرع ليلا دون النهار. قال: وإن أتلفت البهيمة غير الزرع لم يضمن مالكها ما أتلفته ليلا كان أو نهارا ما لم تكن يده عليها لأن البهيمة لا تتلف ذلك عادة فلا يحتاج إلى حفظها بخلاف الزرع (86) . ويقول فى المغنى (92) : إذا أكلت بهيمة حشيش قوم ويد صاحبها عليها لكونه معها ضمين وإن لم يكن معها لم يضمن ما أكلته- وأن أتلفت البهيمة شيئا وهى فى يد المستعير فضمانه على المستعير سواء أتلفت شيئا لمالكها أو لغيره لأن ضمانه يجب باليد واليد للمستعير، وإن كانت البهيمة فى يد الراعى فالضمان على الراعى. وجاء فى المغنى: ومن اقتنى كلبا عقورا فأطلقه ة فعقر إنسانا أو دابة ليلا أو نهارا أو خرق ثوب إنسان فعلى صاحبه ضمان ما أتلفه لأنه مفرط باقتنائه إلا إن يدخل إنسان داره بغير إذنه فلا ضمان فيه لأنه متعد بالدخول متسبب بعدوانه إلى عقر الكلب له. وإن دخل بإذن المالك فليه ضمان لأنه تسبب إلى إتلافه- وإن أتلف الكلب بغير العقر مثل أن ولغ فى إناء إنسان أو بال لم يضمنه مقتنيه لأن هذا لا يختص به الكلب العقور - وإن اقتنى سنورا يأكل أفراخ الناس ضمن ما أتلفه كما يضمن ما أتلفه الكلب العقور وإن لم يكن له عادة بذلك لم يضمن صاحبه جنايته كالكلب اذا لم يكن عقورا (93) . مذهب الظاهرية: جاء فى المحلى لابن حزم " لا ضمان على صاحب البهيمة فيما جنته فى مال أو دم ليلا أو نهارا لكن يؤمر صاحبه لضبطه فإن ضبطه فذاك وإن عاد ولم يضبطه بيع عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " العجماء جرحها جبار " (94) . وقال كذلك فى جنايات الحيوان:- القول عندنا فى هذا هو ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه من أن العجماء جرحها جبار وعملها جبار فلا ضمان فيما أفسده الحيوان من دم أو مال لا ليلا ولا نهارا فإن أتى بها وحملها على شىء وأطلقها فيه ضمن حينئذ لأنه فعله. ليلا أو نهارا قال: وأما الحيوانات الضارية فقد جاءت فيها آثار- والقول عندنا أن الحيوان أى حيوان كان إذا أضر فى إفساد الزرع أو الثمار فإن صاحبه يؤدب بالسوط ويسجن إن أهمله فإن ثقفه فقد أدى ما عليه وأن عاد أن عاد إلى إهماله بيع عليه ولابد أو ذبح وبيع لحمه أى ذلك كان أعود عليه أنقذ عليه ذلك (95) . مذهب الزيدية: يقول الزيدية:- أن الواجب على مطلق البهيمة ما جنت فورا مطلقا أى ليلا أما نهارا فى ملك أم مباح أم حق عام أم خاص فإن تراخت جنايتها عن إطلاقها لم يضمن ما وقع منها بعد ذلك. وكذا الواجب على متولى الحفظ من مالك أو مستأجر أو مستعير أو غاصب ضمان جناية غير الكلب ليلا لأن الحفظ فى الليل واجب عليه إلا الكلب فانه يرسل فى الليل ليحفظ ويربط بالنهار فينعكس الحكم فى حقه. وعلى متولى الحفظ ضمان جناية البهيمة العقور من كلب أو ثور أو فرس أو غير ذلك حيث كان مفرطا مطلقا أى ليلا أم نهارا فى مرعاها أم فى غيره. ولو جنت العقور على أحد فى ملكه أى فى ملك صاحبها على الداخل بإذنه فإنه يضمن فإذا لم يكن بإذنه فهو متعد بالدخول فعادت الجناية كأنها من جهة نفسه لتعديه فهدرت " (96) . قال (97) :- وأما بولها وروثها وغلبتها على الراكب حتى لم يملك ردها بل ذهبت حث شاءت وبطلت حكمته عليها فهدر ما جنت بأى هذه الوجوه غالبا أما أن أوقفها على شىء لتبول عليه فتهلكه فإنه يضمن. مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية (98) :- قوله- ويضمن صاحب الماشية جنايتها ليلا لانهارا على المشهور قال على عليه السلام لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا ويقول على صاحب الزرع حفظه وكان يضمن ما أفسدته ليلا وروى ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم. ومنهم وهم جلة المتأخرين من اعتبر التفريط فى الضمان مطلقا ليلا ونهارا والحق أن العمل ليس على هذه الرواية بل على إجماع الأصحاب ولما كان الغالب حفظ الدابة ليلا وحفظ الزرع نهارا أخرج الحكم عليه وليس فى حكم المتأخرين رد لقول القدماء وكيفه كان فالأقوى اعتبار التفريط وعدمه. مذهب الإباضية: جاء فى شرح النيل (99) قوله:- يضمن مطلق مواشيه أن أكلت شجرا أو زرعا أو نحوهما وأفسدت ذلك أو غيره لأحد وقيل لا يضمن ما فعلت من ذلك نهارا إلا أن تعمد فوجهها إلى ذلك قال صلى الله عليه وسلم " جرح العجماء جبار " أى جرح الدابة مهدور فقيل ذلك إذا خرجت عن طاقة من هى بيده وإلا ضمن ما أكلت ليلا أو نهاراً وقيل لا يضمن ما فعلت نهارا قوله صلى الله عليه وسلم.. على صاحب الطعام حفظ طعامه نهارا وعلى صاحب الدابة حفظها ليلاً. " الإتلاف بالمبارزة والتصادم والتجاذب " مذهب الحنفية: نقل ابن عابدين ما جاء فى جامع الفصولين قال: وقعت فى بخارى واقعة وهى رجل قال لأخر ارم السهم إلى حتى آخذه فرمى إليه فأصاب عينه فذهبت لم يضمن كما لو قال له أجن على فجنى وهكذا أفتى بعض المشايخ به. وقاسوه على ما لو قال: اقطع يدى. وقال صاحب المحيط: الكلام فى وجوب القود ولا شك أنه تجب الدية فى ماله لأنه ذكر فى الكتاب: لو تضاربا بالوكز فذهبت عين أحدهما يقاد لو أمكن لأنه عمد. وان قال كل منهما لأخر أضرب اضرب وكذا لو بارزا على وجه الملاعبة أو التعليم فأصابت الخشبة عينه فذهبت يقاد أن أمكن وقال العلامة الرملى فى حاشيته عليه أقول فى المسألة قولان قال فى مجمع الفتاوى ولو قال كل واحد لصاحبه اضرب اضرب. ووكز كل منهما صاحبه وكسر سنه فلا شئ عليه بمنزلة ما لو قال أقطع يدى فقطعها كذا فى الخانية والذى ظهر فى وجه ما فى الكتاب أنه ليس من لازم قوله أضرب اضرب. إباحة عينه لاحتمال السلامة مع المضاربة بالوكزة كاحتمالها مع رمى السهم فلم يكن قوله ارم السهم الى قوله اضرب أضرب صريحا فى إتلاف عضوه بخلاف قوله أقطع يدى أو أجن على فلم يصح قياس الواقعة عليه، والمصرح به أن الأطراف الأموال يصح الأمر فيها (95) . وفى الإتلاف بالتصادم والتجاذب قال صاحب الدر المختار " وضمن عاقلة كل فارس أو راجل دية الأخران إصطدما وماتا منه فوقعا على القفا لو كانا حرين، ولو كانا عبدين أو وقعا على الوجه يهدر دمهما ... ولو كانا عامدين فعلى كل نصفا دية الأخر، ولو دفع أحدهما على وجهه هدر دمه فقط ... كما لو تجاذب رجلان حبلا فإنقطع الحبل فسقطا على القفا وماتا هدر دمهما لموت كل بقوة نفسه فان وقعا على الوجه وجب دية كل واحد منهما على عاقلة الأخر لموته بقوة صاحبه فإن - تعاكسا بأن وقع أحدهما على القفا والأخر على الوجه فدية الواقع على الوجه على عاقلة الأخر لموته بقوة صاحبه وهدر دم من وقع على القفا لموته بقوة نفسه ... ولو قطع إنسان الحبل بينهما فوقع كل منهما على القفا فمات فديتهما على عاقلة القاطع لتسببه بالقطع (100) . مذهب المالكية: جاء فى التاج والإكليل (1001) : وإن تصادما أو تجاذبا مطلقا قصدا فماتا أو إحداهما فالقود - قال مالك: إذا اصطدم فارسان فمات الفرسان والراكبان فدية كل واحد على عاقلة الآخر وقيمة فرس كل واحد فى مال الأخر. وقال مالك فى السفينتين تصطدمان فتغرق إحداهما بما فيها فلا شىء فى ذلك على أحد لأن الريح تغلبهم إلا من يعلم إن النواتية لو أرادوا صرفها قدروا فيضمنوا وإلا فلا شىء عليهم. وقال ابن الحاجب لو اصطدمت فارسان عامدا فأحكام- القصاص وإلا فعلى عاقلة كل واحد دية الأخر ثم قال فان أصطدم سفينتان فلا ضمان بشرط العجز عن التصرف والمعتبر العجز حقيقة لا لخوف غرق أو ظلمة. وقال ابن شاش: ولو تجاذبا حبلا فانقطع فتلف فكاصطداهما وإن وقع أحدهما على شئ فأتلفه ضمناه. مذهب الحنابلة: جاء فى المغنى والشرح الكبير (1002) : وإذا اصطدم الفارسان فماتت الدابتان ضمن كل واحد منهما قيمة دابة الآخر- وجملته أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ما تلف من الأخر من نفس أو دابة أو مال سواء كانا مقبلين أو مدبرين فإن كان أحدهما يسير والآخر واقف فعلى السائر قيمة دابة الواقف لأن السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه وإن مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته. وقال: " وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر " قال (103) : ولا فرق بين البصيرين والأعميين والبصير والأعمى.. وإن كانتا امرأتين حاملتين فهما كالرجلين فإن أسقطت كل واحدة منهما جنينا فعلى كل واحدة نصفه ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها لأنهما اشتركتا فى قتله وعلى كل واحدة منهما عتق ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتهما فى الجنين. وفى تصادم السفينتين قال: وإذا وقعت السفينة المنحدرة على الصاعدة فغرقتا فعلى المنحدرة قيمة السفينة الصاعدة أو أرش ما نقصت أن أخرجت إلا أن يكون قيم المنحدرة غلبته الريح فلم يقدر على ضبطها (104) وإن كانت إحدى السفينتين قائمة والأخرى سائرة فلا ضمان على الواقفة وعلى السائرة ضمان الواقفة إن كان مفرطا ولا ضمان عليه إن لم يفرط (105) . مذهب الظاهرية: قال ابن حزم فى كتابه المحلى بعد إن بين حكم المقتتلين (106) . وأما المصطدمان راجلين أو على دابتين أو السفينتان يصطدمان فإن السفينتين إذا اصطدمتا بغلبة ريح أو غفلة فلا شىء. فى ذلك أنه لم يكن من الركبان فى ذلك عمل أصلا ولم يكسبوا على أنفسهم شيئا. وأموالهم وأموال عواقلهم محرمة إلا بنص أو إجماع. فان كانوا تصادموا وحملوا وكل أهل سفينة غير غارقة بسكان الأخرى لكن فى ظلمة لم يروا شيئا فهذه جناية والأموال مضمونة لأنهم تولوا إفسادها وقال تعالى: " وجزاء سيئة سيئة مثلها (107) ". وأما الأنفس فعلى عواقلهم كلهم لأنه قتل خطأ وإن كانوا تعمدوا فالأموال مضمونة كما ذكرنا وعلى من سلم منهم القود أو الدية كاملة. والقول فى الفارسين أو الراجلين يصطدمان كذلك وكذلك وأيضا الرماة بالمنجنيق تقسم الدية علية وعليهم وتؤدى عاقلته وعاقلتهم ديته سواء وكذلك القول فى المتصارعين والمتلاعبين ولا فرق. وأما من سقط من علو على إنسان- فماتا جميعا أو مات الواقع أو الموقوع عليه فإن الواقع هو المباشر لإتلاف الموقوع عليه بلا شك وبالمشاهدة لأن الوقعة قتلت الموقوع عليه ولم يعمل الموقوع عليه شيئا فدية الموقوع عليه أن هلك على عاقلة الواقع إن لم يتعمد الوقوع عليه لأنه قاتل خطأ فإن تعمد فالقود واقع عليه إن سلم أو الدية وكذلك الدية فى ماله إن مات الموقوع عليه قبله فإن ماتا معا أو مات الواقع قبله فلا شئ فى ذلك لما ذكرنا من أن الدية إنما تجب بموت المقتول المجنى عليه لا قبل ذلك (108) . مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية قوله (109) : " والصادم لغيره يضمن فى ماله دية المصدوم لاستناد التلف إليه مع قصده الفعل ولو مات الصادم فهدر لموته بفعل نفسه أن كان المصدوم فى ملكه أو مباح أو طريق واسع- ولو وقف المصدوم فى موضع ليس له الوقوف فيه فمات الصادم بصدمة ضمن المصدوم الصادم لتعديه بالوقوف فيما ليس له الوقوف فيه. إذا لم يكن له -أى للصادم مندوحة فى العدول عنه كالطريق الضيق. قال: ولو تصادم حران فماتا فلورثة كل واحد منهما نصف ديته ويسقط النصف لاستناد موت كل منهما إلى سببين: أحدهما من فعله والأخر من غيره فيسقط ما قابل بل فعله وهو النصف ولو كانا فارسين كان على كل منهما نصفه قيمة فرس الأخر مضافا إلى نصف الدية ". إتلاف مرخص فيه. قال صاحب الدر المختار فى كتاب الإكراه- ويرخص للمكره إتلاف مال مسلم أو ذمى بقتل أو قطع ويؤجر لو صبر أنظر (إكراه) إتلاف بعض ما فى السفينة لتنجو من الغرق مذهب الحنفية: قال صاحب الدر المختار فى كتاب القسمة " ولو خيف الغرق فاتفقوا على إلقاء أمتعة فالغرم بعدد الرءوس لأنها لحفظ الأنفس ". قال ابن عابدين فى حاشيته " يفهم منه أنهم إذا لم يتفقوا على الإلقاء. لا يكون كذلك بل على الملقى وحده وبه صرح الزاهدى فى حاويه. قال رامزا أشرفت السفينة على الغرق فألقى بعضهم حنطة غيره فى البحر حتى خفت يضمن قيمتها فى تلك الحال أى يضمن قيمتها مشرفة على الغرق.0 ثم قال الرملى: ويفهم منه أنه لا شىء على الغائب الذى له مال فيه ولم يأذن بالإلقاء فلو أذن بأن قال إذا تحققت هذه الحالة فألقوا اعتبر إذنه. قال ابن عابدين نقلا عن الرملى على الأشباه وأقره الحموى. يجب تقييد القول بأن الغرم بعدد الرءوس بما إذا قصد حفظ الأنفس خاصة كما يفهم من تعليله. أما إذا قصد حفظ الأمتعة فقط كما إذا لم يخش على الأنفس وخشى على الأمتعة بأن كان الموضع لا تغرق فيه الأنفس وتتلف فيه الأمتعة فهى على قدر الأموال. وإذا خشى على الأنفس والأموال فألقوا بعد الاتفاق لحفظهما فعلى قدرهما. فمن كان غائبا وأذن بالإلقاء اذا وقع ذلك أعتبر ماله نفسه ومن كان بنفسه حاضرا بماله أعتبر ماله ونفسه ومن كان بنفسه فقط أعتبر نفسه فقط (110) . مذهب الشافعية: قال صاحب نهاية المحتاج (111) : " ولو أشرفت سفينة بها متاع على غرق وخيف غرقها بما فيها جاز عند توهم النجاة طرح متاعها حفظا للروح. ويجب طرح ذلك لرجاء نجاة الراكب بشرط أذن المالك فى حالة   (1) البدائع ج7 ص164 الطبعة الأولى (2) ج2 ص291 طبعة 1324 (3) ابن عابدين ج2 ص296. (4) المرجع السابق ص 296، 297. (5) بهامش الحطاب ج3 ص 171، 174. (6) ج3 ص176، 173 هامش الحطاب. (7) ج3 ص 333. (8) ج 2 ص 358، 530، 538،40 5، 360. (9) المحلى لابن حزم ج7 ص214 الى 219 مسألة رقم 876،877، 878. (10) المحلى ج7 ص 232 مسألة880. (11) المحلى ج7 ص235 مسألة 883. (12) شرح الأزهار ج2 من ص94 إلى 96. (13) ج 1 ص181. (14) ج1 ص206. (15) ج1 ص208. (16) ج1 ص213. (17) شرح النيل ج1 ص331. (18) ج 2 ص 297. (19) الخطاب ج 3 ص8 7 1، 179. (20) ج3 ص 342. (21) ج 3 ص 343. (22) ج4 ص 247. (23) ج 3 ص 368، 367. (24) ج2 ص 104،105. (25) ج اص 212،213. (26) ج اص 338. (27) الدر المختار وحاشيته ج4، ص 68. (28) الهداية ج4 ص 109. (29) ابن عابدين ج5 ص 59، 60. (30) الهداية ج 3 ص 179. (31) ابن عابدين ج 5 ص 58. (32) ج6 ص 220، 321. (33) ج4 من كتاب الغصب. (34) ج 7 ص183، 184. (35) ج 6 ص 120، 121. (36) ج 3 ص 283، 286. (37) ج40 ص 387. (38) ج2 ص418. (39) ج5ص162. (40) ج8ص119. (41) أبن عابدين ج5 ص126. (42) ج2 ص197،198. (43) ص 201. (44) ج5 ص 161، 162. (45) ص 165. (46) ج5ص421. (47) ج3 ص546،549. (48) ج2 ص 232، 233. (49) حاشية ابن عابدين ج5 ص182. (50) ج 4 ص 122، 123. (51) ج5 ص376. (52) ج8 ص147 مسألة 1266. (53) المحلى ج7 ص511 مسألة 1104. (54) ج4 ص588. (55) ج 2 ص 449. (53) ج 7 ص 57. (54) ابن عابدين ج5 ص 127. (55) ص154. (56) ص146. (57) المغنى والشرح الكبيرج5 ص377. (58) ص445. (59) ج 1ص 42،43. (60) ابن عابدين ج5 ص 185 (61) ج 7 ص 307. (62) نهاية المحتاج باب الغصب ج4 ص 123. (63) ج هـ ص 445. (64) ج 9 ص 55 مسألة 1565. (65) ج 4 ص 589. (66) الروضة البهية ج 2 ص 449. (67) ج 7 ص 168 الطبعة الأولى. (68) الخطاب ج6 ص 279 باب الباغية. (69) ج7 ص 116. (70) ج 10 ص 60، 61 الطبعة الأولى. (71) ج11 ص 107 مسألة 2155 الفقرة الخامسة. (72) شرح الأزهار ج4 ص 558. (73) ج1 ص 158. (74) ج7 ص341. (75) ج 5ص 125. (76) ج 7 ص 162 (77) ج 7 ص 77. (78) ج3 ص 440. (79) ابن عابدين ج 5 ص 534. (80) الحطاب ج 6 ص 323. (81) ج 7 ص 188. (82) ج 7 ص 186. (83) ج 7 ص 187. (84) ج7 ص188. (85) ج7 ص188. (86) ج7 ص190. (87) ج10 ص 357. (89) ج5 المغنى ص455. (90) المغنى والشرح الكبير ج10 ص358. (91) ج8 ص 146 مسألة 1265. (92) المحلى ج 11 ص 5،6 مسألة 2106. (93) شرح الأزهار ج4 ص 441. (94) ج4 ص 427 من شرح الأزهار. (95) ج2 ص 449،450. (96) ج7 ص79 (97) حاشية ابن عابدين ج5 ص 483 (98) ابن عابدين ج5 ص 532، 533. (99) بهامش الحطاب ج6 ص 243. (100) ج 10 ص 359. (101) ج 10 ص 359، 360. (102) ص 361. (103) ص 362. (104) ج 10 ص 501 مسألة 2087 (105) سورة الشورى آية 40. (106) المحلى ج10 ص 502، 503، 506. (107) ج2 ص 420 (108) ج5 ص188. (109) ج 7 ص 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 إثبات تعريف الإثبات: فى اللغة: فى المصباح: ثبت الشىء يثبت ثبوتا: دام وأستقر، فهو ثابت. وثبت الأمر: صح 0 ويتعدى بالهمزة والتضعيف. وثبت فى الحرب فهو ثبيت مثل قرب فهو قريب، والاسم ثبت، ومنه قيل: للحجة ثبت. وفى المختار: ثبت الشىء من باب دخل وثباتا أيضا. وأثبته غيره وثبته. وتقول: لا أحكم بكذا إلا بثبت: أى إلا بحجة 0 فالإثبات على هذا تقديم الثبت: أى الحجة كالإتحاف تقديم التحفة. فى الاصطلاح: يؤخذ من استعمال الفقهاء أن الإثبات بمعناه العام: إقامة الدليل على حق أو على واقعة من الوقائع، وبمعناه الخاص: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التى حددتها الشريعة على حق أو على واقعة معينة تترتب عليها آثار. آراء الفقهاء فى الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى: للعلماء فى بيان الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى طريقان: الأول: حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من أدلة يتقيد بها الخصوم فلا يقبل منهم غيرها. ويتقيد بها القاضى فلا يحكم إلا بناء عليها، وهذا هو رأى الجمهور من العلماء.. جاء فى " الدر المختار" و" حاشية رد المحتار" لابن عابدين: أن طرق القضاء سبعة: البينة، والإقرار، واليمين، والنكول عنه، والقسامة، وعلم القاضى، والقرينة الواضحة التى تصير الأمر فى حيز المقطوع به (1) والثانى: عدم تحديد طرق معينة للإثبات يتقيد بها الخصوم أو القاضى 0 بل للخصوم أن يقدموا من الأدلة ما يستطيعون به إقناع القاضى بصحة دعواهم 0 وللقاضى أن يقبل من الأدلة ما يراه منتجا فى الدعوى ومثبتا لها، ومن أكبر أنصار هذا الرأى، العلامة ابن القيم، فقد قال (2) : " إذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأى طريق كان، فثم شرع الله ودينه، فأى طريق استخرج بها العدل والقسط فهى من الدين وليست مخالفة له ". ومع اتفاق جمهور العلماء على حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من الأدلة فإنهم لم يتفقوا على أنواع هذه الأدلة، فبعضهم يعتبر كلا من اليمين والنكول عنه طريقا للقضاء، وبعضهم لا يعتبره طريقا له.. وقد يتفقون على اعتبار نوع من الأدلة طريقا للقضاء، ولكنهم يختلفون فى نطاق الاستدلال به كشهادة الشاهدين رجلين أو رجل وامرأتين، أجمعوا على أنها طريق للقضاء، ولكنهم اختلفوا: هل تكون فى مسائل الأموال والمعاملات فقط أو فيما عدا الحدود والقصاص من الأموال والنكاح والطلاق 0 والأدلة التي تردد ذكرها فى كتب الفقه كطرق للقضاء أو أدلة يمكن إثبات الدعوى بها بين متفق عليه ومختلف فيه منها، هى: الإقرار، والشهادة، واليمين، والشاهد واليمين، والنكول، وعلم القاضى، والقرينة، والخط والقسامة، والقيافة، والقرعة، والفراسة. وسنتكلم على كل واحد منها بالترتيب الذى أوردناه. الإقرار: الإقرار: إخبار الشخص بثبوت حق للغير على نفسه ولو كان هذا الحق سلبيا، أى بطريق النفى كإقراره بأن لا حق له على فلان، فإنه يثبت للمقر له على المقر حق عدم مطالبته بشىء من الحقوق. مذهب الحنفية: والإقرار عند الحنفية: يكون باللفظ وبالإشارة المفهمة من غير القادر على التلفظ كالأخرس. ومعتقل اللسان إذا طال أمده وثبتت له إشارة، وبالكتابة، وبالسكوت كسكوت الوالد بعد تهنئة الناس له بالولد بعد الولادة يكون إقرارا منة بنسبه، وسكوت الزوجة والولد والأجنبى عند بيع العقار بحضرته، يكون إقراراً من الساكت بملكية البائع للعقار المبيع حتى لا تسمع منه دعوى ملكية هذا العقار على المشترى بعد ذلك (3) . مذهب المالكية: وعند المالكية: يكون الإقرار باللفظ أو ما يقوم مقامه كالإشارة المفهمة من الأبكم والمريض، والكتابة فى صحيفة أو لوح أو خرقة أو على الأرض، والسكوت كسكوت غريم الميت عند بيع التركة أمامه، لا يقبل منه ادعاء الدين فى التركة بعد ذلك إلا أن يكون له عذر (4) . مذهب الشافعية: وعند الشافعية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة عند من يجوز الاعتماد عليها، وبالإشارة من الأخرس والمريض العاجز عن الكلام (5) . مذهب الحنابلة: وعند الحنابلة: يكون الإقرار باللفظ والكتابة وبالإشارة المعلومة من الأخرس دون معتقل اللسان والمريض (6) . مذهب الظاهرية: تحدث ابن حزم فى"المحلى" عن الإقرار ولم يذكر ما يكون به غير اللفظ من الكتابة والإشارة (7) . مذهب الزيدية: وعن الزيدية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة والإشارة المفهمة من الأخرس والمصمت (8) . واستثنى صاحب " البحر الزخار": اللعان والإيلاء والشهادة والإقرار بالزنا لأنه يعتبر فيها لفظ مخصوص. مذهب الإمامية: وعند الشيعة الإمامية: يكون الإقرار باللفظ وتقوم مقامه الإشارة (9) . حجية الإقرار: والإقرار حجة علي المقر يؤخذ به ويحكم عليه بمقتضاه وهو أقوى الأدلة لأن احتمال الصدق فيه أرجح من احتمال الكذب إذ العاقل لا يقر عادة ولا يرتب حقا للغير على نفسه إلا إذا كان صادقا فى إقراره. وحجية الإقرار ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: (وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه (. أمر صاحب الحق بالإملال، وإملاله هو إقراره، فلو لم يكن حجة عليه ويؤخذ به. لما كان فيه فائدة ولما أمر به. وقال: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم (والشهادة على النفس هى الإقرار عليها بالحق. وفى السنة الصحيحة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قبل من ماعز ومن الغامدية الإقرار بالزنا على أنفسهما وعاملهما به وأقام عليهما الحد بناء عليه. وقد أجمعت الأمة من عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن على أن الإقرار حجة على المقر يؤخذ به جرت على ذلك فى الأقضية والمعاملات. والإقرار حجة قاصرة على المقر لا يتعداه إلى غيره ولا يمتد أثر ه إلى من عداه. فمن أقر على غيره بشىء لم يقبل إقراره، ومن ذلك إقرار الوصى والولى على موليه، وإقرار القيم على محجوره فإنه لا يصح. وهذا قدر متفق عليه، ولكنهم اختلفوا مع هذا فى إقرار العبد يكون فيه مساس بحق السيد وماله وإقرار المريض مرض الموت يكون فيه مساس بحق الورثة أو بحق الدائنين. وإذا استثنينا الظاهرية، فإن الجميع متفقون على عدم صحة إقرار العبد والمريض مرض الموت فى بعض الصور رعاية لحق السيد والورثة والدائنين وعدم الإضرار بهم مما تبين تفاصيله فى مصطلح " إقرار ". أما الظاهرية فقد قرر ابن حزم الظاهرى فى كتابه (10) : أن إقرار العبد والمريض مرض الموت صحيح فى جميع صوره وأحواله من غير نظر إلى مساس هذا الإقرار بالسيد أو بالورثة والمداينين وتعديه إليهم بالضرر (انظر: إقرار) . ولا يكون الإقرار حجة، ولا ينبنى عليه أثره إلا إذا صدر صحيحا ومستوفيا جميع الشروط التى ذكرها الفقهاء فى المقر والمقر له والمقر به وفى الصيغة ولم يتصل به ما يفسده أو يغير من موجبه مما هو مفصل ومبسوط فى مصطلح إقرار (انظر إقرار) . والإقرار حجة بنفسه يثبت به الحق المقر به للمقر له على المقر ويلزمه الوفاء له به دون توقف على قضاء القاضى وحكمه بالاتفاق. وهناك حالات لا يكفى فيها الإقرار للقضاء والحكم بل لابد من إقامة البينة معه، كما إذا أدعى شخص على مدين الميت إنه وصيه فى التركة، وصدقه المدين فى دعوى الوصاية والدين، فإن القاضى لا يثبت الوصاية بهذا الإقرار إذ الاقتصار عليه لا يفيد مع مدين آخر ينكر الوصاية. وهناك حالات تسمع فيها بينة المدعى بطلبه بعد إقرار المدعى عليه بالحق لفائدة أخرى غير ثبوت الحق، كما فى دعوى شخص على مدين أنه وكيل عن الدائن إذا صدقه المدعى عليه فى دعوى الوكالة ولكنه طلب سماع البينة عليها لتكون يده يد أمانة لا يضمن بالهلاك دون تعد ولتبرأ ذمة المدين بالدفع إليه دون رجوع، فيقبل القاضى البينة. وكما فى دعوى الدين على الميت إذا أقر بها أحد الورثة، أو أقر بها الورثة جميعا، وطلب المدعى سماع البينة ليتعدى الحكم إلى بقية الورثة فى الأولى أو إلى بقية الدائنين فى الثانية، تسمع البينة (11) ، وقد يتم الإقرار ثم تطرأ أمور تؤثر فيه أصلا أو تؤثر فى مدى حجيته وهى موضع خلاف بين الفقهاء، من ذلك.. دعوى المقر أنه كان كاذبا فى إقراره. مذهب الحنفية: قال الحنفية: إذا أعطى شخص صكا لآخر يتضمن إقراره بأنه استقرض منه مبلغا من المال، ثم ادعى أنه كاذب فى هذا الإقرار، لا تقبل منه هذه الدعوى عند أبى حنيفة ومحمد وهو القياس لأن الإقرار ملزم شرعا كالبينة بل هو آكد لأن احتمال الكذب فيه أبعد فلا يلتفت إليه، وتقبل عند أبى يوسف فى حق تحليف المقر له اليمين فيحلف على أن المقر صادق فى إقراره بالدين كما تضمنه الصك، فإن حلف ثبت حقه فى الدين وإن نكل فلا شىء له، وهو الإستحسان وعليه الفتوى، لأن العرف جار بكتابة الصك قبل أخذ المال فلا يكون الإقرار دليلا على القبض حقيقة. ولأن الناس كثرت حيلهم ومخادعتهم، والمقر يضار بعدم التحليف، ولا يضار المقر له بالتحليف إن كان صادقا، فيصار إليه. وهذا فى غير حقوق الله الخالصة، أما فيها فتقبل دعوى الكذب فى الإقرار، ولا يؤخذ به المقر لما يورثه من الشبهة المؤثرة فى سقوط الحد كما فى الرجوع عن الإقرار (12) . أما إذا كان تكذيب المقر من الشارع كما إذا أقرت المطلقة بانقضاء عدتها بعد مدة تحتمله ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر بعد الإقرار يثبت نسبه شرعا من المطلق لتيقن قيام الحمل وقت الإقرار،. ويكون حكم الشارع بثبوت نسب الولد تكذيبا للمطلقة فى إقرارها بانقضاء العدة أو كان التكذيب من الحاكم، كما إذا اشترى شخص عينا من آخر، ثم ادعى ثالث علي المشترى ملكية هذه العين، وأنكر المشترى وقرر أنها ملك البائع الذى اشتراها منه، وأثبت المدعى دعواه وحكم له بالعين، فإنه يكون للمشترى حق الرجوع بالثمن علي البائع رغم إقراره بأن العين ملكه، لأن الحكم بملكية العين للمدعى تكذيب له فى إقراره. إذا كان التكذيب من الشارع أو من الحاكم يكون معتبرا ويبطل الإقرار به. وقال الشافعية: أن المقر يؤخذ بما أقر به، ولا يقبل منه دعوى الكذب فى ذلك (13) . وفى مذهب الشيعة الإمامية جاء فى شرائع الإسلام (14) : إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن ثم قال أنه لم يقبض الثمن وإنما أشهد بذلك تبعا للعادة، قيل: لا يقبل قوله لأنه مكذب لإقراره، وقيل: يقبل لأنه أدعى ما هو معتاد. وهو الأشبه، إذ هو ليس مكذبا لإقراره بل هو مدع شيئا آخر فيكون على المشترى اليمين. رجوع المقر عن الإقرار: مذهب الحنفية: قال الحنفية: إن رجوع المقر عن إقراره بحقوق الله تعالى الخالصة كحد الزنا والشرب والسرقة بالنسبة للقطع، يقبل ويبطل به الإقرار فلا يؤخذ به مطلقا سواء رجع قبل القضاء عليه بموجبه أو بعد القضاء وقبل الشروع فى التنفيذ أو بعد الشروع فيه وقبل تمامه، فلا يحكم عليه إن رجع قبل الحكم ولا يقام عليه إن رجع بعد الحكم وقبل إقامة الحد ولا يتمم عليه الحد. إن رجع بعد الشروع فيه وقبل إتمامه وذلك لاحتمال أن يكون صادقا فى رجوعه فيكون كاذبا فى الإقرار فهو يورث شبهة والحدود تدرأ بالشبهات، ولأنه يستحب للإمام أن يلقن المقر العدول عن الإقرار كما لقن النبى - صلى الله عليه وسلم- ماعزا حين أقر بالزنا بقوله: (لعلك قبَّلت أو لمست) . ولو لم يكن الرجوع عن الإقرار جائزا لما كانت لهذا التلقين فائدة. والتعليل بأن الرجوع يورث شبهة وهى تؤثر فى الحدود يدل على أن حقوق الله الخالصة التى لا تدرأ بالشبهة، كالزكاة والكفارات، لا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها، أما بالنسبة للمال فى الإقرار بالسرقة فلا يؤثر الرجوع ويجب على المقر ضمان هذا المال. أما فى حقوق العباد الخالصة كالأموال والقصاص، والمشتركة بين الله والعباد كحد القذف فلا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها ويبقى الإقرار صحيحا ويؤخذ به المقر حكما وتنفيذا لأن هذه الحقوق تثبت مع الشبهة (15) . مذهب المالكية: قال صاحب " التبصرة " (16) : فإن أقر على نفسه وهو رشيد طائع بمال أو قصاص لزمه، ولا ينفعه الرجوع، وإن أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع ولكن يلزمه الصداق والمال. مذهب الشافعية: يقول الإمام جلال الدين السيوطى فى" الأشباه والنظائر" (17) : وكل من أقر بشىء ثم رجع عنه لم يقبل، إلا فى حدود الله تعالى، قلت: ويضم إلى ذلك ما إذا أقر الأب بعين للابن فإنه يقبل رجوعه كما صححه النووى فى فتاواه. مذهب الحنابلة: يقول صاحب" كشاف القناع " (18) : ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به إلا فيما كان حدا لله تعالى فيقبل رجوعه عنه لأن الحد يدرأ بالشبهة وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات، فلا يقبل رجوع المقر عن الإقرار بها. مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى " المحلى " (19) : من أقر لآخر أو لله تعالى بحق فى مال أو دم أو بشرة، وكان المقر عاقلا بالغا غير مكره، وأقر إقرارا تاما ولم يصله بما يفسده فقيما لزمه ولا رجوع له بعد ذلك، فإن رجع لم ينتفع برجوعه وقد لزمه ما أقر به على نفسه من دم أو حد أو مال. وإن وصل الإقرار بما يفسده بطل كله ولم يلزمه شئ لا من مال ولا من قود ولا حد. مذهب الزيدية: جاء فى " البحر الزخار" (20) : ولا يجوز الرجوع عنه إذ هو خبر ماض إلا فى حق الله تعالى لأنه يسقط بالشبهة. مذهب الإمامية جاء فى " العناوين" لميرفتاح (21) : أن ذكر ما ينافى الإقرار بعد تحققه غير مسموع لدى ظاهر الأصحاب، ووجهه إطلاق الرواية، فإنه دال على النفوذ مطلقا سواء عقبة بما ينافيه من إنكار وتأويل أو لم يعقبه. ثم ذكر الخلاف فى مسائل الاستثناء وبدل البعض والفصل والوصل فى ذلك، وهل يتحقق الإقرار بما قبل الاستثناء والبدل فيعتبر منافيا له أو لا يتحقق أصلا لأن الكلام كله واحد. وجاء فى " المختصر النافع " فى باب الحدود أن الرجوع عن الإقرار بالزنا والقصاص يقبل ويسقط به الحد، فالرجوع عن إقرار عندهم غير مقبول إلا فى حدود الله تعالى الخالصة. رد الإقرار: مذهب الحنفية: قال الحنفية: إن الإقرار بغير النسب لا يتوقف على قبول المقر له وتصديقه، ولكنه يرتد برده وتكذيبه للمقر، واستثنوا من ذلك الإقرار بالحرية، فإن أقر السيد بحرية عبده ثبتت حريته وإن كذبه العبد فى إقراره وبالنسب فيما يصح الإقرار فيه من الرجل أو المرأة، لا يبطله الرد من المقر له بالنسب وإن توقف على تصديقه، فإن كذبه فى الإقرار ثم عاد وصدقه ثبت النسب دون حاجة الى إعادة الإقرار ثانياً وبالطلاق إذا أقر بطلاق زوجته وكذبته ثبت الطلاق. وبالنكاح، إذا أقر بنكاح امرأة وكذبته ثم صدقته ثبت النكاح دون حاجة إلى إقرار آخر. وكذا الإقرار بالعتق والرق والوقف وكل ما ليس فيه تمليك مال ولو من وجه لا يرتد بالرد، وما كان فيه تمليك المال ولو من وجه يرتد بالرد، وإذا قبل ثم رد لا يقبل الرد. وفى كل موضع يرتد فيه الإقرار بالرد إذا أعاد المقر إقراره ثانيا بعد الرد فصدقه المقر له صح الإقرار (22) . مذهب المالكية: يقول صاحب" التبصرة " (23) : ويشترط أن يكون المقر له أهلا للاستحقاق وألا يكذب المقر، وإذا أكذب المقر له المقر ثم رجع لم يفده إلا أن يرجع المقر إلى الإقرار ومثل ذلك فى العقد المنظم للحكام أبو محمد عبد الله ابن عبد الله بن سلمون الكنانى (24) . مذهب الحنابلة: يقول صاحب" كشاف القناع " (25) : " ومن أقر لكبير عاقل بمال فى يده، فلم يصدقه المقر له بطل إقراره لأنه لا يقبل قوله عليه فى ثبوت ملكه ويستمر بيد المقر لأنه كان فى يده فإذا بطل إقراره بقى كأنه لم يقر به فإن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه ولم يقبل بعد ذلك أن يدعيه المقر له أو لا مطلقا. مذهب الزيدية: جاء فى " البحر الزخار" (26) : ولا يصح لمعين إلا بمصادقته، وقال الإمام يحيى: يكفى السكوت فإن رد بطل إذ شهادته على نفسه أولى، ولا يعتبر قبول المقر له، إذ ليس بعقد لكن يبطل بالرد ويكون المقر به لبيت المال. ما يلحق الإقرار من البيان قد يلحق المقر بإقراره كلاما يغير من معنى الإقرار ودلالته تغييرا كليا أو جزئيا بطريق الاستثناء بأداة من أدواته أو بالمشيئة أو بطريق الاستدراك أو بطريق التكلم بكلام يغير من معنى الإقرار أو يرفع من حكمه بالنسبة للمقر له أو للمقر به فى مقداره أو فى وصفه أو فى نحو ذلك، ويكون ذلك متصلا أو منفصلا. وقد أفاض الفقهاء فى مختلف المذاهب فى شرح أنواع هذا البيان وأساليبه وما يترتب على كل منها من أحكام وآثار، ومحل ذلك كله ومجاله فى مصطلح إقرار (انظر: إقرار) . نصاب الإقرار مذهب الحنفية: لابد لثبوت الزنا بالإقرار عند الحنفية من أن يقر الشخص على نفسه أربع مرات فى أربعة مجالس بالاتفاق، وفى حد القذف والشرب والسرقة يكفى أن يقر مرة واحدة عند أبى حنيفة ومحمد، ومرتين عند أبى يوسف وزفر، ويكفى الإقرار مرة فيما عدا ذلك (27) . مذهب المالكية:. يكفى الإقرار مرة واحدة لثبوت المقر به ومؤاخذة المقر بإقراره فى كل شىء حتى فى حد الزنا (28) . مذهب الشافعية: ومذهب الشافعية كمذهب المالكية يكفى الإقرار مرة واحدة فى كل شىء (29) . مذهب الحنابلة: يشترط الإقرار أربع مرات فى الزنا، ومرتين فى السرقة والحرابة (قطع الطريق) والقصاص، ومرة واحدة فى غير ذلك (30) مذهب الظاهرية: يكفى الإقرار مرة واحدة فى كل شىء من حد أو قتل أو مال (31) . مذهب الزيدية: يشترط فى الإقرار بالزنا تكراره أربع مرات وتكراره مرتين فى الإقرار بالسرقة، ويكفى الإقرار مرة فيما عدا ذلك (32) مذهب الإمامية يلزم الإقرار أربع مرات فى الزنا واللواط والسحق، ومرتين فى القذف والسرقة والشرب والقيادة ومرة واحدة فى غير ذلك (33) اليمين: مذهب الحنفية: يرى الحنفية أن اليمين ليست من طرق القضاء بالحق لأنها لا تكون عندهم إلا من جانب المدعى عليه حين ينكر الدعوى ويعجز المدعى عن الإثبات ويطلب تحليفه اليمين على نفى دعواه ويوجه القاضى إليه اليمين فإن حلف منع المدعى من دعواه بتقرير رفضها وبقى المدعى به المتنازع عليه فى يد المدعى عليه لعجز المدعى عن إثبات ملكه فيه لا قضاء به للمدعى عليه بناء على اليمين، ويسمى قضاء ترك. ومن ثم يبقى المدعى على دعواه وعلى حقه إذا أقام بينة عليها قضى له بموجبها ما لم يكن قد قرر أنه لا بينة له فإنه لا تقبل منه البينة ثانيا إلا عند محمد. ولو كان ترك المدعى به فى يد المدعى عليه قضاء له به بناء علي اليمين لما نقض هذا القضاء بعد ذلك، فجعل اليمين من طرق القضاء عند الحنفية إنما هو بحسب الظاهر فقط باعتبار أن القضاء يقطع الخصومة وفى قضاء الترك قطع للخصومة غالبا لأن الإثبات بالبينة بعد العجز عنها نادر (34) . وليس القصد من هذه اليمين هو التوصل للقضاء بالترك، فهو ليس بقضاء كما ذكرنا، وإنما القصد منها هو توصل المدعى إلى نكول المدعى عليه عن الحلف ليقضى عليه بالحق بناء على هذا النكول الذى يعتبر طريقا للقضاء عند الحنفية. بناء على أنه بذل أو إقرار كما سيأتى بيانه. ومن ثم قالوا:إن اليمين حق للمدعى ملكه الشارع إياها، وأوجبها له على المدعى عليه. فقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم - للمدعى: (لك يمينه) واللام للتمليك. وقال: (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه) . و (على) تفيد الوجوب، غير أنها لا تجب على المدعى عليه ولا تتوجه عليه ولا يعتبر ناكلا إذا امتنع عن الحلف إلا بشروط سيأتى تفصيلها فى الكلام على النكول ولا يحلف فيما لا يجرى فيه البذل والإقرار كالحدود واللعان والنسب، ولا ترد اليمين على المدعى ولا يقضى له بيمينه وحدها أو بها مع شاهد عند الحنفية مطلقا على ما سيأتى بيانه. واستدلوا بما رواه الإمامان أحمد ومسلم أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم، لكن اليمين علي المدعى عليه) ، وأخرجه البيهقى بإسناد صحيح بلفظ: (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) . فحصر اليمين فى جانب المدعى عليه ولم يجعلها من جانب المدعى. مذهب المالكية والشافعية: ويرى المالكية والشافعية: أن اليمين إذا توجهت على المدعى عليه بطلب المدعى حين لا تكون له بينة فإن حلفها سقطت دعوى المدعى، ثم هل يعود إليها ويجددها ويقدم عليها البينة أو لا يعود؟ بحث طويل ليس هنا مجال تفصيله، انظر فى تفصيله مصطلح" دعوى". ويشترط المالكية لجواز توجيه اليمين إلى المدعى عليه أن يكون بينه وبين المدعى خلطة وتعامل لئلا يستذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم، واستثنوا من هذا الشرط الصناع والتجار وأهل الأسواق فيما يدعى عليهم تتوجه عليهم اليمين وإن لم تكن خلطة، كما استثنوا حالة قيام تهمة أو عداوة أو ظلم، ولا يحلف إلا فيما يجرى فيه الإقرار، أما إذا نكل المدعى عليه عن الحلف أو اعتبر ناكلا بالامتناع عن الحلف أو بالسكوت عن الجواب فإنه لا يقضى عليه بالنكول عند المالكية والشافعية كما يقول الحنفية. وإنما ترد اليمين على المدعى بطلب المدعى عليه أو من القاضى دون طلبه بعد أن يعذر إليه بقوله: إن حلفت وإلا حلف المدعى وقضيت له عليك بالحق المطلوب، لأن النكول ليس من طرق القضاء عندهم لأنه يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة كما هو الشأن فى المسلم، والترفع عن اليمين الصادقة كما فعل عثمان - رضى الله عنه - حين طلب المقداد منه الحلف وامتنع وقال لعمر: أخاف أن يوافينى قضاء فيقول الناس هذا بسبب يمينه الكاذبة، ويحتمل اشتباه الحال على الناكل فلا يدرى أصادق فيحلف أم كاذب فيمتنع. ومع هذه الاحتمالات لا يمكن اعتبار النكول حجة وطريقا للقضاء وإذا ردت اليمين على المدعى، فإن حلف قضى له بما يدعيه قضاء استحقاق. وتكون اليمين هنا كبينة المدعى أو كإقرار المدعى عليه، قولان: والأظهر عند أصحاب الشافعى أنها كإقرار المدعى عليه وسواء أكانت كالبينة أو كالإقرار فإنها تعتبر الطريق إلى القضاء بالحق شرعا مع النكول كما سيجىء التصريح به فى النكول 0 واستدلوا بما رواه الدارقطنى من حديث نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رد اليمين على طالب الحق، وما روى عن على أنه حلف المدعى بعد نكول المدعى عليه (35) . مذهب الحنابلة: ويرى الحنابلة: أن اليمين تكون من جانب المدعى عليه إذا طلب المدعى تحليفه عند عدم البينة ووجهها إليه القاضى فإن حلف أخلى سبيله لأنه لم يتوجه عليه حق. وإن نكل عن الحلف قضى عليه بالحق المدعى بناء على النكول إذا طلب المدعى ذلك. ويجب أن يقول له الحاكم: إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول، لأن النكول ضعيف فوجب اعتضاده بذلك. ولا ترد اليمين عندهم على المدعى مطلقا لا بطلب المدعى عليه ولا من القاضى لقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: (اليمين على المدعى عليه) حصرها فى جهة المدعى عليه فلم تشرع لغيره. وفيما رواه أحمد أن عثمان قضى على ابن عمر بالنكول. ولا يحلف المدعى عليه عندهم إلا فى حق لآدمى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه) ، ولا يقضى بالنكول إلا فى الأموال وما يقصد به المال. أما حقوق الله تعالى كالحدود والعبادات والكفارات والنذور فلا يستحلف فيها المدعى عليه ولا يقضى عليه بالنكول إلا أن يتضمن الحد حقا للعبد كدعوى السرقة توصلا للضمان أو لرد المسروق، فإنها تسمع ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمى. والنكول عندهم كإقامة بينة لا كإقرار إذ لا يتأتى ذلك مع الإنكار ولا كبذل لأنه قد يكون تبرعا ولا تبرع هنا (36) . جاء هذا فى " كشاف القناع "، ولم يحك فيه خلافا. ولكن صاحب المغنى حكى خلاف أبى الخطاب فى رد اليمين على المدعى (37) فقال: واختار أبو الخطاب أن له رد اليمين على المدعى فإن ردها حلف المدعى وحكم له بما ادعاه. ثم ساق الاستدلال للقولين. مذهب الظاهرية: وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى المحلى (38) : فإن لم يكن للطالب بينه وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها أحب أم كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شىء من الأشياء أصلا. ولا ترد اليمين على الطالب البتة، ولا ترد يمين أصلا إلا فى ثلاثة مواضع، وهى القسامة، والوصية فى السفر إذا لم يشهد عليها إلا الكفار، وإذا أقام المدعى على دعواه شاهدا واحدا فإنه يحلف معه ويقضى له بالحق، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرىء فإن نكل أجبر على اليمين. مذهب الزيدية: وعند الزيدية (39) : إذا أنكر المدعى عليه الدعوى ولم تكن للمدعى بينة فى المجلس لزمت اليمين المدعى عليه بطلب المدعى فى غير حقوق الله تعالى المحضة إذ لا يحلف فى هذه الحقوق عندهم وبشروط أخرى. فإن حلف المدعى عليه حكم بسقوط دعوى المدعى وإن نكل حكم عليه بالحق بمقتضى النكول عند الهادى والناصر، إذا كان النكول فى المجلس. وذلك فى غير الحدود والقصاص والنسب. أما هذه فلا يحكم فيها بالنكول وإن نكل ثم أراد الحلف إن كان قبل الحكم أجيب وأن كان بعده لا يجاب. وإن حلف المدعى عليه اليمين ثم أحضر المدعى البينة قبلت منه قبل الحكم ولا تقبل بعده، وفى " البحر الزخار": واليمين شرعت لقطع الخصومة فى الحال إجماعا لا لقطع الحق فتقبل البينة بعدها، إذ البينة العادلة حق من اليمين الفاجرة، وقيل: لقطع الحق فلا تقبل البينة. مذهب الإمامية: جاء فى " المختصر النافع" (40) : وإن قال المدعى لا بينة لى عرفه الحاكم أن له اليمين (أى له تحليف المدعى عليه) ، ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعى، فإن تبرع أو أحلفه الحاكم لم يعتد بها وأعيدت مع التماس المدعى ثم المنكر، أما أن يحلفه أو يرد أو ينكل فإن حلف سقطت الدعوى ولو ظفر له المدعى بمال لم يجز له المقاصة. ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه ولو أقام بينة لم تسمع، وقيل: يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها. ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته، فإن رد اليمين على المدعى صح فإن حلف استحق وإن امتنع سقطت، ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضى عليه بالنكول وهو المروى، وقيل: يرد اليمين على المدعى فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل الحق، ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه. الشاهد واليمين: مذهب الحنفية: قال الحنفية: لا يصح القضاء بالشاهد الواحد ويمين المدعى، لأن اليمين لم تشرع من جانب المدعى مطلقا، وإنما شرعت من جانب المدعى عليه فى الحديث المشهود: (البينة علي المدعى واليمين على من أنكر) قسم بينهما، والقسمة تنافى الشركة والألف واللام فى البينة واليمين للجنس، وإذا كان قد جعل من جانب كل منهما جنسا فقبول اليمين من جانب المدعى يخالف ذلك. وقد رسم الله تعالى طريق الإثبات فى الآية الكريمة: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم.. الآية ((41) . وجعل الشاهد الواحد واليمين طريقا للإثبات من جانب المدعى يخالف ذلك (42) . مذهب المالكية والشافعية والحنابلة: وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى صحة القضاء بالشاهد الواحد واليمين من جانب المدعى، لما رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد وما رواه أحمد والدارقطنى عن على بن أبى طالب أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق. وقالوا: أن الإثبات بالشاهد واليمين إنما يقبل فى الأموال وما يقصد به المال من العقود كالبيع والشراء والإقالة والحوالة والضمان والشفعة والرهن، ونكول اليمين بعد إقامة الشاهد وتعديله (43) . مذهب الظاهرية: وفى مذهب الظاهرية، يقول ابن حزم فى " المحلى " (44) : قال أبو محمد قد صح ما قد أوردناه آنفا من قول النبى- صلى الله عليه وسلم - بالقضاء باليمين على المدعى عليه، وأنه لو أعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (بينتك أو يمينه، ليس لك إلا ذلك) . فصح يقينا أنه لا يجوز أن يعطى المدعى بدعواه دون بينة. وبطل أن يعطى شيئا بنكول خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه لأنه أعطى بالدعوى. وصح أن اليمين بحكم الله تعالى على لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام - على المدعى عليه. ووجب بذلك ألا يعطى المدعى يمينا أصلا إلا حيث جاء النص بأن يعطاها. وليس ذلك إلا فى القسامة فى المسلم يوجد مقتولا وفى المدعى يقيم شاهدا عدلا فقط. وهذا صريح فى القول بصحة القضاء بالشاهد الواحد واليمين من جانب المدعى. مذهب الزيدية. جاء فى " شرح الأزهار" وهامشه: واعلم أنه يكفى شاهد واحد ويمين المدعى فتقوم اليمين مقام شاهد ولو كان الحالف فاسقا فإن يمينه تقوم مقام شاهد. وقال الناصر: لا تكفى يمين المدعى مع الشاهد الواحد إلا حيث يكون عدلا مرضيا. ويقبل الشاهد الواحد مع يمين المدعى فى كل حق لآدمى محض دون حق الله المحض وبعض حق الله المشوب أيضا فلا يقبل فيه ذلك، وذلك كالحدود والقصاص لقوله- صلى الله عليه وسلم -: (أمرنى جبريل عليه السلام أن أحكم بشاهد ويمين) . وفى "البحر الزخار": ويحكم بشاهد ويمين إذ قضى به - صلى الله عليه وسلم - فى روايات وقضى به عمر وعثمان رضى الله عنهما، ولا يحكم بذلك إلا فى حق لآدمى محض لا فى الحدود والقصاص إجماعا (45) . مذهب الإمامية: جاء فى "المختصر النافع" (46) : ويقضى بالشاهد واليمين فى الأموال والديون ولا يقبل فى غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص. ويشترط شهادة الشاهد أولا وتعديله ولو بدأ باليمين وقعت لاغية ويفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة - أى إقامة الشاهد -. وجاء فيما كتبه بعض علمائهم للجنة الموسوعة أن طائفة منهم تأملوا فى اشتراط الترتيب واختاروا عدم اشتراطه وقواه فى مستند الشيعة فى باب القضاء. مذهب الإباضية: وفى مذهب الإباضية (47) : ولا يجوز عند أصحابنا أن يحكم الحاكم بشاهد ويمين المدعى ... يمين الاستظهار: الأصل عند الحنفية أنه متى أقام المدعى بينة شرعية على دعواه حكم له بالحق الذى يدعيه دون توقف على شىء آخر. ولكنهم قالوا: إن هناك مسائل يتوقف الحكم فيها للمدعى على حلفه يمينا بصيغة معينة، ومن أظهر هذه المسائل ما إذا ادعى شخص دينا فى تركة ميت وأثبت دعواه بالبينة الصحيحة، فإن القاضى لا يحكم له بما يدعيه إلا بعد أن يحلف بالله ما استوفى هذا الدين من الميت ولا من أحد أداه إليه عنه ولا قبضه قابض بأمره ولا أبرأه منه ولا من بعضه ولا أحيل به ولا بشىء منه على أحد ولا عنده به ولا بشىء منه رهن. وتسمى هذه اليمين عندهم يمين الاستظهار وهى حق للتركة، ومن ثم يوجهها القاضى إلى المدعى ولو لم يطلب الخصم المدعى عليه كالوصى والوارث توجيهها لاحتمال أن يكون هناك غريم آخر أو موصى له، وهذا باتفاق الإمام وصاحبيه وهذه اليمين ليست جزءا من الدليل: وإنما هى شرط فلو حكم بدون استحلاف لا ينفذ حكمه. وهناك مسائل يستحلف فيها المدعى بعد الإثبات بدون طلب من الخصم، على رأى أبى يوسف، احتياطا (48) . مذهب المالكية: وعند المالكية: تسمى هذه اليمين يمين القضاء ويمين الاستبراء. قال صاحب " التبصرة " فى باب القضاء بالبينة المقامة مع اليمين (49) . وصورة ذلك أن يشهد شاهدان لرجل بشىء معين فى يد آخر، فإنه لا يستحقه حتى يحلف أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن يده بطريق من الطرق المزيلة للملك وهو الذى عليه الفتيا والقضاء. وقال ابن رشد: ويمين القضاء متوجهة على من يقوم على الميت أو الغائب أو على اليتيم أو على الأحباس أو على المساكين وعلى كل وجه من وجوه البر وعلى بيت المال وعلى من استحق شيئا من الحيوان، ولا يتم الحكم إلا بها. ثم ذكر مسألة دعوى الدين فى تركة الميت ووجوب التحليف فيها، وذكر أن هذه اليمين واجبة مع شهادة السماع لاحتمال أن يكون أصل السماع من شاهد واحد، والشاهد الواحد لابد معه من اليمين. ويدل كلامه على أن هذه اليمين متممة للدليل. مذهب الشافعية: وعند الشافعية: يحلف المدعى اليمين مع البينة فى الدعوى على الغائب والصبى والمجنون والميت، وتسمى عندهم يمين الاستظهار كالحنفية، وقالوا: إنه لا يتعرض فى هذا اليمين لصدق الشهود بخلاف اليمين مع الشاهد الواحد يتعرض فيها لصدق الشاهد. وعلل الشروانى فى حاشيته هذا الحكم بقوله: " لكمال الحجة هنا " وهذا صريح فى أن هذه اليمين ليست جزءا من الدليل. مذهب الحنابلة: وعند الحنابلة: لا يلزم تحليف المدعى اليمين مع البينة التامة فى الدعوى على الغائب والصغير والمجنون والمستتر والممتنع " أن حقه باق " لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) ولكن الاحتياط تحليفه خصوصا فى هذه الأزمنة لاحتمال أن يكون قضاه أو غير ذلك (50) . مذهب الإمامية: وعند الإمامية: جاء فى " المختصر النافع " (51) " ولا يستحلف المدعى مع بينة إلا فى دعوى الدين علي الميت، يستحلف على بقائه فى ذمته استظهارا فهم يسمونها يمين الاستظهار كالحنفية". النكول: مذهب الحنفية: يرى الحنفية أن النكول طريق للقضاء وحده يبنى عليه القاضى حكمه بالحق لصاحبه بناء عليه دون حاجة إلى شىء آخر، كرد اليمين على المدعى. لما روى عن سالم بن عبد الله بن عمر: أن أباه باع عبدا وأراد المشترى أن يرده بعيب، ولما اختصما إلى عثمان - رضى الله عنه - قال لابن عمر: احلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه فأبى فقضى عليه برد العبد. وكان شريح يجرى فى قضائه فى خلافة عمر على ذلك. والنكول: إما حقيقى، وهو أن يقول المدعى عليه: لا أحلف. وإما حكمى، وهو أن يسكت عن الحلف والامتناع عنه مع عدم الآفة من صمم أو خرس. ولا يصير النكول حجة عند الحنفية يباح للقاضى أن يحكم بناء عليها إلا إذا توافرت شروط صحته، بأن يكون فى مجلس القضاء وبعد عرض اليمين فيه، فإذا حصل العرض فى غير المجلس أو حصل العرض فيه وحصل النكول فى غيره لم تتوفر الحجة ولم يجز الحكم بمقتضاه، وأن يكون النكول عن يمين واجبة على المدعى عليه شرعا، وأن تكون بناء على عرض القاضى حتى لو امتنع عن حلف يمين موجهة من الخصم لا يعتبر ناكلا. ولا تكون اليمين واجبة شرعا إلا إذا كان المدعى عليه منكرا للحق المدعى به وكانت بطلب المدعى إلا فى الأشياء التى يحلف فيها القاضى من غير طلب. وألا تكون للمدعى بينة حاضرة بمجلس القضاء. وأن تكون الدعوى صحيحة شرعا. وألا يكون المدعى به حقا خالصا لله تعالى كالحدود وما فى حكمها كاللعان. وأن يكون المدعى به مما يجوز الإقرار به شرعا من المدعى عليه ولا يقضى بالنكول فى القصاص فى النفس، وإنما يحبس الناكل حتى يحلف أو يقر عند الإمام أبى حنيفة. ويجب عله المال عند الصاحبين، وللمدعى عند النكول أن يقدم بينة على دعواه ليبنى الحكم عليها ويتعدى إلى غير المدعى عليه، لأن النكول فى معنى الإقرار وهو حجة قاصرة على صاحبه لا يتعداه إلى غيره بخلاف البينة. والقضاء بالنكول لا يمنع المقضى عليه من أن يدفع دعوى المدعى المحكوم فيها بدفع يبطلها ويقيم عليه البينة فيثبت وينقض به الحكم المبنى على النكول، بشرط ألا يكون الدفع مناقضا لما تضمنه النكول الذى هو بمثابة الإقرار. ولو قضى بالنكول ثم أراد المدعى عليه أن يحلف لا يلتفت إليه لأنه أبطل حقه، أما لو أراد الحلف قبل القضاء جاز لأن النكول لا يعتبر حجة ملزمة إلا إذا اتصل به القضاء. وقد اختلف الإمام والصاحبان فى اعتبار النكول بذلا أو إقرارا وترتب على هذا الخلاف خلاف فى بعض المسائل والأحكام، مجال تفصيلها فى مصطلح نكول (انظر: نكول) (52) . مذهب المالكية والشافعية: ويرى المالكية والشافعية أن النكول ليس طريقا للقضاء، ولا يحكم القاضى بالمدعى بناء عليه وحده، وإنما ترد اليمين على المدعى بطلب المدعى عليه أو من القاضى فإن حلف قضى له به بما طلب وإن نكل سقطت دعواه، لأن النكول ليس بينة ولا إقرارا، وهو حجة ضعيفة فلا يقوى على الاستقلال بالحكم فإذا حلف معه المدعى قوى جانبه فاجتمع اليمين من جانبه والنكول من جانب المدعى عليه فقام مقام الشاهدين أو الشاهد واليمين (53) . مذهب الحنابلة: يرى الحنابلة أن النكول حجة يبنى عليه الحكم، فإذا توجهت اليمين على المدعى عليه من القاضى: بطلب المدعى ونكل قال له القاضى إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول، فإن لم يحلف قضى عليه بالنكول إذا سأله المدعى ذلك: ولا ترد اليمين على المدعى إلا فى رأى أبى الخطاب على ما ذكره صاحب المغنى: والنكول عندهم كإقامة بينة وليس بمثابة الإقرار لأنه لا يتأتى جعل الناكل مقرا مع إنكاره كما أنه ليس بمثابة البذل لأن البذل قد يكون تبرعا ولا مجال للتبرع هنا. ولا يقضى بالنكول إلا فى الأموال وما يقصد به المال كالعقود والمعاملات مما تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو رجل ويمين المدعى (54) . مذهب الظاهرية: وفى مذهب الظاهرية فإن لم يكن للطالب بينة وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها أحب أم كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شىء من الأشياء أصلا. ولا ترد اليمين على الطالب البتة (55) . مذهب الزيدية: وفى مذهب الشيعة الزيدية: جاء فى" شرح الأزهار" (56) : وإذا لم يكن للمدعى بينة فى المجلس فطلب يمين المنكر فنكل اليمين فإنه يجب عليه ذلك الحق بالنكول وهذا مذهب الهادى والناصر. وإنما يحكم بالنكول إذا وقع فى مجلس الحاكم سواء نكل مرة أو أكثر إلا فى الحد والنسب فإنه لا يحكم فيهما بالنكول وإذا سكت المدعى عليه ولم يجب أو قال: لا أقر ولا أنكر، فلا يحكم عليه بالنكول ولكن يحبس حتى يقر أو ينكر فيطلب منه اليمين وإن نكل، ولو نكل المدعى عليه عن اليمين ثم أجاب إلى الحلف وجب أن يقبل اليمين بعد النكول ما لم يحكم فلا يقبل، لأن النكول ليس بإقرار حقيقة ولا يجب به الحق إلا بعد الحكم. مذهب الإمامية: وفى مذهب الشيعة الإمامية، جاء فى "المختصر النافع" (57) : ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضى عليه بالنكول، وهو المروى 0 وقيل: يرد اليمين على المدعى، فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل، وإن بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه. الشهادة: إتفق الفقهاء جميعا على أن الشهادة من طرق القضاء، لقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء (. (واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ((58) . (وأشهدوا ذوى عدل منكم ((59) . وقوله - صلى الله عليه وسلم-: (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) وإجماع الأمة على أنها حجة يبنى عليها الحكم، غير أنها ليست حجة بنفسها إذ لا يثبت بها الحق ولا يلزم من عليه أن يؤديه إلا إذا اتصل بها القضاء. هل فى الشهادة معنى الولاية؟ ما فى الشهادة من معنى الولاية صرح الحنفية والشافعية بأن الشهادة فيها معنى الولاية ورتبوا على ذلك عدم قبول شهادة بعض الطوائف لعلة انعدام الولاية فيهم، وندد ابن القيم بذلك وقال:إنه معلوم البطلان والشهادة لا تستلزمه (60) . ومجال ذلك وبيانه فى مصطلح " شهادة "، (انظر شهادة) . مراتب الشهادة ونصابها: مذهب الحنفية: يقول الحنفية إن الشهادة على أربع مراتب: المرتبة الأولى: الشهادة على الزنا ونصابها أربعة رجال، فلا تقبل فيها شهادة النساء، ولا شهادة عدد من الرجال أقل من أربعة، لقوله تعالى: (واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ((61) . وهذا إذا أريد إثبات الزنا لأجل إقامة الحد أما إذا أريد إثباته لأجل حق آخر يترتب على ثبوته، فلا يشترط فيه هذا العدد بل يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو بالنكول، كما إذا علق الزوج طلاق زوجته على الزنا، وادعت الزوجة حصوله وأنكر الزوج فأثبتته بالبينة أو طلبت تحليفه فنكل يثبت وتطلق المرأة ولكن لا يحد الزوج. المرتبة الثانية: الشهادة على بقية الحدود والقصاص فى النفس أو فيما دونها، ونصابها رجلان، ولا تقبل فيها شهادة النساء لأنها تندرىء بالشبهات:" إدرأوا الحدود بالشبهات ". وشهادة النساء فيها شبهة البدلية عن شهادة الرجال، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، وإن لم تكن بدلا عنها حقيقة، ولما قال الزهرى: مضت السنة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفيتين من بعده لا شهادة للنساء فى الحدود والقصاص. وهذا إذا أريد بإثبات ما ذكر إقامة الحدود والقصاص، أما إذا أريد إثبات حق آخر فلا تشترط الذكورة، كما إذا علق عتق عبده على شرب الخمر، فإنه يجوز إثبات الشرب بشهادة رجل وامرأتين، ويعتق العبد ولكن لا يحد المشهود عليه بالشرب لعدم توفر الشرط فى الشهادة. المرتبة الثالثة: الشهادة على ما لا يطلع عليه الرجال عادة من عيوب النساء فى المواضع التى لا يطلع عليها الرجال كالبكارة والثيوبة والولادة والرتق والقرن، وفيها تكفى شهادة امرأة واحدة واثنتان أحوط لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه " وقول حذيفة رضى الله عنه: أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة القابلة على الولادة. المرتبة الرابعة: سائر الحقوق والمسائل غير ما تقدم، كالبيع والشراء وسائر العقود والمعاملات والحقوق المالية والنكاح والطلاق والوصية والوقف والقتل الذى موجبه المال، ونصاب ذلك كله رجلان أو رجل وامرأتان، لقوله تعالى " واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء" والآية وإن كانت فى مقام حفظ الحق والتوفق له إلا أن القصد من الحفظ إثبات هذه الحقوق عند التجاحد والتخاصم أمام الحاكم وذلك يقتضى إقامة الشهادة عند الحاكم ووجوب أخذ الحاكم بها وإلا لما ظهرت مزية الحفظ (62) . مذهب المالكية: وقال المالكية: إن البينات أنواع: الأول الشهادة على رؤية الزنا، وهذا متفق على أن نصابه أربعة رجال ولا تقبل فيه شهادة النساء، وقد ألحقوا بهذا النوع أحكاما لابد فيها من أربعه شهود وحكوا فيها خلافا، منها الشهود الذين يحضرون لعان الزوجين، والمذهب أن أقلهم أربعة. الثانى: الشهادة فيما ليس بمال ويطلع عليه الرجال غالبا، كالنكاح والطلاق والنسب والشرب والقذف والوكالة وقتل العمد، وهذه لا تثبت إلا بشهادة رجلين ولا مدخل فى شىء منها للنساء. الثالث: الشهادة فى الأموال وحقوقها كالآجال والخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطأ والقرض والبيع وما فى بابه، وكذا ما يتعلق بالمال كإثبات التوارث والوكالة بطلب المال، ونصاب الشهادة فيها اثنان: رجلان أو رجل وامرأتان. والرابع: أحكام لا يطلع عليها الرجال غالبا كالولادة والبكارة والثيوبة وعيوب النساء مما تحت ثيابهن، وهذه تجزىء فيها شهادة امرأتين. وهناك ما يقبل فيه رجل واحد يؤدى علما وخبرة كالطبيب والقائف والترجمان، وما تقبل فيه امرأة واحدة كما فى عيوب الأمة التى لا يطلع عليها الرجال إذا كانت حاضرة، وفى ثبوت الرضاع (63) . مذهب الشافعية: وقال الشافعية: يشترط للزنا واللواط وإتيان البهيمة والميتة، أربعة رجال بالنسبة للحد أو التعزير، لقوله تعالى: (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ((64) . أما بالنسبة لوقوع طلاق علق عليه، فيثبت برجلين لا بغيرهما. ويشترط للمال عين أو دين أو منفعة، ولكل ما قصد به المال من عقد أو فسخ مالى كبيع وإقالة ورهن وشفعة ووراثة، ولكل حق مالى كخيار وأجل وجناية توجب مالا: رجلان أو رجل وامرأتان. ويشترط لغير ذلك مما ليس بمال ولا يقصد منه المال من عقوبة لله تعالى كحد شرب، أو لآدمى كقود وحد قذف، ولما يطلع عليه الرجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وإسلام وإعسار، رجلان لا رجل وامرأتان. إذ لا تقبل فيه شهادة النساء لقول الزهرى: مضت السنة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا تجوز شهادة النساء فى الحدود ولا فى النكاح ولا فى الطلاق. ويشترط لما يختص بمعرفته النساء أو لا يراه الرجال غالبا، كبكارة وضدها، ورتق وقرن، وولادة وحيض وعيوب تحت الثياب، رجلان أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة وحدهن للحاجة، ولا يحكم بشاهد واحد إلا فى هلال رمضان (65) . مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة: إن أقسام المشهود به سبعة: أحدها الزنا واللواط فلا يقبل فيهما أقل من أربعة رجال لقوله تعالى: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (. وقول النبى - صلى الله عليه وسلم - لهلال ابن أمية: (أربعة شهداء وإلا حد فى ظهرك) . واللواط من الزنا، وكذا الشهادة على الإقرار بهما، لابد فيها من أربعة رجال يشهدون أنه أقر أربعا. والثانى: دعوى الفقر، فلا يقبل قول من عرف بالغنى أنه فقير إلا بثلاثة رجال، لحديث مسلم: (حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة) . والثالث: بقية الحدود كحد القذف والشرب وقطع الطريق فلا تثبت بأقل من رجلين وكذا القود، لقول الزهرى: مضت السنة على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ألا تقبل شهادة النساء فى الحدود. والرابع: ما ليس بعقوبة ولا مال ويطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والطلاق والنسب والإيصاء، والتوكيل فى غير المال فلا يقبل فيه أقل من رجلين. والخامس: فى موضحة ونحوها (نوع من جراحة الرأس) وداء بعين وداء دابة فيقبل فيه طبيب واحد وبيطار واحد إن تعذر إشهاد اثنين عليه فإن لم يتعذر فلابد من اثنين. والسادس: فى مال وما يقصد به المال كالبيع وأجله وخياره والرهن والمهر والشركة والشفعة وجناية الخطأ فيقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان، لقوله تعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (وسياق الآية يدل على الاختصاص بالأموال والإجماع منعقد على ذلك، ولا تقبل شهادة أربع نسوة فأكثر مقام رجلين. والسابع: ما لا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والحيض والولادة والاستهلال. وجراحة فى حمام وعرس ونحوهما مما لا يحضره الرجال. فتقبل فيه شهادة امرأة واحدة، لما روى حذيفة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادة القابلة وحدها. وروى أبو الخطاب عن ابن عمر أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (يجزىء فى الرضاع شهادة امرأة واحدة) ، والأحوط اثنتان وإن شهد به رجل كان أولى لكماله (66) . مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم فى " المحلى" (67) : ولا يجوز أن يقبل فى الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين، أو رجلين وأربع نسوة أو رجلا واحدا وست نسوة، أو ثمان نسوة فقط. ولا يقبل فى سائر الحقوق كلها من الحدود والدماء وما فيه القصاص والنكاح والطلاق والرجعة والأموال إلا رجلان مسلمان عدلان أو رجل وامرأتان كذلك أو أربع نسوة كذلك. ويقبل فى كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب، ويقبل فى الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل.. مذهب الزيدية: جاء فى " شرح الأزهار" (68) : واعلم أنه يعتبر فى الزنا وإقراره أربعة رجال أصول، فلا يقبل فى الشهادة على الزنا ولا على الإقرار به شهادة دون أربعة رجال ولا شهادة النساء والفروع أى الشهادة على الشهادة وفى حق الله كحد الشارب ولو مشوبا كحد القاذف والسارق للقطع، وفى القصاص: يعتبر رجلان أصلان، ولا تقبل فيه شهادة النساء ولا الفروع وفى عورات النساء وما لا يطلع عليه الرجال منهن تقبل معه امرأة عدلة: الحرائر والإماء سواء، وفيما عدا حقوق الله المحضة والمشوبة والقصاص وما ذكر يقبل فيه رجلان أو رجل واحد وامرأتان أو شاهد ويمين المدعى سواء فى نكاح أو طلاق أو نسب أو مال، ولا يقبل شاهد ويمين فى أصل الوقف بل لابد من رجلين أصليين. مذهب الإمامية: فى مذهب الشيعة الإمامية: جاء فى " المختصر النافع" (69) :ولا تقبل شهادة النساء فى الهلال والطلاق، وفى قبولها فى الرضاع تردد أشبهه القبول، ولا تقبل فى الحدود، وتقبل مع الرجال فى الرجم على تفصيل يأتى. وفى الجراح والقتل بأن يشهد رجل وامرأتان، ويجب بشهادتهن الدية لا القود، وفى الديون مع الرجال، ويقبلن منفردات فى البكارة وعيوب النساء الباطنة، وتقل شهادة القابلة فى ربع ميراث المستهل الذى يصرخ عند الولادة، وامرأة واحدة فى ربع الوصية، وكذا كل امرأة يثبت شهادتها فى أربعا حتى يكملن أربع فتقبل شهادتهن فى الوصية أجمع. وفى كفاية الأحكام من باب الشهادات تقبل فى عيوب النساء والاستهلال والنفاس والحيض والولادة والرضاع شهادة امرأتين مسلمتين وإذا لم يوجد إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه. وفى كتاب "شرائع الإسلام ": وتقبل شهادة امرأتين مع رجل فى الديون والأموال 0 وفى المختصر (70) : ويثبت الزنا بالإقرار أو البينة، ولا يكفى فى البينة اقل من أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين ولو شهد رجلا ن وأربع نساء يثبت بهم الجلد لا الرجم. ولا تقبل شهادة ست نساء ورجل ولا شهادة النساء منفردات، ولو شهد ما دون الأربع لم يثبت وحدوا للفرية. وجاء فيه أن حد القذف والسكر والسرقة يثبت بشهادة عدلين وكذا المحارب، وفى القصاص يثبت بالبينة شاهدين لا شاهد وامرأتين، وفى إتيان البهائم ووطء الأموات يثبت بشهادة رجلين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمات. مذهب الإباضية: جاء فى " شرح النيل " (71) : وتقبل من عدلين حرين بالغين عاقلين أو امرأتين كذلك مع عدل ولو وجد عدلان إلا فى زنا. وترد من نساء فى الحدود مطلقا، الرجم والجلد والتعزير والنكال والحد وقطع السارق، فلا تقبل مع الرجال كما لا تقبل منهن وحدهن وقيل:ترد منهن فى الزنا رجما أو جلدا وتقبل فى غيره، وتقبل منهن فيما لا يباشره الرجال كرتق وعفل وبكارة وثيوبة وبيان حمل وحياة مولود وموته عند ولادته، ومن قابلة أمينة فإن قولها بحياة المولود وموته ونحو ذلك مقبول، إن لم تجر لنفسها أو لمن لا تشهد له نفعا أو تدفع ضررا. واختلفوا فى نصاب النساء فيما لا يباشره الرجال فقيل: أمينة وقيل: أمينتان بمنزلة رجل، وقيل: أربع، كل اثنتين بمنزلة رجل شهادة غير المسلمين: مذهب الحنفية: يقول الحنفية: إن الشهادة فيها معنى الولاية، ومن ثم لا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم لانعدام الولاية (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ((72) . وتقبل شهادة المسلم على غير المسلم لتحقق المعنى. وكذا شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض، وإن اختلفت مللهم لأن الذمى من أهل الولاية على نفسه وأولاده وهو يجتنب ما يعتقده محرما فى دينه والكذب محرم فى الأديان كلها. ولا تقبل شهادة المستأمن على مثله مع اختلاف الدار بينهما لانقطاع الولاية، وقالوا أيضا: لا تقبل شهادة غير العاقل ولا الصبى ولا المملوك لأنهم ليسوا من أهل الولاية (73) . مذهب المالكية والشافعية: وقال المالكية والشافعية: لا تجوز شهادة غير المسلمين مطلقا لا على المسلمين، ولا على بعضهم البعض سواء اتحدت ملتهم أو اختلفت وسواء أكان فى السفر أم فى الحضر، لقوله تعالى: (ممن ترضون من الشهداء (. وقوله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم (. وذكر ابن القيم فى الطرق الحكمية (74) : إن الإمام مالكا أجاز شهادة الطبيب الكافر حتى علي المسلم للضرورة. وذكر ابن حزم فى " المحلى" (75) : أن المالكية أجازوا شهادة طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيب مسلم (76) . مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة: لا تجوز شهادة غير المسلم ولو كان من أهل الذمة مطلقا لا عل مسلم ولا على مثله اتحدت ملتهم أو اختلفت لقوله تعالى: (واشهدوا ذوى عدل منكم (، وغير المسلم ليس منا ولأنه غير مأمون. واستثنوا حالة الوصية فى السفر، فأجازوا شهادة أهل الكتاب بالوصية فى السفر ممن حضره الموت من مسلم وكافر عند عدم وجود مسلم، فتقبل شهادتهم فى هذه الحالة فقط ولو لم تكن لهم ذمة لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ((77) ، وأجاب غيرهم بأن معنى قوله: (آخران من غيركم (: أى من غير عشيرتكم، أو أن الآية منسوخة بقوله تعالى: (وأشهدوا ذوى عدل منكم ((78) . مذهب الظاهرية: وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى " المحلى" (79) : لا يجوز أن يقبل كافر أصلا لا على كافر ولا على مسلم، حاشا الوصية فى السفر فقط، فإنه يقبل فى ذلك مسلمان أو كافران من أى دين كانا، أو كافر وكافرتان أو أربع كوافر، ويحلف الكفار ههنا مع شهادتهم، بعد الصلاة بالله لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذن لمن الآثمين. برهان ذلك قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ((80) . والكافر فاسق فوجب ألا يقبل. وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض (الآية، فوجب أخذ حكم الله تعالى كله، وأن يستثنى الأخص من الأعم ليتوصل بذلك إلى طاعة الجميع. مذهب الزيدية: (81) ولا تصح من كافر حربى وثنى أو ملحد أو مرتد مطلقا، ولا من غيرهم على مسلم إجماعا لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الإسلام يعلو) . ويقبل الذمى على أهل ملته كالمسلم على مثله بخلاف الحربى لانقطاع أحكامهم،. فأشبه المرتد، ولا تقبل على مسلم إجماعا ولو على وصيته فى السفر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقبل شهادة ملة على ملة إلا ملة الإسلام، فإنها تجوز على الملل كلها) . مذهب الإمامية: وفى مذهب الشيعة الإمامية، جاء فى " المختصر النافع" (82) : وتقبل شهادة المؤمن على أهل الملل، ولا تقبل شهادة أحدهم على المسلم ولا غيره. وهل تقبل علي أهل ملته؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة، والأشبه المنع. وفى كتاب " شرائع الإسلام": أن شهادة غير المسلم تقبل على المسلم وغيره فى الوصية مع عدم حضور عدول المسلمين، ولا يشترط كون الموصى فى غربة. مذهب الإباضية: وفى مذهب الإباضية، جاء فى " شرح النيل" (83) : والإجماع على عدم قبول شهادة الكفار على المسلمين، وتجوز شهادة مشرك على مشرك من ملته، وبعضهم يجيز شهادة أعلاهم على من دونه كنصرانى على يهودى، ويهودى على مجوسى. وتقبل من كتابى على مثله فى ملته، ويهودى على يهودى، ونصرانى على نصرانى، وترد من ذى ملة على أخرى فوقها أو دونها (84) . وقيل: يجوز كل ملة شرك على ملة شرك أخرى، وجوزت من أهل ملة على أهل ملة دونها لا فوقها. ومن قال: الشرك كله ملة واحدة أجاز شهادة كل ملة على أخرى. الشهادة على النفى مذهب الحنفية: الأصل عند الحنفية أن الشهادة على النفى لا تقبل، ولكنهم قالوا: إذا توافرت شروط التواتر فى الشهادة على النفى تقبل، كما إذا ادعى شخص على آخر أنه اعتدى عليه بالضرب أو بالقذف فى يوم كذا فى مكان كذا، وحدده. فأقام المدعى عليه بينة على أنه لم يكن فى ذلك اليوم فى ذلك المكان بل كان فى مكان كذا،وتواتر بين الناس أنه كان حقيقة فى المكان المذكور فى اليوم المذكور،وكذلك إذا كان النفى شرطا لثبوت أمر وجودى مترتب عليه، كقول الشخص: إن لم أدخل الدار اليوم فامرأتى طالق أو عبدى حر، فبرهنت المرأة أو العبد على أنه لم يدخل الدار في هذا اليوم تقبل،لأن الغرض من إثبات الشرط فى الواقع إثبات الجزاء وهو الطلاق أو العتق،وكذلك إذا كان النفى يحيط به علم الشاهد،كما إذا قال الزوج للمرأة: بلغك النكاح؟ فسكتت،وقالت: رددت، فأقام بينة على سكوتها،تقبل. لأن السكوت فى مجلس محدد الطرفين مما يحيط به الشاهد القائم علي المجلس وكذلك لو كان النفى ضمن إثبات،كما إذا اختلفا فى أن المرضع أرضعت الصغير بلبن شاة أو بلبن نفسها، فشهدت البينة بأنها أرضعته بلبن شاة لا بلبن نفسها تقبل لأن النفى هنا داخل ضمن الإثبات فإن قولهما أرضعته بلبن شاه يتضمن أنها لم ترضعه بلبن نفسها، وقولهما بعد ذلك: لا بلبن نفسها تصريح بالنفى الذى تضمنه الإثبات، وكشهادة الشاهدين بانحصار إرث المتوفى فى أولاده زيد وعمرو وخالد،ولا وارث له سواهم. جاء فى " فروع الدر" من باب القبول وعدمه فى الشهادات: " شهادة النفى المتواتر مقبولة ". وفى تعليق ابن عابدين فى الحاشية على ذلك: " وذكر فى الهامش فى النوادر عن الثانى، شهدا عليه بقول أو فعل يلزم عليه بذلك إجارة أو بيع أو كتابة أو طلاق أو عتاق أو قتل أو قصاص فى مكان أو زمان وصفاه،فبرهن المشهود عليه أنه لم يكن ثمة يومئذ،لا تقبل. لكن قال فى المحيط فى الحادى والخمسين: إن تواتر عند الناس، وعلم الكل عدم كونه فى ذلك المكان والزمان فلا تسمع الدعوى ويقضى بفراغ الذمة لأنه يلزم تكذيب الثابت بالضرورة، والضروريات مما لا يدخله الشك عندنا. وفى هذا التعليق أيضا: وذكر الناطفى: أمن الإمام أهل مدينة من دار الحرب فاختلطوا بمدينة أخرى وقالوا: كنا جميعا فشهدا أنهم لم يكونوا وقت الأمان فى تلك المدينة يقبلان، إذا كانا من غيرهم. وذكر الإمام السرخسى: أن الشرط وإن نفيا كقوله إن لم أدخل الدار اليوم فامرأته كذا، فبرهنت على عدم الدخول اليوم يقبل.. لأن الغرض إثبات الجزاء، وقد علل صاحب الفتح قبول بينة الزوج على سكوت المرأة فى مجلس بلوغها النكاح بقوله: لأنها لم تقم على النفى بل على حالة وجودية فى مجلس يحاط بطرفيه أو هو نفى يحيط به الشاهد فيقبل. وقد ذكرت هذه الفروع وغيرها فى " جامع الفصولين "، وذكر أن الشهادة فيها قبلت على النفى (85) . مذهب المالكية: وفى مذهب المالكية يقول " صاحب التبصرة " (86) : قال القرافى: اشتهر على ألسنة الفقهاء أن الشهادة علي النفى غير مقبولة، وفيه تفصيل. فإن النفى قد يكون معلوما بالضرورة أو بالظن الغالب الناشئ عن الفحص، وقد يعرى عنهما. فهذه ثلاثة أقسام: الأول: تجوز الشهادة به اتفاقا كما لو شهد أنه ليس فى هذه البقعة التي بين يديه فرس ونحوه، فإنه يقطع بذلك، وكذلك يجوز أن يشهد أن زيدا لم يقتل عمرا بالأمس لأنه كان عنده فى البيت لم يفارقه، أو أنه لم يسافر لأنه رآه فى البلد فهذه شهادة صحيحة بالنفى. الثانى: يجوز الشهادة بالنفى مستندا إلى الظن الغالب، ومن ذلك الشهادة على حصر الورثة وأنه ليس له وارث غير هذا، فمستند الشاهد الظن، وقد يكون له وأرث لم يطلع عليه، فهى شهادة على النفى مقبولة. الثالث: ما عرى عنهما، مثل أن يشهد أن زيدا لم يوف الدين الذى عليه أو ما باع سلعته ونحو ذلك، فهذا نفى غير منضبط، وإنما تجوز الشهادة علي النفى المضبوط قطعا أو ظنا. مذهب الشافعية: وفى مذهب الشافعية: يقول الإمام الجلال السيوطى فى " الأشباه والنظائر" (87) : الشهادة على النفى لا تقبل إلا فى ثلاثة مواضع: أحدها: الشهادة علي أنه لا مال له وهى شهادة الإعسار. الثانى: الشهادة على أنه لا وارث له. الثالث: أن يضيفه إلى وقت مخصوص، كأن يدعى عليه بقتل أو اتلاف أو طلاق فى وقت كذا فيشهد له بأنه ما فعل ذلك فى هذا الوقت فإنها تقبل فى الأصح. مذهب الحنابلة: وفى مذهب الحنابلة: أن الشهادة على النفى مقبولة إذا كان النفى مضبوطا ويحيط به علم الشارع أو كان يستند إلى علم أو دليل ظني. جاء فى " كشاف القناع " (88) : وإن شهدا لمن ادعى إرث ميت أنه وأرثه لا يعلمان له وارثا سواه حكم له بتركته سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة بصحبة أو معاملة أو جوار أو لا، لأنه قد ثبت إرثه والأصل عدم الشريك فيه. وإن قالا: لا نعلم له وارثا غيره فى هذا البلد أو بأرض كذا، فكذلك. لأن الأصل عدمه فى غير هذا البلد وقد نفيا العلم به فى هذا البلد فصار فى حكم المطلق. إلى أن قال الموفق فى فتاويه: إنما احتاج إلى إثبات أن لا وارث له سواه لأنه يعلم ظاهرا، فإنه بحكم العادة يعرفه جاره ومن يعرف باطن أمره بخلاف دينه علي الميت لا يحتاج إلى إثبات ألا دين له سواه لخفاء الدين ولا ترد الشهادة على النفى المحصور. بدليل المسألة المذكورة ومسألة الإعسار، والبينة فيه تثبت ما يظهر ويشاهد، بخلاف شهادتهما: لا حق له عليه ويدخل فى كلامهم إن كان النفى محصورا قبلت كقول الصحابى، دعى النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة، وكان يأكل لحما مشويا من شاة يحتز منه بالسكين فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ. قال القاضى: لأن العلم بالترك والعلم بالفعل سواء فى هذا المعنى، ولهذا نقول إن من قال: صحبت فلانا فى يوم كذا فلم يقذف فلانا قبلت شهادته كما تقبل فى الإثبات. مذهب الزيدية: وفى مذهب الشيعة الزيدية: لا تقبل الشهادة على النفى إلا إذا كان النفى يقتضى الإثبات وكان متعلقا به. جاء فى " شرح الأزهار" (89) : واعلم أن الشهادة لا تصح على نفى نحو أن يشهد الشهود أنه لا حق لفلان على فلان أو أن هذا الشىء ليس لفلان، إلا أن يقتضى الإثبات ويتعلق به نحو أن يشهدوا أنه لا وارث لزيد سوى فلان، فإن هذا نفى لكنه يقتضى أن فلانا هو الذى يستحق جميع الميراث، فاقتضى النفى الإثبات مع كونه متعلقا به لأن كونه الوارث وحده يتعلق بأنه يستحق جميع الميراث، فلو اقتضاه ولكن ليس بينهما تعلق لم تصح نحو أن يشهدوا أنه قتل أو باع فى يوم كذا فى موضع كذا، ثم شهد آخران أن الفاعل أو الشهود أو المشهود بقتله فى ذلك اليوم فى موضع آخر غير الذى شهدوا على وقوع الفعل فيه، فإنها شهادة على النفى أى أنه ما قتل وما باع فى ذلك الموضع فلا تصح لأنها وإن تضمنت العلم ببراءة المشهود عليه. لكن ليس بين كونه فى موضع كذا فى يوم كذا وبين القتل والبيع تعلق، فلم تصح لعدم التعلق. وقال بعضهم: تصح، لأنها تضمنت العلم ببراءة الفاعل وهذا غاية التعلق فصحت. وفى " البحر الزخار": ولا تصح على نفى كلاحق لفلان ونحوه، إلا حيث يمكن اليقين كعلى إقرار بنفى، أو أنه لم يكن بحضرتنا (90) . وهذا يضيف جواز الشهادة على النفى الذى يتيقن به. مذهب الإمامية: تقبل شهادة فى دعوى الإعسار، فلو شهدت البينة بالإعسار مطلقا دون تعرض لتلف المال المعلوم أصله وغيره لم تقبل حتى تكن مطلعة على باطن أمره بالصحبة المؤكدة، وكذا تقبل فى دعوى المواريث فى دار فى يد إنسان ادعى آخر أنها له ولأخيه الغائب إرثا عن أبيهما وأقام بينة، فإن كانت كاملة وشهدت أنه لا وارث له سواهما سلم إليه النصف ونعنى بالكاملة ذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة (91) . مذهب الإباضية: وفى مذهب الإباضية جاء فى " شرح النيل" (92) : وإن شهد الشاهدان أنه قتله فى موضع كذا وقت كذا، وشهد آخران له أنه فى ذلك الوقت فى موضع كذا، فإنه يقتل وبطلت بينته. وقال وائل بن أيوب: " سقط القتل عنه ". فهو يذكر رأيين فى المسألة كما ذكر فى مذهب الزيدية. الشهادة على الشهادة: تقبل الشهادة على الشهادة فى المذاهب الثمانية (93) بشروط وأوضاع مفصلة فى المذاهب ومجال بيانها فى مصطلح شهادة (انظر: شهادة) علم القاضى يقول الحنفية: إذا كان القاضى قد استفاد علمه بحقيقة الحادثة المعروضة عليه فى زمن قضائه وفى المكان الذى يتولى القضاء فيه، فإن كانت الحادثة فى حد خالص لله تعالى كحد الزنا والشرب فلا يجوز له القضاء فيها بعلمه للشبهة الموجبة لدرء الحد، وإن كانت فى حد فيه حق للعبد كحد القذف أو فى حقوق العباد الخالصة كالأموال والعقود المقصود منها المال من البيع والشراء والقرض أو غير الأموال كالنكاح والطلاق والقتل، يجوز القضاء فيها بعلمه، وهذا بالاتفاق بين الإمام وصاحبيه. أما إذا كان قد استفاد علمه بحقيقة الحادثة قبل توليه القضاء أو بعد توليه القضاء ولكن فى غير المكان الذى يتولى القضاء فيه ولو علم بها فى مصر آخر حال قضائه ثم عاد إلى مصره فرفعت إليه وعلم بها وهو قاض فى مكان قضائه ثم عزل ثم أعيد إلى القضاء فعرضت عليه الحادثة، ففى هذه الحالات كلها، لا يجوز له أن يقضى بعلمه عند الإمام أبى حنيفة، سواء كانت فى حدود الله الخالصة أو فى غيرها من الحدود الأخرى أو حقوق العباد المالية أو غير المالية. وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد: يجوز له أن يقضى بعلمه فى تلك الحالات جميعها إلا فى حدود الله الخالصة، فإنه لا يجوز له أن يقضى فيها بعلمه كما قال الإمام غير أنه فى حد الشرب إذا أتى بشخص فى حالة سكر ينبغى له أن يعزره لأجل التهمة ولا يكون ذلك من باب القضاء ولا إقامة الحد إذ له تعزير المتهم فإن لم يثبت عليه، هذا هو رأى المتقدمين من فقهاء الحنفية، أما المتأخرون منهم فقد أفتوا بعدم جواز قضاء القاضى بعلمه فى زماننا فى شىء أصلا لغلبة الفساد فى القضاة. وقد روى عن الإمام أبى حنيفة أن القاضى إذا علم بطلاق أو عتق أو غصب، أمر بأن يحال بين المطلق ومطلقته والمعتق وأمته والغاصب وما غصبه، بأن يجعل المطلقة أو الأمة أو المغصوبة تحت يد أمين إلى أن يثبت ما علمه القاضى بطريق شرعى ببينة أو إقرار أو نكول وذلك لكيلا يقربها المطلق أو السيد أو الغاصب، وهذا علي وجه الحسبة لا على وجه القضاء. ومذهب المتأخرين هو المعتمد وعليه الفتوى وعليه العمل الآن، ومن ثم يمكن القول بأن علم القاضى ليس طريقا للقضاء على المعتمد فى مذهب الحنفية. جاء فى" تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار": واعلم أن الكتابة بعلمه كالقضاء بعلمه فى الأصح، فمن جوزه جوزها ومن لا فلا، إلا أن المعتمد عدم حكمه بعلمه فى زماننا " أشباه " وفيها الإمام يقضى بعلمه فى حد قذف وقود وتعزير. قلت: فهل الإمام قيد؟ لم أره. لكن فى شرح " الوهبانية للشرنبلالى"، والمختار الآن عدم حكمه بعلمه مطلقا كما لا يقضى بعلمه فى الحدود الخالصة لله تعالى كزنا وخمر مطلقا،غير أنه يعزر من به أثر السكر للتهمة. وعن الإمام أن علم القاضى فى طلاق وعتاق وغصب يثبت الحيلولة على وجه الحسبة لا القضاء. وعلق ابن عابدين فى الحاشية على ذلك بما يأتى ملخصا: وشرط جوازه عند الإمام أن يعلم فى حال قضائه فى المصر الذى هو قاضيه بحق غير حد خالص لله تعالى من قرض أو بيع أو غصب أو تطليق أو قتل عمد أو حد قذف، فلو علم قبل القضاء فى حقوق العباد ثم ولى فرفعت إليه تلك الحادثة أو علمها فى حال قضائه فى غير مصره، ثم دخله فرفعت إليه لا يقضى عنده، وقالا يقضى. وكذا الخلاف لو علم بها وهو فاض فى مصره ثم عزل ثم أعيد. وأما فى حد الشرب وحد الزنا فلا ينفذ قضاؤه بعلمه اتفاقا،إلا أن المعتمد عند المتأخرين عدم جواز حكمه بعلمه لفساد قضاة الزمان. وعبارة الأشباه: والفتوى اليوم على عدم العمل بعلم القاضى فى زماننا وهذا موافق لما مر من الفرق بين الحد الخالص لله تعالى وبين غيره ففى الأول:لا يقضى اتفاقا بخلا ف غيره فيجوز القضاء فيه بعلمه وهذا على قول المتقدمين وهو خلاف المفتى به، وإذا علم القاضى بالسكر يعزره للتهمة لأن القاضى له تعزير المتهم وان لم يثبت عليه، وإن علم بالطلاق أو العتق أو الغصب، يأمر بالحيلولة بين المطلق وزوجته والمعتق وأمته أو عبده، والغاصب وما غصبه، بأن يجعله تحت يد أمين إلى أن يثبت ما عمله القاضى بوجه شرعى على وجه الاحتساب وطلب الثواب لئلا يطأها الزوج أو السيد الغاصب لا على طريق الحكم بالطلاق أو العتاق أو الغصب (94) . مذهب المالكية: وفى مذهب المالكية: إن القاضى يقضى بعلمه ويعتمد عليه فى الجرح والتعديل فى الشهود اتفاقا، أما غير ذلك من الأشياء ففيه خلاف، والعمل علي أنه لا يعتمد على علمه. جاء فى " تبصرة " (95) وفى "مختصر الواضحة " إذا كان الحاكم عالما بعدالة الشاهد حتى أنه لو لم يكن حاكما لزمه تعديله إذا سئل عنه فذلك الذى يجيز شهادته على علمه ولا يعدله لا سرا ولا علانية، وإن سأله ذلك المشهود عليه، وكذلك إذا علم الحاكم من الشاهد جرحه حتى أنه لو لم يكن حاكما لزمه أن يجرحه إذا سئل عنه، فلا يعدله لا سرا ولا علانية ولا يقبل شهادته، وأن عدله المشهود له عنده بجميع أهل بلده. ثم قال: واختلف فى حكمه بما أقر به الخصمان بين يديه، فقال مالك وابن القاسم لا يحكم بعلمه فى ذلك. وقال عبد الملك بن الماجشون: يحكم وعليه قضاة المدينة، ولا أعلم أن مالكا قال غيره. وبه قال مطرف وسحنون وأصبغ، والأول هو المشهور. وقال فى " المتيطية ": قال الشيخ عبد الرحمن فى مسائله: قول ابن القاسم أصح لفساد الزمان ولو أدرك عبد الملك وسحنون زماننا لرجعا عما قالاه، ولو أخذ بقولهما لذهبت أموال الناس وحكم عليهم بما لم يقروا به ثم إذا حكم بعلمه فى ذلك فعلى قول مالك وأبن القاسم ينقضه هو كما ينقضه غيره وجاء فى كتاب "العقد المنظم " للحكام للقاضى الفقيه ابن سلمون الكنانى على "هامش التبصرة" (96) يعتمد القاضى على علمه فى التجريح والتعديل اتفاقا، ولا يحكم بعلمه فى شىء من الأشياء كان مما أقر به أحد الخصمين عنده أم لا، إلا أن يشهد عليه بذلك شاهد عدل، قاله ابن القاسم وبه العمل. وقال ابن الماجشون: يحكم عليه بما أقر به عنده وإن لم يشهد عليه، وهو قول عيس وأصبغ وسحنون، وليس به عمل. مذهب الشافعية: وفى مذهب الشافعية: يجوز للقاضى أن يقضى بعلمه فى غير الحدود الخالصة لله تعالى، أما فيها فلا يقضى بعلمه لسقوطها بالشبهة ولأنه يندب فيا الستر. جاء فى " حواشى التحفة " (97) : والأظهر أن القاضى يقضى بعلمه، أى بظنه المؤكد الذى يجوز له الشهادة مستندا إليه، وأن استناده قبل ولايته بأن يدعى عليه مالا وقد رآه القاضى أقرضه ذلك أو سمع المدعى عليه أقر بذلك. ولابد أن يصرح بمستنده ليقول: علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمى. فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه ولابد أن يكون ظاهر التقوى والورع، إلا فى حدود وتعازير الله تعالى، كحد زنا أو محاربة أو سرقة. أو شرب لسقوطها بالشبهة مع ندب سترها فى الجملة، أما حقوق الآدميين فيقضى فيها سواء المال والقود وحد القذف،ويقضى بعلمه فى الجرح والتعديل والتقويم قطعا. مذهب الحنابلة: وفى مذهب الحنابلة: ليس للقاضى أن يقضى بعلمه مطلقا إلا فى الجرح والتعديل جاء فى " كشاف القناع " (98) : ولا خلاف أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة فى مجلسه وهو محل نفوذ حكمه إذا سمعه معه شاهدان،لأن التهمة الموجودة فى الحكم بالعلم منفية هنا، فإن لم يسمعه أى الإقرار أو البينة معه أحد أو سمعه معه شاهد واحد فله الحكم أيضا فى رواية حرب،لأنه ليس حكما بمحض العلم ولا يضر رجوع المقر. وقال القاضى: ليس له الحكم لأنه حكم بعلمه. والأولى أن يحكم إذا سمعه معه شاهدان خروجا من الخلاف،فأما حكمه بعلمه فى غير ذلك مما رآه أو سمعه قبل الولاية أو بعدها فلا يجوز لقول النبى - صلى الله عليه وسلم -: (إنما أنا بشر مثلكم وأنتم تختصمون إلى،ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع متفق عليه. فدل على إنه يقضى بما سمع لا بما علم، إلا فى الجرح والتعديل فيعمل بعلمه فى ذلك لأن التهمة لا تلحقه فيه،لأن صفات الشهود معنى ظاهر. بل قال القاضى وجماعة: ليس هذا بحكم،لأنه يعدل هو ومجرح غيره، ويجرح هو ويعدل غيره،ولو كان حكما لم يكن لغيره نقضه. وفى الطرق الحكمية: الحكم بالاستفاضة ليس من حكمه بعلمه فيحكم بما استفاض وإن لم يشهد به أحد عنده. مذهب الظاهرية: وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى " المحلى" (99) : وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه فى الدماء والقصاص والأموال والفروج والحدود وسواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم " أن يكون " بعلمه لأنه يقين الحق ثم بالإقرار ثم بالبينة. مذهب الزيدية: وفى مذهب الزيدية،جاء فى " شرح الأزهار وهامشه " (100) : وله القضاء بما علم إلا فى حد غير القذف فلا يجوز له أن يحكم فيه بعلمه لقوله تعالى: (لتحكم بين الناس بما أراك الله ((101) ومن حكم بعلمه فقد حكم بما أراه الله وعلم القاضى أبلغ من الشهادة،ولقول أبى بكر: لو رأيت رجلا على حد لم أحده حتى تقوم به البينة عندى. فأما فى حد القذف والقصاص والأموال فيحكم فيها بعلمه سواء علم ذلك قبل قضائه أو بعده لتعلق حق الآدمى بحد القذف، وفى السرقة يقضى بعلمه لأجل المال لا لأجل الحد. وفى " البحر الزخار" (102) : وله القضاء بما علم فى حق الآدمى وإن لم تقم بينة لعموم قوله تعالى: (فاحكم بينهم بالقسط (ولإذنه- صلى الله عليه وسلم - لهند أن تأخذ الكفاية من مال زوجها وإن كره،وذلك قضاء بالعلم،ولأن الشهادة إنما تثمر الظن فالعمل بالعلم أولى، ولا يقضى بعلمه فى حد غير القذف لخبر أبى بكر ولندب ستره، وجاز فى حد القذف لتعلق حق الآدمى به. مذهب الإمامية: وفى مذهب الإمامية: أجازو للإمام أن يحكم بعلمه مطلقا، واختلفوا فى غيره من الحكام، فقيل: يجوز له أن يحكم بعلمه مطلقا وهو الأشهر، وقيل يجوز ذلك فى حقوق العباد دون حقوق الله، وقيل:بالعكس. وفى كفاية الأحكام من باب القضاء: الإمام يحكم بعلمه مطلقا، والأشهر فى غيره جواز الحكم بالعلم مطلقا، وقال ابن إدريس: يجوز حكمه فى حقوق الناس دون حقوق الله. ونقل فى " المسالك " عن ابن الجنيد عكس ذلك. وفى "المختصر النافع" (103) : للإمام أن يقضى بعلمه مطلقا فى الحقوق، ولغيره فى حقوق الناس، وفى حقوق الله قولان. مذهب الإباضية: وفى مذهب الإباضية يقول صاحب " شرح النيل" (104) : ولا يحكم الحاكم بعلمه فى شىء علمه قبل أن يكون قاضيا أو بعد أن كان قاضيا إلا ما علمه فى مجلس قضائه أو التزكية. وقيل: يحكم بما علم فى منزله الذى يقضى فيه، وقيل فى البلد الذى هو قاض عليه، ومعنى مجلس القضاء المكان الذى يجلس للقضاء فيه. وقيل: ما علمه من لسان الخصمين حال محاكمتهما عنده، والقولان فى المذهب. إلى أن قال: والمذهب أنه يقضى بما علم فى مجلس قضائه، والصحيح أن مجلس القضاء مجلسه حين تداعى الخصمين. القرينة القاطعة: وهى التى توجد عند الإنسان علما بموضوع النزاع والاستدلال يكاد يكون مماثلا للعلم الحاصل من المشاهدة والعيان. مذهب الحنفية: قد ذكر ابن الغرس من فقهاء الحنفية فى كتابه " الفواكه البدرية ": أن طريق القاضى إلى الحكم يختلف باختلاف المحكوم به والطريق فيما يرجع إلى حقوق العباد المحضة عبارة عن الدعوى والحجة. وهى إما البينة أو الإقرار أو اليمين أو النكول عنه أو القسامة أو علم القاضى بما يريد أن يحكم به أو القرائن الواضحة. التى تصير الأمر فى حيز المقطوع به، فقد قالوا: لو ظهر إنسان من دار بيده سكين وهو متلوث بالدماء سريع الحركة عليه أثر الخوف فدخلوا الدار على الفور فوجدوا فيها إنسانا مذبوحا بذلك الوقت ولم يوجد أحد غير ذلك الخارج، فإنه يؤخذ به، وهو ظاهر إذ لا يمترى أحد فى أنه قاتله. والقول بأنه ذبحه آخر ثم تسور الحائط أو أنه ذبح نفسه، احتمال بعيد. إذ لم ينشأ عن دليل، وبذلك كانت القرينة القاطعة طريقا للقضاء مثل البينة والإقرار. هذا ما ذكره ابن الغرس، وقد تعقبه الخير الرملى فى " حاشية المنح " بأن هذا غريب خارج عن الجادة فلا ينبغى التعويل عليه ما لم يعضده نقل من كتاب معتمد ونقل فى تكملة رد المحتار عن صاحب البحر، أنه قال: إن مدار القرينة القاطعة على ابن الغرس وأنه لم يرما قاله لغيره. وقال صاحب " التكملة ": والحق أن هذا محل تأمل، ولا يظن أن فى مثل ذلك يجب القصاص مع أن الإنسان قد يقتل نفسه، وقد يقتله آخر ويفر، وقد يكون أراد قتل الخارج فأخذ السكين وأصاب نفسه فأخذها الخارج وفر منه وخرج مذعورا، وقد يكون اتفق دخوله فوجده مقتولا فخاف من ذلك وفر وقد تكون السكين بيد الداخل فأراد قتل الخارج ولم تخلص منه إلا بالقتل، فصار من باب دفع الصائل، الدفاع عن النفس فلينظر التحقيق فى هذه المسألة (105) . وفى رسالة نشر العرف فى بناء بعض الأحكام على العرف من مجموعة رسائل ابن عابدين قال، بعد أن ذكر طائفة من المسائل والفروع التى بنى فيها المتأخرون الأحكام والفتاوى على العرف المتغير، ويقرب من ذلك مسائل كثيرة أيضا حكموا فيها قرائن الأحوال العرفية كالحكم بالحائط بمن له اتصال أثر بيع ثم لمن له عليه أخشاب لأنه قرينة على سيق اليد، وجواز الدخول بعن زفت إليه ليلة العرس وإن لم يشهد عدلان بأنها زوجته. وساق مسائل كثيرة منها ما ذكره ابن الغرس سالف الذكر. ثم قال: ولكن لابد لكل من المفتى والحاكم من نظر سديد واشتغال مديد ومعرفة بالأحكام الشرعية والشروط المرعية فإن تحكيم القرائن غير مطرد ألا ترى لو ولدت الزوجة ولدا أسود وادعاه رجل أسود يشبه الولد من كل وجه فهو لزوجها الأبيض ما لم يلاعن. وحديث ابن زمعة فى ذلك مشهور، عن عائشة - رضى الله عنها- قالت: اختصم سعد ابن أبى وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ابن وليدة بن زمعة فقال سعد: يا رسول الله، ابن أخى عتبة بن أبى وقاص، عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه. وقال عبد بن زمعة: هذا آخى يا رسول الله ولد على فراش أبى فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة، فقال: (هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر، احتجبى منه يا سودة بنت زمعة) . قال فلم ير سودة قط (106) : والقرائن مع النص لا تعتبر، وكذا لو شهد الشاهدان بخلاف ما قامت عليه القرينة فالمعتبر هو الشهادة إلى أن قال: فلذا كان الحكم بالقرائن محتاجا إلى نظر سديد وتوفيق وتأييد (107) . فإذا كان مدار اعتبار القرينة القاطعة من طرق القضاء فى مذهب الحنفية على ابن الغرس ولم ينسب القول به إلى أمام من أئمة المذهب ولم ينقل عن كتاب معتمد فى المذهب حتى قال فيه الخير الرملى وصاحب " البحر" ما سلفت الإشارة إليه. وقال ابن عابدين إن تحكيم القرائن غير مطرد وبين عدم اعتبارها فى كثير من المسائل ــ إذا كان الأمر كذلك - فإنه يمكن القول بأن القرينة القاطعة ليست من طرق القضاء عند الحنفية. مذهب المالكية: وفى مذهب المالكية: أن القرينة طريق للقضاء، فقد عقد "التبصرة"00 بابا للقضاء بما يظهر من قرائن الأحوال والأمارات ذكر فيه طرفا من أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالأمارات فقال: ومنها ما ورد فى الحديث فى قضية الأسرى من قريظة كما حكم فيهم سعد، أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية، فكان بعضهم يدعى عدم البلوغ. فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزريهم فيعلمون بذلك البالغ من غيره، هذا من الحكم بالإمارات، ومنها حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من بعده بالقافة وجعلها دليلا على ثبوت النسب، وليس فيها إلا مجرد الإمارات والعلامات، ومنها حكم عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - والصحابة معه متوافرون برجم المرأة إذا ظهر بها حمل ولا زوج لها. وقال بذلك مالك وأحمد بن حنبل اعتمادا على القرينة الظاهرة ومنها حكم عمر بن الخطاب وابن مسعود وعثمان - رضى الله عنهم-، ولا يعلم لهم مخالف بوجوب الحد على من وجد من فيه رائحة الخمر أو قاءها اعتمادا على القرينة الظاهرة. ثم قال: قال ابن العربى: على الناظر أن يلحظ العلامات إذا تعارضت فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح وخلاف فى الحكم بها. وقد جاء العمل بها فى مسائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة. وبعضها قال به المالكية خاصة: الأولى: أن الفقهاء كلهم يقولون بجواز وطء الرجل المرأة إذا زفت إليه ليلة الزفاف وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال بأنها زوجته اعتمادا على القرينة الظاهرة وعد نحو خمسين مسألة: اعتمد فى الحكم فيها على القرائن والأمارات (108) . مذهب الحنابلة: وفى مذهب الحنابلة: يقول صاحب " كشاف القناع " (109) : ولو وجد على دابة مكتوب: حبيس فى سبيل الله، أو وجد على باب دار أو على حائطها، وقف أو مسجد أو مدرسة حكم بما هو مكتوب على هذه الأشياء المذكورة، لأن الكتابة عليها أمارة قوية فعمل بها، لا سيما عند عدم المعارضة، وأما إذا عارض ذلك بينة لا تتهم ولا تستند إلى مجرد اليد، بل نذكر سبب الملك واستمراره، فإنها تقدم على هذه الأمارات. وأما إن عارضها مجرد اليد لم يلتفت إليها، فأن هذه الأمارات بمنزلة البينة والشهادة واليد ترفع لذلك. قال ابن القيم فى الطرق الحكمية فى آخر الطريق الثالث والعشرين: ولو وجد على كتب علم فى خزانة مدة طويلة " وقف " فكذلك يحكم بوقفها عملا بتلك القرينة. وأما إن لم يعلم مقر الكتب ولا من كتب عليها الوقفية توقف فيها وعمل بالقرائن، فإن قويت حكم بموجبها، وإن ضعفت لم يلتفت إليها، وإن توسطت طلب الاستظهار وسلك طريق الاحتياط. مذهب الزيدية (110) ذكروا أنه عند التداعى فى بيت الخص يحكم لمن تليه معاقد القمط إذ هى أمارة الملك فى العرف ولإجازته - صلى الله عليه وسلم - قضاء حذيفة لمن إليه عقود القمط. مذهب الإمامية وفى مذهب الإمامية: جاء فى " المختصر النافع" الطبعة الثانية (111) : إذا تداعيا خصا قضى لمن إليه القمط (الحبل الذى يشد به الخص) ، وهى رواية عمرو بن شمر عن جابر. وفى عمرو ضعف. وعن منصور بن حازم عن أبى عبد الله أن عليا عليه السلام قضى بذلك، وهى قضية فى واقعة، وهذا قضاء بالأمارة، فقد عد صاحب التبصرة المالكى من باب القضاء بالأمارات فقال: إذا تنازعا جدارا حكم به لصاحب الوجه ومعاقد القمط والطاقات والجذوع، وذلك حكم بالأمارات (112) . الخط مذهب الحنفية: اختلف فقهاء الحنفية فى اعتبار الكتابة حجة يؤخذ بها "فى إثبات الحق ويعتمد عليها فى القضاء وعدم اعتبارها كذلك، وبالرغم من اقتناع الكثيرين من عدم جواز العمل بالخط معللين ذلك بأحد أمرين: الأول: احتمال أن الكاتب لم يقصد بما كتبه إفادة المعانى الحقيقية للكلمات والألفاظ التى كتبها وإنما قصد تجربة خطه أو مجرد اللهو والتسلية. والثانى: احتمال التزوير فى الخط إذ الخطوط تتشابه كثيرا إلى درجة كبيرة.. وقد قسموا الكتابة إلى ثلاثة أقسام: أولا: كتابة مرسومة، أى معنونة، ومصدرة بعنوان على ما جرى به العرف المتبع، كأن يكتب من فلان ابن فلان إلى فلان ابن فلان، أو وصلنى فلان ابن فلان، من فلان ابن فلان مبلغ كذا، أو بذمتى لفلان ابن فلان كذا، وهكذا، ومستبينة، أى ظاهرة ومقروءة. ثانيا: كتابة مستبينة، غير مرسومة كالكتابة على غير الوجه المعتاد عرفا أو الكتابة على الحائط وأوراق الشجر. ثالثا: كتابة غير مستبينة، كالكتابة على الماء أو فى الهواء. وقالوا: إن ما ينبغى فيه الاحتمال الأول، وهو قصد التجربة أو اللهو مع استثناء الاحتمال الثانى، يكون حجة ويعمل به دفعا للضرر عن الناس، ولا سيما التجار، وأخذا بالعرف، وذلك كالكتابة المستبينة المرسومة مطلقا وهى التى عناها الفقهاء حين قالوا إن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان، وألحقوها بالصريح من القول فى عدم توقف دلالتها على شبه أو إشهاد أو إملاء. وكالكتابة المستبينة غير المرسومة إذا وجدت نية أو كان معها إشهاد عليها أو إملاء على الغير ليكتبها مما ينفى احتمال التجربة أو اللهو. أما إذا لم يوجد معها شىء من ذلك فلا يعمل بها لقيام الاحتمال وكذلك إذا قضت العادة بأنه لا يكتب إلا على سبيل الجدية وجرى العرف باعتباره حجة كما فى دفاتر السمسار والتاجر والصرافة، وما يكتبه الأمراء والكبراء ممن يتعذر الإشهاد عليهم من سندات وصكوك، ويعترفون بها أو يعدهم الناس مكابرين حين ينكرونها أو توجد بعد موتهم فإنها تكون حجة عليهم ويعمل بها. وكذلك من توجد فى صندوقه صرة مكتوب عليها هذه أمانة فلان الفلانى يؤخذ بها لأن العادة تفضى بأن الشخص لا يكتب ذلك علي ملكه. وقالوا: إن ما ينبغى فيه الاحتمالان معا يكون حجة ويعمل به كما فى سجلات القضاة المحفوظة عند الأمناء ولو كانت حديثة العهد، فإنه يؤخذ بما فيها من أقوال الخصوم وشهادة الشهود ويحكم بها ويعتمد عليها فى ثبوت وشروط ومصارف الأوقاف المنقطعة الثبوت المجهولة الشرائط والمصارف وكما فى البراءات، والقرارات السلطانية المتعلقة بالوظائف فإنها تعتبر حجة فيما تضمنته واشتملت عليه، إذ العرف جرى باعتبارها من أقوى الحجج والأدلة لبعدها عن احتمال التزوير والتجربة واللهو. أما الكتابة غير المستبينة أصلا فهى لغو ولا أثر لها (113) . مذهب المالكية: قال فى الجواهر: لا يعتمد على الخط لإمكان التزوير فيه، وإذا وجد فى ديوانه حكما بخطه ولم يتذكره لا يعتمد عليه لإمكان التزوير، ولو شهد به عنده شاهدان فلم يذكر. قال القاضى أبو محمد: ينفذ الحكم بشهادتهما، أى لا يعتمد على المدون، وما وجد فى ديوان القاضى من شهادات الناس لا يعتمد القاضى منه إلا ما دونه بخطه أو بخط كاتبه العدل المأمون إذا لم يستنكر فيه شيئا (114) . ونقل ابن القيم فى " الطرق الحكمية " أن ابن وهب روى عن مالك فى الرجل يقوم فيذكر حقا قد مات شهوده ويأتى بشاهدين عدلين على خط كاتب الخط، قال: تجوز شهادتهما على كاتب الكتاب إذا كان عدلا مع يمين الطالب، وهو قول ابن القاسم، وأنه يجوز عند مالك الشهادة على الوصية المختومة (115) . مذهب الشافعية: المشهور من مذهب الشافعى أنه لا يعتمد على الخط لا فى القضاء ولا فى الشهادة، لاحتمال التزوير فيها، فإن كانت محفوظة وبعد التزوير فيها وتذكرها القاضى أو الشاهد يجوز الاعتماد عليها، وإن لم يتذكرها ما فالصحيح عدم جواز الاعتماد (116) مذهب الحنابلة: إذا رأى القاضى حجة فيها حكمه لإنسان وطلب منه إمضاؤه، فعن أحمد ثلاث روايات: إحداها: أنه إذا تيقن أنه خطه نفذه، وإن لم يذكره، وأختاره فى الترغيب، وقدمه الشيخ مجد الدين فى التحرير ومثله الشاهد إذا وجد شهادة بخطه. الثانية: أنه لا ينفذه إلا إذا تذكره فان لم يتذكره لم ينفذه. الثالثة: إذا كان فى حرزه وحفظه كقمطره نفذه، وإلا فلا. وقال إسحاق بن إبراهيم: قلت لأحمد - رضى الله عنه -: الرجل يموت وتوجد له وصية تحت رأسه من غير أن يكون قد أشهد عليها أحداً، فهل يجوز إنفاذ ما فيها؟ قال: إن كان قد عرف خطه وهو مشهور الخط، فإنه ينفذ ما فيها. قال الزركشى:. نص عليه الإمام أحمد - رضى الله عنه- واعتمده الأصحاب. وقد نص فى الشهادة على أنه إذا لم يذكرها ورأى خطه لا يشهد حتى يذكرها. وقال الإمام فيمن كتب وصيته وقال لم اشهدوا على بما فيها: أنهم لا يشهدون إلا أن يسمعوها منه أو تقرأ عليه فيقر بها. فنص الإمام - رضى الله عنه- على الصحة وجواز التنفيذ بعد معرفة الخط فى الصورة الأولى. ونص على عدم الصحة وعدم جواز الشهادة إلا بعد السماع أو الإقرار بعد القراءة فى الصورة الثانية. وقد أختلف أصحاب أحمد فى ذلك، فمنهم من خرج فى كل مسألة حكم الأخرى وجعل فيها وجهين بالنقل والتخريج، فجوز عدم الصحة فى الأولى أخذا من الثانية، وجعل فى الثانية وجها بالصحة أخذا من الأولى، ومنهم من منع التخريج وأقر النصين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وفرق بين الحالتين بأنه فى الحالة الأولى أتنفى احتمال التغيير فى الوصية بالزيادة والنقص بعد موت الموصى، فلم تمنع الشهادة عليها. وفى الثانية هذا الاحتمال قائم لوجود الموصى فمنعت الشهادة عليها ما لم يتحد بالسماع أو الإقرار.. فالروايات عن الإمام مختلفة فى الأخذ بالخط واعتباره حجة (117) . مذهب الزيدية: وفى مذهب الشيعة الزيدية لا يحكم القاضى بما وجده فى ديوانه من خطه ولو عرفه لأن الخطوط تشتبه. جاء فى " البحر الزخار" (118) : ولا يحكم بما وجد فى ديوانه ولو عرف خطه لقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم ((119) . وقال ابن أبى ليلى وأبو يوسف: يصح بمعرفة الخط، قلنا: تشتبه الخطوط. وفى باب الشهادة منه أنه لا تجوز الشهادة ولو عرف خطه أو خط غيره بإقرار بحق لاحتمال التزوير (120) وجاء فى " شرح الأزهار" (121) : ولا يجوز للحاكم أن يحكم بما وجد فى ديوانه مكتوبا بخطه وختمه سجلا أو محضرا إن لم يذكر، هذا مذهبنا، فقيده بما إذا لم يذكر. مذهب الإمامية: وفى مذهب الشيعة الإمامية جاء فى " كشف اللثام" من باب القضاء: لا يجوز للحاكم أن يعتمد على خطه إذا لم يتذكره وكذا الشاهد وإن شهد معه آخر ثقة لإمكان التزوير عليه. واكتفى الحفيد والقاضى وأبو على بخطه مع شهادة ثقة والصدوقان كذلك مع ثقة المدعى، وجاء فيه: أنه لا يكتفى بما يجده مكتوبا بخطه وإن كان محفوظا عنده. وعلم عدم التزوير، وكذا ما يجده بخط مورثه كما هو الشأن فى الشهادة، لاحتمال اللعب أو السهو أو الكذب فى الكتابة. واعتمد الشيخ جعفر الكبير على الكتابة فى إثبات الوقف إذا كان مضبوطة مرسومة تظهر منها الصحة وإن لم تبلغ حد العلم وإلا ضاعت الأوقاف، لأن طريقها الكتابة وفى "الجواهر" من باب القضاء: التحقيق أن الكتابة من حيث هى كتابة لا دليل على حجيتها من إقرار أو غيره. نعم، إذا قام القرينة على إرادة الكاتب بكتابته مدلول اللفظ المستفاد من رسمها فالظاهر جواز العمل بها. للسيرة المستمرة فى الأعصار والأمصار علي ذلك بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك. كتاب القاضى إلى القاضى ويتصل بما نحن فيه كتاب القاضى إلى القاضى، وهو عند الحنفية إما بنقل الحكم إلى المكتوب إليه للتنفيذ أو بنقل الشهادة اليه للحكم بها ويقبل عندهم فيما عدا الحدود والقصاص، ويعنونه القاضى الكاتب من فلان إلى فلان بما يميزه ويدون فيه ما قام لديه، ويقرؤه على الشهود ويختمه أمامهم، ولا يقبله المكتوب إليه إلا بحضور الشهود والخصم ولابد من تعديلهم (122) . مذهب المالكية: وعند المالكية، كذلك يكون كتاب القاضى تارة بنقل الحكم للتنفيذ والتسليم واختلفوا فيما إذا كان الحكم على غير رأى المكتوب إليه، كما إذا كتب قاض حنفى لقاض مالكى بأن يمكن رجلا من امرأة زوجت نفسها منه بغير ولى، هل يجب عليه التنفيذ أو لا؟. فعن سحنون لا ينبغى له تنفيذه لأنه خطأ عنده، وعن أشهب يجب التنفيذ لأنه صدر من صاحب سلطة وتعلق به حق المحكوم له فلا يجوز له أن يبطله، وتارة يكون بما ثبت عند القاضى الكاتب من حق لرجل على غريم غائب ويطلب إليه الحكم بما ثبت، وهذا لا خلاف فى وجوب قبوله والعمل به وهل يلزم أن يشهد عليه شاهدان يشهدان عند المكتوب إليه أو يكفى أن يختمه ويقبله المكتوب إليه بعد معرفة الخط أو الختم؟ خلاف. ويقبل كتاب القاضى عندهم فى جميع الحقوق والأحكام (123) . مذهب الشافعية: وعند الشافعية، تارة يكون كتاب القاضى إلى القاضى وجوبا بناء على طلب المدعى بما قام لديه من دعوى وإثبات على غائب بشروطها ليحكم له بها أو ينهى إليه بحكم أصدره على غائب بشروطه لينفذه عليه فى ماله. وفى صورة أخرى يكون المدعى به عينا فى بلد تحت ولاية المكتوب إليه فيكتب إليه يطلب إرسال العين بكفالة ليِشهد عليها البينة بالمعاينة. أو يتداعى الخصمان هناك لدى المكتوب إليه إذا لم يمكنه أو تعذر إرسال العين (124) مذهب الحنابلة: وعند الحنابلة يكون الكتاب بنقل الحكم لتسليم المحكوم به أو تنفيذه فى مال الغائب أو الهارب، وتارة بنقل الشهادة المعدلة عند الكاتب أو عند المكتوب إليه ليحكم بها، وكتاب القاضى إلى القاضى عندهم بمثابة الشهادة علي الشهادة، ويشترط أن يقرأ الكاتب الكتاب على عدلين ويشهدهما عليه للتحمل0 ثم يقرؤه المكتوب إليه ويشهدان بما فيه عنده. ولا يكفى معرفة الخط والختم للاشتباه وإمكان التزوير. ويقبل فى دعوى العين لإرسالها بكفالة أو مع أمين للشهادة عليها بالمعاينة كما عند الشافعية. مذهب الزيدية: وفى مذهب الشيعة الزيدية: للقاضى أن يكتب إلى حاكم آخر بحكمه إن كان قد حكم وينفذه المكتوب إليه ولو خالفه مذهبه. وقيل ينفذه إن وافق مذهبه. ورد ببطلان فائدة الحكم ونصب الحكام وإن كان لم يحكم وكتب إليه يعرفه أن فلانا وفلانا شهدا عندى بكذا لم ينفذه المكتوب إليه ما لم يحكم الكاتب. وللمكتوب إليه أن يحكم بشهادتهما إن وافق مذهبه واجتهاده لكن بشروط تضمنها الفروع، وهى أن يشهد القاضى الكاتب شاهدين على الكتاب وأن يقرأه عليهما أو يقرأ بحضرته عليهما، ويقول أشهدكما أنى كتبت إلى فلان أبن فلان، فإن ختمه " ولم يقرأه عليهما لم يعمل به. وقال الإمام يحيى: إذا ختمه وأشهدهما أنه كتابه فقد حصل أمان التحريف. وكذا يشترط أن يكتب اسم المكتوب إليه فى باطنه ولا يعمل به إذا مات الكاتب قبل بلوغ الكتاب إلى المكتوب إليه، وكذا إذا فسق أو عزل، ولو مات المكتوب إليه أو فسق أو عزل قبل بلوغه الكتاب لم يعمل به من ولى مكانه لأنه موجه إلى غيره، ولا يعمل بالكتاب إلا ببينة كاملة أنه كتابه وقيل: يعمل به من غير شهادة لعملهم بكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير شهادة وقيل: إن عرف الخط والختم عمل به وإلا فلا ورد بأن الخطوط والختوم تشتبه وعلى الرأى الأول لابد أن يقرأ الكاتب الكتاب على الشاهدين أو يقرأ الكتاب عليهما بحضرته ويقول أشهدكما أنى كتبت إلى فلان بن فلان (125) . مذهب الإمامية: وعند الشيعة الإمامية: المشهور عند علمائهم عدم جواز العمل بكتاب القاضى إلى القاضى وقال ابن الجنيد:لا يجوز ذلك فى حقوق الله تعالى، أما فى حقوق العباد وفى الأموال وما يجرى مجراها فيجوز العمل بكتاب القاضى إلى القاضى إذا كان القاضى من قبل الإمام. وقال ابن حمزة: لا يجوز للحاكم أن يقبل كتاب حاكم آخر- إلا بالبينة فإن شهدت البينة على التفصيل حكم به (126) . وفى " المختصر النافع" (127) : لا يحكم الحاكم بأخبار حاكم آخر ولا بقيام البينة لثبوت الحكم عند غيره، نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم وأشهد على نفسه فشهد شاهدان بحكمه عند آخر وجب على المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم. مذهب الإباضية: جاء فى " شرح النيل" (128) : الخطاب فى عرفهم فى الأحكام أن يكتب قاضى بلد إلى قاضى بلد آخر بما يثبت عنده من حق لشخص فى بلد الكاتب على آخر فى بلد المكتوب إليه لينفذه فى بلده وذلك واجب إن طلبه ذو الحق ويقبل كتاب القاضى فى الأحكام والحقوق بمجرد معرفة خطه بلا شهادة ولا خاتم وليس ذلك قضاء بعلمه بل لقبول بينة وقال بعض أصحابنا: لا يحكم القاضى بكتاب القاضى إليه، وقال بعضهم اختصم عليه الخصمان وليس حاضرا فى بلده فيكتب الدعوى والجواب والشهادة إلى حاكم البلد الذى فيه الشئ بكتابه وكذا يكتب الدعوى والشهادة إن لم يحضر المدعى عليه إلى قاضى بلد هو فيه. القسامة مذهب الحنفية: القسامة عند الحنفية أيمان يحلفها أهل محلة أو قرية أو موضع قريب منهما أو دار إذا وجد فى شىء منها قتيل به أثر يدل على القتل من جراحة أو ضرب أو خنق ولا يعرف قاتله، يحلف هذه الأيمان خمسون رجلا منهم يتخيرهم ولى القتيل يقول كل منهم بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا، وإن نقص الموجودون منهم عن الخمسين كررت الأيمان على الموجودين ولو واحدا حتى تبلغ الخمسين. وشروطها: الدعوى بشروطها من أولياء القتيل على من وجد بينهم أو على بعض منهم ولو واحدا أنهم قتلوه عمدا أو خطأ إذ اليمين لا تجب إلا فى دعوى وإنكار المدعى عليهم دعوى القتل، إذ اليمين بنص الحديث على من أنكر، والمطالبة من أولياء القتيل بالقسامة لأن اليمين حق المدعى تستوفى بطلبه، وألا يعلم القاتل وإلا وجب عليه القصاص فى العمد والدية فى الخطأ بعد الثبوت ولا قسامة. وأن يكون المقسم بالغا عاقلا حرا فلا قسامة على صبى ومجنون وعبد، وأن تكمل الأيمان خمسين، وأن يكون الموضع، الذى وجه فيه القتيل ملكا لأحد أو تحت يد أحد وأن يوجد فى القتيل أثر يدل على القتل، وحكمها القضاء بوجوب الدية إن حلفوا والحبس حتى يحلفوا إن نكلوا، وهذا فى دعوى القتل العمد، أما فى دعوى الخطأ فحكمها القضاء بالدية عند النكول والبراءة ضد الحلف وحين يقضى بالدية تكون على العاقلة فى ثلاث سنين، ويجمع بينها وبين حلف اليمين على خلاف المقر فى الدعاوى. ولا يحلف أولياء القتيل عند الحنفية لا ابتداء ولا برد اليمين عليهم، جريا علي قاعدتهم فى الدعاوى: البينة على المدعى واليمين على من أنكر، وعلى رأيهم فى عدم رد اليمين على المدعى.. ولا قسامة عند الحنفية فيما دون النفس ولا فى سقط لم يتم خلقه. ودليل مشروعية القسامة السنة النبوية فى الصحيحين أن عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل وعماهما حويصة ومحيصة خرجوا فى التجارة إلى خيبر، وتفرقوا لحوائجهم، فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلا فى قليب من خيبر يتشحط فى دمه، فجاءوا إلى رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبروه فأراد عبد الرحمن أن يتكلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الكبر، الكبر) . فتكلم أحد عميه حويصة أو محيصة الأكبر منهما وأخبره بذلك. قال: ومن قتله؟. قالوا: ومن يقتله سوى اليهود. قال - عليه الصلاة والسلام -: (تبرئكم اليهود بأيمانها) . فقالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه. فقال - عليه الصلاة والسلام -: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟) . فقالوا: كيف نحلف على أمر لم نعاين ولم نشاهد. فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبطل دمه، فوداه بمائة من إبل الصدقة. وفى رواية من عنده. فقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وجوب القسامة، بقوله تبرئكم اليهود بأيمانها، وإنما لم يجر القسامة بينهم لعدم طلب أولياء القتيل القسامة وهو شرط لإجرائها، حيث قالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه. ودفع الرسول الدية من عنده أو من مال الصدقة كان على سبيل الجعالة عن اليهود لأنهم من أهل الذمة وهم موضع للبر (129) . واحتج من قال بتحليف أولياء القتيل ووجوب القصاص فى العمد بقول الرسول: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم. ورد القائلون بوجوب الدية بأن التقدير: وتستحقون بدل دم صاحبكم. مذهب المالكية وعند المالكية: إذا وجد قتيل وكان هناك لوث تثبت القسامة، واللوث أن توجد قرينة أو ظاهر حال على القتل يوحى بصدق أولياء القتيل فى ادعائهم القتل. كشهادة واحد عدل أو امرأتين بالقتل أو وجود شخص بالقرب من القتيل معه آلة قتل أو أثر جراح بالقتيل، أو قول القتيل قتلنى فلان أو نحو ذلك على اختلاف فى التقدير. والحلف عندهم على أولياء القتيل لا على المدعى عليهم بعد الدعوى بالقتل على معين، ويحلف فى دعوى القتل العمد القصاص من الرجال المكلفين اثنان أو أكثر وتوزع عليهم الأيمان على عدد الرءوس ويستحقون الدم فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا. ويبدأ بأولياء الدم، ولهم أن يستعينوا بالعصبة ولا يحلف الواحد وحده ولكن يتعين من عصبة الميت بمر يحلف معه. وفى دعوى الخطأ: المكلفون من الورثة رجالا ونساء على قدر ميراثهم، وإن كان الوارث واحدا حلف خمسين يمينا متوالية. وإستحق الدية إن كان ذكرا ونصفها إن كان أنثى، وإن تعددوا وزعت عليهم على قدر الميراث كما توزع عليهم الأيمان كذلك، ولا قسامة فيمن لا وارث له ولا يحلف بيت المال. والحلف يكون بالله تعالى إن فلانا قتل ولينا أو مورثنا فلانا، أو أنه ضربه ومن ضربه مات. وبعد الحلف على النحو المذكور، يجب القود فى العمد والدية فى الخطأ. وترد الأيمان على المدعى عليهم فى دعوى القتل العمد، واختلفوا فى ردها فى دعوى القتل الخطأ، ولا قسامة عندهم فى الجراح والأطراف ولا فى العبيد والكفار ولا فى أهل الذمة وأن تحاكموا إلينا (130) مذهب الشافعية: وعند الشافعية: تثبت القسامة إذا وجد القتيل ولو عبدا فى المحلة أو القرية مع اللوث وقيام دعوى القتل عمداً أو خطا أو شبه عمد بشروطها. وليس من اللوث أن يقول القتيل: قتلنى فلان، والحلف عندهم على أولياء القتيل ومن يستحقون بدل دمه يحلفون خمسين يمينا بالله أن هذا يشير إلى المدعى عليه أو يعرفه: قتل ابنى أو أخى عمداً أو شبه عمد أو خطأ منفردا أو مع فلان، وإن مات الولى قبل تمام الأيمان انتقل الأمر إلى ورثة القتيل وحلفوا من جديد، وتوزع عليهم- الأيمان على حسب الميراث، فإن حلف الأولياء أو الورثة، وجبت الدية علي المدعى عليه فى العمد وعلى عاقلته فى الخطأ وشبه العمد، ولا يجب القود فى العمد لأن القسامة حجة ضعيفة، ولم يتعرض حديث البخارى فى القسامة للقود وما فى حديث عبد الله بن سهل: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم) فتقديره: بدل دم صاحبكم. وإن لم يكن هناك لوث، أو أنكره المدعى عليه فى نفسه، وقال: لست أنا من رأيت السكين معه، ولا بينة، حلف وبرئت ذمته. وهل يحلف يمينا واحدة أو يحلف خمسين يمينا أو يجمع فيحلف يمينا لنفى اللوث وخمسين لنفى القتل؟ أقوال. ولو ظهر لوث بقتل مطلق لم يوصف بالعمد ولا بغيره، فلا قسامة لأنه لا يفيد مطالبة القاتل ولا العاقلة، ولا قسامة عندهم فى الجروح والأطراف وإتلاف الأموال غير العمد والقول فى الجروح والأطراف قول المدعى عليه مع يمينه كان لوث أولا واليمين هنا خمسون يمينا لأنها يمين دم (131) . ولا تثبت القسامة عند الحنابلة إلا بدعوى القتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ من ولى القتيل على واحد معين مكلف ولو كان أنثى أو عبدا أو ذميا أو كان المقتول واحدا ممن ذكروا لأن ما كان حجة فى قتل المسلم الحر يكون حجة فى قتل العبد والذمى. وأن يكون هناك لوث وليس منه قول القتيل قتلنى فلان 0 ولا يشترط وجود أثر أو جرح بالقتيل، فإن لم يوجد اللوث حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ. وإن نكل قضى عليه بالدية ويسقط القود لأنه يندرىء بالشبهة كالحد، وأن يتفق أولياء القتيل على دعوى القتل على واحد معين 0 فإن كذب بعضهم بعضا أو لم يوافق أحد منهم على الدعوى أو ادعوا على أهل محلة أو قرية أو على واحد غير معين لم تثبت القسامة. وإن نكل أحدهم بعد الادعاء لم يثبت القتل لأن الحق فى محل الوفاق إنما يثبت بالأيمان التى تقوم مقام البينة ولا ينوب أحد عن غيره فى الأيمان كما فى سائر الدعاوى وأن يكون فى المدعين ذكور مكلفون ولو واحدا، إذ لا مدخل للنساء والصبيان والمجانين فى القسامة. والحلف عندهم على أولياء القتيل بحضرة الحاكم وبحضور المدعى عليه: بالله لقد قتل فلان هذا- ويشير إلى المدعى عليه أو يعينه بالاسم- ابنى فلانا منفردا عمدا بسيف أو بما يقتل غالبا.. وإذا ردت على المدعى عليه يحلف بالله ما قتلته ولا شاركت فى قتله ولا فعلت شيئا مات منه ولا كنت سببا فى موته ولا معينا على موته، وإن مات الولى انتقل ما عليه من الأيمان إلى ورثته على حسب الميراث. فإن حلف الأولياء استحقوا القود فى العمد والدية فى الخطأ وشبه العمد، وإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه ولو امرأة خمسين يمينا وبرىء، وإن نكل لم يحبس ولزمته الدية. ولا قصاص لأن النكول حجة ضعيفة، وأن لم يرض الأولياء بيمين المدعى عليه وداه الإمام من بيت المال، فإن تعذر لم يجب على المدعى عليه شىء. ولو رد المدعى عليه اليمين على المدعى ليس له أن يحلف ولكن يقال للمدعى عليه إما أن تحلف وإما أن تعتبر ناكلا ويقضى عليك بالدية، ولا تجرى القسامة عندهم فى الجراح والأطراف (132) . مذهب الزيدية: القسامة مشروعة عندهم، وحكى عن الناصر أنها غير مشروعة ولكن تجب الدية من بيت المال والأصل فى ثبوت القسامة أن رجلا أتى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخى قتل بين قريتين، فقال: يحلف منهم خمسون رجلا. فقال: ما لى غير هذا؟ فقال: ومائة من الإبل، فاقتضى وجوب القسامة والدية عليهم. وإنما تجب القسامة عندهم فى الموضحة فصاعداً لا فيما دونها ولا تلزم القسامة إلا بطلب الوارث ولو كان الورثة نساء أو عفا عنها بعضهم فلا يسقط حق الباقين، ولا يسقط حق من عفا عن القسامة من الورثة فى الدية لأنهما حقان مختلفان فمن وجد كله قتيلا أو جريحا أو وجد أكثره فى موضع يختص بمحصورين ولو كان امرأة ولم يدع الوارث على غيرهم لزمت القسامة، فيختار من المستوطنين الحاضرين وقت القتل الذكور المكلفين الأحرار خمسين يحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتله، ويحبس الناكل حتى يحلف ويكرر اليمين على من شاء إن نقصوا عن الخمسين ولا تكرار مع وجود الخمسين المستوفين للشروط ولو راضوا لأن اليمين لا يجرى فيها التوكيل ولا التبرع وتتعدد القسامة بتعدد القتيل، وبعد الحلف تلزم الدية عواقل أهل البلد الحالفين وغيرهم فإن لم يكن لهم عواقل أو كانت وتمردت حتى نقصت الدية وجبت فى أموالهم وإن لم يكن لهم ولا لأهل البلد أموال وجبت فى بيت المال، وإن لم تتوفر الشروط فى أهل الموضع فالدية والقسامة على عواقلهم، فإن كان الموضع لا يختص بمحصورين أو كان عاما فلا قسامة وتجب الدية فى بيت المال، وكذلك إن وجد القتيل فى مكان يختص به على سبيل الملك أو الاستئجار كداره وبستانه وبئره وإن وجد بين قريتين متساويتين فى القرب منه وفى تردد أهلهما وجبت القسامة على أهل القريتين جميعا. فإن كانت إحداهما أقرب وجبت على أهلها ولا تجب القسامة إن أدعى وارث القتيل على غير أهل الموضع. وإن كان فى أهل الموضع من هو على صفة تدفع عنه التهمة كأن كان شيخا هرما أو مريضا مدنفا وقت القتل لا تجب عليه القسامة لأن التهمة مرتفعة عنه (133) . مذهب الإمامية: يرى الشيعة الإمامية أن القسامة:هى الأيمان أو الجماعة التى تحلفها، فإذا وجد قتيل فى موضع ولا يعرف من قتله ولا تقوم عليه بينة، ويدعى الولى على واحد أو جماعة من أهل ذلك الموضع بالقتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ ويكون هناك لوث قرينة أو ظاهر حال يشعر بصدق الولى فى دعوى القتل يحلف من أولياء القتيل خمسون رجلا على حصول القتل العمد. وإن نقصوا كررت الأيمان على الموجودين ولو كان واحدا حتى تكمل خمسين يمينا. أما فى الخطأ والشبيه بالعمد فيحلف الأولياء خمسا وعشرين يمينا. ومنهم من سوى بينهما فأوجب خمسين يمينا فى الخطأ وشبه العمد. فإن حلفوا وجب القصاص فى العمد: ووجبت الدية على القاتل فى شبه العمد وعلى العاقلة فى الخطأ، وقيل: تجب على القاتل فى الخطأ أيضا. وإن لم يحلفوا وتعدد المدعى عليهم فالأظهر أن على كل واحد منهم خمسين يمينا، وأن كان المدعى عليه واحدا وأحضر من قومه خمسين رجلا يشهدون ببراءته حلف كل واحد منهم يمينا، وأن كانوا أقل كررت عليهم الأيمان حتى تكمل خمسين، وإن لم يحضر أحد كررت عليه الأيمان حتى تكمل وان نكل ألزم الدعوى عمدا أو خطأ، وتجرى القسامة عندهم فى النفس والأطراف. واختلف فى عدد الأيمان فى الأطراف، فقيل: خمسون يمينا إن كانت الجناية فى الطرف تبلغ دية النفس كالأنف واللسان، وإلا فبنسبتها من الخمسين. وقيل: ست أيمان فيما فيه دية النفس، وبحسابه من الست فيما دون ذلك (134) . مذهب الإباضية: وتثبت القسامة عند الإباضية إذا وجد قتيل حر به علامة قتل فى بلدة أو محلة أو فى مكان قريب منها ولم يدع على معين ولم يوجد فى مسجد ولا فى زحام ولا عداوة بينه وبين قوم من أهل البلد، لزمت القسامة أهل البلد أو المحلة بأن يحلف منهم خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتله وإن نقصوا عن الخمسين كررت اليمين على من يوجد منهم ولو واحدا حتى تكمل الأيمان خمسين، فإن حلفوا وجبت الدية على الحالفين ومن أبى الحلف حبس حتى يحلف أو يقر ولا قسامة عندهم على أعمى وصبى ومجنون وامرأة إلا إذا لم يوجد غيرها فتحلف وتجب على عاقلتها (135) . القافة: القافة: جمع قائف وهو الذى يعرف الآثار 0 والخلاف بين الفقهاء فى اعتبار القافة دليلا يعتمد عليه فى الحكم، يكاد ينحصر فى إثبات النسب بها. والأصل فى هذا الباب ما ورد فى الصحيحين عن عائشة - رضى الله عنها- قالت إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: (ألم ترى أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال:إن هذه الأقدام بعضها من بعض) رواه الجماعة. وفى لفظ أبى داود وابن ماجة ورواية لمسلم والنسائى والترمذى: (ألم ترى أن مجززا المدلجى رأى زيدا وأسامة قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض) . قال أبو داود: كان أسامة أسود وكان زيد أبيض ذكر الشوكانى هذا الحديث فى نيل الأوطار، وقال وقد أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء والأوزاعى ومالك والشافعى وأحمد 0 وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا يعمل بقول القائف فى إلحاق الولد، بل يحكم بالولد الذى ادعاه اثنان لهما، واحتج لهم صاحب " البحر" بحديث: الولد للفراش. وروى عن الإمام يحيى أن حديث القافة منسوخ (136) . وإليكم بيان المذاهب فى ذلك: مذهب الحنفية: يرى الحنفية أنه لا يجوز العمل بقول القافة ولا الاعتماد على رأيهم فى الحاق الولد وإثبات نسبه ممن يشبهه للحديث الصحيح: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) جعل أساس ثبوت النسب الفراش ولأن القافة يعتمدون على الشبه والشبه قد يتحقق بين الأجانب وينتفى بين الأقارب فلا يصلح أساسا لإثبات النسب. وحديث مجزز المدلجى لا حجة فيه لأن نسب أسامة بن زيد من أبيه كان ثابتا بالفراش ولم يثبت بقول مجزز وسرور النبى - صلى الله عليه وسلم - بما قاله مجزز إنما كان لقضائه على تمادى الناس فى نسب أسامة وخوضهم فيه مما كان يتأذى به النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان العرب يعتقدون صحة قول القافة ويعتمدون عليهم فى إلحاق الولد منذ الجاهلية، فجاء قول مجزز قاضيا على خوضهم فى نسب أسامة وسر، النبى - صلى الله عليه وسلم - لذلك. فإن تنازع اثنان نسب صغير، فإن كان أحدهما صاحب فراش قضى له بنسب الصغير، وإن لم يكن أحدهما صاحب فراش ولا مرجح ألحق الولد بهما وثبت نسبه منهما. مذهب المالكية: ويرى المالكية أنه يعمل بقول القافة فى إلحاق الولد وثبوت نسبه أخذا من حديث مجزز المذكور لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قد أقر قول مجزز وسر به ولو لم يكن حجة فى ثبوت النسب لما أقره إذ لا يقر إلا ما هو حق. وقد اختلفت الرواية عن الإمام مالك: هل يكتفى بقائف وأحد كالأخبار وهى رواية ابن القاسم، أو لابد من قائفين كالشهادة، وهى رواية أشهب؟. وهل يشرط فى القائف أن يكون عدلا أو لا يشترط؟ روايتان. والمشهور عند المالكية أنه لا يحكم بقول القائف إلا فى أولاد الإماء دون أولاد الحرائر. وقال ابن وهب: يعمل به فى أولاد الحرائر واختاره اللخمى. وقال ابن يونس: إنه أقيس، وهل يجوز عندهم إلحاق الولد باثنين؟ ، قال الصردى: مذهب مالك أنه يكون للرجل أبوان فإن أشركتهما القافة فى الولد كان ابنا لهما جميعا فى قول ابن القاسم وغيره، وقيل لا يقبل قول القائف فى الإشراك بينهما ويدعى غيره حتى يلحقه بأصحهما شبها وإذا لم توجد يوقف يوقفا إلى أن يكبر فيوالى من شاء منهما، ولا تعتمد القافة إلا على أب موجود على قيد الحياة وقيل: تعتمد على الأب الميت الذى لم يدفن، وقيل: تعتمد على العصبة (137) . مذهب الشافعية: ويرى الشافعية أنه يعمل بقول القافة فى إلحاق الولد وثبوت نسبه لحديث مجزز المذكور سواء فى ذلك أولاد الإماء وأولاد الحرائر. ويشترط أن يكون القائف حرا مسلما عدلا ذكرا مجربا. ولا يشترط التعدد فى الأصح. وإن اختلف القائفان يرجح الأكثر حذقا ومهارة أو يؤتى بثالث ويؤخذ بموافقته أحد الاثنين، ويعمل بقول القافة عند تنازع رجلين نسب صغير وعند تنازع امرأتين على الصحيح عند عدم تيقن الأم (138) . مذهب الحنابلة: ويرى الحنابلة العمل بقول القافة فى ثبوت النسب للحديث فى أولاد الإماء وأولاد الحرائر على السواء فى تنازع رجلين. ويجوز ثبوت النسب منهما معا وفى تنازع امرأتين. روى ابن الحكم أن يهودية ومسلمة ولدتا وادعت اليهودية ولد المسلمة فقيل للإمام أحمد: تكون فى هذا القافة؟ فقال: ما أحسنه. وهل يكفى قائف واحد أو لابد من اثنين؟ فى رواية جعفر بن محمد النسائى ومحمد بن داود المصيصى والأثرم لابد من اثنين. وفى رواية أبى طالب وإسماعيل بن سعيد أنه يكفى قائف واحد، وهو اختيار القاضى وصاحب المستوعب. وأخذ بعضهم من نص الإمام أحمد على الاكتفاء بالطبيب والبيطار الواحد إذا لم يوجد سواه رواية ثالثة بالاكتفاء بالقائف الواحد إذا لم يوجد سوأه، لأن القائف مثل الطبيب بل هو أولى إذ الأطباء أكثر وجودا من القافة (139) . مذهب الظاهرية: ويقول ابن حزم الظاهرى فى " المحلى": إن الأخذ بقول القافة فى إلحاق الولد واجب فى أولاد الحرائر والإماء أخذا من حديث مجزز المذكور لأن سرور النبى - صلي الله عليه وسلم - تقرير له ودليل على اعتباره طريقا للإلحاق (140) . مذهب الزيدية: جاء فى " البحر الزخار" (141) : قالت العترة لا يثبت النسب بالقافة وهو الشبه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " الولد للفراش " وهذا فى معنى النفى والإثبات، كقوله:"الأعمال بالنيات". وقال الشافعى: بل يثبت لقوله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة هلال إن جاءت به أصيهب أثيبج حمش الساقين فهو لزوجها، فأثبت النسب بالشبه، قلنا: معارض بقوله - صلى الله عليه وسلم - للذى قال له إن امرأتى أتت بولد أسود " عسى أن يكون عرق نزعه " فلم يعتبر الشبه 0 وقوله فى امرأة هلال: أراد أنه خلق من ماء من أشبهه، وإن لم يثبت نسبه شرعا وقال الإمام يحيى:أو كان قبل نسخ العمل بالقافة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: الولد للفراش. وتحدث عن مسألة اتفاق فراشين للحرة كنكاح امرأة المفقود حيث رجع وقد تزوجت، ونكاح المعتدة جهلا والأعمى غير زوجته غلطا، وعن إلحاق الولد بأحدهما دون الآخر عند الإمكان وعدم إلحاقه بأيهما عند التعذر، ثم قال: وقال الشافعى بل يعمل بالقافة إذ لا ترجيح لأيهما. قلنا: بل الترجيح بما ذكرنا، والقافة غير ثابتة شرعا. وهذا صريح فيما يفيد أن الزيدية لا يثبتون النسب بالقيافة. مذهب الإمامية: لا يجيز الشيعة الإمامية الأخذ بقول القائف فى إلحاق الولد ويكادون يجمعون على تحريم العمل بها لمنافاتها لما هو كالضرورى من الشرع من عدم الالتفات إلى هذه العلامات وهذه المقادير والمدار عندهم فى إلحاق النسب على الإقرار والولادة على الفراش أو نحو ذلك، مما جاء به الشرع (142) . القرعة: جاء فى نيل "الأوطار للشوكانى": عن عائشة - رضى الله عنها- أن النبى - صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. وقال الشوكانى: استدل بذلك على مشروعية القرعة فى القسمة بين الشركاء وغير ذلك. والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة. قال القاضى عياض: هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الحظر والقمار وحكى عن الحنفية إجازتها (143) . وفى الطرق الحكمية لابن القيم (144) : ومن طرق الأحكام الحكم بالقرعة، قال تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ((145) وقال تعالى: (وإن يونس لمن المرسلين. إذ أبق إلى الفلك المشحون0 فساهم فكان من المدحضين ((146) . ثم ساق عدة أحاديث فى القرعة بين الزوجات فى السفر وفى العتق فى مرض الموت بما يزيد عن الثلث. وفى القسمة بين الشركاء وفى اليمين إذا أكره الرجلان عليها أو استحباها فليستهما عليها وفى الطلاق، وقال إن مذهب الإمام أحمد أن القرعة طريق للقضاء وذكر خلاف الأئمة الثلاثة فى استعمالها فى الطلاق وإليكم بيان المذاهب: مذهب الحنفية: لا يعتبر الحنفية القرعة طريقا من طرق القضاء والحكم، ومن ثم قرروا أنه لا يجوز استعمالها فى دعاوى النسب والمال، وفى الطلاق، والعتق حين يكون الطلاق أو العتق لغير معين أو لمعين، ويتسنى قبل موت المطلق أو المعتق وحين يتأخر بيانه حتى الموت. وقرروا أنها حين تجرى فيما تجرى فيه عندهم لا تكون الطريق لإثبات الحق والملك أو الإلزام به وإنما تكون لتطييب القلوب ونفى التهمة. جاء فى شرح العناية على الهداية وتكملة فتح القدير تعليقا علي قول صاحب الهداية فى باب القسمة " والقرعة لتطييب القلوب " هذا هو الاستحسان والقياس يأباها لأن فى استعمال القرعة تعليق الاستحقاق بخروجها. وذلك قمار أو هو فى معنى القمار، وهو حرام. ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمالها فى دعوى النسب والمال، وتعيين المطلقة والعتق ولكنا تركنا القياس هنا بالسنة والتعامل الظاهر من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا من غير نكير. وليس هذا من باب القمار لأن أصل الاستحقاق فى القمار يتعلق بما يستعمل فيه وفيما نحن فيه لا يتعلق أصل الاستحقاق بخروج القرعة لأن القاسم لو قال: عدلت فى القسمة، فخذ أنت هذا الجانب وخذ أنت ذاك الجانب ولم يستعمل القرعة كان مستقيما إلا أنه ربعا يتهم فى ذلك فيستعمل القرعة لتطييب قلوب الشركاء ونفى تهمة الميل عن نفسه وذلك جائز (147) . ومثل ذلك فى " تنوير الأبصار" وشرحه " الدر المختار" وحاشية ابن عابدين عليه من باب القسم بين الزوجات (148) . مذهب المالكية: لا يعتبر المالكية القرعة طريقا لقضاء بثبوت الحق والملك وإنما يعتبرونها طريقا لقطع النزاع على الاختصاص بالحق والأولوية به ولا تجرى عندهم فى الطلاق. جاء فى " التبصر" لابن فرحون المالكى: قال القرافى رحمه الله تعالى فى الفروق: الفرق الأربعين والمائتين: اعلم أنه متى تعينت المصلحة أو الحق فى جهة فلا يجوز الاقراع بينه وبين غيره لأن فى القرعة ضياع ذلك الحق المعين. والمصلحة المعينة. ومتي تساوت الحقوق والمصالح فهذا هو موضع القرعة عند التنازع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار (149) . ثم ذكر صاحب التبصرة أن القرعة مشروعة فى مواضع: وعد اثنين وعشرين موضعا منها، بين الأب والأم عند التنازع على حضانة الصغير، وبين الزوجات عند السفر، وبين الشركاء فى القسمة، وبين المؤذنين والأئمة للصلاة، والخلفاء عند التنازع والاستواء فى الكل وبين العبيد إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم فى المرض ثم مات ولم يتسع الثلث للوصية، وبين المتابعين إذا اختلفا فيمن يبدأ باليمين عند التحالف والتناسخ (150) . مذهب الشافعية: تعتبر القرعة عند الشافعية طريقا لقطع الخصومة والنزاع، ويجرونها فى العتق والقسمة والقسم بين الزوجات والسفر بهن وغير ذلك، ولا يجيزون استعمالها فى الطلاق لعدم ورود النص فيه. جاء فى " شرح المنهج ": ولو اعتق فى مرض موته عبدا لا يملك غيره ولا دين عليه عتق ثلثه، ولو أعتق ثلاثة معا لا يملك غيرهم وقيمتهم سواء عتق أحدهم، ويتميز عتقه بقرعة لأنها شرعت لقطع المنازعة فشرعت طريقا. وقال البجرمى فى حاشيته:أن القرعة لا تحصل العتق بل هو حاصل وقت إعتاق المريض وإنما هى تميز العتيق عن غيره. وجاء فى الشرح المذكور: ولو علق بهما أى بنقيضين لزوجته وعبده، كأن قال: إن كان هذا الطائر غرابا فزوجتى طالق وإلا فعبدى حر. وجهل الحال منع منهما لزوال ملكه عن أحدهما.، فلا يتمتع بالزوجة ولا يتصرف فى العبد إلى بيان لتوقعه، فإن مات قبل بيانه لم يقبل بيان وارثه بل يقرع " أى يعمل قرعة" فلعل القرعة تخرج على العبد فإنها مؤثرة فى العتق دون الطلاق، فإن خرجت القرعة على العبد عتق، وإن خرجت على الزوجة بقى الإشكال، إذ لا أثر للقرعة فى الطلاق (151) . مذهب الحنابلة: أما الحنابلة فإنهم يعتبرون القرعة طريقا من طرق القضاء والحكم، بل هى عندهم كالحكم، وتجرى عندهم فى الطلاق والنكاح والعتق والأموال والقسم بين الزوجات والسفر بهن وغير ذلك لما يجرى فيه النزاع والتخاصم 0 جاء فى " كشاف القناع " (152) فى باب القسمة: فإذا تمت القسمة بأن عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة لأن القاسم كالحاكم وقرعته كالحكم. نص عليه لأنه مجتهد فى تعديل السهام كاجتهاد الحاكم فى طلب الحق فوجب أن تلزم قرعته. وفى " الطرق الحكمية "لابن القيم (153) : قال أحمد فى رواية إسحاق بن إبراهيم وجعفر ابن محمد: القرعة جائزة. وقال يعقوب بن بختان: سئل أبو عبد الله عن القرعة ومن قال إنها قمار؟ قال: إن كان ممن سمع الحديث، فهذا كلام رجل سوء يزعم أن حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قمار. قال إسحاق: قلت لأبى عبد الله أتذهب إلى حديث عمران بن حصين فى العبيد؟ قال: نعم. وقال مهنا: سألت أحمد عن رجل قال لامرأتين إحداكما طالق أو لعبدين أحدكما حر؟ قال: قد اختلفوا فيه. قلت: ترى أن يقرع بينهما؟ قال: نعم. قلت: أتجيز القرعة فى الطلاق؟ قال: نعم، وفى النكاح إذا زوج الوليان، ولم يعلم السابق منهما يقرع بينهما. فمن خرجت عليه القرعة حكم له بالنكاح وأنه الأول هذا منصوص أحمد فى رواية ابن منصور وحنبل. ونقل أبو الحارث ومهنا لا يقرع فى ذلك وفى الدابة تكون فى يد رجل لا يملكها وهى لأحد رجلين لا يعرفه عينا أقرع بينهما فمن قرع صاحبه - أى خرجت له القرعة - حلف وسلمت إليه. مذهب الظاهرية: وفى مذهب الظاهرية ذكر أبن حزم الظاهرى فى " المحلى":أن من أوصى بعتق رقيق له لا يملك غيرهم أو كانوا أكثر من ثلاثة لا ينفذ من ذلك شىء إلا بالقرعة. ثم ذكر صورا للوصية: يعتق عبيده الذين لا مال له غيرهم: أو يعتق أكثر من ثلث كل واحد منهم بإجمال ودون ذكر أسمائهم، فإن الوصية يكون فيها حق لله تعالى وحق للورثة، ولابد من القسمة ليتميز حق الله من حق الورثة، ولا سبيل إلى تمييز الحقوق والأنصباء فى القسمة إلا بالقرعة، فوجب الإقراع بينهم. فمن خرج عليه سهم العتق علمنا أنه هو الذى استحق العتق بموت الموصى وأنه حق الله تعالى ومن خرج عليه سهم علمنا أنه لم يوص فيه الموصى وصية جائزة وأنه من حق الورثة، وهذا صريح فى اعتبار القرعة وجوازها، فى العتق والقسمة (154) . مذهب الزيدية: جاء فى" البحر الزخار" (155) : القرعة مشروعة فى القسمة إجماعا وفى غيرها الخلاف، وعند الزيدية:هى توجب الملك لإقراعه - صلي الله عليه وسلم - بين نسائه وعمله بما اقتضت. وعند الإمام يحيى وبعض الأصحاب:إنما شرعت لتطييب النفوس لا للملك، أو تعيين الحاكم أو التراضى بعد الإفراز أو التقويم كالعقد، وإقراعه- صلى الله عليه وسلم - بين نسائه لتطييب نفوسهن فقط إذ له السفر بمن شاء. وجاء فى " البحر" أيضا (156) : قالت العترة يصح تعليق العتق فى الذمة كأحدكم حر إذ هو قربة كالنذر بخلاف الطلاق ويؤخذ بالتعيين كمن نذر بمجهول، فإن مات قبله عتقوا جميعا إذ لا مخصص لبعضهم فاستحق كل منهم قسطا فسرى إلى باقيه. وقال الشافعى والليث بن سعد: بل يقرع بينهم كفعله - صلى الله عليه وسلم - إذ أقرع بين ستة أعبد لرجل أعتقهم فى مرضه فأرق أربعة وأعتق اثنين، ولإقراعه بين نسائه فى السفر، ولمساهمة يونس - عليه السلام - وفى كفل مريم - عليها السلام - 0 قلنا: أما الأعبد فمخالف للأصول، إذ الحرية لا يطرأ عليها الرق إجماعا. وأما غيرهم فلتطييب النفوس لا لأمر أوجبه. وليست طريقا شرعيا. وما استدلوا به معرض للاحتمال. وجاء فى " البحر الزخار" أيضا (157) : وقالت العترة إذا أوقعه- أى الطلاق- علي غير معينة فى نيته كأحداكن كذا وقع على واحدة لا بعينها، وبه قال القاسمية فليس له صرفه إلى من يشاء لأنه لا يتعلق بالذمة. وعن المؤيد بالله له تعيين من شاء إذ يجوز ثبوته فى الذمة. وهذا كله ظاهر فى أن القرعة معتبرة عند الزيدية فى القسمة، والخلاف بينهم فى أنها تثبت الملك أولا. أما فى غير القسمة كالعتق والطلاق، فإن القرعة غير معتبرة إذ ليست طريقا شرعيا. مذهب الإمامية: ويقرر الشيعة الإمامية أن القرعة مشروعة بالكتاب والسنة، ويقولون: أن موارد القرعة على قسمين: أحدهما: ما كان الحق فيه معينا فى الواقع واشتبه علينا ظاهرا لعارض 0 وثانيهما: ما كان مرددا بين شيئين أو أكثر ولم يكن معينا فى الواقع. ويطلب فيه التعيين. ومن هذا القسم الأمور المشتركة بين شركاء ولم يتراضوا على القسمة بينهم، وقد اختلفوا فى معنى القضاء بالقرعة، فقيل: إنها بنفسها فاصلة وميزان للقضاء دون حاجة إلى اليمين معها، وقيل: أن المشهور أن القضاء بها يحتاج إلى اليمين (158) وفى " المختصر النافع": ولو أعتق مماليكه عند الوفاة أو أوصى بعتقهم ولا مال سواه عتق ثلثهم بالقرعة، فهى تجرى عندهم فى العتق، وهو من القسم الثانى من مواردها فيما ذكره صاحب عوائد الأيام. مذهب الإباضية: والقرعة مشروعة عند الإباضية، وقد عقد صاحب " شرح النيل" بابا فى قسمة القرعة وقال: إنها هى الأصل وتكون بعد تقويم الأنصباء وتعديلها، وإذا حلف الشركاء أن يقتسموا يبرون فى حلفهم بقسمة القرعة وقال: وقد ذكر أن القرعة فى القرآن فقال: (فساهم فكان من المدحضين ((وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم (. وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه أيتهن وقع سهمها أخذها معه. وقال لرجلين لما اختلفا: " أستهما ". وأمر أن يقرع بين حمزة وقتيل آخر فى ثوبين ليكفن كل منهما فى الثوب الذى يخرج له. واختصم ثلاثة إلى على فى ولد لأمة وقعوا عليها فى طهر واحد، فقال: أنا مقرع بينكم فمن وقع السهم له فله الولد وعليه لكل من صاحبيه ثلث الدية، وعجب من ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولم يصح أنه أنكره، وهذا دليل على أن القرعة مشروعة عندهم كطريق لقطع النزاع وأنها تجرى فيما ذكر كله (159) الفراسة تعريف الفراسة: الفراسة: هى النظر الفاحص المثبت الناشىء عن جودة القريحة وحدة النظر وصفاء الفكر. قال ابن القيم الحنبلى فى " الطرق الحكمية " (160) : ولم يزل حذاق الحكام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادة تخالفها ولا إقرارا. وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم اذا ارتاب بالشهود فرقهم وسألهم: كيف تحملوا الشهادة وأين تحملوها. وذلك واجب عليه، متي عدل عنه أثم وجار فى الحكم. وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعى عن سبب الحق وأين كان؟ ونظر فى الحال، هل يقتضى صحة ذلك؟. وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله والمدعى عليه، وجب عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال. وقل حاكم أو وال اعتنى بذلك وصار له فيه ملكة إلا وعرف المحق من المبطل وأوصل الحقوق إلى أهلها. ثم ذكر فراسة عمر بن الخطاب وقضائه بها فى بعض المسائل، وفراسة على بن أبى طالب كذلك وفراسة بعض القضاة السابقين كشريح وإياس بن معاوية وأبى حازم وغيرهم. وذكر شواهد من فراسة بعض الحكام والأمراء وما كان لها من أثر فى كصحف الحقيقة والوصول إلى الحق، وأن هؤلاء الخلفاء والقضاة والحكام والأمراء كانوا يبنون الأحكام فى كثير من المسائل على الفراسة، وهو يرى أن الفراسة طريق من طرق القضاء والحكم. مذهب المالكية: وفى مذهب المالكية: النص الصريح على عدم جواز القضاء بها، وأن القضاء بها من باب الظن والتخمين، وذلك فسق وجور (161) . ونقل القرطبى فى تفسيره عن القاضى أبى بكر بن العربى أنه قال: الفراسة لا يترتب عليها حكم، فإن مدارك الأحكام معلومة شرعا، مدركة قطعا وليست الفراسة منها. وقال صاحب التبصرة: والحكم بالفراسة مثل الحكم بالظن والحزر والتخمين وذلك فسق وجور من الحاكم، والظن يخطئ ويصيب.   (1) ابن عابدين جـ 4 ص 462، 653 طبع المطبعة الأميرية. (2) الطرق الحكيمة ص 16 طبع مطبعة مصر سنة 1360 هـ. (3) ابن عابدين جـ 4 ص 688 وما بعدها، وجامع الفصوليين. جـ 2 ص 182. (4) تبصرة الحكام لابن فرحون المالكى جـ2 ص 55. (5) الأشتباه والنظائر فى فقه الشافعية للإمام جلال الدين السيوطى ص362، 363. (6) المغنى لابن قدامة جـ 12 ص 159 وكشاف القناع جـ6 ص 367 وما بعدها. (7) المحلى جـ 8 ص 250. (8) البحر الزخار جـ 5 ص4، 7. (9) المختصر النافع الطبعة الثانية ص243. (10) المحلى جـ 8 ص250 وما بعدها. (11) ابن عابدين جـ 4 ص 701 وما بعدها الطبعة الأميرية. (12) ابن عابدين جـ 4، ص 702. (13) الأشباه والنظائر للسيوطى ص 575. (14) ص 250. (15) ابن عابدين جـ 4 ص 719. (16) جـ 2 ص56. (17) ص 574. (18) جـ 6 ص 386، وما بعدها الطبعة الأولى. بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ. (19) جـ8 ص 0 5 2 مسألة رقم 1378. (20) جـ5 ص 6 فى باب الإقرار. (21) ص 373. (22) ابن عابدين جـ 4، ص 719. (23) جـ2 ص 56. (24) جـ 2 ص 250. (25) جـ 6 ص377. (26) جـ5 ص 4، 5. (27) مجمع الأنهر جـ1 ص 594، 610، 612، 622. (28) مواهب الجليل جـ 6 ص 294. (29) حواشى التحفة جـ9 ص 113، 150. (30) كشاف القناع جـ6 ص 80، 117، 122. (31) المحلى جـ8 ص 254 مسألة رقم.1379 (32) البحر الزخار جـ5 ص 152 - 195. (33) المختصر النافع ص 292، 302. (34) ابن عابدين جـ 4 ص 651- 653. (35) التبصرة لابن فرحون المالكى جـ 1ص 130 وما بعدها، وحواشى تحفة المحتاج بشرح المنهاج جـ10 ص303، 322 والطرق الحكمية ص140 وما بعدها مطبعة مصر سنة 1960م. (36) كشاف القناع جـ 6 ص273. (37) جـ 12 ص 124. (38) جـ 9 ص 372 وما بعدها مسألة 1783. (39) البحر الزخار جـ4 ص404. (40) ص 281 وما بعدها. (41) الآية 282 سورة البقرة. (42) تنوير الأبصار وشرحه الدر وحاشية ابن عابدين جـ4 ص 512. (43) التبصرة جـ1 ص217 وما بعدها وحواشى تحفة المحتاج بشرح المنهاج جـ10 ص 247وما بعدها وكشاف القناع جـ 6 ص 351وما بعدها. (44) جـ 9 ص 382وما بعدها. (45) البحر الزخار جـ4 ص 403 وشرح الأزهار جـ4 ص 208. (46) ص 283 الطبعة الثانية. (47) شرح النيل جـ 6 ص 589. (48) ابن عابدين جـ 4 ص 536. (49) جـ 1 ص 221 وما بعدها. (50) كشاف القناع جـ 6 ص 285 وما بعدها. (51) ص 281 الطبعة الثانية. (52) ابن عابدين جـ4 ص 652 وما بعدها. (53) التبصرة جـ اص 152 وما بعدها وحواشى التحفة جـ10 ص 320 وما بعدها. (54) كشاف القناع جـ 6 ص 273. (55) المحلى جـ 9 ص 372 وما بعدها مسألة 783 1. (56) شرح الأزهار جـ 4 ص 145 وما بعدها. (57) ص 282 الطبعة الثانية. (58) آية 15 سورة النساء. (59) آية 2 سورة الطلاق. (60) ابن عابدين جـ 4 ص 573 وما بعدها وحواشى التحفة جـ 10 ص 212 والطرق الحكمية. (61) آية 13 سورة النور. (62) ابن عابدين جـ4 ص 574 وما بعدها. (63) التبصرة جـ1 ص 170 وما بعدها، 213 وما بعدها. (64) الآية 13سورة النور. (65) حواشى تحفة المحتاج جـ 10 ص 245 وما بعدها. (66) كشاف القناع جـ 6 ص 350 وما بعدها. (67) جـ 9 ص 5 39 مسألة 786 1. (68) جـ 4 ص 185 وما بعدها. (69) ص287 وما بعدها الطبعة الثانية. (70) المختصر النافع ص 292، 298، 0 30، 302،303. (71) جـ 6 ص 584 وما بعدها. (72) آية 141 سورة النساء. (73) ابن عابدين جـ 4 ص 572 وما بعدها. (74) ص209. (75) جـ 9 ص409. (76) التبصرة جـ 1 ص 173 وما بعدها وحواشى التحفة جـ 10 ص 211. (77) الآية 106 سورة المائدة. (78) كشاف القناع جـ 6 ص 337 وما بعدها. (79) الآية 6 سورة الحجرات. (80) جـ 9 ص 405 وما بعدها مسألة 1787. (81) البحر الزخار جـ5 ص 23 وما بعدها وص 38 وما بعدها وشرح الأزهار جـ 4 ص 192 وما بعدها. (82) ص 286. (83) جـ 6 ص 585. (84) المرجع السابق ص 600. (85) التبصرة جـ 2 ص 13 وما بعدها. (86) ابن عابدين جـ 4 ص 600 وجامع الفصولين جـ 1 ص 122 وما بعدها. (87) ص 608 وما بعدها. (88) جـ6 ص 333 وما بعدها. (89) شرح الأزهار جـ 4 ص 229 وما بعدها. (90) البحر الزخار جـ 5 ص 52. (91) شرائع الإسلام من باب القضاء ص 334. (92) جـ 6 ص 621. (93) ابن عابدين جـ 4 ص 607، والتبصرة جـ 1 ص 292 وحواشى التحفة جـ 10 ص 274، وكشاف القناع جـ 6 ص 355، المحلى جـ 9 ص 438 مسألة 1814 وكفاية الأحكام باب الشهادة،والمختصر النافع ص 289، والبحر الزخار جـ 5 ص 39،وشرح النيل جـ 6 ص 576،587. (94) ابن عابدين جـ 4 ص 534 وما بعدها. (95) جـ2 ص 46 وما بعدها. (96) جـ 2 ص200. (97) جـ 10 ص148 وما بعدها. (98) جـ 6 ص 270. (99) جـ 9 ص 426. (100) جـ 4 ص 320. (101) آية 105 سورة النساء. (102) جـ 5 ص130 وما بعدها. (103) ص 280. (104) جـ6 ص 577. (105) ابن عابدين جـ4 ص 462، 653. (106) نيل الأوطار للشوكانى جـ 6 ص 279. (107) مجموعة رسائل ابن عابدين ص 127، 129. (108) تبصرة الحكام جـ2 ص 96 وما بعدها. (109) جـ 6 ص 354 وما بعدها. (110) راجع البحر الزخار جـ4 ص 401. (111) ص 284. (112) جـ2 ص 99. (113) ابن عابدين جـ4 ص 478 وما بعدها، ص 546 وما بعدها. (114) التبصرة جـ 1 ص 38 وجـ 2 ص 50. (115) الطرق الحكمية ص 244 وما بعدها. (116) الأشباه والنظائر للجلال السيوطى ص 362. (117) الطرق الحكمية ص 239 وما بعدها. (118) جـ5 ص 133. (119) الإسراء: 36. (120) جـ5 ص 20 (121) جـ4 ص 233. (122) ابن عابدين جـ4 ص 543 وما بعدها. (123) التبصرة جـ2 ص 38 وما بعدها. (124) حواشى تحفة المحتاج جـ10 ص 163 وما بعدها. (125) البحر الزخار جـ5 ص 127. (126) مختلف الشيعة جـ2 ص 154، وكفاية الأحكام باب القضاء. (127) ص 283. (128) جـ6 ص 573 وما بعدها. (129) فتح القدير جـ 8 ص 282 وما بعدها. (130) التبصرة جـ1 ص 266 وما بعدها، الشرح الكبير للدردير جـ4 ص 295 الحلبى. (131) حاشية البجرمى على شرح المنهج جـ4 ص 192 وما بعدها. (132) كشاف القناع جـ6 ص 55 وما بعدها. (133) شرح الأزهار جـ 4 ص 459 وما بعدها. (134) شرائع الإسلام ص 373 وما، بعدها من باب القصاص، والمختصر النافع ص312 وما بعدها. (135) شرح النيل جـ 8 ص126 وما بعدها. (136) نيل الأوطار جـ 6 ص 282 وما بعدها. (137) التبصرة جـ 2 ص 93 وما بعدها. (138) حواشى التحفة جـ 10 ص348 وما بعدها. (139) كشاف القناع جـ 6 ص 374 والطرق الحكمية لابن القيم ص 252 وما بعدها. (140) المحلى لابن حزم جـ 9 ص 435. (142) جـ 3 ص144،146. (142) جواهر الكلام للمحقق النجفى عن باب المتاجر وجامع المقاصد للكركى من هذا االباب. (143) نيل الأوطار جـ 6 ص 217 وما بعدها، طبع المطبعة العثمانية المصرية سنة 1357 هـ. (144) ص337 وما بعدها. (145) الآية رقم 44 من سورة آل عمران. (146) الآيات رقم 139 - 141 من سورة الصافات. (147) فتح القدير جـ8 ص 215 وما بعدها. (148) ابن عابدين جـ 2 ص 411 الطبعة الثالثة الأميرية سنة 1323 هـ. (149) جـ 2 ص 92. (150) المرجع السابق. (151) حاشية البجرمى على شرح المنهج جـ4 ص 20، 418. (152) جـ6 ص 306. (153) ص 337 وما بعدها. (154) محلى جـ 9 ص 342. (155) جـ 4 ص 108. (156) جـ 4 ص 205. (157) جـ 3 ص 170. (158) عوائد الأيام للقرافى ص 228، والقضاء للأشتيانى ص 390، والمختصر النافع ص 191. (159) شرح النيل باب قسمة القرعة. (160) ص 28 وما بعدها. (161) التبصرة ابن فرحون المالكى جـ2 ص 106 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 أثر المعنى اللغوى: أثر الشىء بقيته، والجمع آثار، والأثر أيضا ما بقى من رسم الشىء، والأثر أيضا ما بقى من رسم الشىء فدل على أن ذلك الشئ قد كان، كقولهم: النبات أثر للقطر لأنه حصل به ودل عليه، ومنه قوله تعالى: " فأنظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيى الأرض بعد موتها " (1) . ومواقع الأقدام آثار يستدل بها على السائرين: ومنه قوله تعالى: "فهم على آثارهم يهرعون" (2) " قال هم أولاء على أثرى" (3) . فذلك تعبير عن سلوكهم طريق من سبقهم. متتبعين آثارهم، والأثر أيضا: الخبر لأنه بقية تؤثر لمن يخبر عنه، ومنه اطلاق الآثار على السنن المروية عن النبى صلى الله عليه وسلم. والآثر (بسكون الثاء بعد الهمزة المفتوحة) : نقل الحديث وروايته، ومنه أثرت العلم آثره أثرا: أى رويته، وأصله تتبعت أثره (4) . معنى الأثر فى مصطلح الحديث: علماء مصطلح الحديث يطلقون "الأثر" أحيانا على ما يروى من السنة مرفوعا أو موقوفا ومقطوعا، وأحيانا يفرقون بين المرفوع فيسمونه خبرا، والموقوف فيسمونه أثرا. ويوضح ذلك ما ذكره السيوطى (5) فى "التدريب"، والنووى فى "التقريب"، إذ يقولان ما نصه: " الموقوف: هو المروى عن الصحابة قولا لهم أو فعلا أو نحوه": أى تقريرا " متصلا كان" إسناده " أو منقطعا، ويستعمل فى غيرهم "، كالتابعين " مقيدا، فيقال: وقفه فلان على الزهرى ونحوه، وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر"، قال أبو القاسم الفورانى أحد فقهاء خراسان: الفقهاء يقولون الخبر ما يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم، والأثر ما يروى عن الصحابة. المراد بالأثر فى أستعمال الفقهاء: ا) يستعمل الفقهاء أحيانا كلمة الأثر أو الأثار فيما يروى من السنة عن النبى صلى الله عليه وسلم مرفوعا، أو موقوفا أو غير ذلك، كقولهم: والأثار دالة على كذا، أو قد. استدل على هذا بالأثر المروى عن فلان، أو المرفوع أو المنقطع، أو المتصل الى غير ذلك، جريا على التوسع فى المعنى الاصطلاحى للأثر. ب) وأحيانا يستعملون كلمة الأثر مضافة، فيقولون: أثر العقد، وأثر الفسخ، وأثر النكاح الفاسد، وأثر الاقرار، وأثر اللعان ونحو ذلك ويذكرون الأثر حين يتكلمون عن الاستدلال بآثار الأقدام وما يتصل بها من القافة " انظر قافة" ويذكرون أثر كل فى المصطلح المضاف إليه.   (1) سورة الروم: 50 (2) سورة الصافات:70 (3) سورة طه: 84. (4) انظر مادة "أثر" فى كل من القاموس ولسان العرب ومفردات الراغب الاصفهانى. (5) انظر ص109 من كتاب تدريب الراوى شرح تقريب النواوى للسيوطى المطبوع بمصر 1379. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 إثّم ا- المعنى اللغوى: الاثم: الذنب وأن يعمل الانسان ما لا يحل له، وجمعه آثام، ويقال: أثم فلان (بكسر الثاء) يأثمَ (بفتحها) إذا وقع فى ال إثم فهو آثم. 2- المعنى الاصطلاحى: والفقهاء يستعملون كلمة الإثم، بمعنى المعصيه، كقولهم: إذا حلف على أثم يريدون فعل معصية، فيجب عليه ألا يفعله ويكفر عن يمينه. وكقولهم: شرب الخمر إثم وقذف المحصنات إثم، والغصب إثم، والغش إثم، وهكذا. كما يستعملونه بالمعنى اللغوى كقولهم: هل يأثم إذا كره على تناول المحرم، وهل يأثم من أخر زكاة الفطر عن وقتها؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 إجَابَة التعريف اللغوى: ال إجابة والاستجابة، بمعنى: وهو رجع الكلام، تقول أجابه عن سؤاله، واستجاب الله دعاءه، قال الله تعالى: "فإنى قريب، أجيب دعوة الداع إذا دعان، فليستجيبوا لى (1) .. " وفعله: أجاب يجيب، والمصدر الإجابة. والمجاوبة والتجاوب: التجاور، وتجاوب القوم: جاوب بعضهم بعضا (2) . أما عند الفقهاء فلا يكادون يخرجون بها عن هذا المعنى اللغوى. أولا- إجابة المؤذن للصلاة: مذهب الحنفية: يذهب الحنفية إلى وجوب إجابه المؤذن، وقال الحلوانى: بالندب، وذلك فى إجابة اللسان وبالوجوب فى المشى بالقدم على من سمع الأذان، ولو جنبا لا حائضا ونفساء وسامع خطبة، وفى صلاة جنازة وجماع ومستراح وأكل وتعليم علم وتعلمه بخلاف القرآن بأن يقول بلسانه مثل ما يقود المؤذن إذا كان يؤذن بالعربية من غير لحن فى الأذان إلا فى الحيعلتين فيحوقل، وفى " الصلاة خير من النوم" فيقول صدقت وبررت، ولو تكرر سماع الأذان أجاب الأول (3) . مذهب الشافعية: أما الشافعية فيذهبون إلى استحباب الاجابة على المؤذن لمن سمعه ثم يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم لما روى عبد الله ابن عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذ سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على، فإنه من صلى على مرة صلى الله عليه بها عشرا ". فإن سمع ذلك وهو فى الصلاة لم يأت به فى الصلاة، فإذا فرغ أتى به وإن كان فى قراءة أتى به ثم رجع إلى القراءة لأنه يفوت والقراءة لا تفوت (4) . ويقول الشافعية أن الإقامة كالأذان فى الإجابة إلا أنه يقول عند التلفظ بإقامة الصلاة: أقامها الله وأدامها (5) . مذهب الحنابلة: أما الحنابلة فيقولون يسن لمن سمع المؤذن أن يقول كقوله إلا فى الحيعلة فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ويستدلون على ذلك بما فى الصحيحين عن أبى سعيد مرفوعا " اذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ". ويفصلون الأمر فيقول صاحب" النكت والفوائد السنية": وظاهر الأمر على الوجوب وقد قال به هنا بعض العلماء وأكثرهم على الاستحباب كقولنا وقد ورد ما يؤخذ منه صرفه عن ظاهره وهو ما رواه جماعة منهم مسلم عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الأذان فان سمع أذانا أمسك وإلا أغار، فسمع رجلا يقول الله أكبر الله أكبر فقال النبى صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: خرجت من النار 0 وقد نص الامام أحمد فى رواية الأثرم وغيره على أنه لا يجب إجابة المؤذن. وظاهر كلام صاحب المحرر وكلام الأصحاب أنه يكرر مثل ما يقول المؤذن بتكرر سماع الأذان للصلاة الواحدة، وأنه إذا سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة فإذا فرغ عاد عليها لأنها لا تفوت وكذا إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن وافقه ثم أخذ فى التحية (6) . ويقول المالكية: وندب حكاية الأذان لسامعه بأن يقول مثل ما يقول المؤذن من تكبير أو تشهد لمنتهى الشهادتين على المشهور ولو كان السامع فى صلاة نفل فيندب له حكايته أما حكايته فى الفرض فمكروهة مع الصحة إن اقتصر على منتهى الشهادتين أو أبدل الحيعلتين بالحوقلتين وإلا فتبطل (7) . مذهب الظاهرية: أما ابن حزم الظاهرى فيقول: ومن سمع المؤذن فليقل كما يقول المؤذن سواء من أول الأذان إلى آخره وسواء كان فى غير صلاة أو فى صلاة فرض أو نافلة، حاشا قول المؤذن حى على الصلاة، حى على الفلاح، فإنه لا يقولهما فى الصلاة ويقولهما فى غير صلاة، فإذا أتم الصلاة فليقل ذلك، مستشهدا فى ذلك بالحديث السابق ذكره فى مذهب الشافعية (8) . مذهب الزيدية: ويرى الزيدية أن يقول السامع كالمؤذن لقوله صلى الله علية وسلم " إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن " وقال": من قال حين يسمع ذلك دخل الجنة " ويقول كالمقيم أيضا، ويحوقل فى الحيعلة فيهما ويقطع ما هو فيه لذلك إلا الصلاة، فإن فعل، فكالدعاء فيها ونسب إلى يحيى من فقهائهم أنه يقول أقامها الله وأدامها، عند قول مقيم الصلاة " قد قامت الصلاة" (9) . ويقول الزيدية أيضا: " وندب لسامع الأذان أن يحوقل بأن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ويدعو " (10) . مذهب الإمامية: ويقول الشيعة الجعفرية: ويستحب الحكاية لغير المؤذن إذا سمع كما يقول المؤذن وإن كان فى الصلاة إلا الحيعلات فيها فيبدلها بالحوقلة ولو حكاها بطل لأنها ليست ذكرا، وكذلك يجوز ابدالها فى غيرها، ويردد المجيب عبارة المؤذن فى سكتته بين كل عبارة وأخرى أو يرددها معه، ووقت حكاية الفصل بعد فراغ المؤذن منه أو معه، وليقطع الكلام إذا سمعه غير الحكاية وإن كان قرآنا، ولو دخل المسجد أخر التحية إلى الفراغ منه (11) . مذهب الإباضية: جاء فى كتاب الوضع فى الفقه الاباضى الحديث الوارد فى إحابة المؤذن وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا سمع الأذان فقولوا مثل ما يقول المؤذن " (12) . ثانيا- إجابة الدعوة إلى الوليمة: مذهب الحنفية: يذهب الأحناف إلى أن إجابة الدعوة سنة، قال عليه الصلاة والسلام: " من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم ". قال فى الهداية: ومن دعى إلى وليمة أو طعام فوجد ثمة لعبا أو غناء فلا بأس بأن يقعد ويأكل، وهذا إذا كان بعد الحضور، ولو علم قبل الحضور لا يحضر لأنه لم يلزمه حق الدعوة (13) مذهب المالكية: ويذهب المالكية الى وجوب اجابة الدعوة، وهو فى الأكل بالخيار، وفى الترمذى عن النبى صلى الله عليه وسلم إنه قال: " من دعى فليجب، فإن شاء طعم وأن شاء ترك ". وقال أبن رشد: الأكل مستحب لقوله عليه السلام " فإن كان مفطرا فليأكل وأن كان صائما فليصل (أى يدعو) لصاحب الوليملة " (14) . ويسقط وجوب الدعوة وجود غناء ورقص نساء وآلة لهو غير دف. مذهب الشافعية: أما الشافعية فيقولون: من دعى إلى وليمة العرس، وجب عليه الإجابة لما روى ابن عمر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعى أحدكم إلى وليمة فليأتها ". ومن الشافعية من قال: هى فرض على الكفاية لأن القصد اظهارها، وذلك يحصل بحضور البعض (15) ، وقيل إنها سنة. وأما وليمة الختان والولادة فالاجابة إليها مستحبة قولا واحدا وقيل: على الخلاف (16) . وإنما تجب أو تسن بشرط (17) ألا يخص الأغنياء بالدعوة وبشرط إسلام الداعى وإلا يكون المدعو مرخصا فى ترك الجماعة أو الجمعة، وألا يكون المقصود المباهاة وألا يكون الداعى فاسقا أو شريرا، وألا يكون المدعو قاضيا إلا مع أصله أو فرعه وألا تتعارض الدعوة مع ما هو أهم كأداء الشهادة وأن يتعين المدعو. وإن دعى مسلم إلى وليمة ذمى ففيه وجهان: أحدهما تجب الإجابة للخير، والثانى لا تجب لأن الإجابة للتواصل وإختلاف الدين بمنع التواصل. وأن كانت الوليمة ثلاثة أيام أجاب فى اليوم الأول والثانى وتكره الاجابه فى اليوم الثالث لما روى أن سعيد بن المسيب رحمه الله دعى مرتين فأجاب ثم دعى الثالثة فحصب الرسول. وعن الحسن رحمه الله أنه قال: الدعوة أول يوم حسن والثانى حسن والثالث رياء وسمعة. وإن دعاه اثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لحق السبق، فإن استويا فى السبق أجاب أقربهما رحما، فان أستويا فى الرحم أجاب أقربهما دارا، فإن استويا فى ذلك أقرع بينهما. وإن دعى إلى موضع فيه دف أجاب لأن الدف يجوز فى الوليمة، فإن دعى إلى موضع فيه منكر من زمر أو خمر فان قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الإجابة ولإزالة المنكر، وأن لم يقدر على أزالته لم يحضر، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس على مائدة يدار فيها الخمر. ومن حضر الطعام فان كان مفطرا ففيه وجهان: أحدهما يلزمه أن يأكل، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصل ". والثانى: لا يجب، لما روى جابر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعى أحدكم الى طعام فليجب فان شاء طعم، وإن شاء ترك. وأن دعى وهو صائم لم تسقط عنه الإجابة للخبر: ولأن القصد التكثير والتبرك بحضوره، وذلك يحصل مع الصوم، فإن كان الصوم فرضا لم يفطر، وإن كان تطوعا فالمستحب أن يفطر لأنه يدخل السرور على من دعاه وإن لم يفطر جاز (18) . مذهب الحنابلة: ويرى الحنابلة وجوب إجابة الدعوة إذا كان الداعى مسلما وعين المدعو، وقيل: هى فرض كفاية، وقيل: مستحبه. ولا تجب معمن يجوز هجره ولا من عمم بدعوته ولا من دعى بعد اليوم الأول، ولا يجوز لمن حضر الوليمة قطع صوم واجب ويستحب الأكل للمتنفل والمفطر. وقيل أن لم ينكسر قلب الداعى بإتمام النفل فهو أولى وإذا كلم فى الدعوه منكرا كالخمر والزمر وأمكنه الإنكار حضر وأنكر وإلا فلا يحضر ولو حضر فشاهد منكرا أزاله أن قدر وجلس وإلا إنصرف وأن علم به ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس (19) . مذهب الظاهرية: أما أبن حزم الظاهرى فيقول: وفرض على كل من دعى إلى وليمة أو طعام أن يجيب إلا من عذر فان كان مفحا ففرض عليه أن يأكل، فإن كان صائما فليدع الله لهم فإن كان هنالك حرير مبسط أو كانت الدار مغصوية أو كان الطعام مغصوبا أو كان هناك خمر ظاهر فليرجع ولا يجلس. عن نافع أن ابن عمر كان يقول عن النبى صلى الله عليه وسلم: إذا دعا أحدكم أخاه فليجبه عرسا كان أو نحوه. وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل، وأن كان مفطرا فليطعم ". وصح عن أبى هريرة: من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله (20) . مذهب الزيدية: ويندب عند الزيدية حضور الوليمة بشرو ط سبعة: أولها أن تعم الفقير والغنى، والثانى: حيث تكون فى اليوم الأول والثانى والثالث: ألا يكون هناك منكر، والرابع: أن يعين الداعى من يدعوه بنفسه أو برسوله أو بكتاب، والخامس ألا يدعوه لخوف منه أو لطمع فى جاهه أو اعانته على باطل والسادس: ألا يكون الداعى فاسقا أو شريرا، والسابع: ألا يكون أكثر مال الداعى حراما. وندب أيضا اجابة المسلم إلى طعامه وإن لم يكن معه وليمة، وإذا اتفق داعيان أو أكثر فيستحب له أجابتهم جميعا ويندب له تقديم إجابة الأول ثم الأقرب نسبا ثم الأقرب بابا، فإذا أستويا أقرع بينهما (21) . مذهب الإمامية: أما الشيعة الجعفرية: فيستحبون إجابه الدعوة للوليمة عند الزفاف (22) وقد حكم فى الشرائع بكراهة الصوم ندبا لمن دعى إلى طعام، واستدال عليه فى "الجواهر" بما دل على النهى عن معارضة المؤمن وترك إجابته وقد قيل: أن مقتضى اطلاق النص والفتوى عدم الفرق بين من هيأ لهم طعاما وغيره وبين من يشق عليه المخالفة وغيره، ونص الفاضلان على اشتراط كونه مؤمنا ولعله لكونه المتبادر من الأخ، ولأنه الذى رعايته أفضل من الصوم (23) . ثالثا- إجابة المستفتى: يقول ابن القيم (24) : إن سأل سائل عن الحكم فللمسئول حالتان: أحداهما أن يكون عالما به، والثانية أن يكون جاهلا به، فإن كان جاهلا حرم عليه الافتاء، وإن كان عالما بالحكم فللسائل حالتان: أحداهما أن يكون حضر وقت العمل) أى جاء السائل إلى المفتى لسؤاله عن واقعة حدثت) وقد احتاج إلى السؤال، فيجب على المفتى المبادرة على الفور إلى جوابه، الثانية أن يكون قد سأله عن الحادثة قبل وقوعها فهذا لا يجب على المفتى أن يجيب عنها، وأطال فى ذكر الأدلة. (أنظر: أفتاء) . رابعا- أجابه الاستغاثة: يقول الأحناف (25) : يجب إغاثة الملهوف بقطع الصلاة، سواء استغاث بالمصلى أولم يعين أحدا فى الاستغاثة (انظر: إغاثة) خامسا- إجابة الخصوم عند القاضى: لا خلاف بين الفقهاء فى الزام المدعى عليه بالإجابة على الدعوى إذا ما طلب منه ذلك. جاء فى "البدائع" (26) : " أن من حكم الدعوى وجوب الجواب على المدعى عليه لأن قطع الخصومة والمنازعة وأجب ولا يمكن ذلك إلا بالجواب". وفى "المغنى" (26) إذا حرر المدعى دعواه فللحاكم أن يسأل خصمه الجواب قبل أن يطلب المدعى ذلك. وفى "الدردير" وحاشية الدسوقى (28) : يلزم المدعى عليه أن يجيب المدعى على دعواه بشئ محقق أو بالانكار (انظر: دعوى،- وقضاء) . سادسا- إجابة المرأة فى النكاح: جاء فى كتاب الهدايه فى الفقه الحنفى: النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول، فلو استأذن الثيب فلابد من رضاها بالقول لقوله عليه الصلاة والسلام: " الثيب تشاور " ولأن النطق لا يعد عيبا منها وقل الحياء بالممارسة فلا مانع من النطق فى حقها (29) . وفى الكنز وشرحه للعينى (30) إن أستأذت الولى البكر البالغة فسكتت أوضحكت فهو إذن منها (انظر: النكاح) . سابعا- إجابة طالب الضيافة: للفقهاء خلاف وتفصيل فى إجابه الضيف إلى طلب الضيافة، فيذهب الظاهرية - كما ينقل عنهم ابن حزم (31) - إلى أنها فرض. وكذلك المالكية (32) على تفصيل. ونقل السوكانى (33) أنها ليست واجبة عند الجمهور (انظر: ضيافة) . ثامنا- الإجابة إلى الإسلام: يقول الحنفية: إن الإجابة إلى الإسلام بعد الدعوة إليه تقتضى الكف عن القتال وكذا فى الجزية بالنسبة لغير المرتدين ومشركى العرب. جاء فى الهداية (34) : إذا دخل المسلمون دار الحرب فحاصروا حصنا أو مدينة دعوهم إلى الإسلام فإن أجابوا. كفوا عن قتالهم، وأن أمتنعوا دعوهم إلى أداء الجزية، وهذا فى حق من تقبل منه الجزيه ومن لا تقبل منه كالمرتدين وعبدة الأوثان لا يقبل منهم إلا الإسلام فان بذلها من تقبل منهم الجزية فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين (انظر: جهاد) . وقالوا (35) فى المرتد: يعرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة كشفت عنه ويجبس ثلاثة أيام فان أجاب إلى الإسلام وإلا قتل (أنظر: مرتد) .   (1) الآية رقم 186 من سورة البقرة. (2) لسان العرب: مادة جوب. (3) حاشية أبن عابدين جزء أول صفحة 367 وما بعدها. (4) المهذب جزء أول صفحة 58. (5) شرح المنهاج بهامش حاشية قليوبى وعميرة ج1 ص131 طبع الحلبى. (6) المحرر فى الفقه ج1 ص 38 وما بعدها. (7) الدردير ج1 ص87، 88 والحاشية. (8) المحلى لابن حزم ج3 ص148. (9) البحر الزخار ج1 ص198. (10) شرح الأزهار ج1 ص226. (11) الروضة البهيه شرح اللمعة الدمشقية - ج1 ص73. (12) كتاب الوضع ص83 طبعة مطبعة الفجالة الجديدة بمصر. (13) كتاب الهداية: الجزء الرابع ص59. (14) بلغة السالك ج1 ص404. (15) المهذب ج2 ص64. (16) شرح المحلى على منهاج الطالبين ج3 طبعةالحلبى. (17) شرح المحلى على منهاج الطالبين ج3 طبعة الحلبى. (18) المهذب ج2 ص65. (19) المحرر ج2 ص39، 40. (20) المحلى ج9 ص450 451. (21) التاج المذهب ج3 ص480، 481. (22) جامع المقاصد - للمحقق الكركى - باب النكاح (23) الجواهر باب الصوم ج3 ص250. (24) أعلام الموقعين ج4 ص157 طبع مصطفى محمد (25) أبن عابدين ج1 ص483. (26) ج6 ص224. (27) ج9 ص86 طبعة المنار. (28) ج1 ص144. (29) الهداية ج1 ص137 وما بعدها. (30) ج1 ص145. (31) المحلى لابن حزم ج9 ص174 طبعة منير. (32) الدردير ج2 ص487 والحاشية. (33) نيل الأوطار ج8 ص157- الطبعة الأولى - المطبعة العثمانية المصرية. (34) الهداية مع فتح القدير ج4 ص286. (35) الهداية مع فتح القدير ج4 ص286. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 إجَازة ال إجازة لغة: فى المصباح: جاز المكان يجوزه جوزا وجوازا سار فيه وأجازه قطعه وأجاز الشىء أنفذه- قال ابن فارس وجاز العقد وغيره نفذ ومضى على الصحة وأجزت العقد جعلته جائزا وأجاز له فعل كذا سوغه له وأجاز رأيه أنفذه كجوزه وجاز له البيع أمضاه وأجاز الموضع خلفه (1) الإجازة فى استعمال الفقهاء: لا تخرج فى استعمال الفقهاء عن هذا المعنى العام فيستعملونها فى إنفاذ العقود الموقوفة بمعنى ترتيب أثرها عليها وإنفاذها فيقولون إن العقد الموقوف ينفذ وترتب عليه آثاره بإجازته ممن له ولاية إنفاذه فعقد الفضولى عند من يراه موقوفا لا تترتب عليه آثاره ولكنه يصير نافذا وتترتب عليه آثاره بإجازته من صاحب الشأن وهو المالك أو الولى علية أو وكيله مثلا وكذلك تصرف ناقص الأهلية المتردد بين النفع والضرر يصدر عليه موقوفا موذوفا ولكنه ينفذ بإجازته ممن له الولاية على ناقص الأهلية وتزويج العبد نفسه موقوف ينفذ بإجازته من سيده والوصية للوارث أو بأكثر من الثلث موقوفة وتنفذ بإجازتها من الورثة وهكذا، وكذلك يستعملونها بمعنى الإمضاء وذلك فى العقود النافذة إذا كان فيها خيار لأحد العاقدين فيقولون أنها تصير لازمة بإجازتها ممن له لخيار فى فسخها ويسقط خياره بإجازتها أى بإمضائها كما فى البيع فيه خيار الرؤية أو خيار الشرط وإذا كانت فى الفعل كان معناها الرضا به وبما يترتب عليه من أثر كما فى أجازه الإيفاء بالدين يقوم به أجنبي أو تسليم العين الموهوبة يقوم به غير الواهب ما تتحقق به الإجازة تتحقق الإجازة بكل ما يفيد الرضا صراحة أو دلالة من قول أو فعل فتكون باللفظ وما يقوم مقامه كالكتابة أو الإشارة ممن لايستطيع النطق وسواء أكانت بالعربية أو بأية لغة من اللغات من كل عبارة تدل على الإنفاذ. والرضا كأجزت ونحوه وهى اما صريحة إذا دلت على ذلك صراحة كأجزت وأنفذت أو غير صريحة إذا ما دلت على ذلك بطريق اللزوم وإلاشارة كأن يقول نعم ماصنعت أو بارك الله لنا فيما فعلت أو يهنأ فيشكر أو يتقبل التهنئة وذلك ماذهب اليه الفقيه أبو الليث وبه كان يفتي الصدر الشهير مالم يظهر أن مثل ذلك قد صدر منه على سبيل الإستهزاء ومرد ذلك الى القرائن وهذا هو المختار (2) ومن الإجازة بطريق الدلالة أمره فضوليا زوجه امرأة بأن يطلقها عندما علم بالزواج لأن الطلاق لايكون إلا فى زواج صحيح نافذ، وفى جامع الفصولين الطلاق فى النكاح الموقوف قيل يعد إجازة وقيل لا.. وتكون بالفعل إذا ما كان أثرا للعقد وتوقفت سلامته عليه كقبض المهر ودفعه وإرساله وقبض الثمن ودفعه وتسلم المبيع وتسليم العين المرهونة إلى المرتهن وتسليم الهبة إلى الموهوب له ونحو ذلك من كل ما يدل على الرضا بخلاف قبض المرأة هدية الزواج إذا زوجها منه فضولى إذ أن ذلك لايعد أثرا للعقد ولا تتوقفه سلامته على العقد فقد تكون الهدية من غير الزوج وقد تقبضها لغرض آخر غير الرضا بالعقد (3) وقيل إنها تتحقق مبعث الهدية الى الزوجة ولا تختلف المذاهب فى هذا الذى ذكرنا. ولكن الزيدية حين تعرضوا للإجازة الفعلية مثلوا لها بالمثال الآتي فقال لو علمت المرأة بالعقد وما سمى لها فيه فلم يصدر منها لفظ إجازه ولكن مكنت الزوج من نفسها كان تمكينها له كالإجازة للعقد والمهر معا حيث وقع التمكين بالوطء أو بمقدماته بعد العلم بالعقد أو التسمية بما لجهلت العقل لم يكن التمكين أجاز وتحد ان مكنته من نفسها لأنها زانية مالم تلحق منها الإجازة بعد أن تعلم فيسقط الحد للشبهة وهو تعذر العقد وأما لو علمت العقد وجهلت التسمية فلا إشكال أن التسمية تبقى موقوفة على أجازتها وقد يبقى العقد موقوفا أيضا فيبطل إذا ردت التسمية ولم ترض بها (4) . هل يعد السكوت إجازة ذكرنا أن الإجازة تكون بكل مايفيد الرضا من قول أو فعل فهل تكون أيضا بالسكوت عند العلم بالعقد أو بالتصرف أو عند مشاهدته؟ من القواعد التى ذكرها الفقهاء أنه لاَينسَبْ الى ساكت قوله وقد جاء ذكر هذه القاعدة فى كثير من كتب الحنفية ومنها الأشباه والنظائر لابن نجيم إذ جاءت تحت عنوان القاعدة الثانية عشرة ومقتضاها أن السكوت لا يعد إجازة قولية كما أنه لا يعد فعلا من الأفعال وذلك كله لإينفى أنه قد يفيد الرضا وإن لم يكن قولا أو فعلا ومن الظاهر أن إفادته الرضا مردها الى القرائن التى تحيط به. وقد جاء فى الأشباه والنظائر: أن الوكالة لاتثبت بالسكوت فإذا رأى أجنبيا يبيع ماله فسكت ولم ينههه لم يكن سكوته توكيلا خلافا لابن أبى ليلى وأن السكوت لا يعد إذنا للصبى والمعتوه بالتصرف إذا كان من القاضى وحدث السكوت منه وقت تصرفه وكذلك لايعد سكوت المرتهن إذنا للراهن ببيع العين المرهونة ولا يكون أذنا بإتلاف المال إذا ما رأى غيره يتلف ماله فسكت وإذا كانت الإجازة اللاحقة كالأذن السابق فما لايثبت به الإذن لاتثبت به الإجازة وبناء على ذلك لا يكون السكوت إجازة فيما ذكرنا من المسائل ولا فيما يشبهها ويترتب على ذلك أن السكوت لايعد إجازة كما لا يعد إذنا. غير أنهم قد استثنوا من هذا المبدأ مسائل عديدة ذكرها صاحب الأشباه والحموى بلغت الأربعة والأربعين مسألة ومن هذه المسائل ماعدا السكوت فيه رضا وإجازة كسكوت البكر البالغة يعد تزويج وليها إياها وسكوتها بعد قبض وليها مهرها وسكوتها إذا بلغت وقد زوجها غير أبيها وجدها وسكوت الواهب عند قبض الموهوب له العين الموهوبة فى حضرته. وسكوت الموقوف عليه بعد الوقف عليه وسكوت الولى إذا رأى الصبى المميز يبيع ويشترى وسكوت الإنسان عند رؤيته غيره يشق زقه إلى غير ذلك من المسائل (5) التى ذكرها وفى جامع الفصولين أن سكوت المالك الحاضر وقت بيع الفضولى لا يعد إجازة وذكر الخير الرملي أن صاحب المحيط ذكر أن سكوته عند البيع وقبض المشترى المبيع يعد رضا وإجازة قال صاحب جامع الفصولين أن مرد الحكم فى ذلك الى القرأئن إذ العبرة فى الإجازة إنما هو تحقق الرضا بالتصرف بأي دليل يدل عليه هذا عند الحنفية وتفصيل القول فى ذلك فى جميع المذاهب يرجع فيه إلى مصطلح (سكوت) (6) الفرق بين الإجازة والإذن الإجازة كما بينا إما تنفيذ لتصرف موقوف ومن ثم يترتب عليها إستتباع هذا التصرف لأثاره المترتبة عليه أو إمضاء العقد غير اللازم وإبرامه ومن ثم يترتب عليه سقوط الحق فى فسخه ممن أجازه كما فى البيع بشرط الخيار يجيزه من شرط له الخيار وكما فى شراء عين قبل رؤيتها يجيزه المشترى بعد رؤيتها وعلى ذلك لا تكون إلا تالية للتصرف اما الإذن ويكون سابقا عليه ولذا كان وكالة. أو فى معناها ومن ثم يكون التصرف الصادر بمقتضاه تصرفا من ذى ولاية بخلاف التصرف الصادر قبل الإجازة فإنه يكون من غير ذى ولاية وقد جاء فى حاشية ابن عابدين فى الفرق بينهما ان الأذن إنما يكون لما سيقع والإجازة إذ تكون لما وقع وأن الأذن يكون بمعنى الإجازة إذا حدث بعد التصرف وكان لأمر وقعت وعلم به الأذن (7) ومعا يجب ملاحظته ان الآذن أو الوكالة يكون فى كل ما يجوز الإذن او الموكل مباشرته من التصرفات والأفعال عند الحنفية إما الإجازة فلا تكون فى كل تصرف يصدر وإنما تختص بالتصرف الموقوفة بسبب يرجع الى نقص الولاية أو عدمها أو تعلق حق الغيرعلى ما يجىء بيانه. كما يلاحظ ان الآذن بالعقد أو بالتصرف يعد توكيلا فيه فيقبل عند الحنفية الرجوع عنه قبل حدوثه من المأذون إما الإجازة فتستتبع أثرها في المال ومن ثم لا يقبل الرجوع فيها من المجيز إذ بمجرد الإجازة ينفذ العقد وإذا نفذ يتوقف بعد نفاذه. أثر الإجازة فى الأقوال والأفعال يبنا أن الإجازة فى العقود النافذة التى من شأنها أو من حكمها أن تكون لازمة وقد عرض لها عدم اللزوم بسبب ثبوت خيار فيها سواء أكان خيار شرط ام خيار رؤية أم خيار عيب أم خيار فوات وصف أو نحو ذلك يكون أثرها إمضاء العقد. ولزومه وسقوط الخيار بالنسبة لمن صدرت منة الإجازة وهذا الخلاف فيه بين المذاهب أما إذا كانت فى التصرفات الموقوفة فان أثرها (7) يكون نفاذ هذه التصرفات وترتب آثرها عليها وكأنها قد صدرت من ذى الولاية عليها فإذا كان قد باشرها فضولى أعتبرت صادرة من وكيل بمباشرتها وإذا صدرت من صبى مميز اعتبرت صادرة من الولى عليه وإذا صدرت من المالك ماسة بحق الغير أعتبر المالك مأذونا فيها من صاحب ذلك الحق وهكذا ولهذا قرر الحنفية ان الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ومعنى ذلك أنها نجعل لمباشر التصرف حكم الوكيل فى مباشرته فيترتب على مباشرته جميع الأحكام التى تترتب على مباشرة الوكيل ويلزم المجيز بما يلزم به الموكل وذلك مع ملاحظة أن ذلك إنما يكون فى الإجازة الصحيحة المستوفية لشروطها وعلى ذلك ترجع حقوق العقد إلى الفضولى فى العقود التى ترجع فيها حقوق العقد الى الوكيل كالبيع وغيره من المعاوضات ولا ترجع إليه فى العقود التى لاترجع فيها حقوقها إلى الوكيل بل يكون فيها سفيرا ومعبر إليه كزواج وما ماثله من كل عقد يعتبر فيه الوكيل. سفيرا ومعبرا وذلك فى رأى من يرى أن حقوق العقد ترجع إلى الوكيل لا إلى الموكل كالحنفية وتفصيل ذلك يعرف فى مصطلح " وكالة " وجملة القول فى ذلك ان إجازة العقد الموقوف تصيره نافذا فى جميع المذاهب وذلك ما يجعلها فى حكم الإذن السابق أو الوكالة السابقة فيكون لها أحكامها على حسب اختلاف المذاهب فى أحكام الوكالة وهذا إذا كانت الإجازة فى التصرفات القولية إما إذا كانت فى تصرف فعلى فقيل أنها لا تلحق الأفعال وقيل إنها تلحق الأفعال كما تلحق الأقوال وعلى القول الأول لايكون لها أثر ويكون للفعل حكمه وأثره الشرعى الذى يستوجبه حين يصدر ممن لا ولاية له عليه وعلى القول الثانى يكون لها حكم الإذن السابق به: جاء فى الدر المختا ر (8) الإجازة لاتلحق الإتلاف فلو أتلف مال غيره تعديا فقال المالك جزت أو رضيت لم يبرأ المتلف من الضمان ذكره صاحب الأشباه نقلا عن البزازية ولكن نقل صاحب التنوير عن العمارية أن الإجازة تلحق الأفعال وهو الصحيح وبناء عليه تلحق الإتلاف لأنه من جملة الأفعال وجاء فى أبن عابدين تعليقا على ذلك أن الملتقى لو تصدق ياللقطة ثم جاء ربها فأجاز الفعل صحت إجازته وكان لها حكم إذنه وذلك مايدل على أنها تلحق الأفعال ثم نقل عن البيرى على الأشباه أن أحد الورثة إذا اتخذ ضيافة من التركة حال غيبة الآخرين ثم قدموا بعد ذلك وأجازوا. ثم أرادوا بعد إجازتهم الرجوع فيها وتضمين ذلك الوارث كان لهم ذلك لأن الإتلاف لايتوقف حتى تلحقه الإجازة وذلك يدل على أن الإجازة لا تلحق الأفعال وعلل ذلك بأن الأفعال لاتتوقف حتى تلحقها الإجازة ومعنى ذلك ان الفعل حين يصدر إنما يصدر عن ولاية فيكون بحق أو عن غير ولاية فيكون تعديا ولا تغير الإجازة من طبيعته فلا تجعل ما صدر تعديا صادرا عن حق فيه وعلى ذلك فلا تلحق الإجازة الأفعال وذلك ما يخالف الفرع الخاص بإجازة صاحب اللقطة تصدق الملتقط بها إذ جعلت إجازته كالإذن فلم يكن له حق المطالبة بالضمان وذلك مايتفق مع القول بصحته- وقد ذكر (صاحب الدر) فى مسائل من شتى من كتاب الخنثى أن الإجازة تلحق الأفعال على الصحيح فلو غصب إنسان عينا لأخر فأجاز المالك أخذه إياها صحت إجازته وبرىء الغاصب من الضمان (9) وفى جامع الفصولين غصب شيئا وقبضه فأجاز المالك قبضه برىء من الضمان ولو أودع مال الغير فأجاز المالك إيداعه برئ من الضمان ثم قال والإجازة لا تلحق الأفعال عند أبى حنيفة وتلحقها عند محمد كما تلحق العقود حتى أن الغاصب لو رد المغصوب على أجنبى فأجاز المالك برىء الغاصب عند محمد لا عند الامام ولو بعث بدينه على يد رجل إلى الدائن فجاء الرجل الى الدائن وأخبره ورضى بذلك وقال له اشتر لى به شيئا ثم هلك المال قيل يهلك من مال المدين وقيل يهلك من مال الدائن وهو الصحيح إذ الرضا بقبضه وفى الانتهاء كاءذنه بقبضه فى الإبتداء وهذا التعليل يدل على أن الإجازة تلحق الأفعال وهو الصحيح (10) . وجملة القول أن المسألة خلافية. وعلى القول لصحة الإجازة فى الأفعال يصير الفعل بها وكأنه صدر من فاعله بناء على أنه مأذون به فينسب إلى إذنه وتكون القاعدة عامة فى الأقوال والأفعال أما علي القول الآخر فإنها تكون خاصة بالإجازة فى الأقوال وفى بيان حكم ذلك فى بقية المذاهب يرجع الى مصطلح " تعدى او اعتداء ". وبناء على ما تقدم فليس بين الإجازة والإذن فرق من حيث صيرورة الفعل مأذونا به منذ وقع على القول بلحوقها للأفعال أما فى الأقوال فإنه يلاحظ أن الإذن بالعقد يجعله نافذا مترتبا عليه أثره منذ نشأ على حسب وصفه وصورته منجزا أو مضافا أو معلقا أما الإجازة فيختلف الحكم فيها عن ذلك فقد ذهب الحنفية الى أنهما إذا كانت. فيما يقبل التعليق ترتب عليه أثره من وقت الإجازة كالطلاق والعتق والكفالة فلا تطلق الزوجة إلا من وقت إجازة الطلاق ولايصير الكفيل ملتزما إلا من وقت أجازته الكفالة أما إذا كانت فيما لا يقبل التعليق فإنها تجعل العقد نافذا منذ صدر وترتب عليه آثاره من ذلك الوقت كالبيع وعلى ذلك إذا أجيز البيع الموقوف نفذ من وقت نشأته وكان للمشترى زوائد البيع وثمراته ومنافعه منذ وقع العقد لا فرق بين ما يحدث قبل الإجازة وما يحدث بعدها. وعللوا ذلك بأن الموقوف كالمعلق على الإجازة فى المعنى وما يقبل التعليق تقتصر آثاره على وقى حدوث الشرط المعلق عليه إذا ما علق. والشرط هنا هو الإجازة وعلى ذلك تقتصر آثار هذا النوع من العقود على وقت الإجازة- وهذا فى عقد موقوف يقبل التعليق أما مالا يقبل التعليق من العقود الموقوفة فلا يكون توققه على الإجازة فى معنى التعليق لأنه لا يقبله ولذا يستند أثره الى وقت إنشائه كالبيع (11) ولمعرفة حكم المذاهب فى ذلك يرجع الى العقد الموقوف فى مصطلح "عقد". محل الإجازة تكون الإجازة فى نوعين من العقود والتصرفات: الأول: العقود والتصرفات الموقوفة على إجازة ذوى الشأن فيها ويمكن أجمالها فى العقود والتصرفات التى تصدر ممن لا ولاية له كالفضولى. والصبى المميز بالنسبة إلى ما يتردد بين النفع والضرر والسفيه وكذلك التصرفات التى تصدر فى محل تعلق به حق الغير كبيع المرهون والمستأجر والتبرع فى مرض الموت صريحا او ضمنا كالمحاباة فى المعاوضات وبيع المورث لبعض ورثته والوصية لهم والوصية بأكثر من الثلث وتبرع المحجور عليه للمدين وتبرع من أحاط الدين بماله عند بعض الفقهاء وان لم يحجر عليه وتصرف الرقيق ويضاف إلى ذلك تزوجه وتزوج الصبى المميز ويخر ذلك من العقود والتصرفات الموقوفة- وفى بيان هذه العقود وتفصيل القول فيما يعد من العقود والتصرفات موقوفا او باطلا او نافذا فى مختلف المذاهب يرجع إلى مصطلح " عقد وتصرف "- غير أنه مما يستحسن الإشارة إليه بأجمال هنا أن من العقود مايعد فى بعض المذاهب موقوفا وفى بعضها باطلا كعقد الفضولى وتصرفه وغد الصبى المميز فيما يتردد بين النفع والضرر فذلك يعد موقوفا عند الحنفية إذا كان له مجيز وقت إنشائه وحينئذ ينفذ بالإجازة اما ضد الشافعية فيعد باطلا لا تلحقه الإجازة. وتبرعات الفضولى تعد باطلة عند الشافعية والمالكية وعلى رواية عند الحنابلة فلا تلحقها الإجازة وتعد موقوفة عند الحنفية فتنفذ، الإجازة ولسنا هنا بصدد بيان الموقوف فى مختلفا المذاهب ولذا تكتفى فيه بهذا القدر وكذلك يلاحظ أن العقد قد يعد موقوفا بالنظر إلى شخص فلا ينفذ بالنسبة إليه الا بإجازته بينما يعد نافذا لازما بالنظر الى آخر فلا يتوقف ولا يكون بحاجة الى إجازته وذلك كما فى بيع المرهون وبين المستأجر ويرجع إذا ذلك فى مصطلح " بيع " وكذلك يلاحظ أن تبرع من أحاط الدين بماله محل خلاف بين الفقهاء فى كونه موقوفا على الإجازة عند من يرى وقفه أو غير موقوف عند غيره. النوع الثانى: العقود والتصرفات اللازمة التى دخلها خيار فصارت به غير لازمة أو روعى أن لزومها يمس حق الغير فجعل له حق فسخها أوطلب فسخها دفعاَ للضرر عن نفسه وذلك كعقود المعاوضات التى دخلها خيار الشرط أو خيار الرؤية أو خيار العيب او فوات الوصف مثل البيع والإجارة والصلح، وكذلك تزويج المرأة البالغة العاقلة نفسها من غير كفء أو بأقل من مهر مثلها، فإن العقد يكون غير لازم، إذ لوليها العاصب حق الإعتراض. وطلب الفسخ إجارته فى هذه الحال تسقط حقه فى الاعتراض وتجعل العقد لازما. تصرفات المكره من التصرفات التى تلحقها الإجازة فى بعض المذاهب تصرف المكره وإن لم يعد موقوفا فيها. وقد اختلف فقهاء الحنفية فى وصف العقد الصادر من المكره فقال زفر هو عقد موقوف على إجازته منه بعد زوال الإكراه فإذا كان بيعا لايثبت به الملك إلا بعد الإجازة أماباقى فقهاء المذهب فقد قالوا هو عقد فاسد يثبت به الملك عند القبض وبإجازة المالك بعد زوال الإكراه يرتفع المفسد هو الإكراه وعدم الرضا، بناء على أن ركن العقد قد صدر من أهله مضافا الى محله. والفساد إنما كان لفقد شرط هو الرضا وبارتفاع المفسد وهوالاكراه وعدم الرضا ينفذ العقد (12) وفى ذلك يقول السرخسى فى مبسوطه " الإكراه لا يمنع انعقاد أصل البيع فقد وجد مابه ينعقد البيع من الإيجاب والقبول من أمله فى محل قابل له ولكن إمتنع نفوذه لإنعدام تمام الرضا بسبب الإكراه فإذا أجاز البيع غير مكره فقد تم رضاه به ولو أجاز بيعا باشره غيره نفذ بإجازته فإذا أجاز بيعا باشره هو كان بالنفاذ أولى وبيع المكره فاسد (13) ويرى الجمهور أنه باطل لاتلحقه إجازة، ويرجع فى تفصيل أحكام المذاهب فى ذلك الى مصطلح (إكراه) تصرف الهازل يجرى على لسان فقهاء الحنفية أن تصرف الهازل باطل إلا فيما أستثنى بالحديث ونزل فيه الهازل منزلة الجاد لقوله صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والوصية وفى رواية العتق. وفى ذلك يقول. الكاسانى فى بيع الهازل " ولا يصح بيع الهازل لأنه متكلم بكلام البيع لا على إرادة حقيقته فلم يوجد الرضا بالبيع فلا يصح بخلا ف طلاق الهازل فإنه واقع لأن الهزل فى باب الطلاق ملحق بالجد شرعا، قال صلى الله عليه وسلم ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد الطلاق والنكاح والعتاق. فألحق الهازل بالجاد فيه ومثل هذا لم يرد بالبيع، والهزل يمنع البيع لأنه يعدم الرضا بمباشرة السبب " ولكن جاء فى "الحموى " على الأشباه أن مراد الفقهاء ببطلانه أنه كالباطل فى الحكم من حيث أنه لإيفيد ملكا بالقبض ولكن الواقع أنه فاسد بدليل أن فساده يرتفع بعدول لهازل عن هزله وبالعدول يصح العقد وينفذ بلا حاجة أى تجديده وذلك صريح فى أن تصرف الهازل تلحقه إجازة الهازل له وهو جاد فى إجازته فينفذ وإن وصف بالبطلان وبالفساد راجع مصطلح (هز) لبيان حكام المذاهب فى ذلك. شروط الإجازة إذا كانت إجازه لعقد معاوضة أشترط فيها ما يأتى عند الحنفية: لأول: أن تصدر حال حياة من باشر العقد من غير ولاية إذا كان سينقلب بها وكيلاَ يرجع إليه حقوق العقد وذلك يكون فى عقود المعاوضات التى يباشرها فضولى مثل البيع والإجارة إذ بالإجازة ينقلب وكيلا وترجع إليه حقوق العقد فإذا باشر فضولى عقدا من هذه العقود ثم توفى قبل إجازته بطل العقد ولم تلحقه إجازة بعد ذلك ممن عقد له العقد وعلى ذا لم ينفذ العقد على الفضولى كما فى الشراء والاستئجار لأنه فى هذه الحال لايتوقف بل ينفذ عليه " راجع مصطلح فضولى" لهذا لزم أن تكون الإجارة حال حياته ليقوم بما التزم به من حقوق نتيجة لعقده أما العقود الأخرى التى يعتبر فيها الوكيل سفيرا ومعبرا فلا ترجع إليه فيها الحقوق ومن ثم إذا باشرها فضولى وانقلب بالإجازة وكيلا كان حكمه حكم الرسول فصار فيها سفيرا ومعبرا وأنتهت مهمته فيها بإنتهاء عبارته فإذا توفى ثم أجيزت بعد وفاته نفذت ولزمت إذ ليس مناك حق لزمه بعقد وفات بوفاته وبناء على ذلك إذا زوج فضولى إمرأة ثم توفى كان للزوجة أن تجيز هذا العقد بعد وفاته ويصير العقد بإجازتها نافذا لازما وكذلك الحكم إذا كان الفضولى قد باشر العقد عن الزوج كان للزوج إجازته بعد وفاة الفضولى. ويلاحظ إشتراط هذا الشرط فى التصرف الموقوف الصادر من الصبى المميز أو من السفيه أومن الراهن أو من المؤجر أو من المتبرع فى مرض الموت أو من المحجور عليه للمدين- فيجب أن تكون إجازته فى حياتهم إذ بوفاتهم قبل أجازته تبطل لعدم تمامه قبل الوفاة أما إجازه الوصية للوارث أو بأكثر من الثلث فلاتصح عند الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض الزيدية إلا بعد وفاة المتصرف وهو الموصى وذهب عطاء وربيعة الرأى وحماد وعبد الملك بن يعلى والأوزاعى وأبن أبى ليلى الى صحتها حال حياة الموصى وبعد وفاته وهذا الرأى هو المعتمد عند الزيدية والإباضية وكذلك هو المعتمد عند الشيعة الجعفرية بالنظر إلى الوصية بأكثر من الثلث أما الوصية للوارث فنافذة عندهم. ويرى مالك صحة الإجازة حال حياة الموصى إذا كانت فى أثناء مرضه مرضا مخوفا يغلب فيه الموت وقدمات منه ولم يكن هناك ما يحمل الوارث عليها وأرجع إلى تفصيل الأحكام الى مصطلح " وصية " عند كلام عن إجارتها الثانى: أن تصدر الإجازة حال حياة من عقد العقد له فإذا كان بين فضولى وآخر وجب أن تصدر حال حياة من عقد له الفضولي وإذا كان بين فضوليين وجب أن تصدر حال حياة من عقد العقد لهما وذلك يظهر معنى نفاذها بمطالبة من نسب إليه العقد بما يوجبه عديه بعد نفاذه بالإجازة وعلى ذلك لا يصح إجازة بيع الفضولى بعد والوفاة المشترى منه ولا بعد وفاة البائع بإجازته من ورثته إذ يبطل العقد حينئذ بوفاة البائع المالك إذ ليس لورثته حق إجازته كما لاتصح إجازة عقد النكاح بعد وفاة حد الزوجين وبعد وفاة الموصى له ولا تصح بعد وفاة من باشر العقد مع الصبى المميز أو السفيه لبطلان العقد ووفاته قبل تمامه وارجع فى تفصيل أحكام هذأ الموضوع الى العقد الموقوف فى مصطلح (عقد) الثالث: أن تصدر الإجازة حال بقاء محل العقد حتى يظهر أثرها فيه عند صدورها فلا تصح إجازة البيع بعد هلاك البيع بعد وإذا كان الثمن عرضا أى عينا كان بقاؤه الى صدورها شرطا فى صحتها أيضا لأنه فى هذه الحال يعد مبيعا اشتراه لنفسه فينفذ عليه والإجازة هنا تعد إجازة بنقد ثمن هذه العين من مال المجيز فإذا لم يصر اليه كان عليه مثلي ان كان مثليا وقيمته أن كان قيماً للمجيز (14) الرابع: أن يكون المجيز أهلا لمياشره التصرف الذى أجازه فيجب أن يكون أهلا للتبرع إذا كان التصرف تبرعا وأهلا للمعاوضة إذا كان التصرف بيعا أو إجازة ونحو ذلك إذن الإجازة لهاء فيجب فيها من الشروط ما يجب فى الإنشاء وعلى ذلك ألا تصح إجازة المحجور على " للدين لتبرع باشره عنه فضولى ولا إجازتة صبى مميز أو سفيه لمعاوضة باشرها عنه فضولى ولا أجازته لوصية لوارث أو بأكثر من الثلث- ويرى الحنابلة صحة إجازة الى المحجور عليه الدين لوصية متوقفة وذلك على القول بان الإجازة تنفيذ لا على القول بأنها عطية (15) الخامس: أن يكون المجيز عالما محل العقد من وجود أو عدم عند أبى يوسف رحمة الله خلافا لمحمد فإذا أجاز المالك وهو غير عالم لقيام محل العقد لم تصح الإجازة عند أبى يوسف وصحت عند محمد رحمه الله (16)   (1) المصباح المنير والقاموس المحيط مادة "جوز" (2) جامع الفصولين ج1ص228 (3) فتح القدير ج3ص431 طبعة بولاق. (4) التاج المذهب ج2ص55،ص56 (5) الأشباه والنظائر الفن الاول ص184طبعة اسلامبول. (6) ابن عابدين ج2 ص383 طبعة بولاق1323. (7) (جامع الفصولين) ج اص231 بولاق. (8) ج5 ص139. (9) الدر المختار ج 5ص 538 طبعة الحلبى. (10) جامع الفصولين ج1 ص 237. (11) ابن عابدين ج2ص539. (12) شرح النهاية.والنهاية وتكملة فتح القدير ج7 ص292 كتاب الإكراه وما بعدها مطبعة المكتبة التجارية. (13) المبسوط للسرخسى ج24 ص93، ص94. (14) فتح القدير ج5 ص312 (15) المغنى ج6ص429 (16) الهداية والفتح والعناية ج5 ص311،ص312،ص313 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 إجٌبارُ تعريف ال إجبار لغة: الجبار صفة من الإجبار وهو القهر والإكراه قال أبن الأثير ويقال جبر الخلق وأجبرهم ويقال رجل جبار مسلط قاهر ومنه قوله وما أنت عليهم بجبار- وأجبره أكرهه. يقال أجبر القاضى الرجل على الحكم إذا أكرهه عليه. وتميم تقول جبرته على الأمر أجبره جبر اوجبورا. قال الأزهرى وهى لغة معروفة كان الشافعى يقول جبر السلطان وهو حجازى فصيح فهما لغتان جيدتان وهما جبرته وأجبرته (1) الإجبار اصطلاحا: ليس له تعريف مخصوص فى كتب الفقه ويمكن تعريفه أخذا من إستعمالات الفقهاء بأنه حمل الغير من ذى ولإية بطريق الإلزام على عمل تحقيقا لحكم الشرع "الفرق بين الإجبار وألا كراه" من تعريف كل من الإجبار والإكراه فى الاصطلاح يمكن معرفة الفرق بينهما لأن المعنى اللغوي لكل منهما قد يكون متقاربا إذا الإكراه فى اللغة يتضمن القهر (2) وفى الاصطلاح هو الحمال على الفعل الأبعاد والتهديد مع وجود شرائطه المقررة فى باب الإكراه وإذاً يكون الفرق بينهما أن الإجبار يكون ممن له ولاية شرعية فى حمل الغير على فعل مشروع أما الإكراه فيكون من ذى قوة على تنفيذ ما توعدبه فى سبيل حمل الخير على فعل أمر غير مشروع على تفصيل موضعه مصطلح إكراه (3) ما يرد فيه الإجبار يرد الإجبار فى كثير من أبواب الفقه المختلفة كالإجبار فى القسمة والإجبار فى حقوق الجوار والإجبار على كرى النهر والإجبار على الشركة الإجبار فى الشفعة والإجبار على الوفاء بالدين والإجبار على الأوضاع والإجبار على النكاح وألاجبار على الكلالة والإجبار على تولى القضاء والإجبار على تولى الخصومة والإجبار على رد المغصوب والمستأجر والإجبار على الزكاة والإجبار على عمارة المشترك من دار أو جدار وغير ذلك. ولما كان بعض الفقهاء قدعبر عن الإجبار بالمعنى المذكور بكلمة "جبر" فانظر أحكامه فى مصطلح "جبر"   (1) لسان العرب ص16ص114،ص116 (2) المصباح ج3مادة: جبر (3) البدائع ج7 باب الإكراه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 اجتهاد الاجتهاد فى اللغة تحمل الجهد (أى المشقة) ، فلا يستعمل لغة على سبيل الحقيقة إلا فيما فيه مشقة، فلا يقال اجتهد فى حمل الخردلة إلا على نحو من التجوز لضعف الحامل مثلا (1) . الاجتهاد عند الأصوليين وهو فى اصطلاح الأصوليين بذل الفقيه غاية جهده فى تحصيل حكم شرعى بحيث يشعر من نفسه أنه عاجز عن المزيد على ذلك (2) . وعرفه ابن حزم بأنه استنفاد الطاقة فى حكم النازلة حيث يوجد ذلك الحكم، لأن أحكام الشريعة كلها متيقن أن الله تعالى قد بينها بلا خلاف، وهى مضمونة الوجود لعامة العلماء، وإن تعذر وجود بعضها على بعض الناس، فمحال ممتنع أن يتعذر وجوده على كلهم، لأن الله تعالى لا يكلفنا ما ليس فى وسعنا، وما تعذر وجوده على الكل فلم يكلفنا الله تعالى إياه (3) . والاجتهاد نوعان عند من يقول بإمكان تجزى الاجتهاد: اجتهاد مطلق فى جميع الأحكام، وهو ما يقتدر به على استنباط الأحكام القليلة من أمارة معتبرة عقلا أو نقلا فى الموارد التى يظفر فيها بها (4) . واجتهاد فى حكم دون حكم، وهو ما يقتدر به على استنباط بعض الأحكام، ولابد بالنسبة للمجتهد فى هذا من أن يعرف جميع ما يتعلق بهذا الحكم، ومن جملة ما يعرفه فيه أن يعلم أنه ليس مخالفا لنص أو إجماع ولا يشترط معرفة ما يتعلق بجميع الأحكام، ويشترط للاجتهاد المطلق عند أهل السنة شروط: الأول: معرفة مواقع آيات الأحكام من الكتاب بحيث يتمكن من الرجوع إليها عند الحاجة، ولا يتمكن من الرجوع إليها إلا إذا عرف: (أ) معانى مفرداتها وتراكيبها وخواص ذلك فى الإفادة والاستفادة. فمعرفة معانى مفرداتها تقتضى أن يعرف وضع كل منها مما يدرك بدراسة كتب اللغة والصرف، ومعانى التراكيب تحتاج إلى النحو، وخواص ذلك تحتاج إلى علوم البلاغة من المعانى والبيان. (ب) معانيها شريعة، وتتوقف على معرفة علم أصول الفقه، فيعرف علل الأحكام الشرعية كمعرفة أن الحدث المعبر عنه بقوله تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط ((5) علته النجاسة فقيس عليه كل خارج نجس وكمعرفة العلة فيما له مفهوم موافق، إذ أن المجتهد لمعرفته بالأحكام المتبادرة لكل عالم باللغة يتبين أن العلة شاملة كشمول دلالة النص فتقدم على القياس. (ج) أقسام الكتاب من العام والخاص والمشترك والمجمل والخفى والظاهر والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من تقسيمات الأصوليين، وهذا شىء آخر غير معانيه على ما هو واضح. الشرط الثانى: أن يعرف من السنة متنا وسندا القدر الذى تتعلق به الأحكام بأن يعرف بالنسبة للمتن نفس الأخبار أنها رويت بلفظ الرسول أو بالمعنى ومواضع المتن لهذا القدر بحيث يتمكن من الرجوع إليه عند الحاجة كما ذكرنا فى معرفة الكتاب، ويعرف بالنسبة للسند سند ذلك القدر من تواتر أو شهرة أو آحاد، وفى ذلك معرفة حال الرواة من الجرح والتعديل، ويكتفى فى هذا الزمان بتعديل أئمة الحديث الموثوق بهم كالبخارى ومسلم والبغوى وغيرهم من أئمة الحديث، وجملة ما يشترط فى معرفة السنة على ما ذكره الغزالى خمسة شروط: 1- معرفة طرقها من تواتر وآحاد لكون المتواترات قطعية الثبوت، والآحاد ظنية الثبوت. 2- معرفة طرق الآحاد وروايتها ليعمل بالصحيح منها ويبعد عن غيره. 3- معرفة أحكام أقوال الرسول وأفعاله ليعلم ما يوجبه كل منها. 4- معرفة ما انتفى عنه الاحتمال وحفظ ألفاظ ما وجد فيه الاحتمال. 5- معرفة الترجيح بينه وبين ما يعارض من الأخبار. الشرط الثالث: معرفة أنواع القياس عند القائلين به، والمراد منها الأنواع الثلاثة الآتية: الأول: قياس العلة: إثبات حكم معلوم فى معلوم آخر لاشتراكهما فى علة الحكم عند المثبت. كقياس الحنفية، الخارج النجس من غير السبيلين كالدم الذى يسيل إلى موضع يلحقه حكم التطهير على الخارج من السبيلين لعلة خروج النجاسة. الثانى: قياس الدلالة (مساواة فرع لأصل فى وصف جامع لا يكون علة للحكم بل يكون لازما مساويا لعلة الحكم) كقياس المكره بالقتل على المكره بجامع الإثم، والإثم ليس علة للقصاص بل هو مساو لها كمساواة الضاحك للناطق فى الأفراد. الثالث: قياس العكس (إثبات نقيض حكم الأصل فى الفرع لوجود نقيض علته فيه) كما قاس الرسول عليه الصلاة والسلام وطء المنكوحة فأثبت الأجر فيه قياسا على وطء المحرمة فى إثبات الوزر بقياس العكس، وقد سئل عليه الصلاة والسلام: أيأتى أحدنا شهوته، أى الحلال، فيكون له أجر. فقال: أرأيت لو وضعها فى حرام يكون عليه وزر (6) . ويرجع إلى مصطلح " قياس ". وقالت طائفة: لا موضع البتة لطلب حكم النوازل من الشريعة ولا لوجوده إلا إلى نص القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دلالتهما على حكم تلك النازلة دلالة لا تحتمل إلا وجها واحدا، وهذا قول جميع أهل الإسلام قطعا، وهو قول جميع أصحابنا الظاهريين، وبه نأخذ (7) . وقال أيضا: وجوه الاجتهاد تنحصر فيما جاء فى القرآن، والخبر المسند بنقل الثقات إلى النبى عليه الصلاة والسلام إما نصا على الاسم وإما دليلا من النص لا يحتمل إلا معنى واحدا. فإن قال قائل: فكيف يفعل العالم إذا سئل عن مسألة فأعيته أو نزلت به نازلة فأعيته، قيل له: وبالله تعالى التوفيق يلزم أن يسأل الرواة عن أقوال العلماء فى تلك المسألة النازلة ثم يعرض تلك الأقوال على كتاب الله تعالى وكلام النبى عليه السلام كما أمره الله تعالى، إذ يقول: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ((8) ، وإذ يقول: (وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله ((9) ، وقوله تعالى: (فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ((10) فليرد ما اختلف فيه من الدين إلى القرآن والسنة الواردة عن النبى عليه السلام، وليتق الله ولا يرد ذلك إلى رجل من المسلمين لم يؤمر بالرد إليه (11) . وقال ابن حزم: الاجتهاد فى طلب حكم الله تعالى ورسوله عليه السلام فى كل ما خص المرء من دينه لازم للكل لم يخص الله تعالى بذلك عاميا من عالم (12) . ومجتهدو الشيعة لا يسوغون نسبة أى رأى يكون وليد الاجتهاد إلى المذهب ككل بل يتحمل كل مجتهد مسئولية رأيه الخاص (13) . وما كان من ضروريات المذهب يصح نسبته إليه وهم مجتهدون ضمن إطار الإسلام، وهو معنى الاجتهاد المطلق (14) . والشيعة لا يرون أئمتهم مجتهدين، وإنما يرونهم مصادر يرجع إليها لاستقاء الأحكام من منابعها الأصيلة، ولذلك يعتبرون ما يأتون به من السنة. فأقوال أهل البيت إذن مصدر من مصادر التشريع لديهم وهم مجتهدون فى حجيتها كسائر المصادر والأصول (15) . محل الاجتهاد وحكمه كل حكم (16) شرعى ليس فيه دليل قطعى هو محل الاجتهاد، فلا يجوز الاجتهاد فيما ثبت بدليل قطعى كوجوب الصلوات الخمس والزكوات وباقى أركان الإسلام وما اتفقت عليه جليات الشرع التى تثبت بالأدلة القطعية. فالاجتهاد المقصود هنا هو الاجتهاد فى الظنيات على ما ظهر من تعريفه السابق عند الجمهور. والاجتهاد بالظنيات عند الجمهور حكمه غلبة الظن بأن ما وصل إليه المجتهد باجتهاد هو الحكم الصواب ويحتمل أن يكون خطأ عند أهل السنة (والمراد بالصواب: الموافقة بما عند الله فى الواقع ونفس الأمر. والمراد بالخطأ: المخالفة بما عند الله فى الواقع ونفس الأمر) . وأصحاب هذا الرأى يطلق عليهم اسم " المخطئة "، ورأيهم هو المختار عند الحنفية وعامة الشافعية بأدلته الآتية: وعامة المعتزلة يقولون: كل مجتهد مصيب وهذا الخلاف بين أهل السنة وبين عامة المعتزلة ناشئ عن الخلاف فى أن لله تعالى حكما معينا قبل الاجتهاد أولا. فعند أهل السنة لكل حادثة حكم معين عند الله تعالى عليه دليل ظنى إن وجده المجتهد أصاب وله أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن اخطأ فله أجر الاجتهاد فقط فإذا اجتهدوا فى حادثة وكان لكل مجتهد حكم، فالحكم عند الله تعالى واحد وغيره الخطأ. وقالت المعتزلة: لا حكم قبل الاجتهاد بل الحكم تابع لظن المجتهد حتى كان الحكم تابعا لظن المجتهد، حتى كان الحكم عند الله تعالى فى حق كل واحد مجتهده هو وكل المجتهدات صواب، فكأن الشرع يقول كل ما وصل إليه المجتهد باجتهاده فهو الحكم فى حقه، وأصحاب هذا الرأى يطلق عليهم اسم " المصوبة ". الأدلة على أن الحق واحد استدل القائلون بأن الحق واحد، وهم الأئمة الأربعة وعامة الأصوليين من أهل السنة بأدلة منها. أما الكتاب قوله تعالى: (وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفثت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان، وكلا آتينا حكما وعلما ((17) . وجه الدلالة: أنه تعالى خص سليمان بالفهم فى قوله ففهمناها سليمان، ومنَّ عليه، وكمال المنة فى إصابة الحق، فلو كانا مصيبين لما كان لتخصيص سليمان بالفهم فائدة، ولا مانع من القول، بمفهوم المخالفة فى هذا الموضع عند الحنفية، وواضح أنهما حكما بالاجتهاد لأنه لو كان حكم داود بالنص لما وسع سليمان مخالفته ولما جاز رجوع داود عنه. وأما السنة فهى الأحاديث الدالة على ترديد الاجتهاد بين الصواب والخطأ، وهى كثيرة، منها ما روى أنه عليه السلام قال: " جعل الله للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا " وقال ابن حزم الظاهرى: أقسام المجتهدين بقسمة العقل الضرورية لا تخرج عن ثلاثة أقسام عندنا: 1- مصيب نقطع على صوابه عند الله تعالى. 2- ومخطئ نقطع على خطئه عند الله تعالى. 3- أو متوقف فيه لا ندرى أمصيب عند الله تعالى أم مخطئ. وإن أيقنا أنه فى أحد الخيرين عند الله تعالى بلا شك، لأن الله تعالى لا يشك بل عنده علم حقيقة كل شىء، لكنا نقول مصيب عندنا ومخطئ عندنا، أو نتوقف فلا نقول أنه عندنا مخطئ ولا مصيب، وإنما هذا فيما لم يقم على حكمه عندنا دليل أصلا، وما كان من هذه الصفة فلا تحل الفتيا فيه لمن لم يلح له وجهة، إذ لا شك أن عند غيرنا بيان ما جهلناه، كما أن عندنا بيان كثير مما جهله غيرنا، ولم يعر بشر من نقص أو نسيان أو غفلة (18) . وقال أيضا: إن المجتهدين قسمان، إما مصيب مأجور مرتين، وإما مخطئ، والمخطئ قسمان، مخطئ معذور مأجور مرة وهو الذى أداه اجتهاده إلى أنه على حق عنده، ومخطئ غير معذور ولا مأجور ولكن فى جناح وإثم، وهو من تعمد القول بما صح عنده الخطأ فيه، أو بما لم يقم عنده دليل باجتهاده على أنه حق عنده (19) . أنواع الاجتهاد الأول: اجتهاد فى دائرة النص وهو يتضمن الاجتهاد فى معرفة القواعد الكلية التى هى الدليل الإجمالى كاجتهاد الحنفية فى دلالة العام والمطلق أنها قطعية فى مدلولها فلا يخصصها ولا يقيدها خبر الآحاد إلا إذا صارت ظنية بالتخصيص والتقييد كاجتهاد الشافعية فى أن دلالة العام والمطلق ظنية فتخصص بأخبار الآحاد. الثانى: الاجتهاد بطريق النظر يتضمن قياس المجتهد أمرا لا نص فيه ولا إجماع. على ما ورد فيه نص أو حكم مجمع عليه كما يتضمن استنباط الحكم من قواعد الشريعة الإسلامية العامة مما يطلق عليه البعض الاجتهاد بالرأى. وقال ابن حزم: نص الله تعالى على أنه لم يكل بيان الشريعة إلى أحد من الناس ولا إلى رأى ولا إلى قياس، ولكن إلى نص القرآن وإلى رسوله عليه السلام فقط، وما عداهما فضلال وباطل ومحال (20) . اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم اختلف العلماء فيه على أربعة آراء: الأول ليس له ذلك لقدرت على النص بنزول الوحى، وإليه ذهب أبو على الجبائى وأبو هاشم، ونقله أبو منصور الماتريدى عن أصحاب الرأى. لأنه لو جاز له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد لجاز مخالفته لمجتهد آخر لأن أحكام الاجتهاد تجوز مخالفتها. الثانى: أن ذلك جائز له ووقع منه فعلا، وإليه ذهب الجمهور محتجين بما وقع من مثل قياسه القبلة على المضمضة فى عدم إفساد الصوم، وقياسه دين الله على دين العباد فى وجوب قضاء الحج. ويرى كثير من الحنفية أنه صلى الله عليه وسلم مأمور بانتظار الوحى فإن لم يرد كان عدم وروده أذنا له بالاجتهاد. الثالث: وقوعه فى الحروب والآراء دون الأحكام الشرعية كالتأبد وأخبار مكان نزول الجيش فى موقعة بدر. الرابع: التوقف عن القطع فى ذلك، وحكاه الآمدى عن الشافعى فى رسالته (21) . أدلة القائلين بأنه صلى الله عليه وسلم متعبد بالقياس: من الكتاب قوله تعالى: (فاعتبروا يا أولى الأبصار ((22) ، والنبى منهم. وقوله تعالى: (ففهمناها سليمان (وقد سبق بيان وجه الدلالة فيها. وأبو يوسف احتج بعموم قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ((23) أى بما جعله الله لك رأيا. ومن السنة حديث الخثعمية، قالت: يا رسول الله، إن أبى مات وعليه حجة أفأحج عنه؟ قال عليه الصلاة والسلام: " أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزيه" قالت: نعم. قال: " فدين الله أحق بالقضاء ".. قاس رسول الله صلى الله عليه وسلم دين الله على دين العباد. وبحديث القبلة للصائم لما سأل عمر رضى الله عنه عنها أهى تفطر الصائم؟ قال عليه الصلاة والسلام: " أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته.. " إلى أخر الرواية، اعتبر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة الجماع وهى القبلة بمقدمة الشرب وهى المضمضة فى عدم فساد الصوم. أما المعقول فهو أن الاجتهاد مبنى على العلم بمعانى النصوص، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أسبق الناس فى العلم حتى كان يعلم المتشابه الذى لا يعلمه أحد من الأمة بعده (24) . الاجتهاد فى زمن الرسول جواز الاجتهاد: اختلفوا فى جواز الاجتهاد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فى زمنه على مذاهب: الأول: يجوز الاجتهاد مطلقا بحضوره وغيبته ونقل عن محمد بن الحسن واختاره الغزالى والآمدى ودليله أن الأمر بالاجتهاد غير ممتنع عقلا، فيجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول: قد أوحى إلى أنكم مأمورون بالاجتهاد والعمل، فإن ذلك لا يلزم منه محال لا لذاته ولا لغيره. الثانى: يمتنع مطلقا فى زمنه صلى الله عليه وسلم، دليله أن أهل عصره عليه الصلاة والسلام قادرون على الرجوع إليه فامتنع ارتكاب طريق الظن وهو الاجتهاد مع القدرة على النص من الرسول صلى الله عليه وسلم، وقبيح أن يترك القادرون على العمل باليقين فيعمدون إلى العمل بالظن. الثالث: يجوز للغائبين من القضاة والولاة دون الحاضرين ودليل الامتناع للحاضرين هو الدليل الذى سبق فى الرأى الثانى، ودليل الجواز للقضاة والولاة هو الوقوع، والوقوع أكبر دليل على الجواز. الرابع: أنه إذا ورد فيه إذن خاص جاز وإلا فلا، فهو ممتنع عقلا لغير إذن خاص ودليله هو المذكور فى الرأى الثانى أيضا على أن الجواز للغائب لضرورة تعسر الرجوع أو تعذره إليه صلى الله عليه وسلم والإذن الخاص يقتضى الاطمئنان إلى أنه لا يخطئ. وقوع الاجتهاد فى زمن النبى (صلى الله عليه وسلم) اختلفوا فى وقوع هذا الاجتهاد على أقوال: الأول: أنه لم يقع اجتهاد من غيره صلى الله عليه وسلم فى زمنه أصلا، ولو وقع لنقل إلينا، وأيضا فإن الصحابة كانوا يرفعون إليه صلى الله عليه وسلم الحوادث ولو كانوا مأمورين بالاجتهاد لم يرفعوها. الثانى: أن الاجتهاد فى زمنه وقع من الحاضرين والغائبين. أما الغائبون فدليل وقوعه لهم حديث معاذ لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وقال له صلى الله عليه وسلم: " بم تقضى؟ ". قال: بكتاب الله. قال: " فإن لم تجد؟ ". قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " فإن لم تجد؟ ". قال: أقضى برأيى. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: " الحمد لله الذى وفق رسول رسوله إلى ما يرضى به رسوله "، وهذا الحديث مشهور تلقته الأمة بالقبول فصح أن يثبت به أصل من أصول الدين. وأما الحاضرون فدليل الوقوع لهم أولا: تحكيم سعد بن معاذ فى بنى قريظة وعمرو بن العاص وعقبة بن عامر ليحكما بين رجلين. وثانيا: قوله تعالى: (وشاورهم فى الأمر ((25) . الثالث: أنه وقع من غائبين دون الحاضرين وهو رأى الأكثر ودليل الوقوع للغائبين حديث معاذ السابق ذكره، أما حديثا التحكيم لسعد ولعمرو بن العاص وعقبة فهما من أخبار الآحاد التى لا تثبت بها أصول الدين. الاجتهاد بعد زمن الرسول أما الاجتهاد بعد عصره فجائز عند عامة الأصوليين والفقهاء بالشروط التى سبق توضيحها لم يخالف فى ذلك إلا الشيعة الذين يقولون بعصمة أئمتهم وأنهم مصادر التشريع على ما سبق بيانه. ولكن فى حالة غيبة الإمام يجوزون الاجتهاد. وباب الاجتهاد المطلق مفتوح عندهم (26) . جواز خلو الزمان عن مجتهد يجوز خلو الزمان عن مجتهد عند أبى حنيفة ومالك والشافعى والسلف جميعا ومنع الحنابلة ذلك فقالوا: لا يجوز خلو الزمان عن مجتهد. استدل القائلون بالجواز بأنه ليس ممتنعا لذاته، إذ لا يلزم من فرض وقوعه محال فلو كان ممتنعا لكان ممتنعا لغيره والأصل عدم الغير. وقد قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فيسيئوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا "، وهذا ظاهر فى جواز خلو الزمان عن مجتهد. واستدل الحنابلة بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق حتى يأتى أمر الله "، وهو ظاهر فى عدم الخلو إلى يوم القيامة أو إلى أشراط الساعة. وقالوا أيضا: الاجتهاد فرض كفاية، فيكون انتفاؤه بخلو الزمان عن المجتهد مستلزما لاتفاق المسلمين على الباطل وأنه محال. (انظر مصطلح " مجتهد ")   1) ترتيب القاموس المحيط ج1 ص467 مادة جهد. 2) انظر التلويح حاشية التوضيح على متن التنقيح ج2 ص117، 118، مطبعة دار الكتاب العربى ومختصر المنتهى ج2 ص389، 390 من القسم المطبوع بمطبعة الخشاب بمصر. 3) الأحكام لابن حزم ج 8 ص133 الطبعة الأولى سنة 1347 هجرية. 4) الأصول العامة للفقه المقارن ص579 الطبعة الأولى طبع بيروت سنة 1963م. 5) سورة المائدة:6. 6) انظر باب الاجتهاد فى حاشية السعد على شرح التوضيح ج2 من ص118 إلى آخر هذا المبحث. 7) الأحكام لابن حزم الظاهرى ج8 ص134. 8) سورة الأنبياء:7. 9) سورة الشورى: 10. 10) سورة النساء: 59. 11) الأحكام لابن حزم الظاهرى ج6 ص150. 12) المرجع السابق ج8 ص151. 13) المرجع السابق ص596. 14) المرجع السابق ص596. 15) الأصول العامة للفقه المقارن لتقى الدين الحكيم ص292. 16) انظر شرح التوضيح ج2 ص117 إلى نهاية المبحث. 17) سورة الأنبياء: 78. 18) الأحكام لابن حزم ج 8 ص136. 19) المرجع السابق ص138. 20) الأحكام لابن حزم الظاهرى ج8 ص18. 21) انظر روضة الناظر ج2 ص409، وإرشاد الفحول للشوكانى ص215. 22) سورة الحشر:2. 23) سورة النساء: 105. 24) انظر حاشية الكشف لعبد العزيز البخارى على البزدوى ج2 مختصر المنتهى لابن الحاجب ج2 والتقرير والتحبير ج3. 25) انظر شرح مختصر المنتهى لابن الحاجب من ص292. 26) الأصول العامة للفقه المقارن ص605. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 إجزاء المعنى اللغوى الإجزاء مصدر أجزأ بمعنى كفى. جاء فى لسان العرب مادة " جزأ "، أجزأه الشىء كفاه. وفى حديث الأضحية: " ولن تجزىء عن أحد بعدك " أى لن تكفى. وفى حديث آخر: " ليس شىء يجزىء من الطعام والشراب إلا اللبن "، أى ليس شىء يكفى. ويقال: ما لفلان إجزاء، أى: ماله كفاية. وفى حديث سهيل: " ما أجزأ منا اليوم أحد ما أجزأ فلان " أى فعل فعلا ظهر أثره وقام فيه مقاما لم يقمه غيره، ولا كفى فيه كفايته. المعنى الاصطلاحى يتكلم علماء أصول الفقه عن الإجزاء عند تقسيمهم لمتعلق الحكم الشرعى، وكلامهم على الصحة والفساد والبطلان، ولهم فى تعريفه مذهبان: أحدهما: أن الإجزاء هو كون الفعل كافيا فى الخروج عن عهدة التكليف به، وهذا التعريف ينسب إلى فريق من الأصوليين يعرف بفريق المتكلمين. ثانيهما: أن الإجزاء هو إسقاط القضاء، وهذا التعريف ينسب إلى فريق آخر من الأصوليين يعرف بفريق الفقهاء. وفى ذلك يقول القرافى فى كتابه الذخيرة (1) : الإجزاء هو كون الفعل كافيا فى الخروج عن عهدة التكليف، وقيل: ما أسقط القضاء. وقد فصل الإسنوى فى شرحه على المنهاج الكلام على الإجزاء عند المتكلمين وعند الفقهاء، ورجح تعريف المتكلمين. فالإجزاء عند المتكلمين هو الأداء الكافى لسقوط التعبد به، وقد شرح أجزاء هذا التعريف فبين: أولا: أن الأداء له معنيان: معنى لغوى، ومعنى فقهى. أما معناه اللغوى فهو الإتيان، من قولهم أديت الشىء أى آتيته، ومنه قوله تعالى: (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى أؤتمن أمانته ((2) . وأما معناه الاصطلاحى: فهو الإتيان بالعبادة فى وقتها لأول مرة، وهو بالمعنى الأول أعم لأنه يشمل آداء العبادة فى وقتها لأول مرة وإعادتها بعد أول مرة وقضاءها بعد وقتها، والمراد هنا هو هذا المعنى الأعم، وقد غفل عن هذا بعض الناس فظن أن المراد بالأداء المذكور فى تعريف الإجزاء هو المعنى الاصطلاحى ولذلك ادعى أن القضاء والإعادة لا يوصفان بإجزاء لأن القضاء والإعادة لا يسميان فى الاصطلاح بالأداء وهو غلط. ثانيا: يقال تعبد الله المكلفين بالصلاة، أى دعاهم إلى أن يعبدوه بها وطلبها منهم، فمعنى التعبد بالشىء طلبه،فإذا أتيت بالعبادة إتيانا كافيا لسقوط طلبها بأن اجتمعت فيها شرائطها وانتفت عنها موانعها فقد أجزأتك هذه العبادة وكفتك،وإذا لم تأت بها على هذا النحو فهى غير مجزئة. ثم ذكر تعريف الفقهاء للإجزاء وبين بطلانه، فالإجزاء عند الفقهاء هو إسقاط القضاء، ومن المعروف أن القضاء إنما يجب بأمر جديد على المذهب الصحيح لا بالأمر الأول. فإذا أمر الشارع بعبادة أمرا أوليا ولم يأمر بقضائها بأمر ثان فليس معنا إلا أمر واحد، وهذا الأمر الواحد إنما يتجه إلى الأداء الأول فقط ولا شأن له بالأداء الثانى وإذن فالأداء الثانى غير واجب لأنه ليس معنا أمر يوجبه، وإذا لم يكن واجبا فكيف يقال سقط مع أن السقوط فرع الوجوب والثبوت. على أن القضاء إنما يجب بخروج الوقت حتى لو أخذنا بمذهب من يقول: إن الأمر الأول كاف فى إيجابه فموجبه وسببه هو خروج الوقت، فإذا أدى الصلاة على وجهها فى الوقت فلا ينبغى أن يقال أجزأت بمعنى أنه سقط قضاؤها لأن القضاء لم يجب حتى يقال أنه سقط، ولكن يقال أجزأت بمعنى كفى فعلها عن المطلوب شرعا. ثم أنكم أيها الفقهاء تقولون أحيانا: هذا المطلوب سقط قضاؤه لأنه أجزأ، فتأتون بعلة ومعلول، أما المعلول فهو قولكم " سقط قضاؤه " وأما العلة فقولكم "لأنه أجزأ "، ومن المعروف أن العلة مغايرة للمعلول، فكيف تعرفون الإجزاء بأنه سقوط القضاء وهل يفسر الشىء بمغايره (3) . وفى التحرير وشرحه من كتب أصول الحنفية أن الصحة هى ترتب المقصود من الفعل عليه، وذلك فى المعاملات هو الحل والملك، أما فى العبادات فإن المتكلمين قالوا: إنها موافقة أمر الشارع بأن يكون مستجمعا ما يتوقف عليه من الشروط وغيرها وذلك نفسه هو معنى الإجزاء، وقال الفقهاء الصحة والإجزاء فى العبادات هما موافقة أمر الشارع على وجه يندفع به القضاء، وثمرة الخلاف تظهر فيمن صلى على ظن الطهارة ثم تبين له أنه محدث فإن صلاته صحيحة ومجزئة عند المتكلمين لموافقة الأمر إذ المكلف مأمور بأن يصلى بطهارة سواء أكانت معلومة أو مظنونة، وهى فاسدة عند الفقهاء لعدم اندفاع القضاء وتوصف أيضا بأنها غير مجزئة. ثم قال صاحب التحرير بعد أن بين هذا المعنى: " والاتفاق على القضاء عند ظهوره " أى: وقد اتفق المتكلمون والفقهاء على وجوب القضاء عند ظهور عدم الطهارة (4) . ولذلك قال أبو حامد الغزالى فى المستصفى: وهذه الاصطلاحات وإن اختلفت فلا مشاحة فيها، إذ المعنى متفق عليه (5) . وقال الإسنوى فى شرحه تعليقا على مسألة ظان الطهارة: فإن قيل إذا لم يتبين أنه محدث فواضح أنه لا قضاء عليه، وليس كلامكم فيه وإن تبين أنه محدث وجب القضاء عليه عند الفقهاء وعند المتكلمين القائلين بالصحة أيضا، فما وجه الخلاف؟ قلنا: الخلاف إنما هو فى إطلاق الاسم أى اسم الإجزاء على الأداء ثم تبين عدم الطهارة، وممن نبه عليه القرافى (6) . وفى روضة الناظر لموفق الدين ابن قدامة المقدسى الدمشقى، وهو فى الأصول على مذهب الحنابلة: " الصحيح من العبادات ما أجزأ وأسقط القضاء ". وفى شرحه نقلا عن الشيخ علاء الدين المرداوى فى التحرير: " الصحة مطلقا ترتب الأثر المطلوب من الفعل عليه فبصحة العقد يترتب أثره من ملك غيره، وبصحة العبادة يترتب إجزاؤها وهو الكفاية فى إسقاط التعبد ويختص الإجزاء بالعبادة (7) ". وفى إرشاد الفحول يقول الشوكانى: أعلم أن الإتيان بالمأمور به على وجهه الذى أمر به الشارع قد وقع الخلاف فيه بين أهل الأصول: هل يوجب الإجزاء أم لا، وقد فسر الإجزاء بتفسيرين: أحدهما حصول الامتثال به، والآخر سقوط القضاء به، فعلى التفسير الأول أن الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى تحقق الإجزاء المفسر بالامتثال، وذلك متفق عليه، فإن معنى الامتثال وحقيقته ذلك. وإن فسر بسقوط القضاء فقد اختلف فيه، فقال جماعة من أهل الأصول: إن الإتيان بالمأمور به على وجهه يستلزم سقوط القضاء. وقال القاضى عبد الجبار: لا يستلزم. واستدل فى المحصول على القول الأول بأنه لو لم يقتض الإجزاء لكان يجوز أن يقول السيد لعبده: افعل، فإذا فعلت لا يجزىء عنك، ولو قال ذلك أحد لعد مناقضا. واستدل للمخالف بأن كثيرا من العبادات يجب على من شرع فيها أن يتمها ويمضى فيها ولا تجزئه عن المأمور به كالحج الفاسد والصوم الذى جامع فيه (8) أى فوجد الإتيان بالمأمور به وهو تتميم الحج أو الصوم الفاسد، ولم يستلزم ذلك سقوط القضاء. وفى كتاب الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى: مذهب أصحابنا والفقهاء وأكثر المعتزلة أن الإتيان بالمأمور به يدل على الإجزاء خلافا للقاضى عبد الجبار من المعتزلة ومتبعيه فإنه قال لا يدل على الإجزاء. ثم قال الآمدى: كون الفعل مجزئا قد يطلق بمعنى أنه امتثل به الأمر وذلك إذا أتى به على الوجه الذى أمر به وقد يطلق بمعنى أنه مسقط للقضاء، وإذا علم معنى كون الفعل مجزئا فقد اتفق الكل على أن الإتيان بالمأمور به على الوجه الذى أمر به يكون مجزئا بمعنى كونه امتثالا للأمر، وذلك مما لا خلاف فيه. وإنما خالف القاضى عبد الجبار فى كونه مجزئا بالاعتبار الآخر (9) ، يريد أن كلام القاضى إنما هو فى الإجزاء الذى هو بمعنى سقوط القضاء فهو ينازع فى أن فعل المأمور به يستلزم سقوط القضاء لما سبق ذكره من أن المكلف قد يطالب بإتمام الحج أو الصوم الفاسد فيتمهما فيكون بذلك فاعلا لما طلب منه ومع ذلك لا يسقط قضاؤهما. ما الذى يوصف بالإجزاء وعدمه لقد فرق علماء الأصول بين الصحة الإجزاء بأن الصحة توصف بها العبادات والمعاملات على حد سواء، فيقال هذه صلاة صحيحة وهذا بيع صحيح. أما الإجزاء فلا يوصف به إلا العبادات، فيقال: هذه صلاة مجزئة، ولا يقال هذا بيع مجزئ. وفى ذلك يقول والإسنوى فى شرحه على المنهاج: معنى الإجزاء وعدمه قريب من معنى الصحة والبطلان، كما قال فى المحصول، وبين الإجزاء والصحة فرق، وهو أن الصحة أعم لأنها تكون صفة للعبادات والمعاملات، وأما الإجزاء فلا يوصف به إلا العبادات (10) . وقد نقلنا من قبل ما ذكره شارح روضة الناظر الحنبلى عن الشيخ علاء الدين المرداوى، وفيه يقول: ويختص الإجزاء بالعبادة (11) ، وقد سوى الكمال بن الهمام فى كتابه التحرير بين الصحة الإجزاء فى العبادات خاصة (12) . وقرر العلماء أيضا: أنه ليس كل فعل من أفعال العبادات يوصف بالإجزاء أو بعدمه، وإنما يوصف بذلك فعل له وجهان: وجه يعتد به،. ووجه لا يعتد به. فالصلاة مثلا إذا وقعت مستوفية الشروط والأركان خالية من الموانع وصفت بالإجزاء، وإذا لم تقع كذلك وصفت بعدم الإجزاء، وقل مثل هذا فى الصوم والحج ... إلخ. أما ما لا يقع من العبادات إلا على جهة واحدة فلا يوصف بالإجزاء وعدمه، وقد مثلوا لذلك بمثالين: أحدهما: معرفة الله تعالى، فإنها إما أن تقع فيقال: إن هذا الشخص قد عرف الله تعالى بطريق ما، وإما ألا تقع فلا يكون قد عرفه، وحينئذ لا يقال عرفه معرفة غير مجزئة لأن المعرفة لم تحصل حتى توصف بأنها غير مجزئة. المثال الثانى: رد الوديعة فإنه إما أن يردها أو لا يردها، فإن ردها قبل قد وقع الرد، وإن لم يرد قبل لم يقع الرد، ولكن لا يقال: مجزئ أو غير مجزئ. وهذا المثال قد مثل به صاحب المنهاج فى أصول الشافعية والإسنوى فى شرحه وتابعه على ذلك صاحبا التحرير والتيسير، كما تابعاه فى المثال الأول وهو معرفة الله تعالى. وتمثيلهم برد الوديعة كان موضع نقاش بينهم: فهو أولا من باب المعاملات، والمعاملات لا توصف بالإجزاء وعدمه من أصلها سواء أكانت ذات وجهين أم ذات وجه واحد، إلا أن يقال: انظر إلى ناحية العبادة فيها وهى خلوص الذمة أمام الله برد الوديعة وعدم خلوصها بعدم ردها فتكون حينئذ من باب العبادات. وهذا لا يفيد، لأن المعاملات كلها يمكن أن يقال فيها ذلك، إذ هى ذات جانب عبادى تخلص الذمة بموافقة أمر الله فيه، ولا تخلص إذا لم تقع هذه الموافقة. ومن جهة أخرى: إن الوديعة قد ترد على السفيه والمحجور عليه فلا يكون هذا الرد مجزئا، وقد ترد على المتصرف فيكون هذا الرد مجزئا وإذن فلها وجهان فتوصف بالإجزاء وعدمه، فالتمثيل بها غير دقيق. ونقل البدخشى فى شرحه على المنهاج للبيضاوى بعد الكلام على المعرفة بالله تعالى ورد الوديعة: أن الفنرى يرى أن الموصوف بالإجزاء وعدمه إنما هو العبادات المحتملة للوجهين دون ما عداها، ويؤيد ذلك بأن بيع النقدين مثلا يحتمل الوجهين، أحدهما أن يكون مستجمعا للشرائط من التساوى والحلول والتقابض فى المجلس، وثانيهما أن يكون قد اختل فيه شىء من الشروط، ففيه احتمال الوجهين، ومع ذلك لا يوصف بالإجزاء وعدمه. هذا هو رأى الفنرى، وقد علق عليه البدخشى بقوله: كأنه أراد بذلك أن رد الوديعة من المعاملات فلا يوصفا بهما وإن اشتمل على الوجهين، وأقول: الأظهر أن استعمالهما- أى الإجزاء وعدمه- إنما هو فى تفريغ الذمة عن الأمور المتقررة فيها يشهد بذلك التعريفات المذكورة وموارد استعمال الفقهاء ورد الوديعة منها وبهذا يتبين اختلافهم حول هذا المثال ووجهة كل منهم فيه (13) . ويوصف بالإجزاء وعدمه كل من الفرض والواجب والمندوب أداء أو قضاء أو إعادة وفى ذلك يقول صاحب المنهاج: ويوصف بالإجزاء الأداء المصطلح عليه للعبادة أو قضاؤها أو إعادتها سواء أكان ذلك فرضا أو نفلا (14) . وفى التحرير والتيسير أن مقتضى كلام الفقهاء أن الإجزاء لا يختص بالواجب، ودليل ذلك حديث الأضحية، عن أبى بردة أنه ذبح شاة قبل الصلاة فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تجزىء عنك ". فقال: عندى جذعة من المعز. فقال النبى عليه الصلاة والسلام: " تجزىء عنك ولا تجزىء عن أحد بعدك " رواه أبو حنيفة. وهو بمعناه فى الصحيحين وغيرهما، وهو بناء على أن الأضحية سنة كما هو قول الجمهور، وصاحبى الإمام، فدل ذلك على أن الإجزاء وعدمه يستعملان فيما هو سنة كما يستعملان فيما هو واجب أو فرض (15) . وفى كلام الفقهاء ما يؤيد ذلك، ومن أمثلة ذلك فى المندوب أن الحنفية يقولون أن الأضحية واجبة عند أبى حنيفة، سنة عند صاحبيه (16) . وعندما يتكلمون عما يجزىء منها وما لا يجزىء يقولون: ويجزىء منها ما يجزىء من الهدى (17) . والمالكية يقولون فى الأضحية أيضا، وهى عندهم سنة: ويدخل وقتها الذى لا تجزىء قبله من ذبح الإمام أضحيته بعد صلاته وأدائه الخطبة فلا يجزىء إن سبق ذبحه، ولو أتم بعده، إلا إذا لم يبرزها الإمام للمصلى (18) . والشافعية يقولون فى المسح على الخف: ويسن مسح أعلاه الساتر لمشط الرجل وأسفله خطوطا بأن يضع يده اليسرى تحت العقب واليمنى على ظهر الأصابع ثم يمر اليمنى إلى ساقه واليسرى إلى أطراف الأصابع من تحت مفرجا بين أصابع يديه، ولا يسن استيغاب المسح، ويكره تكراره، وكذا غسل الخف، وقيل: لا يجزىء، ولو وضع يده المبتلة ولم يمرها أجزأه وقيل: لا (19) . والحنابلة يقولون فى الأضحية وهى سنة عندهم: فأما العضباء وهى ما ذهب نصف أذنها فلا تجزىء (20) . مذهب الظاهرية: ويقول ابن حزم الظاهرى فى الأضحية: هى سنة حسنة وليست فرضا، ثم يقول: ولا تجزىء فى الأضحية العرجاء البين عرجها، ولا المريضة البين مرضها، فإن كان كل ما ذكرنا لا يبين أجزأ، ولا تجزىء فى الأضاحى جذعة ولا جذع أصلا لا من الضأن ولا من غير الضأن ويجزىء ما فوق الجذع (21) . مذهب الإمامية: ويقول الإمامية فى الزكاة: يجب دفع الزكاة إلى الإمام إذا طلبها، ويقبل قول المالك لو ادعى الإخراج، ولو بادر المالك بإخراجها أجزأته ويستحب دفعها إلى الإمام ابتداء (22) . ويحكى المهدى فى البحر عن الهادى والقاسم من الزيدية أن الشاة فى الأضحية تجزىء عن ثلاثة (23) . وجاء فى شرح النيل فى فقه الإباضية فى الكلام على العقيقة، ندب لمن ولد له ذكر أن ينسك بشاتين ولأنثى بواحدة ولا يجزىء إلا الشياه وإن كان الجمهور على إجزاء الإبل والبقر (24) . ويتبين من هذه النصوص الفقهية فى المذاهب الثمانية أن الفقهاء يعبرون بالإجزاء وعدمه فيما هو مندوب وسنة، وتعبيرهم بذلك فى الواجب والفرض معروفة كذلك، ومن أمثلته قول الحنفية فى الذبائح ولو عطس عند الذبح فقال: الحمد لله لا تحل فى الأصح لعدم قصد التسمية بخلاف الخطبة حيث يجزئه، لأن المأمور به فى الجمعة ذكر الله تعالى مطلقا، وههنا الشرط ذكر اسم الله تعالى على الذبح (25) . مذهب المالكية: وقول المالكية فى الزكاة: ومجىء الساعى- إن كان ثم ساع- شرط وجوب فلا تجب قبل مجيئه، وشرط صحة أيضا فلا تجزىء إذا أخرجها قبله وإنما لم تجزىء مع أن تقديم زكاة العين على الحول بنحو شهر يجزىء لأن التقدم فى زكاة العين رخصة لاحتياج الفقراء إليها دائما مع عدم المانع وليس الأمر هنا كذلك لأن الإخراج قبل مجىء الساعى فيه إبطال لأمر الإمام الذى عينه لجبى الزكاة على نهج الشريعة ومحل عدم الإجزاء ما لم يتخلف الساعى عن المجىء لأمر من الأمور فإن تخلف أجزأت (26) . مذهب الشافعية: وقول الشافعية فى باب التيمم: ويشترط قصده إلى التراب لقوله تعالى: (فتيموا صعيدا طيبا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ((27) أى اقصدوه بأن تنقلوه إلى العضو فلو سفته الريح عليه فردده ونوى لم يجزىء لانتفاء القصد بانتفاء النقل المحقق له وقيل: إن قصد بوقوفه فى مهب الريح التيمم أجزأه ما ذكر كما لو برز فى الوضوء للمطر (28) . مذهب الحنابلة: وقول الحنابلة فى باب المسح على الخفين: إذا انقضت المدة أى مدة المسح على الخفين بطل الوضوء، وليس له المسح إلا أن ينزعهما ثم يلبسهما على طهارة كاملة وفيه رواية أخرى: أنه يجزئه غسل قدميه كما لو خلعهما (29) . وقول الشيعة الإمامية فى باب الزكاة: الشاة المأخوذة فى الزكاة أقلها الجذع من الضأن أو الثنى من المعز ويجزىء الذكر والأنثى (30) . وقول الزيدية فى باب التيمم، قال زيد ابن على عليه السلام كل شىء تيممت به من الأرض يجزئك وظاهر كلام الإمام أنه يجزئك التيمم بجميع أجزاء الأرض سواء كان ترابا أو رملا أو سبخة أو زرنيخا أو آجرا أو غير ذلك (31) . وقول الإباضية فى باب الذكاة: وتجزىء التسمية فى الذكاة، أى الذبح، وإن بغير العربية لمن لا يعلمها إن كان ثقة، وتجزىء بكل ذكر لله تعالى مثل بسم الله الرحمن الرحيم، ومثل باسم الله، الله أكبر، ومثل لا إله إلا الله (32) . مذهب الظاهرية: وقول ابن حزم الظاهرى فى الكلام على الهدى: قال على: قد صح إجماع المخالفين لنا مع ظاهر الآية يريد قوله تعالى: (فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى ((33) بأن شاة تجزىء فى الهدى الواجب فى التمتع والإحصار والتطوع، وقد عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر شياة ببعير، فصح أن الشاة بإزاء عشر البعير جملة، وأن البقرة كالبعير فى جواز الاشتراك فيهما فى الهدى الواجب فيما ذكرنا، فصح أن البعير والبقرة تجزئان عما يجزىء عنه عشر شياة، وعشر شياة تجزىء عن عشرة، والبعير والبقرة كل واحد منهما عن عشرة وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب وإسحاق بن راهويه، وبه نقول لما ذكرنا (34) . قد يجزىء ما ليس بواجب عن الواجب يقول شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافى المالكى: إن إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب هو خلاف الأصل، فلو صلى الإنسان ألف ركعة ما أجزأت عن صلاة الصبح، ودفع ألف دينار صدقة لا يجزىء عن الزكاة، وغير ذلك. ثم ذكر سبع مسائل مستثناة من هذا للأصل فى مذهب المالكية، زادها بعضهم إلى اثنتى عشرة مسألة. منها: إذا سلم المصلى من ركعتين ساهيا أنه فى رباعية ثم قام فصلى ركعتين بنية النافلة هل تجزئه هاتان الركعتان عن ركعتى الفرض؟ قولان: مشهورهما عدم الإجزاء ومنها: إذا نسى طواف الإفاضة وهو ركن عندهم وقد طاف طواف الوداع وهو مندوب وراح إلى بلده أجزأه طواف الوداع عن طواف الإفاضة على المشهور من المذهب (35) . ومنها: وهو مما زيد على ما ذكره القرافى: أن المعتمر إذا ساق هدى التطوع فى عمرته فلما حل منها ووجب نحره أخره ليوم النحر ثم بدا له وأحرم بالحج وحج من عامه ذلك وصار متمتعا. فإن هدى التطوع يجزئه عن متعته ولو لم ينو عند يسوقه أنه يجعله فى متعته على تأويل ست وهو المذهب، كما أجزأه عن قرانه. (36) . وذكر القرافى فرعا آخر فى إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب وهذا الفرع ليس من باب المندوب الذى يجزىء عن الواجب، بل من باب ما لا يجوز الإقدام على فعله، ومع ذلك لو فعله أجزأ عن الواجب. قال القرافى: المريض إذا كان يقدر على الصوم لكن مع مشقة عظيمة لا يخشى معها علي نفسه ولا عضو من أعضائه، فهذا يسقط عنه الخطاب بخصوص رمضان ل أجل المشقة، ويبقى مخاطبا بأحد الشهرين إما شهر الأداء أو شهر القضاء، فإن كان يخشى على نفسه أو عضو من أعضائه أو منفعة من منافعه- يريد منافع العضو- فهذا يحرم عليه الصوم، ولا نقول أنه يجب عليه أحد الشهرين: الأداء أو القضاء، بل يتعين الأداء للتحريم والقضاء للوجوب إن بقى مستجمع الشرائط سالم الموانع فى زمان القضاء، فإن أقدم وصام وفعل المحرم فهل يجزىء عنه؟ قال الغزالى فى المستصفى: يحتمل عدم الإجزاء لأن المحرم لا يجزىء عن الواجب ويحتمل الإجزاء كالصلاة فى الدار المغصوبة فإنه متقرب إلى الله تعالى بترك شهوتى فمه وفرجه جان على نفسه كما أن المصلى فى الدار المغصوبة متقرب إلى الله بركوعه وسجوده وتعظيمه وإجلاله، جان على صاحب الدار، وهو تخريج حسن (37) . ويقول الآمدى فى الإحكام عن الصلاة فى الدار المغصوبة التى وقع التنظير بها فى هذا الموضوع: إن إجماع سلف الأمة وهلم جرا منعقد على الكف عن أمر الظلمة بقضاء الصلوات المؤداة فى الدور المغصوبة مع كثرة وقوع ذلك منهم ولو لم تكن صحيحة مع وجوبها عليهم لبقى الوجوب مستمرا وامتنع على الأمة عدم الإنكار عادة وهو لازم على المعتزلة وأحمد بن حنبل وأهل الظاهر والزيدية الذين يقولون: إن الصلاة فى الدار المغصوبة غير واجبة ولا صحيحة ولا يسقط بها الفرض (38) . قد يجزىء الفعل الواحد عن واجب ومندوب ومن ذلك أن تحية المسجد بصلاة ركعتين عند دخوله سنة. ويقول الحنفية: إن آداء الفرض ينوب عنها بلا نية (39) . ونقل ابن عابدين عن الحلية أنه لو اشتغل داخل المسجد بالفريضة غير ناو للتحية قامت تلك الفريضة مقام التحية لحصول تعظيم المسجد (40) . ومن ذلك أيضا أنه يكفى عند الحنفية غسل واحد لعيد وجمعة اجتمعا مع جنابة، وقد علق ابن عابدين على هذا بقوله: وكذا لو كان معهما كسوف واستسقاء وهذا كله إذا نوى ذلك ليحصل له ثواب الكل (41) . مذهب المالكية: ومثله قول المالكية: إذا نوى المكلف بالغسل رفع الجنابة والغسل المندوب للجمعة حصلا معا، وكذا لو نوى نيابة غسل الجنابة عن النفل بخلاف ما لو نوى نيابة النفل عن الجنابة فلا تكفى عن واحد منهما (42) . مذهب الشافعية: وقول الشافعية: إن نوى بغسله غسل الجنابة والجمعة حصلا جميعا على الصحيح (43) . وقول الحنابلة: وإن اغتسل للجمعة والجنابة غسلا واحدا ونواهما أجزأه بغير خلاف علمناه لأنهما غسلان اجتمعا فأشبها غسل الحيض والجنابة، وإن اغتسل للجنابة ولم ينو غسل الجمعة ففيه وجهان: أحدهما لا يجزئه لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " وإنما لكل امرئ ما نوى ". وروى عن ابن لأبى قتادة أنه دخل عليه يوم الجمعة مغتسلا فقال: للجمعة؟ قال: لا، ولكن للجنابة، قال فأعد غسل الجمعة، والثانى يجزئه لأنه مغتسل فدخل فى عموم الحديث، يريد قوله صلى الله عليه وسلم: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" ونحوه، ولأن المقصود التنظيف وقد حصل (44) إلى غير ذلك. الإجزاء لا يستلزم الإكمال قال فى حاشية كشف الأسرار للبزدوى: إن المأمور إذا أتى بالمأمور به على وجه الكراهية أو الحرمة يخرج من العهدة على القول الأصح كالحاج إذا طاف محدثا (45) . مذهب المالكية: ومن ذلك قول المالكية: وسن ركعتان بعد الغسل. وقبل الإحرام وأجزأ عنهما الفرض وحصل به السنة وفاته الأفضل (46) . ويشترط المالكية فى حصى الرمى أن تكون الحصاة قدر الفولة أو النواة، ثم يقولون ولا يجزىء صغير جدا كالحمصة وكره كبير وأجزأ (47) . ويقول الحنفية فى باب الصلاة فى الكعبة: يصح فرض ونفل فيها وفوقها وإن كره الثانى أى الصلاة فوقها (48) . وقد أورد السيوطى الشافعى فى الأشباه والنظائر فروعا مما تجزىء فيه نية العبادة وتشريك غيرها معها مثل أن ينوى الوضوء أو الغسل، وينوى مع ذلك التبرد بالماء ومثل أن ينوى الصوم لله تعالى وللحمية أو التداوى أو أن ينوى الطواف وملازمة غريمه الذى عليه دين له لكيلا يفلت منه، أو ينوى الصلاة لله تعالى مع دفع غريمه المطالب له. ثم قال السيوطى بعد أن بين آراء الشافعية فى صحة النية فى هذه الفروع وما صححوه من الصحة فى هذه الصور إنما هو بالنسبة إلى الإجزاء. وأما الثواب فصرح ابن الصباغ بعدم حصوله فى مسألة التبرد نقله ابن الخادم ولا شك أن مسألة الصلاة والطواف أولى بذلك (49) ، وعلى هذا كل ما جاء فى الفقه من الإجزاء مع الكراهة التنزيهية أو التحريمية أو مع حرمة الإقدام كصيام من يضر به الصوم ضررا بليغا على ما بينا من قبل أو كون الفعل خلاف الأولى أو الأفضل أو نحو ذلك.   1) ج1 ص64 طبعة سنة 1381 هجرية سنة 1961م المطبوع بكلية الشريعة بالأزهر. 2) سورة البقرة:283. 3) شرح المنهاج للإسنوى ج1 ص60 مطبوع بمطبعة صبيح بمصر عدة طبعات. 4) التحرير وشرحه ج2 ص234، 235 المطبوع بمطبعة الحلبى سنة 1350 هجرية. 5) انظر روضة الناظر وشرحه ص165 وهو مطبوع بالمطبعة السلفية بمصر سنة 1342 هجرية. 6) شرح الإسنوى على المنهاج ج1 ص59. 7) روضة الناظر وشرحه ص165. 8) إرشاد الفحول للشوكانى ص98 مطبعة السعادة بمصر سنة 1327 هجرية. 9) الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ج2 ص256 مطبعة المعارف بمصر سنة 1332 هجرية - 1914م. 10) شرح الإسنوى على المنهاج ج1 ص61 الطبعة السابقة. 11) روضة الناظر ج1 ص165. 12) التحرير وشرحه ج2 ص235 الطبعة السابقة. 13) راجع شرح الإسنوى على المنهاج ج1 ص63، وشرح البدخشى عليه أيضا ج1 ص62، وشرح التحرير ج2 ص235. 14) شرح الإسنوى ج1 ص60. 15) التحرير والتيسير ج2 ص235. 16) الاختيار لابن مودود الموصلى ج2 ص149 طبع الحلبى بمصر سنة 1355 هجرية. 17) المرجع السابق ص151. 18) الشرح الصغير ج1 ص285 طبع صبيح بمصر سنة 1350 هجرية طبعة الشرح مجردا. 19) الجلال المحلى على المنهاج ج1 ص60. 20) المغنى لابن قدامة ج3 ص583. 21) المحلى لابن حزم الظاهرى ج7 ص355، 358. 22) المختصر النافع ص84 طبع وزارة الأوقاف بمصر سنة 1378 هجرية. 23) نيل الأوطار للشوكانى ج5 ص115 طبع المطبعة العثمانية بمصر سنة 1357 هجرية. 24) شرح النيل ج2 ص577. 25) شرح الدر المختار على تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين ج5 ص262. 26) الشرح الصغير ج1 ص193 من الشرح المجرد بدون حاشيته المطبوع بمطبعة صبيح سنة 1350 هجرية. 27) سورة المائدة: 6. 28) شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبيين للنووى، طبع الحلبى بمصر ج1 ص88. 29) المغنى ج1 ص390 طبعة المنار التى معها الشرح الكبير. 30) المختصر النافع ص79 طبع وزارة الأوقاف. 31) الروض النضير ج1 ص325 المطبوع بمطبعة السعادة بمصر سنة 1347 هجرية. 32) شرح النيل ج2 ص543. 33) البقرة: 196. 34) المحلى ج7 ص154. 35) الفروق للقرافى ج2 ص19، 20 طبعة أولى سنة 1334 هجرية، مطبعة دار إحياء الكتب العربية. 36) تهذيب الفروق ج1 ص25 المطبوع على هامش الفروق. 37) الفروق للقرافى ج1 ص23. 38) الإحكام للآمدى ج1 ص163، 167 الطبعة السابقة. 39) تنوير الأبصار ج1 ص635. 40) ابن عابدين ج1 ص635. 41) تنوير الأبصار وشرحه، وابن عابدين عليه ج1 ص157. 42) الشرح الصغير ج1 ص56. 43) الأشباه والنظائر للسيوطى ص22 المطبوع بمطبعة الحلبى سنة 1378 هجرية - سنة 1959م. 44) المغنى والشرح الكبير للحنابلة ج2 ص201. 45) حاشية عبد العزيز البخارى على كشف الأسرار للبزدوى المطبوع فى مكتبة الصنايع ج2 ص136 سنة 1317 هجرية. 46) الشرح الصغير ج1 ص246. 47) المصدر السابق ص261. 48) تنوير الأبصار وشرحه وحاشية ابن عابدين ج2 ص854. 49) الأشباه والنظائر للسيوطى ص21. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 أجل ٌ المعنى اللغوى جاء فى المصباح: أجل الشىء مدته ووقته الذى يحل فيه، وهو مصدر أجل الشىء أجلا من باب تعب، وهو من باب قعد لغة، وأجلته تأجيلا من باب جعلت له أجلا. وجاء فى القاموس: الأجل محركة غاية الوقت فى الموت، وحلول الدين، ومدة الشىء. وجمعه آجال، والتأجيل تحديد الأجل واستأجلته فأجلنى إلى مدة. واستعمال الفقهاء للفظ أجل لا يخرج عن بعض الاستعمالات اللغوية، فإنه يدور فى اصطلاحاتهم بمعنى المدة، وبمعنى نهاية الوقت، وبمعنى حلول الدين، وهم يستعملون كلمة التأجيل أيضا بالمعنى اللغوى، وقد جاء الأجل فى القرآن بمعنى مدة العدة فى قول الله سبحانه وتعالى: (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ((1) . والمراد مدة تربصهن طوال مدة الحمل حتى تمام الوضع. وجاء بمعنى نهاية المدة المضروبة فى قوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ((2) وغير ذلك من المعانى التى بينتها اللغة. اشتراط العلم بالأجل والخلاف فيما يعتبر منه معلوما أو مجهولا اتفق الفقهاء على اشتراط العلم بالأجل فى العقود مع اختلاف فيما يكون به الأجل معلوما وإليك التفصيل فى المذاهب: مذهب الحنفية: قال الميرغينانى فى "الهداية" (3) : ولابد فى الأجل أن يكون معلوما لأن الجهالة فيه مانعة من التسليم الواجب بالعقد. وعلق البابرتى على ذلك بقوله (4) : لابد أن يكون الأجل معلوما كى لا يقضى إلى ما يمنع الواجب بالعقد وهو التسليم والتسلم فربما يطلب البائع فى مدة قريبة والمشترى يؤخر إلى مدة بعيدة. وقال الكمال بن الهمام (5) : ولأنه عليه الصلاة والسلام فى موضع شرط الأجل وهو السلم أوجب التعيين حيث قال: من أسلف فى تمر فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وعلى ذلك انعقد الإجماع. وقال الكاسانى فى باب الإجارة (6) : يتحقق الأجل ببيان المدة سواء قصرت أو طالت من يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك بعد أن تكون المدة مع معلومة، سواء عين اليوم أو الشهر أو السنة أو لم يعين، ويتعين الزمان الذى يعقب العقد لثبوت حكمه، ولا يلزم التعيين صراحة لأن التعيين قد يكون نصا وقد يكون دلالة. وفى مثل قولنا يوم أو شهر أو سنة وجدت دلالة التعيين من وجهين: أحدهما أن الإنسان إنما يعقد الإجارة للحاجة، والحاجة عقيب العقد قائمة، والثانى: أن العقد يقصد بعقده الصحة ولا صحة لهذا العقد إلا بالصرف إلى الشهر الذى يعقب العقد فيتعين. فإن وقع العقد فى غرة الشهر يقع على الأهلة بلا خلاف عند الأحناف حتى لو نقص الشهر يوما فى عقد إجارة مثلا كان عليه كمال الأجرة لأن الشهر اسم للهلال، وإن وقع بعد ما مضى بعض الشهر. ففى إجارة الشهر يقع على ثلاثين يوما بالإجماع لتعذر اعتبار الأهلة فتعتبر بالأيام، وفى إجارة الشهور هناك روايتان عن أبى حنيفة: إحداهما اعتبار الشهور كلها بالأيام، والثانية اعتبار تكميل الشهر الأول بالأيام من الشهر الأخير والباقى بالأهلة ". ثم قال الكاسانى نقلا عن الأصل: أنه إذا استأجر سنة أولها هذا اليوم وهو لأربعة عشر من الشهر - أى بقين- فإنه يسكن بقية هذا الشهر وأحد عشر شهرا بالأهلة وستة عشر يوما من الشهر الأخير. وقال الكاسانى: وهذا الأخير هو قول أبى يوسف ومحمد، ووجهه أن اسم الشهور للأهلة إذ الشهر اسم للهلال لغة إلا أنه لا يمكن اعتبار الأهلة فى الشهر الأول فاعتبر فيه الأيام ويمكن فيما بعده فيعمل بالأصل: ووجه الرواية الأولى أن الشهر الأول يكمل بالأيام بلا خلاف، وإنما تكمل الأيام من الشهر التالى، فإذا أكمل منه يصير أوله بالأيام فيكمل من الذى يليه وهكذا. وجاء فى التنوير وشرحه (7) : " أن ابتداء الأجل فى البيع من وقت التسليم- إذا لم يكن هناك خيار. ولو كان فيه خيار فمن وقت سقوط الخيار عند أبى حنيفة، وعلق ابن عابدين على ذلك بقوله: لأن ذلك وقت استقرار البيع. وجاء فى التنوير وشرح وحاشية ابن عابدين (8) : لا يصح البيع بثمن مؤجل إلى مجهول كى لا يفضى ذلك إلى النزاع. وقال ابن عابدين: إن من جهالة الأجل ما إذا باعه بألف على أن يؤدى الثمن إليه فى بلد آخر ولو قال: إلى شهر على أن يؤدى الثمن فى بلد آخر جاز بألف إلى شهر ويبطل الشرط، ومنها اشتراط أن يعطيه الثمن مفرقا أو كل أسبوع البعض فإن لم يشترط فى البيع بل ذكر بعده لم يفسد. وجاء فى موضع آخر (9) : لا يصح البيع بثمن مؤجل إلى النيروز. وهو أول يوم من الربيع. ولا إلى يوم المهرجان أول يوم من الخريف. ولا صوم النصارى أو اليهود وفطرهم إذا لم يدر شيئا من ذلك المتعاقدان فلو عرفه جاز بخلاف فطر النصارى بعد ما شرعوا فى صومهم للعلم به، ولا يصح التأجيل إلى قدوم الحاج والحصاد للزرع والدياس للحب والقطاف للعنب لأنها تتقدم وتتأخر، ولو باع مطلقا عن الآجال ثم أجل الثمن إليها صح التأجيل. وعلق ابن عابدين على ذلك بأنه يفيد أن ما ذكره من الفساد بهذه الآجال إنما هو إذا ذكرت فى أصل العقد بخلاف ما إذا ذكرت بعده كما لو ألحقا بعد العقد شرطا فاسدا، وجاء فى موضع آخر (10) أن الآجال على ضربين: معلومة ومجهولة. والمجهولة على ضربين: متقاربة كالحصاد ومتفاوتة كهبوب الريح فالثمن العين يفسد بالتأجيل ولو معلوما والدين لا يجوز لمجهول لكن لو جهالة متقاربة وأبطله المشترى قبل محله وقبل فسخه للفساد انقلب جائزا لا لو يعد مضيه. أما لو متفاوتة وأبطله المشترى قبل التفرق انقلب جائزا ثم قال: ونقل الحصكفى فى موضع آخر عن البعض أن إبطاله فى التفرق شرط فى المجهول جهالة متقاربة كالحصاد وعلق على ذلك بأنه خطأ. وفى الهداية وشروحها (11) : لا يجوز السلم إلا بأجل معلوم لقوله عليه السلام: " من أسلف ... الحديث " ولأن الجهالة فى الأجل مفضية إلى المنازعة فهذا يطالبه فى مدة قريبة وذلك يؤديه فى بعيدها. مذهب المالكية: قال خليل والدردير فى باب السلم (12) : يشترط أن يكون الأجل بمعلوم للمتعاقدين ولو حكما كمن لهم عادة بوقت القبض. وعلق الدسوقى على ذلك بقوله: يشترط فى الأجل أن يكون معلوما ليعلم منه الوقت الذى يقع فيه قضاء المسلم فيه ومثل خليل والدردير للأجل المعلوم بالنيروز والحصاد والدراس وقدوم الحاج والصيف والشتاء. وقال الدردير: إن فى ذلك إشارة إلى أن الأيام المعلومة كالمنصوصة. وعلق الدسوقى على ذلك بقوله: إن الأيام المعلومة للمتعاقدين كالمنصوصة، والأيام المعلومة مثل خذ هذا الدينار سلما على إردب قمح إلى النيروز أو إلى عاشوراء أو لعيد الفطر أو لعيد الأضحى أو لمولد النبى صلى الله عليه وسلم، والحال أنهما يعلمان أن النيروز أول يوم من شهر توت وأن عاشوراء عاشر يوم من شهر المحرم، وأن مولد النبى صلى الله عليه وسلم ثانى عشر ربيع الأول وهكذا. والمنصوصة كخذ هذا الدينار سلما فى أردب قمح إلى أول شهر رجب أو آخذه منك بعد عشرين يوما. ثم قال خليل والدردير (13) : إن الأشهر إذا ضربت أجلا تحسب بالأهلة إن وقع العقد فى أولها فإن وقع فى أثناء شهر من ثلاثة مثلا حسب الثانى والثالث بالهلال وتمم الأول المنكسر بثلاثين يوما من الرابع، وهذا يوافق الرواية الثانية التى نقلناها عن أبى حنيفة. ويقولان أيضا (14) : وجاز عدم بيان الابتداء لمكتر شهرا أو سنة مثلا من غير ذكر مبدأ، وحمل من حين العقد وجيبة- أى مدة محدودة- أو مشاهرة، فإن وقع على شهر فى أثنائه فثلاثون يوما من يوم العقد، وجاز الكراء مشاهرة وهو عبارة عما عبر فيه بكلمة كل نحو كل شهر بكذا أو كل يوم أو كل جمعة أو كل سنة. ثم قال الدردير (15) : فإن بين المبدأ، وإلا فمن يوم العقد. وقال خليل والدردير: ويجوز أن يقول هذا الشهر أو هذه السنة أو شهرا بالتنكير، أو إلى شهر كذا أو إلى سنة كذا أو إلى يوم كذا كل ذلك وجيبة تلزم بالعقد نقد أو لم ينقد ما لم يشترطا أو أحدهما الحل عن نفسه متى شاء. وعلق الدسوقى على قول الدردير: "فإن وقع العقد على شهر.. إلخ ". فقال: إن وقع العقد على شهر وكان العقد فى أول الشهر لزمه كله على ما هو عليه من نقص أو تمام، وكذا السنة إذا وقع العقد عليها فإن كان فى أول يوم منها لزمه اثنا عشر شهرا بالأهلة، وإن كان بعد ما مضى من السنة أيام لزمه أحد عشر شهرا بالأهلة وشهر ثلاثون يوما. وقال الدسوقى فى التعليق على اشتراط العلم بالأجل فى باب السلم (16) : إن الأجل المجهول لا يجوز للغرر. وقال الدردير: لا يجوز التأجيل فى السلم إلى ما لا يجوز التأجيل فى البيع إليه. ومثل لذلك الدسوقى بمدة التعمير وقال: إن تأجيل الثمن أو المثمن إليها مفسد للعقد. مذهب الشافعية: يقول الشافعى- رضى الله عنه- فى الآجال فى السلف والبيوع (17) : إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من سلف فليسلف فى كيل معلوم وأجل معلوم" يدل على أن الآجال لا محل لها إلا أن تكون معلومة، وكذلك قال الله جل شأنه: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (. فلهذا اشترط الشافعية كغيرهم كون الأجل معلوما. جاء فى المنهاج وشرحه (18) : يشترط العلم بالأجل. فلو لم يكن معلوما لم يصح ويدخل فى العلم ما إذا قال: إلى أول رمضان أو إلى آخره على الصحيح. قال الشارح: وقد سوى الشيخ أبو حامد بين التأجيل إلى رمضان أو إلى غرته أو إلى هلاله أو إلى أوله فإن قال إلى أول يوم من الشهر حل بأول جزء من أول اليوم وقال (19) : لا يصح السلم مع جهالة الأجل كالسلم إلى الحصاد واليسرة - أى وقت يسار الناس عادة- وقدوم الحاج وطلوع الشمس. أى ظهور ضوئها لأن الضوء قد يستره الغيم. ولم يريدا وقتهما المعين، ونحو أول رمضان أو أخره لوقوعه على نصفه الأول أو الآخر كله. ونقل عن الإمام البغوى أن ذلك ينبغى أن يصح ويحمل على الجزء الأول من كل نصف وقال السبكى: إنه الصحيح، ونقله الأوزاعى وغيره عن نص الأم وقال: إنه الأصح نقلا ودليلا. وقال الزركشى: إنه المذهب، ثم قال صاحب شرح المنهاج: ولو أجل بقوله فى رمضان لا يصح لأنه جعل جميعه ظرفا فكأنهما قالا: يحل فى جزء من أجزائه وهو مجهول. ويقول قليوبى (20) : الأجل بالنيروز صحيح وهو نزول الشمس أول برج الميزان وهو نصف شهر توت القبطى والمشهور الآن أنه أوله، وكذا بالصليب وهو سابع عشر شهر توت، وبالمهرجان وهو نزول الشمس أول برج الحمل وهو نصف شهر برمهات وقال فى حاشية قليوبى (21) : لا يجوز بفصح النصارى ولا بفطير اليهود- وهما عيدان لهما- كما نص عليه الشافعى رضى الله عنه لاختلاف وقتيهما. قال بعضهم: ولعل ذلك كان فى زمنه وإلا فهما الآن فى زمن معين عندهم. ونرد بأن وقتهما قد يتقدم ويتأخر كما يعرفه من له إلمام بحساب القبط. وقد رجعنا إلى كتاب الأم للشافعى فى هذا فإذا هو يقول (22) : ولا يصلح بيع إلى العطاء ولا حصاد ولا جداد ولا عيد النصارى وهذا غير معلوم لأن الله حتم أن تكون المواقيت بالأهلة فيما وقت لأهل الإسلام. فقال جل ثناؤه: (يسألونك عن الأهلة ((23) ، وساق جملة آيات ثم قال: فأعلم الله بالأهلة جمل المواقيت والأهلة مواقيت الأيام ولم يجعل علما لأهل الإسلام إلا بها فمن أعلم بغيرها فبغير ما أعلم الله. وقال: ولو لم يكن هذا هكذا ما كان من الجائز أن تكون العلامة بالحصاد والجداد بخلافه. وخلافه قول الله عز وجل: (أجل مسمى (والأجل المسمى ما لا يختلف، والعلم يحيط أن الحصاد والجداد يتقدمان ويتأخران بقدر عطش الأرض وريها وبقدر برد الأرض والسنة وحرها، ولم يجعل الله فيما استأخر أجلا إلا معلوما. والعطاء موكول إلى السلطان يتأخر ويتقدم، وفصح النصارى عندنا يخالف حساب الإسلام ويخالف ما أعلم الله به فلو أجزناه إليه أجزناه على أمر مجهول فكره لأنه مجهول وأنه خلاف ما أمر به الله ورسوله أن يتأجل فيه ولم يجز فيه إلا قول النصارى على حساب يقيسون فيه أياما فكنا إنما أعلمنا فى ديننا بشهادة النصارى الذين لا نجيز شهادتهم على شىء وهذا عندنا غير حلال لأحد من المسلمين، ثم أيد ذلك بما رواه عكرمة عن ابن عباس أنه قال: لا تبيعوا إلى العطاء ولا إلى الأندر - أى البيدر وهو موضع دراس القح- ولا إلى الدياس. ثم قال: إن رجلا لو باع إلى العطاء أو الجداد أو الحصاد كان فاسدا. وجاء فى المنهاج وشرحه (24) : إن أطلق المتعاقدان فى السلم الشهر حمل على الهلالى وهو ما بين الهلالين وإن اضطرد عرفهم بغير ذلك إذ هو عرف المشرع، وقيده الأوزاعى كما فى حاشية الرشيدى بما إذا لم يجر العرف بخلافه. والذى فى حاشية قليوبى.. إلخ. " أنه إن أطلق الشهر حمل على الهلالى.، وإن خالف عرف العاقدين ثم قال صاحب المنهاج وشارحه: هذا إن عقد أول الشهر فإن انكسر شهر بأن وقع العقد فى أثنائه وكان التأجيل بشهور حسب الباقى بعد الأول بالأهلة وتمم الأول ثلاثين يوما ولا يلغى المنكسر لئلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد. نعم لو عقدا فى يوم أو ليلة آخر الشهر اكتفى فى الأشهر بعده بالأهلة وإن نقص بعضها ولا يتمم الأول مما بعدها لأنها مضت عربية كوامل هذا إن نقص الشهر الأخير وإلا لم يشترط انسلاخه بل يتمم منه المنكسر ثلاثين يوما لتعذر اعتبار الهلال فيه حينئذ. وعلق الشبراملسى على قول الرملى فى شرج المنهاج: " هذا إن نقص الشهر الأخير بأن الإشارة بكلمة هذا ترجع إلى الاكتفاء بالأهلة بعد يوم العقد، ومفاد ذلك أنهم يقولون بأنه إذا عقد المتعاقدان فى يوم أو ليلة أخر الشهر لا يكتفى بالأشهر بعده إلا إذا كان الشهر الأخير ناقصا فإن لم يكن ناقصا يتمم منه المنكسر ثلاثين يوما تحسب بالأيام بالنسبة للشهر الذى وقع العقد فى أخر يوم أو ليلة منه. مذهب الحنابلة: يقول ابن قدامة (25) : لابد من كون الأجل معلوما، لقوله تعالى: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: " إلى أجل معلوم ". ولا نعلم فى اشتراط العلم فى الجملة اختلافا. فأما كيفيته فإنه يحتاج أن يعلم بزمان بعينه لا يختلف. ثم قال (26) : إذا جعل الأجل إلى شهر تعلق بأوله وإن جعل الأجل اسما يتناول شيئين كجمادى وربيع ويوم النفر تعلق بأولهما، وإن قال: إلى ثلاثة أشهر انصرف إلى انقضائها لأنه إذا ذكر ثلاثة أشهر مبهمة وجب أن يكون ابتداؤها من حين لفظه بها، وكذا لو قال إلى شهر كان الأجل إلى أخره وينصرف ذلك إلى الأشهر الهلالية بدليل قوله تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم ((27) وأراد الهلالية، وإن كان فى أثناء شهر كانا شهرين بالهلال وشهرا بالعدد ثلاثين يوما، وقيل: تكون الثلاثة كلها عددية، وإن قال محل الأجل شهر كذا أو يوم كذا صح وتعلق بأوله. ثم قال (28) : أكون الأجل معلوما بالأهلة أمر لا خلاف فى صحة التأجيل به وذلك نحو أول الشهر أو وسطه أو أخره أو يوم معلوم منه لقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج ((29) ولو أسلم إلى عيد الفطر أو النحر أو يوم عرفة أو عاشوراء أو نحوها جاز لأنه معلوم بالأهلة. قال: وإن جعل الأجل مقدرا بغير الشهور الهلالية فذلك قسمان: أحدهما ما يعرفه المسلمون وهو بينهم مشهور مثل كانون وشباط، أو عيد لا يختلف كالنيروز والمهرجان عند من يعرفهما فظاهر كلام الخرقى وابن أبى موسى أنه لا يصح لأنه أجل إلى غير الشهور الهلالية أشبه ما إذا أجل إلى الشعانين - عيد الأحد الذى قبل الفصح- وعيد الفطير ولأن هذه لا يعرفها كثير من المسلمين، وقال القاضى: يصح. والقسم الثانى مالا يعرفه المسلمون كعيد الشعانين وعيد الفطير فهذا لا يجوز التأجيل إليه لأن المسلمين لا يعرفونه، لا يجوز تقليد أهل الذمة فيه لأن قولهم غير مقبول ولأنهم يقدمونه ويؤخرونه على حساب لهم وإن أجل إلى مالا يختلف مثل كانون الأول ولا يعرف المتعاقدان أو أحدهما لم يصح لأنه مجهول عنده. وقال: ولا يصح أن يؤجله إلى الحصاد والجداد وما أشبهه وكذلك قال ابن عباس وابن المنذر وأبو حنيفة والشافعى وعن أحمد رواية أخرى أنه قال: أرجو ألا يكون به بأس وبه قال مالك وأبو ثور وعن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء وبه قال ابن أبى ليلى. وقال أحمد: إن كان شىء يعرف فأرجو. وكذلك إن قال: إلى قدوم الغزاة وهذا محمول على أنه أراد وقت العطاء لأن ذلك معلوم فأما نفس العطاء فهو فى نفسه مجهول يختلف ويتقدم ويتأخر ويحتمل أنه أراد نفس العطاء لكونه يتفاوت أيضا فأشبه الحصاد واستدل لما رجحه من عدم جواز التأجيل إلى الحصاد ونحوه بما روى عن ابن عباس أنه قال: لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تبايعوا إلا إلى شهر معلوم، ولأن ذلك يختلف ويقرب ويبعد فلا يجوز أن يكون أجلا كقدوم زيد. وقال: إن حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودى أن ابعث لى بثوبين إلى الميسرة رواه حرمى بن عمارة وفيه غفلة فربما كان هذا الحديث من غفلاته إذ لم يتابع عليه. على أنه لا خلاف فى أنه لو جعل الأجل إلى الميسرة لم يصح. وقال فى باب الإجارة (30) : إن الإجارة إذا وقعت على مدة يجب أن تكون معلومة.. فإن قدر المدة بسنة مطلقة حمل على سنة الأهلة لأنها المعهودة فى الشرع. قال الله تعالى: (يسألونك عن الأهلة (فوجب أن يحمل العقد عليه فإن شرط هلالية كان تأكيدا، وإن قال عددية أو سنة بالأيام كان له ثلثمائة وستون يوما لأن الشهر العددى يكون ثلاثين يوما، وإن استأجر سنة هلالية عد اثنى عشر شهرا بالأهلة سواء كان الشهر تاما أو ناقصا لأن الشهر الهلالى ما بين الهلالين ينقص مرة ويزيد أخرى قال: وإن كان العقد فى أثناء شهر عد ما بقى من الشهر وعد بعده أحد عشر شهرا بالهلال ثم كمل الشهر الأول بالعدد ثلاثين يوما لأنه تعذر إتمامه بالهلال فتممناه بالعدد وأمكن استيفاء ما عداه بالهلال فوجب ذلك لأنه الأصل. وحكى عن أحمد رواية أخرى أنه يستوفى الجميع بالعدد فوجب استيفاء جميعها به كما لو كانت المدة شهرا واحدا ولأن الشهر الأول ينبغى أن يكمل من الشهر الذى يليه فيحصل ابتداء الشهر الثانى فى أثنائه فكذلك كل شهر يأتى بعده. وهكذا إن كان العقد على أشهر دون السنة وإن جعلا السنة رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وكانا يعلمان ذلك جاز. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم الظاهرى (31) : إنما يجوز الأجل إلى ما لا يتأخر ساعة ولا يتقدم كالشهور العربية والعجمية وكطلوع الشمس وغروبها وطلوع كوكب مسمى أو غروبه فكل هذه محدود الوقت عند من يعرفها قال تعالى: (يسألونك عن الأهلة (واستدل بعموم قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (على أن الأجل يعم كل محدود وهذا قول الحسن بن حى وأبى سليمان وأصحابنا.. واستثنى ابن حزم من اشتراط تحديد الأجل، الأجل إلى الميسرة، وقال (32) : إنه حق للنص فى ذلك ولأنه حكم الله تعالى فى كل من لا يجد أداء دينه. ويقول (33) : لا يجوز البيع إلى أجل مجهول كالحصاد والجداد والعطاء والزريعة- وقت الزرع- والعصير وما أشبه هذا وهو قول أبى سليمان لأن كل ذلك يتقدم بالأيام ويتأخر. والحصاد والجداد يتأخران أياما إن كان المطر متواترا ويتقدمان بحر الهواء وعدم المطر، وكذلك العصير، وأما الزريعة فتتأخر شهرين أو أكثر لعدم المطر، وأما العطاء فقد ينقطع جملة. فكل ذلك شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل. ثم قال: ولا يجوز الأجل إلى صوم النصارى أو اليهود أو فطرهم ولا إلى عيد من أعيادهم لأنها من زينتهم ولعلهم سيبدو لهم فيها فهذا ممكن. وأيد ذلك (34) بما روى عكرمة عن ابن عباس لا يسلم إلى عصير ولا إلى العطاء ولا إلى الأندر، وعن سعيد بن جبير: لا تبع إلى الحصاد ولا إلى الجداد ولا إلى الدراس، ولكن سم شهرا وبسنده إلى ابن سيرين أنه سئل عن البيع إلى العطاء فقال: لا أدرى ما هو. وعن منصور بن إبراهيم أنه كره الشراء إلى العطاء والحصاد ولكن يسمى شهرا، وبسنده إلى الحكم أنه كره البيع إلى العطاء ثم قال: هو قول سالم بن عبد الله بن عمر وعطاء. وأطال قبل ذلك فى مناقشة المخالفين له. مذهب الزيدية: قال صاحب البحر الزخار فى باب السلم (35) : يجب كون الأجل معلوما ويصح تقييده بالشهر الرومى والعربى والأيام المشهورة كالعيدين والنفرين - النفر إلى منى وإلى عرفة- ويوم عاشوراء لتعيينها، فإن أطلق العيد أو ربيع أو جمادى تعين الأول، وإن عين النيروز أو المهرجان أو عيد اليهود أو فطير اليهود أو فصح النصارى والشعانين صح أن عرفها المسلمون لا اليهود وحدهم إذ لا يوثق بقولهم وقال الإمام يحيى: لو قال أسلمت إليك إلى رأس الشهر لم يصح إذ لا يعلم أى يوم يطالبه. ونقل عنه أنه لو قال: أجلتك إلى شهر تدفع كل أسبوع رطلا صح لأن ما جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وآجال. قال صاحب البحر: بل المذهب فى ذلك أن له إلى أخر اليوم المطلق، ورأس شهر هو فيه لأخره وإلا فللشروق فى أول يوم فيه. ثم قال: ولو أجله خمسة أشهر تعينت القمرية إذ هى المعهودة فى الشرع لقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة (ويعتبر بالأهلة لا بالعدد إلا حيث دخل بعض الشهر اعتبر بالعدد وما بعده بالأهلة لقوله صلى الله عليه وسلم: ".. فإن غم عليكم فأكملوا عدته ثلاثين يوما"، ونقل عن العترة وغيرهم أنه لا يصح التأجيل إلى الحصاد ونحوه للجهالة بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تبايعوا إلا إلى أجل معلوم ". ونقل عن الهادى أيضا أنه لا يصح إلى قدوم غائب ونحوه للجهالة ويصح إلى وقت العطاء إن كان معلوما. مذهب الإمامية: قال صاحب الروضة (36) : لا يناط الأجل بما يحتمل الزيادة والنقصان، كقدوم الحاج أو إدراك الغلة، ولا بالمشترك بين أمرين أو أمور حيث لا مخصص لأحدهما كنفرهم من منى فإنه مشترك وبين أمرين، وشهر ربيع المشترك بين شهرين فيبطل العقد بذلك، ومثل التأجيل إلى يوم معين من الأسبوع كالخميس، وقيل: يصح ويحمل على الأول فى الجميع لتعليقه الأجل على اسم معين وهو يتحقق بالأول لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط فلا يكفى ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما أو أحدهما به، ومع القصد لا إشكال فى الصحة وإن لم يكن الإطلاق محمولا عليه ويحتمل الاكتفاء فى الصحة بما يقتضيه الشرع فى ذلك قصداه أم لا نظرا إلى كون الأجل الذى عيناه مضبوطا فى نفسه شرعا، وإطلاق اللفظ منزل على الحقيقة الشرعية. وقال: فى موضع آخر (37) من باب السلف: الشهور يحمل إطلاقها على الهلالية مع إمكانه كما إذا وقع العقد فى أول الشهر ولو وقع فى أثنائه ففى عده هلاليا يجبره بمقدار ما مضى منه أو إكماله ثلاثين يوما أو انكسار الجميع لو كان معه غيره أقوال: وعدها ثلاثين يوما أوجه. مذهب الإباضية: جاء فى النيل وشرحه (38) : فسد كل بيع أجل لغير وقت منضبط، لا لمنضبط كحصاد وجداد ودوس وقدوم الأعراب أو المسافرين أو الحاج، وخروج إلى بلد كذا، ووصول إلى البيت أو السوق والأخذ والعطاء والرزق عند الأكثر. وقيل: يجوز إلى الأجل المجهول على ما أسسا عليه البيع كما فى المنهاج، وقيل: إنه إن باع إلى خروج المشترى إلى بلد كذا أو إلى أن يصل إلى البيت أو السوق أو نحو ذلك فسد بالجهل وعدم العلم أيخرج أم لا ويصل أم لا؟ ثم قال: وأجاز ابن محبوب البيع إلى أيام وهى ثلاثة وكذا السلف لا إلى الأيام، وقيل بالجواز على أنها لسبعة، وفى التأجيل إلى القيظ والصيف والربيع والخريف والشتاء خلاف، قيل: يثبت إلا إذا نقضاه وقيل: لا يثبت الأجل إلا أن أتماه، وإن أراد الفصول بالحساب الذى يذكر بالفلك جاز قطعا وإن قال إلى شهر كذا فأوله، وإن قال إلى ربيع أو جمادى فالتأجيل ضعيف لأنهما ربيعان وجماديان ولهما النقض والصحيح فساده إلا إن قصدا معينا جاز قطعا. ثم قال: ويجوز الأجل بالسنة العجمية وشهورها على التحقيق وزعم البعض أنه لا يجوز وأصح الآجال الأهلة قوله تعالى: (هى مواقيت للناس (. اختلاف المتعاقدين فى الأجل مذهب الحنفية: يقول الحصكفى فى الدر المختار وابن عابدين فى حاشيته (39) : لو اختلفا فى الأجل فالقول لنافيه وهو البائع، لأن الأصل الحلول إلا فى السلم، فإن لقول لمثبته لأن نافيه يدعى فساده ففقد شرط صحته وهو التأجيل، ومدعيه يدعى صحته بوجوده والقول لمدعى الصحة والفتوى على ذلك. ولو اختلفا فى قدر الأجل فلمدعى الأقل إنكار الزيادة، والبينة فيهما أى فى المسألتين للمشترى لأنه يثبت خلاف الظاهر والبينات للإثبات ولو اختلفا فى مضى الأجل فالقول والبينة للمشترى لأنهما لما اتفقا على الأجل فالأصل بقاؤه فكان القول للمشترى فى عدم مضيه ولأنه منكر توجه المطالبة. وقد أورد صاحب تنوير الأبصار وشارحه، فى باب السلم فروعا (40) يختص منها الاختلاف فى أجل السلم بقوله: وإن اختلفا فى التأجيل فالقول لمدعى التأجيل، والأصل أن من خرج كلامه تعنتا فالقول لصاحبه بالاتفاق وعلق ابن عابدين على ذلك فقال: إن التعنت أن ينكر ما ينفعه. فلو قال رب السلم كان له أجل وأنكر المسلم إليه فهو متعنت فى إنكاره حقا له وهو الأجل كما فى الهداية. وقال الحصكفى فى الدر: وإن خرج كلامه خصومة ووقع الاتفاق على عقد واحد فالقول لمدعى الصحة عند الصاحبين وعند الإمام للمنكر. وفسر ابن عابدين عبارة " وإن خرج خصومة " فقال بأن أنكر ما يضره كعكس التصوير فى المسألة السابقة أى قال المسلم إليه كان التعاقد على الأجل وأنكر رب السلم ذلك. وقد رجعنا إلى الهداية (41) فوجدنا عبارة الميرغينانى فى السلم بخاصة: ولو قال بل كان له أجل. فالقول قول رب السلم المسلم إليه لم يكن له أجل وقال رب السلم لأن المسلم إليه متعنت فى إنكاره حقا له وهو الأجل، والفساد لعدم الأجل غير متيقن فكان الاجتهاد فلا يعتبر النفع فى رد رأس لمال بخلاف عدم الوصف وفى عكسه وهو أن يدعى المسلم إليه الأجل ورب السلم ينكره كما فى الفتح. القول لرب السلم عندهما لأنه ينكر حقا له عليه فيكون القول قوله. مذهب المالكية: قال خليل والدردير (42) : لو اختلفا فى قدر الأجل كبعت لشهر، وقال المشترى لشهرين، حلفا وفسخ إن كانت السلعة قائمة على المشهور، ومحل الفسخ إن حكم به الحاكم أو تراضيا عليه ثم تعود السلعة على ملك البائع ظالما أو مظلوما ويكون الفسخ ظاهرا أى عند الناس وباطنا - أى عند الله تعالى- وصدق المشترى إن ادعى الأشبه- أى الأقرب إلى ما عليه التعامل- وإن انفرد البائع بالشبه فالقول قوله بيمينه فمحل التحالف إن لم يدع أحدهما الأشبه، وفى حالة التحالف يبدأ البائع بالحلف (43) . ثم قال بعد ذلك (44) : إذا اختلف المتبايعان فى انتهاء الأجل مع اتفاقهما عليه كأن يقول البائع: هو شهر وأوله هلال رمضان وقد انتقض. فيقول المشترى: بل أوله نصف رمضان فالانتهاء فى نصف شوال فالقول عند الانتهاء- وهو هنا المشترى- بيمينه لأن الأصل بقاؤه- إن أشبه، سواء أشبه غيره أم لا- فإن أشبه غيره فقط فالقول قوله بيمينه فإن لم يشبه أيضا حلف وفسخ العقد فإن كانت السلعة قائمة ردت للبائع وإن فاتت ردت قيمتها ويقضى للحالف على الناكل. وأما إن اختلفا فى أصل الأجل فإنه يعمل بالعرف بيمينين فإن لم يكن عرف تحالفا وتفاسخا إن كانت السلعة قائمة وإلا صدق المشترى بيمينه إن ادعى أجلا قريبا لا يتهم فيه، وإلا فالقول للبائع إن حلف. مذهب الشافعية: جاء فى المنهاج وشرحه (45) : إذا اتفق المتبايعان على صحة البيع ثم اختلفا فى أصل الأجل بأن أثبت المشترى الأجل ونفاه البائع، أو اختلفا فى قدره كشهر أو شهرين ولا بينة لأحدهما يعول عليها. فإن كانت لهما بينة لا يعول عليها بأن أقام كل بينة وتعارضتا لإطلاقهما عن التاريخ أو إطلاق أحدهما فقط أو لكونهما أرخا بتاريخين مختلفين فإنهما يتحالفان فى هذه الصور لخبر مسلم " اليمين على المدعى" وكل منهما مدع ومدعى عليه. قال الرملى (46) : فيحلف كل منهما على نفى قول صاحبه وإثبات قوله لما مر من أن كلا مدع ومدعى عليه فينفى ما ينكره ويثبت ما يدعيه هو. مذهب الحنابلة: يقول ابن قدامة (47) : وإن اختلفا فى أصل الأجل أو قدره أو نحو ذلك ففيه روايتان: إحداهما يتحالفان وهو قول الشافعى لأنهما اختلفا فى صفة العقد فوجب أن يتحالفا قياسا على الاختلاف فى الثمن والثانية القول قول من ينفى ذلك مع يمينه وهو قول أبى حنيفة لأن الأصل عدمه فالقول قول من ينفيه كأصل العقد لأنه منكر والقول قول المنكر. وقال ابن قدامة فى باب السلم (48) : إذا اختلف المسلم والمسلم إليه فى حلول الأجل فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر. مذهب الزيدية: ينقل صاحب البحر (49) عن الهادى وأبى طالب أن المتبايعين إذا اختلفا فى قدر المسلم فيه أو أجله تحالفا وبطل إذ كل مدع لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا البيع " فإن بينا فبينة المسلم: ثم قال: المذهب أن القول للمسلم إليه فى عدة مسائل منها عدم اقتضاء الأجل إذ هو الظاهر ويقول صاحب البحر فى موضوع الكتابة (50) : إن المذهب وهو قول الإمام يحيى أن القول للعبد فى قدر المال وأجله وتنجيمه إذ الظاهر البراءة فى ذلك كله. مذهب الإباضية: جاء فى النيل وشرحه (51) : إن اختلف الأجير والمستأجر، أو المكرى والمكترى فى المدة، فالقول فيها قول الأجير والمكرى، فعلى مدعى الزيادة فيها وهو المكترى والمستأجر غالبا بيان الزيادة وكذا لو ادعاها الأجير والمكرى وذلك مثل أن يقول الأجير مدة الكراء نصف سنة ويقول المستأجر سنة فعلى المستأجر البينة، وكذا لو قال الأجير مدة الكراء سنة وقال المستأجر نصف سنة لداع إلى ذلك كيمين أو إرادة رفق على الأجير أو إرادة زيادة خير للمستأجر فعلى الأجير بيان الزيادة، وذلك لأن المدعى لزيادة المدة يدعى شيئا بعد ما اتفقا على ما قبله فلا يقبل بلا بيان ولاسيما إن كانت نفعا له فى العمل وكذا إن اتفقا على المدة واختلفا فى انقضائها مثل أن يقولا: إنها شهر ولم يكن البدء من أول الشهر بل حسب الأيام لكن اختلفا هل استهل ليلة كذا فينسلخ ليلة كذا فالقول قول من لم يدع الانقضاء وكذا لو كان عدم الانقضاء مضرة عليه كالمكرى والأجير وذلك لأن الذمة شغلت بالمدة فلا تقبل البراءة منها بادعاء الانقضاء بلا بيان ثم قال: وأصل ذلك حرمة أموال الناس وأبدانهم إلا ما أجاز إليه صاحبهما فمن أنكر منهما كان القول قوله وحلف. حكم الأجل الأجل يكون جائزا فى بعض العقود كالتأجيل بالنسبة لثمن المبيع ويكون واجبا فى بعضها كخيار الشرط كما هو مقتضى ماهيته وكالسلم خلافا لبعض الفقهاء كالشافعية. ويكون ممنوعا فى بعضها كالصرف وبيع الربويات على تفصيل فى المذاهب. مذهب الحنفية: مما يجوز التأجيل فيه عندهم البيع. وجاء فى الهداية وشروحها (52) : يجوز البيع بثمن حال ومؤجل إذا كان الأجل معلوما للإطلاق فى قول الله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا ((53) ، ولما رواه البخارى عن السيدة عائشة- رضى الله عنها- قالت: "إن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما نسيئة من يهودى إلى أجل ورهنه درعا له من حديد". ومما يجوز التأجيل فيه رأس مال السلم عند الإقالة وكذا القرض، يقول ابن عابدين (54) : إن القرض يصح تأجيله مع كونه غير لازم، لكن قال فى الهداية: إن تأجيله لا يصح لأنه إعارة وصلة فى الابتداء حتى يصح بلفظ الإعارة ولا يملكه من لا يملك التبرع وهو معاوضة فى الانتهاء فعلى اعتبار الابتداء لا يلزم التأجيل فيه كما فى الإعارة إذ لا جبر فى التبرع وعلى اعتبار الانتهاء لا يصح لأنه يصير بيع الدراهم بالدراهم نسيئة وهو ربا. قال ابن عابدين: إن مقتضى هذه العبارة أن قوله: " لا يصح على حقيقته لأنه إذا وجد فيه ما يقتضى عدم اللزوم وما يقتضى عدم الصحة ولا منافاة وجب اعتبار عدم الصحة، ولهذا علل فى الفتح لعدم الصحة أيضا بقوله: ولأنه لو لزم كان التبرع ملزما للمتبرع. ثم نقل ابن عابدين عن القنية أن التأجيل فى الفرض باطل. وقالوا: إن التأجيل فى بدل الكتابة جائز كالتنجيم. جاء فى الدر المختار (55) تعليقا على ما أورده التمرتاشى فى تنوير الأبصار عن شرط الكتابة. قال: لا يشترط كون البدل منجما أو مؤجلا لصحتها بالحال ونقل عن باب السلم فى الجوهرة أنه يجوز تأجيل رأس مال السلم بعد الإقالة لأنه دين لا يجب قبضه فى المجلس كسائر الديون ومما يجب التأجيل فيه السلم جاء فى الهداية وشروحها (56) : لا يجوز السلم إلا مؤجلا لقوله عليه الصلاة والسلام: " من أسلم منكم فليسلم " إلى أجل معلوم ولأنه شرع رخصة دفعا لحاجة المفاليس فلابد من الأجل ليقدر على التحصيل فيسلم ولو كان قادرا على التسليم لم يوجد المرخص ويحرم الأجل عند الأحناف فى مثل الربويات ومنها عقد الصرف. جاء فى الهداية وشروحها (57) : ولا بد من قبض العوضين قبل الافتراق لقوله صلى الله عليه وسلم: " الذهب بالذهب مثلا بمثل يدا بيد"، ولقول عمر فى الصرف: " وإن استنظرك أن يدخل بيته فلا تنظره ولأنه لابد من قبض أحدهما ليخرج العقد عن الكالىء بالكالىء، ثم لابد من قبض الآخر تحقيقا للمساواة فلا يتحقق الربا ولأن أحدهما ليس بأولى من الآخر فوجب قبضهما سواء كافا متعينين كالمصوغ أم لا يتعينان كالمضروب. مذهب المالكية: المالكية يجيزون البيع فى غير الربويات بثمن مؤجل. جاء فى فروعهم (58) : " سئل عبد الرحمن بن القاسم عمن باع ثوبا بمائة درهم إلى أجل شهر ثم اشترى بمائة درهم إلى الأجل. أيصح ذلك فى قول مالك. قال: نعم لا بأس فى ذلك وقد لخص الدسوقى فى باب القرض (59) أن المقترض إذا قبض القرض فإن كان له أجل مضروب أو معتاد لزمه رده إذا اقتضى ذلك الأجل وإن لم ينتفع به عادة أمثاله، فإن لم يكن ضرب له أجل ولم يعتد فيه أجل فلا يلزم المقترض رده لمقرضه إلا إذا انتفع به عادة أمثاله، ثم قال خلافا لمن قال أن الفرض إذا لم يؤجل بشرط أو عادة كان على الحلول، فإذا طلبه المقرض قبل انتفاع المقترض به رده إليه، والسلم عندهم يجب تأجيله كالأحناف. جاء فى متن خليل وشرح الدردير (60) : من شروط السلم أن يؤجل السلم بأجل معلوم. وعلله الدسوقى بأن التأجيل ليسلم من بيع ما ليس عند الإنسان المنهى عنه بخلاف ما إذا ضرب الأجل فإن الغالب تحصيل المسلم فيه فى ذلك الأجل فلم يكن من بيع ما ليس عنده إذ كأنه إنما يبيع ما هو عنده عند الأجل ويختلفون فى وجوب تنجيم بدل الكتابة. يقول خليل: والظاهر اشتراط التنجيم. ويقول الدردير: إنهم اختلفوا فى لزوم تنجيم بدل الكتابة - أى وجوبه كما قال الدسوقى- فقيل: يلزم تنجيمه. وفسر الدسوقى التنجيم بالتأجيل لأجل معين، ثم قال الدردير: فإذا وقعت الكتابة بغير تنجيم فهى صحيحة وتنجم لزوما على الراجح- أى وجوبا- لأن العرف فيها التأجيل كما يقول الدسوقى. وقال ابن رشد: الصحيح جوازها حالة ولا يجب التنجيم، لكنها إن وقعت حالة فقطاعة قال الدسوقى: أى يقال لها: قطاعة كما يقال لها: كتابة، فالقطاعة عنده من أفراد الكتابة (61) . ويحرم التأجيل عندهم فى الربويات فقالوا (62) : وحرم كتابا وسنة و إجماعا فى نقد أى ذهب وفضة وطعام ربا فضل ونساء أى تأخير والنساء- أى نسيئة يحرم فى النقد مطلقا وكذا فى الطعام ولو غير ربوى- ونقل الدسوقى عن الأجهورى أن ربا النساء فى النقد حرام ومثله طعام وإن جنساهما قد تعددا، ثم قال (63) : ولا يجوز صرف مؤخر ولو كان التأخير قريبا مع فرقة ببدن اختيارا ولو بأن يدخل أحدهما فى الحانوت ليأتى له بالدراهم منه لا إن لم تحصل فرقة فلا يضر إلا إذا طال. مذهب الشافعية: يجيز الشافعية الأجل فى البيع فى غير الربويات. جاء فى شرح المنهاج لجلال الدين المحلى (64) : " إذا بيع الطعام بغيره كنقد أو ثوب أو غير الطعام بغير الطعام وليسا نقدين كحيوان بحيوان لم يشترط فى البيع حلول ولا مماثلة ولا تقابض فيكون الأجل جائزا فى هذه الأنواع وهم يذكرون ذلك فى فروعهم ففى المنهاج (65) : "للمشترى قبض المبيع استقلالا إن كان الثمن مؤجلا". وهم يقيسون السلم على البيع فى جوازه بثمن حال ومؤجل (66) . والسلم ينص الشافعى على أن التأجيل فيه جائز لا واجب يقول أبو شجاع والخطيب والبيجرمى فى حاشيته على الإقناع (67) : يصح السلم حالا ومؤجلا بأن يصرح بهما فإن أطلق انعقد حالا. وأما الحال فبالأولى لبعده عن الغرر كما يجب الأجل فى بدل الكتابة عندهم. جاء فى المنهاج وشرحه (68) فى كتاب الكتابة: "وصيغتها كاتبتك على كذا منجما ويبين وجوبا عدد النجوم". وقال (69) : وشرط العوض كونه دينا مؤجلا لأنه المنقول عن السلف والخلف ولأنه عاجز حالا.. ثم قال الرملى: "ولا بأس بكونها ولو فى الذمة حالة لقدرته على الشروع فيها حالا وتصح بنجمين قصيرين". وعلق الشبراملسى على ذلك بقوله: الذى فى شرح المنهج نصه: "ولا تخلو المنفعة من التأجيل وإن كان فى بعض نجومها تعجيل فالتأجيل فيها شرط فى الجملة ومثله فى التحفة". ويحرم عندهم التأجيل فى الربويات أيضا على ما يصوره تعبيرهم. جاء فى المنهاج وشرحه (70) : إذا بيع الطعام بالطعام أو النقد بالنقد إن كانا جنسا واحدا اشترط الحلول من الجانبين بالإجماع لاشتراط المقابضة ومن لازمها الحلول فمتى اقترن بأحدهما تأجيل وإن قل زمنه أو حل قبل تفرقهما لم يصح أو جنسه كحنطة وشعير جاز التفاضل واشترط الحلول والتقابض لحديث "الذهب بالذهب ".. فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد. مذهب الحنابلة: وهم أيضا يجيزون تأجيل الثمن فى البيع فى غير الربويات ويذكرون ذلك فى فروعهم، يقول ابن قدامة (71) : "فإن قال: بعتك على أن تنقدنى الثمن إلى ثلاث أو مدة معلومة وإلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح". وقالوا: يجب التأجيل فى السلم (72) إذ نصوا على أنه يشترط لصحة السلم أن يكون مؤجلا ولا يصح الثمن الحال. قال أحمد فى رواية المروزى: لا يصح حتى يشترط الأجل وذكر الحديث. ثم قال: فأمر بالأجل وأمره يقتضى الوجوب ولأنه أمر بهذه الأمور مبينا لشروط السلم ومنعنا منه بدونها وكذا لا يصح إذا انتفى الكيل والوزن فكذلك الأجل لأن السلم رخصة للرفق ولا يحصل الرفق إلا بالأجل فإذا انتقى الأجل انتفى الرفق ولأن الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه أما الاسم فلأنه يسمى سلما وسلفا لتعجيل أحد العوضين وتأخير الآخر، وأما معنى فلأن الشارع أرخص فيه للحاجة الداعية إليه ومع حضور ما يبيعه حالا لا حاجة إلى السلم فلا يثبت كما قالوا بوجوب الأجل فى بدل الكتابة (73) . ويحرم الأجل عندهم فى الربويات، يقول ابن قدامة (74) : وكل ما كيل أو وزن من سائر الأشياء فلا يجوز التفاضل فيه إذا كان جنسا واحدا ثم يقول (75) : وكل ما حرم فيه التفاضل حرم فيه النساء بغير خلاف نعلمه ويحرم التفرق قبل القبض لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " عينا بعين "، وقوله: " يدا بيد ". ولأن تحريم النساء أولى بالتحريم ثم قال: وما كان من جنسين فجائز التفاضل فيه ولا يجوز نسيئة لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ". مذهب الظاهرية: ومما يجوز التأجيل فيه عندهم ثمن المبيع بشرط تحديد الأجل. يقول ابن حزم الظاهرى فى كتاب البيع (76) : لا يجوز البيع بثمن مجهول ثم قال: وإنما يجوز الأجل إلى مالا يتأخر ساعة ولا يتقدم، وكذا فالقرض عندهم مما يجوز فيه الأجل. يقول ابن حزم (77) : القرض إما حالا فى ذمته وإما إلى أجل مسمى هذا مجمع عليه ثم قال (78) : فإن كان الدين حالا فللذى أقرض أن يأخذ به المقترض متى أحب وعنده (79) أن القرض جائز فى الأصناف الربوية ويجوز إلى أجل مسمى ومؤخرا تحت الطلب فيكون حالا فى الذمة متى طلبه صاحبه أخذه كما أجازوا الأجل فى بدل الكتابة. قال ابن حزم (80) : ومن كوتب إلى غير أجل مسمى فهو على كتابته ما عاش السيد، ومن كوتب إلى أجل مسمى نجم واحد أو نجمين فصاعدا فحل وقت النجم ولم يؤد رد عبدا، ويجب الأجل عندهم فى السلم، يقول ابن حزم (81) : السلم لا يجوز إلا إلى أجل مسمى ولابد. واستدل بالحديث ثم قال ففى هذا إيجاب الأجل المعلوم ويحرم التأجيل عندهم فى بيع الربويات وهو بيع صنف من الأصناف الواردة فى حديث " الذهب بالذهب " بمثله نسيئة كما يحرم متفاضلا ويجوز بيع كل صنف منها بالأصناف الأخرى بشرط أن يكون يدا بيد. قال ابن حزم (82) : لا يحل أن يباع قمح بقمح إلا مثلا بمثل يدا ليد، وذكر مثل ذلك فى باقى الأصناف، ثم قال (83) : وجاز بيع كل صنف مما ذكرنا بالأصناف الأخرى متفاضلا ومتماثلا إذا كان يدا بيد ولا يجوز فى ذلك التأخير طرفة عين فأكثر لا فى بيع ولا فى سلم، ثم قال (84) : وجاز بيع الذهب بالفضة سواء فى ذلك الدنانير بالدراهم أو بالحلى والدراهم بحلى الذهب، يدا بيد ولابد عينا بعين، ولا يجوز التأخير فى ذلك طرفة عين لا فى بيع ولا فى سلم ويباع الذهب بالذهب لا يحل التفاضل ولا التأخير طرفة عين، وتباع الفضة بالفضة وزنا بوزن يدا بيد ولا يجوز التأخير فى ذلك طرفة عين لا بيعا ولا سلما. مذهب الزيدية: يجوز البيع عندهم بثمن مؤجل أيضا ويذكرونه فى فروعهم. يقول صاحب البحر (85) : ولا يصح أن يأخذ بالثمن المؤجل غير جنسه قبل حلول أجله. ويجب عندهم فى السلم لأن التأجيل فى ماهيته يقول صاحب البحر: السلم هو تعجيل أحد البدلين وتأجيل الآخر كما ذكر فى شروط السلم الأجل (86) كما يشترطون فى باب الكتابة التأجيل والتنجيم مع اختلافهم فى أقل النجوم، ونقل صاحب البجر عن المؤيد بالله وأبى طالب وأبى العباس أن التأجيل والتنجيم شرط وأقله نجمان قيل: ولو فى ساعتين، وقيل: بل أقل أجل السلم، وقال: إنه قوى، وأن وجه اشتراط التأجيل والتنجيم قول على الكتابة على نجمين، ولفعل عثمان ذلك مع عبده. ويحرم التأجيل فى الربويات. نقل صاحب البحر (87) عن العترة: إن ما لا يكال ولا يوزن جاز التفاضل فيه كالرمانة بالرمانتين ويحرم النساء لقوله عليه السلام: "لا ربا إلا بالنسيئة فعم إلا ما خصه دليل، ثم نقل أنهما إذا اتفقا جنسا وتقديرا أو فى أحدهما اشترط التقابض فى المجلس لقوله عليه السلام: "إلا يدا بيد "، ولقوله: "التمر بالملح يدا بيد كيف شئتم". وكذلك يحرم فى الصرف يقول صاحب البحر (88) : إن من شروط الصرف الحلول لقوله صلى الله عليه وسلم: " إلا ها وها ". والتأجيل يفسده ولو حل قبل التفرق إذ يخالف موجب عقده وهو التعجيل. كما نقل (89) عن المؤيد بالله وأبى طالب والقاضى زيد وأبى العباس أنه لا يصح الأنظار بالقرض إذ هو تبرع كالعارية، والتأجيل نقص للعوض وموضوع القرض تماثلها. مذهب الإمامية: مما يجوز التأجيل فيه عندهم ثمن المبيع إذا اتفق عليه الطرفان، جاء فى المختصر النافع (90) : "من ابتاع مطلقا فالثمن حال ولو شرط التأجيل مع تعيين المدة صح". وفى قلائد الدرر (91) : ويجوز تأجيل القرض عندهم إذ يقول: إن آية (يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (. تدل على جواز تأجيل القرض. كما جاء فيه (92) : إن فى قوله تعالى: (إلى أجل (يفهم إباحة المعاملة بالدين مؤجلا نسيئة وسلما لأن الدين حق يثبت فى الذمة فهو أعم من المؤجل وغيره. ويجب الأجل فى السلم الذى يسمونه سلفا فقد عرفه صاحب المختصر النافع (93) بأنه ابتياع مضمون إلى أجل بمال حاضر واشترطوا لصحته تعيين الأجل. ويقول صاحب الروضة البهية (94) : وتقارن الكتابة البيع فى اعتبار الأجل فى الشهور. ثم قال: "ولابد فى الكتابة من العقد المشتمل على الإيجاب مثل كاتبتك على أن تؤدى إلى كذا فى وقت كذا إن اتحد الأجل أو أوقات كذا إن تعدد الأجل". ثم قال (95) : "والأقرب اشتراط الأجل فى الكتابة مطلقا بناء على أن العبد لا يملك شيئا فعجزه حال العقد عن العوض حاصل، ووقت الحصول متوقع مجهول فلابد من تأجيله بوقت يمكن فيه حصوله عادة". ثم قال: "وقيل: لا يشترط الأجل مطلقا للأصل ولإطلاق الأمر بها خصوصا على القول بكونها بيعا". مذهب الإباضية: يرون كغيرهم، كما فى النيل وشرحه، جواز تأجيل الثمن فى البيع إذ يقولون (96) : يفسد كل بيع لأجل غير منضبط لا منضبط. ويقولون بوجوب الأجل فى السلم فقد نصوا عند ذكرهم شروط السلم (97) على أنه بوزن وعيار وأجل ... يوفى فيه ما فيه السلم. ونقل عن أحد فقهائهم: إن علة الأجل حصول مصلحتين إحداهما للبائع وهو دفع قليل ليأخذ أكثر منه، والثانية للمشترى وهى الانتفاع بالثمن فى أجله. ويمنعونه فى الربويات على طريقتهم ويستدلون بحديث يروونه عن زيد بن أرقم والبراء بن عازب: "إن الصرف يد بيد وأما بالنسيئة فلا (98) ". وبما رواه جابر بن زيد عن طلحة بن عبيد الله أنه التمس من رجل صرفا فأخذ طلحة الذهب يقلبه بيده وقال: حتى يأتى خازنى من الغابة وعمر بن الخطاب حاضر فقال: والله لا تفترقان حتى يتم الأمر بينكما. وقد عرفوا (99) الصرف بأنه: بيع وإن بلا وزن بشرط التقابض فى المجلس، وهم يمنعون ربا النسيئة على تفصيل لهم فى ذلك (100) . حكم الأجل من ناحية اللزوم وعدمه واضح أن كل تأجيل مشروع يلتزم به العاقدان إلا أن الفقهاء عدا المالكية يستثنون القرض. ويضيف الأحناف إلى القرض فى عدم التزام الأجل مع ذكره ست مسائل أخرى وإليك البيان. مذهب الحنفية: جاء فى التنوير وشرحه (101) : لزم تأجيل كل دين إن قبل المدين إلا فى سبع بدلى صرف وسلم، وثمن عند إقالة وفيما بعدها وما أخذ به الشفيع ودين الميت والقرض، غير أن القرض يلزم تأجيله فى أربع مسائل إذا كان محجورا، أو حكم مالكى بلزومه بعد ثبوت أصل الدين عنده، أو أحاله على آخر فأجله المقرض، أو أحال على مدين مؤجل دينه، أو أوصى بأن يقرض فلان من ماله ألف درهم إلى سنة، أو أوصى بتأجيل قرضه إلى زيد سنة، واستخلص أن تأجيل الدين على ثلاثة أوجه: باطل فى بدلى الصرف والسلم، وصحيح غير لازم فى قرض وإقالة وشفيع ودين ميت ولازم فيما عدا ذلك، وأضاف إلى ذلك نقلا عن النهر أن الملحق بالقرض تأجيله باطل ومن إضافات ابن عابدين فى هذا المقام أنه علل عدم اللزوم فى تأجيل بدلى الصرف والسلم باشتراط القبض فى بدلى الصرف فى المجلس واشتراطه فى رأس المال، وهذا يقضى بعدم جواز التأجيل فى بدلى الصرف وفى رأس مال السلم كما نقل ابن عابدين عن القنية: إن المشترى إذا أجل البائع سنة عند الإقالة صحت الإقالة وبطل الأجل ولو تقايلا ثم أجله ينبغى ألا يصح الأجل عند أبى حنيفة فإن الشرط اللاحق بعد العقد ملتحق بأصل العقد عندهم. ونقل عن الجوهرة أنه يجوز تأجيل رأس مال السلم بعد الإقالة لأنه دين لا يجب قبضه فى المجلس كسائر الديون. وقال فى موضوع ما أخذ به الشفيع أنه يشمل ما إذا كان الشراء بثمن مؤجل فإن الأجل لا يثبت فى أخذ الشفيع، ثم صور دين الميت بقوله: لو مات المدين وحل المال فأجل الدائن وارثه لم يصح لأن الدين فى الذمة. ثم قال: وفائدة التأجيل أن يتجر فيؤدى الدين من نماء المال فإذا مات من له الأجل تعين المتروك لقضاء الدين فلا يفيد التأجيل وفى ملتقى الأبحر وشرحه مجمع الأنهر (102) : كل دين أجل بأجل معلوم صح تأجيله وإن كان حالا فى الأصل لأن المطالبة حقه فله أن يؤخره سواء كان ثمن مبيع أو غيره تيسيرا على من له عليه. ألا ترى أنه يملك إبراءه مطلقا فكذا مؤقتا ولابد من قبوله ممن عليه الدين فلو لم يقبل بطل التأجيل فيكون حالا ويصح تعليق التأجيل بالشرط. ثم استثنى كصاحب التنوير القرض ونص على أنه لا يصح تأجيله. وقد صور ابن عابدين تعليق التأجيل بالشرط بقوله (103) : فلو قال لمن عليه ألف حالة: إن دفعت إلى غدا خمسماية فالخمسماية الأخرى مؤخرة إلى سنة فهو جائز. مذهب المالكية: جاء فى متن خليل وشرح الدردير عليه (104) : جاز قضاء قرض بمساو لما فى الذمة قدرا وصفة حل الأجل أم لا. وعلق الدسوقى على ذلك بكلام يقول فيه: إن الحق فى الأجل فى القرض لمن عليه الدين. وقال (105) : إن ثمن المبيع إذا كان عرضا أو طعاما كان الحق فى الأجل لرب الدين، وأما القرض وثمن المبيع إذا كان عينا فالحق فيه لمن عليه الدين إن شاء عجل أو بقى الأجل. مذهب الشافعية: جاء فى منهاج الطالبيين وشرحه فى باب القرض (106) : " ولو شرطا أجلا فى القرض فلا يعتبر الأجل ويصح العقد وعلق على ذلك عميرة فى حاشيته بقوله: وعندنا لا يلزم التأجيل فى الحال إلا بالإيصاء أو النذر. مذهب الحنابلة: يقول ابن قدامة (107) : وللمقرض المطالبة ببدله فى الحال لأنه سبب يوجب رد المثل فى المثليات فأوجبه حالا كالإتلاف. ولو أجل القرض لم يتأجل وكان حالا. وكل دين حل أجله لم يصر مؤجلا بتأجيله. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم الظاهرى (108) : من كان له دين حال أو مؤجل فحل فرغب إليه الذى عليه الحق فى أن ينظره أيضا إلى أجل مسمى ففعل أو أنظره كذلك بغير رغبة وأشهد أو لم يشهد لم يلزمه من ذلك شىء، والدين حال ويأخذه به متى شاء، وهو قول أصحابنا. مذهب الزيدية: قدمنا عن الزيدية نقلا عن البحر الزخار (109) أنهم يقولون بعدم صحة تأجيل القرض فضلا عن عدم اللزوم. مذهب الإمامية: جاء فى كتاب قلائد الدرر (110) : إن آية البقرة: (إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى (كما تدل على جواز تأجيل القرض تدل على لزومه عند اشتراطه. واستدل للزوم بعموم الأمر بالوفاء بالشروط والعقود. وقد استدرك صاحب القلائد على ذلك بقوله: إن الأصحاب أطبقوا على كونه من العقود الجائزة وأنه لو شرط فيه الأجل فلا يلزم لأن الآية ليست ناصة فى ذلك لاحتمال أن يكون الغرض من الكتابة المحافظة على المقدار حذرا من تطرق النسيان وإمكان حمل الرواية على الاستحباب. نعم لو شرط تأجيله فى عقد لازم فالأقوى لزومه. انتهاء الأجل وسقوطه واضح أن الأجل ينتهى بانتهاء مدته المتفق عليها بين المتعاقدين دون خلاف فى ذلك فإذا كان البيع بثمن مؤجل انتهى الأجل بانتهاء المدة المضروبة، ومثله فى مدة الإجارة والعارية وأجل القرض وما إلى ذلك. وأما سقوط الأجل فى أثناء المدة فواضح أيضا أنه يسقط باتفاق الدائن والمدين، وبوجود سبب يفسخ العقد الذى بقى عليه الأجل، وهناك اختلاف فى بعض الصور والجزئيات مثل إبطال المدين حقه فى الأجل، ومثل موت أحدهما ومثل الحجر على المدين نبينه فيما يأتى: إبطال المدين حقه فى الأجل مذهب الحنفية: نقل ابن عابدين (111) : أنه لو قال المدين أبطلت الأجل أو تركته صار حالا بخلاف برئت من الأجل أو لا حاجة لى فيه، وإذا قضاه قبل الحلول فاستحق المقبوض من القابض أو وجده زيوفا فرده أو وجد فى المبيع عيبا فرده بقضاء عاد الأجل، لا لو اشترى من ديونه شيئا بالدين وقبضه ثم تقايلا البيع ولو كان بهذا الدين المؤجل كفيل. ثم قال (112) نقلا عن الفنية: إنه لو قضى المديون الدين قبل حلول الأجل فإنه لا يأخذ من المرابحة التى جرت بينهما إلا بقدر ما مضى من الأيام. وفى غمز عيون الأبصار للحموى على الأشباه لابن نجيم (113) يلزم الدائن بقبول الدين المؤجل إذا قضاه المدين قبل حلول الأجل إلا أن يكون فى أخذه ضرر بالدائن فإنه لو لم يأمن مثلا بأن كان بمكة وأعطاه دينه وهو لا يحل إلا بمصر فإنه لا يجبر على أخذه منه. مذهب المالكية: يقول الدردير فى الشرح الكبير (114) : فإن أراد المقترض رد القرض له به قبل أجله لزم المقرض قبوله، لأن الأجل حق لمن هو عليه ولو كان غير عين، ولا يلزم ربه بقبوله فى غير محله إن كان غير عين- أى النقد ونحوه- لما فيه من الكلفة " أمل العين فيلزم ربها أخذها بغير محلها لخفة حملها إلا لخوف أو احتاج إلى كبير حمل، ومثل العين الجواهر النفيسة الخفيفة. مذهب الشافعية: قال الشافعى فى الأم (115) فى باب السلم: فإن دعا المدين الدائن إلى أخذ حقه قبل محله، وكان حقه ذهبا أو فضة أو نحاسا أو تبرا أو عرضا غير مأكول ولا مشروب ولا ذى روح يحتاج إلى العلف والنفقة جبر على أخذ حقه منه إلا أن يبرئه لأنه قد جاءه بحقه وزيادة تعجيله قبل محله. ثم قال: ولست انظر فى هذا إلى تغير قيمته فإن كان يكون فى وقته أكثر قيمة أو أقل قلت للذى له الحق إن شئت حبسته وقد يكون فى وقت أجله أكثر قيمة منه حين يدفعه أو أقل. وجاء فى شرح المنهاج (116) : إن أداء القرض كأداء المسلم فيه صنفا وزمنا ومحلا. وعلق الشبراملسى على ذلك بقوله: إن المراد من تشبيهه به فى الزمان ما ذكروه من أنه إذا أحضر المقترض ما فى ذمته من دين فى زمن النهب لا يجب عليه قبوله، كما أن المسلم فيه إذا أحضره المسلم إليه قبل محله لا يلزمه القبول وإن أحضره فى زمن الأمن وجب قبوله فالمراد من التشبيه مجرد أن القرض قد يجب قبوله إذا أتى به للمقرض وقد لا يجب. مذهب الحنابلة: يقول ابن قدامة (117) فى باب السلم: "إذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه قبل محله ينظر فيه إن كان فى قبضه قبل محله ضرر لكونه يتغير كالفاكهة، أو كان قديمه دون حديثه كالحبوب لم يلزم المسلم قبوله لأن له غرضا فى تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه فى ذلك الوقت، وكذلك الحيوان لأنه لا يأمن تلفه فيحتاج إلى الإنفاق عليه إلى ذلك الوقت وربما يحتاج إليه فى ذلك الوقت دون ما قبله، وهكذا إن كان مما يحتاج فى حفظه إلى مؤنة كالقطن ونحوه أو كان الوقت مخوفا يخشى نهب ما يقبضه فلا يلزمه الأخذ فى هذه الأحوال كلها لأن عليه ضررا فى قبضه ولم يأت محل استحقاقه له فجرى مجرى نقص صفة فيه وإن كان مما لا ضرر فى قبضه بأن يكون لا يتغير كالحديد والرصاص والنحاس فإنه يستوى قديمه وحديثه ونحو ذلك الزيت والعسل ولا فى قبضه ضرر لخوف ولا تحمل مؤنة فعليه قبضه لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وتعجيل الدين المؤجل". وهذا صريح فى أن من حق المدين إبطال حقه فى الأجل وأن على الدائن أن يقبل التعجيل إذا لم يكن فيه ضرر عليه. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم الظاهرى (118) : إن أراد الذى عليه الدين المؤجل أن يعجله قبل أجله بما قل أو كثر لم يجبر الذى له الحق على قبوله أصلا، وكذا لو أراد الذى له الحق أن يتعجل قبض دينه قبل أجله بما قل أو كثر لم يجز أن يجبر الذى عليه الحق علي أدائه سواء فى ذلك الدنانير والدراهم والطعام كله والعروض كلها والحيوان فلو تراضيا على تعجيل الدين أو بعضه قبل حلول أجله أو على تأخيره بعد حلول أجله أو بعضه جاز ذلك وهو قول أبى سليمان وأصحابنا واستدل على ذلك بأن شرط الأجل قد صح بالقرآن والسنة فلا يجوز إبطال ما صححه الله تعالى. وقال فى موضوع الكتابة (119) : وإذا كانت الكتابة نجمين فصاعدا أو لأجل فأراد العبد تعجيلها كلها أو تعجيل بعضها قبل أجله لم يلزم السيد قبول ذلك ولا عتق العبد وهى إلى أجلها وكل نجم منها إلى أجله لقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ((120) ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: " المسلمون عند شروطهم ". مذهب الزيدية: يقول صاحب البحر الزخار (121) : يجب قبض كل معجل مساو للدين أو زائد فى الصفة لإلزام عمر امرأة كاتبت عبدا قبول تعجيل العبد قبل النجوم ولم يخالفه أحد إلا مع خوف ضرر أو غرامة، وقد نقل الحادثة صاحب جواهر الأخبار فى حاشيته على البحر فقال (122) : روى أن امرأة كاتبت عبدا لها على ثلاثين ألف درهم منجمة فأتى العبد بالمال صبة واحدة فأبت المرأة أن تقبض المال إلا فى النجوم التى اشترطتها، فجاء العبد إلى عمر فقال له: هات المال. فصبه العبد كاملا، فوضعه عمر فى بيت المال وأطلق العبد من الرق وأرسل إلى المرأة أن مالها قد صار فى بيت المال تأخذه فى أى وقت شاءت. فقال: إن فى الحديث رواية أخرى تفيد أن الحادثة مع أنس بن مالك. ونقل صاحب البحر فى باب السلم (123) عن الهادى أنه يجوز قبول ما يحمل لتبرأ ذمة المعجل فإن امتنع فوجهان: قيل: يجبره الحاكم إذ هو حق عليه، وقيل: لا بل يقبضه إلى بيت المال حتى يقبله لفعل عمر ذلك، وقد نسب هذا إلى بعض أصحاب الشافعى وقال: إنه قوى. مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية (124) : " البائع بتأخير يجب قبض الثمن لو دفعه إلى البائع مع الحلول مطلقا وفى الأجل أى بعده لا قبله لأنه غير مستحق حينئذ وجاز تعلق غرض البائع بتأخير القبض إلى الأجل فإن الأغراض لا تنضبط. موت أحد المتداينين والحجر على المدين يرى الأحناف أن الأجل يسقط بموت المدين. قال الكاسانى (125) : لو مات المسلم إليه قبل الأجل حل الدين، وكذا كل دين مؤجل سواه إذا مات من عليه الدين والأصل فى هذا أن موت من عليه الدين يبطل الأجل، وموت من له الدين لا يبطل لأن الأجل حق المدين لا حق صاحب الدين فتعتبر حياته وموته فى الأجل وبطلانه. وفى الأشباه والنظائر لابن نجيم (126) : إن الأجل يحل بموت المدين ولو حكما باللحاق مرتدا بدار الحرب ولا يحل بموت الدائن ويسقط أيضا عندهم بتنازل المدين عن الأجل المضروب باعتباره صاحب الحق فيه ما لم يكن فى ذلك ضرر بالدائن على ما بينا فى موضوع إبطال المدين حقه فى الأجل. مذهب المالكية: جاء فى متن خليل والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليهما (127) : وحل بموت المدين ما أجل عليه من الدين لخراب ذمته ما لم يشترط المدين عدم حلوله به وما لم يقتل الدائن المدين عمدا فلا يحل كما لا يحل بموت رب الدين ولو كان الدين دين كراء لدار أو دابة أو عبد فإنه يحل بموت المكترى وقال الدسوقى: إنه لو طلب بعض الغرماء بقاء دينه مؤجلا لم يجب لذلك لأن للمدين حقا فى تخفيف ذمته بحكم الشرع أما لو طلب جميع الغرماء بقاء ديونهم مؤجلة كان لهم ذلك. ثم قال: إن ذلك هو المشهور من المذهب، ومقابله أن الدين المؤجل لا يحل بالموت كما لا يحل بالفلس. وانتهى بقوله: فالدين إنما يحل بموت من عليه الدين لا بموت من له الدين. مذهب الشافعية: قال الشافعى (128) : إذا مات الرجل وله على الناس ديون إلى أجل فهى إلى أجلها لا تحل بموته، ولو كانت الديون على الميت إلى أجل فلم أعلم مخالفا حفظت عنه ممن لقيت بأنها حالة يتحاص فيها الغرماء ويمكن أن يستدل بهذا بما جاء فى "الأم" أيضا: لما كان غرماء الميت أحق بماله فى حياته كانوا أحق بماله بعد وفاته من ورثته، فلو تركنا ديونهم إلى حلولها كما ندعها فى الحياة كنا منعنا الميت أن تبرأ ذمته ومنعنا الوارث أن يأخذ الفضل عن دين غريم أبيه. وجاء فيها: ولعل من حجتهم أن يقولوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه دينه ". قال الشافعى: فلما كان كفنه من رأس ماله دون غرمائه ونفسه معلقة بدينه وكان المال ملكا له أشبه أن يجعل قضاء دينه، لأن نفسه معلقة بدينه ولم يجز أن يكون مال الميت زائلا عنه فلا يصير إلى غرمائه ولا إلى ورثته، وذلك أنه لا يجوز أن يأخذه ورثته دون غرمائه، ولو وقف إلى قضاء دينه علق روحه بدينه وكان ماله معرضا أن يهلك فلا يؤدى عن ذمته ولا يكون لورثته فلم يكن فيه منزلة أولى من أن يحل دينه ثم يعطى ما بقى ورثته. مذهب الحنابلة: ينص الحنابلة (129) على أن من مات وعليه ديون مؤجلة ففى حلولها بالموت روايتان: إحداهما لا تحل إذا وثقها الورثة وهو قول ابن سيرين. والرواية الأخرى أنه يحل بالموت وبه قال الشعبى والنخعى لأنه لا يخلو أما أن يبقى فى ذمة الميت أو الورثة أو يتعلق بالمال لا يجوز بقاؤه فى ذمة الميت لخرابها وتعذر مطالبته بها، ولا ذمة الورثة لأنهم لم يلتزموها ولا رضى صاحب الدين بذممهم وهى مختلفة متباينة ولا يجوز تعليقه على الأعيان وتأجيله لأنه ضرر بالميت وصاحب الدين ولا نفع للورثة فيه. أما الميت فلحديث: " الميت مرتهن بدينه حتى يقضى عنه " وأما صاحبه فيتأخر حقه وقد تتلف العين فيسقط حقه، وأما الورثة فإنهم لا ينتفعون بالأعيان ولا يتصرفون فيها وإن حصلت لهم منفعة فلا يسقط حظ الميت وصاحب الدين لمنفعة لهم. وقد اختار الخرقى الرواية الأولى ووافقه على ذلك ابن قدامة مستدلا بقوله: ولنا أن الموت لا يوجب حلول ما عليه إذ الموت ما جعل مبطلا للحقوق إنما هو ميقات للخلافة وعلامة على الوراثة، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: " من ترك حقا أو مالا فلورثته "، فعلى هذا يبقى الدين فى ذمة الميت كما كان ويتعلق بعين ماله كتعلق حق الغرماء بمال المفلس عند الحجر عليه فإن أحب الورثة أداء الدين والتزامه للغريم ويتصرفون فى المال لم يكن لهم ذلك إلا أن يرضى الغرماء أو يوثق الحق بضمين ملىء أو رهن يثق به - الغريم- لوفاء حقه. وذكر القاضى أن الحق ينتقل إلى ذمم الورثة بموت مورثهم من غير أن يشترط التزامهم له ولا ينبغى أن يلزم الإنسان دين لم يلتزمه ولم يتعاط سببه ولو لزمهم ذلك لموت مورثهم للزمهم وإن لم يخلف وفاء. ثم قال: وإن مات مفلس وله غرماء بعض ديونهم مؤجلة وبعضها حالة وقلنا: المؤجل يحل بالموت تساووا فى التركة فاقتسموها على قدر ديونهم وإن قلنا لا يحل بالموت نظرنا. فإن وثق الورثة لصاحب المؤجل اختص أصحاب الحال بالتركة، وإن امتنع الورثة من التوثيق حل دينه وشارك أصحاب الحال كى لا يفضى إلى إسقاط دينه بالكلية. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم الظاهرى (130) : وكل من مات وله ديون على الناس مؤجلة أو للناس عليه ديون مؤجلة فكل ذلك سواء، وقد بطلت الآجال كلها وصار كل ما عليه من دين حالا سواء فى ذلك كله القرض والبيع وغير ذلك. واستدل على ذلك بقوله تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ((131) وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام "، وقوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين ((132) فصح أن بموت الإنسان بطل حكمه عن ماله وانتقل إلى ملك الغرماء والموصى لهم ووجوه الوصايا والورثة ورغبة الغرماء فى تأجيل ما عليهم أو تأجيل ما على الميت إنما كان بلا شك بينهم دين المتوفى إذ كان حيا وقد انتقل الآن المال عن ملكه إلى ملك غيره فلا يجوز كسب الميت عليهم فيما قد سقط ملكه عنه ولا يحل للغرماء شىء من مال الورثة والموصى لهم والوصية بغير طيب أنفسهم فبطل حكم التأجيل فى ذلك ووجب للورثة وللوصية أخذ حقوقهم وكذلك لا يحل للورثة إمساك مال غريم متهم إلا بطيب نفسه لأن عقده إنما كان مع المتوفى إذ كان حيا فلا يلزمه أن يبقى ماله بأيدى ورثته لم يعاملهم قط ولا يحل لهم إمساك مال الذى له الحق عنه والله تعالى لم يجعل لهم حقا ولا للوصية إلا بعد إنصاف أصحاب الديون. وروى بسنده إلى الشعبى والنخعى أنهما قالا: من كان له الدين إلى أجل فإذا مات فقد حل كما روى عن الحسن البصرى أنه كان يرى الدين حالا إذا مات وعليه دين. مذهب الزيدية: جاء فى البحر الزخار (133) نقلا عن القاسم والناصر والمؤيد بالله من أئمتهم أنه لا يحل الدين المؤجل بموت من هو عليه الدين، إذ هو حق له فصار لوارثه وينتقل إلى ذمة الوارث بدليل جواز القضاء من ماله. مذهب الإمامية: جاء فى قلائد الدرر (134) أن الحسن بن سعيد سأل شيخه عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى ثم مات المقترض، أيحل مال القارض عند موت المستقرض منه أو للورثة من الأجل ما للمستقرض فى حياته؟ فقال: إذا مات فقد حل مال القارض. وفى الروضة البهية (135) : وتحل الديون المؤجلة إذا مات المديون سواء فى ذلك مال السلم والجناية المؤجلة وغيرهما للعموم ولا تحل الديون المؤجلة بموت الدائن للأصل خرج منه موت المديون فيبقى الباقى. وقيل: يحل استنادا إلى رواية مرسلة وبالقياس على موت المدين وهو باطل. سقوط الأجل بالحجر مذهب الحنفية: أما الحجر على المدين فإنه لا يسقط الأجل عندهم كما جاء فى الفتاوى الهندية (136) ويقول ابن نجيم (137) : إن ظاهر كلام الأحناف أن الجنون لا يوجب حلول الدين لإمكان التحصيل بوليه. مذهب المالكية: جاء فى المدونة (138) : سأل سحنون أستاذه عبد الرحمن بن القاسم عن المفلس إذا كانت عليه ديون إلى أجل، وديون قد حلت ففلسه الذين قد حلت ديونهم، أيكون للذين لم تحل ديونهم أن يدخلوا فى قول مالك؟ قال: نعم ولكن ما كان للمفلس من دين إلى أجل على الناس فهو إلى أجله. قلت أرأيت المفلس إذا كانت عليه ديون للناس إلى أجل أتحل إذا فلس فى قول مالك؟ قال: إذا فلس فقد حلت ديونهم عند مالك. ونقل عن ابن وهب أن مالكا قال: من مات أو فلس فقد حل دينه، وإن كان إلى أجل. مذهب الشافعية: قال الشافعى (139) : إذا أفلس الرجل وعليه ديون إلى أجل فقد ذهب غير واحد من المفتين ممن حفظت عنهم إلى أن ديونه التى إلى أجل حالة حلول دين الميت، واستدل لذلك بأن مال المفلس وقف كوقف مال الميت وحيل وبينه وبين أن يقضى من شاء. ثم قال: وقد يحتمل أن يباع لمن حل دينه ويؤخر الذين ديونهم متأخرة لأنه غير ميت فإنه قد يملك والميت لا يملك. وفى المنهاج وشرحه (140) : ولا حجر بالدين المؤجل لأنه لا مطالبة فى الحال وإذا حجر بحال لم يحل المؤجل فى الأظهر والثانى يحل بالحجر كالموت بجامع تعلق الدين بالمال، وفرق صاحب الرأى الأول بخراب الذمة بالموت دون الحجر وعلق على ذلك قليوبى فى حاشيته بقوله: لا يجوز الحجر بالدين المؤجل مستقلا ولا يحسب من الدين من الذى يؤدى من المال ولا يطالب صاحبه، ولا يشارك عند القسمة فإن حل قبلها شارك صاحبه الغرماء كما فى شرح الروض، وقال عميرة فى حلول المؤجل بالجنون قولان: ونقل عن النووى أن المشهور الحلول. مذهب الحنابلة: يقول الخرقى (141) : إذا كان على المفلس دين مؤجل لم يحل بالتفليس. ويعلق على ذلك ابن قدامة بقوله: إن الدين المؤجل لا يحل بفلس من هو عليه رواية واحدة، قال القاضى: وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه يحل. ووجه ذلك أن الأجل حق للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه ولأنه لا يوجب حلول ماله فلا يوجب حلول ما عليه كالجنون والإغماء ولأنه دين مؤجل على حى فلا يحل قبل أجله كغير المفلس. فإذا حجر على المفلس. قال أصحابنا: لا يشارك أصحاب الديون المؤجلة غرماء الديون الحالة بل يقسم المال الموجود بين أصحاب الديون الحالة ويبقى المؤجل فى الذمة إلى وقت حلوله. ثم قال: وإن قلنا أن الدين يحل فإنه يضرب مع الغرماء بدينه كغيره من أرباب الديون الحالة. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم (142) : ويقسم مال المفلس الذى يوجد له بين الغرماء بالحصص على الحاضرين الطالبين الذين حلت آجال حقوقهم فقط، ولا يدخل فيهم حاضر لا يطلب ولاغائب لم يوكل ولا حاضر أو غائب لم يحل أجل حقه طلب أو لم يطلب لأن من لم يحل أجل حقه فلا حق له بعده " مذهب الزيدية: جاء فى البحر الزخار فى موضوع الحجر على المدين (143) : قيل: لا يحجر فى دين مؤجل حتى يحل كما ليس له طلب الكفيل والرهن والحجر توثيق مثل الكفيل والرهن. وقال أبو جعفر: ذو الدين المؤجل كمن لا دين له. ثم قال: يصح الحجر لكل دين نقد أو غيره ويدخل فيه المؤجل تبعا للحال. ثم قال: والمذهب لا يحل به المؤجل لأنه لا وجه لسقوط الأجل لكن إذا انقسم المال ترك قسط المؤجل. وقيل: لا بل يستغرقه ذو الحال. ورد ذلك بأن الحق المؤجل تعلق بذمته، فاستووا. مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية (144) : ولا تحل الديون المؤجلة بحجر المفلس عملا بالأصل خلافا لابن الجنيدى رحمه الله حيث زعم أنها تحل قياسا على الميت وهو باطل مع وجود الفارق بتضرر الورثة إن منعوا من التصرف إلى أن يحل وصاحب الدين إن لم يمنعوا بخلاف المفلس لبقاء ذمته. الاعتياض عن الأجل أجمع فقهاء المسلمين على أن مد الأجل الدين حال أو مؤجل نظير مال حرام ويعد من ربا النسيئة. (انظر: ربا) مذهب الحنفية: جاء فى باب الصلح (145) : "لا يصح الصلح عن ألف مؤجل عليه نصفه حالا إلا فى صلح المولى مكاتبه فيجوز، ويعلل ابن عابدين عدم الجواز بأنه اعتياض عن الأجل وهو حرام، وعلل الجواز فى المكاتب بأن معنى الإرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعارضة فلا يكون هذا مقابلة الأجل ببعض المال ولكنه إرفاق من المولى يحط بعض المال ومساهلة من المكاتب فيما بقى قبل حلول الأجل ليتوصل إلى شرف الحرية. مذهب المالكية: جاء فى "المدونة" (146) ما يدل على منع البيع الذى يدخله ضع عنى وتعجل. وقد ذكر سحنون فيها صورا كثيرة من أوضحها أنه سأل ابن القاسم فقال: لو أنى أقرضت رجلا مائة أردب من الحنطة إلى سنة فجئته قبل الأجل فقلت له: أعطنى خمسين وأضع عنك الخمسين. أيصلح هذا أم لا؟ قال: قال مالك لا يصح هذا لأنه يدخله ضع عنى وتعجل والقرض فى هذا والبيع سواء. ونقل ابن القاسم وابن وهب عن مالك بسنده إلى مولى السفاح أنه أخبره أنه باع بزا من أصحاب دار بجلة إلى أجل ثم أراد الخروج فسألوه أن ينقدوه ويضع عنهم فسأل زيد بن ثابت عن ذلك فقال: لا آمرك أن تأكل ذلك ولا تؤكله، وذكر عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا ينهون عنه. مذهب الشافعية: نص الشافعية على عدم صحة الصلح فى الدين المؤجل على تعجيل بعضه وترك الباقى كما لو صالح من عشرة مؤجلة على خمسة حالة فإنه لا يصح لأنه جعل ترك الخمسة المتروكة فى مقابلة تعجيل الخمسة (147) . مذهب الحنابلة: جاء فى "المغنى" إذا كان عليه دين مؤجل فقال لغريمه: ضع عنى بعضه وأعجل لك بقيته لم يجز. وروى عن أبى عباس أنه لم ير به بأسا، وروى ذلك عن النخعى وأبى ثور لأنه آخذ لبعض حقه تارك لبعضه فجاز كما لو كان الدين حالا (148) . مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم (149) يجوز تعجيل بعض الدين المؤجل على أن يبرئه من الباقى فإن وقع رد وصرف إلى الغريم ما أعطى. مذهب الزيدية: يقول صاحب الزخار (150) : لو قال عجل لى وأنا أحط عنك كذا، ففعل من غير شرط فى العقد صح إجماعا، إذ لا مانع ولا يصح مع الشرط إذ يقتضى بيع الأجل، ونقل عن الهادى وأبى طالب أنه لا يصح مع الشرط وعن العباس والمؤيد بالله والإمام يحيى أنه يصح مع الشرط إذ الحط يلحق العقد وإذا جاز منفردا جاز مشروطا. وقال صاحب البحر أنه الأقرب إذ الشرط لا يقتضى الربا ولا يشبهه وذكر خلافا فيما إذا كان الدين فى غير السلم، ورجح أنه يصح، ثم قال: فأما الزيادة فى الحق ليزيد فى الأجل فمحرمة إجماعا لأنه ربا الجاهلية. وقال صاحب البحر فى باب الكتابة (151) : فإن عجل البعض بشرط إسقاط الباقى فمذهب أبى طالب وبعض الفقهاء أنه لا يصح لشبهه بربا الجاهلية حيث كانوا عند حلول الأجل يطلبون القضاء أو زيادة لأجل المهلة، وقال المؤيد بالله وبعض الفقهاء: يجوز استحسانا، وقال صاحب البحر: إنه الأقرب للمذهب وليس بربا. مذهب الإمامية: يقول صاحب الروضة (152) : ولو جعل لحال ثمنا ولمؤجل أزيد منه، أو فاوت بين أجلين فى الثمن بأن قال: بعتك حالا بمائة ومؤجلا إلى شهرين بمائتين أو مؤجلا إلى شهر بمائة، أو شهرين بمائتين بطل لجهالة الثمن. وفى المسألة قول ضعيف بلزوم أقل الثمنين إلى أبعد الأجلين. مدة الأجل: مدة الأجل فيما لا حظر فيه تختلف باختلاف موضوعها كالسلم وخيار الشرط والكتابة والإجارة ومثل آجال العدة ومدة الحمل وغير ذلك مما يتبين فى مواضعه من المصطلحات المناسبة كمصطلح عدة وحمل ومرتد ومفقود وخيار شرط، وخيار التعيين والسلم والكتابة والإجارة فيرجع فى بيان أحكامه إلى هذه المصطلحات.   (1) سورة الطلاق: 4. (2) سورة البقرة: 282. (3) ج5 ص83 مطبوعة مع فتح القدير طبع مصطفى محمد. (4) بهامش الفتح والهداية المرجع السابق. (5) فتح القدير على الهداية المرجع السابق الموضع نفسه. (6) بدائع الصنائع ج4 ص181. (7) مطبوع على حاشية ابن عابدين ج4 ص27. (8) حاشية ابن عابدين ج4 ص24. طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر سنة 1325 هجرية، الطبعة الثانية. (9) المرجع السابق ج4 ص131. (10) المرجع السابق ج4 ص26. (11) فتح القدير على الهداية ج5 ص336. (12) متن خليل والشرح الكبير مع حاشية الدسوقى ج3 ص206 المطبعة الأزهرية بمصر سنة 1345 هجرية. (13) المرجع السابق ج3 ص307. (14) المرجع السابق ج4 ص44 باب الإجارة. (15) المرجع السابق ج4 ص45. (16) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج2 ص206 سنة 1325 هجرية، المطبعة الأزهرية. (17) الأم ج3 ص84 طبع المطبعة الأميرية. (18) ج4 ص186 مطبعة الحلبى سنة 1357 هجرية. (19) ج4 ص186 طبع الحلبى سنة 1357 هجرية. (20) قليوبى وعميرة ج2 ص247 طبع الحلبى سنة 1353 هجرية. (21) المرجع السابق. (22) الأم ج3 ص84 المطبعة الأميرية. (23) سورة البقرة: 189. (24) ج4 ص187. (25) المغنى ج4 ص290 طبعة المنار. (26) المغنى ج4 ص291. (27) سورة التوبة: 36. (28) المغنى ج4 ص292. (29) سورة البقرة: 189. (30) المغنى ج5 ص399. (31) المحلى ج8 ص516. (32) المرجع السابق ج8 ص516. (33) المحلى ج8 ص515 مسألة 1464. (34) المرجع السابق ج8 ص518. (35) ج2 ص401. (36) الروضة البهية ج1 ص333 طبع دار الكتاب العربى بالقاهرة. (37) المرجع السابق ج1 ص315. (38) ج4 ص77. (39) ج4 ص25 الطبعة السابقة. (40) المرجع السابق ج4 ص233. (41) فتح القدير على الهداية ج5 ص251 طبع مصطفى محمد بالقاهرة. (42) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج3 ص189، 191. (43) المرجع السابق ج2 ص191. (44) المرجع السابق ج2 ص191,. (45) ج4 ص156، طبع مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هجرية. (46) المرجع السابق ج4 ص158 ومثله بإيجاز فى شرح الجلال المحلى مع حاشيتى القليوبى وعميرة ج2 ص239. (47) المغنى ج4 ص196 طبع المنار. (48) المرجع السابق ج4 ص312. (49) البحر الزخار ج3 ص410. (50) ج4 ص323. (51) شرح النيل ج5 ص193، 194. (52) فتح القدير ج5 ص83 فما بعدها طبع مصطفى محمد. (53) سورة البقرة: 275. (54) حاشية ابن عابدين ج4 ص187. (55) مطبوع بهامش حاشية ابن عابدين ج5 ص66. (56) الفتح ج5 ص335 طبع مصطفى محمد. (57) الفتح ج5 ص369. (58) المدونة ج9 ص117 طبعة الساسى. (59) حاشية الدسوقى ج3 ص227. (60) مطبوع مع حاشية الدسوقى ج3 ص206. (61) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى ج4 ص389. (62) المرجع السابق ج3 ص28. (63) ج3 ص29. (64) ج2 ص168 طبعة الحلبى. (65) نهاية المحتاج على المنهاج ج4 ص96. (66) المرجع السابق ج4 ص178. (67) ج3 ص45 طبع مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1345 هجرية. (68) ج8 ص380. (69) المرجع السابق ج8 ص383. (70) نهاية المحتاج ج3 ص410. (71) المغنى ج3 ص593. (72) المغنى ج4 ص289. (73) المغنى ج9 ص417. (74) المغنى ج4 ص2. (75) المرجع السابق ج4 ص9. (76) المحلى ج8 ص 516 مسألة 1464. (77) المحلى ج8 ص 90 مسألة 1190. (78) المحلى ج8 ص 93 مسألة 1196. (79) المحلى ج8 ص 574 مسألة 1487. (80) المحلى ج9 ص 294 مسألة 1692. (81) المحلى ج9 ص 129 مسألة 1612. (82) المحلى ج8 ص568 مسألة 1483. (83) المحلى ج8 ص 569 مسألة 1484. (84) المحلى ج9 ص 572 مسألة 1485. (85) ج3 ص323. (86) ج3 ص397. (87) البحر الزخار ج3 ص334. (88) البحر الزخار ج3 ص386. (89) البحر الزخار ج3 ص399. (90) ص112. (91) ج2 ص255. (92) ج2 ص257. (93) ص134. (94) ج2 ص206. (95) ج2 ص207. (96) النيل وشرحه ج4 ص77. (97) النيل وشرحه ج4 ص356. (98) النيل وشرحه ج4 ص 338. (99) النيل وشرحه ج4 ص 341. (100) النيل وشرحه ج4 ص330. (101) مطبوع بهامش حاشية ابن عابدين ج4 ص 187. (102) ج2 ص82 طبع الأستانة سنة 1327 هجرية. (103) حاشية ابن عابدين ج4 ص187. (104) مطبوع بهامش حاشية الدسوقى ج3 ص43. (105) المرجع السابق ص44. (106) مطبوع بهامش حاشيتى قليوبى وعميرة ج2 ص260. (107) المغنى ج4 ص315 طبع المنار. (108) المحلى ج8 ص98 طبع مطبعة الإمام. (109) البحر ج3 ص296. (110) قلائد الدرر ج2 ص255. (111) حاشية ابن عابدين ج4 ص187. (112) المرجع السابق ص189. (113) ج2 ص48 طبع القاهرة سنة 1290 هجرية. (114) مطبوع بهامش حاشية الدسوقى ج3 ص227. (115) الأم ج3 ص121 الطبعة الأميرية بالقاهرة. (116) ج4 ص224. (117) المغنى ج4 ص306. (118) المحلى ج8 ص94 المسألة 1200 مطبعة الإمام بالقاهرة. (119) ج9 ص299 المسألة 1701. (120) سورة المائدة: 1. (121) ج3 ص294. (122) مطبوع مع البحر ج3 ص394. (123) ج3 ص401. (124) ج1 ص334. (125) بدائع الصنائع ج5 ص213 ومثله فى الدر للحصفكى مطبوع بهامش ابن عابدين ج4 ص25، وفى مجمع الأنهر على ملتقى الأبحر ج2 ص8، وفى درر الحكام وشرحه غرر الأحكام ج2 ص146. (126) ج2 ص212 طبع القاهرة سنة 1290 هجرية. (127) ج3 ص266. (128) الأم ج3 ص188 طبع بولاق. (129) المغنى ج4 ص435 مطبعة المنار. (130) المحلى ج8 ص99 وكذا ص202 مطبعة الإمام. (131) سورة الأنعام: 164. (132) سورة النساء: 11. (133) ج3 ص396. (134) ج2 ص255. (135) ج1 ص344. (136) ج5 ص64 طبع بولاق سنة 1320 هجرية. (137) الأشباه والنظائر ج2 ص312. (138) المدونة برواية سحنون ج13 ص85. (139) الأم ج3 ص188 المطبعة الأميرية. (140) مطبوع بهامش حاشيتى قليوبى وعميرة ج3 ص285. (141) المغنى ج4 ص345 مطبعة المنار. (142) المحلى ج8 ص202 المسألة 1280. (143) ج5 ص91. (144) ج1 ص343. (145) ابن عابدين ج4 ص527، وفتح القدير ج7 ص42. (146) ج9 ص123 فما بعدها. (147) نهاية المحتاج ج4 ص374. (148) المغنى ج4 ص174، 175. (149) المحلى ج8 ص97 مسألة 1204. (150) ج3 ص409. (151) المرجع السابق ج4 ص219. (152) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج1 ص333. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 إجماع (أ) معنى الإجماع فى اللغة جاء فى لسان العرب: " جمع الشىء عن تفرقة، يجمعه جمعا، وجمعه، وأجمعه، فاجتمع. والمجموع الذى جمع من ههنا وههنا وأن لم يجعل كالشىء الواحد. والجمع أيضا: المجتمعون، ومثله الجميع. ويقال: جمع أمره، وأجمعه، وأجمع عليه، أى عزم عليه كأنه يجمع نفسه له. ويقال أيضا: أجمع أمرك ولا تدعه منتشرا. ومنه قوله تعالى " فأجمعوا أمركم " (1) . وقولهم: " أجمع أمره ": معناه: جعله جميعا بعد ما كان متفرقا، وتفرقه أنه جعل يديره، فيقول مرة أفعل كذا ومرة أفعل كذا، فلما عزم على أمر محكم أجمعه، أى جعله جميعا. وفى الحديث: " من لم يجمع الصيام من الليل فلا صيام له ". ولم يجىء فى لسان العرب: أجمع القوم على كذا: بمعنى اتفقوا، وكذلك لم يجىء هذا المعنى فى أساس البلاغة ولا فى مختار الصحاح، ولكن صرح به فى كل من القاموس والمصباح والمفردات فى غريب القرآن. قال فى القاموس: والإجماع الاتفاق، وجعل الأمر جميعا بعد تفرقه، والعزم على الأمر، أجمعت الأمر وعليه. وقال فى المصباح: وأجمعت المسير والأمر، وأجمعت عليه، يتعدى بنفسه وبالحرف عزمت عليه وفى حديث " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "، أى من لم يعزم عليه فينويه، وأجمعوا على الأمر: اتفقوا عليه ". وقال فى مفردات القرآن: " وأجمعت كذا: أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكرة نحو " فأجمعوا أمركم وشركاءكم " ونحو " فأجمعوا كيدكم ". ويقال: " أجمع المسلمون علن كذا: اجتمعت آراؤهم عليه " ويؤخذ من هذا أن الإجماع فى اللغة يطلق تارة بمعنى العزم وتارة بمعنى الاتفاق (2) ، فهو لفظ مشترك، وبذلك جزم الغزالى فى المستصفى وهو ينقل المعنى اللغوى للفظ الإجماع (3) . لكن قال ابن برهان، وابن السمعانى: "الأول، أى العزم، أشبه باللغة. والثانى، أى الاتفاق أشبه بالشرع " (4) . وكأنهما يترددان فى أن الاتفاق معنى لغوى أصيل كالعزم، ولا محل لهذا بعد مجيئه فى كتب اللغة التى ذكرناها، على أن بعض اللغويين يعكس فيجعل المعنى اللغوى الأصيل للإجماع هو الاتفاق لأنه من أجمع إذا انضم إليه غيره فصار ذا جمع كما يقال أتمر أى صار ذا تمر، وألبن أى صار ذا لبن، وأبقل المكان أى صار ذا بقل. نقله الإسنوى فى شرحه عن أبى على الفارسى فى الإيضاح، وذكره الرازى ثم قال: والأظهر من جهة اللغة أن المراد الاتفاق على أمر من الأمور، وجزم به الجلال فى شرحه على الفصول،، إذ قال هو من الاجتماع بمعنى التوافق لا غير (5) . وفى شرح مسلم الثبوت عند الكلام على المعنى اللغوى: " أن الإجماع لغة العزم والاتفاق، وكلاهما من الجمع، فإن العزم فيه جمع الخواطر، والاتفاق فيه جمع الآراء " (6) . معنى الإجماع فى الاصطلاح الإجماع إما مطلق، وإما مضاف: فالمطلق: هو ما يذكر فيه لفظ الإجماع دون إضافة إلى فريق معين، بأن يذكر مقطوعا عن الإضافة، كما يقال ثبتت الزكاة بالكتاب والسنة والإجماع، أو يذكر مضافا إلى الأمة، أو المسلمين، أو العلماء، أو نحو ذلك مما يفيد عمومه وعدم اختصاصه بفريق دون فريق. كما يقال: إجماع الأمة منعقد على وجوب الصلوات الخمس على كل مكلف، وإجماع المسلمين قائم على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. والمضاف: هو الذى يذكر فيه اللفظ منسوبا إلى فريق خاص، كما يقال إجماع أهل المدينة، وإجماع عترة الرسول صلى لله عليه وسلم، وإجماع أهل الحرمين، وإجماع الشيخين، وإجماع الخلفاء الراشدين ونحو ذلك. والتعاريف التى يذكرها جمهور علماء المذاهب الأربعة السنية المعروفة ومذهب الإباضية، إنما هى للإجماع بالمعنى المطلق. أما غير هذه المذاهب الخمسة فلهم اصطلاحات فى الإجماع تختلف عن ذلك اختلافا بعيدا، أو قريبا وهذا هو تفصيل القول بعد إجماله. معنى الإجماع فى مذاهب السنة والمذهب الإباضى عرفه الغزالى فى المستصفى بقوله: "هو اتفاق أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة على أمر من الأمور الدينية " (7) . وهذا التعريف يجعل المجمعين هم الأمة كلها، ويجعل المجمع عليه هو ما كان من الأمور الدينية خاصة، ولذلك اعترض عليه الآمدى فى الأحكام باعتراضين: أحدهما: أنه يشعر بعدم انعقاد الإجماع إلى يوم القيامة، فإن أمة محمد هم جملة من اتبعه إلى يوم القيامة، ومن وجد فى بعض الإعصار منهم إنما هم بعض الأمة لا كلها، وليس ذلك- أى كون المجمعين هم جميع الأمة إلى يوم القيامة- مذهبا للغزالى ولا لأى أحد ممن اعترف بوجود الإجماع. الثانى: أنه يلزم من تقييده الإجماع بالاتفاق على أمر دينى ألا يكون إجماع الأمة على قضية عقلية أو عرفية حجة شرعية، وليس الأمر كذلك (8) . ثم قال الآمدى: " والحق فى ذلك أن يقال: الإجماع عبارة عن اتفاق جملة أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى عصر من الأعصار على حكم واقعة من الوقائع. هذا إن قلنا أن العامى لا يعتبر فى الإجماع، وإلا فالواجب أن يقال: الإجماع عبارة عن اتفاق المكلفين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى آخر الحد المذكور. فقولنا: " اتفاق " يعم الأقوال والأفعال والسكوت والتقرير. وقولنا: " جملة أهل الحل والعقد " احتراز عن اتفاق بعضهم وعن اتفاق العامة وقولنا " من أمة محمد صلى الله عليه وسلم " احتراز عن اتفاق أهل الحل والعقد من أرباب الشرائع السابقة. وقولنا " فى عصر من الأعصار " حتى يندرج فيه إجماع أهل كل عصر، وإلا أوهم ذلك أن الإجماع لا يتم الا باتفاق أهل الحل والعقد فى جميع الأعصار إلى يوم القيامة. وقولنا " على حكم واقعة " ليعم الإثبات والنفى، والأحكام العقلية والشرعية " (9) . وعرفه النسفى فى شرحه للمنار بقوله:" هو اتفاق علماء كل عصر من أهل العدالة والاجتهاد على حكم " (10) وهو يعبر بأهل العدالة والاجتهاد بدل تعبير الغزالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وتعبير الآمدى بجملة أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد أطلق فيه المجمع عليه فقال " على حكم " ليعم الحكم الشرعى وغيره كما فعال الآمدى. وعرفه عبد العزيز البخارى فى حاشيته على أصول البزدوى بقوله: " وهو اتفاق المجتهدين من هذه الأمة فى عصر على أمر من الأمور " (11) . وهو شبيه بتعريفه النسفى السابق، غير أنه ذكر "اتفاق المجتهدين " بدل " أهل العدالة والاجتهاد ". والقرافى يذكر أنه " اتفاق أهل الحل والعقد.. إلى آخره " (12) . ومعروف أن القرافى مالكى المذهب، وأن إمامه ينسب إليه القول بأن إجماع أهل المدينة يكفى ولو خالفهم غيرهم، وسيأتى بيان ذلك وتخريج المالكية له. ويعرفه موفق الدين ابن قدامة المقدسى الحنبلى فى " روضة الناظر " بقوله: "هو اتفاق علماء العصر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر من أمور الدين " (13) . وهو شبيه بتعريف الغزالى السابق فى جعله محل الإجماع هو الأمور الدينية، وفسره بعض الحنابلة بقوله: " أى على أمر يتعلق بالدين لذاته أصلا أو فرعا، وهو احتراز عن اتفاق علماء الأمة على أمر دنيوى، كالمصلحة فى إقامة متجر أو حرفة، أو على أمر دينى لكنه لا يتعلق بالدين لذاته، بل بواسطة، كاتفاقهم على بعض مسائل العربية أو اللغة أو الحساب ونحوه، فإن ذلك ليس إجماعا شرعيا أو اصطلاحيا (14) ويعرفه الشيخ أبو محمد عبد الله بن حميد السالمى الإباضى فى شرحه المسمى بطلعة الشمس على ألفية الأصول، فيقول: " الإجماع فى عرف الأصوليين والفقهاء وعامة المسلمين هو اتفاق علماء الأمة على حكم فى عصر، وقيل: اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى عصر على أمر، وزاد بعضهم: ولم يسبقه خلاف مستمر فيخرج علي التعريف الأول عوام الأمة ممن لا علم له، فلا يقدح خلافهم فى انعقاد الإجماع، ويدخلون على التعريف الثانى فيعتبر وفاقهم فى انعقاد الإجماع " (15) . وقيد " عدم سبق الخلاف المستمر "، موضع خلاف بين العلماء سنبينه إن شاء الله فى شروط الإجماع ودخول العوام فى المجمعين أو عدم دخولهم موضع خلاف أيضا، وسيأتى فى الكلام عمن هم أهل الإجماع. وهناك قيد لابد منه خلت التعاريف السابقة من التقييد به، وتنبه إليه بعض المؤلفين، ومنهم الشوكانى فى إرشاد الفحول، فقد قال فى تعريفه: " هو اتفاق مجتهدى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته فى عصر من العصور على أمر من الأمور ". فزاد قوله " بعد وفاته " وقال: إنه خرج به الإجماع فى عصره - صلى الله عليه وآله وسلم-، فإنه لا اعتبار به (16) . وهناك زيادات أخرى يذكرها بعضهم فى تعريف الإجماع، حسب قوله بشرط معين، كالذى يشترط فى حجية الإجماع انقراض عصر المجتهدين المتفقين على ذلك الأمر، فيزيد قيد الانقراض، وكالذى يشترط بلوغ المتفقين حد التواتر فيزيد فى التعريف ما يفيد ذلك. وقد بين شارح مسلم الثبوت أن التعريف غير محتاج إلى التقييد بكل هذه القيود، فإن منها ما هو شرط للحجية لا دخل له فى الحد (17) . هذه هى آراء جمهور العلماء فى مذاهب السنة الأربعة، ومذهب الإباضية فى تعريف الإجماع اصطلاحا: وإليك أقوال غيرهم: مذهب الظاهرية فى معنى الإجماع: يرى الظاهرية أن الإجماع " هو اتفاق الأمة خاصها وعامها على ما علم من الدين بالضرورة، أو اتفاق الصحابة خاصة فيما وراء ذلك". ويؤخذ هذا من كلام ابن حزم فى كتابه الأحكام، إذ يقول: " أن الإجماع الذى هو الإجماع المتيقن ولا إجماع غيره لا يصح تفسيره ولا ادعاؤه بالدعوى، لكن ينقسم قسمين: أحدهما: كل ما لا يشك فيه أحد من أهل الإسلام فى أن من لم يقل به فليس مسلما، كشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وكوجوب الصلوات الخمس، وكصوم شهر رمضان وكتحريم الميتة والدم والخنزير، والإقرار بالقرآن، وجملة الزكاة، فهذه أمور من بلغته فلم يقر بها فليس مسلما، فإذ ذلك كذلك، فكل من قال بها فهو مسلم، فقد صح أنها إجماع من جميع أهل الإسلام. والقسم الثانى: شىء شهد هـ جميع الصحابة رضى الله عنهم من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تيقن أنه عرفه كل من غاب عنه عليه السلام منهم، كفعله فى خيبر، إذ أعطاها يهود بنصف ما يخرج منها من زرع أو ثمر، يخرجهم المسلمون إذا شاءوا، فهذا لا شك عند كل أحد فى أنه لم يبق مسلم فى المدينة إلا شهد الأمر أو وصل إليه. عرف ذلك الجماعة من النساء والصبيان والضعفاء، ولم يبق بمكة والبلاد النائية مسلم إلا عرفه وسر به (18) . ويتبين من هذا أن الظاهرية لا يعتبرون اتفاق غير الصحابة فيما وراء أصول الدين المعلومة بالضرورة إجماعا، وهذا أقرب إلى أن يكون بحثا فى الحجية لا بحثا فى مفهوم الإجماع، وسيأتى الكلام فى ذلك إن شاء الله تعالى. مذهب الزيدية فى معنى الإجماع: يختلف الزيدية عن الإمامية فى تعريف الإجماع، إذ يرون أنه اتفاق المجتهدين على أحد وجهين: الوجه الأول: " اتفاق المجتهدين من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فى عصر على أمر"، وهذا شامل للعترة وغيرهم. الوجه الثانى: " اتفاق المجتهدين من عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعده فى عصر على أمر "، والمراد بعترة الرسول على وفاطمة والحسنان فى عصرهم، ومن كان منتسبا إلى الحسنين فى كل عصر من قبل الآباء، فلو قام إجماع العترة على أمر وخالفهم غيرهم فلا يعتبر خلافهم ناقضا للإجماع. وقولهم " من قبل الآباء" يخرج به من كان من قبل الإناث كأولاد سكينة بنت الحسين بن على فإنها تزوجت بمصعب بن الزبير فمن كان من جهتهما فلا يدخل (19) . مذهب الإمامية فى معنى الإجماع: إن الشيعة الإمامية يعرفون الإجماع بأنه " كل اتفاق يستكشف منه قول المعصوم سواء أكان اتفاق الجميع أو البعض، فلو خلا المائة من الفقهاء من قول المعصوم ما كان حجة ولو حصل فى اثنين كان قولهما حجة (20) . وهذا يفيد أن الإجماع من حيث كونه إجماعا، ليست له قيمة عند الإمامية ما لم يكشف عن قول المعصوم فإذا كشف عن قوله فالحجة فى الحقيقة هو المنكشف، لا الكاشف، فيدخل حينئذ فى السنة، ولا يكون دليلا مستقلا فى مقابلها ومقابل الكتاب، ولذلك يقرر بعضهم أنه إنما عد بين الأدلة تكثيرا لها (21) . مذهب النظام فى معنى الإجماع: واستكمالا للمذاهب الأصولية فى تعريف الإجماع نورد تعريف النظام المعتزلى له، وهو يقول " الإجماع عبارة عن كل قول قامت حجته وإن كان قول واحد " (22) . وقد تعقب العلماء هذا التعريف بالإبطال. فقال الغزالى: " وهو على خلاف اللغة والعرف، لكنه سواه على مذهبه، إذ لم ير الإجماع حجة، وتواتر إليه بالتسامع تحريم مخالفة الإجماع فقال " هو كل قول قامت حجته " (23) . وقال الآمدى " إنه قصد بذلك الجمع بين إنكاره كون إجماع أهل الحل والعقد حجة، وبين موافقته لما اشتهر بين العلماء من تحريم مخالفة الإجماع والنزاع معه فى إطلاق اسم الإجماع على ذلك مع كونه مخالفا للوضع اللغوى والعرف الأصولى آيل إلى اللفظ " (24) . وفى روضة الناظر لابن قدامة المقدسى الحنبلى مثل ذلك (25) . أنواع الإجماع الإجماع نوعان: أحدهما: الإجماع القولى، وهو ما فيه اتفاق الأقوال أو تواطؤ الأفعال على شىء واحد وصورته أن ينطق كل واحد من المعتبرين فى الإجماع بأنه يجب كذا، أو يحرم كذا، أو يندب، أو يكره، أو يباح، أو أن يفعل كل واحد من المعتبرين فعلا يواطىء فى ذلك فعل صاحبه، نحو أن يصلوا على الجنازة بأربع تكبيرات لا يزيد بعضهم عليها، ولا ينقص أو يتفقوا على ترك شىء نحو أن يتركوا الأذان فى صلاة العيد أو نحو ذلك فيكون إجماعا على أنه غير واجب فيها. النوع الثانى- الإجماع السكوتى، وصورته: أن يقول بعضهم قولا، أو يعمل عملا ويسكت الباقون بعد انتشار ذلك القول أو العمل فيهم ومع القدرة على إنكاره، فلا ينكروه بل يسكتون عليه، كما إذا قال بعضهم: صلاة الكسوف مشروعة، فانتشر هذا القول فيهم فلم ينكره أحد منهم، كان إجماعا على شرعيتها فلو قال مثلا: مفروضة، ولم ينكروه ثبت الإجماع على فرضيتها (26) . ولكل من النوعين حكم يخالف حكم الآخر، وسيأتى ذلك إن شاء الله تعالى فى الكلام على حجية كل منهما والنزاع فى اعتبار السكوتى إجماعا. والحنفية يصفون الإجماع القولى بالعزيمة، والسكوتى بالرخصة. جاء فى المنار وشرحه، المسمى بنور الأنوار لملاجيون: " ركن الإجماع نوعان: عزيمة وهو التكلم بما يوجب الاتفاق أى اتفاق الكل على الحكم بأن يقولوا أجمعنا على هذا إن كان ذلك الشىء من باب القول، أو شروعهم فى الفعل إن كان من بابه، أى كان ذلك الشىء من باب الفعل، كما إذا شرع أهل الاجتهاد جميعا فى المضاربة أو المزارعة أو الشركة، كان ذلك إجماعا منهم على شرعيتها ورخصة وهو أن يتكلم أو يفعل البعض، دون البعض، أى يتفق بعضهم على قول أو فعل وسكت الباقون منهم ولا يردون عليهم بعد مضى مدة التأمل، وهى ثلاثة أيام، أو مجلس العلم ويسمى هذا إجماعا سكوتيا" (27) . وجاء فى حاشيته للعلامة اللكنوى تعليقا على قوله " عزيمة": أى أصل (28) . والمراد أن التنصيص من كل واحد من المجمعين هو الأصل ولكن لما كان اشتراطه لانعقاد الإجماع يؤدى إلى ألا ينعقد أبدا لتعذر اجتماع أهل العصر على قول يسمع منهم، والمتعذر معفو عنه، والمعتاد فى كل عصر أن يتولى الكبار الفتوى ويسلم سائرهم، لما كان الأمر كذلك كان الانتقال من التنصيص من كل واحد، الذى هو الأصل، إلى الإجماع السكوتى الذى يتحقق بقول البعض وسكوت الباقين رخصة تقابل الأصل والعزيمة (29) . هذا تعريف النوعين، وسيأتى الكلام على حكم كل منهما من حيث الحجية. الخلاف فى إمكان وقوع الإجماع، وفى إمكان العلم به، وفى إمكان نقله، وفى حجيته: اختلف العلماء فى إمكان وقوع الإجماع على غير ما علم من الدين بالضرورة، وعلى تقدير إمكان وقوعه، اختلفوا فى إمكان العلم به، وعلى تقدير الإمكان فى هذا وذاك، اختلفوا فى إمكان نقل الإجماع إلى من يحتج به من بعد المجمعين. وعلى تقدير إمكان ذلك كله، اختلفوا فى حجيته، فالمقامات أربعة: المقام الأول: إمكانه فى نفسه. المقام الثانى: إمكان العلم به. المقام الثالث: إمكان نقله إلى من يحتج به. المقام الرابع: حجيته (30) . وهذا بيان الخلاف فى كل واحد من هذه المقامات. المقام الأول: إمكان الإجماع إن جمهور العلماء فى مذاهب السنة الأربعة، ومذهب الزيدية ومذهب الإباضية يقولون بإمكان وقوع الإجماع من أهل الحل والعقد على أمر من الأمور، وإن ذلك متصور لا استحالة فيه. وقد خالف فى ذلك النظام، وبعض الشيعة والخوارج وعدد من علماء مذاهب السنة وغيرهم (31) . وكلام القاضى البيضاوى فى المنهاج يقتضى أن النظام يسلم إمكان الإجماع، وإنما يخالف فى حجيته، وهو تابع للإمام الرازى فى ذلك، والمذكور فى الأوسط لابن برهان ومختصر ابن الحاجب وغيرهما أن النظام يقول باستحالته. وقال ابن السبكى: إن بعض أصحاب النظام يقولون باستحالة الاجتماع، أما هو فيقول إنه يتصور لكن لا حجة فيه (32) . والذين يقولون بإمكان الإجماع يستدلون على ذلك بأنه قد وقع فعلا، فإن الأمة مجمعة على وجوب الصلوات الخمس وسائر أركان الإسلام، والوقوع الفعلى يدل على الإمكان، وكيف يمنع تصوره والأمة كلها متبعة باتباع النصوص والأدلة القاطعة ومعرضون للعقاب بمخالفتها، فكما لا يمتنع اجتماعهم على الأكل والشرب لتوافق الدواعى فكذلك على اتباع الحق، واتقاء النار (33) . والذين يقولون بعدم إمكان الإجماع يقولون: أولا: لا نخالف فى اتفاق الأمة على ما علم من الدين بالضرورة كوجوب الصلوات الخمس وسائر أركان الإسلام، ولكن ثبوت هذه وأشباهها إنما هو بالتواتر لا بالإجماع وأجيب عن ذلك بأن التواتر هو مستند الإجماع، فلما ثبتت بالتواتر أجمع المسلمون عليها، أو أنها ثبتت بالإجماع فتواترت وكيفما كان فالإجماع فيها ثابت، وبه يحصل المقصود وهو إمكان الإجماع بدليل وقوعه (34) . ثانيا: إن اتفاق الأمة أو جميع المجتهدين، أو جميع أهل الحل والعقد على حكم غير معلوم من الدين بالضرورة محال، كاتفاقهم فى الساعة الواحدة على المأكول الواحد، كالزبيب مثلا أو على التكلم بالكلمة الواحدة، فإن الاتفاق على هذا أو ذاك محال عادة. وأجيب بأن هناك فرقا، هو أنه لا صارف لجميعهم على تناول الزبيب مثلا فى يوم واحد ولجميعهم باعث على الاعتراف بالحق (35) . وأجيب أيضا بأن الاتفاق إنما يمتنع عادة فيما يستوى فيه الاحتمال، كالمأكول المعين، والكلمة الواحدة، أما عند الرجحان بقيام الدلالة أو الإمارة الظاهرة، فذلك غير ممتنع، كاتفاق الجمع العظيم على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم (36) . ثالثا: إن اتفاقهم فرع تساويهم فى نقل الحكم إليهم، وانتشارهم فى الأقطار يمنع نقل الحكم إليهم. وأجيب عن هذا بأنه " لا يمتنع نقل الحكم إلى المتفرقين فى الآفاق مع جدهم فى الطلب، وبحثهم عن الأدلة، وإنما يمتنع ذلك على من قعد فى قعر بيته لا يبحث ولا يطلب" (37) . " والمجتهدون عدد قليل، ولهم اجتهادهم فى البحث عن الأحكام فلا يلزم مع ذلك امتناع اطلاع كل واحد منهم على ذلك الحكم " (38) . رابعا: إن الاتفاق إما أن يكون عن دليل قاطع أو عن دليل ظنى، وكلاهما باطل، أما القاطع فلأن العادة تحيل عدم نقله إلينا، فلو كان لنقل، فلما لم ينقل علم أنه لم يوجد، ولو أنه نقل، لأغنى عن الإجماع، وأما الظنى فلأنه يمتنع الاتفاق عادة فى الأدلة الظنية، لاختلاف الأفهام وتباين الأنظار" (39) . وأجيب:" بعدم تسليم ما ذكر بالنسبة للدليل القاطع، إذ قد يستغنى عن نقله بحصول الإجماع الذى هو أقوى منه، وأما الظنى فقد يكون جليا لا تختلف فيه الأفهام، ولا تتباين فيه الأنظار، (40) " وقد تصور إطباق اليهود على الباطل، فكيف لا يتصور إطباق المسلمين على الحق " (41) " وليس بممتنع مع الدليل الظنى اتفاق الجمع الكبير على حكمه، بدليل اتفاق أهل الشبه على أحكامها، مع الأدلة القاطعة على مناقضتها، اتفاق اليهود والنصارى على إنكار بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واتفاق الفلاسفة على قدم العالم، والمجوس على التثنية، أى القول بالهين، مع كثرة عددهم كثرة لا تحصى، فالاتفاق على الدليل الظنى الخالى عن معارضة القاطع أولى ألا يمتنع عادة " (42) . المقام الثانى: إمكان العلم بالإحماع اختلف العلماء فى هذا أيضا، فأثبته بعضهم، ونفاه بعضهم، قال الآمدى فى الأحكام: " المتفقون على تصور انعقاد الإجماع اختلفوا فى إمكان معرفته والاطلاع عليه، فأثبته الأكثرون أيضا، ونفاه الأقلون، ومنهم أحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه، ولذا نقل عنه أنه قال: " من ادعى الإجماع فهو كاذب " (43) . وأوضح المؤلفين بيانا لوجهة نظر النفاة، وجمعا لأدلتها، هو القاضى الشوكانى فى كتابه " إرشاد الفحول" ويبدو من كلامه أنه مقتنع بهذا الرأى، معتقد أنه الحق، وهذا هو نص كلامه مع قليل من التصرف للتوضيح: "على تقدير تسليم إمكان الإجماع فى نفسه، يمنع بعض العلماء إمكان العلم به فيقولون لا طريق لنا إلى العلم بحصوله لأن العلم بالأشياء إما أن يكون وجدانيا، أو لا يكون وجدانيا، أما الوجدانى فكما يجد أحدنا من نفسه جوعه وعطشه، ولذته وألمه، ولا شك أن العلم باتفاق أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ليس من هذا الباب، وأما الذى لا يكون وجدانيا فقد اتفقوا على أن الطريق إلى معرفته لا مجال للعقل فيها، إذ كون الشخص الفلانى قال بهذا القول أو لم يقل به ليس من حكم العقل بالاتفاق ولا مجال أيضا للحس فيها، لأن الإحساس بكلام الغير لا يكون إلا بعد معرفته، فإذن العلم باتفاق الأمة لا يحصل إلا بعد معرفة كل واحد منهم، وذلك متعذر قطعا، ومن ذلك الذى يعرف جميع المجتهدين من الأمة فى الشرق والغرب، وسائر البلاد الإسلامية، فإن العمر يفنى دون مجرد البلوغ إلى كل مكان من الأمكنة التى يسكنها أهل العلم فضلا عن اختبار أحوالهم ومعرفة من أهم أهل الإجماع منهم، ومن ليس من أهله، ومعرفة كونه قال بذلك أو لم يقل به، والبحث عمن هو خامل من أهل الاجتهاد بحيث لا يخفى على الباحث فرد من أفرادهم، فإن ذلك قد يخفى على الباحث فى المدينة الواحدة، فضلا عن الإقليم الواحد، فضلا عن جميع الأقاليم التى فيها أهل الإسلام. ومن أنصف من نفسه علم أنه لا علم عند علماء الشرق يحمله علماء الغرب وعكسه، فضلا عن العلم بكل واحد منهم على التفصيل، وبكيفية مذهبه، وبما يقول فى تلك المسألة بعينها، وأيضا قد يحمل بعض من يعتبر فى الإجماع على الموافقة وعدم الظهور بالخلاف التقية والخوف على نفسه كما أن ذلك معلوم فى كل طائفة من طوائف الإسلام، فانهم قد يعتقدون شيئا إذا خالفهم فيه مخالف خشى على نفسه من مضرتهم. وعلى تقدير إمكان معرفة ما عند كل واحد من أهل بلد وإجماعهم على أمر، فيمكن أن يرجعوا عنه، أو يرجع بعضهم قبل أن يجمع أهل بلدة أخرى، بل لو فرضنا حتما اجتماع العالم بأسرهم فى موضع واحد، ورفعوا أصواتهم دفعة واحدة قائلين قد اتفقنا على الحكم الفلانى، فإن هذا مع امتناعه لا يفيد العلم بالإجماع، لاحتمال أن يكون بعضهم مخالفا فيه، وسكت تقية وخوفا على نفسه. ومن ادعى أنه يتمكن الناقل للإجماع من معرفة كل من يعتبر فيه من علماء الدنيا فقد أسرف فى الدعوى وجازف فى القول لما قدمنا من تعذر ذلك تعذرا ظاهرا واضحا، ورحم الله الإمام أحمد بن حنبل فإنه قال: من ادعى الإجماع فهو كاذب. وجعل الأصفهانى الخلاف فى غير إجماع الصحابة وقال: الحق تعذر الاطلاع على الإجماع إلا إجماع الصحابة حيث كان المجمعون وهم العلماء منهم فى قلة، وأما الآن، وبعد انتشار الإسلام وكثرة فلا مطمع للعلم به. قال: وهو اختيار أحمد مع قرب عهده من الصحابة وقوة حفظه وشدة اطلاعه على الأمور النقلية. قال: والمنصف يعلم أنه لا خبر له عن الإجماع إلا ما يجده مكتوبا فى الكتب، ومن البين أنه لا يحصل الاطلاع عليه الا بالسماع منهم، أو بنقل أمل التواتر إلينا، ولا سبيل إلى ذلك إلا فى عصر الصحابة، وأما من بعدهم فلا (44) . ويرد الغزالى فى المستصفى على الذين ينفون إمكان العلم بالإجماع فيقول: "قال قوم لو تصور إجماعهم فمن ذا الذى يطلع عليه مع تفرقهم فى الأقطار، فنقول: يتصور معرفة ذلك بمشافهتهم إن كانوا عددا يمكن لقاؤهم، وإن لم يكن عرف مذهب قوم بالمشافهة، ومذهب الآخرين بأخبار التواتر عنهم كما عرفنا أن مذهب جميع أصحاب الشافعى منع قتل المسلم بالذمى، وبطلان النكاح بلا ولى ومذهب جميع النصارى التثليث، ومذهب جميع المجوس التثنية. فإن قيل: مذهب أصحاب الشافعى وأبى حنيفة مستند إلى قائل واحد وهو الشافعى وأبو حنيفة، وقول الواحد يمكن أن يعلم، وكذلك مذهب النصارى يستند إلى عيسى عليه السلام، أى فى غير التثليث ونحوه من الباطل. أما قول جماعة لا ينحصرون فكيف يعلم. قلنا: وقول أمة محمد صلى الله عليه وسلم فى أمور الدين يستند إلى ما فهموه من محمد صلى الله عليه وسلم وسمعوه منه ثم إذا انحصر أهل الحل والعقد فكما يمكن أن يعلم قول واحد أمكن أن يعلم قول الثانى إلى العشرة والعشرين، فإن قيل: لعل أحدا منهم فى أسر الكفار وبلاد الروم، قلنا: تجب مراجعته، ومذهب الأسير ينقل كمذهب غيره، وتمكن معرفته فمن شك فى موافقته للآخرين لم يكن متحققا للإجماع، فإن قيل: فلو عرف مذهبه ربما رجع عنه بعده، قلنا: لا أثر لرجوعه بعد انعقاد الإجماع، فإنه يكون محجوجا به، ولا يتصور رجوع جميعهم، إذ يصير أحد الإجماعين خطأ، وذلك ممتنع بدليل السمع، أى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تجتمع أمتى على الخطأ "، ونحوه" (45) . ويجمل الآمدى الرد عليهم بقوله: " وطريق الرد عليهم أن يقال: جميع ما ذكرتموه باطل بالواقع، ودليل الوقوع ما علمناه علما لا مراء فيه من أن مذهب جميع الشافعية امتناع قتل المسلم بالذمى، وبطلان النكاح بلا ولى، وأن مذهب جميع الحنفية نقيض ذلك مع وجود جميع ما ذكروه من التشكيكات، والوقوع فى هذه الصور دليل الجواز العادى وزيادة " (46) . المقام الثالث: إمكان نقل الإجماع إلى من يحتج به من بعد المجمعين واختلفوا أيضا فى إمكان ذلك، فمنهم من يقول بالإمكان ومنهم من ينفيه. قال النافون للإمكان: لو سلمنا إمكان ثبوت الإجماع عند الناقلين له لكان نقله إلى من يحتج به من بعدهم مستحيلا، لأن طريق نقله إما التواتر أو الآحاد، والعادة تحيل النقل تواترا لبعد أن يشاهد أهل التواتر كل واحد من المجتهدين شرقا وغربا ويسمعوا ذلك منهم، ثم ينقلوه إلى عدد متواتر ممن بعدهم، ثم كذلك فى كل طبقة إلى أن يتصل به، وأما الآحاد فغير معمول به فى نقل الإجماع. وأجيب بأن ذلك تشكيك فى ضرورى للقطع لإجماع أهل كل عصر على تقديم القاطع على المظنون وما ذلك إلا بثبوته عنهم وبنقله إلينا (47) . وقول الإمام أحمد: من ادعى الإجماع فهو كاذب، محمول على تكذيب المدعى بذلك فى انفراده بالاطلاع، فإن الإجماع أمر عظيم يبعد كل البعد أن يخفى على الكثير ويطلع عليه الواحد، أو محمول على حدوثه الآن، فإن كثرة العلماء والتفرق فى البلاد وكونهم غير معروفين، مريب فى نقل اتفاقهم، فإن أحمد رحمه الله قد احتج بالإجماع فى مواضع كثيرة، فلو لم ينقل إليه لما ساغ له الاحتجاج به (48) . هذا وممن قال: بأن الوقوف على الإجماع متعذر إلا فى إجماع الصحابة: الإمام الرازى، والقاضى البيضاوى، وجمال الدين الإسنوى،من علماء الشافعية والحسين بن القاسم، صاحب غاية السول وهداية العقول فى أصول الزيدية والمنصور بالله، والإمام يحيى من الزيدية أيضا. قال الإسنوى فى شرحه، على المنهاج للبيضاوى: " إن الوقوف على الإجماع لا يتعذر فى أيام الصحابة، رضوان الله عليهم، فإنهم كانوا قليلين محصورين ومجتمعين فى الحجاز، ومن خرج منهم بعد فتح البلاد كان معروفا فى موضعه، وهذا قد ذكره الإمام الرازى، فقال: "والإنصاف أنه لا طريق لنا إلى معرفته إلا فى زمان الصحابة وعلل بما قلناه، نعم لو فرضنا حصول الإجماع من غير الصحابة أى مع ما تبين من تعذر ذلك. فالأصح عند الإمام والآمدى وغيرهما أنه يكون حجة، وقال أهل الظاهر: لا يحتج إلا بإجماع الصحابة، وهو رواية لأحمد (49) . وسيأتى ذلك فى الكلام على الحجية. وقال الحسين بن القاسم الزيدى: " إن الاحتمالات التى ذكروها، أى ذكرها القائلون بنفى إمكان العلم به وإمكان نقله إلى من يحتج به بعد المجمعين، هذه الاحتمالات منتفية فى أيام الصحابة، لأنهم كانوا قليلين محصورين مجتمعين فى الحجاز ومن خرج منهم بعد فتح البلاد كان معروفا فى موضعه ". وعلق عليه الحسن بن يحيى فى الحاشية بقوله: " محصول هذا أنه ممكن من الصحابة لا من غيرهم وهذا قول المنصور بالله والإمام يحيى، وأحد قولى أحمد بن حنبل، كما حكاه فى الفصول " (50) . وقد ذكرنا فيما سبق أن الظاهرية لا يعتبرون الإجماع فى غير ما هو معلوم من الدين بالضرورة إلا إجماع الصحابة دون غيرهم من العصور، ومن أسباب قولهم بذلك امتناع العلم بإجماع غيرهم لسعة أقطار المسلمين وكثرة العدد وعدم إمكان ضبط أقوالهم. فقد نقل الشوكانى عن ابن وهب قال: ذهب داود، وأصحابنا إلى أن الإجماع إنما هو إجماع الصحابة فقط وهو قول لا يجوز خلافه، لأن الإجماع إنما يكون عن توقيفه، والصحابة هم الذين شهدوا التوقيف، فإن قيل فما تقولون فى إجماع من بعدهم؟ قلنا: هذا لا يجوز لأمرين: أحدهما أن النبى صلى الله عليه وسلم أنبأ عن ذلك فقال: " لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين "، أى وذلك دال علي بقاء الخلاف، وعدم انعقاد الإجماع بدليل أن هناك من هم على الحق، متغلبون وظاهرون، وفى مقابلتهم طبعا من هم على غير الحق. والثانى: أن سعة أقطار الأرض وكثرة العدد لا تمكن من ضبط أقوالهم، ومن ادعى هذا لا يخفى على أحد كذبه " (51) . وجاء فى الأحكام لابن حزم الظاهرى: قال أبو محمد: قال أبو سليمان وكثير من أصحابنا: " لا إجماع إلا إجماع الصحابة رضى الله عنهم، واحتج فى ذلك بأنهم شهدوا التوقيف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وقد صح أنه لا إجماع إلا عن توقيف، وأيضا فإنهم رضى الله عنهم كانوا جميع المؤمنين، لا مؤمن من الناس سواهم، ومن هذه صفته فإجماعهم هو إجماع المؤمنين وهو الإجماع المقطوع به وأما كل عصر بعدهم فإنما هم بعض المؤمنين لا كلهم وليس إجماع ب عض المؤمنين إجماعا. إنما الإجماع: إجماع جميعهم، وأيضا فإنهم كانوا عددا محصورا يمكن أن يحاط بهم، وتعرف أقوالهم، وليس من بعدهم كذلك ". وقد علق ابن حزم على هذا الذى نقله عن أبى سليمان وكثير من الأصحاب، بما يدل على موافقته عليه إلا فى نقطة واحدة تحفظ فيها، فقال: " وأما قوله أن عدد الصحابة رضى الله عنهم كان محصورا ممكنا جمعه وممكنا ضبط أقوالهم، وليس كذلك من بعدهم، فإنما كان هذا إذ كانوا كلهم بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تفرقهم فى البلاد وأما بعد تفرقهم فالحال فى تعذر حصر أقوالهم كالحال فيمن بعدهم سواء ولا فرق، هذا أمر يعرف بالمشاهدة والضرورة " (52) . ويتبين من هذا أن ابن حزم يستبعد أيضا معرفة إجماع الصحابة بعد تفرقهم فى الأمصار. المقام الرابع حجية الإجماع أولا بيان الخلا ف فى ذلك: قال الآمدى: " أتفق أكثر المسلمين على أن الإجماع حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم خلافا للشيعة والخوارج والنظام من المعتزلة (53) . وقال فى مسلم الثبوت وشرحه: "الإجماع حجة قطعا، ويفيد العلم الجازم عند الجميع من أهل القبلة ولا يعتد بشرذمة من الحمقى الخوارج والشيعة، لأنهم حادثون بعد الاتفاق، يشككون فى ضروريات الدين مثل السوفسطائية فى الضروريات العقلية " (54) . وقال الإسنوى فى شرحه على المنهاج: " ذهب الجمهور إلى أن الإجماع حجة يجب العمل به خلافا للنظام والشيعة والخوارج فإنه وإن نقل عنهم ما يقتضى الموافقة، لكنهم عند التحقيق مخالفون. أما النظام فإنه لم يفسر الإجماع باتفاق المجتهدين، بل قال كما نقله عنه الآمدى إن الإجماع كل قول يحتج به. وأما الشيعة، يريد الإمامية منهم، فإنهم يقولون: إن الإجماع حجة، لا لكونه إجماعا بل لاشتماله على قول الإمام المعصوم، وقوله بانفراده عندهم حجة. وأما الخوارج فقالوا كما نقله القرافى فى الملخص: أن إجماع الصحابة حجة قبل حدوث الفرقة، أى الاختلاف، وهذا غير التفرق الذى ذكره ابن حزم وأراد به التفرق فى الأمصار، وأما بعدها فقالوا الحجة فى إجماع طائفتهم لا غير، لأن العبرة بقول المؤمنين، ولا مؤمن عندهم إلا من كان على مذهبهم " (55) وقال عبد الله بن حميد السالمى الإباضى: بعد أن ذكر الخلاف فيمن هم أهل الإجماع: "أعلم أن ثمرة الخلاف فى هذا المقام إنما هى فى كون الإجماع حجة على كل قول من هذه الأقوال عند القائل به، فمن يعتبر أهل الاجتهاد فقط، كان إجماع المجتهدين من الأمة حجة عنده، وافقهم غيرهم على ذلك أم خالفهم، ومن يعتبر المجتهدين الكاملين فى الإيمان دون الفسقة والمبتدعين كان إجماع المؤمنين الكاملين حجة معه وإن خالفهم أهل الأهواء، ومن يعتبر الفقهاء من أهل الفروع دون غيرهم كان إجماعهم حجة عندهم وإن خالفهم غيرهم فى ذلك. وهكذا من يعتبر الأصوليين ومن اعتبر جميع الأمة لم يكن إجماع بعضها وإن كانوا مجتهدين حجة معه، وأهل هذه الأقوال لا يخطىء بعضهم بعضا، لأنه مقام اجتهاد. وحجية الإجماع على كل قول من الأقوال المذكورة إنما هى حجة ظنية عند من أثبتها حجة هنالك فيلزم العمل بها دون العلم ولا يكون الإجماع حجة قطعية يحكم بتفسيق من خالفها إلا إذا اجتمعت الأمة عالمها وجاهلها ومؤمنها وفاسقها ومحقها ومبتدعها، فإذا اجتمعوا جميعا على حكم لم يسبقهم فيه خلاف وانقرضوا على ذلك من غير أن يرجع أحدهم عن ذلك الحكم، فهاهنا يكون الإجماع حجة قطعية، بإجماع جميع من اعتبر الإجماع، وذلك بعد كمال الشروط الآتى ذكرها، ومنها ألا يكون إجماعهم مخالفا للنص، وأن ينقل إجماعهم إلينا التواتر، إلى غير ذلك من الشروط المعتبرة، ودون هذا فالإجماع حجة ظنية، ويكفى اعتبار المجتهدين فى كون الإجماع حجة ظنية على حسب ما اخترناه " (56) . ثانيا: الأدلة على حجيته: استدل القائلون بحجيته بالكتاب، والسنة، والمعقول (57) : فهى مسالك ثلاثة فى الاستدلال، أما الإجماع فلا يمكن إثبات الإجماع به، لأنه استدلال على الشىء بنفسه (58) . على أن منهم من قصر الاستدلال على الكتاب والسنة فقط، ولم ير أن يستدل بالمعنى المعقول على الحجية. قالوا: لأن العدد الكثير وإن بعد فى العقل اجتماعهم على الكذب، فلا يبعد اجتماعهم على الخطأ كاجتماع الكفار على جحد النبوة (59) . ونحن نذكر المسالك الثلاثة استيعابا للأدلة التى تمسكوا بها: المسلك الأول: الاستدلال بالكتاب: استدلوا من الكتاب الكريم بخمس آيات: الآية الأولى: قوله تعالى: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " (60) . وجه الدلالة: أن الله تعالى جمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين فى الوعيد، حيث قال " نوله ما تولى، ونصله جهنم " فيلزم أن يكون اتباع غير سبيل المؤمنين محرما لأنه لو لم يكن حراما لما جمع بينه وبين المحرم الذى هو المشاقة فى الوعيد، فإنه لا يحسن الجمع بين حلال وحرام فى وعيد بأن نقول مثلا: إن زنيت وشربت الماء عاقبتك، وإذا حرم أتباع غير سبيل المؤمنين وجب اتباع سبيلهم لأنه لا مخرج عنهما، أى لا واسطة بينهما، ويلزم من وجوب اتباع سبيلهم كون الإجماع حجة، لأن سبيل الشخص هو ما يختاره من القول أو الفعل أو الاعتقاد " (61) وهذا الدليل قد تمسك به الشافعى فى الرسالة كما ذكره الإسنوى وغيره، وقد دارت فيه مناقشات كثيرة بين مثبتى حجية الإجماع ومنكريها تجدها مفصلة فى كتب الأصول كالأحكام للآمدى، ومسلم الثبوت وشرحه وإرشاد الفحول وغيرها، وحسبنا أن نذكر بعضها على سبيل المثال، فمن ذلك قول المنكرين للحجية: لا نسلم أن المراد بسبيل المؤمنين فى الآية هو إجماعهم، لاحتمال أن يكون المراد سبيلهم فى متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أو فى مناصرته، أو فى الاقتداء به، أو فيما به صاروا مؤمنين وهو الإيمان به، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال (62) . ولمثل هذا الاعتراض قرر بعض العلماء القائلين بالحجية أن دلالة الآية محتملة، فالغزالى يقول: " والذى نراه أن الآية ليست نصا فى الغرض، بل الظاهر أن المراد بها أن من يقاتل الرسول ويشاققه ويتبع غير سبيل المؤمنين فى مشايعته والذب عنه والانقياد له فيما يأمر وينهى، وهذا هو الظاهر السابق إلى الفهم، فإن لم يكن ظاهرا فهو محتمل 0 ولو فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية بذلك لقبل " (63) . والحسين بن القاسم الزيدى يقول: والاحتجاج المأخوذ من هذه الآية الكريمة ظنى، لأنه معترض عليه بوجوه، منها - وهو أقواها- جواز أن يريد سبيلهم فى مطاوعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وترك مشاقته، أوفى مناصرته، أو فى التأسى به فى الأعمال، أو فيما صاروا به مؤمنين وهو الإيمان بالله ورسوله، وإذا قام الاحتمال كان غايته الظهور، والتمسك بالظاهر إنما يثبت بالإجماع، لأن غيره من أدلة التمسك لا يخلو عن قدح، فلو أثبتت حجية الإجماع به لزم الدور وإثبات الأصل الكلى بدليل ظنى لا يجوز (64) . الآية الثانية قوله تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) " (65) ، ووجه الاستدلال بها " أن الله تعالى عدل هذه الأمة، لأنه تعالى جعلهم وسطا والوسط من كل شىء أعدله، قال الله تعالى " قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون " (66) أى أعدلهم. وقال الجوهرى: " الوسط من كل شىء أعدله، ومنه قوله تعالى " وكذلك جعلناكم أمة وسطا ". أى عدولا وقد علل الله تعالى جعلهم وسطا بأن يكونوا شهداء على الناس، والشاهد لابد أن يكون عدلا وهذا التعديل الحاصل للأمة وإن لزم منه تعديل كل فرد منها بالضرورة، لكون نفيه عن واحد يستلزم نفيه عن المجموع، لكنه ليس المراد تعديلهم فيما ينفرد به كل واحد منهم، لأنا نعلم بالضرورة خلافه، فتعين تعديلهم فيما يجتمعون عليه، وحينئذ فتجب عصمتهم عن الخطأ قولا وفعلا صغيرة وكبيرة، لأن الله تعالى، يعلم السر والعلانية، فلا يعد لهم مع ارتكابهم بعض المعاصى بخلافه تعديلنا فإنه قد لا يكون كذلك لعدم اطلاعنا على الباطن " (67) . وقد دار فى هذه الآية نقاش كثير كالآية الأولى تراه مفصلا فى كتب الأصول، ومن ذلك ما ذكره الإسنوى فى شرحه على المنهاج إذ يقول " لقائل أن يقول أن الآية لا تدل على المدعى، لأن العدالة لا تنافى صدور الباطل غلطا ونسيانا، ولو سلمنا أن كل ما أجمعوا عليه حق، فلا يلزم المجتهد أن يفعل كل ما هو حق فى نفسه بدليل أن المجتهد لا يتبع مجتهدا آخر، وإن قلنا كل مجتهد مصيب " (68) . ويقول الشوكانى بعد أن أورد مناقشات الموافقين والمخالفين فى دلالة هذه الآية: " ولا يخفاك ما فى هذه الأجوبة من الضعف - يريد أجوبة المستدلين بالآية على ما أثير عليهم من اعتراضات- وعلى كل حال فليس فى الآية دلالة على محل النزاع أصلا، فإن ثبوت كون أهل الإجماع بمجموعهم عدولا لا يستلزم أن يكون قولهم حجة شرعية، فإن ذلك أمر إلى الشارع لا إلى غيره، وغاية ما فى الآية أن يكون قولهم مقبولا إذا أخبرونا عن شىء من الأشياء، وأما كون اتفاقهم على أمر دينى يصير دينا ثابتا عليهم وعلى من بعدهم إلى يوم القيامة فليس فى الآية ما يدل على هذا، ولا هى مسوقة لهذا المعنى ولا تقتضيه بمطابقة ولا تضمن ولا التزام " (69) . يريد أنها لا تقتضيه بأى وجه من وجوه الدلالة الثلاثة المعروفة. ولذلك أسقط الاستدلال بهذه الآية بعض المؤلفين مع شدة تمسكهم بالحجية كابن الحاجب فى مختصره، وابن قدامة الحنبلى فى روضة الناظر، وأوردها بعضهم معقبا بأن الاستدلال بها لا يفيد قطعا ولا ظنا قويا (70) ، وبعضهم معقبا أنها لا تفيد إلا ظنا (71) . الآية الثالثة قوله تعالى: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " (72) والاستدلال بها من حيث أنها جملة خبرية تصفهم بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والألف واللام فى المعروف والمنكر للعموم لأنها داخلة على اسم جنس، فهم إذن يأمرون بكل معروف، وينهون عن كل منكر، فمن خالف فيما أمروا به أو نهوا عنه فقد خالف طريقتهم، فيكون مبطلا وضالا " فماذا بعد الحق إلا الضلال " (73) . وأيضا: لو أجمعوا على الخطأ لكانوا آمرين بالمنكر وناهين عن المعروف، وهو خلاف المنصوص (74) . وقد نوقش هذا الاستدلال كذلك بما لا نطيل بذكره، وفيه يقول الشوكانى: " ولا يخفاك أن الآية لا دلالة لها على محل النزاع لأن اتصافهم بكونهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يستلزم أن يكون قولهم حجة شرعية تصير دينا ثابتا على كل الأمة، بل المراد أنهم يأمرون بما هو معروف فى هذه الشريعة، وينهون عما هو منكر فيها. فالدليل على كون ذلك الشىء معروفا أو منكرا هو الكتاب أو السنة، لا إجماعهم، غاية ما فى الباب أن إجماعهم يصير قرينة على أن فى الكتاب أو السنة ما يدل على ما أجمعوا عليه، وأما أنه دليل بنفسه فليس فى هذه الآية ما يدل على ذلك " (75) . الآية الرابعة قوله تعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " (76) . " ووجه الاحتجاج بها أنه تعالى نهى عن التفرق، ومخالفة الإجماع تفرق، فكان منهيا عنه، ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى النهى عن مخالفته " (77) . وقد أعقب الآمدى بيان الاحتجاج بذكر ما ورد عليه من المناقشات والإجابة عن كل منها (78) . الآية الخامسة قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم، فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا" (79) . ووجه الاحتجاج بالآية أنه شرط التنازع فى وجوب الرد إلى الكتاب والسنة، والمشروط ينعدم عند عدم الشرط. وذلك يدل على أنه إذا لم يوجد التنازع فالاتفاق على الحكم كاف عن الكتاب والسنة ولا معنى لكون الإجماع حجة سوى هذا " (80) . وقد عقب الآمدى بذكر ما نوقش به هذا الدليل أيضا، وما رد به على المناقشة. وبهذا انتهى المسلك الأول وهو الاستدلال بالكتاب على حجية الإجماع. وقد علق الآمدى على هذا المسلك بقوله " واعلم أن التمسك بهذه الآيات، وإن كانت مفيدة للظن فغير مفيدة للقطع، ومن زعم أن المسألة قطعية، فاحتجاجه فيها بأمر ظنى غير مفيد للمطلوب، وإنما يصح ذاك على رأى من يزعم أنها اجتهادية ظنية" (81) . وعلق الغزالى على مسلك الاستدلال بالآيات أيضا بقوله: " فهذه كلها ظواهر لا تنص على الغرض بل لا تدل أيضا دلالة الظواهر " (82) . المسلك الثانى: الاستدلال بالسنة: قال الغزالى فى المستصفى: المسلك الثانى- وهو الأقوى- التمسك بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تجتمع أمتى على الخطأ " وهذا من حيث اللفظ أقوى وأدل على المقصود، ولكن ليس بالمتواتر، كالكتاب، والكتاب متواتر لكن ليس بنص، فطريق تقرير الدليل أن نقول: تظاهرت الرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بألفاظ مختلفة مع اتفاق المعنى فى عصمة هذه الأمة من الخطأ، واشتهر على لسان المرموقين والثقات من الصحابة كعمر وابن مسعود وأبى سعيد الخدرى، وأنس بن مالك، وابن عمر، وأبى هريرة، وحذيفة بن اليمان، وغيرهم ممن يطول ذكره من نحو قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تجتمع أمتى على الضلالة " و " لم يكن الله ليجمع أمتى على الضلالة " و " سألت الله تعالى ألا يجمع أمتى على الضلالة فأعطانيها " و " من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم " و " أن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد". وقوله صلى الله عليه وسلم: " يد الله مع الجماعة، ولا يبالى الله بشذوذ من شذ " و " لا تزال طائفة من أمتى على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ". وروى: " لا يضرهم خلاف من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء ". و" من خرج عن الجماعة أو فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " و" من فارق الجماعة ومات، فميتته جاهلية " (83) . وهذه الأخبار لم تزل ظاهرة فى الصحابة والتابعين إلى زماننا هذا لم يدفعها أحد من أهل النقل من سلف الأمة وخلفها بل هى مقبولة من موافقى الأمة ومخالفيها، ولم تزل الأمة تحتج بها فى أصول الدين وفروعه، فإن قيل فما وجه الحجة ودعوى التواتر فى آحاد هذه الأخبار غير ممكن، ونقل الآحاد لا يفيد العلم؟ قلنا فى تقرير وجه الحجة طريقان: أحدهما: أن ندعى العلم الضرورى بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عظم شأن هذه الأمة وأخبر عن عصمتها عن الخطأ بمجموع هذه الأخبار المتفرقة، وأن لم تتواتر آحادها، وبمثل ذلك نجد أنفسنا مضطرين إلى العلم بشجاعة على، وسخاوة حاتم، وفقه الشافعى، وخطابة الحجاج، وميل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة من نسائه، وتعظيمه صحابته وثنائه عليهم، وإن لم تكن آحاد الأخبار فيها متواترة، بل يجوز الكذب على كل واحد منها لو جردنا النظر إليه. ولا يجوز على المجموع، وذلك يشبه ما يعلم من مجموع قرائن آحادها لا ينفك عن الاحتمال ولكن ينتفى الاحتمال عن مجموعها حتى يحصل العلم الضروى. الطريق الثانى: ألا ندعى علم الاضطرار بل علم الاستدلال من وجهين: الأول أن هذه الأحاديث لم تزل مشهورة بين الصحابة والتابعين، يتمسكون بها فى إثبات الإجماع ولا يظهر أحد فيها خلافا وإنكارا، إلى زمان النظام. ويستحيل فى مستقر العادة توافق الأمم فى أعصار متكررة على التسليم بما لم تقم الحجة بصحته مع اختلاف الطباع وتفاوت الهمم والمذاهب فى الرد والقبول. ولذلك لم ينفك حكم ثبت بأخبار الآحاد عن خلاف مخالف وإبداء تردد فيه. الوجه الثانى: إن المحتجين بهذه الأخبار أثبتوا أنها أصلا مقطوعا به وهو الإجماع الذى يحكم به على كتاب الله تعالى، وعلى السنة المتواترة، ويستحيل فى العادة التسليم بخبر يرفع به الكتاب المقطوع به إلا إذا استند إلى مستند مقطوع به، فأما رفع المقطوع بما ليس بمقطوع فليس معلوما حتى لا يتعجب متعجب ولا يقول قائل: كيف ترفعون الكتاب القاطع بإجماع مستند إلى خبر غير معلوم الصحة، وكيف تذهل عنه جميع الأمة إلى زمان النظام، فتختص بالتنبه له (84) . والذى قرره الغزالى من الاستدلال بالأحاديث المذكورة على عصمة الأمة من الخطأ، هو استدلال بالتواتر المعنوى فى هذه الأحاديث وإن لم تتواتر آحادها. وقد استدل به صاحب مسلم الثبوت وشرحه، ثم ساق استبعاد الإمام الرازى لذلك مشفوعا بالرد عليه، وهذا هو نص كلامهما مع تصرف يسير للتوضيح: " واستدل ثانيا بقوله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم: " لا تجتمع أمتى على الضلال "، فإنه يفيد عصمة الأمة عن الخطأ فإنه متواتر المعنى فإنه قد ورد، بألفاظ مختلفة يفيد كلها العصمة، وبلغت رواة تلك الألفاظ حد التواتر، وتلك الألفاظ نحو " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن "، ونحو " من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الإسلام "، ونحو " عليكم بالجماعة "، ونحو " الزموا الجماعة " ونحو " من فارق الجماعة مات ميتة الجاهلية "، ونحو " عليكم بالسواد الأعظم " ونحو " لا تجتمع أمتى علي الخطأ " وغير ذلك من الألفاظ التى يطول الكلام بذكرها، واستحسنه ابن الحاجب فإنه دليل لا خفاء فيه بوجه، ولا مساغ للارتياب فيه، واستبعد الإمام الرازى صاحب المحصول، كما هو دأبه من التشكيكات فى الأمور الظاهرة، التواتر المعنوى، سيما على حجيته- أى استبعد التواتر عامة، واستبعده على حجية الإجماع خاصة-- وقال لا نسلم بلوغ مجموع هذه الآحاد حد التواتر المعنوى، فإن الرواة العشرين أو الألف، لا تبلغ حد التواتر ولا تكفى للتواتر المعنوى فإنه ليس بمستبعد فى العرف إقدام عشرين على الكذب فى وقعة معينة، بعبارات مختلفة، ولو سلم فتواتره بالمعنى غير مسلم، فإن القدر المشترك هو أن الإجماع حجة، أو ما يلزم ذلك منه، وقد ادعيتم أن حجية الإجماع متواترة من رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم، ويلزم أن يكون كغزوة بدر، فإنه لو كان كذلك لم يقع الخلاف فيه، وإنكم بعد تصحيح المتن- أى ألفاظ الحديث ونصه- توردون على دلالته على حجية الإجماع، الأسئلة والأجوبة، ولو كان متواترا لأفاد العلم ولغت تلك الأسئلة والأجوبة، وإن ادعيتم أن هذه الأخبار تدل على عصمة الأمة وهى بعينها حجية الإجماع - وقرر الرازى هذه الاعتراضات بعبارات مطلية كما هو دأبه- وهذا الاستبعاد فى بعد بعيد فإن القدر المشترك المفهوم من هذه الأخبار قطعا هو عصمة الأمة عن الخطأ، ولا شك فيه، واجتماع عشرين من العدول الخيار، بل أزيد، على الكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، مما لا يتوهم. وأما قوله: لو كان لكان كغزوة بدر، قلنا نعم إنه كغزوة بدر- كيف وقد عرفت سابقا أنه تواتر فى كل عصر من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم إلى الآن، أى إلى هذا الوقت- تخطئة المخالف للإجماع قطعا، وهل هذا إلا تواتر الحجية؟ وأيضا يجوز أن تكون المتواترات مختلفة بحسب قوم دون قوم، فهذا متواتر عند من طالع كثرة الوقائع والأخبار. وما قال من أنه لو كان متواترا لما وقع الخلاف فيه، قلنا التواتر لا يوجب أن يكون الكل عالمين به، ألا ترى أن أكثر العوام لا يعلمون غزوة بدر أصلا بل التواتر إنما يكون متواترا عند من وصل إليه أخبار تلك الجماعة، وذلك بمطالعة الوقائع والأخبار، والمخالفون لم يطالعوا. وأيضا الحق إن مخالفتهم كمخالفة السوفسطائية فى القضايا الضرورية الأولية، فكما أن مخالفتهم لا تضر كونها أولية، فكذا مخالفة المخالفين لا تضر التواتر، وأما إيراد الأسئلة والأجوبة فعلى بعض المتون - أى نصوص بعض الأحاديث لا على القدر المشترك المستفاد من الأخبار- فافهم ولا تزل فإنه مزلة " (85) . المسلك الثالث: الاستدلال بالمعقول: قال الآمدى: " وأما المعقول فهو أن الخلق الكثير وهم أهل كل عصر إذا اتفقوا على حكم قضية وجزموا به جزما قاطعا، فالعادة تحيل على مثلهم الحكم الجزم بذلك والقطع به وليس له مستند قاطع بحيث لا يتنبه واحد منهم إلى الخطأ فى القطع بما ليس بقاطع، ولهذا وجدنا أهل كل عصر قاطعين بتخطئة مخالفى ما تقدم من إجماع من قبلهم، ولولا أن يكون ذلك عن دليل قاطع لاستحال فى العادة اتفاقهم على القطع بتخطئة المخالف، ولا يقف واحد منهم على وجه الحق فى ذلك " (86) . وقد عبر صاحب مسلم الثبوت وشرحه عن هذا الدليل بقولهما: لنا (أى يدل لنا على ما قلناه من حجية الإجماع) اتفاقهم فى كل عصر على القطع بتخطئة المخالف للإجماع من حيث هو إجماع، واتفاقهم على تقديمه على القاطع، وعدهم تفريق عصا الجماعة من المسلمين أمرا عظيما وإثما كبيرا والعادة تحيل اجتماع مثل هؤلاء من الأخيار الصالحين من الصحابة والتابعين المحققين على قطع فى حكم ما، لا سيما القطع بكون المخالفة أمرا عظيما، لاعن نص قاطع، بحيث لا يكون للارتياب فيه احتمال، فإنه قد علم بالتجربة والتكرار من أحوالهم وفتاويهم علما ضروريا أنهم ما كانوا يقطعون بشىء إلا ما كان كالشمس على نصف النهار (87) . ويعلق الآمدى على هذا الاستدلال بالمعنى المعقول فيقول: " ولقائل أن يقول: إن العادة لا تحيل الخطأ على الخلق الكثير بظنهم ما ليس قاطعا قاطعا ولهذا فإن اليهود والنصارى مع كثرتهم كثرة تخرج عن حد التواتر قد أجمعوا على تكذيب محمد عليه السلام وإنكار رسالته وليس ذلك إلا لخطئهم فى ظن ما ليس قاطعا قاطعا، وبالجملة، فإما أن يقال باستحالة الخطأ عليهم فيما ذهبوا إليه، أو لا يقال باستحالته، فإن كان الأول لزم ألا يكون محمد نبيا حقا بإجماعهم على تكذيبه، وإن كان الثانى- أى عدم استحالة الخطأ عليهم- فهو المطلوب " (88) . وهذا الذى قاله الآمدى هو تلخيص لما ذكره الغزالى فإنه اعترض على هذه الطريقة قائلا: " وهذه الطريقة ضعيفة عندنا، لأن منشأ الخطأ إما تعمد الكذب وإما ظنهم ما ليس بقاطع قاطعا، والأول عير جائز على عدد التواتر، وأما الثانى فجائز، فقد قطع اليهود ببطلان نبوة عيسى ومحمد عليهما السلام، وهم أكثر من عدد التواتر، وهو قطع فى غير محل القطع، لكن ظنوا ما ليس بقاطع قاطعا " (89) . ثالثا: ما استدل به القائلون بعدم حجية الإجماع: المنكرون للإجماع يسلكون فى الاستدلال على رأيهم مسلكين: أولهما: معارضة أدلة الجمهور من الكتاب والسنة والمعانى المعقولة، بمثلها، فيأتون بآيات وأخبار ومعان معقولة تدل على بطلان حجية الإجماع. ثانيهما: مناقشة ما استدل به الجمهور بإبطال دلالته على ما ذهبوا إليه من الحجية وبتأويل الآيات والأحاديث تأويلا آخر، ونحن نذكر أهم ما جاء به المنكرون لحجية الإجماع كما ذكرنا أهم ما جاء به المثبتون، وسنشفع كلا منها بما ورد عليه من المناقشة كما فعلنا أيضا حين ذكرنا أدلة المثبتين. المسلك الأول: معارضة أدلة الجمهور بمثلها " قالوا: إن كتاب الله تعالى يدل على ما ذهبنا إليه، والله تعالى يقول " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء " (90) . وذلك يدل على عدم الحاجة إلى الإجماع (91) فلا مرجع فى تبيان الأحكام إلا إلى الكتاب والإجماع غيره (92) . وقد رد الآمدى على ذلك بأنه ليس فى بيان كون الإجماع حجة متبعة بالأدلة التى ذكرناها ما ينافى كون الكتاب تبيانا لكل شىء (93) . ورد عليه العضد فى شرحه على مختصر ابن الحاجب بأن هذه الآية " لا تنافى كون غيره أيضا تبيانا ولا كون الكتاب تبيانا لبعض الأشياء بواسطة الإجماع " (94) . واستدلوا أيضا بقوله تعالى: " فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول " (95) فلا مرجع عند التنازع إلا الى الكتاب والسنة (96) . وقد رد اللآمدى بأن هذه الآية " دليل عليهم لأنها دليل على وجوب الرد إلى الله والرسول فى كل متنازع فيه، وكون الإجماع حجة متبعة مما وقع النزاع فيه، وقد رددناه إلى الله تعالى، حيث أثبتناه بالقرآن، وهم مخالفون فى ذلك " (97) . ورد العضد بأن الآية " مختصة بما فيه النزاع والمجمع عليه ليس كذلك " (98) . يريد أن لفظها يختص بما فيه النزاع، والمجمع عليه لا نزاع فيه فيمكن أن يدل المفهوم على أن المتفق عليه لا يحتاج فيه إلى الرجوع. وقد صرح بإفادة الآية لذلك بمفهوم الكلام: شارح مسلم الثبوت (99) . واستدلوا أيضا بمثل قوله تعالى: " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " (100) . " ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق " (101) " وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون " (102) . قالوا:- هذه الآيات وأمثالها من كل ما فيه نهى للأمة عن القول الباطل، والفعل الباطل، تدل على تصور ذلك منهم، ومن يتصور منه المعصية لا يكون قوله ولا فعله موجبا للقطع. ويرد الآمدى على ذلك فيقول: " لا نسلم أن النهى فى هذه الآيات راجع إلى اجتماع الأمة على ما نهوا عنه، بل هو راجع إلى كل واحد على انفراد، ولا يلزم من جواز المعصية على كل واحد جوازها على الجملة، أى على المجموع، سلمنا أن النهى لجملة الأمة عن الاجتماع على المعصية ولكن غاية ذلك جواز وقوعها منهم عقلا، ولا يلزم من الجواز الوقوع، ولهذا فإن النبى عليه السلام قد نهى عن أن يكون من الجاهلين بقوله تعالى: " فلا تكونن من الجاهلين " (103) . وقال تعالى لنبيه: "لئن أشركت ليحبطن عملك " (104) ، إذ ورد ذلك فى معرض النهى مع العلم بكونه معصوما من ذلك، وأيضا فإنا نعلم أن كل أحد منهى عن الزنا وشرب الخمر وقتل النفس بغير حق إلى غير ذلك من المعاصى، ومع ذلك فإن من مات ولم يصدر عنه بعض المعاصى، نعلم أن الله قد علم منه أنه لا يأتى بتلك المعصية فكان معصوما عنها ضرورة تعلق علم الله بأنه لا يأتى بها، ومع ذلك فهو منهى عنها " (105) . وقالوا: وأما السنة فإن النبى عليه الصلاة والسلام أمر معاذا لما سأله عن الأدلة المعمول بها، على إهماله لذكر الإجماع، ولو كان الإجماع دليلا، لما ساغ ذلك مع الحاجة إليه. وأيضا فإنه قد ورد عن النبى عليه الصلاة والسلام ما يدل على جواز خلو العصر عمن تقوم الحجة بقوله، فمن ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: " بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ ". وأيضا قوله: " لا ترجعوا بعدى كفارا" نهى الكل عن الكفر وهو دليل جواز وقوعه منهم. وقوله: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ولكن يقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا ". وقوله: " تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنها أول ما ينسى ". وقوله عليه الصلاة والسلام: " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة " (106) وقوله: " خير القرون القرن الذى أنا فيه، ثم الذى يليه، ثم الذى يليه، ثم تبقى حثالة كحثالة التمر، لا يعبأ الله بهم " (107) . ويرد الآمدى على ذلك فيقول: "أما خبر معاذ فإنما لم ينكر فيه الإجماع لأنه ليس بحجة فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام فلم يكن مؤخرا لبيانه مع الحاجة إليه. وقوله -عليه الصلاة والسلام: " بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ "، لا يدل على أنه لا يبقى من تقوم الحجة بقوله، بل غايته أن أهل الإسلام هم الأقلون. وقوله: " لا ترجعوا بعدى كفارا " فيحتمل أنه خطاب مع جماعة معينين وإن كان خطابا مع الكل فجوابه ما سبق فى آيات المناهى للأمة. وقوله: " حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا ".. الحديث: غايته الدلالة على جواز انقراض العلماء، ونحن لا ننكر امتناع وجود الإجماع مع انقراض العلماء، وإنما الكلام فى اجتماع من كان من العلماء، وعلى هذا يكون الجواب عن باقى الأحاديث الدالة على خلو آخر الزمان من العلماء، كيف وأن ما ذكروه معارض بما يدل على امتناع خلو عصر من الأعصار عمن تقوم الحجة بقوله، وهو قوله- عليه الصلاة والسلام-: " لا تزال طائفة من أمتى على الحق- حتى يأتى أمر الله، وحتى يظهر الدجال " " وأيضا ما روى عنه أنه قال: " واشوقاه إلى إخوانى. قالوا: يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ فقال: أنتم أصحابى، إخوانى قوم يأتون من بعدى يهربون بدينهم من شاهق إلى شاهق ويصلحون إذا فسد الناس " (108) . قالوا: وأما المعنى المعقول الذى يدل على عدم حجية الإجماع فى نظر القائلين بذلك، فيرجع: أولا: إلى ما ذكروه من عدم إمكانه وعدم إمكان العلم به، وعدم إمكان نقله، وقد سبق بيان الرد على ذلك. ثانيا: إلى اعتبارهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم كغيرها من الأمم فحيث لم يعتبر إجماع أهل الملل السابقة حجة، فلا يكون إجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم حجة (109) . وجوابه كما ذكر الآمدى من وجهين: أحدهما: أن يقال من العلماء من اعتبر إجماع علماء من تقدم حجة قبل النسخ، فقد ذهب إلى ذلك أبو إسحاق الأسفرايينى وغيره من أصحابنا- هكذا يقول الآمدى- وجماعة من العلماء، وإذن فلم يتم لهم الاستدلال لعدم حجية إجماع من سبقنا من الملل. الوجه الثانى: أن نسلم بأن إجماع من سبقنا من أهل الملل ليس حجة- كما هو قول الأكثرين من العلماء- ولكن هناك فرقا بيننا وبينهم، لأنه لم يرد فى حقهم من الدلالة الدالة على الاحتجاج بإجماعهم ما ورد فى علماء هذه الأمة فافترقا " (110) . وخلاصة الوجهين أننا إذا أخذنا بمذهب الأسفرايينى ومن معه فإجماعنا كإجماعهم كلاهما يحتج به وإن أخذنا بمذهب الأكثرين فإن إجماعنا قد وردت الأدلة بحجيته ولم ترد الأدلة باعتبار إجماعهم حجة، فهذا هو الفرق بين إجماعنا وإجماعهم. وثالث المعانى المعقولة يرجع إلى ما هو مقرر من أن كل حكم لابد أن يكون ثابتا بدليل، والإجماع لا يكون فى نظر القائلين بحجيته إلا عن دليل، والدليل يغنى عنه، ثم إن بعض الأحكام الشرعية لا يكون إجماع الأمة دليلا عليها كالتوحيد، وكذلك سائر الأحكام العقلية (111) . ويرد الآمدى على ذلك بقوله: " لا نسلم أنه إذا كان الحكم ثبت بالدليل لا يجوز إثباته بالإجماع، أى فهذا ما جرى عليه العلماء حين يقولون: هذا الحكم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، وأما التوحيد فلا نسلم أن الإجماع فيه ليس بحجة وإن سلمنا أنه لا يكون حجة فيه، بل فى الأحكام الشرعية، أى العملية لا غير، فإن بينهما فرقا، هو أن التوحيد لا يجوز فيه تقليد العامى للعالم، وإنما يرجع إلى أدلة يشترك فيها الكل، وهى أدلة العقل بخلاف الأحكام الشرعية، العملية، فإنه يجب على العامى الأخذ بقول العالم فيها، وإذا جاز أو وجب الأخذ بقول الواحد كان الأخذ بقول الجماعة أولى (112) . هذا هو كلام المنكرين بحجية الإجماع والرد عليهم، فى المسلك الأول وهو المعارضة بالكتاب والسنة والمعقول. المسلك الثانى: مناقشتهم وتأويلهم لأدلة الجمهور أما مناقشتهم لأدلة الجمهور فقد تقدمت عند عرض هذه الأدلة فلا نعود اليها وأما تأويلهم للأدلة، بحملها على معان أخرى، فمثل: قولهم فى تأويل حديث " لا تجتمع أمتى على ضلالة "، فإنهم فسروا الضلالة بالكفر والبدعة، وقالوا: لعله أراد عصمة جميعهم عن الكفر بالتأويل والشبهة، والرواية التى تقول " لا تجتمع أمتى على الخطأ " غير متواترة وإن صحت فالخطأ أيضا عام يمكن حمله على الكفر. ويرد الغزالى على هذا بقوله: " قلنا الضلال فى وضع اللسان لا يناسب الكفر، قال الله تعالى: " ووجدك ضالا فهدى" (113) ، وقال تعالى، إخبارا عن موسى عليه السلام: " قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين " (114) وما أراد من الكافرين، بل أراد من المخطئين، يقال: ضل فلان عن الطريق، وضل سعى فلان، كل ذلك الخطأ. كيف وقد فهم ضرورة من هذه الألفاظ تعظيم شأن هذه الأمة وتخصيصها بهذه الفضيلة. أما العصمة عن الكفر فقد أنعم بها فى حق على وابن مسعود وأبى، وزيد، على مذهب النظام لأنهم ماتوا على الحق. وكم من أحاد عصموا عن الكفر حتى ماتوا، فأى خاصية للأمة؟ فدل على أنه أراد ما لم يعصم عنه الآحاد، من سهو وخطأ وكذب، وتعصم عنه الأمة تنزيلا لجميع الأمة منزلة النبى صلى الله عليه وسلم فى العصمة عن الخطأ فى الدين، أما فى غير الدين من إنشاء حرب وصلح وعمارة بلدة، فالعموم يقتضى العصمة للأمة عنه أيضا، ولكن ذلك مشكوك فيه وأمر الدين مقطوع بوجوب العصمة فيه، كما فى حق النبى صلى الله عليه وسلم، فإنه أخطأ فى أمر تدبير النخل، ثم قال: " أنتم أعرف بأمر دنياكم،- وأنا أعرف بأمر دينكم " (115) . إلى غير ذلك من التأويلات التى لا نطيل بذكرها، وقد عنى الغزالى بإيرادها والرد عليها فى المستصفى، فمن شاء فليرجع إليه فى الموضع الذى ذكرناه. رابعا: هل الإجماع عند القائلين بحجيته قطعى أو ظنى؟ قال الشوكانى: " اختلف القائلون بحجية الإجماع هل هو حجة قطعية أو ظنية: فذهب جماعة منهم إلى أنه حجة قطعية، وبه قال الصيرفى، وابن برهان، وجزم به من الحنفية الدبوسى، وشمس الأئمة. وقال الأصفهانى: إن هذا القول هو المشهور، وأنه يقدم الإجماع على الأدلة كلها، ولا يعارضه دليل أصلا، ونسبه إلى الأكثرين. قال: بحيث يكفر مخالفه، أو يضلل ويبدع. وقال جماعة، منهم الرازى والآمدى: أنه لا يفيد إلا الظن. وقال جماعة بالتفصيل بين ما اتفق عليه المعتبرون فيكون حجة قطعية، وبين ما اختلفوا فيه كالسكوتى وما ندر مخالفه فيكون حجة ظنية 0 وقال البزدوى وجماعة من الحنفية: الإجماع مراتب: فإجماع الصحابة مثل الكتاب والخبر المتواتر وإجماع من بعدهم بمنزلة المشهور من الأحاديث والإجماع الذى سبق فيه خلاف فى العصر السابق بمنزلة خبر الواحد، واختار بعضهم فى الكل أنه يوجب العمل لا العلم فهذه مذاهب أربعة " (116) . وفى البزدوى وشرحه: " أن الأصل فى الإجماع أن يكون موجبا للحكم قطعا كالكتاب والسنة، فإن لم يثبت اليقين به فى بعض المواضع فذلك بسبب العوارض كالآية المؤولة وخبر الواحد " (117) . ومن أهل الهوى من لم يجعل الإجماع حجة قاطعة لأن كل واحد منهم اعتمد ما لا يوجب العلم، لكن هذا خلاف الكتاب والسنة والدليل المعقول (118) . يريد الأدلة التى استدل بها القائلون بحجيته فهى دالة على أنه حجة قاطعة فى نظره. " فصار الإجماع كآية من الكتاب أو حديث متواتر فى وجوب العمل والعلم به فيكفر جاحده فى الأصل " (119) . " أى يحكم بكفر من أنكر أصل الإجماع بأن قال ليس الإجماع بحجة، أما من أنكر تحقق الإجماع فى حكم بأن قال لم يثبت فيه إجماع أو أنكر الإجماع الذى اختلف فيه فلا " (120) . أى كالإجماع السكوتى الذى فيه خلاف الشافعى وغيره، والمنقول بلسان الآحاد. واعلم أن العلماء بعد ما اتفقوا على أن إنكار حكم الإجماع الظنى، كالإجماع السكوتى، والمنقول بلسان الآحاد، غير موجب للكفر، اختلفوا فى إنكار حكم الإجماع القطعى كإجماع الصحابة مثلا. " فبعض المتكلمين، أى الذين تكلموا فى هذا الموضوع، لم يجعله موجبا للكفر بناء على أن الإجماع عنده حجة ظنية، فإنكار حكمه لا يوجب الكفر كإنكار الحكم الثابت بخبر الواحد أو القياس، وذكر هذا القائل، وهو القاضى الشوكانى- فى تصنيف له- وهو كتاب إرشاد الفحول " والعجب أن الفقهاء أثبتوا الإجماع بعمومات الآيات والأخبار، وأجمعوا على أن المنكر لما تدل عليه هذه العمومات لا يكفر إذا كان الإنكار لتأويل، ثم يقولون: الحكم الذى دل عليه الإجماع مقطوع به، ومخالفه كافر، فكأنهم قد جعلوا الفرع أقوى من الأصل، وذلك غفلة عظيمة " (121) . ويستمر عبد العزيز البخارى فى كلامه فيقول: " وبعضهم جعلوه موجبا للكفر لأن الإجماع حجة قطعية كآية من الكتاب، قطعية الدلالة، أو خبر متواتر قطعى الدلالة، فإنكاره يوجب الكفر لا محالة ". " ومنهم من فصل فقال: إن كان الحكم المجمع عليه مما يشترك الخاصة والعامة فى معرفته، مثل أعداد الصلوات وركعاتها وفرض الحج والصيام وزمانهما، ومثل تحريم الزنا وشرب الخمر والسرقة والربا، كفر منكره لأنه صار بإنكاره جاحدا لما هو من دين الرسول قطعا، فصار كالجاحد لصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن كان مما ينفرد الخاصة بمعرفته كتحريم تزوج المرأة على عمتها وخالتها، وفساد الحج بالوطء قبل الوقوف بعرفة وتوريث الجدة السدس، وحجب بنى الأم بالجد، ومنع توريث القاتل، لا يكفر منكره ولكن يحكم بضلاله وخطئه، لأن هذا الإجماع وإن كان قطعيا أيضا، إلا أن المنكر متأول، حيث جعل المراد من الأمة والمؤمنين جميعهم والتأويل مانع من الإكفار، كتأويل أهل الأهواء النصوص القاطعة، وتبين بهذا التفصيل أن تعجب من قال بالقول الأول، يريد الشوكانى، من الفقهاء ليس فى محله، فإنهم ما حكموا بكفر منكر كل إجماع ولم يجعلوا الفرع أقوى من الأصل، ولم يغفلوا عنه (122) . وفى شرح النسفى وملاجيون على المنار: أن الإجماع على مراتب: فالأقوى إجماع الصحابة نصا فإنه مثل الآية والخبر المتواتر فيكفر جاحده كما يكفر جاحد ما ثبت بالكتاب أو التواتر لأنه لا خلاف فيه، ففيهم عترة الرسول وأهل المدينة، ثم الذى نص البعض وسكت الباقون من الصحابة، وهو المسمى بالإجماع السكوتى، ولا يكفر جاحده وإن كان من الأدلة القطعية، أى عند الحنفية، ثم إجماع من بعدهم، أى بعد الصحابة من أهل كل عصر على حكم لم يظهر فيه خلاف من سبقهم من الصحابة، فهو بمنزلة الخبر المشهور، يفيد الطمأنينة دون اليقين، ثم إجماعهم على قول سبقهم فيه مخالف، يعنى اختلفوا أولا على قولين، ثم أجمع من بعدهم على قول واحد، فهذا دون الكل، فهو بمنزلة خبر الواحد يوجب العمل دون العلم، ويكون مقدما على القياس كخبر الواحد " (123) . وقال صاحب طلعة الشمس فى أصول الإباضية: " الإجماع القولى حجة قطعية يفسق من خالفها عند الجمهور، ولكن كونها قطعية بعد كمال شروطها وفى موضع لا يكون فيها خلاف فما وقع فيه الخلاف أنه إجماع أم غير إجماع فليس بحجة قطعية اتفاقا " (124) . "أما الإجماع السكوتى فهو حجة ظنية توجب العمل ولا تفيد العلم مثل خبر العدل، فمن خالف الإجماع السكوتى لا يحكم بفسقه على الصحيح، كما لا يحكم بفسقه من خالف خبر الآحاد، لأن التفسيق لا يكون إلا مع مخالفة الدليل القاطع " (125) . ويقول ابن لقمان فى " الكافل بنيل السول فى علم الأصول على مذهب الزيدية ". والإجماع السكوتى الجامع للشروط حجة ظنية، وكذا القولى أن نقل آحادا، فإن تواتر فحجة قاطعة يفسق مخالفه " (126) . ومن العلماء المعترفين بحجية الإجماع من أنكر حجية ما يسمى بالإجماع السكوتى، ومنهم من أنكر أن يكون صدور القول من البعض وسكوت الآخرين، إجماعا، فهو يعارض حتى فى التسمية. ويتلخص القول فى ذلك، على ما بينه الإسنوى فى شرحه على المنهاج كما يأتى: 1- إذا قال بعض المجتهدين قولا، وعرف به الباقون فسكتوا عنه ولم ينكروا عليه، ففيه مذاهب: أصحها عند الإمام: أنه لا يكون إجماعا ولا حجة، لما سيأتى. ثم قال هو والآمدى أنه مذهب الشافعى، وقال فى البرهان أنه ظاهر مذهب الشافعى، وقال الغزالى فى المنخول، نص عليه الشافعى فى الجديد. والثانى، وهو مذهب أبى على الجبائى: أنه إجماع بعد انقراض عصرهم لأن استمرارهم على السكوت إلى الموت يضعف الاحتمال. والثالث: قاله أبو هاشم بن أبى على: أنه ليس بإجماع لكنه حجة. وحكى فى المحصول عن ابن أبى هريرة: أنه إن كان القائل حاكما لم يكن إجماعا ولا حجة. وحكى الآمدى عن الإمام أحمد وأكثر الحنفية: أنه إجماع وحجة، واختار الآمدى أنه إجماع ظنى يحتج به، وهو قريب من مذهب أبى هاشم، والذى ذكره الآمدى هنا محله قبل انقراض العصر وأما بعد انقراضه فإنه يكون إجماعا على ما نبه عليه فى مسألة انقراض العصر " (127) . وفى بيان رأى الحنفية ووجهة المخالفين لهم من الشافعية، والرد عليهم يقول ملاجيون فى شرحه على المنار: " إذا اتفق بعضهم على قول أو فعل وسكت الباقون منهم، ولا يردون عليهم بعد مدة التأمل، وهى ثلاثة أيام أو مجلس العلم، ويسمى هذا إجماعا سكوتيا، فهو مقبول عندنا، أى الحنفية وفيه خلاف الشافعى رحمه الله لأن السكوت كما يكون للموافقة يكون للمهابة ولا يدل على الرضا كما روى عن ابن عباس أنه خالف عمر رضى الله عنه فى مسألة العول. فقيل له: هلا أظهرت حجتك على عمر رضى الله عنه 0 فقال: كان رجلا مهيبا فهبته، ومنعتنى درته. والجواب: أن هذا غير صحيح، لأن عمر رضى الله عنه كان أشد انقيادا لاستماع الحق من غيره حتى كان يقول: ولا خير فيكم ما لم تقولوا، ولا خير فى ما لم أسمع. وكيف يظن فى حق الصحابة التقصير فى أمور الدين والسكوت عن الحق فى موضع الحاجة، وقد قال عليه السلام: "الساكت عن الحق شيطان أخرس " (128) . وهناك مناقشات غير ذلك بين الحنفية والشافعية لا نطيل بذكرها ويمكن معرفتها بالرجوع إلى شرح النسفى على المنار للحنفية (129) . وشرح الإسنوى على المنهاج للشافعية (130) : 2- وهناك فرع يذكر بعد ذلك وخلاصته، كما ذكره الإسنوى: " إذا قال بعض المجتهدين قولا ولم ينتشر ذلك القول بحيث يعلم أنه بلغ الجميع، ولم يسمع من أحد ما يخالفه، فهل يكون كما إذا قال البعض وسكت الباقون عن إنكاره أم لا. اختلفوا فيه كما قاله فى المحصول، فمنهم من قال: يلحق به، لأن الظاهر وصوله إليهم، ومنهم من قال: لا يلحق به، لأنا لا نعلم هل بلغهم أم لا "، واختاره الآمدى. ومنهم من قال: إن كان ذلك القول فيما تعم به البلوى أى فيما تمس الحاجة إليه، فيكون كقول البعض وسكوت الباقين، لأن عموم البلوى يقتضى حصول العلم به، وإن لم يكن كذلك فلا لاحتمال الذهول عنه، قال الإمام: وهذا التفصيل هو الحق " (131) . من هم أهل الإجماع المراد بأهل الإجماع من يعتبر إجماعهم إذا اتفقوا على أمر من الأمور فى عصر من الأعصار ويعتد بمخالفتهم إذا خالفوا فلا ينعقد الإجماع مع مخالفتهم. وقد قدم الغزالى فى المستصفى لهذا الموضوع بمقدمة فقال: " الركن الأول من ركنى الإجماع المجمعون وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وظاهر هذا يتناول كل مسلم،، لكن لكل ظاهر طرفان واضحان فى النفى والإثبات، وأوساط متشابهة: أما الواضح فى الإثبات فهو كل مجتهد مقبول الفتوى، فهو من أهل الحل والعقد قطعا، ولابد من موافقته فى الإجماع، وأما الواضح فى النفى، فالأطفال والمجانين والأجنة، فإنهم وإن كانوا من الأمة فنعلم أنه عليه الصلاة والسلام ما أراد بقوله: " لا تجتمع أمتى على الخطأ " إلا من يتصور منه الوفاق والخلاف فى المسألة بعد فهمها، فلا يدخل فيه من لا يفهمها، وبين الدرجتين العوام المكلفون، والفقيه الذى ليس بأصولى، والأصولى الذى ليس بفقيه، والمجتهد الفاسق، والمبتدع، والناشىء من التابعين مثلا، إذا قارب رتبة الاجتهاد فى عصر الصحابة " (132) . ثم أفرد الغزالى لكل من هؤلاء الذين ذكر أنهم بين الدرجتين بحثا. ونحن نتبع ترتيبه، مفردين لكل منهم بحثا، غير متقيدين برأى الغزالى وحده فى الموضوع: أولا: دخول العوام فى الإجماع يرى الغزالى أنه " يتصور دخول العوام فى الإجماع، فإن الشريعة تنقسم إلى ما يشترك فى دركه العوام والخواص كالصلوات الخمس، ووجوب الصوم، والزكاة، والحج، فهذا مجمع عليه، والعوام وافقوا الخواص فى الإجماع، وإلى ما يختص بدركه الخواص، فتفصيل أحكام الصلاة والبيع والتدبير والاستيلاد، فما أجمع عليه الخواص فالعوام متفقون على أن الحق فيه ما أجمع عليه أهل الحل والعقد لا يضمرون فيه خلافا أصلا، فهم موافقون أيضا فيه، ويحسن تسمية ذلك إجماع الأمة قاطبة. فإذا كل مجمع عليه من المجتهدين فهو مجمع عليه من جهة العوام وبه يتم إجماع الأمة. فإن قيل: فلو خالف عامى فى واقعة أجمع عليها الخواص من أهل العصر، فهل ينعقد الإجماع دونه؟ إن كان ينعقد فكيف خرج العامى من الأمة، وإن لم ينعقد فكيف يعقد بقول العامى؟ قلنا: قد اختلف الناس فيه، فقال قوم: لا ينعقد، لأنه من الأمة فلابد من تسليمه بالجملة أو بالتفصيل. وقال آخرون- وهو الأصح- إنه ينعقد بدليلين: أحدهما: إن العامى ليس أهلا لطلب الصواب، إذ ليس له آلة هذا الشأن، فهو كالصبى والمجنون فى نقصان الآلة، ولا يفهم من عصمة الأمة من الخطأ إلا عصمة من يتصور منه الإصابة، لأهليته. والثانى- وهو الأقوى- أن العصر الأول من الصحابة قد أجمعوا على أنه لا عبرة بالعوام فى هذا الباب، أعنى خواص الصحابة وعوامهم، ولأن العامى إذا قال قولا علم أنه يقوله عن جهل، وأنه ليس يدرى ما يقول، وأنه ليس أهلا للوفاق والخلاف فيه، وعن هذا لا يتصور صدور هذا من عامى عاقل، لأن العاقل يفوض مالا يدرى إلى من يدرى (133) . ويقول عبد العزيز البخارى فى حاشيته على كشف الأسرار: " اعلم أن الإجماع إنما صار حجة بالنصوص الواردة بلفظ " الأمة " مثل قوله تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا ". وقوله جل ذكره " كنتم خير أمة أخرجت للناس ". وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تجتمع أمتى على الضلالة " وهذا اللفظ يتناول بظاهره كل مسلم. ثم ذكر ما ذكره الغزالى عن الطرفين الواضحين فى النفى والإثبات، وأن الأطفال والمجانين والأجنة، لا يدخلون، وأضاف إليهم من سيولد إلى يوم القيامة، لأنه وإن كان اللفظ ظاهرا فيه، فإن ما دل على كون الإجماع حجة دل على وجوب التمسك به، ولا يمكن التمسك بقول الكل قبل يوم القيامة لعدم كمال المجمعين، ولا فى يوم القيامة لانقطاع التكليف. ثم ذكر أن أهلية الإجماع إنما تثبت بصفة الاجتهاد والاستقامة فى الدين عملا واعتقادا، لأن النصوص التى جعلت الإجماع حجة تدل على اشتراط ذلك (134) . ويقول ملاجيون الحنفى فى شرحه علي المنار: " أهل الإجماع من كان مجتهدا صالحا، إلا فيما يستغنى عن الرأى، فإنه لا يشترط فيه أهل الاجتهاد بل لابد فيه من اتفاق الكل من الخواص والعوام حتى لو خالف واحد منهم لم يكن إجماعا كنقل القرآن وأعداد الركعات ومقادير الزكاة، واستقراض الخبز، والاستحمام، وقال أبو بكر الباقلانى: إن الاجتهاد ليس بشرط فى المسائل الاجتهادية أيضا ويكفى قول العوام فى انعقاد الإجماع. والجواب أن عليهم أن يقلدوا المجتهدين، ولا يعتبر خلافهم فيما يجب عليهم من التقليد (135) . واختار الآمدى أن موافقة العامى ومخالفته لها اعتبار فى الإجماع، موافقا فى ذلك القاضى أبا بكر الباقلانى. قال: " وذلك لأن قول الأمة إنما كان حجة لعصمتها عن الخطأ بما دلت عليه الدلائل السمعية من قبل ولا يمتنع أن تكون العصمة من صفات الهيئة الاجتماعية من الخاصة والعامة، وإذا كان كذلك فلا يلزم أن تكون العصمة الثابتة للكل ثابتة للبعض، لأن الحكم الثابت للجملة لا يلزم أن يكون ثابتا للأفراد ". " وبالجملة فهذه المسألة اجتهادية، غير أن الاحتجاج بالإجماع عند دخول العوام فيه يكون قطعيا وبدونهم يكون ظنيا " (136) وفى روضة الناظر فى أصول الحنابلة: مثل ما أوردناه نقلا عن الغزالى دون مخالفة له (137) . ومثل ذلك أيضا فى مختصر ابن الحاجب المالكى، وشرح العضد عليه (138) . وفى شرح ابن لقمان على الكافل فى أصول الزيدية أنه " لا يعتبر فى الإجماع موافقة المقلد ولا مخالفته " (139) فهو مختص بالمجتهدين. وفى حاشيته: " والمراد بالمجتهدين من كان يتمكن من النظر ولو فى بعض المسائل لأن الاجتهاد يتجزأ " (140) . وفى طلعة الشمس، فى أصول الإباضية: " ويخرج، أى بقيد المجتهدين، عوام الأمة الذين لا نظر لهم فى شىء من الشرعيات، وإنما يأخذون الأحكام عن علمائهم بطريق الاتباع والتقليد فلا يقدح خلافهم فى صحة الإجماع، ولا يعتبر وفاقهم فى صحته أيضا، وقيل: يعتبر وفاق العوام فى صحة الإجماع، لأن دليل الإجماع، لما اقتضى بظاهره دخول العوام احتمل أنه لا يتم قول العلماء إجماعا إلا بانقياد العوام لهم وإجابتهم إلى ذلك القول، ولو لم يكن عن اعتقاد لظاهر الأدلة، ولا مانع من وقوف كون الإجماع حجة شرعية على إجابة العوام إذ لا طريق للعقل إلى كونه حجة، وإنما يقتضيه الشرع فقط، ويجوز أن يكون فى انقيادهم للعلماء تمام كون قولهم حجة لوجه يعلمه الله تعالى ولا نعلمه فى المصالح الشرعية، ونقطع بذلك لأجل ورود العموم ولم يرد له مخصص، فلو لم يكن على عمومه خصصه الشرع ورد بأنه لما علمنا أنه لا تأثير للإجماع إلا حيث يكون للمجمعين مستند من دليل أو إمارة علمنا أنه لا تأثير لقول من لا مستند له (141) ". ثانيا: دخول الأصوليين وفقهاء الفروع، والنحويين وغيرهم ممن لم يبلغوا مرتبة الاجتهاد المطلق يصور الغزالى خلاف العلماء فى ذلك فيقول: إذا قلنا: لا يعتبر قول العوام، لقصور آلتهم، فرب متكلم ونحوى ومفسر ومحدث هو ناقص الآلة فى درك الأحكام. فقال قوم: لا يعتد إلا بقول أئمة المذاهب المستقلين بالفتوى، كالشافعى، ومالك، وأبى حنيفة وأمثالهم من الصحابة والتابعين. ومنهم من ضم إلى الأئمة، الفقهاء الحافظين لأحكام الفروع، الناهضين بها، لكن أخرج الأصولى الذى لا يعرف تفاصيل الفروع ولا يحفظها (142) . ويزيد الآمدى علي هذا مستكملا فيقول: ومنهم من عكس الحال وأعتبر قول الأصولى دون الفقيه (143) . وبالنسبة لغير الأصولى والفقيه فى الفروع، يقرر المقدسى فى روضة الناظر أن من يعرف من العلم ما لا أثر له فى معرفة الحكم كأهل الكلام واللغة والنحو ودقائق الحساب، فهو كالعامى لا يعتد بخلافه فإن كل أحد عامى بالنسبة إلى ما لم يحصل علمه وإن حصل علما سواه، هذا فيمن علمه لا أثر له فى معرفة الحكم، أما إذا كان الكلام فى مسألة تنبنى على النحو مثلا، مثل أن يبنى النحوى مسائل الشرط فى الطلاق على باب الشرط والجزاء فى العربية، ففى الاعتداد بخلافه أو عدم الاعتداد به رأيان (144) . ورجح الغزالى من هذه الآراء: أنه يعتد بخلاف الأصولى وبخلاف الفقيه المبرز، لأنهما أهل للنظر على الجملة، يقولان ما يقولان عن دليل، أما النحوى والمتكلم فلا يعتد بهما إلا أن يقع الكلام فى مسألة تنبنى على النحو أو على الكلام، وهو يميل إلى اعتبار الأصولى أولى فى الاعتداد به من فقيه الفروع فيقول: والصحيح أن الأصولى العارف بمدارك الأحكام وكيفية تلقيها من المفهوم والمنظوم، وصيغة الأمر والنهى والعموم، وكيفية تفهم النصوص والتعليل أولى بالاعتداد بقوله من الفقيه الحافظ للفروع، بل ذو الآلة من هو متمكن من درك الأحكام إذا أراد وإن لم يحفظ الفروع، والأصولى قادر عليه والفقيه الحافظ للفروع - أى الذى ليس تبريز فى الفقه والترجيح مع حفظه للفروع- لا يتمكن منه وآية أنه لا يعتبر حفظ الفروع: أن العباس والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأبا عبيدة ابن الجراح وأمثالهم ممن لم ينصب نفسه للفتوى، ولم يتظاهر بها تظاهر العبادلة (145) . وتظاهر على وزيد بن ثابت ومعاذ، كانوا يعتدون بخلافهم لو خالفوا، وكيف لا وقد كانوا صالحين للإمامة العظمى، ولاسيما لكون أكثرهم فى الشورى، وما كانوا يحفظون الفروع، بل لم تكن الفروع موضوعة بعد، لكن عرفوا الكتاب والسنة وكانوا أهلا لفهمهما، فينبغى أن يعتد بخلاف الأصولى وبخلاف الفقيه المبرز (146) . وحكى عبد العزيز البخارى الخلاف فى اعتبار الأصولى والفقيه الفروعى، فذكر أن من العلماء من اعتبر الأصولى دون الفروعى، ومنهم من اعتبر الفروعى دون الأصولى، ومنهم من اعتبرهما جميعا، ومنهم من نفاهما جميعا. وقال: إن الرأى الأخير هو ما يشير إليه كلام الشيخ- أى البزدوى- نظرا إلى عدم الأهلية فيهما وهى المعتبرة والموجودة فى أهل فى أئمة الحل والعقد من المجتهدين (147) . ويرى ابن الحاجب المالكى عدم الاعتداد بوفاق المقلد، أى أن الإجماع ينعقد بدونه فلا ينتظر وفاقه ولو كان قد حصل طرفا من العلوم التى لها مدخل فى الاجتهاد، أصوليا كان أو فروعيا أو غيرهما (148) . وكذلك الزيدية فإنهم يقولون: لا اعتبار بالمقلد فى الإجماع سواء وافق أو خالف على الأرجح (149) . وهذا هو ما رجحه أيضا المقدسى الحنبلى فى روضة الناظر (150) . ثالثا: المجتهد الفاسق أو المبتدع لا يعتد فى الإجماع بقول غير مسلم، فلا يعتد باليهود ولا بالنصارى، ولا بالمرتدين عن الإسلام رغبة عنه، ولا بالمنكرين لما علم من الدين بالضرورة من غير شبهة. وذلك لأن الإجماع هو اتفاق الأمة أو مجتهدى الأمة، وهؤلاء ليسوا من الأمة. أما الفاسق باعتقاد أو فعل، ففى الاعتداد به فى الإجماع خلاف وتفصيل. فالحنفية يقولون، كما فى كشف الأسرار للبزدوى: " إن أهلية الإجماع إنما تثبت بأهلية الكرامة وذلك لكل مجتهد ليس فيه هوى ولا فسق، أما الفسق فيورث التهمة ويسقط العدالة، وبأهلية أداء الشهادة، وصفة الأمر بالمعروف ثبت هذا الحكم، وأما الهوى، فإن كان صاحبه يدعو الناس إليه، فقد سقطت عدالته بالتعصب الباطل، وبالسفه، وكذلك أن مجن به، وكذلك أن غلا حتى كفر. وصاحب الهوى المشهور- به ليس من الأمة على الإطلاق (151) . ويوضح ذلك شارحه عبد العزيز البخارى فيقول: " إن أهلية الإجماع ثبتت بصفة الاجتهاد والاستقامة فى الدين عملا واعتقادا، لأن النصوص والحجج التى جعلت الإجماع حجة تدل على اشتراط هذه المعانى: أما اشتراط الاستقامة عملا، وهى العدالة فلأن حكم الإجماع وهو كونه ملزما إنما ثبت بأهلية أداء الشهادة كما قال تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء عل الناس ". وبصفة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قال عز وجل: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" لأنهما يوجبان اتباع الآمر بالمعروف والناهى، فيما يأمر وينهى، إذ لو لم يلزم الاتباع لا يكون فيهما فائدة، وإنما يلزم اتباع العدل المرضى فيما يأمر به وينهى عنه دون غيره، لأن ذلك بطريق الكرامة، والمستحق للكرامات على الإطلاق من كان بهذه الصفة، والفسق يسقط العدالة فلم يبق به أهلا لأداء الشهادة، ولا يوجب اتباع قوله لأن التوقف فى قوله واجب بالنص، يقصد قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " (152) . وذلك ينافى وجوب الاتباع ويورث التهمة لأنه لما لم يتحرز من إظهار فعل " ما يعتقده باطلا، لا يتحرز من إظهار قول يعتقده باطلا، فثبت أن الفاسق ليس من أهل الإجماع، وأنه لا اعتبار لقوله وافق أم خالف. وأما اتباع الهوى والبدعة فمانع أيضا من أهلية الإجماع، بشرط أن يكون صاحبه داعيا إليه، أو ماجنا به، أو غاليا فيه بحيث يكفر به، فإنه إذا كان يدعو الناس إلى معتقده، سقطت عدالته لأنه يتعصب لذلك حينئذ تعصبا باطلا حتى يوصف بالسفه، فيصير متهما فى أمر الدين فلا يعتبر قوله فى الإجماع. وكذلك إن مجن بالهوى، أى لم يبال بما قال وما صنع وما قيل له، لأن ترك المبالاة مسقط للعدالة أيضا. وكذلك إن غلا فيه حتى وجب إكفاره به، فلا يعتبر خلافه ووفاقه لعدم دخوله فى مسمى الأمة المشهود لها بالعصمة وإن صلى إلى القبلة، واعتقد نفسه مسلما لأن الأمة ليست عبارة عن المصلين إلى القبلة، بل عن المؤمنين وهو كافر وإن كان لا يدرى أنه كافر" (153) . وبعض الشافعية كأبى إسحاق الشيرازى وإماما الحرمين (154) ، والآمدى يرون أنه لا ينعقد الإجماع دون المجتهد الفاسق ببدعته أو بفعله، إلا إذا كفر ببدعته، كذلك لأنه من أهل الحل والعقد، وداخل فى مفهوم لفظ الأمة المشهود لهم بالعصمة، وغايته أن يكون فاسقا وفسقه غير مخل فى نظرهم بأهلية الاجتهاد، والظاهر من حاله فيما يخبر به من اجتهاده الصدق، كإخبار غيره من المجتهدين، كيف وإنه قد يعلم صدق الفاسق بقرائن أحواله فى مباحثاته وأقواله، وإذا علم صدقه وهو مجتهد كان كغيره من المجتهدين " (155) . وممن قال بذلك من الشافعية أيضا: الغزالى، فإنه قال فى المستصفى: " المبتدع إذا خالف لم ينعقد الإجماع دونه إذا لم يكفر بل هو كمجتهد فاسق وخلاف المجتهد الفاسق معتبر (156) . وهناك رأى ثالث فى المجتهد المبتدع الذى لم يكفر ببدعته، وهو: أن الإجماع لا ينعقد فى حقه إذا خالف، وينعقد فى حق غيره، أى أنه يجوز له مخالفة إجماع من عداه، ولا يجوز ذلك لغيره، فلا يكون الاتفاق مع مخالفته حجة عليه، ويكون حجة على من سواه (157) . ونسب هذا القول إلى بعض الشافعية (158) . وممن قال بمذهب الحنفية ابن الحاجب وشارح مختصره (159) ، وهو الظاهر أيضا عند الحنابلة (160) . وبذلك أيضا قال الإباضية (161) . وأما الزيدية فعندهم رأيان: أحدهما عدم اعتبار كافر التأويل وفاسقه معا، وذكروا أنه مروى عن جمهور أئمتهم، والرأى الآخر الاعتبار بهما فلا ينعقد من دونهما " إجماع " وهو مروى عن بعض أئمتهم أيضا (162) . رابعا: لا يختص الإجماع بالصحابة عند الجمهور: إجماع الصحابة حجة بلا خلاف، ولا يعتد العلماء بما يروى عن بعض المبتدعة من أنه ليس بحجة. والخلاف إنما هو فى اختصاص حجية الإجماع بإجماع الصحابة. فقد ذهب إلى ذلك الظاهرية (163) ، وأحمد ابن حنبل فى إحدى الروايتين عنه (164) . قال الظاهرية: إن الإجماع هو إجماع الصحابة فقط وليس لمن بعدهم أن يكون إجماعه حجة، لأن الإجماع إنما يكون عن توقيف، والصحابة هم الذين شهدوا التوقيف (165) ، أى الإعلام الشخصى. وفى رواية لأبى داود عن أحمد بن حنبل: الإجماع أن نتبع ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة، وهو فى التابعين مخير. وقد نقل عن أبى حنيفة مثل ذلك إذ يقول: إذا أجمعت الصحابة على شىء سلمنا، وإذا أجمع التابعون زاحمناهم (166) . وجمهور علماء المذاهب يخالفونهم فى ذلك، ويرون أن الإجماع ليس خاصا بالصحابة رضوان الله عليهم بل هو فى كل عصر. ِِقرر ذلك الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والزيدية، والإباضية (167) . والحجة التى تذكر للقائلين بأن الإجماع هو إجماع الصحابة فقط تتلخص فى أن الإجماع إنما صار حجة بصفة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والصحابة هم الأصول فى ذلك، لأنهم كانوا هم المخاطبين بقوله تعالى: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ". وبقوله تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " دون غيرهم، إذ الخطاب يتناول الموجود دون المعدوم، وكذلك قوله تعالى: " ويتبع غير سبيل المؤمنين " وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا تجتمع أمتى على الضلالة " خاص بالصحابة الموجودين فى زمن النبى- صلى الله عليه وسلم-، إذ هم كل المؤمنين، وكل الأمة، لأن من لم يوجد بعد لا يكون موصوفا بالإيمان، فلا يكون من الأمة، ولأنه لابد فى الإجماع من اتفاق الكل، والعلم باتفاق الكل لا يحصل إلا عند مشاهدة الكل، مع العلم بأنه ليس هناك أحد سواهم، وذلك لا يتأتى إلا فى الجمع المحصور كما فى زمان الصحابة، أما فى سائر الأزمنة فيستحيل معرفة اتفاق جميع المؤمنين على شىء مع كثرتهم وتفرقهم فى مشارق الأرض ومغاربها، ولأن الصحابة أجمعوا على أن كل مسألة لا تكون مجمعا عليها يسوغ فيها الاجتهاد، فلو أجمع غيرهم فى مسألة من هذا النوع لخرجت بهذا الإجماع الجديد عن أن تكون محلا للاجتهاد، وبذلك يكون معنا إجماعان: أحدهما: إجماع الصحابة، والثانى: إجماع من بعدهم، وهما متناقضان فى أن المسألة محل للاجتهاد أو ليست محلا للاجتهاد، هذه هى حجتهم وقد رد عليهم الجمهور بأن النصوص الموجبة لكون الإجماع حجة تتناول الموجودين فى ذلك الزمان ومن يأتى بعدهم، وإلا لزم ألا ينعقد إجماع الصحابة بعد موت من كان موجودا عند ورود تلك النصوص، لأن إجماعهم حينئذ ليس إجماع جميع المخاطبين وقت ورودها، وقد أجمعوا على صحة إجماع من بقى من الصحابة بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، وبعد من مات بعده من الصحابة، وليس ذلك إلا لأن الماضى غير معتبر، كما أن الآتى غير منتظر. وقولهم: أن العلم باتفاق الكل لا يحصل إلا عند مشاهدة الكل، فاسد أيضا، لأن حاصله يرجع إلى تعذر حصول الإجماع فى غير زمان الصحابة، وهذا لا نزاع فيه وإنما النزاع فى أنه لو حصل كان حجة وكذا شبهتهم الثالثة، فهى فاسدة أيضا، لأنه لو صح ما قالوا لزم امتناع إجماع الصحابة على المسائل الاجتهادية بعين ما ذكروا وهو باطل لإجماعهم على كثير من المسائل الاجتهادية، ولئن سلمنا إجماعهم على تجويز الاجتهاد فى مسألة اجتهادية فهو مشروط بعدم الإجماع الذى قد يجد وحينئذ لا يلزم التعارض، لأن الإجماع إذا وجد على حكم المسألة زال شرط الإجماع السابق على تجويز الاجتهاد فيها، فيزول ذلك الإجماع بزوال شرطه (168) .   (1) يونس:71. (2) انظر مادة جمع فى الكتب اللغوية التى ذكرناها. (3) ص 173 ج1 من المستصفى للغزالى طبع المطبعة الأميرية سنة1324 هجرية. (4) ص67 من كتاب إرشاد الفحول للشوكانى طبعة مطبعة السعادة بمصر سنه 1327 هجرية. (5) انظر هداية العقول إلى غاية السول وحواشيه ص 490 ج1 وهو من كتب الزيدية للحسين بن القاسم بن محمد المطبوع بمطبعة المعارف المتوكلية بصنعاء اليمن سنة 1359 هجرية. (6) ص 211 ج 2 من شرح مسلم الثبوت المطبوع مع المستصفى بالمطبعة السالفة الذكر. (7) ص173 ج1 من المستصفى. (8) ص 281 ج 1 من الأحكام للأمدى. (9) ص 282 ج1 من الأحكام للأمدى. (10) 103 ج 2 من شرح النسفى على المنار المطبوع بالمطبعة الأميرية سنة 1316 هجرية. (11) ص947 ج 3 من حاشية كشف الأسرار المطبوعة باستانبول سنة 1307 هجرية. (12) ص 108 من الجزء. الأول من كتاب الذخيرة المطبوع بكلية الشريعة بجامعة الأزهر سنة 1381 هجرية سنه 1961 م 0 (13) ص 1 33 ج 2 روضة الناظر، المطبوع بالمطبعة السلفية بمصر سنه 1342 هجرية. (14) انظر حاشية روضة الناظر المذكور ص 322، ج1. (15) ج2 ص 5 6 من شرح طلعة الشمس، المطبوع بمطبعة الموسوعات بعصر. (16) ص8 6 من إرشاد الفحول. (17) ج 2 ص 11 2 من شرح مسلم الثبوت. (18) ج 4 ص 149 من الأحكام لابن حزم المطبوع بمطبعة السعادة بمصر سنة 1345 هجرية. (19) انظر هداية العقول إلى غاية السول من كتب الزيدية للحسين بن القاسم بن محمد صفحة 490 وما بعدها، وقد سبقت الإشارة إلى المطبعة وسنة الطبع، وانظر أيضا كتاب " الكاشف لذوى العقول عن وجوه معانى الكافل بنيل السول " فى أصول الزيدية المطبوع بصنعاء سنة 1346 هجرية. (20) الرياض الناضرة فى أحكام العترة الطاهرة ص 5 3 وما بعدها، ص 49 من كتاب فوائد الأصول للشيخ مرتضى الانصارى الشيعى الإمامى، وهو مطبوع بالحجر سنة1374 هجرية بمدينة قم. (21) المصدر السابق. (22) ج1 ص173 من المستصفى للغزالى. (23) المصدر السابق. (24) ج 1ص 1 28 من الأحكام للأمدى. (25) ج1 ص335 من روضة الناظر. (26) ص74 من كتاب طلعة الشمس. (27) ص 103، 104 من الجزء الثانى من شرح المنار السابق ذكره، شرح نور الأنوار. (28) حاشية قمر الأقمار على نور الأنوار ص103ج2. (29) شرح المنار للنسفى ص104ج2 (30) انظر مختصر ابن الحاجب ج2 ص 29 طبع المطبعة الأميرية سنة 1316 هجرية وغيرهذا من كتب الأصول. (31) المستصفى للغزالى ص 173 ج1، ومسلم الثبوت وشرحه ص 312ج2 والأحكام للأمدى ص283 ج1 وغير ذلك من كتب المذاهب الستة المذكورة. (32) انظر هداية العقول إلى غاية السول (الحاشية) ص 492 ج 2، وانظر ص860 من شرح الإسنوى على المنهاج بحاشية الشيخ بخيت ج 3 طبع السلفية بمصر سنة 1345 هجرية وغير ذلك. (33) المستصفى للغزالى ص 173 ج 1. (34) روضةالناظر وشرحه فى أصول الحنابلة ص 1 33 ج1 (35) المستصفى للغزالى فى الموضع نفسه. (36) إرشاد الفحول للشوكانى ص 68. (37) هداية العقول إلى غاية السول ص 492 ج 2، وإرشاد الفحول للشوكانى ص8 6. (38) طلعة الشمس فى أصول الإباضية ص73، ج 2 (39) المرجع السابق. (40) المراجع نفسها. (41) المستصفى ج اص173 (42) الأحكام للأمدى ص283 ج1. (43) الأحكام للأمدى ص 284 ج1. (44) ص 68، 69 من إرشاد الفحول للشوكانى. (45) المستصفى ص 174 ج ا. (46) ص 5 28ج1 من الأحكام للآمدى. (47) راجع ص 30 ج 2 من شرح القاضى على مختصر ابن الحاجب وص 69 من إرشاد الفحول وغيرها. (48) ص 212 ج 2 من شرح مسلم الثبوت. (49) ص 858 ج 3 من شرح الإسنوى على المنهاج. (50) راجع فى هذا وفى الشرح ص496 ج 2 من هداية العقول قى أصول الزيدية. (51) ص77 من إرشاد الفحول. (52) انظر ص147ج4 وما بعدها من الأحكام لابن حزم الظاهرى. (53) ص 286 ج1 من الأحكام للآمدى. (54) ص213 ج 2 من مسلم الثبوت وشرحه. (55) ص860، 862 ج 3 من شرح الإسنوى على المنهاج وقد جاء مثل ذلك فى هداية العقول للزيدية ص497 ج 2 (56) شرح طلعة الشمس ص77، 78 ج 2. (57) ص 286 ج 1 من الأحكام للآمدى. (58) المستصفى للغزالى ص174ج 1 وإرشاد الفحول ص70. (59) المصدر السابق إرشاد الفحول ص70، وممن أسقط الاستدلال بالمفعول صاحب هداية العقول الزيدى ص8 29 ج 2. (60) سورة النساء: 115 (61) هذا الكلام للإسنوى فى شرحه على المنهاج ص 862 ج 3 وقد ذكر معناه الآمدى فى الأحكام ص286 ج 1 والشوكانى فى إرشاد الفحول ص 70 وأورده بنصه صاحب هداية العقول فى أصول الزيدية ص 499 ج 2، وجاء بمعناه أيضا فى مسلم الثبوت وشرحه ص214 ج 2، وفى شرح المنار فى أصول الحنفية ص 109 ج 2 وغير ذلك. (62) إرشاد الفحول ص 1 7. (63) المستصفى ج1 ص 5 17. (64) ص 499،، 500 من هداية العقول فى أصول الزيدية. (65) سورة البقرة: 143. (66) سورة القلم: 28. (67) شرح الإسنوى على المنهاج ص 873، 874 ج 3 والأحكام للآمدى ص 302 ج1 وهداية العقول للزيدية ص 501 ج 2 وشرح المنار ص 109 ج 2. (68) ص 874 ج 3 من شرح الإسنوى. (69) ص 73 من إرشاد الفحول. (70) انظر شرح طلعة الشمس فى أصول الإباضية ص97 ج 2. (71) مسلم الثبوت وشرحه ص 216، 217 ج 2. (72) سورة آل عمران: 110. (73) سورة يونس: 32. (74) إرشاد الفحول ص 74 وشرح المنار ص 109ج 2. (75) إرشاد الفحول ص 74. (76) سورة آل عمران: 103. (77) الأحكام للآمدى ص 309، 310ج1 (78) الأحكام للآمدى ص309 وما بعدها ج1. (79) سورة النساء:590. (80) الأحكام للآمدى ص 311 ج 1 0 (81) ص 312 ج1 للأحكام. (82) المستصفى ص 175ج 1 (83) خرجت هذه الأحاديث وبينت درجاتها فى كتاب هداية العقول إلى غاية السول فى أصول الزيدية للحسين بن القاسم حينما استدل بها على حجية الإجماع وذلك فى صفحة 503 ج 2 وما بعدها. كما خرج الكثير منها شارح روضة الناظر فى أصول الحنابلة ص 338ج 1 وما بعدها فمن شاء فليرجع إليهما. (84) المستصفى للغزالى ص 5 17، 176ج 1، وقد جاء مثله فى ص 313 ج1 وما بعدها من الأحكام للآمدى ومثله أيضا فى روضة الناظر للحنابلة ص 8 33 ج1 وما بعدها. (85) ص 215، 216 من مسلم الثبوت وشرحه ج2 وقد نقل مثله الإسنوى فى شرحه ص 875 ج 3. (86) ص 319 ج 1من الأحكام للآمدى. (87) ص 213 من شرح مسلم الثبوت ج 2. (88) ص 32 ج 1 من الأحكام للآمدى. (89) ص 180 من المستصفى للغزالى ج 1. (90) سورة النحل: 89. (91) الأحكام للآمدى ص 290 ج1. (92) ابن الحاجب وشرحه ص 32 ج 2. (93) الأحكام للآمدى ص 299 ج 1. (94) شرح مختصر ابن الحاجب ص 32 ج 2. (95) سورة النساء: 59. (96) المصدر نفسه. (97) الآمدى ص 299 ج 1. (98) المرجع نفسه من شرح العضد على ابن الحاجب. (99) ص 217 ج 2 من شرح مسلم الثبوت. (100) سورة البقرة: 188. (101) سورة الإسراء:33 (102) سورة الأعراف: 33 (103) سورة الأنعام: 35. (104) سورة الزمر: 65. (105) ص 300 ج1 من الأحكام للآمدى. (106) جاء فى لسان العرب: " القذة سن السهم "، وفى الحديث " لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة "، يعنى كما تقدر كل واحدة منهن- أى كل قذة من القذذ- على صاحبتها وتقطع " انتهى، والحذوة قطع الشىء على مثال شىء آخر. (107) ص290، 291 ج 2 من الأحكام للآمدى. (108) ص 300 ج 1 عن الأحكام للآمدى وما بعدها. (109) ص 291 ج امن الأحكام للآمدى. (110) ص 301 ج 1 من الأحكام للآمدى. (111) ص 291 ج 1 من الأحكام للآمدى. (112) ص 302 ج 1 من الأحكام للآمدى. (113) سورة الضحى: 7. (114) سورة الشعراء: 20. (115) انظر فى تأويلهم والرد عليهم كلام الغزالى فى المستصفى ص178 ج 1 0 (116) ص 74، 75 من إرشاد الفحول. (117) ص 971 ج 3 (انظر الحاشية لعبد العزبز البخارى) . (118) ص 972 ج 3 " انظر كشف الأسرار ". (119) ص 981 ج 3 " انظر كلام صاحب الكشف". (120) ص 981 ج 3، انظر الشرح لعبد العزيز البخارى. (121) ص 73 من إرشاد الفحول هذا نصه وقد نقله عبد العزيز البخارى فى كلامه هنا 0 (122) ص ا98، 982 من حاشية عبد العزيز البخارى ج 3. (123) ص 111، 112 من شرح المنار ج 2 بكل من النسفى وملاجيون 0 (124) ص 66، ج 2 من طلعة الشمس. (125) ص 72 ج 2 من طلعة الشمس. (126) ص83، 84 من الكافل بنيل السول وشرحه، وقد تقدم ذكر طبعته. (127) ص 909 من شرح الإسنوى على المنهاج ج 3. (128) ص 105 من شرح المنار ج 2. (129) ص 104، 105 من شرح النسفى على المنار وما بعدها. (130) ص 911 ج 3 من شرح الإسنوى على المنهاج وما بعدها. (131) ص915، 916 من شرح الإسنوى على المنهاج ج 3 (132) المستصفى للغزالى ص 181، ج1. (133) ص 181، 182 من المستصفى ج1. (134) ص956 ج3 وما بعدها من حاشية عبد العزيز البخارى على كشف الأسرار. (135) ص 105، 106 ج2 من شرح المنار. (136) ص 322، 325 ج 1 من الأحكام للآمدى. (137) ص347 ج1 من روضة الناظر. (138) ص33 من الشرح المذكور. (139) ص 71 من الشرح المذكور. (140) نفس الموضع. (141) ص 77 ج 2 من طلعة الشمس. (142) المستصفى ص 182 ج1. (143) الأحكام للآمدىج1 ص386. (144) روضة الناظر ص350، 351 ج1. (145) العبادلة: كما قال صاحب القاموس- هم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص وليس منهم عبد الله بن مسعود، كما قال فى القاموس: وغلط الجوهرى- أى فى عده ابن مسعود من العبادلة- والصحيح أن الجوهرى لم يعده منهم ولعل نسخة محرفة من الصحاح وقعت لصاحب القاموس فيها، ذلك مع أن جميع نسخه ليس فيها ذلك، انتهى. شارح القاموس. (146) ص183 ج1 من المستصفى. (147) حاشية عبد العزيز البخارى على كشف الأسرار ص960ج 3 (148) ص33 ج 2 من المختصر وشرحه للعضد. (149) ص 491، 560 من شرح هداية العقول ج1. (150) ص 352 ج1 من روضة الناظر. (151) ص 956ج3 من كشف الأسرار. (152) سورة الحجرا ت: 6. (153) ص7 هـ 9، 8 هـ 9 من حاشية عبد العزيز البخارى ج 3. (154) المرجع السابق من الموضع نفسه (155) ص 326ج1 من الأحكام للآمدى. (156) ص 183 ج 1 من المستصفى. (157) ص6 32 ج1 من الأحكام للآمدى، ص 33 ج 2من شرح مختصر ابن الحاجب للعضد. (158) ص958 من حاشية عبد العزير البخارى ج 3. (159) ص 33 ج 2 من مختصر ابن الحاجب وشرحه. (160) ص 353 ج1 من روضة الناظر. (161) ص 5 7 من شرح طلعة الشمس ج 2. (162) شرح هداية العقول للزيدية ص 563ج1. (163) الآمدى فى الأحكام ص 328ج1 وابن حز م فى كتابه الأحكام ص149 ج4. (164) الآمدى فى الموضوع نفسه. (165) إرشاد الفحول للشوكانى ص77. (166) المرجع السابق. (167) راجع فى مذهب الحنفية ص960ج3 من كشف الأسرار للبزدوى وشرحه لعبد العزيز البخارى ص106 ج 2 من شرحى المنار، وفى مذهب المالكية ص34 ج2 من شرح مختصر ابن الحاجب، ص 111 ج1 من الذخيرة. وفى مذهب الشافعية ص 5 18 ج1 من المستصفى للغزالى وص8 32 ج1 من الأحكام للآمدى. وفى مذهب الحنابلة ص 372 ج1 من روضة الناظر وفى مذهب الزيدية ص565 من هداية العقول ج1. وفى مذهب الإباضبة ص 82 ج 2 من طلعة الشمس. (168) اقرأ فى بيان حجتهم والرد عليها، كتب الأصول التى أشرنا إليها فى مذاهب الجمهور، ومنها حاشية عبد العزيز البخارى على كشف الأسرار ص 961، 962 ج3 وعنه نقلنا الاحتجاج والرد بتصرف يسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 إجماع (ب) خامسا: لا يتحقق الإجماع بعترة الرسول صلى الله عليه وسلم وحدهم عند الجمهور كافة الزيدية يقولون: إن الإجماع عام وخاص، كما قدمنا، فالعام هو إجماع جميع المجتهدين والخاص هو إجماع مجتهدى عترة الرسول عليه الصلاة والسلام. ولو انفرد العترة وحدهم فأجمعوا على أمر فى عصر من العصور دون غيرهم انعقد الإجماع بذلك ولم يتوفف على موافقة الغير. وقد بينا فى تعريف الإجماع مرادهم بالعترة، وقد وافقهم على مذهبهم بعض العلماء، منهم أبو هاشم وأبو عبد الله البصرى، والقاضى عبد الجبار، فى رواية عنه، واحتجوا على مذهبهم بالكتاب والسنة فأما الكتاب فقوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (169) . وجه الدلالة أنه تعالى أخبر مؤكدا بالحصر بإرادته إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم تطهيرا تاما، وما يريده الله تعالى من أفعاله واقع قطعا، فثبت ذهاب الرجس عنهم، وطهارتهم عنه الطهارة التامة، والرجس المطهرون عنه ليس إلا ما يستخبث من الأقوال والأفعال، ويستحق عليه الذم والعقاب، لأن معناه الحقيقى لا يخلو عنه أحد منهم. وليس المراد إذهابه عن كل فرد، لأن المعلوم خلافه، فتعين أن المقصود إذهابه عن جماعتهم فجماعتهم إذن معصومة وهو المطلوب، وكذلك استدلوا بقوله تعالى:" قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى ". دلت الآية على أن مودتهم طاعة، بل واجبة، فيكونون على الحق، وإلا حرمت مودتهم، بقوله تعالى: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله " وغيرها. وكونهم على الحق يقتضى وجوب متابعتهم، لعدم الواسطة بين الحق والضلال بدليل قوله تعالى " فماذا بعد الحق إلا الضلال " والمراد بالقربى أهل البيت 0 وأما السنة فأحاديث كثيرة رووها وتمسكوا بها، منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إنى تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدى أبدا: كتاب الله، وعترتى، أهل بيتى، ألا وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ". وحديث الثقلين هذا شهور عندهم ومروى من جهات كثيرة. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " مثل أهل بيتى فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك ". ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " أهل بيتى أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ". وقد عنى الزيدية بإيراد هذه الأحاديث والاستدلال بها على ما ذهبوا إليه، وترى ذلك فى كتبهم ومنها كتاب "هداية العقول " الذى أفاض فى إيراد الأدلة على ذلك، وفى مناقشة معارضيها أو ناقضيها (170) . ويرد عليهم علماء الجمهور: أولا: بأن المراد من قوله تعالى " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، فالآية نازلة فيهن بين آيات سابقة لها، وآية لاحقة بها، فالآيات السابقة تبدأ من قوله تعالى: "يا أيها النبى قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا " (171) إلى قوله تعالى " وقلن قولا معروفا " (172) . ثم تأتى آية الاستدلال، وهى قوله تعالى " وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (173) . والآية اللاحقة بذلك هى قوله تعالى: " واذكرن ما يتلى فى بيوتكن من آيات الله والحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا " (174) . فالكلام فى هذه الآيات إنما هو مع أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى عبر فى إذهاب الرجس بقوله: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت " فأتى بضمير الخطاب للذكور فى لفظ " عنكم " وأتى بلفظ " أهل البيت " فيفهم من ذلك أنه أراد أن يعمم هذا الحكم وهو حكم إرادة التطهير فى أهل البيت رجالا ونساء على سنة تغليب المذكر إذا اجتمع رجال ونساء، فغاية ما يدل عليه ذلك هو اشتراك قرابة النبى وأزواجه فى هذا التطهير المراد، فإذا كان هذا يدل على عصمتهم وحجية إجماعهم فقولوا بذلك أيضا فى الأزواج كما قلتم به فى القرابة والعترة وأنتم لم تقولوا به، فبطلت حجتكم. ثانيا: معنى الرجس الذنب، فغاية ما يلزم العصمة عن الذنوب لا العصمة عن الخطأ فى الاجتهاد كيف والمجتهد المخطىء يؤجر ويثاب، فكيف يكون ما يؤجر عليه الإنسان ويثاب من باب الرجس. ويحتمل أن يكون المراد من الرجس الشرك أو الإثم، أو الأهواء، أو البدع، أو يكون إذهاب الرجس بما ساق إليهم من تشريع، فلا يلزم منه العصمة من الخطأ فى الاجتهاد أيضا. وقد كثر الجدال فى المعنى المراد من هذه الآية، وحاول كل فريق أن يقوى دلالتها على ما ذهب إليه أو على نفى ما ذهب إليه الآخرون، ولا يتسع المجال لذكر هذا كله، فمن شاء فليرجع فيه إلى كتب الفريقين، مثل " هداية العقول " فى أصول الزيدية، وشرح مسلم الثبوت، فكل منهما يمثل وجهة نظره فى استقصاء، ويرد على ما يناقشه به الآخرون (175) . وكذلك الكلام فى باقى الأدلة التى استدلوا بها من الكتاب. أما استدلالهم بالأحاديث فقد رد عليهم فيه بأن هذه الأحاديث آحاد، وخبر الواحد ليس بحجة فى مثل هذا ولكنهم لا يقبلون هذا الرد، فإن الأحاديث التى أتوا بها متواترة، إما لفظا بذكر الاعتصام بآل البيت نصا، أو على سبيل التواتر المعنوى، كما قال الجمهور فى أحاديث عصمة الأمة عن الخطأ والضلال. وقد عارضهم الجمهور بمثل " أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم واهتديتم " وبما تواتر عن الصحابة والتابعين من أنهم كانوا يجتهدون ويفتون بخلاف ما أفتى به أهل البيت ولا ينكر أحد عليهم، ولا يعيبهم أهل البيت أنفسهم، وهذا يفيد أن أهل البيت لا يقولون بوجوب اتباع ما أجمعوا عليه. ألم تر كيف رد ابن مسعود قول أمير المؤمنين على فى عدة الحامل المتوفى عنه زوجها، وكيف رد شريح قوله بقبول شهادة الابن، مع أن كلا من الزيدية والإمامية يقولون بحجية قوله، ويستدلون لذلك بأدلة عندهم، فقول الإمام إذن يدل على إجماع أهل البيت عند الإمامية والزيدية، فكيف ساغ للصحابة والتابعين أن يخالفوه. بمثل هذا يستدل الجمهور على بطلان القول بأن إجماع عترة الرسول صلى الله عليه وسلم يكفى حين ينفردون به عن غيرهم من مجتهدى الأمة، والنقاش طويل والمراجع هى المراجع التى ذكرناها للفريقين. سادسا: إجماع أهل المدينة إجماع أهل المدينة على انفرادهم ليس بحجة عند الجمهور لأنهم بعض الأمة، والأدلة الدالة على كون الإجماع حجة متناولة لأهل المدينة وغيرهم. وقال مالك رحمه الله تعالى: أنه حجة فلا يعتد بمخالفة غيرهم، ومن أصحابه من قال: إنما أراد بذلك ترجيح روايتهم علي رواية غيرهم. ومنهم من قال: أراد به أن إجماعهم أولى ولا تمتنع مخالفته (176) . وقال الباجى: إنما أراد حجية إجماع أهل المدينة فيما كان طريقه النقل المستفيض، كالصاع والمد والأذان والإقامة وعدم وجوب الزكاة فى الخضروات مما تقضى العادة بأن تكون فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم، فإنه لو تغير عما كان عليه لعلم، فأما مسائل الاجتهاد فهم وغيرهم سواء0 وقال القاضى عبد الوهاب: إجماع أهل المدينة على ضربين: نقلى، واستدلالى. فالأول كنقلهم الصاع والمد والأذان والإقامة والأوقات والأجناس وكتركهم أخذ الزكاة من الخضروات مع أنها كانت تزرع بالمدينة، وكان النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده لا يأخذون منها، وهذا النوع من إجماعهم حجة يلزم عندنا المصير إليه وترك الأخبار والمقاييس به، لا اختلاف بين أصحابنا فيه 0 والثانى، وهو إجماعهم من طريق الاستدلال، فاختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه: أحدهما: أنه ليس بإجماع ولا مرجح. والثانى: أنه مرجح 0 والثالث: أنه حجة ولكن لا يحرم خلافه وإذا عارض هذا النوع الاستدلالى خبر فالخبر أولى عند جمهور أصحابنا، وقد صار جماعة إلى أنه أولى من الخبر بناء منهم على أنه إجماع وليس بصحيح لأن المشهود له بالعصمة إجماع كل الأمة لا بعضها (177) . ويرى ابن الحاجب المالكى أن الصحيح التعميم، أى القول بكونه حجة مطلقا، لأن العادة جرت بعدم إجماع هذا الجمع الكثير من العلماء المحصورين الأحقين بالاجتهاد إلا عن راجح (178) . وقد قيد ابن الحاجب إجماع أهل المدينة الذى فيه الكلام بأنه إجماع أهل المدينة من الصحابة والتابعين. ويقول الغزالى فى الرد على ما ذهب إليه مالك: " إن أراد مالك أن المدينة هى التى جمعت فى زمن الصحابة أهل الحل والعقد، فمسلم له ذلك لو جمعت، وليس ذلك بمسلم بل لم تجمع المدينة جميع العلماء لا قبل الهجرة ولا بعدها، بل ما زالوا متفرقين فى الأسفار والغزوات والأمصار. وإن أراد أن اتفاقهم فى قول أو عمل يدل على أنهم استندوا إلى سماع قاطع لأن الوحى الناسخ نزل فيهم فلا تشذ عنهم مدارك الشريعة، فهذا تحكم، إذ لا يستحيل أن يسمع غيرهم حديثا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر أو فى المدينة لكن يخرج منها قبل نقله، وربما احتجوا بثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة وعلى أهلها، وذلك يدل على فضيلتهم وكثرة ثوابهم لسكناهم المدينة، ولا يدل على تخصيص الإجماع بهم " (179) . ونقل صاحب طلعة الشمس فى أصول الإباضية عن الحاكم قوله: " والمشهور عن مالك أنه رد الخبر بفعل أهل المدينة حتى قال ابن ذؤيب: يستتاب مالك " (180) . يريد أن مالكا روى إجماع أهل المدينة على أن البيع بشرط البراءة لا يجوز ولا يبرىء من العيب أصلا علمه أو جهله، ثم خالفهم، فلو أخذناه بمذهبه لقلنا له: خالفت الإجماع ومن خالف الإجماع يستتاب. وهذه المخالفة من مالك لما عليه العمل والإجماع من أهل المدينة، يستدل بها من يؤول مذهب مالك فى ذلك. ويقول: لو كان يرى أن إجماعهم حجة لم تسعه مخالفته (181) . بل كل ما هنالك أنه يرجح نقلهم على نقل غيرهم، وهذا ما يشاركه فيه الشافعى، فقد أشار إلى هذا فى القديم، ورجح رواية أهل المدينة، وحكى عنه ذلك يونس بن عبد الأعلى، قال: قال الشافعى: إذا وجدت متقدمى أهل المدينة على شىء فلا يدخل فى قلبك شك أنه الحق، وكلما جاءك شىء غير ذلك فلا تلتفت إليه ولا تعبأ به (182) . ثم استمر صاحب طلعة الشمس فى التعقيب على ما اشتهر نقله عن مالك فقال: " إن أكابر علماء الصحابة كانوا خارجين عن المدينة، وهذا يستلزم ألا يعتد بخلافهم، وهو من البعد بمنزلة لا تخفى على ذوى الألباب، فإن عليا وابن مسعود وأبا موسى وغيرهم كانوا بالكوفة، وأنس فى البصرة وأبو الدرداء بالشام، وسلمان فى المدائن، وأبو ذر كان فى الربذة، ومن المحال ألا يعتد بخلاف هؤلاء لأهل المدينة، فبطل ما زعموا. هذا ما قاله صاحب المنهاج، وهو من الحسن بمنزلة لا تخفى " (183) . سابعا: إجماع الخلفاء الراشدين " لا ينعقد الإجماع عند الجمهور باتفاق الخلفاء الأربعة أو الخمسة، فيما لو عد الحسن بن على رضى الله عنه (184) ، مع وجود المخالف لهم من الصحابة رضى الله عنهم، ولا ينعقد من باب أولى باتفاق الشيخين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما. وذلك لما سبق من أن الدلالة الدالة على اعتبار الإجماع حجة متناولة لإجماع أهل الحل والعقد كلهم فلا خصوصية للخلفاء الراشدين. ونقل الآمدى وغيره عن أحمد بن حنبل، فى إحدى روايتين عنه، أنه يرى إجماع الخلفاء الأربعة حجة. وكذلك نقل هذا عن القاضى أبى حازم من أصحاب أبى حنيفة (185) وعن بعض الظاهرية (186) وعن ابن البنا من الحنابلة (187) ، وحجة من قال بإجماع الأربعة، أو الخمسة، قوله عليه الصلاة والسلام: " عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى، عضوا عليها بالنواجذ "، فقد أوجب اتباع سنتهم كما أوجب اتباع سنته والمخالف لسنته لا يعتد بقوله، فكذلك المخالف لسنتهم. وحجة من قال: بإجماع الشيخين قوله عليه الصلاة والسلام: " اقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر ". قال الآمدى: وهذا معارض بقوله عليه الصلاة والسلام: " أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم أهديتم " وليس العمل بأحد الخبرين أولى من العمل بالآخر، فبطل الاستدلال بحديث " عليكم بسنتى " وحديث " اقتدوا بالذين من بعدى " (188) . وقال صاحب طلعة الشمس الإباضى: " إن سنة الخلفاء الراشدين كسنته صلى الله عليه وسلم فى وجوب الاتباع، لا فى اعتبار الإجماع، ولم يخص النبى صلى الله عليه وسلم الخلفاء الأربعة بل أراد كل خليفة حق، ولا شك أنه قد جاء من بعدهم خليفة حق من أئمة المسلمين رضى الله عنهم فلا وجه لتخصيص الأربعة " (189) . وفى حواشى هداية العقول للزيدية: إن حديث " اقتدوا بالذين من بعدى " ضعفه الذهبى، وحديث " عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى " رواه أبو داود وضعفه ابن القطان، وحديث " أصحابى كالنجوم " ضعفه أحمد (190) . وذكر ابن قدامة المقدسى الحنبلى فى روضة الناظر: أنه قد نقل عن أحمد رحمه الله ما يدل على أنه لا يخرج عن قول الخلفاء الأربعة إلى قول غيرهم، وكلام أحمد فى إحدى الروايتين عنه يدل على أن قولهم حجة، ولا يلزم من كل ما هو حجة أن يكون إجماعا ". فهذا تحرير لمذهب ابن حنبل فى هذه المسألة، وقد علق عليه شارح الروضة بأنه هو الحق (191) . ثامنا: إجماع الحرمين والمصرين المراد بالحرمين مكة والمدينة، وبالمصرين الكوفة والبصرة، وقد ذكر الغزالى: " إن قوما قالوا المعتبر إجماع أهل الحرمين مكة والمدينة، والمصرين الكوفة والبصرة، وما أراد هؤلاء، والقائمون بإجماع أهل المدينة، إلا أن هذه البقاع قد جمعت فى زمن الصحابة أهل الحل والعقد. ثم بين الغزالى أن ذلك غير مسلم، (192) ولم يبين الغرالى من هم القائلون بذلك. وجاء فى هداية العقول، من كتب أصول الزيدية: " حكى الأمدى وغيره عن بعض، القول بأن إجماع أهل الحرمين والمصرين حجة على غيرهم، وقيل: بل إجماع البصرة والكوفة فقط، حكاه الشيخ أبو إسحاق فى اللمع. وقيل: إجماع أهل الكوفة وحدها كما نقل عن حكاية ابن حزم. وقيل: إجماع البصرة وحدها، كما نقله بعض شراح المحصول " (193) . وقال الشوكانى فى إرشاد الفحول: وقد زعم بعض أهل الأصول أن إجماع أهل الحرمين والمصرين حجة، ولا وجه لذلك، وقد قدمنا قول من قال بحجية إجماع أهل المدينة، فمن قال بذلك فهو قائل بحجية إجماع أهل مكة والمدينة والمصرين من باب أولى. قال القاضى: وإنما خصوا هذه المواضع لاعتقادهم تخصيص الإجماع بالصحابة، وكانت هذه البلاد مواطن الصحابة ما خرج منها إلا الشذوذ. قال الزركشى: وهذا صريح بأن القائلين بذلك لم يعمموا فى كل عصر، بل فى عصر الصحابة فقط. قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى: قيل إن المخالف أراد زمن الصحابة والتابعين، فإن كان هذا مراده فمسلم لو اجتمع العلماء فى هذه البقاع، ولكنهم لم يجتمعوا فيها (194) . وجمهور الأصوليين على غير هذا الرأى، ولم يقل بذلك أحد من المذاهب التى تقول بالإجماع والحجة فى ذلك أنهم بعض الأمة، والأدلة التى ثبتت بها حجية الإجماع متناولة لأهل الحل والعقد كلهم كما سبق. تاسعا: إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل اختلف العلماء فى انعقاد إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل، ومنهم من يعبر عن ذلك بندرة المخالف أى قلته غاية القلة، كإجماع من عدا ابن عباس على العول مع مخالفته فيه، وإجماع من عدا أبا موسى الأشعرى على أن النوم ينقض الوضوء مع مخالفته فى ذلك، وإجماع من عدا أبا طلحة على أن كل البرد يفطر، مع مخالفته فى ذلك. فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينعقد. قال الآمدى فى تأييد هذا المذهب: والمختار مذهب الأكثرين، ويدل عليه أمران: الأول: أن التمسك فى كون الإجماع حجة إنما هو بالأخبار الواردة فى السنة، الدالة على عصمة الأمة وعند ذلك فلفظ " الأمة " فى الأخبار يحتمل أنه أراد به كل الموجودين من المسلمين فى أى عصر كان، أى جميع أهل الحل والعقد منهم، ويحتمل أنه أراد به الأكثر كما يقال: بنو تميم يحمون الجار ويكرمون الضيف والمراد به الأكثر، لكن حمله على الأكثر بطريق المجاز، ولا يصار إلى المجاز مع إمكان الحقيقة، ولهذا يصح أن يقال إذا شذ عن الجماعة واحد، ليمس هم كل الأمة، ولا كل المؤمنين بخلاف ما إذا لم يشذ منهم أحد، وعلى هذا فيجب حمل لفظ " الأمة " على الكل. الثانى: أنه قد جرى مثل ذلك فى زمن الصحابة ولم ينكر أحد منهم على خلاف الواحد، بل سوغوا له الاجتهاد فيما ذهب إليه مع مخالفة الأكثر، ولو كان إجماع الأكثر حجة ملزمة للغير، لما كان كذلك، أى لما سوغوا له أن يجتهد، وقد أجمعوا ولبادروا بالإنكار والتخطئة (195) . وهذا الرأى هو الذى اختاره جمهور علماء المذهب وساروا فى كتبهم على ترجيحه (196) . وذهب جماعة إلى انعقاد الإجماع إذا اتفق الأكثر وخالف الأقل، وممن قال بذلك: محمد بن جرير الطبرى، وأبو بكر الرازى وأبو الحسين الخياط، وأحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه، وينقل عن بعض الزيدية الميل إليه (197) ، واحتج أصحاب هذا المذهب بما ورد من عصمة الأمة عن الخطأ، وقالوا: أن لفظ الأمة يصح إطلاقه على أهل العصر، وإن شذ منهم الواحد والاثنان ويرشحه قوله: عليه الصلاة والسلام " عليكم بالسواد الأعظم "،: " عليكم بالجماعة "،: " يد الله على الجماعة "،: " إياكم والشذوذ " والواحد والاثنان بالنسبة إلى الخلق الكثير شذوذ، " الشيطان مع الواحد وهو عن الاثنين أبعد". وقد اعتبرت خلافة أبى بكر رضى الله عنه ثابتة بالإجماع وإن خالف فى ذلك سعد ابن عبادة، ولولا أن إجماع الأكثر مع مخالفة الأقل حجة لما كان أمامة أبى بكر رضى الله عنه ثابتة بالإجماع، ثم إن خبر الواحد بأمر لا يفيد العلم، وخبر الجماعة إذا بلغ عدد التواتر يفيد العلم، فليكن مثله فى باب الاجتهاد والإجماع. وقد أنكرت الصحابة على ابن عباس خلافه فى ربا الفضل فى النقود، وتحليل المتعة، ولولا أن اتفاق الأكثر حجة لما أنكروا عليه، فإنه ليس للمجتهد الإنكار على المجتهد إلى غير ذلك من وجوه الاستدلال وكلها قد دارت فيه المناقشة بين المثبتين والمخالفين- (198) وهناك آراء أخرى كرأى من يقول: إن عدد الأقل إن بلغ التواتر لم يعتد بالإجماع دونه، وإلا كان معتدا به (199) . ولم ينسبوا هذا الرأى إلى قائل معين، وكرأى أبى عبد الله الجرجانى، وأبى بكر الرازى من الحنفية: أنه إذا سوغت الجماعة الاجتهاد للمخالف فيما ذهب إليه كان خلافه معتدا به، مثل خلاف ابن عباس رضى الله عنهما فى توريث الأم ثلث جميع المال مع الزوج والأب، أو مع المرأة والأب وإن لم يسوغوا له ذلك الاجتهاد فلا يعتد بخلافه، مثل خلاف ابن عباس رضى الله عنهما فى تحريم ربا الفضل، وخلاف أبى موسى الأشعرى فى أن النوم ينقض الوضوء (200) . وكالرأى الذى اختاره ابن الحاجب المالكى من أن قول الأكثر يكون حجة، ولا يكون إجماعا قطعيا (201) . فمذهب ابن الحاجب فى عدم اعتبار اتفاق الأكثر إجماعا هو مذهب الجمهور، أى أن الإجماع لا ينعقد مع وجود المخالف وإن قل. ولكنه يتكلم فى حجية اتفاق الأكثر وعدم قطعيته وكالرأى القائل بأن اتباع الأكثر أولى وإن جاز خلافه (202) عاشرا: إجماع الصحابة مع خلاف من أدركهم من مجتهدى التابعين اختلفوا فى التابعى إذا كان من أهل الاجتهاد فى عصر الصحابة، هل ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفته أو لا ينعقد؟ فمنهم من قال: إن كان التابعى من أهل الاجتهاد قبل انعقاد إجماع الصحابة فلا يعتد بإجماعهم مع مخالفته، وإن بلغ رتبة الاجتهاد بعد انعقاد إجماع الصحابة فلا يعتد بخلافه. والقائلون بذلك هم أصحاب الشافعى وأصحاب أبى حنيفة، وهو مذهب أحمد ابن حنبل فى أحد الروايتين عنه. ومذهب مالك والزيدية والإباضية على أصح القولين عندهم (203) . والدليل على ذلك: أنه فى حالة بلوغ التابعى رتبة الاجتهاد قبل إجماع الصحابة لا يصدق على الصحابة وحدهم لفظ " الأمة " مع مخالفة التابعى المجتهد لهم، وقد كان كثير من التابعين يفتون فى عهد الصحابة، وكان الصحابة يسوغون ذلك لهم، بل كانوا أحيانا يحيلون عليهم فى المسائل كالذى روى عن ابن عمر أنه سئل عن فريضة، فقال: اسألوا فيها سعيد بن جبير فإنه أعلم بها منى. وعن الحسين بن على كرم الله وجهه أنه سئل عن مسألة فقال: اسألوا الحسن البصرى، إلى غير ذلك. أما فى حالة عدم بلوغ التابعى مرتبة الاجتهاد عند إجماع الصحابة فالأمر يختلف إذ لفظ " الأمة " ينطبق على الذين أجمعوا وحدهم، فهم أهل الحل والعقد حينئذ دون غيرهم، ولا عبرة ببلوغ التابعى مرتبة الاجتهاد بعد ذلك، فقد قام الإجماع قبله وانتهى الأمر. وينبغى أن يعلم أن هؤلاء هم الذين يقولون بعدم اشتراط انقراض العصر، أى أن الإجماع يعتبر قائما فى لحظة انعقاده ولا ينتظر انقراض المجمعين بالموت حتى يتبين أن أحدا منهم لم يرجع وسيأتى الكلام على هذا الشرط. ومنهم من قال: لا ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفة التابعى سواء أكان من أهل الاجتهاد حالة إجماعهم أو صار مجتهدا بعد إجماعهم لكن فى عهدهم، وهؤلاء هم الذين يشترطون فى تمام الإجماع انقراض عصر المجمعين. وكلا الفريقين من الذين يقولون بأنه لا ينعقد الإجماع بموافقة الأكثر مع مخالفة الأقل. ومن الناس من يقول: لا عبرة بمخالفة التابعى أصلا إذا أجمع الصحابة، والقول بذلك مروى عن أحمد فى إحدى روايتين. ويتفق هذا مع مذهب القائلين بأن إجماع الأكثر معتد به ولو خالف الأقل. ودليل القائلين بعدم الاعتداد بخلاف التابعى هو ما ورد من النصوص فى اتباع الأصحاب، وأن لهم مزية الصحبة. وبين المختلفين نقاش فى الأدلة لا نطيل بذكر (204) . شروط الإجماع يذكر علماء الأصول فى مختلف المذاهب شروطا للإجماع كل منها وقع الخلاف فيه بينهم: هل يشترط أو لا يشترط؟ وهذه هى: انقراض العصر والمراد به: انقراض المجمعين فى عصر ما، فذهب فريق من العلماء إلى أن اتفاق الأمة لا يعتبر إجماعا تقوم به الحجة إلا إذا انقرض المجمعون وماتوا كلهم، لأن رجوعهم أو رجوع بعضهم قبل الموت محتمل، ومع هذا الاحتمال لا يثبت الاستقرار (205) . وهذا القول هو قول الإمام أحمد بن حنبل وأبى بكر بن فورك (206) ، وبعض الظاهرية (207) واحتجوا على قولهم بأن أبا بكر سوى بين الصحابة فى العطاء، وخالفه عمر فى التفضيل بعد إجماعهم على رأى أبى بكر فلو كان الإجماع الذى انعقد فى عهد أبى بكر علي التسوية حجة منذ انعقد، لما جاز لعمر مخالفته فاقتضى ذلك كون انقراض العصر شرطا أى أن لكل من المجمعين أن يرجع عن رأيه إذا رأى ذلك فهو اتفاق موقوف لا يتبين أنه صار إجماعا إلا بانقراض المجمعين كلهم ويتبع ذلك أنه لا يجوز لأحد بعد انقراض العصر أن يجتهد فيما تبين أنه إجماع، ومثلوا لذلك أيضا: باتفاق على وعمر وغيرهما من الصحابة على تحريم بيع أم الولد، ثم إن عليا خالفهم بعد ذلك ورأى جواز بيعها، وما ذلك إلا لأنه اعتبر الإجماع غير قائم، لأن العصر لم ينقرض (208) . وذهب فريق آخر إلى أن انقراض العصر ليس شرطا بل إذا اتفقت الأمة ولو فى لحظة - أى اتفق المجتهدون فيها- انعقد الإجماع وتقررت عصمتهم عن الخطأ ووجب اتباعهم، ولا يجوز لأحد منهم ولا ممن يأتى بعدهم أن يخرج على هذا الإجماع، وذلك لأن الحجة فى اتفاقهم وقد حصل. وليس فى الأدلة المثبتة للإجماع اشتراط ذلك، ولم يعتبروا أن الإجماع قام على رأى أبى بكر فى التسوية، بل رأوا أن عمر كان مخالفا فيه من أول الأمر، وإنما كان سكوته لكون رأى الخليفة هو المقدم، وكذلك لم يصح فى نظرهم أن الصحابة جزموا جميعا بتحريم بيع أم الولد قبل أن يخالفهم على (209) . وعلى هذا أكثر أصحاب الشافعى وأكثر أصحاب أبى حنيفة والأشاعرة والمعتزلة (210) ، والمالكية (211) ، والزيدية (212) ، وابن حزم الظاهرى (213) ، وهو الصحيح عند الإباضية (214) . ومن الناس من فصل فقال: إن كانوا قد اتفقوا بأقوالهم أو أفعالهم أو بهما لا يكون انقراض العصر شرطا، وإن كان الإجماع بذهاب واحد من أهل الحل والعقد إلى حكم، وسكت الباقون عن الإنكار مع اشتهاره فيما بينهم فهو شرط. وهذا هو ما اختاره الآمدى، وروى عن أبى على الجبائى (215) . ويتبين مما سبق أن ثمرة الخلاف تظهر فى جواز رجوع أحد المجمعين عن رأيه أو عدم جواز ذلك له، وفى جواز اجتهاد من بعد المجمعين فى الحادثة مع وجود أحد من أهل ذلك الإجماع على قيد الحياة أو عدم جواز ذلك (216) . بلوغ المجمعين حد التواتر التواتر هو تتابع الخبر عن جماعة بحيث يفيد العلم، والكلام فى تحقيق معناه وما به يكون، موضعه مصطلح تواتر. ونكتفى هنا بما يتصل باشتراطه أو عدم اشتراطه فى الإجماع. فمن استدل على كون الإجماع حجة بدلالة العقل- وهى ما سبق ذكره من أن الجمع الكثير إذا اتفقوا علي شىء اتفاقا جازما فلا يتصور تواطؤهم على الخطأ- فلابد من اشتراط ذلك عنده لتصور الخطأ على من دون حد التواتر، وذلك هو رأى إمام الحرمين وبعض العلماء. وأما من احتج على كون الإجماع حجة بالأدلة السمعية التى هى الآيات والأحاديث السابق ذكرها فقد اختلفوا: فمنهم من شرطه، ومنهم من لم يشترطه. وجمهور أهل المذاهب على عدم اشتراطه، أنه متى اتفق المجتهدون فى عصر ما على حكم فذلك إجماع مهما كان عدد المجمعين، بلغوا حد التواتر أم لا، لأن لفظ "الأمة" و "المؤمنين " صادق عليهم موجب لعصمتهم ولاتباعهم (217) . مستند الإجماع جمهور أهل المذاهب على أن الإجماع لابد له من مستند لأن أهل الإجماع ليس لهم الاستقلال بإثبات الأحكام فوجب أن يكون عن مستند، ولأنه لو انعقد عن غير مستند لاقتضى إثبات نوع، أى إحداث دليل، بعد النبى صلى الله عليه وآله وسلم وهو باطل (218) . وفى بيان ذلك يقول صاحب " طلعة الشمس " الإباضى: من شروط الإجماع أن يكون للمجمعين مستند يستندون إليه من كتاب أو سنة أو اجتهاد سواء أكان ذلك المستند قطعيا أم ظنيا، فإن علمنا مستندهم كان ذلك زيادة لنا فى الاطمئنانية وتوسعا فى العلم، وإن جهلناه مع حصول الإجماع منهم وجب علينا أن نحسن الظن بهم، وأنهم لم يجمعوا إلا وعندهم مستند من قبل الشارع (219) . وحكى عبد الجبار عن قوم أنه يجوز أن يكون عن غير مستند، وذلك بأن يوفقهم الله لاختيار الصواب من دون مستند، وهذا الرأى قرر العلماء ضعفه (220) . واعتبره الآمدى شذوذا. وفى طلعة الشمس: أنه قول لبعض أهل الأهواء (221) . والقائلون بأنه لا ينعقد الإجماع إلا عن مستند قد اتفقوا على صحة الإجماع وثبوت حجيته إذا كان المستند دليلا قاطعا (222) إلا ما روى عن بعض العلماء من أنه إذا كان الدليل متواترا مفيدا للمعنى المجمع عليه فإن الحكم يكون ثابتا به، ولا يحتاج إلى إثباته بالإجماع (223) . أما المستند الظنى فقد اختلف العلماء فى صحة جعله مستندا للإجماع. قال الحنفية: قد يكون سبب الإجماع من أخبار الأحاد كإجماعهم على عدم جواز بيع الطعام قبل القبض استنادا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تبيعوا الطعام قبل القبض ". وقد يكون سبب الإجماع قياسا، كإجماعهم على حرمة الربا فى الأرز استنادا إلى القياس على الأشياء الستة التى هى البر والشعير.. إلخ. ثم أجمعوا على هذا القياس، فصار القياس بمعاضدة الإجماع قطعيا (224) ، وإلى هذا ذهب أيضا: الشافعية (225) ، والمالكية (226) ، والحنابلة (227) ، والزيدية (228) ، والإباضية (229) ، وذهب الظاهرية إلى أنه لا يصح اعتبار القياس مستندا للإجماع وذلك بناء على أصلهم فى إنكار القياس، ووافقهم محمد ابن جرير الطبرى فى جانب فقال: إن القياس حجة، ولكن الإجماع إذا صدر عنه لم يكن مقطوعا بصحته، وليس القياس فى رأيه كخبر الواحد، لأن الصحابة أجمعوا. على خبر الواحد بخلاف القياس (230) . وفصل بعضهم بين أن يكون القياس جليا فيصلح مستندا، أو خفيا فلا يصلح، ونقل هذا عن بعض الشافعية (231) . ثم اختلفوا: هل يجب على المجتهد ان يبحث عن مستند الإجماع أو لا يجب عليه ذلك؟ والأكثرون على أنه لا يجب عليه ذلك وأنه إذا وقع الإجماع وجب المصير إليه لأنهم لا يجمعون إلا عن مستند (232) . عدم مخالفة الإجماع لنص فى الكتاب أو السنة إذا عارض الإجماع نص من الكتاب أو السنة فعلماء الأصول يختلفون: فمنهم من يقول: أن من شرط الإجماع ألا يكون على خلاف نص فى الكتاب أو فى السنة، ومن ثم لا يعتبرون مثل هذا الإجماع معتدا به لو فرض أنه وقع، وهؤلاء هم الإباضية والظاهرية. يقول صاحب طلعة الشمس: الشرط الثانى: ألا يكون هناك نص من كتاب أو سنة يخالف ما أجمعوا عليه، فإن الإجماع على خلاف نص الكتاب أو السنة ضلال، ولا تجتمع الأمة على ضلال (233) . ويفهم من هذا أن المسألة افتراضية على معنى أنه لو فرض وقوع إجماع على خلاف نص من الكتاب أو السنة لما كان هذا الإجماع معتدا به، بل يكون باطلا وضلالا، وذلك لا يتصور أن يكون فإن الأمة لا تجتمع على الضلال. وكلام ابن حزم الظاهرى واضح فى إفادة هذا المعنى إذ يقول: إن الإجماع لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها بضرورة العقل: إما أن يجمع الناس على ما لا نص فيه، وهو باطل- أى لأنه لابد للإجماع من مستند كما سبق- وإما أن يكون إجماع الناس على خلاف النص الوارد من غير نسخ أو تخصيص له وردا قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا كفر مجرد، أو يكون إجماع الناس على شىء منصوص، فهذا هو قولنا وهذه قسمة ضرورية لا نحيد عنها أصلا وهو كما ذكرنا، فاتباع النص فرض سواء أجمع الناس عليه، أو اختلفوا فيه، لا يزيد النص مرتبة فى وجوب الاتباع أن يجمع الناس عليه ولا يوهن وجوب اتباعه مخالفة الناس فيه لم بل الحق حق وإن اختلف فيه والباطل باطل وإن كثر القائلون به، ولولا صحة النص عن النبى صلى الله عليه وسلم بأن أمته لا يزال منهم من يقوم بالحق ويقول به فبطل بذلك أن يجمعوا على باطل، أى على خلاف نص لقلنا: والباطل باطل وإن أجمع عليه ومن لا سبيل إلى الإجماع على باطل (234) . وكون الإجماع لا يقع على خلاف النص، هو قدر مسلم به عند الجمهور، لا عند الإباضية والظاهرية فقط، نعم إنه ورد فى كتبهم ما قد يفهم منه أن الإجماع قد يعارض النص فيقضى بالإجماع على النص، كقولهم: إن الإجماع دليل قاطع يحكم به على الكتاب والسنة (235) ، وقولهم: وهو، أى الإجماع، مقدم على الكتاب والسنة والقياس (236) . وقولهم: يجب على المجتهد أن ينظر أول شىء إلى الإجماع، فإن وجده لم يحتج إلى النظر فى سواه ولو خالفه كتاب أو سنة علم أن ذلك منسوخ أو متأول لكون الإجماع دليلا قاطعا لا يقبل نسخا ولا تأويلا (237) لكن هذا محمول عند العلماء على أحد معنيين: إما أن يراد به أن الإجماع محكم فى تفسير المراد من النص كالإجماع على أن الأم تحجب عن الثلث إلى السدس بأخوين مع قوله تعالى: " فإن كان له أخوة فلأمه السدس " فهذا ظاهره أنه إجماع على خلاف النص لأن الأخوين ليسا بأخوة، ولكن هذا لا يكون مصادما للنص إلا إذا ثبت أن لفظ الأخوة لا ينطلق على الأخوين، وهذا لم يثبت ثبوتا قاطعا، فالإجماع هنا مفسر لأحد الأمرين الجائز إرادة كل منهما لغة أو استعمالا (238) . وإما أن يراد به أن الإجماع له مستند آخر غير هذا الدليل المعارض له لأنهم لا يجمعون إلا عن مستند فربما كان الدليل المخالف خبرا ضعيفا أو منسوخا حكمه، ولذلك يقول المقدسى فى روضة الناظر: الإجماع لا ينعقد على خلاف النص لكونه معصوما عن الخطأ وهذا يفضى إلى إجماعهم على الخطأ، فإن قيل: فيجوز أن يكونوا قد ظفروا بنص كان خفيا هو أقوى من النص الأول أو ناسخ له، قلنا: فيضاف النسخ إلى النص الذى أجمعوا عليه لا إلى الإجماع (239) . ومن الناس من يرى أن الإجماع يرفع حكم الكتاب والسنة، ونسبه عبد العزيز البخارى إلى بعض مشايخ الحنفية وبعض المعتزلة، ويستدلون على هذا بمسألة الإجماع على حجب الأم بالأخوين مع قوله تعالى: " فإن كان له أخوة فلأمه السدس " قالوا: إن ابن عباس راجع فيها عثمان فقال له: كيف تحجبها بأخوين وقد قال الله تعالى: "فإن كان له أخوة فلأمه السدس " والأخوان ليسا بأخوة؟ فقال عثمان: حجبها قومك يا غلام 0 فدل ذلك على جواز نسخ الحكم المنصوص عليه بالإجماع، واستدلوا كذلك بأن المؤلفة قلوبهم سقط نصيبهم فى الصدقات بالإجماع المنعقد فى زمان أبى بكر رضى الله عنه، وبأن الإجماع حجة من حجج الشرع موجبة للعلم كالكتاب والسنة فيجوز أن يثبت النسخ به كالنصوص، وقد تقدم ما ردوا به فى مسألة توريث الأم السدس إذا كان معها أخوان، أما الأدلة الأخرى التى استدلوا بها فقد فندها عبد العزيز البخارى بعد ذلك (240) . وبعض العلماء يرسم الطريق للتخلص من التعارض بين الإجماع والنص، فيقول الزيدية: أن القطعى لا يعارض، لأن مخالفه إما قطعى أو ظنى والكل ممتنع: وإلا لزم فى القطعيين أن يثبت مقتضاهما وهما نقيضان والظن ينتفى حين نقطع باليقين. وأما الإجماع الظني فإذا عارضه نص ظنى من الكتاب أو السنة فالجمع واجب بين الدليلين إن أمكن، وذلك بالتأويل حيث كان أحدهما قابلا له بوجه ما، فيؤول القابل له من الإجماع أو النص، أو بالتخصيص حيث كان أحدهما قابلا له، ثم إن لم يمكن الجمع بأحد الأمرين وجب الترجيح بأى وجوهه (انظر: ترجيح) . فإذا لم يمكن الترجيح لأحدهما على الآخر وجب إهمالهما لأن العمل بهما غير ممكن والعمل بأحدهما من دون الآخر ترجيح بلا مرجح (241) ، ومثل هذا فى المنهاج للبيضاوى وشرحه للإسنوى (242) . عدم سبق إجماع مخالف اشترط بعض العلماء فى الإجماع ألا يكون مسبوقا بإجماع مخالف له، وبعضهم لم يشترط هذا الشرط، وبعضهم يشترطه فى حال دون حال، وتفصيل القول فى ذلك أنه: إذا أجمع أهل عصر على حكم ثم ظهر لهم هم أنفسهم ما يوجب الرجوع عنه وأجمعوا على ذلك الذى ظهر لهم ففى جواز الرجوع والاعتداد بالإجماع الجديد خلاف مبنى على الخلاف المتقدم فى اشتراط انقراض عصر أهل الإجماع فمن رأى أن الإجماع لا يكون قائما إلا إذا انقرض المجمعون جوز لهم الرجوع وأن يتفقوا على رأى جديد، ومن لم يشترط انقراض العصر وقرر أن الإجماع ينعقد منذ اللحظة الأولى للاتفاق، لم يجوز الرجوع للمجمعين ولم يعتد بإجماعهم الجديد، هذا إذا كان أهل الإجماع الثانى هم أصحاب الإجماع الأول. أما إذا كان الإجماع الثانى من غير الذين أجمعوا أولا، ففى ذلك خلاف أيضا بين الجمهور وبعض العلماء (243) . فالجمهور يرون أنه لا يجوز أن يأتى إجماع قوم على خلاف إجماع من سبقهم، لأن الإجماع الأول قد ثبت وصار حجة فلا يجوز الخروج عليه بل يكون ضلالا، وهذا هو المعبر عنه فى بعض كتب الأصول بنسخ الإجماع بالإجماع، وفى ذلك يقول المقدسى الحنبلى: فأما الإجماع فلا ينسخ ولا ينسخ به، لأنه لا يكون إلا بعد انقراض زمن النص، أى لا يكون إلا بعد عهد النبوة، والنسخ لا يكون بعدها، والنسخ لا يكون إلا بنص، ولا ينسخ بالإجماع لأن النسخ إنما يكون لنص (244) ، وحاصله: أنه لا يمكن أن ينسخ الإجماع بإجماع آخر، لأن الإجماع الثانى وإن كان لا عن دليل فهو خطأ وإن كان عن دليل فذلك يستلزم أن يكون الإجماع الأول خطأ، والإجماع لا يكون خطأ (245) . ويقول الزيدية: والمختار أنه لا يصح إجماع على حكم بعد الإجماع على خلافه. وإلا لزم بطلان الإجماع الأول، أو تعارض الإجماعين وكلاهما باطل (246) ، ومثل ذلك عند الإباضية (247) ، ويرى أبو عبد الله البصرى والإمام الرازى أنه يجوز الإجماع على خلاف إجماع سبق، لأنه يتصور أن يكون الإجماع الأول حجة إلى غاية هى حصول إجماع آخر (248) . ولما كان الإجماع عند الحنفية على مراتب قرر بعضهم أن النسخ فيه جائز بمثله، وبذلك يقول الشيخ فخر الإسلام البزدوى دون تفريق بين ما إذا كان المجمعون على الرأى الثانى هم نفس المجمعين على الرأى الأول المخالف أو غيرهم وهذا نص كلامه، والنسخ فى ذلك جائز بمثله، أى فى الإجماع، حتى إذا ثبت حكم بإجماع عصر يجوز أن يجتمع أولئك على خلافه فينسخ به الأول ويستوى فى ذلك أن يكون فى عصرين أو عصر واحد (249) . وقال شارحه عبد العزيز البخارى فى هذ الموضع مفسرا له ومعقبا عليه: والنسخ فى ذلك أى فى الإجماع جائز بمثله حتى جاز نسخ الإجماع القطعى بالقطعى، ولا يجوز بالظنى. وجاز نسخ الظنى بالظنى والقطعى جميعا، فلو أجمعت الصحابة على حكم ثم أجمعوا على خلافه بعد مدة يجوز ويكون الثانى ناسخا للأول لكونه مثله، ولو أجمع القرن الثانى على خلافهم لا يجوز لأنه لا يصلح ناسخا للأول لكونه دونه، ولو أجمع القرن الثانى على حكم ثم أجمعوا بأنفسهم أو من بعدهم على خلافه جاز، لأنه مثل الأول فيصلح ناسخا له. وإنما جاز نسخ الإجماع بمثله، لأنه يجوز أن تنتهى مدة حكم ثبت بالإجماع، ويظهر ذلك بتوفيق الله تعالى أهل الاجتهاد على إجماعهم على خلاف الإجماع الأول، كما إذا ورد نص بخلاف النص الأول ظهر به أن مدة ذلك الحكم قد انتهت، هذا مختار الشيخ. فأما جمهور الأصوليين فقد أنكروا جواز كون الإجماع ناسخا أو منسوخا (250) ، وحكى أبو الحسن السهيلى فى آداب الجدل له فى هذه المسألة: أنه إذا أجمعت الصحابة على قول ثم أجمع التابعون على قول آخر فعن الشافعى جوابان: أحدهما، وهو الأصح: أنه لا يجوز وقوع مثله، أى لا يمكن، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أخبر أن أمته لا تجتمع على ضلالة. والثانى: لو صح وقوعه فإنه يجب على التابعين الرجوع إلى قول الصحابة (251) . وعلى كلا الجوابين يكون الشافعى رحمه الله تعالى ممن يقولون بعدم الاعتداد بإجماع أهل عصر على خلاف إجماع أهل عصر سبقه. عدم تقدم الخلاف فى عصر سابق قال الآمدى: إذا اختلف أهل عصر من الأعصار فى مسألة من المسائل على قولين، واستقر خلافهم فى ذلك، ولم يوجد له نكير، فهل يتصور انعقاد إجماع من بعدهم على أحد القولين بحيث يمتنع على المجتهد المصير إلى القول الآخر أم لا؟ ذهب أبو بكر الصيرفى من أصحاب الشافعى وأحمد بن حنبل وأبو الحسن الأشعرى وإمام الحرمين والغزالى وجماعة من الأصوليين إلى امتناعه. وذهب المعتزلة وكثير من أصحاب الشافعى وأبى حنيفة إلى جوازه، والأول هو المختار (252) . وقد فهم من كلامه: أن أكثر الحنفية يقولون بجوازه، وهذا هو ما ذكر فى مسلم الثبوت وشرحه وقررا أنه حجة بدليل إجماع التابعين على متعة الحج بعد خلاف الصحابة فيها، وغير ذلك (253) . وأن كثيرا من أصحاب الشافعى كذلك، وهذا ما ذكره الإسنوى فى شرحه على المنهاج وأيده بمثل ما أيده به القائلون بذلك من الحنفية وغيرهم، وأن بعض الشافعية يقول بالامتناع وقد بين الإسنوى ذلك أيضا (254) . ونضيف إلى ذلك أن المالكية أيضا لهم قولان كذلك، والصحيح منهما أنه لا يمتنع (255) ، وكذلك الحنابلة (256) . وكذلك للزيدية قولان: أصحهما أنه جائز وأنه، أى الإجماع الثانى، إجماعهم يجب اتباعه (257) . والإباضية يقولون بالامتناع (258) كما يرى ذلك أيضا ابن حزم الظاهرى (259) وحجة القائلين بالامتناع: أن الأمة إذا اختلفت على القولين واستقر الخلاف فى ذلك بعد تمام النظر والاجتهاد، فقد انعقد إجماعهم على تسويغ الأخذ بكل واحد من القولين، وهم معصومون من الخطأ فيما أجمعوا عليه، فلو أجمع من بعدهم على أحد القولين على وجه يمتنع معه على المجتهد المصير إلى القول الآخر، مع أن الأمة مجمعة فى العصر الأول على جواز الأخذ به، ففيه تخطئة أهل العصر الأول فيما ذهبوا إليه، ولا يمكن أن يكون الحق فى جواز الأخذ بذلك القول والمنع من الأخذ به معا، فلابد وأن يكون أحد الأمرين خطأ، أو يلزمه تخطئة أحد الإجماعين القاطعين وهو محال، فثبت أن إجماع التابعين على أحد قولى أهل العصر الأول يفضى إلى أمر ممتنع فكان ممتنعا لكن ليس هذا الامتناع عقليا، بل سمعيا (260) ، أما حجة القائلين بالجواز فهى وقوع ذلك فعلا إذا اختلف الصحابة فى أشياء ذكروها ثم أجمع التابعون على أحد القولين المختلف فيهما ولا أدل على جواز الأمر وإمكانه من وقوعه فعلا. فقد اتفق الصحابة على قتال مانع الزكاة بعد اختلافهم فى ذلك إلى غير ذلك من الأمثلة وهناك مناقشة فى الأمثلة التى ذكرت لا نطيل بإيرادها (261) . عدم سبق الخلاف المستقر من المجمعين موضوع هذه المسألة هو: هل يجوز اتفاق أهل العصر على الحكم بعد اختلافهم فيه وهى قريبة من المسألة السابقة، والفرق بينهما أن أهل الإجماع فى هذه المسألة هم الراجعون بأعيانهم عما أجمعوا عليه، والمخالفون لأنفسهم، فإن المخالفين هم أهل العصر الثانى إذا أجمعوا على خلاف إجماع من سبقهم. وحاصل الكلام فى هذه المسالة: أن الخلاف السابق إما أن يكون قد استقر بينهم بأن مضت مدة النظر والتأمل واستقر كل على ما رآه، وإما أن يكون غير مستقر بل هم فى فترة النظر وتقييد الرأى، فإذا استقر الخلاف بينهم على ما ذكرنا ثم بدا لهم أن يتفقوا على رأى واحد ويمنعوا من المصير إلى غيره ففى ذلك خلاف مبنى على مسألة انقراض العصر، أى موت المجمعين، فمن رأى اشتراطه فلا إشكال فى جواز اتفاقهم بعد اختلافهم، لأنه لم يتم الإجماع الأول فى نظره حتى تمتنع مخالفته، ومن لم يعتبر انقراض العصر شرطا، بل رأى أن الإجماع يتم منذ حصول الاتفاق ولا يحتاج تمامه إلى انقراض المجمعين، فإن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم، فمنهم من جوزه واعتبره إجماعا بعد الخلاف وقال إنه يحسن، أن يكون وذلك هو رأى جمهور أهل المذاهب (262) وعليه أكثر الحنفية، والشافعية (263) ، والمالكية (264) ، والحنابلة (265) ، والزيدية (266) ، وابن حزم الظاهرى (267) ، ومنهم من منعه كالصيرفى (268) ، والإمام يحيى بن حمزة من الزيدية (269) ، وهو رأى الإباضية (270) . وإذا لم يكن الخلاف مستقرا فهو، أى الإجماع، جائز من باب أولى عند من يقول بالجواز بعد الاستقرار. وقد اختار إمام الحرمين التفصيل، فإنه قال بعد حكاية الخلاف: والرأى الحق عندنا: أنه إذا لم يستقر الخلاف جاز وإلا فلا (271) . مسائل خلافية تتعلق بالإجماع فرض الأصوليون عدة مسائل تتعلق بالإجماع يدور فيها خلاف ينبنى على ما سبق ذكره من أحكام الإجماع وشروطه ونحن نعرض هذه المسائل مع الإيجاز فى أدلة المختلفين اكتفاء بالإشارة إلى ما ترجع إليه هذه الأدلة مما سبق: إذا اختلفوا على قولين أو كثر فهل لمن بعدهم إحداث قول زائد-؟ قد يتكلم المجتهدون جميعهم فى عصر ما فى مسألة ثم ينتهى أمرهم إلى الاختلاف فيها على قولين مثلا فهل لمن يأتى بعدهم من المجتهدين إحداث قول ثالث فى تلك المسألة؟ وقبل أن نذكر الآراء فى الإجابة عن هذا السؤال ننبه إلى أمرين: أحدهما: أن المسألة مفروضة فيما إذا تكلم جميع المجتهدين فى عصر من العصور، لا فيما إذا تكلم بعضهم دون بعض. الثانى: أن العلماء يفرضون فى هذه المسألة اختلاف الناظرين إلى قولين وهم لا يريدون خصوص القولين بل لو اختلفوا على ثلاثة أقوال أو أكثر فإن الكلام يأتى فى القول الزائد على ثلاثة كما يأتى فى القول الزائد على قولين سابقين، ولهذا جعلنا عنوان هذه المسألة " إذا اختلفوا على قولين أو أكثر.. إلخ ". بعد هذا نذكر أن العلماء فى الإجابة عن هذا السؤال لهم ثلاثة مذاهب: فمنهم من منعه مطلقا وهم الأكثرون كما قال الإمام الرازى وعليه أكثر الحنفية كما فى المنار وفى التيسير أنه قد نص عليه الإمام محمد والشافعى فى رسالته (272) . وجزم به القفال والقاضى أبوالطيب الطبرى والرويانى والصيرفى وقال به بعض الزيدية منهم أبو طالب والمؤيد بالله فى أحد قوليه (273) . وممن يقول به الحنابلة (274) ، ودليلهم على ذلك يتلخص فىأن الأمة، أى المجتهدين كلهم فى عصر سابق، إذا اختلفوا على قولين فقد أجمعوا من جهة المعنى على المنع من أحداث قول ثالث، لأن كل طائفة توجب الأخذ بقولها أو بقول مخالفها (275) . ويحرم الأخذ بغير ذلك على اعتبار أنه يكون خرقا للإجماع، وفى ذلك مناقشة. ومنهم من جوزه مطلقا وعليه بعض الشيعة وبعض الحنفية وبعض أهل الظاهر وبعض الزيدية وهو الصحيح عند الإباضية ونسبه جماعة منهم القاضى عياض إلى داود، وأنكر ابن حزم على من نسبه إلى داود (276) ، وحجتهم فى ذلك أن الذين تكلموا فى المسألة من قبل إنما هم مجتهدون يبحثون بحث المجتهدين ولم يصرحوا بتحريم القول الثالث، فليس أحداثه خرقا لإجماع سابق (277) . وفى هذا مناقشة أيضا، ومنهم من فصل فقال: إن كان القول الثالث المحدث لم يرفع شيئا مما استقر عليه القولان الأولان جاز إحداثه لأنه لا محظور فيه، أى لأنه لم يخرق الإجماع المعنوى على القولين السابقين، وإن رفعه فلا يجوز لامتناع مخالفة الإجماع. مثال الأول: اختلافهم فى جواز أكل المذبوح بلا تسمية، فقال بعضهم: يحل مطلقا سواء كان الترك عمدا أو سهوا. وقال بعضهم: لا يحل مطلقا، فالتفصيل بين العمد والسهو ليس رافعا لشىء أجمع عليه القائلان الأولان بل هو موافق فى كل قسم منه لقائل. ومثال الثانى: الجد مع الإخوة، فقد قال بعضهم: المال كله للجد فى التركة، وقال بعضهم: الجد يقاسم الإخوة فقد اتفق القولان على أن للجد شيئا من المال فالقول بحرمانه وإعطاء المال كله للإخوة قول ثالث رافع لما أجمع عليه الأولان فلا يجوز. وبهذا التفصيل قال الإمام الرازى وأتباعه، واختاره الآمدى وابن الحاجب وروى عن الشافعى واختاره المتأخرون من أصحابه وهو المختار عند الزيدية وعليه المنصور بالله القاسم بن محمد والحسين ابنه صاحب هداية الطالبين فى أصول الزيدية وعليه أيضا الإمام مالك (278) . إذا لم يفصلوا بين مسألتين فهل لمن بعدهم التفصيل إذا أجمع المجتهدون فى عصر ما بين مسألتين فى حكم واحد إما بالتحليل أو بالتحريم أو حكم بعض المجتهدين فيهما بالتحليل والبعض الآخر بالتحريم فهل يجوز لمن يأتى بعدهم أن يفرقوا بين هاتين المسألتين فى الحكم أو يعد ذلك خرقا لإجماع سبق؟ وهذه المسألة قريبة فى المعنى من التى قبلها فإن التفصيل بينهما بعد جمع السابقين لهما فى الحكم إحداث لقول ثالث فيهما ولأجل ذلك لم يفردها الآمدى ولا ابن الحاجب بل جعلاهما مسألة واحدة وحكما عليها بالحكم السابق، ولكن هناك فرقا بينهما وهو أن هذه المسألة مفروضة فيما إذا كان محل الحكم متعددا، وأما السابقة ففيما إذا كان متحدا (279) . وحاصل القول فيها: أن السابقين إن صرحوا بعدم الفرق بين المسألتين فلا يجوز الفصل بينهما فى الحكم، وصرحوا بأن هذا القسم لا نزاع فيه، وإن ظن بعضهم أن فيه خلافا، أما اذا لم ينص السابقون على عدم الفرق بينهما فى الحكم فهناك ثلاثة مذاهب كالمسألة السابقة (280) : 1- قول بالجواز مطلقا. 2- وقول بالمنع مطلقا. 3- وقول بالتفصيل خلاصته: أنه إن اتحد الجامع بين المسألتين فلا يجوز كتوريث العمة والخالة، فإن علة توريثهما عند من ورثهما أو عدم توريثهما عند من لم يورثهما هو كونهما من ذوى الأرحام، وكل من ورث واحدة أو منعها، قال فى الأخرى كذلك، فصار ذلك بمثابة قولهم: لا تفصلوا بينهما، وإن لم يتحد الجامع بينهما فيجوز، كما إذا قال بعضهم: لا زكاة فى مال الصبى ولا فى الحلى المباح. وقال بعضهم بالوجوب فيهما فيجوز الفصل، وسبب هذا التفصيل أن اتحاد الجامع فى المسألتين شبيه بما لو صرحوا بعدم الفرق فيكون التفصيل معه فرقا للإجماع. أما إذا لم يتحد الجامع فلا يظهر أن جمع الأولين بين المسألتين يدل على عدم الفرق ويكون بمثابة نص عليه ومن ثم جازت التفرقة لأنه لا خرق فيها لإجماع، وبهذا يتبين أن أصل القاعدة وهى أن أحداث قول ثالث فى المسألة الأولى أو تفصيل بين مسألتين فى الثانية أن استلزما خرقا للإجماع منعا، وإن لم يستلزما ذلك جازا، وأن الخلاف إنما هو فى تطبيق هذه القاعدة على جزئيات المسائل (281) . إذا اختلفوا ثم ماتت إحدى الطائفتين فهل يصير قول الباقين إجماعا وحجة اختلف العلماء فى ذلك: فمنهم من قال: يصير قول الباقين إجماعا وحجة لأنه أصبح قول كل الأمة وهذا هو الذى جزم به الإمام الرازى وأتباعه (282) . والأكثرون على أن قول الباقين لا يصير إجماعا لأن قول الذين ماتوا قائم بدليله، وإن مات أصحابه والمذاهب لا تموت بموت أصحابها، وإنما اعتبر خلاف المخالف لدليله لا لعينه (283) . ويقول الغزالى: إن الباقين ليسوا كل الأمة بالإضافة إلى تلك المسألة التى أفتى فيها الميت فإن فتواه لا ينقطع حكمها بموته (284) . هل يعتبر عدم العلم بالخلاف حكاية للإجماع قال الصيرفى: لا يكون إجماعا لجواز الاختلاف (285) ، وكذا قال ابن حزم فى الأحكام (286) . وقال بعض الشافعية: إذا قال لا أعرف بينهم خلافا فإن لم يكن من أهل الاجتهاد وممن أحاط بالإجماع والاختلاف لم يثبت الإجماع بقوله، وإن كان من أهل الاجتهاد، فاختلف أصحابنا فى إثبات الإجماع بقوله: والصحيح أنه لا يؤخذ الإجماع بقوله ولو كان مجتهدا، فإن الشافعى قال فى زكاة البقر: لا أعلم خلافا فى أنه ليس فى أقل من ثلاثين منها تبيع. والخلاف فى ذلك مشهور، فإن قوما يرون الزكاة على خمس كزكاة الإبل، وقال مالك فى موطئه وقد ذكر الحكم برد اليمين وهذا مما لا خلاف فيه بين أحد من الناس ولا بلد من البلدان والخلاف فيه شهير،وكان عثمان رضى الله عنه لا يرى رد اليمين ويقضى بالنكول وكذلك ابن عباس، ومن التابعين الحكم وغيره وابن أبى ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وهم كانوا القضاة فى ذلك الوقت، فإذا كان مثل الشافعى ومالك يخفى عليهما الخلاف، فما ظنك بمن هو أقل من منزلتهما علما واجتهادا " وفوق كل ذى علم عليم " (287) . هل الإجماع المنقول بطريق الآحاد حجة؟ اختلف العلماء فى ذلك، فقال بعضهم: إنه حجة، لأن الإجماع دليل يجب العمل به فلا يشترط التواتر فى نقله كالسنة (288) . وإلى هذا ذهب الإمام الرازى والآمدى وابن الحاجب وهو المختار عند الحنفية (289) . وبه أيضا يقول المالكية (290) ، والحنابلة (291) والإباضية (292) ، وهو المختار عند الزيدية (293) ، وأنكره بعضهم، لأن ما يجمع عليه يجب أن يشيع نقله ويتواتر من جهة العادة، وممن قال بذلك أبو عبد الله البصرى وبعض الحنفية والغزالى من الشافعية (294) . والقائلون بحجيته يعتبرونه ظنيا لا قطعيا ويوجبون العمل به لا العلم (295) ما يكون الإجماع حجة فيه وما لا يكون قال الآمدى: إن المجمع عليه لا يخلوا أما أن تكون صحة الإجماع متوقفة عليه، أو لا يكون كذلك فإن كان الأول فالاحتجاج بالإجماع على ذلك الشىء يكون ممتنعا لتوقف صحة كل واحد منهما على الآخر، وهو دور، وذلك كالاستدلال على وجود الرب تعالى وصحة رسالة النبى عليه الصلاة والسلام بالإجماع من حيث أن صحة الإجماع متوقفة على النصوص الدالة على عصمة الأمة عن الخطأ. وصحة النصوص متوقفة على وجود الإله المرسل، وكون محمد رسولا، فإذا توقف معرفة وجود الله ورسالة رسوله محمد على صحة الإجماع كان دورا. وإن كان من القسم الثانى فالمجمع عليه إما أن يكون من أمور الدين أم من أمور الدنيا فإن كان من أمور الدين فهو حجة مانعة من المخالفة إن كان قطعيا من غير خلاف عند القائلين بالإجماع وسواء أكان ذلك المتفق عليه عقليا كرؤية الله لا فى جهة ونفى الشريك لله تعالى، أو شرعيا كوجوب الصلاة والزكاة ونحوها، وأما إن كان المجمع عليه من أمور الدنيا كالإجماع على ما يكون من الآراء فى الحروب، وترتيب الجيوش، وتدبير أمور الرعية فقد اختلف فيه قول القاضى عبد الجبار بالنفى والإثبات، فقال تارة بامتناع مخالفته، وتارة بالجواز، وتابعه على كل واحد من القولين جماعة. والمختار إنما هو المنع من المخالفة، وأنه حجة لازمة لأن العمومات الدالة على عصمة الأمة عن الخطأ، ووجوب اتباعهم فيما أجمعوا عليه: عامة فى كل ما أجمعوا عليه (296) . ويتفق الحنفية فى ذلك مع الآمدى. وزادوا: أن بعضهم يرى أن الأمور المستقبلة كأشراط الساعة، وأمور الآخرة لا تحتاج إلى إجماع، أى لا يحتاج إلى الاحتجاج فيها بالإجماع، لأن الغيب لا مدخل فيه للاجتهاد والرأى، إذ لا يكفى فيه الظن فلا بد من دليل قطعى عليه، أى فإن جاء نص قطعى ثبت فيغنى عن الإجماع وعلق شارح مسلم الثبوت على هذا بقوله: والحق أنه يصح الاحتجاج فيها أيضا لتعاضد الدلائل، إلخ (297) . ويوافق المالكية أيضا على التفصيل الذى ذكره الآمدى (298) وكذلك الزيدية وأضافوا التمسك به أيضا فى الأمور اللغوية (299) . ولم نجد ما يخالف ذلك فى المذاهب الأخرى، إلا حين يعرفون الإجماع فيذكرون أنه على أمر دينى وقد استوفينا هذا فى التعريف.   (169) سورة الأحزاب: 33. (170) راجع هداية العقول ج 1 ابتداء من ص 509 وما بعدها. (171) سورة الأحزاب: 28. (172) سورة الأحزاب: 32. (173) السورة نفسها: 33. (174) السورة نفسها:34. (175) راجع هداية العقول ابتداء من ص 509 ج 1 فما بعدها، ص 228 ج 2 من شرح مسلم الثبوت فما بعدها. (176) انظر ص349 ج 1 من الأحكام. (177) إرشاد الفحول للشوكانى ص78. (178) ص 35 من شرح العضد على مختصر ابن الحاجب ج 2. (179) ص187 ج 1 من المستصفى مع يسير جدا من التصرف. (180) ص80 ج 2 من طلعة الشمس 0 (181) ص78 من إرشاد الفحول. (182) المصدر السابق فى الموضع نفسه. (183) ص 80 ج 2 من طلعة الشمس فى أصول الإباضية مع قليل من التصرف، ومثله فى كتاب هداية العقول فى أصول الزيدية ص 538 وما بعدها ج 1 وفى غير ذلك من كتب الأصول. (184) انظر حواشى هداية العقول ص 541 ج 1 للزيدية. (185) الأحكام للآمدى ص357 ج 1 وشرح الإسنوى ص 881. (186) ص 81 ج 2 من طلعة الشمس. (187) روضة الناظر ص366 ج 1 انظر الحاشية (188) الأحكام للآمدى ج 1 ص357 0 (189) طلعة الشمس الموضع السابق. (190) ص 541 ج 2 من هداية العقول من أصول الزيدية، انظر الحاشية. (191) روضة الناظر فى أصول الحنابلة ص 366 ج 1. (192) المستصفى للغزالى ص187 ج 1. (193) هداية العقول فى أصول الزيدية ص 539 ج 1. (194) إرشاد الفحول للشوكانى ص 78. (195) الأحكام للآمدى ملخصا من المسألة الثامنة التى تبدأ من ص 336 ج 1. (196) اقرأ فى ذلك المستصفى للغزالى ص186 ج 1 للشافعية، وحاشية عبد العزيز البخارى على كشف الأسرار ص 966 ج3 للحنفية، والآمدى فى الموضع الذى ذكرناه للشافعية، وروضة الناظر ص 358 ج اللحنابلة، وهداية العقول ص 588 ج 1 للزيدية، وطلعة الشمس للإباضية ص 78 ج 2. (197) الأحكام للآمدى فى الموضع السابق وهداية العقول للزيدية فى الموضع السابق أيضا. (198) اقرأ المراجع السابقة فى كتب الأصول. (199) المراجع نفسها. (200) المراجع نفسها. (201) ج 2 ص 34 من مختصر ابن الحاجب وشرحه للعضد. (202) المراجع السابقة. (203) الأحكام للآمدى ج 1 ص 344 ومسلم الثبوت وشرحه ج 2 ص 221، 222 والذخيرة ج 1 ص 110 للمالكية. وشفاء العليل على الكافل للزيدية ج 1 ص63، وطلعة الشمس للإباضية ج 2 ص 81. (204) انظر فى هذا كله الأحكام للآمدى ج 1 ص 345 وما بعدها وغيرها من المراجع السابق ذكرها. (205) شرح ملاجيون على المنار ج 2 ص107. (206) الأحكام للآمدى ج 1 ص366. (207) طلعةالشمس ج 2 ص 86. (208) طلعة الشمس فى الموضع السابق ذكره وما بعده. (209) طلعة الشمس فى الموضع السابق ذكره. (210) الأحكام للآمدى ج1 ص 366 والمنار ج 2 ص7 0 1 (211) الذخيرة ج1 ص 109 ومختصر ابن الحاجب ج2 ص 38. (212) هداية العقول ج1 ص567. (213) الأحكام لابن حزم ج 4 ص153. (214) طلعة الشمس ج 2 ص 68. (215) الأحكام للآمدى فى الموضع السابق وإرشاد الفحول ص79. (216) المراجع السابقة. (217) الأحكام للآمدى ج1 ص 358 وحاشية عبد العزيز البخارى على الكشف ج 3 ص966 والذخيرة ج1 ص 111 وهداية العقول ج1 ص 566 وطلعة الشمس ج 2 ص87 وروضة الناظرج1 ص346. (218) إرشاد الفحول ص 75. (219) طلعة الشمس ج 2 ص 83، 84. (220) إرشاد الفحول ص75. (221) طلعة الشمس ج2 ص 84. (222) المرجع السابق. (223) شرح النسفى على المنار ج2 ص 110 وكذلك شرح ملاجيون فى الموضع نفسه. (224) المصدر السابق. (225) شرح الإسنوى ج 3 ص923. (226) الذخيرة ج 1 ص 110. (227) روضة الناظر ج 1 ص385. (228) هداية العقول ج1 ص 574. (229) طلعة الشمس ج 2 ص 84. (230) إرشاد الفحول ص 75 وغيره من مراجع الأصول. (231) المصدر السابق. (232) المصدر السابق. (233) طلعة الشمس ص 85. (234) الأحكام لابن حزم ج 4 ص 141 مع قليل جدا من التصرف. (235) المستصفى للغزالى ج 1 ص 215. وحاشية كشف الأسرار لعبد العزيز البخارى ج 3 ص 985. (236) الذخيرة 110. (237) روضة الناظر ج 2 ص 456. (238) حاشية عبد العزيز البخارى على كشف الأسرار ج3 ص595، 596. (239) روضة الناظر ج 1 ص 229، 330. (240) حاشية عبد العزيز البخارى فى الموضع السابق. (241) هداية العقول ج 1 ص595، 596. (242) شرح الإسنوى على المنهاج ج 3 ص 934. (243) إرشاد الفحول ص 81. (244) روضة الناظر ج 1 ص 229. (245) المصدر السابق انظر الشرح. (246) شرح الكافل لابن لقمان الزيدى ص75. (247) طلعة الشمس ج 2 ص85. (248) إرشاد الفحول ص 81. (249) كشف الأسرار للبزدوى ج 3 ص 982. (250) شرح الكشف لعبد العزيز البخارى فى الموضع السابق ذكره. (251) إرشاد الفحول ص 1 8. (252) الأحكام للآمدى ج1 ص394. (253) مسلم الثبوت وشرحه ج2 ص 6 22، 227. (254) شرح الإسنوى ج 3 ص900، 901. (255) الذخيرة ج1 ص109 0 (256) روضة الناظر ج1 ص 376. (257) هداية العقول ج1 ص6 58، 587. (258) طلعة الشمس ص 83. (259) الأحكام لابن حزم ج 4 ص 55 1، 56 1. (260) الأحكام للآمدى ج1 ص395. (261) المرجع السابق. (262) إرشاد الفحول ص 1 8. (263) حاشية الإسنوى نقلا عن مسلم الثبوت- انظر الحاشية المذكورة ج 3 ص 899. (264) الذخيرة ج1 ص 109. (265) روضة الناظر ج1 ص 376. (266) هداية العقول ج1 ص590. (267) الأحكام لابن حزم ج4 ص 155. (268) شرح الإسنوى ج 3 ص898. (269) هداية العقول فى الموضع السابق. (270) طلعة الشمس ج 2 ص83. (271) شرح الإسنوى ج 3 ص 899. (272) شرح مسلم الثبوت ج2 ص 235. (273) الأحكام للآمدى ج 1ص 384 وحاشية الشيخ بخيت على شرح الإسنوى والشرح المذكور ج 3 ص 883 وإرشاد الفحول ص 82 وهداية العقول للزيدية ج اص 1 58. والمنار ج2 ص 112. (274) روضة الناظر ج1 ص 77 3. (275) الاحكام للآمدى ج 1 الموضع السابق. (276) الاحكام للآمدى وهداية العقول وإرشاد الفحول فى المواضع السابقة. وطلعة الشمس ج2 ص 89. (277) الاحكام للآمدى وغيره فى الموضع نفسه. (278) انظر المراجع السابقة والذخيرة ج 1 ص 108 ومختصر ابن الحاجب وشرحه ج2 ص 39،40. (279) شرح الإسنوى على المنهاج ج 3 ص 980. (280) هداية العقول ج 1 ص 1 59. (281) شرح الإسنوى على المنهاج وحاشيته ج3 ص889 إلى 93. (282) شرح الإسنوى ج 3 ص908. (283) عبد العزيز البخارى على الكشف ج 3 ص 969. (284) المستصفى ج1 ص 195. (285) إرشاد الفحول ص 85. (286) ج 4 ص 175. (287) إرشاد الفحول ص 86. (288) شرح الإسنوى ج 3ص 932. (289) مسلم الثبوت وشرحه ج 2 ص 242. (290) الذخيرة ج 1 ص 109. (291) روضة الناظر ج 1 ص 387. (292) طلعة الشمس ج 2 ص 88. (293) هداية العقول ج1 ص 595. (294) هداية العقول فى الموضع نفسه وكذلك شرح مسلم الثبوت فى الموضع السابق ذكره. (295) المراجع السابقة. (296) الأحكام للآمدى ج1 ص 406. (297) شرح مسلم الثبوت ج 2 ص 246. (298) الذخيرة ج1 ص 111. (299) هداية العقول ج 1 ص 594. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 إجمال 1- تعريف المجمل: ا) الإجمال فى اللغة: المجمل لغة هو المبهم من أجمل الأمر إذا أبهم، وقيل: هو المجموع، من أجمل الحساب إذا جمعه وجعله جملة واحدة، وقيل: هو المتحصل من أجمل الشىء إذا حصله، والجملة جماعة كل شىء بكماله (1) . ب) تعريف الإجمال فى اصطلاح الأصوليين: يعرف من تعريفهم للمجمل على اختلافهم فى ذلك. ج) تعريف المجمل عند الحنفية: المجمل عند الأحناف أحد أقسام أربعة للمبهم: وهى الخفى، والمشكل، والمجمل، والمتشابه. ولهم فيه تعريفات منها: المجمل، هو ما ازدحمت فيه المعانى واشتبه المراد منه اشتباها لا يدرك بنفس العبارة بل بالرجوع إلى الاستفسار، ثم الطلب ثم التأمل (2) . ومنها المجمل " لفظ لا يفهم المراد منه إلا باستفسار من المجمل وبيان من جهته، وذلك إما لتوحش فى معنى الاستعارة، أو فى صيغة عربية مما يسميه أهل الأدب لغة غريبة (3) . ومنها المجمل " اللفظ الذى خفى المراد منه فلا يدرك إلا بالنقل " (4) . د) تعريف المجمل عند المتكلمين: عرف المجمل عند علماء الأصول الذين جروا على طريقة المتكلمين بتعريفات عدة: فعرفه أبو إسحاق الشيرازى بقوله: " المجمل: هو ما لا يعقل معناه من لفظه ويفتقر فى معرفة المراد إلى غيره " (5) . ويعرفه الجوينى فى البرهان فيقول: " المجمل فى اصطلاح الأصوليين: هو المبهم، والمبهم هو الذى لا يعقل معناه، ولا يدرك منه مقصود اللافظ ومبتغاه " (6) . وعرفه الآمدى فقال: " الحق أن يقال بأن المجمل هو ما له دلالة على أحد أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر بالنسبة إليه" (7) . وعرفه ابن الحاحب بقوله: " المجمل هو ما لم تتضح دلالته " (8) . وقال القفال الشاشى وابن فورك: " المجمل ما لا يستقل بنفسه فى المراد منه حتى يأتى تفسيره " (9) . الهاء) تعريف المجمل عند الظاهرية يعرف ابن حزم الظاهرى المجمل بقوله: " لفظ يقتضى تفسيرا يؤخذ من لفظ آخر" (10) . أقسام المجمل المجمل أقسام ثلاثة: مجمل بين حقائقه، ومجمل بين أفراد الحقيقة الواحدة ومجمل بين مجازاته. وفى بيان ذلك يقول البيضاوى: " اللفظ إما أن يكون مجملا بين حقائقه، كقوله تعالى: " ثلاثة قروء " أو أفراد حقيقة واحدة مثل: " أن تذبحوا بقرة "، أو مجازاته إذا انتفت الحقيقة وتكافأت المجازات (11) . ويقول الإسنوى شرحا لذلك: المجمل على أقسام: أحدها: أن يكون مجملا بين حقائقه، أى بين معان وضع اللفظ لكل منها، كقوله تعالى: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء "، فإن القرء موضوع بإزاء حقيقتين وهما: الحيض والطهر. والثانى: أن يكون مجملا بين أفراد حقيقة واحدة، كقوله تعالى: " إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة "، فإن لفظ البقرة موضوع لحقيقة واحدة معلومة ولها أفراد، والمراد واحد معين منها. والثالث: أن يكون مجملا بين مجازاته وذلك إذا انتفت الحقيقة، وتكافأت المجازات، فلم يترجح بعضها على بعض ". أسباب الإجمال الذى يؤخذ من تعريفات الحنفية للمجمل، أن أسباب الإجمال ثلاثة (12) . أولا: ازدحام معانى اللفظ واشتباه المراد منها اشتباها لا يدرك بنفس العبارة، " بل بالرجوع إلى الاستفسار ثم الطلب، ثم التأمل وذلك كالألفاظ المشتركة، مثل المولى، والقرء. ثانيا: التوحش فى معنى الاستعارة، وذلك إذا نقل اللفظ من معناه فى اللغة إلى معنى غير معلوم يقصده الشارع منه، وذلك كالصلاة. والصوم والحج وغير ذلك من الألفاظ التى نقلت من معناها لغة إلى معنى شرعى غير معلوم لنا قبل بيانه من الشارع نفسه. ثالثا: غرابة الصيغة أو اللغة الغريبة ومثلوا له باستعمال كلمة. "هلوعا" فى قولة تعالى " إن الإنسان خلق هلوعا " التى بينها الشارع بقوله " إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا". مواضع الإجمال بيَّن الغزالى مواضع الإجمال فقال: " اعلم أن الإجمال تارة يكون فى لفظ مفرد، وتارة يكون فى لفظ مركب، وتارة فى نظم الكلام والتصريف وحروف النسق ومواضع الوقف والابتداء. أما اللفظ المفرد فقد يصلح لمعان مختلفة كالعين للشمس والذهب والعضو الباصر والميزان، وقد يصلح لمتضادين كالقرء، للطهر والحيض، والناهل للعطشان والريان، وقد يصلح لمتشابهين بوجه ما، كالنور للعقل ونور الشمس، وقد يصلح لمتماثلين كالجسم للسماء والأرض، وقد يكون موضوعا لهما من غير تقديم وتأخير 0 وقد يكون مستعارا لأحدهما من الآخر كقولك: الأرض أم البشر فإن الأم وضع اسما للوالدة أولا، وكذلك اسم المنافق والكافر والفاسق والصوم والصلاة فإنه نقل فى الشرع إلى معان ولم يترك المعنى الوضعى أيضا. أما الاشتراك مع التركيب فكقوله تعالى: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح ". فإن جميع هذه الألفاظ مرددة بين الزوج والولى 0 وأما الذى بحسب التصريف فكالمختار للفاعل والمفعول، وقد يكون بحسب الوقف والابتداء مثل قوله تعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم " من غير وقف يخالف الوقف على قوله " إلا الله "، وذلك لتردد الواو بين العطفة والابتداء " (13) . ولا يختلف الشيرازى والآمدى فى بيانهما لمواضع الجنس والقدر فيحتاج إلى بيان. الإجمال فى الأفعال يقرر الأصوليون أن الإجمال كما يكون فى الأقوال يكون فى الأفعال، ومثال ذلك أن يفعل الرسول - عليه الصلاة والسلام - فعلا يحتمل وجهين احتمالا متساويا، مثل ما روى من جمعه فى السفر، فإنه مجمل لأنه يجوز أن يكون فى سفر طويل أو فى سفر قصير، فلا يجوز حمله على أحدهما دون الآخر إلا بدليل. ومثله أيضا أن يروى أن رجلا أفطر فأمره النبى صلى الله عليه وسلم بالكفارة، فهو مجمل لاحتمال أن يكون الإفطار بالجماع أو بتناول الطعام، فلا يحمل على أحدهما دون الآخر إلا بدليل (14) . ويقرر الإسنوى ذلك فيقول (15) : " المجمل قد يكون فعلا أيضا، كما إذا قام النبى صلى الله عليه وسلم من الركعة الثانية فإنه يحتمل أن يكون عن تعمد فيدل على جواز ترك التشهد الأول، ويحتمل أن يكون عن سهو فلا يدل عليه ". حكم المجمل يبين شمس الأئمة السرخسى حكم المجمل فيقول: " وحكمه اعتقاد الحقية فيما هو المراد، والتوقف فيه إلى أن يتبين المراد به من المجمل " (16) . ويبين أبو إسحاق الشيرازى حكم المجمل فيقول: " وحكم المجمل التوقف فيه إلى أن يفسر، ولا يصح الاحتجاج بظاهره فى شىء يقع فيه النزاع " (17) . وقوع الإجمال فى الكتاب والسنة يرى جمهور الأصوليين أن الإجمال واقع فى الكتاب والسنة وأنكر ذلك داود الظاهرى. يقول الشوكانى فى إرشاد الفحول: " اعلم أن الإجمال واقع فى الكتاب والسنة، قال أبو بكر الصيرفى: ولا أعلم أحدا أبى هذا غير داود الظاهرى " (18) . ويقول صاحب جمع الجوامع: " والأصح وقوعه- أى المجمل- فى الكتاب والسنة، ومنه قوله تعالى " أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح "، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: " لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة فى جداره ". ونفاه داود الظاهرى ويمكن أن ينفصل عنها بأن الأول ظاهر فى الزوج لأنه المالك للنكاح، والثانى ظاهر فى عوده إلى الأحد، لأنه محط الكلام " (19) . التعبد بالمجمل قبل البيان قال الماوردى والرويانى: " يجوز التعبد بالخطاب المجمل قبل البيان، لأنه صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن وقال: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات فى كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة فى أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم، وتعبدهم بالتزام الزكاة قبل بيانها. قالا: وإنما جاز الخطاب بالمجمل وإن كانوا لا يفهمونه لأحد أمرين: الأول: أن يكون إجماله توطئة للنفس على قبول ما يعقبه من البيان، فإنه لو بدأ فى تكليف الصلاة بها لجاز أن تنفر النفوس منها، ولا تنفر من إجمالها. " والثانى: أن الله تعالى جعل من الأحكام جليا وجعل منها خفيا يتفاضل الناس فى العمل بها ويثابوا على الاستنباط لها، فلذلك جعل منها مفسرا جليا وجعل منها مجملا خفيا " (20) . ويقرر الغزالى ذلك أيضا فيقول: " يجوز الخطاب بمجمل يفيد فائدة ما لأن قو له تعالى " وآتوا حقه يوم حصاده " يعرف منه وجوب الإيتاء، ووقته، وأنه حق فى المال فيمكن العزم فيه على الامتثال والاستعداد له، ولو عزم على تركه عصى. وكذلك مطلق الأمر إذا ورد ولم يتبين أنه للإيجاب أو الندب أو أنه على الفور أو التراخى أو أنه للتكرار أو للمرة الواحدة أفاد علم اعتقاد الأصل ومعرفة التردد بين الجهتين. وكذلك " أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح " يعرف إن كان سقوط المهر بين الزوج والولى فلا يخلو عن أصل الفائدة وإنما يخلو عن كمالها، وذلك غير مستنكر، بل واقع فى الشريعة والعادة، بخلاف قول المخالف (21) . بقاء المجمل فى القرآن بعد وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام - اختلف الأصوليون فى بقاء المجمل فى القرآن بعد وفاة الرسول. يقول الشوكانى (22) : " وقيل: أنه لم يبق مجمل فى كتاب الله تعالى بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم، وقال إمام الحرمين المختار: أن ما ثبت التكليف به لا إجمال فيه، لأن التكليف بالمجمل تكليف بالمحال، وما لا يتعلق به تكليف فلا يبعد استمرار الإجمال فيه بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ". ويقول الإسنوى (23) : "واختلفوا فى جواز بقاء الإجمال بعد وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال فى البرهان بعد حكاية هذا الخلاف المختار أنه إن تعلق به حكم تكليفى فلا يجوز وذلك كالأسماء الشرعية مثل الصلاة فإنا نعلم قطعا أن معناها اللغوى وهو الدعاء غير مراد فلا بد من معنى آخر شرعى، وهو غير مدرك بالعقل إلا ببيان من الشارع وقد بينه قولا وفعلا، وكالربا فإنه لغة مطلق الزيادة، ولا شك أنه ليس كل زيادة محرمة، فهى زيادة مخصوصة فى الشرع وهى غير معلومة إلا بالبيان وقد بينها وأما ما لا يتعلق به التكليف كالمتشابه الذى لا يدرك لا بالعقل ولا بغيره فيجوز (24) . ويقول ابن السبكى (25) : "وفى بقاء المجمل فى الكتاب والسنة غير مبين إلى وفاته - صلى الله عليه وسلم- أقوال: أحدها: لا، لأن الله تعالى أكمل الدين قبل وفاته بقوله: " اليوم أكملت لكم دينكم ". ثانيها: نعم، قال الله تعالى فى متشابه الكتاب: " وما يعلم تأويله إلا الله " إذ الوقف هنا كما عليه جمهور العلماء، وإذا ثبت فى الكتاب ثبت فى السنة لعدم القائل بالفرق بينهما. ثالثها: الأصح: لا يبقى المجمل المطلق بمعرفته غير مبين للحاجة إلى بيانه حذرا من التكليف بما لا يطاق بخلاف غير المكلف به ". علاقة المجمل بغيره من الألفاظ العلاقة بين المجمل والمبهم مسلك الأحناف: يقسم الأحناف المبهم أو خفى الدلالة إلى أقسام أربعة: الخفى، والمشكل، والمجمل، والمتشابه 0 وعلى هذا يعد المجمل عندهم قسما من أقسام المبهم، فكل مجمل عندهم مبهم دون العكس. يقول صاحب التلويح: " اللفظ إذا ظهر منه المراد، وإذا خفى فخفاؤه إما لنفس اللفظ أو لعارض الثانى يسمى خفيا، والأول إما أن يدرك المراد بالنقل أو لا، الأول يسمى مشكلا، والثانى إما أن يدرك المراد بالنقل أو لا يدرك أصلا، الأول يسمى مجملا، والثانى متشابها، فهذه الأقسام متباينة بلا خلاف " (26) . مسلك المتكلمين: يرى جمهور من كتب من الأصوليين على طريقة المتكلمين أن المجمل هو المبهم، يقول الغزالى فى المستصفى (27) : " اللفظ المفيد بالإضافة إلى مدلوله إما ألا يتطرق إليه احتمال فيسمى نصا، أو يتعارض فيه الاحتمالات من غير ترجيح فيسمى مجملا ومبهما". ويقول الجوينى: " ولكن المجمل فى اصطلاح الأصوليين: هو المبهم، والمبهم هو الذى لا يعقل معناه، ولا يدرك منه مقصود اللافظ ومبتغاه " (28) . وعلى هذا لا يكون المجمل قسما من أقسام المبهم كما يقول الأحناف، بل هو نفسه، ويكون كل مجمل عند الأحناف مجمل عند المتكلمين ولا عكس (انظر أيضا: مبهم) . العلاقة بين المجمل والمتشابه مسلك الأحناف: يظهر مما تقدم أن كلا من المجمل والمتشابه قسم من أقسام المبهم أى الخفى بالمعنى الأعم، والفرق بينهما أن المجمل يدرك المراد منه بالنقل، وأما المتشابه فلا يدرك المراد منه أصلا. فالعلاقة بينهما إذن هى التباين (29) . مسلك المتكلمين: يرى أكثر المتكلمين أن المتشابه هو المجمل يقول الغزالى (30) : " والمتشابه ما تعارض فيه الاحتمال، وأما المتشابه فيجوز أن يعبر به عن الأسماء المشتركة كالقرء، والذى فى قوله تعالى: " أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح "، فإنه مردد بين الزوج والولى، وكاللمس المردد بين المس والوطء، وقد يطلق على ما ورد فى صفات الله مما يوهم ظاهره الجهة والتشبيه ويحتاج إلى تأويله، فهذا تعريف للمتشابه بما يجعله والمجمل شيئا واحدا، وذلك فى الإطلاق المشهور. ويقول إمام الحرمين فى البرهان: "المختار عندنا أن المحكم كل ما علم معناه وأدرك فحواه والمتشابه هو المجمل " (31) . ويقول أبو إسحاق الشيرازى (32) : " وأما المتشابه فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من قال: هو والمجمل واحد. ومنهم من قال: المتشابه ما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه والصحيح الأول، لأن حقيقة المتشابه ما أشتبه معناه، وأما ما ذكروه فلا يوصفه بذلك ". أما الآمدى فقد جعل المجمل قسما من أقسام المتشابه، حيث جعل المتشابه ما تعارض فيه الاحتمال وذلك على جهتين: إما بجهة التساوى كالألفاظ المجملة، كما فى قوله تعالى: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء " لاحتمال القرء زمن الحيض والطهر على السوية، وإما لا على جهة التساوى كالأسماء المجازية، وإما ظاهره موهم للتشبيه، وهو مفتقر إلى تأويل، كقوله تعالى: " ويبقى وجه ربك "، " ونفخت فيه من روحى "، " مما عملت أيدينا " (33) . وعلى هذا يكون المجمل منوط من أنواع المتشابه عند الآمدى، فكل مجمل متشابه ولا عكس. أما الإسنوى فقد جعل المتشابه جنسا لنوعين هما المجمل والمؤول، قال (34) : " ثم أن المجمل والمؤول مشتركان فى أن كلا منهما يفيد معناه إفادة غير راجحة، إلا أن المؤول مرجوح أيضا، والمجمل ليس مرجوحا بل مساويا، فالقدر المشترك بينه من عدم الرجحان يسمى بالمتشابه، فهو جنس لنوعين: المجمل والمؤول " 0 مسلك أهل الظاهر: أما ابن حزم الظاهرى فبعد أن عرف المجمل بأنه: " لفظ يقتضى تفسيرا يؤخذ من لفظ آخر " ذكر أن المتشابه لا يوجد فى شىء من الشرائع، ثم قرر بعد أن حصر مواضع المتشابه فى القرآن، أننا نهينا عن اتباع تأويله وعن طلبه، وأمرنا بالإيمان به جملة، وعلي هذا تكون العلاقة بين المجمل والمتشابه عنده التباين، إذ المجمل يؤخذ تفسيره من لفظ آخر، بينما المتشابه لا يمكن تفسيره " (35) (انظر أيضا: متشابه) . العلاقة بين المجمل والعام يرى جمهور الأصوليين أن العام من قبيل الظاهر أو واضح الدلالة بينما يرى البعض أنه قسم من أقسام المجمل (36) . ويقول صاحب التلويح: " حكم العام التوقف عند البعض حتى يقوم الدليل لأنه مجمل لاختلاف أعداد الجمع، وأنه يؤكد بكل وأجمع، ولو كان مستغرقا لما احتيج إلى ذلك، ولأنه يذكر الجمع ويراد به الواحد كقوله تعالى " الذين قال لهم الناس إن الناس "، وعند البعض يثبت الأدنى، وهو الثلاثة فى الجمع والواحد فى غيره، وعندنا وعند الشافعى رحمه الله يوجب الحكم فى الكل، لأن العموم معنى مقصود فلابد أن يكون لفظ يدل عليه " (37) . ويقول عبد العزيز البخارى: " وقد تحزبوا فرقا، فمنهم من قال: ليس فى اللغة صيغة مبينة للعموم خاصة لا تكون مشتركة بينه وبين غيره، والألفاظ التى ادعاها أرباب العموم لأنها عامة لا تفيد عموما ولا خصوصا، بل هى مشتركة بينهما أو هى مجملة، فيتوقف فى حق العمل والاعتقاد جميعا إلا أن يقوم الدليل على المراد، كما يتوقف فى المشترك أو كما يتوقف فى المجمل والخبر والأمر والنهى فى ذلك سواء، وهو مذهب عامة الأشعرية وعامة المرجئة، وإليه مال أبو سعيد البردعى من أصحابنا فعند هؤلاء لا يصح التمسك بعام أصلا " (38) . (انظر أيضا: عام) . العلاقة بين المجمل والمشترك المشترك إن تجرد عن القرائن فهو مجمل وخالف فى ذلك الشافعى وبعض الأصوليين فقالوا: بوجوب حمله على الجميع. يقول الإسنوى: " اللفظ المشترك قد يقترن به قرينة مبينة للمراد وقد يتجرد عنها فإن تجرد عن القرائن فهو مجمل إلا عند الشافعى والقاضى فإنه يحمله على الجميع " (39) . ويقول صاحب جمع الجوامع (40) : والمشترك يصح إطلاقه على معنييه معا مجازا وعن الشافعى والقاضى والمعتزلة حقيقة، زاد الشافعى وظاهر فيهما عند التجرد عن القرائن المعينة لأحدهما ". ويقول الشوكانى (41) فى إرشاد الفحول: " اختلف فى جواز استعمال اللفظ المشترك فى معنييه أو معانيه، فذهب الشافعى والقاضى أبو بكر، وأبو على الجبائى، والقاضى عبد الجبار بن أحمد، والقاضى جعفر، وبه قال الجمهور وكثير من أئمة أهل البيت على جوازه، وذهب أبو هاشم وأبو الحسن البصرى والكرخى إلى امتناعه " (42) . وعلى هذا يكون المشترك من قبيل الظاهر عند الشافعى إذ إنه ظاهر فى إرادة جميع معانيه، مجملا عند غيره يجب التوقف فيه عند عدم القرينة حتى يرد البيان " (انظر: اشتراك) . العلاقة بين المجمل والمتواطىء عرف المتواطىء بأنه اللفظ الذى يتناول الكثير تناولا على السوية (43) . وتعريف المتواطىء بهذا يجعله من قبيل المجمل، وقد صرح بذلك بعض الأصوليين. يقول صاحب جمع الجوامع: " وتأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الفعل جائز وواقع عند الجمهور، وسواء كان للمبين ظاهر وهو غير المجمل كعام يبين تخصيصه، ومطلق يبين تقييده، ودال على حكم يبين نسخه، أم لا، وهو المجمل كمشترك يبين أحد معنييه مثلا ومتواطىء يبين أحد ما صدقاته مثلا " (44) فقد جعل المتواطىء داخلا فى المجمل. بيان الإجمال بيان الإجمال نوع من أنواع البيان، (انظر: بيان)   (1) انظر لسان العرب ج 11 ص 128، والقاموس المحيط ج 3 ص 531. (2) أصول البزدوى وشرحه كشف الأسرار ج 1 ص 45، والمنار وشرحه ج 1 ص 0365 (3) انظر أصول السرخسى ج اص 168. (4) انظرالتلويح على التوضيح ج 2 ص 126. (5) انظر اللمع للشيرازى ص27. (6) البرهان لوحة 110، 111 نقله صاحب تفسير النصوص. (7) راجع الإحكام فى أصول الأحكام ج3 ص 9. (8) انظر مختصر المنتهى لابن الحاجب مع شرح العضد، وإرشاد الفحول للشوكانى ص167. (9) راجع إرشاد الفحول للشوكانى ص167. (10) انظر الإحكام فى أصول الأحكام لابن حزم ج 1 ص 41. (11) نهاية السول شرح منهاج الأصول ج 2 ص 508. (12) انظر أصول البزدوى مع شرحه كشف الأسرار ج1 ص 54، والمنار للنسفى مع شرحه ج1 ص 365، وأصول السرخسى ج1 ص 168. (13) انظر المستصفى للغزالى ج 1 ص 360 وما بعدها. وللإجمال مراجع أخرى يرجع فيها إلى كتب الأصول. (14) راجع اللمع للشيرازى ص27، والإحكام للأمدى ج 3 ص 14. (15) انظر نهاية السول شرح منهاج الأصول ج 2ص 512. (16) راجع أصول السرخسى ج 1 ص 168. (17) إرشاد الفحول للشوكانى ص 0168 (18) إرشاد الفحول ص168. (19) راجع جمع الجوامع وحاشية البنانى عليه ج 2 ص 42، 43. (20) راجع إرشاد الفحول للشوكانى ص 168. (21) انظر المستصفى ج1 ص 376. (22) إرشاد الفحول ص 168. (23) نهاية السول شرح منهاج الأصول ج2 ص513. (24) راجع نهاية السول شرح منهاج الأصول وحاشية الشيخ بخيت عليه ج 2 ص513. (25) جمع الجوامع ج 1 ص 125. (26) انظر التلوبح على التوضيح ج 1 ص 125. (27) ج 1 ص 336. (28) راجع البرهان لوحة 110، 0111 (29) راجع التلويح على التوضيح ج1 ص 126. (30) المستصفى ج 1 ص 106. (31) البرهان لإمام الحرمين لوحة 112. (32) راجع اللمع لللشيرازى 29. (33) راجع الإحكام للأمدى. (34) نهاية السول ج2 ص 61. (35) انظر الإحكام لابن حزم ج1 ص 48، ج4 ص 123. (36) راجع المستصفى ج1 ص 378. (37) راجع التلويح على التوضيح ج1 ص 38 ومرقاة الوصول شرح مرآة الأصول مع حاشية الأزميرى ج1 ص 35 وأصول البزدوى ج1 ص 291. (38) انطر كشف الأسرار لعبد العزيز البخارى ج 1 2ص 299 وما بعدها. (39) نهاية السول فى شرح منهاج الأصول مع حاشية الشيخ بخيت ج 2 ص 142. (40) ج 1 ص 164. (41) ج 1 ص 20. (42) راجع الإحكام للآمدى ج 2 ص 352 وما بعدها، ومختصر المنتهى لابن الحاجب مع شرحه للعضد وحاشية السعد ج 2 ص 111، وكشف الأسرار لعبد العزيز البخارى ج 1 ص 40. (43) إرشاد الفحول للشوكانى ص17، وجمع الجوامع ج 1 ص 150 ونهاية السول شرح منهاج الأصول ج 2 ص 44. (44) جمع الجوامع مع حاشية البنانى ج 1 ص47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 إجهاض التعريف به: جاء فى المصباح: " أجهضت الناقة والمرأة ولدها إجهاضا أسقطته ناقص الخلق فهى جهيض ومجهضة بالهاء الأخيرة، وقد تحذف، والجهاض اسم منه". وفى القاموس: الجهيض والجهض: الولد السقط أو ما تم خلقه ونفخ فيه الروح من غير أن يعيش. ولم يخرج الفقهاء به عن هذا الاستعمال فيما رجعنا إليه من كتب المذاهب، وإنما يغلب فى عباراتهم إيراد لفظ. إسقاط بدل إجهاض: وإن كان الشافعية يكثر استعمالهم للفظ إجهاض. فقد أورد الرملى (1) عبارة الاستجهاض فيما نقله عن الغزالى، إذ بين أن العزل خلاف الاستجهاض والوأد، لأنه جناية على موجود حاصل. وكذلك عبر الرملى نفسه إذ يقول (2) : " لو ضرب ميتة فأجهضت ميتا..، وكذا عبر الرشيدى بالإجهاض عن استعمال الدواء بقصد الإسقاط، فقال (3) ": " إن ما ذكر من الإجهاض " أن تستعمل دواء فإذا حملت أجهضت..". وقال البجرمى: فى حاشيته على "الخطيب" (4) : تفسيرا لكلمة الإجهاض الواردة فى عبارة الخطيب: إنه الرمى، ونقل عبارة المصباح على أنها تقصر الإجهاض على الناقة فقط، ثم نقل عن الأزهرى وغيره أنه لا يقال أجهضت إلا فى الناقة خاصة، ويقال فى المرأة أسقطت. وقال: إن إطلاق الإجهاض على إسقاط المرأة مجاز. لكن ما نقلناه عن المصباح صريح فى التسوية بين المرأة والناقة فى استعمال لفظ إجهاض. كما عبر. الشيعة الجعفرية عن الإسقاط بلفظ الإجهاض أيضا إذ يقول صاحب الروضة البهية (5) . " وتعتبر قيمة الأم عند الجناية لا وقت الإجهاض الذى هو الإسقاط ". حكم الإجهاض الأخروى مذهب الحنفية: قال الحصكفى فى كتابه الدرر (6) : " قالوا يباح إسقاط الولد قبل أربعة أشهر ولو بلا إذن الزوج". وعلق على ذلك ابن عابدين بما نقله عن الطحطاوى عن النهر، قال فى النهر: هل يباح الإسقاط بعد الحمل؟ نعم يباح ما لم يتخلق منه شىء، ولن يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما. وهذا يقتضى أنهم أرادوا بالتخلق نفخ الروح وإلا فهو غلط، لأن التخلق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة، كذا فى الفتح (7) . وإطلاقهم يفيد عدم توقف جواز إسقاطها قبل المدة المذكورة على إذن الزوج. وفى كراهة الخانية (أى باب الكراهة فى كتاب الخانية) ولا أقول بالحل إذ المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه لأنه أصل الصيد، فلما كان يؤاخذ بالجزاء فلا أقل من أن يلحقها إثم هنا إذا أسقطت بغير عذراه. قال ابن وهبان: ومن الأعذار أن ينقطع لبنها بعد ظهور الحمل وليس لأبى الصبى ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه ونقل عن الذخيرة: لو أرادت الإلقاء قبل مضى زمن ينفخ فيه الروح هل يباح لها ذلك؟ اختلفوا فيه، وكان الفقيه على بن موسى يقول إنه يكره فإن الماء بعد ما وقع فى الرحم مآله الحياة فيكون له حكم الحياة كما فى بيضة صيد الحرم، ونحوه فى "الظهيرية ". قال ابن وهبان: فإباحة الإسقاط محمولة على حالة العذر أو أنها لا تأثم إثم القتل انتهى. قال: وبما فى الذخيرة يتبين أنهم ما أرادوا بالتخليق إلا نفخ الروح انتهى. مذهب المالكية: جاء فى شرح الدردير على متن خليل بحاشية الدسوقى (8) : " لا يجوز إخراج المنى المتكون فى الرحم ولو قبل الأربعين يوما، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا ". وعلق الدسوقى على قول الدردير " ولو قبل الأربعين بأن هذا هو المعتمد، وقيل يكره إخراجه قبل الأربعين. ونص ابن رشد (9) : على أن مالكا استحسن فى إسقاط الجنين الكفارة ولم يوجبها لتردده بين العمد والخطأ. واستحسان الكفارة يرتبط بتحقق الإثم. مذهب الشافعية: نقل البجرمى: فى حاشيته على الإقناع (10) فرعا عن ابن حجر يقول له: اختلفوا فى التسبب لإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه، وهو مائة وعشرون يوما. والذى يتجه وفاقا لابن العماد وغيره الحرمة، ولا يشكل عليه جواز العزل لوضوح الفرق بينهما بأن المنى حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره فى الرحم، وأخذه فى مبادىء التخلق، يحرف ذللا بالإمارات. وفى حديث مسلم أنه يكون بحد اثنين وأربعين ليلة، أى ابتداؤها. ثم قال البجرمى: وقول ابن حجر: " والذى يتجه.. الخ، فى بعض الكتب. خلافه، وقوله: " وأخذه فى مبادىء التخلق " يفيد؟ نه لا يحرم قبل ذلك. وفى حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج (11) : اختلفوا فى جواز التسبب فى إلقاء النطفة بعد استقرارها فى الرحم. فقال أبو إسحاق المروزى: يجوز إلقاء النطفة والعلقة، ونقل ذلك عن أبى حنيفة. وفى الإحياء فى بحث العزل ما يدل على تحريمه وهو الأوجه لأنها بعد الاستقرار آيلة إلى التخلق المهيأ لنفخ الروح. وحكى الرملى فى شرحه، خلافا فى كتاب أمهات الأولاد. وقد رجعنا إلى كتاب أمهات الأولاد فى المرجع المذكور (12) فإذا فيه ما يأتى: قال المحب الطبرى: اختلف فى النطفة قبل تمام الأربعين على قولين: قيل لا يثبت حكم السقط والوأد، وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها ولا التسبب فى إخراجها بعد الاستقرار فى الرحم بخلاف العزل. قال الزركشى: وفى تحليق بعض الفقهاء قال الكرابيسى سألت أبا بكر بن أبى سعيد الفراتى عن رجل سقى جاريته شرابا لتسقط ولدها فقال: مادامت نطفة- أو علقة فواسع له ذلك إن شاء الله انتهى. وقد أشار الإمام أبو حامد الغزالى الى هذه المسألة فى الإحياء فقال بعد أن قرر أن العزل خلاف الأولى ما حاصله: وليس هذا كالاستجهاض والوأد لأنه جناية على وجود حاصل فأول مراتب الوجود: دفع النطفة فى الرحم فيختلط بماء المرأه فإفسادها جناية فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش فان نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشا ثم قال: ويبعد الحكم بعدم تحرمه وقد يقال: إم ا حالة نفخ الروح فيما بعده الى الوضع فلا شك فى التحريم، وأما قبله فلا يقال انه خلاف الأولى بل يحتمل للتنزيه والتحريم ويقوى التحريم فيما قرب من زمن النفخ لأنه جريمة. ثم أن تشكل فى صورة آدمى وجبت الغرة نعم لو كانت النطفة من زنا فقد يتخيل الجواز فلو تركت حتى نفخ فيها فلا شك فى التحريم 0 مذهب الحنابلة: ونص الحنابلة (13) فيما يرويه أبن قدامة أن من ضرب بطن إمرأة فألقت جنينا فعليه كفارة وغرة، وإذا شربت الحامل دواء فألقى به جنيناً فعليها غرة وكفارة. ومقتضى هذا النص وقوع الإثم فى إلقاء الجنين، لأن الكفارة إنما تترتب عليه كما هو مقتضى تسميتها كفارة. وجاء فى الروض المربع بشرح زاد المقنع مختصر المقنع (فى باب العدد " ويباح للمرأة إلقاء النطفة قبل أربعين يوما بدواء مباح ". ومن هذا النص الفقهى ينتج أن الإجهاض بشرب الدواء المباح فى هذه الفترة حكمه الإباحة. وأما بعد صيرورته جنينا ففيه الإثم لوجوب الكفارة. مذهب الظاهرية: يصور ابن حز م مذهب الظاهرية (14) : " صح أن من ضرب حاملا فأسقطت جنينا فإن كان قبل الأربعة الأشهر قبل تمامها فلا كفارة فى ذلك لكن الغرة واجبة فقط لأن رسول الله حكم بذلك، لأنه لم يقتل أحدا لكنه أسقطها جنيا فقط، وإذا لم يقتل أحدا فلا كفارة فى ذلك إذ لا كفارة إلا فى القتل الخطأ ولا يقتل إلا ذو روح. وهذا لم ينفخ فيه الروح بعد. وإن كان بعد تمام الأربعة الأشهر، وتيقنت حركته بلا شك وشهد بذلك أربع قوابل عدول فإن فيه غرة فقط لأنه جنين قتل فهذه هى ديته. والكفارة واجبة بعتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لأنه قتل مؤمنا خطأ. ومقتضى ذلك حدوث الإثم على مذهبهم فى الإجهاض بعد تمام الأربعة الأشهر إذ أوجبوا الكفارة التى لا تكون ألا مع تحقق الإثم ولم يوجبوها فى الإجهاض قبل ذلك. مذهب الزيدية: جاء فى البحر الزخار (16) الذى يحكى المذهب الزيدى، أنه يجوز تغيير النطفة والعلقه والمضغة، لأنه لا حرمة للجماد. وجاء فى باب الجنايات (17) : لا شىء فيما لم يتبين فيه التخلق والتخطيط كالمضغة والدم. ثم قال (18) : أنه لا كفارة فى جنين، لأن النبى عليه الصلاة والسلام قضى بالغرة ولم يذكر كفارة، ثم إن ما خرج ميتا لم يوصف بالإيمان 0. ثم بين إنه إذا خرج حيا ثم مات ففيه الكفارة، ومقتضاه وجود الإثم فى هذه الجزئية. مذهب الإمامية: نص صاحب الروضة البنية (19) على أنه تجب الكفارة بقتل الجنين حين تلجه الروح كالمولود، وقيل مطلقا سواء لم تلج فيه الروح، مع المباشرة لقتله لا مع التسبب. مذهب الإباضية: جاء فى شرح النيل (20) : " ليس للحامل أن تعمل ما يضر بحملها من أكل أو شرب كبارد وحار- أو غيرهما كحجامة ورفع ثقيل ونزع ضرس، فإن تعمدت مع علمها بالحمل لزمها الضمان والإثم، وإلا فلا ألم، وكذا غيرها إذا فعل مضرا يحملها فهو مثلها إذا تعمده فى حالى العلم بالحمل والجهل به، وأن أمرت من يرفع عليها ثقيلا ففعل فأسقطت فلا إثم إن كان على غير علم ولزمه الضمان وإلا لزمه الإثم والضمان، وقيل بسقوطهما فى حال الجهل، وإن علمت الحامل دون من يرفع الثقيل عليها لزمها وحدها الضمان، وأطال شارح النيل فى التفريعات. حكم الإجهاض الدنيوى يشمل حكم الإجهاض الدنيوى على ما يلزم فيه من جزاء كالغرة، وعلى أثره فى انقضاء العدة، وما يتعلق بالسقط من طهارة أو نجاسة وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه وارثه واستحقاقه فى الوقف والوصية وغير ذلك، والذى يعنينا هنا هو الأول فقط لأنه الذى يختص من جهة كونه إجهاضا، وأما الباقى فأحكامه- مشتركة مع كل جنين وسقط دون اعتداء.) أنظر: (جنين، عدة، طهارة، جنا زة) . مذهب الحنفية: نص فقهاء الأحناف (21) على أن من ضرب بطن إمرأة أو ظهرها أو جنينها أو رأسها أو عضوا من أعضائها ولو كانت المرأة كتابية أو مجوسية أو زوجته فألقت جنينا ميتا وحب على العاقلة غرة وهى نصف عشر دية الرجل لو كان الجنين ذكرا وعشر دية " المرأة لو كان أنثى.. وقالوا: أن وجوب الغرة وأن- كان مخالفا للقياس إلا أنه ثابت بالسنة. فقد روى عن محمد بن الحسن أنه قال: بلغنا أن رسول الله صلوات الله عليه قضى بالغرة على العاقلة، وقالوا: إن ألقت الجنين حيا فمات ففيه دية كاملة وكفارة، وإن ألقته ميتا فماتت الأم فدية فى الأم، وغرة فى الجنين لما تقرر إن الفعل يتعدد بتعدد أثره.. وقد ذكر الميرغينانى فى "الهداية" (22) أنه صح عن النبى عليه الصلاة والسلام القضاء بالدية والغرة فى هذه الجزئية، كما قالوا بتعدد الغرة لو جنينين فأكثر وإن ماتت فألقته ميتا فدية فقط ولا شىء فى الجنين لأن موت الأم سبب لموته ظاهرا إذ حياته بحياتها وتنفه بتنفسها، فيتحقق مونه بموتها، وإن ألقته حيا بعد ما ماتت فمات بعد ذلك فعليه دية الأم ودية الجنين كما إذا ألقته حيا ومات. ثم نصوا على أن ما يجب فيه يورث عنه وترث منه أمه ولا يرث ضاربه منها ولا من غيرها لأنه قاتل مباشرة (أنظر: غرة، جنين) . وقالوا: إن فى جنين الأمة الرقيق الذكر نصف عشر قيمته لو حيا فى مجال الضارب حالا، وعشر قيمته لو أنثى كذلك، كما قالوا: أنه لا يجب فى الجنين الذى نزل ميتا بجناية كفارة بل هى مندوبة، وأما إن نزل حيا ثم مات ففيه الكفارة. وقالوا: إن ما استبان بعض خلقه بمنزلة الجنين التام فى جميع الأحكام. وإذا أسقطت المرأة جنينا عمدا بدواء أو فعل كضربها بطنها ومعالجة فرجها حتى أسقطت أو حملت حملا ثقيلا بقصد الإسقاط ولم يأذن لها زوجها فإن عاقلتها تضمن الغرة بذلك، وأما إن أذن الزوج أو لم تتعمد الزوجة فلا غرة لعدمه التعدى، وعلق على ذلك ابن عابدين فى حاشيته على الدر (23) : بأنه يتمشى على الرواية الضعيفة والصحيح قياسا على ما فى الكافى: أنه لا تسقط الغرة عن عاقلة المرأة بإذن زوجها بإتلاف الجنين لأن أمره لها ليس بأقل من فعله، وهو إذا ضرب إمرأته فألقت جنينا لزم عاقلته الغرة ولا يرث منها. وقال "صاحب الدر": لو أمرت الحامل امرأة بالاعتداء عليها ففعلت لا تضمن المأمورة، وعلق على ذلك ابن عابدين لما نقله عن عزمى من أن نفى الضمان عن المأمورة لا يلزم منه ففيه عن الآمرة إذا أمرت بغير إذن زوجها. ونقل صاحب الدر عن كتاب الواقعات: إن من شربت دواء لتسقط الجنين عمدا فإن ألقته حيا فمات عليها الدية والكفارة وان ألقته ميتا فالغرة، ولا ترث فى الحالين. وعلق ابن عابدين وعلى وجوب الدية والكفارة فى الصورة الأولى بأن ذلك الحكم ثابت ولو كان الفعل بإذن الزوج لتحقق الجناية على نفس حية فلا تجرى فيها الإباحة. وقال: إن هذا بخلاف ما إذا ألقته ميتا فإنه لو كان بإذن الزوج فلا غرة عليها. وابن عابدين يتمشى فى هذا مع ما ذكره صاحب التنوير والدر وقال: أنه رواية ضعيفة. مذهب المالكية: يقول المالكية فيما يروية كل من الدردير والدسوقى (24) : أن فى إلقاء الجنين وإن علقة عشر ما فى أمه ولو كانت أمة، وما يجب فى أمة إن كانت حرة. الدية، وإن كانت أمة القيمة، وسواء كانت الجناية عمدا أو خطأ من أجنبى أو أب أو أم كما لو شربت ما يسقط به الحمل فأسقطته، وهذا الغرم يدفع نقدا أى معجلا، ويكون فى مال الجانى إلا أن تبلغ ثلث ديته فعلى العاقلة، وله أن يدفع بدل عشر الدية الغر، وهذا التخيير فى جنيين الحرة، أما جنين الأمة فيتعين فيه النقد (أى العين) ولا غرة فيه والغرة عبد أو وليدة تساويه) (أنظر: غرة) ثم قالوا إن هذا الحكم إن أنفصل كله ميتا وأمه حية فان انفصل كله بعد موتها أو بعضه وهى حية وباقيه بعد موتها فلا شىء فيه، وان انفصل عنها وهو حى حياة مستقرة بأن استهل صارخا أو رضع كثيرا سواء كانت هى حية أو ميتة ثم مات فالدية واجبة أن أقسم أولياؤه أنه مات من فعل الجانى ولو مات بعد تحقق حياته عاجلا، فان لم يقسموا فلا غرة، لأن الجنين إذا استهل صار من جملة الأحياء والديه تتوقف على القسامة وقد امتنع الأولياء عنها (أنظر: دية، قسامة) وإن تعمد الجانى الجنين بضرب بطن أو رأس أو ظهر لأمه فنزل مستهلا ثم مات ففى القصاص بقسامة أو الدية بقسامة فى مال الجانى لتعمده، خلاف. والراجح فى تعمد البطن أو الظهر القصاص وفى تعمد الرأس الدية فى ماله كتعمد ضرب يد أو رجل. ويتعدد الواجب عندهم من عشر أو غرة إن لم يستهل أو دية أن استهل بعدد الجنين، كما نصوا على أنه يورث على نظام الفرائض، وقالوا: انه إذا كان الإجهاض بفعل أحد الأبوين أو الأخوة اعتبر كالقاتل فلا يرث شيئا. ويقول ابن رشد (25) : اتفقوا على أن الواجب فى جنين الحرة وجنين الأمة"من سيدها هو غرة لما ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم من حديث أبى هريرة وغيره أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها، فقضى فيه الرسول بغرة: عبد أو وليدة. واتفقوا على أن قيمة الغرة الواجبة فى ذلك عند من رأى أن الغرة فى ذلك محدودة بالقيمة، وهو مذهب الجمهور هى نصفه عشر دية أمه (أنظر: غرة) . كما ذكر أن مذهب مالك أن فى جنين الأمة عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى يوم يجنى عليه، وفى جنين الذمية عشر دية أمه وهى على أن الغرة لا تجب إلا إذا خرج الجنين ميتا، ولا تموت أمه من الضرب، فإن ماتت وسقط الجنين ميتا فلا شىء فيه. وقال أشهب: فيه الغرة، وقال أن مالكا وأصحابه يرون أن علامة الحياة الاستهلال بالصياح أو البكاء وأن مالكا يقول كل ما طرحته من نطفة أو علقة مما يعلم أنه ولد ففيه الغرة. ورجح ابن رشد اعتبار نفخ الروح فيه قال: إن الغرة عند مالك فى مال الجانى تشبيها لها بدية العمد. وقال: إنها تجب عند مالك لورثة الجنين وحكمها حكم الدية فى أنها موروثة. مذهب الشافعية: يقول أبو شجاع وشارحه الخطيب (26) : أن دية الجنين الحر المسلم غرة: عبد أو أمة لأن النبى عليه الصلاة والسلام قضى بذلك كما فى الصحيحين. وعلق البجرمى على قيد " مسلم " بقوله ليس ذلك بقيد، لأن الجنين الكافر فيه غرة أيضا لكنها كثلث غرة المسلم فى الكتابى وثلث خمس غرة المسلم فى المجوسى، وأما المرتد والحربى فمهدران. فالمعتبر كونه معصوما لا مسلما. كما علق على قوله عبد أو أمة بأن الخيار لا للمستحق. وقال الخطيب: إنما تجب الغرة فى الجنين إذا أنفصل ميتا بجناية على أمه الحية مؤثرة فيه سواء أكانت الجناية بالقول كالتهديد والتخويف المفضى إلى سقوط الجنين أم بالفعل كأن يضربها أو يوجرها دواء فتلقى جنينا أم بالترك كأن يمنعها الطعام أو الشراب حتى تلقى الجنين، ولو دعتها ضرورة إلى شرب دواء فينبغى قال الزركشى إنها لا تضمن بسببه وليس من الضرورة الصوم ولو فى رمضان إذا خشيت منه الإجهاض فإذا فعلته (أى الصوم) وأجهضت ضمنته كما قال الما وردى. ولا ترث منه لأنها قاتلة، وسواء كان الجنين ذكرا أم غيره لاطلاق الخبر لأن ديتهما لو اختلفت لكثر الاختلاف فى كونه ذكرا أو أنثى فسوى الشارع بينهما، وسواء كان الجنين تام الأعضاء ناقصها ثابت النسب أم لا. وسواء انفصل فى حياتها يجنابة أو انفصل بعد موتها بجناية. فى حياتها، ولو ظهر بعض الجنين بلا انفصال من أمه كخروج رأسه ميتا وجبت فيه الغرة. ثم قال: ولو كانت أمه ميتة وقد انفصل ميتا فلا شىء لظهور موته بموتها ولو انفصل حيا وبقى بعد انفصاله زمنا بلا ألم ثم مات فلا ضمان، وإن مات حين خرج بعد انفصاله أو دام ألمه ومات منه فدية نفس كاملة على الجانى ولو ألقت امرأة بجناية عليها جنينين ميتين وجبت غرتان أو ثلاثا فثلاثا وهكذا ولو ألقت لحما قال أهل الخبرة فيه صورة آدمى خفيه وجبت فيه الغرة بخلاف ما لو قالوا لو بقى لتصور أى تخلق. ثم قال: والخيرة فى الغرة إلى الغارم، ويجبر المستحق علي قبولها بشرط أن يكون العبد أو الأمة مميزا، واشترطوا بلوغ الغرة فى القيمة نصفه عشر الدية من الابن المسلم (أنظر: غرة) . والغرة تستحق لورثة الجنين على فرائض الله، وهى واجبة على عاقلة الجانى، وتكون مؤجلة (انظر: عاقلة) . ودية الجنين المملوك ذكرا كان أو غيره عشر قيمة أمه، ولو كانت الأم هى الجانية لا يجب فى جنينها المملوك للسيد شىء، إذ لا يجب للسيد على رقيقه شىء. ونص البجرمى (27) على أن الجنين لو أنفصل لدون ستة أشهر فمات حين خرج بعد انفصاله أو دوام ألمه ومات منه ففيه الدية الكاملة. مذهب الحنابلة: جاء فى المغنى لابن قدامة فى باب الديات (28) أن فى جنين الحرة المسلمة غرة فى قول أكثر أهل العلم، وقد روى عن عمر أنه استشار الناس فى إملاص المرأة (أى إلقاء جنينها) فقال المغيرة بن شعبة:: شهدت النبى صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة. وقال ابن قدامة: إن كانت المرأة كتابية أو أمة والجنين الحر مسلم فإن الجنين يحكم بإسلامه وحريته، وفيه الغرة، ولو كان الجنين محكوما برقه لم تجب فيه الغرة. وقال (29) : إن الغرة- تجب إذا سقط الجنين من الضربة ويعلم ذلك بأن يسقط عقب الضرب أو ببقائها متألمة إلى أن يسقط، ولو قتل حاملا لم يسقط جنينها، أو ضرب من فى جوفها حركة أو انتفاخ فسكن الحركة لم يضمن الجنين. وقال إنه مذهب مالك وقتادة والشافعى. وحكى عن الزهرى أن عليه. الغرة لأن الظاهر أنه قتل الجنين. واستدل ابن قدامة لمذهبه بأنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه، ولذلك لا تصح له وصية ولا ميراث، ولأن الحركة يصح أن تكون لريح فى البطن سكنت ولا يجب الضمان بالشك. ثم قال: إن وجوب الضمان سواء ألقته فى حياتها أو بعد مماتها لأنه جنين تلف بجنايته وعلم ذلك بخروجه فوجب ضمانه 0 فأما إن ظهر بعضه من يطن أمه ولم يخرج باقيه ففيه الغرة. وقال: إنه رأى الشافعى أيضا. ونقل عن مالك وابن المنذر أنه لا تجب الغرة حتى تلقيه. ثم قال (30) : إن ألقت مضغة فشهد ثقات من القوابل بأن فيه صورة خفية ففيه غرة، وإن شهدت أنه مبتدأ خلق آدمى لو بقى تصور، ففيه وجهان أصحهما لا شىء فيه لأنه لم يتصور فلم يجب فيه كالعلقة. والثانى: فيه غرة لأنه مبتدأ خلق آدمى أشبه ما لو تصور، وهذا يبطل بالنطفة والعلقة. ثم بين ابن قدامة الحنبلى الغرة الواجبة وأورد ما فيها من خلاف: أهى عبد أو أمة أو تصح بغير ذلك، وبين أن قيمتها نصفه عشر الدية، كما ذكر أن غرة جنين الكتابيين نصف الغرة الواجبة فى المسلم، وإن جنين المجوسية تجب فيه غرة قيمتها أربعون درهما، وإلا فالدراهم نفسها. وفى موضع آخر (31) : يقول ابن قدامة: إن الجنين المملوك فيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى. وقال (32) : إن وطئ أمة بشبهة أو غر بأمة فتزوجها وأحبلها فضربها ضارب فألقت جنينا فهو حر وفيه غرة موروثة.. وإذا سقط جنين ذمية وقد وطئا مسلم وذمى فى طهر واحد وجب فيه اليقين وهو ما فى جنين الذمى، فإن الحق بالمسلم فعليه تمام الغرة. وأطال فى ذلك وتفصيله فى مصطلح (جنين، غرة) . كما قال ابن قدامة (33) : إن الغرة موروثة عن الجنين كأنه سقط حياكما لو قتل بعد الولادة، وقال إنه قول مالك والشافعى وأصحاب الرأى. ونقل عن الليث إنها لا تورث بل تكون بدله لأنه كعضو من أعضائها، وأطال فى الاستدلال والمناقشة وذكر الصور. ثم قال (34) : وتحمل الطاقة دية الجنين إذا مات مع أمه إذا كانت الجناية عليها خطأ أو شبه عمد، وإن كان قتل الأم عمدا أو مات الجنين وحده لم تحمله العاقلة ويكون الجميع على الجانى، ونقل خلاف الشافعى فى ذلك. ثم قال: وإذا ضرب بطن امرأة فألقت أجنة ففى كل واحد غرة لأنه ضمان آدمى فتتعدد بتعدده، وإن ألقتهم أحياء فى وقت. يعيشون فى مثله ثم ماتوا ففى كل واحدة دية كاملة، وإن كان بعضهم حيا فمات وبعضهم ميتا ففى الحى دية وفى وفى الميت غرة. وقال فى موضع آخر (35) : وعلى كل من ضرب ممن ذكرت عتق رقبة مؤمنة سواء كان الجنين حيا أو ميتا. وقال " إنه قول أكثر أهل العلم ومنهم الحسن وعطاء والزهري والحكم ومالك والشافعى وإسحاق. ونقل عن ابن المنذر أنه قال: كل من نحفظ عنه من أهل العلم أوجب على ضارب بطن المرأة فتلقى جنينا الرقبة مع الغرة. ثم قال (36) : وإن ألقت المضربة أجنة ففى كل جنين كفارة كما أن فى كل جنين غرة أو دية، وإن أشترك جماعة فى ضرب إمرأة فألقت جنينا فديته أو الغرة عليهم بالحصص وعلى كل واحد منهم كفارة، وإن- ألقت أجنة فدياتهم عليهم بالحصص، وعلى كل واحد فى كل جنين كفارة. وقال ابن قدامة إذا شربت الحامل دواء فألقت به جنينا فعليها غرة لا ترث منها شيئا وتعتق رقبة، وليس فى هذا اختلاف بين أهل العلم نعلمه إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة. وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها فلزمها ضمانه بالغرة، ولو كان الجانى المسقط للجنين أباه أو غيره من ورثته فعليه غرة لا يرث منها شيئا ويعتق رقبة. مذهب الظاهرية: قال ابن حزم الظاهرى: فى كتابه المحلى (37) إن الحامل إذا قتلت وهى بينة الحمل فسواء طرحت جنينها ميتا أو لم تطرحه فيه غرة، ولابد لأنه جنين أهلك، وقد اختلف الناس فيه، وروى بسنده عن الزهرى: أنه كان يقول: إذا قتلت المرأة وهى حامل ليس فى جنينها شىء حتى تقذفه. قال على (يعنى ابن حزم نفسه) : لم يشترط رسول الله فى الجنين إلقاءه، ولكنه قال: فى الجنين غرة عبد أو أمة كيف ما أصيب ألقى أو لم يلق ففيه الغرة، وإذا قتلت الحامل فقد تلف جنينها بلا شك، وبين بعد ذلك أنهم يفرقون فى حكم الإجهاض الدنيوى بين ما إذا كان إسقاط الجنين نتيجة ضرب الحامل قبل تمام الأربعة الأشهر أو بعدها فان كان قبل ذلك ففيه الغرة دون الكفارة وإن كان بعد ذلك ففيه الغرة والكفارة معا (أنظر على وجه التفصيل فيمن يستحق الغرة: "غرة") ثم قال (38) : بين لنا صلى الله عليه وسلم أن دية من خرج إلى الدنيا فقتل مائة من الإبل، وبين لنا أن دية الجنين بنص لفظة غرة من العبيد أو الإماء وسماه دية فكانت الدية مختلفة لبيان الرسول لنا، وكانت الكفارة واحدة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفرق فيها (أنظر دية، كفارة) . وقال بعد ذلك (39) : فيمن تعمدت قتل جنينها وقد تجاوزت مائة ليلة وعشرين ليلة بيقين فقتلته، أو تعمد أجنبى قتله فى بطنها فقتله، فإن القود واجب فى ذلك ولابد، ولا غرة فى ذلك حينئذ إلا أن يعفى عنه فتجب الغرة فقط ولا كفارة فى ذلك لأنه عمد. قال: وإنما وجب القود لأنه قاتل نفس مؤمنة عمدا فهو نفس بنفس وأهله بين خيرتين: إما القود وإما الدية كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل مؤمنا. وقال أبن حزم فى المرأة تتعمد إسقاط ولدها: إن النخعى يقول عليها عتق رقبة ولزوجها عليها غرة عبد أو أمة. وذكر عنه رواية أخرى أنه قال: فى امرأة شربت دواء فأسقطت تعتق رقبة وتعطى أباه غرة قال: وهذا أثر فى غاية الصحة. ثم قال: وإن كان لم ينفخ فيه الروح فالغرة عليها وإن كان نفخ فيه الروح ولم تتعمد قتله فالغرة على عاقلتها والكفارة عليها، وإن كانت تعمدت قتله فالقود عليها أو المفاداة فى مالها، فإن ماتت هى فى كل ذلك قبل إلقاء الجنين ثم ألقت فالغرة واجبة فى كل ذلك على عاقلة الجانى هى كانت أو غيرها، وكذلك فى العمد قبل أن ينفخ فيه الروح وأما أن كان نفخ فيه الروح فالقود على الجانى إن كان غيرها وأما إن كانت هى فلا قود ولا غرة ولا شىء لأنه لا حكم على ميت وماله قد صار لغيره. وقال ابن حزم (40) فيمن ألقى جنينين فصاعدا وطرح الجنين ميتا ففى كل غرة وكفارة لأن. رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دية جنينها عبد أو أمة "، وكل جنين ولو أنهم عشرة فهو جنين لها، ففى كل جنين غرة عبد أو أمة، أما لو قتلوا بعد الحياة ففى كل واحد دية وكفارة (أنظر جنين) . ثم قال فى موضع آخر (41) : فى جنين الأمة من سيدها إنه كجنين الحرة فى أن ديته عبد أو أمة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بذلك فى الجنين ولم يقصره على جنين الحرة فلم يصح لأحد إن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. وقال فى جنين الذمية كذلك غرة عبد أو أمة يقضى به على عاقلة الضارب فيطلبون غلاما أو أمة كافرين فيدفعانه أو يدفعانها إلى من تجب، فإن لم يوجدا فبقيمة أحدهما لو وجد. وقال: لو أن ذميا ضرب امرأة مسلمة خطأ فأسقطت جنينا يكلف إن تبتاع عاقلته عبدا كافرا أو أمة كافرة ولابد. مذهب الزيدية: ويتمثل مذهب الزيديه فيما أورده صار، البحر الزخار (42) من أن الغرة واجبة فى الجنين إن خرج ميتا لقضائه صلى الله عليه وسلم على من قتلت ضرتها وجنينها، وقال: إن مذهب العترة أنه لا شىء فيمن مات بضرب أمه إن لم ينفصل.. ومن ضربت فخرج جنينها بعد موتها ففيه القود أو الدية إجماعا، فإن خرج رأسه فمات ولم يخرج الباقى ففيه الغرة أيضا، وما خرج وفيه أمارة حياة صوت أو حكة أو تنفس ففيه الدية ولو لدون ستة أشهر فإن خرج وفيه حياة مستقرة ثم قتله آخر فالقود عليه إذ هو المباشر وعلى الأخر أرش ضرب الأم والتعزير. فإن ضرب حاملا فخرج منها جنينها بعد جنين أو رجله ثم خرج ناقصا بعد ذلك قبل برئها من الضرب ففيه الغرة وتدخل اليد فيها إذ الظاهر سقوطها بالضرب، فإن خرج ميتا فالدية كاملة وتدخل اليد فيها، وإن خرج بعد البرء من الضرب ضمن اليد لا الجنين، فان خرج ميتا فنصف الغرة لأجل اليد، وأن خرج حيا ثم مات فنصف الدية. وإن ضرب حاملا فألقت يدا ثم ماتت ولم يخرج الباقى ففيها القود أو الدية، وفى الجنين الغرة، إذ الظاهر موته بابانة يده، وقد تحققناه آدميا بخروج يده، ولا شىء فيما لم يتبين فيه التخلق والتخطيط كالمضغة والدم إذ لم يقض النبى صلى الله عليه وسلم بالغرة إلا فى متخلق. ونقل عن الإمام على والباقر والناصر والصادق أن فى إلقاء النطفة عشرين دينارا وفى العلقة أربعون وفى المضغة ستون وفى العظام ثمانون وفى الجنين مائة دينار إذ لزمت الغرة فى الميت ولا حياة فيه فلزمت هذه المقادير فيه ناقصا. ثم روى عن العترة وجماعة أن الغرة فى الجنين مطلقا عبد أو أمة لقضاء النبى عليه الصلاة والسلام بذلك، وأن الباقر والصادق جعل الغرة عشر الدية، كما ذكر أن الغرة والدية يتعددان بتعدد الجنين، ووحكى فى ذلك الإجماع. وقال: إنه لا غرة فى المملوكة، كما قال إنها موروثة كالدية، ونقل عن العترة والإمام يحيى (43) أن من ضرب أمة حاملا ثم أعتق ما فى بطها فخرج حيا ثم مات لزمت القيمة اعتبارا بوقت الجناية. مذهب الإمامية: جاء فى الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية فى فقه الشيعة الجعفرية (44) أن دية الجنين وهو الحمل فى بطن أمه فى النطفة إذا استقرت فى الرحم واستعدت للنشوء عشرون دينارا، ويكفى مجرد الإلقاء فى الرحم مع تحقق الاستقرار، وفى العلقة أربعون دينارا، وفى المضغة ستون دينارا، وفى العظم ثمانون 0 وفى التام الخلقة قبل ولوج الروح مائة دينار هى عشر دية أبيه ذكرا كان أو أنثى وقيل متى لم تتم خلقته ففيه غرة عبد أو أمة، ولو كان الجنين ذميا فثمانون درهما عشر دية أبيه، ولو كان مملوكا فعشر قيمة الأم المملوكة ذكرا كان أو أنثى، مسلما كان أو كافرا، ولو تعدد ففى كل واحدة عشر قيمتها كما تتعدد ديته لو كان حراً، ولا كفارة هنا ولو ولجته الروح فدية كاملة للذكر ونصفها للأنثى، ومع الاشتباه فنصفا الديتين. وجاء فى موضع آخر (45) أن دية الجنين فى مال الجانى أن كان القتل عمدا أو شبيها بالعمد وإلا ففى مال العاقلة كالمولود وحكها فى التقسيط والتأجيل كغيره (أنظر: دية، غرة) . مذهب الإباضية: يصور مذهب الإباضية ما ذكره صاحب متن النيل وشارحه (46) إن الحامل إذا تعمدت ما يضر بالحمل فأسقطت لزمها الضمان علمت بالحمل أم لم تعلم، وكذلك غيرها لو تعمد الاعتداء عليها، وإذا علم الزوج بالحمل وعمل ما يضر بها فأسقطت لزمه الضمان، وان فعل جائزا له ووقع الضرر بامتناعها أو تعرضها ضمنت وسلم وإن لم يعلما به أو علم به أحدهما فوقع الضرر منهما أو من أحدهما بخطأ لزمهما الضمان لا الإثم، وأن راودها غير زوجها فامتنعت فأسقطت ضمن، وإن اعتدت فدافعها المعتدى عليه فأسقطت فهى ضامنة، وإن خوفها أحد فأسقطت ضمن، وإن صامت وأسقطت بجوع أو عطش ضمن، وإن حملت ثقيلا ضمنت، وإن مشت فى الحر حتى أسقطت فعليها دية السقط. وقالوا: إذا وجب على حامل حق من قتل أو غيره فأخرج على علم بالحمل فإنه يلزم المخرج الضمان والهلاك، وقيل: لا هلاك عليه ولكن عليه الإثم وضمان الحمل وإن وجب على أمة ضرب فضربت فأسقطت لزم الإثم فقد، وقيل يلزم ضمان الحمل أيضا. وجاء فى موضع آخر أن سقط الأمة يقدر بنظر العدول وليس على الجانى غير ذلك، وأنه إن سقط حيا فمات أعطى السيد نقصان الأمة وقيمة السقط، وسقط الحرة إن كان نطفة فعلى الجانى عشرة دنانير أو مضغة تهزجا فأربعة عشر أو علقة فأربعة وعشرون أو مضغة فأربعون أو ممتدا فستون أو مصور افثمانون أو نابت الشعر فمائة دينار أو منفوخا فيه الروح فديه كاملة. وقيل: إن كان حرا فمات بإسقاطه فالغرة لصاحب الحمل وهل هى عبد أو أمة أو فرس أو جواد أو أربعون دينارا الخ (انفر: غرة) . وقالوا: إن غرة حمل المشرك عشر قيمة ديته من أى ملة كانت بحسب دية ملته، وقيل النظر.   (1) نهاية المحتاج ج8 ص416 طبعة الحلبى بمصر سنة 7 هـ 13 هجرية. (2) نهاية المحتاج ج7 ص360 طبعة الحلبى بمصر سنة 7 هـ 13 هجرية. (3) نهاية المحتاج ج 8 ص416 طبعة الحلبى بمصر سنة 7 هـ 13 هجرية. (4) تحفة الحبيب على شرح الخطيب ج4 ص ا 13. المطبعة الميمنية لأحمد البابى الحلبى بمصر سنة1310 (5) الروضة البهية ج2 ص 445. (6) مطبوع بهامش حاشية ابن عابدين ج2 ص 411 الطبعة الميمنية بمصر سنة1310 هجرية. (7) الفتح القديرة ج2 ص 495، مطبعة مصطفى محمد بمصر. (8) ج2 ص366 المطبعة الأزهرية بمصر سنة 1345 (9) بداية المجتهد ج2 ص348. (10) ج4ص40. (11) ج 6 ص179. (12) نهاية المحتاج ج8 ص416. (13) المغنى ج8 ص815 (14) ج2 ص316 المطبعة السلفية، الطبعة السادسة سنة 1380 هجرية. (15) المحلى ج11 ص36. (16) البحر الزخار ج3 ص81. (17) المرجع السابق ج5 ص457. (18) البحر الزخار ج5 ص260. (19) ج2 ص445. (20) ج8 ص119، 121 (21) حاشية ابن عابدين ج5 ص410، 413، والهداية ج4 ص153. (22) ج4 ص153. (23) ج5 ص410، 412. (24) حاشية الدسوقى وشرح الدردير على متن خليل ج ص268، 270. (25) بداية المجتهد ج2 ص347 طبعة دار الخلافة سنة 1333 (26) ج4 ص130، 133 وأنظر أيضا نهاية المحتاج ج7 ص 360، 346. (27) ج4 ص133. (28) المغنى ج7 ص799. (29) المغنى ج7 ص801. (30) المغنى ج7 ص802. (31) المغنى ج7 ص806. (32) المغنى ج7 ص808. (33) المغنى ج7 ص 805. (34) المغنى ج7 ص806. (35) المغنى ج7 ص815. (36) المغنى ج7 ص816. (37) ج11 ص35 مطبعة الإمام بالقاهرة. (38) المحلى ج11 ص37. (39) المحلى ج11 ص38. (40) المحلى ج11 ص39. (41) المحلى ج11 ص42، 46. (42) ج5 ص356. (43) البحر الزخار ج5 ص257. (44) الروضة البهية ج2 ص444. (45) الروضة البهية ج2 ص445. (46) متن النيل وشرحه ج8 ص119، 121 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 إحالة المعنى اللغوى: الإحالة مصدر فعله أحال والمادة تدل على الانتقال والتغير من حال إلى حال ومن ذلك قولهم حال المشىء إذا تغير ومثله استحال ومنه تحول من مكانه إذا اتنقل وحولته نقلته من موضع إلى آخر وأحال المشىء إلى غيره ومن ذلك أخذت الحوالة ويقال أحلته بدينه اذا نقلته من ذمتك الى ذمة أخرى كما يقال أحلت المشىء إذا نقلته والاسم الحوالة كسحابة (1) . المعنى الشرعى: من الاعتبارات الشرعية التى أسس عليها كثير من الأحكام الفقهية شغل ذمة الإنسان بما يلتزم به من مال عوضا عن مال تملكه أو منفعة استحقها أو حق أصبح مختصا به أو نتيجة قرض فيصبح بذلك مدينا مطالبا بأدائه ويعرف هذا المال حينئذ باسم الدين وتستمر ذمته مشغولة به إلى أن يوفيه أو يبرئه منه صاحبه الذى يعرف حينئذ باسم الدائن وقد يتفق المدين مع دائنه أن يحل محله فى هذا الدين آخر ينقل إلى ذمته هذا الدين وتبرأ منه ذمة المدين فتنتهى بذلك مطالبته به وذلك بطريق التبرع والتفضل من هذا الشخص أو نظير براءته من دين شغلت به ذمته للمدين الأول أو على أن يحل محله فى المطالبة بهذا الدين والوفاء به فتنتقل إليه المطالبة به ولا توجه إلى المدين الأصلى وذلك على حسب اختلاف الفقهاء فيما تدل عليه تلك المعاملة وما يترتب عليها من أثر وتقوم هذه المعاملة على وجود الأركان الآتية: مدين يحيل الدين وينقله أو ينقل المطالبة به الى غيره ويسمى بالمحيل ومحال هو الدائن يحيله المدين إلى ثالث ليصير. سر مطالب ليصير له بالدين ومحال عليه وهو من التزم للمحال بأن يوفيه هذا الدين وصار بذلك مطالبا به، ودين شغل ذمة المدين وانتقل بهذا الاتفاق إلى ذمة المحال عليه أو أنتقلت إليه المطالبة به وتسمى هذه المعاملة حوالة أو إحالة غير أن ان إطلاق اسم الإحالة عليها قليل الاستعمال فى لسان الفقهاء واستعمالاتهم والكثير الغالب إطلاق أسم الحوالة عليها وتحت هذا الاسم عرفوها وبينوا أنواعها وأركانها وشروطها وموضوعها وأحكامها وجميع ما يتعلق بها مما تتطلبه دراستها من جميع نواحيها، ولذا كان المستحسن الاقتداء بصنيع الفقهاء والرجوع فى تعريف الإحالة وبيان جميع ما يتعلق بها إلى مصطلح "حوالة ".   (1) القاموس والمصباح والمعجم الوسيط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 احتباء التعريف به: الاحتباء بالثوب الاشتمال، والاسم الحِبوة والحُبوة، وهى الثوب الذى يحتبى به، وفى الحديث أنه نهى عن الاحتباء فى الثوب الواحد. ابن الأثير: هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها، قال: وقد يكون الاحتباء باليدين عوضا عن الثوب، وإنما نهى عنه لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد ربما تحرك أو زال الثوب عنه فتبدو عورته (1) . وفى الحديث الاحتباء حيطان العرب، يعنى ليس فى البرارى حيطان فإذا أرادوا الاستناد احتبوا، لأن الاحتباء يمنعهم من السقوط ويصير لهم كالجدار (2) . واستعمله الفقهاء بهذا المعنى، واختلفوا فى حكمه فى انتظار الصلاة يوم الجمعة، فأجازه طائفة منهم وكرهه آخرون. مذهب الحنفية: أما الأحناف فقالوا: وللرجل أن يحتبى فى يوم الجمعة إن شاء لأن قعوده فى انتظار الصلاة فيقعد كما يشاء. وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم فى التطوعات فى بيته كان يقعد محتبيا، فإذا جاز ذلك فى الصلاة ففى حالة انتظارها أولى (3) . مذهب المالكية: وقال المالكية: يجوز الاحتباء والإمام فى الخطبة. وقال الباجى فى المنتقى: روى ابن نافع عن مالك: لا بأس أن يحتبى الرجل يوم الجمعة والإمام يخطب. وقال فى النوادر: وله ان يحتبى والإمام يخطب. قال أبو داود: وكان ابن عمر يحتبى والإمام يخطب، وكان أنس كذلك؟ وجل الصحابة والتابعين قالوا لا بأس بها، ولم يبلغنى أن أحدا كرهه إلا عبادة بن نسى. وقال الترمذى: وكره قوم الحبوة وقت الخطبة ورخص فيها آخرون. وقال الخطابى بالنسبة للحبوة والمعنى فيه أنها تجلب النوم فتعرض طهارته للنقض وتمنع من استماع الخطبة، لما روى أبو داود والترمذى والحاكم وابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (4) . مذهب الشافعية: وقال الشافعية: ويكره الاحتباء حال الخطبة للنهى الصحيح عنه ولجلبة النوم (5) مذهب الحنابلة: وأما الحنابلة فقالوا: ولا بأس بالاحتباء مع ستر العورة لما تقدم من مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: " ليس على فرجه منه شىء "، يعنى الحديث الذى رواه إسحاق بن عبد الرازق عن معمر عن الزهرى عن عطاء بن يزيد عنه مرفوعا: نهى عن لبستين وهما اشتمال الصماء (وهو أن يضع ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو واحد شقيه ليس عليه ثوب) والاحتباء (وهو أن يحتبى به ليس على فرجه منه شىء) . ويحرم الاحتباء مع عدمه، أى عدم ستر العورة، لما فيه من كشف العورة بلا حاجة، وعلم من الحديث انه إذا كان عليه ثوب آخر لم يكره لأنه لبسة المحرم وفعلها النبى صلى الله عليه وسلم وأن صلاته صحيحة إلا أن تبدو عورته (6) . وقالوا أيضا: ولا بأس بالحبوة نصا مع ستر العورة وفعله جماعة من الصحابة وكرهه الشيخان لنهيه عليه الصلاة والسلام عنه، رواه أبو داود والترمذى وحسنه، وفيه ضعف (7) . مذهب الظاهرية: أما ابن حزم الظاهرى فقال: الاحتباء جائز يوم الجمعة والإمام يخطب. وروى عن بن عمر أنه كان يحتبى يوم الجمعة والإمام يخطب. وكذلك عن أنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعى، ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد ابن أبى وقاص، ونعيم بن سلامة، ولم يبلغنا عن أحد من التابعين أنه كرهه إلا عبادة بن نسى وحده، ولم ترو كراهة ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم (8) . مذهب الزيدية: أما الزيدية فقد ذهبوا الى عدم جوازه ونصوا على أنه لا يحتبى للخبر عن معاذ بن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (9) . مذهب الإمامية: وقال الإمامية: يجوز الاحتباء ولو فى ثوب يستر العورة لما ورد فى الحديث عن الإمام- الصادق- فيما رواه سماعة- قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يحتبى بثوب واحد، فقال: إن كان يغطى عورته فلا بأس (10) . وكرهوا الاحتباء فى المسجد الحرام لما رواه حماد عن الصادق إعظاما للكعبة (11) . مذهب الإباضية: وقال الإباضية: ولا يضر احتباء (12) .   (1) لسان العرب لابن منظور، مادة " حبا ". (2) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 2 ص176. (3) المبسوط ج2 ص36. (4) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج2 ص 176. (5) نهاية المحتاج ج2 ص315. (6) كشاف القناع ج1 ص188. (7) كشاف القناع ج اص350. (8) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص67 0 (9) البحر الزخار ج 2 ص54. (10) وسائل الشيعة ومستدركاتها للحر العاملى باب الحج. (11) المصدر السابق. (12) متن النيل ج1 ص83. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 إحتباس المعنى اللغوى: جاء فى القاموس: " إحتبسه: حبسه فأحتبس، لازم ومتعد ". الإحتباس وسيلة لوجوب نفقة الزوجة وهذا يقتضى إن نبين ما يكون به الإحتباس وما يفوت به الإحتباس الموجب للنفقة فى المذاهب. مذهب الحنفية: يرى الحنفية، كما فى الهداية وشروحها (1) : أن النفقة واجبة للزوجة على زوجها سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة اذا سلمت نفسها غليه، فعليه نفقتها وكسوتها وسكناها، والأصل فى ذلك قوله تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته " (2) ، ولأن النفقة وقالوا أيضا: ولا بأس بالحبوة نصا مع ستر العورة وفعله جماعة من الصحابة وكرهه الشيخان لنهيه عليه الصلاة والسلام عنه، رواه أبو داود والترمذى وحسنه، وفيه ضعفا (3) . مذهب الظاهرية: إما ابن حزم الظاهرى فقال: الاحتباء جائز يوم الجمعة والإمام يخطب. وروى عن ابن عمر أنه كان يحتبى يوما الجمعة والإمام يخطب. وكذلك عن أنس ابن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيب، وإبراهيم النخعى، ومكحول، وإسماعيل بن محمد بن سعد بن أبى وقاص، ونعيم بن سلامة، ولم يبلغنا عن أحد من التابعين أنه كرهه إلا عبادة بن نى وحده، ولم ترو كراهة ذلك عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم (4) . مذهب الزيدية: أما الزيدية فقد ذهبوا إلى عدم جوازه ونصوا على انه لا يحتبى للخبر عن معاذ بن انس أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب (5) . مذهب الإمامية: وقال الإمامية: يجوز الاحتباء ولو فى ثوب يستر العورة لما ورد فى الحديث عن الإمام- الصادق- فيما رواه سماعة- قال سألت أبا عبد الله عن الرص يحتبى بثوب جزاء الإحتباس فكل من كان محبوسا بحق لغيره كالقاضى والعامل فى الصدقات والمفتى والوالى، والمضارب، والمقاتلة إذا قاموا بدفع عدو المسلمين.. والنساء محبوسات لحق الزوج فتجب نفقتهن عليهم مسلمات كن أو لا، ولو غنيات. وقال كل من صاحبى فتح القدير والعناية تعليقا على قول الميرغينانى فى الهداية: " اذا سلمت نفسها فى منزله " ليس شرطا لازما فى ظاهر الرواية، بل من حين العقد على الصحيح وإن لم تنتقل إلى منزل الزوج إذا لم يطلب الزوج انتقالها ت فإن طلبه فامتنعت لحق لها كمهرها لا تسقط النفقة أيضا، وإن كان لغير حق فلا نفقة لها لنشوزها. وقال بعض المتأخرين: لا نفقة لها حتى تزف إلى منزل الزوج، وهو رواية عن أبى يوسف، وليس الفتوى عليها. ونقل الكمال عن بعض الفقهاء أن تسليمها نفسها شرط بالإجماع، وفيه نظر. ونقل صاحب العناية ما يؤيد أن الشرط ليس بلازم على إطلاقه، فقال: أن النفقة حق المرأة، والانتقال حق الزوج فإذا لم يطالبها بالنقلة فقد ترك حقه، وهذا لا يوجب بطلان حقها. ويقولون (6) : إن المرأة إذا امتنعت عن تسليم نفسها قبل الدخول أو بعده حتى يعطيها المهر فلها النفقة لأنه منع بحق فكمان فوت الإحتباس لمعنى من قبله فيجعل كأنه ليس بفائت، وإن نشزت فلا نفقة لها حتى تعود إلى منزله، لأن فوت الاحتباس منها وإذا عادت جاء الاحتباس فتجب النفقة، وإذا امتنعت من التمكين فى بيت الزوج فلها النفقة، لأن الإحتباس قائم والزوج يقدر على الوطء كرها، وإن كانت صغيرة لا يستمتع بها فلا نفقة لها لأن امتناع الاستمتاع لمعنى فيها. والإحتباس الموجب للنفقة ما يكون وسيلة إلى مقصود مستحق بالنكاح، ولم يوجد، لأن الصغيرة التى لا تصلح للجماع لا تصلح لدواعيه، لأنها غير مشتهاة، وإذا كان الزوج صغيرا لا يقدر على الوطء وهى كبيرة فلها النفقة من ماله لأن التسليم قد تحقق منها، وإنما العجز من قبله فصار كالمجبوب والعنين، وإذا حبست المرأة فى دين (7) . فلا نفقة لها لأن فوت الاحتباس منها بالمماطلة، وإن كانا عاجزين بأن كانا صغيرين ففيه بحث. قال الكمال: والتحقيق أن النفقة لا تجب إلا تسليمها لاستيفاء منافعها المقصودة بذلك التسليم، فيدور وجوبها معه وجودا وعدما فلا تجب "فى الصغيرين، وتجب فى الكبيرة تحت الصغير. قالوا: وإذا غصبها رص كرها فذهب بها فلا نفقة لها، وعن أبى يوسف أن لها النفقة. قال الميرغينانى: والفتوى على الأول لأن فوت الاحتباس ليس منه حتى يجعل باقيا تقديرا 0 وإذا حجت مع محرم. فلا نفقة لها لأن فوت الاحتباس منها، وعن أبى يوسف آن لها النفقة لأن إقامة الفرض عذر، ولكن تجب عليه نفقة الضر دون السفر لأنها هى المستحقة عليه، ولو سافر معها الزوج تجب النفقة بالاتفاق لأن الاحتباس قائم لقيامه عليها وتجب نفقة الحضر دون السفر. وإذا مرضى فى منزل الزوج قال الميرغينانى: لها النفقة، والقياس إن لا نفقة لها إذا كان مرضا يمنع من الجماع لفوت الاحتباس للاستمتاع. وجه الاستحسان إن الاحتباس قائم فإنه يستأنس بها ويمسها وتحفظ البيت، والمانع بعارض فأشبه الحيض. وعن أبى يوسف إنها إذا سلمت نفسها ثم مرضت تجب النفقة لتحقق التسليم ولو مرضت ثم سلمت نفسها لا تجب لها النفقة لأن التسليم لم يصح. وقال الكاسانى فى الاستدلال بالمعقول (8) : أن المرأة محبوسة بحبس النكاح حقا للزوج ممنوعة عن الاكتساب بحقه، فكان نفع حبسها عائدا إليه فكانت كفايتها عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: " الخراج بالضمان " ولأنها إذا كانت محبوسة بحبسه ممنوعة من الخروج للكسب بحقه فلو لم تكن كفايتها عليه لهلكت، ولهذا جعل للقاضى رزق فى بيت مال المسلمين لحقهم لأنه محبوس لجهتهم ممنوع عن الكسب، فجعلت نفقته فى مالهم وهو بيت المال. كذا هنا، وقال: إن سبب وجوب النفقة للزوجة عند أصحابنا استحقاق الدق الثابت بالنكاح للزوج عليها، والدليل على ذلك أن حق الحبس الثابت للزوج عليها بسبب النكاح مؤثر فى استحقاق النفقة لها عليه لما بينا. ثم قال: إن النفقة تجب للزوجة فى العدة من نكاح صحيح بهذا السبب، وهو استحقاق الحبس للزوج عليها بسبب النكاح لأن النكاح قائم من وجه فتستحق النفقة كما كانت تستحقها قبل الفرقة أولى، لأن حق الحبس بعد الفرقة تكد بحق الشرع وتأكد السبب يوجب تكد الحكم، سواء كانت العدة عن فرقة بطلان أو عن فرقة بغير طلاق من قبل الزوج أو من قبلها، إلا إذا كانت من قبلها بسبب محظور استحسانا. وأطال فى تفصيل ذلك. وقال صاحب الدر أيضا (9) : لو سلمت نفسها بالليل دون النهار أو عكس ذلك،- فلا نفقة لها لنقص التسليم. ونقل عن المجتبى أن ذلك يدلنا على جواب واقعة فى زماننا، أنه لو تزوج من المحترفة التى تكون بالنهار فى مصالحها وبالليل عنده فلا نفقة لها. وقال فى النهر فيه نظر. وبين ابن عابدين وج النظر بأنها معذورة لاشتغالها بمصالحها بخلاف المقيس عليه فإنه لا عذر لها فنقص التسليم منسوب إليها.. ونقل ابن عابدين عن الهندية أن الأمة إذا سلمها السيد لزوجها ليلا فقط ضلي السيد نفقة النهار وعلى الزوج نفقة الليل، وقياس المحترفة كذلك. ثم قال ابن عابدين: إن له منعها من الغزل وكل عمل ولو قابلة ومغسلة. فان عصته وخرجت بلا أذنه كانت ناشزة ما دامت خارجة، وان لم يمنعها لم تكن ناشرة. مذهب المالكية: جاء فى متن خليل والشرح الكبير (10) : "تجب النفقة لممكنة من نفسها مطيقة للوطء بلا مانع بعد أن دعت هى أو مجبرها) أى من له حق إجبارها على الزواج (أو وكيلها للدخول "، وعلق الدسوقى على ذلك نقلا عن ابن سلمون بقوله: ان الممكنة هى التى لا تمتنع من الوطء إذا طلبت، بوأها زوجها معه بيتا أم لا.- وقال الدردير: إن النفقة لا تجب لغير ممكنة، أو التى لم يحصل منها أو من وليها دعاء، أو صل قبل مضى زمن يتجهز فيه كل منهما، ولا لغير مطيقة، ولا مطيقة بها مانع كرتق إلا أن يتلذذ بها مع علمه - بالمانع. ثم قال (11) : ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه كأبوية، إلا الوضيعة فليس لها الامتناع من السكني مم، وكذا الشريفة إن اشترطوا عليها سكناها معهم. وعلق الدسوقى على ذلك بقوله إن لها حق الإقناع ولو بعد رضاها بسكناها معهم ولو لم يثبت الضرر لها بمشاجرة ونحوها. ثم قال: والظاهر أفه ليس لها الامتناع من السكنى مع خدمه وجواريه. وقال بعضهم: أن لها الامتناع من السكنى معهم ولو لم تحدث بينها وبينهم مشاجرة بدليل تعليل ابن رشد وغيره عدم السكنى مع أهله بقولهم لما عليها من الضرر باطلاعهم على أمرها وما تريد أن تستره عنهم من شأنها. وقالوا (12) : إن النفقة تسقط إن منعت زوجها الوطء أو الاستمتاع بدونه فتسقط نفقتها عنه فى اليوم الذى منعته فيه من ذلك، وكذلك إذا خرجت من محل طاعته بلا إذن ولم يقدر على ردها بنفسه أو رسوله أو حاكم ينصف، وهذا إن لم تكن حاملا وإلا فلها النفقة وإن خرجت. وقيد الدسوقى الخروج المسقط للنفقة بما إذا كانت ظالمة فى ذلك الخروج لا ما إذا كانت مظلومة، ولا حاكم ينصفها. ثم قال: أن الهاربة خفية لمكان مجهول تسقط نفقتها، ولو قدر على ردها أو عم بمكانها.. ويقول ابن رشد (13) : إن هناك اختلافا فى شأن الزوج غير البالغ هل تجب عليه النفقة، وسبب اختلافهم هل النفقة لمكان الاستمتاع أو لمكان أنها محبوسة على الزوج كالغائب والمريض. وجاء فى المدونة (14) : إن مالكا يقول فى المريضة إذا دعته للدخول بها، وكان مرضها إلا بمنع من الجماع فان النفقة لازمة للزوج، أما إذا كان لا يقدر على جماعها فى المرض فدعت إلى البناء بها وطلبت النفقة فان لها ذلك. وقال مالك فى الأمة (15) : إن لها النفقة وإن وأنت تبيت عند أهلها. وقال الدردير (16) فى المطلقة: إن المطلقة رجعيا لا تسقط نفقتها مطلقا، والبائن تسقط نفقتها إن لم تحمل، على تفصيل فيما يجب من أنواع النفقة، على ما يتبين فى مصطلح "نفقة". وقال خليل الدردير (17) : أن المرأة إن ح! بست فى دين فلا تسقط نفقتها لأن المنع من الاستمتاع ليس من جهتها وكذلك ان حبسته مى. فى دين لها عليه لاحتمال أن يكون معه مال أخفاه فيكون متمكنا من الاستمتاع بأدائه لها، ولو حبسه غيرها لم تسقط بالأولى، وكذلك إذا حجت الفرض لا تسقط نفقتها ولو بغير أذنه أو حجت تطوعا بإذنه ولها نفقة الحضر. مذهب الشافعية: جاء فى الإقناع على متن أبى شجاع (18) : إن النفقة واجبة للزوجة الممكنة نفسها تمكينا تاما لأنها سلمت ما ملك عليها فيجب ما يقابله من الأجرة لها ولا تجب بمجرد العقد لأنه صلى الله عليه وسلم تزوج طائشة وهى صغيرة ودخل بها بعد سنتين ولم ينقل أنه أنفق عليها قبل الدخول، ولو كان حقا لها لساقه أليها، ولو وقع لنقل. وعلل البجرمى فقال: إن النفقة دائرة مع التمكين وجودا وعدما. ويقول الخطيب: فإن لم تعرض عليه زوجته مدة مع سكوته عن طلبها ولم تمتنع فلا نفقة لها لعدها التمكين، وان عرضت عليه وهى عاقلة بالغة مع ضرورة فى بلدها كأن بعثت إليه تخبره أنى مسئمة نفى إليك، فاختر أن آتيك حيث شئت "وتأتى إلى وجبت نفقتها من حين بلوغ الخبر، ولو اختلف الزوجان في التسكين، فقالى مكنت فى وقت كذا فأنكر ولا بينة صدق بيمينه لأن الأصل عدمه (19) . وعلق البجرمى على قول الخطيب " أن النفقة واجبة للزوجة الممكنة " فقال: أن الممكنة تصدق بالمسلمة والذمية والأمة ويخرج بها غير الممكنة فلا نفقة لها. ثم قال (20) : إن عدم التمكين يحصل بأمور منها: النشوز، ومنها الصغر بخلاف الكبيرة إذا كان زوجا صغيرا فلها النفقة، ومها العبادات التى تمنع التمكين، فإذا أحرمت بحج أول عمرة بغير إذنه وهى فى البيت فلها النفقة ما لم تخرج، لأنه قادر على تحليلها أو بإذنه فان لم يخرج معها فلا نفقة لها، وكذا إذا صامت تطوعا بغير إذنه أو امتنع من الإفطار فليس لها النفقة. ويقول: إذا نشزت بعض النهار سقطت جميع نفقة ذلك اليوم، وإذا نشزت بعض الليل سقطت نفقة اليوم الذى بعده. ثم قال: إن التمكين غير التام يسقط النفقة كما اذا كانت صغيرة لا تطيق الوطء ولو تمتع بالمقدمات وما إذا كانت أمة مسلمة له نهارا لا ليلا أو العكس أو فى نوع من التمتع دون آخر. وقالوا فى زوجة المعسر الذى أمهله الحاكم بالنفقة أن لها الخروج لتحصيل نفقة بكسب أو سؤال، وعليها رجوع لمسكنها ليلا لأنه وقت الدعة وليس لها منعه من التمتع. وفى نهاية المحتاج (21) : أن النفقة تسقط بالنشوز ولو بحبسها ظلما أو حقا وإن كان الحابس هو الزوج وبالأولى تسقط لو حبسته ولو بحق للحيلولة بينه وبينها. وقال (22) : أن المرض الذى يضر معه الوطء والحيض أيضا عذر فى عدم تمكينها من الوطء فتستحق المؤن. قال: والخروج من البيت الذى رضى بإقامتها فيه ولو بيتها أو بيت أبيها بلا أذن منه ولا ظن رضاه نشوز، إلا أن يشرفه على الانهدام، أو الخروج لقاض لطلب الحق أو تعلم أو استفتاء ان لم يفتها زوجها أو المحرم، أو يخرجها معتد ظلما فليس بنشوز وتستحق النفقة. وقال (23) : وتجب النفقة للمطلقة رجعيا حرة أو أمة ولو حاملا لبقاء حبس الزوج وسلطنته والبائن لا نفقة لها. مذهب الحنابلة: يقول ابن قدامه (24) فى باب عشرة النساء: إذا تزوج امرأة فطلب تسليمها إليه وجب ذلك وان عرضت نفسها عليه لزمه تسلمها ووجبى نفقتها وإن طلبها فسألت الأنظار أنظرت مدة جرت العادة إن تصلح أمرها فيه: ثم أن كانت حرة وجب تسليمها ليلا ونهارا وان كانت أمة لم يلزم تسليمها إلا بالليل لأنها مملوكة عقد على إحدى منفعتيها فلم يلزم تسليمها فى غير وقتها، وعلل ذلك (25) فى موضع آخر بأن النفقة فى مقابلة التمكين وقد وجد منها بالليل فتجب النفقة على الزوج فيه فقط. ثم قال: وللزوج منعها من الخروج من منزله إلى ما يمكن الاستغناء عنه ولو لزيارة الوالدين أو عيادتهم أو حضور جنازة أحدهما ولا جوز لها الخروج إلا بإذنه ولكن لا ينبغى للزوج منعها من عيادة الوالدين وزيارتهما.. وان كانت مسلمة فقال القاضى له منعها من الخروج إلى المسجل. وقال (26) : وإذا رضيت بالمقام مع الزوج وهو معسر لم يلزمها التمكين من الاستمتاع وعليه تخلية سبيلها لتكتسب لها وتحصل ما تنفقه على نفسها لأن فى حبسها بغير نفقة إضرار بها ولو كانت موسرة أيضا وهو" معسر لم يكن له حبسها لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المئونة وأغناها عن ما لابد لها منه، ولحاجته إلى الاستمتاع الواجب عليها فإذا انتفى الأمران لم يملك حبسها. ويقول (27) : إن المرأة تستحق النفقة علي زوجها بشرطين: أحدهما: أن تكون كبيرة يمكن وجوها فان كانت صغيرة لا تحتمل الوطء فلا نفقة لها لأن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع ولأن من لا تمكن الزوج من نفسها لا يلزم الزوج نفقتها. الثانى:. أن تبذل التمكين التام من نفسها لزوجها فإن منعت نفسها أو منعها أولياؤها أو تساكنا بعد العقد فلم تبذل ولم. يطلب فلا نفقة لها وان أقاما زمنا واستدل بحديث عائشة السابق 0 ثم قال: ولأن النفقة تجب فى مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح، ولو بذلت تسليما غير تام لم تستحق النفقة إلا إذا كانت اشترطت ذلك فى العقد وتجب لها النفقة وإن غاب الزوج بعد تمكينها لأنها استحقتها بالتمكين ولم يوجد ما يسقطها، وأن غاب قبل تمكينها فلا نفقة لها عليه. وإذا مكنت وزوجها صغير أجبر ولمجا على نفقتها من مال الصغير وأن بذلت الرتقاء أو الحائض أو المهزولة التى لا يمكن وطؤها أو المريضة تسليم نفسها لزمه نفقتها لأنه لا تفريط من جهتها (28) . وللمرأة أن تمنع نفسها حتى تتسلم صداقها وإذا سافرت بغير إذنه سقطت نفقتها، وكذلك اذا انتقلت من منزله بغير إذنه وأن سافرت بإذنه فى حاجته فهى على نفقتها، وان كانت حاجة نفسها سقطت نفقتها لأنها فوتت التمكين لحط نفسها إلا أن يكون مسافرا معها متمكنا من الاستمتاع بها، وسواء كان سفرها لتجار أو بم تطوع أو زيارة وان أحرمت بالحج الواجب أو العمرة الواجبة فى الوقت الواجب من الميقات فلها النفقة لأنها فعلت الواجب عليها بأصل الشرع فلم تسقط نفقتها كما لو صامت رمضان. والقياس أن الاعتكاف بغير إذن كالسفر- وان، كان بإذنه فلا نفقة لها أيضا على قول الخرقى، وقال القاضى: لا النفقة. وقال ابن قدامه (29) : اذا طلق امرأته طلاقا بائنا فان كانت حاملا استحقت النفقة وإن كانت حائلا فلا نفقة لها على خلاف فى السكنى، والمطلقة رجعيا لا النفقة. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم (30) : على الزوج كسوة الزوجة ونفقتها مذ يعقد النكاح صغيرة كانت أو كبيرة دعى إلى البناء أو لم يدع نشزت أو لم تنشز حرة كانت أو أمة بوأت معه فى بيت أو لم تبوأ. مذهب الزيدية: يقول صاحب البحر الزخار (31) : تسلم البالغة نفسها تسليما تاما لا فى جهة دون أخرى، فإن قالت لا أسلم تمسى إلا فى هذا المكان أو بشرط ألا تكشف ثيابي فنشوز مسقط للنفقة، فإن عقد فلم يطالب ولا سلمت تمسها مدة فالمذهب وجوبها. وقال الإمام يحي: إن تسليم الولى للبالغة الكارهة لا يوص لا يوجب إذا لم يتسلمها إذ لا ولاية أتولى فى مالها، فإن أرادت تسليم نفسها للغائب أعلمت الحاكم فراسله وفرض لها بحد صحة تمرده، فإن عاقه عن تسلمها عائق فى سفره فلا نفقة لها حتى يتسلمها. وإذا أسلمت المراهقة نفسها أو وليها فكالكبيرة، فان امتنعا فالقياس يقتضى كونه نشوزا. وقال الإمام يحيى فى غير المراهقة ان تسليمها كلا تسليم، وإن صلحت وفى ذلك خلاف فى المذهب، وعليه نفقة الطفلة إلى لا تصلح خلافا لبعضهم لأنها محبوسة من أجله غير ممتنعة كالمريضة وتلزم النفقة الصغير فى ماله. وقال الإمام يحيى: يحتمل ألا تجب إذ لا- تمكين. قلنا العذر من جهته كما لو هرب وخروجها بغير إذنه مسقط للنفقة فإن خرجت بإذنه لحاجته وجبت. وجاء فى البحر أيضا فى الموضوع: وإذا امتنعت لتسليم المهر فلها النفقة إجماعا، وإذا نشزت ثم طلقت فلا نفقة للعلة ما لم تتب. وفى موضع آخر (32) : ولا يلزم السيد تسليم أمته لزوجها نهارا لملكه استخدامها فان فعل لزمت نفقتها لتمام التسليم. وقال الإمام يحيى: يحتمل إن يلزمها نصفها بتسليم الليل وتسقط نفقتها بالإحرام بغير إذنه، فان صامت بإذنه لم تسقط وله منعها من التطوع، فان صامت بعد منعه فناشزة وإن لم تخرج من المنزل. مذهب الشيعة الجعفريه: تجب نفقة الزوجة بالعقد الدائم بشرط التمكين الكامل (33) وهو إن تخلى بينه وبين نفسها قولا وفعلا فى كل زمان ومكان يسوغ فيه الاستمتاع. فلو بذلت فى زمان دون زمان أو مكان دون مكان وكان كل من الزمان والمكان يصلح للاستمتاع فيه فلا نفقة لها. ثم قال: وحيث كان مشروطا بالتمكين فلا نفقة للصغيرة التى لم تبلغ سنا يجوز الاستمتاع بها بالجماع على أشهر القولين لفقد الشرط وهو المكين من الاستمتاع، ولو كانت كبيرة ممكنة والزوج صغيرا وجبت النفقة لوجود المقتضى وانتفاء المانع لأن الصغر لا يصلح للمنع. ولا نفقة للناشزة الخارجة عن طاعة الزوج ولا للساكتة بعد العقد ما لم تعرض التمكين عليه بأن تقول: سلمت نفسى إليك فى أى مكان شئت، ونحو ذلك وتعمل بمقتضى قولها حيث يطلب، ومقتضى ذلك أن التمكين الفعلي خاصة غير كاف. مذهب الإباضية: جاء فى النيل وشرحه (34) : " لا يلزم الزوج حق البكر، كنفقتها، وهى التى لها أب لتعلق حقوقها به حتى يجلبها، أى يتسلمها الزوج، أو يقول له أبوها اجلبها أو تجئ إليه على ألا ترجع إلى أبيها أو أمسكها وإن لم يكن لها أب كذلك، ولو كانت ثيبا لزمت حقوقها من حين العقد. وإن ترك الزوج جلبها، أى أخذها، تهاونا بها لزمه نفقتها وكسوتها وسكناها ومؤونتها ولو لم تطلب الجلب. ثم قال: إن المجىء إلى زوجها حق عليها فلا يلزمه كراء الدابة أو السفينة ونحو ذلك للقدوم عليه من غيبتها. وجاء فيه (35) : إن الزوجة إن مضت لواجب حج لزمته نفقتها فى الرجوع وقيل فى الذهاب، والصحيح أنها لا تلزم هو فى الذهاب لأن الحج فرض عليها وليمس فى ذهابها إليه حق لزوجها لأنها فارقته بالسفر بخلاف الرجوع فانه رجوع إلى حقوقه بعد الذهاب عها وبخلاف ما إذا كان الحج نفلا فإن إذنه لها فيه ترك لحقوقه عليها ما لم ترجع لا لحقوقها عليه ما أمكنت فلا تبطل نفقتها وكسوتها. ثم قال: إن حقوقها لازمة فى حيضها ونفاسها وفى نهار رمضان مع انه ممنوع من وقاعها، مع انه لو منعت امرأة زوجها من وقاعها وأباحت المقدمات لأبطلت حقوقها.. قال (36) : وإن سافر معها لزمه كراء الدابة وسائر حقوقها الممكنة فى السفر ذهابا ورجوعا. ثم قال (37) : وإن حبست فى تعدية بسبب اعتداء فعليه مؤوتنها، ولها أن تطلبه أن يأتيها فى الحبس وأن تغلق الباب عليه معها، وإن حبست فى تعدية منها. فكانت محبوسة على الحق أو من الحابس أو من غيره فتكون محبوسة على غير الحق فعليه مؤنتها لأنها إن حبست على الحق فليست تعديتها مبطلة لحقها لأن له أن يأتيها فى الحبس وإن حبست على غير حق فذلك مصيبة لا يبطل بها حقها- ولكن له فيما بينه وبين الله على حابسها على غير حق مثل ما أنفق عليها لأنه عطلها عن محله ولو كان يجد الدخول إليها، ألا ترى أنه لا حق لها إذا أبت الجلب إلى بيته ولو أباحت له الدخول إليها فى بيتها. وقال (38) : أنه تلزم الزوج نفقة المطلقة الرجعية وكسوتها وسكاها فى العدة والحامل التى طلقت ثلاثا أو بائنا لها نفقة فقط حتى تضع، ووجه ذلك أنه شغل بطنها بالحمل وقد يمنعها الحمل من الاكتساب أو بعضه.   (1) راجع الهداية للميرغيانى وفتح القدير عليها، وكذا العناية ج3 ص321 طبعة مصطفى محمد بالقاهرة. (2) سورة الطلاق:7. (3) كشاف القناع ج اص35. (4) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص67 0 (5) البحر الزخار ج 2 ص54. (6) المرجع السابق ج3 ص314. (7) المرجع- السابق ج 3 ص 326. (8) بدائع الصنائع ج 4 ص16 طبع الجمالية بالقاهرة سنة 1328 هـ. (9) الدر مع حاشية ابن عابدين ج2 ص 702 طبعة المطبعة الميمنية سنة 1303 هجرية (10) حاشية الدسوقى على شرح الدرديرج2 ص508، طبعة المطبعة الأزهرية بمصر. (11) المرجع السابق ج 2 ص 512. (12) المرجع السابق ج 2 ص 514. (13) بداية المجتهد ج 2 ص هـ4، طبع مطبعة الجمالية الطبعة الأولى سنة 1229 هجرية. (14) المدونة ج 4 ص104 طبعة إلساسى. (15) المدونة ج 4 ص 105. (16) الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج2 ص514. (17) المرجع السابق ج2 ص517. (18) الإقناع وحاشية البجرمى ج4 ص 73 طبعة القاهرة سنة 1294 هجرية. (19) المرجع السابق ج 4 ص 75. (20) المرجع السابق ج4 ص 73. (21) ج 7 ص194. (22) المرجع السابق ج 7 ص 195. (23) نهاية المحتاج ج7 ص200 ومثله كتاب الام ج5 ص87 المطبعة الأميرية. (24) المغنى ج 7 ص19. (25) المغنى ج 7 ص597. (26) المرجع السابق ج 7 ص577، باب النفقة. (27) المرجع السابق ج 7 ص 601 طبع دار المنار سنة 1367 هجرية. (28) المرجع السابق ج7 ص60 (29) المغنى ج7 ص606. (30) المحلى لابن حزم ج 9 ص ا 62 مسألة 1850 مطبعة الإمام بالقاهرة. (31) ج3 ص 273 مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1366 هجرية. (32) المرجع السابق ج3 ص 275. (33) راجع الروضة البهية ج 2 ص 142 طبع دار الكتاب العربى. (34) ج 3 ص301. (35) النيل وشرحه ج 3 ص 305. (36) المرجع السابق ص306. (37) المرجع السابق ص308. (38) المرجع السابق ص 560، 561. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 احتجام التعريف به جاء فى القاموس: المحجم والمحجمة ما يحتجم به وحرفته الحجامة ككتابه واحتجم طلبها ومثله فى المنجد غير أن المقصود هنا بالاحتجام هو قبول الفعل الذى تعبر عنه اللغة بالحجم ووقوعه فى جسده برضاه. حكم الاحتجام عبارات الفقهاء فى الفروع التى تناولوا فيها الاحتجام فى أبواب الفقه كاحتجام الصائم ووالمتوضىء والمحرم تفيد إباحة الاحتجام فى كل حال إلا أن يترتب عليه ضرر وسيتبين ذلك مما نورده بعد فى هذه الفروع. احتجام المتوضىء مذهب الحنفية: قال الإمام السرخسى فى المبسوط (1) : الحجامة توجب الوضوء وغسل موضع المحجمة عندنا خلافا للشافعى لأن الوضوء واجب بخروج النجس فإن توضأ ولم يغسل موضع المحجمة فإن كان أكثر من قدر الدرهم لم تجزه الصلاة وإن كانت دون ذلك أجرأت. جاء فى الشرح الكبير (2) إن نقص. الوضوء يحصل بحدث وهو الخارج المعتاد قال وخرج بالمعتاد ما ليس معتادا كدم وقيح إن خرجا خالصين من الأذى مذهب المالكية: فقال إنهما لو لم يخلصا من الأذى لنقض المخالط لهما. وبين" الصفتى " (3) الأذى فقال: أما الدم والقيح فإن خرج معهما عذرة أو بول انتقض الوضوء وإن خرجا خالصين من ذلك فلا نقض، وما نقلناه عن المالكية يفيد بعمومه أن دم الحجامة لا ينقض الوضوء لخلوصه من الأذى المذكور. مذهب الشافعية: قال الخطيب فى الإقناع (4) : لا ينتقض الوضوء بالنجاسة الخارجة من غير الفرج كالفصد والحجامة لما روى أبو داود بإسناد صحيح أن رجلين من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين فى غزوة ذات الرقاع فقام أحدهما يصلى فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه يجرى. وعلم النبى صلى الله عليه وسلم به ولم ينكره. مذهب الحنابلة: قال ابن قدامه (5) : إن الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم طاهرا ونجسا، فالطاهر لا ينقض الوضوء والنجس ينقض الوضوء فى الجملة رواية واحدة. وهذا القول بعمومة يتناول. دم الحجامة فهم يوافقون الأحناف فى وجوب الوضوء منه. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزمة الظاهرى (6) لا ينتقض الوضوء برعاف ولا دم سائل من شىء من الجسد ولا بحجامة ولا فصد. وبرهان ذلك أنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا إجماع بإيجاب وضوء فى شىء من ذلك. مذهب الزيدية: يروى صاحب البحر الزخار (7) : إن- الدم السائل ينقض الوضوء، ورد على من نفى ذلك محتجا بأن النبى عليه الصلاة والسلام احتجم وصلى، بأن القول أقوى من الفعل فى الدلالة على التشريع، والسنة القولية التى استدل بها الزيديه على نقض الوضوء بالحجامة هى ما روى عن تميم الدارى عن رسول الله أنه قال الوضوء من كل دافق سائل. مذهب الشيعة الجعفرية: حصر صاحب المختصر النافع نوا قض الوضوء فى البول والغائط والريح المعتاد. والنوم الغالب على الحاستين السمع والبصر، وعلي الاستحاضة القليلة، وزاد صاحب الروضة (8) : ما يزيل العقل من جنون وسكر ومن هذا يتبين عدم النقض عندهم بالحجامة وما شابهها. مذهب الإباضية: جاء فى متن النيل (9) " وفى النقض بدم مرتفع ذى ظل وإن قرعة برأس أو شقاق رجل.. قولان ". والحجامة داخلة فى ذلك ففى النقض بها خلاف عندهم فيما يظهر. ويتلخص من هذا أن القائلين بالنقض بالحجامة هم الأحناف والحنابلة والزيدية وفى قول عند الإباضية، ومن عداهم من المذاهب المذكورة يرون عدم النقض بالحجامة. أحجام الصائم مذهب الحنفية: جاء فى التنوير وشرحه (10) : ان الصائم إذا احتجم لا يفسد صومه، وعلل ذلك العينى فى شرح الكنز (11) بما رواه أبو داود من قوله صلى الله عليه وسلم " لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم ". وقال: أن قوله عليه الصلا ة والسلام: " أفطر الحاجم والمحجوم " منسوخ. وروى الميرغينانى فى الهداية (12) الحديث بلفظ: " ثلاث لا يفطرن الصائم: القىء والحطامة والاحتلام ". وعلق على ذلك الكمال بن الهمام (13) بأن هذأ الحديث روى من عدة طرق وأحسنها ما رواه البزار من حديث ابن عباس رضى الله عنهما، وقال: انه أصح الروايات إسنادا ويجب أن يرتقى إلى درجة الحسن. وفى المبسوط للسرخسى (14) : يحتج الحنفية لعدم الإفطار بالاحتجام بحديث أنس بن مالك رضى الله عنه. قال: مر بنا أبو طيبة فى بعض أيام رمضان، فقلنا: من أين جئت؟ فقال: حجمت رسول أدلّه صلى الله عليه وسلم. وفى حديث أبن عباس: أن النبى احتجم وهو صائم محرم، وعنه أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " شكا الناس إليه الدم فرخص للصائم أن يحتجم. وهذه تبين طريق النسخ الذى أشار إليه العينى. ويقول السرخسى أيضا: إن تأويل حديث " أفطر الحاجم والمحجوم " أن النبى صلى الله عليه وسلم مر بهما وهما يغتابان. آخر فقال الحديث، والمراد: ذهب ثواب صومهما بالغيبة، وقيل الصحيح أنه غشى. على المحجوم فصب الحاجم الماء فى حلقه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام " أفطر الحاجم المحجوم "، فوقع عند الراوى أنه قال: أفطر الحاجم والمحجوم، ثم علل أيضا بأن خروج الدم من البدن لا يفوت ركن الصوم ولا يحصل به اقتضاء الشهوة وبقاء العبادة ببقاء ركنها. مذهب المالكية: قال المالكية (15) : إن الحجامة لا تفطر لما صححه الترمذى أن المصطفى عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم فى صائم الوداع. قال: فيكون هذا الحديث ناسخا لما روى من قوله: أفطر الحاجم والمحجوم. وجاء فى المدونة (16) : ما يدل على الكراهة عند مالك، ولو احتجم رجل مسلم لم يكن عليه شىء. ثم ساق الحديث: " ثلاث لا يفطرن "وحديث ابن عباس أن الرسول احتجم وهو صائم. مذهب الشافعية: جاء فى المنهاج وشرحه (17) : ولا تفطر الحجامة لما صح من احتجام الرسول وهو صائم، وقال إن خبر الإفطار منسوخ، وأن القياس يؤيد عدم الإفطار. ثم قال: إن الحجامة مكروهة للصائم، وجزم فى المجموع بأنه خلاف الأولى. وقال الأسنوى: وهو المنصوص، فقد قال فى الأم: وتركه أحب إلى وعلق الشبراملسى فى حاشيته علي كون النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم، بأنه ليس مكروها فى حقه وأن كره فى حق غيره لأنه يجوز أنه فعله لبيان الجواز، بل فعله المكروه يثاب عليه ثواب الواجب. وقد رجعنا إلى " الأم " فى باب " ما يفطر الصائم " (18) فيما يتعلق بالحجامة فوجدنا عبارته:. قال الشافعى: روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: " أفطر الحاجم والمحجوم "، وروى: أنه احتجم صائما. قال الشافعى: ولا نعلم مكانه وأحدا منهما ثابتا، ولو ثبت واحد منهما عن النبى قلت به، ولو ترك رجل الحجامة للتوقى لأن احب إلى، ولو احتجم لم أره يفطره. مذهب الحنابلة: قال ابن قدامه (19) : ان الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، وذكر ممن قال به إسحاق وابن المنذر، وكان الحسن وابن مسروق وابن سيرين لا يرون للصائم أن يحتجم، وكان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا فى الصوم منهم ابن عمر، وأبن عباس وغيرهما. واحتج لمذهبهم بقول النبى صلى الله عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم "، وقال: إنه رواه عن النبى أحد عشر نفسا، وذكر عن أحمد أن هذا الحديث أصح حديث يروى فى هذا الباب، وأطال فى الرد على القائلين بأن الحجامة لا تفطر الصائم. مذهب الظاهرية: وفى المحلى لابن حزم الظاهرى (20) ما يفيد أنه لا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام، ثم قال: صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفطر الحاجم والمحجوم " فوجب الأخذ به إلا أن يصح نسخه وقد صح نسخه بحديث أن الرسول صلوات الله عليه أرخص فى الحجامة للصائم فقامت به الحجة، ولفظ أرخص لا تكون إلا بعد نهى فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول. مذهب الزيدية: قال صاحب البحر (21) : لا يفسد الصوم بالحجامة إذ احتجم النبى صلى الله عليه وسلم صائما، ورخص للصائم فيه. قال: وحديث "أفطر الحاجم والمحجوم " نسخ بالترخيص، أو لأنهما اغتابا فبطل ثوابهما، وإلا لزم فى الحجام ولا قائل به. مذهب الشيعة الجعفرية: يصوره ما جاء فى الروضة البهية والمختصر النافع (22) : لا يفسد الصوم بإخراج الدم المضعف، والإخراج المذكور يشمل الحجامة. مذهب الإباضية: جاء فى كتاب الوضع (23) : كرهوا للصائم أربعة، فإن فعلهن فلا بأس، وعد منها الحجامة بالنهار. وفى شرح النيل (24) : كره احتجام نهارا مطلقا، وقيل فى آخر النهار، وقيل فى أوله لا لفساده بل لخوف الضعف فيؤدى للإفطار. قالوا: ولم يصح حديث: الحجامة تنقض الصوم، وأما حديث أفطر الحاجم والمحتجم " فهو حكم عليهما بالإفطار لفعلهما أمرا مفطرا كنظر الحاجم إلى عورة المحتجم أو لاغتيابهما ويدل على ذلك ذكر الحاجم فإنه لا حجة قوية على أن من فعل بأحد ما يفطر به كان مفطرا. ويتلخص موقفه فقهاء المذاهب المذكورة فى أنهم جميعا عدا الحنابلة يرون عدم فساد الصوم بالحجامة وان كان مكروها أو خلاف الأولى على التفصيل المذكور. احتجام المحرم مذهب الحنفية: قال السرخسى (25) : وللمحرم أن يحتجم ويغتسل ويدخل الحمام لأن هذا كله من باب المعالجة، فالمحرم والحلال (أى غير المحرم) فيه سواء، ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة (موضع بقرب المدينة) . وقال الميرغينانى (26) : إن حلق المحرم موضع المحاجم فعليه دم عند أبى حنيفة. وقال الصاحبان عليه صدقة لأنه إنما يحلق لأجل الحجامة وهى ليست من المحظورات، فكذا ما يكون وسيلة- أليها إلا أن فيه إزالة شىء من التفث فتجب الصدقة. مذهب المالكية: نص خليل والدردير (27) على جواز الفصد للمحرم إذا كان لحاجة وإلا كره فيما يظهر. وعلق الدسوقى بقوله: وعلى كل حال لا فديه. فيه. ومنه يبين حكم الحجامة لا شتراكهما. وفى المدونة (28) : سئل مالك: ألا يكره للحجام المحرم أن يحجم المحرمين ويحلق منهم مواضع المحاجم؟ قال مالك: لا أكره ذلك له إذا كان المحرم المحتجم إنما يحتجم لموضع الضرورة. مذهب الشافعية: جاء فى الأم (29) ، قال الشافعى أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم. قال الشافعى: فلا بأس أن يحتجم المحرم من ضرورة أو غير ضرورة ولا يحلق الشعر. مذهب الحنابلة: يقول ابن قدامه (30) : أما الحجامة اذا لم يقطع شعرا فمباحة من غير فدية فى قول الجمهور لأنه تداو بإخراج دم فأشبه الفصد. ولأن ابن عباس روى أن النبى احتجم وهو محرم، متفق عليه، ولم يذكر فديه، ولأنه لا يترفه بذلك، فأشبه شرب الأدوية. وإن احتاج فى الحجامة إلى قطع شعر فله قطعه لما روى عبد الله بن بحينة أن رسول أدته صلى الله عليه وسلم احتجم بلحى جمل فى طريق مكة وهو محرم وسط رأسه متفق عليه. ومن ضرورة ذلك قطع الشعر ولأنه يباح حلق الشعر لإزالة الأذى فكذلك هنا وعليه - الفديه، لقوله تعالى " فمن كان منكم مريضى أو به أذى من رأسه ففدية.. " الأيه. مذهب الظاهرية: يرى ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى (31) أن للمحرم أن يحتجم ويحلق موضع المحاجم ولا شىء عليه، ثم روى من طريق عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ومثله من طريق سفيان بن عيينة عن أبن عباس، ومن طريق مسلم عن ابن بحينة ولم يخبر عليه أن فى ذلك فدية ولا غرامة. إباحة الفصد والحجامة. مذهب الزيدية: جاء فى البحر الزخار (32) : وله أن يفتصد ولا فديه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، وقاسوا على أباحه الاحتجام إباحة عصر الدماميل ونزع الشوك. مذهب الشيعة الجعفريه: جاء فى. المختصر النافع (33) : إن فى الحجامة بالنسبة للمحرم لغير ضرورة قولين أشبههما الكراهية. مذهب الإباضية: ويقول الإباضية كما فى كتاب الوضع (34) : على المحرم أن يترك فعل أربعة من بدنه، وذكر منها قطع شىء من بدنه وادماءه. ثم قال: فان قطع شيئا من بدنه أو أدماه فعليه دم. والإدماء يتناول الاحتجام إذ هو مخرج للدم لا محالة، وعلى هذا فان المذاهب الثمانية لا تمنع الاحتجام فى الاحرام، ومن عدا الإباضية لا يوجبون فديه لذات الاحتجام وقد نصت بعض المذاهب على وجوب الفدية لحلق موضع الحجامة وقيل الواجب صدقة ونص الظاهرية على إنه لا يجب شىء حتى فى هذا. التداوى بالاحتجام يتبين من القول السابق ذكرها أن الفقهاء مجمعون على أن التداوى بالاحتجام جائز غير محظور، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه تداوى به، وأن كثرة عديدة من الصحابة كانوا يفعلون ذلك. وقد روى البخارى وابن ماجة أن النبى عليه الصلاة والسلام قال: " الشفاء فى ثلاث": شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار " وقال الكرمانى فى شرحه للحديث: أن فيه إثبات الطب والتداوى 0 وقال العزيزى فى شرحه أيضا: إن الحجم أنجح هذه الثلاثة شفاء عند هيجان الدم.   (1) ج1 ص83 طبعة الساسى بالقاهرة سنة 1324. (2) الشرح الكبير للدردير حاشية الدسوقى ج1 ص114. (3) حاشية الصفتى ص35 الطبعة الأميرية سنة 1302 هجرية. (4) الإقناع على ألفاظ أبى شجاع ج1 ص178 المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هجرية. (4) المغنى ج1 ص184 مطبعة المنارة الطبعة الثالثة (5) المحلى ج1 ص209 مسألة 169 مطبعة الإمام بالقاهرة. (7) ج1 ص 86 مطبعة السعادة بالقاهرة الطبعة الأولى سنة 1366 هجرية. (8) الروضة البهية ج 2 ص 22. (9) شرح النيل ج1 باب نوا قض الوضوء ص 77. (10) حاشية ابن عابدين ج2 ص106. (11) شرح الكنز ج1 ص100. (12) الهداية وفتح القدير ج 2 ص64 طبعة مصطفى محمد. (13) الفتح، المرجع السابق. (14) ج 3 ص57. (15) الصفتى على العشماوية ص 174 المطبعة الاميرية. (16) ج 1 ص198 طبعة الساسى. (17) المنهاج وشرحه ج 3 ص170. (18) كتاب الام ج 2 ص83 المطبعة الاميرية سنة 1321 هجرية. (19) المغنى ج 3 ص 103. (20) المحلى ج 5 ص 501، 502. (21) البحر الزخار ج2 ص253. (22) الروضة البهية ج1 ص152 والمختصر النافع ص66. (23) كتاب الوضع ص156. (24) ج3 ص198، 199. (25) المبسوط ج4 ص124. (26) الهداية مع فتح القدير ج2 ص232. (27) حاشية الدسوقى مع شرح الدردير ج2 ص58. (28) المدونة ج2 ص188. (29) الام ج2 ص174. (30) المغنى ج3 باب الحج. (31) المحلى ج 7 باب الحج. (32) البحر الزخار ج2 باب الحج. (33) باب الحج. (34) باب الحج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 احْتِسَابُ المعنى اللغوى ال احتساب مصدر، فعله احتسب، يقال احتسب بكذا اكتفى به واحتسب على فلان الأمر أنكره عليه، واحتسب الأجر على الله أخره لديه-، كما يقال احتسبت بكذا أجرا عند الله، أى فعلته مدخرا إياه عنده، والمادة تدل فى كثير من استعمالاتها على العد كما تبين من الاستعمالات السابقة، ومنه علم الحساب، أى علم العدد، والحسبة اسم من الاحتساب، وإذن فالاحتساب يستعمل فى فعل ما يحتسب عند الله (1) . المعنى الشرعى ثوابه فى الدار الآخرة وذلك الاستعمال لا يكاد يخرج عن بعض استعمالاته اللغوية وعلى ذلك فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يسمى احتسابا فى لسانهم كما يسمى حسبة أيضا، وذلك إذا فعله لا لرياء ولا لسمعة ولا لإظهار علو أو كبرياء- وكذلك كل معروف يفعله الإنسان لوجه الله سبحانه وتعالى مدخراً ثوابه عنده لغير رياء ولا سمعة كالصدقة يتصدق بها احتسابا ودفع الأذى والشر يقوم به احتسابا والمعونة فى الخير والنصرة يقوم بهما احتسابا وفى هذا المعنى جاء فى قوله - صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو الدرداء - رضى الله عنه- قال سمعت أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الله عز وجل قال يا عيسى إنى باعث من بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ... رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط البخارى. وفى قوله صلى الله عليه وسلم فيم رواه أبو هريرة " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ... رواه البخارى ومسلم وفيما روى عن عمر قال: "أيها الناس احتسبوا أعمالكم فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته" وفى هذا ما يدل على أن الاحتساب بمعنى الحسبة- وفى بيان ما يدل على طلبه بمعنى الحسبة وعلى حكمه وعلى طبيعته وعلى ما فيه من معنى الولاية وعلى شروطه وأركانه وعلى موضوعه وما يتم به يرجع إلى مصطلح حسبة.   (1) القاموس والمصباح ومفردات الراغب الأصبهانى وأساس البلاعة للزمخشرى والمعجم الوسيط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 احْتِطاب المعنى اللغوى ال احتطاب فى القاموس: الحطب محركة ما أعد من الشجر شبوبا، وحطب كغرب جمعه كاحتطب. ويستعمله الفقهاء بمعناه اللغوى. ويكون الاحتطاب فى الأراضى المباحة التى لم يملكها أحد أو فى المملوكة بإذن من صاحبها. ومن سبق إليه كان أحق به من غيره فيملكه بذلك، والاحتطاب من الأرض في المملوكة لا يحتاج إلى إذن الإمام لأنه من الأشياء المباحة التى لا يفتقر ملكها إلى إذن الإمام (1) . هذا وقد ذكر الأئمة له عدة أحكام تتعلق به. مذهب الحنفية: قال الحنفية: لو اشتركا فى الإحتطاب يجب الأجر بالغا ما بلغ عند محمد، لأن المسمى وهو نصف الحطب غير معلوم فلم يصح الحط بأقل (2) . وهل إذا سرق الحطب تقطع اليد فيه أم لا؟ ورد عن أبى حنيفة أنه لا قطع فى الطعام، ولا فيما أصله مباح (3) . والحطب فى ملك رجل ملك له فليس لغيره أن يحتطبه بدون إذنه، وإن كان فى غير ملك فلا بأس به ولا يضر نسبته إلى قربه أو جماعة ما لم يعلم أن ذلك ملك لهم، ويملك المحتطب الحطب لمجرد الاحتطاب وإن لم يشده ولم يجمعه (4) . ولا تجوز الشركة فى الأشياء المباحة مثل الإحتطاب والاحتشاش والاصطياد وكل مباح، لأن الشركة متضمنة معنى الوكالة، والتوكيل فى أخذ المباح باطل، لأن أمر الموكل به غير صحيح، والوكيل يملكه بغير أمره فلا يصلح نائبا عنه، وما أصطاده كل واحد منهما أو احتطبه أو احتشه فهو له دون صاحبه لثبوت الملك فى المباح بالأخذ، فان أخذاه معا فهو بينهما نصفان لاستوائهما فى سبب الاستحقاق، وأن أخذه أحدهما ولم يعمل الآخر شيئا فهو للعامل وإن عمل أحدهما وأعانه الآخر، بأن حمله معه أو حرسه له فللمعين أجرة مثله لا يجاوز به نصف ثمن ذلك عند أبى حنيفة وأبى يوسف، وعند محمد بالغا ما بلغ (5) . مذهب المالكية: قال المالكية: لو قال لآخر: إحتطبْ على دابتى ولك نصف الحطب جاز إن علم ما يحتطبه عليها بعادة أو شرط وسواء فى ذلك إن قيد بزمن كيوم لى، ويوم لك، أم لم يقيده كنقلة لى ونقلة لك، فالأجرة هنا واجبة، ومثل الدابة السفينة والشبكة ونحوهما فيجوز بنصفه ما يحمله عليها إذا كان معينا من مكان معين (6) . مذهب الشافعية: قال الشافعية: يصح التوكيل فى تملك المباحات كالإحياء والاصطياد والاحتطاب فى الأظهر ومقابله المنع، والملك فيها للوكيل (7) . مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: يجوز للشخص أن يستأجر رجلاً ليحتطب له لأنه عمل مباح تدخله النيابة فأشبه حصاد الزرع، ويصح التوكيل فى تملك المباحات من الصيد والاحتطاب والحشائش ونحو ذلك كإحياء الموات وهذا هو الصحيح من المذهب (8) . وتصح شركة الأبدان فى الاحتشاش والاصطياد والتلصص على دار الحرب، وسائر المباحات كالاحتطاب (9) . قال الزيدية: لو استأجر شخص من يصطاد له أو يحتش أو يحتطب أو يسقى أو نحو ذلك من المباح فلا يصح الاستئجار- وكذا لو عقد اثنان شركة فى ذلك- أو وكل رجل غيره لم يصح ولو نواه للغير بل يملكه الفاعل إذا فعل فى الأصح من المذهب. وقال المتوكل بالله: يصح التوكيل فيه ... وعلى الأصح من المذهب لا أجرة له من الآمر إلا أن ُيكرِهُه (10) . مذهب الإمامية: قال الإمامية: إذا أستأجر غيره للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد من المباحات مدة معينة صحت الإجارة، ويملك المستأجر ما يحصل من ذلك فى تلك المدة هذا ولا تدخل النيابة فى الاحتطاب والاحتشاش، لأنه تعلق قصد الشارع بإيقاعه من المكلف مباشرة، لو احتطب أو احتش بنية أنه له ولغيره لم تؤثر تلك النية وكان بأجمعه له خاصة (11) . مذهب الإباضية: قال الإباضية: وجاز احتطاب شخص أو أخذه الشوك أو الحشيش من أرض آخر على أن الحطب بينهما مثلا، وإنما جاز لأنه قد رأى الأرض مع ما فيها، أو لم ير لكنه قد عقد أن له النصف مثلا فى كل ما حطب (12) . الاحتطاب فى أرض الحرم مذهب الحنفية: قال الحنفية: إن قطع حشيش الحرم أو شجرة ليست مملوكة لأحد وهو مما لا ينبته الناس فعليه قيمته (13) إلا ما جف منه ... وما جف من شجر الحرم لا ضمان فيه لأنه ليس بنام (14) . مذهب المالكية: قال المالكية: حرم على المكلف بالحرم محرما أو غيره، آفاقيا ومن أهل مكة قلع ما نبت بنفسه ولو كان قطعه لإطعام الدواب على المعتمد، ولا فرق بين الأخضر واليابس إلا الأذخر (15) ، كما ورد فى الحديث استثناء الأذخر والملحقات به وهى السنا والسواك والعصا (16) . مذهب الشافعية: قال الشافعية: ويحل من شجر الحرم الأذخر قلعا وقطعا لاستثنائه فى الخبر. وكذا الشوك كالعوسج (17) وغيره من كل مؤذ منتشر من الأغصان المضرة فى طريق الناس عند الجمهور، والأصح حل أخذ نباته من حشيش أو نحوه لعلفه البهائم وللدواء كحنظل للحاجة إليه (18) . مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: ويباح الانتفاع بما أنكسر من الأغصان وبما انقطع من الشجر بغير فعل آدمى وكذا الورق الساقط يجوز الانتفاع به (19) . مذهب الظاهرية: قال الظاهرية: من احتطب فى حرم المدينة خاصة فحلال سلب ما وجد معه فى حاله تلك ويجرد من ثيابه إلا مما يستر عورته فقط لما ورد عن عامر بن سعد قال: إن سعدا (أباه) ركب إلى العقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فسألوه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرده عليهم (20) . مذهب الزيدية: قال الزيدية: من محظورات الإحرام قطع شجر من الحرمين أو رعيه. فلو كان يابسا جاز قطعه، فلو كان مؤذيا كالعوسج ونحوه مما له شوك مؤذ فيجوز قطعه فلو كان مستثنى كالاذخر جاز قطعه. أما لو كان أصله فى الحل وفرعه فى الحرم جاز قطعه وأن يكون مما ينبت بنفسه (21) . مذهب الإمامية: قال الإمامية: ولا كفارة فى قلع الحشيش وإن أثم فى غير الأذخر، وما أنبته الآدمى ومحل التحريم فيهما الاخضرار، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقا لا قلعه إن كان أصله ثابتا (22) . مذهب الإباضية: قال الإباضية: وجاز لمحرم احتطاب وشد محمله أى ربطه والعقد عليه إلا على نفسه منه ولا يحل وإن لمحل شجر الحرم، ويجوز رعيه. ولا يجوز قطع اليابس أيضا، وجوز رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذخر (23) . والأصل فى شجر الحرم أنه غير مستنبت ففيه الجزاء، وعن ابن محبوب فى عود صغير فى الحرم إطعام مسكين، وقيل فى كسر عود درهم ولو صغيرا كسواك (24) .   (1) المغنى لابن قدامة ج6 ص 38. (2) الهداية ج3 ص 177. (3) الهداية ج4 ص 227. (4) حاشية ابن عابدين ج5 ص 389. (5) الجوهرة النيرة ج1 ص 285. (6) الشرح الصغير ج2 ص 159. (7) السراج الوهاج ص 247. (8) المقنع ج2 ص 149. (9) المقنع ج2 ص 183. (10) شرح الأزهار ج3 ص 322. (11) شرائع الإسلام ص 216 باب الشركة. (12) شرح النيل ج5 ص 59. (13) ولا يكون للصوم فى هذه القيمة مدخل لأن حرمة تناولها بسبب الإحرام فكان من ضمان المحال. (14) كتاب الهداية للمرغينانى ج1 ص 127 مطبعة مصطفى الحلبى. (15) نبت كالحناء طيب الرائحة. (16) بلغة السالك لاقرب المسالك للدردير ج 1ص 277 المطبعة التجارية. (17) نوع من الشوك. (18) نهاية المحتاج ج3 ص 342 مطبعة مصطفى الحلبى. (19) المقنع وشرحه ج1 ص 435 المطبعة السلفية، وكشاف القناع ج1 ص 602 المطبعة العامرة الشرقية بالقاهرة. (20) المحلى لابن حزم ج1 ص 263 مسألة رقم 901. (21) شرح الأزهار ج2 ص 103 مطبعة حجازى بالقاهرة. (22) الروضة البهية ج1 ص 182 مطابع دار الكتاب العربى. (23) الأذخر نبت طيب الرائحة تصنع منه الحصر وتسقف منه البيوت ما بين الخشب. (24) شرح النيل ج2 ص 323،337. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 احْتِكَار معنى ال احتكار فى اللغة جاء فى المصباح: احتكر فلان الطعام، إذا حبسه إرادة الغلاء، والاسم الحكرة، مثل الغرفة من الإغتراف، والحكر (يفتح الحاء والكاف أو اسكانها) بمعنى الاحتكار. وعرف صاحب القاموس الحَكْر، بفتح الحاء وسكون الكاف بأنه الظلم وإساءة المعاشرة، وقال أن بالتحريك اى الحكر بفتحتين: ما احتكر أى حبس انتظارا لغلائه كالحكر بضم الحاء، فيكون اسما من الاحتكار. ونقل الصنعانى (1) عن النهاية لابن الأثير فى شرح قول النبى صلى الله عليه وسلم: " من احتكر طعاما.. " اى اشتراه وحبسه ليغلو فيغلو. ومن هذا يتبين بوضوح أن معانى المادة كلها تدور حول الظلم فى المعاملة وحبس شىء من الأشياء لاستبداد بشأنه. ومنه ما ورد فى استعمال الشريعة من عصر النبوة إلى أن عرفه الفقهاء فى كتبهم بما لا يخرج عن ذلك فى الجملة. التعريف الفقهى للاحتكار يقول الحصكفى من الأحناف فى شرح الدر المنتقى (2) نقلا عن الشر نبلالية عن الكافى: أن الاحتكار شرعا اشتراء الطعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوما لقوله عليه الصلاة والسلام: " من احتكر على المسلمين أربعين يوما ضربه الله بالجذام والإفلاس ". ثم قال: وقيل شهر وقيل كثر، وبين الحصكفى أن تكثيرة مدة الأيام لا معاقبة فى الدنيا بنحو البيع والتعزير. لا للإثم لحصونه وإن قلت المدة، وتفاوت الإثم بين تربص المحتكر لعزة الطعام وندرته أو للقحط. وقد رجعنا إلى حاشية الشر نبلالى على درر الحكام شرح غرر الأحكام (3) فوجدنا ما يأتى تعليقا على قول صاحب الغرر: كره احتكار قوت البشر والبهائم: الاحتكار حبس الطعام للغلاء افتعال من حكر إذا ظلم ونقص وحكر بالشىء إذا أستبد به وحبسه عن غيره، وتقييده بقوت البشر والبهائم قول أبى حنيفة ومحمد وعليه الفتوى، وقال أبو يوسف: كل ما أضر بالعامة حبسه فهو احتكار وإن كان ذهبا أو فضة أو ثوبا. كذا فى الكافى. وأما تقدير مدة حبس الطعام فقد ورد فى كلام صاحب الدرر إذ يقول: " ومدة الحبس قيل أربعون يوما وقيل شهر وهذا فى حق المعاقبة فى الدنيا، لكن يأثم وإن قلت المدة ". ويقول البابرتى (4) الحنفى: إن المراد بالاحتكار " حبس الأقوات تربصا للغلاء " وهذا التعريف أقرب إلى ما أورده الشرنبلالى فإنه لم يقيد الحبس بكونه على سبيل الشراء، ولم يذكر نحو الأقوات، وقد اختلف كل منهما عن الحصكفى من هاتين الناحيتين. وقد وافق صاحب الاختيار الحصكفى فى تقييد الحبس بكونه على سبيل الشراء وإن كان قصر على الطعام كالبابرتى والشرنبلانى، وأشار صاحب الاختيار الموصلى الحنفى إلى شمول الاحتكار للشراء من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى مصر، فقال (5) : " إن الاحتكار أن يبتاع الشخص طعاما من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى المصر ويحبسه إلى وقت الغلاء". ونبه الكاسانى الحنفى إلى قيد يفيد حكمة المنع من الإحتكار (6) : فأضاف إلى التعريف قيد أن يكون ذلك يفر بالناس بدل قولهم (إلى وقت الغلاء) . مذهب المالكية: أما المالكية فيصورون الاحتكار بما تفيده عبارة المدونة برواية سحنون (7) : أنه سمع مالك، يقول: الحكرة فى كل شىء فى السوق من الطعام والزيت والكتان والصوف وجميع الأشياء وكل ما اضر بالسوق فيمنع من يحتكر شيئا من ذلك كما يمنع من احتكار الحب ". والمالكية فى هذا التعميم يتفقون مع أبى يوسف فى عدم قصر الإحتكار على الطعام. مذهب الشافعية: عرفه الرملى الشافعى بقوله (8) : أنه اشتراء القوت وقت الغلاء ليمسكه ويبيعه بعد ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق. وبمثله عرفه الإمام النووى الشافعى فى شرحه لصحيح مسلم (9) وقد انفرد هذا التعريف بتقييد الشراء بكونه وقت الغلاء. مذهب الحنابلة: وعرفه ابن قدامة الحنبلى فى المغنى بقوله (10) : الاحتكار المحرم هو ما اجتمع فيه ثلاثة شروط: أن يشترى، وأن يكون المشترى قوتا، وأن يضيق على الناس بشرائه. فهو يتفق مع من يقول ممن قدمنا أن الاحتكار يتحقق بالشراء وتخصيصه بالقوت. مذهب الظاهرية: وأما ابن حزم الظاهرى فقد وافق الجميع فى اعتبار الإضرار بالناس قيدا فى الاحتكار الممنوع، واتجه إلى أنه مرتبط بالشراء ولم يقصره على الطعام وعبارته (11) : الحكرة المضرة بالناس حرام، سواء فى الابتياع أو إمساك ما ابتاع، " والمحتكر فى وقت الرخاء ليس آثما ". مذهب الزيدية: والزيدية يخصونه بأن المحبوس قوت آدمى أو بهيمة، ويعممون فى الحبس بما يشمل ما يكون على سبيل الشراء أو غيره ويصور مذهبهم ما جاء فى البحر الزخار (12) من قولهم: يحرم احتكار قوت الآدمى والبهيمة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم- " من احتكر الطعام " (أى الخبز ونحوه) فإنه لم يخصه بالشراء وبذأ يتحقق الاحتكار عندهم مما يكون حبسه بعد الشراء أو الحصول عليه من زراعته، كما يشمل ما إذا كان الشراء من المصر أو كان مجلوبا من خارجها. مذهب الإمامية: وعرف الشيعة الإمامية الحكرة (13) : بأنها جمع الطعام وحبسه يتربص به الغلاء، وحصروا الطعام الذى يتحقق فيه الاحتكار فى سبعة أشياء، هى: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت والملح. فهم لا يخصونه بالشراء وينفردون بقصر الطعام على هذه الأنواع. مذهب الإباضية: وعرفه الإباضية (14) بأنه شراء مقيم من سوق أو من غيره بالنقد أو غيره طعاما ينتظر به الغلاء فهم يخصون الاحتكار بشراء المقيم للطعام، ويصرحون بأن من أخذ الطعام من غيره فى دين أو مقاضاة أو أرش أو أجرة أو ارث أو هبة فلا يكون ذلك من الاحتكار المحظور، وقد ألحقوا بالمقيم فى تحقق الاحتكار الممنوع المسافر الذى يتجر بمال المقيم الذى يتجر بمال المسافر فلا يكون من الاحتكار الممنوع، واختلفوا فى الطعام الذى يكون فيه الاحتكار فجعله بعضهم عاما فى كل ما يطعم ولو رهنا أو شرابا، وخصه بعضهم بالحبوب الستة، وخصه بعضهم بما يسمى فى العرف طعاما، وبعضهم خصه بالبر والشعير. حكم الاحتكار الأخروى الاحتكار الذى تتحقق فيه القيود المذكورة على اختلاف المذاهب فيها كما بينا محظور أجماعا غير أنه قد اختلفت عبارات الفقهاء فى التعبير عن هذا الحظر. فمنهم من صرح بالحرمة، ومنهم من صرح بالكراهة، ومنهم من اكتفى بلفظ المنع الصادق بكل من التحريم والكراهة. فالكاسانى الحنفى يقول (15) : تتعلق بالاحتكار أحكام منها الحرمة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المحتكر ملعون والجالب مرزوق؟، ولا يلحق اللعن إلا بمباشرة المحرم، وروى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: " من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برىء من الله وبرىء الله منه ". ومثل هذا الوعيد لا يلحق إلا بارتكاب الحرام، وساق دليلا آخر عقليا يرجع إلى أن الاحتكار من باب الظلم والظلم حرام، وقال بعد ذلك أن قليل مدة الحبس وكثيرها سواء فى حق الحرمة لتحقق الظلم. ويمثل ذلك صرح الشبراملسى الشافعى فقد قال (16) : إن النهى المتعلق بالاحتكار نهى تحريم، وأيضا فان ابن حجر الهيثمى الشافعى يعتبره من الكبائر ويقول (17) : أن كونه كبيرة هو ظاهر الأحاديث الواردة فى النهى عن الاحتكار لوجود الوعيد الشديد كاللعنة وبراءة ذمة الله ورسوله والضرب عليه بالجذام والإفلاس وبعض هذه دليل على الكبيرة. وكذلك ابن قدامة الحنبلى (18) ينص على تحريم الاحتكار ويستدل بعدة أحاديث منها قوله - صلى الله عليه وسلم-: "من احتكر فهو خاطىء ". ووافقهم ابن حزم الظاهرى فيما نقلناه من العبارة السابقة إذ يقول (19) : إن الحكرة المضرة بالناس حرام. وكذلك بالنسبة للزيدية خط فإن صاحب البحر الزخار ينص (20) : على أنه يحرم احتكار قوت الآدمى والبهيمة فى الفاصل عن كفايته ومن يمونه. وكذلك الإباضية فقد صرحوا (21) : بأن الاحتكار حرام. وقال صاحب شرح النيل: أن النهى عن الاحتكار أشد من غيره من البيوع الممنوعة لانتظار المحتكر اللعنة بالاحتكار لحديث: " المحتكر ينتظر اللعنة". وأما القائلون بالكراهة فمن الأحناف الميرغينانى صاحب الهداية وكل من الموصلى صاحب الاختيار والتمرتاشى صاحب تنوير الأبصار والحصكفى فى الدر وابن عابدين فى حاشيته وهو المذكور في ملتقى الأبحر وشارحه. يقول صاحب الهداية (22) : " ويكره الاحتكار فى أقوات الآدميين والبهائم.. الخ ". كما يقول صاحب التنوير وشارحه صاحب الدر وابن عابدين فى حاشيته (23) . " وكره احتكار قوت البشر 00 الخ ". ويوافق الشيعة الجعفرية من قالوا بالكراهة من الأحناف، فقد أورده صاحب اللمعة الدمشقية وشارحه صاحب الروضة البهية فى مكروهات التجارة (24) . وإن كان صاحب الروضة البهية قد اختار فى موضع آخر (25) أنه يحرم مع حاجة الناس إليه إذ يقول: والأقوى تحريمه مع حاجة الناس إليه لصحة الخبر بالنهى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم كما أورده صاحب المختصر النافع من الشيعة الجعفرية فى المكروهات أيضا وذكر أن هناك قولا بحرمته. واما من أورد عبارة المنع دون تحديد لجهة المنع فإنه الحطَّاب من المالكية إذ أورد أنه ممنوع (26) . حكم الاحتكار الدنيوى يقول صاحب البدائع الفقيه الحنفى: إن من أحكام الاحتكار أن يؤمر المحتكر بالبيع إزالة للظلم لكن إنما يؤمر ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله، فإن لم يفعل وأصر على الاحتكار ورفع إلى الإمام مرة أخرى وهو مصر عليه فإن الإمام يعظه ويهدده، فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره زجرا له عن سوء صنعه ولا يجبر على البيع. وقال محمد: يجبر عليه، وهذا يرجع إلى مسألة الحجر على الحر لأن الجبر على البيع فى معنى الحجر. ويقول الميرغينانى الحنفى فى كتابه الهداية: إن رفع المحتكر إلى الإمام مرة ثانية حبسه وعزره زجرا له ودق الضرر العامة. أما صاحب "الدر الحنفى " فيمرح بأنه يجب على القاضى أن يأمره ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله. ويضيفه ابن عابدين: أنه مع أمره ينهاه عن الاحتكار ويعظه ويزجره. ثم يقول صاحب الدر: فإن لم يبع بل خالف الأمر عزره وباع عليه وفاقا على الصحيح. ثم نقل عن صاحب السراج أنه لو خاف الإمام علي أهل بلد الهلاك أخذ الطعام من المحتكرين وقومه فإذا كانوا فى سعة ردوا مثله. قال: وليس هذا بحجر بل للضرورة، ومثله فى الاختيار والبدائع. مذهب المالكية: ونص المالكية على أن من اشترى الطعام من الأسواق واحتكره وأضر بالناس فإن الناس يشتركون فيه بالثمن الذى اشتراه وصرح ابن جزى بأن فى جبر الناس على إخراج الطعام فى الغلاء خلافا (27) . ويقول الأبى المالكى فى شرح لصحيح مسلم (28) : إن الخليفة كان إذا غلا السعر ترفق بالمسلمين فأمر بفتح مخازنه وأن يباع بأقل مما يبيع الناس حتى يرجع الناس عن غلوهم فى الأثمان، ثم يأمر مرة أخرى أن يباع بأقل من ذلك حتى يرجع السعر إلى أوله أو القدر الذى يصلح للناس حتى يغلب الجالبين والمحتكرين بهذا الفعل وكان ذلك من حسن نظره. مذهب الشافعية: وصرح الشافعية بأن من عنده زائد على كفايته ومئونته سنة يجبر على بيعه فى زمن الضرورة، بل قالوا: أنه إذا اشتدت الضرورة يجبر على بيع ما عنده ولو لم يبق له كفاية سنة. مذهب الحنابلة: كما صرح الحنابلة بأن لولى الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه الناس فى مخمصة فإن من اضطر إلى طعام غيره أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل ولو امتنع عن بيعه إِلا بأكثر من سعره أخذه منه بقيمة المثل. ثم يقول ابن القيم (29) : من أقبح الظلم أن يلزم الناس إلا يبيعوا الطعام أو غيره من الأصناف إلا ناس معروفون، فلا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم بما يريدون، فلو باع غيرهم ذلك منعوه، وهذا يمكن تسميه احتكار الصنف ". ثم قال: إن هذا من البغى والفساد، فيجب التسعير عليهم، ومن هنا ذهب كثير من الفقهاء إلى القول بأن من حق الإمام، بل من واجبه أن يسعر السلع وأن منع الناس أن يبيعوا إلا بقيمة المثل ولا يشتروا إلا بها بلا تردد فى ذلك عند أحد من العلماء (انظر: تسعير) . مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم الظاهرى: يمنع المحتكر من الاحتكار، وروى بسنده إلى على أنه أحرق طعاما أحتكر بمائة ألف، كما روى عن عبد الرحمن بن قيس قال: أحرق لى على بن أبى طالب بيادر بالسواد كنت احتكرتها، لو تركها لربحت فيها مثل عطاء الكوفة. والبيدر: الموضع الذى تدرس فيه الحبوب، والمراد: ما فى تلك الأماكن من الحبوب. مذهب الزيدية: وصرح الزيدية بأن المحتكر يجبر على بيع ما احتكره ولا يباع عنه إلا إذا تمرد فيبيعه الحاكم ويعزره لعصيانه. مذهب الإمامية: أما، الشيعة الجعفرية فيقولون: يجب بيع الطعام المحتكر. ويقول صاحب "اللمعة الدمشقية" (30) : أن الطعام المحتكر لو لم يوجد غيره وجب البيع ويسعر أن أجحف فى الثمن. مذهب الإباضية: وينص الاباضية على أنه لا يترك المحتكر يبيع بأكثر مما اشترى وإنما يجبر على البيع كما اشترى، وقيل إن أخذ منه حين الفراغ من العقد قبل الانتظار أجبر على البيع ولو بربح، وان قبض عليه بعد الانتظار أجبر أن يبيع بمثل ما اشترى وقد يمنع من الربح مطلقا لسوء نيته. وروى عن جابر أن من أحتكر طعاما على الناس وأبى أن يبيع إلا على حكمه وهو غال ينزع منه. ثم قال صاحب النيل (31) : ولا يجبر المحتكر على البيع إن خرج من ملكه بوجه أورده لنفقته أو تغير عن حاله مثل أن يكون حبا فيطحنه أو دقيقا فيخبزه. ثم قال: وإن مات المحتكر لم يجبر وارثه ولا يجبر من دخله ملكه بوجه.   (1) سبل السلام ج3 ص 32 طبعة صبيح بالأزهر بمصر. (2) الدر المنتقى على متن الملتقى بهامش مجمع الأنهر ج2 ص 547 طبعة الأستانة سنة 1327 هجرية. (3) ج1 ص 400. (4) فى كتابه العناية بهامش فتح القدير على الهداية ج8 ص 126. (5) الاختيار شرح المختار ج3 ص 115 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1355 هجرية. (6) البدائع ج5 ص 129. (7) ج10 ص 123. (8) نهاية المحتاج ج3 ص 456 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1357 هجرية بالقاهرة. (9) صحيح مسلم بشرح النووى ج12 ص 42 المطبعة المصرية بالقاهرة. (10) المغنى ج4 ص 220 طبعة المنار بالقاهرة. (11) المحلى ج9 ص 78 مطبعة الإمام بالقاهرة. (12) ج3 ص 319 الطبعة الأولى طبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1367 هجرية. (13) الروضة البهية ج 1 ص 292 طبع دار الكتاب العربى بمصر ومثله فى المختصر النافع ص 120 (14) شرح النيل ج 4 ص101،102. (15) البدائع ج 5 ص129. (16) نهاية المحتاج ج 3 ص 156. (17) الزواجر ص216، 217. (18) المغنى ج4 ص 220 طبعة المنار. (19) المحلى ج 9 ص 78. (20) البحر الزخار ج 3 ص 319 وما بعدها. (21) شرح النيل ج 4 ص 102. (22) الهداية ج4 ص 76. (23) حاشية ابن عابدين ج5 ص227 ومعها شرح الدر على متن التنوير ومثله فى الاختيار، شرح المختار ج 3 ص 115 وكذا ملتقى الأبحر وشارحاه ج 2 ص 547 (24) ج 1ص 274. (25) المرجع السابق ج اص 292. (26) مواهب الجليل للحطاب ج4 ص227 مطبعة السعادة، الطبعة الأولى سنة 1329 هجرية. (27) قوانين الفقهية لابن جزى ج3 من247. (28) ج4 ص 304،305. (29) الطرق الحكمة فى السياسة الشرعية ص 226. (30) الروضة البهية شرح اللمعة ج 1ص 293. (31) شرح النيل ج 4 ص 104، 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 احْتِيَال تعريف ال احتيال : الاحتيال لغة: جاء فى مختار الصحاح (1) : " الحيلة اسم من الاحتيال، وكذا الحَيْل والحوْل.. يقال لا حيل ولا قوة، لغة فى حوْل. وهو أحيل منه، أى أكثر حيلة، ويقال ما له حيلة ولا احتيال ولا محال بمعنى واحد ". وجاء فى لسان العرب (2) : " الاحتيال مطالبتك الشىء بالحيل " وعلى هذا فالاحتيال هو اللجوء إلى الحيلة. ويعرف الشاطبى الحيل بقوله: " أن حقيقته المشهورة هى تقديم عمل ظاهر الجواز لابطال حكم شرعى، وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر، فمآل العمل فيها خرم قواعد الشريعة فى الواقع، كالواهب ماله عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة كان ممنوعا، فإن كل واحد منهما ظاهر أمره فى المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد صار مال الهبة المنع من آداء الزكاة، وهو مفسدة، ولكن هذا بقصد إبطال الأحكام الشرعية (3) . وقال قبل ذلك (4) : التحيل بوجه سائغ مشروع فى الظاهر وذلك كمن وهب النصاب قبل الحول حتى لا تجب الزكاة، أو غير سائغ كمن شرب الخمر فى وقت الصلاة حتى تسقط عنه، على إسقاط حكم أو قلبه إلى حكم آخر بحيث لا يسقط أو ينقلب إلا مع تلك الواسطة، فتفعل ليتوصل بها إلى ذلك الغرض المقصود مع العلم بكونها لم تشرع له. ويبين ابن القيم أقسام الحيل فيقول (5) : القسم الأول: الطرق الخفية التى يتوصل بها إلى ما هو محرم فى نفسه بحيث لا يحل بمثل ذلك السبب بحال، فمتى كان المقصود بها محرما فى نفسه فهى حرام باتفاق المسلمين. وهذا القسم ينطوى على أنواع ثلاثة: أحدها: أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها المحرم. الثانى: أن تكون مباحة فى نفسها. ويقصد بها المحرم، فتصير حراما تحريم الوسائل كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس المعصومة. وهذان القسمان تكون الحيلة فيهما موضوعة للمقصود الباطل المحرم، ومفضية إليه كما هى موضوعة للمقصود الصحيح الجائز ومفضية إليه، فإن السفر طريق صالح لهذا وهذا. الثالث: أن تكون الطريق لم توضع للإفضاء إلى المحرم، وإنما وضعت مفضية إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة ونحو ذلك فيتخذها المتحيل سلما وطريقا إلى الحرام. القسم الثانى: أن يقصد بالحيلة أخذ حق أو دفع باطل، وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة أنواع أيضا: النوع الأول: أن يكون الطريق محرما فى نفسه وإن كان المقصود به حقا مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده ولا بينة له، فيقيم صاحبه شاهدى زور يشهدان به، ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق، فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود، وفى مثل هذا جاء الحديث " أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ". النوع الثانى: أن تكون الطريق مشروعة، وما تفضى إليه مشروع، وهذه هى الأسباب التى نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها كالبيع والإجارة، ويدخل فى هذا النوع الاحتيال على جلب المنافع وعلى دفع المضار، وليس كلامنا ولا كلام السلف الصالح فى ذم الحيل متناولا لهذا النوع، بل العاجز من عجز عنه. النوع الثالث: أن يحتال على التوصل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك، بل وضعت لغيره، فيتخذها هو طريقا إلى هذا المقصود الصحيح، أو قد تكون وضعت ولكنها خفية ولا يفطن لها. والفرق بين هذا النوع والذى قبله أن الطريق فى الذى قبله نصبت مفضية إلى مقصودها ظاهرا فسالكها سالك للطريق المعهود، والطريق فى هذا النوع نصبت مفضية إلى غيره فيتوصل بها إلى ما لم توضع له، فهى فى الأفعال كالتعريض الجائز فى الأقوال. الصلة بين الاحتيال وبعض الأصول الشرعية قرر الشاطبى حرمة الاحتيال، وأسس هذا البطلان على جملة من الأصول الشرعية الكلية والقواعد القطعية، ثم قام بعمل استقراء من نصوص الشريعة يفيد أن الاحتيال بالفعل المشروع فى الظاهر إلى إبطال الأحكام الشرعية باطل شرعا، وإليك هذه الأصول. أولا: الاحتيال ومخالفة قصد الشارع أسس الشاطبى حرمة الاحتيال على أن المحتال قصد ما ينافى قصد الشارع فبطل عامله. ذلك أن قصد المكلف فى العقل يجب أن يكون موافقا لقصد الشارع وأن من ابتغى فى تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله على المناقضة باطل، وقد أقام الأدلة على أن مخالفة قصد الشارع مبطلة للعمل (6) . أما أن المحتال قاض بالعمل غير ما شرع له فظاهر، فالناكح- يقصد تحليل المرأة لزوجها الأول- قاصد بالزواج غير ما شرع له. فالزواج شرع للتناسل وتكوين الأسرة والسكن والمودة والرحمة، وما إلى ذلك من مصالح الزواج التى لا تحصل إلا بدوام العشرة. وليس من صالح النكاح التى قصدها الشارع منه أن- يحلل الزوج المرأة لغيره، بل إن ذلك مناف للحكمة من الزواج ومفوت لمصالحه. ودليل ذلك أن الجمهور على أن التحليل لو شرط صراحة فى العقد لبطل، لأنه شرط ينافى مقتضى العقد، وقصد الشارع من عقد البيع دفع حاجة البائع إلى الثمن وحاجة المشترى إلى السلعة، فإذا قصد المحتال أن يقرض مائة إلى أجل ليسترد مائتين، وجعل السلعة وسيلة لذلك وليس لأحدهما غرض فيها بوجه من الوجوه فقد خالفه قصده قصد الشارع. الأساس الثانى - الاحتيال وقاعدة اعتبار المآل: يقرر الشاطبى أن النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا، وبين أن مضمون هذه القاعدة أن المجتهد لا يحكم على فعل بالإذن أو المنع إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، فإذا كان الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، فإنه يمنع إذا أدى استجلاب تلك المصلحة أو درء تلك المضرة إلى فوات مصلحة أهم أو حدوث مفسدة أكبر، وبالمثل فإن الفعل غير المشروع لمفسدة تنشأ عنه، أو لمصلحه تندفع به يشرعه إذا أدى استدفاع المضرة أو جلب المصلحة إلى مفسدة تساوى أو تزيد. وهذه القاعدة تنطبق على الاحتيال، ذلك أن الفعل المتحيل به فعل مشروع لمصلحة فى الظاهر، لم يقصد به المتحيل تحصيل هذه المصلحة، وإنما قصد به مفسدة محرمة، كالواهب ماله عند رأس الحول فرارا من الزكاة، فإن أصل الهبة على الجواز، ولو منع الزكاة من غير هبة لكان ممنوعا، فإن كل واحد منهما ظاهر أمره فى المصلحة أو المفسدة، فإذا جمع بينهما على هذا القصد صار ماّل الهبة المنع من آداء الزكاة وهو مفسدة (7) . الاحتيال وإسقاط حكم السبب بفعل شرط أو تركه إذا كان إعمال السبب يتوقف على فعل شرط أو تركه، فإن قام المكلف بفعل ما يحقق هذا الشرط أو يفوته، تحصيلا لمصلحة شرعية، فإن فعل الشرط يترتب عليه أثره. وأما إذا فعل المكلف هذا الشرط أو تركه من حيث كونه شرطا دون قصد إلى تحصيل مصلحه شرعية، وإنما فعله قصدا لإسقاط حكم السبب لكى لا يترتب عليه أثره، فهذا عمل غير صحيح، وسعى باطل. ومثل الشاطبى لذلك بأنه إذا توافر النصاب كان سببا لوجوب الزكاة. ولكن يتوقف الوجود على بقاء النصاب، حتى يحول الحول، فإذا ما أنفق المكلف النصاب قبل الحول للحاجة إلى إنفاقه، أو أبقاه للحاجة إلى إبقائه، فإن الأحكام التى تترتب على الأسباب تنبنى على وجود الشرط أو فقده، أما إذا أنفقه من حيث أنه شرط لوجوب الزكاة قاصدا عدم ترتب آثار السبب عليه، فإن هذا العمل غير صحيح، ولقد أقام الشاطبى الأدلة التى تفيد القطع فى جملتها بأن فعل ما يحقق الشرط أو يعدمه يقصد إبطال حكم السبب، فعل غير صحيح وسعى باطل. ثم قال: فإن هذا العمل يصير ما انعقد سببا للحكم، جلبا لمصلحة أو دفعا لمفسدة، عبثا لا حكمة له ولا منفعة فيه، وهذا مناقض لما ثبت فى قاعد المصالح وأنها معتبرة فى الأحكام، وأيضا فإنه مضاد لقصد الشارع من جهة أن السبب لما انعقد سببا وحصل فى الوجود صار مقتضيا شرعا لمسببه، ولكنه توقف شرعا على حصول شرط هو تكميل للسبب، فصار هذا الفاعل أو التارك بقصد رفع حكم السبب قاصدا لمضادة الشارع فى وضعه سببا. وقد تبين أن مضادة قصد الشارع باطلة، فهذا العمل باطل (8) . الاحتيال وانعدام الإرادة فى العقد المتحيل به إن ركن العقد هو الرضا، ولما كانت الإرادة أمرا باطنا لا يطلع عليه، جعل الشارع مظنة الرضا، وهو الصيغة، قائمة مقام الرضا على أنه إذا ثبت أن العاقد الذى أتى بالصيغة قد قصد بها غير ما وضعت له، فإن الرضا بالعقد يكون منعدما، إذ الصيغة لا تنعقد سببا لترتب آثار العقد عليه إلا إذا قصدها العاقد غير مريد بها معنى يناقض موجبها ومعناها. فعاقد الهبة بقصد القرب من الزكاة لم يتوافر بالنسبة له الرضا بالعقد الذى أبرمه ذلك أنه قصد بالصيغة ما ينافى المعنى الذى وضعت له. فلفظ الهبة إنما وضع لإرادة تمليك الواهب للموهوب له على سبيل الإرفاق والإحسان، والواهب للنصاب لم يقصد باللفظ معناه الموضوع له شرعا، وإنما قصد به الهروب من دفع الزكاة، ولم يضع الشرع لفظ الهبة للهروب من دفع الزكاة. كما لم يضع لفظ النكاح ليحلل المطلقة وإنما وضعه لدوام العشرة، وإذا كانت بعض عقود الهازل صحيحة، فإن هناك فرقا بين الهازل والمحتال. ذلك أن الهازل أتى بالصيغة غير قاصد ما يناقض المعنى الذى وضعت له شرعا، فكان قاصدا لحكم اللفظ حكما، وإن لم يقصده حقيقة، وذلك بخلاف المحتال، فإنه لما كان قاصدا خلاف معنى اللفظ لم يصح القول بأنه قاصد لمدلوله حكما، فالهازل آت بالسبب غير راغب فى ترتب آثاره عليه وترتب الأثر بحكم الشارع لا بإرادة الشخص (9) . حكم الاحتيال وأدلته يقرر الشاطبى أن الاحتيال بالمعنى الذى قرره غير مشروع، والفعل المتحيل به غير صحيح فيقول: الحيل فى الدين بالمعنى المذكور غير مشروعة فى الجملة ... فإذا كان الأمر فى ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقا والمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح وغير مشروع (10) . وعلى هذا فإن الفعل المتحيل على ما لا يجوز غير مشروع فى الباطن بينه وبين الله تعالى، وغير صحيح، ولا يترتب عليه أثر فى أحكام الدنيا إذا قامت الأدلة عن القصد المحرم والباعث غير المشروع. وعلى هذا فإن واهب النصاب قبيل الحول بقصد الفرار من الزكاة تحرم هبته وتبطل إذا ثبت بإقراره أو بالقرائن أنه إنما وهب النصاب بقصد الفرار من هذا الواجب وهو مجال الخلاف بين المالكية والحنابلة من جهة، وبين الشافعية والحنفية من جهة أخرى. فالفريق الأول يبطلون الفعل الذى يقصد به الفاعل قصداً غير مشروع إذا قامت القرائن على هذا القصد، أما الفريق الآخر فإنهم وإن وافقوا على أن القصد إلى إبطال الحقوق وإسقاط الواجبات وغير ذلك من النيات المحرمة والمقاصد غير المشروعة محرم، إلا أن العقد أول التصرف لا يبطل بل يترتب عليه أثره، ويحكم بصحته قضاء، ولو ثبت قصد الفاعل غير المشروع أو نيته المحرمة، ما لم يكن العاقد قد أظهر هذا القصد أو تلك النية فى العقد نفسه، بحيث كانت داخلة فى صلب التصرف ومعبراً عنها فيه. ويقرر الشاطبى أن هناك نصوصا شرعية يقطع مجموعها بالمنع من الاحتيال فى الشريعة ونحن نورد بعض هذه النصوص: 1- ما جاء فى القرآن من نصوص خاصة بالمنافقين والمرائين: فقد ذم الله هذين الفريقين وتوعدهم بالعقوبة وشنع عليهم، ويتمثل النفاق فى الرياء فى أنهم أتوا قولا أو عملاً، للشارع منه قصد معين، وهم يقصدون منه ما يناقض هذا القصد، فالمنافق ينطق بكلمة الشهادة لا يقصد بها الخضوع فى الباطن والظاهر لله عز وجل، وإنما يقصد بها صيانة دمه وماله والمرائى يأتى العبادة لا يقصد بها التوجه إلى الله الواحد المعبود، ولا نيل الثواب فى الآخرة، وإنما قصده النيل من أوساخ الخلق، أو من تعظيمهم أو غير ذلك من حظوظ الدنيا الفانية، ومتعها الزائلة. 2- ما جاء فى القرآن فى شأن أصحاب السبت الذين حرم عليهم الصيد فى يوم السبت فحفروا حياضا تصلها قنوات بالبحر حتى تدخلها الحيتان يوم السبت ثم يحبسونها حتى يصيدوها فى الأيام الجائز فيها الصيد، وقد كان عقابهم بالمسخ، وهو أشنع العقوبات (11) . والاحتيال واضح فى أفعالهم، إذ إنهم ما قصدوا بالحفر مصلحه شرعية بل كان مقصدهم الاحتيال على فعل المنهى عنه. 3- ما جاء فى السنة من النهى عن جمع المتفرق وتفريق المجتمع خشية الصدقة ذلك أن الجمع والتفريق جائزان إذا قصد الخليطان مصلحة مشروعة لذلك الفعل، أما إذا كان ذلك الفعل لم يقصد به إلا إسقاط الزكاة الواجبة أو تقليلها فإن هذا القصد يبطل. لأن ما خالف قصد الشارع حرام باطل. 4- ما جاء فى السنة من تحذير المسلمين من فعل اليهود الذين استحلوا محارم الله بأدنى الحيل، فقد حرم الله عليهم الشحوم فجملوها (12) وباعوها وكلوا أثمانها، وقد لعن الله اليهود بسبب فعلهم هذا، ذلك أن المصلحة المفهومة من النهى عن الشحوم هى عدم الانتفاع بها، وذلك يشمل الانتفاع بالثمن وهم قد أغفلوا هذا المعنى واعتبروا ظاهر النص لا قصدا إلى الوقوف عندما حده الشارع مما لم تعلم مصلحته على الخصوص، وإنما بقصد الحصول على المال الذى هو معبودهم المقدس، إذ كيف تطيب نفوسهم بترك الشحوم دون الاستفادة منها (13) . 5- ما جاء فى السنة من لعن المحلل والمحلل له، والراشى والمرتشى، وحرمة بيع العينة، وهدية المديان، وغلول الأمراء والبيع والسلف.   (1) ص 184. (2) ص187. (3) الموافقات ج4 ص 201 طبع مصطفى محمد. (4) الموافقات ج2 ص 378. (5) أعلام الموقعين ج3 ص 341. (6) انظر الموافقات ج2 ص 231. (7) راجع الموافقات ج4 ص 201. (8) الموافقات ج 2 ص 278. (9) الموافقات ج1 ص 216، ج2 ص 330 وأعلام الموقعين ج3 ص 134،ص 136. (10) الموافقات ج 2 ص 330، ص 385. (11) سورة الأعراف: 163- 168. (12) جمل الشحم، وأجمله، واجتمله: أذابه. والجميل: الشحم الذائب. (13) الموافقات ج 2 ص 278. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 إحْدَاد تعريفه لغة: ال إحداد مأخوذ من الحد، وهو لغة: المنع.، ويريد به اللغويون منعا خاصا، وهو امتناع المرأة عن الزينة والخضاب بعد وفاة زوجها (1) . وفى عرف الفقهاء: ألا تقرب المعتدة من وفاة، شيئا من الزينة والطيب، وما إليهما على تفصيل فى ذلك بين المذاهب، وعلى خلاف بين المباح والممنوع (انظر ما تجتنبه الحاد) . زاد بعض المذاهب كالحنفية والزيدية المعتدة من طلاق ثلاثا وعلل الحنفية ذلك بأن حزن المرأة على انفصام عرى الزوجية لا يقل عن حزنها لموته (2) . والإحداد امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها من الزينة كلها من لباس وطيب وغيرهما، و " من " كل ما كان من دواعى الجماع.. والحداد ثياب المآتم السود، والحاد والمحد من النساء التى تترك الزينة والطيب يقال: حدت تحد وتحد حدا وحدادا، وأحدت. وأبى الأصمعى إلا أحدت تحد وهى محد ولم يعرف حدت. قال أبو عبيد: ونرى أنه مأخوذ من المنع، لأنها قد منعت من ذلك، ومنه قيل للبواب حداد، لأنه يمنع الناس من الدخول والسجان حداد. وقد سميت الحدود الشرعية كذلك لأنها تمنع وتردع عن المعصية. وقال ابن عرفة: الإحداد ترك ما هو زينة ولو مع غيره، فيدخل ترك الخاتم، إذ قد يكون زينة وحده لبعض النساء، وقد لا يكون، فى بعض آخر، إلا مع غيره، فيمنع على الحالين والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " (3) . حكمه وجمهور الفقهاء على وجوبه (4) على المتوفى عنها، إلا ما يروى عن الحسن البصرى من طريق حماد بن سلمة عن حميد أنه قال: المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها يكتحلان ويمتشطان ويتطيبان ويختصبان وينتعلان ويصنعان ما شاء. ومثله عن الحكم بن عتيبة، وعن الشعبى أنه كان لا يعرف الإحداد، قال أحمد: ما كان بالعراق أشد تبحرا من هذين، وفى الحسن والشيم، وخفى ذلك عليهما. وحجة الجمهور حديث أم عطية فى المتفق عليه واللفظ لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً (5) . وقد فصل العلماء القول فى وجوبه على الكتابية والأمة والصغيرة والمطلقة الخ ... على ما سيأتى بيانه. حكمته أن التطيب والتزين يلفت النظر إلى المرأة، ويدعو إلى اشتهائها والتفكير فيها، فمنعت منه صونا لها فى زمن عدتها وفاء بحق الزوج الذى فارقها وهو على وفاق معها، وإذا كانت تلك الأمور دواعى للرغبة فيها وهى ممنوعة من النكاح فإن اجتنابها واجب كى لا تصير ذريعة على الوقوع فى المحرم (6) . مدته أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها للحرة، وعلى النصف من ذلك للأمة، وتحل الحرة ليلة الحادى عشر. مذهب الحنفية: أن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها، لقوله تعالى: " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن". مذهب المالكية: قال الباجى: قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما هى أربعة أشهر وعشراً " على وجه الإخبار بمدة الإحداد الواجب على زوجة المتوفى: ذلك أربعة اشهر وعشر. وقال مالك: تحد الأمة إذا توفى عنها زوجها شهرين وخمس ليال، مثل عدتها وليس على أم الولد إحداد إذا مات سيدها ولا على أمة يموت عنها سيدها إحداد، وإنما الإحداد على ذوات الأزواج (7) : انظر مصطلح "عدة". مذهب الشافعية: وقال الشافعى فى الأم: وعدة المتوفى عنها من يوم يموت عنها زوجها فإن لم يأتها نبأ وفاة حتى انقضت عدتها لم تستأنف عدة جديدة. وكذلك لو لم يأتها نبأ الوفاة حتى يمضى بعض عدتها أكملت ما بقى من عدتها حادة، ولم تعد ما مضى منها. وإن بلغها يقين وفاته ولم تعرف اليوم الذى مات عنها فيه اعتدت من يوم استيقنت وفاته حتى تكمل عدتها، ولم تعتد بما شك فيه كأن شهد عندها أنه مات فى رجب، وقالوا لا ندرى فى أى رجب مات فتعتد فى آخر ساعات النهار من رجب فاستقبلت بالعدة شعبان، وإذا كان اليوم العاشر بعد الأربعة الأشهر فى آخر ساعات النهار حلت، فكانت قد استكملت أربعة أشهر وعشرا (8) . هذا إذا لم تكن حاملا، وإلا فإن أمد الإحداد ينتهى بوضع حملها. قصرت المدة أم طالت. وقال بعض العلماء: لا يلزمها الإحداد بعد أربعة أشهر وعشرا وإن لم تضع الحمل. وهذا بالنسبة للزوج، أما إذا كان الإحداد على غير زوج فلا يزيد عن ثلاث ليال، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: " لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا" (9) . مذهب الحنابلة: إذا كانت حاملا فحتى تضع. مذهب الظاهرية: وافقوا الجمهور فى مدة الإحداد على الزوج، وعلي غيره من الأقارب. قال ابن حزم: لو التزمت المرأة ثلاثة أيام على أب أو أخ او ابن أو أم أو قريب أو قريبة، كان ذلك مباحا واستدل بنحو الرواية التى سقناها قريبا. أما إن كانت المتوفى عنها حاملا فقد ذكر بشأنها أنه إن كانت عدة المتوفى عنها وضع حملها فلابد من الإحداد أربعة أشهر وعشر فأقل إن وضعت قبل مضيها ولا نوجبه عليها بعد ذلك، لأن النصوص كلها إنما جاءت بأربعة أشهر وعشر فقط. وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر سبيعة الأسلمية بأن تنكح من شاءت إذا وضعت حملها أثر موت زوجها بليال، وقد تشوفت للخطاب فلم ينكر ذلك عليها، فصح أنه لا إحداد عليها بعد إنقضاء حملها قبل الأربعة الأشهر وعشر. ثم قال: ولم نجد نصابا يجابه عليها أن تمادى الحمل أكثر من أربعة أشهر وعشرا، فإن وجد فالقول به واجب وإلا فلا. ثم استدركنا إذ تدبرنا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فى بعض طرق خبر أم عطية أنها تجتذب ما ذكر اجتنابه دون ذكر أربعة أشهر وعشرا، فكان العموم أولى أن تضع حملها (10) . مذهب الزيدية: قالوا: والحامل بآخر الأجلين لقوله تعالى: " أن يضعن حملهن " وقوله: " أربعة أشهر وعشرا وقيل: بالوضع فقط لقوله تعالى " أن يضعن حملهن، ولم يفصل. مذهب الإمامية: قالوا: بأبعد الأجلين إذا كانت حاملا. وسواء قيل بالوضع أو بأبعد الأجلين، فمحصل آراء الحنفية والزيدية والإمامية والحنابلة أنه إذا استمر حملها أكثر من أربعة أشهر وعشرا لا تحل حتى تضع. وحيث أن الإحداد يكون فى مدة العدة فإنه فى هذه الحالة يستمر وجوبه حتى تضع كذلك (11) . إحداد الكتابية مذهبا الحنفية والزيدية: يرون إن الإحداد لا يجب على الكتابية لأن الإيمان شرط لوجوب الإحداد، عملا بظاهر الحديث، ولأن الإحداد عبادة، والكتابية غير مخاطبة بها خطاب تأليف إذ ليست من أهل العبادة (12) . مذهب المالكية: اختلف قول مالك فى ذلك حسبما روى عنه، فروى عنه أشهب: لا إحداد عليها لما ذكرنا من التعليل عند الأحناف. وروى عنه ابن القاسم وغيره: أن عليها الإحداد كالمسلمة، ووجهه أن هذا حكم من أحكام العدة، وحق من حقوق الزوجية فلزوم الكتابية للمسلم كلزوم المسكن والعدة والنفقة. وعلى هذا فلا يكون المراد من وصف الإيمان هنا ما يفهم تخصيص الحكم بالمؤمنات بل يكون ذكره على سبيل الترغيب فى الفعل والترهيب من الترك، والتأكيد فى الزجر بمعنى أن هذا أمر لا يتركه من يؤمن بالله واليوم الأخر كما قال - صلى الله عليه وسلم- " من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه" (13) . مذهب الحنابلة والشافعية والظاهرية: يرون الإحداد واجبا على الكتابية كالمسلمة، ويعلل الظاهرية ذلك بقولهم قال تعالى: " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " وقال عز وجل: " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله "، والدين الحكم (14) . فواجب عليهم أن يحكم عليهم بحكم الإسلام وهو لازم لهم، وبتركهم إياه استحقوا الخلود " فى النار". ومن قال أنه لا يلزمهم دين الإسلام فقد فارق الإسلام وقال الشافعى: من وجبت عليه عدة الوفاة، وجب عليه الإحداد، لا يختلفن. مذهب الإمامية: قال صاحب الروضة البهية: والذمية كالحرة فى الطلاق والوفاة على الأشهر بل لا نعلم القائل بخلافه (15) . إحداد الصغيرة يرى الحنفية والزيدية: أنه لا إحداد عليها لرفع القلم عنها (16) . أما الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والإمامية، فيرون أن عليها الإحداد كالكبيرة والمخاطب بذلك هو وليها فيجب عليه أن يجنبها ما تتجنبه الكبيرة (17) . والأصل فى ذلك، على ما ذكره المالكية، ما روى عن أم سلمة أن امرأة سألت النبى - صلى الله عليه وسلم- عن ابنة لهما توفى زوجها الحديث، وقد أجابها - صلى الله عليه وسلم- ولم يسأل عن سنها، استدل بهذا القاضى أبو محمد، والدليل على ذلك من جهة المعنى أن كل من لزمتها العدة بالوفاة لزمها الإحداد كالكبيرة (18) . إحداد الأمة اتفق الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والزيدية على أن الأمة المنكوحة يلزمها الإحداد لأن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الأخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً " محمول على التعميم. ولأنها مخاطبة بحقوقه تعالى فيما ليس فيه إبطال حق السيد، إذ ليس فى الإحداد إبطال لحق سيدها وليس لسيدها منعها من الإحداد لأنه حكم من أحكام الزوجية فلم يكن لهم منعها منه كملك الزوج حق الاستمتاع بها (19) . مذهب الإمامية: اختلف النقل عنهم فروى عن الباقر أنها لا تحد لأنه قال: إن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء فى العدة، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد، وهذا هو الأقوى. وذهب الشيخ الطوسى فى أحد قوليه وجماعة إلى وجوب الإحداد عليها لعموم قول النبى- صلى الله عليه وسلم- " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، وفيه مع سلامة السند أنه عام وذاك خاص، فيجب التوفيق بينهما (20) . أما الأمة الموطوءة بملك اليمين يموت عنها السيد فلا إحداد عليها. الإحداد فى ذات النكاح الفاسد اتفق الحنفية والحنابلة والظاهرية والمالكية (21) ، على أنه لا إحداد عليها لأنها ليست زوجة على الحقيقة وليس لها زوج كانت تحل له ويحل لها فتحزن على فقده. وخالف فى ذلك القاضى أبو الوليد الباجى المالكى ففصل فقال: وهذا عندى فى التى يفسخ نكاحها ولم يثبت بينها شىء من أحكام النكاح من توارث ولا غيره، وأما التى يثبت بينهما أحكام التوارث فإنها تعتد عدة الوفاة ويلزمها الإحداد ... انظر فى مصطلح " نكاح. النكاح الفاسد ". وذكر ابن حزم فى تعليل ذلك: " أما ليست مطلقة ولا متوفى عنها، ولم يأت بإيجاب عدة عليها قرآن: لا سنة، ولا حجة فيما سواهما ". مذهب الزيدية: فى المسألة رأيان أصحهما أن الإحداد يلزم فى النكاح الفاسد ما لم يفسخ (22) . إحداد المطلقة لا يخلو حال المطلقة من أن تكون رجعية أو مبتوتة (مطلقة ثلاثا) أى بائنة بينونة كبرى. فأما الرجعية فلا خلاف بين الفقهاء أنه لا إحداد عليها، وأما المبتوتة فالمالكية والظاهرية والإمامية يرون أن لا إحداد عليها، ويعلل المالكية ذلك- بأن المتوفى فارق زوجته وهو على نهاية الإشفاق عليها والرغبة فيها، ولم تكن المفارقة من قبله فلزمها الإحداد لذلك ولإظهار الحزن كذلك.. أما المطلقة فقد فارقها مختاراً لفراقها، مقابحا لها، فلا يتعلق بها حكم الإحداد كالملاعنة (23) وعلى من تحد والزوج باق؟ مذهب الحنفية والزيدية: يرون الإحداد، ويعلل الحنفية ذلك بأن النبى - صلى الله عليه وسلم- نهى المعتدة أن تختضب بالحناء وقال: الحناء طيب، ولأنه يجب إظهارا للتأسف على فوت نعمة النكاح الذى هو سبب لصونها وكفاية مؤنها، والإبانة أقطع لها من الموت، سواء فى ذلك الطلاق البائن: الواحد أو الثلاث أو المختلعة، ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أخرج عبد الرزاق عن معمر، عن الزهرى وعطاء الخراسانى عن ابن المسيب قال: تحد المبتوتة كما تحد المتوفى عنها ولا تمس طيبا ... الخ، أخبرنا الثورى عن عبد العزيز، عن ابن المسيب قال: المطلقة والمتوفى عنها حالهما واحد فى الزينة (24) . مذهب الحنابلة والشافعية: أثر عن الحنابلة روايتان فى ذلك (25) ، واختلف قول الشافعى فى هذه المسألة، فقال فى القديم يجب عليها الإحداد لأنها معتدة بائن فلزمها الإحداد كالمتوفى عنها زوجها. وقال فى الجديدة لا يجب عليها الإحداد لأنها معتدة من طلاق فلم يلزمها الإحداد كالرجعية، ثم وجه الشافعية هذا بما وجهه به المالكية (26) . وقال فى الأم: وأحب إلى للمطلقة طلاقا لا يملك زوجها فيه عليها الرجعة تحد إحداد المتوفى عنها حتى تنقضى عدتها من الطلاق. وقد قاله بعض التابعين، ولا يبين لى أن أوجبه عليها لأنهم قد يختلفان فى حال وإن اجتمعا فى غيره (27) . ما تجتنبه المحدة مذهب الحنفية: وافقوا الشافعية والحنابلة فى وجوب ترك الطيب والزينة والكحل والدهن المطيب، كما اتفقوا مع الشافعية فى منع الدهن غير المطيب كالزيت والشيرج إلا لضرورة، فيجوز وقد صح أن النبى - صلى الله عليه وسلم- لم يأذن للمعتدة فى الاكتحال والدهن لا يعرى عن كونه نوع طيب وفيه زينة للشعر. لكن لو كانت عادتها الإدهان فخافت بتركه وجعا، فإن كان ذلك أمراً ظاهراً يباح لها، لأن الغالب كالواقع، وكذا لبس الحرير إذا احتاجت إليه لعذر فلا بأس (28) . مذهب المالكية: يجب على المحدة عندهم أن تجتنب ما يتزين به من الحلى والطيب، ونصوا على وجوب تجنب عمله والتبخر به وعلى وجوب ترك الثوب المصبوغ مطلقا، لما فيه من التزين إلا الأسود ما لم يكن زينة قوم كأهل مصر والقاهرة وسائر من يتزين فى خروجهن بالأسود. وبذلك رجعوا هذه المسألة إلى العرف كالإمامية. قال القاضى أبو محمد: كل ما كان من الألوان يتزين به النساء لأزواجهن فلتمتنع منه المحدة (29) ويجب عند المالكية ترك الامتشاط بالحناء والكتم (30) بخلاف نحو الزيت من كل ما لا طيب فيه والسدر والإستحداد فلا يطلب ترك ذلك. قالوا: ولا تدخل حماما، أى عاما، ولا تطلى جسدها ولا تكتحل إلا من ضرورة ولو بطيب وتمسحه نهارا وجوبا. وحكى ابن ناجى قال: اختلف فى دخولها الحمام فقيل: لا تدخل أصلا، ظاهره ولو من ضرورة، وقال أشهب لا تدخله إلا من ضرورة (31) . تجتنب المحدة ما يدعو إلى الرغبة- فيها وذلك فى الأمور الأربعة التالية: 1- الطيب، ولا خلاف فى تحريمه عند من أوجب الإحداد، لقول النبى- صلى الله عليه وسلم-: " لا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو أظفار " (32) . 2- الزينة، وهى ثلاثة أقسام: أ) الزينة فى نفسها، فيحرم عليها أن تختضب، وأن تحمر وجهها، وأن تبيضه وأن تحسن وجهها عموما بنقش أو تحفيف، وما أشبهه، وأن تكتحل بالإثمد من غير ضرورة. لما روت أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " المتوفى عنها زوجها لا تلمس المعصفر من الثياب، ولا الممشق، (33) ولا الحلى ولا تختضب ولا تكتحل"0 رواه النسائى وأبو داود. وروت أم عطية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تحد المرأة فوق ثلاثة أيام إلا على زوج، فإنها تحد أربع أشهر وعشرا. ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب (وهو ما صبغ غزله قبل نسجه) ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا عند أدنى طهرها إذا طهرت من حيضها بنبذة من قسط أو أظفار ... متفق عليه. روت أم سلمة قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين توفى أبو سلمة، وقد جعلت على عينى صبرا، فقال: " ما هذا يا أم سلمة؟ " قلت: إنما هو صبر ليس فيه طيب. فقال: " إنه يشب (34) الوجه لا تجعليه إلا بالليل وتنزعيه بالنهار " ولأن الكحل من أبلغ الزينة فهو كالطيب وأبلغ منه. أما إن اضطرت إلى الكحل بالاثمد للتداوى فلها أن تكتحل ليلا وتمسحه نهاراً. وذلك لما روت أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفى وكانت تشتكى عينيها فتكتحل بالجلاء، فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمه تسألها عن كحل الجلاء، فقالت: لا تكتحلى إلا لما لابد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار ... رواه أبو داود والنسائى. وإنما منع الكحل بالإثمد، لأنه الذى تحصل به الزينة، فأما الكحل بالتوتيا ونحوها فلا بأس به لأنه لا زينة فيه. ولا تمنع من جعل الصبر على غير وجهها من بدنها، لأنه إنما منع منه فى الوجه لأنه يصفره فيشبه الخضاب، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم- " إنه يشب الوجه "، ولا تمنع من التنظيف بتقليم الأظفار ونتف الإبط، وحلق الشعر المندوب إلى حلقه، ولابد من الاغتسال بالسدر والامتشاط به لحديث أم سلمة، ولأنه يراد للتنظيف لا للطيب. جـ) زينة الثياب: يحرم عليها من الثياب ما يتخذ عادة للزينة. ب) لبس الحلى: فيحرم عليها لبس الحلى كله حتى الخاتم فى قول عامة أهل العلم، لقول النبى - صلى الله عليه وسلم-: " ولا الحلى ". وقال عطاء يباح حلى الفضة دون الذهب، وليس بصحيح لأن النهى عام. ولأن الحلى يزيد حسنها. 3- النقاب: وهو الأمر الثالث مما تجتنبه المحدة ومثله البرقع ونحوه لأن المحدة مشبهة بالمحرمة، والمحرمة تمنع من ذلك وإذا احتاجت إلى ستر وجهها أسدلت عليه كما تفعل المحرمة. 3- المبيت فى غير منزلها: (35) ، وانظر فى هذا مصطلح " عدة ". مذهب الشافعية: وذهب الشافعية فى كل هذا إلى ما ذهب إليه الحنابلة وحرم عندهم ترجيل الشعر ولذا خالفوا الحنابلة فى استعمال الزيت والشيرج فى الرأس فمنعوه لأنه يرجل الشعر (36) . مذهب الظاهرية: إن الذى تمنع منه المحدة خمسة أشياء فقط: الأول: الكحل كله لضرورة أو غير ضرورة. الثانى: الثوب المصبوغ مطلقا لزينة أو لغيرها إلا العصب وحده فهو مباح لها. الثالث: الخضاب كله. الرابع: الامتشاط حاشا التسريح بالمشط فقط، فهو مباح لها. الخامس: الطيب كله حاشا شيئا من قسط أو أظفار عند طهرها فقط، ويباح لها بعد ذلك أن تلبس ما شاءت من حرير أبيض أو أصفر.. الخ. ومباح لها أن تلبس المنسوج بالذهب والحلى كله من الذهب والفضة والجوهر والياقوت والزمرد وغير ذلك. ولم يأخذ بالأحاديث التى استدل بها غيره لمقال فى سندها (37) . مذهب الزيدية: قريب من مذاهب من ذكرنا من الفقهاء عدا الظاهرية، فيحرم عندهم استعمال المحدة للطيب والحلى والثوب المصبوغ والكحل إلا لضرورة، والخضاب لحديث أم سلمة. وأما عن اكتحال المحدة فقد ذكر أنهم اختلفوا فى شأنه فذهب فريق إلى: تحريمه على المحدة لغير حاجة وهو ظاهر ما فى حديث أم عطية السابق، وقال فريق: يجوز مع كراهة جمعا بين أدلة التحريم والحل وهو قوله - صلى الله عليه وسلم- لأم سلمة: " اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار " وأجاب بأنه لا دلالة فيه على مطلق الحل بل عند الحاجة ففى بعض طرقه أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة وقد جعلت على وجهها صبرا: إنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل.. الحديث، فاستعمالها الصبر ظاهر فى الحاجة إليه (38) . مذهب الإمامية: كجمهور الفقهاء فى تحريم الزينة من الثياب والأدهان والطيب والكحل الأسود والحناء وخضب الحاجبين بالسواد، واستعمال ما يحسن الوجه وغير ذلك مما يعد زينة عرفا إلا أنهم لم يخصوا المنع فى الثياب بلون دون آخر، بل أرجعوا ذلك إلى العرف وقالوا: إن ذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمان والعادات فكل لون بعد زينة عرفا يحرم لبس الثياب المصبوغ به. ووافقوا الجمهور أيضا فى جواز الاكتحال بالسواد لعلة ثم قالوا: إن تأدت الضرورة باستعماله ليلا ومسحه نهارا وجب وإلا اقتصرت على ما تتأدى به الضرورة ولا يحرم عليها التنظيف ولا دخول الحمام ولا تسريح الشعر ولا السواك ولا قلم الأظفار (39) ولا استعمال الفرش الفاخرة ولا تزيين أولادها وخدمها (40) .   (1) انظر لسان العرب المجلد الثالث ص 143 والمصباح المنير جـ1 ص 171 مادة "حدد". (2) الحطاب جـ4 ص154، 155، والروضة البهية جـ 2 ص157 والبحر الزخار جـ3 ص 222 وفتح القدير جـ 3 ص193، 294 والروض النضير جـ4، ص 125 والمهذب جـ 2 ص149 والمحلى جـ 10 ص 274 وما بعدها والمغنى جـ9 ص 166 وما بعدها. (3) رواه البخارى جـ9 ص 401 من الفتح. (4) فتح القدير جـ 3 ص 291،المحررجـ2 ص107 ص 108، والحطاب جـ4، ص 154 والمهذب للشيرازى جـ 2 ص 149 والروضة البهية جـ 2 ص157 والمحلى جـ10ص275 والروض النضير جـ4 ص 125. (5) الروض النضير جـ4 ص 125. (6) فتح القدير جـ 3 ص 194 والباجى على الموطأ جـ4 ص 145 وفتح البارى جـ9 ص 401. (7) الباجى على الموطأ جـ4 ص 148. (8) الأم جـ5 ص 214. (9) الباجى جـ4 ص 145، والنووى جـ 10 ص 142، 143. (10) المحلى جـ10 ص 281. (11) فتح القدير جـ 3 ص 272 والبحر الزخارى جـ3 ص 221، والمختصر النافع ص 225، والمغنى جـ 9 ص 152. (12) البحر الزخار جـ3 ص 222 وفتح القدير جـ 3 ص 293. (13) الباجى على الموطأ جـ4 ص 144. (14) المغنى جـ 9 ص 166، والمحلى جـ10 ص 277، والأم جـ5 ص 214. (15) الروضة البهية جـ2 ص 159. (16) فتح القدير جـ 3 ص 291، ص 296، والبحر الزخار جـ3 ص 222. (17) الأم جـ5 ص 214،والخرشى جـ3 ص 287، والمغنى جـ 9 ص 166، والمحرر جـ2 ص 107،108، والمحلى جـ10 ص 275، والروضة البهية جـ2 ص 157،158. (18) الباجى على الموطأ جـ4 ص 148. (19) فتح القدير جـ 3 ص 291، والأم جـ5 ص 214، الخرشى جـ3 ص 287،والباجى جـ4 ص 145، والمغنى جـ 9 ص 166، والمحلى جـ10 ص 275،315، والبحر الزخار جـ3 ص 222. (20) الروضة البهية جـ2 ص 157، ص 158. (21) فتح القدير جـ 3 ص 291،والمحرر جـ2 ص 107، والمغنى جـ9 ص 167، والمحلى جـ 10ص 303. (22) البحر الزخار جـ3 ص 222. (23) الخرشى جـ3 ص 287،288، والباجى على الموطأ جـ4 ص 145، والمحلى جـ 10ص 303، والروضة البهية جـ2 ص 157. (24)) فتح القدير جـ 3 ص 295، والتعليق الممجد على موطأ محمد جـ1 ص 267، والروض النضير جـ4 ص 119،125. (25) المحرر جـ2 ص 107. (26) المهذب جـ2 ص 149. (27) الأم جـ5 ص 212. (28) فتح القدير وحواشيه جـ3 ص 294،296. (29) الباجى جـ 4 ص 148. (30) صبغ يذهب بياض الشعر ولا يسوده. (31) أقرب المسالك وحاشية الصاوى جـ1 ص 466. (32) النبذة المطعة والقسط والأظفار نوعان من البخور ليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به المرأة موضع الدم وأثره لا للتطيب وهذا هو المقصود هنا. (33) الممشق: المصبوغ بالمشق وهو المعزة: الطين الأحمر. (34) يشب الوجه: يحسنه. والروض النضير جـ4 ص (35) المغنى جـ9 ص 167، وص 170، والمحرر جـ2 ص 107 وص 108. (36) المهذب جـ2 ص149 وص 150. (37) المحلى جـ 1 ص 275، وص 277. (38) الروض النضير جـ4 ص 126،ص 127 والبحر الزخار جـ3 ص 222،223. (39) وذلك رأى الجمهور كما أسلفنا. (40) الروضة البهية جـ2 ص 157،158. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 إحْرَاز معنى ال إحراز فى اللغة: جاء فى لسان العرب: " أحرزت الشىء أحرزه إحرازا، إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ" (1) . معنى الإحراز عند الفقهاء الإحراز فى عرف الشرع هو وضع المال فى حرز مثله. ولقد تكلم الفقهاء عن الإحراز فى باب السرقة والوديعة، فعرفوا الحرز وبينوا أنواعه والضابط الذى يرجع إليه فى تحديده.. راجع كلمة " حَرَزَ " العلاقة بين الإحراز والحيازة يؤخذ من كتب اللغة أن الإحراز والحيازة بمعنى واحد، يقول صاحب لسان العرب (2) : "وأحرز الشىء حازه ". وجاء فى موضع آخر منه فى مادة " حاز " " حزت الشىء إذا أحرزته ". وأما العلاقة بين الإحراز والحيازة فى عرف الفقهاء فهى العموم والخصوص، ذلك أنهم يستعملون الإحراز بمعنى وضع الشىء فى حرز مثله، وبمعنى ملاحظته وحراسته، ويستعملون الحيازة فى باب تملك المال المباح، ويقصدون بها الاستيلاء عليه. وليس كل ما يعد حيازة للمال يعد إحرازا له فى باب السرقة والوديعة، فقد يكون محوزا ولكنه فى غير حرز مثله (3) . الإحراز والقبض الإحراز والقبض بمعنى واحد فى اللغة، فقد جاء فى لسان العرب (4) " حازه يحوزه إذا قبضه، وحرزت الشىء أحرزته ". أما الفقهاء فقد استعملوا القبض فى أعم من معنى الإحراز، وعرفوه عند الكلام على قبض المبيع والمرهون، وحكم بيع الطعام قبل قبضه، بأنه التخلية، أو النقل فيما ينقل، والتخلية فى العقار، وهذا المعنى أعم من الإحراز، بمعنى وضع المال فى الحرز.. انظر مادة " قبض ". الإحراز والاستيلاء جاء فى المنجد (5) : " استولى استيلاء على الشىء صار الشىء فى يده ". وعلى هذا فالاستيلاء فيه معنى الإحراز والقبض والحيازة فى عرف أهل اللغة، ذلك أن الشىء إذا صار فى يده فقد قبضه وأحرزه. وأما الفقهاء فإنهم يستعملون الاستيلاء فى حيازة المال المباح ويعدونه من أسباب كسب الملك وتعريفهم للاستيلاء وتحديدهم للضابط الذى يرجع إليه فيه يفيد أن الاستيلاء أعم من الإحراز، ذلك أن بعض صور الاستيلاء قد يعد إحرازا فى حين أن البعض الآخر لا يعد كذلك، ومن ناحية أخرى فإن بعض صور الإحراز قد يكون بالحراسة، وهذه قد لا تعد استيلاء تثبت به ملكية على المال المباح.. أنظر "استيلاء". اشتراط الإحراز فى السرقة تكلم الفقهاء على الإحراز كشرط من شروط القطع فى السرقة، وإليك مذاهبهم فى ذلك: مذهب الحنفية: جاء فى الهداية والفتح (6) : ثم الإخراج من الحرز شرط عند عامة أهل العلم، وعن داود لا يعتبر الحرز أصلا. مذهب المالكية: جاء فى الشرح الكبير للدردير (7) : تقطع يد السارق اليمنى بسرقة طفل أو ربع دينار مخرج من حرز. مذهب الشافعية: جاء فى شرح الجلال المحلى على منهاج الطالبين (8) : يشترط لوجوب القطع فى المسروق أمور ... الرابع كونه محرزا بملاحظة أو حصانة موضعه. مذهب الحنابلة: يقول ابن قدامة فى" المغنى" (9) : القطع لا يجب إلا بشروط سبعة ... الشرط الرابع أن يسرق من حرزه ويخرج منه وهذا قول أكثر أهل العلم لما روى أن رجالا من مزينة سأل النبى- صلى الله عليه وسلم- عن الثمار فقال " ما أخذ فى غير أكمامه فاحتمل ففيه قيمته ومثله معه، وما كان فى الخزائن ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن. مذهب الظاهرية: يقول ابن حزم فى "المحلى": " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق جملة ولم يخص عليه السلام حرزا من حر ز، ولو أراد الله ألا يقطع السارق حتى يسرق من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك ولا أهمله ... فنحن نشهد ونبت ونقطع، أن الله تعالى لم يرد قط اشتراط الحرز فى السرقة. مذهب الزيدية: يقول ابن المرتضى فى "البحر الزخار" (11) : وشرط القطع عند العترة الأخذ من الحرز، وجاء فى "شرح المنتزع المختار" (12) : إنما يقطع بالسرقة من جمع شروطا ... السابع أن يكون السارق أخرج النصاب من حرز وكان ذلك الإخراج بفعله. مذهب الإمامية: جاء فى المختصر النافع (13) : يشترط فيه - السارق- التكليف ... وأن يهتك الحرز ويخرج المتاع بنفسه، ويأخذه سراً. وجاء فيه أيضا: لابد من كونه- المسروق - محرزا بقفل أو غلق أو دفن. مذهب الإباضية: جاء فى " شرح النيل فى الفقه الإباضى (14) : وتقطع يمنى سارق ... إن خرج من حرز. إحراز المال المباح إحراز المال المباح سبب منشىء للملكية، ولقد عبر الفقهاء عن هذا السبب " بحيازة المال المباح" والاستيلاء على المال المباح، وإحياء الموات، ثم تكلموا على شروط الحيازة أثرها بالنسبة لكل نوع من أنواع المال المباح 000 راجع مصطلحات " حيازة- استيلاء- إحياء ". الإحراز فى الوديعة تكلم الفقهاء علي التزام المودع بإحراز الوديعة فى حرز مثلها. وهاك مذاهبهم فى ذلك. مذهب المالكية: جاء فى شرح الخرشى (15) : لا ضمان على المودع إذا أمره صاحب الوديعة أن يجعلها فى كمه فجعلها فيه ونسيها فوقعت فضاعت، وقيد بأن تكون غير منثورة فى كمه وإلا ضمن لأنه ليس بحرز حينئذ. مذهب الشافعية: يذهب الشافعية إلى أن المُوِدع إذا أحرزَ الوديعةَ فى غير حرز مثلها دون إذن المالك مضيعا لها، والتزم بضمانها، ولو قصد بذلك إخفاءها لأن الودائع مأمور بحفظها فى حرز مثلها (16) . مذهب الحنابلة: جاء فى المغنى لابن قدامة (17) : وإذا لم يحفظها كما يحفظ ماله، وهو أن يحرزها بحرز مثلها، فإنه يضمنها، وحرز مثلها يذكر فى باب القطع فى السرقة وهذا إذا لم يعين له المودع ما يحفظها فيه، فإن عين له لزمه حفظها فيما أمره به سواء كان حرز مثلها أو لم يكن، وإن أحرزها بمثله أو أعلى منه لم يضمنها ويتخرج أن يضمنها إذا فعل ذلك من غير حاجة. مذهب الزيدية: جاء فى البحر الزخار (18) : إذا لم يعين المالك حرزها فعليه أن يحفظها حيث يحفظ مثلها فى مثله. مذهب الإمامية: جاء فى المختصر النافع (19) : وتحتفظ كل وديعة بما جرت به العادة، ولو عين المالك حرزا اقتصر عليه.. ولو نقلها إلى أدون أو أحرز ضمن إلا مع الخوف.   (1) لسان العرب جـ 23 ص 323. (2) جـ 23 ص 341. (3) راجع الهداية مع فتح القدير جـ4 ص 241 ومنهاج الطالبين جـ4 ص190. (4) جـ23 ص 341. (5) ص 1021. (6) جـ4 ص 238. (7) جـ4 ص 332. (8) جـ4 ص 190. (9) جـ4 ص 240. (10) جـ 11 ص 337. (11) جـ5 ص 179. (12) جـ8 ص364. (13) ص 223. (14) جـ7 ص 646. (15) جـ6 ص 129. (16) راجع مغنى المحتاج جـ6 ص 87. (17) جـ6 ص 384. (18) جـ4 ص 169. (19) ص 150. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 إحْرَاق مقدمة: لل إحراق أحكام فى الشريعة الإسلامية تبدو فى المواضع الآتية: أولها: أثر الإحراق فى طهارة الأعيان النجسة، وطهارة الأعيان المحروقة واستعمالها. ثانيها: ما يجوز للإمام وولى الأمر من الإحراق، وذلك فى أمور شتى، كإحراق- آلات اللهو والفسق، وإحراق الكتب التى تتضمن الكفر، والصلبان، وما يجوز من إحراق المصاحف وإحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة، والمنافقين والفساق، ورحال الغالِّ للغنيمة ومتاعه. وأخيرا: ما يجوز عند القتل والقصاص وامتناع المْثلَة والتعذيب. ثالثها: بحث ما يجوز من الإحراق فى القتال، برمى النار على المشركين عند محاربتهم، والحكم لو تترسوا بمن لا يجوز قتله، وكان المحاربون من البغاة أو المرتدين. رابعها: الجناية على النفس أو المال بالإحراق وما يكون من مُثْلَة السيد بعبده بالإحراق. إحراق النجاسات واستعمال الأشياء المحروقة اختلف الرأى فى أثر الإحراق فى طهارة الأعيان النجسة، وهل يؤدى الإحراق إلى طهارتها، أم تظل نجسة بعد الإحراق، وحكم رمادها ودخانها. فذهبت بعض المذاهب إلى أن الإحراق يطهر الأعيان النجسة مع تفصيل فى دخانها وما تخلف من رمادها. وذهب البعض الآخر إلى أن الأعيان النجسة لا تطهر بالإحراق وأن رمادها وسخامها نجسان. مذهب الحنفية: للحنفية (1) رأيان: أحدهما: رأى الإمام أبى يوسف (2) ، وعنده أن الأشياء النجسة لا تطهر بالإحراق. فإذا احترقت خشية أصابها بول أو عذرة، ووقع رمادها فى بئر، فسد ماؤها عنده. ذلك لأن الرماد عنده أجزاء لتلك النجاسة، فتبقى على نجاستها بعد الإحراق. والثانى: هو رأى الإمام محمد (3) ، وعليه الفتيا، وهو أن الإحراق النجاسات يطهرها. ذلك لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، وتنتفى الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها، فمن باب أولى بانتفائها كلها. وإنما قيل (4) أن إحراق الذى تطهر به النجاسة هو ما استحالت به النجاسة، أى تغيرت به مادتها وتحولت عن طبيعتها. فليس كل ما يدخل النار يطهر بدخوله فيها وإنما تطهر الأعيان النجسة بالإحراق. وقيل (5) أيضا أنه لا فرق بين الجفاف بالنار أو الشمس أو الريح، فكل ذلك يطهر النجاسة. فإذا احترقت الأرض بالنار وذهب أثر ما عليها من النجاسة جازت الصلاة مكانها من باب أولى. وعلى القول بأن النجاسات تطهر بالإحراق إذا استحالت مادتها قالوا: إن السرقين (الزبل أو العذرة، فضلة الإنسان) إذا أحرقت حتى صارت رمادا ظهرت. وإذا أحرق راعى الشاة الملطخ بالدم وزال عنه الدم يحكم بطهارته. وإذا لبَّن (عجن اللبن: وهو الطوب المضروب من الطين) بالماء النجس واحرق صار طاهرا. وكذلك الكوز أو القدر إذا طبخ من طين نجس يطهر بالإحراق والإناء من الحديد أو الخزف أو الحجر إذا دخلت النجاسة فى أجزائه فإنه يطهر بالإحراق. مذهب المالكية: وذكر المالكية فى ذلك رأيين: أحدهما: أن النجاسات تطهر بالإحراق ... قاله الدردير فى شرح بلغة السالك على الشرح الصغير (6) ، وقاله ابن رشد كذلك (7) . والثانى: أن النجاسات لا تطهر بالإحراق (8) وذلك مفهوم من قال بنجاسة دخان النجاسات المحترقة ورمادها. مذهب الشافعية: وقال الشافعية (9) بالتفرقة بين ما هو نجس لعينه، وما هو نجس لمعنى فيه. فأما الأشياء النجسة لعينها كالعذرة والسرجين وعظام الميتة ونحوها فقالوا لا تطهر بالإحراق، وأما إذا كانت نجاستها لمعنى كالخمر- فإنها بإحراقها يزول هذا المعنى، فتطهر بالإحراق. فإذا طبخ اللبن (الطوب النىء) الذى خلط بطينة السرجين لم يطهر لأن النار لا تطهر النجاسة. مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة (10) : لا تظهر النجاسة بالإحراق ولا بالاستحالة ولو أحرق السرجين النجس فصار رمادا لم تطهر لأنها نجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها كالدم إذا صار قيحاً أو صديداً. وعلى هذا الأساس اعتبر الخمر كأن تتحول إلى خل فإنها نجسة بالاستحالة، فجاز أن تطهر بها. وقالوا لا تطهر الأرض بشمس ولا ريح ولا جفاف، وقالوا لا تطهر نجاسة بنار فرمادها ودخانها وبخارها وغبارها نجس. مذهب الظاهرية: وقال الظاهرية (11) : تطهر الأعيان النجسة بإحراقها، فإذا أحرقت العذرة أو الميتة أو تغيرت فصارت رمادا أو ترابا فكل ذلك طاهر ويتيمم به. مذهب الزيدية: وقال الزيدية (12) : إن النار تطهر النجاسات وذلك بالاستحالة التامة وهى تغير اللون والريح والطعم إلى غير ما كانت عليه. مذهب الإمامية: وقال الإمامية (13) : إذا أحالت النار النجاسة رماداً أو دخانا طهرت، أما إذا أحالتها خزفاً أو آجُرَّا فلا تطهر. مذهب الإباضية: وللإباضية (14) فى النجس إذا صار جمرا أو رمادا قولان: أحدهما: أنه يطهر بالإحراق. والثانى: أنه لا يصير طاهراً به، فهو ذات واحدة تغير لونها. أما ما تنجس (أى أصابته نجاسة من غيره) فإنه يطهر بالاحتراق، فيكون جمره ورماده ولهبه طاهرا، لأن ما تنجس بغيره تزول نجاسته بمزيل كالنار، ونصوا على أن النجاسة تزال بالنار، وقالوا: إنها أقوى من الشمس والريح فى إزالة عين النجاسة فيما يتحملها كالأرض والفخار بأن يحمى عليه حتى تطيقُه اليد سواء جعلت النار على موضع النجاسة أو تحته أو وصلته الحرارة التى لا تطيقها اليد حتى ولو لم تترك أثرا. دخان النجاسات ورمادها الرأى فى دخان النجاسات ورمادها على وجهين. أحدهما: مبنى على القول بأن الإحراق يطهر النجاسات فيكون دخانها ورمادها طاهرين. والآخر: مبنى على أنه لا يطهرها، والدخان هو أجزاء من النجاسات فلا يكون طاهرا ولا رمادها. مذهب الحنفية: قال الأحناف (15) تبعا لرأيهم الراجح: إن دخان النجاسة ورمادها طاهران، فإذا (16) أصاب الثوب أو البدن دخان نجاسة لا ينجسه. وإذا أحرقت العذرة فى بيت فعلا، دخانها وبخارها إلى السقف، وانعقد وذاب أو عرق فأصاب ماؤه ثوبا، لا ينظر استحسانا. قيل ما لم يظهر أثر النجاسة. مذهب المالكية: قال المالكية (17) ممن رأوا نجاسة الأشياء النجسة المحروقة، أن دخان النجاسات عند حرقها نجس. وقيل إن دخانها أشد نجاسة من رمادها، وأن رمادها نجس كذلك. وكذلك عرق الحمام من الرطوبات التى به من بول، وعرق، ونجاسات. فإذا كان الدخان ينعكس على طعام يطهى على نجاسات يوقد بها، فإن كان دخانها ينعكس فى الطعام، فيصل إليه فإن الطعام يكون نجسا فلا يؤكل. وإن كان لا ينعكس فلا بأس به. ولذلك فلا يؤكل الخبز الذى يوقد عليه بأرواث الحمير. ولا يوقد بعظام الميتة على طعاما أو شراب. وقيل (18) ينبغى أن يرخص فى مصر فى الخبز بالزبل (ومثله الجلة) لعموم البلوى ومراعاة لمن يرى أن النار تطهر النجاسات وإن رماد النجاسة طاهر، وللقول بطهارة زبل الخيل. وقيل لا ينجس بالملاقاة أو العلوق، وهو أن يظهر أثر الدخان فيما أصابه، لا مجرد رائحته. مذهب الشافعية: وقال الشافعية (19) فى رماد النجاسات لعينها أنه نجس، فلا يطهر السرجين والعذرة وعظام الميتة بالإحراق ورمادها المتخلف عنها نجس. أما دخانها ففيه وجهان: أحدهما: أنه نجس لأنه أجزاء متحللة من النجاسة فهو كالرماد. والثانى: أنه ليس بنجس لأنه بخار نجاسة كالبخار الذى يخرج من الجوف. وقالوا (20) : إن النار المتصاعدة من الوقود بأعيان نجسة ليست نجسة لأنها ليست من نفس الوقود، وإنما هى تأكل الوقود. فالنار المتصاعدة طاهرة ما لم تختلط بالدخان. وقيل: يعفى عن القليل من دخان النجاسة. وقيل لا يعفى عنه، فإذا قيل ذلك، فإذا مسح التنور مما علق به من دخان بخرقة يابسة طهر. وإذا مسح بخرقة رطبة يطهر وإلا غسل بالماء. وقالوا فيما علق بالثوب من دخان النجاسات: إن كان قليلا عفى عنه، وإن كان كثيرا لم يعفه عنه ولم يطهر إلا بالغسل وإذا اسود الرغيف مما لصق به من دخان وقود نجس، كان أسفله نجسا. مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة (21) : لا تطهر نجاسة بنار. فرمادها ودخانها وبحارها وغبارها نجس. مذهب الظاهرية: وقال الظاهرية (22) : إن تراب النجاسات المحروقة طاهر، وذلك تبعا لقولهم بطهارة المحروقات النجسة. مذهب الزيدية: وقال الزيدية (23) : إن العذرة والروث والميتة ونحوها إذا صارت رماداً، فالمذهب أن الاستحالة توجب الطهارة، وفى الدخان وجهان. مذهب الإمامية: وقال الإمامية (24) : إذا أحالت النار النجاسة رمادا أو دخانا طهرت. مذهب الإباضية: وللإباضية (25) قولان فى غبار النجس ورماده. أحدهما: أنه يطهر بالإحراق. والراجح عندهم أنه لا يطهر بالإحراق لأن غبرة الشىء جزء لطيف منه. أما دخانه فقد قالوا بطهارته لأنه لا توجد فيه ذات النجس ولا طعمه ولا لونه ولا رائحة يحكم على النجاسة بها. أما المتنجس بغيره فلا خلاف عندهم فى طهارة غباره ورماده وجمره ودخانه. استعمال المحروقات لا خلاف بين فقهاء المذاهب فى جواز استعمال الرماد المتخلف من محروق طاهر غير أن التيمم بالرماد أو بما خالطه الرماد من تراب الأرض أو بمدفون المحروق فموضعه الكلام على التيمم، انظر "تيمم". وفيما يحرق من أجل التجمير "تبخير"، فموضعه مصطلح " تجمير ". الإحراق بأمر الإمام أو ولى الأمر هناك أحوال شتى يكون فيها للإمام أو ولى الأمر استعمال النار فى الإحراق كما أن ثمة قيودا على استعمال النار فى نواح أخرى. نتكلم فيما يلى على الفروض التى قيل بجواز الإحراق فيها، وما لا يجوز من المثلة والتعذيب بالنار. إحراق رحال الغالَّ للغنيمة ومتاعه نص الحنابلة (26) : على إحراق رحال الغالَّ للغنيمة ومتاعه، واكتفى الحنفية (27) والمالكية (28) والشافعية (29) بالقول بأنه يؤدب، وقال الإمام الشافعى: لا يرجل الغال عن دابته فيحرق سرجه ومتاعه، لأن الرجل لا يعاقب فى ماله، وإنما يعاقب فى بدنه. وإنما جعل الله الحدود على الأبدان، وكذلك العقوبات. وأما المال فلا توقع العقوبة عليه. وقال الحنابلة: إن حكم الغال- وهو الذى يكتم ما يأخذه من الغنيمة فلا يطلع الإمام عليه ولا يضعه فى الغنيمة- أن يحرق رحله كله. وقال ابن قدامة: وبهذا قال الحسن وفقهاء الشام، ومنهم مكحول والأوزاعى وأن سعيد بن عبد الملك أتى بغال فجمع ماله وأحرقه وعمر بن عبد العزيز حاضر ذلك فلم يعبه. وقال يزبد بن يزيد بن جابر: إن السنة فى الذى يغل أن يحرق رحله. وقد رواه سعيد فى سننه. والدليل ما روى صالح بن محمد بن زرارة قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتى برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال: سمعت أبى يحدث عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه سلم قال:" إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه " ... قال: فوجدنا فى متاعه، مصحفا فسأل سالما عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه. فالمصحف لا يحرق إذا غل، وكذلك لا ينبغى أن تحرق كتب العلم والحديث، ولا يحرق الحيوان لنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يعذب بالنار إلا ربها، ولحرمة الحيوان فى نفسه ولأنه لا يدخل فى اسم المتاع المأمور بإحراقه. قال ابن قدامة: وهذا لا خلاف فيه. ولا تحرق كذلك آلة الدابة أى سرج الدابة ونحوه أيضا، نص عليه أحمد، لأنه يحتاج إليها للانتفاع بها ولأنها تابعة لما لا يحرق، فأشبه جلد المصحف وكيسه قال ابن قدامة: قال الأوزاعى: ويحرق سرجه وأكافه (البرذعة) ، ولا تحرق ثياب الغال التى عليه لأنه لا يجوز تركه عريانا، ولا ما غل من غنيمة المسلمين ويرفع إلى المغنم كما قال الإمام أحمد بن حنبل، ولا يحرق سلاحه لأنه يحتاج إليه فى القتال، ولا تحرق نفقته لأن ذلك مما لا يحرق عادة، وجميع ذلك أو ما أبقت عليه النار من حديد أو غيره فهو لصاحبه لأن ملكه ثابت عليه ولم يوجد ما يزيله عنه، وإنما عوقب بإحراق متاعه فما لم يحترق يبقى على ما كان. قال الإمام أحمد: وإذا استحدث الغال متاعا غير ما كان معه عند الغلول بعد أن رجع إلى بلده، أحرق ما كان معه حال الغلول فقط. كما قال: وإن مات قبل إحراق رحله لم يحرق لأنها عقوبة فتسقط بالموت كالحدود ولأنه بالموت انتقل إلى ورثته فإحراقه عقوبة لغير الجانى وإن باع رحله أو وهبه احتمل ألا يحرق لأنه صار لغيره. فأشبه ما لو انتقل عنه بالموت، واحتمل أن ينقض البيع والهبة ويحرق لأنه تعلق به حق سابق على البيع أو الهبة فوجب تقديمه. وإن كان الغال صبيا لم يحرق متاعه لأن الإحراق عقوبة وهو ليس أهلا للعقوبة. وإن كان عبدا لم يحرق متاعه أيضا لأن المتاع لسيده فلا يعاقب سيده بجناية عبده وإن غلت امرأة أو ذمى أحرق متاعهما لأنهما من أهل العقوبة، وإن أنكر الغلول وذكر أنه ابتاع ما بيده لم يحرق متاعه حتى يثبت غلوله ببينة أو إقرار. الإحراق فى القتال إحراق حصون الكفار وإرسال النار عليهم بالمجانيق وغيرها: مذهب الحنفية: قال الحنفية (30) : لا بأس بأن يحرق المسلمون حصون الكافرين وأن ينصبوا المجانيق عليهم لقول الله تعالى" يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين " (31) ، ولأن كل ذلك من باب القتال لما فيه من قهر العدو والنكاية فيه وغيظه، ولأن حرمة الأموال لحرمة أربابها، فكذلك لا تكون ثمة حرمة لأموالهم. وكذلك لما ذكره الزهرى من أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بقطع نخيل بنى النضير وتحريقها فأنزل الله قوله: " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله" (32) ، أى أن القطع جائز بإذن الله، ففى هذا بيان أنه كان فيه غيظ لهم وقد أمرنا به لقوله تعالى: (ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح ((23) . وكذلك فقد أمر بحرق قصر عوف بن مالك النضرى بأوطاس. وكره بعض الحنفية ذلك لما ذكره أبو بكر فى وصيته ليزيد بن أبى سفيان ألا يقطعوا شجرة ولا يخربوا ولا يفسدوا، لقوله تعالى: (وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ((34) . وقال ابن عابدين: أن الإحراق فى الأصل ممنوع لأنه لا يعذب بالنار إلا ربها. ولكن تحرق الدابة إذا شق نقلها وكانوا ينتفعون لا لو عقرت أو ذبحت، كما تحرق الأسلحة والأمتعة إن تعذر حملها، ويدفن ما لا يحرق بموضع خفى. مذهب المالكية: وقال المالكية (35) بجواز التخريب وقطع النخل والحرق إن أنكأ العدو. وأنه لا بأس أن ترمى حصونهم بالمجانيق وأن تحرق فى قراهم وحصونهم بالنار، وذلك إذا لم يكن غير النار وسيلة، وكنا إذا تركناهم خفنا على المسلمين، وأما إذا لم نخف، فقد اختلف الرأى فى جواز إحراق المحاربين بالنار إذا انفردوا ولم يمكن قتلهم إلا بالنار. فقال رأى بجواز ذلك. وقال رأى بعدم جوازه، ما دام لا خوف عليهم من المسلمين. وقال ابن رشد: أنه يجوز أن يرمى من فى الحصون بالنار إذا لم يكن فيها إلا المقاتلة. والرأى الظاهر: أن ذلك مندوب لما فيه من غيظ العدو، فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بقطع نخل بنى النضير فأنزل الله: (ما قطعتم من لينة (فهى دالة على إباحة القطع، ولا حرج فى الترك. وقال مالك: الظاهر الأفضل أن القطع أولى من الترك لما فيه من إذلال العدو وصغارهم ونكايتهم لقوله تعالى: (ولا ينالون من عدو نيلا (. مذهب الشافعية: وقال الشافعية (36) : فى ذلك أنه يجوز حصار الكفار فى البلاد والقلاع ورميهم بنار أو منجنيق أو غيرهما. وقالوا: إنه يجوز إحراق ما لا روح له. أما ما له روح من حيوان فإن قتله محرم لأنه يألم مما أصابه، إلا أن يذبح فيؤكل ولا يحل قتله لمغايظة العدو لقوله صلى الله عليه وسلم: " من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها، سأله الله عنها "، ولا تحرق حشرة النحل لأنها ذات روح. وإذا تحصن أهل الحرب بحرم مكة امتنع قتالهم بما يعمهم وغيرهم، وكذا حصارهم تعظيما للحرم، فإذا قامت ضرورة لذلك جاز. وإذا رموا بالمنجنيق فارتد الرمى ورجع وأصاب أحد رجال جيش المسلمين ممن يرمون به، أو غيرهم، فقتله فديته على عواقل الذين رموا بالمنجنيق. فإن كان المصاب أحد الرماة الذين رموا به رفعت حصته من الدية. مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة (37) : إذا قدر على العدو فلا يجوز تحريقه بالنار بغير خلاف، وإن أمكن أخذ العدو بدون رميهم بالنار لم يجز رميهم، لأنهم فى معنى المقدور عليهم، وأما عند العجز عنهم بغيرها فجائز فى قول أكثر أهل العلم، ويجوز نصب المنجنيق عليهم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بالطائف. مذهب الظاهرية: وقال الظاهرية (38) : يجوز تحريق أشجار المشركين وأطعمتهم وزروعهم ودورهم وهدمها. وقال الله تعالى: (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله (وقد أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بنى النضير. مذهب الزيدية: وقال الزيدية (39) : يجوز للإمام ومن يوليه من قبله أن يحرق من حاربه، وأن يرميه بالمنجنيق بشرطين: أحدهما: أن يتعذر إيقاع السيف فيهم لتحصنهم فى قلاع أو بيوت مانعة أو فى سفينة فى البحر. الثانى: أن يكونوا فى تلك الحال قد خلوا مما لا يجوز أن يقتل من الصبيان أو النسوة ونحوهم. فإذا اجتمع هذان الشرطان جاز قتلهم بما أمكن، فلا يجوز الإحراق إلا لضرورة ملجئة وهى تعذر دفعهم عن المسلمين أو تعذر قتلهم. ويجوز تخريب بيوت المشركين وقطع شجرهم إن لم يمكن إحراقها لقوله تعالى: (ما قطعتم من لينة (. وقد أحرق النبى صلى الله عليه وسلم شجر الطائف وبنى النضير. وقالوا: إن ما تعذر حمله إلى دار الإسلام، حيث يكون جمادا، كالثياب والطعام ونحوهما يجوز إحراقه. أما الحيوان فلا يحرق إلا بعد الذبح فإن كان مما يستبيحون أكله، أو ينتفعون به بعد الذبح يحرق وأما ما لا يأكلونه ولا ينتفعون به وهو ميتة فلا وجه لإحراقه. مذهب الإمامية: وقال الإمامية (40) : يجوز محاربة العدو بكل ما يرجى به الفتح كهدم الحصون والرمى بالمجانيق، ويكره رميهم بالنار إلا لضرورة، فإن أدى ذلك إلى قتل نفس محترمة فيحرم الرمى بالنار إن أمكن بدونه، وأما إذا توقف الفتح عليه فوجب الإحراق فى القتال إذا وجد فى العدو مسلم أو من لا يقتل مذهب الحنفية: قال الحنفية (41) : إذا كان فى الحصن ونحوه نساء أو صبيان أو أسرى من المسلمين أو تجار مسلمون، فلو قدر على التمييز فعلا بين المحاربين وبين هؤلاء لزمنا ذلك فلا يحل إذن رمى النساء والصبيان والأسارى، فإذا كانوا يقصدون المشركين ولا يمكنهم التمييز جاز الرمى بالنار والإحراق. قالوا: وذلك حتى لا ينسد باب الجهاد بأن يعمد العدو إلى الاحتفاظ معه بمن لا يجوز قتلهم ليعرقل الحرب، وكذلك إذا تترسوا بأطفال المسلمين فلا بأس بالرمى إليهم بضرورة إقامة الفرض، فإن أصابوا مسلما فلا دية ولا كفارة. وقال الحسن بن زياد: تجب الدية والكفارة، لأن دم المسلم معصوم، والضرورة فى رفع المؤاخذة لا لنفى الضمان كتناول مال الغير فى مخمصة رخص فيه، ولكن مع الضمان. مذهب المالكية: وقال المالكية (42) : إذا كان فى الحصن مع المقاتلين أسرى مسلمون فلا يرمون بالنار، وإذا كان فى الحصن نساء وصبية من المشركين فقد قيل فى المدونة أنه يجوز أن يرموا بالمجانيق ولا يجوز أن يحرقوا. وقال ابن رشد فى السفن فيها الأسارى المسلمون أو النساء أو الصبيان قولان: قول أنه يجوز رميهم بالنار وقول أنه لا يجوز ذلك. وإن تترسوا بمسلم لم يقصد الترس إذ لا يستباح دم المسلم، إلا إذا خيف أن يؤدى تركهم إلى انهزام المسلمين واستئصال قاعدة الإسلام، فإنه يجب الدفع وتسقط حرمة الترس. وقد قال المالكية أنه إذا اضطر الجيش إلى التخلى عن الخيل أو الحيوان فى أرض العدو، فإنها تعرقب (اى تقطع عراقيبها) فإن خيف أكلها فإنها تحرق، وذلك إذا كانوا يأكلون الميتة. مذهب الشافعية: وقال الشافعية (43) : إذا كان فى المشركين الذين يجرى قتالهم مسلم أو أسير أو تاجر مسلم جاز حصارهم وقتلهم بما يعم، فإن الأمر محمول على ما فيه مصلحة المسلمين لئلا يعطلوا الجهاد علينا بحبسهم مسلما عندهم. ولكن يجب توقى ذلك ما أمكن ويكره عند عدم الاضطرار إليه تحرزا من إيذاء المسلم ما أمكن، ومثله فى ذلك الذمى. ولا ضمان عندهم فى قتل المسلم أو الذمى فى ذلك، لأن الفرض أنه لم تعلم عينه، أى أن المسلمين رموا أو أحرقوا ولا يعلمون بخصوص ذات من فيهم من المسلمين، ويجوز رميهم بالنار والمنجنيق ولو كان فيهم النساء والصبيان لقوله تعالى " فخذوهم واحصروهم "، ولأنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق. وقال الإمام الشافعى: لا بأس أن ينصب المنجنيق على الحصون دون البيوت التى بها الساكن، إلا أن يلتحم المسلمون قريبا من الحصون فلا بأس أن ترمى البيوت. وإذا كان فى الحصون والبيوت مقاتلة محصنون رميت الحصون والبيوت ولو التحموا فى حرب فتترسوا بنساء وخناثى وصبيان ومجانين منهم، جاز رميهم إذا دعت الضرورة لذلك، فإذا دفعوا بهم عن أنفسهم ولم تدع الضرورة إلى رميهم فالأظهر تركهم، لئلا يؤدى الرمى إلى قتلهم بغير ضرورة. قالوا: ولكن المعتمد جوازه مع الكراهية وهو قياس على ما مر من قتلهم بما يعم. وقيل: يشترط لذلك أن يكون القصد هو التوصل إلى رجالهم. وإن تترسوا بمسلمين أو ذميين فإن لم تدع ضرورة إلى رميهم تركناهم وجوبا صيانة لهم، وهم يختلفون فى ذلك عن الذرية والنساء المشركات لأن حرق المسلم أو الذمى لأجل الدين، وأما حرق الذرية والنساء فلحفظ حق الغانمين خاصة. وإلا فإذا تترسوا بمسلمين أو ذميين حال الالتحام فى الحرب اضطررنا لرميهم بأن كنا لو كففنا عنهم ظفروا بنا أو عظمت مكانتهم فينا، جاز رميهم على الأصح على قصد قتال المشركين، وفى سبيله ويتوقى المسلمون بحسب الإمكان، لأن مفسدة الكف عنهم أعظم ولا يكون ذلك عند الخوف، لأن دم المسلم أو الذمى لا يباح بالخوف. مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة (44) : وإذا تضمن رمى الكفار إتلاف النساء والذرية الذين يحرم إتلافهم قصدا، وكان لا يقدر عليهم إلا بذلك، جاز الرمى بالنار والإحراق. وإن تترس الأعداء أثناء الحرب بنسائهم وصبيانهم جاز رميهم بقصد المقاتلة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم رماهم بالمنجيق ومنهم النساء والصبيان، ولأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند حرقهم فينقطع الجهاد.0. وذلك سواء كانت الحرب ملتحمة أو غير ملتحمة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يتحين بالرمى حال التحام الحرب. وقالوا: إن تترسوا بمسلم ولم تدع الحاجة إلى رميهم، لكون الحرب غير قائمة أو لإمكان القدرة عليهم بدونه، أو للأمن من شرهم، لم يجز رميهم، فإن رماهم فأصاب مسلما فعليه الضمان، وإن دعت الحاجة إلى رميهم للخوف على المسلمين جاز رميهم لأنها حالة ضرورة، وذلك إذا لم يقدر عليهم إلا بالرمى وكانت الحرب قائمة، لأن ترك ذلك يفضى إلى تعطيل الجهاد ... فعلى هذا، فإن قتل الرامى مسلما فعليه الكفارة، وفى الدية رأيان: أحدهما أنها تجب لأنه قتل مؤمنا خطأ فيدخل فى عموم الآية.. (ومن قتل مؤمنا خطأ (والثانى: أنه لا دية عليه لأنه قتل فى دار الحرب برمى مباح فيدخل فى عموم قوله تعالى: (وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة (، ولم يذكر الدية. مذهب الزيدية: واشترط الزيدية (45) لرمى المشركين بالنار وحرقهم ألا يكون معهم صبية أو نساء، وإلا فلا يجوز الإحراق إلا لضرورة ملجئة، وهى تعذر دفعهم عن المسلمين أو تعذر قتلهم دون الترس. مذهب الإمامية: وقال الإمامية (46) : لو تترس الأعداء بالنساء أو الصبيان منهم كف عنهم إلا فى حال التحام الحرب، وكذا لو تترسوا بالأسارى من المسلمين. فإذا قتل الأسير المسلم ولم يكن من الممكن جهادهم إلا كذلك، فلا يلزم القاتل بالدية. وفى الكفارة خلاف، فقال بعضهم تلزمه " الكفارة "، وقال البعض الآخر لا تلزمه. الإحراق فى قتال البغاة مذهب الحنفية: قال الحنفية (47) : يقاتل أهل البغى بالمنجيق والحرق وغير ذلك مما يقاتل به أهل الحرب، لأن قتالهم لدفع شرهم وكسر شوكتهم، فيقاتلون بكل ما يحصل به ذلك. مذهب المالكية: وقال المالكية (48) : إن قتال البغاة يقصد به ردعهم فقط وليس قتلهم، فهو يختلف عن قتال الكفار فى ذلك، ولذلك تنصب عليهم الدراعات ولا تحرق مساكنهم ولا يقطع شجرهم. مذهب الشافعية: وقال الشافعية (49) : لا يقاتل البغاة بعظيم يعم كنار أو منجنيق. مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة (50) : لا يقاتل البغاة بما يعم إتلافه كالنار من غير ضرورة، فإن دعت الضرورة لذلك كما لو حاصر البغاة أهل العدل فلم يمكنهم التخلص إلا برميهم بما يعم، جاز ذلك. وأما المرتدون فقد قالوا أن أبا بكر كان يأمر بتحريقهم بالنار. وفعل خالد بن الوليد ذلك بأمره. وقال فى منتهى الإرادات غير ذلك. لأنه إذا أصر المرتد على ردته قتل بالسيف ولا يحرق بالنار لحديث " إن الله كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتل " وحديث " من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوا بعذاب الله " (يعنى النار) قال: رواه البخارى. مذهب الظاهرية: وقال الظاهرية (51) : لا يحل قتال أهل البغى بنار تحرق من فى الحصن من غير أهل البغى لقوله تعالى " ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولاتزر وازرة وزر أخرى"، أما إذا لم يكن فيه إلا البغاة فقط، فيقاتلون حتى ينزلوا إلى الحق. ويجوز أن توقد النيران حولهم ويترك لهم مكان يتخلصون منه إلى عسكر أهل الحق (أى المسلمين) ، ولا يحل حصارهم بالنار دون أن يجعل لهم منفذا، لأن الله تعالى لم يأمر بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما أمر بالمقاتلة فقط. مذهب الزيدية: وقال الزيدية (52) : يحرق الباغى ويغرق ويخنق إن تعذر قتلهم بالسيف وخلوا عمن لا يقتل كالنساء والصبيان، ويجوز للحاكم تعزير أهل البغى بإحراق دورهم وهدمها. مذهب الإمامية: وقال الإمامية (53) : إن القصد من محاربة البغاة تفريق كلمتهم، فقتالهم أقل من جهاد المشركين. مذهب الإباضية: وقال الإباضية (54) : ويمنع فى القتال بين الفئة الباغية وغيرها من إشعال النار فيما بينهم وقت اصطفافهم لقتال لا بقصد إحراق أو موت. ولكن لا ضمان ان أصيبوا ولو قصدوهم بالحريق. إحراق آلات اللهو والخمر ودور ال إحراق آلات اللهو والخمر ودور الفسق والكتب الباطلة والصلبان مذهب الحنفية: قال الحنفية (55) : يجوز إحراق بيت الخمر، فقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه أحرق بيت الخمار، وعن الإمام الزاهد الصفار أنه أمر بتخريب دار الفاسق بسبب الفسق. وقال أبو يوسف يحرق الزق أو يخرق إذا كان فيه خمر لمسلم أو لنصرانى مذهب المالكية: وقال المالكية (56) إن من قال بأن العقوبة المالية منسوخة فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا. وأورد القرافى أمثلة عديدة للإحراق وغيره من طرق التعزير تساوى فيه القليل والكثير ومن ذلك تحريق عمر للمكان الذى يباع فيه الخمر وتحريق قصر سعد ابن أبى وقاص لما احتجب عن الناس فيه وصار يحكم فى داره وأن أبا بكر" رضى الله عنه" استشار الصحابة فى رجل ينكح كما تنكح المرأة فأشاروا بحرقه بالنار، فكتب أبو بكر رضى الله عنه- بذلك إلى خالد بن الوليد ثم حرقهم عبد الله بن الزبير فى خلافته، ثم حرقهم هشام بن عبد الملك. وهو رأى ابن حبيب من الحنابلة، وذكره فى مختصر الواضحة وأن أبا بكر حرق جماعة من أهل الردة ... قال وغير ذلك من القضايا مما يكثر تعداده وهى شائعة فى مذهب مالك وابن حنبل. مذهب الشافعية: وقال الشافعية (57) :لا يجوز توقيع العقوبة على المال وأن العقوبة توقع على البدن وقد أجاب الإمام الشافعى بذلك كما تقدم فى سؤاله عن حرق متاع الغال وإنما إذا أصابوا فى القتال كتبا فيها كفر لم يجز تركها على حالها لأن النظر فيها معصية وإن أصابوا التوراة والإنجيل لم يجز تركها على حالها لأنها مبدلة فإن أمكن الانتفاع بما كتب عليه كالجلود غسل، وإن لم يمكن حرق. مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة (58) :إن إتلاف المال على وجه التعزير والعقوبة ليس بمنسوخ وقالوا: يجوز إتلاف المنكرات من الأعيان والصور وإتلاف محلها تبعا لها مثل الأصنام المعبودة من دون الله، ولما كانت صورها منكرة فإنه يجوز إتلاف مادتها فإذا كانت حجرا أو خشبا أو نحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها وكذلك آلات الملاهى كالطنبور يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء ومن الإتلاف إحراقها وقال أبو الحصين: كسر رجل طنبورا فخاصمه إلى شريح فلم يضمنه شيئا وقد رجحه ابن القيم لأن الله سبحانه وتعالى اخبر موسى - عليه السلام- أن يحرق العجل وكان من ذهب وفضة، وذلك محق بالكلية. وأن النبى صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر كتابا اكتتبه من التوراة وأعجبه موافقته للقرآن فتمعر (أى ظهر الغضب على وجهه صلى الله عليه وسلم) حتى ذهب عمر إلى التنور فألقاه فيه. وأنه يجوز إحراق آلات السحر والتنجيم ومخازن الخمر وحرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لما خافوا على الأمة من الاختلاف 0 وكذلك الكتب المشتملة على بدعة تتلف ولا ضمان على إتلافها وإحرقها. وقالوا: يحرق بيت الخمار وأماكن المعاصى وأنه يستحب أن يحرق بيت المسلم الخمار الذى يبيع الخمر وكذلك النصرانى يبيع الخمر للمسلمين فإن لم ينته فإنه يحرق بيته عليه بالنار. وحرق عمر بن الخطاب بيت روشن الثقفى لأنه كان يبيع الخمر. وقال ابن قدامة: إن أبا بكر أمر بتحريق أهل الردة بالنار ونقل خالد بن الوليد ذلك، وإنما روى حمزة الأسلمى أن النبى "صلى الله عليه وسلم" قال: إن أخذتم فلانا فأحرقوه بالنار ثم رجع فقال إن أخذتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار. مذهب الظاهرية: وعند الظاهرية (59) : قال أبو محمد بن حزم: إنه يجوز إحراق بيت الخمار كفعل عمر ابن الخطاب "رضى الله عنه" ويكون ذلك حدا مفترضا، لأن عمر فعله. وروى أن من فعل فعل قوم لوط يحرق عند البعض بالنار إلا أنه ضعف الأحاديث التي استدل بها فى ذلك، لأنه قد صح أنه لا قتل عليه، وحكمه حكم من أتى منكرا فالواجب بأمر النبى صلى الله عليه وسلم تغييره باليد أو الفعل أو القول. مذهب الزيدية: وقال الزيدية (60) : تحرق دفاتر الكفر وكتب الزنادقة والمشبهة وأوراقهم، وذلك إن تعذر تسويدها وردها إلى المالك وإذا وجدت فى الغنيمة دفاتر كفر فتحرق إن لم يمكن محوها. أما التوراة والإنجيل فتمحى ولا تحرق، وكذلك سائر الصحف النبوية فأما جلد الميتة وعصبها فيحرق لتحريم استعماله. وقالوا كذلك بإحراق آلات اللهو والطرب. إحراق المصاحف مذهب الحنفية: قال الحنفية (61) : لا تحرق المصاحف إذا صار المصحف خلقا "أى باليا " أو تعذرت قراءته فلا يحرق بالنار بل يجعل فى خرقة طاهرة ويدفن. مذهب المالكية: وقال المالكية (62) إذا احرق شخص المصحف استخفافا لا صونا، كان ذلك فعلا يتضمن الردة، وعليه فيكون مرتدا وقالوا: إن المراد بالمصحف ما فيه قرآن ولو كلمة ومثل ذلك أسماء الله الحسنى وأسماء الأنبياء والحديث وكتب الفقه، فإن حرق كل ذلك على وجه الاستخفاف لا يجوز، فإن كان على وجه الصيانة فلا ضرر. مذهب الزيدية: وقال الزيدية (63) إن حرق المصاحف من أسباب الردة والعياذ بالله. تحريم المثلة والتعذيب بالنار والقتل بها وردت الأحاديث علي عدم جواز المثلة والتعذيب بالنار والقتل بها لقوله "صلي الله عليه وسلم" لا يعذب بالنار إلا رب النار" رواه أبو داود (64) فلا يجوز إقامة الحد أو التعزير بالنار انظر " آلة ". إلا أنه إذا كان الجانى قد أحرق من جنى عليه، كأن يكون قد طرحه فى النار، فإنه يعاقب بمثل ما جنى، انظر: " الجناية على النفس بالإحراق ". مذهب المالكية: قال المالكية (65) فى تعزير شاهد الزور: لا يجوز تسخيمه بسواد كالفحم، كما يفعل فى بعض البلاد لأنه حرام وتغيير لخلق الله مذهب الزيدية: وقال الزيدية (66) : يجوز تعزير أهل البغى بإحراق دورهم وهدمها، وكذلك يجوز إحراق مال المحتكر مع حاجة المسلمين إليه. مذهب الإباضية: وقال الإباضية (67) يجوز القتل بالنار إذا امتنع من يراد القصاص منه عند التنفيذ، وقد بينا من قبل خلاف الحنابلة فى جواز حرق المرتد. وأن ابن قدامة أجاز ذلك ولم يجزه صاحب منتهى الإرادات، وكذلك نصت بعض المذاهب على أن المثلة بعد النصر فى القتال غير جائزة (68) . وأنه إذا قدر على العدو فلا يجوز تحريقه بالنار (69) ونصت بعض المذاهب (70) أيضا على عدم جواز إحراق العبد بالنار أو التمثيل به أو وسم أى عضو منه بما يحرق وأنه إذا تعرض لذلك يعتق الجناية على الأموال بالإحراق. وضمان ما يحرق من المال من يتسبب فى الجناية على مال بإحراقه ضمن، وفى ذلك: مذهب الحنفية: قال الحنفية (71) انه لو وضع فى الطريق جمرا فاحترق به شىء كان ضامنا، لأنه كان متعديا بوضع النار فى الطريق وإن حركته الريح فذهبت به إلى موضع آخر ثم أحترق به شىء لا يكون ضامنا. وقالوا هذا إذا لم يكن اليوم ريحا، فإن كان ريحا كان ضامنا لأنه علم حين ألقاه فى الطريق أن الريح تذهب به إلى موضع آخر، فيضاف التلف إليه فيكون ضامنا، ولو أن رجلا مر فى ملكه وهو يحمل نارا فوقعت شرارة منها على ثوب إنسان فاحترق ... ذكر فى النوادر أنه يكون ضامنا، ولو طارت الريح بشرر ناره وألقته على ثوب إنسان لا يضمنه لأن الاحتراق حصل من الريح هاهنا. هذا إذا كان فى موضع له حق المرور فيه، فإن لم يكن له حق المرور فى ذلك الموضع يكون ضامنا. ولو أحرق كلأ أو حصائد فى أرضه فذهبت النار يمينا وشمالا وأحرقت شيئا لغيره لم يضمنه لأنه غير متعد. مذهب المالكية: ويذهب المالكية (72) إلى مثل ما ذهب إليه الحنفية فقالوا: من أجج نارا" أى أشعلها" فى يوم عاصف (أى شديد الريح) فأحرقت شيئا فإنه يضمنه إلا أن يكون ذلك فى مكان بعيد لا يظن وصول النار إلى الشىء الذى حرق فإنه لا ضمان عليه حينئذ، كذلك لا ضمان على من أجج نارا فى وقت لا ريح فيه، ثم أن الريح عصفت عليها فنقلتها إلى متاع شخص فأتلفته. مذهب الشافعية: وقال الشافعية (73) بمثل هذا المذهب أيضا، فنصوا على أنه إن سقط الشرر على مال بعارض ريح ونحوها لم يضمن، لأن التلف لم يحصل بفعله، ولو أوقد نارا فى أرضه فحملتها الريح إلى أرضه غيره فأتلفت شيئا أو أجج على سطحه نارا فطارت شرارة إلى دار الجار فأحرقتها فان كان الذى فعله قد جرت به العادة لم يضمن لأنه غير متعد، وإن فعل ما لم تجر به العادة بأن أجج من النار ما لا يقف على حد داره ضمن لأنه متعد. مذهب الحنابلة: وقال الحنابلة (74) كذلك بهذا الرأى، فقالوا: إذا أوقد بملكه نارا أو فى موات فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها لم يضمن إذا فعل ما جرت به العادة من غير تفريط لأنه غير متعد. ولأنها سراية فعل مباح، وإن كان ذلك بتفريط منه بأن أجج نارا تسرى فى العادة لكثرتها أو فى ريح شديدة تحملها أو أوقد فى دار غيره ضمن ما تلف به، وإن سرى إلى غير الدار التى. أوقد فيها لأنها سراية عدوان وإن أوقد نارا فأيبست أغصان شجر غيره ضمنه، لأن ذلك لا يكون إلا من نار كثيرة إلا أن تكون الأغصان فى هوائه (أى داخلة فى ملكه) فلا يضمنها، لأن دخولها عليه غير مستحق. وجاء فى كشاف القناع: وإن أجج نارا فى موات أو فى ملكه بأن أوقد النار حتى صارت تلتهب فى داره أو علي سطحه فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه لم يضمن الفاعل، لأن ذلك ليس من فعله ولا تعديه ولا تفريطه وذلك إذا كان التأجج ما جرت به العادة بلا إفراط ولا تفريط، فإن فرط بأن ترك النار مؤججة ونام فحصل التلف بذلك وهو نائم ضمن لتفريطه، أو فرط بأن أجج نارا تسرى فى العادة لكثرتها أو أججها فى ريح شديدة تحملها إلى ملك غيره ضمن لتعديه، وكذا لو أججها قرب زرب (أى حظيرة المواشى) أو حصيد، ولا يضمن إن تعدت النار لطيران الريح بعد أن لم تكن لعدم تفريطه قال فى عيون المسائل: لو أججها على سطح دار فهبت الريح فأطارت الشرر لم يضمن لأنه فى ملكه ولم يفرط، وهبوب الريح ليس من فعله. مذهب الظاهرية: وعند الظاهرية (75) : جاء فى المحلى: من أوقد نار ليصطلى أو ليطبخ شيئا وأوقد سراجا ثم نام فاشتعلت تلك النار فأتلفت أمتعة وناسا فلا شىء عليه فى ذلك أصلا لأنه غير متعد. أما إذا تعدى فعليه الضمان لقول الرسول" صلى الله عليه وسلم " النار جبار"، وهو خبر صحيح تقوم به الحجة فوجب بهذا أن كل ما تلف بالنار فهو هدر إلا نار اتفق الجميع على تضمين طارحها، وليس ذلك إلا ما تعمد الإنسان طرحه للإفساد والإتلاف، فهذا مباشر متعد. مذهب الزيدية: وعند الزيدية (76) :من أجج ناراً فى ملكه فحملتها الريح إلى موضع فأهلكت مالا فيه، فإنه لا يضمن. لأنها انتقلت عن وضعه، إلا أن يكون الموضع متصلا أو فى حكم المتصل كأن يصله لهب النار أو كما لو كان بين الملكين شجر ونحوه فتسرى فيه النار إلى ملك الآخر فإنه يضمن، وإذا كان متعديا بوضعها ضمن ما تولد منها ولو بهبوب الريح. مذهب الإمامية: وعند الإمامية (77) لو أجج نارا فى ملكه ولو للمنفعة فى ريح معتدلة أو ساكنة لم يزد النار عن قدر الحاجة التى أضرمها لأجله فلا ضمان، لأن له التصرف فى ملكه كيف شاء، وان عصفت الريح بعد إضرامها بغتة لعدم التفريط، وألا يفعل كذلك بأن كانت الريح عاصفة حالة الإضرام على وجه يوجب ظن التعدى إلى ملك الغير أو زاد عن قدر الحاجة، وإن كانت ساكنة ضمن سرايتها إلى ملك غيره. ولو أججها فى موضع ليس له ذلك فيه ضمن، ولو أججها فى المباح، فالظاهر أنه كالملك لجواز التصرف فيه. الجناية على النفس بالإحراق مذهب الحنفية: قال الحنفية (78) : إذا أحرق رجل رجلا بالنار قتل به (أى بالإحراق) لأن النار تفرق الأجزاء أو تبعضها. مذهب المالكية: وعند المالكية (79) : يقتل القاتل بما قتل به ولو نارا، لقوله تعالى " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به "، وقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "، والمعنى أن الحق فى القتل للولى بمثل ما قتل به الجانى، ومن خاف من النار على زرعه أو على نفسه أو على داره فقام ليطفئها فاحترق فيها فإن دمه يكون هدرا، وظاهره أن الحكم فيه هو هذا سواء كان فاعلها يضمن ما أتلفته كما إذا هيجها فى يوم عاصف، أم لا وهو ظاهر حل البساطى. مذهب الشافعية: وعند الشافعية (80) يقتل بإلقاء النار من فعل ذلك بغيره ويخرج منها قبل أن يشوى جلده ليتمكن من تجهيزه وإن أكلت النار جسد الأول، ولو ألقى فى النار مثل مدته فلم يمت، زيد من ذلك الجنس حتى يموت ليقتل بما قتل به، ولو ألقاه فى نار يمكن الخلاص منها فمكث ففى وجوب الدية قولان أظهرهما: لا دية ولا قصاص فى ذلك، أما إذا لم يمكنه الخلاص من النار لعظمها أو نحو زمانه فيه (مرض أو عجز) فيجب القود. مذهب الحنابلة: وعند الحنابلة (81) لا يجوز استيفاء القصاص فى النفس إلا بالسيف فى العنق سواء كان القتل به أو بمحرم لعينه كتحريق وذلك للنهى عن المثلة. ومن ألقى شخصا فى نار لا يمكنه التخلص منها إما لكثرة النار أو لعجزه عن التخلص لمرض أو صغر، وكان مربوطا أو منعه الخروج فهو قتل عمد لأنه يقتل غالبا. وان تركه فى نار يمكنه التخلص منها لقلتها أو كونه فى طرف منها يمكنه الخروج بأدنى حركة فلم يخرج حتى مات فلا قود لأن هذا لا يقتل غالبا، وهل يضمنه وجهان: أحدهما: لا يضمنه لأنه مهلك لنفسه بإقامته فلم يضمنه لكن يضمن ما أصابت النار منه. والثانى: يضمنه لأنه جان بالإلقاء المفضى إلى الهلاك وترك التخلص لا يسقط الضمان والنار يسيرها مهلك. مذهب الظاهرية: وقال الظاهرية (82) : إن من عمد إلى إحراق قوم فعليه القود وإن لم يعمد ذلك فهو قاتل خطأ، والديات على عاقلته والكفارة عليه لكل نفس كفارة، انظر " كفارة ". مذهب الزيدية: ويذهب الزيدية (83) إلى أن من أحرق فالقصاص بالسيف لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا قود إلا بالسيف "، أما قوله صلى الله عليه وسلم: " من غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه "، ورضخه صلى الله عليه وسلم: "رأس اليهودى فلعله لمصلحة كتحريق على عليه السلام الغلاة، وأبى بكر الفجاءة ونحوه مما يجوز للإمام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا يعذب بالنار إلا رب النار" مذهب الإمامية: وعند الإمامية (84) لو طرحه فى النار فمات قتل به ولو كان قادرا على الخروج ولأن النار قد تشنج الأعصاب بالملاقاة فلا يتيسر الفرار أما لو علم أنه ترك الخروج تخاذلا فلا قود، لأنه أعان على نفسه وينقدح أنه لا دية له أيضا لأنه مستقل بإتلاف نفسه، أما لو خرج فترك المداواة فمات فإن له الدية لأن السراية مع ترك المداواة ناشئة من الجرح المضمون والتلف من النار ليس بمجرد الإلقاء بل بالإحراق المتجدد الذى لولا المكث لما حصل ولو قصد بتأجيج النار الإتلاف فهو عامد يقاد فى النفس مع ضمان المال 00 انظر " آلة، قصاص ".   (1) فتح القدير ج1 ص 138،139، والفتاوى الهندية ج1 ص 44،البحر الرائق لابن نجيم ج1 ص 239. (2) فتح القدير ج1 ص 139. (3) فتح القدير ج1 ص 139. (4) حاشية ابن عابدين ج1 ص 291. (5) فتح القدير ج1 ص 138، والفتاوى الهندية ج1 ص 44، البحر الرائق ج1 ص 155. (6) ج1 ص 19. (7) الحطاب ج 1 ص 106 وما بعدها. (8) المرجع السابق ج1 ص 106 وما بعدها. (9) المهذب ج1 ص 48 وما بعدها ونهاية المحتاج ج1 ص 229 وما بعدها، والمجموع ج2 ص 579 وما بعدها. (10) كشاف القناع ج1 ص 87،16 والمغنى ج1 ص 744. (11) المحلى ج1 ص 128 وما بعدها. (12) البحر الزخار ج1 ص 23 وشرح الأزهار ج1 ص 42 وما بعدها. (13) الروضة البهية ج1 ص 22 وشرائع الإسلام ج1 ص 42. (14) شرح النيل ج1 ص 269،276. (15) المراجع السابقة. (16) الفتاوى الهندية ج1 ص 47 والبحر الرائق ج1 ص 244. (17) الحطاب ج1 ص 106 وما بعدها. (18) الحطاب ج1 ص 106 وما بعدها. (19) المراجع السابقة. (20) نهاية المحتاج ج1 ص 229 وما بعدها. (21) كشاف القناع ج1 ص 16. (22) المحلى ج1 ص 128 وما بعدها. (23) شرح الأزهار ج1 ص 50. (24) الروضة البهية ج1 ص22 وشرائع الإسلام ج1 ص 42. (25) شرح النيل ج1 ص 269. (26) المغنى ج10 ص 532 وما بعدها. (27) الزيلعى ج3 ص 244 وابن نجيم ج5 ص 83. (28) الحطاب ج3 ص 354. (29) الأم ج4 ص 251. (30) المبسوط للسرخسى ج10 ص 32 وما بعدها، مطبعة درب سعادة سنة 1324، وبدائع الصنائع ج7 ص 100 وما بعدها، مطبعة الجمالية سنة 1910، والبحر الرائق لابن نجيم ج5 ص 82 وما بعدها الطبعة الأولى بالمطبعة العلمية،والفتاوى الهندية ج2 ص 193 وما بعدها، مطبعة بولاق الأميرية الطبعة الثانية وحاشية ابن عابدين ج3 ص 317. (31) سورة الحشر: 2. (32) سورة الحشر:5. (33) سورة التوبة:120. (34) سورة البقرة:205. (35) شرح الحطاب ج3 ص 335 وما بعدها وهامشه التاج والأكليل فى المرجع نفسه، وبلغة السالك ج2 ص 385. (36) نهاية المحتاج ج 8 ص 61، والأم الجزء الرابع ص 287 وما بعدها. (37) المغنى ج10 ص 532 وما بعدها وص 502، والمحرر ج2 ص 178. (38) المحلى ج7 ص 294. (39) شرح الأزهار ج4 ص 541،500 والبحر الزخار ج5 ص 414 وما بعدها. (40) شرائع الإسلام ج1 ص 148 وما بعدها والروضة البهية ج1 ص 220 والمختصر النافع ص 136. (41) المبسوط للسرخسى ج8 ص 33 وبدائع الصنائع ج7 ص 101،والبحر الرائق ج5 ص 82. (42) الحطاب ج3 ص 335 وما بعدها وهامشه التاج والأكليل فى الموضع نفسه. (43) نهاية المحتاج ج8 ص 61، والأم ج4 ص 287 وما بعدها. (44) المغنى ج10 ص 502 وما بعدها. (45) شرح الأزهار ج4 ص 541،550 والبحر الزخار ج5 ص 414 وما بعدها. (46) المختصر النافع ص 136 والروضة البهية ج 1ص 220 وشرائع الإسلام ج1 ص 148. (47) بدائع الصنائع ج7 ص141 والفتاوى الهندية ج2 ص 284. (48) الدردير ج2 ص 385. (49) نهاية المحتاج ج7 ص 387. (50) منتهى الإرادات ج4 ص 141،154. (51) المحلى ج11 ص 116. (52) البحر الزخار ج5 ص 418، ص 420. (53) شرائع الإسلام ج1 ص 157. (54) شرح النيل ج 2 ص329. (55) الفتاوى الهندية ج هـ ص 353، 373، 323، والفتاوى البزازية هامش الكتاب السابق ج6ص356 (56) تهذيب الفروق للقرافى ج 2 "االهامش " ص206 وما بعدها. (57) الأم ج 4ص251 والمهدب. (58) الطرق الحكمية لأبن القيم الجوذية ص،274 271، 275 وما بعدها، وكشاف القناع ج2 ص 374، 375، والمغنى ج10 ص374 ومنتهى الإرادات ج4 ص155 (59) المحلى ج11 ص315،380. (60) شرح الأزهار ج4 ص 583، والبحر الزخار ج5 صرف429. (61) الفتاوى الهندية ج هـ ص323. (62) الدردير ج2 ص 385، الدسوقى ج4 ص301 (63) البحر الزخار ج5 ص424. (64) انظر المغنى ج10 ص 502 (65) الحطاب ج4 ص 141. (66) البحر الزخار ج 5 ص420 (67) شرح النيل ج 2 ص 329. (68) وذلك عند الحنفية البحر الرائق لابن نجيم ج هـ ص83. (69) ذلك عند الحنابلة- المغنى ج10 ص 502. (70) عند المالكية الدردير ج2 ص413، وعند الحنابلة المحرر ج 2 ص 2 وعند الظاهرية المحلى ج 9 ص210 (71) الفتاوى الهندية ج 3 ص458،459،398. (72) شرح الخرشى ج 8 ص111 ومواهب الجليل للحطاب ج 6 ص1 32 وشرح الخرشى ج8 ص 112. (73) المهذب ج 2 ص 52 1، 275. (74) المغنى ج 5 ص453 وكشاف القناع ج 2 ص367. (75) المحلى ج11 ص19، 20. (76) شرح الأزهار وحاشيته ج4 ص420،421. (77) الروضة البهية ج 2 ص 425. (78) البحر الرائق ج 8 ص327. (79) الدردير ج2 ص 365، 366 والحطاب ج 6 ص 322، 333. (80) نهاية المحتاج ج 7 ص 289، 291، 244. (81) كشاف القناع ج3 ص 363،364والمغنى ج 9 ص 325. (82) المحلى ج11 ص19وج10ص360. (83) البحر الزخار ج 5 ص236،237. (84) شرائع الإسلام ج2 ص 265، والروضة البهية ج 2 ص425. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 إحرامُ (أ) التعريف اللغوى: الإحرام لغة مصدر أحرم وأحرم دخل فى الحرم أو فى حرمة لا تهتك أو فى الشهر الحرام، وأحرم الحاج أو المعتمر دخل فى عمل حرم عليه به ما كان حلالا. والأصل فيه المنع. ويقال أحرمت الشىء بمعنى حرمته. والمحرم المسالم، ومنه حديث الصلاة تحريمها التكبير كأن المصلي بالتكبير والدخول فى الصلاة صار ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها (1) . التعريف الاصطلاحى مذهب الحنفية: عرفه فقهاء الحنفية بالنسبة للحج بأنه تحريم المباحات على النفس لأداء هذه العبادة (التى هى الحج والعمرة) وقال صاحب فتح القدير: حقيقته الدخول فى الحرمة، والمراد الدخول فى حرمات مخصوصة أى التزامها غير أنه لا يتحقق ثبوته شرعا إلا بالنية مع الذكر (2) . مذهب المالكية: هو عند المالكية نية أحد النسكين " الحج والعمرة أو هما معا " والعبرة بالقصد لا باللفظ، والأولى ترك اللفظ ولا يضر مخالفة اللفظ لما نواه، ولا يضر رفض أحد النسكين بل هو باق علي إحرامه وإن رفضه: أى ألغاه (3) . مذهب الشافعية: عند الشافعية هو الدخول في حج أو عمرة أو فيهما أو فيما يصلح لهما أو لأحدهما ويطلق أيضا على نية الدخول فى النسك (4) مذهب الحنابلة: هو عند الحنابلة نية النسك أى الدخول فيه لا نيته ليحج أو يعتمر سمى الدخول فى النسك إحراما لأن المحرم بإحرامه حرم على نفسه أشياء كانت مباحة له من النكاح والطيب وغيرها (5) مذهب الظاهرية: يفهم من كلام ابن حزم الظاهرى أن الإحرام هو الدخول فى الحج أو العمرة فقد جاء فى المحلى: إذا جاء من يريد الحج أو العمرة إلى أحد المواقيت فإن كان يريد العمرة فليتجرد من ثيابه إن كان رجلا ويلتحف فيما شاء من كساء أوملحفة أو رداء، فإن كان امرأة فلتلبس ما شاءت ثم يقولون: لبيك بعمرة أو ينويان ذلك فى أنفسهما، والأمر كذلك عنده بالنسبة للحاج على تفصيل فيمن ساق الهدى ومن لم يسقه (6) مذهب الزيدية: والزيدية يذهبون إلى أن الإحرام هو نية الحج أو العمرة أو هما معا عند الميقات، فقد قالوا إنما ينعقد بالنية، ولابد معها من تلبية، ويصح نية الإحرام من غير تعيين ما أحرم له (7) . مذهب الإمامية: يقول الإمامية هو فى الحقيقة عبارة عن النية لأن توطين النفس على ترك المحرمات المذكورة لا يخرج عنها، ويمكن أن يريد به نية الحج جملة (8) . مذهب الإباضية: قال الإباضية: يعقد نية الإحرام بحج ويقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك بحج تمامه وبلاغه عليك يا الله. ومن لم يلب لم يدخل فى حج ولم يصح إحرامه، والتلبية مع نية الإحرام بحج أو بعمرة أو بهما قيل: كافيتان عن ذكر حج أو عمرة أو ذكرهما فى التلبية.، والأول الذى هو ذكر أحدهما أو ذكرهما فى التلبية أصح (9) حكم الإحرام فى الحج مذهب الحنفية: عند الحنفية هو شرط ابتداء فصح تقديمه على أشهر الحج، إن كره، وله حكن الركن انتهاء فلا يجوز لفائت الحج استدامة الإحرام ليقضى به من قابل بل عليه التحلل بعمرة ثم القضاء من قابل. (10) مذهب المالكية: قال المالكية هو ركن من أركان الحج، والركن فى هذا الباب هو مالابد من فعله ولا يجزىء عنه دم ولا غيره (11) مذهب الشافعية: عند الشافعية الإحرام ركن من أركان الحج على أنه نية الدخول فى النسك (12) مذهب الحنابلة: اختلفت الرواية فى الإحرام فروى أن الإحرام ركن لأنه عبارة عن نية الدخول فى الحج، فلم يتم بدونها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات ". وكسائر العبادات، وروى أنه ليس بركن لحديث الثورى الذى يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:" الحج عرفة"، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه، والرأى الأول هو مشهور المذهب (13) مذهب الزيدية: أركان الحج عند الزيدية هى الإحرام والوقوف وطواف الزيارة وفروضه الأركان وطواف القدوم.. إلخ. فعدوه ركنا وفرضا (14) مذهب الإمامية: ويشترط فى حج الأفراد النية، والمراد بها نية الإحرام بالنسك المخصوص ووجه تخصيصه- أى الإحرام - أنه الركن الأعظم باستمراره ومصاحبته لأكثر الأفعال وكثره أحكامه. وقالوا: أفعال العمرة المطلقة وهى الإحرام والطواف والسعى والتقصير ... والثلاثة الأول منها أركان (15) . مذهب الإباضية: الإحرام ركن من أركان الحج (16) . حكم الإحرام فى الصلاة مذهب الحنفية: قال الحنفية: التحريمة، وهى تكبيرة الافتتاح شرط صحة الشروع فى الصلاة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة امرىء حتى يضع الطهور مواضعه، ويستقبل القبلة، ويقول الله اكبر ". نفى قبول الصلاة بدون التكبير فدل على كونه شرطا لكن إنما يؤخذ (أى يلزم) هذا الشرط على القادر دون العاجز. والإحرام فى الصلاة عند الحنفية يكون بلفظ الله اكبر وما اشتق منه كقوله الله الأكبر والله الكبير، واقتصر أبو يوسف على ذلك. وقال أبو حنيفة ومحمد يجوز الشروع بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا غير، كأن يقول الله أجل، الله أعظم، أو الحمد لله أو سبحان الله، وكذلك كل اسم ذكر مع الصفة نحو الرحمن أعظم أو الرحيم أجل.. ويجوز الشروع فى الصلاة بلفظ من هذه الألفاظ على الخلاف المذكور بغير اللغة العربية لمن كان عاجزا عن النطق بها، أما من كان قادرا على النطق بها فيجوز له النطق بغيرها عند أبى حنيفة ولا يجوز عند الصاحبين (17) مذهب المالكية: قال المالكية: الصلاة مركبة من أقوال وأفعال فجميع أقوالها ليست بفرائض إلا ثلاثة، منها تكبيرة الإحرام (18) مذهب الشافعية: قال الشافعية من أركان الصلاة تكبيرة الإحرام، لما روى الشيخان " إذا قمت إلى الصلاة فكبر ويتعين فيها علي القادر. بالنطق بها " الله كبر " لأنه المأثور من فعله صلى الله عليه وسلم (19) مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: التكبير ركن فى الصلاة، لا تنعقد الصلاة إلا به سواء تركه عمدا أم سوأ، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " تحريمها التكبير " فدل على أنه لا يدخل الصلاة بدونه، فإن كان أخرس أو عاجزا فى عن التكبير بكل لسان سقط عنه (20) مذهب الظاهرية: قال ابن حزم الظاهرى: الإحرام بالتكبير فرض لا تجزىء الصلاة إلا به لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ... وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" أرجع فصل، فإنك لم تصل " (ثلاث مرات) فقال: والذى بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمنى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قمت إلى الصلاة فكبر "، فقد أمر بتكبير الإحرام (21) مذهب الزيدية: قال الزيدية: الفرض الثانى من فرائض الصلاة هو التكبير، ومن شرطه أن يكون المكبر قائما، والتكبير من الصلاة فى الأصح (22) مذهب الإمامية: قال صاحب المختصر النافع: أفعال الصلاة واجبة ومندوبة، فالواجبات ثمانية وعد من بينها التكبير. قال: وهو ركن فى الصلاة وصورته الله كبر مرتبا ولا ينعقد بمعناه، ومع التعذر تكفى الترجمة والأخرس ينطق بالممكن، ويعقد قلبه بها مع الإشارة، ويشترط فيها القيام (23) مذهب الإباضية: وفرضت تكبيرة الإحرام والافتتاح وزعم بعضهم أنها سنة سائر التكبير وقيل أن كسائر فرض، ومن تعمد فيها لحنا أعاد الصلاة وإن لم يتعمد فقولان، وصح بالعربية وفسد بغيرها علي المختار، وبوجوب ترتيب اللفظين وموالاتهما وجوز عند البعض البناء على اللفظ الأول لقطع كسعلة أو عطسة أو نحوها (24) كيفية الإحرام بالحج مذهب الحنفية: قال الحنفية: إذا أراد الإحرام اغتسل أو توضأ، والغسل أفضل، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم أغتسل لإحرامه، إلا أن الاغتسال للتنظيف حتى تؤمر به الحائض، وإن لم يقع فرضا عنها فيقوم الوضوء مقامه، ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين: إزار، ورداء، لأن المحرم ممنوع عن لبس المخيط. وينبغى لولى من أحرم من الصبيان العقلاء أن يجرده ويلبسه ثوبين إزارا ورداء لأن الصبى فى مراعاة السنن كالبالغ ويتطيب بأى طيب شاء، ويستحب عند الإحرام للمحرم تقليم أظافره وقص شاربه وحلق عانته ونتف إبطه وتسريح رأسه عقيب الغسل، لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم ائتزر وارتدى عند إحرامه، ولابد من ستر العورة. والجديد فى الثياب افضل، لأنه أقرب إلى الطهارة، والأولى أن يكونا أبيضين ومس الطيب، وعن محمد أنه يكره إذا تطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام. ووجه المشهور حديث عائشة رضى الله عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، والإزار من الحقو والرداء من الكتف ويدخل الرداء تحت يمينه ويلقيه على كتفه الأيسر فيبقى كتفه الأيمن مكشوفا ولا يزره ولا يعقده ولا يخلله، فإن فعل ذلك كره ولا شىء عليه والثوب الواحد الساتر جائز، وصلى ركعتين، لما روى جابر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذى الحليفة ركعتين عند إحرامه، ويقول بعد الصلاة، إن أراد أن يحرم بالحج: " اللهم إنى أريد الحج فيسره لى وتقبله منى، وإذا أراد أن يحرم بالعمرة يقول اللهم إنى أريد العمرة فيسرها لى وتقبلها منى، وإذا أراد القرآن يقول اللهم إنى أريد العمرة والحج فيسرهما لى وتقبلهما مني، لأنه فى عبادة عظيمة فيها كلفة ومشقة شديدة، فيستحب الدعاء بالتيسير وبالتسهيل وبالقبول ثم يلبى عقب صلاته، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم لبى فى دبر صلاته وإن لبى بعد ما استوت به راحلته جاز ولكن الأول أفضل ولا ينبغى أن يخل بشىء من كلمات التلبية ولو زاد فيها جاز، وإذا لبى فقد أحرم: يعنى مع النية. لأن العبادة لا تتأتى إلا بالنية ولا يصير شارعا فى الإحرام بمجرد النية ما لم يأت بالتلبية وعن أبى يوسف يصير شارعا بالنية وحدها من غير تلبية. ودليل من ذهب إلى اشتراط التلبية قول الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولى الألباب ((25) قال ابن عباس - رضى الله عنه -: فرض الحج الإهلال. وقال ابن عمر- رضى الله عنه-: التلبية وقالت عائشة - رضى الله عنها -: لا إحرام إلا لمن أهل أو لبى، والإهلال رفع الصوت بالتلبية، ولأن الحج يشتمل علي أركان فوجب أن يشترط فى تحريمه ذكر يراد به التعظيم كالصلاة (26) .قال المالكية عن كيفية الإحرام: تجرد ذكر من محيط سواء كان الذكر مكلفا أم لا، والخطاب يتعلق بولى الصغير والمجنون، وسواء كان المحيط بخياطة كالقميص والسراويل أم لا، كنسج أو صياغة، أو بنفسه، كجلد سلخ بلا شق والأنثى لا يجب عليها التجرد إلا فى نحو أساور، ووجب علي المحرم المكلف ذكر أو أنثى تلبية، ووجب وصلها به (أى بالإحرام) ويسن للإحرام غسل متصل به متقدم عليه، فإن تأخر إحرامه كثيرا أعاد الغسل، ولا يضر فصل بسد رحاله وإصلاح حاله وسن لبس إزار بوسطه ورداء على كتفيه ونعلين فى رجليه (27) . وقال الخرشى: ظاهر كلام خليل أن السنة الإحرام عقب نفل، ولذا قال: والفرض مجز، والمستحب أن يكون أثر نافلة ليكون للإحرام صلاة تخصه (28) . ويندب للمحرم إزالة شعثه قبل الُغسل بأن يقص أظافره وشاربه ويحلق عانته وينتفه شعر إبطه ويرجل شعر رأسه أو يحلقه إن كان من أهل الحلاق ليستريح من ضررها وهو محرم (29) . مذهب الشافعية: قال الشافعية: ويستحب للمحرم أن يغتسل، لما روى زيد بن ثابت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم اغتسل لإحرامه، وان كانت امرأة حائضا أو نفساء اغتسلت للإحرام، لما روى القاسم بن محمد أن أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبى بكر رضى الله عنهما بالبيداء، فذكر ذلك أبو يكر رضى الله تعالى عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " مروها فلتغتسل، ثم لتهل "، ولأنه غسل يراد للنسك فاستوى فيه الحائض والطاهر، ومن لم يجد الماء تيمم لأنه غسل مشروع، فانتقل منه إلى التيمم عند عدم الماء كغسل الجنابة. قال فى الأم: ويغتسل لسبعة مواطن وعدم منها الإحرام (30) ويسن أن يطيب مريد الإحرام بدنه ذكرا أم غيره، شابه أم عجوزا، خلية أم لا، للاتباع، ولا بأس باستدامته: أى الطيب بعد الإحرام. ويسن أن تخضب المرأة غير المحدة للإحرام يدها (31) . ويتجرد الرجل عن المخيط فى إزار ورداء أبيضين ونعلين، لما روى ابن عمر - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليحرم أحدكم فى أزار ورداء ونعلين، والمستحب أن يكون ذلك بياضا لما روى ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إلبسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خيار ثيابكم ". والمستحب أن يتطيب فى بدنه لما روت عائشة - رضى الله تعالى عنها - قالت: " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ويصلى المحرم ركعتين لما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنه وجابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى ذى الحليفة ركعتين ثم أحرم. قال الشافعى فى مذهبه القديم: الأفضل أن يحرم عقيب الركعتين (32) فينوى بقلبه وجوبا دخوله فى حج أو عمرة أو كليهما أو ما يصلح لشيء منهما، وهو الإحرام المطلق، ويلبى مع النية فينوى بقلبه ويقول بلسانه: نويت الحج مثلا، وأحرمت به الله تعالى، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ولا يجهر بهذه التلبية. ويندب أن يذكر فى هذه التلبية لا غيرها ما أحرم به، وهو الأوجه، وتبعه فى الأذكار ونقله فى الإيضاح عن الجوينى وأقره، والعبرة بما نواه لا بما ذكره فى تلبيته. ويُسَن أن يتلفظ بما يريده وأن يستقبل القبلة عند إحرامه وأن يقول: اللهم أحرم لك شعرى وبشرى ولحمى ودمى، فإن لبى بلا نية لم ينعقد إحرامه لخبر " إنما الأعمال بالنيات "، وإن نوى ولم يلب انعقد على الصحيح كسائر العبادات. ويندب لمريد الإحرام التنظيف بإزالة نحو شعر إبط وعانة وظفر ووسخ وغسل رأسه بسدر ونحوه، والقياس كما قاله الإسنوى تقديم هذه الأمور على الغسل (33) . مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: ويسن لمن يريد الإحرام تجرد من مخيط لأنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله، وأن يحرم فى أزار ورداء أبيضين نظيفين ونعلين لقوله صلى الله عليه وسلم: " وليحرم أحدكم فى ازأر ورداء ونعلين "، هذا إذا كان المحرم رجلا، أما المرأة فلها ليس المخيط فى الإحرام إلا القفازين، وأن يكون إحرامه عقب صلاة مكتوبة أو صلاة ركعتين نفلا (34) . ويسن له أن يغتسل ذكرا كان أو أنثى، ولو حائضا أو نفساء، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس، وهى نفساء، أن تغتسل، وأمر عائشة أن تغتسل لإهلال الحج وهى حائض، ويستحب لهما تأخير الغسل أن توقعتا الطهر قبل الخروج من الميقات وإلا اغتسلتا، ويحل التيمم محل الغسل عند عدم الماء أو تعذر استعماله. ويسن له أيضا أن يتنظف بإزالة الشعر كحلق العانة وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقطع الرائحة الكريهة، وان يطيب بدنه لا ثوبه بمسك أو بخور أو ماء ورد، ويستحب للمرأة الخضاب بالحناء. ويسن للمحرم أن يلبس ثوبين أبيضين نظيفين: إزار فى وسطه ورداء على كتفه. ويجوز إحرامه فى ثوب واحد، وعلى مريد الإحرام أن يتجرد عن المخيط ويلبس نعلين. ويبن أن يحرم عقب صلاة مكتوبة أو صلاة نفل ركعتين ندبا (35) . ويستقبل القبلة عند إحرامه. ويسن أن يعين نسكا من حج أو عمرة أو قران، ويلفظ به، فيقول: اللهم أنى أريد النسك (الحج مثلا) فيسره لى وتقبله منى، ونية النسك كافية فلا يحتاج معها إلى تلبية ولا سوق هدى، فلو لبى أو ساق الهدى من غير نية لم ينعقد احرامه. مذهب الظاهرية: قال ابن حزم الظاهرى: يتجرد من يريد الحج أو العمرة إن كان رجلا من ثيابه فلا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمامة ولا القلنسوة ولا جبة ولا برنسا ولا خفين ولا قفازين البتة. لكن يلتحف فيما شاء من كساء أو ملحفة أو رداء ويتزر ويكشف رأسه ويابس نعليه ولا يحل له أن يتزر ولا أن يلتحف فى ثوب صبغ كله أو بعضه بورس أو زعفران أو عصفر، فإن كان امرأة فلتلبس ما شاءت من كل ما ذكرنا أنه لا يلبسه الرجل وتغطى رأسها، إلا إنها لا تنتقب أصلا، لكن إما أن تكشف وجهها وأما أن تسدل عليه ثوبا من فوق رأسها فذلك لها إن شاءت ولا يحل لها أن تلبس شيئا صبغ كله أو بعض الورس أو زعفران ولها أن تلبس الخفاف والمعصفر، فإن لم يجد الرجل إزار فليلبس السراويل كما هى إن لم يجد نعلين فليقطع خفيه تحت الكعبين ولابد، ويلبسها كذلك. واستدل على هذأ كله بأحاديث، وقال ويستحب الغسل عند الإحرام للرجال والنساء، وليس فرضا إلا على النفساء وحدها لما روى عن أسماء بنت عميس أنها ولدت محمد بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه بالبيداء فذكر أبو بكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " مرها فلتغتسل ثم تهل ". ويستحب للمرأة والرجل أن يتطيبا عند الإحرام بأطيب ما يجدانه من الغالية والبخور بالعنبر وغيره، ثم لا يزيلانه عن أنفسهما ما بقى عليهما (36) ويستحب أن يكثر من التلبية الإحرام فما بعده دائما فى حال وعلى كل حال يرفع الرجل والمرآة صوتهما بها وهو فرض ولو مرة (37) مذهب الزيدية: قال الزيدية: يندب قبل الإحرام ستة أمور: قلم الظفر ونتف الإبط،وحلق الشعر والعانة، أو التيمم للعذر المانع من الغسل والتيمم لغير الحائض،ويندب لها الغسل ولو كانت حائضا، لآن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس لما وصلت إلى ذى الحليفة فولدت محمد بن أبى بكر، فسألت رسول صلى علية وسلم: كيف أصنع، فقال لها: " اغتسلى واستثفرى بثوب وأحرمى" وقال لعائشة - رضى الله عنها - حين حاضت وكانت مهله بعمرة "انقضى رأسك،أو مشطى واغتسلى "،ثم بعد الغسل لبس جديد إن وجده، أو غسيل إن لم يجد الجديد ويكون ذلك إزارا وداء أبيضين أو مصبوغين بغير زينة وأن يكون عقد إحرامه عقب صلاة فرض وإن لم يتفق الفرض فركعتان يصليهما بعد الغسل ولبس ثوبى إحرامه. ثم يقول بعد الصلاة اللهم إني أريد الحج والقرآن أو العمرة متمتعا بها إلى الحج،فيسر ذلك بها إلى الحج، فيسر ذلك لى وتقبله منى ثم قال فى شرح الأزهار: ولابد مع النية من تلبية لفعله صلي الله عليه وسلم حين نوى وقوله لعائشة رضى الله عنها " امتشطى وأهلى " والإهلال التلبية، وأكثر العترة على أن التلبية لا تتعين، بل يغنى عتها أى ذكر وتعظيم، إذ القصد الذكر المقتضى للتعظيم، والأصل فى النية المقارنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " والباء للمصاحبة والإلصاق، وتجزىء المخالطة للتلبية والمقارنة أن يكون آخر جزء من النية مقارنا لأول الآية إذ لا يتصور خلافه (38) مذهب الإمامية: قال الإمامية: الكيفية تشتمل على الواجب والندب. والواجب ثلاثة. النية وهى أن يقصد بقلبه إلى الجنس من الحج أو العمرة، والنوع من التمتع أو غيره، والصفة من وأجب أو غيره. الثانى: التلبيات الأربع، ولا ينعقد الإحرام للمفرد والمتمتع إلا بها، وأما القارن فله أن يعقد بها أو بالأشعار أو التقليد على الأظهر، وما زاد على الأربع مستحب الثالث: لبس ثوبى الإحرام وهما واجبان، والمعتبر ما يصح الصلاة فيه للرجل، ويجوز لبس القباء مع عدمها مقلوبا، وفى جواز لبس الحرير للمرآة روايتان للمرأة أشهرهما المنع، ويجوز أن يلبس أكثر من ثوبين وأن يبدل ثياب إحرامه ولا يطوف إلا فيهما استحبابا. والندب رفع الصوت بالتلبية للرجل إذا علت راحلته البيداء، وإن كان راجلا فحيث يحرم، وتكرارها إلى يوم عرفة عند الزوال للحاج وللمعتمر بالمتعة حتى يشاهد بيوت مكة. وللمفرد إذا دخل الحرم إن كان أحرم من خارجه، وحتى يشاهد الكعبة إن أحرم من الحرم، والتلفظ بما يعزم عليه والاشتراط أن يحله حيث حبسه وأن يحرم فى الثياب القطن، وأفضله البيض، وإذا أحرم الولى بالصبى فعل به ما يلزم المحرم (39) . مذهب الإباضية: قال الإباضية: وسن اغتسال الإحرام بحج أو عمرة أو بهما وجوز الوضوء فقط ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين لم يلبسا يعد غسلهما لا مخيطين ولا ضير بثياب لبست لا متنجسة إلا أن أحرم بلا صلاة عند مجيز ذلك، وركعتان إن لم يحضر وقت مكتوبة، وجاز أثرها ويعقد نية الإحرام، ويلبى ثلاثا فى مجلسه ثم يقوم، ومن لم يلب لم يدخل فى حج ولم يصح إحرامه، فالتلبية افتتاحه كالتكبير فى الصلاة وكيفية لبس الثوبين أن يبسطهما ثم يلتحف بهما جميعا ولا بلبس أحدهما ويلتحف عليه بالآخر لأن ذلك يشبه الاحتزام به وإن لبس إزارا وهو ما كان من الحقو لا أسفل، ورداء وهو ما عم البدن كله فوقه جاز، وتجوز المغالاة فى ثياب الإحرام، ويحظر الإعجاب والتكبر، وينبغى الإحرام فى ثوبين وأن يكون ذلك بثياب طاهرة لا مخيطين دخل فى خياطتهما، وإن لم يدخل فى خياطة الثوب فلا بأس مثل أن يكون وجها لجبة أو القميص من جهة واحدة أو يجعل عمة البرنوس خلف بلا إدخال رأسه ولو ضمهما بيده قدامه وجمعهما، ولا ضير بثياب لبست وان دنست وكانت على جسده حتي أحرم بها ويلبس نعلين (40) مواقيت الإحرام وهى الأماكن التي تقال على مواقيت الإحرام التي لا يصح أن يتجاوزها الحاج أو المعتمر إلا محرما، وهى بهذا المعني متفق عليها بين المذاهب آلا فى بعض الفروع. مذهب الشافعية: قال الحنفية: الميقات المكانى يختلف باختلاف الناس فإنهم ثلاثة أصناف: آفاقى وحلى، وهو من كان داخل المواقيت، وحرمى، وهى خمسة مواقيت: ذو الحليفة، وذات عرق، وجحفة، وقرن، ويلملم. للمدنى والعراقى والشامى والنجدى واليمنى على نفس الترتيب، وكذا هى لمن مر بها من غير أهلها كالشامى يمر بميقات أهل المدينة فهو ميقاته لحديث النبى صلى الله عليه وسلم على ما يرويه ابن عباس - رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق، وقال صلى الله عليه وسلم:" هن لأهلهن ولمن مر بهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة ". وهذه المواقيت لأهل الأفاق وهم الذين منازلهم خارج المواقيت، وهم الصنف الأول، وأما الصنف الثانى فميقاتهم للحج أو العمرة دويرة أهلهم (والدويرة الدار) أو حيث شاءوا من الحل يبن دويرة أهلهم وبين الحرم لقول الله عز وجل: (وأتموا الحج والعمرة لله ((41) عن على وابن مسعود - رضى الله عنهما - أنهما قالا حين سئلا عن هذه الآية الكريمة إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، فلا يجوز لهم أن يجاوزوا ميقاتهم للحج أو العمرة إلا محرمين. والحل الذى بين دويرة أهلهم وبين الحرم كشىء واحد، فيجوز إحرامهم إلى آخر أجزاء الحل، كما يجوز إحرام الآفاقى من دويرة أهله إلى آخر أجزاء ميقاته، وأما الصنف الثالث فميقاتهم للحج الحرم وللعمرة الحل للإجماع، فيحرم المكى من دويرة أهله للحج، أو حيث شاء من الحرم ويحرم للعمرة من الحل وهو التنعيم أو غيره. أما الحج فللآية وهى قول الله عز وجل: (وأتموا الحج والعمرة لله (، ومما جاء فيها عن على وابن مسعود - رضى الله عنهما - وأما العمرة فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الإفاضة من مكة دخل. على عائشة رضى الله عنها وهى تبكى فقالت أكُل نسائك يرجعن بنسكين وأنا أرجع بنسك واحد، فأمر أخاها عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما إن يعتمر بها من التنعيم، ولأن من شأن الإحرام أن يجتمع فى أفعاله الحل والحرم فلو أحرم المكى بالعمرة من مكة وأفعال العمرة تؤدى بمكة لم يجتمع فى أفعالها الحل والحرم، بل يجتمع كل أفعالها فى الحرم، وهذا خلاف عمل الإحرام فى الشرع والأفضل أن يحرم من التنعيم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم منه، وكذا أصحابه رضى الله عنهم كانوا يحرمون بعمرتهم منه، وكذلك من حصل فى الحرم من غير أهله فأراد الحج أو العمرة فحكمه حكم أهل الحرم، لأنه صار منهم، ولو مر صاحب ميقات من المواقيت بميقاتين فإحرامه من الأبعد أفضل ولو أخره إلى الثانى لا شىء عليه فى المذهب، ومن سلك بين ميقاتين فى البر أو البحر اجتهد وأحرم إذا حاذى ميقاتا منهما ومن كان خارج الميقات وأراد أن يدخل مكة فعليه أن يحرم وإن لم يقصد الحج أو العمرة لما رواه ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام " لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فيستوى فيه التاجر والمعتمر وغيرهما ومن كان داخل الميقات ولا يريد الحج أو العمرة فله أن يدخل مكة بغير إحرام لحاجته لأنه يكثر دخوله مكة، وفى إيجاب الإحرام فى كل مرة حرج بين فألحقوا بأهل مكة حيث يباح لهم الدخول بغير إحرام بعدما خرجوا منها لحاجة، لأنهم حاضروا المسجد الحرام، وجاز تقديم الإحرام على المواقيت، بل هو الأفضل، ولا يجوز عكسه وهو تأخيره عن هذه المواقيت على ما يجىء فى موضعه (42) . وما روى عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوما فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، لا يستدل به علي إسقاط الإحرام عمن كان خارج الميقات، ولم يقصد الحج أو العمرة لأن ما رواه جابر كان مختصا بتلك الساعة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم: " مكة حرام لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدى، وإنما أحلت لى ساعة من نهار ثم عادت حراما " يعنى الدخول بغير إحرام، لإجماع المسلمين على حل الدخول بعد النبى صلي الله عليه وسيم للقتال. مذهب المالكية: قال المالكية: ومكانه - أى الإحرام للحج غير القرآن - يختلف باختلاف الحاجين، فهو بالنسبة لمن بمكة سواء كان من أهلها ام لا، وأقام بها إقامة لا تقطع حكم السفر، مكة، أى الأولى له أن يحرم من مكة فى أى مكان منها ومثله من فى منزله فى الحرم خارجها، وندب إحرامه بالمسجد الحرام أى فيه موضع صلاته،. وندب خروج الأفاقى المقيم بها ذى النفس أى الذى معه نفس، أى سعة زمن يمكن الخروج فيه لميقاته وأدرك الحج لميقاته ليحرم منه، فإن لم يخرج فلا شىء عليه،. ومكانه للعمرة لمن بمكة وللقران أى الإحرام للعسرة والحج معا الحل ليجمع فى إحرامه لها بين الحل والحرم إذ هو شرط فى كل إحرام، ويصح الإحرام لها وللقرآن بالحرم وإن لم يجز ابتداء وخرج وجوبا للحل للجمع فى إحرامه بين الحل والحرم ومكانه لغير من بمكة من أهل الأفاق للحج والعمرة ذو الحليفة (تصغير حلفة بالنسبة لمدنى ومن وراءه ممن يأتى علي أهل المدينة، والجحفة للمصرى ومثله أهل المغرب والسودان والروم والشام، ويلملم لليمن والهند، وقرن (بسكون الراء المهملة لنجد، وذات عرق بكسر العين وسكون الراء) للعراق وخراسان ونحوهما كفارس والمشرق ومن وراءهم ومكانه لهما مسكن من أى بالنسبة لمن يسكن بين هذه المواقيت وبين مكة، وكان خارج الحرم أو فى الحرم وافرد، فإن قرن أو اعتمر خرج منه آلي الحل لأن كل إحرام لابد فيه من الجمع بين الحل والحرم. والمفرد يقف بعرفة وهى من الحل ومكانه أيضا حيث حاذى المار وأحدا من هذه المواقيت كرابغ، فإنها تحاذى الجحفة على المعتمد، أو مر به وان لم يكن من أهله ولو كان المحاذى ببحر كالمسافر من جهة مصر ببحر السويس فإنه يحاذى الجحفة قبل وصوله جدة فيحرم بالبحر حين المحاذاة إلا كمصرى من كل من ميقاته الجحفة يمر ابتداء بالحليفة ميقات أهل المدينة فيندب له الإحرام منها، ولا يجب، لأنه يمر على ميقات الجحفة بخلاف غيره، ولذا لو أراد المصرى أن يمر من طريق أخرى غير طريق الجحفة لوجب عليه الإحرام من ذى الحليفة كغيره. ثم قال: وواجب على كل مكلف حر أراد دخول مكة ألا يدخلها إلا بإحرام لأحد النسكين. ثم قال الخرشى: يندب لمريد الإحرام من أى ميقات أن يحرم من أوله ولا يؤخره لأخره، لأن المبادرة بالطاعة أولى (43) مذهب الشافعية: ثم قال الشافعية: الميقات المكانى للحج ولو بقران فى حق من بمكة وان لم يكن من أهلها نفس مكة وقيل كل الحرم لأن مكة وسائر الحرم فى الحرمة سواء (44) . وأما غيره وهو من لم يكن بمكة عند إرادته الحج فميقاته مختلف بحسب النواحى، فميقات المتوجه من المدينة ذو الحليفة، وهو المعروف الآن بأبيار على، وهو على نحو ثلاثة أميال من المدينة، وقيل إنها علي ستة أميال والمتوجه من الشام ومصر والمغرب " الجحفة "، قرية كبيرة بين مكة والمدينة، وهى على ستة مراحل من مكة. ومن تهامة اليمن، وهى كل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز " يلملم "، وهى على مرحلتين من مكة ومن نجد اليمن ونجد الحجاز " قرن " وهو جبل على مرحلتين من مكة ومن المشرق العراق وغيره " ذات عرق " وهى قرية على مرحلتين من مكة. والأصل فى المواقيت خبر الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم. وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة، وتوقيت عمر رضى الله عنه ذات عرق لأهل العراق اجتهاد منه وأفق النص (45) والأفضل أن يحرم من أول الميقات وهو طرفه الأبعد عن مكة لا من وسطه ولا أخره ليقطع الباقى محرما. قال السبكى: إلا ذا الحليفة فينبغى أن. يكون إحرامه من المسجد الذى أحرم منه النبى صلى الله عليه وسلم أفضل0قال الأذرعى: وهذا حق، إن علم أن ذلك المسجد هو الموجود آثاره اليوم، والظاهر أنه هو، ويجوز من آخره لوقوع الاسم عليه، ومن سلك طريقا لا ينتهى إلى ميقات مما ذكر فإن حاذى ميقاتا منها يمنة أو يسرة سواء أكان فى البر أم فى البحر لا من ظهره أو وجهه لأن الأول وراءه، والثانى إمامه أحرم من محاذاته لما صح أن عمر - رضى الله عنه - حد لأهل العراق ذات عرق لما قالوا له إن قرنا المؤقت لأهل نجد جور أى مائل عن طريقنا وان أردناه شق علينا ولم ينكره عليه أحد فإن أشكل عليه الميقات أو موضع محاذاته تحرى إن لم يجد من يخبره عن علم ولا يقلد غيره فى التحرى إلا أن يعجز عنه كالأعمى. والأفضل لمن فوق الميقات أن يحرم من دويرة أهله لأنه كثر عملا، إلا الحائض ونحوها، فالأفضل لها الإحرام من الميقات وفى قول الأفضل أن يحرم من الميقات تأسيا به صلى الله عليه وسلم فى الإحرام منه (46) . ومن حاذى ميقاتين على الترتيب أحرم من الأول أو معا أحرم من أقربهما إليه، وإن كان الآخر أبعد إلى مكة إذ لو كان أمامه ميقات فإنه ميقاته وأن حاذى ميقاتا أبعد فكذا ما هو بقربه، فإن استويا فى القرب إليه فالأصح أنه يحرم من محاذاة أبعدهما من مكة، وإن حاذى الأقرب إليها أولا كان كأن الأبعد مشرفا أو وعرا، فإن استويا فى القرب إليها وإليه أحرم من محاذاتهما أن لم يحاذ أحدهم قبل الآخر وإلا فمن محاذاة الأول ولا ينتظر محاذاة لآخر كما أنه ليس للمار علي ذى الحليفة أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة ومقابل الأصح فى كلام المصنف انه يتخير، فإن شاء احرم من الموضع المحاذى لأبعدهما، وإن شاء لأقربهما (47) ولما صح أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بحجته وبعمرة الحديبية من الحليفة، وإنما جاز قبل الميقات المكانى دون الزمانى لأن تعلق العبادة بالوقت أشد منه بالمكان ولأن المكانى يختلف باختلاف البلاد بخلاف الزمانى، والأفضل للمكى الإحرام منها، وألا يحرم من خارجها من جهة اليمن، وينبغى ألا يكون إحرام المصريين من رابغ مفضولا، وأن كانت قبل الميقات لأنه لعذر وهو إبهام الجحفة على أكثرهم وعدم وجود ماء فيها وخشية من قصدها علي ماله ونحوه. وميقات العمرة المكانى لمن هو خارج الحرم ميقات الحج للخبر المار فيمن أراد الحج والعمرة. ومن هو بالحرم مكيا أو غيره يلزمه الخروج إلى أدنى الحل ولو بخطوة (أى بقليل) من أى جانب شاء للجمع فيها بين الحل والحرم، لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم عائشة بالخروج إليه للإحرام بالعمرة مع ضيق الوقت برحيل الحاج فإن لم بخرج إلى أدنى الحل وأتى بأفعال العمرة بعد إحرامه بها فى الحرم انعقدت عمرته جزما وأجزأته هذه العمرة عن عمرته فى الأظهر لانعقاد إحرامه وإتيانه بالواجبات (48) مذهب الحنابلة: قال الحنابلة الميقات المكانى، ميقات أهل المدينة من ذى الحليفة وأهل الشام ومصر والمغرب من الجحفة وأهل اليمن من يلملم وأهل الطائف ونجد من قرن وأهل المشرق والعراق وخراسان ذات عرق وميقات أهل نجد اليمن ونجد الحجاز 0 والطائف من قرن، وهذه المواقيت كلها ثابتة بنص حديث ابن عباس السابق ذكره وهى لأهلها المذكورين ولمن مر عليها من غير أهلها ومن كان منزله دون الميقات فميقاته من موضعه، يعني إذا كان مسكنه اقرب إلى مكة من الميقات كان ميقاته مسكنه، وإذا كان الميقات قرية فانتقلت إلى مكان آخر فموضع الإحرام من الأولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية لأن الحكم تعلق بذلك أرضع فلا يزول بخرابه. وقد رأى سعيد بن جبير - رضى الله عنه- رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق فأخذ بيده حتى خرج من البيوت وقطع الوادى فأتى به المقابر، فقال: هذه ذات عرق الأولى. وميقات أهل مكة أو من كان بها إذا أرادوا الإحرام بالحج هو مكة فإذا أرادوا العمرة فمن الحل لا نعلم فى هذا خلافا ولذلك أمر النبى صلي الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما أن يعمر عائشة من التنعيم متفق عليه فإن أحرم أهل مكة، وحرمها من مكة أو من الحرم انعقد إحرامهم بالعمرة لأهليتهم له، ومخالفة الميقات لا تمنع الانعقاد. ثم إن خرج إلى الحل قبل إتمام العمرة ولو بعد الطواف أجزأته عمرته عن عمرة الإسلام، فإن أحرم من مكة أو الحرم قارنا فلا دم عليه لأجل إحرامه بالعمرة من مكة تغليبا للحج على العمرة، ومن لم يمر بميقات أحرم إذا علم أنه حاذى أقربها منه لقول عمر - رضى الله عنه-: " انظروا إلى خدرها من قديد" (واد وموضع) . والأفضل الإحرام من أوقات، فإن أحرم قبله فلا خلاف فى أنه يصير محرما تثبت فى حقه أحكام الإحرام. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم، ولكن يكره له ذلك. أما من أراد دخول الحرم إلى مكة أو غيرها، فإن كان يدخلها لقتال مباح أو خوف أو حاجة متكررة كالحشاش والحطاب وناقل الميرة فلا إحرام عليه. أما المكلف الذى يدخل لغير قتال ولا حاجة متكررة فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم إلا أن من لا حج عليه كالعبد والصبى والكافر إذا اسلم الكافر أو عتق العبد أو بلغ الصبى بعد مجاوزته الميقات وأرادوا الإحرام فإنهم يحرمون من موضعهم لأنهم أحرموا من الموضع الذى وجب عليهم الإحرام منه، فأشبهوا المكى (49) مذهب الظاهرية: قال ابن حزم الظاهرى: للحج والعمرة مواضع تسمى المواقيت، لا يحل لأحد أن يحرم بالحج ولا بالعمرة قبلها، وهى لمن جاء من جميع البلاد على طريق المدينة أو كان من أهل المدينة ذو الحليفة، ولمن جاء من جميع البلاد أو من الشام أو من مصر على طريق مصر أو على طريق الشام الجحفة، ولمن جاء من طريق العراق منها ومن جميع البلاد ذات عرق، ولمن جاء على طريق نجد من جميع البلاد كلها قرن، ولمن جاء عن طريق اليمن منها أو من جميع البلاد يلملم. برهان ذلك ما روى عن عائشة - رضى الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل اليمن يلملم. وعن ابن عباس رضى أن عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر المواقيت ومنها، ولأهل نجد قرن المنازل، أما من جاوزه وهو لا يريد حجا ولا عمرة، فليس عليه أن يحرم، فإن تجاوزه بقليل أو بكثير ثم بدا له فى الحج أو فى العمرة فليحرم من حيث بدا له فى الحج أو العمرة وليس عليه أن يرجع إلى الميقات، ولا يجوز الرجوع إليه وميقاته حينئذ الموضع الذى بدا له فى الحج أو العمرة فلا يحل له أن يتجاوزه إلا محرما، أما من كان منزله بين الميقات ومكة فميقاته من منزله أو من الموضع الذى بدا له أن يحج منه أو يعتمر ومن كان طريقه لا تمر بشىء من هذه المواقيت فليحرم من حيث شاء. ودخول مكة بلا إحرام جائز، لأن النبى "صلى الله عليه وسلم" إنما جعل المواقيت لمن مر بهن يريد حجا أو عمرة ولم يجعلها لمن لم يرد حجا ولا عمرة، فلم يأمر الله تعالى قط ولا رسوله "صلى الله عليه وسلم" بألا يدخل مكة إلا بإحرام، فهو إلزام ما لم يأت فى الشرع إلزامه. والدليل ماروى أن ابن عمر رضى الله عنه أنه رجع من بعض الطريق فدخل مكة غير محرم. وعن ابن شهاب: لا بأس بدخول مكة بغير إحرام، ومن أراد العمرة وهو بمكة إما من أهلها أو من غير أهلها ففرض عليه أن يخرج للإحرام بها إلى الحل ولابد، فيخرج إلى أى حل شاء ويهل بها لأن رسول الله" صلى الله عليه وسلم" أمر عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما بالخروج من مكة إلى التنعيم ليعتمر منه واعتمر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" من الجعرانة فوجب ذلك فى العمرة خاصة (50) مذهب الزيدية: قال الزيدية: الميقات المكانى عندهم هو ذو الحليفة لمن جاء من ناحية المدينة، والجحفة للشامى، وقرن للنجدى، ويلملم لليمنى، وذات عرق للعراقى، والحرم للحرمى المكى، ولمن كان مسكنه خلف هذه المواقيت (أى بينها وبين مكة) أن يجعل ميقاته داره.. وهذه المواقيت هى لأهل هذه البلاد التى ضربت لهم ولمن ورد عليها من غير أهلها فهى ميقات له كذلك. وميقات المكى مكة يهلون منها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " أهل مكة يهلون من مكة " والأفضل من باب داره أو قرب الكعبة. وميقات المعتمر الحل، والأفضل من الجعرانة لإحرام النبى "صلى الله عليه وسلم " منها سنة موازن، ثم التنعيم، ثم الحديبية، إذا أراد أن يعتمر منها ثم مساجد عائشة. أو مسجد الشجرة، وقيل الحديبية أفضلها لبعده 0 وإن أحرم لها من مكة فوجهان، ومن لزمه الحج بعد ترك هذه المواقيت كصبى يبلغ أو كافر يسلم فإن ميقاته موضعه، فإن كان بمكة أحر م منها، وأن كان بمنى استحب له الرجوع إلى مكة ليحرم منها إذا كان لا يخشى فوات الوقوف بذلك وإلا أحرم منها. ويجوز تقديم الإحرام على مكانه إلا لمانع، وهو أن يخشى أن يقع فى شىء من المحظورات لطول المدة فإنه لا يجوز له التقديم، والدائم على الخروج والدخول آلي مكة كالحطاب وجالب اللبن ونحوهم. واختلف فى الدائم فقال فى الانتصار هو من يدخل فى الشهر مرة، وعن المهدى من يدخلها فى العشر مرة، فهذا لا إحرام عليه، كما أنه لا إحرام على الإمام إذا دخل لحرب الكفار وقد التجئوا إلى مكة ومن كان عليه طواف الزيارة وأراد الدخول لقضائه فإنه لا يلزمه الإحرام (51) مذهب الإمامية: قال الإمامية: المواقيت التى وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الآفاق ستة: ذو الحليفة، وهو الحلفة، والمراد الموضع الذى فيه الماء وبه مسجد الشجرة والإحرام منه أفضل وأحوط للتأسى، وقيل بل يتعين منه لتفسير ذى الحليفة به فى بعض الأخبار، والجحفة وهى الآن لأهل مصر، ويلملم لليمن،، وقرن المنازل للطائف، والعقيق، وهو واد طويل يزيد على بريدين للعراق، وأفضله المالخ، وهو أوله من جهة العراق، ثم يليه فى الفضل غمرة، وهو فى وسط الوادى، ثم ذات عرق وهى آخره إلى جهة المغرب، وميقات حج التمتع مكة وحج الأفراد منزله لأنه أقرب إلى عرفات من الميقات مطلقا، وكل من حج على ميقات كالشامى يمر بذى الحليفة فهو له وان لم يكن من أهله. ولو تعددت المواقيت فى الطريق الواحد كذى الحليفة والجحفة والعقيق بطريق المدنى أحرم من أولها مع الاختيار، ومن ثانيها مع الاضطرار كمرض يشق معه التجريد وكشف الرأس أو ضعف أو حر أو برد بحيث لا يتحمل ذلك عادة، ولو حج على غير ميقات كفته المحاذاة للميقات وهى مسامتته إلى قاصد مكة عرفا إن اتفقت ولو لم يحاذ ميقاته أحرم من قدر تشترك فيه المواقيت، ولا يصح الإحرام قبل الميقات ألا بالنذر وشبهه من العهد واليمين (52) مذهب الإباضية: قال الإباضية: المواقيت لأهل المدينة ومن سلك طريقهم ذو الحليفة، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن ومن سلك طريقهم يلملم، ولأهل العراق ذات عرق عند الجمهور، وقيل ميقاتهم العقيق، ولا خلاف فى لزوم الإحرام منها، أى من المواقيت، أى من إحداها، لمار بها إذا أراد حجا أو عمرة. وإلا فقيل: يلزمه إن لم يكثر ترددا كحطاب، وقيل مطلقا. ومن حاذى ميقاتا فى بر أو بحر فميقاته المحاذاة، فالجحفة مثلا ميقات من سلك من أهل المغرب طريق الساحل، فمن مر بها أو عن يمينها أو يسارها أو فى البر أو فى البحر. وهذه المواقيت المذكورة لغير مكى يقيم بها، ولو أقام اقل من سنة أما من كان مكيا أو مقيما بها فيحرم بحج من مكة، ويحرم للعمرة إلى الحل من التنعيم أو من الجعرانة أو من الحديبية وهو الأفضل. ومن قصدها لتجر أو لغيره كقراءة بغير إحرام أساء ولا دم، وقيل أساء وعليه دم، وهو قول الربيع. وعلى الحطاب ومن كثر تردده طواف بعد أن يدخل مكة بلا إحرام، وقيل لا إساءة ولا دم، وجاز لأهل كل ناحية أن يحرم وإن كان إحرامه من ميقات غيره سواء جاء من ناحية ميقات غيره بدون أن يجاوز ميقات نفسه أو جاوز ميقاته ثم أحرم من ميقات غيره (53) . الميقات الزمانى للإحرام مذهب الحنفية: قال الحنفية: أشهر الإحرام بالحج هى أشهر الحج وهى شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذى الحجة عند الإمام ومحمد - رضى الله عنهما- لما روى عن العبادلة الثلاثة وهم: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، كذلك عن عبد الله بن الزبير. وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يوم الحج اكبر هو يوم النحر "، فكيف يكون يوم الحج الأكبر ولا يكون من شهره، ولأن وقت الركن وهو طواف الزيارة يدخل وقته بطلوع الفجر من يوم النحر، فكيف يدخل وقت ركن والحج يعدما خرج الوقت. وعن أبى يوسف رحمه الله قال: شوال وذو القعدة وعشر ليال وتسعة أيام من ذى الحجة، لأن من لم يدرك بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فحجه فائت "، ولو كان وقته باقيا لما فات، وعشرة من ذى الحجة التي رويت، ولم يذكر فيها المعدود يحتمل أن يراد بها الأيام، ويحتمل أن يراد بها الليإلى كما هى القاعدة اللازمة فى تذكير أحد وتأنيثه. أما الإحرام بالعمرة فليس له أشهر معينة لما روى عن عطاء رحمه الله أنه قال من أحرم بالحج قبل أشهر الحج فليجعلها عمرة (54) وندبت فى رمضان لما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما -: " عمرة فى رمضان تعدل حجة" وكرهت تحريما يوم عرفة قبل الزوال وبعده وهو المذهب، خلافا لما روى عن أبى يوسف رحمه الله أنها لا تكره فيه قبل الزوال، ويكره أيضا انشاؤها بالإحرام أربعة أيام بعدها، أى بعد عرفة، ويزاد على الأيام الخمسة كراهة فعلها فى أشهر الحج لأهل مكة ومن بمعناهم، أى من المقيمين ومن فى داخل الميقات، لأن الغالب عليهم أن يحجوا فى سنتهم فيكونوا متمتعين وهم عن التمتع ممنوعون، وبالنسبة للمكى لا منع له عن العمرة المفردة فى أشهر للحج إذا لم يحج فى تلك السنة (55) مذهب المالكية: ووقت الإحرام المأذون فيه شرعا للحج أى ابتداء وقته شوال من أول ليلة عيد الفطر ويمتد لفجر يوم النحر، فمن احرم قبل فجره بلحظة وهو بعرفة فقد أدرك الحج وبقى عليه الإفاضة والسعى بعدها ووقت الإحرام للعمرة أبدا، أى فى أى وقت من العام إلا المحرم بحج فلا يصح إحرامه بعمرة إلا إذا فرغ من جميع أفعاله من طواف وسعى ورمى لجميع الجمرات، إن لم يتعجل وبقدر رميها من اليوم الرابع بعد الزوال إن تعجل، وكره الإحرام بها بعده، أى بعد رميه اليوم الرابع للغروب منه فإن أحرم بها بعده وقبل الغروب صح إحرامه وأخر وجوبا طوافها وسعيها بعده، أى الغروب، وإلا لم يعتد بفعله على المذهب وأعادهما بعده، وإلا فهو باق علي إحرامه أبدا. وقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه تعليقا علي قول خليل ووقته للحج شوال لفجر يوم النحر ويمتد زمن الإحلال منه لأخر الحجة، وليس المراد أن جميع الزمن الذى ذكر وقت لجواز الإحرام لأنه يكره بعد فجر يوم النحر لأنه حينئذ إحرام للعام القابل قبل وقته (56) مذهب الشافعية: قال الشافعية: وقت إحرام الحج لمكى أو غيره شوال وذو القعدة وعشر ليال بالأيام بينها وهى تسعة. فقد قال الشافعى فى مختصر المزنى: أشهر الحج شوال وذو القعدة وتسع من ذى الحجة، وهو يوم عرفة، فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج. وجميع السنة وقت لإحرام العمرة، وجميع أفعالها لخبر الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث مرات متفرقات فى ذى القعدة، أى فى ثلاثة أعوام، وأنه اعتمر عمرة فى رجب كما رواه ابن عمر، وأنه قال: " عمرة فى رمضان تعدل حجة"، وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر فى رمضان وفى شوال فدلت السنة على عدم التأقيت (57) . مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة، فيوم النحر منها، وهو يوم الحج الأكبر. وقال صاحب كشاف القناع: من طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة ولو لعذر فاته الحج (58) . وميقات العمرة الزمانى جميع العام لعدم المخصص لها بوقت دون آخر، ولا يلزمه الإحرام بالعمرة يوم النحر ولا يوم عرفة ولا أيام التشريق (59) مذهب الظاهرية: قال ابن حزم الظاهرى: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة. قال الله تعالى "الحج أشهر معلومات " (60) ، ولا يطلق على شهرين وبعض آخر أشهر، وأيضا فإن رمى الجمار- وهو من أعمال الحج يعمل اليوم الثالث عشر من ذى الحجة، وطواف الإفاضة- وهو من فرائض الحج يعمل فى ذى الحجة كله بلا خلاف منهم، فصح أنها ثلاثة أشهر، وظاهر من أن الحج عرفة أن وقت الإحرام يمتد آلي ما قبل وقت الوقوف بعرفة كما سيأتى بعد فى كلامه عن الإحرام قبل أشهر الحج، أما العمرة فهى جائزة فى كل وقّتّ من أوقات السنة، وفى كل يوم من أيام السنة وفى كل ليلة من لياليها لا تحاش شيئا برهان ذلك ما روى عن عائشة - رضى الله عنها - أنها اعتمرت ثلاث مرات فى عام واحد (61) مذهب الزيدية: قال الزيديه: الميقات الزمانى، قال فى البحر: ووقته شوال والقعدة وكل العشر الأولى من ذى الحجة، وأما ميقات العمرة الزمانى فقال فى البحر: ولا تكره فى وقت من الأوقات إلا فى أشهر الحج وأيام التشريق، وذلك لغير المتمتع والقارن، فلا تكره لهما إلا فى أشهر الحج (62) مذهب الإمامية: قال الإمامية: أشهر الحج هى شوال وذو القعدة وذو الحجة، وقيل وعشر من ذى الحجة، وقيل تسع، وحاصل الخلاف إنشاء الحج فى الزمان الذى يعلم إدراك المناسك فيه، وما زاد يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج كالطواف والسعى والذبح وأن يأتى بالحج والعمرة فى عام واحد (63) مذهب الإباضية: قال الإباضية: الميقات الزمانى أصله قول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولى الألباب ( فقيل شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل شهران وعشرة أيام، أى ليال من ذى الحجة، أو غلب الأيام، والمقصود الليإلى بدخول ليلة العاشر وأما العمرة فيصح الإحرام بها فى كل شهر من شهور السنة (64) . الإحرام قبل أشهر الحج مذهب الحنفية: قال الحنفية: ويكره الإحرام للحج قبل أشهره، وإن أمن على نفسه من المحظور، وإطلاق الكراهة يفيد التحريم وبه قيدها القهستانى ونقل عن التحفة الإجماع على الكراهة، وبه صرح فى البحر من غير تفصيل بين خوف الوقوع فى محظور أولا 0 قال: ومن فصل كصاحب الظهيرية قياسا على الميقات المكانى فقد أخطأ، لكن نقل القهستانى أيضا عن المحيط التفصيل ثم قال: وفى النظم عنه أنه يكره ألا عند أبى يوسف رحمه الله (65) مذهب المالكية: قال المالكية: كره الإحرام له (أى للحج) قبل شوال، وانعقد كمكانه كما يكره الإحرام قبل مكانه (66) مذهب الشافعية: قال الشافعية: لو أحرم بالحج فى غير وقته كرمضان أو أحرم مطلقا انعقد إحرامه بذلك عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام على الصحيح سواء أكان عالما أم جاهلا لشدة تعلق الإحرام ولزومه، فإذا لم يقبل الوقت ما أحر م به انصرف لما يقبله وهو العمرة، ولأنه إذا بطل قصد الحج فيما إذا نواه بقى مطلق الإحرام، والعمرة تنعقد بمجرد الإحرام والثانى لا ينعقد عمرة (67) . مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: يكره أن يحرم بالحج قبل أشهره لقول ابن عباس - رضى الله عنه - من السنة ألا يحرم بالحج إلا فى أشهر الحج، ولأنه أحرم بالعبادة قبل وقتها فأشبه ما لو أحرم قبل الميقات المكانى، فإن فعل بأن أحر م قبل الميقات المكانى أو الزمانى فهو محرم ولا ينعقد، أى ينقلب إحرامه بالحج قبل ميقاته المكانى أو الزمانى عمرة (68) . مذهب الظاهرية: قال ابن حز م الظاهرى: الحج لا يجوز شىء من عمله إلا فى أوقاته المنصوصة، ولا يحل الإحرام به ألا فى اشهر الحج قبل وقت الوقوف بعرفة لقول الله تعالى: (الحج أشهر معلومات (فنص عز وجل على أنها أشهر معلومات، ولما روى عن عطاء وطاووس ومجاهد قالوا: لا ينبغى لأحد أن يحرم بالحج فى غير أشهر الحج (69) مذهب الزيدية: قال الزيديه: يكره بالحج الإحرام الحج قبل أشهره ولكنه ينعقد إجماعا. وقال فى شرح الأزهار: ويجوز تقديم الإحرام على وقته إلا لمانع، وهو أن يخشى أن يقع فى شىء من المحظورات لطول المدة فلا يجوز له التقدم، فإن فعل أثم وأجزأ (70) مذهب الإمامية الشيعة الإمامية: لا يصح الإحرام بالحج بجميع أنواعه أو عمرة التمتع إلا فى أشهر الحج (71) مذهب الإباضية: قال الإباضية: لا يصح الإحرام بالحج إلا فى أشهره، فإن قدم الإحرام علي وقته الزمانى كان عمرة لصحتها فى كل شهر (72) مجاوزة الميقات بغير إحرام مذهب الحنفية: قسم الحنفية المحرمين إلى ثلاثة أصناف كما سبق أما الصنف الأول فميقاتهم ما وقت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجوز لأحد منهم أن يجاوز ميقاته إذا أراد الحج أو العمرة إلا محرما، فلو جاوز ميقاتا من المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة فجاوزه بغير إحرام، ثم عاد قبل أن يحرم وأحرم من الميقات وجاوزه محرما لا يجب عليه دم بالإجماع، لأنه لما عاد إلى الميقات قبل أن يحرم وأحر م التحقت تلك المجاوزة. بالعدم، وصار ابتداء إحرام منه، ولو أحرم بعد ما جاوز الميقات قبل أن يعمل شيئا من أفعال الحج ثم عاد إلى الميقات ولبى سقط عنه الدم، وإن لم يلب لا يسقط، وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله. وقال أبو يوسف ومحمد يسقط لبى أو لم يلب. وقال زفر: لا يسقط لبى أو لم يلب، وجه قول زفرأن وجوب الدم بجنايته علي الميقات بمجاوزته إياه من غير إحرام، وجنايته لا تنعدم بعوده، قلا يسقط الدم الذى وجب. ووجه قولهما أن حق الميقات فى مجاوزته إياه محرما لا فى إنشاء الإحرام منه، بدليل أنه لو أحرم من دويرة أهله وجاوز الميقات ولم يلب لا شىء عليه، فدل أن حق الميقات فى مجاوزته إياه محرما لا فى إنشاء الإحرام منه، وبعدما عاد إليه محرما فقد جاوزه حرما فلا يلزم الدم. ولأبى حنيفة رحمه الله ما روينا عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال للذى أحرم بعد الميقات: أرجع إلى الميقات فلب، وإلا فلا حج لك، أوجب التلبية من الميقات فلزم اعتبارها، ولأن الفائت بالمجاوزة هو التلبية فلا يقع تدارك الفائى إلا بالتلبية بخلاف ما إذا أحرم من دويرة أهله ثم جاوز الميقات من غير إنشاء الإحرام لأنه إذا أحرم من دويرة أهله صار ذلك ميقاتا له، وقد لبى منه، فلا يلزمه تلبية. وإذا لم يحرم من دويرة أهله كان ميقاته المكان الذي تجب التلبية منه وهو الميقات المعهود، وما قاله زفر أن الدم إنما وجب عليه بجنايته على الميقات مسلم لكن لما عاد قبل دخوله فى أفعال الحج فما جنى عليه، بل ترك حقه فى الحال، فيحتاج إلى التدارك، وقد تداركه بالعود إلى التلبية، ولو جاوز الميقات بغير إحرام فأحرم ولم يعد إلى الميقات حتى طاف شوطا أو شوطين، أو وقف بعرفة أو كان إحرامه بالحج ثم عاد إلى الميقات لا يسقط عنه الدم، لأنه لما اتصل الإحرام بأفعال الحج تأكد عليه الدم فلا يسقط بالعود. ولو عاد إلى ميقات آخر غير الذى جاوزه قبل أن يفعل شيئا من أفعال الحج سقط عنه الدم وعوده إلى هذا الميقات وإلى ميقات آخر سواء وعلى قول زفر لا يسقط على ما ذكرنا وروى عن أبى يوسف رحمه الله أنه فصل فى ذلك تفصيلا، فقال إن كان الميقات الذى عاد إليه يحاذى الميقات الأول أو أبعد من الحرم يسقط عنه الدم وإلا فلا، والصحيح جوا ب ظاهر الرواية لما ذكرنا أن كل واحد من هذه المواقيت الخمسة ميقات لأهله ولغير أهله بالنص مطلقا عن اعتبار المحاذاة ولو لم يعد إلى الميقات لكنه افسد إحرامه بالجماع قبل طواف العمرة إن كان إحرامه بالعمرة أو قبل الوقوف بعرفة إن كان إحرامه بالحج سقط عنه ذلك الدم لأنه يجب عليه القضاء وانجبر ذلك كله بالقضاء. وكذلك إذا فاته الحج فإنه يتحلل بالعمرة وعليه قضاء الحج وسقط عنه ذلك الدم عند أصحابنا الثلاثة، وعند زفر لا يسقط، ولو جاوز الميقات بعد دخول مكة أو الحرم من غير إحرام يلزمه إما حجة وإما عمرة لأن مجاوزة الميقات على قصد دخول مكة أو الحرم بدون الإحرام لما كان حراما كانت المجاوزة التزاما للإحرام دلالة كأنه قال: لله على إحرام، ولو قال ذلك يلزمه حجة أو عمرة. وكذا إذا فعل ما يدل على الالتزام كمن شرع فى صلاة التطوع فإن أحرم بالحج أو بالعمرة قضاء لما عليه من ذلك لمجاوزته الميقات ولم يرجع إلى الميقات فعليه دم، لأنه جنى على الميقات لمجاوزته إياه من غير إحرام ولم يتداركه فليزمه الدم جبرا. فإن أقام بمكة حتى تحولت السنة ثم احرم يريد قضاء ما وجب عليه بدخول مكة بغير إحرام أجزأه فى ذلك ميقات أهل مكة فى الحج بالحرم وفى العمرة الحل، لأنه لما أقام بمكة صار فى حكم أهل مكة فيجزئه إحرامه من ميقاتهم، فإن كان حين دخل مكة عاد فى تلك السنة إلى الميقات فأحرم بحجة عليه من حجة الإسلام أو حجة نذر أو عمرة نذر سقط ما وجب عليه لدخول مكة بغير إحرام استحسانا، والقياس ألا يسقط ألا أن ينوى ما وجب علية لدخول مكة وهو قول زفر ولا خلاف فى انه إذا خولت السنة ثم عاد إلى الميقات ثم أحرم حجة الإسلام أنه لا يجزئه عما لزمه إلا بتعيين النية. هذا إذا جاوز أحد هذه المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة أو دخول مكة أو الحرم بغير إحرام. فأما إذا لم يرد ذلك وإنما أراد أن يأتى بستان بنى عامر أو غيره مما هو داخل الميقات لحاجة فلا شىء عليه، لأن لزوم الحج أو العمرة بالمجاوزة من غير إحرام لحرمة الميقات تعظيما للبقعة وتمييزا لها من بين بئر البقاع فى الشرف والفضيلة فيصير ملتزما للإحرام منه، فإذا لم يرد البيت لم يصر ملتزما للإحرام فلا يلزمه شىء، فإن حصل فى البستان أو فيما وراءه من الحل، ثم بدا له أن يدخل مكة لحاجة من غير إحرام فله ذلك لأنه بوصوله إلى أهل البستان صار كواحد من أهل البستان ولأهل البستان إن يدخلوا مكة لحاجة من غير إحرام، فكذا له 0 وقيل أن هذا هو الحيلة فى إسقاط الإحرام عن نفسه. وروى عن أبى يوسف رحمه الله انه لا يسقط عنه الإحرام ولا يجوز له أن يدخل مكة بغير إحرام ما لم يجاوز الميقات بنية أن يقيم بالبستان خمسة عشر يوما فصاعدا لأنه لا يثبت للبستان حكم الوطن فى حقه ألا بنية مدة الإقامة. وإما الصنف الثانى: فميقاتهم للحج والعمرة دويرة أهلهم فلا يجوز لهم أن يجاوزوا ميقاتهم للحج أو العمرة إلا محرمين، والحل الذى بين دويرة أهلهم وبين الحرم كشىء وأحد، فيجوز إحرامهم إلى آخر أجزاء الحل، كما يجوز إحرام الأفاقى من دويرة أهله إلى آخر أجزاء ميقاته، فلو جاوز أحد منهم ميقاته يريد الحج أو العمرة فدخل الحرم من غير إحرام فعليه دم، ولو عاد إلى الميقات قبل أن يحرم أو يعد ما أحرم فهو على التفصيل والاتفاق، والاختلاف الذى ذكرنا فى الأفاقى إذا جاوز الميقات بغير إحرام، وكذلك الأفاقى إذا حصل فى البستان أو المكى إذا خرج إليه فأراد أن يحج أو يعتمر فحكمه حكم أهل البستان. وكذلك البستاني أو المكي إذا خرج إلى الأفاق لا تجوز مجاوزته ميقات أهل الآفاق وهو يريد الحج أو العمرة إلا محرما لما روينا من الحديث، ويجوز لمن كان من أهل الميقات وما بعده دخول مكة لغير الحج أو العمرة بغير إحرام عندنا لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه رخص للحطابين أن يدخلوا مكة بغير إحرام وعادة الحطابين انهم لا يتجاوزون الميقات. وروى عن ابن عمر - رضى الله عنهما - أنه خرج من مكة إلى قديد فبلغه خبر فتنة بالمدينة فرجع ودخل مكة بغير إحرام. وأما الصنف الثالث: فميقاتهما للحج الحج والعمرة لله " ا. وان شاء أحرم من دويرة أهله للحج أو حيث شاء من الحرم، ويحرم للعمرة من الحل وهو التنعيم أو غيره. أما الحج فلقول الله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " (73) أن شاء أحرم من الأبطح أو حيث شاء من الحرم، لكن من بالمسجد أولى لأن الإحرام عبادة وإتيان العبادة فى المسجد أولى كالصلاة. وأما العمرة فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الإفاضة من مكة دخل على عائشة - رضى الله عنها - وهى تبكى، فقالت: أكل نسائك يرجعن بنسكين وأنا أرجع بنسك واحد. فأمر أخاها عبد الرحمن بن أبى بكر - رضى الله عنه - أن يعتمر بها من التنعيم. ولو ترك المكى ميقاته فأحرم للحج من الحل وللعمرة من الحرم يجب عليه الدم إلا إذا عاد وجدد التلبية أو لم يجدد على التفصيل والاختلاف الذى ذكرنا فى الأفاقى، ولو خرج من الحرم إلى الحل ولم يجاوز الميقات ثم أراد أن يعود إلى مكة له أن يعود إليها من غير إحرام لأن أهل مكة يحتاجون إلى الخروج إلى الحل للاحتطاب والاحتشاش والعود إليها، فلو ألزمناهم الإحرام عند كل خروج لوقعوا فى الحرج (74) مذهب المالكية: قال المالكية: وجب على المحرم المكلف الحر إذا أراد دخول مكة فلا يدخلها إلا بإحرام بأحد النسكين وجوبا ولا يجوز له تعدى الميقات بلا إحرام إلا أن يكون من المترددين أو يعود لها بعد خروج منها من مكان قريب لم يمكث فيه كثيرا فلا يجب عليه كالعبد وغير المكلف كصبى ومجنون ومتي تعدى الميقات بلا إحرام وجب عليه الرجوع إلى الميقات ليحرم منه كما يجب عليه أيضا الرجوع أن دخل مكة ما لم يحرم بعد تعدى الميقات، فإن أحرم لم يلزمه الرجوع وعليه الدم لتعدية الميقات حلالا ولا يسقط عنه الدم برجوعه له بعد الإحرام ولا دم عليه إذا رجع للميقات فأحرم منه إذا لم يحرم بعد تعدية. ويستثنى من وجوب الرجوع أن يمنعه من الرجوع عذر كخوف فوات لحجه أو فوات رفقة أو خاف على نفس أو مال أو عدم قدرة علي الرجوع فلا يجب عليه الرجوع، ويلزمه الدم لتعدية الميقات حلالا، وكراجع له بعد إحرامه عليه الدم ولا ينفعه الرجوع بعده، فأولى إذا لم يرجع فمتعدى الميقات حلالا إذا لم يرجع له قبل إحرامه يلزمه الدم فى جميع الحالات ولو فسد حجه أو كان عدم الرجوع لعذر إلا أن يفوته الحج بطلوع فجر يوم النحر قبل وصوله عرفه فتحلل منه بعمرة بأن نوى التحلل منه بفعل عمرة وطاف وسعى وحلق بنيتها (أى بنية العمرة) فلا دم عليه للتعدى فإن لم يتحلل بالعمرة وبقى علي إحرامه لقابل لم يسقط عنه (75) . مذهب الشافعية: قال الشافعية: من جاوز ميقاتا من المواقيت المنصوص عليها أو موضعا جعل ميقاتا، وإن لم يكن ميقاتا اصليا غير مريد نسكا ثم أراده فميقاته موضعه، ولا يكلفه العود إلى الميقات، ومن وصل إليه مريدا نسكا لم تجز مجاوزته إلى جهة الحرم بغير إحرام إجماعا، ويجوز مجاوزته بلا إحرام آلي جهة اليمنة أو اليسرة عندئذ ويحرم إذا أراد الاتجاه إلى الحرم من مثل ميقات بلده أو ابعد كما ذكره الماوردى فإن خالفه وفعل ما منع منه بأن جاوزه إلي جهة الحرم لزمه العود ليحرم منه، لأن الإحرام منه كان واجبا عليه فتركه، وقد أمكنه تداركه فيأتى به فلو عاد إلى مثل مسافته من ميقات آخر جاز قاله الماوردى وغيره. ولا يجب تأخير الإحرام إلى العود بل يجوز له أن يحرم حيث هو قبل العودة ويعود إلى الميقات محرما ويسقط عنه الدم عملا بالأصح كما تقدم ولا فرق فى المجاوزة بين العمد والسهو والعلم والجهل إذ المأمورات لا يفترق فيها الحال بين العمد وغيره كنية الصلاة لكن لا آثم علي الجاهل والناسى ولا يقدح فيما ذكر فى الساهى أنه بسهوه عن الإحرام يستحيل كونه فى تلك الحالة مريدا للنسك إذ يمكن تصويره بمن أنشأ سفره من محله قاصدا له وقصده مستمر فسها عنه حين المجاوزة، واستثنى من لزوم العود ما إذا كان هناك عذر كضيق الوقت أو خوف الطريق أو وجود مرض شاق أو خوف انقطاع عن رفقته، فلا يلزمه العود حينئذ، بل يريق دما.. والأوجه ما قاله "الأذرعى" من تحريم العود عليه لو علم أنه لو عاد لفاته الحج ولو كان ماشيا ولم يتضرر بالممشى، فهل يلزمه العود أم لا. قضية كلامهم لزومه ونظر فيه الإسنوى وقال المتجه أنه أن كان على دون مسافة القصر لزمه وإلا فلا كما قلنا فى الحج ماشيا فإن لم يعد لعذر أو غيره لزمه بتركه الإحرام من الميقات دم لقول ابن عباس رضى، الله عنه من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما رواه مالك وغيره بإسناد صحيح. ولو مر صبى أو عبد بالميقات غير محرم مريدا للنسك ثم بلغ أو عتق قبل الوقوف فلا دم عليه على الصحيح، أفاده البدر ابن شهبة فى العبد، وابن قاسم فيهما فى شرحيهما الكتاب وإن أحرم من جاوز الميقات غير محرم ثم عاد له، فالأصح أنه عاد إليه قبل تلبسه بنسك سقط الدم عنه، وإلا بأن عاد بعد تلبسه بنسك وأو طواف قدوم فلا يسقط الدم عنه لتأدى النسك بإحرام ناقص، وحيث لم يجب يعوده لم تكن مجاوزته محرمة كما جزم به المحاملي والرويانى (76) مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: من جاوز الميقات مريدا للنسك غير محرم فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه أن أمكنه سواء تجاوزه عالما به أو جاهلا علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شىء عليه لا نعلم فى ذلك خلافا وبه يقول جابر بن يزيد والحسن وسعيد بن جبير لأنه أحرم من الميقات الذى أمر بالإحرام منه فلم يلزمه شىء كأنه لم يتجاوزه، وإن أحرم بعد الميقات فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع لما روى ابن عباس عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: " من ترك نسكا فعليه دم " ولأنه أحرم دون ميقاته فاستقر عليه الدم كما لو لم يرجع وفارق ما إذا رجع قبل إحرامه فأحرم منه فإنه لم يترك الإحرام منه ولم يهتكه ولو أفسد من أحرم من دون الميقات له لم يسقط عنه الدم لأنه واجب عليه بموجب هذا الإحرام فلم يسقط بوجوب القضاء كبقية المناسك، وإما المجاوز للميقات ممن لا يريد النسك فعلى قسمين: أحدهما: لا يريد دخول الحرم بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف، ولا شىء عليه فى ترك الإحرام، وقد أتى النبى صلى الله عليه وسلم بدرا مرتين، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره فيمرون بذى الحليفة فلا يحرمون ولا يرون بذلك بأسا. ثم متى بدا له الإحرام وتجدد له العزم عليه أحرم من موضعه ولا شىء عليه، هذا ظاهر كلام الخرقى. وحكى ابن المنذر عن أحمد فى الرجل يخرج لحاجته وهو لايريد الحج فجاوز ذا الحليفة، ثم أراد الحج يرجع إلى ذى الحليفة فيحرم، وبه قال إسحاق. ولأنه أحرم بعد الميقات فلزمه الدم كالذى يربد دخول الحرم. قال فى المغنى: والأول أصح. والقسم الثانى: من يريد دخول الحرم إما إلى مكة أو غيرها فهم علي ثلاثة أضرب: أحدها: من يدخلها لقتال مباح أو من خوف أو لحاجة متكررة فهؤلاء لا إحرام عليهم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة حلالا وعلى رأسه المغفر، وكذلك أصحابه، ولم نعلم أحدا منهم احرم من يومئذ 0 والنوع الثانى: من لا يكلف الحج كالعبد والصبى والكافر إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات أو تحق العبد ... وبلغ الصبى وأرادوا الإحرام فإنهم يحرمون من موضعهم ولا دم عليهم. والنوع الثالث: المكلف الذى يدخل لغير قتال ولا حاجة، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم منه، ومن دخل الحرم بغير إحرام ممن يجب عليه الإحرام فلا قضاء عليه، ومن كان منزله دون الميقات خارجا من الحرم فحكمه فى مجاوزة قريته إلى ما يلى الحرم حكم المجاوز للميقات فى هذه الأحوال الثلاثة، لأن موضعه ميقاته ومن جاوز الميقات غير محرم فخشى أن رجع آلي الميقات فاته الحج أحرم من مكانه وعليه دم، وإنما أبحنا له الإحرام من موضعه مراعاة لأدراك الحج (77) مذهب الظاهرية: قال ابن حزم الظاهرى: كل من مر على أحد هذه المواضع (أى المواقيت) وهو يريد الحج أو العمرة فلا يحل له أن يتجاوزه إلا محرما، فإن لم يحرم منه فلا إحرام له ولا حج له ولا عمرة له، ألا أن يرجع آلي الميقات الذى مر عليه فينوى الإحرام منه فيصح حينئذ إحرامه وحجه وعمرته. ومن كان من أهل الشام أو مصر فما خلفهما، فأخذ على طريق المدينة، وهو يريد حجا أو عمرة، فلا يحل له تأخير الإحرام من ذى الحليفة ليحرم من الجحفة فإن فعل فلا حج له ولا إحرام له ولا عمرة له إلا أن يرجع إلى ذى الحليفة فيجدد منها إحراما فيصح حينئذ إحرامه وحجه وعمرته فمن مر على أحد هذه المواقيت وهو لا يريد حجا ولا عمرة فليس عليه أن يحرم فإن تجاوزه بقليل أو بكثير، ثم بدا له فى الحج أو فى العمرة فليحرم من حيث بدا له فى الحج أو العمرة، وليس عليه أن يرجع آلي الميقات، ولا يجوز له الرجوع إليه وميقاته حينئذ الموضع الذى بدا له فى الحج أو العمرة، فلا يحل له أن يتجاوزه إلا محرما، فإن فعل ذلك فلا إحرام له ولا حج له ولا عمرة له إلا أن يرجع إلى ذلك الموضع فيجدد منه إحراما (78) . أما من أراد دخول مكة بلا إحرام فذلك جائز، لأن النبى صلى الله عليه وسلم إنما جعل المواقيت لمن مر بهن يريد حجا أو عمرة ولم يجعلها لمن لم يرد حجا ولا عمرة فلم يأمر الله تعالى قط ولا رسوله عليه الصلاة والسلام بألا يدخل مكة ألا بإحرام فهو إلزام ما لم يأت فى الشرع إلزامه. والدليل ما روى عن ابن عمر أنه رجع من بعض الطريق فدخل مكة غير محرم. وعن ابن شهاب لا بأس بدخول مكة بغير إحرام (79) مذهب الزيدية: قال الزيدية لا يجوز الأفاقى الحر المسلم مجاوزة الميقات إلى الحرم إلا بإحرام، أما غير الأفاقى، وهو من كانت داره بعد الميقات، فإنه يجوز له دخول مكة من غير إحرام إذا لم يدخل لأحد النسكين إلا أن يأتى من خارج الميقات يريد دخول مكة، وأما العبد فإنه يجوز له دخول مكة لو كان آفاقيا من غير إحرام إذا منعه سيده. وأما الكافر فإنه لا يحرم لدخول مكة لأنه لا ينعقد إحرامه مع الكفر ولا يلزمه دما عندنا، ومن جاوز الميقات غير قاصد لدخول الحرم المحرم بل قصده أن يصل دونه ويرجع، فإن هذا لا يلزمه الإحرام لمجاوزة الميقات، فلو عزم على دخول مكة بعد أن جاوز الميقات فلا يلزمه أن يحرم للدخول عند بعضهم، وهو المختار فى الأزهار، لأن الشرط أن يكون مريدا عند مجاوزته الميقات أن يقصد مجاوزته إلى الحرم، وهذا غير قاصد، ومن لزمه الإحرام وجاوز الميقات من غير إحرام، فقد عصى، ولزمه دم، لأجل. المجاوزة، ولو عاد آلي الميقات بعد المجاوزة لم يسقط عنه الدم إن كان قد أحرم بعد مجاوزة الميقات، أما لو عاد آلي الميقات قبل أن يحرم ثم أحرم من الميقات سقط وجوب الدم وإن فاته عامه الذى جاوز الميقات فيه من غير إحرام ثم بقى علي ترك الإحرام حتى خرج ذلك العام فإنه يلزمه قضاؤه فى المستقبل بأن يحرم ناويا قضاء ما فاته من الإحرام الذى وجب عليه بمجاوزة الميقات (80) . مذهب الإمامية: قال الإمامية: لا يجوز لمكلف أن يتجاوز الميقات بغير إحرام عدا من يتكرر دخوله ومن دخلها بقتال، ومن ليس بقاصد مكة عند مروره على الميقات ومتى تجاوزه غير هؤلاء بغير إحرام فيجب الرجوع إليه مع الإمكان، فلو تعذر بطل نسكه إن تعمد مجاوزته بغير إحرام عالما بوجوبه، ووجب عليه قضاؤه وإن لم يكن مستطيعا بل كان سببه إرادة الدخول فإن ذلك موجب له كالمنذور. نعم، لو رجع قبل دخول الحرم فلا قضاء عليه وان أثم بتأخير الإحرام وألا يكن متعمدا بل نسى أو جهل ولم يكن قاصدا مكة، ثم بدا له قصدها أحرم من حيث أمكن ولو دخل مكة معذورا ثم زال عذره بذكره وعلمه ونحوهما، خرج إلى أدنى الحل وهو ماء خرج عن منتهى الحرم إن لم يمكنه الوصول إلى أحد المواقيت فإن تعذر الخروج إلى أدنى الحل فمن موضعه بمكة ولو أمكن الرجوع إلى الميقات وجب لأنه الواجب بالأصالة وإنما قام غيره مقامه للضرورة، ومع إمكان الرجوع إليه لا ضرورة، ومن اكتملت أهليته بالبلوغ والعتق بعد تجاوز الميقات فكمن لا يريد النسك (81) مذهب الإباضية: قال الإباضية: من جاوز الميقات ولم يحرم لزمه الرجوع والإحرام منه، ذاكرا أو ناسيا، عالما أو جاهلا، وإذا رجع وأحرم منها فلا دم عليه، وقيل عليه دم، وان خاف لفوت الحج أو منعه مانع عن الرجوع فليحرم حيث ذكر من نسيان أو علم من جمل أو تاب من عمد فى الحرم، ولو فى مكة أو قبله ولزمه دم، هذا مذهبنا. ومن ترك الإحرام أصلا لزمه دم، وقيل أن كان لحج فسد حجه وهو الصحيح، وهو مذهبنا. وفى التاج من جاوز ميقاتا يريد حجاً أو عمرة لم يجز له، ولزمه دم، ويرجع إليه ويحرم منه وقيل لا دم عليه، إن رجع قبل أن يدخل الحرم، وقيل ولو دخله ما لم يدخل بيوت مكة لا دم عليه إن رجع قبل الطواف بالبيت، وقيل ومن عتق داخل الميقات أو بلغ وقد احرم منه أجزأه وألا بأن لم يكن كذلك وأراد الإحرام بحج أو عمرة رجع إليه، وأجيز أن يحرم من محله. ثم قال فى التاج أيضا: من جاوز ميقاتا غير مريد الحج أو العمرة ثم أراد أحدهما فليحرم من حيث أراد أحدهما، وهو الأصح. وقيل عليه الرجوع ومن قصد مكة لتجارة أو غيرها كقراءة ولم يحرم أساء ولا دم عليه وقيل أساء وعليه دم، ثم قال: وجاز لأهل كل ناحية أن يحرموا ولو من ميقات غيرهم سواء جاءوا من ناحية ميقات غيرهم بدون أن يجاوزوا ميقات أنفسهم أو جاوزوا ميقاتهم، ثم أحرموا من ميقات غيرهم مثل أن يترك المدنى ذا الحليفة ويحرم من الجحفة وأما إذا كان يجاوز ميقاته ويمر بعد ذلك فى طريقه على ميقات آخر لحاجة دعته للمرور عليه فله أن يؤخر الإحرام إلى الثانى (82) ما يحظر وما لا يحظر فى الإحرام قال فى البدائع: إن محظورات الإحرام " فى الأصل " نوعان: نوع لا يوجب فساد الحج، ونوع يوجب فساده، أما الذى لا يوجب فساد الحج فأنواع، بعضها يرجع إلى اللباس وبعضها يرجع إلى الطيب. وما يجرى مجراه من إزالة الشعث وقضاء التفث، وبعضها يرجع إلى توابع الجماع، وبعضها يرجع إلى الصيد. أما الأول: فالمحرم لا يلبس المخيط جملة ولا قميصا ولا قباء ولا جبة ولا سراويل ولا عمامة ولا قلنسوة، ولا يلبس خفين إلا ألا يجد نعلين فلا بأس أن يقطعهما أسفل الكعبين فيلبسهما، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس، وإنما يمنع المحرم من لبس المخيط إذا لباسه على الوجه المعتاد، فإما إذا لبسه لا على الوجه المعتاد فلا يمنع منه بأن أتشح بالقميص أو أتزر بالسراويل لأن معنى الارتفاق بمرافق المقيمين والترفه فى اللبس لا يحصل به، ولأن لبس القميص والسراويل على هذا الوجه فى معنى الارتداء والإتزار لأنه يحتاج فى حفظه إلى تكلف كما يحتاج إلى التكلف فى حفظ الرداء والإزار، وهذا غير ممنوع عنه، ولو أدخل منكبيه فى القباء ولم يجعل يديه فى كميه جاز له ذلك فى قول أصحابنا الثلاثة. وقال زفر: لا يجوز، ولا يلبس الجوربين لأنهما فى معنى الخفين ولا يغطى رأسه بالعمامة ولا غيرها مما يقصد به التغطية لأن المحرم ممنوع عن تغطية رأسه بما يقصد به التغطية ولو حمل على رأسه شيئا، فإن كان مما يقصد به. التغطية من لباس الناس لا يجوز له ذلك لأنه كاللبس وأن كان مما لا يقصد به التغطية فلا بأس بذلك لأنه لا يعد ذلك لبسا ولا تغطية، وكذا لا يغطى الرجل وجهه عندنا، وإما المرآة فلا تغطى وجهها، وكذا لا بأس أن تسدل على وجهها بثوب وتجافيه عن وجهها ولا يلبس ثوبا صبغ بورس أو زعفران وأن لم يكن مخيطا، ولأن الورس والزعفران طيب، والمحرم ممنوع من استعمال الطيب فى بدنه، ولا يلبس المعصفر وهو المصبوغ بالعصفر عندنا هذا إذا لم يكن مغسولا، فإما إذا كان قد غسل حتى صار لا ينفض فلا بأس به لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال لا بأس أن يحرم الرجل فى ثوب مصبوغ بورس أو زعفران قد غسل وليس له نفض ولا ردغ. وقال أبو يوسف رحمه الله فى الإملاء: لا ينبغى للمحرم أن يتوسد ثوبا مصبوغا بالزعفران. ولا الورس ولا ينام عليه لأنه يصير مستعملا للطيب، فكان كاللبس ولا بأس بلبس الخز (وهو ما نسج من حرير وصوف) والصوف والغصب والبردى وان كان ملونا كالعدنى وغيره لأنه ليس فيه اكثر من الزينة، والمحرم غير ممنوع من ذلك، ولا بأس أن يلبى الطيلسان لأن الطيلسان ليس بمخيط، ولا يزره، ويكره أن يخلل الإزار بالخلال، ومن يعقد الإزار، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى محرما قد عقد ثوبه بحبل فقال له " انزع الحبل ". ولا بأس أن يتحزم بعمامة يشمل بها ولا يعقدها، لأن اشتمال العمامة عليه اشتمال غير المخيط، فأشبه الاتشاح بقميص، فإن عقدها كره له ذلك لأنه يشبه المخيط كعقد الإزار، ولا بأس بالهميان وهو وعاء للدراهم والمنطقة للمحرم سواء كان فى الهميان نفقته أو نفقة نجيره وسواء كان شد المنطقة بالأبزيم أو بالسيور. وعن أبى يوسف رحمه الله فى المنطقة إن شده بالأبزيم يكره وإن شده بالسيور لا يكره، وجه رواية أبى يوسف إن الأبزيم مخيف فالشد به يكون كزر الإزار بخلاف السير، ولا بأس أن يستظل المحرم بالفسطاط عند عامة العلماء، ولنا ما روى عن عمر رضى الله عنه انه كان يلقى على شجرة ثوبا أو نطعا فيستظل به. وروى أنه ضرب لعثمان رضى الله عنه فسطاط بمنى فكان يستظل به. ولأن الاستظلال بما لا يماسه بمنزلة الاستظلال بالسقف وذا غير ممنوع عنه، فإن دخل تحت ستر الكعبة حتى غطاه فإن كان الستر يصيب وجهه ورأسه يكره له ذلك لأنه يشبه ستر وجهه ورأسه بثوب، وإن كان متجافيا فلا يكره لأنه بمنزلة الدخول تحت ظله، ولا بأس أن تغطى المرأة سائر جسدها وهى محرمة بما شاءت. من الثياب المخيطة وغيرها، وأن تلبس الخفين غير أنها لا تغطى وجهها ولا بأس لها أن تلبس الحرير والذهب وتتحلى بأى حلية شاءت عند عامة العلماء. وعن عطاء رضى الله عنه أنه كره ذلك. والصحيح قول عامة العلماء لما روى أن ابن عمر رضى الله عنه كان يلبس نساءه الذهب والحرير فى الإحرام، والمرآة تتساوى مع الرجل فى الطيب، أما لبس القفازين فلا يكره عندنا وهو قول على وعائشة- رضى الله عنهما-. ولنا ما روى أن سعد بن أبى وقاص رضى الله عته كان يلبس بناته وهن محرمات القفازين، ولأن لبس القفازين ليس إلا تغطية يديها بالمخيط، وأنها غير ممنوعة عن ذلك فإن لها أن تغطيهما بقميصها وأن كان مخيطا فكذا بمخيط آخر بخلاف وجهها فإنها لا تنتقب. وأما الذى يرجع إلى الطيب، وما يجرى مجراه، من إزالة الشعث وقضاء التفت، أما الطيب فنقول: لا يتطيب المحرم لقول النبى صلي الله عليه وسلم: " المحرم الأشعث الأغبر " والطيب ينافى الشعث. وروى أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعليه مقطعان مضمخان بالخلوق فقال: ما اصنع فى حجتى يا رسول الله. فسكت النبى صلى الله عليه وسلم حتي أوحى الله تعالى إليه، فلما سرى عنه قال النبى صلى الله عليه وسلم: " أين السائل " فقال الرجل: أنا فقال: " اغسل هذا الطيب عنك واصنع فى حجتك ما كنت صانعا فى عمرتك ". وروينا أن محرما وقصت به ناقته فقال النبى صلي الله عليه وسلم: " لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا"، جعل كونه محرما علة حرمة تخمير الرأس والتطيب فى حقه ولا بأس أن يحتجم المحرم ويقتصد ويبط القرحة ويعصب عليه الخرقة ويجبر الكسر وينزع الضرس إذا اشتكى منه، ويدخل الحمام ويغتسل، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة والفصد وبط القرحة والجرح فى معنى الحجامة، ولأنه ليس فى هذه الأشياء إلا شق الجلدة والمحرمة غير ممنوع عن ذلك ولأنها من باب التداوى والإحرام لا يمنع من التداوى، وكذا جبر الكسر من باب العلاج والمحرم لا يمنع منه، وكذا قلع الضرس وهو أيضا من باب إزالة الضرر، فيشبه قطع اليد من الآكلة وذا لا يمنع المحرم، كذا هذا. وأما الاغتسال، فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغتسل وهو محرم وللمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه طيب وقال ابن أبى ليلى هو طيب وليس للمحرم أن يكتحل به. وهذا غير سديد لأنه ليس له رائحة طيبة فلا يكون طيبا. وأما ما يجرى مجرى الطيب من إزالة الشعث وقضاء التفث خلق الشعر وقلم الظفر، أما الحلق فنقول لا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه قبل يوم النحر لقول الله تعالى: " ولا تحلقوا رءوسكم حتي يبلغ الهدى محله، فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ... الآية " (83) . وقول النبى صلى الله وسلم" المحرم الأشعث الأغبر "، وسئل رسول الله صلي الله عليه وسلم: من الحاج فقال: " الشعث التفث " وحلق الرأس يزيل ولأنه الشعث والتفث، ولأنه من باب الارتفاق بمرافق المقيمين، والمحرم ممنوع عن ذلك، ولأنه نوع نبات استفاد الأمن بسبب الإحرام فيحرم التعرض له كالنبات الذى استفاد الأمن بسبب الحرم، وكذا لا يطلى رأسه بنورة لأنه فى معنى الحلق، وكذا لا يزيل شعرة من شعر رأسه ولا يطليها بالنورة. والمحرم كما هو ممنوع من حلق رأس نفسه، ممنوع من حلق رأس غيره ألا أنه لما حرم علية حلق رأس غيره يحرم عليه حلق رأس نفسه من طريق الأولى، وسواء كان المحلوق حلالا أم حراما، أما قلم الظفر فنقول لا يجوز للمحرم قلم أظفاره لقول الله تعالى: (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم، وليطوفوا بالبيت العتيق ((84) . وقلم الأظفار من قضاء التفث، رتب الله تعالى قضاء التفث على الذبح لأنه ذكره. بكلمة موضوعة للترتيب مع التراخى يقول الله عز وجل: (ليذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (ثم ليقضوا تفثهم فلا يجوز الذبح، ولأنه ارتفاق بمرافق المقيمين والمحرم ممنوع عن ذلك. وأما الذى يرجع آلي توابع الجماع فيجب علي المحرم أن يجتنب الدواعى من التقبيل واللمس بشهوة والمباشرة والجماع فيما دون الفرج، لقول الله عز وجل: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله ((85) . قيل فى بعض وجوه التأويل أن الرفث جميع حاجات الرجال إلي النساء. وسئلت عائشة - رضى الله تعالى عنها - عما يحل للمحرم من امرأته. فقالت: يحرم عليه كل شىء إلا الكلام. وأما الذى يرجع إلى الصيد فنقول لا يجوز للمحرم أن يتعرض لصيد البر المأكول وغير المأكول عندنا إلا المؤذى المبتدىء بالأذى غالبا. والكلام فى هذا الفصل يقع فى مواضع فى تفسير الصيد أنه ما هو وفى بيان أنواعه وفى بيان ما يحل اصطياده للمحرم وما يحرم عليه وفى بيان حكم ما يحرم عليه اصطياده إذا اصطاده. أما الأول فالصيد هو الممتنع المتوحش من العاس فى أصل الخلقة، أما بقوائمه أو بجناحه فلا يحرم على المحرم ذبح الإبل والبقر والغنم لأنها ليست بصيد لعدم الامتناع والتوحش من الناس، وكذا الدجاج والبط الذى يكون فى المنازل وهو المسمى بالبط الكسكرى لانعدام معنى الصيد فيهما، وهو الامتناع والتوحش. فأما البط الذى يكون عند الناس ويطير فهو صيد لوجود معنى الصيد فيه، فالعبرة بالتوحش والاستئناس فى أصل الخلقة. والكلب ليس بصيد ولا بأس بقتل البرغوث والذباب والحلم والقراد والزنبور لأنها ليست بصيد لانعدام التوحش والامتناع. إلا ترى أنها تطلب الإنسان مع امتناعه منها، وينظر تفصيل ذلك فى مصطلح"صيد". وأما الذى يوجب فساد الحج، فالجماع لقول الله عز وجل: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله ((86) . عن ابن عباس وابن عمر- رضى الله عنهما- أنه الجماع وأنه مفسد للحج (87) مذهب المالكية: قال المالكية: يحرم على الأنثى لبس (بضم اللام) مخيط، حرة أو أمة، كبيرة أو صغيرة. ويتعلق الخطاب بولى الصغيرة بسبب تلبثها بالإحرام بحج أو عمرة بكف لا بدن ورجل كقفاز وكيس تدخله فى كفها أو أصابع من أصابع يدها إلا الخاتم فيغتفر لها دون الرجل. وحرم عليها ستر وجهها أو بعضه وأو بخمار أو منديل، وهذا معنى قولهم "إحرام المرأة فى وجهها وكفيها فقط " وحرمة ستر وجهها إلا لفتنة أى تعلق قلوب الرجال بها فلا يحرم، بل يجب عليها ستره أن ظنت الفتنة بها بلا غرز للساتر بإبرة ونحوها، وبلا ربط له برأسها كالبرقع تربط أطرافه بعقده بل المطلوب سدله على رأسها ووجهها أو تجعله كاللثام وتلقى طرفيه على رأسها بلا غرز ولا ربط. ثم قال: ويحرم على الذكر ولو غير مكلف ويتعلق الخطاب بوليه ليس محيط (بضم الميم وبالمهملة (أى بأى عضو من أعضائه كيد ورجل وإصبع مطلقا، ورأس وأولى جميع البدن إذا كان محيطا بنسج أو خياطة أو صياغة ونحو ذلك. بل وأن كأن محيطا يعقد أو زر كأن يعقد طرفى إزاره أو يجعل له أزرارا أو يربطه بحزام أو خلال بعود ونحوه كخاتم بإصبع رجل وحزام بحبل أو غيره وقباء بفتح القاف ممدودا. وقد يقصر وهو الفرجية من جوخ أو غيره وإن لم يدخل يده بكمه بل ألقاه على كتفيه مخرجا يديه من تحته. وهذا إن جعل أعلاه على منكبيه علي العادة وحرم أيضا على الذكر ستر وجهه ورأسه بأى شىء، وإن بنوع خاص وهو المخيط. ثم استثني من حرمة المخيط أمرين، الأول مقيد بقصدين، وثانيهما بواحد. فقال إلا الخف ونحوه مما يلبس فى الرجل كالجرموق والجورب فإنه مخيط. ولا يحرم على الذكر لبسه لفقد نعل أو غلوه فاحشا إن زاد ثمنه على قيمته عادة كثر من الثلث وهذا إشارة إلى القيد الأول فإن لم يجد نعلا أو وجده غاليا علوا فاحشا جاز له لبس الخف ولا فدية. وأشار للقيد الثانى بقوله إن قطع أسفل من كعب، كما ورد فى السنة سواء كان القاطع له هو أو غيره أو كان من اصل صنعته وإلا الاحترام بثوب أو غيره لعمل أى لأجله فلا يحرم ولا فدية عليه، فإن فرغ عمله وجب نزعه وحرم عليهما (أى على الذكر والأنثى) بالإحرام دهن شعر لرأس أو لحية أودهن جسد لغير علة، وإلا جاز، لأن الضرورات تبيح المحظورات. وإن كان الإدهان بغير مطيب فأولى بالمطيب، وحرم عليهما إبانة (أى إزالة) ظفر من يد أو رحل لغير عذر، أو إبانة شعر من سائر جسده بحلق أو قص أو نتف أو إبانة وسخ من سائر بدنه إلا ما تحت أظفاره أو غسل يديه بمزيله) (أى الوسخ) كالأسنان فلا يحرم عليهما أو إلا تساقط شعر من لحية أو رأس أو غيرهما لوضوء أو غسل أو لأجل ركوب الدابة فلا شئ عليه. وحرم عليهما مس طيب كورس أو دهن مطيب بأى عضو من أعضائه، وإن ذهب ريحه (أى الطيب) فذهاب ريحه لا يسقط حرمة مسه، وإن سقطت الفدية أو كان فى طعام أو فى كحل أو مسه ولم يعلق به ألا إذا طبخ بطعام وأستهلك فى الطبخ بذهاب عينه فيه، ولم يبق سوى ريحه أو لونه كزعفران وورس فلا حرمة ولا فدية ولو صبغ الفم أو كان الطيب بقارورة سدت سدا محكما فلا شىء فيه أن حملها لأنه من الاستصحاب لا المس أو أصابه الطيب من إلقاء ريح أو غيره عليه فلا شىء عليه. كما يحرم على المحرم قطع أو قلع ما ينبت من الأرض بنفسه كشجر الطرفاء والسلم والبقل البرى إلا الأذخر والسنا والسواك والعصا، وما قصد السكنى بموضعه للضرورة أو إصلاح الحوائط (أى ما قطع لاصلاحها) فإنه جائز. وحرم بالإحرام تعرض لحيوان برى وكذا التعرض لبيضه ما دام وحشيا بل وأن استأنس. ثم أستثنى من حرمة التعرض للبرى الفأرة، ويلحق بها ابن عرس وكل مايقرض الثياب من الدواب وإلا الحية والعقرب، ويلحق بها الزنبور، ولا فرق بين صغيرها وكبيرها والحدأة والغراب، فلا يحرم التعرض لما ذكر. وحرم عليهما الجماع والإنزال ومقدماته ولو علم السلامة من منى ومذى. وجاز للمحرم تظلل ببناء كحائط وسقيفة وخباء خيمة وشجر ومحارة (أى محمل) ومحفة ولو مكث فيها ساترا أو نازلا، لأن ما عليها من الساتر مسمر أو مشدود عليها بحبال فهى كالقباء. وجاز له اتقاء شمس أو اتقاء ريح عن وجهه أو رأسه بيد بلا لصوق لليد علي ما ذكر لأنه لا يعد ساترا عرفا بخلاف لصوق اليد فإنه يعد ساترا. وجاز اتقاء مطر أو برد عن رأسه بمرتفع عنه بلا لصوق من ثوب أو غيره وأولى اليد. أما الدخول فى الخيمة ونحوها فجائز ولو لغير عذر. أما التظلل بالمرتفع غير اليد فلا يجوز كثوب يرفع على عصا ولو نازلا عند مالك. ومن ذلك المسطح يجعل فيه أعوادا ويسدل عليها ثوب ونحوه للتظلل. كما يجوز للمحرم حمل لشىء كحشيش وقفة وغرارة على رأسه لحاجة تتعلق به أو بدوابه كالعلف أو فقر، فيحمل شيئا لغيره بأجره لمعاشه بلا تجارة، الا منع وافتدى. كما يجوز له شد منطقة بوسطه، والمراد بها يجعل كالكيس يوضع فيه الدراهم وجواز شدها بوسطه مقيد بقيدين أشار للأول بقوله: أن كان لنفقته التى ينفقها علي نفتقه وعياله ودوابه لا لنفقة غيره ولا لتجارة وأشار إلى الثانى بقوله: وكان الشد على جلده لا على إزاره أو ثوبه وجاز حينئذ إضافة نفقة غيره لها تبعا، كما يجوز للمحرم إبدال ثوبه الذى أحرم به بثوب آخر ولو لقمل فى الأول 0 وجاز له بيعه، وجاز له غسله لنجاسته بالماء الطهور فقط دون صابون ونحوه ولا شىء عليه حينئذ لو قتل شيئا من الهوام كالبرغوث، وألا بأن غسله لا لنجاسة أو لنجاسة ولكن ينحو صابون فلا يجوز فإن قتل شيئا أخرج ما فيه إلا أن يتحقق عدم دوابه فلا يحرم غسله بل يجوز مطلقا ولو ترفها أو لوسخ. وجاز له بط جرح ودمل لإخراج ما فيه من قيح. وجاز له حك ما خفى من بدنه كرأسه وظهره يرفق حتى لا يقع فى محظور. أما ما ظهر له من بدنه فيجوز حكه مطلقا ما لم يكن يوقعه ذلك فى محظور. وجاز فصد لحاجة أن لم بعصبه وألا بأن عصبه بعصابة ولو لضرورة أفتدى. وكره وضع وجهه على وسادة ونحوها لا وضع خده عليها وكره شم طيب مذكر وهو ما خفى أثره ويبقى ريحه كريحان وياسمين وورد وسائر أنواع الرياحين لا مجرد مسه فلا يكره، ولا مكث بمكان فيه ذلك ولا استصحابه. وكره مكث بمكان فيه طيب مؤنث كمسك وعطر وزعفران. وكره استصحابه فى خرج أو صندوقه، وكره شمه بلا مس له وألا حرم، وكره حجامة بلا عزر أن لم يزل شعرا، والإحرام لغير عذر. وكره غمس رأس فى ماء خيفة قتل الدواب لغير غسل طلب وجوبا أو نديا أو استنانا 0 وكره تجفيف الرأس بقوة خوف قتل الدواب لا بخفة، فيجوز 0 وكره نظر فى مرآه مخافة أن يرى شيئا فيزيله، وفعل شىء من هذه لا فدية فيها وجاز للمحرم كل صيد صاده حل لحل لنفسه أو لغيره بخلاف ما صاده لمحرم (88) . مذهب الشافعية: قال الشافعية: إذا احرم الرجل حرم عليه حلق الرأس لقول الله تعالى: (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله ((89) ويحرم عليه حلق شعر سائر البدن لأنه حلق يتنظف به ويترفه به، فلم يجز كحلق الرأس. ويجوز له إن يحلق شعر غير المحرم، لأن نفعه يعود إلى الحلال فلم يمنع منه، كما لو أراد يعممه أو يطيبه. ويحرم عليه أن يقلم أظفاره لأنة جزء ينمى، وفى قطعه ترفيه وتنظيف فمنع الإحرام منه كحلق الشعر. ويحرم عليه ان يستر رأسه، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال فى المحرم الذى خر من بعيره (أى سقط من فوقه) " لا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ". ويجوز إن يحمل على رأسه مكتلا (قفة أو نحوها) لا يقصد به الستر فلم يمنع منه. ويجوز أن يترك يده على رأسه لأنه يحتاج آلي وضع اليد على الرأس فى المسح فعفى عنه. ويحرم عليه لبس القميص، لما روى ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال فى المحرم " لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا العمامة ولا الخف، إلا ألا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران،، وتجب به الفدية لأنه فعل محظور فى الإحرام فتعلقت به الفدية كالحلق، ولا فرق بين أن يكون ما يلبسه من الخرق أو الجلود أو اللبود أو الورق، ولا فرق بين أن يكون مخيطا بالإبرة أو ملصقا بعضه إلى بعض، لأنه فى معنى المخيط والعباءة والدراعة كالقميص فيما ذكرناه لأنه فى معنى القميص. ويحرم عليه ليس السراويل لحديث ابن عمر رضى الله عنه وإن شق الإزار وجعل له ذيلين وشدهما على ساقيه لم يجز، لأنهما كالسراويل. ويجوز أن يعقد عليه إزاره لأن فيه. مصلحه له وهو أن يثبت عليه، ولا يعقد الرداء عليه لأنه لا حاجة به إليه، وله أن يغرز طرفيه فى إزاره وان جعل لإزاره حجزة وأدخل فيها التكة واتزر بها جاز، وإن اتزر وشد فوقه تكة جاز. قال فى الإملاء: وإن زره أو خاطه أو شوكه لم يجز، لأنه يصير كالمخيط وإن لم يجد إزارا جاز أن يلبس السراويل، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يجد إزارا فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين، فإن لم يجد رداء لم يلبس القميص لأنه يمكنه أن يرتدى به ولا يمكنه أن يتزر بالسراويل، فإن لبس السراويل ثم وجد الإزار لزمه خلعه ويحرم عليه لبس الخفين للخبر فإن لم يجد نعلين لبس الخفين بعد أن يقطعهما من أسفل الكعبين للخبر فإن لبس الخف مقطوعا من اسفل الكعب مع وجود النعل لم يجز على المنصوص. ومن أصحابنا من قال يجوز لأنه قد صار كالحل بدليل انه لا يجوز المسح عليه، وهذا خلاف المنصوص وخلاف السنة. وما ذكره من المسح لا يصح لأنه وأن لم يجز المسح ألا أنه يترفه به فى دفع الحر والبرد والأذى، ولأنه يبطل بالخف المخرق فإنه لا يجوز المسح عليه ثم يمنع من لبسه ويحرم عليه لبس القفازين ولا يحرم عليه ستر الوجه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى الذى سقط عن بعيره " لا تخمروا ر اسه، خص الرأس بالنهى. ويحرم على المرأة ستر الوجه، لما روى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلي الله عليه وسلم نهى النساء فى إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مسه الورس والزعفران من الثياب، وليلبسن بعد ذلك ما اختير من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلى أو سراويل أو قميص أو خف. ويجوز أن تستر من وجهها ما لا يمكن ستر الرأس ألا بستر لأنه لا يمكن ستر الرأس ألا بسترة فعفى عن ستره، فإن أرادت ستر وجهها عن الناس سدلت علي وجهها شيئا لا يباشر الوجه، لما روت عائشة رضى الله عنها قالت كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا، ولأن الوجه من المرآة كالرأس من الرجل ثم يجوز للرجل ستر الرأس من الشمس بما لا يقع عليه، فكذلك المرآة فى الوجه ولا يحرم عليها لبس القميص والسراويل والخف، لحديث ابن عمر- رضى الله عنه- ولأن جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين فجاز لها ستره لما ذكرناه، وهل يجوز لها لبس القفازين؟ فيه قولان: أحدهما: انه يجوز، لأنه عف ويجوز لها ستره بغير المخيط فجاز لها ستره بالمخيط كالرجل. والثانى: لا يجوز للخبر، وهو حديث أبن عمر السابق، ولأنه عضو ليس بعورة منها فتعلق به حرمة الإحرام فى اللبس كالوجه، ويحرم عليه استعمال الطب فى ثيابه وبدنه لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عيه وسلم قال ولا تلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران، ولا يلبس ثوبا مبخرا بالطيب ولا ثوبا مصبوغا بالطيب وإن علق بخفه طيب لأنه ملبوس فهو كالثوب. ويحرم عليه استعمال الطيب فى بدنه ولا يجوز أن يأكله ولا أن يكتحل به ولا يستعطيه ولا يحتقن به، فإن استعمله فى شىء من ذلك لزمته الفدية لأنه إذا وجب ذلك فيها يستعمله بالثياب فلأن يجب فيما يستعمله ببدنه أولى، وان كان الطيب فى طعام نظرت فإن ظهر ذلك فى طعمه أو رائحته لم يجز أكله، أما غير المطيب كالزيت والشيرج فإنه يجوز استعماله فى غير الرأس واللحية لأنه ليس فيه طيب ولا تزين. ويحرم استعماله فى شعر الرأس واللحية لأنه يرجل الشعر ويربيه فإن استعمله فى رأسه وهو أصلع جاز، لأنه ليس فيه تزين وإن استعمله فى رأسه وهو محلوق لم يجز لأنه يحسن الشعر إذا نبت. ويجوز أن يجلس عند العطار فى موضع يبخر لأن فى المنع من ذلك مشقة ولأن ذلك ليس بطيب مقصود. والمستحب أن يتوقى ذلك إلا أن يكون فى موضع قربة كالجلوس عند الكعبة وهى تجمر فلا يكره ذلك لأن الجلوس عندها قربة فلا يكره تركها لأمر مباح. وله أن يحمل الطيب فى خرقة أو قارورة والمسك فى نافجة (وهو وعاء المسك) وأن مس طيبا فعبقت به رائحته ففيه قولان: أحدهما: لا فدية عليه لأنه رائحة عن مجاور فلم يكن لها حكم كالماء إذا تغيرت رائحته بجيفة بقربه. والثانى: يجب، لأن المقصود من الطيب هو الرائحة وقد حصل ذلك وأن احتاج المحرم إلى اللبس لحر شديد أو برد شديد أو احتاج إلى الطيب لمرض أو إلى حلق الرأس للأذى أو إلى شعر رأسه بعصابة لجراحة عليه أو إلى ذبح الصيد للشجاعة لم يحرم عليه.. وإن نبت فى عينه شعرة فقلعها أو نزل شعر الرأس إلي عينه فغطاها فقطع ما غطى العين أو انكسر شىء من ظفره فقطع ما أنكسر منه أو صال عليه صيد فقتله دفعا عن نفسه جاز. ويحرم عليه أن يتزوج وان يزوج غيره بالوكالة والولاية الخاصة، فإن تزوج أو زوج فالنكاح باطل، لما روى عثمان رضى الله عته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينكح المحرم ولا يخطب ولا ينكح ". ولأنه عبادة تحرم الطيب فحرمت النكاح كالعدة. ويحرم عليه الوطء فى الفرج لقول الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج (. قال ابن عباس: الرفث الجماع. ويحرم عليه المباشرة فيما دون الفرج، لأنه إذا حر م عليه النكاح فلأن تحرم المباشرة وهى أدعى إلى الوطء أولى. ويحرم عليه الصيد المأكول من الوحش والطير، ولا يجوز له أخذه لقول الله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما (، فإن أخذه لم يملكه بالأخذ لأن ما منع آخذه لحق الغير لم يملكه بالأخذ من غير أذنه كما لو غصب مال غيره. وحرم عليه قتله. ويحرمه عليه أن يعين على قتله، بدلالة أو إعارة آلة، لأن ما حرم قتله حرمت الإعانة علي قتله كالآدمى، وان أعان على قتله بدلالة أو أعاره آلة فقتل لم يلزمه الجزاء، ولأن ما لا يلزمه حفظه لا يضمنه بالدلالة على إتلافه كمال الغير. ويحرم عليه أكل صيده، لما روى جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " الصيد حلال لهم ما لم تصيدوا أو يصاد لكم) . ويحرم عليه آكل ما أعان على قتله بدلالة أو إعارة آلة، لما روى عبد الله بن أبى قتادة رضى الله عنه، قال: كان أبو قتادة فى قوم محرمين، وهو حلال فأبصر حمار وحش فاختلس من بعضهم سوطا فضربه حتي صرعه، ثم ذبحه وأكل هو وأصحابه فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " هل أشار إليه أحد منكم ". قالوا: لا. فلم ير بأكله بأسا. وإن كان الصيد غير مأكول نظرت فإن كان متولدا مما يؤكل كالسبع المتولد بين الذئب والضبع، والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الأهل، فحكمه حكم ما يؤكل فى تحريم صيده، لأنه اجتمع فيه جهة التحليل والتحريم فغلب التحريم كما غلب جهة التحريم فى أكله، وان كان حيوانا لا يوكل ولا هو متولد مما يؤكل فالحلال والحرام فيه واحد لقول الله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما (فحرم من الصيد ما يحرم بالإحرام، وهذا لا يكون إلا فيما يوكل، وهل يكره قتله أو لا يكره ينظر فيه فإن كان مما يضر ولا ينفع كالذئب والأسد والحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور والبق والبرغوث والقمل والزنبور، فالمستجب أن يقتله لأنه يدفع ضرره عن نفسه وعن غيره، وإن كان مما ينتفع به ويستضر به كالفهد والبازى، فلا يستحب قتله لما فيه من المنفعة، ولا يكره لما فيه من المضرة. وإن كان مما لا يضر ولا ينفع كالخنافس والجعلان فإنه يكره قتله ولا يحرم 0 وما حرم على المحرم من الصيد حرم عليه بيضه، ويكره المُحِرم أن يحك شعره بأظفاره حتى لا ينتثر شعره ويكره أن يفلى رأسه ولحيته. ويكره أن يكتحل بما لا طيب فيه لأنه زينة، والحج أشعث أغبر، فإن احتاج إليه لم يكره لأنه إذا لم يكره ما يحرم من الحلق والطيب للحاجة فلأن لا يكره ما لا يحرم أولى. ويجوز أن يدخل الحمام ويغتسل بالماء لما روى أبو أيوب رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو محرم. ويجوز أن يغسل شعره بالماء والسدر، لما روى ابن عباس- رضى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى المحرم الذى سقط عن بعيره: " اغسلوه بماء وسدر " ويجوز أن يحتجم ما لم يقطع شعرا، لما روى ابن عباس - رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ويجوز أن يقتصد أيضا، كما يجوز أن يحتجم ويجوز أن يستظل سائرا ونازلا، لما روى جابر - رضى الله عنه - أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فإذا ثبت جواز ذلك بالحرم نازلا، وجب أن يجوز سائرا قياسا عليه. ويكره أن يلبس الثياب المصبغة، لما روى أن عمر رضى الله عنه رأى على طلحة رضى الله عنه ثوبين مصبوغين وهو حرام، فقال أيها الرهط أنتم أئمة يقتدى بكم ولو أن جاهلا رأى عليك ثوبيك لقال قد كان طلحة يلبس الثياب المصبغة وهو محرم فلا يلبس أحدكم من هذه الثياب المصبغة فى الإحرام شيئا. ويكره أن يحمل بازا أو كلبا معلما لأنه ينفر به الصيد، وربما انفلت فقتل صيداً وينبغى أن ينزه إحرامه عن الخصومة والشتم والكلام القبيح لقول الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله ((90) . قال ابن عباس الفسوق المنابذة بالألقاب وتقول لأخيك: يا ظالم يا فاسق والجدال أن تمارى صاحبك حتى تغضبه. وروى أبو هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حج لله عز وجل فلم يرفث ولم يفسق رجع كهيئته يوم ولدته أمه " (91) . مذهب الحنابلة: قال الحنابلة: المحظورات هى ما يحرم على المحرم فعلها بسبب الإحرام، وهى تسعة، أحدها: إزالة الشعر من جميع بدنه ولو من أنفه بحلق أو قلع أو نتف بلا عذر لقول الله تعالى: (ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله ((92) ودخل فى الآية سائر شعر البدن لأنه فى معناه. الثانى: تقليم الأظافر إلا من عذر، لأنه يحصل به الرفاهية فأشبه إزالة الشعر إلا من عذر، فيباح عند العذر، ويجوز له قص ظفر. الذى انكسر لأنه يؤذيه بقاؤه أو وقع بظفره مرض فيجوز له قصه، ويجوز له حك بدنه ورأسه برفق ما لم يقطع شعرا وله غسل رأسه وبدنه، وقد فعل ذلك عمر رضى الله عنه وابنه وأرخص فيه على وجابر رضى الله عنهما وللمحرم أيضا غسل رأسه بسدر وصابون وأشنان لقوله عليه الصلاة والسلام فى المحرم الذى وقصته راحلته: " اغسلوه بماء وسدر ". الثالث: تغطية الرأس إجماعاً لنهيه صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبس العمائم: وقوله فى المحرم الذى وقصته راحلته: " لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" والأذنان من الرأس، فما كان من الرأس حرام على الرجل تغطيته. ويجوز تلبيد رأسه بعسل وصمغ ونحوه لئلا يدخله غبار أو دبيب لحديث ابن عمر- رضى الله عنه-: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا- متفق عليه - ولا شىء عليه لأنه لم يفعل محظورا. ولو كان فى رأسه طيب مما فعله قبل الإحرام لحديث ابن عباس - رضى الله عنه - كأنى أنظر إلى وبيص المسك فى رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو محرم، وكذلك إن حمل على رأسه شيئا أو وضع يده عليه لأن ذلك لا يدوم أو نصب حياله ثوبا لحر أو برد وسواء أمسكه إنسان أو رفعه يعود لما روت أم الحصين، قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت بلالا وأسامة رضى الله عنهما وأحدهما آخذ بخطا ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة، رواه مسلم وعليه اعتمد القاضى غيره لأنه يسير لا يراد للاستدامة بخلاف الاستظلال بالمحمل وإن استظل بخيمة أو شجر ولو طرح عليها شيئا يستظل به أو استظل بسقف وجدار ولو قصد به الستر فلا شىء عليه لحديث جابر - رضى الله عنه - أن النبى صلى الله عليه وسلم ضربت له قبة بنمرة فنزلها، (رواه مسلم) ولأنه لا يقصد به الترفه فى البدن عادة، وكذا لو غطى الرجل وجهه فيجوز. الرابع: لبس الرجل المخيط قل أو كثر فى بدنه، أو بعضه من قميص وعمامة وسراويل ونحوها: كالخفين أو أحدهما للرجلين، وكالقفازين لليدين، فإن لم يجد إزارا لبس السراويل، وإن عدم نعلين لبس خفين بلا فدية لقول ابن عباس - رضى الله عنه - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطب بعرفات يقول: " السراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين " - متفق عليه- وإن أتزر المحرم بقميص فلا بأس به لأنه ليس لبسا للمخيط، ويحرم قطع الخفين وعنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين وجوزه جمع. قال الموفق وغيره: الأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الاختلاف وإن لبس مقطوعا من خفه وغيره دون الكعبين مع وجود نعل حرم ويباح النعل ولو كانت بعقب. ويجوز له شد وسطه بمنديل وحبل ونحوهما إذا لم يعقده. قال الإمام أحمد فى محرم حزم عمامته على وسطه لا يعقدها ويدخل بعضها فى بعض لاندفاع الحاجة بذلك. قال طاووس فعله ابن عمر - رضى الله عنه - إلا إزاره فله أن يعقده لحاجة ستر العورة وله أن يلتحف بقميص ويرتدى به وبرداء موصل لأن ذلك كله ليس بلبس المخيط المصنوع لمثله ولا يعقده ويتقلد المحرم بسيف للحاجة، ولا يجوز لغير حاجة. الخامس: الطيب إجماعا لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر بعلى بن أمية بغسل الطيب وقال فى المحرم الذى وقصته ناقته: " لا تحنطوه "، ولمسلم: " لا تمسوه بطيب " فيحرم على المحرم بعد إحرامه تطييب بدنه وثيابه ويحرم عليه ليس ما صبغ بزعفران أو ورس أو ما غمس فى ماء ورد أو بخر بعود ونحوه، وكذلك يحرم عليه الجلوس والنوم على ما صبغ بزعفران أو ورس أو غمس فى ماء ورد أو بخر بعود، ويحرم كذلك الاكتحال بمطيب والاحتقان به وشم الأدهان المطيبة والأدهان بها. ويحرم علي المحرم شم مسك وكافور، وعنبر وماء ورد. ويحرم عليه كذلك أكل وشرب ما فيه طيب يظهر طعمه أو ريحه، ولو مطبوخا أو مسته النار حتى ولو ذهبت رائحته وبقى طعمه لأن الطعم مستلزم الرائحه فإن بقى اللون فقط دون الطعم والرائحة فلا بأس بأكله لذهاب المقصود منه وله شم الفواكه كلها، وكذا نبات الصحراء وما ينبته الآدمى لغير قصد الطيب كحناء وعصفر وقرنفل ونحوه. أما ما ينبت لطيب كورد وبنفسج فيحرم شمه. السادس: قتل صيد البر المأكول وذبحه إجماعا لقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ((93) . وقول الله عز وجل (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ((94) . فيحرم صيده وأذاه، ويحرم الدلالة عليه والإشارة والإعانة ولو بإعارة سلاح ليقتله أو ليذبحه به. ويحرم أكل المحرمة مما صاد أو صاده غيره بإعانته أو الدلالة عليه أو كان مما صيد لأجله. السابع: عقد النكاح، فلا يتزوج المحرم ولا يزوج غيره بولاية ولا وكالة، لما روى مسلم عن عثمان - رضى الله عنه- مرفوعا: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب. والاعتبار بحالة العقد فى الوكالة فلو وكل محرم حلالا فى عقد النكاح، فعقله بعد حله من إحرامه صح عقده لوقوعه حال حل الوكيل والموكل. الثامن: الجماع فى القبل أو الدبر من أدمى أو غيره، لقول الله تعالى: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ((95) . قال ابن عباس رضى الله عنه: الرفث الجماع، لما ورد فى قول الله عز وجل: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ((96) . التاسع: المباشرة فيما دون الفرج بشهوة، ولو بقبلة أو لمس، وكذا النظر لشهوة لأنه وسيلة إلى الوطء المحرم فكان حراما، وإحرام المرأة فيما تقدم كالرجل، فيحرم عليها ما يحرم عليه إلا فى اللباس (أى لباس المخيط) فلا يحرم عليها لبس المخيط وتغطية الرأس، وإنما إحرامها فى وجهها فيحرم عليها تغطيته لغير حاجة ببرقع أو نقاب أو غيره، لحديث ابن عمر - رضى الله عنه - " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين "، فإذا كانت هناك حاجة تستدعى تغطية وجهها كمرور رجال قريبا منها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها لفعل عائشة - رضى الله عنها - ويجوز لها التحلى بالخلخال والسوار ونحوهما. ويجوز للمحرم أن يتجر وان يصنع الصانع ما لم يشغله ذلك عن واجب أو مستحب، وأن يرتجع زوجته لأن الرجعة إمساك بدليل قول الله تعالى: (فامسكوهن بمعروف ((97) ، فأبيح ذلك كالإمساك قبل الطلاق. وللمحرم أن يقتل الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور، وكل ما عدا عليه أو آذاه، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الثورى وإسحاق وأصحاب الرأى، لما روت عائشة رضى الله عنها، قالت: أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق فى الحرم: الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور وعن ابن عمر- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خمس من الدواب ليس على المحرم جناح فى قتلهن"، وذكر مثل حديث عائشة - رضى الله عنها - السابق. ويحل للمحرم صيد البحر لقول الله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ((98) واجمع أهل العلم على أن صيد البحر للمحرم مباح اصطياده وأكله وبيعه وشراؤه. ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش، ولا بقطع ما أنكسر ولم يبن وإنما يحرم قطع الشوك والعوسج بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا يعضد شجرها ". وفى حديث أبى هريرة " لا يختلى شوكها ". وقال القاضى وأبو الخطاب: لا يحرم وأجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم ونباته إلا الأذخر وما زرعه الإنسان ويحرم صيد المدينة وشجرها وحشيشها (99) . مذهب الظاهرية: قال ابن حزم الظاهرى (100) : يحرم على المحرم لبس القميص والسراويل والعمامة والقلنسوة والجبة والبرنس والخفين والقفازين البتة، ولا يحل له أن يتزر ولا أن يلتحف فى ثوب صبغ كله أو بعضه بورس أو زعفران أو عصفر. أما بالنسبة للمرأة فلا تنتقب أصلا ولا يحل لها أن تلبس شيئا صبغ كله أو بعضه بورس أو زعفران، ولا أن تلبس قفازين فى يدها، برهان ذلك ما روى عن يحيى ابن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر - رضى الله عنه - قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه ومسلم ما يلبس المحرم من الثياب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران ولا الورس، ثم يجتنبان (101) تجديد قصد إلى الطيب فإن مسهما من طيب الكعبة شىء لم يضر، أما اجتناب القصد إلى الطيب فلا نعلم فيه خلافا، وأما إن مسه شىء من، طيب الكعبة أو غيرها من غير قصد فلأنه لم يأت فيه نهى. ولا يحل للمحرم (102) بالعمرة أو بالحج تصيد شىء مما يصاد ليؤكل ولا وطء كان له حلالا قبل إحرامه ولا لباس شىء مما ذكرنا قبل أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن لباسه المحرمة. قال الله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ((103) وقول الله عز وجل: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ((104) . وكل من تعمد معصية (105) (أى معصية كانت وهو ذاكر لحجه، مذ يحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمى الجمرة) فقد بطل حجه، فإن أتاها ناسيا لها أو ناسيا لإحرامه ودخوله فى الحج أو العمرة فلا شىء عليه فى نسيانها وحجه وعمرته تامان فى نسيانه كونه فيهما، وذلك لقول الله عز وجل: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ((106) فكان من شرط الله تعالى فى الحج براءته من الرفث والفسوق، فمن لم يتبرأ منهما فلم يحج كما أمر، ومن لم يحج كما أمر فلا حج له، ويبطل الحج (107) تعمد الوطء فى الحلال من الزوجة والأمة ذاكرا لحجه أو عمرته. وكذلك يبطل بتعمده أيضا حج الموطوءة وعمرتها، قال الله تعالى: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ((108) والرفث الجماع وإن وطىء وعليه بقية من طواف الإفاضة أو شىء من رمى الجمرة فقد بطل حجة كما قلنا للآية السابقة. ومن قتل صيدا (109) متصيدا له ذاكراً لإحرامه عامداً لقتله، فقد بطل حجه أو عمرته لبطلان إحرامه، قال الله عز وجل: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ((110) فحرم الله تعالى عليه أن يقتل الصيد متعمداً فى إحرامه، فإذا فعل فلم يحرم كما أمر لأن الله تعالى إنما أمره بإحرام ليس فيه تعمد قتل صيد، وهذا الإحرام هو بلا شك غير الإحرام الذى فيه تعمد قتل الصيد، فلم يأت بالإحرام الذى أمره الله تعالى به. وأيضا فإن الله تعالى قال: (الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ((111) ولا خلاف فى أن تعمد قتل الصيد فى الإحرام فسوق، فمن فسق فى حجه فلم يحج كما أمر، ومن لم يحج كما أمر فلم يحج. قال أبو محمد (112) : وكل فسوق تعمده المحرم ذاكرا لإحرامه فقد بطل إحرامه وحجه وعمرته لقول الله عز وجل: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ((113) ، فصح أن من تعمد الفسوق ذاكرا لحجه أو عمرته فلم يحج كما أمر. ويحرم على المحرم الجدال بالباطل (114) ، وفى الباطل عمدا، ذاكرا لإحرامه مبطل للإحرام وللحج للآية السابقة. ولا يحل لرجل (115) ولا لامرأة أن يتزوجا أو تتزوج، ولا أن يزوج الرجل غيره من وليته ولا أن يخطب خطبة نكاح مذ يحرمان إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر ويدخل وقت رمى جمرة العقبة، ويفسخ النكاح قبل الوقت المذكور كان فيه دخول وطول مدة وولادة أو لم يكن، فإذا دخل الوقت المذكور حل لهما النكاح والإنكاح، وله أن يراجع زوجته المطلقة ما دامت فى العدة فقط، وله أن يراجعها زوجها كذلك أيضا ما دامت فى العدة، لما روى: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب. وإن قتل المحرم الصيد (116) عامدا لقتله ذاكرا لإحرامه أو لأنه فى الحرم فهو عاص لله تعالى وحجه باطل وعمرته كذلك للآية السابقة، وهو قول الله عز وجل: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ((117) فلو أمر محرم حلالا (118) بالتصيد فإن كان ممن يطيعه ويأتمر له، فالمحرم هو القاتل للصيد فهو حرام ولو اشترك حلال ومحرم فى قتل صيد كان ميتة لا يحل أكله، لأنه لم تصح فيه الذكاة خالصة، ولا يحل لأحد (119) قطع شىء من شجر الحرم بمكة والمدينة ولا شوكة فما فوقها ولا من حشيشه حاشا الأذخر عن برهان ذلك ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلى ولم يحل لى إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة لا يعضد شجره ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها ". قال العباس رضى الله عنه: يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقينهم (120) ولبيوتهم. فقال: إلا الأذخر. ويجوز للمحرم (121) أن يلتحفه بما شاء من كساء أو ملحفة أو رداء، ويتزر ويكشف رأسه ويلبس نعليه. فإن كانت امرأة فلتلبس ما شاءت من كل ما ذكرنا لأنه لا يلبسه الرجل، وتغطى رأسها، لكن إما أن تكشف وجهها وإما أن تسدل عليه ثوبا من فوق رأسها فذلك لها إن شاءت، ولها أن تلبس الخفاف والمعصفر فإن لم يجد الرجل إزارا فليلبس السراويل كما هى، وأن لم يجد نعلين فليقطع خفيه تحت الكعبين ولابد، ويلبسهما كذلك. ولا بأس أن يغطى الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير ذلك، ولا كراهة فى ذلك، ولا بأس أن تسدل المرأة الثوب من على رأسها على وجهها. أما المرأة فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهاها عن النقاب، ولا يسمى السدل نقابا، فإن كان البرقع يسمى نقابا لم يحل لها لباسه (122) لحديث ابن عمر- رضى الله عنه- السابق " ما يلبس المحرم ... إلخ " ويجوز للمحرم الجدال فى واجب وحق فى الإحرام (123) قال الله عز وجل: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين ((124) . ومن جادل فى طلب حق له فقد دعا إلى سبيل ربه تعالى، وسعى فى إظهار الحق والمنع من الباطل، وهكذا كل من جادل فى حق لغيره أو لله عز وجل. وجائز للمحرمين من الرجال والنساء أن يتظلوا فى المحامل إذا نزلوا، والكلام مع الناس (125) فى الطواف جائز، وذكر الله أفضل لأن النص لم يأت يمنع من ذلك. وقال الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم ((126) ، فما لم يفصل تحريمه فهو حلال. ومن تصيد صيدا (127) فقتله وهو محرم بعمرة أو بقران أو بحجة تمتع ما بين أول إحرامه إلى دخول وقت رميه جمرة العقبة أو قتله محرم أو محل فى الحرم، فإن فعل ذلك عامدا لقتله غير ذاكر لإحرامه أو لأنه فى الحرم أو غير عامد لقتله سواء كان ذاكرا لإحرامه أو لم يكن فلا شىء عليه، وذلك الصيد جيفة لا يحل أكله (128) وحلال للمحرم ذبح ما عدا الصيد مما يأكل الناس من الدجاج والأوز المتملك والبرك المتملك وهو طائر من طيور الماء) والحمام المتملك والإبل والبقر والغنم والخيل وكل ما ليس صيدا،الحل والحرم سواء، وهذا لا خلاف فيه من أحد. وكذلك يذبح كل ما ذكرنا الحلال فى الحرم بلا خلاف أيضا، والنص لم يمنع من ذلك. وجائز للمحرم (129) فى الحل والحرم وللمحل فى الحرم والحل قتل كل ما ليس بصيد من الخنازير والأسد والسباع والقمل والبراغيث وقردان بعيره أو غير بعيره والحلم (القراد العظيم) كذلك، ونستحب لهم قتل الحيات والفيران والحدأة والغربان والعقارب والكلاب العقورة صغار كل ذلك وكباره سواء، وكذلك الوزغ وسائر الهوام، فإن قتل ما نهى عن قتله من هدهد أو صرد أو ضفدع أو نمل فقد عمى، برهان ذلك ما ذكرنا أن الله عز وجل أباح قتل ما ذكرنا ثم لم ينه المحرم إلا عن قتل الصيد فقط ولا نهى إلا عن صيد الحرم فقط. وجائز للمحرم (130) دخول الحمام والتدلك وغسل رأسه بالطين والخطمى والاكتحال والتسويك والنظر فى المرآة وشم الريحان وغسل ثيابه وقص أظفاره وشاربه ونتف إبطه والتنور ولا حرج فى شىء من ذلك ولا شىء عليه فيه لأنه لم يأت فى منعه من كل ما ذكرنا قرآن ولا سنة. وكل ما صاده (131) المحل فى الحل فأدخله الحرم أو وهبه لمحرم أو اشتراه محرم فحلال للمحرم ولمن فى الحرم ملكه وذبحه وأكله. وكذلك من أحرم وفى يده صيد قد ملكه قبل ذلك أو فى منزله قريبا أو بعيداً أو فى قفص معه فهو حلال له كما كان كله وذبحه وملكه وبيعه. وإنما يحرم عليه ابتداء التصيد للصيد وتملكه وذبحه حينئذ، فلو ذبحه لكان ميتة ولو أنتزعه حلال من يده لكان للذى انتزعه ولا يملكه المحرم، وإن أحل إلا بأن يتحدث له تملكا بعد إحلاله، برهان ذلك أن الله تعالى قال (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ((132) . فلو أمر محرم (133) حلالا بالتصيد فإن كان ممن لا يأتمر له ولا يطيعه فليس المحرم هنا قاتلا بل أمر بمباح حلال للمأمور ومباح للمحرم أن يقبل امرأته ويباشرها ما لم يولج لأن الله تعالى لم ينه إلا عن الرفث والرفث الجماع فقط وللمحرم أن يشد المنطقة (134) على إزاره إن شاء أو على جلده، ويحتزم بما شاء ويحمل خرجه على رأسه ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء ويحمل ما شاء من الحمولة على رأسه ويعصب على رأسه لصداع أو لجرح ويجبر كسر ذراعه أو ساقه ويعصب على جراحه وخراجه وقرحه، ويحرم فى أى لون شاء حاشا ما صبغ بورس أو زعفران لأنه لم ينه عن شىء مما ذكرنا قرآن ولا سنة. مذهب الزيدية: قال الزيدية: محظورات الإحرام عندهم أنواع أربعة: الأول منها: هو الرفث، والمراد به منا الكلام الفاحش (وفى غيره الوطء) ، وكذلك الفسوق كالظلم والتعدى والتكبر والتجبر والجدال بالباطل فإن كان لإرشاد المخالف جاز. ويحرم التزين بالكحل ونحوه من الأدهان التى فيها زينة. ويحرم لبس ثياب الزينة كالحرير، والحلي فى حق المرأة عندنا والمعصفر والمزعفر والمورس، وكذلك فى حق الرجل. ولا يعقد المحرم لنفسه ولا لغيره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ". ولا تحرم الشهادة من المحرم على زواج المحل، أما على زواج المحرم فمحظورة وكذلك لا تحرم الرجعة ولو بعقد ولأن الرجعة إمساك لا نكاح، ولم يرد النهى إلا فى النكاح. والنوع الثانى من المحظورات الوطء ومقدماته من لمس أو تقبيل لشهوة، فذلك من غير إجماعا ويكره اللمس من غير ضرورة ولو لم تقارنه شهوة. والنوع الثالث من المحظورات لبس الرجال المخيط، لما رواه سالم عن ابن عمر عن أبيه - رضى الله عنهما - قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يترك المحرم من اللباس فقال: " لا يلبس القميص والبرنس ولا السراويل ولا العمامة ولا ثوبا مسه ورس وزعفران ولا الخفين إلا ألا يجد نعلين، ومن لا يجد نعلين فلبس الخفين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين". ويحرم تغطية رأس الرجل لأن إحرامه فى رأسه عندنا وتغطية وجه المرأة لأن إحرامها فى وجهها وتغطيتهما بأى مباشر لهما محظور، سواء كان الغطاء لباسا كالقلنسوة للرجل والنقاب والبرقع للمرأة أو غير لباس كالظلة إذا باشرت الرأس أو كالثوب إذا رفع ليستظل به، فباشر الرأس فأما إذا غطيا الرأس والوجه بشىء لا يباشرهما كالخيمة المرتفعة ونحو أن تعمم المرأة ثم ترسل النقاب فوق العمامة بحيث لا يمس الوجه فإن ذلك جائز. ويحرم التماس الطيب ولا يجوز شمه ولا مسه إذا كان ينفصل ريحه وإلا جاز ولا يجوز أن يأكل طعاما مزعفرا إلا ما أذهبت النار ريحه ولا يلبس ثوبا مبخرا ويحرم أكل صيد البر فقط سواء اصطاده هو أم محرم غيره أم حلال اصطاده له أو لغيره فأكله محظور. ولا يجوز تخضيب الأصابع من اليدين أو الرجلين، ولا تقصير كل أظافر أصابع اليدين والرجلين، ولا تخضيب أو تقصير خمس أصابع ولو كانت متفرقة فى اليدين أو الرجلين، ويحظر إزالة سن أو شعر من جسد المحرم سواء أزال ذلك بنفسه أو أزالها من جسد إنسان محرم غيره والنوع الرابع من المحظورات: قتل بعض الحيوان، وهو نوعان: أحدهما يستوى فيه العمد والخطأ، وهو قتل القمل، فإنه لا يجوز للمحرم. والنوع الثانى الذى يختلفا فيه العمد والخطأ هو قتل كل حيوان متوحش وإن تأهل، وإنما يحرم قتله بشرط أن يكون مأمون الضرر، أما لو خشى المحرم من ضرره جاز له قتله إذا خاف ضرره بأن يعدو عليه إلا ما أباح الشرع قتله فذلك جائز، وهى الحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة سواء كان القتل مباشرة أو تسببا إلا الصيد البحرى فإنه يجوز للمحرم قتله وأكله، وكذلك الصيد الأهلى من الحيوانات كالخيل وكل ما يؤكل لحمه (135) . ويحظر على المحرم قتل صيد مكة والمدينة سواء ما يؤكل وما لا يؤكل إذا كان مأمون الضرر فإنه محرم قتلة، والعبرة بموضع الإصابة لا بموضع الموت. وكذلك يحرم قطع شجرهما ورعيه، وإنما يحظر قطع الشجر بشرط أن يكون أخضر فلو كان يابسا جاز قطعه، وبشرط أن يكون غير مؤذ، فلو كان مؤذيا كالعوسج ونحوه مما له شوك مؤذ فإنه يجوز قطعه، وبشرط ألا يكون مستثنى فلو كان مستثنى كالأذخر جاز قطعه وبشرط أن يكون أصله ثابتا فى الحرمين، وكذا لو كان بعض عروق أصله فى الحرم فلو كان أصله فى الحل وفروعه فى الحرم جاز قطعه وبشرط أن يكون نبت بنفسه كالأشجار دون الذرائع أو غرس ليبقى سنة فصاعدا كالعنب والتين فإنه لا يجوز قطعهما عندنا (136) . مذهب الإمامية: قال الإمامية: من محظورات الإحرام صيد البر ومن المحرم الثعلب والأرنب ولا يختص التحريم بمباشرة قتلها، بل يحرم الإعانة عليه ولو دلالة عليها وإشارة إليها بأحد الأعضاء، ولا فرق فى تحريمها على المحرمة بين كون المدلول محرما ومحلا ولا بين الخفية والواضحة على تفصيل فى ذلك، ينظر فى مصطلح " صيد ". ولا يحرم صيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ معا فيه إلا إذا تخلف أحدهما. وإن لازم الماء كالبط، وهى ما سبق ذكره من الحية والعقرب إلخ. والنساء بكل استمتاع من الجماع ومقدماته حتى العقد والشهادة عليه وإقامتها وإن تحملها محلا أو كان العقد بين محلين والاستمناء وهو استدعاء المنى بغير الجماع، ولبس المخيط وأن قلت الخياطة وشبهه مما أحاط الدرع المنسوج واللبد المعمول، كذلك وعقد الرداء وتخليله وزره ونحو ذلك دون عقد الإزار ونحوه فإنه جائز، واستثنى منه الهميان (137) فعفى عن خياطته ومطلق الطيب وهو الجسم ذو الريح المتخذ للسم غالبا غير الرياحين كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد. وخرج بقيد الاتخاذ للسم ما يطلب منه الأكل والتداوى غالبا كالقرنفل والدار صينى وسائر الأباريز الطيبة فلا يحرم شىء. وكذا ما لا ينبت للطيب كالحناء والمعصفر. وأما ما يقصد شمه من النبات الرطب كالورد والياسمين فهو ريحان والأقوى تحريم شمه أيضا. وأستثنى منه الشيح والخزامى والأذخر والقيصوم إن سميت ريحانا. وخص الطيب بأربعة: المسك والعنبر والزعفران والورس، وفى قول آخر: ستة بإضافة العود والكافور إليها ويستثنى من الطيب خلوق- وهو نوع من الطيب - الكعبة والعطر فى المسعى والقبض من كريه الرائحة لكن لو فعل فلا شىء عليه غير الإثم بخلاف الطيب والاكتحال بالسواد والمطيب. ويجوز أكل الدهن غير المطيب إجماعا، والجدال وهو قول لا والله، وبلى والله وقيل مطلق اليمين. وإنما يحرم مع عدم الحاجة إليه، فلو أضطر إليه لإثبات حق أو نفى باطل فالأقوى جوازه. والفسوق وهو الكذب مطلقا والسباب للمسلم وتحريمها ثابت فى الإحرام وغيره ولكنه فيه آكد كالصوم والاعتكاف والنظر فى المرآة. وإخراج الدم اختيارا ولو بحك الجسد والسواك، واحترز بالاختيار عن إخراجه لضرورة كبط جرح وشق دمل وحجامة وقصد عند الحاجة إليها فيجوز إجماعا، وقلع الضرس والرواية مجهولة مقطوعة، ومن ثم إباحة جماعة خصوصا مع الحاجة نعم يحرم من جهة إخراج الدم وقص الظفر بل مطلق إزالته أو بعضه اختياراً فلو أنكسر فله إزالته وإزالة الشعر بحلق ونتف وغيرهما مع الاختيار، فلو اضطر كما لو نبت فى عينه جاز إزالته، ولو كان التأذى بكثرته لحر أو قمل جاز أيضا، لأنه محل المؤذى لا نفسه، والمعتبر إزالته بنفسه فلو كشط جلدة عليها شعر فلا شىء فى الشعر لأنه غير مقصود بالإبانة. وتغطية الرأس للرجل بثوب وغيره حتى بالطين والحناء والارتماس وحمل متاع يستره أو بعضه، نعم، يستثنى عصابة القربة وعصابة الصداع وما يستر منه بالوسادة وفى صدقه باليد وجهان، وقطع فى التذكرة بجوازه، وفى الدروس جعل تركه أولى، والأقوى الجواز لصحيح معاوية ابن عمار. والمراد بالرأس هنا منابت الشعر حقيقة أو حكما، فالأذنان ليستا منه خلافا للتحرير. وتغطية الوجه أو بعضه للمرأة ولا يصدق باليد كالرأس ولا بالنوم عليه، ويستثنى من الوجه ما يتم به ستر الرأس لأن مراعاة الستر أقوى وحق الصلاة أسبق. ويجوز لها سدل القناع إلى طرف أنفها بغير إصابة وجهها على المشهور، والنص خال من اعتبار عدم الإصابة، ومعه لا يختص بالأنف بل يجوز الزيادة ويتخير الخنثى بين وظيفة الرجل والمرأة فيغطى الرأس أو الوجه، ولو جمعت بينهما كفرت. والنقاب للمرأة وخصه مع دخوله فى تحريم تغطية الوجه تبعا للرواية، وإلا فهو كالمستغنى عنه والحناء للزينة لا للسنة سواء الرجل والمرأة، والمرجع فيهما إلى القصد أيضا ولبس المرأة ما لم تعتده من الحلى وإظهار المعتاد منه للزوج وغيره من المحا رم. وكذا يحرم عليها لبسه للزينة مطلقا والقول بالتحريم كذلك هو المشهود. ولبس الخفين للرجل وما يستر ظهر قدميه مع تسميته لبسا، والظاهر أن بعض الظهر كالجميع إلا ما يتوقف عليه لبس النعلين. والتظليل للرجل الصحيح سائرا فلا يحرم نازلا إجماعا ولا ماشيا إذا مر تحت المحمل ونحوه، والمعتبر منه ما كان فوق رأسه فلا، يحرم الكون فى ظل المحل عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه. وأحترز بالرجل عن المرأة والصبى فيجوز لهما الظل اتفاقا وبالصحيح عن العليل، ومن لا يتحمل الحر والبرد بحيث يشق عليه بما لا يتحمل عادة فيجوز له الظل ولبس السلاح اختيارا فى المشهور، ومع الحاجة إليه يباح قطعا. وقطع شجر الحرم وحشيشة الأخضرين إلا الأذخر، وما ينبت فى ملكه وشجر الفواكه. ويحرم ذلك على المحل أيضا، وقتل هوام الجسد وهى ثوابه ولا فرق بين قتله مباشرة وتسببا كوضع دواء يقتله (138) . مذهب الإباضية قال الإباضية: منع المحرم من استعمال الطيب وإلقاء تفث كظفر وشارب وشعر العانة وغير ذلك، والمراد بإلقائه نزعه، وجماع واصطياد ولبس مخيط للنهى عن القميص والسراويل والعمامة كعلة تغطية الرأس ومنع من لبس البرنوس وهو ثوب له رأس، والخف وإن لم يجد نعلا لبس خفا بعد قطعه من أسفل الكعبين علي خلاف فى ذلك. ولا يلبس المحرم ولو امرأة القفازين، ونهى عن لبس مزعفر (أى مصبوغ بزعفران) كله أو بعضه، وذلك لرائحته. ويجوز المصبوغ بغيره على أى لون، ومورس (مصبوغ فى ورس) كله أو بعضه، وهو نبات أصفر باليمن، وعن بعض أنه كالسمسم يزرع باليمن، ونهى المحرم عما جعل مستديرا ثوبا أو غيره ولو بلا خياطة، وعن تغطية رأس إن كان المحرم دجلا ووجهه مطلقا. ولا يحمل علي رأسه شيئا ولا يستره، وقال بعضهم: لا بأس أن يحمل طعامه على رأسه، وإنما يكره له ما كان على وجه اللبس. وقال: ولا يشد على جسده ولو على ذراعه أو أصبعه ولو بخيط ولا يحتزم وقيل يجوز أن يحتزم ولو بعقد بخيط أو حبل علي بطنه إذا أراد العمل، ولا يحتزم لغيره ولا يعقد ثوبه أو غيره على نفسه ولا يتقلد سيفا ولا قوسا. ورخص فى شد نفقة على عقوبة أو غيرهما كصدره وعضده من داخله مما يلى جلده، ورخص باحتباء بثوب هو على جسده ملبوسا أى ليس كذلك، وتمنع المرأة المحرمة من ليس الحرير أو الذهب أو الحلى. ولها أن ترخى علي وجهها ثويا إن لم يمسه، ومنع المحرم ذكرا أو أنثى من طيب ولو بثوبه ولا يضر إن غسل ولم يبق فيها ريح ولو بقى به لون أو منع من دهن خلط به الطيب ولا يشمه أو يلتذ بريحه وقيل لا يلزم بالسم والالتذاذ فى الطيب الغير المؤنث وأن وقع بثوبه أو جسده ولو ألقته عليه الريح أو طيب به وهو نائم أو مكره أو غافل، غسله من حينه أو نزعه من حينه وندب اجتناب الطيب قبل الإحرام بيومين، والطيب ضربان: ما غلب لونه رائحته، ويسمى الطيب المؤنث لأنه هو الذى تستعمله المرأة كمخلوق من الطيب يصنع من زعفران وغيره، وما لم يغلب لونه رائحته يسمى المذكر لأنه هو الذى يستعمله الرجل كالمسك. ولا تتزين المرأة وإن بكحل وكذا الرجل ورخص فى الكحل ولو لرجل. وكلام الدعائم أنه يجوز للرجل الاكتحال والدهن بما لا طيب فيه لأجل وجع بأثمد وإن كان مخلوطا بأشياء كثيرة مخلوطة لا بطيب ومنع المحرم والمحل من صيد الحرم ولو من ماء مطر أو عين أو غيره تولد منه الحيوان. ومنع المحرم من اصطياد فى بر ومن أكمل صيده (أى صيد البر) ولو صاده محل ولو من الحل أيضا، وإنما منع المحرم من اصطياد البر لما فيه من الفخر بخلاف صيد البحر فلا فخر فيه، ولا يحل وإن كان لمحل شجر الحرم وصيده ولقطته وحلت لمعرفها على أنه إن لم يجد صاحبها تصدق بهما، ولا يحل خلاؤه وهو الرطب من النبات لا يحتش ويجوز رعيه ويمنع للمحرم الاحتجام فى الحرم وهو الصحيح إلا لضرورة (139) وجاز للمحرم استظلال بعريش بيت من قصب أو غيره وما يجعل للعنب يعلوه ويفرش عليه وخيمة وقبة من بناء أو جلد أو غيرهما ومظلة من أى نوع كانت وعلى أى هيئة كانت وثوب على عصا أو شجرة، وليحذر فى ذلك كله مسه لرأسه أو وجهه، وقيل لا يجوز الاستظلال بالثوب على عصا ولا المظلة ولا يجوز لمن لم يكن على دابة ولا بأس للمحرم أن يلقى على نفسه ما شاء من الثياب والمسوح والقطائف من غير أن يغطى رأسه، وقيد بعض أصحابنا الارتداء بالقميص بعدم وجود لك داء، ولا بأس فى توسد الوسادة. وجاز للمحرم الاستظلال بظل الإنسان وغيره وأجاز قومنا أن يجعل يده على رأسه أو وجهه للحر، وأجيز الحمل على الرأس، وقال بعض: لا يستظل بالمحمل ولا بأس عندنا باستظلاله بداخل البيت والفسطاط والخباء والقبة ومن عجز عن مس جبهته الأرض من شدة الحر سجد على ثوب من نبات أو من الصوف عند مجيز الصلاة عمى ما يصلى به ويجوز وضع الرأس على الحائط أو الأرض أو الفراش أو غير ذلك على وجه الارتياح أو غير ذلك، ولا خلاف فى جواز وضعه للنوم. وجاز له احتطاب وشد محملة أى ربطه والعقد عليه لا على نفسه معه. وجاز للمحرم أن يحتجم لضرورة، وروى: أن رسول الله صلى عليه وسلم احتجم وهو محرم. وجاز له قتل كل مؤذ وإن بالحرم ولو ذبابا إن أذى أو زنبورا وغيرها. ويجوز قتل الغراب والحدأة والفأر والعقرب والحية والكلب العقور ولو لم يخف منهن. ويجوز له أن يدهن شقوق رجله أو وجهه أو يديه وغير ذلك مما لا طيب فيه ويكره له غمس رأسه فى الماء، وله غسل رأسه بالماء ولا يدلكه أو بدنه عند الغسل ولا يدلك رأسه إلا بإبهامه. ورخص للمحرم فى القطع للأكل من شجر الحرم مما يؤكل كنبت وإن اختلط بما لا يؤكل ولا يحرث. وقد يرخص فى الخارج فى الحرث للتعذر. وجوز نزع السنا المكى بلا قطع أصله وأكله وشربه لإسهال أو لضرس أوجعته. وجوز نزع الحطب اليابس الميت والثمر الساقط. ويجوز له الانتفاع بالعود أو الغصن أو الورقة أو أكثر من ذلك إذا نزعه غيره ولو عمدا، ولا يجوز لنازعه الانتفاع به. وقيل ان نزعه بلا عمد فله الانتفاع به، وكره له رعى شجره وإن رعى فعليه أن يتصدق. وأجاز بعضهم رعى نباته وهو الصحيح، ولا يضر حافرا قطع شجر صغير وأن من أصله إن صادفه بحفره لا عمداً ولو علم أنه إذا كان يحفر يقطع وذلك إذا أحتاج للحفر (140) .   (1) لسان العرب للعلامة ابن منظور ج 49 مادة " حرم"، طبع دار بيروت للطباعة والنشر سنة 1375 هجرية وترتيب القاموس المحيط لطاهر الزاوى ج1 مادة " حر م، طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة الطبعة الأولى سنه 1959. (2) فتح القدير وبهامشه شرح العناية على الهداية ج 2 ص134 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر الطبعة الأولى سنة 1310 م. (3) بلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ج1 ص250 طبع المطبعة التجارية الكبرى بمصر سنة 1223 هجرية. (4) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن. شهاب الرملى ج 3 ص256 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاد بمصر سنة 1357 هجرية. (5) كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 1 ص564 طبع المطبعة العامرة الشرفية، الطبعة الأولى سنة 1319 هجرية. (6) المحلى لابن حزم الظاهرى ج7 ص سنه 7 مسألة رقم 823، ص90 مسالة رقم 826 طبع أداره الطباعة المنيرية بمصر الطبعة الأولى سنة 1349 هجرية. (7) البحر الزخار، الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 2 ص290، 291، 294، 295 طبع مطبعة العادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1367 هجرية. (8) الروضة "البهية، شرح اللمعة الدمشقية للجبعى العاملى ج 1 ص 173طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هجرية. (9) كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 299، ص300، ص،ص301 طبع على ذمة يوسف البارونى وشركاه. (10) رد المحتار على الدر المختار شرح تنوبر الأبصار لابن عابدين ج2 ص 202 ص 202 طبع المطبعة العثمانية سنة 1324 هجرية (11) الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوى عليه ج1 ص 247 الطبعة السابقة. (12) نهابة المحتاج ج3 ص256 الطبعة السابقة (13) الشرح الكبير بهامش المغنى ج2 ص503،504 لابن قدامة المقدسى الطبعة الأولى مطبعة المنار بمصر فى سنة 1341 هجرية (14) البحر الزخار ج 2 ص 294 الطبعة السابقة. (15) الروضة البهية ج ص173، 179 الطبعة السابقة. (16) كتاب الوضع لأبى زكريا الجناوى ج ص 206 طبع مطبعة الفجالة الجديد ة الطبعة الأولى. (17) كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1ص 130 طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية يمصر الطبعة الأولى سنة 327 هجرية. (18) الشرح الصغير للدردير ج 1 الطبعة السابقة (19) نهاية المحتاج على الشبراملسى ج1 ص439، الطبعة السابقة، والمهذب للشيرازى ج1 ص70 طبع مصطفى عيسى البابى الحلبى وشركاه بصر. (20) المغنى لابن قدامة المقدسى ج1 ص 511 الطبعة السابقة. (21) المحلى لابن حزم الظاهرى ج3 ص 232، 232 الطبعة السابقة مسألة رقم 356. (22) شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار ج 1 ص 231، 232 طبع مطبعة حجارى بالقاهرة الطبعة الثانية سنة 1357 هجرية. (23) المختصر النافع فى فقه الأمامية ص 53 طبع وزارة الأوقاف الطبعة الثانية. (24) شرح النيل ج 1 ص 382، 383،،384 الطبعة السابقة (25) سورة البقرة: 197 (26) تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى مع حاشية الشلبى عليه ج2 ص8 وما بعدما طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر الطبعة الأولى سنة 313 هجرية (27) الشرح الصغير على الدردير ج1 من ص 472 إلى ص 251 الطبعة السابقة (28) الخرشى على مختصر خليل مع حاشية العدوى ج 2 ص 3234،424 طبع المطبعة الكبرى الأمهرية بمصر الطبعة الثانية سنة 1317 هجرية. (29) الدردير مع حاسثيه الصاوى ج 1ص 251 الطبعة السابقة. (30) المهذب للشيرازى ج1 ص 204 الطبعة السابقة. (31) نهاية المحتاج للرملى ج 3 ص 262 الطبعة السابقة. (32) المهذب للشيرازى ج1 ص204 الطبعة السابقة ونهابة المحتاج للرملى ج 3 ص263 الطبعة السابقة (33) نهاية المحتاج ج 3 ص 259، 260، 261 الطبعة السابقة. (34) كشاف القناع ج1 الطبعة السابقة، ص 564 الطبعة السابقة والروض المريع بشرح فى زاد المستنقع لمختصر المقنع ج1 ص 136طبع المطبعة السلفية ومكتبتها الطبعة السابقة (35) كشاف القناع ج1 ص 564،565 الطبعة السابقة، والروض المربع ج1 ص136 الطبعة السابقة (36) المحلى لابن حزم الظاهرى ج7 ص78، 79، 82، 82 مسالة رقم،83 مسالة رقم82 5 (37) المحلى لابن حزم ج7 ص93 مسالة رقم 829. (38) شرح الإزهار ج2 ص74 وما بعدها الطبعة السابقة، والبحر الزخار ج2 ص294 الطبعة السابقة (39) المختصر النافع ص 105، 106، 107 الطبعة السابقة (40) شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص298، 299 الطبعة السابقة (41) سورة البقرة:196 (42) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 2 ص208، 209، 210 الطبعة السابقة، وبدائع الصنائع للكاسانى ج2 من ص 4 إلى صى167 الطبعة السابقة. (43) حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج1 ص247، 8،2 الطبعة السابقة، والخرشى على مختصر خليل ج2 ص 303 الطبعة السابقة. (44) نهاية المحتاج للرملىج3 ص250 الطبعة السابقة (45) نهاية المحتاج ج3 ص ا 25،252 الطبعة السابقة (46) المرجع السابق ج3ص252، الطبعة السابقة (47) نهاية المحتاج للرملى ج3 ص 252، 253 الطبعة السابقة. (48) المرجع السابق ج3 ص255 الطبعة السابقة (49) المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 من ص206 إلى ص 215 الطبعة السابقة، وكشاف القناع ومنتهى الإيرادات ج اص 561، 562 الطبعة السابقة والروض المريع ج ص 135 الطبعة السابقة (50) المحلى لابن حزم ج 7 ص 69 مسألة رقم 822، ص70، 71، 98 مسألة رقم 832، ص266 مسألة رقم من904 الطبعة السابقة (51) شرح الأزهار ج2 ص 75، 76،،5 1 الطبعة السابقة، والبحر الزخار ج 2 ص 28، 289 الطبعة السابقة. (52) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج1 ص178، 179 الطبعة السابقة. (53) شرح النيل وشفاء العليل ج2 من ص291 إلى ص 291 الطبعة السابقة وكتاب الوضع فى مختصر الأصول والفقه ص206، 207، 208 الطبعة السابقة. (54) تبيين الحقائق للزيلعى ج 2 صفا، الطبعة السابقة. (55) حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 2 ص207، 208 الطبعة السابقة. (56) الشرح الصغير وحاشية الصاوى عليه ج اص 247، 248 الطبعة السابقة، والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 2 ص ا 2 الطبعة السابقة (57) نهابة المحتاج للرملى ج 3 ص248، ص250 الطبعة السابقة. (58) كشاف القناع ومنتهى الإيرادات ج اص 630 الطبعة السابقة. (59) كشاف القناع ج ص564 الطبعة السابقة (60) سورة البقرة 1970. (61) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 65 إلى ص 69 الطبعة السابقة. (62) البحر الزخار ج 2 ص 292 الطبعة السابقة وشرح الأزهار ج 2 ص 75، ص76 الطبعة السابقة. (63) المختصر النافع ص 103 الطبعة السابقة. (64) شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 291 وما بعدها الطبعة السابقة وكتاب الوضع فى مختصر الأصول والفقه ص206 وما بعدها، الطبعة السابقة. (65) حاشية ابن عابدين على الدر المختارج61 ص2 الطبعة السابقة. (66) الشرح الصغير وحاشية الصاوى عليه ج1 الطبعة السابقة (67) نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 3 ص.25 الطبعة السابقة. (68) كشاف القناع ومنتهى الإيرادات ج1 ص563، 564 الطبعة السابقة. (69) المحلى لابن حزم الظاهرىج7 ص 65، 66 مسألة رقم 819 الطبعة السابقة. (70) البحر الزخار ج 2 ص 292 11 الطبعة السابقة، وشرح الأزهار ج 2 ص77 الطبعة السابقة. (71) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 172 الطبعة السابقة. (72) شرح النيل وشفاء العليل ج ص297 الطبعة السابقة (73) صورة البقرة: 0196 (74) بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 من ص164 إلى 167 الطبعة السابقة. (75) بلغة السالك لاقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ج اصح249: 250 الطبعة السابقة. (76) نهاية المحتاج ج 3 ص 253،،254 الطبعة السابقة. (77) المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 من ص 216 إلى ص 221 الطبعة السابقة. (78) المحلى لابن حزم الظاهرى ج7 ص70، 71، الطبعة السابقة. (79) المرجع السابق ج 7 ص266 الطبعة السابقة (80) شرح الأزهار ج 2 ص154، 155 الطبعة السابقة. (81) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج1 ص 177 وما بعدها، الطبعة السابقة. (82) شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص294، 295 الطبعة السابقة. (83) سورة البقرة: 196. (84) سورة الحج: 29. (85) سورة البقرة:197. (86) سورة البقرة: 197. (87) بدائع الصنائع للكاساتى ج 2 ص 83 1 إلى ص196،206 (88) الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوى عليه ج1 من ص 266 إلى ص الطبعة السابقة. (89) سورة لبقرة: 196. (90) سورة البقرة:197 (91) المهذب للشيرازى ج1 ص 207 إلى ص 214 الطبعة السابقة. (92) سورة البقرة: 196. (93) سورة المائدة: 95 (93) سورة المائدة: 96 (94) سورا البقرة:197. (95) سورة البقرة: 187. (96) سورة الطلاق: 2. (97) المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 من ص337 إلى ص 396 الطبعة السابقة، وكشاف القناع ومنتهى الإرادات ج 1 من ص573 إلى ص 588 الطبعة السابقة (98) المحلى لابن حزم الظاهرى ج7 ص 78، 79 مسألة رقم 823. (99) المحلى ج7 ص 90 مسألة رقم 827. (100) المرجع السابق ج7 ص 98 مسألة رقم 831، الطبعة السابقة. (101) صورة المائدة: 95. (102) سورة البقرة: 197. (103) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 18 مسألة رقم 850 الطبعة السابقة. (104) المرجع السابق ج 7 ص189، مسألة رقم 855 الطبعة السابقة. (105) المرجح السابق ج7 ص194 مسالة رقم 863 (106) المرجع السابق ج 7 ص 195 مسألة رقم 864 (107) المرجع السابق ج 7 ص196 مسألة رقم 865 (108) المرجع السابق ج7 ص 197، 198 مسألة رقم 869. (109) المحلى لابن حزم ج 7 ص 214 مسألة رقم 876 الطبعة السابقة. (110) المرجع السابق ج 7 ص 4 5 2 مسألة رقم 893 (111) المرجع السابق ب 7 ص 260، 261 مسألة رقم 897 الطبعة السابقة. (112) القيون جمع قين وهو الحداد والصانع الذى بعمل بالكير- لسان العرب لابن منظور ج 56 ص 350 طبع بيروت. (113) المحلى لابن حزم ج 7 من78، 79 مسألة رقم 823 الطبعة السابقة. (114) المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 91 مسألة رقم 828 الطبعة السابقة. (115) المرجع السابق ج 7 ص 196، 197 مسألة رقم 865 مسألة رقم867 الطبعة السابقة. (116) سورة النحل: 125. (117) المحلى لابن حزم ج 7 ص97 1 مسألة وقم 868 الطبعة السابقة. (118) صورة الأنعام: 119. (119) المحلى لابن حزم ج 7 ص 214 مسألة رقم 876 الطبعة السابقة. (120) المرجع السابق ج7 ص 23، 239، مسألة رقم 9، 8 الطبعة السابقة. (121) المرجع السابق ج7 ص 238 مسألة رقم 890 الطبيعة السابقة. (122) المرجع السابق ج 7 ص 246 مسألة رقم 891 الطبعة السابقة. (123) المرجع: السابق ج7 ص 248، 249 مسألة 892 الطبعة السابقة. (124) سورة المائدة رقم 96 (125) المحلى ج 7 ص25، 255 مسألة رقم 893 الطبعة السابقة، مسألة رقم 894. (126) المرجع السابق ج 7 ص 258، 259 مسألة رقم 896 الطبعه السابقة. (127) شرح الأزهار ج 2 من ص 84 إلى94 الطبعة السابقة، والبحر الزخار ج 2 ص 310 الطبعة السابقة. (128) المرجع السابق ج 2 من ص 101 إلى ص 104 الطبعة السابقة. (129) الهميان (بالكسر) : شداد السراويل ووعاء الدراهم. (130) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج1 ص 181، 182، 183 الطبعة السابقة. (131) شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص310 إلى ص 328،ص337، عي 383 الطبعة السابقة (132) كتاب شرح شفاء العليل ج 2 من ص310 إلى ص 342 الطبعة السابقة. (133) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 2 ص 53، 56، 2 5، 58، الطبعة السابقة. (134) المرجع السابق ج 2 من ص 52 إلى ص 55، ص 59 الطبعة السابقة. (135) سورة البقرة: 197. (136) تبيين الحقائق للزيلعى ج 2 ص 56 الطبعة السابقة.. (137) المرجع السابق ج 2 ص 52، ص 53، ص 54، الطبعة السابقة. (138) رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 2 ص 286، ص287 الطبعة السابقة. (139) سورة المائدة: 95. (140) الزيلعى ج 2 ص 63 الطبعة السابقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66