الكتاب: موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة المؤلف: محمود بن عبد الرحمن قدح الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة التاسعة والعشرون - العدد (107) - (1418/ 1419هـ)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة محمود قدح الكتاب: موجز تاريخ اليهود والرد على بعض مزاعمهم الباطلة المؤلف: محمود بن عبد الرحمن قدح الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الطبعة: السنة التاسعة والعشرون - العدد (107) - (1418/ 1419هـ)   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] موجز تَارِيخ الْيَهُود وَالرَّدّ على بعض مزاعمهم الْبَاطِلَة تأليف د. مَحْمُود عبد الرَّحْمَن قدح عُضْو هَيْئَة التدريس بالجامعة الإسلامية بِالْمَدِينَةِ المنورة مُقَدّمَة إنَّ الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونستهديه، ونعوذ بِاللَّه مِن شرور أَنْفُسنَا وسيئات أَعمالنَا، مَنْ يهده الله فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أنْ لَا إِلَه إلاَّ الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أنَّ محمَّداً عَبده وَرَسُوله وَخَاتم أنبيائه وَرُسُله، صلَّى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه وَالتَّابِعِينَ لَهُم بإحسانٍ إِلَى يَوْم الدّين. أما بعد: فإنَّ (تَارِيخ الْأَدْيَان) من المباحث الرئيسة الَّتِي يشْتَمل عَلَيْهَا علم الْأَدْيَان، وَهُوَ مَبْحَث يهتم بدراسة تَارِيخ ونشأة الدّيانَة وتطورها، وتأثيرها على الْمُجْتَمع الإنساني. وَقد اهتم عُلَمَاؤُنَا المتقدّمون فِي مؤلَّفاتهم بدراسة تَارِيخ الْأَدْيَان، وبالمراحل والتطورات الَّتِي يمر بهَا أَتبَاع الْأَدْيَان، ورصد انحرافاتهم عَن الدّين الْحق، لِمَا فِي ذَلِك من الْفَوَائِد فِي إِظْهَار الْحق وإزهاق الْبَاطِل، وَمَعْرِفَة أَسبَاب الانحراف عَن الدّين الْحق لتوقّيها وتحذير النَّاس مِنْهَا. وَهَذِه دراسة موجزة عَن مَوْضُوع (موجز تَارِيخ الْيَهُود وَالرَّدّ على بعض مزاعمهم الْبَاطِلَة) لمعْرِفَة حَقِيقَة الْيَهُود المعاصرين، وَإِظْهَار فَسَاد دينهم وبطلانه، وَالرَّدّ على بعض دعاويهم وفضح ادّعاءاتهم الكاذبة، حَيْثُ إنَّ الْيَهُود قد جعلُوا تاريخهم جُزْءا من دينهم المنحرف وكتابهم المحرَّف. وَقد قسمت الدراسة فِي الْمَوْضُوع كالآتي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 - التَّمْهِيد: ويشتمل على تَعْرِيف ومصطلحات. - المبحث الأول: موجز تَارِيخ بني إِسْرَائِيل وَالْيَهُود. - المبحث الثَّانِي: مزاعم يَهُودِيَّة بَاطِلَة. وَالله الْمُوفق وَالْهَادِي إِلَى سَوَاء السَّبِيل وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين. وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد على وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ. وَكتبه د. مَحْمُود بن عبد الرَّحْمَن قدح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 تمهيد ... إِن المنطقة الَّتِي سيتركز الحَدِيث عَلَيْهَا أثْنَاء دراستنا لِلْيَهُودِيَّةِ وتاريخهم هِيَ فلسطين، فَمن الْمُنَاسب معرفَة بعض المعلومات عَنْهَا: فَأَما مساحتها فتبلغ حوالي 27.000 كم2، وتتمتع بموقع استراتيجي مُهِمّ جدا حَيْثُ تقع فِي قلب الْعَالم الإسلامي، وَفِي ملتقى ثَلَاث قارات (آسيا، إفريقيا، أوروبا) ، وَفِي مَرْكَز مُهِمّ بِالنِّسْبَةِ للمواصلات الْبَريَّة والبحرية والجوية. وتتميز كَذَلِك بأراضي خصبة جدا وثروات معدنية كَبِيرَة. وَأما تاريخها فقد سكنها الفينيقيون - من الْقَبَائِل الْعَرَبيَّة المهاجرة من شبه الجزيرة الْعَرَبيَّة - فِي الْألف الثَّالِث قبل الميلاد (سنة 3000ق. م) ، وَإِلَى الْجنُوب مِنْهُم نزلت قبائل عَرَبِيَّة أُخْرَى أشهرها قبائل الكنعانيين حوالي سنة 2500ق. م. على ضفة الْأُرْدُن الغربية وَسميت المنطقة باسمهم فَأَصْبَحت تُدعى (أَرض كنعان) ووردت كثيرا بِهَذَا الإسم فِي التَّوْرَاة أَيْضا، وَفِي حوالي سنة 1200 ق. م. نزلت بالسَّاحل المطل على الْبَحْر الْأَبْيَض جماعات تسمى قبائل فلستين جَاءَت من جَزِيرَة كريت (اقريطش) واختلطت بالكنعانيين فَأَصْبَحت الْبِلَاد تعرف بفلسطين1، وَقد كَانَت تسمى بـ (أَرض كنعان) فِي التَّوْرَاة قبل دُخُول إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَيْهَا2 وَبعده إِلَى زمن دُخُول بني إِسْرَائِيل إِلَيْهَا بعد مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أما إِطْلَاق اسمهم عَلَيْهَا فقد كَانَ فِي آخر عهد الْقُضَاة تَقْرِيبًا فِي زمن نَبِي لَهُم اسْمه صموئيل، مَعَ بَقَاء الكنعانيين فِيهَا3. وَقد بَدَأَ الْفَتْح الإسلامي لهَذِهِ الْبِلَاد مُنْذُ عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي سيّر جَيْشًا سنة   1 - انْظُر: قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص685، 789، الْيَهُودِيَّة ص41 د. أَحْمد شلبي. 2 - انْظُر: سفر التكوين 12/5. 3 - انْظُر: سفر صموئيل 13/9، وأخبار الْأَيَّام الأول 22/2. الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 ثَمَان من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة إِلَى (مُؤْتَة) 1 لمقاتلة الرّوم2، ثمَّ كَانَت غَزْوَة تَبُوك سنة تسع من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة3، وَفِي آخر عَهده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جهّز جَيش أُسَامَة بن زيد رَضِي الله عَنهُ إِلَى تخوم البلقاء من الشَّام4، وَقد سيّر الصّديق رَضِي الله عَنهُ ذَلِك الْجَيْش بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم5. وَفِي عهد الْخَلِيفَة الصّديق رَضِي الله عَنهُ كَانَت موقعة (أجنادين) 6 الَّتِي نصر الله فِيهَا جَيش الْمُسلمين بقيادة خَالِد ابْن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ ونتج عَنْهَا فتح عدَّة مدن بفلسطين مِنْهَا: نابلس وعسقلان وغزة والرملة وعكا وَغَيرهَا، وَبِهَذَا مُهّد الطَّرِيق للزحف إِلَى بَيت الْمُقَدّس7، ودعم ذَلِك موقعة (اليرموك} الَّتِي انتصر فِيهَا الْمُسلمُونَ. وَفِي عهد الْخَلِيفَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وجّه جَيْشًا بقيادة أبي عُبَيْدَة ابْن الْجراح رَضِي الله عَنهُ لفتح بَيت الْمُقَدّس الَّتِي حاصرها مُدَّة أَرْبَعَة أشهر حَتَّى طلب أَهلهَا الصُّلْح واشترطوا أَن يتَوَلَّى الْخَلِيفَة عمر بِنَفسِهِ استلام الْمَدِينَة، وَهَكَذَا كَانَ فجَاء عمر رَضِي الله عَنهُ وَكتب لَهُم وَثِيقَة الْأمان وَبنى مَسْجده فِي بَيت الْمُقَدّس9.   1 - منْطقَة تقع فِي شَرق الْأُرْدُن شمال البتراء، وعَلى مسيرَة أحد عشر كَيْلا جنوب الكرك. انْظُر: (المعالم الأثيرة فِي السّنة والسيرة ص237 مُحَمَّد شرّاب) . 2 - انْظُر: السِّيرَة النَّبَوِيَّة 4/23 - 45 لِابْنِ هِشَام، تَارِيخ الْإِسْلَام (الْمَغَازِي) ص479 للذهبي. 3 - انْظُر: المرجعين السَّابِقين 4/215 - 236، ص627. 4 - انْظُر: المرجعين السَّابِقين 4/384، 385 - 396، ص713. 5 - انْظُر: تَارِيخ الْإِسْلَام (عهد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين) ، ص19 للذهبي. 6 - منْطقَة بفلسطين فِي الْجنُوب الغربي لبيت الْمُقَدّس، من أَعمال الْخَلِيل. انْظُر: (المعالم الأثيرة ص20 مُحَمَّد شُرَّاب) . 7 - انْظُر: تَارِيخ الْإِسْلَام (عهد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين) ، ص81 - 83. 8 - نهر اليرموك طوله 57 كَيْلا، وَهُوَ الْحَد الْفَاصِل بَين سورية والأردن، وَقد نشبت معركة اليرموك فِي سهل الواقوصة. انْظُر: (المعالم الأثيرة ص297) مُحَمَّد شُرَّاب. 9 - تَارِيخ الْإِسْلَام (عهد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين) ص162 للذهبي، الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة 7/55 لِابْنِ كثير. الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وَبِهَذَا الْفَتْح أصبح بَيت الْمُقَدّس مُنْذُ شهر رَجَب سنة 16? دَار إِسْلَام يجب على الْمُسلمين فِيهَا إِظْهَار أَحْكَام الْإِسْلَام وشعائره والدفاع عَنْهَا، وَإِذا مَا استولى الْكفَّار عَلَيْهَا وأصبحت (دَار الْإِسْلَام المحتلة أَو المغتصبة) فَإِنَّهُ يتَعَيَّن على الْمُسلمين المقيمين فِيهَا الْجِهَاد لاسترداد حَقهم وأراضيهم من الْكَفَرَة المغتصبين، كَمَا يتَعَيَّن على الْمُسلمين المجاورين لَهَا الْقيام بِالْجِهَادِ مَعَ أَهلهَا كَمَا فعل الْملك صَلَاح الدّين الأيوبي رَحمَه الله تَعَالَى حينما استردها من الصليبيين الْكَفَرَة وأعادها إِلَى الْمُسلمين، ونسأل الله عز وَجل أَن يرفع راية الْجِهَاد، وَأَن يُؤَيّد الْمُسلمين بنصر من عِنْده عز وجلّ {وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} 1. . العبرانيون، بَنو إِسْرَائِيل، الْيَهُود إِن من الشعوب الَّتِي سكنت أَرض فلسطين فِي التَّارِيخ الْقَدِيم، شعب بني إِسْرَائِيل الَّذين سنتحدث عَن تاريخهم، لكننا نجد مسميات أُخْرَى لَهُم، كالعبرانيين، وَالْيَهُود، فَهَل هِيَ مصطلحات مترادفة؟ أم أَن بَينهَا فرقا؟! وَقبل أَن نَخُوض فِي الحَدِيث عَن مَوْضُوع دراستنا (تَارِيخ الْيَهُود) ، كَانَ لَا بُد من الْإِجَابَة على السُّؤَال الْمَطْرُوح؛ لصلته الْوَثِيقَة بموضوع الدراسة، فَنَقُول - مستعينين بِاللَّه -: - أما العبرانيون: - فِي الِاصْطِلَاح - فَهِيَ كلمة مرادفة لـ (بني إِسْرَائِيل) المتحدرين من سلالة يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَتسَمى لغتهم العبرية أَو العبرانية2.   1 - سُورَة آل عمرَان، الْآيَة 126. 2 - انْظُر: قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص596، دروس اللُّغَة العبرية ص32، 33 د. ربحي كَمَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وَقد اخْتلف فِي أصل هَذِه التَّسْمِيَة على أَقْوَال مِنْهَا: 1 - أَنَّهَا نِسْبَة إِلَى (عَابِر) أَو (عيبر) وَهُوَ الْجد الْخَامِس فِي سلسلة نسب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي التَّوْرَاة1. 2 - أَنَّهَا نِسْبَة إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الملقب فِي التَّوْرَاة بـ (ابرام العبراني) 2 لعبوره نهر الْفُرَات أَو نهر الْأُرْدُن. وَلم ترد هَذِه التَّسْمِيَة فِي الْقُرْآن الْكَرِيم، وَإِنَّمَا وَردت فِي السّنة النَّبَوِيَّة الصَّحِيحَة من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا وَفِيه: "فَانْطَلَقت بِهِ (النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) خَدِيجَة حَتَّى أَتَت بِهِ ورقة بن نَوْفَل بن أَسد بن عبدا لعزى - ابْن عَم خَدِيجَة - وَكَانَ امْرَءًا تنصر فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ يكْتب الْكتاب العبراني، فَيكْتب من الْإِنْجِيل بالعبرانية مَا شَاءَ الله أَن يكْتب"3. ووردت كَذَلِك فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: "كَانَ أهل الْكتاب يقرأون التَّوْرَاة بالعبرية، ويفسرونها بِالْعَرَبِيَّةِ لأهل الْإِسْلَام، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لَا تصدقوا أهل الْكتاب وَلَا تكذبوهم، وَقُولُوا: {ءَامَنَّا بِاللهِ وَمآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنْزِلَ إِلى إِبْرا?يمَ وَإِسماعِيلَ وَإسحاقَ وَيَعْقُوبَ والأَسْباطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَآ أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِم لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِنْهُم وَنحَنُ لَهُ مُسْلِمُون} 4 " 5.   1 - انْظُر: سفر التكوين 11/14. 2 - انْظُر: تكوين 14/13. للتوسع (انْظُر: قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص596، دروس اللُّغَة العبرية ص36 د. يحيى كَمَال، تأريخ بني إِسْرَائِيل 30 - 31 مُحَمَّد دروزة، بَنو إِسْرَائِيل فِي الْقُرْآن وَالسّنة ص18 د. مُحَمَّد سيد طنطاوي، الْيَهُودِيَّة ص46 - 47 د. أَحْمد شلبي) . 3 - أخرجه البُخَارِيّ فِي صَحِيحه (انْظُر: صَحِيح البُخَارِيّ ضمن فتح الْبَارِي 1/22) . 4 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 136. 5 - أخرجه البُخَارِيّ. (انْظُر: فتح الْبَارِي 8/170، 13/333) . الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 - وَأما بَنو إِسْرَائِيل: - فِي الِاصْطِلَاح - فهم الأسباط الإثنا عشر أَبنَاء يَعْقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَمن جَاءَ من نسلهم. - وَأما (إِسْرَائِيل) : فَهُوَ نَبِي الله يَعْقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} 1. وَبِمَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي حَدِيث طَوِيل - أَن عِصَابَة من الْيَهُود جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسأله - وَفِيه: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أنْشدكُمْ بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَل تعلمُونَ أَن إِسْرَائِيل يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام مرض مَرضا شَدِيدا وَطَالَ سقمه فَنَذر لله نذرا لَئِن شفَاه الله تَعَالَى من سقمه ليحرمن أحب الشَّرَاب إِلَيْهِ وَأحب الطَّعَام إِلَيْهِ، وَكَانَ أحب الطَّعَام إِلَيْهِ لحْمَان الْإِبِل، وَأحب الشَّرَاب إِلَيْهِ أَلْبَانهَا؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ ... " 2. الحَدِيث. وَقد ذكرت التَّوْرَاة قصَّة سَبَب تَسْمِيَة يَعْقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بإسرائيل، حينما صارعه ملاك فِي صُورَة إِنْسَان حَتَّى طُلُوع الْفجْر، وَلم يُطلقهُ يَعْقُوب حَتَّى قَالَ لَهُ: لَا يدعى اسْمك فِيمَا بَعْد يَعْقُوب بل إِسْرَائِيل، لِأَنَّك جاهدت مَعَ الله وَالنَّاس وقدرت3. وَقد جَاءَ ذِكْر بني إِسْرَائِيل فِي الْقُرْآن الْكَرِيم وَالسّنة النَّبَوِيَّة كثيرا، خَاصَّة فِي مجَال تذكيرهم بنعم الله تَعَالَى عَلَيْهِم وعَلى آبَائِهِم وأسلافهم ودعوتهم، إِلَى   1 - سُورَة آل عمرَان، آيَة 93. 2 - أخرجه الإِمَام أَحْمد 1/273، 278، وَالطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير 12/247، وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة 6/266، 267. 3 - انْظُر: سفر التكوين 32/24 - 32، قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص69، 1074. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الدُّخُول فِي الْإِسْلَام ومتابعة النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتهييجاً لَهُم بِذكر أَبِيهِم إِسْرَائِيل، قَالَ تَعَالَى: {يَا بني إِسْرَائِيل اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم ... } 1 الْآيَات. وَتَقْدِيره: يَا بني العَبْد الصَّالح الْمُطِيع لله كونُوا مثل أبيكم فِي مُتَابعَة الْحق كَمَا تَقول: يَا ابْن الْكَرِيم افْعَل كَذَا2. - وَأما الْيَهُود - فِي الِاصْطِلَاح - فهم المتبعون لشريعة التَّوْرَاة من بني إِسْرَائِيل وَغَيرهم3. قَالَ الإِمَام ابْن تَيْمِية - رَحمَه الله تَعَالَى - فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالحِاً فَلَهُم أَجْرُهُم عِنْدَ رَبِّهِم وَلا خَوْفُ عَلَيْهِم وَلا هُم يحَزَنُون} 4. قَالَ: إِن لفظ {الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى} يتَنَاوَل جَمِيع أهل الْكتاب - التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل - الَّذين كَانُوا قبل النّسخ والتبديل، وَالَّذين كَانُوا بعد ذَلِك، فَهَذَا الِاسْم لَا يخْتَص بالكفار مِنْهُم، كَمَا أَن لفظ (بني إِسْرَائِيل) وَلَفظ (أهل الْكتاب) لَيْسَ مُخْتَصًّا بالكفار، وَلَكِن كَانُوا مُسلمين ومؤمنين مَعَ كَونهم من بني إِسْرَائِيل وَمن أهل الْكتاب، وَكَذَلِكَ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى5.ا?   1 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 40، 47. 2 - انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير 1/86. 3 - أَي من غير بني إِسْرَائِيل لِأَن أجناساً من الرّوم والخزر قد اعتنقوا الدّيانَة الْيَهُودِيَّة المنحرفة وَلَيْسوا من بني إِسْرَائِيل - فِيمَا سنبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فعلى هَذَا فَإِن مصطلح الْيَهُود أَعم من بني إِسْرَائِيل. 4 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 62. ونظيرها فِي سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 69 قَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْءَامَنَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالحِاً فَلَهُم أَجْرُهُم عِنْدَ رَبِّهِم وَلا خَوْفُ عَلَيْهِم وَلا هُم يحَزَنُون} . 5 - انْظُر: كتاب (تَفْسِير آيَات أشكلت) 1/275، ومجموع فَتَاوَى شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية 7/55. الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وَاخْتلف فِي أصل تسميتهم باليهود على أَقْوَال مِنْهَا: 1 - قيل: سمُّوا يهوداً من (الهوادة) وَهِي المودّة، لمودتهم فِي بَعضهم لبَعض. 2 - وَقيل: من (التهوّد) وَهِي التَّوْبَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْك} 1، أَي تبنا. فكأنهم سُمُّوا بذلك فِي الأَصْل لتوبتهم ومودتهم فِي بَعضهم الْبَعْض. 3 - وَقَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: لأَنهم يتهوّدون - أَي يتحركون - عِنْد قِرَاءَة التَّوْرَاة2. 4 - ورد أَن (يهوذا) هُوَ الابْن الرَّابِع ليعقوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَنسب إِلَيْهِ سبط من الأسباط الاثْنَي عشر، ثمَّ أطلق اسْمه على المملكة الجنوبية (مملكة يهوذا) لِأَن مُلُوكهَا كَانُوا من سبط يهوذا وتمييزاً لَهَا عَن (مملكة إِسْرَائِيل الشمالية) وفيهَا الأسباط الْعشْرَة، وحينما تشَتت الأسباط وأُخِذَ سبط يهوذا إِلَى السَّبي البابلي فقد توسع مَعْنَاهُ، فَصَارَ يَشْمَل جَمِيع من رجعُوا من الْأسر من بني إِسْرَائِيل، ثمَّ صَار يُطلق على جَمِيع الْيَهُود المشتتين فِي الْعَالم3. قَالَ البيروني: إِنَّه قد أبدلت الذَّال الْمُعْجَمَة دَالا مُهْملَة (يهوذا - يهودا) لِأَن الْعَرَب كَانُوا إِذا نقلوا أَسمَاء الأعجمية إِلَى لغتهم غيروا بعض حروفها. ا?4. وَقَالَ المؤرخ الْيَهُودِيّ شاهين مكاريوس: وَمن ذَلِك الزَّمَان - 515 ق. م   1 - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة 156. 2 - انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير 1/107 فِي ذكر الْأَقْوَال السَّابِقَة. 3 - انْظُر: خطط المقريزي 3/503، قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص1084، الشخصية الإسرائيلية ص28 - 31 د. حسن ظاظا. 4 - صبح الْأَعْشَى 13/253. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 - يختفي ذكر الأسباط الْعشْرَة الْأُخْرَى، فَمن عَاد مِنْهُم - أَي من السَّبي البابلي - إِلَى فلسطين اخْتَلَط بسبطي يهوذا وبنيامين، وَفِي ذَلِك الْحِين سُمي الإسرائيليون يهوداً، ودُعيت بِلَادهمْ الْيَهُودِيَّة1.ا?. وَالْقَوْل الْأَخير – فِي نَظَرِي – أقرب الْأَقْوَال إِلَى الصَّوَاب؛ لما بيّناه2، وَالله أعلم. وَقد تكَرر ذكر الْيَهُود فِي الْقُرْآن الْكَرِيم وَالسّنة النَّبَوِيَّة كثيرا، خَاصَّة فِي سِيَاق بَيَان كفرهم وأقوالهم الْبَاطِلَة وَإِظْهَار خزيهم وفضائحهم والتحذير من مكائدهم وشرورهم، حَيْثُ لم ترد هَذِه التَّسْمِيَة فِي مقَام الْمَدْح لَهُم، وَإِنَّمَا وَردت فِي مقَام الذَّم والتقريع لَهُم، وَمن تِلْكَ الْآيَات القرآنية الدَّالَّة على ذَلِك: قَوْله عز وَجل: {وَقالت اليَهُودُ يَدُ الله مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهم وَلُعِنٌوا بِمَا قَالُو ابَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيفَ يَشآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثيراً مِنْهُم مَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ العَداوَةَ والبَغْضآءَ إِلى يَومِ القِيامَةِ كُلَّمآ أَوْقَدُوا نَاراً للحَرْبِ أَطْفَأَها الله وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرضِ فَساداً وَالله لَا يحُبُّ المُفْسِدينَ} 3. - وَقَوله تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يحُرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا ليّاً بِأَلْسِنَتِهِم وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَو أَنَّهُم قَالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكَانَ خَيراً لَهُم وَأَقْوَم وَلكِنْ لَعَنَهُم الله بِكُفْرِهِم فَلا يُؤمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} 4. - وَقَوله تَعَالَى: {لَتَجِدَنِّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً للَّذِينَ ءامَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ   1 - انْظُر: تَارِيخ الإسرائيليين، ص32. 2 - وَقد رجح هَذَا القَوْل الشَّيْخ مُحَمَّد صديق خَان - رَحمَه الله تَعَالَى - فِي كِتَابه: (لقطَة العجلان مِمَّا تمس إِلَى مَعْرفَته حَاجَة الْإِنْسَان، ص111) وَغَيره. 3 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 64. 4 - سُورَة النِّسَاء، آيَة 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَوَدَّةً للَّذِينَءَامَنُوا الَّذينَ قَالوآ إِنَّا نَصارَى ذَلِكَ بَأَنَّ مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُم لَا يَسْتَكْبِرون} 1. - وَقَوله تَعَالَى: {وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابنُ الله وَقالَتِ النَّصارَى المَسِيحُ ابنُ الله ذَلِك قَوْلهُم بِأَفْواهِهِم يُضاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُم الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ} 2. - وَقَوله تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّها الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُم أَنَّكُم أَوْلِياءُ لله مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوا المَوتَ إِنْ كُنْتُم صَادِقين وَلا يَتمَنَّوْنَهُ أبدا بِمَا قَدَّمَتْ أَيدِيهِم وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالمِين قُلْ إِنَّ المَوْتَ الَّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عَالمِ الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتم تَعْمَلُون} 3. وَغير ذَلِك من الْآيَات الْكَثِيرَة الَّتِي تَتَحَدَّث عَن الْيَهُود. أَسمَاؤُهُم الْأُخْرَى: للْيَهُود أَسمَاء وأوصاف أُخْرَى نذْكر مِنْهَا الْآتِي: - أهل الْكتاب: لأَنهم يُؤمنُونَ بِالْكتاب الْمنزل على مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَهُوَ التَّوْرَاة، وَهَذَا الِاسْم يشْتَرك فِيهِ مَعَهم النَّصَارَى. - أهل التَّوْرَاة: لإيمانهم بشريعة التَّوْرَاة وَأَنَّهَا مُؤَبّدَة لَا تنسخ. - أهل السبت: لتعظيمهم يَوْم السبت وَتَحْرِيم الْعَمَل فِيهِ. - قوم مُوسَى أَو أمة مُوسَى: لانتسابهم إِلَيْهِ وَإِلَى شَرِيعَته، واعتقادهم أَنه لَيْسَ هُنَاكَ نَبِي أفضل من مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. - المغضوب عَلَيْهِم: لأَنهم علمُوا الْحق فَلم يعملوا بِهِ فاستحقوا غضب الله عَلَيْهِم ولعنته، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَلَا أعلم بَين الْمُفَسّرين فِي هَذَا - أَي أَن المُرَاد   1 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 82. 2 - سُورَة التَّوْبَة، آيَة 30. 3 - سُورَة الْجُمُعَة، آيَة 6 - 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 بقوله تَعَالَى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} 1 هم الْيَهُود – اخْتِلَافا، وَذكر الإِمَام ابْن كثير أَحَادِيث مروية فِي ذَلِك2.   1 - سُورَة الْفَاتِحَة، آيَة 7. 2 - انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير 1/31، 32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 المبحث الأول: موجز تأريخ بني إِسْرَائِيل وَالْيَهُود مدْخل ... المبحث الأول: موجز تأريخ بني إِسْرَائِيل وَالْيَهُود لمعْرِفَة حَقِيقَة الْيَهُود المعاصرين وَفهم ديانتهم المحرفة وَنقد كتبهمْ المقدسة لديهم، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي دراسة تَارِيخ بني إِسْرَائِيل، لِأَن الْيَهُود جعلُوا تاريخهم الطَّوِيل جُزْءا من دينهم المنحرف وكتابهم المحرّف، واعتبروه تراثاً مقدساً يستمدون مِنْهُ شعائرهم وأخلاقهم وشعاراتهم وأفكارهم، وَإِن نظرةً سريعة إِلَى مَا تتضمنه كتبهمْ المقدسة لديهم تُبَيِّن لنا أَن ثَلَاثَة أَربَاع محتوياتها تشْتَمل على سرد تَارِيخ بني إِسْرَائِيل الطَّوِيل وَمَا جرى لَهُم من الْحَوَادِث فِي مُخْتَلف الْأَزْمِنَة والأمكنة. يَقُول المؤرخ الْيَهُودِيّ شاهين مكاريوس: وَلَا يخفى أَن مُعظم تَارِيخ الْيَهُود حَتَّى خراب أورشليم مَأْخُوذ من التَّوْرَاة، فَهِيَ خزانَة تاريخهم وحكاية مَا حلّ بهم من الْعُبُودِيَّة وَالظُّلم، وَمَا أَصَابُوهُ من الْعِزّ والفوز والسؤدد، كَمَا أَنَّهَا كتاب وحيهم ومجموعة معتقدهم وشرائعهم الدِّينِيَّة والأدبية والمدنية، فالناظر فِي تاريخهم لَا بُد لَهُ أَن يعْتَمد التَّوْرَاة لاستخلاص أخبارهم1. وَلما كَانَ تاريخهم طَويلا يَمْتَد لعشرات الْقُرُون، ومليئاً بالأحداث وَالرِّوَايَات والقصص، فَإِنَّهُ يصعب الْإِحَاطَة بتفاصيله فِي هَذِه الدراسة الموجزة، لَا سِيمَا وَقد   1 - تَارِيخ الإسرائليين، ص3، 4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 كتبت فِي تاريخهم المجلدات والرسائل الجامعية الْكَثِيرَة، وَمِنْهَا: - كتاب (تَارِيخ بني إِسْرَائِيل من أسفارهم) - للأستاذ مُحَمَّد عزة دروزة. - وَكتاب (التراث الإسرائيلي فِي الْعَهْد الْقَدِيم وموقف الْقُرْآن الْكَرِيم مِنْهُ) ، وَكتاب (التَّارِيخ الْيَهُودِيّ الْعَام) ، وَكتاب (بَنو إِسْرَائِيل بَين نبأ الْقُرْآن الْكَرِيم وَخبر الْعَهْد الْقَدِيم) ، وَكلهَا للدكتور صابر طعيمة. - وَكتاب (الْيَهُود نشأتهم وعقيدتهم) ، زكي شنودة. - وَكتاب (الْيَهُود فِي تَارِيخ الحضارات الأولى) ، للدكتور غوستاف لوبون، وَغَيرهَا من المؤلفات العديدة. لذَلِك سنكتفي فِي هَذِه الدراسة بموجز عَن تَارِيخ بني إِسْرَائِيل وأبرز الْأَحْدَاث الَّتِي مرت بهم خلال تاريخهم الطَّوِيل فِي النقاط الْآتِيَة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 الْمطلب الأول: بَدْء تاريخهم. - إِن تاريخهم يبْدَأ من إِسْرَائِيل – وَهُوَ يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام - الَّذِي نَشأ وعاش فِي أَرض الكنعانيين (أَرض فلسطين) ، وَقد ولد لَهُ اثْنَا عشر ولدا من أَربع نسْوَة وهم كالآتي: - رأوبين، شَمْعُون، لاوي، يهوذا، يسّاكَرُ، زبلون - وأمهم ليئة. - يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بنيامين - وأمهما راحيل. - دَان، نفْتالي - وأمهما بِلْهة جَارِيَة راحيل. - جاد، أُشير – وأمهما زِلفة جَارِيَة ليئة1. وَهَؤُلَاء الْأَوْلَاد الإثنا عشر هم أصل الأسباط الإسرائيليين.   1 - انْظُر: سفر التكوين 35/33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 - ثمَّ قصَّة يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْمَشْهُورَة مَعَ إخْوَته وأبيهم يَعْقُوب عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وانتقال إِسْرَائِيل (يَعْقُوب) وبنيه للعيش فِي أَرض مصر معززين مكرّمين فِي ظلّ يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام1. - وَبعد وَفَاة يَعْقُوب ويوسف عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وتوالي السنون وتعاقب الْمُلُوك، تغير حَال بني إِسْرَائِيل فِي مصر من الْعِزَّة والكرامة إِلَى المذلة والمهانة، لِأَن فِرْعَوْن مصر اضطهد بني إِسْرَائِيل واستعبدهم2 قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} 3.   1 - وَردت الْقِصَّة مفصلة فِي سُورَة يُوسُف، وَفِي سفر التكوين من الإصحاح 37 - إِلَى الإصحاح 45. 2 - ذكرت عدَّة أَسبَاب لذَلِك الإضطهاد، مِنْهَا: أ - أَن فِرْعَوْن رأى رُؤْيا أفزعته مضمونها أَن زَوَال ملكه سَيكون على يَد رجل من بني إِسْرَائِيل. (انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير 1/93) . ب - لخشيته من تكاثر عَددهمْ واستفحال نفوذهم. (سفر الْخُرُوج 1/8، 9) . ج - أَن زمن دُخُول بني إِسْرَائِيل إِلَى مصر كَانَ فِي فَتْرَة حكم مُلُوك الرُّعَاة (الهكسوس) غزَاة أَرض مصر، وحينما طرد المصريون الهكسوس من أَرضهم واستعادوا ملكهم فَإِنَّهُم اضطهدوا بني إِسْرَائِيل المتعاونين مَعَ الْحُكَّام السَّابِقين. (انْظُر: قصَص الْأَنْبِيَاء ص153، 154 عبد الْوَهَّاب النجار، الْيَهُودِيَّة 51 - 54، 59 - 61 د. شلبي) . 3 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 الْمطلب الثَّانِي: قوم مُوسَى. - فَأرْسل الله تبَارك وَتَعَالَى مُوسَى وَهَارُون عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام ابْني عْمرام بن قَهَات بن لاوي بن يَعْقُوب1عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه مؤيّدين بالمعجزات لدعوتهم إِلَى الْإِيمَان بِاللَّه وَحده وَرفع الْعَذَاب عَن بني   1 - سلسلة النّسَب من سفر التكوين 6/16 - 20، وَقد عَاشَ مُوسَى فِي الْقرن الثَّانِي عشر قبل الميلاد تَقْرِيبًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 إِسْرَائِيل، فكذب فِرْعَوْن وَقَومه وعصوا وَكَفرُوا بِاللَّه وآياته، فَأمر الله رَسُوله مُوسَى أَن يخرج ببني إِسْرَائِيل من مصر، فأتبعهم فِرْعَوْن بجُنُوده، فأغرقهم الله فِي اليمّ، ونَجَّا مُوسَى وَقَومه إِلَى أَرض سيناء. - وَكَانَ قوم مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من بني إِسْرَائِيل - الَّذين خرج بهم من مصر - قد عاشوا فِي الْعُبُودِيَّة والذل والوثنية سنوات مديدة، ففسدت عقائدهم وخبثت نُفُوسهم وضعفت همتهم وَظهر عنادهم وكسلهم وتواكلهم وتخاذلهم وعصيانهم لأمر الله وَرَسُوله، ونريد أَن نقف هُنَا بعض الوقفات لنبين بعض أَخْلَاق سلف الْيَهُود وآبائهم مِمَّن كَانُوا مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي الْأُمُور الْآتِيَة: - أَنهم شكّوا فِي موت فِرْعَوْن بعد أَن أغرقه الله فِي الْبَحْر، فَأمر الله تَعَالَى الْبَحْر أَن يلقيه بجسده سوياً بِلَا روح1. قَالَ تَعَالَى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} 2. - وَلما جاوزوا الْبَحْر ونجوا قَالَ تَعَالَى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 3. - وحينما وصلوا إِلَى صحراء سيناء وأحسوا بالعطش تذمروا وَشَكوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام4 قَالَ تَعَالَى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ   1 - انْظُر: تَفْسِير ابْن كثير 2/446. 2 - سُورَة يُونُس، آيَة 92. 3 - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة 138 - 139. 4 - انْظُر: سفر الْخُرُوج 17/1 - 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} 1. - وَبعد أَن شربوا وأطفؤا ظمأهم جأروا بالشكوى إِلَى مُوسَى من الْجُوع وسألوا الطَّعَام2 قَالَ تَعَالَى: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} 3. وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ المنّ ينزل عَلَيْهِم على الْأَشْجَار، فيغدون إِلَيْهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ مَا شاؤا، والسلوى طَائِر يشبه بالسماني كَانُوا يَأْكُلُون مِنْهُ4. - ثمَّ طلبُوا بعد ذَلِك الْمَكَان الظليل الَّذِي يقيهم من حر الصَّحرَاء فَسَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ربه ذَلِك، قَالَ تَعَالَى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} 5. وعَلى الرغم من كَثْرَة الْآيَات والمعجزات من الله عز وَجل لقوم مُوسَى، فقد أظهرُوا العناد والمكابرة وَعدم الْإِيمَان حَتَّى يرَوا الله جهرة، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ   1 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 60. 2 - انْظُر: سفر الْخُرُوج صَحَّ16. 3 - سُورَة طه، آيَة 80. 4 - ذكره الإِمَام ابْن كثير فِي تَفْسِيره 1/98 - 100، كَمَا ذكر أقوالاً أُخْرَى فِي تَعْرِيف الْمَنّ والسلوى. 5 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 57. وَانْظُر: تَفْسِير ابْن كثير 1/100 - 101، فِيمَا نَقله عَن السّديّ ووهب بن مُنَبّه وَغَيرهمَا فِي تَفْسِير الْآيَات الْكَرِيمَة السَّابِقَة. الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُبِيناً} 2. وَبعد هَذِه المعجزات والآيات الْبَينَات الَّتِي امتن الله بهَا على بني إِسْرَائِيل فَإِنَّهُم – حينما ذهب مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لميقات ربه لأخذ التَّوْرَاة على جبل طور سيناء واستبطأوا رُجُوعه - رجعُوا إِلَى مَا ألفوه من الوثنية بِمصْر فعبدوا الْعجل3، قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 4، وَمَعَ فداحة الذَّنب وَعظم الْخَطِيئَة فَإِن رَحْمَة الله عز وَجل أكبر، وعفوه تبَارك وَتَعَالَى أوسع وَأعظم قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} 5.   1 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 55 - 56. 2 - سُورَة النِّسَاء، آيَة 153. 3 - انْظُر: سفر الْخُرُوج صَحَّ 32، وتتهم توراة الْيَهُود هَارُون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَنَّهُ صنع الْعجل لبني إِسْرَائِيل وَأمرهمْ بِعِبَادَتِهِ، وَقد برّأ الله عز وَجل فِي الْقُرْآن الْكَرِيم هَارُون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من هَذِه التُّهْمَة الْبَاطِلَة وكشف عَن المجرم الْحَقِيقِيّ وَهُوَ السامري. قَالَ تَعَالَى: {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} . [سُورَة طه، آيَة 87، 88] . 4 - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة 148 - 149. 5 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 51، 52. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 وَلَكِن ذَلِك الْعَفو كَانَ لابد لَهُ من الْكَفَّارَة1 قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 2. ـ وَلما جَاءَهُم مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا شرع لَهُم فِي التَّوْرَاة فَإِنَّهُم لم يقبلوها حَتَّى رُفع الْجَبَل فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة، قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 3. وَمَعَ هَذَا كُله لم يحمد بَنو إِسْرَائِيل مَا هم فِيهِ من النَّعيم رب غَفُور وشراب طهُور وَطَعَام سَائِغ لَا يكلفهم أدنى مجهود وظل مَمْدُود بل ظلوا يضجرون ويتكاسلون وَيطْلبُونَ ويعاندون ويتمادون حَتَّى قَالُوا4 مَا أخبر الله عز وَجل بِهِ عَنْهُم فِي الْقُرْآن الْكَرِيم بقوله تَعَالَى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} 5. فَأَمرهمْ الله عز وَجل أَن يدخلُوا الأَرْض المقدسة (بَيت الْمُقَدّس وَأَرْض الْخيرَات) وَوَعدهمْ بالنصر، وَطلب مُوسَى ذَلِك من قومه، فَقَالَ عز وَجل: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا   1 - انْظُر: سفر الْخُرُوج صَحَّ (32) . 2 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 54. 3 - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة 171. 4 - انْظُر: سفر الْعدَد صَحَّ (11) . 5 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} 1. فَحكم الله عَلَيْهِم بالتيه فِي صحراء سيناء أَرْبَعِينَ سنة يَسِيرُونَ دَائِما لَا يَهْتَدُونَ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ حَتَّى2 مَاتَ ذَلِك الجيل المتخاذل العَاصِي الَّذِي خرج بِهِ مُوسَى من مصر وَلَقي من أذاهم وعصيانهم مَا لَا يُوصف، قَالَ الله عز وَجل مُبينًا أذاهم لمُوسَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} 3. - وَتُوفِّي هَارُون وَمن بعده مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي ذَلِك التيه، وَأقَام الله فِي بني إِسْرَائِيل يُوشَع بن نون4 (فَتى مُوسَى) عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام   1 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 20 - 26. 2 - انْظُر: سفر الْعدَد صَحَّ13، 14، 32. 3 - سُورَة الصَّفّ، آيَة 5. 4 - يُوشَع بن نون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل ثبتَتْ نبوته عِنْد الْمُسلمين فِي السّنة الصَّحِيحَة بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "غزا نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَا يَتبعني رجل قد ملك بضع امْرَأَة وَهُوَ يُرِيد أَن يَبْنِي بهَا ولمّا يبن، وَلَا آخر قد بنى بنياناً ولمّا يرفع سقفها، وَلَا آخر قد اشْترى غنما أَو خلفات وَهُوَ منتظر أَوْلَادهَا، قَالَ: فغزا فَدَنَا من الْقرْيَة حِين صلى الْعَصْر أَو قَرِيبا من ذَلِك فَقَالَ للشمس: أَنْت مأمورة وَأَنا مَأْمُور اللَّهُمَّ احبسها عَليّ شَيْئا، فحبست عَلَيْهِ حَتَّى فتح الله عَلَيْهِ … " الحَدِيث - أخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا. (انْظُر: فتح الْبَارِي 9/223) ، وَمُسلم 3/1366 وَاللَّفْظ لَهُ، وَالْإِمَام أَحْمد 3/318، وَيبين لنا حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْآتِي اسْم هَذَا النَّبِي الْكَرِيم، فَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "إِن الشَّمْس لم تحبس على بشر إِلَّا ليوشع ليَالِي سَار إِلَى بَيت الْمُقَدّس". أخرجه الإِمَام أَحْمد 2/325 وَصَححهُ ابْن كثير (انْظُر: قصَص الْأَنْبِيَاء ص377) والألباني (انْظُر: سلسلة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة ح202) ، وراجع سفر يشوع صَحَّ (10) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 نَبيا لَهُم خَليفَة عَن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلما انْقَضتْ مُدَّة التيه خرج يُوشَع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ببني إِسْرَائِيل إِلَى بَيت الْمُقَدّس فحاصرها وَفتحهَا الله عَلَيْهِم، وَأمرهمْ الله عز وَجل حِين دُخُولهمْ الأَرْض المقدسة {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} 1. فَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "قيل لبني إِسْرَائِيل: {َادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ} فَدَخَلُوا يزحفون على أستاهم فبدّلوا وَقَالُوا: حِطة حَبَّة فِي شَعْرَة" 2. فتعساً لهَؤُلَاء الْقَوْم الَّذين يقابلون الْإِحْسَان بالإساءة، وَالْمَعْرُوف بالمنكر، وَالنعْمَة بالجحود، فاستحقوا بذلك غضب الله عز وَجل عَلَيْهِم. - وَبعد دُخُولهمْ الأَرْض المقدسة بَدَأَ يُوشَع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يكمل فتوحاته وَيقسم الْأَرَاضِي الَّتِي غنمها على أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل الإثني عشر، وَبعد وَفَاة يُوشَع عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تولى قيادة بني إِسْرَائِيل قضاتهم. وَمن هُنَا   1 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 58، 59. 2 - أخرجه الإِمَام البُخَارِيّ (انْظُر: فتح الْبَارِي 8/164، 308) ، وَمُسلم 4/2312، وَأحمد 2/118، وراجع تَفْسِير ابْن كثير 1/103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 يُقَسِّم المؤرخون المراحل التاريخية الَّتِي مرت على بني إِسْرَائِيل مُنْذُ دُخُولهمْ الأَرْض المقدسة (فلسطين) إِلَى العصور الْآتِيَة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الْمطلب الثَّالِث: عصر الْقُضَاة. نِسْبَة إِلَى الْقُضَاة الَّذين توَلّوا الحكم فِي أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل الإثني عشر بعد وَفَاة يُوشَع بن نون عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيَنْتَهِي هَذَا الْعَصْر بآخر قَاض لبني إِسْرَائِيل وَهُوَ صموئيل، وَمُدَّة هَذَا الْعَصْر 350 سنة على حِسَاب سفر الْقُضَاة، وَالتَّحْقِيق العلمي يثبت أَن هَذَا الْعَصْر لَا تزيد مدَّته عَن 100عَام1. وَمن سمات هَذَا الْعَصْر كَثْرَة النزاعات والحروب الداخلية والخارجية بَين الأسباط الإثني عشر وَغَيرهم، وتكرر حوادث الارتداد وَالْكفْر مِنْهُم، وانتشار الزِّنَا بَينهم وَمن ذَلِك مَا ورد فِي سفر الْقُضَاة الإصحاح (12) : "وَفعل بَنو إِسْرَائِيل الشَّرّ فِي عَيْني الرب وعبدوا البعليم، وَتركُوا إِلَه آبَائِهِم الَّذين أخرجهم من مصر، وَسَارُوا وَرَاء آلِهَة الشعوب الَّذين حَولهمْ وسجدوا لَهَا ... " وتكرر ذَلِك الْكفْر والشرك مِنْهُم مَرَّات عديدة فِي فترات مُخْتَلفَة بِنَصّ سفر الْقُضَاة2، وحينما فسد الْقُضَاة وَأخذُوا الرِّشْوَة وحكموا بَين النَّاس بالظلم والهوى طلب بَنو إِسْرَائِيل من نَبِي لَهُم يدعى (صموئيل) وَهُوَ آخر قضاتهم أَن يخْتَار لَهُم ملكا يوحد صفوفهم وَيُقِيم النظام بَينهم وَيُقَاتل أمامهم3، وَبِذَلِك يبْدَأ الْعَصْر الثَّانِي وَهُوَ عصر الْمُلُوك.   1 - انْظُر: تَارِيخ بني إِسْرَائِيل ص122 مُحَمَّد دروزة، دَائِرَة المعارف البريطانية 2/8، 9، الْيَهُودِيَّة والمسيحية ص83 د. مُحَمَّد الأعظمي. 2 - رَاجع الإصحاحات 3، 4، 6، 10، 13، 17. 3 - انْظُر: سفر صموئيل الأول، الإصحاح 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 وَقد بَين الله عز وَجل السَّبَب الَّذِي لأَجله طلب بَنو إِسْرَائِيل تعْيين ملك عَلَيْهِم، فَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} 1.   1 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 246، 247. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 الْمطلب الرَّابِع: عصر الْمُلُوك. وَيبدأ بِاخْتِيَار شاؤل2 ملكا على بني إِسْرَائِيل، ثمَّ دَاوُد، ثمَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَمن أبرز حوادث هَذَا الْعَصْر: بِنَاء دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للهيكل، وإتمام بنائِهِ فِي عهد سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وتسميته بـ (هيكل سُلَيْمَان) ، وتكرر حوادث الانحراف وَالْكفْر فِي بني إِسْرَائِيل بِنَصّ سفر الْمُلُوك الأول فِي الإصحاح (11) . وَقد بلغ الْكفْر والفجور عِنْد الْيَهُود إِلَى حد وصف النَّبِيين الكريمين دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام بارتكاب الْكَبَائِر حَتَّى الشّرك بِاللَّه، وَهَذَا من الْكَذِب والبهتان والتحريف الْمَوْجُود فِي كتب الْيَهُود المقدسة لديهم1، وَبعد   1 - انْظُر: سفر صموئيل الثَّانِي صَحَّ11، سفر الْمُلُوك الأول صَحَّ11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 وَفَاة سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام انقسمت مملكة بني إِسْرَائِيل، وَكَانَ ذَلِك بداية الْعَصْر الثَّالِث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 الْمطلب الْخَامِس: عصر انقسام مملكة بني إِسْرَائِيل. بعد وَفَاة سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اجْتمع بَنو إِسْرَائِيل فِي أورشليم لتنصيب رحبعام بن سُلَيْمَان مَكَان أَبِيه، وَلَكنهُمْ اشترطوا عَلَيْهِ تَخْفيف الْأَحْكَام الَّتِي فَرضهَا عَلَيْهِم سُلَيْمَان، لكنه رفض ذَلِك فانحاز مُعظم الشّعب (10 أَسْبَاط) إِلَى مبايعة يربعام بن نباط (وَكَانَ أحد قادة جيوش سُلَيْمَان فانشق عَنهُ وهرب إِلَى مصر وَعَاد إِلَى فلسطين بعد وَفَاة سُلَيْمَان) وَبَايع سبطا يهوذا وبنيامين رحبعام، وَبِهَذَا انقسمت مملكة بني إِسْرَائِيل إِلَى دولتين متنازعتين: 1 - إِحْدَاهمَا فِي الشمَال وَتسَمى (مملكة إِسْرَائِيل أَو مملكة السامرة) أَو (المملكة الشمالية) وعاصمتها (شكيم) الَّتِي بناها يربعام. 2 - وَالْأُخْرَى فِي الْجنُوب وَتسَمى (مملكة يهوذا) أَو (المملكة الجنوبية) وعاصمتها (أورشليم) . وأبرز حوادث هَذَا الْعَصْر مَا يَأْتِي: أ - وُقُوع بني إِسْرَائِيل فِي الرِّدَّة وَالْكفْر والفجور مُنْذُ بداية عصر الانقسام وتكرر ذَلِك مِنْهُم مَرَّات عديدة فِي أزمنة مُخْتَلفَة1. ب – سلسلة الحروب والنكبات المستمرة بَين المملكتين وَمَعَ الْبِلَاد الْمُجَاورَة لَهَا.   1 - انْظُر: سفر الْمُلُوك الأول الإصحاحات (12، 14، 15، 16، 17، 18، 19، 22) ، وسفر الْمُلُوك الثَّانِي الإصحاحات (1، 13، 15، 16، 17، 21، 22، 23، 24) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 جـ – الْغَزْو الآشوري بقيادة الإمبراطور الآشوري (تغْلث فلاسر) على مملكة إِسْرَائِيل الشمالية، وَالْقَضَاء عَلَيْهَا وتدميرها تدميراً نهائياً وَنقل من بَقِي من أَهلهَا أسرى إِلَى آشور (الْعرَاق) على يَد الإمبراطور الآشوري سرجون الثَّانِي فِي عَام 722م، وَبِذَلِك كَانَت نِهَايَة مملكة إِسْرَائِيل الشمالية1. د - ضيَاع التَّوْرَاة وإهمالها سنوات مديدة ثمَّ ادِّعَاء العثور عَلَيْهَا من غير قصد فِي عهد الْملك يوشيا من مُلُوك مملكة يهوذا بعد تدمير مملكة إِسْرَائِيل2.   1 - انْظُر: سفر الْمُلُوك الثَّانِي الإصحاح (2) ، قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص78، الْقُدس عَرَبِيَّة إسلامية ص74، 75 د. سيد فراج رَاشد. 2 - انْظُر: سفر الْمُلُوك الثَّانِي الإصحاح (22، 23) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 الْمطلب السَّادِس: عصر إنقسام البابلي. ... الْمطلب السَّادِس: عصر السَّبي البابلي. بقيت مملكة يهوذا الجنوبية تكافح وتناضل الطامعين فِيهَا من أجل الْبَقَاء إِلَى أَن جَاءَ فِرْعَوْن مصر فزحف على مملكة يهوذا سنة 608 ق. م فاحتلها، وَاسْتمرّ فِي زحفه فاحتل مملكة إِسْرَائِيل الَّتِي كَانَت قد سَقَطت تَحت سلطة الآشوريين، وَقد ثار لذَلِك البابليون - الَّذين خلفوا الآشوريين وورثوا ممتلكاتهم - وَجَاءُوا بقيادة ملكهم بخْتنصر (نبوخذ نصر) الَّذِي احتل أورشليم وأحرق هيكل سُلَيْمَان وهدمه، ودمّر أسوار ومنازل أورشليم، وَأخذ من بَقِي من بني إِسْرَائِيل عبيدا إِلَى بابل وَهَذَا مَا يعرف فِي تَارِيخ الْيَهُود بـ (الْأسر أَو السَّبي البابلي) سنة 586 ق. م. تَقْرِيبًا، وَفِيه وَقع (التدمير الأول) لهيكل سُلَيْمَان، وَكَانَ ذَلِك الْقَضَاء المبرم على مملكة يهوذا أَو مَا تبقى من مملكة بني إِسْرَائِيل1.   1 - انْظُر: سفر الْمُلُوك الثَّانِي صَحَّ (24، 25) ، وسفر أَخْبَار الْأَيَّام الثَّانِي صَحَّ (36) ، قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص458، 899، وتاريخ بني إِسْرَائِيل ص207، 208 لمُحَمد دروزة، واليهودية ص84 د. أَحْمد شلبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 وَقد عَاشَ بَنو إِسْرَائِيل فِي المنفى أَو السَّبي البابلي مُدَّة طَوِيلَة، انحرفوا خلالها عَن الدّين الْحق وتأثروا بوثنية أسيادهم البابليين وَمن جَاءَ بعدهمْ1.   1 - انْظُر: تاريخهم فِي فَتْرَة السَّبي البابلي فِي (سفر دانيال، وحزقيال، وأستير، وعزرا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الْمطلب السَّابِع: عصر العودة من السَّبي إِلَى أورشليم. فِي سنة 539 ق. م احتل الْفرس بِلَاد بابل وورثوا ممتلكاتهم، وَأظْهر ملك الْفرس (كورش) تعاطفا نَحْو بني إِسْرَائِيل حَيْثُ سمح لَهُم بالعودة إِلَى فلسطين سنة 536 ق. م، وَلَكِن الكثيرين مِنْهُم فضلوا الْبَقَاء فِي بابل، وَعَاد بَعضهم على صُورَة جماعات كَانَ أَولهَا بقيادة زَرَّبَابَل وَكَانَ عَددهمْ خمسين ألف يَهُودِيّ ثمَّ تَحت قيادة عزرا ثمَّ نحميا1. وأبرز حوادث هَذَا الْعَصْر مَا يَأْتِي: 1 - إِعَادَة بِنَاء مَدِينَة أورشليم وهيكل سُلَيْمَان2. 2 - يزْعم الْيَهُود بِأَن (عزرا) أعَاد التَّوْرَاة المفقودة - فِي السَّبي البابلي - من حفظه، وَأَنه الَّذِي جمع أسفار الْكتاب الْمُقَدّس ونظمها، وَأَنه مؤسس نظم الْيَهُود الْمُتَأَخِّرَة (فِي الْقرن الْخَامِس ق. م) وَلذَلِك يلقب بـ (الكاهن الْكَاتِب أَو الْوراق) 3. 2 - يَقُول المؤرخ الْيَهُودِيّ شاهين مكاريوس فِي كِتَابه (تَارِيخ الإسرائيليين) 4:"وَمن ذَلِك الزَّمَان يختفي ذكر الأسباط الْعشْرَة الْأُخْرَى، فَمن   1 - انْظُر: (سفر عزرا، سفر نحميا، قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص458) . 2 - انْظُر: (سفر عزرا صَحَّ306، وسفر نحميا صَحَّ6) . 3 - انْظُر: سفر عزرا صَحَّ (7) ، قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص621، السّنَن القويم فِي تَفْسِير الْعَهْد الْقَدِيم 5/80، 81، قصَّة الحضارة 2/366 ول ديورانت. 4 - انْظُر: تَارِيخ الإسرائيليين ص32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 عَاد مِنْهُم إِلَى فلسطين اخْتَلَط بسبطي يهوذا وبنيامين، وَفِي ذَلِك الْحِين سُمَّي الإسرائيليون يهوداً ودُعيت بِلَادهمْ الْيَهُودِيَّة". ا?. وَمن الجدير بِالذكر أَن الْجَمَاعَات الْيَهُودِيَّة العائدة إِلَى فلسطين عاشت تَحت ظلّ الحكم الْفَارِسِي لتِلْك الْبِلَاد، وَمن بعده فِي ظلّ حكم الْإِسْكَنْدَر المكدوني (اليوناني) 1 وَمن بعده حكم البطالسة2 المصريين (أحد قادة الْإِسْكَنْدَر الَّذين اقتسموا مَمْلَكَته بعد وَفَاته) ، ثمَّ جَاءَ الحكم الروماني على فلسطين سنة 63 ق. م، وَفِي فَتْرَة الحكم الروماني ولد وعاش النَّبِي الْكَرِيم عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. وَقد حاول الْيَهُود مرَارًا وتكراراً فِي ظلّ الحكومات المتعاقبة السَّابِقَة إِعَادَة مجدهم السَّابِق فِي فلسطين وعزهم الزائل وحلمهم الْكَبِير فِي إِقَامَة مملكة مُسْتَقلَّة للْيَهُود، وَلَكِن كَانَت محاولاتهم الْكَثِيرَة تبوء بالفشل والندم وَالدَّم حَيْثُ تَنْتَهِي ثوراتهم باضطهادهم وتدميرهم وقتلهم وتشريدهم وذلهم وهوانهم3، عقَابا لَهُم من الله وغضباً عَلَيْهِم لكفرهم وفجورهم وقتلهم الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ وإفسادهم فِي الأَرْض.   1 - الْإِسْكَنْدَر الْكَبِير ملك مكدونيا (336 - 323 ق. م) اتسعت دولته فشملت فَارس وَالْعراق وَالشَّام ومصر وَاسْتولى على أَكثر الأَرْض فِي زَمَنه. (انْظُر: قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس 101، المنجد فِي الْأَعْلَام 43) . 2 - لقب خلفاء الْإِسْكَنْدَر المقدوني، وأولهم بطليموس الأول (323 - 285ق. م) (انْظُر: قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس 179) . 3 - انْظُر: سفر المكابيين الأول وَالثَّانِي، تَارِيخ الإسرائيليين ص32 - 71 شاهين مكاربوس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الْمطلب الثَّامِن: عصر الشتات (الدياسبورا) 1. على أثر ثورة من الثورات المتكررة الَّتِي كَانَ يقوم بهَا الْيَهُود سنة 70م   1 - كلمة يونانية أَخذهَا العبريون إِلَى لغتهم وتعني التَّفَرُّق فِي الأَرْض والذهاب فِيهَا أشتاتاً (انْظُر: الشخصية الإسرائيلية ص65 د. حسن ظاظا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 دمّر الإمبراطور الروماني تيطس (هيكل سُلَيْمَان) مرّة ثَانِيَة وَقتل وسبى عددا كَبِيرا من الْيَهُود1. وَفِي سنة 135م قَامَ الْيَهُود بثورة أُخْرَى زمن الإمبراطور الروماني أدريانوس الَّذِي دمّر مَدِينَة أورشليم، وَبنى مَكَان الهيكل معبدًا لـ (جوبيتير) كَبِير آلِهَة الرومان وغيّر اسْم الْمَدِينَة إِلَى (إيليا كابيتولينا) ، وتخلص من الْيَهُود فِيهَا بِالْقَتْلِ والتعذيب والتشريد وَالنَّفْي ومنعهم من دُخُولهَا2. فازداد تشَتت الْيَهُود وتفرقهم فِي أنحاء الْعَالم - عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ من قبل مُنْذُ التدمير الثَّانِي للهيكل - فِي دوَل آسيا وأوروبا وإقريقيا. يَقُول المؤرخ الْيَهُودِيّ شاهين مكاريوس: "إِلَى هُنَا يَنْتَهِي تَارِيخ الإسرائيليين كأمة، فَإِنَّهُم بعد خراب أورشليم تفَرقُوا فِي جَمِيع بِلَاد الله، وتاريخهم فِيمَا بَقِي من العصور مُلْحق بتاريخ الممالك الَّتِي توطنوها أَو نزلُوا فِيهَا، وَقد قاسوا فِي غربتهم هَذِه صنوف الْعَذَاب وَالْبَلَاء، فَإِن الرومانيين حظروا عَلَيْهِم دُخُول أورشليم"3 ا?. وَمَعَ تشتتهم فَإِن الْعَذَاب كَانَ يحل بهم أَيْنَمَا حلوا، وتعرضوا لنقمة أهل الْبِلَاد الَّتِي يسكنون فِيهَا بِسَبَب كفرهم وفسقهم وفسادهم وإفسادهم فِي الأَرْض وإشاعتهم للفتن والرذائل وَأكل أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ قَالَ الله تَعَالَى   1 - انْظُر: تَارِيخ الإسرائيليين ص71 - 78، تَارِيخ بني إِسْرَائِيل من أسفارهم ص381 دروزه، أبحاث فِي الْفِكر الْيَهُودِيّ ص36، 37 د. حسن ظاظا. 2 - انْظُر: أبحاث فِي الْفِكر الْيَهُودِيّ ص36 - 38 د. حسن ظاظا، التَّارِيخ الْيَهُودِيّ الْعَام 1/152 د. صابر طعيمة، الْقُدس عَرَبِيَّة إسلامية ص126 - 128 د. سيد فرج، الْيَهُودِيَّة العالمية ص26 عبد الله التل. 3 - انْظُر: تَارِيخ الإسرائيليين ص77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 عَنْهُم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} 1. فَكَانَ عِقَاب الله عز وَجل عَلَيْهِم بِأَن سلّط عَلَيْهِم من يسومهم سوء الْعَذَاب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} 2. وَقَالَ الله عز وَجل: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} 3 فَسلط الله عَلَيْهِم الآشوريين والفراعنة المصريين والبابليين واليونانيين والبطالسة المصريين الوثنيين ثمَّ الرومان الوثنيين والنصرانيين قَدِيما وحديثاً لقرون عديدة، ثمَّ بعد بعثة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلطه الله عز وَجل عَلَيْهِم فَأجلى بني قينقاع وَبني النَّضِير عَن الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَقتل بني قُرَيْظَة وَحَارب يهود خَيْبَر حَتَّى استسلموا لَهُ وصالحوه، ثمَّ أوصى بإخراجهم من جَزِيرَة الْعَرَب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:   1 - انْظُر: تَارِيخ الإسرائيليين ص77. 2 - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة 167. 3 - سُورَة الْإِسْرَاء، آيَة 4 - 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 "لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب حَتَّى لَا أدع إِلَّا مُسلما" 1. وَفِي الْعَصْر الحَدِيث كَانَ الْيَهُود يسامون سوء الْعَذَاب فِي الدول الأوروبية النَّصْرَانِيَّة وَغَيرهَا فمثلاً اضطهدوا فِي بريطانيا سنة 1298م حينما أَمر الْملك ادوارد الأول بطرد الْيَهُود من جَمِيع الْبِلَاد البريطانية، وفتك البريطانيون باليهود فتكاً ذريعاً. وَفِي فرنسا اضطهدهم الْملك لويس التَّاسِع، وَفِي عهد الْملك فيليب الْجَمِيل سنة 1306م، وَفِي سنة 1321م نكل بهم الفرنسيون وطردوهم، وَأَيْضًا فِي سنة 1582م طردوا مرّة أُخْرَى. وَفِي إيطاليا حاربهم بابوات الْكَنِيسَة الكاثوليكية حَربًا شعواء، وَفِي سنة 1540م ثار عَلَيْهِم الإيطاليون فَقَتَلُوهُمْ وطردوهم. وَفِي روسيا حدثت مذابح فظيعة فِي عهد الحكم القيصري النَّصْرَانِي خَاصَّة فِي سنة 1881م، وَسنة 1882م، وَسنة 1902م حَيْثُ قتل الْيَهُود بالآلاف. وَفِي ألمانيا ظلّ الْقَتْل والطرد باليهود قَائِما فِي القرنين الثَّانِي عشر وَالرَّابِع عشر الميلاديين، وَكَانَ آخر مَا لاقوه من عَذَاب وتقتيل وتشريد على يَد هتلر النازي إبتداء من توليه الحكم فِي ألمانيا 1933م إِلَى 1945م2.   1 - أخرجه الإِمَام مُسلم 3/1388 وَغَيره عَن عمر (، وَأخرجه البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: "أخرجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب". (انْظُر: فتح الْبَارِي 6/271) . 2 - رَاجع فِي تَفْصِيل تِلْكَ الإضطهادات: تأريخ الإسرائيليين ص80 - 97 شاهين مكاريوس، خطر الْيَهُودِيَّة العالمية على الْإِسْلَام والمسيحية ص106 - 120 عبد الله التل، التَّارِيخ الْيَهُودِيّ الْعَام 2/47 - 73 د. صابر طعيمة، الشخصية الإسرائيلية 84 - 90 د. حسن ظاظا، بَنو إِسْرَائِيل فِي الْقُرْآن الْكَرِيم ص113، 114 د. مُحَمَّد عبد السَّلَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 يتَبَيَّن لنا من هَذِه الْأَمْثِلَة والنماذج لاضطهادات الْيَهُود فِي كل الْبِلَاد الَّتِي نزلُوا بهَا أَنهم تعرضوا لنقمة أهل الْبِلَاد الَّتِي سكنوها وغضبهم يَسْتَوِي فِي ذَلِك تاريخهم الْقَدِيم والوسيط والْحَدِيث والمستقبل أَيْضا حسب الْوَعيد الإلهي فِي الْآيَة الْكَرِيمَة بِأَنَّهُم يسامون الْعَذَاب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيكون ذَلِك على يَد الْمُسلمين إِن شَاءَ الله كَمَا وَردت بذلك الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي أَن الْمُسلمين سيقاتلون الْيَهُود فيقتلونهم حَتَّى يَقُول الشّجر وَالْحجر: تعال يَا مُسلم فَإِن ورائي يَهُودِيّ فاقتله1.   1 - أخرجه البُخَارِيّ: (انْظُر فتح الْبَارِي 6/107) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الْمطلب التَّاسِع: تجمعهم فِي فلسطين فِي الْعَصْر الحَدِيث. مِمَّا سبق نجد أَن الْيَهُود لم تقم لَهُم قَائِمَة وَلَا دولة وَلَا كيان فِي فلسطين إِلَّا فِي عصرنا المؤلم حينما تحالفت الْيَهُودِيَّة الماكرة مَعَ الصليبية الحاقدة - الَّتِي احتلت بِلَاد الْمُسلمين بجيوشها الصليبية - فِي تشريد الْمُسلمين وسلب أراضيهم فِي فلسطين وخاصة بَيت الْمُقَدّس ومنحها أَو بيعهَا للْيَهُود وتشجيع هجرتهم إِلَيْهَا من شَتَّى بقاع الأَرْض لإِقَامَة دولة غاصبة لَهُم فِي فلسطين وَقد مرّت إِقَامَة تِلْكَ الدولة المشؤمة بالمراحل الْآتِيَة: - لَعَلَّ أول دَعْوَة علنية لإنشاء وَطن قومِي للْيَهُود كَانَت فِي كتاب (نِدَاء الْيَهُود) الَّذِي أصدره السّير هنري فنش بإنجلترا عَام 1616م1. - ثمَّ جَاءَ الجنرال نابليون بونابرت الفرنسي الَّذِي دَعَا الْيَهُود إِلَى إِقَامَة وَطن لَهُم فِي فلسطين خلال الحملة الَّتِي قَامَ بهَا على مصر والشرق فِي عَام 1798م وَوجه إِلَى الْيَهُود بَيَانا سماهم فِيهِ (وَرَثَة فلسطين الشرعيين) ، وَلَكِن   1 - انْظُر: الْقُدس عَرَبِيَّة إسلامية ص167 د. سيد فرج، التَّارِيخ الْيَهُودِيّ الْعَام 2/194 د. صابر طعيمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 هزيمَة نابليون حَالَتْ دون إِكْمَال المؤامرة1. - ثمَّ توالت نداءات وكتابات زعماء ومفكري الْيَهُود إِلَى اتِّخَاذ فلسطين وطناً قومياً للْيَهُود وَإِقَامَة دولة لَهُم فِيهَا بشتى الْوَسَائِل وَمن أبرز هَؤُلَاءِ: الحاخام (زفى هيرش كاليشر 1795 - 1874م) فِي كِتَابه (الْبَحْث عَن صهيون) . والحاخام (مُوسَى هيس 1821 - 1875م) فِي كِتَابه (من روما إِلَى الْقُدس) . والمفكر الْيَهُودِيّ (بيريتز سمولنسكن 1842 - 1885م) فِي كِتَابه (فلنبحث عَن الطَّرِيق) وَغَيرهم2. - تكونت فِي أوروبا وأمريكا وآسيا وَغَيرهَا عشرات الجمعيات والمنظمات الْيَهُودِيَّة الَّتِي ترعى شؤون الْيَهُود ومصالحهم، وَمن أبرزها (جمعية أحباء صهيون) الَّتِي قدمت عَام 1882م طلبا للقنصل العثماني فِي روسيا يطْلبُونَ الْإِقَامَة فِي فلسطين فَكَانَ الرَّد بالرفض الْقَاطِع من السُّلْطَان عبد الحميد العثماني34. - اسْتَطَاعَ الْيَهُود أَن يتغلغلوا فِي الأوساط الدِّينِيَّة والاجتماعية والمالية والإعلامية والسياسية فِي الْبِلَاد الغربية ذَات النّفُوذ العالمي مثل بريطانيا وروسيا   1 - انْظُر: التَّارِيخ الْيَهُودِيّ 2/195 د. صابر طعيمة. 2 - انْظُر: الصهيونية ص40 العوضي، دور يهود الدونمة فِي إِسْقَاط الْخلَافَة العثمانية ص21 د. مُحَمَّد زعروت. 3 - السُّلْطَان عبد الحميد الثَّانِي (1842 - 1918م) آخر سلاطين الْخلَافَة العثمانية الأقوياء، تعرض تَارِيخه للتشويه لمقاومته النّفُوذ الغربي الْيَهُودِيّ. (انْظُر: تَارِيخ الدولة الْعلية العثمانية ص7، 587 مُحَمَّد فريدبك) . 4 - انْظُر: صراعنا مَعَ الْيَهُود ص34 مُحَمَّد إِبْرَاهِيم ماضي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وفرنسا ثمَّ أمريكا وَغَيرهَا، وَأَن يُسَخِّروا حكومات وشعوب تِلْكَ الْبِلَاد فِي تَحْقِيق الْمصَالح الْيَهُودِيَّة والأهداف الصهيونية وَالَّتِي كَانَت تلتقي مَعَ المطامع والمصالح الصليبية ضد الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين. فَأَما فِي المجال الديني فقد اسْتَطَاعَ الْيَهُود أَن يندسوا فِي الْكَنِيسَة النَّصْرَانِيَّة ويصلوا إِلَى أَعلَى المناصب الكنسية حَتَّى منصب (بَابا الفاتيكان) 1، ويستصدروا من مجمع (مؤتمر) الفاتيكان العالمي الثَّانِي المنعقد فِي عَام 1963م قراراً بتبرئة الْيَهُود من دم الْمَسِيح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثمَّ أصدر البابا بولس السَّادِس فِي 28 أكتوبر 1965م عَن الْمجمع المسكوني بَيَانا اشْتهر باسم (وَثِيقَة التبرئة) يُؤَكد فِيهِ مَا سبق2. وَأما فِي المجال المالي فقد ظَهرت إمبراطوريات مَالِيَّة يَهُودِيَّة فِي أوروبا وامتد نشاطها إِلَى أمريكا وَمن أبرز تِلْكَ الإمبراطوريات الْمَالِيَّة عائلة (روتشيلد) الْيَهُودِيَّة وَغَيرهَا الَّتِي قَامَت بتمويل الحركات الثورية والمنظمات الصهيونية الَّتِي تخْدم مصَالح الْيَهُود3. وَأما فِي المجال الإعلامي فقد سيطر الْيَهُود عَن طَرِيق المَال بشرائهم   1 - للتوسع إقرأ كتاب (بابوات من الْحَيّ الْيَهُودِيّ) تأليف - واكيم بيرنز، تعريب - خَالِد أسعد عِيسَى. 2 - للتوسع اقْرَأ كتاب (نَحن والفاتيكان وَإِسْرَائِيل) تأليف - أنيس الْقَاسِم، الناشر: مَرْكَز الأبحاث - منظمة التَّحْرِير الفلسطينية – بيروت - 1966م. وَكتاب (إِسْرَائِيل حرّفت الأناجيل والأسفار المقدسة ص21 وَمَا بعْدهَا) للأستاذ أَحْمد عبد الْوَهَّاب - مكتبة وَهبة – الْقَاهِرَة - 1972م. 3 - إقرأ كتاب (حُكُومَة الْعَالم الْخفية) تأليف يشيريب سيبريد وفيتش - تَرْجَمَة مَأْمُون سعيد إصدار دَار النفائس - بيروت - 1982م، وَكتاب (الْيَهُود وَرَاء كل جريمة ص85 وَمَا بعْدهَا) وليم كار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وإنشائهم للمؤسسات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية وَعَن طريقها كَانُوا يتحكمون فِي الحكومات والشعوب وتوجيههم حسب خطط الْيَهُود وأهدافهم ومصالحهم. وَمن الْأَمْثِلَة الَّتِي تدل على السيطرة الْيَهُودِيَّة على الْإِعْلَام أَن وكَالَة (رويتر) أسسها (جوليوس باول رويتر الألماني) وَكَانَ يَهُودِيّا اسْمه (إِسْرَائِيل بيير جوزافات) وَقد أسس وكَالَته سنة 1848م، كَمَا أَن (وكَالَة أنباء هافاس) أسسها أحد الْيَهُود من عائلة هافاس سنة 1835م، وأصبحت فِيمَا بعد الْوكَالَة الرسمية لفرنسا1. وَأما فِي المجال السياسي فقد اسْتَطَاعَ الْيَهُود السيطرة عَلَيْهِ والتغلغل فِيهِ عَن طَرِيق الإغراء المالي والجنسي والتأثير الإعلامي والجمعيات الماسونية للوصول إِلَى أَعلَى المناصب السياسية أَمْثَال الْيَهُودِيّ (بنيامين دزرائيلي) رَئِيس وزراء بريطانيا2، وأعضاء الحزب الشيوعي فِي روسيا بعد الانقلاب الشيوعي - الَّذِي أطاح بالحكم القيصري النَّصْرَانِي - كَانَ معظمهم من الْيَهُود، وَكَذَلِكَ أَعْضَاء الكونجرس الأمريكي ووزراء ومستشارو الرئيس الأمريكي ومعاونوه3.   1 - انْظُر للتوسع: (السيطرة الصهيونية على وَسَائِل الْإِعْلَام العالمي) تأليف - زِيَاد أَبُو غنيمَة، وَكتاب (النّفُوذ الْيَهُودِيّ فِي الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية) تأليف - فؤاد سيد الرفاع. 2 - د. زرائيلي، بنيامين أيرل بيكنسفيلد (1804 - 1881م) سياسي ومؤلف بريطاني، من سلالة يَهُودِيَّة، تولى عدَّة وزارات واختير رَئِيسا للوزارة فِي 1867م، وَفِي 1874 - 1880م. (انْظُر: الموسوعة الْعَرَبيَّة 1/792، المنجد فِي الْأَعْلَام ص286) . 3 - إقرأ للتوسع فِي السيطرة الْيَهُودِيَّة على المَال والسياسة كتاب (الْيَهُودِيّ العالمي) تأليف هنري فورد. تعريب: خيري حَمَّاد، منشورات دَار الْآفَاق الجديدة - بيروت، وَكتاب (الْأُخوة الزائفة) تأليف: جاك تني - عُضْو مجْلِس الشُّيُوخ الإمريكي، تعريب - أَحْمد التازوري، مؤسسة الرسَالَة - بيروت، وَكتاب (النشاط السّري الْيَهُودِيّ) تأليف غَازِي مُحَمَّد فريج، وَكتاب (خطر الْيَهُودِيَّة العالمية) تأليف - عبد الله التل، وَكتاب (أَحْجَار على رقْعَة الشطرنج) و (الْيَهُود وَرَاء كل جريمة) تأليف - وليم كار، و (جذور الْبلَاء) - عبد الله التل، وَغَيرهَا من الْكتب الْكَثِيرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 - فِي عَام 1896م أصدر الصحفي الْيَهُودِيّ (ثيودور هرتزل) 1 كِتَابه (الدولة الْيَهُودِيَّة) ودعا إِلَى مؤتمر (بازل) بسويسرا عَام 1897م حَضَره زعماء الْيَهُود وحاخاماتهم من جَمِيع أنحاء الْعَالم وتقرر فِيهِ إنْشَاء (المنظمة الصهيونية العالمية) وَاخْتِيَار فلسطين لتَكون وطناً قومياً للْيَهُود بعد تجميعهم فِيهَا من أنحاء الْعَالم وبذل كَافَّة الجهود لتحقيق ذَلِك. - فِي عَام 1901م أنشأ هرتزل (الصندوق الْيَهُودِيّ الوطني) لشراء الْأَرَاضِي فِي فلسطين، وَعرض على السُّلْطَان عبد الحميد العثماني رشوة مَالِيَّة ضخمة مُقَابل السماح للْيَهُود بِالْهِجْرَةِ إِلَى فلسطين فرفض السُّلْطَان - رَحمَه الله - ذَلِك الْعرض الدنيء وَقَامَ بطرد هرتزل. - فِي عَام 1909م تمكن الماسونيون من الإطاحة بالسلطان عبد الحميد وعزله بانقلاب عسكري عَلَيْهِ، وتولي حزب الِاتِّحَاد والترقي (مُعظم أَعْضَائِهِ من يهود الدونمة السلانيك والماسونيين) للسلطة الفعلية فِي تركيا، ثمَّ قَامُوا بإلغاء الْخلَافَة العثمانية فِي عَام 1924م على يَد مصطفى كَمَال أتاتورك (عميل الغرب) 2. - ثمَّ فِي 2 نوفمبر 1917م أصدر وَزِير خارجية بريطانيا (بلفور)   1 - ثيودور هرتزل (1860 - 1904م) يَهُودِيّ نمساوي، زعيم الصهيونية الحديثة (المنجد 727) . 2 - انْظُر: للتوسع كتاب (دور يهود الدونمة فِي إِسْقَاط الْخلَافَة العثمانية) تأليف د. مُحَمَّد زغروت، دَار التَّوْزِيع والنشر الإسلامية، الْقَاهِرَة. 3 - بلفور، أرثر جيمس (1848 - 1930م) سياسي بريطاني شغل عدد مناصب وزارية. (انْظُر: الموسوعة الميسرة 1/399 المنجد ص141) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وعده المشؤم بمنح الْيَهُود حق إِقَامَة وَطن قومِي لَهُم فِي فلسطين ومساعدتهم فِي ذَلِك. - وَفِي نفس الْعَام 1917م احتلت الجيوش البريطانية فلسطين بعد هزيمَة الدولة العثمانية حليفة ألمانيا فِي الْحَرْب العالمية الأولى (1914م - 1917م) ، ثمَّ وضعت فلسطين وَمَا جاورها تَحت الانتداب البريطاني بموافقة عصبَة الْأُمَم المتحدة (الدول الغربية) فِي 25 إبريل من عَام 1920م إِلَى عَام 1932م حَيْثُ قَامَت بريطانيا بتحقيق وعد بلفور المشؤم فِي تشجيع ودعم الْهِجْرَة الْيَهُودِيَّة إِلَى فلسطين وتوطينها وحمايتها، فَهَاجَرَ إِلَى فلسطين أثْنَاء مُدَّة الانتداب البريطاني مَا يقرب من 118 ألف يَهُودِيّ كوّنوا عصابات إرهابية مسلحة مثل الهاجاناه1، والأرجون2، وشتيرن3، وقوات البالماخ4 وَغَيرهَا بهدف الإستيلاء على أَرَاضِي الْمُسلمين وتشريدهم وإرهابهم، وَقد اندمجت تِلْكَ العصابات الْيَهُودِيَّة بعد ذَلِك فِي (جَيش الدفاع) فِي الدولة الْيَهُودِيَّة. - فِي 26 نوفمبر 1947م أصدرت الْأُمَم المتحدة قَرَارهَا بتقسيم فلسطين بَين الْمُسلمين وَالْيَهُود وانتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين. - ثمَّ فِي 15 مايو 1948م أعلن بن جوريون قيام دولة يَهُودِيَّة فِي فلسطين5 على أثر إعلان بريطانيا انْتِهَاء الانتداب، وَقد تسارعت الدول الغربية الصليبية الَّتِي تتلاقى مصالحها ومطامعها مَعَ المخططات الْيَهُودِيَّة إِلَى   1 - كلمة عبرية تَعْنِي الدفاع. 2 - اخْتِصَار جملَة تَعْنِي (المنظمة العسكرية القومية فِي أَرض إِسْرَائِيل) . 3 - تَعْنِي (المحاربون من أجل إِسْرَائِيل) . 4 - تَعْنِي (سَرَايَا الصاعقة) . 5 - انْظُر: فلسطين عَرَبِيَّة إسلامية ص170 - 174 د. سيد فرج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الِاعْتِرَاف بالدولة الْيَهُودِيَّة الغاصبة وَفِي مُقَدّمَة تِلْكَ الدول إمريكا وروسيا وفرنسا. - وَقد استطاعت الدولة الْيَهُودِيَّة الَّتِي سُميت باسم (إِسْرَائِيل) ترسيخ وجودهَا بل توسيع أراضيها المغتصبة فِي المنطقة الْعَرَبيَّة الإسلامية بدعم حلفائها الغربيين - وخاصة إمريكا وروسيا - حَيْثُ قَامَت باحتلال الْقُدس الغربية وجنوب النقب عَام 1949م، ثمَّ احتلال الْقُدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزه وصحراء سيناء وهضبة الجولان عَام 1967م، وَبِنَاء المستوطنات الإسرائيلية على الْأَرَاضِي المحتلة. كل ذَلِك سعياً وَرَاء تَحْقِيق الْحلم الصهيوني الْيَهُودِيّ بِمَا يُسمى (إِسْرَائِيل الْكُبْرَى) من النّيل إِلَى الْفُرَات، وَلَكِن تقلّص ذَلِك الْحلم حينما تمكنت الجيوش الْعَرَبيَّة فِي حَرْب رَمَضَان سنة 1393? (6 أكتوبر 1973م) من تحطيم أسطورة الْجَيْش الإسرائيلي وَخط بارليف الَّذِي لَا يقهر - بزعمهم -، واستعاد المصريون صحراء سيناء، مِمَّا دفع باليهود إِلَى تَغْيِير إستراتيجيتهم فِي اختراق الْبِلَاد الْعَرَبيَّة فسعت إِلَى توقيع معاهدة السَّلَام فِي كامب ديفيد بأمريكا عَام 1978م بَين الرئيس الْمصْرِيّ مُحَمَّد أنور السادات والرئيس الإسرائيلي مناحيم بيجين. - وعَلى الرغم من ذَلِك فقد قَامَت إِسْرَائِيل بغزو جنوب لبنان فِي نفس عَام 1978م وإحتلالها وتشريد أَهلهَا وَقتل الأبرياء الْآمنينَ، وواصلت إِسْرَائِيل إعتدائها واجتياح لبنان حَتَّى وصلت إِلَى بيروت عَام 1982م وَلَا تزَال تواصل إعتداءاتها. - وَبعد جهود حثيثة من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والإتحاد السوفيتي ودول أُخْرَى عقد مؤتمر السَّلَام فِي الشرق الْأَوْسَط فِي 30 أكتوبر عَام 1991م بالعاصمة الإسبانية (مدريد) لوضع حد للصراع الْعَرَبِيّ الإسرائيلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 بِحُضُور الفلسطينيين والإسرائيليين على مائدة المفاوضات لإِقَامَة سَلام دَائِم وعادل بَين شعوب الشرق الْأَوْسَط. وَلَكِن يجب علينا أَن لَا ننسى مَعَ ذَلِك أَن الْيَهُود أعداؤنا مَاضِيا وحاضراً ومستقبلاً قَالَ تَعَالَى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا..} 1، وَالصُّلْح مَعَ الْيَهُود أَو غَيرهم من الْكفَّار - إِذا حدث مَعَ وجود الْمصلحَة أَو الضَّرُورَة حسب مَا يرَاهُ ولي أَمر الْمُسلمين - لَا يلْزم مِنْهُ مَوَدَّتهمْ وَلَا محبتهم وَلَا مُوَالَاتهمْ وَلَا يَقْتَضِي تمليكهم لما تَحت أَيْديهم بل يجب على الْمُسلمين أَن يعدوا الْعدة مَا اسْتَطَاعُوا حَتَّى تَنْتَهِي الْهُدْنَة المؤقتة، أَو يقوى الْمُسلمُونَ على إبعادهم عَن ديار الْمُسلمين بِالْقُوَّةِ فِي الْهُدْنَة الْمُطلقَة، وَيجب قِتَالهمْ عِنْد الْقُدْرَة حَتَّى يدخلُوا فِي الْإِسْلَام أَو يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون2. وَلنْ يتَحَقَّق ذَلِك إِلَّا إِذا عَاد الْمُسلمُونَ إِلَى دينهم وتمسكوا بِكِتَاب رَبهم وَسنة نَبِيّهم وطبقوه فِي حياتهم وَجَمِيع شؤونهم أفراداً وأسراً ومجتمعات وحكومات ودولاً، فَإِذا تحقق ذَلِك كَانُوا جديرين بنصر الله عز وَجل لَهُم وهزيمة أعدائهم واستعادة مقدساتهم ومجدهم فيكونون خير أمة أخرجت للنَّاس قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} 3. وَلَا تُوجد أمة تَسْتَطِيع تَخْلِيص البشرية من شرور الْيَهُود ودولتهم إِلَّا أمة الْإِسْلَام، إِن هَذِه الدولة الْيَهُودِيَّة - الَّتِي لَا تزَال تنفث سمومها وتواصل عدوانها   1 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 82. 2 - انْظُر: للتوسع نَص فَتْوَى سماحة مفتي المملكة الْعَرَبيَّة السعودية الشَّيْخ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن باز - حفظه الله ووفقه - فِي حكم الصُّلْح مَعَ الْكفَّار الَّذِي نشر فِي جَرِيدَة الْمُسلمُونَ السّنة الْعَاشِرَة الْعدَد 516، 520 عَام 1415هـ الْمُوَافق 1994م. 3 - سُورَة مُحَمَّد، آيَة 7. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ومكائدها ضد الْمُسلمين، وتعيث فِي الأَرْض شروراً وإرهاباً وفتناً وَفَسَادًا - تسير على خطى سلفهم من الْيَهُود الَّذِي قَالَ الله عز وَجل عَنْهُم: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} 2.   1 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 78، 79. 2 - سُورَة آل عمرَان، آيَة 21، 22. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 المبحث الثَّانِي: مزاعم وأساطير يَهُودِيَّة بَاطِلَة. مدْخل ... المبحث الثَّانِي مزاعم وأساطير يَهُودِيَّة بَاطِلَة. الْيَهُود - لعنهم الله - قوم بهت وَكذب، وَهَذِه الصّفة من أقبح الصِّفَات الَّتِي انغرست فِي نُفُوسهم - خَاصَّة فِي زعمائهم - وأصبحت طبعا لَازِما لَهُم كَأَنَّهُمْ جُبلوا عَلَيْهَا، وَقد بلغت بهم الجرأة فِي الْكَذِب وَالْكفْر إِلَى حد الإفتراء وَالْكذب على الله عز وَجل، وَقد سجّل الْقُرْآن الْكَرِيم عَلَيْهِم تِلْكَ الصّفة المذمومة فَقَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} 1، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} 2، وَقَالَ تَعَالَى: { ... وَمِنَ الَّذِينَ   1 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 79. 2 - سُورَة آل عمرَان، آيَة 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 1، وَغَيرهَا من الْآيَات الْكَرِيمَة2. كَمَا شهد عَلَيْهِم شَاهد من أنفسهم هداه الله إِلَى الْإِسْلَام فقد روى أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قصَّة إِسْلَام عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لرَسُول الله ز: يَا رَسُول الله إِن الْيَهُود قوم بهت فاسألهم عني قبل أَن يعلمُوا بِإِسْلَامِي، فَجَاءَت الْيَهُود فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أَي رجل عبد الله بن سَلام فِيكُم"؟ قَالُوا: خيرنا وَابْن خيرنا وأفضلنا وَابْن أفضلنا – وَفِي رِوَايَة: ذَلِك سيدنَا وَابْن سيدنَا، وَأَعْلَمنَا وَابْن أعلمنَا – فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "أَرَأَيْتُم إِن أسلم عبد الله بن سَلام"؟ قَالُوا: أَعَاذَهُ الله من ذَلِك، فَأَعَادَ عَلَيْهِم فَقَالُوا مثل ذَلِك، فَخرج إِلَيْهِم عبد الله فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. قَالُوا: شَرنَا وَابْن شَرنَا، وتنقصوه، قَالَ: هَذَا مَا كنت أَخَاف يَا رَسُول الله3. وَقد استخدم الصهاينة4 الْيَهُود سلَاح الْكَذِب والافتراء فِي خداع الرَّأْي   1 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 41. 2 - إقرأ الْآيَات الْأُخْرَى فِي سُورَة النِّسَاء، آيَة 50، وَسورَة هود، آيَة 18، وَسورَة الصَّفّ، آيَة 7، 8. 3 - أخرجه البُخَارِيّ (انْظُر: فتح الْبَارِي 7/250، 272) . 4 - الصهيونية: نِسْبَة إِلَى جبل صهيون فِي الْقُدس، ثمَّ أَصبَحت كلمة (الصهيونية) اسْما لحركة سياسية عنصرية يَهُودِيَّة متطرفة، تسْعَى إِلَى تجميع الْيَهُود من أنحاء الْعَالم، وَإِقَامَة وَطن قومِي لَهُم فِي فلسطين، ثمَّ إخضاع الْعَالم لحكمهم. انْظُر للتوسع: بروتوكولات حكماء صهيون، جذور الْبلَاء - عبد الله التل، الصهيونية - أَحْمد العوضي، الصهيونية وخطرها على البشرية - د. حمود الرحيلي، الموسوعة الميسرة ص331، وَغَيرهَا من الدراسات والكتب الْمُؤَلّفَة عَن الْحَرَكَة الصهيونية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 العالمي - خَاصَّة الغربي - وتضليله وتسخيره لأطماعهم ومخططاتهم الصهيونية وَذَلِكَ بِوَاسِطَة نشر الأكاذيب والأساطير والدعاوى الْيَهُودِيَّة الكاذبة وتقديمها إِلَى النَّاس على أَنَّهَا حقائق ثَابِتَة لَا تقبل الشَّك والريب بهَا - بزعمهم - عَن طَرِيق مُخْتَلف الْوَسَائِل الإعلامية العالمية الْيَهُودِيَّة وأبواقها التابعة لَهَا، وَمن أبرز تِلْكَ الأكاذيب مَا يَأْتِي: 1 - الادعاء بِأَنَّهُم أَبنَاء الله وأحباؤه وَشعب الله الْمُخْتَار. 2 - الزَّعْم بنقاء الْجِنْس والعنصراليهودي المتميز. 3 - الإدعاء بِأَن للْيَهُود حَقًا تأريخياً ودينياً فِي فلسطين. إِن هَذِه الإدعاءات أسهمت فِي تبرير جرائمهم ومكائدهم وحروبهم ومفسادهم أَمَام الرَّأْي العالمي لتحقيق الهدف الصهيوني فِي إِقَامَة وَطن قومِي لَهُم فِي فلسطين - والغاية تبرر الْوَسِيلَة حسب الْقَاعِدَة الميكافيلية الْيَهُودِيَّة -، حَيْثُ ترافق وتزامن نشر هَذِه الإدعاءات الْيَهُودِيَّة الصهيونية وَغَيرهَا مَعَ الخطوات والمراحل السَّابِقَة لمخطط الْيَهُود فِي احتلال فلسطين، وسوف نبين إِن شَاءَ الله تَعَالَى بطلَان هَذِه المزاعم بالأدلة والبراهين الساطعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 الْمطلب الأول: زعمهم بِأَنَّهُم شعب الله الْمُخْتَار. إِن الشُّعُور بالاستعلاء والاستكبار على جَمِيع الْخلق دَاء عضال ومزمن عِنْد الْأمة الْيَهُودِيَّة ذكره الْقُرْآن الْكَرِيم عَنْهُم فِي آيَات كَثِيرَة وتزخر بِهِ نُصُوص كتبهمْ المقدسة لديهم وَمِنْهَا مَا ورد فِي توراتهم المحرفة "أَنْتُم أَوْلَاد للرب إِلَهكُم ... لِأَنَّك شعب مقدس للرب إلهك، وَقد اختارك الرب لكَي تكون لَهُ شعبًا خَاصّا فَوق جَمِيع الشعوب الَّذين على وَجه الأَرْض"1.   1 - انْظُر: سفر التَّثْنِيَة 14/1 وتكررت التَّسْمِيَة فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي التَّوْرَاة المحرفة مِنْهَا خُرُوج 19/6 وتثنية 7/2 - 8، 28/9 وَغَيرهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 وَيَقُول الرِّبِّي عقيبا فِي المشنا (وَصَايَا الْآبَاء 3/18) : بَنو إِسْرَائِيل أحباء الله لأَنهم يدعونَ أبناءه، بل هُنَاكَ برهَان أعظم على هَذَا الْحبّ، وَهُوَ أَن الله نَفسه قد سماهم بِهَذَا الِاسْم فِي قَوْله فِي التَّوْرَاة: "أَنْتُم أَوْلَاد للرب إِلَهكُم" 1. وَفِي مصطلحاتهم نجدهم يخلعون على أنفسهم صِفَات الْمَدْح والتعظيم فيسمون أنفسهم أَيْضا بـ (الشّعب الأزلي) وبالعبرية [عَام عولام] ، و (الشّعب الأبدي) وبالعبرية [عَام ينصح] ، و (شعب الله) وبالعبرية [عَام ألوهيم] 2. وانبنى على ذَلِك احتقارهم للأمم الْأُخْرَى وتسميتها بِأَلْفَاظ السباب والشتائم مثل (الجوييم) و (عاريل) و (ممزير) 3، ثمَّ تَمَادَوْا فِي ادعائهم بِأَن لَهُم حق السيطرة على الْعَالم مَا داموا أَنهم أَبنَاء الله وأحباؤه. بطلَان هَذِه الدَّعْوَى: لقد بيّن الْقُرْآن الْكَرِيم بطلَان زعمهم بالأدلة الْوَاضِحَة الدامغة فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ   1 - النَّص من كتاب التلمود نقلا من كتاب (أبحاث فِي الْفِكر الْيَهُودِيّ، ص111 د. حسن ظاظا. 2 - انْظُر: الشخصية الإسرائيلية ص28، 50 د. حسن ظاظا. 3 - الجوييم: كلمة عبرية تَعْنِي القذارة المادية والروحية وَالْكفْر، أما كلمة (عاريل) فتعني (الأقلف) أَي الَّذِي لم يختتن فَهُوَ قذر وَكَافِر، وَهَذِه الْكَلِمَة أَصبَحت من نصيب النَّصْرَانِي لِأَن الْخِتَان غير شَائِع عِنْده، أما (ممزير) فتعني ابْن الْحَرَام أَو ابْن الزِّنَا ويطلقها الْيَهُود على الْمُسلم لِأَنَّهُ من سلالة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من هَاجر - وَهِي عِنْدهم جَارِيَة وأجنبية - فَكل من ينتمي إِلَيْهَا منتسباً بِالْأَصْلِ أَو بِالدّينِ إِلَى نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ من سلالة إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَهُوَ عِنْد الْيَهُود (ممزير) . (انْظُر: الشخصية الإسرائيلية ص49) بِتَصَرُّف بسيط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} 1. قَالَ الإِمَام الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِير الْآيَة الْكَرِيمَة: "لم يَكُونُوا يخلون من أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يَقُولُوا: هُوَ يعذبنا، فَيُقَال لَهُم: فلستم إِذا أبناؤه وَلَا أحباؤه فَإِن الحبيب لَا يعذب حَبِيبه، وَأَنْتُم تقرون بعذابه وَذَلِكَ دَلِيل على كذبكم، وَإِمَّا أَن يَقُولُوا: لَا يعذبنا، فيكذبوا مَا فِي كتبهمْ وَمَا جَاءَت بِهِ رسلهم، ويبيحوا الْمعاصِي وهم معترفون بِعَذَاب العصاة مِنْهُم فيلتزمون أَحْكَام كتبهمْ"2. قلتُ: قد كَانَ وسيكون عَذَاب الله عز وَجل للْيَهُود على ذنوبهم فِي الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة كَمَا بينّاه فِي أثْنَاء الحَدِيث عَن تاريخهم3. ثمَّ بَيَّن الله عز وَجل بطلَان اصل الادعاء، وبيّن لَهُم مَا هُوَ الْحق من أَمرهم فَقَالَ تَعَالَى: {بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} أَي لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعمتم أَيهَا الْيَهُود، بل الْحق أَنكُمْ كَسَائِر الْبشر من خلق الله إِن آمنتم وأصلحتم أَعمالكُم نلتم الثَّوَاب، وَإِن بَقِيتُمْ على كفركم وجحودكم نلتم الْعقَاب، لَا فضل لأحد على أحد عِنْد الله إِلَّا بِالْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح4. فَالنَّاس من أصل وَأب وَاحِد من آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ من تُرَاب قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} 5.   1 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 18. 2 - انْظُر: تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ 1/126. 3 - انْظُر ص29 وَمَا بعْدهَا. 4 - انْظُر: بَنو إِسْرَائِيل فِي الْكتاب وَالسّنة ص562 د. الطنطاوي. 5 - سُورَة الرّوم، آيَة 20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 فَلَا فرق بَين أسود وأبيض وَلَا ميزة لفرد على آخر وَلَا فضل لإِنْسَان على إِنْسَان عِنْد الله إِلَّا بالتقوى وَهُوَ المقياس الصَّحِيح قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 1. كَمَا أبطل الله عز وَجل زعمهم بقوله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً} 2. وتحداهم الله عز وَجل فِي الْقُرْآن الْكَرِيم لإِظْهَار كذبهمْ بقوله تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 3. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} 4. ثمَّ نقُول متعجبين ومستنكرين كَيفَ يكون الْيَهُود أَبنَاء الله وأحباؤه وَقد غضب الله عَلَيْهِم ولعنهم فِي كتبه المقدسة الْمنزلَة على أنبيائه الْكِرَام؟!، فقد ورد فِي الْقُرْآن الْكَرِيم لعن الله عز وَجل وغضبه عَلَيْهِم صَرَاحَة فِي أحد عشر موضعا فِي الْآيَات القرآنية الْآتِيَة: - - قَالَ تَعَالَى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ} 5.   1 - سُورَة الحجرات، آيَة 13. 2 - سُورَة النِّسَاء، آيَة 49 - 50. 3 - سُورَة الْجُمُعَة، آيَة 6 - 8. 4 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 94، 95. 5 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 88. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 - وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} 1. - وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} 2. - وَقَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} 3. - وَقَالَ تَعَالَى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً} 4. - وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} 5. - وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} 6. - وَقَالَ تَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ   1 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 89. 2 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 159. 3 - سُورَة آل عمرَان، آيَة 87. 4 - سُورَة النِّسَاء، آيَة 46. 5 - سُورَة النِّسَاء، آيَة 47. 6 - سُورَة النِّسَاء، آيَة 51 - 52. الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 1. - وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} 2. - وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ..} 3. - وَقَالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 4. ولعنهم الله ضمنا مَعَ الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ والظالمين والكاذبين فِي آيَات كَثِيرَة فِي الْقُرْآن الْكَرِيم. كَمَا عذبهم عز وَجل بألوان من الْعَذَاب لم تحدث لغَيرهم كالمسخ قردة وَخَنَازِير. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} 5. وحرّم عَلَيْهِم طَيّبَات أحلّت لغَيرهم. قَالَ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ   1 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 13. 2 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 60. 3 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 64. 4 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 78، 79. 5 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 60 - 63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} 1. وَقضى الله عز وَجل عَلَيْهِم بالتشريد وَالْعَذَاب والمسكنة وَالْغَضَب عَلَيْهِم قَالَ تَعَالَى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} 2. وَإِن إِنْزَال الْعَذَاب من الله عز وَجل على الْيَهُود بِسَبَب كفرهم وعصيانهم ثَابت فِي كتبهمْ الَّتِي يقدسونها لتظل شَاهدا على افترائهم وكذبهم فقد ورد فِي توراتهم قَول مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: "لِأَنِّي أَنا عَارِف تمردكم ورقابكم الصلبة، هُوَ ذَا وَأَنا بعد حيّ مَعكُمْ الْيَوْم قد صرتم تقاومون الرب، فكم بالحري بعد موتى ... لِأَنِّي عَارِف أَنكُمْ بعد موتِي تفسدون وتزيغون عَن الطَّرِيق الَّذِي أوصيتكم بِهِ، ويصيبكم الشَّرّ فِي آخر الْأَيَّام، لأنكم تَعْمَلُونَ الشَّرّ أَمَام الرب حَتَّى تغيظوه بأعمال أَيْدِيكُم"3. وَذكرت المزامير بعض الْعُقُوبَات الإلهية الَّتِي نزلت على الْيَهُود بِسَبَب كفرهم وعصيانهم، وفيهَا: "وتعلقوا ببعل فغور وأكلوا ذَبَائِح الْمَوْتَى وأغاظوه بأعمالهم فاقتحمهم الوباء، فَوقف فينحاس ودان فَامْتنعَ الوباء ... لم يستأصلوا الْأُمَم الَّذين قَالَ لَهُم الرب عَنْهُم، بل اختلطوا بالأمم وتعلموا أَعْمَالهم، وعبدوا أصنامهم فَصَارَت لَهُم شركا، وذبحوا بنيهم وبناتهم للأوثان، وأهرقوا دَمًا زكياً،   1 - سُورَة الْأَنْعَام، آيَة 146، 147. 2 - سُورَة آل عمرَان، آيَة 112. 3 - تَثْنِيَة 31/27 - 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 دم بنيهم وبناتهم الَّذين ذبحوهم لأصنام كنعان، وتدنست الأَرْض بالدماء، وتنجسوا بأعمالهم، وزنوا بأفعالهم، فحمي غضب الرب على شعبه وَكره مِيرَاثه، أسلمهم ليد الْأُمَم وتسلط عَلَيْهِم مبغضوهم، وضغطهم أعداؤهم فذلوا تَحت يدهم ... "1. وَقَالَ نَبِيّهم أرميا فِي رثاء بَيت الْمُقَدّس وَمَا أَصَابَهَا من الْأَعْدَاء: "لِأَن الرب قد أذلها لأجل كَثْرَة ذنوبها، ذهب أَوْلَادهَا إِلَى السَّبي قُدَّام الْعَدو"2. وَقَالَ أرميا عَن الله وعذابه: "نَحن أَذْنَبْنَا وعصينا أَنْت لم تغْفر، إلتحفت بِالْغَضَبِ وطردتنا"3 وَقَالَ: "ردّ لَهُم جَزَاء يَا رب حسب عمل أياديهم، لعنتك لَهُم، اتبع بِالْغَضَبِ وأهلكهم من تَحت سماوات الرب"4. ثمَّ قَالَ فِي نِهَايَة رثاءه لما أصَاب بني إِسْرَائِيل: "لماذا تنسانا إِلَى الْأَبَد وتتركنا طول الْأَيَّام، ارددنا يَا رب إِلَيْك فنرتد، جدد أيامنا كالقديم، هَل كل الرَّفْض رفضتنا؟ {هَل غضِبت علينا جدا؟} "5. كَمَا أَن الأناجيل نسبت إِلَى الْمَسِيح عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذمّ الْيَهُود وتوعدهم بِالْعَذَابِ الإلهي، فَقَالَ: "يَا أورشليم يَا أروشليم، يَا قاتلة الْأَنْبِيَاء، وراجمة الْمُرْسلين إِلَيْهَا، كم أردْت أَن أجمع أولادك كَمَا تجمع الدَّجَاجَة فراخها   1 - المزمور 106/19 - 47. 2 - مراثي أرميا 1/5. 3 - مراثي أرميا 3/42، 43. 4 - مراثي أرميا 3/65، 66. 5 - مراثي أرميا 5/21، 22. وللاستزادة من الْأَسْفَار المقدسة لديهم فِي غضب الرب عز وَجل وَسخطه عَلَيْهِم بِسَبَب كفرهم وضلالهم. رَاجع: سفر أرميا - الإصحاحات (4) ، (6) ، (13) ، وسفر أشعيا - الإصحاح (14) ، (51) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 تَحت جناحها وَلم تريدوا، هوذا بَيتكُمْ يتْرك لكم خراباً" 1. ونكتفي بِهَذِهِ النُّصُوص فِي بَيَان بطلَان دَعْوَى الْيَهُود بِأَنَّهُم أَبنَاء الله وأحباؤه.   1 - إنجيل متّى 23/29 - 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 الْمطلب الثَّانِي: زعمهم نقاء الْجِنْس الْيَهُودِيّ إِن الإحساس بالتميز والاستعلاء والاستكبار لابد أَن يُؤَدِّي باليهود إِلَى التعصب لجنسهم، وَزَاد فِي ذَلِك تأثرهم بِمن كَانُوا يعيشون بَينهم فِي أوروبا القومية، وبالتعصب الديني السائد فِي أوروبا فِي العصور الْوُسْطَى مِمَّا ألجأ الْيَهُود إِلَى الانعزال - إِضَافَة إِلَى عوامل أُخْرَى - والانفراد بأحياء خَاصَّة بهم عرفت باسم (الجيتو) كَمَا عرفت فِي الدول الْعَرَبيَّة باسم (حارة الْيَهُود) ، فَادعوا تِلْكَ الدَّعْوَى الزائفة "بِأَن جَمِيع يهود الْعَالم من سلالة شعب إِسْرَائِيل، وَأَن يهود كل بلدان الْعَالم إِنَّمَا هم امتداد عضوي للآباء الأول من عصر إِسْحَاق وَيَعْقُوب" 1. وَقَالَ زعيم الصهيونية هرتزل: إِن الْيَهُود بقوا شعبًا وَاحِدًا وعرقاً متميزاً، إِن قوميتهم المتميزة لَا يُمكن أَن تَزُول، وَيجب أَن لَا تنقرض، لذَلِك لَا يُوجد غير حل وَاحِد فَقَط للمسألة الْيَهُودِيَّة، هِيَ الدولة الْيَهُودِيَّة2. بِهَذَا النَّص يتَبَيَّن لنا الهدف والمغزى من تِلْكَ الدَّعْوَى الزائفة وَهُوَ تبرير الاحتلال الْيَهُودِيّ الصهيوني لفلسطين بِدَعْوَى العودة إِلَى أَرض الْآبَاء والأجداد!! وَقد بلغ من تَأْثِير الدعاية الصهيونية وترويجها لهَذِهِ الأسطورة أَن صدقهَا   1 - انْظُر: التَّارِيخ الْيَهُودِيّ 2/165. 2 - انْظُر: الْيَهُود والتحالف مَعَ الأقوياء ص150 د. نعْمَان السامرائي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 بعض الْعَرَب فاعتقدوا بِأَن الْيَهُود المتجمعين فِي إِسْرَائِيل هم من سلالة النَّبِي الْكَرِيم يَعْقُوب (إِسْرَائِيل) عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. بطلَان هَذِه الدَّعْوَى: إِذا عدنا إِلَى تأريخ الْيَهُود وكتبهم المقدسة لديهم وجدنَا أَن الإختلاط الجنسي بَين الْيَهُود وَغَيرهم ثَابت مُنْذُ بداية تاريخهم، فقد ورد فِي كتبهمْ مَا يَأْتِي "فسكن بَنو إِسْرَائِيل فِي وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين، وَاتَّخذُوا بناتهم لأَنْفُسِهِمْ نسَاء، وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلِهَتهم"1. وَلَو ألقينا نظرة خاطفة على الْيَهُود المعاصرين لوجدناهم مختلفي الألوان والأشكال حسب الْبِلَاد الَّتِي عاشوا فِيهَا وَقدمُوا مِنْهَا إِلَى فلسطين، لذَلِك يَقُول عَالم الأنثروبولوجيا السويسري أوجين بيتار: "إِن جَمِيع الْيَهُود فِي نظر عُلَمَاء الأنثروبولوجيا، على الرغم من كل مَا يدّعيه الْيَهُود والمنضوون تَحت الفكرة العنصرية الإسرائيلية، بعيدون عَن الانتماء إِلَى (جنس يَهُودِيّ) ، وكما يَقُول رينان: "لَا تُوجد سحنة يَهُودِيَّة، بل هُنَاكَ عدَّة سحنات يَهُودِيَّة) ، وَلَيْسَ هُنَاكَ أصحّ من قَوْله هَذَا، فَنحْن لَا نستطيع أَن نعتبر الْيَهُود الحاليين مكوّنين لكتلة بشرية ذَات عنصر وَاحِد، وَلَا حَتَّى فِي فلسطين، بعد أَن جرَّت إِلَيْهَا الحركات الصهيونية كثيرا من الإسرائيليين دون اخْتِيَار أَو تَمْيِيز. فاليهود ينتمون إِلَى طَائِفَة دينية واجتماعية، اندمج فِيهَا فِي كل عصور التَّارِيخ أشخاص من أَجنَاس متباينة، وَكَانَ أُولَئِكَ المتهودون يدْخلُونَ فِيهَا من جَمِيع الْآفَاق المسكونة بالبشر، من   1 - سفر الْقُضَاة 3/5 - 6 وتكرر ذَلِك مِنْهُم فِي مَوَاضِع مُتعَدِّدَة من كتبهمْ وأزمان مُخْتَلفَة وخاصة فِي السَّبي البابلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 الْيَهُود الأحباش - الفلاشة -، إِلَى الْيَهُود الأشكناز - من الْجِنْس الجرماني -، إِلَى التاميل - الْيَهُود الأفارقة الزنوج -، إِلَى الْيَهُود الهنود الَّذين يسمّون ببني إِسْرَائِيل، وَالْيَهُود الخزر الَّذِي ينتمون إِلَى الْجِنْس التركي، فَهَل هُنَاكَ من هَذِه الْأَنْوَاع الإسرائيلية نوع يعْتَبر من نَاحيَة التشريح والتحليل ممثلاً حَقِيقِيًّا ونقياً للْجِنْس الْيَهُودِيّ؟! " وَيسْتَمر عَالم الْأَجْنَاس البشرية السويسري فِي تَحْلِيل كل نوع من الجاليات الْيَهُودِيَّة فِي الْعَالم، من حَيْثُ الْقَامَة والجمجمة والهيكل العظمي والتقاطيع ولون الْبشرَة وَالشعر والعينين وشكل الْأنف وَغَيرهَا من المميزات البيولوجية، ليخرج بنتيجة حاسمة وَهِي أَن الدَّعْوَى العنصرية الَّتِي يُجَاهر بهَا الْيَهُود من نَاحيَة وأعداء الْيَهُود من نَاحيَة أُخْرَى لَيست إِلَّا ادِّعَاء خرافياً من نسج الخيال"1. وَلَو أردنَا معرفَة حَقِيقَة الْكَثْرَة الْغَالِبَة من الْيَهُود المعاصرين فِي فلسطين المحتلة وخاصة الطَّبَقَة الحاكمة فِي إِسْرَائِيل من السياسيين وكبار القادة العسكريين وأقطاب الصهيونية الحديثة، لوجدنا أَنهم ينتمون إِلَى يهود الأشكناز2 وهم أحفاد الخزر الَّذين كَانُوا فِي جنوب روسيا واعتنقوا الدّيانَة الْيَهُودِيَّة فِي القرنين السَّابِع وَالثَّامِن الميلادي.   1 - الْأَجْنَاس البشرية والتاريخ ص413 - 432 يوجين بيتار، نقلا من الشخصية الإسرائيلية ص35، 36، وأبحاث فِي الْفِكر الْيَهُودِيّ ص104 كِلَاهُمَا للدكتور حسن ظاظا، وراجع أَيْضا كتاب (الْعَرَب وَالْيَهُود فِي التَّارِيخ) ص551 للمؤلف أَحْمد نسيم سوسه (كَانَ يَهُودِيّا فَأسلم) ، وَانْظُر: الْيَهُود والتحالف مَعَ الأقوياء ص151، 152 د. نعْمَان السامرائي، والخلفية التوراتية للموقف الأمريكي ص82 - 92 إِسْمَاعِيل الكيلاني. 2 - يَنْقَسِم جُمْهُور الْيَهُود إِلَى طائفتين كبيرتين جدا هما: - الإشكناز، والسفرد، فَأَما الإشكناز: فهم الْيَهُود الَّذين استقروا فِي شمال أوروبا وشرقها، وَأما السفرد: فهم الْيَهُود الَّذِي استقروا فِي حَوْض الْبَحْر الْأَبْيَض الْمُتَوَسّط والبلاد الْعَرَبيَّة والآسيوية (انْظُر: الْفِكر الديني الْيَهُودِيّ ص202 - 204 د. حسن ظاظا) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وَعَن هَؤُلَاءِ الخزر تَقول الموسوعة الْيَهُودِيَّة طبعة 1903م فِي المجلد الرَّابِع ص1 - 5 مَا يَأْتِي: "الخزر: شعب تركي الأَصْل تمتزج حَيَاته وتاريخه بالبداية الأولى لتاريخ يهود روسيا ... أكرهته الْقَبَائِل البدوية فِي السهول من جِهَة، وَدفعه توقه إِلَى السَّلب والانتقام من جِهَة أُخْرَى ... على توطيد أسس مملكة الخزر فِي مُعظم أَجزَاء روسيا الجنوبية، قبل قيام الفارنجيين (سنة 855م) بتأسيس الملكية الروسية ... فِي هَذَا الْوَقْت (855م) كَانَت مملكة الخزر فِي أوج قوتها تخوض غمار حروب دائمة ... وَعند نِهَايَة الْقرن الثَّامِن ... تحوّل ملك الخزر ونبلاؤه وَعدد كَبِير من شعبه الوثنيين إِلَى الدّيانَة الْيَهُودِيَّة ... كَانَ عدد السكان الْيَهُود ضخما فِي جَمِيع أنحاء مقاطعة الخزر، خلال الفترة الْوَاقِعَة بَين الْقرن السَّابِع والقرن الْعَاشِر ... بدا عِنْد حوالي الْقرن التَّاسِع، أَن جَمِيع الخزر أَصْبحُوا يهودا، وَأَنَّهُمْ اعتنقوا الْيَهُودِيَّة قبل وَقت قصير فَقَط"1 إِن مملكة الخزر الْيَهُودِيَّة الَّتِي قَامَت فِي جنوب روسيا - بمنطقة القوقاز فِيمَا بَين نهري الفولجا والدون - استمرت لمُدَّة قرنين تَقْرِيبًا وَكَانَ اسْم عاصمتها (إتل) وَسَقَطت على يَد أُمَرَاء (كييف) الروس فِي الفترة بَين سنة 964 و973م، ودامت لَهُم ولَايَة فِي القرم نصف قرن آخر إِلَى سنة 1016م2.   1 - نقلا من كتاب (يهود الْيَوْم لَيْسُوا يهودا ص19 للمؤلف بنيامين فريدمان) تَرْجَمَة زهدي الفاتح. 2 - انْظُر: دولة الخزر الجديدة أَو إِسْرَائِيل ص12، 13، 35، 36، عبد الرَّحْمَن شَاكر، والقدس عَرَبِيَّة إسلامية ص175 د. سيد فرج رَاشد، يهود الْيَوْم لَيْسُوا يهودا ص39 - 44 بنيامين فريدمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 خريطة منقولة عَن دَائِرَة المعارف الْيَهُودِيَّة تبيّن التَّوْزِيع الديني فِي أوربا عَام 900 ميلادية، وَفِي وَسطهَا تظهر امبراطورية الخزر الْيَهُودِيَّة، الَّتِي دَامَت ثَلَاثَة قُرُون، وَكَانَت كبرى دوَل الْيَهُود فِي التَّارِيخ وَلَا تمت بأية صلَة عرقية إِلَى دَوْلَتِي " إِسْرَائِيل ويهوذا " التاريخيتين على أَرض فلسطين. والحقيقة أنَّ من يَزْعمُونَ أنفسهم (يهودا) المتحدرين تاريخياً من سلالة الخزر يشكلون أَكثر من 92 ... بِالْمِائَةِ من جَمِيع من يسمون أنفسهم (يهودا) فِي كل مَكَان من الْعَالم الْيَوْم، والخزر الآسيويون الَّذين أنشأوا مملكة الخزر فِي أوروبا الشرقية أَصْبحُوا يسمون أنفسهم (يهودا) بالتحول والاعتناق سنة (720م) ، وَهَؤُلَاء لم تطَأ أَقْدَام أجدادهم قطّ (الأَرْض المقدسة) فِي تَارِيخ الْعَهْد الْقَدِيم، هَذِه حَقِيقَة تاريخية لَا تقبل جدلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وَيُؤَيّد ذَلِك مُعظم الباحثين فِي عُلُوم الْإِنْسَان والْآثَار والتاريخ المختصون بموضوع خزر أمس ويهود الْيَوْم1. وَإِن حرص الْيَهُود المعاصرين - الَّذين بيّنا حَقِيقَة أصلهم ونسبهم - على الانتساب - كذبا وزوراً وبهتاناً - إِلَى نسل بني إِسْرَائِيل القدماء، لتَكون لَهُم حجَّة ودليلٌ لتعزيز ادعائهم الْبَاطِل بِأَن لَهُم حَقًا تأريخياً ودينياً فِي أَرض فلسطين، وَهُوَ مَا سنبين بُطْلَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الأكذوبة الثَّالِثَة من أكاذيب الْيَهُود وأساطيرهم.   1 - انْظُر: يهود الْيَوْم لَيْسُوا يهودا ص44، 45، بنيامين فريد مان بِتَصَرُّف بسيط، وراجع دولة الخزر ص36، 37 عبد الرَّحْمَن شَاكر، التَّارِيخ الْيَهُودِيّ الْعَام ص165 - 181 د. صابر طعيمة، والمماليك الصهاينة - عبد الرَّحْمَن شَاكر، والمخططات التلمودية الْيَهُودِيَّة ص31 - 38 أنور الجندي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 الْمطلب الثَّالِث: زعمهم أَن لَهُم حَقًا تاريخياً ودينياً فِي فلسطين يَدعِي الْيَهُود أَن لَهُم حقوقاً تاريخية فِي فلسطين لِأَن أجدادهم سكنوها فَتْرَة من الزَّمن، بدءاً بإبراهيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب، ومروراً بمُوسَى ويوشع بن نون عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَإِقَامَة مملكتهم زمن دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وانتهاءاً بطرد آخر يَهُودِيّ من بَيت الْمُقَدّس فِي عصر التشرد والتشتت الْيَهُودِيّ الَّذِي بَدْء عَام 70م. وَيَدعِي الْيَهُود أَيْضا أَن لَهُم حَقًا دينياً على مَا جَاءَ فِي كتبهمْ المقدسة لديهم أَن الله وعدهم بامتلاك (أَرض كنعان) فلسطين وَمَا جاورها (من النّيل إِلَى الْفُرَات) وَهِي أَرض الميعاد لتَكون لَهُم ملكا ووطناً ويستدلون على ذَلِك بِمَا ورد فِي التَّوْرَاة أَن ذَلِك الْوَعْد كَانَ مَعَ أَبِيهِم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حينما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 قَالَ لَهُ الرب: "لنسلك أعطي هَذِه الأَرْض من نهر مصر إِلَى النَّهر الْكَبِير نهر الْفُرَات"1. وَقَالَ لَهُ الرب أَيْضا: "وأقيم عهدي بيني وَبَيْنك وَبَين نسلك من بعْدك فِي أجيالهم عهدا أبدياً، لأَكُون إِلَهًا لَك ولنسلك من بعْدك، وَأعْطِي لَك ولنسلك من بعْدك أَرض غربتك كل أَرض كنعان ملكا أبدياً وأكون إلههم"2. وَيَزْعُم الْيَهُود المعاصرون أَنهم أحفاد إِبْرَاهِيم وسلالته وَأَنَّهُمْ شعب الله الْمُخْتَار فهم الأحق إِذا بفلسطين وَمَا جاورها أَرض الْآبَاء والأجداد. بطلَان هَذِه الدَّعْوَى: فَأَما بِالنِّسْبَةِ لزعمهم بِالْحَقِّ التاريخي فنبين بُطْلَانه بالآتي: 1 - أَن من الثَّابِت تأريخياً وجود الْقَبَائِل الْعَرَبيَّة من الكنعانيين والفينقيين فِي فلسطين قبل ظُهُور الْيَهُود بآلاف السنوات، وَلم يَنْقَطِع وجود الْعَرَب واستمرارهم فِي فلسطين إِلَى يَوْمنَا بِخِلَاف الْيَهُود. وَقد بَينا ذَلِك من قبل3. 2 - أَن على الْيَهُود المعاصرين - سلالة الخزر - أَن يطالبوا بِالْحَقِّ التاريخي لمملكة الخزر بجنوب روسيا وبعاصمتهم (إتل) ، وَلَيْسَ بفلسطين أَو بَيت الْمُقَدّس، لِأَن أجدادهم لم يطأوها من قبل، وَقد أوضحنا ذَلِك أَيْضا4. 3 - كَانَت مُدَّة بَقَاء بني إِسْرَائِيل فِي فلسطين لَا تزيد عَن ثَلَاثَة قُرُون   1 - سفر التكوين 15/18 وَقد ذكر الْوَعْد أَولا فِي تكوين 12/7 ثمَّ 13/15 ثمَّ 17/8، ثمَّ تَكَرَّرت الْوَعْد لإسحاق وَيَعْقُوب فِي تكوين 26/1 - 4، 28/13، ثمَّ تكَرر مَعَ يُوشَع فِي سفر يُوشَع 1/2 - 4، ثمَّ تكَرر مَعَ دَاوُد فِي المزمور 69/25، 26، وسفر صموئيل الثَّانِي 7/4 - 6، 12 - 16. 2 - تكوين 17/7، 8. 3 - انْظُر ص6. 4 - انْظُر ص53 وَمَا بعْدهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 وَنصف قرن - وَبَعض المؤرخين يرى أَنَّهَا تبلغ خَمْسَة قُرُون - فَهَل الْمدَّة الَّتِي مكثوها فِي فلسطين كَافِيَة فِي إِثْبَات حَقهم مُقَابل وجود الْعَرَب فِي فلسطين من قبلهم وبعدهم لمئات الْقُرُون؟!! وَأما بِالنِّسْبَةِ للحق الديني والوعد الإلهي لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وانتسابهم إِلَيْهِ دينياً فَهُوَ بَاطِل من وُجُوه عديدة نذْكر مِنْهَا مَا يَأْتِي: - 1 - بعد أَن أوضحنا بطلَان انتساب مُعظم الْيَهُود المعاصرين إِلَى سلالة إِسْرَائِيل (يَعْقُوب) بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فقد بَين لنا الْقُرْآن الْكَرِيم بطلَان انتساب الْيَهُود إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام دينياً فَقَالَ عز وَجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} 1. وَقَالَ عز وَجل: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 2. 2 - أَنه لايسلم للْيَهُود صِحَة كتبهمْ المقدسة لديهم وَمَا احْتَجُّوا بهَا من نُصُوص، فقد أثبت الْقُرْآن الْكَرِيم أَنهم تجرؤا على كتب الله الْمنزلَة على أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل بالتحريف والتزوير والتغيير قَالَ تَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ   1 - سُورَة آل عمرَان، آيَة 65 - 68. 2 - سُورَة الْبَقَرَة، آيَة 140. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ... } 1. وَهَذَا مَا سنبينه وَنَذْكُر الشواهد والأدلة عَلَيْهِ فِيمَا سَيَأْتِي2 إِن شَاءَ الله تَعَالَى. 3 - وعَلى فرض التَّسْلِيم لَهُم - جدلاً - صِحَة مَا استدلوا بِهِ على الْوَعْد الإلهي من كتبهمْ، فَإنَّا نقُول إِن الْوَعْد الإلهي قد أعطي لإِبْرَاهِيم أَولا عِنْد وُصُوله أَرض كنعان وَلم يُولد لَهُ ولد حِينَئِذٍ (تكوين 12/7) ، وتكرر الْوَعْد حِين رُجُوعه إِلَى أَرض كنعان من مصر (تكوين 13/15) ، ثمَّ تكَرر الْوَعْد وَلم يكن لإِبْرَاهِيم ولد (تكوين 15/18) ، ثمَّ تكَرر الْوَعْد لإِبْرَاهِيم بعد أَن ولد لَهُ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام (تكوين 17/8) . بِنَاء على ذَلِك فالوعد الإلهي من حق إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام جدُّ الْعَرَب وَالْمُسْلِمين دون غَيره، لِأَن إِسْحَاق الابْن الثَّانِي لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يُولد بعد3. فَإِن قيل: بِأَن الْوَعْد الإلهي لَهُم بِالْأَرْضِ المقدسة إرثٌ وموطنٌ أبديٌ قد ذكر فِي الْقُرْآن الْكَرِيم فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} 4. فَالْجَوَاب: أَنه بِقطع النّظر عَن كَون يهود الْيَوْم هم غير بني إِسْرَائِيل القدماء 1 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 13. 2 - فِي بحث عنوانه (الْأَسْفَار المقدسة عِنْد الْيَهُود وأثرها فِي انحرافهم - عرض وَنقد) 3 - انْظُر: الصهيونية والعنف ص66 د. حسن ظاظا، الصهيونية وخطرها على البشرية ص72 د. حمود الرحيلي. 4 - سُورَة الْمَائِدَة، آيَة 20، 21، وَبِنَحْوِ هَذِه الْآيَة فِي سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة 137، وَسورَة الْإِسْرَاء، آيَة 104، وَسورَة الشُّعَرَاء، آيَة 57 - 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 - كَمَا بَيناهُ من قبل - وَأَن مَا جَاءَ فِي الْآيَة لَا يعنيهم؛ لِأَنَّهَا لَا تَشْمَل من دَان باليهودية من غير بني إِسْرَائِيل وهم مُعظم أَو كل يهود الْيَوْم، فَإِن الْحق فِي هَذَا الْأَمر الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْمُفَسّرين هُوَ أَن عبارَة الْآيَة لَيست على التَّأْبِيد، وَإِنَّمَا هِيَ خَاصَّة بالزمن الَّذِي وعدوا فِيهِ بذلك ونتيجة لما كَانَ من استجابتهم لأوامر الله وصبرهم1. وَذَلِكَ الْجَزَاء لإيمانهم وتفضيلهم على عالمي زمانهم سنّة إلهية فِي عباده عز وَجل، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} 2. فَلَمَّا انحرف بَنو إِسْرَائِيل عَن دين الله الْحق وَارْتَدوا وفسدوا وأفسدوا فِي الأَرْض لم يعد لَهُم حق بالتمسك بالوعد الإلهي لَهُم، بل كَانَ الْجَزَاء عَلَيْهِم بِمَا تضمنته الْآيَات الْكَرِيمَة بلعنة الله عَلَيْهِم وغضبه وعقابه بتشتيتهم فِي الأَرْض وتسليط من يسومهم سوء الْعَذَاب عَلَيْهِم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَضرب الذلة والمسكنة عَلَيْهِم أَيْن مَا ثقفوا جَزَاء لنقضهم مواثيق الله وكفرهم بآياته. 4 - كَمَا يُمكن القَوْل أَيْضا أَن وعد الله لَهُم قد تحقق بعد مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حينما دخل بَنو إِسْرَائِيل الأَرْض المقدسة بقيادة يُوشَع بن نون - فَتى مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَأَقَامُوا فِيهَا زمن دَاوُد وَسليمَان عَلَيْهِمَا السَّلَام حينما فَضلهمْ الله عز وَجل على عالمي زمانهم، وَلَكِن حينما كفرُوا بِاللَّه وفسدوا وأفسدوا فِي الأَرْض غضب الله عَلَيْهِم فعذبهم وسلط عَلَيْهِم من يسومهم سوء الْعَذَاب وحرمهم من الأَرْض المقدسة وشردهم وشتتهم فِي الأَرْض.   1 - انْظُر: تَارِيخ بني إِسْرَائِيل من أسفارهم ص537، 538، مُحَمَّد دروزة. 2 - سُورَة الْأَنْبِيَاء، آيَة 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وَأما فِيمَا يتَعَلَّق بِمَسْأَلَة مَا إِذا كَانَ الْوَعْد أبديا وَلَا يُمكن نسخه فَيَقُول الدكتور الْفَرد جلوم - أستاذ دراسات الْعَهْد الْقَدِيم فِي جَامِعَة لندن: بِأَنَّهُ لم يقطع إطلاقاً أَي وعد غير مَشْرُوط بِأَن التَّمَلُّك سَيكون أبدياً، هَذَا مَعَ أَن الْمَقْصُود كَانَ فَتْرَة طَوِيلَة غير محددة. اهـ1. 5 - إِن الْوَعْد الإلهي مَشْرُوط بِالْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح، فقد ورد فِي التَّوْرَاة الْأَمر بذلك وبالمثوبة عَلَيْهِ، والوعيد الشَّديد لمن كفر بِاللَّه وارتد عَن دينه وَنَصه: "فَإِن انْصَرف قَلْبك وَلم تسمع بل غويت وسجدت لآلهة أُخْرَى وعبدتها، فَإِنِّي أنبئكم أَنكُمْ لَا محَالة هالكون"2. وَقد ثَبت فِي أسفارهم المقدسة لديهم أَنهم قد كفرُوا بِاللَّه وَارْتَدوا وعبدوا آلِهَة وأوثاناً أُخْرَى، وَقد أوضحنا ذَلِك أثْنَاء سردنا لتاريخهم3. لذَلِك حل بهم الْعَذَاب وَالْبَلَاء وَالْغَضَب من الله وَهُوَ ثَابت أَيْضا فِي أسفارهم حَيْثُ يَقُول نَبِيّهم أرميا: "لماذا بادت الأَرْض واحترقت كبرية بِلَا عَابِر؟! فَقَالَ الرب: على تَركهم شريعتي الَّتِي جَعلتهَا أمامهم، وَلم يسمعوا لصوتي وَلم يسلكوا بهَا، بل سلكوا وَرَاء عناد قُلُوبهم ووراء البعليم4 الَّتِي علمهمْ إِيَّاهَا آباؤهم، لذَلِك قَالَ رب الْجنُود إِلَه إِسْرَائِيل: هَا أنذا أطْعم هَذَا الشّعب أفْسِنْتينا5، وأسقيهم مَاء العلقم، وأبددهم فِي أُمَم لم يعرفوها هم وَلَا آباؤهم،   1 - نقلا من كتاب الخلفية التوراتية للموقف الإمريكي ص70 إِسْمَاعِيل الكيلاني. 2 - سفر التَّثْنِيَة 20/15 - 18. 3 - انْظُر: ص24 وَمَا بعْدهَا، وراجع سفر الْمُلُوك الثَّانِي 17/9 - 17 وَغَيره. 4 - البعليم: جمع إِلَه البعل، وَهُوَ إِلَه الْمزَارِع وَرب الخصب عِنْد الْقَبَائِل الوثنية. - انْظُر: قَامُوس الْكتاب الْمُقَدّس ص180. 5 - نَبَات مُرُّ وسام (الْمرجع السَّابِق ص95) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 وَأطلق وَرَاءَهُمْ السَّيْف حَتَّى أفنيهم"1. وَقَالَ: "هَكَذَا قَالَ الرب: إِن كنت لم أجعَل عهدي مَعَ النَّهَار وَاللَّيْل فَرَائض السَّمَاوَات وَالْأَرْض، فَإِنِّي أرفض نسل يَعْقُوب وَدَاوُد عَبدِي"2. بل قد ورد التَّصْرِيح فِي أسفارهم المقدسة لديهم بحرمانهم من بَيت الْمُقَدّس بِسَبَب كفرهم وضلالهم وعصيانهم، فَقَالَ أشعيا: "فَكَانَ إليّ كَلَام الرب قَائِلا: يَا ابْن آدم إِن الساكنين فِي هَذِه الخرب فِي أَرض إِسْرَائِيل يَتَكَلَّمُونَ قائلين: إِن إِبْرَاهِيم كَانَ وَاحِدًا وَقد ورث الأَرْض وَنحن كَثِيرُونَ، لنا أَعْطَيْت الأَرْض مِيرَاثا، لذَلِك قل لَهُم: هَكَذَا قَالَ السَّيِّد الرب تَأْكُلُونَ بِالدَّمِ وترفعون أعينكُم إِلَى أصنامكم وتسفكون الدَّم، أفترثون الأَرْض { {وقفتم على سيفكم فَعلْتُمْ الرجس، وكل مِنْكُم نجَّس امْرَأَة صَاحبه، أفترثون الأَرْض} } "3. فَمَتَى نقض الْيَهُود عهد الله فَإِنَّهُ عز وَجل لَا ينفذ عَهده ووعده لَهُم بل ينفذ وعيده وعذابه، فالأرض لله يُورثهَا من أَقَامَ دينه وَاتبع تعاليمه لَا من يفْسد فِي الأَرْض ويعيث فَسَادًا قَالَ الله تَعَالَى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} 4. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} 5. وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ   1 - سفر أرميا 9/12 - 16. 2 - سفر أرميا 33/19 - 25 بِاخْتِصَار. 3 - سفر أشعيا 33/23 - 26. 4 - سُورَة الْأَعْرَاف، آيَة 128. 5 - سُورَة الْأَنْبِيَاء، آيَة 105. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} 1. وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} 2. والمسلمون هم المُرَاد بِهَذِهِ الْآيَات الْكَرِيمَة إِذا صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ وَرَجَعُوا إِلَى كتاب الله عز وَجل وَسنة نبيه، وتمسكوا بِالْإِسْلَامِ كَامِلا أفراداً وأسراً ومجتمعات ودولاً، ونكتفي بِهَذِهِ الْأَوْجه فِي الرَّد على مزاعم الْيَهُود وَبَيَان بُطْلَانهَا3.   1 - سُورَة النُّور، آيَة 55. 2 - سُورَة الْحَج، آيَة 41. 3 - انْظُر: للتوسع التَّارِيخ الْيَهُودِيّ الْعَام 1/317 - 322 د. صابر طعيمة، الخلفية التوراتية للموقف الإمريكي ص41 - 94 إِسْمَاعِيل الكيلاني، الْيَهُود والتحالف مَعَ الأقوياء ص146 - 168 د. نعْمَان السامرائي، الصهيونية وخطرها على البشرية ص69 - 106 د. حمود الرحيلي، بَنو إِسْرَائِيل فِي الْقُرْآن الْكَرِيم ص263 - 265 د. مُحَمَّد عبد السَّلَام مُحَمَّد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 مصَادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع 1 - الْقُرْآن الْكَرِيم. 2 - الْأُخوة الزائفة - جاك تني، تعريب أَحْمد التازوري، مؤسسة الرسَالَة، بيروت. 3 - أبحاث فِي الْفِكر الديني الْيَهُودِيّ - د. حسن ظاظا، الطبعة الأولى دَار الْقَلَم، بيروت، 1407 هـ. 4 - أَحْجَار على رقْعَة الشطرنج - وليم كار. 5 - إِسْرَائِيل حرفت الأناجيل والأسفار المقدسة - أَحْمد عبد الْوَهَّاب، مكتبة وَهبة، الْقَاهِرَة - 1972م. 6 - الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة - لِابْنِ كثير، دَار الْفِكر الْعَرَبِيّ - الْقَاهِرَة. 7 - بابوات من الْحَيّ الْيَهُودِيّ - واكيم بيرنز، تعريب خَالِد أسعد عِيسَى. 8 - بَنو إِسْرَائِيل فِي الْقُرْآن الْكَرِيم - د. مُحَمَّد عبد السَّلَام مُحَمَّد، الطبعة الأولى، 1400هـ، مكتبة الْفَلاح، الكويت. 9 - بَنو إِسْرَائِيل فِي الْكتاب وَالسّنة – د. مُحَمَّد سيد طنطاوي، الطبعة الأولى، الزهراء للإعلام الْعَرَبِيّ، الْقَاهِرَة 1407هـ. 10 - تَارِيخ الْإِسْلَام – للذهبي، شمس الدّين مُحَمَّد بن أَحْمد الذَّهَبِيّ، تَحْقِيق: د. عمر عبد السلام، ط (1) ، دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ - بيروت، 1407هـ. 11 - تَارِيخ بني إِسْرَائِيل من أسفارهم – محمَّد دروزة، المكتبة العصرية، بيروت، 1389 هـ - / 1969 م. 12 - تَارِيخ الإسرائيليين – شاهين مكاريوس – مطبعة المقتطف، مصر 1904م. 13 - تَارِيخ الدولة الْعلية العثمانية - مُحَمَّد فريد بك، تَحْقِيق: د. إِحْسَان حَقي، الطبعة الثَّانِيَة، دَار النفائس - بيروت، 1403هـ. 14 - التَّارِيخ الْيَهُودِيّ الْعَام – د. صابر طعيمة، الطبعة الثَّانِيَة، 1403هـ - دَار الجيل، بيروت. 15 - تَفْسِير آيَات أشكلت على كثير من الْعلمَاء حَتَّى لَا يُوجد طَائِفَة من كتب التَّفْسِير فِيهَا القَوْل الصَّوَاب بل لَا يُوجد فِيهَا إِلَّا مَا هُوَ خطأ - شيخ الْإِسْلَام الإِمَام ابْن تَيْمِية، تَحْقِيق: عبد العزيز الْخَلِيفَة، الطبعة الأولى، مكتبة الرشد - الرياض، سنة 1417هـ. الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 16 - الْجَامِع الصَّحِيح – للْإِمَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ – مطبوع مَعَ فتح الْبَارِي شرح صَحِيح البُخَارِيّ. 17 - الْجَامِع الصَّحِيح - للْإِمَام مُسلم النَّيْسَابُورِي - تَحْقِيق محمَّد فؤاد عبد الْبَاقِي، الطبعة الأولى سنة 1375 هـ، دَار إحْيَاء التراث الْعَرَبِيّ، بيروت. 18 - جذور الْبلَاء – عبد الله التل، عبد الله التل، الطبعة الثَّالِثَة، الْمكتب الإسلامي، بيروت، 1399 هـ. 19 - جَرِيدَة الْمُسلمُونَ - الصادرة من لندن. 20 - حُكُومَة الْعَالم الْخفية - يشيريب سيبريد وفيتشى، تَرْجَمَة مَأْمُون سعيد دَار النفائس - بيروت 1982م. 21 - الْخطر الصهيوني على الْعَالم الإسلامي - ماجد كيلاني، الطبعة الثَّالِثَة، 1409هـ، الدَّار السعودية - جدة. 22 - خطر الْيَهُودِيَّة العالمية - عبد الله التل، الطبعة الثَّالِثَة، الْمكتب الإسلامي، بيروت، 1399 هـ. 23 - خطط المقريزي (المواعظ وَالِاعْتِبَار بِذكر الخطط والْآثَار) – للمقريزي – مطبعة بولاق، الْقَاهِرَة، 1270هـ. 24 - الخلفية التوراتية للموقف الإمريكي – إِسْمَاعِيل الكيلاني، الطبعة الأولى، مكتبة الْأَقْصَى، قطر، 1407 هـ. 25 - دروس اللُّغَة العبرية – د. يحيى كَمَال، عَالم الْكتب، بيروت، 1982 م. 26 - دور يهود الدونمة فِي إِسْقَاط الْخلَافَة العثمانية - د. مُحَمَّد مُحَمَّد إِبْرَاهِيم زغروت، دَار التَّوْزِيع والنشر الإسلامية - الْقَاهِرَة. 27 - دولة الخزر الجديدة (إِسْرَائِيل) - عبد الرَّحْمَن شَاكر، الطبعة الأولى، 1981 م، دَار مِصْبَاح الْفِكر - بيروت، لبنان. 28 - سلسلة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة - للشَّيْخ محمَّد نَاصِر الدّين الألباني، الْمكتب الإسلامي، بيروت. 29 - السِّيرَة النَّبَوِيَّة - لِابْنِ هِشَام، تَحْقِيق: د. همام عبد الرحيم، وَمُحَمّد عبد الله، الطبعة الأولى، مكتبة الْمنَار - الْأُرْدُن، سنة 1409هـ. 30 - السيطرة الصهيونية على وَسَائِل الْإِعْلَام العالمي - زِيَاد أَبُو غنيمَة. 31 - الشخصية الإسرائيلية - د. حسن ظاظا، الطبعة الأولى، بيروت، 1407 هـ. الحديث: 16 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 32 - صبح الْأَعْشَى فِي صناعَة الْإِنْشَاء – للقلقشندي، الطبعة الأميرية، المؤسسة المصرية للتأليف. 33 - صراعنا مَعَ الْيَهُود - محمَّد إِبْرَاهِيم قَاضِي، دَار التَّوْزِيع والنشر الإسلامية، الْقَاهِرَة. 34 - الصهيونية وخطرها على البشرية - د. حمود الرحيلي، الطبعة الأولى، دَار العاصمة، الرياض، 1414 هـ. 35 - الصهيونية والعنف – د. حسن ظاظا، الطبعة الأولى، بيروت، 1407 هـ. 36 - فتح الْبَارِي بشرح صَحِيح البُخَارِيّ، لِلْحَافِظِ ابْن حجر الْعَسْقَلَانِي دَار الْمعرفَة، بيروت. 37 - الْفِكر الديني الْيَهُودِيّ - د. حسن ظاظا، الطبعة الثَّانِيَة، دَار الْقَلَم، بيروت، 1407 هـ. 38 - فلسطين عَرَبِيَّة إسلامية – د. سيد فرج، دَار المريخ للنشر، 1406هـ، الرياض. 39 - قَامُوس الْكتاب المقدَّس - تأليف مَجْمُوعَة من الأساتذة اللاهوتيين. 40 - قصَّة الحضارة - ول ديورانت، الطبعة الثَّالِثَة، الْقَاهِرَة 1973م. 41 - الْكتاب المقدَّس - طبعة دَار الْكتاب المقدَّس، الْقَاهِرَة. 42 - الْكتاب المقدَّس - منشورات دَار الْمشرق، بيروت، 1983 م. 43 - الْكَنْز المرصود فِي قَوَاعِد التلمود - د. روهلنج، تَرْجَمَة: د. يُوسُف نصر الله، الطبعة الأولى، دَار الْقَلَم، بيروت، دمشق 1408 هـ / 1987 م. 44 - لقطَة العجلان مِمَّا تمس إِلَى مَعْرفَته حَاجَة الْإِنْسَان – الْملك مُحَمَّد صديق حسن خَان، الطبعة الأولى، دَار الْكتب العلمية – بيروت، 1405هـ. 45 - المخططات التلمودية الْيَهُودِيَّة – أنور الجندي – دَار الِاعْتِصَام، الْقَاهِرَة. 46 - مُسْند الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل، الطبعة الثَّانِيَة، دَار الْكتب العلمية، بيروت، 1398هـ. 47 - المعالم الأثيرة فِي السّنة والسيرة – مُحَمَّد مُحَمَّد حسن شُراب - الطبعة الأولى، دَار الْقَلَم - دمشق 1411هـ. 48 - المماليك الصهاينة – عبد الرَّحْمَن شَاكر، مطبعة خطاب سنة 1948م، الْقَاهِرَة. 49 - المنجد فِي اللُّغَة والأعلام، الطبعة السَّابِعَة وَالْعشْرُونَ، المكتبة الشرفية، بيروت، لبنان. الحديث: 32 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 50 - الموسوعة الْفِقْهِيَّة الميسرة - دَار نهضة لبنان، بيروت، 1406هـ. 51 - النشاط السّري الْيَهُودِيّ فِي الْفِكر والممارسة - غَازِي مُحَمَّد فريج، طبعة 1411هـ، دَار النفائس - بيروت. 52 - النّفُوذ الْيَهُودِيّ فِي الأجهزة الإعلامية والمؤسسات الدولية - فؤاد سيد الرفاع. 53 - الْيَهُود والتحالف مَعَ الأقوياء - د. نعْمَان السامرائي، الطبعة الأولى، كتاب الْأُم - ة، قطر، 1412 هـ. 54 - الْيَهُود وَرَاء كل جريمة - وليم كار، تَعْلِيق خير الله الطلفاح، الطبعة الثَّانِيَة، 1402 هـ -، دَار الْكتاب الْعَرَبِيّ، بيروت. 55 - يهود الْيَوْم لَيْسُوا يهودا - بنيامين فريدمان، تَرْجَمَة زهدي الفاتح، الطبعة الثَّانِيَة، 1403 هـ، دَار النفائس - بيروت. 56 - الْيَهُودِيّ العالمي - هنري فرود، تعريب خيري حَمَّاد، دَار الْآفَاق الجديدة - بيروت. 57 - الْيَهُودِيَّة والمسيحية - د. مُحَمَّد الأعظمي، الطبعة الأولى، مكتبة الدَّار، الْمَدِينَة المنورة، 1409هـ. الحديث: 50 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301