الكتاب: المنخول من تعليقات الأصول المؤلف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ) حققه وخرج نصه وعلق عليه: الدكتور محمد حسن هيتو الناشر: دار الفكر المعاصر- بيروت لبنان، دار الفكر دمشق - سورية الطبعة: الثالثة، 1419 هـ - 1998 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- المنخول أبو حامد الغزالي الكتاب: المنخول من تعليقات الأصول المؤلف: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ) حققه وخرج نصه وعلق عليه: الدكتور محمد حسن هيتو الناشر: دار الفكر المعاصر- بيروت لبنان، دار الفكر دمشق - سورية الطبعة: الثالثة، 1419 هـ - 1998 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد نبيه وعلى آله وصحبه أجمعين قد تقرر عند ذوي الألباب أن الفقه أشرف العلوم وأعلاها قدرا وأعظمها خطرا إذ به تعرف الأحكام ويتميز الحلال عن الحرام وهو على علو قدره وتفاقم أمره في حكم الفرع المتشعب عن علم الأصول ولا مطمع في الإحاطة بالفرع وتقريره والاطلاع على حقيقته إلا بعد تمهيد الأصل وإتقانه إذ مثار التخبط في الفروع ينتج عن التخبط في الأصول ولتعلم أن علوم الشرع ثلاثة الكلام والأصول والفقه ولكل واحد منها مادة منها استمداده وإليها استناده ومقصود به يتعلق قصد الطالب وارتياده فلابد من التنبيه على مادته ليقتبس الخائض فيه منها مبلغ حاجته فيتوسل إلى بغيته ولا غنى عن التنبيه على مقصوده لئلا يكون الطالب على عماية من مطلبه فأما علم الكلام فمادته الميز بين البراهين والاغاليط والميز بين العلوم والاعتقادات والميز بين مجاري العقول ومواقفها وأما مقصوده فهو الإحاطة بحدوث العالم وافتقاره إلى صانع مؤثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 متصف بما يجب من الصفات منزه عما يستحيل تخيله صفة للذات قادر على بعثة الرسل وتأييدهم بالمعجزات وأما الأصول فمادته الكلام والفقه واللغة ووجه استمداده من الكلام أن الإحاطة بالأدلة المنصوبة على الأحكام مبناها على تقبل الشرائع وتصديق الرسل ولا مطمع فيه إلا بعد العلم بالمرسل ووجه استمداده من الفقه أنه المدلول وطلب الدليل مع الذهول عن المدلول مما تأباه مسالك العقول ووجه استمداده من اللغة كون الأصولي مدفوعا إلى الكلام في فحوى الخطاب وتأويل أخبار الرسول عليه السلام ونصوص الكتاب ومقصوده معرفة الأدلة القطعية المنصوبة على الأحكام التكليفية وأخبار الآحاد ومسالك العبر والمقاييس والمستثارة قال بطرق الاجتهاد ليس من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الأصول فإنها مظنونات بجانب أخذها مأخذ القطعيات ولكن افتقر الأصولي إلى ذكرها لتبين الصحيح من الفاسد والمستند من الحائد ولأن الترجيحات من مغمضات علم الأصول ولا سبيل إليها إلا ببيان المراتب والدرجات وأما الفقه فمادته الأصول ومقصوده معرفة الأحكام الشرعية وتقرير الأحكام عند ظهور العلامات المظنونة معلومة بأدلة قطعية لا ظن فيها فصل ما من علم من هذه العلوم إلا وله مواقع إجماع ومثارات نزاع فمطلع الإجماع في الكلام المدركات بالبداية والضروريات والمعقولات التي يتحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 فيها صوب النظر ولا يتعدد كإجماع العقلاء على أن القديم لا يعدم ومثار الخلاف فيه تعارض الأدلة والشبهات وأما علم الأصول فمنشأ الوفاق فيه يضاهي منشأ الوفاق في الكلام ومنبع الخلاف فيه أمران أحدهما تعارض الأدلة والشبهات والثاني امتزاج القطع فيها بالظنيات وأما الفقه فموضع الإجماع فيه ما يستند إلى نص كتاب الله أو حديث متواتر أو إجماع واجب الإتباع وما عداها فهو من مظان الظنون وعند الإرتباك فيها يختلف المجتهدون وتضطرب آراؤهم فيتحزبون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 باب القول في الأحكام الشرعية ليست أحكام الأفعال صفات ذاتية وإنما معناها ارتباط خطاب الشارع بها نهيا وأمرا وحثا وزجرا فالمحرم هو المقول فيه لا تفعلوه والواجب هو المقول فيه لا تتركوه وهو كالنبوة ليست صفة ذاتية للنبي ولكنها عبارة عن اختصاص شخص بتبليغ خطاب الشارع فقولنا الخمر محرمة تجوز فإنها جماد لا يتعلق بها الخطاب وإنما المحرم تناولها مسألة لا يستدرك حسن الأفعال وقبحا بمسالك العقول بل يتوقف دركها على الشرع المنقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 فالحسن عندنا ما حسنه الشرع بالحث عليه والقبيح ما قبحه بالزجر عنه والذم عليه وقد خالف في ذلك المعتزلة والكرامية والروافض فقالوا الحسن حسن لذاته والقبيح كذلك ثم قسموا ذلك إلى ما يستدرك بمحض العقل والى ما لا يستدرك إلا بانضمام الشرع إليه كحسن الزكوات والصلوات وأنواع العبادات لأن مصالحهما الخفية لا يطلع عليها إلا بتنبيه وما يستدرك بمحض العقل على زعمهم ينقسم إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 المعلوم بضرورة العقل عندهم كحسن الشكر وانقاذ الغرقى والهلكى وكقبح الايلام ابتداء أو الكذب الذي لا غرض فيه والى المعلوم بالنظر كالكذب الذي يرتبط به غرض ولنا في هذه المسألة مسلكان أحدهما ابطال مذهبهم والثاني اثبات مذهب أهل الحق ولنا في ابطال مذهبهم طريقتان إحداهما جدلية والأخرى معنوية أما الطريقة الجدلية فهي أنا نقول ادعيتم أن حسن بعض الأفعال وقبحها مستدرك ببداية العقول واوائلها ونحن ننازعكم في ذلك ومواضع الضرورات لا يتصور فيها الخلاف بين العقلاء فإن نسبونا إلى عناد عكسنا عليهم دعواهم ثم العناد إنما يتصور في شرذمة يسيرة ونحن الجم الغفير والجمع الكبير لا يتصور منا التواطؤ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 كر العصور وتوالي الدهور من غير فرض رجوع من واحد إلى الانصاف وقولكم أنكم وافقتمونا على اصل العلم وخالفتمونا من في مسندة اهو العقل أم الشرع وذلك لا يمنع دعوي الضرورة كمخالفتكم في الكعبي في علم التواتر في كونه نظريا قلنا ايلام الله سبحانه البهائم معلوم عندكم قبحه بالضرورة لو لم يقدر تعويض ونحن ننازعكم في نفس هذا العلم مع اعتقاد نفي التعويض وبطلان مذهب التناسخية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 ثم نحن لا نسلم لكم لحسن الراجع إلى الذات وانما المعني بالحسن عندنا ما يحسنه الشارع بالحث عليه ولو قدر عدم ورود الشرع لضاهي بن الكفر الإيمان عندنا فكيف يستقيم ادعاؤكم الموافقة في أصل العلم واما الطريقة المعنوية فهي أنا نقول ما قولكم في واقف على فوهة طريق اجتاز به نبي واشياعه واتبعه غاشم يبغي قتله واستخبره هذه عن حاله ايصدق سنة أم يكذب فإن صدق فهو سعي في روح نبي وان كذب فهو مستقبح لذاته عندكم وصفات الذات لا تتبدل ونحن نعلم إن الكذب احسن من الصدق ههنا المسلك الثاني في اثبات المذهب نقول القتل الواقع اعتداء يجانس القتل المستوفى قصاصا في الصورة والصفات بدليل إن الفافل عمرو عن المستند فيهما لا يميز بينهما والمختلفان في صفة الذات يستحيل اشتباههما وتجانسهما وكذا الوطء في النكاح والزنا فآل مأخذهما إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الاغراض جلبا ودفعا ونحن لا ننكر تفاوت الافعال عند العقلاء لتفاوت الاغراض وانما الخلاف في الافعال بالنسبة إلى الله تعالى وهو منزه عن الاغراض لا يتضرر بالكفر ولا ينتفع بالايمان فلا معنى للتمييز في حقه وكذا فعله تعالى لا يطلب له غرض فيه حتى إذا خالف غرضه قبح ولا تحكم للعباد عليه وهو يفعل ما يشاء فلا يجب عليه تطبيق افعاله على غرض العباد وهو متصرف في ملكه لا اعتراض عليه اصلا ولهم أربع شبه احدها انهم قالوا استحسان مكارم الاخلاق من الشكر والإحسان وانقاذ الغرقى والهلكى واستقباح الكذب والايلام اطبق عليه العقلاء مع تفاوت قرائحهم فدل على انه مدرك بالضرورة قلنا نعم ذلك مسلم فيما بين الناس ومنشؤ اغراضهم والكفر كالايمان بالنسبة إلى الله عز وجل وليس كالكفر والشكر بالنسبة إلينا فإنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 نفرح ونرتاح بالشكر ونغتم قبل بالكفران وسر العبودية التلفت إلى الحظوظ حتى لو ورد الأمر المجرد من الشارع من غير عقاب لما قضى العقل بامتثاله إذ لا غرض لنا ولا للرب سبحانه فيه فإذا اورد العقاب قضى العقل باجتنابه وسر الربوبية! التنزة يحيى عن الحظوظ ومن لم ينزه فقد ذهل عن حقيقة الالهية الثانية إن قالوا ما بال الملك العظيم الولي على الاقاليم يحسن إلى فقير وان اشرف على الموت من غير توقع غرض فيه ليس ذلك إلا لتحسين العقل قلنا المستحث عليه أما استمرار العادة وهي طبيعة خاصة يعسر خلافها أو رقة الجنسية والرب تعالى منزه عن الرقة والشفقة الثالثة انهم قالوا إن البراهمة ونفاة الشرائع ادركوا الحسن والقبح ولا مستند لهم إلا محض العقل قلنا ذلك اعتقاد فاسد كاعتقادكم الرحمن وليس ذلك بعلم كإحالتهم وكان بعثة الرسل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الرابعة قولهم إن العاقل يؤثر الصدق على الكذب عند استوائهما في الافضاء إلى الغرض وسببه تحسين العقل قلنا لا بل سببه الشرع أو حذر اللوم من الناس أو تقليد مذهبهم الفاسد فإن فرضوا عدم هذه المعاني فيستوي عنده الصدق والكذب ثم غايتهم اعتبار الغائب بالشاهد ويقبح من السيد شاهدا إن يترك عبيده واماءه يموج بعضهم في بعض يزنون ويقتحمون الفواحش وهو قادر على منعهم وقد فعله الرب سبحانه والخلائق في قبضته وقهره فإن قيل تركهم لينزجروا بأنفسهم مؤثرين فيستحقون الثواب قلنا وقد علم انهم لا يفعلون فليمنعهم اجبارا وكم من مجبر ممنوع بزمانة أو عجز عن ارتكاب الفواحش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مسألة لا يستدرك وجوب شكر المنعم بالعقل خلافا للمعتزلة لان العقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 لا يوجب الشئ هزلا هملا فلا بد من تخيل غرض وذلك يستحيل رجوعه إلى المشكور فإنه تعالى منزه عن الأغراض والشاكر أيضا لا يلتذ به في الحال بل يتعب نفسه فإن قيل يعرض له انه إن شكر ربه بعد أن عرفه اثيب فيثاب وان كفر فربما يعاقب فعقله يستحثه على سلوك طريق الأمن كالمسافر إذا تصدى له طريقان على هذا الوجه قلنا توقع العقاب مختصا بجانب الكفر خيال فاسد مستنده تخيل غرض في الشكر والمعرفة وهما متساويان عند الرب فلا تمييز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ثم نقول وقد يخطر للعبد انه إن نظر وشكر ربما يعاقب فإنه عبد مرفه أمده الله تعالى بأسباب التنعم فلعله خلقه للترفه فإتعابه نفسه تصرف منه في مملكته من غير اذنه ولهم شبهتان إحداهما ادعاؤهم اطباق العقلاء على استحسان الشكر واستقباح الكفران وذلك مسلم فيما يرجع إلى الناس لانهم يهتزون بالشكر ويغتمون بالكفر والرب تعالى يستوي في حقه الامران ويعضد هذا الكلام شيئان أحدهما إن المتقرب إلى السلطان بتحريك انملته في زاوية حجرته يسفه في عقله وعبادات العباد بالنسبة إلى جلال الله دونه في الرتبة والثاني إن من تصدق عليه السطان بكسرة من رغيف في غير مخمصة فلو أخذ يدور في البلاد وينادي على رؤوس الاشهاد يشكره كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 ذلك خزيا وافتضاحا وجملة انعام الله تعالى على عباده بالنسبة إلى مقدوراته دون ذلك بالنسبة إلى السلطان الثانية قولهم حصر مدارك الوجوب في الشرع المنقول دون مسالك العقول يؤدي إلى افحام الرسول فإنه إذا اظهر المعجزة ودعا الناس إلى النظر قالوا لا يجب علينا النظر في معجزاتك إلا بشرع مستقر فثبت شرعك حتى ننظر في معجزتك والجواب من وجهين أحدهما إن هذا يلزمكم أيضا لأن العقل بجوهريته روى لا يدل على الوجوب إذ لو دل ذلك لما انفك كل عاقل عن العلم بكل معقول وقد يرى العاقل المعجزة ويذهل عنها فلا يتدبر حتى يتبين وجوب النظر وقولهم إن الإنسان لا يخلو عن خاطرين اجتراء على الحس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 وبالحري إن يتذكر ذلك عند ظهور المعجزة لا قبل ولا يختص وجوبه عندكم بورود الشرع ثم قد يستهين بالرسول فلا يقيم له وزنا ويستمر على غفلته كما نرى فيمن يحضرون مجالس الوعظ فينغمسون ولم في الغفلات والواعظ يعظهم على رؤوس المنابر مع الزعقات والجواب الثاني وهو التحقيق إن الوجوب يثبت بثبوت الشرع فإذا ظهرت المعجزة فقد استقر الشرع فلا يتوقف ذلك على قبول قابل والتكليف لا يستدعي إلا الإمكان وقد أمكن فإن وفق له فاز وإلا هلك وعن هذا قيل لا يتقرب إلى الله تعالى بأول نظر فإنه لا يعلمه إذ لو علمه لعلمه بنظر آخر وخرج الأول عن أن يكون أو لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 مسألة لا حكم قبل ورود الشرع ونقل عن بعضهم إن الافعال محظورة قبل ورود الشرع وعن بعضهم إنها مباحة ولا يظن بالحاظرين بين تخيل الحظر في مستحسنات العقول وفيما لا بد للنفس منه من أكل وشرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ولا بالمبيحين أهل اباحة ما استقبح بالعقل كالايلام حديث والكذب فلعلهم قالوا ذلك فيما لا يقضي العقل فيه بحسن ولا قبح فنقول الحكم بالحظر تحكم لا يدرك بنظر العقل ولا بضرورته إذ لا يرتبط بالانزجار غرض ولا يمكن تقديره في الأقدام واما الاباحة فإن عنوا بها تساوي الاحجام والاقدام مع نفي الأحكام فهو المتمنى وان زعموا أن الاباحة حكم فحكم الله خطابه فمن المبلغ ولا رسول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 القول في الأحكام التكليفية التكليف مأخوذ من الكلفة على وجه التفعيل ومعناه الحمل على ما في فعله مشقة ويندرج تحته الايجاب والحظر ولا وفق ما يتشوف إليه الطبع أو ينبو عنه إما الندب فهو عند القاضي من التكليف لان تخصيص الفعل بوعد الثواب يحث العاقل على الفعل وهذا من الكلفة والاختيار انه ليس من التكليف لانه ورد مع رفع الجناح والاباحة ليست من التكليف إلا عند الأستاذ أبى اسحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 قال ووجه الكلفة وجوب اعتقاد كونه مباحا شرعا وهذا ضعيف فإن ذلك مأخوذ من تصديق الرسل ونفس الفعل لا كلفة فيه وتفصيل القول في التكاليف يحصره أربع مسائل مسألة ذهب شيخنا أبو الحسن رحمه الله إلى جواز تكليف ما لا يطاق مستدلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 بقوله تعالى ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ولا وجه للابتهال لو لم يتصور ذلك بالبال واستدل بأن أبا جهل كلف تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أتى على لسان الرسول انه لا يصدق في اصل تكليفه فحاصله تكليفه أن يصدقه في انه لا يصدقه وهذا المذهب لائق بمذهب شيخنا أبى الحسن لازم له من وجهين إحدهما إن القدرة الحادثة عنده لا تأثير لها في المقدور وهو واقع باختراع الله تعالى وقد كلفنا فعل الغير والآخر أن القاعد عنده غير قادر على القيام وهو مأمور بالقيام وقدرة القيام تقارن القيام ولا ينجي من هذا قول بعض اصحابنا إن القعود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 مقدور فهو مأمور بتركه فان الأمر متوجه بالقيام وهو غير مقدور والقاعد إذا أمر بالطيران فقد أمر بما لا يطيق قطعا وان قدر على ترك القعود والمختار عندنا استحالة تكليف ما لا يطاق نعم ترد صيغة الأمر للتعجيز كقوله تعالى كونوا قردة خاسئين والانباء عن القدرة كقوله تعالى كن فيكون ولم ترد للخطاب والطلب وهذا كقوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط معناه الابعاد لا ما يفهم من صيغة التعليق فإنه يستحيل ان يطلب من المكلف ما لا يطيق والدليل على استحالته إن الأمر طلب يتعلق بمطلوب كالعلم يتعلق بمعلوم والجمع بين القيام والقعود غير معقول فلا يكون مطلوبا ويستحيل طلبه إذ لا يعقل في نفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 واختيارنا ان للقدرة الحادثة تعلقا بالمقدرو عند والاستطاعة وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 قارنت الفعل فلم يكلف في الشرع إلا ما يتمكن منه قطعا وذلك بين في مصادر الشرع وموارده ووعده ووعيده إذ لا معنى لتخصيص فعل فاعل عن آخر بعقاب أو ثواب مع تساوي الكل في العجز عنه وهذا شئ مستحيل وحكم الإستطاعة يذكر في الكلام وأما أبو جهل فقد كلف أن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وكان قادرا عليه ثم الرب سبحانه أنه سيمتنع لأنه عنادا مع القدرة فأخبر الرسول به كما علمه فإن قيل الكفار الذين لم يؤمنوا كلفوا الإيمان وقد علم أنهم لا يؤمنون وخلاف المعلوم لا يتصور وقوعه فكان تكليف ما لا يطاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 قلنا ينعكس على الملزم هذا في خلاف المعلوم في حق الله تعالى فانه مقدور بالإتفاق وإن لم يقع والتحقيق إن ما كان مقدورا في ذاته جائز الوقوع لا تتغير حقيقته بالعلم فقد اقدر الله سبحانه الكفار على الإيمان ثم علم أنهم يمتنعون مع القدرة فكان كما علم فلم ينقلب المقدور معجزوزا أخبرنا عنه بسبب علمه مسالة 2 لا يكلف السكران لأن شرط الخطاب فهمه وهو مضمن به والكسران يا لا يفهم فإن قيل له افهم كان تكليف ما لا يطاق وذهب الفقهاء إلى أنه مخاطب تمسكا بقوله تعالى لا تقربوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الصلاة وأنتم سكارى وظاهر الآي لا يصادم المعقولات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ثم هو خطاب مع المنتشي الذي لم يزل عقله بدليل أنه نزل في شارب خمر أم قوما فقرأ الفاتحة فتخبطت عليه سورة قل يا أيها الكافرون وكان معه من العقل ما يفهم به وقوله سبحانه وتعالى حتى تعلموا ما تقولون معناه لتكونوا على تثبت تام وربما يتمسكون بوجوب القضاء في الصلوات ونفوذ الطلاق وجملة الأحكام قلنا جريان الأحكام عليه تغليظ لان السكر متشوف النفوس وقد تعدى بالتسبب إليه فلا يتوجه إليه الخطاب في حالة السكر اصلا والاحكام جارية والصلاة تقضي بأمر جديد ولو أمر به المجنون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 بعد الإفاقة أو الحائض بعد الطهر بفعل الصوم لم يبعد وسببه تعديه بالتسبب إليه مع كونه مجنونا حتى لو ردى نفسه من شاهق فانخلعت قدماه لا يجب القضاء لأن النفس لا تتشوف إليه والخلاف آيل إلى عبارة إن سلموا لنا استحالة تكليف ما لا يطاق لأنا نسلم الأحكام وجريانها وذلك لا يدل على التكليف والسكران لا يفهم ولا يقال له افهم وهو شرط كل خطاب وكذا الناسي الذاهل حكمه حكم السكران في التكليف مسألة (3) الكفار مخاطبون بفروع الشريعة عند الشافعي خلافا لأبي حنيفة والدليل على جواز تكليفهم الفروع أن العقل لا يحيله إذ التوصل إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 بتقديم الإيمان ممكن كما خوطب المحدث بالصلاة بشرط تقديم الطهارة وكما سلموا لنا في المعطل أنه مخاطب بتصديق الرسول عليه السلام بشطر تقديم المعرفة بالرسل وهذا دليل الجواز فأما وقوعه فهو مقطوع به عندنا وتردد القاضي في انه مقطوع أو مظنون ونحن نعلم قطعا إن الرسول عليه السلام كان مبعوثا إلى طبقات الخلائق وقد كلفوا قبول شريعته نفسا بعد نفس تأصيلا وتفصيلا وان كان الوصول إليه يترتب على الإيمان كالصلاة في حق المحدث والمعطل وسر المسألة إن الكافر لا يخاطب بنفس الصلاة مع الكفر ولكنه مأمور بها على وجه التوصل وكذا نقول في حق المحدث وحكي عن أبى هاشم إن المحدث لا يخاطب بالصلاة ونسب إلى خرق الإجماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 فإن عني به ما ذكرناه فهو حق وإن عني به انه لا يعاقب على ترك الصلاة فهو باطل مسالة المضطر إلى الشئ المكره عليه يجوز إن يكون مخاطبا به خلافا للمعتزلة لان ايثارة لو باق وهو متمكن من الأقدام وشرط التكليف التمكن من الامتثال وآية بقاء خيرته تخيره بين الإقدام والإحجام وهم يقولون جلبته تحثه على فعله لخليص يكون الروح فهو سبب اقدامه لا قصد الامتثال فلا يستحق الثواب عليه ويقبح إن يؤمر بما لا يستحق الثواب عليه وعلى هذا قالوا يقبح من الرب جل وعز إن يبدي آية تخضع لها الاعناق ويؤمن لاجلها جملة العباد لان ذلك لا اختيار فيه فلا يتعلق به أمر وهذه الأصول عندنا باطلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وحد ما يجوز به التكليف عندنا ما لا يستحيل في العقل وقوعه مع تمكن الكلف منه والزمهم القاضي رضي الله عنه اثم المكره على القتل ونسبهم في هذه المسألة إلى خرق الاجماع وهذا غير لازم فانهم يقولون لا يبعد كونه مأمورا بالإنزجار مع ومراغمة قضية الجبلة بل أولى باستحقاق الثواب كالوضوء في السبرات وتحمل المشقات في العبادات والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 باب الكلام في حقائق العلوم والكلام فيه يحصره بابان ويشتمل كل باب على خمسة فصول الفصل الأول من الباب الأول في اثبات اصل العلم على منكريه من السوفسطائية وقد نفوا العلم والحقائق في الذوات وأثبت مثبتون للذوات حقائق وقالوا لا تعلم بالقوى البشرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وقال بعض اصحابنا هؤلاء لا يناظرون فإنهم انكروا المحسوسات فإن كلمناهم فأقرب مسلك أن نقول أتعلمون تمييزكم سعيد في اعتقادكم عن مخالفيكم فإن علموه بطل اعتقادهم وإن جهلوه لم يسمع قولهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الفصل الثاني في حقيقة العلم وحده ولاصحابنا فيه ست عبارات أولها قول شيخنا أبى الحسن العلم ما يوجب بمن قام به كونه عالما وهذا فاسد فإنه لا يفيد بيانا ولا يجدي وضوحا إذ العالم مشتق من العلم فمن جهل العلم جهله فهو حوالة على المجهول كقول من فقد خاتما في بيت لمن يسأله عن البيت فيقول البيت الذي تركت فيه خاتمي وثانيها قول أبى القاسم الإسكافي العلم ما يعلم به ووجه تزييفه كالأول إذ الحد يرد للبيان ولا بيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وثالثها قول ابن فورك العلم صفة يتأتى للموصوف بها اتقان الفعل وأحكامه وهو باطل بالعلم بالله وبجملة المستحيلات فانه علم ولا يتأتى به الإتقان ثم الإتقان بالقدرة لا بالعلم ولا معنى للإتقان فإنه عبارة عن الانتظام وليس الانتظام صفة لذات المنتظم ولكن إن وقع حسب المراد فهو المنتظم بالنسبة إليه وقد يقبح بالنسبة إلى غيره ورابعها قول بعضهم تبيين المعلوم على ما هو به أو درك المعلوم ولفظ التبيين مشعر باستفتاح علم بعد سبق استبهام ويخرج عنه علم الباري سبحانه وكذا لفظ الدرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وهو أيضا متردد بين درك الحاسة والعقل واللفظ المتردد لا يحد به وخامسها قولهم الإحاطة بالمعلوم والرب تعالى معلوم ولا يحاط به إذ الإحاطة تشعر بالإنطواء والإحتواء وسادسها قول القاضي رضي الله عنه معرفة المعلوم على ما هو به قال القاضي تحديد العلم لا يتأتى إلا بذكر عبارة تزيد في الوضوح عليه تنبئ عنه فغاية الإمكان ترديد العبارة على السائل حتى يفهم قال لو سألني سائل عن العلم فأقول هو المعرفة ولو سأل عن المعرفة فأقول هو العلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وهذا غير سديد لانهما عبارتنا عن معبر واحد ولو سئل عن المعرفة والعلم فماذا يقول ثم المعرفة خلاف العلم في اللغة فإنها لا تتعدى إلا إلى مفعول واحد والعلم والعلم يتعدى إلى مفعولين وأما المعتزلة فقالوا اعتقاد الشئ على ما هو به فأبطل عليهم بالعلم بنفي الشريك وليس ذلك شيئا فإن الشئ عندهم هو المعدوم الذي يجوز وجوده ويبطل بالمخمن وفي وقد زادوا عليه مع طمأنينة النفس إليه ونحن نعلم سكون نفس المقلد إلى اعتقاده فإنه يقطع اربا ولا يكيع عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 فإن زادوا مع كونه مستندا إلى ضرورة أو نظر قيل لهم لو خلق الرب سبحانه جنس اعتقاد المقلد على سبيل الاختراع لم ينقلب علما وهو مستند إلى الضرورة والمختار أن العلم لا حد له إذ العلم صريح في وصفه مفصح عن معناه ولا عبارة أبين منه وعجزنا عن التحديد لا يدل على جهلنا بنفس العلم كما إذا سئلنا عن حد رائحة المسك عجزنا عنه لكون العبارة عنها صريحة ولا يدل ذلك على جهلنا ولكن سنبين العلم بالتقاسيم فنقول لا خفاء بتمييزه عن الظن والشك والجهل وإنما مظنة الإشتباه الإعتقاد المشتبه مع العلم ووجه الفرق إن المقلد لو طلب متنفسا عز في مسلك النظر لوجده والعالم لا يتمكن منه إذ لا وضوح بعد الوضوح والمعتقد المقلد إن اصغى إلى الشبه تزلزل اعتقاده دون العالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ولو عرض على المعتقد ما يعلم ضرورة لأدرك الفرق بينه وبين ما يعتبره تقليدا مع إن العلوم بعد حصولها ضرورية بأسرها لا تختلف والمعتقد إذا نظر فعلم ذاق من نفسه أمرا على خلاف ما وجده قبله والإعتقاد إفتعال من العقد وهو مشعر بتكليف ربط العقد به والعلم انشراح صدر من غير ربط تكليف والقول الوجيز أن المعتقد سابق إلى أحد معتقدي الشاك وواقف عليه إذا الشاك يقول أزيد في الدار أم لا فيقف المعتقد على أنه في الدار ولا يقدر خلافه ولو قدره لتمكن من ذلك ولذلك نقول في إعتقاد المعتقد أن زيدا في الدار وهو في الدار كاعتقاد من يعتقد أنه في الدار وليس فيها والعلم لا يجانسه الجهل فقد بان الفرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الفصل الثالث في تقاسيم العلوم العلم ينقسم إلى قديم وإلى حادث فالقديم علم الباري سبحانه الذي لا أول له وهو محيط بجملة المعلومات فلا يتعدد بتعددها ولا يوصف بكونه كسبيا ولا ضروريا وأما الحادث فينقسم إلى الهجمي والنظري فالهجمي كل ما يضطر إلى علمه بأول العقل كالعلم بوجود الذات والآلام والملذات والنظري ما يفضي إليه النظر الصحيح مع انتفاء الآفات على وجه التضمن لا على وجه التولد خلافا للمعتزلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 والنظر مكتسب بالاتفاق والعلم المترتب عليه ضروري بعد حصوله عندنا خلافا لجماهير الاصحاب ودليله أنه لو كان مقدورا لقدر على دفعه بعد اتمام النظر وانتفاء الآفات ودفعه غير ممكن كدفع الرعدة التي لا اختيار له فيها وهو بها أشبه منه بالحركة المرادة المجتلبة بالإيثار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الفصل الرابع في ماهية العقل ذكرناه في هذا الباب لأنه من جملة العلوم وليس كلها إذ الخالي عن جمل العلوم عاقل وليس من النظري إذ شرط كل نظر تقدم العقل عليه وليس كل العلوم الضرورية إذ الأصم والأخرس والأعمى عاقل وقد إختل بعض حواسه وليس آحاد العلوم أي علم شئت إذ للبهيمة علم في الميز بين التبن والشعير وليست عاقلة فالوجه أن يقال هو علم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات احترازا عن البهائم ثم هكذا قاله القاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وهو مزيف فإن الذاهل عن الجواز والإستحالة عاقل والوجه أن يقال هو صفة يتهيأ للمتصف بها درك العلوم والنظر في المعقولات وقال الحارث المحاسبي رضي الله عنه هو غريزة يتوصل بها إلى درك العلوم وقالت الفلاسفة هو تهيؤ الدماغ لفيض النفس عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الفصل الخامس في مراتب العلوم وهي عشرة أولها العلم بوجود الذات والآلام واللذات الثاني العلم باستحالة اجتماع المتضادات وهو ثاني العلم بأصل الذوات الثالث العلم بالمحسوسات ووجه استئخاره ما يتطرق إليه من التخيلات والآفات الرابع العلم الحاصل من اخبار التواتر إذ لا بد فيه من مزيد نظر لإستبانة الصدق وعدم التواطئ على الكذب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الخامس فهم فحوي فلا الخطاب ودرك قرائن الأحوال من الخجل والغضب والوجل وهو أخفى من التواتر السادس العلم بالحرف والصناعات وسبب تأخره توقفه لخفائه على تعلمه ومعاناته السابع العلم بالنظريات ووجه استئخاره ما فيه من الخفاء ولذلك كان مظنة ارتباك العقلاء الثامن العلم بانبعاث الرسل وهو اغمض وادق فإنه يزاحم السمعيات التاسع العلم بالمعجزات ووجه خفائه بعده عن محض العقل واستناده إلى العلم باطراد العادات العاشر العلم بالسمعيات وهو يضاهي التقليد فلذلك جعلناه أخيرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 ولتعلم أن العلوم لا تفاوت فيها بعد حصولها وإن دق مدركها ولكن لكل علم مستند من البديهة والضرورة فما قرب من الضرورة كان أجلى وما بعد عنها كان أغمض وإليه الإشارة بهذه المراتب لا إلى التفاوت في العلم نفسه ومما ذكر في هذا إن الحواس على مرتبة واحدة وقيل إن السمع والبصر أقوى ثم قيل إن السمع أقوى من البصر وقيل عكسه وخلافه أيضا وقال القلانسي العقليات أقوى من الحسيات لأنها بعرض لحوق العاهات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الباب الثاني في مآخذ العلوم ومصادرها وهي خمسة فصول الفصل الأول في نقل المذاهب فيه قال قائلون من الحشوية مأخذ العلوم الكتاب والسنة دون نظر العقل وهذا لا خفاء ببطلانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وقال آخرون مدركه الحواس وزاد زائدون من السمنية أخبار التواتر ولا يظن بهؤلاء أنهم أنكروا المعقولات ولكنهم سموه معقولا وسمو المحسوسات معلوما فإنه يتشكل في خزانة التخيل وهذا تضايق في عبارة وقال علماء الهند مأخذ العلوم التفكر والتأمل وقال القلانسي مأخذه العقل ولا يظن به إنكار الحواس ولكنه يقول العقل مسيطر عليه فيدركه الحس عند انبعاث الأشعة ويعلم بالعقل عنده وقيل الصبي يرى نفسه في المرآة ويدرك المدركات ولا يعلمها لعدم العقل وقال آخرون مأخذ العلوم الإلهام ولعلهم عنوا به أن العلوم كلها ضرورية مخترعة لله تعالى ابتداء كما ذكرناه والمختار عندنا أن مأخذ العلوم الميز والميز قد لا يكون عقلا كميز منه البهائم فنعني به ميز العقلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ثم إنه قد يفضي به إلى بعض العلوم بغير واسطة كالعلم بالذات وصفاتها وقد يفضي بوسائط والوسائط ثلاثة الحواس وهي الوسيلة إلى المحسوسات ونظر العقل وهي الوسيلة إلى العقليات واطراد العادات وبه يعرف معاني الخطاب وقرائن الأحوال ثم قد لا يفضي الميز إلى العلم إلا بواسطتين كالمعجزة تتوقف على واسطة العقل والعرف فيستبان بالعقل كونه فعل مخترع صانع متصرف ويستبان بالعرف أنه دال على الصدق إذ لا يناسب انقلاب العصى ثعبانا صدق موسى في كونه رسولا واما السمعيات فإنها معلومات ولكنها لا تظهر في العقل ظهور العقليات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 ومستنده قول حق وخبر صدق وقول النبي عليه السلام صدق وكلام الله سبحانه كذلك وقول أهل الإجماع بتصديق الرسول إياهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 الفصل الثاني في مراسم المتكلمين حووا به جميع مآخذ العلوم قالوا العلوم تنقسم إلى الضرورية والنظرية فأما الضرورية فتنقسم إلى سابقة ونتيجة ومثاله من الهندسة قولهم خطان متماثلان زيد عليهما مثلهما فهذه مقدمة وقولهم بعد ذلك الجملتان متماثلتان نتيجة ومثاله من الكلام قولك السواد والبياض ضدان فهذه مقدمة وقولك بعده والجمع بينهما غير مقدور نتيجة ثم قد تقع المقدمة ضرورية والنتيجة نظرية كالتفرقة البديهية بين حال السكون والحركة مقدمة نتيجتها العلم بجواز وقوعها نظرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وقد يكون على العكس كقول مثبتي حدوث العالم بعد إثبات الأعراض وحدوثها واستحالة خلو الجواهر عنها بطريق النظر إن ما لا يسبق الحوادث حادث وهذه نتيجة ضرورية من مقدمة نظرية فأما النظريات فينحصر مسلك مأخذها في أربع جهات رد غائب لشاهد ورد مختلف إلى متفق وسبر وتقسيم وتمسك بمسلك جدلي والمعنى بالغائب ما غاب عن علمك فترده إلى ما علمته والتحكم بالجمع باطل إذ لو جاز لجاز للزنوج: الحكم على جميع الخلائق بالسواد وللمعطلة غير الحكم بأن لا نطفة إلا من آدمي ولا آدمي إلا من نطفة بدليل الفرض ولجاز لمن رأى نجارا صغيرا أن يقضي على جميع النجارين به ثم قالوا وجه الجمع الصحيح أربع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 جمع لعلة كقولهم العلم علة كون الذات عالمة فليكن كذلك في الغائب وجمع بالحقيقة كقولهم حقيقة كونه عالما قيام العلم به والجمع بالشرط كقولهم الحياة شرط العلم شاهدا فكذا غائبا والجمع بالدليل العقلي كقولهم رسم الخط المنظوم وإتقانه دليل على علم المتقن شاهدا فكذا غائبا وأما رد المختلف إلى المتفق كقولنا لمنكري استحالة خلو الجواهر عن الألوان إذا سلموا ذلك في الأكوان سبب استحالة خلوه عن الأكوان قبوله لها فكذا في الألوان وعكس ذلك مع من يعكس النزاع فيه وأما المسلك الجدلي كقولنا لهم إذا سلموا استحالة الخلو عنها في ثاني حال وجودها فليكن في أول حال وجود الجوهر كذلك إذ حقيقة الكون ما يخصص الجوهر بحيز وهذه التقاسيم عندنا باطلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 والمختار إن أساليب العقول لا ضبط لها فإن العلوم لا نهاية لها ولا ننكر ترتيب بعض العلوم على بعض وانقسامها إلى مقدمة ونتيجة ولكنها بعد الحصول ضرورية وإن غمض مدركها ولا دليل عندنا في العقل إذ لا رابط ولا جمع ونهاية النظر تجريد العقل عن الغفلات لما يعرض عليه ومن فعل ذلك أدرك المعقول وهو كتحديق أحمد البصر إلى صوب المرئي فإنه يفضي إلى العلم من غير تقدير دليل ونبين ذلك بمثال كلامي وآخر هندسي فأما الهندسي كقولهم في صدر كتبهم الكل أكثر من الجزء وهو ضروري والأشياء المتساوية كشئ واحد ثم يقال سائر الخطوط المستقيمة الخارجة من مركز الدائرة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 الخط المحيط بها من كل الجوانب متساوية وهذا أيضا معلوم ضرورة ثم يرتبون عليه العلم بأن المثلث المتساوي الأضلاع هو الذي تركبت آحاد أضلاعه من مراكز الخطوط الدائرة المتماثلة وهذا خفي يفتقر إلى تدبر ولكنه بعد العلم به ضروري كالأول وهكذا إلى الشكل الأخير إلا انه عسر الاحتواء عليها لتعلقها بمقدمات لا يحويها الذهن ويذهل عنها في غالب الأمر والمثال الكلامي كقول مثبتي الأعراض التفرقة الحاصلة بين الحركة والسكون مهجوم عليها من غير تأمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 ثم العلم بجوازه يفتقر إلى تأمل في ابطال جهة الوجوب استنادا إلى إن تخصيصه ببعض الاوقات وبعض السمات مع تساويها في العقل دليل على بطلان الوجوب ويتعين عند بطلانه جهة الجواز إذ التقسيم حاصر ولا قسم سواه ثم يبتدي له بعد ذلك انه هل وقع جائزا بنفسه أو بمقتضى فليس إلا تنبه العقل واستبانته انه وقع بمقتضى إذ لو وقع بنفسه لما اختص ببعض الاوقات وبعض السمات ويدرك العقل ذلك بعد التنبه إدراكه التفرقة الضرورية ابتداء هكذا إلى نهاية النظر في حدوث العالم فقد بان أن لا دليل في العقل فها نحن نبطل تفاصيل تقاسيمهم فنقول أما الجمع بالعلة فكون العلم علة العالمية باطل إذ لا علية ولا معلول في العقليات عندنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 فالعلم عين العالمية ولا فرق وإن سلم فنقول إن دل العقل بعد التجريد عن الغفلات للتدبر فيه أن العالمية في حق الرب مفتقرة إلى علم لا محالة فهو الدليل ولا حاجة إلى رد الغائب إلى الشاهد وإن لم يدل فلا مقنع في الجمع ثم علم الباري يخالف علمنا بالإتفاق فكيف يقولون إذا دلت العالمية على العلم شاهدا ينبغي أن تدل في الغائب على علم يخالفه وكذا نقول في رد المختلف إلى المتفق ولا استرواح في المعقولات إلى إجماع ولا إلى مسلك جدلي وإلزام فإن دل العقل على شئ منها في محل النزاع فهو كاف وإلا فلا فائدة في الإتفاق وتسليم الخصم نعم ذلك يورد للتضييق وتبكيت الخصم إن جحد البديهة ليختزي بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وأما التقسيم فقد مثلوه بقولهم في مسألة الرؤية الجوهر مرئي فلا يرى لجوهريته يقول بدليل العرض ولا لصفاته بدليل جواز تعلق الرؤية به عند تقدير عدم كل صفة تتخيل مصححة له فدل أن المصحح هو الوجود وعارضتهم المعتزلة أن الرب لا يرى الآن وليس ذلك لقرب مفرط ولا لبعد مفرط إذ ذاك محال عليه فدل أنه غير مرئي في نفسه وهذه التقاسيم عندنا باطلة إذ لا يستحيل أن يكون مصحح الرؤية أو مانعها أمرا آخر جهله السائل والمسئول إذ ليس التقسيم دائرا بين نفي وإثبات وإذا تطرق خيال بعيد إلى مظان القطع فسد والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الفصل الثالث في مواقف العقول ومجاريها ولا مطمع في استيعاب مجاري العقول بالذكر إذ المعقولات لا ضبط لها فلا ضبط لمراتبها ولو ذكرناها لافتقرنا إلى ذكر الهندسة والفلسفة والنجوم والشعوذة وعلوم الصناعات والرياضيات فالوجه الرمز إلى ما يتعلق بالديانات ونهاية المغزى فيه الإحاطة بحدوث العالم وافتقاره إلى محدث موصوف بصفات تجب للذات متنزه عما يوجب إثبات مشاركته للمحدثات قادر على ما لا يكون وقوعه من المستحيلات ومن جملته انبعاث الرسل وتأييدهم بالمعجزات ومستند المعجزات أسلوب العقل أو العرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وأما درك حقيقة الإله فمن مواقف العقول وكذا كل ما يتوقع في القيامة ما لم يرد به النص ولا مجال للعقل فيه وكيف لا والعلم إما مهجوم عليه أو مستند إلى مهجوم وحقيقة الإله لا يهجم على دركها ولم يسبق لنا علم هجمي بما يفضي إليها نعم ندرك حقيقة ما نحسه ونعانيه لأن وكذا حقيقة الآلام واللذات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الفصل الرابع أدلة العقل تتعلق بمدلولاتها لأعيانها والحدوث يدل على المحدث بعينه والسمعيات لا تدل لأعيانها فإنها عبارات تفهم بالإصلاح لا يتعدى الإصطلاح بها على نقيضها وأما المعجزة تدل على الصدق وتستمد من أسلوب العقل ليتبين به أنه فعل فاعل ومن أسلوب العرف إذ لا مناسبة بين شق القمر وصدق الرسول ولكن القائم بين يدي الأمير إذا ادعى أنه رسوله واقترح عليه في روم تصديقه أن يخرق عادته ففعل علم على الضرورة صدقه ولهذا لم يعترف أحد بالمعجزة إلا واعترف بالنبوات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الفصل الخامس فيما يستدرك بمحض العقل دون السمع أو ما يشتركان فيه والقول الضابط في ذلك أن كل ما يمكن إثباته دون إثبات كلام الباري كمعرفة الله تعالى وصفاته ودرك استحالة المستحيلات وجواز الجائزات ووجوب الواجبات العقلية دون التكليفية بأسرها فيستحيل دركه من السمع وأما الذي لا يدرك إلا بالسمع فكل ما لا يمكن إثباته إلا بعد إثبات الكلام فلا يدر بمحض العقل إذ السمع مستنده الكلام فلا يثبت أولا دون إثبات الكلام وتردد بين جهة الجواز فمأخذه السمع على التجرد ومنها ما يجوز أن يؤخذ منهما كخلق الأعمال وجواز الرؤية وكذا كل ما يجول العقل فيه فلا نتوقف في ترتيبه على تقديمه على الكلام ثم السمعيات مراتب فما قرب من المعجزة كان أوضح فإنها من أدلة السمع وهي كالبديهة وقد في المعقولات ثم دونها القرآن ثم الأخبار المتواترة وقربه من المعجزات كقرب النظريات من البداية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 كتاب البيان وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول في حد البيان وفيه ثلاث عبارات إحداها قول أبي بكر الصيرفي إنه إخراج الشئ من حيز الإشكال إلى حيز التجلي وهو فاسد فإن الحيز والتجلي من العبارات المنقوضة وقد كثر الإرتباك فيه والبيان في نفسه أبين منه ولا يحد الشئ إلا بعبارة بينة تزيد في الوضوح عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الثانية قول بعض أصحابنا البيان هو العلم وهذا فاسد إذ لو جاز ذلك لقيل أيضا العلم هو البيان ويحد به ويخرج عنه علم الباري سبحانه إذ البيان مشعر بتبيين مفتتح ثم يقال انظر إلى بيانه يعني إلى عبارته وتقريبه المعاني إلى الأفهام الثالثة ما قاله القاضي إن البيان هو الدليل يقال بين الله الآيات لعباده أي نصب لهم أدلة دالة على أوامره ونواهيه ثم الدليل قد يحصل بالقول والفعل والإشارة وهذا هو المختار والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 الفصل الثاني في مراتب البيان وهي باتفاق الأصوليين خمسة ولكنهم اختلفوا في ترتيبها على ثلاث مقالات قال الشافعي رضي الله عنه المرتبة الأولى النص الذي لا يختص بدرك فحواه الخواص المتأكد تأكيدا يدفع الخيال كقوله وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة الثانية النص الذي يختص بدركه بعض الناس كقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة الآية إذ لا بد من فهم معنى الواو ومعنى إلى الثالثة ما أشار الكتاب إلى جملته وتفصيله محال على الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله سبحانه أقيموا الصلاة وقوله وآتوا حقه يوم حصاده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 والمرتبة الرابعة ما يتلقى أصله وتفصيله من الرسول عليه السلام الخامسة ما لا مستند له سوى القياس واعترض عليه بالإجماع فإنه لم يذكره وهو أقوى من القياس المقالة الثانية إن المرتبة الأولى نصوص الكتاب والسنة والثانية ظواهرهما والثالثة المضمرات كقوله فعدة من أيام أخر الرابعة الالفاظ المشتركة مثل القرء وغيره والخامسة القياس المستنبط من موقع الإجماع وهذا مزيف من وجهين أحدهما أنه أخر المضمرات عن الظاهر وهو معلوم بالضرورة والآخر أنه عد القرء من البيان وهو مجمل إذ ثبت تردده واشتراكه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 المقالة الثالثة إن المرتبة الأولى أقوال صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة والثانية أفعاله كصلاته ووضوئه الثالثة إشارته كقوله الشهر هكذا هكذا هكذا وسكوته وتقريره الرابعة المفهوم ثم ينقسم إلى مفهوم مخالفة وموافقة كمفهوم تحريم الشتم من آية التأفيف الخامسة الأقيسة وهذا مزيف لأن فهم حظر الضرب من آية التأفيف مقطوع به فكيف يؤخر عن الأفعال والإشارات والمختار إن البيان هو دليل السمع فيترتب على ترتيب الأدلة فما قرب من المعجزة فهو أقوى كالنظر القريب من مرتبة الضرورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الفصل الثالث تأخير البيان عن وقت الحاجة محال لأنه من جنس تكليف ما لا يطاق وأما تأخيره إلى وقت الحاجة فجائز والمعتزلة منعوا ذلك ومنعوا جواز تأخير التخصيص عن العام إلى وقت الحاجة ومنهم من جوز تأخيره ولم يجوز تأخير الخصوص لأن العام يعمل بظاهره والمجمل لا يعمل به ونحن نتكلم في جوازه ثم في وقوعه فنقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 أولا يتصور أن يقول السيد لعبده خط هذا الثوب غدا ولا يبين له كيفية خياطته في الحال فإذا تصور وقوعه فلا مأخذ لإستحالته فإن العقل لا يقبح ذلك في العادات وإن تلقوه من الاستصلاح فلا نقول به ثم لعل الله علم أنه لو بين في الحال لطغوا وعصوا فتدرج في البيان ليمتثلوا ثم سلموا لنا جواز تأخير النسخ والنسخ عندهم بيان وقت التكليف وهذا تأخير البيان وآية وقوعه قصة موسى عليه السلام في تأخير بيان البقرة إلى المراجعة وقصة نوح عليه السلام في تأخير بيان الأهل حتى ظن إن ابنه من أهله والنبي عليه السلام في ابتداء أمره أمر بالصلاة والزكاة والحج ثم بيانه ذكره على طول الدهر ولم يذكره على الفور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 فإن قالوا فجوزوا موت النبي عليه السلام قبل البيان قلنا يجوز وتبين أن لا تكليف ثم يعكس عليه في النسخ وإن قالوا هذا إلغاز قلنا لا يعد ذلك إلغازا في العرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 القول في اللغات وفيه مسائل قال القائلون اللغات كلها اصطلاحية إذ التوقيف يثبت بقول الرسول عليه السلام ولا يفهم قوله دون ثبوت اللغة وقال آخرون هي توقيفة علي إذ لا اصطلاح يفرض بعد دعاء البعض البعض بالإصطلاح ولا بد من عبارة يفهم منها قصد الإصطلاح وقال آخرون ما يفهم منه قصد التواضع توقيفي دون ما عداه ونحن نجوز كونها اصطلاحية بأن يحرك الله تعالى رأس واحد فيفهم الآخر أنه قصد الإصطلاح ونجوز كونها توقيفية بأن يثبت الرب تعالى مراسم وخطوطا يفهم الناظر فيها العبارات ثم يتعلم البعض من البعض وكيف لا يجوز في العقل كل واحد منها ونحن نرى الصبي يتكلم بكلمة ابوبه حتى ويفهم ذلك من قرائن احوالهما في حال صغره فإذا الكل جائز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وأما وقع أحد الجائزين فلا يستدرك بالعقل ولا دليل في السمع عليه وقوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها ظاهر في كونه توقيفا وليس بقاطع إذ يحتمل كونها مصطلحا عليها من خلق خلقه الله تعالى قبل آدم مسألة اختلفوا في أن اللغات هل تثبت قياسا ووجه تنقيح محل النزاع أن صنع التصاريف على القياس ثابت في كل مصدر نقل بالإتفاق أو هو في الحكم المنقول وتبديل العبارات ممتنع بالإتفاق كتسمية الفرس دارا الدار فرسا ومحل النزاع القياس على عبارة تشير إلى معنى آخر وهو حائد عن منهج القياس كقولهم للخمر خمر لأنه يخامر العقل أو يخمر وقياسه أن يقال مخامر أو مخمر فهل تسمى الأشربة المخامرة للعقل خمرا قياسا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وكذا قولهم استحق البعير فهو حق فإنه مشتق وجوز الأستاذ أبو اسحق مثل هذا القياس والمختار منعه وهو مذهب القاضي قلنا إن كان اثبات هذا القياس مظنونا فلا يقبل إذ ليس هذا في مظنة وجوزب تعالى عمل وإن كان معلوما فاثبتوا مستنده ولا نقل من آهل اللغة في جواز ذلك ولا من الشارع عليه السلام ومسلك العقل ضروريه ونظريه فإن منحسم في الأسامي واللغات وإن قاسوا على القياس في الشرع فتحكم لان مستند ذلك التأسي بالصحابة فما مستند هذا القياس ثم اطبقوا على أن البنج لا يسمى خمرا مع كونه مخمرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 فإن سموه فليسموا عمر الدار قارورة لمشاركتها القارورة في المعنى وهذا محال مسالة قسمت المعتزلة ألاسامي النبي إلى اللغوية والدينية والشرعية فاللغوية وإن ما لم يتصرف فيه والدينية الإيمان والكفر والفسق ووجه تغيره إن الإيمان مجرد التصديق في اللغة والكفر الستر والفسق الخروج يقال فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرتها ثم دخلها تخصيص في الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وميزوها عن الألفاظ الشرعية لأنهم ظنوا أنها مستدركة بمحض العقل والشرعية كالصلاة والصوم والحج وقد قال بعض أصحابنا إنها منقولة بالكلية عن وضعها في اللغة وقال القاضي هي مبقاة على ما كانت عليه ولم تغير إذ الصلاة الدعاء والصوم الإمساك والحج القصد إلى الزيارة وقد بقيت عليها في الشرع وهذا مزيف إذ اسم الصلاة يشمل الركوع والسجود شرعا فإن قيل سمي به لقربه منه فنعلم أن أهل اللغة لا يسمون الواقف بين يدي الأمير على الخضوع مصليا لأنه يدعوه في وقوفه والمصير إلى أنها منقولة بالكلية محال لما قاله القاضي والمختار لا يتبين إلا بمقدمة وهي أن تصرف أهل اللغة فيما تصرفوا فيه ينقسم إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ما غالب التصرف فيه الوضع كتخصيصهم كما الدابة ببعض الحيوانات حتى لا يسمى الآدمي دابة وإن كان يدب وإلى ما يتغير به الوضع كتسميتهم الخمر محرمة لارتباط التناول بها وهو المحرم وكتسميتهم الأم محرمة والمحرم وطؤها فتصرف الشرع في اللغة على هذين الوجهين إذ خصص الحج بزيارة مكة حتى لا يسمي زيارة بقعة أخرى حجا وسمي الإمساك عن الأكل والشرب والجماع صوما دون غيره وكاحتكامه هو بتسمية الفعل صلاة لقربه من الدعاء مسألة اللغة تشتمل على المجاز والحقيقة وقال الأستاذ لا مجاز فيها وخالفه القاضي فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ونحن نجمع بينهما إذ عني الأستاذ بنفي المجاز أن جميع الألفاظ حقائق ويكتفي في كونها حقائق بالاستعمال في جميعها وهذا مسلم ويرجع البحث لفظيا فإنه حينئذ يطلق الحقيقة على المستعمل وإن لم يكن بأصل الوضع ونحن لا نطلق ذلك لأن المجاز ثابت بثبوت الحقيقة وهذا لا ينكره القاضي ولا نظن بالأستاذ إنكاره الاستعارات مع كثرتها في النظم والنثر وتسويته بين تسمية الشجاع والأسد أسدا مسألة القرآن يشتمل على المجاز وعلى الحقيقة خلافا للحشوية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ودليله كثرة الاستعارات سيما في سورة يوسف وإن عنوا بنفيه أن المجاز هو الكلام المردود ولا يوصف به كلام الباري سبحانه فالأمر كما قالوه مسألة قال أبو حنيفة رحمه الله الفرض هو ما يقطع بوجوبه والواجب ما يتردد فيه وعندنا لا فرق إذ الشارع لم ينص عليه وأهل اللغة لم يخصصوا واشتقاق الفرض لا يقتضيه فإنه القطع ومنه المفراض وسلم والفرائض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وفرضة القوس الحزة التي تستقر فيها عروة الوتر فعلى هذا تجوز تسمية التقرب فرضا والوجوب هو الثبوت يقال وجب الجدار إذا سقط ووجبت الشمس إذا ثبتت عند الغروب في نظر الناظرين ثم نقضه بتسمية الطهارة عند الفصد فرضا وهو متردد فيه مسألة صيغة النفي بلا إذا اتصلت بالجنس لم تقتض الإجمال كقوله لا عمل إلا بنية ولا صيام ولا صلاة وزعمت المعتزلة أنها مجملة من حيث إنه يتردد بين نفي العمل حسا وبين نفيه حكما وهذه جهالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 إذ يعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد مخالفة المحسوس وقال بعض الفقهاء هو عام فيهما وهذا محال لأن العام هو الذي يمكن تقدير عمومه ويستحيل أن يكون نفي العمل مندرجا تحت اللفظ قطعا ولا يفهم من الشارع ذلك وقال آخرون هو عام في نفي الكمال والجواز وهذا فاسد لأن نفي الجواز يتضمن نفي الكمال لا محالة فلا معنى لتعميم نفيهما وقال القاضي هو مجمل لتردده بين نفي الجواز والكمال والمختار أنه ظاهر في نفي الجواز محتمل لنفي الكمال والمتمسك به متمسك بظاهر لا يدرأ إلا بدليل والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 باب في مقدار من النحو ومعاني الحروف الكلم ينقسم إلى اسم وفعل وحرف ولم يقل الكلام لأنه المفهوم والحرف لا يفهم وكذا الاسم والكلام المفهم جملة مركبة من مبتدأ وخبر كقولك زيد منطلق أو فعل وفاعل كقولك قام زيد أو شرط وجزاء كقولك إن جئتني أكرمتك وقولك يا زيد أضمر فيه النداء وخاصة الاسم قبوله للجر والتنوين ودخول الألف واللام عليه وحده ما يشعر بمسمى من غير إشارة إلى زمن محصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 والفعل يخالف الاسم في خاصيته وهي صيغ دالة على أحداث مشعرة بزمان منقسم انقسام الزمان من ماض وحاضر ومستقبل وأما الحرف الذي جاء لمعنى تنعدم خاصية الاسم والفعل فيه ويظهر المعنى في غيره ثم الاسم أقوى في التأصيل من الفعل لأنه مستقل ويتركب من جنسه جملة مفيدة كقولك زيد قائم وما من فعل إلا ويحدث به ولا يحدث عنه فيقدر اسما والحرف دون الفعل فإنه لا معنى له في نفسه ثم الاسم ينقسم إلى المبني والمعرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أما المبني كقولك من وكيف وأين ومتى وإنما سميت مبنية لأنها لا تتحرك كالأبنية وتسمى غير المتمكن لأنها تضاهي الحروف في صيغها والمعرب ينقسم إلى المتمكن والأمكن فالمتمكن كقولك عمر والأمكن كقولك زيد ويدخله الاعرابات الثلاثة بخلاف عمر والفعل ينقسم إلى ماض ومستقبل فالماضي كقولك قام والمستقبل كقولك يقوم وتقوم وأقوم فهذه زيادات وأصل الزيادات حروف المد واللين وا ى فأما الياء فقد زيد في قولك يقوم والألف لا يمكن البداية بها فأبدل بالهمزة في قولهم أقوم وأما الواو فالبداية بها تشبه صياح الكلب فأبدل بالتاء لأنها تقوم مقام الواو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 إذ أصل التخمة الوخمة وأصل التراث الوراث وأما النون فإنما زيد لأن فيها غنة تشبه غنة الياء وسمي المستقبل مضارعا لأنه يضارع الاسم إذ يشابه إعرابه ويقوم مقام الإسم فتقول جاء زيد يركض يعني الراكض وأما الحروف فتنقسم إلى مقطعة وإلى حروف المعاني فأما المقطعة فكالباء عنه والواو والفاء وثم فأما الباء فترد للإلصاق كقولك مررت بزيد وبمعنى على كقوله من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك وبمعنى في كقوله تعالى بدعائك رب شقيا وقيل معناه لأجل دعائك وقيل معناه بسبب دعائك وقد ترد للتعدية كقولهم دخلت به الدار وهو بدل الهمزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 ولا يجمع بينهما فهما متعاقبان وقوله أسرى بعبده بمعنى سرى وهي لغة فصيحة قال الشاعر: إن السري إذا سرى فبنفسه ابن السري إذا سرى أسراهما وظن ظانون أنه للتبعيض في مصدر يستقل دونه كقوله وامسحوا برؤوسكم وتمسكوا بقولهم أخذت زمام الناقة إذا أخذها من الأرض وأخذت بزمامها إذا أخذ بطرفه وليس الباء للتبعيض أصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وهذا خطأ في أخذ الزمام أيضا ولكن من المصادر ما يقبل الصلات كقولهم شكرت له ونصحت له وجلست بصدده وأما التبعيض في مسألة المسح فمأخوذ من معنى المصدر فمصدر المسح لا يشير إلى الاستيعاب كمصدر الضرب بخلاف الغسل وأما الواو فهي للعطف وهي أم العواطف وتقتضي الاشتراك في الإعراب والمعنى فتقول رأيت زيدا وعمرا يعني هما مرئيان وقولك وعمرا لا يستقل فيقتضي العطف ولو استقلت الجملة الثانية فالواو للنسق لا للعطف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وظن ظانون أنه للعطف وتمسكوا به في مسألة المحدود في القذف وهو خطأ إذ قد يجمع بين جمل متناقضة كقولك أكرمت زيدا وأهنت عمرا فلا عطف إذن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 وليس الواو في وضعه للترتيب بدليل دخوله على التفاعل تقول تضارب زيد وعمرو ولا تقول ثم عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وليس للجمع ولكنه صالح له إذ لا يبين أثره على التثنية فلو قلت رأيت زيدين لم يقتض جمعا وقول الرجل لزوجته قبل الدخول أنت طالق وطالق إنما تقع الواحدة لأن الطلاق يساق إليها وقد بانت فالثاني واقع بعد البينونة لا لكونه للترتيب وقد يكون للجمع كقولهم جاء البرد والطيالسة واستوى الماء والخشبة معناه معها وكقولهم لا تأكل السمك وتشرب اللبن يعني لا تجمع ولو أفردت جاز وإذا قلت وتشرب اللبن كان النهي عنهما أفرادا وجمعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 قال الشاعر لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذ فعلت عظيم وهو منع عن الجمع وأما الفاء فهي للتعقيب كقولك إذا دخلت الدار فاجلس وللترتيب فإنه من ضرورة التعقيب وللتسبب إن كقولك إن جئتني فأكرمك وبمعنى الواو كقوله بسقط اللوى بين الدخول فحومل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وقال سيبويه أفاد التعقيب فمعناه فالممر بعده إلى حومل ومعناه أنه موضع تجوز على صوب الدخول لا على عرضه وأما ثم فهي لترتيب الفعل أو لترتيب الكلام قال الشاعر إن من ساد ثم ساد أبوه * ثم قد ساد قبل ذلك جده يعني ثم أفهم أنه كان كذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وظن ظانون منهم أنه ليس للترتيب وليس كذلك وهذا كقوله والأرض بعد ذلك دحاها وهي قد دحيت قبل ذلك ومعناه ثم أفهم وأما حروف المعاني فقد تغير الإعراب والمعنى كقولهم لعل زيد منطلق وهو للترجي وقد لا تغيرهما كقوله تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم يعني فبرحمة وقد تغير المعني دون الإعراب كقوله هل زيد منطلق وقد تغير الإعراب دون المعنى كقوله إن زيدا منطلق وقال سيبويه إن للتحقيق ولا زيادة في لغة العرب وقوله فبما رحمة من الله يشعر بالتنبيه والحث كقوله صه ومه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 والعامل لا يكون معمولا فيه كقولك لعل زيدا والمعمول لا يكون عاملا كقولك زيدا إلا المضارع فإنه عامل ومعمول فيه والعامل الذي يتصل بالاسم لا يتصل بالفعل كقولك لعل والمتصل بالفعل لا يتصل بالاسم كقولك أن ونتكلم في خمسة عشر حرفا منها ما وقد يقع حرفا لا يفيد كقوله فبما رحمة من الله وقد يقع مفيدا للنفي في غيره كقولك ما زيد قائم وهي على لغة أهل الحجاز عاملة فتقول ما هذا بشرا وعند بني تميم لا تعمل فتقول بشر وهي كافة لعمل إن عند الكوفيين فتقول إنما زيد منطلق وقال البصريون لا تكف فتقول إنما زيدا منطلق وقد تقع اسما منكورا بمعنى الاستفهام فتقول ما عندك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 فجوابه إنه ثوب أو فرس وبمعنى الشرط كقولك ما تفعل أفعل أي الفعل الذي تفعله أفعل وبمعنى التعجب كقولك ما أحسن زيدا أي شئ حسن زيدا وبمعنى الصفة كقولك مررت بما معجب وقد يقع موصولا بفعل فتقول علمت ما عندك أي ما هو قار عندك وبمعنى المدة كقولك أقوم ما تقوم وبمعنى المصدر كقوله تعالى والسماء وما بناها أراد وبناءها وبمعنى الذي كقولك أتخمت مما أكلت يعني من الذي أكلت أو من أكلي بمعنى المصدر أو من طول أكلي بمعنى المدة ولم يعبر بما عمن يعقل بخلاف من وقال أبو عبد الله المغربي يعبر به عنه كقوله والسماء وما بناها أي ومن بناها فصل أو للترديد تقول رأيت زيدا أو عمرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وكذا أم ولكن أم قريبة للإستفهام فتقول أزيدا أكرمت أم عمرا ولا تقول أو عمرا وقد يراد به التخيير في آحاد الجنس كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين يعني هذا الجنس وقيل بمعنى الواو كقوله مائة ألف أو يزيدون والأصح أن معناه هم قوم إذا رأيتهم ظننتهم مائة ألف أو يزيدون والأصح كقوله تعالى لعله يتذكر أو يخشى يعني قول من يرتجى أنه يتذكر أو يخشى وهذا على قدر فهم المخاطب وقد يراد بها حتى كقوله لا أفارقك أو تقضيني حقي معناه حتى تقضيني ديني فصل هل للإستفهام ولا يغير الإعراب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وقد يكون بمعنى قد ك قوله تعالى هل أتى على الإنسان والمختار أن معناه استدعاء التقرير كقوله هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وإذا اتصل به لا كان للتخصيص فصل لو ترد لامتناع الشئ لامتناع غيره كقولك لو جئتني أكرمتك ولولا لامتناع الشئ لثبوت غيره كقولك لولا زيد لجئتك وقد ترد لو بمعنى إن كقوله ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم معناه وإن اعجبتكم وإذا اتصل به لا كان للتخصيص كقوله فلولا نفر من كل فرقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فصل من حرف جار لا يرد إلا على الاسم بمعنى التبعيض كقوله أخذت من مال زيد أو للعموم كقوله ما في الدار من رجل أو بمعنى على كقوله سبحانه ونصرناه من الذين كذبوا بآياتنا أو بمعنى ابتداء الغاية كقوله من البصرة إلى بغداد ويجوز أن تقول عن البصرة ومن هذا الجنس قولهم فلان أفضل من فلان إذا ساواه ثم ابتدأ فضلا ولا يقال عن فلان لأن من صريح في اقتضاء الإبتداء من غاية بخلاف عن وجوز في قولهم عن البصرة لأن الإعتماد ثم على الجنس فهو معلوم ويجوز أن يقول تلقنت عن فلان وهو أفصح من قوله منه ولا يقول رويت منه لأن تخييل التبعيض في الرواية بعيد وهو متخيل على الجملة في العلم فكأنه يأخذ بعض عمله وعن قد ترد اسما فيقال أخذته من عن الفرس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فصل إلى إذا اتصل بها من كان صريحا في التحديد ومطلقة قيل للجمع وقيل للتحديد وقال سيبويه ظاهره للتحديد ويحتمل الجمع كقوله تعالى إلى المرافق ومن أنصاري إلى الله فصل على قد تقع فعلا كقولك علا يعلو وتقع اسما كقولك أخذته من على الفرس وحرفا كقولك لي عليك حق وفيه شوائب الاسم يعني الحق ثابت له وقال أبو عبد الله لا تقع قط فعلا وقولهم علا ليس ذلك هذه الحروف وهو إنما يطابق في اللفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 فصل بلى لإستدراك النفي كقوله تعالى ألست بربكم قالوا بلى ولو قال نعم لكان معناه نفي الإلهية وجواب القائل إذا قال أليس زيد في الدار عند روم الإثبات يقال بلى وهذا لا يعتبر في الفقه في الإقرار بل يسوى بينهما إلا في حق النحويين فصل من لا يقع إلا اسما ويعبر به عمن يعقل في الاستفهام كقولك من عندك أو في الشرط كقولك من جاءك فأعطه درهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 فصل إذا تصلح للشرطية فيقول إذا دخلت الدار ولا يتمحض له لأن شرط الشرط أن يرتبط بما لا يقطع بوقوعه كالدخول ويصح أن يقول إذا طلعت الشمس وإذا جاءت القيامة ولو قال إن جاءت القيامة فهذا تردد فصل إذن للتعليل كقول عليه السلام في حديث الرطب فلا إذن وقيل إنه بمعنى إذا وهو فاسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 فصل حتى بمعنى الغاية بمعنى الغاية كقوله اكلت السمكة حتى رأسها أي ويكون للعطف تقول حتى رأسها أي ورأسها ويكون بمعنى الاستئاف ومعناه حتى رأسها اكلته وهذا كقول الشاعر ألقى الصحيفة كي يخخف إلا رحله * والزاد حتى نعله ألقاها وبمعنى إلى كقوله حتى تقضيني ديني ولا تعطف به الا ما كان من جنس المعطوف فتقول اكلت السمكة حتى رأسها ولا تقول حتى الخبز ولو قلت والخبز جاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 كما تقول رأيت القوم حتى زيدا او وزيدا ولا تقول حتى الحمار ولكن تقول والحمار فصل مذ حرف يتصل بالزمان دون المكان يقال مذ الجمعة كما يقال من الجمعة وقد يقع اسما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 كتاب الاوامر الأمر قسم من اقسام الكلام واصل الكلام قد انكره المعتزلة فلا بد من تقديمه والكلام فيه في ثلاثة فصول الفصل الأول في اثباته عليهم والكلام عندنا معنى قائم بالنفس على حقيقة وخاصية يتميز بها عما عداه وأما العبارات فهل تسمى كلاما مجازا أو حقيقة تردد فيه شيخنا أبو الحسن وهو متلقى من اللغة وانكرت المعتزلة جنس الكلام وزعمت انه فعل حركات مخصوصة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 واصوات مقطعة وزعموا ان الرب تعالى متكلم بمعنى انه فاعل الكلام والدليل على إثباته ثلاثة مسالك أحدهما يختص بالكلام الباري سبحانه وقد نطقت الامة بقولهم قال الله تعالى ونطق به القران العزيز كما نطقت بقولهم علم الله فليدل على معنى هو قائل به ويستحيل ان يكون قائلا بفعله اذ لا حكم للفاعل في اخص اوصاف الفعل ولو جاز ان يقال هو قائل بكلام يخلقه في غيره لجاز ان يقال هو متحرك بحركة يخلقها في غيره المسالك الثاني انهم ردوا الكلام الى الفعل ونحن نعلم قطعا جواز الاحاطة بكون الشخص متكلما قبل التنبه للفعل وكونه فاعلا المسلك الثالث وهو الاقوى في اثبات الغرض ان من قال لعبده افعل صادف عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الامر طلبا جازما قائما بذاته فأبداه بقوله افعل وهو معبره فيه ومدلوله فهو الكلام الذي ينبغي اثباته وهو معلوم على الضرورة وليس ذلك ارادة لمعنيين احدهما إن الإرادة تنقسم إلى تمن لا ينفك عن تردد ولا تردد في هذا الطلب وإلى قصد جازم ويستحيل تعلقه بفعل الغير فإنه غير مقدور للمريد ولأن السيد المعاتب من جهة السلطان بسبب ضربه عبده إذا اعتذر باستعصائه صلى فكذبه فأراد تحقيقه عيانا فيأمر عبده وهو يبغي عصيانه لتمهيد عذره وليس مريدا له ولا وجه لإنكار كونه أمرا فإن العبد فهم منه الأمر وميز بينه وبين الهاذي وقال ولو أحاط أيضا بقرائن الأحوال بمعنى غرض السيد يفهم الأمر ولكن يعلم منه إرادة العصيان فلا وجه لحمل ذلك الطلب على إرادة إيقاع الصيغة أمرا تمييزا له عن الحكاية والهذيان لأن العبد يفهم طلبا وراءه ولأن الصيغة بعد أن صارت أمرا فله معبر ومدلول وهو الطلب الذي ذكرناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 الفصل الثاني في حد الكلام وقد قيل إنه حديث النفس أو نطق النفس أو مدلول أمارات وضعت للتفاهم وهو الأصح ولعلنا نقول لا حد له كما ذكرنا في حد العلم إذ العبارات المنقولة قاصرة على المعاني المعقولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الفصل الثالث في أقسام الكلام والمختار فيه أنه خمسة طلب وهو متناول للأمر والنهي والدعاء وخبر واستخبار وتنبيه وهو مشير إلى النداء وتردد وهو متناول للتمني والترجي وأنواعه ولو حذفنا التردد اكتفاء بقسم التنبيه أو الخبر وكون التردد تنبيها من وجه للزم الاكتفاء به في الكل إذ الأمر والنهي والخبر والاستخبار أيضا فيه تنبيه وخبر وإذا ثبت أصل الكلام فنقول الأمر قول جازم يقتضي طاعة المأمور بفعل المأمور به ويندرج تحته الندب وقيل قول يتضمن إيجاب المأمور به ويخرج منه الندب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 واستدل القاضي على صحة الحد الأول وكون الندب أمرا بكونه طاعة ولم يقع طاعة لكونه مرادا إذ المعصية مرادة فوقع طاعة لكونه مأمورا به وهذا تحكم على اللغة إذ يقال له وقع طاعة لكونه مطلوبا فإن سمي كل مطلوب أمرا قياسا على الواجب فلا قياس في اللغة ولم ينقل متواترا ونقل الآحاد لا يوجب العلم وأما حد المعتزلة فإنهم قالوا الأمر قول القائل افعل فأبطل عليهم بقوله قم وكل وكل أمر مشتق من مصدر آخر وبقوله قم لتأكل فإن الأكل مأمور به لا على صيغة الأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ثم قالوا لا بد من إرادة إحداث الكلمة وإرادة المأمور به وإرادة إيقاع الصيغة المحدثة أمرا تمييزا له عن الحكاية وخالفهم الكعبي في الإرادة الأخيرة وقال إنما تتميز عن الحكاية بصفة ذاتية فقيل له وكيف يتميز الشئ عن مثله بصفة ذاتية فقال وكيف يتميز عنه أيضا بالإرادة والجوهر لا يتميز عن الجوهر بالإرادة في ذاته فكفونا باضطرابهم أنه مؤنة الكلام عليهم فهذه مقدمات الكتاب ومقصوده يحويه أربع عشرة مسألة مسألة (1) اختلفوا في مفهوم صيغة الأمر ومقتضاه وهو قول القائل افعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 فقال الجبائي يدل على كون المأمور به مرادا والوجوب لا يتلقى منه وقال بعض الناس يدل على رفع الحرج والإباحة لأنه متردد بين الوجوب والندب وهذا القدر مستيقن وهذا من جنس الاستصحاب الفقهي ولا تؤخذ منه اللغات ما لم ينقل أن قولهم افعل موضوع عندهم للإباحة ففيه المباحثة وقال الفقهاء هو للوجوب بدليل أوامر الشارع وأمر الله تعالى إبليس بالسجود واستيجاب المأمور للتعزير بتركه وكل ذلك يمكن تلقيه من القرآن وإنكار كون اللفظ بمجرده دالا عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فلا دليل فيه فأما شيخنا أبو الحسن والقاضي وجماعة من الأصوليين فإنهم توقفوا فيه وقالوا لا مفهوم له إلا بقرينة مخصصة له بإحدى جهات الاحتمال ثم قال بعضهم اللفظ مشترك بين هذه المعاني المحتملة كلفظ العين مشتركة في العين والميزان وعين الشمس والماء وغيرها وقال آخرون يتوقف أيضا ثم استدلوا على المخصصة بأن العقل لا يهتدي إلى تخصيص اللغات وصريح النقل متواترا لم يوجد والآحاد ولو فرض فلا يورث العلم ولو تمسكتم بالنقل ضمنا زاعمين أنا فهمنا ذلك من إطلاق أهل اللغة إياها في شئ من ذلك يخصصها به ومن فهمهم ذلك منها فما الذي يؤمنكم من اعتمادهم في الفهم على القرائن دون مجرد الصيغ فإن قلتم الأمر معنى قائم بالنفس فليكن عنه صيغة دالة عليه فلم عينتم وهو هذه الصيغة لكونها دالة عليه تحكما من غير نقل ثم صيغته أن تقول أوجبت كما تقول في الندب ندبت أو استحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 فنقول للواقفية إن قضيتم بكون اللفظ مشتركا كلفظ العين فمن أين أخذتموه أمن عقل أم نقل متواتر أو آحاد وندير صلى الله عليه وسلم عليهم معتمدهم ولئن قالوا بحسن الاستفصال من المأمور تبينا تردده قلنا ذلك لتعارض القرائن المتناقضة لا لتردد الصيغة في نفسها فإن قالوا لا ندري أهو مشترك أم لا قلنا نرى أهل اللغة يبحثون عن معاني ألفاظ شاذة لا تتداولها الألسنة فيبرزون معناها فما تراهم تركوا هذه اللفظة مع تكرارها على الألسنة في الساعات والأزمنة في حيز الإجمال ولم يذكروا معناها واستحالة ذلك مقطوع به فلا يخلون وتجاهلهم إذا فيه وإذا أبطلنا المذاهب فالمختار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 أن مقتضى صيغة الأمر في اللسان طلب جازم إلا أن تغيره قرينة وقد فهمنا ذلك على الضرورة من فرق العرب بين قولهم افعل ولا تفعل وتسميتهم أحدهما أمرا والآخر نهيا وإنكار ذلك خلاف لما عليه أهل اللغة قاطبة ولكن الوجوب يتلقى من قرينة أخرى إذ لا يتقرر معناه ما لم يخف العقاب على تركه ومجرد الصيغة لا يشعر بعقاب والشافعي حمل أوامر الشرع على الوجوب وقد أصاب إذ ثبت لنا بالقرائن أن من خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عصى وتعرض للعقاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 مسألة (2) مطلق النهي محمول على التكرار واختلفوا في مطلق الأمر وهو قول القائل افعل فتوقف الواقفية وزعم غيرهم أنه يختص بفعلة واحدة والمأمور بالقيام يتفصى عن الأمر بقومة واحدة وإليه صار الشافعي رضي الله عنه والفقهاء وقال الأستاذ أبو اسحق إنه لا بد من قيام مستدام فهو للتكرار عنده وكذا عند المعتزلة وعند أبي حنيفة رحمه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وقد تمسك الأستاذ بمسلكين أحدهما أن النهي للتكرار فكذا الأمر وعضد ذلك بأن الأمر بالشئ نهي عن ضده والمأمور بالقيام منهي عن القعود فلو نهاه عن القعود صريحا لوجب ترك القعود أبدا وقد نهاه ضمنا وقياسه الأمر على النهي في اللغات غير مسموح ودعواه اقتضاء الأمر بالشئ نهي عن ضده ممنوعة وبعد تسليم جدلا نقول الأمر المطلق عند الخصم كالمقيد بفعلة واحدة فالنهي الذي هو ضمنه يكون بحسبة لا محالة كما إذا صرح بالتقيد بخلاف النهي الصريح مطلقا المسلك الثاني أن مطلق الأمر يقتضي وجوب اعتقاد الوجوب ووجوب العزم على الإمتثال ثم يجب كونهما على الدوام فكذا مقتضاه الثالث وهو الفعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 قلنا أما اعتقاد الوجوب فيكفي في لحظة فلا يفعل يعد ذلك كالإيمان والمعرفة ثم اعتقاد الوجوب مستند إلى القيام الدلالة على صدق الرسول عليه السلام لا الى مطلق الصيغة وأما العزم فلا يجب إذ لو ذهل حتى أقدم جاز ذلك ثم يبطل ذلك صريحا بالأمر المقيد بفعلة واحدة ووجهه ظاهر وتمسك الفقهاء في معارضتهم بمسلكين أحدهما أن قول القائل قام فلان إخبار عن فعل واحد فكذا قوله قم يتقيد مرة واحدة لأنهما مشتقان من مصدر واحد ووجه الأخبار لا يتفيد فقال بفعل واحد الا بقرينة فلا نسلم هذا المسلك الثاني ان الرجل إذا قال والله لأدخلن الدار يبر بدخلة واحدة ولو قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 لا ادخل لا يبر إلا بإنزجار أي أبدا والأمر مشبه بالبر والنهي مشبه بالحنث وهذا أيضا ضعيف لأن البر والحنث محل إحتكام الشرع والعرف فلا يستبان به وضع اللغة والعرف قد يؤثر في وضع اللغة كما يحمل الدرهم على المغشوش في الشراء المطلق ويحمله على النقرة في الإقرار مع استواء اللفظين فالمختار ان الفعلة الواحدة مفهومة قطعا وما عداه متردد فيه متوقف إلى بيان قرينة ودليل ذلك بطلان ما عداه من المذاهب مسالة (3) قال الشافعي وجوب البدار إلى المأمور به لا يفهم من مطلق الأمر خلافا لأبي حنيفة رحمه الله وجماعة من الاصولين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وتوقف الواقفية فيه وغلا بعضهم وقال لو بادر ايضا لا ندري هل يقع الموقع أم لا وهذا بعيد والذين قالوا بالتراخي تمسكوا بأن الأمر لا يختص بمكان فلا يختص بزمان أيضا فعورضوا بأنه يختص بمكان بلوغ الأمر فيه فإن في الإنتقال تأخيرا وتمسك الشافعي رضي الله عنه بأن الامتثال مفهوم وليس فيه تعرض للوقت ولا يختص بزمان فيقال له وليس فيه تعرض لجواز التأخير فكيف فهمته وهلا توقفت فيه كالواقفية وتمسكوا أيضا بأن الأزمنة لا معنى لها إلا حركات الفلك وذلك إلى الله تعالى والمرتبط باختياره فعله لا الزمان فينزل اختلاف الزمان منزلة اختلاف الهواء بالصحو والغيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وهذا فاسد فإن البدار مقدور وهو قد يكون مقصودا أما الصحو والغيم فلا يرتبط به قصد وتمسك القائلون بالفور بالنهي فإنه على الفور وهذا فاسد فإنه قياس في مقتضى اللغة ثم النهي للاستغراق وذلك لا يتصور إلا بالبدار والخلاف في هذه المسألة ينبني على أن الأمر المطلق يقتضي فعلة واحدة فلاح الفرق وتمسكوا بأن المؤخر تارك فرض متعرض للعصيان فإن قلتم لا يعصي فهذا تغيير للوجوب وإن عصيتموه فليس ذلك إلا لوجوب البدار قلنا لا يكون تاركا إلا باختلاء العمر عنه ولا يعصي إلا به ثم نعارضهم بالأمر المقيد بالعمر على التوسيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وقد أجيب عن هذا بأنه إنما يجوز التأخير بشرط العزم على الإمتثال فإن لم يعزم عصى وهذا فاسد لأن المحذور إثبات وجوب على الفور واللفظ غير مشير إلى زمان وقد أثبتوه ولأنه ترديد للوجوب بين الفعل والعزم لا على التعيين واللفظ غير مشعر به ثم الوجه أن يقال إن غفل ولم يعزم ثم اتفق الإقدام على الفعل فلا يعصي أصلا فالمختار إذن القضاء بأنه لو بادر وقع الموقع ولو أخر توقفنا فيه لما بيناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 مسألة (4) الأمر بالشئ لا يكون نهيا عن ضده ولا النهي عن الشئ أمر بأحد أضداده لا على التعيين خلافا للأستاذ أبي اسحق والكعبي لأن قول القائل قم لا يقتضي إلا الأمر بالقيام وترك ما عداه يقع من ضرورة الجبلة لا لكونه مقصودا بالأمر بدليل جواز تقدير ذهول الآمر عن جملة أضداده وبدليل تفصي المأمور عن الأمر لو قدر على استحالة الجمع بين القيام والقعود والاقدام على القيام مع عدم الاتصاف بضد من أضداده محال والأمر يتلقى من فحوى الخطاب لا مما يقع من ضرورة الجبلة وليس ذلك مقصود المخاطب وبغيته وهذا كالسيد يقول للعبد أوجبت عليك كسر هذه الجوزات ثم نهي عن كسر جوزة واحدة فإذا كسر جوزا غيره من الجملة لا يقال إنه ارتسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 أمرا واجبا إذ اشتغاله به انحجاز ثنا عن كسر الجوزة المنهي عن كسرها وتمسك الأستاذ بأن قول القائل قم لا يتصور امتثاله إلا بترك القعود فترك القعود مضمر فيه والمتصف بالأمر لا محالة متصف بالنهي على هذا التقدير حتى لا يتصور خلو أحدهما عن الآخر وزاد فقال إذا تلازما وجب القضاء باتحداهما به فإن قول القائل قم أمر في نفسه نهي في نفسه كما أن العلم بالسواد والعلم بالعلم به لما تلازما اتحدا وكما اتحد علم الباري بتلازم معلوماته في حقه قلنا قولك المتصف بالنهي متصف بالأمر وعلى عكسه ممنوع إذ فرض ذهول الآمر بالقيام عن أضداده ممكن فكيف ينهى عما هو ذاهل عنه وقولك التلازم مشعر بالاتحاد تحكم لا يغني فيه الاستشهاد والقياس فلا بد فيه من مسلك عقلي ثم العلم بالعلم بالسواد غيره عندنا فلا نسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وعلم الباري سبحانه لا يتحد للتلازم إذ يلزم على مساقه اتحاد علمه وحياته وسائر صفاته فإنها متلازمة في حقه ثم الأمر بين أن يحد بقوله افعل وهو متميز عن قوله لا تفعل أو يحد بطلب جازم وذلك يفرض مع الذهول عما عداه مسألة (5) الشريعة تشتمل على المباح خلافا للكعبي واستدل بأن كل فعل يعد مباحا متضمن تركا لأمر محظور وترك المحظور واجب إلا أن إحدى جهاته لا يتعين وذلك لا ينافي وجوبه كخصال الكفارة فقيام الرجل إذا تضمن تركا للزنا وقع واجبا وهذا منه بناء على أن النهي عن الشئ أمر بأحد أضداده وقد أبطلناه ثم يلزمه وراء ذلك شيئان أحدهما إنكار النوافل والتطوعات فإن فيها ترك الزنا فليقع على جهة الوجوب وهذا خرق الإجماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 والثاني أن يصف الزنا بالوجوب فإن فيه ترك القتل والسرقة وإن قال واجب من وجه محرم من وجه كالصلاة في الدار المغصوبة فليقل القيام مباح من وجه واجب من وجه وقد أنكره مسألة (6) الأمر بالشئ أمر بما لا يتم الواجب إلا به إذ ثبت أن صحة الصلاة موقوفة على الطهارة فالأمر المطلق بالصلاة الصحيحة أمر بالطهارة خلافا لبعض العلماء ودليله أن المأمور لا يكون ممتثلا إلا بفعل الطهارة فإذا وجبت فلا مستند لوجوبه إلا الأمر بالصلاة فإنه من ضرورة الصلاة الصحيحة وهو كبعض أجزائها بعد أن ثبت أنه شرطها وليس هذا يعود إلى الجبلة من ترك القعود وتوقف القيام عليه فإنا لو قدرنا عدم الاستحالة على فعل القيام مع القعود كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ممتثلا والمقتصر على الصلاة غير ممتثل للأمر بصلاة صحيحة مسألة (7) الأمر بالشئ مشعر بوقوع المأمور به عند الامتثال مجزئا عن جهة الأمر إذ لا معنى للأجزاء إلا موافقة الأمر والامتثال قد حصل فأجزء هذا وأنكر بعض الفقهاء هذا وقال المفسد حجه بالجماع مأمور بأفعال الحج ولا يجزئه عن حجة الإسلام وهذا فاسد فإنه مأمور بالمضي في حج فاسد وهو مجز عن هذه الجهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 مسألة (8) الجائز خلاف الواجب وكذا الواجب خلاف الجائز وقال بعض الناس كل واجب فهو جائز فنقول إن عنيتم به انه لا حرج في فعل الواجب فهو مسلم وإن عنيتم به أن الجواز حكم فمحال إذ الجواز يشعر بالتخيير والوجوب يشعر بالتعيين فلا يصطحبان وفائدته أن الوجوب إذا نسخ عن الشئ لم يبق للإباحة حكم في الشرع بل يتوقف فيه وقالوا بنفي الجواز وهذه خيرة أثبتوها من غير نص يشعر بها مسالة (9) يجوز الأمر بخصلة من ثلاث خصال مع تفويض التعيين إلى خيرة المكلف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 خلافا لأبي هاشم ولنا فيه مسلكان أحدهما أن يقول لا شك في جواز وقوعه وتصوره إذ لا يستحيل أن يقول السيد لعبده ادخل إحدى هذه الدور أيتها شئت ويسقط عنك الواجب بما تريد منها واذا تصور جاز ورود الشرع به والإستصلاح ثم أيضا لا يرده وربما يقتضي الصلاح ذلك ليتخير في ذلك ولا يعصي المسلك الثاني الكفارة المخيرة واجبة شرعا بالاتفاق ولا تجب الخصال الثلاثة جميعا ولا أحدها على التعيين فلم يبقى إلا وجوب واحدة على الإبهام فان قال الكل واجب لكن يسقط الوجوب بواحدة فهذه لفظة لا حاصل لها إذ لو تركها لا يعاقب على ثلاثة أوامر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ولو أقدم على واحدة لا يثاب على الثلاثة تمسك بأن الأمر بالمجهول محال والجهل لا يرتفع بالخيرة كما لا يرتفع في بيع عبد من ثلاثة أعبد مع إثبات الخيار قلنا التكليف وجد مستقرا ومتعلقا وهو خيرته خصلة منها فتقرر وأما البيع عقد يتلقى من تقييد في تعيين المحل مسألة الأمر المطلق بأداء الصلاة لا يتلقى منه وجوب القضاء عند فوات الوقت لأن العقل لا يهتدي إلى وجوب القضاء واللفظ لم يتناول إلا صلاة في وقت وقد فات ولا تدارك له فإنشاؤها رسول في وقت آخر صلاة أخرى كإنشاء العبادة في مكان آخر إذا تعذر أداؤها بالمكان المأمور بفعلها فيه فيجب القضاء بأمر مبتدأ في الشريعة أو بقياس مقتضب من أصل مجمع عليه خلافا للفقهاء حيث قالوا يجب القضاء لمطلق الأمر الأول بالاداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 مسألة (11) الصلاة تجب بأول الوقت على التوسيع ولا يعصي بالتأخير وقال ابو حنيفة لا يوصف بالوجوب إلى ان يضيق الوقت والكلام معه وقد ناقض في القضا والكفارات والزكوات سهل فأما من أنكر الوجوب الموسع أصلا وقال اذا جاز الإعراض وتخير الرجل فلا معنى للوجوب ولا يغني عن هذا الإشكال تصويرنا ولا قول السيد لعبده أوجبت عليك خياطة هذا الثوب وجعلت الشهر متسعك لم فإن هذا لم يمنع جواز التأخير وهو يقتضي الوجوب ولا يغني ما قاله القاضي ذبا عن الفقهاء ان التأخير لا يجوز إلا بشرط العزم على الإمتثال فإن الفقهاء لا يوجبوب حدثنا ذلك إذ لو ذهل جاز ولأن الأمر ليس فيه اشعار بوجوب العزم وترديد بينه وبين الفعل لا على التعيين وهذا تحكم والمختار ان تبين الوجوب لا يتحقق إلا في آخر الوقت لما ذكرناه من جواز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 التأخير ولكن الشرع سماه واجبا توسعا كالكفارة وغيرها ودلت الامارات عليها وهذا التجويز لا مانع منه فيتبع امارات الشرع في اطلاقه مسألة (12) المأمور لا يعلم كونه مأمورا قبل التمكن وإليه صار أبو هاشم خلافا للقاضي لأن التمكن شرط يقرر التكليف ويحتمل اخترام المنية قبل التمكن فكيف يعلم مع احتمال ذلك وقد ثبت أن التكليف بما لا يطاق محال عندنا والقاضي يعتقد ثبوت الأمر قبل التكليف وعلى هذا جوز النسخ قبل التمكن وتمسك بأن البدار إلى الإقدام واجب ولا يجوز التأخير لإرتقاب ابن الموت قبل الإقدام على الفعل فإذا تمكن وجب لأنه لو تكاسل لأدى إلى خرم الشرع وأبطل غرض الشارع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 فأما العلم فلا يثبت مع الإحتمال مسألة عند المعتزلة المأمور يخرج عن كونه مأمورا حال الإمتثال وحدوث الفعل المطلوب لأن الأمر طلب والكائن لا يطلب كما قالوا يخرج عن كونه مقدورا لأن القدرة لا تتعلق بالموجود وخالفهم أصحابنا في المسألتين جميعا وبنوا الأمر على القدرة ونحن نعتقد أن تعلق القدرة بالمقدور حالة الوجود لو قدر مسلم وهو اعتقادنا فيجب القطع بأنه يخرج عن كونه مأمورا لأن الكائن لا يطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وأما القدرة فهي سبب الوجود فإذا لم تقارنه لم يحصل الوجود لأن العدم المستمر لا حاجة فيه إلى قدرة وكذلك الوجود المستمر وبينهما حالة لطيفة هي أول حالة الحدوث ولا تحدث إلا بقدرة تقارنها فإنها في حكم الموجد لها والمخرج لها عن العدم فأما الأمر فإنه ليس موقعا للفعل حتى تجب مقارنته لها فإن قيل هو موقع لكونها طاعة قلنا يمكن إيقاعها بطلب سابق إذ ليس وجود الفعل متعلقا به ووصفه بالطاعة ممكن بخلاف القدرة السابقة فيتنزل الأمر مع الطاعة منزلة النظر مع العلم ثم العلم يحصل بتصرم النظر وإن كان لا بد من تقدم النظر مسألة (14) قال شيخنا أبو الحسن الأشعري رحمه الله المعدوم مأمور على تقدير الوجود إذ ثبت عنده الكلام القديم وثبت كون الباري آمرا أزلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وأبى المعتزلة له ذلك وقالوا الأمر طلب فكيف يتوجه على المعدوم والمجنون يستحيل خطابه لأنه عديم الفهم فالمعدوم أولى بأن لا يخاطب ثم جعلوا هذا ذريعة إلى رد الكلام ولا يغني في الجواب ما ألزمهم القاضي من كون المأمور معدوما إذ ذلك من ضرورته فلا استحالة فيه ولا قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا توفي فهو كالمعدوم في حقنا وقد بقي آمرا بعد العدم فإنه لا أمر للرسول عليه السلام وهو سفير فالأمر لله تعالى الذي لا يموت ولأن القاضي لا يجوز كون الآمر معدوما قطعا فلا معنى لهذا الكلام فالوجه أن يقول لا يبعد من حيث التصور أن يقوم طلب بذات شخص لزيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 من ولده الذي لم يحدث تعلم العلم إذا حدث ويبقى الطلب مستمرا فإذا وجد اتصل الطلب الذي هو الأمر به فكذلك الباري تعالى كان الطلب الذي هو الأمر قائما بذاته قديما ولم يتوجه الطلب على المعدوم ولكنهم إذا وجدوا صاروا مأمورين بذلك الطلب السابق من غير تغير وتبدل والمعدوم لا يكلف قطعا وهذا معنى قوله على تقدير الوجود فإن المعدوم إذا قدر وجوده لم يكن معدوما وحكى عن عبد الله بن سعيد انه قال كلامه كان قائما بذاته قديما ولم يكن امرا إنما صار أمرا عند الوجود فإن عني به ما ذكرناه وهو الظن فسديد وإلا فهو قول بحدوث الأمر إذا الأمر إثما كان أمرا لعينه فلا يتغير بالأوقات وثبت الكلام القديم بدليل آخر ووجه تصور الأمر قديما ذكرناه والله اعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 القول في النواهي وقد اندرج معظم مقاصدها تحت الأمر فإنها تلوها فمن توقف في صيغة الأمر توقف في صيغة النهي ومن حملة على الوجوب حمل النهي على الخطر ومن حملة على الندب حمل هذا على الكراهية ومن حمل ذلك على رفع الحرج في الفعل حمل هذا على رفع الحرج في ترك الفعل ومقصود الباب تحويه خمس مسائل مسالة (1) النهي محمول على فساد المنهي عنه على معنى انه يجعل وجوده كعدمه وهذا هو مذهب الشافعي رضي الله عنه ولكنا مع هذا نقضي بصحة الصلاة في الدار المغصوبة خلافا لأبي هاشم فإنه قضى ببطلانها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 واستدل بأن المكث منهي عنه والصلاة مكث في الدار بحركة أو سكون فقد تمكن النهي من نفس الفعل فيستحيل وقوع النهي طاعة إذ ذلك يؤدي إلى وصف الشئ الواحد بالوجوب والتحريم فأورد عليه البيع في وقت النداء وتحريم المودع بصلاة وقد طولب بالرد واجناس لهذه المسالة فارتبك وقال اقضي بفساد كل عقد تمكن التحريم منه ان ثبت التحريم وعورض استبعاده بوقوع فعل الذاهل في اثناء صلاته طاعة مع عدم التقرب فقال لا بعد في هذا فإنه لم يكلف القصد إلا في أول الوقت ثم حكمه منسحب كما ينسحب حكم الايمان في لحظة على جميع العمر وانما البعيد كون الشئ الواحد مأمورا مطلوبا واجبا منهيا مطلوب الترك قال القاضي هذه الصلاة لا تقع طاعة كما ذكره ابو هاشم ولكن يسقط الفرض عندها ولا يسقط بها وهذا غير بعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 كما قال ابو حنيفة رضي الله عنه يسقط قضاء الصلوات والزكوات بالرد وليس ذلك طاعة وإمتثالا فقيل له ثبت جوازه عقلا فما الدليل على وقوعه قال ذلك موكول إلى رأي الفقهاء فلينظروا فيه نظرهم وليتمسكوا بغلبة الظن ثم قال يمكن اثبات وقوعه بالتمسك بمسالك الصحابة فانهم كانوا يأمرون الظلمة بتدارك المظالم ورد المغصوب مع علمهم بأن عمر الظالم لا يخلو من اداء صلاة في دار استولى عليها ولم يأمروا بإعادة الصلاة فتبين سقوط الفرض به والمختار ان الصلاة واقعة طاعة لان افعاله تضمن مكثا في الدار واداء الفعل للصلاة فله جهتان المقصود بالنهي جهة الكون والواقع طاعة اداء الصلاة ولا نظر إلى اتحاد صورة الفعل إذ الأمر والنهي يتلقى من قصد المخاطب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وعن هذا قلنا الأمر بالشئ لا يكون نهيا عن ضده وان وقع من ضرورته ولو قال السيد لغلامه لا تدخل هذه الدار وخط هذا الثوب فدخل الدار وخاط الثوب عد في العرف ممتثلا في الخياطة مخالفا في الكون في الدار وان كان الكون من ضرورة الخياطة ونحن نحمل النهي على الفساد اذا تمكن من الشئ مقصودا وكذا المودع إذا طولب بالرد فتحرم بالصلاة صحت صلاته لأنه ليس مقصودا بالنهي وان تضمن منع المالك من الأخذ وهو المنهي مسالة (2) اذا دخل عرصة مغصوبة وتوسطها وجب عليه الخروج وانتحاء اقرب الطرق وقال الجبائي يحرم الخروج لأنه تخطى في دار الغير قلنا والمكث أيضا كون في دار الغير والنهي عنهما جميعا تكليف مستحيل فليجب الخروج إذ به الخلاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 فإن قال الساقط على انسان محفوف باناس صرعى اذا علم أنه لو مكث قتل من تحته ولو انتقل قتل غيره فينهي عن المكث والانتقال جميعا قلنا قال القاضي حظ الاصولي انه لا يجمع بين الأمر والنهي عنهما في المسالتين أما ما يؤمر به من الجانبين فذاك إلى رأي الفقهاء والمختار في صورة القتل ان يقال لا حكم لله تعالى فيه فلا يؤمر بمكث ولا انتقال ولكن ان تعدى في الابتداء انسحب حكم العدوان وان لم يقصد فلا يعصي ولا تكليف عليه ونفي الحكم حكم لله تعالى في هذه الصورة واما الخروج فمكن فانه لا يؤدي إلى اتلاف وهو اقرب من المكث مسالة 3 السجود بين يدي الصنم على قصد الخشوع يحرم وقال ابو هاشم المحرم هو القصد إذ عين هذا الفعل يقع طاعة بقصد التقرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 وهذا فاسد فإنه إذا قصد اكتسب الفعل حكم القصد فصار محرما كما يكتسب حكم النية فيصير طاعة وهذا يجره إلى نفي التحريم عن فعل الزاني واخراج الأفعال عن وقوعها قربة وهو محال مسالة 4 أجمع القائلون بأن صيغة النهي للتحريم على انه ان تقدمت صيغة عليه لا تغيره فأما صيغة الأمر بالشئ بعد تقدم النهي عليه اختلفوا فيها قال القاضي في التفريغ على مذهبهم هو للوجوب لأن الصيغة لم تتبدل وما سبق ليست قرينة مقترنة بها وصار آخرون إلى أنه للإباحة بدليل قوله وإذا حللتم فاصطادوا وله الاعتضاد بالعرف أيضا والمختار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ان نتوقف فيه إذ يحتمل ان يكون تقدم النهي عنه قرينة تؤثر في هذه الصيغة ويحتمل خلافه ولا تثبت فيه فيجب التوقف في فحواه إلى البيان مسألة 5 اذا قال لا تلبس ثوبا من هذه الثياب الثلاثة وأنت بالخيار صح النهي خلافا لأبي هاشم ومسلك الكلام ما ذكرناه في خصال الكفارة معه في الاوامر فلا نعيده هنا فصل فيما تستعمل فيه صيغة الأمر تستعمل للوجوب كقوله اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 وللندب كقوله تعالى فكاتبوهم وللارشاد قوله كقوله تعالى واستشهدوا وللاباحة له كقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وللتأديب كقوله عليه السلام لابن عباس رضي الله عنه كل مما يليك وللامتنان ذلك كقوله تعالى كلوا مما رزقكم الله وللإكرام محمد كقوله تعالى ادخلوها بسلام وللتهديد كقوله تعالى اعملوا ما شئتم وللتعجيز إلى كقوله تعالى كونوا حجارة أو حديدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وللتسخير كان كقوله تعالى كونوا قردة خاسئين وللإهانة أبو كقوله تعالى ذق إنك أنت العزيز الكريم وللتسوية كقوله عز وجل اصبروا أو لا تصبروا وللإنذار كقوله تعالى كلوا وتمتعوا قليلا وللدعاء كقوله عز وجل اهدنا الصراط وللتمني كقول الشاعر ألا أيها الليل الطويل ألا انجل * بصبح وما الإصباح منك بأمثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وقوله تعالى كن فيكون إخبار عن نهاية الاقتدار فظاهر الأمر الوجوب وما عداه فالصيغة مستعارة فيه ومجموعه ثلاثة عشر ويرد النهي لسبعة معان للتحريم كقوله تعالى ولا تقربوا الزنا وللكراهة كقوله لعائشة رضي الله عنه لا تتوضئي بالماء المشمس وللتحقير كقوله تعالى ولا تمدن عينيك ولبيان العاقبة كقوله تعالى ولا تحسبن الله غافلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وبمعنى الدعاء كقوله تعالى ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به وللأياس أو كقوله تعالى لا تعتذروا اليوم وللإرشاد كقوله تعالى لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 باب بيان الواجب والمندوب والمكروه والمحظور قيل في حد الواجب ما يستحق العقاب على تركه وهذا فاسد لأن الرب تعالى يتعالى عن أن يستحق عليه ثواب أو عقاب وله أن يفعل ما يشاء لمن يشاء وقيل ما ورد الوعيد على تركه ووجه فساده أنه لو ورد الوعيد قطعا لكان لا يتوقع المغفرة والعفو فإن كلام الباري سبحانه حق وصدق ولا يمكن تحديده بخوف العقوبة إذ الوجوب إنما يتميز عن الجواز باستحثاث عقل العاقل على فعله لاجتناب أمر محظور مقطوع به واقتحام منفعة ناجزة لا يقطع بالعقاب عليه ليس بعيدا عن العقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 فوجب تحديده بما ورد اللوم على تركه أو بما يعصي تاركه فإن العصيان اسم ذم يقضي العقل باجتنابه وأما المحظور فكل يحده بنقيض ما حد به الواجب وأما المندوب فكل مأمور لا لوم على تركه وأما المكروه فقيل هو ترك المندوب وهو باطل بترك استغراق الأوقات في العبادات فإنه ليس بمكروه وإن كانت العبادات مندوبا إليها وقيل ما يخاف تحريمه أو يخاف عليه العقاب أو تضمن اقتحام الشبهة والكل فاسد فإنه مرتبط بتردد والكراهية حاصلة مع القطع بنفيها فالوجه أن يقال المكروه كل منهي لا لوم على فعله وأما الإباحة فتخيير بين فعلين لا يتميز أحدهما عن الآخر بندب ولا كراهية وأما التروك فعبارة عن أضداد الواجبات كالقعود عند الأمر بالقيام ثم يعصي بترك القيام لا بالقعود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 ووافقنا عليه أبو هاشم فسمي أبو هاشم الذمي من حيث أنه علق الذم بالمعدوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 كتاب العموم والخصوص العام نوع من أنواع الكلام القائم بالنفس كما ذكرناه في الأمر وحده ما يتعلق بمعلومين فصاعدا من جهة واحدة احتزازا عن قوله ضرب زيد عمرا ومقصود الكتاب تحويه ثلاث عشرة مسألة مسألة (1) المتوقفون عبد في صيغة الأمر توقفوا في صيغة العموم وإليه صار شيخنا أبو الحسن ولزمه ذلك من أسئلة الوعيدية الصائرين إلى أن المؤمن يعذب بالمعصية وقول الجهمية المرجئة الذين يقولون إن المؤمن لا يعذب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 بالمعصية والخوارج الذين صاروا إلى أن من ارتكب معصية خلد في النار مع زعمهم أن لا صغيرة إذ مخالفة الأمر كيف كان فهي كبيرة ومنهم من أثبت الصغيرة وقضي بإحباطها عليه إلا إذا وقع الإصرار عليها ثم اختلفت الواقفية فمنهم من قال العام مشترك للواحد والجمع كلفظ العين ومنهم من توقف في ذلك أيضا ووجه إبطال مذهبهم ما ذكرناه في صيغة الأمر على أنا نعلم تفرقه العرب بين الرجل والرجلين والرجال وتمييز الواحد عن الجمع والجمع عن الثنية وقال الشافعي رضي الله عنه العام نص في كل ما يصلح أن يكون متناولا له وعزي إلى شيخنا أبي الحسن أنه قال وإن اقترنت به القرائن المؤكدة فهو متوقف فيه وهذا النقل غير صحيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 وقيل لم يتوقف في أداة الشرط إذا اتصل بالكلام في قولهم من دخل الدار فأعطه درهما والمختار أنه نص في أقل الجمع كما ذكرناه ظاهر فيما وراءه ووجهه ظاهر وغرضنا من صيغ الجمع يتبين بتقسيم فنقول العموم يتلقى من أدوات الشرط ومن صيغ الجموع أما أدوات الشرط كقولهم من دخل الدار فأعطه درهما ومن أحيا أرضا ميتة فهي له وكلمة من اسم تقتضي الإبهام فتقتضي الإستغراق وقد يتلقى من ظرف الزمان كقوله متى أكرمتني أكرمتك ومن ظرف المكان كقوله حيث كنت حضرتك قال القاضي وكذا إذا قال إن أكرمتني لأن إن تقتضي إبهاما وعندنا إنه لا يقتضي الاستغراق لأن الإبهام آيل إلى المصدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ومعناه إن كان منك إكرام يكن مني إكرام فهذا نص في الإكرام الأول أما الثانية والثالثة فنتوقف فيه وأما صيغة الجمع فتنقسم إلى جمع السلامة وهو ما يسلم فيه بناء الواحد وإلى جمع التكسير وهو الذي لا يسلم فيه بناء الواحد ثم جمع السلامة ينقسم إلى جمع الذكور كقولك مسلم ومسلمون والأصل فيه زيادة الواو والنون وزيادة الياء والنون وإلى جمع الإناث وهو منقسم إلى ما لا يظهر فيه علامة التأنيث كقولك هند ودعد فيجمع بزيادة الألف والتاء وإلى ما يظهر فيه علامة التأنيث بالتاء كقولك مسلمة فيجمع بزيادة الألف والتاء مع حذف تاء التأنيث فتقول رايت المسلمات لان التاء لم تكن من وضع الاسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ومنها ما تظهر فيه العلامة بالألف الممدودة كقولك صفراء وحمراء فالوجه إبدال الألف الثاني وهي الهمزة بالواو وزيادة الألف والتاء وما يكون الألف مقصودا كالحبلى والسكرى تبدل الألف الاخيرة بالياء وتزاد الألف والتاء واما جمع التكسير وهو الذي ينكسر فيه بناء الواحد بزيادة حرف كقولك رجل ورجال او نقصان كقولك كتاب وكتب او تبديل حركة كقولك أسد وأسد قال وجمع السلامة في اللسان للتقليل وهو العشرة فما دونه وما كان من جمع التكسير على وزن الأفعال كالأثواب او الافعلة أبي كالأرغفة او الافعل كالأكلب او الفعلة كالصبية فهي للتقليل وما عداه للتكثير واما المؤمنون والكافرون حيث ورد في القران فهو للتكثير قطعا ويحتمل ان يكون ذلك من احتكام الشرع كما احتكم على لفظ الصوم والصلاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 ويحتمل ان يكون كما قاله سيبويه ان كل اسم لا تسمح العرب فيه بصيغة التكثير فصيغة التقليل محمول على التكثير ابتغاء لكثرة الفوائد كقولهم في جمع الرجل ارجل فهو للتكثير وعلى الجملة نعلم ان الصحابة رضي الله عنهم لم يترددوا في ذلك بل فهموا التكثير وليعلم ان الحرف والفعل لا يجمعان وانما يجمع الاسم وقولك قاما وقاموا ليس جميعا للفعل انما هو تعديد للفاعل فاذا اردت جمع الفعل ترده إلى الاسم فتقول قام قومتين مسالة 2 لفظ المسلمين صالح لإندراج المسلمات تحته تغليبا للتذكير على التأنيث ولكنه في الاصل غير موضوع له خلافا لبعض الناس كقوله تعالى وكانت من القانتين لانه جمع المسلمين مختص بالرجال ولفظ الناس في وضعه يشتمل على النساء مع الرجال إذ يقال لها انسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وقد خولف فيه أيضا والعبيد يندرجون تحت لفظ المؤمنين في لسان الشارع ولا بد من دليل في استثناثه (لانه يقال لآحادهم عبد مؤمن وقيل انه لا يندرج لوقوعه مستثنى عن بعض الألفاظ وهو فاسد لأن ذلك لقيام الدليل على استثنائهم مسالة 3 قال قائلون لا يندرج المخاطب تحت مطلق الخطاب بدليل قوله الله خالق كل شئ وقول القائل من دخل الدار فأعطه والمختار انه يندرج لان اللفظ عام والقرينة هي التي اخرجت المخاطب عن قضية الخطاب فيما ذكروه ويعارضه قوله وهو بكل شئ عليم فإنه عالم بذاته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 مسالة 4 اسم الفرد اذا اتصل به الألف واللام اقتضى الاستغراق كقولهم الدينار افضل من الدرهم والمختار ان ما يتميز لفظ الواحد فيه عن اسم الجنس بالهاء كالتمرة والتمر فإذا عري عن الهاء اقتضى الاستغراق للجنس وانكره الفراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 واستدل بجواز جمعه على تمور ولكن هذا جمع على اللفظ لا على المعنى واما ما لا تدخل الهاء فيه للتوحيد ينقسم إلى ما لا يتشخص ولا يتعدد كالذهب فهو لاستغراق الجنس إذ لا يعبر عن ابعاضه بالذهب الواحد وما يتعدد كالدينار والرجل فلا يتناول إلا الواحد والالف واللام فيه للتعريف ان اتصل بالرجل او الدينار اقتضى تعريف الجنس ولا اثر له في تخصيص واستغراق وانما يفهم الجنس من قولهم الدينار افضل من الدرهم بقرينة التسعير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 مسالة 5 نكرة الوحدان في النفي تشعر بالاستغراق كقوله ما رأيت رجلا وفي الاثبات تشعر بالتخصيص كقوله رأيت رجلا لان النفي عام لا خصوص له بأقوام مضبوطين والنكرة فيه ابهام فلا تقطع عموم النفي والاثبات خاص إذ الرؤية يستحيل عمومها في كل مرئي والنكرة تقتضي تخصصا وابهاما ما فإذا اتصل بالاثبات اقتضى تخصيصه بمبهم غير معين وان اتصل بالاثبات كلمة الشرط كقوله من أحيا أرضا ميتة فهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 له كان للإستغراق لأن كلمة من فيه ابهام فلا تقتضي الخصوص فأما نكرة الجمع في النفي كقوله ما رأيت رجالا قال القاضي هو للاستغراق كنكرة الوحدان بل هو أولى وقال أبو هاشم لا يقتضيه بدليل قوله ما لنا لا نرى رجالا ووجهته ظاهرة إذ يحسن ان يقال ما رأيت رجالا لكني رأيت رجلا ولا تقول ما رأيت رجلا ثم تقول رأيت لأن فيهم رجلا مسالة 6 قال الشافعي رضي الله عنه الاسم المشترك اذا ورد مطلقا كالعين والقرء عمم في جميع مسمياته اذا لم يمنع منه قرينه وكذا اللفظ الذي يستعمل مجازا في محل وحقيقة في محل يعمم كلفظ اللمس يحمل في نقض الطهارة على اللمس باليد والجماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 قال القاضي والجمع بين الحقيقة والمجاز تناقض إذ المجاز ما تجوز به عن محله فكيف يجمع بينه وبين الحقيقة وهذا إعتراض على اللفظ فإنه لا يجمع بينهما في محل واحد ولكنه يقول يعمم مفهومه في محلين والمختار خلاف ما قاله الشافعي رضي الله عنه لان لفظ العين ما وضعته العرب لعموم جملة مسمياته فإنه لا يطلق لفظ العين لإرادة جملتها كما يطلق لفظ الرجال لإرادة الجمع بل وضعت لآحادها على البدل فهو عند الإطلاق عندنا مجمل ولا يجمع أيضا بين الحقيقة والمجاز ولكنه يحمل على الحقيقة على إنفرادها أو على المجاز على حياله لعلمنا بأن العرب لا تطلق لفظ الأسد وتعني به الجمع بين الأسد والشجاع نعم يشتمل الجماع على لمس فيكون التعميم لذلك مسألة (7) أقل الجمع ثلاثة عند الشافعي رضي الله عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 وقال مالك إثنان وقال ابن عباس رضي الله عنهما لعثمان رضي الله عنه ليس في الأخوين إخوة لما أن رد الأم من الثلث إلى السدس بهما فقال حجبها قومك يا غلام وابن مسعود أحب للمقتدين أن يقف أحدهما على اليمين والآخر على الشمال فإذا كانوا ثلاثة اصطفوا وهذا مشعر من مذهبهما بأنهما وافقا الشافعي رضي الله عنه ولا شك أن حكاية الضمير متصلا كقولنا فعلنا ومنفصلا كقولك نحن فعلنا يعبر عن إثنين والعضوان أيضا يجوز إضافتهما بلفظ الجمع إلى الجملة كقوله فقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 صغت قلوبكما وذلك لاستثقالهم الجمع بين تثنيتين مع انطباق صيغة القلوب على لفظ الوحدان في بعض المواضع ومحل الخلاف في لفظ الرجال والمختار عندنا أن أقل ما يتناوله ثلاثة بدليل تفرقتهم بين التثنية والجمع وتسميتهم الرجلين تثنية لا جمعا مع حصول ضم أحدهما إلى الآخر وفائدة هذا المذهب عندنا أنا نحوج لا بروم رد الجمع إلى اثنين إلى دليل أوضح مما يحتاج إليه عند رده إلى ثلاثة ونسميه أيضا نصا في الثلاثة ظاهرا فيما عداه وليس من فائدته المنع من الرد إلى اثنين إذ الرجال قد يطلق ويراد به واحد عند القرينة كقول الرجل لزوجته أتخرجين وتكلمين الرجال ويعني به رجلا واحدا وقد أجمع الفقهاء على أن المقر بدراهم لا تفسر بأقل من ثلاثة فهذا مفروع عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 مسألة (8) إذا قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر فلان بالجماع فقال فليعتق رقبة فيختص ذلك بالجماع خلافا لمالك رضي الله عنه لان ما عداه ليس في معناه واللفظ غير مستقل فارتبط بالمذكور وإنما لم يختص بالسائل لاستواء جميع العالمين في التكليف شرعا مسألة (9) إذا قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر فلان فقال ليعتق قال الشافعي رضي الله عنه يتعلق العتق بكل إفطار لأن حكايات الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال وأضرب الشرع عن الاستفصال فمطلق كلامه لعموم المقال والأمر على ما قال إن تبينا عدم إحاطة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب الإفطار وإن توقعنا علمه فلا نتمسك بعمومه ولا يكفي في قطع التوهم عدم النقل من الراوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 مسألة (10) اللفظ الذي لا يستقل إذا ورد في سبب خاص فهو مختص به كما لو قيل أحلال فقال نعم واللفظ المستقل بعمومه الوارد على سبب لا نظر إلى سببه عندنا كقوله عليه السلام أيما إهاب دبغ فقط طهر وقيل إنه يختص لاحتمال أنه أراد بيان هذه الواقعة وهو باطل لأنه يعارضه احتمال إرادة تمهيد الشرع فبقي عموم اللفظ بعد تعارض الاحتمالات وليس من محل الخلاف قوله انما الأعمال بالنيات لانه انعطف على الواقعة وخصصها بحكمها فقال فمن هاجر الحديث مسالة 11 عزي إلى ابي حنيفة رضي الله عنه تجويز اخراج السبب عن عموم اللفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 استنباطا من مصيره إلى ان الحامل لا يلاعن عنها مع ان الاية وردت في امرأة العجلاني وكانت حاملا ومن مصيره إلى أن ولد المشرقية يلحق بفراش المغربي مع عدم الاحتمال تليقا من قوله عليه السلام الولد للفراش وقد ورد في عبد بن زمعة إذ تداعى ولد وليدة أبيه وكانت رقيقة ولدت على فراش أبيه وعنده ان الامة اذا أتت بولد لا يلحق بالسيد وان أقر بوطئها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 وهذا أسوأ رأي له في المسألتين جميعا فلا ينبغي ان يتخيل من عاقل مصيره إلى تجويز اخراج السبب عن قضية اللفظ مسالة 12 العام اذا دخله التخصيص كان مجملا في الباقي ان كان المخصص عنه مجهولا وان كان معلوما فهو حقيقة في الباقي يجب العمل به إلا انه مجاز في الانحصار عليه لان اللفظ تناول الكل فإن اخرج البعض بقي الباقي على اصله وقال القاضي هو مجاز يجب العمل به فإن عني به ما ذكرناه فذاك إلا فما ذكرناه رد عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وقال الشافعي رضي الله عنه حقيقة في الباقي يجب العمل به وقال ابو هاشم: نتمسك به في واحد، ولا نتمسك به جميعا. وقال جمهور المعتزلة هو مجمل لا نتمسك به وقال ابو هاشم نتمسك به في واحد ولا نتمسك به جميعا وهذا محال لا المخرج عنه معلوم فكيف يصير الباقي مجملا نعم لو كان مجهولا فلا نتمسك به كما لو تمسك متمسك في مسألة الوتر بقوله وافعلوا الخير لا يجوز لان المستثنى عن عموم هذا الأمر غير معلوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 القول في الإستثناء وفيه اربعة فصول الفصل الأول في حروفه يرفع عموم اللفظ بقرائن حالية لا ضبط لها نفهمها من معانيها كقولك رأيت الناس نعلم انك ما اردت جميعهم وبقرائن لفظيه وهي منقسمة إلى الاستثناء والتخصيص اما الإستثناء فحروفه إلا وعدا وسوى وغير وحاشا وام الباب إلا ثم هو منقسم إلى ما يرد على الاثبات والى ما يرد على النفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 والوارد على الاثبات كقولك اقبل القوم إلا زيدا والاصل فيه النصب وكأنك تقول استثني زيدا منصوب على تقدير الاضمار كما تقول يا عبد الله أي انادي عبد الله ويجوز رفعه على تقدير كون إلا بدلا عن غير ونقل اعراب غير إلى ما بعده فانك تقول اقبل القوم غير زيد فتنقله إلى ما بعد إلا بدليل قول الشاعر وكل أخ يفارقه اخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان والاصح النصب لان غير يرفع بتقدير الصفة معناه اقبل القوم المغايرون لزيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وتقدير الصفة في الاستثناء بعيد وانما قال الله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا لأن الكلام ليس مستقلا فصار الباقي جزءا منه وتتمة له فتقدر تقدير الصفة وأما الوارد على النفي إن كان مستقلا كقولك ما جاءني القوم إلا زيدا فهو كالإثبات والأصل فيه النصب والرفع على تقدير البدل فالذي لا يستقل فهو مرفوع أبدا كقولك ما جاءني إلا زيد والا ساقط الاثر في الاعراب فهو كقولك ما جاءني زيد ولو عقبت الاستثناء بغيره نصبته كقولك ما جاءني إلا زيدا احد بدليل قول الكميت فما لي آل احمد شيعة * وما لي إلا مشعب الحق مشعب وكقول كعب بن مالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 القوم الب علينا فيك ليس لنا * إلا السيوف واطراف القنا وزر وقال بنو تميم لا يجوز ان يقال ما جاءني احد إلا حمارا لان اسم احد لا يطلق عليه فلا يقال فيه رايت احدا وجوزه اهل الحجاز وأجابوا بقولهم ركبت احد حمارى والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الفصل الثاني في شرائطه واما شرائطه فثلاثة أحدها ان يكون متصلا بأول كلام لأنه جزء منه والرجوع فيه إلى العرب وعاداتهم ولو جوزوا انفصاله لبطلت ايمانهم ومواثيقهم وما وجب الوفاء بها وعزي إلى ابن عباس رضي الله عنهما انه جوز تأخير الاستثناء فإن صح فوجه بطلانه ما ذكرناه والوجه تكذيب الناقل فلا يظن به ذلك او يقال أراد به إذا اضمره في وقت الاثبات وابداه بعد ذلك فقد يقول انه يدين ومذهبه ان ما يدين الرجل فيه يقبل منه إبداؤه ابدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وقيل انه اراد به في استثناءات أن القرآن وقد قال بعض الفقهاء والتأخير فيه غير قادح لان كلامه تعالى هو القائم بنفسه وهو واحد لا ينقطع ولا انفصال فيه وهذا فاسد لان القرآن نزل على لسان العرب ونحن نتكلم في الالفاظ فلا نفهم منها إلا ما يفهم من كلام الرسول وما ذكروه ابطال لكل طريقة لطيفة ذكرها المفسرون الشرط الثاني أن لا يكون مستغرقا لئلا يتناقض ووجه ظاهر وليس من شرطه استبقاء المعظم خلافا للقاضي واستدل بأن المستغرق انما رد لحيده عن عادة العرب لا لتضمنه نفيا بعد الإلتزام بدليل قبول قوله عشرة ان شاء الله تعالى واسثناء على التسعة عن العشرة حائد عن العادة قلنا إنما رد المستغرق لتناقضه وهذا غير متناقض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 نعم هو ركيك حائد لكن لا ننظر إليه في الأقارير بدليل قبول قوله إلا تسع سدس وخمس سبع وسبع سدس فهذا ركيك ثم هو مقبول نعم لا يصدر مثله من الشارع لركاكته لا لتناقضه الشرط الثالث ان يكون الاستثناء من الجنس لانه مشتق من الثني وكأنه يثني الكلام المرسل ويصرفه عن ان يفهم منه العموم فلا معنى لقول القائل رأيت الناس إلا حمارا لان الكلام لا يتناوله والشافعي رضي الله عنه جوز الاستثناء من غير الجنس بتقدير الرجوع إلى الجنس كما يقول المرء لفلان علي الف درهم إلا ثوب ان فسره بقيمة ثوب رده اليه قبل وان فسره بعين الثوب لم يقبل فهو بتقدير الرجوع إلى جنس الدراهم وابو حنيفة رضي الله عنه منع ذلك إلا في استثناء المكيل عن الموزون عن المكيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 الفصل الثالث قال الشافعي رضي الله عنه الجمل المستقلة اذا عطف البعض منها على البعض بالواو الناسقة وعقب بإستثناء رجع إلى الجمل كلها وبنى عليه قبول شهادة المحدود في القذف وقال أيضا لو أقر لبني عمرو وبني بكر إلا الفساق يستثني الفساق من القبيلتين وكذا في الوصية واستدل بأن الجمل صارت كجملة واحدة بالواو العاطفة وهذا ضعيف لأن الواو للنسق لا للجمع وكيف تجتمع جمل متناقضة كقولك أكرمت بني عمرو وأهنت بني خالد وضربت بني زيد وليس هذا كقوله رأيت زيدا وعمرا لأن قوله وعمرا لا يستقل بنفسه فالقطع بانعطاف الاستثناء على الكل تحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 وقال ابو حنيفة رضي الله عنه ينحصر على الأخير وناقض في المشيئة حتى لو قال لبني فلان وبني فلان إن شاء الله رجع إلى الكل وناقض في الوصية كقوله أوصيت لبني زيد وبني بكر المساكين منهم قال يرجع إليهما والتحكم أيضا بالانحصار باطل إذ لا يبعد أن يقول الرجل أوصيت لبني فلان وبني فلان إلا الفساق ويعني به استثناءهم عن الكل ولكن اللفظ متردد ولا قرينة فالوجه التردد وإبطال التحكم بكلا الجانبين نعم يساعد الشافعي رضي الله عنه في مسألة الإقرار والوصية لتعارض الاحتمالات ووجوب الاقتصار على المستيقن ويوافقه في مسألة المحدود في القذف ولأن الجملة فيه قوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وأولئك هم الفاسقون وهو وصف وذكر علة فلا يرجع الاستثناء إليه أصلا على وجه الانحصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الفصل الرابع في تمييز الخاص عن الاستثناء فليعلم أن العام قد يكون عاما لذاته كالمذكور والمعلوم فلا تخصيص فيه وقد يكون عاما بالنسبة كالموجود والجوهر وما ضاهاه فالخاص لذاته كالواحد الذي لا يتجزأ والخاص بالإضافة مثلا كالثلاثة خاص بالإضافة إلى ما فوقه عام بالإضافة إلى ما دونه وحد الخاص في غرضنا القول الذي يندرج تحته معنى لا يتوهم اندراج غيره معه تحت مطلق ذلك اللفظ والفرق بين الاستثناء وبين التخصيص أن الاستثناء جزء من الكلام ولهذا يعتبر اتصاله بخلاف التخصيص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 والآخر أن التخصيص بيان لمعنى اللفظ المطلق حتى يبين أنه المراد به والاستثناء ليس بيانا فإنه إذا قال لفلان علي عشرة إلا خمسة لا يبين أن العشرة أريد بها الخمسة ولكن العشرة للعشرة ولزوم الخمسة يتبين بتتمة الكلام ولفظ الناس إذا خصص بالعشرة تبين أنه المراد به عند الإطلاق ولكنا! تبيناه عند التخصيص وعن هذا كان الاستثناء رافعا وناسخا ولم يكن التخصيص كذلك والاستثناء يجوز اتصاله بالنص والتخصيص لا يتطرق إلى النص نعم يتطرق الاستثناء إلى الظاهر أيضا إذ يقول رأيت الناس إلا ثلاثا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 كتاب التأويل يتقدم على مقصوده أن مأخذ الشريعة ينقسم إلى الألفاظ وإلى ما عداها وغرضنا ذكر الألفاظ وضبطها إذ عليها نتكلم بمسالك التأويل ثم هي تنقسم إلى ألفاظ القرآن وإلى ألفاظ الرسول فأما ألفاظ القرآن فتنقسم إلى ما يقطع بفحواه وهو النص وإلى ما يظهر معناه مع احتمال وهو الظاهر وإلى ما يتردد بين جهتين من غير ترجح وهو المجمل وألفاظ الرسول تنقسم إلى متواتر وهو نازل منزلة القرآن في التمسك به وفي انقسامه فإنه مقطوع به وإلى المنقول آحادا وهو الذي لا يقطع بأصله وهو أيضا ينقسم إلى نص وظاهر ومجمل كآيات القرآن ولفظ الصحابي اذا رأيناه دليلا فهو كالاخبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 والان اذا انضبط مأخذ الالفاظ فلا بد من بيان اقسامه ومجموعها النص والظاهر والمجمل أما النص فقيل في حده انه اللفظ المفيد الذي لا يتطرق اليه احتمال وقيل هو اللفظ الذي يستوي ظاهره وباطنه ولا يرد عليه الفحوى المفهوم على القطع وإن كان لا يسمى نصا فهو مفهوم النص وفائدته فلا يسمى نصا ثم قال الأصوليون لا يوجد على مذاق هذا الحد في نصوص الكتاب والسنة إلا ألفاظ معدودة كقوله تعالى قل هو الله أحد وقوله تعالى محمد رسول الله وقوله عليه السلام في قصة العسيف أغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها وقوله عليه السلام لابن نيار الانصاري تجزي عنك ولا تجزي عن أحد سواك فانها الفاظ صريحة بعيدة عن الاحتمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 واما الشافعي رضي الله عنه فإنه سمى الظاهر نصا ثم قال النص ينقسم إلى ما يقبل التأويل والى مالا يقبله والمختار عندنا أن يكون النص ما لا يتطرق إليه التأويل على ما سيأتي شرط التأويل وتسمية الظاهر نصا منطلق على اللغة لا مانع في الشرع منه إذ معنى النص قريب من الظهور تقول العرب نصت الظبية إذا شالت رأسها وظهرت وسمي الكرسي منصة إذ تظهر عليها العروس وفي الحديث كان اذا وجد فجوة نص ولو شرط في النص انحسام الاحتمالات البعيدة كما قال بعض اصحابنا فلا يتصور لفظ صريح وما عدوه من الايات والاخبار تتطرق اليها احتمالات فقوله قل هو الله أحد يعني اله الناس دون الجن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وقوله محمد رسول الله أي محمد والى أي اقليم والى أي زمان وقوله تجزي عنك أي تثاب عليه وقوله ان اعترفت فارجمها أي اذا لم تتب فهذه احتمالات بعيدة تطرقت اليها فالوجه تحديده بما ذكرناه وأما الظاهر قال الاستاذ ابو اسحاق هو المجاز والنص هو الحقيقة ورب مجاز هو نص كقوله الخمر محرمة والتحريم لا يتعلق بالخمر حقيقة وقوله تعالى والحافظات بعد قوله والحافظين فروجهم مجاز في حفظ الفرج على الخصوص وهو نص في مقصوده وكذلك تخصيص الدابة ببعض الحيوانات مجاز وهو مفهوم قطعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 فالوجه أن يقال الظاهر ما يغلب على الظن فهم معنى منه غير قطع مسألة لا يتمسك بالظواهر في العقليات لان المطلوب فيها القطع وينخرم ذلك بأدنى احتمال ويكفي المعترض ابداء احتمال ولا يحتاج إلى تعضيده بدليل واما النص فجوز أبو هاشم التمسك به في العقليات وقال الوحدانية ثابتة بقوله قل هو الله أحد قال القاضي يجوز التمسك به في كل معقول ينحط اثباته عن اثبات الكلام للباري فإنه مستند السمعيات كما في مسألة الرؤية وخلق الأفعال ولكن ليعتقد ان الدليل لا ينحصر فيه أما المجمل مشتق من قولهم اجملت الحساب اذا جمعت مفرقه ولهذا يمكن تسمية العام مجملا لاشتماله على الاحاد والمجمل في غرضنا ما لا يفهم معناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وكذا المبهم واشتقاق المبهم من قولهم ابهمت الطريق اذا تتبع آثار السالكين بالمحو ومنه الفارس المبهم وهو الكمي المقنع الذي لا تدري عينه ثم قد يقع الاجمال في المحل والمقدار والمصرف كقولك لفلان في بعض مالي حق وقد يرتفع البعض ويبقى البعض كقوله وآتوا حقه يوم حصاده بين الوقت والمحل وبقي المقدار مجملا ومثال الاجمال ثلاثة صفة مجهولة كقوله محصنين غير مسافحين فإن الاحصان متردد بين صفات وزيادة مجهولة كما إذا فرض ورود الشرع بتوقف صحة الصلاة على زيادة فيما عهد ولم تتبين الزيادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 ونقصان مجهول كقوله لفلان علي عشرة إلا شيئا ولهذا لا يتمسك بعموم قوله افعلوا الخير لان المستثنى عنه مجهول في نفسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 فصل في بيان المحكم والمتشابه قد اختلف الناس فيه على ست مذاهب قال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد المحكم هو الوعيد الوارد على الجرائم والكبائر والمتشابه ما ورد منه على الصغائر قال الاصم المحكم نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة والكتب المتقدمة والمتشابهة نعته في القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 وقال بعض السلف الحروف المقطعة في ابتداء السور متشابهة وما عداها فمحكمة الله وقال آخرون المتشابه ما ورد عليه النسخ والباقي محكم وقال آخرون المتشابه ما عسر اجراؤه على ظاهره كآية الاستواء واليه ميل ابن عباس رضي الله عنهما واما الزجاج فقال الكل محكم إلا آيات القيامة فإنها متشابهة إلا لم يكشف الغطاء عنه بدليل قوله فيتبعون ما تشابه منه وكانوا لا يتبعون إلا امر القيامة بدليل قوله عز وجل يسألونك عن الساعة ويشهد لكونها متشابهة قوله تعالى إن الساعة آتية أكاد أخفيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 قال المفسرون على نفسي فإنه أخفاها تحقيقا عن غيره وقال تعالى وما يعلم تأويله إلا الله يعني حاله وعليه وقف ابو عبيد وابتدأ من قوله والراسخون في العلم إذ العلوم كلها يحيط بها الراسخون فيها وليس هذا من غرض الاصول وغرضنا من المتشابه في الايات المتضمنة للتكاليف محال ويتبين المقصود منه برسم مسألة مسألة في آية الاستواء قال مالك لما سئل عن الاستواء الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والايمان به واجب والسؤال عنه بدعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وقال سفيان بن عينيه يفهم منه ما فهم من قوله ثم استوى إلى السماء وقد تحزب الناس فيه فضل فريق واجروه على الظاهر وتبعهم آخرون إذ ترددوا فيه وان لم يجزموا وفاز من قطع بنفي الاستقرار فإن تردد في مجمله ورآه فلا يعاب عليه وتكلف تعلم الادلة على نفي الاستقرار لا نراه واجبا على آحاد الناس بل يجب على شخص في كل اقليم ان يقوم به ليدفع البدع اذا ثارت فإذن المتشابه ما لا يفهم معناه وذلك محال في محل التكليف فنعلم قطعا ان هذه الآية ما أريد بها الاستقرار فلا تشابه فيها نعم الحروف المقطعة ان كانت متشابهة فلتكن فليس ذلك مما كلفنا فهمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 هذه مقدمات كتاب التأويل ولا يتوصل إلى مقصوده إلا برسم مسائل يتعرض فيها للتأويلات قال الصحيحة والفاسدة ومجموعها ثماني عشرة مسألة مسألة (1) قالت المعتزلة لا يخصص عموم القرآن بأخبار الاحاد فإن الخبر لا يقطع بأصله بخلاف القرآن وقالت الفقهاء يخصص به لانه يتسلط على فحواه وفحواه غير مقطوع به قال القاضي انا اتوقف فيه إذ ظاهر القرآن مقطوع الاصل غير مقطوع الفحوى ونص إخبار الآحاد مقطوع الفحوى غير مقطوع الاصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 والمختار انه يخصص لعلمنا ان الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقبلون حديثا نصا ينقله اليهم الصديق في تخصيص عموم القرآن كيف وكانوا يقبلون نقل التفسير من الآحاد وهو أعظم من التخصيص ولما ان هموا بقسمة تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل ابو بكر عنه انه قال نحن معاشر الانبياء لا نورث فتركوه وان كان آية الوراثة تشمله بعمومها واما القياس فقد اختلفوا في تخصيص عموم القرآن به كما في الخبر ونحن نتوقف فيه إذ لم يثبت من الصحابة فيه نفي ولا اثبات وقول الصحابي رضي الله عنه فيما رأيناه حجة فهو كالخبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 مسألة (2) تأويل الراوي الحديث مقدم فإنه حضر فكان اولى بفهم القرآن وتخصيصه لا يقدم لاحتمال انه اعتمد فيه القياس ومذهبه مقدم عند مالك رضي الله عنه وعند القاضي على رواية لان احسان الظن به يقتضي حمله على ضعف وجده في الحديث وان اسئ الظن به فلا نقبل روايته قال الشافعي رضي الله عنه لا يقدم والحديث حجة عليه وعلى غيره فكأنا سمعناه من فلق في الرسول عليه السلام والمختار انه ان امكن حمل مذهبه على تقدمه على الرواية او على نسيانه فعل ذلك جمعا بين قبول الحديث واحسان الظن وان نقل مقيدا انه يخالف الحديث مع علمه فالحديث متروك ولو نقل مذهبه مطلقا فلا يترك لاحتمال النسيان نعم يرجح عليه حديث يوافق مذهب الراوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 مسألة (3) زعم ابو حنيفة رضي الله عنه ان حمل المطلق على المقيد زيادة على النص وهو نسخ وجعل ايجاب الرقاب المؤمنة في الظهار اعتبارا له بالقتل من هذا الفن ثم اختلفوا في وجه النسخ فقال قائلون وجهه ان فيه شرط الايمان والنص لم يقتضه وهذا هوس إذ يجب من مساقة على الرسول عليه السلام ان يبين احكام الشرع دفعة واحدة فإذا أمر بالصلاة مقتصرا عليه فأمره بالصوم بعده ينبغي ان يكون نسخا وهذا ظاهر البطلان وقال المحققون اقتضى النص اجزاء كل ما يسمى رقبة فشرط الايمان يغير مقتضى النص وهذا اقوى لهم في مسألة النية في الوضوء فإن الله تعالى تولى بيان افعال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الوضوء واركانه فاقتضى ذلك وقوع الاجزاء بتحصيل ما يعرض له وشرط النية زيادة عليه قال الشافعي رضي الله عنه الزيادة على النص تخصيص وانما قال ذلك لانه يسمي الظاهر نصا والمختار ان الزايدة على النص نسخ حتى لو ثبت نص في اقتضاء الاقتصار فضم شرط اليه ينسخه وما نحن فيه تخصيص واجمع اصحابنا على جواز حمل المطلق على المقيد اذا تدانت الواقعتان وان اتحدت الواقعتان فهو مقول به باجماع الامة وان تباعدتا من كل وجه فهو ممنوع بالاجماع كشرط الشهادة في اليمين مثلا لان الله تعالى قيد المداينات بها والضابط فيه ما قاله القاضي انه اذا اختلف في الواقعتين الموجب والموجب فلا اعتبار وان اتحدتا جميعا فلا بد من الحمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وان اتحد الموجب واختلف الموجب ففيه الخلاف ومثاله شرط الأيمان في كفارة الظهار لثبوته في القتل ثم قال قائلون من اصحابنا يجوز الحمل عليه تحكما وهذا باطل إذ لا يقتضيه عقل ولا نقل واللفظ غير مشعر به فلا بد من إذن من استنباط ثم قال قائلون لا يجوز الاستنباط من محل التقييد فليكن من محل آخر وهو عدم احزاء عن المزيد عليه بالاتفاق وهو باطل فإن المستنبط من محل التقييد ان كان مخيلا صلح للجمع والا فهو باطل لعدم الا خالة ولنا في الرد على ابي حنيفة رضي الله عنه ثلاثة مسالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 احدها ان نعارضه بقوله والسارق والسارقة وقد خصصه فشرط فيه الحرز وانتفاء الشبهات ونص الرب تعالى على ذوي القرى فزاد ابو حنيفة رضي الله عنه الحاجة ونص الله عز وجل على الرقبة فزاد بالاتفاق السلامة حتى قال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجزئ الاخرس فترك النص بإجتهاد انفرد فيه والاخرس يسمى رقبة كيف وقد قال الاقطع يجزئ المسلك الثاني أن التخصيص ينقسم إلى تخصيص الابهام كقوله للفقراء فخصصه بثلاثة منهم من غير اختصاص بوصف والى تخصيص تمييز كقوله اقتلوا المشركين فخصص بأهل الحرب دون اهل الذمة ولم يكن ذلك نسخا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 واسم الرقة في تناوله لجملة الرقاب مع اختلاف صفاتهم كاسم المشركين وكاسم الفقراء في تناوله لجميع الفقراء فليكن هذا تخصيصا كذلك المسلك الثالث ان تقول ان ادعوا ان قوله تعالى فتحرير رقبة نص في نفي شرط الايمان فقد افتروا على اللسان فإن اعترفوا بكونه ظاهرا فقد خصصنا بقياس سديد فليجز إذ لا منع منه كيف وهو ضعيف الظهور فإن الغرض من سياق الآية تمهيد اصل الكفارة لا ذكر الصفات بدليل انه لم يتعرض للسلامة فإن قيل كرر الرب تعالى الايمان في كفارة القتل ثلاث مرات فلو كان شرطا في الظهار لذكره مرة واحدة قلنا سبب تكريره ذكره الكافرين بين ظهراني المسلم فلو اقتصر لتخيل ان الكافر مجز عن الكافر والمسلم عن المسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 مسألة (4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايما امرأة نكحت بغير اذن وليها فناكحها باطل حمل ابو حنيفة رضي الله عنه الحديث على الامة فأعترض عليه بقوله فإن وطئها فلها المهر والامة لا تستحق فحمل على المكاتبة وزعم ان هذا تأويل صحيح لأن المرأة اسم عام يتناول الاماء والمكاتبات والحرائر ويندرحن من تحته اندراجا واحدا ولا يندرجن في في حكم التبعية إذ التبعية لا معنى لها في الالفاظ ومثل هذه اللفظة يجوز تخصيصها بالحرائر فكذا بالإماء قال ولا يغني قولكم انه لو اراد المكاتبة لنص عليها فإن هذا يطرد في كل عام يخصص وهذا التأويل عندنا باطل قطعا بمسالك خمسة الاول أنه عليه السلام اطلق كلمة لاح فيها قصد العموم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 والعام إذا ظهر فيه قصد العموم للمتكلم فيه لا يخصص ودليل قصد العموم انه صدر الكلام ب أي وهي من أدوات الشرط وهي من أعم الصيغ ولهذا لم يتوقف فيها الواقفية ثم لما فرغ منها اكده بكلمة ما وهي من المؤكدات المستقلة بنفسها إذ هي من أدوات الشرط وردت مؤكدة للعموم لا تستقل كقولك اكتعين لا يذكر إلا بعد قوله رأيت القوم بجملتهم فهي ايضا تقتضي العموم ثم قال فناكحها باطل ذكر جملة مستقلة ثم رتب عليها جملة اخرى فوقعت الجملة الاخيرة جملة موقع الجزاء من الشرط والجملة الأولى في محل الشرط وهو كقول القائل بيع لازم فيفيد الملك فهذه ثلاث قرائن دلت على القطع على قصد العموم فلا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الشارع للأحكام والقادر بفصاحته على الاتيان بعبارة ناصة على الغرض بأن يأتي بأعم الصيغ ويعني به اخص الصور وقد كان عليه السلام عالما بمواقع الكلام وما يفهم منها وعلم انه لا يفهم من قوله ايما امرأة المكاتبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 المسلك الثاني علمنا على القطع ان الصحابة ما فهموا المكاتبة منه وغايتنا الاقتداء بهم في التأويل المسلك الثالث ان هذا الكلام لو صدر عن واحد منا لم يفهم منه المكاتبة ولو فسر به لنسب إلى الالغاز المسلك الرابع ان القرائن قد تجعل العام نصا يمتنع تخصيصه مثاله ان المريض إذ قال لغلامه لا تدخل علي الناس وقرينة الحال تشهد لتأذية بلقيانهم بن فأدخل عليه العبد جماعة من الثقلاء وزعم اني خصصت لفظك بمن عداهم استوجب التعزير المسلك الخامس ان العدول عن الظاهر قد يقرب بعض القرب فيقبل واذا بعد رد ولم يقبل بيانه ان من يقول التقيت اليوم بأسد اذا فسره بشجاع عظيم يقبل تفسيره لقربه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 ولو حمل على الابخر لاختصاص الاسد من بين سائر الحيوانات بالبخر رد كلامه ونسب إلى الهذيان لبعده عن الظاهر وحمل قوله ايما امرأة على المكاتبة حمل الاسد على الابخر وتفسيره به فإن قيل اليس لو صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم باستثناء الكل إلا المكاتبة لكان اللفظ صحيحا والتخصيص كالاستثناء قال القاضي مثل هذا الاستثناء عندي باطل لانه يستغرق معظم المقصود كقوله علي عشرة إلا ستة والمختار صحة هذا الاستثناء في الاقارير ولكنه يستحيل صدوره عن ذي الجد في كلامه فإنه الغاز وحيد عن منهج كلام الفصحاء ثم ليس كلما يجوز استثناؤه للشارع يجوز ذلك لنا فإنه له ان يتحكم بتغيير لفظه وليس لنا ذلك والجملة المغنية ان المسميات الخاصة تقصد بالتخصيص والتنصيص عليها فأما ان يعبر عنها بألفاظ عامة فمحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 مسألة (5) حمل ابو حنيفة قوله عليه السلام لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل على القضاء والنذر وهو باطل لان قوله لا صيام صيغة للتبرئة وهو يقتضي العموم في الوضع والذي يبتدر إلى الفهم منه الصيام المتأصل المترسخ هذه في الشريعة وهو صوم رمضان فإنه ركن الدين فلا يظن به عليه السلام انه يطلق لفظ الصيام عاما ويريد القضاء على الخصوص من غير قرينة وخصوص واقعة إذ لا يفهم ذلك منه قطعا فإن قيل ليمتع كل تخصيص من أجله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قلنا اللفظ عام لا يخصص إلا بقرينة تقترن به فإن لم تكن قرينة امتنع تخصيصه والقرينة كقوله احسنوا إلى الناس مثلا يعلم بالقرينة انه ما اراد جميع الناس في جميع الاحوال وكقوله عليه السلام في سائمة الغنم زكاة يقتضي وجوبها فيما دون النصاب ولكن اعتمد على فهم النصاب قبل ذلك قالوا هذا حديث محمول على نفي الكمال كقوله لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فنقول قد حمفي بعض المسميات على نفي الجواز وهذا القضاء والنذر فلا وجه للتنويع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 قالوا ذلك مأخوذ من دليل آخر وقوله لا صيام مختص بالفرض فإنه الركن في الشرع على ما ذكرتموه قلنا ان جحدتم كون لفظ الصيام عاما في الكل في وضعه فهو عناد وان اعترفتم فلم يبق لكم إلا تحكم بتخصيص ليترتب عليه تأويل منحرف لا دليل عليه ونحن نعلم ان من تمسك بهذا الحديث في اشتراط التبييت في القضاء لم ينسب إلى الخطأ ونحن لم نقل ان تخصيصه بالصوم المتأصل واجب ولكنا ادعينا اندراجه تحت عمومه فكذلك القضاء يندرج تحت عمومه فالتحكم بالتخصيص بأحد النوعين من غير قرينة مردود مسألة (6) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملك ذا رحم محرم عتق عليه فحمل هذا على الاب تخصيصا به باطل لان الغرض من سياق الحديث اثبات مزية اختصاص بسبب القرابة والاب متميز بمزيد الادلاء من جملة القرابات بكونه متميزا بمزيد خاصية توجب على ذي الجد في كلامه ان يخصصه بالذكر ان كان هو المقصود على الخصوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فأما ادراجه في لفظ يعمه مع أقوام ينحطون سنة عنه في الاختصاص المقصود ركيك غث ومثاله قول القائل من دأبي اكرام الناس وكان مشهورا باكرام ابيه على الخصوص واراد بالناس الاب كان ملغزا في كلامه ولا يحمل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثله والشافعي رضي الله عنه لم يؤول لذلك لكن قال الحديث موقوف على الحسن بن عمارة مسألة (7) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيلان حين أسلم عن عشرة نسوة امسك اربعا وفارق سائرهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 ولفيروز الديلمي حين اسلم على اختين امسك احداهما وفارق الاخرى فاقتضى لفظ الامساك استمرار النكاح على المسكنات عمرو فحمل أبو حنيفة رضي الله عنه لفظ الإمساك على ابتداء وقال ومعناه اعد النكاح على اربع واترك الباقيات ويدل على بطلان هذا التاويل اربعة مسالك احدها علمنا على القطع بأن الذين حضروا الواقعة من الصحابة رضي الله عنهم لم يفهموا من لفظ الامساك ما فهموه فإنا لو سمعناه من واحد منا لم نفهمه المسلك الثاني هو ان لفظ الامساك صريح في الامساك وقد اقترن به قرائن اورثت القطع به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 احدها مقابلته بلفظ المفارقة وتفويضه الفراق إلى خيرته فليكن ذلك مرتبطا بتعيينه الذي ينشأ بلفظ الامساك ولفظ الإمساك مع مقابلته بلفظ المفارقة صريح والاخرى انه لو اراد ابتداء النكاح لذكر النكاح وشرائطه فإنهم كانوا حديثي العهد بالاسلام ولو ذكره لكان ذلك اهم منقول في القصة الثالث انه لا يتوقع في طرد العادة انسلاكهن في ربقة واحدة في الرضا والاباء إذ كان يحتمل امتناعهن كلهن عن النكاح فكيف يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم اطلاق الأمر كذلك والأمر على التردد الرابع أنه عليه السلام حصر هذا الأمر فيهن وعندهن وسائر نساء العالم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 على وتيرة واحدة فلم خصصه بهن وقال امسك أربعا وامسك واحده وفارق الأخرى والقرائن ليست اجناسا بصنف وبجنس ولكنها مخايل يختص بدركها من شاهدها كاحمرار الخجل واصفرار الوجل وهذه قرائن واضحة يورث آحادها القطع فما الظن بمجموعها المسلك الثالث ان تقول ان لم تسلموا كون ما ذكرناه مقطوعا به فتعلمون قطعا انه أغلب على الظن مما تخيلتموه ويجب تقديم ما يغلب على الظن بالاجماع المسلك الرابع هو انا نقول قياسكم المناقض لهذا الحديث هل تشكون في صحته لأحل ما قررناه فإن قالوا لا فقد عاندوا وان اعترفوا به وهو مقطوع به فالقياس المشكوك في كونه مقولا به من الصحابة رضي الله عنهم باطل قطعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 مسألة (8) ومن تأويلاتهم لهذا الحديث قولهم يحتمل ان غيلان كان قد نكحهن في ابتداء الاسلام في كفره قبل ورود الحصر في النسوة ثم ورد الحصر ثم أسلم وكان قد وافق نكاحهن شرط الاسلام في ابتدائه وفي مثل هذه الواقعة نقضي ببقاء النكاح في اربع والجواب من ثلاثة اوجه احدها ان هذه الواقعة لو وقت لاقتضى القياس التدافع فإن مثاله طريان الرضاع المحرم على الزوجين من جهة الاخوة ولا خيرة للزوج في التعيين بل يبطل النكاح فيهما وليس كالطلاق الذي ينشئه المرء باختياره ولذلك يفوض التعيين اليه ولو صح على تقدير هذا التأويل لكفانا في المسألة قياس محل النزاع عليه ولا فرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الثاني هو أنهم يعتمدون فيه مجرد الاحتمال فلم ينقل الينا رفع الحجر في ابتداء الاسلام واجمع المفسرو على ان قوله إلا ما قد سلف في الاختين محمول على ما جرى في الجاهلية فلم يبق لهم إلا الاحتمال والامكان وهو كإدعاء قبل النسخ في كل حديث ولا ترد الاحاديث بالاحتمالات والاحتمال لا يكفي في التأويل ما لم يعضد بدليل الثالث ان الصاحبة رضي الله عنهم كانوا مناكحين يحيى لشدة غلمتهم ولو كان كما قالوه لنقل عن واحد من جملة الصحابة الزيادة على أربع كما نقل عن عمرو وطلحة شرب الخمر في حالة الاباحة فعدم النقل يعلمنا قطعا انه لم يكن قال القاضي ولو نقلوا وقوع ذلك في ابتداء الاسلام فلا يكفهم ما لم ينقلوا وقوع هذه الحادثة في ذلك الوقت ومجرد الاحتمال لا يدرأ التمسك بالحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 فاستدل بأن الحديث قد استقل في نفسه حجة لنا في المسألة قطعا فمن اراد درأه احتاج إلى نقل مقطع به وما ذكره القاضي غير مرضي من وجهين وفي بيانه تمهيد قاعدة في التأويل يستدل به على أمثاله احدها هو انه لا يسلم للقاضي ان الحديث استقل بكونه حجة فإنه متردد بين وقوعه اولا فلا يكون حجة وبين وقوعه اخيرا وليس أحدهما بأولى من الآخر إذ ليس يشهد له قرينة ولا دليل فهو المتمسك بمجرد الاحتمال لا خصمه والآخر أنا نعلم انه لو نقل إلى الصحابة رضي الله عنهم اباحة مؤقتة وتحريم متأخر عنه مقيد وحديث يوافق الحالة الاولى مطلقا من غير تقييد كانوا لا يبادرونه الرحمن بالقبول بل كانوا يخوضون في البحث عنه فإذن يكفيهم نقل الاباحة في ابتداء الاسلام فلا يبقى معنا إلا احتمال وقوعه آخرا ويعارضه نقيضه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 فوجه الكلام عليه اذا ما مضى مسألة (9) قال القاضي رحمه الله كل تأويل تضمن الحط عن المنصوص فهو باطل وذكر جملا منها ورسمها بمسائل احدها تخيل ابو حنيفة رضي الله عنه سد الحاجة من قوله إنما الصدقات للفقراء والمساكين ومصيره إلى جواز صرفه إلى صنف واحد وهذا التأويل باطل بمسلكين أحدهما وهو أنه تعالى ذكر الاصناف وجنسهم ووصفهم بصفاتهم التي يتميزون بها عما عداهم ثم اضاف المال اليهم بلام التمليك فاقتضى ذلك توزيع المال عليهم إذ تعريف الاصناف بصفاتهم كتعريف الاشخاص بألقابهم ولو اضاف إلى اشخاص معينين وجب صرفها إلى جميعهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 هذا مع أن الصدقات مال يتكرر وجوبها على الاغنياء جعل مناطا لحاجات الفقراء دون الكفارات التي لا تجب إلا عند ارتكاب جرائم وليس لفظ الصدقات متناولا لأنواع حتى يتخيل توزيع الانواع على الاجناس مع اختصاص كل نوع بكل جنس كقولك الدار والفرس لزيد وعمرو فلا حاجة إلى تخيل التوزيع فإن قيل سد الخلة متخيل وذكر الاصناف فائدته ضبط جهات الحاجة المدعى سدها قلنا يبطل بقول الموصي اوصيت بثلث مالي للفقراء والمساكين وعد الاصناف الثمانية يصرف اليهم وتخيل غرض سد الحاجة ممكن ولكن قيل اضاف اليهم بلام التمليك فينقض عليهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 قالوا قول الشارع عليه السلام يقبل التخصيص بالقياس دون قول الموصي وأقوالنا وعلى هذا لو خصص المعلل علته بعد الانتفاض لم يقبل منه قلنا المفهوم من كلام النبي عليه السلام متبع كالمفهوم من كلامنا ولا يخصص العام منهما إلا بقرينة إلا ان لفظ الشارع عليه السلام اذا عارضه قانون في القياس كان طرده على الظن اغلب من فهم العموم فيكون قرينة في فهم التخصيص ولا قياس يقتضي الحرمان في مسئلتنا وأقوالنا يتطرق اليها التخصيص بدليل تخصيص لفظ الدراهم من المقر والموصي بثلثه فأما المعلل فإنما يتصدى ليبدي العلة فإذا ورد عليه نقض فذلك لعدم ذكره كل العلة وشطر العلة لا يكون علة فقرينة حاله قضى عليه بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 المسلك الثاني وهو الجواب عن سؤالهم وهو ان نقول مراعات سد الخلات مع مراعاة جملة الجهات ممكنة ولا يبعد ان تكون مراعاة الجهات مقصودة فقد تعارضت الاحتمالات فمطابقة الظاهر اولى من تركه مسألة (10) قال الله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى فمقتضى الآية صرف بعض إلى ذوي القربى من غير اعتبار حاجة وقال ابو حنيفة رضي الله عنه لا بد من اعتبار الحاجة منهم وهذا منه بزعمه زيادة على النص وهو نسخ وهو باطل بمسلك مقطوع به وهو ان الرب تعالى اضاف المال إلى الجهات بلام التمليك وعرف كل فريق وجعل القرابة مستند تعريف احدى الفرق ولم يتعرض للحاجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وابو حنيفة رضي الله عنه تعرض للحاجة التي لا تعرض لها والغى اعتبار القرابة وهو مصرح بها إذ قال لا يتعين صرف شئ اليهم بل يجوز حرمانهم وفي هذا المذهب ابطال النص بالكلية قال القاضي في نصرة تأويلهم فائدة ذكر ذوي القربى تمييز الغنيمة في حقهم عن الصدقات إذ كانت محرمة عليهم وكان هذا منحة في مقابلة ذلك المنع وفقارؤهم وكان ممنوعون عن الصدقات فكانت المنحة لهم ثم قال وهذا الوجه ايضا فاسد فإنه اضاف المال اليهم بلام التمليك فاقتضى اللفظ كما ذكرناه قسمة المال عليهم وابو حنيفة رضي الله عنه جوز حرمانهم فلم يغادر للقسمة فائدة نعم لو كان يرى المنع من حرمانهم لكان يقرب ذلك وأما اليتم فلا تعتبر معه الحاجة على قول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فإن سلم فلفظ اليتم مشعر بها دون لفظ القرابة مسألة (11) قوله تعالى فإطعام ستين مسكينا يقتضي مراعاة عدد المساكين وقال ابو حنيفة رضي الله عنه لا يراعى ومعناه اطعام طعام ستين مسكينا فجوز صرفه إلى واحد وقال ذكر عدد المساكين لبيان الطعام وهذا باطل بمسلكين أحدهما ان الأفعال التي تتعدى إلى مفعولين تنقسم إلى ما ينتظم من مفعولين مبتدأ وخبر كقولك ظننت زيدا عالما فتقول زيد عالم فيفهم فهذا لا بد فيه من ذكر المفعولين فأما ما لا يتأتى من مفعوليه كلام يفهم كقولك أعطيت زيدا درهما فهذا فن يجوز الاقتصار فيه على احد المفعولين إذ تقول اذا اردت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 بيان المعطى اعطيت درهما ويبقى المعطى له مجملا واذا قصدت بيان المعطى له قلت اعطيت زيدا والقدر المعطى مجمل والاطعام من جنس الاعطاء وقد ذكر الرب تعالى احد مفعوليه وهم المعطى لهم وجرد القصد إلى بيانه وترك مقدار الطعام وجنسه مجملا فألغى ابو حنيفة رضي الله عنه ما صرح به وقدر في محل الاحتمال بيانا من لفظ لا يدل عليه لا تصريحا ولا اضمارا وهذا تناقض المسلك الثاني هو انا نقول نعلم ان ابا حنيفة رضي الله عنه لم يراغم الشرع وانما حمله على مخالفة النص تخيل سد الخلة فهلا جمع بينه وبين مقتضى النص ويحتمل ان يكون احياء مهج اقوام معدودين مقصودا للشارع واللفظ دال عليه واتباعه اولى وفيه تقرير للنص مسألة (12) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعين شاة شاة فعين الشافعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 رضي الله عنه الشاة ولم يقم بدلها مقامها قال لأن الزكاة من جملة العبادات وهي من الاركان الخمسة فتنزل منزلة الصلاة والصوم والعبادات يغلب الاتباع فيها ويجب ترك القياس عندها ولو لاح معنى على بعد فلا تعويل عليه وينضم اليه ان الزكاة عبادة محضة وهو خالص حق الله تعالى وقد تحكم فيه وتحكم ذي الحق ينفذ على وجهه وقد خص الشاة فليتبع امره فان قيل انما خصص الشاة لانه كان يخاطب العرب واصحاب المواشي منهم كانوا يقطنون البوادي فلا يملكون النقود فذكر ذلك تسهيلا عليهم ولأن الزكاة تجب مواساة وهي تختلف باختلاف صفة الشاة في العبالة والنحولة روى والقيمة مجهولة وكانت العرب أمة أمية فلم يورطهم ولم في جهالة القيمة وجعل الشاة الواحدة مرد نظرهم ومدرأة بين للجهالة فهذه فائدة التخصيص ثم لاح لنا على القطع من وضع الزكاة سد الخلة والدراهم في معنى الشاة وأقرب منه فإنها مهيأة للصرف إلى المآرب على قرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 ولنا في ابطال كلامهم اربعة مسالك احدها أن نقول هلا تخليتم معنى الغنى في جانب المالك وألحقتم بالشاة غير الشاة فان الثروة لا تختص بالشاة كما لا يختص سد الخلة بها فلتجب الزكاة في كل مال يحصل به الغنى وهذا فاسد فإن سد الخلة معلوم قطعا والدراهم في معنى الشاة فيه فلا بعد في اختصاص بعض اصناف الاصول بكثرة الدر والنسل واعتبار غير به بالعدد جهالة وبالقيمة نحكم لا يعلم قطعا قيامه في المقصود مقامه المسلك الثاني هو ان الشارع عليه اللام نص على الشاة في خمس من الابل ولما ان انتهى إلى الجبران ردده بين الشاة وبين الدراهم ثم قدر الدراهم فمن اعتقدا التسوية بين ما اطلق وبين ما ردد فيه كلامه فقد نسبه إلى الهذيان ولا يلوح فائدته إلا كما ذكرناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 المسلك الثالث قال الشافعي رضي الله عنه لا ابعد كون سد الخلة مقصودا ولكن لا يبعد أيضا كونه مقصودا بجنس مال الزكاة ليحصل للفقراء الاستغنا بجنس مال الاغنياء ويبقى في ايديهم اعيانها وهي تدر عليهم وتنسل والدراهم تتبدد في ايدهم على قرب فيعودون إلى أدبارهم ويشهد له تخصيصه عليه السلام الاثنى بالذكر والمالية فيهما على السواء فانضم اليه ان الباب باب العبادات والواجب فيها ترك القياس المسلك الرابع قال القاضي رحمه الله هذا الاحتمال حسن لا قصور فيه ولكنه مجرد عن الدليل والاحتمال المجرد لا يقبل ولا يكفيهم استنباط خيال الحاجة من نفس النص فإن هذا دليل مستنبط من النص يكر على ظاهره بالأبطال والرفع وهذا الفن باطل على ما سيأتي ولا بد لهم من التمسك بعبادة من العبادات تضاهى ما نحن فيه من صلاة او صوم والا فيعلم ان الخضوع متخيل من الصلاة والسجود ابلغ من الركوع في الخشوع فلا يقوم مقامه لتجرد الاحتمال عن الدليل ولا يكفيهم التمسك بالجزية فإنها معاملة تتعلق بالتراضي بخلاف الزكاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 مسألة 13 قال القاضي حمل كلام الشارع صلى الله عليه وسلم على ما يلحقه بالكلام الغث محال ومن هذا الفن قول بعض اصحابنا في قوله تعالى وأرجلكم مكسورة الكلام لقرب الجوار ردا على الشيعة إذ قالت الواجب فيه المسح وهو كقوله وحور عين وكقوله حجر ضب خرب قال الشاعر كأن ثبيرا في عرانين وبله * كبير أناس في بجاد مزمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 معناه مزمل به لأنه من نعت الكبير وهو مرفوع لكن كسر لقرب الحركة وليس الأمر كما ظنوه في هذه المواضع بل سببه ان الرفع اثقل من الكسر فاستثقلوا الانتقال من حركة خفيفة إلى حركة ثقيلة فوالوا بين الكسرتين واما النصب في قوله وأرجلكم نصب في المعنى والنصب اخف الحركات فالانتقال اليه اولى من الجمع بين كسرتين ثقيلتين بالنسبة إلى النصب فلم يبقى لقرب الجوار معنى إلا مراعاة السجع والتقفية وذلك لا يليق بالقرآن نعم حسن النظم محبوب من الفصيح اذا لم يخل بالمعنى فأما الخلال بالمعنى واتباع التقفية فمن ركيك الكلام فالوجه فيه ما قاله سيبوبة وهو ان العرب تعطف الشئ على الشئ اذا قرب منه من وجه وان بعد من وجوه كقول الشاعر ورأيت زوجك في الوغي * متقلدا سيفا ورمحا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 والرمح لا يتقلد لكن لكونه من الاسلحة عطف عليه فكذلك امساس الماء بطريق الغسل قريب من امساس الماء بطريق المسح فعطف عليه لا لكونه ممسوحا بدليل ذكره الكعبين وعند الشيعة لا يتقدر به ومما ذكره اصحابنا ان الكسر في الرأس دخل بسبب الباء فإنه مفعول وموضعه النصب ويستحيل ان يستنبط من الكسر الواقع في الارجل ما يوجب المسح بسبب كسرة غير متأصلة وهذا فاسد لانهم يقولون لو لم يكن مشاركا له في المسح لنصب كقول الشاعر معاوي إننا بشر فأسجح * فلسنا بالجبال ولا الحديدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 مسالة 14 كلام رسول الله صلى اله عليه وسلم لا يحمل على الاستعارة ما أمكن فإنها لا تليق إلا بواعظ حديث او خطيب او شاعر ينتحي التسجيع لإيقاعه في القلوب فأما الشارع اذا بين حمكا لعجوز مثلا فيبعد منه التجوز وهو تشدق وثرثرة وقد نهى الرسول الله عليه السلام عنه نعم لا بعد في الاستعارة اذا ذكر الثواب والعقاب ووصف الجنة والنار لعظم وقعه في الصدور مسألة 15 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح او داليه نصف العشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 فلا يتمسك بعمومه في وجوب الزكاة في كل مستنبت إذ لاح من تقابل اللفظين أن الغرض تمييز العشر عن نصف العشر فبطل بالكلية عمومه ولا حاجة في تخصيصه إلى دليل اذ يقبح في سياق هذا الكلام التخصص بما يقتات نعم لو اقتصر على قوله فيما سقت السماء العشر لكان كذلك مسالة 16 المناهي بجملتها في العقود محمولة على الفساد وقد اجمع عليه الصحابة فمن حمل النهي عن نكاح الشغار او عن غيره من العقود على الكراهية منع منه فإنهم اجمعوا على فهم الفساد في كل العقود ولا خيال تفرضه في عقد إلا وفرضه في غيره ممكن فإذ تركوه دل على انه باطل مسالة 17 المسئول الشافعي عن سلب العبارة اذا استدل بقوله عليه السلام ايما امراة نكحت الحديث فلا يكون دالا على سلب العبارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 ولا يكفيه ان يقول لسقوط عبارتها صوروا استبدادها بالنكاح من تلك الصور فإن الحديث يدل على عدم استقلالها فليقدر الاستقلال ممنوعا على مذهب ذي مذهب ولكن استقلالها كاستقلال الرجل بالعقد دون الشهود فإن قال نعم ذلك على سلب الاستقلال ولكن اذا بان ذلك انثنى عليه سقوط العبارة فإن الولي لا حق له قيل له ان ثبت لك سقوط حق الولي كان كذلك ولكن لا يستقيم ادعاؤه فقد تحصلنا من مجموع هذه المسائل ان ما لاح قصد العموم فيه من الالفاظ بقرينة لا يتسلط عليه القياس إذ ليس القياس تفسيرا للفظ حتى يخصصه ومعنى التخصيص به ان يظهر في معارضته الحديث قانون في القياس كان طرده على الظن اغلب من قصد العموم في الحديث فيكون كالقرينة المخصصة للفظ فإذا عارض أحدهما اعني القياس غلبة ظن العموم من غير ترجيح فالحديث مقدم لان مستند هذا الظن اللفظ فيرجح عليه وان تقاصر عنه قليلا فلير المجتهد فيه رأيه فان هذا فن لا مطمع في ضبطه ولكن لا خفاء به على الناظر المحيط بما قدمناه من القواعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 كتاب المفهوم المفهوم من الالفاظ من مأخذ الاحكام عند الامام الشافعي رضي الله عنه وهو منقسم إلى مفهوم موافق ومفهوم مخالف لظاهر اللفظ فأما مفهوم الموافقة فينقسم إلى مقطوع به كتحريم الضرب فهم من نهي الشارع عن تأفيف الاب والى ما يغلب على الظن كما ادعاه الشافعي رضي الله عنه من تنبيه الله تعالى بإيجاب الكفارة على الخطأ على ايجابها على العمد فإنه أعلى تنبيه وتنبيه النبي صلى الله عليه وسلم على جريان التحالف في البيع عند هلاك السلعة بذكره حالة قيام السلعة مع امكان الاستظهار بالقيمة في تصديق احد المتبايعين واما المفهوم المخالف للمنظوم لأنه كفهمنا أخبرنا نفي الزكاة عن المعلوقة يا من تخصيص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 الرسول عليه السلام السائمة بالذكر في قوله عليه السلام في سائمة الغنم زكاة وقد بدل ابن فورك لفظ المفهوم بدليل الخطاب في هذا القسم لمخالفته منظوم اللفظ وابو حنيفة رحمه الله انكر المفهوم إلا ما يقطع به كآية التأفيف والقائلون به انقسموا فعمم ابو بكر الدقاق القول به حتى التخصيص بالألقاب فهم منه نفي الحكم عما عدا الملقب به واما الشافعي رضي الله عنه فلم ير التخصيص باللقب مفهوما ولكنه قال بمفهوم التخصيص بالصفة والزمان والمكان والعدد وامثلته لا تخفي وضبط القاضي مذهبه بالتخصيص بالصفة وادعى اندراج جميع الاقسام تحته إذ الفعل لا يناسب الزمان والمكان إلا لوقوعه فيه وهو كالصفة له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 وتمسك اصحابنا في نصرة مذهب الشافعي رضي الله عنه بطريقين مزيفتين أحداهما قوله اللغات يكفي في دليلها نقل المذهب عن اربابها والمسالة لغوية والشافعي رضي الله عنه امام الصنعة وقد قال بها وكذلك نقل عن ابي عبيدة معمر بن المثنى التيمي في كتاب صنفة في غريب الحديث إذ حمل قوله عليه السلام لان يملئ يكون بطن احدكم قيحا يربه خير من ان يمتلئ شعرا على ما اذا لم يحفظ الرجل سواه وهذا قول بالمفهوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 ونحن نجتزي في تفسير القران بقول الاخطل وغيره من أجلاف العرب فالاكتفاء بقول الائمة اولى ووجه تزيفيه مع ان ادعاء الاطباق من اهل الصنعة غير ممكن وقول الاحاد يعارضه مثله فقد نفي محمد بن الحسن رضي الله عنهما المفهوم وهو من الائمة فلا مقنع في النقل مع التعارض الثانية قولهم لا بعد في اقتباس العلم من امر تواترت عليه الصور على التطابق وان كان نقله احاد الصور الخطوا سعيد عن مبلغ التواتر وبه العلم على القطع شجاعة علي وسخاء حاتم واحاد وقائعهما بكر لم ينقلها الينا إلا آحاد الرجال فادعوا مثل ذلك من الصحابة رضي الله عنهم اجمعين في المفهوم وعدوا وقائع كقول يعلي بن امية لعمر رضي الله عنه ما بالنا نقتصر وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 امنا فهما للتخصيص من قوله أن تقصروا من الصلاة إن خفتم واختلف الصحابة رضي الله عنهم في وجوب الغسل بالنقاء الختانيين قد فهما للنفي من قوله الماء من الماء وقول ابن عباس لعثمان رضي الله عنهم حيث حجب الام بأخوين من الثلث ليس فس الاخوين إخوة وقوله عليه السلام في قول الله جل وعز إن نستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم أنا أزيد على السبعين وهذا مزيف فإن هذه الوقائع لو جمعت ونقلت دفعه واحدة لم تورث العلم كوقائع حاتم وعلي مع كثرتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 على ان ما نقل في آية الاستغفار كذب قطعا إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة فكيف يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم ذهولة وفي عنه وقول ابن عباس رضي الله عنهما في حجب الام يعارضه قول عثمان حجبوها قومك يا غلام وقول يعلي بن امية يستند إلى صيغة الشرط وكلمته وهو قوله إن خفتم وهذا مقول به او اعتد بأصل الاتمام في الاقامة واختصاص القدر المستثنى بحال الخوف ففهم وجوبه من الاصل لا من التخصيص وقوله عليه السلام الماء من الماء حصر مصرح به وليس ذلك من فن المفهوم كما سيأتي وقد نقل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بباب واحد من الصحابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ودعا فتباطأ قليلا فخرج والماء بقطر من رأسه فقال لعلنا اعجلناك اذا اقحطت فلا غسل عليك فلعلهم فهموا نفي الغسل من هذه الواقعة ولا مقنع في هذه الطريقة وتمسك الشافعي رضي الله عنه في نصره مذهبه بان قال اذا خصص الشارع صفة بالذكر من غير سؤال خاص وعرف مقتضى التخصيص مع مشاركة غير الموصوف للموصوف في الذكر كان كلامه نازلا منزلة ما لو خصص اليوم المتغيم بإيجاب الصلاة فيه والغنم الاسود بإيجاب الزكاة فيه مع اعتقاد التساوي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 وهذا هجر من الكلام يتاعلى كل عنه منصب احاد الناس فضلا عمن هو الشارع للاحكام المبعوث لتمهيد الدين وهو أفصح من نطق بالضاد ولا يظن به التضمخ بغرض دينوي في روم تخصيص فإن ذلك قادح في النبوة فلا بد من تخيل فائدة لتخصيصه وليس ذلك إلا اختصاص الحكم به اذا لم يتخيل سواها فائدة فإن قيل لعله خصص ليستثير القياسيون معنى مخصوص بالنص ويعتبرون به غيره فتتسع بسبه قضايا الشريعة قلنا هذا هذيان فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزوي عن بيانه عمدا ليفوض الحكم إلى ارتباك المجتهدين في ظلماتهم * واشتباكهم فلا في عثراتهم ولو أمده الله تعالى بالبقاء لما غادر في الشرع معوصا منه إلا حله ونحن انما نصير إلى القياس للضرورة فلا وجه لهذا الظن والمختار عندنا لا نذكره إلى بعد ابطال مذهب الدقاق وقد تمسك بطريقة الشافعي رضي الله عنه وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 تخصيص البر بالذكر مع اعتقاد مساواة الذرة اياه في حكم الربا كتنصيص الرجل على لبنة من لبنات وقوله اعلموا ان هذه لبنة مربعة فلا فرق اذن بين الصفة واللقب والتمسك به بتخصيصه وقد وقع قلنا لا متعلق في مجرد التخصيص عندنا إذ الأخبار المنقولة عن الرسول ص معضمها انطبقت على وقائع وأسئلة وإن اعرض النقلة عن نقلها اكتفاء بنقل اللفظ فلا يؤمننا عدم النقل مع احتماله إذ القواعد المبتدأة فصلها القرآن وكان الرسول عليه الصلاة والسلام بينهما في مواقع الحاجات ولكنا نقول التخصيص منقسم إلى ما يقع بصيغة الشرط كقوله ان أكرمك فأكرمه وهذا نص في التخصيص اذا الجزاء يرتبط بالشرط عند اهل اللسان والنقل فيه كاف والى تخصيص التعليل كقوله اكرمه لإكرامه اياك وهذا اوضح من الشرط والى تخصيص المكان والوقت والعدد كقولك اجرتك هذه الارض من هنا إلى الشجرة بالف درهم الشهر الفلاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وهذا أيضا معلوم فائدته لا يخالف فيه وإلى تخصيص بصفة باللقب ولا متمسك فيه وإلى تخصيص بصفة لا تخيل كقوله عليه الصلاة والسلام لا تبيعوا الطعام بالطعام فإن الطعم لا يناسب حكم الربا فهو كاللقب وإلى صفة مخيلة مناسبة للحكم كقوله في سائمة الغنم زكاة فهو المقول به فيفهم نفي الزكاة عن المعلوفة لا من مجرد التخصيص بل من الرابطة المتقررة في عقل الفقيه بين السوم المرفق المقل للمؤنة المحقق للثروة وبين وجوب الزكاة الواجبة رفقا للفقراء من فضلة اموال الاغنياء فيفهم لذلك عند التخصيص من فحوى اللفظ ارتباط لا يستريب الناظر فيه فيترتب عليه نفي الحكم عن المعلوفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 ثم لا يعتبر الاطراد مع الا خالة إذ الفحوى لا تبطل به والشارع نصب ما لا يطرد علة فإن قاس ابو حنيفة رحمه الله الصفة على اللقب قيل له لا قياس في فهم معاني الالفاظ وفحواها وإن قال لو كان المفهوم ثابتا لكان تركه نسخا كالمنظوم قلنا إليه صار ابن مجاهد وزعم إنه لا بد من ترك نفيه منه كما في المنظوم والمختار خلافه إذ ليس المفهوم جنسا من الكلام ولكنه بعض مقتضيات اللفظ فليس في تركه مع تبقية المنظوم نسخ كما في تخصيص العموم فإن قال قائل فهل اللقب مفهوم قط قلنا نعم فإذا تلقينا من تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم الاشياء الاربعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 بالذكر في الربا الرد على ابن الماجشون في تعليله الربا بالمالية العامة إذ قلنا لم تكن الاشياء الأربعة غالب ما يجري عليها التعامل وكان الحجاز مصب التجار في الاعصار الخالية فلو ارتبط الحكم بالمالية لكان التنصيص عليها اسهل من التخصيص كما قال في العارية على اليد ما اخذت حتى ترد وكان هذا مأخوذا من قرائن الاحوال مع التخصيص باللقب مسالة قال الشافعي رضي الله عنه خصص الرب تعالى الخلع بحالة الشقاق وهذا مفهوم لا اقول به إذ ظهرت للتخصيص فائدة وسبب وهو العرف القاضي بانحصار الخلع في حالة الشقاق إذ لا يتفق في حالة المصافاة والموافقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 واذا لاح للتخصيص فائدة تطرق الإحتمال إلى المفهوم فصار مجملا كالمنظوم المجمل قال ولا حاجة إلى دليل ترك هذا المفهوم والمختار خلافه إذ الشقاق يناسب الخلع فإنه يدل على بغية الخلاص وتعذر استمرار النكاح فلا يرتفع الفحوى المعلوم منه بمجرد العرف فلا بد من دليل وان لم يبلغ في القوة مبلغ ما يشترط في ترك مفهوم لا يعتضد بالعرف فإنه قرينة موهمة وهذا كما قلنا ان للأمر صيغة وهو محمول في الشرع على الطلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 الجازم بصيغتة: فلو اقترنت به قرينة كقوله وإذا حللتهم غير فاصطادوا وهي اعني القرينة تقدم الحظر جاز حمله على الاباحة بدليل خفي واه ومثار هذا الاختلاف انا نتلقي المفهوم من الفحوى والشافعي رضي الله عنه عنه يتلقاه من التخصيص وهو فعل فإنه عبارة عن قصد القاصد إلى مسمى بالذكر والفعل لا صيغة له فتطرق الاحتمال يكفي في رده كالفعل المردد بين الوجوب وبين رفع الحرج لا يحمل إلا على الأقل لتعارض الاحتمال في الوجوب وعلى هذا القياس أعني مسألة الخلع يجري تخصيص رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل إذ الغالب أنها إذا عقدت لا تستأذن وإذا استأذنت لم تعقد بنفسها فلا فرق بين المسألتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 مسالة تمسك الشافعي رضي الله عنه في تعيين لفظ التكبير بقوله عليه السلام تحريمها التكبير فقال أبو حنيفة رحمه الله فيه ما يدل على إجزاء التكبير وليس فيه نفي لما عداه وهذا بعد إثبات القول بالمفهوم باطل وإن قدر القول بتركه فهذا نص فإنه حصر التحريم وهو انعقاد الصلاة في التكبير وليس كقوله لو فرض التكبير تنعقد به الصلاة والدليل على الفرق اطباق أهل اللغة على الفرق بين قول القائل زيد صديقي وبين قوله صديقي زيد في انحصار الصداقة وهذا على الإجمال كاف وإن بحثنا عن سببه فنقول قول القائل زيد صديقي شرطه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 أن يجري بين متجاوبين أحمد علما عين زيد قبل افتتاح الكلام إذ ليس الغرض من سياق الكلام تعيينه وإنما الغرض بيان حالة مجهولة بينهما وهما معلومان عند المخاطب فتقول هو صديقي فتنبه على تلك الحالة المجهولة بينهما لتعلم فليس فيه نفي ما عداه فإذا قال صديقي زيد فكأنه قدر الصداقة معلومة بينهما فهو مبتدأ الكلام كما كان زيد في تلك الصيغة هو المبتدأ به ثم أراد أن يبين لهذه الحالة المعلومة محلا هو مجهول عند المخاطب فقال زيد ومن ضرورة كونه محلا لهذه الحالة أن لا يكون غيره محلا لها إذ لو كان لما صح اعتناؤه ببيان المحل بمجرد ذكر زيد وقوله عليه السلام تحريمها التكبير يضاهي قوله صديقي زيد مسألة تمسك أصحابنا بقوله عليه السلام صبوا عليه ذنوبا من ماء في مسألة إزالة النجاسة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 فلو قيل لنا فيه مفهومه قصد إزالة العين فهلا فهمتم ذلك ورتبتم عليه زواله بالخل قلنا هذا مفهوم لو قيل به بطل المنظوم به إذ منظومه وجوب استعمال الماء فهذا الفن من المفهوم لا نقول به إلا أن التمسك بهذا الحديث غير صحيح إذ الغرض قطعا من تخصيص الماء ما اختص به الماء من عموم الوجود والمقصود من الحديث البدار إلى تطهير المسجد لا بيان ما تزال به النجاسة ويقبح فيه التعرض للخل الذي يعسر وجوده مسألة يجوز ترك المفهوم بنص يضاده وبفحوى مقطوع به يعارضه كفهم مشاركة الأمة للعبد في سراية العتق والنص كقوله في عوامل الإبل زكاة وهي معلوم يعارض بمفهوم قوله عليه الصلاة والسلام في سائمة الغنم زكاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 فأما القياس فلم يجوز القاضي ترك المفهوم به مع تجويزه ترك العموم به ولعله قريب مما اخترناه في المفهوم فإنه تلقاه من الفحوى الظاهر والعموم قد لا يترك بالقياس بل يجتهد الناظر في ترجيح أحد الظنين فيهما على الآخر فكذا القول في القياس إذا عارض المفهوم والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 القول في أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتوصل إلى ذلك إلا بذكر مقدمة في عصمة الأنبياء عن المعاصي وهي منقسمة إلى الصغائر والكبائر وقد تقرر بمسلك النقل كونهم معصومين عن الكبائر وأما الصغائر ففيه تردد العلماء والغالب على الظن وقوعه وإليه يشير بعض الآيات والحكايات هذا كلام في وقوعه أما جوازه فقد أطبقت المعتزلة على وجوب عصمة النبي عليه السلام عقلا عن الكبائر تعويلا على أنه يورث التنفير وهو مناقض لغرض النبوة وهذا يبطل بكون الحرب سجالا بينه وبين الكفار وبه اعتصم بعض اليهود في تكذيبه والمختار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 ما ذكره القاضي وهو أنه لا يجب عقلا عصمتهم إذ لا يستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظر العقل وليس هو مناقضا لمدلول المعجزة فإن مدلوله صدق اللهجة فيما يخبر عن الله تعالى فلا جرم لا يجوز وقوع الكذب فيما يخبر به عن الرب تعالى لا عمدا ولا سهوا ومعنى التنفير باطل فإنا نجوز أن ينبئ الله تعالى كافرا ويؤيده بالمعجزة والمعتزلة يأبون ذلك أيضا والذين أوجبوا عصمته عن الكبيرة اختلفوا فمنهم من قال كل مخالفة كبيرة بالنسبة إلى عظمته فلا صغيرة أصلا وكل مخالفة كبيرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 وهذا كما أن رفع الصوت فوق صوت من يماثل الإنسان قد يعد صغيرة وهو بعينه في مجلس الملوك كبيرة دونه تحز الرقاب فللنسبة بعد تأثير في تعظيم أثر المخالفة والذين أثبتوا الصغيرة اضطربوا ومثار الاضطراب في أنه هل يورث التنفير أما النسيان فلا يجب كونه عندنا معصوما عنه في أفعاله وأقواله إلا فيما يخبر عن الله تعالى لأن تجويزه مناقض مدلول المعجزة ونرجع إلى المقصود فإذا نقل فعل عن رسول الله عليه السلام فهل يتلقى منه حكم أما الواقفية فقد توقفوا فيه وعزي إلى أبي حنيفة وابن سريج وأبي علي بن أبي هريرة رضي الله عنهم أنه يتلقى منه الوجوب مطلقا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 والمختار عندنا وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه إن اقترن به قرينة الوجوب كقوله صلوا كما رأيتموني أصلي فهو الوجوب وإن لم يقترن نظر فإن وقع من جملة الأفعال المعتادة من أكل وشرب وقيام وقعود واتكاء واضطجاع فلا حكم له أصلا وظن بعض المحدثين أن التشبه به في كل أفعاله سنة وهو غلط وإن تردد بين الوجوب والندب فإن اقترنت به قرينة القربة فهو محمول على الندب لأنه الأقل والوجوب متوقف فيه وإن تردد بين القربة والإباحة فيتلقى منه رفع الحرج وليس هذا متلقى من صيغة الفعل إذ الفعل لا صيغة له ومستنده مسلك الصحابة فإنا نعلم أن الممنوع من فعل فيما بينهم لو نقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله لفهموا منه رفع الحرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وأما الإباحة فلا نتلقاه فإنه حكم يقتضي التخيير مع تساوي الطرفين وهو يناقض الندب والفعل متردد بينه وبين رفع الحرج فأقل الدرجات رفع الحرج فإن تمسك أبو حنيفة رحمه الله بإجماع الأمة على كون النبي عليه السلام أسوة وقدوة ومطاعا وشرطه الاقتداء به في كل ما يأتي ويذر قلنا معناه أن أمره ممتثل كما يقال الأمير مطاع في قومه لا يراد به أنهم يتربعون إذا تربع أو ينامون إذا نام فإن تمسك بقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقوله فليحذر الذين يخالفون عن أمره وقوله فاتبعوني يحببكم الله فكل ذلك محمول على الأمر وهو الذي أتانا به دون الفعل مسألة (1) إذا نقل عن الرسول عليه السلام فعلان مختلفان في واقعة واحدة وعدل الرواة كما نقل في صلاة الخوف قال الشافعي رضي الله عنه يتلقى منها جواز الفعلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 والمختار في ذلك أن نقول إن اتفق الفقهاء على صحة الفعلين واختلفوا في الأفضل توقفنا في الأفضل فإن ادعى كل فريق يتمسك برواية بطلان مذهب صاحبه فيتوقف ولا يفهم الجواز فيهما فإنهما متعارضان ونعلم أن الواقع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما ولا يترجح وإن اتفقوا على صحة واحد فنحكم به ونتوقف في الآخر والشافعي رضي الله عنه إنما قال ذلك في صلاة الخوف وقد رجح إحدى الروايتين على الأخرى لقربه إلى أبهة الصلاة مسألة (2) إذا نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل حمل على الوجوب بقرينة أو على غيره ثم نقل فعل يناقضه قال القاضي لا يقطع بكونه نسخا لاحتمال أنه انتهى لمدة الفعل الأول وإن كنا نعلم أن الفعل الأول لو بقي لاقتضى الحكم على التأبيد ولكنه لا صيغة له وهذا محتمل فيتوقف في كونه ناسخا ونعلم انتهاء ذلك الحكم قطعا فإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 النسخ رفع للشئ بعد الثبوت عندي وأما اللفظ فإنه بصيغته يتضمن إثبات الحكم إطلاقا وابن مجاهد صار إلى أنه نسخ ويتردد في القول الطارئ على الفعل ولا وجه لهذا الفرق والأصح ما ذكره القاضي مسألة (3) قال الشافعي رضي الله عنه استبشار رسول الله صلى الله عليه وسلم وسروره بالشئ يدل على كونه حقا وتمسك بسروره في قصة مجزز المدلجي وإلحاقه زيدا بأسامة في إثبات القيافة وقال لا يسر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالحق ولا يستبشر بالباطل وهذا ضعيف فإنما سر بكلمة صدق صدرت ممن هو مقبول القول في ما بين الكفار على مناقضة قولهم لما قدحوا في نسب أسامة إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نادى به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فإن قيل لو كان باطلا لرد فإنه حكم على الغيب قلنا من نسب ابنا إلى أبيه الذي شهر به لا يمنع منه والفاسق إذا شهد على النسب لا يزجر وإن لم يقبل منه ولا يقال هذا حكم على الغيب مسألة (4) تقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما على فعل وتركه النكير عليه مع فهمه الواقعة وعدم ذهوله عنه يتمسك به في جواز التقرير إذا كان الفعل بحيث لو قدر الإقدام عليه لكان كبيرة إذ كان يتحتم عليه بيان الحكم فسكوته مع العيان دل على الجواز وإن كان الفعل صغيرة لو قدر محرما وكنا لا نجوز الصغيرة على الرسول عليه السلام تمسكنا به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وإن جوزنا فلا نتمسك به إلا أن يتكرر في مجلسه ذلك ولا ينكر إذ الإصرار على الصغيرة كبيرة ولا يقرر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصغائر والذي أراه والعلم عند الله قطع القول بجواز التمسك به من غير تفصيل بين الصغيرة والكبيرة فإنا نعلم ان الصحابة رضي الله عنهم كانوا يفهمون منه الجواز وإن كان الفعل من جملة الصغائر لو قدر محرما وإن تمسك متمسك به في إثبات عصمة النبي عليه السلام عن الصغيرة لقبول الصحابة ذلك من غير تفصيل فله وجه وأما تقريره الكافر فلا تمسك فيه لأنه كان يعرض عنهم وفي تقرير المنافق خلاف لأنه كان ينحو بهم نحو المسلمين فإن قيل إذا قرر مسلما فيحتمل أنه كان ينتظر الوحي قلنا لو كان كذلك لأمر بالتوقف كما نقل عنه في بعض الوقائع والله اعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 القول في شرائع من قبلنا ونقدم عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن أوحي إليه هل كان على شرعة رسول أجمعت المعتزلة انه لم يكن على شرعة رسول فأنه يورث التنفير فإن التابع لا يكون متبوعا واختلف أصحابنا فمنهم من قال كان على شرعة نبي فإن الانسلال عن ربقة التكاليف والخروج من ضوابط الشرائع يزري بمنصبه ثم اختلفوا فقيل كان على شرعة نوح عليه السلام بدليل قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا وقيل كان على شرعة إبراهيم عليه السلام بدليل قوله تعالى إن أولى الناس بإبراهيم الاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وقيل على شرعة عيسى عليه السلام فإنه الناسخ المتأخر فإن قيل كانت محرفة مغيرة قلنا كان منهم أحبار يعرفونها على وجهها فتحريف بعضهم لا يرفع الشرع كاتفاق فترة في شرعنا فإن قيل للذين قالوا كان على شرعة إبراهيم شريعة عيسى ناسخة أجابوا بأنه لا يثبت كونه مبعوثا إلى الجميع فلعل ملة إبراهيم استرسلت على ذريته فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم وأما القاضي فإنه قال أقطع بأنه لم يكن على شريعة نبي إذ لو كان لتواتر فإن أحوال الرجل العظيم في مثل هذا تتوافر البواعث على نقله نعم كان على عقد التوحيد والمختار التوقف فيه وما ذكره القاضي يعارضه أنه لو كان منسلا عن التكليف أربعين سنة متميزا عن أصناف الخلائق بأجمهم لتوفرت البواعث على نقله فإذا لم ينقل هذا ولا ذاك توقفنا ولعل الله تعالى قطع بواعث الخلق على نقله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 ولعل الله تعالى قطع بواعث الخلق وطمس حالته والتحق هذا بمعجزاته الخارقة للعادة رجعنا إلى المقصود قال الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأطعمة الرجوع في استحلال الحيوانات إلى النصوص وآثار الصحابة رضي الله عنهم فإن لم يكن فإلى استخباث العرب واستطابتها يقول فإن لم يكن فما صادفنا حراما أو حلالا في شرع من قبلنا ولم نجد ناسخا له اتبعناه وعضد هذا المذهب بالدليل أن يقال نفس بعثة الرسول لا تتضمن نسخ الشرائع إذ أصحاب الملل من الشرائع ستة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بعد في التظاهر على دين واحد فكان في زمان موسى عليه السلام ألف نبي يحكمون بالتوراة ولم ينقل من الرسول عليه السلام نص في نسخ شريعة من قبلنا وقد عجزنا عن مأخذ من شريعتنا رجعنا إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 ثم اختلفوا فيمن يتبع شريعته ورددوه الذي بين نوح وإبراهيم وعيسى كما ذكروه في دين الرسول قبل النبوة والمختار أن لا رجوع إلى دين أحد من الأنبياء إذ لو كان من مآخذ الشريعة لبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بين القياس وغيره من المآخذ ورجع إليه واحد من الصحابة رضي الله عنهم مع طول الدهور وكثرة الوقائع وشدة ترويهم فيها ورجوعهم في الاشتوار إلى الجماعة وكان فيهم كعب الأحبار ولم يراجع قط فاستبان بهذا أنه لا حكم له أصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 كتاب الأخبار والكلام يقع في هذا الكتاب في قسمين الأول أخبار التواتر وفيه أربعة أبواب الباب الأول في إثبات كون الخبر المتواتر مفيدا للعلم الضروري وقد أنكرت السمنية كونه مفيدا للعلم فنقول لهم إن استربتم أن في الدنيا بلدة يقال لها بغداد فقد جحدتم وإن اعترفتم فلم تناطقكم البلدة ولا رأيتموها فلم تعرفوه إلا بالتواتر كيف ولولا التواتر لما ميز المرء بين أمه وسائر نساء العالمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 وإن اعترف الكعبي بأصل العلم ولكنه ادعى أنه نظري فقيل نرى الصبيان يعلمون ما يخبر عنه العدد المتواتر ولم يهيئوا للنظر ودرك المعقولات بالتأمل ثم يقال لهم نظر أفضى إلى أن في الدنيا بلدة تسمى بغداد سوى الضرورة الحاصلة من الأخبار فإن قالوا علمنا بأن الجمع الذي أخبروا عنه في العادة لا يتواطؤون على الكذب قلنا ولم علمتم ذلك ولم أحلتم الكذب منهم وهو جائز الوقوع من حيث التصور فلا نزال نطالبهم إلى أن يعجزوا عن إبداء مسلك نظري فيبوحوا علي بما إليه ذهبنا وغايتهم أنه لا بد من أدنى تأمل ليعرف أن هؤلاء لا يكذبون ولو صار العلم نظريا بمثله لقيل المدركات معلومة بالنظر إذ لا بد فيها من فتح الجفون والتحديق وارتفاع الموانع وغيرها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 تمسك الكعبي على أصحابنا بأن قال أعلمتم كون هذا العلم ضروريا بالضرورة أم بالنظر فإن علمتموه ضرورة فمحال لأنا لا نعلمه وإن ادعيتم النظر فكيف يتصور أن يعلم الشئ ضرورة ثم يعلم كونه ضروريا بالنظر وهذا العلم أولى بأن يكون معلوما ضرورة وهو قائم بنفس العالم بما أخبر عنه المخبرون ولا يتعلق به إدراك أجاب القاضي بأن هذا استبعاد مجرد فإنا نعلم كون بغداد بالضرورة ونعلم بالنظر كونه ضروريا ووجه النظر أن نبطل كل مسلك يتصور إحالة العلم عليه وهذا يلزمه أن يقول بالنظر يعلم أن العلم المتعلق باستحالة المتضادات ضروري عند إبطال مسالك النظر فيه وهذا لا وجه له ثم يقال للقاضي العلم المتعلق بهذا العلم يزيد عليه أم هو عينه إن كان لا يزيد عليه فلا وجه لتنويعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 فإن زاد عليه فهذا محال إذ يلزم عليه إثبات علوم لا نهاية لها أو إثبات علم لا يعلمه العالم وهذا محال والمختار عندنا في هذه المسألة وفيه الجواب عن السؤال أن نقول الذي نعتقده أن العلم لا يتلقى من أقوال المخبرين إنما يتلقى من القرائن الدالة على الصدق الحاسمة حتى لخيال الكذب ولذلك يجوز اقترانه بقول واحد على انفراده فإذا ثبت هذا فنقول ورآه الكعبي علم ما علمناه ضرورة من صدق المخبرين ومن كون العلم ضروريا نعم نوافقه في أن العلم يتلقى من القرائن فإن كان يعنى بالنظر توقفه على الاطلاع على القرائن بالبحث والتأمل فهذا مسلم له ووراء الاطلاع على القرائن يحصل العلم ضروريا من غير نظر وتوقف وهذا لا ينكره الكعبي فقد التقت المذاهب وعاد الخلاف إلى لفظ والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الباب الثاني في العدد وقد أجمع أصحابنا على اعتبار أصل العدد وإن اختلفوا في أقله وقد أحالوا تلقي العلم الضروري من شخص واحد خلافا للنظام وتمسكوا بأن قول الواحد وإن انضمت إليه القرائن فاعتماده الكذب في العرف ممكن لا استحالة فيه بخلاف اعتماد الجمع العظيم بالتواطئ فإن ذلك يحيله العقل في اطراد العرف وعلمنا به كعلمنا باستحالة إجماع أهل الدنيا في وقت واحد على أكل الزبيب وهذا لا يطرد في الواحد وحققوا ذلك بأن الشرع تعبد القضاة ببناء الحكم على قول الشهود وهم على طوال دهورهم لم يبنوا قط قضاياهم على علم ضروري مستفاد من قول الشهود ولو تصور لوقع لا محالة تمسك النظام بأن قال إذ فرضنا رجلا من أهل المروءة والسيرة المرضية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 استمرت عادته على أن لا يخرج من داره إلا راكبا محفوفا بحشده تعالى وخدمه لا يلتفت إلى أحد ولا يتكلم فرأيناه خرج من داره وقد مزق ثوبه حاسر الرأس حافي الرجل يضرب صدره وينتف شعره رافعا عقيرته بالويل مخبرا عن موت ابنه يعلم على الضرورة صدقه ولا نتمارى فيه فناكره فإن أصحابنا وقالوا لعله أخبره كاذب أو اعتور ابنه سكتة فظنه ميتا وهذا مزيف والمختار أن العلم قد يستفاد من القرائن المنضمة إلى قول واحد كما فرضناه نعم زل النظام حيث قال يتلقى العلم من قوله وما ذكروه من السكتة وتوهمه يرتفع بإخباره عن الدفن وذلك ممكن تقديره وما ذكروه من عدم قطع القضاة بقول شاهد قط تحكم على الغيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 مسألة اختلف المعتبرون في أقل عدد التواتر فقال القاضي أقطع أن الأربعة ليسوا عدد التواتر وتردد في الخمسة لأن الشرع رقى الشهادة إلى الأربعة ولم يكلف إلا غلبة الظن وقال ملقى مجلس أبي الهذيل عبد الرحمن الخمسة اقل عدد التواتر من غير تردد وقال قائلون أقله عشرون تلقيا من قوله تعالى إن يكن منكم عشرون صابرون وقال آخرون أربعون تلقيا من قوله تعالى حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين وقد كانوا أربعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 وقيل أقله سبعون تلقيا من قوله تعالى واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا وقال آخرون ثلاثمائة وثلاثة عشر وهو عدد المحاربين يوم بدر إذ بهم استقر الدين وظهر وهذه أعداد يضرب البعض منها بالبعض ونقول العقل لم يهد إلى التقدير وهذه الآيات لا تناسب الغرض والحكم بتقدير محال فإن قيل كأنكم جهلتم أقل العدد قلنا هذا مرتبط بالعرف والقرائن فلا ضبط لها وهي مختلفة باختلاف أحوال المخبرين والمخبر عنه فيجب على كل عاقل أن يضرب عن التقدير فيه إذ العرف لا ينضبط نعم نشير إلى تزاحم شرائط الخبر فنقول إذا بلغوا مبلغا في العدد يبعد منهم في العرف التواطؤ على الكذب في مثل ما أخبروا عنه وعلم على القطع خروجهم عن ضبط ضابط وإيالة ذي إيالة لأجل مصلحة علم على القطع الصدق وهذا قد يحصل بقول الواحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 وقد لا يحصل بقول عسكر عظيم إذ توهم انسلاكهم عمر تحت سياسة سايس وذهبت الرافضة إلى أن العلم متلقى من قول الإمام المعصوم إلا أنه مشتبه بالمخبرين النبي ولو انفرد وتعين لعلم على الضرورة صدقه وهذا محال إذ عصمته لم يعلموها بالضرورة ولا يثر على عصمة الأنبياء ولم يعرف صدقهم بالضرورة كيف وقد أخبر علي كرم الله وجهه في زمانه عن أمور واختلفوا في صدقه وهو معصوم عندهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الباب الثالث في شرائط التواتر قال علماء الأصول شرطه استواء الطرفين والواسطة والحديث المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصر الصحابة ينبغي أن يتواتر عنهم في العصر الثاني فلو نقل الآحاد كونه متواترا لم يكف وهذا خطأ فإن خبر الواحد ليس له طرف وواسطة وكل من ينقل عنه قول وإن كان راويا فهو خبر في نفسه ولا بد من التواتر فيه فهذه أخبار لا بد من تواتر كل واحد منها والشرط الذي لا بد منه لتحصيل العلم أن يستند علم المخبرين إلى الحس والضرورة فأما ما علموه بالنظر كحدث العالم وغيره لا يعلم صدقهم فيه وإن بلغوا عدد التواتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 فإن قال قائل ما سببه والعلوم عندكم كلها ضرورية فأي فرق بين الإدراك ببصيرة العقل وبين الإدراك بالبصر قلنا العرف فارق بينهما فإن العلم لا يحصل بحدث العالم بسبب الخبر بخلاف المحسوسات فلعل السبب فيه أن المعتقد لحدث العالم لم يميز نفسه عن العالم به وكل يظن أنه عالم وهو معتقد مخمن ولا قرينة تميزه وما من مخبر إلا ويتصور كونه معتقدا وهو يظن أنه عالم وعلى هذا شأن النظريات جميعا دون المحسوسات قال الأستاذ أبو اسحق الخبر ينقسم إلى متواتر ومستفيض وآحاد فالمستفيض ما اشتهر فيما بين أئمة الحديث وذلك يورث العلم كالتواتر وليس الأمر كذلك فإن المستفيض إذا لم يتواتر تصور فيه التواطؤ والغلط إذ العدل لا يستحيل منه الكذب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 الباب الرابع في تقسيم الآحاد قال علماء الأصول الآحاد ينقسم إلى ما يعلم صدقه وإلى ما يعلم كذبه وإلى ما يتردد فيه أما ما يعلم صدقه ينقسم إلى ما يعلم بضرورة العقل كإخبار المخبر عن استحالة اجتماع المتضادين وإلى ما يعلم بنظر العقل كإخبار المخبر عن حدث العالم وإلى ما يعلم بالسمع كإخبار من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صادق وإخبار الرسول عليه السلام عن الصراط والجنة والنار قالوا ومن هذا القسم خبر الواحد إذا عمل بموجبه أهل الإجماع وأما ما يعلم كذبه فينقسم إلى هذه الأقسام وهو الإخبار عن عكس هذه الأمور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وهذا وإن كان صحيحا فلا فائدة له في كتاب الأخبار فإن غرض الكتاب بيان ما يتلقى علمه من الخبر وهذه الأمور معلومة لا من الخبر وما ذكروه من انعقاد الإجماع على العمل وكونه دليلا على صدق خبر الواحد ليس كذلك فان قيل لا تجتمع الأمة على الضلالة قلنا ما اجتمعوا على صدقه بل اجتمعوا على العمل به فنقول العمل واجب ومستنده هذا الحديث المتردد بين الصدق والكذب والمختار في التقسيم ان يقال الخبر المعلوم صدقه على القطع ما استجمع شرائط التوتر وذلك لا ضابط له والمعلوم كذبه اقسام منها تحدي الرجل بالنبوة مع العجز عن اقامة المعجزة يدل على كذبه إذ لو كان رسولا لأيد وإن بمعجزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فإن تكليف الإتباع من دونه مما لا يطاق وهذا محال هذا إن قال انا نبيكم فأما اذا ادعى بانه يوحى اليه في نفسه فيما يؤمر به وينهى عنه فلا يعلم كذبه بذلك وكذلك اذا قال معجزتي ان الله تعالى ينطق هذا الحجر فنطق بتكديبه فيعلم كذبه إذ لو كان صادقا لما اظهره على هذا الوجه بخلاف ما لو قال معجزتي ان احي هذا الميت فأحياه فنطق بتكذيبه لانه ذو اختيار كسائر الخلق والاعجاز في احيائه ومما يعلم كذب المخبر فيه انفراد الرجل بالاخبار عن واقعة عظيمة تتوفر البواعث على نقلها وتواتر الخبر فيها كانفراد رجل واحد بالاخبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 عن برزة الخليفة على هيئة خارقة للعادة على ملا من الناس في مفرق الطرق ومزدحم الخلق فيعلم كذبه إذ لو كان لتوفرت الدواعي على نقله ولإستحال كما انفراده به وسكوت الباقين عن نقله فإن قيل فلم اختلف الناس في النبي عليه السلام انه دخل مكة صلحا او عنوة وقد كان في مزدحم الخلق وقد تمسكتم فيها بأخبار الآحاد قلنا تواتر كونه صلى الله عليه وسلم شاكا في السلاح متهيئا لاسباب الحرب وانما الخلاف في جريان امان لهم وذلك مما يخفي فلا يبعد انفراده الآحاد به فإن قيل لم لم يتواتر قران رسول الله ص أو افراده في الحج وقد كان احرم على الملأ من الناس قلنا لأن الميز بين الأفراد والقران مما يخفى ولا يدركه إلا الخواص فلا يبعد استبهامه هو فإن قيل انشقاق القمر لم يتواتر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 قلنا أنكره الحليمي لذلك واعتذر القاضي بأنها كانت آية ليلة أظهرت في جنح الليل ولم يكن مع النبي ص إلا أشخاص معدودة في وقت استرسال ثوب الغفلة على الناس فلذلك لم يتواتر فإن قيل الإقامة من شعائر الإسلام فهلا تواتر الأفراد إذا كان واقعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 قال القاضي اقطع بأن بلالا كان يثني ويفرد فلم يطرد الإفراد على التجرد دون التثنية فلذلك تعارضت الأخبار فإن قيل لم لم يتواتر التثنية والافراد جميعا قلنا لضعف اعتناء الناس به فانه كان يخفض الصوت بها نهارا والمختار في الجواب القطع بان الافراد كان متواترا في العصر الاول إلا ان النقلة اضربوا عن نقله استغناء بالاستفاضة والاجماع من حيث الفعل وحيث انقرض العصر احدث بعض التابعة التثنية ولم يبق ممن عاين عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى الآحاد ولا يبعد ان يتواتر خبر عظيم ثم تنحبس الدواعي على ممر الايام وتندرس فقد تقررت هذه القاعدة واستمرت وعليه بنينا الرد على الروافض حيث ادعوا نصا من الرسول على امامة علي كرم الله وجهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 فان الصحابة اشتوروا بعد وفاة الرسول عليه السلام واضطربو وسلم فيمن ينصب له حتى اتفقوا على أبي بكر رضي الله عنه ولم ينقل احد عن الرسول عليه الصلاة والسلام النص ولو كان لتوفرت الدواعي على ابدائه ونقله وكذلك اليهود إذ نقلوا عن موسى عليه السلام انه خاتم النبيين قيل لهم تحدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود وكانوا ينازعونه في بعثه ولم ينقل احد من احبارهم ذلك ولو كان لتوفرت الدواعي على نقله وايضا فلا يمكنهم انكار معجزة عيسى عليه السلام من احياء الموتى وغيره ولو صدقوا لما ظهرت المعجزة بعد وأما المتردد فيه فجملة اخبار الآحاد وكل ما لم يستجمع شرط التواتر وأمكن وقوعه ومن هذا القسم انفراد رجل واحد ينقل حالة لرجل عظيم اذا تخيلنا استناد سكوت الباقين إلى سياسة واياله عنه ذي اياله إن هذا تمام الكلام في هذا القسم والله اعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 القسم الثاني في إخبار الآحاد وفيه خمسة ابواب الباب الأول في اثبات كون المخبر الواحد مفيدا للعمل وذهب بعض المحدثين إلى انه يفيد العلم وهذا محال إذ لا يجب صدقه عقلا ولا نقلا واذا جاز كذبه فلا علم بالصدق وكيف وما من شخص إلا ويتصور ان يرجع عما ينقله وقد عهد مثله وبعد فلو تعارض نقل عدلين فليت شعري يجعل العلم بهما على التناقض او بأحدهما ولا تمييز ولا ترجيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 فإن قيل لو لم يوجب العلم لما اوجب العمل قلنا عن هذا صار الروافض إلى انه لا يعمل بأخبار الآحاد ونحن نبطل الان مذهبهم فنقول ان أحلتم وقوعه وزعمتم انه لا يتصور فوجه تصوره ان يقول السيد لغلامه اعمل بما ينتهي اليك من امري على لسان الآحاد وان احالوا لاستقباح او لاستصلاح فنحن لا نساعدهم في ذلك ثم قلب كل خيال يبدونه في اثبات القبح ونقيض الصلاح ممكن عليهم وان تلقوا منعه من السمع فلا بد من نقله قالوا ودليله قوله تعالى إن بعض الظن إثم قلنا خصص البعض وليس هذا منه ودليله بناء القاضي قضاءه على ظن صدق الشهود بالإجماع فإن قيل لا نعلم وجوب العمل به بضرورة العقل ولا يدل عليه دليل فلا يعمل به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 قلنا دليله امران قاطعان أحدهما علمنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث ولاته ورسله إلى البلاد ويفرقهم في الأقطار وهم آحاد وكان يضم اليهم الصحائف ويأمر بإتباعه الحاضر والبادي ولو توقفوا إلى التواتر لحزت رقابهم المسلك الثاني علمنا بان الصحابة رضي الله عنهم اجمعين ان ارتبكوا إلا في واقعة فنقل اليهم الصديق رضي الله عنه قولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على انفراده اتبعوه وقولهم انه لا يورث العلم يبطل بالشهادة والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 الباب الثاني في عددهم وصفتهم ذهب الجبائي إلى انه لا يعمل إلا بما ينقله رجلان ثم شرط عند تكرر العصر ان يحتمل قول كل رجل رجلان هكذا إلى حيث ينتهي وهذا استئصال لهذه القاعدة إذ لا يستقيم على هذا المذاق حديث في عصرنا ومعتمدنا نقل الصحابة واكتفاؤهم بالواحد وقد نقل ابو بكر الصديق رضي الله عنه قوله عليه السلام نحن معاشر الانبياء لا نورث فتركوا قسمة تركته فإن قيل نقل عن ابي موسى الاشعري انه قرع باب عمر فلم بفتح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 فانصرف فأمر عمر رضي الله عنه حتى اتي به فقال ما الذي حملك على الانصراف فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستئذان ثلاثة فان أجبت وإلا فانصرف فقال من بشهد لك قلنا اتهمه عمر ونحن اذا اتهمنا الراوي لقرينه فلا نقبله فإن قيل قال علي كرم الله وجهه في رواية معقل بن يسار كيف نقبل قول اعرابي بوال على عقبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 قلنا لعله لتهمه فيه إذ ليس فيه انه رده لانفراده وقد اشار إلى السبب في كلامه فإن قيل روي ان عليا رضي الله عنه كان يحلف الراوي علنا فحلفوا انتم واقبلوا قلنا كان يحلفه عند التهمة وكان لا يحلف اعيان الصحابة رضي الله عنهم فان قاسوا الرواية على الشهادة فاخبار الآحاد لا تنفي قياسا كما لا تثبت قياسا ثم في الشهادة تقييدات بدليل اعتبار الذكورة والحرية ورده فيما ينتفع به الشاهد او ولده بخلاف الرواية مسالة 1 الاسلام والعقل شرط بالإجماع في الراوي وظهور الفسق قادح والانوثة والرق غير قادح وفي ترجيح قول الرجل على قول المرأة كلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 واما الصبي فان كان عدما لا تقبل روايته كالبالغ الفاسق واما الصبي المراهق المتثبت في كلامه اذا روى قال قائلون يقبل والمختار رده واليه ذهب القاضي واستدل برد رواية الفاسق وليس من ضرورة الفسق الكذب ولكن يستدل به على قلة مبالاته فيقال ربما يخبر عن الكذب أيضا والصبي وإن لم يكن به عرامة فيعلم انه لا يأثم بالكذب فلا وازع له من جهة الدين فرد روايته أولى والمسلك المختار عندنا منهج الصحابة وسيرتهم على طول دهورهم لم يراجعوا صبيا والعبادلة بصبون صلى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته وكذلك من عصرهم إلى زماننا لا عهد لشيخ ينقل عن صبي حديثا ولو كان مقبولا لما عطلت روايتهم وهم شطر الخليقة كما لم يعطل النسوة والعبيد قال القاضي فأنا لا أقطع برد الصحابة رواية الصبيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 ونحن نقطع به لما ذكرناه مسالة 2 المستور لا تقبل روايته خلافا لبعض الناس وقد استدلوا بأن الصحابة كانوا يقبلون الاحاديث ممن يرويها من غير بحث عن حالته والمتبع سيرة الصحابة وينضم اليه وجوب احسان الظن بالمسلم وظاهر المسلم العدالة قلنا نقل الينا من الصحابة رضي الله عنهم انهم كانوا يردون رواية الغرباء والمجهولين من الاعراب ونعلم انهم ما ردوا لجهلهم بنسبهم او مسكنهم او مسقط رأسهم وانما ذلك لجهلهم بعدالتهم وما ذكروه من ان الغالب العدالة قلنا الرجوع في الغالب إلى الواقع في العادة والفسق اغلب على الخليقة والكذب اكثر ما يسمع ويكفي المستور في احسان الظن به ان يستوي في حقه العدالة والفسق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وظهور الفسق انما قدح لانخرام الثقة وعليه التعويل في الاحاديث والفسق محتمل وخفاؤه عنا لا يحقق الثقة اصلا مسألة 3 قال القاضي كل صورة من هذه الصور إذ دل عليها دليل قاطع على قبول الخبرية قبلت وإذا لم يدل عليه قاطع ولا على رده أيضا قطعت برده لعدم القاطع على قبوله والمختار انه ان لم يدل قاطع على الرد ولا على القبول نتردد ولا نجعل عدم القطع بالقبول سبب القطع بالرد إذ القاطع بالقبول اجماع الصحابة والصحابة كانوا يختلفون في قبول الأحاديث والرواة كانوا لا يعترضون على القائلين ولا ينسبونهم إلى ترك القطع والله اعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 الباب الثالث في الجرح والتعديل وفيه خمسة فصول الفصل الاول في العدد وقد قال المحدثون لابد من معدلين او جارحين والواحد لا يكتفي به لان سبيل الاكتفاء براوية واحد سيرة الصحابة ولم يتقل هذا منهم في المعدل فيرد إلى قاعدة الشرع وكلما مست الحاجة إلى اثباته لا يثبت إلا بقول اثنين قلنا نعم لم ينقل ذلك ولكن المختار الاكتفاء بواحد لاننا نفهم مما نقل امورا لم تنقل ولذلك اتسع باب القياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 فلو اقتصرنا على الاقيسة المنقولة عنهم ومنهم تلقينا القياس لضاق باب القياس ولكنا فهمنا مما نقل تشوفهم إلى القياس في وقائع لم تتفق لهم إذ اقدموا على القياس اقدام من لا يرى على الوقائع حصرا وكذلك فهمنا من حالهم انهم لو تماروا في قول رواي وعدله الصديق لكانوا يكتفون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 الفصل الثاني في كيفية الجرح والتعديل والمنصوص للشافعي رضي الله عنه ان التعديل المطلق في الشهادة والرواية مقبول والجرح المطلق لا يقبل لأن أسباب العدالة لا حصر لها والجرح يحصل بخصلة واحدة ولأنه قد يعتقد الشئ سببا للجرح ونحن لا نراه فليبينه قال القاضي رحمه الله الجرح المطلق كاف فإنه خارم للثقة المبتغاة من الحديث والتعديل لا بد فيه من ذكر سببه فإنه قد يكتفي بمبادئ العدالة جريا على الظاهر واحسانا للظن به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 وقال آخرون لا بد من ذكر السبب فيهما أخذا بطرفي كلام الشافعي والقاضي رضي الله عنهما وعكس عاكسون وقال وقالوا يكفي الاطلاق فيهما والاختيار ان الجرح المطلق خارم للثقة فهو كاف والتعديل المطلق من مثل مالك مع علوه في الاحتياط مقبول وممن يظن به التساهل فيه فلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 الفصل الثالث في التعديل بالفعل وقد اختلفوا في الاكتفاء به وله صورتان احداهما ان يروي المستجمع لخلال التعديل حديثا عن شخص ويقتصر عليه فهل يجعل ذلك تعديلا والمختار ان ذلك كالتعديل من مالك ومن كل محدث لا يستجيز نقل الاحاديث الضعيفة وألا فلا والصورة الثانية ان يعمل بموجب حديث لم ينقله إلا رجل واحد هل يجعل ذلك تعديلا فيه خلاف والمختار انه ان امكن حمل عمله على الاحتياط فلا وإن لم يمكن فهو كالتعديل لأنه محصل للثقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 الفصل الرابع في صفة المعدل والجارح ولا بد من العقل والاسلام وظهور العدالة والبلوغ ولا تقدح الانوثة والرق ويشترط معرفة اسباب الجرح والعدالة فيما قاله الاصحاب وفيه تفصيل وهو انه ان ذكر سبب الجرح والعدالة فلا تعتبر معرفته به فإنه عدل في الأخبار وقد فوض الرأي الينا وان لم يذكر السبب فتعديله المطلق وكذا جرحه مردود نعم قد يترجح رواية من لم يتطرق اليه جرح مطلق من مثله على رواية من تطرق اليه ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 الفصل الخامس في عدالة الصحابة رضي الله عنهم وهو معتقدنا في جميعهم على الاطلاق وعليه ينبني قبول روايتهم واستثنت المعتزلة طلحة والزبير وعائشة رضوان الله عليهم تعويلا على ما صدر منهم من هناتهم وحالات نقلت من محاربتهم وما من امر ينقل إلا ويتطرق اليه احتمال فالنظر إلى ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبجيله اياهم اولى من اساءة الظن بهم بالاحتمال ولا فرق بين علي وعثمان وبينهم في مثل ما يعولون عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 الباب الرابع فيما يعتمده الراوي وفيه ثلاثة فصول الفصل الاول في شرط الشيخ والقارئ والمتحمل أما الشيخ فشرطه ان يصغي لما يقرأ عليه بحيث لا يذهل عن كلمة منه او يقرأ بنفسه او يأخذ النسخة ويحتاط في النظر فيه ليتنبه للزيادة والنقصان فإن لم يكن في يده نسخة وكان يحفظ الحديث بحيث يتنبه للزيادة والنقصان كفى وإلا فوجوده كعدمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وقوله سمعت شيخي او قال اخبرني او حدثني على وتيرة واحدة فأما القارئ فشرطه ان يقرأ نسخة صحيحه على وجه يسمع على الشيخ تمام كلمات الاحاديث هل عليه ان يقول للشيخ بعد قراءته هل كان كما قرأته شرطه بعض المحدثين وهذا لا حاجة اليه فإن قوله إذ قال قرأت لا يفيد القطع والثقة حاصلة بسكوته وتقريره بقرينة الحال فإنه متصد لهذا الشأن وأما المتحمل إن كان يقرأ فذاك وان كان لا يقرأ فسبيله ان يسمع تمام كلمات الاحاديث ولا يشترط فهم معنى الحديث ولا حفظه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وان كان يسمع صوتا غفلا ولا يحيط بمقاطع الكلمات ومباديها لا يصح سماعه وان عول على النسخة بعده فهو تعويل على الصحيفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الفصل الثاني في الاعتماد على الكتب وقد منعه المحدثون والمختار انه اذا تبين صحة النسخة عند امام صح التعويل عليه في العمل والنقل ودليله مسلكان أحدهما اعتماد اهل الاقطار المتفرقة على صحف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقات المضمومة إلى الولاة والرسل من غير توقف على نقل الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني انا نعلم ان المفتي اذا اعتاصت عليه مسألة فطالع احد الصحيحين فإطلع أنه على حديث ينص على غرضه لا يجوز له الاعراض عنه ويجب عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 التعويل ومن جوز هذا فقد خرق الاجماع وليس ذلك إلا لحصول الثقة به وهي نهاية المرام نعم لا يقول سمعت شيخي وهو لا يسمعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 الفصل الثالث في الاجازة وقد رده بعض المحدثين وقبله بعض وحطوه عن السماع وقال الاستاذ ابو بكر رضي الله عنه يعول عليه في احكام الآخرة والمختار انه كالسماع لان الثقة هي المبتغاة والامام المرموق في الصنعة الغالي في الاحتياط اذا عين حديثا وأشار إلى نسخة وقال هذا قد صح عندي على وجهه فأجزت لك في النقل فقد حصلت الثقة ولا تعبد في السماع واما المناولة فلا فائدة فيها وهي من جهالات بعض المحدثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ولا يشترط ايضا ان يقول اجزت ويكفي ان يقول قد صح عندي ذلك او هذه النسخة مصححة على شيخي فأما اذا قال اجزت لك فيما صح عندك من مسموعاتي مطلقا فهذا لفظ مبهم لا بد فيه من نثبت فليقع البناء على التعين وثلج الصدر وليتجنب رواية كل ما يتردد فيه ولا يجوز التعويل على خط المجيز المكتوب على حاشية النسخة اصلا والله اعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الباب الخامس فيما يقبل من الاحاديث وما يرد ويحصر مجموعه تسع مسائل مسألة 1 المراسيل مردودة عند الشافعي رضي الله عنه إلا مراسيل سعيد ابن المسيب والرسل الذي عمل به المسلمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وصورته ان يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقه او يقول حدثني الثقاة او اخبرني رجل ولم يذكر اسمه وقبل ابو حنيفة رضي الله عنه المرسل ومنهم من قدمه على المسند واعترض القاضي على الشافعي رضي الله عنه في استحسانه مراسيل سعيد ابن المسيب وقال ما الفرق بينه وبين غيره وقال قال الشافعي رضي الله عنه مراسيله مسانيد ولكنه لا يذكر لكثرة شيوخه فإذن قد استحسن مسانيده لا مراسيله وقال القاضي لم قلت اذا عمل به الأمة كان مقبولا نعم الاجماع هو المقبول والعمل ان كان متلقى منه فلا أثر للمرسل وان تلقى من الحديث فليقبل دون الاجماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 وتمسك الشافعي رضي الله عنه بأن قال اذا أرسل الناقل الحديث فحقه ان يذكر من اخبر به ليبحث عن حاله فربما لا يكون ثقة وتمسك القائلون بأن العبادلة الاربعة لم يدركوا إلا اواخر عمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا منه إلا اخبارا معدودة ثم لم يقتصروا في النقل عليها قطعا ولذلك غزر علمهم وكثرت روايتهم ثم كانوا يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير اسناد إلى واحد ولم يزعهم عن ذكر ذلك دينهم ولا اعترض عليهم غيرهم فدل ان الارسال جائز مقبول يحققه ان الرجل العظيم القدر في هذا الشأن اذا جزم قوله وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم او قال اخبرني الثقة بكذا فالثقة به ابلغ مما اذا ذكر اسم الرجل فإنه يطرق أمره اذا قال هو ثقة وثبت في كون الحديث صادرا من فلق في رسول الله صلى الله عليه وسلم والمبتغى هو الثقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 قال القاضي والمختار عندي ان الامام العدل اذا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم او اخبرني الثقة قبل فأما الفقهاء والمتوسعون وهو في كلامهم قد يقولون ذلك لا عن تثبت فلا يقبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 ومنهم من قال هذا هو منقول عن الحسن البصري والشافعي رضي الله عنهما ولا يقبل في زماننا هذا وقد كثر الرواة وطال البحث وتشعبت الطرق فلا بد من ذكر اسم الرجل والأمر على ما ذكره القاضي إلا في هذا الاخير فإنا لو صادفنا في زماننا متثبتا في نقل الاحاديث مثل مالك رضي الله عنه قبلنا قوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يختلف ذلك بالاعصار صلى الله عليه وسلم ثم قال القاضي تبينت ان مذهب الشافعي رضي الله عنه قبول المراسيل فإنه قال في المختصر اخبرني الثقة وهو المرسل بعينه وقد اورده لينقل عنه ويعتمد عليه ويعتقد معتمد مذهبه وعن هذا قبل مراسيل سعيد بن المسيب وانما رد ما تردد فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 مسالة 2 اذا روى الراوي حديثا عن شيخه فروجع فيه فقال لا ادريه فالحديث مقبول عندنا إذ لم يكذبه وقال ابو حنيفة رضي الله عنه هو مردود ومثاله ما نقله ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري من حديث النكاح بغير ولي وقال ابن جريج راجعت الزهري في الحديث فقال لا أعرفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 وتمسك أبو حنيفة رحمه الله بأن التعويل على الثقة وقد انخرمت الثقة وعارض قوله قول شيخه ونزل هذا منزلة اتفاق اوبه شهود الاصل قبل القضاء وقولهم لا ندري ما ذكره شهود الفرع والاختيار عندنا قبوله لأن الثقة عندنا تنخرم اذا كذبه فأما اذا قال لا أدريه فحمله على الذهول والنسيان ممكن فلا حاجة بنا إلى تكذيب عدل مع امكان التصديق وليس كذلك اذا كذبه إذ ليس أحدهما بالتصديق اولى نعم لا ننكر ان هذا في الثقة دون ما اذا وافق الشيخ ولكن نباهة الثقة غير معتبرة إذ حديث ينقله ابو عوانة في الثقة دون ما ينقله مالك مع نباهته وذلك لا يقتضي رده وانما يؤثر في الترجيح ولا وجه للنظر إلى الشهادة فإن مبناها على تعبدات ذكرناها ولذلك لا يراجع شهود الفرع مع حضور شهود الاصل بخلاف الرواية فإن منعوا ذلك استدللنا بسيرة الصحابة وقد علمنا انهم في مخاليف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 مكة والمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحافتهما إذا كانوا يعتمدون على قول أبي بكر وعمر وغيرهم مع امكان الرجوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ونعلم ان النسوة لا يكلفن البروز إلى الرسول في كل حكم من الصلاة والطهارة بل كن يعتمدن فقال قول ازواجهن فلا وجه لانكاره مسألة 3 اذا قال الصحابي من السنة كذا او سنة الرسول عليه السلام كذا قال المحدثون هو كقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا لأنهم يعبرون به عن قول النبي عليه السلام وهذا تحكم فإن السنة يعبر به عن الطريقة والشريعة بدليل قوله تعالى سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا فلعله قاله قياسا وسنة النبي اتباع القياس وكذا لو قال امرنا بكذا فإنه أمر باتباع القياس وان كان هو أظهر من الاول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 ولو قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كراوية قوله مثل قول صفوان بن عسال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا كنا مسافرين او سفرا ان لا ننزع خفافنا الحديث مسألة 4 اوجب المحدثون نقل الفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهها وغالوا حتى منعوا ابدال أي اسم الله تعالى باسم آخر من اسماء الله تعالى تمسكا بقوله عليه السلام تضر الله امرا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ اوعى من سامع ورب حامل فقه إلى من هو افقه منه والمختار ان الالفاظ منقسمة إلى ما يتميز بخاصية الاعجاز وهو الفاظ القرآن ولا بد من نقلها إذ الاعجاز بها يتعلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 وما لا اعجاز فيه ينقسم إلى ما يتعلق به تعبد لا بد من قراءته كألفاظ التشهد فلا بد من روايتها على وجهها ومالا يكون كذلك يجوز تغييره بشرط ان يكون الناقل على ثبت من تبقية المعنى بتمامه إذ لا تبعد في اللفظ والمعنى هو المبتغى مسألة 5 اذا نقص الراوي شيئا من الحديث نظر فيه فإن كان المتروط لا يرتبط بالمنقول اصلا فذاك جائز وعليه درجت الصحابة إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرع لهم احكاما جمة في مجلس واحد وخطبة واحدة ثم كانوا ينقلونها متفرقة على حسب الحاجة وان ارتبط به بحيث لا يستقل المنقول بإفادة الغرض فلا يحل نقصانه فإنه اخلال بالغرض وان استقل الاول وكان الباقي يفيد مزيد وضوح فيجوز الاقتصار على الاول كما نقل عن ابن مسعود في بعض الروايات انه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة لما استدعى ذلك مني فرمى الروث وقال انه رجس ولم ينقل قوله ابغ لي ثالثا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وقد نقل عن الرسول عليه السلام انه قال الثيب بالثيب جلد مائة والرجم وفي بعض الروايات لم ينقل الجلد قال الشافعي رضي الله عنه لا أتلقى سقوط الجلد من الثيب من اقتصار الراوي إذ يحتمل ان النبي عليه السلام كان قد ذكره في هذا الحديث أيضا فاستحقره ثنا الراوي بالنسبة إلى الرجم فاقتصر على نقل الرجم ولكنه مأخوذ من قصة ماعز وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسألة 6 القراءة الشاذة المتضمنة لزيادة في القرآن مردودة كقراءة ابن مسعود في آية كفارة اليمين فصيام ثلاثة أيام متتابعات فلا يشترط التتابع خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه فإنه قبله وهو يناقض أصله من حيث انه زيادة على النص وهو نسخ بزعمه كما قاله في كفارة الظهار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 ومعتمدنا شيئان أحدهما أن الشئ إنما يثبت من القرآن إما لإعجازه وإما لكونه متواترا ولا اعجاز ولا تواتر ومناط الشريعة وعمدتها تواتر القرآن ولولاه لما استقرت النبوة وما يبتني على الإستفاضة لتوفر الدواعي على نقله كيف يقبل فيه رواية شاذة فإن قيل لعله كان من القرآن فاندرس قلنا الدواعي كما توفرت على نقله ابتداء فقد توفر على حفظه دواما ولو جاز تخيل مثله لجاز لطاعن في الدين ان يقول لعل القرآن قد عورض فاندرست المعارضة وجوابنا عنه أنه لو كانت لانتشرت وتوفرت ولتوفرت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الدواعي والجبلات على نقلها مع تشوف الطاعنين في الدين إلى ابطاله المسلك الثاني مبنانا به فيما نأتي ونذر الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم وقد كانوا لا يقبلون القراءة الشاذة وعن هذا كسر عثمان رضي الله عنه اضلاع ابن مسعود فكيف يقبل فإن قيل لا ينحط عن خبر الواحد فليعمل به قلنا العمل به ينبني على كونه من القرآن وقد بطل ذلك ثم مستندنا في العمل بخبر الواحد سيرة الصحابة وهم لم يعملوا به مسألة 7 اذا انفرد بعض النقلة بزيادة في اصل الحديث قبلت الزيادة خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه وقد عول على انه يبعد ان يحضر مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم جمع قد اعتنوا بحفظ كلامه ثم يختص بعضهم بسماع كلمة مع ذهول الاخرين عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 والعجب انه لم يتنبه لهذا في القرآن ومبناه على الاستفاضة والتواتر واعتبره في غير مظنته إذ وقوع غفلة او فترة لمعظم الحاضرين واختصاص البعض بالاستماع لا يحيله العرف والعقل والناقل عدل والجمع بينه وبين المقتصرين ممكن فلا يجعل للتهمة موضعا على ما قاله الشافعي نعم لو كذبوه وقالوا لم يقله فعند ذلك تبطل الثقة فلا يقبل فان قالوا ذلك مما يندر قلنا لا يرد حديث الثقة لندوره إذ قبل رواية من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائما مع ندوره بالنسبة إلى حاله وقد كان بحيث غشي عليه حياء لو انحلت عقد ازاره وانكشفت عورته والدليل عليه ان رجلين لو انفرادا من بين سائر الشهود في واقعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 شهدوها وشهدوا على زيادة قبل ذلك منهم من غير التفات إلى الندور مسألة 8 قال أبو حنيفة رضي الله عنه إخبار الآحاد فيما تعم به البلوى مردودة فنقول ان عنيت به ما يعظم موقعه في القلوب وتتوفر الدواعي على نقله فمسلم وان عنيت به ما يتكرر في اليوم والليلة كالصلاة والطهارة فليس كذلك إذ معظم الصور المتعلقة بالصلاة والسهو فيها انفرد به الآحاد وقد ردوا مذهبنا في الجهر بالبسملة بهذا السبب وقالوا لو كان لاستفاض فإن البسملة متكررة وهذا يعارضه ان الاسرار لو وقع لاستفاض ايضا ثم يقال لهم اتقطعون هذا بكذب ناقل الجهر ام لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 فإن قطعتم به فلا يدرك كذبه بضرورة العقل ولا نظره وان جاز وقوعه فهو عدل فلا وجه لتكذيبه والقول الوجيز أن ما يقتضي احلال الاستفاضة فيه اذا لم ينقل نفيه واثباته متواترا فهو محمول على احد امرين أما على قصور الدواعي وضعف الاعتناء بنقله واما على اندراسه بعد التواتر وهذا مما لا يعظم وقعه في القلب حتى يتواتر والعجب انهم اثبتوا تثنية الاقامة بمثله وهو شعار الاسلام يتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات مسألة 9 كل خبر مما يشير إلى اثبات صفة للباري تعالى يشعر ظاهره بمستحيل في العقل نظر ان تطرق اليه التأويل قبل وأول وان لم يندرج فيه احتمال تبين على القطع كذب الناقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسدد ارباب الالباب ومرشدهم فلا يظن به ان يأتي بما يستحيل في العقل وقوله عليه السلام يضع الجبار قدمه في النار مقبول مؤول محمول على الكافر العتل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهل النار كل جبار جظ جعظري وتشهد له قرائن وهو قوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وقد علم الرب تعالى متسع النار وما يملؤها فكيف افتقر إلى وضع القدم وهلا جعل الحجارة حشوها كما قال تعالى وقودها الناس والحجارة وحمله على الظاهر نسبة جهل إلى الله تعالى عن قول الظالمين او لعجزه عن أن يملأ النار بخلق يخلقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 ورب حديث علم علي القطع ازالة ظاهره كقوله عليه السلام قلب المؤمن بين اصبعين من اصابع الرحمن وخلاف الظاهر فيه مشاهد وقوله عليه السلام خلق آدم على صورته فالهاء فيه قيل راجعة إلى آدم ومعناه أنشأه كذلك بخلاف من دونه فإنهم كانوا أولا على صورة الآباء وقد قيل سببه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يلطم وجه غلام فقال لا تفعل فإن الله تعالى خلق آدم على صورته والقول الوجيز ان كل ما لا تأويل له فهو مردود وما صح وتطرق اليه التأويل قبل والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 كتاب النسخ وفيه أربعة أبواب الباب الأول في اثبات النسخ على منكريه وبيان حقيقته وقد انكر اليهود جواز النسخ فنقول لهم ان تلقيتم استحالته من عدم تصوره فتصويره ان يقول السيد لعبده افعل ثم يقول بعده لا تفعل وان تلقيتموه من استصلاح واستقباح فلا تساعدون عليه ثم لا بعد في تقدير مصلحة فيه وان نقلوا استحالة النسخ من موسى عليه السلام فقد كذبوا إذ شريعة عيسى عليه السلام نسخت شريعته ولا طريق لهم إلى انكار معجزته فإن قالوا النسخ يدل على البداء قلنا ان عنيتم انه يدل على تبين شئ بعد استبهام شئ فليس كذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 وان قلتم يؤدي إلى افتتاح امر لم يكن فالله تعالى يبدل الأحوال يحيي ويميت ويحرك ويسكن وان قالوا كلام الله تعالى قديم والقديم كيف ينسخ قلنا تعلق الخطاب بنا ليس قديما فلا بعد في انقطاعه كما ينقطع بالجنون وغيره فدل ان استحالة النسخ لا تعلم بضرورة العقل ولا بنظره فإن قيل امر الله ان فهم منه التأبيد فنسخه يشعر بالخلف وإن لم يدل إلا على التأقيت فلا حاجة إلى النسخ إذ النسخ رفع ولا رفع قلنا يندفع هذا السؤال ببيان حقيقة النسخ وقد اختلفت العبارات فيه فقال قائلون النسخ بيان امد العبادة وهو فاسد من وجهين أحدهما ان النسخ لا يختص بالعبادة الثاني ان البيان لو قارن لم يكن نسخا فلا بد من التراخي وقال الفقهاء النسخ تخصيص الأمر بزمان قال القاضي رحمه الله في روم افاسده ثم اجمع الفقهاء واليهود على رد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 النسخ إذ الأمة مجمعة على اثباته معنى وراء التخصيص فلا تغني الموافقة في اللقب ورد المعنى إلى التخصيص إذ النسخ رفع لا رفع فيما قلوه والتخصيص بالقياس واخبار الآحاد مسوغ دون النسخ قال القاضي والنسخ رفع الحكم الثابت وهذا يرد على ما ذكره اليهود من ان رفع الثابت خلف وقالت المعتزلة النسخ هو النص الذي يتضمن رفع مثل الحكم الثابت في مستقبل الزمان الذي لولاه لاستمر الحكم والمختار ان النسخ ابداء ما ينافي شرط استمرار الحكم فنقول قول الشارع افعلوا شرط استمراره ان لا ينهى وهذا شرط تضمنه الأمر وان لم يصرح به كما ان شرطه استمرار القدرة ولو قدر عجز المأمورين تبين به بطلان شرط الاستمرار فإن قيل ما الفرق بينكم وبين المعتزلة قلنا نفارقهم في مسألتين إحداهما انا نجوز نسخ الأمر قبل مضي مدة الامكان وهم لا يجوزون لأن الأمر ليس بثابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 والاخرى انه لو قال افعلوا أبدا جوزنا نسخه لأنا لا نتلقاه من اللفظ وهو كما لو قال افعلوا أبدا ان لم أنهكم عنه إذ شرط استمراره عدم النهي ونقول للذين حملوا النسخ على التخصيص ان عنيتم به ان الحكم في علم الله تعالى كان متخصصا بهذا الوقت فهو مسلم وإن عنيتم ان اللفظ في وضعه تخصص به فليس كذلك فإنه لو قال افعلوا أبدا فهو نص ويجوز نسخه نعم لا يجوز الهجوم عليه بالقياس لأن التخصيص أيضا تلقيناه من الصحابة لا من العقل ولم ينقل عنهم ذلك في النسخ فإن قيل هذا نسخ لا يتضمن رفعا قلنا يتضمن رفع اعتقادنا ووهمنا فإنا كنا نظن استمرار الحكم ابدا وإلا فالثابت في علم الله تعالى لا ينقلب فإذن تحصلنا على اثبات النسخ وراء التخصيص متضمنا لرفع الاعتقاد دون الحكم في علم الله تعالى مفارقا للإستثناء إذ شرط النسخ الاستئخار ولو قارن لناقض وشرط الإستثناء المقارنة ولو إستأخر لناقض فبان بما ذكرناه وجه الرد على اليهود فيما ذكروه من السؤال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الباب الثاني الناسخ هو الله تعالى وهو المثبت وقولنا الخبر ناسخ او الشئ ناسخ تجوز ثم لا خلاف في جواز نسخ الكتاب بالكتاب ونسخ الكتاب بالسنة جائز عند الاصوليين خلافا لمالك والشافعي والاستاذ أبي اسحق في زمرة الفقهاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 فنقول ليس في العقل ولا في الشرع ما يحيل قوله النبي عليه السلام لأمته هذه الآية منسوخة من غير ان يتلو معها آية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول ما يقوله إلا عن وحي وكان لا ينطق عن الهوى وان كان يجتهد لم يكن مترددا في اجتهاده بل كان يقطع بما يقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 فإن قيل نسخ المعجز بغير المعجز محال قلنا ليس كذلك بدليل جواز نسخ آية بنصف آية لا اعجاز فيها فإن تمسكوا بقوله تعالى ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها الآية قلنا هذا ان دل فإنه يدل على أنه لم يقع ثم لا يدل عليه ايضا فإنه محمول على العلم والامارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 ثم لم يذكر انه لم ينسخ إلا بالكتاب وانما فيه تعرض للمنسوخ والاتيان بآية أخرى وإن لم يكن هو الناسخ ثم الاية مجملة لترددها بين هذه الجهات هذا هو الكلام في جوازه ونحن نقطع بوقوعه فإنا نرى آيات من الكتاب منسوخة كآية الوصية وغيرها وليس لها ناسخ من الكتاب فأما ورود آية على مناقضة ما تضمنه الخبر جائز بالاتفاق ولكن الفقهاء قالوا النبي صلى الله عليه وسلم هو الناسخ لخبره دون الآية وهذا كلام لا فائدة فيه فلا استحالة في كون الآية ناسخة للخبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وعزي إلى الشافعي رضي الله عنه المصير إلى استحالته ولعله عني في المسألتين ان النبي علي السلام لا ينسخ فلا يثبت أيضا حتى تكون الآية ناسخة لحديثه وانما الناسخ والمثبت هو الله تعالى والنسخ بأخبار الآحاد تردد القاضي فيه وقال لا أدري لو نقل الصديق عن الرسول عليه الصلاة والسلام نسخ آية هل كانوا يحكمون وهو في مظنة التردد كما قال ولا شك في أنهم كانوا لا يسلطون القياس على الكتاب بالنسخ والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 الباب الثالث فيما يجوز ان ينسخ ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم جائز خلافا للمعتزلة فنقول التلاوة حكم مستقل بنفسه فلا يستحيل نسخه كنسخ الحكم دون التلاوة والدليل عليه قوله تعالى والشيخ والشخة اذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله تعالى فالتلاوة منسوخة والحكم باق مسألة 1 يجوز نسخ الأمر قبل مضي زمان امكان الامتثال خلافا للمعتزلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 بدليل نسخ الذبح عن ابراهيم قبل امتثاله وكان قد اعتقد وجوب الذبح ولذلك تعاطى سببه فإن قيل لم يكن مأمورا إلا بمعالجة الذبح قلنا فلم فدي وكان قد فعل ثم لا نظر في ذلك وقد قال تعالى إن هذا لهو البلاء المبين ولا يظن أيضا به التقصير في التأخير حتى يقال كان النسخ بعد الإمكان وقوله صدقت الرؤيا معناه حاولت الاقدام اعتمادا على الرؤيا والمسلك المختار انا نقول لا يدرك استحالة هذا النسخ بضرورة العقل ولا بنظره وغاية المسألة انه يبين بالنسخ ان الأمر ثابت والنسخ رفع حكم ثابت وقد قال القاضي رضي الله عنه الحكم قبل الامكان ثابت ولذلك يعلم المأمور كونه مأمورا قبل التمكن ونحن نقول كان ثابتا في وهمنا فارتفع وهمنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 وكان الله عالما بأن لا مطلوب ولا طلب كما اذا امره ثم عجز قبل التمكن ولا فرق بينهما فان قيل وما فائدة هذا الأمر قلنا لا يطلب لافعال الله تعالى فائدة ثم فائدته اعتقاد الوجوب كما اذا امر ثم عجز قبل الامكان فإن قيل لو أمر لاراد واذا اراد نفذت ارادته فكيف ينسخ قبل الفعل قلنا عندنا قد يأمر بما لا يريد وينهى عما يريد ثم يعارضه ما اذا امر ثم سلب القدرة مسألة 2 الزيادة على النص اذا لم ترتبط بالمزيد عليه كالامر بالصلاة بعد الأمر بالزكاة لا تكون نسخا بالاتفاق واذا ارتبطت بالمزيد على وجه ابطل الانحصار المتلقى من النص فهو نسخ كما اذا قدر صلاة الصبح بركعتين ثم زيد فيهما ثالثة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 فأما اذا لم يرتبط به لا يكون نسخا كقولنا الايمان شرط في كفارة الظهار كما ذكرنا في كتاب التأويل وقد يدعي أبو حنيفة رحمه الله ذلك في شرط النية في الطهارة من حيث ان الله تعالى تولى بيانها ولم يتعرض لها ولا يغني في الجواب المعارضة بطهارة الماء وستر العورة واستقبال القبلة لان ذلك لا يتعلق بمقصود فعل المتطهر ولا المتيمم فان ذلك مناقضة من ابي حنيفة فالجواب ان نقول الظاهر يدل على الاقتصار ولكن خصصناه بدليل آخر وعن هذا قال الشافعي رضي الله عنه الزيادة على النص تخصيص عموم ووجه الإجمال ان الله تعالى اراد به التعرض للافعال الظاهرة فلم يتعرض للنية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وقد يستدلون به في الشاهد واليمين من حيث ان الله تعالى قال واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ولم يتعرض له فنعارضهم رسول باعتبار العدالة والحرية والقضاء بالنكول فإنه من احد الحجج ثم الشاهد الواحد يقوي جانب المدعي والحجة هي اليمين والتحقيق فيه ان الله تعالى في سياق هذه الاية حث الناس على ما فيه مصلحتهم والاصلح الاستظهار بالبينة الكاملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 الباب الرابع في حكم المنسوخ قال قائلون النسخ المطلق اذا ورد على الحكم يتضمن اثبات نقيضه وهذا فاسد إذ الاحكام تتلقى من اوامر الشرع ولفظ النسخ بمجرده لا يدل على اثبات نقيض المنسوخ ولكن يدل على رفع ذلك الحكم فيقدر كأن ذلك الحكم لم يكن اصلا وتلتحق تلك الواقعة بالافعال قبل ورود الشرع مسألة (1) قال قائلون من لم يبلغهم خبر النسخ فالحكم في حقهم ثابت مستمر إذ لو ثبت في حقهم النسخ لكان ذلك تكليف ما لا يطاق فان الامكان يترتب على الفهم ولهذا قالوا لا يجوز لهم ترك المأمور الاول والوجه عندنا رفع الخلاف فإن النسخ لو استعقب حكما آخر فلا يكلفون ذلك قطعا وليس لهم ترك ما امروا به قطعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 ولو فاتهم الفعل قبل بلوغ الخبر فوجوب القضاء من مجوزات العقول فلا نقطع به وانما يتلقى من امر متجدد ان ورد موجب وألا فلا مسألة 2 راى أبو حنيفة رضي الله عنه استنباط ترك التبيت من الحديث الوارد في صوم عاشوراء قبل ان ينسخ وجوبه وقال اصحابنا الاسنتباط ولا من المنسوخ باطل فإنه فرع ثبوت الحكم والمختار انه ان قدح فيه معنى مخيل اعني في المنسوخ جاز التمسك به صححنا الاستدلال بالمرسل الم نصححه لأن فريضة الصوم في وضع الشرع لم تنسخ ولكن ابدل زمان بزمان ولكن لا يستقيم لأبي حنيفة رضي الله عنه استنباط معنى مخيل من فرضية عاشوراء في ترك التبييت فالتشبيه في هذا المحل لا يقبل والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 كتاب الاجماع وفيه خمسة ابواب الباب الأول في اثبات كون الاجماع حجة وبيان صورته والاجماع عبارة عن اتفاق اهل الحل والعقد وهو حجة كالنص المتواتر عند أهل الحق وانكر منكرون تصوره واحال وقوع الاتفاق بين الأمة في تصوره وانكر منكرون تصور العلم به مع اعترافه بتصوره في نفسه وزعم آخرون أنه يتصور ويعلم لكن لا يحتج به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 ومعتمد من جحد تصوره ان الاجماع لا انتفاع به في مواقع النصوص وانما يحتاج إليه في مظان الظنون واطباق الأمة على كثرة عددها على حكم واحد في مسالة مظنونة مع اختلاف القرائح وتباين الفطن في الاستحالة كإطباق لم اهل بغداد في حالة واحدة على قيام او قعود او أكل زبيب وذلك مستحيل عرفا فنقول المسالة التي تتعارض فيها الظنون على وجه لا يترجح حانب على جانب يبعد في العرف الاطباق عليها من الجم الغفير فأما اذا ترجح احد الجانبين في مسلك الظن فلا بعد في الاطباق عليه إذ صفو الافهام بجملتها إلى الاغلب على ان الاجماع متصور انعقاده عن نص على ما سنذكره وذلك غير بعيد ولا يغني في الجواب قول القاضي رضي الله عنه نرى النصارى على كثرتهم يطبقون على مذهب واحد وكذلك القول في اصحاب المذاهب كلها لان جامعهم التعصب ورابطتهم حدثنا التقليد واتباع الهوى وانما يبعد الاتفاق من الجماهير في مظان النظر اذا استقلوا بالنظر وإذا تبين تصوره فطريق العلم به ان ينقل عن جملتهم ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 ويمكن تصويره في ملك سايس يجمعهم على صعيد واحد يستفتيهم فيتفقون او يراسلهم او يكاتب جميعهم ويعلم توافقهم في وقت واحد فهذا طريق تصوره والعلم به أما اثبات كونه حجة فقد تمسك الشافعي فيه بقوله ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى الآية تواعد على ترك إتباع سبيل المؤمنين فإذا أجمعوا على حكم فهو سبيلهم فإن قيل تنطوي عليه السريرة ولا اطلاع عليها فما ندري ان الذبن اجمعوا اهم المؤمنين الذين يجب اتباعهم ام لا قلنا لم نكلف البحث عن الضمائر وانما امرنا ببناء الأمر على الظاهر واذا اجمعت الأمة على حكم يجب القضاء بأنهم هم المؤمنون إلا انه ينقدح حمل الآية على ترك الايمان والمخالفة فيه ويشهد له قوله قبله ومن يشاقق الرسول وهذا ان لم نقطع به فهو محتمل والقطيعات ابن لا تثبت بالمحتملات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 ومما تمسك به الأصوليون قوله عليه السلام لا تجتمع امتي على ضلالة وروى على الخطأ ولا طريق إلى رده بكونه من إخبار الآحاد فإن القواعد القطعية يجوز اثباتها بها وان كانت مظنونة كما سيأتي في كتاب القياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 ولكن هذا الحديث يحتمل حمله أيضا على البدعة والضلالة في الدين والاعتقاد وعلى الاخلال بأصل الدين فضعف التمسك به من هذا الوجه فان قيل فما المختار عندكم في اثبات الاجماع قلنا لا مطمع في مسلك عقلي إذ ليس فيه ما يدل عليه ولم يشهد له من جهة السمع خبر متواتر ولا نص كتاب واثبات الاجماع بالإجماع تهافت والقياس المظنون لا مجال له في القطيعات وهذه مدراك قوله الاحكام ولم يبق وراءه إلا مسالك العرف فلعلنا نتلقاه منه فنقول الاجماع يعرض على ثلاث صور الصورة الاولى ان تجمع الأمة على القطع في مسالة مظنونة فإذا قطعوا قولهم وقد كثر عددهم بحيث لا يتصور منهم في طرد العادة التواطؤ على الكذب فهذا يورث العلم إذ يستحيل في العادة ذهولهم وهم الجمع الكثير عن مسلك الحق مع كثرة بحثهم وإغراقهم في الفحص عن مأخذ الأحكام ففرض الغلط عليهم كفرضه على عدد التواتر إذا أخبروا عن محسوس لأن هؤلاء قطعوا في غير محل القطع ولا يظن بهم التحكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 فيعلم على الضرورة أنهم تلقوا من نص عن الشارع مقطوع به فهذا مسلك إثباته وهو قريب مما ذكرناه في أخبار التواتر فإن قيل لو رأوا نصا لنقلوه قلنا لا بعد في اندراسه على ممر الأيام استغناء عنه لاستفاضة مقصوده وركونا إلى إطباق الناس على العمل به فإنا نعلم أنهم لا يقطعون في غير مظنة القطع هزلاء له فكانت الحجة مستند الإجماع إذن والإجماع وسيلة إلى الحجة فإن سميناه حجة فيجوز كما يسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم آمرا وناهيا والأمر والنهي إلى الله تعالى وهو مجاز الصورة الثانية أن يطبقوا في مسألة ظنية على حكم واحد من غير أن ينقل عنهم القطع بذلك فطريق إثباته أنا نعلم أن التابعين لو رأوا من يبدي خلاف ذلك لشددوا القول عليه بالتخطئة والتضليل قاطعين بأنه أساء وتعدى في مقالته ولا يقطعون بذلك تحكما وهزلا فنعلم ان مستندهم حديث قاطع حملهم على الإنكار على خارق الإجماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 فالتحقت هذه الصورة بالصورة الأولى إذ نهايته قطع لا في محل القطع الصورة الثالثة أن يشتوروا في مسألة ويستقر رأيهم على حكم ويجمعوا عليه وكانوا بايحين ذلك بأنهم قالواه عن قياس وظن غالب راجح فيعلم ضرورة من التابعين تشديدهم النكير على من يبدي خلافا وهذا قطع منهم لا في محله فالتحقت بالصورة الأولى ولا يبعد أن يكون قوله لا تجتمع أمتي على الخطأ مستندهم في قطعهم بذلك أو حديث آخر أوضح منه فإن قيل فهل يتصور انعقاد إجماع عن قياس قلنا أنكره منكرون وتعلقوا بأن القياس مظنون وهو مختلف فيه فكيف يتلقى منه قاعدة قطعية والمختار تصور انعقاده منه كما ذكرناه لعلمنا بإبداء التابعين النكير على المخالف بعد استمرار العصر الأول عليه فإن اشتوروا وحكموا به قياسا فهذا قطع منهم لا في محله فيستدعي مستندا قاطعا بحكم العرف كما ذكرناه ويمكن أن يتمسك عليه بقوله لا تجتمع امتي على الخطأ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 فإذا اجتمعوا على قياس كان حقا في نفسه لا يسوغ خلافه كما أنهم لو أجمعوا على أصل القياس وجب اتباعهم فالإجماع على نوع من القياس يتبع أيضا وقولهم الظن لا يتلقى منه القطع ليس كذلك فإنا نتلقى القطع بوجوب العمل بأخبار الآحاد وإن تطرق إليه خيالات لإستناده إلى إجماع مقطوع به وكذلك هذا وإذا تلقينا الإجماع من العرف لم نخصصه بشرعنا وخصصه من تلقاه من الحديث لتخصيص الرسول أمته وأحكام العرف لا تتفاوت بإختلاف الشرائع ولا نخصصه بالصحابة بل نحكم به في كل عصر بعدهم وهذا خارج عن حكم الخبر والعرف جميعا وقال قائلون يختص بالصحابة فإن قيل فهل تكفرون خارق الإجماع قلنا لا لأن النزاع قد كثر في أصل الإجماع لأهل الإسلام والفقهاء إذا أطلقوا التكفير لخارق محمد الإجماع أرادوا به إجماعا يستند إلى أصل مقطوع به من نص أو خبر متواتر والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 الباب الثاني في صفات أهل الإجماع لا تعويل على وفاق العوام وخلافهم والمستجمعون إلى لخلال الاجتهاد هم المعتبرون والمجتهد المبتدع إذا خالف ينعقد الإجماع دونه عند من كفره أو فسقه والمختار أنه لا ينعقد دونه فإنه مجتهد يعول على قوله فيما نختاره ولا نكفره وتقبل شهادته ولا يفسق والمجتهد الفاسق قيل لا مبالاة كان بخلافه إذ لا يقبل قوله وفتواه في الدين والدنيا والمختار أنه لا ينعقد الإجماع مع خلافه لأنه مستجمع لخلال التهدي والتبصر في الأحكام وصدقه ممكن والأصل عدم الإجماع فلا ينعقد على تردد ينشأ من خلاف عالم بالشرع وهو يضعف مأخذ الإجماع على ما ذكرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 نعم لا تقبل روايته وشهادته لأن الأصل عدم ما يخبر عنه فأما الفقيه المبرز في الفقه الذي لا يعلم الأصول أو الأصولي الذي لم يتعمق في الفقه فلا عبرة بخلافه فإنه ليس بصيرا بمآخذ الشرع بعد ويجب عليه أن يستفتي فيما يقع له فكيف يتوقف الإجماع على قوله نعم إن كان يحقق بكسبه وفقهه إشكالا فحق أهل الإجماع أن يبحثوا عنه ثم قوله بعد إجماعهم كإشكال أبو يبدي بعد انعقاد الإجماع فلا أثر له واختار القاضي رحمه الله أن خلافه معتبر لأن أهل الإجماع يستندون إلى رأيه وفقهه وهو فقيه متهد إليه وقد بينا أنه لا تعويل على عناده بعد بحث أهل الإجماع عن قوله وتزييفهم رأيه واستدل بأن ابن عباس رضي الله عنهما كان يخالف وكان صبيا ولم يكن مجتهدا ومن وافقه لا يعد خارقا قلنا لم يخالف إلا وهو مجتهد ولا نسلم له ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وصار محمد بن جرير إلى أنه لا مبالاة بقول أقل من ثلاثة وإن كانوا مجتهدين فإنه يندر إصابتهم وخطأ الباقين والمختار أن خلاف واحد مستجمع الصفات يمنع صحة الإجماع لأنه يقطع ما ذكرناه في مأخذ الإجماع والندور يبطل عليه بثلاثة مع ثلاثة آلاف فإن إصابتهم أيضا نادرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 الباب الثالث في عددهم إذا بلغوا مبلغ التواتر فهو النهاية وإن تراجعت أعدادهم إلى واحد وما فوقه إلى مبلغ لا يستحيل عليهم الخطأ والتواطؤ عرفا فلا حجة فيه عندنا لأن العرف لا يقضي بإصابتهم قضاء باتا إذ الغلط على الواحد والاثنين غير مستنكر في العرف وقال قائلون هذا غير متصور وإنكار هذا مناكرة المعلوم بالمشاهدة في الحال وإثبات استحالته لا مستند له عقلا وشرعا فإن قيل هذا الدين لا بد وأن يبقى محفوظا وإذا نقص عدد أهل الإجماع بطل الركن الأعظم في الدين قلنا قولوا يحصل الإجماع بقولهم وإن قلوا ثم ذلك مشاهد في الحال وقد وعد الرسول عليه الصلاة والسلام الفترة في آخر الزمان وقال بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 سيأتي عليكم زمان يختلف فيه رجلان في فريضة فلا يعرفان من يعرف حكم الله فيها وصار صائرون إلى أنه يتصور ولكن ينعقد الإجماع بقولهم وإن عادوا إلى واحد فإن قوله متبع في الإسلام وقال الله تعالى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى وهذا سبيلهم قلنا الآية لا حجة فيها كما ذكرنا وإن كان فلا يدل على التفاصيل والإجماع مأخوذ من إبداء أهل العصر الثاني النكير ودعوى ذلك ههنا غير ممكن مسألة صار مالك رضي اله عنه إلى أن الإجماع يحصل بقول الفقهاء السبعة وهم فقهاء المدينة ولا نبالي بخلاف غيرهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وقدم أيضا مذهبهم على النص ولا خفاء ببطلان هذا فإنهم ليسوا كل الأمة والمدينة أطلال لا أثر لها ولكن لعله صار إلى أن عدد التواتر لا يعتبر ومخالفة الأقل لا يضر وكانوا أكثر المجتهدين في زمانه وإنما قدم قولهم على النصوص لإعتقاده أن مذهب الراوي يقدم على روايته وانحصرت الرواية فيهم عنده هذا مجمل مذهبه بعد إحسان الظن به وقد تكلمنا عليه وبالله التوفيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 الباب الرابع في شرائط الإجماع شرطه أن يقع في مظنون فإن كان معقولا لا يمكن دركه بنظر العقل فما يتقدم في مرتبته على إثبات الكلام للباري فلا يثبت بالإجماع لأن مستند الإجماع وهو حجة شرعية كلام الله تعالى وكذا الكلام فأما ما لا يبعد استئخاره عنه كخلق الأفعال ومسألة الرؤية والقضاء والقدر فهذا مما يجب اعتقاده لو ورد فيه نص وقال قائلون يحتج أيضا بالإجماع فإن إطباقهم على غير الحق مع كثرة عددهم بعيد والمختار أنه لا يحتج به لأن العقل لا يحيل ذلك في المعقولات والشبهة مختلجة أو والقلوب مائلة إلى التقليد واتباع الرجل المرموق فيه إذا قال قولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 هذا مما اختاره الإمام رحمه الله وللكلام فيه مجال إذ لو تمسك فيه بقوله لا تجتمع امتي على الضلالة وهو نص فيه مع علمنا بقطع التابعين الرد على من يبدي خلاف مسلكهم ولا يقطعون في غير محل القطع إلا مستندين إلى قطع وتقدير اجتماع الصحابة على كثرة عددهم على البدعة والضلالة واعتقاد خلاف الدين بعيد كإجماعهم على قياس خطأ بعد الاشتوار ومن شرائطه عمد بعض الناس انقراض العصر ليستبان به استقرار الاتفاق ثم قيل يكتفي يموتهم) تحت هدم دفعه واحدة إذ الغرض انتهاء عمرهم عليه وقال المحققون لا بد من انقضاء مدتهم ليفيد فائدة فإنهم قد يجمعون على رأي وهو بعرض التغيير وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما انه ابدى الخلاف في مسائل بعد اتفاق الصحابة رضي الله عنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 والمختار أنهم ان قطعوا لا في محل القطع لا حاجة إلى انقراض العصر لان ذلك لا يتفق غلطا وعن رأي إلا بقاطع وإن اطبقوا في محل الظن من غير قطع فلا بد من استمرار العصر والرجوع في مقداره إلى الطرف والغرض تبين الاستقرار ثم يعتبر معه تكرار الواقعة فلو تناسوها فلا اثر للاجماع مع استمرار العصر قيل ومن شرطه ان يبوحوا به او يكتبوه في فتاويهم أما اطباقهم على الفعل لا يكون اجماعا فإن آحادهم لا يعصمون عن زلات متفاوتة وكذا جملتهم والمختار انه يستدل به لعلمنا أن التابعين لو انكروا على فاعل فعلا فاستدل بفعل الانصار والمهاجرين اطباقا ترك ورد على من يرد عليه ويتصل بهذا رضاهم وسكوتهم عن الشئ قال الشافعي رضي الله عنه في الجديد لا يكون اجماعا إذ لا ينسب إلى ساكت قول وقال ابو حنيفة رحمه الله هو اجماع لانهم لو اضمروا خلافا لبعد في العرف سكوتهم ورضاهم تقرير عليه كتقرير الرسول عليه الصلاة والسلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 واستدلال ابي حنيفة بسكوت بعض الصحابة في كل مسالة مع دعوى الانتشار مزيف إذ لا تنتشر الوقائع التي لا تتوفر الدواعي على نقلها نعم قصة ابن ملجم وما يضاهيها لا يكلفون فيه نقل الاشتهار فانه مشتهر في العرف ولكن دعوى السكوت والرضا من الكل مع تباين امصارهم محال إذ لا يبعد اضمار واحد خلافا وان لم يبده لفوات الأمر او ابداه ولم ينقل والمختار ان السكوت لا يكون حجة إلا في صورتين احداهما سكوتهم وقد قطع بين ايديهم قاطع لا في مظنة القطع فالدواعي تتوفر في الرد عليه والثانية ما يسكتون عليه مع استمرار العصر وتكرر الواقعة بحيث لا يبدي في ذلك احد خلافا فأما اذا حضروا مجلسنا فأفتى واحد وسكت الاخرون فذلك اعراض لكون المسالة مظنونة والادب يقتضي ان لا يعترض على القضاة والمفتين والله اعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 الباب الخامس فيما يكون خرقا للاجماع اذا اجمعت الصحابة في مسالة على قولين فإحداث مذهب ثالث عند بعض العلماء ليس خرقا لانهم اجمعوا على تسويغ الخلاف وفتحوا بابه والمختار انه خرق لانهم اجمعوا على الحصر فذهولهم عبد عن الحق على ممر الايام مع كثرتهم محال ولكن لا بد من طول الزمان وليكن اطول مما يعتبر في الاجماع على قول واحد فأما إذ اجمعوا على قولين ثم اجمع العصر الثاني على أحدهما هل يخرمه الخلاف بعده قال القائلون يخرم لان الأمة لا تجتمع إلا على الحق فصار هذا حقا قطعا وقال الشافعي والقاضي رضي الله عنهما وهو المختار لا يخرم الخلاف لان الاولين اجمعوا على تسويغ الخلاف فمن لم يجوز فقد خرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 الاجماع ولكن ينبغي ان يبقى هذا الاضراب بينهم في الزمان لو فرض مثله على قول واحد لكان اجماعا فأما اهل العصر الاول اذا اجمعوا على احد المذهبين بعد الاختلاف فاختلفوا في هذه المسألة أيضا كما في اجماع اهل العصر الثاني والمختار انه ان فرض في صورة القطع في غير محله فالرجوع إلى مذهب واحد بعد القطع بجواز الخلاف لا يفرض في العرف ومن احادهم يحمل على الغلط فأما اذا لم يقطعوا بتسويغ الخلاف فالرجوع بعده إجماع قبل انقارض العصر إذ تبين به عدم الاصرار والإجماع على الخلاف وبعد انقضاء مدة الإجماع لا يفرض الرجوع فان قيل اجمعت الصحابة في مسالة رد الثيب اذا وطئت بالعيب على منع الرد مع العقر فلم احدثكم مذهبا ثالثا قلنا ذلك منقول عن الآحاد ولا ينتشر مثل هذه الواقعة فلا إجماع فيه ولا معنى لقول بعض اصحابنا انهم قد قالوا على الجملة بأصل الرد فقد وافقناهم فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 إذ الرد مع العقر يناقض الرد مجانا من جميع الوجوه إذ لو فرض الإجماع عليه لكان الرد مجانا خرقا للاجماع فان قيل بماذا يتبن رجوع المفتي عن مذهبه قلنا اذا افتى بتحريم ثم أفتى بنقيضه فقد رجع وكذا اذا قال رجعت فلو أفتى وقطع به ثم أفتى بنقيضه فقد رجع عن مذهبين أحدهما الحكم والاخر القطع به وان كان تردد ابتداء فليس ذلك مذهبا في تقدير القطع به لعده رجوعا وان ارتكب خلافه لم يكن رجوعا لانه ليس معصوما ويتصل به انه لو أفتى ابو بكر رضي الله عنه في مسالة وافتى عمر رضي الله عنه فيها بنقيضه وهما علما وقوع الاختلاف يستبان من خلافهما مع عدم النكير إجماع على الخصوص على ان المسالة مختلف فيها وان لم يصرحوا به وذلك معلموم عليه بقرينه الحال قطعا إذ لو كان مقطوعا لما تركوا النكير فيه وقال قائلون لا يتبن به لانه ليس مصرحا به كالفعل وهو فاسد لما ذكرناه من القرينة والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 كتاب القياس وفيه عشرة ابواب الباب الاول في حده واثباته على منكريه أما حده فقد قيل انه رد الشئ إلى الشئ بجامع وهذا فاسد لان الجامع مجهول والشئ لا يطلق على المعدم وقد يبغى القياس نفيا وعدما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 وقيل انه اعتبار فرع بأصل بجامع وهذا فيه احتمال اصلا والاصح ما قاله القاضي رحمه الله من انه حمل معلوم على معلوم في اثبات حكم او نفيه باثبات صفة او حكم او نفيهما عنهما وكذا كل عبارة تنطبق على هذا المعنى وهذه ترجمة للتمييز وليس حدا يقوم المحدود كما يرتضيه اهل التحقيق في الاجناس والانواع والقياس ينقسم إلى عقلي وشرعي وانكرهما أبي الحشوية واثبتهما الجماهير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 والحنبلية ردوا قياس العقل دون الشرع والداوودية ردوا قياس الشرع دون العقل وصار إلى رد قياس الشرع جملة الروافض سوى الزيدية وجملة الخوارج من الإباضية والازارقة وبعض النجدات ومعهم النظام وأبو هاشم انكره إلا ما نص الشارع عليه من تشبيه وتمثيل كقوله تعالى فجزاء مثل ما قتل من النعم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 ورد القاشاني والنهرواني جملته إلا ما في معنى الأصل كالأمة في معنى العبد في حكم السراية والهرة في معنى الفأر في معنى التنجيس بالموت في الماء واليه صار بعض من لم يقل بالقياس من اصحاب الظواهر ثم المنكرة انقسموا منهم من تلقى رده في استقباح العقل ومنهم من قال في الشرع ما يدل على تحريمه ومنهم من قال هو مردود لانه لا دليل على قبوله من عقل ونقل والذين تلقوا من الاستحسان انقسموا منهم من قال الظن قبيح في نفسه لانه ضد العلم والعلم حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 وهذا يبطل الموت والغفلة والجنون والوساوس فإنها اضداد العلم وهي من فعل الله تعالى ويبطل بالنظر والشك فإنه مأمور به والقبيح لا يؤمر به وهو ضد العلم ومنهم من قال لا يقبح الظن في نفسه لكن يستقبح من الشارع القاء الشرع إلى مختبط الظنون ومرتبك الجهالات والخيالات وجعل الأمر فوضى بين العقلاء حتي يتيهوا فيه ويمتد تنازعهم على انقراض العصور كما تراها فنقول لا بل هو المستحسن قطعا فان الأفعال بجملتها اقداما واحجاما (يحسن كونه مستندا إلى رسم الشارع والوقائع لا نهاية لها والالفاظ المحصورة لا تحويها وتركها سدى مهملا ليفعل كل ما يشاء قبيح فتعين تفويضه إلى اراء العقلاء وأرباب الدراية بمآخذ الشريعة ومصالها ليحكموا بها ملتفتين على مجاريها يحققه ان مثار القبح هو الاعتياد والعقلاء بأجمعهم مطبقون على الالتجاء إلى الظن والراي عند الارتباك في واقعة فانهم يقدمون عليها على ظن غالب ولا يستقبحونه هذا بعد النزول عن قاعدة الاستقباح وهو مردود فإن كل ممكن يجوز ورود الشرع به عندنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 فان قيل لا شك في ان ردهم إلى النصوص احسن قلنا هذا يحسن من قائله في ترك النص على الخلافة وتعيين الخليفة فإن ذلك ترك الناس على جهالة افضى الى فساد وتقاتل هائل وضبطه بالنص امر ممكن فإنه امر معين أما الوقائع فلا ضبط لها فبيانها بالنصوص امر محال تصويره والذين زعموا أن في الشرع ما يدل على رده تمسكوا بقوله إن بعض الظن إثم وبقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا حكمت على القرآن برأيي وقول ابن مسعود رضي الله عنه لو حكمنا بالرأي لحرمنا كثيرا مما أحله الله وحللنا كثيرا مما حرمه الله وقول ابن عباس رضي الله عنه إن الذي أحصى رمل عالج عددا لم يجعل في المال الثلث والثلث والنصف في رد قياس العول قلنا قوله تعالى إن بعض الظن إثم مقول به عندنا فليوصف ما بعضه بخلافه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 وقول أبي بكر رضي الله عنه يتبع ولا نحكم في القرآن برأينا فإن للتفسير مسلكا مضبوطا لا نتعداه وقد قال عليه السلام من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار وقول ابن مسعود رضي الله عنه محمول على قياس يحرم محللا بالنص ومثل هذا الرأي متروك وقول ابن عباس رضي الله عنهما دليل على قبول القياس فإنه ما قال ذلك عن نص لكنه غلظ الأمر في تفضيل القياس وقد كانوا يعتادون ذلك لاعتمادهم على قلة الرعونات ونحن لا نغلظ لا الآن على المجتهدين لأنهم لا يحتملون ثم نعلم على القطع منهم أنهم كانوا يشتورون ويقيسون قطعا ثم يعارضها ظواهر أظهر منها كقوله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار وقوله عليه السلام للسائل عن تقبيل الصائم أرأيت لو تمضمضت وهو قياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وقوله للخثعمية حيث سألته عن أداء الحج عن أبيها الميت فقال أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته وهذا عين القياس والفرقة الثالثة قالوا رددنا ما كان العقل لا يدل عليه وليس فيه نص كتاب ولا خبر متواتر يقطع به فلا يتحكم به قلنا يدل عليه ثلاث مسالك أحدهما ما نقل الينا من الصحابة من اشتوارهم في الوقائع المتفرقة ورجوعهم إلى المصالح والمقاييس وهذا منقول في صور متفرقة تورث علم القطع كأخبار التواتر وقد أجمعوا عليه والإجماع حجة مقطوع بها كما ذكرناه المسلك الثاني أن يجمل الأمر فنقول نعلم أنهم أعني الصحابة رضي الله عنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 من مفتتح أمرهم من بيعة السقيفة إلى موت واثلة بن الأسقع وهو آخر من مات من الصحابة كانوا يفتون في التحليل والتحريم والحقن والإهدار والأمور الخطيرة والوقائع كثرت على متعرض أيامهم ونقطع بأن النصوص لم تكن وافية بها فإنها كانت محصورة وهم كانوا يهجمون على الفتوى هجوم من لا يرى له ضبطا وأخبار الآحاد لا تبلغ ألفا ولا يظن بهم بناء الأمر على التمني والتحكم فلا مستند لهم سوى المصالح والنظام لما أنكره حمله على قصدهم جلب المال واكتساب الحشمة وهذا من قلة دين المرء فإن قيل فقد قاسوا في صورة مخصوصة ولو اتفقت واقعة لم يعهد مثلها فقستم فيها فمن أين تلقيتموه وهلا توقفتم على ما نقل منهم قلنا فهمنا على الضرورة مما نقل عنهم تشوفهم إلى القياس في وقائع لم تتفق لو وقعت وأنهم كانوا لا يمتنعون عن الفتوى فيها بل كانوا يقيسون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 فإنهم كانوا على طول آمادهم لم ينقل واحد منهم أنه أبى عن الفتوى في واقعة وقال لا نص فيها المسلك الثالث روي عن النبي عليه السلام انه قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن بماذا تحكم فقال بكتاب الله قال فإن لم تجد قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فإن لم تجد قال اجتهد رأيي فقال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله وقرره عليه وأثنى عليه بسببه وهو نص مقطوع به فإن قيل كيف تثبتون قاعدة قطعية بخبر واحد يتطرق إليه الاحتمال قلنا نعلم على الضرورة أن الصحابة لو ارتكبوا في قبول القياس ورده ونقل لهم الصديق على اتحاده هذا الحديث لقضوا بموجبه ونعلم أن الصحف التي كان يرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ولاته على البلاد لو اشتملت على الحكم بالقياس لاكتفوا فيها بقول الواحد فإن قيل كيف يتلقى القطع من الظن قلنا وقوع الظن مقطوع به ووجوب العمل عنده مقطوع به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 تلقيا من إجماع قاطع وهو كوجوب الإتمام على المقيم إذا تحقق إقامته بخبر الواحد فكذلك العمل بخبر الواحد عند وقوع الظن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 الباب الثاني في مراتب القياس وضبط أقسامه رتب علماء الأصول القياس على خمس مراتب المرتبة الأولى المفهوم من الفحوى كتحريم ضرب التعنيف من فهم النهي عن التأفيف والثانية تنصيص الشارع على قياس والثالثة إلحاق الشئ بما في معناه كقولنا الأمة في معنى العبد والرابعة قياس المعنى وهو ينقسم إلى الأجلى والأخفى والخامسة قياس الشبه وهو مصدر بالطرد والعكس وقال الأستاذ القياس ينقسم إلى مظنون وإلى معلوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 ثم المعلوم قد يقرب دركه وقد يبعد مثاله لافتقاره إلى مزيد تأمل والمظنون ينقسم إلى جلي وخفي إلى أن تتعارض الظنون فيرجح بمسالك نذكرها في الترجيح قال القاضي الظنون متقاربة لا ترتيب فيها ولم يقم لمسالك الظنون وزنا ومنه ثار الخلاف بينهما في تصويب المجتهدين على ما سنذكره ولم يختلفوا في أن قياس المعنى والشبه من أبواب القياس وما عداها من الأقسام الثلاثة اختلفوا فيها أعني المفهوم من التأفيف ومنصوص الشارع وإلحاق الأمة بالعبد وأما فحوى الخطاب وهو فهم تحريم الضرب من آية التأفيف فقال قائلون إنه قياس لأنه ليس بمنصوص وهو ملحق بالنص ولا معنى للقياس سواه قال القاضي ليس بقياس لأنه مفهوم من فحوى فهم المنصوص من غير حاجة إلى تأمل وطلب جامع والمختار أنه من المفهوم لا لما ذكره القاضي إذ لا يبعد في العرف أن يقول الملك لخادمه اقتل الملك الفلاني ولا تواجهه بكلمة سيئة فليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 فهم ذلك من اللفظ من صورته ولكن لسياق الكلام وقرينة الحال فهم على القطع إذ الغرض منه الاحترام فلا يعد قياسا والخلاف آيل إلى عبارة وأما منصوب الشارع نصا في حق شخص معين هل يعد قياسا قال قائلون لا يعد قياسا لأنه مفهوم من النص فهو الحكم وتأيدوا بأمور أحدها أن خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمم على جميع الأعصار ولا يعد ذلك قياسا ومنها أن الشارع لو قال لشخص لا تأكل اللبن فإنه سم فهم على القطع منه أن سبب تحريمه كونه قاتلا في حق جميع الناس من نفس النص ومنها أن هذا القياس إن لم يفهم من النص فهو محال وإن فهم فأي حاجة إلى القياس والمختار أن هذا قياس لا تنقطع مواد النظر عنه وعلينا نظران فيه أحدهما بيان محله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 والثاني بيان أنه لا يتخصص وعلل الشارع يجوز تخصيصها ويتبين هذا بضرب مثال وهو أن يقول الرجل لوكيله بع هذا الغلام فإنه سيئ الأدب أو ذميم الوجه فوجد في غلمانه من هو فوقه في ذلك المعنى لم يبعه وكذلك الشارع قد يطلق الرجم ويعلله بالزنا ولا يتعرض للإحصان ثم نحن نستنبطه ويستند هذا إلى أمر وهو أن القياس ليس موجبا لذاته ولكنه أمارة الحكم شرعا وهذه أمارة نصبها الشارع وأما ما ذكروه من إلحاق أحد العصرين بالآخر فينقلب عليهم فإنه لا يفهم أيضا من اللفظ فما مستنده فسيقولون هو الإجماع فنقول الإجماع أغنانا عن القياس فيه وأما ما ذكروه من أمر السم فذاك مفهوم من القرينة لا من اللفظ إذ بأن على القطع شفقة الشارع على جميع الخلق وأما إلحاق الشئ بما في معناه قال قائلون إنه قياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 والمختار أنه ليس بقياس ولا منصوص أيضا ولكنه مفهوم من النص على الاضطرار من غير افتقار فيه إلى افتكار ثم قالوا فائدته إن كان قياسا قدم على الخبر وإلا فلا وقال الأستاذ أبو اسحق هو قياس ولكن لا يقدم على الخبر وهذا ما نعتقده في منع التقديم والخلاف بعده يرجع إلى إطلاق عبارة ولا بد من ذكر ضابط لهذا القسم وقد قال الأستاذ أبو اسحق هو منقسم إلى ما يستند إلى ما منه اشتقاق النص كالأمة مع العبد إذا قال عبد وعبدة إذ العبودية تشملهما وما لا يستند إليه فهو دونه والضابط عندنا لهذا القسم ما يهجم الفقيه على فهمه من غير تدبر ونظر فيقع معلوما على الضرورة فلو صار نظريا خرج عن كونه معلوما والعجب أن العلوم العقلية تنقسم إلى النظرية والضرورية وهذا لا انقسام فيه نعم يدرك المرء تفاوتا بين علمه بنفسه وعلمه بغيره فمثل هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 التفاوت لا ينكر وقوعه ههنا وهو في الرتبة دون فهم الفحوى كما ذكرناه في تحريم التأفيف لأن ذلك يشترك في دركه العوام والخواص وكون الأمة في معنى العبد لا يدركه إلا الفقيه المتثبت وذلك لا يخرجه عن كونه معلوما كما أن التواتر المورث للعلم يعتبر في كل فن في حق أهل الخبرة به في القراءة بالقراء وفي الحديث بالمحدثين وبالله التوفيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 الباب الثالث فيما تثبت به علل الأصول إذا حرر المعلل قياسا فرده إلى أصل فإذا طولب بإثبات علة الأصل فمحصول ما يستند إليه عند المطالبة ثلاثة أقسام القسم الأول أن يسلك مسلك الجدال فيقول السائل مطالب بالاعتراض عليه وليس علي إثباته وهذا مما صار بعض الناس إلى الاكتفاء به وهو باطل فإن ادعى علة الأصل مذهبا كأهل الفتوى فلا يخلى فيه والتحكم ويبطل ذلك بمسلكين أحدهما أن يقول إن كنت طاردا فسنذكر وجه بطلان الطرد وإن لم تقنع بالطرد فلم ادعيت كونه علة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 والآخر أن يقول تثبت تعليل الأصول بما ذكرته على التشهي أم لك فيه مستند فإن اشتغلت بإثباته تشهيا فالكفر خير من هذا المقام وإن زعمت أنه منصوب للشارع فبم عرفت ذلك ولم تحكمت به ابتداء من غير مستند فإن أبان الإخالة دليلا عليه كفاه ذلك وعلى السائل الاعتراض بعده وليس عليه أن يعد جميع الاعتراضات ويدفعها فإن المناظرة معاونة على النظر وقد أسس كلاما عند إبداء الإخالة وقبله لا يطالب السائل ببيان أنه ليس بمخيل لأن المسئول بعد لم يدل ولم يؤسس حتى يستوجب الاعتراض فإن قال المسئول دليلي على ثبوته عجزك عن الاعتراض عليه معتصما بأن المعجزة صارت دليلا بالعجز عن المعارضة قلنا غمرات المعجزات لا مطمع في الخوض فيها الآن فلا تثبت العلة بأمثاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 ثم المعجزة إذا لم تقم بين يدي السحرة أو أهل الخبرة لا تكون حجة فالتحدي أن بالفصاحة ليكن مع الفصحاء وقلب العصا حية ليكن مع السحرة فالسائل المقل إذ عجز كيف يدل ذلك على صحة الدليل فإن قال الدليل عليه اطراده فهذا أوان ذكر مسألة الطرد مسألة الطرد المحض لا حجة فيه عندنا وقال قائلون هو حجة على الإطلاق يعتمد عليه المفتي وخصصه مخصصون بالمناظر على المجادل دون المفتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 وقال قائلون ممن ردوا الطرد يكتفى بإحالة أحد وصفي العلة والثاني يحتمل وإن لم يخل الاحتراز عن النقض وهذا أيضا باطل فإن وصف العلة ينبغي ان يكون مناط حكم الشرع والعبارة المجردة حركات اللسان واصطلاح أهل اللغة فلا يكون مناطا للحكم فلا يضمن وصف التعليل من غير مستند من إخالة أو غيرها فالآن نرد على القائلين بالطرد بأربع مسالك بعد الإحاطة بأن الطرد المحض هو الذي لا يناسبه الحكم أو يناسبه حسب مناسبته لنقيضه المسلك الأول أن تقول إذا ناسب حسب مناسبته لنقيضه فليس إثبات الحكم به أولى من نفيه فيؤدي ذلك إلى تكافؤ الأدلة وتساقطها الثاني أن الشارع لم يؤهل لمنصب الفتوى إلا متتجرا الله في العلم موصوفا بصفات فلا مستند له إلا أن يكون من أهل النظر في مصالح الشريعة ولو اكتفى بالطرد لعلق الحكم بكل ما يسنح لكل أحد من غير افتقار إلى منصب مخصوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الثالث ما ذكره القاضي وهو أن المخيل لا يدل لعينه ولكن المستند فيه مسالك الصحابة رضي الله عنهم فهم الأسوة والقدوة وقد كانوا يعتبرون مصالح الشرع ولا يتمسكون بالطرديات الرابع وهو المختار أن باب التحكم مسدود في الشرع وانما امر ببناء الأمر على معلوم أو مظنون والعلم لا مطمع فيه في هذا المقام وغلبة الظن لها في مطرد العادة مسلك لا يحصل دونه فالظن لا يغلب من غير سبب كما لا يشبع الجائع في العادة دون الاكل والاطراد لا يغلب على الظن قطعا نعم للشارع ان يتحكم بنصب ما ليس بمخيل امارة كما يتحكم باثبات الحكم ابتدء ومثال الطرد قول القائل في مسألة إزالة النجاسة بالخل مائع لا تبنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 القناطر على جنسه فلا تزال النجاسة به كالدهن فهذا طرد لا نقض عليه ولا يستجيز التمسك به من آمن بالله واليوم الآخر القسم الثاني ما يتمسك المعلل به في إثبات علة الاصول وهي ثلاثة انواع اولها التمسك بنص الشارع على وصف فنجعله علة ومثاله قوله تعالى كيلا يكون دولة بين الاغيناء منكم وقوله تعالى ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله وما يضاهيه من الفاظ التعليل النوع الثاني ايماؤه اليه من غير تنصيص كقوله عليه السلام في بيع الرطب بالتمر فلا إذن لما أن سأل عن الجفاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 وكقوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا فإن السرقة مخيلة فإنها جريمة يليق بها العقوبة الزاجرة وقوله تعالى جزاء بما كسبا ايماء لانا نعلم انه لا يجازى لإسلامه وحسن عبادته وقوله نكالا كذلك ايماء اليه وكذلك في قوله الزانية والزاني فاجلدوا الآية واذا حصل الايماء كفى ذلك عن الا خالة ولذلك قلنا توقع الجفاف في الرطب سبب بطلان العقد وإن كان لا يخيل فإن قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش لما سألته عن الاستحاضة توضئي فإنها دم عرق فهلا طردتموه في الفصد واوجبتم قال به الطهارة لانه دم عرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 قلنا اجاب أصحابنا بأن ذلك تنصيص على العلة ولم يذكر المحل ونحن جعلنا احد السبيلين محلا للعلة لدليل آخر وهذا مزيف فإن حق علة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تطرد إذ ثبتت ولا تخصيص بغلبات الظنون إذ طردها اغلب على الظن وقد نص عليه فيمنع من تخصيصه ولكن الجواب أنها سألته عن الغسل فقال بل توضي عن فإنه دم عرق علل به في اسقاط الغسل وهو المفهوم منه قطعا فإن قيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريرة لما ان اعتقت تحت عبد ملكت نفسك فاختاري وهذا ايماء ظاهر إلى التعليل بالاستقلال فهلا طردتموه في اعتقاقها من تحت حر قلنا اجمع اهل الحديث على رده فلا نقبله ثم قال القاضي نعلم ان النبي عليه السلام ما عني بقوله ملكت نفسك ملك مورد النكاح إذ لو حصل ذلك لانفسخ العقد ولا ملك غير مورد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 النكاح فإنه لا يشعر بالتخيير في مودر في النكاح فإن معناه ملكت الاختيار فاختاري وهو تكرير عبارة ومثل ذلك جار في اللسان وقال قائلون هو تنصيص على العلة فيخصص بمحل وهو اذا كانت تحت عبد والمختار ان الحديث ان صح فهو ظاهر في الايماء إلى التعليل لا يمكن جحده وانكاره النوع الثالث ان يثبت علته بكونه منبها على المعنى الذي منه اشتقاق اللفظ الذي ربط الحكم به في الشرع كقوله تعالى والسارق والسارقة وكقوله عليه السلام الثيب احق بنفسها وكقوله عليه السلام لا تبيعوا الطعام بالطعام فنقول إذا ربط الشارع الحكم باسم مشتق فما منه الاشتقاق ينتهض علة فيه واليه صار الشافعي رضي الله عنه في مسألة علة الربا واول القاضي رحمه الله مذهب الشافعي رضي الله عنه فقال لعله تمسك بالحديث في اثبات حكم الربا لا في علته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وليس الأمر كما ظنه القاضي فإنه أثبت علة الطعم به والمختار ان ما منه الاشتقاق ان كان مخيلا كالسرقة والربا والسوم في قوله في سائمة الغنم زكاة كانت علة وإن لم يكن مخيلا فهو كالتعليق باللقب فنقول من أين قلتم إنه أومأ إلى العلة وما مستنده وما الفرق بين الوصف الذي لا يخيل والطرد الذي لا يخيل وربط الحكم بهما لا يختلف وتصرف الاسم في موضع اللسان لا يوهم اخالة فهو كاللقب الموضوع نعم ان كان مخيلا ابتدر إلى الافهام من قوله انه معلل به والفهم لا مقايسة فيه ولا يحصل هذا من الوصف الذي لا يخيل ولا إيماء اذن حتى يبنى عليه ان طرد الشارع كمخيله بن لانه لا بد من اثبات نص من جهته اولا نعم لو قال قائل تبينا بقوله لا تبيعوا الطعام بالطعام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 ثبوت الحكم عند ثبوته وانتفاءه عند انتفائه فيغلب على الظن كونه علة فإنه انتهض أمارة له ولا معنى لعلل الفقه سواه قلنا هذه تمسك بالمفهوم وقد بينا ان الصفة التي لا تخيل ليس لتخصيص الحكم بها مفهوم وقد ذكرناه في كتاب المفهوم والله اعلم القسم الثالث في اثبات علل الاصول بمسالك الفقه وهي أربعة الشبه والاخالة هذه ولهما باب سيأتي والطرد والعكس والسبر والتقسيم أما الطرد والعكس فلا يتمسك به في إثبات العلة عند القاضي واستدل عليه بأربعة مسالك احدها ان الطرد بمجرده لا حجة فيه والعكس لا يقلب الطرد مخيلا ولا حاصل للعكس إلا انتفاء الحكم عند انتفاء العلة وانتفاء الحكم مسألة اخرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 يطلب لها علة فلا يثبت حكم هذه المسألة بعلة بسبب الحكم في مسألة اخرى لعلة اخرى وصورته ان تقول الشدة في الخمر علة التحريم لأن الحكم يتبعه فإنه يقضي بحل الخل عند زوالها وتحريم الخمر مسألة وحل الخل مسألة اخرى لا بد من طلب علة لها يحققه ان الطرد عكس العكس كما ان العكس عكس الطرد ولو فرض النزاع في الخل لكان يقول العلة في تحليله عدم الشدة بدليل ثبوت التحريم عند وجود الشدة وهذا محال تخيله المسلك الثاني ان باب التحكم مسدود والمخيل ليس دليلا لعينه والرجوع إلى سيرة الصحابة رضي الله عنهم ولم يصح عنهم التمسك بالطرد والعكس والثالث ان العكس وجوده كعدمه في المخيل ولا أثر له فيستحيل ان نقلب الطرد الذي ليس بحجة حجة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الرابع ان يقال له ان ادعيت الطرد والعكس في جمع احكام الشريعة فمحال إذ لو كان كذلك لما فرض نزاع وان قلت جرى في الخمر مطردا منعكسا فليجر في غيره فهو تحكم لا حاصل له فلم قلت ذلك ولا يلزم هذا في المخيل فإن طبع المخيل الجريان والسيلان وليست الشدة مخيلة والمختار ان المسألة في مظنة الاجتهاد فإنا لا نقطع بقبولها ولا ردها من جهة الصحابة رضي الله عنهم وعدم القاطع في قبوله عندنا لا يكون قاطعا في رده كما ذكرناه من قبل ولا يبعد افضاؤه إلى غلبة الظن في بعض الصور فهو مفوض إلى رأي المجتهد فلينظر فيه والنوع الآخر مما يثبت علل الاصول السبر والتقسيم وقال القاضي لا بد منه في العلل الشرعية كما في العقلية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 ولا يظن به انه اراد به سوى ابطال علة الخصم فإن ذلك لا يدل على اثبات علتك ولكن يحتمل انه اراد به ابطال سائر العلل بعد ان كانت علته المستبقاة سنة مخيلة لتبين ان الحكم معلل به فإنه لا يجوز ازدحام العلل على حكم واحد واذا لم يتبين بطلان الاقسام على هذا المذهب لم يستفد بالإخالة شيئا مع توقع مخيل آخر أظهر منه يعلل به دون ما ذكره إلا ان الذي نراه جواز تعليل الحكم بعلتين على ما سيأتي بيانه ويحتمل انه اراد بالسبر والتقسيم في مسألة يتفق على كونها معللة بعلة واحد كمسألة الربا فيستفيد بابطال الاقسام تعين محل الإجماع إلا ان هذه صورة لا يفرض وقوعها لندورها ومسألة الربا مما اجمعوا على تعليلها فإذن الوجه ان يقال السبر في المعقولات ان دارت بين النفي والاثبات كقولك واجب ام لا جائز ام لا وقد بطل أحدها فتعين الثاني لا محالة فيورث العلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 فإن كثرت الاقسام ولم تدر بين النفي والاثبات لم يحصل العلم كالتقسيم المعتاد في مصحح تعلق الرؤية وتعليله بالوجود فأما الشريعات عمرو فالتقسيم فيها يورث غلبة الظن بعد كون الحكم معللا ولا يشترط ارتفاع مواد الاحتمال بعد حصول غلبة الظن وقد اختلفوا في مسأله جدلية وهو ان المسؤول لو قال سبرت هل يلزمه ابداء كيفية السبر منهم من قال لا لأنه لا يستفيد درأ قوله يحتمل ان يكون وراءه تقسيم فإنه متوجه ذكره او لم يذكره وهو محتاج في رسم الجدال إلى ابداء قسم آخر والمختار أنه لا بد من ابداء كيفية السبر ليكون مؤسسا دليلا غير مقتصر على مجرد الحكاية والدعوى للتشوف إلى استيعاب الاقسام كما تقول الخمر هو مائع احمر يقذف الزب ويسكر ولا يعلل بهذه الاقسام لبطلانها لم يبق إلا الاسكار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 الباب الرابع في الاستدلال المرسل وقياس المعنى وفيه ثلاثة فصول الفصل الأول في بيان حقيقته وذكر الدليل فيه فليعلم اولا ان هذا عمدة كتاب القياس وجه اعواصه قبل ان الصحابة رضي الله عنهم هم قدوة الأمة في القياس وعلم قطعا واعتمادهم على المصالح مع انهم لم ينحصروا عليها في بعض المسائل ولم يسترسلوا ايضا استرسالا عاما إذ المصالح كانت تنقسم لديهم إلى المتروك وإلى معمول به ولم يضبطوا لنا ما نتمسك به ولا يظن بهم بهم أنهم ضنوا بإبدائها بعد ان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 عرفوها والمصالح شتى وقد عسرت المآخذ وقصرت عن الدلالة على ضبطها فمنه ثار الثوار وردوا اصل القياس والقائلون به انقسموا فاسترسل مالك رضي الله عنه على المصالح حتى رأى قتل ثلث الأمة لإستصلاح ثلثيها وقتل في التعزير وقطع اللسان في الهذر وللشافعي رضي الله عنه مسلكان يحصر في أحدهما التمسك في الشبه او المخيل الذي يشهد له اصل معين ويرد كل استدلال مرسل وفي المسلك الثاني يصحح الاستدلال المرسل ويقرب فيه من مالك وان خالفه في مسائل فان قال قائل وبم يتميز المرسل عن المردود إلى الاصل ولا يشترط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 كون العلة في الاصل منصوصا عليها ولا ان يشهد لها اصل اخر فإن ذلك يتسلسل وسيكون الإعتماد فيه على المصلحة المرسلة قلنا نص الشارع على الحكم امارة لانتصاب تلك المصلحة علما فأنا نفهم تلك المصلحة من تنصيصه على مجرد الحكم ونحن نجعل المصلحة تارة علما للحكم ونجعل الحكم اخرى علما لها واما المرسل فهو الذي لا يشهد له في الشريعة حكم ينطبق عليه والآن إذ لاح حقيقة الاستدلال ووجه الاشكال نذكر ما تمسك به الثقات وأهل الإثبات والقاضي رحمه الله من نفاة الاستدلال وقد تمسك بثلاث مسالك بعد ان فرق بين الشافعي ومالك رضي الله عنهما وقال للشافعي اذا قلت بالاستدلال فلا فرق بين ان تقول في المعاملات والاموال وبين ان تقضي به في العقوبات كما فعله مالك وكل حقير فإثباته في الشرع تحكما خطر عظيم وما أثبته بالنسبة إلى ما اجمله الشارع في المعاملات كما أثبته مالك بالنسبة إلى العقوبات التي اجملها الشارع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 المسلك الاول من المسالك الثلاثة ان الاستدلال لو قيل به لصارت الشريعة فوضى بين العقلاء يتجاذبون بظنونهم اطرافها من غير التفات إلى الشريعة والنبي انما بعث ليدعو الناس إلى اتباعه في قوله والمفهوم من قوله من المصالح فأما ما يعين ابتداء ولم يفهم منه فما بعث الشارع للدعاء اليه الثاني ان المستدل ان لاحظ مصالح الشريعة فهو صحيح وإن اضرب عنها فهو شارع تحقيقا فيطالب بالمعجزة فإنه افتتح امرا لا مستند له في الشرع مع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خاتم النبيين فكيف يفتتح بعده شرع الثالث ان قال اذا اوجب اتباع المصالح لزم تغيير الاحكام عند تبدل الاشخاص وتغيير الاوقات واختلاف البقاع عند تبدل المصالح وهذه تفضي إلى تغيير الشرع بأسره وافتتاح شرع آخر لم يثبت من الشارع وهذا محال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 إلا انهم يقولون نحن مع المصالح بشرط ان لا نهجم على نص الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفع وتمسك الشافعي رضي الله عنه بثلاث مسالك احدها الاسترواح إلى سيرة الصحابة رضي الله عنهم وفي التعبير عنه ثلاث صيغ احدها انهم استرسلوا على الفتوى وكانوا لا يرون الحصر والنصوص ومعانيها لا تفي بجملة المسائل فلا بد من المصير إلى المصالح في كل فتوى الثانية ان الاصول ان كانت محصورة فلا تفيد إلا وقائع محصورة فإن المحصور لا يستوفي مالا يتناهى وان لم تكن محصورة فقد انسل الأمر عن الضبط وصار الأمر فوضى بين العقلاء لا مرد له فلا فرق بين خروجه عن الضبط به او بانتشار المصالح الثالثة انهم أعني الصحابة رضي الله عنهم على طول زمانهم كانوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 يقيسون ولا يعرفون رد الفروع إلى الاصول ولو كانوا يعتقدون ذلك لاعتنوا يحيى به ثم كانوا يرسلون الاقيسة من غير تكلف جمع واعتبار قال القاضي في الجواب لعلهم كانوا يعتمدون معاني يعلمون أن اصول الشريعة تشهد لها وإن كان لا يعينونها كالفقيه يتمسك في مسألة المثقل بقاعدة الزجر فلا يحتاج إلى تعيين اصل فأجيب عنه بأنه لو كان كذلك لاوشك ان يصنفوا الاصول ويميزوا ما يعقل عما لا يعقل مع شدة اعتنائهم بتمهيد قواعد الشرع والذي نراه ان هذا في مظنة الاحتمال والاحتكام عليهم بعد تمادي الزمان لا معنى له المسلك الثاني ان معاذ بن جبل قال اجتهد رأيي حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن عدمت النص فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدام النص يشعر بإعوازه الرحمن واعوازه المفهوم عنه واجتهاد الرأي مشعر باتباع قضية النظر في المصلحة ولم يكلفه الشارع ملاحظة النصوص معه المسلك الثالث ان الاصل المستشهد به ليس معللا بالمعنى المستثار قطعا بالعقل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 ولا بالنص وانما هو مظنون لكونه مناسبا منطبقا على المصالح فليستند اليه في الفرع ابتداء هذه نهاية ما تمسك به الفريقان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 الفصل الثاني في بيان المختار عندنا والصحيح ان الاستدلال المرسل في الشرع لا يتصور حتى نتكلم فيه بنفي أو أثبات إذ الوقائع لا حصر لها وكذا المصالح وما من مسألة تفرض إلا وفي الشرع دليل عليها إما بالقبول أو بالرد فإنا نعتقد استحالة خلو واقعة عن حكم الله تعالى خلافا لما قاله القاضي كما سنذكره في باب الفتوى فإن الدين قد كمل وقد استأثر الله برسوله وانقطع الوحي ولم يكن ذلك إلا بعد كمال الدين قال الله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 والذي يدل على عدم تصوره أن أحكام الشرع تنقسم إلى مواقع التعبدات والمتبع فيها النصوص وما في معناها وما لم ترشد النصوص إليه فلا تعبد به وإلى ما ليس من التعبدات وهو منقسم إلى ما يتعلق بالألفاظ كالإيمان والمعاملات والطلاق والعتاق وقد أحالنا الشرع في موجباتها على قضايا الشرع في موجباتها على قضايا العرف ولا تنفك لفظة عن قضايا العرف فيها بنفي أو إثبات إلا ما استثناه الشارع كالإكتفاء وكان بالعثكال الذي عليه مائة شمراخ إذا حلف أن يضرب مائة خشبة لما ورد في قصة أيوب ولم ينسخ في شرعنا وإلى ما يتعلق بغير الألفاظ وهو منقسم إلى ما ينضبط في نفسه كالنجاسات والمحظورات وطرق تلقي الملك فهذه الأقسام منضبطة ومستنداتها روى معلومة وإلى ما لا ينضبط إلا الضبط في مقابلته كالأشياء الطاهرة والأفعال المباحة تنضبط بضبط النجاسة والحظر وكذلك الأملاك منتشرة تنضبط بضبط طرق النقل والإيذاء محرم على الاسترسال من غير ضبط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وينضبط بضبط ما استثنى الشرع في مقابلته فالوقائع إن وقعت في جانب الضبط الحق به وإن وقعت في الجانب الآخر الحق به وإن ترددت بينهما وتجاذبه ولم الطرفان الحق بأقربهما ولا بد وأن يلوح الترجيح لا محالة فخرج به أن كل مصلحة تتخيل في كل واقعة محتوشة بالأصول المتعارضة لا بد أن تشهد الأصول لردها أو قبولها فأما تقدير جريانها مهملا غفلا لا يلاحظ أصلا محال تخيله ونحن نضرب في ذلك مثالين أحدهما ما قاله الشافعي رضي الله عنه في مسألة الأمة الكتابية حيث قال اعتروها بين نقصان بعد ان ثبت لكل واحد اثر وأن ازدحام الاسباب مؤثرة في تغليظ الاحكام لا يحتاج فيه إلى اصل معين فان أصول الشرعية شاهدة له على الاجمال وان لم تتعين قطعا ولا حاجة إلى القياس على المجوسية وهذ المثال ذكرناه لضرب المثال وان كنا لا نعتمد هذه الطريقة في تلك المسألة المثال الثاني قول الشافعي رضي الله عنه في المعتدة الرجعية ان العدة لبراءة الرحم والوطء للشغل فهو مناقض للمقصود من العدة فهذا معنى مرسل لا حاجة فيه إلى الاستشهاد بأصل معين لان اصول الشرع على اجمالها أهل تشهد له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 وقد قاس اصحابنا على المعتدة البائنة قال القاضي وهو باطل فإن الحكم في الاصل معلل بالبينونة لا بالعدة ويستحيل التعليل بهما عنده فإنه يقدم اجلى العلتين على الاخفى كما سنذكره في باب التركيب ونحن نبطل هذا القياس مع اعتقاد جواز الجمع بين العلتيين حديث بطريق اخر نذكره في باب التركيب والذي نذكره الآن ان العدة في البائنة لا تخيل التحريم على الزوج فإنها حرمت عليه بالبينونة والعدة أريدت لصيانة مائه والاعتزال عن سائر الرجال ولهذا حرم نكاح غيره ولم يحرم نكاحه والعلة في الاصل شرطها ان تكون مخيلة وليس كذلك في الفرع فإن العلية بمجردها تخيل تحريم الوطء على الزوج فان الغرض منه الاعتزال عنه مع استمرار النكاح وبراءة الرحم هو المقصود والوطء مناقض له ويعتضد ذلك بأمرين أحدهما ان العدة لا يعتد بها في صلب النكاح ولذلك لو قال ان استبرأت رحمك فأنت طالق لزمها استئناف العدة بعد الطلاق وكان يليق بأبي حنفية رحمه الله المصير إلى وجوب استئناف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 العدة ههنا كما قال في المرأة تسلم في دار الحرب فتتوقف ثلاثة أقراء فان اصر الزوج على الكفر بانت واستئأنفت عند العدة والآخر ان الرجعة ثابتة والغرض منه تدارك فائت واذا قدر استمرار النكاح على حالة فلا معنى للرجعة فإن قيل لو حرمت العدة الوطء لما استقل الزوج بقطعها قلنا لو قطعها بالوطء الشاغل لكان متناقضا ولكنه يقطع بالرجعة ثم يستبيح الوطء بعد انقطاعها فإن قيل نعارضكم فنقول زوجة منكوحة فحل وطؤها وهذا أقوى قلنا هذه معارضة لو ضمناها إلى وصف تعليلنا لم يضرنا فنقول زوجة منكوحة معتدة وكأن العدة أبطلت الحل المستفاد من الزوجية مع إستمراره فكل معارضة امكن المعلل ادرجها في وصف التعليل فلا اثر لها فقد تبين أن كل مصلحة مرسلة فلا بد ان تشهد اصول الشريعة لردها أو قبولها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 الفصل الثالث في ذكر ضابط الاستدلال الصحيح وننقحه لأنه بتوجيه الاشكالات والانفصال عنها فنقول كل معنى مناسب للحكم مطرد في احكام الشرع لا يرده أصل مقطوع به مقدم عليه من كتاب او سنة او إجماع فهو مقول به وان لم يشهد له اصل معين ثم اقسامه لا ضبط لها فإنها لا يحويها عد ولا يضبطها حد فقد يتفق معنى مرسل يفيد أمرا كليا على اجمال وقد يفيد حكما جزئيا في صورة خاصة وقد يستثار أخبرنا من عكس علة إذ العلل يفيد عكسها عندنا نفي الحكم كما يخيل طردها على ما سيأتي وقد يفهم من قصد الشارع كقوله عليه السلام لا نكاح إلا بولي وشهود يفهم العدالة لان مقصوده الاثبات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 إلى غير ذلك من اقسامه فإن قيل ما الفرق بين مذهبكم ومذهب مالك رضي الله عنه حيث انتهى الأمر به في اتباع المصالح إلى القتل في التعزير والضرب لمجرد التهمة وقتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها ومصادرة الاغنياء عند المصحلة وما الذي منعكم من اتبعاها يا والحاجة قد تمس إلى التعزيز بالتهمة فان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 الأموال محقونة والسارق لا يقر واثباته بالبنية عسر ولا وجه لإظهارها إلا بالضرب وهذه مصلحة ظاهرة إلى غير ذلك مما عداها قلنا الفرق بيننا أننا تنبهنا لاصل عظيم لم يكترث مالك به وهو انا قدمنا الصحابة على قضية المصلحة وكل مصلحة يعلم على القطع وقوعها في زمن الصحابة رضي الله عنهم وامتناعهم عن القضاء بموجبها فهي متروكة ونعلم على القطع ان الاعصار لا تنفك عن السرقة وكان ذلك يكثر في زمن الصحابة ولم يعزروا بالتهمة ولم يقطعوا قط لسانا في الهذر مع كثرة الهذزان لو ولا صادروا يكون غنيا مع كثرة الاغنياء ومسيس الحاجات وكل ما امتنعوا عنه نمتنع عنه ومالك لم يتنبه لهذا الاصل فإن قيل روي ان عمر رضي الله عنه صادر خالدا وعمرو بن العاص على نصف المال وقال لمن مد يده إلى لحيته ليأخذ القذى منها ابن ما أنبت وإلا أبنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 يدك وقطع اليد لا توجبونه في مثله ولا المصادرة وقد فعله قلنا نعلم انه لو لم يبن ما أبان لما قطع يده ولكن ذكره تهويلا وتخويفا وتعظيما لأبهة الإمامة كيلا يباسط فتضعف حشمته في الصدرور مع وأما مصادرة خالد فلا تدل على جواز المصادرة مطلقا لأن عمر كان أعلم بأحوالهما وكان يتجسس بالنهار ويتعسس بالليل وكان قد نصب خالدا أميرا في بعض البلاد فجمع عليه أموالا عظيمة فلعل عمر اطلع على أمر خفي اقتضى ذلك وذلك مسلم لمثله وهو الذي كان يقول لو تركت جرباء على ضفة واد لم تطل بالهناء فأنا المجيب عنها يوم القيامة فلا ينبغي ان يتخذ ذلك ذريعة إلى مصادرة الأغنياء على الإطلاق كيف وقد كثر الأغنياء في زمن الصحابة رضي الله عنهم فلم يتفق ذلك مع غيرهم قط والتمسك بهذا القطع أولى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 فإن قيل حد السرقة شرع للزجر وقد يسرق المرء ما دون الربع بحبة فيحتاج إلى الزجر فهلا زجرتموه سعيد قلنا تقديرات الشرع متبعة لا تغير ويسحب ذيل الحسم على تفاصيل الصور وهذا من أعظم المصالح فإن تتبع تفاصيل الأحوال غير ممكن فاتبعنا التقدير فيه ولم نقس فإن قيل ما بال علي قاس في حد الشرب وهو مقدر فقال من شرب سكر ومن سكر هذي ومن هذي افترى فأرى أن أقيم عليه حد المفتري ورقى الحد إلى ثمانين للمصالح قلنا حد الشرب لم يكن مقدرا من جهة الشارع ولكنه كان عليه السلام يأمر بالضرب بالنعال وأطراف الأكمام وقدره ابو بكر رضي الله عنه بالأربعين وكان ذلك في مظنة الاجتهاد وعن هذا قال علي رضي الله عنه ما أقمت الحد على رجل فمات فوجدت في نفسي أن الحق قبله إلا حد الشرب فإنه شئ أحدثناه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 فإن قيل اليس قد روي أن عليا رضي الله عنه كان يشق بطون أصابع الصبيان لأجل المصلحة وأنتم تركتم هذه المصلحة قلنا هذه المسألة في مظنة الاجتهاد لأن الشق اليسير قريب من الضرب في التخويف والصبيان يضربون على السرقة فنحن رأينا معنى أظهر منه فلذلك تركناه فإن قيل لو حدثت واقعة لم يعهد مثلها في عصر الأولين وسنحت بكر مصلحة لا يردها أصل ولكنها حديثة فهل تتبعونها قلنا نعم ولذلك نقول لو فرضنا انقلاب أموال العالمين بجملتها محرمة لكثرة المعاملات الفاسدة واشتباه المغصوب بغيره وعسر الوصول إلى الحلال المحض وقد رفع فما بالنا بقدر نبيح لكل محتاج أن يأخذ مقدار كفايته من كل مال لأن تحريم التناول يفضي إلى القتل وتجويز الترفه تنعم في محرم وتخصيصه بمقدار سد الرمق يكف الناس عن معاملاتهم الدينية والدنيوية ويتداعى ذلك إلى فساد الدنيا وخراب العالم وأهله فلا يتفرغون وهم على حالتهم مشرفون على الموت إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 صناعاتهم وأشغالهم والشرع لا يرضى بمثله قطعا فيبيح لكل غني من ماله مقدار كفايته من غير ترفه ولا اقتصار على سد الرمق ويباح لكل مقتر في مال من فضل من هذا القدر مثله ويشهد لهذا قاعدة وهي أن الشخص الواحد إذا اضطر إلى طعام غيره أو إلى ميتة يباح له مقدار الاستقلال محافظة على الروح فالمحافظة على الأرواح أولى وأحق وكذلك نقول في المستظهر بشوكته المستولي على الناس المطاع فيما بينهم وقد شغر الزمان عن مستجمع لشرائط الإمامة ينفذ أمره لأن ذلك يجر فسادا عظيما لو لم نقل به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 [ ... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 [ ... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 الباب الخامس في الاستصحاب ليس من الاستصحاب المقول به استدامة الحكم مع تبدل الصورة كما استصحب أبو حنيفة رضي الله عنه وجوب الحقتين في المائة والعشرين فيه إذ زادت واحدة لأن الصورة قد تبدلت فلا بد من دليل على النفي وكذلك لو سئل عن النكاح بلا ولي مثلا فقال الأبضاع أصلها على التحريم فهو مستصحب إلى أن يلوح دليل في الإباحة لأنه مطالب بإقامة الدليل على فساد العقد المعقود بشرائطه وأن الولي شرط فيه فالاستصحاب لا يغني وإنما الاستصحاب الصحيح ما نذكره في منع وجوب الوتر والأضحية بعد سبر مدارك الوجوب وإبطال كل قياس يذكرونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 فبعد ذلك نقول الحال لم تتبدل ولا مأخذ للوجوب وبراءة الذمة يشهد لها العقل والسمع فيستصحب هذا الأصل المستقر فلابد من دليل وقد بطل مأخذ الوجوب وبالله التوفيق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 الباب السادس في الاستحسان قال الشافعي رضي الله عنه من استحسن فقد شرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 ولا بد أولا من بيان حقيقة الاستحسان وقد قال قائلون من أصحاب ابي حنيفة رضي الله عنه الاستحسان مذهب لا دليل عليه وهذا كفر ممن قاله وممن يجوز التمسك به ولا حاجة فيه إلى دليل وقال قائلون هو معنى خفي تضيق العبارة عنه وهذا أيضا هوس فإن معاني الشارع إذا لاحت في العقول انطلقت الألسن بالتعبير عنها فما لا عبارة عنه لا يعقل والصحيح في ضبط الاستحسان ما ذكره الكرخي وقد قسمه أربعة أقسام منها اتباع الحديث وترك القياس كما فعلوا في مسألة القهقهة ونبيذ التمر ومنها اتباع قول الصحابي على خلاف القياس كما قاله في تقدير أجرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 رد العبد الآبق بأربعين اتباعا لابن عباس رضي الله عنهما وتقدير ما يحط عن قيمة العبد إذا ساوى دية الحر أو زاد بعشر اتباعا لابن مسعود ومنها اتباع عادات الناس وما يطرد به عرفهم كمصيرهم إلى أن المعطاة صحيحة لأن الاعصار لا تنفك عنه ويغلب على الظن جريانه في عصر الرسول ومنها اتباع معنى خفي هو اخص بالمقصود وامس له من المعنى الجلي فنقول أما اتباع الخبر تقديما له على القياس فواجب عندنا ابو حنيفة لم يف به في مسألة المصارة والعرايا وخيار المتبايعين ولم يستحسن اتباع هذه الاحاديث مع اتفاق ائمة الحديث على صحتها وضعف حديث القهقة واما قول الصحابي اذا خالف القياس فهو متبع عندنا وخالفه ابو حنفية في مسألة تغليظ الدية مع ما نقل فيه عن الصحابة وتقدير ابن عباس أجرة رد الأبق بأربعين يحتمل ان يكون بحكم مصالحة او مصلحة اقتضاها نزاع في تلك الحالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 وقول ابن مسعود في قيمة العبد يلتفت على قياس الذمية ومراعاتها وتقدير الحط ملاحظة لنصاب السرقة فإنه عظيم في الشرع يظهر التفاوت فيه فلذلك لم نتبعه وأما دعواه بأن عمل الناس متبع في المعاطاة لأن الأعصار فيه لا تتفاوت تحكم فإنا نعلم ان العقود الفاسدة والربويات في عصرنا أكثر منه في إبتداء الإسلام وصفوته وعوام الناس لا مبالاة بأجماعهم حتى يتمسك بعملهم واما اتباع المعنى الخفي اذا كان اخص فهو متبع لان الجلي الذي لا يمس المقصود باطل معه او مقدم عليه ولكن أبا حنيفة لم يف بموجبه حتى أتى بالعجائب والآيات وسماه استحسانا فقال يجب الحد على من شهد عليه اربعة بالزنا في اربع زوايا كل واحد منهم يشهد عليه في زاوية وقال لعله كان يزحف في زنية واحدة في الزوايا واي استحسان في سفك دم مسلم بمثل هذا الخيال مع انه لو خصص كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 شهادة بزمان وتقاربت الازمنة واحتمل استدامة الزنا في مثلها لا حد وذلك اغلب في العرف من تخيل سحبها في زوايا البيت بزنا واحد فهذا ونحوه من الاستحسانات الباطلة وما استند إلى مأخذ مما ذكرناه صحيح فهو مقول به والله اعلم بالصواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الباب السابع في ذكر قياس الشبه وفيه فصلان الفصل الاول في ذكر المذاهب وبيان ماهيته وقد صار الشافعي رضي الله عنه وابو حنيفية ومالك واشياعهم في جملة الفقهاء إلا ابا اسحق المروزي إلى قبول قياس الشبه وذهب القاضي في جمع من الاصولين إلى رده مع الاتفاق على قبول ما في معنى الاصل كالحاق الأمة بالعبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 وزعم القاضي ان الذرة في باب الربا في معنى البر المنصوص كالأمة في معنى العبد وهذا فيه نظر فان الجنس مختلف ولهذا يجوز التفاضل بين الذرة والبر وليس ذلك مما يبتدر إلى الفهم ابتدار الأمة مع العبد والقائلون بالشبه في الاحكام اختلفوا في التشابه الخلقي كالحاق الولد يالقيافة قد بالوالد والنظر في الخلقة في جزاء الصيد وإلحاق المني بالبيض في تولد الحيوان الطاهر منه في اثبات طهارته ومثال قياس الشبه تردد العبد بين الحر والبهيمة فشبه البهيمة في كونه مملوكا فلا يملك ويشبه الحر في كونه متصرفا نافذ العبادة ومالكا للبضع بالنكاح إذ شرط هذا الفن ان لا يبالغ في تقريره فليحلق بقياس المخيل عند المبالغة فيه وربما يضعف مقرره فيضاهي الطرد فلا بد من الاقتصاد فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 وعقد الباب تمييز الشبه عن الطرد ولا خفاء بتميزه عن المخيل فإن الشبه لا يناسب الحكم ويتميز عما في معنى الأصل فان ذلك يعلم بالبديهة فنقول التشابه المعتبر هو الذي يوهم الإجتماع في مخيل يناسب الحكم المطلوب وذلك المخيل مجهولا لا سبيل إلى ابدائه فإذا قلنا العبد يتصرف وتنفذ عبارته كالحر يشعر ذلك باجتماعهما في المخيل الذي هو مناط الملك فكأنه يفضي إلى الحكم بواسطة والطرد هو الذي لا يشعر بالحكم لا بنفسه ولا بواسطة والمخيل هو الذي يشعر بنفسه فيمس المقصود على وجه المناسبة وان شئت قلت الشبه ما يغلب على الظن كونه في معنى الاصل وهو مشابه لالحاق الشئ بما في معناه إلا ان ذلك مقطوح وفي به وهذا غالب على الظن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 ويظهر قبول الطرد والعكس في اثبات العلة اذا قبل قياس الشبه فإنه يغلب على الظن كونه مناط الحكم ولذلك ردد القاضي فيه كلامه مع قطيعة برد الشبه والشبه جار فيما لا يعقل معناه على معنى انه لا ينقدح فيه معنى مخيل فإن قيل ما ذكره الشافعي رضي الله عنه من قياس تعيين لفظ التكبير على تعيين السجود والركوع هل هو من فن التشبيه قلنا قال الشافعي رضي الله عنه ليس ذلك من الشبه ولكنه ضرب مثلا ليبين ان المحل محل الاتباع ولا جريان للقياس كما في السجود والركوع في ان مذهب الشافعي رضي الله عنه في هذه المسالة قريب من القطع وليس للشبه هذه القوة فإن قيل قول الشافعي رضي الله عنه الشهيد اذا لم يغسل لم يصل عليه شبه أم لا قلنا قال القاضي يكاد ان يكون شبها من حيث ان الصلاة مترتبة على الغسل فإذا سقط الغسل اوشك سقوط الصلاة وابدي فيه ترددا فلم يقطع بكونه شبها وهو شبه ضعيف في الجملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 الفصل الثاني في ذكر ادلة الفريقين قال القاضي اقول للمتمسك بالشبه اعلمت انه مناط الحكم او ظننته فان علمته فبالضرورة ام بالنظر لا وجه لإدعاء واحد منهما وان ظننت فما مستند ظنك والظن في هذا المقام كالعلم وان ابان مستندا لظنه بابداء الا خالة فذاك وان لم يبد اخالة عجز عن اثبات مستنده فلا نزال نطالبه حتى نتبين تحكمه وعضد هذا بأن المنقول عن الصحابة النظر إلى المصالح فأما الشبه فلم ينقل عنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 وقولك ان العبد اذا نفذت عبارته ملك تحكم فإن نفوذ العبارة اشارة إلى انتظامها وصحتها وهذا لا يناسب الملك وان قلت يوهم الإجتماع في مخيل قلنا أبد ذلك المخيل وإلا فلا يتمسك بالمجهول فإن قلت ملك البضع فملك الأعيان كان ذلك تحكما إذ لا مناسبة بينهما على انه ينقدح في النكاح مصلحة واضحة وهي محاذرة الإضرار بالعبيد في سد باب النكاح ولا ضرار فيما دونه من الأملاك والمختار عندنا أن الشبه مقبول وهو ما غلب على الظن كونه في معناه فنقول للقاضي قال الشافعي رضي الله عنه طهارتان فكيف تفترقان وعني به الوضوء والتيمم في حكم النية أيغلب على ظنك كون الوضوء في معنى التيمم في حكم النية وكل واحد منهما طهارة عن حدث لا يعقل معناه ويغلب عليه التعبد وقد عسر ذلك الفرق بينهما فإن أنكر غلبة الظن فقد عاند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وإن اعترف به فيطالب بمستنده وينعكس عليه الأمر ولا خفاء بظهور الظن ويعلم أن الصحابة رضي الله عنهم لو عدموا قياس المعنى لتمسكوا بمثل هذه الظنون قطعا فإن جملة المسائل لا ينقدح فيها معنى مخيل والصحابة استرسلوا على الفتاوى فيعلم أنهم اعتمدوا الشبه الشبه نعم يشترط أن لا ينقدح في الأصل معنى مخيل فلو اتجه بطل التشبيه إذ الحكم منوط به ولم يجر ذلك في الفرع فلا يوهم الإجتماع في مخيل موهوم وقد رأينا المخيل المعلوم فيه لم يطرد كما ذكره القاضي في قياس ملك العين على ملك النكاح ثم المعلل المتمسك بالشبه لو قال هذا يشبه ذاك ولم يبين وجه التشبيه قال قائلون يكتفي به وعلى السائل قطع التشبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 والمختار أنه لا بد من الإيماء إلى جهة المشابهة وبيان أن الفرق عسر فلعسر الفرق وتحقق المشابهة غلب على الظن الحكم حتى يكون مناسبا كما إذا ألحق الذرة بالبر فيقربه منه في مقصود الطعم وغيره مما يتشابهان فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 الباب الثامن فيما لا يعلل من الأحكام لا يطمع في تعليل كل حكم في الشرع ولكنها منقسمة والضابط أن كل ما انقدح فيه معنى مخيل مناسب مطرد لا يصدمه أصل من أصول الشرع فهو معلل وما لم يتجه ذلك فيه كالعبادات والمقدرات فيجري فيه قياس ما في معنى الأصل وقياس الشبه إن أمكن تشبيه يورث غلبة الظن وقال ابو حنيفة رحمه الله لا يجري القياس في الحدود والكفارات والمقدرات والرحض ثم أفحش القياس في درء الحدود في السرقة والقصاص حتى أبطل قاعدة الشرع وفي إثباتها حتى أوجب في شهود الزوايا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 وأوجب قطع السرقة بشهادة شاهدين شهدا أحدهما على أنه سرق بقرة بيضاء وشهد الآخر على بقرة سوداء لإحتمال أن البقرة كانت ملمعة وقاسوا غير الجماع على الجماع في الصوم في إيجاب الكفارة والخطأ في قتل الصيد على العمد في إيجاب الجزاء مع اختصاص النص بالعمد وقدر نزح ماء البئر عند نجاسته بثلاثين دلوا قياسا ولا ينفعهم قولهم إنا قلدنا الأوزاعي فإنهم أبوا عن تقليد الصحابة في مسائل فكيف قلدوه وقدروا العفو عن النجاسة بربع الثوب والمسح على الرأس بربعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 وقاسوا في الرخص في سائر النجاسات على مقدار ما عفي عنه على محل النجو رخصة فقد خبطوا هذه الأصول مسألة إذا وردت قاعدة خارجة عن قياس القواعد كالكتابة والإجارة قال قائلون لا يجري القياس لا في أصلها ولا في فرعها وقال آخرون يجري في فروعها ولا يقاس عليه أصل آخر والمختار أن إطلاق الأمرين سقيم فإن القواعد وإن تباينت في خواصها فقد تتلاقى في أمور جميلة كملاحظة كل النكاح والبيع والإجارة في كونه معاوضة وإن باينها في مقصوده فيمتنع الاعتبار في المقصود الذي فيه التباين لا فيما فيه التلاحظ والتناسب ومثاله من الكتابة أن أبا حنيفة رحمه الله يقيس الشراء الفاسد على الكتابة الفاسدة ولو استقام له استنباط معنى يجعل الفاسد في مقصود الكتابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 كصحيحه فيبني عليه أن فاسد البيع بالنسبة إلى صحيحه في مقصوده الخاص كفاسد الكتابة فيستقيم هذا القياس إلا أنه لم يتمكن منه فرد عليه قياسه لتحكمه في قياس فاسد البيع على فاسد الكتابة مع تباين مقصوديهما فلا وأما فروع الكتابة يجري فيها القياس ولولاها لما اتسعت فروعها فصل قال القاضي من الأحكام ما يعلل جملة بعلة لا تطرد في التفاصيل وذكر ثلاثة أمثلة أحدها أنه قال لا يستقيم قول أبي حنيفة إن رفع الحدث لا يعقل معناه فلا يقاس عليه إزالة النجاسة لأن الغرض منه معقول وهو الوضاءة فلهذا اختص بالأعضاء البادية غالبا واكتفى في الناصية بالمسح لأن الغالب عليه الستر ويشهد لهذا إيماء الشارع من قوله ولكن يريد ليطهركم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 ويدل عليه أن الإنسان في حالاته في ترددات لا تخلوا من غبرات تلحقه والشرع يستحب مكارم الأخلاق والتنقي عن الدنس والدرن من أحبها نعم اختص بحالة خروج الحدث فوقت وجوبه غير معقول كاختصاص وجوب إزالة النجاسة بوقت الصلاة لا يعقل معناه ولكن أصله معقول والمثال الثاني أن الشرع قدر الحدث مانعا من الصلاة وهو غير معقول ولكن بعد اعتقاده يعقل كون الوضوء رافعا له وإذا ارتفع فلا مانع من الصلاة إلى أن يعود ولم يفهم ذلك في التيمم فإنه لا يرفعه وإنما هو استباحة مع حدث فيجب أن يتيمم لكل صلاة إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت وقياسه يقتضي ان لا يتنفل به لعدم الضرورة فلعل ذلك من وقفات معاني الشرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 أو يقال النوافل جبران الفرائض وقد خففه الشرع حتى جوز القعود فيه للقادر على القيام حثا عليه فلا يليق به تغليظ أمره فإن ذلك إضرار بالمسافر المثال الثالث أن الحد شرع للزجر وعقل على قياسه أصل تفرقة الشارع بين ما دون النصاب وبين النصاب لأن النفوس لا تتحمل الأضرار لأجل مال نزر ولكن لا يطرد في التفاصيل لأنه قد يتشوق الشخص إلى ربع دينار دون حبة ولكن لا نظر إليه وذلك لا يخرم أصل المعنى المعقول والربع وإن كان قليلا في الهمم العالية فالغالب أنه لا يهجم على السرقة إلا الأرذال من الناس وخساسهم منه فيكثر ذلك عندهم ووجة الإشكال أنا نرى الروح تسفك في مقابلة الصيال على حبة ولكن ذلك مما لا رادع منه في الطبع بحيث يعظم وقعه فما دام المرء مواظبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 على هتك الحرمة كان مدفوعا عن هتكه لا كوزن المال وههنا يجب بسرقة المال عند اقتحام الغرر وقال القاضي فكان يليق به الفرق بين قليل الخمر وكثيرة لنفرة الطبع عن قليله فلعل هذا من وقفات علة الشرع والعلل الكلية قد يفرض وقوفها بأصل مقطوع به وإن كان لا يرد بغلبات الظنون ولعل المعنى فيه أن قليل الخمر يدعو إلى كثيره والقدر المسكر لا ينضبط مع تفاوت الطباع فحسم الباب حسما قال القاضي وإن عقلنا الفرق بين القليل والكثير فلا يقاس به في هذا التقدير غيره ردا على مالك حيث قال بغلظ اليمين في عظيم من المال وقدره بنصاب السرقة لأنه ينقدح معنى مخيل في التقدير به ومسلك يشبه الإيمان بالسرقة غير منقدح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 الباب التاسع في التركيب والتعدية وفيه اربعة فصول الفصل الأول بيان الجمع بين علتين متظاهرتين على حكم واحد وقد منه القاضي تمسكا بأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينقل عنهم ذلك واعتصاما بإجماع القياسيين على إتحاد علة الربا مع إمكان الجمع وقال إذا صادفنا علة منصوصا عليها من جهة الشارع فيغلب على الظن أنه المناط على الخصوص وإن تعلق بغيره معه لذكره الشارع وقد تولى بيانه وكذا لو أجمعت الأمة على التعليل به واقتصروا عليه إذ يبعد أن يذهل أهل الإجماع عن علة صحيحة مع شدة بحثهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وإن هجمنا عليه واستنبطناه فما هو أجلى تقدم على الآخر لا محالة والمختار أن العلل قد تزدحم على حكم واحد ويعلم ان الصحابة رضي الله عنهم في اشتوارهم كانت تتشعب أراؤهم إلى مصالح متظاهرة ولا يشتغلون بالترجيح ومسألة الربا ليست معللة عندنا ولا هي مجمع عليها ولكن كل اعتقد أن علة خصمه باطلة لا تستقل ولذلك لم يجمعوا ومسالك الترجيح فيها باطلة عندنا وما ذكره من نص الشارع أو الإجماع لا ينكر أن ذلك ينتج خيالا ولكن لا بعد في وكول الشارع الباقي إلى استنباط الأئمة واستغنى أهل الإجماع بإحدى العلتين عن الأخرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وقوله إذا لاح أحدهما ينبغي أن يقدم قلنا لا نرى بعدا في اعتقاد ثبوت المسألة بحديث وقياس وإن تفاوتت مراتبهما وإذا تعارضت المصالح من غير ترجيح فلا وجه للقضاء بتساقطها: وإلحاق الحكم بالفذ غير الذي لا يعلل وليس بعضها أولى من بعض ولا بعد في أن يحكم الشارع بحكم واحد لأجل مصلحتين ولا يلزم على هذا أن يصحح قول القائل مس فصار كما لو مس وبال أو معتدة فصارت كالمعتدة البائنة أو أنثى فصارت كالأنثى الصغيرة فهذا باطل قطعا لأن المعلل يحتاج إلى أن يصرح بضم علة أخرى إلى علته لو ألغاها لكان قياسا على نفس المسألة فلتكن العلة الجامعة بحيث لو وقع الذهول عن الثانية لصح الجمع قال القاضي وقول الشافعي رضي الله عنه في جزاء الأسد حيوان لا يجزى بقيمة ولا مثل فلا يجزى كالفواسق الخمس باطل لأن معناه أن ما لا يجزى لا يجزى وهذا استدلال بنفس الحكم وهو مطالب بنصب الدليل على نفي الضمان على الوجه الذي ذكروه وليس فيه ما يدل عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 الفصل الثاني في بيان مراتب التركيب وهو منقسم إلى التركيب في الأصل وإلى التركيب في الوصف فأما التركيب في الأصل فمن أبعد أبوابه قول أصحابنا أنثى فلا تزوج نفسها كبنت خمس عشرة سنة وهو باطل إذ للسائل أن يقول إن كانت هي في علم الله كبيرة فقد قست على نفس المسألة وإن كانت صغيرة صرت كمن قال مس فصار كما لو مس وبال وأقرب منه قليلا قولهم في البكر البالغ لم تمارس الرجال فتجبر كبنت خمس عشرة سنة فإن جهة الفساد تتحد فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 إذ لو قدرت صغيرة فالصغر ليس مستقلا عند الشافعي رضي الله عنه بإفادة الإجبار، بدليل الثيب الصغيرة فإنها لا تجبر والتركيب في الوصف أبعده كقولنا في قتل المسلم بالذمي لو قتل بالمثقل لم يقتل فكذا بالسيف ووجه بعده أن النظر في الآلة لا يدل على معنى المكافأة وهو المقصود في المسألة وأقربه قولنا في اندراج الثمار غير المؤبرة تحت مطلق العقد ما يندرج تحت استحقاق الشفيع يندرج تحت مطلق العقد ووجه قربه أنه يشير إلى الجزئية المؤثرة في الاندراج إلا أنهم يقولون تخلينا الضرار سببا لإثبات الشفعة في الثمار لئلا تنفى الداخلة لذلك طردنا في المؤبرة فإن صح علة الضرار بطل التعليل وإن بطل الضرار لم نقض باندراجه تحت الشفعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 الفصل الثالث في ذكر ضابط الأدلة فيه قال الأستاذ أبو اسحق في جماعة إن التركيب صحيح وغلا حتى قدمه على غير المركب لأنه أبعد عن الاعتراضات ومنهم من رجح غيره ومنهم من سوى قال القاضي أبو بكر التركيب باطل واستدل الأستاذ بأن الغرض في المناظرة التضييق على الخصم وتنقيح الخاطر في المشكلات والتركيب أقوى في تحصيل الغرض نعم لا يعول عليه في الاجتهاد كمناقضة الخصم يتمسك بها في المناظرة دون الفتوى ولا خلل في التركيب إلا كون علة الأصل مختلفا فيها فهو مطالب بإثباته وإن عجز فهو باطل لا لأجل التركيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 والمختار أن التركيب باطل لأنه فن من القياس لم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم ولا كانوا يفهمونه وأحدث منذ خمسين سنة ولو كان قياسا صحيحا لتنبه له الأولون وهو في رسم الجدال خروج عن مقصود المسألة فإن سن البلوغ وسببه لا يثير نظرا في سلب عبارة المرأة وليس من فروع هذه المسألة ونتيجته فهو تمسك بأمر ظاهر لا في محل السؤال والمناقضة قد لا يرى التمسك بها فيما قاله القاضي أبو بكر وإن رأيناها فهي مورطة للخصم في فقه المسألة والتركيب مخرج لهما عنها وما ذكره من أن علة الأصل أبدا هو مختلف فيها وهو متمكن من إثباته فلم نرده لكون العلة مختلفا فيها ولكنه خروج عن المسألة ولو تمكن من إثبات علة الأصل باخاله أحمد فقد استغنى عن الأصل وصار مستدلا وبطل تركيبه وقوله إن الغرض تنقيح الخاطر قلنا نعم في المسألة لا في هوسات لا تعلق لها بالمسألة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 الفصل الرابع في التعدية والقائلون بالتركيب اعتقدوا التعدية سؤالا صحيحا على المركب وصورته ان يقول السائل عن قول الشافعي رضي الله عنه أنثى فلا تزوج نفسها كبنت خمس عشرة سنة إني استنبطت من الأصل الصغر فعديته بعد إلى منع سائر التصرفات فيعارض ما استنبطه من الأنوثة ويستوي فيه الأقدام وكذلك اذا قال أنثى لم تمارس الرجال فتجبر كبنت خمس عشرة سنة في مسألة إجبار البكر فيقول أنا استنبطت الصغر وطردته في الثيب الصغيرة وزعموا أن هذه التعدية أقوى لأن الصغر عند الشافعي قط لا يكون علة الإجبار بدليل الثيب الصغيرة فلا يمكنه القول به والمختار أن سؤال التعدية باطل بعد قبول المركب لأن المعلل يقول إن لم تسلم لي كون الأنوثة علة فأثبته وعليك إبطاله وإن سلمت فلا نعيد كاستنباط المجبرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 أو يسلم المسئول له وجود الصغر جدلا في مسألة نكاح بلا ولي وكونه علة ويقول ليجمع بين العلتين ويسلم وجوده في مسألة إجبار البكر وإن لم يعلل به فلا يغنيه التعليل به وأما المركب الوصف زعموا أن التعدية علة في القبول والرد مبني على قبول الفرق بين الوصف والحكم ورده كفرق السائل بين الطلاق والظهار إذا قال المعلل من صح طلاقه صح ظهاره كالمسلم والمختار أن التعدية لا ترد على تركيب الوصف إذ من ضرورته أن يقع التركيب من حكم فيقول من لا يقتل إذا قتل بالمثقل فكذا بالسيف فلا يمكنه إبراز معنى من القتل بالمثقل في معارضته والمسئول لم يتعرض للمعنى ولا يمكنه المعارضة بحكم آخر نعم لو قال ذلك لخلل في الآلة فهذا بيان منه لخروج المسئول عن مقصود المسألة وهو واقع وليس ذلك من التعدية في شئ والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 الباب العاشر في الاعتراضات وهي تنقسم إلى صحيح وفاسد الصحيح منه ثمانية أنواع النوع الأول في المنع وذلك إذا توجه على وصف التعليل لزم المعلل إثباتها ويتوجه على الأصل من أربعة أوجه أن يمنع كونه معللا أو يمنع كون ما ذكره علة بعد ما سلم أصل التعليل أو يمنع وجود ما نصبه علة أو يمنع الحكم ويكفي للمعلل بيان معنى مخيل للحكم في الأصل فيندفع به جميعها ويثبت كونه معللا بهذه العلة وعليه يترتب الحكم إذا ثبت إخالته وله النقل إلى الأصل إذا منع أو افتتاح الكلام فيه ابتداء إذا توقع المنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 وليس له نصب الدليل على نقض يورده إذا منع والفرق أن ذلك خروج من المسألة إذ قد يورد مسألة من النكاح نقضا على مسألة في الكتابة وإما إثبات الأصل إذا منع انتهاض الإثبات في الفرع تحقيقا وليس للسائل أن يدل على المنع بخلاف المسئول للأمر الجدلي وهو أن المسئول لم يتطوق أن يعترض عليه فإن دل فلا يصغى إليه لأنه لم يسأله وقال الأستاذ المنع ليس باعتراض لأن إثباته ممكن للمسئول وقال القاضي هو اعتراض ولولا رسم الجدال لحكم بانقطاعه فإنه إذا قاس على أصل ممنوع فكأنه ما دل بعد في المسألة ولكن الرجوع إلى الرسم ولولاه لساغ للسائل ابتداء إبطال فتوى المستدل ولكن لا بد من اتباع الرسم لينضبط الكلام ويتميز السائل عن المسئول النوع الثاني القول بالموجب من الاعتراضات التي ينقطع المسئول فيها ويبطل به مقصوده وقد قيل لا يسمى اعتراضا لأنه مطابقة للعلة والخلاف عائد إلى عبارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 ولا يتأتى القول بالموجب مع التصريح بالحكم الذي فيه النزاع فإن فيه رفعا للخلاف وإنما يتوجه إذا أجمل الحكم وقال كان كذا فجاز أن يكون كذا فيقول بموجبه في بعض الصور أو يتعرض لنفي علة الخصم فنقول ماء طاهر خالطه طاهر فالمخالطة لا تمنع جواز التوضئ كما لو خالطه التراب فيقول أقول بموجبه إذ المخالطة لا تمنع فينقطع المسئول فلو قال مع التغير فكذا نقول بالموجب فلو قال منع مع التغير والاستغناء ينبغي أن لا يمنع لا يقال بموجبه ولكن لا نجد أصلا نقيس عليه وهذا من ألزم أنواعه والذي دونه مما يخلص عنه بتغيير عبارة كقولنا الجنون في أحد الواطئين لا يدرأ الحد كالجنون فيها فيقول الجنون لا يدرؤه إذ الدافع خروجها عن كونها ممكنة من الزنا فلو قال ينبغي أن لا يكون صبيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 قال قائلون يكفي أن يعدل إلى لفظ السبب فيقول لا يكون الجنون سببا فيه فإن ما ذكره أيضا مثارة الجنون وزعم آخرون أن السبب بمعنى العلة فلا غنية فيه والخلاف فيه قريب المدرك وإنما يظهر العدول إلى لفظ السبب إذا تمكن المسئول من بيان انحصار الحكم في هذا السبب على الخصوص حتى لو قدر اقتصار أبي حنيفة في ذلك على الجنون دون تنزل الصبي والخرس منزلته لكان لفظ السبب أقوى في درء هذا السؤال فهذه مراتب ثلاثة في القول بالموجب النوع الثالث النقض ومعناه إبداء العلة مع تخلف الحكم ولا يورد على العلة المجملة فإنها باطلة لإجمالها لا يعترض عليها بل يستفسر عنها ومعنى الاستفسار طلب كشف عما استبهم على السائل لقصور فهمه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 وقد انقسم الناس في النقض على ثلاثة مذاهب فقال قائلون ليس ذلك باعتراض فإن العلل قابلة للتخصيص بمحل اطراده ومنع آخرون التخصيص إطلاقا وسوغ آخرون تخصيص علة نصبها الشارع دون ما نستنبطه وتمسك المانعون من التخصيص بثلاثة أمور أحدها أن قالوا الأدلة العقلية تطرد فكذا الشرعية وهذا فاسد فإنها توجب مدلولاتها لذواتها وأعيانها وهذه أمارة لا يعد في تخصيصها قصور لا مانع من طردها ثانيها أن ذلك إلى تكافؤ الأدلة فيقول أحد الخصمين مائع فتزال به النجاسة كالماء ويقول الآخر مائع فلا تزال به النجاسة كالخمر واللبن وكل لا يقبل النقض تخصيصا لعلته وهذا عندنا فاسد لكونهما طردين ولا يقع التعارض قط في مخيلين على هذا الوجه وإن اتفق فالترجيح ممكن ولا يؤدي إلى التكافؤ أصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 ثالثها قال الأستاذ يقال للمعلل إن زعمت أنك أتيت بعلة عامة فقد كذبت وإن أتيت بعلة خاصة فلا حاجة إلى التخصيص وهذا تلفيق عبارة لا خير فيه إذ له أن يقول كنت أظن عمومه والآن إذ منع مانع فالتزم طرده حيث لا مانع والمخصصة تمسكوا أيضا بثلاثة أمور أحدها أنه لو خصص العلة بالاتفاق بالزمان جاز فكذا بالمسائل فإن من قال مشتد مسكر تنتقض علته بالخمر في ابتداء الاسلام ثم يخصصه هذا الزمان وهذا فاسد فإن استيعاب الأزمنة لا يشترط في العلل الشرعية وهي لا تدل لذاتها وإنما تدل لظننا أنها منصوبة ولم ينصبها الشارع في ابتداء الإسلام فإذا نصبها اقتضى وضعه العموم ثانيها أن عموم رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصص فكذا عموم علة المعلل وهذا فاسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 فإن العام عندنا لا يخصص بل نتبين خصوصه في وضعه وإنما لم نفهمه حتى نتبينه لقرينة كيف وقد قيل إن الباقي من عموم الشارع يبقى مجملا وقال القاضي يبقى مجازا وهذا لا يحتمل من المعلل ثالثها ما قال القاضي من أن المعلل وان لم يصرح بتخصيص علة فيفهم من قرينة قوله أنه لا ينبغي طرد العلة إلا إذا اطرد ولم يمنع منه مانع كالذي يقول المتردي من سطح مسقطه الأرض يفهم منه عند الإطلاق إذا لم يختطفه مختطف والمختار أن مسألة النقض إن انقدح فيه فرق مخيل فهو مبطل فإنه مشعر باقتصار المعلل على نصف العلة وحقه أن يأتي بتمامها إذا طولب بإبداء العلة ولو كان مستثنى عن القياس وكان من مناقضات الخصم فالعلة تبطل أيضا إذ حقه أن يطرد ولا مانع وإن كان مستثنى بنص أو إجماع فالذي رآه القاضي أن هذا مجتهد فيه إذ يمكن أن يقال غلبة الظن متبع إلا إذا منع نص يقدم عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 ويمكن أن يقال طبع العلة العموم فإذا لم يعم دل ذلك على بطلانه وهذا الفن من القياس عنده باطل لا لانتقاضه ولكنه يقول ما لا قاطع في قبوله فهو محكوم ببطلانه قطعا وعندنا أن هذا القياس باطل في جوهره وان كنا لا نرى جعل عدم القاطع على القبول قاطعا في البطلان ولكن هذه العلة إنما ينصبها المعلل ظانا أنها منصوب الشارع مقتصرا على غلبة الظن فيها وإذا رأينا الشرع ينفي الحكم مع وجودها كيف يغلب على ظننا كونها علة وكيف يظن برسول الله أن يأتي بالمتناقض المتدابر يقول في نفسه وإذا بطل غلبة الظن فلا مستند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 فإن زعم المجتهد أن ظني وراءه باقي في هذه المسألة فيقال له إن تدبرت استثنيت انتفاء الظن عند الانتقاض والفاصلون الذي بين علتنا وعلة الشارع يفرقون بأن له أن يحتكم وليس لنا ذلك فلا بد في تطرق التخصيص إلى علته والمختار أن التخصيص لا يتطرق إلى جوهر علته فإنه من أعم الصيغ أعني صيغة التعليل ولا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب الشئ علما ثم ينفي الحكم مع وجوده من غير سبب نعم يتطرق إلى محله كلام فيخصص ببعض المحال بدليل قوله تعالى والسارق والسارقة وقوله تعالى الزانية والزاني فيذكر المحل دون العلة وفائدة الخلاف أن من منع التخصيص لا يجوز أصلا تطرقه إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 ما نص الشارع على التعليل به وإن أومأ إليه يتبين أن ذلك لم يكن إيماء على تعليل بورود التخصيص والمجوز للتخصيص يقول نبقي ذلك في محله فصل في دفع النقض إذا قال المعلل باع الطعام بالطعام متفاضلا فلا يجوز قياسا للسفرجل لأن على البر فقيل ينتقض يبيع البر بالشعير قال الجدليون يكفيه ان يقول صيغة الطعم تشمل الجنس والجنسين وأنا إنما عنيت الجنس الواحد واللفظ صالح له وهذا ليس بدافع فإنه أخل بأحد وصفي العلة أو بمحل العلة فلا بد من ذكره ولا يغنيه التفسير ما لم يصرح به نعم لو قال متولد من مال الزكاة وغيره فلا زكاة فيه فقيل يبطل بالمتولد من المعلوفة والسائمة فهذا ليس بنقض فإنه فهم من قرينة حاله قطعا قصده التعريض للجنس لا للنوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 فصل قال الجدليون إن الكسر سؤال لازم ويفارق النقض فإنه يرد على إخالة العلة لا على عبارتها والنقض يرد على العبارة وعندنا لا معنى للكسر فإن كل عبارة لا إخالة فيها فهي طرد محذوف والوارد على الإخالة نقض والوارد على أحد الوصفين منع كونهما مخيلين فهو باطل لا يقبل نعم تردد القاضي في أن المعلل هل يسوغ له الاحتراز عن المسألة المستثناة عن القياس بطرد أم لا وقال يحتمل ان يقال لا يحتاج إليه أصلا فإنه ليس بنقض ولو فعله استبان به تنبهه له وكان أحسن وقد بينا أن العلة منتقضة به فلا يغني الاحتراز بالطرد النوع الرابع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 إبانة عدم التأثير في وصف العلة إما في الفرع أو في الأصل وحاصله بيان ثبوت الحكم مع انتفاء العلة على نقيض ما ذكرناه في النقض ومثار هذا السؤال اشتراط العكس في التعليل وقد اختلفوا فيه فقال قائلون لا يعتبر كما في الأدلة العقلية إذ الأحكام تدل على المحكم ووجوده وعدمه لا يدل على جهله وعدمه ولأن العكس فيما قاله القاضي لا معنى له إلا انتفاء حكم في مسألة اخرى عند عدم العلة ولم يلزم من جعل الشئ أمارة أن يجعل عدمه أمارة لنقيضه فإن نفي العلة مسألة يطلب لها علة كما لهذه المسألة فلا تكون العلة مشروطة بها وقال آخرون إن العكس معتبر كما في العلة العقلية أعني العلم والعالمية ولأن العلة التي هي مناط الحكم ينبغي أن يزيد وجوده على عدمه فإذا عم الحكم وجوده وعدمه فلا أثر له والمختار عندنا أن العلة إن تعددت فلا يطالب بالعكس فإنا نجوز ازدحام العلل على حكم واحد فلا مطمع في العكس معه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وكذا إذا استند الحكم إلى حديث عام وقياس فقد لا يطرد القياس ويطرد الحديث فلا يطلب العكس وإذا اتحدت العلة فلا بد من عكسها فإنه مناط الحكم ولا مطمع في اعتقاد ثبوت الحكم دون مستنده بخلاف وجود المحكم فإن اعتقاده مع عدم الفعل غير مستحيل فلذلك لم ينعكس فكأنا نقول شرط العلة الانعكاس إلا إذا منع مانع وليكن كل معلل ملتزما له لو تمكن فإن العكس من طباع العلة فإن كل علة أخالت حكما أخال عدمها عدم الحكم ولهذا قال الأستاذ يكفيه الانعكاس في مسألة واحدة وشنع القاضي عليه فقال المسألة الواحدة كسائر المسائل فلا يشترط العكس فيها ونحن نقول الردة والعدة والحيض والإحرام إذا ازدحمت في إمرأة فالحكم معلل بالكل ولكن كل واحدة في حكم المنعكس وإن لم يبن أثرها فإذا زالت الردة زال تحريمها وكذا العدة فكأن التحريم متعدد بتعدد العلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 مسألة إذا زاد المعلل وصفا يستقل الحكم في الاصل دونه ولكن رام به درء النقض فهو مطرح إذا لم يبن كونه علة في الأصل وكذلك لو ركب من وصفين كان أحدهما في الأصل مستقلا ولا يستقل في الفرع إلا مع غيره كقوله أمة كافرة فصارت كالمجوسية فهذا فاسد لأن الرق ساقط في المجوسية بالاتفاق ليس يستقل علة بالإجماع حتى يخرج على الجمع بين العلل فيكون كقوله مس فصار كما لو مس وبال فالمحرم في الأصل هو التمجس وهو معدوم في الفرع قال القاضي لعل طريق إثباته أن يقال خصوص التمجس على انفراده علة وعموم الكفر مع الرق علة أخرى فهو حكم معلل بعلتين وهذا أيضا لا يكفي وإن عموم الكفر لا يزيد على نفس التمجس وخصوصه فيستحيل أن يكون الشئ علة على استقلاله ثم ينتصب علة مع غيره وليس من عدم التأثير ما إذا قال المعلل مشتد مسكر فيحرم كالخمر فقيل له الميتة تحرم وليس بمشتد مسكر فإن هذا طلب العكس في قاعدة أخرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وليس يلزم المعلل اتفاقا أن يضبط مدارك التحريم في جملة المحرمات النوع الخامس القلب وهو ينقسم إلى مصرح وإلى مبهم أما المصرح به فمثاله قولهم عضو من أعضاء الطهارة فلا يكتفي في وظيفته بما ينطلق عليه الاسم كسائر الأعضاء فيقال في معارضته قولنا عضو من أعضاء الطهارة فلا يتقدر بالربع وقد اختلفوا في قبوله فقال المحققون هو مردود فإنه لم تقلب عليه العلة في عين الحكم المنصوب له وعدل إلى حكم آخر ولا يتصور القلب إلا كذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 وليس يعارضه فإن شرط المعارضة التعارض في نفس الحكم وليس من ضرورة عدم الاكتفاء بما ينطلق عليه الاسم ثبوت التقدير بالربع والمختار أن هذا باطل لأنهما طردان وقد فلا يجري هذا إلا في طردين أو في مخيل وطرد إذ الشئ الواحد لا يخيل الإثبات والنفي وكذا الشبه الواحد مع أصل واحد لا يخيلهما علي جميعا على الضرورة وأما المبهم فمثاله قلبنا عليهم قولهم في مسألة المكره على الطلاق مكلف فيقع طلاقه بأنه مكلف فيستوي إقراره وإنشاؤه كالمختار وقيل هذا القلب أيضا فاسد فإنه يتلقى من الأصل الاستواء في النفي والاستواء في الأصل في الإثبات وهذا غير سديد لأن الاستواء قضية معقولة تتبادر إلى فهم الفقيه قبل البحث عن طرفي النفي والإثبات ولكنه باطل من حيث إن الاستواء ليس من نتيجة كونه مكلفا فلا يناسب التكليف الاستواء وإن كان يناسب وقوع أصل الطلاق نعم لو أورد فصل الإقرار ابتداء لكان سؤالا متجها ولم يكن من القلب في شئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 النوع السادس فساد الوضع وهو أن تخالف العلة أصلا تتقدم عليه من نص كتاب أو سنة او إجماع أو قاعدة كلية أو كان لا يخيل بأن تلقى تغليظا من تخفيف وهذا باطل لكونه طردا ولست أرى لفساد الوضع طريقا مضبوطا سوى إبانة الإخلال بشرط من شرائط العلة أي شرط كان فيما يعود إلى الإخالة وتقدم المرتبة وقياس المهر على الحد في السقوط ليس فاسد الوضع إن استقام معنى جامع مخيل وإن كان الحد مبناه على الدرء بخلاف المهر فإن للحد مع ذلك سقوطا في بعض الأحوال وللمهر حتى أيضا سقوط فيلتقيان في الإثبات والنفي جميعا النوع السابع في المعارضة وهي اعتراض مقبول لا يجري إلا في الأدلة المظنونة إذ القطيعات لا تتعارض ثم شرط المعلل أن يبطل المعارضة كما يبطل العلل أو يرجح دليله على دليله وإنما تورد المعارضة على علة لو سلمت عنها لأفادت الحكم وأما الفاسد فلا يعارض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 وقال قائلون لا تقبل المعارضة من السائل فإنه سيطالب بإثبات علة الأصل وينتدب له وهو تعدي لنصب السائلين وهذا فاسد فإن السائل يمنع الدليل إذا افتتحه ابتداء فأما ما يستفيد به إبطال كلام المسئول فيمكن منه ويستحيل أن ينقطع السائل مع انقداح المعارضة وأما احتياجه إلى الإثبات لا يضر كما إذا تمسك المستدل بظاهر فيؤولة تعالى ويعضده بقياس بالإجماع ولا منع منه النوع الثامن الفرق وقد قيل إنه لا يقبل من حيث تضمن الجمع بين أسئلة متفرقة إذ فيه منع معنى الأصل وإبداء معنى آخر ومعارضته في الفرع بعكس ما أبداه في الأصل فليأت الفارق بواحد منهما والمختار أنه مقبول وعليه الجمهور ثم اختلفوا في أنه سؤال واحد أم أسئلة فقال القائلون هو أسئلة سوغ الجمع بينها لتجمع شتات الكلام وتوضح فقه المسألة والمختار أنه سؤال واحد والنظر إلى مقصود الفرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 والغرض منه قطع الجمع إذ المسئول يزعم أن الفرع في معنى الأصل بدليل اجتماعهما في وصف العلة فيبين السائل افتراقهما في أمر خاص ليقطع جمعه ولذلك قلنا الفرق ينبغي أن يكون أخص من الجمع أو مثله فلو أبان الفرق في معنى عام لم يكفه مثاله إذا قلنا من لا يثبت بشهادته النكاح لا ينعقد بحضوره كالصبي فقالوا تقبل شهادته المعادة بخلاف الفاسق وكذلك إذا قلنا أخطأ في اجتهاده في شرط من شرائط الصلاة فيجب القضاء قياسا للقبلة على الوقت فقالوا أمر الوقت أضيق من أمر القبلة فهذا وأمثاله لا يقدح ما لم يبين فرقا قادحا في الجمع ثم ينبغي أن يتمكن من عكس المعنى في الفرع من غير زيادة فلو افتقر إليها كان معارضا ولم يكن فارقا واختلفوا في أن طرفي الفرق هل يحتاج إلى أصل والمختار أنه لا يحتاج لأن الاستدلال المرسل عندنا مقبول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 القسم الثاني في الاعتراضات الفاسدة ولا مطمع في استيعابها ولا ضبط لها ولكن مجموع ما يقصد ذكره مما تداولته الألسنة سبعة أنواع أحدها إدعاء قصور العلة على محل النص والغرض ذكر أن العلة القاصرة صحيحة وعليه دليلان أحدهما ما ذكره القاضي من أن من أبعد تصور مصلحة في محل نص الشارع وإن كان مستوعبا استحث الشارع على إثبات الحكم فقد عاند ومن جوز ثم أنكر جواز ورود التكليف بالبحث عنه فقد هذي فإنا مصرفون يكلفنا ربنا بكل ممكن كما يشاء وهذا ممكن وإذا ساغ ذلك فالباحث لا يدري قصور العلة إلا بعد استنباطها وإذا عثر عليها فلا معاب عليه إن اعتقده منصوب الشارع في محل النص فهذا أمر لا يعرض فيه خلاف نعم إن قيل لا فائدة له فلا جرم لم نربط به فائدة حتى يتناقض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 الثاني ما ذكره الاستاذ ابو اسحاق وعبر عنه بثلاث صيغ أحدها أن قال القاصرة مستجمعة لكل الشرائط كالمتعدية ولم تفارقه إلا في اعتضاده بالنص ولذلك نريده تأكيدا لا ضعفا ثانيها أن من استنبط علة متعدية وحكم بصحته ثم ورد من الشارع نص عمم جميع مجاري العلة يبعد الحكم ببطلانه بسبب شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفق علته ثالثها أن كل خائض في الاستنباط من نص إذا استنبط فحقه أن يعتقد عموم حكم النص وإن خص لفظه لأنه يظن أن العلة منصوب الشارع في جميع الصور وإذا لم يكن من ظن العموم بد فاستيقان فإن العموم كيف يبطل العلة وقد تمسك النفاة بأمرين أحدهما أن الصحابة كانوا لا يستنبطون إلا العلل المتعدية والثاني أنها علة لا فائدة لها فان الحكم مستقل بالنص وفائدة العلة إثبات حكم بها وهذا لا يثبت قط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 قلنا فيما ذكرنها جواب عن هذا فإنا لم نربط به فائدة والمعلل لا يتبين القصور إلا بعد العثور ثم قيل ما فائدته سد مسلك التخصيص والتعليل نص في التعميم واللفظ معرض للخصوص وهذه فائدة ظاهرة وإذا استنبطنا التعدية في الربا استفدنا به منع التخصيص بالكثير الموزون واللفظ معرض له والفائدة الثانية نفي الحكم شرعا عند انتفائها تلقيا من العكس وقد ذكرنا أن العكس واجب عندنا في العلة إذا اتحدت وإن عدمها ينفي كما ثبت وجودها فإن قيل يكفي في عدم الحكم عدم تناول النص له قلنا ولكن ذلك ليس بحكم شرعي فهو كالتحريم المنفي لأجل أن الشرع لم يرد به قبل ورود الشرع وإذا علل فهو منفي بعلة شرعية وهي عكس العلة القاصرة وفي هذا جواب عن تحكمهم على الصحابة بأنهم لم يستنبطوا عمر القاصرة وليس الأمر كما قالوه وقد ظهرت فائدته وقال قائلون لا فائدة له ولكنها صحيحة وبنى عليها أنه لا يجب استنباطها وإذا عثر الفقيه عليها تبين أنه لم يجب عليه استنباط ذلك وقال آخرون يجب استنباطها لما فيه من الفائدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 والخلاف يعود إلى عبارة في الوجوب ونفيه ثانيها منع المعلل من الاستدلال بفساد الفرع على فساد الأصل كقولهم إذا قلنا نكاح لا يفيد الحل أو عدم إحاطة تمنع إلزام العقد صريحا إذ الإلزام والحل ثاني الانعقاد فلا نتكلم فيه إلا بعد الفراغ عن الأصل وغلا غالون فقالوا انقطع المسؤول لأنه اعترف بأصل العقد وهذا هوس فإن المذاهب يمتحن مساقها فإذا تخبطت فروعها انعكس الفساد على أصولها وغاية المعلل تغليب ظن وما لا يفيد مقصوده يغلب على الظن فساده نعم اختلفوا في أنه من فن الشبه أو من فن المخيل واختار الإمام كونه مخيلا لأن العقد لا يراد إلا لمقصوده فإذا تخلف مقصوده لم يبق للعقد معنى وقال القاضي هو شبه قوي ولعل ما ذكره القاضي أقرب فإن منتهى المعلل تمسك بحكم من الأحكام وليس متمسكا بمصلحة مناسبة للحكم مناسبة هجوم وآيته أنه لو طولب بعلة امتناع الإلزام والحل لافتقر إلى إبداء علة فيه أو يقول اجتماعهما فيه يوهم الإجتماع في مخيل لم يبق إلا أنه يورث غلبة الظن وحق الشبه أن يكون كذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 وكذلك قولنا من صح طلاقه صح ظهاره مخيل ظاهر في إفادة غلبة الظن ولكنه من الشبه القوي والخلاف فيه قريب المأخذ ثالثها مطالبة المعلل بطرد علته في قاعدة تباعد ما فيه بطرد الكلام كما إذا علقنا وجوب العشر بالاقتيات فطولبنا النبي بتعليق الربا به موافقة لمالك وهذا فاسد وليس عند المعلل ابداء فرق وقد تباين المأخذان ولم يرد ذلك نقضا ولا استقام للسائل جمع نعم على المفتي أن يتنبه لتباين المأخذين وأن وجوب العشر يتلقى من مسيس الحاجات وهو مختص بالأقوات وتعليل الربا فيه متلقى من قوله عليه السلام لا تبيعوا الطعام بالطعام رابعها كل فرق مستنده الاتفاق في الأصل والاختلال في الفرع كقولهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 يكفر جاحد الحكم في الأصل وينقض قضاء القاضي فيه بخلاف الفرع فإنا لا نلتزم اخراج المسألة عن حيز المجتهدات وهذا من نتيجته خامسها قلب العلة معلولا كقولهم ليس الطلاق بأن يجعل علة للظهار بأولى من نقيضه وهذا فاسد فإنه لا بعد في تلازم شبهين يدل كل واحد منهما على صاحبه فليكن كذلك ولا يطرد هذا في الاشباه فأما المخيل فلا ينقلب معلولا للحكم أصلا سادسها إدعاء تراخي الدليل عن المدلول في مسألة النية إذ قسنا على التميمم وهو فاسد فيما قيل من ثلاثة اوجه أحدها أن الأدلة الشرعية لا تزيد على الأدلة العقلية والأحكام دليل على القديم وهو متراخي عنه وهذا الجواب فاسد فإن الحكم الشرعي لا يثبت دون مستنده والعلم لا يستحيل تقدير ثبوته دون الفعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 الجواب الثاني أنا نتكلم في إثبات شرط النية الآن في زماننا وهو مسبوق بنية التيمم الجواب الثالث وهو المختار أن النية تثبت في هذه المسألة بأدلة سوى التيمم وهذا أحد أدلته فقد كانت النية ثابتة قبل التيمم بدليل آخر ثم ورد التيمم عاضدا له حتى لو قدر عدم ثبوت النية في الوضوء في الشرع لما كان التيمم دليلا على ثبوته ابتداء فإنه نسخ والنسخ لا يثبت بالقياس سابعها أن تقول اقتصرت على صورة المسألة فأين المسألة إن كانت هي العلة وأين العلة إن كانت هي المسألة وهذا فاسد فإن صورة المسألة إن أخالت حكمها فذاك وإلا فهو طرد كيف ولو اقتصر على صورة المسألة لا يجد أصلا يقيس عليه فلا بد من زيادة أو نقصان مثاله إذا سئل عن استدعاء العتق بغير عوض فيقول استدعاء عتق كما إذا كان بعوض فقد غير العبارة فإنه لو استدعى عتقا بغير عوض كما في صورة المسألة لما وجد أصلا يقيس عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 وختم هذا الباب بذكر ضابط في الاعتراض الصحيح وهو أن كل اعتراض يبين الإخلال بشرط من شرائط العلة وشرط العلة أن تكون مخيلا ملتفتا على قواعد الشرع مطردا سليما عن معارضة ما يقاومه أو يتقدم عليه في المرتبة مفيدا لمقصود المعلل لئلا يقول السائل بموجبه هذا تمام الكتاب في القياس والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 كتاب الترجيح والكلام فيه بعد بيان حقيقته وإثبات أصله وبيان ما يجري فيه الترجيح يحصره بابان وحقيقته ترجيح أمارة على أمارة في مظان الظنون ونهايته إبداء مزيد وضوح في مأخذ الدليل وهذا في اللسان مشتق من رجحان الميزان وعزى القاضي إلى أبي الحسين البصري بالرمز إلى أنه أنكر الترجيح ويدل عليه أمران أحدهما علمنا بأن الصحابة كانوا يرجحون الأدلة ويقدمون بعض المصالح على بعض ويقدمون رواية أبي بكر الصديق على رواية معقل بن يسار وغيره ولا معنى للترجيح سواه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 الثاني أن منكر الترجيح إن لم يقل بالقياس فيثبت عليه وإن قال به فكيف ينكر القياس والمسائل المظنونة يتعارض الظن فيها فلا معنى للقياس فيها سوى تغليب أحد الظنين على الآخر ولا معنى للترجيح إلا قول المرجح ظني أغلب ورأيي أثبت ولا انفكاك للقياس عنه إلا إذا دل قاطع على بطلان ظن الخصم وذلك مما يندر ولا مجال للترجيح في القطعيات لأنها واضحة والواضح لا يستوضح ونفس المذهب لا يرجح فإن الترجيح بيان مزيد وضوح في مأخذ الدليل فلا بد من دليل نعم يقدم مذهب مجتهد على مجتهد بمسالك نذكرها في كتاب الفتوى وأما العقائد قال الأستاذ لا يرجح بعضها على بعض وهذا إشارة منه إلى أنها معارف ولا ترجيح في المعارف والمختار: أن العقائد يرجح البعض بالبعض فإنها ليست علوما والثقة بها تختلف وسبيله أن يقول المعتقد انطبق اعتقادي على اعتقاد الصحابة والسلف الصالحين فإنهم لم يتعرضوا لكذا ولم ينفوا كذا وهم أجدر بتسديد الاعتقاد في قواعد الدين منا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 الباب الأول من البابين الموعودين في ترجيح الألفاظ إذ مآخذ الشرع تنقسم إلى ألفاظ ومعاني والألفاظ تنقسم إلى ألفاظ الكتاب والسنة وهي تنقسم إلى نصوص وظواهر ورب ترجيح يطرد في ظاهر ولا يطرد في نص وكل ما يطرد في النص فيطرد في الظاهر ومجموع ما نذكره عليهما يحصره ستة عشر نوعا أحدهما: أن يظن على أحدهما مخايل التأخير فيقدم على المتقدم إذا لم يقطع بكون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا وذلك يبين بالزمان تارة كما روي أن قيس بن طلق روى في مس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 الذكر عن الرسول عليه السلام انه قال هل هو إلا بضعة منك وكان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك على عريش وروى أبو هريرة رضي الله عنه من مس ذكره فليتوضأ وهو متأخر في الإسلام أسلم بعد الهجرة بست سنين فالغالب أن حديثه متأخر وقد يظهر بالمكان فالمنقول بمكة يغلب على الظن تأخره وإن اتفقت له عودات إلى المدينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 وقد يبين بالحال كما روي أن النبي عليه السلام صلى بالناس في مرض موته قاعدا وهم قيام فهو مقدم على حديث مطلق رواه أحمد بن حنبل حيث قال وإذا قعد الإمام فصلوا قعودا أجمعين والمختار أن هذا الترجيح إنما يجري إذا عجزنا في هذه المسألة عن مستند آخر فأما إذا وجدنا مستندا آخر وتعارضت النصوص تساقطت فإنا نرد الحديث بأدنى خيال فالحديث الآخر إن لم يقاومه يعارضه ويوهي التمسك به محالة ثانيها أن يكون راوي أحدهما أوثق وهو ترجيح من مأخذ الدليل فإن الثقة مستند الأحاديث ثالثها أن يكون في رواة احمدهما كثرة وسببه ظاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 رابعها أن يعارض الثقة العدد فالثقة مقدمة وقدم آخرون العدد لأنه أقرب من التواتر ونحن نعلم ان الصحابة كانوا يقدمون قول أبي بكر رضي الله عنه على قول معقل بيسار ومعقل بن سنان وأمثالهم خامسها أن يعتضد أحدهما بعمل بعض الصحابة وإن كنا نرى أن عمل الصحابة لا يقدم على الحديث خلافا لمالك لأن المخالف محجوج به والعمل في مظنة التردد والمختار أنا إن قطعنا بأن الحديث بلغهم فتركوه نترك الحديث ولا نسئ الظن بهم وإن ترددنا عملنا بالحديث وإن غلب على الظن أنه بلغهم توقفنا والغالب أن حديث المتبايعين لم يخف على أهل المدينة مع عموم البلوي به وحيث لا يقدم على الحديث يرجح به أمارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 سادسها أن يعتضد أحدهما بعمل التابعي فهو كالصحابي عندنا لأن إساءة الظن به محال وخصص آخرون الترجيح بالصحابة ولا شك أن العمل ببعض مضمون الحديث كالعمل بكله حتى يرجح جملة الحديث به سابعها أن يعتضد أحدهما بظاهر الكتاب كقوله عليه السلام الحج والعمرة مفروضتان ولا يضرك بأيهما بدأت يعتضد بقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله ولا شك أن ما جمع الله يقدم على حديثهم حيث رووا أنه قال عليه السلام الحج جهاد والعمرة تطوع وأنكر القاضي هذا الترجيح وقال هو مستند لا من مأخذ الدليل فالحديثان يتعارضان ويبقى الظاهر متمسكا مستقلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 وهو المختار لأن الحديث لا أقل من أن يهي بالمعارضة فيتمسك بالظاهر وهو قريب من النص من حيث أنه أمر بهما والأمر للإيجاب ولا معنى لقولهم المعني بالإتمام المضي فيه بعد الخوض وعند بطلان هذا التفسير ينتهض الأمر نصا وعلى الجملة العمل بالظاهر أو بما يطابق الظاهر ثامنها أن يعتضد أحدهما بقياس الأصول كما قدم الشافعي رواية خباب ابن الأرت في صلاة الخوف لما أن قلت فيه الأفعال على رواية ابن عمر قال القاضي للشافعي إن كنت تكذب ابن عمر لحيده عن القياس أو تتهمه فمحال وليس القياس مناسبا لمأخذ الدليل حتى يقدح فيه وإن قلت الغالب من الرسول الجري على قياس الأصول فيعارضه أن الغالب أن الناقل عن القياس يكون أثبت في الرواية من المستمر عليه ولهذا تقدم شهادة الابراء على شهادة أصل الدين ثم قال القاضي كل دليل مستقل يرجح به حديث نظر إن كان دونه فهو باطل لا ترجيح فيه فيرد لأنه لا يوهي أحد الحديثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 وإن كان فوقه فهو متمسك به لا بطريق الترجيح كنص الكتاب وإن كان مثله فهو كحديث آخر يعضد به أحد الحديثين فيؤل الأمر إلى الترجيح بالعدد فإن قيل فما قولكم في مسألة صلاة الخوف قلنا إذا صحت الروايتان حملناهما على صلاتي الظهر والمغرب لكيلا تتناقض وهو متمكن ثم تقول الأولى ما ترك فيه الفعل المستغنى عنه وإن فرض ازدحام على صلاة واحدة فمقدار التوافق مقبول والباقي مطرح لا يتمسك به تاسعها أن يتأكد أحدهما بالاحتياط وأنكر القاضي هذا الترجيح من حيث أن التكذيب غير ممكن بسببه ولا يورث ذلك تهمة ولعل الناقل عن الاحتياط أثبت كالمشهور بالسخاوة وإن إذا نقلت عنه حالة مخالفة لها لا نكذب الناقل فيه ثم قال استحباب الاحتياط لا ينكر وإيجابه تحكم لا مستند له عاشرها فيما قيل أن يتضمن أحدهما إثباتا والآخر نفيا فهو مقدم على النفي كقوله لا شفعة للجار يؤخر عن قوله للجار الشفعة لو نقل وهذا هذيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 فإن كل واحد من الراويتين مثبت وإنما ينقدح هنا فيما إذا نقل أحدهما فعلا والآخر نفاه وأمكن حمله على ذهوله فيفعل ذلك لأنه معرض للغفلات كما والمثبت أبعد عنه حتى لو تكاذبا وقال النافي كنت أتحفظ وانتهى فلم يفعل ولا ترجيح أصلا هذا ما يجري في النصوص وما يجري في الظواهر أنواع أحدها أن يتعارض عمومان يتطرق إلى كل واحد تأويل يعتضد بقياس وقياس أحد التأويلين أوضح فهذا التأويل مقدم والعمل بالحديث الآخر واختلفوا في أن هذا هل يكون ترجيحا بالقياس قال القاضي جوز الشافعي ترجيح النص والظاهر بالقياس وأنا أجوز ترجيح الظاهر دون النص والمختار أن هذا تقديم غير مؤول على حديث مؤول ولكن تبين التأويل بالقياس ثانيها أن يظهر في أحدهما قصد العموم بأمارة من الأمارات كما ذكرنا في كتاب التأويل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 ثالثها أن يرد أحدهما ابتداء دون الآخر على سبب فالمطلق مقدم لأن ما تخيله الصائرون إلى أن الوارد على سبب يخصص به يصلح للترجيح وفيه خلاف رابعها أن يتطرق إلى أحد العمومين تخصيص بالاتفاق فما حمل الصائرين إلى أن الباقي مجمل أو مجاز يصلح للتجريح هو وفيه خلاف خامسها أن يكون في أحدهما إيماء إلى التعليل فهو مقدم لأنه يبعد عن التخصيص وهو أحرى ما تثبت به العلل إذ صيغة التعليل من أعم الصيغ سادسها فيما قاله الشافعي أن يتمسك المتمسك بأحد الحديثين من جعل لفظه علة حكم المسألة دون الخصم الآخر كما روي أن بريرة أعتقت تحت عبد يمكن أن يجعل علة عندنا ونقل أنها أعتقت تحت حر ولا يمكن أن يجعل ذلك علة فإن الخيار لا يختص بالحر بالإجماع وهذا ترجيح فاسد فإن مثاره انفراد الخصم بمذهبه ولا يرجح الحديث بالمذاهب وختم الباب بما ذكره بعض الناس من أن العمومين قد يتسلط كل واحد على تخصيص الآخر من غير دليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 وهذا كقوله تعالى اقتلوا المشركين فإنه يخصص قوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد بأهل الكتاب وقوله تعالى حتى يعطوا الجزية لقوله تعالى اقتلوا المشركين بأهل الحرب من غير افتقار إلى دليل آخر وكذا قوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله يخصصه بغير أهل الذمة قوله عليه السلام خذ من كل حالم دينارا وبتخصص وسلم هذا الحديث بأهل الكتاب بالحديث الأول وهذا فاسد فإن التخصيص بأهل الكتاب إن ظهر فيه دليل فهو مستند التخصيص وإلا فهو تحكم وليس لأحد الخصمين أن يكتفي بعمومه الذي تمسك به دليلا على تخصيص عموم صاحبه إذا أنكر هو أصل التخصيص لأنه لا يسلم عن المعارضة بمثله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 الباب الثاني في ترجيح بعض الأقيسة المتعارضة على بعض ومما لا بد من تقديمه على الخوض في ترجيح المقاييس فصل ذكره القاضي في ترتيب النظر في قواعد الأقيسة فقال النظر فيها ينقسم إلى ما لا يتفاوت في نفسه والمتفاوت وعني بالمتفاوت ما يتفاوت فيه نظر النظار وتتعارض فيه الخواطر قال والنظر الذي لا يتفاوت ينقسم إلى ما يقع في مرتبة البديهي كعلمنا أن المخنق والقاتل بالمثقل عامد للقتل ومن أضمر خلافه يسفه في عقله وإلى ما يقع في مرتبة النظري كعلمنا بوجوب القصاص عليه فإن من علم مقصود الشارع من القصاص في الحقن والعصمة استبان بأدنى نظر على القطع إيجاب القصاص ولا ينبغي أن يتمارى فيه وكذلك علمنا بأن العقوبة الرادعة عن الفواحش شرعت زجرا عنها وإذا تجمعت أسبابها من ارتكاب الفاحشة مع تمحض التحريم ومسيس الحاجة إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 الزجر فلا بد منه كعلمنا بأن الشهود إذا شهدوا على الزنا فلا يسقط الحد بقول المشهود عليه صدقوا كما قاله أبو حنيفة وكعلمنا عنه بأن الحد لا يتعلق إلا بفاحشة ولكن الشارع تولى بيانه فإنا لا ندركه بأفهامنا إن وقد خصصها بتغييب الحشفة واستثنى مقدماتها من معانقة وتقبيل وممازحة منها وعلمنا بأن أقل مراتب موجب العقوبة أن يتمحض تحريمه فالوطء بالشبهة لا يوجب الحد وإشارته إلى الذي صادف امرأة على فراشه ظنها حليلته القديمة قال فهذه جهة لا يتفاوت فيها نظر العقلاء ولا اكتراث بمخالفة أبي حنيفة فيها فإني أقطع بخطئه في تسعة أعشار مذهبه الذي خالف فيه خصومه فإنه أتى فيها من الزلل في قواعد أصولية يترقى القول فيها عن مظان الظنون كتقديم القياس على الخبر ورجوعه إلى الاستحسان الذي لا مستند له وزعم أن الزيادة على النص نسخ في مسائل ذكرناها وتمسكه بمسائل شاذة في خرم القواعد فليس الكلام معه فيها في مظنة النظر في المظنونات والعشر الباقي يستوي فيه قدمه وقدم خصومه ولعلهم يرجحون عليه فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 فأما ما يتفاوت النظر فيه كإلحاق الأيدي بالأنفس في الاستيفاء بحكم القصاص من حيث ان قطع الأطراف يتوقع منها السراية ففيه زاجر وذلك لا يتحقق في النفس إلا أن هذا يعارضه ما ذكره الشافعي رضي الله عنه من أن الغرض من القصاص الزجر والأطراف معصومة عصمة النفوس فقضية المصلحة فيه تنزيلها منزلته نعم لم يطرد الشافعي رضي الله عنه هذه المصلحة فيما إذا قطع أحدهما من جانب والآخر من جانب من حيث لم ير استفتاح المصالح ابتداء ورأى هذه المصلحة ثابتة عند الاشتراك في النفس فألحق الطرف به عند تحقق الاشتراك ومما يظهر التفاوت إيجاب الشافعي القصاص على الشهود ولم يصدر منهم إلا كلمة ولو قال ذلك مما يتسبب به إلى القتل كالإكراه فيعارضه أن التزوير من العدول مما لا يغلب والقصاص مبناه على الدرء وأبعد منه قوله يجب الحد على المرأة بلعان الزوج مع أن اللعان حجة ضرورية وليست بينة يثبت بها الزنا على الإطلاق ولو قال زنا المخدرات لا يطلع عليه إلا الأزواج فلا بد من تمهيد طريق إثباته يعارضه أن الزوج قد يريبه من أمر المرأة شئ فيغتاظ عليها فيسعى في دمها والعقوبات على الدرء مبناها قال وأبعد منه إسقاطه الحد عن الزوج في حق المقذوف به وقد صرح به في قذفه ولا خفاء ببعده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 ثم قال وقد شاع في الألسنة أن العقوبات مبناها على السقوط فلا بد من درك معناها فليعلم أن العقوبة ثابت وجوبها ودرؤها والغرض من كل واحد منهما الحقن والغرض من استيفاء القصاص حقن الدماء كي يكون ذلك وازعا للفساق والغرض من الدرء حقن دم الجاني فإنه معصوم وحقن دمه ناجز والعصمة المبتغاة من الاستيفاء متوقعة فإنا لا نرد المقتول إلى الأحياء ولكن يتوقى وقوع مثله فإذا تعارضت أسباب الحقن والدرء غلب السقوط والمقصود منه الحقن أيضا إلا أن المستفاد حقن ناجز فإذا اعتضد بمؤكد كان مراعاته أولى من عصمة متوقعة فهذه مقدمة لم نجد بدا من ذكرها ليستمد الناظر منها في مسالك الترجيح في القياس وليعلم أن القياس على مراتب وأقواها أن سميناها قياسا إلحاق الشئ بما في معناه ولا ترجيح فيه فإنه مقطوع به وأثر الترجيح يعود إلى النص المقطوع به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 ودونه المخيل ويقل فيه التعارض وإن اتفق فالغالب وقوع الكلام في تقديم مرتبة على مرتبة ويكثر التعارض في الأشباه وعندها يحتاج إلى الترجيح ومعظم المسائل مع أبي حنيفة قطعي فيما يتعلق بالأصول وما فيها يعود إلى تمسكنا بقاعدة وتمسكهم بقاعدة شاذة وذلك أيضا محكوم ببطلانه وحاصل ما يذكر من فنون الترجيح أنواع أحدها أن يعارض قياس مستنبط من نص كتاب ما في معنى لحديث آحاد قال قائلون إن سميناه قياسا رجحنا عليه فإن مستند هذا مقطوع والمختار أنه لا يرجح لأن تسميته قياسا يرجع إلى لقب وهو مقطوع به كالمنصوص وأخبار الآحاد تقدم على قياس مستنبط من القرآن ثانيها أن يعارض قياس عام تشهد له القواعد قياسا هو أخص منه بالمسألة فالأخص مقدم فيما قاله القاضي لأنا دفعنا إلى البحث عن هذه المسألة فالنظر إلى القواعد اضراب عن مقصوده فلينظر إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 ومثاله توجيه قولنا لا تتحمل العاقلة قيمة عبد لأن الجاني أولى بجنايته ويعتضد بسائر الغرامات ويعارضه قياس أخص منه وهو أن الغالب على العبد الذمية بدليل الكفارة والقصاص وضرب العقل سببه مسيس حاجة القن إلى معاطاة الأسلحة واتفاق هفوات وثقل الأروش على الجناة وهذا فاسد فإن ضرب العقل مستنثى من القياس وهذه الحكمة لا تعويل عليه والأصل أنه لا يضرب عليها إلا في محل القطع أو فيما هو مقطوع به وإنما المثل القريب قول أبي حنيفة رحمه الله لا يضرب القليل على العاقلة واعتضاده بهذا الأصل ونحن نحلق القليل بالكثير هو أخص إذ ثبت أن العقل يجري في الأجزاء والأروش وثبت بطلان معنى الإجحاف إذ المتوسط يعقل الغني ويتحمل عنه فصار القليل في معنى الكثير ويعتضد بما روى أنه عليه السلام ضرب العقل على العاقلة وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 اسم جنس يتناول الكل كما يتناول اسم الحمام الفروخ وإن كانت الحمامة لا تتناوله فهذا مقدم على قياس أبي حنيفة ولكن شرط جريان الترجيح أن يسلم المستدل بالقياس الخاص لخصمه قياسا عاما فإن نسبه إلى الإضراب عن القاعدة الثابتة في الشريعة فهو باطل وكذلك ان لم يسلم المستدل بالقياس العام خصوص هذا القياس ثم قال القاضي هذا شبه قوي مقدم على المخيل فكأنا نشبه القليل بالكثير وهذا كما تقول جراح العبد من قيمته كجراح الحر من ديته تشبيها لإحدى النسبين بالأخرى وإن كان القياس المخيل في المالية يقتضي اتباع النقصان ولهذا وجبت قيمته بالغة ما بلغت وكما تشبه الزبيب بالتمر والارز بالبر ويتنبه للمقصود الأخص في المنصوص وهو الطعم ليشبه به غيره فيعمل عمل العلة وإن لم يكن مخيلا فيقدم على مخيل يعارضه فإن قيل القوت أخص قلنا قال القاضي الجمع بينهما ممكن فيفعل ذلك إذ لا مانع ثالثها أن يكون للقياس العام إلتفات على خصوص الحكم وهو معتضد بالقواعد فهو مقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 كقياسهم المرض على الإحصار في جواز التحلل ولكن منعه أولى إن كان تمسكا بعموم حكم الحج في اللزوم لأنه يجد أصلا من الضلال والنسيان وغيره فليس إعراضا عن خصوص حكمه كما ذكرناه في إلحاق القليل بسائر الغرامات فإنه إضراب عن خصوص هذه القاعدة رابعها إذا انعكست إحدى العلتين فهو مقدم لأن ما حمل بعض الناس على المصير إلى كونه شرطا يصلح للترجيح وقد بينا أن العكس من طباع العلة فانعكاسه إلا يزيد وضوحا في جوهره ومنع القاضي الترجيح به وزعم أن العكس نفي حكم في مسألة أخرى فيتوقف فيه إلى ورود الدليل ولا أثر للعكس ثم مزيد الإخالة مقدم على العكس بالإجماع خامسها تقدم المتعدية على القاصرة بزعم الأستاذ أبي منصور والقاضي لأنه أغزر فائدة ولأن الصحابة كانوا يتمسكون بالمتعدية دون القاصرة إذ لا فائدة فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 وقال الأستاذ أبو إسحاق القاصرة مقدمة لأنها معتضدة بالنص فيقال له الحكم هو المعتضد دون العلة والمختار أنهما إن تواردا على حكم واحد يجمع بينهما ولا ترجيح وإن تناقضا فلا يلتقيان نعم يكفي طرد المتعدية عكس القاصرة ولا يقاوم العكس الطرد أصلا وإن فرض ازدحام على حكم مع تقدير الاتفاق على اتحاد العلة فالمتعدية أولى لما ذكره القاضي سادسها أن يكون فروع أحدهما أكثر من الآخر فيرجح به كما قال الاستاذ ابو منصور وهو مزيف لأن تقديم المتعدية على القاصرة تلقيناه من مسلك الصحابة ولم يظهر ذلك عند كثرة الفروع سابعها أن يتحد وصف إحدى العلتين ويتعدد وصف الآخر فالمتحد وصفه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 قالوا يرجح لأن فروعه أكثر والاجتهاد فيه أقصر فيبعد عن الخطأ وهذا فاسد لأن كثرة الفروع لا تتلقى من الاتحاد فإن التعدية متحدة وقد قصرت وقصر الاجتهاد وطوله خوف وترجي ولا يؤخذ الترجيح من هذا المأخذ ثامنها أن ما كان فروعه أكثر يقدم عليه ما كان شواهده أكثر فيما قاله الأستاذ أبو منصور كقولنا في تعليل وجوب الكفارة بالوطء في رمضان إيلاج فرج في فرج ويشهد له اختصاص بالوطء بمن أتى في الحج وغيره به وهم يقولون هتك حرمة الصوم بمقصود الجنس وقد كثر فروعه وهذا فاسد فإن قولنا إيلاج فرج في فرج طرد لا تخييل ومعتمد الشافعي تشبيه الصوم بالحج في أن ما اشتمل على مخطورات الوطء من جملتها كان الوطء مزيد تغليظ كالحج وما ذكروه منقوض عليهم بمناقضات لهم في تلك المسألة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 تاسعها أن ما كثر أصوله قالوا يرجح وشرطه ان لا تتحد الرابطة فإن اتحدت كقولنا كل ما جاز بيعه جاز رهنه وقسنا على الدار والفرس والعبد فليس هذا من كثرة الأصول نعم إن شهدت أصول متباينة بمسالك متغايرة فيرجح ولا خفاء بسببه فإنه علتان في معارضة علة واحدة عاشرها كثرة الشواهد عند عدم الجامع الفقهي مثاله قول أحمد يمسح على العمامة كالخف فنقول لا يمسح على ساترة كسائر الأعضاء وكثرة الشواهد مع اليأس عن المعنى يرجح به الحادي عشر تقدم ما يقتضي الاحتياط فيما وضعه على الاحتياط كالابضاع فيه والدماء فأما حل الصيود فلا فإن الأصل فيها الإباحة وإن كان الورع فيها الاحتياط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 الثاني عشر تقديم العلة الناقلة على العلة المستصحبة كما يقدم الراوي الناقل على المستصحب وهذا فاسد فإنا نظن أن الناقل أثبت في الرواية من المستصحب ولا نتهمه في العلة فلتقدم المستصحبة ثم يحتمل أن يقضي بالتعارض ويتمسك بالاستصحاب استقلالا ويحتمل أن يقال هو ساقط في معارضته القياس فلا يصلح إلا للترجيح الثالث عشر اعتضاد أحدهما بظاهر يترجح به أو يعمل به استقلالا وفيه احتمال كما في الاستصحاب الرابع عشر النافية والمثبتة وقد اختلف الناس فيهما على التناقض وعندنا أن لا ترجيح بهما وإنما ينقدح الترجيح بالإثبات في الروايات الخامس عشر أن تنطبق صيغة التعليل على ظاهر القرآن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 كقولنا لا تقبل شهادة الكافر لأنه فاسق ويشهد له قوله تعالى أولئك هم الفاسقون وقوله تعالى أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا وهذا الترجيح فاسد لأنه يسمى فاسقا لخروجه من الدين يقال فسقت الرطبة ولكن خصص بالكافر كما يخصص الملحد بالكافر والحنيف بالمسلم وكل واحد منهما بمعنى الميل السادس عشر ان يعتضد أحدهما بمذهب واحد من الصحابة فيرجح لأن مذهبه إن لم يجعل حجة على الاستقلال فيرجح به والمعتضد بمذهب زيد في الفرائض يرجح على ما يعتضد بقول معاذ ابن جبل وإن قال عليه السلام أعرفكم بالحلال والحرام معاذ لأن شهادته عليه السلام لزيد في الفرائض على الخصوص حيث قال عليه السلام أفرضكم زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 ويقدم أيضا على مذهب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وإن قال فيهما اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر لأن ذلك يمكن حمله على الخلافة والسيرة المرضية وهذا في الشهادة أخص منه والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 كتاب الاجتهاد والكلام فيه في أربعة فصول الفصل الأول في أن كل مجتهد في الاصول لا يصيب وأجمع العقلاء عليه سوى أبي الحسين العنبري حيث صوب كل مجتهد في العقليات ولا يظن به طرد ذلك في قدم العالم ونفي النبوات ولعله أراده في خلق الأفعال وخلق القرآن وأمثالهما إذ المسلم لا يكلف الخوض فيه لعلمنا بأن العقول لا تحتمل كل غامض عقلي والصحابة كانوا لا يأمرون الناس به فإذا خاض متبرعا فلا يأثم بما يعتقد لأن عقله لا يحتمل سواه وهذا مع هذا القرب فاسد فإن اعتقاد الاصابة المحققة على التناقض محال إذ من ضرورة أحدهما أن يكون جهلا وهو كاعتقاد اللون الواحد سوادا وبياضا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 وإن عني به نفي التأثيم معللا بقصور عقل فليطرد في النصارى واليهود كيف والصحابة كانوا يشددون القول على كل مبتدع غير مكترث بقصور عقله ثم العقول اذا نقضت عن العقليات وألفت التقليدات تقاربتو أدركت المعقولات نعم لا يجب الخوض في دركها ويكفي التقليد عندنا ولكن اذا خاض فيه فهو مأمور بالاصابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 الفصل الثاني في المجتهدين في المظنونات وقد ذهب الشافعي والاستاذ ابو اسحق وجماعة من الفقهاء إلى أن المصيب واحد وله أجران وللمخطئ أجر واحد وغلا غالون وأثموا المخطئ وصار القاضي والشيخ ابو الحسن في طبقة المتكلمين إلى أن كل واحد منهما مصيب والغلاة منهم اثبتووا صلى التخيير ونفوا مطلوبا معينا وقالوا لا فائدة في اجتهاد ولا في تقليد معين لتقدمه في المرتبة ولكنه يتخير إذ ما من حكم إلى ويجوز أن يغلب على الظن والمتقصدون وقال أوجبوا الاجتهاد والعمل بما يغلب على الظن وعزى القاضي مذهبه إلى الشافعي رضي الله عنه وقال لولاه لكنت لا أعده من أحزاب الأصوليين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 تمسك من صار إلى أن المصيب واحد بمسلكين أحدهما أن الحل يناقض الرحمة والسفك يضاد الحقن فيستحيل جمعهما وهو سفسطة من هذا الوجه ولكنهم يقولون ذلك لا يتناقض في حق شخصين كالميتة تحل للمضطر وتحرم على غيره وكل مجتهد مصيب في حق نفسه وإن فرض في حق مقلد فيستفتي الأفضل وإن تساووا انعكس الاشكال عليهم أيضا المسلك الثاني أن التحريم لا بد له من مسلك في الظن ويستحيل تعارض المسلكين على التناقض يفضي أحدهما إلى التحريم والآخر إلى التحليل على التناقض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 وهذا فاسد فإنهم ينفون مطلوبا معينا فضلا من إثبات مسلك يدل عليه ولو فرضت مفتية تحت مفت قالوا على المرأة الامتناع اذا رأت التحريم وعلى الزوج مد اليد وكل يأخذ باجتهاده ولا يستبعد هذا التناقض فإنه ينعكس على من يقول المصيب واحد فإنه لا يعنيه ولو وجب على كل واحد أن يعمل باجتهاده تمسك القاضي بأن قال يجب قطعا على كل مجتهد العمل باجتهاده شرعا والوجوب بأمر الله وما وجب بإيجاب الله فهو حق فهو المعني بكون كل واحد مصيبا للحق في حق نفسه وإن قيل لم ينه الاجتهاد نهايته قلنا اذا غلب على ظنه ولم يبق له مضطرب في اعتقاده فتكليفه امرا وراءه تكليف مالا يطاق فإنه أدى ما كلف ولم يكلف إلا استفادة أنه غلبة الظن وقد استفاده والمختار عندنا أن كل مجتهد مصيب في عمله قطعا فإنه وجب بإيجاب الله ولا معنى للقضاء بإصابة كل واحد على معنى نفي مطلوب معين في علم الله من تحريم أو تحليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 إذ لو قيل به لما تصور الطلب في حق كل مجتهد يقدم على اجتهاد إذ يعتقد في علم الله حكما هو مطلوبه من كتاب او سنة او إجماع فإن لم يجد فما هو إلا شبه بأصول الشريعة واذا لم يتخيل ذلك لم يتصور طلبه وهو كالذي يطلب زيدا في الدار ولا يتعين في خياله احد التقديرين على البدل ويتبين هذا بمثال وهو أن المجتهد في القبلة ينبغي أن يعتقد تعين القبلة في احدى الجهات وكونه مأمورا بطلبها بغلبة الظن ولو لم يتخيل ذلك كان كمن يطلب جهة من أربع جهات ولا تميز لبعضها على بعض فلا يكون له مطلوب معين ولا يتصور له طلب فعلى هذا نقول إذ فرضنا واقعة لو انتهى الاجتهاد فيها نهايته انتهى إلى التحريم المحقق فانتهى المجتهد إلى الكراهية مثلا وجب العمل به وله أجر واحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 ولو اتفق عثور على منتهى التحريم لكان مصيبا ما هو شوف الطالبين وهو غاية التحريم فقد تبين أنهما مصيبان في العمل واحدهما مخطئ في الوصول إلى ما هو شوف الطالبين لا بعينه وقد يقول القاضي ليس لله تعالى في الوقائع المظنونة حكم معين عام على جميع الخلائق إذ الحكم توجيه الخطاب ويستحيل توجيه الخطاب على التعيين مع انشعاب مسالك الظنون ولو كان معنيا لدلت عليه امارة ولو دلت الامارة لعلمت وانقلب مقطوعا به وهذا غير سديد فإن لله تعالى في كل واقعة حكما حق المجتهد أن يتشوف إليه وعليه امارات تورث غلبة الظن وللظنون في العقول مسالك كما للعلوم فهو كطالب القبلة بظنه ان اصاب جهة القبلة فله أجران وإن بنى على غلبة الظن ولم يصب فله أجر واحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 الفصل الثالث فيما هو مطلوب المجتهد اذا عينا مطلوبا قالوا والمطلوب هو الاشبه وعبر معبرون عن الاشبه بأنه ما يظهر للفقيه في مجاري ظنه وهذا لا ضبط له فإن ذلك قد يتعارض وقال آخرون هو ما لو ورد به نص لطائفة وهذا حكم على الغيب وان ذكره ابن سريح من اصحابنا وقال آخرون هو الاشبه بالاصلين الذين تردد الواقعة بينهما من نفي او اثبات وهو شوف الطالب من ظفر به فقد اصاب ومن لا فقد أخطأ وان اصاب في العمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 الفصل الرابع فيما اذا اخطأ المجتهد نصا والمصوبة اضطربوا فمنهم من طرد التصويب تعويلا على وجوب العمل عليه وفيه اصابة الحق ومنهم من خطأه وغلا غالون حتى أثموه وقال القاضي لا يؤثم لأنه لم يتعمد ولكنه يحتمل أن يقال أخطأ من حيث ان المطلوب قد تعين ومنشأ التصويب نفي المطلوب والنص هو المطلوب هنا ثم قال يمكن أن يقال هو مصيب لأنه وجب عليه العمل وقد أدى ما كلف وحكم النص متعين في حق من عثر عليه والاحكام تختلف باختلاف الاحوال والاشخاص كما في تحريم الميتة لم يبق إلا ان يقال اخطأ النص فأقول نعم ولكن هذا لفظ لا خير فيه فإنه لم يجب عليه الوصول اليه إذ فيه تكليف وشطط بعد ان استفرغ كنه مجهودة وهو وهو كالمتيمم يقال لم تتوضأ فيقال نعم ولكن لم يجب عليه ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 والمختار ان المجتهد مصيب في علمه مخطئ في التشوف المطلوب وكذا نقول اذا لم يكن نص فلا فرق عندنا ولكن اذا عثر على النص فقد نقول يجب تدارك الفائت لأن الخطأ صار متيقنا أما اذا لم يكن في المسألة نص فلا يستقين الخطا وهي مسألة فقهية إذ القضاء يجب بأمر مجدد عندنا نعم المجتهد في القبلة اذا تبين الخطأ والوقت باق هل تجب عليه الاعادة للشافعي رضي الله عنه فيه تردد ومثاره ان المقصود من المكلف استقبال عين القبلة مقصودا ام لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 فان قلنا انه مقصود فيمكن ان يقال يجب لان المقصود قد فات والاجتهاد وسيلة لم يفض إلى المقصود فلا يغني ولعل الظاهر ان القبلة ليست مقصودة في عينها فان تكليف المصلي ذلك في جهالاته وعماياته صلى الله عليه وسلم محال ولهذا قضى بسقوط الإعادة في الأظهر واما العثور على النص فمقصود الشارع قطعا وإنما فرضنا الكلام في الوقت لئلا يتورط في افتقار القضاء إلى امر مجدد وعلى الجملة الفرق بين القبلة والنص عسير وختم الكتاب بالرد على ابي حنيفة رحمه الله حيث قال كل مجتهد مصيب في اجتهاده فان قيد بالاجتهاد واراد به انه مخطئ في علمه فهذا زلل لما ذكرناه وان اراد به انه اصاب ما هو شوف الطالب فكذلك وإن عني به انه ادى ما كلف فهو مساعد عليه والله اعلم بالصواب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 كتاب الفتوى وفيه بابان أحدهما في الاجتهاد واحكامه والثاني في احكام المقلد الباب الأول في الاجتهاد وفيه اربعة فصول الفصل الأول في صفات المجتهدين فليعلم اولا ان الفتوى ركن عظيم في الشريعة لا ينكره منكر وعليه عول الصحابة بعد ان استأثر الله برسوله وتابعهم عليه التابعون إلى زماننا هذا ولا يستقل به كل احد ولكن لا بد من اوصاف وشرائط ولنا في ضبطها مسالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 المسلك الاول على الاجمال ان نقول المفتي هو المستقل بأحكام الشرع نصا واستنباطا واشرنا بالنص إلى الكتاب والسنة وبالاستنباط إلى الاقيسة والمعاني المسلك الثاني ان نفصل الشرائط فنقول لا بد من العقل والبلوغ إذ الصبي لا يقبل قوله وروايته والرق لا يقدح وكذا الانوثة ولا بد من الورع فلا يصدق الفاسق ولا يجوز التعويل على قوله ولا بد من علم اللغة فإن مآخذ الشرع الفاظ عربية وينبغي ان يستقل بفهم كلام العرب ولا يكفيه الرجوع إلى الكتب فإنها لا تدل إلا على معاني الالفاظ فأما العاني المفهومة من سياقها وترتيبها لا تفهم إلا يستقل بها والتعمق في غرائب اللغة لا يشترط ولا بد من علم النحو فمنه يثور معظم اشكالات القران ولا بد من علم الاحاديث المتعلقة بالاحكام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 ومعرفة الناسخ والمنسوخ وعلم التواريخ ليتبن المتقدم عن المتأخر والعلم بالسقيم والصحيح من الاحاديث وسير الصحابة ومذاهب الائمة لكيلا يخرق اجماعا ولا بد من اصول الفقه فلا استقلال للنظر دونه وفقه النفس لا بد منه وهو غريزة لا تتعلق بالاكتساب ولا بد من معرفة احكام الشرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 المسلك الثالث وهو المختار وهو الحاوي لجملة هذه التفاصيل ان يكون على صفة يسهل عليه درك احكام الشريعة بعد الورع والبلوغ ليقبل قوله ولا يتمكن منه إلا بجملة ما فصلناه نعم لا نؤاخذه بحفظ الاحكام فإن أئمة الاحاديث بوبوا احاديث الاحكام وميزوا الصحيح عن الفاسد والتعويل فيه على الكتب جائز كما ذكرناه في كتاب الأخبار فليراجع اذا مست الحاجة اليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 الفصل الثاني في كيفية سرد الاجتهاد ومراعاة تربيته قال الشافعي رضي الله عنه اذا رفعت اليه واقعة فليعرضها على نصوص الكتاب فان اعوزه فعلى الأخبار المتواترة فان اعوزة إذا فعلى الآحاد فان اعوزه لم يخص في القياس بل يلتفت إلى ظاهر القرآن فان وجد ظاهرا نظر في المخصصات من قياس وخبر فان لم يجد مخصصا حكم به وان لم يعثر على لفظ من كتاب ولا سنة نظر إلى المذاهب فان وجدها مجمعا عليها اتبع الإجماع وان لم يجد اجماعا خاض في القياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 ويلاحظ القواعد الكلية اولا ويقدمها على الجزئيات كما في القتل بالمثقل يقدم قاعدة الردع على مراعاة الاله فان عدم قاعدة كلية نظر في النصوص ومواقع الإجماع فان وجدها في معنى واحد الحق به وألا انحدر إلى قياس مخيل فان اعوزه تمسك بالشبه ولا يعول على طرد ان كان يؤمن بالله العزيز ويعرف مآخذ الشرع هذا تدريج النظر على ما قاله الشافعي رضي الله عنه ولقد أخر الإجماع عن الأخبار وذاك تاخير مرتبة لا تاخير عمل إذ العمل به مقدم ولكن الخبر يتقدم في المرتبة عليه فان مستنده قبول الإجماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 الفصل الثالث في ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد قال قائلون كان لا يجتهد لقوله تعالى وما ينطق عن الهوى وقال آخرون كان عليه السلام يجتهد إذ لم يكن ينتظر الوحي في كل واقعة ترفع إلى مجلسه والمختار انا لا نظن به استبدادا بالاجتهاد ولا يبعد ان يوحي اليه ويسوغ له الاجتهاد فهذا حكم العقل جوازا واما وقوعا فالغالب على الظن انه كان لا يجتهد في القواعد وكان يجتهد في الفروع كما روى أنه عليه السلام قال أرأيت لو تمضمضت فان قيل وهل اجتهد الصحابة في حال حياته قط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 قلنا انقسم الناس فيه على تناقض ولعل الظاهر انهم كانوا لا يجتهدون بحضرته والقرب من منزله ومن كان يبعد منه بفرسخ وفراسخ كان يجتهد وحديث معاذ نص في الباب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 الفصل الرابع في التخصيص على مشاهير المجتهدين من الصحابة والتابعين وغيرهم ولا خفاء بامر الخلفاء الراشدين إذ لا يصلح للامامة إلا مفتي وكذا كل من أفتى في زمانهم كالعبادلة وزيد بن ثابت ومعاوية قلدة فقال الشافعي في مسألة واصحاب الشورى قيل انهم كانوا مفتين لان عمر رضي الله عنه اجمل الأمر فيما بينهم فدل على صلاح كل واحد له قال القاضي وهذا فيه نظر إذ ما من واحد إلا وشبب عمر فيه بشئ لما أن عرض عليه فقال في طلحة صاحب ختروانة أي واستكبار وفي الزبير صاحب المد والصاع وفي سعد إنه صاحب مقنب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 وفي علي إنه صاحب دعابة وفي عثمان إنه كلف بأقاربه فلا يتلقى حكم اجتهادهم من هذه المآخذ وأبو هريرة لم يكن مفتيا فيما قاله القاضي وكان من الرواة والضابط عندنا فيه أن كل من علمنا قطعا أنه تصدى للفتوى في أعصارهم ولم يمنع عنه فهو من المجتهدين ومن لم يتصد له قطعا فلا ومن ترددنا في ذلك في حقه ترددنا في صفته وقد انقسمت الصحابة إلى متنسكين لا يعتنون بالعلم وألى معتنين به فأصحاب العمل منهم لم يكن لهم مرتبة الفتوى والذين علموا وأفتوا فهم المفتون ومطمع في عد أحادهم بعد ذكر الضابط وهو الضابط أيضا في التابعين وللشافعي في الحسن البصري كلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 وأما مالك فكان من المجتهدين نعم له زلل في الاسترسال على المصالح وتقديم عمل علماء المدينة وله وجه كما ذكرناه من قبل وأما أبو حنيفة فلم يكن مجتهدا لأنه كان لا يعرف اللغة وعليه يدل قوله ولو رماه بأبو قبيس وكان لا يعرف الأحاديث ولهذا ضري بقبول الأحاديث الضعيفة ورد الصحيح منها ولم يكن فقيه النفس بل كان يتكايس لا في محله على مناقضة مآخذ الأصول ويتبين ذلك باستثمار ثنا مذاهبه فيما سنعقد فيه بابا في آخر الكتاب الله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 الباب الثاني في أحكام التقليد وهو ثمانية فصول الفصل الأول في حقيقة التقليد قال قائلون إنه قبول قول بلا حجة فعلى هذا قبول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بتقليد فإنه حجة وكذا قول الصحابي إن رأيناه حجة وقال آخرون هو قبول قول من لا يدري من أين يقول فعلى هذا قبول قول الكل تقليد سوى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولنا إنه لا يجتهد وقال القاضي لا معنى للتقليد ويجب على العامي قبول قول المفتي وعلينا قبول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقول الصحابي إن رأيناه حجة في حق من يجب قبوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 والمختار عندنا أن جملة أصحاب الملل لم يتحصلوا به من أعمالهم وعقائدهم إلا على تقليد خلاف ما قاله القاضي فمن صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مقلد إذ لا يدرك صدقه ضرورة وكيف يعلم صدقه ولا يعلم بقوله وجود مرسله نعم لو ترتب الناظر وافتتح أولا نظره في حدوث العالم وإثبات الصانع وانحدر إلى إثبات النبوات وتصديق النبي فهو عارف وليس بمقلد ويندر من يوفق له ومعظم الناس تلتزم الشرع من نفس الشرع فهي مقلدة الشرع ولكن يراعى أدب الشرع في الإطلاق فيسمى قوله عليه السلام حجة ويسمى اتباع المجتهد تقليدا وإن كنا نعلم حقيقة الحال على ما ذكرناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 الفصل الثاني في أن الصحابي هل يجب تقليده وقد اختلفوا فيه فقال قائلون لا يجب لأنهم لا يعصمون وهذا يبطل بالراوي وتمسكوا أيضا بأنهم كانوا يختلفون ولم يوجب بعضهم على البعض الاتباع والتوافق وهذا ينقضه قول المفتي منا فإنه حجة في حق العامي وإن لم يكن حجة في حق المفتي فلا يبعد تبعيض الأمر أيضا في حقهم وتمسكوا بأنهم سوغوا الخلاف فإيجاب الاتباع رفع لما توافقوا عليه من جواز الخلاف وتمسك الموجبون للتقليد بقوله عليه السلام أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم وبقوله عليه السلام خير القرون قرني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 وهو ظاهر محمول على السيرة بدليل قوله عليه السلام اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ولا يتعين اتباعهما من بين سائر الصحابة وقد قال بتعيينهما قائلون والمختار ما خالف القياس من مذاهبهم متبع لأنا لا نظن بهم التحكم فنعلم أنهم استندوا إلى نص وإن وافق القياس فلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 ويطرد ذلك في التابعي إذا لم يعرف له مستند باطل ولا يتبع مذهب مالك في خيار المتابعين لعلمنا بفساد مستنده ولا مذهب أبي حنيفة في شهود الزوايا وإن خالف القياس لعلمنا بأنه بناه على الاستحسان الفاسد ولم نتبع ابن مسعود في حطه قيمة العبد عن الحر ولا ابن عباس في تقدير أجره الآبق بأربعين لما ذكرناه في باب الاستحسان والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 الفصل الثالث في أن المجتهد هل يقلد المجتهد في القبلة وغيرها وهو ممنوع عند الأستاذ والقاضي والشافعي تمسكان هذا من القاضي بأن قول الرسول عليه السلام حجة لدلالة المعجزة على صدقه وقول العالم حجة على المقلد لدليل قاطع ولا قاطع على جواز قبول العالم قول العالم وما لا قاطع في قبوله فهو مقطوع ببطلانه وهذا أصل للقاضي ذكرناه في كتاب الأخبار والقياس ونحن لا نرى ذلك والأستاذ تمسك بأن المجتهد يجب عليه مراعاة ترتيب الأدلة فلا يقدم قياسا على نص والتقليد بالنسبة إلى الاجتهاد فرعه فيقال له هذا تحكم في ترتيب ما لا دليل عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 والمختار ان المسألة في مظنة الاجتهاد ولا قاطع على قبوله ورده وقد اتفقوا على جواز التقليد عند ضيق الوقت وعسر الوصول إلى الحكم بالاجتهاد والنظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 الفصل الرابع فيما يجب على المقلد أن يرعاه ليستبين كون المفتي مجتهدا والمختار يكفيه أن يتعرف عدالته بقول عدلين ويسمع عنه قوله إني مفتي لأن اعتبار تلقفه المشكلات من كل فن وامتحانه به تكليف شطط ويعلم أن أصحاب البوادي من عصر الصحابة كانوا لا يفعلون ذلك وإن ذكره القاضي في التقدير واشتراط تواتر الخبر بكونه مجتهدا كما قاله الأستاذ غير سديد لأن التواتر يفيد في المحسوسات وهذا ليس من فنه وقال القاضي مرة يكفيه أن يخبره عدلان بأنه مفتي والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 الفصل الخامس في وجوب تقليد الأفضل وقد أوجبه جماعة لأنه أعلم وعلل آخرون بوجوب تقديم الأفضل في الإمامة وذلك مسلم في الإمامة لأن مبناه على المصلحة وهو الأصلح حتى لو عارضته شوكة واتفق عقده للمفضول وكان في منازعته خصام دائم يقضي بانعقاده ولا يجب تقديم الأفضل في الفتوى لعلمنا بأن العبادلة الأربعة كانوا يراجعون في زمن الخلفاء الراشدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 الفصل السادس في ذكر ما يجب على المقلد مراعاته بعد موت مقلده وقد قال الفقهاء يقلده وإن مات لأن مذهبه لم يرتفع بموته وأجمع علماء الأصول على أنه لا يفعل ذلك ولو اتبع الآن عامي مذهب أبي بكر معرضا عن سائر المذاهب لا يجوز له ذلك فإن الصحابة كانوا لا يعتنون بنخل المسائل وتهذيبها وإنما اعتنى به المتأخرون وكان أعظم شغل الأولين تقعيد القواعد فلا يفي مذهبهم بجملة الوقائع فإن وجد مجتهد عاصره وجب عليه أن يقلده وإن لم يجد قال قائلون يتبع آخر مجتهد مات وهذا فاسد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 فيتبع أعظمهم نخلا لجميع المسائل وأسدهم طريقا ثم يستبين مذهبه بقول ناقل ورع فقيه النفس متهد إلى نصوص صاحبه وليس يشترط أن يكون متعمقا في الأصول فإنه لو كان كذلك لكان مجتهدا ولكنه كالمجتهد في نصوص صاحبه كما أن صاحبه مجتهد في نصوص الشارع قال القاضي يجوز له أن يقيس على نصوص غيره فينقل من مذهبه كما يقاس على نص الشارع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 الفصل السابع في أنه هل يجب تكرير مراجعة المفتي وقد أوجبه قوم لاحتمال تغير الاجتهاد ومنعه الآخرون لأن احتماله كاحتمال النسخ في زمان رسول الله صلى عليه وسلم وكانوا لا يكررون المراجعة والمختار أن المسافة بينهما إن كانت شاسعة والواقعة كانت تكرر في كل يوم كالصلاة والكفارة فلا يراجع قطعا لعلمه بأن المقلدة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يفعلون ذلك وإن كانت الواقعة لا يكثر تكررها فالظاهر أيضا أنه لا يراجع لأنا نستدل بعدم مراجعتهم في تلك الصور مثله في هذه الصورة ثم يخرج على هذا الاختلاف وجوب الإخبار على المفتي إذا تغير اجتهاده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 الفصل الثامن في المسألة إذا ترددت بين مفتيين على التناقض ولم يمكن الجمع بين قوليهما مثل القصر في حق العاصي بسفره واجب عند أبي حنيفة والإتمام واجب عند الشافعي فيجب على المستفتي مراعاة الأفضل واتباعه وإنما لم نوجب عليه اتباع الأفضل حيث لم يظهر الخلاف لما عهد من الصحابة من مراجعة الكل ونعلم أنهم كانوا يقدمون قول أبي بكر رضي الله عنه على قول غيره عند التناقض ثم الأفقه مقدم على الأورع وإن تساويا من كل وجه قال قائلون يتخير وقال الآخرون يأخذ بالأشد وقال آخرون يأخذ بالأثقل عليه ويراجع نفسه فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 والمختار لا يتبين إلا بتقديم مقدمتين إحداهما أن الشريعة هل يجوز فتورها وقد أجمعوا على تجويز ذلك في شريعة من قبلنا سوى الكعبي بناء على وجوب مراعاة الأصلح على الله وهو ينازع في هذه القاعدة ثم لا يسلم عن دعوى الصلاح في نقيض ما قاله والمختار أن شرعنا كشرع من قبلنا في هذا المعنى وفرق فارقون ثم بأن هذه الشريعة خاتمة الشرائع ولو فترت لبقيت إلى يوم القيامة وهذا فاسد إذ ليس في العقل ما يحيله والذين فترت عليهم الشرائع وقد ماتوا قد قامت قيامتهم إذا لم يلحقهم تدارك نبي آخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي عليكم زمان يختلف رجلان في فريضة فلا يجدان من يقسمها بينهما وقوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ظاهر معرض للتأويل ويمكن تخصيصه بالقرآن دون سائر أحكام الشرع وهذا كلام في الجواز العقلي واما الوقوع فالغالب على الظن ان القيامة ان قامت عن قرب فلا تفتر الشريعة وان امتدت إلى خمس مائة سنة مثلا لأن الدواعي متوفرة على نقلها في الحال فلا تضعف إلا على تدريج ولو تطاول الزمن فالغالب فتوره إذ الهمم إلى التراجع مصيرة ثم اذا فترت ارتفع التكليف وهي كالاحكام قبل ورود الشرائع وزعم الاستاذ ابو اسحق انهم يكلفون الرجوع إلى محاسن العقول وهذا لا يليق بمذهبنا فإنا لا نقول بتحسين العقل وتقبيحه المقدمة الثانية في تقدير خلو واقعة عن حكم الله مع بقاء الشريعة على نظامها وقد جوزه القاضي حتى كان يوجبه وقال المآخذ محصورة والوقائع لا نهاية لها فلا تستوفيها مسالك محصورة وهذا قد تكلمنا عليه في الاستدلال من كتاب القياس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 والمختار عندنا احالة ذلك وقوعا في الشرع لا جوازا في العقل لعلمنا بأن الصحابة على طول الاعصار ما انحجزوا عن واقعة ما اعتقدوا خلوها عن حكم الله بل كانوا يهجمون عليها هجوم من لا يرى لها حصرا رجعنا إلى المقصود فلا مبالاة بمذهب المخيرة لأن حاصله اباحة وتردد بين الحل والحرمة والاباحة لا بد لها من مستند ولا دليل في الشرع على هذه الاباحة نعم ان كان يتلقاه من تصويب المجتهدين فهذا يلزمه في بدء الأمر ولهذا ارتكبه المصوبة واما التخيير بينهما فهو اباحة وتكليف الرجوع إلى الاغلظ او تحكيم العقل في الاثقل تحكم ايضا لا مستند له وربما يثقل عليه مالا يأمر الشرع به ويأمر بنقيضه إذ الصلاة على الحائض اثقل من تركها وكذا الصوم والمختار عندنا ان يتخذ هذه واقعة جديدة فيراجعهما رسول فيقول بأيهما آخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 وربما يومئآن ولا به إلى احدها ويفرض لهم في ذلك مستندات فإن كان في نجاسة فيستندون إلى أصل الطهارة او إلى اصل الحقن والى نكاح مستمر في الإبضاع ولسنا نضبط مستندهم ولكن فائدة ذلك لا تخفى وان امره كل واحد باتباع عقده استفتى ثالثا إن وجده أفضل منهما وان كان مثلهما وفيه تصوير المسألة وطابق أحدهما فهل يقدم قول اثنين على قول واحد هذا ما بناه اصحابنا على أن مذهب أكثر الصحابة هل يقدم على مذهب أقلهم اذا رأيناه حجة والمختار أنه لا يبالي بالكثرة ولكنه يراجعهم فيقول هل أقدم قول اثنين منكم على قول واحد فإن رأوه فذاك وان تعارضت اقاويلهم فيه ايضا فهذا شخص خفي عليه حكم الشريعة كمن هو في جزيرة ولم يبلغه خبر الدعوة فلا شئ عليه فيه فإن قيل هلا تلقيتموه من خلو واقعة عن حكم الله قلنا لانا لا تجوز وقوع ذلك في الشرع كما بيناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 فإن قيل فما قولكم في الساقط من سطح على مصروع ان تحول عنه إلى غيره قتله وان مكث عليه قتله فماذا يفعل وقد قضيتم بأن لا حكم لله فيه قلنا حكم الله ان لا حكم فيه فهذا ايضا حكم وهو نفي الحكم هذا ما قاله الامام رحمه الله فيه ولم أفهمه بعد وقد كررته عليه مرارا ولو جاز ان يقال نفي الحكم حكم لجاز ذلك قبل ورود الشرائع وبعد فتورها وعلى الجملة جعل نفي الحكم حكما تناقض فإنه جمع بين النفي والاثبات ان كان لا يعني به تخيير المكلف بين الفعل وتركه وان عناه فهو اباحة محققة لا مستند له في الشرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 هذا تمام ما أردناه من ذكر كتاب الفتوى وختمه بباب في بيان سبب تقديم مذهب الشافعي رضي الله عنه على سائر المذاهب ولنا في اثبات الغرض منه بعد التنبيه على مقدمتين ثلاث مسالك المقدمة الاولى ان العوام والفقهاء وكل من لم يبلغ منصب المجتهدين لا غنى بهم عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 تقليد امام واتباع قدوة إذ تحكيم العقول القاصرة الذاهلة عن مآخذ الشرع محال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 [ ... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602 [ ... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 603 [ ... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 604 [ ... ] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 605 وتخير اطيب المذاهب وأسهل المطالب بالتقاط الاخف والاهون حدثنا من مذهب كل ذي مذهب محال لأمرين أحدهما ان ذلك قريب من التمني والتشهي وسيتسع ابن الخرق على الراقع فينسل قوله عن معظم مضايق الشرع بآحاد التوسعات التي اتفقت الائمة في آحاد القواعد عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 606 والآخر ان اتباع الافضل متحتم واذا اعتقد تقدم واحد تعين عليه اتباعه وترك ما عداه وتخير المذاهب يجر لا محالة إلى اتباع الفاضل تارة والمفضول اخرى ولا مبالاة بقول من أثبت الخيرة في الاحكام تلقيا من تصويب المجتهدين على ما ذكرنا فساده المقدمة الثانية ان من وجب عليه تقليد امام لم يتعين عليه تقليد واحد من الصحابة كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما بل لا يسوغ له ذلك إذ الوقائع شتى وهي لكثرتها لا ضبط لها والمنقول عن هذه الائمة مذهبا وقائع محصورة لا تفي بجميع الوقائع وذلك يحوج المقلد إلى اتباع امام آخر فيقلد مجتهدا باحثا ناحلا لاصول الشريعة منبها على فروعها واما الصحابة لم يكثر بحثهم ولم يطل في الفروع نظرهم وليس هذا منا طعنا فيهم ولا تشبيبا بالطعن فإنهم اشتغلوا بتقعيد له القواعد وضبط اركان الشريعة وتأسيس كلياتها ولم يصوروا المسائل تقديرا ولم يبوبوا ذلك الابواب تطويلا وتكثيرا ولكنهم كانوا يجيبون عن الوقائع مكتفين بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 607 ثم انقلبت الامور إذ تكررت العصور وتقاصرت الهمم وتبدلت السير والشيم فافتقر الائمة إلى تقدير المسائل وتصوير الوقائع قبل وقوعها ليسهل على الطالبين اخذها عن قرب من غير معاناة تعب هذه مقدمة الباب المسلك الاول من المسالك الموعودة في تقديم مذهب الشافعي رضي الله عنه على مذهب سائر الناحلين محمد من الائمة كأبي حنيفة ومالك ومن عداهم ان الشافعي رضي الله عنه تأخر عنهم وتصرف في مذاهبهم بعد ان نظموها ورتبوا صورها وهذبوها وأبو حنيفة نزف جمام ذهنه في تصوير المسائل وتقعيد إلى المذاهب فكثر خبطه لذلك وكذلك يقع ابتداء الامور ولذلك استكنف كان ابو يوسف ومحمد من اتباعه في ثلثي مذهبه لما رأوا فيه من كثرة الخبط والتخليط والتورط في المناقضات وصرف الشافعي رضي الله عنه ذهنه إلى انتخاب المذاهب وتقديم الاظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 608 فالاظهر وأقدم عليه بقريحة وقادة وفطنة منقادة وعقل ثابت ورأي صائب بعد الاستظهار بعلم الاصول والاستمداد من جملة اركان النظر في المعقول والمنقول فيستبان على القطع انه ابعد عن الزلل والخطأ ممن اشتغل بالتمهيد وتشوش الأمر عليه في روم التأسيس التقعيد أبو وعلى الجملة اذا قدم مذهب ابي حنيفة على مذهب أبي بكر رضي الله عنه لتأخره وشدة اعتنائه بالنخل فاعتبار التأخير في نسبة الشافعي رضي الله عنه إلى أبي حنيفة رحمه الله ومن قبله أبين وأوضح فان قيل فلو تبين بعده ناحل فعينوا اتباعه إذ جعلتم للتأخير اثرا ظاهرا قلنا هذا ما نعتقده ولا مداجاة في علم الاصول عند استثمار مسالك العقول إلا انه بعد لم يتفق من يساويه في منصب الاجتهاد او يقرب منه فان قيل فما قولكم في ابن سريج ومن بعده كالقفال وغيره من الائمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 609 قلنا هؤلاء كثرة تصرفاتهم في مذهب الشافعي رضي الله عنه استنباطا وتخريجا وقلت اختياراتهم ثم لم يستمدوا من علم الاصول وكان الشافعي رضي الله عنه أعرف الخليقة به فلا يقدم مذهبهم على مذهبه المسلك الثاني أن نقول انما يؤتى الناظر اذا فسد نظره لأحد أمرين أما اختلال اصل من الاصول او لاساءة أو نظر في التفريغ ولا خلل في أصول مذهب الشافعي وقد كان أعرف الناس بعلم الاصول وهو أول من صنف في هذا العلم وقد حافظ على اصول الشريعة كلها فقبل الإجماع ولم يفعل كالنظام اذا انكره وقبل الأخبار الآحاد ولم يفعل كالروافض إذ ردوها وقبل القياس وخالف اصحاب الظواهر وهذه اصول مآخذ الشريعة ثم أحسن نظره في ترتيب الادلة فقدم النصوص على المقاييس وأخبار الآحاد عليها وقدم معظم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 610 الظواهر التي ظهر فيها مقصد العموم وسلك فيها نهجا مستقيما ومسلكا قويما اعترف له كل اصولي بالسبق والفضل ثم أحسن نظره في الفرع وتنبه لامرين عظيمين أحدهما تقديم القواعد الكلية على الاقيسة الجزئية ولذلك أوجب القتل بالمثقل خيفة انتهاضه ذريعة إلى اهدار الدماء في نفيه ابطال قاعدة القصاص والثاني ان انحجز عن القياس في مظان التعبدات وأثبت فنا من القياس وهو الحاق ما في معناه له كالحاق الأمة بالعبد في حكم السراية وعليه بني تعيين لفظة التكبير والمنع من العدول إلى ترجمة الفاتحة عند العجز لبطلان خاصية الاعجاز ولم يفعل ذلك في التكبير عند العجز إذ لا اعجاز فيه وعين لفظ التزويج والانكاح في النكاح لكثرة التعبدات والحق بهما ترجمتهما لكل لسان لانها كانت في معناهما وانضم إلى حسن نظره ذكاء فهمه ونقاء قريحته وما خص به من فطنته التي لا تجحد ولا يتمارى فيها حتى كان يحفظ القرآن في اسبوع والموطأ في ثلاث ليال وسرد جامع محمد بن الحسن بين يدي هارون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 611 الرشيد ولسنا للاطناب في نظريته ولا للتنبيه على حسن مذهبه في آحاد المسائل ولكنا اومأنا إلى الكليات ليستبان به بعده عن الزلل فإن قيل ادعيتم انه اجرى القياس في مظانه فما باله حسم القياس في ازالة النجاسة واخراج القيم في الزكوات وهي من مظان المعقولات قلنا التفت في ازالة النجاسة على سير الصحابة علما منه بأنهم قط على تفنن احوالهم ما استعملوا مائعا في الازالة سوى الماء واستنادا منه إلى ان الماء القليل اذا لاقى النجاسة نجس فهو خارج عن القياس من هذا الوجه ومسلكه في مسألة الابدال ذكرناه في كتاب التأويل وهو ما يرتضيه كل محصل ولسنا للخوص) في آحاد المسائل فذاك من الفقه ولسنا ندعي عصمة الشافعي ولكنا نرجح مذهبه لأنه أبعد عن الزلل من غيره المسلك الثالث ان نستثمر عبد مذاهب الائمة لنتبين تقدم الشافعي على القطع فأما مالك رحمه الله فقد استرسل على المصالح استرسالا جره إلى قتل ثلث الأمة لاستصلاح ثلثيها والى القتل في التعزير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 612 والضرب بمجرد التهم إلى غيره مما أومأنا إليه في أثناء الكتاب ورأى أيضا تقديم عمل اهل المدينة على احاديث الرسول عليه السلام وقد نبهنا عليه وأما ابو حنيفة رحمه الله فقد قلب الشريعة ظهرا لبطن وشوش مسلكها وغير نظامها فإنا نعلم أن جملة ما ينطوي عليه الشرع ينقسم إلى استحثاث على مكارم الاخلاق وزجر عن الفواحش والكبائر واباحة تغني عن الجرائر وتعين على امتثال الاوامر وهي بمجموعها تنقسم إلى تعبدات ومعاملات وعقوبات فلينظر العاقل المنصف في مسلكه فيها فأما العبادات فأركانها الصلاة والزكاة والصوم والحج ولا يخفى فساد مذهبه في تفاصيل الصلاة والقول في تفاصيله يطول وثمرة خبطه بين فيما عاد اليه اقل الصلاة عنده واذا عرض اقل صلاته على كل عامي جلف كاع وامتنع عن اتباعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 613 فإن من انغمس في مستنقع نبيذ فخرج في جلد كلب مدبوغ ولم ينو ويحرم بالصلاة مبدلا صيغة التكبير بترجمته تركيا او هنديا ويقتصر من قراءة القرآن على ترجمة قوله تعالى مدهامتان ثم يترك الركوع وينقر نقرتين ولا قعود بينهما ولا يقرأ التشهد ثم يحدث عمدا في آخر صلاته بدل التسليم ولو انفلتت منه بأنه سبقه الحدث يعيد الوضوء في اثناء صلاته ويحدث بعده عمدا فإنه لم يكن قاصدا في حدثه الاول تحلل عن صلاته على الصحة والذي ينبغي ان يقطع به كل ذي دين ان مثل هذه الصلاة لا يبعث الله لها نبيا وما بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم لدعاء الناس اليها وهي قطب الإسلام وعماد الدين وقد زعم ان هذا القدر أقل الواجب فهي الصلاة التي بعث لها النبي وما عداها آداب وسنن وأما الصوم فقد استأصل ركنه حيث رده إلى نصفه ولم يشترط تقدم النية عليه واما الزكاة فقد قضي فيها بانها على التراخي فيجوز التأخير وان كانت الحاجة ماسة وأعين المساكين ممتدة ثم قال لو مات قبل أدائها تسقط بموته وكان قد جاز له التأخير وهل هذا إلا ابطال غرض الشرع من مراعاة غرض المساكين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 614 ثم عكس هذا في الحج الذي لا ترتبط به حاجة مسلم وزعم انه على الفور فهذا صنيعه في العبادات فأما العقوبات فقد أبطل مقاصدها وخرم اصولها وقواعدها فإن ما رام الشرع عصمته الدماء والفروج والاموال وقد هدم قاعدة القصاص بالقتل بالمثقل فمهد التخنيق والتغريق والقتل بأنواع المثقلات ذريعة إلى درء القصاص ثم زاد عليه حتى ناكر الحس والبديهة وقال لم يقصد قتله وهو شبه عمد وليت شعري كيف يجد العاقل من نفسه ان يعتقد مثل ذلك تقليدا لولا فرط الغباوة وشدة الخذلان واما الفروج فإنه مهد ذرائع اسقاط الحد بها مثل الاجارة ونكاح الامهات وزعم انها دارئة للحد ومن يبغي البغاء بمومسة عليه كيف يعجز عن استئجارها ومن عذيرنا ممن يفعل ذلك ثم يدقق نظره فيوجب الحد في مسألة شهود الزوايا زاعما أني تفطنت لدقيقة وهي انزحافهم أبي في زينة واحدة على الزوايا ثم قال لو شهد أربعة عدول عليه بالزنا وأقر مرة واحدة سقط الحد عنه وأوجب الحد في الوطء بالشبهة اذا صادف أجنبية على فراشه ظنها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 615 حليلته القديمة وأقل مراتب موجبات العقوبات ما تمحض تحريمها والذاهل المخطئ لا يوصف فعله بالتحريم واما الاموال فإنه زعم ان الغصب فيها مع أدنى تغيير مملك فليغصب (الحنطة وليطحنها ما فيملكها وأخذ يتكابس لا فرقا بين غاصب المنديل يشقه طولا او عرضا ودرأ حد السرقة في الاموال الرطبة وفيما ينضم اليها وان لم تكن رطبة حتى قال لو سرق اناء من ذهب وفيه رطوبة نقطة من الماء فلا حد عليه ومن لم يشهد عليه جسه على الضرورة أن الصحابة رضي الله عنهم لو رفعت اليهم هذه الواقعة لكانوا لا يدرأون الحد بسبب قطرة من الماء تفرض في الاناء فليأيس أن من حسه وعقله هذا صنيعه في العقوبات ثم دقق نظره منعكسا على الاحتياط زاعما أنه لو شهد على السارق بأنه سرق بقرة بيضاء وشهد آخر بأنه سرق بقرة سوداء قال اقطع به لاحتمال أن البقرة كانت مبرقشة على اللون من سواء وبياض في نصفيها فالناظر في محل البياض ظنها بيضاء بجملتها ثم أردف جميع قواعد الشريعة بأصل هدم به شرع محمد صلى الله عليه وسلم قطعا حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 616 قال شهود الزور اذا شهدوا كاذبين على نكاح زوجة الغير وقضى به القاضي مخطئا حلت الزوجة للمشهود له وان كان عالما بالتزوير وحرمت على الاول بينه وبين الله هذا ترتيب مذهبه وانما ذكرنا هذا المسلك لان ما قبله من المسالك يعسر على العوام دركها وهذا مما يفهم كل غر غبي وكل بالغ وصبي فلولا شدة الغباوة وقلة الدراية وتدرب القلوب على اتباع التقليد والمألوف لما اتبع مثل هذا المتصرف في الشرع من سلم حسه فضلا من ان يستد نظره وعقله ومن هذا اشتد المطعن والمغمز من سلف الأئمة فيه إذ اتهموه برومه خرم الشرع وهو الذي ألحق به القاضي قوله في مسألة المثقل وقال من زعم ان القاتل لم يتعمد القتل به وان لم يعلم نقيضه فليس من العقلاء وان علمه فقد رام خرم الدين واما الشافعي رضي الله عنه فقد رد عليه في هذه القواعد واحسن ترتيب النظر في الاصول على وجه لا ينكره إلا معاند ولعل الناظر في هذا الفصل يظننا نتعصب للشافعي متغيظين الله على ابي حنيفة لتطويلنا قال النفس في تقرير هذا الفصل وهيهات فلسنا فيه إلا منصفين ومقتصدين عن مقتصرين على اليسير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 617 الكثير وحق كل متمار من فيه ان ينصف ويراجع عقله وينقض شوائب الألف والتقليد عن قلبه ويستوفق في الله تعالى في نظره ويتأمل هذه القواعد تأمل من يجوز الخطأ على ابي حنيفة نازلا عن غلوائه في التعصب له ليتضح له على قرب ما ادعيناه ان استد نظره ووقر الدين في صدره وعرف مذاق الشرع وصدره وما اعتنى الشارع به في تفاصيل احواله هذا تمام القول في الكتاب وهو تمام المنخول من تعليق الاصول بعد حذف الفضول وتحقيق كل مسألة بماهية العقول مع الاقلاع عن التطويل والتزام ما فيه شفاء الغليل والاقتصار على ما ذكره امام الحرمين رحمه الله في يستد نظره وعقله ومن هذا اشتد المطعن والمغمز من سلف الأئمة فيه إذ اتهموه برومه خرم الشرع وهو الذي ألحق به القاضي قوله في مسألة المثقل وقال من زعم ان القاتل لم يتعمد القتل به وان لم يعلم نقيضه فليس من العقلاء وان علمه فقد رام خرم الدين واما الشافعي رضي الله عنه فقد رد عليه في هذه القواعد واحسن ترتيب النظر في الاصول على وجه لا ينكره إلا معاند ولعل الناظر في هذا الفصل يظننا نتعصب للشافعي متغيظين الله على ابي حنيفة لتطويلنا قال النفس في تقرير هذا الفصل وهيهات فلسنا فيه إلا منصفين ومقتصدين عن مقتصرين على اليسير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618 الكثير وحق كل متمار من فيه ان ينصف ويراجع عقله وينقض شوائب الألف والتقليد عن قلبه ويستوفق في الله تعالى في نظره ويتأمل هذه القواعد تأمل من يجوز الخطأ على ابي حنيفة نازلا عن غلوائه في التعصب له ليتضح له على قرب ما ادعيناه ان استد نظره ووقر الدين في صدره وعرف مذاق الشرع وصدره وما اعتنى الشارع به في تفاصيل احواله هذا تمام القول في الكتاب وهو تمام المنخول من تعليق الاصول بعد حذف الفضول وتحقيق كل مسألة بماهية العقول مع الاقلاع عن التطويل والتزام ما فيه شفاء الغليل والاقتصار على ما ذكره امام الحرمين رحمه الله في تعاليقه من غير تبديل وتزييد في المعنى وتعليل سوى تكلف في تهذيب كل كتاب بتقسيم فصول وتبويب ابواب روما لتسهيل المطالعة عند مسيس الحاجة إلى المراجعة والله أعلم بالصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 618