الكتاب: معجزات القرآن العلمية المؤلف: حامد حسين قدير الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة الرابعة عشرة، العددان الخامس والخمسون والسادس والخمسون، رجب- ذو الحجة 1402هـ   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- معجزات القرآن العلمية حامد حسين قدير الكتاب: معجزات القرآن العلمية المؤلف: حامد حسين قدير الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة الرابعة عشرة، العددان الخامس والخمسون والسادس والخمسون، رجب- ذو الحجة 1402هـ   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] معجزات القرآن العلمية للشيخ حامد حسين قدير مكتبة كلية الحديث وحدة الكون وسر الحياة .. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} (الأنبياء آية 30) . التفسير القرآني للآية: يقول سبحانه منبهاً في هذه الآية على قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه الأشياء وقهره لجميع المخلوقات وهو يخاطب الجاحدين لألوهيته العابدين معه غيره. ألم يروا أن السماوات والأرض كانتا شيئاً واحداً متصلاً بعضها ببعض متلاحقاً متراكماً بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر، ففصل هذه من هذه فجعل السماوات سبعاً وجعل من الأرض مثلهن وفصل بين السماء الدنيا بالهواء فأمطرت السماء وأنبتت الأرض. ثم يقول سبحانه: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} فبواسطة هذا الماء وبسببه جعلنا كل شيء حي، جماداً كان أو نباتاً حيواناً أو إنساناً إذ لا حياة إطلاقاً بغير ماء ولذا فإن الكواكب التي تخلو منه كالقمر والزهرة لا يصلحان للحياة لانعدام الماء فيها. وقد أشار سبحانه وتعالى هذه الإشارة الدقيقة بعد ذكر السماوات والأرض ليدل على انعدام الماء في كل السماوات أو بعضها وإذا ثبت في بعضها حياة: فإن وجود الماء في هذا البعض محقق أو لا حياة بدونه وكما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إني إذا رأيتك طابت نفسي وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء فقال صلى الله عليه وسلم: "كل شيء خلق من ماء" الحديث. ثم يختم سبحانه الآية بقوله {أَفَلا يُؤْمِنُونَ} أي أفلا يصدقون بما يشاهدون وإن ذلك لم يكن بنفسه بل لمكون كونه، ومدبر وحده ولا يجوز أن يكون ذلك الكون محدثا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 الشرح العلمي: هذه معجزة من معجزات القرآن يؤيدها العلم الحديث الذي قرر أن الكون كان شيئا واحدا من غاز ثم أنقسم إلى سدائم، وعالمنا الشمسي كان نتيجة عن تلك الإنقسامات ومما يؤيد هذا القول أن العلماء استدلوا على أن في الشمس 67 عنصراً من عناصر الأرض البالغة نحوا من 93 عنصراً وسيزيد المستدل عليه من العناصر في الشمس إذا ما ذللت الصعوبات التي تقوم في هذا الشأن. والعناصر الشهيرة في الشمس شهيرة بيننا نحن معشر أهل الأرض وهي: الهيدرجين. الهليوم. الكربون. الآزوت. الأوكسجين. الفسفور. الحديد … الخ استدل العلماء على كل ذلك بالتحليل الطبقي وهو الذي يستدل به الكيماويون اليوم في معاملهم على ما تحتويه المواد الأرضية من عناصر يكشفون عن نوعها ومقدارها. والشمس نجم يتمثل فيه سائر النجوم، والنجوم هي الكون. وهذا يعني أن العناصر التي بني منها الكون على اختلافها عناصر واحدة. ومن ناحية أخرى لاحظ العلماء أن النيازك والصخور والأتربة القمرية التي حصل عليها العلماء من الفضاء الخارجي تحتوي من العناصر ما هو مشائع في الأرض. وأما الشطر الثاني من الآية {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} فهو من ابلغ ما جاء في القرآن في تقرير حقيقة علمية أدرك العلماء سرها فمعظم العمليات الكيماوية اللازمة للحياة والنمو تحتاج إلى الماء وهو العنصر الأساسي لاستمرار الحياة لجميع الكائنات والنباتات. والماء يغطي نحو ثلاثة أرباع سطح الأرض وله درجة ذوبان مرتفعة ويبقى سائلا فترة طويلة من الزمن، وله حرارة تصعيد بالغة الارتفاع وهو بذلك يساعد على بقاء درجة الحرارة فوق سطح الأرض عند معدل ثابت ويصونها من التقلبات العنيفة ولولا كل ذلك لتضاءلت صلاحية الأرض للحياة إلى حد كبير. وللماء خواص أخرى تدل على أن مبدع الكون قد صممه بما يحقق مصالح مخلوقاته فالماء هو المادة الوحيدة التي تقل كثافتها ويزيد حجمها عندما تتجمد، ولهذه الخاصية أهميتها الكبيرة بالنسبة لحياة الأحياء المائية إذ بسببها يطفو الجليد على سطح الماء عندما يشتد البرد بدلا من أن يغوص إلى قاع المحيطات والبحيرات والأنهار ويكون الثلج طبقة عازلة تحفظ الماء الذي تحتها في درجة حرارة فوق درجة التجمد، والماء يمتص كميات كبيرة من الأوكسجين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 عندما تكون درجة حرارته منخفضة وعندما يتجمد الماء تنطلق منه كميات كبيرة من الحرارة تساعد على صيانة حياة الأحياء التي تعيش في الماء من أسماك وغيرها. فما أعجب حكمة القرآن الذي يبين بكلمات قليلة العدد سر الحياة على هذه الأرض1.   1 نقلا عن كتاب روح الدين الإسلامي صفحة 49-50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 نشأة الكون : قال الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (فصلت آية 11) . التفسير القرآني للآية: أي إن الله سبحانه وتعالى عمد إلى خلق السماء وقصد لتسويتها أو يعني صعد أمره إلى السماء وهي دخان والدخان هو كل ما ارتفع من لهب النار ويستعار لما يرق من بخار الأرض وقال أكثر المفسرين إن هذا الدخان هو بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض والمراد إنها لم تكن شيئا مذكورا. ثم خاطب سبحانه السماء والأرض بقوله ائتيا طوعا أو كرها أي جيئا بما خلقت فيكما من المنافع والمصالح وأخرجاها لخلقي. فما كان جوابها إلا أن قالا أتينا طائعين. الشرح العلمي: إن لعلماء الفلك تفسيرات شتى في بدء تكوين هذا الكون، فالعالم الفلكي سير جيمس جينز يقول: (الراجح أن مادة الكون بدأت غازاً منتشراً خلال الفضاء بانتظام وأن السدائم خلقت من تكاثف هذا الغاز) كما صرح أستاذ الطبيعة النظرية بجامعة واشنطن في كتابه الشموس وهو الدكتور جورج جامو: (إن الكون في بدء نشأته كان مملوءاً بغاز وزع توزيعاً منتظماً إنه غاز يبلغ من الكثافة ودرجة الحرارة حداً لا يمكن تصوره، وفي هذا الغاز حدثت عمليات التحول النووي في مختلف العناصر وتحت تأثير الضغط الهائل لهذا الغاز الساخن المضغوط بدأ الكون ينبسط ويتمدد وأخذت كثافة المادة ودرجة حرارتها تهبطان في بطء وفي مرحلة معينة من مراحل   2 نقلا عن كتاب (النجوم في مسالكها) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 التمدد تكثف الغاز المنتشر إلى سحب مفردة غير منتظمة في شكلها ولا متساوية في أحجامها مكونة نجوم منفردة. وكما ذكرنا أن القرآن صور مصدر خلق هذا الكون (بالدخان) وهو الشيء الذي يفهمه العرب من الأشياء الملموسة. والعلماء اليوم يصورون نشأة هذا الكون (بالغاز) المنتشر في الفضاء أيكون في قدرة أمي- منذ أربعة عشر قرنا - أن يدرك هذا في وقت كان الناس لا يعرفون شيئا عن هذا الكون وخفاياه؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 تمدد الكون وسعته : قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (الذاريات آية 47) . التفسير القرآني للآية: يقول سبحانه منبها على خلقه العالم العلوي {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} أي جعلناها سقفا محفوظا رفيعا كما قال في آية أخرى {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً} {بِأَيْدٍ} أي بقوة وقدرة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} أي قد وسعنا أرجاءها وجعلنا بينها وبين الأرض سعة ورفعناها بغير عمد استقلت كما هي بأي مدلول من مدلولات كلمة السماء سواء كانت تعني مدارات النجوم والكواكب، أم تعني مجموعة من المجموعات النجمية التي يطلق عليها اسم المجرة وتحوي مئات الملايين من النجوم، أم تعني طبقة من طبقات هذا الفضاء الذي تناثرت فيه النجوم والكواكب أم غير هذا من مدلولات كلمة السماء. الشرح العلمي: هل هذه الآية تطرح وتصف سعة الكون أو أن نظرية تمدد الكون تتوافق مع هذه الآية؟ من الناحية الأولى نرى أن (أينستين) يتخيل سعة هذا الكون بأنه يتسع لبلايين من السدم وكل سديم منها يحتوي على مئات من النجوم المكهربة. أما نظرية تمدد الكون، فقد لاحظ علماء الفلك في أقصى ما يدركه المنظار علامات تدل على حركة السدم الخارجية حركات نظامية، واستدلوا منها على أن جميع السدم الخارجية أو (الجذر الكونية) تبدو على أنها تتباعد عن مجموعتنا الشمسية بل إنها تتباعد عن بعضها البعض، وعلى هذا الأساس فإن الكون ليس ساكنا إنما يتمدد كما تتمدد فقاعة الصابون أو كما يتمدد البالون ولكن الأجسام المادية هي تحافظ على أحجامها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وقد تقدم عدد من العلماء الكونيين بنظريات تشرح لغز الكون المتمدد منهم الدكتور هابل رائد الباحثين في السدم فقد لاحظ أن هناك نزعة واحدة تسود هذه المجموعات النجمية الواسعة الشاسعة البعد، وهي أنها أميل إلى الإدبار منها إلى الإقبال كما لاحظ أن سرعة الإدبار تزيد بازدياد أبعاد هذه الجزر الكونية1   1 روح الدين الإسلامي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 نقص الأوكسجين في الارتفاعات. أو (الضغط الجوي) : قال الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (الأنعام آية 125) . التفسير القرآني للآية: يشير سبحانه وتعالى في معنى هذه الآية: أنه من يرد الله هدايته للحق يوسع صدره حتى يقبله بصدر منشرح أما من يرد الله إضلاله يجعل صدره ضيقاً أشد ما يكون الضيق ويتكلف مالا يطيقه مرة بعد مرة كما يتكلف من يريد الصعود إلى السماء2 الشرح العلمي: للهواء ضغط؟ نعم إن له ضغطا مادام له وزن. وكلما ازداد وزنه أزداد ضغطه إذا ارتفعت إلى أعلى قل وزن الهواء عن سطح الأرض فضغط الهواء على قمة جبل أقل بكثير من ضغط الهواء عند قاعدته وأول من أكتشف أن للهواء ضغطا هو العالم ((تورشيلي)) ولكن متى كان ذلك؟ كان ذلك في منتصف القرن السابع عشر تقريبا: كشف أن للهواء ضغطاً قاسه وقدره بما يساوي وزن ستة وسبعين سنتيمتر من الزئبق. وكان كشف تورشيلي هذا خطوة تلتها خطوات، إذ عكف العلماء على دراسة الهواء وغازاته، ثم حاولوا قياس ارتفاعه ومعرفة مقدار تخلخله واستعانوا أخيراً بأحدث وسائلهم -الصواريخ- لمعرفة الحقيقة كاملة ولكن الحقيقة لم تتكشف بكامل صورتها حتى الآن أمام أعينهم حتى بعد هذه الجهود المتتالية إنهم حاولوا تذليل الجو وتعبيد مسالكه فوقفت دونهم صعاب تغلبوا عليها بالعلم ومن بين الصعاب مسألتان أشار إليهما كتاب الله الأعظم.   2 كما أورده فتح القدير الشوكاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 الأولى - صعود الإنسان في السماء. الثانية - ما يحدث للإنسان في أثناء هذا الصعود. ويصحب الصعود في الجو أربع ظواهر: 1- قلة الضغط. 2- قلة الأوكسجين. 3- برودة الجو وتقلب درجة الحرارة. 4- (انعدام) الوزن إذا تغلغل الإنسان في الفضاء فكلما ارتفع الإنسان قل الضغط فتخلخل الهواء وهذا يسبب للإنسان ضيقاً في التنفس يمتد كلما زاد الارتفاع وقد يؤدي نقص الضغط إلى تمدد الغازات في معدة الطيار وأمعائه فيسبب له تقلصات عنيفة. وهناك أيضاً حدوث انتفاخ يدفع الحجاب الحاجز إلى أعلى فيضغط على القلب والرئتين مما يسبب الإغماء للطيار أحيانا، وكذلك يكون الطيار معرضاً لنوبات حادة من السعال لأن الهواء في الارتفاع الشاهق تنقصه الكثافة الكافية لتنظيف قناة التنفس من المواد المهيجة لها وينتج عن قلة الضغط ظاهرة أخرى، فكلما ارتفع الإنسان إلى أعلى نقص الضغط الجوي، على حين يظل الضغط الداخل للجسم كما هو، فيختل التوازن بين الضغطين: أ- الضغط الداخلي للجسم الذي يظل دون تغير. ب- الضغط الخارجي للهواء الذي يأخذ في التناقص تدريجيا. فإذا وصل الإنسان إلى ارتفاع عظيم لم يصبح في الإمكان حفظ التوازن بين هذين الضغطين فينبثق الدم من فتحات الأنف والفم وتنفجر طبلة الأذن إلى الخارج ويصحب ذلك اختناق ثم وفاة أكيدة. هذا إذا لم تتخذ الاحتياطات اللازمة، ومن بين ما اهتدى إليه العلماء لتجنب هذا (رداء الضغط العالي) الذي دخل عليه باستمرار تحسينات جديدة. وهذه الظواهر هي التي حدثت في تجربة (تيسانيبه) عند صعود اثنين من رفقائه في بالون سنة 1875 م- فقد ارتفع بهم إلى علو ( ... ر29) قدم أي تسعة آلاف متر تقريباً: توفي رفقاؤه أما هو فإنه فقد شعوره عندما وصل البالون إلى ارتفاع 25000 قدم ولم يشعر قط بما حدث بعد ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وأشد ما يصيب الإنسان عند الصعود فقد قوة التمييز والإرادة وهذه الظاهرة تأتي بغتة وبدون سابق إنذار. أما الأوكسجين وهو الغاز الذي لا يمكن للإنسان أن يحيا بدونه - فهو- يختفي تماماً من الجو على بعد 67 ميلا وينتج من قلة الأكسجين عدم أكسدة الدم ومن ثم عدم حدوث حرارة في الجسم مما يسبب للجسم إعياء وضعفاً وتصيبه برودة ينقلص لها جسمه وتقشعر لها بدنه. هذا فوق تقلب درجة الحرارة من برودة تفوق زمهرير المنطقة المتجمدة إلى في درجة حرارة أعلى بكثير جداً من درجة حرارة المدارين، ففي قمة طبقة التربوسفير تبلغ درجة الحرارة نحو 67 درجة تحت الصفر، وترتفع درجة الحرارة في الأزونوسفير إلى حدود 30 درجة فوق الصفر وتنخفض في ألايونوسفير إلى حدود 9 درجة تحت الصفر على ارتفاع 50 ميلاً إلا أنها ترتفع بعد ذلك بشكل غريب فهي على ارتفاع 100 ميل 549 فوق الصفر. وهذه النظرية التي احتوتها الآية القرآنية لم يفطن إليها العلم إلا حينما جاب أجواء الفضاء ببالوناته وطائراته، ولذلك فالطائرات التي ترتفع إلى علو شاهق لابد أن تكون محكمة البناء يلبس طياروها ملابس مزدوجة بينها أجهزة كهربية لتدفئتهم فتدرأ عنهم برودة الجو كما لابد أن يلبس الطيار على فمه وأنفه قناعا ليمده بالأكسجين. فكلمة العلم قد التقت هي والقرآن الكريم، نعم التقيا بعد أن ظل العلم تائها في بيدائه باحثا متقصيا يهتدي وقتا ويتعثر أوقاتاً حتى عرف الحق بعد أن قضى في تجاربه القرون الطوال1.   1 نقلا عن كتاب القرآن والطب صفحة 35-38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 تفجير الذرة : قال تعالى: {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (سبأ آية 3) . وقال الله تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (يونس آية 61) . التفسير القرآني للآية: يخبرنا الرب سبحانه وتعالى عن إحاطة علمه فيقول إنه لا يغيب عنه ولا يستتر عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 ولا يبعد عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر منه إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ الذي اشتمل على معلومات الله سبحانه أي الجميع مندرج تحت علمه فلا يخفى عليه فالعظام إن تلاشت وتفرقت وتمزقت فهو عالم أين ذهبت وأين تفرقت ثم يعيدها كما بدأها أول مرة فإنه بكل شيء عليم. وقد لاحظت أن صاحب الفتح ومختصر ابن كثير قد توقفوا عن شرح معنى الذرة ولكن يورد القرطبي في تفسيره عن معنى الذرة فيقول هي نميلة حمراء صغيرة. وأقول والله أعلم ربما كان أصغر شيء معروف في زمن القرطبي من ناحية الذرات هو النميلة الحمراء ولكن مع المكتشفات العلمية وتطور علم الكيمياء وجد أن الذرة جزء صغير من المادة لا يرى بالعين المجردة فيكون معنى الذرة هو الذرة هذه. الشرح العلمي: إن أصغر جزء يمكن أن يوجد في عنصر ما يسمى (الذرة) وقد ظل هذا الإعتقاد سائدا إلى القرن التاسع عشر أن الذرة غير قابلة للتجزئة حتى كشف العلماء في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين إن ذرات بعض المواد كالراديوم واليورانيوم تتجزأ من تلقاء ذاتها وتخرج منها جسيمات ذات كهرباء موجبة تسمى ((ألفا)) وجسيمات ذات كهرباء سالبة تسمى ((بيتا)) وأشعة تسمى ((جاما)) ووقف أخيرا بعد تجزئة الذرة أنها تحتوي على الدقائق الآتية: البروتون – البيترون – الإلكترون. ومما أرى أن كلمة (أصغر) من الذرة في الآية القرآنية تصريح جلي بإمكان تجزئتها وفي قوله تعالى: {فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} بيان صريح بأن خواص الذرات التي في الأرض هي نفس خواص الذرات الموجودة في الشمس والنجوم والكواكب. كان ذلك الخبر الذي أخبر به القرآن في أوائل القرن السابع الميلادي حينما كان العالم يغط في جهله فهل درس محمد عليه الصلاة والسلام خواص الذرة وإمكان تجزئتها والوقوف على خواصها في الأرض والسماء؟ لا! إن هذه الآية دليل قوي على صدق نبوته وإن القرآن وحي إلهي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الزوجية في كل شيء : يقول جل من قائل: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الذاريات آية 49) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 التفسير القرآني للآية: يخبرنا سبحانه في هذه الآية الكريمة على عظم قدرته فجعل جميع المخلوقات أزواجا أي من صنفين ونوعين مختلفين فمثلا: ليل ونهار، ذكر وأنثى، سماء وأرض، شمس وقمر، بر وبحر، ضياء وظلام، كفر وإيمان، موت وحياة، شقاء وسعادة، جنة ونار، حلو ومر، جن وإنس، سهل وجبل، حتى الحيوانات والنباتات كل ذلك لكي تتذكر وتعلم بأن الخالق واحد. الشرح العلمي: مما كان معروفا سابقا وظاهرا للعيان أن الزوجية للمادة كانت جلية تماماً في النباتات والحيوانات من ناحية الذكورة والأنوثة والجمادات من حيث الإجمال. فأين الزوجية في الجمادات بالتفصيل؟ إن الجمادات مكونة من ذرات وهذه الذرات مكونة زوجية فمثلا ذرة الأيدروجين أبسط الذرات تركيبا تتكون من نواة يدور حولها كهرب وأحد (الكترون) النواة تحمل شحنة كهربية موجبة. والكهرب يحمل شحنة كهربية سالبة. أليست تتمثل الزوجية في هذه الذرة. أما بقية الذرات فإن كلا منها يتركب من نواة وكهارب تدور حولها وبينهما فراغ أما النواة فتتكون من جسيمات مكهربة تحمل شحنة موجبة تسمى (بروتونات) وجسيمات غير مكهربة أي لا تحمل شحنة كهربية تسمى (نيوترونات) . أما الكهارب التي تدور حول النواة فتحمل شحنة كهربية سالبة1. كل تلك الاكتشافات بعد مجيء القرآن بقرون كثيرة.   1 كما أورده كتاب القرآن والطب صفحة 27-28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 الأمواج الداخلية والسطحية : قال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (سورة النور آية 40) . التفسير القرآني للآية: في هذه الآية الكريمة يضرب لنا سبحانه مثلا للكافر ولأعماله ولقلبه الذي لا يعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 شيئا فيقول سبحانه أو كظلمات جمع ظلمة في بحر عميق لا يدرك له مقر ويعلو ذلك البحر اللجي موج ومن فوق الموج موج ثم بعد ذلك أي فوق الموج الثاني سحاب فيجتمع فوق الموج وفوق الريح وفوق السحاب ثم يقول سبحانه {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} والمراد بهذه الظلمات ظلمة السحاب وظلمة الموج وظلمة الليل وظلمة البحر فلا يبصر من كان في هذه الظلمات شيئا ولا كوكبا وإذا أخرج الناظر يده لم يكد يراها من شدة الظلمة. ويختم سبحانه هذه الآية بقوله {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} أي من لم يجعل الله له نوراً يهتدي به إذا أظلمت عليه الأمور فما له من نور1. الشرح العلمي: في هذه الآية إشارة إلى الأمواج الداخلية والسطحية (فأضخم أمواج المحيط وأشدها رعبا هي أمواج غير منظورة تتحرك في خطوط سيرها الغامضة بعيدا في أعماق البحرِ وقد كان من المعروف منذ سنين كثيرة أن سفن البعثات إلى القطب الشمالي كانت تشق طريقها بكل صعوبة فيما كان يسمى ((بالماء الميت)) والذي عرف الآن أنه أمواج داخلية. وفى أوائل عام 1900 م لفت الأنظار كثيراً من مساحي البحار الاسكندنافيين إلى وجود أمواج تحت سطح الماء، والآن بالرغم من أن الغموض لا يزال يكتنف أسباب تكوين هذه الأمواج العظيمة التي ترتفع وتهبط بعيدا أسفل السطح فإن حدوثها على نطاق واسع في المحيط قد أصبح أمرا معروفا جدا فهي تقذف بالغواصات في المياه العميقة كما تعمل شقيقاتها السطحية على قذف السفن، ويظهر أن هذه الأمواج تنكسر عند التقائها بتيار الخليج وبتيارات أخرى قوية في بحر عميق فالآية القرآنية تقول {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} إشارة إلى الأمواج الداخلية والسطحية ويؤيد هذا ما وصفه القرآن للبحر بأنه (البحر) أي كثير الماء عميقة وفي هذا إشارة إلى المحيطات وليس الشواطئ والجدير بالذكر أن هذه المواضع يقل فيها وهيج الشمس فما بالك باجتماع السحاب الذي تكثر فيه الظلمة ويصبح الواقع. {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} . فهذه الآية لا علاقة لها بالوسط الجغرافي للبيئة التي نزل فيها القران فلو افترضنا أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى في شبابه منظر البحر الأحمر فلن يعدو رؤية شواطئ البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وهي لا ينطبق عليها ما وصفه القرآن كل ذلك يعطينا دليلاً واضحا على أن القرآن وحي إلهي2.   1 القرطبي ج12 ص285 2 روح الدين الإسلامي ص 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185