الكتاب: عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة الطبعة: الأولى، 1409هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها عبد المحسن العباد الكتاب: عشرون حديثا من صحيح البخاري دراسة اسانيدها وشرح متونها المؤلف: عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر الناشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة الطبعة: الأولى، 1409هـ عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله واهتدى ى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد، فهذه دراسة لعشرين حديثا من كلام النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم انتقيتها من صحيح الإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، راعيت في انتقائها أن تكون أسانيدها ومتونها مشتملة على فوائد جمة، وجعلت الكلام في كل حديث مشتملا على أربعة مباحث: المبحث الأول، تخريج الحديث: ذكرت فيه المواضع التي أورده البخاري فيها، وذكرت أسانيدها غالبا، وذكرت من خرجه من الأئمة سواه مع العزو إلى الكتاب المخرج فيه. المبحث الثاني، التعريف برجال الإسناد: أوردت فيه ترجمة موجزة لكل راو تشتمل غالبا على نسبه ووطنه وبعض الذين روى عنهم وبعض الذين رووا عنه وبعض ما نقل في توثيقه والثناء عليه وبيان من خرج حديثه وسنة وفاته، وعند الترجمة للصحابي الذي روى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذكر عدد ما له من الحديث في الصحيحين وكتب السنن الأربعة مع بيان المتفق عليه عند الشيخين منها وما انفرد به كل منهما على نحو ما ذكره الخزرجى في خلاصة تذهيب الكمال. المبحث الثالث، لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث: وهو من أهم المباحث إذ هو بمثابة تطبيق لعلم مصطلح الحديث، وفيه نكت بديعة وطرائف حديثية ممتعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 المبحث الرابع، شرح الحديث: حاولت في هذا المبحث إبراز الكثير من معاني المتن، وختمته بالحديث عن فقه الحديث وما يستنبط منه. وكثير من مادة هذا الكتاب مستفاد من مؤلفات الحافظ ابن حجر رحمه الله كتهذيب التهذيب، وتقريبه، وفتح الباري ومقدمته، وقد عزوت إليه غالبا ولم أعز إليه في بعض الأحيان للتصرف في عبارته بالزيادة أو النقص. وقد مهدت للكلام على هذه الأحاديث بذكر ترجمة مختصرة للإمام أبى عبد الله البخاري رحمه الله، وتعريف موجز بكتابه الجامع الصحيح. والله أسأل أن يتقبل من المقل جهده، وينفع به طلاب العلم، إنه جواد كريم. جمادى الأولى1390 هـ عبد المحسن بن حمد العباد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 ترجمة موجزة للإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله نسبه: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَردِزبه الجعفي. فجده بزدزبه ضبط اسمه بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون الزاى المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها هاء، قال الحافظ ابن حجر هذا هو المشهور في ضبطه، وبردزبه في الفارسية الزراع كذا يقول أهل بخارى، وكان بردزبه فارسيا على دين قومه انتهى. وجده المغيرة بن بردزبه أسلم على يدي يمان البخاري والى بخارى ويمان جعفي فنسب إليه لأنه مولاه من فوق، عملا بمذهب من يرى أن من أسلم على يدي شخص كان ولاؤه له. وجده إبراهيم، قال الحافظ ابن حجر إنه لم يقف على شيء من أخباره.. وأبو إسماعيل ترجم له ابن حبان في الثقات، وقال: إسماعيل بن إبراهيم والد البخاري يروى عن حماد بن زيد ومالك، وروى عنه العراقيون، وترجم له الحافظ في تهذيب التهذيب. متى وأين ولد: ولد رحمه الله في بخارى، وهي من أعظم مدن ما وراء النهر في يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر شوال سنة أربع وتسعين ومائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 نشأته وبدؤه طلب العلم: توفي والده وهو صغير، فنشأ في حجر أمه، وأقبل على طلب العلم منذ الصغر، وقد تحدث عن نفسه فيما ذكره الفربري عن محمد بن أبى حاتم وراق البخاري قال: سمعت البخاري يقول: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب، قلت: وكم أتى عليك إذ ذاك؟ قال: عشر سنين أو أقل، إلى أن قال: فلما طعنت في ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء، يعنى أصحاب الرأي، قال ثم خرجت مع أمي وأخي إلى الحج- فلما طعنت في ثمان عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين، ثم صنفت التاريخ بالمدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكنت أكتبه في الليالي المقمرة، قال: وقل اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة، إلا إني كرهت أن يطول الكتاب. رحلته في طلب العلم وسماعه الحديث: اشتغل وهو صغير في طلب العلم وسماع الحديث فسمع من أهل بلده من مثل محمد بن سلام ومحمد بن يوسف البيكنديين وعبد الله بن محمد المسندي وغيرهم، ثم حج هو وأمه وأخوه أحمد وهو أسن منه سنة عشر ومائتين، فرجع أخوه بأمه وبقى في طلب العلم، فسمع بمكة من الحميدي وغيره، وبالمدينة من عبد العزيز الأويسي وغيره، ثم رحل إلي أكثر محدثي الأمصار في خراسان والشام ومصر ومدن العراق وقدم بغداد مراراً واجتمع إليه أهلها واعترفوا بفضله وشهدوا بتفرده في علمي الرواية والدراية، وسمع ببلخ من مكي بن إبراهيم وغيره، وبمرو من على بن الحسن وعبد الله بن عثمان وغير هما، وبنيسابور من يحي بن يحي وغيره، وبالري من إبراهيم بن موسى وغيره، وببغداد من سريج بن النعمان وأحمد بن حنبل وغير هما، وبالبصرة من أبى عاصم النبيل ومحمد بن عبد الله الأنصاري وغير هما، وبالكوفة من طلق بن غنام وخلاد بن يحي وغير هما، وبمصر من سعيد بن كثير بن عفير وغيره، وسمع من أناس كثيرين غير هؤلاء، ونقل عنه أنه قال كتبت عن ألف وثمانين نفسا ليس فيهم إلا صاحب حديث. وقال أيضا لم أكتب إلا عمن قال الإيمان قول وعمل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 ذكاؤه وقوة حفظه: وكان رحمه الله قوي الذاكرة سريع الحفظ، ذكر عنه المطلعون على حاله ما يتعجب منه الأذكياء ذوو الحفظ والإتقان فضلا عمن سواهم، فقد قال عنه أبو بكر الكلوذاني: ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلم فيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الحديث من مرة واحدة. وقال محمد بن أبى حاتم وراق البخاري: قلت لأبى عبد الله محمد بن إسماعيل: تحفظ جميع ما أدخلته في المصنف قال: لا يخفي عليّ جميع ما فيه. وقال محمد بن حمدويه: سمعت البخاري يقول: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح. وقال محمد بن الأزهر السجستاني: كنت في مجلس سليمان بن حرب والبخاري معنا يسمع ولا يكتب، فقيل لبعضهم ما له لا يكتب؟ فقال: يرجع إلى بخارى ويكتب من حفظه. ولعل من أعجب ما نقل عنه في ذلك ما قاله الحافظ أبو أحمد بن عدى - كما في تاريخ بغداد ووفيات الأعيان وغير هما- سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمداً بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وأرادوا امتحان حفظه، فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس أن يلقوا ذلك على البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرها ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 آخر فقال: لا أعرفه، فما زال يلقى عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول لا أعرفه، فكان الفهماء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: الرجل فهم، ومن كان منهم غير ذلك يقضى على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب رجل آخر من العشرة وسأله كما سأله الأول والبخاري رحمه الله يجيب بما أجاب به الأول، ثم الثالث والرابع حتى فرغ العشرة مما هيأوه من الأحاديث، فلما علم البخاري أنهم فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فقلت: كذا، وصوابه كذا، وحديثك الثاني قلت: كذا، وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأقر له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وعند ذكر هذه القصة يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: هنا يخضع للبخاري، فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب فإنه كان حافظا، بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه عليه من مرة واحدة. نماذج من ثناء الناس عليه رحمه انته: وقد كان البخاري رحمه الله موضع التقدير من شيوخه وأقرانه، تحدثوا عنه بما هو أهله وأنزلوه المنزلة التي تليق به، وكذلك غيرهم ممن عاصره أو جاء بعده. وقد جمع مناقبه الحافظان الكبيران الذهبي وابن حجر العسقلاني في مؤلفين خاصين، كما ذكر ذلك الذهبي في تذكرة الحفاظ، وابن حجر في تهذيب التهذيب. ولعل من المناسب هنا ذكر بعض النماذج من ذلك: قال أبو عيسى الترمذي. كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير فقال له لما قام: يا أبا عبد الله جعلك الله زين هذه الأمة، فاستجاب الله تعالى له فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 ويقول الإمام البخاري: كنت إذا دخلت على سليمان بن حرب يقول: بين لنا غلط شعبة. وقال محمد بن أبى حاتم وراق البخاري سمعت يحي بن جعفر البيكندي يقول: لو قدرت أن أزيد من عمري في عمر محمد بن إسماعيل لفعلت، فان موتى يكون موت رجل واحد وموت محمد بن إسماعيل فيه ذهاب العلم. وقال أحمد بن حنبل: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل، ولما بلغ على بن المديني قول البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند على بن المديني، قال لمن أخبره: دع قوله، ما رأى مثل نفسه. وقال رجاء بن رجاء: هو- يعنى البخاري- آية من آيات الله تمشى على ظهر الأرض. وقال أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور: هو إمام أهل الحديث بلا خلاف بين أهل النقل. وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري. ويقول الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ: وكان رأسا في الذكاء، رأساً في العلم، رأسا في الورع والعبادة، ويقول في كتابه العبر: وكان من أوعية العلم يتوقد ذكاء، ولم يخلف بعده مثله رحمة الله عليه. وقال الحافظ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: هو إمام أهل الحديث في زمانه والمقتدى به في أوانه والمقدم على سائر أضرابه وأقرانه، وقال: وقد كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 البخاري رحمه الله في غاية الحياء والشجاعة والسخاء والورع والزهد في الدنيا دار الفناء والرغبة في الآخرة دار البقاء. وقال ابن السبكي في طبقات الشافعية: هو إمام المسلمين وقدوة الموحدين وشيخ المؤمنين والمعول عليه في أحاديث سيد المرسلين وحافظ نظام الدين. وقال محمد بن يعقوب بن الأخرم: سمعت أصحابنا يقولون: لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة: هذا غيض من فيض مما قيل في الإمام أبى عبد الله البخاري رحمه الله تعالى برحمته الواسعة. مصنفاته: وقد اتحف الإمام البخاري رحمه الله المكتبة الإسلامية بمصنفات قيمة نافعة، أجلها وعلى رأسها كتابه الجامع الصحيح الذي هو أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي. ومنها الأدب المفرد، ورفع اليدين في الصلاة، والقراءة خلف الإمام، وبر الوالدين، والتأريخ الكبير والأوسط والصغير، وخلق أفعال العباد، والضعفاء، والجامع الكبير، والمسند الكبير، والتفسير الكبير، وكتاب الأشربة، وكتاب الهبة، وأسامي الصحابة، إلى غير ذلك من مؤلفاته الكثيرة التي أورد كثيرا مخها الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة فتح الباري.. عناية العلماء بترجمته ونقل أخباره رحمه الله: لما قام الإمام البخاري رحمه الله بالعناية التامة في تدوين سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتنقيتها من الشوائب، وتجريد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الأحاديث الصحيحة جعل الله له لسان صدق في الآخرين، فما زال الناس منذ عمره، ولا يزالون يثنون عليه ويترحمون عليه ويولون كتابه الجامع الصحيح العناية التامة، وما من مؤلف في التاريخ وتراجم الرجال إلا ويزين مؤلفه بذكر ترجمته والتنويه بشأنه ونقل أخباره رحمه الله. فهذا الحافظ الذهبي رحمه الله يترجم له في تذكرة الحفاظ ويقول بعد نقل شيء من مناقبه قلت: قد أفردت مناقب هذا الإمام في جزء ضخم فيه العجب. وهذا الحافظ ابن حجر يترجم له في تهذيب التهذيب، ويقول في ترجمته. قلت: مناقبه كثيرة جداً قد جمعتها في كتاب مفرد، ولخصت مقاصده في آخر الكتاب الذي تكلمت فيه على تعاليق الجامع الصحيح. وقد ترجم له أيضاً في آخر كتابه هدى الساري مقدمة فتح الباري، ونقل شيئا من ثناء مشايخه وأقرانه عليه. ثم قال: ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليه ممن تأخر عن عصره لفنى القرطاس ونفدت الأنفاس، فذاك بحر لا ساحل له. وذكره الحافظ ابن كثير فما تاريخه البداية والنهاية في أعيان سنة ست وخمسين ومائتين وقال: وقد ذكرنا له ترجمة حافلة في أول شرحنا لصحيحه، ولنذكر ههنا نبذة يسيرة من ذلك فذكرها في ثلاث صفحات. وترجم له ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، وعدد شيئا من مناقبه. ثم قال: واعلم أن مناقب أبى عبد الله كثيرة فلا مطمع نما استيعاب غالبها، والكتب مشحونة وفيما أوردناه مقنع وبلاغ. ويجدر بهذه المناسبة أن أضع بين يدي القاريء جدولا يوضح بعض الكتب المطبوعة التي اشتملت على ترجمته، وتسمية مؤلفيها، مع ذكر تاريخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وفياتهم، وعدد صفحات الترجمة وتعيينها من كل كتاب، ليكون راغب الوقوف على أخباره رحمه الله على علم بمظنتها، كما يدرك من ذلك أيضاً المطول منها والمختصر وذلك فيما يلي: المؤلف وتاريخ وفاته ... اسم الكتاب ... عدد صفحات الترجمة ... الصفحة الأولى ... الجزء ... تاريخ الطبع ومكانه 1- الخطيب البغدادي 463هـ ... تاريخ بغداد ... 31 ... 4 ... 2 ... مصر 1349هـ 2- القاضي محمد بن أبي يعلى526هـ ... طبقات الحنابلة ... 9 ... 271 ... 1 ... مطبعة السنة المحمدية بمصر 3- ابن خلكان681هـ ... وفيات الأعيان ... 3 ... 329 ... 3 ... 1367هـ مصر 4- الحافظ الذهبي748هـ ... تذكرة الحفاظ ... 2 ... 134 ... 2 ... في حيدرأباد بالهند 5- ابن السبكي 771هـ ... طبقات الشافعية كبرى ... 18 ... 2 ... 2 ... 1324هـ مصر 6- الحافظ بن كثير774هـ ... البدايه والنهاية ... 3 ... 24 ... 11 ... مطبعة السعادة بمصر 7- الحافظ ابن حجر العسقلاني852هـ ... هدي الساري ... 17 ... 250 ... 2 ... 1383هـ مصر 8- الحافظ ابن حجر العسقلاني852هـ ... تهذيب التهذيب ... 9 ... 47 ... 9 ... 1326هـ حيدرآباد 9- العليمي الحنبلي927هـ ... المنهج الأحمد ... 4 ... 133 ... 1 ... 1382هـ مصر 10- ابن العماد الحنبلي1089هـ ... شذرات الذهب ... 2 ... 134 ... 2 ... 1350هـ مصر 11- صديق حسن خان1307هـ ... التاج المكلل ... 3 ... 106 ... 0 ... 1382هـ الهند وفاته ومدة عمره: توفي رحمه الله في خَرتَنَك قرية من قرى سمرقند ليلة السبت بعد صلاة العشاء وكانت ليلة عيد الفطر، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر سنة ست وخمسين ومائتين. ومدة عمره اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوما، رحمه الله تعالى. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية: وقد ترك رحمه الله بعده علما نافعا لجميع المسلمين، فعلمه لم ينقطع بل هو موصول بما أسداه من الصالحات في الحياة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به ... " الحديث رواه مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 تعريف موجز بصحيح البخاري اسمه: اشتهر بين الناس قديما وحديثا تسمية الكتاب الذي ألفه الإمام البخاري رحمه الله في الحديث النبوي (صحيح البخاري) . أما اسمه عند البخاري رحمه الله فالجامع الصحيح كما ذكر ذلك في الباعث له على تأليفه وقد سماه "الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه "، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه فتح الباري، وذكر ابن الصلاح في كتابه علوم الحديث أنه سماه: "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ". السبب الباعث للإمام البخاري على تأليفه: ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة كتابه فتح الباري أسبابا ثلاثة دعت الإمام البخاري رحمه الله إلى تأليف كتابه الجامع الصحيح: أحدها: أنه وجد الكتب التي ألفت قبله بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين، والكثير منها يشمله التضعيف فلا يقال لغثه سمين، قال فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب في صحته أمين. كذا ولعله فلا يقال لغثه غث ولا لسمينه سمين. الثاني: قال: وقوى عزمه على ذلك ما سمعه من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن راهوية، وساق بسنده إليه أنه قال: كنا عند إسحاق بن راهوية فقال: " لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح". الثالث: قال: وروينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس قال سمعت البخاري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأني واقف بين يديه وبيدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 مروحة أذب بها عنه، فسألت بعض المعبرين فقال لي: أنت تذب عنه الكذب، فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح. مدى عنايته في تأليفه: ولم يأل البخاري رحمه الله جهدا في العناية، في هذا المؤلف العظيم يتضح مدى هذه العناية مما نقله العلماء عنه، فنقل الفربري عنه أنه قال: ما وضعت في كتابي الصحيح حديثاً إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين. ونقل عمر بن محمد البجيري عنه أنه قال: ما أدخلت فيه- يعنى الجامع الصحيح- حديثاً إلا بعد ما استخرت الله تعالى وصليت ركعتين وتيقنت صحته. ونقل عنه عبد الرحمن بن رساين البخاري أنه قال: صنفت كتابي الصحيح لست عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى. موضوع الجامع الصحيح: والأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي موضوع كتابه الجامع الصحيح فهي التي وجه عنايته إليها وجعل كتابه مشتملا عليها ويدل لذلك أمور منها: 1- تسميته لكتابه: الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. 2- تصريحه بذلك في نصوص كثيرة نقلت عنه، تقدم ذكر بعضها في السبب الباعث له على تأليفه وفي التنويه بمدى عنايته في تأليفه، ومن ذلك غير ما تقدم ما نقله الإسماعيلي عنه أنه قال لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً وما تركت من الصحيح أكثر وروى إبراهيم بن معقل عنه أنه قال: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح- وتركت من الصحيح حتى لا يطول. محتويات الجامع الصحيح: وصحيح البخاري كما اشتمل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الأحاديث الصحيحة التي هي موضوع الكتاب، فهو يشتمل أيضاً على ما في تراجم أبوابه من الاستنباط وذكر أقوال السلف ومن التعليقات والموقوفات وغير ذلك مما ليس داخلا في موضوع كتابه. قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري بعد الإشارة إلى موضوع الكتاب: ثم رأى أن لا يخليه من الفوائد الفقهية والنكت الحكمية فاستخرج بفهمه من المتون معاني كثيرة فرقها في أبواب الكتاب بحسب تناسبها، واعتنى فيه بآيات الأحكام فانتزع منها الدلالات البديعة، وسلك في الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة انتهى. وبذلك جمع الإمام البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح بين الرواية والدراية بين حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمها. التعليقات في صحيح البخاري: التعليق هو حذف راو أو أكثر من أول السند ولو إلى آخر الإسناد، وهو كثير في صحيح البخاري بخلاف صحيح مسلم فإنه فيه قليل جدا. وقد ألف الحافظ ابن حجر في وصل تعليقات البخاري كتابا أسماه: "تغليق التعليق " واختصر هذا الكتاب في مقدمة الفتح في فصل طويل ذكر فيه تعاليقه المرفوعة والإشارة إلى من وصلها، وكذا المتابعات لالتحاقها بها في الحكم، قال في أوائل الفصل؟ وقد بسطت ذلك جميعه في تصنيف كبير سميته تغليق التعليق ذكرت فيه جميع أحاديثه المرفوعة وآثاره الموقوفة، وذكرت من وصلها بأسانيدي إلى المكان المعلق، فجاء كتابا حافلا وجامعا كاملا- إلى أن قال- وما علمت أحدا تعرض لتصنع في ذلك، وقال نص نهاية الفصل بعد ذكر آخر ما في الصحيح من الأحاديث المعلقة المرفوعة: وقد بينت ما وصله منها في مكان آخر من كتابه مع تعيينه، وما لم يصله هو في مكان آخر من كتابه، ووصله في مكان من كتبه التي هي خارج الصحيح بينته أيضاً، وما لم نقف عليه من طريقه بينت من وصله إلى من علق عنه من الأئمة في تصانيفه إلى آخر كلامه رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وحاصل الحكم على التعليقات أن ما كان منها بصيغة الجزء كقال وروى وجاء ونحو ذلك مما بنى الفعل فيه للمعلوم فهو صحيح إلى من علقه عنه، ثم النظر فيما بعد ذلك، وما كان منها بصيغة التمريض كقيل ورُوى ويُروى ويُذكر ونحو ذلك مما بنى الفعل فيه للمجهول، فلا يستفاد منها صحة ولا ينافيها أيضاً، ذكر معنى ذلك الحافظ ابن كثير في اختصاره لمقدمة ابن الصلاح وقال: لأنه قد وقع من ذلك كذلك وهو صحيح وربما رواه مسلم، وقال الحافظ في مقدمة الفتح بعد ذكر الصيغة الأولى: الصيغة الثانية وهي صيغة التمريض لا تستفاد منها الصحة إلى من علق عنه لكن فيه ما هو صحيح وفيه ما ليس بصحيح. عدد أحاديث صحيح البخاري: قد حرر الحافظ ابن حجر عدد الأحاديث المرفوعة في صحيح البخاري والمعلقة، وأوضح ذلك في مقدمة الفتح إجمالا وتفصيلا، وإليك خلاصة ما انتهي إليه في ذلك على سبيل الإجمال: 1- عدد الأحاديث المرفوعة الموصولة بما فيها المكررة 7397 حديثا 2- عدد الأحاديث المرفوعة المعلقة بما فيها المكررة 1341 حديثا 3- عدد ما فيه من المتابعات والتنبيه على اختلاف الروايات 344 حديثا 4- عدد ما فيه من الموصول والمعلق والمتابعات المرفوعة بالمكررة 9082 حديثا 5- عدد الأحاديث المرفوعة الموصولة بدون تكرار 2602 حديثا 6- عدد الأحاديث المعلقة بدون تكرار 159 حديثا 7- عدد الأحاديث المرفوعة موصولة أو معلقة بدون تكرار 2761 حديثا وهذه الأعداد إنما هي في المرفوع خاصة دون ما في الكتاب من الموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين ومن بعدهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 وبعد ذكر الحافظ ابن حجر لجملة الأحاديث بدون تكرار قال: وبين هذا العدد الذي حررته والعدد الذي ذكره ابن الصلاح وغيره تفاوت كثير، ويعنى بذلك ما جاء عن ابن الصلاح حيث قال في علوم الحديث: وقد قيل إنها باسقاط المكررة أربعة آلاف حديث ثم إنه علل ذلك بقوله: يحتمل أن يكون العاد الأول الذي قلدوه في ذلك كان إذا رأى الحديث مطولا في موضع ومختصرا في موضع آخر يظن أن المختمر غير المطول إما لبعد العهد به أو لقلة المعرفة بالصناعة، ففي الكتاب من هذا النمط شيء كثير، وحينئذ يتبين السبب في تفاوت ما بين العددين والله الموفق، انتهي كلامه رحمه الله وغفر له وجزاه عن خدمته التامة للسنة وبخاصة أصح الكتب الحديثية خير الجزاء. السر في إعادة البخاري الحديث الواحد في موضع أو مواضع من صحيحه: معلوم أن الإمام البخاري رحمه الله لم يرد الاقتصار في صحيحه على سرد الأحاديث الصحيحة. وإنما أراد مع جمع الحديث الصحيح استنباط ما اشتمل عليه من حكم وأحكام ولذلك يستنبط من الحديث الحكم ويجعله ترجمة. ثم يورد الحديث تحتها للاستدلال به عليها، ويستنبط منه حكما آخر يترجم به ويورد الحديث مرة أخرى للاستدلال به أيضا فيكون التكرار لغرض الاستدلال، على أنه إذا أعاد الحديث مستدلا به لا يخلى المقام من فائدة جديدة وهي إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه من قبل، وذلك يفيد تعدد الطرق لذلك الحديث، ولهذا قال الحافظ أبو الفضل ابن طاهر المقدسي فيما نقل عنه الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح، وقلما يورد حديثا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، وذكر الحافظ ابن حجر أن الذي وقع له من ذلك قليل جدا. وقال صاحب كشف الظنون، والتي ذكرها سندا ومتنا محادا ثلاثة وعشرون حديثا. وللبخاري أغراض أخرى في إعادة الحديث في موضع أو مواضع ذكر كثيرا منها الحافظ في مقدمة الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 تراجم صحيح البخاري: وصف الحافظ ابن حجر تراجم صحيح البخاري بكونها حيرت الأفكار وأدهشت العقول والأبصار، وبكونها بعيدة المنال منيعة المثال انفرد بتدقيقه فيها عن نظرائه، واشتهر بتحقيقه لها عن قرنائه، وقد فصل القول فيها في مقدمة الفتح وذكر أن منها ما يكون دالا بالمطابقة لما يورده تحتها، وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم له أو بعضه أو معناه وكثيرا ما يترجم بلفظ الاستفهام حيث لا يجزم بأحد الاحتمالين، وكثيرا ما يترجم بأمر لا يتضح المقصود منه إلا بالتأمل كقوله: باب قوله الرجل ما صلينا، فإن غرضه الرد على من كره ذلك، وكثيرا ما يترجم بلفظ يوميء إلى معنى حديث لم يصح على شرطه، أو يأتي بلفظ الحديث الذي لم يصح على شرطه صريحا في الترجمة، ويورد في الباب ما يؤدى معناه تارة بأمر ظاهر وتارة بأمر خفي، وربما اكتفي أحيانا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث لم يصح على شرطه، وأورد معه أثراً أو آية فكأنه يقول لم يصح في الباب شيء على لشرطه. لهذه الأمور وغيرها اشتهر عن جمع من الفضلاء قولهم: فقه البخاري في تراجمه. شرط البخاري في صحيحه: روى الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح بسنده إلى الحافظ أبى الفضل بن طاهر المقدسي أنه قال: شرط البخاري أن يخرج الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بثمن الثقات الإثبات ولكون إسناده متصلا غير مقطوع وإن كان للصحابي راويان فصاعدا فحسن، وإن لم يكن إلا راو واحد وصح الطريق إليه كفي انتهى. وهذا الذي رواه الحافظ عنه في مقدمة الفتح صرح. به المقدسي نفسه بلفظ قريب منه في أول كتابه بشروط الأئمة الستة. وقال الحافظ في مقدمة الفتح وفي شرح نخبة الفكر في معرض ترجيح صحيحه على صحيح مسلم: أما رجحانه من حيث الاتصال فلاشتراطه أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 يكون الراوي قد ثبت لي لقاء من روى عنه ولو مرة واكتفي مسلم بمطلق المعاصرة، وقال في شرح النخبة أيضاً في أثناء تعداد مراتب الصحيح: ثم يقدم في الأرجحية من حيث الأصحية ما وافقه شرطهما لأن المراد به رواتهما مع باقي لشروط الصحيح. ثناء العلماء عليه وتلقيهم له ولصحيح مسلم بالقبول: قال الحافظ في مطلع مقدمة الفتح: وقد رأيت الإمام أبا عبد الله البخاري في جامعه الصحيح قد تصدى للاقتباس من أنوارهما البهية- يعنى الكتاب والسنة- تقريرا واستنباطا، وكرع من مناهلهما الروية انتزاعا وانتشاطا، ورزق بحسن نيته السعادة فيما جمع حتى أذعن له المخالف والموافق، وتلقى كلامه في الصحيح بالتسليم المطاوع والمفارق، إلى آخر كلامه رحمه الله. وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: وأجمع العلماء على قبوله - يعنى صحيح البخاري- وصحة ما فيه، وكذلك سائر أهل الإسلام. وقال ابن السبكي في طبقات الشافعية الكبرى، وأما كتابه الجامع الصحيح فأجل كتب الإسلام بعد كتاب الله. وقال أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث بعد ذكره أن أول من صنف في الصحيح البخاري ثم مسلم. وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز، ثم قال: ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحاً وأكثر هما فوائد. وقال النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم: اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد الكتاب العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صح أن مسلما كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في كتابه الكمال- فيما نقله في شذرات الذهب: الإمام أبو عبد الله الجعفي مولاهم البخاري صاحب الصحيح، إمام هذا الشأن والمقتدى به فيه والمعول على كتابه بين أهل الإسلام. وقال الإمام الشوكاني في مطلع كتابه قطر الولي على حديث الولي، وهو حديث "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " قال: ولا حاجة لنا في الكلام على رجال إسناده فقد أجمع أهل هذا الشأن أن أحاديث الصحيحين أو أحدهما كلها من المعلوم صدقه المتلقي بالقبول المجمع على ثبوته، وعند هذه الإجماعات تندفع كل شبهة ويزول كل تشكيك، وقد دفع أكابر الأئمة من تعرض للكلام على شيء مما فيهما وردوه أبلغ رد وبينوا صحته أكمل بيان، فالكلام على إسناده بعد هذا لا يأتي بفائدة يعتد بها، فكل رواته قد جاوزوا القنطرة، وارتفع عنهم القيل والقال، وصاروا أكبر من أن يتكلم فيهم بكلام، أو يتناولهم طعن طاعن، أو توهين موهن انتهى. هذه أمثلة لكلام العلماء في صحيح البخاري، وبيان علو درجته وتلقى الأمة له ولصحيح مسلم بالقبول. وجوه ترجيح صحيحه على صحيح مسلم: تقدم ذكر بعض أقوال الأئمة الدالة على تقديم الصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم على غير هما وتلقى الأمة لهما بالقبول، وفي بعضها النص على تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم وهو أمر مشهور عند أهل العلم وذلك لأمور: الأول: أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلا، المتكلم فيه بالضعف منهم ثمانون رجلا، والذين انفرد مسلم بالإخراج لهم دون البخاري ستمائة وعشرون رجلا، المتكلم فيه بالضعف منهم مائة وستون رجلا، ولا شك أن التخريج عمن لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عمن تكلم فيه وإن لم يكن ذلك الكلام قادحا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الثاني والثالث: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكثر من تخريج أحاديثهم، وأن أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وجالسهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم وميز جيدها من موهومها بخلاف مسلم في الأمرين. الرابع: أن البخاري اشترط ثبوت التلاقي بين الراوي ومن روى عنه ولو مرة واكتفي مسلم بمجرد المعاصرة وذلك واضح الدلالة على تقديم صحيح البخاري على صحيح مسلم لما فيه من شدة الاحتياط وزيادة التثبت. الخامس: أن ما انتقد على البخاري من الأحاديث أقل عددا مما انتقد على مسلم، ولا شك أن ما قل الانتقاد فيه أرجح مما كثر. وهذه الوجوه بالإضافة إلى اتفاق العلماء على أن البخاري أعلم بهذا الفن من مسلم وأن مسلما تلميذه وخريجه، وكان يشهد له بالتقدم في هذا الفن والإمامة فيه والتفرد بمعرفة ذلك في عصره. وقد أوضح هذه الوجوه وغيرها الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح، وفي شرحه لنخبة الفكر. وهذا الترجيح لصحيح البخاري على صحيح مسلم المراد به: ترجيح الجملة على الجملة لا كل فرد من أحاديثه على كل فرد من أحاديث الآخر كما أشار إلى ذلك السيوطي في ألفيته بقوله: وربما يعرض للمفوق ما ... يجعله مساويا أو قدما ومن أمثلة ذلك كما في شرح النخبة للحافظ ابن حجر: أن يكون الحديث عند مسلم وهو مشهور قاصر عن درجة التواتر لكن حفته قرينة صار بها يفيد العلم فإنه يقدم على الحديث الذي يخرجه البخاري إذا كان فردا مطلقا.. أما ما نقل عن بعض العلماء من تقديم صحيح مسلم على صحيح البخاري فهو راجع إلى حسن السياق وجودة الوضع والترتيب لا إلى الأصحية كما قرر ذلك أهل هذا الشأن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 عدد شيوخ البخاري في الجامع الصحيح وطبقاتهم: ذكر صاحب كشف الظنون أن عدد مشايخ البخاري الذين خرج عنهم في الجامع الصحيح مائتان وتسعة وثمانون، وعدد الذين تفرد بالرواية عنهم دون مسلم مائة وأربعة وثلاثون. وذكر الحافظ في مقدمة الفتح أن مشايخه منحصرون في خمس طبقات: الطبقة الأولى: من حدثه عن التابعين مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدثه عن حميد، ومثل مكي بن إبراهيم حدثه عن يزيد بن أبى عبيد، ومثل أبى عاصم النبيل حدثه عن يزيد بن أبى عبيد أيضاً، ومثل عبيد الله بن موسى حدثه عن إسماعيل بن أبى خالد، ومثل أبى نعيم حدثه عن الأعمش، ومثل خلاد بن يحي حدثه عن عيسى بن طهمان، ومثل على بن عياش وعصام بن خالد حدثاه عن حريز بن عثمان، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين. الطبقة الثانية: من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين، كآدم بن أبى إياس، وأبى مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وسعيد بن أبى مريم، وأيوب بن سليمان بن بلال وأمثالهم. الطبقة الثالثة: هي الوسطى من مشايخه وهم من لم يلق التابعين بل أخذ عن كبار تبع الأتباع، كسليمان بن حرب وقتيبة بن سعيد ونعيم بن حماد وعلى بن المديني ويحي بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وأبى بكر وعثمان بن أبى شيبة وأمثال هؤلاء، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم. الطبقة الرابعة: رفقاؤه في الطلب ومن سمع قبله قليلا كمحمد بن يحي الذهلي وأبى حاتم الرازي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة وعبد بن حميد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وأحمد بن النضر وجماعة من نظرائهم، وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته من مشايخه أو ما أيجده عند غيرهم. الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإسناد سمع منهم للفائدة، كعبد الله بن حماد الآملي وعبد الله بن أبى العاص الخوارزمي وحسين ابن محمد القباني وغيرهم، وقد روى عنهم أشياء يسيرة وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبى شيبة عن وكيع قال: "لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه"، وعن البخاري أنه قال: "لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه ... " ثناء العلماء على الرواة المخرج لهم ؤ صحيح البخاري، وانتقاد بعض الحفاظ بعضهم والجواب على ذلك: تقدم في كلام الشوكاني على صحة حديث "من عادى لي وليا " قوله: فكل رواته قد جاوزوا القنطرة وارتفع عنهم القيل والقال وصاروا أكبر من أن يتكلم فيهم بكلام أو يتناولهم طعن طاعن أو توهين موهن. وقال الحافظ في مقدمة الفتح: وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي خرج عنه في الصحيح: "هذا جاز القنطرة"، يعنى بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه. وقال الحافظ في شرح نخبة الفكر: ورواتهما- يعنى الصحيحين- قد حصل الاتفاق على القول بتعديلهم بطريق اللزوم، فهم مقدمون على غيرهم في رواياتهم وهذا أصل لا يخرج عند إلا بدليل انتهى. وقد كان من دأب العلماء أحيانا عند إرادة التعريف ببعض الرواة: الاكتفاء بالقول: بأنه من رجال الصحيحين أو أحدهما. هذا وقد انتقد بعض الحفاظ نحو الثمانين من رجال صحيح البخاري كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند ذكر وجوه ترجيح صحيح البخاري على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 صحيح مسلم، وقد عقد الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح فصلا ذكرهم فيه واحدا واحدا، وأجاب عما وجه إليهم من انتقادات، وقال في معرض تعداد الفصول العشرة التي اشتملت عليها المقدمة:- التاسع- في سياق أسماء جميع من طعن فيه من رجاله على ترتيب الحروف، والجواب عن ذلك الطعن بطريق الإنصاف والعدل والاعتذار عن المصنف في التخريج لبعضهم ممن يقوى جانب القدح فيه إما لكونه تجنب ما طعن فيه بسببه، وإما لكونه أخرج ما وافقه عليه من هو أقوى منه، وإما لغير ذلك من الأسباب، وقال في مطلع الفصل المشار إليه: وقبل الخوض فيه ينبغي لكل منصف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولاسيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما، هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنا فذلك الطعن مقابل تعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي أو في ضبطه مطلقا أو في ضبطه لخبر بعينه لأن الأسباب الحاملة على الجرح متفاوتة، منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، ثم إنه ذكر الأسباب الخمسة التي عليها مدار الجرح وهي البدعة والمخالفة والغلط وجهالة الحال ودعوى الانقطاع في السند، وتكلم على كل منها بالنسبة لرجال الصحيح إجمالا ثم نبه على أمور قدح بها بعض العلماء وهي غير قادحة. وقال الخطيب البغدادي - كما في قواعد التحديث للقاسمي: ما احتج البخاري ومسلم به من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب. وقال الحافظ الذهبي في جزء جمعه في الثقات الذين تكلم فيهم بما لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 يوجب ردهم ما نصه: وقد كتبت في مصنفي الميزان عددا كثيرا من الثقات الذين احتج البخاري ومسلم وغير هما بهم، لكون الرجل منهم قد دون اسمه في مصنفات الجرح وما أوردتهم لضعف فيهم عندي بل ليعرف ذلك، وما زال يمر بي الرجل الثبت وفيه مقال من لا يعبأ به إلى آخر كلامه رحمه الله. انتقاد بعض الحفاظ بعض الأحاديث في صحيح البخاري والجواب عن ذلك: ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن الدارقطني وغيره من الحفاظ انتقدوا على الصحيحين مائتين وعشرة أحاديث، اشتركا في اثنين وثلاثين حديثا وانفرد البخاري عن مسلم بثمانية وسبعين حديثا وانفرد مسلم عن البخاري بمائة حديث، وقد عقد فصلا خاصا للكلام على الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري أورد فيه الأحاديث على ترتيب الصحيح وأجاب عن الانتقادات فيها تفصيلا، وقد أجاب عنها في أول الفصل إجمالا حيث قال: والجواب عنه على سبيل الإجمال أن نقول: لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم على أهل عصر هما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل، ثم ذكر بعض ما يؤيد ذلك. ثم قال: فإذا عرف وتقرر أنهما لا يخرجان من الحديث إلا ما لا علة له أو له علة إلا أنها غير مؤثرة عند هما فبتقدير توجيه كلام من انتقد عليهما يكون قوله معارضا لتصحيحهما، ولا ريب في تقديمهما في ذلك على غير هما فيندفع الاعتراض من حيث الجملة، وأما من حيث التفصيل فالأحاديث التي انتقدت عليهما تنقسم أقساما: الأول: ما تختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد. الثاني: ما تختلف الرواة فيه بتغيير رجال بعض الإسناد. الثالث: ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عدداً أو أضبط ممن لم يذكرها. الرابع: ما تفرد به الرواة ممن ضعف من الرواة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 الخامس: ما حكم فيه بالوهم على بعض رجاله. السادس: ما اختلف فيه بتعيين بعض ألفاظ المتن. وفي ضمن ذكره لهذه الأقسام ذكر الجواب عن ذلك في الجملة وأشار إلى بعض الأحاديث المنتقدة التي فصل القول فيها بما يوضح الجواب الإجمالي. ثم قال: فهذه جملة أقسام ما انتقده الأئمة على الصحيح وقد حررتها وحققتها وقسمتها وفصلتها، لا يظهر منها ما يؤثر في أصل موضوع الكتاب بحمد الله إلا النادر. وقال في نهاية الفصل: هذا جميع ما تعقبه الحفاظ النقاد العارفون بعلل الأسانيد المطلعون على خفايا الطرق- إلى أن قال: فإذا تأمل المنصف ما حررته من ذلك عظم مقدار هذا المصنف في نفسه وجل تصنيفه في عينه وعذر الأئمة من أهل العلم في تلقيه بالقبول والتسليم وتقديمهم له على كل مصنف في الحديث والقديم. عناية العلماء بصحيح البخاري: وقصارى القول: أن صحيح البخاري أول مصنف في الصحيح المجرد وهو أصح كتاب بعد كتاب الله العزيز، ورجاله مقدمون في الرتبة على غيرهم وأحاديثه على كثرتها أينتقد الجهابذة المبرزون في هذا الفن منها إلا القليل مع عدم سلامة هذا النقد، ومع هذا كله جمع فيه مؤلفه رحمه الله بين الرواية والدراية، وهذه الميزات وغيرها هي السر في إقبال العلماء عليه واشتغالهم فيه وعنايتهم التامة به، فلقد بذل العلماء قديما وحديثاً فيه الجهود العظيمة، وصرفوا في خدمته الأوقات الثمينة، وأولوه ما هو جدير به من اهتمامهم، فكم شارح لجميع ما بين دفتيه بسطا واختصارا، ومقتصر على إيضاح بعض جوانبه، فألفوا في رجاله عموما وفي شيوخه خصوصا، وصنفوا في شرح تراجم أبوابه وغير ذلك من الجوانب التي أفردت بالتأليف. وكان على رأس المبرزين في هذا الميدان الحافظ الكبير أحمد بن حجر العسقلاني المتوفي سنة 852 هـ، فقد أودع في كتابه العظيم فتح الباري بشرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 صحيح البخاري مع مقدمته ما في العجب، فكما أن مؤلفه رحمه الله أحسن في انتقائه وجمعه غاية الإحسان فقد أحسن الحافظ ابن حجر في خدمته والعناية به تمام الإحسان، وإن نسبته إلى غيره من الشروح كنسبة صحيح البخاري إلى غيره من المصنفات، فرحم الله الجميع برحمته الواسعة وجزاهم خير الجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الحديث الأول قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في كتاب العلم من صحيحه: (باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) . حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال: قال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيبا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطى، ولا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 المبحث الأول، التخريج: هذا الحديث رواه البخاري بتمامه نص ثلاثة مواضع هذا أحدها والثاني في كتاب فرض الخمس حيث قال: حدثنا حبان ابن موسى أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين والله المعطى وأنا القاسم ولا تزال هذه الأمة ظاهرة على من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون"، والثالث في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة حيث قال: حدثنا إسماعيل حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني حميد قال: سمعت معاوية بن أبى سفيان يخطب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم ويعطى الله، ولن يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة أو حتى يأتي أمر الله". ورواه مسلم في كتاب الزكاة من صحيحه دون الجملة الأخيرة في موضعين قال نا الأول: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبه حدثنا زيد بن الحباب أخبرني معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يزيد الدمشقى عن عبد الله بن عامر اليحصبى قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 سمعت معاوية يقول إياكم وأحاديث إلا حديثا كان في عهد عمر فإن عمر كان يخيف الناس في الله عز وجل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهويقول: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فيبارك الله له فيه ومن أعطيته عن مسألة وشره كان كالذى يأكل ولا يشبع". وقال في الثاني: حدثني حرملة بن يحي أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت معاوية بن أبى سفيان وهو يخطب يقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم ويعطى الله". ورواه في كتاب الإمارة دون الجملة الوسطى فقال: حدثني اسحاق بن منصور أخبرنا كثير بن هشام حدثنا جعفر وهو ابن برقان حدثنا يزيد بن الأصم قال سمعت معاوية بن أبى سفيان ذكر حديثا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم أسمعه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم على منبره حديثا غيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ولاتزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة". وقد روى الشيخان الجملة الأخيرة فقط في أحاديث أخرى غير هذه الأحاديث المذكورة. وقال الترمذي في جامعه: باب إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين، حدثنا على بن حجر حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني عبد الله بن سعيد بن أبى هند عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين". وفي الباب عن عمر وأبي هريرة ومعاوية، هذا حديث حسن صحيح انتهى. ورواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنه، ورواه ابن ماجه في سننه من حديث أبى هريرة رضي الله عنه بمثل الجملة الأولى عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الشيخين والترمذى، ورواه أيضاً من خديث معاوية رضي الله عنه ولفظه: "الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". ورواه ابن حبان في صحيحه فقال: أخبرنا ابن قتيبة (وهو محمد بن الحسن) قال حدثنا حرملة بن يحي قال حدثنا ابن وهب قال أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبى سفيان يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين". ورواه البخاري تعليقا في باب: العلم قبل القول والعمل من كتاب العلم فقال: وقال صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيراً يفقهه وإنما العلم بالتعلم". قال الحافظ ابن حجر: كذا في رواية الأكثر وفي رواية المستملى يفهمه، ثم أشار إلى أن البخاري وصله باللفظ الأول، ثم قال: وأما اللفظ الثاني فأخرجه ابن أبى عاصم في كتاب العلم من طريق ابن عمر عن عمر مرفوعا وإسناده حسن، والفقه هو الفهم قال الله تعالى: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} أي لا يفهمون، والمراد الفهم في الأحكام الشرعية قال وقوله "وإنما العلم بالتعلم" هو حديث مرفوع أيضا أورده ابن أبى عاصم والطبراني من حديث معاوية أيضاً بلفظ: "يا أيها الناس تعلموا، إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه"، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، إسناده حسن إلا أن فيه مبهما اعتضد بمجيئه من وجه آخر، وروى البزار نحوه من حديث ابن مسعود موقوفا. ورواه أبونعيم الأصبهاني مرفوعا، وفي الباب عن أبى الدرداء وغيره، فلا يغتر بقول من جعله من كلام البخاري، والمعنى ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم، انتهى. وقال الحافظ أبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد: وعن عمر بن الخطاب أن رسوله الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين". رواه الطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة وهوضعيف: وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيرا يفقهه فأ الدين"، رواه الطبراني في الصغير ورجاله رجال الصحيح، وعن عبد الله يعنى ابن مسعود رضي الله عنه قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين وألهمه رشده"، رواه البزار والطبراني في الكبير ورجاله موثقون انتهى. وأورد الحافظ المنذرى في كتابه الترغيب والترهيب حديث ابن مسعود هذا، وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير بإسناد لا بأس به، وأورد حديث معاوية عند الشيخين وابن ماجه وقال: ورواه أبويعلى وزاد فيه: ومن لم يفقهه لم يبال به، وروى حديث معاوية رضي الله عنه أبو نعيم في الحلية في ترجمة رجاء بن حيوة من رواية رجاء بن حيوة عنه، وفي ترجمة محمد بن المبارك من رواية يونس بن ميسرة عنه، وفي ترجمة على بن عبد الحميد من رواية عبد الله ابن عامر عنه، ورواه بلفظ: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده" من حديث ابن مسعود رضي الله عنه في ترجمة شقيق بن سلمة من رواية أبى بكر بن عياش عن الأعمش عن أبى وائل عنه، وقال: غريب من حديث الأعمش تفرد عنه به أبو بكر بن عياش. وقال أبو عمر بين عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله: باب قوله صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، ثم روى بسنده إلى ابن عمر مرفوعاً: "من يرد الله به خيراً يفقهه". ورواه بسنده عنه عن أبيه عمر رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ: "من يرد الله أن يهديه يفقهه"، ثم قال: أخبرنا محمد بن خليفة قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي، قال حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال حدثنا معمر عن الزهري في سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"، وفي هذا الباب حديث معاوية صحيح أيضاً حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد بن مسرهد قال حدثنا يحي القطان عن ابن عجلان قال حدثنا محمد بن كعب القرظي قال: كان معاوية ابن أبى سفيان يخطب بالمدينة يقول: "أيها الناس إنه لا مانع لما أعطي الله، ولا معطى لما منع الله، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 سمعت هذه الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأعواد. وأخبرنا عبد الرحمن بن يحي قال حدتنا على بن محمد قال حدثنا أحمد بن داود قال حدثنا سحنون قال أخبرنا عبد الله بن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال حدتنا محمد1 بن عبد الرحمن قال سمعت معاوية وخطبنا فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطى، ولن تزال هذه الأمة قائمة على الحق أمر الله، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"، وروى نحوه بسنده إلى الإمام البخاري ومنه عن شيخه سعيد بن عفير بمثل سنده في كتاب العلم من صحيحه. وروى بسنده إلى كثير بن هشام في سند الحديث الذي أورده الإمام مسلم في كتاب الإمارة ومنه بمثل سنده ومتنه عنده. وروى بسنده إلى عبد الله بن محيريز عن معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله بعبد خيرا فقهه في الدين" انتهى. ورواه أبو داود الطيالسي بسنده إلى محمد بن كعب القرطبي عن معاوية بنحو حديثه المتقدم ذكره عند ابن عبد البر. خلاصة التخريج: والخلاصة أن الجملة الأولى التي ترجم بها الإمام البخاري رحمه الله وهي قول صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" رواها الشيخان وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وابن أبى عاصم والطبراني وأبو يعلى وأبو نعيم الأصبهاني وأبو عمر بن عبد البر وأبو داود الطيالسي من حديث معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه، ورواها الترمذي والإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنه ورواها ابن ماجه والطبراني في الصغير وأبو عمر بن عبد البر من حديث أبى هريرة رضي الله عنه، ورواها ابن أبى عاصم والطبراني في الأوسط وأبو عمر بن عبد البر من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ورواها أبو عمر بن عبد البر من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، ورواها البزار والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.   1 كذا ولعله حميد بن عبد الرحمن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 من فوائد هذا التخريج: 1- الوقوف على كثرة طرق الحديث، ومعلوم أن كثرة الطرق تحصل بها زيادة القوة. 2- الوقوف على تصريح عبد الله بن وهب بالأخبار والأنباء كما في إحدى الروايات عند مسلم وكما عند ابن حبان، وعبد الله بن وهب قد وصفه ابن سعد بالتدليس كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، وقد ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري أن مدار أسباب الجرح على خمسة أشياء فذكر من بينها دعوى الانقطاع في السند بأن يدعى في الراوي أنه كان يدلس أو يرسل، ثم قال عند الجواب عن ذلك: وأما دعوى الانقطاع فمدفوعة عمن أخرج لهم البخاري لما علم من شرطه ومع ذلك فحكم من ذكر من رجاله بتدليس أو إرسال أن تسبر أحاديثهم الموجودة عنده- أي البخاري- بالعنعنة فإن وجد التصريح بالسماع فيها اندفع الاعتراض وإلاّ فلا.. وهذا الحديث قد رواه ابن وهب بالعنعنة عند البخاري وقد صرح بالأخبار عند مسلم والأنباء عند ابن حبان كما رأيت فاندفع الاعتراض بعد حصر الطرق والوقوف عليها. 3- معرفة المكان الذي خطب فيه معاوية رضي الله عنه وأنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة كما أشارت إلى ذلك إحدى روايات مسلم وأوضحته رواية ابن عبد البر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 المبحث الثاني، التعريف برجال الإسناد بإيجاز: الأول: أول رجال الإسناد سعيد بن عفير شيخ البخاري، وهو سعيد ابن كثير بن عفير بن مسلم بن يزيد بن الأسود الأنصاري مولاهم أبو عثمان المصري وقد ينسب إلى جده كما في إسناد هذا الحديث: روى عن الليث ومالك وابن وهب وغيرهم، وروى عنه البخاري في الصحيح والأدب المفرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وخرج حديثه مسلم وأبو داود في القدر والنسائي، قال الحافظ في التقريب: صدوق عالم في الأنساب وغيرها، وقال: وقد رد ابن عدى على السعدي في تضعيفه وقال في تهذيب التهذيب: وذكره ابن حبان في الثقات وقال إبراهيم ابن الجنيد وابن معين: ثقة لا بأس به، وقال النسائي: سعيد بن عفير صالح وابن أبى مريم أحب إلي منه. وقال الحاكم يقال إن مصر لم تخرج أجمع للعلوم منه. وقال في خلاصة تهذيب الكمال: قال ابن عدى صدوق ثقة، وقال الحافظ في هدى الساري: ونقل عن الدولابي عن السعدي قال: سعيد بن عفير فيه غير لون من البدع وكان مخلطا غير ثقة ثم تعقب ذلك ابن عدى فقال: هذا الذي قاله السعدي لا معنى له ولا بلغني عن أحد في سعيد كلام، وهو عند الناس ثقة ولم ينسب إلى بدع ولا كذب ولم أجد له بعد استقصائي على حديثه شيئا ينكر عليه سوى حديثين رواهما عن مالك فذكر هما وقال: لعل البلاء فيهما من ابنه عبيد الله لأن سعيد بن عفير مستقيم الحديث، ثم قال الحافظ: قلت: لم يكثر عنه البخاري وروى له مسلم والنسائي، وقال في تهذيب التهذيب ولد سنة 146 وتوفي سنة 226 هـ. الثاني: ابن وهب وهو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه ثقة حافظ عابد قاله الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب، روى عن عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح والليث بن سعد ويونس بن يزيد وغيرهم وروى عنه شيخه الليث بن سعد وعبد الرحمن بن مهدى وعلي بن المديني وحرملة بن يحي وغيرهم، قال فيه الإمام أحمد: كان ابن وهب له عقل ودين وصلاح، وقالت: ما أصح حديثه وأثبته، وقال أحمد بن صالح حدث ابن وهب بمائة ألف حديث، وقال ابن أبى خيثمة عن ابن معين: ثقة، وقالت ابن أبى حاتم عن أبى زرعة: نظرت في نحو ثلاثين ألفا من حديت ابن وهب بمصر وغير مصر لا أعلم إني رأيت له حديثا لا أول له وهو ثقة، وقال ابن سعد: عبد الله بن وهب كان كثير العلم ثقة فيما قال حدثنا، وكان يدلس، وقال العجلي: مصري ثقة صاحب سنة رجل صالح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 صاحب آثار، وعن ابن وضاح قال: كان مالك يكتب إلى عبد الله بن وهب. فقيه مصر، قال وما كتبها مالك إلى غيره، ذكر ذلك وغيره الحافظ في تهذيب التهذيب وقال: وقال ابن يونس: حدثني أبى عن جدي قال سمعت ابن وهب يقول: ولدت سنة 125 وطلبت العلم وأنا ابن سبع عشرة سنة، وكانت وفاته سنة 197 رحمه الله وقد خرج حديثه الجماعة. الثالث: يونس بن يزيد بن أبى النجاد الأيلي بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام أبو يزيد مولى معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا وفي غير الزهري خطأ قاله الحافظ في تقريب التهذيب، روى عن الزهري ونافع مولى ابن عمر وهشام بن عروة وغيرهم، وروى عنه الليث والأوزاعي وابن المبارك وابن وهب وغيرهم كما في تهذيب التهذيب، وقال الحافظ في هدى الساري: قلت: وثقه الجمهور مطلقا وإنما ضعفوا بعض روايته حيث يخالف أقرانه أو يحدث من حفظه فإذا حدث من كتابه فهو حجة، قال ابن البرقي: سمعت ابن المديني يقول: أثبت الناس في الزهري مالك وابن عيينة ومعمر وزياد بن سعد ويونس من كتابه، وقد وثقه أحمد مطلقا وابن معين والعجلي والنسائي ويعقوب بن شيبة والجمهور، واحتج به الجماعة، وقال في التقريب: مات سنة تسع وخسين أي بعد المائة على الصحيح، وقيل سنة ستين. الرابع: ابن شهاب الزهري وهو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، وكنيته أبو بكر الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه قاله الحافظ في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب: الفقيه أبو بكر الحافظ المدني أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام انتهى. وقد روى عن جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وأبو الطفيل ومحمود بن الربيع، وروى عن الفقهاء السبعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وغيرهم، وروى عنه عطاء بن أبى رباح وأبو الزبير المكي والأوزاعي وابن جريج ويونس بن يزيد والليث بن سعد وهشيم وسفيان بن عيينة وغيرهم. قال البخاري عن على بن المديني: له نحو ألفي حديث، وقال ابن سعد: قالوا وكان الزهري ثقة كثير الحديث والعلم والرواية فقيها جامعا، وقال ابن وهب عن الليث: كان ابن شهاب يقول ما استودعت قلبي شيئا قط فنسيته، وقال النسائي: أحسن أسانيد تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة وذكر من بينها الزهري عن على بن الحسين عن أبيه عن جده، والزهري عن عبيد الله عن ابن عباس. ذكر ذلك وغيره الحافظ في تهذيب التهذيب، وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان: هو أحد الفقهاء والمحدثين والأعلام التابعين بالمدينة رأى عشرة من الصحابة رضوان الله عليهم، وروى عنه جماعة من الأئمة منهم مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري وقال: وقيل لمكحول: من أعلم من رأيت؟ قال: ابن شهاب، قيل له: ثم قن؟ قال: ابن شهاب، قيل له: ثم من؟ قال: ابن شهاب، وكان قد حفظ علم الفقهاء السبعة، وقال: وكان إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله فيشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته يوما: والله لهذه الكتب أشد على من ثلاث ضرائر. وقال: وتوفي ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة أربع وعشرين ومائة وقيل ثلاث وعشرين وقيل خمس وعشرين ومائة وهو ابن اثنتين وقيل ثلاث وسبعين سنة، وقيل مولده سنة إحدى وخمسين للهجرة والله أعلم انتهى. وقد خرج حديثه الجماعة رحمه الله. وابن شهاب هو الذي قام بتدوين الحديث النبوي بأمر عمر بن عبد العزيز رحمه الله لهذا يطلقون عليه رحمه الله أنه واضع علم الحديث رواية، ويقول السيوطي في ألفيته: أول جامع الحديث والأثر ... ابن شهاب آمر له عمر الخامس: حميد بن عبد الرحمن وهو حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني عن أمه أم كلثوم بنت عقبة وخاله عثمان وطائفة وعنه ابنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 عبد الرحمن وابن أخيه سعد والزهري وثقه أبو زرعة وقال: مات سنة خمس وتسعين قاله الخزرجى في خلاصة التذهيب، وقال الحافظ في التقريب: ثقة من الثانية، وقال في تهذيب التهذيب. إن كنيته أبو إبراهيم ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو عثمان وقال: قال العجلي وأبو زرعة وأبو خراش: ثقة وقال: توفي سنة 95 وهو ابن ثلاث وسبعين سنة انتهى. وقد خرج حديثه الجماعة. السادس: صحابي الحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، قال الحافظ في التقريب: معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب ابن أمية الأموي أبو عبد الرحمن الخليفة صحابي أسلم قبل الفتح وكتب الوحي ومات في رجب سنة ستين، وقد قارب الثمانين انتهى. وقال في تهذيب التهذيب: أسلم يوم الفتح وقيل قبل ذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبى بكر وعمر وأخته أم حبيبة وعنه جرير بن عبد الله البجلي والسأئب بن يزيد الكندي وابن عباس وسعيد بن المسيب وقيس بن أبى حازم وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وأناس آخرون ذكرهم في تهذيب التهذيب ثم قال: ولاه عمر بن الخطاب الشام بعد أخيه يزيد فأقره عثمان مدة خلافته ثم ولى الخلافة، قال ابن اسحاق: كان معاوية أميراً عشرين سنة وخليفة عشرين سنة انتهى. وقال في الخلاصة: له مائة وثلاثون حديثا اتفقا- البخاري ومسلم- على أربعة وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة وقال الموفق ابن قدامة المقدسي في لمعة الاعتقاد: ومعاوية خال المؤمنين وكاتب وحى الله وأحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم وقال شارح الطحاوية وأول ملوك المسلمين معاوية رضي الله عنه وهو خير ملوك المسلمين انتهى. وقد حصل بينه وبين أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه شيء من الخلاف وكل منهما قد اجتهد والمجتهد المصيب له أجران والمجتهد المخطىء له أجر واحد وخطؤه مغفور، والواجب على كل مسلم أن يصون لسانه عما جرى بينهما خصوصا وعما جرى بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم عموما إلا بالكلام في الخير كما قال صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفهم الله به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ، وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل احد ذهبا ما بلغ مذ أحدهم ولا نصيفه". وقال شارح الطحاوية: فمن أضل ممن يكون في قلبه غل على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين، وقال أيضا بعد الإشارة إلى ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما واعتذاره عنهما قال: ونقول في الجميع بالحسنى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} والفتن التي كانت في أيامه- أي أمير المؤمنين على رضي الله عنه- قد صان الله عنها أيدينا فنسأله تعالى أن يصون عنها ألسنتنا بمنع وكرمه انتهى. ويقول الطحاوي رحمه الله في عقيدته: وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخبر والأثر وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل. وقال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: وروى البيهقي عن الإمام أحمد أنه قال: الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلى، فقيل له فمعاوية، قال: لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمان على من على ورحم الله معاوية، وقال: قال أبو بكر بن أبى الدنيا: حدثني عباد بن موسى حدثنا على بن ثابت الجزري عن سعيد بن أبى عروبة عن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وأبو بكر وعمر جالسان عنده، فسلمت عليه وجلست، فبينا أنا جالس إذ أتى بعلي ومعاوية فادخلا بيتا واجيب الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن خرج غلى وهو يقول: قضى لي ورب الكعبة، ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول ت غفر لي ورب الكعبة. وروى ابن عساكر عن أبى زرعة الرازي أنه قال له رجل: إني أبغض معاوية فقال له ولمن قال: لأنه قاتل عليا، فقال له أبو زرعة: ويحك إن رب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 معاوية رحيم وخصم معاوية خصم كريم فايش دخولك أنت بينهما؟ رضي الله عنهما. وسئل الإمام أحمد عما جرى بين على ومعاوية فقرأ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وكذا قال غير واحد من السلف. وقال الأوزاعي سئل الحسن عما جرى بين على وعثمان فقال: كانت لهذا سابقة ولهذا سابقة، ولهذا قرابة ولهذا قرابة فابتلى هذا وعوفي هذا، وسئل عما جرى بين على ومعاوية فقال: كانت لهذا قرابة ولهذا قرابة ولهذا سابقة ولم يكن لهذا سابقة فابتليا جميعا، وقال أيضاً: وقال محمد بن يحي بن سعيد: سئل ابن المبارك عن معاوية، فقال: ما أقول في رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الله لمن حمده فقال خلفه: ربنا ولك الحمد، فقيل له أيهما أفضل هو أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز: وقال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وغيره: سئل المعافي بن عمران: أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فغضب وقال للسائل أتجعل رجلا من الصحابة مثل رجل من التابعين؟ معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحى الله: وقال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي: معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، "فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه"، وقال الميموني: قال لي أحمد بن حنبل يا أيا الحسن: "إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام"، وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي؟ فقال: إنه لم يجتريء عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحد أحداً من الصحابة إلا وله داخلة سوء، وقال ابن المبارك عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال: "ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانا قط إلا إنسانا شتم معاوية فإنه ضربه أسواطا".. إلى غير ذلك من الكلمات الجميلة المأثورة عن سلف هذه الأمة في حق خيار الخلق بعد النبيين والمرسلين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الستة خرج حديثهم الشيخان البخاري ومسلم بل قد خرج لهم أيضاً بقية أصحاب الكتب الستة ماعدا سعيد بن عفير شيخ البخاري فقد خرج له مع الشيخين النسائي وأبوداود في القدر ولم يخرج حديثه الباقون. 2- في سند الحديث تابعيان مدنيان قرشيان زهريان هما ابن شهاب الزهري وشيخه حميد بن عبد الرحمن بن عوف فالحديث من رواية تابعي عن تابعي. 3- في سند الحديث مصريان وهما شيخ البخاري سعيد بن عفير وشيخ شيخه عبد الله بن وهب. 4- نصف سند الحديث الأعلى قرشيون وهم معاوية رضي الله عنه وحميد بن عبد الرحمن وابن شهاب الزهري، ونصفه الأدنى من الموالى فسعيد ابن عفير مولى الأنصار وابن وهب مولى القرشيين ويونس بن يزيد مولى الأمويين. 5- يونس بن يزيد الأيلي مولى معاوية بن أبى سفيان الأموي رضي الله عنه كما في تهذيب التهذيب، ففي سند الحديث مولى من أعلى وهو معاوية رضي الله عنه ومولى من أسفل وهو يونس بن يزيد. 6- قول معاوية رضي الله عنه في الحديث: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" الخ. يسمى المرفوع من القول تصريحا. 7- إخبار حميد بن عبد الرحمن بالهيئة التي حصل فيها أداء الحديث من معاوية رضي الله عنه وهي كونه يخطب يدل على ضبطه وإتقانه لما رواه، ومثل هذا يعد من الطرق التي يستفاد بها ذلك في رواية الراوي وتحمله عند المحدثين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 8- عبد الله بن وهب مدلس وقد صرح بالأخبار والأنباء كما تقدم إيضاح ذلك في فوائد التخريج، وابن شهاب الزهري وصفه الذهبي في ميزان الاعتدال بأنه يدلس نادرا، وهذا الحديث بصيغة (قال) الشبيهة (بعن) وقد صرح بالأخبار عند البخاري في كتاب الاعتصام وصرح بالتحديث عند مسلم في الزكاة وتقدم سياقهما في التخريج. 9- إن تتبعنا لطرق هذا الحديث يسمى مثله في علم مصطلح الحديث الاعتبار. ورواية إسماعيل بن أبى أويس عند البخاري وحرملة بن يحي عند مسلم عن ابن وهب تسمى متابعة تامة لأن سعيد بن عفير توبع في رواية الحديث عن شيخه ابن وهب. ورواية حبان بن موسى عن عبد الله عن يونس وكذا الروايات الأخرى التي تلتقي أسانيدها مع إسناد سعيد بن عفير في الرواية عن معاوية رضي الله عنه تسمى متابعة قاصرة. أما الروايات التي ورد بها الحديث من طريق صحابة آخرين وهم عمر وابنه عبد الله وابن عباس وابن مسعود وأبو هريرة رضي الله عنهم فتسمى شواهد. 10- قال الحافظ ابن حجر في نخبة الفكر (ومن المهم في هذا الفن معرفة من اختلف في كنيته ومن كثرت كناه) وفي سند هذا الحديث حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال فيه الحافظ في تهذيب التهذيب: أبو إبراهيم ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو عثمان. 11- وقال في نخبة الفكر أيضاً (ومن المهم معرفة من وافقت كيته اسم أبيه) وفي سند هذا الحديث شاهد لذلك فيونس الأيلي كنيته أبو يزيد واسم أبيه يزيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- هذا الحديث مشتمل على ثلاث جمل كل واحدة منها لها معنى قائم بنفسه والموافق للترجمة منها هو الجملة الأولى، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري أن الجمل الثلاث قد تتعلق جميعها بترجمة الباب من جهة إثبات الخير لمن تفقه في دين الله. وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط بل لمن يفتح الله عليه به، وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجودا حتى يأتي أمر الله. 2- قوله: يفقهه في الدين. معناه يفمهه، يقال ففه بالضم إذا صار الفقه له سجية، وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم، وفقه بالكسر إذا فهم والمراد به الفهم في الأحكام الشرعية أي الفهم الذي يثمر العمل ليكون فقهه وعلمه له لا عليه كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.. "والقرآن حجة لك أو عليك". 3- قال الحافظ في الفتح: ومفهوم الحديث أن من لم يتفقه في الدين أي يتعلم قواعد الإسلام وما يتصل بها من الفروع فقد حرم الخير، وقد أخرج أبو يعلى حديث معاوية رضي الله عنه من وجه آخر ضعيف وزاد في آخره: ومن لم يتفقه في الدين لم يبال الله به. والمعنى صحيح لأن من لم يعرف أمور دينه لا يكون فقيها ولا طالب فقه فيصح أن يوصف بأنه ما أريد به الخير انتهى. 4- الحديث دال على ما دلت عليه الآيات الكثيرة والأحاديث المستفيضة من وصف الله بالإرادة، ومعلوم أن مذهب أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته تنزيهه عما نزه عنه نفسه وإثبات جميع ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسمان رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق بجلال الله بدون تكييف ولا تمثيل وبدون تأويل أو تعطيل كما قال سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فأثبت لنفسه السمع والبصر بقوله: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ونفي مشابهة غيره له بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 شَيْءٌ} وصفات الله تعالى كلها يقال في بعضها ما يقال في البعض الآخر دون فرق بين صفة وصفة فكل ما ثبت في الكتاب والسنة من العلم والإرادة والسمع والبصر والكلام والقدرة واليدين والوجه والغضب والرضا والاستواء على العرش وغزير ذلك يجب إثباته له واعتقاده على النهج الواضح الذي بينه الله بقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وكما أن لله ذاتا لا تشبه الذوات فكذا صفاته الثابتة بالكتاب والسنة تثبت على الوجه اللائق بالله دون أن يكون فيها مشابها لخلقه، فإنه يقال في الصفات ما قيل في الذات سواء بسواء، كما أنه يقال في بعض الصفات ما قيل في البعض الآخر سواء بسواء. وإرادة الله تعالى عند أهل السنة نوعان دل عليهما كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إحداهما بمعنى المشيئة الكونية القدرية. والثانية الإرادة الدينية الشرعية، والفرق بينهما أن الكونية القدرية شاملة لكل شيء لا فرق فيها بين ما يحبه الله وما يبغضه ولابد من وقوع ما تقتضيه وأما الدينية الشرعية فهي خاصة فيما يحبه الله ويرضاه ولا يلزم وقوع ذلك، فالله تعالى أراد من الإنس والجن شرعا ودينا أن يعبدوه وحده وذلك محبوب إليه ولذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل وأراد كونا وقدرا في بعض عباده الخير فاجتمع لهم الأمران الكوني والشرعي، وأراد في البعض الآخر غير ذلك فوقعت في حقه الكونية دون الدينية الشرعية فالذي أراده كونا وقدراً: أن يكون الناس فريقين فريقا في الجنة وفريقاً في السعير، ولابد من وقوع ذلك، ولو شاء غير ذلك لوقع، كما قال الله تعالى {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} . وقال {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أما بيان الحق والدعوة إليه فهو حاصل للكل، قال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فحذف مفعول الفعل (يدعو) إشارة إلى العموم فيه والشمول، وأظهر مفعول الفعل (يهدى) . المفيد الخصوص، فالدعوة إلى الحق عامة للجميع والهداية خاصة فيمن وفقه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وما قدره الله وقضاه لابد من وقوعه كما تقدم بيانه ونحن لا نعلم ذلك إلا بواحد من أمرين أحدهما وقوع الشيء، فكل ما وقع علمنا أن الله قد شاءه لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأي حركة تجرى فهي بمشيئة الله، والثاني حصول الأخبار بالشيء الغائب عنا من الذي لا ينطق عن الهوى عظيم سواء كان ماضيا أو مستقبلا فإذا أخبر عن شيء ماض علمنا قطعا بأنه كان ووقع كما اخبر، وإذا أخبر عن شيء مستقبل علمنا قطعا بأنه لابد وأن يقع لأن الله قد شاءه، فالأخبار الماضية كأخبار بدء الخلق مثلا، والمستقبلة كأخبار آخر الزمان ونهاية الدنيا وغير ذلك. وليس معنى المشيئة الشاملة والإرادة القدرية أن الإنسان مسلوب الإرادة مجبور على أفعاله لا مشيئة له ولا اختيار بل له مشيئة تابعة لمشيئة الله كما قال تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ولهذا ندرك الفرق بين الحركات الاضطرارية كحركة المرتعش والحركات الاختيارية من العقلاء كالبيع والشراء وحصول الإحسان من البعض والإساءة من البعض الآخر، فالاضطرارية لا دخل للعبد فيها، والاختيارية تجرى بمشيئة العبد وإرادته التابعة لمشيئة الله وإرادته. ومن أمثلة الإرادة الدينية في القرآن قوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ومن أمثلة الكونية القدرية قوله تعالى {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} من السنة قوله-صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".. 5- قوله إنما أنا قاسم والله يعطى. أعاد البخاري الحديث في كتاب فرض الخمس للاستدلال بهذه الجملة على أن قسمة الغنيمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قاسم للمال حيث أمره الله وساق مع هذا الحديث أحاديث أخرى منها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 حديث أبى هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "ما أعطيكم ولا أمنعكم إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت". والمعنى لا أعطى أحدا ولا أمنع أحداً إلا بأمر الله، وفي ذلك إثبات القضاء والقدر والإيمان بذلك وأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطى لما منع الله وأن العباد يتصرفون في المال بحق وبغير حق بإرادتهم ومشيئتهم، وحصول قسمته بين الناس كما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مما قضاه الله كونا وقدرا، وأمر به شرعا ودينا. 6- قوله به.. ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله. أعاد البخاري الحديث بتمامه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة للاستدلال بهذه الجملة على عدم خلو الأرض من معتصم بالكتاب والسنة حتى يأتي أمر الله، وأورد هذه الجملة فقط في كتاب المناقب مشيرا إلى أن ذلك من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو منقبة لهذه الأمة. 7- أمة محمد صلى الله عليه وسلم لها معنيان: معنى عام ومعنى خاص، فالأمة بالمعني العام هي أمة الدعوة وهم كل إنسان وكذا الجن من حين بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة فإن الدعوة موجهة إليهم كما قال صلى الله عليه وسلم في الخمس التي أعطيها دون من قبله: وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة. ويدل للأمة بالمعنى العام قوله تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} . أما الأمة بالمعنى الخاص فهي أمة الإجابة وهم الذين أجابوا الدعوة وفي خلوا في دين الله، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الآية. وقوله {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} الآية. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث. " ولن تزال هذه الأمة" الخ. 8- قوله عنه ولن تزال هذه الأمة: هو من العام المراد به الخصوص فإن المراد به بعض الأمة كما دل على ذلك أدلة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون" أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. 9- في المراد بالطائفة المنصورة أقوال جزم البخاري رحمه الله في صحيحه بأنهم أهل العلم بالآثار، وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدرى من هم. وقال القاضي عياض: أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث، وقال النووي: يحتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد وفقيه ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير، ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد بل يجوز أن يكونوا متفرقين. ذكر هذه الأقوال الحافظ ابن حجر في فتح الباري. 10- (أمر الله) : ذكر في الجملة الأخيرة مرتين لكل منهما معنى فمعنى أمر الله في قوله صلى الله عليه وسلم: "ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله" شرع الله ودينه، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد " ومعنى أمر الله في قوله: "حتى يأتي أمر الله" ما قدره الله وقضاه من خروج ريح في آخر الزمان تقبض روح كل من في قلبه شيء من الإيمان ويبقى شرار الناس الذين عليهم تقوم الساعة كما جاء ذلك في أحاديث صحيحة، منها ما رواه مسلم في صحيحه في كتاب الفتن في ذكر الأمور التي تجري في آخر الزمان وفيه: بينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة. والأمر كالإرادة يأتي لمعنى كوني قدري ومعنى ديني شرعي، وهذا الحديث فيه شاهد لكل من المعنيين. 11- من فقه الحديث وما يستنبط منه: 1- الترغيب في طلب العلم والحث عليه. 2- بيان فضل العلماء على سائر الناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 3- بيان فضل التفقه في الدين على سائر العلوم. 4- إثبات صفة الإرادة لله تعالى. 5- أن الفقه في الدين علامة لإرادة الله الخير بالعبد. 6- إرشاد الناس إلى السنة وإعلانها على المنابر. 7- الإيمان بالقضاء والقدر وأن المعطى المانع هو الله تعالى. 8- بشارة هذه الأمة بأن الخير باق فيها. 9- إخباره صلى الله عليه وسلم عما يستقبل وهو من الغيب الذي أطلعه الله عليه. 10- إخباره بهذا المغيب من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم حيث وقع كما أخبر مدة أربعة عشر قرنا الماضية ولابد من استمرار ذلك حتى يأتي أمر الله كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه. 11- وجوب الإيمان بوقوع استمرار الحق وأنه لا ينقطع حتى يأتي أمر الله كما جاء ذلك عن الذي لا ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه. 12- هذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم عما يستقبل أحد طريقي العلم بالشيء الذي قدره الله والطريق الثانية الوقوع. 13- أن الطائفة المنصورة لها مخالفون ومناوؤن. 14- الحث على التمسك بالكتاب والسنة ليكون العبد من هذه الطائفة. 15- بيان أن أعداء هذه الطائفة لا يضرونها ولا يؤثرون على استمرار الحق. 16- أن استمرار الحق في أمة محمد صلى الله عليه وسلم منقبة عظيمة لها. 17- أن الإجماع حجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الحديث الثاني قال الإمام البخاري رحمه الله في بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن الزهري ح وحدثنا بشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 المبحث الأول: التخريج : هذا الحديث أورده البخاري في خمسة مواضع من صحيحه هذا أحددها، والثاني في كتاب الصيام: باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكون في رمضان. ولفظه: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم بن سعد أخبرنا ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة". والثالث في كتاب بدء الخلق: باب ذكر الملائكة ولفظه: حدثنا محمد ابن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن"، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وعن عبد الله حدثنا معمر بهذا الإسناد نحوه وروى أبو هريرة وفاطمة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن جبريل كان يعارضه القرآن". والرابع في كتاب المناقب: باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم رواه عن شيخه عبدان بسنده في هذا الحديث وبمثل لفظه عند بشر بن محمد إلا أنه بدون "كان " في قوله: وكان أجود ما يكون الخ.. والخامس في كتاب فضائل القرآن: باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: حدثنا يحي بن قزعة حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة". وقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله هذا الحديث في كتاب الفضائل من صحيحه، فقال: حدثنا منصور بن أبى مزاحم حدثنا إبراهيم- يعنى ابن سعد- عن الزهري ح وحدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد واللفظ له أخبرنا إبراهيم عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود مما يكون في شهر رمضان أن جبريل عليه السلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة"، وحدثنا أبو بكر حدثنا ابن المبارك عن يونس ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر كلاهما عن الزهري بهذا الإسناد نحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وروى قبل ذلك بحديثين بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس، وكان أشجع الناس، وأخرج الحديث البخاري في الأدب المفرد عن شيخه موسى بن إسماعيل بمثل حديثه عنه في كتاب الصيام سنداً ومتناً وأخرجه النسائي في كتاب الصوم: باب الفضل والجود في شهر رمضان عن شيخه سليمان بن داود عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس بنحو هذا الحديث عند البخاري، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده من طرق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنه وأخرج الجملة الأخيرة منه أبو نعيم في الحلية في ترجمة عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز بسنده إلى عمر عن عبيد الله عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود من الريح المرسلة إذا نزل عليه جبريل عليه السلام يدارسه القرآن"، ثم قال غريب من حديث عمر لم نكتبه إلا من هذا الوجه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد : الأول: شيخ البخاري في الإسناد الأول عبدان. قال الحافظ في تهذيب التهذيب: عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبى رواد واسمه ميمون، وقيل: أيمن الأزدي العتكي- مولاهم- أبو عبد الرحمن المروزي الحافظ الملقب عبدان. وقال الخزرجى في الخلاصة روى عن شعبة ومالك وابن المبارك وعنه البخاري والذهلي وخلق، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب قال أحمد بن عبدة: تصدق عبدان في حياته بألف ألف درهم وكتب كتب ابن المبارك بقلم واحد وذكر توثيقه عن أبى رجاء محمد بن حمدويه وقول الحاكم كان إمام أهل الحديث ببلده، وقال في التقريب: ثقة. حافظ من العاشرة مات سنة إحدى وعشرين نما شعبان، أي بعد المائتين، ورمز لكونه من رجاله الجماعة سوى ابن مات. الثاني: شيخ البخاري في الإسناد الثاني بشر بن محمد قال الخزرجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 في الخلاصة: بشر بن محمد السختياني أبو محمد المروزي صدوق رمى بالإرجاء، عن ابن المبارك، وعنه البخاري وقال: مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وذكره ابن حبان في الثقات كما في تهذيب التهذيب وهو من رجال البخاري دون بقية الجماعة. الثالث: شيخ شيخي البخاري في الإسنادين عبد الله بن المبارك قال الحافظ في تهذيب التهذيب: عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم أبو عبد الرحمن المروزي أحد الأئمة، وقال في تقريب التهذيب: ثقة ثبت فقيه عالم جواد مجاهد جمعت فيه خصال الخير من الثامنة مات سنة إحدى وثمانين أي بعد المائة وله ثلاث وستون سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة. وذكر في تهذيب التهذيب الكثير من ثناء الأئمة عليه، ومن ذلك قول ابن عيينة: نظرت في أصر الصحابة فما رأيت لهم فضلا على ابن المبارك إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سمع معمر بن راشد ويونس بن يزيد وغير واحد، وروى عنه عبد الرحمن بن مهدى ومسلم بن إبراهيم وغير واحد عند مسلم، وسرد في تهذيب التهذيب الكثير من أسماء شيوخه وتلامذته ومنهم شيخاه وتلميذاه في هذا الحديث، وقال الخزرجى في الخلاصة: وترجمته كبيرة في الحلية لأبى نعيم وتاريخ الحاكم. الرابع: معمر بن راشد قال الحافظ في تقريب التهذيب: معمر بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري نزيل اليمن: ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا وكذا فيما حدث به بالبصرة من كبار السابعة مات سنة أربع وخمسين أي بعد المائة وهو ابن ثمان وخمسين سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال في مقدمة الفتح: معمر بن راشد صاحب الزهري كان من أثبت الناس فيه وقال: أخرج له البخاري من روايته عن الزهري وابن طاووس وهمام بن منبه ويحي بن أبى كثير وهشام بن عروة وأيوب وثمامة بن أنس وعبد الكريم الجزري وغيرهم ولم يخرج له من رواية عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 قتادة ولا ثابت إلا تعليقا ولا من روايته عن الأعمش شيئا ولم يخرج له من رواية أهل البصرة عنه إلا ما توبعوا عليه عنه واحتج به الأئمة كلهم، ونقل في تهذيب التهذيب توثيقه عن ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسائي وذكر كثيرا من ثناء الأئمة عليه. الخامس والسادس: يونس بن يزيد الأيلي وشيخه ابن شهاب الزهري وقد تقدم التعريف بهما في رجال إسناد الحديث الأول. السابع: عبيد الله بن عبد الله قال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أبو عبد الله الهذلي حليف بنى زهرة أحد الفقهاء السبعة سمع عبد الله بن عباس وزيد بن خالد وأبا هريرة وأم قيس بنت محصن وعائشة وأبا سعيد الخدري عند هما- أي في الصحيحين- وغير واحد عند مسلم، وروى عنه الزهري وصالح بن كيسان، وموسى بن أبى عائشة عند هما وغير واحد عند مسلم، وقال الحافظ في تقريب التهذيب: أبو عبد الله المدني ثقة فقيه ثبت من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين وقيل سنة ثمان وقيل غير ذلك، ورمز لكونه من رجال الجماعة، ونقل في تهذيب التهذيب ثناء كثير من الأئمة عليه وتوثيقهم له رحمه الله. الثامن: صحابي الحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال الخزرجى في الخلاصة: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي أبو العباس المكي ثم المدني ثم الطائفي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وحبر الأمة وفقيهها وترجمان القرآن روى ألفا وستمائة وستين حديثا اتفقا- أي البخاري ومسلم- على خمسة وسبعين وانفرد البخاري بثمانية وعشرين ومسلم بتسعة وأربعين. وقال أيضاً: ابن عباس سمع من النبي صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرين حديثا وباقي حديثه عن الصحابة، واتفقوا على قبول مرسل الصحابي، وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن له عند البخاري مائتي حديث وسبعة عشر حديثا. وقال في تقريب التهذيب: ولد قبل الهجرة بثلاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 سنين ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم في القرآن فكان يسمى البحر والحبر لسعة علمه، وقال: مات سنة ثمان وستين بالطائف وهو أحد المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة ورمز لكون حديثه في الكتب الستة، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: روى عنه سعيد بن جبير وسعيد ابن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة والقاسم بن محمد بن أبى بكر وجماعة من التابعين عند هما- أي في الصحيحين- وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: فائدة: روى عن غندر أن ابن عباس لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا تسعة أحاديث، وعن يحي القطان عشرة، وقال الغزالي في المستصفي أربعة وفيه نظر، ففي الصحيحين عن ابن عباس مما صرح فيه بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة وفيهما مما يشهد فعله نحو ذلك وفيهما مما له حكم الصريح نحو ذلك فضلا عما ليس في الصحيحين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسنادين الثمانية خرج أصحاب الكتب الستة حديثهم إلا شيخ البخاري في الإسناد الأول عبدان فلم يرو له ابن ماجه وروى له الباقون. وشيخه في الإسناد الثاني بشر بن محمد فقد انفرد البخاري بإخراج حديثه. 2- في سند الحديث تابعيان مدنيان هما ابن شهاب الزهري وشيخه عبيد الله بن عبد الله فالحديث من رواية تابعي عن تابعي. 3- في سند الحديث ثلاثة مروزيون وهم شيخا البخاري: عبدان وبشر، وشيخ شيخيه: عبد الله بن المبارك. 4- في سند الحديث أرديان ولاء ولا شيح البخاري عبدان، ومعمر ابن راشد شيخ عبد الله بن المبارك. 5- حرف ح يفيد تحويل الإسناد من إسناد إلى آخر، والفائدة من ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 هي الاختصار وتلافي تكرار الأسماء، ومنتهي الإسنادين الزهري، ومنه يكون الإسناد واحدا هكذا: قال البخاري: حدثنا عبدان قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس عن الزهري ح: وحدثنا بشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه. قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس الخ. وإنما لم يجعل البخاري الطريقين طريقاً واحداً من عبد الله بن المبارك مع أنه هو ملتقى طريق عبدان بطريق بشر بن محمد لأن عبد الله بن المبارك حدث به عبدان عن يونس وحده وحدث به بشر بن محمد عن يونس ومعمر معا. 6- قول عبد الله بن المبارك في الإسناد الثاني: أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه: أي أن لفظ الحديث من رواية يونس وأما رواية معمر فهي بمعناه ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث من فتح الباري، وقال في شرحه لحديث جابر رضي الله عنه في الخمس التي أوتيها صلى الله عليه وسلم في أوائل كتاب التيمم وهو الحديث الآتي، وفي إسناده تحويل قال: وقد ظهر بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد فإن اللفظ يكون للأخير والله أعلم انتهى. وعلى هذا فمتن الحديث لفظه من رواية بشر بن محمد شيخ البخاري في الإسناد الثاني كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر. 7- في سند الحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو أحد فقهاء المدينة السبعة الذين يرد إطلاق هذا الوصف عليهم كثيرا، قال النووي لي كتاب الإشارات إلى أسماء المبهمات: اعلم أن من أفضل التابعين وكبارهم وسادتهم الفقهاء السبعة فقهاء المدينة، فستة متفق عليهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق وخارجة بن زيد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار وفي السابع ثلاثة أقوال أحدها أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف نقله الحاكم أبو عبد الله عن فقهاء الحجاز، والثاني أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قاله ابن المبارك، والثالث أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قاله أبو الزناد انتهى. وذكر هم ابن القيم في أوائل إعلام الموقعين على ما قاله أبو الزناد وقال: وقد نظمهم القائل فقال: إذا قيل من في العلم سبعة أبحر ... روايتهم ليست عن العلم خارجه فقل: هم عبيد الله، عروة، قاسم ... سعيد، أبو بكر، سليمان، خارجه 8- صحابي الحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو أحد العبادلة كما ذكر ذلك العلماء ومنهم ابن حجر كما تقدم النقل عنه من كتاب تقريب التهذيب، وقد قال العراقي في كتاب المستفاد من مبهمات المتن والإسناد: اعلم أن في الصحابة ممن يسمى عبد الله مائتين وعشرين رجلا لكن اشتهر إطلاق اسم العبادلة على أربعة منهم: ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وابن عمرو بن العاص كذا ذكرهم أهل الحديث وغيرهم. 9- في سند الحديث عبدان وهو لقب اشتهر به واسمه عبد الله بن عثمان، والزهري وهو محمد بن مسلم، وقد اشتهر بهذه النسبة كما أنه اشتهر أيضاً بالنسبة إلى جده شهاب فيطلق عليه كثيراً إما الزهري، وإما ابن شهاب. 10- قال الحافظ في نخبة الفكر: ومن المهم في هذا الفن معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه وفي سند هذا الحديث أربعة من هؤلاء هم عبد الله بن عباس رضي الله عنه كنيته أبو العباس وعبيد الله بن عبد الله كنيته أبو عبد الله ويونس به يزيد كنيته أبو يريد وبشر بن محمد كميته أبو محمد. 11- متن هذا الحديث من قبيل المرفوع من الفعل تصريحا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- معنى أجود الناس: أكثر الناس جودا فرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بكل ما تحتمله هذه الكلمة من معنى، جاد بنفسه في سبيل الله فكسرت رباعيته وشج وجهه، وجاد بجاهه، وجاد بما أعطاه الله من المال، وجاد بالدلالة والإرشاد إلى كل ما ينفع العباد في الحال والمآل وتحذيرهم من كل ضار نص الحاضر والمستقبل. 2- قوله: وكان أجود ما يكون في رمضان: أجود بالرفع في أكثر الروايات وفي بعضها بالنصب، فالرفع على أن أجود اسم كان والخبر محذوف أو هو مبتدأ خبره في رمضان والجملة خبر كان واسمها ضمير، وأما النصب فعلى أنه خبر كان واسمها ضمير والتقدير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة كونه في رمضان أجود منه في غديره. 3- قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس: في هذه الجملة احتراس بليغ لئلا يتخيل من قوله: وكان أجود ما يكون في رمضان، أن الأجودية خاصة منه برمضان فأثبت له الأجودية المطلقة أولا، ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان. 4- الحكمة في زيادة جوده صلى الله عليه وسلم في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن: أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس، والقرآن خلقه صلى الله عليه وسلم كما قالت عائشة رضي الله عنها يأتمر بأوامره وينتهي عن نواهيه، وأيضاً فرمضان موسم الخيرات وزيادة الجود والكرم وقد وصفه الله بأنه الذي أنزل فيه القرآن، فبمجموع ما ذكر من الوقت الفاضل وهو رمضان والمنزول به وهو القرآن والنازل به وهو جبريل ومدارسته معه حصل المزيد في الجود والله أعلم. 5- قوله: فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، هذه هي نتيجة مدارسة القرآن والمراد بالريح المرسلة ريح الرحمة التي يرسلها الله لإنزال الغيث العام كما قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} الآية. وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابا} الآية. 6- وصفت الريح المفضل عليها جوده الخير بالمرسلة لأمرين: الأول إشارة إلى عموم النفع بجوده صلى الله عليه وسلم كما تعم الريح المرسلة بل هو أعم وأشمل منها، والثاني احتراسا من الريح العقيم الضارة. 7- قدم معمول أجود وهو بالخير لنكتة لطيفة وهي أنه لو أخره لظن تعلقه بالمرسلة أي المرسلة بالخير وهو وإن كان لا يتغير به المعنى المراد من الوصف بالأجودية إلا أنه يفوت فيه التنصيص على مناط أجوديته صلى الله عليه وسلم التي سيق الكلام لإثباتها والتنويه بشأنها. 8- قوله: فيدارسه القرآن، لفظ المدارسة يفيد حصولها من الجانبين وحديث ابن عباس عند البخاري في كتاب فضائل القرآن يفيد حصولها من جانب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله فيه- يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ويدل لحصولها من جانب جبريل حديث أبى هريرة رضي الله عنه الذي أورده البخاري في كتاب فضائل القرآن عقب حديث ابن عباس حيث قال رضي الله عنه: كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه. 9- هذا الحديث أورده البخاري في بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في وجه المناسبة: وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان لأن نزوله إلى السماء جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث ابن عباس فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان فليا كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة رضي الله عنها وبهذا يجاب من سأل عن مناسبة إيراد هذا الحديث في هذا الباب والله أعلم بالصواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 10- من فقه الحديث وما يستنبط منه: 1- امتنان الله على نبيه صلى الله عليه وسلم بجعله أجود الناس. 2- الترغيب في الجود في كل وقت. 3- الحث على الزيادة في الجود في شهر رمضان. 4- استحباب الإكثار من قراءة القرآن في رمضان والإشارة إلى أنها أفضل من سائر الأذكار إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويا لفعله جبريل ومحمد عليهما الصلاة والسلام. 5- استحباب زيارة الصلحاء وأهل الخير. 6- تكرار الزيارة إذا كان المزور لا يكره ذلك. 7- جواز أن يقال رمضان بدون ذكر شهر. 8- استعمال التشبيه وضرب الأمثلة في إيضاح ما يراد بيانه. 9- حصول قراءة القرآن من جبريل عليه السلام في غير الوقت الذي نزل به على محمد صلى الله عليه وسلم. 10- أن القرآن يطلق على بعضه وعلى معظمه لأن أول رمضان من بعد البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه، ثم كذلك كل رمضان بعده إلى رمضان الأخير فكان قد نزل كله إلا ما تأخر نزوله بعد رمضان المذكور. 11- تدارس القرآن بين القراء وهو من التعاون على البر والتقوى. 12- أن مداومة قراءة القرآن سبب في الزيادة في الخير وهو من ثواب الحسنة بحسنة بعدها. 13- مذاكرة الفاضل بالخير والعلم وإن كان لا يخفي عليه ذلك لزيادة التذكرة والاتعاظ. 14- أن تحصيل العبد لفضل الزمان إنما هو بزيادة العبادة فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 15- أن الثمرة العظمى لقراءة القرآن أن يظهر أثرها على القاريء في أخلاقه وأعماله كما جاء في هذا الحديث من زيادة النبي صلى الله عليه وسلم في الخير عند مدارسة القرآن مع جبريل، وكما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن، تعنى أنه يأتمر بأوامره وينتهي عن نواهيه وكما جاء عنه صلى الله عليه وسلم التحذير من خلاف ذلك بقوله في الحديث الصحيح: "والقرآن خجة لك أو عليك ". 16- تعظيم شهر رمضان لوصف الله له بإنزال القرآن فيه ثم معارضته صلى الله عليه وسلم مع جبريل ما نزل منه فيه ويلزم من ذلك كثرة نزول جبريل فيه وفي كثرة نزوله الخير الكثير. 17- الإيمان بنزول جبريل من السماء وصعوده ومدارسته القرآن مع محمد صلى الله عليه وسلم وهو من الإيمان بالملائكة الذي هو أحد أركان الإيمان الستة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل المشهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 الحديث الثالث قال البخاري رحمه الله في أوائل كتاب التيمم من صحيحه: حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا هشيم ح قال وحدثني سعيد ابن النضر قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا سيار قال حدثنا يزيد- هو ابن صهيب الفقير- قال: أخبرنا جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل. وأحلت لي المغانم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 المبحث الأول: التخريج : أورد البخاري هذا الحديث في كتاب التيمم عن شيخيه محمد بن سنان وسعيد بن النضر، وسياق المتن لفظ سعيد كل قال الحافظ ابن حجر في الفتح، وقد أعاد الحديث في كتاب الصلاة عن شيخه محمد بن سنان فقال: حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا هشيم قال حدثنا له جار- هو أبو الحكم- قال حدثنا يزيد الفقير قال حدثنا جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأيما رجل مات أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم؟ وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة، وأعطيت الشفاعة"، وأورد طرفا منه وهو قوله صلى الله عليه وسلم. "وأحلت لي الغنائم".. من رواية محمد بن سنان في كتاب فرض الخمس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وأخرج الحديث بتمامه مسلم في صحيحه عن شيخيه يحيى بن يحي وأبى بكر بن أبى شيبة عن هشيم بمثل إسناده عند البخاري ولفظه: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان، ونصرت بالرعب بين يدي مسافة شهر، وأعطيت الشفاعة". وأخرج الخصلة الأولى وهي نصره صلى الله عليه وسلم بالرعب ضمن حديث من طرق عن أبى هريرة رضي الله عنه، وأخرج الخصلة الثانية من طريقين عن ربعي بن حراش عن حذيفة رضي الله عنه، ومن طرق عن أبى هريرة رضي الله عنه، وأخرج الخصلة الثالثة من طريق عن أبى هريرة رضي الله عنه، وأخرج الخصلة الخامسة من طريق عن أبى هريرة رضي الله عنه بلفظ: " وأرسلت إلى الخلق كافة".. وأخرجه النسائي عن شيخه الحسن بن إسماعيل بن سليمان عن هشيم بهذا الإسناد، وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبى ذر رضي الله عنه. وقال الحافظ في الفتح: ومدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الإسناد وله شواهد من حديث ابن عباس وأبى موسى وأبى ذر، ومن رواية عمرو بق شعيب عن أبيه عن جده رواها كلها أحمد بأسانيد حسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد : الأول: شيخ البخاري في الإسناد الأول محمد بن سنان قال الحافظ في تهذيب التهذيب: محمد بن سنان الباهلي أبو بكر البصري المعروف بالعوقي والعوقة حي من الأزد نزل فيهم، وذكر أنه روى عن إبراهيم بن طهمان وفليح وهشيم وغيرهم، وأنه روي عنه البخاري وأبو داود وغيرهم، وذكر توثيقه عن جماعة منهم ابن معين والدارقطني؟ وقال في تقريب التهذيب: ثقة ثبت من كبار العاشرة مات سنة ثلاث وعشرين أي بعد المائتين ورمز لكونه من رجال البخاري وأبى داود وابن ماجه والترمذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الثاني: شيخ البخاري في الإسناد الثاني سعيد بن النضر قال الحافظ في تهذيب التهذيب: سعيد بن النضر البغدادي أبو عثمان سكن آمل جيحون، روى عن هشيم وعثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وغير هما، وعنه البخاري والفضل بن أحمد بن سهل الآملي ذكره ابن حبان في الثقات، وقال في تقريب التهذيب ثقة من العاشرة مات سنة أربع وثلاثين أي بعد المائتين ورمز لكونه من رجال البخاري وحده. الثالث: هشيم، قال الحافظ في تقريب التهذيب: هشيم بالتصغير ابن بشير- بوزن عظيم- ابن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية ابن أبى خازم بمعجمتين الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة مات سنة ثلاث وثمانين أي بعد المائة وقد قارب الثمانين، ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: السلمي مولاهم الواسطي يكنى أبا معاوية أصله من بلخ، كان جده القاسم منها نزل واسط للتجارة، وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب كثيرا ممن روى عنهم وممن رووا عنه، وممن روى عنهم حميد الطويل وسيار أبو الحكم وخالد الحذاء والأعمش، ومن الذين رووا عنه ابن المبارك ووكيع ويزيد بن هارون وغيرهم، وقال في مقدمة الفتح: هشيم بن بشير الواسطي أحد الأئمة متفق على توثيقه إلا أنه كان مشهورا بالتدليس، وروايته عن الزهري خاصة لينة عندهم فأما التدليس فقد ذكر جماعة من الحفاظ أن البخاري كان لا يخرج عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث، واعتبرت أنا هذا في حديثه فوجدته كذلك إما أن يكون قد صرح به في نفس الإسناد أو صرح به من وجه آخر، وأما روايته عن الزهري فليس في الصحيحين منها شيء، واحتج به الأئمة كلهم والله أعلم انتهى. ولكونه مشهورا بالتدليس مثل به العراقي في ألفيته لوجود المدلسين في رجال الصحيح فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وفي الصحيح عدة كالأعمش ... وكهشيم بعده وفتش الرابع: سيار، قال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سيار ابن أبى سيار واسمه وردان أبو الحكم العنزي الواسطي، يقال هو أخو مساور الوراق سمع الشعبي وثابتا البناني ويزيد الفقير عند هما- أي في الصحيحين- وسليمان الأشجعي عند البخاري روى عنه شعبة وهشيم عند هما وقرة بن خالد عند مسلم، وذكر الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب توثيقه عن الإمام أحمد وابن معين والنسائي وقال في تقريب التهذيب: وهو أخو مشاور الوراق لأمه، ثقة وليس هو الذي يروى عن طارق بن شهاب من السادسة مات سنة اثنتين وعشرين أي بعد المائة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. الخامس: يزيد الفقير، قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: يزيد بن صهيب الكوفي أبو عثمان المعروف بالفقير بفتح الفاء بعدها قاف، قيل له ذلك لأنه كان يشكو فقار ظهره، ثقة من الرابعة، ورمز لكونه من رجال الجماعة سوى الترمذي، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وعنه سيار أبو الحكم عند هما- أي في الصحيحين- وقيس بن سليم وأبو عاصم محمد بن أيوب عند مسلم، وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب توثيقه عن ابن معين وأبى زرعة والنسائي وقال: قال أبو حاتم وابن خراش: صدوق، زاد ابن خراش جليل عزيز الحديث وقال: وذكره ابن حبان في الثقات انتهي ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته. السادس: صحابي الحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال الحافظ في تقريب التهذيب: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بمهملة وراء، الأنصاري ثم السلمي بفتحتين صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة ومات بالمدينة بعد السبعين، وهو ابن أربع وتسعين سنة ورمز لكون حديثه في الكتب الستة، وقال الخزرجي في الخلاصة: أبو عبد الرحمن أو أبو عبد الله أو أبو محمد المدني صحابي مشهور له ألف وخمسمائة حديث وأربعون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 حديثا، اتفقا- أي البخاري ومسلم- على ثمانية وخمسين، وانفرد البخاري بستة وعشرين، ومسلم بمائة وستة وعشرين، وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن له عند البخاري تسعين حديتا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- هذا الحديث رواه البخاري عن شيخه محمد بن سنان عن هشيم ثم أتى بحرف ح الدالة على التحويل إلى إسناد آخر فرواه عن شيخه سعيد ابن النضر عن هشيم، وقد مر التنبيه على بعض ها يتعلق بالتحويل في الكلام على الحديث الثاني وأضيف هنا: أن استعمال التحويل في الإسناد قليل عند البخاري بخلاف مسلم فإنه يستعمله كثيرا، والسر في ذلك أدن البخاري رحمه الله يفرق الحديث على الأبواب فيأتي به في موضح بإسناد للاستدلال به على حكم ثم يعيده مستدلا به على حكم آخر بإسناد آخر، أما مسلم رحمه الله فيجمع الروايات ويسوقها مساقا واحدا فلذا يكثر عنده استعمال التحويل. 2- استعمل البخاري وحمه الله التحويل في إسناد هذا الحديث ولم يجمح بين شيخيه مع كونهما حدثاه به عن هشيم لأنه سمعه منهما متفرقين وكأنه سمعه من محمد بن سنان مع غيره، فلذلك جمع فقال: حدثنا، وسمعه من سعيد وحده فلذا أفرد فقال: حدثني. ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح. 3- صيغة الأداء من محمد بن سنان عن هشيم (حدثنا) ومن سعيد ابن النضر عن هشيم (أخبرنا) قال الحافظ في الفتح: وكأن محمدا سمعه من لفظ هشيم فلهذا قال: حدثنا، وكأن سعيدا قرأه أو سمعه تقرأ على هشيم، لهذا قال: أخبرنا، تم قال الحافظ بعد ذكوه هذا والذي قبله: ومراعاة هذا كله على سبيل الإصطلاح. 4- قال الحافظ في الفتح: ثم إن سياق المتن لفظ سعيد وقد ظهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا أورد الحديث عن غير واحد فان اللفظ يكون للأخير والله أعلم. 5- رجال الإسنادين في هذا الحديث اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم إلا يزيد الفقير فلم يرو له الترمذي، وشيخ البخاري في الإسناد الأول محمد بن سنان فلم يرو له مسلم والنسائي، وشيخه في الإسناد الثاني سعيد بن النضر فلم يرو له سوى البخاري. 6- قال الحافظ ابن حجر في نخبة الفكر: ومن المهم معرفة من نسب إلى غير ما يسبق إلى الفهم انتهى. وفي إسناد هذا الحديث شاهدان لذلك: الأول محمد بن سنان الباهلي المعروف بالعوقي، والعوقة حي من الأزد نسب إليهم لكونه نزل فيهم وليس منهم. الثاني يزيد الفقير فإن المتبادر إلى الفهم أنه من الفقر وليس كذلك وإنما كان يشكو فقار ظهره فقيل له الفقير لذلك. 7- في سند الحديث واسطيان وهما: هشيم بن بشير وشيخه سيار أبو الحكم. 8- في سند الحديث هشيم بن بشير وهو من المشهورين بالتدليس وقد صرح بالأخبار في هذا الإسناد، بل قد ذكر الحافظ ابن حجر أن كل ما في صحيح البخاري له مما صرح فيه بالسماع كما تقدمت الإشارة إلى ذلك. 9- في سند الحديث راويان نسبتهما (السلمي) وهما جابر بن عبد الله الأنصاري السلمي، والثاني هشيم بن بشير السلمي. قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح: (السلمي) بالضم كثير وبالفتح في الأنصار فقط انتهى. وقال النووي في التقريب (السلمي) في الأنصار بفتحهما ويجوز في لغية كسر اللام وبضم السين في بنى سليم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 المبحث الرابع: شرح الحديث : ا- لم يبين في هذا الحديث متى قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بين أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 في غزوة تبوك في الحديث الذي خرجه الإمام أحمد في مسنده حيث قال حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر بن مضر عن ابن الهاد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك قام من الليل يصلى فاجتمع وراءه رجال من أصحابه يحرسونه حتى إذا صلى وانصرف إليهم فقال لهم: "لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد قبلي" الخ الحديث. وهذا من الشواهد لرواية هشيم بن بشير التي أشار إليها الحافظ ابن حجر فيما تقدم. 2- قوله " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي " مفهوم الحديث أنه لم يختص بغير الخمس المذكورة وقد عدد الحافظ ابن حجر في فتح الباري خصائص أخرى غيرها فبلغت بها سبع عشرة وقال: يمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع. وقال: وقد ذكر أبو سعيد النيسابوري في كتاب شرف المصطفي أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة. وقد أشار السيوطي في شرحه لسنن النسائي إلى كلام الحافظ ابن حجر هذا وأن ذلك دعاه إلى تتبعها وأنه أفردها بمؤلف سماه: أنموزج اللبيب في خصائص الحبيب، قسمها فيه إلى قسمين ما خص به عن الأنبياء وما خص به عن الأمة وبلغت عدة القسمين أكثر من ألف خصيصة. وقال الحافظ ابن حجر في الجمع بين هذا المفهوم وبين الأدلة الدالة على الخصائص الأخرى: وطريق الجمع أن يقال: لعله اطلع أولا على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله. 3- قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وظاهر الحديث يقتضى أن كل واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحد قبله وهو كذلك ولا يعترض بأن نوحاً عليه السلام كان مبعوثا إلى أهل الأرض بعد الطوفان لأنه لم يبق إلا من كان مؤمنا معه وقد كان مرسلا إليهم، لأن هذا العموم لم يكن من اصل بعثته وإنما اتفق بالحادث الذي وقع وهو انحصار الخلق بالموجودين بعد هلاك سائر الناس، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصل البعثة فثبت اختصاصه بذلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وأما قول أهل الموقف لنوع كما صح ؤ حديث الشفاعة: أنت أول رسول إلى أهل الأرض، فليس المراد به عموم بعثته بل إثبات أولية رسالته وعل تقدير أن يكون مراداً فهو مخصوص بتنصيصه سبحانه وتعالى في عدة آيات على أن إرسال نوح كان إلى قومه ولم يذكر أنه أرسل إلى غيرهم. 4- قوله "نصرت بالرعب مسيرة شهر" الرعب الوجل والخوف والفزع قال الحافظ ابن حجر: مفهومه أنه أيوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها، أما ما دونها فلا، لكن لفظ رواية عمرو بن شعيب "ونصرت على العدو بالرعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهرا" فالظاهر اختصاصه به مطلقا وإنما جعل الغاية شهراً لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه، وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده من غير عسكر، وهل هي حاصلة لأمته من بعده؟ فيه احتمال. وقال العراقي في طرح التثريب: وأما النصر بالرعب فهو أن الله تعالى كان يقذف الرعب في قلوب أعدائه لتخذيلهم وورد في بعض طرقه أنه كان يسير الرعب بين يديه شهرا، معناه أنه كان إذا توجه إلى وجه من الأرض ألقى الله الرعب على من أمامه إلى مسيرة شهر. 5- قوله " وجعلت لي الأرض مسجدا " أي موضع سجود ويخص من هذا العموم ما تيقنت نجاسته وما دل دليل على منع الصلاة فيه كالمقبرة. قال العراقي في طرح التثريب: اختلف في بيان ما خصص به على الأمم قبله في ذلك فقيل إن الأمم الماضية لم تكن تباح الصلاة لهم إلا في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس، وقيل كانوا لا يصلون إلا فيما يتيقنون طهارته من الأرض وخصصت هذه الأمة بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنت نجاسته حكاما القاضي عياض. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: والأظهر ما قاله الخطابي وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ: "وكان من قبلي إنما يصلون في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 كنائسهم" وهذا نص في محل النزاع فثبتت الخصوصية ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس نحو حديث الباب. وفيه: ولم يكن من الأنبياء أحد يصلى حتى يبلغ محرابه. 6- قوله "وطهورا" الطهور بفتح الطاء أي المطهر لغيره لأن الطهور لو كان المراد به الطاهر لم تثبت الخصوصية والحديث إنما سيق لإثباتها وهو يدل على أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض ويؤيده رواية أبى أمامة عند البيهقي: "فأيما رجل من أمتي أتى الصلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورا ومسجداً".. وعند أحمد "فعنده طهوره ومسجده" وفي رواية عمرو بن شعيب "فأين أدركتني الصلاة تمسحت وصليت" وخص بعض العلماء اسم بالتراب مستدلا بذكر لفظ (التراب) عند ابن خزيمة عن جابر وفي حديث على عند البيهقي وأحمد كما أشار إلى ذلك كله وغيره الحافظ ابن حجر في الفتح، ونقل العراقي في طرح التثريب عن القرطبي ما معناه: أن ذكر التراب من قبيل ذكر الخاص محكوما عليه بحكم العام وهو لا يسقط عمومه ثم تعقب ذلك. 7- قوله "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل " أي بعد أن يتيمم حيث لا ماء، وذكر "الرجل " لا مفهوم له أي وكذلك النساء وهو نظير قوله نسيه: لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه. وقوله: من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به من الغرماء. والغرض من ذكر هذه الجملة بعد التي قبلها دفع توهم اختصاصه بذلك كما اختص بالشفاعة. 8- قوله "وأحلت لي المغانم و! تحل لأحد قبلي" المغانم جمع مغنم وفي رواية محمد بن سنان (الغنائم) وهي جمع غنيمة وهي ما أخذ من الكفار في الحرب قال الخطابي: "من تقدم علي ضربين: منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئا لم يحل لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته"، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 صحيحه تعليقا: جعل وزقي تحت ظل ومحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري. ومجيء النار وإحراقها الغنائم في الأمم السابقة ثبت في صحيح البخاري 9- قوله: "وأعطيت الشفاعة": الشفا على أنواع منها ما يختص به صلى الله عليه وسلم، ومنها ما يشاركه فيها غيره، والذي اختصر بها منها الشفاعة العظمى في إراحة الناس من الموقف وهى المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون حيث يتخلى عنها آدم وأولو العزم من الرسل فتنتهي إليه فيقول: أنا لها ثم يشفع فيشفعه الله صلوات الله وسلامه عليه. وهنها الشفاعة في عمه أبى طالب في تخفيف عذابه في النار فانه مخصص لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} ومنها الشفاعة في خروج من ليس له عمل صالح سوى التوحيد من النار لأن غيره يشفع لمن عنده أكثر من ذلك قال الحافظ ابن حجر بعد عد هذه من خصائصه: وقد وقع في حديث ابن عباس: وأعطيت الشفاعة فأخرتها لأمتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئا. وفى حديث عمرو بن شعيب: فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله، انتهى. وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لكل نبي دعوة مستجابة. فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا ". 10- قوله: "وبعثت إلى الناس عامة" دال على عموم رسالته صلى الله عليه وسلم، ومن الأدلة على ذلك أيضا قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} . وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} . وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: "لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار".. والمراد بالناس كل من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 كان موجوداً من الإنس من حين بعث صلوات الله وسلامه عليه إلى قيام الساعة، ويدل لشمولها للجن عموم قوله في رواية أبى هريرة رضي الله عنه عند مسلم: وأرسلت إلى الخلق كافة. وما ذكره الله تعالى عن استماعهم للقرآن وإيمانهم به في سورتي الأحقاف والجن، ثم ذهابهم إلى قومهم منذرين محذرين من مخالفته وعدم إجابته. 11- من فقه الحديث وما يستنبط منه: 1- امتنان الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بخصائص يختص بها عن غيره. 2- تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء والمرسلين. 3- تحدث الإنسان بنعم الله تعالى عليه. 4- تفضل الله على نبيه بنمره على أعدائه بالرعب الذي يقذفه في قلوبهم مسيرة شهر. 5- أن النصر بيد الله إذا شاءه حصل ولو بدون أسباب ظاهرة. 6- أن الأصل في الأرض الطهارة فلا تخص الصلاة فيها بموضع دون آخر ما أتتيقن نجاسة البقعة. 7- أن المراد بالطهور هو المطهر لغيره لأنه لو كان المراد به في الحديث الطاهر لم تثبت الخصوصية. 8- أن التيمم يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في وصف الطهورية. 9- أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض. 10- كون الغنائم حلالا في حق هذه الأمة 11- إثبات الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم. 12- عموم رسالة محمد عتم هـ. 13- تيسير الله تعالى على هذه الأمة ورفعه الحرج والإصر عنها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 14- وجوب الإيمان بالمغيبات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ماضيها كعدم حل الغنائم للماضين ومستقبلها كإعطائها صلى الله عليه وسلم الشفاعة. 15- أنه لايجوز تأخير الصلاة عن وقتها. 16- إظهار كرامة الآدمي إذا خلق من ماء وتراب وتراب وكل منهما طهور. 17- أن الصلاة والطهارة لها في الجملة شرع لمن قبلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الحديث الرابع قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الكفالة: حدثنا أبو عاصم في يزيد بن أبى عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي جنازة ليصلي عليها فقال: "هل عليه من دَينٌ؟ " قالوا: لا، "فصلى عليه "ثم أتي بجنازة أخرى فقال "هل عليه من دين؟ "قالوا: نعم. قال: "فصلوا على صاحبكم"، قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله، "فصلى عليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 المبحث الأول, التخريج: انفرد البخاري عن مسلم بإخراج هذا الحديث، وقد أورده في موضعين أحدهما هذا في باب: من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع. والثاني في كتاب الحوالة في باب: إذا أحال دين الميت على رجل جاز، ولفظه: حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا يزيد بن أبى عبيد عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا: صل عليها، فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا، قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا، فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى، فقالوا يا رسول الله صل عليها فقال: هل عليه دين؟ قيل: نعم، قال: فهل ترك شيئاً، قالوا: ثلاثة دنانير فصلى عليها، ثم أتي بالثالثة، فقالوا: صل عليها، قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا، قال: فهل عليه دين، قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: صل. عليه يا رسول الله وعلي دينه، فصلى عليه". ورواه النسائي في سننه ولفظه: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة، فقالوا: يا نبي الله صل عليها، قال: هل ترك عليه دينا، قالوا: نعم، قال: هل ترك من شيء، قالوا: لا، قال: صلوا على صاحبكم، قال رجل من الأنصار يقال له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 أبو قتادة: صل عليه وعلي دينه، فصلى عليه"، ورواه الترمذي والنسائي عن أبى قتادة رضي الله عنه بإسناد واحد واللفظ عند النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل من الأنصار ليصلى عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صلوا على صاحبكم فان عليه دينا، قال أبو قتادة هو علي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بالوفاء؟، قال: بالوفاء، فصلى عليه، ورواه أبو داود والنسائي عن جابر رضي الله عنه ولفظه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلى على رجل مات وعليه دين فأتى بميت، فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم ديناران، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة الأنصاري؟ هما على يا رسول الله"، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا فعلى وفاؤه ومن ترك مالا فلورثته". وروى أبو هريرة رضي الله عنه نحوا من حديث جابر هذا أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي، وأورد المنذري في الترغيب والترهيب حديث جابر رضي الله عنه بلفظ أطول من هذا، وقال: رواه أحمد بإسناد حسن والحاكم والدارقطني، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه باختصار. وقال فيه الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والبزار وإسناده حسن، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: وعن أسماء بنت يزيد قالت "دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة رجل من الأنصار، فلما وضع السرير تقدم نبي الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه ثم التفت، فقال: "على صاحبكم دين؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، ديناران، قال: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: أنا بدينه يا نبي الله فصلى عليه"، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد : الأول: شيخ البخاري أبو عاصم وهو كما قال الحافظ في تقريب التهذيب. الضحاك بن مخلد بن مسلم الشيباني أبو عاصم النبيل البصري ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة اثنتي عشرة أو بعدها أي بعد المائتين. وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 بضع وأربعين أي مائة ورمز لكونه من رجال الجماعة. الثالث: صحابي الحديث سلمة بن الأكوع وهو سلمة بن عمرو بن الأكوع واسم الأكوع سنان الأسلمى، قال الحافظ في تهذيب التهذيب: أبو مسلم ويقال: أبو إياس ويقال: أبو عامر وقال: شهد بيعة الرضوان روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبى بكر وعمر وعثمان وطلحة وعنه ابنه إياس ومولاه يزيد بن أبى عبيد وأناس آخرون سماهم ثم قال: كان شجاعا راميا، ويقال: كان يسبق الفرس شدا على قدميه، وقال الخزرجى في الخلاصة: له سبعة وسبعون حديثا اتفقا على ستة عشر وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بتسعة. وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن له عند البخاري عشرين حديثا انتهى. وكانت وفاته سنة أربع وسبعين، وقد خرج حديثه الجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الثلاثة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم. 2- في سند الحديث رجل اشتهر بكنيته ولقبه وهو شيخ البخاري أبو عاصم النبيل فان اسمه الضحاك بن مخلد. 3- في سند الحديث رجل روى عنه راو متقدم وراو متأخر، وهو أبو عاصم النبيل قال الخطيب: روى عنه جرير بن حازم ومحمد بن حبان وبين وفاتيهما مائة وإحدى وثلاثون سنة انتهى. وذلك من شواهد النوع المعروف في المصطلح بالسابق واللاحق وهو أن يشترك اثنان في الرواية عن شيخ أحدهما فوق الشيخ المروى عنه في المرتبة مع تباعد ما بين وفاتيهما أي الراويين عن الشيخ. 4- في هذا الإسناد مولى من أعلى وهو سلمى بن الأكوع رضي الله عنه، ومولى من أسفل وهو يزيد بن أبى عبيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 5- ومن اللطائف في رجال الإسناد أن أبا عاصم النبيل قد ولدته أمه وسنها اثنتا عشرة سنة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك فيما نقله المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين عن عمرو بن على. 6- ذكر الحافظ ابن حجر أنه لم يقف على تسمية صاحب الجنازة الأول والثاني وهو من مبهمات المتن. 7- حديث أبى عاصم النبيل هذا وحديث مكي بن إبراهيم المذكور في التخريج من ثلاثيات صحيح البخاري والإسناد الثلاثي أعلى ما يكون عند البخاري فان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه ثلاثة أشخاص فقط: صحابي وتابعي وتابع تابعي، وقد حصل العلو في إسناد هذا الحديث. لأن وفاة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه كانت سنة أربع وسبعون، وقد عاش مولاه يزيد بن أبى عبيد الذي روى الحديث عنه بعده نحوا من سبعين سنة إذ كانت وفاته سنة بضع وأربعين ومائة، وعاش أبو عاصم النبيل الذي روى الحديث عن يزيد ابن أبى عبيد بعده أكثر من ستين سنة حيث كانت وفاته سنة اثنتي عشرة بعد المائتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 فوائد تتعلق بالثلاثيات الأولى: الإسناد الثلاثي إسناد عال، والعلو في الإسناد مرغوب فيه عند المحدثين لكونه أقرب إلى الصحة وقلة الخطأ، لأنه ما من راو من رجال السند إلا والخطأ جائز عليه، فكلما كثرت الوسائط وطال السند كثرت مظان تجويز الخطأ، وكلما قلت قلت، ومن أجل ذلك لم يرو البخاري عن الشافعي من طريق أصحابه الذين لقي الكثير منهم لأنه عاصر كثيرا من أقران الشافعي فروى عنهم مباشرة ما شاركهم الشافعي في روايته رغبة منه في علو الإسناد. وإن كان قد ذكر الشافعي في موضعين من صحيحه في باب: وفي الركاز الخمس، وفي باب: تفسير العرايا كما أشار إلى ذلك ابن السبكي في ترجمة البخاري من كتابه طبقات الشافعية الكبرى. الثانية: عدد الأحاديث الثلاثية في صحيح البخاري اثنان وعشرون حديثا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه مرفوعا: من يقل على ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار. قال: وهذا الحديث أول ثلاثي وقع في البخاري وليس فيه أعلى من الثلاثيات. وقد أفردت فبلغت أكثر من عشرين حديثا انتهى. وقال في كشف الظنون: ووقع له اثنان وعشرون حديثا ثلاثيات الإسناد، وقال المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي: وأما في صحيح البخاري فاثنان وعشرون ثلاثيا قد أفردها العلماء بالتأليف كعلي القاري الهروي وغيره انتهى. وهذه العدة إنما هي بالأحاديث المكررة وبإسقاط التكرار تكون ستة عشر حديثا وقد طبعت ثلاثيات البخاري مفردة ومشروحة. الثالثة: عدد الصحابة الذي روى البخاري من طريقهم الأحاديث الثلاثية ثلاثة الأول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه له منها سبعة عشر حديثا، والثاني أنس بن مالك رضي الله عنه له منها أربعة أحاديث، والثالث عبد الله ابن بسر رضي الله عنه، له منها حديث واحد أما شيوخه الذين روى عنهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 هذه الثلاثيات فعدتهم خمسة وهم: مكي بن إبراهيم وأبو عاصم النبيل وعصام بن خالد ومحمد بن عبد الله الأنصاري وخلاد بن يحي وهم من أتباع التابعين. وأما شيوخ شيوخه فيها فعدتهم أربعة وهم يزيد بن أبى عبيد وحميد الطويل وحريز بن عثمان وعيسى بن طهمان وهم من التابعين. الرابعة: (1) في جامع الترمذي ثلاثي واحد أورده في كتاب الفتن فقال: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ابن ابنة السدي الكوفي حدثنا عمر ابن شاكر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر هذا حديث غريب من هذا الوجه انتهى. قال المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي: اعلم أنه ليس في جامع الترمذي ثلاثي غير حديث أنس المذكور. وقال: وليعلم أن بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسناد ثلاثي الترمذي المذكور اثنين وعشرين واسطة فذكرهم وكانت وفاة المباركفوري سنة 1353هـ رحمه الله، وعمر بن شاكر انفرد الترمذي بإخراج حديثه عن بقية أصحاب الكتب الستة، وقال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب إنه ضعيف. (ب) في سنن ابن ماجه خمسة أحاديث ثلاثيات الإسناد كلها من طريق جبارة بن المغلس عن كثير بن سليم عن أنس رضي الله عنه ثلاثة منها في كتاب الأطعمة، وفي كتاب الزهد واحد، وواحد في كتاب الطب، وجبارة وكثير انفرد ابن ماجه عن بقية أصحاب الكتب الستة بإخراج حديثهما، وقال عنهما الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: إنهما ضعيفان. (ب) ذكر المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي نقلا عن كتاب الحطة أنه ليس في صحيح مسلم ولا في سنن أبى داود والنسائي شيء من الأحاديث الثلاثيات الإسناد، فأعلى ما يكون عندهم الأحاديث الرباعيات الإسناد. (ج) ذكر المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي نقلا عن كتاب الحطة أنه ليس في صحيح مسلم ولا في سنن أبي داود والنسائي شيء من الأحاديث الثلاثيات الإسناد, فأعلى ما يكون عندهم الأحاديث الرباعيات الإسناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 (د) ذكر المباركفوري أيضاً نقلا عن كتاب الحطة أن ثلاثيات الدارمي أكثر من ثلاثيات البخاري، وقال صاحب كشف الظنون: ثلاثيات الدارمي هي خمسة عشر حديثا وقعت في مسنده بسنده. (هـ) ثلاثيات مسند الإمام أحمد عددها واحد وثلاثون وثلاثمائة قد أفردت من المسند وشرحها الشيخ محمد السفاريني شرحا نفيسا في مجلدين كبيرين. (و) ثلاثيات مسند عبد بن حميد عددها واحد وخمسون حديثا1.   1 تنبيه: الحديث الثلاثي عند الترمذي، والخمسة عند ابن ماجه، وثلاثيات الدارمي وعددها خمسة عشر حديثا، وثلاثيات عبد بن حميد وعددها واحد وخمسون توجد مخطوطة بخط جميل ضمن مجموعة (رقم 44) مجاميع في مكتبة عارف حكمت في المدينة المنورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- أورد البخاري الحديث في كتاب الكفالة في باب: من تكفل عن ميت ذينا فليس له أن يرجع. ووجه مطابقة الحديث للترجمة كما ذكر الحافظ في فتح الباري: أنه لو كان لأبى قتادة أن يرجع عن الكفالة لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل المدين حتى يوفي أبو قتادة الدين، لاحتمال أن يرجع فيكون النبي ع! مم صلى على مدين دينه باق عليه، فدل على أنه ليس له أن يرجع، وأورده أيضاً في كتاب الحوالة من طريق مكي بن إبراهيم في باب: إذا أحال دين الميت على رجل جاز، ووجهه كما نقل الحافظ في الفتح عن ابن بطال أنه قال: إنما ترجم بالحوالة فقال: إن احال دين الميت. ثم أدخل حديث سلمة وهو في الضمان لأن الحوالة والضمان عند بعض العلماء متقاربان، وإليه ذهب أبو ثور لأنهما ينتظمان في كون كل منهما نقل ذمة رجل إلى ذمة رجل آخر، والضمان في هذا الحديث نقل ما في ذمة الميت إلى ذمة الضامن فصار كالحوالة سواء. 2- قوله: إذ أتي بجنازة. قال في القاموس: الجنازة الميت ويفتح، أو بالكسر الميت وبالفتح السرير أو عكسه، وبالكسر السرير مع الميت انتهى. وقد أعيد الضمير مؤنثا في قوله: ليصلى عليها. باعتبار لفظ الجنازة وهو مؤنث، ومذكرا في قوله: هل عليه من دين ة باعتبار المعنى وهو الميت، وقد زيدت "من " قبل المبتدأ المنكر في قوله: هل عليه من دين لتأكيد إفادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 العموم في جنس الدين، أي هل عليه دين، أيّ دين كان، قليلا كان أو كثيراً. 3- اشتمل هذا الحديث على ذكر جنازتين: سليم من الدين صلى عليه ومدين أراد ترك الصلاة عليه لو لم يتحمل عنه دينه، وقد ذكر جنازة ثالثة في طريق مكي بن إبراهيم المذكور في التخريج وهو من عليه دين وترك وفاء له وقد صلى عليه. 4- لم يبين في الحديث قدر الدين وقد بين في طريق مكي بن إبراهيم بأنه ثلاثة دنانير قال الحافظ في الفتح: وفي حديث جابر عند الحاكم ديناران، وأخرجه أبو داود من وجه آخر عن جابر نحوه، وكذلك أخرجه الطبراني من حديث أسماء بنت يزيد يجمع بينهما بأنه كان دينارين وشطرا فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال ديناران ألغاه أو كان أصلهما ثلاثة فوفي قبل موته دينارا وبقى عليه ديناران، فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل، ومن قال ديناران فباعتبار ما بقي من الدين والأول أليق. ووقع عند ابن ماجه من طريق أبى قتادة. ثمانية عشر درهما، وهذا دون دينارين، وفي مختصر المزني من حديت أبى سعيد الخدري درهمين يجمع إن ثبت بالتعدد. ورجح الشوكاني في نيل الأوطار القول بتعدد القصة مطلقا. وقال الحافظ في الفتح أيضاً: وقد وقعت هذه القصة مرة أخرى. فروى الدارقطني من حديث عليّ "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل ويسأل عن دينه فان قيل عليه دين كف وإن قيل ليس عليه دين صلى، فأتى بجنازة، فلما قام ليكبر سأل هل عليه دين؟ فقالوا ديناران فعدل عنه فقال عليّ: هما علي يا رسول الله وهو بريء منهما فصلى عليه، ثم قال لعلى: "جزاك الله خيراً وفك الله رهانك"، الحديث. 5- لم يبين في هذا الحديث سبب السؤال عن الميت هل عليه دين وقد بين ذلك في حديث أبى هريرة رضي الله عنه عند الشيخين قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدين فيسأل هل ترك لدينه وفاء فان حدث أنه ترك لدينه وفاء صلى وإلاّ قال للمسلمين صلوا على صاحبكم فلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فتح الله عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته". 6- قال الحافظ في الفتح: قال العلماء كأن الذي فعله رسول الله- صلى الله عليه وسلم من ترك الصلاة على من عليه دين ليحرض الناس على قضاء الدين في حياتهم والتوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهل كانت صلاته على من عليه دين محرمة عليه أو جائزة؟ وجهان. قال النووي: الصواب الجزم بجوازه مع وجود الضامن كما في حديث مسلم وحكى القرطبي أنه ربما كان يمتنع من الصلاة على من استدان دينا غير جائز وأما من استدان لأمر هو جائز فما كان يمتنع وفيه نظر لأن في حديث الباب- يعنى حديث أبى هريرة- ما يدل على التعميم حيث قال: من توفي وعليه دين ولو كان الحال مختلفا لبينه، ثم أورد حديثا عن ابن عباس فيه التفصيل بين التحمل في البغي والإسراف والتحمل في الحاجة وقال وهو ضعيف وقال: قال القرطبي بعد أن أخرجه: لا بأس به في المتابعات، وقال: وليس فيه أن التفصيل المذكور كان مستمرا وإنما فيه أنه طرأ بعد ذلك وأنه السبب في قوله: من ترك دينا فعلى، وقال الشوكاني في نيل الأوطار، قال ابن بطال: هذا يعنى من ترك دينا فعلى. ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين، وقد حكى القرطبي إجماع الأمة على ذلك. 7- أبو قتادة الذي تحمل الدين في الحديث: هو الحارث ويقال عمرو ويقال النعمان بن ربعي الأنصاري السلمي بفتحتين المدني، شهد أحدا وما بعدها ولم يصح شهوده يدرآ، ومات سنة أربع وحسين وقيل سنة ثمان وثلاثين والأول أصح وأشهر، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في التقريب ورمز لكون حديثه مخرجا في الكتب الستة. 8- هم الرسول صلى الله عليه وسلم بترك الصلاة على من عليه الذين، في الحديث حصل فيه فائدتان إحداهما تعود إلى المتوفى وهي أن أبا قتادة رضي الله عنه رق له فتحمل دينه فبرئت ذمته بذلك، والثانية تعود إلى الأحياء وهي التحذير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 الدين والتحريض على قضائه قبل الموت لئلا تترك الصلاة عليهم. 9- صلاة الجنازة من حقوق المسلمين بعضهم على بعض، والمتوفى. أحوج ما يكون إلى ذلك الحق فجدير بالمسلم أن يحرص على بذل هذا الحق لإخوانه المسلمين لأنه يحب ذلك لنفسه وقد قال صلى الله عليه وسلم: ومن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلأته منيته وهو يؤمن بالته واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ولما في ذلك من الفائدة للمتوفى وللمصلى، كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صلى على الجنازة فله قيراط، ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراط يا رسول الله؟ قال: مثل جبل احد. 10- من فقه الحديث وما يستنبط منه: 1- وجوب صلاة الجنازة وهي من حق المسلم على أخيه المسلم لقوله: فصلوا على صاحبكم. 2- أن صلاة الجنازة فرض كفاية حيث أراد النبي صلى الله عليه وسلم التخلي عنها لو لم يتحمل الذين عن الميت. 3- أنه ينبغي لذوى الميت الاهتمام بشهود أهل الفضل والصلاح الصلاة على ميتهم. 4- سؤال الإمام عن أحوال الرعية. 5- مشروعية الضمان. 6- جواز تحمل الدين عن الميت. 7- براءة ذمة الميت بأداء غيره ما وجب عليه. 8- التنفير من الدين والتحذير من تعاطيه إلا مع الضرورة. 9- حث المدينين على قضاء ديونهم، وتحريضهم على المبادرة إلى التخلص من تبعتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 10- الاكتفاء في لزوم الضمان على الضامن بمجرد التزامه وإن تأخر الأداء. 11- أن الضامن ليس له الرجوع عن التزامه ما تكفل به. 12- أن تفويت الإنسان على الناس حقوقهم قد يكون سببا في تفويت حقه عليه. 13- أن درأ المفاسد العامة مقدم على جلب المصالح الخاصة. 14- أن الجزاء من جنس العمل وأنه كما يدين الإنسان يدان. 15- أنه ليس للضامن الرجوع في مال الميت إن ظهر أن له مالا. 16- بيان ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الأخلاق الفاضلة: من الرأفة والشفقة والرحمة بعضهم لبعض، فتحمل أبى قتادة رضي الله عنه الدين مثال واقعي لما وصفهم الله به في قوله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} . 17- تأخير البيان إلى وقت الحاجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الحديث الخامس قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد: باب يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة. حدثنا مطر بن الفضل حدثنا يزيد بن هارون حدثنا العوام حدثنا إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي قال: سمعت أبا بردة واصطحب هو ويزيد بن أبى كبشة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر فقال له أبو بردة: سمعت أبا موسى مرارا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 المبحث الأول: التخريج : انفرد البخاري عن مسلم بإخراج هذا الحديث فأورده في هذا الموضع من صحيحه. وقد رواه في الأدب المفرد فقال: باب يكتب للمريض ما كان يعمل وهو صحيح، حدثنا قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن القاسم بن مخيمرة عن عبد. الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يمرض إلا كتب له مثل ما كان يعمل وهو صحيح". وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز من سننه فقال: باب إذا كان الرجل يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر: حدثنا محمد بن عيسى ومسدد المعنى قالا: حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي عن أبى بردة عن أبى موسى قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول: " إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر كتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم"، ورواه أحمد في مسنده. وورد بمعناه أحاديث فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 من الناس يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله عز وجل الملائكة الذين يحفظونه فقال: اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي"، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح وأخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه فقال: على شرطهما، وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به: أكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو القيه إليّ"، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد وإسناده صحيح، وقال المنذري في الترغيب والترهيب: وإسناده حسن، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ابتلى الله عز وجل العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله عزوجل للملك: أكتب له صالح عمله الذي كان يعمله، فإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه"، قال الهيثمي: رواه أبو يعلى وأحمد، ورجاله ثقات انتهى. ورواه أيضاً البخاري في الأدب المفرد، وعن شقيق بن عبد الله قال: مرض عبد الله ابن مسعود فعدناه، فجعل يبكى فعوتب فقال: إني لا أبكى لأجل المرض لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " المرض كفارة"، وأنا أبكى أنه أصابني على فترة ولم يصبني في حال اجتهاد، لأنه يكتب للعبد من الأجر إذا مرض ما كان يكتب له قبل أن يمرض فمنعه منه المرض "، أخرجه رزين كما في جامع الأصول لابن الأثير وكما في مشكاة المصابيح، وذكر الحافظ في الفتح أن الإسماعيلي أخرج حديث أبى موسى هذا من رواية هشيم عن العوام بن حوشب وقال فيه أيضاً: ولرواية إبراهيم السكسكي عن أبى بردة متابع أخرجه الطبراني من طريق سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن جده بلفظ "إن الله يكتب للمريض أفضل ما كان يعمل في صحته مادام في وثاقه". الحديث وفي حديت عائشة عند النسائي: "ما من امرىء تكون له صلاة من الليل يغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقه". وذكر حديث أبى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 هريرة رفعه: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر، لا ينقص ذلك من أجره شيئا"، وقال: أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وإسناده قوى انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد : الأول: شيخ البخاري مطر بن الفضل: قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: مطر بن الفضل المروزي ثقة من الحادية عشرة، قال الفربري مات عندنا أي بعد الخمسين انتهى. والمراد من قول الفربري المشار إليه أنه مات في فربر بعد المائتين والخمسين، وقال في خلاصة تذهيب الكمال: مطر بن الفضل المروزي عن وكيع وغيره وعنه البخاري، قال ابن حبان: مستقيم الحديث. وقال أبو الفضل ابن طاهر المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سمع يزيد بن هارون وشبابة وروح بن عبادة روى عنه البخاري في الصلاة والجهاد وهجرة النبيء صلى الله عليه وسلم انتهى. وهو من رجال البخاري دون بقية أصحاب الكتب الستة. الثاني: يزيد بن هارون: وهو يزيد بن هارون بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة متقن عابد من التاسعة، مات سنة ست ومائتين وقد قارب التسعين، قاله الحافظ في تقريب التهذيب. وقال في الخلاصة: أحد الأعلام الحفاظ المشاهير عن سليمان التيمي وحميد الطويل والجريري وداود بن أبى هند وخلق، وعنه بقية وابن المديني وأحمد وإسحاق وعبد بن حميد وخلق، قال أحمد: كان حافظا متقنا، وقال العجلي: ثقة ثبت، وقال أبو حاتم: إمام لا يسأل عن مثله انتهى. وقد أثنى عليه أئمة آخرون غير هؤلاء، وقال في الجمع بين رجال الصحيحين: قال أحمد بن حنبل: ولد سنة ثمان عشرة ومائة، وقال ابن سعد: مات بواسط في غرة شهر ربيع الأول سنة ست ومائتين انتهى. وقد خرج حديثه الجماعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 الثالث: العوام: وهو ابن حوشب بن يزيد الشيباني أبو عيسى الواسطي ثقة ثبت فاضل من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين أي بعد المائة، قاله في تقريب التهذيب، وذكر في تهذيب التهذيب أنه روى عن أبى إسحاق السبيعي ومجاهد وسعيد بن جهمان وإبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي وغيرهم، وروى عنه سفيان بن حبيب وحفص بن عمر الرازي وهشيم ويزيد ابن هارون وغيرهم، وذكر أيضاً توثيق الإمام أحمد وابن معين وأبى زرعة والعجلي وابن سعد والحاكم له، وقد خرج حديثه الجماعة. الرابع: إبراهيم أبو إسماعيل السكسكي ت وهو إبراهيم بن عبد الرحمن ابن إسماعيل السكسكي أبو إسماعيل الكوفي مولى صخير قاله الحافظ في تهذيب التهذيب، وقال: روى عن عبد الله بن أبى أوفي وأبى بردة بن أبى موسى وأبى وائل وغيرهم، وعنه العوام بن حوشب ومسعر وأبو خالد الدالاني وغيرهم، وقال في مقدمة فتح الباري: قال أحمد: ضعيف، وقال النسائي: يكتب حديثه وليس بذلك القوى، وقال ابن عدى: لم أجد له حديثا منكر المتن وهو إلى الصدق أقرب، وقال الحاكم: قلت للدارقطني يرص ترك مسلم حديثه؟ فقال تكلم فيه يحي بن سعيد، قلت بحجة؟ قال: هو ضعيف، ثم ذكر الحافظ أن له في الصحيح حديثين أحدهما عن عبد الله بن أبى أوفي في نزول قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} ! هو أخرجه في التفسير وغيره وهذا له أصل من حديث ابن مسعود فهو شاهد له: والثاني من حديثه عن أبى بردة عن أبيه: إذا مرض العبد أو سافر، الحديث وقال في تهذيب التهذيب: وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في تقريب التهذيب: صدوق ضعيف الحفظ من الخامسة. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: كوفي صدوق، لينه شعبة والنسائي ولم يترك انتهى، وقد روى له أيضاً أبو داود والنسائي ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته.. الخامس: أبو بردة، وهو أبو بردة بن أبى موسى الأشعري، قيل اسمه عامر وقيل الحارث ثقة من الثالثة، مات سنة أربع ومائة وقيل غير ذلك وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 جاوز الثمانين، قاله الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب، وقال في تهذيب التهذيب: روى عن أبيه وعلى وحذيفة وعبد الله بن سلام وعن أناس آخرين سماهم، ثم قال: وعنه أولاده سعيد وبلال وحفيده أبو بردة يزيد بن عبد الله بن أبى بردة والشعبي وهو من أقرانه، وعاصم بن كليب وإبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي وأناس آخرون سماهم، ثم ذكر توثيق ابن سعد والعجلي وابن خراش وابن حبان له، وحديثه نحرجه الجماعة. أما يزيد بن أبى كبشة فليس من رواة الحديث كما هو معلوم وإنما أورد أبو بردة الحديث من أجل صيامه في السفر وقد قال الحافظ في فتح الباري: ويزيد بن أبى كبشة هذا شامي واسم أبيه حيوبل بفتح المهملة وسكون التحتانية وكسر الواو وبعدها تحتانية أخرى ساكنة ثم لام وهو ثقة ولى خراج السند لسليمان بن عبد الملك ومات في خلافته وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع انتهى. السادس: صحابي الحديث أبو موسى الأشعري: وهو عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بفتح المهملة وتشديد الضاد المعجمة أبو موسى الأشعري صحابي مشهور أمره عمر ثم عثمان وهو أحد الحكمين بصفين مات سنة خمسين وقيل بعدها قاله الحافظ في تقريب التهذيب، وقال الخزرجى في الخلاصة له ثلاثمائة وستون حديثا اتفقا على خمسين وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة وعشرين، وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن عدة أحاديثه عند البخاري سبعة وخمسون حديثا، وقال في تهذيب التهذيب: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبى بكر وعمر وعلى وابن عباس وأبن بن كعب وعمار بن ياسر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم وعنه أولاده إبراهيم وأبو بكر وأبو بردة وموسى وامرأته أم عبد الله وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأناس آخرون سماهم، وقال أيضاً: ومناقبه كثيرة: وقال في كتابه الإصابة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن كزبيد وعدن وأعمالهما واستعمله عمر على البصرة بعد المغيرة فافتتح الأهواز ثم أصبهان ثم استعمله عثمان على الكوفة ثم كان أحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 الحكمين بصفين ثم اعتزل الفريقين. وقال أيضاً: وكان حسن الصوت بالقرآن وفي الصحيح المرفوع: لقد أوتى مزمارا من مزامير آل داود انتهى. وحديثه في الكتب الستة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- هذا الحديث أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ الدارقطني على البخاري، وقد تقدم أن جملة الأحاديث التي انتقدها الحفاظ على الإمام البخاري مائة وعشرة أحاديث، انفرد البخاري عن مسلم بثمانية وسبعين حديثا، وشاركه مسلم في إخراج اثنين وثلاثين، ووجه الانتقاد في هذا الحديث من الدارقطني أنه قال: أيسنده غير العوام بن حوشب وخالفه مسعر فرواه عن إبراهيم السكسكي عن أبى بردة قوله ولم يذكر أبا موسى ولا النبي صلى الله عليه وسلم انتهى، وقد أجاب الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح عن هذا الانتقاد بجوابين قال فيهما: قلت مسعر أحفظ من العوام بلا شك إلا أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع، وفي السياق قصة تدل على أن العوام حفظه، فان فيه: اصطحب يزيد بن أبى كبشة وأبو بردة في سفر فكان يزيد يصوم في السفر فقال له أبو بردة: أفطر فإني سمعت أبا موسى مراراً يقول فذكره، وقد قال أحمد بن حنبل إذا كان في الحديث قصة دل على أن راويه حفظه والله أعلم انتهي كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله. وهناك جوابان آخران أحدهما: أنه ورد مسنداً من غير طريق العوام بن حوشب عند البخاري في الأدب المفرد، وقد تقدم سندا ومتنا في التخريج، الثاني: أن الحكم في تعارض الرفع والوقف والوصل والإرسال لمن أرسله أو وقفه إذا كان أحفظ إنما هو قول لبعض العلماء وقد رجح كثير من العلماء أن الحكم لمن وصله أو رفعه قال النووي في التقريب: والصحيح أن الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر لأن ذلك زيادة ثقة وهى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 مقبولة، وقال السيوطي في التدريب: إنه الصحيح عند أهل الحديث والفقه والأصول، وقال أبو عمرو بن الصلاح في علوم الحديث في معرض تعداد الأقوال في المسألة: ومنهم من قال الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا فيقبل خبره وإن خالفه غيره سواء كان المخالف له واحدا أو جماعة، قال الخطيب: هذا القول هو الصحيح، ثم قال ابن الصلاح. قلت: وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله وسئل البخاري عن حديث: "لا نكاح إلا بولي" فحكم لمن وصله وقال: الزيادة من الثقة مقبولة، فقال البخاري هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان وهما جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية، ويلتحق بهذا ما إذا كان الذي وصله هو الذي أرسله وصله في وقت وأرسله في وقت، وهكذا إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووقفه بعضهم على الصحابي، أو رفعه واحد في وقت ووقفه هو أيضاً في وقت آخر، فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع، لأنه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافيا فالمثبت مقدم عليه لأنه علم ما خفي عليه انتهى. وقال العراقي في ألفيته: واحكم لوصل ثقة في الأظهر وبهذه الأجوبة تتضح سلامة هذا الحديث من الانتقاد الذي وجهه الدارقطني إليه. 2- رجال الإسناد الستة خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ البخاري مطر بن الفضل فقد انفرد البخاري بإخراج حديثه وإلاّ إبراهيم السكسكي فلم يرو له مع البخاري سوى أبى داود والنسائي، وقد أخرج له البخاري حديثين كما ذكره الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري. 3- العوام في الإسناد غير منسوب وهو ابن حوشب ولا لبس في عدم نسبته لأنه ليس في رجال البخاري من اسمه العوام غيره بل جملة من اسمه العوام عند أصحاب الكتب الستة ثلاثة هذا أحدهم وقد اتفقوا على إخراج حديثه، والثاني العوام بن حمزة المازني البصري، وهو من رجال الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 وحده، والثالث العوام بن عباد الواسطي وهو من رجال ابن ماجه وحده. 4- هذا الحديث رواه أبو بردة بن أبى موسى الأشعري عن أبيه. أبى موسى رضي الله عنه فهو من رواية الأبناء عن الآباء. 5- في سند هذا الحديث واسطيان وهما يزيد بن هارون وشيخه العوام ابن حوشب. 6- يزيد بن أبى كبشة الذي أورد أبو بردة الحديث من أجل صيامه معه في السفر ليس له ذكر في صحيح البخاري إلا في هذا الموضع كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- هذا الحديث أورده البخاري في كتاب الجهاد لأن الجهاد لابد فيه من السفر غالبا. 2- معنى الحديث: إذا مرض العبد المسلم وكان يعمل عملا صالحاً قبل مرضه ومنعه منه المرض ونيته لولا المانع إدامته، أو سافر سفرا مباحاً ومنعه السفر مما قطعه على نفسه من الطاعة ونيته المداومة عليه كتب له من الأجر قدر ثواب عمله في حال إقامته وفي حال صحته. 3- في الحديث شاهد لما يعرف في علم البلاغة باللف والنشر المقلوب لأنه ذكر المرض والسفر أولا ثم ذكر الإقامة والصحة ثانيا، فالإقامة في مقابل السفر والصحة في مقابل المرض ومن أمثلته في الكتاب العزيز قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ومن أمثلة اللف والنشر المرتب في الكتاب العزيز قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} وومن أمثلته في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 "أحلت لنا ميتان ودمان، فأما الميتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال". 4- في الحديث شاهد لنوعي الفعل المسند إلى الفاعل، قال ابن هشام معرفا الفاعل في شذور الذهب: هو ما قدم الفعل أو شبهه عليه وأسند إليه على جهة قيامه به أو وقوعه منه انتهي فان الفعل "سافر" يسند إلى العبد لكون السفر وقع منه والفعل "مرض " يسند إلى العبد لكون المرض قام به. 5- من فقه الحديث وما يستنبط منه: 1- ما كان عليه سلف هذه الأمة من إتباع السنة وإرشاد الناس إليها. 2- المذاكرة في العلم والعناية بالأدلة. 3- إثبات كتابة أعمال العباد. 4- أن العبد المسلم إذا كان يعمل عملا في حال صحته فمنعه المرض كتب له مثل عمله في حال الصحة. 5- أن المسافر يكتب له مثل ما كان يعمل في حال الإقامة كذلك. 6- تفضل الله على عباده وإنعامه عليهم بإثابتهم على ما فعلوه من الخير وما لم يتمكنوا من فعله. 7- بيان ضعف المخلوق وأنه لا يخرج عن كونه عبداً لله فلا يجوز أن يصرف له ما لا يستحقه. 8- أن من مظاهر ضعف العبد طروء المرض عليه. 9- حاجة الإنسان إلى السفر، وأفضله السفر في الجهاد ومن أجل ذلك أورد البخاري هذا الحديث في كتاب الجهاد. 10- الرد على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والإثم خاصة من غير أن تكون محصلة للفضيلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 11- الترغيب في المداومة على الطاعة في الصحة والإقامة ليخطي العبد في ثواب فيهما وفي حال المرض والسفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 الحديث السادس قال البخاري رحمه الله في كتاب فضائل الصحابة رضوان الله عليهم: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي " صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنت مع من أحببت". قال أنس: فما فرحنا بشيء فزحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت"، قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن أأعمل بمثل أعمالهم ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 المبحث الأول: التخريج : هذا الحديث أورده البخاري في أربعة مواضع من صحيحه هذا أحدها في باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والثاني في كتاب الأدب: باب ما جاء في قول الرجل: ويلك ولفظه: حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن أنس أن رجلا من أهل البادية أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة قائمة؟ فقال؟ "ويلك وما أعددت لها؟ " قال: ما أعددت لها إلا إني أحب الله ورسوله، فقال: "إنك مع من أحببت". فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم، ففرحنا يومئذ فرحا شديداً فمر غلام للمغيرة- وكان من أقراني- فقال: إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة، واختصره شعبة عن قتادة: سمعت أنساً عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثالث في كتاب الأدب: باب علامة الحب في الله ولفظه: حدثنا عبدان أخبرنا أبى عن شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبى الجعد عن أنسى بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 مالك أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله؟ فقال: "ما أعددت لها؟ " قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله، فقال: "أنت مع من أحببت". والرابع في كتاب الأحكام: باب القضاء والفتيا في الطريق ولفظه: حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا جرير عن منصور عن سالم بن أبى الجعد حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال بينما أنا والنبي صلى الله عليه وسلم خارجان من المسجد فلقينا رجل عن سدة المسجد فقال يا رسول الله متى الساعة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أعددت لها؟ " فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صيام ولا صلاة ولا صدقة وإني أحب الله ورسوله. قال: "أنت مع من أحببت". وأخرج الحديث مسلم في كتاب البر والصلة من صحيحه عن عبد الله ابن مسلمة القعنبي وعن أبى بكر بن أبى شيبة وعمرو والناقد وزهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير وابن أبى عمرو عن محمد بن رافع وعبد بن حميد وعن أبى الربيع العتكي وعن محمد بن عبيد الغبري وعن عثمان بن أبى شيبة واسحاق بن إبراهيم وعن محمد بن يحي بن عبد العزيز اليشكري وعن قتيبة وابن المثنى وابن بشار وأبى غسان المسمعي. وأخرجه الترمذي في الزهد من جامعه عن ابن حجر. وأخرج طرفا منه وهو قوله أنت مع من أحببت بلفظ "المرء مع من أحب " البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم من طرق متعددة بل قد حكى بعض العلماء تواتر ذلك، قال ابن كثير في تفسير سورة الشورى: وقد روى من طرق تبلغ درجة التواتر في الصحاح والحسان والسنن والمسانيد وفي بعض الفاظه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم بصوت جهوري وهو في بعض أسفاره فناداه فقال يا محمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته: هاؤم، فقال له: متى الساعة؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ويحك، إنها كائنة فما أعددت لها؟ " فقال: حب الله ورسوله، فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت"، فقوله في الحديث "المرء مع من أحب " هذا متواتر لا محالة، والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة بل أمره بالاستعداد لها 1هـ. وقال الحافظ في الفتح عند الكلام على حديث "المرء مع من أحب ": وقد جمع أبو نعيم طرق هذا الحديث في جزء سماه "كتاب المحبين مع المحبوبين " وبلغ الصحابة فيه نحو العشرين، وفي رواية أكثرهم بهذا اللفظ وفي بعضها بلفظ أنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 المبحث الثاني، التعريف برجال الإسناد: الأول: شيخ البخاري سليمان بن حرب قال الحافظ في تهذيب التهذيب: سليمان بن حرب بن بجيل الأزدي الواشحي أبو أيوب المصري وواشح من الأزد سكن مكة وكان قاضيها، وقال الخزرجى في الخلاصة: أحد الأعلام الحفاظ عن شعبة والحمادين وجرير بن حازم وطبقتهم، وعنه البخاري وأبوداود وعمرو بن على وأحمد وابن راهوية، ومن القدماء يحي القطان ومحمد ابن جعفر وخلق انتهى. وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب توثيقه عن أبى حاتم ويحي بن أكثم ويعقوب بن شيبة والنسائي وابن خراش وابن حبان وابن قانع وابن عدى وابن سعد وقال عنه في تقريب التهذيب: ثقة إمام حافظ من التاسعة، مات سنة أربع وعشرين أي بعد المائتين وله ثمانون سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة. الثاني: حماد بن زيد، قال الحافظ في تهذيب التهذيب: حماد بن زيد ابن درهم الأزدي الجهضمي أبو إسماعيل البصري الأزرق مولى آل جرير بن حازم، وقال في تقريب التهذيب: ثقة ثبت فقيه قيل إنه كان ضريرا ولعله طرأ عليه لأنه صح أنه كان يكتب، من كبار الثامنة مات سنة تسع وسبعين أي بعد المائة وله إحدى وثمانون سنة، ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقد روى عن ثابت البناني وأنس بن سيرين وعبد العزيز بن صهيب وعاصم الأحول وغيرهم ذكرهم في تهذيب التهذيب وذكر كثيرا ممن رووا عنه ومنهم ابن المبارك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 وابن مهدى وابن وهب والقطان وابن عيينة وهو من أقرانه، والثوري وهو أكبر منه وعارم ومسدد وسليمان بن حرب ثم ذكر كثيراً من ثناء الأئمة عليه ومن ذلك قول عبد الرحمن بن مهدى: أئمة الناس في زمانهم أربعة: سفيان الثوري بالكوفة ومالك بالحجاز والأوزاعي بالشام وجماد بن زيد بالبصرة، وقال وكيع وقيل له أيهما أحفظ؟ أي الحمادين حماد بن زيد وحماد بن سلمة، فقال: حماد بن زيد ما كنا نشبهه إلا بمسعر، وقال يحي بن يحي النيسابوري: ما رأيت أحفظ منه انتهى. وكانت وفاته في السنة التي مات فيها الإمام مالك بن أنس رحمه الله. وهو أحد الحمادين فيما إذا قيل في ترجمة من فوقهما في الطبقة روى عنه الحمادان وفي ترجمة من دونهما روى عن الحمادين والثاني منهما حماد بن سلمة ابن دينار. الثالث: ثابت وهو ثابت بن أسلم البناني بضم الموحدة وبنونين مولاهم أبو محمد البصري أحد الأعلام، عن ابن عمر وعبد الله بن مغفل وأنس وخلق من التابعين، وعنه شعبة والحمادان ومعمر قاله الخزرجى في الخلاصة، وقال الحافظ في تقريب التهذيب: ثقة عابد من الرابعة مات سنة بضع وعشرين أي بعد المائة وله ست وثمانون سنة، وذكر في تهذيب التهذيب توثيقه عن العجلي والنسائي وابن سعد، وقال أبو الفضل ابن طاهر في الجمع بين رجال الصحيحين: ويقال بنانة الذين منهم ثابت هم بنو سعد بن لؤي بن غالب وقد خرج حديثه الجماعة. الرابع: صحابي الحديث أنس، وهو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين صحابي مشهور مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة قاله الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب، وقال في تهذيب التهذيب أبو حمزة المدني خادم رسول الله عامله نزيل البصرة. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سمع النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن أبى بكر الصديق ومعاذ وأبى ذر وعدة من الصحابة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 رضي الله عنهم عند هما أي في الصحيحين، وروى عنه الزهري ويحي بن سعيد والحسن وقتادة وثابت وحميد وغير واحد من التابعين عند هما: وقال: وكان آخر من مات بالبصرة من الصحابة رضي الله عنهم، وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: ومناقب أنس وفضائله كثيرة جدا وقال خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد المكثرين من الرواية عنه وذكر في مقدمة الفتح: أن له عند البخاري مائتين وثمانية وستين حديثا، وقال الخزرجى في الخلاصة له ألف ومائتا حديث وستة وثمانون حديثا اتفقا- أي البخاري ومسلم- على مائة وثمانية وستين وانفرد البخاري بثلاثة وثمانين ومسلم بأحد وسبعين انتهى. وحديثه في الكتب الستة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الأربعة بصريون فهو مسلسل بالرواة البصريين وهو من رباعيات البخاري. 2- رجال الإسناد الأربعة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم. 3- ومن اللطائف في ذلك أن كلا من رواته يلي من روى عنه في مقدار العمر فأنس رضي الله عنه عمره جاوز المائة والراوي عنه ثابت البناني وعمره ست وثمانون سنة، وعنه حماد بن زيد وعمره إحدى وثمانون سنة وعنه سليمان بن حرب وعمره ثمانون سنة وعنه الإمام البخاري وعمره اثنتان وستون سنة. ومن جهة أخرى أن كل واحد من رواته قد بدىء اسمه بحرف متقدم في الترتيب على الذي يليه من الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه حتى الإمام البخاري محمد بن إسماعيل رحمه الله الهمزة ثم الثاء ثم الحاء ثم السين ثم الميم فالباحث عن تراجمهم في كتب الرجال يجدهم في الكتب حسب ترتيبهم في هذا الإسناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 4- قال الخزرجى في الخلاصة في ترجمة ثابت البناني: روى عنه الحمادان وقال في ترجمة سليمان بن حرب روى عن الحمادين، والمراد بهما حماد بن زيد وحماد بن سلمة وطبقتهما واحدة وهما بصريان، ولم يخرج البخاري لحماد بن سلمة في صحيحه في الأصول بل في التعليق. 5- ثابت هو ابن أسلم البناني، وقد روى عن أنس غيره من التابعين ممن يشاركه في الاسم إلا أنه مشهور في الرواية عنه وقد لازمه سنوات عديدة تبلغ أربعين سنة كما في تهذيب التهذيب. 6- أنس هو ابن مالك الأنصاري رضي الله عنه ولا لبس في عدم نسبته لأنه ليس في رجال البخاري من الصحابة ممن يسمى أنساً سواه وقد نسب في الإسناد في بعض الطرق عند البخاري كما تقدم في التخريج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- قوله: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، وفي بعض روايات حديث أنس عند البخاري أن رجلا من أهل البادية، وهذا الرجل نص الحافظ في الفتح أنه ذو الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد وقال إن حديثه بذلك مخرج عند الدارقطني انتهى. والحديث عند الدارقطنى: عن عبد الله وهو ابن مسعود قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ كبير فقال يا محمد متى الساعة فقال: "وما أعددت لها "قال: لا والذي بعثك بالحق نبيا ما أعددت لها من كبير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله قال: "فإنك مع من أحببت". قال: فذهب الشيخ فأخذ يبول في المسجد الخ. 2- قوله: وماذا أعددت لها، أي ما العمل الصالح الذي أعددته لتلقى جزاءه إذا قامت الساعة. قال الحافظ: قال الكرماني: سلك مع السائل أسلوب الحكيم وهو تلقى السائل بغير ما يطلب مما يهمه أو هو أهم. 3- قوله: أنت مع من أحببت، قال الحافظ في الفتح: أي ملحقبهم حتى تكون من زمرتهم وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة فكيف تصح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 المعية؟ فيقال: إن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما ولا تلزم في جميع الأشياء، فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعية وإن تفاوتت الدرجات. 4- قول أنس رضي الله عنه: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي وعتق أنت مع من أحببت، وفي صحيح مسلم قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي! فإنك مع من أحببت. 5- قوله: فأنا أحب النبي مجرم وأبا بكر وعمر، جمع أنس رضي الله عنه بين النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه في المحبة، ومحبتهما رضي الله عنهما من محبة الرسول يا لأن المحبة الصادقة تقتضى موافقة المحبوب في محبة ما يحبه وبغض ما يبغضه، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما حبيباه وصاحباه رضي الله عنهما، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وقد جمع الله بين النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما في الدنيا وفي التربة في البرزخ وهما معه في الجنة، وهما أفضل من ولدته النساء بعد الأنبياء والمرسلين، وأفضلهما الصديق رضي الله عنه وبعد عمر في الفضل عثمان رضي الله عنه، ثم على رضي الله عنه وعن سائر الصحابة أجمعين. 6- من فقه الحديث وما يستنبط منه: 1- الرجوع إلى العلماء وسؤالهم عن أمور الدين. 2- رفق العالم بالسائل وتوجيه عنايته إلى ما يعود عليه بالفوائد العظيمة. 3- كمال نصح الرسول هشيم وشفقته على أمته وإرشادهم إلى ما فيه فوزهم وسعادتهم. 4- أن من حسن إسلام المرء اشتغاله بما يعنيه وتركه ما لا يعنيه. 5- أن الاستعداد للدار الآخرة والعمل لما بعد الموت هو الشيء المهم الذي يجب أن تصرف إليه الهمم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 6- احتقار الإنسان لعمله وعدم اغتراره به وتيقنه أنه دائما محل التقصير. 7- عظم شأن محبة الله ورسوله، وفي الحديث الصحيح: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، الحديث. 8- حسن تصرف السائل وتسديده في الإجابة لما أعيد عليه السؤال. 9- توجيه عناية المسلم إلى محبة الحق وأهله ليحظى بالسعادة، لأن المرء مع من أحب. 10- عظم قدر الصحابة رضوان الله عليهم وحرصهم على الخير وبعدهم عن الشر وذلك في شدة فرحهم رضوان الله عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت. 11- أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للواحد خطاب للجميع ما لم يدل دليل على التخصيص. 12- فضل أبى بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما، ومن أجل ذلك أورد البخاري هذا الحديث في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 13- تعظيم الصحابة رضي الله عنهم لأبى بكر وعمر رضي الله عنهما ومحبتهم لهما ومعرفتهم قدرهما رضي الله عن الجميع. 14- في قول أنس رضي الله عنه: وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، دلالة على توسل الإنسان إلى الله بعمله الصالح، وقد دل على ذلك أيضاً حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الحديث السابع قال الإمام البخاري في كتاب التفسير من صحيحه: حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا حبان حدثنا همام حدثنا ثابت حدثنا أنس قال: حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرأيت آثار المشركين قلت: يا رسول الله، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا قال: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 المبحث الأول، التخريج: أورد البخاري رحمه الله هذا الحديث في ثلاثة مواضع من صحيحه هذا أحدها في باب قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} , والثاني في باب مناقب المهاجرين وفضلهم في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: حدثنا محمد بن سنان حدثنا همام عن ثابت عن أنس عن أبى بكر رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم في الغار لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا فقال: "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"، والثالث في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة ولفظه: حدثنا موسى ابن إسماعيل حدثنا همام عن ثابت عن أنس عن أبى بكر رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار فرفعت رأسي، فإذا أنا بأقدام القوم فقلت يا نبي الله لو أن أحدهم طأطأ بصره رآنا قال: اسكت يا أبا بكر، اثنان الله ثالثهما. وأخرج الحديث مسلم في صحيحه وهو أول حديث عنده في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم فقال: حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قال عبد الله: أخبرنا، وقال الأخران: حدثنا حبان بن هلال حدثنا همام حدثنا ثابت حدثنا أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه فقال: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما". وأخرجه الإمام أحمد في مسنده فقال: حدثنا عفان قال حدثنا همام قال أخبرنا ثابت عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار وقال مرة ونحن في الغار لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه قال: فقال "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما". ورواه الترمذي في التفسير من جامعه عن زياد بن أيوب البغدادي عن عفان بمثل سنده ومتنه في مسند الإمام أحمد. وقال هذا حديث حسن صحيح غريب إنما يعرف من حديث همام تفرد به وقد روى هذا الحديث حبان بن هلال وغير واحد عن همام نحو هذا. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: تنبيه: اشتهر أن حديث الباب تفرد به همام عن ثابت وممن صرح بذلك الترمذي والبزار وقد أخرجه ابن شاهين في الأفراد من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت بمتابعة همام وقد قدمت له شاهدا من حديث حبشي بن جنادة- يشير بذلك إلى ما أخرجه ابن عساكر عنه- ووجدت له آخر عن ابن عباس أخرجه الحاكم في الإكليل انتهى. وقال الشوكاني في تفسيره: وأخرج ابن شاهين وابن مردويه وابن عساكر عن حبشي بن جنادة قال: "قال أبو بكر يا رسول الله لو أن أحداً من المشركين رفع قدمه لأبصرنا فقال: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 المبحث الثاني، التعريف برجال الإسناد: الأول: شيخ البخاري عبد الله بن محمد، قال المقدسي في الجمع بين رحال الصحيحين؟ عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان أبو جعفر الجعفي البخاري المعروف بالمسندي وإنما عرف به لأنه كان وقت الطلب يتبع الأحاديث المسندة ولا يرغب في المقاطيع والمراسيل، سمع سفيان بن عيينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 ويحي بن آدم وحرمي بن عمارة وأناسا آخرين سماهم وقال: وروى عنه البخاري في مواضع. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان متقنا، وقال أحمد بن سيار: من المعروفين بالعدالة والصدق صاحب سنة عرف بالإتقان والضبط وقد رأيته بواسط حسن القامة أبيض الرأس واللحية ورجع إلى بخارى ومات بها، وقال: قال الحاكم: سمي المسندي لأنه أول من جمع مسند الصحابة بما وراء النهر وإمام الحديث في عصره هناك بلا مدافعة، وقال الخليلي: "ثقة متفق عليه"، وقال في تقريب التهذيب؟ أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي بفتح النون ثقة حافظ جمع المسند من العاشرة مات سنة تسع وعشرين أي بعد المائتين ورمز لكونه من رجال البخاري والترمذي. الثاني: حبان بفتح الحاء قال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: حبان بن هلال الباهلي ويقال الكناني البصري يكنى أبا حبيب سمع همام بن يحي عند هما أي في الصحيحين، ثم ذكر جماعة سمع منهم عند البخاري وجماعة سمع منهم عند مسلم ثم قال روى عنه أحمد والدارمى عند هما وعبد الله المسندي ويحي بن محمد بن السكن وعلى بن مسلم عند البخاري، أو قال الحافظ في تهذيب التهذيب: وقال أحمد بن حنبل: إليه المنتهي في التثبت بالبصرة، ونقل توثيقه عن ابن معين والترمذي والنسائي وابن سعد والعجلي والبزار والخطيب، وقال في تقريب التهذيب: ثقة ثبت من التاسعة، مات سنة ست عشرة ومائتين ورمز لكونه من رجال الجماعة. الثالث: همام قال الحافظ في تهذيب التهذيب: همام بن يحمى بن دينار الأزدي العوذي المحلمي مولاهم أبو عبد الله ويقال أبو بكر البصري، روى عن عطاء بن أبى رباح واسحاق بن أبى طلحة وزيد بن أسلم وثابت البناني وجماعة آخرين سماهم، ثم قال: وعنه الثوري وهو من أقرانه وابن المبارك وابن علية ووكيع وابن مهدى وحبان بن هلال ويزيد بن هارون وأناس آخرون سماهم، ونقل توثيقه عن أحمد وابن معين وأبى حاتم والعجلي والحاكم وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الحافظ في تقريب التهذيب: ثقة ربما وهم من السابعة، مات سنة أربع أو خس وستين أي بعد المائة، ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال في مقدمة الفتح: همام بن يحي البصري أحد الأثبات. وقال أيضاً: تكلم في بعض حديثه من حفظه، وقال الذهبي في الميزان: أحد علماء البصرة وثقاتها. الرابع والخامس: ثابت البناني وأنس بن مالك رضي الله عنه وق تقدم التعريف بهما في رجال إسناد الحديث السادس. السادس: أبو بكر رضي الله عنه وهو أبو بكر الصديق بن أبى قحافة اسمه عبد الله واسم أبيه عثمان قال الحافظ في تقريب التهذيب: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمى أبو بكر بن أبى قحافة الصديق الأكبر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم مات في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة ورمز لكون حديثه في الكتب الستة، وقال الخزرجى في الخلاصة: روى مائة واثنين وأربعين حديثاً اتفقا- أي البخاري ومسلم- على ستة وانفرد البخاري بأحد عشر ومسلم بحديث وعنه ولداه عبد الرحمن وعائشة وعمر وعلى وخلق. وذكر الحافظ في مقدمة الفتح أن له عند البخاري اثنين وعشرين حديثا. وقال الحافظ في الإصابة: ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر وصحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وسبق إلى الإيمان به واستمر معه طول إقامته بمكة ورافقه في الهجرة وفي الغار وفي المشاهد كلها إلى أن مات وكانت الراية معه يوم تبوك وحج في الناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع واستقر خليفة في الأرض بعده، ولقبه المسلمون خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أسلم أبوه، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر جماعة ممن رووا عنه من الصحابة وكبار التابعين وقال: قال سعيد بن منصور: حدثني صالح بن موسى حدثنا معاوبة بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: اسم أبى بكر الذي سماه به أهله عبد الله ولكن غلب عليه اسم عتيق، وقال الحافظ أيضاً: وقال ابن إسحاق في السيرة الكبرى: كان أبو بكر رجلا مؤلفا لقومه محببا سهلا وكان أنسب قريش لقريش وأعلمهم بما كان منها من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 خير وشر وكان تاجراً ذا خلق ومعروف، وكانوا يألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به، فأسلم على يديه عثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف وذكر شيئا من محاسنه وبذله المال في سبيل الله وإعتاق العبيد، ثم قال: وأخرج الدارقطني في الأفراد من طريق أبى اسحاق عن أبى يحي قال؟ لا أحصى كم سمعت عليا يقول على المنبر: إن الله عزوجل سمي أبا بكر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم صديقاً، ومناقب أبى بكر رضي الله عنه كثيرة جدا وقد أفرده جماعة بالتصنيف، وترجمته في تاريخ ابن عساكر قدر مجلدة، ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} فان المراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاع، وقال: وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر وهما في الغار: "ما ظنك باثنين، الله ثالثهما". والأحاديث في كونه معه في الغار كثيرة شهيرة ولم يشركه في هذه المنقبة غيره. وقال: وقد أطنب أبو القاسم ابن عساكر في ترجمة الصديق حتى أن ترجمته في تاريخه على كبره تجيء قدر ثمن عشره وهو مجلد من ثمانين مجلدا، وقال في فتح الباري في أوائل كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكر أنه كان يسمى عتيقا: واختلف هل هو اسم له أصلى أو قيل له ذلك لأنه ليس في نسبه ما يعاب به، أو لقدمه في الخير وسبقه إلى الإسلام، أو قيل له ذلك لحسنه أو لأن أمه كان لا يعيش لها ولد فلما ولد استقبلت البيت وقالت: "اللهم هذا عتيقك من الموت، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بأن الله أعتقه من النار"، وقد ورد في هذا الأخير حديث عن عائشة عند الترمذي. وآخر عن عبد الله بن الزبير عند البزار وصححه ابن حبان وزاد فيه: وكان اسمه قبل ذلك عبد الله ابن عثمان وعثمان اسم أبى قحافة لم يختلف في ذلك كما لم يختلف في كنية الصديق، ولقب الصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الإسراء، وروى الطبراني من حديث على أنه كان يحلف بأن الله أنزل اسم أبى بكر من السماء الصديق رجاله ثقات. وأما نسبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كدب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة ابن كعب وعدد أبائهما إلى مرة سواء وأم أبى بكر سلمى وتكنى أم الخير بنت صخر بن عامر بن عمرو المذكور أسلمت وهاجرت وذلك معدود من مناقبه لأنه انتظم إسلام أبويه وجميع أولاده.. وقال ابن كثير في البداية والنهاية: وقد ذكرنا ترجمة الصديق رضي الله عنه وسيرته وأيامه وما روى من الأحاديث وما روى عند من الأحكام في مجلد ولله الحمد والمنة.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث: 1- رجال الإسناد الستة خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة ماعدا شيخ البخاري فانه لم يرو عنه مع البخاري سوى الترمذي. 2- الإسناد مسلسل بصيغة من صيغ الأداء وهي صيغة التحديث، وقد قال الحافظ ابن حجر في نخبة الفكر: وان اتفق الرواة في صيغ الأداء أو غيرها من الحالات فهو المسلسل. 3- أربعة من رجال الإسناد بصريون على نسق وهم حبان وهمام وثابت وأنس. 4- في الإسناد صحابيان فالحديث من رواية صحابي عن صحابي. 5- عبد الله بن محمد شيخ البخاري وقد أكثر من الرواية عنه، وجده اليمان الجعفي البخاري هو الذي أسلم على يديه جد الإمام البخاري المغيرة ابن بردزبة ونسب إلى الجعفيين لذلك، فجد البخاري المغيرة استفاد من جد عبد الله بن محمد الدلالة على الدخول في الإسلام، والبخاري استفاد من عبد الله بن محمد شيخه معرفة الأحاديث الصحيحة المسندة إلى خير الأنام عليه الصلاة والسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 6- عبد الله بن محمد شيخ البخاري يقال له المسندي بفتح النون وفي أصل هذه النسبة لطيفة من اللطائف وهي أنه كان وقت الطلب معنيا بالأحاديث المسندة دون المرسلة والمنقطعة فقيل له المسندي لذلك. 7- قال الحافظ ابن حجر: عبد الله بن محمد هو الجعفي وفي شيوخه عبد الله بن محمد جماعة منهم أبو بكر بن أبى شيبة ولكن حيث يطلق ذلك فالمراد به الجعفي لاختصاصه به وإكثاره عنه انتهى. وهذا النوع يسمى في علم المصطلح المهمل وهذه الطريقة التي ذكرها الحافظ رحمه الله مما يتبين به المرا د. 8- حبان بفتح الحاء وهو ابن هلال وقد نسب في الإسناد عند مسلم ولا لبس في عدم نسبته إذ ليس في رجال البخاري حبان بفتح الحاء غيره ولا يلتبس بحبان بكسر الحاء أيضا وهو ابن موسى لأنه لم يدرك هماما كما أشار إلى هذا الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح. 9- همام هو ابن يحي، ولا لبس في عدم نسبته لأن ما في رجال البخاري ممن يسمى هماما سواه اثنان همام بن الحارث وهمام بن منبه وليسا في طبقته. 10- ثابت هو ابن أسلم البناني، وقد روى عن أنس غيره من التابعين ممن يسمى ثابتا إلا أن البناني أخص به إذ هما معا بصريان وقد صحبه أربعين سنة كما في تهذيب التهذيب. 11- أنس: هو ابن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لبس في عدم نسبته لأنه ليس في رجال البخاري من الصحابة ممن يسمى أنسا سواه وقد نسب في الإسناد عند مسلم كما تقدم في التخريج. 12- روى البخاري هذا الحديث ئ التفسير نازلا إذ بينه وبين همام واسطتان المسندي وحبان أما الموضعان الآخران المذكوران في التخريج فالإسناد فيهما عال إذ ليس بينه وبين همام فيهما إلا واسطة واحدة، ولعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الغرض من ذلك الإشارة إلى تعدد الطرق إلى همام، وأمر آخر وهو أن الثلاثة الذين رووا الحديث عن همام وهم حبان بن هلال ومحمد بن سنان وموسى بن إسماعيل بصريون، وحبان أشدهم تثبتا، قال فيه الإمام أحمد كما في تهذيب التهذيب: إليه المنتهي في التثبت بالبصرة انتهى. وقد روى الحديث عنه عبد الله بن محمد المسندي شيخ البخاري وقد قال عنه الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح: وهو من نبلاء مشايخه وإن كان قد لقي من هو أعلى إسنادا منه. 13- صحابي الحديث هو أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين. وقد اشتهر بكنيته كما اشتهر أبوه بالكنية فهو يعرف بأبي بكر بن أبى قحافه واسمه عبد الله واسم أبيه عثمان. وقد أسلم أبواه وأولاده رضي الله عنهم وعن سائر الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 المبحث الرابع، شرح الحديث: 1- قول أبى بكر رضي الله عنه "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار" هو غار في جبل ثور، وذلك حين هاجرا من مكة إلى المدينة وقد نوه الله بذلك في كتابه العزيز فقال: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وقد ورد ذكر ذلك في عدة أحاديث غير هذا الحديث منها حديث عائشة رضي الله عنها أخرجه البخاري في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وفيه قالت: فلحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا فيه ثلاث ليال، ومنها حديث أبى سعيد في قصة بعث أبى بكر إلى الحج، أخرجه ابن حبان وفيه: "أنت أخي وصاحبي في الغار". ومنها حديث ابن عباس في قصته مع ابن الزبير أخرجه البخاري في التفسير وفيه قول ابن عباس يعنى ابن الزبير: وأما جده فصاحب الغار، يريد أبا بكر رضي الله عنه ح ومنها حديث ابن عباس أيضاً أخرجه أحمد والحاكم من طريق عمرو بن ميمون عنه قال: كان المشركون يرمون عليا وهم يظنون أنه النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر فقال: يا رسول الله فقال له على: إنه انطلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 نحو بئر ميمون فأدركه قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار وروى عبد الله ابن أحمد في زيادات المسند عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار. الحديث ورجاله ثقات كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وقد ذكر جميع هذه الأحاديث فيه. وقال في ترجمته في الإصابة: والأحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة ولم يشركه في هذه المنقبة غيره. 2- قوله: فرأيت آثار المشركين، قلت: يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا، قال الحافظ. في الفتح: فيه مجيء "لو" الشرطية للاستقبال خلافا للأكثر واستدل من جوزه بمجيء الفعل المضارع بعدها كقوله: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} وعلى هذا فيكون قاله حالة وقوفهم على الغار وعلى القول الأكثر يكون قاله بعد مضيهم شكراً لله تعالى على صيانتهما منهم. 3- قوله: "ما ظنك باثنين، الله ثالثهما". قال الحافظ في الفتح: ومعنى ثالثهما ناصر هما ومعينهما وإلاّ فالله ثالث كل اثنين بعلمه، وقال النووي في شرح صحيح مسلم: معناه ثالثهما بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد، وهو داخل في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} . 4- من فقه الحديث وما يستنبط منه: 1- في الحديث منقبة عظيمة لأبى بكر الصديق رضي الله عنه، قال النووي: وهي من أجل مناقبه، والفضيلة من أوجه: منها هذا اللفظ- يعنى ما ظنك باثنين الله ثالثهما- ومنها بذله نفسه ومفارقة أهله في طاعة الله تعالى ورسوله وملازمته النبي لصلى الله عليه وسلم ومعاداة الناس فيه، وصنها جعله نفسه وقاية عنه، وغير ذلك. 2- بيان عظيم توكل النبي صلى الله عليه وسلم على ربه تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 3- بيان مدى شدة عداوة المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإيذائهم له وحرصهم على قتله 4- الأخذ بأسباب السلامة والاحتياط في ذلك، حيث كمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار. 5- اتخاذ الرفيق في السفر واختياره من ذوى الفضل والصلاح. 6- عناية الصاحب بصاحبه وطمأنته إياه وإدخاله السرور عليه. 7- تسلية المقتفين لآثار المصطفي صلى الله عليه وسلم، وحثهم على الصبر على ما يلاقونه في سبيل نشر الدعوة تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم. 8- أن الداعي إلى الحق عرضة للأذى، وأن طريق الحق ليس مفروشا بالورد، بل الأمر كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات. 9- أن العاقبة لمن اتقى الله وأن الله ناصر من نصر دينه وأن الله مع أوليائه بالنصر والتأييد. 10- تأدب أبى بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عبر "بمع " الدالة على التبعية في قوله رضي الله عنه: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار. 11- تحدث الإنسان عما يجرى له ولأصحابه في السفر وغيره وذلك فيما إذا لم يكن هناك ما يستدعى الكتمان. 12- في الحديث إثبات المعية لله تعالى، وهي على نوعين: معية عامة شاملة لجميع المخلوقات وهي المعية بالعلم، وقد دل على ذلك أدلة كثيرة منها قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} النوع الثاني معية خاصة وهي معية الله لرسله وأوليائه بالنصر والتأييد وأدلة هذا النوع كثيرة منها قوله تعالى فيما حكاه عن نبيه صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} وقوله تعالى: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} وقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "ما ظنك باثنين الله ثالثهما ". وهذه النصوص لا تنافي النصوص الكثيرة الدالة على علوه وفوقيته فهو مع المخلوقات بعلمه ومع أوليائه بنصره وتأييده، وهو مستو على عرشه استواء يليق به، وقد جمع الله بين الاستواء على العرش ومعيته بعلمه لخلقه في قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 الحديث الثامن قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الحج من صحيحه: حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر رضي الله عنه أنه جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال: " إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 المبحث الأول: التخريج : هذا الحديث أورده البخاري في ثلاثة مواضع من كتاب الحج من صحيحه هذا أولها في باب ما ذكر في الحجر الأسود، والثاني في باب الرمل في الحج والعمرة ولفظه: حدثنا سعيد بن أبى مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للركن: "أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك، فاستلمه، ثم قال: ما لنا وللرمل، إنما كنا راءينا به المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه". والثالث في باب تقبيل المجر الأسود ولفظه حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد ابن هارون أخبرنا ورقاء أخبرنا زيد بن أسلم عن أبيه قال "رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل الحجر وقال لولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك".. ورواه مسلم في صحيحه من طرق فقال: وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس وعمرو ح وحدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثني ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن سالم أن أباه حدثه قال "قبّل عمر بن الخطاب الحجر. ثم قال والله لقد علمت أنك حجر ولولا إني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك". زاد هارون في روايته. قال عمرو وحدثني بمثلها زيد بن أسلم عن أبيه أسلم وحدثنا محمد بن أبى بكر المقدمي حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن عمر قبل الحجر وقال: "إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبلك": حدثنا خلف بن هشام والمقدمي وأبو كامل وقتيبة بن سعيد كلهم عن حماد قال خلف: حدثنا حماد بن زيد عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت الأصيلع يعنى عمر بن الخطاب يقبل الحجر ويقول: "والله إني لأقبلك وإني أعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك". وفي رواية المقدمي وأبى كامل: رأيت الأصيلع. وحدثنا يحي بن يحي وأبو بكر بن أبى شيبة وزهير بن حرب وابن نمير جميعا عن أبى معاوية قال يحي أخبرنا معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر يقبل الحجر ويقول: "إني لأقبلك وأعلم أنك حجر، ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لم أقبلك، وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وزهير بن حرب جميعا عن وكيع قال أبو بكر حدثنا وكيع عن سفيان عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال: "رأيت عمر قبل الحجر والتزمه وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفيا". وحدثنيه محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن عن سفيان بهذا الإسناد قال: "ولكني رأيت أبا القاسم بك حفيا ولم يقل: والتزمه". ورواه أبو داود في سننه بمثل الإسناد الأول عند البخاري عن عمر أنه جاء إلى الحجر فقبله، فقال: "إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك"، وأخرجه النسائي فقال: أخبرنا محمود بن غيلان قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة "أن عمر قبل الحجر وإلتزمه وقالت: رأيت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم لك حفيا"، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عيسى بن يونس وجرير عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة قال: "رأيت عمر جاء إلى الحجر فقال إني لأعلم أنك حجر ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم دنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 منه فقبله"، أخبرنا عمرو بن عثمان قال حدثنا الوليد بن حنظلة قال: رأيت طاووسا يمر بالركن فان وجد عليه زحاما مر ولم يزاحم هان رآه خاليا قبله ثلاثا، ثم قال رأيت ابن عباس فعل مثل ذلك، وقال ابن عباس رأيت عمر بن الخطاب فعل مثل ذلك ثم قال: "إنك حجر لا تنفع ولا تضر ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ثم قال عمر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك"، ورواه الترمذي في جامعه فقال حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة قال رأيت عمر بن الخطاب يقبل الحجر ويقول إني أقبلك وأعلم أنك حجر ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لم أقبلك قال: وفي الباب عن أبى بكر وابن عمر قال أبو عيسى حديث عمر حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه في سننه فقال حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعلى بن محمد قالا حدثنا أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس قال رأيت الأصيلع عمر بن الخطاب يقبل الحجر ويقول: "إني لأقبلك وإني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، وروى مالك في الموطأ عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال وهو يطوف بالبيت للركن الأسود: إنما أنت حجر ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلك ما قبلتك ثم قبله وأخرج الحديث الدارمي في سننه عن مسدد وأبى عاصم باسنادين عن ابن عمر عن عمر وعن ابن عباس رضي الله عنهم، ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن ابن عباس عن عمر وعن سويد بن غفلة عن عمر وعن عبد الله بن سرجس عن عمر، ورواه الإمام أحمد في المسند من طرق نذكر منها طريقا واحدة وهي قوله: حدثنا أسود بن عامر قال حدثنا زهير عن سليمان الأعمش حدثنا إبراهيم عن عابسا بن ربيعة قال رأيت عمر نظر إلى الحجر فقال: "أما والله لولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك ثم قبله"، وقد صرح الأعمش بالتحديث في هذه الطريق عند الإمام أحمد فانتفي احتمال تدليسه.. وأخرج الحديث ابن الجارود في المنتفي والحميدي في مسنده.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد : الأول: شيخ البخاري محمد بن كثير قال الحافظ في تقريب التهذيب: محمد بن كثير العبدي البصري ثقة لم يصب من ضعفه من كبار العاشرة، مات سنة ثلاث وعشرين أي بعد المائتين وله تسعون سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: محمد بن كثير أبو عبد الله البصري أخو سليمان سمع أخاه سليمان وشعبة والثوري عند البخاري روى عنه البخاري في مواضع وروى مسلم عن عبد الله الدارمي عنه عن أخيه حديثاً في الرؤيا، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: قال ابن معين لم يكن بثقة وقال أحمد ثقة وقال أبو حاتم صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. الثاني: سفيان: وهو الثوري كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري وقد قال فيه في تقريب التهذيب: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين أي بعد المائة وله أربع وستون ورمز لكونه من رجال الجماعة وقال في تهذيب التهذيب: روى عن أبيه وأبى إسحاق الشيباني وأبى إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير والأعمش وأناس آخرين سماهم ثم قال وروى عنه خلق لا يحصون ذكر كثيرا منهم ومن بينهم الأوزاعي ومالك ومسعر من أقرانه وابن مهدى وابن المبارك ثم ذكر الكثير من ثناء الأئمة عليه ومن ذلك قول شعبة وابن عيينة وأبى عاصم وابن معين وغير واحد من العلماء: سفيان أمير المؤمنين في الحديث، وقول ابن المبارك كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان، وقول الخطيب: كان إماما من أئمة المسلمين وعلما من أعلام الدين مجمعا على إمامته بحيث يستغنى عن تزكيته مع الإتقان والحفظ والمعرفة والضبط والورع والزهد، وقول النسائي: "هو أجل من أن يقال فيه ثقة وهو أحد الأئمة الذين أرجو أن يكون الله ممن جعله للمتقين إماما"، وقال الذهبي في الميزان سفيان بن سعيد الحجة الثبت متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء، ولكن له نقد وذوق ولا عبرة لقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 من قال: يدلس ويكتب عن الكذابين انتهى. وهو أحد السفيانين فيما إذا قيل في ترجمة من فوقهما في الطبقة روى عنه السفيانان، وفي ترجمة من دونهما روى عن السفيانين، والثاني منهما سفيان بن عيينة. الثالث: الأعمش: قال الحافظ في التقريب: سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي الأعمش ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه يدلس، من الخامسة مات سنة سبع وأربعين أو ثمان أي بعد المائة، وكان مولده أول إحدى وستين ورمز لكونه من رجال الجماعة وقال في تهذيب التهذيب: الأسدي الكاهلي مولاهم وذكر كثيرا ممن روى عنهم من بينهم عامر الشعبي وإبراهيم النخعي ومجاهد بن جبر وكثيراً ممن رووا عنه ومنهم شعبة والسفيانان وابن المبارك وهشيم ونقل كثيرا من ثناء الأئمة عليه ونقل توثيقه عن ابق معين والنسائي والعجلي، وقال وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال الذهبي في الميزان: أحد الأئمة الأثبات عداده في صغار التابعين ما نقموا عليه إلا التدليس وقال: قلت وهو يدلس وربما دلس عن ضعيف ولا يدرى به فمتى قال حدثنا فلا كلام ومتى قال: "عن " تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وابن أبى وائل وأبى صالح السمان فان روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال. الرابع: إبراهيم وهو النخعي كما صرح به الحافظ في فتح الباري وقال في تهذيب التهذيب: إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو بن ربيعة ابن ذهل النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه روى عن خاليه الأسود وعبد الرحمن ابني يزيد ومسروق وعلقمة وابن معمر وهمام بن الحارث وشريح القاضي وسهم بن منجاب وجماعة وروى عن عائشة ولم يثبت سماعه منها، روح عنه الأعمش ومنصور وابن عون وزبيد اليامي وحماد بن أبى سليمان ومغيرة بن مقسم الضبي وخلق، وقال: وقال الحافظ أبو سعيد العلائي: هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 مكثر من الإرسال، وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود وقال في التقريب: ثقة إلا أنه يرسل كثيراً، وقال مات سنة ست وتسعين وهو ابن خمسين أو نحوها ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال الذهبي في الميزان: إبراهيم بن يزيد النخعي أحد الأعلام يرسل عن جماعة وقد رأى زيد بن أرقم وغيره ولم يصح له سماع من صحابي، وقال: قلت استقر الأمر على أن إبراهيم حجة وأنه إذا أرسل عن ابن مسعود أو غيره فليس ذلك بحجة انتهى.. الخامس: عابس بن ربيعة قال في التقريب: عابس بموحدة مكسورة ثم مهملة ابن ربيعة النخعي الكوفي ثقة مخضرم من الثانية ورمز لكونه من رجال الجماعة وقال في تهذيب التهذيب: روى عن عمر وعلى وحذيفة وعائشة وعنه أولاده عبد الرحمن وإبراهيم وأسماء وأبو إسحاق السبيعي وإبراهيم بن يزيد النخعي وذكر توثيقه عن النسائي وابن سعد وقال: وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: قلت: قال أبو نعيم؟ في الصحابة انتهي ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته. السادس: صحابي الحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال الحافظ في تقريب التهذيب عمر بن الخطاب بن نفيل- بنون وفاء مصغراً- ابن عبد العزي بن رياح- بتحتانية- ابن عبد الله بن قرط- بضم القاف- بن رزاح- براء ثم زاي خفيفة- بن عدى بن كعب القرشي العدوى أمير المؤمنين مشهور جم المناقب استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وولى الخلافة عشر سنين ونصفا ورمز لكون حديثه في الكتب الستة وذكر في مقدمة الفتح أن له عند البخاري ستين حديثا. وقال الخزرجى في الخلاصة: عمر بن الخطاب ابن نفيل بن عبد الحري الحدوي أبو حفص المدني أحد فقهاء الصحابة ثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأول من سمي أمير المؤمنين، له خمسمائة وتسعة وثلاثون حديثا اتفقا على عشرة وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة عشر، وعنه أبناؤه عبد الله وعاصم وعبيد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وعلقمة ابن وقاص وغيرهم، شهد بدرا والمشاهد، وولى أمر الأمة بعد أبى بكر رضي الله عنهما وفتح في أيامه عدة أمصار أسلم بعد أربعين رجلا، عن ابن عمر مرفوعا إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، ولما دفن قال ابن مسعود ذهب اليوم بتسعة أعشار العلم استشهد في آخر سنة ثلاث وعشرين ودفن في أول سنة أربع وعشرين وهو ابن ثلاث وستين وصلى عليه صهيب ودفن في الحجرة النبوية ومناقبه جمة، انتهى. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: روى عن النبي تمر وعن أبى بكر وأبى بن كعب روى عنه أولاده عبد الله وعاصم وحفصة وعثمان وعلى وأناس آخرون من الصحابة ومن التابعين سماهم ثم ذكر كثيرا من مناقبه في الجاهلية والإسلام ثم قال: ومناقبه وفضائله كثيرة جدا، وترجم له الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، وذكر الكثير من مناقبه ثم قال في ختام ترجمته: وقد ذكر ابن جرير ترجمة طويلة لعمر بن الخطاب وكذلك أطال ابن الجوزي في سيرته وشيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تاريخه، وقد جمعنا متفرقات كلام الناس في مجلد مفرد وأفردنا لما أسنده وروى عنه من الأحكام مجلدا آخر كبيراً مرتبا على أبواب الفقه وللة الحمد. ثم ذكر بعض حوادث سنة ثلاث وعشرين نقلا عن تاريخ الذهبي ثم قال: ثم ذكر- يعنى الذهبي- ترجمة عمر بن الخطاب فأطال فيها وأكثر وأطنب وأتى بمقاصد كثيرة مهمة وفوائد جمة وأشياء حسنة فأثابه الله الجنة انتهى. وذكر ترجمته المحب الطبري في الرياض النضرة في خمسين ورقة.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيفية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الستة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم. 2- في الإسناد ثلاثة من التابعين يروى بعضهم عن بعض وهم الأعمش وإبراهيم النخعي وعابس بن ربيعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 3- في الإسناد أربعة كوفيون على نسق وهم سفيان الثوري والأعمش وإبراهيم النخجي وعابس بن ربيعة. 4- في الإسناد نخعيان وهما إبراهيم وعابس. 5- في الإسناد اثنان ممن وصفوا بالتدليس وهما سفيان الثوري والأعمش، وقد صرح الأعمش بالتحديث كما في مسند الإمام أحمد وتقدم في التخريج ولم أقف لسفيان على تصريح بالسماع. 6- إبراهيم بن يزيد النخعي من أصحاب المراسيل من التابعين كما تقدم في ترجمته وهو من فقهاء التابعين ومن أولياته كما جاء في زاد المعاد لابن القيم عند الكلام على حديث غمس الذباب في الطعام إذا وقع فيه: التعبير عن الذباب وما يشبهه بما لا نفس له سائله قال ابن القيم: وأول من حفظ عنه في الإسلام أنه تكلم بهذه اللفظة فقال: ما لا نفس له سائلة إبراهيم النخعي وعنه تلقاه الفقهاء. 7- في إسناد الحديث رجل من الذين وصفوا بأنهم أمراء المؤمنين في الحديث وهو سفيان الثوري وصفه بذلك شعبة وابن عيينة وأبو عاصم وابن معين وغير واحد من العلماء كما في تهذيب التهذيب. 8- في الإسناد رجل من المخضرمين وهو عابس بن ربيعة، والمخضرمون هم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يروا النبي صلى الله عليه وسلم، وهم معدودون في كبار التابعين. 9- الأعمش لقب لقّب به سليمان بن مهران وقد اشتهر بلقبه كما اشتهر باسمه ومعرفة مثل ذلك من الأمور المهمة لئلا يظن الواحد اثنين إذا ذكر في موضع بالاسم وفي آخر باللقب. 10- أول المتن سياقه كلام عابس بن ربيعة الراوي عن عمر رضي الله عنه لا كلام عمركما قد يتوهم من ذكر "عن عمر" والمعنى: عن عابس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أن عمر جاء إلى الحجر الأسود فقبله فقال الخ.. ولما ذكر المنذري هذا الحديث في مختصره لسنن أبى داود قال: عن عابس ابن ربيعة عن عمر أنه جاء إلى الحجر الخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- هذا الحديث أورده البخاري في باب ما ذكر في الحجر الأسود، ولم يذكر غيره من الأحاديث في هذا الباب قال الحافظ ابن حجر في شرحه: وكأنه لم يثبت عنده فيه على شرطه شيء غير ذلك وقد وردت فيه أحاديا فذكر بعضها ومنها حديث ابن عباس مرفوعا "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بنى آدم"، أخرجه الترمذي وصححه وفيه عطاء ابن السائب وهو صدوق لكنه اختلط وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوى بها، وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختمراً ولفظه "الحجر الأسود من الجنة"، وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط، وفي صحيح ابن خزيمة أيضا عن ابن عباس مرفوعا: إن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق، وصححه أيضاً ابن حبان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضاً انتهى.. 2- قوله: لا تضر ولا تنفع. قال الحافظ ابن حجر: أي إلا بإذن الله، وقد روى الحاكم من حديث أبى سعيد أن عمر لما قال هذا قال له على ابن أبى طالب إنه يضر وينفع، وذكر أن الله لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر قال: وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد". وفي إسناده أبو هارون العبدي وهو ضعيف جدا انتهى. وقد أشار إلى حديث أبى سعيد هذا الشوكاني في نيل الأوطار وقال: ولكنه يشد عضده حديث ابن عباس يعنى الحديث الذي تقدم في حكاية كلام الحافظ ابن حجر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 3- قوله: إني أعلم أنك حجر الخ، خاطب عمر رضي الله عنه الحجر ليسمع الحاضرين فهو من باب إياك أعنى واسمعي يا جارة قال الطبري: إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل بالجاهلية فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه إتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده بالأوثان انتهى.. 4- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- مشروعية تقبيل الحجر الأسود. 2- المنع من تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله. 3- بيان السنن بالقول والفعل. 4- أن الأصل في أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم التشريع للأمة ما لم يدل دليل على التخصيص به. 5- وجوب التسليم للشارع في أمور الدين والتعويل على ما يثبت عنه في ذلك. 6- أن التسليم للشارع لا يتوقف على معرفة حكمة الأمر أو النهى. 7- بيان أن الحجر الأسود ليس مصدرا للنفع أو الضر لذاته. 8- أن على الإمام أو العالم إذا خشي أن يفهم من فعل الشيء المشروع فهما خاطئاً أن يبادر إلى بيان الحق وإزالة اللبس. 9- كمال نصح أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه للأمة وشفقته على المسلمين. 10- تأكيد الكلام إذا اقتضى حال المبين لهم ذلك فان عمر رضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الله عنه صدر كلامه بأن المؤكدة في هذا الحديث وفي بعض روايات الحديث زيادة التأكيد بالقسم واللام. 11- العناية في بيان الحق وخاصة ما يتعلق بأمر العقيدة. 12- مدى حكمة الفاروق رضي الله عنه في بيانه لسنة المصطفي صلى الله عليه وسلم وتوفيق الله له وتسديده وهذا مصداق قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: " لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فان يك في أمتي أحد فإنه عمر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 الحديث التاسع قال الإمام البخاري رحمه الله في أواخر كتاب الإيمان من صحيحا: حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى عن إسماعيل قال حدثني قيس ابن أبى حازم عن جرير بن عبد الله قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 المبحث الأول: التخريج : هذا الحديث أخرجه البخاري في سبعة مواضع من صحيحه هذا أحدها في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"، والثاني في كتاب مواقيت الصلاة باب البيعة على إقام الصلاة قال فيه: حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحي قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا قيس عن جرير بن عبد الله قال: فذكره، والثالث في كتاب الزكاة باب البيعة على إيتاء الزكاة قال: حدثنا ابن نمير قال حدثني أبى حدثنا إسماعيل عن قيس قال قال جرير بن عبد الله فذكره، والرابع في كتاب البيوع باب هل يبيع حاضر لباد بغير أجر، وهل يعينه أو ينصحه؟ قال: حدثنا على بن عبد الله حدثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس سمعت جريرا رضي الله عنه يقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والسمع والطاعة والنصح لكل مسلم، والخامس في كتاب الشروط باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة، قال حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال سمعت جريرا رضي الله عنه يقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترط على: "والنصح لكل مسلم"، والسادس يلي هذا الحديث عن مسدد بمثل سنده ومتنه هنا سواء بسواء، والسابع في كتاب الأحكام باب كيف يبايع الإمام الناس؟ قال حدثنا يعقوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ابن إبراهيم حدثنا هشيم أخبرنا سيار عن الشعبي عن جرير بر عبد الله قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم عل السمع والطاعة فلقنني: " فيما استطعت والنصح لكل مسلم". وأخرج الحديث مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه فقال: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة عن إسماعيل بن أبى خالد عن قيس عن جرير قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وزهير بن حرب وابن نمير قالوا حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة سمع جرير بن عبد الله يقول بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، حدثنا سريج بن يونس ويعقوب الدورقي قالا حدثنا هشيم عن سيار عن الشعبي عن جرير قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني: "فيما استطعت والنصح لكل مسلم"، قال يعقوب في روايته قال حدثنا سيار، وأخرجه أبو داود في سننه في كتاب الأدب باب في النصيحة قال: حدثنا عون بن عمرو وحدثنا خالد عن يونس عن عمرو بن سعيد عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم، قال "وكان إذا باع الشيء أو اشتراه قال أما إن الذي أخذنا منك أحب إلينا مما أعطيناك فاختر"، وأخرجه النسائي في سننه في كتاب البيعة باب البيعة على النصح لكل مسلم قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة عن جرير قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن يونس عن عمرو بن سعيد عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير قال جرير بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وأن أنصح لكل مسلم. وباب البيعة فيما يستطيع الإنسان قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا هشيم قال حدثنا سيار عن الشعبي عن جرير بن عبد الله قال بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فلقنني: فيما استطعت والنصح لكل مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد : الأول: شيخ البخاري مسدد قال الحافظ في التقريب: مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي البصري أبو الحسن ثقة حافظ يقال إنه أول من صنف المسند بالبصرة من العاشرة، مات سنة ثمان وعشرين أي بعد المائتين، ويقال اسمه عبد الملك بن عبد العزيز ومسدد لقبه ورمز لكونه من رجال الجماعة سوى مسلم وابن ماجه، وقال في تهذيب التهذيب: روى عن عبد الله بن يحي بن أبى كثير وهشيم ووكيع والقطان وابن علية وأناس آخرين سماهم، وروى عنه البخاري وأبو داود وغيرهم ثم ذكر كثيرا من ثناء الأئمة عليه ومن ذلك قول جعفر بن أبى عثمان قلت لابن معين عمن أكتب بالبصرة؟ قال "اكتب عن مسدد فإنه ثقة ثقة"س، وقال محمد بن هارون الفلاس عن ابن معين: صدوق، وقال النسائي: ثقة وقال العجلي: مسدد بن مسرهد ابن مسربل بن مستورد الأسدي البصري ثقة كان يملى على حتى أضجر قال: أبا الحسن أكتب فيملى على بعد ضجرى خمسين حديثا، قال فأتيت في الرحلة الثانية فأصبت عليه زحاما فقلت: قد أخذت بحظي منك قال: وكان أبو نعيم يسألنى عن نسبه فأخبره فيقول: يا أحمد هذه رقية العقرب، وقال ابن أبى حاتم عن أبيه: ثقة وقال ابن قانع كان ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. الثاني: يحي وهو القطان قال الخزرجى في الخلاصة: يحي بن سعيد ابن فروخ التميمي أبو سعيد الأحول القطان البصري الحافظ الحجة أحد أئمة الجرح والتعديل، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: مولى بنى تميم، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: روى عن سليمان التيمى وحميد الطويل وإسماعيل بن أبى خالد وكيرهم سماهم ثم قال: وعنه ابنه محمد بن يحي بن سعيد وحفيده أحمد بن محمد وأحمد وإسحاق وعلى بن المديني ويحي ابن معين وعمرو بن على الفلاس ومسدد وغيرهم، ثم ذكر كثيرأ من ثناء الأئمة عليه في ورقتين ومن ذلك: قال على بن المديني: ما رأيت أثبت من يحي القطان، وقال إبراهيم بن محمد التيمى: ما رأيت أعلم بالرجال من يحي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 القطان، وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبى يقول حدثني يحي القطان وما رأت عيناي مثله، وقال أحمد: كان إليه المنتهي في التثبت بالبصرة، وقال ابن خزيمة عن بندار: حدثنا يحي بن سعيد إمام أهل زمانه، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونا رفيعا حجة، وقال العجلي: بصري ثقة في الحديث كان لا يحدث إلا عن ثقة، وقال أبو زرعة: كان من الثقات الحفاظ، وقال أبو حاتم: حجة حافظ، وقال النسائي: ثقة ثبث مرضي، وكان الثوري يتعجب من حفظه واحتج به الأئمة كلهم وقالوا: من تركه يحي تركناه، وقال الحافظ في التقريب: ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين أي بعد المائة وله ثمان وسبعون سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة. الثالث: إسماعيل وهو ابن أبى خالد، قال الحافظ في تقريب التهذيب: إسماعيل بن أبى خالد الأحمسي مولاهم البصري ثقة ثبت من الرابعة، مات سنة ست وأربعين أي بعد المائة ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: إسماعيل بن أبى خالد الأحمسي البجلي مولاهم الكوفي واسم أبى خالد سعد ويقال هرمز ويقال كثير يكنى أبا عبد الله وذكر في تهذيب التهذيب أنه روى عن جماعة من الصحابة ومن التابعين سماهم، وقال روى عن قيس بن أبى حازم وأكثر عنه ثم قال: وعنه شعبة والسفيانان وزائدة وابن المبارك وهشيم ويحي القطان ويزيد بن هارون وعبيد الله بن موسى وهو آخر ثقة حدث عنه ويحي بن هاشم السمسار أحد المتروكين وهو آخر من حدث عنه مطلقا. ثم ذكر الكثير من ثناء الأئمة عليه ومن ذلك قال ابن المبارك عن الثوري: حفاظ الناس ثلاثة إسماعيل وعبد الملك بن أبى سليمان ويحي بن سعيد الأنصاري وهو يعنى إسماعيل أعلم الناس بالشعبي وأثبتهم فيه ونقل توثيقه عن ابن مهدى وابن معين والنسائي والحجلي ويحقوب بن أبى شيبة وأبى حاتم ويحقوب بن سليمان. الرابع: قيس بن أبى حازم، قال الحافظ في التقريب: قيس بن أبى حازم البجلي أبو عبد الله الكوفي ثقة من الثانية مخضرم ويقال له رؤية وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الذي يقال: إنه اجتمع له أن يروى عن العشرة، مات بعد التسعين أو قبلها، وقد جاوز المائة وتغير ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال في تهذيب التهذيب: قيس بن أبى حازم واسمه حصين بن عوف ويقال عوف بن عبد الحارث ويقال عبد عوف بن الحارث بن عوف البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي أدرك الجاهلية ورحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه فقبض وهو في الطريق، وأبو له صحبة ويقال إن لقيس رؤية ولم يثبت ثم ذكر جماعة كثيرين من الصحابة روى عنهم ثم ذكر جماعة رووا عنه ومنهم إسماعيل بن أبى خالد، ونقل توثيقه عن جماعة وقال: قال ابن خراش كوفي جليل وليس في التابعين أحد روى عن العشرة إلا قيس بن أبى حازم، وقال الذهبي في الميزان: ثقة حجة كاد أن يكون صحابيا وثقه ابن معين والناس وقال: اجمعوا على الاحتجاج به ومن تكلم فيه آذى نفسه. الخامس: صحابي الحديث: جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال الحافظ في تقريب التهذيب: جرير بن عبد الله بن جابر البجلي صحابي مشهور مات سنة إحدى وخمسين وقيل بعدها ورمز لكون حديثه في الكتب الستة وذكر في مقدمة الفتح أن له عند البخاري عشرة أحاديث وقال الخزرجى في الخلاصة: له مائة حديث اتفقا على ثمانية وانفرد البخاري بحديث ومسلم بستة وقال: ويلقب بيوسف هذه الأمة أي لجماله، وقال في تهذيب التهذيب: جرير بن عبد الله بن جابر وهو السليل بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جشم بن عوف البجلي القسري أبو عمرو وقيل: أبو عبد الله اليمإني روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر ومعاوية، وعنه أولاده المنذر وعبيد الله وأيوب وإبراهيم وابن ابنه أبو زرعة بن عمرو وأنس وأبو وائل وزيد بن وهب وزياد بن علاقة والشعبي وقيس بن أبى حازم وغيرهم سماهم وقال: قال عبد الملك بن عمر رأيت جرير بن عبد الله وكأن وجهه شقة قمر وقال عمر بن الخطاب يرحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام وقال في الإصابة: وكان جرير جميلا قال عمر: هو يوسف هذه الأمة وقدمه عمر في حروب العراق على جميع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 بجيلة، وكان الم أثر عظيم في فتح القادسية ثم سكن جرير الكوفة وأرسله على رسولا إلى معاوية ثم اعتزل الفريقين وسكن فرقيسيا حتى مات سنة إحدى وقيل أربع وخمسين وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي الخلصة فهدمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الخمسة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم إلا شيخ البخاري مسددا فلم يرو له مسلم ولا ابن ماجه وروى له الباقون. 2- شيخ البخاري مسدد وشيخ شيخه يحي بن سعيد القطان بصريان. 3- ثلاثة من رجال الإسناد وهم جرير وقيس وإسماعيل اتفقوا في أربعة أشياء. 1- كلهم بجليون. 2- ثلاثتهم كوفيون. 3- كل منهم يكنى أبا عبد الله 40- خرج أصحاب الكتب الستة حديثهم. 4- إسماعيل بن أبى خالد روى عنه الحكم بن عتيبة ويحي بن هاشم وبين وفاتيهما نحو من مائة وعشر سنوات قاله الخطيب كما نقله الحافظ في تهذيب التهذيب وهذا النوع يسمى في علم المصطلح السابق واللاحق وتقدم نظيره في لطائف إسناد الحديث الثالث. 5- قيس بن أبى حازم من المخضرمين وهو التابعي الوحيد الذي يقال إنه اجتمع له أن يروى عن العشرة المبشرين بالجنة كما في التقريب وغيره. 6- صحابي الحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال فيه الحافظ في الإصابة: وكان جرير جميلا قال عمر: هو يوسف هذه الأمة. 7- شيخ البخاري هو مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 مرعبل، وقد قال أبو نعيم لما ذكر له نسبه هذا هذه رقية العقرب كما في تهذيب التهذيب والجمع بين رجال الصحيحين. 8- قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح نقلا عن ابن طاهر المقدسي: وقلما يورد- يعنى البخاري- حديثا واحداً في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد وقال في شرح حديث كفران العشير في كتاب الإيمان من صحيح البخاري: فلا يوجد في كتابه حديث على صورة واحدة في موضعين فصاعدا إلا نادراً انتهى. وهذا الحديث هن ذلك النادر فانه أورده سنداً ومتناً في موضعين أحدهما في أواخر كتاب الإيمان والثاني في كتاب الشروط باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- قوله: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الحافظ في الفتح: والمراد بالبيعة البيعة على الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما يشترط بعد التوحيد إقامة الصلاة لأنها رأس العبادات البدنية ثم أداء الزكاة لأنها رأس العبادات المالية ثم يعلم كل قوم ما حاجتهم إليه أمس فبايع جريراً على النصيحة لأنه كان سيد قومه فأرشده إلى تعليمهم بأمره بالنصيحة لهم، وبايع وفد عبد القيس على أداء الخمس لكونهم كانوا أهل محاربة مع من يليهم من كفار مضر. 2- قوله: والنصح لكل مسلم: قال الحافظ في الفتح: قال المازري: النصيحة مشتقة من نصحت العسل إذا صفيته يقال نصح الشيء إذا خلص ونصح له القول إذا أخلصه له، أو مشتقة من النصح، وهي الخياطه بالمنصحة وهي الإبرة والمعنى أنه يلم شعث أخيه بالنصح كما تلم المنصحة، ومنه التوبة النصوح كأن الذنب يمزق الدين والتوبة تخيطه. 3- قوله: والنصح لكل مسلم: قال الحافظ في الفتح: التقييد بالمسلم للأغلب وإلاّ فالنصح للكافر معتبر بأن يدعى إلى الإسلام ويشار عليه بالصواب إذا استشار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 4- قوله: والنصح لي مسلم: في هذه الجملة التعميم في النصح وفي المنصوح له فيشمل كل ما يفيد المنصوح له ويعود عليه بالنفع الدنيوي والأخروي وأما المنصوح له فتحته صنفان الأول ولاة أمور المسلمين منهم، والثاني عامة المسلمين، فالنصح لولاة أمور المسلمين يكون بالسمع والطاعة لهم بالمعروف وإعانتهم على الخير وتحذيرهم من الشر والدعاء لهم بالتوفيق والتسديد وأن يجعلهم الله هداة مهتدين وأن يعز بهم الإسلام ويقمع بهم المبطلين والنصح لعامة المسلمين يكون بإرشادهم إلى الخير وتحذيرهم من الشر وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لها. 5- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- مبايعة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام. 2- بيان أهمية الصلاة والزكاة وعظم شأنهما في الإسلام. 3- قرنه صلى الله عليه وسلم بين الصلاة والزكاة في الحديث كما فرن بينهما في الكتاب العزيز. 4- تقديم الصلاة على الزكاة وأنها أعظم أركان الإسلام بعد التوحيد. 5- بيان عظم شأن النصح للمسلمين واهتمام الشارع به. 6- بذل المسلم النصيحة وتعميمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 الحديث العاشر قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الأدب من صحيحه: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعري عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "على كل مسلم صدقة". قالوا: فان لم يجد قال: "فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق"، قالوا: فان لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: "فيعين ذا الحاجة الملهوف"، قالوا: فان لم يفعل؟ قال: "فليأمر بالخير أو قال بالمعروف"، قال: فان لم يفعل؟ قال: "فليمسك عن الشر فانه له صدقة".. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 المبحث الأول: التخريج : أورد البخاري هذا الحديث في موضعين من صحيحه هذا أحدهما في باب: كل معروف صدقة والثاني في كتاب الزكاة باب على كل مسلم صدقة فمن لم يجد فليعمل بالمعروف ولفظه: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم صدقة"، قالوا يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: "يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق"، قالوا: فان لم يجد؟ قال: "يعين ذا الحاجة الملفوف"، قالوا: فان لم يجد؟ قال: "فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشر فانها له صدقة". وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة من صحيحه فقال: حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا أبو أسامة عن شعبة عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "على كل مسلم صدقة" قيل أرأيت إن لم يجد؟ قال "يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق"، قال: قيل أرأيت إن لم يستطع؟ قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف"، قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال:" يأمر بالمعروف أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الخير"، قال: أرأيت إن أيفعل؟ قال "يمسك عن الشر فإنها له صدقة". وحدثنا لمحمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن بن مهدى حدثنا شعبة بهذا الإسناد، ورواه النسائي في كتاب الزكاة باب صدقة العبد فقال: أخبرني محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني ابن أبى بردة قال سمعت أبى يحدث عن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم صدقة" قيل أرأيت إن لم يجدها؟ قال: "يعتمل بيده فينفع نفسه ويتصدق" قيل أرأيت إن أيفعل؟ قال "يعين ذا الحاجة الملهوف"، قيل: فان لم يفعل قال: "يأمر بالخير" قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: "يمسك عن الشر فإنها صدقة "، وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة وفيه: على كل مسلم صدقة في كل يوم، وفيه قال: يأمر بالمعروف ولنهي عن المنكر، أي بزيادة: في كل يوم، ولنهي عن المنكر: على ما في الصحيحين، وأخرج الحديث الإمام أحمد في المسند عن شعبة بطريقين إليه. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 المبحث الثاني، التعريف برجال الإسناد: الأول: شيخ البخاري: آدم وهو ابن أبى إياس واسمه عبد الرحمن العسقلاني أصله خراساني يكنى أبا الحسن نشأ ببغداد ثقة عابد من التاسعة مات سنة إحدى وعشرين ومائتين ذكر ذلك في تقريب التهذيب ورمز لكونه من رجال الجماعة سوى مسلم وابن ماجه. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: إن أباه اسمه عبد الرحمن بن محمد بن الحسن مولى تيم أو تميم أصله من خراسان سكن عسقلان سمع شعبة وابن أبى ذئب والليث وشيبان ابن عبد الرحمن وإسرائيل بن يونس وحفص بن ميسرة روى عنه البخاري في غير موضع وقال في تهذيب التهذيب: نشأ ببغداد وارتحل في الحديث فاستوطن عسقلان إلى أن مات وقال: قال أبو داود: ثقة، وقال أحمد؟ كان مكينا عند شعبة وقال أحمد: كان من الستة أو السبعة الذين يضبطون الحديث عند شعبة، وقال ابن معين: ثقة ربما حدث عن قوم ضعفاء وقال أبو حاتم: ثقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 مأمون متعبد من خيار عباد الله، وقال ابن سعد: سمع من شعبة سماعا كثيرا وقال العجلي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات. الثاني: شعبة قال في تهذيب التهذيب: شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري ثم ذكر جماعة روى عنهم سرد أسماءهم في خمس صفحات تقريبا وذكر جماعة رووا عنه ثم ذكر ثناء الأئمة عليه ومن ذلك قول الإمام أحمد كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن يعنى في الرجال وبصره بالحديث وتثبته وتنقيته للرجال، وقال ابن مهدى: كان الثوري يقول: شعبة أمير المؤمنين في الحديث، وقال وكيع: إني لأرجو أن يرفع الله لشعبة في الجنة درجات لذبّه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن سعد: كان ثقة مأمونا ثبتا حجة صاحب حديث، وقال صالح جزرة: أول من تكلم في الرجال شعبة ثم تبعه القطان ثم أحمد ويحي، وقال أبو بكر بن منجويه، وكان من سادات أهل زمانه حفظا واتقانا وورعا وفضلا، وهو أول من فتش بالعراق عن أمر المحدثين وجانب الضعفاء والمتروكين وصار علما يقتدي به وتبعه عليه بعده أهل العراق، وقال الحاكم: شعبة إمام الأئمة في معرفة الحديث بالبصرة رأى أنس بن مالك وعمرو بن سلمة الصحابيين وسمع من أربعمائة من التابعين، وقال في تقريب التهذيب: ثقة حافظ متقن وقال: وكان عابدا من السابعة مات سنة ستين أي بعد المائة ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: كان مولده سنة ثلاث وثمانين مات سنة ستين ومائة في أولها وله يوم مات سبع وسبعون سنة قال على ابن المديني: كان أكبر من سفيان الثوري بعشر سنين رحمهم الله.. الثالث: سعيد بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعري، قال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سمع أباه عند هما- أي في الصحيحين- وأنس بن مالك عند مسلم روى عنه شعبة عند هما وأبو إسحاق الشيباني عند البخاري وعمرو بن دينار وزيد بن أبى أنيسة وزكريا بن أبى زائدة ومجمع بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 يحي وقتادة عند مسلم. وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب توثيقه عن ابن معين والعجلي وأبى حاتم والنسائي وقال: وذكره ابن حبان في الثقات وقال: قال ابن أبى حاتم ؤ المراسيل: لم يسمع ابن أبى بردة من ابن عمر شيئا إنما يروى عن أبيه عنه وروايته عن جده منقطعة أيسمع منه شيئا، وقال في تقريب التهذيب سعيد بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعري الكوفي ثقة ثبت وروايته عن ابن عمر مرسلة من الخامسة ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال في تهذيب التهذيب وقال الصريفني مات سنة 168 كذا بخط مغلطاي ولعله وثلاثين بدل وستين انتهى. الرابع والخامس: أبو بردة وأبو موسى الأشعري وقد سبق التعريف بهما في رجال إسناد الحديث الخامس.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الخمسة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم إلا شيخ البخاري آدم بن أبى إياس فلم يرو له مسلم ولا ابن ماجه وروى له الباقون. 2- ثلاثة من رجاله كوفيون وهم أبو موسى رضي الله عنه وابنه وحفيده. 3- روى الحديث سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن جده قال الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر: وجمع الحافظ صلاح الدين العلائي من المتأخرين مجلدا كبيرا في معرفة من روى عن أبيه عن جده عن النبي يكن وقال وقد لخصت كتابه المذكور وزدت عليه تراجم كثيرة جدا وأكثر ما وقع فيه ما تسلسلت فيه الرواية عن الآباء بأربعة عشر أباً. انتهى. 4- آدم هو ابن أبى إياس ولم ينسبه البخاري لانتفاء اللبس إذ ليس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 في شيوخه من يسمى آدم سواه بل ليسن في رجال صحيحه غيره إلا رجلا واحداً وهو آدم بن على العجلي وهو من التابعين وقد روى له هو والنسائي وقد انفرد البخاري عن مسلم بالرواية لهذين كما انفرد مسلم عن البخاري بالرواية لآدم ابن سليمان القرشي الكوفي ولم يرو له إلا حديثا واحدا في كتاب الإيمان من صحيحه في الآيتين من آخر سورة البقرة، فليس في صحيح مسلم من يسمى آدم سواه ولم يرد ذكره إلا في موضع واحد من صحيحه، وقد روى له الترمذي والنسائي. وهؤلاء الثلاثة هم جملة من يسمى آدم في رجال الكتب الستة.. 5- شعبة هو ابن الحجاج ولا لبس في عدم نسبته لأنه ليس في رجال البخاري من يسمى شعبة غيره. 6- في الإسناد رجل وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث وهو شعبة بن الحجاج وصفه بذلك سفيان الثوري كما في تهذيب التهذيب.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 المبحث الرابع، شرح الحديث: 1- قوله: على كل مسلم صدقة، ورد في مسند الطيالسي تقييد ذلك في كل يوم كما تقدم في التخريج وهذه الصدقة قال الحافظ في الفتح على سبيل الاستحباب المتأكد أو على ما هو أعم من ذلك والعبارة صالحة للإيجاب والاستحباب كقوله صلى الله عليه وسلم: "على المسلم ست خصال"، فذكر منها ما هو مستحب اتفاقا انتهى. 2- قوله: قالوا فان لم يجد، أي ما يتصدق به قال الحافظ كأنهم فهموا من لفظ الصدقة العطية فسألوا عمن ليس عنده شيء فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من- ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف. 3- قوله: فيعين ذا الحاجة الملهوف، أي المستغيث سواء كان عاجزا أو مظلوما فيعينه بالفعل أو بالقول أو بهما معا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 4- قوله: فليأمر بالخير- أو قال- بالمعروف، أي وينهي عن المنكر لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متلازمان وقد جاء الجمع بينهما في رواية أبى داود الطيالسي في مسنده كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في التخريج. 5- قوله: فليمسك عن الشر فإنه له صدقة، المراد بالشر ما منعه الشرع والضمير في "فانه " يعود إلى الإمساك، وفي الرواية الأخرى فإنها له صدقة: بالضمير المؤنث باعتبار الخصلة من الخير التي هي الإمساك والضمير في له يعود إلى المسلم الممسك عن الشر. 6- قوله: فليمسك عن الشر فانه له صدقة، قال الزين بن المنير كما في الفتح: إنما يحصل ذلك للممسك عن الشر إذا نوى بالإمساك القربة بخلاف محض الترك، والإمساك أعم من أن يكون عن كيره فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه فان كان شره لا يتعدى نفسه فقد تصدق على نفسه بأن منعها من الإثم. انتهى. 7- وقال الزين بن المنير كما في الفتح أيضا: وليس ما تضمنه الخبر عن قوله "فان لم يجد" ترتيبا وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فانه يمكنه خصلة أخرى فمن أمكنه أن يعمل جمده فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ويمسك عن الشر فليفعل الجميع.. 8- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- الحث على الصدقة. 2- أن الصدقة كما تطلق على إنفاق المال تطلق على جميع أفعال الخير. 3- التنبيه على العمل والتكسب للاستفادة والإفادة. 4- الحث على فعل الخير مهما أمكن. 5- أن من قصد فعل خصلة من خصال الخير فتعسر عليه ذلك فلينتقل إلى فعل غيرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 6- أن أعمال الخير تنزل منزلة الصدقات في الأجر ولاسيما في حق من لا يقدر عليها. 7- أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة. 8- في الحديث تسلية للعاجز عن فعل المندوبات إذا كان عجزه عن ذلك عن غير اختيار. 9- أن الأحكام تجرى على الغالب لأن في المسلمين من يأخذ الصدقة المأمور بصرفها وقد قال: على كل مسلم صدقة. 10- مراجعة العالم في تفسير المجمل وتخصيص العام. 11- فضل التكسب وعمل الإنسان بيده لما فيه من الإغناء عن ذل السؤال، وإفادة الغير. 12- تقديم النفس والبدء بالأهم فالمهم لقوله "فينفع نفسه ويتصدق". 13- أن كل شيء يفعله المرء أو يقوله من الخير يكتب له صدقة. 14- أن الصدقة بمعناها العام لا تختص بأهل اليسار بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال بغير مشقة. 15- أن خصال الخير تتفاضل وبعضها أولى من بعض. 16- الحث على إعانة المحتاج ولاسيما الملهوف. 17- الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 18- أن الترك عمل وكسب للعبد يثاب عليه إذا كان من أجل الله. 19- أن الإحسان إلى الغير والشفقة على الخلق متأكد وهو إما بحال حاصل أو ممكن التحصيل أو بغير مال وذلك إما فعل وهو الإعانة، أو قول وهو الأمر بالمعروف، أوترك وهو الإمساك عن الشر مع قصد القربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 20- حرص الصحابة رضوان الله عليهم علي معرفة الحق وتبين درجات الخير. 21- أن إمساك المسلم عن الشر صدقة منه على نفسه أو على غيره مع نفسه. 22- أنه لا أقل من الإمساك عن الشر إن لم يحصل من المسلم فعل الخير مع ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الحديث الحادي عشر قال البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه: حدثنا عمرو بن خالد قال حدثنا الليث عن يزيد عن أبى الخير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما " أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 المبحث الأول: التخريج : أورد البخاري هذا الحديث في ثلاثة مواضع من صحيحه هذا أولها في باب إطعام الطعام من الإسلام، والثاني في كتاب الإيمان أيضا في باب إفشاء السلام من الإسلام ولفظه: حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مثله، والثالث في كتاب الاستئذان باب السلام للمعرفة وغير المعرفة ولفظه: حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني يزيد عن أبى الخير عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير: قال: "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف". ورواه مسلم في صحيحه فقال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عبد الله بن عمرو مثله، ورواه أبو داود في كتاب الأدب من سننه عن قتيبة بن سعيد عن الليث بمثل إسناده ومتنه، وأخرجه النسائي في كتاب الإيمان من سننه بمثل سنده ومتنه عند أبى داود، ورواه ابن ماجه في كتاب الأطعمة باب إطعام الطعام فقال: حدثنا محمد بن رمح أنبأنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الإسلام خير؟ قال: " تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف". ورواه الإمام أحمد ؤ المسند فقال: حدثنا حجاج وأبو النضر قالا: حدثنا ليث حدثني يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال خير: قال: "أن تطعم الطعام وتقرأ السلام علي من عرفت ومن لم تعرف". والحديث رواه البخاري في الأدب المفرد باب التسليم بالمعرفة وغيرها عن شيخه قتيبة بن سعيد بمثل إسناده ومتنه في الصحيح وفي باب من كره تسليم الخاصة عن عبد الله بن صالح عن الليث بمثل إسناده ومتنه، ورواه أبو نعيم في الحلية في ترجمة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن أبى بكر بن خلاد عن الحارث بن أبى أسامة عن يونس بن محمد المؤدب عن الليث بمثل إسناده ومتنه، وأخرجه الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمة حامد بن سعدان بإسناده إليه عن ابن رمح وابن زغبة عن الليث بمثل سنده ومتنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 المبحث الثاني، التعريف برجال الإسناد: الأول: شيخ البخاري عمرو بن خالد قال الحافظ في التقريب: عمرو بن خالد بن فروخ بن سنعيد التميمي ويقال الخزاعي أبو الحسن الحراني نزيل مصر ثقة من العاشرة مات سنة تسع وعشرين أي بعد المائتين، ورمز لكونه من رجال البخاري وابن ماجه، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سمع الليث بن سعد وزهير بن معاوية روى عنه البخاري في مواضع، وقال: مات بممر سنة تسع وعشرين ومائتين، وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب توثيقه عن العجلي والدارقطنى ومسلمة. وقال: وذكره ابن حبان في الثقات. وقال الذهبي في الميزان: ثقة مشهور الثاني: الليث وهو ابن سعد قال الحافظ في التقريب: الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري ثقة ثبت فقيه إمام مشهور من السابعة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين أي بعد المائة ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال الخزرجي في الخلاصة: الفهمي مولاهم الإمام عالم مصر وفقيهها ورئيسها. وقال الذهبي في الميزان: أحد الأعلام والأئمة الأثبات ثقة حجة بلا نزاع. وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب توثيقه عن أحمد وابن سعد وابن معين وابن المديني والعجلي والنسائي ويعقوب بن شيبة وقال: قال ابن حبان في الثقات: كان من سادات أهل زمانه فقها وورعا وعلما وفضلا وسخاء، وقال ابن أبى مريم: ما رأيت أحدا من خلق الله أفضل من الليث وما كانت خصلة يتقرب بها إلى الله إلا كانت تلك الخصلة في الليث، وقال أبو يعلى الخليلي: كان إمام وقته بلا مدافعة، وقال النووي في شرح صحيح مسلم مبينا فضل الليث ومكانته: وأما الليث بن سعد رضي الله عنه فإمامته وجلالته وصيانته وبراعته وشهادة أهل عصره بسخائه وسيادته وغير ذلك من جميل حالاته أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر، ويكفي في جلالته شهادة الإمامين الجليلين الشافعي وابن بكير رحمهما الله تعالى أن الليث أفقه من مالك رضي الله عنهم أجمعين، فهذان صاحبا مالك رحمه الله وقد شهدا بما شهدا، وهما بالمنزلة المعروفة من الإتقان والورع وإجلال مالك ومعرفتهما بأحواله، هذا كله مع ما قد علم من جلالة مالك وعظم فقهه رضي الله عنه. قال محمد بن رمح كان دخل الليث ثمانين ألف دينار ما أوجب الله تعالى عليه زكاة قط، وقال قتيبة: لما قدم الليث أهدى له مالك من طرف المدينة فبعث إليه ألف دينار، وكان الليث مفتى أهل مصر في زمانه انتهى. وقد أفرد الحافظ ابن حجر ترجمته في جزء سماه الرحمة الغيثية بالترجمة الليثية، قال: ورتبتها على ثمانية أبواب على عدد أبواب الجنة. الثالث: يزيد وهو ابن أبى حبيب قال الحافظ في التقريب: يزيد بن أبى حبيب المصري أبو رجاء واسم أبيه سويد واختلف في ولائه ثقة فقيه وكان يرسل. من الخامسة مات سنة ثمان وعشرين أي بعد المائة وقد قارب الثمانين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ورمز لكونه من رجال الجماعة. وذكر في تهذيب التهذيب بعفر ثناء الأئمة عليه وتوثيقه عن ابن سعد وأبى زرعة والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن أبي حاتم عن أبيه يزيد بن أبى حبيب عن عقبة بن عامر مرسل. وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: وأما يزيد بن أبى حبيب فكنيته أبو رجاء وهو تابعي، قال ابن يونس: وكان مفتى أهل مصر في زمانه، وكان حليما عاقلا، وكان أول من أظهر العلم بمصر والكلام في الحلال والحرام، وقبل ذلك كانوا يتحدثون بالفتن والملاحم والترغيب بالخير انتهى. الرابع: أبو الخير قال الحافظ في التقريب: مرثد بن عبد الله اليزني بفتح التحتانية والزاي بعدها نون أبو الخير المصري ثقة فقيه من الثالثة مات سنة تسعين ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال المقدسي في الجمع بينا رجال الصحيحين: ويزن بطن من حمير سمع عقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو وأبا عبد الله الصنابحي وعبد الرحمن بن عسيلة عند هما- أي في الصحيحين- وعبد الرحمن بن وعلة عند مسلم روى عنه يزيد بن أبى حبيب عند هما وجعفر ابن ربيعة وعبد الرحمن بن شماسة عند مسلم، وقال الحافظ. في تهذيب التهذيب: قال ابن يونس: كان مفتى أهل مصر في زمانه، وقال العجلي: تابعي ثقة، وقال ابن سعد: كان ثقة وله فضل وعبادة، ووثقه يعقوب بن سفيان. الخامس: صحابي الحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال في التقريب: عبد الله بن عمرو بن العاص عن وائل بن هاشم بن سعيد بالتصغير بن سعد بن سهم السهمي أبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليال الحرة على الأصح بالطائف على الراجح ورمز لكون حديثه في الكتب الستة. وقال الخزرجى في الخلاصة: عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو محمد بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة له سبعمائة حديث اتفقا على سبعة عشر وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بعشرين، وقال المقدسي في الجمع بين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 رجال الصحيحين: كان بينه وبين أبيه ثلاث عشرة سنة، وقال إنه أسلم قبل أبيه، وكان يسكن مكة ثم خرج إلى الشام وانتقل إلى مصر، سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر الصديق عند هما، وروى عنه مسروق وأبو الخير مرثد وحميد بن عبد الرحمن وأبو العباس الشاعر وغزير واحد، قال يحي بن بكير مات سنة خمس وستين وقائل يقول سنة ثمان وستين وسنه اثنتان وتسعون. وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن له عند البخاري ستة وعشرين حديثا، وقال في تهذيب التهذيب: ولم يكن بينه وبين أبيه في السن سوى إحدى عشرة سنة، وأسلم قبل أبيه، وكان مجتهداً في العبادة غزير العلم. وقال في الإصابة: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، وعن عمر وأبى الدرداء ومعاذ وابن عوف وعن والده عمرو وقال أبو نعيم: حدث عنه من الصحابة ابن عمر وأبو أمامة والمسور والسائب بن يزيد وأبو الطفيل وعدد كثير من التابعين، وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: فأما عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فجلالته وفقهه وكثرة حديثه وشدة ورعه وزهادته وإكثاره من الصلاة والصيام وسائر العبادات وغير ذلك من أنواع الخير فمعروفة مشهورة لا يمكن استقصاؤها فرضي الله عنه.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الخمسة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم ماعدا شيخ البخاري فلم يرو له منهم مع البخاري سوى ابن ماجه. 2- رجال الإسناد الخمسة مصريون، فهو مسلسل بالرواة المصريين، والتسلسل بالرواة المصريين قليل، قال النووي في شرحه لهذا الحديث في صحيح مسلم: وقد رواه مسلم عن شيخه محمد بن رمح عن الليث بمثل إسناده عند البخاري- قال: وهذا من عزيز الأسانيد في مسلم بل في غيره، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فان اتفاق جميع الرواة في كونهم مصريين في غاية القلة، ويزداد قلة باعتبار الجلالة، ثم أخذ يبين جلالة كل منهم وفضله. 3- ومن اللطائف في ذلك أن أربعة من أصحاب الكتب الستة وهم البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي اتفقوا في رواية هذا الحديث سنداً ومتنا وشيخهم جميعاً فيه قتيبة بن سعيد. 4- ذكر الحافظ في الفتح أنه لا يعرف اسم الرجل السائل في هذا الحديث فهو يعتبر من مبهمات المتن. 5- في الإسناد ثلاثة كل منهم مفتى ممر في زمانه وهم أبو الخير ويزيد ابن أبى حبيب والليث بن سعد. 6- أبو الخير ويزيد بن أبى حبيب تابعيان، فالحديث من رواية تابعي عن تابعي. 7- عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أحد العبادلة الفقهاء الأربعة في الصحابة وهم: عبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في الكلام على الحديث الثاني. 8- من اللطائف في ترجمة عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ما ذكر من أن بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- قوله: أي الإسلام خير؟ معناه أي خصال الإسلام خير؟ وخير أفعل تفضيل حذفت الهمزة من أوله، وكما يرد أفعل تفضيل كما هنا يرد اسما في مقابلة الشر، وقد جمع الله تعالى بينهما في قوله تعالى في سورة الأنفال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُم} فالأولى ما يقابل الشر والثانية أفعل تفضيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 2- قوله: أي الإسلام خير؟ مقول لقول محذوف أي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الإسلام خير وقد صرح بذلك في سنن ابن ماجه حيث قال: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الإسلام خير؟. وتقدم في التخريج. 3- قوله: تطعم الطعام الخ، قال الحافظ في الفتح: هو في تقدير المصدر أي أن تطعم ومثله تسمع بالمعيدي انتهى. وقد ورد ذكر "أن " قبل الفعل في مسند الإمام أحمد كما تقدم في التخريج. 4- قوله: تطعم الطعام، قال في الفتح: ذكر الإطعام ليدخل فيه الضيافة أو غيرها. 5- قوله: وتقرأ السلام، قال في الفتح: وتقرأ بلفظ مضارع القراءة بمعنى تقول، قال أبو حاتم السجستاني: تقول اقرأ عليه السلام ولا تقول: أقرئه السلام، فإذا كان مكتوبا قلت: أقرئه السلام أي اجعله يقرأه اهـ. ولعل هذا باعتبار الغالب، فقد ورد لفظ أقرئه السلام في غير المكتوب كما في قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لمحمد صلى الله عليه وسلم أقرىء أمتك منى السلام الحديث. 6- قوله: على من عرفت ومن لم تعرف، قال في الفتح: أي لا تخص به أحدا تكبرا أو تصنعا بل تعظيما لشعائر الإسلام ومراعاة لأخوة المسلم، فان قيل اللفظ عام فيدخل الكافر والمنافق والفاسق، أجيب بأنه خص بأدلة أخرى أو أن النهي متأخر وكان هذا عاما لمصلحة التأليف، وأما من شك فيه فالأصل البقاء على العموم حتى يثبت الخصوص، وقال في موضع آخر قال النووي: وهذا العموم مخصوص بالمسلم فلا يبتدىء السلام على كافر. قلت: قد تمسك به من أجاز ابتداء الكافر بالسلام، ولا حجة فيه لأن الأصل مشروعية السلام للمسلم، فيحمل قوله (من عرفت) عليه، وأما (من لم تعرف) فلا دلالة فيه. بل إن عرف أنه مسلم فذاك وإلاّ فلو سلم احتياطا لم يمتنع حتى يعرف أنه كافر، وقال ابن بطال: في مشروعية السلام على غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 المعرفة استفتاح للمخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم إخوة فلا يستوحش أحد من أحد، وفي التخصيص ما قد يوقع في الاستيحاش ويشبه صدود المتهاجرين المنهي عنه انتهى. 7- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- حرص الصحابة رضوان الله عليهم على الخير ومعرفة الحق. 2- الرجوع إلى العلماء وسؤالهم عن أمور الدين. 3- إثبات تفاضل خصال الإسلام. 4- البحث عن الفاضل من خصال الخير لإيلائه مزيد العناية. 5- إخلاص العمل لله رجاء مثوبته. 6- استعمال التواضع والإرشاد إليه. 7- الحث على إفشاء السلام وأنه من خير خصال الإسلام. 8- الحث على إطعام الطعام وأنه من خير خصال الإسلام. 9- فيه دلالة على إكرام الضيف. 10- بذل السلام للمعرفة وغير المعرفة. 11- أنه لو ترك السلام على من لم يعرف احتمل أن يظهر أنه من معارفه فقد يوقعه في الاستيحاش منه. 12- الإرشاد إلى أسباب تآلف القلوب واستجلاب ما يؤكد ذلك بين المؤمنين بالقول والفعل من التهادى وإطعام الطعام وإفشاء السلام وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الحديث الثاني عشر قال البخاري رحمه الله في كتاب فرض الخمس من صحيحه: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عمرو قال سمعت أبا وائل قال: حدثنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 المبحث الأول: التخريج : هذا الحديث أورده الإمام البخاري في أربعة مواضع من صحيحه هذا أحدها في باب: من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره، والثاني في كتاب العلم، باب من سأل وهو قائم عالما جالساً، ولفظه: حدثنا عثمان قال أخبرنا جرير عن منصور عن أبى وائل عن أبى موسى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما القتال في سبيل الله فان أحدنا يقاتل غضبا ويقاتل حمية؟ فرفع إليه رأسه قال: وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل". والثالث في كتاب الجهاد: باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ولفظه: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن عمرو عن أبى وائل عن أبى موسى رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". والرابع في كتاب التوحيد باب: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، ولفظه: حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبى وائل عن أبى موسى قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الجهاد من صحيحه فقال: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل قال حدثنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلا أعرابيا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله أعلى فهو في سبيل الله". حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وابن نمير وإسحاق بن إبراهيم ومحمد بن العلاء قال إسحاق أخبرنا وقال الآخرون حدثنا أبو. معاوية عن الأعمش عن شقيق عن أبى موسى قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن شقيق عن أبى موسى قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله: الرجل يقاتل منا شجاعة فذكر مثله، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن منصور عن أبى وائل عن أبى موسى الأشعري أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال في سبيل الله عزوجل فقال: الرجل يقاتل غضبا ويقاتل حمية قال فرفع رأسه إليه وما رفع رأسه إليه إلا أنه كان قائما فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". ورواه أبو داود في سننه في كتاب الجهاد باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. فقال: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبى وائل عن أبى موسى أن أعرابيا جاء إلى رسول الله لمجير فقال: إن الرجل يقاتل للذكر، ويقاتل ليحمد، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل حتى تكون كلمة الله هي أعلى فهو في سبيل الله عزوجل"، حدثنا على بن مسلم حدثنا أبو داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 عن شعبة عن عمرو قال: سمعت من أبى وائل حديثا أعجبني فذكر معناه. وأخرجه النسائي في الجهاد من سننه باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فقال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا خالد قال حدثنا شعبة أن عمرو بن مرة أخبرهم قال سمعت أبا وائل قال حدثنا أبو موسى الأشعري قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليغنم، ويقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل". ورواه الترمذي في جامعه في أبواب الجهاد باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا فقال: حدثنا هناد، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن أبى موسى قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل. رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". قال أبو عيسى: وفي الباب عن عمر وهذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه في كتاب الجهاد من سننه باب النية في القتال فقال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن نمير حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق عن أبى موسى قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". وأخرجه أيضاً الإمام أحمد في مسنده. وأخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة عمرو بن مرة وفي ترجمة سفيان الثوري. وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد : الأول: شيخ البخاري محمد بن بشار قال الحافظ في التقريب: محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري أبو بكر بندار ثقة من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين أي بعد المائتين وله بضع وثمانون سمة ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: يلقب بندارأ لأنه كان بندارا في الحديث جمع حديث البصرة، وكان ممن يحفظ حديثه، سمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 محمد بن جعفر غندراً وابن أبى عدى محمداً وعبد الوهاب الثقفي وغير واحد عند هما، روى عنه البخاري ومسلم وأكثر ولد سنة سبع وستين ومائة في السنة التي مات فيها حماد بن سلمة، وقال الخزرجى في الخلاصة ة روى عنه الجماعة وابن خزيمة وابن صاعد وخلق، وقال عنه أبو بكر البصري: الحافظ بندار أحد أوعية العلم ونقل الحافظ في مقدمة الفتح توثيقه عن العجلي والنسائي وابن خزيمة وسماه إمام أهل زمانه والفرهياني والذهلي ومسلمة وأبى حاتم الرازي، وقال الذهبي في الميزان: قد احتج به أصحاب الصحاح كلهم وهو حجة بلا ريب وقال: كان من أوعية العلم. الثاني: غندر واسمه محمد بن جعفر قال الحافظ في تهذيب التهذيب: محمد بن جعفر الهذلي مولاهم أبو عبد الله البصري المعروف بغندر صاحب الكرابيس روى عن شعبة فأكثر وجالسه نحوا من عشرين سنة وكان ربيبه وذكر جماعة روى عنهم ثم ذكر بعض الذين رووا عنه ومنهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية ويحي بن معين وعلى بن المديني وبندار، وقال في تقريب التهذيب: ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين أي بعد المائة ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في مقدمة الفتح: أحد الأثبات المتقنين من أصحاب شعبة اعتمده الأئمة كلهم حتى قال على بن المديني: هو أحب إلى من عبد الرحمن بن مهدى في شعبة، وقال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في شعبة فكتاب غندر حكم بينهم لكن قال أبو حاتم: يكتب حديثه عن غير شعبة ولا يحتج به قلت: أخرج البخاري له عن شعبة كثير أو أخرج له حديثا عن معمر وآخر عن عبد الله بن سعيد بن أبق هند توبع فيهما، وروى له الباقون انتهى. وقال الذهبي في الميزان: أحد الأثبات المتقنين ولاسيما في شعبة وقال: وقال يحي بن معين: كان غندر أصح الناس كتابا أراد بعض الناس أن يخطئه فلم يقدر أخرج إلينا كتابا وقال: اجهدوا أن تخرجوا فيه خطأ. فما وجدنا شيئا، وكان يصوم يوما ويفطر يوما منذ خمسين سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 الثالث: شعبة وهو ابن الحجاج تقدم في رجال إسناد الحديث العاشر. الرابع: عمرو وهو ابن مرة كما في الإسناد عند مسلم وتقدم في التخريج، قال في تقريب التهذيب: عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملي بفتح الجيم والميم المرادي أبو عبد الله الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس ورمى بالإرجاء من الخامسة، مات سنة ثمان عشرة ومائة وقيل قبلها ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في مقدمة الفتح: أحد الأثبات من صغار التابعين متفق على توثيقه إلا أن بعضهم تكلم فيه لأنه كان يرى الإرجاء، وقال شعبة: كان لا يدلس، وقد احتج به الجماعة. ونقل في تهذيب التهذيب ثناء الأئمة عليه، ومن ذلك قول مسعر: لم يكن بالكوفة أحب إلى ولا أفضل منه، وقوله: كان عمرو من معادن الصدق. الخامس: أبو وائل وهو شقيق بن سلمة قال الحافظ في تقريب التهذيب: شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال الخزرجى في الخلاصة: أحد سادة التابعين مخضرم عن أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاذ بن جبل وطائفة وعنه الشعبي وعمرو بن مرة ومغيرة بن مقسم ومنصور وزبيد. وذكر في تهذيب التهذيب توثيق الأئمة له وثناءهم عليه ومن ذلك قول ابن معين: ثقة لا يسأل عن مثله وقول ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة. السادس: صحابي الحديث أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وقد تقدم في رجال إسناد الحديث الخامس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الستة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 حديثهم، فهو مسلسل بالرواة الذين خرج لهم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. 2- النصف الأعلى. من رجال الإسناد كوفيون وفم: أبو موسى وأبو وائل وعمرو بن مرة، والنصف الأدنى بصريون وهم: شعبة وغندر وبندار. 3- شيخ البخاري محمد بن بشار يلقب بنداراً، وقد اشتهر بلقبه وهو شيخ لبقية أصحاب الكتب الستة أيضاً كل منهم روى عنه مباشرة. 4- شيخ شيخ البخاري غندر وهو لقب اشتهر به كما اشتهر باسمه أيضاً، وهو محمد بن جعفر وقد ذكر هنا باللقب كما يذكر في مواضع من صحيح البخاري بالاسم أيضاً وقد ذكر بالاسم في سند هذا الحديث عند مسلم كما تقدم في التخريج. 5- أبو وائل الراوي عن أبى موسى اسمه شقيق بن سلمة وقد اشتهر بكنيته كما اشتهر باسمه وقد جاء ذكره في رجال إسناد هذا الحديث عند مسلم بالاسم وبالكنية كما تقدم في التخريج كما ورد ذكر؟ بالاسم في إسناد هذا الحديث عند الترمذي. وابن ماجه كما في التخريج أيضاً، ومعرفة مثل ذلك من الأمور المهمة في مصطلح الحديث، قال الحافظ في شرحه لنخبة الفكر: ومن المهم في هذا الفن معرفة كنى المسمين ممن اشتهر باسمه وله كنية لا يؤمن أن يأتي في بعض الرواية مكنيا لئلا يظن أنه آخر، ومعرفة أسماء المكنين وهو عكس الذي قبله انتهى. 6- في الإسناد تابعيان وهما أبو وائل وعمرو بن مرة، فالحديث من رواية تابعي عن تابعي. 7- هذا الحديث رواه البخاري من طريقين إلى شعبة، في كتاب الجهاد بينه وبين شعبة سليمان بن حرب، وفي كتاب فرض الخمس بينه وبينه واسطتان محمد بن بشار وغندر وإنما رواه نازلا هنا مع روايته له عاليا في كتاب الجهاد إشارة إلى تعدد الطرق إلى شعبة ولأن الطريق النازلة فيها ميزة وهي أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الراوي فيها عن شعبة محمد بن جعفر الملقب بغندر وهو أثبت الناس في شعبة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أقوال الأئمة في ترجمته، وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث أورده البخاري في كتاب الإيمان من طريقين في باب ظلم دون ظلم، روى الحديث في إحدى الطريقين عاليا بينه وبين شعبة أبو الوليد الطيالسي، ورواه نازلا في الطريق الأخرى بينه وبين شعبة بشر بن خالد ومحمد بن جعفر المعروف بغندر قال الحافظ: وغندر أثبت الناس في شعبة ولهذا أخرج المؤلف روايته مع كونه أخرج الحديث عاليا عن أبى الوليد انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- الأعرابي السائل في هذا الحديث قال الحافظ ابن حجر في الفتح: يصلح أن يفسر بلاحق بن ضميرة وحديثه عند أبى موسى المديني في الصحابة. من طريق عفير بن معدان سمعت لاحق به ضميرة الباهلي قال: وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم فسألته عن الرجل يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيء له، الحديث. وفي إسناده ضعف انتهى. 2- قوله: يقاتل للمغنم أي لطلب الغنيمة. والرجل يقاتل ليذكر، أي ليذكر بين الناس ويشتهر بالشجاعة وفي بعض روايات هذا الحديث: ويقاتل شجاعة، وقوله: ويقاتل ليرى مكانه: وفي رواية: ويقاتل رياء، وفي رواية: ويقاتل حمية، وفي رواية: ويقاتل غضبا: قال الحافظ ابق حجر بعد الإشارة إلى تلك الروايات فالحاصل من رواياتهم أن القتال يقع بسبب خمسة أشياء طلب المغنم وإظهار الشجاعة والرياء والحمية والغضب. وكل منها يتناوله المدح والذم فلهذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي. 3- قوله: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، قال الحافظ في الفتح: المراد بكلمة الله: دعوة الله إلى الإسلام ويحتمل أن يكون المراد أنه لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط، بمعنى أن لو أضاف إلى ذلك سببا من الأسباب المذكورة أخل بذلك، ويحتمل أن لا يخل إذا حصل ضمنا لا أصلا ومقصودا وبذلك صرح الطبري فقال: إذا كان أصل الباعث هو الأول لا يضره ما عرض له بعد ذلك وبذلك قال الجمهور لكن روى أبو داود والنسائي من حديث أبى أمامة بإسناد جيد قال: جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ قال: لا شيء له فأعادها ثلاثا كل ذلك يقول: لا شيء له. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه"، ويمكن أن يحمل هذا على من قصد الأمرين معا على حد واحد فلا يخالف المرجح أولا فتصير المراتب خمسا أن يقصد الشيئين معا أو يقصد أحدهما صرفا أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنا فالمحذور أن يقصد غير الإعلاء فقد يحصل الإعلاء ضمنا وقد لا يحصل ويدخل تحته مرتبتان وهذا ما دل عليه حديث أبى موسى ودونه أن يقصد هما معا فهو محذور أيضا على ما دل عليه حديث أبى أمامة والمطلوب أن يقصد الإعلاء صرفا، وقد يحصل غير الإعلاء وقد لا يحصل ففيه مرتبتان أيضا قال ابن آبى جمرة: ذهب المحققون إلى أنه إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما انضاف إليه انتهى، ويدل على أن دخول غير الإعلاء ضمنا لا يقدح في الإعلاء إذا كان الإعلاء هو الباعث الأصلي ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عبد الله بن حوالة قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقدامنا لنغنم فرجعنا ولم نغنم شيئا فقال: "اللهم لا تكلهم إلى"، الحديث. 4- (كلمة الله) في هذا الحديث بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله"، وهو من إطلاق الكلمة مرادا بها الكلام ومنه قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاّ نَعْبُدَ إِلاّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 5- قوله: فهو في سبيل الله: سبيل الله الطريق الموصلة إليه وتطلق على كل ما شرعه الله كما تطلق مرادا بها الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام ومن الأول قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ومن الثاني هذا الحديث. 6- في إجابة النبي صلى الله عليه وسلم السائل بقوله: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله شاهد لما يعرف في فق البلاغة بأسلوب الحكيم فان هذا الجواب. مشتمل على إجابته عما سأل عنه وزيادة مع اختصاره وإيجازه وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه لو أجابه بأن جميع ما ذكره ليس في سبيل الله احتمل أن يكون ماعدا ذلك كله في سبيل الله وليس كذلك فعدل إلى لفظ جامع عدل به عن الجواب عن ماهية القتال إلى حال المقاتل، فتضمن الجواب وزيادة، ويحتمل أن يكون الضمير في قوله: "فهو" راجعا إلى القتال الذي في ضمن قاتل أي فقتاله قتال في سبيل الله، واشتمل طلب إعلاء كلمة الله على طلب رضاه وطلب ثوابه وطلب دحض أعدائه وكلها متلازمة، قال ذلك الحافظ ابن حجر، وقال: قال ابن بطال: إنما عدل النبي عبيد عن لفظ جواب السائل لأن الغضب والحمية قد يكونان لله فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلى لفظ جامع فأفاد دفع الإلباس وزيادة الإفهام. 7- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- الرجوع إلى العلماء وسؤالهم عن أمور الدين. 2- بيان أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة، والحديث شاهد لحديث إنها الأعمال بالنيات. 3- أن الفضل الذي ورد في المجاهدين مختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. 4- جواز السؤال عن العلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 5- تقدم العلم على العمل. 6.- ذم الحرص على الدنياء وعلى القتال لخط النفس في غير الطاعة. 7- إطلاق الكلمة مرادا بها الكلام. 8- أن من حسن إجابة المفتي أن تكون فتواه وفية بغرض السائل وزيادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 الحديث الثالث عشر : قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإيمان من صحيحه: حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن النبي عظيم ح. وحدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم. " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 المبحث الأول: التخريج : هذا الحديث أورده الإمام البخاري في صحيحه في موضع واحد في باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان، أورده عقب حديث أبى هريرة رضي الله عنه ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده". وروى مسلم حديث أنس هذا في كتاب الإيمان من صحيحه فقال: وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن علية ح وحدثنا شيبان بن أبى شيبة حدثنا عبد الوارث كلاهما عن عبد العزيز عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبد". وفي حديث عبد الوارث " الرجل " حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين "، حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد ابن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ورواه النسائي في باب علامة الإيمان فقال: أخبرنا حميد بن مسعدة قال حدثنا بشر- يعنى ابن المفضل- قال: حدثنا شعبة عن قتادة أنه سمع أنسا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". أخبرنا الحسين بن حريث قال: أنبأنا إسماعيل عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 عبد العزيز ح. وأنبأنا عمران بن موسى قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا عبد العزيز عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وأهله والناس أجمعين". ورواه ابن ماجه في أوائل شنه فقال: حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".. وأخرجه الإمام أحمد في مسنده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد : أول رجال الإسناد الأول: شيخ البخاري يعقوب بن إبراهيم، قال الحافظ في التقريب: يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن أفلح العبدي مولاهم أبو يوسف الدورقي ثقة من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين أي بعد المائتين وله ست وتسعون سنة وكان من الحفاظ ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال الخزرجى في الخلاصة: روى عن يحي بن أبى زائدة ومعتمر بن سليمان وعبد العزيز بن أبى حازم وخلق وعنه الجماعة، قال الخطيب: كان حافظا متقنا صنف المسند، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: العبدي مولى عبد القيس أبو يوسف الدورقي الحافظ البغدادي. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: يكنى أبا يوسف أخو أحمد القيسي مولى لعبد القيس وليس من بلد دورق وإنما كانوا يلبسون قلانس تسمى الدورقية فنسبوا إليها. وقال: قال أبو العباس السراج. ولد يعقوب سنة ست وستين ومائة وكان بينه وبين أخيه أحمد سنتان ومات سنة اثنتين وخمسين ومائتين. الثاني: ابن علية قال الحافظ في التقريب: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بمضر البصري المعروف بابن عليه ثقة حافظ من الثامنة مات سنة ثلاث وتسعين أي بعد المائة وهو ابن ثلاث وثمانين سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الأسدي البصري مولى بنى أسد بن خزيمة يكنى أبا بشر وأمه علية مولاة لبنى أسد ونقل في تهذيب التهذيب توثيق الأئمة له وثناءهم عليه ومن ذلك قول شعبة: إسماعيل بن علية ريحانة الفقهاء وقوله أيضا: ابن علية سيد المحدثين وقول أحمد: إليه المنتهي في التثبت بالبصرة، وقول ابن المديني: ما أقول إن أحداً أثبت في الحديث من ابن علية انتهى. وقال الذهبي في الميزان: وكان حافظا فقيها كبير القدر. الثالث: عبد العزيز بن صهيب قال الحافظ في التقريب: عبد العزيز ابن صهيب البناني بموحدة ونونين البصري ثقة من الرابعة مات سنة ثلاثين أي بعد المائة ورمز لكونه من رجال الجماعة وقال الخزرجى في الخلاصة: عبد العزيز بن صهيب البناني بنانة بن سعد بن لؤي بن غالب مولاهم البصري عن أنس وشهر وعنه شعبة والحمادان وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: البناني مولاهم البصري الأعمى ونقل توثيقه عن أحمد وابن معين وابن سعد والنسائي والعجلي. الرابع: صحابي الحديث في الإسنادين أنس بن مالك رضي الله عنه وتقدم في رجال إسناد الحديث السادس. أما بقية رجال الإسناد الثاني فأولهم: شيخ البخاري آدم بن أبى إياس وقد تقدم في رجال إسناد الحديث العاشر. الثاني: شعبة بن الحجاج وتقدم في رجال إسناد الحديث العاشر أيضا. الثالث: قتادة قال في التقريب: قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري ثقة ثبت يقال ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة مات سنة بضع عشرة أي بعد المائة ورمز لكونه من رجال الجماعة وقال الخزرجى في الخلاصة: أبو الخطاب البصري الأكمه أحد الأئمة الأعلام حافظ مدلس روى عن أنس وابن المسيب وابن سيرين وخلق وعنه أيوب وحميد وحسين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 المعلم والأوزاعي وشعبة وعلقمة انتهى. وقال الذهبي في الميزان: حافظ ثقة ثبت لكفه مدلس ورمى بالقدر قال يحي بن معين: ومع هذا فاحتج به أصحاب الصحاح لاسيما إذا قال: حدثنا، مات كهلا انتهى. وقال الحافظ في مقدمة الفتح: قتادة بن دعامة البصري التابعي الجليل أحد الأثبات المشهورين كان يضرب به المثل في الحفظ إلا أنه كان ربما دلس، وقال ابن معين: رمى بالقدر وذكر ذلك عن جماعة، وأما أبو داود فقال: لم يثبت عندنا عن قتادة القول بالقدر والله أعلم واحتج به الجماعة انتهى، وترجم له في تهذيب التهذيب بأكثر من خمس صفحات، ومما ذكره من الثناء عليه قول ابن سيرين: قتادة هو أحفظ الناس، وقول بكير بن عبد الله المزني: ما رأيت الذي هو أحفظ منه ولا أجدر أن يؤدى الحديث كما سمعه، ونقل عن بعض العلماء وصفه بالتدليس، ونقل عن بعضهم أنه روى عن جماعة لم يسمع منهم فهو متصف بالإرسال والتدليس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث 1- رجال الإسنادين السبعة خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ البخاري في الإسناد الثاني آدم بن أبى إياس فلم يرو له مسلم وابن ماجه. 2- رجال الإسنادين السبعة بصريون إلا شيخي البخاري يعقوب فهو بغدادي وآدم عسقلاني نشأ ببغداد. 3- يعقوب بن إبراهيم الدورقي شيخ البخاري وقد توفي قبله بأربع سنوات وقد شاركه في الرواية عنه مباشرة بقية أصحاب الكتب الستة. ومما يحسن ذكره هنا أن يعقوب بن إبراهيم هذا ومحمد بن بشار الملقب بنداراً ومحمد بن المثنى الملقب الزمن قد ماتوا في سنة واحدة وهي سنة اثنتين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وخمسين ومائتين، وكل واحد منهم شيخ لأصحاب الكتب الستة، وقد اتفقوا أيضا في سنة الولادة إلا أن يعقوب ولد قبلهما بسنة واحدة حيث كانت ولادته سنة ست وستين ومائة، أما محمد بن بشار ومحمد بن المثنى فقد ولدا في السنة التي مات فيها حماد بن سلمة أي سنة سبع وستين ومائة، ولهذا لما ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن المثنى في التقريب قال وكان هو وبندار فرسي رهان وماتا في سنة واحدة، وللبخاري شيخ رابع توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين أيضا وهو زياد بن أيوب الطوسي البغدادي وولد في السنة التي ولد فيها يعقوب بن إبراهيم. 4- رجال الإسناد الأول كلهم من الموالى إلا الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه وابن علية أسدى ولاء من جهة أبيه وأمه. 5- ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم وعلية اسم أمه اشتهر بالنسبة إليها، وكان يقول: من قال لي ابن علية فقد اغتابني، ومعرفة مثل هذه النسبة من الأمور المهمة في علم مصطلح الحديث، قال الحافظ ابن حجر في شرح نخبة الفكر: ومن المهم معرفة من نسب إلى غير أبيه كالمقداد بن الأسود نسب إلى الأسود الزهري لكونه تبناه وإنما هو مقداد بن عمرو أو إلى أمه كابن علية وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم أحد الثقات وعلية اسم أمه اشتهر بها وكان لا يحب أن يقال له ابن علية، ولهذا كان يقول الشافعي: أنبأنا إسماعيل الذي يقال له ابن علية انتهى. فإذا ذكر مع اسمه اسم أبيه أو اسم أبيه وجده ثم ذكر منسوبا إلى أمه فانه يتعين شيئان أحدهما أن يعرب " ابن " في النسبة إلى أمه إعراب " ابن " في نسبته إلى أبيه، والثاني أن تثبت الألف في "ابن " في ن! سبته إلى أمه، وقد نبه على هذا النووي في شرحه لصحيح مسلم في كتاب الإيمان لما جاء ذكر المقداد ابن عمرو بن الأسود الكندي وقال: ولهذا الاسم نظائر منها عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم وعبد الله بن أبى ابن سلول، وعبد الله بن مالك ابن بحينة ومحمد بن على ابن الحنفية، وإسماعيل بن إبراهيم ابن علية وإسحاق ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 إبراهيم ابن راهوية، ومحمد بن يزيد ابن ماجه فكل هؤلاء ليس الأب فيهم ابنا لمن كده فيتعين أن يكتب " ابن " بالألف وان يعرب بإعراب الابن المذكور أولا، فأم مكتوم زوجة عمرو، وسلول زوجة أبى، وبحينة زوجه مالك وأم عبد الله، وكذلك الحنفية زوجة على رضي الله عنه، وعلية زوجة إبراهيم، وراهويه هو إبراهيم والد إسحاق، وكذلك ماجه هو يزيد، فهما لقبان والله أعلم، ثم أشار إلى وجه ذكر النسبة إلى الأب والنسبة إلى الأم معا في بعض الأحوال فقال: ومرادهم في هذا كله تعريف الشخص بوصفيه ليكمل تعريفه فقد يكون الإنسان عارفا بأحد وصفيه دون الآخر فيجمعون بينهما ليتم التعريف لكل أحد. 6- قتادة هو ابن دعامة ولا لبث في عدم نسبته في الإسناد لأنه ليس في رجال البخاري من يسمى قتادة سواه إلا قتادة بن النعمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 7- ذكر الحافظ ابن حجر في شرحه لنخبة الفكر أن أرفع مراتب التعديل الوصف بأفعل كأوثق الناس أو أثبت الناس أو إليه المنتهي في التثبت انتهى. وفي رجال هذا الإسناد من وصف بذلك فابن علية قال فيه الإمام أحمد: إليه المنتهي في التثبت في البصرة، وقال فيه ابن المديني: ما أقول إن أحدا أثبت في الحديث من ابن علية، وقتادة بن دعامة قال فيه ابن سيرين: قتادة هو أحفظ الناس، وقال بكير بن عبد الله المزني: ما رأيت الذي هو أحفظ منه ولا أجدر أن يؤدى الحديث كما سمعه. 8- قتادة من المعروفين بالتدليس والراوي عنه في هذا الحديث شعبة ابن الحجاج وهو لا يروى عنه إلا ما سمعه، وقد صرح بالسماع في روايته لهذا الحديث كما في سنن النسائي، وتقدم في التخريج، قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرحه لهذا الحديث: ورواية شعبة عن قتادة مأمون فيها من تدليس قتادة لأنه كان لا يسمع منه إلا ما سمعه وقد وقع التصريح به في هذا الحديث في رواية النسائي انتهى.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 9- المتن المسوق رواية قتادة عن أنس وهو قريب من سياق حديث أبى هريرة وفيه زيادة عليه: والناس أجمعين، أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح وقال: واقتصر يعنى البخاري على سياق قتادة لموافقته لسياق حديث أبى هريرة رضي افه عنه. 10- قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ولفظ عبد العزيز مثله يعنى مثل لفظ قتادة إلا أنه قال كما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن يعقوب شيخ البخاري بهذا الاسناد (من أهله وماله) بدل (من والده وولده) وكذا لمسلم من طريق ابن علية، وكذا للاسماعيلي من طريق عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز ولفظه: لا يؤمن الرجل، وهو أشمل من جهة و (أحدكم) أشمل من جهة. وأشمل منهما رواية الأصيلي (لا يؤمن أحد) فان قيل: فسياق عبد العزيز مغاير لسياق قتادة، وصنيع البخاري يوهم اتحاد هما في المعنى وليس كذلك، فالجواب أن البخاري يصنع مثل هذا نظرا إلى أصل الحديث لا إلى خصوص ألفاظه انتهى. 11- ساق البخاري رحمه الله الإسناد الأول إلى أخره، ثم عطف عليه الإسناد الثاني ولم يحول الإسناد قبل الوصول إلى أنس رضي الله عنه وهو المروى عنه في الاسنادين معا، ولعل السر في ذلك تغاير صيغة الرواية من أنس رضي الله عنه، فسياق روايته عن رسول الله به من طريق عبد العزيز ابن صهيب: عن النبي!، وسياق روايته من طريق قتادة؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم. 12- الإسنادان من أولهما إلى أنس رضي الله عنه متحدان سياقا، فالبخاري يقول في الرواية عن كل من شيخيه: حدثنا وكل من شيخيه يقول عن شيخه: حدثنا، وشيخا شيخيه ابن علية وشعبة كل منهما يقول عن شيخه: عن، وقتادة وعبد العزيز يقولان: عن أنس رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 المبحث الرابع: شرح الحديث 1- قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه" الخ، قال الحافظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 ابن حجر أي إيمانا كاملا، قال الشيخ عبد الرؤف المناوي في فيض القدير: أي إيمانا كاملا، وقال في قوله: حتى أكون أحب إليه. غاية لنفي كمال الإيمان، ومن كمل إيمانه علم أن حقيقة الإيمان لا تتم إلا بترجيح حبه على حب كل من ولده ووالده والناس أجمعين. وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد: لا يؤمن أحدكم: أي الإيمان الواجب والمراد كماله، حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إلى العبد من ولده ووالده والناس أجمعين. بل ولا يحصل هذا الكمال إلا بأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه كما في الحديث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله لأنت أحب إلى من كل شيء إلا من نفسي، فقال: "والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر: فانك الآن أحب إلي من نفسي فقال: الآن يا عمر"، رواه البخاري، فمن قال: إن المنفي هو الكمال فان أراد الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويتعرض للعقوبة فقد صدق، وإن أراد أن المنفي الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قاله شيخ الإسلام رحمه الله، فمن ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم بدون متابعته وتقديم قوله على قول غيره فقد كذب كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} " فنفي الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن كل مسلم يكون محبا بقدر ما معه من الإسلام، وكل مسلم لابد أن يكون مؤمنا وإن لم يكن مؤمنا الإيمان المطلق لآن ذلك لا يحصل إلا لخواص المؤمنين. وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه تيسير العزيز الحميد: لا يؤمن أحدكم أي لا يحصل له الإيمان الذي تبرأ به ذمته ويستحق به دخول الجنة بلا عذاب حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من أهله وولده ووالده والناس أجمعين، بل لا يحصل له ذلك حتى يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه أيضا كما في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه فساقه، وقال: فمن لم يكن كذلك فهو من أصحاب الكبائر إذا لم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 كافرا، فانه لا يعهد في لسان الشرع نفي اسم مسمى أمر الله به ورسوله إلا إذا ترك بعض واجباته، فأما إذا كان الفعل مستحبا في العبادة لم ينفها لانتفاء المستحب.. وقال أيضا: وأكثر الناس يدعى أن الرسول عامله أحب إليه مما ذكر فلابد من تصديق ذلك بالعمل والمتابعة له وإلاّ فالمدعى كاذب، فان القرآن بين أن المحبة التي في القلب تستلزم العمل الظاهر بحسبها كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} . 2- قوله: حتى أكون أحب إليه من والده وولده، ورد في بعض الروايات عند مسلم وغيره (من أهله وماله) بدل (من والده وولده) قال الحافظ ابن حجر: وذكر الولد والوالد أدخل في المعنى لانهما أعز على العاقل من الأهل والمال بل ربما يكونان أعز من نفسه. 3- قوله: من والده، لفظ الوالد يشمل الوالدة إن أريد به من له الولد، أو يقال اكتفي بذكر أحدهما كما يكتفي عن أحد الضدين بالآخر قاله الحافظ ابن حجر في الفتح. 4- قوله: والناس أجمعين، من العام المراد به الخصوص، وذكره بعد الوالد والولد من عطف العام على الخاص، وهل يشمل النفس؟ قال الحافظ في الفتح: الظاهر دخولاً انتهى. وتقدم حديث عمر الذي هو نص في نفس الإنسان، ويدل على ذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" فان النفس مما سواهما. 5- قوله: من والده وولده، قدم الوالد على الولد في رواية أنس هذه ورواية أبى هريرة عند البخاري، والسر في ذلك تقدمه في الزمان والإجلال، أو للأكثرية لأن كل أحد له والد من غير عكس، وقدم الولد على الوالد في رواية النسائي لمزيد الشفقة. 6- وهل الحكم الذي اشتمل عليه هذا الحديث يكون لسائر الأنبياء والمرسلين أيضا؟ قال الحافظ في الفتح: محبة جميع الرسل من الإيمان، لكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الأحبية مختصة بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. 7- قال الحافظ في الفتح: ومن علامة الحب المذكور أن يعرض على المرء أن لو خير بين فقد غرض من أغراضه أو فقد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أن لو كانت ممكنة، فان كان فقدها أن لو كانت ممكنة أشد عليه من فقد شيء من أغراضه فقد اتصف بالأحبية المذكورة ومن لا فلا، وليس ذلك محصورا في الوجود والفقد بل يأتي مثله في نصر سنته والذبّ عن شريعته وقمع مخالفيها. ويدخل فيه باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونقل عن النووي أنه قال: فيه تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنة، فان من رجح جانب المطمئنة كان حبه للنبي صلى الله عليه وسلم راجحا، ومن رجح جانب الأمارة كان حكمه بالعكس انتهى. ومعنى ذلك أن لو تعارض عند الإنسان فعل شيء يحبه الله ورسوله قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعله، ونفسه الأمارة بالسوء لا ترتاح إلى فعله، فان قدم فعل ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تهواه نفسه حصل له الاتصاف بالأحبية المذكورة في الحديث، وإن قدم ما تهواه نفسه كان بالعكس.. وقال الكرمإني: ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم إرادة طاعته وترك مخالفته وهو من واجبات الإسلام.. وقال ابن القيم في النونية: فهو المطاع وأمره العالى على ... أمر الورى وأمر ذى السلطان وهو المقدم في محبتنا على الـ ... أهلين والأزواج والولدان وعلى العباد جميعهم حتى على الـ ... ـنفس التي قد ضمها الجنبان 8- السر في الأحبية الثابتة في الحديث كونه صلى الله عليه وسلم سبب هداية الناس الذين بعثه الله إليهم إذ أخرجهم الله به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، فلما كان سبب المحبة بين المحب والمحبوب ما يحصل من النفع للمحب كانت محبة الرسول صلى الله عليه وسلم مقدمة على محبة أعز الناس إلى الإنسان؟ لأن النفع الذي حصل للمسلم بسبب الرسول لكن هو بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي، ولهذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم أجر عمله ومثل أجور من آمن به من حين بعثه الله إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قيام الساعة لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي دل الناس على الخير ومن دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من فعله كما ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 9- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- وجوب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على أعز الناس إلى الإنسان. 2- أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة وهي تابعة لمحبة الله لازمة لها. 3- أن الأعمال من الإيمان لأن المحبة عمل القلب. 4- أنه قد ينفي الإيمان عن شخص ولا يخرج بذلك عن الإسلام. 5- أنه إذا كان هذا شأن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فما الظن بمحبة الله؟ 6- الإشارة إلى ما يجب للوالد من التوقير والإجلال وما يجب للولد من الشفقة. 7- البدء بالأهم فالمهم. 8- الإشارة إلى أهمية التفكر لأن الأحبية المذكورة تعرف به وذلك أن محبوب الإنسان إما نفسه وإما غيرها، أما نفسه فهو أن يريد بقاءها سالمة من الآفات، هذا حقيقة المطلوب، وأما غيرها فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالا ومآلا فإذا تأمل النفع الحاصل له من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الله به من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إما بالمباشرة وإما بالسبب علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الإنتفاعات فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره لأن النفع الذي يثير المحبة حاصل منه أكثر من غيره ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه ولاشك أن حظ الصحابة رضي الله عنهم من هذا المعنى أتم لأن هذا ثمرة المعرفة وهم بها أعلم والله الموفق قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله في مؤلفه العظيم فتح الباري.. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الحديث الرابع عشر : قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الإكراه من صحيحه: حدثنا محمد بن عبد انته بن حوشب الطائفي حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن أبى قلابة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 المبحث الأول: التخريج . أورد البخاري رحمه الله هذا الحديث في أربعة مواضع من صحيحه هذا أحدها في باب من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر، والثاني في كتاب الإيمان باب حلاوة الإيمان رواه عن شيخه محمد بن المثنى بمثل روايته عن محمد بن عبد الله بن حوشب متنا وسندا وسياقا إلا أن فيه نسبة عبد الوهاب (الثقفي) وأنس رضي الله عنه يقول فيه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثالث في كتاب الإيمان أيضا باب من كره أن يعود في الكفر كما يكره أن يلقى في النار من الإيمان، ولفظه: حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ انقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار"، والرابع في كتاب الأدب باب الحب في الله ولفظه: حدثنا آدم حدثنا شعرة عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ورواه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن يحي بن أبى عمرو محمد بن بشار جميعا عن الثقفي قال ابن أبى عمر حدثنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبى قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؟ من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله كما يكره أن يقذف في النار". حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة يحدث عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه وجه حلاوة الإيمان: من كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه". حدثنا إسحاق بن منصور أنبأنا النضر ابن شميل أنبأنا حماد عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو حديثهم غير أنه قال: "من أن يرجع يهوديا أو نصرانيا". ورواه الترمذي في كتاب الإيمان من جامعه عن ابن أبى عمر عن عبد الوهاب بمثل إسناده ومتنه عند مسلم إلا أن فيه بدل (حلاوة الإيمان) (طعم الإيمان) وقال قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وقد رواه قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه النسائي في كتاب الإيمان أيضاً فقال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال أنبأنا جرير عن منصور عن طلق بن حبيب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله عتمة: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وطعمه، أن يكون الله عزوجل ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب في الله ويبغض في الله، وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها أحب إليه من أن يشرك بالله شيئاً"، أخبرنا سويد ابن نصر قال حدثنا عبد الله عن شعبة عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، من أحب المرء لا يحبه إلا لثه عزوجل، ومن كان الله عزوجل ورسوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 أحب إليه مما سواهما، ومن كان أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إن أنقذه الله منه". أخبرنا على بن حجر قال حدثنا إسماعيل عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يرجع إلى الكفر كما يكره أن يلقى في النار"، ورواه الإمام أحمد في المسند عن عبد الوهاب بإسناده وفيه كما يكره أن يوقد له نار فيقذف فيها. وأخرجه أبو نعيم في الحلية قبيل ترجمة الصديق رضي الله عنه، وفي ترجمة أبى قلابة. وأخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن الحسن المؤذن الأنباري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد . الأول: شيخ البخاري محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي قال الحافظ ابن حجر في التقريب: محمد بن عبد الله بن حوشب بمهمله ثم معجمة بوزن جعفر الطائفي نزيل الكوفة صدوق من العاشرة ورمز لكونه من رجال البخاري. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سمع إبراهيم بن سعد وهشيما وعبد الوهاب الثقفي روى عنه البخاري في تفسير سورة النساء ومواضع، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: قال ابن شاهين في الثقات: قال ابن معين: ليس به بأس انتهي ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته. الثاني: عبد الوهاب وهو الثقفي كما ورد منسوبا في رواية محمد بن المثنى عند البخاري، قال الحافظ في التقريب: عبد الوهاب بن عبد المجيد ابن الصلت الثقفي أبو محمد البصري ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين من الثامنة مات سنة أربع وتسعين أي بعد المائة عن نحو من ثمانين سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سمع أيوب السختياني ويحي بن سعيد وخالد الحذاء وعبيد الله بن عمر عند هما أي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 في الصحيحين وغير واحد عند مسلم روى عنه بندار وأبو موسى عند هما وذكر جماعة رووا عنه عند البخاري وجماعة عند مسلم ونقل في تهذيب التهذيب توثيقه عن ابن معين والعجلي وذكره ابن حبان في الثقات وقال على بن المديني: ليس في الدنيا كتاب عن يحي يعنى ابن سعيد الأنصاري أصح من كتاب عبد الوهاب وكلى كتاب عن يحي فهو عليه كل، وقال الترمذي: سمعت قتيبة يقول: ما رأيت مثل هؤلاء الأربعة مالك والليث وعبد الوهاب الثقفي وعباد بن عباد. وقال في مقدمة الفتح: أحد الأثبات، وقال بعد نقل تغيره عن بعض المحدثين قلت: احتج به الجماعة ولم يكثر البخاري عنه والظاهر أنه إنما أخرج له عمن سمع منه قبل اختلاطه كعمرو بن على وغيره، بل نقل العقيلي أنه لما اختلط حجبه أهله فلم يرو في الاختلاط شيئاً والله أعلم. الثالث: أيوب وهو السختياني قال الحافظ في التقريب: أيوب بن أبى تميمة كيسان السختياني بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون أبو بكر البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في تهذيب التهذيب: أبو بكر البصري مولى عنزة ويقال مولى جهينة رأى أنس بن مالك وروى عن عمرو بن سلمة الجرمي وحميد بن هلال وأبى قلابة وأناس آخرين سماهم وعنه الأعمش وهو من أقرانه وقتادة وهو من شيوخه والحمادان والسفيانان وشعبة وعبد الوارث ومالك وابن إسحاق وسعيد بن أبى عروبة وابن علية وخلق كثير، ونقل في تهذيب التهذيب توثيقه والثناء عليه عن كثيرين، ومن ذلك قول شعبة: حدثني أيوب وكان سيد الفقهاء، وقول ابن عيينة: ما لقيت مثل أيوب، وقول ابن سعد: كان ثقة ثبتا في الحديث جامعا كثير العلم حجة عدلا، وقول مالك: كان من العالمين العاملين الخاشعين. الرابع: أبو قلابة قال الحافظ في التقريب: عبد الله بن زيد بن عمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 أو عامر الجرمي أبو قلابة البصري ثقة فاضل كثير الإرسال، قال العجلي فيه نصب يسير من الثالثة، مات بالشام هاربا من القضاء سنة أربع ومائة وقيل بعدها ورمز لكونه من رجال الجماعة انتهى. روى عن جماعة من الصحابة وأرسل عن آخرين ذكرهم في تهذيب التهذيب ونقل توثيقه عن ابن سعد والعجلي وابن خراش. الخامس: الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه تقدم في رجال إسناد الحديث السادس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث . 1- رجال الإسناد الخمسة خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ البخاري محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي فلم يرو له منهم سوى البخاري. 2- رجال الإسناد كلهم بصريون إلا شيخ البخاري فإنه طائفي ثم كوفي. 3- شيخ شيخ البخاري عبد الوهاب وهو ابن عبد المجيد الثقفي لم ينسبه في الإكراه ونسبه في الإيمان، ولا لبس في عدم نسبته لأنه ليس في رجال البخاري من يسمى عبد الوهاب سواه. 4- عبد الوهاب بن عبد المجيد تغير قبل وفاته بثلاث سنين، والحكم في رواية المختلط عند المحدثين أن ما حدث به قبل الاختلاط إذا تميز قبل، وإذا لم يتميز توقف فيه، وعبد الوهاب الثقفي لم يحدث بعد اختلاطه، قال الذهبي في الميزان بحد أن نقل عن بعض المحدثين تغيره: قلت لكنه ما ضر تغيره حديثه، فانه ما حدث بحديث في زمن التغير قال العقيلي: حدثنا الحسين بن عبد الله الذارع حدثنا أبو داود قال: تغير جرير بن حازم وعبد الوهاب الثقفي فحجب الناس عنهم انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 المبحث الرابع: شرح الحديث . 1- قوله: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، ثلاث مبتدأ وخبره الجملة بعده وجاز الابتداء بالنكرة لأن التنوين عوض عن المضاف إليه أي ثلاث خصال، (وكن فيه) يحتمل أن تكون تامة أي وجدن فيه، ويحتمل أن تكون ناقصة والتقدير: من كن مجتمعة فيه. 2- معنى حلاوة الإيمان قال النووي: استلذاذ الطاعات وتحمل المشاق في رضي الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وإيثار ذلك على عرض الدنيا. وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في فتح المجيد: الحلاوة هنا هي التي يعبر عنها بالذوق لما يحصل به من لذة القلب ونعيمه وص وره وغذائه وهي شيء محسوس يجده أهل الإيمان في قلوبهم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في فتح المجيد: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان لأن وجود الحلاوة للشيء يتبع المحبة له فمن أحب شيئا واشتهاه إذا حصل له مراده فإنه يجد الحلاوة واللذة والسرور بذلك، واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو المشتهى، قال: فحلاوة الإيمان المتضمنة للذة والفرح تتبع كمال محبة العبد لله، وذلك بثلاثة أمور: تكميل هذه المحبة وتفريعها ودفع ضدها، فتكميلها أن يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الحديث الخامس عشر : قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب أحاديث الأنبياء من صحيحه: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري يقول أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس سمع عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 المبحث الأول: التخريج : هذا الحديث أورده البخاري في باب قول الله تعالى {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} وأورده ضمن خطبة خطبها عمر رضي الله عنه وذلك في كتاب المحاربين في باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، وسنده: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن. عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس، وسياق محل الشاهد منه قول عمر رضي الله عنه: ألا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما أطرى عيسى بن مريم وقولوا عبد الله ورسوله". وهذا الحديث مما انفرد به البخاري عن مسلم، وأخرجه الحميدي في مسنده عن سفيان بهذا الإسناد ومتنه: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده ورسوله". وأخرجه الإمام أحمد في مسنده عن هشيم عن الزهري وعن عبد الرراق عن معمر عن الزهري وعن إسحاق بن عيسى الطباخ عن مالك بن أنس عن الزهري مطولا وعن سفيان بن عيينة عن الزهري كلها عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهما وسياق رواية سفيان: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبده ورسوله". وقد أشار الحافظ ابن كثير في تفسيره في آخر سورة النساء إلى أن على بن المديني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 رواه عن سفيان بن عيينة عن الزهري بمثل رواية أحمد في مسنده وقال وقال على بن المديني: هذا حديث صحيح مسند انتهى. ورواه الدارمي في سننه في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تطروني، فقال أخبرنا عثمان بن عمر حدثنا مالك عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تطروني كما تطرى النصارى عيسى بن مريم، ولكن قولوا عبد الله ورسوله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد الأول: شيخ البخاري الحميدي، قال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: عبد الله. بن الزبير بن عيسى بن عبيد الله بن الزبير بن عبد الله ابن حميد وإليه ينسب أبو بكر الحميدي القرشي المكي سمع سفيان بن عيينة وكان من أثبت الناس فيه وقال جالسته تسع عشرة سنة أو نحوها والوليد بن مسلم ووكيعا ومروان بن معاوية وبشر بن بكير روى عنه البخاري في أول كتابه حديث: الأعمال بالنيات وغير موضع، وقال فيه الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة حافظ فقيه أجل أصحاب ابن عيينة من العاشرة مات سنة تسع عشرة أي بعد المائتين وقيل بعدها، قال الحاكم: كان البخاري إذا وجد الحديث عند الحميدي لا يعدوه إلى غديره ورمز لكونه من رجال البخاري وأبى داود والنسائي والترمذي ومسلم في مقدمة صحيحه وابن ماجه في التفسير، وقال الحافظ في شرحه لأول حديث في صحيح البخاري: هو أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى منسوب إلى حميد بن أسامة بطن من بنى أسد ابن عبد العزى بن قصى رهط خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع معها في أسد يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم رو في قصى وهو إمام كبير مصنف رافق الشافعي في الطلب عن ابن عيينة وأخذ عنه الفقه ورحل معه إلى مصر ورجع بحد وفاته إلى مكة إلى أن مات بها سنة تسع عشرة ومائتين، وفي تهذيب التهذيب لابن حجر قال أحمد: الحميدي عندنا. إمام، وقال أبو حاتم: هو أثبت الناس في ابن عيينة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وهو رئيس أصحابه وهو ثقة إمام، وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا الحميدي وما لقيت أنصح للإسلام وأهله منه وفيه غير ذلك من ثناء الأئمة عليه رحمه الله. الثاني: سفيان وهو ابن عيينة قال والحافظ في تقريب التهذيب: سفيان ابن عيينة بن أبى عمران ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه بآخره وكان ربما دلس لكن عن الثقات من رؤوس الطبقة الثامنة وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار مات في رجب سنة ثمان وتسعين أي بعد المائة وله إحدى وتسعون سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في شرحه لأول حديث في صحيح البخاري: هو سفيان بن عيينة بن أبى عمران الهلالي أبو محمد المكي أصله ومولده الكوفة، وقد شارك مالكاً في كثير من شيوخه وعاش بعده عشرين سنة، وكان يذكر أنه سمع من سبعين من التابعين، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: يكنى أبا محمد الهلالي سكن مكة وقيل اسم جده أبى عمران ميمون مولى بنى عبد الله بن رويبة من بنى هلال بن عامر سمع الزهري وعمرو بن دينار وغير واحد من التابعين وغيرهم عند هما أي في الصحيحين، وروى عنه أبو نعيم الفضل وأبو الوليد الطيالسي وعبد الله بن موسى والحميدي وعلى بن المديني وغيرهم عند البخاري وسعيد بن منصور وقتيبة وبشر بن الحكم ويحي بن يحي وغير واحد عند مسلم، وقال الذهبي في الميزان: أحد الأثبات الأعلام أجمعت الأمة على الاحتجاج به وكان يدلس لكن المعهود منه أنه لا يدلس إلا عن ثقة وكان قوى الحفظ وما في أصحاب الزهري أصغر سنا منه ومع هذا فهو من أثبتهم ونقل عن ابن عمار عن يحي القطان أن ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة فمن سمع منه فيها فسماعه لا شيء ثم ذكر الذهبي أنه سمع منه فيها محمد بن عاصم صاحب الجزء العالي وقال: ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع، فأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات ولم يلقه أحد فيها لأنه توفي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر. ونقل في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 تهذيب التهذيب الكثير من ثناء الأئمة عليه ومن ذلك قول ابن حبان في الثقات: كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع والدين، وقول اللالكائي: هو مستغن عن التزكية لتثبته وإتقانه وأجمع الحفاظ أنه أثبت الناس في عمرو بن دينار، وقول ابن مهدى: كان أعلم الناس بحديث أهل الحجاز، وقول ابن وهب: ما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله من ابن عيينة، وقال أبو مسلم المستملى: سمعت ابن عيينة يقول: سمعت من عمرو بن دينار ما لبث نوح في قومه. وذكر ابن حبان في مقدمة صحيحه أنه لا يحتج بأخبار الثقات العدول من المدلسين إلا ما بينوا السماع فيما رووا ثم قال: اللهم إلا أن يكون المدلس يعلم أنه ما دلس قط إلا عن ثقة فإذا كان كذلك قبلت روايته وإن لم يبين السماع وهذا ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده فانه كان يدلس، ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بين سماعه عن ثقة مثل نفسه انتهى.. الثالث: الزهري محمد بن مسلم بن شهاب تقدم في رجال إسناد الحديث الأول. الرابع: عبيد الله بن عبد الله وهو ابن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة تقدم في رجال إسناد الحديث الثاني. الخامس: عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أحد العبادلة الأربعة من فقهاء الصحابة وتقدم في رجال إسناد الحديث الثاني، وأضيف هنا أن العبادلة الأربعة نظمهم السيوطي في ألفيته فقال: والبحر وابنا عمر وعمرو ... وابن الزبير في اشتهار يجرى دون ابن مسعود لهم عبادلة ... وغلطوا من غير هذا مال له السادس: عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الصحابي الجليل أحد العشرة المبشرين بالجنة وثاني الخلفاء الراشدين صاحب المناقب العظيمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 الذي لا يسلك فجا إلا وهرب الشيطان من ذلك الفج بشهادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تقدم في رجال الحديث الثامن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الستة خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ البخاري فان مسلما لم يخرج له في الصحيح وروى له في المقدمة وابن ماجه روى له في التفسير. 2- شيخ البخاري وشيخ شيخه مكيان وبقية رجال الإسناد مدنيون. 3- في الإسناد صحابيان وتابعيان فالحديث من رواية صحابي عن صحابي وهو أيضا من رواية تابعي عن تابعي. 4- اجتمع في الإسناد أحد العبادلة الأربعة من الصحابة وهو عبد الله ابن عباس وأحد الفقهاء السبعة من التابعين وهو عبيد الله بن عبد الله بن عتمة ابن مسعود. 5- اشتمل هذا الإسناد على أربع من صيغ الأداء وهي التحديث والسماع والإخبار والعنعنة. 6- هذا الإسناد مماثل في الجملة لإسناد أول حديث أخرجه البخاري في صحيحه وهو حديث إنما الأعمال بالنيات فالصحابي فيهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشيخ البخاري وشيخ شيخه فيهما الحميدي وسفيان بن عيينة. 7- سفيان بن عيينة من المدلسين وهو معروف بالتدليس عن الثقات خاصة وقد تقدم قول ابن حبان فيه: وهذا يعنى التدليس عن الثقات خاصة، ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده فانه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بين سماعه عن ثقة مثل نفسه انتهى. وهذا الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 قد صرح في روايته له بالسماع من الزهري في هذا الإسناد. 8- ابن شهاب الزهري: وصفه الذهبي في الميزان بأنه يدلس نادرا، وقد صرح بالأخبار في رواية هذا الحديث عن عبيد الله فانتفي احتمال التدليس. 9- شيخ البخاري اشتهر بالنسبة إلى جده حميد ولهذا يذكره البخاري وغيره مقتصرين على النسبة، وقد اشتهر بهذه النسبة رجل آخر من رجال الحديث لكنه متأخر كثيرا عن هذا، وهو أبو عبد الله محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد الحميدي الأندلسي المتوفى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة مؤلف كتاب الجمع بين الصحيحين وكتاب جذوة المقتبس وغير هما. 10- سفيان بن عيينة: هو أحد السفيانين فيما إذا قيل في ترجمة رجل دونهما روى عن السفيانين أو رجل فوقهما روى عنه السفيانان، والثاني منهما سفيان الثوري وقد تقدم في رجال إسناد الحديث الثامن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 المبحث الرابع: شرح الحديث : 1- قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم"، الإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه. والمعنى لا تمدحوني بالباطل أو لا تجاوزوا الحد في مدحي فتغلوا كما غلت النصارى في عيسى فادعوا ألوهيته. 2- قوله: "فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله"، أي صفوني بذلك كما وصفني به ربى وقولوا عبد الله ورسوله، وقد وصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك في أشرف المقامات فقال في ذكر الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} وقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} وقال: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} وقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} وبذلك استحق التقديم على الناس في الدنيا والآخرة ولذلك يقول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة إذا طلبوا منه الشفاعة بعد غيره من الأنبياء: اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فحصلت له تلك المرتبة بتكميل عبوديته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 لله تعالى، فاله شارح الحاوية. 3- قوله: "كما أطرت النصارى ابن مريم"، قد بين الله تعالى في كتابه العزيز ما كان عليه النصارى من الغلو وحذرهم من ذلك ومن ذلك قوله تعالى في سورة النساء: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} . 4- قوله: فقولوا عبد الله ورسوله، جمع صلى الله عليه وسلم بين وصفه بكونه عبد الله ووصفه بكونه رسوله دفعا للإفراط والتفريط، دفعا للإفراط والإطراء والغلو لأنه عبد الله تعالى، ودفعا للتقصير والتفريط بترك متابعته وعدم الأخذ بسنته والسير على نهجه الذي أرسله الله به، ورحم الله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب إذ يقول: عبد لا يُعبد ورسول لا يكذب بل يطاع ويتبع، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، فان معناها كما قال رحمه الله: طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهي وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شارع. 5- لما كان أهل الكتاب بالنسبة لعيسى عليه الصلاة والسلام طرفي نقيض النصارى في جانب الإفراط حيث غلوا فيه ورفعوه إلى المنزلة التي لا يستحقها والتي لا تليق إلا بالله وحده لا شريك له، وفي جانب التفريط أيضا حيث حرفوا وبدلوا وخالفوا الشريعة التي جاء بها عيسى صلى الله عليه وسلم، وفي جانب التفريط أيضا اليهود الذين يقتلون الأنبياء ويتنقصون عيسى صلى الله عليه وسلم ويصفونه وأمه بما هم برءاء منه لما كان أهل الكتاب في الطرفين المتناقضين، حذرنا الله من سلوك سبيلهم وأمرنا في كل ركعة من ركعات الصلاة أن نسأله الهداية للصراط المستقيم صراط المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير الطريق التي سلكها أعداؤه من المغضوب عليهم والضالين. وقد جمع صلى الله عليه وسلم بينه وبين عيسى صلى الله عليه وسلم في وصف كل منهما بأنه عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 ورسوله حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" وسر الجمع بينهما عليهما الصلاة والسلام ووصفهما بكونهما عبدي الله ورسوليه بيان أن عقيدة الإسلام في حق عيسى عليه الصلاة والسلام أنه عبد الله ورسوله فلا يغلى فيه غلو النصارى من جانب ولا يقصر في حقه كما قصرت النصارى من جانب آخر وكما جفت اليهود لعنة الله عليهم، وبيان أن الواجب في حق محمد صلى الله عليه وسلم وصفه بذلك وعدم الإفراط والتفريط، وان وصفه بأنه عبد الله يقتضى اعتقاد أنه لا يستحق أن يصرف له شيء مما لا يستحقه إلا الله تعالى، ووصفه بأنه رسول الله يقتضى تصديقه في جميع ما يخبربه من أخبار في الماضي وفي المستقبل وفي ما هو موجود غير مشاهد لنا، ويقتضى طاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه، وتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والوالد والولد والناس أجمعين، وأن لا يعبد الله إلا على وفق ما جاء عنه صلوات الله وسلامه عليه، هذه عقيدة المسلمين في عيسى عليه الصلاة والسلام وفي محمد صلى الله عليه وسلم وسط بين طرفي الإفراط والتفريط. ولقد أحسن الشاعر إذ يقول: ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم 6- قوله: "لا تطروني" الخ، هذا منه صلى الله عليه وسلم سد للذرائع التي تؤدى إلى الشرك بالله فالرسول صلى الله عليه وسلم ما من خير إلا دل الأمة عليه وما من شر إلا حذرها منه، وكل ما كان الشيء أخطر كانت العناية به أعظم، فالشرك لما كان أعظم الذنوب وأظلم الظلم على الإطلاق، وهو الذنب الذي لا يغفره الله والذي حرم الله على صاحبه الجنة ومأواه النار، لما كان بهذه الخطورة حذر منه صلى الله عليه وسلم غاية التحذير ومنع من أي وسيلة تؤدى إليه كما منع من إطرائه في هذا الحديث لئلا يفضى ذلك إلى أعظم محذور، وكما لعن صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى في اتخاذهم قبور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 أنبيائهم مساجد وهو في شدة المرض الذي مات فيه، كل ذلك حماية منه صلى الله عليه وسلم لجناب التوحيد وسد للطرق التي تنتهي إلى الشرك، فصلوات الله وسلامه الأتمان الأكملان على البشير النذير والسراج المنير الذي أرشد الناس إلى كل خير وحذرهم من كل شر. 7- مدح الرسول صلى الله عليه وسلم منه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم. فالمحمود هو أن يوصف بكل كمال يليق بالإنسان، فهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأنصحهم وأخشاهم لله وأتقاهم وأفصحهم لسانا وأقواهم بيانا وأرجحهم عقلا وأكثرهم أدبا وأوفرهم حلما وأكملهم قوة وشجاعة وشفقة وأكرمهم نفسا وأعلاهم منزلة، وكل وصف هو كمال في حق الإنسان فلسيد ولد ادم صلوات الله وسلامه عليه منه القسط الأكبر والحظ الأوفر، وكل وصف يعتبر نقصا في الإنسان فهو أسلم الناس منه وأبعدهم عنه، فلقد اتصف بكل خلق كريم، وسلم من أدنى أي وصف ذميم، وحسبه شرفا قول الله تعالى فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ، قد والله بلغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة على أكمل وجه، ونصح للأمة غاية النصح، ببيان ليس وراءه بيان، ونصح يفوق نصح أي إنسان، فكل ثناء على سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم من هذا القبيل فهو حق مع الحذر من تجاوز الحد والخروج عن الحق، وما أحلى وأجمل وصفه صلى الله عليه وسلم بكونه عبد الله ورسوله تحقيقا لرغبته عليه الصلاة والسلام وامتثالا لأمره في قوله في هذا الحديث (وقولوا عبد الله ورسوله) . والمدح المذموم هو الذي يتجاوز فيه الحد ويقع به المادح في المحذور الذي لا يرضاه الله ولا رسوله يكن وذلك أن يوصف صلى الله عليه وسلم بما لا يجوز أن يوصف به إلا الله تبارك وتعالى أو أن يصرف له صلى الله عليه وسلم ما لا يستحقه إلا الباري جل وعلا. ومن ذلك بعض الأبيات التي قالها البوصيري في البردة مثل قوله: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم فهذا المعنى الذي اشتمل عليه هذا البيت لا يجوز أن يصرف لغير الله عز وجل، ولا يستحقه إلا هو وحده لا شريك له، فهو الذي يعاذ به ويلاذ به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 ويلتجأ إليه ويعتصم بحبله ويعول عليه وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم مبينا تفضله وامتنانه على عباده وانه ما بهم من نعمة فمنه تفضلا وامتنانا "لن يدخل أحدكم بعمله الجنة، قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء كما قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} أي لا أحد سواه يكون كذلك لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا فضلا عمن سواهما. وقال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيَّاهُ} وقال: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} والحاصل أن المدح الذي اشتمل عليه هذا البيت مدح بالباطل الذي حذر منه الرسول كل، ويكون حقا لو قال مناديا ربه: يا خالق الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم ومثل قوله أيضا يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: فان من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم وهذا لا يليق إلا بمن بيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى فهو القائل عن نفسه {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ، والقائل عنه نبيه صلى الله عليه وسلم " واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك" الحديث، فهو وحده الذي من جوده الدنيا والآخرة، وهو وحده الذي من علمه علم اللوح والقلم. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهولا يملك إلا ما أعطاه الله ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه عليه، وقد أمره الله أن يقول {لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} ، الآية. وقال له {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} ، وثبت في الصحيحين أنه عن لما نزل عليه قوله تعالى {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ، قال: "يا معشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 قريش أو كلمة نحوها اشتروا أنفسكم لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا بنى عبد مناف لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغنى عنك من الله شيئا، ويا صفية عمة رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سليني ما شئت من مالي لا أغنى عنك من الله شيئا". وروى البخاري في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره قال: " لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك"، الحديث. 8- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- نشر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلانها على المنابر. 2- كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وبلاغه البلاغ المبين. 3- سد الذرائع التي تؤدى إلى الشرك. 4- بيان ما وقع فيه النصارى من الغلو في عيسى عليه الصلاة والسلام. 5- تحذير هذه الأمة أن تقع فيما وقعت فيه النصارى. 6- الجمع بين الأمر والنهى، وأن على المفتى إذا أرشد إلى المنع من محذور أن يدل على مأمور به هو خير. 7- وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه عبد الله ورسوله امتثالا لأمره. 8- الإشارة في الجمع بين وصفه بكونه عبد الله ووصفه بكونه رسوله إلى دفع الإفراط والتفريط. 9- بيان أنه صلى الله عليه وسلم لا يخرج عن أن يكون عبداً لله تعالى حيث قال: إنما أنا عبده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الحديث السادس عشر : قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الرقاق من صحيحه: حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام حدثنا قتادة حدثنا أنس بن مالك عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل فقال: يا معاذ قلت لبيك يا رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك قال: "هل تدرى ما حق الله على عباده"؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: "حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا"، ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك قال: "هل تدرى ما حق العباد على الله إذا فعلوه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "حق العباد على الله أن لا يعذبهم".. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 المبحث الأول: التخريج : أورد البخاري في صحيحه هذا الحديث في خمسة مواضع هذا أحدها في باب من جاهد نفسه في طاعة الله، والثاني في كتاب الجهاد باب اسم الفرس والحمار ولفظه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم سمع يحي بن آدم حدثنا أبو الأحوص عن أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون عن معاذ رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي عن على حمار يقال له عفير فقال: "يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فان حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا" فقلت يا رسول الله أفلا أبشر به الناس؟ قال لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 تبشرهم فيتكلوا". والثالث في كتاب اللباس باب إرداف الرجل خلف الرجل وسياق سنده ومتنه مماثل تماما لما في باب من جاهد نفسه في طاعة الله إلا أنه بدون حرف النداء في الجملة الأولى أي قال معاذ مجيبا النبي صلى الله عليه وسلم لبيك رسول الله وسعديك. والرابع في كتاب الاستئذان باب من أجاب بلبيك وسعديك ولفظه: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن قتادة عن أنس عن معاذ قال: أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا معاذ" قلت لبيك وسعديك ثم قال مثله ثلاثا "هل تدرى ما حق الله على العباد"؟ قلت: لا، قال: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا"، ثم سار ساعة فقال: "يا معاذ": قلت لبيك وسعديك، قال "هل تدرى ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم". حدثنا هدبة حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس عن معاذ بهذا. والخامس في كتاب التوحيد باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى ولفظه: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبى حصين والأشعث بن سليم سمعا الأسود بن هلال عن معاذ بن جبل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "يا معاذ أتدرى ما حق الله على العباد"؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدرى ما حقهم عليه"؟ قال الله ورسوله أعلم، قال: "أن لا يعذبهم". وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان من صحيحه عن شيخه هداب بن خالد الأزدي بمثل إسناده ومتنه عند البخاري في كتاب اللباس، ورواه عن أبى بكر بن أبى شيبة عن أبى الأحوص بمثل إسناده ومتنه عند البخاري في كتاب الجهاد، ورواه عن محمد بن المثنى وابن بشار عن محمد بن جعفر بمثل إسناده ونحو متنه عند البخاري في كتاب التوحيد، ورواه عن شيخه القاسم ابن زكريا عن حسين عن زائدة عن أبى حصين بنحو حديث شيوخه المذكورين. وروى أبو داود في سننه في كتاب الجهاد باب في الرجل يسمى دابته عن شيخه هناد بن السري بإسناده إلى معاذ قوله: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير، وأخرجه الترمذي في آخر كتاب الإيمان من جامعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 فقال: حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود حدثنا سفيان عن أبى إسحاق عن عمرو بن ميمون عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرى ما حق الله على العباد"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فان حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، قال: أتدرى ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك": قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "أن لا يعذبهم"، هذا حديث حسن صحيح وقد روى من غير وجه عن معاذ بن جبل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد . الأول: شيخ البخاري هدبة بن خالد قال الحافظ ابن حجر في التقريب: هدبة بضم أوله وسكون الدال بعدها موحدة بن خالد بن الأسود القيسي أبو خالد البصري ويقال له هداب بالتثقيل وفتح أوله ثقة عابد تفرد النسائي بتليينه من صغار التاسعة، مات سنة بضع وثلاثين أي بعد المائتين ورمز لكونه من رجال الشيخين وأبى داود، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: هدبة بن خالد بن الأسود بن هدبة أبو خالد القيسي البصري أخو أمية ويقال هداب سمع هماما عند هما أي في الصحيحين- وحماد بن سلمة وسليمان بن المغيرة عند مسلم روى عنه البخاري ومسلم مات سنة ست أو سبع أو ثمان وقيل خمس وثلاثين ومائتين انتهى، ونقل في تهذيب التهذيب توثيقه عن ابن معين ومسلمة بن القاسم، وقال الذهبي في الميزان: هدبة بن خالد القيسي البصري ولقبه هداب ثقة عالم صاحب حديث ومعرفة وعلو إسناد شهد جنازة شعبة وروى عن جرير بن حازم وحماد بن سلمة وأبان بن يزيد، وعنه البخاري ومسلم وأبو داود والفريابي وأبو يعلى والبغوي والناس، وثقه ابن معين وكيره وقال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن عدى بعد أن ذكره في الكامل: لا أعرف له حديثا منكرا، وأما النسائي فقال. ضعيف وقواه مرة أخرى، وقال عبدان الأهوازي: كنا لا نصلى خلف هدبة من طول صلاته يسبح في السجود نيفا وثلاثين تسبيحه، وكان أشبه خلق الله بهشام بن عمار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 لحيته ووجهه وكل شيء منه حتى صلاته، توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين. وقال الحافظ في مقدمة الفتح بعد ذكر تضعيف النسائي له: قلت لعله ضعفه في شيء خاص وقد أكثر عنه مسلم ولم يخرج عنه البخاري سوى أحاديث يسيرة من روايته عن همام انتهى. وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: وقد ذكره مسلم في مواضع من الكتاب يقول في بعضها هدبة وفي بعضها هداب، واتفقوا على أن أحدهما اسم والآخر لقب، ثم اختلفوا في الاسم منهما فذكر الخلاف، وقال: وذكره البخاري في تاريخه فقال هدبة بن خالد، ولم يذكره هدابا، فظاهره أنه اختار أن هدبة هو الإسم، والبخاري أعرف من غيره، فانه شيخ البخاري ومسلم رحمهم الله أجمعين والله أعلم انتهى. الثاني: همام وهو ابن يحي الأزدي البصري تقدم في رجال إسناد الحديث السابع. الثالث: قتادة وهو ابن دعامة بن قتادة السدوسي البصري تقدم في رجال إسناد الحديث الثالث عشر. الرابع: أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه تقدم في رجال إسناد الحديث السادس. الخامس: صحابي الحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر في التقريب: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجى أبو عبد الرحمن من أعيان الصحابة شهد بدرا وما بعدها وكان إليه المنتهي في العلم بالأحكام والقرآن، مات بالشام سنة ثمان عشرة مشهور ورمز لكون حديثه في الكتب الستة، وقال الخزرجى في الخلاصة: أبو عبد الرحمن المدني أسلم وهو ابن ثمان عشرة سنة وشهد بدرا والمشاهد، له مائة وسبعة وخمسون حديثا اتفقا أي البخاري ومسلم على حديث وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بحديث وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أنه له عند البخاري ستة أحاديث، وقال الحافظ في ترجمته في الإصابة: الإمام المقدم في علم الحلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 والحرام، وقال: شهد بدرا وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن، والحديث بذلك في الصحيح من رواية ابن عباس عنه، وقال: وفي سنن أبى داود عن معاذ بن جبل قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأحبك"، الحديث في القول بعد كل صلاة، وعده أنس بن مالك فيمن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الصحيح. وفيه عن عبد الله بن عمر ورفعه اقرأوا القرآن من أربعة فذكره فيهم، وقال: وقال أبو نعيم في الحلية: إمام الفقهاء وكنز العلماء شهد العقبة وبدرا والمشاهد، كان من أفضل شباب الأنصار حلما وحياء وسخاء، وكان جميلا وسيما، وقال الحافظ ابن حجر أيضا: وفي حديث أبى قلابة عن أنس عند الترمذي وغيره في ذكر بعض الصحابة مرفوعا: وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وفي مرسل أبى عون الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي معاذ يوم القيامة أمام الناس برتوة"، أخرجه محمد بن عثمان بن أبى شيبة في تاريخه، وأورده ابن عساكر من طريق عن محمد بن الخطاب، وقال: ومناقبه كثيرة جدا وقدم من اليمن في خلافة أبى بكر، وكان وفاته بالطاعون في الشام سنة سبع عشرة أو التي بعدها وهو قول الأكثر، وعاش أربعا وثلاثين سنة وقيل غير ذلك انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث : 1- رجال الإسناد الستة خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ البخاري فلم يرو له مع البخاري سوى مسلم وأبى داود. 2- رجال الإسناد كلهم بصريون إلا معاذ بن جبل رضي الله عنه فانه مدني. 3- في الإسناد صحابيان معاذ بن جبل وأنس بن مالك رضي الله عنهما فالحديث من رواية صحابي عن صحابي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 4- صيغة الأداء في الإسناد التحديث إلا في رواية أنس عن معاذ رضي الله عنهما فهي العنعنة. 5- قتادة من المعروفين بالتدليس وقد صرح في هذا الإسناد بالتحديث فأمن بذلك احتمال تدليسه. 6- قال الحافظ ابن حجر في نخبة الفكر: ومن المهم معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه، وفي هذا الإسناد شاهد لذلك فهدبة شيخ البخاري كنيته أبو خالد واسم أبيه خالد. 7- معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل. ومثل هذا من الصيغ التي يستدل بها على أن الراوي قد ضبط ما رواه، قال الحافظ ابن حجر في الفتح في شرح قوله (ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل) . وفائدة ذكره المبالغة في شدة قربه ليكون أوقع في نفس سامعة أنه ضبط ما رواه. 8- معاذ بن جبل رضي الله عنه رديف النبي صلى الله عليه وسلم كما في هذا الحديث، ومن الأمور اللطيفة التي تدل على عناية سلف هذه الأمة بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وتقريرا ما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح عن ابن منده حيث قال في شرحه لهذا الحديث في كتاب اللباس: وقد أفرد ابن منده أسماء من أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه فبلغوا ثلاثين نفسا. 9- قال الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: تنبيه. هذا من الأحاديث التي أخرجها البخاري في ثلاثة مواضع عن شيخ واحد بسند واحد، وهي قليلة في كتابه جدا ولكنه أضاف إليه في الإستئذان موسى بن إسماعيل، وقد تتبع بعض من لقيناه ما أخرجه في موضعين بسند فبلغ عدتها زيادة على العشرين وفي بعضها يتصرف في المتن بالاختصار منه انتهى. وقد مر في لطائف إسناد الحديث التاسع وهو قول جرير رضي الله عنه: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"، أنه منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 ومنها أيضا حديث حذيفة رضي الله عنه نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال، الحديث. أورده البخاري في كتاب الرقاق وفي كتاب الفتن بإسناد واحد مع الاتفاق في المتن أيضا، وتقدم في المقدمة ما ذكره صاحب كشف الظنون أن التي ذكرها البخاري سندا ومتنا معادا ثلاثة وعشرون حديثا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 المبحث الرابع: شرح الحديث . 1- هذا الحديث أول حديث أورده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه: كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، وذلك لاشتمال هذا الحديث بوضوح على بيان حق الله على عباده، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا"، وهذا الحق الذي بينه الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه في هذا الحديث مشتمل على النفي والإثبات الذي اشتملت عليه (لا إله إلا الله) ، فان قوله: أن يعبدوه إثبات، وقوله: ولا يشركوا به شيئا نفي، والمراد بذلك نفي جميع أنواع العبادة عن كل ما سواه وإثباتها لته وحده لا شريك له، فكما أنه سبحانه وتعالى المنفرد بالخلق والإيجاد والإحياء والإماتة فيجب أن يفرد بالعبادة وحده لا شريك له، وهذا النفي والإثبات الذي اشتملت عليه هذه الجملة التي بين بها الرسول الكريم عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم حق الله على عباده جاء في آيات كثيرة أورد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في كتابه المذكور كثيرا منها قبيل إيراد هذا الحديث ومنها قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} فقوله (أن اعبدوا الله) إثبات وهو بمعنى: إلا الله، وقوله (واجتنبوا الطاغوت) نفي وهو بمعنى: لا إله، فتحصل من النفي والإثبات معنى (لا إله إلا الله) التي هي كلمة الإخلاص، ومنها قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ} الآية فهي بمعنى (لا إله إلا الله) ، ومنها قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} فجملة الأمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 إثبات وجملة النهي نفي فهي بمعنى لا إله إلا الله، وتنكير (شيئا) لإفادة عدم الإشراك به أي شيء كان، وأن يخص بالعبادة وحده لا شريك له. ومنها قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} هو الآية أقن أن تخصوه بالعبادة وحده دون أن تجعلوا له شريكا في شيء منها، وختمت هذه الآيات بقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} فقوله (فاتبعوه) إثبات (ولا تتبعوا السبل) نهي مؤداه النفي فهي بمعنى: لا إله إلا الله، أما الآية التي افتتح بها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذلك المؤلف العظيم في توحيد الله تعالى فهي قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} أو وقد اشتملت على بيان الحكمة في خلق الثقلين الجن والإنس وهي أن يعبدوا الله وحده ويخصوه بجميع أنواع العبادة ولا يصرفوا لغيره شيئا منها. 2- قوله: "بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم" قال الحافظ في الفتح: الردف والرديف: الراكب خلف الراكب بإذنه، وردف كل شيء مؤخره، وأصله الركوب على الردف وهو العجز، ولهذا قيل للراكب الأصلي ركب صدر الدابة، وردفت الرجل إذا ركبت وراءه، وأردفته إذا أركبته وراءك. 3- قوله: "ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل" قال الحافظ في الفتح: الرحل للبعير كالسرج للفرس، وآخرة بالمد وكسر المعجمة بعدها راء هي العود الذي يجعل خلف الراكب يستند إليه، وفائدة ذكره المبالغة في شدة قربه ليكون أوقع في نفس سامعه أنه ضبط ما رواه، وقال الحافظ: ووقع في رواية عمرو ابن ميمون عن معاذ: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عفير، ووقع عند أحمد من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار يقال له يعفور رسنه من ليف، قال: ويمكن الجمع بأن المراد بآخرة الرحل موضع آخرة الرحل للتصريح هنا بكونه كان على حمار، وإلى ذلك أشار النووي، ومشى ابن الصلاح على أنهما قضيتان انتهى. 4- قوله: "لبيك"، المراد به: إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة قاله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الحافظ ابن حجر في الفتح. وقال النووي في شرحه لصحيح مسلم: والأظهر أن معناها إجابة لك بعد إجابة للتأكيد. 5- قوله: "وسعديك"، قال النووي: ومعنى سعديك. أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وقال ابن هشام في أوضح المسالك (وسعديك) بمعنى إسعادا لك بعد إسعاد. وقال في باب الإضافة بعد أن قسم المضاف إلى المضمر إلى قسمين وذكر ما يضاف إلى كل مضمر وهو (وحد) قال: وما يختص بضمير المخاطب وهو مصادر مثناة لفظا ومعناها التكرار وهي لبيك بمعنى إقامة على إجابتك بعد إقامة وسعديك بمعنى إسعادا لك بعد إسعاد ولا تستعمل إلا بعد لبيك انتهى. ثم ذكر ألفاظا أخرى تختص بالإضافة إلى ضمير المخاطب أيضا. وقال الحافظ ابن حجر في شرحه لحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه في كتاب العلم من صحيح البخاري قوله: قال لبيك يا رسول الله وسعديك، اللب بفتح اللام معناه هنا الإجابة والسعد المساعدة كأنه قال: لباً لك وإسعادا لك ولكنهما ثنيا على معنى التأكيد والتكثير أي إجابة بعد إجابة وإسعادا بعد إسعاد انتهى. 6- قوله: "هل تدري ما حق الله على العباد؟ " قال الحافظ في الفتح: الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة، ويقال للكلام الصدق حق لأن وقوعه متحقق لا تردد فيه، وكذا الحق المستحق على الغير إذا كان لا تردد فيه، والمراد هنا ما يستحقه الله على عباده مما جعله محتما عليهم قاله ابن التيمي في التحرير، وقال القرطبي: حق الله على عباده هو ما وعدهم به من الثواب وألزمهم إياه بخطابه. وقال الشيخ سليمان بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه تيسير العزيز الحميد. قوله: "أتدرى ما حق الله على العباد"، الدراية هي المعرفة، وأخرج السؤال بصيغة الاستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فنهم المتعلم، فان الإنسان إذا سئل عن مسألة لا يعلمها ثم أخبر بها بعد الامتحان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 بالسؤال عنها فان ذلك أدعى لفهمها وحفظها، وهذا من حسن إرشاده وتعليمه صلى الله عليه وسلم. 7- قوله: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا"، قال الحافظ في الفتح: المراد بالعبادة عمل الطاعة واجتناب المعاصي وعطف عليها عدم الشرك لأنه تمام التوحيد، والحكمة في عطفه على العبادة أن بعض الكفرة كانوا يدعون أنهم يعبدون الله ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى فاشترط نفي ذلك، والجملة حالية والتقدير يعبدونه في حال عدم الإشراك به. قال ابن حبان: عبادة الله إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح ولهذا قال في الجواب: فما حق العباد إذا فعلوا ذلك فعبر بالفعل ولم يعبر بالقول. 8- قوله: "هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟ " أي إذا فعلوا حقه تعالى فالضمير يرجع إلى قوله: "أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا". 9- قوله: "حق العباد على الله أن لا يعذبهم" قال الحافظ في الفتح: قال القرطبي: حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد. وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد: وحق العباد على الله معناه أنه متحقق لا محالة لأنه قد وعدهم ذلك جزاء على توحيده، ووعده حق إن الله ل! يخلف الميعاد. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في تيسير العزيز الحميد: كون المطيع يستحق الجزاء هو استحقاق إنعام وفضل ليس هو استحقاق مقابلة كما يستحق المخلوق على المخلوق، فمن الناس من يقول لا معنى للاستحقاق إلا أنه أخبر بذلك ووعده صدق، ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقا زائداً على هذا كما دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ، ولكن أهل السنة يقولون هو الذي كتب على نفسه الرحمة وأوجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 هذا الحق على نفسه لم يوجبه عليه مخلوق، والمعتزلة يدعون أنه أوجب عليه بالقياس على الخلق، وأن العباد هم الذين أطاعوه دون أن يجعلهم مطيعين له، وأنهم يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب، وغلطوا في ذلك انتهى. 10- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- بيان حق الله على عباده. 2- بيان حق العباد على الله إذا أدوا حقه. 3- جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة. 4- فضل معاذ بن جبل رضي الله عنه. 5- تواضعه صلى الله عليه وسلم لركوب الدواب مع الإرداف عليها. 6- الإرشاد إلى الطريقة المفيدة في التعليم وهي إخراج السؤال بصيغة الاستفهام ليكون أبلغ في النفس وأوقع في فهم المتعلم. 7- تكرار السؤال لتأكيد الاهتمام بما يخبر به المعلم. 8- حسن أدب معاذ بن جبل رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. 9- أن على المسئول إذا سئل عن شيء لا يعلمه أن يكل العلم إلى عالمه وهو أولى من قوله: لا أدرى، لأن قوله: الله أعلم يفيد ما يفيده لا أدرى مع اشتماله على الثناء على الله سبحانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 الحديث السابع عشر : قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الأيمان والنذور من صحيحه: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب- وهو يسير في ركب يحلف بأبيه- فقال: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 المبحث الأول: التخريج . أورد البخاري هذا الحديث في خمسة مواضع من صحيحه هذا أحدها في باب لا تحلفوا بآبائكم، والثاني في كتاب الشهادات باب كيف يستحلف؟ ولفظه: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية قال ذكر نافع عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كان حالفا فليحلف بالته أو ليصمت"، والثالث في كتاب مناقب الأنصار باب أيام الجاهلية ولفظه: حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله"، فكانت قريش تحلف بآبائها فقال: "لا تحلفوا بآبائكم". والرابع في كتاب الأدب في باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلا ولفظه: حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أدرك عمر بن الخطاب في ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله وإلاّ فليصمت". والخامس في كتاب التوحيد باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها، ولفظه: حدثنا أبو نعيم حدثنا ورقاء عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفا فليحلف بالله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 ورواه مسلم عن تسعة من مشايخه بأسانيده إلى نافع بمثل رواية البخاري في كتاب الأدب، ورواه عن أربعة من مشايخه عن إسماعيل عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر بمثل رواية البخاري في أيام الجاهلية، ورواه الترمذي في جامعه في كتاب النذور والإيمان باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله ولفظه: حدثنا قتيبة حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر وهو يقول وأبي وأبي فقال: " ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"، فقال عمر: فو الله ما حلفت به بعد ذلك ذاكرا ولا آثرا قال وفي الباب عن ثابت بن الضحاك وابن عباس وأبى هريرة وقتيلة وعبد الرحمن بن سمرة قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح قال أبو عيسى قال أبو عبيد: معنى قوله ولا آثرا أي لم آثره عن غيري يقول لم أذكره عن غيري، حدثنا هناد حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله مج صلى الله عليه وسلم أدرك عمر وهو في ركب وهو يحلف بأبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ليحلف حالف بالله أو ليسكت"، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي في باب التشديد في الحلف بغير الله تعالى فقال: أخبرنا على بن حجر عن إسماعيل وهو ابن جعفر قال حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله"، وكانت قريش تحلف بآبائها فقال لا تحلفوا بآبائكم، أخبرني زياد بن أيوب قال حدثنا ابن علية قال حدثنا يحي بن أبى إسحاق قال حدثني رجل من بنى غفار في مجلس سالم بن عبد الله قال سالم بن عبد الله سمعت عبد الله- يعنى ابن عمر- وهو يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم "، ورواه في باب الحلف بالآباء عن شيخيه عبيد الله بن سعيد وقتيبة بن سعيد بمثل رواية قتيبة بن سعيد عند الترمذي، ورواه ابن ماجه في كتاب الكفارات باب من حلف له بالله فليرض، ولفظه: حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة حدثنا أسباط بن محمد عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يحلف بأبيه فقال: "لا تحلفوا بآبائكم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 من حلف بالله فليصدق، ومن حلف له بالله فليرض، ومن لم يرض بالله فليس من الله". ورواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر ومتنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت". ورواه البخاري في صحيحه عن سعيد بن عفير بسنده إلى سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن عمر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذاكرا ولا آثرا". وروى نحوه النسائي وابن ماجه. وللحديث شواهد كثيرة منها: ما رواه النسائي وأبو داود بإسناده إلى أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بآبائكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون". وقال الحافظ في الفتح: ووقع في مصنف ابن أبى شيبة من طريق عكرمة قال قال عمر: حدثت قوما. فقلت: لا وأبى، فقال رجل من خلفي: " لا تحلفوا بآبائكم، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أن أحدكم حلف بالمسيح هلك والمسيح خير من آبائكم". قال الحافظ: وهذا مرسل يتقوى بشواهده. ومنها ما رواه الترمذي في جامعه حيث قال: حدثنا قتيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وفسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله: فقد كفر أو أشرك على التغليظ، والحجة في ذلك حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر يقول: وأبى وأبي فقال: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم"، وحديث أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال في حلفه: واللات والعزى فليقل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 لا إله إلا الله". قال أبو عيسى: هذا مثل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الرياء شرك"، وقد. فسر بعض أهل العلم هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} الآية. قال لا يُرائِي. ورواه أبو داود في سننه فقال: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن إدريس قال سمعت الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة قال سمع ابن عمر رجلا يحلف والكعبة فقال له ابن عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد أشرك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد . الأول: شيخ البخاري عبد الله بن مسلمة وهو القعنبي قال الحافظ ابن حجر في التقريب: عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي الحارثي أبو عبد الرحمن البصري أصله من المدينة وسكنها مدة ثقة عابد كان ابن معين وابن المديني لا يقدمان عليه في الموطأ أحداً من صغار التاسعة مات في أول سنة إحدى وعشرين أي بعد المائتين ورمز لكونه من رجال الجماعة سوى ابن ماجه وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي التيمي المدني سكن البصرة يكنى أبا عبد الرحمن سمع مالك بن أنس وإبراهيم بن سيد وغير واحد روى عنه البخاري ومسلم وأكثرا انتهى، ونقل في تهذيب التهذيب توثيقه والثناء عليه ومن ذلك قول عبد الله بن داود الخريبي: حدثنا القعنبي عن مالك وهو والله عندي خير من مالك. وقول ابن سعد: كان عابدا فاضلا قرأ عن مالك كتبه، وقول العجلي. بصري ثقة رجل صالح قرأ مالك عليه نصف الموطأ وقرأ هو على مالك النصف. الباقي، وقول أبى زرعة: مما كتبت عن أحد أجل في عيني منه. وقول الحنيني: كنا عند مالك فقيل قدم القعنبي، فقال مالك: قوموا بنا إلى خير أهل الأرض انتهى. وقال الذهبي في العبر: وهو أوثق من روى الموطأ. الثاني: مالك وهو ابن أنس قال الحافظ في التقريب: مالك بن أنس ابن مالك بن أبى عامر بن عمرو الأصبحي أبو عبد الله المدني الفقيه إمام دار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الهجرة رأس المتقين وكبير المثبتين حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر. من السابعة مات سنة تسع وسبعين أي بعد المائة وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وقال الواقدي بلغ تسعين سنة ورمز لكونه من رجال الجماعة، ونقل في تهذيب التهذيب الكثير من ثناء الأئمة عليه، ومن ذلك قول ابن عيينة: ما كان أشد انتقاد مالك للرجال وأعلمه بشأنهم، وقول الشافعي: مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين. وقول النسائي: ما عندي بعد التابعين أنبل من مالك ولا أجل منه ولا أوثق ولا آمن على الحديث منه ولا أقل رواية عن الضعفاء، ما علمناه حدث عن متروك إلا عبد الكريم وقول ابن حبان في الثقات: كان مالك أول من انتقى الرجال من الفقهاء بالمدينة وأعرض عمن ليس بثقة في الحديث، ولم يكن يروى إلا ما صح، ولا يحدث إلا عن ثقة مع الفقه والدين والفضل والنسك وبه تخرج الشافعي. وقول ابن مهدى: ما رأيت رجلا أعقل من مالك، ثم قال في ختام ترجمته: ومناقبه كثيرة جداً لا يحتمل هذا المختصر استيعابها وقد أفردت بالتصنيف. وقال الذهبي في العبر: قال معن القزاز وجماعة: حملت بمالك أمه ثلاث سنين، وقال: قال ابن عيينة وبلغه موت مالك: ما ترك على ظهر الأرض مثله، وترجم له في تذكرة الحفاظ وقال: قد كنت أفردت ترجمة مالك في جزء وطولتها في تاريخي الكبير، اهـ. الثالث: نافع مولى عبد الله بن عمر قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: نافع أبو عبد الله المدني مولى ابن عمر ثقة ثبت فقيه مشهور من الثالثة مات سنة سبع عشر ومائة أو بعد ذلك ورمز لكونه من رجال الجماعة، وقال في تهذيب التهذيب: نافع الفقيه مولى ابن عمر أبو عبد الله المدني أصابه ابن عمر في بعض مغازيه، ونقل توثيق الأئمة له وثناءهم عليه، ومن ذلك قول البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر. وقول مالك: كنت إذا سمعت من نافع يحدث عن ابن عمر لا أبالى أن لا أسمعه من غديره. وقول الخليلي: نافع من أئمة التابعين بالمدينة إمام في العلم متفق عليه صحيح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الرواية، منهم من يقدمه على سالم ومنهم من يقارنه به ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه. الرابع: صحابي الحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال الحافظ في التقريب: عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى أبو عبد الرحمن ولد بعد المبعث بيسير واستصغر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة وكان من أشد الناس إتباعا للأثر مات سنة ثلاث وسبعين في آخرها أو أول التي بعدها ورمز لكون حديثه في الكتب الستة. وقال الخزرجى في الخلاصة: له ألف 1 وستمائة حديث وثلاثون حديثا اتفقا- أي البخاري ومسلم- على مائة وسبعين وانفرد البخاري بأحد وثمانين ومسلم بأحد وثلاثين. وذكر الحافظ في مقدمة الفتح: أن له عند البخاري مائتين وسبعين حديثا وقال ابن كثير في ترجمته في البداية والنهاية: أبو عبد الرحمن المكي ثم المدني أسلم قديما مع أبيه ولم يبلغ الحلم وهاجرا وعمره عشر سنين وقد استصغر يوم أحد فلما كان يوم الخندق أجازه وهو ابن خمس عشرة سنة فشهدها وما بعدها وهو شقيق حفصة بنت عمر أم المؤمنين أمهما زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون وذكر كثيراً من أخلاقه الفاضلة وسجاياه الحميدة رضي الله عنه وعن أبيه وأخته وسائر الصحابة أجمعين.   1 كذا ولعله ألفا حديث، كما سيأتي في لطائف إسناد الحديث العشرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث . 1- رجال الإسناد الأربعة اتفق أصحاب الكتب الستة على إخراج حديثهم ماعدا شيخ البخاري عبد الله بن مسلمة القعنبي فلم يرو له ابن ماجه. 2- رجال الإسناد الأربعة مدنيون، وابن عمر رضي الله عنه مكي ثم مدني وشيخ البخاري مدني ثم بصري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 3- رجال الإسناد الأربعة: كنية اثنين منهم أبو عبد الله وهما: مالك ابن أنس وشيخه نافع مولى ابن عمر، وكنية اثنين منهم أبو عبد الرحمن وهما ابن عمر رضي الله عنه وعبد الله بن مسلمة القعنبي. 4- نافع هو مولى عبد الله بن عمر من أسفل وعبد الله مولى نافع من أعلى، فالحديث من رواية مولى من أسفل عن مولى من أعلى. 5- هذا الإسناد مشتمل على السلسلة التي وصفها البخاري بأنها أصح الأسانيد على الإطلاق وهي رواية مالك عن نافع عن ابن عمر. ويقال لها السلسلة الذهبية. وفي تهذيب التهذيب: قال محمد بن إسحاق الثقفي: سئل محمد بن إسماعيل عن أصح الأسانيد فقال: مالك عن نافع عن ابن عمر. 6- صيغ الأداء في جميع الإسناد (عن) إلا في رواية البخاري عن شيخه فهي التحديث. وش! مى مثل ذلك الإسناد المعنعن. والحكم في الإسناد المعنعن حمله على السماع متى كان الذي روى بالعنعنة سالما من التدليس، أما إذا كان مدلسا فالحكم فيه التوقف لأنه يحتمل السماع ويحتمل أن هناك واسطة بينه وبين من روى عنه بالعنعنة، فان صرح بالسماع قبل وزال احتمال التدليس. 7- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أحد العبادلة الأربعة في الصحابة وسبقت الإشارة إليهم في إسناد الحديث الثاني، وهو أحد المكثرين فيهم من الرواية عن رسول الله عظيم ويأتي في الدرجة التالية بعد أبى هريرة رضي الله عنه. 8- شيخ البخاري مشتهر باسمه ونسبته فيقال له عبد الله بن مسلمة ويقال له القعنبي وليس في رجال الكتب الستة من اسم أبيه مسلمة كلن يسمى عبد الله سواه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 المبحث الرابع: شرح الحديث . 1- قوله: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم" ورد النهي عن الحلف بغير الله على صيغ مختلفة هذا أحدها. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تحلفوا بآبائكم". ومنها قوله: "ألا من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله". ومنها قوله: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا إلا وأنتم صادقون". ومنها قول ابن عمر رضي الله عنه: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك". 2- قوله: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت " قال في الفتح: قال العلماء السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضى تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة لكن قد اتفق الفقهاء أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية وقال: وكأن المراد بقوله (بالله) الذات لا خصوص لفظ الله. 3- السر في التنصيص على الآباء ومنع الحلف بهم مع أن الحكم شامل ولغيرهم أن الحلف بالآباء هو سبب الحديث، ولكونه عادة جاهلية كما في رواية البخاري في باب أيام الجاهلية ولفظه "ألا من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله"، فكانت قريش تحلف بآبائها فقال: "لا تحلفوا بآبائكم". 4- النهي عن الحلف بغير الله لا يعارضه ما ورد في القرآن من إقسامه تعالى ببعض مخلوقاته، فذاك خاص له سبحانه فهو سبحانه يقسم في كتايه بنفسه وبما شاء. من مخلوقاته وليس لغيره أن يقسم إلا به "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 5- النهي عن الحلف بغير الله قد يعارضه ما ورد في حديث "أفلح وأبيه إن صدق"؟ والجواب عن ذلك ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح بعد إشارته إلى الحديث المشار إليه قال فان قيل ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء؟ أجيب بأن ذلك كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف كما جرى على لسانهم عقري حلقي. وما أشبه ذلك ثم ذكر وجوها أخرى وقال: وأقوى الأجوبة الأولان. 6- جاء عن سلف هذه الأمة ما يبين سلامتهم من الحلف بغير الله وبعدهم عن التعلق بغيره سبحانه وبيان خطورة هذا الأمر، فأمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول بعد أن قال له الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال: فوالله ما حلفت بها منذ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذاكرا ولا آثرا. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الشعبي: لأن أقسم بالله فأحنث أحب إلى من أن أحلف بغيره فأبر، ثم قال: وجاء مثله عن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر. وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، في باب قول الله تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} قال: وقال ابن مسعود: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا وقال حفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتاب فتح المجيد: ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذبا كبيرة من الكبائر لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر، فإذا كان هذا حال الشرك الأصغر فكيف بالشرك الأكبر الموجب للخلود بالنار كدعوة غير الله والاستغاثة به والرغبة إليه وإنزال حوائجه به. وقال حفيده الشيخ سليمان بن عبد الله في كتاب تيسير العزيز الحميد: وإنما رجح ابن مسعود رضي الله عنه الحلف بالله كاذبا على الحلف بغيره صادقا لأن الحلف بالله توحيد والحلف بغيره شرك، وإن قدر الصدق في الحلف بغير الله فحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، وسيئة الكذب أسهل من سيئة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 الشرك، ذكره شيخ الإسلام يعنى ابن تيمية، ثم قال: وفيه دليل على أن الحلف بغير الله صادقا أعظم من اليمين الغموس، وفيه دليل على أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر، وفيه شاهد للقاعدة المشهورة وهى: ارتكاب أقل الشرين ضررا إذا كان لابد من أحدهما انتهى. وهذا الأثر الذي أورده الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد عن ابن مسعود رضي الله عنه قد ذكره الحافظ المنذري في كتاب الترغيب والترهيب في باب الترهيب من الحلف بغير الله فقال: وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره وأنا صادق، ثم قال: رواه الطبراني موقوفا ورواته رواة الصحيح. 7- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- النهي عن الحلف بالآباء وبكل من سوى الله. 2- وجوب قمر الحلف على أن يكون بالله. 3- قضاء الإسلام على العادات المذمومة في الجاهلية. 4- الإشارة إلى عدم الإكثار من اليمين حيث قال: من كان حالفا. 5- أن الإنسان عند الحلف أمامه أمران لا ثالث لهما: إما الحلف بالله،. وإما السكوت وعدم الحلف بغيره ولو كان ذلك الغير بالغا من التعظيم اللائق به ما بلغ كأنبياء الله ورسله وملائكته والكعبة فلا يجوز أن يقول المسلم ق حلفه: والنبي، وجبريل، والكعبة، وبيت الله، وحياتي، وحياتك، وحياة فلأن وغير ذلك من المخلوقات لأن الحلف بغير الله لا يرضاه الله ولا يرضاه رسوله صلى الله عليه وسلم بل جاءت سنة المصطفي صلوات الله وسلامه عليه بتحريمه والتحذير منه وتقدم في الكلام على هذا الحديث ذكر بعض الأحاديث الصريحة في ذلك، وقد قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وقد نهانا صلوات الله وسلامه عليه أن نحلف بغير الله فيتحتم علينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 الإنتها عن ذلك, وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الهم أرنا الحق حقا ًووفقنا لإتباعه وارنا باطلا ووفقنا لاجتنابه ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 الحديث الثامن عشر : قال البخاري رحمه الله في كتاب فضائل القرآن من صحيحه: حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة قال أخبرني علقمة بن مرثد سمعت سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن السلمي عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، قال: وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال. وذلك الذي أقعدني مقعدي هذا، حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبى عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 المبحث الأول: التخريج . انفرد البخاري عن مسلم في إخراج هذا الحديث فرواه من هذين الطريقين في باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه. ورواه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة باب في ثواب قراءة القرآن ولفظه: حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه ". ورواه الترمذي في جامعه في أبواب فضائل القرآن باب ما جاء في تعليم القرآن فقال: حدثنا محمود بن غيلأن حدثنا أبو داود أنبأنا شعبة أخبرني علقمة ابن مرثد قال سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن أبى عبد الرحمن عن عثمان ابن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". قال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا، وعلم القرآن في زمن عثمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 حتى بلغ الحجاج بن يوسف، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، حدثنا محمود بن غيلان حدثنا بشر بن السرى حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبى عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم أو أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه"، هذا حديث حسن صحيح، هكذا روى عبد الرحمن بن مهدى وغير واحد عن سفيان الثوري عن علقمة ابن مرثد عن أبى عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم وسفيان لا يذكر فيه (عن سعد بن عبيدة) ، وقد روى يحي بن سعيد القطان هذا الحديث عن سفيان وشعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن عثمان عن النبي بمقيم حدثنا بذلك محمد بن بشار، وحدثنا يحي بن سعيد عن سفيان وشعبة قال محمد بن بشار وهكذا ذكره يحي بن سعيد عن سفيان وشعبة غير مرة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال محمد بن بشار: وأصحاب سفيان لا يذكرون فيه: عن سفيان عن سعد بن عبيدة، قال محمد بن بشار: وهو أصح، قال أبو عيسى: وقد زاد شعبة في إسناد هذا الحديث سعد بن عبيدة، وكأن حديث سفيان أصح، قال على بن عبد الله قال يحي بن سعيد: ما أحد يعدل عندي شعبة وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان، قال أبو عيسى: سمعت أبا عمار يذكر عن وكيع قال قال شعبة: سفيان أحفظ منى وما حدثني سفيان عن أحد بشيء فسألته إلا وجدته كما حدثني. وفي الباب عن على وسعد. ورواه ابن ماجه في أوائل سننه في باب فضل من تعلم القرآن وعلمه فقال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحي بن سعيد القطان حدثنا شعبة وسفيان عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال شعبة خيركم, وقال سفيان. " أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه"، حدثنا على بن محمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبى عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه". ورواه الدارمي ق سننه في كتاب فضائل القرآن باب خياركم من تعلم القرآن وعلمه بمثل الإسناد الأول عند البخاري ومتنه: "إن خيركم من علم القرآن أو تعلمه" قال: أقرأ أبو عبد الرحمن في، إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال: ذلك أقعدني مقعدي هذا. ورواه الإمام أحمد في المسند فقال: حدثنا وكيع حدثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبى عبد الرحمن عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه"، وقال: حدثنا محمد ابن جعفر وحجاج قالوا حدثنا شعبة قال: سمعت علقمة بن مرثد يحدث عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن خيركم من علم القرآن أو تعلمه"، قال محمد بن جعفر وحجاج فقال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني هذا المقعد، قال حجاج قال شعبة: ولم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان ولا من عبد الله ولكن قد سمع من على قال عبد الله بن أحمد: قال أبى وقال بهز عن شعبة قال علقمة بن مرثد: أخبرني، وقال: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، حدثنا عفان حدثنا شعبة أخبرني علقمة بن مرثد وقال فيه: من تعلم القرآن أو علمه، وقال حدثنا يحي بن سعيد عن سفيان وشعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سفيان: أفضلكم وقال شعبة: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". وأخرجه أبو داود الطيالسي ق مسنده عن شعبة بمثل إسناد البخاري ومتنه وقال فيه: قال أبو عبد الرحمن فذاك أقعدني مقعدي هذا. وأخرجه الخطية البغدادي في ترجمة أحمد بن محمد الأدمي بإسنادين إلى أبى نعيم الفضل بن دكين عن موسى الفراء عن علقمة بن مرثد عن أبى عبد الرحمن عن عثمان ولفظه: "خياركم أو أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه"، ورواه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 في ترجمة أحمد بن الحسين أبى زرعة الرازي بإسناده إلى أبى حنيفة ومسعر وسفيان وشعبة وقيس وغيرهم عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن عثمان ولفظه: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه "، وفي ترجمة عبد الوهاب بن عثمان المخبزي بإسناده إلى قيس بن الربيع عن علقمة عن سعد ابن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن عثمان بلفظ الذي قبله. وأخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة أبى عبد الرحمن السلمي بإسنادين إلى شعبة عن علقمة عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن عثمان رواه عن شعبة فيهما سليمان بن حرب وحجاج ويعلى بن عباد وداود بن المحبر ولفظه: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه "، قال أبو عبد الرحمن: فذاك الذي أقعدني مقعدي هذا، ثم قال أبو نعيم: هذا حديث صحيح متفق عليه، رواه عن شعبة يحي بن سعيد القطان ويزيد بن زريع ويعقوب الحضرمي والناس، ورواه الثوري عن علقمة، واختلف فيه فرواه وكيع وعبد الرحمن بن مهدى وعبد الرزاق وأبو نعيم والفريابي وعامة أصحابه عن علقمة عن أبى عبد الرحمن من دون سعد، ورواه يحي بن سعيد القطان عنه مقرونا بشعبة بإدخال سعد بين علقمة وأبى عبد الرحمن، وممن وافق شعبة والثوري عليه قيس بن الربيع ومحمد بن أبان الجعفي ومسعر من رواية خلف بن ياسين عن أبيه عنه، وممن رواه عن علقمة من دون سعد عمرو بن قيس الملائي والجراح ابن الضحاك ومسعر بن كدام من رواية محمد بن بشر عنه، وعبد الله بن عيسى بن أبى يعلى والربيع بن المركس وموسى الفراء وعمرو بن النعمان الحضرمي وأبو اليسع وسعدان بن يزيد اللخمى وأيوب عن جابر وسلمة بن صالح وعثمان بن مقسم البرى، وممن رواه عن أبى عبد الرحمن السلمي سوى سعد وعلقمة الحسن بن عبد الله النخعي وأبو عبد الأعلى الثعلبي وعبد الملك ابن عمير وعبد الكريم وعطاء بن السائب وعاصم بن أبى النجود، واختلف على عاصم فيه فرواه أبو نعيم ويحي السحيلي وغير هما عن شريك عن عاصم عن أبى عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود، ورواه حيوة بن المغلس عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 شريك عن عاصم عن أبى عبد الرحمن عن عثمان. وللحديث شواهد من حديث عبد الله بن عمرو، أخرجه الخطيب في ترجمة أحمد بن إبراهيم أبى بكر البزار ومن حديث على رضي الله عنه أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند والترمذي في جامعه والدارمي في سننه. ومن حديث سعد بن أبى وقاص أخرجه ابن ماجه والدارمي في سننه. ومن شواهده أيضا ما ذكره أبو نعيم في الحلية في ترجمة أبى عبد الرحمن السلمي بعد إيراد من رواه منتهيا إلى أبى عبد الرحمن قال: وممن رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وعلى وسعد بن أبى وقاص وعبد الله بن مسعود وأبو هريرة وأبو أمامة وأنس بن مالك، ورواه عن على النعمان والحسين بن سعد، ورواه عن سعد بن أبى وقاص ابنه مصعب، ورواه عن أبى هريرة أبو سلمة، ورواه عن أبى أمامة الشعبي، ورواه عن أنس سليمان التيمي وأبو هدبة انتهى. ومن شواهده أيضاً ما أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أنس رضي الله عنه في ترجمة سليمان بن طرخان التيمي، وأخرجه الطبراني في الصغير ذكره في مجمع الزوائد وقال: وفيه محمد بن سنان القزاز وثقه الدارقطني وضعفه جماعة، ومنها ما أخرجه الخطيب البغدادي من حديث عبد الله بن مسعود في ترجمة محمد بن بكير بن واصل الحضرمي وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط ذكره في مجمع اأش وائد وقال: وإسناده فيه شريك وعاصم وكلاهما ثقة وفيهما ضعف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد . الأول: شيخ البخاري في الإسناد الأول حجاج بن منهال قال الحافظ في التقريب ة حجاج بن المنهال الأنماطي أبو محمد السلمي مولاهم البصري ثقة فاضل من التاسعة مات سنة ست عشرة أو سبع عشرة ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في تهذيب التهذيب: روى عن جرير بن حازم والحمادين وشعبة وعبد العزيز الماجشون وهمام ويزيد بن إبراهيم التستري وغيرهم وعنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 البخاري، وروى له الباقون بواسطة الدارمي، وبندار وأبو موسى وصاعقة والخلال وأناس آخرون سماهم، ونقل توثيقه عن أحمد وأبى حاتم والعجلي والنسائي وابن سعد وابن قانع. الثاني: شعبة وهو ابن الحجاج أبو بسطام البصري تقدم في رجال إسناد الحديث العاشر. الثالث: علقمة بن مرثد قال الحافظ في التقريب: علقمة بن مرثد بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة الحضرمي أبو الحارث الكوفي ثقة من السادسة ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال الحزرجي في الحلاصة: روى عن أبى عبد الرحمن السلمي وسويد بن غفلة وعنه مسعر وشعبة والثوري، وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سمع سعد بن عبيدة عند هما - يعنى البخاري ومسلم- ونقل في تهذيب التهذيب توثيقه عن النسائي ويعقوب بن سفيان وذكره ابن حبان في الثقات ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته، وإنما قال الحافظ في تهذيب التهذيب: وقال خليفة بن خياط: توفي في آخر ولاية خالد القسري على العراق انتهى. وكانت نهاية ولايته على العراق سنة عشرين ومائة كما في البداية والنهاية لابن. كثير. الرابع: سعد بن عبيدة قال الحافظ في التقريب: سعد بن عبيدة السلمي أبو حمزة الكوفي ثقة من الثالثة مات في ولاية عمر بن هبيرة على العراق ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: سعد بن عبيدة أبو حمزة السلمي ختن أبى عبد الرحمن سمع ابن عمر والبراء بن عازب وأبا عبد الرحمن عند هما والمستورد عند مسلم روى عنه منصور والأعمش وحصين بن عبد الرحمن وعلقمة بن مرثد عند هما. ونقل الحافظ في تهذيب التهذيب توثيقه عن ابن معين والنسائي وابن سعد والعجلي، ولم أقف لأحد على ذكر سنة وفاته. الخامس: أبو عبد الرحمن السلمي اسمه عبد الله بن حبيب قال الحافظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 قال التقريب: عبد الله بن حبيب بن ربيعة بفتح الموحدة وتشديد الياء أبو عبد الرحمن السلمي الكوفي المقري مشهور بكنيته، وأبيه صحبة ثقة ثبت في الثانية مات بعد السبعين. ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في تهذيب التهذيب: روى عن عمر وعثمان وعلى وسعد وعن جماعة من الصحابة سماهم، وعنه إبراهيم النخعي وعلقمة بن مرثد وسعد بن عبيدة وأناس آخرون سماهم. ونقل توثيقه عن العجلي والنسائي ومحمد بن عمر، وقول ابن عبد البر: هو عند جميعهم ثقة، وقال في تهذيب التهذيب: قال أبو إسحاق السبيعي: اقرا القرآن في المسجد أربعين سنة، وقال عطاء بن السائب عن أبى عبد الرحمن: صمت لله ثمانين رمضان. السادس: صحابي الحديث أمير المؤمنين وثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه قال الحافظ في التقريب: عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي أمير المؤمنين ذو النورين أحد السابقين الأولين والخلفاء الأربعة والعشرة المبشرة استشهد في ذي الحجة بعد عيد الأضحى سنة خمس وثلاثين وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة وعمره ثمانون وقيل أكثر وقيل أقل، ورمز لكون حديثه في الكتب الستة، وقال الخزرجى في الخلاصة: أبو عمرو المدني ذو النورين وأمير المؤمنين ومجهز جيش العسرة وأحد العشرة وأحد الستة هاجر الهجرتين له مائة وستة وأربعون حديثا اتفقا على ثلاثة وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بخمسة، وعنه أبناؤه أبان وسعيد وعمرو وأناس ومروان بن الحكم وخلق، غاب عن بدر لتمريض ابنة النبي صلى الله عليه وسلم فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم، قال ابن عمر: كنا نقول عك عهد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكرثم عمرثم عثمان، وقال ابن سيرين: كان يحي الليل كله بركعة، وذكر الحافظ في مقدمة الفتح أن له عند البخاري تسعة أحاديث. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: أبو عبد الله يكنى بابنه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال أبو عمرو، وقال الحافظ في تهذيب التهذيب: وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس أسلمت، وأمها البيضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد بعد الفيل بست سنين على الصحيح، وكان ربعة حسن الوجه رقيق البشرة عظيم اللحية بعيد ما بين المنكبين، وقال: وزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته رقية عثمان وماتت عنده في أيام بدر فزوجه بعدها أختها أم كلثوم، فلذلك كان يلقب ذا النورين، وقال: وجاء من أوجه متواترة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة وعده من أهل الجنة وشهد له بالشهادة، وروى أبو خيثمة في فضائل الصحابة من طريق الضحاك عن النزال بن سبرة: قلنا لعلى حدثنا عن عثمان قال: ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين، وقال: وهو أول من هاجر إلى الحبشة ومعه زوجته رقية، تخلف عن بدر لتمريضها فكتب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، وتخلف عن بيعة الرضوان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعثه إلى مكة فأشيع أنهم قتلوه فكان ذلك سبب البيعة فضرب إحدى يديه على الأخرى وقال: هذه عن عثمان، وقال ابن مسعود لما بويع: بايعنا خيرنا ولم نأل، وقال على: كان عثمان أوصلنا للرحم وكذا قالت عائشة لما بلغها قتله: قتلوه وإنه لأوصلهم للرحم وأتقاهم للرب. وقد قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: ذو النورين، ومن تستحي منه الملائكة، ومن جمع الأمة على مصحف واحد وقت الاختلاف، ومن افتتح نوابه إقليم خراسان وإقليم المغرب، وكان من السابقين الصادقين القائمين الصائمين المنفقين في سبيل الله، وممن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وزوجه بابنتيه رقية وأم كلثوم رضي الله عنهم أجمعين، وقال: وكان ممن جمع بين العلم والعمل والصيام والتهجد والإتقان والجهاد في سبيل الله وصلة الأرحام انتهى. أما بقية رجال الإسناد الثاني ممن لم يتقدم في الإسناد الأول: فالأول: شيخ البخاري أبو نعيم وهو الفضل بن دكين قال الحافظ في التقريب: الفضل بن دكين الكوفي واسم دكين عمرو بن حماد بن زهير التيمي مولاهم الأحول أبو نعيم الملائي بضم الميم مشهور بكنيته ثقة ثبت من التاسعة مات سنة ثمان عشرة وقيل تسع عشرة أي بعد المائتين وكان مولده سنة ثلاثين أي بعد المائة وهو من كبار شيوخ البخاري ورمز لكونه من رجال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الجماعة، وترجمته في تهذيب التهذيب تبلغ ست صفحات فيها الكثير من ثناء الأئمة عليه، وقال الحافظ في مقدمة الفتح: الفضل بن دكين أبو نعيم الكوفي أحد الأثبات قرنه أحمد بن حنبل في التثبت بعبد الرحمن بن مهدى وقال: كان أعلم بالشيوخ من وكيع، وقال مرة: كان أقل خطأ من وكيع، والثناء عليه في الحفظ والتثبت يكثر إلا أن بعض الناس تكلم فيه بسبب التشيع ومع ذلك فصح عنه أنه قال: ما كتبت على الحفظة أنني سببت معاوية احتج به الجماعة. والثاني: سفيان وهو الثوري، تقدم في رجال إسناد الحديث الثامن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث . 1- رجال الإسنادين الثمانية خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة. 2- رجال الإسنادين الثمانية كوفيون إلا عثمان رضي الله عنه فهو مدني، وإلاّ حجاج بن منهال وشيخه شعبة فهما بصريان. 3- ثلاثة من رجال الإسناد الأول نسبة كل منهم (السلمي) ، وحجاب بن منهال مولاهم، وسعد بن عبيدة كما أنه يوافق شيخه أبا عبد الرحمن السلمي في هذه النسبة يوافقه أيضاً في كونه مثله من أهل الكوفة وهو زوج ابنة أبى عبد الهـ صت السلمي. 4- أبو عبد الرحمن السلمي اشتهر بكنيته واسمه عبد الله بن حبيب ابن ربيعة كما تقدم. 5- الإسناد الأول: اشتمل على أربع من صيغ الأداء وهي التحديث والإخبار والسماع والعنعنة، والإسناد الثاني: اشتمل على صيغتي التحديث والعنعنة. 6- علقمة بن مرثد له في صحيح البخاري ثلاثة أحاديث فقط هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 أحدها والثاني في كتاب الجنائز والثالث في مناقب الصحابة، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث في فتح الباري. 7- في الإسناد تابعيان وهما أبو عبد الرحمن السلمي وصهره سعد بن عبيدة والراوي عن سعد هو علقمة بن مرثد وقد قال عنه الحافظ في الفتح: وهو من ثقات أهل الكوفة من طبقة الأعمش انتهى. والأعمش من صغار التابعين، وقد أدرك علقمة زمن الصحابة إذ كانت وفاته في آخر ولاية خالد القسري على العراق وكان آخر ولايته سنة عشرين بعد المائة، فان ثبت لقاؤه أحداً من الصحابة كان عدد التابعين في هذا الإسناد ثلاثة. 8- هذا الحديث أحد الأحاديث التي انتقدها الحفاظ على البخاري في صحيحه والبالغ عددها مائة وعشرة أحاديث كما تقدم. وقد انتقده الدارقطني من وجهين: أحدهما كون شعبة زاد في الإسناد الأول سعد بن عبيدة بين علقمة وأبى عبد الرحمن، ورواه سفيان عن علقمة عن أبى عبد الرحمن دون زيادة سعد، قال الدارقطني كما في مقدمة الفتح: أخرج البخاري حديث الثوري عن علقمة بن مرثد عن أبى عبد الرحمن السلمي عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، وأخرجه أيضاً من حديث شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن عثمان وقال فيه: وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج، قال الدارقطني: فقد اختلف شعبة والثوري في إسناده فأدخل شعبة بين علقمة وبين أبى عبد الرحمن سعد بن عبيدة وقد تابع شعبة على زيادته من لا يحتج به، وتابع الثوري جماعة ثقات. الوجه الثاني من وجهي الانتقاد: ما ذكر من أن أبا عبد الرحمن السلمي لم يسمع أن عثمان كما تقدم عن الترف ذي في التخريج قال الدارقطني كما في مقدمة الفتح أيضا: وقال حجاج بن محمد عن شعبة: لم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان شيئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 وقد أشار إلى هذين الوجهين الحافظ في الفتح فقال: قوله عن سعد بن عبيدة، كذا يقول شعبة، يدخل بين علقمة بن مرثد، أبى عبد الرحمن سلم ابن عبيدة، وخالفه سفيان الثوري فقال: عن علقمة عن أبى عبد الرحمن ولم يذكر سعد بن عبيدة، وقد أطنب الحافظ أبو العلأء العطار في كتابه (الهادي في القرآن) في تخريج طرقه فذكر ممن تابع شعبة ومن تابع سفيان جمعا كثيرا، وأخرجه أبو بكر بن أبى داود في أول الشريعة له وأكثر من تخريج طرقه أيضا، ورجح الحفاظ رواية الثوري وعدوا رواية شعبة من المزيد في متصل الأسانيد. وقال الترمذي: كأن رواية سفيان أصح من رواية شعبة، وقال: وقد قال أحمد حدثنا حجاج بن محمد عن شعبة قال أيسمع أبو عبد الرحمن السلمي من عثمان، ونقل ابن أبى داود عن يحي بن معين مثل ما قال شعبة، وذكر الحافظ أبو العلاء أن مسلما سكت عن إخراج هذا الحديث في صحيحه انتهى. والجواب عن الوجه الأول ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح: وأما البخاري فأخرج الطريقين فكأنه ترجح عنده أنهما جميعا محفوظان، فيحمل على أن علقمة سمعه أولا من سعد ثم لقي أبا عبد الرحمن فحدثه به، أو سمعه مع سعد بن أبى عبد الرحمن فثبته فيه سعد، وقد أجاب بنحو هذا في مقدمة الفتح أيضا. والجواب عن الوجه الثاني من وجوه: الأول: قال الحافظ في مقدمة الفتح: وأما كون أبى عبد الرحمن لم يسمع من عثمان فيما زعم شعبة فقد أثبت غيره سماعه عنه وقال البخاري في التاريخ الكبير: سمع من عثمان والله أعلم. الثاني: قال الحافظ في الفتح: قلت قد وقع في بعض الطرق التصريح بتحديث عثمان لأبى عبد الرحمن، وذلك فيما أخرجه ابن عدى في ترجمة عبد الله بن محمد بن أبى مريم من طريق ابن جريج عن عبد الكريم عن أبى عبد الرحمن حدثني عثمان وفي إسناده مقال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الثالث: قال الحافظ في الفتح عقب ذكر الذي قبله مباشرة: لكن ظهر لي أن البخاري اعتمد في وصله وفي ترجيح لقاء أبى عبد الرحمن لعثمان على ما وقع في رواية شعبة عن سعد بن عبيدة من الزيادة، وهي أن أبا عبد الرحمن أقرأ من زمن عثمان إلى زمن الحجاج، وأن الذي حمله على ذلك هو الحديث المذكور، فدل على أنه سمعه في ذلك الزمان، وإذا سمعه في ذلك الزمان ولم يوصف بالتدليس اقتضى ذلك سماعه ممن عنعنه عنه وهو عثمان رضي الله عنه، ولاسيما مع ما اشتهر بين القراء أنه قرأ القرآن على عثمان، وأسندوا ذلك عنه من رواية عاصم بن أبى النجود وغيره، فكان هذا أولى من قول من قال: إنه لم يسمع منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 المبحث الرابع: شرح الحديث . 1- قوله "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" خيركم: أفعل تفضيل حذفت الهمزة من أوله وقد تقدم في الحديث الحادي عشر أنها تأتى اسما في مقابل الشر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، وترد أفعل تفضيل! ومنه قول السائل في الحديث الحادي عشر: أي الإسلام خير؟ ومثله قوله هنا: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. 2- قوله: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. قال المناوي في فيض القدير: أي خير المتعلمين والمعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن إذ خير الكلام كلام الله فكذا خير الناس بعد النبيين من اشتغل به. وقال القاري في المرقاة كما نقله المباركفوري في تحفة الأحوذي: ولا يتوهم أن العمل خارج عنهما لأن العلم إذا لم يكن مورثا للعمل ليس علما في الشريعة إذ أجمعوا على أن من عصى الله فهو جاهل انتهى. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: لا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدى ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من غنى سبحانه وتعالى بقوله {وَمَنْ أَحْسَنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وهو والدعاء إلى الله يقع بأمور شتى من جملتها تعليم القرآن وهو أشرف الجميع وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} فان قيل: فيلزم على هذا أن يكون المقريء أفضل من الفقيه؟ قلنا: لا، لأن المخاطبين بذلك كانوا فقهاء النفوس لأنهم كانوا أهل اللسان فكانوا يدرون معاني القرآن بالسليقة أكثر مما يدرى من بعدهم بالاكتساب، فكان الفقه لهم سجية، فمن كان في مثل شأنهم شاركهم في ذلك، لا من كان قارئا أو مقرئا محضاً لا يفهم شيئا من معاني ما يقرؤه أو يقرئه، فان قيل فيلزم أن يكون المقري أفضل ممن هو أعظم غناء في الإسلام بالمجاهدة والرباط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلا؟ قلنا: حرف المسألة يدور على النفع المتعدى فمن كان حصوله عنده أكثر كان أفضل فلعل "من " مضمرة في الخبر، ولابد مع ذلك من مراعاة الإخلاص في كل صنف منهم، ويحتمل أن تكون الخيرية وإن أطلقت لكنها مقيدة بناس مخصوصين خوطبوا بذلك كان اللائق بحالهم ذلك، أو المراد خير المتعلمين من يعلم غيره لا من يقتصر علي نفسه، أو المراد مراعاة الحيثية لأن القرآن خير الكلام فمتعلمه خير من متعلم غيره بالنسبة إلى خيرية القرآن، وكيفما كان فهو مخصوص بمن علم وتعلم بحيث يكون قد علم ما يجب عليه عينا انتهى. 3- قوله قال: "وأقرأ أبو عبد الرحمن في إمرة عثمان حتى كان الحجاج" أي حتى ولى الحجاج عل العراق، قال الحافظ ابن حجر: بين أول خلافة عثمان وآخر ولاية الحجاج اثنتان وسبعون سنة إلا ثلاثة أشهر وبين آخر خلافة عثمان وأول ولاية الحجاج للعراق ثمان وثلاثون سنة ولم أقف علي تعيين ابتداء إقراء أبى عبد الرحمن وآخره فالله أعلم بمقدار ذلك، ويعرف من الذي ذكرته أقصى المدة وأدناها، والقائل: وأقرأ أبو عبد الرحمن هو سعد بن عبيدة فانني لم أر هذه الزيادة إلا هن رواية شعبة عن علقمة انتهى. 4- قوله قال: "وذاك الذي أقعدني مقعدي هذا"القائل هو أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 عبد الرحمن السلمي، والمعنى أن الحديث الذي حدث به عثمان في أفضلية من تعلم القرآن وعلمه حمل أبا عبد الرحمن أن قعد يعلم الناس القرآن لتحصيل تلك الفضيلة، قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري. 5- من فقه الحديث: وما يستنبط منه: 1- الحث على تعلم القرآن وتعليمه. 2- بيان فضل من تعلم القرآن وعلمه. 3- تنبيه العالم إلى نفع غيره بما علمه. 4- بيان ما كان عليه سلف هذه الأمة من إتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بالعلم إذ أن أبا عبد الرحمن جلس لإقراء القرآن عملا بهذا الحديث الذي بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقبله أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه راوي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فان من أعظم مناقبه جمع القرآن ليتيسر للناس قراءته وإقراؤه، وكان تاليا لكتاب الله حتى في آخر لحظاته رضي الله عنه، فان الأوباش الذين قتلوه قتلوه وهو يتلو القرآن، وذكر أنه كان عند قوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} كما في الأثر الذي أورده ابن كثير في تفسيره لهذه الآية من سورة البقرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 الحديث التاسع عشر : قال الإمام البخاري رحمه الله في كتاب التفسير من صحيحه: حدثنا ادع حدثنا شعبة عن الأعمش قال سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن أبى عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض فقال: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة"، قالوا يا رسول الله: أفلا نتكل علي كتابنا وندع العمل؟ قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاوة "، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 المبحث الأول: التخريج . أورد البخاري رحمه الله هذا الحديث في عشرة مواضع من صحيحه ستة منها تفسير سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} هذا أحدها، والثاني: رواه عن شيخه أبى نعيم عن سفيان عن الأعمش عن سعد بن عبيدة، والثالث: رواه عن شيخه مسدد عن عبد الواحد عن الأعمش عن سعد بن عبيدة، والرابع: عن شيخه بشر بن خالد عن محمد بن جعفر عن شعبة عن سعد بن عبيدة، والخامس: عن شيخه يحي عن وكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة، والسادس: عن شيخه عثمان بن أبى شيبة عن جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة، والسابع: في كتاب الجنائز باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله رواه عن شيخه عثمان بن أبى شيبة بمثل إسناده ومتنه في كتاب التفسير، والثامن: في كتاب الأدب باب الرجل ينكت الشيء بيده في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الأرض، رواه عن شيخه محمد بن بشار عن ابن أبى عدى عن شعبة عن سليمان وهو الأعمش ومنصور عن سعد بن عبيدة، والتاسع: في كتاب القدر باب وكان أمر الله قدرا مقدورا، رواه عن شيخه عبدان عن أبى حمزة عن الأعمش عن سعد بن عبيدة، العاشر: في كتاب التوحيد في باب قول الله تعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} وسنده: حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن منصور والأعمش سمعا سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن على رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذه الأسانيد العشرة تنتهي إلى سعد بن عبيدة، والمتن في بعضها مختصر، وفي البعض الآخر مطول، ورواية آدم عن شعبة المثبتة هنا من أتمها سياقا. ورواه مسلم في كتاب القدر من صحيحه عن شيوخه عثمان بن أبى شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم عن جرير عن منصور عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن عن على ومتنه قريب من متن رواية عثمان بن أبى شيبة عند البخاري في الجنائز والتفسير، ورواه عن شيخه أبى بكر بن أبى شيبة وهناد بن السري عن أبى الأحوص عن منصور بمثل إسناد الذي قبله وبنحو متنه، ورواه عن أبى بكر بن أبى شيبة وزهير بن حرب وأبى سعيد الأشج عن وكيع، وعن شيخه ابن نمير عن أبيه عن الأعمش، وعن شيخه أبى كريب عن أبى معاوية عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن السلمي عن على، ومتنه أخصر من رواية عثمان بن أبى شيبة، ورواه بإسناد آخر بنحو الذي قبله فقال: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور والأعمش أنهما سمعا سعد بن عبيدة يحدثه عن أبى عبد الرحمن السلمي عن على عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. ورواه أبو داود في سننه في كتاب السنة باب في القدر فقال: حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا المعتمر قال سمعت منصور بن المعتمر مجدت عن سعد بن عبيدة عن عبد الله بن حبيب أبى عبد الرحمن السلمي عن على عليه السلام قال: كنا في جنازة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 ومعه مخصرة فجعل ينكت بالمخصرة في الأرض، ثم رفع رأسه فقال: "ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا قد كتب الله مكانها من النار أومن الجنة، إلا قد كتبت شقية أو سعيدة"، قال فقال رجل من القوم: يا نبي الله أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل فمن كان من أهل السعادة ليكونن إلى السعادة، ومن كان من أهل الشقوة ليكونن إلى الشقوة، قال: "اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون للسعادة، وأما أهل الشقوة فييسرون للشقوة"، ثم قال نبي الله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} . ورواه الترمذي في جامعه في تفسير سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} عن محمد بن بشار عن عبد الرحمن بن مهدى عن زائدة بن قدامة عن منصور بن المعتمر عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن السلمي عن على رضي الله عنه بنحو ما تقدم عند أبى داود وقال: هذا حديت حسن صحيح، ورواه في أبواب القدر عن الحسن بن على الحلواني عن عبد الله بن نمير ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن السلمي عن على رضي الله عنه، ومتنه أخمر من الذي قبله، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه في أوائل سننه فقال: حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا على بن محمد حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبى عبد الرحمن السلمي عن على قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم وبيده عود فنكت في الأرض، ثم رفع رأسه، فقال: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار"، قيل يا رسول الله أفلا نتكل، قال. "لا، اعملوا ولا تتكلوا، فكل ميسر لما خلق له"، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} . ورواه الإمام أحمد في المسند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد . الأول: شيخ البخاري آدم وهو ابن أبى إياس العسقلاني تقدم في رجال إسناد الحديث العاشر. الثاني: شعبة وهو ابن الحجاج بن الورد البصري تقدم في رجال إسناد الحديث العاشر أيضا. الثالث: الأعمش وهو سليمان بن مهران الكوفي تقدم في إسناد الحديث الثامن. الرابع والخامس: سعد بن عبيدة وشيخه أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي تقدما في رجال إسناد الحديث الثامن عشر. السادس: صحابي الحديث أمير المؤمنين وابن عم سيد الأولين والآخرين ورابع الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأمر إليهم شورى من بعده أبو الحسن على بن أبى طالب رضي الله عنه. قال الحافظ في التقريب: على بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته، من السابقين الأولين، المرجح أنه أول من أسلم، وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة أربعين، وهو يومئذ أفضل الأحياء من بنى آدم بالأرض بإجماع أهل السنة، وله ثلاث وستون سنة على الأرجح، ورمز لكون حديثه في الكتب الستة. وقال الخزرجى في الخلاصة: على بن أبى طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي أبو الحسن بن عم النبي صلى الله عليه وسلم وختنه على بنته، أمير المؤمنين يكنى أبا تراب، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وهي أول هاشمية ولدت هاشميا له خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثا اتفقا على عشرين وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة عشر، شهد بدرا والمشاهد كلها، روى عنه أولاده الحسن والحسين ومحمد وفاطمة وعمر وابن عباس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 والأحنف وأمم، قال أبو جعفر: كان شديدة الأدمة ربعة إلى القمر، وهو أول من أسلم من الصبيان جمعا بين الأقوال، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت منى بمنزلة هارون من موسى"، وفضائله كثيرة، استشهد ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت أو خلت من رمضان سنة أربعين، وهو حينئذ أفضل من على وجه الأرض، وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن له عند البخاري تسعة وعشرين حديثا وقال ابن حجر في الإصابة: أبو الحسن أول الناس إسلاما في قول كثير من أهل العلم، ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، فربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفارقه، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره بالمدينة: "ألا ترضي أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى"؟ وزوجه بنته فاطمة، وكان اللواء بيده في أكبر المشاهد، ولما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال له: أنت أخي، ومناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم ينقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلى، وتتبع النسائي ما خص به من دون الصحابة فجمع من ذلك شيئا كثيرا بأسانيد أكثرها جياد، وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: أبو الحسن االهاشمي قاضى الأئمة وفارس الإسلام وختن المصطفي صلى الله عليه وسلم، كان ممن سبق إلى الإسلام ولم يتلعثم، وجاهد في الله حق جهاده، ونهض بأعباء العلم والعمل، وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقال: "من كنت مولاه فعلى مولاه"، وقال له: "أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى"، وقال: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق"، ومناقب هذا الإمام جمة أفردتها في مجلد وسميته بفتح المطالب في مناقب على بن أبى طالب رضي الله عنه. وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة: ومن خصائص على قوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غدوا كلهم يرجو أن يعطاها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" أين على بن أبى طالب؟ " فقالوا هو يشتكى عينيه، فأتى به فبصق في عينيه، فدعا له فبرأ، فأعطاه الراية" أخرجاه في الصحيحين من حديث سهل بن سعد انتهى. وقد روى هذا الحديث غير سهل أكثر من اثني عشر صحابيا ذكرهم في تهذيب التهذيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث . 1- رجال الإسناد الستة خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ البخاري آدم بن أبى إياس فلم يخرج له مسلم وابن ماجه. 2- رجال الإسناد كوفيون إلا شيخ البخاري فهو عسقلاني وشيخ شيخه فانه بصري. 3- الأعمش من المعروفين بالتدليس كما تقدم التنويه بذلك، وقد صرح بالسماع في إسناد هذا الحديث فأمن احتمان تدليسه، وقد صرح بالسماع في رواية البخاري في كتاب التوحيد، وفي بعض الطرق عند مسلم كما تقدم في التخريج. 4- هذا الحديث أورده البخاري عن شيخه عثمان بن أبى شيبة في كتاب الجنائز، ثم أعاده في تفسير والليل إذا يغشى بمثل إسناده وفتنه في الجنائز، فيكون هذا من المواضع النادرة في صحيح البخاري كما تقدم التنبيه على ذلك في لطائف إسناد الحديث التاسع والحديث السادس عشر. 5- رجال هذا الإسناد تقدم ذكرهم في بعض الأحاديث المتقدمة إلا الصحابي أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه وتقدم بعض اللطائف المتعلقة بهم فأغنى عن إعادتها. 6- ذكر الحافظ في مقدمة الفتح: أنه لم يقف على اسم صاحب الجنازة المذكور في الحديث، فهو من مبهمات المتن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 المبحث الرابع: شرح الحديث . 1- قوله "كان النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فأخذ شيئا فجعل ينكت به الأرض" جاء في بعض الروايات كما تقدم في التخريج أن ذلك كان في بقيع الغرقد، وجاء في بعضها بيان ذلك الشيء الذي ينكت به الأرض وأنه عود، وفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 بعضها مخضرة وهي العصا سميت بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالباً للاتكاء عليها, ومعنى ينكت: يخط يسيرا مرة بعد مرة وذلك فعل المفكر المفهوم. 2- قوله "قالوا يا رسول الله أفلا نتكل" ورد في بعض النصوص تعيين السائلين، ففي بعضها سراقة بن مالك بن جعشم، وفي بعضها شريح بن عامر الكلابي، وفي بعضها عمر رضي القه عنه، وفي بعضها أبو بكر رضي الله عنه قال الحافظ ابن حجر بعد ذكرها: والجمع بينها تعدد السائلين عن ذلك. 3- قوله: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال الحافظ ابن حجر: والفاء معقبة لشيء محذوف تقديره: "فإذا كان كذلك أفلا نتكل"؟ وحاصل السؤال: ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلا ما قدر علينا؟ وحاصل الجواب: لا مشقة لأن كلا ميسر لما خلق له وهو يسير على من يسره الله، قال الطيبي: الجواب من الأسلوب الحكيم: منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا يجعلوا العباده وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار، بل هي علأمات فقط انتهى. 4- هذا الحديث أصل في باب القضاء والقدر وأنه قد سبق قضاء الله تعالى بكون المكلفين فريقين فريقا في الجنة وفريقا ؤ السعير. قال النووي قال الإمام أبو المظفر السمدإني: سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول، فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه ؤ بحار الحيرة، ولم يبلغ شفاء النفس، ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب، لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار، اختص الله به وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم، لما علمه من الحكمة، وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه، وقد طوى الله تعالى علم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 القدر عن العالم، فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب انتهى. وقال الطحاوي في عقيدة أهل السنة ة وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فان الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ونهاهم عن مرامه كما قال الله تعالى في كتابه {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ، وقال: فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه ليجعلوه كائنا لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وما أخطأ العبد أيكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، وقال: فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيما، وأحضر للنظر فيه قلبا سقيما لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سرا كتيماً، وعاد بما قال فيه أفاكا أثيما.. 5- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- مشروعية إتباع الجنازة. 2- أن متبع الجنازة عليه أن يتذكر الآخرة وأن يظهر عليه أثر ذلك. 3- موعظة العالم أصحابه عند القبور. 4- إثبات القدر، وأنه ما شاء الله كان، وما أيشأ! يكن. 5- مراجعة العالم والاستفسار منه عما قد يشكل. 6- أن السعادة والشقاوة بتقدير الله وقضائه. 7- الرد على الجبرية لأن التيسير ضد الجبر لأن الجبر لا يكون إلا عن كره، ولا يأتي الإنسان الشيء بطريق التيسير إلا وهو غير كاره له. 8- الرد على القدرية لأن أفعال العباد وان صدرت عنهم فقد سبق علم الله بوقوعها بتقديره سبحانه وتعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 9- أن العمل الطيب أمارة على الخير, والعكس بالعكس. 10- النهي عن ترك العمل والاتكال على ما سبق به القدر, بل تجب الأعمال والتكاليف التي ورد الشرع بها, وكل ميسر لما خلق له. 11- أن السنة تبين القرآن وتوضيحه وتدل عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 الحديث العشرون : قال الإمام البخاري في آخر كتاب التوحيد من صحيحه: حدثني أحمد بن إشكاب حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبى زرعة عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 المبحث الأول: التخريج . أورد البخاري هذا الحديث فالثلاثة مواضع من صحيحه هذا أحدها وهو آخر حديث في صحيح البخاري في باب قول الله تعالى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} ، والثاني في كتاب الدعوات باب فضل التسبيح ولفظه: حدثنا زهير ابن حرب حدثنا ابن فضيل عن عمارة عن أبى زرعة عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم سبحان الله وبحمده "، والثالث في كتاب الأيمان والنذور باب إذا قال والله لا أتكلم اليوم، فصلى أو قرأ أو سبح أو حمد أو هلل فهو على نيته ولفظه: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا محمد بن فضيل حدثنا عمارة بن القعقاع عن أبى زرعة عن أبى هريرة قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء من صحيحه فقال ت حدثنا محمد ابن عبد الله بن نمير وزهير بن حرب وأبو كريب ومحمد بن طريف البجلي قالوا حدثنا ابن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبى زرعة عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان عل اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". وأخرجه الترمذي في أبواب الدعاء من جامعه باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد ولفظه: حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا محمد بن الفضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". قال هذا حديث حسن غريب صحيح. ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب الأدب باب فضل التسبيح فقال: حدثنا أبو بشر وعلى بن محمد قالا حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبى زرعة عن أبى هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". ورواه الإمام أحمد في المسند عن شيخه محمد بن فضيل بمثل إسناده ومتنه عند البخاري في كتاب الأيمان والنذور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 المبحث الثاني: التعريف برجال الإسناد . الأول: شيخ البخاري أحمد بن إشكاب قال الحافظ في التقريب: أحمد بن إشكاب الحضرمى أبو عبد الله الصفار واسم إشكاب مجمع وهو بكسر الهمزة بعدها معجمة ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة سبع عشرة أو بعدها أي بعد المائتين ورمز لكونه من رجال البخاري وحده. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: أحمد بن إشكاب أبو عبد الله الصفار الكوفي سكن مصر سمع محمد بن فضيل بن غزوان روى عنه البخاري وقال: آخر ما لقيته بمصر سنة سبع عشرة ومائتين. ونقل الحافظ في تهذيب التهذيب توثيقه عن يعقوب بن شيبة وأبى حاتم والعجلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 الثاني: محمد بن فضيل قال الحافظ في التقريب: محمد بن فضيل بن غزوان بفتح المعجمة وسكون الزاى الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق عارف رمى بالتشيع من التاسعة مات سنة خمس وتسعين أي بعد المائة ورمز لكونه من رجال الجماعة. وقال في مقدمة الفتح: محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي أبو عبد الرحمن الضبي من شيوخ أحمد وله تصانيف وثقه العجلي وابن معين وقال أحمد: كان شيعيا حسن الحديث، وقال أبو زرعة: صدوق من أهل العلم، وقال النسائي: لا بأس به، وقال ابن سعد: كان ثقة صدوقا كثير الحديث شيعيا وبعضهم لا يحتج به، قلت أي الحافظ ابن حجر إنما توقف فيه من توقف لتشيعه، وقد قال أحمد بن على الأبار: حدثنا أبو هاشم سمعت ابن فضيل يقول: رحم الله عثمان ولا رحم الله من لا يترحم عليه، قال: ورأيت عليه آثار أهل السنة والجماعة رحمه الله، احتج به الجماعة انتهى. الثالث: عمارة بن القعقاع قال الحافظ في التقريب: عمارة بن القعقاع ابن شبرمة بضم المعجمة والراء بينهما موحدة ساكنة الضبى بالمعجمة والموحدة الكوفي الثقة أرسل عن ابن مسعود وهو من السادسة، ورمز لكونه من رجال الجماعة. ونقل في تهذيب التهذيب توثيقه عن ابن معين والنسائي وابن سعد ويعقوب بن سفيان. الرابع: أبو زرعة قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: أبو زرعة ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي قيل اسمه هرم وقيل عمرو وقيل عبد الله وقيل عبد الرحمن وقيل جرير ثقة من الثالثة ورمز لكونه من رجال الجماعة. ونقل في تهذيب التهذيب توثيقه عن ابن معين وابن خراش. وقال المقدسي في الجمع بين رجال الصحيحين: هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله أبو زرعة البجلي الكوفي سمع أبا هريرة وجده جرير بن عبد الله عند هما وقال روى عنه أبو حيان التيمي وعلى بن مدرك وعمارة بن القعقاع عند هما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الخامس: صحابي الحديث أبو هريرة رضي الله عنه قال الحافظ في تقريب التهذيب: أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه واسم أبيه قيل عبد الرحمن بن صخر ثم ذكر أقوالا قال بعدها واختلف في أيها الأرجح؟ فذهب الأكثرون إلى الأول، وذهب جمع من النسابين إلى عمرو بن عامر مات سنة سبع وقيل سنة ثمان وقيل سنة تسع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، ورمز لكون حديثه في الكتب الستة، وقال الخزرجى في الخلاصة: أبو هريرة اسمه عبد الرحمن بن صخر الدوسي الحافظ له خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثا اتفقا على ثلاثمائة وخمسة وعشرين وانفرد البخاري بتسعة وسبعين ومسلم بثلاثة وتسعين. وذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أن له عند البخاري أربعمائة وستة وأربعين حديثا. وترجم له الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية في اثنتي عشرة صفحة وذكر الكثير من مناقبه رضي الله عنه وقال: وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير الطيب، وكان من حفاظ الصحابة، وروى عن أبى بكر وعمر وأبى بن كعب وأسامة بن زيد ونضرة بن أبى نضرة والفضل بن العباس وكعب الأحبار وعائشة أم المؤمنين وحدث عنه خلائق من أهل العلم وقال: قال البخاري: روى عنه نحو من ثمانمائة رجل أو أكثر من أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم، وقال: وقد كان أبو هريرة من الصدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 المبحث الثالث: لطائف الإسناد وما فيه من الشواهد التطبيقية لعلم مصطلح الحديث . 1- رجال الإسناد الخمسة خرج حديثهم أصحاب الكتب الستة إلا شيخ البخاري أحمد بن إشكاب فقد انفرد البخاري بإخراج حديثه. 2- رجال الإسناد كوفيون إلا الصحابي فانه مدني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 3- الصحابي والتابعي في الإسناد كل منهما اشتهر بكنيته وكل منهما اختلف في اسمه. 4- الصحابي في هذا الإسناد هو أكثر الصحابة حديثا على الإطلاق، قال الحافظ ابن حجر في ترجمته في الإصابة: وقد أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثا. وقال النووي في التقريب: وأكثرهم حديثا أبو هريرة ثم ابن عمر وابن عباس وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعائشة، وقد بين السيوطي في شرحه تدريب الراوي عدد ما لكل واحد منهم من الحديث فذكر عدد ما لأبى هريرة رضي الله عنه وهو يوافق العدد الذي تقدم ذكره نقلا عن الخلاصة للخزرجى، وذكر أن الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما ألفا حديث وستمائة وثلاثون حديثا والذي رواه أنس رضي الله عنه ألفا حديث ومائتان وستة وثمانون حديثا 1 والذي رواه ابن عباس رضي الله عنه ألف وستمائة وستون حديثا، والذي رواه جابر ألف وخمسمائة وأربعون حديثا. والذي روته عائشة رضي الله عنها ألفان ومائتا حديث وعشرة أحاديث، ثم قال السيوطي: وليس في الصحابة من يزيد حديثه على ألف غير هؤلاء إلا أبا سعيد فانه روى ألفا ومائة وسبعين حديثا. وقد نظم السيوطي هؤلاء الصحابة السبعة الذين زاد حديث كل منهم على ألف حديث في ألفيته في علوم الحديث فقال: والمكثرون في رواية الأثر ... أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس والبحر كالخدري ... وجابر وزوجة النبي 5- هذا الحديث من أمثلة الفرد المطلق، فقد تفرد في روايته أبو هريرة رضي الله عنه، وتفرد في روايته عن أبى هريرة أبو زرعة وتفرد به عن أبى زرعة عمارة بن القعقاع، وتفرد به عن عمارة محمد بن فضيل، ثم كثر رواته عن محمد بن فضيل، وذكر الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث أنه لم ير هذا   1 تقدم النقل عن الخلاصة للخزرجى ص 91، وهو يخالف هذا، والظاهر صحة ما هنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الحديث إلا من طريق محمد بن فضيل بهذا الإسناد، ولما ذكر تخريج الترمذي له وقوله عقبه: حسن صحيح غريب قال الحافظ ابن حجر: قلت وجه الغرابة فيه ما ذكرته من تفرد محمد بن فضيل وشيخه وشيخ شيخه وصحابيه انتهى. ومثل هذا الحديث في ذلك الحديث الذي جعله البخاري رحمه الله فاتحة كتابه وهو حديث: إنما الأعمال بالنيات، فانه فرد مطلق أيضا، تفرد بروايته عن عمر علقمة بن وقاص الليثي، وتفرد به عن علقمة محمد بن إبراهيم التيمي، وتفرد به عن محمد بن إبراهيم يحي بن سعيد الأنصاري، ثم اشتهر عن يحمى ابن سعيد، ففاتحة صحيح البخاري فرد مطلق وخاتمته فرد مطلق. 6- حديث أبى هريرة رضي الله عنه هذا هو آخر حديث أورده البخاري في الجامع الصحيح، فهو خاتمة صحيحه، وقد تبعه بعض المصنفين في الحديث: في جعله خاتمة كتبهم، ومن هؤلاء الحافظ المنذري ختم به كتابه الترغيب والترهيب، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني ختم به كتابه بلوغ المرام من أدلة الأحكام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 المبحث الرابع: شرح الحديث . 1- قوله: "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن الخ" كلمتان خبر مقدم مبتدؤه. سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، والنكتة في تقديم الخبر تشويق السامع إلى المبتدأ، وكلما طال الكلام في وصف الخبر حسن تقديمه، لأن كثرة الأوصاف الجميلة تزيد السامع شوقا، قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري. 2- أوصاف الخبر الثلاثة حبيبتان وخفيفتان وثقيلتان.. الأول حبيبة بمعنى محبوبة والثاني والثالث فعيلة بمعنى فاعلة. 3- قوله: "حبيبتان إلى الرحمن" قال الحافظ ابن حجر: وخص لفظ الرحمن بالذكر لأن المقصود من الحديث بيان سعة رحمة الله تعالى على عباده حيث يجازى على العمل القليل بالثواب الجزيل. 4- قوله: "خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان" قال الحافظ ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 حجر: وصفهما بالخفة والثقل لبيان قلة العمل وكثرة الثواب. 5- قوله: "ثقيلتان في الميزان" هو من نصوص الوعد التي يعول عليها المرجئة معرضين عن نصوص الوعيد، ويقابلهم الخوارج والمعتزلة الذين يغلبون نصوص الوعيد ويغفلون عن نصوص الوعد، ومذهب أهل السنة والجماعة وسط بين الطرفين المتناقضين، طرف الإفراط وطرف التفريط، فهم يأخذون بنصوص الوعد والوعيد معا، يجمعون بين الخوف والرجاء، ولا يقولون كما تقول المرجئة: إنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، ولا يقولون كما تقول الخوارج والمعتزلة بخروج مرتكب الكبيرة من الإيمان في الدنيا وخلوده في النار في الآخرة وإنما يرون أن العاصي مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فليس عندهم من أهل الإيمان المطلق (الكامل) ولا يمنعونه مطلق الاسم، بل هو مؤمن ناقص الإيمان، هذا حكمه عندهم في الدنيا، أما في الآخرة فكل ذنب دون الشرك فأمر صاحبه إلى الله إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة من أول وهلة، وإن شاء عذبه في النار عقوبة لجريمته ثم يخرجه منها ويدخله الجنة، فماله إلى الجنة ولابد، ولهذا يجمع الله بين الترغيب والترهيب في كتابه العزيز فيقول {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} ويقول {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ويقول {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يرشد بذلك عباده إلى أن يخافوه ويرجوه، فلا يأمنون مكر الله لرجائهم المجرد عن الخوف، ولا يقنطون من رحمته لخوفهم المجرد عن الرجاء، بل كما قال الله تعالى عن أوليائه {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} وقال تعالى {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} وقد نقل الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث عن ابن بطال أنه قال: هذه الفضائل الواردة في فضل الذكر إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال كالطهارة من الحزام والمعاصي العظام فلا تظن أن من أدمن الذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وأصر على ما شاءه من شهواته وانتهك دين الله وحرماته أنه يلتحق بالمطهرين المقدسين ويبلغ منازلهم بكلام أجراه على لسانه ليس معه تقوى ولا عمل صالح انتهى. 6- قوله: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" المعنى أنزه الله عن كل، مما لا يليق به قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وسبحان اسم منصوب على أنه واقع موقع المصدر لفعل محذوف تقديره: سبحت الله سبحانا كسبحت الله تسبيحا، ولا يستعمل غالبا إلا مضافا وهو مضاف إلى المفعول أي سبحت الله، ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي نزه الله نفسه، والمشهور الأول، وقد جاء غير مضاف في الشعر كقوله: سبحانه ثم سبحانا أنزهه وقال في قوله: "وبحمده" قيل الواو للحال والتقدير أسبح الله متلبسا بحمدي له من أجل توفيقه، وقيل عاطفة، والتقدير أسبح الله وأتلبس بحمده. 7- قوله: "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" قال الحافظ ابن حجر فيما نقله عن شيخه أبى حفص عمر البلقيني في أواخر مقدمة الفتح قال: وهاتان الكلمتان معنا هما جاء في ختام دعاء أهل الجنان لقوله تعالى {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . 8- من فقه الحديث، وما يستنبط منه: 1- الحث على المواظبة على هذا الذكر والتحريض على ملازمته. 2- إثبات صفة المحبة لله تعالى. 3- الجمع بين تنزيه الله تعالى والثناء عليه في الدعاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 4- بيان الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته الأسباب التي تقربهم إلى الله وتثقل موازينهم في الدار الآخرة. 5- إثبات الميزان وجاء في بعض النصوص إثبات أن له كفتين. 6- إثبات وزن أعمال العباد. 7- التنبيه على سعة رحمة الله حيث يجازى على العمل القليل بالثواب الجزيل. 8- الإشارة بخفة هاتين الكلمتين على اللسان إلى أن التكاليف شاقة على النفس، ومن أجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات. وقد جاء عن بعض السلف التعليل لثقل الحسنة وخفة السيئة فقال: لأن الحسنة حضرت مرارتها وغابت حلاوتها فلذلك ثقلت فلا يحملنك ثقلها على تركها، والسيئة حضرت حلاوتها وغابت مرارتها فلذلك خفت، فلا تحملنك خفتها على ارتكابها. 9- إطلاق الكلمة مراداً بها الكلام. 10- جواز السجع إذا وقع بغير كلفة. 11- إيراد الحكم المرغب في فعله بلفظ الخبر لأن المقصود من سياق هذا الحديث الأمر بملازمة الذكر المذكور. 12- الإشارة إلى امتثال قوله تعالى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك} . هذا ما يسر الله صلى الله عليه وسلم وتحريره من الكلام على عشرين حديثا من صحيح الإمام أبى عبد الله محمد لن إسماعيلي البخاري، والتمهيد لها بتحريف موجز بالإمام البخاري وصحيحه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وكان الفراغ من ذلك في يوم السبت الموافق الحادي عشر من شهر صفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 سنة تسعين بعد الثلاثمائة والألف من الهجرة في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. اللهم اجعلنا ممن أردت به الخير ففقهته في دينك, فسار على النهج القويم الذي بعثت به رسولك الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن واختم لنا هذه الحياة بخاتمة السعادة, واجعلنا اللهم ممن يثقل ميزنه بالحسنات, إنك جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246