الكتاب: جامع الدروس العربية المؤلف: مصطفى بن محمد سليم الغلايينى (المتوفى: 1364هـ) الناشر: المكتبة العصرية، صيدا - بيروت الطبعة: الثامنة والعشرون، 1414 هـ - 1993 م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- جامع الدروس العربية مصطفى الغلاييني الكتاب: جامع الدروس العربية المؤلف: مصطفى بن محمد سليم الغلايينى (المتوفى: 1364هـ) الناشر: المكتبة العصرية، صيدا - بيروت الطبعة: الثامنة والعشرون، 1414 هـ - 1993 م   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] (المقدمة) (1- اللغة العربية وعلومها) اللغةُ ألفاظٌ يُعبرُ بها كل قومٍ عن مقاصدهم واللغاتُ كثيرةٌ. وهي مختلفةٌ من حيثُ اللفظُ، متحدةٌ من حيث المعنى، أي أن المعنى الواحدَ الذي يُخالجُ ضمائرَ الناس واحد. ولكنّ كلّ قومٍ يُعبرون عنه بلفظٍ غير لفظ الآخرين. واللغةُ العربيةُ هي الكلماتُ التي يُعبرُ بها العربُ عن اغراضهم. وقد وصلت إلينا من طريق النقل. وحفظها لنا القرآن الكريم والاحاديث الشريفة، وما رواهُ الثِّقات من منثور العرب ومنظومهم. العلوم العربية لما خشيَ أهلُ العربية عن ضياعها، بعد ان اختلطوا بالأعاجم، دوَّنوها في المعاجم (القواميس) وأصَّلوا لها اصولا تحفظها من الخطأ. وتسمى هذه الأصولُ "العلوم العربية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 فالعلومُ العربية هي العلوم التي يتوصلُ بها إلى عصمة اللسان والقلم عن الخطأ. وهي ثلاثة عشر علماً "الصرفُ، والإعرابُ (ويجمعهما اسمُ النحو) ، والرسمُ، والمعاني، والبيان، والبديع، والعَروض، والقوافي، وَقرْضُ الشعر، والإنشاء، والخطابة، وتاريخُ الأدب، ومَتنُ اللغة". الصرف والاعراب للكلمات العربية حالتان حالةُ إفرادٍ وحالة تركيب. فالبحثُ عنها، وهي مُفردةٌ، لتكون على وزن خاصٍّ وهيئة خاصة هو من موضوع "علم الصرف". والبحثُ عنها وهي مُركبةٌ، ليكونَ آخرُها على ما يَقتضيه مَنهجُ العرب في كلامهم - من رفعٍ، أو نصبٍ، أو جرّ، أو جزمٍ، أو بقاءٍ على حالةٍ واحدة، من تَغيُّر - هو من موضوع "علم الإعراب". فالصرف علمٌ بأصولٍ تُعرَف بها صِيغُ الكلمات العربية واحوالُها التي ليست بإعراب ولا بناء. فهو علمٌ يبحثُ عن الكَلِم من حيثُ ما يَعرِضُ له من تصريف وإعلال وإدغام وإبدال وبهِ نعرِف ما يجب أن تكون عليهِ بنيةُ الكلمة قبلَ انتظامها في الجملة. وموضوعهُ الاسمُ المتمكن (أي المُعرَبُ) والفعلُ المُتصرِّف. فلا يبحث عن الأسماء المبنيَّة، ولا عن الأفعال الجامدة، ولا عن الحروف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 وقد كان قديماً جزءًا من علم النحو. وكان يُعرف النحوُ بأنه علم تُعرَفُ به أحوالُ الكلماتِ العربية مُفردةً ومُرَكبة. والصرف من أهمّ العلوم العربية. لأن عليه المُعوّلَ فى ضَبط صِيَغ الكَلِم، ومعرفةِ تصغيرها والنسبةِ إليها والعلمِ بالجموع القياسيّة والسماعية والشاّة ومعرفةِ ما يعتري الكلماتِ من إعلالٍ أو إدغامٍ أو إبدال، وغيرِ ذلك من الأصول التي يجب على كل أديب وعالم أن يعرفها، خشيةَ الوقوع في أخطاء يقَعُ فيها كثيرٌ من المتأدبين، الذين لاحظَّ لهم من هذا العلم الجليل النافع. والإعرابُ (وهو ما يُعرف اليوم بالنحو) علمٌ بأصولٍ تُعرف بها أحوالُ الكلمات العربية من حيث الإعرابُ والبناء. أي من حيث ما يَعرضُ لها في حال تركيبها. فبهِ نعرِف ما يجب عليه أن يكون آخرُ الكلمة من رفع، أو نصب، أو جرّ أو جزمٍ، أو لزومِ حالةٍ واحدةٍ، بَعد انتظامها في الجملة. ومعرفته ضرورية لكل من يُزاول الكتابة والخطابة ومدارسة الآداب العربية. (2- الكلمة وأقسامها) الكلمةُ لفظٌ يدُّل على معنىً مُفردٍ. وهي ثلاثةُ أقسام اسمٌ، وفعل، وحرف. الاسم الاسمُ ما دلَّ على معنىً في نفسه غير مُقترِنٍ بزمان كخالد وَفرَسٍ وعُصفورٍ ودارٍ وحنطةٍ وماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 وعلامته أن يَصحّ الإخبارُ عنه كالتاء من "كتبتُ"، والالف من "كتبَا" والواو من "كتبوا"، أو يقبلَ "ألْ" كالرجل، أو التنوين، كفرَس، أو حرفَ النداء كيا أيُّها الناسُ، أو حرفَ الجرِّ كاعتمد على من تثِقُ به. التنوين التَّنوين نونٌ ساكنة زائدة، تَلحقُ أواخرَ الأسماء لفظاً، وتفارقُها خطاً ووَقعاً وهو ثلاثة اقسام الأول تنوينُ التمكين وهو اللاحق للأسماء المُعرَبة المنصرفة كرجُلٍ وكتابٍ. ولذلك يُسمَّى "تنوينَ الصرف" أيضاً. الثاني تنوينُ التَّنكير وهو ما يلحقُ بعضَ الاسماء المبنيَّة كاسم الفعل والعَلَم المختومِ به "وَيْه" فَرْقاً بين المعرفة منهما والنكرة، فما نُوِّنَ كان نكرةً. وما لم ينوَّن كان معرفة. مثلُ "صَه وصَهٍ ومَه ومَهٍ وإيه وإيهٍ"، ومثلُ "مررتُ بسيبويه وسيبويهٍ آخرَ"، أي رجلٍ آخرَ مُسمَّى بهذا الاسم. (فالاول معرفة والآخر نكرة لتنوينه وإذا قلت "صه" فانما تطلب الى مخاطبك ان يسكت عن حديثه الذي هو فيه. واذا قلت له "مه" فأنت تطلب اليه ان يكف عما هو فيه واذا قلت له "ايه" فأنت تطلب منه الاستزادة من حديثه الذي يحدثك اياه. اما ان قلت له "صه ومه وايه" بالتنوين، فانما تطلب من السكون عنً كل حديث والكف عن كل شيء، والاستزادة من حديث اي حديث) . الثالث تنوين العِوض وهو إما أن يكون عِوَضاً من مُفرد وهو ما يَلحقُ "كلاً وبعضاً وأيّاً "عوضاً مما تَضاف اليه، نحوُ "كلُّ يموت" أي كلُّ إنسان. ومنه قولُهُ تعالى {وكُلاًّ وعدَ اللهُ الحُسنى} وقوله {تِلكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الرُّسُلُ فَضَّلنا بعضَهم على بعضٍ} ، وقوله {أياً ما تدْعُوا فله الأسماء الحُسنى} . وإمَّا أن يكون عِوَضاً من جملة وهو ما يَلحقُ "إذْ"، عوضاً من جملةٍ تكون بعدها، كقوله تعالى {فَلَوْلا إِذْ بلغت الروحُ الحُلقوم، وأنتم حينئذٍ تَنظرُون} أي حينَ إذْ بلغت الروحُ الحلقوم. وإمّا أن يكون عِوضاً من حرف. وهو ما يَلحقُ الأسماء المنقوصة الممنوعَة من الصَّرف، في حالتي الرفع والجرّ، عِوَضاً من آخرها المحذوف كجَوارٍ وغَواشٍ وعَوادٍ واعَيمٍ (تصغير أعمى) وراجٍ (علم امرأة) ونحوها من كل منقوص ممنوع من الصرف. فتنوينُها ليس تنوينَ صَرفٍ كتنوين الأسماء المنصرفة. لأنها ممنوعة منه، وإنما هو عِوضٌ من الياء المحذوفة. والأصل "جَواري وَغواشي وعَوادي وأَعيمي وراجِي". أما في حال النصب فتُرد الياء وتُنصب بلا تنوينٍ، نحو "دفعتُ عنك وعواديَ. أكرمتُ أَعيميَ فقيراً. علَّمت الفتاةَ راجِيَ". الفعل الفعل ما دلّ على معنىً فى نَفْسه مُقترِن بزمانٍ كجاءَ ويَجيءُ وجيءَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 وعلامته أن يقبلَ "قَدْ" أو "السينَ" أو سوْف"، أو "تاءَ التأنيثِ الساكنة،، أو "ضميرَ الفاعل"، أو "نون التوكيدِ" مثلُ قد قامَ. قدْ يقومُ. ستذهبُ. سوف نذهبُ. قامتْ. قمت. قمتِ. لِيكتبنّ. لَيكتبَنّ. اكتُبّن. اكتبَنْ". الحرف الحرفُ ما دلّ على معنىً في غيره، مثلُ "هَلْ وفي ولم وعلى وإنَّ ومِنْ". وليس له علامةٌ يَتميَّزُ بها، كما للاسمِ والفعل. وهو ثلاثةُ أقسام حرفٌ مُختصٌّ بالفعل بالاسم كحروف الجرِّ، والأحرف التي تنصبُ الاسمَ وترفعُ الخبر. وحرفٌ مُشتركٌ بينَ الأسماء والأفعال كحروف العطف، وحرفيِ الاستفهام. (3- المركبات وأنواعها وإعرابها) المُركبُ قولٌ مؤلفٌ من كلمتين أو أكثرَ لفائدة، سواءٌ أكانت الفائدةُ تامةً، مثلُ "النجاةُ فى الصدق"، أم ناقصةٌ، مثل "نور الشمس. الإنسانية الفاضلة. إن تُتقِن عَمَلك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 والمركبُ ستةُ أنواعٍ إسناديٌّ وإضافيٌّ وعطفيٌّ ومزجيٌّ وعدَديٌّ. (1) المركب الاسنادي او الجملة الإسنادُ هو الحكمُ بشيءٍ، كالحكم على زُهير بالاجتهاد في قولك "زُهيرٌ مجتهد". والمحكومُ به يُسمى "مُسنَداً". والمحكومُ عليه يُسمى "مُسنَداً إليهِ". فالمسنّدُ ما حكمتَ به على شيءٍ. والمسندُ إليه ما حكمت عليه بشيءٍ. والمُركبُ الاسنادي (ويُسمى جُملةً أيضاً) ما تألفَ من مَسندٍ ومُسندٍ إليه، نحوُ "الحلمُ زينٌ. يُفلحُ المجتهدُ". (فالحلم مسند اليه، لانك اسندت غليه الزين وحكمت عليه به. والزين مسند، لانك اسندته الى الحلم وحكمت عليه به. وقد اسندت الفلاح الى المجتهد، فيفلح مسند، والمجتهد مسند اليه) . والمسندُ إليه هو الفاعلُ، ونائبهُ، والمبتدأ، واسم الفعلِ الناقص، واسمُ الأحرف التى تعملُ عملَ "ليس" واسمُ "إن" وأخواتها، واسمُ "لا" النافية للجنس. فالفاعلُ مثلُ "جاء الحق وزهقَ الباطل". ونائبُ الفاعل مثل "يعاقبُ العاصون، ويثابُ الطائعون". والمبتدأُ مثل "الصبرُ مفتاحُ الفرَجِ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 واسمُ الفعلِ الناقص مثلُ "وكان اللهُ عليماً حكيماً". واسمُ الأحرفِ التى تعملُ عملَ "ليس" مثلُ "ما زُهيرٌ كَسولا. تَعزّ فلا شيءٌ على الارض باقياً. لاتَ ساعةَ مندَمِ. إنْ أحدٌ خيراً من أحدٍ إلا بالعلمِ والعمل الصالح". واسمُ "إنّ" مثلُ {إن اللهَ عليمٌ بذات الصدور} . واسمُ "لا" النافية للجنس مثل {لا إلهَ إلا اللهُ} . والمسندُ هو الفعلُ، واسمُ الفعل، وخبرُ المبتدأ، وخبرُ الفعل الناقص، وخبرُ الأحرف التي تعملُ عملَ (ليس) وخبرُ "إن" واخواتها. وهو يكونُ فعلاً، مثل {قد أفلحَ المؤْمنون} ، وصِفة مُشتقَّة من الفعل، مثلُ "الحق أبلجُ" واسماً جامداً يتضمنُ معنى الصفة المشتقة، مثل "الحقُ نورٌ، والقائمُ به أسدٌ". (والتأويل (الحق مضيء كالنورِ، والقائم به شجاع كالاسد) . (وسيأتي الكلام على حكم المسند والمسند اليه فى الاعراب، في الكلام على الخلاصة الاعرابية) . الكلام الكلامُ هو الجملةُ المفيدةُ معنىً تاماً مُكتفياً بنفسه، مثل "رأس الحكمةِ مخافةُ الله. فاز المُتَّقون. من صدَق نجا". (فان لم تفد الجملة معنى تاماً مكتفياً بنفسه فلا تسمى كلاما، مثل (ان تجتهد في عملك) فهذه الجملة ناقصة الافادة، لان جواب الشرط فيها غير مذكور، وغير معلوم، فلا تسمى كلاما فان ذكرت الجواب فقلت "ان تجتهد في عملك تنجح، صار كلاما) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 (2) المركب الاضافي المرَّكب الإضافيُّ: ما تركَّبَ من المضاف والمضاف إليه، مثل: "كتاب التلميذ. خاتم فضةٍ. صوْم النهار". وحكمُ الجزء الثاني منه أنه مجرورٌ أبداً كما رأيتَ. (3) المركب البياني المركَّبُ البياني كلُّ كلمتين كانت ثانيتُهما مُوضحةً معنى الأولى. وهو ثلاثةُ أقسام مُركَّبٌ وصفي وهو ما تألفَ من الصفة والموصوف، مثل "فاز التلميذُ المجتهدُ. أكرمتُ التلميذَ المجتهدَ. طابت اخلاقُ التلميذِ المجتهدِ". ومركَّبٌ توكيديٌّ وهو ما تألفَ من المؤكِّد والمؤكَّد، مثل "جاء القومُ كلُّهُم. أكرمتُ القومَ كُلَّهم، أحسنتُ إلى القوم كلِّهم". ومركَّبٌ بدَليٌّ وهو ما تألف من البَدَل والمُبدَل منه، مثل "جاء خليلٌ أخوك. رأيت خليلاً أخاك. مررت بخليلٍ أخيكَ". وحكمُ الجزء الثاني من المركَب البياني أن يتبعَ ما قبله فى إعرابه كما رأيتَ. (4) المركَّب العطفيُّ المركَّب العطفيُّ ما تألف من المعطوف والمعطوف عليه، بِتوسُّط حرف العطف بينهما، مثل "ينالُ التلميذُ والتلميذةُ الحمَ والثَّناء، إذا ثابرا على الدرس والاجتهاد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وحُكمُ ما بعدَ حرف العطف أن يتبعَ ما قبله في إعرابه كما رأيت. (5) المركب المزجي المركَّبُ المزْجيُّ كلّ كلمتين ركّبتا وجُعلتا كلمةً واحدة، مثل "بعلبكْ وبيت لحمْ وحضْرموت وسيبويه وصباح مساء وشذر مذر". وإن كان المركبُ المزجيّ علماً أعرب إعراب ما لا ينصرفُ، مثل "بعلبكْ بلدةٌ طيبةُ الهواء" و"سكنتُ بيت لحم" و"سافرتُ إلى حضْرموْت". إلاّ إذا كان الجزءُ الثاني منه كلمة "ويْه" فإنها تكونُ مبنيَّة على الكسر دائماً، مثل "سيبويه عالمٌ كبيرٌ" مو "رأيتُ سيبويه عالماً كبيراً" و"قرأتُ كتاب سيبويه". وإن كان غير علم كان مبنيّ الجزءين على الفتح، مثل "زُرْني صباح مساء" و"أنت جاري بيت بيت. (6) المركب العددي المركَّبُ العددي من المركبَّات المزجية، وهو كل عددين كان بينهما حرفُ عطفٍ مُقدَّر. وهو من أحد عشر إلى تسعة عشر، ومن الحادي عشر الى التاسع عشر. (أما واحد وعشرون الى تسعة وتسعين، فليست من المركبات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 العددية. لان حرف العطف مذكور، بل هي من المركبات العطفية) . ويجبُ فتحُ جزءَي المركب العدديّ، سواءٌ أكان مرفوعاً، مثل "جاء أحدَ عشر رجلاً" أم منصوباً مثلُ {رأيتُ أحدَ عشر كوكباً} أم مجروراً، مثل "أحسنتُ الى أحد عشر فقيراً". ويكون حينئذٍ مبنياً على فتحَ جزءيه، مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً محلاًّ، إلا اثنيْ عشر، فالجزء الأول يُعربُ إِعراب المُثنَّى، بالألف رفعاً، مثل "جاء اثنا عشر رجلاً"، وبالياء نصباً وجرًّا، مثل "أكرمتُ اثنتي عشرة فقيرةً باثني عشر درهماً". والجزء الثاني مبنيُّ على الفتح، ولا محلَّ له من الاعراب، فهو بمنزلة النون من المثنى. وما كان من العدد على وزن (فاعل) مُركَّبًا من العشرة - كالحادي عشر إلى التاسع عشر - فهو مبنيٌّ أيضاً على فتح الجزءين، نحو "جاء الرابع عشر. رأيتُ الرابعة عشْرة، مررتُ بالخامس عشر". إلا ما كان جزؤُه الأول منتهياً بياء، فيكون الجزء الأول منه مبنياًعلى السكون، نحو "جاء الحادي عَشرَ والثاني عشرَ، ورأيتُ الحاديَ عَشرَ والثانيَ عشرَ، ومررتُ بالحادي عَشرَ والثاني عشر". حكم العدد مع المعدود إن كان العدد (واحداً) أو (اثنين) فحُكمُهُ أن يُذَكَّرَمع المذَكر، ويُؤنث مع المؤنث، فتقول "رجلٌ واحد، وامرأةٌ واحدة، ورجلانِ اثنانِ، وامرأتان". و (أحدٌ) مثل واحدٍ، ورجلانِ اثنانِ، وامرأتان". و (أحدٌ) مثل واحدٍ، فتقول "أحدُ الرجال، احدى النساءِ". وإن كان من الثلاثة الى العشرة، يجب أن يؤنث مع المذكر، ويُذكر مع المؤنث. فتقول "ثلاثةُ رجالٍ وثلاثة أقلامٍ، وثلاث نساءٍ وثلاث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 أيدٍ". إلا إن كانت العشرةُ مُركَّبةً فهي على وفقِ المعدود. تُذكر مع المذكر، وتؤنث مع المؤنث، فتقول "ثلاثة عشر رجلاً، وثَلاث عشْرة امرأةً". وإن كان العدد على وزن (فاعلٍ) جاء على وفْقِ المعدود، مُفرداً ومُركباً تقولُ "البابُ الرابعُ، والبابُ الرابعَ عَشرَ، الصفحة العاشرة، والصفحة التاسعةَ عشْرةَ". وشينُ العشرةِ والعشر مفتوحةٌ مع المعدود المذكر، وساكنة مع المعدود المؤنث. تقول "عَشَرة رجال وأحد عشَرة رجلا، وعشْر نساءٍ وإحدى عشْرة امرأةً". (4- الإعراب والبناء) إذا انتظمت الكلماتُ فى الجملة، فمنها ما يتغير آخره باختلاف مركزه فيها لاختلاف العوامل التيّ تسبِقه؛ ومنها لا يتغير آخره، وإن اختلفت العوامل التى تتقدّمه. فالأول يُسمى (مُعرباً) ، والثاني (مَبنياً) ، والتغيُّر بالعامل يُسمى (إعراباً) ، وعدمُ التغيُّر بالعامل يُسمى (بناءً) . فالإعرابُ أثرٌ يُحدِثُه العامل فى آخر الكلمة، فيكونُ آخرها مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً أو مجزوماً، حسب ما يَقتضيه ذلك العامل. والبناءُ لزوم آخرِ الكلمة حالةً واحدة، وإن اختلفت العواملُ التي تسبِقها، فلا تُؤثر فيها العوامل المختلفة. المعرب والمعني المُعربُ ما يَتغير آخره بتغيُّر العوامل التي تَسبِقه كالسماءِ والأرض والرجل ويكتب. والمُعربات هي الفعل المضارع الذي لم تتصل به نونا التوكيدِ ولا نون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 النسوة، وجميع الأسماء إلا قليلا منها. والمبنيَّ ما يُلزم آخره حالةً واحدةً، فلا يتغير، وإن تغيرت العوامل التى تتقدَّمه "كهذه وأين ومَنْ وكتبَ واكتُبْ". والمَبنيَّات هي جميع الحروف، والماضي والأمر دائماً، والمُتَّصلة به إحدى نونَيِ التوكيد أو نونُ النسوة، وبعض الأَسماءِ. والأصل فى الحروف والأفعالِ البناء. والأصل فى الأسماء الإعراب. أنواع البناء المبنيّ إما أن يلازم آخره السكون، مثل "اكتبْ ولمْ" أو الضمةَ مثل "حيث وكتبوا" أو الفتحةَ، مثل "كتبَ وأينَ" أو الكسرةَ، مثل "هؤُلاءِ" والباء من "بِسمِ الله". وحينئذ يقال إِنّه مبنيٌ على السكون، أو على الضمّ، أو الفتح، أو الكسر. فأنواع البناء أربعةُ السكونُ والضمّ والفتح والكسر. وتتوقفُ معرفةُ ما تُبنى عليه الأصماء والحروفُ على السّماع والنقل الصحيحين، فإنّ منها يُبْنى على الضمِّ، ومنها ما يُبْنى على الفتح؛ ومنها ما يُبْنى على الكسر، ومنها ما يُبْنى على السكون. ولكن ليس لمعرفة ذلك ضابطُ. انواع الاعراب أنواع الاعراب أربعة الرفع والنصب والجرّ والجزم. فالفعلُ المعربُ يتغيرُ آخرُهُ بالرفع والنصب والجزم مثل، "يكتُبُ، ولن يكتبَ، ولم يكتبْ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 والاسمُ المعرب يتغير آخره بالرفع والنصب والجزم، مثل "العلمُ نافعٌ، ورأيتُ العلمَ نافعاً، واشتغلتُ بالعلمِ النافعِ". (نعلم من ذلك أن الرفع والنصب يكونان فى الفعل والاسم المعربين، وان الجزم خمتص بالفعل المعرب، والجر مختص بالاسم المعرب) . علامات الاعراب علامةُ الاعراب حركةُ أو حرف أو حذف. فالحركاتُ ثلاثٌ الضمةُ والفتحة والكسرة. والأحرفُ أربعة الألفُ والنون والواو والياءُ. والحذفُ، إما قطعُ الحركةِ (ويُسَمّى السكونَ) . وإما قطعُ الآخرِ. وإما قطعُ النونِ. (1) علامات الرفع للرفع أربعُ علامات الضمة والواو والألف والنون. والضمةُ هي الأَصل. مثالُ ذلك "يحَبّ الصادقُ، أفلح المؤمنون. لِيُنفِق ذو سَعة من سَعتِه. يُكرَمُ التلميذان المجتهدان. تنطِقون بالصدق". (2) علامات النصب للنصب خمسُ علامات الفتحةُ والألفُ والياء والكسرة وحذفُ النون. والفتحةُ هي الأصل. مثالُ ذلك "جانب الشرّ فَتسلَمَ. أعطِ ذا الحقِّ حَقّهُ. "يُحِبُّ اللهُ المتقين. كان أبو عبيدة عامرُ بنُ الجرّاح وخالد بنُ الوليد قائدينِ عظيمين. أَكرِم الفتَياتِ المجتهداتِ. لن تنالوا البِرَّ حتى تُنفقوا مما تُحبون". (3) علامات الجر للجرّ ثلاثُ علامات الكسرةُ والياءُ والفتحة. والكسرة هي الأصل. مثال ذلك "تَمسّكْ بالفضائل، أطِع أمرَ أبيك. المرءُ بأصغرَيه قلبهِ ولسانه. تقرّبْ من الصادقين وانأ عن الكاذبين. ليس فاعلُ الخيرَ بأفضلَ من الساعي فيه". (4) علامات الجزم للجزمِ ثلاثُ علاماتِ الكسونُ وحذفُ الآخرِ وحذف النون. والسكونُ هو الاصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 مثال ذلك "مَنْ يفعلْ خيراً يَجِدْ خيراً، ومن يَزرَعْ شرًّا يَجنِ شرًّا. افعل الخيرَ تَلقَ الخيرَ. لا تَدعُ إلا اللهَ. قولوا خيراً تغنَموا، واسكتُوا عَن شرّ تَسلَموا". المعرب بالحركة والمعرب بالحرف المُعرَباتُ قسمان قسمٌ يُعرب بالحركات، وقسمٌ يُعرَبُ بالحروف. فالمعربُ بالحركات أربعةُ أنواعٍ الاسمُ المفرد، وجمع التكسيرِ، وجمعُ المؤنثِ السالمُ، والفعلُ المضارعُ الذى لم يتَّصِل بآخره شيءٌ. وكلها تُرفع بالضمةِ، وتُنصبُ بالفتحة، وتُجرّ بالكسرة، وتُجزم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 بالسكون. إلا الاسم الذي لا ينصرفُ، فانه يُجرُّ بالفتحة، نحو "صلى الله على إِبراهيمَ"، وجمعَ المؤنثِ السالم، فانه يُنصبُ بالكسرة؛ نحو "أكرمتُ المجتهدات"، والفعل المضارع المعتلّ الآخرِ، فإنه يُجزمُ بحذف آخره، نحوَ "لم يخشَ، ولم يمشِ، ولم يغزُ". والمعربُ بالحروف أربعةُ أنواعٍ ايضاً المُثنى والملحقُ به، وجمعُ المذكر السالمُ والملحقُ به، والأسماء الخمسةُ، والأفعال الخمسةُ. والأسماء الخمسةُ هي "أبو وأخو وحمُو وفو وذو". والأفعالُ الخمسة هي "كلّ فعل مضارع اتصل بآخره ضميرُ تثنية أو واوُ جمع، أو ياء المؤنثة المخاطبة، مثل "يذهبان، وتذهبان، ويذهبون، وتذهبونَ، وتذهبين". (وسيأتي شرح ذلك كله مفصلا فى الكلام على إِعراب الأفعال والأسماء) . أقسام الاعراب أقسامُ الاعراب ثلاثةٌ لفظيٌ وتقديريٌّ ومحليٌ. الاعراب اللفظي الاعرابُ اللفظيّ أثرٌ ظاهرٌ فى آخر الكلمة يجلبه العامل. وهو يكون في الكلمات المعربة غير المُعتلّة الآخر، مثل "يُكرم الأستاذث المجتهد". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الاعراب التقديري الاعرابُ التقديري أثرٌ غيرُ ظاهرٍ على آخر الكلمة، يجلبه العاملُ، فتكونُ الحركةُ مقدَّرةً لأنها غير ملحوظةٍ. وهو يكونُ في الكلمات المعربة المعتلّة الآخر بالألف أو الواو أو الياء، وفي المضاف إلى ياء المتكلم، وفي المحكيُّ، إِن لم يكن جملة، وفيما يُسمى به من الكلمات المبنيَّة أو الجُمل. اعراب المعتل الآخر الألف تُقدَّرُ عليها الحركاتُ الثلاث للتعذُّر، نحو "يَهوَى الفتى الهدَى للعُلى". أما في حالة الجزم فتُحذَفُ الألفُ للجازم، نحو "لم نخشَ إلا اللهَ". ومعنى التعذرِ أنه لا يُستطاعُ أبداً إظهار علاماتِ الإعراب. والواوُ والياءُ تُقَدرُ عليهما الضمةُ والكسرةُ للثَّقَل، مثل "يَقضي القاضي على الجاني" و"يدعو الداعي إلى النادي". أما حالة النصب فإن الفتحة تظهرُ عليهما لخفتها، مثل "لن أَعصِيَ القاضيَ" و"لَنْ أَدعوَ إلى غير الحق". وأما في حالة الجزم فالواوُ والياءُ تحذفانِ بسبب الجازم؛ مثل "لم أقضِ بغير الحق" و"لا تَدعُ إلا اللهَ". ومعنى الثقلِ أنّ ظهور الضمة والكسرة على الواو والياءِ ممكن فتقول "يقضيُ القاضيُ على الجانيِ. يَدعوُ الداعيُ إلى الناديِ"، لكنّ ذلك ثقيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 مُستبشَع، فلهذا تحذَفان وتقدّران، أي تكونان ملحوظتين في الذهن. إعراب المضاف الى ياء المتكلم يُعربُ الاسمُ المضاف إلى ياء المتكلم (إن لم يكن مقصوراً، أو منقوصاً، أو مُثنى، أو جمع مذكر سالماً) - في حالتي الرفع والنصب - بضمةٍ وفتحةٍ مقدَّرتين على آخره يمنع من ظهورهما كسرةُ المناسبة، مثل "ربيَ اللهُ" و"أطعتُ ربي". أما فى حالة الجر فيُعربُ بالكسرة الظاهرة على آخره، على الأصحّ، نحو "لزِمتُ طاعةَ ربي". (هذا رأي جماعة من المحققين، منهم ابن مالك. والجمهور على انه معرب، في حالة الجر ايضاً، بكسرة مقدرة على آخره، لانهم يرون ان الكسرة الموجودة ليست علامة الجر، وانما هي الكسرة التي اقتضتها ياء المتكلم عند اتصالها بالاسم، وكسرة الجر مقدرة. ولا داعي الى هذا التكلف) . فإن كان المضاف إلى ياء المتكلم مقصوراً، فإنّ ألفه تبقى على حالها، ويُعرِبُ بحركاتٍ مقدَّرة على الألف، كما كان يعرب قبل اتصاله بياء المتكلم فتقولُ "هذه عصايَ" و""أمسكتُ عصايّ" و"توكأت على عصايَ". وإن كان منقوصاً تُدغم ياؤُهُ في ياء المتكلم. ويُعرب في حالة النصب بفتحةٍ مُقدَّرة على يائه؛ يمنعُ من ظهورهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 سكون الإدغام، فتقول "حمِدتُ الله مُعطِيّ الرزقَ". ويُعرَبُ فى حالتيِ الرفع والجرِّ بضمةٍ أو كسرةٍ مُقدَّرتين فى يائه، يمنعُ من ظهورهما الثقل أولا، وسكونُ الإدغام ثانيا، فتقول "اللهُ معطِيّ الرزقَ" و"شكرت لِمُعطيَ الرزقَ". (ويرى بعض المحققين أن المانع من ظهر الضمة والكسرة على المنقوص المضاف الى ياء المتكلم، انما هو سكون الادغام - كما هو الحال وهو منصوب- قال الصبان في باب المضافالى ياء المتكلم عند قول الشارح "هذا راميّ" "فراميّ مرفوع" بضمة مقدرة على ما قبل ياء ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالسكون الواجب لاجل الادغام، لا الاستثقال - كما هو الحال في غير هذه الحالة - لعروض وجوب السكون في هذه الحالة بأقوى من الاستثقال، وهو الادغام) . وإن كان مُثنى، تبقَ ألفهُ على حالها، مثل هذان كتابايّ". وأَما ياؤُهُ فتُدغَمُ في ياء المتكلم، مثل "علمتُ وَلديَّ". وإن كانَ جمعَ مذكر سالماً، تنقلب واوهُ ياء وتُدغمُ في ياء المتكلم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 مثل "معلميَّ يُحبّونَ أدبي" وأما ياؤُه فتُدغمُ في ياءِ المتكلم ايضاً، مثل "أكرمتُ مُعلميَّ". ويُعرَبُ المثنى وجمعُ المذكر السالمُ - المضافان إلى ياء المتكلم - بالحروف، كما كانا يُعربان قبلَ الإضافة إليها، كما رأيت. اعراب المحكي الحكايةُ إيرادُ اللفظ على ما تسمعه. وهي، إما حكايةُ كلمةٍ، أو حكايةُ جملة. وكلاهما يُحكى على لفظه، إلاَّ أن يكون لحناً. فتتعيّنُ الحكايةُ بالمعنى، مع التنبيه على اللحن. فحكايةُ الكلمة كأنْ يقالَ "كتبتُ يعلمُ"، أي كتبتُ هذه الكلمةَ، فيعلمُ - في الأصل - فعلٌ مضارعٌ، مرفوعٌ لتجرُّده من الناصب والجازم، وهو هنا محكيٌّ، فيكونُ مفعولا به لكتبتُ، ويكون إعرابهُ تقديرياً منعَ من ظهوره حركةُ الحكاية. وإذا قلتَ "كتبَ فعلٌ ماضٍ" فكتبَ هنا محكيّة. وهي مبتدأ مرفوعٌ بضمةٍ مُقدَّرةٍ منعَ من ظهورها حركةُ الحكاية. وإذا قيلَ لك أَعربْ "سعيداً" من قولك "رأَيتُ سعيداً"، فتقولُ " سعيداً مفعولٌ به"، يحكي اللفظَ وتأتي به منصوباً، مع أَن "سعيداً" في كلامك واقعٌ مبتدأ، وخبرُه قوُلكَ "مفعولٌ به"، إلاّ أنه مرفوعٌ بضمةٍ مُقدَّرةٍ على آخره، منعَ من ظهورها حكرة الحكاية، أي حكايتُكَ اللفظَ الواقعَ في الكلام كما هو واقعٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وقد يُحكى العَلَمُ بعدَ "من" الاستفهاميَّة، إِن لم يُسبَق بحرف عطف، كأن تقولَ "رأَيتُ خالداً"، فيقول القائلُ "منْ خالداً". فإن سبقهُ حرفُ عطف لم تجُزْ حكايتهُ، بل تقول "ومنْ خالدٌ؟ ". وحكايةُ الجملة كأن تقولَ قلتُ "لا إِلهَ إلاّ اللهُ. سمعتُ حيّ على الصلاة. قرأتُ قُلْ هوَ اللهُ أَحدٌ. كتبتُ استَقِمْ كما أُمِرْتَ". فهذه الجُمَلُ محكيّةٌ، ومحلُّها النصبُ بالفعل قبلها فإِعرابُها محليٌّ. وحكمُ الجملة أن تكونَ مبنيةً، فإن سُلطَ عليها عاملٌ كان محلها الرفعَ أو النصبَ أو الجر على حسب العامل. وإلا كانت لا محل لها من الإعراب. اعراب المسمى به إن سمّيتَ بكلمةٍ مَبنيّةٍ أَبقيتَها على حالها، وكان إعرابُها مُقدَّراً في الأحوال الثلاثة. فلو سميتَ رجلا "رُبّ"، أَو "مَنْ"، أَو "حيثُ"، قلتَ "جاء رُبّ. أَكرمتُ حيث. أَحسنتُ إلى مَن". فحركاتُ الإعراب مُقدَّرة على أَواخرها، منع من ظهورها حركةُ البناء الأصلي. وكذا إن سمّيتَ بجملة - كتأبطَ شراً، وجاد الحقّ - لم تُغيرها للاعرابِ الطَّازىءِ، فتقول "جاء تأبطَ شراً، أَكرمتُ جادَ الحقُّ". ويكون الإعرابُ الطارئ مقدَّراً، منع ظهور حركته لحركة الإعراب الأصلي. الاعراب المحلي الإعرابُ المحليُّ تَغيّرٌ اعتباريٌّ بسبب العامل، فلا يكون ظاهراً ولا مقدَّراً. وهو يكون في الكلمات المبنيّة، مثل "جاء هؤلاء التلاميذُ، أَكرمتُ من تعلّمَ. وأَحسنتُ إلى الذين اجتهدوا. لم يَنجحنَّ الكسلانُ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ويكون أيضاً فى الجملِ المحكِّيةِ. وقد سبقَ الكلام عليها. (فالمبني لا تظهر على آخره حركات الاعراب لانه ثابت الآخر على حالة واحدة فان وقع احد المبنيات موقع مرفوْع او منصوب أو مجرور او مجزوم، فيكون رفعه او نصبه او جره او جزمه اعتبارياً. ويسمى اعرابه "اعراباً محلياً" اي باعتبار انه حال محل مرفوع او منصوب او مجرور او مجزوم. ويقال انه مرفوع او منصوب او مجرور او مجزوم محلاً، اي بالنظر إلى محله فى الجملة، بحيث لو حل محله معرب لكان مرفوعا او منصوبا او مجروراً او مجزوما) . والحروف؛ وفعلُ الامرِ، والفعلُ الماضي، الذي لم تسبِقهُ أَداةُ شرطٍ جازمةٌ، وأسماء الأفعال، واسماء الأصوات، لا يتغير آخرها لفظاً ولا تقديراً ولا محلاً، لذلك يقال إِنها لا محل لها من الإعراب. أما المضارع المبني فإعرابُه محلي رفعاً ونصباً وجزماً، مثل "هل يكتُبَن ويكتبْنَ. والله لن يكتبَن ولن يكتُبْنَ ولم تكتُبَن ولم يكتبْن". وأما الماضي المسبوقُ بأداةِ شرطٍ جازمةٍ، فهو مجزومٌ بها محلاً، مثل "إن اجتهدَ عليٌ أَكرَمهُ معلمه". (5- الخلاصة الإعرابية) الكلمة الإعرابيةُ أَربعة أَقسام مُسندٌ، ومَسندٌ اليه، وفضلةٌ واداةٌ. وقد سبقَ شرحُ المسند والمسند اليه. ويسمى كلٌ منهما عُمدةً، لانه رُكنُ الكلام. فلا يُستغنى عنه بحالٍ من الأحوال، ولا تَتم الجملة بدونه. ومِثالهما "الصدقُ أَمانةٌ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 والمسند إِليه لا يكون إِلا اسما. والمسند يكون اسماً، مثل "نافع" من قولكَ "العلمُ نافعٌ، واسمَ فعلٍ، مثل "هياتَ المَزارُ" وفعلاً، مثل "جاء الحق" وزهقَ الباطل". اعراب المسند اليه حُكمُ المسندِ اليه أَن يكون مرفُوعاً دائماً؛ حيثما وقعَ، مثل "فاز المجتهدُ. الحق منصورٌ. كان عُمرُ عادلا". إلا إن وقع بعدَ "إنّ" أو إحدى أخواتها، فحكمهُ حينئذٍ أنه منصُوبٌ، مثل "إنّ عمرَ عادلٌ". اعراب المسند حكمُ المسندِ - إِن كان اسماً - أن يكون مرفوعاً أَيضاً، مثل "السابقُ فائزٌ. إِنّ الحقَّ غالبٌ". إِلا إِن وقعَ بعدَ (كان) او إِحدى أَخواتها، فحكمهُ النصبُ، مثل "كان عليٌّ بابَ مدينةِ العلم". وإِن كان المسندُ فعلا، فإن كان ماضياً فهو مبنيٌّ على الفتح أَبداً كانتصرَ. إِلا إِذا لحقتهُ واوُ الجماعةِ، فيبنى على الضم كانتصرا، أَو ضمير رفع متحركٌ، فيبنى على السكون كانتصرْتُ وانتصرْتمْ وانتصرنا. وإنِ كان مضارعاً، فهو مرفوع أَبداً كينصرُ. إلا إِذا سبقه ناصب، فَيُنصبُ، نحو "لَن تَبلغَ المجدَ إِلا بالجِدّ"، أَو جازمٌ فيُجزَمُ، نحو {لم يلِدْ ولم يُولَدْ} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 وإِن اتصلت به إِحدى نُونيِ التوكيد، بُنيَ على الفتح كيجتهدنَّ ويجتهدَنّ، أو نون النسوةِ بُنيَ على السكون كالفتياتُ يجتهدْنَ. وإن كان أَمراً، فهو مبنيٌّ على السكون أَبداً كاكتبْ، إلا إِن كان مُعتلّ الآخرِ، فَيُبنى على حذف آخره كاسعَ وادعُ وامشِ، أَو كان مُتَّصلاً بألف الاثنين أَو واو الجماعة أَو ياء المخاطبة، فيُبنى على حذف النون كاكتبا واكتبوا واكتبي، أو كان متصلاً بإحدى نوني التوكيد، فيُبنى على الفتح كاكتُبَنْ واكتبَنّ. الفضلة واعرابها الفَضلةُ هي اسمٌ يُذكرُ لتتميم معنى الجملة، وليس أَحدَ رُكنَيها - أي ليس مُسنداً ولا مُسنداً إليه - كالناس من قولك "أَرشدَ الأنبياءُ الناسَ". (فأرشد مسند. والانبياء منسد اليه؛ والناس فضلة، لانه ليس مسنداً ولا مسنداً اليه، وإنما اتي به لتتميم معنى الجملة، وسميت فضلة لانها زائدة على المسند والمسند اليه فالفضل في اللغة معناه الزيادة) . وحُكمها أَنها منصوبةٌ دائماً حيثما وقعت، مثل "يحترم الناس العلماء. أَحسنتُ إحساناً. طلعت الشمس صافية. جاء التلاميذ إِلا علياً. سافرت يومَ الخميس. جلستُ أَماكَ المِنبر. وقف الناس احتراماً للعُلماء". إلا إذا وقت بعدَ حرف الجرّ، أو بعد المضاف، فحكمها أَن تكون مجرورة، مثل "كتبت بالقلم. قرأت كتبَ التاريخ". وما جاز أَن يكون عُمدةً وفضلةً، جاز رفعه ونصبه، كالمستثنى في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 كلام منفيٍّ ذكر فيه المستثنى منه، نحو "ما جاء أَحدٌ إِلا سعيدُ، وإلا سعيداً". (فان راعيت المعنى، رفعت ما بعد "إِلا" لوجود الاسناد، لان عدم المجيء، ان اسند الى "احد" فالمجيء مسند إلى سعيد وثابت له. وإن راعيت اللفظ نصبته لانه في اللفظ فضلة؛ لاستيفاء جملة المسند والمسند اليه". فإن ذكر المستثنى منه، والكلام مثبتٌ، نصب ما بعد "إِلا" حتماً، لأنه فضلةٌ لفظاً ومعنى، نحو "جاء القوم إِلاّ سعيداً". وإن حُذفَ المُستثنى منه من الكلامِ رُفِعَ في مثل "ما جاء إِلاّ سعيدٌ" لأنه مُسندٌ اليه، ونُصِبَ في مثل "ما رأيتُ إلاَ سعيداً". لأنه فضلةٌ. وخُفِضَ في مثل "ما مررتُ إِلا بسعيدٍ"، لوقوعهِ بعد حرف الجر. الاداة وحكمها الأداة كلمةٌ تكون رابطةً بين جُزءيِ الجملة، أَو بينهما وبين الفضلة، او بين جُملتين. وذلك كأدوات الشرطِ والاستفهام والتَّحضيضَ والتّمني والترجي ونواصبِ المضارع وجوازمه وحروف الجرّ وغيرها. وحُكمها أَنها ثابتة الآخرِ على حالةٍ واحدة، لأنها مبنية. والأداةُ، إِن كانت اسماً، تقعُ مسنداً اليه، مثل "من مجتهدٌ؟ "، ومسنداً مثل خَيرُ مالِكَ ما أَنفقته في سبيل المصلحة العامة، وفضلة، مثل "احترمِ الذي يطلبُ العلمَ, إِتّق شرَّ من أَحسنتَ اليه". وحينئذٍ يكونُ إعرابها في أَحوال الرفعِ والنصب والجر محليّاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الباب الأول (الفعل وأقسامه) وهو يشتمل على تسعة فصول: (1) (الماضي والمضارع والأمر) ينقسمُ الفعل باعتبار زمانه إِلى ماضٍ ومضارعٍ وأَمر. فالماضي ما دلَّ على معنىً في نفسه مقترنٍ بالزمان الماضي كجاء واجتهدَ وتَعلّمَ. وعلامتهُ أَن يقبلَ تاء التأنيثِ الساكنةَ، مثل "كتبتْ" أو تاء الضمير، مثل. "كتبتَ. كتبتِ. كتبتما. كتبتم. كتبتنَّ. كتبتْ". والمضارعُ ما دلَّ على معنى في نفسه مقترنٍ بزمانٍ يحتمل الحالَ والاستقبالَ، مثل "يجيءُ ويجتهدُ ويتعلَّمُ". وعلامتُه أن يقبل "السينَ" أو "سوفَ" أو "لم" أو "لن" مثل "سيقول. سوف نجيءُ. لَمْ أَكسلْ. لنْ أَتأخرَ". والأمر ما دلَّ على طلب وقوعِ الفعل من الفاعل المخاطب بغير لام الأمر، مثل "جِيءْ واجتهدْ وتعلَمْ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وعلامته أَن يدلَّ على الطلب بالصيغة، مع قبوله ياء المؤنثة المخاطبة، مثل "اجتهدي". (2) المتعدي واللازم ينقسم الفعل باعتبار معناه إلى متعدِّ ولازم: (الفعل المتعدي) الفعل المتعدّي هو ما يتعدَّى أَثرُهُ فاعلَه، ويتجاوزه إلى المفعول به، مثل "فتحَ طارقٌ الأندَلسَ". وهو يحتاج إلى فاعل يفعله ومفعولٍ به يقَع عليه. ويسمى أيضاً، "الفعلَ الواقعَ" لوقوعه على المفعول به، و"الفعلَ المجاوزَ" لمجاوزته الفاعل إلى المفعول به. وعلامته أَنْ يقبلَ هاء الضمير التي تعود إلى المفعول به، مثل "إجتهد الطالب فأكرمه أُستاذه". (اما هاء الضمير التي تعود إلى الظرف، او المصدر، فلا تكون دلالة على تعدي الفعل إن لحقته. فالاول مثل "يوم الجمعة سرته"، والثاني مثل "تجمل بالفضيلة تجملا كان يتجمله سلفك الصالح". فالهاء في المثال الاول في موضع نصب على انها مفعول فيه؛ وفي المثال الثاني في موضع نصب على انها مفعول مطلق) . المتعدي بنفسه والمتعدي بغيره الفعل المتعدي، إما متعدٍ بنفسه، وإما متعدٍ بغيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 فالمتعدي بنفسه ما يصل إلى المفعول به مباشرةً (أَي أَي بغير واسطةِ حرف الجر) ، مثل "بريت القلمَ". ومفعوله يسمى "صريحاً". والمتعدي بغيره ما يصل إلى المفعول به بواسطة حرف الجر، مثل "ذهبتُ بكَ" بمعنى "أَذهبتُكَ". ومفعوله يسمى "غير صريح". وقد يأخذ المتعدي مفعولين أَحدهما صريحٌ، والآخر غير صريحٍ، نحو أَدُّوا الأمانات إلى أَهلها. (فالامانات مفعول به صريح وأَهل مفعول به غير صريح، وهو مجرور لفظا بحرف الجر، منصوب محلا على انه مفعول به غير صريح) . المتعدي الى اكثر من مفعول واحد ينقسم الفعل المتعدي إلى ثلاثة اقسام. متعدٍ إلى مفعول به واحد، ومتعد إلى مفعولين، ومتعد إلى ثلاثة مفاعيل. فالمتعدي إلى مفعولٍ به واحدٍ كثيرٌ، وذلك مثل "كتب وأخذ وغفر وأكرم وعظم". التعدي إِلى مفعولين المتعدي إلى مفعولين على قسمين قسمٍ ينصب مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، وقسم ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبرٌ. فالأل مثل أَعطى وسأل ومنح ومنع وكسا وأَلبس وعلَّم"، تقول "أَعطيتك كتاباً. منحت المجتهد جائزةً. منعت الكسلان التنزُّه. كسوت الفقير ثوباً. أَلبست المجتهدة وساماً، علّمت سعيداً الأدب". والثاني على قسمين أفعال القلوب، وأفعال التحويل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 (1) افعال القلوب أفعال القلوب المتعدية إلى مفعولين هي "رأى وعلم ودرى ووَجدَ وألفى وتعلَمْ وظنَّ وخالَ وحسبَ وجعل وحَجا وعدَّ وزَعمَ وهَبْ". (وسميت هذه الافعلا "أفعال القلوب"، لانها ادراك بالحس الباطن، فمعانيها قائمة بالقلب. وليس كل فعل قلبي ينصب مفعولين. بل منه ما ينصب مفعولا واحداً كعرف وفهم. ومنه ما هو لازم كحزن وجبن) . ولا يجوزُ في هذه الأفعال أن يُحذَفَ مفْعولاها أو أحدُهما اقتصاراً (أي بلا دليل) . ويجوز سُقوطهما، أو سقوطُ أحدهما، اختصاراً (أي لدليل يَدُل على المحذوف) . فسقوطهما معاً لدليل، كأنْ يُقالَ "هل ظننتَ خالداً مُسافراً؟ " فتقولُ "ظننتُ" أي "ظننتُهُ مُسافراً"، قال تعالى "أينَ شُركائيَ الذين كنتم تزعمونَ؟ "، أي "كنتم تزعمونهم شركائي" وقال الشاعر [الكميت الأسدي - من الطويل] بأَيِّ كِتابٍ، أَم بأَيَّةِ سُنَّةِ ... تَرى حُبَّهُمْ عاراً عليَّ، وتَحْسَبُ؟ أي "وتحسبُهُ عاراً". وسُقوطُ أحدهما لدليلٍ، كأن يُقالَ "هل تظُنُّ أحدا مسافرا؟ "، فتقولُ "أظُنُّ خالدا"، أي "أظُنُّ خالدا مسافِرا؟ "، ومنه قولُ عنترةَ [من الكامل] وَلَقَدْ نَزَلتِ، فَلا تَظُني غَيْرَهُ، ... مِنَِّي بِمَنْزِلةِ المُحَبِّ المُكْرَم أي "نزلتِ مني منزلةَ المحبوب المُكرَمِ، فلا تظني غيره واقعاً". ومما جاء فيه حذفُ المفعولين لدليل قولُهم "مَنْ يسمع يَخَلْ" أي "يخَل ما يسمعُه حقاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 فإن لم يدُلَّ على الحذف دليلٌ لم يجُز، لا فيهما ولا في أحدهما. وهذا هو الصحيحُ من مذاهب النّحويين. وأفعالُ القلوب نوعان نوعٌ يفيدُ اليقينَ (وهو الاعتقاد الجازم) ، ونوعٌ يفيدُ الظنَّ (وهو رُجحانُ وقوع الأمر) . أفعال اليقين أفعالُ اليقين، التي تنصبُ مفعولين، ستةٌ الأولُ "رأى" - بمعنى "علم واعتقد" - كقول الشاعر [من الوافر] رأيتُ اللهَ أكبرَ كلِّ شيءٍ ... مُحاولةً، وأكثرَهمْ جنودا ولا فرقَ أن يكون اليقينُ بحسب الواقع، أو بحسب الاعتقاد الجازم، وإِن خالفَ الواقع، لأنه يقينٌ بالنسبة إلى المعتَقد. وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى "إنهم يرَوْنهُ بعيداً ونراهُ قريبا" أي إنهم يعتقدون أن البعثِ مُمتنعٌ، ونعلمُه واقعا. وإِنما فُسّرَ البُعدُ بالامتناع، لأن العرب تستعملُ البعدَ في الانتفاء، والقُرب فى الحُصول. ومثل "رأى" اليقينيَّة (أي التي تفيد اليقينَ) "رأى" الحُلميَّةُ، التي مصدرُها "الرّؤْيا" المناميَّةُ، فهي تنصب مفعولين، لأنها مثلها من حيثُ الادراكُ بالحِسّ الباطن؛ قال تعالى {إني أراني أعصرُ خمراً} فالمفعولُ الأَولُ ياء المتكلم، والمفعول الثاني جملةُ أعصرُ خمراً. (فان كانت "رأى" بصرية، أي بمعنى "أبصر ورأى بعينه"، فهي متعدية الى مفعول واحد. وان كانت بمعنى "اصابة الرئة" مثل "ضربه فرآه"، أي أصاب رئته، تعدّتْ الى مفعول واحد ايضا) . والثاني "عَلَم" - بمعنى "اعتقدَ" - كقوله تعالى "فإن علِمتموهنَّ مُؤْمناتٍ"، وقول الشاعر [من الطويل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 عَلِمْتُكَ مَنّاناً، فلَسْتُ بآمِلٍ ... نَداكَ، ولو ظَمْآنَ، غَرْثانَ، عاريا وقولِ الآخر [من البسيط] عَلِمْتُكَ الباذلَ المعروفِ فانبعَثَتْ ... إِليكَ بي واجفاتْ الشوق والأَملِ (فان كانت بمعنى "عرف" كانت متعدية الى واحد، مثل "عملت الامر"، أي عرفته، ومنه قوله تعالى {والله اخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} وان كانت بمعنى "شعر واحاط وادرك"، تعدت الى مفعول واحد بنفهسا او بالباء مثل "علمت الشيء وبالشيء". والثالث "دَرَى" - بمعنى "عَلِم عِلمَ اعتقاد" كقول الشاعر [من الطويل] دُرِيتَ الوَفِيَّ العهدِ يا عَمْرُو، فاغتَبطْ، ... فإنَّ اغتِباطاً بالوَفاءِ حميدٌّ والكثير المُستعمل يها أن تَتعدّى إلى واحد بالباء، مثل "دريت به". (فان كانت بمعنى "ختل" أي خدع، كانت متعدية الى واحد بنفسها، مثل "دريت الصيد" أي ختلته وخدعته. وان كانت بمعنى "حَكّ" مثل "درى رأسه بالمدرى"، أي حكه به، فهي كذلك) . والرابع "تَعَلّمْ - بمعنى "اعلمْ واعتقِدْ" كقول الشاعر [من الطويل] تَعَلَّمْ شفاءَ النَّفسِ قَهرَ عَدُوِّها ... فَبالِغْ بِلُطْفٍ في التَّحيُّلِ والْمَكْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 والكثيرُ المشهور استعمالُها في "أنْ" وصِلَتها؛ كقول الشاعر [من الوافر] تَعَلَّمْ أَنَّ خيرَ النّاسِ مَيْتٌ ... على جفْرِ الهَباءَةِ لا يَرِيمُ وقال الآخر [من الطويل] فَقُلْتُ تَعلَّمْ أَنَّ لِلصَّيْدِ عِرَّةَ ... وإِلاَّ تُضَيِّعْها فإِنَّكَ قاتِلُه وفي حديث الدّجالِ "تَعلّموا أنّ رَبكم ليس بأعورَ". وتكون "أن" وصِلَتُهما حينئذٍ قد سَدّتا مَسَدّ المفعولين. (فان كانت أمراً من "تعلم يتعلم"، فهي متعدية الى مفعول واحد، مثل "تعلموا العربية وعلموها الناس") . والخامس "وجد" - بمعنى "عَلِمَ واعتقد" - ومصدرها "الوُجودُ والوجدان"، مثل "وجدتُ الصدقَ زينةَ العُقلاء"، قال تعالى {وإِنْ وجدْنا أكثرهم لفاسقين} . (فان لم تكن بمعنى العلم الاعتقادي، لم تكن من هذا الباب. وذلك مثل "وجدت الكتاب وجوداً ووجدانا" بكسر الواو فى الوجدان - أى اصبته وظفرت به بعد ضياعه. ومثل "زجد عليه موجدة" - بفتح الميم وسكون الواو وكسر الجيم - اي حقد عليه وغضب. وفي حديث الايمان "اني سائلك فلا تجد عليّ"، أي لا تغضب من سؤالي. ومثل "وجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 به وجداً" - بفتح الواو وسكون الجيم - اي حزن به، و"وجد به وجداً ايضا" اي احبه، يقال "له بأصحابه وجد"، أي محبة. وثل "وجد جدة" بكسر الجيم وفتح الدال - اي استغنى غنى يأمن بعده الفقر) . والسادسُ "ألفى - بمعنى "علِمَ واعتقد" - مثل "الفَيْتُ قولكَ صواباً". (فان كانت بمعنى "اصاب الشيء وظفر به"، كانت متعدية إلى واحد، "الفيت الكتاب"، قال تعالى "وألفيا سيدها لدى الباب") . افعال الظن أفعال الظن (وهي ما تفيد رُجحان وقوع الشىء) نوعان نوعُ يكونُ الظنّ واليقين، والغالبُ كونُهُ الظنّ، ونوع يكونُ الظنَ فحَسْبُ. فالنوعُ الأول ثلاثةُ أفعالٍ الأول "ظنّ" - وهو لرُجحان وقوعِ الشىء - كقول الشاعر [من الطويل] ظَنَنْتُكَ، إن شَبَّتْ لظى الحربِ، صالِياً ... فَعَرَّدْتَ فيمن كانَ فيها مُعرَّدا وقد تكون لليقين، كقوله تعالى: {يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] وقولِه: {وظنوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ الله إِلاَّ إِلَيْهِ} [التوبة: 118] ، أي: علموا واعتقدوا. (فان كانت بمعنى، "اتهم" فهي متعدية إلى واحد، مثل "ظن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 القاضي فلانا"، أي اتهمه والظنين والمظنون المتهم. ومنه قوله تعالى "وما هو على الغيب بظنين" أي متهم) . والثاني خالَ - وهي بمعنى "ظنّ" التي للرجحان - كقول الشاعر [من الطويل] إخالُكَ، إِن لم تُغْمِضِ الطَّرْفَ، ذا هَويً ... يَسومُكَ مالا يُسْتطاعُ منَ الوجْد وقد تكون لليقين والاعتقاد، كقول الآخر [من الطويل] دعاني العواني عَمَّهنَّ. وخِلْتُني ... لِيَ اسمٌ، فَلا أُدْعَى به وَهُوَ أَولُ (ي دعونني عمَّهنَّ، وقد علمت ان لي اسما، افلا ادعي به وهو اول اسم لي. وياء المتكلم مفعول خال الاول، وجملة "اسم" في موضع نصب على انها مفعوله الثاني) . والثالث "حَسِبَ" - وهي للرُّجحان، بمعنى "ظنّ" - كقوله تعالى {يَحسَبهمُ الجاهلُ أغنياء من التعفّف} ، وقولهِ {وَتحسبُهم أيقاظاً وهم رُقودٌ} . وقد تكون لليقين، كقول الشاعر [من الطويل] حَسِبْت التُّقَى والجودَ خيرَ تِجارةٍ ... رباحاً، إِذا ما الْمَرْءُ أَصبح ثاقِلا والنوعُ الثاني (وهو ما يُفيدُ الظَّنَّ فَحَسْبُ) خمسةُ أفعال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 الأول "جعلَ - بمعنى "ظنّ" كقوله تعالى {وَجعلوا الملائكة - الذين هم عبادُ الرَّحمن - إناثاً} . (فان كانت بمعنى "أوجد" أو بمعنى "أوجب"، تعدت الى واحد، كقوله تعالى {وجعل الظلمات والنور} أي خلق وأوجد، وتقول (اجعل لنشر العلم نصيباً من مالك) ، أي اوجب. وان كانت بمعنى (صير) فهي من افعال التحويل. و (سيأتي الكلام عليها) . وان كانت بمعنى (أنشأ) فهي من الافعال الناقصة التي تفيد الشروع في العمل، مثل (جعلتِ الامةُ تمشي في طريق المجد) ، أي (أخذت وأنشأت) . والثاني "حَجا" بمعنى "ظنَّ" - كقول الشاعر [من البسيط] قد كُنتُ أحجُو أبا عَمْرٍ أَخا ثِقَةٍ ... حَتَّى أَلمَّتْ بِنا يوماً مُلِماتُ (فان كانت بمعنى (غلبة في المحاجة) ، أو بمعنى (رد ومنع) أو بمعنى (كتم وحفظ) او بمعنى (ساق) فهي متعدية الى واحد، تقول (حاجيته فحجوته) ، أي فاطنته فغلبته، و (حجوت فلاناً) أي منعته ورددته، و (حجوت السر) ، أي كتمته وحفظته، و (حجت الريح سفينة) ، أي ساقتها. وان كانت بمعنى (وقف أو أقام) ، مثل (حجا بالمكان، او بمعنى (بخل) مثل (حجا بالشيء) أي ضن به، (فهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 لازمة) . والثالثُ "عَدَّ" - "ظنَّ" كقول الشاعر [من الطويل] فَلا تَعْدُدِ الْمَوْلى شَريكَكَ في الغنى ... وَلكنَّما الْمَوْلى شَريكُكَ في العُدْم (فان كانت (بمعنى "أحصى" تعدَّتْ إلى واحد مثل "عددت الدراهم"، أي (حسبتها واحصيتها) . والرابع "زعَمَ" - بمعنى "ظنّ ظناً راجحاً" - كقول الشاعر [من الخفيف] زَعَمَتْني شَيْخاً، ولست بِشَيْخٍ ... إنَّما الشَّيْخُ مَنْ يَدِبُّ ذَبيبا والغالبُ في "زعَمَ" أن تُستَعمَلَ للظنِّ الفاسد، وهو حكاية قولٍ يكون مِظنَّةً للكذب، فيقال فيما يُشكّ فيه، أو فيما يُعتقدُ كذبُهُ، ولذلك يقولون "زَعموا مطيِيَّةُ الكذب" أي إنّ هذه الكلمة مركبٌ للكذب. ومن عادة العرب أنّ من قال كلاماً، وكان عندهم كاذباً، قالوا "زَعمَ فلانٌ". ولهذا جاء في القرآن الكريم في كل موضع ذُمّ القائلون به. وقد يردُ الزَّعم بمعنى القول، مُجرَّداً عن معنى الظنّ الرَّاجحِ، أو الفاسد، أو المشكوك فيه. (فان كانت "زعم" بمعنى "تأمر ورأس"، أو بمعنى "كفل به" تعدّتْ الى واحد بحرف الجر، تقول "زعم على القوم فهو زعيم"، أي تأمر عليهمْ ورأسهم، و"زعم بفلان وبالمال"، أي كفل به وضمنه، وتقول "زعم اللبن" أي أخذ يطيب، فهو لازم) . والخامسُ "هبْ" - بلفظ الأمر، بمعنى "ظُنَّ" - كقول الشاعر [من المتقارب] فَقُلتُ أَجِرْني أَبا خالدٍ ... وإِلاّ فَهَبْني امرَءًا هالِكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 (فان كانت امراً من الهبة، مثل "هب الفقراء مالاً"، لم تكن من أفعال القلوب، بل هي من "وهب" التي تنصب مفعولين ليس أصلهما مبتدأ وخبراً. على الفصيح فيها أن تتعدى الى الاول باللام، نحو "هب للفقراء مالا". وان كانت امراً من الهيبة تعدت الى مفعول واحد، مثل "هب ربك"، أي خفه) . (2) افعال التحويل أفعالُ التحويل ما تكونُ بمعنى "صيَّرَ". هي سبعةٌ "صيَّر ورَدَّ وترَك وتَخِذ واتخذ وجعل ووهب". وهي تنصبُ مفعولين أصلُهما مُبتدأ وخبرٌ. فالأولُ مثل "صيّرْتُ العدُوَّ صديقاً". والثاني كقوله تعالى {وَدّ كثيرٌ من أهل الكتاب لوْ يرُدُّونكم من بعد إِيمانِكم كُفَّاراً"، وقال الشاعر [من الوافر] رَمَى الحِدْثانُ نِسْوَةَ آل حَرْبٍ ... بِمقْدارٍ سمَدْنَ لهُ سُمُودا فردَّ شُعُوْرَهنَّ السُّودَ بِيضاً ... ورَدَّ وُجوهَهُنَّ البِيضَ سُودا والثالثُ كقوله عزَّ وجل {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموجُ في بعضٍ"، وقول الشاعر [من الطويل] ورَبَّيْتهُ، حتى إِذا ما تَرَكْتُهُ ... أَخا القومِ، واستَغْنى عن الْمَسْحِ شارِبُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 والرابعُ "تَخِذتُكَ صديقاً". والخامسُ كقوله تعالى {واتخذ اللهُ ابراهيمَ خليلا} . والسادسُ كقوله سبحانهُ و {قدِمْنا إلى ما عَمِلوا من عمل، فجعلناهُ هباءً منثوراً} . والسابع مثل وهبَني اللهُ فداء المُخلصين". (وهذه الافعال لا تنصب المفعولين الا اذا كانت بمعنى "صير" الدالة على التحويل وان كانت "رد" بمعنى "رجع" - كرددته، أي رجعته - و"ترك" بمعنى "خلى" - كتركت الجهل، أي خليته و"جعل" بمعنى "خلق"؛ كانت متعدية الى مفعول واحد. وان كانت "هب" بمعنى أعطى لم تكن من هذا الباب، وان نصبت المفعولين، مثل "وهبتك فرساً". والفصيح أن يقال "وهبت لك فرساً". المتعدي الى ثلاثة مفاعيل المتعدِّي إلى ثلاثة مفاعيل، هو "أرى وأعلمَ وأنبأ ونَبَّأ وأخبرَ وخرَّ وحدثَ". ومُضارعها "يُرِي ويُعلِمُ ويُنبِيءُ ويُنبِّىءُ ويُخبر ويُخبِّرُ ويحدِّث"، تقول "أريتُ سعيداً الأمرَ واضحاً، وأعلمتُهُ إياهُ صحيحاً، وأنبأتُ خليلاً الخبرَ واقعاً، ونَبَّأته إيَّاهُ، أو أخبرتهُ إِياهُ، أو أخبرته إياهُ أو حدَّثتهُ إياهُ حقا". والغالبُ في "أنبأ" وما بعدها أن تُبنى للمجهول، فيكون نائبُ الفاعلِ مفعولها الأول، مثل "أُنبئْتُ سليماً مجتهداً"، قال الشاعر [من الكامل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 نُبِّئْتُ زُرْعَةَ، والسفاهَةُ كاسمِها، ... يُهدِي إِليّ غَرائبَ الأَشعار وقال الآخرُ [من الكامل] نُبِّئْتُ أنَّ أبا قابوسَ أوعَدَني ... ولا قَرارَ على زأرٍ من الأَسَد (الفعل اللازم) الفعلُ اللازمُ هو ما لا يتعدى أثرُهُ فاعلَهُ، ولا يتجاوزُه إلى المفعول به، بل يبقى فى نفسِ فاعله، مثل "ذهب سعيدٌ، وسافر خالدٌ". وهو يحتاجُ إلى الفاعل، ولا يحتاجُ إلى المفعول به، لأنه لا يخرج من نفس فاعلِه فيحتاجُ إلى مفعول به يَقعُ عليه. ويُسمى أيضاً. (الفعلَ القاصرَ) - لقُصوره عن المفعول به، واقتصاره على الفاعل - و (الفعلَ غيرَ الواقع) - لأنه لا يقع على المفعول به - و (الفعل غيرَ المُجاوِزِ) لأنه لا يجَاوِزُ فاعلهُ. متى يكون الفعل لازما؟ يكونُ الفعل لازماً إذا كان من أفعال السجايا والغرائز، أَي الطبائع، وهي ما دَلّت على معنى قائم بالفاعل لازمٍ له - وذلك، مثل "شَجع وجَبُنَ وحَسنُ وقَبحَ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 أو دلَّ على هيئة، مثل طال وقصرَ وما أَشبه ذلك". أو على نظافةٍ كَطهر الثوبُ ونظُف. أو على دنسٍ كوسِخ الجسمُ ودنسَ وقذِر. أو على عرضٍ غير لازمٍ ولا هو حركةٌ كمرِض وكسِل ونشِط وفرح وحزن وشَبع وعطِش. أو على لون كاحمرَّ واخضرَّ وأدم. أو على عيبٍ كعَمش وعور. أو على حلية كنَجيل ودعج وكحل. أو كان مُطاوعاً لفعلٍ مُتعدٍّ إلى واحد كمددت الحبل فامتدَّ. أو كان على وزن (فَعُل) - المضموم العينِ - كحسُن وشرُف وجمُل وكرُم. أو على وزن (انفعل) كانكسر وانحطم وانطلق. أو على وزن (افعلَّ) كاغبرَّ وازورَّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 أو على وزن (افعالَّ) كاهامَّ وازوارَّ. أو على وزن (افعلَلَّ) كاقشعرَّ واطمأنَّ. أو على وزن (افعنلل) كاحرنجم واقعنسس. متى يصير اللازم متعديا يصيرُ الفعلُ مُتعدياً بأحدِ ثلاثة أشياء إما بنقله إلى باب (افعل) مثل "أكرمتُ المجتهد". وإما بنقله إلى باب (فعَل) - المَضعّف العين - مثل "عظّمتُ العلماء". وإما بواسطة حرف الجرِّ، مثل "أعرِضْ عن الرذيلة، وتَمسَّكْ بالفضيلة". سقوط حرف الجر من المتعدي بواسطة إذا سقط حرفُ الجرِّ بعد المتعدي بواسطة، نصبت المجرورَ، قال تعالى "واختار موسى قَومهُ سبعين رجلا"، أي من قومه، وقال الشاعر [من الوافر] تَمُرُّون الدِّيارَ ولم تَعُوجُوا ... كلامُكُم عَلَيّ إِذاً حَرام والأصلُ تَمرّونَ بالديار. فانتصب المجرورُ بعد سُقوط الجارِّ. وسُقوطُ الجار بعد الفعل اللازم سماعيٌّ لا يُقاسُ عليه، إلا في "أَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وأَنَّ"، فهو جائزٌ قياساً إذا منَ اللَّبْسُ، كقوله تعالى {أَوَعَجِبتم أَن جاءكم ذكرٌ من ربِّكم على رجل منكم؟} أَي من أَن جاءكم، وقولِه سُبحانهُ {شهِدَ اللهُ أَنهُ لا إِله إِلا هُو} ، أَي بأنه. فإن لم يُؤمن اللبْسُ لم يَجُزْ حذفهُ قبلها، فلا يجوز أن تقول "رغِبت أَن أَفعل" لإشكال المُرادِ بعد الحذف، فلا يفهم السامعُ ماذا أَدرتَ أَرغبتك في الفعل، أَو رغبتك عنه فيجبُ ذكرُ الحرف ليتعيَّن المُرادُ، إِلا إِذا كان الابهامُ مقصوداً لتعمية المعنى المرادِ على السامع. (المعلوم والمجهول) ينقسم الفعل باعتبار فاعله الى معلوم ومجهول. فالفعل المعلوم ما ذُكر فاعِلهُ في الكام نحو "مصَّرَ المنصورُ بغداد". وإذا اتصل بالماضي الثلاثيّ المجرّد المعلوم - الذي قبل آخره ألفٌ - ضميرُ رفعٍ متحركٌ، فإن كان من باب (فَعَلَ يَفْعلُ) - نحو "سامَ يَسومُ، ورام يرومُ، وقاد يقُودُ" ضُم أوله، نحو سُمْتُه الأمر، ورُمْتُ الخير، وقُدْتُ الجيش". وإن كان من باب (فعل يفعِلُ) - نحو "باع يبيعُ وجاء يجيء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وضامَ يضيمُ". أو من باب (فعل يفعلُ) - نحو "نال ينالُ، وخاف يخافُ" - كُسِرَ أَولهُ، نحو "بِعتُهُ، وجِئتُهُ، وضِمت الخائنَ، ونِلْتُ الخير وخِفْتُ الله". والفعلُ المجهول ما لم يُذكر فاعله في الكلام بل كان محذوفاً لغرضٍ من الأغراض إما للايجاز، اعتماداً على ذكاء السامع، وإما للعلم به، وإما للجهل به، وإما للخوف عليه، وإما للخوف منه، وإما لتحقيره؛ فتُكْرِمُ لسانك عنه، وإما لتعظيمه تشريفاً له فتكرمُه أن يُذكر، إن فعل ما لا ينبغي لمثله أن يفعله، وإما لإبهامه على السامع. وينوبُ عن الفاعل بعد حذفه المفعولُ به، صريحاً، مثل "يُكرَم المجتهدُ"، أو غير صريح، مثل "أَحسنْ فيحسَن إليك"، أو الظَرفُ، مثل "سُكنت الدارُ وسُهرتِ الليلةُ"، أو المصدرُ، مثل "سِير سيرٌ طويل". (ولنيابة الظرف والمصدر عن الفاعل شروط ستراها في الجزء الثاني، في "مبحث نائب الفاعل" ان شاء الله) . ولا يُبنى المجهولُ إلا من الفعل المتعدي بنفسه، مثل "يُكرم المجتهدُ"، أَو بغيره، مثل يُرْفَقُ بالضعيف". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 وقد يُبنى من اللازم، إن كان نائبُ الفاعل مصدراً نحو "سُهر سهرٌ طويلٌ" أو ظرفاً، مثل "صيم رمضانُ". بناء المعلوم للمجهول متى حُذفَ الفاعلُ من الكلام وجب أن تتغيّر صورة الفعل المعلوم. فإن كان ماضياً يُكسر ما قبل آخره، ويُضم كل مُتحرك قبله، فتقولُ كسر وأَكرم وتعلم واستغفر. "كُسِر واكرِمَ وتُعلِّمَ واسْتُغْفِرَ" وإن كان مضارعاً يُضمّ اوَّلهُ، ويُفتح ما قبلَ آخره، فتقول في يَكسِرُ ويُكرِمُ ويَتعلمُ ويَستغفِرُ "يُكسَرُ ويُكرَمُ ويُتعلَّمُ ويستغفَرُ". أما فعلُ الأمرِ فلا يكونُ مجهولاً أبداً. بناء ما قبل آخره حرف علة للمجهول إذا أُريدَ بناءُ الماضي - الذي قبلَ آخره ألفٌ - للمجهول (إن لم يكن سُداسيّاً) تُقلبُ ألفه ياءً، ويُكسَرُ كلُّ متحرَّكٍ قبلَها، فتقولُ في باعَ وقال "بِيع وقيلَ"، وفي ابتاعَ واقتادَ واجتاحَ "ابتِيعَ واقتيدَ واجْتِيحَ"؛ والأصل "يُبِيعَ وقُوِلَ وابتِيعَ واقتُوِدَ واجتُوِح". فإِن كان على ستة أحرفٍ - مثل استتابَ واستماحَ - تُقلَب ألِفُه ياءً، وتُضَمّ همزتُه وثالثُه، ويُكسَر ما قبلَ الياءِ، فتقول "أَستُتيبَ وأُستُميحَ". وإن اتصلَ بنحو "سِيمَ ورِيمَ وقِيدَ" من كل ماضٍ مجهول ثلاثيٍّ أجوفَ - ضميرُ رفعٍ متحركٌ، فإن كان يُضَمُّ أوَّلُه في المعلوم نحو "سُمتُه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 الأمرَ، ورُمتُ الخيرَ، وقُدْتُ الجيشَ" كُسِرَ في المجهول، كيلا يَلتبسَ معلوم الفعل بمجهوله، فتقولُ "سِمتُ الأمر، ورِمتُ بخيرٍ، وقِدتُ للقضاءِ". وإن كان يُكسَرُ أَوَّله في المعلوم - نحو "بعته الفرَسَ وضمتُه، ونِلته بمعروفٍ" ضُمَّ في المجهول، فتقول "بُعت الفرَسَ، وضُمت، ونُلْتُ بمعروفٍ". وإذا اريدج بناءُ المضارع - الذي قبلَ آخرِه حرفُ مدٍّ - للمجهول، يُقلَب حرفُ المدِّ ألفا، فتقول في يقولُ ويبيعُ "يُقالُ ويُباعُ"، وفي يستطيعُ ويَستتيبُ يُستطاعُ ويُستتابُ". (الصحيح والمعتل) ينقسم الفعلُ - باعتبار قوةِ أحرفه وضَعفها - إلى قسمينِ صحيحٍ، ومُعتلٍّ. فالصحيح ما كانت أحرُفه الأصلية أحرفاً صحيحة مثل "كتبَ وكاتبَ". وهو ثلاثة أقسامٍ سالِمٌ، ومهموزٌ، ومُضاعَفٌ. فالسالم ما لم يكن أحدُ أحرفهِ الأصليّةِ حرفَ علّة. ولا همزة، ولا مضعَّفاً، مثل "كتب وذهب وعلمَ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 والمهموز ما كان أحدُ أحرفِه الأصليةِ همزة. وهو ثلاثة أقسامٍ مهموزُ الفاء كأخذ، ومهموزُ العين كسألَ، ومهموزَ اللام كقرَأ. والمضاعفُ ما كان أحدُ أحرفِه الأصليةِ مُكرّراً لغيرِ زيادة. وهو قسمان مضاعَفٌ ثُلاثيٌّ كمدَّ ومَرَّ، ومضاعَفٌ رُباعيّ كزَلزَلَ ودمدمَ. فإن كان المكرَّرُ زائداً - كعظَّمَ وشَذَّبَ واشتدَّ وادهامَّ واعشوشبَ - فلا يكون الفعل مضاعفاً. والفعلُ المعتلُّ ما كان أحد أحرفهِ الأصليَّة حرفَ عِلَّة، مثل "وَعَدَ وقالَ ورَمى". وهو أربعةُ أقسام مثالٌ، وأجوفٌ، وناقصٌ، وَلفيفٌ. فالمثال ما كانت فاؤُهُ حرفَ علَّة كوَعَدَ ووَرِثَ. والأجوفُ ما كانت عينُه حرفَ علة كقالَ وباع. والناقصُ ما كانت لامُه حرف علة كرَضِيَ ورمى. واللَّفيفُ ما كان فيه حرفانِ من أحرف العلة أصليَّان، نحو "طَوى ووَفى". وهو قسمانِ لفيفٌ مقرونٌ، ولفيفٌ مفروق. فاللَّفيف المقرون ما كان حَرفا العلةِ فيه مُجتمعينِ، نحو "طوى ونوى". واللفيفُ المفروقُ ما كان حرفا العلةِ فيه مُفترقينِ، نحو "وَفى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ووَقى". ويُعرَفُ الصحيحُ والمعتلُّ من الأفعالِ - في المضارع والمزيدِ فيه - بالرُّجوع إلى الماضي المجرَّد. (المجرد والمزيد فيه) الفعلُ - بِحسَبِ الأصلِ - إما ثلاثيّ الأحرفِ، وهو ما كانت أحرفهُ الأصلية ثلاثةً. ولا عِبرةَ بالزائد، مثل حَسُنَ وأَحسَّنَ، وهَدى واستهدى". وإما رُباعيَّها وهو ما كانت أَحرفهُ الأصليه أربعةً ولا عبرةَ بالزائد، مثل "دحرَجَ وَتدَحرجَ وَقشعرَ واقشعرَّ". وكلٌّ منهما إما مجرَّدٌ وإما مزيدٌ فيه. فالمجردُ ما كانت أحرفُ ماضيه كلُّها أصلية (أي، لا زائدَ فيها) ، مثل "ذهبَ ودحرجَ". والمزيدُ فيه ما كان بعضُ أحرفِ ماضيهِ زائِداً على الأصل، مثل "أذهبَ وَتدحرجَ". وحروفُ الزيادة عشَرَةٌ يجمعها قولك "سألتُمونيها". ولا يُزادُ من غيرها إلاَّ كان الزائدُ من جنس أحرف الكلمة كعَظَّمَ واحمَرَّ. وأقلُّ ما يكونُ عليه الفعلُ المجرَّدُ ثلاثة أحرف. واكثر ما يكون عليه أربعة أحرف. وأكثر ما ينتهي بالزيادة إلى ستَّة أحرف. والفعل المجرَّد قسمانِ مجرَّدٌ ثلاثيّ، وهو ما كانت أحرف ماضيه ثلاثةً فقطْ من غير زيادةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 عليها، مثل "ذهبَ وقرأ وكتبَ". مجرَّدٌ رباعيٌّ، وهو، ما كانت أحرفُ ماضيه أربعةً أصلية فقطْ، لا زائدَ عليها مثل "دحرجَ ووسوسَ وزلزلَ". والمَزيدُ فيه قسمان أيضاً مزيدٌ فيه على الثُّلاثي، وهو ما زيدَ على أحرف ماضيه الثلاثة حرفٌ واحدٌ، مثل "أكرمَ"، أو حرفانِ، مثل "انطلقَ"، أو ثلاثة أحرفٍ مثل "استغفرَ". ومَزيدٌ فيه على الرُّباعي، وهو ما زيدَ فيه على أحرف ماضيه الأربعة الأصليةِ حرفٌ واحدٌ نحو "تَزلزلَ"، او حرفان، نحو "احرنجمَ". (الجامد والمتصرف) الفعلُ - من حيث أداؤُهُ معنىً لا يتعلَّقُ بزمان، أو يَتعلقُ به - قسمان جامدٌ ومُتصرفٌ. (لأنه، ان تعلق بزمان؛ كان ذلك داعياً الى اختلاف صوره، لافادة حدوثه في زمان مخصوص. وإن لم يتعلق بزمان، كان هذا موجباً لجموده على صورة واحدة) . الفعل الجامد الفعلُ الجامد هو ما أشبهَ الحرفَ، من حيث أداؤه معنًى مُجرَّداً عن الزمان والحدَثِ المُعتبرينِ في الأفعال، فلزِمَ مِثله طريقةٍ واحدةٌ في التعبير، فهو لا يَقبَلُ التحوُّلَ من صورةٍ إلى صورة، بل يلزَمُ صورةً واحدةً لا يُزايِلُها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وذلك مثل "ليسَ وعَسى وهَبَّ ونِعمَ وبِئسَ". (فالفعل الجامد - كما علمت - لا يتعلق بالزمان، وليس مراداً به الحدث. فخرج بذلك عن الأصل في الأفعال من الدلالة على الحدث والزمان، فأشبه الحرف من هذه الجهة، فكان مثله في جموده ولزومه صيغة واحدة في التعبير. وإذا كان مجرداً عن معنى الحدث والزمان لم يحتج الى التصرف، لان معناه لا يختلف باختلاف الازمنمة الداعي الى تصريف الفعل على صور مختلفة، لأداء المعاني فى أزمنتها المختلفة، فمعنى الترجّي المفهوم من (عسى) ومعنى الذم المفهوم من (بئس) ومعنَى المدح المفهوم من (نعم) ، ومعنى التعجب المفهوم من (ما أشعر زهيراً) ، لا يختلف باختلاف الزمان, لان الحدوث فيها غير مراد ليصح وقوعه في أزمنة مختلفة تدعو إلى تصرفه على حسبها. فشبه الفعل بالحرف يمنعه التصرف ويلزمه الجمود، كما أن شبه الاسم بالحرف يمنعه أن يتأثر ظاهراً بالعوامل، فلزم آخره طريقة واحدة لا ينفك عنها، إن اختلفت العوامل الداعية إلى تغير الآخر. فالجمود في الفعل كالبناء في الإسم، كلاهما مسبب عن الشبه بالحرف) . وهو، إما ان يُلازمَ صيغةَ الماضي، مثل "عسى وليسَ ونِعْمَ وبِئس وتبارك اللهُ" (أي تقدَّسَ وتنزَّهَ) ، أو صيغةَ المضارع، مثل "يَهبطُ" (بمعنى يصيحُ ويَضِجُّ) ، أو صيغةَ الأمر، مثل "هَبْ وهاتِ وتعالَ"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 ومثل "هلُمَّ" في لغة تَمِيمٍ. (هلم - في لغة تميم - فعل أمر، لأنه عندهم يقبل علامته، فتلحقه الضمائر، نحو "هلمي وهلما وهلموا وهلمين". أما في لغة الحجاز فهي اسم فعل أمر لأنها تكون عندهم بلفظ واحد للجميع، فلا تلحقها الضمائر، فتقول "هلم" بلفظ واحد للواحد والواحدة والاثنين والاثنتين والجمع المذكر والمؤنث. وبها نزل القرآن الكريم، قال تعالى "هلم شركاءكم") . ومن الأفعال الجامدة "قَلَّ" - بصيغة الماضي - للنفي المَحضِ، فترفعُ الفاعلَ مَتلُوًّا بصفةٍ مُطابقةٍ له نحو "قَلَّ رجلٌ يفعلُ ذلك، وَقلَّ رجلانِ يفعلانِ ذلك"، بمعنى "ما رجلٌ يفعلُ ذلك". (ذكر ذلك السيوطي في "همع الهوامع" غير أن الكثير في استعمالها للنفي إذا كانت ملحقة بما الزائدة الكافة كمنا سيأتي) . قال سِيبويه "كما في القاموس وشرحهِ"، يقال "قُلُّ رجلٍ (بِضمِّ القاف) وأَقلُّ رجلٍ يقول ذلك إِلاَّ زيدٌ"، أي ما رجلٌ يقوله إِلا هو. (ومما حينئذ اسمان مرفوعان بالابتداء، ولا خبر لهما، لمضارعتهما حرف النفي. والجملة بعدهما في محل جر صفة للمجرور بالاضافة لهما) . وإذا لحِقته (ما) الزائدةُ كفَّتهُ عن العمل، فلا يَليه حينئذ إلا فعلٌ. ولا فاعلَ له، لجريانهِ مجرى حرف النفي، نحو "قلَّما فعلتُ هذا، وقَلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 أفعلهُ"، أي ما فعلت، ولا أفعل، ومنه قول الشاعر [من الخفيف] قَلَّما يَبْرَح اللَّبيبُ، إِلى ما ... يُورِثُ المجدَ، داعياً أو مُجيبا أي لا يزالُ اللبيب داعياً. وقد يليه الاسم في ضرورة الشعر، كقوله [من الطويل] صدَدْتِ، فأطوَلتِ الصُّدودَ، وقَلَّما ... وِصالٌ على طُول الصُّدود يَدُومُ (وقد يراد بقولك "قلما أفعل" اثبات الفعل القليل (كما في الكليات لأبي البقاء) غير ان الكثير استعمالها للنفي الصرف) . ومما يدل على أنها للنفي المحض أداؤها معنى (لا) النافية في البيت السابق "قلما يبرح اللبيب ... لأن (برح) وأخواتها لا تعمل عمل (كان) الناقصة إلا إذا تقدمها نفي أو شبهه، كما هو معروف. ومما يدل على ذلك أيضاً أنها إذا سبقت فاء السببية أو المعية نصب الفعل بعدهما، كقولك "قلّ رجل يهملُ فينجحَ، ومما يدل على ما ذكر صحة الاستثناء بعدهما كما يستثنى من المنفي نحو "قلما يفعل هذا إلا كريم" - كما تقول "لا يفعله إلا كريم". وهذا اللفظ كما في النهاية - مستعمل في نفي أصل الفعل، كقوله تعالى "قليلا ما يؤمنون". أي فهم لا يؤمنون. ومنه الحديث "إنه كان يقلّ اللغو" أي كان لا يلغو) . ومثل "قلَّما" في عدم التَّصرُّفِ "طالما وكثُرَ ما، وقَصُرَ ما، وشَدَّ ما فإنَّ (ما) فيهنَّ زادة للتوكيد، كافةٌ لهنَّ عن العمل، فلا فاعلَ لهنَّ. ولا يَليهنّ إلا فعلٌ، فَهُنَّ كقلما. (قال في لسان العرب "فارقت (طل وقلّ) بالتركيب الحادث فيهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ما كانتا عليه من طلبهما الأسماء ألا ترى أن لو قلت طالما زيد عندنا، أو قلما محمد في الدار لم يجز. والتركيب يحدث في المركبين معنى لم يكن قبل فيهما" اهـ. وقال ابو علي الفارسي "طالما وقلما ونحوهما افعالٌ لا فاعل لها مضمراً ولا مظهراً، لان الكلام لما كان محمولا على النفي سوّغَ ذلك أن لا يحتاج إليه. و (ما) دخلت عوضاً عن الفاعل" اهـ. وقال بعض العلماء ان (ما) في مثل ذلك مصدرية فما بعدها في تأويل مصدر فاعل. فان قلت "طالما فعلت" كان التأويل "طال فعلي". ولو كان الأمر كما قال لوجب فصلها عن الفعل في الخط، لأنها لا توصل باسم ولا فعل ولا حرف إلا إذا كانت زائدة، إلا ما اصطلحوا عليه من وصلها ببعض حروف الجر. ولم نرهم كتبوها موصولة بهذه الافعال قطّ. فدل ذلك على ما ذكرناه. على ان قوله لا يخلوا من رائحة الصحة، لأن ما بعدها صالح للتأويل بالمصدر) . ومن الأفعال الجامدة قولهم "سُقِط في يده" بمعنى "نَدِم، وَتحيَّرَ، وزلَّ، وأخطأ". وهو مُلازمٌ صورةَ الماضي المجهول، قال تعالى "ولَمَّا سُقِطَ في أيديهم". وقد يُقال "سَقَط في يده"، بالمعلوم. (وهذا من باب الكناية لا الحقيقة. ويقال لكل من ندم أو تحير أو عجز أو حزن أو تحسر على فائت من فعل أو ترك "قد سقط فى يده". وهذا الكلام لم يسمع قبل القرآن الكريم، ولا عرفته العرب. كما في شرح القاموس نقلا عن هذا الباب) . ومنها "هَدَّ" في قولهم "هذا رجُلٌ هَدَّكَ من رجل" أى كفاك من رجل. وقيل معناه أثقلَكَ وصفُ محاسنه. وقال الزمخشري في الأساس "هذا رجلٌ هَدَّكَ من رجلٍ". إذا وُصِفَ بِجَلدٍ وشدَّةٍ، أي "غَلبك وكسرك". وهو يُثنى ويُجمَعُ ويُذكّر ويُؤنث، إذا كان ما هو له كذلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 تقول "هذا رجلٌ هدَّك من رجل. وهذه امرأةٌ هَدَّتكَ من امرأَة"، كما تقول "كفاك وكفَتْك" وقِسْ على ذلك أمثلةَ المثنى والجمع. (ومن العرب من يُجريه مجرى المصدر الموصوف به، فيجعله مصدراً لهدّ يهد هدّاً. وإذا كان كذلك بقي بلفظ واحد للجميع. ويتبع ما قبله في اعرابه على أنه نعت له - تقول "هذا رجل هدّك من رجل" (بالرفع) ، و"مررت بأمرأة هدك من امرأة" (بالجر) و"أكرمت رجلين هدّك من رجلين" (بالنصب) . كما تقول "هذا رجل حسبك من رجل" (بالرفع) و"مررت بامرأة حسبك من امرأة" (بالجر) ؛ و"أكرمت رجلين حسبك من رجلين (بالنصب) . ويُقالُ "لَهَدَّ الرجل"، للمدحِ، بمعنى "نِعْمَ"، وذلك إذا أُثنيَ عليهِ بجَلدٍ وشِدَّة. ويقال "لَهَدَّ الرجلُ! "، للتَّعجُّب، بمعنى "ما أجلَدَه! " وفي الحديث "إن أَبا لهَبٍ قال لَهَدَّ ما سَحَركم صاحبُكم! "، أراد التعجُّبَ. واللاَّم فيها للتأكيد. (وفي (الفائق) للزمخشري عند شرح هذا الحديث إن معناه لنعم ما سحركم، وفي (النهاية) لابن الأثير إن معناه التعجب. قال"لهدّ" كلمة يتعجب بها يقال لهدّ الرجل! أي ما أجلده. ثم ذكر أنها تكون ايضاً بمعنى "نعمَ" وفي لسان العرب وتاج العروس نحو ذلك. وكونها هنا للتعجب أقرب إلى واقعة الحال، لأن أبا لهب (تبت يداه) إنما يتعجب من مصيرهم وجلدهم على تصديقهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل ما جاءهم به، حتى زعم أنه قد سحرهم، فكأنه قال ما أصبركم وما أجلدكم على سحر صاحبكم إِياكم) . ومن الأفعال الجامدة "كذَبَ"، التي تُستعمَلُ للاغراءِ بالشيء والحث عليه، ويرادُ بها الأمر به ولزومهُ وإِتيانُهُ، لا الإخبارُ عنه. ومنه قولهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 "كذَبك الأمرُ، وكذَبَ عليك". يُريدونَ الإغراءَ به والحملَ على إتيانه، أي عليكَ به فالزَمهُ وائتهِ، وقولهم "كذبَك الصَّيدُ أي أَمنك فارْمِه. وأصلُ المعنى كذبَ فيما أَراكَ وخدَعكَ ولم يَصدُقك، فلا تُصدِّقه فيما أَراك، بل عليك به والزَمه وائته. قال ابن السّكَّيت "تقول للرجل إذا أَمرتهُ بشيءٍ وأَغريتهُ. كذَبَ عليك كذا وكذا، أي "عليك به، وهي كلمةٌ نادرة"اهـ. ثم جرى هذا الكلامُ مَجرى الأمر بالشيء والإغراء به والحثِّ عليه والحضِّ على لزومه وإِتيانه، من غير التفاتٍ إلى أصل المعنى، لأنه جرى مَجرى المثل، والأمثالُ لا يُلاحَظُ فيها أصلُ معناها وما قيلتْ بسَببه، وإنما يُلاحظُ فيها المعنى المجازيُّ الذي نُقِلت إليه وأشرِبتهُ. (وهذا الكلام، إما من قولهم "كذبته عينه"، أي أرته ما لا حقيقة له. كما قال الأخطل [من الكامل] كذَبَتْكَ عَيْنُكَ؟ أَم رأَيتَ بِواسطٍ ... غَلَسَ الظلاَمِ من الرَّبابِ خيالاً (وإما من قولهم "كذَب نفسه، وكذبته نفسه". إذا غرّها أو غرته، وحدثها او حدثته بالأماني البعيدة والأمور التي يبلغها وسعه ومقدرته. ومنه قيل النفس "الكذوب"، وجمعها "كُذُب" - بضمتين - قال الشاعر "حتى إِذا صدقته كُذبه"، أي نفوسه، جعل له نفوساً لتفرّق رأيه وتشتته وانتشاره. وقالوا ضد ذلك "صدقته نفسه" أي ثبطته واضعفت عزيمته كما قال الشاعر [من المتقارب] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 فأقبَلَ يجري على قَدرِهِ ... فَلَما دَنا صَدَقتْهُ الكَذُوبُ أي فلما دنا من الامر الذى وطد عزيمته عليه ثبطته نفسه وكسرت من همته وقال لبيد [من الرمل] واكْذِب النَّفْسَ، إِذا حَدَّثْتَها ... إِنّ صدْقَ النَّفْسِ يُزْري بالأَمَلْ (والمعنى نشطها وقوِّها ومَتّنْها، ولا تثبطها، فانك، إن صدقتها، (أي ثبطتها وفترتها) كان ذلك داعياً إلى عجزها وكلالها وفتورها، خشية التعب في سبيل ما أنت تريده) . ومن ذلك حديثُ "فمنِ احتجمَ، فيومُ الخميس والأحدِ كذَباك، أي عليك بهذين اليومين، فاحتجمْ فيهما. ومنه قولُ أعرابيّ، وقد نظرَ إلى جمل نِضْو كذبَ عليك البزْرُ والنَّوى، وفي رواية "القَتُّ والنَّوى"، أي عليك بهما والزَمهما فإنهما يُسمّنانِكَ. وفي حديث عُمَرَ "شَكا إليه عَمْرو بنُ مَعد يكرِبَ، أوغيرهُ، النّقْرِسَ فقال "كذَب عليك الظهائرُ"، أي عليك بالمشي فيها. وفي روايةٍ "كذَب عليك الظواهرُ". وفي جديثٍ له آخر إنَّ عَمْروَ بنَ مَعد يِكرِب شكا إليه المَعَص، فقال "كذَبَ عليك العَسَلُ"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 يُريدُ العَسلانَ، (وهو مشى الذِّئبِ) أي عليك بِسُرْعة المشي. وفي حديثٍ له غيرِه أنهُ قال كذَب عَليكمُ الحَجُّ، كذب عليكم العُمْرةُ، كذب عليكُم الجِهادُ، ثلاثةُ أسفارٍ كذبْن عليكم" أي الزمُوا ذلك وعليكم به. (وهذا كلام يراد به الاغراءُ بالشيء والحث عليه ولزومه، كما قدمناه، وهو خبر في معنى الأمر، كما في قولك "رحمه الله" أي اللهم ارحمه، ونحو "امكنتك الفرصة، وأمكنك الصيد، يريد الاغراءُ بهما والأمر باتيهانهما. والمعنى عليكم بالحج والعمرة والجهاد، فأتوهن، فانهن واجبات عليكم. قال الزمخشري في (الفائق) (إنها كلمة جرت مجرى المثل في كلامهم. ولذلك لم تنصرف، ولزمت طريقة واحدة في كونها فعلا ماضياً معلقاً بالمخاطب ليس إلا. وهي في معنى الأمر، كقولهم في الدعاء رحمك الله، والمراد بالكذب الترغيب والبعث، من قول العرب كذبته نفسه إذا منته الأماني، وخيلت من الآمال ما لا يكاد يكون. وذلك ما يرغب الرجل في الأمور، ويبعثه على التعرض لها. ومن ثمة قالوا للنفس "كذوب" اهـ. وقال (الاعلم) العرب تقول "كذبك التمر واللبن"، أي عليك بهما. وأصل الكذب الامكان. وقولك للرجل "كذبتَ" أي امكنت من نفسك وضعفت فلهذا اتسع فأغريَ به، لأنه متى أغريَ بشيء فقد جعل المغرى به ممكناً مستطاعاً إن رامه المغري"اهـ. وقال الجوهري "كذب" معناه هنا وجب. وقد ذكرنا لك من قبل ما فيه الكفاية في الكشف عن حقيقة هذا الكلام. فاعتصم به فانه يقول هو القول. فلا غاية وراءَه والله اعلم) . ومن الأفعال الجامدة فِعلا التَّعجُّبِ وأفعالُ المدْحِ والذَّمّ وسيأتي الكلام عليها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الفعل المتصرف الفعلُ المتصرِّف هو ما لم يُشبِه الحرفَ في الجُمود، أي في لُزومه طريقةً واحدةً في التعبير لانه يدُلُّ على حَدث مقترن بزمان، فهو يَقبَل التحوُّلَ من صورة إلى صورة لأداءِ المعاني في أزمنتها المختلفة. وهو قسمان تامُّ التصرُّف وهو ما يأتي منه الأفعال الثلاثةُ باطِرادٍ، مثل "كتبَ ويكتُبُ واكتُبْ". وهو كلُّ الأفعال، إِلا قليلا منها. ونَاقصُ التَّصرُّفِ وهو ما يأتي منه فعلانِ فقط. إما الماضي والمضارع، مثل "كادَ يَكادُ، وأوشكَ يُوشكُ، وما زالَ وما يزالُ، وما انفكَّ وما ينفكُّ، وما بَرِحَ وما يَبرحُ". وكلُّها من الأفعال الناقصة. وإما المضارع والأمر، نحو "يَدَعُ ودَعْ ويَذَرُ وذَرْ". (وقد سمع سماعاً نادراً الماضي من "يَدَعُ ويذَرُ"، فقالوا (ودَع ووَذر) ، بوزن (وضع) ، إلا ان ذلك شاذ في الاستعمال، لأن العرب كلهم، إلا قليلا منهم، فقد اميت هذا الماضي من لغاتهم. وليس المعنى انهم لم يتكلَّما به البتة، بل قد تكلموا به دهراً طويلا، ثم أماتوه باهمالهم استعماله فلما جمع العلماء ما وصل إليهم من لغات العرب وجدوه مماتاً، إلا ما سمع منه سماعاً نادراً. ومن هذا النادر حديث "دَعوا الحبشة وما وَدَعوكم". وقرئ شذوذاً {ما ودّعك ربك وما قلى} ، بتخفيف الدال. وسمع المصدر، من (يدعُ) كحديث "لينتهينّ أقوام عن ودعهم الجمعات"، أي عن تركهم إياها، وسمع منها اسم الفاعل واسم المفعول في أبيات الشعر وكل ذلك نادر في الاستعمال. وذكر السيوطي في (همع الهوامع) . أن (ذر ودع) يُعدان في الجوامد، إذ لم يستعمل منهما إلا الأمر. وهذا غفلة منه (رحمه الله) فإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 (يدع) مضارع (دع) مستعمل كثيراً. وأما المضارع من (ذر) فقد جاء مستفيضاً في أفصح الكلام وأشرفه وقد أحصيت ما ورد منه في القرآن الكريم، فكان عشرين ونيفاً) . (فعلا التعجب) التَّعجُّبُ هو استعظامُ فعلِ فاعلٍ ظاهر المزية. ويكونُ بالفاظٍ كثيرةٍ، كقوله تعالى {كيفَ تكفرون بالله! وكنتم أمواتاً فأحياكم} ، وكحديث "سُبحانَ اللهِ! المؤمن لا يَنجَسُ حيًّا ولا ميْتاً"، ونحو "للهِ دَرُّهُ فارساً! ولله أنت! " ونحو "يا لك من رجل! وحَسبُكَ بخالدٍ رجلاً ونحو ذلك. وكلُّ ذلك إنما يُفهمُ من قرينة الكلام، لا بأصل الوضع. والذي يُفهم التعجُّبَ بصيغته الموضوعةِ للتعجب، إنما هو "فعلا التعجب". وهُما صيغتانِ للتعجب من الشيءِ ويكونان على وزن "ما أفعل" و"أفعِلْ بِ" نحو "ما أحسنَ العِلم! وأقبِحْ بالجهل! ". وتُسمى الصيغةُ الأولى (فعل التعجب الأوَّل) ، والصيغةُ الثانية (فعل التعجبِ الثانيّ) . وهما فعلان ماضيان. وقد جاءت الثانية منهما على صيغة الأمر، وليست بفعل أمرٍ. ومَدلولُ كلا الفعلين واحدٌ، وهو إنشاءُ التعجُّب. شروط صوغهما فعلا التعجُّب، كاسم التفضيل، لا يُصاغان إلا من فعلٍ ثلاثي الأحرف، مُثبتٍ، متصرّفٍ، معلومٍ، تامٍّ، قابلٍ للتفضيل، لا تأتي الصفة المُشبَّهةُ منه على وزن "أفعلُ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 فلا يُبنيان مما لا فعل له. كالصخر والحمار ونحوهما. وشذّ قولهم. "ما أرجله! " فقد بنوه من الرجولية ولا فعلَ لها، ولا من غير الثلاثي المجرد. وشذّ قولهم، ما اعطاه للدراهم، وما أولاه للمعروف! "، بنوهما من "أعطى وأولى" وهما رباعيا الأحرف. وقولهم "ما اتقاه! وما املاء القربة! وما اخصره! " بنوها من (اتقى وامتلاء واختُصر) ، وهي خماسية الأحرف، وفي اختصر (بالبناء للمجهول) شذوذ وهو انه فعل مجهول. وكذلك لا يبنيان من فعل منفي، خشية التباس النفي بالاثبات، ولا من فعل مجهول، خشية التباس الفاعلية بالمفعولية. لأنك ان بنيته من (نُصر) المجهول، فقلت (ما انصره!) التمس الأمر على السامع، فلا يدري أتتعجب من نصره أم من منصوريته. فان أمن اللبس بأن كان الفعل مما لا يرد إلا مجهولا، نحو (زُهِي علينا، وعُنيت بالأمر) جاز التعجب به على الأصح، فتقول (ما أزهاه علينا وما أعناه بالأمر!) ولا يبنيان من فعل ناقص. ككان وأخواتها، وكاد واخواتها. وأما قولهم "ما أصبح أبرَدَها! وما أمسى أدفأها! " ففعل التعجب إنما هو أبرد وادفأ" وأصبح وأمسى زائدتان، كما تزاد (كان) بين (ما) وفعل التعجب، كما سيأتي. غير أن زيادتهما نادرة، وزيادتها كثيرة، ولا يبنيان مما لا يقبل المفاضلة. كمات وفني، إلا أن يراد بمات معنى البلادة، فيجوز نحو "ما أمْوت قلبه! ". ولا مما تأتي الصفة المشبهة منه على وزن (أفعلَ) كأحمرَ واعرجَ واكْحل واشيب وشذ قولهم (ما اهوجه، وما احمقه وما ارعنه! لأن الصفة منها هي اهوج واحمق وارعن) . وإذا أردتَ صوْغَ فِعلي التعجب مما لم يستوف الشروط، أتيت بمصدره منصوبا بعد "أشدّ" أو "أكثر" ونحوهما، ومجروراً بالباءِ الزائدة بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 "أشدِدْ" أو "أكثرْ" ونحوهما، تقول "ما أشدَّ إيمانهُ، أَو ابتهاجَهُ، أَو سوادَ عينيه! "، وتقول "أَبْلِغ بعورِه، أَو كحلهِ، أَو اجتهاده! ". صيغة (ما افعله!) يَلي صيغةَ "ما أفعلَ" في التعجُّبِ المُتعجَّبُ منه منصوباً على المفعولية لأفعل. والهمزةُ في "ما أفعلَ" للتَّعدية. فمعنى قولك "ما أجملَ الفضيلةَ" شيءٌ جعلها جميلةً، كما تقولُ "أمرٌ أقعدَهُ واقامه! "، تريدُ أنَّ قُعودَه وقيامَهُ لم يكونا إلاّ لأمرٍ. ثمَّ حُملَ الكلامُ على معنى التعجب، فجرى مَجرى المَثل، فلزِمَ طريقاً واحدةً في التعبير. و (ما) اسمٌ نكرةٌ تامةٌ بمعنى "شيءٌ"، وقيلَ هي (ما) الاستفهاميةُ خرجت عن معناها إلى معنى التعجب. (وعلى كل فهي في موضع رفع على الابتداء. وجاز الابتداء بها مع أنها نكرة، لتضمنها معنى التعجب. والفعل بعدها فعل ماض للتعجب، وفاعله ضمير مستتر وجوباً يعود اليها. والمنصوب مفعوله. والجملة في محل رفع المبتدأ الذي هو (ما) . و (ما) النكرة التامة، هي التي تكون مكتفية بنفسها، فلا تحتاج أي صلة او صفة، نحو "أَكرم رجلا ما". ومنه المثل "لأمر ما جدع قصير انفه". ومنها (ما) قبل فعل التعجب. فان احتاجت (ما) إلى جملة توصل بها فهي، معرفة موصولة. نحو "افعل ما تراه خيراً" وان احتاجت إلى ما توصف به من مفرد او جملة، فهي نكرة موصوفة، نحو "اعمل ما نافعاً للأمة" اي شيئاً نافعاً لها، ونحو "اعمل ما من الأمور ينفع"، اي "شيئاً من الأمور نافعاً"، فجملة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 (ينفع) في موضع نصب نعت لما. وسيأتي القول على الموصولية والموصوفية مبسوطاً في الكلام على الاسماء الموصولة واسماء الاستفهام) . وتُزادُ (كان) كثيراً بين (ما) . وفعلِ التعجب، نحو "ما (كان) أعدَلَ "عمَرَ! " ومنهُ قولُ الشاعر [من الكامل] ما (كانَ) أَسْعَدَ مَنْ أَجابكَ آخِذاً ... بِهُداكَ، مُجْتَنِباً هَوىً وعِنادا وقل الآخر [من الكامل] حَجَبَتْ تَحِيَّتَها، فقلتُ لصاحبي ... ما كانَ أَكثرها لنا وأَقَلّها! (فكان تامة رافعة ما بعدها على الفاعلية و (ما) مصدرية والفعل بعدها في تأويل مصدر منصوب على انه مفعول به لفعل التعجب والمصدر المؤول هو المتعجب منه فإنه اردت الإستقبال قلت "ما احسن ما يكون البدر ليلة الغد". صيغة (افعل به!) كما يَلي المُتعجَّبُ منهُ صيغةَ "ما أفعَلَ"، منصوباً على المفعولية، يلي صيغة "أفعِلْ" المُتعجَّبُ منه، مجروراً بباءٍ زائدةٍ لفظاً، مرفوعا على الفاعلية مَحلاًّ. ويبقى الفعل بلفظٍ واحد للجميع، تقول "يا رجلُ أكرمْ بسعادَ! ويا رجلان ويا امرأتان أكرمْ بها! ويا رجالُ أكرمْ بها ويا نساء أكرِم بها! ". فقولُك "أقبحْ بالجهل" أصله أقبحَ الجهلُ" أي صار ذا قُبحٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فالهمزةُ للصَّيرورة، كما قالوا أغدَّ البعير"، أي صار ذا غُدَّةٍ. ثم أُخرِجَ عن لفظ الخبر إلى لفظ الأمر، لإفادة التعجُّب، كما أُخرِجَ الأمر بمعنى الدعاءِ عن لفظه إلى لفظ الخبر في قولهم "رحمه الله، ويرحمك الله". والباء هنا زائدة في الفاعل، كما في "كفى بالله شهيداً". وذلك أنه لما غُيِّرتْ صورة الماضي إلى الأمر، لارادة التعجب، قَبُحَ إسنادُ صيغة الأمر إلى الإسم الظاهر إسناداً صريحاً، فزيدت الباءُ في "أكرمْ" زيادةً مُلتزمة، ليكون على صورة المفعول به المجرور بحرف الجر الزائد لفظاً، كما في قوله تعالى "ولا تُلقوا بأيدكم إلى التَّهلكة" وزيادتُها هنا بخلافها في فاعل "كفى" فهي غيرُ مُلتزمةٍ فيه، فيجوز حذفها، كما قال الشاعر [من الطويل] عُمَيْرَةً ودِّعْ، إِنْ تَجَهَّزْتَ عاديا ... كفى الشَّيْبُ والإِسلامُ لِلمَرْءِ ناهيا (وأما اعراب "اقبح بالجهل، فأقبح فعل ماض، جاء على صيغة الأمر، لإنشاء التعجب. وهو مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره السكون الذي اقتضته صيغة الأمر، والباء حرف جر زائد، والجاهل فاعل (أقبح) وهو مجرور لفظاً بالباء الزائدة، مرفوع محلا لأنه فاعل. وقال الزمخشري في (المفصل) في قولهم "اكرم بزيد" "إِنه أمر لكل احد بأن يجعل زيداً كريماً"، اي بأن يصفه بالكرم والباء مزيدة - مثلها في قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} للتأكيد والاختصاص او هو أمر بأن يصيره ذا كرم والباء للتعدية هذا اصله ثم جرى مجرى المثل فلم يغير عن لفظ الواحد في قولك يا رجلان اكرم بزيد ويا رجال اكرم بزيد) أهـ. فعلى هذا فمجرور الباء في موضع المفعول به لأنه في موضع الفاعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 ويكون فاعل (اكرم) مستتراً تقديره انت مثله في كل امر للواحد وما هذا ببعيد وهو قول جماعة من العلماء غير الزمخشري كالفراء والزجاج وابن كيسان وابن خروف. (وثمرة الخلاف بين جعله امرا صورة ماضياً حقيقة وجعله امراً صورة وحقيقة انه لو اضطرّ شاعر الى حذف هذه الباء الداخلة على المتوجب منه لزمه ان ينصب ما بعدها على رأي الفراء ومن تابعه لأنه مفعول به وان يرفعه على رأي الجمهور لانه فاعل) . ولا يجوزُ حذفُ الباءِ الداخلة على المُتعجَّب منه في نحو قولك أجملْ بالفضيلة! "، وإن كانت زائدةً، لأنّ زيادتها مُلتزِمةٌ، كما قدَّمنا، إلا ان تكون قبل "أنْ وأنَّ"، فيجوز حذفُها، لاطِّراد حذف حرف الجرِّ قبلهما، كقول الشاعر [من الطويل] وقال نَبيُّ المُسْلمين تَقَدَّموا ... وأَحبِبْ إِلينا أَن يكون المُقَدَما أي أحببْ إلينا بأن يكون المُقدَّم. احكام فعلي التعجب (1) لا يكون المُتعجَّبُ منه (منصوباً كان، أو مجروراً بالباءِ الزائدة) إلا معرفةً أو نكِرةً مُختصَّة، لتحصُل الفائدةُ المطلوبة، وهي التعجب من حال شخصٍ مخصوص فلا يُقالُ "ما أحسنَ رجلاً! "، ولا أحسنْ بقائمٍ"، لعدم الفائدة. فإن قلت "ما أحن رجلاً يفعلُ الخير! " و"أحسنْ بقائمٍ بالواجب! " جاز، لحصول الفائدة. (2) يجوز حذفُ المُتعجَّب منه - وهو المنصوب بعد "ما أفعلَ". والمجرورُ بالباءِ بعد "أفعلْ" - إن كان الكلام واضحاً بدونه، فالأول كقوله [من الطويل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 جزى الله عني، والجزاءُ بفضله، ... بِيعةَ خَيراً، ما أَعفَّ وأَكْرما أي "ما أعفَّهم! وما أكرمهم! " والثاني كقوله تعالى "أسْمِعْ بهم! وأبصِرْ بِهمْ!، وقول الشاعر [من الوافر] أعزِزْ بنا وأَكْفِ! إن دُعِينا ... يوماً إِلى نُصْرةِ مَنْ يَلِينا أي وأكفِ بنا! والمعنى ما أعزَّنا! وما أكفانا لهذاالأمر!. ويُشترَطُ في حذفه بعد "أفعِلْ" أن يكون معطوفاً على أفعِلْ آخرَ مذكورٍ معه مِثلُ ذلك المحذوف، كما رأيتَ في الآية الكريمة والبيت. ولا يجوز حذفه إن لم يكن كذلك. وشذَّ قول الشاعر [من الطويل] فَذَلك، إِن يَلْقَ الْمَنِيَّةَ يَلْقَها ... حَمِيداً، وإِنْ يَسْتَغْنِ يوماً فَأَجْدِر أي فأجدِرْ به أَن يستغنيَ! (3) إذا بُنيَ "فِعْلا التعجب" من مُعتل العين، وجب تصحيح عينهما، فلا يجوز إعلالها، نحو ما أطوَلهُ! وأطوِلْ به! ". وكذلك يجبُ فَكُّ الإدغام في "أَفعِلْ"، نحو أَعزِزْ علينا بأن تفارقَنا! " و"أشدِدْ بسوادِ عينيه! ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 (4) لا يُتصرَّفُ في الجملة التعجّبية بتقديمٍ ولا تأخيرٍ ولا فصل، إلا الفصلَ بين فعلِ التعجُّبِ والمتعجَّبِ منه بالظَّرف، أَو المجرور بحرف الجرّ (بشرط أَن يتعلقا بفعل التعجب) ، أَو النداء، فالفصل بها جائز. فالفصلُ بالظرف نحو أَن تقول "ما أَجملَ ليلةَ التَّمَ البدرَ! " ونحو قول الشاعر [من الطويل] أُقيمُ بِدارِ الحَزْمِ، ما دامَ حَزْمُها ... وأَحرِ إِذا حالتْ، بأَن أَتحوَّلا والفصلُ بالجارِّ والمجرور نحو "أَحسنْ بالرجلِ أَن يصدُقَ! وما أَقبح أَن يَكذِبَ! "، ومنه وأحببْ إلينا أن يكونَ المُقدِّما"، وقول الآخر [من الطويل] خَلِيلَيَّ، ما أَحْرَى بِذِي اللبِّ أَن يُرى ... صَبوراً، ولكنْ لا سَبِيلَ إِلى الصَّبْر وقولُ عَمْرِو بن مَعد يكرِب نَثْراً للهِ دَرُّ بني سُلَيم! ما أحسنَ في الهيجاء لِقاءَها! وأَكرمَ في اللَّزبات عَطاءها! وأثبت في المَكرمات بَقاءها! ". والفصلُ بالنداءِ كقولِ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلامُ) "أعزِزْ عليَّ، أبا اليقطَانِ، أن أراك صريعاً مُجدَّلا! ". (5) إن تَعلَّق بِفعلَي التعجب مجرورٌ هو فاعلٌ في المعنى، جُر بإلى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 نحو "ما أحبَّ زُهيراً إلى أبيه! " ونحو "ما أبغضَ الخائنَ إليَّ". ولا يكونُ هذا إلا إذا دَلَّ فعلُ التعجب على حُبٍّ أو بُغضٍ، كما رأيتَ. فإن كان في المعنى مفعولا، وكان فعلُ التعجب في الأصل مُتعدياً بنفسه، غير دالٍّ على عِلْمٍ أو جهلٍ، جُرَّ بالَّلام نحو "ما أحب زُهَيراً لأبيه! وما أبغضَني للخائن! وما أكسبَني للخير! ". فإن دلَّ على علمٍ أو جهلٍ جرَرْتُ المفعول بالباءِ، نحو "ما أعرفني بالحقِّ! وما أجهلَهُ بالصدق! وما أبصَرك بمواقع الصواب! وما أعلمَهُ بطرُقِ السّداد! ". وإن كان فعلُ التعجب في الأصل مُتعدِّياً بحرف جر، جرَرتَ مفعولهُ بما كان يَتعدّى به من حرفٍ، نحو "ما أغضبَني على الخائن! وما ارضاني عن الأمين! وما أمسكني بالصدق، وما أكثرَ إذعاني للحقّ". (6) وقد وَرَدَ تصغيرُ "ما أفعلُ" شُذوذاً، وهو فعلٌ لا يُصغّرُ، لأنَّ التصغير من خصائص الأسماءِ. غير أنه لما أشبهَ اسم التفضيل وزناً وأَصلا ودلالةً على المبالغة، سهلَ عليهم ذلك، كقوله [من البسيط] يا ما أَمَيْلَحَ غِزْلاناً، شَدَنَّ، لنا ... مِنْ هؤُليّائِكُنَّ الضّالِ والسَّمُرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 قالوا "ولم يُسْمعُ إلا في ما أملحَ، وما أحسن". غير أنه يجوز القياسُ على هذا الشُّذوذ، إِذا أريدَ به مع التعجب التَّحبُّبُ كما رأيتَ في البيت. وعليه يجوز أن تقول ما أحَيلاهُ! وما أُدَيناهُ إِلى قلبي! وما أَطَيرِف حديثهُ! وما أُظيرِفَ مجلسه! ". (أفعال المدح والذم) أفعال المدح هي "نعْمَ وحبّ وحبّذا". وأفعالُ الذمِّ هي "بئس وساء ولا حبّذا". وهي أفعالٌ لإنشاءِ المدح أو الذم فجُملها إنشائيةٌ غير طلبية، لا خبرية، ولا بُدَّ لها من مخصوصٍ بالمدح أو الذم. (فإّا قلت "نعم الرجل خالد، وبئس الرجل فلان". فالمخصوص بالمدح هو (خالد) ، والمخصوص بالذم هو (زيد) . وهي غير محتاجة إلى التصرف، للزومها اسلوباً واحداً في التعبير، لأنها تدل على الحدث المتطلب للزمان، حتى تحتاج إلى التصرف بحسب الازمنة. فمعنى المدح والذم لا يختلف باختلاف الزمان) . حبذا وحب ولا حبذا حَبَّذا وحَبَّ فعلان لإنشاءِ المدح. فأما "حبَّذا" فهي مُركبةٌ من "حَبَّ" و"ذا" الإشارية، نحو "حبذا رجلاً خالدٌ". (فحبّ فعل ماض، و"ذا" اسم اشارة فاعلة، ورجلا تمييز لذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 رافع ابهامه. وخالد مبتدأ مرفوع مؤخر، خبره جملة "حبذا" مقدمة عليه) . ولا يتقدم عليها المخصوصُ بالمدح، ولا التّمييزُ فلا يُقالُ "خالدٌ حبّذا رجلا" ولا "رجلاً حبّذا خالدٌ". أما تقديم التّمييز على المخصوص بالمدح فجائزٌ، كما رأيت، بل هو الأوَّل، ومنه قول الشاعر [من الطويل] أَلا حَبَّذا قوماً سُلَيْمٌ، فإِنهم ... وفَوْا، وتَواصوْا بالإِعانةِ والصَّبْر ويجوزُ أن يكون بعدهُ، كقول الآخر [من الخفيف] حَبَّذا الصَّبْرُ شِيمَةً لامرىءٍ رامَ - ... مُباراةَ مُولَع بالْمَغاني و (ذا) في "حبذا" تَلتزم الأفرادَ والتذكيرَ في جميع أحوالها، وإن كان المخصوصُ بخلاف ذلك. قال الشاعر [من البسيط] يا حَبَّذا جَبَلُ الرَّيّانِ من جَبَلٍ ... وحَبَّذا ساكِنُ الرَّيّانِ، مَنْ كانا وحَبَّذا نَفَحاتٌ من يَمانيَةٍ ... تأتِيكَ من قِبَلِ الرَّيّانِ أَحيانا فذا مفردٌ مذكر، والمخصوصُ - وهو "النَّفَحات" - جمعٌ مؤنث، وقال الآخر [من الخفيف] حبَّذا أَنتُما خَلِيلَيَّ إِنْ لم ... تعْذُلاني في دَمْعِيَ المُهراق فالمخصوص هنا مثنى، و"ذا" مفرد. وقال غيره ألا حبَّذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ، فذا مذكر. وهذا مؤنث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وقد تدخلُ "لا" على "حبذا" فتكون مثلَ "بِئسَ" في إفادة الذَّمِ كقول الشاعر [من المتقارب] أَلا حَبَّذا عاذري في الهَوى ... ولا حَبَّذا الجاهلُ العاذِل وقل الآخر [من الطويل] أَلا حَبَّذا أَهلُ الْمَلا، غيرَ أنَّهُ ... إِذا ذُكرَتْ هِنْدٌ، فلا حَبَّذا هِيا ولا يجوز أن تدخلَ على مخصوص "حبَّذا" نواسخُ المبتدأ والخبر، وهي "كان وأخواتُها، وظنَّ وأخواتُها، وإنَّ وأخواتها"، فلا يقال "حبَّذا رجلاً كان خالدٌ" ولا "حبَّذا رجلاً ظننتُ سعيداً". ويجوز حذفُ مخصوصها إن عُلمَ كأن تُسأل عن خالدٍ مثلا، فتقول "حبَّذا رجلاً" أي حبَّذا رجل هو، أي خالدٌ. ومنه قول الشاعر [من الطويل] ألا حَبَّذا، لَوْلا الحَياءُ. ورُبَّما ... مَنَحْتُ الهَوى ما لَيْسَ بِالمتَقارِبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وأما "حبَّ" ففاعله هو المخصوص بالمدح، نحو "حبَّ زُهيرٌ رجلاً". وقد يُجرُّ بباءٍ زائدة، نحو حبَّ به عاملا، ومنه قول الشاعر فَقُلْتُ اقتلوها عنكم بِمِزاجها ... وحَبَّ بها مقتولةً حينَ تُقْتَلُ وأصلُه "حَبُبَ" بضم الباء، بمعنى صار محبوباً، ولذا يجوز أن يقالَ فيه "حُبَّ"، بضمِّ الحاءِ، بنقلِ حركةِ الباءِ إلى الحاءِ وهو كثيرٌ في الاستعمال. نعم وبئس وساء نعم فعلٌ لإنشاء المدح. وبِئس وساءَ فِعلان لإنشاءِ الذَّم. (قال في المختار "نعم منقول من نعم فلان بفتح النون وكسر العين"؛ اذا اصاب النعمة. وبئس "منقول من بئس، بفتح الباء وكسر الهمزة" اذا اصاب بؤساً فنقلا الى المدح والذم - فشابها الحروف، "فلم يتصرفا" اهـ واما (ساء) فهول منقول من (ساء يسوء سواء) بفتح السين في المصدر) ذا قبح. تقول "ساء عمله، وساءت سيرته". ثم نقل إلى الذم، فلم تنصرف كما تنصرف (بئس)) . وفي "نِعْمَ وبِئْسَ"، أربعُ لغاتٍ "نِعْمَ وبِئْس" بكسر فسكونٍ - وهي أَفصحهُنَّ، وهي لغةُ القرآن الكريم. ثمَّ "نِعِمَ وبِئسَ" - بكسر أوَّلهما وثانيهما -، غير أنَّ الغالبَ في "نِعِمَ" أن يجيء بعدهُ (ما) ، كقوله تعالى {نِعمّا يَعِظُكم به} . ثم "نَعْمَ وبأس بفتحٍ فسكونٍ - ثمَّ "نِعْمَ وبَئِسَ"، - بفتحٍ فكسرٍ - وهي الأصلُ فيهما. ولا بُدَّ لهذه الأفعال من شيئين فاعل ومخصوصٍ بالمدح أو الَّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 نحو "نِعْمَ الرجلُ زُهَيرٌ". فالرجلُ هو الفاعلُ والمخصوصُ بالمدح هو زهيرٌ. أحكام فاعل هذه الافعال فاعلُ هذه الأفعالِ نوعانِ الأوَّل اسمٌ ظاهرٌ مُعرَّفٌ بأل الجِنسيَّةِ، التي تُفيد الاستغراق (أي شُمولَ الجنس) حقيقةً، أو اسمٌ مُضافٌ إلى ما اقترنَ بها، أو مُضافٌ إلى اسمٍ أضيفَ إلى مُقترنٍ بها. فالأولُ نحوُ "نِعْمَ التلميذُ زهيرٌ" و"بئسَ الشراب الخمرُ". والثاني، نحو {وَلنِعْمَ دارُ المتَّقِينَ} ، و {بِئسَ مثوى المُتكبِّرينَ} . والثالثُ، نحو "نِعمَ حكيمُ شُعراءِ الجاهليةِ زهيرٌ"، ومنه قول الشاعر [من الطويل] فنِعْمَ ابنُ أُختِ الْقومِ، غَيرَ مُكذِّبٍ ... زُهَيْرٌ، حُسامٌ مُفْرَدٌ من حمائِلِ (والحق أن (أل) ، التي تسبق فاعل هذه الأفعال، للجنس على سبيل الاستغراق حقيقة، كما قدّمنا. فهي مفيدة للاحاطة والشمول حقيقة لا مجازاً، فيكون الجنس كله ممدوحاً أو مذموماً، والمخصوص مندرج تحت الجنس، فيشمله المدح أو الذم. فاذا قلت "نعم الرجل زهير" فالمدح قد وقع أولا على جنس الرجل كله على سبيل الشمول حقيقة. ثم على سبل المخصوص بالمدح، وهو زهير، فيكون المخصوص قد مدح مرتين مرة مع غيره، لدخوله في عموم الجنس، لأنه فرد من افراد ذلك الجنس، ومرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 على سبيل التخصيص، لأنه قد خص بالذكر، ولذلك يسمى المخصوص. والغرض من جعلها للاستغراق والشمول على سبيل الحقيقة هو المبالغة في اثبات المدح للمدوح "الذم للمذموم، بجعلك المدح والذم للجنس، الذي هو المخصوص فرد منه. ثم يأتي المخصوص مبيناً المدار من الاجمال في مدح الجنس على سبيل الحقيقة. ولك أن تجعل (أل) هذه للاستغراق لا على سبيل الحقيقة. بل على سبيل المجاز. مدعياً أن هذا المخصوص هو جميع الجنس لجمعه ما تفرَّق في غيره من الكمالات أو النقائص فان قلت "نعم الرجل زهير"، فقد جعلت زهيراً هو جميع الجنس مبالغة، لاستغراقه جميع كمالاته، ولم تقصد من ذلك الا مدحه. ونظير ذلك أن تقول "أنت الرجل"، أي اجتمعت فيك كل صفات الرجال) . وقد يقومُ الاسمُ الموصولُ، إذا اريدَ به الجنسُ لا العَهدُ مَقام المُعرَّف بألِّ الجنسيَّةِ، فيكون فاعلا لهذه الأفعال، كما تكون هي، نحو "نِعْم الذي يفعلُ الخيرَ زهيرٌ" و"بِئسَ من يخون أمتهُ فُلانٌ". (فان الاسم الموصول، اذا لم يرد به المهد، بل اريد به العموم، أشبه المقترن بأل الجنسية فيصحُ أن تسند إليه هذه الأفعال، كما تسند إلى المقترن بأل الجنسية) . الثاني أن يكون فاعلُها ضميراً مستتراً مُفَسّراً بنكرةٍ منصوبة على التَّمييز، واجبةِ التأخير عن الفعل والتقديمِ على الممدوح أو المذموْم، مطابقةٍ لهما إفراداً وتَثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً. ويأتي بعد ذلك المخصوص بالمدح أو الذَّم مرفوعاً على الابتداء، والجملةُ قبلَه خبرُهُ، نحو "نِعْمَ رجلاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 زهيرٌ". والتمييزُ هنا مُحَموَّلٌ عن فاعلٍ مُقترنٍ بِـ (ألْ) ، لذا يجوز تحويلُه إلى فاعلٍ مُقترنٍ بها، فتقول "نعم الرجلُ زهيرٌ". وقد تكون النكرةُ كلمة (ما) - التي هي اسمٌ نكرة بمعنى "شيء" - فتكون فى موضع نصبٍ معلى التمييز، على ما اختارَهُ المُحققون من النُّحاة. وهو أقربُ الأقوال فيها. سَواءٌ أتُليتْ باسمٍ، نحو "نِعمَّا التَّقوى، ومنه قولُه تعالى {إن تبدوا الصَّدقاتِ فَنعما هي} ، أم تُليت بجملةٍ فعليَّةٍ، كقوله تعالى {نِعِمًّا يَعظُكم به} " أم لم تُتْلى بشيءٍ نحو "أكرمته إكراماً". ومتى كان فاعلها ضميراً وجبَ فيه ثلاثةُ أشياء الأول والثاني إفرادُه وأستتارُه، كما رأيت فلا يجوز إبرازُه في تثنيةٍ ولا جمع، استغناءً عنه بتثنية تمييزه أو جمعه، سواءٌ أتأخرَ المخصوصُ أم تقدَّم. فلا يقالُ "نِعما رجلين خالدٌ وسعيدٌ"، ولا "خالدٌ وسعيدٌ نِعما رجلين". الثالث وجوبُ أن يُفسّرَهُ اسمٌ نكرةٌ يُذكرُ بعده منصوباً على التمييز كما قدَّمنا. وإذا كان الفاعلُ مُؤنثاً جازَ أن تلحقَ الفعلَ تاءُ التأنيث، سواءٌ أكان مُظهَراً، نحو "نِعْمت المرأةُ فاطمةُ"، وجاز أن لا تلحقه هذه التاءُ استغناء عنها بتأنيث التمييز المُفسّر، ذَهاباً إلى أن هذه الأفعالَ لما أشبهت الحرفَ في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الجمود لزِمت طريقة واحدةً في التعبير، فتقول "نعمَ المرأةُ فاطمةُ، ونعمَ امرأةً فاطمةُ. ومنه قول الشاعر [من الرجز] تَقولُ عِرسِي، وهي لي عَوَمَرهْ ... بِئس امرَأ، وإِنَّني بِئسَ المَرَهْ وقول الآخر [من البسيط] نِعْمَ الْفتاةُ فَتاةً هِنْدُ، لَوْ بَذَلتْ ... رَدَّ التَّحِيةِ نُطْقاً، أو بإِيماءِ وكذا، إذا كان المخصوصُ مؤنثاً، يجوز تذكير الفعلِ وتأنيثُهُ، وإن كان الفاعلُ مُذكراً، فتقولُ "بِئْسَ أو بِئستِ الشَّرابُ الخمرُ" و"نِعمَ أو نِعمت الثْوابُ الجنّةُ، وعليه قول الشاعر [من الرجز] نِعْمَتْ جزاءُ المُتَّقينَ الجنَّهْ ... دارُ الأَمانِ والمُنى والمِنَّهْ احكام المخصوص بالمدح والذم لا يجوز أن يكون المخصوصُ بالمدح أو الذَّم إلا معرفةً، كما رأيتَ في الأمثلة المتقدمة، أو نكرةً مُفيدةً، نحو "نِعمَ الرجلهُ رجلٌ يُحاسبُ نفسهُ". ولا يقاله "نِعْمَ العاملُ رجل"، لعدَم الفائدة. وهذا المخصوصُ مرفوعٌ أبداً، إما على الابتداءِ، والجملةُ قبلَهُ خبرُهُ. وإما على أنه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ وجوباً، لا يجوزُ ذكرُهُ، ويكونُ التقديرُ في قولك "نِعمَ الرجلُ زهيرٌ". "نِعمَ الرجلُ هو زهيرٌ". (والكلام حينئذ يكون كأنه جواب لسائل سأل "من هو؟ " حين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 قلت "نعم الرجل"، فقلت مجيباً "زهير"، اي هو زهير. ولا يجوز ذكر هذا المبتدأ، لأنه احد المواضع التي يجب بها حذفه. كما ستعلم في الجزء الثاني من هذا الكتاب) . وقد يُحذفُ المخصوصُ، إِذا دلَّ عليه دليل، كقوله تعالى "نِعْمَ العبدُ، إنه أَوَّابٌ"، أي نعم العبد أيوبُ. وقد عُلم من ذكره قبلُ. وقوله سبحانه {والأرض فرشاناها، فنعمَ الماهدون"، أي فنعم الماهدون نحنُ. ومنه قول الشاعر [من الرجز] نِعْمَ الفَتى فَجعَتْ به إِخوانَهُ ... يومَ البَقيعِ حوادِثُ الأَيَّامِ أي نِعْم الفتى فتى فجعتْ حوادث الأيام به إخوانَهُ يومَ البقيع. فجملةُ "فجعت" في موضع رفعِ صفةٍ لفتًى المحذوف، وهو المخصوصُ المحذوف. ومن حق المخصوص أن يُجانس الفاعلَ. فإن جاء ليس من جنسه، كان في الكلام مجازٌ بالحذف، كأن تقول "نِعْمَ عَمَلاً زهيرٌ"، فالكلام على تقدير مُضافٍ نابَ فيه عنه المضافُ إليه، إذ التقديرُ "نِعمَ عملاً عملُ زهيرٍ"، ومنه قوله تعالى {ساء مثلاً القومُ الذين كذَّبوا بآياتنا} . والتقديرُ "ساء مَثلاً مثلُ القومِ". ويجوز أن يُباشِرَ المخصوصَ، في هذا الباب، نَواسخُ المبتدأ والخبر، سواءٌ أتقدَّم المخصوصُ، نحو كان زهيرٌ نِعمَ الشاعرُ، ونحو قوله [من مجزوء الكامل] إِنَّ ابنَ عَبدِ الله نِعْمَ ... أخُو النَّدَى وابنُ العشيرَهْ أم تَأخرَ، نحو "نِعْم الرجلُ ظننتُ سعيداً"، ومنه قول زهير [من الطويل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 يَميناً، لنِعْمَ السَّيِّدانِ وُجدْتُما ... على كُلِّ حالٍ من سَحيلٍ ومُبرَمِ وقول الآخر [من الطويل] إِذا أَرسلوني عندَ تَعذيرِ حاجةٍ ... أُمارِسُ فيها، كُنتُ نِعْم الْمُمارِسُ أحكام التمييز في هذا الباب يجبُ في تمييز هذا الباب خمسةُ أمور (1) أن يتأخرَ، فلا يُقالُ "رجلاً نِعْمَ زهيرٌ". وقد يتأخرُ عنه نادراً، نحو "نعم زهيرٌ رجلا". (3) أَن يكون مُطابقاً للمخصوص إفراداً وتَثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً، نحو "نِعمَ رجلاً زهيرُ"، ونعمَ رجلينِ زهيرٌ وأخوهُ"، و"نعمَ رجالا أنتمْ"، ونِعمتْ فتاةً فاطمةُ"، و"نعمتْ فتاتَينَ فاطمةُ وسُعادُ"، "ونِعمت فَتَياتٍ المجتهداتُ"، ومن ذلك قولِ الشاعر [من الرجز] نِعْمَ امْرأَين حاتمٌ وكَعْبٌ ... كِلاهُما غَيْثٌ، وسَيْفٌ عَضْبُ (4) أن يكونَ قابلاً لألْ، لأنه محوَّلٌ عن فاعلٍ مُقترِنٍ بها، كما تقدَّمَ، فإن قلتَ "نِعمَ رجلاً زهيرٌ"، فالأصلُ "نعمَ الرجل زهيرٌ". فإن لم يَقبلها كمِثْلٍ وأيٍّ وغير وأفعلَ في التَّفضيل، فلا يُمَّيزُ به هذا الباب. (اذا اريد بأفعل معنى التفضيل فلا يُميز به، فلا يقال "نعم أَكرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 منك خالد"، ولا "نعمَ أفضل رجل علي"، لانه حينئذ لا يقبل (أل) اذا حوّله فاعلا. أما ان لم يرد به معنى التفضيل، فجائز التعبير به نحو "نِعْمَ أعلم زهير" اي نِعْم عالماً زهير" لأنه يصح أن تباشره (أل) في هذه الحالة، فنقول "نِعْمَ الاعلم زهير") . (5) أنه لا يجوز حذفُهُ، إذا كان فاعلُ هذه الأفعال ضميراً يعودُ عليه، وقد يُحذَف نادراً كقولك "إن قلت كذا فَبِها ونعْمتْ"، أي "نِعمتْ فِعلةً فعلتُك" ومنه حديثُ "مَنْ توَضأ يوم الجمعة فَبِها ونِعمتْ"، أي "فبالسُّنةِ أخذَ، ونِعمت سُنَّةُ الوَضوء". أما إن كان فاعله اسماً ظاهراً، فلا يحتاج الكلام إلى ذكر التمييز، نحو "نعمَ الرجلُ عليٌّ" لأنَّ التمييزَ إنما هو لرفعِ الإبهام، ولا إبهامَ مع الفاعل الظاهر. وقد يجتمع التمييز مع الفاعل الظاهر، تأكيداً له، فإنَّ التمييزَ قد يُذكرُ للتأكيد، لا لرفعِ الإبهام، كقول الشاعر "نِعمَ الفتاةُ فتاةً هند ... " (البيتَ السابقَ) . وقد يُجرُّ التمييزُ، في هذا الباب، بِمنْ كقولِ الشاعر [من الوافر] تخَيَّرَهُ، فلم يَعْدِل سِواهُ ... فَنعْمَ الْمَرءُ من رجلٍ تِهامِي ومِثله تمييزُ "حَبّذا وحَبَّ"، كقول الشاعر [من البسيط] يا حَبَّذا جَبلُ الرَّيانِ من جَبَلٍ ... وحبَّذا ساكِنُ الرّيان، مَنْ كانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الملحق بنعم وبئس قد يجري مَجرى (نِعْمَ وبئسَ) - في إنشاء المدح أو الذمّ - كل فعلٍ ثلاثي مجرَّد، على وزن (فَعُلَ) - المضمومِ العين - على شرط أن يكون صالحاً لأنْ يُبنى منه فعلُ التعجب، نحو "كرُمَ الفتى زهيرٌ! " و"ولَؤمَ الخائنُ فلانٌ! ". فإن لم يكن في الأصل على وزن (فَعُلَ) ، حوَّلته إليه، لأنَّ هذا الوزن يَدُلُّ على الخِصال والغرائز التي تستحق المدح أو الذَّم، فتقولُ في المدح من (كتبَ وفهِمَ) "كتُبَ الرجلُ خالدٌ! وفَهُم التلميذُ زهيرٌ! "، وتقول في الذم من "جَهِل وكذَبَ" "جَهُل الفتى فلانٌ! وكذُبَ الرجلُ فلانٌ! ". فإن كان الفعلُ مُعتَلَّ الآخر، مثلُ "قضى ورمى وغزا ورضِيَ وصَدِي"، قلْتَ آخرَهُ واواً عندَ نقله إلى باب (فَعُلَ) ، لتُناسبَ الضمة قَبلها، فتقول "قضُوَ ورَمُوَ وغَزُوَ ورَضُوَ وصدُوَ" وإن كان معتلَّ العين، مثل "جادَ وسادَ"، بقيَ على حاله، وقُدِّرَ النّقل إلى باب (فَعُلَ) ، لأنك لو قلتَ "جَوُدَ وسَوُد"، لَعادت الواوُ ألفاً، لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها. ومن هذا الباب (ساء) - المتقدّمُ ذكرُه مع (نِعْمَ وبِئس) - فإنه لما أُريدَ به معنى (بئس) ، حُوّل إلى باب (فَعُلَ) فصار "سَوْاَ"، ثم قُلِبَتِ الواوُ أَلفاً لأنها متحركةٌ مفتوحٌ ما قبلها، فَرَجعَ إلى "ساءَ". وإنما يُذكرُ مع "نِعْمَ وبِئسِ"، لأنهُ يجريّ مَجراهما في كل أمر، يُخالفُهما في حُكم. واعمل أنه يجوزُ فيما يجري مَجرى "نِعْمَ وبِئسَ"، سواءٌ أكان مضمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 العين أصالةً أو تَحويلاً، أن تَسكُنَ عينُهُ، مثل "ظَرْفَ وفُهْمَ" وأن تُنقَلَ حركتُها إلى فائِه، نحو "ظُرْفَ وفُهْمَ"، وعليه قولُ الشاعر [من البسيط] لا يَمْنَعُ الناسُ مني ما أرَدْتُ، ولا ... أُعطيهِم ما أرادوا! حُسْنَ ذا أدَبا! (أي حسن هذا أدباً، فذا اسم إشارة فاعل. وأدباً تمييز، والواو في قوله "ولا أعطيهم" واو المعية التي ينتصب الفعل بعدها بأن مضمرة، فأعطيهم منصوب بأن مضمرة وجوباً بعد واو المعية المسبوقة بنفي. وكان حقه أن يظهر الفتحة على الياء لخفتها لكنه أضمرها ضرورة. يقول "ما أحسن ان لا يمنع الناس مني ما أردت من مالهم ومعونتهم مع بذلي لهم ما يريدون مني من مال ومعونة". يقول ذلك منكراً على نفسه أن يعينه الناس ولا يعينهم. فحسن للمدح والتعجب. وأراد بها هنا التعجب الإنكاري. وقيل في معناه يريد أن يقهر الناس فيمنعهم ما يريدون منه، ولا يستطيعون أن يمنعون ما يريد منهم لعزته وسطوته. وجعل هذا أدباً حسناً. والصواب ما قدمناه، لأن ما قبله من القصيدة يدل على ذلك وهو قوله [من البسيط] قَد يَعْلَمُ الناسُ أني من خيارِهم ... في الدِّينِ ديناً، وفي أحسابهمْ حَسبَا (واعلم أن الأدب الذى كانت تعرفه العرب هو ما يحسن من الأخلاق وفعل المكارم؛ كترك السفه، وبذل المجهود، وحسن اللقاء. واصطلح الناس بعد الاسلام بمدة طويلة على أن يسموا العالم بالنحو والشعر وعلوم العرب "أديبا" وأن يسموا هذه العلوم "الأدب". وذلك كلام مولدٌ لم تعرفه العرب بهذا المعنى، لأن هذه العلوم قد حدثت في الاسلام) . ويُفيدُ ما يجري مجرى "نِعْمَ وبِئسَ" - معَ المدحِ أو الذَّم - التَّعَجُّبَ، ومعنى التعجب فيه قويٌّ ظاهرٌ، كما رأيتَ. حتى إن بعضَ العلماءِ ألحقهُ بباب التعجب. والحقُّ أنه مُلحقٌ بالبابين، لتضمُّنهِ المعنيين، لذلك تجري عليه أحكامُ ها البابِ وأحكام ذلك من بعض الوجوه كما ستعلم. حكم الملحق بنعم وبئس يجري ما يُلحقُ بِنعم وبِئسَ مَجراهما، من حيثُ الجُمودِ وإنِشاء المدحُ والذَّم، (إلا أنهُ يَتضمَّنُ أيضاً معنى التعجب، كما تقدّم) ، وكذلك من حيثُ الفاعلِ والمخصوصِ. فيكونُ فاعلهُ، كفاعلهما، إِمّا اسماً ظاهراً مُعرّفاً بألْ نحوُ "عَقُلَ الفتى زهيرٌ! "، أو مَضافاً إلى مُقترنٍ بها، نحو قَرُؤ غلامُ الرجل خالدٌ! ". وإما ضميراً مستتراً بنكرةٍ بعدَهُ منصوبة على التمييز، نحو "هَدُوَ رجلا عليٌّ! ". غير أنَّ فاعله الظاهرَ يُخالفُ فاعلهما الظاهر في أمرين الأول جوازُ خُلُوِّهِ من (ألْ) نحو "خطُبَ عليٌّ! " ولا يجوز ذلك في فاعلِ "نِعْمَ وبِئسَ". الثاني أنه لما أَفادَ فعلهُ - مع المدح أو الذْمّ - التعجُّبَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 جاز أن يُجرَّ بكسرةِ باءٍ زائدةٍ تشبيهاً له "بأفعِلْ به" في التعجُّب، نحو "شَجُع بخالدٍ! ". ولا يجوز ذلك في فاعلهما. أَما فاعله المَضمَرُ العائدُ على التمييز بعده فَيوافقُ فاعلَها المُضمر في أَنَّ الفعل معه يجوز أن يكون بلفظٍ واحدٍ للجميع، نحو "المجتهدةُ حسُن فتاةً، والمجتهدانِ حَسُن فَتَييْنِ والمجتهدون حَسُن فِتياناً"، والمجتهداتُ حَسُنَ فتياتٍ". كما تقول "المجتهدةُ نعمَ فتاةً، والمجتهدانِ نعمَ فتَييْن" الخ. ويُخالفُه في جواز أن يكون على وَفقِ ما قبله إفراداً وتثنية وجمعاً وتذكيراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 وتأنيثاً، نحو المجتهدُ حَسُن فتًى، والمجتهدةُ حَسُنتْ فتاةً، والمجتهدانِ حَسُنا فَتَييْنِ والمجتهدونَ حَسنُوا فِتياناً، والمجتهداتُ حَسُنَ فَتياتٍ". ولا يجوز في "نعم وبئس" إلا أن يكونا بلفظٍ واحد، وذلك بأن يكون فاعلهما المَمضمرُ مفرداً عائداً على التمييز بعده إلا ما كان من جواز تأنيثه، اذا عاد على مؤنثٍ، كما تقدَّم. (نونا التوكيد مع الفعل) نونا التوكيد، إحداهما ثقيلةٌ مفتوحة، والاخرى خفيفةٌ ساكنة. وقد اجتمعتا في قوله تعالى لَيُسجَنننَّ وَليكوناً من الصاغرين". (ويجوز ان تكتب النون المخففة بالألف مع التنوين كما في الآية الكريمة، (وهو مذهب الكوفيين) فان وقفتَ عليها وقفت بالألف. ويجوز أن تكتب النون، كما هو شائع، وهو مذهب البصريين) . ولا يُؤكدُ بهما إِلا فعلُ الأمرِ، والمضارع. فأمّا فعلُ الأمر، فيجوز توكيدُهُ مُطلقاً، مثل "اجتهدَنَّ، وَتعلَّمَنَّ". وأَما الماضي لا يجوز توكيدُهُ مطلقاً. وقال بعضُهم إن كان ماضياً لفظاً، مُستقبلاً معنىً، فقد يُؤكدُ بهما على قلَّةٍ. ومنه الحديث "فإما أدركنَّ أَحدٌ منك الدَّجالَ"، فإنه على معنى "فإما يُدرِ كنَّ". ومنه قول الشاعر [من الكامل] دَامَنَّ سَعْدُكِ، لو رَحِمْتِ مُتَيّماً ... لولاكِ لم يَكُ للصَّبابَةِ جائحا لأنَّه على معنى "لِيدُومَنَّ" فهو في معنى الأمر، والأمر مستقبل. وأما المضارعُ فلا يجوز توكيدُه، إِلا أن يَقعَ بعد قَسَمٍ، أو أَداةٍ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أَدوات الطَّلبِ أو النفي أَو الجزاء، أَو بعد (ما) الزائدة. وتأكيدُه في هذه الأحوال جائز، إلا بعد القسم، فيجبُ تارة، ويمتنع تارة أُخرى، كما ستعلم. تأكيد المضارع بالنون وجوباً يُؤكدُ المضارعُ بالنون وجوباً، إذا كان مُثبَتاً مستقبلا، واقعاً في جواب القسَمِ غيرَ مفصولٍ من لامِ الجواب بفاصل، كقوله تعالى {تاللهِ لأكيدَنَّ أَصنامَكم} . وتوكيده بالنون، ولزوم اللام في الجواب - في مثل هذه الحال - واجبٌ لا مَعدِل عنهُ. وما ورد من ذلك غير مُؤكدٍ، فهو على تقدير حرف النفي. ومنه قوله تعالى "تاللهِ تَفتأ تذكرُ يوسف" أَي "لا تفتأ". وعلى هذا فمن قال "والله أَفعلُ"، أثِمَ إن فَعَلَ، لأنَّ المعنى واللهِ لا أَفعل" فإن أَراد الإثبات وجبَ أَن يقول "واللهِ لافعلَنَّ". وحينئذٍ يأثَمُ إن لم يفعل. التوكيد بها جوازاً يُؤكدُ المضارعُ بالنون جوازاً في أربع حالات (1) أن يَقعَ بعد أداةٍ من أدوات الطَّلب، وهي "لامُ الأمر" مو "لا" الناهيةُ، وأَدوات الإستفهام والتَّمنّي والتّرجي والعَرْضِ والتّحضيض. وهذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 أمثلتُها "اجتهدنَّ. لا تَكسلَنَّ. هل تَفعلنَّ الخيرَ؟ ليتكَ تَجدنَّ. لَعلَّكَ تَفوزَنَّ. أَلا تَزروَنَّ المدارس الوطنية. هَلاَّ يرعوِنَّ الغاوي عن غَيّه". (2) أَن يقعَ شرطاً بعد أداة شرطٍ مصحوبة بِـ (ما) الزائدة. فإن كانت الأداة "إِنْ" فتأكيدُه حينئذٍ قريبٌ من الواجب، حتى قال بعضهم بوجوبه. ولم يَرِد في القرآن الكريم غير مؤكد، كقوله تعالى {فإِما يَنزَغنَّك من الشيطان نَزغٌ فاستعِذْ بالله} ، وقوله {فإمّا تَرَينَّ من البَشر أَحداً} . وَندَرَ استعْمالهُ غير مُؤكدٍ، كقول الشاعر [من البسيط] يا صاح، إِمَّا تَجِدْني غيرَ ذي جِدَةٍ ... فما التَّخلِّي عن الإِخوانِ من شِيمي وإن كانت الأداةُ غير "إن" فتأكيدُه قليل، نحو "حينما تكونَنَّ آتِكَ. متى تُسافِرَنَّ أُسافرْ". وأقلُّ منه أن يقع جواب شرطٍ، أو بعد أَدتةٍ غيرِ مصحوبة بِـ (ما) الزائدة.. فالأول كقول الشاعر [من الطويل] ومَهْما تَشأْ منهُ فَزارةُ تُعْطِكمْ ... ومَهْما تَشَأْ منهُ فَزارةُ تَمْنَعاً والآخرُ كقول الآخرُ [من الكامل] مَنْ نَثْقَفَنْ منهم فَلَيسَ بآيبٍ ... أَبَداً. وقَتْلُ بَني قُتيبَةَ شافي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 (3) أن يكون منفيًّا - بِـ (لا) - بشرطِ أن يكون جواباً للقسم - كقوله تعالى {واتقوا فِتنةً لا تُصيبَنَّ الذين ظلموا منكم خاصةً} . وأَقل منه أَن يكون منفيًّا بِـ (لم) كقول الشاعر، يَصفُ جبلاً عَمَّهُ الخِصبُ وحفَّهُ النبات: [من الرجز] يَحسَبُهُ الجاهلُ - ما لَمْ يَعْلَما - ... شيخاً على كُرسِيِّهِ مُعَمَّما وإنما سَوَّغَ توكيدَ المنفيّ بِـ (لم) مع أَنه في معنى الماضي، والماضي لا يُؤكدُ بالنون - كونه منفيًّا، وأنه مضارع في اللفظ. (4) أن يقعَ بعد (ما) الزائدة، غير مسبوقةٍ بأداة شرط. ومنه قولهم "بِعينٍ ما أرَيَنَّك"، وقَولهم بِجَهدٍ ما تَبْلُغنَّ! "، وقولهم "بألمٍ ما تُخْتَنِنَّهُ"، ويروى أيضاً تُخْتَتَنَّ" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وقول الشاعر [من الطويل] إذا ماتَ منهُم مَيِّتٌ سُرِقَ ابنُه ... ومِن عَضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شَكيرُها امتناع توكيد المضارع بالنون يمتنع تأكيدُ المضارع بالنون في أربع حالات (1) أن يكون غيرَ مسبوقٍ بما يُجيزُ توكيدَه كالقسم وأدوات الطلب والنفي والجزاء و (ما) الزائدةِ. (2) أن يكون منفيًّا وافعاً جواباً لقَسمٍ، نحو "واللهِ لا أنقُضُ عهدَ امتي". ولا فرق بين أن يكون حرفُ النفي ملفوظاً - كهذه الأمثلة - وأن يكون مُقدَّراً، كقوله تعالى {تاللهِ تفتأ تَذكُرُ يوسفَ} ، أَي "لا تفتأُ". (3) أن يكون للحال، نحو "واللهِ لتذهبُ الآنَ"، ومنه قول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الشاعر [من المتقارب] يَميناً لأُبغِضُ كُلَّ امرئ ... يُزَخرِفُ قولاً ولا يَفْعَل وقل الآخر [من الطويل] لئِنْ تَكُ قد ضاقتْ عليكمْ بُيوتُكمْ ... ليعلمُ رَبِّي أَنَّ بيتَي واسعُ (4) أن يكون مفصولا من لام جواب القسَم، كقوله تعالى {لئن مُتُّمْ، أو قُتِلْتُمْ لإِلى اللهِ تُحشرون} وقوله {ولَسَوفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} . احكام النون والفعل المؤكد بها (1) لا تَقعُ نون التوكيدِ الخفيفةُ بعد ضمير التَّثنية، فلا يقالُ "واللهِ لَتذهباننْ" ولا بعد نونِ النسوة فلا يقال "لا تَذهبننْ" أَما بعد واو الجماعة وياءِ المخاطبة فتقَعُ، نحو "هل تذهبونَنْ؟ هل تذهبيَننْ؟ " ونحو "لا تذهبُنْ. اذهبُن. لا تذهِبنْ. إذهِبنْ. (2) إِذا وقعت النون المشدَّدة بعد ضمير التَّثنية، ثبتت الألفُ، وكُسِرت النونُ تشبيهاً لها بنون التثنية في الأسماء نحو "اكتُبانِّ، لِيكتُبانِّ". فإن كان الفعل مضارعاً مرفوعاً، حُذفت نون الرفع أيضاً، كيلا تَتوالى ثلاثُ نونات، نحو "هل تكتُبانِّ؟ " والأصل "تكتباننَّ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 (وإنما ثبتت الألف مع اجتماع ساكنين - هي النون الأولى من النون المشددة - سهولة النطق بالألف مع ساكن بعدها) . (3) وإذا وقعت نونُ التوكيد بعد واوِ الجماعة - المضمومِ ما قبلها - أو ياء المخاطبة - المكسورِ ما قبلها - حُذفت واوُ الجماعة وياءُ المخاطبة، حَذَر التقاء الساكنين، وبقيتْ حركةُ ما قبلهما على حالها، نحو "أَكتُبُنَّ، أَكتُبِنَّ. لِيكتُبُنَّ، - أَدْعُنَّ. ادْعِنَّ. لِيَدْعُنَّ - إِرْمُنَّ إِرْمِنَّ لِيَرْمُنَّ"، والأصلُ "اكتُبونَّ. اكتُبينَّ. لِيكتُبونَّ - أدْعُونَّ، أُدْعِينَّ. لِيَدعُونَّ - إِرْمُونَّ. إِرْمِينَّ. لِيَرْمُونَّ". فإن كان الفعلُ مضارعاً مرفوعاً تُحذف نونُ الرفع أولاً، ثم تُحذفُ الواوُ والياءُ لاجتماع ساكنينِ بعد حذف النون، نحو "هل تَذهبُنَّ، هل تَذهِبنَّ" والأصل "تذهبونَنَّ تذهبينَنَّ". (حذفت نون الرفع كراهية اجتماع ثلاث نونات، فاجتمعت بعد حذفها ساكنان واو الجماعة أو ياء المخاطبة والنون الأولى من النون المشددة، فحذفت الواو والياء حذر التقاء الساكنين) . (4) إن كان ما قبلَ واو الجماعة وياء المخاطبة - المتّصلينِ بالنون - مفتوحاً، ثبتت الواوُ والياءُ، نحو "هل نَخشَوُنَّ؟ اخشَوُنَّ؟ هل ترْضَيِنَّ؟ إِرْضِينَّ" غير أن واو الجماعة تضمُّ، وياءَ المخاطبة تكسر، ويبقى ما قبلهما على حالة من الفتح، كما رأيت. (وحق الواو والياء أن تكونا ساكنتين وإنما حرّكت الواو بالضمة والياء بالكسرة تخلصاً من اجتماع ساكنين - وهما الواو أو الياء والنون الأولى من النون المشددة. واعلم أن النون المشددة حرفان أولهما ساكن. فان الحرف المشدد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 حرفان في اللفظ وان كان حرفاً واحداً في الخط) . (5) إذا لَحِقت نون التوكيد آخر الفعل المُسندِ إلى ضميرٍ مستترٍ أو اسمٍ ظاهر، فُتح آخرُهُ، نحو "هل تكتبَنَّ؟ لِيكتُبِنَّ زهيرٌ. أَكتبن" فإن كان مُعتلَّ الآخر بالألف قلَبتها ياءً، نحو "هل تَسعَينَّ؟ إِسعينَّ". (6) إذا أَكدتَ بالنون الأمرَ المبنيّ على حذف آخره، والمضارعَ، المجزوم نحذف آخره، رَددتَ إليه آخرهُ - إن كان واواً أَو ياءً - مبنيًّا على الفتح، فتقول في "ادعُ ولا تدعُ وامشِ ولا تمش" "ادْعونّ. لا تَدْعُونّ - إمشيَنَّ. لا تمشينَّ". فإن كان المحذوفُ ألفاً قلبتها ياءً، فتقول في "اخش وليخش" "إخشينَّ، ليخشينَّ". (7) إذا ولي نون النَّسوة نون التوكيد المُشدَّدةُ، وجب الفصل بينهما بألف، كراهية اجتماع النونات، نحو "يكتُبَنانِّ واكتُبْنانِّ". وحينئذٍ تُكسرُ نون التوكيد وجوباً، كما رأيت، تشبيهاً لها بالنون بعد ألف المثنى. أما النون المخفّفة فلا تَلحقُ نون النّسوة، كما تقدم. (8) النون المخفّفةُ ساكنةٌ كما علمت، فإن وَلِيها ساكنٌ حُذفت فراراً من اجتماع الساكنين، نحو "أكرم الكريم". والأصلُ "أكرِمَنْ". ومنه قول الشاعر [من المنسرح] ولا تُهينَنَّ الفقيرَ، عَلَّكَ أنْ ... تَرْكَعَ يوماً، والدَّهرُ قد رَفَعَه والأصل "لا تَهينَنْ". ويجوز قلبُها ألفاً عند الوقف، فتقول في اكتُبَنْ" - إذا وقفت عليه - "اكتُباً". ومنه قول الشاعر [من الكامل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 أقصِرْ، فَلَسْتَ بَمُقْصِرٍ، جُزْتَ الْمَدَى ... وَبْلَغتَ حيثُ النَّجْمُ تَحْتَكَ، فارْبَعا وقول الآخر [من الطويل] وإِيّاك والْمَيْتاتِ، لا تَقْرَبَنَّها ... ولا تَعْبُدِ الشيطانَ والله فاعبُدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 (الاسم وأقسامه) (الموصوف والصفة) الاسمُ على ضربين موصوفٍ وصفة. فالاسمُ الموصوفُ ما دلَّ على ذات الشيء وحقيقتهِ. وهو موضوعٌ لتُحملَ عليه الصفةُ كرجل وبحرٍ وعلمٍ وجهلٍ. ومنه المصدر وإسما الزمانِ والمكان وإسمُ الآلة. وهو قسمان اسمُ عينٍ، واسمُ معنىً. فاسم العين ما دلَّ على معنى يقومُ بذاتهِ كفرسٍ وحجرٍ. واسمُ المعنى ما دلَّ على معنى لا يقومُ بذاته، بل يقوم بغيره. ومعناه، إما وُجوديٌّ كالعلمِ والشجاعة والجُودِ وإما عَدَميٌّ كالجهلِ والجُبنِ والبُخل. والاسمُ الصفةُ ما دلَّ على صفة شيءٍ من الأعين أو المعاني، وهو موضوعٌ ليُحمَلُ على ما يوصفُ به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وهو سبعةُ أنواعٍ اسمُ الفاعلِ، واسمُ المفعولِ، والصفةُ المشبّهة، واسمُ التّفضيل، والمصدرُ الموصوفُ به، والاسمُ الجامدُ المتضمنُ معنى الصفةِ المشتقّةِ، والاسمُ المنسوب. (المذكر والمؤنث) الاسم إما مذكرٌ وإما مؤنثٌ. فالمذكرُ ما يَصحُّ أن تُشيرَ إليه بقولك "هذا" كرجلٍ وحصانٍ وقمرٍ وكتابٍ. وهو قسمانِ حقيقيٌّ وهو ما يَدُلُّ على ذكرٍ من الناس أو الحيوان كرجل وصبيّ وأسد وجمل، ومجازيٍّ وهو ما يُعامَلُ مُعاملةَ الذّكر من الناس أو الحيوانِ وليس منها كبدرٍ وليلٍ وبابٍ. والمؤنثُ ما يصحُّ أن تشير إليه بقولك "هذه" كامرأةٍ وناقةٍ وشمسٍ ودارٍ. وهو أربعةُ أقسامٍ لفظيٌّ ومعنويٌّ، وحقيقيٌّ ومجازيٌّ. فالمؤنثُ اللفظيُّ ما لحقتهُ علامةُ التأنيثِ، سواءٌ أدل على مؤنث كفاطمةَ وخديجةَ، أم على مذكرٍ مطلحة وحمزة وزكريَّاء وبُهْمة. والمؤنّثُ الحقيقيُّ ما دلَّ على انثى من الناسِ أو الحيوانِ كامرأةٍ وغُلامةٍ وناقةٍ وأتانٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 والمؤنثُ المجازيُّ ما يُعاملُ مُعاملةَ الأنثى من الناسِ أو الحيوانِ، وليس منها كشمسٍ ودارٍ وعينٍ ورجلٍ. ومن الأسماءِ ما يُذكَّرُ ويُؤنَّثُ كالدَّلوِ والسكين والسبيلِ والطريق والسوقِ واللسانِ والذِّراعِ والسلاحِ والصَّاعِ والعُنُقِ والخمرِ، وغيرها. ومنها ما يكون للمذكر والمؤنثِ، وفيه علامة التأنيث كالسَّخلةِ والحيّةِ والشاةِ والرّبعةِ. علامات التأنيث للتأنيثِ ثلاثُ علاماتٍ التاءُ المربوطةُ، وألفُ التأنيثِ المقصورةُ، وألفهُ الممدودةُ كفاطمة وسلمى وحَسناء. فالتاءُ المربوطةُ تَلحقُ الصفاتِ تَفْرِقةً بين المذكرِ منها، والمؤنث كبائع وبائعةٍ، وعالمٍ وعالمةٍ، ومحمودٍ ومحمودةٍ، ولِحاقُها غير الصِّفات سَماعيٌ كتَمْرةٍ وغُلامةٍ وحمارةٍ. والأوصافُ الخاصةُ بالنساءِ لا تلحقها التاءُ إلا سماعاً، فلا يُقال "حائضةٌ وطالقةٌ وثَيّبةٌ ومُطفِلةٌ ومُتْئمةٌ"، بل "حائضٌ وطالقٌ وثيبٌ ومُطفلٌ ومُتْئمٌ". وسُمع "مُرْضِعةٌ"، قال تعالى {يومَ تذهلُ كلُّ مُرضعةٍ عمّا أرْضَعَتْ} . والأصلُ في لحاق التاءِ الأسماءَ إنما هو تمييزُ المؤنثِ من المذكرَ. وأكثرُ ما يكون ذلك في الصفات ككريم وكريمة وفاضل وفاضلة. وهو في الأسماءِ قليلٌ كإمريء وإمرأةٍ، وإنسانٍ وإنسانةٍ، وغُلامٍ وغلامةٍ، وفتىً وفتاةٍ ورَجُل ورَجُلةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وتكثُرُ زيادةُ التاءِ لتمييز الواحد من الجنس في المخلوقات كَثمَرٍ وثمَرةٍ وتمرٍ وتَمرةٍ، ونخلٍ ونخلةٍ، وشجرٍ وشجرةٍ. وتقل في الموضوعات كجرٍّ وجرَّةٍ. ولِبنٍ ولبنةٍ وسفينٍ وسفينة. وقد يُؤتى بها للمبالغة كعلاَّمة وفهّامة ورحّالة. وقد تكون بدلا من ياءِ (مفاعيلَ) كجحاجِحةٍ ويكثر ذلك في المُعرَّب كزنادقةٍ، أو بدَلا من ياءِ النّسبة كدَماشقة ومشارقة ومغاربة، أو للتعويض من فاءِ الكلمة المحذوفة كعِدَة (وأصلُها وَعْدٌ) ، أو من عينها المحذوفة كإقامةٍ (وأصلُها إقوامٌ) ، أو من لامها المحذوفة كلُغةٍ (أصلُها لُغوٌ) . ما يستوي فيه المؤنث والمذكر ما كان من الصفات على وزن (مِفْعل) كمغْشَمٍ ومِقْوَلٍ أو (مِفعالٍ) كمِعْطارٍ ومِقْوالٍ، أو (مِفْعيلٍ) كمِعطيرٍ ومِسكيرٍ، أو (فَعولٍ) بمعنى فاعل كصَبورٍ وغَيورٍ، أو (فَعيل) بمعنى مفعولٍ. كقتيلٍ وجريحٍ، أو على وزن (فِعْلٍ) بمعنى مفعول كذِبْجٍ وطِحْنٍ، أو (فَعَلٍ) بمعنى مفعول كجَزرٍ وسَلبٍ أو مصدراً مُراداً به الوصفُ كعَدْلٍ وحَقٍّ - يستوي فيه المذكرُ والمؤنث، فلا تلحقهُ علامةُ التأنيث، يقال "رجلٌ مِغْشمُ ومِقوالٌ ومِسكيرٌ وغيورٌ وقتيلٌ وعدلٌ، وجمَلٌ ذِبْحٌ وجزَرٌ، وإمرأَةٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 مقْوالٌ ومِعْطارٌ ومِعطيرٌ وجَريحٌ وعَدْلٌ، وناقةٌ وذبحٌ وجزرٌ". وما لحِقتهُ التاءُ من هذه الأوزان كعدُوَّةٍ ومِيقانةٍ ومِسكينة ومِعطارة، فهو شاذٌّ. وإن كان (فَعولٌ) بمعنى (مفعول) تَلحقهُ التاءُ كأكولةٍ بمعنى مأكولة، وركوبة بمعنى مركوبة، وحلوبة بمعنى محلوبةٍ. ويقال أيضاً أكولٌ وركوبٌ وحلوبٌ. وإن كان (فعيلٌ) بمعنى (فاعلٍ) لحِقتهُ التاءُ ككريمة وظريفة ورحيمة. وقد يُجرَّدُ منها كقوله تعالى {إنَّ رحمةَ اللهِ قريبٌ من المُحسنين} . وإن كان بمعنى (مفعول) ، فإن أُريدَ به معنى الوصفية، وعُلمَ الموصوفُ، لم تلحقهُ في الأكثر الأغلب "كإمرأةٍ جريحٍ، وقد تلحقهُ على قلةٍ كخَصلةٍ حميدةٍ وفعلةٍ ذميمة. وإن استُعملَ استعمالَ الأسماء لا الصفات لحِقتهُ التاءُ كذبيحة وأَكيلة ونطيحة. وكذا إن لم يُعلمِ الموصوفُ أَمذكرٌ هو أم مؤنثٌ؟ مثل "رأيتُ جريحة". أما إذا عُلمَ فلا، نحو "رأيتُ امراةً جريحاً" أو "رأيتُ جريحا مُلقاةً في الطريق"، ونحو "كوني صبوراً على المصائبِ، حمولاً للنَّوائبِ". (المقصور والممدود والمنقوص) الإسمُ، إِما صحيحُ الآخر وهو ما ليس آخرُه حرفَ علَّة، ولا ألفاً ممدودة كالرجلِ والمرأة والكتابِ والقلمِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وإما شِبهُ الصحيحِ الآخر وهو ما كان آخرُه حرفَ علَّة ساكناً ما قبلهُ كدلْو وظبيٍ وهدْيٍ وسعيٍ. (سمي بذلك لظهور الحركات الثلاث على آخره، كما تظهر على الصحيح الآخر، مثل "هذا ظبي يشرب من دلوٍ" و"رأيت ظبياً، فملأت له دلواً") . وإما مقصورٌ، وإما ممدودٌ، وإما منقوص. الاسم المقصور الإسم المقصورُ هم اسمٌ مُعربٌ آخرُه ألفٌ ثابتةٌ، سواءٌ أكتبتْ بصورة الألف كالعصا، أم بصورة الياء كموسى. ولا تكونُ ألفُهُ أصليَّة أبداً وإنما تكونُ منقبلة، أو مزيدة. والمنقلبةُ، إما منقلبةٌ عن واوٍ كالعصا، وإما منقلبةٌ عن ياءٍ كالفتى، فإنك تقولُ في تثنيتهما "عصَوانِ، وفتيانِ". والمزيدةُ، إما أن تُزادَ للتأنيث كحُبلى وعطشى وذكرى، فإنها من الحبَل والعطشِ والذكر. وإما أن تُزادَ للإلحاق كأرْطى وذِفرى. الأولى مُلحَقَةٍ بجعفر والأخرى ملحقةٍ بِدِرهم. وتسمى هذه الألف "الألفَ المقصورة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 وهي ترسم بصورة الياء، إن كانت رابعةً فصاعداً كبُشرى ومُصطفى ومُستشفىً، أو كانت ثالثةً أصلها الياء كالفتى والهدى والندى؛ وترسم بصورة اللف إن كانت ثالثة أَصلها الواو كالعصا، والعلا، والرُّبا. وإذا نُوِّنَ المقصورُ حُذِفت ألفُه لظفاً، وثَبتت خطًّا مثل "كنْ فتىً يدعو إلى هدىً". والمقصورُ على نوعينِ قِياسيٌّ وسماعيٌّ. الاسم المقصور القياسي الإسمُ المقصورُ القياسيُّ يكون في عشرةِ أنواع من الأسماء المعتلَّةِ الآخر، وهي الأول مصدرُ الفعل اللازِم الذي على وزنِ (فَعِلَ) ، بكسر العين، فإنَّ وزنَه "فَعَلٌ"، بفتحتين مثل جَوِيَ جَوىً، ورَضِيَ رِضاً، وغَنِيَ غِنىً". الثاني ما كان على وزن (فِعَلٍ) بكسرٍ فَفتحٍ، ممَّا هو جمعُ "فِعْلة" بكسرٍ فسكونٍ، مثل "مِرىً وحِلىً"، جمع "مِرْية وحِلية". الثالثُ ما كان على وزن (فُعَل) بضمٍّ ففتحٍ، ممَّا هو جمعُ "فُعْلة" بضمٍّ فسكونٍ مثل "عُراً ومُدى ودُمى" جمع "عُرْوة ومُدْية ودُمْية". الرابعُ ما كان على وزن (فَعَل) بِفتحتينِ، من أسماء الأجناس، التي التي تدُلُّ على الجمعيَّة، إذا تجرَّدتْ من التَّاء، وعلى الوحدة إذا لحِقتها التّاء، مثل "حصاةٍ وحصىً، وقطاةٍ وقطاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 الخامِسُ اسمُ المفعول الذي ماضيه على ثلاثة أحرف، مثل "معطىً ومصطفىً ومستشفىً". السادسُ وزنُ (مَفْعَل) بفتحِ الميم والعين، مدلولا به على مصدر أو زمان أو مكان؛ مثل "المحْيا والمأتى والمرْقى". السابعُ وزن (مِفْعِل) بكسر الميم والعين، مدلولا به على آلة، مثل "المِكوى والمِهدى والمْرْمى". الثامنُ وزن (أفعلَ) صفة للتَّفضيل، مثل "الأدنى والأقصى" أو لغير التفضيل، مثل الأحوى والأعمى". التاسعُ جمعُ المُؤنثِ من (أَفعلَ) للتفضيل مثل "الدنا والقِّصا" جمع الدُّنيا والقُصوى". العاشرُ مؤنثُ "أَفعلَ" للتَّفضيل من الصحيح الآخرِ أو معتلّةِ مثل "الحُسنى والفُضلى" تأنيثِ "الأحسن والأفضل" والدُّنيا والقُصوى تأنيثِ "الأدنى والأقصى". الاسم المقصور السماعي الاسمُ المقصورُ السماعيُّ يكون في غير هذه المواضعِ العشرة ممَّا ورَدَ مقصوراً، فيْحفَظُ ولا يقاسُ عليه، وذلك مثل الفتى وألحِجا والثَّرى والسَّنا والهُدى والرَّحى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 الاسم الممدود الاسم الممدودُ هو اسمٌ مُعربٌ، آخرُهُ همزةٌ قَبلها ألفٌ زائدةٌ، مثل "السَّماءِ والصَّحراءِ". (فان كان قبل آخره ألفٌ غير زائدة فليس باسمٍ ممدودٍ، وذلك مثل "الماء والداء". فهذه الألفُ ليست زائدة، وانما هي منقلبة. والاصل "مَوَء ودَوَء". بدليل جمعهما على "أمواء وأدواء") . وهمزتُهُ إمَّا أن تكون أصليةً، كقُرَّاءٍ، وَوُضّاءٍ لأنهما من "قرأَ وَوُضوءَ". وإمَّا أنْ تكون مُبدَلة من واو أو ياء. فالمبدلةُ من الواو مثل "سَماءٍ وعدّاءٍ" وأَصلُهما "سَماوٌ وعدّوٌ" لأنهما من "سما يَسمو، وعدا يعدو". والمبدَلةُ من الياءِ، مثل "بنَّاء ومَشَّاء"، وأَصلُهما "بِنايٌ ومَشايٌ" لأنهما من "بنى يَبني، ومشى ويمشي". وإما أن تكون مزيدة للتأنيث كحسناءَ وحمراء، لأنهما من الحُسنِ والحُمرة. وإما أن تكون مزيدة للإلحاق كحِرباءِ وقوباءِ. والممدودُ قسمان قياسيٌّ وسماعيٌّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الممدود القياسيُّ الإسمُ الممدودُ القياسيُّ في سبعة أنواع من الاسماء المعتلَّة الآخر. والأولُ مصدرُ الفعلِ المزيد في أوله همزةٌ، "آتى إيتاء، وأعطى إعطاء، وانجلى انجلاءً، وارعوى ارعواء، وارتأى ارتئاء، واستقصى استقصاء". الثاني ما دلّ على صوت، من مصدرِ الفعل الذي على وزن "فَعلَ يَفْعُلُ" (بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع) مثل "رَغا البعيرُ يرغو رغاءً، وثَغَثِ الشّاةُ تَثغو ثُغاء". الثالثُ ما كان من المصادر على "فِعال" (بكسر الفاءِ) مصدراً لِفاعلَ مثل "والى ولاء" "وعادي عِداء، ومارى مِراء، وراءى رِئاء، ونادى نداء، ورامى رِماء". الرابعُ ما كان من الأسماء على أربعة أحرف، مما يُجمعُ على (أَفعِلة) مثل كِساء وأَكسية ورِداء وأردية، وغطاء وأغطية، وقباء وأقبية". الخامسُ ما صِيغ من المصادر على وزن (تَفْعال) أو (تِفْعال) ، مثل "عدا يعدو تعداء، ومشى يمشي تمشاء". السادسُ ما صيغ من الصفاتِ على وزن (فَعَال) أو (مِفْعال) للمبالغة، مثل "العدَّاءِ والمِعطاء". السابعُ مؤنثُ "أفعلَ" لغيرِ التفضيل، سواءٌ أكان صحيحَ الآخر، مثل "أحمرَ وحمراء، وأعرجَ وعرجاء؛ وأنجلَ ونجلاء، أم مُعتلّة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 مثل أحوى وحَوَّاء، وأعمى وعَمياء، وألمى ولمياء". الممدود السماعي الاسمُ الممدودُ السّماعيُّ يكون في غير هذه المواضِع السبعة مما ورَدَ ممدوداً، فَيُحفَظُ ولا يُقاسُ عليه. وذلك مثل "الفَتاءِ والسَّناءِ والغَناءِ والثّراءِ. قصر الممدود ومد المقصور يجوزُ قَصرُ الممدود، فيقال في دُعاء "دُعا" وفي صفراء "صفرا". ويَقبُحُ مدُّ المقصور فيقبُحُ أن يقالَ في عصا "عصاء. وفي غِنى "غِناء". الاسم المنقوص الاسمُ المنقوصُ هو اسمٌ معرَب آخرُه ياءٌ ثابتةٌ مكسورٌ ما قبلها، مثل "القاضي والرَّاعي". (فان كانت ياؤه غير ثابتة فليس بمنقوص، مثل "أحسن الى أخيك". وكذا ان كان ما قبلها غير مكسور. مثل "ظبي وسعي") . وإذا تَجرَّدَ من (ألْ) والإضافةِ حذفتْ ياؤهُ لفظاً وخطًّا في حالتي الرَّفع والجرِّ، نحو "حكمَ قاضٍ على جانٍ"، وثبتتْ في حال النصب، نحو "جعلك اللهُ هادياً إلى الحق، داعياً إليه". أما معَ (أل) والإضافة فَتثبُتُ في جميع الأحوال، نحو "حكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 القاضي على الجاني" و"جاء قاضي القُضاة". وترد إليه ياؤُهُ المحذوفة عند تثنيته، فتقول في قاضٍ "قاضيان" (اسم الجنس واسم العلم) الاسمُ أيضاً على نوعين اسمُ جنس، واسمُ عَلَم. اسم الجنس اسمُ الجنسِ هو الذي لا يختصُّ بواحد دون آخرَ من أفراد جنسه كرجل وامرأة ودار وكتاب وحصان. ومنه الضمائرُ، وأسماءُ الاشارة، والأسماءُ الموصوله، وأسماءُ الشرط، وأسماءُ الاستفهام. فهي أسماءُ أجناس، لأنها لا تختصُّ بفرد دون آخر. ويُقابلهُ العَلَمُ، فهو يختصُّ بواحد دون غيره من أفراد جنسه. (وليس المرادُ بإسم الجنس ما يقابل المعرفة، بل ما يجوز اطلاقه على كل فرد من الجنس. فالضمائر، مثلا، معارف، غير أنها لا تختص بواحد دون آخر. فإنّ "أنت" ضمير للواحد المخاطب. ويصح أن تخاطب به كل من يصلح للخطاب. و "هو" ضمير للغائب. ويصح أن يكنى به عن كل مذكر غائب. و"أنا" ضمير للمتكلم الواحد. ويصح أن يكنى به عن نفسه كل متكلم. فأنت ترى أن معناها يتناول كل فرد. ولا يختص بواحد دون آخر. وقس على ذلك أسماء الإشارة والأسماء الموصولة. فإسم الجنس انما يقابل العلم فذاك موضوع ليتناول كل فرد. وهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 مختص بفرد واحد لا يتناول غيره وضعاً) . اسم العلم العَلَمْ اسمٌ يَدُلُّ على معيّن، بحسَب وضعه، بلا قرينة كخالد وفاطمةَ ودِمَشقَ والنّيلِ. ومنه أسماء البلاد والأشخاص والدُّولِ والقبائل والأنهار والبحار والجبال. (وإنما قلنا "بحسب وضعه"، لأن الاشتراك بحسب الإتفاق لا يضر؛ كخليل المسمى به أشخاص كثيرون، فاشتراكهم في التسمية انما كان بحسب الإتفاق والتصادف، لا بحسب الوضع، لأن كل واحد من الواضعين انما وضع هذا الاسم لواحد بعينه. أما النكرة كرجل، فليس لها اختصاص بحسب الوضع بذات واحدة، فالواضع قد وضعها شائعة بين كل فرد من أفراد جنسها، وكذا المعرفة من أسماء الأجناس كالضمائر وأسماء الإشارة، كما قدمنا. والعلم يعين مسماه بلا قرينة أما بقية المعارف، فالضمير يعين مسماه بقرينة التكلم أو الخطاب أو الغيبة. واسم الإشارة يعينه بواسطة إشارة حسية أو معنوية. واسم الموصول يعينه بواسطة الجملة التي تذكر بعده. والمعرّف بأل يعينه بواسطتها. والنكرة المقصودة بالنداء تعينه بواسطة قصدها به. والنكرة المضافة إلى معرفة تعينه بواسطة إضافتها إليها) . وينقسمُ العَلمُ إلى علم مفرد كأحمد وسليم، ومُركّب إضافيّ. كعبدِ الله وعبد الرحمن، ومركب مزجيّ كبعلبكّ وسيبويهِ، ومركب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 إسناديّ كجادَ الحقُّ وتأبط شرًّا (عَلَمينِ لرجلينِ) وشابَ قَرْناها (عَلَماً لامرأة) . وينقسم أيضاً إلى اسم وكنية ولقب، وإلى مُرتجل ومنقول، وإلى علَم شخص وعلمِ جنس. ومن أنواعه العَلمُ بالغَلبة. الاسم والكنية واللقب العَلمُ الإسمُ ما وُضعَ لتعيينِ المُسمّى أولاً، سواءٌ أدلَّ على مدح، أم ذم، كسعيد وحنظَلةَ، أمْ كان لا يَدُلُّ، كزيد وعمرو. وسواءٌ أُصدّرَ بأب أو أم، أم لم يُصدَّر بهما، فالعبرةُ بإسميَّةِ العلم إنما هو الوضعُ الأوَّليُّ. والعلمُ الكُنيةُ ما وضعَ ثانياً (أي بعد الاسم) وصُدّرَ بأب أو أمّ كأبي الفضلِ، وأُمَّ كلُثوم. والعلمُ اللّقبُ ما وُضعَ ثالثاً (أي بعد الكُنية) وأشعرَ بمدح كالرَّشيد وزَينِ العابدين، أو ذمٍّ كالأعشى والشَنْفري، أو نسبة إلى عشيرة أو قبيلة أو بلدة أو قُطر كأن يُعرَفَ الشخصُ بالهاشميّ أو التَمميَ أو البغداديٍّ أو المِصريِّ. ومن كان لهُ علمٌ مُصدَّر بأب أو ام، ولم يُشعِر بمدح أو ذمّ، ولم يوضع له غيرُه كان هذا العلمُ اسمَهُ وكُنيتهُ. ومن كان له علمٌ يدلُّ على مدح أو ذمّ، ولم يكن مصدَّراً بأب أوْ أمٍّ، ولم يكن له غيرُه، كان اسمَهُ ولقبه. فإن صُدِّرَ - مع إِشعارِه بمدح أو ذمّ - بأب أو أُمّ، كان اسمه وكنيته ولقبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فالمشاركةُ بين الاسم والكُنية واللّقب قد تكون، إن وضِعَ ما يَصلحُ للمشاركةِ وضعاً أوَّليًّا. أحكام الاسم والكنية واللقب إذا اجتمع الاسمُ واللّقبُ يُقدَّم الاسمُ ويؤخرُ اللّقب كهارون الرشيد، وأُوَيس القَرنيّ. ولا ترتيب بين الكنية وغيرها تقول "أبو حفْصَ عُمَرُ أو عمرُ أبو حفصٍ". وإذا اجتمع علمانِ لِمُسمًّى واحد، فإن كانا مفردَين أَضفتَ الأولَ إلى الثاني، مثل "هذا خالد تميم". ولك أَن تتبع الآخر الاولَ في إعرابه على أنه بدلٌ منه أَو عطفُ بيان له، فتقول "هذا خالدٌ تميمٌ"، إلا إن كان الاول مسبوقاً بأل، أو كان الثاني في الاصلِ وصفاً مُقترناً بأل، فيجب الاتباع، مثل "هذا الحارث زيدٌ، ورحمَ الله هارون الرَّشيدَ، وكان حاتمُ الطّائيُّ مشهوراً بالكرم". وإِن كانا مُركبين، أَو كان أَحدُهما مفرداً والآخر مُركباً، أَتبعت الثانيَ الأوَّل في إعرابه وجوباً، تقول "هذا أبو عبدِ الله محمدٌ" ورأيتَ أَبا عبد الله محمداً، ومررتُ بأبي عبد الله محمد"، وتقول "هذا عليٌّ زينُ العابدينَ، ورأَيت عليًّا زينَ العابدين، ومررت بعليّ زينِ العابدين"، وتقول "هذا عبدُ الله عَلمُ الدِّين، ورأَيت عبدَ الله علمَ الدِّين، ومررت بعبد الله علمِ الدين". العلم المرتجل والعلم المنقول العَلمُ المُرتجل مالم يسبِق له استعمالٌ قبل العلميّة في غيرها بل استُعمل من أول الأمر علماً كسعادَ وعُمرَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 والعلمُ المنقول (وهو الغالب في الأعلام) ما نقل عن شيء سبق استعماله فيه قبل العلميّة. وهو إما منقولٌ عن مصدر كفضل وإِما عن اسم جنس كأسد وإما عن صفة كحارث ومسعود وسعيد، وإما عن فعل كشمَّر وأبان ويَشكر ويحيى واجذِمْ وقُمْ وإما عن جملة كجاد الحقُّ، وتأبط شرًّا. علم الشخص وعلم الجنس العلَمُ الشَّخصي ما خُصِّصَ في أصل الوضع بِفردٍ واحدٍ، فلا يتناولُ غيرَهُ من أفراد جنسه كخالدٍ وسعيدٍ وسعادَ. ولا يَضره مشاركةُ غيرِهِ إيَّاهُ في التَّسمية، لانَّ المشاركة إنما وقعت بحسَب الإتفاق، لا بحسبِ الوضع. وقد سبقَ الكلامُ عليه. والعَلم الجنسيُّ ما تناولَ الجنسَ كلَّهُ غيرَ مُختصٍّ بواحدٍ بعينهِ كأسامةِ (عَلماً على الاسدِ) ، وأبي جَعْدةَ (على الذئب) ، وكسرى (على من مَلَكَ الفُرسَ) ، وقيصرَ (على من ملكَ الرُّومَ) ، وخاقان (على من ملكَ التُّركَ) ، وتُبَّعٍ (على من ملك اليمنَ) ، والنَّجاشي (على من ملك الحبشة) ، وفِرْعَونَ (على من ملكَ القبطَ) ، والعزيز (على من ملكَ مصرَ) . وهو يكونُ اسماً كثُعالى، (للثَّعلب) ، وذُؤالة، (للذئب) . ويكونُ كُنيةً كأمِّ عِرْيَطٍ (للعقربِ) ، وأمِّ عامر (للضَّبُعِ) ، وأبي الحارثِ (للأسد) ، وأبي الحُصَين (للثَّعلبِ) . ويكون لقباً كالأخطلِ (للهِرِّ) ، وذي النَّابِ (للكلب) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وقد يكونُ علماً على المعاني كبرَّةَ (علماً على البِرّ) وفَجارِ على الفَجْرةِ، وكَيْسانَ (على الغَدرِ) ، وأمِّ قَشْعمٍ (على الموت) ، وأمِّ صَبورٍ (على الأمر الشديد) ، وحَمادِ للمَحْمَدة، ويَسارِ (للمَيسرة) . (وعلم الجنس نكرة في المعنى، لانه غيرُ مختص بواحد من افراد جنسه كما يختصُ علم الشخص. وتعريفُه انما هو من جهة اللفظ، فهو يعامل معاملة علم الشخص في أحكامه اللفظية والفرق بينهما هو من جهة المعنى، لان العلم الشخصي موضوع لواحد بعينه، والموضوع الجنسي موضوع للجنس كله. أما من جهة اللفظ فهو كعلم الشخص من حيث أحكامه اللفظية تماماً، فيصح الابتداء به مثل "ثعالة مراوغ"؛ ومجيء الحال منه، مثل "هذا أسامة مقبلا". ويمتنع من الصرف إذا وجد مع العلمية علة أُخرى، مثل "ابتعد من ثعالة". ولا يسبقه حرف التعريف؛ فلا يقال "الأسامة"، كما يقال "الأسد". ولا يضاف، فلا يقال "أسامة الغابة"؛ كما تقول "أسد الغابة". وكل ذلك من خصائص المعرفة. فهو بهذا الإعتبار معرفة. والفرق بينه وبين اسم الجنس النكرة، أن اسم الجنس نكرة لفظاً ومعنى. أما معنىً فلعدم اختصاصه بواحد معين، وأما لفظاً فلانه تسبقه "أل" فيعرف بها، ولانه لا يبتدأ به ولا تجيء منه الحال. وأما علم الجنس فهو نكرة من حيث معناه، لعدم اختصاصه، معرفة من حيث لفظه، فله أحكام العلم اللفظية كما قدمنا. ولا فرق بينه وبين المعرف بأل الجنسية من حيث الدلاة على الجنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 برمته، ومن حيث التعريف اللفظي، تقول "أسامة شجاع، كما تقول "الاسد شجاع"، فهما نكرتان من جهة المعنى، معرفتان من جهة اللفظ. فعلم الجنس عند التحقيق كالمعرف بأل الجنسية من حيث المعنى والإستعمال اللفظي) . العلم بالغلبة وقد يَغلِبُ المُضافُ إلى معرفةٍ والمُقترِنُ بأل العهديةِ على ما يُشارِكُهما في الدَّلالة، فيصيرانِ عَلمينِ بالغَلبة، مُختصَّينِ من بين سائر الشُّركاء بواحدٍ، فلا ينصرفان إلى غيره. وذلك كابنِ عباسٍ وابنِ عُمرَ وابن مالك والعَقَبةِ والمدينة والألفيّة، فهيَ أعلامٌ بغَلبَةِ الإستعمال، وليستْ أعلاماً بحَسَبِ الوضعِ. (فابن عباس هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. وابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب. وابن مالك هو محمد بن مالك صاحب الأرجوزة الألفية المشهورة في النحو. والعقبة ميناء على ساحل البحر الاحمر. والمدينة مدينة الرسول (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) وكان اسمها يثرب، والالفية هي الأرجوزة النحوية التي نظمهاابن مالك. وكل هذه الأعلام يصح إطلاقها في الأصل على كل ابن للعباس وعمر ومالك، وعلى كل عقبة ومدينة وألفية. لكنها تغلبت بكثرة الإستعمال على ما ذكر فكانت عليها بالغلبة) . إعراب العلم الَعلمُ المُفردُ يُعرَبُ كما يقتضيه الكلامُ من رفعٍ أو نصبٍ أو جرٍّ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 نحو "جاء زهيرٌ، ورأيتُ زهيراً ومررتُ بزهيرٍ". والمركّبُ الإضافيُّ يُعرَبُ جُزؤهُ الأوَّلُ كما يقتضيه الكلامُ، ويُجبر الجزءُ الثاني بالإضافة. والمركبُ المزجيُّ يكون جزؤهُ الاول مفتوحاً دائماً، وجزؤهُ الثاني، إن لم يكن كلمةَ "وَيْهِ"، يُرفعُ بالضمة، وينصبُ ويُجرّ بالفتحة، لأنه ممنوعٌ منَ الصّرف للعلميّة والتركيب المزجيّ، مثل "بعلبكُّ بلدةٌ طيبةُ الهواء، ورأيتُ بعلبكَّ، وسافرت إِلى بعلبكَّ وإن كان جزؤهُ الثاني كلمةَ "وَيْهِ" يكنْ مبنيًّا على الكسر دائماً، وهو في محلّ رفعٍ أو نصبٍ أو جرٍّ، كما يقتضيه مركزهُ في الجملة؛ مثل "رُحِم سِيبويهِ، ورَحِم اللهُ سيبويهِ، ورَحمةُ اللهِ على سيبويهِ". والمركَّبُ الإسناديُّ يبقى على حاله فيُحكى على لفظه في جميع الأحوال، ويكونُ إعرابهُ تقديريًّا، تقول "جاء جادَ الحقُّ، ورأيتُ جادَ الحقُّ، ومررتُ بجادَ الحقُّ". والمركَّبُ العَدَيّ كخمسةَ عشرَ، وما جرى مجراهُ كحَيْصَ بَيْصَ، وبيْتَ بَيْتَ، إن سَمَّيتَ بهما، أبقيتهما على بنائهما، كما كانا قبل العلمية. ويجوزُ إعرابُهما إِعرابَ مالا ينصرفُ. كأنهما مُركَّبانِ مَزجيَّانِ. فيجرِيانِ مجرى "بعلبكَّ وحَضرموت". والأول أَولى. (الضمائر وأنواعها) الضميرُ ما يُكنى به عن مُتكلمٍ أو مخاطبٍ أو غائبٍ، فهو قائمٌ مَقامَ ما يُكنى به عنه، مثل "أنا وأنتَ وهو"، وكالتاءِ من "كتبتُ وكتبتَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وكتبتِ" وكالواوِ من "يكتبون". وهو سبعةُ أنواعٍ مُتَّصلٌ، ومنفصلٌ، وبارزٌ، ومستترٌ، ومرفوعٌ، ومنصوبٌ، ومجرور. الضمير المتصل الضَّميرُ المتصلُ ما لا يُبتدأُ به، ولا يقعُ بعد "إلا" إلاَّ في ضَرورة الشعر. كالتاءِ والكاف من "أكرمتُكَ"، فلا يُقالُ "ما أكرمتُ إلاّكَ". وقد وردَ في الشعر ضَرورةً، كما قال الشاعر [من البسيط] وما عَليْنا إذا ما كُنتِ جارَتَنا ... ألاَّ يُجاوِزنا إلاَّكِ دَيَّارِّ وكما قال الآخر [من الطويل] أَعوذُ بِرَبِّ العَرشِ من فِئَةٍ بَغَتْ ... عليَّ، فمالي عَوْضُ إِلاَّاهُ ناصِرُ وهو، إما أن يتصلَ بالفعل كالواو من "كتبوا"، أو بالإسم كالياءِ من "كتابي"، أو بالحرف كالكاف من "عليك". والضمائرُ المتصلةُ تسعةٌ، وهي "التاءُ ونا والواوُ والألفُ والنونُ والكافُ والياءُ والهاءُ وها". فالألفُ والتاءُ والواوُ والنونُ، لا تكونُ إلاَّ ضمائرَ للرفع، لانها لا تكون إلا فاعلاً أو نائبَ فاعل، مثل "كتبا وكتبت وكتبوا وكتبْنَ". "نا والياءُ" تكونانِ ضميرَيْ رفعٍ، مثل كتَبْنا وتكتُبين واكتُبي"، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وضميرَيْ نصبٍ، مثل "أكرمني المعلم، وأكرَمَنا المعلمُ" وضميرَيْ جَرٍّ، مثل "صرفَ اللهُ عنّي وعنّا المكروَ". "والكافُ والهاءُ وها" تكونُ ضمائرَ نصبٍ، مثل "أكرمتك وأكرمته وأكرمتها"، وضمائرَ جرّ، "أحسنتُ إليكَ وإليه وإليها". ولا تكونُ ضمائرَ رفعٍ، لأنها لا يُسند إليها. فوائد ثلاث (1) واو الضمير والهاء المتصلة بها ميم الجمع خاصتان بجمع الذكور العقلاء، فلا يستعملان لجمع الإناث ولا لجمع المذكر غير العاقل. (2) الضمير في نحو "جئتما وجئتم وجئتن" إنما هو التاء وحدها، وفي نحو "أكرمكما وأكرمكم وأكرمكن" إنما هو الكاف وحدها، وفي نحو "أكرمهما وأكرمهم وأكرمهن" إنما هو الهاء وحدها. والميم والألف اللاحقتان للضمير حرفان هما علامة التثنية. ومن العلماء من يجعل الميم حرف عماد، والالف علامة التثنية. وسميت الميم حرف عماد، لاعتماد المتكلم والسامع عليها في التفرقة بين ضمير التثنية وضمير الواحدة، وليس هذا القول ببعيد. والميم وحدها اللاحقة للضمير، حرف هو علامة جمع الذكور والعقلاء. والنون المشددة، اللاحقة للضمير؛ حرف هو علامة جمع المؤنث. ومن العلماء من ينظر الى الحال الحاضرة، فيجعل الضمير وما يلحقه من العلامات كلمة واحدة بإعراب واحد. وهذا أقرب، والقولان الأولان أحق. (3) تضم هاء الضمير، إلا إن سبقها كسرة أو ياء ساكنة فتكسر، تقول "من عثر فأقله عثرته، وخذه بيده إشفاقاً عليه، وإحساناً إليه" وتقول "هذا أبوهم، وأكرمت أباهم، وأحسنت إلى أبيهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 (4) يجوز في ياء المتكلم السكون والفتح، إلا إن سبقها ساكن، كألف المقصور وياء المنقوص وألف التثنية ويائي التثنية والجمع، فيجب فتحها دفعاً لالتقاء الساكنين، مثل "هذه عصاي، وهذا راجيّ، وهاتان عصواي، ورفعت عصويّ، وهؤلاء معلميّ". (5) تبدل ألف "إلى وعلى ولدى" ياءً، إذا اتصلت بضمير مثل "إليّ، وعليه، ولديك". نون الوقاية إذا لحقت ياءُ المتكلم الفعلَ أو اسمَ الفعل، وجب الفصلُ بينهما بنونٍ تُسمى (نون الوقاية) ، لأنها تَقي ما تَتَّصلُ به من الكسر (أي تَحْفَظُهُ منهُ) . تقول "أكرَمنِي، ويُكرمني، وأكرمني، وتكرمونني، وأَكرمتَني، وأكرَمتْني فاطمةُ"، ونحو "رُوَيْدَني، وعليكَني". وإن لحقت الأحرفَ المُشبَّهةَ بالفعل، فالكثيرُ إثباتُها معَ "ليتَ" وحذفُها مع "لعلّ"، وبه وردَ القرآن الكريم، قال تعالى "يا ليتني كنتُ معهم فأفوزَ فوزاً عظيما"، وقال جلَّ شأنُهُ "لعَلّي أبلُغُ الأسبابَ". وندَر حذفها مع "ليتَ" وإثباتُها مع "لعلَّ"، فالأول كقول الشاعر [من الوافر] كمُنيةِ جابِرٍ إِذ قال لَيْتي ... أُصادفُهُ وأُتلِفَ جُلَّ مالي والثاني كقول الآخر [من الطويل] فَقُلتُ أَعيراني الْقُدومَ، لَعَلَّني ... أَخُطُّ بها قَبراً لأَبيضَ ماجِدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 أما مع "إنَّ وأنَّ ولكنَّ" فأنت بالخيار إِن شئت أثبتَّها وإن شئت حذفتها. وإن لحقتْ ياءُ المتكلم "من وعن" من حروف الجرّ، فصلت بينهما بنون الوقاية وجوباً، وشذَّ قول الشاعر [من المديد] أَيُّها السائِلُ عنْهُم وعَني ... لَسْتُ من قَيْسٍ ولا قَيْسُ مِني أما ما عداهما فلا فصل بها. الضمير المنفصل الضميرُ المنفصل ما يَصحُّ الابتداءُ به، كما يصحُّ وقُوعهُ بعد "إلاّ" على كلِّ حال. كأنا من قولك "أنا مجتهدٌ، وما اجتهد إلاَّ أنا". والضمائرُ المنفصلةُ أربعةٌ وعشرون ضميراً: إثنا عشر منها مرفوعةٌ وهي: "أنا ونحنُ وأنتَ وأنتِ وأنتما وأنتم وأنتنَّ وهو وهي وهما وهم وهُنَّ". واثنا عشر منها منصوبةٌ، وهي: "إيايَ وإيانا وإياكَ وإياكِ وإياكما وإياكم وإياكنَّ وإياهُ وإياها وإياهما وإياهمْ وإياهنَّ". ولا تكون (هُم) إلا لجماعة الذُّكورِ العقلاءِ. ويجوزُ تسكينُ هاءِ (هُوَ) بعد الواو والفاءِ نحو: "وهْوَ الغفور الوَدُود". ونحو: "فهْوَ على كلِّ شيءٍ قدير". وهو كثيرٌ شائع. وبعد لامِ التأكيد، كقولك: "إنَّ خالداً لَهْوَ شُجاعٌ". وهو قليلٌ. فائدة الضمير في (أنت وأنتِ وأنتما وأنتنّ) إنما هو (أن) . والتاءُ اللاحقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 لها هي حرف خطاب. والضمير في (هم وهما وهنّ) إنما هو (الهاء) المخففة من (هو) . والميم والألف في (أنتما وهما) حرفان للدلالة على التثنية. أو الميم حرف عماد. والألف علامة التثنية. (كما سبق) . والميم في (أنتم وهم) حرف هو علامة جمع الذكور العقلاء. والنون المشددة في (أنتنّ وهنّ) حرف هو علامة جمع الإناث. ومن النحاة من يجعل الضمير وما يلحق به من العلامات كلمة واحدة بإعراب واحد، كما سبق في الضمير المتصل) . اتصال الضمير وانفصاله الضَّميرُ قائمٌ مقامَ الاسمِ الظاهر. والغرَضُ من الإتيان بِه الاختصارُ. والضمير المتصلُ أخصرُ من الضمير المنفصل. فكلُّ موضع أمكنَ أن يُؤتى فيه بالضمير المتصل لايجوزُ العدولُ عنهُ إلى الضمير المنفصل، فيقال "أكرمتك"، ولا يقال "أكرمتُ إياك". فإن لم يُمكن اتصالُ الضميرِ تعيّن انفصالهُ، وذلك إذا اقتضى المقامُ تقديمه. كقوله تعالى {إِياكَ نَعبُدُ} ، أو كان مبتدأ، نحو "أنت مجتهد"، أو خبراً، نحو "المجتهدونَ أنتم"، أو محصوراً بإلاّ أو إنما، كقوله تعالى {أمر أن لا تبعدوا إلا إياهُ} ، وقولِ الشاعر [من الطويل] أَنا الذائذُ الحامي الذِّمارَ، وَإِنمَّا ... يُدافِعُ عن أحسابِهِم أنا أَو مِثْلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أو كان عاملهُ محذوفاً، مثل، "إياكَ وما يُعتذَرُ منه"، أو مفعولاً لمصدرٍ مُضافٍ إلى فاعله، مثل "يَسُرُّني إِكرام الأستاذِ إِياك" أو كان تابعاً لما قبله في الإعراب، كقوله تعالى {يُخرِجون الرَّسولٍ وإِياكم} . ويجوزُ فصل الضميرِ ووصله، إذا كان خبراً لكان أو إحدى أخواتِها، مثل "كنتُه" وكنْتُ إياهُ"، أو كان ثاني ضميرينِ منصوبين بِعامل من باب "أعطى، أو ظنّ"، تقول "سألتُكه، وسألتك إياه، و"ظَنَنتكه، وظَنَنْتك إياه". وضمير المتكلم أخصُّ من ضمير المخاطب أي "أعرَفُ منه". وضمير المخاطب أخصُّ من ضمير الغائب. فإذا اجتمع ضميرانِ متَّصلان، في باب "كان وأعطى وظنَّ"، وجب تقديمُ الأخصّ منهما، مثل "كُنتُه، وسَلْنيه، وظَنَنْتكه". فإن انفصل أحدُهما فَقدِّمْ ما شئتَ منهما، إن أمِن اللَّبسُ، مثل "الدرهمُ أعطيته إياكَ". فإن لم يُؤمَن التباسُ المعنى وجبَ تقديم ما يزيل اللَّبسَ، وإن كان غير الأخصّ، فتقول "زهيرٌ مَنعتكَ إياه"، إن أردْت منع المخاطبِ أن يَصل إلى الغائب، و"مَنعته إياك"، إن أردت منع الغائب أن يصل إلى المخاطب. ومنه الحديث "إن الله ملَّككم إِياهمْ ولو شاء لملَّكهم إياكم". وإذا اتحد الضّميران في الرُّتبة - كأن يكونا للمتكلّم أو المخاطب أو الغائب - وجب فصلُ أحدَهما، مثل "أعطيته إياه، وسألتني إياي، وخلْتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 إياك". الضميران البارز والمستتر الضمير البارز ما كان له صورةٌ في اللَّفظ كالتاءِ من "قمت" والواوِ من "كتبوا"، والياءِ من "اكتبي"، والنون من "يَقُمْنَ". والضميرُ المستترُ ما لم يكن له صورةٌ في الكلام، بل كان مُقدَّراً في الذّهن ومَنْويًّا، وذلك كالضمير المستتر في "اكتُبْ"، فإنَّ التقدير "اكتُبْ أنت". وهو إما للمتكلمِ "كأكتبُ، ونكتب"، وإما للمفرد المذكر المخاطب، نحو "اكتُبْ، وتَكتبُ"، وإما للمفرد الغائب والمفردة الغائبة، نحو "عليٌّ كتبَ، وهندُ تَكتبُ". وهو على قسمين مستترٌ وجوباً. ويكونُ في ستة مواضع الأول في الفعل المُسنَدِ إلى المتكلم، مفرداً أو جمعاص، مثل اجتهدُ وتجتهدُ". الثاني في الفعل المسند إلى الواحد المخاطب، مثل "اجتهد". الثالث في اسم الفعل المسند الى متكلم، أو مخاطب، مثل "أفٍّ وصَهْ". الرابع في فعل التعجُّب الذي على وزن "ما أَفعلَ"، مثل "ما أحسنَ العِلم! ". الخامس في أفعال الإستثناءِ، وهي "خلا وعدا وحاشا وليس ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 يكون"، مثل "جاء القومُ ما خلا زهيراً، أو ليس زهيراً أو لا يكون زهيرا". "فالضمير فيها مستتر وجوباً تقديره "هو" يعود على المستثنى منه. وقال قوم إنه يعود على البعض المفهوم من الإسم السابق. والتقدير "جاء القوم خلا البعضُ زهيراً". وقال قوم انه يعود الى اسم الفاعل المفهوم من الفعل قبله، والتقدير "جاء القوم خلا الجائي أو لا يكون الجائي زهيراً". وقال آخرون انه يعود على مصدر الفعل المتقدم، والتقدير جاءوا خلا المجيءُ زهير". والقولان الأولان، أقرب إلى الحق والصواب. ومن العلماء من جعلها أفعالاً لا فاعل لها ولا مفعول، لأنها محمولة على معنى "إلاّ"، فهي واقعة موقع الحرف، والحرف لا يحتاج الى شيء من ذلك، فما بعدها منصوب على الاستثناء. وهو قول في نهاية الحذف والتدقيق. وسيأتي بسط ذلك في الجزء الثالث من هذا الكتاب". السادس في المصدر النائب عن فعله نحو "صبراً على الشدائد". ومستترٌ جوازاً. ويكون في الفعل المُسنَدِ الى الواحد الغائب والواحدة الغائبة، مثل "سعيدٌ اجتهدَ، وفاطمة تجتهد". (ومعنى استتار الضمير وجوباً أنه لا يصح إقامة الإسم الظاهر مقامه. فلا يرفع الا الضمير المستتر. ومعنى استتاره جوازاً أنه يجوز أن يجعل مكانه الاسم الظاهر. فهو يرفع الضمير المستتر تارة والاسم الظاهر تارة أخرى. فاذا قلت "سعيد يجتهد" كان الفاعل ضميراً مستتراً جوازاً تقديره "هو" يعود الى سعيد، واذا قلت "يجتهد سعيد" كان سعيد هو الفاعل. أما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 إن قلت "نجتهد" كان الفاعل ضميراً مستتراً وجوباً تقديره "نحن"، ولا يجوز أن يقوم مقامه اسم ظاهر ولا ضمير بارز، فلا يقال "نجتهد التلاميذ". فإن قلت "نجتهد نحن"، فنحن ليست الفاعل، وإنما هي توكيد للضمير المستتر الذي هو الفاعل وانما لم يجز أن تكون هي الفاعل لأنك تستغني عنها تقول "نجتهد"، والفاعل عمدة، فلا يصح الاستغناء عنه) . ضمائر الرفع والنصب والجر الضميرُ قائم مقامَ الاسم الظاهر، فهو مثله يكون مرفوعا أو منصوباً أو مجروراً، كما يَقتضيه مركزُه في الجملة، لأنَّ له حُكمه في الإعراب. فالضمير المرفوعُ ما كان قائماً مقامَ اسم مرفوع، مثل قُمتَ، وقمتِ، وتَكتبان، وتكتبون". والضمير المنصوبُ ما كان قائماً مقام اسم منصوب، مثل "أكرَمتُكَ، وأكرَمتهنَّ، وإياكَ نعْبُدُ وإياكَ نستعين". والضمير المجرور ما كان قائماً مقام اسم مجرور نحو "أحسِنْ تربيةً أولادك، أحسَنَ اللهُ إِليك". وإذا وقع الضمير موقع اسمٍ مرفوعٍ أو منصوبٍ أو مجرور، يُقال في إعرابه إنه كان في محلّ رفعٍ، أو نصبٍ، أو جرٍّ، أو إنه مرفوعٌ محلاًّ، أو منصوبٌ محلاًّ، أو مجرورٌ محلاًّ. عود الضمير إن كان الضمير للغَيبة فلا بد له من مرجعٍ يُرجع إليه. فهو إِما أن يعودَ إِلى اسم سبقه في اللَّفظ. وهو الأصل، مثل "الكتاب أخذتُه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وإما أن يعود إلى متأخرٍ عنه لفظاً، متقدّمٍ عليه رُتبةً (أي بحسَب الأصل) ، مثل "أخذَ كتابه زهيرٌ"؛ فالهاءُ تعود إلى زهير المتأخر لفظاً، وهو في نِيَّة التقديم، باعتبار رُتبته؛ لأنه فاعل. وإما أن يعود إلى مذكور قبله معنىً لا لفظاً، مثل "اجتهِدْ يكن خيراً لك" أَى يكن الاجتهاد خيراً لك، فالضمير يعود الى الاجتهاد المفهوم من "اجتهِدْ". وإما أن يعود الى غير مذكور، لا لفظاً ولا معنىً، إن كان سياقُ الكلام يُعيِّنُهُ، كقوله تعالى {واستوَت على الجُوديّ} ، فالضمير يعود الى سفينة نوحٍ المعلومة من المقام، وكقول الشاعر [من الطويل] إذا ما غَضِبْنا غضْبَةً مُضْرِيةً ... هَتكْنا حِجابَ الشَّمْس، أو قَطرت دَما فالضمير في "قطرَت" يعودُ الى السُّيوف، التي يدُل عليها سياق الكلام. والضمير يعود الى أقرب مذكور في الكلام، ما لم يكن الأقرب مضافاً اليه، فيعود الى المضاف. وقد يعود الى المضاف اليه، إن كان هناكَ ما يعيِّنه كقوله تعالى "كمثَل الحمارِ يَحمِلُ أسفاراً". وقد يعود الى البعيد بقرينةٍ دالَّةٍ عليه، كقوله سبحانه {آمِنوا بالله ورسوله، وأنفِقوا مِمّا جعلَكُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 مُستخلَفينَ} فيه؛ فالضميرُ المستترُ في "جعلكم" عائدٌ الى الله، لا الى الرسول. ضمير الفصل قد يتوسطُ بين المبتدأ والخبر، أو ما أصله مبتدأ وخبرٌ، ضميرٌ يسمى ضميرَ الفَصْل، ليؤذَنَ من أوَّل الأمر بأنَّ ما بعدَه خبرٌ لا نعتٌ. وهو يُفيدُ الكلام ضرباً من التوكيد، نحو "زهيرٌ هو الشاعر" و"ظننتُ عبدَ الله هو الكاتبَ". وضمير الفصل حرفٌ لا محلَّ له من الإعراب، على الأصح من اقوال النُّحاة. وصورته كصورة الضمائر المنفصلة. وهو يَتصرَّفُ تَصرُّفها بِحسَبِ ما هو له، إلا أنه ليس إِياها. ثم إنَّ دخوله بين المبتدأ والخبر المنسوخَتَيْنِ بِـ "كانَ وظَنَّ وإنَّ" وأخواتِهنَّ، تابعٌ لدخوله بينهما قبل النسخِ. ولا تأثير له فيما بعدهُ من حيثُ الإعرابُ، فيما بعدهُ متأثرٌ إعراباً بما يسبِقه من العوامل، لا بهِ. قال تعالى {فلما تَوَفيتَني كنتَ أنتَ الرَّقيبَ عليهم} ، وقال {إن كان هذا هو الحقّ} ، وقال {إن تَرَني أنا أقلَّ منك مالاً وولداً"} . (وضمير الفصل حرف كما قدمنا، وانما سمي ضميراً لمشابهته الضميرَ في صورته. وسمي (ضميرَ فصلٍ) لأنه يؤتى به للفصل بين ما هو خبر أو نعت. لانك إن قلت "زهير المجتهد"، جاز انك تريد الإخبار، وانك تريد النعت. فان أردت أن تفصل بين الأمرين أول وهلة، وتبين ان مرادك الاخبار لا الصفة، أتيت بهذا الضمير للاعلام من اول الأمر بأن ما بعده خبر عما قبله، لا نعت له. ثم ان ضمير الفصل هذا يفيد تأكيدَ الحكم، لما فيه من زيادة الربط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 ومن العلماء من يسميه عمادا"، لاعتماد المتكلم أو السامع عليه في التفريق بين الخبر والنعت) . (أسماء الاشارة) اسمُ الإشارةِ ما يدُلُّ على مُعينٍ بواسطة إشارةٍ حِسّيَّةٍ باليدِ ونحوها، إن كان المشارُ إليه حاضراً، أو إشارة معنويَّة إذا كان المشارُ اليه معنىً، أو ذاتاً غيرَ حاضرة. وأسماءُ الإشارة هي "ذا" للمفرد المذكر، و"ذانِ وَتْينِ" للمثنى، المذكر، و"ذِهْ وتِهْ" للمفرد المؤنثة، و"تانِ وتَيْنِ" للمثنى المؤنث و"أُولاءِ واولى" (بالمدِّ والقَصر، والمدُّ أفصحُ) للجمع المذكر والمؤنث، سواءٌ أكان الجمعُ للعقلاءِ، كقوله تعالى: {أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون} [البقرة: 5] أم لغيرهم: كقوله تعالى: {إِنَّ السمع والبصر والفؤاد كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36] ، وقول الشاعر: [من الكامل] ذُمّ الْمَنازِلَ بَعْدَ مَنْزِلةِ اللِّوى ... والعَيْشَ بَعْد أُولئكَ الأَيَّامِ لكنَّ الأكثرَ أن يشارَ بها الى العقلاءِ، ويستعمل لغيرهم "تلك"، قال الله تعالى {وتلك الأيامُ نداولها بين الناس} ويجوز تشديدُ النون في مثنّى "ذا وتا". سواءُ أكان بالألف أم بالياءِ، فتقول "ذانِّ وَذَينِّ وتَينِّ". وقد قُرىء {فذانِّكَ برهانانِ} "، كما قرئ {إحدى ابنَتيِّ هاتينِّ} ، بِتشديد النون فيهما. ومن أسماءِ الإشارة ما هو خاصٌّ بالمكان، فيشارُ إلى المكان القريبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 بهُنا، وإلى المتوسط بهُناك وإلى البعيد بهنالك وثُمَّ. ومن أسماءِ الإِشارة كثيراً "ها" التي هي حرفٌ للتَّنبيه، فيقال "هذا وهذه وهاتان وهؤلاء". وقد تلحقُ "ذا وتي" الكافُ، التي هي حرفٌ للخطاب، فيقال "ذاك وتِيكَ" وقد تلحقهما هذه الكافُ معَ اللاّمِ فيقال "ذلكَ وتِلك". وقد تلحقُ "ذانِ وذَيْنِ وتانِ وتَينِ وأولاءِ" كافُ الخطاب وحدها، فيقال "ذانِكَ وتانِكَ وأُولئكَ". ويجوز أن يُفضلَ بين (ها) التَّنبيهيَّةِ واسمِ الإشارة بضمير المُشار إليه، مثل "ها أنا ذا، وها أنت ذي، وها أنتما ذانِ، وها نحن تانِ، وها نحن أُولاءِ". وهو أولى وأفصحُ، وهو الكثيرُ الواردُ في بليغِ الكلامِ، قال تعالى {ها أنتم أُولاءِ تحبُّونهم ولا يُحبُّونكم} . والفصلُ بغيره قليلٌ، مثل "ها إنَّ الوقتَ قد حان" والفصل بكافِ التَّشبيه في نحو (هكذا) كثيرٌ شائعٌ. مراتب المشار إليه للمشارِ إليه ثلاثُ مَراتِبَ قريبةٌ وبعيدةٌ ومتوسطةٌ. فيُشار لذي القُربى بما ليس فيه كافٌ ولا لامٌ كأكرمْ هذا الرجلَ أو هذه المرأةَ ولِذي الوسطى بما فيه الكافُ وحدها كاركبْ ذاك الحصانَ، أو تِيكَ الناقةَ، ولِذي البُعدى بما فيه الكافُ واللام معاً، كخُذْ ذلكَ القلمَ، أو تلك الدَّواةَ. فوائد ثلاث (1) "ذانِ وتانِ" يستعملان في حالة الرفع؛ مثل جاء هذان الرجلان؛ وهاتان المرأتان"؛ و"ذين وتين"؛ يستعملان في حالتي النصب والجر؛ مثل: "أكرم هذين الرجلين وهاتين المرأتين: ومررت بهذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 الرجلين وهاتين المرأتين". وهما في حالة الرفع مبنيان على الألف، وفي حالتي النصب ولاجر مبنيان على الياءِ. وليسا معربين بالألف رفعاً - وبالياء نصباً وجراً، كالمثنى، لأن أسماء الإشارة مبنية لا معربة فمن العلماء من يعربها، اعراب المثنى، فلم يخطئ محجة الصواب. أما قوله تعالى {إنّ هذان لساحران} (في قراءة من قرأ (انّ) مشددة فقالوا انه جاء على لغة من يلزم المثنى الألف في أحوال الرفع والنصب والجر. (2) (ذه وته) هما بسكون الهاء وكسرها وإن كسرت فلك أن تختلس الكسرة، وان تشبعها فتمدّها. (3) كاف الخطاب حرف، وهو ككاف الضمير في حركتها وما يلحق بها من العلامات، تقول "ذاك كتابك يا تلميذ، وذاك كتابك يا تلميذة، وذلكما كتابكما يا تلميذان، ويا تلميذتان وذلكم كتابكم يا تلاميذ، وذلكنّ كتابكنّ يا تلميذات". (الأسماء الموصولة) الإسمُ الموصولُ ما يَدلُّ على مُعَينٍ بواسطة جملة تُذكر بعده. وتُسمّى هذه الجملةُ (صِلةَ الموصول) . والأسماءُ الموصولةُ قسمان خاصة ومشتركة. الموصول الخاص الأسماءُ الموصولةُ الخاصةُ، هي التي تُفرَدُ وتُثنَّى وتُجمَعُ وتُذكِّرُ وتُؤنَّثُ، حسبَ مقتضي الكلام. وهي (الذي) للمفردْ المذكر، (واللَّذان واللّذَينِ) للمثنى المذكر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 و (الّذينَ) للجمع المذكر العاقل، و (التي) للمفردة المؤنثة، و (اللّتانِ واللّتَينِ) للمثنّى المؤنَّث، و (اللاّتي واللّواتي والّلائي) - بإثبات الياءِ وحذفِها - للجمع المؤنث، و (الأُلى) للجمعِ مُطلقاً، سواءٌ أَكان مذكراً أم مؤنثاً، وعاقلاً أم غيرَه، تقولُ "يُفح الذي يجتهدُ، واللذانِ يجتهدانِ والّذين يَجتهدون. وتفلحُ التي تجتهد، واللّتانِ تجتهدانِ، واللاّتي، أو اللّواتي، أو اللاّئي، يجتهدْنَ. ويُفلحُ الألى يجتهدون. وتُفلح الألى يجتهدْنَ. واقرأ من الكتبِ الألى تنفعُ". (و "الّلذان والّلتان" تستعملان في حالة الرفع، مثل جاءَ الّلذان سافرا، والّلتان سافرتا". والّذين واللتين تستعملان في حالتي النصب والجر، مثل "أكرمت اللذين اجتهدا، واللتين اجتهدتا، وأحسنت الى اللذين تعلما، واللتين تعلمتا" وهما في حالتي الرفع مبنيان على الألف، وفي حالتي النصب والجر مبنيان على الياء. وليستا معربتين بالألف رفعاً، وبالياء نصباً وجراً، كالمثنى، لأن الأسماء الموصولة مبنية لا معربة، ومن العلماء من يعربها إِعراب المثنى. وليس ببعيد عن الصواب) . ويجوزُ تشديدُ النونٍ في مثنى (الذي والتي) ، سواءٌ أكان بالألف أم بالياءِ. وقد قُريء "والّلذانِّ يأتيِانِها منكم"، كما قُريء {رَبّنا أرِنا الّلذَيْنِّ} ، بتشديد النُّون فيهما. وأكثرُ ما يُستعمَلُ (الأُلى) لجمع الذكورِ العقلاءِ. ومن استعماله للعاقل وغيره قول الشاعر [من الطويل] وتُبْلي الأُلى يُسْتَلْئِمون على الأُلى ... تَراهُنَّ يومَ الرَّوْعِ كالْحِدَإِ الْقُبْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 ومن استعماله في جمع المؤنث قولُ الآخر [من الطويل] مَحا حُبُّها حُبَّ الأُلى كُنَّ قبلها ... وحَلَّتْ مكاناً لم يكنْ حُلَّ من قَبْلُ وكذلك "اللاّئي"، فقد تُستعملُ لجماعة الذكور العقلاءِ نادراً كقول الشاعر [من الطويل] هُمُ الّلائِي أُصيبوا يومَ فَلْجٍ ... بِداهِيَةٍ تَميدُ لها الجِبال وقول الآخر [من الوافر] فَما آباؤُنا بأَمَنَّ مِنْهُ ... عَلَيْنا، اللاّءِ قد مَهَدوا الحُجورا الموصول المشترك الأسماء الموصولةُ المُشتركةُ هي التي تكونُ بلفظٍ واحدٍ للجميع. فيشترك فيها المفردُ والمثنى والجمعُ والمذكرُ والمؤنثُ. وهي "مَنْ وما وذا وأيُّ وذُو" غيرَ أنَّ "مَنْ" للعاقل و"ما" لغيره. وأما "ذا وأيُّ وذُو" فتكون للعاقل وغيره. تقول "نجحَ مَن اجتهدَ، ومنِ اجتهدتْ، ومنِ اجتهدا، ومنِ اجتهدتا، ومنِ اجتهدوا، ومنِ اجتهدْن". وتقول "اركبْ ماشئتَ من الخيلِ، واقرأ من الكتب ما يفيدك نفعاً". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وتقول "من ذا فتح الشامَ؟ " أي "من الذي فتحها"؟ و"ماذا فتحَ ابو عُبَيدةَ؟ ". وتقول "أكرِمْ أيَّهم أكثرُ اجتهاداً". أي "الذي هو أكثرُ اجتهاداً"، و"اركبْ من الخيل أيّها هو أقوى"، أي "الذي هو أقوى". وتقول "أكرمْ ذو اجتهدَ، وذو اجتهدتْ"، أي "أكرم الذي اجتهد والتي اجتهدت". (من وما) الموصوليتان قد تُستعمل "مَنْ" لغير العقلاءِ، وذلك في ثلاث مسائل الأولى أن يُنزَّلُ غيرُ العاقلِ مُنزِلةَ العاقل كقوله تعالى {ومَن أضلُّ مِمَّنْ يدعو من دون اللهِ مَنْ لا يستجيبُ لهُ إلى يومِ القيامة} ، وقولِ امرئ القَيس [من الطويل] أَلا عِمْ صَباحاً، أيُّها الطَلَلُ الْبالي ... وهَلْ يَعِمَنْ منْ كانَ في العُصُرِ الخالي وقولِ العباسِ بنِ الأحنف [من الطويل] بكيْتُ على سِرْبِ الْقَطا إِذْ مَرَرْنَ بي ... فَقُلتُ، ومِثْلي بالبُكاء جُديرُ أَسِرْبَ الْقَطا، هلْ مَنْ يُعيرُ جَناحَهُ ... لَعلِّي إِلى من قَد هَويتُ أَطِيرُ (فدعاء الاصنام التي لا تستجيب الدعاء في الآية الكريمة، ونداءُ القط والطلل في البيتين سوّغا تنزيلها منزله العاقل إِذ لا ينادى إلا العقلاء) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 الثانية أن يندمجَ غيرُ العاقل مع العاقل في حُكمٍ واحدٍ، كقوله تعالى {أَفَمَنْ يَخلُقُ كمنْ لا يَخْلقُ} وقوله {ألم تَرَ أنَّ الله يَسجُدُ لهُ مَنْ في السَّموات ومَنْ في الأرض} . (فعدم الخلق يشمل الآدميين والملائكة والأصنام من المعبودات من دون الله. والسجود لله يشمل العاقل وغيره ممن في السماوات والأرض) . الثالثة أن يقترنَ غيرُ العاقلِ بالعاقل في عمومٍ مُفَصَّلٍ بـ "مِنْ" كقوله عزَّ شأنه "واللهُ خلقَ كلَّ دابةٍ مِنْ ماءٍ، فمنهم من يمشي على بطنهِ، ومنهم من يمشي على رِجلَين، ومنهم من يمشي على أربع". (فالدابة تعم أصناف من يدب على وجه الأرض. وقد فصلها على ثلاثة أنواع الزاحف على بطنه، والماشي على رجلين، والماشي على أربع) . وقد تُستعملُ (ما) للعاقل) ، كقوله تعالى {فانكِحوا ما طاب لكم من النساءِ} ، وكقولهم "سبحان ما سخَّركنَّ لنا"، وقولهم "سُبحانَ ما يُسبِّحُ الرعدُ بحمده". وذلك قليل. وأكثر ما تكون (ما) للعاقل، إذا اقترن العاقِلُ بغير العاقل في حكم واحد، كقوله سبحانه {ويُسبِّح لله ما في السَّمواتِ وما في الأرض} . (فان ما فيهما ممن يعقل وما لا يعقل في حكم واحد وهو التسبيح، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 كما قال تعالى {وان من شيء إلا يُسبح بحمده. ولكن لا تفقهون تسبيحهم} . (ذا) الموصولية لا تكونُ (ذا) اسمَ موصولٍ إلا بشرطٍ أن تقعَ بعد (مَنْ) أَو "ما" الاستفهاميَّتين؛ وأن لا يُرادَ بها الإشارةَ، وأن لا تُجعلَ معَ "مَنْ" أو "ما" كلمةً واحدةً للإستفهام. فإن أُريد بها الإشارة مثل "ماذا التواني؟ مَنْ ذا القائم؟ " أي ما هذا التواني؟ من هذا القائم؟ فهيَ اسمُ إشارة. وإن جُعلتْ معَ "مَنْ" أو "ما" كلمةً واحدةً للإستفهام، مثل "لماذا أَتيتَ؟ "، أي لِمَ أَتيتَ؟ وقوله تعالى {مَنْ ذا الذي يَشفعُ عِندَه إلا بإِذنِهِ؟} [البقرة: 255] . أي: من الذي يَشفَعُ عندَه؟ كانت معَ ما قبلها اسمَ استفهامٍ. وقد تقعُ "ذا" في تركيب تحتمل أن تكونَ فيه موصوليَّةً وما قبلها استفهاماً، وأَن تكونَ معَ "مَنْ" أو "كلمةً واحدةً للإستفهام، نحو "ماذا أَنفقتَ؟ " إِذْ يجوز أن يكون المعنى "ما أَنفقتَ؟ وأَن يكون "ما الذي أَنفقتَهُ؟ ". ويظهرُ أَثر ذلك في التَّابعِ، فإن جعلت "ذا" معَ "مَنْ" أَو "ما" كلمة واحدةً للإستفهام، قلتَ "ماذا أَنفقتَ؟ أَدرهماً أَم ديناراً؟ " و"مَنْ ذا أَكرمتَ؟ أَزُهيراً أم أَخاهُ؟، بالنصب. وإن جعلتَ "ما" أَو "مَنْ" للإستفهام، و"ذا"، موصوليَّة، قلتَ "ماذا أَنفقتَ؟ أَدرهمٌ أم دينارٌ" و"مَنْ ذا أَكرمتَ؟ أَزهيرٌ أَم أَخوه بالرفع". ومِنْ جَعْلِ "ما" للإِستفهام و"ذا" موصوليَّةٌ قولُ لَبيدٍ: [من الطويل] ألا تَسْأَلانِ المرءَ ماذا يُحاوِلُ ... أنَحبٌ فَيُقضى؟ أمْ ضَلالٌ وباطِلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 (اي) الموصولية "أيٌّ" الموصوليَّةُ تكونُ بلفظٍ واحدٍ للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع. وتُستعمل للعاقل وغيره. والأسماءُ كلها مبنيوٌ، إِلا (أيًّا) هذه، فهي مَعربَة بالحركات الثلاث، مثل "يُفلحُ أَيُّ مجتهدٌ، وأَكرمتُ أَيًّا هي مجتهدةٌ، وأَحسنتُ إلى أَيٍّ هم مجتهدون". ويجوز أن تُبنى على الضمِّ (وهو الأفصحُ) ، إذا أُضيفت وحُذِفَ صدْرُ صلتها، مثل "أَكرِمْ أَيُّهُمْ أَحسنُ أَخلاقاً"، قال تعالى {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ من كلِّ شيعةٍ أَيُّهُمْ أَشدُّ على الرحمنِ عتِيًّا} . وقول الشاعر [من المتقارب] إِذا ما لَقيتَ بَني مالِكٍ ... فَسَلِّم على أيُّهُم أفضَلُ كما يجوزُ في هذه الحالةِ إِعرابُها بالحركات الثلاثِ أيضاً، تقولُ "أَكرِمْ أَيُهمْ أحسنُ أَخلاقاً". وقد رُويَ الشعرُ بجرِّ "أَيّ" بالكسرة أَيضاً، كما قُريء "أَيَهمْ" بنصب "أيّ" في الآية الكريمة. فإن لم تُضَفْ أَو اضيفت وذُكِرَ صدرُ صلتها، كانت مُعرَبةً بالحركاتِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الثلاث لا غيرُ، فالأولُ مثل "أَكرِمْ أَيًّا مُجتهدٌ، وأَيًّا هو مجتهدٌ"، الثاني مثل "أَكرِمْ أَيَّهم هو مجتهدٌ". (ذو) الموصولية تكون (ذُو) اسمَ موصول بلفظٍ واحدٍ للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، وذلك في لغة طَيِّء من العرب، ولذلك يُسمُّونها (ذُو الطائية) ، تقول "جاء ذُو اجتهدَ، وذُو اجتهدتْ، وذُو اجتهدا، وذُو اجتهدتا، وذُو اجتهدوا، وذُوا اجتهدْنَ"، قال الشاعر [من الوافر] فإِنَّ الماءَ ماءُ أبي وجَدِّي ... وبِئْري ذُو حَفَرْتُ وذو طَوَيْتُ أي بئْري التي حَفرتها والتي طويتُها، أي بنيتُها. وقول الآخر [من الطويل] فإمّا كرامٌ مُوسِرونَ لَقيتُهُم ... فَحَسْبيَ مشنْ ذُو عِنْدَهُمْ ماكفانِيا أي من الذي عندهم. صلة الموصول يحتاج الإسمُ الموصولُ إلى صِلَةٍ وعائد ومحلّ من الإعراب. فالصلةُ هي الجملةُ التي تُذكرُ بعدهُ فَتُمتَمُ معناهُ، وتُسمى (صلةَ الموصول) ، مثل "جاء الذي أكرمتُهُ". ولا محلَ لهذه الجملة من الإعراب. والعائدُ ضميرٌ يعودُ إلى الموصولِ وتَشتملُ عليه هذه الجملة، فإن قلتَ "تعلْمْ ما تنتفعُ به"، فالعائدُ الهاءُ، لأنها تعود إلى "ما". وإن قلتَ "تعلّم ما ينفعك"، فالعائدُ الضميرُ المستترُ في "ينفعُ" العائدُ إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 "ما". ويُشترَطُ في الضميرِ العائدِ إلى الموصول الخاصّ أن يكون مطابقاً لهُ إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتَذكيراً وتأنيثاً، تقول "أَكرِمِ الذي كتبَ، والتي كتبتْ، والَّلذَينِ كتبا، واللتّين كتبتا، والذينَ كتبوا، واللاَّتي كتَبْنَ". أما الضمير العائدُ إلى الموصول المشترَك، فلك فيه وجهان مراعاةُ لفظِ الموصول، فَتُفرِدهُ وتَذكرُه مع الجميع، وهو الأكثرُ، ومراعاةُ معناهُ فَيطابقُه إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً، تقول "كرّمْ من هذَّبكَ"، للجميع، إن راعيتَ لفظَ الموصول، وتقول "كرّمْ من هذَّبَكَ، ومن هذَّباك، ومن هَّبَتاكَ، ومن هَذبوك، ومن هذَّبْنك" إن راعيتَ معناهُ. وإن عاد عليه ضميرانِ جاز في الأول اعتبارُ اللفظِ، وفي الآخر اعتبارُ المعنى. وهو كثيرٌ. ومنه قوله تعالى {ومنَ الناس من يقول آمنّا بالله وباليوم الآخر، وما هم بؤمنين} ، فقد أَعاد الضميرَ في "يقول" على "من" مفرداً، ثم أَعاد عليه الضميرَ في قوله {وما هم بمؤمنين} جمعاً. وقد يُعتبرُ فيه اللفظُ، ثم المعنى، ثم اللفظُ، ومنه قوله تعالى {ومنهم مَنْ يشتري لَهْوَ الحديث} ، فأفرد الضمير. ثم قال "أُولئك لهم عذاب مُهينٌ"، فجمعَ اسم الإشارة. ثم قال {وإذا تُتلى عليه آياتُنا} ، فأفردَ الضمير. ومحلُّ الموصولِ من الإعراب يكون على حسبِ موقعه في الكلام، فتارة يكون في محلّ رفعٍ مثل {قد أَفلحَ مَنْ تَزكّى} . وتارةً يكون في محلّ نصبٍ مثل "أَحبِبْ من يُحبُّ الخيرَ". وتارةً يكون في محل جرٍ، مثل "جُدْ بما تَجِدُ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 ويُشتَرطُ في صلة الموصول أن تكون جملةً خَبريةً مُشتملةً على ضميرٍ بارزٍ أو مُستترٍ يعودُ إلى الموصول. ويسمى هذا الضميرُ (عائداً) ، لعَوده عل الموصولِ. فمثال الضمير البارز "لا تُعاشر الذينَ يُحَسِّنون لك المُنكرَ" ومثال الضمير المستتر "صاحبْ من يدُلك على الخير". (والمراد بالجملة الخبرية ما لا يتوقف تحققُ مضمونها على النطق بها. فاذا قلت "كرمت المجتهد أو سأكرمه" فتحقق الإكرام لا يتوقف على الإخبارَ به. فما كان كذلك من الجمل صحّ وقوعه صلةً للموصول. أما الجمل الإنشائية، وهي ما يتوقف تحققُ مضمونها على النطق بها، فلا تقع صلة للموصول، كجمل الأمر والنهي والتمني والترجي والاستفهام، فان قلت (خذ الكتاب) ، فتحقق أخذه لا يكون إلا بعد الأمر به. أما الجملتان الشرطية والقسمية، فهما إنشائيتان، ان كان جوابهما إِنشائياً مثل "إِن اجتهد علي فأكرمه، وبالله أكرم المجتهد"، وخبريتان إن كان جوابهما خبرِياً، مثل "إن اجتهد علي كرَّمته، وبالله لأكرمنَّ المجتهد". فوائد ثلاث (1) يجبُ أن تقعَ صلةُ الموصول بعده، فلا يجوز تقديمها عليه. وكذلك لا يجوز تقديمُ شيءٍ منها عليه أيضاً. فلا يقال "اليومَ الذينَ اجتهدوا يُكرَمون غداً". بل يقال "الذين اجتهدوا اليومَ"، لأنَّ الظرف هنا من متممات الصلة. (2) تقع صلةُ الموصولِ ظرفاً وجارًّا ومجروراً، مثل "أكرِم مَنْ عنده أدبٌ، وأحسنْ إلى مَنْ في دار العجزة"، لأنهما شبيهتان بالجملة، فإنَّ التقدير "منِ استقرَّ أو وُجِدَ عنده أدبٌ، ومن استقرَّ أو وُجِدَ في دار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 العجزة". والصلة في الحقيقة إنما هي الجملة المحذوفة، وحرف الجرّ والظرفِّ متعلقانِ بفعلها. (3) يجوز أن يُحذَفَ الضميرُ العائد إلى الموصول، إن لم يقع بحذفه التباسٌ كقوله تعالى {ذَرْني ومَنْ خلقتُ وحيداً} ، أي خلقتهُ، وقوله {فاقضِ ما أنتَ قاضٍ} ، أي قاضيه، وقولهم "ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءًا، أي بالذي هو قائلٌ. (أسماء الاستفهام) إسمُ الإستفهامِ هو اسمٌ مُبْهَمٌ يُستعلَمُ به عن شيءٍ، نحو "مَنْ جاء؟ كيفَ أنتَ؟ ". وأسماءُ الإستفهامِ هي "مَنْ، ومَنْ ذا، وما، وماذا، ومتى، وأيّانَ، وأَينَ، وكيفَ، وأنّى، وكمْ، وأَيُّ". وإِليكَ شرحها من ومن ذا (مَنْ ومَنْ ذا) يُستفهَمُ بهما عن الشخص العاقل، نحو "مَنْ فعلَ هذا. ومَنْ ذا مُسافرٌ؟ "، قال تعالى {مَنْ ذا الذي يُقرِضُ اللهَ قرْضاً حَسناً، فَيُضاعفه له؟} . وقد تُشربَانِ معنى النّفيِ الإنكاريّ، كقولك "مَنْ يستطيع أن يَفْعَلَ هذا؟ "، أي لا يستطيعُ أن يفعله أحد. ومنه قولهُ تعالى {ومَنْ يَغفِرُ الذنوبَ إِلا اللهُ؟!} أي لا يغفرها إلا هو، وقوله {مَنْ ذا الذي يَشفَعُ عندَهُ إِلا بإِذنه؟!} أي لا يشفع عنده أحدٌ إلا بإِذنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 ما وماذا (ما وماذا) يُستفَهمُ بهما عن غير العاقلِ من الحيوانات والنبات والجماد والأعمال، وعن حقيقةِ الشيءِ أو صفتهِ، سواءٌ أكان هذا الشيءُ عاقلاً أم غيرَ عاقلٍ، تقولُ "ما أو ماذا ركبتَ، أو اشتريتَ؟ ما أو ماذا كتبتَ؟ "، وتقول "ما الأسدُ؟ ما الإنسانُ؟ ما النَّخل؟ ما الذهبُ؟ "، تستفهمُ عن حقيقة هذه الأشياء، وتقول "زهيرٌ من فُحول شعراءِ الجاهلية"، فيقولُ قائلٌ "ما زهيرٌ! " يستعلمُ عن صفاته ومُمَيزاته. (وقد تقع "من ذا وماذا" في تركيب يجوز أن تكونا فيها إستفهاميتين. وأن تكون "من وما" للاستفهام. و"ذا" بعدهما اسم موصول. وقد تتعين "من وما" للإستفهام؛ فتتعين "ذا" للموصولية أو الإشارة. وقد تقدم شرح ذلك في الكلام على "ذا" الموصولية في الفصل السابق) . (من وما) النكرتان الموصوفتان كما تقعُ "مَنْ وما" مَوصوليَّتينِ واستفهاميَّتين"، كما تقدَّم، تقعانِ شرطيتين، كقوله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] ، وقوله: {َمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} [البقرة: 272] . وقد تقعانِ نكرتين موصوفتين. ويتعينُ ذلك، إذا وُصِلتا بمفرد، أو سبقتهما "رُبَّ الجارَّةُ"، لأنها لا تُباشرُ إلاًَّ النّكراتِ. فمن وصفهما بمفردٍ أن تقولَ "رأيتُ مَنْ مُحبًّا لك، وما سارًّا لك، أي شخصاً مُحبًّا لك، وشيئاً سارًّا لك، و"جئتُك بمنْ مُحِبٍّ لك، وبما سارٍّ لك" أي بشخصٍ مُحبٍّ لك، وشيءٍ سارٍّ لك، ومنه قولُ حَسَّان بنِ ثابت [من الكامل] فكفَى بِنا فَضلاً على مَنْ غيرِنا ... حُبُّ النَّبيِّ مُحمَّدٍ إِيّانا أي على قومٍ غيرِنا، وقولُ الآخر [من الطويل] الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 لِما نافِعٍ يَسْعى اللَّبيبُ، فَلا تكُن ... لشيءٍ بعيدٍ نَفْعُهُ، الدَّهْرَ ساعيا (ولا يجوز أن تكون "من وما" فيما تقدم موصولتين، لأن الاسم الموصول يحتاج إلى جملة توصل به، وهو هنا موصول بمفرد. فان رفعت ما بعدها على انه خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو) جاز فتكونان حينئذ إما نكرتين موصوفتين بجملة المبتدأ والخبر، وإما موصولتين، وجملة المبتدأ والخبر صلة لهما. فاذا قلت "جاءَني من محب لي، وما سار لي"، جاز أن تكونا موصوفتين بمفرد، فيكون (محب وسار) صفتين لهما، وان تكونا موصوفتين بجملة، فيكون محب وسار خبرين لمبتدأين محذوفين، وجاز أن تكونا موصولتين بجملة المبتدأ والخبر) . ومِن سبقِ (رُبَّ) إيَّاهما قول الشاعر [من الرمل] رُبَّ مَنْ أنضجْتُ غَيظاً قَلْبَهُ ... قَدْ تَمَنَّى لِيَ مَوْتاً لم يُطَعْ أي رُبَّ رجلٍ، وقولُ الآخر [من الخفيف] رُبَّ ما تَكْرَهُ النُّفوسُ من الأَمرِ - ... - لَهُ فَرْجةٌ كَحَلِّ الْعِقالِ أي رُبَّ شيءٍ من الأمر. (ولا يجوز أن تكون (من وما) هنا موصولتين، لأن الاسم الموصول معرفة، و (ربَّ) لا تباشر شيئاً من المعارف. فلا تدخل إلا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 النكرات) . وإذا قلتَ "اعتصمْ بمن يَهديكَ سبيلَ الرَّشاد، وتَمسَّكْ بما تَبلُغُ به السَّداد، جاز أن تكونا موصولتين، فالجملة بعدهما صلةٌ لهما، وأن تكونا نكرتين موصوفتين، فالجملة بعدهما صِفةُ لهما. (فان كان المراد بمن يهدي شخصاً معهوداً، وبما تبلغ أمراً معهوداً، كانتا موصولتين، وإن كان المراد شخصاً ما هادياً، وأمراً مبلغاً، كانتا نكرتين موصوفتين) . وأما قوله تعالى "ومن الناسِ مَنْ يقول آمنَّا" فجزمَ قومٌ بأنها موصوفةٌ، وجماعةٌ بأنها موصولةٌ. والأول أقربُ. وقال الزمخشريُّ "إن قَدَّرتَ (ألْ) أي (في الناس) للعَهدِ، فموصولةٌ، أو للجنس، فموصوفةٌ". (يريد أن المعرّف بأل العهدية تعريفه معنوي كما هو لفظي، فيناسبه أن تجعل "من" موصولية، لأن الموصول معرفٌ تعريفٌ ما تسبقه "أل" العهدية. وأما المعرفُ بأل الجنسية فتعريفه لفظي، وهو في معنى النكرة، فيناسبه أن تجعل "من" معه نكرة موصوفة) . (متى) الاستفهامية متى ظرفٌ يُستفهم به عن الزَّمانين الماضي والمُستقبل، نحو "متى أتيتَ؟ ومتى تذهبُ؟ "، قال تعالى {متى نصرُ الله؟} ويكون اسمَ شرطٍ جازماً؛ كقول الشاعر أنا ابنُ جَلا، وطَلاّعُ الثَّنايا ... متى أضعِ الْعِمامةَ تَعْرفُوني (أين) الاستفهامية أين ظرفٌ يُستفهم به عن المكان الذي حلَّ فيه الشيءُ، نحو "أين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 أخوكَ؟ أينَ كنتَ؟ أينَ تتعلَمُ؟ ". وإذا سبقته "مِنْ" كان سُؤالاً عن مكان بُروزِ الشيءِ، نحو "من أينَ قَدِمتَ؟! ". وإن تَظمَّنَ معنى الشرط جزم الفعلين مُلحقاً بِـ "ما" الزائدة للتوكيد، كقوله تعالى {أينما تكونوا يُدرككُم الموتُ} ، أو مجرداً منها، نحو "أينَ تَجلسْ أَجلسْ". (أيان) الاستفهامية أيَّانَ ظرفٌ بمعنى الحين والوقت. ويقاربُ معنى "متى". ويُستفهم به عن الزَّمان المستقبل لا غيرُ، نحو "أيَّانَ تُسافرُ؟ " أي في أيّ وقت سيكونُ سفرُك؟ وأكثر ما يُستعمل في مواضع التَّفخيم أو التَّهويل، كقوله تعالى {يَسألُ أيَّانَ يومُ الدِّين؟} أي في أيّ وقتٍ سيكونُ يومُ الدين، أي يومُ الجزاءِ على الأعمال، وهو يومُ القيامة. وقد تَتضمَّنُ "أيَّانَ" معنى الشرط فتجزم الفعلينِ، مُلحَقةً بـ (ما) الزائدة، أو مجرَّدةً عنها، نحو "أيَّانَ، أو أيَّانَ ما تَجتهدْ تَنجحْ". (كيف) الاستفهامية كيفَ اسمٌ يُستفهمُ به عن حالةِ الشيء، نحو "كيفَ أنتَ؟ "، أي على أيَّة حالةٍ أنتَ؟. وقد تُشرَبُ معنى التَّعجُّبِ، كقوله تعالى {كيفَ تكفرون بالله!} ، أو معنى النفي والإنكار، نحو "كيف افعلُ هذا! "، أَو معنى التوبيخ، كقوله تعالى {وكيفَ تكفرون! وأنتم تُتلى عليكم آياتُ الله، وفيكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 ورسولهُ} . و (كيفَ) اسمٌ مبنيٌّ على الفتح، ومحلُّهُ من الإعراب، إما خبرٌ عما بعده، إن وقع قبل ما لا يُستغنى عنه، نحو "كيفَ أنتَ؟ وكيفَ كنتَ؟ " ومنه أن تقعَ ثاني مفعوليْ "ظَنَّ" وأخواتها، لأنه في الأصل خبرٌ، نحو "كيفَ تَظُنُّ الأمرَ؟ ". وإِما النصبُ على الحال مما بعدهُ، إن وقع قبل ما يُستغنى عنه، نحو "كيفَ جاءَ خالدٌ؟ " أي على أيّ حالٍ جاء؟ وإما النصبُ على المفعوليَّةِ المُطلقةِ، كقوله تعالى {ألم تَرَ كيفَ فعلَ ربُّكَ بأصحاب الفيل؟} ، أي أيَّ فعلٍ فعل؟ وقد تتضمَّنُ (كيفَ) معنى الشرطِ، ملحقةً بِـ (ما) الزائدة للتوكيد، نحو "كيفما تكنْ يكنْ قرينُك"، أو غيرَ مُلحَقةٍ بها، نحو "كيف تجلسْ أجلسْ". ومن النُّحاةِ من يجزمُ بها، كما رأيت (وهم الكوفيُّون) . ومنهم من يجعلُها شرطاً غيرَ جازمٍ، فالفعلان بعدها مرفوعان (وهم البصريُّون) . (انّى) الاستفهامية أنّى تكونُ للإستفهام، بمعنى (كيف) ، نحو أنّى تفعلُ هذا وقد نُهيتَ عنه؟ " أي كيفَ تفعلهُ؟ وبمعنى (مِنْ أينَ) كقوله تعالى: {يامريم أنى لَكِ هذا} [آل عمران: 37] أي من أينَ لكِ هذا؟ وإذا تضمَّنتْ معنى الشرطِ جزمت الفعلين، نحو "أنّى تجلس أجلسْ" وهي ظرفٌ للمكان. (كم) الاستفهامية كمْ يُستفهم بها عن عَدَدٍ يُراد تعيينُه، نحو كمْ مشروعاً خيريًّا أعنتَ؟ " أي كمْ عَدَدُ المشروعاتِ الخيرية التي أعنتها؟ (اي) الاستفهامية أي يُطلبُ بها تعيينُ الشيءِ، نحو "أيُّ رجلٍ جاءَ؟ وأيَّةُ امرأة جاءت؟ "، ومنه قوله تعالى {أيُّكم زادتهُ هذهِ إِيماناً؟} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وإذا تَضمَّنت معنى الشرط جزمت الفعلين، نحو "أيُّ رجلٍ يستقمْ ينجحْ". وقد تكون دالّةً على معنى الكمال، وتُسمى "أيًّا الكماليّةَ". وهي إذا وقت بعد نكرةٍ كانت صفةً لها، نحو "خالدٌ رجلٌ أيُّ رجل"، أي هو كاملٌ في صفاتِ الرجالِ. وإذا وقعت بعد معرفةٍ كانت حالاً منها، نحو "مررتُ بعبدِ اللهِ أيّ رجل". ولا تُستعمل إِلا مضافةً وتُطابقُ موصوفها في التذكير والتأنيث، تشبيهاً لها بالصفات المشتقّات، ولا تطابقه في غيرهما. ويجوز تركُ المطابقة فيهما. وقد تكونُ وُصلةً لنداءِ ما فيه (ألْ) مُلحَقةً بِـ (ها) التَّنبيهيّةِ، نحو {يا أَيُّها الناسُ} . وقد تكون اسم موصول كما تقدم في الفصل السابق. و (أيُّ) - في جميع أحوالها - مُعرَبةٌ بالحركات الثلاث، إلا إذا كانت موصوليةً مُضافةً ومحذوفاً صدرُ صِلتها؛ كما أوضحنا ذلك في الفصل الذي قبل هذا. (أسماء الكناية) أسماءُ الكنايةِ هي َ ألفاظٌ مبهمَةٌ يُكنّى بها عن مُبهَمٍ من عدَدٍ أو حديثٍ أو فعلٍ. وهي "كم وكذا وكأيَّنْ وكيْتَ وذَيتَ". فـ (كمْ) ،على وجهين: إستفهامية، وهي ما يُكنى بها عن عَدَدٍ مُبهمٍ يُرادُ تعيينُهُ، نحو "كمْ علماً تعرِف؟ " وخَبريَّةٌ، وهي ما يكنى بها عن العدد الكثير على جِهَةَ الإخبار، نحو "كمْ كتابٍ عندي؟ "، أي عندي كتُبٌّ كثيرةٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 و (كذا) يُكنى بها عن عددٍ مُبهَمٍ، نحو "قلتُ كذا، وفعلتُ كذا، وعن المفردِ، نحو "جئتُ يومَ كذا". والغالبُ فيها أن تُستعمَلَ مُكرَّرةً بالعطفِ، نحو "عندي كذا وكذا كتاباً"، ويَقِلُّ استعمالُها مُفردةً، أو مُكرَّرةً بلا عطف. وهي في الأصلِ مُركبةٌ من كافِ التّشبيهِ و"ذا" الإشاريّةِ، لكنها الآن تعتبرُ كلمةً واحدةً. و (كأيِّنْ) مثل "كم" الخبريةِ معنًى، نحو "وكأيِّنْ من آيةٍ في السموات والأرض". وهي في الأصلِ مُركبةٌ من كاف التَّشبيه و"أيٍّ" ولأن التنوينَ قد صار جزءاً من تركيبها كُتبتْ بالنون. فهي الآن كلمةٌ واحدةٌ. ويجوز أن تُكتبُ "كأيٍ" بحسَبِ أصلِها. ويُقالُ فيها كائِنْ" أيضاً، كقول الشاعر [من الطويل] وكائِن تَرى من صامتٍ لك مُعْجِبٍ ... زِيادتُه أو نَقْصُهُ في التَّكلمِ (ولكم وكذا وكأين أحكام نذكرها في مبحث التمييز، في الجزء الثالث من هذا الكتاب) . و (كَيْتَ وذَيْتَ) يُكنى بهما عن الجملة، قولاً كانت أو فعلاً، كما يُكنى بفُلانِ وفلانةَ عن أعلام العقلاء. وقيلَ "يُكنى بكيتَ عن جملةِ القولِ، وبذَيْتَ عن جملةِ الفعلِ". ولا تُستعملانِ إلا مُكرّرتينِ، بالعطف أو بدونه. والأوّلُ أكثرُ، نحو "قلتُ كيْتَ وكيْتَ، وفعلتُ ذيْتَ وذْيتَ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 (المعرفة والنكرة) المعرفةُ إِسمٌ دلَّ على مُعّينٍ. كعمرَ ودِمَشقَ وأنتَ. والنكرةُ إِسمٌ دلَّ على غير مُعّينٍ كرجلٍ وكتابٍ ومدينةٍ. والمعارفُ سبعةُ أَنواعٍ الضميرُ والعَلمُ وإسمُ الإشارة والإسمُ الموصولُ والإسمُ المقترنُ بِـ (أل) والمضافُ إلى معرفة والمنادى المقصودُ بالنداءِ. (وقد تقدم الكلام على الضمير والعلم وإسم الإشارة والإسم الموصول. واليك الكلام على المقترن بأل والمضاف إلى معرفة والمنادى المقصود بالنداء) . المقترن بأل المقترنُ بألْ إسمٌ سبقتهُ (ألْ) فأفادتهُ التعريفَ، فصارَ معرفةً بعد أن كان نكرةً. كالرجل والكتاب والفرَس. و (ألْ) كلُّها حرفُ تعريفٍ، لا اللاَّم، وحدها على الأصحّ. وهمزتُها همزةُ قطعٍ، وُصلت لكثرةِ الإستعمال على الأرجح. وهي، إما أن تكون لتعريفِ الجنس، وتسمى الجنسيَّةَ. وإما لتعريفِ حصّةٍ معهودةٍ منهُ، ويُقال لها العَهْديّةُ. ال العهدية (ألْ العهديةُ) إما أن تكون للعهد الذِّكريّ وهي ما سبقَ لمصحوبها ذكرٌ في الكلام، كقولكَ "جاءني ضيفٌ، فأكرمت الضيفَ" أي الضيف المذكور. ومنه قولُه تعالى {كما أرسلنا إلى فِرعونَ رسولا، فعصى فرعونُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الرسولَ". وإما أن تكون للعهد الحُضوريّ وهو ما يكونُ مصحوبُها حاضراً، مثل "جئتُ اليومَ"، أي اليومَ الحاضرَ الذي نحن فيه. وإما أَن تكون للعهد الذهنيّ وهي ما يكونُ مصحوبُها معهوداً ذهِناً، فينصرفُ الفكرُ ليه بمجرَّدِ النُّطقِ به، مثل "حضرَ الأميرُ"، وكأن يكون بينك وبينَ مُخاطَبك عهدٌ برجلٍ، فتقول حضرَ الرجلُ"، أي الرجلُ المعهودُ ذِهناً بينك وبين من تخاطبه. ال الجنسية (ألْ الجنسيّةُ) إِما أن تكون للإستغراقِ، أو لبيانِ الحقيقة. والإستغراقيّةُ، إما أن تكون لإستغراق جميعِ أفرادِ الجنس. وهي ما تشملُ جميعَ أفرادِه، كقوله تعالى {وخُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً} ، أي كلُّ فردٍ منه وإما لإستغراق جميعِ خصائصهِ، مثل "أنتَ الرجلُ"، أي اجتمعت فيكَ كلُّ صفاتِ الرجال. وعلامةُ (ألْ" الإستغراقية أن يَصلُحَ وقوعُ (كلٍّ) موقعَها، كما رأيت. و (ألْ) ، التي تكونُ لبيانِ الحقيقة هي التي تُبينُ حقيقة الجنس وماهيّته وطبيعتَه، بقطعِ النظرِ عمّا يَصدُقُ عليه من أفراده، ولذلكَ لا يصحُّ حلولُ (كلٍّ) مَحلَّها. وتسمى "لامَ الحقيقةِ والماهيّةِ والطبيّعيةِ"، وذلكَ مثل "الإنسانُ حيوانٌ ناطقٌ"، أي حقيقته أنهُ عاقلٌ مدركٌ، وليس كلُّ إنسانٍ كذلك، ومثل الرَّجلُ أصبرُ من المرأَة"، فليس كلُّ رجلٍ كذلك، فقد يكون من النساءِ مَن تفوقُ بِجَلدِها وصبرها كثيراً من الرجال. فألْ هُنا لتعريف الحقيقةِ غيرَ منظورٍ بها إلى جميع أفرادِ الجنس، بل إلى ماهيَّته من حيثُ هي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 واعلم أنَّ ما تصحبُهُ (ألْ) الجنسيةُ هو في حُكم النكرةِ من حيثُ معناهُ، وإن سبقتهُ (ألْ) ، لأن تعريفهُ بها لفظيٌّ لا لا معنويٌّ فهو في حُكم عَلم الجنس، كما تقدَّمَ في فصل سابق. وأما المُعرّفُ بِـ (ألْ) العهديّةِ، فهو معرَّفٌ لفظاً، لإقترانه بألْ، ومعنًى، لدلالتِه على مُعَيّنٍ. والفرقُ بينَ المعرَّف بِـ (أَلْ) الجنسيّةِ وإِسمِ الجنس والنكرة، من وجهين معنويٌّ ولفظيٌّ. أما من جهة المعنى، فلأنَّ المعرَّفَ بها في حكم المُقيَّد، والعاريَ عنها في حكم المُطلق. (فاذا قلت "احترم المرأة"، فانما تعني امرأة غير معينة، لها في ذهنك صورة معنوية تدعو إلى احترامها. ولست تعني مطلق امرأة، أي امرأة ما، أية كانت صفتها وأخلاقها، وإذا قلت "إذا رأيت امرأة مظلومة فانصرها" فانما تعني مطلق امرأة، أية كانت، لا امرأة لها في نفسك صفتك ومميزاتها) . وأما من جهة اللفظِ، فلأنَّ إسمَ الجنس النكرةَ نكرةق لفظاً، كما هو نكرةٌ معنًى. والمعرَّف بِـ (ألْ الجنسيةِ) نكرةٌ معنًى، معرفةٌ لفظاً، لإقترانه بألْ. فهو تَجري عليه أحكامُ المَعارف كصحة الإبتداءِ مثل "الحديدُ أنفعُ من الذَّهب"، ومجيءِ الحال منه، مثل "أكرم الرجلَ عالماً عاملاً". وإذا وصَلَ مصوبُ (ألْ) الجنسية بجملةٍ مصمونُها وصفٌ له جاز أن تجعلها نعتاً له، باعتبار أَنه نكرةٌ معنًى وأن تجعلها حالاً منه باعتبار أنه مُعرَّفٌ بِألْ تعريفاً لفظياً. ومن ذلك قول الشاعر ولَقَد أمُرُّ على اللَّثيمِ يَسُبُّني ... فَمَضَيْتُ، ثُمَّتَ قلْتُ لا يَعنيني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وقول ُ أبي صخرٍ الهُذَليّ وإِنِّي لَتَعروني لذِكْراكِ هِزَّةٌ ... كَما انْتَفَضَ الْعُصفورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ ومثلُ المعرَّف بألْ الجنسيةِ ما أُضيف إلى المعرَّف بها كقول لبيدِ بنِ رَبيعة وتُضيءُ في وَجْهِ الظَّلامِ مُنيرةً ... كجُمانةِ سُلَّ نِظامُها (فيجوز في جملة (يسبني) أن تكون نعتاً للئيم، وفي جملة (بلله القطرُ) أن تكون نعتاً للعصفور، وفي جملة (سُلّ نظامها) أن تكون نعتاً لجمانة البحري. باعتبار أن مصحوب (ألْ) الجنسية في معنى النكرة. ويكون التقدير في الأول على لئيم سابٍ إياي، وفي الثاني "كما انتفض عصفور بلل القطر إياه". وفي الثالث "كجمانة بحري مسلول نظامها". ويجوز أن نجعل هذه الجمل حالاً من المذكورات، باعتبار تعريها اللفظي، لأنها محلاّة بألْ الجنسية. ويكون التقدير "على اللئيم ساباً إياي"، وكما انتفض العصفور بالاً القطر إياه "وكجمانة البحري مسلولاً نظامها") . أل الزائدة قد تُزادُ "ألْ"، فلا تُفيدُ التّعريفَ وزيادتُها إما أن تكون لازمةً، فلا تُفارِقُ ما تَصحَبُه، كزيادتها في الأعلام التي قارنت وضعَها كللاّتِ والعُزَّى والسَّمَوْأَلِ واليَسعِ، وكزيادتها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الأسماءِ الموصولة كالذي والتي ونحوهما، لأن تعريفَ الموصولِ إنما هو بالصلة، لا بألْ على الأصحّ. وأما "الآن" فأرجحُ الأقوالِ أَن "أَلْ" فيه ليستْ زائدةً، وإنما هي لتعريفِ الحُضور، فهي للعهدِ الحضوريّ. وهو مبنيٌّ على الفتح، لتضمُّنه معنى إِسمِ الإشارة، لأنّ معنى "الآنَ" هذا الوقتُ الحاضرُ. وإما أن تكون زيادتُها غيرَ لازمة، كزيادتها في بعض الأعلام المنقولةِ عن أصلٍ للمْحِ المعنى الأصليّ، أي لملاحظةِ ما يَتضمَّنُهُ الأصلُ المنقولُ عنهُ من المعنى، وذلك كالفضلِ والحارثِ والنُّعمان واليَمامةِ والوليدِ والرشيدِ ونحوها. ويجوزُ حذفُ "أَلْ" منها. وزيادُتها سَماعيّة، فلا يُقال المُحمَّدُ والمحمودُ والصّالحُ فما وردَ عن العربِ من ذلك لا يُقاسُ عليه غيرُه. (كذا قال النحاة. ولا نرى بأساً بزيادة (ألْ) على غير ما سمعت زيادتها عليه من الأعلام المنقولة عن اسم جنس أو صفة، إذا اريد بذلك الإشارة إلى الأصل المعني فما جاز لهم من ذلك لمعنى أرادوه، يجوز لنا لمعنى كالذي أرادوه. فيجوز لنا أن نقول فيمن اسمه صالح "جاء الصالح"، نلمح في ذلك معنى الصلاح في المسمى) . وقد تُزاد "أَلْ" اضطراراً، كالداخلةِ على علمٍ لم يُسمع دُخولها عليه في غير الضَّرورة. كقول الشاعر [من الطويل] رأيتُ الوَليدَ بنَ اليزيدِ مُبارَكاً ... شَديداً بأَعباءٍ الخِلاقةِ كاهِلُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فأدخلَ "ألْ" على (يَزيد) لضرورة الشعر، وهي ضرورة قبيحة، وكقول الآخر [من الكامل] ولَقَدْ جَنَيْتُكِ أكْمُؤًا وعَساقِلا ... ولَقَدْ نَهَيْتُكِ عَن بَناتِ الأَوْبَرِ وإنما هي بناتُ أوبَرَ، وكالدَّاخلةِ على التمييز. كقوله [من الطويل] رأَيتُكَ لمَّا أَنْ عَرَفْتَ وجُوهَنا ... صَدَدْتَ، وطِبْتَ النَّفْسَ يا قَيْسُ عَنْ عَمْرِو والأصلُ "طِبتَ نَفْساً، لأن التمييز لا يكونُ إلاَّ نكرة. (ال) الموصولية وقد تكونُ (ألْ) إِسمَ موصولٍ، بلفظٍ واحدٍ للمفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، وهي الداخلة على اسم الفاعل واسم المفعول، بشرط أن لا يُرادَ بها العهدُ أو الجنسُ، نحو "أكرِمِ المُكرِمَ ضيفَه، والمُكرَمَ ضيفُه". أي الذي يُكرمُ ضيفَهُ، والذي يُكْرَمُ ضيفُهُ. فإن أُريدَ بها العهدُ، نحو "انصُرِ المظلومَ"، كانت حرفَ تعريفٍ لا موصوليّة. وإن كانت موصوليّة فصِلَتُها الصفةُ بعدَها، لأنها في قُوَّة الجملة، فهي شِبهُ جُملةٍ لدلالتها على الزمان، ورفعِها الفاعلَ أو نائبَهُ، ظاهراً أو مُضمَراً فالظاهرُ نحو "أكرمِ المُكرِمَ أبوه ضيفَهُ" والمُضمَر، نحو "أكرمَ المكرِمَ ضَيفه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 والإِعرابُ إنَّما هو لِـ (ألْ) ، فهي في ملح رفع أو نصب أو جرّ ويظهر إعرابُها على صِلَتها، وصِلتُها لا إِعرابَ لها. والرفعُ والنصبُ والجرُّ اللَّواتي يلحقنها، إنَّما هُنَّ أثرُ محلِّ (ألْ) من الإعراب. وإذْ كانت الصفةُ الواقعةُ صِلَةً لِـ (ألْ) الموصوليَّةِ في قُوَّة الفعلِ ومرفوعه، حَسُنَ عطف الفعلِ ومرفوعهِ عليها. كقوله تعالى {والعادياتِ ضَبْحاً فَالمُورِياتِ قَدْحاً، المُغيراتِ صُبْحاً، فأثَرْنَ بهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بهِ جَمْعاً} ، وقولهِ {إنَّ المُصَّدِّقينَ والمُصَّدِّقات وأَقرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً} . (أما إن كانت الصفة المقترنة بأل صفة مشبهة أو اسم تفضيل أو صيغة مبالغة، فألْ الداخلة عليها ليست موصولية. وإنما هي حرف تعريف، لأن هذه الصفات تدل على الثبوت فلا تشبه الفعل من حيث دلالته على التجدد، فلا يصح أن تقع صلة للموصول كما يقع الفعل) . تعريف العدد بأل إن كان العدَدُ مفرداً يُعرَّفُ كما يُعرَّفُ سائرُ الأسماءِ، فيقال "الواحدُ والإثنانِ والثلاثةُ والعشرة". وإِن كان مركَّباً عديًّا يُعرَّفُ جُزؤُهُ الأوَّلُ فيقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 "الأحدَ عَشرَ والتِّسعةَ عشرَ". وإن كان مُركباً إضافياً يُعرَّفُ جُزؤُهُ الثاني، مثل "ثلاثةً الأقلامِ، وستَّةً الكتبِ، ومِئةُ الدّرهمِ، وألفٍ الدِّينارِ"، وإذا تَعدَّدتِ الإضافةُ عرّفتَ آخرَ مضافٍ إِليه، مثل "خَمسِ مئةِ الألفِ، وسبعة آلافِ الدرهمِ، وخَمسِ مئةٍ ألفِ دينارِ الرجلِ، وستِّ ألفِ درهمِ غُلامِ الرجلِ". وإن كان العددُ معطوفاً ومعطوفاً عليه يُعرَّفُ الجُزءانِ معاً. كالخمسة والخمسينَ رجلاً، والستَ والثمانينَ امرأةً. (ومن العلماء من أجاز تعريف الجزءين في المركب الإضافي فيقول "الثلاثة الرجال والمئة الكتاب") . المعرَّف بالاضافة المُعرّفُ بالإِضافة هو اسمٌ نكرةٌ أُضيف إلى واحد من المعارف السابق ذِكرُها، فاكتسبَ التعريفَ بإضافته، مثل "كاب" في قولك "حملتُ كتابي، وكتابَ عليّ، وكتابَ هذا الغلام، وكتابَ الذي كان هنا وكتابِ الرَّجلِ". وقد كان قبل الإضافةِ نكرةً لا يُعرَفُ كتابُ من هو؟. المنادى المقصود المنادى المقصود هو اسمُ نكرةٌ قُصدَ تعيينُهُ بالنَّداءِ، مثل "يا رجلُ ويا تلميذُ"، إذا ناديتَ رجلاً وتلميذاًَ مُعيَّنين. فإن لم تُرِدْ تعيينَ أحدٍ قلتَ "يا رجلاً، ويا تلميذاً"، ويبقيانِ في هذه الحالة نكرتينِ، لعدم تخصيصهما بالنداءِ. فإن ناديتَ معرفةً فلا شأنَ للنداءِ في تعريفها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 (اسماء الأفعال) اسمُ الفعل كلمةٌ تدلُّ على ما يدلُّ عليه الفعلُ، غيرَ أنها لا تقبل علامتَهُ. وهو، إما أن يكون بمعنى الفعلِ الماضي، مثل "هيْهات"، بمعنى "بَعُدَ" أو بمعنى الفعل المضارع، مثل "أُفٍّ"، بمعنى أَتَضجّر، أو بمعنى فعلِ الأمر، مثل "آمينُ"، بمعنى استَجبْ. ومن أسماءِ الأفعالِ "شَتَانَ" بمعنى افترقَ، و"وَيْ"، بمعنى أعجَبُ، و"صَهْ" بمعنى اسكُتْ، و"مَهْ" بمعنى انكفِفْ، و"بَلْهَ" بمعنى دَعْ واترُكْ، و"عليكَ"، بمعنى الزَمْ، و"اليكَ عني"، بمعنى تنَحّ عني، و"إليك الكتابَ"، بمعنى حُذْهُ، و"ها وهاكَ وهاءَ القلمَ" أي خُذْهُ. واسمُ الفعل يلزم صيغةً واحدةً للجميع. فنقول "صَهْ"، للواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث، إلا ما لحقتهُ كافُ الخطاب، فيراعى فيه المخاطبُ فتقول "عليكَ نفسَكَ، وعليكِ نفسَكِ، وعليكُما أنفسَكما، وعليكم أنفسَكم، وعليكنَّ أنفسَكنَّ، وإليكَ عني، وإليكِ عني، وإِليكما عني، وإِليكم عني، وإِليكنّ عني، وهاكَ الكتابَ وهاكِ الكتَابَ، وهاكُما الكتابَ، وهاكمُ الكتابَ، وهاكنَّ الكتابَ". اسم الفعل المرتجل والمنقول والمعدول أسماءُ الأفعالِ، إما مُرتجَلةٌ، وهي ما وَضعتْ من أول أمرها أسماءَ أفعالٍ، وذلك مثل "هَيْهاتَ وأُفٍّ وآمينَ". وإما منقولةٌ، وهي ما استُعملت في غير اسم الفعلِ، ثم نُقلت إليه. والنّقلُ إِما عن جارٍّ ومجرورٍ كعليكَ نفسكَ، أي ألزمها، وإليكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 عني، أي: تَنَحَّ. وإما عن ظرفٍ: كدونكَ الكتابَ، أي: خُذْهُ، ومكانكَ، أي: اثبُتْ. وإِما عن مصدرٍ: كرُوْيدَ أخاكَ أي: أمهِلْهُ، وبَلْهَ الشَّرَّ أي: اترُكهُ ودَعْهُ. وإما عن تنبيهٍ، نحو: "هالكتابَ"، أي: خُذْهُ. وإما معدولةٌ كَنزالِ وحّذارِ، وهما معدولانِ عن انزِلْ واحذّرْ. ("رويد" في الأصل مصدر "ارود في سيره رواداً أو رويداً" أي تأنى ورفق. وهو مصغر تصغير الترخيم، بحذف الزوائد، لأن أصله "ارواد". (بله) في الأصل مصدر بمعنى الترك، ولا فعل له من لفظه، وإنما فعله من معناه وهو "ترك". وكلاهما الآن اسم فعل أمر مبني على الفتح، ولا محل له من الإعراب، وفاعله ضمير مستتر وجوباً تقديره أنت. فإن نوَّنتهما، نحو "رويداً أخاك وبلهاً الشر"، أو أضفتهما نحو رويدَ أخيك وبلهُ الشر" فهما حينئذ مصدران منصوبان على المفعولية المطلقة لفعلهما المحذوف. وما بعد المنون منصوب على أنه مفعول به له، وما بعد المضاف مجرور لفظاً بالإضافة إليه، من باب إِضافة المصدر إلى مفعوله) . والكاف؛ التي تلحقُ اسمَ الفعل المنقولَ، تَتصرَّفُ بحسبِ المخاطبِ إِفراداً، وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً، نحو "رُوَيْدَكَ، ورُوَيْدَكِ، ورُوَيْدَكما، ورُوَيْدَكم ورُوَيْدَكُنَّ، وهاكَ، وهاكِ، وهاكما، وهاكم، وهاكنْ، وإِليكَ عني، وإِليكما عني، وإِليكم عني، وإِليكنَّ عني". إلا أنها في "رُوَيْدَكَ وهاكَ" غير لازمة، لأن النقل عن المصدر أو حرف التنبيه وقع مُجَرَّداً عنها، فلم تَصِرْ جُزءاً من الكلمة، لذا يجوز انفكاكها عنهما، فتقولُ "رُوَيْدَ أخاكَ وها الكتابَ". أما في "إِليكَ ودُونكَ" ونحوهما من المنقول عن حرف جرٍّ أو ظرفٍ فهي لازمة له، لأنَّ النقل قد وقع فيه مصحوباً بها فصار وإِياها كلمةً واحدةً يُراد بها الأمرُ، لذا لا يجوز انفكاكها عنه، كما جاز في رُوَيْدَكَ وهاكَ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 ويجوز في "ها" أن تُجرَّدَ من الكاف، فتكونَ بلفظٍ واحدٍ للجميع، وأن تلحقها الكافُ، فتتصرفَ بحسَبِ المخاطب. ويجوز أن يقال فيها "هاءَ"، بلفظٍ واحدٍ للجميع. والأفصحُ أن تتصرَّف همزتُها، فيُقال "هاءَ"، للواحدِ، و"هاءِ" للواحدة، و"هاؤماً"، للمثنى، و"هاؤمْ"، لجمع الذكور، و"هاؤُنَّ" لجمع الإناث، ومنه قولهُ تعالى {هاؤُمُ اقرؤوُا كتابِيْهْ} ، أي خُذوهُ فاقرَؤُهُ. (والكافُ في "رويدك وهاك" حرفٌ خطابٍ لا محل له من الإعراب علىالأصح. وفي "إليك وعليك ودونك" ونحوها لا إعراب لها على الصحيح، لأنها صارت جزءاً من الكلمة، وجزء الكلمة لا إِعراب له فالإعراب إنما هو لهذه الكلمة برمتها) . واسمُ الفعلِ المنقولُ كرُويدَ، والمعدولُ كَنزالِ، لا يأتي إِلا للأمرِ، ولا يأتي لغيره. وأما المُرتَجلُ فيأتي للأمر كمَهْ، بمعنى انكَفِفْ، وهو الأكثرْ. وقد يأتي للماضي كشَتّانَ، بمعنى افترَق، وللمضارع، مثل "وُيْ"، بمعنى أعجبُ. وما كان منه منقولاً أو مرتجلاً، فهو سماعيّ. وما كان منه معدولاً، فهو قياسيّ يُبنى على وزن "فَعالِ"، من كل فعلٍ ثلاثيٍّ مُجرَّدٍ تامٍّ مُتصرّف كَقتالِ وضَرابِ ونَزالِ وحَذارِ. وشذَّ مجيئُهُ من مَزيدِ الثلاثيِّ نحو "دَراكِ" بمعنى أَدْرِكْ، و"بَدارِ"، بمعنى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 بادِرْ. اسم الفعل الماضي والمضارع والأمر أسماءالأفعال أيضاً على ثلاثة أنواع اسمُ فعلٍ ماضٍ وقد وردَ منه (هَيْهاتَ) ، أي بَعُدَ، و (شتّان) ، أي افترقَ، و (شُكانَ وسُرعانَ) (بتثليثِ أوَّلهما) ، أي أسرعَ، و (بُطآنَ) بضمِّ الباءِ وكسرها وسكون الطاءِ) ، أي أبْطِىءِ. واسمُ فعلٍ مضارعٍ وقد وردَ منه "أوَّهْ وآهِ" أي "أتوَجَّعُ"، وأُفٍّ، أي أتضجّرُ، و"وا، وَواهاً، وَويْ"، اي أَتعجّبُ، (وبَخٍ) ، أي أَستحسنُ و (بَجَلْ) أي يكفي. واسمُ فعلِ أمرٍ وقد وردَ منه "صّهْ" أي اسكُتْ، و"مَهْ"، أي انكفِفْ، و"رُوَيْدَ" أي "أمهِلْ"، و"ها، وهاءَ، وهاكَ، ودُونَكَ، وعندَكَ، ولدَيْكَ الكتابَ"، أي خُذهُ، و"عَليكَ نفسَكَ وبنفسِكَ"، أي الزَمْها، و"إِليكَ عني"، أي تَنَحَّ، و"إِليكَ الكتابَ"، أيْ خُذْهُ، و"إيهِ" أي امضِ في حديثكَ أو زِدْني منهُ، و"حيَّ على الصلاةِ وعلى الخيرِ، وعلى العلمِ"، أي هَلُمَّ إلى ذلكَ وتَعالَ مُسرِعاً، وحَيَّهلَ الأمرَ"، أي ائتهِ، و"على الأمر"، أي أقبلْ عليه، و"إِلى الأمرِ"، أي عَجَّلْ إليه، و"بالأمر"، أي عَجِّلْ به و"هيّا وهَيتَ" (بتثليث التاءِ) ، أي أسرِعْ، (ويقالُ أيضاً هَيْتَ لكَ) ، و"آمينَ" أي استجِبْ، و"مكانَكَ"، أي اثبُتْ، و"أمامَكَ"، أي تَقَدَّمْ، و"وراءِكَ"، أي تأخرْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 أما المعدودُ منهُ فلا يُحصَرُ، لأنه قياسيٌّ كما سلفَ. (أسماء الأصوات) أسماءُ الأصوات على نوعين نوعٌ يُخاطَبُ به ما لا يَعقِلُ من الحيوان أو صغار الإنسان، وهو يُشبِهُ اسمَ الفعلِ من حيثُ صِحَّة الإكتفاءِ به وإنما لم يُجعلِ إِسمَ فعلٍ، لأنهُ لا يحملُ ضميراً، ولا يقعُ في شيءٍ من تراكيب الكلام، بخلاف اسم الفعل. وذلك ما كان موضوعاً للزَّجر كهَلا (للفرَس) ؛ وعَدَسْ (للبغل، وغيرهما مما يُزجَرُ به الحيوانُ) ، وكَخْ (بفتح الكافِ وكسرِها، لزجرِ الطفلِ عن تناوُل شيءٍ، أو ليتقذَّرَ من شيءٍ، أو للدُّعاء كنِخْ (للبعير الذي يُناخُ) ، و"سَأْ" للحمار الذي يُورَدُ الماءَ، أو يُزجرُ ليمضي) . ونوعٌ يُحكى بِهِ صوتٌ من الأصوات المسموعة. كقَبْ (لِوَقْعِ السيف"، وغاقِ "لصوت الغُراب" وطَقْ "لصوت الحجر"، ووَبْهِ للصُّراخ على الميت" ولذلك بُني نحو سيبويه لأنه مختومٌ باسم صوت. وكلا النوعينِ من الأسماءِ المبنيَّة. وقد بُنيَ لأنه أشبهَ الحرف المُهمَلَ عنه العمل، في كونه يُستعملُ لا عاملاً ولا معمولاً. وقد يُسمى صاحبُ الصوت باسم صوته المنسوب إليه، كما يُسمّى الغُراب "غاقِ" أو باسم ما يُصوَّتُ لهُ به، كما يُسمى البغلُ "عَدَس"، ومنهُ قولُ الشاعر [من الرجز] إِذا حَمَلتُ بَدَني عَلى عَدَسْ ... على الذي بينَ الحمار والفَرَسْ فلا أُباليَ مَنْ عَدَا ومَنْ جَلَسْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 أي إِذا حملته على البغل. وحينئذٍ يُحكى على بنائه، وهو القياس، والمختارِّ عندَ المحققين، فتقول "رأيتُ غاقٍ"، بالكسر، "ركبتُ عَدَسْ" بالسكون. وقد يُعرَبُ لوقوعه موقعَ مُعرَبٍ، فيقال "رأيتُ غاقاً، وركبتُ عَدَساً". (شبه الفعل من الأسماء) والمرادُ به الأسماءُ التي تُشبهُ الأفعالَ في الدلالة على الحدثِ ولذا تُسمى "الأسماءَ المشبَّهةَ بالأفعال" و"الأسماءَ المُتصلةَ بالأفعال" أيضاً. وهي تسعةُ أنواعٍ المصدرُ، واسمُ الفاعلِ، واسمُ المفعولِ، والصفةُ المشبّهةُ باسمِ الفاعلِ، وصِيَغُ المبالغة، وإِسمُ التفضيلِ، وإِسمُ الزَّمانِ، وإسم المكانِ، وإسمُ الآلةِ. المصدر وانواعه المصدرُ هو اللفظُ الدّالُّ على الحدَث، مُجرَّداً عن الزمان، متضمّناً أحرفَ فعلهِ لفظاً، مثلُ "علمَ عِلْماً، أو تقديراً، مثلُ "قاتلَ قِتالاً" أو مُعوَّضاً مِما حُذِفَ بغيره، مثلُ "وَعَدَ عِدةً، وسلّم تسليماً". (فالعلم مشتمل على أحرف "علم" لفظاً. والقتال مشتمل على ألف "قاتل" تقديراً، لأن أصله "قيتال"، بدليل ثبوت هذه الياء في بعض المواضع، فنقول "قاتل قيتالاً، وضارب ضيراباً" وهذه الياءُ أصلها الألف في قاتل، انقلبت ياءً لانكسار ما قبلها. والعدّة أصلها "الوعد" حذفت الواو وعُوّضت منها تاءُ التأنيث. والتسليم أصله "السلام". بكسر السين وتشديد اللام، حذف أحدُ حرفي التضعيف، وعوّض منه تاءَ التفعيل، فجاء على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 "تسلام" كالتكرار. ثم قلبوا الألف ياء، فصار إلى "التسليم". فالتاء عوضٌ من إِحدى اللامين. فان تضمن الاسمُ أحرف الفعل ولم يدل على الحدث، كالكحل والدهن والجرح (بضم الأول في الثلاثة) ، فليس، بمصدر. بل هو امس للأثر الحاصل بالفعل، أي الأثر الذي يحدثه في الفعل) . وان دلّ على الحدث، ولم يتضمن كل أحرف الفعل، بل نقص عنه لفظاً وتقديراً من دون عوض، فهو اسم مصدر، كتوضأ وضوءاً، وتكلم كلاماً، وسلم سلاماً، وسيأيت الكلام عليه. والمصدرُ أصلُ الفعلِ، وعنهُ يَصدُرُ جميعُ المشتقّات. وهو قسمان مصدرٌ للفعلِ الثلاثيّ المجرَّد كسَيرٍ وهدايةٍ، ومصدرٌ لما فوقَه كإكرامٍ وإِمتناعٍ وتَدحرُجٍ. وهو أيضاً، إما أن يكون مصدراً غيرَ ميميٍّ "كالحياةِ والموتِ". وإما أن يكون مصدراً ميمياً "كالمَحيا والمَمات". مصدر الفعل الثلاثي لمصادر الأفعال الثلاثية أوزانٌ كثيرةٌ، وذلك كَنَصْرٍ وعِلْمٍ، وشُغْلٍ، ورَحْمَةٍ، ونِشْدَةٍ وقُدْوَةٍ، ودَعْوَى، وذِكْرَى، وبُشْرَى، ولَيّانٍ وحِرْمانٍ، وغُفْرانٍ، وخَفَقانٍ، وطَلَبٍ، وخَنِقٍ، وصِغَرٍ، وهُدىً، وغَلَبَةٍ، وسَرِقَةٍ، وذَهابٍ، وإِيابٍ، وسُعالٍ، وزَهادَةٍ، ودِرايَةِ، وبُغايَةٍ، وكَراهِيَةٍ، ودُخولٍ، وقَبولٍ، وصهوبةٍ، وصَهيلٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 وسُؤْدَدٍ، وجَبَروتٍ، وصَيْرُورَةٍ، وشَبيبَةٍ، وتَهْلُكَةٍ، ومَدْخَلٍ، ومَرْجِعٍ، ومَسْعاةٍ، ومَحْمَدٍ، ومَحْمِدَةٍ، "يُقالُ فيهِما أَيضاً مَحْمَدٌ ومَحْمَدَةٌ. و"فَعْلٌ" هو المصدرُ الأصليُّ للأفعال الثلاثية المجرَّدة، ثم عُدِلَ بكثير من مصادرها عن هذا الأصل، وبقيَ كثيرٌ منها على هذا الوزن. ومِما يَدلُّ على هذا أنهم إذا أرادوا بناءَ المَرَّةِ والنوعِ رَجعوا إليه، فلم يَبنوهما من مصدر فِعلهما. إلا أنهم كسروا أوَّلَ المصدر النَّوعي، تمييزاً له من المَرَّة. فالمرَّة والنوع من الدُّخول والقيام والسُّعال دَخْلةٌ وَدِخْلةٌ، وقومةٌ وقِيمةٌ، وسَعْلةٌ وسِعْلةٌ". المصادر الثلاثية القياسية المصادر المتقدمة، الكثيرُ منها سَماعيٌّ. وإِنما يُقاسُ منها ما كان على وزن فَعْلٍ وفَعَلٍ، وفُعولٍ، وفِعالٍ، وفَعَلانٍ، وفُعالٍ، وفَعيلٍ، وفَعُولةٍ، وفَعالةٍ وفِعالةٍ. (والمراد بالقياس هنا اذا وردَ شيءٌ ولم يعلم كيف تكلموا بمصدره، فإنك تقيسه على هذا؛ لا أنك تقيس مع وجود السماع فقد ورد مصادر عدة مخالفة لهذا القياس، فلا يجوز العدول عنها، كما ورد للفعل الواحد مصدران أو أكثر، أحدهما قياسي، وغيره سماعي، غير جار على القياس. وأجاز الفراء أن يقاس مع وجود السماع) . والغالبُ فيما دلَّ من الأفعال على امتناعٍ، أن يكون مصدرُهُ على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وزن "فِعالٍ" كأبى إباءً، ونَفَرَ نِفاراً، وشَرَدَ شِراداً، وجَمحَ جِماحاً، وأبقَ إباقاً. وفيما دلَّ على حركةٍ واضطرابٍ وتقلُّبٍ، أن يكون مصدرُه على "فَعْلاَنٍ" كطافَ طَوفاناً، وجَالَ جَوَلاناً، وغَلى غَلياناً. وفيما دلَّ على داءٍ، أن يكون مصدره على فُعالٍ "كسَعَلَ سُعالاً، وزَحَرَ زُحاراً ودارَ رأسُهُ دُواراً. وفيما دلَّ على صَوْتٍ أن يكون مصدرُه على فُعالٍ أو فَعيلٍ"، فالأوَّلُ مثلُ "بغَمت الظبيةُ بُغاماً، وضَبَحتِ الخيلُ ضُباحاً". والثاني مثلُ "صهَلَ الفرسُ صَهيلاً، وصخَدَ الصُّرَدُ صخيداً". وقد يجتمعُ "فُعالٌ وفعيلٌ" مَصدَرينِ لفعلٍ واحدٍ مثل "نَعَبَ الغُرابُ نُعاباً ونعيباً، وأزَّت القِدْرُ أُزازاً، وصَرخَ صُراخاً وصريخاً، ونعَقَ الرَّاعي بغنمهِ نُعاقاً ونعيقاً". وفيما دلَّ على سيرٍ، أن يكون مصدرُهُ على "فَعيلٍ" كرَحلَ رحيلاً، وذّملَ البعيرُ ذَميلاً. وفيما دلَّ على صناعةٍ أو حِرفةٍ، أن يكون مصدرُه على "فِعالةٍ" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 كحاكَ حِياكةً، وزَرَعَ زِراعةً، وخَاطَ خِياطةً، وتَجرَ تِجارةً، وأمَرَ إمارةً، وسَفَرَ بين القوم سِفارَةً. فإن لم يدُلَّ الفعلُ على معنًى من المعاني المذكورة، فقياسُ مصدره "فَعْلٌ" أو "فَعَلٌ" أو "فُعولٌ" أو "فَعالةٌ". فـ "فَعْلٌ" مصدرٌ للفعل الثلاثيّ المتعدي كنصرَ نصراً، وردَّ ردًّا، وقالَ قولاً، ورمى رمياً، وغزا غزْواً، وفهمَ فهْماً، وأمِنَ أمْنًا. و (فَعْلٌ) مصردٌ للثلاثيّ اللازمِ من باب "فَعِلَ" بكسر العين، كفَرِحَ فَرحاً وجَوِيَ جَوىً، وشَلَّتْ يَدُه شَلَلاً. و (فُعولٌ) مصدرٌ للثلاثيّ اللازم من باب "فَعَل"، بفتح العين. كجلَسَ جُلوساً، وقعدَ قُعوداً، وسما سُمُوًّا، ونما نُموًّا. إلا ما دلَّ منه على امتناعٍ أو حركةٍ، أو داءٍ أو صوتٍ أو سيرٍ أو صناعةٍ، فمصدرُهُ كما تقدَّم. و (فُعُولةٌ، وفَعالةٌ) مًصدران للفعل الثلاثيّ من باب "فَعُلَ" بضمِّ العين، فالأولُ. مثلُ "سَهُلَ سُهولةً، وصَعُبَ صُعوبةً وعَذُبَ عُذوبةً، ومَلُح مُلوحةً"، والثاني مثلُ "فَصُحَ فَصاحةً، وضَخُمَ ضخامةً، وجَزُلَ جَزالةً، وظَرُفَ ظرافةً". هذا هو القياسُ الثابتُ في مصدرِ الفعل الثلاثيّ. وما وردَ على خلاف ذلك فهو سَماعيٌّ، يُقتصَرُ فيه على النّقل عن العرب. مثل "سَخِطَ سُخْطاً، ورَضِيَ رِضاً وذَهبَ ذَهاباً وشَكرَ شُكراناً، وعظمَ عَظمةً، وحَزِنَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 حُزناً، وجَحدَ جُحوداً، وركبَ رُكوباً"، وغير ذلك مما جاءَ مصدرُهُ على غير القياس. وكثيرٌ مما جاءَ مخالفاً للقياس له مصدرٌ قياسيٌّ أيضاً. مصدر الفعل فوق الثلاثي إذا تجاوز الفعلُ ثلاثة أحرفٍ، فمصدرُهُ قياسيٌّ يجري على سَنَنٍ واحدٍ. ومن المصادر القياسية مصدراً المرَّةِ والنوع، والمصدرُ الميميُّ، سواءٌ أكانَ لفعلٍ ثلاثيٍّ أم لِما فوقهُ. قياس مصدر ما فوق الثلاثي كلُّ فعلٍ جاوز ثلاثةَ أحرفٍ، ولم يُبدأَ بتاءٍ زائدة، فالمصدر منه يكونُ على وزنِ ماضيه، بكسر أوله وزيادة ألفٍ قبل آخره. ثمَّ إن كان رُباعيَّ الأحرف كُسرَ أوَّلُه، فقط، نحو "أكرمَ إِكراماً، وزَلزلَ زِلزالاً". وإن كان خُماسيَّها، أو سُداسيَّها، كُسِرَ ثالثُهُ، أيضاً تبَعاً لكسر أوَّلهِ، نحو "إنطَلق إنطلاقاً، وإحرنجمَ إحرنجاماً، وإستغفرَ إستغفاراً، وإطمأنَّ إطمنئاناً". فإن بُدىءَ أوَّلهُ بتاءٍ زائدةٍ يَصرْ ماضيه مصدراً بضمِّ رابعهِ، مثلُ "تَكلَّمَ تَكلُّماً، وتَساقطَ تَساقطاً، وتَزلزلَ تَزلزُلاً". إلاَّ إن كان الآخرُ ألفاً، فيجبُ قلبُها ياءً وكسرُ ما قبلها، نحو "توانى توانِياً، وتلقى تَلقِّياً". وشَذَّ مجيءُ التَّفعيلِ مصدراً "لفعَّلَ"، و"المُفاعلة" مصدراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 "لفاعَلَ" والفَعْللَة مصدراً لفَعْللَ. وما أشبهها في الوزن. وسيأتي شرحُ ذلك. وإليك تفصيل ما تقدَّم. مصادر افعل وفعل وفاعل (1) ما كان على وزن "أفعلَ" صحيحَ العين، فمصدرُه على وزن "إفعال" نحو "أكرمَ إكراماً، وأوجدَ إيجاداً". فإن اعتلَّت عينُه، نحو "أقامَ وأعانَ وأبانَ" جاء مصدرُه على (إقالةٍ) كإقامةٍ وإعانةٍ وإبانةٍ، حُذفت عينُ المصدر، وعوَّض منها تاء التأنيث. والأصلُ "إقوامٌ وإعوانٌ وإبيانٌ". وقد تُحذفُ هذه التاءُ من المصدر، إذا أُضيفَ، كقوله تعالى {لا تُلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذِكرِ الله وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ} . وما كان منهُ مُعتلُّ اللام مثلُ "أعطى وأهدى وأوْلى" قُلبتْ لامهُ في المصدرِ همزةً كإعطاءٍ وإهداءٍ وإيلاءٍ. (والأصل "إعطاوٌ وإهدايٌ وإيلايٌ"، وكذلك "عطاءٌ" أصله "عطايٌ"، قلبت الواو والياء همزة. لوقوعهما بعد ألف زائدة. قال في شرح القاموس "العرب تهمز الواو والياء إذا جاءتا بعد ألف، لأنّ الهمزة أحمل للحركة منهما، ولأنهم يستثقلون الوقف على الواو، وكذلك الياء، مثل "الرداء"، وأصله "راديٌ" اهـ. وسيأتي بسط ذلك في الكلام على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 (الإبدال) ؛ في الجزء الثاني من هذا الكتاب) . وقد يجيءُ "أفعلَ" على "فَعالٍ" بفتح الفاء، وتخفيف العين، نحو "أنبتَ نَباتاً، وأعطى عَطاءً، وأثنى ثَناءً"، فهذا اسمُ مصدرٍ، لا مصدرٌ، لنُقصانهِ عن أحرف فعلهِ. (2) ما كان على وزن "فَعَّلَ" بتشديد العين مفتوحةً - صحيحَ اللام، غيرَ مهموزها، فمصدره على "تَفْعيل"، نحو " عَظَّم تَعظيما، وعَلَّم تَعليماً". وقد يجيءُ على "تَفْعِلة" نادراً، نحو جَرّبَ تَجربةً، وفَكَّرَ تَفكرةً، وذكَّر تَذكرةً". فإن اعتلت لامهُ، نحو "وَصّى وسَمّى وزَكّى" جاء مصدره على وزن "تَفْعِلةٍ" كتوصيةٍ وتسميةٍ وتزكيةٍ، خُفِّفَ بحذف ياءِ "التفعيل"، وعُوِّض منها التاء. وإِن هُمزت لامُهُ، نحو "جزّأَ وخطّأ وهنّأ" فمصدره على (تَفْعيل) وعلى (تَفْعِلة) مثلُ "تَجزيءٍ وتَجزئةً، وتَخطيءٍ وتَخطئةً، وتهنيءٍ وتَهنئةً". وسمعَ مصدر (فَعَّل) على (فِعَال) - بكسر الفاءِ وتشديد العينِ مفتوحةً - قليلاً، فقالوا "كلَمتُهُ كِلاّماً"، وفي التّنزيل {وكذَّبوا بآياتنا كِذَّاباً} ، أي تكذيباً. وجاء مصدرُه أيضاً على (تَفْعالٍ) ، بفتح التاء، نحو "رَدَّدَ تَرداداً، وَكرَّرَ تَكراراً وذَكّرَ تّذكاراً، وحَلّقَ تَحلاقاً وجَوَّالَ تَجوالاً، وطَوَّفَ تَطوافاً، ومنه (التَّلعاب) ، مصدرُ فعلٍ قد أميتَ في الاستعمال، وهو (لَعَّبَ) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 وكلُّ ما ورَدَ من مصادرِ (فَعَّلَ على غيرِ (التَّفعيل) يُحفظُ ولا يُقاس عليه. وقد شذَّ مَجيءُ (التَّفعيل) مصدراً لفعَّلَ، وقياسُ مصدره أن يكون على (فِعَّالِ) . (أي بكسرِ أوَّل ماضيه، وزيادة ألفٍ قبلَ آخره) . وقد جاء على الفِعّالِ (الكِذَّابُ والكِلاَّمُ) . (وكان هذا الوزن مستعملاً قديما، ثم أميت باهماله، فورثه "تَفعال" بفتح التاء. وقد ورد منه ألفاظ كالتطواف والتجوال والتكرار والترداد والتذكار والتحلاق. ثم أميت هذا الوزن أيضاً، فورثه (تفعيل) . وقد بقي هذا قياساً شاذاً لمصدر (فَعّلَ) فالفعل (بكسر الفاء وتشديد العين) أصل للتفعال (بفتح التاء) وهذا أصل للتفعيل، حذفوا من الفعل زائده، (وهو احدى العينين) ؛ وعوضوه من المحذوف التاء المفتوحة في أوله، فقالوا "فعّل تفعالا"، كطوَّف تطوافاً، ثم قلبوا ألف (التفعال) ياء فقالوا "فعّل تفعيلا". كطوّف تطويفاً. (فمثل "سلّم تسليما"، فالتسليم أصله "التّسلام بفتح" التاء. وهذا أَصله "السلاّم" بكسر السين وتشديد اللام، بوزن "فعّال") . (1) ما كان على وزن (فاعلَ) فمصدره على (فِعالٍ ومُفاعلة) نحو "دافع دِفاعاً ومُدافعة، وجاوز جِواراً ومُجاورة". وما كان منه مُعتلُّ اللام، مثلُ "والى ورامى وهادى" قلِبت لامُهُ في المصدر همزةً كوِلاءٍ، ورِماءٍ، وهِداءٍ. وما كان فاؤُهُ من هذا الوزن (ياءً) يمتنع مجيءُ مصدره على (فعالٍ) ، فنحو "ياسَرَ ويامَنَ" ليس فيه إلاَّ (المياسَرة، والمُيامنة) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 وقد جاء مصدرُه على (فيعالٍ) نادراً، نحو "قاتلَ قيتالاً"، فلا يقاس عليه. (وأعلم أن "الفيعال" هو القياس لمصدر "فاعل"، فهو أصل الفِعال، خفف بحذف يائه، واهمل في الاستعمال, وانما كان قياس مصدر فاعل هو (الفعال) ، لأن المصدر الرباعي الأحرف يبنى على ماضيه وزيادة ألف قبل آخره. كما قدمنا. فالأصل في الفيعال "فاعال" مبنياً على "فاعلَ" كسرت فاؤه، فانقلبت الألف بعدها ياء مراعاة للكسرة قبلها) . وقد شذَّ مجيءُ المُفاعلة مصدراً لفاعلَ، لأن القياسَ إنما هو (الفِعال) ولذا يجعلها المُحققون من العلماءِ اسماً بمعنى المصدر، لا مصدراً، لأن المصدر إنما هو (الفِعال) المُخفَّفُ من (الفِيعال) . مصدر (فعلل) والملحق به ما كان على زِنة (فَعْلَلَ) وما الحقَ به، فمصدرُه على (فَعْلَلة) كدحرجَ دَحرَجةً، وزَلزَل زَلزَلةً، وجَلْبَبَ جَلْبَبةً، وسَيْطرَ سَيْطرَةً، وحَوْقَلَ حَوْقَلةً". فإن كان مَضاعفاً جاء أيضاً على "فِعْلالٍ" كزلزلَ زِلزالاً. و (فِعْلال) ، في غير المضاعفَ، سَماعيُّ، يُحفَظُ ما سَمعَ منه، ولا يُقاسُ عليه "كسَرْهف سِرهافاً وحَوقلَ حِيقالاً". وبعض العلماء جَعلهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قياسيًّا. وقد شذَّ مجيءُ (الفَعللة) مصدرً لِفَعلْلَ وما أشبههُ في الوزن. والقياسُ أن يكون على زِوَةِ (فِعْلال) بكسر الفاء. وهذا الوزن هو ما تكلَّموا به قديماً. ثمَّ خَصّثوهُ بما كان من وزن (فَعْللَ) مضاعفاً نحو زلزلَ زلزالاً ووسوسَ وِسواساً، ووشوَشَ وِشواشاً". و (الفَعْللة) هذه، أصلُها (الفَعْلال) خَفَّفوهُ بفتح أوَّلهِ وحذفِ ألفهِ وزادوا التاء في آخره. مصدر ما كان على خمسة احرف مصدرُ انفعلَ "انفعال كانطلقَ انطلاقاً. ومصدرُ افعتلَ "افتِعال" كاجتمع إجتماعاً. ومصدرُ افعلَّ "افعِلال" كاحمرَّ إِحمراراً. ومصدرُ تَفعَّل "تَفعُّل" كتكلَّمَ تكلُّماً. ومصدرُ تَفاعَلَ "تَفاعُل" كتَصالحَ تَصالُحاً. ومصدرُ تَفَعلل "تَفَعْلُلَ" كتدحرجَ تدحرُجاً. وما كان من هذه الأفعال مُعتلَّ الآخر، مَبدوُءًا بهمزة، يُقلَب آخرُهُ همزةً كانطوى انطواءً، واقتدى اقتداءً. وما كان معتلَّ الآخر من وزنيْ "تَفعَّلَ وتَفاعلَ" كتأنَّى وتغاضى، تُقلَب ألفُهُ ياءً ويُكسر ما قبلَها الكتأنِّي والتَّغاضي. مصدر ما كان على ستة احرف مصدرُ استفعلَ "استِفْعال" كاستغفَرَ استغفاراً. ومصدرُ افعَوعلَ "افعيعال" كاخشَوشنَ اخشيشاناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 ومصدرُ افعوَّلَ "افعِوَّال" كاعلوَّطَ اعلِوَّاطاً. ومصدرُ افعالَّ "افعِلال" كادهامَّ ادهيماماً. ومصدرُ افعَنْلل "افعِنْلال" كاحرنجم احرنجاماً. ومصدرُ افعَللَّ "افِعلال" كاقشعرَّ اقشعراراً. وما كان من هذه الأفعال، مُعتلّ الآخر يُلقبْ آخرُهُ همزةً كاستولى استيلاءً، واحلولى احليلاءً. مصدر التأكيد المصدرُ المُؤكدُ ما يُذكرُ بعدَ الفعل تأكيداً لمضمونه. ويبقى باؤُهُ على ما هو عليه، مثلُ "علمتُ الأمرَ علماً، وضربتُ اللصَّ ضرباً، وجُلتُ جَوَلاناً، وأكرمتُ المجتهدَ إِكراماً"، تريدُ من ذكر المصدر تأكيدَ حصولِ الفعل. مصدر المرة مصدرُ المَرَّةِ (ويُسمى مصدر العَدَدِ أيضاً) ما يُذكرُ لبيانِ عدَدِ الفعل. ويُبنى من الثلاثيّ المجرَّد على وزنِ "فَعْلةَ" بِفتحِ الفاءِ وسكونِ العين، مثلُ "وَقفتُ وَقفةً، ووقفتينِ ووقفاتٍ". فإن كان الفعلُ فوقَ الثلاثيِّ ألحقتَ بمصدره التاءَ، مثلُ "أكرمتُهُ إكرامةً، وفَرَّحتُهُ تفريحةً، وتدحرجَ تَدحرُجةً"، إِلاّ إِن كان المصدرُ مُلحقاً في الأصل بالتاءِ، فيُذكرُ بعدهُ ما يَدُلُّ على العدَد، مثلُ "رَحمتُهُ رحمَةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 واحدةً. وأقمتُ إِقامةً واحدةً، واستقمتُ استقامةً واحدةً"، وذلك للتَّفريق بينَ مصدرِ التأكيد ومصدرِ المَرَّة. فإن كان للفعلِ من فوق الثلاثيّ المجرَّد، مصدرانِ، أحدُهما أشهر من الآخر، جاءَ بناءُ المرَّة على الأشهر من مصدرَيْه، فتقولُ "زلزلتُهُ زلزلةً واحدةً، وقاتلتُهُ مُقاتلةً واحدةً، وطَوَّفته تطويفةً واحدةً"، ولا تقولُ "زِلزالةً، ولا قِتالةً، ولا تَطوافةً". وما كان من المصادر مُلحقاً بالتاء من أصله، فإِن كان من الثلاثيِّ المجرَّد رددتهُ إلى وزن (فَعْلة) فالمرَّة من النَّشدةِ والقُدْرة والغَلبة والسَّرَقة والدِّراية "نشدَةٌ وَقدْرَةٌ وغَلبْةٌ وسَرْقةٌ ودرْيةٌ". وشذَّ قولهم "أَتيته إِتيانةً، ولقيتُهُ لِقاءَةً" ببناءِ المَرَّة على أصل المصدر، وهو الإتيان واللقاءِ، ويجوزُ أن يُقال "أتْيهَ ولَقْيهَ" على القياس، كما قال أبو الطَّيِّب [من الطويل] لَقِيتُ بدَرْبِ الْفُلَّةِ الفَجْرَ لَقْيَةً ... شَفَتْ كَبَدي، والليلُ فيهِ قَتيلُ وإن كان من غير الثلاثيِّ المجرّد، أبقيتَهُ على حاله كدحرجةٍ وإِقامةٍ وتلبيةٍ واستعانةٍ. وقد تكون (الفَعْلة) لغيرِ بناءِ المّرَّة كالرحمة، مصدر "رَحِمَ"، فتقول "رَحِمته رَحْمةً"، كما تقول "نَصَرته نَصراً". مصدر النوع مصدرُ النَّوعِ (ويُسمى مصدر الهيئة أيضاً) ما يُذكرُ لبيان نوع الفعل وصفتِه، نحو "وَقفْتُ وِفْقة"، أي وُقوفاً موصوفاً بصِفَةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وتلك الصفةُ، إما أن تُذكرَ، نحو "فلانٌ حسَنُ الوِقفة" وإما أن تكون معلومةً بقرينة الحال، فيجوز أن لا تذكر، كقولُ الشاعر [من البسيط] ها، إِنَّ تا عِذْرَةٌ، إِن لم تكن نَفَعَتْ ... فإنَّ صاحبّها قد تاهَ في البَلَدِ أي إنَّ هذا عُذرٌ بليغٌ. ويُبنى الثلاثيُّ المجردُ على وزن (فِعْلة) بكسر الفاءِ، مثل "عاشَ عيشةً حسنَةً، ومات مِيتة سيئةً، وفُلانٌ حَسَنُ الجِلسة، وفُلانةُ هادئةُ المِشيْة". فإن كان الفعلُ فوق الثلاثيّ، يَصِرْ مصدرُهُ بالوصف مصدر نوعٍ، مثلُ "أكرمتهُ إِكراماً عظيماً". وشذَّ بناءُ "فعلة" من غير الثلاثيّ، كقولهم "فُلانةُ حَسنَةُ الخِمْرة، وفلانٌ حَسنُ العِمَّةِ، أي الإختما والإعتمام، فبَنوْها من "اختمرَ واعتمَّ". واعلم أنَّ المصدرَ الذي لم يخرج عن المصدريّةِ، أو لم يُرَدْ به المرّةُ أو النوعُ، لا يُثنّى ولا يُجمعُ ولا يؤنثُ، بل يبقى بلفظٍ واحدٍ. وكذا ما وُصف به من المصادر كرجلٍ عدلٍ، وامرأةٍ عدلٍ، ورجالٍ عدلٍ، ونساءٍ عدلٍ، وهذا أمرٌ حقُّ، وهذه مسألةٌ حقٌّ. المصدر الميمي المصدرُ، إمَّا أن يكونَ غيرَ ميميٍّ وهو ما لم يكن في أوَّله ميمٌ زائدةٌ كقراءةٍ واجتهادٍ ومَدٍّ ومُرورٍ. وإما أن يكون ميميًّا. وهو ما كان في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 أوله ميمٌ زائدة كمَنْصرٍ ومَعْلَمٍ ومُنطلَقٍ ومُنْقَلَبٍ. وهي بمعنى النَّصر والعلم والإنطلاق والإنقلاب. والمحقّقون من العلماءِ قالوا إنَّ المصدرّ الميميَّ اسمٌ جاءَ بمعنى المصدر، لا مصدرٌ. والمصدر الميميُّ من المصادر القياسيَّة. وزنه من الثُلاثيّ المُجرَّدِ "مفْعَلٌ"، بتفح الميم والعين، مثلُ "مَقْتَلٍ ومَضرَبٍ ومَعْلَمٍ ومَوْجَلٍ ومَرقىً". إلاّ إذا كان مثالاً واويًّا محذوف الفاس، فَوَزْنُهُ "مفْعِل" (بكسر العين) ، مثلُ "مَوْرِدٍ ومَورِثٍ ومَوْعِدٍ". (أما المصدر الميمي من "وفى ووقى" فهو "موفى وموقى" على وزن "مفعل" (بفتح العين) ، لأنه ليس مثالا، بل هو لفيف مفروق. ووزن "مفعل"، بكسر العين، انما هو للمثال المحذوف الفاء كما علمت) . ووزنُهُ من غير الثلاثيّ المجرَّدِ كوزن اسم المفعول منه تماماً مثلُ "اعتقدتُ خيرَ مُعتَقَدٍ، وإنما مُعْتَمدي على الله". وقد يُبنى المصدرُ الميميُّ من الثلاثيّ المجرَّدِ على وزن "مَفْعِل" (بكسر العين) ، شذوذاً كالمَكبِر والمَيْسِر والمَرجِع والمَحيض والمَقيل والمَجيء والمَبيت والمَشيب والمَزيد والمَسير والمَصير والمَعجِز. وهذه يجوز فيها الفتح أيضاً "كالمَعْجَز" و"المَهْلَكَ" ويجوز فيها الفتحُ والضمُّ أيضاً "كالمَهْلَك والمَهْلُكِ". وقد يُبنى منه على وزن (مَفْعَلة) ، (بفتح العين) كمَذهَبة ومَفْسَدة ومَودَّة ومَقالة ومَساءَة ومَحالة ومَهابةٍ ومهانة ومَسْعاةٍ ومَنجاة ومَرضاة ومَغْزاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وشذَّ بناؤُه على (مَفْعِلة) (بكسر العين) ، أو "مَفْعُلة" (بضمها) كمَحْمِدة ومَذِمَّة ومَظْلِممة ومَعتِبةٍ ومَحْسِبَة ومضِنَّة، (بالكسر) ، وكلُّهنَّ يجوز فيه فتح العين أيضاً، ومَعْذِرةٍ (بالكسر) ويجوز فيها الضمُّ أيضاً كمّعذرةٍ ومَغْفرةٍ ومَعصِيةٍ ومَحمِيةٍ ومَعيشةٍ (ولا يجوز فيهنَّ إِلاَّ الكسرُ) ومَهلِكةٍ ومَقْدِرةٍ ومأدبةٍ (بالكسر، ويجوز فيهنَّ الضمُّ والفتح أيضاً) . وقد ورد على زِنَتيِ "الفاعل والمفعول، أسماءٌ بمعنى المصدر كالعاقبة والفاضلة والعافية والكافية والباقية والدَّالة والميسور والمعسور والمرفوع والموضوع والمعقول والمحلوف والمجلود والمفتون والمكروهة والمصدوقة. ومن العُلماء من يجعلها مصادرَ شاذّة والحقُّ إنّها أسماءٌ جاءت لمعنى المصدر، لا مصادر. (فالعاقبة) بمعنى العَقْب (بفتح فسكون) والعقوب (بالضم) مصدري "عقبه يعقبه" (من بابي نصر ودخل) ، أي خلقه وجاء بعده. و (الفاضلة) اسم بمعنى الفضيلة، وهي الدرجة الرفيعة، وهي من "فضل يفضل فضلا" (من باب نصر) أَي شرف شرفاً. و (العافية) اسم بمعنى المعافاة مصدر "عافاه يعافيه". و (الكافي والكافية) اسمان بمعنى الكفاية مصدر "كفيى الشيءُ يكفي كفاية"، أَي حصل به الاستغناء عن غيره. و (الباقية) اسم بمعنى البقاءِ "بقيَ يبقى". و (الدالة) . الدّلال، وهي اسم بمعنى الدّل مصدر "دلت المرأة على زوجها دلاّ"؛ أظهرت جرأة عليه في تدلل، كأنها تخالفه، وما بها من خلاف. و (الميسور وَالمعسور) اسمان بمعنى العسر واليسر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 و (المرفوع) اسم بمعنى الرفع مصدر "رفع البعير رفعاً" إذا بالغ في سيره. و (الموضوع) اسم بمعنى الوضع مصدر "وضعت الناقة وضعاً" إِذا أسرعت في سيرها. و (المعقول) اسم من العقل مصدر "عقل الشيء" اذا ادركه. و (المحلوف) اسم بمعنى الحلف مصدر "حلف". و (المجلود) بمعنى الجلد والجلادة، أي الصبر مصدري "جُلد يجُلد" (بضم اللام فيهما) جلداً وجلادة، أي كان ذا شدة وقوة وصبر. و (المفتون) اسم بمعنى الفتنة مصدر "فتنهُ"، أي استماله واستهواه. و (المكروهة) اسم بمعنى الكراهية مصدر "كرهه كرهاً وكراهية". و (المصدوقة) اسم بمعنى الصدق مصدر "صدق يصدق صدقاً". اسم المصدر اسمُ المصدر هو ما ساوى المصدر في الدّلالة على الحدَث، ولم يُساوِه في اشتماله على جميع أَحرف فعله، بل خلتْ هيئَتُهُ من بعض أحرف فعله لفظاً وتقديراً من غير عِوضٍ، وذلك مثلُ "توْضأ وضُوءًا، وتكلَّمَ كلاماً، وأيسرَ يُسراً". (فالكلام والوضوء واليسر أسماء مصادر، لا مصادر لخلوها من بعض أحرف فعلها في اللفظ والتقدير، فقد نقص من الوضوء والكلام تاء التفعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وأحد حرفي التضعيف، ونقص من اليسر همزة الإفعال. وليس ما نقص في تقدير الثبوت، ولا عوض عنه بغيره) . وحَقُّ المصدر أن يتضمَّنَ أحرفَ فعله بمساواةٍ، كتوَّضأ توضُّؤاً، وتكلَّمَ تَكلُّماً، وعَلِمَ عِلماً، أَو بزيادةٍ، كقرأَ قراءةً وأَكرمَ إِكراماً، واستخرج إِستخراجاً. (فان نقص عن أحرف فعله لفظاً، لا تقديراً، فهو مصدر، مثلُ "قاتل قتالا" فالقتال مصدر، وإن نقص منه ألف "فاعل"، لأنها في تقدير الثبوت، ولذلك نطق بها في بعض المواقع كقاتل قيتالا وضارب ضيراباً. فالياء في "قيتال وضيراب" أصلهما الألف، وقد انقلبت ياء لانكسار ما قبلها. وإن نقص عن أحرف فعله لفظاً وتقديراً، وعوض مما نقص منه بغيره، فهو مصدر أيضاً كوعد عدة، وودى القتيل دية، وعلم تعليماً. فعدة ودية، وإن خلتا من واو "وعد وودي" لفظاً وتقديراً، فقد عوضتا منه تاء التأنيث. وتعليم وتسليم، وان خلوا من أحد حرفي التضعيف، فقد عوضنا منها تاء التفعيل في أولهما، وليس حرف المد الذي قبل الآخر في "تعليم وتسليم" ونحوهما للتعويض من المحذوف، لأن المدّ قبل الآخر ثابت في المصدر حيث لا تعويض، كالإنطلاق والإستخراج والإكرام. فأعلم مما قدمنا أن العوض قد يكون أولاً كتعليم. وقد يكون آخراً (كعدة) . المصدر الصناعي المصدرُ الصّناعيُّ. اسم تلحقُهُ ياءُ النسبةِ مُردَفةً بالتاءِ للدلالة على صِفَةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فيه. ويكونُ ذلك في الأسماءِ الجامدة كالحَجريّةِ والإنسانية والحيوانيّة والكميّة والكيفيّة ونحوها، وفي الأسماءِ المشتقّةِ كالعالِميّة والفاعليّةِ والمحموديَّة والأرجحيِّةِ والأسبقيّةِ والمصدريَّةِ والحرِّيّةِ، ونحوها. وحقيقتُهُ الصّفة المنسوبةُ إلى الإسم. فالعالمية الصفة المنسوبة إلى العالم، والمصدرية الصفة المنسوبة إلى المصدر، والإنسانية الصفة المنسوبة إلى الإنسان. وقد أكثر منه المولدون في اصطلاحات العلوم وغيرها، بعد ترجمة العلوم بالعربية وليس كل ما لحقته ياءُ النسبة، مردفة بالتاء، مصدراً صناعياً، بل ما كان منه غير مراد به الوصف كتمسكّ بعربيتك، "أي بخصلتك المنسوبة إِلى العرب"، فان أريد به الوصف، كان اسماً منسوباً. لا مصدراً، سواء أذكر الموصوف لفظاً كتعلم اللغة العربية، أَم كان منوياً ومقدراً كتعلم العربية، "أي اللغة العربية". اسم الفاعل اسمُ الفاعلِ صفةٌ تؤخذ من الفعل المعلوم، لتدُلَّ على معنًى وقعَ من الموصوف بها أو قام به على وجه الحُدوثِ لا الثُّبوت ككاتبٍ ومجتهدٍ (وانما قلنا على وجه الحدوث، لتخرج الصفة المشبهة، فانها قائمة بالموصوف بها على وبه الثبوت والدوام، فمعناها دائم ثابت، كأنه من السجايا والطبائع اللازمة. والمراد. بالحدوث أن يكون المعنى القائم بالموصوف متجدداً بتجدد الأزمنة. والصفة المشبهة عارية عن معنى الزمان كما ستعلم) . وزنة من الثلاثي المجرد يكونُ من الثلاثيِّ المجرَّد على وزنِ "فاعلٍ" ككاتبٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وإن كانَتْ عينُ الفعلِ مُعَلَّةً تنقلب في اسم الفاعل همزةً، فاسمُ الفاعل من "باعَ يَبيعُ، وصادَ يَصيدُ، وقامَ يقومُ، وقالَ يقولُ" بائِعٌ وصائِدٌ وقائِمٌ وقائِلٌ. وإن كانَتْ غيرَ مُعَلَّةٍ تَبقَ على حالها، فاسمُ الفاعل من عَوِرَ يَعْورُ، وأيِسَ يأيَسُ، وصَيدَ يَصْيَدُ" عاوِرٌ وأيِسٌ وصايدٌ. فإعلاُلها في اسم الفاعل تابعٌ لإِعلالها في فعله. وقد أتى "فاعلٌ" بِقلَّةٍ، مُراداً به اسمُ المفعول. كقوله تعالى "فهو في عيشةٍ راضية"، أي "مَرْضِيَّة" وقول الشاعر [من البسيط] دَعِ المكارِمَ، لا تَرْحَلْ لِبُغْيتِها ... واقْعدْ، فإنَّكَ أنتَ الطّاعِمُ الكَاسي أي "المَطْعَمُ المَكسُو". وزنه من غير الثلاثي المجرد يكونُ وزنُ اسم الفاعل من الفعل المزيد فيه على الثلاثيِّ، ومن الرباعيِّ، مُجرداً ومزيداً فيه، على وزن مضارعه المعلوم بإبدال حرفِ المضارَعة ميماً مضمومة، وكسرِ ما قبل آخره، مثلُ "مُكرمٍ ومُعظِّمٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 ومُجتمِعٍ ومُتكلِّمٍ ومُستغفرٍ ومُدحرجٍ ومُتَدحرجٍ ومُحرنجمٍ ومُقشعِرٍّ ومُنقادٍ ومُهتاجٍ ومُعينٍ ومُستفيدٍ". وشذّت ألفاظٌ جاءت بفتح ما قبل الآخر، نحو "مُسهَبٍ ومُحصَنٍ ومُلْفَجٍ ومُهترٍ"، ومنها "سَيْلٌ مُفْعَمٌ. وكذلك، شذَّتْ أَلفاظٌ جاءت من "أفعلَ" على "فاعلٍ" كأعشبَ المكانُ فهو عاشبٌ، وأَيفعَ الغلامُ فهو يافعٌ وأَورَسَ الشَّجرُ فهو وارسٌ، وأَبقلَ المكانُ فهو باقلٌ. وإن بَنيتهُ من أبواب "أَفعَلَ وانفعَلَ وافتعَلَ" المُعتلاّتِ العين فإن كانت عينُ الفعلِ مَعَلّةِ أعللتها في اسم الفاعل، تبعاً لمضارعه، فإسم الفاعل من أَعانَ يُعينُ، واستعانَ يستعينُ، وانقادَ ينقاد، واحتالَ يحتالُ "مُعينٌ ومُستعينٌ ومُنقادٌ ومحتالٌ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 وإن كانتْ غير مُعَلَّةٍ لم تُعِلَّها في إسم الفاعل، تتبع في ذلك مضارعهُ، فاسم الفاعل من "أحوجني الأمرُ يُحوجني، وأَروَح اللحمُ يُروِحُ وأَحولَ الصبيُّ يُحْوِلُ وأَخولَ الرجلُ يُخوِلُ وأغيَلتِ المرأَةُ تُغِيلُ، وأعوَلَ يُعْوِل" "مُحْوِجٌ ومُروِحٌ ومُحْوِلٌ ومُخْوِلٌ ومُعْيِلٌ ومُعْوِلٌ، ومن "اجتَوَرَ القومُ يُجتوِرون، وازدَوِجُوا يَزدَوجُون، واحتَوشوا يَحتوشون، واعتونوا يعتونون" "مُجتوِرٌ ومُزدوِجٌ ومُحتوِشٌ ومُعْتوِنٌ"، ومن استصوبتُ الأمرُ أستَصوِبُهُ، واستحوذَ عليه الغضبُ يَستحوذُ، واستنوقَ الجملُ يَستنوقُ، واستتيستِ الشاةُ تستتيسُ، واستفيل الحمارُ يستفيلُ" "مُستصوِبٌ ومستحوذٌ ومُستوِقٌ ومُستتيِسٌ ومُستفيِلٌ". فاسم الفاعل، كما ترى، تابعٌ لمضارعهِ صحَّةً واعتلالا. وإن بنيتَ اسم الفاعلِ من فعل معتلِّ اللام، وكان مجرَّداً من (أل) والإضافة، حذفت لامهُ في حالتي الرفع الجر، نحو "هذا رجلٌ داعٍ إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الحقّ، مُنْضوٍ إلى أهله"، ونحو "تَمسّكْ برجلٍ هادٍ غلى الخير، مُقْتَفٍ أثر ذويهِ". واسم الفاعلِ جارٍ على معنى الفعلِ المُضارع ولفظه، فإن قلت "خالدٌ دائبٌ في عمله" فهو في معنى "يدأبُ فيه" و"دائبٌ" جارٍ على لفظ "يَدأبُ" في الحركات والسَّكنات. وكذلك "مُجتهدٌ" جار على لفظ "يجتهدُ"، فهو يُماثلهُ حركةً وسكوناً. و"جادٌّ" في وزن "يَجُدُّ"، باعتبار الأصل، لأن أصل جَادٍّ "جادِدٌ"، وأصلَ يَجِدُّ "يَجدُدُ". اسم المفعول اسم المفعولِ صفةٌ تُؤخذ من الفعل المجهول، للدلالة على حدَثٍ وقع على الموصوف بها على وجه الحدوث والتَّجدُّد، لا الثُّبوتِ والدَّوامِ "كمكتوبٍ وممرورٍ به ومُكرَمٍ ومُنطلَقٍ به". ويُبنى من الثلاثيِّ المجرَّد على وزن "مَفعولٍ" "كمنصورٍ ومخذولٍ ومَوعودٍ ومَقولٍ ومَبيعٍ ومَدعوٍّ ومَرميٍّ ومَطويٍّ". ويُبنى من غيره على لفظ مضارعه المجهول، بإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومةً "كمُعظَّمٍ ومُحترَمٍ ومُستَغْفَرٍ ومُدحرَجٍ ومُنطلَقٍ به ومُستعانٍ". وهناك ألفاظٌ تكون بلفظ واحد لاسم الفاعل واسم المفعول كمحتاجٍ ومُختارٍ ومُعتَدٍ ومُحتلٍّ. والقرينةُ تُعَينُ معناها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 وهي، إن كانت للفاعل فأصلُها مُحتوِجٌ ومُخْتيِرٌ ومُعتَدِدٌ ومُحتلِلٌ، (بالكسر) . وإن كانت للمفعول فأصلُها "مُحتوَجٌ ومُختَيرٌ ومعتَدَدٌ ومُحتلَلٌ"، (بالفتح) . وإنما يُبنى من الفعل المتعدّي بنفسه كمعلومٍ ومجهولٍ، أو بغيره كمرموقٍ به ومُشفَقٍ عليه. بناء (مفعول) من المعتل العين تُحذفُ واوُ اسمِ المفعول المشتقِّ من الفعل الأجوف، ثمَّ إن كانت عينُهُ واواً، تُنقل حركتُها إلى ما قبلها، وإن كانت ياءً تحذف حركتها، ويُكسر ما قبلها لتَصِحَّ الياءُ، فاسم المفعول من يبيعُ "مَبيعٌ"، ومن يقولُ "مَقُولةٌ". وأصلهما "مَبيوعٌ ومقْوولٌ". ونَدَر إثباتُ واو "مفعول" فيما عينُهُ واو فقالوا "ثوب مصْوُونٌ ومِسْكٌ مدْووفٌ وفرَسٌ مقوُودٌ. وهو سماعيٌّ لا يقاسُ عليه. وبنو تَميم من العرب يُثبتونَ واوَ "مفعول" فيما عينُه ياءٌ، "مبْيوع ومخْيوط ومكْيول ومدْيون". بناء (مفعول) من المعتل اللام إذا بُنيَ "مفعولٌ" مما آخرُ ماضيه ياءٌ، أو ألفٌ أصلُها الياءُ، قُلِبَتْ واوُهُ ياءً، وكُسر ما قبلها، وأُدغمت في الياءِ بعدها. فاسم المفعول من قرِيَ ورضِي ونهى وطوى ورمى، مَقْوِيٌّ عليه، ومَرْضيٌّ عنه، ومَنْهيٌّ عنه، ومَطْويٌّ، ومَرْمِيٌّ، قال الله تعالى {يا أيّتها النَّفسُ المُطمئنّةُ ارجعي إلى ربِّكِ راضيةٌ مرْضِيّة} . (والأصل "مقوويٌ ومرضويٌ ومرمويٌ"، اجتمعت الواو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 والياء، وكانت الأولى ساكنة، فقلبت الواو ياء، وكسر ما قبلها وأدغمت في الياء الثانية) . وإن بُنيَ مما آخرُ ماضيه ألفٌ أصلُها الواو، مثلُ غزا "يغزو، ودعا يدعو، ورجا يرجو" فليس فيه إلا إدغامُ واو المفعول في لامِ الفعل، كمَغْزوّ ومدعوٍّ ومرجوٍّ". (فعيل) بمعنى (مفعْول) ينوبُ عن "مفعولٍ"، في الدَّلالة على معناهُ، أربعةُ أوزان وهي (1) فَعيلٌ بمعنى مفعول، مثلُ "قتيلٍ وذبيحٍ وكحيلٍ وحبيبٍ وأَسيرٍ وطريحٍ" بمعنى "مقتولٍ ومذبوحٍ ومكحولٍ ومحبوبٍ ومأسورٍ ومطروحٍ". وهو يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ. فيقالُ "رجلٌ كحيلُ العين، وامرأةٌ كحيلُها". و"فعيلٌ" بمعنى "مفعول" سماعي. فما ورد منه يُحْفَظ ولا يقاس عليه. وقيل إنه يُقاس في الأفعال التي ليس لها "فَعيلٌ" بمعنى "فاعل" كقتلَ وسلبَ. ولا ينقاس في الأفعال التي لها ذلك كرحمَ وعلمَ وشهدَ، لأنهم قالوا "رحيمٌ وعليمٌ وسميعٌ وشهيدٌ"، بمعنى "راحمٌ وعالمٌ وسامعٌ وشاهدٌ". (2) فِعْلٌ بكسرٍ فسكونٍ، مثلُ "ذِبْحٍ وطِحْنٍ وطِرْحٍ ورِعْيٍ"، بمعنى "مذبوحٍ ومطحونٍ ومطروحٍ ومرعِيٍّ". (3) فَعَلٌ، بفتحتين، مثلُ "قَنَصٍ وجَزَرٍ وعَدَدٍ وسَلَبٍ وجَلَبٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 بمعن "منقوصٍ ومجزورٍ ومعدودٍ ومسلوبٍ ومجلوبٍ". (4) فُعْلة، بضمٍّ فسكونٍ كأُكْلةٍ وغُرفةٍ ومُضغةٍ وطُعمةٍ، بمعنى "مأكولٍ ومغروفٍ وممضوغٍ ومطعومٍ". وهذه الأوزانُ الثلاثةُ "فِعْلٌ وفَعَلٌ وفُعلةٌ". سماعيّةٌ وقليلةٌ. ويستوي فيها المذكر والمؤنث أيضاً. أما إطلاقُ المصدرِ مُراداً به المفعولُ، فهو كثيرٌ مطرِدٌ، نحو "هذا ضربُكَ وأكلُكَ وكتابتُكَ وعِلمكَ وعملكَ"، بمعنى مضروبِكَ ومأكولِكَ ومتكوبِكَ ومعلومِكَ. الصفة المشبهة الصفةُ المشهبةُ بإسم الفاعلِ هي صفةٌ تُؤخذُ من الفعل اللازم، للدَّلالة على معنًى قائمٍ بالموصوف بها على وجه الثُّبوت، لا على وجه الحُدوث كحسنٍ وكريمٍ وصَعْبٍ وأسودَ وأَكحلَ. ولا زمان لها لأنها تَدُلُّ على صفاتٍ ثابتة. والذي يتطلَّبُ الزمان إِنما هو الصفات العارضة. (وإنما كانت مشبهة باسم الفاعل، لأنها تثنى وتجمع وتذكر وتؤنث، ولأنها يجوز أن تنصب المعرفة بعدها على التشبه بالمفعول به. فهي من هذه الجهة مشبهة باسم الفاعل المتعدي الى واحد) . ويَعلِبُ بناؤها من باب "فَعِلَ يفعل" اللازم كأكحلَ، من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 "كحِلَ" ومن باب "فعُلَ يفْعَلُ" كشريف من "شَرْفَ" ويقلُّ من غيرهما كسيّدٍ وضَيّقٍ وحريصٍ، من "سادَ يسودُ وضاقَ يضيقُ وحرصَ يحرصُ". أوزانها من الثلاثي المجرد تأتي الصفةُ المشبَّهةُ من الثلاثيِّ المجرَّد قياساً على أربعة أوزان وهي "أفعلُ، وفَعْلانُ، وفَعلٌ، وفعيل". الصفة المشبهة على وزن (افعل) يأتي "أفعَلُ" من "فَعَلَ" اللازمِ، قياسياً مُطْرداً، لما دَلَّ على لونٍ، أو عيبٍ ظاهرٍ، أو حِلْية ظاهرة. ومُؤنثُهُ "فَعْلاءُ" فاللّونُ كأحمر. والعيبُ الظاهرُ كأعرج وأعور وأعمى. والحِلْية الظاهرةُ كأكحل وأحور وأبخل. وشذَّ مجيءُ الصفة من شعِثَ وحدِبَ" على "شَعِث وحَدِب". (لأن الشعث والحدب من العيوب الظاهرة فحق الصفة منهما أن تكون عليه وزن "أفعل". وقد قالوا أيضاً "أشعث وأحدب"، وهما أكثر استعمالا، وأما قولهم "ماءٌ كدِرٌ". بكسر الدال، فهو بمنىٌ على "كدُرَ، بضم الدال، لا على "كدِرَ"، بكسرها، كما توهم بعض العلماء. فان بنيتها من هذه قلت "أكدر") . وشَذَّ مجيئُها من "حَمِقَ يحمقُ" على "أحمق". ومن "شابَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 يشيبُ" على "أشيب"، ومن "قطع وجذم" على "أقطع وأجذم". (لأن "أحمق"، وإن كان من باب "فعل" المكسور العين، فهو يدل على عيب باطن فقياسه أن يكون على وزن "فعل"، بكسر العين. وقد قالوا أيضاً "حمِقٌ" بكسر الميم، على القياس. و"أشيب"، وإن دل على عيب ظاهر، فهو من باب "فعل" المفتوح العين. فقياسه أن يكون على وزن "فيعِل" بكسر العين، كطيب وضيق، من طاب يطيب، وضاق يضيق. و"أقطع وأجزم"، وإن دلاّ أيضاً على عيب ظاهر، فهما من باب "فعل"، المفتوح العين، وحقهما أن يكونا بوزن اسم المفعول أي "مقطوع ومجذوم". الصفة المشبهة على وزن فعلان يأتي "فَعْلان" من "فِعلَ" اللازم الدَّال على خُلُوّ، أو امتلاءٍ، أو حرارة باطنيّةٍ ليست بداءٍ. ومُؤنثُهُ "فعْلى"، فالخُلوُّ كالغَرثان والصَّدْيان والعطشان. والامتلاء كالشَّبعان والرَّيان والسَّكران. وحرارةُ الباطن غير داءٍ كالغضبان والثَّكلان واللهْفان. وقد قالوا "جَوْعان"، (من جاع يجوع) ، حملاً له على "غرتان"، من "غَرثَ يَغرثُ" لأنه بمعناه. (وحقه أن يكون على "فيعل"، بكسر العين كسيد وميت، من "ساد يسود ومات يموت") . الصفة المشبهة على وزن (فعل) يأتي "فَعِلٌ" - بكسر العين - من "فَعِل" - بكسر العين - اللازم، الدّال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 على الأدواءِ الباطنيَّة، أو ما يَشبهها، أو ما يَضادُّها. ومؤنثة "فَعِلة". والأدواءُ، إما جسمانيّة كوجعٍ ومَغِصٍ وتعبٍ وجوٍ ودوٍ. وإما خُلقيّةٌ كضجرٍ وشرسٍ ولحزٍ وبَطرٍ وأشرٍ ومرحٍ وقلق ونكدٍ وعمٍ. ويُشبه الأدواء ما دلَّ على حزن واغتمام ككمدٍ وحزنٍ وحربٍ وشبحٍ. ويَضادّها ما دلَّ على سرور كجذلٍ وفرحٍ وطربٍ ورضٍ. أو على زينٍ من الصفات الباطنة كفطنٍ وندس ولبقٍ وسلسٍ وأبٍ. وقد يُخفَّفُ "فعلٌ" فيكون على "فَعْلٍ" - بسكون العين - كندْسٍ وشكسٍ وفطنٍ. وقد يأتي على "فعيل" وهو أصلُه المخفَّف هو منه كسليمٍ وسقيمٍ ورضيٍّ وأبيٍّ وحميٍّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 (واعلم أن حق الصفة من باب "فعلِ" بكسر العين الدالة على المعاني المذكورة، أن تكون على وزن "فعيل". غير أنهم خففوا "فعيلا" هذا بحذف الياء، إذا جاء من باب "فعِل" المكسور العين، وتركوه للصفة من باب "فعُل" بضم العين كالكريم والشريف ونحوهما. غير أنه قد بقيت ألفاظ من باب "فعلِ"، المكسور العين، على "فعيل" دالة على الأصل) . وما ورد من باب "فعِل" على غير "فَعِل"، فهو سماعيٌّ لا يُقاس عليه كندْسٍ وندُسٍ، وشكْسٍ وشكُسٍ (ويقالُ أيضاً "ندِسٌ وشكِسٌ" على القياس) ، وصِفْرٍ وصَفْرٍ وصُفْرٍ، ونِكْسٍ وعجُلٍ، وحَذرٍ ويقال أيضاً "عَجِلٌ وحَذِرٌ" على القياس، ويقال "حَذْرٌ" (بسكون الذال) ، وحُرٍّ وغيورٍ. وما جاءَ على "فعِيلٍ" كمريضٍ، وإن كان هو الأصلُ، فلا يُقاسُ عليه. الصفة المشبهة على وزن (فعيل) يأي "فَعِيلٌ" غالباً من "فَعْلَ" يَفعُلُ، المضموم العين "ككريمٍ وعظيمٍ وحقيرٍ وسميحٍ وحليمٍ وحكيمٍ ورئيسٍ وظريفٍ وَخَشينٍ وبخيلٍ وجميلٍ وقبيحٍ ووضيءٍ وظهيرٍ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وقد تأبي الصفةُ من هذا الباب على "فَعِلٍ" مخفَّفٍ "فَعيل" كخَشِنٍ وسَمِجٍ وطَهِرٍ، وعلى فَعْلٍ، مُخفَّف "فَعِلٍ" كضَخْم وشَهْمٍ وفخْمٍ وصعْبٍ وسمْجٍ وسمْحٍ، وعلى "فعَلٍ" بفتح عينٍ "فعَل كبطلٍ وحسنٍ، وعلى "فعالٍ"، بزيادة ألفِ المدِّ على "فعَلٍ" كجبانٍ وحَصانٍ وزانٍ، وعلى "فُعال" كشُجاعٍ وصُراحٍ وعلى "فُعلٍ" - بضم فسكون - كصُلْبِ (ويُقال صَليب أيضاً) وعلى "فُعُلٍ" بضمتين - كجُنُبٍ وعلى "فعولٍ" كوَقُورٍ وطهورٍ، وعلى فاعلٍ كطاهر وفاضل. الصفة المشبهة من (فعل) المفتوح العين قد تُبنى الصفةُ المشبَّهةُ من باب "فعَلَ" المفتوحِ العينِ (وذلك قليلٌ) ، فتجيءُ على وزن "أفعلَ" كأشيَبَ وأقطعَ وأجذَمَ، وعلى "فيْعِل". بكسر العين، ولا يكون إلا من الأجوف كسيّدٍ وقيّمٍ (من الواويِّ) ، وضيّقٍ وطيّبٍ (من اليائيِّ) ، وعلى "فَيْعَلٍ"، بفتح العين، ولا يكون إلاّ من الصحيح كصَيْرف وفَيْصَلٍ، وعلى "فَعيل" بكسر العين، وأكثر ما يكونَ من المضاعفِ والمعتلِّ اللام، فالمضاعفُ كعفيفٍ وطبيبٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 وخسيسٍ وجليلٍ وحبيبٍ (بمعنى المحبِّ) ودَقيقٍ ولبيبٍ وشديدٍ، والمُعتلُّ الآخِر كعَليٍّ وصَفىٍّ وزَكيٍّ وخَليٍّ وجَليٍّ ووَصِيٍّ. وقد يكون "فعيلٌ" المبنيُّ على "فَعَلَ" من غير المضاف والمعتلّ كحريصٍ وطويلٍ. الصفة المشبهة على وزن (فاعل) إذا أردتُ بالصفة المشبهة معنى الحدوث والتَّجدُّدِ، عَدلتَ بها عن وزنها إلى صيغة اسم الفاعل، فتقولُ في "فَرحٍ وضَجرٍ وطَربٍ" "فارِح وضاجِرٌ وطارِبٌ". وما جاء على زِنتيِ اسمي الفاعلِ والمفعول، مما قُصِدَ به معنى الثبوت والدَّوام، فهو صفةٌ مشبَّهةٌ، كطاهرِ القلبِ، وناعمِ العيشِ، ومُعتدِلِ الرأيِ، ومستقيمِ الطريقة، ومَرْضِيِّ الخُلُقِ، ومُهذَّبِ الطَّبعِ، وممدوحِ السيرةِ، ومُنقَّى السريرةِ. الصفة المشبهة من فوق الثلاثي تجيءُ الصفة المشبهة من غير الثلاثيِّ المجرَّدِ، على وزن اسم الفاعل، كعتدِل القامةِ، ومُستقيمِ الأطوارِ، ومُشْتدِّ العزيمةِ. الفرق بين اسم الفاعل والصفة المشبهة الفرقُ بين اسم الفاعل والصفةِ المشبَّهة به من خمسة وُجوه الأول دلالتُها على صفة ثابتة، ودلالتُه على صفة متجددة. الثاني حُدوثه في إحدى الأزمنة. والصفةُ المشبَّهةُ للمعنى الدائم الحاضر، إلا أن تكون هناك قرينة تَدُلُّ عل خلاف الحاضر، كأن تقولَ "كان سعيدُ حسناً فقبُحَ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 الثالثُ أنها تُصاغ من الفعل اللازم قياساً، ولا تصاغُ من المتعدّي إلا سَماعاً كرحيم وعليم. وقد تُصاغُ من المتعدِّي، على وزن اسم الفاعل، إذا تُنُوسي المفعولُ به، وصار فعلُها في اللازم القاصر، مثلُ "فلانٌ قاطعُ السيفِ، وسابِقُ الفرسِ، ومُسْمِعُ الصوتِ ومُخترِقُ السهمِ". كما تُصاغُ من الفعل المجهول مُراداً بها معنى الثبوت والدَّوام كمحمود الخلق، ومَيمون النّقيبة. واسم الفاعل يصاغُ قياساً من اللازم والمتعدي مُطلقاً، كما سلفَ. الرابعُ أنها لا تَلزَمُ الجريَ على وزن المضارع في حركاته وسكناته، إلا إذا صِيغتْ من غير الثلاثيِّ المجرَّد، واسم الفاعل يجب فيه ذلك مُطلقاً كما تقدَّم. الخامسُ أنها تجوزُ إضافتُها إلى فاعلها، بل يُستحسَنُ فيها ذلك كطاهر الذيلِ، وحسنِ الخُلق، ومُنطلقِ اللسان، ومعتدلِ الرأي والأصل "طاهرٌ ذيلُه، وحسنٌ خلُقُهُ، ومُنطلقٌ لسانهُ ومُعتدلٌ رأيُهُ". واسم الفاعل لا يجوز فيه ذلك، فلا يقال "خليلٌ مُصيبُ السَّهم الهَدف" أي مُصيبٌ سهمُه الهدف. واسمُ المفعول، كالصفة المشبهة، تجوز إضافتُه إلى فاعله. لأنه في الأصل مفعولٌ، مثلُ "خالدٌ مجروحُ اليد". والأصل "مجروحةٌ يدُهُ أما إضافةُ الفاعل إلى مفعوله فجائزةٌ، مثلُ "الحقُّ قاهرُ الباطل". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 مبالغة اسم الفاعل مبالغةُ اسم الفاعل ألفاظٌ تدلُّ على ما يدُلُّ عليه اسمُ الفاعل بزيادة وتسمى "صيغَ المُبالغة" كعلاّمةٍ وأكولٍ، أي "عالمٍ كثير العلم وآكلٍ كثير الأكل". ولها أجد عشر وزناً. وهي "فعّالٌ" كجبّارٍ، و"مِفْعالٌ" كمِفضالٍ، و"فعِّيلُ" كصِدّيقٍ، و"فعَالةٌ" كفهامةٍ، و"مِفْعيلٌ" كمِسكينٍ، و"فعُولٌ" كشروبٍ، و"فعيلٌ" كعليمٍ، و"فعِلٌ" كحِذرٍ، و"فعَّالٌ" ككُبّارٍ، و"فعُّولٌ" كقُدُّوسٍ، و"فيْعولٌ" كقيُّومٍ. وأوزانُها كلُّها سماعيّة فيُحفظُ ما ورد منها، ولا يقاسُ عليه. وصيغُ المُبالغةِ ترجعُ، عند التحقيق، إلى معنى الصفة المشبهة، لأن الإكثار منَ الفعل يجعله كالصفة الراسخة في النفس. اسم التفضيل اسمُ التفضيل صفةٌ تُؤخضُ من الفعل لتدُلّ على أن شيئين اشتركا في صفة، وزاد أحدُهما على الآخر فيها، مثلُ "خليلٌ أعلمُ من سعيد وأفضلُ منه". وقد يكون التَّفضيلُ بينُ شيئين في صفتين مختلفتين، فيرادُ بالتفضيل حينئذ أن أحد الشيئين قد زاد في صفته على الشيءِ الآخر في صفته، كقولهم "الصيفُ أحرُّ من الشتاء" أي هو أبلغُ في حرّه من الشتاء في برده، وقولهم "العسلُ أحلى من الخلِّ"، أي هو زائدٌ في حلاوته على الخلِّ في حُمُوضته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 وقد يُستعمل اسم التفضيل عارياً عن معنى التفضيل، كقولك "أكرمتُ القومَ أصغرهم وأكبرهم"، تريد صغيرهم وكبيرهم. وسيأتي فضلُ بيان لهذا. وزن اسم التفضيل لإسمِ التفضيل وزن واحد، وهو "أفعل" ومؤنثُهُ "فُعْلى" كأفضل وفَضْلى، وأكبر كُبرى. وقد حُذفت همزةُ "أفعل" في ثلاث كلماتٍ، وهي "خيرٌ وشرّ وحَبٌّ"، نحو "خيرُ الناس من ينفعُ الناس"، وكقولك "شرّ الناس المُفسدُ"، وقول الشاعر [من البسيط] مُنِعْتَ شيْئاً فأَكثرتَ الوَلوعَ به ... وحَبُّ شيءٍ إلى الإِنسانِ ما مُنِعا والثلاثةُ أسماءُ تفضيلٍ. وأصلُها "أَخيرَ وأَشرُّ وأَحبُّ" حذفوا هَمزاتِها لكثرة الاستعمال ودَوَرَانها على الألسنة ويجوز إثباتها على الأصل وذلك قليلٌ في خيرٍ وشرٍّ، وكثيرٌ في "حَبٍّ". شروط صوغه لا يُصاغُ اسمُ التفضيل إلاّ من فعلٍ ثلاثيِّ الأحرفِ مُثبَتٍ، مُتصرّفٍ، معلومٍ، تامٍّ، قابلٍ للتفضيل، غيرِ دالٍ على لونٍ أو عيبٍ أو حِلْيةٍ. (فلا يصاغ من "ما كتب" لأنه منْفي، ولا من "أكرم" لمجاوزته ثلاثة أحرف، ولا من "بئس وليس" ونحوهما، لأنهما جامدة، ولا من الفعل المجهول ولا من "صار وكان" ونحوهما من الأفعال الناقصة، ولا من "مات" لأنه غير قابل للتفضيل، إذ لا مفاضلة في الموت لأن الموت واحد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وإنما تتنوع أسبابه كما قال الشاعر ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ... تنوعت الأسباب والموت واحد فان أريد بالموت الضعف أو البلادة مجازاً جاز، مثلُ "فلان أموت قلباً من فلان"، أي أضعف، ونحو "هو أموت منه"، أي أبلد. ولا يصاغ "من "سود"، لأنه دال على لون، ولا من "عور" لدلالته على عيب، ولا من "كحل"، لدلالته على حلية، فلا يقال هذا أسود من هذا، ولا أعور منه، ولا أكحل منه". وشذ قولهم في المثل "العود أحمد"، لأنه مصوغ من "حمد"، وقولهم "هو أزهى من ديك"، فبنوه من "زهي". وهو فعل مجهول وقولهم "هو أخصر منه" فبنو اسم التفضيل من "اختصر" وهو زائد على ثلاثة أحرف ومبنى للمجهول، كما شذ قولهم "هو أسود من حلك الغراب، وأبيض من اللبن" فبنوه مما يدل على لون. وقالوا "هو أعطاهم للدراهم، وأولاهم للمعروف". فبنوه من "أعطى وأولى" شذوذاً) . وإذا أُريدَ صوغُ اسمِ التفضيل ممّا لم يَستوفِ الشروطَ، يُؤتى بمصدره منصوباً بعدَ "أَشدَّ" أو "أَكثرَ" أو نحوهما، تقولُ "هو أشدُّ إيماناً، وأكثرُ سواداً، وأبلغُ عَوراً، وأفرُ كحلاً". والكوفيُّون يجيزون التعجب والتفضيل من البياض والسود خاصة، بلا شذوذ. وعليه قول المتنبي - وهو كوفي -[من البسيط] إِبْعَدْ، بَعِدْتَ، بَياضاً، لا بَياضَ لهُ ... لأَنتَ أسوَدُ في عَيني منَ الظُّلَمِ أحوال اسم التفضيل لإسم التفضيل أربعُ حالاتٍ تجرُّدُه من "ألْ" والإضافة، واقترانُهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 بألْ، وإضافتهُ إلى معرفة، وإضافتهُ إلى نكرة. (1) تجرده من "أل والإضافة" إذا تجرَّد من "ألْ"، والإضافةِ، فلا بُدَّ من إفراده وتذكيره في جميع أحواله، وأن تَتّصلَ به "من" الجارَّةُ جارَّةً للمفضَّلِ عليه، تقولُ "خالدٌ أفضلُ من سعيد. وفاطمةٌ أفضلُ من سعادَ. وهذانِ أفضلُ من هذا. وهاتانِ أنفعُ من هاتين. والمجاهدون أفضل من القاعدين. والمتعلّماتُ أفضلُ من الجاهلات". وقد تكون "من" مُقدَّرةً، كقوله تعالى "والآخرةُ خير وأبقى" أي خيرٌ من الحياة الدنيا وأبقى منها وقد اجتمع إثباتُها وحذُفها في قوله سبحانه "أنا أكثر منك مالاً وأعزُ نفراً"، أي وأعزُّ منك. و"مِن" ومجرورها مع اسمِ التفضيل بمنزلة المضاف إليه من المضاف، فلا يجوزُ تقديمهما عليه كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف، فلا يُقالُ "من بكرٍ خالدٌ أفضل"، "ولا خالدٌ من بكر أفضلُ"، إلا إذا كان المجرورُ بها اسمَ استفهامٍ، أو مُضافاً إلى اسمِ استفهام، فإنه يجبُ حينئذٍ تقديمُ "من" ومجرورها، لأن اسم الاستفهام لهُ صدرُ الكلام، مثلُ ممّن أنت خيرٌ. ومن أيهم أنت أَولى بهذا. ومن فرسِ مَنْ فرسُكَ أسبَقُ؟ ". وقد وردَ التقديمُ شُذوداً في غير الإستفهام، ومنه قولُ الشاعر [من الطويل] إذا سايَرتْ أَسماءُ يوماً ظعِينَةً ... فأسماءُ من تلكَ الظعِينَة أملَحُ والأصلُ (فأسماءُ أملحُ من تلك الظّعينة) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 (2) اقترانه "بأل" إذا اقترن اسمُ التفضيل بِـ "ألْ" امتنع وصلُهُ بِـ "من" ووجبت مُطابقتُهُ لِما قبله إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً، تقولُ "هو الأفضلُ، وهي الفُضلى. وهما الأفضلان. والفاطمتان هما الفُضليان. وهمُ الأفضلون. وهنّ الفُضلياتُ". وقد شذَّ وصلُهُ بِـ (من) في قول الشاعر [من السريع] ولسْتَ بالأَكْثرِ منهم حصًى ... وإِنَّما العِزَّةُ للكاثرِ (3) اضافته إلى النكرة إذا اضيفَ إلى نكرةٍ وجبَ إفرادُهُ وتذكيرُهُ وامتنعَ وصلُهُ بِـ (من) ، تقولُ "خالدٌ أفضلُ قائدٍ. وفاطمةُ أفضلُ امرأةٍ. وهذانِ أفضلُ رجلينِ. وهاتانِ أفضلُ امرأتينِ والمجاهدونَ أفضلُ رجالٍِ والمتعلِّماتُ أفضلُ نساءٍ". (4) إضافته إلى معرفة إذا أُضيفَ اسمُ التفضيل إلى معرفةٍ امتنعَ وصلُه بِـ (من) . وجازَ فيه وجهانِ إفرادهُ وتذكيره، كالمضافِ إلى نكرة ومطابقتُه لما قبله إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً كالمقترن بألْ. وقد ورد الاستعمالانِ في القرآن الكريم. فمن استعماله غيرُ مُطابقٍ لما قبله قوله تعالى {ولتجِدنَّهم أحرصَ الناسِ على حياةٍ} ، ولم يقل "أَحرصي الناسِ". ومن استعماله مُطابقاً قولُه عزَّ وجلَّ "وكذلكَ جعلنا في كلِّ قريةٍ أكابرَ مُجرميها". وقد اجتمعَ الاستعمالانِ في الحديث الشريف "ألا أُخبرُكمْ بأحبِّكمْ إليّ وأقرِبكمْ مني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 مجالسَ يوم القيامةِ، أحاسنُكمْ أخلاقاً، الموّطؤونَ أَكنافاً، الذينَ يألفونَ ويُؤْلفونَ". ويقولُ "عليٌّ أَفضلُ القوم وهذان أفضلُ القوم، وأفضلا القوم، وهؤلاء أفضلُ القوم، وأفضلوا القوم وفاطمةُ أفضلُ النساءِ وفُضْلَى النساء، وهاتان أَفضلُ النساء، وفُضليَا النساء وهنَّ أفضلُ النساء وفُضليَات النساء". وتكونُ (مِن) مُقدَّرةً فيما تَقَدَّمَ. ولامعنى "هذان أفضلُ من جميع القوم. وهذه أَفضلُ من كل النساء"، وهَلُمَّ جرًّا. (أفعل) لغير التفضيل قد يَردُ "أفعلُ" التفضيل عارياً عن معنى التَّفضيل، فيتضمَّنُ حينئذٍ معنى اسم الفاعل، كقوله تعالى {ربُّكم أعلمُ بكم} أي "عالمُ بكم"، أو معنى الصفة المُشبهةِ، كقوله سبحانهُ {وهو الّذي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثم يُعيدُهُ، وهو أهوَنُ عليهِ} أي "وهو هَيِّنٌ عليه"، وقولُ الشاعر [من الكامل] إِنَّ الَّذي سَمَكَ السّماءَ بَنى لنا ... بَيْتًا دعائِمُهُ أعزُّ وأطوَلُ أي عزيزةٌ طويلةٌ. (ولم يرد أعز من غيره وأطول، بل يريد نفي أن يشارك في عزته وطوله وكذلك في الآيتين الكريمتين. لأنه لا مشارك لله في علمه. ولا تتفاوت المقدورات بالنسبة إِلى قدرته. فليس لديه هين وأهون. بل كل شيء هين عليه سبحانه وتعالى) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وإِنّما يَصحُّ أن يعرى عن معنى التفضيل، إذا تجرَّد من "أَلْ" أو أُضيف إِلى نكرةٍ، ولم يُصل بِـ "مِنْ" التفضيليّة، كما رأيت. فإِن اقترنَ بِـ "ألْ" أو أُضيفَ إلى نكرةٍ أو وُصل بِـ "مِنْ" لم تجُز تَعرِيَته عن معنى التفضيل. وتعريتُه عن معنى التفضيل سماعيّةٌ فما وردَ منه يُحفظُ ولا يُقاسُ عليه على الأصحِّ من أقوالِ النحاةِ. وإذا عَرِيَ عن معنى التفضيل، فإذا تجرَّدَ من "ألْ" والإضافةِ، فالأصحُ الأشهرُ فيه عدَمُ المُطابقةِ لما قبله، أي فهو يَلتزمُ الإفرادض والتذكيرَ، كما لو أُريدَ به معنى التفضيل، كما رأيت في البيت السابق. وإن أُضيفَ إلى معرفةٍ، وحيث المطابقةُ لِما قبله، تقولُ "هذانِ أعلَما أهلِ القريةِ" أي هما "عالماهم"، إن لم يكن في القرية من يُشاركُهما في العلم. ولا يصحُّ أن تقول "هما أعلمَهُم" إلاّ إذا أردتَ معنى تفضيلهما على غيرهما، وذلك بأن يكون فيها من يُشاركهُما في العلم. لأنه إن كان فيهما من يشاركهما فيه، كان المعنى على التفضيل وحينئذ يصحُّ أن تقول "هما أعلما أهلِ القرية وأعلمُهم"، بالمطابقةِ وعدمِها، لإضافته إلى معرفة مقصوداً به التفضيلُ. ويكون المعنى "هما أعلمُ من جميع أهل القرية". ومن ذلك قولهم "الناقصُ والأشجُّ أعدَلا بني مَرْوانَ". أي "هما عادِلاهم" ولا يصحُّ أن تقولَ "أعدلُ بني مَروان، بل تجبُ المطابقةُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 (لأنّ التفضيل الذي يقتضي المشاركة في الصفة غير مراد هنا. لأن مراد القائل أنه لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل. لذلك لم يكن القصد أنهما أعدل من جميع بني مروان بل المراد أنهما العادلان منهم. و (الناقص) هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، سمي بذلك لنقصه أرزاق الجند. و (الأشج) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان (رضي الله عنه) سمي بذلك لشجة أصابته بضرب الدابة) . وحيثُ جازَ تقديرُ (من) ، كان المعنى على التفضيل، وحيثُ لم يجُزْ تقديرُها، كان المعنى على غيره أي "كان اسمُ التَّفضيلِ عارياً عن معنى التفضيل". وقد يُجمعُ العاري عن معنى التفضيل، المجرَّدُ من (ألْ) والإضافة، إذ كان موصوفه جمعاً كقولِ الشاعر [من الطويل] إذا غابَ عَنْكُم، أَسْوَدُ العَينِ كُنْتُمْ ... كِراماً. وأنتُم. ما أقامَ، أَلائِمُ وإذا صحّ جمعه لتجرُّده عن معنى التفضيل، جاز أن يُؤنَّثَ، وهو مجرَّدٌ منه، فيكونُ قولُ ابن هانيء [من البسيط] كأنّ صُغْرى وكُبرى - من فَقاقِعِها ... حَصْباءُ دُرٍّ على أَرضٍ منَ الذَّهَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 صحيحاً وليس بِلَحنٍ كما قالوا. لأنَّ "صغرى وكبرى" ههنا. بمعنى "صغيرة وكبيرة" فهما عاريتان من التفضيل فلا يجب فيهما الإِفراد والتذكير. بل يجوزان. كما تجوز المطابقة، وإن كان الأول هو الأفصح والأشهر. وقال من لحنه كان حقه أن يقول "كأنّ أكبر وأصغر" أو "كأنّ الكبرى والصغرى". باعتبار أن اسم التفضيل، إذا تجرد من (ألْ) والإضافة. يجب إفراده وتذكيره وغفل عن أنه يجب ذلك فيما قُصد به التفضيل. وقول العروضيين "فاصلة صغرى، وفاصلة كبرى". أي صغيرة وكبيرة. وهو من هذا الباب. اسما الزمان والمكان اسمُ الزَّمانِ هو ما يُؤْخذُ من الفعل للدَّلالة على زمان الحدَث، نحو "وافِني مَطْلِعَ الشمسِ" أي وقتَ طلوعها. واسمُ المكانِ هو ما يُؤْخذُ من الفعل للدَّلالة على مكان الحدَث، كقوله عَزَّ وجَلَّ "حتّى إذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمس" أي مكانض غروبها. وزنهما من الثلاثي المجرد لإسمي الزَّمان والمكان، من الثلاثيِّ المجرَّدِ، وزنانِ "مَفعَلٌ" - بفتح العين، و"مَفْعِلٌ" بكسرها. فوزنُ "مَفْعَلٍ" بفتحِ العينِ - للثلاثيِّ المجرَّدِ المأخوذ من "يَفْعُلُ" - المضمومِ العين - أَو "يَفْعَلُ" المفتوحِها - أو من الفعل المُعتلِّ الآخر وإِن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 كان من "يَفعِل"، المكسور العين، فالأولُ مثلُ "مَكتَبٍ ومَحضَر وَمَحلٍّ". والثاني مثلُ "مَلْعَبٍ" والثالثُ مثلُ "مَلْهى ومَثْوى ومَوْقى". (ولا فرق بين أن يكون المعتل الآخر ناقصاً، كملهى "من لها يلهو"، أو لفيفاً مقروناً كمثوى "من ثوى يثوي". أو لفيفاً مفروقاً كموفى "من وفى يفي فوزن هذه الثلاثة واحد) . وشذَّت أَلفاظٌ جاءت بالكسر، مع أنها مَبنيَّةٌ من مضموم العين في المضارع، وذلك كَالمطلِعِ والمَغرِبِ والمَشرِقِ والمَسجِدِ والمَنسِكِ والمَجزِرِ والمَنبِتِ والمَسقِطِ والمَفرِقِ والمَرفِقِ والمَسكِنِ. ويجوز فيها الفتحُ، على القياس. والأولُ أفصحُ. ووزنُ "مَفْعِل" - بكسر العين - للثلاثيِّ المجرَّدِ المأخوذ من "يَفعِلْ" - الصحيحِ، المكسور العين - أو من المثال الواويِّ، فالأولُ مثلُ "مَجلِس ومَحبِس ومَضرِب ومَبِيت ومَصِيف"، والثاني مثلُ "مَوْرِد ومَوْعِد ومَوْجِل ومَوْحِل". ولا فرقَ بين أن تكونَ عنيُ المثالِ الواويّ مكسورة في المضارع، كمَوْرِد، من "ورَدَ يَرِدُ" وأن تكون مفتوحة كمَوْضِع، من "وَضعَ يَضَعُ". وبعضُ العلماءِ يجعله من مفتوح العين على "مَفَعَل" - بفتح العين وذلك جائز مسموع عن العرَب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 اسم المكان على (مفعلة) قَدْ تدخلُ تاءُ التأنيثِ على أسماءِ المكان "كالمزلَّةِ والمعبرةِ والمشرَفةِ والمدرَجةِ ومَوقعَة الطائرِ والمقبرةِ والمشربةِ. وما جاء من ذلك على "مَفْعُلة" - بضم العين - كالمقْبُرة والمشرُفة والمشرُبة فهو شاذّ. وقد يُبنى اسمُ المكان من الأسماءِ على وزن "مَفْعَلة"، للدَّلالة على كثرة الشيءِ في المكان، مثلُ "مَسبَعةٍ ومأسدةٍ ومَذأَبةٍ ومَبْطَخةٍ ومَقثأةٍ ومَحيأةٍ ومَفْعأةٍ ومَدْرَجةٍ". ولم يُسمع مثلُ هذا في الرُّباعيِّ الأصول فما فوقهُ "كالضفدُعِ والثعْلبِ والسّفرجلِ". فلا يُقالُ "أرضٌ مُضَفدَعةٌ ولا مُثَعْلبةٌ، ولا مُسَفْرَجةٌ". ولكنَّكَ تبنيها على صيغة إسم الفاعل، فتقول "مُضفْدِعة ومُثَعْلِبة ومُسَفْرِجة". وزنهما من فوق الثلاثي المجرد يكون اسما الزمان والمكان، من غير الثلاثيِّ المجرَّد، على وزن اسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 المفعول، نحو "مُجتمَعٍ ومُنتَدىً ومُنتظَرٍ ومُستشْفَىً". فائدة المصدر الميمي واسم المفعول واسما الزمان والمكان. مما هو فوق الثلاثيّ المجرد. شركاءٌ في الوزن، ويفرّق بالقرينة. فاذا قلت جئتك منسكب المطر. فالمعنى جئتك وقت انسكابه. وإذا قلت انتظرك في مرتقى الجبل. المعنى في المكان الذي يرتقي فيه إليه وإذا قلت هذا الأمر منتظر. فالمعنى أن الناس ينتظرونه. فهو اسم مفعول. وإذا قلت أعتقد معتقد السلف. فمعتقد مصدر ميمي بمعنى الإعتقاد. اسم الآلة اسمُ الآلة هو اسمٌ يؤخذ غالباً من الفعل الثلاثيّ المجرّدِ المتعدّي للدَّلالة على أداةٍ يكونُ بها الفعل كمِبْرَدٍ ومِنشارٍ ومِكنَسَةٍ. وقد يكونُ من غير الثلاثيّ المجرَّد. كالمِئْزرِ والمِئْزَرة والمِئْزَار (من ائْتَزَرَ) ، والمِيضأة (من تَوَّضَّأ) ، والمِحراكِ (للعُود الذي تُحرّكُ به النارُ، من حَرَّكَ) ، والمِعْلاقِ (اسمٌ لما يُعلّقُ به الشيءُ، من علَّق) ، والمِمْلسة وهي خشبةٌ تُسوّى بها الأرضُ وتملَّسُ، من "مَلَّسَ الأرض" إذا سوَّها) . وقد يكون من الثلاثيّ المجرَّد اللازم كالمِرقاةِ (ويجوزُ فتحُ ميمِها وهي الدرجةُ، من "رَقِيَ" (إذا صَعِدَ) ، والمِعْرَج والمِعراج (وهو السُّلَّم) ، من "عَرَجَ يَعرُجُ" (إذا ارتقى) ، والمِصباح (من "صَبُحَ الوجهُ" إذا أشرَقَ وأنارَ) ، والمِدخنةِ (من "دخنَتِ النارُ تَدُخنُ وتَدْخَنُ" إذا خَرجَ دُخانها، أو ارتفع) ، والمِزْربِ (من زَرِبَ الماءُ يَزرَبُ إذا سال) ، والمِعزَفِ والمِعْزَفةِ (وهي أداةُ اللهوِ كالعود والطُّنبور ونحوهما، والجمع "مَعازِف"، من "عَزفَ يَعزِفُ" إذا غنّى، وكذلك إذا ضربَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 بالمعازف) ، و (المِلهى) وهو آلة اللهو. وجمعُه "مَلاهٍ" من "لها يَلهو") . وقد يكون من الأسماءِ الجامدةِ كالمِحْبرةِ (من الحِبر. ويجوزُ فيها فتح الميم) ، والمِقْلمة (من القلم، وهي وِعاءُ الأقلام) ، والمِمْطر والمِمْطرة (من المَطَر، وهو الثوبُ يُتَّقى به المطرُ) ، والمِمْلحة من المِلح. ويجوز فيها فتح الميم (والمِئْبَر) من الإِبرة، وهو بيتُها، والمِزْوَد (من الزاد، وهو وعاؤُهُ) . اوزان اسم الآلة لاسم الآلة ثلاثةُ أوزانٍ (الأول) "مِفْعَلٌ" كمِبْضعٍ ومِرقمٍ ومِعْبَرٍ ومِقصٍّ. و (الثاني) "مِفْعَلَةٌ" كمِمسَحةٍ ومِعْبَرةٍ ومِشْرَبةٍ ومِنَشَّةٍ ومِصْفاةٍ. و (الثالثُ) "مِفْعالٌ" كمفتاحٍ ومِجذافٍ ومِغرافٍ ومِقْراضٍ. وقد جاءَ في كلام العرب أسماءٌ للآلات مُشتقةٌ من الفعل على غير هذه الأوزان شُذوذاً، وذلك المُنْخُل والمُسْعطُ والمُدُق والمُدْهُن والمُكحُلة والمُحْرُضة. وقد يُقالُ "المِسْعَطُ والمِدَقُّ والمِحرَضةُ"، في هذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الثلاثة، على القياس. وقد يكونُ اسمُ الآلةِ جامداً، غير مأخوذ من الفعل، ولا على وزن الأوزان السابقة كالقَدوم والفأس والسِّكين والجرَس والنّاقور والسّاطور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 (تصريف الأفعال) (معنى التصريف) التّصريفُ لُغَةً التَّغييرُ. ومنه تصريفُ الرياح، أي تغييرُها. واصطلاحاً هو العلمُ بأحكامِ بنْيةِ الكلمة، وبما لأحرُفِها من أصالةٍ وزيادةٍ وصِحّةٍ وإعلالٍ وإبدالٍ وشِبهِ ذلك. وهو يُطلقُ على شيئين الأولُ تحويلُ الكلمة إلى أبنية مُختلفة، لِضُروبٍ من المعاني كتحويل المصدر إلى صِيَغ الماضي والمضارع والأمر واسمِ الفاعل واسمِ المفعولِ وغيرهما، وكالنِّسبة والتصغير. والآخرُ تغييرُ الكلمة لغير معنًى طارئ عليها، ولكن لغرض آخر ينحصرُ في الزيادة والحذف والإبدال والقَلْب والإدغام. فتصريفُ الكلمة هو تغيير بِنْيتها بحسبِ ما يعرضُ لها. ولهذا التغيير أحكامٌ كالصحّة والإعلال. ومعرفةُ ذلك كلّه تُسمّى (علمَ التصريف أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 الصّرف) . ولا يتعلّقُ التصريفُ إِلا بالأسماءِ المُتمكّنة والأفعال المتصرّفة. وأما الحروفُ وشبْهُها فلا تَعَلُّقَ لعلم التصريف بها. والمرادُ بشِبهِ الحرفِ الأسماءُ المبنيَّةُ والأفعالُ الجامدة، فإنها تُشبهُ الحرفَ في الجمود وعدم التصرُّف. ولا يقبل التصريف ما كان على أقلّ من ثلاثة أحرف، إلا أن يكون ثُلاثيًّا في الأصل، وقد غُيِّر بالحذف، مثلُ عِ كلامي، وقِ نفسَك، وقُلْ، وبِعْ". وهي أفعالُ أمر من وَعى يَعي، ووَقى يَقي، وَقال يقول، وبَاع يَبيع"، ومثلُ "يَدٍ ودَمٍ"، وأصلُها "يَدَي ودموٌ، أو دَميٌ". (اشتقاق الأفعال) الإشتقاقُ في الأصل أخذُ شِقِّ الشيءِ، أي نصفهِ، ومنه اشتقاقُ الكلمة من الكلمة، أي أخذُها منها. وفي الإصلاح أخذُ كلمةٍ من كلمة، بشرطِ أن يكون بين الكلمتين تناسبٌ في اللفظ والمعنى وترتيب الحروف؛ مع تَغايرٍ في الصيغة، كما تأخذُ "اكتُبْ" من "يكتبْ"، وهذه من "كتبَ" وهذه من "الكتابة". وهذا التعريف انما هو تعريف الإشتقاق الصغير وهو المبحوث عنه في علم التصريف. وهناك نوعان من الإشتقاق الأول أن يكون بين الكلمتين تناسب في اللفظ والمعنى دون ترتيب الحروف كجذبَ وجبذَ. ويسمى الاشتقاق الكبير. والآخر أن يكون بين الكلمتين تناسب في مخارج الحروف كنهقَ ونعقَ. ويسمى الاشتقاق الأكبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 ويؤخذُ الأمرُ من المضارع، والمضارعُ من الماضي، والماضي من المصدر. فالمصدرُ أصلٌ صَدَرَ عنه كلُّ المشتقّات، مِنَ الأفعال والصفات التي تُشبهها وأسماءِ الزمان والمكان والآلة والمصدر الميمي. اشتقاق الماضي يؤخذُ الماضي من المصدر على أوزانٍ مختلفة، سيأتي بيانُها، مثلُ "كتب وأَكرمَ وانطلقَ واسترشدَ". اشتقاق المضارع يُؤخذُ المضارعُ من الماضي، بزيادة حرفٍ من أحرف المضارَعة في أوَّله. وأحرف المضارعة أربعةٌ، وهي "الهمزةُ والتاءُ والنونُ والياءُ" مثل "أَذهبُ وتذهبُ ونذهبُ ويذهبُ". فالهمزة للمفرد المتكلم مثل "أكتب". والتاء لكل مخاطب ومخاطبة وللغائبة الواحدة والغائبتين مثلُ "تكتب يا عليّ وتكتبين يا فاطمة وتكتبان يا تلميذان وتكتبان يا تلميذتان وتكتبون يا تلاميذ وتكتبين يا تلميذات. وفاطمة تكتب والفطمتان تكتبان". والنون لجماعة المتكلمين وللمتكلم الواحد المعظم نفسه مثل "نكتب". والياء للغائب الواحد والغئبَينِ والغائِبينَ والغائبات مثلُ "التلميذ يكتب والتلميذات يكتبان والتلاميذ يكتبون والتليمذات يكتبن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وإن كان الماضي على ثلاثة أحرف، يُسكّنُ أوَّلهُ بعد دخول حرف المضارعة، فتقول في "سألَ وأخذَ وكرُمَ" "يَسألُ ويَأخذُ ويَكرُمُ". وأما ثانية، فهو مفتوحٌ، أو مضمومٌ، أو مكسورٌ، حسَبَ ما تقتضيه اللغة، مثلُ "يَعلمُ ويَكتُبُ ويَحمِلُ". وإن كان على أربعة أحرف فصاعداً، فإن كان في أوَّله همزةٌ زائدة، تُحذف ويُكسر ما قبل آخره، فتقولُ في "أكرمَ وانطلقَ واستغفرَ" "يُكرِمُ ويَنطلِقُ ويَستغفِرُ". وإن كان في أوَّله تاءٌ زائدةٌ، يبق عل حاله بلا تغيير، فتقولُ في "تكلَّمَ وتقابلَ" "يتكلمُ ويتقابلُ" وإن لم يكن في أوَّله همزةٌ ولا تاءٌ زائدتان. يكسر ما قبل آخره، فتقولُ في "عَظَّمَ وبايعَ" "يُعظِّمُ ويُبايِعُ". وحرفُ المضارعة يكونُ مفتوحاً، مثلُ "يَعلمُ وتُجتهدُ وتِتغفرُ"، إلا إذا كان الفعلُ على أربعة أحرف، فهو مضّمومٌ مثلُ "يُكرِمُ ويُعظِّمُ". اشتقاق الأمر يؤخذُ الأمرُ من المضارع، بحذفِ حرف المضارعة من أوَّله، فإن كان ما بعد حرف المضارعة متحركاً، تُرِكَ على حاله، فتقولُ في "يتعلَّمُ" "تَعلّمْ"، وإن كان ساكناً، يُزَدْ مكان حرف المضارعة همزةٌ، فتقولُ في "يَكتبُ ويُكرِمُ ويَنطلِقُ ويَستغفرُ" "اكتبْ وأكرِمْ وانطلِقْ واستغفِرْ". وهمزةُ الأمر همزةُ وصلٍ مكسورةٌ، مثلُ "إِعلمْ، إِنطلِقْ، إستقبلْ"، إِلا إن كان ماضيه على أربعة أحرف، فهي همزةُ قطعٍ مفتوحةٌ، مثلُ "أكرمْ وأحسنْ وأعطِ"، أو كان ماضيه على ثلاثة أحرف، ومضارعهُ على وزن (يَفعُلُ، المضمومِ العين) فهي همزةُ وصلٍ مضمومةٌ، مثلُ "أُكتُبْ، أُنصُرْ، أُدخُلْ"، فإِنَّ مضارعها "ينصُرُ ويكتُبُ ويدخُلُ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 همزة الوصل همزةُ الوصلِ هي همزةٌ في أوَّل الكلمة زائدةٌ، يُؤتى بها للتخلص من الابتداءِ بالساكن، لأنَّ العب لا تبتدئُ بساكنٍ، كما لا تَقِفُ على متحرّكٍ، وذلك كهمزة "اسمٍ واكتبْ واستغفِرْ وانطلاقٍ واجتماع والرَّجل". وحُكمُها أن تُلفَظ وتُكتب، إن قُرِئتْ ابتداءً، مثلُ "إسمُ هذا الرجل خالدٌ"، ومثلُ "إستغفرْ ربكَ"، وأن تُكتَبَ ولا تُلفَظَ، وإن قُرِئتْ بعد كلمة قبلها، مثلُ "إنَّ إسمُ هذا الرجل خالدٌ"، ومثلُ "يا خالدُ إستغفرْ ربكَ". وهي قسمان سماعيّةٌ وقياسيّةٌ. فالسّماعية محصورة في كلماتٍ وهي "ابنٌ وابنةٌ وامرُؤٌ وامرأةٌ واثنان واثنتانِ واسمٌ وأَيْمُنٌ". فوائد ثلاث (1) من العلماء من يجعل لفظ "أيمن" كلمة وضعت للقسم ويجعل همزته همزة وصل ومنهم من يقول هو جمع يمين كأيمان ويجعل همزته همزة قطع تقول "يا خالد أيمنُ الله لأفعلنَّ كذا" بقطع الهمزة ويقال في "أيمن الله" "أيمُ الله" أيضاً بحذف النون. (2) حركة الراء في "امرئ" تكون كحركة الهمزة بعدها فتقول "هذا امرُؤٌ" بضم الراء ورأيت "امرأ" بفتحها "ومررتُ بامرِئ" بكسرها وتُكتب همزته على الواو ان ضُمّت وعلى الألف إن فتحت وعلى الياءِ ان كسرت كما رأيت. (3) إذا سبقت همزةُ الإستفهام همزَة أل قلبت همزة أل مدّة مثلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 "الكتابَ تأخذ أم القلم" قال تعالى {قل اللهُ أذن لكم؟} ويجوز اسقاطها خطاً ولفظاً والإكتفاءُ بهمزة الإستفهام تقول "ألذّهب أنفع أم الحديد؟ ". والقياسيَّةُ تكونُ في كل فعل أمرٍ من الثُّلاثيّ المجرَّد "كاعلَمْ واكتُبْ". وفي كل ماضٍ وأمرٍ ومصدرٍ من الفعل الخماسيّ والسداسيّ "كانطلَقَ وانطلقْ وانطلاقٍ، واستغفرَ واستغفِرُ واستغفارٍ". وهمزةُ الوصلِ مكسورةٌ دائماً، إلاّ في "ألْ وأُيمُنٍ) ، فإنها مفتوحةٌ فيهما، وفي الأمر من وزن "يَفعُلُ - المضمومِ العين - فإنها مضمومةٌ فيه، مثلُ "أُكتُبْ، أُدخُلْ". والماضي المجهولُ من الخماسيّ والسداسيّ تُضمُّ همزتُهُ تبعاً للحرف الثالث، فتقولُ في "إحتَمَلَ، إِستَغْفَرَ" "أُحتُمِلَ، أُستُغفِرَ". همزة الفصل همزةُ الفصلِ (وتسمى همزةَ القطعِ أيضاً) هي همزةٌ في أوَّل الكلمة زائدةٌ، كهمزة "أكرمَ وأكرمُ وأُكرِمْ وإِكرام". وحكمُها أن تُكتبَ وتُلفظَ حيثما وقعتْ، سواءٌ قُرئت ابتداءً، مثلُ "أكرمْ ضيوفك"، أم بعد كلمة قبلها، مثلُ "يا عليٌّ أكرِمْ ضُيوفك". وهمزةُ الفصل همزةٌ قياسيَّةٌ. وهي تكونْ في أوائلِ بعض الجموع كأحمالٍ وأولادٍ وأنفُسٍ وأربُعٍ واتقياءٍ وأفاضلٍ. وتكون أيضاً في الماضي الرُّباعيِّ وأمرهِ ومصدره، مثلُ أَحسنَ وأَحسنْ وإحسانٍ"، وفي المضارع المُسند إلى الواحد المتكلم مثلُ "أَكتبُ وأُكرمُ وأَنطلقُ وأَستغفِرُ"، وفي وزن "أفعلَ"، الذي هو للتّفضيل، مثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 "أفضلَ وأسمى"، أو صفةٌ مشبَّهةٌ، مثلُ "أحمرَ وأعورَ". وهي مفتوحةٌ دائماً، إلا في المضارع من الفعل الرباعي ومصدره، فإنها في الأول مضمومةٌ، مثل احسِنُ وأُعطي"، وفي الآخر مكسورة، مثل "إحسانٍ وإعطاءٍ". (موازين الأفعال) لكلِّ فعلٍ ميزانٌ يُوزنُ به. والميزانُ يتألَّفُ من ثلاثة أحرف، وهي "الفاءُ والعين واللام". فيقال "كتب" على وزن "فَعَلَ" و"يكتُبُ" على وزن "يَفْعُلُ" و"اكتُبْ" على وزن "افعُلْ". ويقال لأحرُفِ "فعلَ" ميزانٌ، ولما يوزنُ بها "موزونٌ". ويُسمى ما يقابل فاءَ الميزان من أحرف الموزون. "فاءَ الكلمة"، وما يُقابلُ عينَه "عينَ الكلمة"، وما يُقابلُ لامَهُ "لامَ الكلمة". فإن قلت "كتب"، فتكون الكافُ فاءَ الكلمة، والتاءُ عينَها، والباءُ لامَها. ويجبُ أن يكون الميزانُ مُطابقاً للموزون حركةً وسكوناً وزيادة أحرف. فإن قلت "كرُمَ" كانت على وزنِ "فَعُلَ". وإن قلت "أكرَمَ" كانت على وزن "أفعلَ". وإن قلت "كسرَ" كانت على وزن "فَعَلَ" وإن قلت "انكسرَ" كانت على وزن "انفعلَ" وهلُّمَّ جرَّا. وكلُّ ما يُزادُ في الموزون يزاد في الميزان هو بعينه، إِلا إِن كان الزائدُ من جنس أحرف الموزون فيُكرَّرُ في الميزان ما يُماثُله، فيقالُ في وزن عَظَّم "فَعَّل"، وفي وزن أغرَوْرَقَ "إفعَوْعَلَ" وفي وزن إحمارَّ "افعالَّ". (بتكرير عين "فعل"، لأن الموزون، وهو "عظّم"، مكرّر العين. وبتكرير عين "افعوعل"، لأن الموزونه، وهو "اغرورق"، مكرّر العين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 وبتكرير لام "افعال"، لأن الموزون، وهو "احمارّ" مكرر اللام. أما مثل "أخرج وانكسر واستغفر" ونحوها، فان أحرفها الزائدة تزاد هي بعينها في الميزان، فيقال "افعل وانفعل واستفعل". وقس على ذلك) . أما إن كانت أحرفُ الموزون الأصليَّة أربعةً، فتُكرَّرُ لامُ الميزان، فيقالُ في وزن دحرج "فَعْللَ". والمزيدُ في منه تُكرَّرُ لامُهُ أَيضاً، كما تُكرَّرُ في الأصليّ، فتقولُ في وزن احرنجمَ "افعنللَ" وفي وزن اقشعرَّ "افعَللَّ". أَوزان الأَفعال للماضي من الأفعال خمسةٌ وثلاثون وزناً. ثلاثةٌ منها للثُّلاثيّ المجرَّد، واثنا عشر للثلاثيّ المزيد فيه، وواحدٌ للرباعي المجرَّد، وسبعةٌ للمُلحَق به، وثلاثةٌ للرباعي المزيد فيه، وتسعةٌ للمُلحق به. أَوزان الثلاثي المجرد للماضي من الثلاثيّ المجرَّد ثلاثةُ أوزان "فَعَلُ وفَعِلَ وفَعُلَ". 1- وزن (فعل) المفتوح العين وزنُ (فَعَلَ) - المفتوح العين ككتبَ وجلسَ وفتحَ يكون مضارعه، إما مضمومّها كيكتُبُ، وإما مكسورَها كيجلِسُ، وإما مفتوحَها كيفتَحُ. وبابُ (فَعَل يَفعُل) - بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع - الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 يأتي منه، غير مُطردٍ الصَّحيحُ السالمُ كنصرَ ينصرُ، والمهموزُ الفاء كأخذَ يأخذُ. مويَطَّرِدُ فيه الأجوفُ والناقصُ الواويّانِ، نحو "قالَ يقولُ ودعا يدعو"، والمضاعفُ المتعدّي، نحو "مَدَّهُ يَمدُّهُ". وشَذَّ (حَبَّهُ يَحبُّهُ) . وجاءَ منه بعضُ أفعالٍ لوجهين ووهي "بَتَّ الحبلَ يَبُتُّه، وعَلَّهُ يَعُلُّهُ ويعِلُّهُ، ونَمَّ الحديث يَنُمُّهُ وينِمُّهُ، وشَدَّ يَشُدُّهُ ويَشِدُّهُ ورَمَّهُ يَرمُّهُ ويَرِمُّهُ، وهَر الشيء يَهُرُّهُ ويَهِرُّهُ"، والمكسور منها شاذٌ في القياس. ومما يختصُّ بهذا الباب ما يُرادُ به معنى الفوز في مَقام المُغالبة والمُفاخرة، نحو "كاتبني فكتبتُهُ أكتُبُهَ"، أي غالبني في الكتابة فغلبتُهُ فيها. وحينئذ لا يكونُ إلا متعدياً، وإن كان في الأصل لازماً. فمثل "قعد" لازمٌ، فإن قلت "قاعدَني فقعَدتُهُ أقعُدُهُ"، صار متعدياً. وكلُّ فعلٍ تُريدُ به معنى الغلبّة والمفاخرة حوَّلْتَهُ إلى هذا الباب، وإن لم يكن منه، فتقول في "نَزلَ يَنزِلُ، وخَصَمهُ يخصِمُهُ، وعلِمهُ يَعلَمُهُ" "نازلني فَنَزَلتُهُ أنزُلُهُ، وخاصمني فَخصَمتُهُ، وعالمني فَعلَمتُهُ، أعلُمُهُ"، أي غالبني في ذلك، فغلبتُهُ فيه. إلا ما كان منه مثالاً واويًّا مسكورَ العين في المضارع كوعدَ يَعِدُ، أو أجوَفَ يائياً كباعَ يبيعُ، أو معتلَّ الآخر بالياءِ كرمى يرمي، فإنه يبقى على حاله في باب المغالبة. وبابُ "فَعَلَ يَفعِلُ" بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع - يطرد فيه المثالث الواويُّ، نحو "وثبَ يَثِبُ" (بشرط أن لا تكون لامُه حرفَ حلقٍ) كوَضعَ يَضَعُ ووَقَعَ يَقَعُ ووسِعَ يَسعُ، ووَطِيءَ يَطَأُ"، والأجوف اليائيُّ، نحو "شابَ يَشيبُ". والمعتلُّ الآخر بالياءِ، نحو "قضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 يقضي"، بشرط أن لا تكون عينه حرفَ حلقٍ "كسعى يَسعى، ونَعى المَيْتَ يَنعاه"، والمَضاعف اللازم، نحو فَرَّ يَفِرُّ" وما جاءَ على خلاف ذلك فهو مخالف القياس. وبابُ "فَعَلَ يَفعَلُ" - بفتح العين في الماضي والمضارع - يكثُرُ أن يجيءَ منه ما كانت عينُهُ أو لامهُ حرف حلقٍ، نحو "فتَحَ يَفتَحُ، وسألَ يَسألُ، ووضعَ يَضَعُ". ولا يكون الفعل مفتوحَ العينِ في الماضي والمضارع إلا إذا كانت عينه أو لامُهُ حرفاً من أحرف الحلقِ، مثلث "سألَ يَسألُ، وذهبَ يَذهَبُ، وجعلَ يجعلُ، وشغَلَ يَشغَلُ، وفتحَ يفتحُ، وشدَخَ يشدخُ". وأما نحو "أبى يأبى، ورَكنَ يَركُنُ"، فشاذُّ، ويجوز في الأَوَّل "أبى يأبي" من باب "فَعَلَ يَفعِلُ" المفتوح العين في الماضي، المكسورها في المضارع -. ويجوز في الثاني "ركنَ يَركُنُ" بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع، و"رَكِنَ يَركَنُ" بكسرِها وفتحها في المضارع. ووجودُ حرفِ الحلقِ في فعلٍ لا يوجبُ فتحَ عينه في الماضي والمضارع، فمثلُ "دَخَلَ يَدخُلُ، ورَغِبَ يرغبُ، وبغى يبغي، وسَمعَ يَسمعُ، ونَبُهَ ينبُهُ" وغيرها، ليست من هذا البابِ، معَ وجودِ حرف الحلقِ في مُقابل عينها أو لامها. 2- وزن (فعل) المكسور العين وزن "فَعِلَ" بكسر العينِ - كعلِمَ، لا يكونُ مضارعه إلاّ مفتوح العينِ كيَعلَمُ، لأنه إن كان الماضي مكسورَ العين فمضارعه لا يكونُ، إلاَّ مفتوحَها، إلاّ أربعةَ أفعالٍ شاذةٌ، جاءَت مكسورةَ العين في الماضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 والمضارع. ويجوزُ في مضارعها الفتحُ، وهو الأفصحُ والأولى وهيَ "حسِبَ يحسَبُ ويحسِبُ، وبَئِسَ يَبأَسُ ويَبْئِسُ، ونَعمَ يَنعمُ، ويَئِسَ يَيْأَسُ ويَيْئِسُ" وجاء شُذوذاً "وَرِثَ يَرِثُ ووَمِقَ يَمِقُ وورِمَ الجرحُ يَرِمُ، ووثِقَ به يثِقُ، ووريَ الزَّندُ يَرِي، ووَفِقَ أمرَه يَفِقُهُ" وليس فيها إلاّ كسرُ العين في الماضي والمضارع، إلا "وَرِي يَرِي" فيجوز فيه "وَرَى يَرِي" بفتح العين في الماضي وكسرِها في المضارع - وهو الأفصح. وتكثُرُ في هذا الباب الأفعالُ الدَّالةُ على العِلَل والأحزان وأضدادِهما، نحو "سَقِمَ وحَزِنَ وفَرِحَ"، وما دلَّ على خُلُوٍّ أو امتلاءٍ، نحو "عَطِشَ وشَبِعَ" وتجيءُ الألوان والعُيوب والحِلى كلُّها عليه، نحو سوِدَ وعَرِجَ ودَعِجَ". 3- وزن (فعل) بضم العين وزنُ "فَعُلَ" بضمّ العين في الماضي - مثلُ "حَسُنَ"، لا يكون مضارعهُ إلاّ مضمومَها، مثلُ "يَحسُنُ". يأتي من هذا البا ما دلَّ على الغرائز والطبائع الثابتة، نحو "كرُمَ، وعَذُب الماءُ، وحَسُنَ، وشَرُفَ، وجَمُلَ، وقَبُحَ". وكلُّ فعلٍ أردتَ التعجبَ به أو المدح، أو الذمَّ، حَوَّلتُهُ إلى هذا الباب، وإن لم يكن منه. (كما قدَّمنا في مبحث أفعال المدح والذَّم) نحو "كتُبَ الرجلُ سعيدٌ! " بمعنى "ما أكتبهُ! " تريدُ المدحَ والتعجب معاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وما كان على وزن "فَعُلَ" لا يكونُ إلاّ لازماً، لأنه لا يكون إلا لمعنًى مطبوعٍ عليه من هو قائمٌ به، (أي للسَّجايا والطبائع) مثلُ "كرُمَ ولؤُمَ" أو كمطبوعٍ عليه، مثلُ "فَقُهَ وخَطُبَ"، (أي، "صارَ فقيهاً وخطيباً" وغيرُه يكونُ متعدّياً، ويكون لازماً. وحركةُ العينِ في الأمر، من هذه الأوزان المذكورة، كحركة العين في مُضارعه، مثلُ "انصُرْ واجمُلْ وارجِعْ واسألْ واعلَمْ". وهذه الأوزان سَماعيَّةٌ كلها، إلا ما اطَّردَ منها. أما أوزانُ المزيد فيه، فكلُّها قياسيَّةٌ، وكذا وزنُ الرُّباعيِّ المجرَّد. أوزمان الثلاثي المزيد فيه للثُّلاثيّ المزيد فيه اثنا عشرَ وزناً ثلاثةٌ للزيد فيه حرفٌ واحدٌ، وخمسةٌ للزيد فيه حرفان، وأربعةٌ للمزيد فيه ثلاثة أحرف. فللثلاثيّ المزيد فيه حرفٌ واحد، ثلاثة أوزانٍ "أَفعَلَ" كأكرمَ و"فَعَّلَ" كفَرَّح، و"فاعَلَ" كسابق. وباب "أفعل" يكون للتعدية غالباً. أي لتصيير اللازم متعدياً إلى مفعول واحد كدخل وأدخلته. فان كان متعدياً إلى واحد صار متعدياً إلى اثنين كلزم الأمرَ، وألزمته إياه. وباب "فعّل" يكون للتكثير وللتعدية غالباً. فالتكثير يكون في الفعل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 نحو "طوّفت وجوّلت" أي أكثرت من الطواف والجولان. وفي الفاعل، نحو "موّتَت الإبلُ" أي كثر فيها الموت وفي المفعول، نحو "غلقت الأبواب"، أي أبواباً كثيرة. وباب "فاعل" يكون للمشاركة بين اثنين غالباً، نحو "راميته وخاصمته"، والمعنى اني فعلت به ذلك، وفعل بي مثله. وقد تأتي هذه الأبواب لمعان غير هذه قلما تنضبط. وانما تفهم من قرينة الكلام. وللثلاثيّ، المزيد فيه حرفان، خمسة أوزان. وهي "انفعلَ" كانحصرَ، و"افتعلَ" كإجتمع، و"افعَلَّ" كاحمرَّ، و"تفَعَّل" كتعلَّمَ، و"تفاعلَ". كتصالحَ. وباب إنفعل يكون للمطاوعة، أي لمطاوعة المفعول للفاعل فيما يفعله به، كصرفته فانصرف. ولا ينفكّ هذا البابُ عن معنى المطاوعة. لهذا لا يكون إلا لازماً. ولا يكون مجرده إلا متعدياً. وباب افتعل يكون للمطاوعة غالباُ، نحو جمعت القوم فاجتمعوا. وباب افعلّ يكون للألوان والعيوب. فالألوان كاحمرّ. والعيوب كاعورّ. ويقصد به المبالغة في معنى مجرده، ففي "احمرّ" زيادة ليست في "حمرَ". وفي اعورّ زيادة ليست في "عوِرَ". وباب "تفعّلَ" يكون للتكلف غالباً، نحو "تعلّمَ وتصبر وتشجع وتحلم". وقد يكون التكلف ممزوجاً بإِدعاء شيء ليس من شأن المدعي. نحو تكبر وتعظم وتسرّى، أي تكلف مظاهر الكبرياء والعظماء والسراة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وباب "تفاعل" يكون للمشاركة بين اثنين كتسابق الرجلان، أو أكثر، كتصالح القوم. وقد تأتي هذه الأفعال لمعان غير هذه لا تنضبط، وانما يعيّنها المقام. وللثلاثيّ، المزيد فيه ثلاثةُ أحرُفٍ، أربعةُ أَوزانٍ "استفعلَ" كاستغفرَ و"افعوْعَلَ" كاخشَوْشَنَ، و"افعوَّلَ" كاعلوَّطَ، و"افعالَّ" كادهامَّ. وصيغةُ "افعالَّ" مُشتركةٌ بين الماضي والأمر لفظاً. فإن كانت للماضي فأصلها "افعالَلَ". وإن كانت للأمر فأصلُها "افعالِلْ". ويكون باب "استفعل" للطلب والسؤال غالباً، نحو "استغفرت الله"، أَي سألته المغفرة، و"استكتبت زهيراً كلاماً، واستمليته إياه"، أي سألته كتابته واملاءه. وهو يكون متعدياً كما رأيت. وقد يكون لازماً نحو "استحجر الطين"، أَي صار حجراً. وإذا كان لازماً لم يكن بمعنى السؤال كما ترى. وأبواب "افعوعل وافعوّل وافعالّ" تكون للمبالغة في معنى مجرّدها، أي انها تزيد في معناها على معنى المجرد منها. وزن الرباعي المجرد للرُّباعيّ المجرَّدِ وزنٌ واحدٌ، وهو "فَعْللَ" كدَحرجَ. (ويكون متعدياً غالباً، نحو "دحرجت الحجرَ، وزلزلت البناء". وقد يكون لازماً، نحو "حصحص الحقّ" أي بان وظهر، وبرهم الرجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أي أدام النظر. والبرهمة سكون النظر وادامته) . الرباعي المنحوت وقد يصاغُ هذا الوزنُ بالنَّحت من مركَّبٍ لاختصار الكلام، كقولهم "عقربتُ الصُّدغَ" (أي لويته كالعقرب) ، وفلفلتُ الطعامَ" (إذا وضعتُ فيه الفُلفل) ، و"نرجستُ الدواءَ" (إذا وضعتُ فيه النرجس) ، و"عصفرتُ الثوب" (إذا صبغته بالعُصفر) ، و"بسلمتُ وحمدلتُ وحَوْقلتُ وحسبلتُ وسَبحَلتُ وجعفلتُ" (إذا قلت بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبي الله، وسبحان الله، وجعلني الله فداءَك) . ويُسمى هذا الصنيعُ (النَّحتَ) ، وهو أن تختصرَ من كلمتين فأكثر كلمةً مواحدة. ولا يُشترط فيها حفظُ الكلمات بتمامها، ولا الأخذ من كل الكلمات، ولا موافقة الحركاتِ والسكنات، على الصحيح، كما يُعلم من شواهد ذلك. لكنه يشترط فيها اعتبار ترتيب الحروف. والنحتُ، على كثرته، في لغتنا، غيرُ قياسي، كما هو مذهب الجمهور. ومن المحققين من جعله قياسياً، فكلُّ ما أمكنك فيه الاختصارُ، جاز نحتُه. والعصرُ الحاضرُ يحملنا على تجويز ذلك والتوسعَ فيه. ومن المسموع أيضاً "سمعلَ وطَلْبَقَ" (إذا قال السلام عليكم، وأطال الله بقاءك) . ومنه "بَعْثَرَ" (أي بعثَ وأثار) . قال الزمخشريُّ في قوله تعالى {وإذا القبورُ بُعثِرَتْ} هو منحوتٌ من "بُعِثَ وأُثير ترابُها". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 الملحق بدحرج يُلحَقُ بدْحرج سبعةُ أَوزانٍ من الثلاثي المزيد فيه حرف واحدٌ. وهي "شَمْللَ" - بوزن "فَعْلَلَ" - و"جَهْوَرَ" - بوزن "فَعْوَلَ" و"رَوْدَنَ" بوزن "فوْعل" - و"رهيأ" - بوزن "فعْيل" - و"سيْطر" - بوزن "فيْعل" و"شَنْتر" - بوزن "فنْعل" - و"سلْقى" - بوزن "فيْعل". (وإنما كانت ملحقة بدحرج، لان مصدرها ومصدره متحدان في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الوزن. فمصدر فعلل "الفعللة"، ومصدر فعول "الفعولة" ومصدر فوعل "الفوعلة" الخ) . تحقيق في معنى الالحاق الإلحاق أن يزاد على أحرفِ كلمةٍ، لتوازن كلمةً أخرى. وشرط الإلحاق في الأفعال اتحاد مصدري الملحق والملحق به، كما ترى في هذه الأفعال. والإلحاق لا يكون في أول الكلمة. وإنما يكون في وسطها، كالنون من "شنْتر"، أو في آخرهاكالألف المنقلبة عن الياءِ في "سلْقى" ولذلك لم يكن نحو "تمنطق وتمسكن وتمدرع وتمندل وتمذهب وتمشيخ" مُلحقاً بتدحرج، لأنَّ الميم ليست زائدةً بين أصول الكلمة. ومع هذا فليست زيادتها لقصد الإلحاق، لأن هذه الأفعال مبنيةٌ على "المنطقة والمسكين والمدْرعة والمنديلُ والمذْهب والمشيخة"، فهي على زنة "تدحرج" أَصالة لا إلحاقاً، باعتبار أن الميم كالأصل توهماً. فقد توهموا أصالة الميم في هذه الأسماءِ فبنوا الفعل عليها. فوزنها "تفعللَ" لا "تمفعلَ" هذا هو الحقُّ الذي عليه المحققون من العلماء. وما يزاد للإلحاق، لا يكون مزيداً لغرضٍ معنويّ تطَّرد زيادتُه لأجله. فهو ليس كالزيادة في نحو "أكرم وقاتل واستغفل"، ممّا زيادته لغير الإلحاق. وإنما هي لمعنًى اقتضى هذه الزيادة. وقد تُخرجُ الزيادةُ للإلحاق الفعلَ عن معناه إلى معنًى آخر، مع بقاءِ رائحةِ من المعنى الأوَّل. فمثلُ "عثير" معناهُ أثار العِثْير (بكسر العين وهو التراب، والغبار) . والمجرَّد وهو "عثر" معناه زلَّ وكبا. ويقال أيضاً "عثر على الشيءِ" إذا وجده. ومنه "عثر على السرّ ونحوه" إذا اطَّلع عليه. ومثلُ "حوقل" يأتي بمعنى عجز، وأعيا، وضعُف، ونام، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ومضى فتعب، ووضع يديه على خصره. وكلُّ ذلك راجعٌ إلى معنى الضعف. وأصله من "حقل الفرص" "من باب فرح" إذا أصابه وجع في بطنه من أكل التراب وذلك ما يُضْعفه ويُعيه. و"حوقل" هذه غير "حوقل" إذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله، فهذه منحوتة من مركب، فهي على وزن "دحرج" أصلاً، لا إلحاقاً كما كما توهموا، لأن الواو فيها هي واو "حوْل"، فهي أصلية لا زائدة. واعلم أنَّّ ما كان من الكلمات ملحقاً بغيره في الوزن لا يجري عليه إِدغامٌ ولا إِعلالٌ، وإن كان مستحقَّهما، كيلا يفوت بهما الوزن. وهذا من علامات الإلحاق أيضاً. فمثلُ شمللَ واقعندَدَ مُستحقٌّ للإدغام، لأن فيه حرفينِ مُتجانسينِ مُتجاورينِ. ومثلُ "جَهْوَرَ" مستحقٌّ للإعلال بقلبِ الواو ألفاً. لكنه لم يجرِ على ما ذكر إدغامٌ ولا إِعلال، لما ذكرنا. وإنما أعِلَّ نحو "سلقى" لإنَّ الإعلال جرى على آخر الكلمة، وذلك لا يفوتُ به الوزنُ، لأنَّ الآخر يُصبحُ ساكناً، فيكون كالموقوف عليه بالسكون. والوقفُ على آخر الكلمة بإسكانه لا يفوت به وزنها. وزن الرباعي المزيد فيه للرُّباعيِّ المزيدِ فيه حرفٌ واحدٌ، وزنٌ واحدٌ. وهو "تَفَعْلَلَ" كتدحرجَ. وهو يُبنى للمطاوعة، أي مطاوعة المفعول الفاعل فيما يفعله وقبول أثر فعله. ولا يكون إلاّ لازماً، نحو "سرولته فتسرول" أي أَلبسته السراويل فلبسها، ونحو "سقلبته فتسقلب". أي طرحته وصرعته فانصرع. والعامة تقول "شقلبه" بالشين المعجمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 ويُلحَقُ به ستةُ أوزانٍ من الثلاثيّ المزيدِ حرفانِ، وهي (تَمَعْدَدَ) - بوزن "تَفَعْلَلَ" - و (تَسَرْوكَ) - بوزن "تَفَعْوَلَ" - و (تَكوْثرَ) بوزن "تَفوَعَلَ" - و (تَرهيأ) بوزن "تَفَعيلَ" - و (تَسَيْطَرَ) بوزن "تَفَيْعَلَ) - و (تَجَعْبَى) - بوزن "تَفَعْلى". وللرُّباعي المزيد فيه حرفانِ وزنانِ "افعَنْلَلَ" كاحرنجمَ، وافعَلَلَّ" كاقشَعَرَّ. (وباب "افعنلل" يبنى للمطاوعة، نحو "حرجمت القوم فاحرنجموا". وباب "افعلل" يبنى للمبالغة) . ويُلحقُ به ثلاثةُ أوزانٍ من الثُّلاثيّ المزيد فيه ثلاثةُ أحرف وهي (اقعَنْسسَ) بوزن "افعَنْلَلَ" و (احرنبى) - بوزن "افعنْلى" و (استلْقى) بوزن "افتعْلى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 (تصريف الفعل مع الضمائر) تصريفُ الفعلِ تحويلُهُ بحسب فاعلهِ. فيُحوَّلُ من ضمير المفرد إلى ضمير المثنى أو الجمع، ومن ضمير المذكر إلى ضمير المؤنثِ، ومن ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب أَو المتكلم. ويتصرَّفُ الماضي والمضارع على أربعة عشر مثالا ثلاثة منها للغائب، وثلاثة للغائبة، وثلاثة للمخاطب، وثلاثة للمخاطبة، واثنان للمتكلم، ويتصرَّفُ الأمر على ستة أمثلة ثلاثة للمخاطب وثلاثة للمخاطبة. تصريف السالم والمهموز يتصرَّفُ السّالمُ والمهموزُ من الأفعالِ الثلاثة بلا تغييرٍ فيهما، إِلا الأمر من "أخذ وأَكل وأَمر" فقد جاءَ بحذف الهمزة، فيقالُ "خُذ وكُلْ ومُرْ"، وإلا الأمر من "سألَ يسألُ"، فإنه "سَلْ واسأَلْ"، وإلا المهموز الأوَّلِ في المضارع المُسندِ إلى الواحد المُتكلم، فإن همزته الثانية تنقلب مدَّةً، مثلُ "آخذُ وآنَفُ وآمرُ وآتي وآمَنُ"، وإِلا الأمر من المهموز الأول، إن نُطِقَ به ابتداءً، فإن همزته تنقلبُ واواً، إن ضُمَّ ما قبلها، مثلُ "أُومُلْ يا زُهيرُ الخيرَ"، وياءً إن كُسرَ ما قبلَها مثلُ "إيتِ يا أُسامةُ المعروفَ" فإن نُطقَ به موصولا بما قبَلهُ، ثبتت همزته على حالها، مثلُ "يا زهير اؤْمُل الخيرَ، ويا أُسامةُ ائْت المعروفَ" والمضارعُ من رأى "يَرَى". والأمرُ منه "رَ" نحو "رَ البدرَ". فإن وقفت عليه قلتَ "رَهْ" تُلْحِقُ به هاءَ السَّكت. تصريف المضاعف يتصرَّفُ المُضاعَفُ بِفكِّ تشديدهِ مع ضمائر الرفع المتحركة، مثلُ "مَدَدْتَ ومَدَدْتُ ومَدَدْنا ومَدَدْنَ ويَمْددنَ وامدُدنَ". ويجوز فيه - إن كان فعل أمرٍ للواحد، أو مضارعاً مقترناً بلام الأمر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 مُسْنداً إلى الواحد - أن يقال فيهما "مُدَّ وليُمُدَّ"، بالتَّشديد، و"امدُد وليَمْدُدْ" بفكّهِ. تصريف المثال يتصرفُ المثالُ الواويُّ، المكسورُ العين في المضارع، والمفتوُحها في الماضي والمضارع، بحذف واوِه في جميع تصاريفِ المضارعِ والأمر مثل "يَرِثُ ورِثْ، ويَعِدُ وعِدْ، ويضعُ وَضَعْ ويَهَبُ وَهبْ". أما المثالُ اليائِيُّ فيتصرف كالسالم، مثلث "يَسَرَ، يَيْسِرُ، إِيسِرْ". كذا المثالُ الواوِيُّ المسكورُ العين في الماضي، المفتوحُها في المضارع، فلا تُحذفُ الواو من مضارعه، مثلُ "وَجِلَ يَوْجَلُ، ووَسِخَ يَوْسَخُ"، ولا من أمرهِ، لكنها تنقلبُ في الأمر ياءً، لوقوعها ساكنة بعد كسرة مثلُ "إِيجَلْ"، والأصلَ "إوْجلْ" إلا إن ضُمَّ ما قبلها - بأن وقعت في دَرْج الكلام بعد حرفٍ مضموم - فإنها تكتبُ ياءً وتُلفظ واواً، نحو "يا فلانُ ايجلْ" فتلفظ هكذا "يا فلانُ اوجَلْ". وشذَّ من ذلك "وطِىءَ الشيءَ يَطَؤُهُ، ووسِعَني الأمرُ يسعُني" والأمرُ منهما "سَعْ وَطأ" بحذف الواو في المضارع والأمر. تصريف الاجوف يتصرفُ الأجوفُ بحذف حرف العلَّة مع ضمائر الرفع المتحركة، مثلُ "قلتُ وقلنا وقلتم وتَقلْنَ وقُلْنَ"، وفي الأمر المفرد المخاطب، مثلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 "قُلْ، وبِعْ". وإذا أُسند الماضي الأجوفُ الثلاثيُّ المجرَّدُ إلى ضمائر الرفع المتحركة، ضُمَّ أوَّله إن كان أجوفَ واويًّا من باب (فَعَلَ يَفعُلُ) نحو "قُلتُ، والنساءُ قُلْنَ"، وكُسر إن كان أجوفَ يائيّاً، نحو "بِعْتُ، والنساءُ بعْنَ"، أو أجوفَ واويًّا من باب (فَعِلَ يَفْعَلُ) ، نحو خِفْتُ، والنساءُ خِفْنَ". فإذا بنيتَ ذلك للمجهول عكستَ، فتقولُ "قِلْتُ، والنساءُ قِلْنَ، وبُعْتُ، والنساءُ بُعْنَ وخُفتُ، والنساءُ خُفْنَ" لئلا يلتبسَ معلومُ الفعل بمجهولهِ. (1) فائدة - صيغة الماضي والأمر، والأجوفين المسندين إلى نون النسوة، واحدة، مثل "النساء قلن وبعن، ويا نساء قلن وبعن"، إلا أنّ أصلهما في الماضي "قالن وباعن"، وأصلهما في الأمر "قولن وبيعن") . تصريف الناقص يتصرفُ الناقصُ بحذف آخره مع واو الجماعة وياءِ المخاطبةِ، مثلُ "رَمَوْا ورَضُوْا، ويرمونَ ويَرضَوْنَ، وارمُوا وارضَوْا، وترمِينْ وتَرضَيْنَ، وادميْ وارضَيْ". وبحذفِ ألِفهِ في الماضي مع تاء التأنيثِ، مثلُ "رَمَتْ ورَمَتا، ودَعتْ ودَعتا". وبِقلبها ياءً مَعَ ضمير الغائببين وضمائر الرفع المُتحرِّكة مثلُ "سَعَيا ويَسْعَيان واسعَيا وسَعَيْتُ وسَعَيْنا وسَعَينَ ويسعَينَ واسْعَينَ"، إِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 إِذا كانت ثالثةً، وأصلُها الواوُ، فتنقلبُ واواً مع هذه الضمائر، مثل "دَعَوَا ودَعَوْتُ ودَعَوْنا ودَعَوْنَ". ثم إن كان المحذوفُ ألفاً يبق ما قبلَ واوِ الجماعة وياء المخاطبة مفتوحاً، فتقولُ في "رمى ويَرضى وارضَ" "رَمَوا ويرْضَوْنَ وارضَوْا وتَرضَينَ وارضَيْ". وإن كان المحذوفُ واواً يبقَ ما قبلَ واوِ الجماعة مضموماً، ويُكسرُ ما قبلَ ياءِ المخاطبة، فتقول في سَرُوَ ويدعو وادعُ "سروا ويَدعون وادعُوا وتَدْعينَ وأدعِي". وإِن كان المحذوفُ ياءً يبقَ ما قبلَ ياءِ المخاطبة مكسوراً، ويُضَمُّ ما قبلَ واو الجماعة، فتقولُ في يرمي وارمِ "تَرمينَ وارمِي، وتَرمونَ وارمُوا". يبقى الفعلُ الناقصُ - فيما عدا ما تقَدَّم - على حالهِ، نحو "سَرُوتُ ورَضِيتُ، والنساءُ يَدعونَ ويَرمِينَ". تصريف اللفيف يتصرَّفُ اللَّفيف المقرونُ كالناقِص، مثلُ "طَوَوْا ويَطْوونَ واطووا وتَطْوينَ وطَوَتْ وطَوَتا وطَوَيْتَ وطَوَينَ". ويتصرَّفُ اللَّفيفُ المفروقُ كالمثال، باعتبارِ فائهِ، وكالناقصِ، باعتبار لامهِ، مثلُ "وَفَوْا ويَفِي يَفونَ وفِ وفي وفِيا وفُواوِفينَ ووَفَتْ ووَفَتا ووَفَيْتُ ووَفَيْنا ووَفَيْنَ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 فائدتان (1) ويأتي المضارع، من المعتل الآخر بالواو، بلفظ واحد لجماعتي الذكور والإناث. فتقول "الرجال يدعون ويا رجال تدعون، والنساء يدعون" إلا أن الواو مع جماعة الذكور هي ضمير الجمع، ولام الكلمة محذوفة. والواو مع جماعة الإناث هي لام الكلمة اتصلت بنون النسوة، ولم يحذف من الفعل شيءُ. (2) يأتي المضارع من المعتل الآخر بالألف أو الياء بلفظ واحد للواحدة المخاطبة وجمع الإناث المخاطبات، فتقول "ترضين وتمشين يا فتاة وترضين وتمشين يا فتيات" إِلا أن التاء مع المخاطبة الواحدة هي ضمير الخطاب، ولام الكلمة محذوفة، والياء مع المخاطبات هي لام الكلمة اتصلت بها نون النسوة، ولم يحذف من الفعل شيءٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 (تصريف الأسماء) (الجامد والمشتق) الاسم نوعانِ جامدٌ ومُشتقٌّ. فالإسمُ الجامدُ ما لا يكونُ مأخوذاً من الفعل كحجرٍ وسَقفٍ ودرهمٍ. ومنه مَصادِرُ الأفعالِ الثُّلاثية المجرَّدة، غيرُ الميميّة كعِلْمٍ وقراءةٍ. (أما مصادر الثلاثيّ المزيد فيه، والرباعي مجرداً ومزيداً فيه، فليست من الجوامد، لأنها مبنية على الفعل الماضي منها. فهي مشتقة منه. وكذلك المصدر الميمي فهو مشتق بزيادة ميم في أوله كما علمت في مبحث المصدر "في الجزء الأول من هذا الكتاب") . والاسم المشتقُّ ما كان مأخوذاً من الفعل كعالمٍ ومُتعلِّمٍ ومِنشارٍ ومُجتَمَعٍ ومستشفىً وصَعْبٍ وأدعجَ. والأسماءُ المشتقة من الفعل عشرة انواع وهي إسمُ الفاعل، واسمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 المفعول، والصفةُ المشبّهةُ، ومبالغةُ اسمِ الفاعل، واسمُ التَّفضيل، واسمُ الزمان، واسمُ المكان، والمصدرُ الميميُّ، ومصدرُ الفعل فوق الثلاثيّ المجرَّدِ، واسمُ الآلة. (وقد تقدم القول فيها، في الكلام على شبه الفعل من الأسماء في الجزء الأول من هذا الكتاب) . والاسمُ، إما مُتمكِّن وهو المُعرَبُ، وإما غيرُ مُتمكنٍ، وهو المبنيُّ. والمشتقُّ لا يكونُ إلا مُتمكناً، لأنه لا يكونُ إلا مُعرباً. والجامدُ يكونُ مُتمكناً وغيرَ مُتمكنٍ. لأنّ منه المُعربَ ومنه المبنيُّ. فغيرُ المتمكن (وهو المبنيُّ من الأسماء) لا شأن للتَّصريف فيه. وهو قد يكون على حرفٍ واحد كتاء الضَّميرِ، وعلى حرفين، مثل "هو ومَنْ" وعلى ثلاثة أحرف، مثلُ "كيف وإذا" وعلى أكثرَ، مثلُ "مَهْما وأيَّان". والمتمكنُ هو موضوع التّصريف. (المجرد والمزيد فيه) الاسمُ المتكنُ مبنيٌّ في أصل الوضع، إما على ثلاثة أحرف كحجرٍ، وإِما على أربعة كجعفرٍ، وإما على خمسة كسفَرجلٍ، وما زاد على خمسة، فهو مزيد فيه "كخَنْدريس". وما نقصَ عن ثلاثة، فهو محذوف منه "كابٍ ويَدٍ وفَمٍ". وأصلُها "أبَوٌ ويَدْيٌ وفَوْهٌ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 وهو، من حيثُ أحرُفه إما مُجَرّدٌ. وهو ما كانت أحرُفهُ كلُّها أصليّةٌ "كرجلٍ، ودِرْهمٍ، وسَفَرجلٍ". وإما مزيدٌ فيه. وهذا إما مزيد فيه حرف واحد "كحصان وقنديل". وإما حرفان "كمصباح واحرنجام". وإما ثلاثةُ أحرف "كانطلاقٍ واسبِطرارٍ". وإما أربعةُ أحرف "كاستغفارٍ". والمجرَّدُ، إما ثلاثيٌّ "كوَرَق"، وإما رُباعيٌّ "كسَلْهب"، وإما خُماسيٌّ "كفَرَزدق". والزيدُ فيه، إما ثلاثي الأصول "كسلاح"، وإما رُباعيُّها "كعُصفور"، وإما خُماسيُّها "كقَبَعثرى". وغايةُ ما ينتهي إليه الاسم بالزيادة سبعةُ أحرفٍ "كاستغفار". (موازين الأسماء) لكلِّ اسمٍ مُتمكّنٍ ميزانٌ يُوزَنُ به. فإذا أردتَ أن تَزِنَ اسماً أتيتَ بأحرفِ "فَعَل" مطابقةً لحركاته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وسكناته. فوزنُ فَرَسٌ "فَعَلٌ". فإن بقيَ بعدَ الثلاثة حرف أصليٌّ، كرّرت لامَ "فعل" فدِرهمٌ على وزن "فِعْلَل". وإن بقيَ حرفان أصليّان، كرَّرت اللامَ مرتينِ، فسفَرجلٌ على وزن "فَعَللٌ". وإن كان في الاسم زيادةٌ في وزنه، فضاربٌ على وزنِ "فاعلٌ" ومضروبٌ على وزن "مفعولٌ" ومفتاحٌ على وزن "مِفعالٌ" وانطلاقٌ على وزن "انفِعالٌ"، واستغفارٌ على وزن "استفعالٌ". إلا إذا كان الزائد من جنس أحرف الاسم، فَتكرَّرُ في الميزان ما يماثلهُ من أَحرفه. فَمُعظَمٌ على زون "مُفَعّلٌ"، بتكرار عينِ الميزان. ومُغْرَوْرِقٌ على وزن "مُفْعَوْعِلٌ"بتكرار عينِ الميزان، واسودادٌ على وزن "افعِلالٌ" بتكرار لام الميزان. ولا يزاد في الميزان الحرفُ الزائدُ نفسُهُ، فلا يقالُ في وزن مُعظّمٍ "مُفَعظِلٌ" ولا في وزن مُغرورِقٍ "مُفعَوْرلٌ" ولا في وزن اسودادٍ "افعِلادٌ". اوزان الاسماء الثلاثية المجردة للثلاثيّ المجرد، من الأسماء عشرةُ أوزانٍ وهي (1) فَعْلٌ، ويكونُ اسماً كشمسٍ، وصفةً كسَهْلٍ. (2) فَعَلٌ، ويكونُ اسماً كفَرَسٍ، وصفةً كبَطلٍ. (3) فَعِلٌ، ويكونُ اسماً ككَبِدٍ، وصفةً كحَذِرٍِ. (4) فَعُلٌ، ويكونُ اسماً كرَجُلٍ، وصفةً كيَقُظٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 (5) فِعْلٌ، ويكونُ اسماً كعِدْلٍ، وصفةً كنِكْسٍ. (6) فِعَلٌ، ويكونُ اسماً كعِنَبٍ، وصفةً كماءٍ رَوِيٍّ. (7) فِعِلٌ، ويكون اسماً كإبلٍ، وصفةً كأتانٍ إِبدٍ. (8) فُعْلٌ، ويكونُ اسماً كقُفْلٍ، وصفةً كحُلْوٍ. (9) فَعَلٌ ويكونُ اسماً كصُرَدٍ، وصفةً كحُطمٍ. (10) فُعُلٌ، ويكونُ اسماً كعُنُقٍ، وصفةً كجُنُبٍ. اوزان الاسماء الرباعية المجردة للرُّباعيّ المجردِ من الأسماء ستة أوزانٍ. وهي (1) فَعْلَلٌ، ويكونُ اسماً كجعفَرٍ، وصفةً كشَهْربٍ. (2) فِعْلِلٌ، ويكونُ اسماً كزِبرجٍ، وصفةً كخِرمِسٍ. (3) فِعْلَلٌ، ويكونُ اسماً كدِرْهمٍ، وصفةً كهِبْلَعٍ. (4) فُعْلَلٌ، ويكونُ اسماً كُبرْثُنٍ، وصفةً كجُرْشِعٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 (5) فِعْلَلٌ، ويكونُ اسماً كفطَحْلٍ، وصفةً كسِبَطْرٍ. (6) فُعْلَلٌ، ويكون اسماً كجُخْدَبٍ، وصفةً كجرْشعٍ. وكلُّ ما ورَدَ من الأسماءِ والصفاتِ على هذا الوزن (السادسِ) جاز أن يكونَ على الوزن الرابع "فُعْلُلٍ". ولذلكَ عَدَّهُ جُمهورٌ من العلماءِ فرعاً عنه. وقد ثبت بالاستقراء أنَّ الرباعي لا بدَّ من إسكان ثانيه أوثالثه، كيلا تتولى أربع حركاتٍ في كلمةٍ واحدة. وذلك ممنوعٌ. اوزان الاسماء الخماسية للخماسيّ المجرّدِ، من الأسماءِ، أربعةُ أوزانٍ. وهي (1) فَعَلْلٌ، ويكونُ اسماً كسفَرجلٍ، وصفةً كشَمَرْدَلٍ. (2) فَعْلَلِلٌ، ولم يجيءْ إلا صفةً كجَحْمَرِشٍ. (3) فُعَلَّلٌ، ويكونُ اسماص كخُزَعْبِلٍ، وصفةً كقُذَعْمِلٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 (4) فِعْلَلٌّ، ويكونُ اسماً كزِنْجَفْرٍ، وصفةً كجِردَحْلٍ. واعلم أن ما خرج عما تقدَّم، من أوزان المجردات الثلاثية والرباعية والخماسية، شاذٌ أو مزيدٌ فيه أو محذوفٌ منه، أو مُركَّبٌ أو أعجميٌ. اوزان الاسماء المزيدة فيها للمزيدِ فيه، من الأسماء أوزانٌ كثيرةٌ لا ضابطَ لها. وأحرفُ الزيادةِ عشرةٌ، وهي أحرفُ "سألتُمُونيها". ولا يُحكَمُ بزيادةِ حرفٍ إلا إذا كان معه ثلاثةُ أحرفِ أصول. والحرفُ الذي يَلزمُ تصاريفَ الكلمةِ، هو الحرفِ الأصليُّ. والذيَ يَسقط في بعض تصاريفها هو الزائد. والحكمُ بالزيادة والأصالة إنما هو للأسماء العربية المُتمكِّنَة أما الأسماءُ المبنيَّة، والأسماءُ الأعجميَّة، فلا وجهَ للحُكم بزيادة شيءٍ فيها. (المثنى وأحكامه) المُثنى اسمٌ مُعربٌ، ناب عن مُفردينِ اتفقا لفظاً ومعنًى، بزيادةِ ألفٍ ونونٍ أو ياءٍ ونونٍ، وكان صالحاً لتجريده منهما. (فإن اختلفا في اللفظ فلا يثنيان بلفظ واحد، فلا يقال في كتاب وقلم "كتابان" مثلا. وأما نحو "العمرين" لعمر بن الخطاب وعمرو بن هشام، ولأبي بكر وعمر، ونحو "الأبوين" للأب والأم، و"القمرين" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 للشمس والقمر و"المروتين"، الصفا والمروة، فهو من باب التغليب، أي تغلب أحد اللفظين على الآخر وهو سماعي لا يقاس عليه، ومثل ذلك لا يكون مثنى لاختلاف لفظ المفردين، بل هو ملحق بالمثنى من جهة الإعراب. وإن اتفقا في اللفظ واختلفا في المعنى، فلا يثنيان أيضاً كأن يكون اللفظ من المشترك كالعين فلا يقال "عينان" للباصرة والجارحة، ولا "غزالتان" للشمس والظبية أو أن يكون للفظ معنيان حقيقي ومجازي، فلا يثنى اللفظ مراداً به حقيقته ومجازه فلا يقال "رأيت أسدين"، تعني أسداً حقيقياً ورجلاً شجاعاً كالأسد. وإن ناب عن مفردين بلا زيادة كشفع وزوج فليس بمثنى. وإن ناب عن مفردين بزيادة غير صالحة للإسقاط وتجريد الإسم منها كاثنين واثنتين وكلا وكلتا، ولم يكن مثنى، بل هو ملحق به في إعرابه، إذ لم يسمع "اثن" ولا "اثنة" ولا "كل ولا كلت") . الملحق بالمثنى يُلحق بالمثنى، في إعرابه، ما جاء على صورة المثنى، ولم يكن صالحاً للتجريد من علامته، وذلك مثلُ "كِلا وكِلْتا" مضافتين إلى الضمير. ومثلُ "اثنين واثنتينِ"، وكذا ما ثُنيَ من باب التَّغليب "كالعمَرينِ والأبوينِ والقَمَرينِ" وكذلك ما سُمِّي به من الأسماء المثناة "كحَسنَينِ وزَيدينِ". ما لا يثنى من الكلمات لا يثنى المُركَّبُ "كبعلبكَّ وسِيبَويهِ"، ولا المثنى، ولا الجمعُ. ولا مالا ثانيَ له من لفظه ومعناه "كعُمرَ معَ عليٍّ، وكعينٍ للباصرة والجارحة". وأما نحو "العُمرينِ والقمَرينِ والأبوينِ" فهو من باب التغليب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 كما قدَّمنا. فإذا أُريدَ تَثْنيةُ المركب الإضافيّ، يُثنى جُزؤه الأولُ، فيقال في تثنية عبد الله، وخادم الدار "عبدا اللهِ وخادِما الدّار". وإذا أردتَ تثنيةَ المركّبِ المزْجيّ، أو ما سُمي به من المركَّب الإسناديّ، أو المثنى، أو الجمع، جِئِتَ قبلَهما بكلمة "ذّوا" رفعاً، و"ذَوَيْ" نصباً وجَراً، فتقولُ في تثنيةِ سيبَويهِ وتأبَّط شرًّا، وحَسنَينِ وعابدينَ، أعلاماً "ذَوا سِيبويهِ، وذَوا تأبَّطَ شرًّا، وذَوا حسنينِ، وذَوا عابدينَ"، أي صاحِبا هذا الإسم. تثنية الجمع قد يُثنى الجمعُ على تأويل الجماعتين أو الفرقتين أو النَّوعين، وذلك كقولهم "إِبلانِ، وجِمالانِ، وغَنمانِ، ورِماحانِ، وبِلادانِ". ومن ذلك الحديثُ "مَثلُ المنافِقِ كالشاةِ العائرةِ بينَ الغَنمَيْنِ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 الجمع مكان المثنى قد تجعلُ العربُ الجمعَ مكان المثنى، إذا كان الشيئانِ، كل واحدٍ منهما، متصلا بصاحبه، تقولُ "ما أحسنَ رُؤُوسَهما! " ومنه قولهُ تعالى {فاقطعوا أيدِيَهُما} وقولهُ {فقد صَغَتْ قُلوبُكما} ولم يقولوا في المُنفصلينِ "أفراسهما ولا غِلْمانهما". وبعضُ العرب يجعلُ الجمعَ مكانَ المثنّى ملطقاً، وعليه قولُهم "ضع رِحالَهُما". تثنية الصحيح الاخر وشبهه والمنقوص إذا ثَنَّيتَ الصحيحَ الآخر. كرجلٍ وامرأةٍ وضَوْءٍ، أو شِبْهَهُ كظَمْيٍ ودَلو، أو المنقوص كالقاضي والدَّاعي ألحقت بآخره علامةَ التَّثنية بلا تغييرٍ فيه، فتقولُ "رجلانِ وامرأتانِ وضَوْءانِ وظَبْينِ وداعيانِ". تثنية المقصور إذا ثنَّيتَ مقصوراً، فإِن كان ثلاثيًّا قلبتَ ألفَهُ واواً، إن كان أصلُها الواوَ، وياءً إن كان أصلُها الياء، فتقولُ في تثنية عصاُ "عَصَوانِ"، وفي تثنية فتى "فَتيانِ". وقد يكونُ للألف أصلانِ، فيجوزُ فيها وجهانِ، وذلك كالرَّحى، فإنها يائيَّةٌ في لغة من قال "رَحيْتُ" وواويَّة في لغة من قال "رَحَوْتُ"، فيجوز أن يقال في تثنيتها "رَحيانِ ورَحَوانِ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 وإن كان مقصوراً فوق الثلاثيِّ، قلبتَ ألفَهُ ياء على كلِّ حالٍ، فتقولُ في تثنية حُبْلى ومُصطفىً ومُستشفىً "حُبْليَانِ ومُصطفَيانِ ومُستشفَيانِ". تثنية الممدود إِذا ثنيتَ ممدوداً، فإِن كانت همزتهُ اصلِيَّةً، تَبْقَ على حالها، فتقولُ في تثنية قُرَّاءٍ وَوُضّاءٍ "قُرَّءَانِ وَوُضَّاءانِ". وإِن كانت مَزيدةً للتأنيث، قُلبَتْ واواً، فتقولُ في تثنية حسناءَ وصحراء "حساناوانِ وصحراوانِ". وإن كانت مُبدلةً من واوٍ أو ياءٍ أو كانت مزيدةً للإلحاقِ، جاز فيها الوجهانِ بقاؤها على حالها، وانقلابُها واواً، فتقولُ في المُبدَلة "كساوانِ وكِساءانِ، وغطاوانِ وغِطاءانِ". وتقولُ في المزيدة للإلحاق "عِلباوانِ وعِلباءانِ، وقُوباوانِ وقُوباءانِ، وحِرباوان وحِرباءانِ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 وتصحيحُ الهمزةِ (أي تركُها على حالها) في المُبدَلةِ من واوٍ أو ياءٍ أولى. وقلبُها واواً في المزيدة للإلحاق أحسنُ. وما كان قبل ألفه - التي للتأنيث - واوٌ، جاز تصحيحُ همزته، لِئلاَّ تجتمع واوان، ليس بينهما إلا الألفُ، فتقولُ في عَشْواءَ "عَشْواوانِ وعشواءانِ". تثنية المحذوف الآخر إن كان ما يُرادُ تثنيتُهُ محذوف الآخر، فإن كان ما حُذِفَ منه يُردُّ إِليه عند الإضافة، رُدَّ إِليه عند التثنية، فتقولُ في تثنية أبٍ وأخٍ وحَمٍ (وأصلُها أبوُ وأخوٌ وحَموٌ) "أبوانِ وأخوانِ وحمَوانِ"، وفي تثنية قاضٍ وداعٍ وشَجٍ "قاضيانِ وداعيانِ وشَجِيانِ"، كما تقولُ في الإضافة "أبوكَ وأخوكَ وحمُوكَ وقاضيكَ وداعيكَ وشجيكَ". وإن لم يكن يُردُّ إليه المحذوفُ عندَ الإضافة، لم يُرَدَّ إليه عند التثنية، بل يُثنَّى على لفظه، فتقولُ في تثنية يَدٍ وغدٍ ودَمٍ وفَمٍ واسمٍ وابنٍ وسنةٍ ولُغةٍ، (وأصلُها يَدْيٌ وغَدْوٌ ودَمَوٌ أو دَمَيٌ وفُوهٌ وسمْوٌ وَبَنَوٌ وسَنَوٌ ولُغوٌ أو لُغَيٌ) "يَدانِ وغَدانِ ودَمانِ وفَمانِ واسمانِ وابنانِ وسنتانِ ولُغتانِ"، كما تقولُ في الإضافة "يَدُكَ وغَدُكَ ودَمُكَ وفَمُكَ واسمُكَ وابنُكَ وسنتُكَ ولُغتُكَ". (جمع المذكرالسالم) الجمعُ اسمٌ ناب عن ثلاثةٍ فأكثر، بزيادةٍ فى آخره، مثلُ "كاتبينَ وكاتبات" أو تغييرٍ في بنائه، مثلُ "رجالٍ وكتُبٍ وعُلمَاءٍ" وهو قسمان سالمٌ ومُكسّرٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 فالجمعُ السالمُ ما سَلِمَ بناءُ مفردهِ عندَ الجمع، وإنما يُزادُ في آخره واوٌ ونونٌ، أو ياءٌ ونونٌ، مثلُ "عالمونَ وعالمينَ"، أو ألفٌ وتاءٌ، مثلُ "عالماتٍ وفاضلاتٍ". وهو قسمانِ جمعُ مذكرٍ سالمٌ، وجمعُ مؤنثٍ سالمٌ. فجمعُ المذكرِ السالمُ ما جُمع بزيادةٍ واوٍ ونونٍ في حالة الرفع، مثلُ {قد أفلحَ المؤمنونَ} ، وياءٍ ونونٍ في حالتي النصبِ والجرّ، مثلُ "أكرِمَ المجتهدينَ، وأحسنْ إلى العاملينَ". شروط جمع المذكر السالم لا يُجمعُ هذا الجمعَ إلا شيئان الأولُ العَلَمُ لمذكّرٍ عاقلٍ، بشرطٍ خُلُوه من التاء ومن التركيب، مثلُ "أحمدَ وسعيدٍ وخالد". الثاني الصفةُ لمذكّرٍ عاقلٍ، بشرطِ أن تكونَ خاليةً من التاء، صالحةً لدُخولها، أو للدلالة على التفضيل، مثلُ "عالمٍ وكاتبٍ وأفضلَ وأكملَ". فعالم وكاتب خاليان من التاء، صالحان لقبولها، فنقول "عالمة وكاتبة"، وأفضل وأكمل خاليان من التاء غير صالحين لدخولها، لكنهما اسما تفضيل. والصفة لا تجمع هذا الجمع إلا بشرط أن تخلو من تاء التأنيث فان خلت منها يشترط فيها أحد أمرين إما أن تقل التاء وإما أن تكون اسم تفضيل. فان لم تقبلها ولم تكن دالة على التفضيل، لا تجمع هذا الجمع "كاحمر وصبور وقتيل" كما سيأتي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 وكلُّ ما كان من باب "أفعَل فَعْلاء"، مثلُ أحمَر وحَمْراءَ، أو من باب "فعْلان فَعْلى"، مثلُ "سَكرانَ وسَكرى"، أو كان مِمّا يَستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ، مثلُ "غَيورٍ وجَريحٍ"، فهو غيرصالح لقَبولِ التاءِ. فلا يُجمعُ هذا الجمعَ، مثلُ زينبَ وداحِسٍ (علم فرَس) وحَمزة وسيبويه من الأعلام، ولا مثلُ (مُرضعٍ وسابقٍ) (صفة فرس) "وعلاَّمةٍ وأبيضَ وَوَلهان وصبورٍ وقتيلٍ"، من الصفات. (وأما "أفعل" الدال على التفضيل، ومؤنثه "فعلى". بضم الفاء، فيجمع جمع مذكر سالماً، وإن لم يكن صالحاً لدخول التاء. لأن ما خلا من التاء يشترط فيه أحد شيئين. إما صلاحه لدخول التاء وإما دلالته على التفضيل. الملحق بجمع المذكر السالم يُلحق بجمع المذكر السالم في إِعرابه، ما وَرَد عن العرب مجموعاً هذا الجمع، غير مستوف للشروط. وذلك مثلُ "أُولي وأهلينَ وعالَمينَ ووابِلينَ وأرضين وبَنينَ وعِشْرين إلى التسعين"، ومثلُ سِنين وعِضين وعِزين وثُبين ومِئين وكُرين وظُبين" ونحوهما. ومُفردُها "سَنةُ وعِضةً وعِزةٌ وثِبةٌ ومِئةٌ وكُرَة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 وظبة، قال تعالى {كم لبِثتْم في الأرضِ عَدَد سنينَ؟} وقال {الذينَ جعلوا القُرآنَ عِضينَ} ، وقال جلَّ شأنه "عن اليَمين وعن الشمالِ عزينَ". ويُلحقُ بهذا الجمع أيضاً ما سُميَ به من الأسماء المجموعة جمعَ المذكرِ السالمَ مثلُ "عِليينَ وزيدينَ" قال تعالى {إن كتاب الأبرار لفي عِلِّيِّينَ} ، وتقولُ فيمن يُسمى "عابدينَ وزيدينَ" "جاءَ عابدونَ وزيدونَ، ورأيتُ عابدينَ وزيدينَ، ومررتُ بعابدينَ زيدينَ". جمع الصحيح الآخر وشبهه إن كان المرادُ جمعه جمعَ المذكر السالم صحيحَ الآخر، أو شبههُ، زِيدتْ فيه الواوُ والنونُ أو الياءُ والنونُ بلا تغييرٍ فيه، فيقالُ في جمعِ كاتبٍ "كاتبونَ وكاتبينَ"، وفي جمعِ ظَبيٍ، علماً لرجلٍ "ظبْيونَ وظَبْيينَ". جمع المدود إن جمعتَ الممدودَ هذا الجمع، فهمزتُه تُعطى حُكمَها في التثنية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 (أي إن كانت همزته للتأنيث وجب قلبها واواً، فتقول في جمع "ورقاء" علماً لمذكر عاقل "ورقاوون" وفي جمع زكرياء "زكرياوون". وإن كانت أصلية تبق على حالها، فتقول في جمع وضاء وقراء "وضاؤون وقراؤون". وإن كانت مبدلة من واو أو ياء، ومزيدة للالحاق جاز فيها الوجهان إبقاؤها على حالها وقلبها واواً، فتقول في جمع "رجاء وغطاء وعلباء"، أعلاماً لمذكر عاقل "رجاؤون ورجاوون، وغطاؤون وغطاوون، وعلباؤون وعلباوون". والهمزة في المبدلة من واو أو ياء أفصح) . جمع القصور إن جُمع المقصورُ هذا الجمعَ، تحذَفْ ألفُه وتَبقَ الفتحةُ، بعدَ حذفها، دلالةً عليها، فتقولُ في جمع مصطفى "مصطفَوْن"، ومنه قولُه تعالى {وأنتمُ الأعلَونَ} ، وقولهُ {وإِنهم عندَنا لَمِنَ المُصطفَيْنَ الأخيارِ"، وتقولُ في جمعِ رِضاً، علماً لمذكر عاقل "رَضَوْنَ"، في الرَّفع، و"رِضَيْنَ"، في النصب والجرّ. جمع المنقوص إن كان ما يُجمعُ هذا الجمعَ منقوصاً، تُحذفْ ياؤُه، ويُضَم ما قبلها، إن جُمعَ بالواو والنون، وتبقَ الكسرةُ، إِن جُمع بالياء والنون، فتقول في جمع القاضي "القاضونَ والقاضينَ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 (جمع المؤنث السالم) جمعُ المؤنثِ السالمُ ما جُمعَ بألف وتاءٍ زائدتينِ، مثلُ "هنداتٍ ومُرْضِعاتٍ وفاضِلاتٍ". (ونحو "قضاة وهداة" هو من جموع التكسير، وليس بجمع مؤنث سالم، لأن ألفه ليست زائدة، بل هي منقلبة، والأصل "قضية وهدية" بوزن "فعلة" بضم الفاء وفتح العين. وتاء جمع المؤنث السالم مبسوطة، وتاء "قضاة وهداة" ونحوهما مربوطة. ونحو "أبيات وأشتات" من جموع التكسير أيضاً. لأن تاءها أصلية) . الاسماء التي تجمع هذا الجمع يَطَّرِدُ هذا الجمعُ في عشرة أشياء الأولُ عَلَمُ المؤنثِ كدَعْد ومَريمَ وفاطمةَ. الثاني ما خُتمَ بتاءِ التأنيث كشجَرةٍ وثمرةٍ وطَلْحةَ وحَمزة. ويُستثنى من ذلك "امرأةٌ وشاةٌ وأمَةٌ وشَفة ومِلَّةٌ"، فلا تُجمعُ بالألف والتاء. وإنما تُجمعُ على "نساءٍ وشِياهٍ وإماءٍ وأُممٍ وشِفاهٍ. الثالث صفةُ المُؤنث، مقرونة ً بالتاءِ، كمُرضعةٍ ومُرضعاتٍ، أو دالةٍ على التفضيل كفُضْلى "مؤنث أفضلَ" وفُضْليَات. (لذلك لم يجمع نحو "حائض وحامل وطالق وصبور وجريح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 وذمول" من صفات المؤنث، بالألف والتاء لأن الشرط في جمع صفة المؤنث بهما أن تكون مختومة بالتاء، أو دالة على التفضيل. وهذه الصفات ليست كذلك. بل تجمع على حوائض وحوامل وطوالق وصبر "بضم الصاد والباء" وجرحى وذمل "بضم الذال والميم") . الرابعُ صفةُ المذكر غير العاقل كجبلٍ شاهقٍ وجبالٍ شاهقات وحصانٍ سابقٍ وُحصنٍ سابقات. الخامسُ المصدرُ المجاوزُ ثلاثةَ أحرف، غيرُ المؤكَّدِ لفعلهِ. كإكراماتٍ وإنعاماتٍ وتعريفاتٍ. السادسُ مُصغَّرُ مذكَّرِ ما لا يعقلُ. كدُرَيْهمٍ، ودُرَيْهِماتٍ، وكُتَيِّبٍ وكُتَيِّباتٍ. (وإنما جاز جمعه لأن المصغر صفة في المعنى. وصفى المذكر غير العاقل تجمع بالألف والتاء كما علمت. أما مصغر المؤنث غير العاقل، فلا يجمع بهما، وذلك كأرينب وخنيصر وعقيرب (تصغير أرنب وخنصر وعقرب) ، لأنه في المعنى صفة لمؤنث خالية من التاء وليست دالة على التفضيل كما علمت. وقد نص العلماء على أن مصغر المؤنث غير العاقل لا يجمع جمع المؤنث السالم (راجع حاشية الصبان على الأشموني، وحاشية ابن عقيل، للخضري، وجمع الجوامع وشرحه همع الهوامع، للسيوطي، والتصريح شرح التوضيح، للشيخ خالد) ولذلك لم يصب بعض المؤلفين من المتأخرين في تجويز ذلك وجعله مطرداً مع نص العلماء على منعه. أما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 نحو (أذنية) تصغير (أذن) ، فيجمع على (أذينات) لمكان التاء، التي لحقته عند التصغير. وما ختم بناء التأنيث، يجمع بالألف والتاء مطلقاً. كما علمت) . السابعُ ما ختمَ بألف التأنيث الممدودة. كصحراءَ وصحراوات، وعذراءَ وعذراوات، إلا ما كان على وزن (فَعْلاء) مُؤنثِ (أفعلَ) ، فلا يُجمع هذا الجمعَ كحمراء (مؤنثِ أحمرَ) ، وكحلاءَ (مؤنث أكحلَ) ، وصحراءَ (مُؤنث أصحرَ) وإنما يُجمعُ هو ومذكرُهُ على وزن (فُعْلٍ) كحُمْرٍ وكُحْلٍ وصُحْرٍ. (وأما جمعهم "خضراء على خضراوات" كما في حديث "ليس في الخضراوات صدقة" فخضراء هذه ليس المقصود منها الوصف بالخضرة. وإنما أرادوا بها الخضر. وهي البقول والفاكهة فهي قد صارت اسماً لهذه البقول. ولا يقال في مقابلها (أخضر) . فهي (فعلاء) ليس لها (أفعل) ، وقد جرت مجرى (صحراء) ، التي معناها الارض الخلاء، فجمعها، كصحراء، بالألف والتاء، إِنما باعتبار أنهما اسمان، لا صفتان) . الثامنُ ما خُتمَ بألفِ التأنيثِ المقصورةِ كذكرى وذِكريات، وفُضلى وفُضليَات، وحُبلى وحُبليَات، إلا ما كان على وزن (فَعْلى) مُؤنث (فَعْلانَ) ، فلا يُجمع هذا الجمعَ كسَكرى (مؤنث سكرانَ) ورَيَّا (مؤنث رَيَّانَ) وعَطْشى (مؤنث عطشانَ) . وإنما يقالُ في جمع (سَكْرى) ومذكرها (سُكارى وسَكارى وسَكْرى) ، وفي جمع (ريَّان) ومذكرها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 (رِواءَ) بكسر الراء، وفي جمع (عَطْشى) ، ومذكرها (عِطاشٌ) ، بكسر العين، وعَطاشى، بفتحها. التاسعُ الإسمُ لغير العاقلِ، المصدَّرُ بابنٍ أو ذي كابن آوى وبناتِ أوى، وذي القَعْدَةِ وذواتِ القَعْدَةِ. (ابن وذو، المضافان إلى غير العاقل، تجمعهما على بنات وذوات. أما المضافان إِلى العاقل فيجمعان على بنين أو أبناء وذوي، فتقول في جمع ابن عباس وذوي علم "بنو عباس، وأبناء عباس، وذوو علم") . العاشرُ كلُّ اسمٍ أعجميٍّ لم يُعهَدْ له جمعٌ آخر كالتّلغرافِ والتّلِفونِ والفُنُغرافِ والرزْنامجَ والبَرْنامجِ. وما عدا ما ذُكرَ لا يجمع بالألف والتاءِ إلا سَماعاً وذلك كالسماواتِ والأرَضاتِ والأمهاتِ والأُماتِ والسِّجلاتِ والأهلاتِ والحماماتِ والإصطبلاتِ والثّيباتِ والشَمالاتِ. ومن ذلك بعض جموعِ الجمعِ كالجمالاتِ والرِّجالاتِ والكلاباتِ والبُيوتاتِ والحُمراتِ والدُّوراتِ والدياراتِ والقُطُراتِ. فكل ذلك سماعيٌّ لا يقاس عليه. الملحق بجمع المؤنث السالم يُلحَقُ بجمع المؤنث السّالم في إعرابه شيئانِ، الأولُ (أولاتٍ) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 بمعنى صاحباتٍ، والثاني ما سُمِّيَ به من هذا الجمع، مثلُ (عَرفاتٍ وأذرعاتٍ) . جمع المختوم بالتاء إن جمعتَ المختومَ بالتاءِ هذا الجمعَ، حَذَفتها وجوباً، فتقول في جمع فاطمةً وشجرةٍ (فاطماتٌ وشجراتٌ) . جمع الممدود إن كان ما يُرادُ جمعُهُ هذا الجمع ممدوداً، فهمزته تعطى حكمها في التثنية، فتقولُ في جمع عَذراء وصحراء عَذراواتٌ وصحراواتٌ، وتقولُ في جمع قُرَّاةَ ووُضّاءٍ، إِن سَمّيتَ بهما أنثى "قُرَّاءاتٌ) ، ووُضّاءاتٌ، وتقولُ في جمع علْباءَ وسماءَ وحياءَ (أعلاماً لمؤنث) (عِلْباتٌ وسماءاتٌ وحَياءاتٌ، وعلباواتٌ، وسماواتٌ وحياواتٌ) . جمع المقصور إن أردت جمعَ المقصور، فألفُهُ تُعطى حُكمَها في التَّثنية أيضاً، فتقولُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 في جمع حُبْلى فُضْلى (حُبْلياتٌ وفُضْلياتٌ) وفي جمع رجَا وهُدىً (عَلَمَينٍ لمؤنث) (رجَواتٌ وهُدَياتٌ) . وإن جمعت نحو (صلاةٍ، وزكاةٍ، وفتاةٍ، ونواةٍ) ، مِمّا ألفُهُ مُبدَلةٌ من الواو أو الياءِ، حذفتَ منه التاء، وقلبتَ الألفَ المُبدلة من الواو واواً، والمبدلة من الياءِ ياءً، وجمعتهُ بالألف والتاء "كصَلَواتٍ وزَكَواتٍ وفَتَياتٍ ونَوياتٍ". وإن جمعتَ نحوَ "حياةٍ" مما ألفُهُ المُبدَلة من الياءِ مسبوقةٌ بياءٍ، قلبتَ ألفَهُ واواً، وإن كانت ثالثةٌ أصلُها الياءُ كحَيَوات ولا تَقُل "حَيَياتٌ" كراهيةَ اجتماع ياءينِ مفتوحتين. جمع الثلاثي الساكن الثاني إن جمعتَ هذا الجمعَ اسماً ثُلاثياً، مفتوح الأولِ، ساكن الثاني، صحيحهُ، خالياً من الإدغام، وجبَ فتحُ ثانيهِ إِتباعاً لأوَّله، فتقول في نحو دعْدٍ وسجدَةٍ وظبيةٍ دَعَداتٌ وسَجداتٌ وظَبيّاتٌ. قال تعالى: {كذلكَ يُريهم اللهُ أعمالَهم حَسَرات عليهم} [البقرة: 167] وقال الشاعر [من البسيط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 باللهِ يا ظَبَيات القاعِ، قُلْنَ لنا ... لَيْلايَ مِنْكُنَّ أم لَيْلى من البَشَرِ وأما قوله [من الطويل] وحُمِّلْتُ زَفْراتِ الضُحا فَأطَقْتُها ... ومالي بِزَفْراتِ العَشَيِّ يَدان بإبقاءِ الحرف الثاني في "زَفْراتِ" على حالهِ، فضرورةٌ. وإن جمعت اسماً ثلاثياً، مضمومَ الأول، أو مكسورَةُ، ساكنَ الثاني صحيحَهُ، خالياً من الإدغامِ، مثلُ "خُطْوةٍ" وجُمْلٍ وهنْدٍ وقطْعةٍ وفِقْرة، جاز فيه ثلاثةُ أوُجهٍ، الأوّلُ إِتباع ثانيه لأوَّله كخُطُواتٍ وجُمُلاتٍ وهِنِداتٍ وقِطِعاتٍ وفِقِراتٍ. الثاني فتحُ ثانيه كخُطَواتٍ وجُمَلاتٍ وهِنَداتٍ وقِطَعاتٍ وفِقَراتٍ. الثالثُ إبقاءُ ثانيه على حاله من السكون كخُطْواتٍ وجُمْلاتٍ وهِنْداتٍ وقِطْعاتٍ وفِقْراتٍ. أمّا الإسمُ فوقَ الثلاثيّ كزينبَ وسُعادَ، والإسمُ الصفةُ كضخْمةٍ وعَبْلةٍ، والإسمُ الثلاثيُّ المُحرّك الثاني كشجرةٍ وعِنَبةٍ، والإسمُ الثلاثيُّ، الذي ثانيه حرفُ علةٍ كجَوْزةٍ وبَيْضةٍ وسُورةٍ، والإسمُ الثلاثيُّ الذي فيه إدغامٌ، كحِجةٍ ومرَّةٍ، فكلُّ ذلك لا تغييرَ فيه، بل يقال "زينباتٌ وسُعاداتٌ وضَخْماتٌ وعَبْلاتٌ وشَجراتٌ وعِنَباتٌ وجَوْزاتٌ وبَيضاتٌ وسَوراتٌ وحِجاتٌ ومَرَّاتٌ". وبنو هُذَيلٍ يُحرّكون ثانيّ الإسم الثلاثي، إذا كان حرفَ علَّةٍ عند جمعه بالألف والتاء، بالفتح، أيةً كانت حركةُ ما قبله. فيقولون في جمعُ سورةٍ وصورةِ وديمةٍ وبيعةٍ "سُوَرات وصُوَرات وَدِيَمات وبِيَعات". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 (جمع التكسير) جمع التكسيرِ (ويُسمى الجمعَ المُكسر أيضاً) هو ما نابَ عن أكثر من اثنينِ، وتَغيَّرَ بناءُ مفرده عند الجمع؛ مثلُ "كُتُبٍ وعلماءٍ وكتّابٍ وكواتبَ". والتّغييرُ، إما أن يكون بزيادة على أصول المفرد كسهامٍ وأقلامٍ وقلوبٍ ومصابيحَ، وإما بنَقْصٍ عن أصوله كتُخمٍ وسدرٍ ورُسُلٍ، وإِما باختلاف الحركات، كأُسدٍ. وهي جمعُ "سَهمٍ، وقَلبٍ ومصباحٍ وتُخمَةٍ وسدْرةٍ ورسولٍ وأسَدٍ". وهو قسمان جمعُ قِلَّةٍ، وجمعُ كثْرةٍ. فجمعُ القلَّةٍ ما وُضعَ للعددِ القليلِ، وهو من الثلاثة إلى العشرة كأحمالٍ. وجمعُ الكثْرةِ ما تجاوزَ الثلاثةَ إلى ما لا نهاية لهُ كحُمولٍ. فوائد (1) جمع القلة يبتديء بالثلاثة وينتهي بالعشرة. وجمع الكثرة يبتديء بالثلاثة ولا نهاية له إلا صيغة منتهى الجموع، فتبتديء بأحد عشر. وذلك إنما هو فيما كان له جمع قلة وجمع كثرة. أما ما لم يكن له إلا جمع واحد ولو كان صيغة منتهى الجموع فهو يستعمل للقلة والكثرة. وذلك كرجال وأرجل وكتب وكتاب وأفئدة وأعناق وكواتب ومساجد وقناديل. أما ما له جمع قلة وجمع كثرة، كأضلع وضلوع وأضالع. فهو كما قدمنا. على أن العرب (كما قال ابن يعيش في شرح المفصل) قد تستعمل اللفظ الموضوع للقليل في موضع الكثير. وإن الجموع قد يقع بعضها موضع بعض ويستغنى ببعضها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 عن بعض، والأقيس أن يستغنى بجمع الكثرة عن جمع القلة لأن القليل داخل في الكثير. وأما الجمع السلام فهو بنوعيه يستعمل للقلة والكثرة على الصحيح. وقيل هو من جمع القلة. (2) إذا قرن جمع القلة بما يصرفه إلى معنى الكثرة انصرف اليها كأن تسبقه "أل" الدالة على تعريف الجنس كقوله تعالى {وأحضرت الأنفس الشح} أو يضاف إلى ما يدل على الكثرة كقوله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة} . ومن ذلك قول حسان بن ثابت [من الطويل] لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحا ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما فإضافة الأسياف إليهم وهي من جموع القلة صرفتها إلى الكثرة. وأما الجفنات فهي تستعمل للقلة والكثرة لأنها جمع سالم. وهي هنا أيضاً للكثرة على رأي من يقول إن الجمع السالم للقلة لاقترانها بلام التعريف الجنسية. وبهذا تعلم أن الاعتراض على حسان - في استعماله "الجفنات" بدل " الجفان" و"الاسياف" موضع "السيوف" - ساقط وأن القصة المروية في هذا الموضوع التي أبطالها "النابغة وحسان والخنساء والأعشى" مفتعلة لأن هؤلاء أجل من أن يقعوا في مثل هذه الحمأة. تكسير الأسماء والصفات لا يُجمع من الأسماء إلا ما كان على ثلاثة أحرف كقلب وقُلوب، أو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 على أربعةِ أحرفٍ ككتابٍ وكتُبٍ، ودرهمٍ ودراهمَ، أو على خمسة أحرف، رابعها حرفُ علَّةٍ ساكن كمصباحٍ ومصابيحَ، وقنديلٍ وقناديلَ، وعُصْفورٍ وعصافيرَ، وفرْدَوسٍ وفراديسَ. وما كان منها على غير هذا، فلم يجمعوه إلا على كراهية. وذلك لأنَّ العرب يستكرهون تكسير ما زاد من الأسماء، على أربعة أحرف، إلا أن يكون قبل آخرِه حرفُ علة ساكن. لأن ذلك يفضي إلى حذف شيء من أحرفه، ليتمكنوا من تكسيره. كما جمعوا سفرجلاً وجَحْمَرِشاً وعندليباً على "سفارجَ وعنادلَ وجحامرَ" وما عدا ذلك، من الأسماء فلم يستكرهوا تكسيرَ شيء منه لسهولة تكسيره، من غير إفضاء إلى حذف شيء منه. أما الصفات، فالأصل فيها أن تُجمع جمع السلامة. وذلك هو قياس جمعها. وتكسيرها ضعيف. لأنه خلاف الأصل في جمعها. قال ابن يعيش، في شرح المفصل "وقد تكسّر الصفة، على ضعف، لغلبة الاسميّة. وإذا كثر استعمال الصفة مع الموصوف، قويت الوصفيّة، وقل دخولُ التكسير فيها. وإذا قلَّ استعمال الصفة مع الموصوف، وكثر إقامتُها مُقامَهُ، غلبت الاسميّة عليها، وقويَ التكسير فيها" اهـ، وحقُّها أن يُجمع المذكرُ العاقل منها، جمعَ المذكر السالم، وأن يُجمع المؤنث منها، والمذكرُ غيرُ العاقل، جمع المؤنث السالم. لكنهم اتّسعوا في تكسيرها، لاتساع ميدان البيان عندهم والحاجة تفْتُقُ الحيلة. فكان ذلك داعياً إلى تكسير الصفات، كما كسّروا الأسماء. لكنهم لم يُكسّروا كلَّ الصفات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 فإنهم امتنعوا من تكسير اسم الفاعل من فوق الثلاثي كمُكرِمٍ ومُنطلقٍ ومُستخرجٍ ومُدحرجٍ ومُتدحرجٍ، ومن تكسير اسم المفعول مطلقاً كمعلومٍ ومُكرَمٍ ومُستخرَجٍ ومُدحرجٍ. وكذلك امتنعوا من تكسير ما كان من الصفات على وزن "فَعّالٍ" كسبّاقٍ، أو "فُعّالٍ" ككُبّارٍ، أو "فعيّلٍ" كصدّيقٍ، أو "فُعّولٍ" كقُدُّوسٍ، أو "فَيْعولٍ" كقَيومٍ. وأما جمعهم "جبّاراً" على "جبابرة" فهو على خلاف الأصل. وهو شاذٌّ في القياس. جموع القلة لجمعِ القلَّة أربعةُ أوزان، وهي (1) أَفْعُل كأنْفُسٍ وأَذْرُعٍ وهو جمعٌ لشيئين. (الأوَّلُ) اسمٌ ثلاثيٌ، على وزن "فَعْل" صحيح الفاء والعين، غيرُ مُضاعَفٍ، كنَفسٍ، وأنفُسٍ، وظبيٍ، وأطبٍ. وأصلُهُ "أظبيٌ" بوزن"أفعُل" وشذ مجيئه من معتلِّ الفاء. كوجهٍ وأَوجهٍ. ومن معتل العين. كعينٍ وأعيُنٍ. ومن المضاعف. كصَكٍّ وأصُكٍّ، وكفٍّ وأكُفٍّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 (الثاني) اسمٌ رباعيٌّ مؤنث، قبلَ آخره حرفُ مَدٍّ كذراعٍ وأذرُعٍ، ويمينٍ وأيُمنٍ، وشلَّ مجيئهُ من المذكر كشهابٍ وأشهبٍ، وغُرابٍ، وأغرُبٍ وعَتادٍ وأعتُدٍ، وجَنينٍ وأجْننٍ. فوائد (1) المرادُ بالاسم في باب جمع التكسير ما كان من الأسماء غير صفة (كما قدمنا) كاسم للفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة ونحوها. فمتى اختص وزن من أوزان الجموع المكسرة بالأسماء فلا تجمع عليه الصفات. وحيث اختص بالصفات فلا تجمع عليه الأسماء فليتنبه الطالب لذلك كيلا يلتبس عليه الأمر. (2) إذا قيل إن كذا - من أوزان الجموع - جمع لكذا من الأسماء أو الصفات - فالمراد به أن هذا هو قياس جمعه وأنه لا يجمع قياساً على هذا الجمع إلا ما اجتمعت فيه شروط جمعه عليه وأن ما جمع عليه مما لم يستوف الشروط فهو شاذ لا يقاس عليه غيره. وليس المراد أن كل ما اجتمعت فيه الشروط يجوز أن يجمع على هذا الوزن. فقد تجتمع الشروط في اسم أو صفة، ولا يجمعان على ما هو قياس جمعها. (3) الصفة التي تخرج عن معنى الوصفية إلى معنى الاسمية تعامل في الجمع معاملة الأسماء لا الصفات ألا ترى أنهم جمعوا "عبداً" على "أعبد" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 لاستعمالهم إياه استعمال الأسماء. والعبد الإنسان، حراً، كان أو رقيقاً. والعبد الرقيق خلاف الحر. قال سيبويه هو في الأصل صفة لكنه استعمل استعمال الأسماء. ثم ألا ترى أنهم جمعوا (أسود) صفة على (سود) (كما هو قياس جمعه) ثم حين أرادوا به معنى (الحية) جمعوه على (أساود) كأجدل وأجادل وأنهم جمعوا (خضراء) مؤنث (أخضر) على (خضر) بضم فسكون (كما هو قياس جمعها) ثم لما أرادوا بها معنى الخضر من البقول جمعوها على (خضراوات) كما تجمع الأسماء من نوعها كصحراء وصحراوات. وفي الحديث "ليس في الخضراوات صدقة" يعني الفاكهة والبقول. قال في النهاية قياس ما كان على هذا الوزن من الصفات أن لا يجمع هذا الجمع. وإنما يجمع به ما كان اسماً لا صفة نحو (صحراء وخنفساء) . وإنما جمعه هذا الجمع لأنه قد صار اسماً لهذه البقول بعد أن كان صفة. والعرب تقول لهذه البقول الخضراء لا يريدون لونها. (2) أفعالٌ كأجدادٍ وأَثوابٍ وهو جمعٌ للأسماء الثلاثية، على أي وزنٍ كانت كجَملٍ وأجمالٍ، وعَضُدٍ وأعضادٍ، وكَبدٍ وأكبادٍ، وعُنُقٍ وأعناقٍ، وقُفْلٍ وأقفالٍ، وعِنبٍ وأعنابٍ، وإبلٍ وآبالٍ، وحِمْلٍ وأحمالٍ، ووقتٍ وأوقاتٍ، وثوبٍ وأثوابٍ، وبيتٍ وأبياتٍ، وعمٍّ وأعمامٍ، وخالٍ وأخوالٍ. ويُستثنى منها شيئان (الأوَّلُ) ما كان على وزن "فُعَلٍ"، بضمٍ ففتحٍ. وشذَّ جمع "رُطَبٍ" على "أرطابٍ". (الثاني) . ما كان على وزن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 "فَعْلٍ"، بفتح فسكون، وهو صحيحُ الفاء والعين، غيرُ مُضاعفٍ، فلا يُجمَعُ على "أفعالٍ" قياساً. وإنما يُجمَعُ على "أفعُلٍ"، كما تقدم. لكنه قد شذَّ جَمعُ "زَنْدٍ وفَرْخٍ ورَبْعٍ وحَمْلٍ" على وزن أزنادٍ وأفراخٍ وأرباعٍ وأحمالٍ". وشذَّ، من الصفات، جمعُ "شهيدٍ وعَدُوٍّ وجِلْفٍ" على "أشهادٍ وأعداءٍ وأجلافٍ". (3) أَفعِلَة كَأَعْمدَةٍ وأَنْصِبَةٍ وهو جمعُ لاسم رباعيٍّ، مذكر، قبلَ آخرهِ حرفُ مدّ كطعامٍ وأطعمةٍ، وحمارٍ وأحمرةٍ، وغُلامٍ وأغلمةٍ، ورَعيفٍ وأرغفةٍ، وعمودٍ وأعمدةٍ، ونِصابٍ ونَصيبٍ، وأنصبةٍ، وزِمامٍ وإزِمّةٍ (وأصلها أزْمِمَةٍ، بوزن أفعلةٍ) . وشذَّ من الأسماء جمع "جائزٍ" على "أجوِزة" و"قَفاً" على "أقفيةٍ". وشذَّ من الصفات جمعُ شحيحٍ على "أشِحّةٍ"، وعزيزٍ على "أعِزَّةٍ"، وذليلٍ على "أذِلَّةٍ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 (4) فِعْلَة كَفِتيةٍ وشِيخَة وهذا الجمعُ لم يطّرد في شيء من الأوزان. وإنما هو سَماعيٌّ، يُحفظ ما ورَدَ منه ولا يقاس عليه. وسُمعَ منه (شيخٌ وشيخةٌ، وفَتًى وفتْيةٌ، وغُلامٌ وغلْمةٌ، وصبيٌّ وصبْيةٌ، وثورٌ وثيرةٌ، وشُجاعٌ وشجْعةٌ، وغزالٌ وغزْلةٌ، وخَصيٌّ وخصْيةٌ وثِنًى وثنْيةٌ، ووَلدٌ وولْدةٌ وجليلٌ وجلَّةٌ، وعليٌّ وعلْيةٌ، وسافلٌ وسفْلةٌ) . ولأنه لا قياسَ فيه ولا اطّراد، قال ابن السرَّاج انه اسم جمع. لا جمعٌ. وما قوله ببعيد من الصواب. جموع الكثرة لجمعِ الكَثْرةِ (ما عدا صِيَغَ مُنتهى الجموع) ستَّةَ عشرَ وزناً وهي (1) فُعْلٌ كَحُمْرٍ وعُورٍ وهو جمعٌ لِما كان صفةً مشبهةً، على وزن "أفعلَ" أو "فَعْلاءَ" كأحمر وحمراءَ وحُمْر، وأعورَ وعوراءَ وعُورٍ. وما كان منه كأبيضَ مما عينه ياءٌ، كُسرَ أوَّله في الجمع كبِيض. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 (2) فُعُلٌ كَصُبُرٍ وكُتُبٍ وذُرُعٍ وهو جمعٌ لشيئينِ (الأول) "فَعُول" بمعنى "فاعلٍ" كصبور وصُبُرٍ، وغَيورٍ وغُيُرٍ. وقد جمعوا، على خلاف القياس، نَذيراً وخَشِناً ونجيباً ونجيبةً على "نُذُرٍ وخُشُنٍ ونُجُبٍ". (الثاني) اسمٌ رباعي، صحيحُ الآخر، مزيدٌ قبل آخره حرف مَدٍّ، ليس مختوماً بتاءِ التأنيث ككتابٍ وكُتُبٍ، وعَمُودٍ وعُمُدٍ، وقَضيب وقُضُبٍ، وسريرٍ وسرُرٍ، ولا فرقَ أن يكونَ مذكراً كهذه الأمثلة أو مؤنثاً كعَناقٍ وعُنُقٍ، وذِراعٍ وذُرُعٍ. وشذَّ جمعُ خشبَةٍ وخَشَبٍ وصحيفةِ على خُشُبٍ وصُحُفٍ. وما قالوه من أنه شذَّ جمعُ سقْفٍ ورَهْنٍ وسِتْرٍ على "سُقُفٍ ورُهُنٍ وسُتُرٍ" فهو غيرُ واقع. لأن هذه الجموع ليست لهذه المفردات. فالسقُفُ جمع "سَقيفٍ. والرهُنُ جَمعُ "رِهانٍ"، وهذا جمع "رَهنٍ" فهي جمع الجمع، والسترُ "جمع "ستارٍ" وكل ذلك على القياس. وأمّا السَقْفُ والرَّهنُ والسَّتْرُ، فجمعها "سُقوفٌ مورِهانٌ ورُهونٌ وسُتُورٌ" قياساً، لا "سُقُفٌ ورُهنٌ وسُتُرٌ" شذوذاً. (3) فُعَلٌ كَغُرَفٍ وحُجَجٍ وكُبَرٍ. وهو جمعٌ لشيئين (الأول) اسمٌ على وزن "فُعْلة" كغُرْفةٍ وغُرَفٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 وحُجّةٍ وحُجَجٍ، ومُدْيةٍ ومُدىً. وأما جمعُ "رُؤيْا وَنوْبة وَقرْيةٍ" على "رؤىً ونُوَبٍ وقُرىً، فهو مخالفٌ للقياس. وأما جمعُ النوبة (بضم النون) على "نُوَب" فهو على القياس. (الثاني) صفةٌ على وزن "فُعْلى" مُؤَنث "أفعلَ" ككُبْرى وكُبَرٍ، وصُغرَى وصُغَرٍ. (4) فِعَلٌ كَقِطَعٍ وحِجَجٍ. وهو جمعٌ لاسمٍ على وزن "فِعْلة" كقِطْعةٍ وقِطَعٍ وحٍجةٍ وحِجَج، ولِحْيةٍ، ولِحىً، وقد جمعوا "قَصعة" على "قِصع"، شُذوذاً. (5) فُعَلة. كَهُداةٍ (وأصلُها. هُدَيَةٌ) . وهو جمعٌ لصفةٍ، مُعتلَةِ اللامِ، لمذكرٍ عاقلٍ، على وزن "فاعل"، كهادٍ وهُداةٍ، وقاضٍ وقضاةٍ، وغازٍ وغُزاةٍ، وجاءَ شُذوذاً، جمعُ كميٍّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 وسَريٍّ وبازٍ وهادرٍ على "كمُاةٍ وسُراةٍ وبُزاةٍ وهُدَرَةٍ". (6) فَعَلة كَسحَرَةِ وَبَرَرَةٍ وباعَةٍ. وهو جمع لصفةٍ، صحيحة اللام، لمذكرٍ عاقلٍ، على وزن "فاعل" كساحرٍ وسحَرةٍ، وكاملٍ وكمَلةٍ، وسافرٍ، وسَفرَةٍ، وبارٍّ وبَررَة، وبائعٍ، وباعةٍ، وخائن وخانةٍ وشذَّ جمع سَريٍّ على "سَراةٍ"، كما شذَّ جمعه على "سُراةٍ". وقياسُ جمعه "أسرياء"، كنبيٍّ وأنبياء. (7) فَعْلى كَمَرْضى وقَتْلى وهو جمعٌ لصفةٍ على وزن "فَعيلٍ"، تَدلّ على هُلْكٍ أو تَوجُّعٍ أَو بليَّةٍ أو آفةٍ كمريضٍ ومَرْضى، وقتيلٍ وقَتْلى، وجريحٍ وجرحى، وأَسيرٍ وأَسرى، وشَتيتٍ وشَتَّى، وزَمِينٍ وزَمنى. وقد يكون هذا الجمعُ لغير "فَعيلٍ" مِمّا يدل على شيءٍ ممّا تقدَّم كهَلْكى ومَوْتى وحَمقى وسَكْرى، جمع طهالك ومَيّتٍ واحمقَ وسكرانَ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 (8) فِعَلَة" كَدِرَجَةٍ ودِبَبَةٍ. وهو جمع لاسمٍ ثلاثيّ، صحيحِ اللام، على وزن "فُعْل" كدُرْج ودِرِجةً، ودُبٍّ ودِبَبَة. وقد جمعوا قِرداً على "قِردَةٍ" وهادراً على "هِدَرةٍ" على غير قياس. (9) فُعَّلٌ كَرُكَّعٍ وصُوّمٍ وهو جمعٌ لصفة، صحيحة اللام، على وزن "فاعلٍ" أَو "فاعلة" كراكعٍ ورُكَّعٍ، وصائمٍ وصُوَّمٍ، ونائمٍ ونُوَّم. وقد يكون نادراً، من معتلِّ اللام كغازٍ وغُزَّى، وشذَّ جمعُ نُفَساءَ وخَريدة وأَعزل على "نُفَّسٍ وخُرَّدٍ وعُزَّلٍ". (10) فُعّالٌ كَكُتّابٍ وقوّامٍ وهو جمع لصفة، صحيحةِ اللام، على وزن "فاعلٍ" ككاتب وكتَابٍ، وقائمٍ وقُوَّامٍ، وصائمٍ وصُوَّام. وندرَ مجيئُهُ من معتلّ اللام كغازٍ وغُزَّاءٍ. (11) فِعالٌ كَجبالٍ وصِعابٍ. وهو جمعٌ لستة أَنواع (الأول) اسمٌ أَو صفة، ليست عينهما ياءً، على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وزن "فَعْلٍ" أَو "فَعْلَةٍ". فالاسمُ ككعبٍ وكعابٍ، وثوبٍ وثيابٍ، ونارٍ ونيارٍ، وقصعةٍ وقصاع، وجنَّةٍ وجنان. والصفةُ كصعبٍ وصعبة وصِعاب، وضخمٍ وضخمةٍ وضِخام. وندرَ مجيئُهُ من معتلِّ العين كضيعة وضياعٍ، وضيفٍ وضياف. (الثاني) اسمٌ صحيحُ اللام غير مُضاعف، على وزن "فَعَلٍ" أَو "فَعَلة" كجَمَلٍ وجِمال، وجَبلٍ وجِبال، ورَقبَة ورِقاب، وثَمَرة وثِمار. (الثالث) اسمٌ على وزن "فِعْل" كذِئب وذئاب، وبِئْر وبئار، وظلٍّ وظِلال. (الرابع) اسمٌ على وزن "فُعْل"، ليست عينه واواً، ولا لامه ياءً كرُمح ورِماح، وريح ورياح، ودُهن ودِهان. (الخامس) صفةٌ صحيحةُ اللام، على وزن "فَعيل" أَو "فعيلة" ككريم وكريمة وكرام، ومريض ومريضة ومِراض، وطويل وطويلة وطِوال. (السادس) صفةٌ على وزن "فَعْلان" أَو "فَعْلى" أَو "فَعْلانة" أَو "فُعْلانة" كعطشانَ وعَطْشى وعطشانة وعِطاش ورَيّان ورَيّا ورواءٍ، ونَدمانَ ونَدمى ونِدام، ونَدمان وندمانة ونِدامٍ، وخُمصان وخُمصانة وخِماص. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 وما جُمع على "فِعال". من غير ما ذُكر، فهو على غير القياس. وذلك كراعٍ وراعية ورِعاءٍ، وقائمٍ وقائمة وقيام، وصائم وصائمة وصِيام، وأَعجف وعجفاءَ وعِجاف، وخَيّر وخِيار، وجَيدٍ وجِياد، وجَواد وجِياد، وأَبطحَ وبَطحاءَ وبِطاح وقَلُوص وقِلاص، وأنثى وإناث، ونُطْفة ونِطاف، وفصيل وفِصال، وسَبُع وسِباع، وضَبع وضِباع، ونُفساءَ ونِفاس، وعَشراءَ وعِشار. (12) فُعولٌ كقُلوبٍ وكُبود. وهو جمعٌ لأربعة أَشياءَ (الأول) اسمٌ على وزن "فَعِل" ككبد وكُبُود، ووَعِل ووُعول، ونمر ونُمُور. وقد جاءَ في الشعر جمعُ نَمرٍ على "نُمُر" (بضمتين) للضرورة، كأنه اختصر نُمُوراً. (الثاني) اسمٌ على وزن "فَعْل"، ليست عينه واواً كقلب وقُلوب وليث وليوث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 (الثالث) اسمٌ على وزن "فِعْلٍ" كحِمْل وحُمُول، وفيل وفُيول، وظِلٍّ وظُلول. (الرابع) اسمٌ على وزن "فُعْلٍ" ليس معتلِّ العين ولا اللام، ولا مُضاعفاً كبُرْد وبُرود، وجُند وجُنود. وشذّ جمعُ "حُصٍّ" على "حُصوص". لأنه مضاعف. وما كان على وزن "فَعَل" (بفتح الفاء والعين) لا يُجمع على "فُعُول"، لأنه ليس قياسَ جمعه. إلا ألفاظاً منه جمعوها عليه كأسد وأُسود، وشجَن وشُجُون، ونَدب ونُدوب، وذكر وذُكور، وطَلَل وطُلول. (13) فِعْلان كَغِلْمان وغِرْبان. وهو جمعٌ لأربعة أَشياءَ (الأول) اسمٌ على وزن "فُعالٍ" كغُلام وغِلْمان، وغراب وغرْبان، وصُؤاب وصئْبان. (الثاني) اسمٌ على وزن "فُعَل" كجُرَذ وجِرذان، صُرَد وصَرْدان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 (الثالث) اسمٌ عينه واو، على وزن "فُعْلٍ" كحوتٍ وحيتانٍ، وعُودٍ وعِيدان، ونُور ونِيران وكوز وكيزان. (الرابع) اسمٌ على وزن "فَعلٍ"، ثانية الفٌ أصلها الواو. كتاجٍ وتيجان، وجارٍ وجيران، وقاعٍ وقِيعان، ونار ونِيران، وبابٍ وبيبان، والألف في المفرد منقلبة عن الواو والأصل "تَوَجٌ وجَوَرٌ وقَوَعٌ ونَوَرٌ وبَوبٌ". وما جُمع، غير هذه الأربعة، على "فِعْلان"، فهو على خلاف القياس كصِنْوٍ وصِنْوانٍ، وغزالٍ وغِزلانٍ، وصِوارٍ وصِيران، وظليم وظِلمان، وخروف وخِرفان، وقِنْوٍ وقِنوان، وحائطٍ وحيطان، وحِسْلٍ وحِسْلانٍ، وخِرصٍ وخرصان، وخيطٍ وخيطان، وشيحٍ وشيحان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 وضَيْف وضيفان، وشيخ وشيخان، وفَصيلٍ وفِصلان، وصبيّ وصِبيان، وشُجاع وشُجْعان. (14) فُعْلان كَقُضْبانٍ وحُمْلانٍ وهو جمعٌ لثلاثةِ أَشياء، (الأوَّل) اسم على وزن "فَعيل" كقَضيبٍ وقُضبان، ورغيفٍ ورُغفان، وكثيب وكُثْبان، وفَصيلٍ وفُصلان، وقَفيرٍ وقُفران وبعير وبُعران، وقَفير وقُفزان. (الثاني) اسمٌ صحيح العين، على وزن "فَعَلٍ" كحَمَلٍ وحُمْلان، وذكر وذُكران، وخَشَبٍ وخُشْبان، وجَذَع وجُذعان. (الثالث) اسمٌ صحيحُ العينِ، على وزن "فَعْل" كظهْر وظهران، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وبطن وبُطنان، وعبْدٍ وعُبدان، ورَكْب ورُكبان. ورَجْلٍ ورجْلان. وما وردَ، من غير هذه الثلاثة، مجموعاً على "فُعلان"، فهو على غير القياس كواحدٍ ووُحْدان، وأَوحدَ وأُحدان، وجدار وجُدران وذِئبٍ وذُؤبان، وراع ورعُيان، وشابٍّ وشُبّان، وخرص وخُرصان، وزُقاق وزُقَّان، وزِقٍّ وزُقَّان، وحائر وحُوران، وحُوار وحُوران، وشُجاعٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 وشُجعان، وأسودَ وسُودان، وأحمَر وحُمْران، وأبيضَ وبيضان، وأعمى وعُميان، وأعورَ وعُوران. "والذي نراه أن "السودان" وما بعدها، إنما هي جمع "سود وحمر وبيض وعمي وعور"، وأن هذه هي جمع "أسود وأحمر وأبيض وأعمى وأعور". ومع هذا فجمعها على فعلان" مخلف للقياس". (15) فُعَلاءُ كَنُبهاءَ وكُرَماء. وهو جمعٌ لشيئينِ (الأولُ) صفةٌ لمذكر عاقل على وزن "فَعيل"، بمعنى "فاعل"، صحيحه اللامِ، غيرُ مَضاعفة، دالة على سجية مدح أو ذمٍّ. كنبيهٍ ونُبهاءِ، وكريم وكُرماءَ، وعليم وعُلمَاءَ، وعظيمٍ وعُظَمَاءَ، وظريفٍ وظُرفاءَ، وسميحٍ وسُمَحاءَ، وشجيعٍ وشُجعاءَ، ولئيم ولُؤَماءَ، وبخيل وبُخلاءَ، وخُشين وخشَناءَ، وسميجٍ وسُمَجاءَ، وجبينٍ وجُبناءَ. أو تدل على مشاركة كشريك وشُركاءَ وجليس وجُلساءَ، وخليط وخُلطاءَ، ورفيقٍ ورُفقاءَ، وعَشير وعشراءَ، ونديمٍ ونُدماءَ, وهي بمعنى مُشاركٍ ومُجالِسٍ ومُخالطٍ ومُرافقٍ ومُعاشِرٍ ومنادمٍ. (الثاني) صفةٌ لمذكر عاقلٍ، على وزن "فاعلٍ"، دالةٌ على سجيّة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 مدحٍ أو ذمّ كعالم وعُلماءَ، وجاهل وجُهلاءَ، وصالح وصُلحَاءَ، وشاعر وشُعراءَ. وشذَّ جمع جبانٍ على "جُبَناء". (16) أفعِلاءُ كَأَنبياءَ وأشِدَّاءَ. وهو جمع لصفةٍ على وزن "فَعيلٍ" معتلَّةِ اللام. أو مضاعفةٍ. فالمعتلة اللام كنبي وأنبياءَ، وصفيٍّ وأصفياءَ، ووصيٍّ وأوصياءَ، وولي وأولياءَ. والمضاعفة كشديدٍ وأشِدّاءَ، وعزيز وأعزَّاءَ، وذليل وأذِلاءَ. صيغ منتهى الجموع من جموع الكثرةِ جمعٌ يقال له "منتهى الجموع" و"صيغة منتهى الجموع" وهو كلُّ جمع كان بعد ألف تكسيره حرفان، أو ثلاثةُ أحرف وسطُها ساكنٌ كدراهمَ ودنانيرَ. وله تسعةَ عشَر وزناً. وهي كلها لمزيدات الثلاثيّ، وليس للرُّباعي الأصول وخماسيّة إلا "فعالِلُ وفعاليلُ" ويشاركهما فيهما بعضُ المزيدِ فيه من الثلاثي، كما سترى. (1 و2) فعالِلُ وفَعالِيلُ كَدَراهِمَ ودَنانيرَ. ويُجمعُ على "فعاللَ" كلُّ اسم رباعيّ الأصول، مجرَّد كدرهم ودراهمَ، والمزيدُ فيه منه كغَضنْفَر وغَضافِرَ، والأسماءُ الخماسيّةُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 الأصولِ المجرَّدةُ كسفرجل وسفارج، والزيدُ فيه منه كعَندليبٍ وعَنادلَ. ويُجمعُ على "فَعاليلَ" ما كان من ذلك مزيداً قبل آخره حرفُ علَّةٍ ساكنٌ كقرطاس وقراطيسَ، وفرْدوْس وفراديسَ، وقنديل وقناديل، ودينار ودَنانير. ويلحقُ بالرباعيِّ المجرَّدِ ومزيده (من حيث جمعُهُ على فعاللَ أو فعاليلَ) ما يُشبههما من الثلاثي المزيدِ في حشوه، أو في آخره، حرفٌ صحيح. فالمزيدُ في حشوه كسُنْبُل وسنابل، وقُمَّسٍ وقمامسَ، وسكين وسكاكين، وسَفود وسَفافيد، وفَرُّوخ وفراريخ. والمزيدُ في آخره كشَدقهم وشَداقم، وفَسْحُم وفَساحم، وقُعْدُد وقعاددَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 وسرحانٍ وسراحين، وشِمْلال وَشماليل. "أما الثلاثي الأصول، الذى زيادته في أوله كاصبع، المزيد فيه حرف علة في حشوه كخاتم وكودن وصيرف وصحيفة وعجوز، أو في آخره كحبلى وكرسي، فله غير "فعالل وفعاليل" من صيغ منتهى الجموع الآتي بيانها" (3 و4) أَفاعِلَ وأفاعيلُ كأَنامِلَ وأضابيرَ ويجمع على "أفاعلَ" شيئانِ (الأوَّل) ما كان على وزن "أَفعل"، صفة للتَّفْضيل كأفضَل وأفاضلَ. فإن كان صفة لغير التفضيل كأحمر وأزرق وأسود وأعرج وأعمى، لم يُجمع عليها وإنما يُجمع على "فُعْل" كحمر وزُرق. كما تقدم، إلا إذا خرجَ عن معنى الوصفيَّة إلى معنى الاسميَّة، فيجمع هذا الجمع كأسود (للحيَّة) واساودَ، وأجدل (للصقر) وأجادل، وأدهم (للقيد) وأداهمَ. ومثل أحمر وأزرق وأعرجَ وأعمشَ (أعلاماً) ، فتجمعُ على "أحامرَ وأزراقَ وأعارجَ وأعامشَ". (الثاني) اسمٌ على أربعة أحرف، أوَّله همزةٌ زائدة كإصبع وأصابعَ، وأُنمُلة وأناملُ. ولا يعتدُّ بعلامة التأنيث التي تلحقه، كما رأيتَ. وكذا لا يعتدُّ بها في كل الصّيَع التي ستُذكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 ويُجمع على "أفاعيل" ما كان من ذلك مزيداً قبل آخره حرفُ مدّ كأسلوب وأساليبَ، وإضبارة وأضابيرَ. (ومثل "أدم" وزنه "فاعل" لأن أصله أأدم"، قلبت همزته الثانية مدة، ويجمع على "أوادم" على وزن "أفاعل" لا على وزن "فواعل" كما قالوا. وذلك لأن الهمزة في أوله هي زائدة وهي همزة "أفعل" الصفة المنقول عنها الإسم. فهي كهمزة "أجدل" نثبتها في الجمع كما نثبتها في "جادل". وتقول في جمع أول. "أوائل" بوزن "أفاعل". لأن "أول" أصله "أوأل" أو "أأول" وكلاهما وزنه "أفعل". وهكذا تقول في كل ما كان على وزن "أفعل" من الأسماء أو الصفات التي تشبه ما ذكرنا. (5 و6) تفاعلُ وتفاعيلُ كتَجارِبَ وتسابيحَ. ويُجمع على "تَفاعلَ" اسمٌ على أَربعة أَحرف، أَوَّله تاء زائدة. كتنبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 وتنابِلَ، وتجربةٍ وتجاربَ. ويجمع على "تفاعيل" ما كان منه مزيداً قبل آخره حرفُ مد كتقسيمٍ وتقاسيمَ، وتسبيحة وتسابيح، وتنبالٍ وتُنبولٍ وتنْبالة وتنابيل، وتفراج وتفاريج. (7 و8) مفاعل ومفاعيل كمساجد ومصابيح. ويجمع على (مفاعل) ما كان على أربعة أحرف، أوله ميم زائدة "كمسجد ومساجد، ومكنسة ومكانس". (وما كان منه ثالثه حرف مد "والحرف هنا لا يكون إلا أصلياً، أو منقلباً عن أصل"، فإن كان ياء أبقيتها على حالها، كمصيف ومصايف، ومعيشة ومعايش، ومعيبة ومعايب. وإن كان منقلباً عن أصل رددته إلى أصله: كمفازة ومفاوز "واشتقاقها من الفوز" ومغارة ومغاور "واشتقاقها من الغور" ومنارة ومناور "واشتقاقها من النور": ولا يجوز قلب حرف المد هنا همزة لأنه ليس بزائد كما هو في صحيفة وصحائف، ومدينة ومدائن، وسحابة وسحائب وكلها بوزن "فعائل" إلا ما شذ من قولهم مصيبة ومصائب. وحقها أن تجمع على "مصاوب" لكن العرب قد أجمعت على همز "المصائب" وقد قيل "همز المصائب من المصائب" على أنها قد أجمعت أيضاً على مصاوب، كما هو القياس. وكذا قالوا في جمع منارة "مناور" على القياس، و"منائر" على الشذوذ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 ويجمع على "مفاعيل" ما كان من ذلك مزيداً قبل آخره حرف مدٍّ كمصباح ومصابيح، ومطمورة ومطامير وميثاق ومواثيق. (9 و10) يَفاعِلُ ويفاعيلُ كيَحامِدَ ويحاميمْ. يُجمع على "يفاعل" اسم على أربعة أحرف، أوله ياءٌ زائدة "كيحمد ويحامدَ، ويُعملةٍ ويَعاملَ". ويُجمع على "يفاعيل" ما كان منه مزيداً قبل آخره حرفُ مدٍّ "كيحموم ويحاميمَ، ويَنبوعٍ وينابيع". (11 و12) فواعلُ وفواعيلُ كخَاتِمَ وطواحينَ. يُجمع على "فواعل" ثلاثة أشياء (الأوَّل) اسمٌ على أربعة أحرف، ثانيه واو أو ألف زائدتان "ككوثر وكواثر، وخاتم وخواتم، وجائز الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وجوائز، وخالفةٍ وخوالف، وناصية ونواصٍ، ونافقاءَ ونوافق إلا ما كان منه معتل العين واللام، فيجمع على مثال "فعالى" (بفتح الفاء واللام) "كزاوية وزوايا، وراوية وروايا، وحاوية وحاوياء وحوايا". (الثاني) ما كان من الصفات على وزن" فاعل"، للمؤنث "كحائض وحوائض، وطالق وطوالق، وناهد ونواهد". أو للمذكر غير العاقل "كصاهل وصواهل، وشاهق وشواهق". وشذ جمعهم "هالكاً وناكساً وفارساً" من المذكر العاقل، "هواجس ونواكس وفوارس". (الثالث) ما كان من الصفات على وزن "فاعلة" "ككاتبة وكواتب، وشاعرة وشواعر، وخاطئة وخواطئ، وخاطية وخواط وما كان منه يوصف به المذكر والمؤنث، فيجع على "فواعل" أيضاً "كخالفة وخوالف". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 ويجمع على "فواعيل" ما كان من ذلك مزيداً قبل آخره حرفُ مد "كطاحونة وطواحين، وطومار وطوامير". واعلم أن الجواهر والجوارب والكواغد والطواجن ونحوها، من الجموع التي مفرداتها معربة، ليس وزنها فواعل، كما قالوا، وإنما هو فعالل، وكذلك اليواقيت والشواهين والجواميس والخواتين ونحوها، ليس وزنها فواعيل. وإنما هو فعاليل. لأن وزن فواعل وفواعيل لما كان ثانيه ألفاً أو واواً زائدتين. وهذه الكلمات أعجمية معربة، ولا يجوز أن يحكم بزيادة حرف في كلمة غير عربية، إذ لا وجه للحكم بزيادة حرف في كلمة غير عربية، إذ لا وجه للحكم بالزيادة. فالألف والو فيها أصليتان، كالدال في درهم والراء في قرطاس. هذا هو الحق عند التحقيق. (13 و14) فياعل وفياعيل كصَيارف ودياجير. ويجمع على "فياعل" ما كان على أربعة أحرف، ثانيه ياء زائدة "كصيرف وصيارف وهيزعة وهيازع". ويجمع على "يفاعيل" ما كان منه مزيداً قبل آخره حرفُ مدٍّ "كديجور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 ودياجير، وصيخود وصياخيد، وصيداح وصياديح". (15) فعائل كصَحائف وسحائب وكرائم. ويُجمعُ عليها شيئان "الأول" اسمٌ مؤنثٌ، على أربعة أحرف، قبل آخره حرف مد زائد، سواء أكان تأنيثه بالعلامة "كسحابة وسحائب، ورسالة ورسائل، وذؤابة وذوائب، وحمولة وحمائل وصحيفة وصحائف، وخليفة وخلائف، وحلوبة وحلائب، وركوبة وركائب، ونطيحة ونطائح، وذبيحة وذبائح أم كان مؤنثاً بلا علامة "كشَمال (بفتح الشين) وشمالٍ بكسرها) وشمائل، وعُقاب وعقائب، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 وعجوز وعجائز، وسعيد (علم امرأة) وسعائد". تقلب حرف المد في كل ذلك همزة. وأما نحو "عروب ونوار وجبان وفروقة"، فلا يجمع على "فعائل" لأن هذه الصفات لم تخرج عن معنى الوصفية إلى معنى الاسميّة. فإن سميت بها جمعتها عليها. وشذ من المؤنث جمع ضَرة وحرة على "ضرائر وحرائر، لأنه لم يزد قبل آخرها حرفُ مد. وشذ من المذكر جمع "صحيح ووصيد على صحائح ووصائد. (الثاني) صفة على وزن "فعيلة" بمعنى (فاعلة) ككرمية وكرائم، وظريفة وظرائف، ولطيفة ولطائف، وبديعة وبدائع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 (وأما "فعيلة" بمعنى مفعولة، باقية على الوصفية، فلا تكون. لانه يجب ترك التأنيث اللفظي فيها، فيقال "امرأة قتيل وجريح" فإِن أنَّثْتَ عند اللبس، لعدم ذكر الموصوف كرأيت قتيلة وجريحة، فهي لا تجمع أيضاً على "فعائل"، لأن التاء عارضة. وأما قولهم "نطيحة وذبيحة" فهما اسمان لما ينطح ويذبح من الحيوان، مذكراً كان أو مؤنثاً. وليستا صفتين، لأنهما خرجتا عن الوصفيّة إلى الإسمية. لذلك جمعوها على "نطائح وذبائح") . (16) فَعالى "بفتح الفاء واللام" كعذارى وغضابى. (17) فُعالى "بضم الفاء وكسر اللام" كتراق وموام. (18) فُعالى "بضم الفاء وفتح اللام" كسكارى وغضابى. ويجمعُ على "الفَعالى" والفَعالي" أربعة أشياء (الأول) اسم على وزن (فعلى) بفتح فسكون "كفتوى وفتاوى وفتاوٍ". (الثاني) اسمٌ على وزن (فعلى) بكسر فسكون كذفرى وذَفارى وذفار". (الثالث) ما كان على وزن فعلاء (اسماً) كصحراء وصَحارى وصحار"، أو صفة لأنثى ليس لها مذكر "كعذراء وعذارى وعذار". (الرابع) ما كان على وزن "فُعلى"، بضم فسكون صفة لأنثى ليس لها مذكر "كحبلى وحبالى وحَبالٍ". و"الفعالى"، في ذلك كله، هي الأصلُ. وقد فتحوا لامها تخفيفاً. يُجمع على "الفَعال والفعالى" صفة على وزن "فَعلانَ" أو "فعلى" "كغضبان وغَضبى وغضابى، وسكران وسكرى وسَكارى وسُكارى، وعطشان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 وعَطشى وعَطاشى وعُطاشى، وكسلانَ وكسلى وكَسالى وكُسالى، وغَيرَان وغَيرَى وغَيارى وغُيارَى". والأفضلُ ضمُّ أولها في الجمع. وقد جمعوا، على غير قياس أسيراً على "أُسارى"، وقديماً على "قُدامى". ويُجمع على "الفعالى"، وحدها، ثلاثةُ أشياء (الأول) اسم معتل اللام على وزن "فَعيلة" "كهديَّة وهدايا". (الثاني) اسمٌ معتلُّ اللام على وزن "فَعالة" بفتح الفاء، أو فِعالة، بكسرها أو "فُعالة" بضمها " كجداية وجدايا، وهِراوة وهَراوى. ونُقاية ونَقاية". (الثالث) اسم معتل العين واللام، على وزن "فاعلة" "كزاوية وزوايا. وقد جمعوا على قياس، يتيما وأيماً وطاهراً على "يتامى وأيامى وطَهارَى". (وزوايا في الحقيقة، وزنه "فواعل" "ككاتبة وكواتب والأصل "زوابي" فاستثقلوه فقلبوه إلى "زوايا" بضرب من الإبدال، كما ستعلم في بابه، مشابهاً لفعالى، من حيث زنتها اللفظية. وقد أهمل النحاة ذكر هذه الأنواع الثلاثة، المتقدمة في باب منتهى الجموع، اعتماداً على ما ذكروه في باب الإبدال) . ويُجمع على "الفَعالِي"، وحدها، شيئان (الأول) اسم ثلاثي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 مختوم بتاء التأنيث، مزيد في آخره حرفُ علة "كالمؤماة والموامي، والسعلاة والسَّعالي "والهبرية والهباري، والتَّرُقوَة والتراقي. (الثاني) ما كان ثلاثياً مزيداً فيه حرفان، أحدهما في حشوه، والآخر حرف علة في آخره "كحبنطي". ومثلُ هذا يجبُ أن يُحذف أحد زائديه. فإن حذفت أولهما، جمعته على "الفعالي" "كالحباطي". وإن حذفت حرف العلة، جمعته "فعالل" "كحبانط". وقد جمعوا الأهل والأرض والليلة على (الأهالي والأراضي والليالي) شذوذاً. وهي ليست من هذا الباب. وما كان على وزن (الفَعالي) إذا تجرد من (أل) والإضافة، حذفتَ يَاءَه، ونونته تنوين العِوض كحبالٍ وسعالٍ وتراقٍ. (19) فَعاليٌّ "بتشديد الياء" ككراسيٌّ وقماري. ويجمع عليه شيئان، (الأول) اسم على ثلاثة أحرف مزيد في آخره ياء مشددة لا يرادُ بها النسبُ ككرسي وكراسي، وأمنية وأماني، وقُمريّ وقماري، وزربيَّ وزرابيٍّ وانسيٍّ وأناسي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 (الثاني) اسم مزيد في آخره ألف الإلحاق الممدودة. "كعلباء وعلابيَّ وحرباء وحرابيَّ". وقد جمعوا إنساناً وظرباناً على "اناسيَّ وظرابيَّ" شذوذاً. وما كان على وزن (فعالي) يجوز تخفيفه، فيجيء على (فعال) . وتشديد يائه أكثر في الاستعمال. صوغ منتهى الجموع يجمعُ هذا الجمع كلَّ اسم رُباعيَ الأصول "كدرهم" أو خماسيها كسفرجل، والمزيد فيه منهما كغضنفر وعندليب"، وبعض الأسماء الثلاثية الأصول المزيد فيها "كإِصبع وتجربة ومسجد ويحمدَ وخاتمٍ وكوثَرٍ وصَيرَفٍ وسحابةٍ وتنوفة وموْماةٍ وسعلاةٍ وهبريةٍ وعنصوةٍ وكرسي وحرباء ونشوانَ وحبلى وعلقى وعذراء". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 فما كان على أربعة أحرف، مما تقدم بنيته على لفظه، سواء أكان رباعي الأصول أم ثلاثيها، فنقول في جمع ما ذكر "دراهم وأصابع وتجاربُ ومساجدُ ويحامدُ وخواتمُ وكواثرُ وصيارف وسحائب وتَناثفُ وموامٍ وسَعال وهبار وعناص وكراسي وحرابيَّ ونشاوى وحبالى وحبال وعلاقى وعلاق وعذَارى وعذارٍ". وما زاد على أربعة أحرف، مما يُرادُ تكسيره على صيغة مُنتهى الجموع يحذف منه ما تختل معه صيغة هذا الجمع. فإن كان الاسم رُباعي الأصول حذفتَ زائده "كسبطْرى وسباطر وغضنفر وغضافر، واحرنجام وحراجم، واقشعرار وقشاعر. وإن كان ثلاثيها، فإن كان مزيداً فيه حرفان، حذفتَ واحداً كمنطلق ومطالقَ، ومقتحمٍ ومقاحِمَ، ومتصبر ومصابر". وإن كان مزيداً فيه ثلاثةَ أحرف - حذفتَ اثنين "كمستدع ومداع، ومخشوشن ومخاشِنَ ومجلوِّذٍ ومجالذ". ويتعين حذف ما هو أولى بالحذف من غيره. والميم الزائدةِ في أول الكلمة أولى الزوائد بالبقاء من غيرها على كل حال. وتاء الافتعال والاستفعال، ونون الأفعال، أولى بالبقاء من غيرها. وتفضلها الميم الزائدة. والهمزة والياء المصدَّرتان تَفْضُلان في البقاء غيرَهما "كألنْدَدْ وألادَّ، ويَلنْدَدٍ ويَلادّ"، إلا نون الانفعال، وتاءَي الإفتعال والاستفعال فيفضلنها في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 البقاء "كانطلاقٍ ونطاليق. واجتماع وتجاميع، واستخراج وتخاريج". وإن كان في الكلمة زيادتان متكافئتان، لا تَفضلُ إحداهما الأخرى فاحذف أيهما شئتَ، فتقولُ "سَرانِدُ وعَلانِدُ، وسرادٍ وعَلادٍ" في جمع "سرَندَى، وعلنْدىْ". وذلك لأن النون والألف المقصورة، إنما زيدتا ليلحق الوزن بسفرجل. ولا مزية لإِحداهما على الأخرى. وهذا شأنُ كل زيادتين زيدتا للإلحاق. ويُستثنى، مما تقدم كله، أن يكون الزائدُ حرفَ علة ساكناً قبل الآخر فينقلبُ - إن كان ألفاً أو واواً، ياء. وإن كان ياءً يبقَ على حاله، فتقولُ في جمع قرطاسٍ وفردَوْسٍ وقَنديلٍ "قراطيس وقراديس وقناديل"، وتقول في جمع مصباح وإضمامة وتهويل ومقدورٍ ويعبوب وساجور وطومار وصيداح "مصابيحَ وأضاميم وتهاويل ومقادير ويعابيب وسواجير وطوامير وصياديح". وما كان مثل "مختارٍ ومهتاج ومنقاد ومحتاج"، من الثلاثي المزيد فيه المعتل العين، تحذف منه التاء والنون، وتردّ ألفه إلى أصلها، من واو أو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 ياء، فيقال في الأولين "مخايرُ ومهايجُ"، وفي الآخرين "مَقاوِدُ ومحاوجُ". ولك أن تعوض من المحذوف ياء قبل الآخر فتقول "مَخايير ومهاييجُ، ومَقاويدُ ومحاويجُ" ومثل ذلك "مُنطاد"، فتقول في جمعه "مَطاود ومطاويد". غيرَ أن باب الصفات، المزيد في أولهاميمٌ، تجمع جمعَ المذكر السالم، إن كانت للمذكر العاقل، وجمع المؤنث السالم إن كانت لغيره وجمعها جمع تكسير مستكرهٌ. وإن كان ما يُرادُ تكسيرهُ على صيغة مُنتهى الجموع خماسي الأصول حذفتَ خامسهُ وبنيتهُ على "فعاللَ" كسفرجل وسفارج" فإن زاد على الخمسة طرحتَ مع خامسه ما زاد "كعندليب وعنادِل، وقبعْثرَى وقباعث". وما حذف منه لبنائه على (فعالل) ، أو ما يشبهها في الوزن، يجوز أن يعوض من المحذوف بياء قبل الآخر، فيبنى على (فعاليل) أو شبهها فكما تقول في جمع سفرجل ومنطلق وعندليب "سفارج ومطالق وعنادل" بوزن (فعالل) ، تقول في جمعها أيضاً "سفاريج ومطاليق وعناديل"، على وزن (فعاليل) . وكذلك يجوزُ، على قلة، إثباتُ هذه الياء قبل آخر ما لم يحذف منه شيء. فكما تقول في جمع معذرةٍ وخاتم "معاذر وخواتم"، تقول في جمعهما أيضاً "معاذير وخواتيم". وقد تلحقُ التاء بعض أوزان منتهى الجموع، فيكون جمعاً لما فوق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 الثلاثي، مما لحقته ياء النسبة، فتقول في جمع دمشقيٍّ ومغربيٍّ وأزرقيٍّ وجوهريّ وصيرفيّ وصحفيّ "دماشقةٌ ومغاربةٌ وأزارقةٌ وجواهرةٌ وصيارفةٌ وصحائفةٌ". وقد يكونُ ما لحقته هذه التاء، من منتهى الجموع، جمعاً لغير المنسوب، مما كان قبل آخره حرف مدٍّ زائد "وحرف المد هذا يجب حذفه، إذا لحقت التاء هذا الجمع"، مثلُ (جحاجحة وغطارفة) ، في جَمع "جحجاحٍ وغطريف" فالتاءُ عِوضٌ من حرف المد المحذوف. وقد جاء ما لحقته هذه التاء أيضاً جمعاً للاسماء الأعجمية غير الثلاثية، "سواء أكان قبل آخرها حرف مد أم لم يكن" كالجواربة والزَّنادِقة والأساورِةِ" في جمع "جورب وزنديقٍ وأُسوارٍ". وما لحقته التاء من هذه الجموع، فهو منها، إلا أنه ينصرف، فيُنوَّن ويجرُّ بالكسرة. اسم الجمع اسمُ الجمع هو ما تضمّنَ معنى الجمع، غير أنه لا واحِدَ لهُ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 لفظه، وإنما واحده من معناه. وذلك "كجيشٍ (وواحدُه جندي) " وشعب وقبيلة وقوم ورهط ومعشر وثلة (وواحدها رجل، أو امرأة) ونساءٍ (وواحدها امرأة) وخيْل (وواحدُها فَرَسٌ) وإِبل ونعمٍ (والواحدُ جَمَلٌ أو ناقةٌ) وغَنَمٍ وضأنٍ (والواحد شاة للذكرِ والأنثى) . ولك أن تُعامِلَهُ معاملةَ المفردِ، باعتبار لفظه، ومعاملة الجمعِ، باعتبار معناهُ، فتقولُ "القومُ سارَ أو ساروا، وشَعْبٌ ذكيٌ أو أذكياءُ". وباعتبار أنه مفردٌ، يجوزُ جمعُهُ كما يُجمعُ المُفردُ مثلُ "أقوام وشعوب وقبائلَ وأرُهط وآبال". وتجوزُ تثنيتُهُ، مثلُ "قَومانِ وشَعبانِ وقبيلتانِ ورَهطان وإبلان". اسم الجنس الجمعي والافرادي اسمُ الجنسِ الجمعيُّ ما تَضمَّنَ معنى الجمع دالاًّ على الجنس. وله مفردٌ مُمَّيزٌ عنه بالتاءِ أو ياء النسبة كتُفّاحٍ وسفرجلٍ وبطّيخ وتَمرٍ وحَنْظلٍ، ومفردُها "تفاحةٌ وسفرجلةٌ وبطّيخةٌ وتمرةٌ وحنظلةٌ"، ومثل "عَرَبٍ وتركٍ ورومٍ ويَهود". وفردُها "عربيٌّ وتركيٌّ وروميٌّ ويهوديٌّ". ويَكثُرُ ما يُميَّزُ عنه مُفردهُ بالتاءِ في الأشياء المخلوقة، دون المصنوعة "كنَخْلٍ ونخلةٍ، وبطّيخ وبطّيخة، وحَمامٍ وحمامه، ونعامٍ ونَعامة". ويقلُّ في الأشياءِ المصنوعة "كسَفينٍ وسفينةٍ، وطينٍ وطينةٍ". وما دلَّ على الجنس صالحاً للقليل منه والكثير كماءٍ ولَبَنٍ وعسَلٍ، فهو اسمُ الجنسِ الإفراديُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 فوائد (1) تكسير ما جرى على الفعل من الصفات ما جرى على الفعل من الصفات كمُكرِمٍ ومُنطلقٍ ومستخرِجٍ (أسماءً للفاعلين) ومُكرَم ومُلتقَطَ ومُستخرجَ (أسماءً للمفعولين) ، فبابُهُ أن يُجمعَ جمعَ تصحيحٍ فالمذكرُ العاقلُ بالواو والنون، والمؤنث والمذكرُ غيرُ العاقلِ بالألف والتاءِ. إلا ما كان خاصاً بالمؤنث "كمُرضِعٍ ومُطْفِلٍ"، فيجوز تكسيرُهُ قياساً "كمَراضِعَ ومَطافِلَ". وسُمع "مَحاويج" في جمع مُحتاج، و"مفاطير" في جمع مُفْطر، و"مَياسير" في جمع مُوسِر، و"مَلاقح" في جمع مُلْقح، و"مَناكير" في جمع مُنْكَر " (بفتح الكاف) وهو الداهي العاقل الفَطن. أما اسمُ الفاعل من الثلاثي المجرَّد ككاتبٍ وشاعرٍ وكاملٍ وهادٍ، فهذا يُكَسَّرُ قياساً ككُتَّابٍ وشُعَراءَ وكملَةٍ وهُداةٍ، لأنه لم يجرِ على لفظ الفعل في حركاته وسكناته. وأما اسمُ المفعول منه كمكتوبٍ ومعلوم ومبدول، فمجرى الكلام الأكثر أنّ لا يُكَسَّر. وإنما يُجمع، للمذكر العاقل، بالواو والنون، وللمؤنث والمذكر غير العاقل بالألف والتاءِ. وقد سُمع تكسيرُ مفعولٍ على "مفاعيل" في ألفاظٍ، وهي مَلايين ومجاهيل وملاقيح ومَضمامين ومَماليك ومشائيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 ومَيامين ومكاسير ومساليخٍ ومجانين ومناكير ومراجيع". وقد جمع "مشهوراً" على "مشاهير" صاحب القاموس في قاموسه، والفيوميُّ في مصباحه، والميدانيُّ في شرح أمثاله. وقد عَدَّ النحاةُ ما ورد من ذلك سماعياً. وأطلقوا المنعَ في تكسير غير ما سُمع. ولكن في هذا المنع تحجيراً على الناس. ومن رجع إلى كلام متقدمي النحاة، كسيبويه وغيره، لا يجد كلَّ هذا التضييق. (2) جمع الجمع قد يُجمعُ الجمعُ. وذلك مثلُ "بيوتاتٍ ورِجالاتٍ وكِلاباتٍ وقُطُراتٍ" (بضمتين) ، ونحو "أكالبَ وأضابعَ، وأظافيرَ وأزاهيرَ وغَرابينَ". ويُجمع ما كان على صيغة منتهى الجموع جمعَ المذكر السالم، إن كان للمذكر العاقل "كأفاضلين ونواكسين" وجمع المؤنث السالم، إن كان للمؤنث، أو للمذكر غير العاقل نحو "صَواجِبات وَواهِلات" وفي الحديث "إنكنَّ لأنتنَّ صواحباتُ يوسف". وجمعُ الجمعِ سماعيٌّ، فما ورد منه يُحفظ ولا يقاس عليه. (3) الجمع لا مفرد له من الأسماءِ مالا يُستعمل إلا بصيغة الجمع، لأن مفرده قد أُهمل قديماً فنسي، وذلك كالتعاشيب (وهي القطع المتفرقة من العشب أو هي ألوانٌ العشب وضُروبه) ، والتعاجيب (وهي العجائب) ، والتباشير (وهي البشائر) ، والتَّجاويد (وهي الأمطار الجيدة النافعة) ، والأبابيل (وهي الفِرَق) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 (4) الجمع على غير مفرده من الجموع ما يجري على غير مفرده، وذلك "كالمَحاسن والمَلامح والمَخاطر والمَشابهِ والمسامّ والحوائج والطوائح واللواقح" وواحدُها حُسْنٌ (بضم فسكون) ولَمحة (بفتح فسكون) وخَطَرٌ وشَبَهٌ (بفتحتين فيهما) ، وسم (بفتح السين) وحاجة ومُطوِّحةٌ ومُلْقِحة (بصيغة اسم الفاعل فيهما) . وكالأباطيل والأحاديث والأعاريض. وواحدها باطلٌ وعروضٌ وحديثٌ. ومفردها الحقيقي، لو سُمع، لكان محسناً وملْمحاً ومَشبهاً ومَسَّماً وحائجة (وهذه سُمعت سماعاً نادراً) وطائحة ولاقحة وأبطولة وأعروضة وأحدوثة، وهذه مسموعةٌ مفرداً للأحاديث، وقد جاءَت على القياس. لكن الحديث ليس له جمع إلا الأحاديث. فالأحاديث جمعاً لحديث، جاءت على غير قياس، وجمعاً لأحدوثة وردت على القياس. (5) ما كان جمعا وواحدا من الأسماءِ ما يكون جمعاً ومفرداً بلفظٍ واحد وذلك كالفُلْك،، قال تعالى {في الفُلْك المشحون} ، فلما جمعه قال {الفُلْك التي تجري في البحر} . ومن ذلك قولهم "رجلٌ جُنُبٌ ورجالٌ جُنُبٌ"، (بضمتين) ، قال تعالى {وإن كنتم جُنُباً فاطَّهَّروا} . ومنه العدُوّ قال تعالى {فإنهم عَدُوٌّ لي إلا ربَّ العالمين} ، وقال {وإن كان من قومٍ عَدوٌّ لكم} . ومنه الضَّيف، قال عزَّ وجل {هؤلاء ضيفي} . ومنه الدَّلاص والهِجان والولد (بفتحتين) ، وبضم فسكون، وبكسرٍ فسكون، وبفتح فسكون، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 تقول "هذا ولدُ فلانٍ وهؤلاء ولدُهُ". ويجوز جمعه فتقول "أولاد". فكلُّ ذلك يَستوي فيه الواحدُ والجمعُ، وكذا المذكرُ والمؤنث. (6) جمع المركبات إذا أردت جمعَ مُركَّب إضافيٍّ مصدَّرٍ بابنٍ أو ذي، فإن كان للعاقل جمعتَ "ابناً" جمعَ المذكر السالمَ أو جمع التكسير، وجمعتَ "ذو" جمعَ المذكر السالَم لا غيرُ فتقول في جمع ابن عباس "بنو عباس"، أو "أبناءُ عباس". وتقول في جمع ذو علمٍ ذَوُو علمٍ. وإن كان لغير العاقل كابنِ آوى وابنِ عرس وابنِ لَبونٍ وذي القَعدة وذي الحِجَّة، جمعت "ابناً" على "بناتٍ" و"ذو" على "ذواتٍ" كبناتِ آوى وذواتِ القَعدة وذوات الحجَّة. وإن كان غيرَ مُصَدَّرٍ بابنٍ ولا ذي، تجمعْ صدرهُ كما تجمع الأسماءِ مِنْ حده، فتقولُ في جمع قلم الرجل "أقلام الرجل". فإن كان المركَّبُ مزجياً، أو إسنادياً، توصلتَ إلى الدلالة على الجمع بزيادة "ذوو" قبله إن كان مذكراً عاقلا، و"ذوات"، إن كان مؤنثاً، أو مذكراً غير عاقل كذوي معْدِ يكرب، وسيبَويه، وبَرَق نحرُهُ، وتأبط شراً (ومفرداتها أعلام رجال) . والمعنى أصحاب هذا الاسم. وتقول في جمع شابَ قرناها (علم امرأة) وبعلبكَّ ذات شابَ قرناها، وذَوات بعلبكَّ". (7) جمع الاعلام إذا جُمعَ العلمُ صار نكرةً. ولهذا تدخلُه "أل" بعد الجمع لتُعرّفه كمحمدِ والمحمَّدينَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وإذا جمعتَ اسمَ رجلٍ فأنتَ بالخيار، إن شئتَ جمعته جمع المذكر السالمَ (وهو الأولى) ، وإن شئتَ جمعته جمع التكسير على حَدِّ ما تجمع عليه نظيرَه من الأسماء، فتقول في جمع زيد وعمرو وبِشر وأحمدَ "زيدون وأزياد وزيُود، وعَمْرون وأعمُرٌ وعُمور، وبشْرون وأبشارٌ وبُشور، وأحمدون وأحامد". وإن جمعتَ اسمَ امرأةٍ، فإن شئتَ جمعته بالألف والتاء (وهو الأولى) . وإن شئتَ كسَّرته تكسيرَ نظيرهِ من الأسماء، فتقولُ في جمع دَعْدٍ، وجُمْل (بضم الجيم وسكون الميم) وزينبَ وسعاد دَعَداتٌ وأدعُدٍ، وجُمُلات وأجمالٌ وجُمُول، وزينباتٌ وزَيانِبُ، وسُعادات وأسعُدٌ وسُعُدٌ (بضمتين) وسَعائِد". وإن سميتَ بالجمع السالم كعابدينَ وفاطماتٍ (عَلَمَين) قلتَ ذوو عابدينَ، وذواتُ فاطماتٍ. فإن سميت بالجمع المكسَّر، غير صيغة منتهى الجموع، فأنتَ بالخيار، إن شئتَ جمعته جمع سلامةٍ (وهو الأولى) ، فتقول في جمع أعبُدٍ وأنمارٍ، إن سميتَ بهما الرجل "أعبدون وأنمارون، وأعابدُ وأنامير". فإن سميتَ بهما المرأةَ قلت "أعبداتٌ وأنماراتٌ، وأعابدُ وأنامير"، فإن كان المسمى به على صيغة منتهى الجموع، أَو على وزنٍ غيرِ صالحٍ لهذه الصيغة، فلا يُجمعُ إلا جمع السلامة. فمثلُ "مساجدَ ونُبَهاءَ، إن سميتَ بهما، ولا يُجمع إلا على "مَساجدون ونُبهاوون" للمذكر، و"مَساجداتٌ ونُبَهاواتٌ" للمؤنث. وإن جمعتَ "عبد الله" ونحوَهُ، من الأعلام المركبة تركيباً إضافياً، قلتَ "عبدو الله، وعبيدُ الله" تُجري صيغةَ السلامةِ أَوِ التكسيرِ على الجزء الأول، ليس إِلا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 (النسبة وأحكامها) النسبةُ هي إلحاقُ آخرِ الاسمِ ياءً مشدَّدةً مكسوراً ما قبلها، للدَّلالة على نسبة شيءٍ إلى آخرَ. والذي تلحَقُهُ ياءُ النسبةِ يُسمَّى منسوباً كبيروتيّ ودمَشقيّ وهاشميٍّ. (وفي النسبة معنى الصفة، لأنك إذا قلت "هذا رجل بيروتي"، فقد وصفته بهذه النسبة. فان كان الاسم صفة، ففي النسبة اليه معنى المبالغة في الصفة، وذلك أَن العرب إذا أرادت المبالغة في وصف شيء، ألحقوا بصفته ياء النسب، فاذا أرادوا وصف شيء بالحمرة، قالوا "أحمر". فإذا أَرادوا المبالغة في وصفه بالحمرة، قالوا "أحمري") . وإذا نسبتَ إلى اسم ألحقتَ به ياءَ النسبة، وكسرتَ الحرفَ المُتَّصلَ بها. ويحدث بالنسب ثلاثة تغييرات، الأول لفظي وهو إِلحاق آخر الاسم ياء مشددة، وكسر ما قبل آخره، ونقل حركة الإعراب إلى الياء. الثاني معنوي وهو جعل المنسوب إليه اسماً للمنسوب. الثالث حكمي وهو معاملته معاملة اسم المفعول من حيث رفعه الضمير والظاهر على النائبية عن الفاعل، لأنه تضمن بعد إلحاق ياء النسب معنى اسم المفعول. فإذا قلت "جاء المصري أبوه"، فأبوه نائب فاعل للمصري. وإذا قلت "جاء الرجل المصري"، فالمصري يحمل ضميراً مستتراً تقديره "هو" يعود على الرجل. لأن معنى "المصري" المنسوب إلى مصر) . والمنسوبُ على أنواعٍ منها مالا يتغيَّرُ عندَ النسبِ كحُسينٍ وحُسْينيٍّ. ومنها ما يتغير كفَتىً وفَتَوِيٍّ، وصَحيفةٍ وصَحَفيٍّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 النسبة إلى المؤنث بالتاء إذا نسبت إلى ما خُتمَ بتاءِ التأنيثَ، حذَفتها وجوباً فتقول في فاطمة وطَلحةَ فاطِميٌّ وطلحيٌّ. النِّسبة إلى الممدود إذا نسبتَ إلى ما خُتمَ بألفٍ ممدودة، فإن كانت للتأنيث وجب قلبُها واواً، "كحمراس، وحمراويّ، وبيضاء وبيضاويّ". وإن كانت أصليَّةً تبقَ على حالها كوُضَّاء ووُضَّائي، وقُرَّاء وقُرَّائيّ". وإن كانت مُبدَلةً من واوٍ أو ياءٍ ككساءٍ ورداءٍ، أو مزيدَةً للإلحاق، كعِلْباءٍ وحرباءٍ"، جاز فيها الأمرانِ تصحيحُها وقلبُها واواً "ككسائيٍّ وكساويٍّ، وردائيٍّ ورداويٍّ، وعِلبائيٍّ وعِلباويٍّ، وحِربائيٍّ وحِرباويٍّ" والهمزُ أفصَحُ. النِّسبة إلى المقصور إذا نسبتَ إلى ما خُتمَ بألفٍ مقصورةٍ، فإن كانت ثالثةً "كعصاً وفَتىً" قلبَتها واواً "كعَصَويٍّ وفَتَويٍّ". وإن كانت رابعة في اسمٍ ساكنِ الثاني، جازَ قلبُها واواً، وجاز حذفُها فتقول. في مَلهَى وحُبلى وعَلْقًى "مَلْهَويٌّ، ومَلْهِيٌّ، وحُبْلوِيٌّ وحُبليٌّ، وعَلْقَويٌّ، وعَلْقيٌّ، لكنَّ المختارَ حذفُها إن كانت للتأنيث "كحبلى"، وقلبُها واواً، إن كانت للإلحاق "كعلقى"، أو مُبدَلةً من واوٍ أو ياءٍ كمَلهىً، ومَسْعىً". ويجوز، مع القلب، زيادةُ ألفٍ قبل الواو "كحُبلاوي وعَلقاويّ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وإن كانت رابعةً في اسمٍ مُتحرِّكِ الثاني، "كبرَدَى وجَمَزى"، أو كانت فوقَ الرابعة "كمصْطفَى وجُمادَى، ومُسْتشفَى" حذَفتها وُجوباً، فتقول "بَرَدِيُّ وجَمَزِيٌّ ومُصطفيٌّ وجُمادِيٌّ ومستشفيٌّ". النَّسبة إلى المنقوص إذا نسبتَ إلى اسمٍ منقوص فإن كانت ياؤُهُ ثالثةً، قلبَتهاواواً وفتحت ما قبلها، فتقول في النسبة إلى الشَّجيِّ "الشَّجَوِيُّ". وإن كانت رابعةً، جازَ قلبُها واواً مع فتحِ ما قبلَها، وجاز حذفُها، فتقول في النسبة إلى القاضي "القاضَوِيٌّ والقاضي"، وفي النسبة إلى التربيةِ "التَّربيُّ والتَّربَويُّ" والمختار حذفُها. وإن كانت خامسةً حذفتها وجوباً، فتقولُ في المُرتجى والمُستعلي "المُرتجيُّ والمُستعليٌّ". النِّسبة إلى المحذوف منه شيء إذا نسبتَ إلى اسم ثلاثي محذوفِ الفاء، فإن كان صحيحَ اللامِ لم يُرَدَّ إليه المحذوفَ، فتقول في النسبة إلى عِدَةٍ وصِفَةٍ "عِدِي وصِفيُّ". وإن كان مُعتلَّها كِشيّةٍ ودِيَةٍ، وجَبَ الردُّ وفتحُ عينهِ، فتقول "وَشوِيِّ ووِدوِيٍّ، بكسر أولهما وفتح ثانيهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 وإذا نسبت إِلى اسمٍ ثلاثيٍّ محذوفِ اللام، رَدَدْتَ إِليه لامَه، وفتحتَ ثانيه، فتقولُ في النسبةِ إلى عَمٍ وشَجٍ وأَبٍ وأَخٍ ولُغَةٍ وسَنَةٍ ومِئَةٍ وأمةٍ ويدٍ ودمٍ وغدٍ وشَفَةٍ وثُبَةٍ وعِضَةٍ عَمَوِيٌّ وشَجَوِيٌّ وأبويٌّ وأخويٌّ ولُغَويٌّ وسَنَويٌّ ومِئَويٌّ وأمَويٌّ ويَدَوِيٌ ودَمَوِيٌّ وغَدَوِيٌّ وشفَهيٌّ "أو شَفَوي" وثُبَويٌّ وعِضَويٌّ". ثمّ إن كانت اللامُ المحذوفةُ تُردُّ في تثنيةٍ، أو جمع تصحيحٍ، وجبَ ردُّها في النسبة وجوباً كعَمٍ وشَجٍ وأبٍ وأخٍ، لأنك تقول في تَثْنيتهما "عَمَوانٍ وشَجيانِ وأبوانٍ وأخوانٍ"، وكسَنةٍ وعِضَةٍ وأمَةٍ، لأنك تقول في جمعها جمعَ سلامةٍ "سَنوات (أو سَنَهات) وعِضَوات (أو عِضَهات) وأَموات". وإن كانت لا ترَدُّ في تَثنْيةٍ أو جمع سلامةٍ، جاز رَدُّها في النسبة، وهو الأفصحُ، وجازَ عدمُ الرَّدَّ، فَتَنسبُ إلى الاسم على لفظه. وذلك كيَدٍ ودمٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 وغدٍ وثُبَةٍ ومِئةٍ ولُغةٍ. فكما تقول "يَدويٌّ ودَموِيٌّ وغَدوِيٌّ وثَبَوِيٌّ ومِئَوِيٌّ ولُغَويٌّ"، تقول "يَدِيٌ وغَديٌ وثُبيٌ ومِئِيٌ ولُغِيٌ"، لأنك تقول في تَثْنيتها "يدانِ ودَمانِ وثُبتانِ ولُغتان"، وتقول في جمع "ثُبةٍ ولغةٍ" جمعَ تصحيحٍ "ثُبات ولُغات"، بعدَمِ ردِّ اللام المحذوفة في التثنية أو الجمع. وقد نسبوا إلى "الشفَة" على لفظها، فقالوا "شَفِيٌ"، ونسبوا إليها بردِّ المحذوف، فقالوا "شَفَهيٌ وشَفَوِيٌ"، مع أنهم قالوا في جمعها "شَفَهات وشَفَوات" وبرَدِّ المحذوف عند الجمع. ويجوزُ فيما عُوضَ من لامهِ همزة الوصلِ، كابنٍ واسمٍ، أن تحذفَ همزته وتُرَدَّ إليه لامُهُ، وأن يُنسبَ إليه على لفظه، فتقول بَنَويٌ وسِمَويٌ، وإبنيّ وإسميّ". وتقول في النسبة إلى بنتٍ وأختٍ "بَنويٌ وأخويّ"، بردِّ اللامِ وحذفِ التاءِ، وهو قولُ الخليل وسيبويه. وهو القياس باعتبار أنها في الأصل تاءُ تأنيث مربوطة. ويجوز أن تقول "بِنْتيٌ وأُختيٌ" تَنسبُ إليهما على لفظهما. وهو قولُ يونُسَ. (وحجته أن التاء لغير التأنيث، لأن ما قبلها ساكن صحيح، ولأنها لا تبدل هاء في الوقف، كما تبدل التاء في نحو "كاتبة وشجرة" وهو أقرب إلى الفهم وأبعد عن الالتباس؛ فلا تلتبس النسبة إليها بالنسبة إلى "ابن وأخ" والحق أن تاء أخت أصلها تاء التأنيث المربوطة، كما هو مذهب الخليل والليث وليست عوضاً من لام الكلمة المحذوفة، وهي الواو، كما ذهب إليه سيبويه وغيره. وذلك أنهم لما حذفوا الواو بسطوا التاء المربوطة، ليكون الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 بسطها أمكن في الوقف عليها من المربوطة. فكأن بسطها تعويض لها من لامها المحذوفة) . النِّسيبة إلى الثلاثي المكسور الثاني إذا نسبتَ إلى اسمٍ ثُلاثيٍّ، مكسورِ الحرفِ الثاني، وجبَ تخفيفه بجعل الكسرةِ فتحةً، فتقولُ في النسبة إلى نَمِر ودُئِل وإبلٍ ومَلِكٍ "نَمَرِيٌّ ودُؤَليُّ وإِبَليٌّ ومَلَكيٌّ". النِّسبة إلى ما قبل آخره ياء مشددة مكسورة إذا نسبتَ إلى ما قبلَ آخرهِ ياءٌ مشَدَّدةٌ مكسورةٌ، خفَّفْتها بحذف الياءِ المسكورةِ، فتقولُ في النسبة إلى الطيِّب والميِّت والكَيّسِ والكُريِّم والغُزيِّل "الطَّيْبيُّ والمَيْتيُّ والكَيْسيّ والكُرَيميُّ والغُزَيليُّ". النِّسبة إلى ما آخره ياء مشددة إذا نسبتَ إلى ما خُتمَ بياءٍ مُشدَّدةٍ، فإن كانت مسبوقةً بحرف واحدٍ، كحَيٍّ وطَيٍّ، قلبت الثانيةَ واواً، وفتحتَ الأولى، ورَدَدْتَها إلى الواو، إن كان أصلُها الواو "كحَيَويٍّ وطووِيٍّ". وإن كانت مسبوقةً بحرفين كعليٍّ وعَدِيٍّ ونبيٍّ وقُصيٍّ وجُدَيٍّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 حذفتَ الياءَ الاولى وفتحت ما قبلها، وقلبت الثانية واواً "كعَلَويٍّ وعَدويٍّ وقُصَوِيٍّ". وإن كانت مسبوقةً بأكثرَ من حرفين، وجبَ حذفها ووضعُ ياء النسَبِ موضعَها. فالنسبةُ إلى الكرسيِّ والشافعي "كرسيٌّ وشافعيٌّ"، كأنك أبقيتَ ما كان كذلك على حاله. (فائدة - إذا سميت بنحو "بخاتي وكراسي"، مما كان على صيغة منتهى الجموع مختوماً بياء مشددة ليست للنسب كان ممنوعاً من الصرف، كأصله المسمى به. ثم إذا نسبت إليه حذفت ياءه المشددة، ووضعت موضعها ياء النسبة. وبذلك يخرجُ عن وزن منتهى الجموع فينصرف. أي ينون ويجرٍ بالكسرة، لأن ياء النسب في تقدير الإنفصال. وأما ما لحقته ياء النسبة مما سمي به من هذه الصيغة، كأن تسمي شخصاً بمساجدي، فهو منصرف أيضاً لخروج الوزن عن منتهى الجموع بلحاق الياءِ آخره وإن كانت، الأصل، في تقدير الانفصال، لأنها جزء من الاسم، لأن التسمية به وقعت مصحوباً بها) . النِّسبة إلى التثنيَة والجمع إذا نسبتَ إلى مثنَّى أوب مجموعٍ، وجب رَدُّهُ إلى المفرد فالنسبةُ إلى العراقينِ والكتُبِ والأخلاقِ والدُّوَلِ والفَرائض والقبائلِ والسود "عراقيٌّ وكتابيٌّ وخُلُقيٌّ ودَوْليٌّ وفَرَضيٌّ وَقَبليٌّ وأسوديٌّ وسوداويٌّ"، إلا الجمعَ الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 لا واحدَ له كعَبابيدَ وأبابيلَ وتَجاليدَ، أو كان يجري على غير مفردهِ، كمَلامِحَ ومَحاسِنَ ومَشابِهَ. وواحدُها لَمْحةٌ وحُسْن وَشبَهٌ، أو كان لا واحدَ لهُ من لفظه (وهو اسمُ الجمعِ) كلاقوم والمعْشر والجيش، أو كان مما يُفرَّقُ بينَهُ وبين واحدهِ بياءِ النَّسَبِ أو تاءِ التأنيثِ (وهو اسمُ الجنس الجمعيّ) كعَرَبٍ وأعرابِ ورومٍ وتَمْرٍ وتُفْاحٍ. فكلُّ ذلك يُنسَب إليه لفظهُ، فتقولُ "عَبابيديّ ومحاسنيّ وقوميّ وعربيّ وتَمْريّ وتُفاحيّ". وحكمُ الملحقِ بالمثنى والجمعِ السالم حكمُ ما ألحقَ به، من حيثُ تجريده من علامتي التثنيةِ والجمع، عند النسبة إليه، فتقول في النسبة إلى اثنين "إثني أو ثَنوِيّ" وفي النسبة إلى عشرينّ عِشْري"، وفي النسبة إلى سنينَ وأرَضينَ وعالَمين وبنينَ "سَنويٌّ وأرضيٌّ وبَنويٌّ أو ابنيٌّ. إذا نسبتَ إلى علمٍ منقولٍ عن جمعِ تكسير، نسبت إليه على لفظه "كأنمارٍ وأنماريٍّ، وأوزاعٍ وأوزاعيٍّ". وكذا ما جرى منه مجرى العلم "كأنصارٍ وأنصاريٍّ". النِّسبة إلى العلم المنقول عن تثنيةٍ أو جمع وإذا نسبت إلى علمٍ منقولٍ عن مُثنَّى أو جمعي السَّلامة، كحسنانِ وزَيدانِ، وزيدُونَ وعابدُون، وعَرفاتٍ، فإن كان باقياَ على إعرابه قبل النسبة إليه، رَدَدْتهُ إلى المفرد ونسبتَ إليه. فتقولُ "حَسنيٌّ وزَيديٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 وعابديٌّ وعرفيٌّ وأذرعيٌّ" وإن عُدِلَ بالمثنى وجمعِ المذكرِ السالم المُسمّى بهما إلى الإعراب بالحركات، نسبت إلى لفظهما الذي نُقِلا عنهُ، فتقولُ "حسنانيُّ وزيدانيُّ، وعابدونيُّ وزيدونيُّ، وعابدينيُّ وزيدينيُّ". وإن عُدِلَ بما جُمع بالألف والتاءِ إلى إعرابه إعرابَ ما لا يَنْصرفُ، نسبت إبيه بحذف التاء. أما الألفُ فَتُعاملُها كما تُعاملُ ألف المقصور فيجوزُ حذفُها أو قلبُها واواً في نحو "هنْدات" فتقول "هنديٌّ وهندَويٌّ"، وتحذَفُ وجوباً في نحو "تَمَرات وفاطمات وسُرادِقاتْ"، فيقالُ "تَمَريٌّ وفاطميٌّ وسُرادقيٌّ". وكلُّ ذلك إنما هو فيما سمي به أما ما كان باقياً على التثنية أو الجمع، ولم يُنقل إلى العَلمية، فيجبُ رَدُّهُ إلى لمفرد عند النسبة إليه فتقول في النسبة إلى الكتابين والحسَنْين والمسلمين والتمراتِ كتابيٌّ وحسنيٌّ ومُسلميّ وتَمْريّ". النِّسبة إلى العلم المركب إذا نسبت إِلى علمٍ مُرَكَّبٍ، فإن كان مركباً تركيبَ جملة أو مَزيجٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 حذفت الجزء الثانيَ، ونسبت إلى الجزء الأول، فتقول في تأبَّط شَرًّا، وجاد الحق، وبعلبكّ، ومعد يكرب تأبَّطيّ وجاديّ وبعْليّ ومعديّ، أو معدوي وقالوا في حضْرَموْت "حضرَميّ" على غير القاعدة. وإن كان مركباً تركيب إضافةٍ، فإن كان المضافُ أباً أو أمًّا أو ابناً، طرحتَ المضاف، ونسبت إلى المضافِ اليه، فتقول في أبي بكرٍ وأم كُلْثومٍ وابن عباسٍ "بكرِيٌّ وكُلثوميٌّ وعبّاسيٌّ". وإن كان غيرَ ذلك، نسبتَ إلى ما ليسَ في النسبة إِليه لَبْسٌ، وطرحت الآخر، فتقولُ في النسبة إلى عبدِ الأشهل وعبدِ منافٍ وعبدِ المطلب وعبد الدَّارِ وعبد الصمّدِ "أشهَلِيٌّ ومَنافيٌّ ومَطَّلبيٌّ وداريٌّ وصَمَدِيٌّ"، تَنسِبُ إلى المضاف إليه. وتقولُ في النسبة إلى امرِئ القيْسِ ورأسِ بعلبك ومُلاعبِ الأسِنةِ ومَجدَلِ غزَّةَ "امرِئيٌّ ورأسيٌّ ومُلاعِبيٌّ ومَجدَليٌّ"، تنسب إلى المضاف. النسْبة إلى (فعيلة) المفتوحة الفاء إذا نسبتَ إلى ما كان على وزن "فَعيلة"، بفتحِ الفاءِ، غيرَ معتل العين، ولا مُضاعفاً، جاءَ على وزن "فَعَليٍّ" بفتح عينهِ وحذف يائه، فتقول في النسبة إلى حَنيفة وربيعة وبَجيلة وعَلِيّة وصَحيفة "حَنَفيٌّ ورَبَعيٌّ وبَجليٌّ وعَلَويٌّ وصَحَفيٌّ". وقالوا في النسبة إلى "سَليمةَ" من الأزد، و"عَميرةَ" من كَلبٍ، وفي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 النسبة إلى السليقة والطبيعة والبَديهة "سليميٌّ وعَميريٌّ وسَليقيٌّ وطبيعيٌّ وبَديهيٌّ" على خلاف القياس. فإن كان مُعتلَّ العين كطويلةٍ، أو مضاعفاً، كجليلةٍ، يبقَ على حاله كطويليٍّ وجليليٍّ. النسبة إلى (فعيلة) المضمومة الفاء إذا نسبتَ إلى ما كان على وزن "فُعَيْلة"، بضم الفاءِ وفتح العين، غيرَ مضاعفٍ، جاءَ على وزن "فَعليٍّ"، بحذف يائهِ، فتقولُ في النسبة إلى جُهَيْنةَ ومُزَينةَ وأُمَيّة "جُهَنيٌّ ومُزَنيٌّ وأُمَويٌّ". وقالوا في رُدَيْنة ونُوَيرة. "رُديْنيٌّ ونُوَيرِيٌّ"، على خلاف القياس. فإن كان مَضافعاً، كأميْمة والحُمَيمةِ بقي على حاله، فتقول "أُمَيْمِيٌّ وحميميٌّ". النسْبة إلى (فَعْيل) بفتح الفاء وضمها فُعيْل قد ألحقوا ما كان مُعتلُّ اللامِ - من وَزنيْ "فَعيلٍ" بفتح الفاء، و"فُعَيلٍ" بضمّها - بِفَعيلة، وفُعَيلة، فنَسَبوهما على "فَعليٌّ وفُعَليٌّ"، فقالوا في نحو عَلي وقُصَيٍّ "عَلَويٌّ وقُصَويٌّ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 فإن كان صحيحي اللاّمِ كَعقيلٍ وجميل، وعُقَيْلٍ وأُوُيْس، بَقيا على حالها، فتقولُ "عَقيليّ وجَميليّ، وعُقَيْليٌّ وأوُيْسيٌّ". وقالوا في ثقيفٍ وعتيكٍ وقُرَيشٍ وهُذَيْلٍ وسُليْمٍ "ثَقَفيٌّ وعَتَكيٌّ وقُرَشيٌّ وهُذَليٌّ وسُلَميٌّ"، على غير القياس. والقياسُ أن يُنسبَ إليها على لفظها، لأنها صحيحة اللام. النسبة إلى ذي حرفين إذا نسبتَ إلى ثُنائيٍّ لا ثلاثَ له، فإن كان ثانيه حرفاً صحيحاً، جاز تَضْعيفُهُ وعَدْمهُ، فتقول في النسبة إلى كَمْ كَمَيٌّ وكَمِيٌّ" وإن كان الثاني واواً وجبَ تضعيفُهُ وإدغامهُ، فتقول في لوْ "لوَيّ" وإن كان ألفاً زيدَ بعدَها همزةٌ، فتقول في لا "لائيّ"، ويجوز قلبُ هذه الهمزة واواً، فتقول "لاويّ". وإن كان ياءً وجب فتحُه وتضعيفُهُ وقلبُ الياء المزيدة للتضعيف واواً، فتقول في كَيْ "كَيَوِيّ" وإنما تجوز النسبةُ إلى هذه الأحرف، وغيرها، إذا جعلَتها أعلاماً، وإلاّ فلا. النسبة بلا يائها قد يُستغنى في النسبة عن يائها، وذلك ببناء الاسم على وزن "فاعل" كتامرٍ ولابنٍ، أي ذي تَمْرٍ ولَبنٍ، أو ببنائه من وزن "فَعّال" وذلك في الحِرَف غالباً كبَقَّالٍ وبزَّارٍ ونجّارٍ وحدَّادٍ، وعطَّارٍ وعَوَّاجٍ أو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 ببنائه على وزن "فَعلٍ" بفتح الفاء وكسر العين. كرجلٍ طعِمٍ ولبِسٍ، أي ذي طعامٍ ولباسٍ. قال الشاعر [من الرجز] لَسْتُ بِلَيْليٌّ، ولكنِّي نَهِرْ ... لا أُدلِجُ اللَّيْلَ ولكِن أَبتكِر أي ولكني نَهاريّ، أي عاملٌ بالنهار. وقد يكونُ (فاعِلٌ) للحِرَفِ "كحائك" في معنى حَوَّاك، كما يكونُ (فَعّالٌ) في غير الحرفِ. كقوله تعالى {وما رَبُّكَ بظلاّمٍ للعبيد} ، أي بذي ظُلمٍ، وقولٍ امرئ القَيْسِ [من الطويل] وليْسَ بِذي رُمْحٍ، فَيَطْعَنُني بهِ ... ولَيسَ بِذي سَيفٍ، ولَيسَ بِنَبَّال أي ليس صاحبَ نَبْلٍ، ولم يُرِدْ أنهُ ليس بصانعِ نَبْل. وهذه الأوزانُ في النّسَبِ سَماعيّةٌ، ولكنَّها واردةٌ بكثرةٍ، فأشبهتْ أن تكونَ قياسيّةً، وقد ذهبَ المُبَردُ إلى أنها قياسيةٌ، وليس ببعيد أن تكون قياسية. شواذ النسب ما جاءَ في النّسَبِ مُخالفاً لما سَبقَ تَقْريرُهُ من القواعد، فهو من شواذِّ النسبِ التي تُحفَظُ ولا يُقاسُ عليها. وقد تَقدَّم ذكرُ بضعها والتّنبيهُ عليه. ومنها قولُهم في النسبة إلى البَصْرَة "بِصرِيٌّ"، بكسرِ الباء وإلى الدَّهرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 "دُهرِيّ" بضم الدال، وإلى السَّهْل "سُهْليّ"، بضم السين، وإلى مَروٍ "مرْوزيّ"، بزيادة الزّاي، وإلى البحرَينِ "بحرانيّ" (بعدمِ رَدَّها إلى المفرد، معَ أنها مُعربة بالحرف، وإلى الشآم واليَمَنِ وتِهامةَ "شآمٍ ويمانٍ وتِهامٍ"، بتخفيفِ ياء النّسب. ومن ذلك قولهم "رُقَبانيٌّ وشَعرانيٌّ وجُمّانيٌّ ولَحْيانيٌّ"، للعَظيم الرَّقبةَ والشَعرِ والجُمّةِ واللّحية. ومنه قولهم في النسبة إلى طيٍّ "طائيّ"، وفي النسبة إلى الوَحْدة "وَحْدانيٌّ"؛ وفي النسبة إلى البادية "بَدَوِيٌّ" والقياس "بادَويُّ" أو "بادِيٌ"، وفي النسبة إلى حَروراء "حَرُورِيٌّ" والقياس (حَرُورايُّ) . (التصغير) التَّصغيرُ أن يُضم أولُ الاسمِ، ويفتحَ ثانيه، ويزادَ بعد الحرف الثاني ياءٌ ساكنةٌ تُسمّى (ياءَ التَّصغير) . فنقولُ في تصغير قلَمٍ ودِرهمٍ وعُصْفور (قُلَيمٌ ودُرَيهمٌ وعُصَيفيرٌ". والاسمُ الذي تلحقه ياءُ التَّصغيرِ يُسمى (مصغَّراً) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 ويُشترطُ فيما يُرادُ تصغيرُهُ أن يكونَ اسماً مُعرباً، قابلا للتَّصغيرِ، خالياً من صيَغِهِ وشِبْهها. (فلا يصغر الفعل ولا الحرف. وشذ تصغير فعل التعجب. مثل "ما احيلاه! وما اميلحه! "، ولا يصغر الاسم المبني. وشذ تصغير بعض الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة، كالذي والتي وذا وتا فقالوا في تصغيرها "اللذيا واللتيا وذيا وتيا". ولا يصغر ما ليس قابلا للتصغير ككبير وعظيم وجسيم، ولا الأسماء المعظمة، لما بينها وبين تصغيرها من التنافي. ولا يصغر نحو الكميت، لأنه على صيغة التصغير، ولا نحو مبيطر ومهيمن، لأنه شبيه بصيغة التصغير) . فائدة التصغير يُصغَّرُ الاسمُ، إما للدلالة على تقليلهِ كدُرَيهماتٍ، أو تصغيره، ككُتَيِّب، أو تحقيره (أي تصغير شأنه) كشُويعرٍ، أو تقريبه، مثلُ "جئْت قُبَيْلَ المَغرِبِ، أو بُعيدَ العِشاء، وجلستُ دُوَيْنَ المنبر، ومَرَّت الطيّارةُ فُوَيْقَنا"، أو للتَّحببِ إليه "كبُنَيٍّ وأبيٍّ وأميَمةٍ وأخَيٍّ". حكم ما بعد ياء التصغير يجبُ أن يكون ما بعد ياء التَّصغير مكسوراً "كجُعيفِرٍ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 إلا إن كان ما بعدها آخرَ الكلمة "كرُجَيْلٍ"، فإنهُ يكون تابعاً للإعراب، أو كان مُتَّصلاً بعلامة التأنيث. كتُميرةٍ وسُلَيمى وأُسَيماءَ، أوبألفِ الجمع، فيما كان على وزن (أفعالٍ) كأحَيمال، أو بالألف والنون الزائدتين في علمٍ أو صفةٍ. كعُثْيمان وعُطَيْشان، فإنهُ يبقى على حاله مفتوحاً. (فإن كان المتصل بهما ليس علماً ولا صفة كسرحان، كسرت ما قبل ياء التصغير وقلبت ألفه ياء. كسريحين، كما تقول في جمعه "سراحين". والسرحان الذئب. فإن سميت بسرحان صغرته على لفظه، فقلت "سريحانه" لأنه صار علماً) . أوزان التصغير للتَّصغير ثلاثةُ أوزان، وهي فُعَيْلٌ، وفُعَيْعِلٌ، وفُعيْعِيل. (كجُبيلٍ ودُرَيْهمٍ وعُصَيْفيرٍ) . فما كان على ثلاثة أحرفٍ، صغَّرتهُ على (فُعيْلٍ) كقُليمٍ وحُسَينٍ، وجُبَيْل. وما كان على أربعةِ أحرفٍ، صغَّرتهُ على (فُعيْعِلٍ) كجُعَيفرٍ وزُيَيْنبٍ ومُبَيردٍ. وما كان على خمسةِ أحرفٍ، مما رابعهُ حرفُ علّة، صغَّرته على (فُعيْعيلٍ) كمفَيْتيحٍ وعُصيْفيرٍ وقُنيْديلٍ. وما على خمسةِ أحرفٍ أصلية، طرحتَ خامسهُ وبنيتهُ على (فعيعِل) فتقولُ في سفرجلٍ وفرزْدقٍ (سُفيْرِجٌ وفُريْزِدٌ) فإن كان مع الخمسة زائدٌ حذفتهُ مع الخامس، فتقول في عنْدليبٍ (عُنيْدلٌ) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 وما بلغتْ أحرُفهُ بالزيادة أكثرَ من أربعةٍ، مما ليس رابعه حرف علَّة، حذفت منهُ وبنيتهُ على (فُعيْعِلٍ) . فإن كان فيه زائدٌ واحدٌ، طرحتهُ، فتقولُ في مُدحرجٍ وسبطْري وغضنْفر (دُحيْرجٌ وسُبيطرٌ وغُضيْفرٌ) . وإن كان فيه زيادتان فأكثرُ، بنيتهُ على أربعةٍ وحذفت من زوائده ما هو أولى بالحذف من غيره، فتقول في مُفرِّحٍ ومُقاتلٍ ومُنْطلقٍ "مُفيْرحٌ ومُقيْتِلٌ ومُطيْلقٌ"، وتقولُ في مُتدحرجٍ ومُقشْعرٍّ (دُحيْرجٍ وقشيْعرٌ) ، وتقولُ في مُستخرجٍ ومُستدعٍ (مُخيرجٍ ومُدَيْعٍ) وتقولُ في استخراجِ وانطلاقٍ واضطرابٍ (تُخيْرج ونُطيْلق وضتيْربٌ) . فإن كان في الاسم زيادتان، ليس لإحداهما مزيةٌ على الأخرى، حذفت أيهما شئت، فتقول في علنْدى وسرندى وحبنطى. (العُليْند والسُّريند والحُبيْنط) و (العُليْدي والسُّريْدي والحُبيطي) لأنَّ النون والألف المقصورة إنما زيدتا ليلحق الوزنُ بسفرجل. ولا مزية لإحداهما على الآخرى. وهذا شأن كل زيادتين زيدتا للإلحاق. أما ألفُ التأنيث المقصورةُ، فإن كانت رابعة، كحُبلى، ثبتتْ كحُبَيْلى وإن كانت فوق الرابعة، كخوْزلى ولُغَيْزى حُذفت وجوباً، لأنَّ بقاءها يُخرج البناءَ عن مثال (فُعيْعل) أو (فُعَيعل) . وذلك كخوَيزلٍ ولُغَيغيزٍ، ما لم يسبقِ الواقعة خامسةً حرفُ مدٍّ، فيجوزُ بناءها وحذفُ حرفِ المدِّ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 ويجوز العكسُ، فتقولُ في حُبارى "حُبيْرَ" بحذفِ ألفِ المدِّ، و"حبيّر" بحذف ألف التأنيث وبقاءَ حرف المدِّ، بعد قلبه ياءَ وإدغامهِ في ياء التصغير. وأما تاءُ التأنيث وألفُه الممدودةُ، فتَثبُتانِ على كل حال، فتقول في مُسلمة وهندباءَ مُسيْلمة وهُنَيْدِباء". والألفُ والنونُ الزائدتانِ بعدَ أربعةِ أحرفٍ، تَثبُتانِ على كلِّ حال، فتقولُ في تصغير زعفران "زُعَيْفَران". ويجوز أن يعوَّضَ ما حذِفَ منه للتصغيرِ ياءً قبل آخره، فيُبنى الاسمُ على "فُعَيْعيلٍ" فتقول في مُنطلقٍ وسَفرجلٍ "مُطَيْليقٌ وسُفَيْريجٌ"، كما يجوز أن تقول في جمعها مَطاليقَ وسفاريجُ". (ولا يخرج المصغر من هذه الأوزان، ما يلحقه من علامة تأنيث أو تثنية أو جمع أو نسبة، أو الألف والنون الزائدتين، أو الجزء الثاني في المركبين الإضافي والمزجي. فمثل تميرة وسليمى وحميراء وقليمان وعميرون وهنيدات وحميصي وعثيمان وعطيشان وعبيد الله وبعيلبك" مصغر على "فعيل" ومثل "حنيظلة وقويصاء ودريهمان وشويعرون ودميشقي وزعيفران وخويدم الدار ومعيد يكرب" مصغر على "فعيعل". ولا يعتد بما لحق هذه الأسماء من هذه الزيادات) . تصغير ما ثانيه حرف علة إذا صغَّرتَ ما ثانيهِ علَّةٍ مُنقلبٌ عن غيره رَدَدْتَهُ إلى أصله، فإن كان أصلُه الواوَ رددته إليها، فتقولُ في تصغير بابٍ وَطي وقيمةٍ وميزانٍ وديوانٍ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 وميسمٍ " بُوَيْبٌ وطَوَيٌّ وقُوَيْمةٌ ومُوَيزينٌ ودُوَيْوِينٌ ومُوَيْسمٌ". وإن كان اصلُه الياءَ رددته إليها أيضاً، فتقولُ في تصغيرِ نابٍ ومُوقنٍ "نُيَيبٌ ومُيَيْقنٌ" وإن كان أصلُهُ حرفاً صحيحاً رددتهُ إليه، فتقول في تصغير دينارٍ "دُنيْنيرٌ" وإن كان مجهول الأصل كعاجٍ، أو زائداً كشاعرٍ وخاتمٍ، أو مبْدلا من همزة كآصالٍ وآمال وآبالٍ قلبتهُ واواً، فتقول "عُوَيْجٌ، وشُوَيْعرٌ، وخُوَيْتمٌ، وأوْيصالٌ، وأويْمالٌ وأويبالٌ". (وشذ تصغير "عيد" على عييد كما شذ جمعه على "أعياد". وحقه أن يصغر على "عويد" ويجمع على "أعواد" لأنه من عاد يعود، فياؤه أصلها الواو، وأصله "عويد" بكسر فسكون قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها. وإنما صغروه وجمعوه على غير اصله لئلا يتلبس بالعود) . وإن كان الثاني حرفاً صحيحاً منقلباً عن حرف علة، ابقيتّه على حاله (في رأي سيبويه والجمهور) ، أو أرجعتَهُ إلى أصله (في قول الزَّجاج وأبي عليٍّ الفارسيّ) فتقول في تصغير مُتَّعدٍ "مُتَيعِدٌ" (على قول سيبويه. قالوا وهو الصحيح) ، و"مُوَيعد". (في رأيهما) . وذلك لأن أصله "مُوتعدٌ". وأصل هذا من الوعد. وقولُ سيبويه أقرب إلى الفهم، كيلا يلتبس بتصغير "مَوعِدٍ ومُوعدٍ ومُوعَدٍ" وقولهما أصحُّ في القياس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 تصغير ما ثالثه حرف علة إذا صغَّرتَ ما ثالثهُ حرفُ علَّة، أدغمته في ياء التصغير بعد قلبه ياءً، إن كان ألفاً أو واواً، فتقول في تصغير عصاً ورَحى وظَبيٍ ودَلو وَطيٍّ وشمالس وقَدومٍ وجميلٍ "عُصيّةٌ ورُحَيّةٌ وظُبَيٌ ودُلَيّةٌ وطُوَيٌ وشُمَيِّلٌ وقُدَيِّمٌ وجمَيِّل" إلا ما كان آخرهُ ياءً مشدَّدةً مسبوقةً بحرفين كصبيٍ وعليٍّ وذكيٍّ، فَتُخفَّفُ وتُدغمُ في ياء التصغير، فتقول "صُبَيٌ وعُلَيٌّ وذُكيٌّ" فإن سَبقْ بأكثر من حرفين، صُغِّر الاسم على لفظه، فتقول في تصغير كُرسيٍّ ومِصريٍّ "كرَيْسيٌّ ومُصَيريٌّ". تصغير ما رابعه حرف علة إذا صَغرتَ ما رابعهُ حرفُ علَّة، قلبتَ الألفَ أو الواوَ ياءً، وتركت الياءَ على حالها، فتقول في تصغير منشارٍ وأرجوحةٍ وقنديلٍ "مُنَيشيرٌ وأرَيحيحةٌ وقُنَيديلٌ". تصغير ما حذف منه شيء إذا صغَّرتَ ما حُذف منه شيءٌ، رددته عند التصغير، فتقول في تصغير يَدٍ ودمٍ وأبٍ وأخٍ وأختٍ وبنتٍ وعدةٍ وزِنةٍ وشَفةٍ وماءٍ "يُدَيَّةٌ ودُمَيٌّ وأبيٌ واخيٌ وأخيَّةٌ وبُنيّةٌ ووُعيدَةٌ ووُزَيْنةٌ وشُفَيْهةٌ ومُوْيهٌ". وإن كان في أوله همزة وصل حذفتَها ورددْتَ المحذوفَ، فتقول في تصغيرِ ابنٍ وابنةٍ واسمٍ وامرِىءٍ وامرأةٍ "بُنَيٌ وبُنيّةٌ وسُمَيٌّ ومُرَيْءٌ ومُرَيْئةٌ". وإن سَميتَ بنحوِ "قُلْ وبعْ وخُذْ ومُذْ" قلتَ في تصغيره "قُوَيْلٌ وبُدَيعٌ وأخَيْذٌ ومُنَيذٌ" برد المحذوف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 تصغير الثنائي الوضع إذا سمّيت بما وُضع على حرفين، فإن كان ثانيه حرفاً صحيحاً، أبقيته على حاله، بعد التّسمية به فإن أردت تصغيره. ضعَّفت ثانيه عند تصغيره، فتقول في تصغير هلْ وبلْ وإنْ وعَنْ، ونحوها أعلاماً "هُلَيْلٌ وبُلَيْلٌ وأُنَيْنٌ وعُنَيْنٌ". وإن كان ثانيه حرف علة كلَوْ وكي وفي وما ولا، وجب تضعيفه حين التّسمية به، فتقول في المذكورات، إذا جعلتها أعلاماً "لوٌ وكيٌ وفيٌ وماءٌ ولاءٌ". فإن أردتَ تصغيرها، صغرتها على حالها هذه، فتقول "لُوَيٌ وكُيَيٌ وفُيَيٌ، ومُوَيٌ ولُوَيٌ". تصغير المؤنث إذا صغَّرتَ المؤنث الثلاثيَّ الخاليَ من التاءِ، ألحقتها به، فتقول في تصغير دارٍ وشمسٍ وهندٍ وعينٍ وسنٍ وأذنٍ "دُوَيرة وشُمَيسةٌ وهنيْدةٌ وعُيَيْنةٌ وسُنَيْنةٌ وأذيْنةٌ" إلا إذا لزم من ذلك التباس المفردِ بالجمع، أو المذكر بالمؤنث، فتُتْركُ التاءُ، فتقولُ في تصغير بَقرٍ وشجرٍ "بُقيرٌ وشجيرٌ"، لا "بُقيرةٌ وشُجيرةٌ" كيلا يُظنَّ أنهما تصغيرُ بقرةٍ وشجرةٍ. وتقول في تصغير خمْس وستٍ وسبْعٍ وتسعٍ وعَشْرٍ وبِضعٍ، في المعَدود المؤنث خُمَيسٌ وسُتيتٌ وسُبَيْعٌ وتُسَيعٌ وعُشيرٌ وبُضَيعٌ"، لا خُمَيْسةٌ وسُتيْتَةٌ الخ، لئلا تلتبسَ بتصغير "خمسةٍ وستةٍ" الخ في المعدود المذكر. وإذا سمَّيتَ رجلا بمؤنث ثلاثي، كنارٍ وعينٍ وأذنٍ وفِهْرٌ، ثم أردت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 تصغيره، لم تُلحق به التاء، فتقول "نُوَيرٌ وعُيَيْنٌ وأذَينٌ وفُهَيرٌ". فإن سميت بهذه الأسماء ونحوها مذكراً، بعد تصغيرها، أبقيتها على ما هي عليه. ومن ذلك "مُتَمّمُ بن نُوَيرة، وعُيَينة بن حصنٍ، وعمرو بن أذَيْنة، وعامر بن فُهَيْرة". وإذا سمّيتَ امرأة بمذكرٍ ثلاثي، كرمحٍ وبدرٍ ونجمٍ وسعدٍ، ثم أردت تصغيره، ألحقت به التاءَ، فتقول "رُميْحة وبُديرة ونُجَيْمة وسُعَيْدَة". فلا اعتبار في العلم، في حال تصغيره، بما نُقِلَ عنه من تذكير أو تأنيثٍ، وإنما العبرة في مُسمّاةُ الذي نقلَ إليه. هذا هو الحق. (وقال يونس يجوز الاعتباران اعتبار الأصل واعتبار الحال. وعليه فتقول في "عين" مسمى بها مذكر "عيين وعيينة". وتقول في "رمح" مسمى به مؤنث "رميحة ورميح" وقال ابن الانباري إنما العبرة بأصله المنقول عنه، فتلحقه التاء او لا تلحقه بهذا الاعتبار. وعليه فلا تقول في "عين"، مسمى بها مذكر، إلا "عيينة"، وفي "رمح" مسمى به مؤنث، إلا "رميح") . أما المؤنث الرُّباعيُّ فما فوق، فلا تَلْحقه تاءُ التأنيث، فمثل "زينبَ وعَجوزٍ" يُصغَّر على "زيَينبَ وعُجَيّزٍ". (وشذ تصغير "ذود" "بفتح فسكون" وحرب وقوس ونعل ودرع الحديد وعرس" بلا إلحاق التاء، فقد صغروها على "ذويد وحريب" الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 الخ. مع أنها مؤنثات ثلاثية، فحقها أَن تلحقها التاء عند تصغيرها. كما شذ تصغير قدام ووراء وأَمام على "قديدمة ووريئة" (بتشديد الياء مكسورة) وأميمة (بتشديد الياء مكسورة أَيضاً) فألحقوا بها التاء وهي ليست ثلاثية. وقدام ووراء ظرفان مؤنثان. أَنثوهما على معنى الجهة، وأَمام ظرف مذكر وإِلحاق التاء إياه عند التصغير شاذ من وجهين لأنه مذكر ولأنه فوق الثلاثي. قال في المصباح وقد يؤنث "الأمام" على معنى الجهة. وقال الزجاح واختلفوا في تذكير الأمام وتأنيثه) . تصغير العَلم المركَّب إذا أَردت تصغير علمٍ مُركَّبٍ تركيبَ إضافةٍ أَو مَزجٍ، صغَّرتَ جزءَه الأولَ، وتركتَ الآخرَ على حاله، فتقولُ في عبد اللهِ ومَعْدِ يكرِبَ "عبَيد الله، ومُعَيْدِ يكرِب" أَما المركَّبُ تركيب جُملةٍ كتأبط شراً، وجادَ الحقُّ، فلا يصغَّرُ. تصغير الجمع جمع القلَّة يصغَّر على لفظه، فتقولُ في تصغير أحمالٍ وأَنفُسٍ وأَعمدةٍ وفِتْيةٍ "أُحَيْمالٌ وأُنيْفسٌ وأُعيْمدةٌ وفُتَيَّةٌ". وكذلك اسمُ الجمعِ كرَكب ورُكَيْب. وجمعُ الكثرةِ لا يصغَّرُ على لفظهِ، بل يردُّ إلى المفردِ، ثمَّ يصغَّر ثم يُجمَع جَمعَ المذكَّرِ السالمَ، إن كان للعاقل، وجمع المؤنثِ السالمَ، إن كان لغير العاقل، فمثلُ "شُعراءَ وكُتَّابٍ ودَراهم وعصافيرَ وكُتُبٍ" تَصغيرهُه "شُوَيْعرونَ وكُوَيْتبونَ ودُرَيهماتٌ وعُصَيْفيراتٌ وكُتيِّباتٌ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 تصغير الترخيم من التصغير نوعٌ يسمَّى تصغير الترخيم، وهو أَن يُجرَّد الاسم من الزوائدِ التي فيه، ويصغَّرَ على أَحرفه الأصليّة. فإن كانت أُصُولهُ ثلاثةً يُصغر على "فُعيْلٍ"، فيقالُ في تصغيرِ معطَفٍ ومُنطلقٍ وأَزهرٍ وأَبلَقَ وحامدٍ ومحمودٍ وأَحمد "عُطيفٌ وطُليقٌ وزهَيرٌ وبُليْقٌ وحُميدٌ". ثم إن كان مسمّاهُ مؤنثاً ألحقت به التاء وإن كان قبل الترخيم مؤنثاً بالألف، أَو مؤنثاً بغيرِ علامة، فيقالُ في مُكرمةِ وحُبلى وسوداء وسُعاد: "كُرَيمةٌ وحُجَيلةٌ وسُوَيدة وسُعيدة"، وتقول فيمن سمّيتها سعيدَ وسماء "سُعيْدةٌ وسُميّة". إلا إذا كان من الصفات الخاصة بالإناث، التي لم تلحقها علامة التأنيث كطالق وناهد، فلا تلحقها التاء كطُليْق ونُهيْدٍ". وإن كان مؤنثاً بلا علامة، وسميت به مذكراً، لم تُلحق به التاء، فتقول فيمن سميته سماء وعروباً سُميٌ وعُريبٌ". وإن كان مؤنثاً بالعلامة، جرّدته منها، فتقول فيمن سميته مُكرمةٌ وصحراءَ وفاطمة "كريمٌ وصُحير وفُطيمٌ". إلا إذا وقعت التسمية به بعد التصغير، كأن تسمي رجلا "صحيرة" مؤنث "صحراء" فتبقى علامة التأنيث. وإن كانت أَحرفه الأصليّة أَربعة يصغر على "فُعَيْعل"، فيقال في قرْطاس وعصفور وقنديل "قريطِس وعُصَيْفِر وقُنَيدِل". وتصغير الترخيم، إنما يكون في حذف ما يجوز بقاؤه في التصغير، كما رأَيت، أَما حذف ما لا يجوز بقاؤه، لأنه تختل ببقائه صيغة التصغير، فليس من باب تصغير الترخيم، كما يتوهم وذلك كتصغير "متدحرجٍ وسفرجل" على "دحيرج وسفيرج". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وما كان فيه زيادتان فأكثر من الثلاثي الأصول، كمنطلق ومُستخرج، صغرته على "مُطيْلِقٍ ومخيْرج" تصغيراً لا ترخيمَ فيه، لأن الزوائدَ المحذوفة لا يجوز بقاؤُها في مصغرهما، لاختلال الصيغة معها، فإذا أردت ترخيمهما، قلتَ "طَلَيْقٌ وخُرَيجٌ". شواذ التصغير ما جاءَ في التَّصغير مخالفاً لما سبقَ تقديرُه من القواعد، فهو من شواذَّ التصغير، التي تُحفظ ولا يقاس عليها. وقد تقدَّم ذكرُ بعضها. ومن ذلك تصغيرهم عشاءً على "عُشَيّانٍ" وعَشيّة على "عُشيْشيةٍ" وعَشيّاً على "عُشيْشانٍ"، وليلة على "لُيَيْلِيةٍ"، وقالوا "لُيَيْلة" أيضاً على القياس. وقد صغّروا إنساناً على "أُنَيْسيانٍ"، وقد أَجمعَ العرب على تصغيره على ذلك. وصغَّروا بَنينَ على "أُبَيْنينَ"، لم يُصغروها على غير ذلك. وقالوا في تصغير رَجُلٍ "رُجَيْلٍ" على القياس، و"رُوَيجلٌ"، على غير القياس، كأنهم رَجعوا به إلى "الراجل"، لأنَّ اشتقاقه منه، كما في لسان العرب. قال النحاةُ وبعضُ اللغويين وشذَّ تصغيرُ صبْيةٍ وغلْمةٍ على أُصَيْبيةٍ والحقُّ أنَّ أصيْبية هي تصغير "أصْبية". وأما صبْية فتصغيرها (صُبَيَّة) . وكذلك أغيْلمة (غُلَيْمة) . وقالوا شذَّ تصغيرُ مَغرِب على (مُغَيْرِبانٍ) والحقُّ أنَّ مُغَيْرباناً هو تصغيرُ (مَغْربانٍ) ، وهو بمعنى المغرب. يُقال لقيته مَغربَ الشمسِ، ومَغْربانَها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 (التصريف المشترك) (الإدغام) الإدغامُ إِدخالُ حرفٍ في حرفٍ آخرَ من جنسه، بحيث يصيرانِ حرفاً واحداً مُشدَّداً، مثلُ "مدَّ يمدُّ مدّاً" وأصلُها "مدَدَ يمدُدُ مدْداً". وحكمُ الحرفينِ، في الإدغامِ، أن يكون أوَّلهما ساكناً، والثاني متحركاً، بلا فاصلٍ بينهما. وسكون الأول إما من الأصل كالمد والشد. وإما بحذف حركته. كمدَّ وشدَّ. وإما بنقلِ حركته إلى ما قبلهُ كيمُد، ويشدُّ. والإدغامُ يكون في الحرفين المتقاربين في المَخرَج، كما يكون في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 الحرفين المتجانسين. وذلك يكون تارةً بإبدال الأول ليُجانسَ الآخر كامَّحى، وأصلُه "انمحى"، على وزن "انفعلَ" ويكون تارةً بإبدال الثاني ليُجانس الأولَ كادَّعى، وأصلُه "ادْتعى"، على وزن "افتَعل". اقسم الادغام الإدغامُ، إِما صغيرٌ، وهو ما كان أوَّلُ المثلين فيه ساكناً من الأصل. وإما كبير وهو ما كان الحرفان فيه متحركين، فأسكن أولهما بحذف حركته، أو بنقلها إلى ما قبلها. وإنما سُمّيَ كبيراً لأن فيه عَمَلين وهما الإسكان والإدراجُ، أي الإدغام. والصغير ليس فيه إلا إِدراج الأولِ في الثاني. وللإدغامِ ثلاثُ أحوالٍ الوجوبُ، والجوازُ، والإمتناع. وجوب الادغام يجبُ الإدغامُ في الحرفين المتجانسين إذا كانا في كلمة واحدة، سواءٌ أكانا متحرّكين كمَرَّ ويمُرُّ (وأصلُهما مَرَر ويمرُرُ) ، أم كان الحرف الأول ساكناً والثاني متحركاً كمد وعَض (وأصلهما مَدْدٌ وعَضْضٌ) . وأما قول الشاعر "الحمدُ لله العلي الأجلَلِ" فمن الضّرورات الشعريَّة، والقياسُ (الأجَلّ) . ثم إن كان الحرفُ الأول من المثْلين ساكناً، أدغمتَه في الثاني بلا تغيير. كشَد وصَدٍّ (وأصلهما شَدْد وصَدْدٌ) . وإن كان متحركاً طرحتَ حركتهُ وأدغمتهُ" إن كان ما قبلهُ متحركاً أو مسبوقاً بحرفِ مدٍّ، كرد ورادٍّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 (وأصلُهما رَدَد ورادِدٌ) أما إن كان ما قبله ساكناً فتنقَلُ حركته إليه كيرُدُّ (وأصلُه يُرْدُد) . ويجب إدغام المِثلين المُتجاورين الساكنِ أولُهُما، إذا كانا في كلمتين، كما كانا في كلمة واحدة، مثلث "سَكَتُّ، وسكنَّا وعَنَّى وعَلَيَّ، واكتُبْ بالقلم، وقلْ له، واستغفرْ رَبَّك" غيرَ أنه إن كان ثاني المثلين ضميراً، وجب الإدغامُ لفظاً وخطًّا، وإن كان غير ضمير وجب الإدغامُ لفظاً لا خطًّا، كما رأيت. وشذَّ فكُّ الإدغام الواجبِ في ألفاظٍ لا يُقاسُ عليها، مثلُ "ألِلَ السقاء والأسنانُ" (إذا تغيَّرت رائحتُهما وفسَدتْ) ، ودببَ الإنسانُ (إذا نَبت الشَّعرُ في جبينه) وضضبِبتِ الأرض (إذا كثُرَت ضبابُها) ، وقَطِط الشَّعر (إذا كان قصيراً جَعْداً) . ويقال قَطَّ بالإدغام أيضاً، ولَحِحت العين (إذا لَصقتْ أجفانُها بالرمصِ) ولخَختْ) إذا كثُر دَمعُها وغلُظتْ أجفانُها، ويقال لحَّت ولَخَّت بالإدغام أيضاً، ومَشَشتِ الدابةُ (إذا ظهرَ في وظيفها المَششُ) ، وعَزُزتِ الناقةُ (إذا ضاق مجرى لبنها) . وشذَّ في الأسماءِ قولُهم "رجلٌ ضففُ الحال، (أي ضيّقُها) وشديدُها، ويقولُ (ضَفُّ الحالِ بالإدغام أيضاً) ، وطعامٌ قَضيضٌ أي "فيه حصًى صغارٌ أو تراب، ويقال قضٌ بالإدغام أيضاً وقَضِضٌ بالتحريكِ. وهذا يُمْنعُ فيه الإدغامُ، لأنه اسمٌ على وزنِ "فعلٍ" كما ستعلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 جوازم الإدغام يجوزُ الإدغامُ وتركُهُ في أربعة مواضعَ الأول أن يكون الحرفُ الأولُ من المثْلين متحركاً، والثاني ساكناً بسكونٍ عارضٍ للجزْمِ أو شبْههِ، فتقولُ "لم يَمُدَّ ومُدَّ"، بالإِدغامِ، و"لم يَمْدُدْ" بفكّهِ. والفكُّ أجودُ، وبه نَزَلَ الكتابُ الكريمُ. قال تعالى {يكادُ زيتُها يُضيءُ، ولو لم تَمْسَسْه نارٌ} وقال {واشدُدْ على قلوبهم} . وإن اتَّصل بالمُدغَمِ فيه ألفُ الأثنينِ، أو واوُ الجماعة، أو ياءُ المخاطبة، أو نونُ التوكيد، وجبَ الإدغامُ، لزَوالِ سكونِ ثاني المِثْليْنِ، مثلُ "لم يَمُدَّا ومُدَّ، ولم يَمُدُّوا ومُدُّوا، ولم تَمدِّي ومُدِّي، ولم يَمُدَّنْ ومُدَّنْ، ولم يَمدَّنَّ ومُدَّنَّ"، أما إن اتصل به ضمير رفعٍ متحركٌ فيمتنعُ الإدغامُ، كما سيأتي. وتكونُ حركةُ ثاني المثْلين المُدغَميْن في المضارع المجزوم والأمر، اللَّذين لم يتَّصل بهما شيءٌ، تابعةٌ لحركة فائه، مثلُ (رُدُّ ولم يَرُدُّ، وعَضَّ ولم يَعضَّ، وفِرَّ ولم يَفرَّ) هذا هو الأكثرُ في كلامهم. ويجوزُ أيضاً في مضموم الفاء، معَ الضمِّ، الفتحُ والكسرُ. "كرُدَّ ولم يرُدَّ، ورَدَّ ولم يَرُدَّ. ويجوزُ في مفتوحها، مع الفتحِ الكسرُ، كعَضَّ ولم يَعَضَّ. ويجوز في مكسورها، مع الكسرِ، الفتحُ. كفرَّ ولم يَفرَّ. (نعلم من ذلك أن المضموم الفاء يجوز فيه الضم والفتح، ثم الكسر، والكسر ضعيف، والفتح يشبه الضم في قوته وكثرته، وأنّ المفتوح الفاء يجوز فيه الفتح، ثم الكسر، والفتح أولى وأكثر، وأن المكسور الفاء يجوز فيه الكسر والفتح، وهما كالمتساويين فيه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 ويكون جزم المضارع حينئذ بسكون مقدر على آخره، منع من ظهوره حركة الإدغام، ويكون بناء الأمر على سكون مقدر على آخره، منع من ظهوره حركة الإدغام أيضاً. واعلم أن همزة الوصل في الأمر من الثلاثي المجرد، مثل "أمدد"، يستغنى عنها بعد الإدغام، فتحذف، مثل "مد"، لأنها إنما أتي بها للتخلص من الإبتداء بالساكن، وقد زال السبب، لأن أول الكلمة قد صار متحركاً) . الثاني أن يكونَ عينُ الكلمةِ ولامُها ياءَيْنِ لازماً تحريك ثاينتِهما، مثل (عييَ وحييَ، فتقولُ (عَيَّ وحَيَّ) ، بالإدغام أيضاً. فإن كانت حركةُ الثانيةِ عارضاً للإعراب، مثل (لَن يُحييَ، ورأيتُ مَحيِياً) ، إمتنع إدغامُهُ. وكذا إن عَرَض سكون الثانية مثل عييت وحيِيتُ) . الثالث أن يكون في أول الفعل الماضي تاءَان، مثلُ "تتابعَ وتَتَبّعَ"، فيجوز الإدغامُ، مع زيادة عمزة وصلٍ في أوله، دفعاً للابتداء بالساكن، مثلُ "إتَابعَ واتّبَّع". فإن كان مضارعاً لم يَجز الإدغام، بل يجوز تخفيفه بحذف إحدى التاءَين، فتقول في تتجلى وتتلظّى "تجَلى وتلظّى"، قال تعالى "تنزَّلُ الملائكةُ والرُّوح"، وقال "ناراً تلظّى" (أي تتنزَّلُ وتتلظَّى) . وهذا شائعٌ كثيرٌ في الاستعمال. الرابعُ أن يتجاوَز مثْلانِ متحركان في كلمتين، مثل (جعل لي وكتبَ بالقلم، فيجوز الإدغام، بإسكان المِثْلِ الأول، فتقول "جَعَلْ لي، وكتبْ بالقلمِ". غير أنَّ الإدغام هنا يجوز لفظاً لا خطًّا) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 امتناع الادغام يمتنعُ الإدغامُ في سبعة مواضع الأولُ أن يتصدَّرَ المِثْلان كدَدنٍ ودداً ودَد وتَتَرٍ ودَننٍ. الثاني أن يكونا في اسمٍ على وزنِ "فُعَلٍ" (بضم ففتحٍ) . كدُرَرٍ وجُدَدٍ وصُفَفٍ، أو "فُفُلٍ" (بضمّتينِ) كسُرُرٍ وذُلُلٍ وجُدُدٍ، أو (فعَلٍ) (بكسرٍ ففتحٍ) . كلِمَمٍ وكِللٍ وحِللٍ، أو (فَعَلٍ) (بفتحتين) كطَلَلٍ ولَببٍ وخَببٍ. الثالث أن يكون المِثْلان في وزن مزيدٍ فيه للإلحاق، سواءٌ أكان المزيدُ أحد المثلين كجلبَب، أولا كهَيْلل. الرابع أن يتَّصل بأول المثلين مُدْغمٌ فيه كهَلَّلَ ومُهلّلٍ، وشدَّد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 ومُشدد. وذلك لأنْ في الإدغام الثاني تكرار الإدغام، وذلك ممنوعٌ. الخامسُ أن يكون المثلان على وزن (أفْعل) ، في التعجُّب، نحو (اعزِزْ بالعلم! وأحببْ به!) ، فلا يقالُ (اعزَّ به! واحبَّ به!) . السادسُ أن يعوض سُكونُ أحد المثلين، لاتصاله بضمير رفعٍ مُتحرِّك كمدَدْتُ ومَددنا ومَددْتَ ومَددْتُمْ ومَددْيُنَّ. السابعُ أن يكون مِمّا شذَّتِ العَرَبُ في فَكِّه اختيارا، وهي ألفاظ محفوظةٌ تَقَدمَ ذكرُها، فيمتنعُ الإدغامُ. فائدة إذا كان الفعلُ ماضياً ثلاثيًّا، مجرداً مكسورَ العينِ، مضاعفاً، مُسنداً إلى ضمير رفعٍ متحرك، جازَ فيه ثلاثة أوجه، الأولُ استعماله تامًّا، مفكوك الإدغام، فتقولُ في ظلَّ. "ظَلِلْتُ". الثاني حذفُ عينهِ، مع بَقاءِ حركة الفاءِ مفتوحةً، مثلُ "ظلْتُ". الثالثُ حذفُ عينه ونقل حركتها إلى الفاءِ بعد طرح حركتها، مثل "ظِلْتُ". قال تعالى {أُنظرْ إلى إِلهكَ الذي ظِلْتَ عليه عاكفاً} ، وقال {لو نشاءُ لجعلناهُ حُطاماً، فَظَلتم تفكَّهون} . قُرِئَ بفتح الظاء في الآيتين، على بقاءِ حركتها، وبكسرها على طرح حركتها ونقلِ حركة اللام المحذوفة إليها. فإن كان الفعل مضارعاً أو أمراً، وهو ثلاثيٌّ، مجردٌ مضاعَفٌ، مكسورُ العينِ فيهما، مُستْنَدٌ إلى ضمير رفعٍ متحرك، جاز فيه الإتمام، فتقولُ في يَقِرُّ وقِرُّ "يَقْررنَ واقرِرنَ"، وجاز حذف عينه ونقل حركتها إلى الفاءِ، مثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 "يَقِرْنَ وقِرْنَ". ومنه، في قراءة غير نافعٍ وعاصم {وقِرْنَ في بُيوتكنَّ} بكسر القاف. أما ما فُتحت عينه فلا يجوزُ فيه ذلك إلا سماعاً. ومنه "وَقرنَ في بُيوتكنَّ" بفتح القاف، في قراءة نافع وعاصم، وبها قرأَ حَفصٌ وقراءةُ الكسر أصلُها "اقرِرْنَ"، لأن "قرَّ" يجوز أن يكون من باب "فَعَلَ يَفْعِلُ"، بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع، ويجوز أن يكون من باب "فَعِلَ يَفْعَلُ"، بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع. (الإعلال) الإعلالُ حذف حرفِ العِلةِ، أو قلبُه، أو تسكينُهُ. فالحذفُ كيرِثُ (والأصلُ. يَوْرِثُ) . والقلبُ كقال (والأصلُ. قَوَلَ) . والإسكانُ (كيمشي (والأصل. يمشِيُ) . (1) الإعلال بالحذف يُحذَفُ حرفُ العلّةِ في ثلاثة مواضعَ الأوَّلُ أن يكون حرفَ مد مُلتقياً بساكنٍ بعدَهُ كقُمْ وخَفْ، وبِع، وقُمتُ وخِفتُ وبِعتُ، ويَقُمْنَ، ويَخفْنَ، ويَبِعْنَ، ورَمَتْ، وترمونَ، وترمينَ يا فاطمةٌ، وقاضٍ، وفتًى. (والأصلُ "قوم وخاف وبيع وقومت وخيفت وبيعت ويخافن ويبيعن ورمات وترميون وترميين وقاضين وفتان" فحذف حرف العلة دفعاً لالتقاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 104 الساكنين وهؤلاء منبثقات أيضاً عن أصل آخر وسيأتي شرح ذلك في الكلام على الإعلال بالحذف) . إلا إن كان الساكن بعد حرف العِلّةِ مُدَغماً فيما بعدهُ، فلا حَذف، لأنَّ الإدغام قد جعل الحرفين كحرفٍ واحدٍ متحرك، وذلك كشادَّ ويُشادُّ وشودَّ. فإن عَرض تحريكُ الساكن كخَفِ اللهَ، وقُلِ الحقَّ، فلا تُعْتبرُ حركته. لأنها مَعْرِضِ الزوال، فلا يُرَدُّ المحذوفُ كما رأيت. الثاني أن يكون الفعلُ معلوماً مثالا واويًّا على وزن "يفْعِلُ"، المسكورِ العين في المضارع، فتُحذفُ فاؤهُ من المضارع والأمر، ومن المصدر أيضاً، إذا عُوِّضص عنها بالتاء كيَعِدُ وعدْ وعِدَةٍ. (فإن لم يعوض عنها بالتاء فلا تحذف. فلا يقال "وعد وعداً" لعدم التعويض. ولا يجوز الجمع بينهما، فلا يقال "وعدة"، إلا أن تكون التاء مراداً بها المرة، أو النوع، لا التعويض كوعدته عدة واحدة، أو عدة حسنة. وإن كان الفعل مجهولا لم تحذف كيوعد. وكذلك إن كان مثالا يائياً كيسر ييسر أو كان مثالا واوياً على وزن "يفعل" المفتوح العين. كيوجل ويوجل. وشذ قولهم "يدع ويذر ويهب ويسع ويضع ويطأ ويقع" بحذف الواو مع انها مفتوحة العين) . الثالث أن يكون الفعلُ مُعتَلَّ الآخر، فيُحذَفُ آخرُهُ في امر المفرد المذكرِ كاخشَ وادعُ وارمِ، في المضارع المجزوم، الذي لم يتصل بآخره شيءٌ كلم يَخْشَ، ولم يَدْعُ، ولم يرمِ. غيرَ أن الحذف فيهما لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 للإعلالِ، بل للنيابة عن سُكونِ البناءِ في الأمرِ، وعن سكون الإعراب في المضارع. (2) الإعلال بالقلب إذا تحرّك كل من الواو والياءِ بحركة أصليّة وانفتحَ ما قبلهُ، انقلبَ ألفاً كدَعا ورَمى وقال وباع، والأصل "دَعَوَ ورَمَي وقَوَلَ وبَيَعَ". ولا يُعتدُّ بالحركة العارضةِ "كجَيَل وَنَومٍ، وأصُلهما "جيْألٌ ونوْأَمٌ"، سَقَطتِ الهمزةُ بعد نقلِ حركتها إلى ما قبلها، فصار إلى "جَيَل ونَوَم". ويُشترطُ في انقلابها ألفاً سبعة شروطٍ. (1) أن يتحرَّك ما بعدهما، إن كانتا في موضعِ عين الكلمة. فلا تُعَلان في مثل "بيانٍ وطويلٍ وغَيورٍ وخَوَرنقٍ"، لسكون ما بعدهما. (2) أن لا تلِيَهما ألفٌ ولا ياءٌ مُشدَّدةٌ، إن كانتا في موضع اللام فلا تُعلان في مثل "رميا وغزوا وفَتيان وعصوان". لأن الألفَ ولِيَتهما، ولا في مثل "عَلَوي وفَتَوي"، للحاقِ الياء المشدَّدة إيَّاهما. (3) أن تكونا عينُ فعلٍ على وزن "فَعِلَ"، المكسورِ العين، المعتل اللام كهوِيَ ودَوِيَ وجَوِيَ وقَوِيَ وعَيِيَ وحَيِيَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 (4) أن لا يجتمع إعلالان كهوَى وطوَى والقُوَى والهَوَى والحيا والحياة وأصلُها هَوَيَ وطَوَي والقُووُ والهَوَيُ والحَيَي والحَيَيَةٌ". فأعلَّتِ اللامُ بقلبها ألفاً، لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها. وسَلِمتِ العين لإعلال اللام، كيلا يجتمع إعلالانِ في كلمة واحدة. (5) أن لا تكونا عينَ اسمٍ على وزن "فَعَلانٍ" بفتح العين. فلا تُعلاّن في مثل "حيَوانٍ وموتانٍ وجَولانٍ وهَيَمانٍ". (6) أن لا تكونا عين فعلٍ تجيءُ الصفةُ المُشبّهةُ منه على وزن "أفعَلَ"، فإنَّ عينهُ تَصحُّ فيه وفي مصدره والصفة منه كعَوِرَ يَعْوَرُ عوَراً فهو أعور، وحوِلَ يُحْوَلُ حوَلاً فهو أحولُ، وهَيِفَ يَهْيَفُ هَيَفاً فهو أَهيَفُ، وغَيِدَ يَغْيَدُ غَيْداً فهو أَغيَدُ. (7) أَن لا تكونَ الواو عيناً في "افتَعَلَ" الدالَّ على معنى المشاركة. فلا تُعل الواو في مثل "اجتَوَرَ القومُ يَجْتَوِرون، وازدَوَجوا يزدَوِجونَ"، أي تجاوَروا وتزاوجوا. (2) قلب الواو ياء تُقلَبُ الواو ياءً في ثمانية مواضع (1) أن تَسكُنَ بعد كسرةٍ كميعادٍ وميزانٍ. وأصلُها "مِوْعاد ومِوْزانٌ" لأنهما من الوعد والوزن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 (2) أن تتطرَّف بعد كسرةٍ: كرضيَ ويرتضي وَقويَ والغازي والداعي والشجي والشجيّة. والأصل: رَضِوِ ويرتضِوَ وقوِوَ والغازِوَ والداعِوُ والشَّجِوُ والشَّجِوَةُ"، لأنها من الرِّضوان والقُوة والغزوِ والدعوة والشَّجْو. فإن لم تتطرَّفْ: كالعِوَجِ والدِّول، لم تُقْلب. (3) أن تقعَ بعد ياءِ التصغير كجُريٍّ ودُلي. وأصلُهما "جُرَيْوٌ ودُليْوٌ" تصغير "جرْوٍ ودلْوٍ". (4) أَن تقعَ حشْواً بين كسرةٍ وألفٍ، في المصدرِ الأجوفِ الذي أُعِلّتْ عينُ فعله كالقيامِ والصيامِ والانقياد والعِياد والعيادَة وأصلُها "قوامٌ وصِوامٌ وانقوادٌ وعِوادٌ، وفعلُها "قام وصام وانقاد وعادَ" والأصلُ "قَوَمَ وصَوَمَ وانقَوَدَ وعوَدَ". فإن صحّتِ العينُ في الفعل صَحت في المصدر أيضاً، مثل "لاوَذ لِواذاً، وعاوَد عِواداً، وجاوزَ جِواراً". وكذا تَصِح إن لم يكن بعدها ألفٌ كحالَ حِوَلاً. (5) أَن تقعَ عيناً بعد كسرةٍ، في جميع صحيح اللام، على وزن "فِعالٍ" وقد أُعِلَّت في المفرد أو سكنت. فما أعلَّت عينه في المفرد، فكالدِّيار والرِّياحِ والحِيَلِ والقِيَم. وأَصُها "دِوارٌ ورِواحٌ وحِولٌ وقِومُ" ومفردها "دارٌ وريحٌ وحيلةٌ وقيمةٌ. والأصلُ "دَوَرٌ ورِوْحٌ وحِوْلةٌ وقِوَّمةٌ وما سكنت عينه في المفرد (وهذا لا يكونُ إلا في جمعٍ على فعال) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 فكالثياب والسياط. وأَصُلهما (ثِوابٌ وسِواطٌ. ومُفردهما "ثَوبٌ وسوطٌ". فإن صحَّت عينُ المفرد، ولم تَسكنْ. فلا تُقلَبُ كطويلٍ وطِوال وشذَّ جمعُ جوادٍ على "جيادٍ". والقياسُ أَن يُجمع على "جِواد". وكذلك إن كان معتلَّ اللام، فلا تُقلبُ العينُ في الجمع ياءً كجوّ وجِواءٍ. بل إن كانت العين، في الأصل، واواً منقلبةً إلى الياء، رُدت إلى الواو في الجمع كرَيّانَ ورِواءٍ، لأن أُصل ريّان "رَوْيان"، لأنه من "رَوِيَ يَرْوى". وإن وقعة الواوُ حشواً بين كسرةٍ وألفٍ، فيما ليس مصدراً ولا جمعاً كسوارٍ وقِوامٍ وخِوانٍ وسِواكٍ، لم تُقلب. (6) أَن تجتمع الواوُ والياءُ. بشرط أَن يكون السابق منهما أَصلا، لا مبدلاً من غيره، وأَن يكون ساكناً، وأَن يكون سكونُهُ أَصلياً، لا عارضاً، وأن تكونا في كلمة واحدة، او فيما هو كالكلمة الواحدة، فتنقلبُ حينئذٍ الواو ياءً وتُدغمُ في الياء. ولا فرق بين أن تَسبْقَ الواوُ كمَقْضي ومَرْمِي (وأصلُهما مَقْضُوي ومَرْمُويٌ) وأَن تسبق الياءُ كسيّدٍ وميت (وأَصلُهما سَيْوِدٌ ومَيْوِتٌ) . ولا فرق أيضاً بين أن تكونا في كلمة واحدة، كما ذُكر، وان تكونا فيما هو كالكلمة الواحدة، مثل "هؤلاءِ مُعلميًّ ومكرِميَّ" والأصل "مَعَلَّموي ومُكرمويَ". (اجتمعت الواو والياء. وسبقت إِحداهما بالسكون، فانقلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء واعلم أن الضمير وما يضاف إليه هما كالكلمة الواحدة) . فإِن كان السابق منهما مُبدَلاً من غيره، فلا قَلب ولا إدغام. وذلك مثل "ديوان"، لأنَّ أصله "دِوَّان" بدليل جمعة على "دواويين"، ومثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 "رُوَيةٍ" مُخفّفِ "رُؤْية". وكذا إن كان سكونه عارضاً نحو "قَوْيَ" مُخفّف "قوِيَ" وكذا إن كانتا في كلمتين ليستا كالكلمة الواحدة نحو "جاءَ أبو يَحيْى يَمشي وحيداً". وشذَّ قولهم "ضَيْوَن ويومٌ أَيْومُ، وعوى الكلبُ يعوي عوْيةً وعّوَّةً، والرَّجاءُ بنُ حَيْوَة" وحقها الإعلال فالإدغامُ، بأن يقال "ضَيَّنٌ وأيّمٌ وعَيّةٌ وحَيّةٌ" كما قالوا "أيَّامٌ، وأصلُها "أيْوامٌ". (7) أن تكون الواوُ لاماً، في جمعٍ على وزنِ "فُعولٍ"، فتُقلبُ ياءً. وذلك كدَلوٍ ودُلّيٍ وعَصا وعُصِي، وقَفاً وقُفِيٍّ. ويجوزُ كسرُ الفاء، كدِليٍّ وعِصيٍّ وقِفِيٍّ. والأصلُ "دُلُووٌ وعُصووٌ وقَفووٌ"، قُلبتِ اللاّمُ ياءً، فصارت إلى "دُلُويٍ وعُصُويٍ وقُفُويٍ" فاجتمعتِ الواوُ والياءُ، وسُبقَتْ إحداهما بالسكون فَقُلبت الواوُ ياءً وأُدغمت في الياءِ. وقد تَصِح الواوُ شذوذاً، كجمعهم "بَهْواً" على "بُهُوٍّ". وقد جمعوه أيضاً على "يُهِي"، قياساً. فإن كان "فُعُولٌ" مفرداً، صحَّت الواوُ، مثل عتا عُتُواً، وسما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 سمُوًّا، ونما نُموًّا" وقد تُعَلُّ شذوذاً، فقد قالوا "عتا عُتِيًّا، بضم العين وكسرها، كما قالوا عتا عُتُوًّا". (8) أن تكون الواو عين كلمةٍ، في جمعٍ على وزن "فُعَّلٍ"، صحيح اللاّم كصائمٍ وصُيَّمٍ، ونائمٍ ونُيَّمٍ، وجائعٍ وجُيَّعٍ. ويجوز التّصحيح أيضاً كصُوَّمٍ، ونُوَّمٍ، وجُوَّعٍ. وهو أكثرُ استعمالا من الإعلال. وما كان منه مُعلَّ اللامِ، وجبَ تصحيح واوِه كشُوّى وغوّى، وهما جَمْعا "شاوٍ وغاوٍ". أما ما كان على وزنِ "فُعّالٍ" فيجب تصحيح واوه أيضاً كنُوَّامٍ وصُوَّامٍ. (3) قلب الياء واواً تُقلَب الياءُ واواً في ثلاثة مواضع (1) أن تَسكُنَ بعد ضمّةٍ، في غير جمعٍ على وزن "فُعْلٍ" كيوسِرُ وموسِرٍ، ويوقِنُ وموقنٍ. وأصلُها "يُيْسِرُ ومُيْسرٌ، ويُيْقِنُ ومُيْقِنٌ" لأنها من "أَيسرَ وأَيقنَ". فإن تحرَّكت الياءُ كهُيامٍ، لم تُقلَبْ وكذا إن سكنتْ بعد ضمةِ في جمعٍ على وزن "فُعْلٍ" كبيضٍ وهيمٍ، جَمْعَيْ "أبيضَ وبَيضاءَ، وأهيمَ وهيْماء، فلا تُعُلُّ بل تُقلَبُ الضمة التي قبلَها، كسرةً، لِتَصِحَّ الياءُ، كما رأيتَ. والأصلُ "بُيض وهُيْمٌ"، على وزن "فُعْلٍ" لأنَّ ما كان على وزن "أفعَلَ وفُعْلاءَ". صفةً مُشبَّهةً، يُجمعُ على "فُعْلٍ" بضمٍّ فسكون. (2) أن تقعَ لامُ فعلٍ بعدَ ضمّة كنَهُوَ الرجلُ وقَضُةَ، بمعنى "ما أنهاه! وما أقضاه". وأصلُهما "نَهُيَ وقَضُيَ! "، فهما يائيّان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 (3) أن تكونَ عيناً لفُعْلى، بضم الفاء اسماً كطوبى، (وهي مصدر طاب واسم للجنة. وأصلها طُيْبَى) أو أُنثى لأفعلِ التفضيل كالكُوسى والخُورى والطّوبى والضُّوقى (مؤنثات) "أكيس وأخير وأَطيب وأَضيق". وأصلها كُيْسى وخُيْرى وطُيْبى وضُيقى) وجاءَ من ذلك كلمتان بلا قلب، وهما "قسمةٌ ضيزى" و"مشْيةٌ حيكى". ولكن قد أبدلت الضمةُ كسرةً لتصحَّ الياءُ وأَجاز ابن مالك وولده في "فُعلى"الصفة القلبَ، كما تقدَّم وسلامةَ الياء بإبدال الضمة كسرة وعليه فتقول "الطُّوبى والطّيبى، والكوسى والكيسى، والخُورى والخِيرى، والضوقى والضِّيقى". (4) فَعلى وفُعلى المعتلتا اللام إذا اعتلَّت لام "فَعْلى" بفتح الفاء، فإن كانت واواً سَلِمتْ في الاسم كدَعوى، وفي الصفة كنَشوى. وإن كانت ياءً سلِمت في الصفة كخَزيا وصَدْيا (مُؤنثيْ "خَزْيانَ وصَدْيان") وقُلبت واواً في الاسم كتَقْوى وفَتْوى وبَقْوى. وأصلها "تَقْيا وفَتْيا وبقيا". وشذَّ قولهم "رَيَّا" للرائحة، وحقها أن تكون "رَوًّى". وإذا اعتَلَّت لامُ "فُعْلى" بضم الفاء، فإن كانت ياءً صحَّتْ في الاسم كالفتْيا، وفي الصفة كالوُليْا، تأنيتِ "الأولى"، بمعنى الأجدرِ والأحقِّ. وإن كانت واواً سَلمتْ في الاسم كخزْوَى، (وهي اسم موضعٍ) وقُلبتْ ياءً في الصفة كالدُّنيا والعُليا. (وهما من دَنا يدنو وعلا يَعْلو) , وشذَّ قولُ أهلِ الحجازِ "القُصْوَى"، بتصحيح الواو وهو شاذٌّ قياساً، فصيحٌ استعمالا به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 ورد الكتابُ الكريمُ، قال تعالى "وهُمْ بالعُدوَة القُصوى، وغيرُهم يقول "القُصْيا"، على القياس وشذَّ عندَ الجميع "الحُلْوَى"، ضِدُّ "المُرَّى" وهما تأنيث "الأحلى والأمَرَّ". (5) اعلال الألف إذا وقت الألفُ بعد ياءِ التصغير، انقلبت ياءً، وأُدغمت في ياء التَّصغير كغزالٍ وغُزيّل، وكتابٍ وكتَيّبٍ، لاقتضاء كسر ما قبلَ ياء التصغير. وإذا وقت بعد ضمةٍ، قُلِبت واواً كشوهدَ وبُويعَ، أَو بعد كسرة قلبت ياءً كمصابيح ودنانير، والأصل "شاهدَ وبايعَ، ومصاباح ودُنانار" ولما كان النُّطقُ بذلك مُتَعذّراً، قلبت الألف واواً بعدَ الضمة وياءً بعد الكسرة، لِتناسبَ حركةَ ما قبلها. وإذا وقت رابعةً فصاعداً، واتَّصلت بضمير المثنّى، أو ضمير رفع مُتحرِّكٍ في الفعل، أَو بألف التثنية في الاسم، قلبت ياءً على كل حال. سواءٌ أكانت مُبْدَلةً من واو كيرضى وأعطى والمَرضى والمُعطى، أم من ياءٍ كيَسعى وأحيا، والمُهدى والمُستشفى. فتقول "يرضيان وأعطيا، والمُرَضيان والمُعطَيانِ، ويسعيان وأحيَيا، والمُهدَيانِ والمُستشفيانِ". فإن كانت ثالثةً، فإن كان أصلها الواوَ، رُدَّتْ إليها كغَزوا وَغزَوتُ والعصوَيْنِ. وإن كان أصلها الياءَ، رُدَّت إِليها كرَمَيا ورَميتُ والفَتَيَيْن. الإعلال بالتسكين والمرادُ به شيئان الأول حذف حركة حرفِ العلَّة، دفعاً للثَّقَل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 والثاني نقل حركته إلى الساكن قبلهُ. فإذا تَطرَّفتِ الواو والياءُ بعد حرفٍ مُتحرِّكٍ، حذفت حركتهما إنه كانت ضمةً أَو كسرةً، دفعا للثَقَل كيدعو الداعي إلى النادي، ويقضي القاضي على الجاني. والأصل "يدعُو الداعيُ إلى الناديِ، ويقضيُ القاضي على الجانيِ". فإن لَزِم من ذلك اجتماع ساكنين، حُذفت لامُ الكلمة، مثل "يُرمون ويغزون". والأصل "يَرمِيون ويَغزُوُنَ". (طرحت ضمة الواو والياء دفعاً للثقل. فالتقى ساكنان لام الكلمة وواو الجماعة، فحذفت لام الكلمة، دفعاً لاجتماع الساكنين) . فإن كانت الحركة فتحةً، لم تحذَفْ، مثل لن أدعوَ إلي غير الحقِّ، ولن أعصِيَ الداعيَ إِليه". وإن تطرّفت الواوُ والياءُ بعد حرفٍ ساكن، لم تُطرَح الضمة والكسرةُ، مثل "هذا دَلْوٌ يَشربٌ منه ظَبيٌ، وشَرِبتُ من دلْوٍ، وأَمسكتُ بظَبْيٍ". وإذا كانت عين الكلمة واواً أو ياءً متحرّكتين، وكان ما قبلَهما ساكناً صحيحاً وجب نقل حركة العين إلى الساكن قبلَهما، لأن الحرفَ الصحيحَ، أولى بتحمُّل الحركةِ من حرف العِلَّة لقوَّته وضَعْف حرف العِلَّة. والإعلالُ بالنَّقْلِ، قد يكون نقلاً محضاً. وقد يَتْبعُه إعلال بالقلب، أو بالحذف، أو بالقلب والحذف معاً. فإن كانت الحركة المنقولةُ عن حرف العِلة مُجانسةً له، اكتُفيَ بالنَّقْل كقومُ ويَبينُ، والأصل "يَقْوُمُ ويَبْينُ". وإن كانت غيرَ مُجانِسةٍ له، قُلِبَ حرفاً يُجانِسُها كأقامَ وأبانَ ويُقيمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 ومَقامٍ. والأصل "أَقوَمَ وأَبينَ ويقْوِم ومَقْوَمٌ". (نقلت حركة الواو والياء الساكن قبلهما ثم قلبت الواو والياء ألفاً بعد الفتحة، وياء بعد الكسرة للمجانسة. وهذا إِعلال بالنقل والقلب) . وربما تركوا ما يجبُ فيه الإعلالُ على أصله كأعوَلَ إعوالاً، واستحوَذَ استحواذاً. ويُستَثْنى من ذلك (1) أفعل التَّعجب، مثلُ ما أَقوَمَهُ! وما أَبينَهُ! وأَقوِم به! وأَبيِنْ به! ". (2) ما كان على وزن "أَفعَلَ"، اسمَ تفضيلٍ، مثل "هو أَقوَمُ منه وأَبَينُ"، أَو صفةً مُشبَّهةً كأحوَلَ وأَبيضَ، أو اسماً كأسودَ للحيّةِ. (3) ما كان على وزن "مِفعَلٍ، أَو مِفعَلةٍ، أَو مِفعالٍ" كمِقْول ومِروَحةٍ ومِقوالٍ ومِكيالٍ. (4) ما كان بعد واوهِ أَو يائِه أَلفٌ كتَجْوالٍ وتَهْيام. (5) ما كان مُضَعَّفاً كابيضَّ واسودَّ. (6) ما أُعِلَّت لامُهُ كأهوى وأَحيا. (7) ما صَحت عين ماضيه المجرَّد كيَعْوَرُ ويَصْيَدُ، وأَعوَرهُ يُعْوِرُهُ. فإنَّ الماضي المجرَّدَ منها، وهو "عَوِرَ وصَيِدَ، قد صَحَّت عينُهُ. فكلُّ ذلك لا نَقلَ فيه ولا إعلالَ، بل يجبُ تصحيحُ عينه كما رأيت. فإن لَزِمَ بعد نقْلِ الحركة إلى الساكن قبلَها اجتماعُ ساكنين، حذِف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 حذِف حرفُ العِلَّةِ مَنْعاً لالتقائهما. فمثل: "ابنْ وبِعْ ولم يَقُمْ ولم يَبِع" أصُلُه: "أَبْيِنْ وأَبيِعْ ولم يَقوُمْ ولم يَبِيعْ" نُقلت حركةُ العين إلى ما قبلها فصارت: "أبِينْ وأبِيعْ ولم يَقومْ ولم يَبِيعْ" فحُذفَ حرف العلة، دفعاً لإلتقاء الساكنين. (إذ بنقل حركة العين اجتمع ساكنان حرف العلة وآخر الكلمة، فيحذف حرف العلة منعاً لإجتماع الساكنين. وهذا فيه الإعلال بالنقل والحذف، وقد استغني عن همزة الوصل في "بع"، لأنه إنما أتي بها تخلصاً من الابتداء بالساكن. وقد صار أول الكلمة متحركاً بعد نقل حركة ما بعده إليه، فاستغني عنها) . ومثل "أقمْ وخَفْ ولم يُقِمْ ولم يَخَفْ، أصلُه، "اقوِم وإِخْوَف ولم يُقْوِمْ ولم يَخْوَف". (نقلت حركة الواو والياء إلى ما قبلها، ثم قلب حرف العلة ألفاً بعد الفتحة وياء بعد الكسرة، للمجانسة. فالتقى ساكنان، فحذف حرف العلة دفعاً لالتقائهما وقد استغني عن همزة الوصل في "خف" بعد تحرك أول الكلمة. وهذا فيه الإعلال بالنقل والقلب والحذف. ومما أعِلَّ بالنقلِ والحذفِ اسمُ المفعولِ المعتلُّ العين كمَقولٍ ومَبيعٍ. وأصلهما "مَقْوُولٌ ومَبْيوعٌ". (نقلت حركة العين إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان العين المنقولة حركتها وواو مفعول، فحذفت واو "مفعول" دفعاً لالتقاء الساكنين. فصارا "مقولا ومبيُعاً (بضم القاف، والباء) ، فقلبت ضمة الباء في "مبُيع" كسرة، لتصح الياء، فصار "مبيعاً" وقال الأخفش إن المحذوف هو عين الكلمة لا واو "مفعول") . وندَرَ تَصحيحُ ما عينُهُ واوٌ في اسم المفعولِ، كقولهم ثَوبٌ مَصْوونٌ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 وفَرَسٌ مَقْوُودٌ" ولغةُ بني تميمٍ تصحيحُ ما عينُهُ ياءٌ فيقولون "مَبْيوعٌ ومَخيْوطٌ ومكيولٌ ومَديُونٌ". ومن الإعلال بالنقْل والقلب والحذف معاً، ما كان من المصادر مُعتَلِّ العين على وزن "إفعال"، أو "استِفعال" كإقامة واستقامة. وأصلُهما إقوامٌ واستقوامٌ. (نقلت حركة العين، وهي الفتحة، إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان عين الكلمة والألف، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، فصارتا "إقوْما" (بكسر ففتح فسكون) "واستقوما" (بكسر التاء وفتح القاف وسكون الواو) ، فقلبت العين ألفاً، لتناسب الفتحة قبلها، فصارتا "أقاما واستقاما". ثم عوض المصدر من ألف الإفعال والاستفعال المحذوفة تاء التأنيث. وقد يستغنى عن هذه التاء في حال الإضافة، ومنه قوله تعالى "لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة" أي إقامتها) . وقد تَصِحُّ عينُ الفعل، فتصحُّ في المصدر كأعوَل إعوالا، واستحوذ استحواذاً. إعلال الهمزة الهمزةُ من الحروف الصحيحة، غيرَ أنها تُشْبهُ أحرفَ العِلة، لذلك تقْبَل الإعلالَ مثلَها، فتنقلبُ إِليها في بعض المواضع. فإذا اجتمعَ همزتان في كلمة فإن تحرَّكت الأولى وسكنت الثانيةُ، وجب قلب الثانية حرف مد يُجانِسُ حركةَ ما قبلها كآمَنَ وأومِنُ وآمِنْ وإيمانٍ وآدمَ وآخرَ، والأصلُ "أأمنَ وأؤمِنْ وأأْمِنُ وإيمانٌ وأأْدَمُ وأأْخرٌ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 وإن سكنَت الأولى وتحرَّكت الثانيةُ أدغمَت الأولى في الثانية، مثلُ "سأل". وإن تحرَّكتا بالفتح، قُلبتِ الثانيةُ واواً. فإن بَنَيتَ اسم تفضيلٍ من "أنَّ يئِنُّ وأَمَّ يَؤُمُّ"، قلتَ "هو أَوَنُّ منهُ"، أي أكثر أَنيناً، و"هو أوَمُّ منه" أي أَحسنُ إمامةٍ. والأصلُ "أأمَّ"، كما تقولُ "أشدُّ". وإن كانت حركة الثانيةِ ضمةً أو كسرة، فإن كانت بعدَ همزةِ المضارعة جاز قلبُها واواً، إن كانت مضمومةً، وياء إن كانت مكسورة. مثلُ "أَوُمُّ وأَيِنُّ" من "أَمَّ يَؤُمُّ وأنَّ يَئِنُّ"، وجاز تخفيفها، مثلُ "أوُمُّ وأئِنُّ". وإن كانت بعد همزةٍ غيرِ همزةِ المضارعة، وجبَ قلبُها واواً بعد الضمة، وياءً بعد الكسرةِ، مثلُ أوُبّ، جمع "أبٍّ"، (وهو المرعى) . وأصلُهُ "أؤُبُّ". ومثلُ أيمَّةٍ، جمع (إمام) وأصلُها (أَئِمةٌ) . وقد قالوا أئِمَّةً أيضاً، على خلاف القياس. وإن سكنت بعد حرفٍ صحيحٍ غيرِ الهمزة، جاز تحقيقها والنطْق بها كرأسٍ وسُؤلٍ وبئرٍ. وجاز تخفيفُها "بقلبها حرفاً يُجانس حركة ما قبلها كراسٍ وسُولٍ وبيرٍ. وإن كانت آخر الكلمة بعد واو او ياءٍ زائدتين ساكنتين، جاز تحقيق الهمزة كوُضُوءٍ ونتُوءٍ ونبُوءةٍ وهنيءٍ ومَريءٍ وخَطيئةٍ، وجاز تخفيفها، بقلبها واواً بعد الواو وياء بعد الياء، مع إدغامها فيما قبلها كوُضوٍّ ونُتوٍّ وهنيٍّ ومريٍّ وخطيةٍ. فإن كانت الواو والياءُ أصليتين كسوءٍ وشيءٍ، فالأولى تحقيق الهمزة، ويجوز قلبها وإدغامها كسو وشي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 وإن تحرَّكت بالفتح في حشو الكلمة، بعد كسرةٍ او ضمةٍ، جاز تحقيقها كذئابٍ وجؤَارٍ، وجاز تخفيفها، بقلبها حرفاً يجانس حركة ما قبلها كذيابٍ وجُوَارٍ. وإن تطرَّفت بعد متحرّكٍ، جاز تحقيقها كقَرأ ويَقْرأ، وجرُؤ ويجرؤُ، وأخطأ ويخطىء، والقارئ والخاطئ والملأ، وجاز تخفيفها، بقلبها حرفاً يُجانسُ حركة ما قبلها كقرَا ويَقرَا، وجرُوَ ويَجرُو، وأخطا ويُخطي، والقاري والخاطي والملا. وتحذف وجوباً في فعلِ الأمر المشتقّ من "أَخذَ وأَكل"، مثل "خُذْ وكلْ". وفي مضارعِ "رأى" وأمرهِ، مثلُ "يرى وأَرى ونرى ورهْ ورَيا وروْا". وفي جميع تصاريف "رأَى" التي على وزن "أفعل" كأرى يُري، وأَرِ وَمُرِ ومُرَى. ويكثر حذفُها من الأمر المشتقّ من "أمر" فيقال "مُرْ" ويقلُّ حذفها من الأمر من "أتى"، فيقال "تِ الخيرَ" فإذا وقفتَ عليه، قلت "تِهْ" بهاء السكت. ويجبُ حذفُ همزةِ بابِ "أفعلَ"، في المضارع واسمَي الفاعل والمفعول والمصدرِ الميميِّ واسمَيِ الزمان والمكان، مثلُ "يُكرِمُ ومُكرِمٍ ومُكرَمٍ" والأصلُ "يُوءَكرِمُ وموءكرِمٌ وموءكرَمٌ" وأَصل حذفها إنما هو المضارع المبدُوء بهمزة المتكلم، كيلا تجتمعَ همزتان، ثمَّ حُملتْ عليه بقيَّةُ التصاريف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 (الإبدال) الإبدالُ إزالةُ حرف، ووضعُ آخرَ مكانهُ. فهو يُشبهُ الإعلالَ من حيث أنَّ كلاًّ منهما تَغييرٌ في المَوضع إلا أنَّ الإعلالَ خاصٌّ بأحرفِ العلَّةِ، فيقلبُ أحدُها إلى الآخر، كما سبَقَ. وأما الإبدال، فيكونُ في الحروف الصحيحة، بِجَعْلِ أحدِهما مكان الآخر، وفي الأحرُف العليلة، بجعل مكان حرف العِلَّة حرفاً صحيحاً. قواعد الإبدال (1) تُبْدَلُ الواوُ والياءُ همزةً. إذا تَطرَّفتا بعد ألف زائدةٍ. كدعاءٍ وبِناءٍ. والأصلُ "دُعاوٌ وبِنايٌ" لأنهما من دَعا يَدعو وبَنى يبني وتشاركهما في ذلك الألفُ، فإنها إذا تطرَّفت بعد الف زائدة، تُبدَلُ همزةً، وذلك كحمراءَ، فإن أصلها (حَمْرى) بوزن (سَكْرى) زيدت الف المدِّ قبل آخرها. كما زيدت في كتاب وغلامٍ، فأبدلت الثانية همزةً، ليتمكنَ المتكلمُ من النطق بها، لأنهما ساكنتان، فآلتا إلى "حمراء". (وما لحقته هاء التأنيث من ذلك، فإن كانت عارضة للفرق بين المذكر والمؤنث كبناء وبناءة (بتشديد النون فيهما، وهما صيغتا مبالغة) ، ومشاء ومشاءة (بتشديد الشين فيهما، وهما صيغتا مبالغة أيضاً) وجب القلب لتطرف حرف العلة بعد ألف زائدة، لأن هاء التأنيث الفارقة بين المذكر والمؤنث في حكم الإنفصال، لأنها عارضة على صيغة المذكر. وإن كانت غير عارضة، بأن تكون الكلمة بنيت رأساً عليها، لا للتفرقة بين المذكر والمؤنث كهداية ورعاية وسقاية وعداوة، امتنع قلب حرف العلة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 همزة لعدم التطرف، لأن هاء التأنيث حينئذ في حكم الاتصال، لأنها لم تعرض على صيغة المذكر للدلالة على مؤنث. وإن كانت عارضة لجعل ما لحقته اخص مما لم تلحقه، جاز بقاء الهمزة على حالها، وجاز ردها إلى اصلها. فتقول "عطاءة ورداءة، وعطاية ورداية". وبقاؤها على حالها أولى قال في شرح القاموس (في مادة عطا) . "العرب تهمز الواو والياء إذا جاءتا بعد الألف لأن الهمزة أحمل للحركة منهما، ولأنهم يستثقلون الوقف على الواو وكذلك الياء، مثل "الرداء"، واصله "رداي"، فإذا ألحقوا فيها الهاء فمنهم من يهمزها بناء على الواحد، فيقول "عطاءة الله ورداءة"، ومنهم من يردها إلى الأصل فيقول "عطاوة ورداية". وكذا في التثنية عطاءان ورداءان وعطاوان ورداوان" اهـ) . (2) تُبدَلُ الواوُ والياء همزةً، إذا وَقعتا عينَ اسمِ الفاعل، وأعلتا في فعله كقائلٍ وبائعٍ. والأصل "قاولٌ وبايعٌ"، وفعلهما (قالَ وباعَ) ، واصلُهما (قوَلَ وَبَيعَ) فإن لم تُعلاّ في الفعل، لم تُعلاّ في اسم الفاعل، كعاوِرٍ وعاينٍ، وفعلهما (عَوِرَ وعينَ) . (3) يُبدَلُ حرفُ المد الزائدُ، الواقع ثالثاً في اسم صحيح الآخر، همزةً، إذا بُني على مثال (مفاعِلَ) ولا فرق بين أن يكون حرف المد الفاً كقلادةٍ وقلائد، او واواً كعجوز وعجائز، أو ياء كصحيفة وصحائف. (فإن كان حرف العلة غير مد، كقسوة وقساور، وجدول وجداول، أو كان مداً غير مزيد كمفازة ومفاوز، ومعيشة ومعايش، لم يبدل همزة، وإنما يرد إلى أصله كما رأيت. إلا ما سمي منه مبدلاً، فيحفظ ولا يقاس عليه "كمصيبة ومصائب، ومنارة ومنائر. وقد قالوا أيضاً "مصاوب ومناور"، على القياس) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 فإن اعتلت لامُ هذا النوع، جمعتَهُ على مثال (فعالى) كقضية وقضايا، ومطية ومطايا ونقاية، وهراوة وهراوى. فإن كانت همزةً ابدلتها ياء كخطيئةٍ وخطايا، فكأنها جمع خطية. (هذا ما ذهب إليه الكوفيون. فإنهم قالوا إن مثل هذه الجموع وزنه "فعالى" وهو مذهب خال من التنطع والتكلف. وذهب البصريون إلى أن وزنه "فعائل" فخطيئة مثلا، جمعت على "خطايِء" بياء مكسورة هي ياء خطيئة، بعدها همزة هي لام الكلمة، ثم تحولت، بعد ضروب من الإبدال إلى "خطايا") . (4) إذا توَّسطت الفُ ما جمع على مثال (مفاعِلَ) بين حرفيْ عل في اسم صحيح الآخر، ابدِلَ ثانيهما همزةً كأوَّلَ وأوائلَ، وسيِّدٍ وسيائدَ، ونيّف ويائفَ. والأصلٍ (أواولٌ وسياودُ ونياوفُ) فإن توسطت بينهما الف (مفاعيلَ) امتنع الإبدالُ كطاووس وطواويس. فإن اعتلَّتْ لامُه جمعتَه على مثال (فعالى) كزاوية وزوايا، وراوية وروايا. (وزوايا ونحوها جاءت على مثال "فعالى" من حيث الحركات والسكنات وهي في الأصل على مثال "فواعل" لأن اصلها "زوايي"، بياءين، اولاهما مكسورة. قلبوا كسرتها فتحة، ثم قلبوا الياء الثانية ألفاً، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاصرت إلى "زوايا" وإنما كان اصلها "فواعل"، لأن واوها اصلها ألف "فاعلة"، كما في "كاتبة وكواتب" واما واو "زاوية"، فقد انقلبت إلى الياء في "زوايا") . (5) إذا كانت الواو مضمومةً بعد حرف ساكن أو مضموم، جاز قلبها همزة، كأدوَّر، (جمع دار) وحُؤول (مصدر حال بينهما إذا حجز بينهما) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 وجاز بقاؤها على حالها كأدوُرٍ وحُوُولٍ. والأولُ أولى وأفصح. (6) كلّ كلمة اجتمع في اولها واوان، وجب إبدالُ أولاهما همزة، ما لم تكن الثانية بجلا من الف المفاعلة. ولا فرق بين أن تكون الثانية حرفَ مدّ كالأولى (تأنيثِ الأول. واصلها "الوولى" بوزن "الفُعلى") ، اولا كالأوَلِ (جمع الأولى، واصلها "الوُوَلُ بوزنِ "الفعل"، كالأخرى والأُخر، والفُضلى والفُضَل) ، ومثلُ "الأواقي والأواصل" جَمعي الواقية والواصلة". وأصلهما "الوواقي والأواصل" بوزن "الفواعل" ومثلُ "أُوَيْعِد" "مُصغر واعد وأصله وُوَيعدٌ"، بوزنُ فُعَيعل") . فإن كانت الثانية مقلوبة عن ألف المفاعلة، لم يجب الإبدال، بل يجوز وذلك مثلُ وُورِيَ ووُوفي" مجهوليْ "وارى ووافى" فلما بنِيَ الفعلُ للمجهولِ احتِيجَ إلى ضمّ ما قبلَ الألفِ، فقُلبتْ واواً. فإن ابدلتَ قلتَ "أورِيَ وأوفيَ". (7) إن كانت فاءُ "افتعل" واواً أو ياءً، ابدِلت تاءً، ودعمت في تاءِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 الإفتعال، وذلك كاتَّصَلَ واتَّسَرَ واتَّقَى (والأصل "إوْتصلَ وإيتسرَ وإوتْقى") ويُشترَطُ في ذلك أن لا تكون الياءُ بَدَلاً من الهمزةِ، فلا تُبدلُ تاءً، كما في "إيتَمرَ" واصلُها "إئتَمَرَ". وقد تُبدلُ على عِلَّةٍ كما في "اتّزَر" واصُلها "إيتزَرَ" وأصلُ هذه "إئتزَر") . ومنه الحديث "إذا كان (أي الثوب) قصيراً فليتَّزرْ به. (وأجاز بعض النحاة (وهم البغداديون) الإبدال في المهموز. فقالوا يجوز أن يقال من الاكل والأمانة والأهل والازار والأخذ (اتكل واتمن واتهل واتزر واتخذ) وعلى القول الأول (وهو الراجح) يجب أن يقال (ايتكل، ايتمن، ايتهل، ايتزر، ايتخذ) إلا إذا كانت (اتخذ) إلا إذا كانت (اتخذ) على (تخذ) ، فالافتعال منها (اتخذ) قولا واحداً. وكذا كانت (ايتكل) من (وكل إليه أمره يكله) ، لأن أصلها حينئذ (اوتكل) ، فيكون إبدال الواو تاء على القاعدة. ويجوز أن تكون (اتخذ) مبنية على (وخذ) ، وهي بمعنى (أخذ) ، فالافتعال منها (اتخذ) ، لأن أصلها (اوتخذ) ، فأبدلت الواو تاء على القياس) . (8) إن كانت فاءُ "افتعلَ" ثاء ابدلت تاؤه ثاءً، وادغِمَتا، كاثَّأرَ. واصلها "اْثتأر". وإن كانت فاؤُهُ دالاً أو ذالاً او زاياً، ابدلتْ تاؤه دالاً كادَّعى واذَّدكرَ وازدهى (وأصلُها ادْتعى واذْتكرَ وازتَهى) . وإن كانت فاؤهُ صاداً أو ضاداً أو طاءً أو ظاءً ابدلت تاؤُهُ طاءً كاصطفى واضطجع واطَّرَدَ واضطلَمَ. (وأصلها اصتَفى واضتَجَعَ واطترَد واظتَلَمَ) . ويحجوز الإدغامُ، بعد إبدالِ الدالِ والطاء، المبْدلَتينِ في تاءِ الافتعالِ، حرفاً من جنس ما قبلها كاذَّكَرَ وازَّهى واصَّفى واضَّجعَ واظَّلمَ. وقد يُعكَسُ الإبدالُ بعد الثاءِ المُثلَّثةِ والذالِ والظاءِ المُعجَمتين، بإبدال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 الثاءِ تاءً، والذالِ دالاً، والظاءِ طاءً كاتَّأرَ وادَّكرَ واظَّلم. (9) ما كانت فاؤهُ تاءً أو ذالاً أو دالا أو زاياً أو صاداً أو ضاداً أو طاءً أو ظاءً مما هو على وزنِ "تفاعَلَ" أو "تَفَعّلَ أو "تَفَعْلَلَ"، بحيثُ تجتمعُ التاءُ وهذهِ الأحرفُ - جاز فيه إبدالُ التاءِ حرفاً من جنس ما بعدها، مع إدغامها فيه، وذلك: كاثَّاقَلَ وادَّثَرَ واذَّكر وازَّيَّنَ واصَّبَرَ واضّرَّعَ وطَّربَ واظَّلَّمَ. (والأصلُ: "تثاقل وتَدَّثرَ وتّذكَّرَ وتَزَّين وتَصبَّرَ وتَضَرَّعَ وتَطَرَّبَ وتَظَلَّم" فأبدلتِ التاءُ حرفاً من جنس ما بعدها، ثم أُسكنَ لإدغامهِ فيما بعده فتَعَذَّرَ الإبتداءُ بالساكن، فأتي بهمزة الوصل تخلصاً من ذلك. ومثلها: "إدارأَ وادَّحرَجَ وادَّهورَ" وأصلها: "تَدارَأَ وتَدحرجَ وتدهورَ. وقد فُعِلَ بها ما فُعِلَ بها ما فُعِل بما سَبق، من الإبدال والإدغام واجتلاب همزة الوصل. ورُبما جاءَ ذلك مع غيرِ هذه الأحرف، كقولهم، اسَّمع واشَّاجروا واسَّابقوا واصَّايحوا". (والأصل: تسَمَّع وتَشاجروا وتَسابقوا وتَصايَحوا" لكنه قليلٌ) . (10) إذا وقت التاءُ ساكنةً قبل الدال، وجبَ إبدالها دالاً، وإدغامُها في الدال التي بعدها كعِدّانٍ "جمعِ عَتود"، وهو الذكر من اولاد المِعْزى. والأصلُ "عِتْدانٌ" كخَرفٍ وخِرفان) . (11) إذا وقعت النونُ الساكنةُ قبل الميمِ او الباء، ابدلت ميماً كامْحَى. والأصلُ "انمحى"، ومثل "سُنْبُلٍ" فتلفَظُ "سُمْبُلٌ"، فإبدالها في اللفظ لا في الخطِّ. (12) الميم في "فمٍ" مُبدَلةٌ من الواو، لأنَّ اصله "فُوهٌ"، بدليل جمعه على "أفواهٍ" فحذفوا الهاء، وأَبدلوا الواوَ ميما. فإن اضيفَ "الفمُ" رُجِعَ به إلى الأصل مثل "هذا فُوكَ". وتجوزُ إضافته، مع بَقاءِ الإبدال مثل "هذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 فَمُكَ". ومنه حديثٌ "لَخَلوفُ فمِ الصائمِ اطيبُ عند اللهِ من رائحة المسك". (الوقف) الوقفُ قطعُ النُّطقِ عندَ آخر الكلمة. فما كان ساكنَ الآخر، وَقفْتَ عليه بسكونه، سواءٌ أكان صحيحاً كاكتبْ ولم يكتبْ وعنْ ومَنْ، ام مُعتلاًّ كيمشي ويدعو ويخشى والفتى وعلى ومهما. وما كان متحركاً، كيتبُ وكتبَ والكتابِ وأَين وَليْتَ، وَقفْتَ عليه بحذفِ حركته (اي بالسكون) . وإليك أشهرَ قواعد الوقف واكثرها دَوَراناً (1) إذا وقفتَ على مُنَوَّنٍ، حذفت تنوينه بعد الضمة والكسرة، وأسكنتَ آخرَهُ، مثلُ "هذا خالدْ. مررتُ بخالدْ". فإن كانت الحركةُ فتحةً، ابدلتَ التنوينَ ألفاً، مثل "رأيتُ خالداً". هذه هي اللغة الفُصحى وهي أرجحُ اللُّغاتِ وأكثرها. وربيعةُ تُجيزُ الوقفَ على المنوَّن المنصوب، كما يوقفُ على المرفوع منه والمجرور، فيقولون "رأيتُ خالدْ". (2) إذا كتبتَ "إذاً" بالألف معَ التنوين، طرحتَ التنوينَ، ووقفتَ عليها بالألف، وإذا كتبتها "إذَنْ"، بنون ساكنة، أبدلتَ نونها ألفاً، ووقفتَ عليها بها. ومنهم من يقفُ عليها بالنون مطلقاً. وهو اختيارُ بعض النحاة. وإِجماعُ القُرّاءِ السبعة على خلافه. (3) إذا وقفتَ على نون التوكيد الساكنة (وهي الخفيفة) ، ابدلتها الفاً، ووقفتَ عليها، سواءٌ اكتِبَت بالألف مع التنوين كقوله تعالى {لَنسفَعاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 بالناصيةِ} . أم كتبتْ بالنون، مثل "اجتهدَنْ". فتقول في الوقف على لَنَسفَعاً. "لَنَسفَعا"، وفي الوقف على اجتَهدَنْ "اجتهِدا". قال الشاعر "ولا تَعبُدِ الشيطانَ، واللهَ فاعبُدا"، أي "فاعبُدَنْ". (4) هاءُ الضمير للمفرد المذكر، تُوصَلُ، في دَرْج الكلام، بحرف مد يجانسها، إلا إذا التقتْ بساكن بعدها، فمثل رأيتهُ وسررتُ به، يُلفَظانِ "رأيتُهُو سررتُ بِهي" فإذا وقفت عليها حذفتَ صِلَتَها (وهي الواوُ أو الياءُ) ، فتقول رأيتهْ "مررتُ بهْ"، إلا في ضرورة الشعر، فيجوزُ الوقف عليها بحركتها، كقول الرَّاجز كأنَّ لونَ أرضهِ سماؤُهُ". ولو كان في النَّثرِ لوجبَ أن يقول "سماؤهْ" بإسكان الهاء. أما "ها"، ضميرُ المؤنثة، فتقفُ عليها بالألف، مثل رأيتها. (5) إذا وقفتَ على المنقوص، فإن كان منصوباً ثبتتْ ياؤُهُ، سواء أكان منوَّناً، مثلُ (سمعنا منادياً) أم غيرَ منوَّنٍ، مثل (طلبت المعالي) . وما سقطَ تنوينه من الصَّرف، فهو ثابتُ الياء، كالمقترن بألْ، مثل (رأيتُ مراكب في البحر جواري) . وإن كان مرفوعاً أو مجروراً، فإن كان منوَّناً، فالأرجحُ حذفُ يائه، كقوله تعالى {فاقض ما أنت قاضْ} ، ومثل (مررتُ بقاضْ) ويجوزُ إثباتها، كقراءةِ ابن كثيرٍ (ولكلّ قومٍ هادي ... وما لهم من دونه من والي) وإن كان غير منوّن، فالأفصح إثباتُ يائِه، مثل (جاء القاضي، ومررتُ بالقاضي) . ويجوزُ حذفها، كقوله تعالى "وهو الكبير المتعالْ ... ليُنْذِرَ يوم التلاقْ" ووقف ابن كثير بالياء. (6) إذا وقفت على المقصور، فإن كان غيرَ منوّن، وقفتَ عليه كما هو كجاء الفتى، وإن كان منوّناً، حذفتَ تنوينه، ورددتَ إليه أَلفه في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 127 اللفظ "كجاء الفتى، ورأَيتُ فتى، ومررتُ بفتى" تقف عليه بلا تنوين. (7) إذا وقفتَ على تاء التأنيث المربوطة، كحمزة وطلحة وشجرة وقائمة وفاطمة، أَبدلتها في الوقف هاءً ساكنة، فتقول (حمزهْ، وطلحهْ، وشجرهْ، وقائمهْ وفاطمهْ) . هذه هي اللغة الفصحى الشائعة في كلامهم. فإن وصلتَ، رددتها إلى التاء، مثل (هذا حمزةُ مُقبلا) . ومن العرب من يُجري الوقفَ مَجرى الوصل، فيقفُ عليها تاء ساكنة، كأنها مبسوطة، فيقول "ذهب طلعتْ، وهذه شجرتْ! وجاءت فاطمتْ. وقد سُمع بعضهم يقول "يا أَهل سورة البَقَرتْ؟ فقالَ بعض من سمعه "والله ما أحفظُ منها آيتْ". ومنه قولُ الرَّاجز [من الرجز] الله نجَّاك بكفي مَسلمتْ ... مِنْ بَعْد ما، وبعْدِما، وبَعدَمتْ صارتْ نُفوس القوم عند الغلصمتْ ... وكادَت الحُرَّةُ تُدعى أَمَتْ فائدة اعلم أن تاء التأنيث التي حقها ان تكون مربوطة "أي في صورة الهاء" قد رسمت في المصحف تارة بصورة التاء المبسوطة، مثل إن شجرت الزقوم ... وامرأت نوح ... وامرأت لوط وتارة بصورة الهاء، مثل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 128 "هذه ناقة الله إليكم آية ... خذ من اموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم" فما رسم منها بصورة الهاء، فقد وقف عليه كل القراء بالهاء، وما رسم بالتاء المبسوطة، فمنهم من يقف عليه بالهاء، مراعاة للاصل: كابن كثير وابي عمرو والكسائي، ومنهم من يقف عليه بالتاء، مراعاة لرسمها بالتاء المبسوطة، كنافع وابن عامر وعاصم وحمزة، ووقف الكسائي على "لات" بالهاء، ووقف الباقون عليها بالتاء) . (8) إذا وقفت على تاء التأنيث المبسوطة، فإن كانت ساكنة (وهي المتصلة بالفعل الماضي) ، وقفت عليها تاء ساكنة، كما هي. وإن كانت متحركة، فإن اتصلت بحرف، كرُبَّتَ وثُمّتَ ولعَلَّتَ، وقفتَ عليها تاء ساكنة فقط. وإن اتصلت باسم فإن كان ما قبلها حرفاً صحيحاً ساكناً، كأخت وبنت، وقفت عليها تاء ساكنة أيضاً، قولاً واحداً. وإن كان ما قبلها ألفاً (وذلك في جمع المؤنث السالم والملحق به) ، جاز الوقف عليها بالتاء وبالهاء ساكنتين، تقول "جاءَت الفاطمات"، إذا وقفت بالتاء، و (جاءَت الفاطماه) ، إذا وقفت بالهاءِ والاول ارجح واولى، وهو الشائع في كلامهم ومن الوقف عليها بالهاء قولهم "كيف الأخوةُ والأخواهُ" وقولهم "دفن البناه، من المكرماهْ". أَحكام الوقف على المتحرك لك في الوقف على المتحرك خمسة أوجه (1) ان تقف عليه بالسكون. وهو الاصل، والكثير في كلامهم، المشهور عنهم. (2) ان تقف عليه بالرَّوْم، وهو ان تأتي بالحركة ضعيفةَ الصَّوت فلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 تتمّها، بل تختلسها اختلاساً، تنبيهاً على حركة الأصل، فتحة كانت الحركةُ أو ضمة أو كسرة. ومنه الفرَّاء الوقف على ذي الفتحة بالرّوم واكثر القراء قد اختاروا قوله. (3) ان تقف عليه الإشمام، إن كان مضموماً (ولا إشمام في غيره) . والإشمام إشارة الشفتين إلى الضمة، بعد الوقف بالسكون مباشرة، من غير تصويت بالحركة، ضعيف أو قويّ، وذلك بأن تضمَّ شفتيك بعد إسكان الحرف، وتدع بينهما بعض انفراج يخرج منه النفسُ، فيراهما الرائي مضمومتين، فيعلم انك اردت بضمهما الحركة المضمومة، وهذا إنما يراه البصير، لا الاعمى، وهو في الحقيقة وقف بإسكان الحرف. والضمةُ إنما يشار إليها بالشفتين. (4) ان تقف عليه بتضعيف الحرف الموقوفِ عليه، فيكون حرفاً مشدداً، مثل "هذا خالدٌ، وقرأتُ المصحفَ. إلا إذا كان الآخر همزةٌ، او حرف علَّةٍ، أو ما كان قبله ساكناً، فلا يضَعَّفُ. (5) ان تقف عليه بنقلِ حركتهِ إلى ما قبله. مثلُ "يَجْدُرُ بك الصَّبرُ. وعليه بالصِّبرْ". وشرط الوقفِ بالنَّقل أن يكون ما قبلَهُ ساكناً، وان لا تكون الحركة المنقولة فتحة. فلا نقْل في مثل "جَعْفرُ" لتحرُّك ما قبل الآخر ولا في مثل "تعوَّدَ الصبْرَ". لأن الحركة فتحة. واجازه الاخفش والكوفيون. فإنهم يقولون "تَعوَّدِ الصَّبَرْ". فإن كان الآخرُ همزة جاز نقل فتحة الهمزةِ. قولا واحداً. فتقول في "اخرجتُ الخبْءَ أخرجتُ الخَبَأْ". ومن الوقف بالنقل أن تقول في "اكتُبْهُ ولم يَكتُبه، واعَمْهُ ولم يَعلَمْهُ. وعدْهُ ولم يَعِدْه". "أكتبُهْ ولم يكتبُهْ، واعلَمُهْ ولم يعلمُهْ، وعدُهْ ولم يعدُهْ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 ومنه قول الرّاجز [من الرجز] عَجِبتُ والدَّهرُ كثيرٌ عَجَبُهْ ... مِن عَنَزيٍّ سَبَّني لم أَضْربُهْ الوقف بهاء السكت كلُّ متحركٍ تقفُ عليه بالسكون. كما علمتَ. ويجوزُ ان يوقفَ على بعض المتحكرات ايضاً بهاءٍ ساكنة تسمّى "هاء السكت". ولا تُزادُ هذه الهاء، للوقف عليها، إلاّ في المضارع المعتلِّ الآخر، المجزوم بحذف آخره، وفي الأمر المعتلَّ الآخر المبني على حذف آخره، وفي "ما الإستفهامية"، وفي الحرف المبني على حركةٍ، بناءً أصليّاً. ولا يوقف بهاء السكت في غير ذلك، إلا شُذوذاً. وإليك شرح ذلك (1) إذا وقفتَ على مضارع، معتلِّ الآخر، لم يَتَّصل آخره بشيءٍ وقفتَ عليه بإثبات آخره ساكناً، في حالتيْ رفعهِ ونصبه. فإن جزمته، فإن شئت وقفتَ على ما صار آخراً، مثل "لم تَمْشْ، لم تدْعْ، لم تَخْشْ"، وإن شئتِ وقفتَ عليه بهاءِ السكت، لِيسهُلَ الوقفُ، وهو الأحسن، مثل لم نمْشِهْ، لم تَدْعُهْ، لم تَخْشَهْ". وكذلك المعتل الآخر، المبنيُّ على حذف آخره، فإنك تقول فيه "امشْ ادْعْ، اخشْ" تقفُ بالسكو على ما صار آخراً وتقولُ "إمشهِ، ادْعُه، اِخشَهْ" بالوقف على هاء السكت. إلا إذا بقيَ الأمر على حرف واحد، مثل "فِ وعِ وقِ"، وهي أفعالُ أمرٍ من "وفى يفي، ووعى يعي، ووقى يقي"، فحينئذ يجب الوقف عليه بهاء السكت وجوباً، مثلُ "فِهْ، عِهْ، قِهْ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 ((2) إذا وقعتْ "ما" الاستفهاميّةُ موقعَ المجرور، حُذِفَتْ أَلفها وجوباً، مثل: "على مَ عوَّلتَ؟ حَتَّامَ تسكت؟ إِلامَ تميلُ؟ ". ومنه قوله تعالى: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} [النبأ: 1] ؟ ... {فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} [النازعات: 43] ، ومثل: "مَجيءَ مَ جئتَ؟ وثمرُ مَ هذا الثّمر؟ " ثم إذا وقفتَ عليها، فإن كانت مجرورة بالإضافة، وقفتَ عليها بهاءِ السكت وجوباً، مثلُ: "مجيءَ مَهْ؟ وثمرُ مهْ". وإن كانت مجرورةً بحرف الجرِّ، فالأجودُ الوقوفُ عليها بهاءِ السكت، مثلُ: "عَمهْ؟ فِيمَهْ؟ حتامَهْ؟ إلامَهْ". ويجوزُ الوقفُ على الميم ساكنة، مثلُ: عَمْ؟ فيمْ؟ علامْ؟ حَتّامْ؟ ". وقد تسكنُ الميمُ في الوصل، إجراء لهُ مجرَى الوقفِ، كقول الشاعر: [من الرمل] يا أبا الأَسوَدِ لِمْ خَلَيتَني ... لِهُمومٍ طارِقاتٍ وذكر وكان حقُّه أن يقول "لمَ"، لكنه وَصل كما يقف (3) إذا وقفتَ على حرفٍ مبني على حركة، مثلُ "رُبَّ ولَعلَّ وإنَّ ومُنذُ" وقفتَ عليه بالسكون. وإن شئت وقفت عليه بهاء السكت، مثل "رُبّهْ، لَعلّهْ، إنهْ، مُنْذُهْ". ومن ذلك نون التوكيد المُشدَّدة، مثلُ "لا تذهبَنَّ واذهَبنَّ"، فإنك، كما تقفُ عليها بالسكون، تقفُ عليها بهاءِ السكت، مثل "لا تَذهبَنّهْ واذهبنَّه"، وهو الأحسنُ. ومن ذلك النوناتُ اللاحقات للمثنى وجمع المذكر السالم والأفعالِ الخمسة. فكما تقفُ عليهنَّ بالسكون، تقفُ عليهن بهاء السكت، تقول "جاءَ الرّجلانِهْ، وأكرِم المجتهدونه والمجتهدونَ يُكرَمونَهْ". وقدقُرِئَ في العشْر "بعد أن تُولوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 مُدبرينَهْ ... إنه لَمِنَ الظالمينهْ ... لعلَّهم إليه يَرجِعونَهْ"، بالوقف على هاتين النونين بهاء السكت. (4) الاسمُ المبنيُّ، إما أن يكون بناؤُهُ عارضاً، لسبب يزول بزواله (كقَبْل وبَعد، واسمِ "لا" النافية للجنس المبنيّ) ، فما كان كذلك، فلا يوقف عليه بهاء الكست. وإما أن يكون بناؤه ملازماً له في جميع أحواله (كالضمائر وأسماء الإشارة، وأسماء الاستفهام ونحوها) . فما كان كذلك، وكان محرّك الآخر، وقفت عليه بالسكون أو بهاء السكت، وذلك مثلُ "أين وأيَّان وكيف والذين وحذار وحيث" فإن شئت وقفت عليها بإسكان أواخرها، وإن شئت وقفت عليها بهاء السكت، مثل "أينهْ، أيَّانَهْ، كيْفهْ، الذّينهْ، حذارهْ، حيْثهْ". وكذلك الضمائر المتحركة، فإنك تقف عليها بالسكون، أن بزيادة هاء السكت فتقول "أكرمتْ وأكرمتَهْ، وقُمتْ وقمنَه، وأنتْ وأنْتَه، ويَجتهدْنَ ويَجتهدنَهْ، وانُتنْ وأنتُنَّهْ، وهنّ وهنَّهْ، وأكرمتَهن وأكرمتهنَّه". أما (أنا) ضمير الواحد المتلكم، فمن قال إنَّ الألف في آخره زائدة، لبيان حركة النون عند الوقف، أجز الوقفَ عليه بإثباتها، وأجاز حذفها والوقف عليه بهاء السكت، مثلُ "أنَهْ". ومن قال إنها أصليةٌ. وقف عليه بها. فائدة من قال إن الألف في "أنا" زائدة، أثبتها في الوقف، وأسقطها في الوصل "أي في درج الكلام"، فيلفظ "أَنا فعلت"، باسقاط الألف لفظاً لا خطاً. ومن قال انها اصلية، اثبتها في الوصف والوقف. وذكر سيبويه ان من العرب من يثبت أفها في الوصل فيقول "أنا فعلت" ينطق بالألف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 وبذلك قرأ نافع في قوله تعالى {أنا أحيي وأميت} - وقوله {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} باثبات الألف في اللفظ. ومنه قول الشاعر [من الوافر] أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميد قد تذريت السناما وقول الراجز "أنا ابو النجم، وشعري شعري". وإذا وقفت على "هُوَ وهِيَ"، قلت هُو وهي" بإسكان الواو والياء، و"هُوَهْ وهِيَهْ" بزيادة هاءِ السكت. وفي التنزيل "وما أَدراك ما هِيَه؟ ". وقال الشاعر [من المتقارب] إذا ما تَرَعْرَعَ فينا الغُلامُ ... فما إنْ يُقالُ لهُ مَنْ هُوَهْ؟ هذا في لغة من فتح الواو والياء، في "هو وهيَ" في الوصل. أما من سكنها في درج الكلام، قفلا يقف بهاء السكت بل بالواو والياء ساكنتين، كما ينطقُ بهما كذلك في الدَّرج. أما ياء المتكلم، فمن العرب من يسكنها في الوصل، فإذا وقف عليها بسكونها مثل "الله أعطاني، هذا غلامي"، أو حذفها وأسكن ما قبلها، فتقول اللهُ أعطانْ، هذا غلامْ" وعلى ذلك قراءةُ أَبي عمروٍ {ربي أكرَمَنْ .... ربي أهانَنْ} ، وقول الشاعر [من المتقارب] فَهَلْ يَمْنعني ارتيادي البلا ... دَ من حذَرِ الموتِ أن يأتيَنْ ومِن شانيءٍ كاسف وجْهُهُ ... إذا ما انتَسبْتُ لهُ أنكَرنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 ومنهم من يفتحها في الوصل. فيقول "أَعطانيَ اللهُ، غلاميَ قد جاءَ". فإذا وقف عليها فبإسكانها أو ألحق بها هاء السكت، مثل "الله اعطانِيَهْ، هذا غلامِيَهْ". ومنه قوله تعالى {ما أغنى عني ماليه. هَلَكَ عني سلطانِيَهْ} . (الخط) الخط تصويرُ اللفظِ بحروف هِجائه التي يُنطَقُ بها، وذلك بأن يُطابق المكتوبُ المنطوقَ به من الحروف. والأصلُ في كل كلمةٍ أَن تُكتبَ بصورة لفظها، بتقدير الإبتداءِ بها والوقف عليها. وهذا أَصلٌ معتبرٌ بالكتابة. ومن أَجل ذلك كتبوا هَمَزاتِ الوصل في درج الكلام، وإن لم يُنطق بها، لأنه إذا ابتُديءَ بالكلمات، التي هي أَولها، نُطقَ بهمزاتها، مثلُ جاءَ الحقُّ، وسافر ابنُكَ"، فإنك، إن قدَّمتَ وأَخرتَ، فقلتَ "الحقُّ جاءَ، إبنكَ سافرَ"، نطقتَ بالهمزة إلاّ إذا سبقت "أَل" لامُ الجرِّ او لامُ الإبتداء، فَتُحذفُ همزتُها، مثلُ "للرَّجلِ، للمرأَة، لَلرَّجل أقوى من المرأة، وللمرأَة أَرقُّ عاطفةً منه". وكتبوا هاءَ السكتِ في نحو "رَهْ زيداً، وقِهْ نَفْسَكَ"، لأنك في الوقف تقول "رَهْ وقِهْ". وكتبوا ألفَ "أنا"، معَ أنها لا تُلفظُ في دَرْج الكلام، لأنها إذا وُقِفَ عليها، وُقِفَ عليها بالألف. ومن ذلك قوله تعالى {لكنَّا هو اللهُ ربي} ، لأن اصله "لكنْ أَنا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وكتبوا تاءَ التأنيث، التي يوقف عليها بالهاء، هاءً كرحمة وفاطمة، وكتبوا التي يوقف عليها بالتاء، تاءً كأختٍ وبنتٍ ورَحمات وفاطمات. ومن وقف على الأول بالتاء المبسوطة، كتبها بالتاء كرَحْمتْ وفاطمتْ ومن وقف على الأخرى بالهاء، كتبها بالهاء كرَحماهْ وفاطماهْ. وكتبوا المُنَوَّن المنصوب بالألف، لأنه يوقفُ عليه بها، مثل "رأيتُ خالداً". وكتبوا "إذاً"، ونونَ التوكيد الخفيفة كاكتُبا، بالألف، لأنه يوقف عليها. ومن وقف عليهما بالنون، كتبهُما بالنون، مثل "إذَنْ واكتُبَنَّ" كُتبَ كلُّ ما كتب اعتباراً بحال الوقف. وكتبوا المنقوصَ، الذي حذفت ياؤُهُ للتنوين كقاضٍ ونحوه، بغير ياءٍ، لأنه يوقف عليه بها. ومن وقف على الأوَّل بالياءِ، أثبتها في الخط كقاضي ومن وقف على الثاني بحذفها، حذفها من الخط كالقاضْ. والأول أفصح. كما مرَّ في باب الوقف. وكتبوا مالا يمكنُ الوقف عليه، من الكلمات، متصلا بما بعده، وما لا يمكن الابتداءُ به، متصلا بما قبله. فالأول كحروف الجرِّ الموضوعةِ على حرفٍ مواحد، مثلُ "لخالدٍ، وبالقلمِ. والثاني كالضمائر المتَّصلة، مثلُ "منكم، وأَكرمتكم". أَما الحروفُ التي تقعُ في الحشو (أي ما بين الابتداءِ والوقف) فَتُرسمُ كما تلفظ، لا يغَيَّرُ من ذلك شيءٌ، إلا ما كان من أمر بعض الأحرف، في بعض كلمات محصورة، قد خالفَ رسمُها لفظها، وسنذكرها لك، وإلا ما كان شأن الهمزة، وستعرف امرها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 ما خالف رسمه لفظه هناك كلمات تُكتبُ على خلاف لفظها. ومخالفةُ الرسمِ واللفظ، إما أن تكون بحذف حرفٍ حَقهُ أن يُكتب تبعاَ للفظه. وإما أَن تكون بزيادة حرف يكتبُ ولا يُلفظ، وكان من حقه ان لا يكتب. وإما ان تكون برسمِ حرفٍ يُكتب على خلاف لفظه، وكان من حقه ان يُرسم على لفظه. (1) ما يلفظ ولا يكتب فأما ما يُلفظُ ولا يُكتب، فذلكَ، في كلماتٍ نَسرُدُ عليك اكثرها استعمالا. (1) تُكتب (الذين) بلامٍ واحدة، وتلفظ بلامينِ، لأنها مشدَّدة. (2) ما كان مبدوءاً بلام كلبنٍ ولحمٍ، ثم دخلت عليه (ألْ) كاللبنِ واللحمِ، ثم دخلت عليه لامٌ، فحينئذٍ تجتمعُ ثلاث لامات. فإذا اجتمعنَ فلا يُكتَبْنَ كلهنَّ. بل يُكتفى بلامين فقط، مثلُ "اللَّبن منافعُ كثيرة، ولِلحمِ فوائدُ ومَضارُّ، واللَّبن أنفعُ من اللحم) . وهكذا إذا اجتمعت ثلاثُ لاماتٍ في كلمة، اكتفيتَ باثنتين، فتقولُ في (اللَّذانِ واللَّتان واللاّتي واللاّئي واللَّواتي) ، إذا دخلت عليهنَّ اللام "أَحسنتُ لِلذَين اجتهدا، وللتين اجتهدتا" الخ. (3) تُحذفُ الألف في كلماتٍ هذه اشهرها 1- الله. 2- الرحمن، مُعَرَّفاً بالألف واللام. وقَيَّدَ بعضهم الحذف في حال العلمية، وأثبتها في غيرها وقيده بعضهم في البسملة، واثبتها فيما عداها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 3- إله، نكرةً ومعرفةً، مثلُ (إنما إلهكم إلهٌ واحد - أَجَعلَ الآلهة إلها واحداً) . واما إلاهة والإلاهة، فتثبت أَلفهما، كما رأيت. وقُرِئَ في الشذوذ "ويذرك وإلاهتك"، وفي غير الشذوذ " (والهتك) ، وبالجمع. 4- الحرث، علماً مقترناً بأل، ومنهم من يكتبه "الحارث" بإثبات الألف. 5- لكن. 6- لكنَّ. 7- سموات، جمع سماء. ومنهم من يكتبها في غير القرآن الكريم "سماوات". بالألف. 8- يا، حرف النداءِ، قبلَ "أَيها" مثلُ "يأيها الذينَ آمنوا، وقبلَ "أَهلٍ"، مثلُ "يأهلَ الكتابِ، وقبلَ كلِّ عَلَمٍ مبدوءٍ بهمزةٍ، مثلُ "يإبراهيم". ويجوز في غير القرآن الكريم، إثباتُ ألف (يا) ، وهو المشهور بين الكتاب مثلُ يا أيها، يا أهل، يا إبراهيم". 9- منهم من يحذف الالف من كل علم مشتهر. كإسحق وإبرهيم وإسمعيل وهرون وسليمن وغيرها. والافضل إثباتها، في غير القرآن الكريم. 10- منهم من يحذفها في الجمع السالم مذكراً ومؤَنثاً كالصلحين والقنتين والصلحت والقنتت والحفظت. تبعاً لحذفها في المصحف الأمِّ. والأفضل إثباتها. كالصالحين والقانتات والحافظات، لأن خطَّ المصحف لا يقاس عليه. (4) تُحذفُ الفُ (ها) التَّنبيهيّةِ، إذا دخلت على اسم الإشارة، مثل "هذا وهذه وهؤلاء". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 (5) تُحذف الفُ (ذا) الإشاريَّة، إذا لحقتها اللامُ، مثلُ "ذلك وذلكما وذلكم وذلكنَّ" ومنهم من يثبتها في غير (ذلك) . (6) كلُّ حرفٍ يُدغمُ في حرفٍ مثلهِ، او مخرجه، يُحذفُ خطاً ويُعَوضُ عنه بتشديد الحرف الذى ادغمَ فيه مثلُ "شدَّ، والنساءُ أَمِنَّ واستعنَّ، ونحنُ أمِنَّا واستعنَّا، وآمنّي، ولم يُمكنِّي، ومِمنِ وغَمن، وإلا تجتهدْ تندمُ، وإما تجتهد تنجحْ، وأُحبُّ ألاّ تكسلَ ونِعمّا تفعلُ"، ونحو ذلك. ومنهم من يُثبتُ نون "أن"، إذا جاءَ بعدها "لا" احبُّ ان لا تكسلَ". (2) ما يكتب ولا يلفظ وأما ما يُكتبُ ولا يُلفظ من الحروف، فهو لي ألفاظ (1) زادوا الواو في عمروٍ، في حالتيْ رفعهِ وجرّه، مثلُ جاءَ عَمْرٌو، ومررت بعمرٍو". وحذفوها في حالة النصب، مثلُ "رأيتُ عَمْراً"، قالوا وذلك للتفرقة بينه وبينَ "عُمَر". وإنما حُذفت منه في حالة النصب، لأنه لا يشتبهُ بعُمَر في هذه الحالة، لأن "عُمَر" لا يُنَوَّن، لمنعه من الصرف. (2) زادوا ألفاً غير ملفوظة في "مائةٍ"، مفردةً ومُثناةً، ومُرَكبةٍ معَ الآحاد، فكتبوها هكذا "مِائَةُ ومِائتان وثلاثمائة وأربعمائة وخمسمائة" الخ. ومن الفضلاء من يكتبها بياء بلا ألف، هكذا "مئة". ومنهم من يكتبها بألف بلا ياء، هكذا. "مأة". ووجه القياس أَن تكتب بياءُ بلا ألف. وهذا ما نميل إليه. وإنما كانوا يكتبوها بزيادة الألف، يوم لم تكن الحروف تنقط، كيلا تشتبه بكلمة (منه) ، المركبة من "من" الجارة وهاء الضمير، كما قالوا. قال أبو حيان "وكثيراً ما أَكتب أَنا (مئة) بلا أَلف، مثل كتابة "فئة"، لأن زيادة الألف خارجة عن الأقيسة فالذي أختاره كتابتها بالألف دون الياء على وجه تحقيق الهمزة، أو بالياء، دون الألف على تسهيلها) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 وزادوا أَلفاً بعدَ واوِ الضمير. مثلُ كتبوا. ولم يكتبوا وكتبوا". (3) زادوا الواوّ في "أولات"، كقوله تعالى: {وَأُوْلاَتُ الأحمال أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] . وزادوها في أولو وأولي "بمعنى أَصحاب"، كقوله تعالى، {وَأُوْلُواْ العلم} [آل عمران: 18] {ياأولي الألباب} [البقرة: 179] {لأُوْلِي الألباب} [آل عمران: 190] وزادوها في أولاءِ وأولي الإشاريَّتين، كقوله سبحانه: {أولائك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ} [البقرة: 5] . وأما "الألى" الموصولية "بمعنى الذينَ"، فلم يزيدوا فيها الواو. (3) ما يلفظ على خلاف رسمه ذلك نحو "إيجَل" فعل أمرٍ من "وَجِلَ يَوْجَلُ". وأصله "إوْجَلْ، قلبت واوه ياءً لسكونها وانكسارِ ما قبلها. فإذا وقت "إبجَلْ" في درج الكلام، بعد حرفٍ مضموم، مثل "يا فلانُ إيجَل"، فلا يغيَّرُ رسمُ الياءِ، لكنها تُلْفظ واواً، هكذا "يا فلانُ إِوجَلْ". ومثله كلُّ أَمرٍ من المثال الواوي، المفتوح العين في المضارع كوَدَّ، والأمر منه "إيدَدْ" فإذا قلتَ (يا فلان إيدَدْ) ، لفظت ياءَه واواً. وكلُّ ما رسم ياءً، مما تُلْفظ ياؤه أَلفاً، كرمى وادَّعى واستدعى والرَّحى والهُدى والمسعى والمصطفى والمستشفى، فهو مما يلفظ على خلاف رسمه. كتابة الهمزة الهمزةُ هي التي تقبلُ الحركاتِ فإن رُسمت على ألفٍ، سُميت (الألف اليابسة) أيضاً كأعطى وسأل والنّبأ. وتقابلها الألفُ اللينةُ، وهي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 التي لا تقبلُ الحركاتِ، كألف "قال ودعا ورمى". والهمزة تقعُ في أول الكلمة كأعطى، وفي وسطها كأل، وفي أخرها كالنبأ. والألفُ الليّنة تقعُ في حشو الكلمة كقال، وفي آخرها كدعا. ولا تقعُ في أَوَّلأها. لأنها لا تكون إلا ساكنة وأول الكلمة لا يكون إلا متحركاً. والهمزة، وأول الكلمة، على ستةِ أنواعٍ الأولى همزة الأصل، وهي التي تكون في بِنْيةِ الكلمة كهمزة "أَخذ وأَبٍ وأُمٍ وأُختٍ وإنَّ وإنْ وإذا". الثانيةُ همزةُ المخْبرِ عن نفسه، وهي التي تكون أول المضارع المُسند إلى المتكلم الواحد كهمزة "أَكتُبُ وأَقرأُ وأُحسِنُ". الثالثة همزة الاستفهام، وهي كلمةٌ برأسها، يُؤْتى بها للاستخبار عن أَمرٍ مثل "أَتكون من الفائزين"؟. الرابعةُ همزةُ النداءِ، وهي كلمةٌ برأْسها أيضاً، يؤتى بها لنداء القريبِ. مثل "أعبدَ الله"، تُناديه وهو منك قريبٌ. الخامسة همزة الوصل. السادسة همزة الفَصْل (وتسمى همزةَ القطع أيضاً) . والهمزةُ حرفٌ لا صورةَ له في الخط، وإنما يُكتبُ غالباً بصورةِ الألفِ أو الواوِ أو الياءِ، لأنها إن سُهِّلتِ انقلبت إلى الحرف الذيُ كتبت بصورته. لذلك نرى أنهم لم يراعوا في كتابتها هجاءَها، إلا إذا ابتُدئَ بها. أما إن تَوسطت أو كانت في موضع الوقف، فلم يراعوه، بل راعَوْا ما تُسهّل إليه في الحالتين، فكتبوها على ما تُسهّل إليه من ألفٍ او واوٍ او ياءٍ والتي لم تُسهَل لم يكتبوها على حرف، بل رسموها قطعةً منفردةً هكذا (ء) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 فالقياسُ في كتابة الهمزةِ أَن تُكتبَ بالحرف الذي تُسَهَّلُ إليه إذا خُفَّفَت في اللَّفظِ، فالهمزةُ في مثل "سألَ وَقرأ ويَسأل ويقرأ" في مثل "سؤالٍ وزُؤَامٍ ولُؤْمٍ ومُؤَن ولؤلؤ" تُكتب بالواو، لأنها إذا خففَت تُلفظُ واواً، فتقولُ "سُوالٌ وزُوامٌ ولُومٌ ومُوَنٌ ولُوُلو"، وفي مثل (ذِئابٍ وخطيئةٍ ومئةٍ وفِئةٍ ولآليءَ، تكتبُ بالياءِ، لأنها تُسهَّلُ إليها، فتقول "ذيابٌ وخَطيَّة وميَةٌ ولآلي". والهمزةُ، إما أَن تكون في أَوَّل الكلمةِ، أو في وسطها، او في آخرها. وتَوَسطُها إما أن يكون حقيقيًّا كما في "سأل ويَرْؤُف ومسألةٍ"، وإما أَن يكون عارضاً، وذلك إذا تَطرَّفتْ، واتَّصلت بضميرٍ، او علامةِ تأنيث أَو تثنيةٍ، او جمعٍ، او نسبةٍ، او أَلفٍ المُنَوَّن المنصوب. رسم الهمزة المبدوءِ بها الهمزةُ المبدُوءُ بها لا تكونُ إلا مُتحركةً محقَّقة النطقِ بها. ويجبُ إثباتها في الخطِّ على صورةِ الألف بأيَّةِ حركةٍ تحرَّكتْ، وفي أيَّةِ كلمةٍ وقعتْ، وذلك مثلُ "أمَلٍ وإبلٍ وأحُدٍ واقعُدْ وأخذ وأجلَسَ وأَخٍ وإخوةٍ وإسمٍ وإصبعٍ وإحسانٍ" ونحو ذلك. فإن وقعت هذه الهمزةُ المبدوءُ بها بعد همزةٍ من كلمةٍ أخرى، بَقيت على حالها من الخطّ، كما لو كانت مبدوءاً بها، مثلُ (يجب أَن ينشأ أَولادنا على العمل لإِحياءِ آثارِ السّلفِ الصالح) . وإذا وقعت همزاتُ القطعِ والأصلِ والمُخبرِ عن نَفسهِ بعد همزة الاستفهام، كُتبت بصورةِ الألف، كما لو وقعت ابتداءً، قال تعالى {أَأَنتم أشدُّ خلقاً؟ - أَإِلهٌ معَ الله - أَإِذا مِتنا؟} . وتقول (أَأَجيئُكَ أَم تجيئُني؟) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 ويجوز أن تزيد بين الهمزتين ألفاً لا تُكتبُ وإنما تُعوَّضُ عنها بِمدَّةٍ بينهما، فتقولُ (آأَنتَ فعلتَ هذا؟) قالَ ذو الرَّمَّةِ [من الطويل] فَيا ظَبْيَةَ الوَعْساء بَيْن جُلاجِلٍ ... وَبينَ النَّقا، آأنتِ؟ أَمْ أُمُّ سالِمِ؟ وإذا وقعت بعدها همزةُ الوصل أسقطتْ همزةُ الوصلِ من الكتابة، كما تَسقطُ من اللَّفظ، لضعفها وقوَّةِ همزةِ الاستفهام. وليس في هذا الإسقاط التباسٌ، لأن همزةَ الاستفهامِ مفتوحةٌ، وهمزةَ الوصلِ مكسورةٌ، قال تعالى {أتخذناهم سِخْريّا، أَم زاغت عنهم الأبصارُ! - أَطَّلعَ على الغَيبِ؟} وتقولُ "ابْنُكَ هذا أَم أَخوك؟ "، وتقولُ "أسمُكَ حَسنٌ أَم حُسَينٌ؟ " ومن ذلك قولُ ذي الرِّمةِ [من البسيط] أَسْتَحْدَثَ الركْبُ عن أَشياعهِم خَبَراً ... أَمْ راجَعَ القَلْبَ من أَطْرابهِ طَرَبٌ؟ ولا تجري همزةُ "أَلْ" هذا المجرى، وإن كانت للوصل، لأنها مفتوحةٌ، وهمزة الاستفهام مفتوحة، فتلتبسُ الهمزتانِ إحداهما بالأخرى. وحينئذ يختلط الإخبار بالاستخبار (أَي الكلامُ الخبري بالكلام الاستفهامي) ، فلو قلت "الشمس طلعت" فلا يدري السامعُ "أَأَنتَ تخبرُ عن طلوع الشمس؟ أَم أَنت تستفهم عن طلوعها" والوجه أن تُبدل همزةُ "أَل" أَلفاً ليّنة في اللفظ، يُستغنى عنها بالمدَّة، فتقولُ "آلرجلُ خيرٌ أَم المرأَةُ؟ ". قال تعالى {آللهُ أَذِنَ لكم؟ - آلذَّكرينِ حَرَّمَ أم الأنثيَيْن؟ - آلآنَ وقد عَصَيْتَ قبلُ؟ ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 هذا ما يراه الجمهور الأعظم من النحاة في اجتماع همزة الاستفهام وهمزة "أل". وفي كتاب (الكتّاب) لابن درستويه ما يدل على أنه لا فرق بين همزة "أل" وغيرها من همزات الوصل وعلى أنها تجري هذا المجرى، وإن كانت مفتوحة، لأنها أكثر استعمالا من سائر ألفاظ الوصل وما قاله هو القياس. وأما التباس الإخبار بالاستخبار، فقرينة الكلام تعين المراد. ولا يكون هذا الاختلاط إلا في بعض المواضع. فليكن المنع حيث لم يؤمن اللبس. على أنهم لم يجروا على القياس، حذر الالتباس، فكان عليهم أن لا يجيزوا حذف الاستفهام من الكلام، وقد أجازوها اعتماداً على قرينة لفظية، مثل "ما أدري في ليل رحل القوم، أَم في نهار؟ أي أَفي ليل؟ وكقول عمر ابن أبي ربيعة [من الطويل] بدا ليَ مِعصم حين جمَّرت ... وكفٌ خضيبٌ زُينت ببنان فوالله ما أدري وإن كنت داريا ... بسبع رمين الجمر أَم بثمان؟ أَي أبسبع؟ والقرينة اللفظية هنا هي "أم"، التي تكون بعد همزة الاستفهام في السؤال عن أَحد الشيئين. وقد يكون الحذف اعتماداً على قرينة معنوية، يعتمد فيها على فطنة السامع كقول الكميت [من الطويل] طربت، وما شوقاً إلى البيض أطرب ... ولا لعباً مني، وذو الشوق يلعب أي "أو ذو الشوق يلعب؟ " ومنه قول المتنبي: [من البسيط] أحيا؟ وأيسر ما قاسيت ما قتلا ... والبين جار على ضعفي، وما عدلا أراد "أَأَحيا؟ ". وفي الحديث "وإن زنى؟ وإن سرق؟ "، أي "أو إن زنى أو إن سرق؟ " وفي شرح المغني للدماميني نقلا عن الجني الداني لابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 قاسم إن حذفها مطرد إذا كان بعدها "أَم" لكثرته نظما ونثراً. قال الدماميني "قلت وهو كثير مع فقد "أَم". والاحاديث طافحة بذلك". وتحقيق قول ما قاله الاخفش من ان حذفها جائز اختياراً في نظم أَو نثر، إذا أَمن اللبس. فإن أدى الحذف إلى الالتباس، فلا يجوز قولاً واحداً. فأنت ترى أَنهم أجازوا حذف همزة الاستفهام. ومنعوا حذف همزة "أل" بعد همزة الاستفهام. والمسألتان واحدة. فإذا قد أَجازوا أَن تحذف همزة الاستفهام، حيث يؤمن اختلاط الإخبار بالاستخبار، فينبغي أَن يجيزوا حذف همزة "أل" بعد همزة الاستفهام حيث يؤمن الالتباس، قياساً على غيرها من همزات الوصل والحق أَن حذفها، بعد همزة الاستفهام، جائز قياساً عند أَمن اللبس. وقد تقدم القول فيما جنح اليه ابن درستويه في كتاب (الكتّاب) من جواز ذلك) . رسم الهمزة المتطرفة حُكمُ الهمزةِ المتطرِّفة حكمُ الحرفِ الساكن، لأنها في موضع الوقفِ من الكلمة، والهجاءُ موضوعٌ على الوقف. وهي إما أَن يكون ما قبلها ساكناً أو متحرّكاً فإن كان ما قبلها ساكناً، كتِبت مُفردةَ بصورةِ القطعِ هكذا (ء) ، مثلُ "المَرْءِ والجزءِ والدفءِ والخَبْءِ والشيءِ والنَّوءِ والنشْءِ والعبْءِ، ويَجيءُ ويَسوءُ والمَقروءِ والمشنُوءِ والهنيءِ والمَريءِ والبريءِ والسوءِ والضياءِ والوضوءِ، وجاءَ وشاءَ". (وإنما لم تكتب بصورة حرف من أَحرف العلة يكون كرسياً لها، لأنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 تسقط من اللفظ إذا خففت عند الوقف، لالتقاء الساكنين. إذا جاز حذفها عند الوقف فلا ترسم، ولانها تبدل من حرف العلة قبلها وتدغم فيه مثل "الشيء والنوء والمقروء والهنيء"، فيقال "الشي والنو والمقرو والهني") . وإن كان ما قبلها متحركاً، كُتبت بحرفٍ يناسبُ حركةَ ما قبلها، مهما كانت حركتُها، لأنها إن خُففت في اللفظ موقوفاً عليها، نُحيَ بها مُنحى ذلك الحرف فترتكز على الألف في مثل "الخطأ والنبأ وقرأ ويقرأُ ولم يقرأ واقرأ وتوَضَّأ ويتَوَضَّأ ورأَيتَ امرَأَ القَيْس". وعلى الواو في مثل "التهيُّؤِ والتَّواطؤِ والأكمُؤ واللؤلؤ والجُؤجُؤ والتَّنَبء وجَرُؤَ ومَرُؤَ ورَدُؤَ، وهذا امرُؤُ القيس". وعلى الياء في مثل يَتَّكىءُ ويستهزِئُ وصَدِيءَ وضِئْضيء وناشيء وقاريء، ومررتُ بامرئ القيس". رسم الهمزة المتوسطة الهمزةُ المتوسطةُ، إما أَن تكون متوسطةً حقيقةً، كأنْ تكونَ بين حرفينِ من بِنْية الكلمة، مثل "سألَ وبئرٍ ورَؤُفَ" وإما إن تكون شبْهَ متوسّطةٍ، كأنْ تكون متطرّفةً، وتَلْحقَها علاماتُ التأنيثِ أو التثنيةِ او الجمعِ او النسبةِ او الضميرُ او أَلفُ المُنَوَّن المنصوبِ، مثلُ "نَشْأةٍ وفِئةٍ ومَلأى وجزءانِ وشيئانِ وقَرَّاءونَ وهيئاتٍ وهذا جُزْؤُهُ ويَقرَؤُهُ وأخذتُ جُزءاً واحتلمتُ عِبئاً". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 وحكمُها في الكتابة واحدٌ، إلا في أشياءَ قليلةٍ نذكُرها في مواضعها. وإذا توَّسطت الهمزة، فإما أن تكون ساكنة، او مفتوحةً، او مضمومة او مكسورة، ولكلّ حكمه في الكتابة. والقاعدة العامة لكتابة الهمزة المتوسطة، أنها إن كانت ساكنة، تُكتب بحرفٍ يُناسب حركةَ ما قبلها، مثلُ "رأْسٍ وسؤْلٍ وبئرٍ" وإن كانت متحركةً، تُكتب بحرفٍ يُجانسُ حركتَها هي، مثل "سأل ويسألُ وَلؤُمَ ويَلْؤُمُ وسئِم ومُسئمٍ ولئيم" إلا أن تُفتحَ بعد ضم او كسرٍ، فتُكتبُ حرفاُ يجانسُ حركةَ ما قبلها، مثلُ "مُؤَن وسؤال وفِئَةٍ وذِئابٍ وناشئَةٍ". او تقع بعدَ أَلف، فتُكتب قطعةً منفردةً بعدها، مثلُ "ساءَل وتساءَل ويتساءَل وعباءَة". وهناك مواضعُ قد يُشَذُّ فيها عن هذه القواعد الكليَّة، يرجع أكثرها إلى الهمزة في حال توَسطها توسطاً غير حقيقيّ. وستعلم ذلك فيما سنشرحه لك. وإليك تفصيل هذا المُجْمَل (1) رسم المتوسطة الساكنة إذا تَوسَطت الهمزة ساكنةً، كُتبت على حرف يناسبُ حركة ما قبلها فتُكتبُ على الألف في مثل "رأْسٍ وكأْسٍ ويأْمُل - ولم يقرأْه ولم يَشأْهُ ونشأْتُ وقرأْنا". وتُكتبُ على الواو مثل "لُؤْمٍ ويُؤمِنٍ ومؤمِنْ واؤْتُمِنْ ولؤلؤ - ولم يَسؤْهُ وبُؤْتُ وجَرُؤْتُ وجَرُؤا ويجرُؤْنَ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 وعلى الياءِ في مثل "بِئرٍ وذِئْبٍ وائْتِ وائْذَن - وجِئْتُ وجِئْنا ويَجِئْنَ وأَنبِئْه ولم يُنبِئه". (2) رسم المتوسطة المفتوحة (1) إن توسطت الهمزة مفتوحةً، بعد حرفٍ متحرك، كُتبت على حرفٍ يُجانسُ حركةَ ما قبلها. فتُكتبُ على الألف في مثل "سألَ ورأَبَ وسآمةٍ وضآلة ومآل - وخَطآنِ حِدَآت وأصلحتُ خَطَأهُ وسمعتُ نبأهُ ورأَيتُ حِدَأَة وقرأا ويقرأانِ وبدأا ويَبْدَأانِ. وعلى الواوِ في مثل "مؤنٍ وتُؤدةٍ ومُؤَوِّل ويُؤمَلُ ومُؤَرّخ وسُؤالٍ وامرؤَانِ ولُؤْلؤَينِ ولُؤلؤاتٍ واشتريتُ لُؤلؤةً وأكلت أكمُؤَةً وجَؤُؤا يجْرُؤانِ". وعلى الياءِ في مثل "ذِئابٍ ورئاسةٍ وافتئاتٍ وفِئَةٍ ومِئَةٍ ومِئاتٍ وفِئاتٍ وقارِئانِ وقارئاتٍ ورأَيتُ قارئةُ وقارئَيْه ومُنشِئَهُ ومُنشِئَيهِ". (2) إذا توسطت الهمزةُ مفتوحةً بعد حرفٍ ساكن، توَسطاً حقيقيًّا، كتبت على الألف (إن لم تُسبق بألف المدّ) مثلُ "يَيْأسُ ويسألُ ومسألة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 ٍ وجَيْأل والسمَوْأل ومَلأمةٍ وتَوأَم ومَلآنَ وظمآن والقُرآن" فإن سُبقت بألفِ المدِّ، كُتبت منفردة، مثل "ساءَلَ وتساءَلَ وساءَلوا ويتساءَلُ". فإن كانت شبهَ متوسطةٍ، كُتبت منفردة بعد حرف انفصال، مثل "جاءَا وشاءَا وجُزءَانِ وضَوْءَانِ ومخبوءَينِ ومخبُوءَات وقرأَ جُزءَهُ ورأَى ضوءَه وكساءَه". وعلى شبه ياء بعد حرف اتصال، مثلُ "شيئانِ وعِبئان وشيئينِ وعِبئَينِ ورأَيت شيئَهُ وفَيئَهُ وعِبئَهُ ونَشْئَهُ وخَبيئَهُ". (3) إذا لزمَ، من كتابة الهمزة ألفاً، اجتماعُ ألفينِ الهمزِ، وأَلفِ المدِّ، فإن سبقت أَلفُ المدِّ أَلفَ الهمزِ، كتبتَ ألفَ المدِّ وحدَها، ورسمتَ ألف الهمز قطعةً منفردةً بعدها، مثلُ "تضاءَل وتساءَمَ وتَثاءَب" وإن سبقت أَلفُ الهمزِ أَلفَ المدِّ، كتبتَ أَلفَ الهمزِ وطرحتَ أَلفَ المدِّ مُعَوّضاً عنها بمدَّة، تُكتبُ على طرف أَلف الهمز، مثلُ السآمةِ والشآمِ والقرآن والملآن والنَّبآن والملجآنِ". ويُستثنى من ذلك أَن تكون أَلفُ المدّ أَلفَ الضمير، فتُكتب هيَ وأَلفُ الهمزِ معاً، مثل "قَرأا واقرأا ويَقْرأانِ ولم يَقرَأا". هذا رأْيُ جمهور العلماء. ومنهم من يحذفُ ألفُ المدّ مُعَوِّضاً عنها بالمدَّة، مثلُ "قرآ واقرآ ويقرآنِ ولم يَقْرَآ". وهذا هو القياس. وهو أَيسرُ على الكاتب ومنهم من يكتب الهمزَة منفردةً، لا على الفٍ، ويُثبتُ الف الضمير بعدها، مثلُ قَرَءَا واقرَءَا ويَقْرءَان ولم يَقْرَءَا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 اما إثباتهم الألفين في الفعل، مع استكراههم ذلك في نحو "سآمة وظمآن وخَطآنِ" فلعلَّهم فرقوا بين أن تكونَ الفُ المدّ ضميراً او غيرَ ضمير، لأن الألفَ هنا ضميرُ الفاعل. والفاعلُ أشدُ لُصوقاً بالفعل من غيره، فلا يُستغنى عنه فكتبوها لذلك. (3) رسم المتوسطة المضمومة (1) إن تَوسطت الهمزةُ مضمومةً بعد فتحٍ او ضم أو سكون، كتبت على الواو. فمثالها مضمومةً بعد فتحٍ "لَؤمَ وضَؤُلَ ورَؤُفَ ويَقرؤُهُ ويَمْلؤُهُ ويكلَؤُهُ وهذا خَطَؤُهُ ونَبَؤُهُ". ومثالها مضمومةً بعد ضمّ "الزُّؤُدُ والرُّؤُمُ والسُّؤُمُ وهذا لُؤُلؤُه وجُؤْجؤُه وأكمؤُهُ". ومثالها مَضمومةً بعد ساكنٍ "يَضْؤُلُ وأرؤُسٌ وأكؤُسٌ والتَّرَؤُّسُ والتَّساؤُلُ والتَّلاؤُمُ - وهذا جزؤُهُ وضَوْؤهُ ووُضوؤُه وضِياؤُهُ". إلا إن ضُمّت شبهُ المتوسطة، بعد حرفٍ من حروف الاتصال، فتُكتب على شبهِ ياءٍ مثل "هذا شيئُهُ وفيئُهُ وعِبْئُهُ ونَشْئُهُ وبَريئُهُ ومجيئُهُ ويجيئون ويُسيئونَ ومُسيئون". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 (2) إذا لزمَ، من كتابة الهمزة على الواو، اجتماعُ واوينِ فإن تأخرت واو الهمز، كتبتهما معاً مثل "هذا ضَوْؤُهُ ووُضوؤهُ ومَقْروؤُه. وإن سبقت، فمنهم من يحذف صورتها، ويكتبها همزة منفردة، بعد حرفِ انفصالٍ مثل "رَؤُوف ورُءُوس وقرَءُوا ويَقرَؤُونَ"، وعلى شبه ياءٍ، بعد حرف اتصالٍ، مثل "كُئوس ومسئولٍ - ومَلَئُوا ويَمْلَئونَ". إلا إن كانت شبهَ متوسطة، وكانت في الأصل مكتوبةً على الواو كجَرؤَ ويَجْرؤُ، فتُرسمُ الواوانِ معاً، مثل "جَرُؤُوا ويجرُؤُون". هذا مذهب المتقدمين، وعليه المعوَّل عند أرباب هذا الشأن. وعليه رسم بعض المصاحف. ومنهم من يرسم الواوينِ معاً، وهو القياس، مثل "رَؤوفٍ ورؤوسٍ وسُؤوم وصُؤون وكؤوس ومرؤوب ومسؤول - وقَرَؤوا ويَقْرؤون ومَلَؤوا ويَمْلؤونَ". ومنهم من يكتفي بواوٍ واحدة يرسم الهمزة عليها، مثل رَؤفٍ ورُؤسٍ ومَسؤلٍ وقَرَؤُا ويَقْرؤن". وعليه رسم كثيرٍ من المصاحف. ومنهم من يُبقي الهمزةَ المتطرّفة، المكتوبة على الألف، المتصلةَ بما يجعلها شبهَ متوسطة، على حالها من الرسم، مثل "قرأُوا ويَقْرأُون، وبَدَأُوا ويَبْدَأُون، وملأوا ويَمْلأون، وهذا خطأُهُ ونبأُه ورَشأُهُ" وهو مذهب بعض المتأخرين. وهو الشائعُ على أكثر الأقلام اليوم، لسهولته وبُعدهِ عن إعمال الفكر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 والمذهب الأول هو المتقدِّم. كما علمت. وكلٌّ له وجهٌ صحيح. أما إذا لزمَ من ذلك اجتماعُ ثلاثِ واوات، فتطرح واو الهمزة، وتكتبُ الهمزة منفردة بين الواوين، قولاً واحداً، مثل "موْءُودة ووءُولٍ - ومَقْروءُون ومنشؤُون ويَسوءُون". (3) إن توسطت الهمزة مضمومةً بعد حرفٍ مكسورٍ (وهذا لا يكون إلا في شبهِ المتوسطة) ، كُتبت على شبه ياءٍ، مثل مِئونَ وفِئون وهذا قارئُه ومُنْشئُه ومُنبّئُه وسيئُه وسيئون والقارئون والمُنشئونَ والمُنبّئونَ وينبِّئه ويُقرِئُه". (4) رسم المتوسطة المكسورة إن توسطت الهمزة مكسورةً، لا تُكتب إلا على الياء، سواءٌ أكانت مكسورةً بعد فتحٍ، مثل "سَئمَ وبَئسَ ودَئِب - ومُلجَئينَ ونظرتُ إلى رَشئهِ وخَطَئهِ ومُنشِئهِ". أم مكسورةً بعد ضم، مثل "سُئلَ ورُئيَ ونُئيَ عنه والدِئلِ - ونظرتُ إلى لُؤلئه وبُؤبُئه، وشقت السفينة الماءَ يجؤجئُها وتقول في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 جمعِ من سَمَّيْتَهُ لؤلؤاً "مررتُ باللُّؤلُئين" وبعضهم يكتب التي بعدها ياءٌ بحركة ما قبلها (أي على الواو) ، مثل "رُؤِيَ ونُؤِيَ عنه". أم مكسورةً بعد كسر (وهذا لا يكون إلا في شبه المتوسطة) ، مثل "مِئِينَ وفِئينَ وقارئينَ وناشئينَ ومُنشئينَ ومُقرئينَ وقارئهِ ومُنشئهِ ولآلِئهِ". أم مسكورةً بعد سكونِ، مثلُ "أفئدةٍ وأسئلةٍ ومُسئِمٍ ومُتئمٍ والمرئِيِّ والرائي ويُسائِلُ وسائِلْ ومُسائِلِ - والمَقروئينَ والطَّائيِّ والكسائيِّ والجُزئيِّ وجُزئِه وعِبئه وشيئه وضَوْئه ووضوئه وضيائه". (5) رسم المتوسطة مع علامة التأنيث الهمزة المتوسطةُ بإلحاق علامةِ التأنيث بها، لا تكونُ إلا مفتوحة. فإن كان ما قبلها مفتوحاً أو ساكناً صحيحاً، كُتبت على الألف، مثل "حَدَأةٍ وخَطَأةٍ ونَشْأةٍ ونَبْأةٍ ومَلأى وظَمْأى". وإن كان مضموماً، كُتبت على الواو، مثل "لُؤلؤَةٍ". وإن كان مكسوراً أو ياءً ساكنةً، كُتبت على الياءِ، مثل "مِئَةٍ وفِئَةٍ وتهنئةٍ ومَرزِئَةٍ وهَيْئةٍ وبِيئِة وخطيئةٍ وبريئةٍ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وإن كان ما قبلها أَلفاً أو واواً، كتبت منفردة، مثل "ملاءَةِ وقراءَةِ ومُرءَةٍ وسَوْءَةٍ وسَوءَى وسَوْءَاءَ". (6) رسم المتوسطة مع الف المنون المنصوب المُنَوَّنُ المنصوبُ تَلحقُهُ ألف مدٍّ لا تُلفظُ إلا في الوقف، سواءٌ أكان آخرُهُ همزةً أم غيرَها، مثلُ "رأيتُ رجلا وكتاباً ولُؤلؤاً". فإن كانت الهمزةُ المنَوَّنةُ تنْوين نَصبٍ، مرسومةً على حرف أبقيتها مرسومةً عليه، ورسمتَ بعدها الألفَ، مثل رأيتُ بُؤبُؤاً وأكمؤاً وقارئاً ومُنْشئاً". وإن كانت منفردةً، غيرَ مرسومةٍ على حرفٍ، فإن كانت بعد حرفِ انفصال، تركتَها على حالها، ورسمتَ بعدها الألف مثل "رأيتُ جُزْءاً ورُزءاً وضَوْءاً. ووُضُوءاً". وإن كانت بعد حرف اتصال كتبتها قبل الألف على شِبهِ ياءٍ، مثل (احتملتُ عبْئاً واتخذتُ دِفْئاً ورأيتُ شيئاً) . غيرَ انهم تركوا كتابَتها بعد الهمزةِ المرتكزةِ على ألفٍ، كراهية اجتماعِ ألفينِ في الخط، مثل (سمعتُ نَبأ ورأيتُ رَشأ) وبعد الهمزة المسبوقة بألف المدّ اعتباطاً، لا لسببٍ، مثل "لبستُ رداءً، وشربتُ ماءً". وإنما تُكتبُ هذهِ الألفُ، لأنَّ المنوَّنَ المنصوبَ لا يجوز أن يوقفَ عليه بالسكونِ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 بل يجبُ أن يُوقفَ عليه بفتحةٍ ممدودة، تتوَلد منها ألفُ المدِّ. وسواءٌ في ذلك ما لحقتهُ هذهِ الألفُ في الخط، وما لم تلحقهُ لِسَبَبٍ او اعتباطاً. كتابة الألف المتطرفة الالفُ المتطرفةُ، إما أن تكونَ آخرَ فعلٍ كدعا ورمى وأعطى، وإما أن تكون آخرَ اسم مُعربٍ عربيّ كالفتى والعصا والمصطفى. وإما أن تكون آخرَ اسمٍ مَبنيٍّ كأنا ومهما. وإما أن تكون آخرَ حرفٍ كعَلى ولولا. وإما أن تكون آخرَ اسم أعجمي كموسيقا. فهي خمسة أنواع ولكلّ نوع حكمهُ في الرسم. وإليك بيان كلّ نوع منها (1) و (2) إن تطرَّفت الألفُ في فعل او اسم مُعرب. فإن كانت رابعةً فصاعداً، كتبتها ياءً مطلقاً. والحرفُ المشدَّد يُحسب حرفين، وكذلك الهمزة التي فوقها مدَّةٌ مُعوَّض بها عن أَلفٍ محذوفة، مثل "حُبلى ودعوى وجُلَّى وجُمادى ومستشفى - وأَعطى وأَملى ولبّى وحلَّى وآتى وآخى واهتدى وارتضى واستولى واستعلى". وإلا إِذا لزِمَ، من كتابتها ياءً، اجتماعُ ياءَين، فتكتب ألفاً، مثل "استحيا وأحيا وسجايا ويحيا وزوايا وريّا ودُنيا. وقد كتبوا "يحيى وريّى" علمين، بياءَينِ، للتفرقة بين ما هو علمٌ أو فعلٌ أو صفة. والقولُ في نحوهما كالقول فيهما. وإن كانت ثالثة، فإن كانت منقلبةً عن الواو، كتبتها ألفاً، مثل "العصا والقفا والدُّجا والرُّبا والذُّرا والعِدا - ودعا وغزا وعفا وعلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 وسما وتلا". وإن كانت منقبلةً عن ياءٍ كتبتها ياءً، مثل "الفتى والهوى والنَّوى والرَّحى والحمى - ورمى ومشى وهدى وهوى وقضى". وما كان من ذلك ممدوداً، فقصرَته كالبيضاء والجدعاء، أو مهموزاً، فسهَّلته كتوضأ وتجزأ ومَلجأ ومُلتجأ، فلا يكتب بالياء، بل يكتبُ بالألف التي صارت آخراً، مثلُ "البيضا والجدعا وتوضا وتجزا وملجا وملتجا". واعلم أن من النحاة من يكتبُ البابَ كله بالألف، حملاً للخط على اللفظ، سواءٌ أكانت الألف ثالثةً أم فوق الثالثة، وسواءٌ أكانت منقلبة عن واو أم عن ياءٍ. قالوا وهو القياس، وهو أنفى للغلط. وهذا ما اختاره أبو علي الفارسي، كما في شرح أدب الكاتب لابن السيد البطليوسي. وهو مذهبٌ سهل، لكنه لم يشتهر، ولم ينتشر. والكتَّاب قديماً وحديثاً على خلافه. (3) إذا تطرَّفت الألفُ في اسمٍ مبني، كتبت ألفاً، مثلُ "أنا ومهما"، إلا خمس كلمات منها، كتبوها فيها بالياء، وهي "أنّى ومتى ولدى والألى" (اسم موصول بمعنى الذينَ) وأولى (اسم إشارة للجمع، كأولاءِ) . (4) إذا تطرفتِ الألفُ في حرف من حروف المعاني، كتبت ألفاً، مثل "لولا وكلاّ وهلاّ"، إلا أربعةَ أحرف، كتبوها فيها بالياء. وهي "إلى وعلى وبلى وحتى". (5) إذا تطرَّفت الألفُ في اسم أعجمي، كتبت ألفاً مطلقاً، ثلاثياً كان، أو فوق الثلاثي. ولا فرق بين أن يكون من أسماء الناس أو البلاد أو غيرهما، مثلُ "بُغا ولوقا وتمليخا وزليخا وبحيرا" (وهي أعلامُ أناس) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 وأريحا ويافا وحيفا وطنطا والرُّها (وهي أسماءُ بلدان) وببْغا (وهي اسم طير) ، وموسيقا وارتماطيقا "وهما من مصطلحات الفنون والعلوم". وكتبوا (بخارى) ، من أسماء البلدان، بالياء. وكتبوا أربعة من أعلام الناس بالياء أيضاً، وهي موسى وعيسى ومتَّى وكسرى. ومنهم من يكتب "متّى" باللف هكذا "مَتّا". الوصل والفصل من الكلمات ما لا يصح الابتداء به، كالضمائر المتصلة ومنها ما لا يصح الوقفُ عليه، كالحروف الموضوعة على حرف واحدٍ ومنها ما يصح الإبتداء به والوقف عليه، وهو كل الكلمات، إلا قليلا منها. فما صح الابتداء به والوقفعليه، وجب فصلُه عن غيره في الكتابة، لأنه يستقل بنفسه في النطق، كالأسماء الظاهرة، والضمائر المنفصلة، والأفعال والحروفَ الموضوعة على حرفين فأكثر. وما لا يصحُّ الابتداء به، وجبَ وصلُهُ بما قبلهُ، كالضمائر والمتصلة، ونوني التوكيد، وعلامةِ التأنيث، وعلامةِ التَّثنية، وعلامة الجمع السالم. وما لا يصحُّ الوقفُ عليه، وجب وصلُه بما قبله، كالضمائر، ونوني التوكيد، وعلامة التأنيث، وعلامةِ التَّثنية، وعلامة الجمع السالم. وما لا يصحُّ الوقفُ عليه، وجب وصلُه بما بعده، كحروفِ المعاني الموضوعة على حرفٍ واحدٍ، والمركب المزجيِّ، وما رُكّب مع المائة من الآحاد كأربعمائة، والظُّروفِ المضافة إلى "إذٍ" المُنَوَّنةِ كيومئذٍ وحينئذٍ. فإن لم تُنَوَّنْ، بأن تُذكر الجملة المحذوفة المعوَّض عنها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 بالتنوين، وجبَ الفصلُ مثلُ "رأيتك حين إذْ كنتَ تخطبُ". وكلا النوعينِ (أي ما يصحُّ الابتداءُ به، وما لا يصح الوقف عليه) يجب وصله، كما رأيتَ، لأنه لا يستقلُّ بنفسه في النطق. والكتابةُ تكون بتقدير الابتداء بالكلمة والوقف عليها، كما علمتَ في أول فصل الخط. وقد وصولا، في بعض المواضع، ما حقّهُ أن يكتب منفصلا، كأنهم اعتبروا الكلمتين كلمةً واحدة. وإليك تلك المواضع (1) وصلوا "ما" الإسميّة بكلمة "سِيٍّ" مثلُ "أحبُّ أصدقائي، ولا سِيَّما زُهيرٍ"، وبكلمة "نِعْمَ" إذا كُسرت عينُها، مثلُ "نِعِمَا يَعِظُكم به"، فإن سكنت عينها، وجب الفصلُ، مثلُ "نِعْمَ ما تفعل". (2) ووصلوا "ما" الحرفية الزائدة أيًّا كان نوعها، بما قبلها، مثلُ "طالما نصحتُ لك، {إنما إلهكم إلهٌ واحدٌ} ، أتيتُ لكنما أُسامةُ لم يأت. {عمّا قليل لَيُصبِحُنَّ نادمين} . {مما خطيئاتِهم أُغرقوا} . {أيّما الأجلينِ قضيتُ} . فلا عدوان عليّ. أينما تجلسْ إجلس. إما تجتهدْ تنجح. {إنه لحقٌّ مثلما أنكم تنطقون} . اجتهدْ كيما تنجح". (3) وصلوا "ما" المصدرية بكلمة "مثل" مثل "اعتصمْ بالحق مثلما اعتصم به سَلَفُكَ الصالح"، وبكلمة "رَيْثَ"، مثل "انتظرني رَيْثنما آتيك"، وبكلمة "حين" مثل "جِئتُ حينما طلعت الشمسُ"، وبكلمة "كل" مثل " {كلما أضاءَ لهم مَشَوْا فيه} . كلما زرتني أكرمتك". "وما" بعد كلٍّ" مصدرية ظرفية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 (4) وصلوا "مَنْ" استفهاميةً كانت، أو موصوليّةً، أو موصوفيةً، أو شرطيَّة، بمن وعن الجارَّتين فالاستفهاميّة مثل "مِمن أنت تشكو؟ " والموصوليَّة مثلُ "خُذِ العلمَ عمَّن تَثقُ به". والموصوفيّةَ مثل "عَجبتُ ممّن مُحبٍ لك يؤْذيك"، أي من رجلٍ محبٍّ لك. والشرطيّةُ مثلُ مِمّن تَبتعدْ ابتعدْ، وعَمّن ترضَ أرضَ"، أي من تبتعدْ عنه أَنتَ أَبتعد عنه أَنا، ومن ترضَ عنه أَرضَ عنه. وصلوا (مَن) الإستفهاميّة بفي الجارَّة، مثل "فيمن ترغبُ أن يكون معك؟. فيمن ترى الخير؟ ". (5) وصلوا "لا" بكلمة "أن" الناصبة للمضارع، مثل {لئلا يعلم أهلُ الكتاب} "ويجبُ ألا تدَعَ لليأس سبيلا إلى نفسك". ولا فرق بين أن تسبقها لامُ التعليل الجارَّة وألا تسبقها، كما رأيت. هذا مذهب الجمهور. وذهب أبو حيّانَ ومن تابعه إلى وجوب الفصل قال وهو الصحيح، لأنه الأصل، مثل "يجب أن لا تهمل". فإن لم تكن "أن" ناصبة للمضارع، وجب الفصل، كأن تكون مخففة من "أن" المشددةِ، مثل "أشهَدُ أَن لا إِلهَ إلا اللهُ" أي أنه، أن تكون تفسيرية، مثلُ "قُلْ له أن تخفْ". (6) وصلوا "لا" بكلمة "إن" الشرطية الجازمة، مثلُ {إلا تفعلوه تكن فتنةٌ، إلا تَنصرُوه فقد نَصرهُ الله} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 (7) منهم من يصلُ "لا" بكلمة "كي"، مثلُ "لكيلا يكون عليك حرجٌ، ومنهم من يوجب الفصل. والأمران جائزان. وقد جاء الوصلُ والفصلُ في القرآن الكريم، وقد وُصلت في المصحف في أربعة مواضع، منها {لكيلا يكون عليك حرجٌ} ومن الفصل قوله تعالى {لكي لا يكون على المؤمنين حرجٌ} وقوله {كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 (مباحث الفعل الإعرابية) (المبني والمعرب من الأفعال) الفعل كله مبني. ولا يُعرَبُ منه إلا ما أشبه الاسم، وهو الفعل المضارع الذي لم تتصل به نونا التوكيد ولا نون النِّسوة. وهذا الشبه إنما يقع بينه وبين اسم الفاعل. وهو يكون بينهما من جهتي اللفظ والمعنى. أما من جهة اللفظ، فلأنهما متفقان على عدد الأحرف والحركات والسكنات فيكتبُ على وزن (كاتب) ومُكرِمٌ على وزن (يُكرَمُ) . وأما من جهة المعنى فلأنَّ كلاًّ منهما يكون للحال والاستقبال وباعتبار هذه المشابهة يسمّى هذا الفعل (مُضارعاً) ، أي مشابهاً، فإن المضارعة معناها المشابهةُ، يُقال "هذا يُضارعُ هذا"، أي يشابهه. فإن اتصلت به نون التوكيد، أو نون النسوة، بُني، لأن هذه النُّونات من خصائص الأفعال، فاتصالُهُ يهنَّ يُبعِدُ شَبههُ باسم الفاعل فيرجعُ إلى البناء الذي هو أَصل في الأفعال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 (بناء الفعل الماضي) يبنى الماضي على الفتح، وهو الأصلُ في بنائه، نحو "كتب". فإن كان معتلَّ الآخر بالألف، كرمى، ودعا، بني على فتحٍ مقدَّر على آخره. فإن اتصلت به تاء التأنيث، حُذف آخرُه، لاجتماع الساكنين الألفِ والتاء، نحو "ردتْ ودعتْ" والأصل "رماتْ ودعاتْ". ويكون بناؤه على فتح مقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين. وليست حركة ما قبل تاء التأنيث هنا حركة بناء الماضي على الفتح، لأن حركة البناء - كحركة الإعراب - لا تكون إلا على الأحرف الأخيرة من الكلمة والحرف الأخير هنا محذوف كما رأيت) . وإن كان معتل الآخر بالواو أَو الياء، فهو كالصحيح الآخر - مبني على فتح ظاهر كسرُوَتْ ورضيَتْ. ويبنى على الضم إن اتصلت به واو الجماعة، لأنها حرفُ مَد وهو يقتضي أن يكون قبلهُ حركةٌ تجانسهُ، فيبنى على الضم لمناسبة الواو نحو "كتبوا". فإن كان معتلَّ الآخر بالألف، حذفت لالتقاء الساكنين، وبقي ما قبل الواو مفتوحاً، كرَموْا ودَعوْا، والأصل "رَماوا ودعاوْا" ويكون حينئذ مبنياً على ضم مُقدر على الألف المحذوفة. (وليست حركة ما قبل الواو حركة بناء الماضي على الفتح، لأن الماضي مع واو الجماعة يبنى على الضم، ولأن حركة البناء كما قدمنا، إنما تكون على الحرف الأخير والحرف الأخير هنا محذوف كما علمت) . وإن كان معتلّ الآخر بالواو، أو الياء، حُذف آخرُه وضمَّ ما قبله بعد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 حذفه، ليناسب واو الجماعة، نحو "دُعُوا وسرُوا ورَضُوا"، والأصل "دُعيُوا وسروُوا ورَضيُوا" وبوزن "كُتِبوا وظَرُفوا وفرِحوا". (استثقلت الضمة على الواو والياء فحذفت، دفعاً للثقل، فاجتمع ساكنان حرف العلة وواو الجماعة، فحذف حرف العلة، منعاً لالتقاء الساكنين، ثم حرك ما قبل واو الجماعة بالضم ليناسبها. فبناء مثل ما ذكر، إنما هو ضم مقدر على حرف العلة المحذوف لاجتماع الساكنين، فليست حركة ما قبل الواو هنا حركة بناء الماضي على الضم وإنما هي حركة اقتضتها المناسبة للواو، بعد حذف الحرف الأخير. الذي يحمل ضمة البناء. ويبنى على السكون إن اتصل به ضمير رفع متحرك، كراهية اجتماع أربع حركات متواليات فيما هو كالكلمة الواحدة، نحو كتبتُ وكتبتَ وكتبتِ وكتبنَ وكتبنا". (وذلك لأن الفعل والفاعل المضمر المتصل كالشيء الواحد، وإن كانا كلمتين، لأن الضمير المتصل بفعله يحسب كالجزء منه. وأما نحو "أكرمت واستخرجت" مما لا تتولى فيه أَربع حركات، أن بني على الفتح مع الرفع المتحرك "فقد حمل في بنائه على السكون على ما تتوالى فيه الحركات الأربع، لتكون قاعدة بناء الماضي مطردة) . وإذا اتصل الفعلُ المعتلُ الآخر بالألف، بضمير رفع متحرك، قلبت أَلفه ياء، إن كانت رابعة فصاعداً، أو كانت ثالثة أصلها الياء. نحو "أعطيتُ واستحيَيتُ وأَتيتُ. فإن كانت ثالثة اصلها الواو ردَّت اليها، نحو "علوتُ وسموتُ". فإن كان معتلّ الآخر بالواو او الياء، بقي على حاله، نحو "سروتُ ورضيتُ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 (بناء الأَمر) يُبنى الأمر على السكون وهو الأصل في بنائه، وذلك إن اتصل بنون النسوة، نحو (اكتبن) ، أو كان صحيح الآخر ولم يتصل به شيء كاكتبْ. وعلى حذف آخره، إن كان معتل الآخر، ولم يتصل به شيء كانجُ واسعَ وارمِ. وعلى حذف النون، إن كان متصلا بألف الاثنين، أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة كاكتبا، واكتبوا، واكتبي. وعلى الفتح، إن اتصلت به إحدى نوني التوكيد كاتُبَنْ واكتُبَنّ. وإذا اتصلت نون التوكيد المشددة بضمير التثنية، أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة في الأمر ثبتت الألف معها، وكسرَت النون نحو "اكتبانَّ"، وحذفت الواو والياء، حذراً من التقاء الساكنين، نحو "اكتبُنَّ واكتبِنَّ". ويبقى الأمر مبنياً على حذف النون. والضمير المحذوف لالتقاء الساكنين هو الفاعل. وكذا إن اتصلت النون المخفَّفة بالواو أَو الياء، كاكتُبنْ واكتُبِن. أما بالألف فلا تتصل، فلا يقالُ اكتبان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 (إعراب المضارع وبناؤه) إذا انتظم الفعل المضارع في الجملة، فهو إما مرفوع أو منصوب، أو مجزوم. وإعرابُه إما لفظي، وإما تقديري، وإما محلي. وعلامة رفعه الضمةُ ظاهرةً، نحو (يفوزُ المتقون) ، أو مقدَّرَة نحو "يعلو قدرُ من يقضي بالحق"، ونحو "يَخشى العاقل ربّهُ". وعلامة نصبه الفتحة ظاهرة، نحو "لن أقول إلا الحق"، أو مقدرة، نحو "لن أخشى إلا الله". وعلامة جزمه السكون نحو "لم يَلدْ ولم يُولدْ". وإنما يعرب المضارع بالضمة رفعاً، وبالفتحة نصباً، وبالسكون جزماً إن كان صحيح الآخر، ولم يتصل بآخره شيء. فإن كان معتل الآخر غير متصل به شيء جزم بحذف آخره نحو "لم يَسعَ، ولم يرمِ، ولم يدعُ". وتكون علامة جزمه حذف الآخر. وإن اتصل بآخره ضمير التثنية أو واو الجماعة، أو ياء المخاطبة، فهو معربٌ بالحرف، بالنون رفعاً، نحو "يكتبان ويكتبون وتكتبين" وبحذفها جزماً ونصباً، نحو "إن يَلزَمُوا معصية اللهِ، فلن يفوزوا برضاه". وإن اتصلت به إحدى نوني التوكيد، أو نون النسوة، فهو مبني، مع الأوليَينِ على الفتح نحو "يكتُبَنْ ويكتَبنَّ"، ومع الثالثة على السكون نحو "الفتيات يكتْبنَ ويكون رفعه ونصبه وجزمه حينئذ محلياً. فإن لم يتصل آخرُه بنونِ التوكيدِ مباشرةً بل فصِلَ بينهما بضمير التثنية، أو واو الجماعة، أو ياءِ المخاطبةِ، لم يكن مبنياً، بل يكونُ مُعرباً بالنون رفعاً، وبحذفها نصباً وجزماً. ولا فرق بين أن يكون الفاصلُ لفظيًّا، نحو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 "يكتبانّ" أو تقديريًّا نحو "يكتُبُنَّ وتكتُبِنَّ، لأن الأصل "تَكتبونَنَّ وتكتُبينَنَّ". (حذفت نون الرفع، كراهية اجتماع ثلاث نونات نون الرفع ونون التوكيد المشددة ثم حذفت واو الجماعة وياء المخاطبة، كراهية اجتماع ساكنين الضمير والنون الأولى من النون المشددة) . واعلم أنَّ نونَ التوكيدِ المشدَّدةَ، إن وقعت بعدَ ألف الضمير، ثبتتِ الألفُ وحُذفت نون الرفع، دفعاً لتوالي النوناتِ، غيرَ أن نونَ التوكيدِ تُكسَرُ بعدَها تشبيهاً لها بنون الرفعِ بعدَ ضمير المُثنَّى، نحو "يكتُبانِّ". وإن وقعت بعدَ واو الجماعة، أو ياء المخاطبةِ، حُذفت نون الرفعِ دفعاً لتوالي الأمثال. أما الواو والياء، فإن كانت حركةُ ما قبلَهما الفتحَ ثبتتا، وضُمّت واوُ الجماعة، وكسِرت ياء المخاطبة، وبقِي ما قبلهما مفتوحاً على حاله، فتقولُ في يَخشَوْن وتَرضَين "تخشَوُنَّ وترضِينَ". وإن كان ما قَبلَ الواو مضموماً، وما قبل الياء مكسوراً حُذِفَتا. حذراً من التقاء الساكنين، وبَقيَتْ حركةُ ما قبلهما، فتقولُ في تكتُبونَ وتكتُبينَ وتغزونَ وتغزين "تكتُبينَّ وتكتبِنَّ وتغزُنَّ وتغزِنَّ". وإذا وَلي نونَ النِّسوةِ نونُ التوكيد المشَّدةُ وجب الفصلُ بينهما بألفٍ، كراهية توالي النونات، نحو "يكتبْنانِّ" أما النونُ المخففةُ فلا تَلحَقُ نونَ النسوة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 وحكم نوني التوكيدِ، معَ فعل الأمر، كحكمهما معَ المضارع في كل ما تقدمّ. المضارع المرفوع يُرفع المضارعُ، إذا تجرَّدَ من النواصب والجوازمِ. ورافعُهُ إنما هو تجرُّده من ناصبٍ أو جازمٍ. (فالتجرد هو عامل الرفع فيه، فهو الذي أوجب رفعه. وهو عامل معنوي، كما أن العامل في نصبه وجزمه هو عامل لفظي لأنه ملفوظ. وهو يُرفعُ إما لفظاً، وإما تقديراً، كما سلف، وإما محلاًّ، إن كان مبنيًّا، نحوُ "لاجتهدنَّ" ونحو "الفتياتُ يجتهدْن" المضارع المنصوب ونواصبه يُنصبُ المضارعُ إذا سبقتهُ إحدى النواصب. وهو يُنصبُ إما لفظاً، وإما تقديراً، كما سلفَ، وإما محلاًّ، إن كان مبنيًّا مثل "على الأمهاتِ أن يَعنينَ بأولادهنَّ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 ونواصبُ المضارع أربعةُ أحرفٍ، وهي (1) أنْ، وهي حرفُ مَصدرِيةٍ ونصبٍ واستقبال، نحوَ {يُريدُ اللهُ أَن يُخففَ عنكم} . وسميت مصدرية، لأنها تجعلُ ما بعدها في تأويل مصدر، فتأويل الآية "يريد الله التخفيف عنكم" وسميت حرف نصب، لنصبها المضارع. وسميت حرف استقبال، لأنها تجعل المضارع خالصاً للاستقبال. وكذلك جميع نواصب المضارع تمحضه الاستقبال بعد أن كان يحتمل الحال والاستقبال". ولا تَقعُ بعد فعلٍ بمعنى اليقينِ والعلمِ الجازم. فإن وقعت بعدَ ما يدُلُّ على اليقين، فهيَ مُخفَّفةٌ من "أنَّ"، والفعل بعدها مرفوعٌ، نحو {أفلا يَرَوْنَ أنْ لا يَرجِعُ إليهم قولاً} ، أي أنهُ لا يَرجع. وإن وقعتْ بعدَ ما يدُلُّ على ظنٍّ أو شبههِ، جازَ أن تكون ناصبة للمضارعِ، وجازَ أن تكونَ مخفَّفةً من المشدَّدَة، فالفعلُ بعدَها مرفوعٌ. وقد قُرِئَتِ الآيةُ {وحَسِبوا أَلاّ تكونَ فتنةٌ} ، بنصب "تكون"، على أنّ "أنْ" ناصبةٌ للمضارعِ، وبرفعه على أنها مخففةٌ من "أن". والنصب أَرجح عندَ عَدمِ الفصلِ بينها وبين الفعلِ بلا، نحو {أحسِبَ الناسُ أن يُترَكوا} والرفعُ والنصبُ سواءٌ عند الفصل بها، كالآية الأولى. فإن فُصِلَ بينهما بغير "لا" كقَدْ والسين وسوفَ، تعيَّنَ الرفعُ، وأن تكونَ "أنْ" محفَّفةً من المُشدَّدة، نحو "ظننت أَنْ قد تقومُ، أَو أَن ستقومُ، أَو أَنْ سوفَ تقومُ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 واعلمْ أنَّ "أَن" الناصبةَ للمضارع، لا تُستعملُ إلاّ في مقام الرجاء والطَّمعِ في حصولما بعدها، فجاز أن تقعَ بعد الظنّ وشِبهه، وبعد ما لا يدل على يقين أو ظن، وامتنع وقوُعها بعد أفعالِ اليقين والعلم الجازم، لأن هذه الأفعالَ إنما تتعلقُ بالمحقَّق، لا يناسبُها ما يدلُّ على غير محقَّق، وإنما يناسبُها التوكيدُ، فلِذا وجب أن تكون "أن" الواقعةُ مُخفِّفة من المُشدَّدة المفيدةِ للتوكيد. (2) لنْ، وهي حرفُ نفيٍ ونصبٍ واستقبال، فهي في نفي المستقبل كالسين وسوفَ في إثباته. وهي تفيدُ تأكيدَ النفي لا تأييدَهُ وأما قولهُ تعالى لَنْ يَخلُقوا ذُباباً، فمفهوم التأييدِ ليس من "لن"، وإنما هو من دلالة خارجيّة، لأنَّ الخلقَ خاص بالله وحدَهُ. (وهي على الصحيح، مركبة من "لا" النافية و"أَنْ" المصدرية الناصبة للمضارع وصلت همزتها تخفيفاً وحذفت خطاً تبعاً لحذفها. وقد صارتا كلمة واحدة لنفي الفعل في الاستقبال) . (إذَنْ، وهي حرفُ جوابٍ وجزاءٍ ونصبٍ واستقبالٍ، تقولُ "إِذَنْ تُفلِحَ"، جواباً لمن قال "سأجتهدُ". وقد سميتْ حرفَ جوابٍ لأنها تقعُ في كلام يكون جواباً لكلام سابقٍ. وسميت حرفَ جزاء، لأن الكلام الداخلة عليه يكون جزاءً لمضمون الكلام السابق. وقد تكون للجواب المحض الذي لا جزاءَ فيه، كأن تقولَ لشخصٍ "إني أحبك"، فيقول "إذنْ أَظنك صادقاً"، فظنكَ الصدقَ فيه ليس فيه معنى الجزاء لقوله "إني أحبكَ". وأصلها، عند التحقيق، إما "إذا" الشرطية الظرفية، حذف شرطها وعوض عنه بتنوين العوض، فجرت مجرى الحروف بعد ذلك ونصبوا بها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 المضارع، لأنه إن قيل لك "آتيك"، فقلت "إذن أَكرمك"، فالمعنى إذا جئتني، أَو إذا كان الأمر كذلك أكرمك. وإما مركبة من "إذ" و"إن" المصدرية، فإن قال قائل "أَزورك". فقلت "إذن أكرمك" فالأصل "إذ إن تزورني أكرمك" ثم ضمنت معنى الجواب والجزاء. أَما كتابتها فالشائع أَن تكتب بالنون عاملة ومهملة. وقيل تكتب بالنون عاملة. وبالألف منونة مهملة. أَما عند الوقف فالصحيح أَن تبدل نونها أَلفاً تشبيهاً لها بتنوين المنصوب، كما أَبدلوا نون التوكيد الخفيفة أَلفاً عند الوقف كذلك. أَما رسمها في المصحف فهو بالألف عاملة ومهملة. ورسم المصحف لا يقاس عليه، كخط العروضيين. وقد سبق الكلام على ذلك) . وهي لا تنصبُ المضارعَ إلا بثلاثة شروطٍ. الأولُ أَن تكونَ في صدر الكلام، أَي صدرِ جملتها، بحيثُ لا يسبقها شيءٌ له تعلقٌ بما بعدها. وذلك كأن يكونَ ما بعدَها خبراً لما قبلها ونحو "أَنا إذَنْ أُكافِئُكَ" أَو جوابَ شرطٍ، نحوُ "إن تُزرني إذَنْ أَزركَ" أَو جواب قسمَ، نحو "واللهِ إذَنْ لا أَفعلُ". فإن قلتَ "إذَنْ واللهِ لا أَفعلَ"، فقدَّمتَ "إذنْ" على القسم، نصبتَ الفعلَ لتصدُّرِها في صدر جملتها. ومن عدم تصدرها، لوقوعها جواب قسم، قولُ الشاعر [من الطويل] لئِن جادَ لي عبدُ العَزيزِ بِمِثْلها ... وأَمكَنني منها، إذنْ لا أُقِيلُها (فقد رفع "أقيل" لأن "إذن" لم تتصدر، لكونها في جواب قسم مقدر، دلت عليه اللام التي قبل "إنّ" الشرطية. والتقدير والله لئن جاد لي". وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه. وقد أهملت "إذن" لوقوعها بين القسم وجوابه، لا بين الشرط وجوابه، كما قاله بعضهم، لأنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 إذا اجتمع شرط وقسم، فالجواب للسابق منهما. وجواب المتأخر محذوف، لدلالة جواب الآخر عليه) . وإذا سبقتها الواوُ أَو الفاءُ، جاز الرفع وجاز النصبُ. والرفع هو الغالب. ومن النصب قوله تعالى (في قراءةِ غيرِ السبعة) {وإن كادوا لَيَستفزونكَ من الأرضِ ليُخرجوك منها، وإذاً لا يَلبَثوا خلافَكَ إِلا قليلا"، وقوله {أَم لهم نصيبٌ من المُلك، فإذاً لا يؤْتوا الناسَ نَقيراً} وقرأَ السبعةُ {وإذاً لا يلبثون ... وإذاً لا يؤتون} ، بالرفع. وإذا قلت "إن تجتهد تنجح، وإذن تفرح"، جزمت "تفرح"، وأَلغيتَ "إذن"، إِن أَردتَ عَطفَه على الجواب "تنجح"، فيكون التقديرُ "إن تجتهد تنجحْ وتفرحْ"، وذلك لعدم تصدرها، ورفعته أَو نصبتَهُ، إن أَردتَ العطف على جملتي الشرط والجواب معاً، لأنهما كالجملة الواحدة. وإنما جاز الوجهان، لوقوعها بعد الواو. ويكون العطف من باب الجمل، لا من باب عطف المفردات. فتكون حينئذٍ صدرَ جملة مستقلة مسبوقة بالواو، فيجوز الوجهان. رفع الفعل ونصبه. فإن كان شيءٌ من ذلك أَليغتها ورفعتَ الفعلَ بعدها، إلا إن كان جوابَ شرطِ جازٍم، فتجزمُه، كما رأَيتَ، ونحو "إن تجتهدْ إِذَن تَلْقَ خيراً". فعدمُ التَّصدير، المانعُ من إعمالها، إنما يكون في هذه المواضعِ الثلاثة، لا غيرُ. الثاني أَن يكون الفعلُ بعدها خالصاً للاستقبالِ، فإن قلتَ إذنْ أَظنكَ صادقاً" جواباً لمن قال لك "إني أُحبك"، رفعتَ الفعلَ لأنه للحال. الثالثُ ألاّ يُفصَلَ بينهما وبينَ الفعل بفاصلٍ غير القسمِ و (لا) النافية، فإن قلتَ "إذَنْ هم يقومون بالواجب". جواباً لمن قال "يجود الأغنياء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 بالمال في سبيل العلم"، كان الفعلُ مضارعاً، للفصل بينهما بغير الفواصل الجائزة. ومثال ما اجتمعت فيه الشروطُ قولك "إذَنْ أَنتظرَك"، في جواب من قال لك (سأزورُك) فإذَنْ هنا مصدَّرةٌ، والفعلُ بعدَها خالصٌ للاستقبال. وليس بينها وبينه فاصل. فإن فُصلَ بينهما بالقسمِ، أو "لا" النافية، فالفعلُ بعدها منصوبٌ. فالأولُ نحو "إذَنْ واللهِ أُكرِمَكَ" وقولِ الشاعر [من الوافر] إذَنْ، واللهِ، نَرمِيَهُمْ بِحَرْبٍ ... تُشِيبُ الطِّفْلَ من قَبْلِ المَشيبِ والثاني نحو "إذَنْ لا أجيئَكَ". وأجاز بعضُ النحاةِ الفصلَ بينهما - في حال النصب - بالنداء، نحو "إذَنْ يا زُهيرُ تنجحَ"، جواباً لقوله "سأجتهدُ". وأَجاز ابنُ عصفورٍ الفصلَ أَيضاً بالظرف والجارّ والمجرور. فالأولُ نحو "إذَنْ يومَ الجَمعةِ أجيئَكَ" والثاني نحو "إذَنْ بالجِدّ تبلُغَ المجدَ". وقد جمعَ بعضُهمُ شروط إعمالها والفواصلَ الجائزةَ بقوله [من الرجز] أَعملْ "إذَنْ" إذا أتتكَ أَوَّلا ... وسُقتَ فعلا بعدها مُستّقبلا واحذَر، إذا أَعملتَها، أَن تفصِلا ... إلاّ بِحلَفٍ أو نداءٍ أَو بِلا وافصِلْ بِظرفٍ أو بمجرورٍ على ... رأيِ ابنِ عُصفورٍ رئيسِ النُّبلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 وبعضهم يُهملُ "إذن"، معَ استيفائها شروطَ العمل. حكى ذلك سيبويه عن بعض العرب. وذلك هو القياس. لأن الحروف لا تعمل إلا إذا كانت مختصَّة. و"إذن" غيرُ مختصَّةٍ، لأنها تباشرُ الأفعال، كما علمتَ، والأسماءَ، مثل "أَأَنتَ تُكرِمُ اليتيمَ؟ إذن أنتَ رجلٌ كريمٌ". (4) كي، وهي حرف مَصدريَّةٍ ونصبٍ واستقبال. فهي مثل "أنْ"، تجعل ما بعدها في تأويل مصدر. فإذا قلتَ "جئتُ ليك أتعلَّمَ"، فالتأويلُ "جئتُ للتعلُّم" وما بعدها مؤَوَّل بمصدرٍ مجرورٍ باللاّمِ. والغالبُ أن تسبقها لامُ الجرّ المُفيدةُ للتعليل، نحوُ {لكيلا تأسَوْا على ما فاتكم} . فإن لم تسبقها، فهي مُقدَّرةٌ، نحو "استقِم كيْ تُفلحَ" ويكون المصدرُ المؤوَّلُ حينئذ في موضع الجرّ باللام المقدَّرة، أَيكونُ منصوباً على نزع الخافض. النّصبُ بأنْ مُضْمرةً قد اختصت "أن" من بين أخواتها بأنها تنصبُ ظاهرةً، نحو "يريدُ الله أن يُخفِّفَ عنكم"، ومُقدَّرةً، نحو {يُريدُ اللهُ ليُبيّنَ لكم} أي لأن يُبينَ لكم. وإِضمارها على ضربينِ جائزٍ وواجبٍ. (1) إِضمار أن جوازاً تقَدَّر "أنْ" جوازاً بعد ستةِ أحرفٍ (1) لامُ كي (وتسمى لامَ التعليل أيضاً، وهي اللام الجارّة، التي يكونُ ما بعدها علةً لما قبلها وسبباً له، فيكون ما قبلها مقصوداً لحصول ما بعدها، نحو "وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وإنما يجوزُ إضمار (أن) بعدها إذا لم تقترن بلا النافية أو الزائدة. فإن اقترنت باحداهما، وجب إظهارُها. فالنافية نحو "لئلا يكون للناس على الله حُجَّةٌ" والزائدة نحو "لئلا يعلم أهلُ الكتاب". (2) لام العاقبةِ، وهي "اللام الجارَّة التي يكونُ ما بعدها عاقبة لما قبلها ونتيجة له، لا علةً في حصوله، وسبباً في الإقدام عليه، كما في لام كِي. وتسمى لام الصيرورة، ولامَ المآل، ولام النتيجة أيضاً"، نحو "فالتقطَه آلُ فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً". (والفعل. بعد هاتين اللامين، في تأويل مصدر مجرور بهما. و"أن" المقدرة هي التي سبكته في المصدر، فتدقير قولك جئت لأتعلم (جئت للتعلم) . والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. واعلم أن الكوفيين يقولون إن النصب إنما هو بلام كي ولام العاقبة. لا بأن مضمرة. وهو مذهب سهل خال من التكلف. وعليه مشينا في كتبنا المدرسية، تسهيلا على الطلاب) . (3 و4 و5و 6 الواو والفاءُ وثم وأو العاطفات إنما ينصب الفعل بعدهن بأن مضمرة، إذا لزم عطفه على اسمٍ محضٍ، أي جامد غير مشتق، وليس في تأويل الفعل، كالمصدر وغيره من الأسماء الجامدة، لأن الفعل لا يُعطفُ إلا على الفعل، أو على اسم هو في معنى الفعل وتأويله، كأسماء الأفعال والصفات التي في الفعل فإن وقع الفعلُ في موضع اقتضى فيه عطفَه على اسمٍ محضٍ قُدّرت (أَن) بينه وبين حرف العطف، وكان المصدرُ المؤوّل بها هو المعطوف على اسم قبلها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 فمثالُ الواو "يأبى الشجاعُ الفرارَ ويَسلمَ"، أي "وأن يَسلمَ"، والتأويلُ "يأبى الفرار، والسلامة"، ونحو "لولا الله ويلطفَ بي لهلكتُ" أي وأن يلطُف بي. والتأويل لولا الله ولطفهُ بي. ومنه قولُ ميسون [من الوافر] وَلُبْس عُباءةٍ وتَقَرَّ عيْني ... أَحبُّ إليَّ مِنْ لُبْسِ الشفُوفِ أي لُبسُ عباءة وقرةُ عيني. ومثالُ الفاء "تعبُك، فَتنالَ المجدَ، خيرٌ من راحتك فتحرمَ القصدَ"، أي "خيرٌ من راحتك فحرمانك القصدَ". ومنه قول الشاعر [من البسيط] ولولا تَوقعُ مُعْتَرٍّ فأُرضيَهُ ... ما كنت أوثِرُ إتراباً على تَرَبِ أي لولا توقع معتز فإرضاؤه. ومثال (ثم) "يرضى الجبانُ بالهوان ثم يَسلَم"، أي "يرضى بالهوان ثم السلامةِ" ومنه قول الشاعر [من البسيط] إني وقتْلي سُلَيْكا، ثم اعقِلَهُ ... كالثَّوْرِ يُضرَبُ لما عافت البقر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 أي قتلي سُليكا ثم عقلي إياهُ ومثال (أَو) "الموتُ أَو يبلغَ الإنسانُ مأمَلَهُ أَفضلُ" أي "الموت أَو بُلوغهُ الأملَ أَفضلُ" ومنه قوله تعالى {ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً، أَو من وراء حجابٍ، أَو يُرسِلَ رسولا} ، أي "إلا وحياً، أَو إرسالَ رسولٍ". فإنْ في جميع ما تقدم، مقدَّرة. والفعل منصوب بها، وهو مؤَوَّلٌ بمصدر معطوف على الاسم قبلهُ، كما رأَيت. (2) اضمار "أن" وجوباً تُقدَّرُ (أنْ) وجوباً بعد خمسة أحرف (1) لام الجحود "وسماها بعضهم لامض النفي، وهي لامُ الجر التي تقع بعد (ما كان) أو (لم يكن) الناقصتين"، نحو "ما كان الله ليظلمَهم"، ونحو {لم يكن الله ليغفرَ لهم} . (فيظلم ويغفر منصوبان بأن مضمرة وجوباً، والفعل بعدها مؤول بمصدرمجرور باللام. وخبر كان ويكن مقدر. والجار والمجرور متعلقان بخبرها المقدر والتقدير "ما كان الله مريداً لظلمهم، ولم يكن مريداً لتعذيبهم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 فإن كانتا تامتين، جاز (إظهار (أن) بعدها، لأنها حينئذ لام التعليل نحو "ما كان الإنسانُ ليعصيَ رَبَّهُ، أَو لأن يعصيهُ"، أَي ما وُجد ليعصيه (2) فاء السببِيّة "وهي التي تفيد أَن ما قبلها سببٌ لما بعدها، وأَن ما بعدها مسببٌ عما قَبلها"، كقوله تعالى {كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوْا فيه فيحلَّ عليكم غضبي} . (فإن لم تكن الفاء للسببية، بل كانت للعطف على الفعل قبلها، أو كانت للاستئناف لم ينصب الفعل بعدها بأن مضمرة. بل يعرب في الحالة الأولى باعراب ما عطف عليه، كقوله تعالى {لا يؤذن لهم فيعتذرون} ، أي ليس هناك إذن لهم ولا اعتذار منهم ويرفع في الحالة الأخرى، كقوله سبحانه {إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون} أي "فهو يكون إذا أَراده" فجملة "يكون" ليست داخلة في مقول القول، بل هي جملة مستقلة مستأنفة. ومنه قول الشاعر [من الطويل] ألم تسأل الربع القواء فينطق ... وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق (أَي فهو ينطق إن سألته) (3) واو المعيّةِ "وهي التي تُفيدُ حصولَ ما قبلها مع ما بعدها، فهي بمعنى (مَعَ) تُفيد المصاحبةَ" كقول الشاعر [من الكامل] لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثْلَهُ ... عارٌ عليكَ، إذا فعَلتَ، عظيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 (فإن لم تكون الواو للمعية، بل كانت للعطف، أو للاستئناف، فيعرب الفعل بعدها في الحالة الأولى، باعراب ما قبله، نحو "لا تكذب وتعاشر الكاذبين"، أي ولا تعاشرهم. ويرفع في الحالة الأخرى، نحو "لا تعص الله ويراك"، أي وهو يراك. والمعنى هو يراك، فلا تعصه. فالواو ليست لملعية، ولا للعطف، بل هي للاستئناف. وخلاصة القول إن إعراب الفعل بعد الفاء والواو يتوقف على مراد القائل. فإن أراد السببية، فالنصب. وإن أراد العطف، فالإعراب بحسب المعطوف عليه. وإن لم يرد هذا ولا ذاك، بل أراد استئناف جملة جديدة، فالرفع ليس المراد بالاستئناف قطع الارتباط بين الجمل في المعنى بل المراد الارتباط اللفظي، أي الإعرابي. واعلم ان المروي من ذلك، من آية أو شعر، ينطق به على روايته وقد تحتمل الأوجه الثلاثة في كلام واحد، وقد مثلوا له بقولهم "لا تأكل السمك وتشرب اللبن". فإن أردت النهي عن الأمرين معاً، جزمت ما بعد الواو، لأنها حينئذ للعطف. وإن أردت النهي عن الجمع بينهما، نصبت ما بعدها، لأنها حينئذ للمعية. وإن أردت النهي عن الأول وحده، وإباحة الآخر، رفعت ما بعدها لأنها حينئذ للاستئناف ويكون المعنى "لا تأكل السمك، ولك أن تشرب اللبن". والواو والفاءُ هاتانِ لا تُقدَّر (أنْ) بعدهما إلا إذا وقعتا في جواب نفي أو طلبٍ فمثالُ النفي مع الفاء: "لم تَرحمْ فتُرحمَ" ومثال الطلب معها: "هل ترحمون فتُرحموا؟ ". ومثال النفي مع الواو: "لا نأمرُ بالخير ونُعرضَ عنه" ومثال الطلب معها: "لا تأمروا بالخير وتعرضوا عنه". فإن لم يسبقهما نفيٌ أو طلبٌ، فالمضارعُ مرفوعٌ، ولا تقدَّرُ (أنْ) ، نحو "يُكرمُ الأستاذُ المجتهدَ، فيخجَلُ الكسلانُ"، ونحو: "الشمسُ طالعةٌ وينزلُ المطرُ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 وشرطُ النفيِ أن يكون نفياً محضاً. فإن كان في معنى الإثبات، لم تُقدَّرْ بعده (أن) فيكونُ الفعل مرفوعاً، نحو "ما تزالُ تجتهدُ فتتقدَّمُ" إذِ المعنى أنت ثابتٌ على الاجتهاد. ونحو (ما تيجئُنا إلا فنكرمُكَ) . فالنفي منتقضٌ بإلاّ، إذِ المعنى إثبات المجيء. ولا فرق بين أن يكون النفيُ بالحرف، نحو (لم يجتهد فيُفلحَ أو بالفعل، نحو (ليس الجهل محموداً فتُقبلَ عليه) ، أو بالإسم، نحو الحلمُ غيرُ مذموم فتَنْفِرَ منه. ويُلحَقُ بالنفي التَّشبيهُ المرادُ به النفي والإنكارُ، نحو كأنَّك رئيسُنا فنُطيعَكَ!، أي ما أنتَ رئيسنا. وكذا ما أفاد التَّقليل. نحو (قد يجودُ البخيلُ فيُمدَحَ) أو النفيَ، نحو (قلَّما تجتهدُ فتنجَح) . والمرادُ بالطَّلبِ الأمرُ بالصيغة أو باللامِ، والنهيُ، والاستفهام، والتّمنِّي والترجّي، والعَرْضُ، والتَّحضيضُ. أما ما يَدلُّ على معنى الأمر بغير صيغة الأمر أو لامِ الأمر (كاسم فعلِ الأمر) ، نحو (صَهْ، فينامُ الناسُ) . أو المصدرِ النائبِ عن فعل الأمر، نحو (سُكوتاً، فينامُ الناس) . أو ما لفظُه خَبر ومعناهُ الطلب، نحو "حَسبُكَ الحديثُ، فينامُ الناسُ") ، فلا تُقدَّر "أن" بعده. ويكونُ الفعل مرفوعاً على أصحِّ مذاهبِ النحاة. وأجازَ الكسائيُّ نصبَهُ في كل ذلك. وليس ببعيد من الصواب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 والفعلُ المنصوب بأن مَضمَرةً وجوباً، بعد الفاءِ والواو هاتين، مؤَوَّل بمصدرٍ يُعطفُ على المصدرِ المسبوكِ من الفعل المتقدم. فإذا قلت "زُرني فأكرمَكَ، ولا تنهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مثله" فالتقديرُ "لِيكنْ منك زيارةٌ لي فإكرامٌ مني إيَّاكَ، ولا يكن منك نهيٌ عن خلق واتيان مثلهِ". (واعلم أنه إذا سقطت فاء السببية هذه بعد ما يدل على الطلب، يجزم الفعل بعد سقوطها إن قصد بقاء ارتباط ما بعدها بما قبلها ارتباط فعل الشرط بجزائه. فإن اسقطت الفاء في قولك "اجتهد فتنجح"، قتل "اجتهد تنجح". ومنه قوله تعالى {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم} . وقول امرئ القيس [من الطويل] قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل (فإذا أردت الاستئناف، رفعت الفعل، نحو عدل، ينزل المطر) . فليس المراد أن تعجل بنزول المطر. وكذا إذا كانت الجملة نعتاً لما قبلها، كقولك "صاحب رجلا يدلك على الله. ومنه قوله {فهب لي من لدنك ولياً يرثني} أي ولياً وارثاً لي. وقد قرئت الآية بالجزم أيضاً، على معنى "إن يهب لي ولياً يرثني". وكذا إذا كانت الجملة في موضع الحال فإنك ترفع الفعل، نحو "قل الحق لا تبالي اللائمين" أي غير مبال بهم. ومنه قوله تعالى {ولا تمنن تستكثر} ، أي مستكثراً) . (4) حتى وهي "حتى الجارَّةُ، التي بمعنى "إلى" أو لامِ التعليل. فالأول نحو "قالوا لن نبرحَ عليه عاكفين حتى يَرجعَ إلينا موسى". والثاني نحو "أطعِ الله حتى تَفوزَ برضاهُ" أي إلى أن يرجعَ، ولتفوز. وقد تكون بمعنى "إلاّ" كقولهِ [من الكامل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 ليْسَ العطاءُ من الفُضُولِ سَماحةً ... حتى تَجودَ وما لَدَيْكَ قَليل أي إلاّ أن تجودَ. والفعل بعده مؤول بمصدرٍ مجرورٍ بها. ويُشترط في نصب الفعل بعدها بأن مضمرة، أن يكون مستقبلاً، أمّا بالنسبة إلى كلام التكلم، واما بالنسبة إلى ما قبلها. ثم إن كان الاستقبالُ بالنسبة إلى زمان التكلم وإلى ما قبلها. وجب النصبُ لأنّ الفعلَ مُستقبلٌ حقيقةً، نحو صُمْ حتى تَغيبَ الشمس" فغياب الشمس مُستقبلٌ بالنسبة إلى كلام المتكلم، وهو أيضاً مستقبلٌ بالنسبة إلى الصيام, وإن كان الاستقبال بالنسبة إلى ما قبلها فقطْ، جاز النصب وجاز الرفع. وقد قُرِئَ قوله {وزُلزلوا حتى يقولَ الرسولُ} بالنصب بأن مضمرةً، باعتبار استقبال الفعل بالنسبة إلى ما قبله لأن زلزالهم سابقٌ على قول الرسول. وبالرفع على عدم تقدير "أن"، باعتبار، ان الفعل ليس مستقبلا حقيقةً. لأنَّ قول الرسول وقع قبل حكايةِ قوله، فهو ماضٍ بالنسبة إلى وقت التكلُّم. لأنه حكايةُ حالٍ ماضية و"أن" لا تدخل إلا على المستقبل. فإن أريدَ بالفعل معنى الحال، فلا تُقدَّر "أن، بل يُرفع الفعل بعدها قطعاً، لأنها موضوعةٌ للاستقبال، نحو "ناموا حتى ما يستيقظون". ومنه قولهم "مرض زيدٌ حتى ما يَرجونهُ" وتكون "حتى" حينئذٍ حرفَ ابتداءٍ والفعل بعدها مرفوعٌ للتجرد من الناصب والجازم. وحتى الابتدائية حرفٌ تُبتدأُ به الجُمَلُ. والجملةُ بعدها متسأنَفة، لا محل لها من الإعراب. وعلامة كون الفعل للحال أن يصلح وضعُ الفاء في موضع حتى. فإذا قلت "ناموا فلا يستيقظون، ومرض زيد فلا يرجونه"، صحَّ ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 (5) أو. ولا تُضمَرُ بعدها (أن) إلا أَن يَصلُحَ في موضعها (إلى) أو (إلاّ) الاسثنائيّة، فالأول كقول الشاعر [من الطويل] لأَّستَسْهلنَّ الصَّعْبَ أو أدْرِكَ المُنى ... فما انقادَتِ الآمالُ إلاَّ لَصابرِ أي إلى أن أدرك المنى، والثاني كقول الآخر [من الوافر] وكُنتُ إذا غَمَزْتُ قناةَ قَوْمٍ ... كَسَرْتُ كُعوبَها أَو تَسْتَقِيما أي إلا أن تستقيم. والفعلُ، المنصوب بأن مُضمَرةً بعد (أو) ، معطوفٌ على مصدرٍ مفهومٍ من الفعل المتقدم، وتقديرُه في البيت الأول (لَيَكونَنَّ مني استسهالٌ للصَّعبِ أو إدراكٌ للمنى) ، وتقديرُه في البيت الآخر ليكوننَّ مني كسرٌ لكُعوبها أو استقامة منها) . واعلم أن تأويل "أو" بإلى أو إلا. انما هو تقدير يلاحظ فيه المعنى دون الإعراب. أما التقدير الإعرابي باعتبار التركيب فهو أن يؤول الفعل قبل "أو" بمصدر يعطف عليه المصدر المسبوك بعدها بأن المضمرة. كما رأيت وانما أول ما قبل "أو" بمصدر لئلا يلزم عطف الاسم (وهو المصدر المسبوك بأن المقدرة على الفعل. وذلك ممنوع) . شُذوذ حذف أنْ لا تَعمل "أن" مُقدَّرة إلا في المواضع التي سبقَ ذِكرُها. وقد ورد حذفُها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 ونصب الفعلِ بعدها في غير ما سبق الكلام عليه، ومن ذلك قولهم "مُرْهُ يَحفِرَها" و"خُذِ اللصَّ قبل يأخذَكَ"، والمثل "تَسمعَ بالمُعَيدِيّ خيرٌ من أن تراه، وقول الشاعر [من الطويل] ألا أَيُّهذا الزَّاجِري أحضُرَ الوغى ... وأَنْ أَشهَدَ اللَّذَّاتِ، هَلْ أَنتَ مُخْلدي؟! أي أن يحفرَها، وأن يأخذكَ، وأن تسمَع، وأن أحضُرَ" وذلك شاذّ لا يقاسُ عليه. والفصيحُ أن يُرفعَ الفعلُ بعد حذفِ "أن"، لأنَّ الحرفَ عاملٌ ضعيفٌ، فإذا حذفَ بطلَ عملُه. ومن الرفع بعد حذفها قوله تعالى {ومن آياته يُريكمُ البرقَ خوفاً وطمعاً} ، وقوله {قُلْ أَفَغيرَ الله تأمروني أعبُدُ} ، والأصلُ "أن يريكم، وأن أعبد". المضارع المجزوم وجوازمه يُجزَمُ المضارع اذا سبقته احدى الجوازم. وهي قسمان. قسم يجزم فعلا واحداً، نحو "لا تيأسْ من رحمة الله"، وقسم يجزم فعلين، نحو "مهما تفعلْ تُسألْ عنه". وجزمُه إما لفظيٌّ، إن كان معرباً، كما مُثّل، وإما محلي، إن كان مبنيًّا، نحو "لا تشْتغِلَنَّ بغير النافع". الجازم فعلا واحداً الجازم فعلا واحداً أربعةُ أحرفٍ وهي "لم ولما ولامُ الأمر ولا الناهية" وإليك شرحَها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 لم ولما تُسمّيانِ حرفيْ نفيٍ وجزمٍّ وقلبٍ، لأنهما تَنفيان المضارعَ، وتجزِمانهِ، وتقلبانِ زمانَه من الحال أو الاستقبال الى المضيّ، فإن قلتَ "لم أكتبْ" أو "لمّا أكتُبْ"، كان المعنى أنكَ ما كتبتَ فيما مضى. والفرق بين "لم ولمّا" من أربعة أوجهٍ (1) أنّ "لم" للنفي المُطلَقِ، فلا يجب استمرارُ نفيِ مصحوبها إلى الحال، بل يجوز الاستمرار، كقوله تعالى {لم يَلِدْ ولم يولَدْ} ، ويجوز عَدَمه، ولذلك يصِحُّ أن تقول "لم أفعل ثمَّ فعلت". وأما "لمّا" فهي للنفي المستغرق جميع أجزاء الزمانِ الماضي، حتى يَتصل بِالحالِ، ولذلك لا يصحُّ أن تقول "لمّا أفعلْ ثم فعلت"، لأنَّ معنى قولكَ "لمّا أفعل" أنك لم تفعل حتى الآن، وقولك "ثم فعلتُ" يناقضُ ذلك. لهذا تُسمّى "حرفَ استغراقٍ" أيضاً لأن النفي بها يستغرق الزمانَ الماضيَ كله. (2) أن المنفي لم لا يتوقَّع حصوله، والمنفيَّ بِلمّا مُتوقَّع الحصول، فإذا قلتَ "لمّا أسافِرْ" فسفركَ مُنتظَرٌ. (3) يجوز وقوع "لم" بعد أَداةِ شرط، نحو "إن لم تجتهد تندم". ولا يجوز وقوع "لمّا" بعدها. (4) يجوز حذفُ مجزومِ "لمَّا"، نحو "قاربت المدينة ولمَّا"، أَي "لوما أُدخلْها". ولا يجوز ذلك في مجزوم "لم"، إلا في الضرورة، كقول الشاعر [من الكامل] احفَظْ وَديعَتَكَ التي استُودعتَها ... يومَ الأَعازِبِ، انْ وَصلتَ وانْ لمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 أي "وإن لم تَصِلْ" ويُروى "إن وُصِلْتَ" بالمجهول، فيكون التقديرُ (وإنْ لم توصَلْ) ، قال العينيُّ وهو الصواب. ولامُ الأمرِ يُطلَبُ بها إحداثُ فعلٍ، نحو {لِيُنفقْ ذو سَعةٍ من سَعَتِه} . ولا الناهية يُطلَبُ بها تركُه، نحو {ولا تَجعلْ يَدكَ مغلولة إلى عُنُقِكَ، ولا تَبسُطها كلَّ البسطِ، فَتَقعُدَ ملوماً محسوراً} . فوائد (1) لما، الداخلة على الفعل الماضي، ليست نافية جازمة، وانما هي بمعنى "حين" فإذا قلت "لما اجتهد أكرمته". فالمعنى حين اجتهد أكرمته. ومن الخطأ إدخالها على المضارع اذا أريد بها معنى "حين"، فلا يقال "لما يجتهد أكرمه" بل الصواب أن يقال "حين يجتهد"، لأنها لا تسبق المضارع إلا اذا كانت نافية جازمة. (2) لام الأمر مكسورة، الا اذا وقعت بعد الواو والفاء فالأكثر تسكينها، نحو فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي". وقد تسكن بعد "ثم". (3) تدخل لام الأمر على فعل الغائب معلوماً ومجهولاً، وعلى المخاطب والمتكلم المجهولين وتدخل "لا الناهية على الغائب والمخاطب معلومين ومجهولين. وعلى المتكلم المجهول. ويقل دخولهما على المتكلم المفرد المعلوم. فإن كان مع المتكلم غيره، فدخولهما عليه أهون وأيسر، نحو "ولنحمل خطاياكم" وقول الشاعر [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 إذا ما خرجنا من دمشق، فلا نعد ... لها أبداً. ما دام فيها الجراضم وذلك لأنَّ الواحد لا يأمر نفسه، فإن كان معه غيره هان الأمر لمشاركة غيره له فيما يأمر به، وأقل من ذلك دخول الكلام على المخاطب المعلوم، لأن له صيغة خاصة وهي "إفعل" فيستغنى بها عنه. (4) اعلم ان طلب الفعل أو تركه، ان كان من الأدنى إلى الأعلى، سمي "دعاء" تأدباً. وسميت اللام و"لا" حرفي دعاء، نحو {ليقض علينا ربك} ونحو {لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا} وكذلك الأمر بالصيغة يسمى فعل دعاء، نحو {رب اغفر لي} . الجازم فعلين الذي يجزم فعلين ثلاث عشرة أداة. وهي (1) إن، نحو {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبْكم به الله} . وهي أمُّ الباب. وغيرها مما يجزم فعلين إنما جزمها لتضمنه معناها. فإن قلت (من يزرني أكرمْه) ، فالمعنى (إن يزرني أحد أُكرمه) ولذلك بنيت أدوات الشرط لتضمنها معناها. (2) إذ ما، كقول الشاعر [من الطويل] وإنك إذ ما تأت ما أنت آمرٌ ... بهِ تُلْفِ مَنْ تأمرُ آتيا وهي حرف بمعنى (إن) . وبقية الأدوات اسماء تضمنت معنى (إن) ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 فبنيت وجزمت الفعلين. وعملُها الجزم قليل. والأكثر أن تهمل ويرفع الفعلان بعدها. وذهب بعضهم إلى أنها لا تجزم إلا في ضرورة الشعر. (وأصلها "ذا" الظرفية، لحقتها "ما" الزائدة للتوكيد فحملتها معنى "إن"، فصارت حرفاً مثلها، لأنها لا معنى لها إلا ربط الجواب بالشرط، بخلاف بقية الأدوات فان لها، غير معنى الربط، معاني أخر، كما ستعلم. ومن النحاة كالمبرد وابن السراج والفارسي - من يجعلها اسماً معتبراً فيها معنى الظرفية) . (3) مَن، وهي اسم مبهم للعاقل، نحو {من يفعل سوءاً يجزَ به} . (4) ما، وهي اسم مبهم لغير العاقل، نحو {وما تفعلوا من خير يعلَمْهُ الله} . (5) مهما، وهي اسمٌ مبهم لغير العاقل أيضاً، نحو {وقالوا مَهما تأتنا به به من آية لتسحَرَنا بها، فما نحن لك بمؤمنين} . (وهي على الصحيح، اما مركبة من "مه" التي هي اسم فعل أمر للزجر والنهي ومعناه "أكفف" ومن "ما" المتضمنة معنى الشرط، ثم جعلا كلمة مواحدة للشرط والجزاء ويدل على هذا أنها أكثر ما تستعمل في مقام الزجر والنهي. واما مركبة من (ما) الشرطية (وما) الزائدة للتوكيد، زيدت عليها كما تزاد على غيرها من أدوات الشرط ثم كرهوا أن يقولوا (ماما) فأبدلوا من ألف الأولى هاء ليختلف اللفظان) . (6) متى، وهي اسم زمان تضمن معنى الشرط، كقول الشاعر [من الطويل] متى تأْته تعشُو إلى ضوء ناره ... تجد خير نارٍ، عندها خيرُ موقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 وقد تلحقها "ما" الزائدة للتوكيد كقوله [من الوافر] متى ما تلقني، فَرْدَيْنِ، تَرْجُفْ ... رَوانِفُ أَلْيَتَيْكَ وتُسْتطارا (7) أَيّانَ، وهي اسم زمانٍ تَضمَّنَ معنى الشرطِ كقول الشاعر [من البسيط] أَيَّانَ نُؤْمِنْكَ، تأمَنْ غيرَنا، وإذا ... لمْ تُدْرِكِ الأَمنَ منا لم تزلْ حَذِرا وكثيراً ما تلحقُها "ما" الزائدةُ للتوكيد، كقول الآخر [من البسيط] إذا النَّعْجَةُ الأَدْماءُ باتت بِقَفْرَةٍ ... فأيَّانَ ما تَعْدِلْ بهِ الرِّيحُ يَنْزِلِ (وأصلها "أي إن"، فهي مركبة من "أي" المتضمنة معنى الشرط و"آن" بمعنى حين. فصارتا بعد التركيب اسماً واحداً للشرط في الزمان المستقبل مبنياً على الفتح) . (8) أينَ، وهي اسمُ مكانٍ، تَضمّنَ معنى الشرط، نحو "أينَ تنزِلْ أنزِلْ" وكثيراً ما تَلحقُها "ما" الزائدةُ للتوكيدِ، نحو {أينما تكونوا يدرِكْكُمُ الموتُ. (9) أنَّى، ولا تَلحقُمها "ما"، وهي اسمُ مكانٍ تَضمن معنى الشرط، كقول الشاعر [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 خَليلَيَّ، أنَّى تَأتيانيَ تَأتِيا ... أخاً غيرَ ما يُرَضيكُما لا يُحاوِلُ (10) حَيثُما، وهي اسمُ مكانٍ تَضمنَ معنى الشرط، ولا تجزم إلاّ مُقترنةً بما، على الصحيح، كقول الشاعر [من الخفيف] حَيْثُما تَستَقِمْ يُقَدِّرْ لكَ اللهُ ... نجاحاً في غابرِ الأَزمان (11) كيفما، وهي اسمٌ مُبهَمٌ تضمَّنَ معنى الشرط، فتقتضي شرطاً وجواباً مجزومين عندَ الكوفيين، سواءٌ أَلحِقتها "ما"، نحو "كيفما تكنْ يكنْ قرينُكَ"، أَم لا، نحو "كيف تجلسْ أَجلسْ". أما البصريونَ فهي عندهم بمنزلة "إذ"، تقتضي شرطاً وجزاءً، ولا تجزمُ، فهما بعدها مرفوعان غير أنها بالاتفاق تقتضي فعلينِ مُتفقَيِ اللفظ والمعنى، كما رأَيتَ سواءٌ أَجزمتَ بها أَم لم تجزم. (فلا يجوز أن يقال "كيفما تجلس أذهب"، لاختلاف لفظ الفعلين ومعناهما. ولا "كيفما تكتب الكتاب أكتب القربة"، أي أخرزها وأخيطها لاختلاف معنى الفعلين وإن اتفق لفظهما. ولا "كيفما تجلس أقعد" لاختلاف لفظ الفعلين وإن اتفق معناهما) . (12) أيُّ. وهي اسمٌ مبهمٌ تضمنَ معنى الشرط. وهي، من بينِ أدوات الشرط، مُعربةٌ بالحركات الثلاث، لملازمتها الإضافة إلى المفرد، التي تبعدُها من شبه الحرف، الذي يقتضي بناءَ الأسماء، فمثالُها مرفوعةً "أيُّ امريءٍ يَخدْم أُمتَه تخدمْهُ"، ومثالُها منصوبةً قولهُ تعالى {أيًّاما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 تدعوا فَلَهُ الأسماءُ الحسنى} ، ومثالُها مجرورةً بأي قلم تكتبْ أكتبْ، وكتابَ أيٍّ تقرأْ أَقرأْ". "وهي ملازمة للاضافة إلى المفرد. وقد يحذف المضاف إليه فيلحقها التنوين عوضاً منه، كما في الآية الكريمة. إذ التقدير "اي اسم تدعوا" وكما في المثال الرابع، إذ التقدير "كتاب أي رجل". ويجوز أن تلحقها "ما" الزائدةُ للتوكيد، كالآية السابقة، وكقوله تعالى {أيما الأجلَيْن قَضيتُ فلا عُدوان عليًّ} . (13) إذا، وقد تَلحقُها (ما) الزائدةُ للتوكيد، فيقالُ (إذا ما) . وهي اسمُ زمانٍ تضمنَ معنى الشرط. ولا تجزم إلا في الشعر، كقول الشاعر [من الكامل] إستَغْنِ، ما أغناكَ ربُّكَ، بالغِنى ... وإذا تُصِبْكَ خَصاصَةٌ فَتَجَمَّلِ وقد يُجزَمُ بها في النثر على قِلَّة ومنه حديثُ علي وفاطمة، رضيَ الله عنهما "إذا أخذتُما مَضاجِعَكما، تُكَبِّرا أربعاً وثلاثين". والفرقُ بين (إنْ) أن الأولى تدخل على ما يُشَكُّ في حصولهِ. والثانية تَدخل على ما هو مُحقّقُ الحصول. فإن قلتَ (إن جئت أكرمتك) ، فأنتَ شاكٌّ في مجيئه، وإن قلتَ (إذا جئت أَكرمتُكَ) ، فأنتَ على يقين من مجيئه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 (والجزم باذا شاذ، للمنافاة بينها وبين "إن" الشرطية. وذلك أن أدواتِ الشرط إنما تجزم لتضمنها معنى "إن" التي هي موضوعة للابهام والشك، وكلمة "إذا" موضوعة للتحقيق فهما متنافيتان) . الشَّرطُ والجواب يجب في الشرط أن يكون فعلاً خبَريا، مُتصرفاً، غيرَ مُقترنٍ بقَدْ، أو لن، أو ما النافيةِ، أو السين أو سوف. فإن وقع اسمٌ بعد أداةٍ من أدوات الشرط، فَهُناك فعلٌ مُقدَّرٌ، كقوله تعالى {وإن أحد من المشركين استجارَك فأجِرْهُ} ، فأحدٌ فاعلٌ لفعلٍ محذوف، هو فعل الشرط. وجملةُ "استجارك" المذكورةُ مُفسرةٌ للفعل المحذوف. المراد بالفعل الخيريّ ما ليس أمراً، ولا نهياً ولا مسبوقاً بأداة من أدوات الطلب - كالاستفهام والعَرْضِ والتّحضيض - فلذلك كلُّه لا يقَعُ فعلا للشرط. والأصل في جواب الشرط أن يكون كفعل الشرطِ. أي الأصلُ فيه أن يكون صالحاً لأن يكون شرطاً. غير أنه قد يقعُ جواباً ما هو غير صالحٍ لأن يكون شرطاً. فيجبُ حينئذٍ اقترانه بالفاءِ لتربِطَهُ بالشرط، بسبب فقْدِ المناسبةِ اللفظيَّة حينئذٍ بينهما. وتكون الجملةُ برُمَّتها في محلِّ جزمٍ على أنها جواب الشرط. وتسمى هذه الفاء "فاءَ الجواب"، لِوُقوعها في جواب الشرط، وفاءَ الربط"، لربطها الجواب بالشرط. مَواضِعُ رَبْطِ الجوابِ بالفاءِ يجب ربطُ جوابِ الشرط بالفاءِ في اثنيْ عشرَ موضعاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 الأول أَن يكون الجوابُ جملةً اسميةً نحو. {وإن يَمْسَسْك بخير فهو على كل شيءٍ قديرٌ} . الثاني أن يكونَ فعلا جامداً، نحو {إن تَرَني أنا أقَلَّ منك مالاً وولداً، فعسى ربِّي أَن يؤتيني خيراً من جَنَّتكَ} . الثالثُ أَن يكون فعلاً طَلبياً، نحو {قُل إن كنتم تُحبونَ اللهَ، فاتَّبعوني يُحْبِبكمُ اللهُ} . الرابعُ: أن يكون ماضياً لفظاً ومعنىً، وحينئذٍ يجبُ أَن يكون مقترناً بقَدْ ظاهرةً، نحو: {إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} [يوسف: 77] . أو مُقدَّرةٌ، نحو: {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ} [يوسف: 26] . (ولو لم تقدر "قد" لوجب أن يكون الفعل الماضي هنا مستقبل المعنى، وليس الأمر كذلك. أَلا ترى أَنك ان قلت "إن جئتني أَكرمتك"، كان المعنى "إن تجئني أكرمتك" وان قلت "ان جئتني فقد أكرمتك" فالمعنى "إن تجئني فقد سبق إكرامي إياك فيما مضى") . الخامسُ: أَن يقترن بقَدْ، نحو: "إن تَذهبْ فقد أَذهبُ". السادسُ: أن يقترنَ بما النافية، نحو: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ} [يونس: 72] . السابعُ: أن يقترنَ بِلَنْ، نحو: {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ} [آل عمران: 115] . الثامنُ: أَن يقترنَ بالسين، نحو: {وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً} [النساء: 172] . التاسعُ: أن يقترنَ بسوفَ، نحو: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} [التوبة: 28] . والعيلةُ: الفقر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 العاشر أن يُصدَّرَ بِرُبَّ، نحو "إن تجيءْ فربما أجيءُ". الحادي عشرَ أن يُصدَّرَ بكأنما، نحو {إنهُ من قتلَ نَفْساً بغيرِ نَفسٍ، أو فسادٍ في الأرضِ، فكأنما قتلَ الناسَ جميعاً} . الثاني عشرَ أن يُصدَّر بأداةِ شرط، نحو {وإن كان كبُرَ عليك إعراضُهم، فإن استطعتَ أن تبتغيَ نَفقاً في الأرضِ أو سُلَّماً في السماء فتأتيهم بآيةٍ} ، ونحو أَن تقولَ من يُجاوِرْك، فإن كان حسنَ الخُلقِ فتقرَّبْ منه". فإن كان الجوابُ صالحاً لأن يكون شرطاً فلا حاجة إلى ربطه بالفاء، لأن بينَهما مُناسبةً لفظيّة تُغني عن ربطه بها. إِلا أن يكون مُضارعاً مُثبتاً، أو منفيًّا بلا، فيجوز أن يُربطَ بها وأن لا يُربط. وتركُ الرابطِ أكثرُ استعمالاً، نحو "إن تَعودوا نَعدْ"، ومن الربط بها قوله تعالى {ومن عاد فينتقمُ اللهُ منه} وقولهُ {فَمَن يُؤْمنْ بربّه، فلا يخافُ بخْساً ولا رَهَقاً} . وقد تَخلُف فاءَ الجوابِ "إذا" الفجائيّةُ، إن كانت الأداةُ "إن" أو "إذا" وكان الجوابُ جملةً اسميّةً خبريَّةً غيرَ مقترنةٍ بأداةِ نفيِ أو "إنَّ"، نحو {إن تُصِبْهم سَيّئةٌ بما قدّمتْ أيديهم، إذا هُمْ يُقنَطون} ، ونحو {فإذا أصاب به مَن يشاءُ مِن عباده، إذا هُم يَستبشرون} . حذفُ فعْلِ الشَّرط قد يُحذفُ فعلُ الشرطِ بعدَ "إن" المُردَفةِ بِلا، نحو "تَكلَّمْ بخيرٍ، وإلاّ فاسكتْ قال الشاعر [من الوافر] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 فطلقها، فلسْتَ لَها بِكُفءٍ ... وإلا يَعْلُ مَفْرِقَكَ الحُسامُ وقد يكون ذلك بعد "مَنْ" مُردَفةً بِلا، كقولهم "مَنْ يُسَلِّمْ عليكْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 فسلّمْ عليه، ومن لا، فلا تعبأْ به". ومما يحذفُ فيه فعلُ الشرطِ أن يقعَ الجوابُ بعدَ الطلب، نحو "جُد تسُدْ" والتقديرُ "جُدْ، فإن تَجُدْ تسُدْ". حذف جواب الشَّرط يُحذَفُ جوابَ الشرطِ إن دلَّ عليه دليلٌ، بشرط أن يكون الشرطُ ماضياً لفظاً، نحو "أنتَ فائزٌ إنِ اجتهدتَ"، أو مضارعاً مُقترناً بِلَمْ، نحو "أنتَ خاسرٌ إن لم تجتهدْ". (ولا يجوز أن يقال "أنت فائز إن تجتهد"، لأن الشرط غير ماض، ولا مقترن بلم) . ويُحذفُ إما جوازاً، وإما وجوباً. فَيُحذفُ جوازاً، إن لم يكن في الكلام ما يَصلُحُ لأن يكونَ جواباً، وذلك بأن يُشعِرَ الشرطُ نفسُهُ بالجواب، نحو "فإن استطعتَ أن تبتغي نَفَقاً في الأرض أو سُلَّماً في السماء". أي إن استطعتَ فافعل، أو بأن يقعَ الشرط جواباً لكلام، كأن يقول قائل أَتُكرمُ سعيداً"، فتقولُ "إن اجتهدَ"، أي "إن اجتهد أُكرمْهُ". ويُحذفُ وجوباً، إن كان ما يَدُل عليه جواباً في المعنى. ولا فرق بين أن يتقدَّم الدال على جواب الشرط، نحو "أَنت فائزٌ إن اجتهدتَ" أو يتأخرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 عنه، كأن يَتَوسَّطَ الشرط بين القسم وجوابهِ، نحو "واللهِ، إن قمتَ لا أقومُ" أو يَكتنفَهُ، كأن يَتوَّسط الشرطُ بينَ جُزءَي ما يدُل على جوابه نحو "أنتَ، إن اجتهدتَ، فائزٌ". فائدة الشرطُ يقتضي جواباً، والقسم كذلك. فإن اجتمعَ شرطٌ وقسمٌ ولم يسبقهما ما يقتضي خبراً، كالمبتدأ أو ما أَصله المبتدأ، كان الجواب للسابق، وكان جواب المتأخر محذوفاً، لدلالة جوابِ الأول عليه. فأن قلتَ "إن قُمتَ، والله، أقُم" فأقُمْ جوابُ الشرط، وجوابُ القسَم محذوف، لدلالة جواب الشرط عليه. وإن قلتَ واللهِ، إن قمت لأقُومنَّ، فأقومنَّ جوابُ القسم، وجواب الشرط محذوف، لدلالة جواب القسم عليه، قال تعالى {قُلْ لَئنِ اجتمعت الإنس والجنُّ على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآن، لا يأتون بمثلهِ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} . فجملة (لا يأتون) جوابُ القسمِ المدلولِ عليه باللام، لأن التقدر "والله لئن اجتمعت". وجواب الشرط محذوف، دلَّ عليه جوابُ القسم. وقد يُعطى الجواب للشرط، معَ تقدمِ القسم، في ضرورة الشعر كقوله [من الطويل] لَئِنْ كانَ ما حُدِّثْتُهُ اليوم صادقاً ... أصُمْ في نَهارِ القَيْظِ، للشَّمْسِ باديا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 وأَركَبْ حماراً بين سَرْجٍ وفَروةٍ ... وأُعْرِ منَ الخاتامِ صُغْرى شِماليا فإن تقدَّم عليهما ما يقتضي خبراً، جاز جعل الجواب للشرط، وجازَ جعلُهُ للقسم. فإن جعلته للقسم. قلت "زهيرٌ، والله إن يجتهد، لأكرمنَّه" وإن أعطيته للشرط، قلت "زهيرٌ واللهِ، إن يجتهد أُكرمْه، ومن العلماء من أوجب إعطاءَ الجواب للشرط. ولا ريب أَن جعله للشرط أََرجح، سواءٌ أتقدَّم الشرطُ على القسم، أم تأخرَ عنه. أَما إذا لم يتقدمهما ما يقتضي خبراً، فالجواب للسابق منهما، كما أَسلفنا. حذفُ الشَّرط والجواب معاً قد يُحذفُ الشرطُ والجوابُ معاً، وتبقى الأداةُ وحدَها، إن دَل عليهما دليل، وذلك خاصّ بالشعر للضرورة، كقوله [من الرجز] قالتْ بناتُ العمِّ يا سَلْمَى، وإنْ ... كانَ فقيراً مُعْدِماً؟ قالت وإنْ أي وإن كان فقيراً مُعدِماً فقد رضيتُهُ. وقول الآخر [من المتقارب] فإنَّ المنِيَّةَ، مَنْ يخشها ... فَسَوْفَ تُصادِفُهُ أيْنَما أَي أَينما يذهبْ تُصادفه. وقيل يجوزُ في النَّثر على قلَّة. أما إن بقي شيءٌ من مُتعلّقات الشرط والجواب، فيجوز حذفهما في شعر ونثرٍ، ومنه قولهم "من سلَّمَ عليك، فسلَّم عليه، ومن لا فلا"، أي ومن لا يُسلَّمْ عليك، لا تسلمْ عليه، ومنهُ حديثُ أبي داود من فعلَ فقد أحسنَ، ومن لا فلا، أي "ومن لم يفعلْ فما أحسنَ"، وقولهم "الناسُ مَجزِيونَ بأعمالهم "إن خيراً فخيراً، وإن شرًّا فشرًّا"، أي "إن عملوا خيراً، فيُجزَونَ خيراً، وإن عملوا شرًّا فيُجْزَوْنَ شرًّا". (ويجوز أن تقول "إن خيراً فخيراً وان شراً فشر" برفع ما بعد الفاء على أنه خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير فجزاؤهم خير، فجزاؤهم شر, فتكون الجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم على أنها جواب الشرط) . الجزمُ بالطَّلَب إذا وقعَ المضارعُ جواباً بعد الطلبِ يُجزَمُ كأن يقع بعد أمر أو نهيٍ، أو استفهامٍ أو عَرض، أو تحضيضٍ، أو تَمَنٍّ أو ترجٍّ، نحو "تَعلَّم تَفزْ" لا تَكسلْ تَسُدْ. هَلْ تَفعلُ خيراً، تُؤْجَرْ. أَلا تزورُنا تكنْ مسروراً. هلا تجتهدُ تنلْ خيراً، ليتَني اجتهدتُ أَكنْ مسروراً. هلاّ تجتهدُ تنلْ خيراً. ليتني اجتهدتُ أكن مسروراً. لعلكَ تُطيعُ اله تَفُزْ بالسعادة". وجزمُ الفعلِ بعد الطَّلبِ، إنما هو بإن المحذوفةِ معَ فعلِ الشرط. فتقدير قولك جُدْ تَسُدْ "جُدْ، فإن تَجُدْ تَسُدْ". وتقديرُ قولك هل تفعل خيراً؟ تُؤْجَرْ "هل تفعلُ خيراً؟ فإن تفعل خيراً تؤْجرْ" وقِس على ذلك. وقيل إن الجزم بالطلبِ نفسِه لتضمنهِ معنى الشرطِ. واعلم أنَّ الطلب لا يُشترط فيه أن يكون بصيغة الأمر، أو النهي، أو الاستفهام، أو غيرها من صيغ الطلب. بل يُجزم الفعل بعد الكلام الخبريّ، إن كان طلباً في المعنى، كقولك "تُطيع أَبَويَكَ، تلقَ خيراً"، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 أَي أَطعهما تلقَ خيراً. ومنه قولهم "إتَّقى اللهَ امرؤٌ فعلَ خيراً، يُثبْ عليه". أي لِتَّقِ اللهَ، وليفعلْ خيراً يُثَبْ عليه. ومن ذلك قوله تعالى {هل أدُلُّكم على تجارة تُنجيكم من عذاب أَليم؟ تُؤمنو بالله ورسولهِ، وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون، يَغفرْ لكم ذُنوبكم} ، أَي آمنوا وجاهدوا يَغْفر لكم ذنوبكم. والجزمُ ليس لأنه جواب الاستفهام، في صدر الآية، لأن غفران الذنوب ليس مرتبطاً بالدلالة على التجارة الرابحة، لأنه قد تكون الدلالة على الخير، ولا يكون أثرها من مباشرة فعل الخير. وإنما الجزم لوقوع الفعل جواباً لقوله {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله} ، لأنهما بمعنى آمنوا وجاهدوا. فالمضارعُ، في كل ما تقدَّم، مجزومٌ لأنه جوابُ طلبٍ في المعنى، وإن كان خبراً في اللفظ. فوائد (1) لا يجبُ أن يكونَ الأمرُ بلفظِ الفعلِ ليَصحَّ الجزمُ بعدَهُ، بل يجوزُ أن يكون أيضاً اسمَ فعل أَمرٍ، نحو "صَهْ عن القبيح تُؤْلفْ". وجملةً خبريَّةً يُراد بها الطَّلَب (كما تقدَّم) ، نحو (يَرزُقُنيَ اللهُ مالاً انفعْ به الأمة) أَي لِيرزقني، "حسْبُك الحديثُ يَنَمِ الناسُ". (2) يُشترَطُ لصحّة الجزم بعد النهي أن يصحَّ دخولُ (إن) الشرطية عليه، نحو {لا تَدنُ من الشر تَسْلَمْ} ، إذ يصحُّ أَن تقول "إلا تدنُ من الشر تسلم". فإن لم يَصلحُ دخولُ إن عليه، وجب رفعُ الفعل بعدَهُ، نحو "لا تَدنُ من الشرّ تهلكُ"، برفع تهلك، إذ لا يصحُّ أن نقولَ "إلاّ تدن من الشر تَهلك"، لفساد المعنى المقصود وأَجاز ذلك الكسائيُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 (3) لا يُجزَمُ الفعلُ بعد الطلب إلا إذا قُصدَ الجزاءُ. بأن يُقصدَ بيانُ أن الفعلَ مسبّبٌ عما قبلهُ، كما أن جزاءَ الشرط مُسببٌ عن الشرط. فإن لم يُقصد ذلك، وجبَ الرفعُ إذ ليس هناك شرطٌ مُقدَّر، ومنه قوله تعالى {ولا تَمْنُنْ تَسْتَكثِرْ} ، وقولهُ "فَهَبْ لي من لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُني} وقوله {فاضربْ لهم طريقاً في البحر يَبَساً، لا تخافُ دَرَكاً ولا تخشى} وقولهُ {خُذْ من أموالهم صَدَةً تُطَهِّرُهم} . (4) إذا سقطت فاءُ السببيّة التي يُنْصَبُ المضارعُ بعده، وكانت مسبوقةً بما يَدُلُّ على الطَّلب، يُجزَمُ المضارعُ إن قُصِدَ بقاءُ ارتباطه بما قبلهُ ارتباطَ المُسبَّب، كما مَرَّ. فإن اسقطتَ الفاءَ من قولك "جئني فأكرمَك" جزمتَ ما بعدها، فقلتَ "جئني أُكرمْكَ". وقد أوضحنا هذا وما قبله، من قبلُ، في الكلام على "فاء السببية". اعرابُ الشَّرط والجواب الشرطُ والجوابُ يكونانِ مُضارعينِ، وماضيَين، ويكون الأولُ ماضياً والثاني مضارعاً. والأول مضارعاً والثاني ماضياً، وهو قليلٌ، ويكون الأول مضارعاً أو ماضياً، والثاني جُملةً مُقْترنة بالفاء أَو بإذا. فإن كانا مضارعين، وجب جزمُهما، نحو {إن يَنتَهوا يُغفَرْ لهم ما قد سَلَفَ} ورفع الجواب ضعيفٌ كقوله [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 فَقُلْتُ تَحَمَّلْ فوْقَ طَوْقِك، إنّها ... مُطَبَّعةٌ، مَنْ يَأتِها لا يضيرُها وعليه قراءَة بعضهم {أينما تكونوا يُدركُكُم الموتُ} بالرفع. وإن كان الأول ماضياً، أو مضارعاً مسبوقاً بِلمْ، والثاني مضارعاً، جاز في الجواب الجزم والرفع. فإن رفعتَ كانت جملته في محل جزم، على أنها جواب الشرط. والجزمُ أَحسنُ، والرفعْ حسَنٌ. ومن الجزم قوله تعالى {من كان يُريد زينةَ الحياةِ الدُّنيا نُوفِّ اليهم أَعمالهمْ} . ومن الرفع قول الشاعر [من البسيط] وإِنْ أتاهُ خليلٌ يومَ مَسْغَبةٍ ... يَقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرم ونقول في المضارع المسبوقِ بِلمْ "إن لم تقُم أقُمْ. إن لَم تَقْمْ أقومُ"، يجزم الجواب ورفعه. وإن كان الأول مضارعاً والثاني ماضياً (وذلك قليلٌ وليس خاصاً بالضرورة، كما زعمه بعضهم) ، وجبَ جزمُ الأول، كحديثِ "من يَقْمْ ليلةَ القَدْرِ ايماناً واحتساباً، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبهِ". ومنه قول الشاعر [من البسيط] أنْ يَسْمعُوا سُبَّةً طاروا بها فَرَحاً، ... عَنِّي، وما يَسمَعوا من صالحٍ دَفَنُوا وان وقع الماضي شرطاً أو جواباً، جُزمَ محلاًّ نحو {ان أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 وان كان الجواب مضارعاً مقترناً بالفاء، نحو "ومن عادَ فيَنتَقمُ اللهُ منه"، امتنعَ جزمُه، لأنَّ العربَ التزمت رفعَه بعدها. وتكونُ جملته في محلِّ جزمٍ، على أنها جواب الشرط. وان كان الجوابُ جملة مُقترنة بالفاء أو (اذا) ، كانت الجملة في محلّ جزمٍ، على أنها جوابُ الشرطِ، نحو " {أن تَستفتحوا فقد جاءكم الفتحُ، وان تنتهوا فهو خيرٌ لكم} ، ونحو {وان تُصبْهم سَيئةٌ بما قدَّمتْ أيديهم، اذا هم يَقْنَطونَ} . فوائد اذا وقع فعلٌ مقرونٌ بالواو أو الفاء (وزاد بعضهم أو وثمَّ) بعد جواب شرطٍ جازمٍ، جاز فيه الجزم، بالعطف على الجواب. وجاز فيه الرفع على أنه جملةٌ مستأنفةٌ. وجاز النصبُ بأنْ مقدَّرةً وجوباً، وهو قليلٌ. وقد قُرِئَت الآيةُ {وان تُبْدوا ما في أنفسكم، أو تُخفوهُ، يُحاسبْكم به اللهُ، فيغفرْ لِمن يشاءُ} ، يجزم (يغفرْ) في قراءَة غيرِ عاصمٍ من السبعةِ، وبرفعه في قراءَته، وبالنصب لابنِ عبَّاسٍ شُذوذاً. ومن النصب قول الشاعر [من الوافر] متى ما تَلْقَني فَرْدَينِ تَرْجُفُ ... رَوانِفُ الْيَتَيك وتُسْتطارا (1) اذا وقع الفعلُ المقرونُ بالواو أَو الفاء بين فعلِ الشرط وجوابه، جاز فيه الجزم وهو الأكثرُ، وجاز النصب، وامتنع الرفع نحو "ان تستقمْ وتجتهد أكرِمْكَ"، بجزم (تجتهدْ) ، عطفاً على تَستقِمْ، وبنصبِه بأن مُقدَّرة وجوباً. وانما امتنع الرفعُ لأنه يقتضي الاستئناف قبل تمام جملة الشرط الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 والجواب، لأنَّ الفعلَ متوسط بينهما. وذلك ممنوعٌ، لأنه لا معنى للاستئنافٍ حينئذٍ. ومن النصب قول الشاعر [من الطويل] ومَنْ يَقترِبْ منا، ويخْضَعَ، نُؤْوِهِ ... ولا يخشَ ظلماً، ما أقامَ، ولا هَضْما وقول الآخر [من الطويل] ومَنْ لا يُقدِّمْ رِجْلَهُ مُطمَئِنّةً ... فَيُثْبتَها في مُسْتَوى الأَرضِ، يَزْلَقِ (3) ان وقع فعلٌ مجردٌ من العاطف بعد فعلِ الشرط، ولم يقصد به الجواب، أَو وقعَ بعدَ تمامِ الشرط والجواب، جاز جزمُه، على أنه بَدلٌ مما قبله. وجاز رفعُه، على أَنه جملةٌ في موضع الحال من فاعل ما قبله. فمن الجزم بعد فعل الشرط قول الشاعر [من الطويل] متى تأتنا تُلْمِمْ بِنا في دِيارِنا ... تَجدْ حَطَباً جَزْلاً وناراً تأجَّجا ومن الرفع بعده قول الآخر [من الطويل] متى تأته تعْشو إلى ضَوْء نارِه ... تَجِدْ خَيرَ نارٍ، عِنْدها خيرُ مُوقِدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 ومن الجزم والرفع، بعد تمام الشرط والجواب، قوله تعالى " {ومن يَفعلْ ذلك يَلق أثاماً} يُضاعف له العذابُ". وقد قُرِيءَ "يُضاعفْ"، بالجزم على أَنه بَدلٌ من "يلقَ". وبالرفع على أنه جملةٌ حاليَّةٌ من فاعل يَلقَ"، أَو على أَنه جملةٌ مستأنفةٌ. إعرابُ أَدَوات الشرط أدوات الشرطِ منها ما هو حرفٌ، وهما "إنْ وإذْ ما" (على خلافٍ في "إذْ ما" كما تَقدَّم) . ومنها ما هو اسمٌ مُبهَمٌ تضمّن معنى الشرط، وهي "من وما ومهما وأَيْ وكيفما" ومنها ما هو ظرفُ زمانٍ تضمنَ معنى الشرط، وهي "أَينَ وأنَّى وأيَّانَ ومتى وإذ. ومنها ما هو ظرفُ مكان تضمّنَ معنى الشرطِ، وهي "حينما". فما دلّ على زمانٍ أو مكانٍ، فهو منصوب محلاًّ على أنه مفعولٌ به لفعل الشرط. و"من وما ومهما" إن كان فعلُ الشرط يطلُبُ مفعولاُ به، فهي منصوبةٌ محلاًّ على انها مفعولٌ به لهُ، نحو "ما تُحصَّلْ في الصِّغر ينفعكَ في الكِبَر. من تُجاوِرْ فأحسِنْ إليه. مهما تفعلْ تُسأل عنهُ". وإن كان لازماً أو متعدِّياً استوفى مفعولَهُ، فهي مرفوعةٌ محلاًّ على أنها مبتدأٌ، وجملةُ الشرط خبرهُ، نحو "ما يجيء به القدَر، فلا مَفرَّ منهُ. من يَجُدَّ يجِدْ، مهما ينزل بك من خطبٍ فاحتمله ما تَفْعلْهُ تَلقَهُ "مَنْ تَلْقَهُ فسلَّمْ عليه، مهما تفعلوه تجدوه". و"كيفما" تكونُ في موضع نصبٍ على الحال من فاعل فعلِ الشرط، نحو "كيفما تكنْ يكنْ أبناؤُكَ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 و"أي" تكونُ بحسَبِ ما تُضافُ إليه، فإن أُضيفت إلى زمانٍ أو مكان، كانت مفعولاً فيه، نحو "أيَّ يوم تذهبْ أذهبْ". ايَّ بلدٍ تسكن أسكنْ" وإن أُضيفت إلى مصدر كانت مفعولاً مُطلقاً، نحو "أيَّ إكرامٍ تُكرِمْ أُكرِمْ" وإن أُضيفت إلى غير الظرف والمصدر، فحكمها حكمُ "من وما ومهما"، فتكونُ مفعولاً به في نحو "أيَّ كتابٍ تقرأْ تَستفد". ومبتدأ في نحو "أَيُّ رجلٍ يَجُدْ يَسُدْ. أَيُّ رجلٍ يخدمْ أُمّتَه تَخدمْهُ". وكلُّ أدوات الشرط مبنيةٌ، إلاّ "أَيًّا" فهي معربَةٌ بالحركات الثلاث، مُلازِمةٌ للاضافة إلى المفرد، كما رأَيتَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 (إعراب الأسماء وبناؤها) (المعرب والمبني من الأَسماء) الأسماء كلُّها مُعربةٌ إلاّ قليلاً منها. ويُعرَبُ الاسمُ إذا سلمَ من شَبَهِ الحرفِ. ويُبنى إذا أَشبهَه في الوضعِ أو المعنى، أو الافتقارِ، أو الاستعمال. فالشبَهُ على أربعةِ أضرُبٍ الأولُ الشبَهُ الوضعيُّ. بأن يكونَ الإسمُ موضوعاً على حرفٍ واحدٍ، كالتاء من "كتبتُ"، أو على حرفين، كنا من "كتبنا". (فالضمائر بنيت لأنها أشبهت الحرف في الوضع، لأن أكثرها موضوع على حرف أو حرفين. وما كان منها موضوعاً على أكثر، فإنما بني حملا على أخواته، وذلك لأن أقل ما يبنى منه الاسم ثلاثة أَحرف، فما ورد من الأسماء على أقل من ذلك، كان مبنياً لشبهه الحرف في الوضع. وأما نحو "يد ودم"، فهو معرب. لأنه في الأصل ثلاثة أحرف. "دمَو ويديْ") . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 الثاني الشبَهُ المعنوي. بأن يُشبِهَ الإسمُ الحرفَ في معناه. وهو قسمانِ أحدُهما ما أشبهَ حرفاً موجوداً، كأسماءِ الشرط وأسماءِ الاستفهام. والآخرُ ما أشبهَ حرفاً غيرَ موجودٍ، حقهُ أن يوضعَ فلم يُوضع، كأسماءِ الإشارة. (فهذه الأسماء بنيت لتضمنها معاني الحروف، لأن ما تحمله من المعنى حقه أَن يؤدى بالحرف. فأسماء الشرط أشبهت حرف الشرط، وهو "إن" وأسماء الإستفهام أشبهت حرف الإستفهام، وهو الهمزة، وأَسماء الإشارة أشبهت حرفاً غير موجود. فبنيت لتضمنها معنى حرف كان ينبغي أن يوضع فلم يضعوه. وذلك لأن الإشارة، من المعاني التي حقها أن تؤدى بالحرف، غير انهم لم يضعوا حرفاً للاشارة، كما وضعوا للتمني "ليت"، وللترجي "لعل"، وللاستفهام "الهمزة وهل"، وللشرط "إن". الثالثُ الشبَه الافتقاريُّ الملازِمُ بأن يحتاجَ إلى ما بعدَهُ احتياجاً دائماً، ليُتَمَّمَ معناه. وذلك كالأسماء الموصولةِ وبعضِ الظروف الملازمةِ للاضافة إِلى الجملةِ. (فالأسماء الموصولة بنيت لافتقارها في جميع أحوالها إلى الصلة التي تتمم معناها، كما يفتقر الحرف إلى ما بعده ليظهر معناه، والظروف الملازمة للاضافة إلى الجملة، كحيث وإذا ومنذ الظرفيتين، إنما بنيت لافتقارها إلى جملة تضاف اليها افتقار الحرف إلى ما بعده) . الرابعُ الشبَهُ الاستعماليُّ. وهو نوعان نوعٌ يشبهُ الحرف العاملَ في الاستعمال، كأسماء الأفعالِ، فهي تُستعملُ مُؤَثرةً غيرَ متأثرة، لأنها تعملُ عمَل الفعلِ "ولا يعملُ فيها غيرُها، فهي كحروف الجرّ وغيرها من الحروف العواملُ تُؤثرُ في غيرها ولا يُؤثرُ غيرُها فيها. ونوعٌ يُشبهُ الحرفَ العاطل، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 (أَي غيرَ العاملَ) في الاستعمالِ، من حيثُ إنهُ مِثْلُه لا يؤثرُ ولا يَتأثرُ، كأسماء الأصواتِ، فهي كحرفي الاستفهامِ وحروفِ التنبيهِ والتحضيض وغيرِها من الحروفِ العواطل، لا تعمل في غيرها، ولا يعمل غيرها فيها. (الأسماء المبنية) الأصلُ في الأسماء الإعرابُ، وإنما يُبنى منها ما أَشبهَ الحرفَ كما قَدَّمنا، وهو أَلفاظٌ محصورة. والأسماءُ المبنيَّةُ على نوعينِ نوعٍ يُلازمُ البناءَ، ونوع يُبنى في بعض الأحوال. المُلازمُ للبناء من الأَسماء مما يلازمُ البناءَ من الأسماء الضمائرُ وأسماءُ الإشارة، والأسماءُ الموصولةُ، وأسماءُ الشرطِ، وأسماءُ الاستفهام، وأَسماءُ الكناية، وأَسماءُ الأفعالِ، واسماءُ الأصوات. ومنه "لَدَى وَلدُنْ والآنَ وأَمسِ وقَدُّ وعوْضُ"، من الظروف. و"قَطُّ" ظرفٌ للزمان الماضي على سبيل الاستغراق. و"عَوْضُ" ظرفٌ للزمان المستقبل كذلك، فهو بمعنى "أَبداً"، تقول "ما فعلتهُ قطُّ، ولا أَفعلهُ عوْضُ" أي لا أَفعلُهُ أَبداً. ومنه الظروفُ الملازمة للاضافة إلى الجملة، كحيثُ وإذ وإذا ومذ ومُنذُ، إن جُعلا ظرفين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 فحيثُ، ملازمةٌ للاضافة إلى الجملة، فإن أَتى بعدَها مفرَدٌ رفعَ على أَنه مبتدأٌ" ونوِيَ خَبرُهُ، نحو "لا تجلس إلاّ حيثُ العلمْ" أَي حيثُ العلمُ موجودٌ. و"مُذ ومنذُ" معناهما إما ابتداءُ المدَّة، نحو "ما رايتك مُذ يومُ الجمعة"، وإما جميعُها، نحو "ما رأيتك منذُ يومان". والاسم بعدهما مرفوعٌ على أَنه فاعلٌ لفعل محذوف، والتقديرُ "مُذ كان يومُ الجمعة، ومنذ كان يومانِ" (وكان هنا تامَّة لا ناقصة) . فإن جَررَت بهما كانا حرفي جَرّ، وليسا بظرفين. و"إذْ" ظرفٌ لما مضى من الزمان "وإذا" ظرفٌ للمستقبل منه. وهما مضافان أَبداً إلى الجُمل، إلاّ أَنَّ "إذْ" تُضافُ إلى كلتا الجملتين، و"إذا" لا تضافُ إلى الجملة الفعلية. ومنه المركَّبُ المزجي، الذي تضمّنَ ثانيهِ معنى حرف العطف، أَو كان مختوماً بكلمة "وَيّهِ". فالأول كأحدَ عشَرَ إلى تسعةَ عشرَ، إلاّ اثنيْ عشَرَ، ونحو "وَقعُوا في حَيْصَ بَيْصَ، وهو جاري بَيتَ بَيتَ، والأمرُ بَيْنَ بَيْنَ، وآتيكَ صباحَ مساءَ وتفرَّق العدوُّ شَذَرَ مذَرَ". وهو مبنيٌّ على فتح الجزءَين. والثاني نحو "جاءَ سيبَويهِ، ومررتُ بسيبويهِ". وحرفُ التعريفِ والإضافةُ لا يُخِلاّن ببناءِ العددِ المركب. كالأحدَ عشَرَ وخمسَةَ عَشَر. (وما لم يكن منه متضمناً معنى حرف العطف، ولا مختوماً بويه، كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 جزؤه الثاني معرباً إعراب ما لا ينصرف، للعلمية والتركيب المزجي. أَما جزؤه الأول فيبنى على الفتح كبعلبك وحضرموت وبختنصر. ما لم يكن آخره ياء فيبنى على السكون. كمعد يكرب. فان ختم بويه كسيبويه، بني جزؤه الأول على الفتح والثاني على الكسر، كما تقدم) . (وأَما اثنا عشر فجزؤه الأول معرب إِعراب المثنى. بالألف رفعاً وبالياء نصباً وجراً وجزؤه الثاني مبني على الفتح أَبداً، ولا محل له من الإعراب. فهو بمنزلة النون من المثنى) . ومنه ما كان على وزن "فَعالِ" علماً لأنثى. كحَذامِ ورقاشِ أَو شتماً لها. كياخَباث ويا كَذابِ. وهو مبنيٌّ على الكسر تشبيهاً له بما كان على هذا الوزنِ أَسماءِ الأفعال. كنزالِ وحَذارِ. وكما أَشبهه في الوزن. أَشبهه في العدْل أيضاً فَخباثِ معدولةٌ عن خبيثةٍ، وكذابِ معدولةٌ عن كاذبة. كما أَنَّ "نَزالِ" معدولة عن انزلْ، و"حَذارِ" عن احذَرْ. وندرَ أَن يُستعملَ ما كان على وزن "فَعالِ" في شَتْمِ الأنثى إلا معَ النداء. ما لا يَلْزَمُ البناءَ من الأَسماء من الظروف ما لا يُلازمُ البناءَ. فهو يُبنى في بعض الأحوال، ويُعرب في بَعضٍ. وذلك كقَبْل وبعد ودون وأَوَّل والجهاتِ الستِّ. فما قُطعَ منها عن الإضافة لفظاً، لا تقديراً (بحيثُ لا يُنسى المضافُ إليه) بنِيَ على الضمِّ، نحو {للهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ} ونحو "جلست أمامُ، ورجعتُ إلى وراءُ". وما اضيفَ منها لفظاً، اعرب، نحو "جئتُ قبلَ ذلك، وجلستُ أمامَ المِنبرِ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وما عَرِيَ منها عن الإضافة لفظاً وتقديراً (بحيثُ يُنسى المضافُ إليه لأنه لا يتعلقُ به غَرضٌ مخصوصٌ) اعرب، نحو "جئتُ قَبلا، وفعلتُ ذلك من بعدٍ". ويلحَق بهذه الظروف "حَسْب" عند قطعهِ عن الإضافةِ نحو "هذا حَسبُ" أي "حَسْبي"، بمعنى يكفيني. وقد تُزادُ الفاءُ عليه تزييناً للفظِ، نحو "الكتابُ سَميري فَحسبُ" أي هو يكفيني عن غيره. وهو مبني على الضمّ. ويلحقُ بها أَيضاً "غَير" بعدَ النَّفي، نحو فعلتُ هذا لا غيرُ"، أو "ليسَ غيرُ". وهي مبنيٌّ على الضم أيضاً. (أَنواع إِعراب الاسم) أنواعُ إعرابِ الاسم ثلاثةٌ رفعٌ ونصبٌ وجَرٌّ وعلامة الإعراب فيه إما حركةٌ أو حرفٌ. والأصلُ فيه أن يُعربَ بالحركات. المُعْرَبُ بالحَركات من الأسماء المُعربُ بالحركة من الأسماءِ ثلاثةُ أنواعٍ الإسمُ المفرَدُ، وجمعُ التكسير، وجمعُ المؤنثِ السالمُ. وهي تُرفعُ بالضمة، وتنصبُ بالفتحة، وتجرُّ بالكسرةِ، إِلا جمعَ المؤنث السالمَ، فيُنصبُ بالكسرةِ بدَلَ الفتحةِ، نحو "أَكرمتُ الفتياتِ المجتهداتِ" والاسمَ الذي لا ينصَرفُ، فيُجرُّ بالفتحة، بَدَل الكسرة، نحو "ما الفقير القانعُ بأفضلَ من الغني الشاكرِ". والحركاتُ تكونُ ظاهرةً على آخر الإسم، إن كان صحيح الآخر، غير مضاف إلى ياءِ المتكلم، نحو "الحقُّ منصورٌ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 فإن كان معتل الآخر بالألف، تُقدَّر على آخره الحركاتُ الثلاثُ للتَّعذر، نحو "إن الهَدى مُنى الفتى". وإن كان معتلَّ الآخر بالياءِ تُقدَّر على آخره الضمةُ والكسرةُ، نحو "حكَم القاضي على الجاني" أما الفتحةُ فتظهرُ على الياءِ لخفَّتها، نحو "أجيبوا الداعيَ إلى الخير". الاسم الذي لا ينصرفُ الاسمُ الذي لا يَنْصرفُ (ويُسمّى الممنوعَ من الصرف أيضاً) هو مالا يجوزُ أن يلحقَهُ تنوينٌ ولا كسرةٌ. كأحمدَ ويعقوبَ وعطشانَ. وهو على نوعين نوعٍ يُمنعُ لسبب واحد، ونوع يُمنعُ لسببين. فالممنوع من الصّرف لسببٍ واحد كلُّ اسمٍ كان في آخره ألفُ التأنيث الممدودةُ كصحراءَ وعذراءَ وزكريَّاءَ وأَنصِباءَ. أَو أَلفُهُ المقصورةُ. كحُبلى وذِكرى وجرحى. أو كان على وزن منتهى الجموع كمساجدَ ودراهمَ ومصابيحَ وعصافيرَ. (ولا يشترط فيما كان على وزن منتهى الجموع أن يكون جمعاً. بل كل اسم جاء على هذه الصيغة - وإن كان مفرداً - فهو ممنوع من الصرف كسراويل وطباشير وشراحيل) . والممنوع من الصّرفِ لسببين إما عَلَمٌ وإما صِفةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 العَلَمُ الممنوعُ من الصَّرف يُمنعُ العلَمُ من الصرف في سبعة مواضعَ (1) أن يكون عَلماً مؤنثاً. سواءٌ أكان مؤنثاً بالتاءِ كفاطمةَ وعزّةَ وطلحةَ وحمزةَ، أم مؤنثاً معنويًّا كسُعادَ وزينبَ وسَقَرَ ولَظى. إلا ما كان عربياً ثلاثياً ساكن الوسطِ، كدَعْد وهند وجُمّل، فيجوز منعهُ وصرفهُ والأولى صرفه. إلا أن يكون منقولاً عن مُذكر، كأن تُسميَ امرأة بقَيّس أو سعد، فإنك تمنعه من الصرف وجوباً، وإن كان ساكن الوسط. فإن كان الثلاثيُّ الساكنُ الوسطِ أعجمياً، وجب منعُه كماهَ وجُورَ وحِمْصَ وبَلْخَ ونِيسَ ورُوزَ. وإذا سمّيتَ مذكراً بنحو "سعاد وزينب وعَناق وعقرب وعنكبوت" من الأسماء المؤنثة وضعاً، الزائدة على ثلاثة أحرف، منعته من الصرف، العلمية والتأنيث الأصلي. فإن كان على ثلاثة أحرف، كدعدٍ وعُنُقٍ، صرفته. وإن كان التأنيث عارضاً، كدلالَ وربابَ وودادَ، أعلاماً لأنثى، منعتها من الصرف. فإن سميتَ بها مذكراً صرفتها، لأنها في الأصل مذكَّرات. فالدلال والوداد مصدران. والرباب السحاب الأبيض، وبه سُميت المرأة. أما إن سميتَ مذكراً بصفة من صفات المؤنث الخالية من التاءِ، فانك تصرفه، كأن تسميَ رجلا مُرضعاً أو مُتْئماً. والكوفيون يمنعونه من الصرف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 وأسماءُ القبائل مؤنثة. ولك فيها وجهانِ منعُها من الصرف، باعتبار أنها أعلام لمؤنثات، نحو "رأيتُ تميمَ"، تعني القبيلةَ، ولك صرفها، باعتبار أن هناك مضافاً محذوفاً نحو "رأيت تَميماً"، تعني بني تميم. فحذفتَ المضافَ وأقمتَ المضافَ إليه مُقامَهُ فإن قلتَ "جاءَ بنو تميم" صرفتَ تميماً قولاً واحداً. لأنك تعني بتميم أبا القبيلةِ لا القبيلةَ نفسها. وما سُميَ به مما يُجمعُ بالألفِ والتاءِ كعَرَفاتٍ وأذرعاتٍ جاز منعه من الصرف، وجاز صرفُه وإعرابُه كأصله، وهو الأفصحُ. وما كان على وزن "فَعالِ" علَماً لمؤنثٍ، كحذامِ وقَطامِ ورَقاش ونَوار فأهلُ الحجازِ يبنونه على الكسر، في جميع أحواله فيقولون قالت حَذامِ، وسمعتُ حَذامِ، ووعَيتُ قولَ حَذامِ". قال الشاعر [من الوافر] إذا قالتْ حَذامِ فَصدِّقوها ... فإنَّ القوْلَ ما قالتْ حَذامِ وبنو تَميم يمنعونه من الصَّرفِ للعميّة والتأنيث، فيقولون "قالت حذامُ"، وسمعتُ حذامَ، ووَعَيتُ قول حذامَ". (ومن العماء من يمنعه للعلمية والعدل، باعتبار عدل هذه الأسماء عن حاذمة وفاطمة وراقشة ونائرة. ومنعها للعلمية والتأنيث أولى) . (2) أن يكونَ عَلماً أعجمياً زائداً على ثلاثة أحرف كإبراهيم وأنطونَ وإنما يُمنعُ إذا كانت عَلميَّته في لغته. فإن كان في لغته اسمَ جنسٍ، كلجامٍ وفِرَندٍ ونحوهما مما يُستعمَل في لغته علماً، يصرَفْ إن سميتَ به. وما كان منه على ثلاثةِ أحرفٍ صُرفَ، سواءٌ أكان مُحرّكَ الوسَط، نحو لَمَكٍ، أم ساكنَهُ، كنُوحٍ وجُولٍ وجاكٍ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 (وقيل ما كان محرك الوسط يمنع، وما كان ساكنه يصرف، وقيل ما كان ساكنه يصرف ويمنع. وليس بشيء والصرف في كل ذلك هو ما اعتمده المحققون من النحاة) . (3) أن يكون عَلماً موازناً للفعل. ولا فرقَ بين أن يكون منقولاً عن فعل، كيَشكُرَ ويزيدَ وشمَّرَ. أو عن اسمٍ على وزنه، كدُئِل وإستبرَقَ واسعدَ، مُسمَّى بها. والمعتبرُ في المنع إنما هو الوزنُ المختصُّ بالفعلِ، أو الغالبُ فيه. أمّا الوزنُ الغالبُ في الاسم، الكثيرُ فيه، فلا يُعتبرُ، وإن شاركه فيه الفعلُ. وذلك كأن يكون على وزن "فَعَل" كحَسَنٍ ورجبٍ. أو "فَعِل" ككَتِفٍ وخَصِرٍ. أو "فَعُل" كعَضُدٍ. أو "فاعِل" كصالحٍ. أو "فَعلَلَ" كجعفرٍ فإن سميتَ بما كان على هذه الأوزان انصرف. والمراد بالوزن المختص بالفعل أن يكون لا نظير له في الأسماء العربية وإن وجد فهو نادر لا يعبأ به. فمثل "دُئل" هو على صيغة الماضي المجهول. لكنه نادر في الأسماء. فلم تمنع ندرته أن يكون هذا الوزن من خصائص الفعل ويندرج فيه ما جاء على صيغة الماضي الثلاثي المجهول، الذي لم يعل ولم يدغم كدئل وكأن تسمي رجلا "كتب"، وكل صيغ الأفعال المزيد فيها، معلومة ومجهولة. إلا ما جاء على وزن الأمر من صيغة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 "فاعل يفاعل" كصالح علما. فانه على وزن "صالح" فعل أمر. فما جاء من الأعلام على وزن مختص بالفعل، منعته من الصرف. والمراد بالوزن الذي يغلب في الفعل أن يكون في الأفعال أكثر منه في الأسماء. فغلبته في الفعل جعلته أحق به من الاسم وأولى. ويندرج فيه ما جاء على صيغة الأمر من الثلاثي المجرد. كأن تسمي رجلا "إثمد" أو "اصبع" أو "أبلم". فإنها موازنة لقولك "إجلس وافتح وانصر" وما كان على صيغة المضارع المعلوم من الثلاثي المجرد، مما أوله حرف زائد من أحرف المضارعة مثل "أحمد ويشكر وتغلب" أعلاماً فما جاء من الأعلام على وزن يغلب في الفعل، منعته من الصرف أيضاً. فائدة (1) إن ما جاء على وزن الفعل، مما سميت به ثلاثة أَنواع نوع منقول عن اسم كدُئل واستبرق. ونوع منقول عن صفة كأحمر وأَزرق. ونوع منقول عن فعل كيشكر ويزيد. وكلها يشترط في منعها من الصرف أَن تكون على وزن يختص بالفعل أَو يغلب فيه، كما تقدم. ومن العلماء كعيسى بن عمر - شيخ الخليل وسيبويه - ومن تابعه، من يمنع العلم المنقول عن فعل مطلقاً، وإن جاء على ما يغلب في الأسماء. كأن تسمي رجلا "كتب، او حمدَ او طرف او حوقل". ويصرف ما عداه من المنقول عن اسم كرجب او عن صفة كحسن. وما قوله ببعيد من الصواب. وإن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 خالفه الجمهور. وفي مقدمتهم تلميذه سيبويه. لأن النقل عن الفعل ليس كالنقل عن اسم او صفة. فهو قوة له في منعه من الصرف. (2) العلم المنقول عن فعل، يجوز أَن تعامله معاملة الأسماء الممنوعة من الصرف فترفعه بالضمة، وتنصبه وتجره بالفتحة. ويجوز أَن تعامله معاملة الجملة المحكية. فإن روعي في أَصل النقل. أَنه منقول من الفعل مجرداً عن ضميره، يعرب إِعراب ما لا ينصرف، وهذا هو الأكثر في الأفعال المنقولة. فتقول "جاء يشكر وشمر، ورأيت يشكر واشمر، ومررت بيشكر وشمر". وإن كان مراعى فيه أَنه منقول عن الجملة. أَي عن الفعل مضمراً فيه الفاعل، يعرب إعراب الجملة المحكية فتبقيه على حاله من الحركة أَو السكون، رفعاً ونصباً وجراً. لأنه نقل عن جملة محكية". فيحكة على ما كان عليه. فإن سميت رجلا "يكتب أو استخرج"، باعتبار أن كل واحد منهما جملة مشتملة على فعل وفاعل مضمر، قلت جاء يكتب واستخرج" ورأَيت يكتب واستخرج، ومررت بيكتب واستخرج". وعليه قوله [من الرجز] نبئت أَخوالي، بني تزيد ... ظلماً علينا لهم فديد وهذا يجري مع المنقول عن فعل يغلب وزنه في الاسماء قولاً واحداً. لأن إِعرابه إعراب المحكي، لا إِعراب ما لا ينصرف. وعليه فتقول فيمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 سميته كتب، منقولاً إلى العلمية مع ضميره، "جاء كتب، ورأيت كتب، ومررت بكتب". (3) ما كان مبدوءاً بهمزة وصل من الافعال التي سميت بها، فإنك تقطع همزته بعد نقله إلى العلمية. لانه يلتحق بنظائره من الاسماء بعد التسمية به. فإن سميت بانصرف واستخرج ونحوهما، قلت "جاء انطلقُ واستخرجُ"، بقطع الهمزة. أما الاسماء المسمى، بها، كانطلاق واستخراج، فلا تقطع همزتها بعد التسمية بها، بل تبقى على حالها. لان نظيرها من الاسماء همزته موصولة. (4) ان يكون علماً مُركباً تركيبَ مزجٍ، غيرَ مختومٍ بوَيْهِ كبعلبكَّ وحَضْرَموْتَ ومَعْديْ كَرِبَ وقالِيْ قَلا. (5) أَن يكون عَلماً مزيداً فيه الألف والنونُ كعُثمانَ وعِمران وغَطفانَ. (6) أَن يكون عَلماً معدولاً بأن يكون على وزن "فُعَل". فيُقَدَّرُ معدولاً على وزن "فاعلٍ". وذلك كعُمَرَ وزُفَر وزُحل وثُعَلَ. وهي معدولةٌ عن عامرٍ وزافرٍ وزاحلٍ وثاعلٍ. وهذا العدل تقديري لا حقيقي. وذلك ان النحاة وجدوا الأعلام التي على وزن "فعل" غير منصرفة، وليس فيها إلا العلمية. وهي لا تكفي وحدها في منع الصرف فقدروا أنها معدولة عن وزن "فاعل"، لأن صيغة "فعل" وردت كثيراً محولة عن وزن فاعل كغُدَر وفُسَق بمعنى غادر وفاسق) . وما سُمعَ منصرفاً، مما كان على هذا الوزن، كأُدَدٍ، لم يُحكم بعدلهِ. وقد أَحصى النحاةُ ما سُمعَ من ذلك غيرَ مُنصرفٍ فكان خمسةَ عشرَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 عَلماً. وهي عُمَرُ وزُفَرُ وزُحَلُ وثُعَلُ وجُشَمُ وجُمَحُ وقُزَحُ ودُلَفُ وعُصَمُ وجُحى وبُلَعُ ومُضَرُ وهُبَلُ وهُذَلُ وقُثَمُ" وعدَّها السيوطيُّ في "همع الهوامع" أَربعة عَشرَ، بإسقاطِ "هُذَل". وَيُلحقُ بها "جُمَعُ وُكتَعُ وبُصَعُ وبُتَعُ". وهي أسماءٌ يؤكَّدُ بها الجمع المؤنث، نحو "جاءَت النساءُ جُمَعُ وكُتَعُ وبُصَعُ وبُتَعُ" أي جميعُهنَّ، و"رأيْتهنَّ جُمَعَ وكُتَعَ وبُصَعَ وبُتَعَ" و"مررتُ بهنَّ جُمَعَ وكُتَعَ وبُصَعَ وبُتَعَ". فهي ممنوعةٌ من الصرفِ للتعريفِ وللعَدلِ. (أما كونها معرفة، فبدليل أنها تؤكد بها المعرفة. كما رأيت. وتعريفها هو بالإضافة المقدرة إلى ضمر المؤكد، إذ التقدير "جاء النساء جميعهن". وأما كونها معدولة، فلأن مفردها جمعاء وكتعاء وبصعاء وبتعاء. فحقها أن تجمع على "جمعاوات وكتعاوات الخ". لأن ما كان على وزن "فعلاء" اسماً، فحقه أن يجمع على "فعلاوات" كصحراء وصحراوات. ولكنهم عدلوا بها عن "فعلاوات" إلى "فعل") . ومما جاءَ غير مصروفٍ للتعريفِ والعدلِ، سَحَر "مجرَّداً من الألفِ واللام والإضافةِ مُراداً به سَحَرُ يومٍ بعينهِ. وإن كان كذلك فلا يكونُ إلا ظرفاً كجئتُ يومَ الجُمعةِ سَحَرَ. (أما كونه معرفة، فلأنه أريد به معين. وأما كونه معدولاً، فإنه معدول عن "السحر" بالألف واللام. فإن التقدير "جئت يوم الجمعة السحر") . (7) أن يكون عَلماً مَزيداً في آخره الفٌ للالحاق كأرْطى وذِفْرَى، إذا سَمّيتَ بها. وألفُها زائدةٌ لألحاق وزنهما بجعفر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 الصِّفة الممنوعة من الصَّرف متنعُ الصفةُ من الصّرف في ثلاثة مواضعَ (1) أن تكون صفةً أصليةً على وزن "أفعَلَ" كأحمرَ وأفضل. ويشترطُ فيها ألاّ تُؤنثَ بالتاءِ، فإن أُنِّثت بها لم تمنع كأرملٍ، فإن مؤنثه أرملةٌ. والأرملُ الفقير. (فإن كانت الوصفية عارضة لاسم على وزن "أفعل" لم تمنع من الصرف. وذلك كأربع وأرنب في قولك "مررت بنساء أربع ورجل أرنب". فأربع في الأصل اسم للعدد، ثم وصف به، فكأنك قلت بنساء معدودات بأربع. وأرنب للحيوان المعروف. ثم أريد به معنى الجبان والذليل، فالوصف بهما عارض، ومن ثم لم يؤثر في منعهما من الصرف. وإن كانت الاسمية عارضة للصفة لم يضر عروضها، فتبقى ممنوعة من الصرف - كما لم يضر عروض الوصفية للاسم، فيبقى منصرفاً. وذلك كأدهم - للقيد - وأسود - للحية - وأرقم للحية المنقطة - وأبطح - للمسيل فيه دقيق الحصى واجرع - للرملة المستوية لا تنبت شيئاً. فهي ممنوعة من الصرف، وإن استعملت استعمال الأسماء، لأنها صفات، فلم يلتفتوا إلى ما طرأ عليها من الاسمية، كما لم يلتفتوا إلى ما طرأ عليها على ما سبق من الوصفية وبعضهم يعتد باسميتها الحاضرة فيصرفها وأما "أجدل" - الصقر - و"أخيل" - لطائر ذي خيلان - و"أفعى" للحية، فهي منصرفة في لغة الأكثر. لأنها أسماء في الأصل والحال. وبعضهم يمنعها من الصرف لامحاً فيها معنى الصفة. وهي القوة في أجدل والتلون في أخيل، والإيذاء في أفعى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وعليه قول الشاعر [من الطويل] كأن العُقيليين، حين لقيتهم، ... فراخ القطا لاقين أجدل بازيا وقول الآخر [من الطويل] ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي ... فما طائري يوماً علي بأخيلا (2) أن تكونَ صفةً على وزنِ "فَعلانَ" كعَطشانَ وسكرانَ ويشترط في منعها أن لا تُؤنثَ بالتاءِ. فإن أُنثتْ بها لم تمتنع كسَيْفانٍ - وهو الطويلُ - ومَصّانِ - وهو اللئيمُ - ونَدمان - وهو النديمُ لأنَّ مؤنثها سيفانةٌ ومَصّانةٌ وندمانةٌ. وقد أَحصَوْا ما جاءَ على وزن "فَعلان"، مما يؤنث على "فَعلانة"، فكان ثلاثَ عشْرة صفة، وهي "ندمانٌ"، النَّديم، و"حَبْلانٌ"، للعظيم البطن و"دَخنانٌ"، لليوم المُظلم، و"سَيفانٌ" للطويل، و"صوْجانٌ" لليابس الظهر من الدوابِّ والناس، و"صَيحانٌ" لليوم الذي لا غيْمَ فيه، "وسخْنانٌ"، لليوم الحارّ، و"مَوتانٌ" للضعيف الفؤاد البليد، و"عَلاّنٌ"، للكثير النسيان، و"فشْوانٌ"، للدقيق الضعيف، و"نصرانٌ"، لواحد النصارى، و"مَصّانٌ"، للئيم، و"اليانٌ"، لكبير الآلية. فهذه كلُّها منصرفةٌ، لأنها تُؤنثُ بالتاءِ, وما عداها فممنوعٌ، لأنَّ مُؤنثه على وزن "فَعْلى" كغضبانَ وغَضبى، وعطشانَ وعطشى، وسكرانَ وسكرى، وجَوْعان وجَوْعى. وأما نحو "أروَنانٍ" - وهو الصعب من الأيام - فمنصرف لأمرين الأوَّلُ لأنه ليس على وزن "فَعْلان"، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 والثاني لأنه يؤنث بالتاءِ، فيقالث "يومٌ أرونانٌ، وليلةٌ أرونانة"، أي صعبة شديدة. (3) أن تكون صفةً معدولةً، وذلك بأن تكون الصفةُ معدولة عن وزن آخر. ويكونُ العدلُ مع الوصفِ في موضعين الأولُ الأعدادُ على وزن "فُعال أو مَفْعَل" "كأحادُ ومَوْحَدَ، وثُناءً ومَثنى، وثُلاثَ ومَثلَثَ، وربُاعَ ومَربَعَ. (وهي معدولة عن واحد واحد واثنين اثنين الخ، فإذا قلت "جاء القوم مثنى"، فالمعنى انهم جاءوا اثنين اثنين. وقد قالوا ان العدل في الأعداد مسموع عن العرب إلى الأربعة. غير أن النحويين قاسوا ذلك إلى العشرة، والحق انه مسموع في الواحد والعشرة وما بينهما) . الثاني أُخَرُ، في نحو قولك "مررتُ بنساءٍ أُخَرَ" قال تعالى {فَعِدةٌ من ايام أُخَرَ} . وهي جمع أُخرى، مُؤنَّث آخر. وآخر (بفتح الخاءِ) اسمُ تفضيلٍ على وزنِ "أفعَل" بمعنى مغاير. وكان القياسُ أَن يُقالَ "مررتُ بنساءٍ آخَرَ" كما يقالُ "مررتُ بنساءٍ أفضَلَ" - بإفرادِ الصفة وتذكيرها - لا "بنساءٍ أُخرَ"، كما لا يقالُ "بنساءٍ فُضَل"، لأنَّ أفعلَ التفضيلِ، إن كان مُجرَّداً من "ألْ" والإضافة لا يُؤنثُ ولا يُثنَّى ولا يجمَعُ. (وقد علمت في مبحث اسم التفضيل، في الجزء الأول، انه إن كان مجرداً من "أل" والإضافة وجب استعماله مفرداً مذكراً، وإن كان موصوفه مثنى أو مجموعاً أو مؤنثاً، سواء أريد به معنى التفضيل أولا. كما هي الحال هنا. تقول أخلاقك أطيب، وآدابك أرفع، وشمائلك أحلى" أما آخر فعدلوا به عن هذا الاستعمال، فقد استعملوه موافقاً للموصوف. فقالوا "آخر وآخران وآخرون، وأخرى وأخريان وأخر". على خلاف القياس، وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 القياس أَن يقال آخر للجميع. فالعدل به عن القياس إحدى العلتين في منعه من الصرف. وإنما اختصت "أُخر" في جعل عدلها مانعاً من الصرف. لأن آخر ممنوع منه لوزن الفعل. وأخرى لألف التأنيث. وآخران وأُخريان وآخرون معربة بالحرف. واعلم انه لم يسمع شيء من الصفات التي جاءت على وزن "فعل" ممنوعاً من الصرف إلا "أُخر" فقدروا فيها العدل. ليكون على أخرى مع الوصفية) . حكم الاسم الممنوع من الصرف حكمُ الاسم الممنوع من الصرف أن يمنعَ من التنوين والكسرة، وأن يُجرّ بالفتحة نحو "مررتُ بأفضلَ منه"، إلا إذا سبقتهُ "أل" أو أُضيف، فيجرُّ بالكسرة، على الأصل، نحو "أحسنت إلى الأفضلِ أو إلى أفضلِ الناس". وقد يُصرفُ (أي ينوَّنُ ويُجرُّ بالكسرةِ) غيرَ مسبوقٍ بألْ ولا مضافاً، وذلك في ضرورة الشعر كقول السيدةِ فاطمةَ بنتِ الرسول ترثي أباها، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ [من الطويل] ماذا عَلى مَنْ شمَّ تُربة أحمدٍ ... أن لا يَشَمَّ مَدى الزَّمانِ غَواليا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 والمنقوصُ المستحقُّ المنعَ من الصرف، كجوار وغواشِ تُحذَفُ ياؤُهُ رفعاً وجراً، وينوَّنُ، نحو "جاءت جوارٍ، ومررتُ بجوارٍ". ولو سميتَ امرأَةً بناجٍ، قلتَ "جاءت ناجٍ، ومررتُ بناجٍ". ويكون الجر بفتحةٍ مقدرةٍ على الياء المحذوفة، كما يكونُ الرفعُ بضكو مقدَّرة عليها كذلك. أما في حالة النصبِ، فتثبت الياءُ مفتوحة نحو "رأيتُ جواريَ وناجيَ". وقد جاء في الشعر إثباتُ يائِهِ، في حالة الجرِّ، ظاهرةً عليها الفتحةُ كقوله [من الطويل] فلو كان عبدَ الله مولى، هجوتُه ... ولكنَّ عبد الله مولى مواليا ومن النحاة من يثبتُ ياء المنقوصِ الممنوع من الصرف، إذا كان عَلَماً، في أحواله الثلاثة. فيقولُ "جاءَت ناجي، ورأيت ناجيَ، ومررتُ بناجي". واعلم أن تنوين المنقوص، المستحق المنع من الصرف، إنما هو تنوينُ عوَضٍ من الياءِ المحذوفة، لا تنوين صرف كتنوين الأسماء المنصرفة لأنه ممنوع منه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 (1) أجاز بعضهم صرف ما حقه أن يمنع، مطلقاً في نظم أو نثر. وهي لغة حكاها الأخفش وقال كأنها لغة الشعراء. لأنهم اضطروا اليه في الشعر، فجرى على ألسنتهم ذلك في الكلام. ولا ريبَ أنها لغةٌ ضعيفة، لا يلتفت إليها. (2) إذا عرضَ للعلم الممنوع من الصرف التنكير، كأن يراد به واحد لا بعينه ممن سمي به فإنه ينصرفُ، نحو (جاءني عمرٌ من العمرين، وفاطمةٌ من الفاطمات، وابراهيمٌ من الإبراهيميين، وأحمدٌ من الأحمدين، وعثمانٌ من العثمانين) ، ونحو (رب سعادٍ وعمرانٍ ويزيدٍ ويوسفٍ ومعد يكربٍ لقيتُ) . إلا إذا كان منقولاً عن صفة، كمن سميته أحمر ويقِظان) ، فإنه لا ينصرف على المختار من أقوال النحاة. وهو ما ذهب إليه سيبويه. لأنه قبل نقله من الوصفية إلى العلمية، كان ممنوعاً من الصرف. فإذا فقد العَلمية رجع إلى أصله من المنع، اعتداداً بهذا الأصل ولم يفعلوا ذلك في غير الصفات الممنوعة، لأنه بزوال العلمية، التي هي أحد سببي المنع، لم يبق إلا سبب واحد فلا يكفي في المنع من الصرف. (3) أجاز الكوفيون والأخفش وأبو علي الفارسي للشاعر أن يمنع صرف ما حقه أن ينصرف. وعليه قول الأخطل [من الكامل] طَلبَ الأَرزاق بالكتائب، إذ هوت ... بشبيبَ غائلة النفوس، غَدورُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 وقول العباس بن مرداس [من المتقارب] وما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مِرداسَ في مَجْمَعِ واختاره ابن مالك. وهو الصحيح، كما قال ابن هشام، لكثرة ما ورد منه. وعن ثعلب أنه أجاز منع المنصرف مطلقاً، في نظم أو نثر. وبعضهم خص ذلك بما كان علماً. وبعضهم أجاز صرف ما كان على صيغة منتهى الجموع. والحق الاقتصار على ما ذكرنا. المعرَبُ بالحروف من الأَسماء المعرَبُ بالحروف من الأسماء ثلاثةُ أنواع المثنى، وجمع المذكر السالم، والأسماءِ الخمسة. فالمثنى يُرفعُ بالألف، مثل (أفلح المجتهدان) . ويُنصب ويجرُّ بالياء المفتوح ما قبلها المكسور ما بعدها مثل (أَكرمت المجتهدَيْنِ، وأحسنتُ إلى المجتهديْنِ) . ومن الرعب من يُلزمُ المثنى الألف، رفعاً ونصباً وجراً، وهم بنو الحارث ابن كعب، وخثعم، وزبيدُ وكنانة وآخرون، فيقولون "جاء الرجلان، ورأيت الرجلان، ومررت بالرجلان". وعليه قول الشاعر [من الطويل] تَزَوَّدَ منا بَينَ أُذناهُ طَعنةً ... دَعته إلى هابي التراب، عقيمُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 وقولُ الآخر [من الرجز] إنَّ أباها وأَبا أَباها ... قد بلغا في المجد غايتاها وحملوا على هذه اللغة قراءة من قرأَ {إنَّ هذانِ لساحرانِ} بتشديد "إنَّ". وقرئ "إنْ هذان"، بتخفيفها، "وإنَّ هذين" بتشديدها ونصب هذين بالياء. وجمعُ المذكر السالم يرفع بالواو، مثل "أفلح المجتهدون". وينصبُ ويجرُّ بالياء المكسور ما قبلها المفتوح ما بعدها، مثل "أكرمتُ المجتهدِينَ، وأحسنتُ إلى المجتهدينَ". والأسماء الخمسة هي "أبٌ وأخٌ وحَمٌ وفو وذو". وهي ترفعُ بالواو، مثل "جاء أبو الفضل"، وتنصبُ بالألف، مثل "أكرِم أباك" وتُجرُّ بالياءِ، مثل "عامل الصديق معاملة أخيك". وهي لا تعرب كذلك إلا إذا كانت مفردة مضافة إلى غير ياء المتكلم. فإن كانت مثناة، أو مجموعة، فتعرب إعراب المثنى أو الجمع، مثل "أكرم أبويك، واقتدِ بصالح آبائك، واعتصمْ بذوي الأخلاق الحسنة". وإن قُطعت عن الإضافة كانت معرَبةً بحركات ظاهرة، مثل "هذا أبٌ صالحٌ، وأَكرِم الفم عن بَذيءِ الكلام، وتمسّكْ بالأخ الصادق". وإن أُضيفتْ إلى ياءِ المتكلم كانت مُعربة بحركاتٍ مُقدَّرةٍ على آخرها، يمنعُ من ظهورها كسرةُ المناسبة مثل "أبي رجل صالح، وأَكرمتُ أبي، ولزِمتُ طاعةَ أبي". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 ومن العرب من يقول في أبٍ وأَخٍ وحَمٍ "هذا أبُكَ، ورأَيتُ أَبَكَ، ومررتُ بأبِكَ". بحذف الآخر، ويَعرب الاسم بحركاتٍ ظاهرة. ومنه قوله [من الرجز] بأبهِ اقتَدَى عَدي في الْكرَمْ ... ومَنْ يُشابِهْ أَبَهُ فَما ظَلَمْ ومن قال "هذا أبْكَ" قال في التثنية "هذانِ أبانِ". ومن قال "هذا أبوك"، قال هذان أَبوانِ. ومنهم من يُلزمُ ذلك الألف، في حالات الإعراب الثلاث، ويُعربُهُ إعرابَ الاسمِ المقصور، بحركاتٍ مقدَّرة على الألف، سواءٌ أَأُضيفَ أم لم يُضفْ. فيقول هذا أباً، ورأيتُ أباً، ومررتُ بأباً". ويقول هذا الأبا، ورأَيتُ الأبا، ومررت بالأبا، باعتبار أنه اسم مقصور. كما تَقول "هذه عصاً، وهذه العصا". لأن الأصل "أبَوٌ"، قُلبت الواوُ ألفا لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، كما قُلت في "عصاً" وأصلُها "عَصَرٌ". ومنه المثل "مُكْرَهٌ أخاكَ لا بَطَلٌ"، وقول الشاعر "إنَّ أباها وأبا أباها .... البيت". ومن قال هذا "أباً"، قال في التثنية "هذانِ أبوانِ"، كما يقول "هاتانِ عصوانِ". يَقلبُ الألف واواً. إعرابُ الملحقِ بالمُثَنَّى يُعرب "اثنتانِ اثنانِ" إعرابَ المثنّى. ويُعَربُ "كِلا وكِلْتا" إعرابَ المثنى، إذا أُضيفا إلى ضميرٍ، مثل "جاءَ الرجلانِ كلاهما والمرأتانِ كلتاهما، ورأيتُ الرجلينِ كليهما والمرأتينِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 كلتّيهما، ومررت بالرجلين كليهما والمرأتينِ كلتيهما". فإن أُضيفتا إلى غير الضمير أُعْربا إعرابَ الاسم المقصور، بحركات مُقدَّرة على الألف رفعاً ونصباً وجرًّا، مثل جاءَ كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ورأيتُ كلا الرجلين وكلتا المرأتين، ومررتُ بِكلا الرجلين وكلتا المرأتين". وكلا وكلتا اسمانِ مُلازمانِ للاضافة. ولفظُهما مُفردٌ ومعناهما مُثنَّى ولذلك يجوزُ الإخبارُ عنهما بما يحملُ ضميرَ المفردِ، باعتبار لفظهما، وضميرَ المثنى باعتبار معناهما، فنقول "كلا الرجلين عالم، وكلاهما عالمان" وقد اجتمعا في قول الشاعر [من البسيط] كِلاهُما حينَ جَدَّ الجَرْيُ بَيْنهَما ... قَدْ أَقلعا، وكِلا أَنفيْهما رابي إلاَّ أن اعتبارَ اللفظِ أكثرُ، وبه جاءَ القرآنُ الكريمُ، قال تعالى {كِلتا الجنَّتينِ آتت أكُلَها} ، ولم يَقُل "آتَتا". ويُعرَبُ ما سُميَ به من الأسماءِ المُثناةِ إعراب المثنى، لأنه ملحَقٌ به، فتقولُ "جاءَ حسنان وزيدانِ، ورأَيتَ حسنينِ وزيدَينِ، ومررتُ بحسنينِ وزيدينِ". ويجوزُ أن يَلزَم الألفَ ويُعرَبَ إعرابَ مالا ينصرفُ، تشبيهاً له بنحو عِمرانَ وسلمانَ" تقول "جاءَ زيدانُ وحسنانُ، ورأَيتُ زيدانَ وحسنانَ، ومررتُ بزيدانَ وحسنانَ" كما تقول "جاءَ عمرانُ، ورأَيتُ عمرانَ، ومررتُ بعمرانَ" ويكون منعُه من الصرف للعَلميّة وزيادة الألفِ والنون. فائدتان (1) قال ابن هشام في المغني وقد سئلت قديماً عن قول القائل "زيد وعمرو كلاهما قائم. أو كلاهما قائمان". فكتبت إن قدر (كلاهما) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 توكيداً قيل "قائمان" لأنه خبر عن "زيد وعمرو"، وإن قدر مبتدأ، فالوجهان، والمختار الإفراد. وعلى هذا، فإذا قيل "إن زيدً وعمراً" فإن قيل "كليهما" قيل "قائمان" أو "كلاهما" فالوجهان. ويتعين مراعاة اللفظ في نحو "كلاهما محب لصاحبه"، لان معناه كل واحد منهما، وقوله [من الطويل] كلانا غني عن أَخيه حياته ... ونحن، إذا متنا، أشد تغانياً (3) يؤكد بكلا المثنى المذكر. وبكلتا المثنى المؤنث، ويضافان أبداً لفظاً ومعنى إلى اسمٍ واحد معرفة، دال على اثنين إما بلفظه، نحو "جاءَ كلا الرجلين" وإما بمعناه. كقول الشاعر [من الرمل] إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل أَي وكلا ما ذكر من الخير والشر ولا يضافان إلى مفرد، وأما قول الشاعر [من البسيط] كلا اخي وخليلي واجدي ابداً ... في النائبات وإلمام الملمات فضرورة نادرة، لا يلتفت اليها ولا يستشهد بها، ولا تباح في شيء من الكلام، حتى الشعر لان الضرورة إنما يستشهد بها، إذا كانت كثيرة. فإن كثرت في كلامهم جاز للشاعر ارتكابها. إِعرابُ المُلْحَقِ بجمْعِ المذكَّر السالم يُعربُ الملحَق بجمع المذكرِ السالمِ "وهو ما جُمع هذا الجمعَ على غيرِ قياس" إعراب جمع المذكر السالم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ويجوز في نحو "بَنينَ وسِنينَ وعِضينَ وثُبينَ" وما أَشبهها أَن يُعربَ إعرابَ هذا الجمع، وهو الافصحُ فيقال "مَرَّتْ عليَّ سِنون، واغتربتُ سنين، وأنجزتُ هذا العمل في سنينَ". قال تعالى {ألكمُ البناتُ وله البنونَ؟} ويجوز أن تَلزَمَهُ الياءُ معَ التَّنوين، تشبيهاً له بحينٍ، فيُعربُ بالضمة رفعاً، وبالفتحة نصباً، وبالكسرةِ جرًّا. تقول "مَرَّت عليَّ سنينٌ كثيرةٌ. ومكثتُ مُغترِباً سنيناً كثيرةً، أَو ثمانيَ سنين". وعليه قول الشاعر [من الطويل] دَعانيَ منْ نَجْدٍ، فإنَّ سِنينَهُ ... لَعِبْنَ بنا شيباً وشَيَّبْنَنا مُرْداً وقول الآخر [من الوافر] وكانَ لنا أبو حَسَنٍ، عَلي، ... أباً بَرًّا ونحنُ لهُ بَنينُ ويجوز فيما سميّ به من هذا الجمع أن يعربَ إعرابه. فنقول "جاءَ عابِدونَ وزيدونَ، ورأَيتُ عابدينَ وزيدينَ، ومررتُ بعابدينَ وزيدينَ". وهو الأفصحُ. ويجوز أن يلزمَ الياءَ والنون مع التنوين، والإعرابَ بالحركات الثلاثِ. فنقول جاءَ زيدونٌ، ورأَيتُ زيدوناً، ومررتُ بزيدونٍ. ويجوز أن يَلزمَ الواوَ والنون بلا تنوينٍ، ويعربَ إعرابَ مالا ينصرفُ، تشبيهاً له بهارون، فيجري مجراهُ. ويكون ممنوعاً من الصرف للعَلمية وشبهِ العجّمة. فنقول جاءَ عابدونُ وحَمدونُ وخَلدونُ وزيدونُ، ورأَيتُ عابدونَ وحمدونَ وخلدونَ وزيدونَ، ومررت بعابدونَ وحمدونَ وخلدونَ وزيدونَ" كما تقول جاءَ هارونُ، ورأيتُ هارونَ، ومررتُ بهارونَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 إعرابُ المُلْحق بجمع المؤنثِ السَّالم تُعرب "أُولاتُ" كجمع المؤنث السالم، بالضمة رفعاً، وبالكسرة نصباً وجراً. قال تعالى {وإن كنَّ أُولاتِ حَملٍ} . وتقول (أُولاتُ الأخلاقِ الطيّبةِ محبوباتٌ) و (ارجُ الخيرَ من أُولاتِ الحياءِ والصلاحِ والعلم) . ويُعربُ ما سُميُ به من هذا الجمعِ إعرابَهُ، فتقولُ "هذه اذرِعاتٌ وعَرَفاتٌ، ورأَيتُ اذرعاتٍ وعَرفات، وسافرتُ إلى اذرعاتٍ وعَرَفاتٍ". هذا هو الفصيحُ. قال تعالى {فإذا افضتم من عَرَفاتٍ} ويجوز فيه مذهبانِ آخرانِ احدُهما أن يُعربَ إعرابَ ما لا ينصرفُ، للعَلميَّة والتأنيث فيُرفعُ بالضمة، وينصب ويُجر بالفتحةِ. ويمتنعُ حينئذٍ من التنوين. فتقولُ "هذهِ عَرَفاتُ، ورأَيتُ عرَفاتَ، ومررتُ بعرفاتَ". والثاني أَن يُرفعَ بالضمة، ويُنصبَ ويُجر بالكسرةِ، كجمعِ المؤنثِ السالم، غيرَ أنهُ يزالُ منه التنوينُ، فتقولُ "هذهِ اذرعاتُ، ودخلتُ اذرعاتِ، وعرَّجتُ على اذرعاتِ". ويُروى قول امرئ القيس [من الطويل] تَنَوَّرْتُها من أَذْرِعات، وأهلُها ... بيَثْرِبَ، أدْنى دارِها نَظَرٌ عالي بالأوجهُ الثلاثة كسرِ التاءِ منوَّنةٌ، وكسرِها بلا تنوين، وفتحها غيرَ منوَّنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 (مرفوعات الأسماء) (الفاعل) الفاعلُ هو المُسَندُ إليه بعد فعلٍ تام معلوم أو شِبْههِ، نحو "فاز المجتهدُ" و"السابقُ فَرسُهُ فائزٌ". (فالمجتهد اسند إلى الفعل التام المعلوم، وهو "فاز" والفرس اسند إلى شبه الفعل التام المعلوم، وهو "السابق" فكلاهما فاعل لما أسند إليه) . والمرادُ بشبه الفعلِ المعلومِ اسمُ الفاعل، والمصدرُ. واسمُ التفضيل، والصفةُ المُشبَّهة، ومبالغة اسم الفاعلِ، واسمُ الفعلِ. فهي كلُّها ترفعُ الفاعلَ كالفعل المعلوم. ومنهُ الاسم المستعار، نحو "أكرِمْ رجلا مِسكاً خُلُقُه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 (فخلقه فاعل لمسك مرفوع به، لأن الاسم المستعارة في تأويل شبه الفعل المعلوم والتقدير "صاحب رجلا كالمسك" وتأويل قولك "رأيت رجلا أسداً غلامه" "رأَيت رجلا جريئاً غلامه كالأسد") . وفي هذا الفصل خمسة مباحث (1) أحكام الفاعل للفاعل سبعةُ أحكامٍ (1) وجوبُ رفعه. وقد يُجَرُّ لفظاً بإضافته إلى المصدر، نحو "إكرام المرءِ أباهُ فرضٌ عليه"، أو إلى اسم المصدر، نحو "سَلمْ على الفقيرِ سلامَكَ على الغني"، وكحديثِ "من قُبلة الرجلِ امرأتَهُ الوُضوءُ". او بالباءِ، او من، او اللاّمِ الزَّائداتِ. نحو {ما جاءَنا من أحدٍ، وكفي بالله شهيداً، وهَيهات هيهاتَ لما توعَدون} . (2) وجوبُ وقوعهِ بعدَ المُسندِ، فإن تقدَّمَ ما هو فاعلٌ في المعنى كان الفاعلُ ضميراً مستتراً يعود إليه، نحو "عليٌّ قامَ". (والمقدم إما مبتدأ كما في المثال، والجملة بعده خبره، وإما مفعول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 لما قبله نحو "رأيت علياً يفعل الخير" وإما فاعل لفعل محذوف، نحو "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره، فأحد فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور. وأجازالكوفيون تقديم الفاعل على المسند إليه. فأجازوا أن يكون "زهير" في قولك "زهير قام" فاعلا لجاء مقدماً عليه. ومنع البصريون ذلك. وجعلوا المقدم المبتدأ خبره الجملة بعده. كما تقدم. وتظهر ثمرة الخلاف بين الفريقين في أنه يجوز أن يقال، على رأي الكوفيين "الرجال جاء" على أن الرجال فاعل لجاء مقدم عليه. وأما البصريون فلم يجيزوا هذا التعبير. بل أوجبوا أن يقال "الرجال جاءوا". على أن الرجال مبتدأ، خبره جملة جاءوا، من الفعل وفاعله الضمير البارز. والحق أن ما ذهب إليه البصريون هو الحق وقد تمسك الكوفيون بقول الزباء [من الرجز] ما للجمال مشيها وئيدا؟ ... أجندلا يحملن أم حديدا؟ فقالوا لا يجوز أن يكون "مشيها" مبتدأ، لأنه يكون بلا خبر، لأن "وئيداً" منصوب على الحال. فوجب أن يكون فاعلا لوئيداً مقدماً عليه. وقال البصريون أنه ضرورة. أو إنه مبتدأ محذوف الخبر، وقد سدت الحال مسده. أي ما للجمال مشيها يبدو وئيداً. على انه لا حاجة إلى ذلك. فهذا البيت على فرض صحة الاستشهاد به، شاذ يذوب في بحر غيره من كلام العرب. ونرى أن الاستشهاد به لا يجوز، لأن الزباء هذه مشكوك في كثير من أخبارها. ثم انها لم تنشأ في بيئة يصح الاستشهاد بكلام اهلها. فانها من أهل "باجرما" وهي قرية من اعمال البليخ، قرب الرقة، من أرض الجزيرة، جزيرة "اقور"، التي بين الفرات ودجلة، وهي مجاورة لديار الشام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 والعلماء لا يستشهدون بكلام الفصحاء المجاورين لجزيرة العرب. فكيف يصح الاستشهاد بكلام امرأة من اهل جزيرة "اقور"؟ وقد قالوا إنها كانت ملكة الجزيرة، وكانت تتكلم بالعربية. راجع ترجمتها في شرح الشواهد للعيني، في شرح الشواهد الفاعل. وفي مجمع الأمثال للميداني في شرح المثل "ببقةً صرم الرأي". وذكر في جمهرة الأمثال هذه أنها كانت على الشام والجزيرة من قبل الروم. وفي القاموس وشرحه للزبيدي أن الزباء اسم الملكة الرومية، تمد وتقصر، وهي ملكة الجزيرة، وتعد من ملوك الطوائف وهي بنت عمرو بن الظرب أحد أشراف العرب وحكمائهم، خدعه جذيمة الأبرش، وأخذ عليه ملكه وقتله، وقامت هي بأخذ ثأره في قصة مشهورة مشتملة على أمثال كثيرة. نقول وان تاريخ الزباء يشبه تاريخ زنوبيا، التي يذكرها الروم في اخبارهم ويرجح العلماء انها هي. ويراجع الكلام على "باجرما" مو "جزيرة اقور" في معجم البلدان) . (3) انه لا بُدَّ منه في الكلام. فإن ظهرَ في اللفظ فذاك. وإلاّ فهو ضمير راجعٌ إما لمذكور، نحو "المتجهدُ ينجحُ" أو لما دل عليه الفعلُ، كحديثِ "لا يزني الزاني حينَ يزني وهو مؤمنٌ. ولا يشربُ الخمرةَ حين يشربُها وهو مؤمن". او لما دلَّ عليه الكلامُ، كقولك في جواب هل جاءَ سليمٌ؟ "نَعَمْ جاءَ". أو لما دلَّ عليه المقامُ، نحو {كلاّ إذا بَلغت التراقيَ} ، وقول الشاعر [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 إذا ما أَعرْنا سَيِّداً من قَبيلةٍ ... ذُرا مِنْبرٍ صَلى عَلينا وسَلَّما إذا ما غَضِبْنا غَضْبةً مُضَرِيَّةً ... هَتكنا حِجابَ الشَّمْس، أو قَطَرَتْ دَما أو لما دَلَّت عليه الحالُ المُشاهَدةُ، نحو "إن كانَ غداً فائتني". وقول الشاعر [من الطويل] إذا كان لا يُرضيكَ حتى تَرُدَّني ... إلى قَطَريٍّ، لا إخالُكَ راضيا (4) أنه يكون في الكلام وفعلهُ محذوف لقرينة دالة عليه كأن يُجابَ به نفيٌ، نحو (بلى سعيدٌ) في جواب من قال (ما جاء أحدٌ) ، ومنه قولُ الشاعر [من الطويل] تَجلَّدْتُ، حتى قيلَ لم يَعْرُ قلبَهُ ... من الوجْدِ شيءٌ، قُلْتُ بلْ أعظمُ الْوَجْدِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 أواستفهامٌ، نقول (مَنْ سافرَ؟) فيقال "سعيدٌ"، وتقول (هل جاءك أحدٌ؟) ، فيقال (نعمْ خليلٌ) ، قال تعالى {لَئِن سألتَهم من خلقَهم؟ ليقولَنَّ الله} . وقد يكون الاستفهام مقدراً كقوله تعالى {يسبِّح له فيها بالغُدُوَّ والآصال، رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله} ، في قراءة من قرأ (يُسبَّح) مجهولاً، ومنه قول الشاعر [من الطويل] ليُبْكَ يَزيدُ، ضارعٌ لِخصُومَةٍ ... ومختَبِطٌ مما تُطيحُ الطَّوائحُ ومما جاء فيه حذفُ الفعل، مع بقاءِ فاعله، كل اسمٍ مرفوعٍ بعد أداةٍ خاصةٍ بالفعل، والحذفُ في ذلك واجبٌ، نحو {وإن أحد من المشركين استجارك، فأجِرهُ حتى يسمع كلامَ الله، ثم أبلغْه مأمنَه} ونحو {إذا السماءُ انشقَّت} ، ومنه المثلثُ (لوْ ذاتُ سِوارٍ لطمتني) ، وقول امرئ القيس [من الطويل] إذا المرءُ لم يخزُن عليْه لسانهُ ... فَلَيْسَ عل شَيءٍ سِواهُ بخزَّانِ وقول السموأل [من الطويل] إذا المرءُ لم يدْنَس من اللؤْمِ عرضُهُ ... فكلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 فكل من "أحد والسماءِ وذات والمرء" فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعده. (5) أنَّ الفعلَ يجبُ أن يبقى معه بصيغة الواحد، وإن كان مثنَّى أو مجموعاً، فكما تقولُ "اجتهد التلميذُ"، فكذلك تقول "اجتهدَ التلميذان، واجتهد التلاميذُ" إلا على لغةٍ ضعيفة لبعض العرب، فيطابق فيها الفعل الفاعِلَ. فيقال على هذه اللغة أكرماني صاحباك، وأكرموني أصحابك، ومنه قول الشاعر [من مجزوء الكامل] نُتِجَ الربيعُ مَحاسِناً ... أَلقَحنها غُرُّ السَّحائِبْ وقول الآخر [من الطويل] تَولّى قِتال المارقينَ بنفسِه ... وقد أَسلماهُ مُبْعِدٌ وحَميمٌ وما ورد من ذلك في فصيح الكلام، فيُعربُ الظاهرُ بدلاً من المُضمَرِ، وعليه قوله تعالى {وأسرُّوا النّجوى، الذين ظلموا} . أو يعرَب الظاهرُ مبتدأ، والجملة قبله خبرٌ مقدّمٌ. أو يُعرَبُ فاعلاً لفعل محذوف. فكأنه قيل - بعد قوله "وأسرُّوا النّجوى" - من أسرَّها؟ فيقال أسرَّها الذين ظلموا. وهو الحقُّ. وأما على تلك اللغة فيُعربُ الظاهر فاعلاً، وتكون الالفُ والواو والنون أحرفاً للدلالة على التثنية أو الجمع، فلا محلّ لها من الاعرابِ، فحكمها حُكمُ تاء التأنيث مع الفعل المؤنث. (6) أنَّ الاصلَ اتصالُ الفاعل بفعله، ثم يأتي بعده المفعول. وقد يُعكسُ الامر، فيتقدَّم المفعولُ، ويتأخرُ الفاعلُ، نحو "أكرمَ المجتهدَ أستاذُهُ". (وسيأتي الكلامُ على ذلك في باب المفعول به) . (7) أنه إذا كان مؤنثاً أُنِّث فعله بتاءٍ ساكنةٍ في آخر الماضي، وبتاء المضارعة في أول المضارع، نحو "جاءت فاطمةً، وتذهبُ خديجةُ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 وللفعل مع الفاعل، من حيث التذكيرُ والتأنيثُ ثلاثُ حالاتٍ وجوبُ التذكيرِ، ووجوبُ التأنيث، وجوازُ الأمرين. (2) متى يَجبُ تذكيرُ الفعلِ مَعَ الفاعل؟ يجبُ تذكيرُ الفعل مع الفاعل في موضعين (1) أن يكون الفاعلُ مذكراً، مفرداً أو مثنّى أو جمعَ مذكرٍ سالماً. سواءٌ أكان تذكيرُه معنًى ولفظاً، نحو "ينجحُ التلميذُ، أو المجتهدان، أو المجتهدون"، أو معنى لا لفظاً، نحو "جاء حمزةُ". وسواءٌ أكان ظاهراً، كما مُثِّلَ أم ضميراً، نحو "المجتهدُ ينجحُ، والمجتهدان ينجحان، والمجتهدون ينجحون، وإنما نجح هو، أو أنتَ، أو هما، أو أنتم". (فان كان جميع تكسير كرجال، أو مذكراً مجموعاً بالألف والتاء، كطلحات وحمزات، أو ملحقاً بجمع المذكر السالم كبنين. جاز في فعله الوجهان تذكيره وتأنيثه كما سيأتي. أما إن كان الفاعل جمع مذكر سالماً. فالصحيح وجوب تذكير الفعل معه. وأجاز الكوفيون تأنيثه، وهو ضعيف فقد أجازوا أن يقال "أفلح المجتهدون وأفلحت المجتهدون") . (2) أن يُفصلَ بينه وبين فاعله المؤنث الظاهر بإلا، نحو "ما قام إلا فاطمةُ". (وذلك لان الفاعل في الحقيقة إنما هو المستثنى منه المحذوف إذ التقدير "ما قام أحد إلا فاطمة". فلما حذق الفاعل تفرغ الفعل لما بعد (إلا) فرفع ما بعدها على أنه فاعل في اللفظ لا في المعنى. فان كان الفاعل ضميراً منفصلاً مفصولاً بينه وبين فعله بالا، جاز في الفعل الوجهان كما ستعلم) . وقد يؤنث مع الفصل بها، والفاعلُ اسمٌ ظاهرٌ، وهو قليلٌ وخصّهُ جُمهور النحاةِ بالشعر كقوله [من الرجز] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 ما بَرِئَتْ منْ ريبةٍ وذَمٍّ ... في حَربِنا إلا بناتُ العَمٍّ (3) متى يَجِبُ تأنيثٌ الفعْل مع الفاعل؟ يجب تأنيث الفعل مع الفاعل في ثلاثة مواضع (1) أن يكون الفاعلُ مؤنثاً حقيقياً ظاهراً متصلاً بفعله، مفرداً أو مثنى أو جَمعَ مؤنثٍ سالماً نحو "جاءت فاطمةُ، أو الفاطمتان، أو الفاطماتُ". (فإن كان الفاعل الظاهر مؤنثاً مجازياً، كشمس، أو جمع تكسير، كفواطم، أو ضميراً منفصلاً، نحو "إنما قام هي"، أو ملحقاً بجمع المؤنث السالم، كبنات أو مفصولاً بينه وبين فعله بفاعل، جاز فيه الوجهان كما سيذكر. أما جمع المؤنث السالم فالأصح تأنيثه. وأجاز الكوفيون وبعض البصريين تذكيره. فيقولون "جاءت الفاطمات. وجاء الفاطمات") . (2) أن يكونَ الفاعلُ ضميراً مستتراً يعودُ إلى مؤنثٍ حقيقي أو مجازىٍّ، نحو "خديجةُ ذهبت، والشمسُ تطلعُ". (3) أن يكون الفاعلُ ضميراً يعودُ إلى جمع مؤنثٍ سالمٍ، أو جمعٍ تكسير لمؤنثٍ أو لمذكرٍ غير عاقل، غير أنه يؤنث بالتاء أو بنون جمع المؤنث، نحو "الزِّينَباتُ جاءتْ، أو جئنَ، وتجيءُ أو يجئنَ" و (الفواطِمُ أقبلتْ أو أقبلنَ) و (الجمالُ تسيرُ أو يسرْنَ) . (4) متى يجوز الأمران تذكِيرُ الفِعْل وتأنيثهُ يجوز الأمران تذكير الفعل وتأنيثه في تسعة أُمور (1) أن يكون الفاعلُ مؤنثاً مجازياً ظاهراً (أي ليس بضميرٍ) ، نحو (طلعتِ الشمسُ، وطلعَ الشمسُ) . والتأنيثُ أفصحُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 (2) أن يكون الفاعل مؤنثاً حقيقياً مفصولاً بينه وبين فعله بفاصلٍ غير "إلا" نحو "حضَرتْ، أَو حضَرَ المجلسَ امرأةٌ"، وقول الشاعر [من البسيط] إن امرءًا غَرَّهُ مِنْكُنَّ واحدةٌ ... بعدي وبَعْدكِ في الدُّنيا لمغْرُورُ والتأنيثُ أفصحُ. (3) أن يكون ضميراً منفصلاً لمؤنثٍ، نحو "إنما قامَ، أو إنما قامت هي"، ونحو "ما قامَ، أو ما قامت إلا هي". والاحسنُ تركُ التأنيثِ. (4) أن يكون الفاعل مؤنثاً ظاهراً، والفعلُ "نِعم" أو "بِئسَ" أو "ساءَ" التي للذَّمِّ، نحو "نِعمَتْ، أو نِعمَ، وبئسَتْ، أو بِئسَ، وساءت، أو ساء المرأةُ دَعدٌ". والتأنيثُ أجود. (5) أن يكونَ الفاعل مذكراً مجموعاً بالألف والتاء، نحو "جاء، أو جاءت الطلحاتُ". والتذكير أحسنُ. (6) أن يكون الفاعلُ جمعَ تكسير لمؤنث أو لمذكر، نحو "جاء، أو جاءت الفواطمُ، او الرجالُ". والأفضلُ التذكيرُ مع المذكر، والتأنيث مع المؤنث. (7) أن يكون الفاعل ضميراً يعودُ الى جمع تكسيرٍ لمذكر عاقل، نحو (الرجال جاءوا، أو جاءت) . والتذكير بضمير الجمع العاقل أفصحُ. (8) أن يكون الفاعلُ ملحقاً بجمع المذكر السالم، وبجمع المؤنث السالم. فالأول، نحو (جاء أو جاءت البنونَ) .ومن التأنيث قوله تعالى: {آمَنتُ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 به بنو إسرائيل} [يونس: 90] . والثاني نحو (قامت، أو قام البناتُ) . ومن تذكيره قول الشاعر (وهو عبدةُ بنُ الطبيب) [من الكامل] فبكى بناتي شجْوَهُنَّ وزَوجَتي ... والظّاعنُون إليَّ، ثم تَصَدَّعوا ويُرجَّحُ التذكيرُ مع المذكر والتأنيث مع المؤنث. (9) أن يكون الفاعلُ اسم جَمعٍ، أو اسمَ جنسٍ جمعياً. فالاول نحو (جاء، أو جاءت النساء، أو القومُ، أو الرهط، أو الإبل. والثاني نحو "قال، أو قالت العربُ، أو الروم، أو الفرس، أو التركُ"، ونحو (أوراق أو أروقتِ الشجر) . (وهناك حالة يجوز فيها تذكير الفعل وتأنيثه. وذلك إذا كان الفاعل المذكر مضافاً إلى مؤنث. على شرط أن يغني الثاني عن الاول لو حذف تقول "مرَّ، أو مرَّت علينا كرورُ الايام" و"جاء، أو جاءت كلُّ الكاتبات"، بتذكير الفعل وتأنيثه، لانه يصح إسقاط المضاف المذكر وإقامة المضاف إليه المؤنث مقامه، فيقال "مرَّت الايام" و"جاءت الكاتبات". وعليه قول الشاعر "كما شرقت صدرُ القناة من الدَّم" غيرَ أن تذكيرَ الفعل هو الفصيح والكثير، وإن تأنيثه في ذلك ضعيف. وكثير من الكتّاب اليوم يقعون في مثل هذا الاستعمال الضعيف. أما إذا كان لا يصحُّ إسقاط المضاف المذكور وإقامة المضاف إليه المؤنث مقامه، بحيث يختلُّ أصل المعنى فيجب التذكير، نحو (جاء غلامُ سعادَ) فلا يصحُّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 أبداً أن يقال "جاءت غلامُ سعاد" لانه لا يصحُّ إسقاطُ المضاف هنا كما صحَّ هناك، فلا يقال "جاءت سعاد". وأنت تعني غلامها. (5) أَقسام الفاعل الفاعلُ ثلاثةُ أنواع صريحٌ وضميرٌ ومؤوَّلٌ. فالصريح. مثلُ "فاز الحقُّ". والضميرُ، إما متصلٌ كالتاء من (قمتَ) والواو من (قاموا) والألف من (قاما) والياء من (تقومينَ) ، وإِما منفصلٌ كأنا ونحن من قولك (ما قام إلا أنا، وإنما قام نحنُ) وإما مستترٌ نحو (أقومُ، وتقومُ، ونقومُ، وسعيدٌ يقوم، وسعادُ تقوم) . والمستترُ على ضربين مستتر جوازاً. ويكون في الماضي والمضارع المسنَدَينِ الى الواحد الغائب والواحدة الغائبة، ومستتر وجوباً. ويكون في المضارع والأمر المسنَدَينِ الى الواحد المخاطب، وفي المضارع المسنَد الى المتكلم، مفرداً او جمعاً. وفي اسم الفعل المسنَد الى متكلم كأفٍّ أو مخاطب "كصهْ" وفي فعل التعجب، الذي على وزن (ما أفعلَ) نحو ما أحسنَ العلمَ. وفي أفعال الاستثناء كخلا وعدا وحاشا، ونحو "جاء القومُ ما خلا سعيداً". (والضمير المستتر في أفعال الاستثناء يعود الى البعض المفهوم من الكلام. فتقدير قولك جاء القوم ما خلا سعيداً "جاءوا ما خلا البعض سعيداً". و"ما" إما مصدريةٍ ظرفيةٍ، وما بعدها في تأويل مصدر مضاف الى الوقت المفهوم منها. والتقدير "جاؤوا زمن خلوهم من سعيد" والتقدير "جاؤوا خالين من سعيد". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 والفاعلُ المؤوَّلُ هو أن يأتيَ الفعلُ، ويكونَ فاعلُهُ مصدراً مفهوماً من الفعل بعدَهُ، نحو "يَحسُنُ أن تجتهد". (فالفاعل هنا هو المصدر المفهوم من تجتهد. ولما كان الفعل الذي بعد "أن" في تأويل المصدر الذي هو الفاعل، سمي الفعل مؤولاً) . ويتأوَّلُ الفعلُ بالمصدر بعدَ خمسةِ أحرف، وهي "أنَ وإنَّ وكي وما ولو المصدريتينِ". فالاوَّل مثل "يُعجبني أن تجتهدَ"، والتقديرُ "يُعجبني اجتهادك". والثاني مثل "بلغني أنك فاضلٌ"، والتقديرُ "بلغني فضلُك". والثالث مثل "أعجبني ما تجتهدُ"، والتقديرُ "أعجبني اجتهادك". والرابع مثل "جئت لكي أتعلّمَ" والتقديرُ "جئتُ للتعلُّم". و"كي" للا يتأوَّلُ الفعل بعدها إلا بمصدرٍ مجرورٍ باللام. والخامس مثل "وَدِدتُ لو تجتهد"، والتقدير "وَدِدتُ اجتهادَك". "ولو" لا يتأولُ الفعلُ بعدَها إلا بالمفعول، كما رأيت. والثلاثةُ الأولُ يتأوَّلُ الفعلُ بعدها بالمرفوع والمنصوب والمجرور. والجملة المؤلفة من الفاعل ومرفوعه تُدعى جملةً فعليّة. فائدتان (1) إن وقع بعد (لو) كلمة "أن" فهناك فعل محذوف بينهما تقديره "ثبت". فان قلت "لو أنك اجتهدت لكان خيراً لك" فالتقدير "لو ثبت اجتهادك". فيكون المصدر المؤول فاعلاً لفعل محذوف، تقديره "ثبت". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 (2) الهمزة الواقعة بعد كلمة "سواء" تسمى همزة التسوية، وما بعدها مؤول بمصدر مرفوع على أنه مبتدأ مؤخر، و"سواء" قبله خبره مقدماً عليه. فتقدير قوله تعالى {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} "إنذارك وعدم إنذارك سواء عليهم" أي الأمران سيان عندهم. فهمزة التسوية معدودة في الاحراف المصدرية، التي يتأول الفعل بعدها بمصدر. فتكون الاحرف المصدرية، على هذا ستة أحرف. (نائب الفاعل) نائبُ الفاعل هو المُسند إليه بعدَ الفعل المجهول أو شِبْههِ، نحو "يُكرمُ المجتهدُ، والمحمودُ خُلقُهُ ممدوحٌ". (فالمجتهد اسند الى الفعل المجهول، وهو "يكرم". وخلقه اسند الى شبه الفعل المجهول وهو "المحمود" فكلاهما نائب فاعل لما اسند اليه) . والمرادُ بشبه الفعلِ المجهولِ اسم المفعولِ، والاسمُ المنسوب إليه، فاسمُ المفعولِ كما مثّلَ. والاسم المنسوبُ إليه، نحو "صاحِبْ رجلاً نبَوياً خلقُه". "فخلقه" نائب فاعل لنبوي مرفوع به، لأن الاسم المنسوب في تأويل اسم المفعول. والتقدير "صاحب رجلاً منسوباً خلقه الى الأنبياء". ونائبُ الفاعل قائمٌ مقامَ الفاعل بعد حذفه ونائِبٌ منابَهُ. وذلك أن الفاعل قد يحذف من الكلام، لغرض من الأغراض، فينوب عنه بعد حذفه غيره. وفي هذا الفصل ثلاثة مباحث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 (1) أسبابُ حذفِ الفاعل يحذف الفاعل، إما للعلم به، فلا حاجةَ إلى ذكره، لأنه معروفٌ نحو {وخُلِقَ الإنسان ضعيفاً} . وإما للجهل به، فلا يمكنْك تعيينُه، نحو "سُرِقَ البيتُ"، إذا لم تعرفِ السارق. وإما للرغبة في إخفائه للابهام، نحو رُكبَ الحصانُ، إذا عرفت الراكب غير أنك لم تُرد إظهاره. وإما للخوف عليه نحو "ضُرب فلانٌ" إذا عرفتَ الضاربَ غير أنك خفت عليه، فلم تذكره. وإما للخوف منه، نحو "سُرق الحصان" إذا عرفتَ السارق فلم تذكره، خوفاً منه، لأنه شري مثلاً. وإما لشرفه، نحو "عُمل عَملأٌ منكرٌ"، إذا عرفتَ العامل فلم تذكرهُ، حفظاً لشرفه. وإما لانه لا يتعلقُ بذكره فائدةٌ، نحو "وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو رُدُّوها"، فذكر الذي يُحيَى لا فائدةَ منه، وإنما الغرضُ وجوبُ ردِّ التحية لكل من يُحيِّي. (2) الاشياءُ التي تنوبُ عن الفاعل ينوب عن الفاعلِ بعد حذفه أحد أربعةِ أشياء (1) المفعول به، نحو "يكرَمُ المجتهدُ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 وإذا وُجد في الكلام، فلا ينوب عن الفاعل غيرُه مع وجوده لأنه أولى من غيره بالنيابة، لكون الفعل أشدَّ طلباً له من سواهُ، فيرتفعُ هو على النائبيّة، وينتصب غيرُه، نحو "أُكرمَ زهيرٌ يوم الجمعةِ أمام التلاميذِ بجائزةٍ سنية إكراماً عظيماً". وقد ينوبُ المجرور بحرف الجر، مع وجود المفعولِ به الصريحِ، وذلك قليل نادرٌ، كقول الشاعر [من الرجز] لم يُغْنَ بالعلياء إلا سَيِّداً ... ولا شفى ذا الغَيِّ إلا ذو هُدَى وقول الآخر [من الرجز] وإنما يرضي المنِيبُ رَبَّهُ ... ما دام مَعْنياً بِذِكْرِ قلبَهُ وقراءةِ من قرأ {ليُجزى قوماً بما كسَبوا} . وإذا كان للفعل مفعولان أو ثلاثةٌ، أُقيمَ المفعولُ الأولُ مقامَ الفاعل، فيرتفع على النائبيةِ، وينتصبُ غيرُه، نحو "أُعطيَ الفقيرُ دِرهماً، وظُن زهيرُ مجتهداً، ودُريتَ وفيّاً بالعهد، وأُعلمتَ الامرَ واقعاً". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وقد تجوز نيابةُ المفعولِ الثاني في باب أعطى، إن لم يقع لَبْسٌ، نحو "كُسيَ الفقيرَ ثوبٌ، وأُعطيَ المسكينُ دينارٌ". (فان لم يؤمن الالتباس، لم يجوز إلا إنابة الأول، نحو "اعطي سعيد سعداً". ولا يقال أعطي سعيداً سعد". اذا أردت ان الآخذ سعد والمأخوذ سعيد فان أردت ذلك قدمته فقلت "أعطي سعد سعيداً"، ليتبين الآخذ من المأخوذ، لأن كلاً منهما صالح لذلك. فلا يتعين الآخذ إلا بتقديمه وإنابته عن الفاعل) . (2) المجرورُ بحرف الجرّ، نحو نُظِرَ في الامر، ومنه قوله تعالى "ولما سُقِطَ في أيديهم". على شرط أن لا يكون حرف الجرّ للتعليل، فلا يقالث "وُقِفَ لكَ، ولا من أجلِكَ". إلاّإذا جعلتَ نائبَ الفاعل ضميرَ الوقوفِ المفهوم من "وُقِفَ" فيكونُ التقدير "وُقِفَ الوقوفُ، الذي تعهد، لكَ أو من أجلك". (وإذا ناب المجرور بحرف الجر عن الفاعل، يقال في إعرابه انه مجرور لفظاً بحرف الجر مرفوع محلاً على أنه نائب فاعل. غير أنه ان كان مؤنثاً لا يؤنث فعله، بل يجب أن يبقى مذكراً. تقول "ذُهب بفاطمة"، ولا يقال "ذهبت بفاطمة". (3) الظّرفُ المتصرِّفُ المختصُّ، نحو "مُشيَ يومٌ كاملٌ، وصيمَ رمضانُ". (والمتصرف من الظروف، ما يصح وقوعه مسنداً اليه، كيوم وليلة وشهور ودهر وأمام ووراء ومجلس وجهة ونحو ذلك. وغير المتصرف منها، ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 لا يقع مسنداً اليه، فلا يكون إلا ظرفاً، كحيث وعوض وقط والآن ومع واذا، او ظرفاً ومجروراً بمن. كعند ولدى ولدن وقبل وبعد وثم (بفتح الثاء) أو بالى، كمتى، أو بمن والى. كأين. وما كان كذلك لا ينوب عن الفاعل، لانه لا يسند اليه. اذ لا يجوز فيه الرفع، كما يصح أن تسند الى يوم وشهر ورمضان، فتقول "جاء يوم الجمعة، ومضى على الامر شهر، ورمضان شهر مبارك". والظرف المتصرف لا ينوب عن الفاعل إلا اذا كان مع تصرفه مختصاً. والمراد باختصاصه ان يكون مفيداً غير مبهم، وهو يختص بالوصف، نحو "جلس مجلس مفيد" أو بالاضافة نحو "سهرت ليلة القدر"، أو بالعلمية، نحو "صيم رمضان". فلا تنوب عن الفاعل مثل "زمان ووقت ومكان" ونحوها من الظروف المبهمة غير المختصة. فلا يقال "وقف زمان" ولا "انتظر وقت" ولا "جلس مكان". فان اختصت بقيد يقيدها، جازت نيابتها، نحو "وقف زمان طويل، وانتظر وقت قصير، وجلس مكان رحب") . (4) المصدرُ المتصرفُ المختصُّ، نحو "احتُفلَ احتفالٌ عظيمٌ". (والمتصرف من المصادر ما يقع مسنداً اليه كاكرام واحتفال وإعطاء وفتح ونصر ونحوها. وغير المتصرف منها ما لا يصح أن يقع مسنداً اليه. لأنه لا يكون إلا منصوباً على المصدرية. أي على المفعولية المطلقة، نحو "معاذ الله وسبحان الله". فلا ينوب مثل هذا عن الفاعل، لأنه لا يجوز الرفع فيسند اليه، كما يصح الإسناد الى اكرام وفتح ونصر، نحو "اكرام الضيف سنة العرب"، ونحو "اذا جاء نصر الله والفتح". والمصدر المتصرف لا ينوب عن الفاعل إلا اذا كان مع تصرفه مختصاً. والمراد باختصاصه أن يكون مقيداً غير مبهم، ويختص بالوصف، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 نحو "وقف وقوف طويل" أو بيان العدد، نحو (نظر في الأمر نظرتان، أو نظرات) . أو ببيان النوع، نحو "سير سير الصالحين".) . وقد ينوبُ عن الفاعل ضميرُ المصدر المتصرّفِ المختص، كأن تقول "هل كتبت كتابةٌ حسنةٌ؟ " فتقول "كُتِبتْ". فنائبُ الفاعل ضمير مستترٌ يعود إلى الكتابة. وقد يعودُ الضمير على مَصدَرِ الفعل، وإن لم يذكر، لكونه مفهوماً معهوداً للسامع، كقوله تعالى {وحيلَ بينهم وبين ما يشتهون} أي حيل الحؤول المعهود ذهناً. فنائبُ الفاعلِ ضميرُ المصدرِ المفهوم من الكلام. ومنه قول الفرزدق [من البسيط] يُغْضِي حَياءً، ويُغْطَى من مهابته ... فما يُكَلَّمُ إلا حينَ يبْتَسِمُ أي يُغْضَى الإغضاءُ الذي تَعهدُ، وهو إغضاءُ الإجلال، مهابة له. فنائبُ الفاعل ضميرُ الإغضاءِ المفهوم من "يُغضى". (ولا يجوز أن يكون (من مهابته) في موضع الرفع على النائبية، لان حرف الجرهنا التعليل. فالمجرور في موضع النصب على أنه مفعول لأجله. وإذا كان الجر التعليل، ينوب المجرور به عن الفاعل، كما عملت، لأنه يكون، والحالة هذه، من جملة أخرى، لأن المفعول لأجله مبني على سؤال مقدر. فاذا قلت (وقف الناس) فكأن سائلاً سأل لماذا وقف الناس؟ فقلت اجلالاً العلماء، أي وقفوا جلالاً لهم .... فاجلال مبني على فعل مفهوم من الفعل المذكور، فكذلك هنا، في بيت الفرزدق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 إذ التقدير يغضى اغضاء الإجلال. اي يغضي الناس اغضاء اجلال ... وانما يغضون ذلك الاغضاء من أجل مهابته، أي مهابة له واجلالاً لمقامه) . وإذا فُقدَ المفعولُ به من الكلام جازت نيابة كل واحدٍ من المجرورِ والمصدرِ والظرفِ المختصَّينِ على السواء. فمن نيابة المصدر المختص قوله تعالى {فإذا نُفخَ في الصُّورِ نفخةٌ واحدةٌ" ومن نيابة المجرور أن تقول يُشادُ بذكرِ العاملينَ إشادةً عظيمة" ومن نيابة الظرف قولكَ "يُصلّى يومُ الجمعةِ صلاتها". فائدة متى حذف الفاعل، وناب عن نائبه، فلا يجوز أن يذكر في الكلام ما يدل عليه، فلا يقال (عوقب الكسول من المعلم، أو الكسول معاقب من المعلم) بل يقال (عوقب الكسول) أو (الكسول معاقب) وذلك لأن الفاعل انما يحذف لغرض، فذكر ما يدل عليه مناف لذلك. فان أردت الدلالة على الفاعل أتيت بالفعل معلوماً، (فقلت عاقب المعلم الكسول) ، أو باسم الفاعل، فقلت (المعلم معاقب الكسول) إلا أن تقول (عوقب الكسول المعلم) ، فيكون المعلم فاعلاً لفعل محذوف تقديره (عاقب) فكأنه لما قيل (عوقب الكسول) سأل سائل من عاقبه؟ فقلت (المعلم) ، أي عاقبه المعلم. ويكون ذلك على حد قوله تعاىل {يسبح له فيها بالغدو والآصال. رجال} . في قراءة من قرأ (يسبح) مجهولاً، فيكون (رجال) فاعلاً لفعل محذوف. والتقدير (يسبحه رجال) كما تقدم في باب الفاعل) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 (3) أحكامُ نائب الفاعلِ وأَقسامُهُ كلُّ ما تقدَّمَ من أحكام الفاعلِ يَجبُ أن يُراعى مع نائِبهِ، لانه قائمٌ مقامَهُ، فلهُ حُكمُه. فيجبُ رفعهُ، وأن يكون بعد المُسنَدِ، وأن يُذكرَ في الكلام. فان لم يُذكر فهو ضميرلإ مستترٌ، وأن يُؤنثَ فعلهُ إن كان هو مؤنثاً، وأن يكونَ فعلُه موحِّداً، وإن كان هو مثنّى أو مجموعاً، ويجوز حذفُ فعلِه لقرينةٍ دالةٍ عليه. (فعلى الطالب مراجعة هذه الاحكام كلها في مبحث الفاعل، وان يأتي بأمثلة لنائب الفاعل على شاكلة أمثلة الفاعل) . ونائبُ الفاعلِ، كالفاعل، ثلاثةُ اقسامٍ صريحٌ وضميرٌ ومؤوَّلٌ. فالصريحُ نحو "يُحَبُّ المجتهدُ". والضميرُ، إما مُتّصِلٌ، كالتاءِ من "أُكرِمتَ" وإما مُنفصلٌ نحو "ما يُكرَمُ إلاّ أنا". وإما مستترٌ، نحو "أكرَمُ، ونُكْرَمُ، وتُكْرَمُ، وزُهيرٌ يُكرَمُ، وفاطمةُ تُكرَمُ". والمؤوَّلُ نحو يُحمَدُ أن تَجتهدوا"، والتأويلُ "يُحمَدُ اجتهادكم". (راجع ما فصلناه من الكلام على أقسام الفاعل وأحكامه) . (المبتدأ والخبر) المبتدأ والخبرُ اسمانِ تتألفُ منهما جملةٌ مفيدةٌ، نحو "الحق منصورٌ" و"الاستقلالُُ ضامنٌ سعادةَ الأمةِ". ويَتميّزُ المبتدأ عن الخبر بأنَّ المبتدأ مُخبَرٌ عنه، والخبرَ مُخبَرٌ به. والمبتدأ هو المسنَدُ اليه، الذي لم يسبقهُ عاملٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 والخبرُ ما أُسنِدَ الى المبتدأ، وهو الذي تتمُّ به مع المبتدأ فائدة. والجملةُ المؤلفةُ من المبتدأ والخبر تُدعى جملةً اسميَّة. ويتعلَّقُ بالمبتدأ والخبر ثمانية مباحث (1) حكم المبتدأ للمبتدأ خمسةُ أحكامٍ الأول وجوبُ رفعهِ. وقد يجرُّ بالباءِ أو من الزائدتين، أو بربِّ، التي هي حرفُ جر شبيهٌ بالزائد. فالأول نحو "بِحَسبِك الله". والثاني نحو {هل من خالقٍ غيرُ الله يَرزقكم؟!} . والثالث نحو "يا رُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يومَ القيامة". الثاني وجوب كونه معرفةً نحو "محمدٌ رسولُ اللهِ" أو نكرةً مُفيدةً، نحو "مجلسُ علمٍ يُنتفعُ بهِ خيرٌ من عبادة سبعينَ سنة". وتكون النكرة مفيدة بأحدِ أربعةَ عشر شرطاً (1) بالإضافة لفظاً نحو خمسُ صَلواتٍ كتَبهنَّ اللهُ"، أو معنًى، نحو "كلٌّ يموتُ"، ونحو {قُلْ كلٌّ يعمل على شاكلته} ، أي كل أحدٍ. (2) بالوصف لفظاً، نحو {لَعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مُشرك} ، أو تقديراً نحو "شَرَّ أهرَّ ذا ناب"، ونحو "أمرٌ أتى بك"، أي شر عظيمٌ وأمرٌ عظيمٌ أو معنًى بأن تكونَ مُصفَّرةً، نحو رُجَيْلٌ عندنا" أي رجلٌ حقيرٌ، لأن التصغيرَ فيه معنى الوصف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 (3) بأن يكونَ خبرُها ظرفاً أو جارّاً ومجروراً مُقدَّماً عليها، نحو {وفوقَ كل ذي علمٍ عليمٌ، ولكل أجلٍ كتاب". (4) بأن تقعَ بعد نفيٍ أو استفهام. أو "لولا"، أو "إذا" الفُجائيّةِ. فالأول نحو "ما أحدٌ عندنا"، والثاني نحو أإلهٌ مع الله؟ "، والثالث كقول الشاعر [من البسيط] لوْلا اصْطِبارٌ لأّوْدَى كُلُّ ذي مِقَةٍ ... لَمَّا استقَلَّتْ مَطاياهُنَّ لِلظَّعْنِ والرابعُ نحو "خرجتُ فاذا أسدٌ رابضٌ". (5) بأن تكونَ عاملةً، نحو "إعطاءٌ قِرشاً في سبيل العلم ينهض بالأمة". ونحو "أمرٌ بمعروفٍ صدقةٌ، ونهيٌ عن مُنكر صَدَقةٌ". (فاعطاه عمل النصب في "قرشاً" على أنه مفعول به. وأمر ونهي يتعلق بهما حرف الجر والمجرور مفعول لها غير صريح) . (6) بأن تكونَ مُبهَمةً، كأسماء الشرط والاستفهام و"ما" التعجبيَّة وكم الخبريَّة. فالاول نحو "من يجتهدْ يُفلِحْ"، والثاني نحو "من مجتهد؟ وكم علماً في صدرك؟ "، والثالث نحو "ما أحسنَ العلمَ! "، والرابعُ نحو "كم مأثرةٍ لك! ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 (7) بأن تكون مفيدةً للدُّعاءِ بخيرٍ مأو شرٍّ، فالاولُ نحو "سلامٌ عليكم". والثاني نحو {وَيْلٌ لِلمطفّفين} . (8) بأن تكون خَلقاً عن موصوف، نحو "عالمٌ خيرٌ من جاهل"، أي رجلٌ عالمٌ. ومنه المثلُ "ضعيفٌ عاذَ بقَرمَلة". (9) بأن تقع صدرَ جملةٍ مُرتبطةٍ بالواو أو بدونها فالاول كقول الشاعر [من الطويل] سَرَيْنا ونَجْمٌ قَدْ أَضاءَ، فَمُذْ بَدا ... مُحيَّاكَ أَخفَى ضَوْؤُهُ كُلَّ شارِقِ والثاني كقول الشاعر [من البسيط] الذِّئبُ يَطرُقُها في الدَّهرِ واحدةً ... وكُلَّ يَوم تَراني مُدْيَةٌ بِيدي (10) بأن يرادَ بها التنويعُ، أي التفصيلُ والتقسيمُ كقول امرئ القيس [من المتقارب] فأَقبَلْتُ زَحْفاً على الرُّكْبَتَيْنِ ... فَثَوْبٌ لَبِسْتُ، وثَوْبٌ أَجُرّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 وقول الآخر [من المتقارب] فيومٌ عَلَيْنا، ويومٌ لَنا ... ويَوْمٌ نُساءُ، ويَوْمٌ نُسَرُّ (11) بأن تُعطف على معرفة، أو يُعطفَ عليها معرفة. فالأولُ نحو "خالدٌ ورجلٌ يتعلمان النحو"، والثاني نحو "رجلٌ وخالدٌ يتعلمانِ البيانَ". (12) بأن تُعطَفَ على نكرة موصوفة، أو يُعطَف عليها نكرةٌ موصوفة فالاول نحو "قولٌ معروفٌ ومغفرة خيرٌ من صدقة يَتبعُها أذىً، والثاني نحو "طاعةٌ وقولٌ معروف". (13) بأن يرَاد بها حقيقةُ الجنسِ لا فردٌ واحدٌ منه، نحو "ثمرةٌ خيرٌ من جَرادة" و"رجلٌ أقوى من امرأة". (14) بأن تَقع جواباً، نحو "رجلٌ" في جواب من قال "مَنْ عندك؟ ". فائدة (ولم يشترط سيبويه والمتقدمون من النحاة لجواز الابتداء بالنكرة إلا حصول الفائدة. فكل نكرة أفادت إن ابتدئ بها صح أن تقع مبتدأ. ولهذا لم يجز الابتداء بالنكرةالموصوفة او التي خبرها ظرف او جار ومجرور مقدماً عليها إن لم تفد. فلا يقال "رجل من الناس عندنا. ولا عند رجل مال" ولا "الإنسان ثوب"، لعدم الفائدة، لان الوصف في الأول وتقدم الخبر في الثاني لم يفيدا التخصيص، لانهما لم يقللا من شيوع النكرة وعمومها) . الثالث جواز حذفه إن دلَّ عليه دليلٌ، تقول "كيف سعيدٌ؟ "، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 فيقال في الجواب "مجتهدٌ" أي هو مجتهدٌ، ومنه قوله تعالى {من عَملَ صالحاً فلِنفسه، ومن أساءَ فعلَيها} وقوله {سُورةٌ أنزلناها} . (والتقدير في الآية الأولى "فعمله لنفسه، وإساءته عليها"، فيكون المبتدأ، وهو العمل والإساءة، محذوفاً. والجار متعلق بخبره المحذوف. والتقدير في الآية الثانية "هذه سورة") . الرابعُ وجوبُ حذفهِ وذلك في أربعةِ مواضعَ (1) إن دلَّ عليه جوابُ القسم، نحو "في ذِمَّتي لأفعلنَّ كذا"، أي في ذِمَّتي عَهدٌ أو ميثاقٌ. (2) إن كان خبرُه مصدراً نائباً عن فعلهِ نحو "صبرٌ جميلٌ" و"سمعٌ وطاعةٌ"، أي صَبري صبرٌ جميلٌ، وأمري سمعٌ وطاعةٌ. (3) إن كان الخبرُ مخصوصاً بالمدح أو الذمِّ بعد "نِعْمَ وبِئسَ". مؤخراً عنهما، نحو نشعمَ الرجلُ أبو طالبٍ، وبِئسَ الرجلُ أبو لَهبٍ، فأبو، في المثالينِ، خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ تقديرُهُ "هوَ". (4) إن كان في الاصل نَعتاً قُطعَ عن النَّعتيّة في مَعرِض مدحٍ أو ذم أو ترحُّمٍ، نحو "خُذُ بيدِ زهيرٍ الكريمُ" و"دَعْ مجالسةَ فلانٍ اللئيمُ" و"احسِنْ الى فلانٍ المسكينُ". (فالمبتدأ محذوف في هذه الأمثلة وجوباً. والتقدير هو الكريم، وهو اللئيم، وهو المسكين ويجوز أن تقطعه عن الوصفية النصب على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره في الول أمدح، وفي الثاني أذم، وفي الثالث أرحم) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 الخامس إن الاصلَ فيه أن يتقدَّمَ على الخبر وقد يجبُ تقديمُ الخبرِ عليه. وقد يجوز الأمران. (وسيأتي الكلامُ على ذلك) . (2) أَقسامُ المبتدأ المبتدأ ثلاثةُ أقسامٍ صريحٌ، نحو "الكريمُ محبوبٌ"، وضميرٌ منفصلٌ، نحو "أنتَ مجتهد"، ومؤوّلٌ، نحو "وأن تَصوموا خيرٌ لكمْ"، ونحو {سَواءٌ عليهم أأنذَرتهُمْ أم لم تُنذِرهمْ} ، ومنهُ المثَلُ "تَسمعُ بالمُعَيديّ خيرٌ من أن تراه". (3) أَحكامُ خبر المبتدأ لخبرِ المبتدأ سبعةُ أحكام الأول وجوبُ رفعهِ. الثاني أنَّ الاصل فيه أن يكون نكرة مشتقةً. وقد يكون جامداً. نحو "هذا حجرٌ". الثالث وجوبُ مطابقته للمبتدأ إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً. الرابع جواز حذفهِ إن دلَّ عليه دليلٌ، نحو "خرجتُ فاذا الأسدُ"، أي فاذا الأسدُ حاضرٌ، وتقول "مَن مجتهدٌ؟ " فيقالُ في الجواب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 "زُهيرٌ" أي "زهيرٌ مجتهدٌ"، ومنه قوله تعالى {أُكلُها دائمٌ وظِلُّها} أي وظلُّها كذلك. الخامس وجوبُ حذفهِ في أربعةِ مواضعَ (1) أن يدلَّ على صفةٍ مُطلقةٍ، أي دالةٍ على وجودٍ عامّ. وذلك في مسألتين، الاولى أن يتعلَّق بها ظرفٌ أو جارٌّ ومجرور، نحو "الجنة تحتَ أقدامِ الأمَّهاتِ" و"العلمُ في الصّدورِ". والثانية أن تقعَ بعد لولا أو لوما، نحو "لولا الدِّينُ لهَلَكَ النَّاسُ"، و"لوما الكتابةُ لضاعَ أكثرُ العلمِ". (فان كان صفة مفيدة (أي دالة على وجود خاص كالمشي والقعود والركوب والأكل والشرب ونحوها) وجب ذكره إن لم يدل عليه دليل، نحو "لولا العدو سالمنا ما سلم" ونحو "خالد يكتب في داره، والعصفور مفرد فوق الغصن". ومنه حديث "لولا قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد ابراهيم". فان دل عليه دليل جاز حذفه وذكره، نحو "لولا أنصاره لهلك". أو "لولا أنصاره حموه لهلك"، ونحو "علي على فرسه" أو "علي راكب على فرسه". (2) أن يكونَ خبراً لمبتدأ صريحٍ في القَسم، نحو "لَعمرُك لأفعَلَنَّ"، ونحو "أيُمنُ الله لاجتهدَنَّ"، قال الشاعر [من المتقارب] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 لعَمْرُكَ ما الإِنسانُ إِلاَّ ابنُ يَوْمِه ... على ما تَجلّى يَوْمُهُ لا بانُ أَمسه وما الفَخْرُ بالعَظمِ الرَّميم، وإِنَّما ... فَخارُ الذي يَبغِي الفَخارَ بِنَفْسهِ (فان كان المبتدأ غير صريح في القسم (بمعنى أنه يستعمل للقسم وغيره) جاز حذف خبره وإثباته. تقول "عهد الله لأقولن الحق، وعهد الله علي لأقولن الحق") . (3) أن يكونَ المتبدأُ مصدراً، أو اسم تَفضيلٍ مضافاً الى مصدرٍ، وبعدهما حالٌ لا تصلُحُ أن تكون خبراً، وإنما تَصلُحُ أن تَسدَّ مَسَدَّ الخبرِ في الدلالةِ عليه. فالاوُ نحو "تأديبي الغلامَ مُسيئاً". والثاني نحو "أفضلُ صَلاتِكَ خالياً مما يَشْغَلُكَ". ولا فرقَ بين أن يكونَ اسمُ التفضيل مضافاً الى مصدرٍ صريحٍ، كما مُثّلَ، أَو مُؤوَّلٍ، نحو "أحسنُ ما تعملُ الخيرَ مُستتراً" وكذا لا فرقَ بين أن تكونَ الحالُ مُفردةً، كما ذُكر، أو جملةً كحديث "أقرب ما يكون العبدُ من ربّه وهو ساجدٌ". وقولِ الشاعر وقد اجتمعت فيه الحالان (المفردة والمركبة) . [من البسيط] خيرُ اقتِرابي من الموْلى حليفَ رِضاً ... وشَرُّ بُعْدِيَ عنْهُ وهو غَضبانُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 (فالحال في الأمثلة المتقدمة دالة على الخبر المحذوف (وهو حاصل) سادة مسدة. لكنها غير صالحة للاخبار بها مباشرة لمبايتنها للمبتدأ، إذ لا معنى لقولك (تأديبي الغلام مسيء، وافضل صلاتك خال مما يشغلك) ، وهلم جرا) . فان صحَّ الإخبارُ بالحال، وجبَ رفعُها لعدم مُباينتها حينئذٍ للمبتدأ، نحو "تأديبي الغلامَ شديدٌ" وشذَّ قولهم "حُكمُكَ مُسَمَّطاً"، أي مَثبَتاً نافذاً، إذْ يصحُّ أن تقولَ "حُكمُكَ مُسمَّطٌ". (4) أن يكونَ بعد واوٍ مُتعيّنٍ أن تكون بمعنى "معَ"، نحو "كلُّ امرِيءٍ وما فَعَلَ"، أي معَ فعلهِ. فان لم يتعيَّنْ كونُها بمعنى "مَعَ" جاز إثباتُهُ، كقولِ الشاعر [من الطويل] تَمنَّوا لِيَ الْمَوتَ الذي يَشْعَبُ الفَتى ... وكلُّ امرِىءٍ والْمَوتَ يلتقِيانِ السادسُ جواز تَعَدُّدِهِ، والمبتدأُ واحد نحو "خليلٌ كاتبٌ، شاعرٌ، خطيب". السابع أنَّ الاصل فيه أن يَتأخرَ عن المبتدأ. وقد يَتقدَّمُ عليه جوازاً أو وجوباً (وسيأتي الكلامُ على ذلك) . (4) الخَبرُ المُفرَدُ خبرُ المبتدأ قسمانِ مُفردٌ وجملةٌ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 فالخبرُ المفردُ ما كانَ غيرَ جملةٍ، وإن كان مُثنَّى أو مجموعاً، نحو "المتجهد محمودٌ، والمجتهدان محمودانِ، والمجتهدون محمودون". وهو إما جامدٌ، وإما مُشتقٌّ. وهو إما جامدٌ، وإما مُشتقٌّ. والمرادُ بالجامدِ ما ليس فيه معنى الوصفِ، نحو "هذا حجرٌ". وهو لا يتَضمنُ ضميراً يعودُ الى المبتدأ، إلا إذا كان في معنى المشتق، فيتضمَّنه، نحو "عليٌّ أسدٌ". (فأسد هنا بمعنى شجاع، فهو مثله يحمل ضميراً مستتراً تقديره (هو) يعود الى علي، وهو ضمير الفاعل. وقد سبق في باب الفاعل ان الاسم المستعار، يرفع الفاعل كالفعل، لأنه من الأسماء التي تشبه الفعل في المعنى. وذهب الكوفيون الى أن خبرالجامد يحتمل ضميراً يعود ال المبتدأ، وإن لم يكن في معنى المشتق. فإن قلت (هذا حجر) ، فحجر يحمل ضميراً يعود إلى اسم الاشارة (تقديره هو) ، أَي (هذا حجر هو) ، وما قولهم ببعيد من الصواب. لأنه لا بد من رابط يربط المبتدأ بالخبر، وهذا الرابط معتبر في غير العربية من اللغات أيضاً) . والمراد بالمشتق ما فيه معنى الوَصفِ، نحو "زُهيرٌ مجتهد". وهو يتحمَّلُ ضميراً يعود الى المبتدأ، إلا إذا رفعَ الظاهرَ، فلا يتحمَّلهُ، نحو "زُهيرٌ مجتهدٌ أخواه". (فمجتهد، في المثال الأول، فيه ضمير مستتر تقديره هو يعود الى زهير، وهو ضمير الفاعل. أما في المثال الثاني فقد رفع (أخواه) على الفاعلية فلم يتحمل ضمير المبتدأ) . ومتى تحمَّلَ الخبرُ ضميرَ المبتدأ لزمتْ مُطابقتُهُ له إفراداً وتثنية وجمعاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 وتذكيراً وتأنيثاً، نحو "عليٌّ مجتهد، وفاطمةُ مجتهدةٌ، والتلميذان مجتهدان، والتميذتانِ مجتهدتانِ، والتلاميذ مجتهدونَ، والتميذاتُ مجتهدات". فإن لم يتضمَّن ضميراً يعودُ الى المبتدأ، فيجوزُ أن يُطابقهُ، نحو "الشمسُ والقمرُ آيتانِ من آيات اللهِ"، ويجوز أن لا يطابقه، نحو "الناس قسمانِ عالمٌ ومتعلمٌ ولا خيرَ فيما بينهما". (5) الخبرُ الجملة الخبرُ الجملةُ ما كان جملةً فعليّة، أو جملةً اسميّةً، فالاول نحو "الخُلُقُ الحسَنُ يُعلي قدرَ صاحبهِ"، والثاني نحو "العاملُ خُلقُهُ حسنٌ". ويُشترطُ في الجملة الواقعة خبراً أن تكونَ مُشتملةً على رابطٍ يربطُها بالمبتدأ. والرابطُ إما الضميرُ بازراً، نحو "الظُّلمُ مَرتعه وخيمٌ"، أو مستتراً يعودُ الى المبتدأ، نحو "الحقُّ يعلو". أو مُقدَّراً، نحو "الفِضةُ، الدرْهم بقرشٍ"، أي الدرهم منها. وإما إشارةٌ الى المبتدأ، نحو {ولِباس التقوى ذلك خيرٌ} ، وإما إِعادةُ المبتدأ بلفظهِ، نحو {الحاقَّةُ، ما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 الحاقةُ؟} ، أو بلفظٍ أعمَّ منه، نحو "سعيد نِعمَ الرجلُ". (فالرجل يعم سعيداً وغيره، فسعيد داخل في عموم الرجلن والعموم مستفاد من (ال) الدالة على الجنس) . وقد تكون الجملةُ الواقعةُ خبراً نفسَ المبتدأ في المعنى، فلا نحتاج الى رابطٍ، لانها ليست أجنبيةً عنه فتحتاجَ الى ما يربطها به، نحو {قُلْ هُوَ اللهُ أحدٌ} ، ونحو "نُطقي اللهُ حسبي". (فهو ضمير الشأن. والجملة بعده هي عينه، كما تقول (هو علي مجتهد) وكذلك قولك (نطقي الله حسبي) فالمنطوق به، (وهو الله حسبي) هو عين المبتدأ. وهو (نطقي) واما فيما سبق فانما احتيج الى الربط لأن الخبر اجنبي عن المبتدأ، فلا بد له من رابط يربطه به) . قد يقعُ ظرفاً أو جارّاً ومجروراً. فالأولُ نحو "المجدُ تحتَ عَلمِ العلمِ"، والثاني نحو "العلم في الصدور لا في السطور". (والخبر في الحقيقة إنما هو متعلق الظرف وحرف الجر. ولك أن تقدر هذا المتعلق فعلاً كاستقر وكان، فيكون من قبيل الخبر الجملة، واسم فاعل، فيكون من باب الخبر المفرد، وهو الأولى، لأن الأصل في الخبر أن يكون مفرداً) . ويُخبرُ بظروف المكان عن أسماء المعاني وعن أسماء الأعيان. فالاول نحو "الخيرُ أمامك". والثاني نحو "الجنةُ تحتَ أقدامِ الأمهاتِ". وأما ظروف الزمانِ فلا يُخبَّرُ بها إِلا عن أسماء المعاني، نحو "السفرُ غداً، والوصولُ بعد غدٍ". إلا إذا حصلتِ الفائدةُ بالإخبار بها عن أسماء الاعيان فيجوزُ، نحو "الليلةَ الهلاُ"، و"نحن في شهر كذا" و"الوردُ في آيار". ومنه "اليومَ خمرٌ، وغداً أمرٌ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 (6) وجوب تقديم المبتدأ الاصلُ في المتبدأ أن يَتقدَّمَ. والاصلُ في الخبر أن يتأخّرَ. وقد يتقدَّمُ أحدهما وجوباً، فيتأخرُ الآخرُ وجوباً. ويجبُ تقديم المبتدا في ستة مواضعَ الاولُ أن يكون من الاسماء التي لها صدرُ الكلامِ، كأسماء الشرطِ، نحو {من يَتّقِ اللهَ يُفلحْ"، وأسماء الاستفهام، نحو "من جاءَ؟ "، "وما" التعجُّبيّةِ، نحو "ما أحسنَ الفضيلةَ! " وكم الخبريةِ نحو "كم كتاب عندي! ". الثاني أن يكون مُشبّهاً باسم الشرط، نحو "الذي يتجهدُ فله جائزةٌ" و"كلُّ تلميذٍ يجتهدُ فهو على هدىً". (فالمبتدأ هنا اشبه اسم الشرط في عمومه، واستقبال الفعل بعده وكونه سبباً لما بعده، فهو في قوة ان تقول (من يجتهد فله جائزة) و (اي تلميذ يجتهد فهو على هدى) . ولهذا دخلت الفاء في الخبر كما تدخل في جواب الشرط) . الثالثُ أن يضافَ الى اسمٍ له صدرُ الكلام، نحو "غلامُ مَن مجتهدٌ؟ " و"زمامُ كم أمر في يدك". الرابعُ أن يكون مقترناً بلام التأكيد (وهي التي يسمونها لامَ الابتداء) ، نحو {لعبدٌ مؤْمنٌ خيرٌ من مشركٍ". الخامسُ أن يكون لك من المبتدأ والخبر معرفةً أو نكرةً، وليس هناك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 قرينةٌ تعين أحدهما، فيتقدَّم المبتدأ خشيةَ التباس المسنَدِ بالمسنَدِ اليه، نحو "أخوك علي"، إن أردتَ الإخبارَ عن الاخِ، و"عليٌّ أخوكَ"، إن أردتَ الإخبارَ عن علي، ونحو "أسَنٌّ منك أسَنٌّ مني" إن قصدتَ الإخبار عمَّن هو أسنٌّ من مخاطبك "وأسن مني أسن منكَ"، إن أردتَ الإخبارَ عمّن هو أسنُّ منكَ نفسِكَ. (فان كان هناك قرينة تميز المبتدأ والخبر، جاز التقديم والتأخير نحو "رجل صالح حاضر، وحاضر رجل صالح" ونحو "بنو أبنائنا بنونا"، بتقديم المبتدأ، و"بنونا" بنو أبنائنا، بتقديم الخبر. لأنه سواء أتقدم أحدهما أم تأخر، فالمعنى على كل حال أن بنى أبنائنا هم بنونا) . السادس أن يكون المبتدأ محصوراً في الخبر، وذلك بأن يقترنَ الخبرُ بإلا لفظاً نحو {وما محمدٌ إلا رسولٌ} أو معنًى، نحو "إنما أنت نذيرٌ". (إذ المعنى ما أنت إلا نذير. ومعنى الحصر هنا أن المبتدأ (وهو محمد، في المثال الأول) منحصر في صفة الرسالة، فلو قيل "ما رسول إلا محمد". بتقديم الخبر، فسد المعنى، لأن المعنى يكون حينئذ ان صفة الرسالة منحصرة في محمد مع انها ليست منحصرة فيه. بل هي شاملة له ولغيره من الرسل، صلوات الله عليهم. وهكذا الشأن في المثال الثاني) . (7) وجوب تقديم الخبر يجبُ تقديم الخبرِ على المبتدأ في أربعة مواضعَ الاولُ إذا كان المبتدأ نكرة غير مفيدةٍ، مخَبراً عنها بظرفٍ أو جار ومجرور، نحو "في الدارِ رجلٌ" و"عندكَ ضيفٌ" ومنه قوله تعالى {ولدينا مزيدٌ} و"على أبصارهم غشاوةٌ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 (وإنما وجب تقديم الخبر هنا لأن تأخيره يوهم أنه صفة وأن الخبر منتظر. فان كانت النكرة مفيدة لم يجب تقديم خبرها، كقوله تعالى {وأجل مسمى} عنده لأن النكرة وصفت بمسمى، فكان الظاهر في الظرف أنه خبر لا صفة) . الثاني إذا كان الخبر اسمَ استفهامٍ، أو مضافاً الى اسم استفهامٍ، فالاول، نحو "كيف حالُكَ؟ " والثاني نحو "ابنُ مَن أنت؟ " و"صبيحة أيْ يوم سفرُكَ؟ ". (وإنما وجب تقديم الخبر هنا لأن لاسم الاستفهام أو ما يضاف اليه صدر الكلام) . الثالثُ إذا اتصلَ بالمبتدأ ضميرٌ يعود الى شيء من الخبر نحو "في الدار صاحبها" ومنه قوله تعالى {أم على قلوبٍ أقفالُها} . وقولُ نُصَيب [من الطويل] أهابُكِ إِجلالاً، وما بكِ قدرةٌ ... عليَّ، ولكن ملءُ عينٍ حبيبُها (وإنما وجب تقديم الخبر هنا، لانه لو تأخر لاستلزم عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وذلك ضعيف قبيح منكر (راجع الكلام على عود الضمير) في الجزء الأول من هذا الكتاب) . الرابعُ أن يكون الخبرُ محصوراً في المبتدأ. وذلك بأن يقترن المبتدأ بإلاّ لفظاً، نحو "ما خالقٌ إلا اللهُ"، أو معنًى، نحو "إنما محمودٌ من يجتهدُ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 (إذ المعنى "ما محمود إلا من يجتهد". ومعنى الحصر هنا ان الخبر "وهو خالق، في المثال" منحصر في الله. فليست صفة الخلق إلا له سبحانه، فلو قيل "وما الله إلا خالق" بتقديم المبتدأ. فسد المعنى، لانه يقتضي أن لا صفة لله إلا الخلق، وهو ظاهر الفساد. وهكذا الحال في المثال الثاني) . (8) المبتدأُ الصِّفَة قد يُرفعُ الوصفُ بالابتداءِ، إن لم يطابق موصوفَةُ تثنيةً أو جمعاً، فلا يحتاجُ الى خبر، بل يكتفي بالفاعل أو نائبه، فيكون مرفوعاً به، ساداً مَسَدَّ الخبر، بشرط أن يتقدَّمَ الوصفَ نفيٌ او استفهامٌ. وتكونُ الصفةُ حينئذٍ بمنزلة الفعل، ولذلك لا تُثنى ولا تُجمَعُ ولا تُوصفُ ولا تُصغّرُ ولا تُعرَّفُ. ولم يشترط الاخفش والكوفيون ذلك، فأجازوا أن يُقال "ماجحٌ ولداكَ، وممدوحٌ أبناؤك". ولا فرقَ بينَ أن يكونَ الوصفُ مشتقّاً، نحو "ما ناجحٌ الكسولان" و"هل محبوبٌ المجتهدون"، او اسماً جامداً فيه معنى الصفة، نحو "هل صَخْرٌ هذانِ المُعاندان؟ " و"ما وحشيٌّ أخلاقُكَ". ولا فرقَ أيضاً بينَ أن يكونَ النفيُ والاستفهام بالحرف، كما مُثلَ، او الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 بغيره، نحو "ليسَ كسولٌ ولداكِ" و"غيرُ كسولٍ أبناؤكَ" و"كيف سائرٌ أخواكَ"، غير أنهُ معَ "ليسَ" يكونُ الوصفُ اسماً لها، والمرفوعُ بعدَهُ مرفوعاً به سادّاً مسَدَّ خبرها، ومع "غيرٍ" ينتقلْ الابتداءُ إليها، ويُجر الوصفُ بالإضافة إليها، ويكونُ ما بعدَ الوصفِ مرفوعاً به سادّاً مسدَّ الخبر. وقد يكونُ النفيُ في المعنى نحو "إنما مجتهدٌ ولداكَ"، إذ التأويلُ "ما مجتهدٌ إلاّ ولداكَ". فان لم يقع الوصفُ بعد نفيٍ او استفهامٍ، فلا يجوز فيه هذا الاستعمالُ، فلا يقالُ "مجتهد غلاماكَ"، بل تجبُ المطابقةُ، نحخو "مجتهدانِ غلاماك". وحينئذٍ يكونُ خبراً لما بعده مُقدَّماً عليه. وقد يجوزُ على ضعفٍ، ومنه الشاعر [من الطويل] خَبِيرٌ بَنُو لِهْبٍ، فَلا تَكُ مُلْغِياً ... مَقالةَ لِهْبيٍّ، إِذا الطَّيْرُ مَرَّتِ والصفةُ التي تقعُ مبتدأ، إنما ترفعُ الظاهرَ، كقول الشاعر [من البسيط] أَقاطِنٌ قَوْمُ سَلْمَى، أمْ نَوَوْا ظَعَنا؟ ... إِنْ يَظْعَنُوا فَعَجِيبٌ عَيْشُ ومَنْ قَطَنا او الضميرَ المنفصلَ، كقول الآخر [من الطويل] خَليليَّ، ما وافٍ بِعَهْدِيَ أنتُما ... إذا لم تكونا لي على مَنْ أُقاطِعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 فان رفعتِ الصفةُ الضميرَ المستترَ، نحو "زُهيرٌ لا كسولٌ ولا بَطيءٌ" لم تكن من هذا الباب، فهي هنا خبرٌ عمّا قبلَها. وكذا ان كانت تكتفي بمرفوعها، نحو "ما كسولٌ أخواهُ زُهيرٌ"، فهي هنا خبر مقدَّمٌ، وزهيرٌ مبتدأ مؤخر، وأخواهُ فاعلُ كسول. واعلم أن الصفةَ، التي يُبتدأُ بها، فتكتفي بمرفوعها عن الخبر، إنما هي الصفةُ التي تُخالفُ ما بعدها تثنيةً أو جمعاً، كما مَرَّ. فان طابقتهُ في تثنيتهِ أو جمعه، كانت خبراً مُقدَّماً، وكان ما بعدها مبتدأ مؤخراً، نحو "ما مُسافرانِ أخوايَ، فهل مسافرونَ إخوتُكَ؟ ". أمَّا إن طابقته في إفراده، نحو "هل مسافرٌ أخوكَ؟ "، جاز جعل الوصفِ مبتدأً، فيكونُ ما بعدَه مرفوعاً به، وقد أغنى عن الخبر، وجاز جعلُهُ خبراً مُقدماً وما بعدهُ مبتدأً مؤخراً. (الفعل الناقص) الفعل الناقصُ هو ما يدخل على المبتدأ والخبر، فيرفعُ الاول تشبيهاً له بالفاعل، وينصبُ الآخرَ تشبيهاً له بالمفعول به، نحو "كان عُمرُ عادلاً". ويُسمّى المبتدأُ بعد دخوله اسماً له، والخبرُ خبراً له. (وسميت هذه الافعال ناقصة، لأنها لا يتم بها مع مرفوعها كلام تام، بل لا بد من ذكر المنصوب ليتم الكلام. فمنصوبها ليس فضلة، بل هو عمدة، لأنه في الأصل خبر للمبتدأ، وإنما نصب تشبيهاً له بالفضلة، بخلاف غيرها من الافعال التامة، فان الكلام ينعقد معها بذكر المرفوع، ومنصوبها فضلة خارجة عن نفس التركيب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 والفعلُ الناقصُ على قسمينِ كانَ وأخواتُها. وكاد وأخواتها. (وهي التي تُسمى أفعالَ المُقارَبة) . كان وأَخواتها كانَ وأَخواتُها هي "كان وأمسى وأصبحَ وأضحى وظلَّ وباتَ وصارَ وليسَ وما زالَ وما انفكَّ وما فَتيءَ وما بَرِحَ وما دامَ". وقد تكونُ "آض ورجَعَ واستحال وعادَ وحارَ وارتدَّ وتَحوَّل وغدا وراحَ وانقلبَ وتَبدَّل"، بمعنى "صارَ"، فان أتت بمعناها فلها حُكمُها. ويتعلّقُ بكانَ وأخواتها ثمانيةُ مباحثَ (1) مَعاني كانَ وأَخواتِها معنى "كان" اتصافُ المُسنَدِ في الماضي. وقد يكون اتصافهُ به على وده الدَّوام، إن كان هناك قرينةٌ، كما في قوله تعالى {وكانَ اللهُ عليماً حكيماً} ، أي إنه كان ولم يَزلْ عليماً حكيماً. ومعنى "أمسى" اتصافُه به في المساء. ومعنى "أصبحَ" اتصافُهُ به في الصباح. ومعنى "أضحى" اتصافه به في الضحا. ومعنى "ظلَّ" اتصافه به وقتَ الظلِّ، وذلك يكون نهاراً. ومعنى "بات" اتصافُهُ به وقتَ المَبيت، وذلك يكون ليلاً. ومعنى "صار" التَّحوُّل، وكذلك ما بمعناها. ومعنى "ليس" النفي في الحال، فهي مختصةٌ بنفي الحال، إلا إذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 قُيّدت بما يُفيدُ المُضيّ أو الاستقبال، فتكون لِما قُيّدتْ به، نحو "ليس عليَّ مُسافراً أمسِ أو غداً". و"ليس" فعلٌ ماضٍ للنفي، مختصٌّ بالأسماءِ وهي فعلٌ يُشبهُ الحرفَ. ولولا قَبولها علامةَ الفعلِ، نحو "ليستْ وليسا وليسوا ولسنا ولسن"، لحكمنا بحرفيّتها. ومعنى "ما زال وما انفكَّ وما فتيءَ وما برحَ" مُلازمة المُسنَد للمسنَد إليه، فاذا قلتَ "ما زالَ خليلٌ واقفاً" فالمعنى أنه ملازمٌ للوقوف في الماضي. ومعنى "ما دام" استمرارُ اتصافِ المُسندِ إليه بالمُسندِ. فمعنى قولهِ تعالى "وأوصاني بالصلاة والزكاةِ ما دُمتُ حياً" أوصاني بهما مدةَ حياتي. وقد تكون "كان وأمسى وأصبح واضحى وظلَّ وبات" بمعنى "صار"، إن كان هناك قرينةٌ تدلُّ على أنه ليسَ المرادُ اتصافَ المسنَد إليه بالمسنَد في وقت مخصوص، مما تدلُّ عليه هذه الأفعال، ومنه قوله تعالى {فكان من المُغرَقينَ} أي صار، وقوله {فأصبحتم بنعمتهِ إخواناً} ، أي صرتم، وقوله {فظلتْ أعناقُهم لها خاضعين} ، أي صارت، وقوله {ظلَّ وجهُهُ مسوداً} ، أي صار. (2) شُروط بعضِ أَخواتِ "كان" يُشترَطُ في "زالَ وانفكَّ وفتيءَ وبرحَ" أن يتقدَّمَها نفيٌ، نحو {لا يزالونَ مختلفينَ} و {لن نبرحَ عليه عاكفين} ، أو نهيٌ، كقول الشاعر [من الخفيف] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 صاحِ شَمِّرْ، ولا تَزَلْ ذاكِرَ الْمَوْ ... تِ فَيِسْيانُهُ ضَلالٌ مُبِينُ أو دُعاءٌ، نحو "لا زِلتَ بخيرٍ". وقد جاء حذفُ النهي منها بعد القسم، والفعلُ مضارعٌ منفيٌّ بلاَ وذلك جائزٌ مُستملَحٌ، ومنه قولهُ تعالى {تاللهِ تَفتأُ تذكُرُ يوسفَ} ، والتقديرُ "لا تفتأُ" وقولُ امرئ القيس [من الطويل] فقُلْتُ يَمينُ اللهِ أَبرحُ قاعداً ... ولَوْ قَطَعُوا رأْسي لَدَيْكِ وأَوصالي والتقديرُ "لا أبرح قاعداً". ولا يُشترطُ في النفي أن يكون بالحرف، فهو يكونُ به، كما مرَّ، ويكونُ بالفعل، نحو "لستَ تبرحُ مجتهداً"، وبالاسم، نحو "زُهيرٌ غيرُ مُنفكٍّ قائماً بالواجب". وقد تأتي "وَنَى يني، ورامَ يَريمُ" بمعنى "زالَ" الناقصة، فيَعملانِ عمَلها. ويُشترطُ فيهما ما يُشترطُ فيها، ومنه قولُ الشاعر [من الطويل] فأَرحامُ شِعْرٍ يَتَّصِلْنَ ببابهِ ... وأرحامُ مالٍ لا تَني تَتَقَطَّعُ أي لا تزالُ تتقطّعُ، وقول الآخر [من الطويل] إذا رُمتَ، مِمَّنْ لا يَريمُ مُتَيَّماً، ... سُلُوّاً فَقَدْ أَبعَدْتَ في رَوْمِكَ المَرْمَى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 أي "لا يزالُ، أو لا يبرحُ مُتَيَّماً". ويشترطُ في "دامَ" أن تتقدَّمها "ما" المصدريَّةُ الظرفيّةُ، كقوله تعالى {وأوصاني بالصلاة والزَّكاةِ وما دُمتُ حَيًّا} . (ومعنى كونها مصدرية انها تجعل ما بعدها في تأويل مصدر. ومعنى كونها ظرفية انها نائبة عن الظرف وهو المدة، لأن التقدير "مدة دوامي حياً") . "تلبية" - زال الناقصة مضارعها "يزال". وأما "زال الشيء يزول" بمعنى "ذهب" و"زال فلان هذا عن هذا"، بمعنى "مازه عنه يميزه، فهما فعلان تامان. ومن الاول قوله تعالى {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} . وقد يُضَمرُ اسمُ "كانَ" وأخواتها، ويُحذفُ خبرُها، عند وجودِ قرينةٍ دالةٍ على ذلك، يُقالُ "هل أصبح الرَّكبُ مسافراً؟ " فتقولُ "أصبح"، والتقديرُ "أصبحَ هو مسافراً". (3) أَقسامُ كان وأَخَواتها تنقسمُ "كان وأخواتُها" إلى ثلاثة أقسام الاولُ ما لا يتصرفُ بحالٍ؛ وهو "ليسَ ودام" فلا يأتي منهما المضارعُ ولا الأمرُ. الثاني ما يتصرَّفُ تَصرُّفاً تاماً، بمعنى أنه تأتي منه الأفعال الثلاثةُ، وهو "كان وأصبَحَ وأمسى وأضحى وظَلَّ وباتَ وصارَ". الثالث ما يتصرَّفُ تصرُّفاً ناقصاً، بمعنى أنهُ يأتي منه الماضي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 والمضارع لا غيرُ، وهو "ما زالَ وما انفكَّ وما فتيءَ وما بَرِحَ". واعلم أن ما تصرَّفَ من هذه الافعال يعملُ عملَها، فيرفع الاسم وينصبُ الخبرَ، فعلاً كان أو صفةً، أو مصدراً، نحو يمسي المجتهدُ مسروراً، وأمسِ أديباً، وكونُكَ مجتهداً خيرٌ لك" قال تعالى {قُلْ كونوا حجارةً أو حديداً} ، وقال الشاعر [من الطويل] وما كُلُّ مَنْ يُبْدِي البَشاشةَ كائناً ... أَخاكَ، إذا لم تُلْفِهِ لَكَ مُنْجِدا غيرَ أنَّ المصدرَ كثيراً ما يُضافُ الى السم، نحو "كونُ الرجلِ تقيّاً خيرٌ لهُ". (فالرجل مجرور لفظاً، لأنه مضاف غليه، مرفوع محلاً، لأنه اسم المصدر الناقص) . وإن أُضيفَ المصدرُ الناقصُ الى الضمير أو الى غيرهِ من المبنيّات، كان له محلاّنِ من الاعراب محلٌّ قريبٌ وهو الجرُّ بالإضافة، ومحلٌّ بعيدٌ، وهو الرفع، لأنه اسمٌ للمصدر الناقص، قال الشاعر [من الطويل] بِبَذْلٍ وحِلْمٍ سادَ في قَوْمِهِ الْفَتَى ... وكونُكَ إِيَّاهُ عَلَيْكَ يَسيرُ (4) تَمامُ "كانَ" وأَخواتِها قد تكونُ هذه الافعال تامَّةً، فتكتفي برفع المُسنَدِ إليه على أنهُ فاعلٌ لها، ولا تحتاجُ الى الخبر، إلاّ ثلاثةَ أفعالٍ منها قد لَزِمَتْ النّقصَ، فلم تَرِد تامَّةً، كوهي "ما فتيءَ وما زال وليس". (فاذا كانت (كان) بمعنى حصل، و (أمسى) بمعنى دخل في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 المساء، و (أصبح) بمعنى دخل في الصباح، و (أضحى) بمعنى دخل في الضحى، و (ظل) بمعنى دام واستمر، و (بات) بمعنى نزل ليلاً، أو أدركه الليل، أو دخل مبيته، و (صار) بمعنى انتقل، أو ضم وأمال أو صوت، أو قطع وفصل، و"دام" بمعنى بقي واستمر، "وانفك" بمعنى انفصل أو انحل، و"برح" بمعنى ذهب، أو فارق، كانت تامة تكتفي بمرفوع هو فاعلها) . ومن تمام هذه الأفعال قولهُ تعالى: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82] ، وقوله: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ، وقولهُ: {فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] ، وقولهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض} [هود: 107] وقوله: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطير فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] ، قُريءَ بضم الصاد، من صارَهُ يَصورُهُ، وبكسرها، من صارهُ يَصرُهُ، وقول الشاعر: [من المتقارب] تَطاوَلَ لَيْلُكَ بالإثْمِدِ ... وباتَ الخَليُّ، ولم تَرْقُدِ (5) أَحكامُ اسم "كانَ" وخَبَرُها كل ما تَقدَّمَ من أحكامِ الفاعلِ وأقسامه، يَعطى لاسم "كانَ" وأخواتها لأن لهُ حُكمَهُ. وكلُّ ما سبقَ لخبر المبتدا من الأحكامِ والأقسامِ، يُعطى لخبر "كان" وأخواتها، لأنَّ لهُ حُكمَهُ، غيرَ أنه يجبُ نصبُهُ، لأنهُ شبيهٌ بالمفعول به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 وإذا وقع خبرُ "كانَ" وأخواتها جملةً فعليةً، فالأكثرُ أن يكونَ فعلُها مضارعاً، وقد يجيءُ ماضياً، بعد "كانَ وأمسى وأضحى وظلَّ وبات وصارَ". والأكثرُ فيه، إن كانَ ماضياً، أن يقترن بِقدْ، كقول الشاعر فأَصبَحُوا قَدْ أَعادَ اللهُ نِعْمَتَهُمْ ... إذْهُمْ قُرَيْشٌ، وإِذْ ما مِثْلُهُمْ أَحدُ وقد وقعَ مجرَّداً منها، وكثر ذلكَ في الواقعِ خبراً عن فعلِ شرطٍ، ومنه قولهُ تعالى {وإن كانَ كبُرَ عليكم مَقامي} ، وقوله "إن كانَ كبُرَ عليكَ إِعراضُهم" وقولهُ {إن كنتُ قُلْتَهُ فَقدْ علِمتَهُ} وقلَّ في غيره، كقول الشاعر [من البسيط] أَضْحَتْ خَلاءَ، وأَضْحَى أَهلُها احتَمَلوا ... أَخنى عَلَيها الذي أَخنى على لُبَدِ وقولِ الآخر [من الطويل] وكانَ طَوَى كَشْحاً على مُسْتَكِنَّةٍ ... فَلا هُوَ أَبداها، ولم يَتَقَدَّمِ (6) أَحكامُ اسمِها وخَبَرِها في التَّقديم والتأخير الأصلُ في الاسمِ أن يَليَ الفعلَ الناقصَ، ثمَّ يجيء بعدَه الخبرُ. وقد يُعكَسُ الأمرُ، فيُقدَّمُ الخبرُ على الاسمِ، كقوله تعالى {وكانَ حقاً علينا نَصرُ المؤْمنين} ، وقولِ الشاعر [من البسيط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 لا طِيبَ لِلعَيشِ ما دامتْ مُنَغَّصَةً ... لذَّاتُهُ بادِّكارِ الشَّيْبِ والهَرَمِ وقول الآخر [من الطويل] سَلي، إن جَهِلْتِ الناسَ عَنَّا وعنهُمُ ... فَلَيْسَ سَواءَ عالمٌ وجَهولٌ. ويجوزُ أن يتقدَّمَ الخبرُ عليها وعلى اسمها معاً، إلا "ليسَ" وما كان في أوَّلهِ "ما" النافيةُ أو "ما" المصدريَّةُ، فيجوزُ أن يُقالَ "مُصحِية، كانتِ السماءُ" "وغزيراً أمسى المطرُ"، ويَمتنعُ أن يُقالَ "جاهلاً ليس سعيدٌ"، و"كسولاً ما زال سليمٌ" و"أقفُ، واقفاً ما دام خالدٌ". وأجازه بعضُ العلماءِ في غير "ما دام". أمّا تقدُّمُ معمولِ خبرِها عليها فجائزٌ أيضاً، كما يجوزُ تقدُّمُ الخبر، قال تعالى {وأنفسَهم كانوا يَظلمون"، وقال "أهؤلاءِ إياكم كانوا يعبُدون} . واعلَمْ أن أحكامَ اسمِ هذه الافعالِ، وخبرها في التقديم والتأخير، كحكم المبتدأ وخبره، لأنهما في الاصل مبتدأٌ وخبرٌ. (7) خَصائِصُ "كانَ" تختصُّ "كان" من بينِ سائرِ أخواتها بستَّةِ أشياءَ (1) أنها قد تُزادُ بشرطينِ أحدهما أن تكونَ بلفظ الماضي، نحو "ما (كان) أصحَّ عِلمَ من تقدَّمَ؟ ". وشذت زيادتها بلفظ المضارع في قول أُم عَقيل ابن أبي طالب [من الرجز] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 أَنتَ "تَكُونُ" ماجِدٌ نَبِيلٌ ... إذا تَهبُّ شَمْأَلٌ بَليلُ والآخر أن تكون بينَ شيئينِ مَتلازمينِ، ليسا جاراً ومجروراً. وشذَّت زيادتُها بينهما في قول الشاعر [من الوافر] جِيادُ بَني أَبي بَكْرٍ تَسَامَى ... على "كانَ" المُسَوَّمَةِ العِرابِ وأكثرُ ما تزادُ بينَ "ما" وفعلِ التَّعجُّبِ، نحو "ما (كان) أعدلَ عُمرَ! ". وقد تُزادُ بينَ غيرهما ومنه قولُ الشاعر (وقد زادّها بينَ "نِعْمَ" وفاعلها) . [من الكامل] ولَبِسْتُ سِرْبالَ الشبابِ أَزورُها ... وَلَنِعْمَ "كانَ" شَبيبَةُ المُحتالِ وقولُ بعضِ العرَبِ (وقد زادّها بين الفعل ونائب الفاعل) وَلَدتْ فاطمةُ - بنتُ الخُرْشُبِ الكَمَلةَ من بني عَبْس، لم يُوجَدْ (كانَ) مِثلُهُم، وقول الشاعر (وقد زادَها بينَ المعطوف عليه والمعطوف) [من الكامل] في لُجَّةٍ غَمَرَتْ أَباكَ بُحُورُها ... في الجاهِلِيَّة "كانَ" والإِسلامِ وقول الآخر (وقد زادَها بينَ الصفة والموصوف) [من البسيط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 280 في غُرَفِ الجَنَّةِ العُلْيا التي وَجَبَتْ ... لَهم هُناكَ بِسَعْيٍ "كان" مَشكورِ (واعلم أن "كان" الزائدة معناها التأكيد، وهي تدل على الزمان الماضي. وليس المراد من تسميتها بالزائدة انها لا تدل على معنى ولا زمان، بل المراد انها لا تعمل شيئاً، ولا تكون حاملة للضمير، بل تكون بلفظ المفرد المذكر في جميع أَحوالها. ويرى سيبويه أنها قد يلحقها الضمير، مستدلاً بقول الفرزدق) [من الوافر] فكيف إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا (كانوا) كرام (2) أنها تُحذَفُ هي واسمها ويبقى خبرُها، وكثرَ ذلك بعدَ "أنْ ولو" الشرطيَّتينِ. فمثالُ "إنْ" "سِرْ مُسرعاً، إن راكباً، وإن ماشياً"، وقولهم "الناسُ مَجزِيُّونَ بأعمالهم، إنْ خيراً فخيرٌ، وإن شرّاً فَشرٌّ"، وقولُ الشاعر [من الكامل] لا تَقْرَبَنَّ الدَّهرَ آلَ مُطَرِّفٍ ... إنْ ظالماً أَبداً، وإِنْ مَظْلوما وقولُ الآخر [من الكامل] حَدَبَتْ عَلَيَّ بُطونُ ضَبَّةَ كُلُّها ... إنْ ظالماً فيهم، وإنْ مَظلوماً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 وقول غيرهِ [من البسيط] قَدْ قيلَ ما قِيلَ، إِنْ صِدْقاً، وإِنْ كَذِباً ... فَما اعتِذارُكَ من قَولٍ إذا قيلا؟! ومثالُ "لوْ" حديثُ "التَمِسْ ولو خاتماً من حديد". وقولهم "الإطعامَ ولو تمراً"، وقول الشاعر [من البسيط] لا يأْمَنِ الدَّهرَ ذو بغْيٍ، وَلَوْ مَلِكاً ... جُنُودُهُ ضاقَ عنها السَّهْلُ والجَبَلُ (3) أنها قد تُحذفُ وحدَها، ويبقى اسمُها، وخبرُها، ويعوَّضُ منها "ما" الزائدةُ، وذلك بعدَ "أن" المصدريَّةِ، نحو "أمّا أنتَ ذا مال تَفتخرُ! "، والأصلُ "لأنْ كنتَ ذا مالٍ تَفتخرُ! ". (فحذفت لام التعليل، ثم حذفت "كان" وعوض منها "ما" الزائدة وبعد حذفها انفصل الضمير بعد اتصاله، فصارت "أن ما أنت"، فقلبت النون ميماً للادغام، وأدغمت في ميم "ما" فصارت "أما") . ومن ذلك قول الشاعر [من البسيط] أَبا خُراشةَ، أَمَّا أَنتَ ذا نَفَر! ... فإنَّ قَوْمِيَ لَمْ تأْكُلْهُمُ الضَّبُعُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 (4) أنها قد تُحذَف هي واسمها وخبرُها معاً، ويَعوَّضُ من الجميع "ما" الزائدةُ، وذلك بعد "إن" الشرطيةِ، في مثل قولهم "إفعلْ هذا إِما لا". (والاصل "إِفعل هذا إن كنت لا تفعل غيره". فحذفت "كان" مع اسمها وخبرها وبقيت "لا" النافية الداخلة على الخبر، ثم زيدت "ما" بعد "أن" لتكون عوضاً، فصارت "إن ما"، فأدغمت النون في الميم، بعد قلبها ميماً، فصارت "إما") . (5) أنها قد تُحذَفُ هي واسمها وخبرُها بلا عِوَضٍ، تقولُ "لا تعاشر فلاناً، فانه فاسدُ الاخلاقِ"، فيقولُ الجاهلُ "أني أُعاشرُهُ وإن"، أي وإن كان فاسدَها، ومنه [من الرجز] قالَتْ بَناتُ الْعَمِّ يا سَلْمَى، وإنْ ... كان فَقيراً مُعْدِماً؟! قالَتْ وإنْ تُريدُ إني أَتزَوَّجهُ وإن كان فقيراً مُعدِماً. (6) إنها يجوزُ حذفُ نونِ المضارع منها بشرط أن يكون مجزوماً بالسكون، وأن لا يكونَ بعده ساكنٌ، ولا ضميرٌ متصلٌ. ومثال ما اجتمعت فيه الشروطُ قولهُ تعالى {لم أكُ بَغِيّاً} ، وقول الشاعر [الحطيئة - من الوافر] ألَمْ أَكُ جارَكُمْ ويَكونَ بَيْني ... وبَيْنَكُمُ الْمَودَّةُ والإِخاءُ والأصلُ "ألمْ أكنْ". وأما قولُ الشاعر [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 فإن لم تَكُ المِرآةُ أبدَت وسَامَةً ... فَقَدْ أَبدَت المِرآة جَبْهَةَ ضَيغَم وقول الآخر [من الطويل] إذا لَمْ تَكُ الحاجاتُ مِنْ هِمَّة الْفَتَى ... فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْكَ عقْدُ الرَّتائِم فقالوا انه ضرورة. وقال بعضُ العلماءِ لا بأسَ بحذفها إن التقت بساكن بعدَها. وما قوله ببعيدٍ من الصواب. وقد قُريءَ شُذوذاً {لم يَكُ الذينَ كفروا} . (8) خوصيَّةُ "كانَ ولَيْسَ". تختصُّ (ليسَ وكانَ) بجوازِ زيادةِ الباء في خبريهما، ومنهُ قولهُ تعالى {أليسَ اللهُ بأحكمِ الحاكمين} . أما (كان) فلا تزادُ الباءُ في خبرها إلاّ إذا سبقها نفيٌ أو نهيٌ نحو (ما كنتُ بحاضرٍ) و (لا تكنْ بغائب) ، وكقول الشاعر [من الطويل] وإن مُدَّتِ الأَيدي إلى الزَّادة، لَمَّ أَكُنُ ... بأَعْجَلهمْ، إِذْ أَجْشَعُ الْقَوْمِ أَعجَلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 على أنَّ زيادةَ الباء في خبرها قليلةٌ، بخلافِ (ليس) ، فهي كثيرة شائعة. كاد وأخواتها أو أفعالُ المقارَبةِ "كادَ وأخواتُها" تعملُ عملَ "كان"، فترفعُ المبتدأ، ويُسمّى اسمها، وتنصبُ الخبرَ، ويُسمّى خبرها. وتُسمّى أفعالُ المقاربة. (وليست كلها تفيد المقاربة، وقد سمي مجموعها بذلك تغليباً لنوع من انواع هذا الباب على غيره. لشهرته وكثرة استعماله) . وفي هذا المبحث ستةُ مباحثَ (1) أقسامُ "كادَ" وأَخواتِها "كادَ وأخواتها" على ثلاثة أقسام (1) افعال المقارَبة، وهيَ ما تَدُل على قُرب وقوع الخبر. وهي ثلاثةٌ "كادَ وأوشكَ وكرَبَ"، تقولُ "كادَ المطرُ يَهطِلُ" و"أوشكَ الوقتُ ان ينتهي" و"كرَبَ الصبحُ أن يَنبلج". (2) افعالُ الرَّجاءِ، وهي ما تَدُل على رجاءِ وقُوع الخبر. وهي ثلاثةٌ ايضاً "عَسى وحرَى واخلولقَ"، نحو "عسى الله أن يأتيَ بالفتح"، وقول الشاعر [من الوافر] عَسَى الْكرْبُ الْذي أمسَيْتُ فيه ... يَكونُ وَراءَهُ فَرَجٌ قريبُ ونحو "حَرَى المريضُ ان يشفى" و"اخلولقَ الكسلانُ أن يجتهدَ". (3) افعالُ الشروع، وهي ما تدل على الشروعُ في العمل، وهي كثيرةٌ، منها "أنشأ وعَلِقَ وطَفِقَ وأخذَ وهَبَّ وبَدأَ وابتدأ وجعلَ وقامَ وانبرى". ومثلُها كلُّ فعلٍ يَدُلُّ على الابتداء بالعمل ولا يكتفي بمرفوعه، تقولُ "أنشأ خليلٌ يكتُبُ، عَلِقوا ينصرفون، وأخذُوا يَقرءُونَ، وهَبَّ القومُ يتسابقونَ، وبَدَءُوا يَتبارَونَ، وابتدءُوا يتقدَّمونَ، وجعلوا يَستيقظونَ، وقاموا يتنبَّهونَ، وانبَروْا يسترشدونَ". وكلُّ ما تقدَّمَ للفاعل ونائبهِ واسم "كانَ"، من الأحكام والأقسام، يُعطَى لاسمِ "كادَ" وأخواتها. (2) شُروطُ خَبَرِها يُشترَطُ في خبر "كاد واخواتها" ثلاثةُ شروطٍ (1) ان يكون فعلاً مضارعاً مُسنَداً الى ضميرٍ يعودُ الى اسمها، سواءٌ اكان مُقترناً بِـ "أنْ"، نحو "اوشكَ النهارُ أن ينقضيَ"، ام مُجرَّداً منها، نحو "كادَ الليلُ ينقضي"، ومن ذلك قولُه تعالى "لا يكادونَ يفقونَ حديثاً"، وقولهُ "وطفِقا يخصِفانِ عليهما من وَرَقِ الجنَّةِ". ويجوزُ بعدَ "عسى" خاصَّة أن يُسنَدَ الى اسمٍ ظاهرٍ، مُشتملٍ على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 ضميرٍ يعودُ الى اسمها، نحو "عسى العاملُ أن ينجحَ عملُه" ومنه قولُ الشاعر [الفرزدق - من الطويل] ومَاذا عَسى الحَجَّاجُ يَبْلُغُ جُهْدُهُ ... إِذا نحنُ جاوَزْنا حَفِيرَ زِيادِ ولا يجوزُ أن يقَعَ خبرُها جملةً ماضيةً، ولا اسميةً، كما لا يجوزُ أن يكون اسماً. وما وَرَدَ من ذلكَ، فشاذٌّ لا يُلتفتُ اليه. واما قولهُ تعالى {فطَفِقَ مَسحاً بالسوق والأعناقِ} ، فمسحاً ليس هو الخبرَ، وإنما هو مفعولٌ مطلقٌ لفعلٍ محذوفٍ هو الخبرُ، والتقديرُ "يمسح مسحاً". (2) ان يكون متأخراً عنها. ويجوزُ ان يتوسَّطَ بينها وبينَ اسمها، نحو "يكادُ ينقضي الوقتُ". ونحو "طَفِقَ ينصرفون الناسُ". ويجوزُ حذفُ الخبرِ إذا عُلِمَ، ومنهُ قولهُ تعالى، الذي سبق ذكرهُ "فطفقَ مسحاً بالسُّوقِ والأعناقِ"، ومنه الحديثُ "من تأنّى اصابَ او كادَ، ومن عَجلَ اخطأ او كادَ"، اي كادَ يُصيبُ، وكادَ يُخطيءُ، ومنه قولُ الشاعر [من البسيط] ما كانَ ذَنْبيَ في جارٍ جَعَلْتُ لهُ ... عَيْشاً، وقدْ ذاقَ طَعْمَ المَوْتِ أو كَرَبا اي كربَ يَذوقُهُ، وتقولُ "ما فعلَ، ولكنهُ كادَ"، أي كادَ يفعلُ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 (3) يُشترطُ في خبر "حَرَى واخلولقَ" ان يقترنَ بِـ "انْ". (3) الخَبرُ المُقْترنُ بأن "كادَ واخواتُها" من حيثُ اقترانُ خبرِها بأنْ وعدَمُه على ثلاثة اقسام (1) ما يجب أن يقترنَ خبرُه بها، وهما "حرَى واخلولقَ"، من افعالِ الرّجاءِ. (2) ما يجبُ ان يتجرَّدَ منها، وهي افعالُ الشروع. (وإنما لم يجز اقترانها بأن، لان المقصود من هذه الأفعال وقوع الخبر في الحال، و"أن" للاستقبال، فيحصل التناقض باقتران خبرها بها) . (3) ما يجوزُ فيه الوجهانِ اقترانُ خبرهِ بأنْ، وتَجردُه منها، وهي افعالُ المقارَبة، و"عسى" من افعال الرَّجاءِ، غير أنَّ الاكثرَ في "عسى وأوشكَ" ان يقترنَ خبرُهما بها، قال تعالى {عسى رَبُّكم ان يرحمَكم} ، وقال الشاعر [من الطويل] ولَوْ سُئِلَ النّاسُ التُّرابَ لأَوشَكوا ... إِذا قِيلَ هاتوا، أنْ يَمَلّوا ويمنعُوا وتجريدُه منها قليلٌ، ومنه قول الشاعر [من الوافر] عَسى الْكَرْبُ، الْذي أَمسَيْتُ فيهِ، ... يَكُونُ وَراءَهُ فرجٌ قَريبُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 وقول الآخر [من المنسرح] يُوشكُ مَنْ فَرَّ مِنْ مَنيَّتِهِ ... في بَعْضِ غِرَّاتهِ يُوافقُها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 والأكثرُ في "كادَ وكَرَبَ" أن يتجردَ خبرُهما منها، قال تعالى {فذبحوها وما كادوا يفعلون} ، وقال الشاعر [من الخفيف] كَرَبَ الْقَلْبُ مِنْ جَواهُ يَذوبُ ... حينَ قالَ الْوُشاةُ هِنْدٌ غَضُوبُ واقترانُهُ بها قليلٌ، ومنه الحديثُ "كادَ الفقرُ أن يكون كفراً" وقولُ الشاعر سَقاها ذَوُو الأَحلامِ سَجْلاً على الظَّما ... وقَدْ كَرَبت أعناقُها أَنْ تَقَطَّعا (4) حكمُ الخَبَرِ المُقْتَرِن بأَنْ والمُجَرَّدِ منْها إن كان الخبرُ مُقترِناً بأن، مثلُ "أوشكتِ السماءُ أن تُمطِرَ. وعسى الصديقُ أن يحضُرَ"، فليس المضارعُ نفسهُ هو الخبرَ، وإنما الخبرُ مصدرُهُ المؤَوْلُ بأن، ويكونُ التقديرُ "أوشكت السماءُ ذا مطرٍ. وعسى الصديقُ ذا حضور" غير انه لا يجوزُ التصريح بهذا الخبر المؤَوَّل، لأنَّ خبرَها لا يكونُ في اللفظ اسماً. وإن كان غيرَ مُقترنٍ بها، نحو "أوشكتِ السماءُ تمطِر"، فيكونُ الخبرُ نفسَ الجملة، وتكونُ منصوبةً محلاً على انها خبرٌ. (5) المُتَصَرِّفُ من هذهِ الأَفعالِ وغيرُ المُتَصَرِّف منها هذه الأفعالُ كلُّها مُلازمة صيغة الماضي، إلا "أَوشكَ وكادَ"، من افعال المقاربة، فقد وردَ منهما المضارع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 والمضارع من "كادَ" كثيرٌ شائعٌ، ومن "أوشكَ" أكثرُ من الماضي، ومن ذلك قولهُ تعالى {يكادُ زَيتُها يُضيءُ ولو لم تمسَسْه نارٌ"، والحديثُ "يُوشِكُ أن يَنزِلَ فيكم عيسى بنُ مريمَ حَكَماً عدلاً} . (6) خَصائِصُ عَسَى واخلَوْلَقَ وأَوْشَكَ تختصُّ "عسى واخلولقَ وأوشك"، من بين أفعال هذا الباب، بأنهن قد يَكُنَّ تاماتٍ، فلا يَحتجنَ الى الخبر، وذلك إذا وَلِيَهنَّ "أنْ والفعلُ، فيُسنَدْنَ الى مصدره المؤَوْل بأنْ، على أنه فاعلٌ لهنَّ، نحو: "عسى أن تقومَ. واخلولقَ أن تُسافروا. وأوشكَ أن نَرحلَ"، ومنه قوله تعالى: {وعسى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعسى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ} [البقرة: 216] وقولهُ: {عسى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي} [الكهف: 24] ، وقولهُ: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} [الإسراء: 79] . هذا إذا لم يتقدّم عليهنَّ اسمٌ هو المُسنَدُ إِليه في المعنى (كما رأيت) ، فان تقدّم عليهنَّ اسمٌ يَصحُّ إسنادُهنَّ الى ضميرهِ، فأنت بالخيار، إن شئتَ جعلتهنَّ تامّاتٍ (وهو الأفصح) ، فيكونُ المصدرُ المؤوَّلُ فاعلاً لهنَّ، نحو "علي عسى أن يذهب، وهندٌ عسى أن تذهب. والرجلانِ عسى أن يذهبا. والمرأتان عسى أن تذهبا. والمسافرون عسى أن يحضُروا. والمسافرات عسى أن يحضُرْن" بتجريد (عسى) من الضمير. وإن شئت جعلتهنَّ ناقصاتٍ، فيكونُ اسمُهنَّ ضميراً. وحينئذ يَتحملنَ ضميراً مستتراً، أو ضميراً بارزاً مطابقاً لِما قبلَهنَّ، إفراداً أو تثنية أو جمعاً، وتذكيراً أو تأنيثاً، فتقول فيما تقدَّمَ من الأمثلة "عليٌّ عسى أن يذهبَ. وهندٌ عسَتْ أن تذهبَ. والرجلان عَسَيا أن يذهبا، والمرأتانِ عَسَتا أن تذهبا. والمسافرونَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 عَسَوْا أن يحضُروا. والمسافراتُ عسَيْنَ أن يَحضُرونَ". والأولى أن يُجعلنَ في مثل ذلك تامّاتٍ، وأن يُجرَّدْنَ من الضمير، فيَبقَيْنَ بصيغة المفرد المذكر، وأن يُسنَدْنَ الى المصدر المؤوَّل من الفعل بأن على أنهُ فاعلٌ لهنَّ، وهذه لغة الحجاز، التي نزل بها القرآنُ الكريمُ، وهي الأفصحُ والاشهرُ، وقال تعالى {لا يَسْخَرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساءٌ من نساءٍ، عسى ان يَكُنّ خيراً منهنَّ} ولو كانت ناقصةً لقال (عَسَوْا وعَسَيْن) ، بضمير جماعة الذكور العائد الى (قوم) وضميرِ جَماعةِ الإناث العائد الى (نساء) . واللغةُ الاخرى لغةُ تميم. وتختصُّ (عسى) وحدَها بأمرين (1) جوازُ كسر سينها وفتحها، إذا أُسندت الى تاءِ الضميرِ، او نون النسوةِ، أو (نا) ، والفتحُ أولى لانه الاصل. وقد قرأ عاصمٌ {فهلْ عَسيتُمْ إن تَولَّيتم} ، بكسر السين، وقرأ الباقونَ (عَسَيتم) ، بفتحها. (2) أنها قد تكونُ حرفاً، بمعنى (لعلَّ) ، فتَعملُ عملها، فتنصبُ الاسمَ وترفعُ الخبرَ، وذلك إذا اتصلت بضمير النصب (وهو قليل) ، كقول الشاعر فَقُلْتُ عساها نارُ كأْسٍ، وعَلَّها ... تَشَكَّى، فآتي نَحْوَها فَأَعُودُها فَتَسْمَعُ قَوْلي قَبْلَ حَتفٍ يُصِيبُني ... تُسَرُّ بهِ، أو قَبْلَ حَتْفٍ يَصيدُها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 (أحرف ليس) أَو الأَحرُفُ المُشَبْهَة بِلَيْسَ في العَمَل أحرفُ (ليسَ) هي أحرُفُ نفيٍ عملَها، وتُؤَدّي معناها وهي أربعةٌ (ما ولا ولاتَ وإنْ) . (ما) المشبهة بليس تعملُ (ما) عملَ (ليسَ) بأربقعة شروطٍ (1) أن لا يَتقدَّمَ خبرُها على اسمها، فان تقدَّمَ بَطل عملُها، كقولهم (ما مسيءٌ من أعتَب) . (2) أن لا يتقدَّمَ معمولُ خبرِها على اسمها، فان تقدَّمَ بطلَ علمُها، نحو (ما أمرَ اللهِ انا عاصٍ) ، إلا أن يكون معمولُ الخبر ظرفاً أو مجروراً بحرف جرّ، فيجوز، نحو (ما عندي أنت مُقيما) و (ما بكَ أنا مُنتصراً) . اما تقديمُ معمولِ الخبر على الخبر نفسهِ، دُونَ الاسمِ بحيث يتوَسَّطُ بينهما، فلا يُبطلَ عملها، وإن كان غيرَ ظرفٍ او جار ومجرورٍ، نحو (ما أنا أمرَكَ عاصياً) . (3) ان لا تُزادَ بعدها (إِنْ) . فان زيدَت بعدَها بطلَ علمُها، كقول الشاعر [من البسيط] بَني غُدانَةَ، ما إنْ أَنتُم ذَهَبٌ ... ولا صَريفٌ، ولكنْ أَنتمُ الخَزَفُ (4) أن لا ينتقضَ نفيُها بـ (إلاّ) . فان انتقض بها بطلَ عملُها، كقوله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 تعالى {وما أمرُنا إلاّ واحدةٌ} ، وقوله {وما محمدٌ إلاّ رسولٌ} ، وذلك لأنها لا تعملُ في مُثبتٍ. فان فُقدَ شرطٌ من الشروط بطلَ عملُها، وكان ما بعدَها مبتدأً وخبراً، كما رأيت. ويجوز أن يكون اسمُها معرفةً كما تقدّمَ، وأن يكون نكرةً، نحو (ما أحدٌ أفضلَ من المُخلصِ في عمله) . وإذْ كانت (ما) لا تعملُ في مُوجَبٍ، ولا تعملُ إلا في منفي، وجبَ رفعُ ما بعدَ (بلْ ولكنْ) ، في نحو قولك (ما سعيد كسولاً، بل مجتهدٌ وما خليلٌ مسافراً، ولكن مقيمٌ) ، على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ تقديرهُ (هو) ، اي بل هو مجتهدٌ، ولكن هو مقيمٌ. وتكونُ (بلْ ولكنْ) حرفي ابتداء لا عاطفتينِ، إذْ لو عَطفَتا لاقتضى ان تعمل (ما) فيما بعدَ (بل ولكنْ) ، وهو غيرُ منفيٍّ، بل هو مُثبتٌ، لأنهما تقتضيانِ الايجابَ بعد النفي. فاذا كان العاطفُ غيرَ مُقتضٍ، للايجاب كالواو ونحوها، جاز نصبُ ما بعدَهُ بالعطف على الخبر (وهو الاجودُ) نحو (ما سعيدٌ كسولاً ولا مُهملاً) وجازَ رفعُهُ على انهُ خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، نحو (ما سعيدٌ كسولاً ولا مُهملٌ) ، اي ولا هوَ مُهمل. وهكذا الشأن في (ليسَ) ، فيجبُ رفعُ ما بعدَ (بلْ ولكنْ) في نحو (ليس خالدٌ شاعراً، بل كاتبٌ) . ويجوز النصبُ والرفعُ بعدَ الواوِ ونحوها مثلُ (ليسَ خالدٌ شاعراً ولا كاتباً) او (ولا كاتبٌ) . والنصبُ أولى. واعلم أنَّ (ما) هذه لا تعملُ عملَ (ليس) إلا في لغة أهل الحجاز (الذين جاء القرآنُ الكريمُ بلغتهم) ، وبلغةِ أهلِ تِهامةَ ونجدٍ. ولذلك تُسمى (ما النافية الحجازية) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وهي نافيةٌ مُهملةٌ في لغة تميمٍ على كل حال، فما بعدَها مبتدأ وخبر. (لا) المشبهة بليس (لا) ، المشبهةُ بليس، مُهملة عندَ جميع العرب وقد يُعمِلُها الحجازيُّون إعمالَ (ليسَ) ، بالشروط التي تقدّمت لِما، ويُزاد على ذلك أن يكونَ اسمُها وخبرُها نكرتينِ. وندَرَ أن يكون اسمُها معرفةً، كقول الشاعر [من الطويل] وَحَلَّتْ سَوادَ الْقَلْبِ، لا أَنا باغياً ... سِواها، ولا في حُبِّها مُتراخِيا وقد جاء مثل ذلك للمتنبي في قوله [من الطويل] إذا الجُودْ لم يُرْزَقْ خَلاصاً منَ الاذى ... فلا الحَمْدُ مَكسُوباً، ولا المالُ باقِيا وقد أجازَ ذلك بعضُ علماء العربية الفُضلاءُ. والغالبُ على خبرِ (لا) هذه أن يكون محذوفاً كقوله [من مجزوء الكامل] مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِها ... فأنا ابنُ قَيْسٍ، لا بَراحُ أي لا بَراحٌ لي. ويجوزُ ذكرهُ، كقول الآخر [من الطويل] تَعَزَّ، فلا شَيءٌ على الأرْضِ باقيا ... ولا وَزَرٌ مِمَّا قَضى اللهُ واقِيا واعلم أنَّ (لا) المذكورةَ، يجوزُ أن يُرادَ بها نفيُ الواحدِ، وأن يرادَ بها نفيُ الجميع. فهي محتملةٌ لنفي الوَحدة ولنفي الجنس، والقرينةُ تُعَيّنُ أحدَهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 (فان قلت "لا رجل حاضر". صح أن يكون المراد ليس احد من جنس الرجال حاضراً، وأن يكون المراد "ليس رجل واحد حاضراً". فيحتمل أن يكون هناك رجلان أو أكثر. ولذلك صح أن تقول "لا رجل حاضراً، بل رجلان"، أو رجال. أما "لا" العاملة عمل "أنَّ"، فلا معنى لها إلا نفي الجنس نفياً عاماً، فان قلت "لا رجل حاضر" كان المعنى "ليس أحد من جنس الرجال حاضراً"، لذا لا يجوز أن تقول بعد ذلك "بل رجلان، أو رجال"، لأنها لنفي الجميع) . واعلم أن الأولى في (لا) هذه أن تُهمَلَ ويُجعلَ ما بعدَها مبتدأً وخبراً. واذا أُهملت، فالأحسنُ حينئذٍ أن تُكرَّرَ، كقوله تعالى "لا خوفٌ عليه، ولا هُم يَحزنونَ". (لات) المشبهة بليس تَعملُ (لاتَ) عَملَ (ليسَ) بشرطين (1) أن يكون اسمُها وخبرها من أسماءِ الزمانِ، كالحينِ والساعةِ والأوانِ ونحوها. (2) أن يكون أحدُهما محذوفاً. والغالبُ أن يكونَ المحذوفُ هو اسمَها، كقوله تعالى {ولاتَ حينَ مَناصٍ} ، ومنه قول الشاعر [من الكامل] ندِمَ الْبُغاةُ، ولاتَ ساعةَ مَنْدَم ... والْبَغْيُ مَرْتَعُ مُبْتَغِيهِ وخِيمُ ويجوزُ أن ترفع المذكورَ على أنه اسمُها، فيكون المحذوفُ منصوباً على أنهُ خبرُها، غيرَ أنَّ هذا الوجهَ قليلٌ جداً في كلامهم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 واعلم أن (لات) إن دخلت على غير اسم زمانٍ كانت مهملةً، لا عملَ لها، كقوله [من الكامل] لَهْفي عَلَيْكَ لِلَهْفَةٍ من خائفٍ ... يَبغِي جِواركَ حينَ لاتَ مُجيرُ واعلم أن من العرب من يجرُّ بلاتَ، والجرُّ بها شاذ، قال الشاعر [من الخفيف] طَلبوا صُلْحنا ولاتَ أَوانٍ ... فأجبْنا أَنْ ليْسَ حين بقاء وعليه قولُ المتنبي [من البسيط] لَقَدْ تَصبَّرْتُ، حَتَّى لاتَ مُصْطَبَرٍ ... والآنَ أَقْحَمُ، حتَّى لاتَ مُقْتَحَمِ (إِنْ) المشبهة بليس قد تكونُ (إنْ) نافيةً بمعنى (ما) النافية، وهي مُهمَلةٌ غير عاملةٍ. موقد تعملُ عملَ "ليس" قليلاً، وذلك في لغة أهل العالية من العرَبِ، ومنه قولهم "إنْ أحد خيراً من أحدٍ إلاّ بالعافية" وقولُ الشاعر [من المنسرح] إنْ هوَ مُسْتَوْلياً على أَحَدٍ ... إلاّ على أَضعَفِ الْمجانِين وقولُ الآخر [من الطويل] إنِ الْمَرْءُ مَيْتاً بانْقِضاءِ حياتهِ ... ولكنْ بأَنْ يُبْغَى عَلَيْهِ فَيُخذَلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 وانما تعملُ عملَ (ليس) بشرطين (1) أن لا يَتقدَّمَ خبرُها على اسمها. فان تقدَّمَ بَطلَ عملُها. (2) أن لا ينتقضَ نفيها بِـ (إِلا) . فان انتقضَ بطلَ عملُها، نحو (إنْ أنت إلاّ رجلٌ كريمٌ) ، وانتقاضُ النفيِ المُوجبُ إبطالَ العملِ، إنما هو بالنسبة الى الخبر، كما رأيتَ، ولا يَضُرُّ انتقاضُهُ بالنسبة الى معمول الخبر، نحو (إن أنت آخذاً إلاّ بيد البائسينَ) ، ونحو البيت (إنْ هو مستولياً على أحدٍ الخ) . واعلم أن الغالبَ في (إنْ) النافيةِ أن يقترنَ الخبرُ بعدها بِـ (إلاّ) كقوله تعالى "إنْ هذا إلاّ مَلَكٌ كريمٌ". وقد يستعملُ الكلامُ معها بدون (إلاّ) ، كالبيت (إنِ المرءُ ميتاً بانقضاءِ حياته الخ) . ومنهُ قولهم (إن هذا نافعَكَ ولا ضارّكَ) . فائدة سمعَ الكسائي أعرابيّاً يقولُ (إنّا قائماً) ، فأنكرها عليه، وظنَّ أنها (إنَّ) المشدَّدةُ الناصبةُ للاسم الرافعةُ للخبر. فحقُّها أن ترفعَ (قائماً) ، فاستثبته فاذا هو يُريدُ "إنْ أنا قائماً" أي ما أنا قائماً، فتركَ الهمزةَ - همزة أنا - تخفيفاً وأدغم، على حد قوله تعالى {لكنّا هو اللهُ ربي} ، أي "لكن أنا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 (الأحرف المشبهة بالفعل) الأحرفُ المشبَّهةُ بالفعل ستَّة، هي "إنَّ وأنَّ وكأنَّ ولكنَّ وليتَ ولعلَّ". وحكمُها أنها تدخلُ على المبتدأ والخبرِ فتنصبُ الأولَ، ويُسمّى اسمَها، وترفعُ الآخرَ، ويُسمّى خبرَها، نحو "إن اللهَ رحيمٌ. وكأنّ العلمَ نورٌ". (وسميت مشبهة بالفعل لفتح أواخرها، كالماضي، ووجود معنى الفعل في كل واحدة منها. فان التأكيد والتشبيه والاستدراك والتمني والترجي، هي من معاني الافعال) . ويجوزُ في (لعلَّ) أن يقالَ فيها (علَّ) كقوله [من الطويل] فَقُلْتُ عساها نارُ كأْسٍ وعَلّها ... تَشَكّى، فآتي نَحْوَها فأعُودُها وفيها لُغاتٌ أُخَرُ قليلةُ الاستعمال. وفي هذا الفصل ثمانيةَ عشرَ مبحثاً. (1) مَعاني الأَحرُفِ المُشَبَّهَةِ بالفعْلِ معنى "إنَّ وأنَّ" التوكيدُ، فهما لتوكيدِ اتصافِ المُسنَدِ إليه بالمُسند. ومعنى "كأنَّ" التشبيهُ المؤكدُ. لأنها في الاصل مُركبةٌ من "أنَّ" التوكيدية وكافِ التشبيه، فاذا قلتَ "كأنّ العلمَ نورٌ" فالاصلُ "إنَّ العلمَ كالنور" ثم إنهم لما أرادوا الاهتمامَ بالتشبيه، الذي عَقَدوا عليه الجملة، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 قدّموا الكافَ، وفتحوا همزةَ "إنّ"، مكان الكاف، التي هي حرفُ جرّ، وقد صارت وإيّاها حرفاً واحداً يُرادُ به التشبيهُ المؤكد. ومعنى "لكنَّ" الاستدراكُ، والتوكيد، فالاستدراكُ نحو "زيدٌ شجاعٌ، ولكنه بخيل"، وذلك لانَّ من لوازم الشجاعةِ الجودَ، فاذا وصفنا زيداً بالشجاعة، فرُبما يُفهمُ أنهُ جوادٌ أيضاً، لذلك استدركنا بقولنا "لكنه بخيل". والتوكيدُ نحو "لو جاءني خليلٌ لأكرمتُهُ، لكنه لم يجيء"، فقولك لو جاءني خليلٌ لأكرمتُه" يفهم منه أنه لم يجيء، وقولك "لكنه لم يجيء" تأكيدٌ لنفي مجيئه ومعنى "ليتَ" التمني، وهو طلبُ مالا مطمع فيه، أو ما فيه عُسرٌ، فالأول كقول الشاعر [من الوافر] أَلا لَيْتَ الشَّبابَ يَعُودُ يَوماً ... فأُخبرَهُ بما فَعَل المَشِيبُ والثاني كقول المعسر "ليتَ لي ألفَ دينارٍ". وقد تُستعمل في الامر الممكن، وذلك قليلٌ، نحو "ليتك تذهب". ومعنى (لعلَّ) الترجّي والاشفاقُ. فالترجي طلبُ الامرِ المحبوب، نحو "لعلَّ الصديقَ قادمٌ". والاشفاقُ هو الحذَرُ من وقوع المكروه، نحو "لعلّ المريضَ هالكٌ". وهي لا تُستعملُ إلاّ في الممكن. وقد تأتي بمعنى (كي) ، التي للتعليل، كقولك "إبعثْ إليّ بدابتك، لعلي أركبها"، أي كي أركبها. وجعلوا منه قوله تعالى {لعلكم تتَّقون. لعلّكم تعقلون. لعلّكم تَذكّرون} ، اي "كي تَتقوا، وكي تَعقلوا، وكي تَتذكّروا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وقد تأتي ايضاً بمعنى الظنَّ، كقولك "لعلي أزورُك اليوم". والمعنى أظنَّني أزورك. وجعلوا منه قولَ امريء القيس [من الطويل] وبُدِّلْتُ قَرْحاً دامِياً بَعْدَ صِحَّةٍ ... لَعَلَّ مَنايانا تَحُولَنَّ أَبْؤُسا وبمعنى (عسى) ، كقولك (لعلَّكَ أن تجتهدَ) . وجعلوا منه قولَ مُتَمّمٍ [من الطويل] لَعَلَّكَ يَوْماً أَنْ تُلِمَّ مُلِمَّةٌ ... عَلَيْكَ، منَ اللاَّتي يَدَعْنَكَ أَجدَعا بدليل دخول (أنْ) في خبرها، كما تدخل في خبر (عسى) . (2) الْخَبرُ المُفْرَدُ، والْجُمْلَةُ، والشبيهُ بالجملة يقع خبر الاحرفِ المشبّهة بالفعل مفرداً (أي غيرَ جملةٍ ولا شبْهَها) نحو "كأنَّ النّجمَ دينارٌ"، وجملةً فعليّةً، نحو "لعلك اجتهدتَ. وإنَّ العلمَ يُعَزَّزُ صاحبهُ"، وجملة اسمية، نحو "إنَّ العالمَ قدرُهُ مرتفعٌ" وشِبْهَ جُملةٍ (وهو أن يكون الخبر مُقدَّراً مدلولاً عليه بظرفٍ أو جارّ ومجرورٍ يتعلقانِ بهِ) ، نحو "إنّ العادلَ تحتَ لِواءِ الرَّحمن، وإن الظالمَ في زُمرة الشيطان". (والخبر هنا يصح أن تقدره مفرداً ككائن وموجود، وأن تقدره جملة ككان ووجد، أو يكون ويوجد. فهو مفرد. باعتبار تقديره مفرداً، وجملة، باعتبار تقديره جملة، فالحقيقة فيه أنه شبيه بالمفرد وبالجملة، وتسميته بشبه الجملة فيها اكتفاء واقتصار) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 (3) حَذْفُ خَبَرِ هذهِ الأَحرُف يجوز حذف خبرِ هذه الاحرفِ. وذلك على ضربينِ جائز وواجب فيُحذَفُ جوازاً، اذا كان كوناً خاصاً (أي من الكلماتِ التي يُرادُ بها معنًى خاصّ) ، بشرطِ أن يدُلَّ عليه دليلٌ، كقوله تعالى {إنَّ الذينَ كفروا بالذّكر لمّا جاءهم. وانهُ لكتابٌ عزيزٌ} . (أي إن الذين كذبوا بالذكر معاندون، أو هالكون، أو معذبون) . وقال الشاعر [من الطويل] أَتَوْنِي، فَقالوا يا جَميلُ، تَبَدَّلتْ ... بُثَيْنَةُ أَبْدالاً، فَقُلْتُ لَعَلَّها (أي لعلها تبدَّلت، أو لعلها فعلت ذلك) . ويحذفُ وجوباً، اذا كان كوناً عاماً (أي من الكلمات التي تدُلُّ على وجودٍ أو كونٍ مُطلقَينِ، فلا يُفهَمُ منها حَدَثٌ خاصٌّ أو فعلٌ معيَّنٌ، ككائنٍ، أو موجود، أو حاصلٍ) وذلك في موضعينِ (1) الاولُ بعدَ "ليتَ شِعري"، اذا وَلِيَها استفهامٌ، نحو "ليتَ شِعري هل تنهضُ الأمةُ؟ وليتَ شِعري متى تنهضُ؟ "، قال الشاعر [من الطويل] ألاَ لَيْتَ شِعْري كَيْفَ جادَتْ بِوَصْلِها؟ ... وكيفَ تُراعي وُصْلةَ المُتَغَيِّبِ (أي ليت شعري (أي علمي) حاصل. والمعنى ليتني أشعر بذلك، أي أعلمه وأدريه. وجملة الاستفهام في موضع نصب على أنها مفعول به لشعري، لأنه مصدر شعر) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 (2) أن يكونَ في الكلام ظرفٌ أو جار ومجرورٌ يتعلقانِ به، فيُستغنى بهما عنهُ، نحو "إنَّ العلمَ في الصدور. وانَّ الخيرَ أمامك". (فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف المقدر بكائن أو موجود أو حاصل) . (4) تَقَدُّمُ خبَرِ هذِه الأَحرُف لا يجوزُ تقدُّمُ خبرِ هذه الاحرف عليها، ولا على اسمها. اما معمولُ الخبرِ، فيجوزُ أن يتقدَّم على الاسم، ان كان ظرفاً أو مجروراً بحرف جرٍّ، نحو "إنَّ عندَك زيداً مُقيمٌ"، قال الشاعر [من الطويل] فَلا تَلْحَني فيها، فإنَّ بِحُبِّها ... أَخاكَ مُصابُ الْقَلْبِ جُمٌّ بَلابِلُهْ ومن ذلك أن يكون الخبرُ محذوفاً مدلولاً عليه بما يتعلقُ به من ظرفٍ مأو جارٍّ ومجرورٍ مُتقدمين على الاسم، نحو "إنَّ في الدَّار زيداً"، ومنهُ قولهُ تعالى "إنَّ فيها قوماً جبّارينَ، وقولهُ "إنَّ مع العُسرِ يُسراً". (فالظرف والجار متعلقان بالخبر المحذوف غير أنه يجب أن يقدر متأخراً عن الاسم، إذ لا يجوز تقديمه عليه. كما علمت. وليس الظرف أو الجار والمجرور هو الخبر، كما يتساهل بذلك كثير من النحاة، وإنما هما معمولان للخبر المحذوف، لأنهما متعلقان به) . ويجبُ تقديمُ معمولِ الخبر، إن كان ظرفاً أو مجروراً، في موضعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 (1) أن يَلزمَ من تأخيره عودُ الضمير على متأخرٍ لفظاً ورتبةً وذلك ممنوعٌ نحو "إنَّ في الدَّار صاحبَها". (فلا يجوز أن يقال "ان صاحبها في الدار) "، لأن "ها" عائدة على الدار. وهي متأخرة لفظاً، وكذلك هي متأخرة رتبة، لأن معمول الخبر رتبته التأخير كالخبرِ". (2 (أن يكون الاسمُ مُقترِناً بلامِ التأكيد، كقوله تعالى {وإنَّ لنا للآخرة والأولى} ، وقولهِ {إنَّ في ذلك لَعِبْرةً لأولي الأبصارِ} . أما تقديمُ معمولِ الخبرِ على الخبر نفسهِ، بحيثُ يَتوَّسطُ بينَ الاسمِ والخبر، فجائزٌ، سواءٌ أكانَ معمولهُ ظرفاً أو مجروراً أم غيرَهما، فالاولُ نحو "إنكَ عندَنا مقيمٌ"، والثاني نحو "إنكَ في المدرسة تتعلّمُ"، والثالث نحو "إنَّ سعيداً دَرْسَهُ يكتبُ". فائدة متى جاء بعد "إن" أو إحدى أخواتها ظرف أو جار ومجرور، كان اسمها مؤخراً. فليتنبه الطالب الى نصبه، فان كثيراً من الكتاب والمتكلمين يخطئون فيرفعونه، لتوهمهم أنه خبرها نحو "إن عندك لخبراً"، ونحو "لعل في سفرك خيراً". (5) لامُ التأْكيدِ بعدَ "إنَّ" المَكسورةِ الهمزة تختصُّ "إنَّ"، المكسورةُ الهمزةِ، دونَ سائرِ أخواتها، بجوازِ دخولِ لامِ التأكيد، ِ، وهي التي يُسمونها (لامَ الابتداءِ) على اسمها، نحو "إنَّ في السماءِ لخَبَراً، وإنَّ في الارض لَعِبَراً"، وعلى خبرها نحو "إنَّ الحقَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 َلمنصورٌ، وعلى معمول خبرها، نحو "إنه للخيرَ يفعلُ"، وعلى ضمير الفصلِ نحو "إنَّ المجتهدَ لَهُوَ الفائزُ". (6) شَروطُ ما تَصحَبُهُ لامُ التأكيد (1) يُشترطُ في دخول لام التأكيد على اسم "إنَّ" أن تقع بعدَ ظرفٍ أو جارٍّ ومجرورٍ يتعلقان بخبرها المحذوف، نحو "إن عندَك لخَيراً عظيماً، وإنَّ لك لخُلُقاً كريماً". (فان وقع قبلهما لم يجز اقترانه باللام فلا يقال "إن لخيراً عندك، وإن لخلقاً كريماً لك") . (2) يُشترط في دخولها على الخبر أن لا يقترنَ بأداةِ شرطٍ أو نفي، وأن لا يكون ماضياً مًتصرفاً مُجرَّداً من "قد". فان كان الخبرُ واحداً منها لم يَجُز دخولُ هذه اللام عليه. فمثالُ المستكملِ للشرط " {إن ربي لسميع الدُّعاء} . {وإنَّ رَبَّكَ لَيعلمُ} . {وإنَّا نحنُ نُحيي الموتى} ". ومتى استَوفى خبرُ "إنَّ" شروط اقترانه بِلام التأكيد، جاز دخولها عليه، لا فرقَ أن يكون مفرداً، نحو "إنَّ الحق لمنصورٌ"، أو جملةً اسميَّةتً، نحو "إنَّ الحقَّ لصَوتُهُ مرتفعٌ، أو جملةً مضارعيّةً، نحو "إنَّ ربّكَ ليَحكُمُ بينهم"، أو جملةً ماضيَةً فعلها جامدٌ، نحو "إنك لَنِعْمَ الرجل"، أو متصرفٌ مقترنٌ بقد، نحو "إنَّ الفرَجَ لقدْ دَنا". واذا حُذفَ الخبرُ، جازَ دخولُ هذهِ اللامِ على الظرف أو الجار المتعلّقينِ به، نحو "إن أخاكَ لعندي، وإنَّ أباكَ لَفي الدّار"، ومنهُ قولهُ تعالى {وانك لَعَلى خُلُقٍ عظيم} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 (3) يُشترطُ في دخولها على مفعول الخبر شرطان، الاول أن يتوسَّطَ بين اسمها وخبرها. والثاني ان يكونَ الخبرُ ممّا يَصلُحُ لدخول هذه اللامِ عليه، نحو "إنَّ سليماً لفي حاجتك ساعٍ، وإنه لَيومَ الجمعةِ آتٍ، وإنهُ لأمرَكَ يُطيعُ". (4) أما ضميرُ الفصلِ، فلا يُشترطُ في دخولها عليه شيءٌ، كقوله تعالى {إنَّ هذا لَهُوَ القَصَصُ الحقُّ} . (وضمير الفصل هو ما يؤتى به بين المبتدأ والخبر، أو بين ما أصله مبتدأ وخبر للدلالة على أنه خبر لا صفة. وهو يفيد تأكيد اتصاف المسند إليه بالمسند. وهو حرف لا محل له من الاعراب، على الأصح من أقوال النحاة، وصورته كصورة الضمائر المنفصلة وهو يتصرف تصرفها بحسب المسند اليه، إلا أنه ليس إياها. ثم إن دخوله بين المبتدأ والخبر المنسوخين بكان وظن وأن واخواتهن تابع لدخوله بينهما قبل النسخ، نحو "إن زهيراً هو الشاعر". وكان علي هو الخطيب وظننت عبد الله هو الكاتب) . (وضمير الفصل حرف كما قدمنا وإنما سمي ضميراً لمشابهته الضمير في صورته. وسمي ضمير فصل لأنه يؤتى به الفصل بين ما هو خبر أو صفة، لأنك إن قلت "زهير المجتهد"، جاز أنك تريد الإخبار وأنك تريد النعت. فان أردت أن تفصل بين الأمرين. وتبين أن مرادك الإخبار لا الصفة. أتيت بهذا الضمير للاعلان من أول الأمر بأن ما بعده خبر عما قبله لا نعت له، ثم انه يفيد تأكيد الحكم، لما فيه من زيادة الربط. ومن العلماء من يسمي ضمير الفصل "عماداً" لاعتماد المتكلم أو السامع عليه في التفريق بين الخبر والصفة) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 وقد شرحنا ضمير الفصل في الجزء الاول من هذا الكتاب، في الكلام على الضمائر، فراجعه. شرحُ لامِ الابتداء تدخلُ لامُ الابتداء في ثلاثة مواضع. الاولُ في باب المبتدأ. وذلك في صورتين (1) ان تدخلَ على المبتدأ، والمبتدأ مُتقدّمٌ على الخبر، ودخولها عليه هو الاصل فيها نحو {لأنتم أشد رَهبةً في صُدورهم} . فان تأخرَ عن الخبر امتنعَ دخولها عليه، فلا يُقال "قائمٌ لَزيدٌ". وما سُمعَ من ذلك فلضَرورةِ الشعر، وهو شاذٌّ لا يُقاس عليه. (2) ان تدخل على الخبر بشرط ان يتقدم على المبتدأ، نحو "لمُجتهدٌ انتَ" فان تأخرَ عنهُ امتنع دخولها عليه، فلا يقال "انت لمجتهدٌ". وما سُمعَ من ذلك فشادٌّ لا يُلتفتُ اليه. ومن العلماءِ من لا يُجيزُ دُخولها على خبر المبتدأ، سواءٌ أتقدَّمَ أم تأخر. الموضع الثاني في باب "إن" المكسورةِ الهمزة. وقد سبقَ انها تدخل على اسمها المتأخر، وعلى خبرها، اسماً كان، او فعلاً مضارعاً، او ماضياً جامداً أو ماضياً متصرفاً مقروناً بِقَدْ، أو جملة اسميَّة. وعلى الظرف والجارّ المُتعلقينِ بخبرها المحذوف دالين عليه، وعلى معمول خبرها. الموضعُ الثالثُ في غير بابيِ المبتدأ وإنّ. وذلك في ثلاث مسائل (1) الفعلُ المضارع، نحو "لَتَنهض الأمة مُقتفيةً آثارَ جدودها". (2) الماضي الجامد، نحو {لَبئسَ ما كانوا يعملون} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 (3) الماضي المتصرف المقرون بِقَدْ، نحو "لَقد كان لكمخ في يوسفَ وإخوتِهِ آياتٌ". ومن العلماء من يجعلُ اللامَ الداخلةَ على الماضي، في هذا الباب، لامَ القسم فالقسم عنده محذوف، ومصحوب اللام جوابُه. واعلم أنَّ للام الابتداء فائدتين. الفائدة الأولى توكيدُ مضمونِ الجملة المُثبتة. ولذا تُسمّى "لام التوكيد" وإنما يُسمونها لامَ الابتداء لأنها في الاصل، تدخل على المبتدأ، أو لأنها تقع في ابتداء الكلام. وإذْ كانت للتوكيد فانها متى دخلت عليها "إنَّ" زحلقوها الى الخبر، نحو {إنَّ ربي لَسميع الدعاء"، وذلك كراهية اجتماع مُؤكدينِ في صدر الجملة، وهما "إنَّ واللام". ولذلك تُسمّى "اللامَ المزخلَقَةً أيضاً". وإِذْ كانت هذه اللام للتوكيد في الإثبات، امتنعت من الدخول على المنفيِّ لفظاً أو معنى، فالاول نحو "انكَ لا تكذبُ"، والثاني نحو "إنك لو اجتهدتَ لأكرمتُكَ. وإنك لولا اهمالُكَ لَفُزتَ". فالاجتهادُ والإكرامُ مُنتفيانِ بعدَ "لو"، والفوزُ وحدَهُ مُنتفٍ بعدَ "لولا". الفائدةُ الثانيةُ تَخليصها الخبرَ للحال، لذلك كان المضارع بعدها خالصاً للزمان الحاضر، بعد أن كان مُحتملاً للحال والاستقبال. واذْ كانت لتوكيد الخبرِ في الحال امتنعت من الماضي والمضارع المُستقبل، الا ان يكون الماضي جامداً او مُتصرِّفاً مقترناً بِقدْ. اما الجامدُ فلأنه لا يَدلُّ على حدثٍ ولا زمان. وأما المقترنُ بِقدْ فلأنّ (قد) تُقرِّبُ الماضيَ من الحال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 ولا فرقَ بينَ ان يكون المضارعُ المستقبلُ مسبوقاً بأداةٍ تَمحَضُه الاستقبالِ كالسين وسوفَ وأدواتِ الشرطِ الجازمة وغيرها، او غيرَ مسبوقٍ بها، وانما القرينةُ تدلُّ على استقباله، نحو "إنه يجيءُ غداً". وأما قوله تعالى {إنَّ ربكَ لَيحكُمُ بينَهم يوم القيامة} ، فانما جازَ دخولُ اللام لأنَّ المستقبل هنا مُنزَّلٌ مَنزلةَ الحاضرِ لتحقُّق وقوعهِ، لأنَّ الحكمَ بينهم واقعٌ لا محالةَ. فكأنهُ حاضر، وكذا قولهُ تعالى {ولَسوفَ يُعطيكَ ربُّكَ فترضى} ، فانَّ الإعطاءَ مُحقَّقٌ، فكأنه واقعٌ حالاً. وأما قوله عز وجلَّ على لسان يعقوبَ {انهُ ليحزُنُني ان تذهبوا به} ، فانّ الذهابَ، وان كان مُستقبلاً فان أثرَهُ، وهو الحزنُ، حاضرٌ، فانهُ حَزِنَ لمُجرَّدِ علمهِ انهم ذاهبُون به، فلم يخرُج المضارعُ هنا، وهو (يُحزُنني) ، عن كونهِ للحال. ويرى بعض العلماء (وهمُ الكوفيُّون) انها لا تمحَضُ المضارع الحالَ، بل يجوز ان تدخل عَليه مُستقبل، بالأداة او بِدونها، وجعلوا الاستقبالَ في الآياتِ على حقيقته. (8) "ما" الكافَّةُ بعدَ هذهِ الأحرُف اذا لحقت (ما) الزائدةُ الاحرفَ المُشبّهةَ بالفعل، كفتّها عن العمل، فيرجعُ ما بعدها مبتدأً وخبراً. وتُسمّى (ما) هذه (ما الكافةَ) لأنها تَكُفُّ ما تلحقُهُ عن العمل، كقوله تعالى {إنما إِلهكُم إِلهٌ واحدٌ"} ، ونحو {كأنما العلمُ نورٌ} و (لَعلَّما اللهُ يرحمُنا) . غير أنَّ (ليتَ) يجوزُ فيها الإِعمالُ والإِهمالُ، بعدَ أن تَلحقَها (ما) هذه، تقولُ (ليتما الشبابَ يعودُ) و (ليتما الشبابُ يعودُ) . واعمالُها حينئذ أحسنُ من اهمالها. وقد رُوِيَ بالوجهينِ، نصبِ ما بعدَ (ليتما) ورفعه، قولُ الشاعرِ [النابغة - من البسيط] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 قالتْ أَلاَ لَيتَما هذا الحمامَ لنا ... إلى حَمامَتِنا، أو نِصْفَهُ فَقَدِ (فالنصب على أن (ليتما) عاملة، و (ذا) اسمها، و"الحمام" بدل منه. والرفع على أنها مهملة مكفوفة بما، و (ذا) مبتدأ، و"الحمام" بدل منه. وكذا "نصفه" إن نصبت الحمام نصبته، وإن رفعته رفعته، لأنه معطوف عليه) . ومتى لحقت (ما الكافَّة) هذهِ الاحرفَ زالَ اختصاصُها بالأسماء. فَلِذا أُهملت، وجازَ دخولُها على الجملة الفعليّة، كما تدخلُ على الجملة الاسميَّة، إلاَّ (ليتَ) . فمن دخولها على الجملةِ الفعلية قولهُ تعالى {كأنما يُساقونَ الى الموت} وقول الشاعر [من الطويل] أَعِدْ نَظَراً يا عَبْدَ قَيْسٍ، لَعَلَّما ... أَضاءَتْ لكَ النَّارُ الحِمارَ المُقَيَّدا ومن دخولها على الجملة الاسميَّة قوله تعالى {قل انما انا بشرٌ مثلُكُم يُوحى إليَّ أنما إلهكم إلهُ واحدٌ} [الكهف: 110] ،، وقولهُ {إنما اللهُ إِلهٌ واحدٌ} [النساء: 171] . وأما (ليتَ) فانها باقيةٌ على اختصاصها بالأسماءِ، بعدَ أن تلحقها (ما الكافةُ) فلا تدخلُ على الجُمل الفعليَّة، لذلك يُرَجَّحُ ان تبقى على عملها من نصب الاسمِ ورفعِ الخبر، كما تقدَّم. فائدة وتنبيه (إن كانت (ما) اللاحقة لهذه الأحرف اسماً موصولاً، او حرفاً مصدرياً، فلا تكفها عن العمل، بل تبقى ناصبة للاسم رافعة للخبر. فان لحقتها (ما الموصولة) كانت (ما) اسمها منصوبة محلاً، كقوله تعالى {إن ما عندكم ينفد} ، أي إن الذي عندكم ينفد. وإن لحقتها (ما المصدرية) كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 ما بعدها في تأويل مصدر منصوب، على انه اسم "ان" نحو "إن ما تستقيم حسن"، أي ان استقامتك حسنة. وحينئذ تكتب (ما) منفصلة. كما رأيت. بخلاف (ما الكافة) ، فانها تكتب متصلة كما عرفت فيما سلف. وقد اجتمعت "ما" المصدرية و"ما" الكافة في قول امرئ القيس [من الطويل] فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني ولم أطلب، قليل من المال ولكنما أسعى لمجد مؤثلٌ ... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي فما في البيت الاول مصدرية. والتقدير لو ان سعيي. وفي البيت الآخر زائدة كافة، أي ولكني أسعى لمجد مؤثل) . (9) العَطْفُ على أسماء هذهِ الأَحرُف اذا عطفتَ على اسماءِ الاحرف المشبَّهة بالفعل، عطفت بالنصب، سواءٌ أوقعَ المعطوفُ قبلَ الخبر ام بعدَهُ، فالاولُ نحو (إنَّ سعيداً وخالداً مسافرانِ) ، والثاني نحو (إنَّ سعيداً مُسافرٌ وخالداً) . وقد يُرفعُ ما بعدَ حرف العطف، بعدَ استكمالِ الخبر، على انهُ مبتدأٌ محذوفُ الخبر، وذلك بعد (إنَّ وأنَّ ولكنَّ) فقطْ، فمثالُ (إنَّ) " (إنَّ سعيداً مسافرٌ وخالدٌ) ، ومنهُ قولُ الشاعر [من الطويل] الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 فَمَنْ يَكُ لم يُنْجِبْ أَبُوهُ وأُمُّهُ ... فَإنَّ لَنا الأُمَّ النَّجيةَ، والأَبُ وقول الآخر [من الكامل] إنَّ الخِلافَة والمُروءَةَ فيهمُ ... والمَكْرُماتُ وسادةٌ أطهارُ ومثالُ (أنَّ) قوله تعالى (واذانٌ من الله ورسولهِ الى الناس يومَ الحجِّ الاكبرِ أنَّ اللهَ بريءٌ من المشركينَ، ورسولهُ) . ومثالُ "لكنَّ) قولُ الشاعر [من الطويل] وما زِلتُ سَبَّاقاً إلى كُلِّ غايةٍ ... بها يُبْتَغَى في النَّاس مَجدٌ وإِجلالُ وما قَصَّرَتْ بِي في التَّسامي خُؤُولةٌ ... ولكنَّ عمِّي الطَّيِّبُ الأَصلِ والخالُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 وقد يُرفعُما بعدَ العاطف قبل استكمالِ الخبر، لغرضٍ معنوي، على أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر "فتكونُ جُملتُهُ مُعترِضةً بينَ اسمِ (إنّ) وخبرِها، كقول الشاعر [من الطويل] فَمَنْ يَكُ أَمسَى بالمدينَةِ رَحْلُهُ ... فإنِّي، وقَيَّارٌ، بِها لَغَريبُ (غريب خبر عن اسم، "إن"، وقيار مبتدأ محذوف الخبر، والتقدير وقيار غريب بها ايضاً. وقيار اسم فرسه او جمله. وانما قدمه واعترض بجملته بين اسم إن وخبرها لغرض ان هذا الفرس او الجمل استوحش في هذا البلد، وهو حيوان، فما بالك بي، فلو نصب بالعطف على اسم "ان" فقال "فاني وقياراً بها لغريبان"، لم يكن من ورائه شدة تصوير الاستيحاش الذي يعطيه الرفع في هذا المقام) . ومنهُ قولهُ تعالى { (إنَّ) الذينَ آمنوا والذينَ هادُوا، والصابئون، والنصارى، مَن آمنَ منهم باللهِ واليومِ الآخرِ وعملَ صالحاً، فلا خَوفٌ عليهم ولا هم يَحزنون} [المائدة: 69] . فالصابئون مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير والصابئون كذلك، اي لهم حكم الذين آمنوا والنصارى واليهود. والجملة معترضة بين اسم "ان" وخبرها، وخبر الخبر هو جملة الجواب والشرط، والغرض من رفع "الصابئون" وجعله مبتدأ محذوف الخبر أنه لما كان الصابئون، مع ظهور ضلالهم وميلهم عن الأديان كلها، يتاب عليهم إن صح منهم الايمان، واعتصموا بالعمل الصالح، فغيرهم ممن هو على دين سماوي وكتاب منزل، أولى بذلك) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 312 (10) إنَّ المكسورةُ، وأَنَّ المفتوحة يجبُ ان تُكسرَ همزةُ (إنَّ) حيث لا يصحُّ ان يقومَ مقامَها ومقام معمولَيها مصدرٌ. ويجبُ فتحُها حيثُ يجبُ ان يقوم مصدرٌ مقامَها ومقامَ معموليها. ويجوزُ الامرانِ الفتحُ والكسرُ، حيثُ يَصحُّ الاعتبارانِ. (فان وجب أن يؤول ما بعدها بمصدر مرفوع أو منصوب أو مجرور (بحيث تضطر الى تغيير تركيب الجملة) ، فهمزتها مفتوحة وجوباً، نحو "يعجبني أنك مجتهد"، والتأويل "يعجبني اجتهادك" ونحو "علمت ان الله رحيم"، والتأويل "علمت رحمة الله"، ونحو "شعرت بأنك قادم"، والتأويل "شعرت بقدومك". وانما وجب تأويل ما بعد "أن" هنا بمصدر لأننا لو لم نؤوله، لكانت "يعجبني" بلا فاعل، "وعلمت" بلا مفعول، و"الباء" بلا مجرور فالمصدر المؤول فاعل في المثال الاول، ومفعول في المثال الثاني، ومجرور بالباء في المثال الثالث. وان كان لا يصح أن يؤول ما بعدها بمصدر (بمعنى أنه لا يصح تغيير التركيب الذي هي فيه) وجب كسر همزتها على أنها هي وما بعدها جملة، نحو "ان الله رحيم". وإنما لم يصح التأويل بالمصدر هنا لأنك لو قلت "رحمة الله" لكان المعنى ناقصاً. وان جاز تأويل ما بعدها بمصدر، وجاز ترك تأويله به، جاز الامران، فتحها وكسرها نحو "أحسن إليّ علي، انه كريم"، فالكسر هنا على أنها مع ما بعدها جملة تعليلية، والفتح على تقدير لام الجر، فما بعدها مؤول بمصدر. والتأويل "أحسن اليه لكرمه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 وحيث جاز الامران فالكسر أولى وأكثر لانه الاصل، ولانه لا يحتاج معه الى تكلف التأويل) . (11) مَواضعُ "إِنَّ" المكسُورة الهمزة وجوباً تُكسرُ همزةُ (إنَّ) وجوباً حيثُ لا يصحُّ أن يُؤَوّلَ ما بعدَها بمصدر، وذلك في اثنيْ عَشر موضعاً (1) ان تقعَ في ابتداءِ الكلام، إمَّا حقيقةً، كقوله تعالى {إنا انزلناهُ في ليلة القَدْرِ} ، أو حُكماً، كقوله عَزَّ وجلَّ {ألا إنَّ اولياءَ الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزَنون} . وإن وقعتْ بعدَ حرف تنبيه، كألا، اوِ استفتاحٍ، كألا وأمَا، او تحضيضٍ كهَلاً، او رَدْعٍ، كَكَلاَّ، او جوابٍ، كنَعْم ولا، فهي مكسورةُ الهمزةِ، لانها في حكم الواقعة في الابتداء. وكذا إن وقعت بعدَ (حتّى) الابتدائية، نحو "مَرِضَ زيدٌ، حتى إنهم لا يَرجونه، وقَلَّ مالُه، حتى إنهم لا يُكلّمونه". والجملة بعدَها لا محلَّ لها من الاعراب لانها ابتدائيةٌ، او استئنافيّة. (2) أن تقعَ بعد (حيث) نحو "اجلِسْ حيث إنَّ العلم موجود". (3) أن تقعَ بعد (إذْ) نحو "جئتُكَ إذْ إنِّ الشمسَ تطلُعُ". (4) أن تقعَ صدرَ الواقعةِ صِلَةً للموصول، نحو "جاء الذي إنه مجتهدٌ"، ومنهُ قولهُ تعالى {وآتيناهُ من الكنوزِ ما إن مَفاتحَهُ لتَنوء بالعُصبةِ أولي القوَةِ} . (5) أن تقعَ ما بعدَها جواباً للقسَم، نحو واللهِ، "انَّ العلمَ نورٌ"، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 314 ومنه قولهُ تعالى {والقرْآنِ الحكيمِ، انكَ لَمنَ المُرسلينَ} . (6) أن تقعَ بعد القولِ الذي لا يَتضمَّنُ معنى الظنِّ، كقوله تعالى {قال إني عبدُ اللهِ} ، فان تَضمَّنَ معناهُ فُتحت بعدهُ، لأنَّ ما بعدَها مَؤوَّلٌ حينئذٍ بالمفعول به، نحو "أتقولُ أن عبدَ الله يَفعلُ هذا؟ "، أي "أتظنُّ أنهُ يَفعلهُ؟ ". (7) أن تقعَ معَ ما بعدها حالاً، نحو "جئتُ وإِنَّ الشمس تَغرُبُ"، ومنه قولهُ تعالى {كما أخرجَكَ رَبُّكَ من بيتكَ بالحقِّ، وإنّ فريقاً منَ المُؤمنينَ لكارهون} . (8) أن تقعَ معَ ما بعدَها صفةً لما قبلها، نحو "جاءَ رجلٌ إنه فاضل". (9) أن تقعَ صدرَ جملةٍ استئنافيَّةٍ، نحو "يَزعُمُ فلانٌ أني أسأتُ اليهِ، إنه لكاذبٌ} . وهذهِ من الواقعة ابتداءً. (10) أن تقعَ في خبرِها لامُ الابتداء نحو "علمتُ إنكَ لمجتهدٌ". ومنه قولهُ تعالى {واللهُ يَعلمُ إنكَ لرسولُه، واللهُ يشهدُ إنَّ المُنافقينَ لكاذبون} . (11) ان تقعَ مع ما بعدَها خبراً عن اسم عين، نحو "خليلٌ إنه كريمٌ" ومنه قولهُ تعالى {إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصّابِئينَ والنَّصارى والمجُوسَ والذينَ اشركوا، إنَّ اللهَ يَفصِلُ بينهم يومَ بالقيامة} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 (12) مَواضعُ "أَنَّ" المفْتوحةِ الهمزة وجوباً تُفتحُ همزةُ "أنّ" وجوباً حيثُ يجبُ ن يؤوَّلَ ما بعدَها بمصدرٍ مرفوع او منصوبٍ أو مجرور. وذلك في أحدَ عشرَ موضعاً فيؤوَّل ما بعدها بمصدرٍ مرفوعٍ في خمسة مواضع (1) ان تكون وما بعدها في موضع الفاعل، نحو "بلغني أنك مجتهدٌ" ومنه قولهُ تعالى {أَولم يَكْفِهم أنا أنزلنا عليكَ الكتاب} . ومن ذلك أن تقع بعد "لَوْ"، نحو "لو انك اجتهدتَ لكان خيرٌ لك"، ومنه قولهُ تعال {ولو أنهم آمنوا واتقَوْا لمثوبة من الله خيرٌ} . ومن ذلك ان تقع بعد "ما" المصدريّة الظَّرفيَّة، نحو "لا أُكلمك ما أنك كسُولٌ"، ومنه قولُهُمْ (لا أُكلِّمهُ ما أنَّ حراءً مكانَه) او (ما أنَّ في السماءِ نجماً) . (2) أن تكون هي وما بعدها في موضعِ نائب الفاعل، نحو "عُلمَ انك منصرفٌ"، ومنهُ قولهُ تعالى {قُل أُوحِيَ اليَّ انه استمعَ فَفَرٌ من الجن} . (3) ان تكونَ هي وما بعدها في موضع المبتدأ، نحو "حَسَنٌ انك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 مجتهدٌ"، ومنهُ قولهُ تعالى {ومن آياته انك تَرى الارضَ خاشعةً} . (4) ان تكون هي وما بعدها في موضع الخبر عن اسم معنًى واقعٍ مبتدأ او اسماً لأنَّ، نحو "حَسبُكَ انكَ كريمٌ"، ونحو "ان ظني انك فاضلٌ". فان كان المخبَرُ عنهُ اسمَ عينٍ وجب كسرُها، كما تقدَّمَ، لانك لو قلت "خليلٌ انهُ كريمُ"، بفتحها، لكانَ التأويلُ "خليلٌ كرَمُهُ"، فيكونُ المعنى ناقصاً. (5) ان تكون هي وما بعدها في موضعِ تابعٍ لمرفوعٍ، على انه معطوفٌ عليهِ او بَدَلٌ منه، فالاولُ نحو "بلغني اجتهادُك وانكَ حَسَنُ الخُلُق"، والثاني نحو "يُعجبُني سعيدٌ انهُ مجتهدٌ". وتُؤَوَّلُ بمصدرٍ منصوبٍ في ثلاثةِ مواضعَ (1) ان تكون هي وما بعدها في موضع المفعول به، نحو "علمتُ أنكَ مجتهدٌ"، ومنهُ قولهُ تعالى {ولا تخافون انكم أشركتم باللهِ} . ومن ذلك ان تقع بعد القول المتَضمّنِ معنى الظنّ، كما سبق. (2) أن تكون هي وما بعدها في موضعِ خبرٍ لكانَ او إحدى أخواتها، بشرطِ ان يكون اسمُها اسمَ معنًى، نحو "كانَ عِلمي، او يَقيني، أنك تتَّبعُ الحقَّ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 (3) ان تكون هي وما بعدها في موضعِ تابعٍ لمنصوبٍ، بالعطف او البَدَليّة فالاوَّلُ نحو "علمتُ مجيئَكَ وأنكَ مُنصرفٌ" ومنهُ قولهُ تعالى {اذكروا نِعمتيَ التي انعمتُ عليكم، واني فَضَّلتكم على العالمين} ، والثاني نحو "احترمتُ خالداً انه حَسَنُ الخُلقْ" ومنه قولهُ تعالى {واذْ يَعِدُكم الله إحدى الطائفتين انها لَكُم} . وتؤَوَّلُ بمصدرٍ مجرورٍ في ثلاثة مواضعَ ايضاً (1) ان تقعَ بعد حرف الجر، فما بعدَها في تأويل مصدرٍ مجرورٍ به، نحو "عَجبتُ من انكَ مُهملٌ"، ومنه قولهُ تعالى {ذلكَ بأن اللهَ هوَ الحقُّ} . (2) ان تقعَ مع ما بعدها في موضعِ المضاف اليه، نحو "جئتُ قبلَ أنَّ الشمسَ تَطلُعُ"، ومنه قوله تعالى {وإنه لحَقٌّ مثلما انكُم تَنطِقون} . (3) ان تقع هي وما بعدها في موضع تابعٍ لمجرورٍ، بالعطف او البَدَليةِ، فالاولَ نحو "سُررتُ من أدَبِ خليلٍ وإنها عاقلٌ"، والثاني نحو "عَجبتُ منهُ إنهُ مُهملٌ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 (13) الْمَواضِعُ التي تَجوزُ فيها "إِنَّ وأَنَّ" يجوزُ الامرانِ، كسر همزة "إنَّ" وفتحُها، حيثُ يَصح الإعتبارانِ تأويلُ ما بعدها بمصدرٍ، وعدمُ تأويلهِ. وذلك في أربعة مواضع (1) بعد "اذا" الفُجائيّةِ، نحو "خرجتُ فاذا إنَّ سعيداً واقفٌ". (فالكسر هو الاصل، وهو على معنى "فاذا سعيد واقف" والفتح على تأويل ما بعدها بمصدر مبتدأ محذوف الخبر، والتأويل "فاذا وقوفه حاصل") . وقد رُوي بالوجهينِ قولُ الشاعر [من الطويل] وكُنْتُ أَرَى زَيْداً، كما قيلَ، سَيِّداً ... إِذَا أَنَّهُ عَبْدُ الْقَفا واللهازِمِ (فالكسر على معنى "فاذا هو عبد القفا". والفتح على معنى "فاذا عبوديته حاصلة". (2) ان تقعَ بعدَ فاءِ الجزاءِ، نحو "ان تجتهدْ فانكَ تُكرَمُ". وقد قُرِيءَ بالوجهين قولهُ تعالى {مَنْ يُحادِدِ اللهَ ورسولَهُ فانَّ لهُ نارَ جهنمَ} . وقولهُ {مَن عملَ منكم سُوءًا بِجهالةٍ، ثمَّ نابَ من بعدهِ واصلحَ، فانهُ غفورٌ رَحيمٌ} . (فالكسر على جعلها جملة الجواب. والفتح على ان ما بعدها مؤول بمصدر مرفوع مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير في المثال "ان تجتهد فاكرامك حاصل". والتقدير في الآية الاولى "فكون نار جهنم له او ثابت أو حاصل" والتقدير في الآية الاخرى {فمغفرة الله حاصلة له} . وتكون جملة المبتدأ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 المؤول وخبره المحذوف جواب الشرط) . (3) ان تقعَ مع ما بعدها في موضعِ التَّعليلِ، نحو اكرِمْهُ، انّهُ مُستحِقٌّ الإكرامِ"، وقد قُريءَ بالوجهينِ قولهُ تعالى {صَلِّ عليهم، إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لهم} . (فالكسر على انها جملة تعليلية. والفتح على تقدير لام التعليل الجارة اي لانه ولان صلاتك. والتأويل في المثال "أكرمه لاستحقاقه الإكرام"، وفي الآية "صل عليهم لتسكين صلاتك إياهم"، والسكن (بالتحريك) ما يسكن اليه، ويفسر ايضاً بالرحمة والبركة) . (4) ان تقعَ بعدَ "لا جَرَمَ" نحو "لا جَرَمَ انكَ على حَقٍّ". والفتح هو الكثير الغالبُ. قال تعالى {لا جَرَمَ أنَّ اللهَ يَعلَمُ ما يُسِرُّونَ} . (ووجه الفتح أن تجعل ما بعد "أن" مؤولاً بمصدر مرفوع فاعل لجرمَ. وجرم معناه حقَّ وثبتَ. وأصل الجرم القطع، وعلمُ الله بالاشياء مقطوعٌ به لانه حق ثابت. و"لا" حرف نفي للجواب، يرد به كلام سابق. فكأنه قال "لا"، اي ليس الامر كما زعموا، ثم قال (جرم أن الله يعلم) أي (حق وثبت علمه) . وقال الفراء لا جرم بمعنى (لا بد) ، لكن كثر في الكلام، فصار بمنزلة اليمين، لذلك فسرها المفسرون حقاً وأصله من جرمت بمعنى كسبتُ. فتكون (لا) على رأيه نافية للجنس. و (جرم) اسمها مبني على الفتح، وما بعد (أن) مؤول بمصدر على تقدير (من) ، أي لا جرم من ان الله يعلم، اي لا بد من علمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 ووجه الكسر ان من العرب من يجعل (لا جرم) بمنزلة القسم واليمين، نحو (لا جرم لآتينك، ولا جرم لقد أحسنت) . فمن جعلها يميناً كسر همزة (ان) بعدها نحو (لا جرم إنك على حق) ، وجعل جملة (ان) المكسورة واسمها وخبرها. جواب القسم. وعلى من جعلها يميناً فاعرابها كاعراب (لا بد) وقد أغنى جواب القسم عن خبرها. وقد علمت انه حيث جاز فتح (أن) وكسرها، فالكسر أولى وأكثر، لأنه الأصل، ولأنه لا تكلف فيه، إلا اذا وقعت بعد (لا جرم) فالفتح هو الغالب الكثير، وان نزّلتها منزلة اليمين، لأنها في الاصل فعل) . (14) تخفيفُ "إنَّ وأَنَّ وكأنَّ ولكنَّ". يجوزُ ان تُخفَّفَ "إنَّ وأنَّ وكأنَّ ولكنَّ" بحذف النون الثانية، فيقال "إنْ وأنْ وكأنْ ولكنْ". (15) "إنْ" المخففة المكسورة اذا خُفّفت "إنَّ" أُهمِلتْ وجوباً، إن ولِيَها فعلٌ، كقوله تعالى {وإن نَظنكَ لَمِنَ الكاذبين} . فان ولِيَها اسمٌ فالكثيرُ الغالبُ إهمالها، نحو "إن أنتَ لصادقٌ"، ويَقِلُّ إعمالها، نحو "إنْ زيداً مُنطلِقٌ"، ومنهُ قولهُ تعالى {وإنْ كُلاً لمَا ليوَفينَّهم ربكَ اعمالهم"، في قراءَة من قرأ "إنْ ولَمَا" مخفّفتينِ. ومتى خُففت وأُهمِلَت لزمتها اللامُ المفتوحةُ وجوباً، نحو "إنْ سعيدٌ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 لمجتهد" تَفرقةً بينها وبين "إنْ" النافيةِ، كيلا يقع اللبسُ. وتُسمّى "اللامَ الفارقةَ". فان أُمِنَ اللَّبس جاز تركُها، كقوله [من الطويل] أَنا ابنُ أُباةِ الضَّيْمِ منْ آلِ مالِكٌ ... وإِنْ مالكٌ كانتْ كِرامَ الْمَعادِنِ لأن المقامَ هنا مَقامُ مَدح، فيمنعُ ان تكونَ "إنْ نافيةً، وإلا انقلبَ المدحُ ذَماً". وإذا خُففت لم يَلِها من الأفعال إلا الأفعالُ الناسخةُ لحكم المبتدأ والخبر (اي التي تَنسَخُ حُكمهما من حيثُ الإعرابُ. وهي كانَ وأخواتُها، وكادَ وأخواتُها، وظنَّ وأخواتُها) . وحينئذٍ تدخلُ اللامُ الفارقةُ على الجزءِ الذي كان خبراً. والاكثر ان يكونَ الفعلُ الناسخُ الذي يليها ماضياً، كقوله تعالى {وإِنْ كانت لكبيرةً إلاّ على الذينَ هدى اللهُ} ، وقوله {قال تاللهِ إن كِدتَ لَتُردِينِ} ، وقولهِ {وإن وجدنا أكثرَهم لَفاسقينَ} . وقد يكونُ مضارعاً كقوله سبحانهُ {وإن نظنكَ لَمِنَ الكاذبين} . ودخولُ "إنْ" المخفّفَة على غير ناسخٍ من الافعال شاذ نادرٌ، فما وردَ منه لا يُقاسُ عليه، كقولهم "إنْ يَزينُكَ لنَفسُكَ، وإنْ يشينُكَ لهِيَهْ". (16) "أنْ" المُخفَّفَةُ المفتوحة أذا خُفّفت "أن" المفتوحةُ، فمذهبُ سيبويه والكوفيين انها مُهمَلةٌ لا تعمل شيئاً، لا في ظاهر ولا مُضمر، فهي حرفٌ مصدري كسائر الاحرف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 المصدرية. وتدخلُ حينئذٍ على الجملِ الإسميّة والفعلية. وهذا ما يظهرُ أنه الحقُّ. وهو مذهبٌ لا تكَلُّفَ فيه. واما قولُ جَنوبَ الكاهليّة [من المتقارب] لَقَدْ عَلِمَ الضيفُ والمُرْمِلون ... إِذا اغْبرَّ أُفْقٌ وَهَبَّتْ شَمالا بأَنْكَ رَبيعٌ وغَيْثٌ مَريعٌ ... وأَنْكَ هُناكَ تكونُ الثِّمالا وقولُ الآخر [من الطويل] فلَوْ أَنْكِ في يَوْمِ الرَّخاءِ سَأَلتني ... طلاقَكِ لم أبخلْ وأَنتِ صَديقُ فضَرورَةٌ شعريَّةٌ لا يُقاسُ عليها. واعلم أنَّ "أنَّ" المخفّفةَ، إن سبقها فعل، فلا بُدَّ أن يكونَ من أفعال اليقينِ أو ما يُنزَّلُ منزلَتها، من كل فعل قلبيٍّ، يُرادُ به الظنُّ الغالبُ الراجح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 فالاولُ كقوله تعالى {عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مَرْضى} ، ومنه قول الشاعر [أبو محجن الثقفي] إذا مِتُّ فادفنِّي إِلى جَنْبِ كرْمةٍ ... تُرَوِّي عظامي بعْد مَوتي عُروقُها ولا تَدفِنَنِّي في الْفَلاةِ، فإنَّني ... أخافُ إِذا ما مِتُّ، أَن لا أذُوقُها فخوفهُ ان لا يذوقها بعدَ مماته يقينٌ عنده، مُتحققٌ لديهِ. والثاني كقوله تعالى {وظنُّوا أنْ لا مَلجأ من اللهِ إِلاّ اليه} وقولهِ {أيحسَبُ أن لم يَرَهُ أحدٌ} . فائدة (إذا وقعت "أن" الساكنة بعد فعل يفيد العلم واليقين، وجب أن تكون مخففة من "ان" المشددة. وأن يكون المضارع بعدها مرفوعاً، كما رأيت. ولا يجوز أن تكون "أن" الناصبة للمضارع. وان وقعت بعد فعل يدل على الظن الراجح، جاز أن تكون مخففة من (أن) المشددة فالمضارع بعدها مرفوع، وجاز أن تكون (أن) الناصبة للمضارع، فهو بعدها منصوب. وقد قريء بالوجهين قوله تعالى {وحسبوا أن لا تكون فتنة} ، بنصب (تكون) على أن (أن) هي الناصبة للمضارع، ورفعه على انها هي المخففة من (أن) المشددة. وذلك لأن (أن) الناصبة للفعل المضارع تستعمل في مقام الرجاء وللطمع فيما بعدها، فلا يناسبها اليقين، وإنما يناسبها الظن، فلم يجز أن تقع بعد ما يفيد اليقين. و (أن) المخففة هي للتأكيد، فيناسبها اليقين. ولما كان الرجاء والطمع يناسبهما الظن، جاز أن تقع بعده (أن) الناصبة للمضارع المفيدة للرجاء والطمع. وانما جاز أن تقع (أن) المخففة المفيدة للتأكيد. إذا كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 324 ظناً راجحاً، لأن الظن الراجح يقرب من اليقين فينزل منزلته) . واعلم أنَّ "أن" المخفّفَة لا تدخل إلا على الجمل، عند من يُهملهُا وعند من يُعمِلُها في الضمير المحذوف، الا ما شذ من دخولها على الضمير البارز في الشعر للضّرورة، وقد علمت أنه نادر مخالفٌ للكضير المسموع من كلام العرب. والجملةُ بعدها إمَّا اسميَّةٌ، وإما فعليَّة. فان كانت جملةً اسميَّة او فعليَّة فعلُها جامدٌ، لم تحتجْ الى فاصل بينها وبين "أنْ" فالإسميَّةُ كقوله تعالى {وآخِرُ دعواهُم ان الحمدُ للهِ ربِّ العالمين} . وكقول الشاعر [من البسيط] في فِتْيَةٍ، كسُيوفِ الهِنْدِ، قَدْ عَلِمُوا ... أنْ هالِكٌ كلُّ منْ يحْفى ويَنْتَعِلُ والفعليَّةُ، التي فعلُها جامدٌ، كقوله سبحانهُ {وان ليس للانسان إلا ما سعى} ، وقولهِ {وان عسى ان يكونَ قد اقتَربَ أَجلُهم} . وإن كانت الجملةُ بعدها فعليّةً، فعلُها متصرّفٌ، فالاحسن والاكثر أن يُفصلَ بينَ "أنْ" والفعلِ بأحدِ خمسة أشياءَ (1) قد، كقوله تعالى {ونَعْلَمَ أنْ قد صَدقتَنا} ، وقول الشاعر [من الطويل] شَهِدْتُ بأنْ قَد خُطَّ ما هُوَ كائنٌ ... وأنَّك تَمحو ما تَشاءُ وتُثْبِت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 (2) حرف التّنفيسِ "السينُ او سوف" فالسينُ كقوله تعالى {عَلِمَ أنْ سيكونُ منكم مَرضى} ، وقولِ الشاعر [من الكامل] زَعَمَ الْفَرزْدَقُ أنْ سَيَقْتُلُ مِرْبَعاً ... أَبشِرْ بطول سَلاَمةٍ يا مِرْبَعُ وسوف، كقول الآخر [من الكامل] واعلمْ، فَعِلْمُ الْمَرء يَنْفَعُهُ، ... أن سَوْفَ يأْتي كُلُّ ما قُدِرا (3) النفي بِلَنْ او لم او لا، كقوله تعالى {أيحسَبُ الإنسانُ أنْ لنْ نجمَعَ عظامَهُ} وقوله {أيحسَبُ أنْ لم يرَهُ أحَدٌ} ، وقولهِ {أفلا يَرَوْنَ أنْ لا يرجِعُ اليهم قَوْلاً} . (4) أداةُ الشرطِ، كقوله تعالى {وقد نَزَّلَ عليكم في الكتاب أنْ إذا سمعتُم آياتِ الله يُكفَرُ بها ويُسْتهزأ بها، فلا تَقعُدوا مَعَهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيرِهِ} وقولهِ {وأن لوِ استقاموا على الطريقة لأسقيناهُم ماءً غَدَقاً} . (5) رُبَّ، كقول الشاعر [من الطويل] تَيَقَّنْتُ أَنْ رُبَّ امريءٍ، خِيلَ خائناً ... أَمينٌ، وخَوَّانٍ يُخالُ أَمِينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 326 وإنما يُؤتى بالفاصل لبيانِ أنَّ "أنْ" هذه مخفَّفةٌ من "أنَّ" لا انها "أن" الناصبةُ للمضارع. ويجوزُ أن لا يُفصَل بينَ "أنْ" والفعلِ بفاصل، إنْ كان ممَّا يدلُّ على العلم اليقينيّ، كقول الشاعر [من الخفيف] عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُونَ، فجادُوا ... قَبلَ أَنْ يُسأَلوا بأَعظمِ سُؤْلِ (وذلك انه لما وجب أن يعتبر (أن) الساكنة مخففة من (أن) المشددة، إذا وقعت بعد فعل يقيني، ولم يجز أن تكون هي الناصبة للمضارع، كما علمت، سهل ترك الفصل بينها وبينه، لأن الفاصل أنما يكون لتمييز احداهما عن الاخرى، للايذان من اول الامر بأنها ليست الناصبة للمضارع، وانما هي المخففة) . (17) كَأَنْ المُخَفّفة إذا خفّفت "كأن"، فالحقُّ (على ما نرى) انها مُهمَلةٌ، لا عمل لها. وعلى هذا الكوفيون. وهو قولٌ لا تكلفَ فيه. وعلى كلِّ حالٍ فيجبُ ان يكون ما بعدها جملةً، فان كانت اسميّة لم تحتج الى فاصل بينها وبين "كأن" كقوله [من الهزج] وصَدْرٍ مُشْرِقِ اللّوْنِ ... كَأَنْ ثَدْياهُ حُقّان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 وإن كانت جملةً فعليّة، وجب اقترانُها بأحدِ حرفينِ (1) قد، كقول الشاعر [النابغة / من الكامل] أَزفَ التّرَحُّلُ غَيْرَ أَنَّ رِكابَنا ... لما تزُلْ برحالِنا، وكَأَنْ قَدِ وقول الآخر [من الخفيف] لا يَهُولَنَّكَ اصْطِلاءُ لظى الحرْ ... بِ، فمحذُورُها كَأَنْ قَد أَلَما (2) لم، كقوله تعالى {كأن لم تَغْنَ بالأمسِ} ، وقولِ الشاعر [من الطويل] كَأنْ لم يَكُنْ بَيْنَ الحجُونِ إِلى الصَّفا ... أَنِيسٌ، ولم يَسْمُرْ بِمكّةَ سامرُ وانما فُصِلَ بينهما، تمييزاً لها عن "أن" المصدريةِ الداخلةِ عليها كافُ التشبيهِ. (18) لكن المخففة اذا حُفّفت "لكنَّ" أهملت وجوباً عند الجميع، ودخلت على الجُمل الاسميّةِ والفعليّة، نحو "جاء خالدٌ، لكنْ سعيدٌ مسافرٌ. وسافرَ عليٌّ لكنْ جاء خليلٌ"، إلاّ الاخفشَ ويونسَ. فأجازا إعمالها. ((لا) النافية للجنس) "لا" النافية للجنس هي التي تدلُّ على نفي الخبر عن الجنس الواقع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 بعدها على سبيل الاستغراق، اي يرادُ بها نفيُهُ عن جميع افراد الجنيس نصّاً؛ لا على سبيل الاحتمال. ونفيُ الخبرِ عن الجنس يَستلزمُ نفيَهُ عن جميع افرادهِ. وتُسمّى "لا" هذهِ "لا التّبرِئَةِ" ايضاً، لانها تُفيدُ تبرئةَ المتكلّم للجنس وتنزيهَهُ إياهُ عن الاتصاف بالخبر. وإِذْ كانت للنفي على سبيل الاستغراقِ، كان الكلامُ معها على تقدير "منْ"، بدليلٍ ظهورِها في قول الشاعر [من الطويل] فَقامَ يَذودُ النَّاسَ عنها بِسَيْفِهِ ... وقالَ أَلاَ، لا من سَبيلٍ إلى هِندِ فاذا قلت (لا رجل في الدار) ، كان المعنى لا من رجل فيها، أي ليس فيها أحد من الرجال، لا واحد ولا اكثر. لذلك لا يصح أن تقول (لا رجل في الدار، بل رجلان أو ثلاثة) مثلاً، لأن قولك (لا رجل في الدار) نص صريح على نفي جنس الرجل فقولك بعد ذلك (بل رجلان) تناقض. بخلاف (لا) العاملة عمل (ليس) . فانها يصح أن ينفى بها الواحد، وأن ينفى بها الجنس لا على سبيل التنصيص، بل على سبيل الاحتمال فاذا قلت (لا رجل مسافراً) صح أن تريد أن ليس رجل واحد مسافراً، فلك أن تقول بعد ذلك (بل رجلان) وصح أن تريد أنه ليس أحد من جنس الرجال مسافراً. وكذلك السامع له أن يفهم نفي الواحد ونفي الجنسن لأنها محتملة لهما. وستقف على مزيد بيان لهذا الموضوع) . وفي هذا الفصل خمسةُ مباحث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 (1) عملُ "لا" النافيةِ للجنْسِ وشُروطِ إعمالِها تعملُ "لا" النافيةُ للجنس عملَ "إنّ"، فتنصبُ الاسمَ وترفعُ الخبر، نحو "لا احدَ أغيرُ من الله". وانما عملتْ عملَها، لانها لتأكيد النفيِ والمبالغةِ فيه، كما أنَّ "إنّ" لتأكيد الاثباتِ والمبالغة فيه. ويُشترطُ في إِعمالها عملَ "إنّ" اربعةُ شروط (1) ان تكونَ نصّاً على نفيِ الجنسِ، بأن يُرادَ بها نفيُ الجنس نفياً عامّاً، لا على سبيلِ الاحتمال. (فان لم تكن لفني الجنس على سبيل التنصيص، بأن أريد بها نفي الواحد، أو نفي الجنس على سبيل الاحتمال، فهي مهملة. وما بعدها مبتدأ وخبر، نحو (لا رجل مسافر) ولك أن تعملها عمل (ليس) نحو (لا رجل مسافراً) وإرادة نفي الواحد أو الجنس بها هو أمر راجع الى المتكلم، أما السامع فله أن يفهم أحد الأمرين) . (1) ان يكون اسمها وخبرُها نكرتين. (فان كان المسند اليه بعدها معرفة أهملت ووجب تكرارها، نحو "لا سعيد في الدار ولا خليل") . وقد يقعُ اسمُها معرفةً مُؤَوّلةً بنكرةٍ يرادُ بها الجنسُ، كأن يكونَ الاسمُ عَلَماً مُشتهراً بصفةٍ "كحاتمٍ المُشتهرُ بالجود، وعَنترةَ المشتهر بالشجاعة، وسَحبانَ المشتهرِ بالفصاحة، ونحوهم" فيُجعلُ العلمُ اسم جنسٍ لكل من اتصف بالمعنى الذي اشتهرَ بهِ ذلك العلَمُ، كما قالوا "لكل فرعونٍ موسىً"، بتنوينِ العلَمينِ، مُراداً بهما الجنسُ، اي "لكلِّ جبّارٍ قهّارٌ". وذلك نحو "لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 حاتم اليومَ، ولا عنترةَ، ولا سحَبانَ". والتأويلُ "لا جَوادَ كحاتم، ولا شجاعَ كعنترةَ، ولا فصيحَ كسَحبانَ"، ومنه قولُ الراجز [من الرجز] لا هَيْثَمَ اللَّيلةَ للِمَطِيِّ ... ولا فَتى إِلاَّ ابنُ خَيبَريِّ اي لا حاديَ حَسَنَ الحُداءِ كهيثم، ومنه قول عُمرَ في عليّ (رضي الله عنهما) "قضيّةٌ ولا أبا حَسَنٍ لها"، اي هذهِ قضيّةٌ ولا فيصلَ لها يَفصِلُها. وقد يُرادُ بالعلَم واحدٌ مما سُميَ به كقول الشاعر [من الطويل] ونَبْكي على زَيْدٍ، ولا زَيْدَ مِثْلُهُ ... بَرِيءٌ منَ الحُمَّى سَليمُ الجَوانِحِ (3) ان لا يفصلَ بينها وبين اسمها بفاصل. (فاذا فصل بينهما بشيء، ولو بالخبر، أهملت، ووجب تكرارها، نحو (لا في الدار رجل ولا امرأة (. وكان ما بعدها مبتدأ وخبراً) . (4) أن لا يدخل عليها حرفُ جرّ. (فان سبقها حرف جر كانت مهملة، وكان ما بعدها مجروراً به، نحو "سافرت بلا زاد" و"فلان يخاف من لا شيء") . فائدة مهمة اعلم ان (لا) النافية للجنس، إنما تدل على نفي الجنس نصاً، إذا كان اسمها واحداً، فان كان مثنى أو جمعاً، نحو (لا رجلين في الدار) و (لا رجال فيها) ، احتمل أن تكون لنفي الجنس، واحتمل أن تكون لنفي وجود اثنين فقط او جماعة فقط، فيجوز أن يكون فيها اثنان أو واحد إن نفيت الجمع، وأن يكون فيها جماعة أو واحد إن نفيت الاثنين، ولذا يجوز أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 تقول (لا رجلين فيها، بل رجل أو رجال) و (لا رجال فيها، بل رجل، أو رجلان) . وكذلك (لا) العاملة عمل (ليس) و (لا) المهملة، فانما يصح أن يراد بها نفي الجنس، إن كان المنفي واحداً، فان كان اثنين او جماعة، جاز أن يراد بهما نفي الجنس، أو نفي الاثنين فقط، أو نفي الجماعة فقط، فيجوز مع نفي الاثنين ان يكون هناك واحد او اثنان فالفرق بين النافية للجنس والعاملة عمل (ليس) أو المهملة، إنما هو إذا كان المنفي واحداً فالاولى لا يجوز ان يراد بها نفي الجنس ونفي الواحد. والأول اكثر، ومنه قول الشاعر [من الطويل] تعز فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وزر مما قضى الله واقيا وإنما صح ان يراد بها نفي الجنس، لأن النكرة في سياق النفي تدل على العموم، لهذا يحسن، ان اريد عدم إرادة العموم، ان يؤتى بعدهما بما يزيل اللبس، كأن يقال مثلاً (لا رجلٌ مسافراً، بل رجلان، او رجال) فان اطلق الكلام بعدهما ترجح ان تكونا لنفي الجنس على سبيل الاحتمال. فاحفظ هذا التحقيق، فانه امر دقيق، قل ان يتفطن له من يتعاطى النحو. (2) أَقسامُ اسمها وأحكامُهُ اسمُ "لا" النافيةِ للجنس على ثلاثة أقسامٍ مفردٍ، ومضافٍ، ومشبَّه بالمضاف. فالمفرد ما كانَ غيرَ مضافٍ ولا مشبّهٍ به. وضابطهُ ان لا يكونَ عاملاً فيما بعدهُ، كقوله تعالى {ذلك الكتابُ لا رَيبَ} . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 وحُكمُهُ أن يُبنى على ما يُنصبُ به من فتحةٍ أو ياءٍ أو كسرةٍ، غيرَ مُنوَّنٍ نحو "لا رجلَ في الدار، ولا رجالَ فيها، ولا رجلين عندَنا، ولا مذمومينَ في المدرسة، ولا مذموماتٍ محبوباتٌ" ويجوز في جمع المؤنّثِ السالم بناؤُه أيضاً على الفتح، نحو "لا مجتهداتَ مذموماتٌ" وقد رُوِيَ بالوجهينِ قول الشاعر [من البسيط] لا سابِغات، ولا جَأْواءَ باسِلَةً ... تَقِي المَنُونَ، لَدَى استِيفاءِ آجالِ وقولُ الآخر [من البسيط] أَوْدَى الشبابُ الذي مَجدٌ عواقبُهُ ... فيهِ نَلَدُّ، ولا لَذَّاتِ لِلشيبِ وقد بُنيَ لِتركيبهِ مع "لا" كتركيبِ "خمسةَ عشرَ". وحكمُ اسمها المضافِ أن يكونض مُعرباً منصوباً، نحو "لا رجلَ سُوءٍ عندنا. ولا رَجلَيْ شرٍّ محبوبانِ. ولا مهمِلي واجباتهم محبوبون. ولا أخا جهلٍ مُكرَّمٌ. ولا تاركاتِ واجبٍ مُكرَّماتٌ". والشبيهُ بالمضافِ هو ما اتصلَ به شيءٌ من تمامِ معناه. وضابطُهُ أن يكون عاملاً فيما بعده بأن يكون ما بعده فاعلاً له، نحو "لا قبيحاً خُلقُه خاضرٌ"، أو نائبَ فاعلٍ، نحو "لا مذموماً فعلُه عندنا"، أو مفعولاً، نحو "لا فاعلاً شراً ممدوحٌ"، أو ظرفاً يُتعلّقُ به، نحو "لا مسافراً اليومَ حاضرٌ" أو جاراً ومجروراً يتعلقانِ به، نحو "لا راغباً في الشر بيننا"، أو تمييزاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 له، نحو "لا عشرين دِرهماً لك". وحكمُهُ أنه مُعربٌ أيضاً، كما رأيتَ. (3) أحوالُ اسمِها وخَبرِها وقد يُحذَفُ اسمُ "لا" النافية للجنس، نحو "لا عليكَ"، أي لا بأسَ، أو لا جناحَ عليك. وذلك نادرٌ. والخبرُ إِن جُهِلَ وجبَ ذكرُهُ، كحديث "لا أحدَ أغيرُ من الله". وإذا عُلمَ فحذفُه كثيرٌ، نحو "لا بأسَ"، أي لا بأس عليك، ومنه قوله تعالى {قالوا لا ضَيرَ، إنّا إلى ربنا مُنقلبون} ، أي لا ضَيرَ علينا، وقوله {ولو تَرى إِذْ فَزِعوا، فلا فَوْتَ} ، أي فلا فَوتَ لهمْ. وبَنو تَميمٍ والطائِيونَ من العربِ يَلتزمون حذفَهُ إذا عُلم. والحجازيُّون يُجيزون إثباتَهُ. وحذفُه عندهم أكثرُ. ومن حذفه قوله تعالى {لا إلهَ إلاّ اللهُ} أي لا إلهَ موجود. ويكونُ خبرُ "لا" مُفرداً (أي ليس جملةً ولا شِبهَها) ، كحديث "لا فقرَ أشدُّ من الجهلِ، ولا مال أعزُّ من العقل، ولا وَحشةَ أشدُّ من العُجبِ" وجملةً فعليةً، نحو "لا رجلَ سوءٍ يُعاشرُ"، وجملةً اسميةً نحو "لا رَضيعَ نَفسٍ خُلقهُ محمودٌ"، وشبهَ جملة (بأن يكون محذوفاً مدولالً عليه بظرفٍ أو مجرورٍ بحرف جرٍّ يَتعلقانِ به، فيُغنيانِ عنه) كحديث "لا عقلَ كالتدبير، ولا ورَعَ كالكَفّ، ولا حَسَبَ كحُسنِ الخلُق" وحديث "لا إيمانَ لِمنْ لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 أمانةَ لهُ، ولا دينَ لِمن لا عَهدَ له". واعلم أنَّ النحاة اعتبروا أنَّ "لا" النافيةَ للجنس واسمَها في محلّ رفع بالبتداءِ، فأجازوا رفعَ التابعِ لاسمِها، نحو "لا رجلَ في الدار وامرأةٌ" و"لا رجلَ سفيهٌ عندنا". (فالمعطوف والنعت رفعا على أنهما تابعان لمحل "لا واسمها"، لأن محلهما الرفع بالابتداء. وقد اضطرهم الى هذا التكلف أنه سمع من العرب رفع التابع بعد اسمها فتأولوا رفعه على ما ذكرنا) . (4) أحكامُ "لا" إذا تَكَرَّرَت إذا تكرَّرت "لا" في الكلام، جاز لك أن تُعمِلَ الأولى والثانية معاً كإنَّ، وأن تُعمِلَهما، كليسَ، وأن تُهمِلهما، وأن تُعملَ الأولى كإن أو كليْس وتُهمِلَ الأخرى، وأن تُعمِلَ الثانية كإنَّ أو كليس وتُهملَ الأولى. ولذا يجوز في نحو "لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ" خمسةُ أوجهٍ (1) بناءُ الاسمين، على أنها عاملةٌ عملَ "إنَّ" نحو "لا حول ولا قوةَ إلاّ باللهِ". (2) رفعُهُما، على أنها عاملةَ عملَ "ليس"، أو على أنها مُهملةٌ، فما بعدها مبتدأٌ وخبر، "لا حولٌ ولا قوَّةٌ إلاّ بالله" ومنه قول الشاعر [من البسيط] وما هَجرْتُكِ، حَتَّى قُلتِ مُعْلِنَةً ... لا ناقةٌ لي في هذا ولا جَملُ (3) بناءُ الأوَّلِ على الفتح ورفعُ الثاني، نحو "لا حولَ ولا قوَّةٌ إلاّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 باللهِ"، ومنهُ قولُ الشاعر [من الكامل] هذا، لَعَمْرُكُم، الصَّغارُ بِعَيْنِهِ ... لا أُمَّ لي، إنْ كانَ ذاكَ، ولا أبُ (4) رفعُ الأولِ وبناءُ الثاني على الفتح، نحو "لا حولٌ ولا قوةَ إلا باللهِ"، ومنه قول الشاعر [من الوافر] فلا لَغْوٌ ولا تَأْثيمَ فيها ... وما فاهُوا بهِ أَبداً مُقتمٌ (5) بناءُ الأولِ على الفتح ونصبُ الثاني، بالعطف على محلّ اسم (لا) ، نحو "لا حولَ ولا قوةً إلاّ باللهِ" ومنه قولُ الشاعر [من السريع] لا نَسَبَ اليَومَ ولا خُلةً ... اتسَعَ الخرْقُ على الرَّاقع وهذا الوجهُ هو أضعفُها وأقواها بناءث الإسمينِ، ثم رفعُهما. وحيثُما رفعتَ الأولَ امتنعَ إعرابُ الثاني منصوباً مُنوَّناً، فلا يقالُ "لا حولٌ ولا قوةً إلاّ باللهِ"، إذْ لا وجهَ لِنَصْبهِ. (لانك إن أردت عطفه على (حول) وجب رفعه. وكذا إن جعلت (لا) الثانية عاملة عمل (ليس) ، كما لا يخفى. وإن جعلتها عاملة عمل (ان) وجب بناؤه على الفتح من غير تنوين، لانه ليس مضافاً ولا مشبهاً به) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 وإذا عطفتَ على اسم "لا" ولم تكرّرها، امتنعَ إلغاؤُها، ووجبَ إعمالُها عملَ "إنّ" وجاز في المعطوفِ وجهانِ النصب والرفعُ نحو "لا رجلَ وامرأةً أو امرأةٌ، في الدار". والنصب أولى ومن نصبه قول الشاعر [من الطويل] فلا أبَ وابْناً مِثْلُ مَرْوانَ وابنهِ ... إذا هُو بالْمَجدِ ارْتَدى وتَأزَّرا (5) أحكامُ نَعْتِ اسمِ "لا" إذا نُعتَ اسمُ "لا" النافيةِ للجنس، فإمَّا أن يكون مُعرَباً، وإمّا أن يكون مبنياً. فإن كان مُعرباً، جاز في نعتهِ وجهانِ النصب والرفعُ، نحو "لا طالبَ علمٍ كسولاً، أو كسولٌ، ولا طالباً علماً كسولاً، أو كسولٌ، عندنا". والنصبُ أولى، والرفعُ على أنه نعتٌ لمحلّ "لا واسمها". لأنّ محلها الرفعُ بالإبتداءِ، كما سبقَ. وإن كان مبنياً فله ثلاثُ أحوالٍ (1) أن يُنعتَ بمفردٍ مُتَّصلٌ به، فيجوز في النعتِ ثلاثةُ اوجه النَّصب والبناءُ كمنعوتهِ، والرفعُ، نحو "لا رجلَ قبيحاً، أو قبيحَ، أو قبيحٌ، عندنا". والنصبُ أولى. وبناؤُهُ لمجاورته منعوتَهُ المبنيَّ. (2) أن يُنعتَ بمفردٍ مفصولٍ بينه وبينهُ بفاصلٍ، فيمتنعُ بناءُ النعت، لِفَقدِ المجاورةِ التي أباحت بناءَه وهو مُتصِل بمنعوتهِ. ويجوز فيه النصبُ والرفع، نحو "لا تلميذَ في المدرسةِ كسولاً، أو كسولٌ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 (3) أن يُنعتَ بمضافٍ أو مُشبَّهٍ به، فيجوزُ في النَّعت النصب والرفع، ويمتنعُ النباءُ، لأن المضافَ والشبيهَ به لا يُبنيانِ مع "لا". فالنعتُ المضاف نحو "لا رجلَ ذات شرّ، او ذو شرّ، في المدرسة"، والنعتُ المشبَّهُ به نحو "لا رجلَ راغباً في الشر، او راغبٌ فيه، عندنا". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 338 (منصوبات الأسماء) (المفعولُ به) المفعولُ به هو اسمٌ دلَّ على شيءٍ وقع عليه فعلُ الفاعلِ، إثباتاً أو نفياً، ولا تُغيَّر لأجله صورةُ الفعل، فالأولُ نحو "برَيتُ القلمَ"، والثاني، نحو "ما بَرَيتُ القلمَ". وقد يَتعدَّدُ، المفعولُ به، في الكلام، إن كان الفعل متعدِّياً إلى أكثرَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 5 من مفعول به واحدٍ، نحو "أعطيتُ الفقيرَ دِرهماً، ظننتُ الأمرَ واقعاً، أعلمتُ سعيداً الأمر جَليّاً". (وقد سبق الكلام على الفعل المتعدي بأقسامه وأحكامه في الجزء الأول من هذا الكتاب فراجعه) . ويتَعَلَّقُ بالمفعول به أحد عشرَ مبحثاً 1- أَقسامُ المفعولِ بهِ المفعولُ بهِ قسمانِ صريحٌ وغيرُ صريح. والصّريحُ قسمان ظاهرٌ، نحو "فتحَ خالدٌ الحِيرة"، وضميرٌ متَّصلٌ نحو "أكرمتُكَ وأكرمتهم"، أو منفصلٌ، نحو {إيَّاكَ نعبدُ، وإِيَّاك نستعين} ، ونحو "إيَّاهُ أُريد". وغيرُ الصريحِ ثلاثةُ أقسام مُؤوَّلٌ بمصدر بعدَ حرفٍ مصدَريٍّ، نحو "علِمتُ أنكَ مجتهدٌ، وجملةٌ مُؤوَّلة بمفردٍ، نحو "ظننتك تجتهد" وجارٌّ ومجرور، نحو "أمْسكْتُ بيدِكَ" وقد يَسقُطُ حرفُ الجرِّ فينتصبُ المجرورُ على أنه مفعولٌ به. ويُسمّى "المنصوبَ على نزعِ الخافضِ" فهو يَرجعُ إلى أصلهِ من النصب، كقول الشاعر [من الوافر] تَمُرُّونَ الدِّيارَ، ولم تَعوجُوا، ... كلامُكُمُ عَلَيَّ إِذاً حَرَامُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 6 (وقد تقدم لهذا البحث فَضْلُ بيانٍ في الجزء الأول من هذا الكتاب، في الكلام على الفعل اللازم، فراجعه) . 2- أَحكامُ المفعول بهِ للمفعول به أربعةُ أحكام 1- أنهُ يجبْ نصبُهُ. 2- أنه يجوزُ حذفُهُ لدليلٍ، نحو "رَعَتِ الماشيةُ"، ويقالُ "هل رأيتَ خليلاً؟ "، فتقولُ "رأيتُ"، قال تعالى {ما وَدَّعَكَ ربُّكَ وما قَلى} ، وقال {ما أنزلنا عليكَ القُرآن لتشقى، إلا تذكرةً لِمنْ يخشى} . وقد يُنَزَّلُ المتعدِّي منزلة اللازمِ لعَدَم تعلُّقِ غرضٍ بالمفعول بهِ، فلا يُذكرُ له مفعولٌ ولا يُقدَّرُ، كقوله تعالى {هل يَستوي الذينَ يعلمونَ والذينَ لا يعلمونَ} . وما نصبَ مفعولين من أفعال القلوب، جازَ فيه حذفُ مفعوليه معاً، وحذفُ أحدهما لدليلٍ. فمن حذفِ أحدهما قولُ عَنترةَ. [من الكامل] وَلَقدْ نزَلْتِ، فلا تَظُنِّي غَيْرَهُ ... مِنِّي بِمَنْزِلةِ المُحَبِّ المُكْرَمِ أي فلا تَظُني غيرَهُ واقعاً. ومن حذفهما معاً قولهُ تعالى {أين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 7 شُرَكائيَ الذين كنتم تَزعمونَ؟} أي تزعمونهم شُرَكائي، ومن ذلك قولهم "مَنْ يَسمَعْ يَخَلْ"، أي يَخَلْ ما يَسمعُهُ حقاً. (وقد تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب مزيد إيضاح لهذا البحث في الكلام على أفعال القلوب، فارجع إليه) . 3- أنه يجوزُ أن يُحذَفَ فعلُهُ لدليل، كقوله تعالى {ماذا أنزلَ ربُّكم؟ قالوا خيراً} ، أي أنزلَ خيراً، ويقال لك "مَنْ أُكرِمُ؟، فتقول "العلماءَ"، أي أكرمِ العلماءَ. ويجبُ حذفهُ في الأمثال ونحوها مِما اشتهرَ بحذف الفعل، نحو "الكلابَ على البَقَرِ"، أي أرسلِ الكلابَ، ونحو أمرَ مُبكياتِكَ، لا أمرَ مضحِكاتكَ"، أي الزَمْ واقبَلْ، ونحو "كلَّ شيءٍ ولا شَتيمةَ حُرّ"، أي ائتِ كلَّ شيءٍ، ولا تتي شتيمة حُرٍّ، ونحو "أهلاً وسهلاً"، أي جئتَ أهلا ونزلتَ سهلا. ومن ذلكَ حذفهُ في أَبواب التحذير والإغراءِ والاختصاص والاشتغال والنَّعتِ المقطوع. وسيأتي بيانُ ذلك في مواضعه. 4- أن الأصلَ فيه أن يتأخرَ عن الفعلِ والفاعلِ. وقد يتقدَّمُ على الفاعلِ، أو على الفعل والفاعل معاً، كما سيأتي. 3- تَقديمُ المفعولِ بهِ وتأخيرُهُ الأصل في الفاعل أن يَتَّصل بفعله، لأنهُ كالجزءِ منه، ثُم يأتي بعدَهُ المفعولُ. وقد يُعكَسُ الأمرُ. وقد يَتقدَّمُ المفعولُ على الفعل والفاعل معاً. وكلُّ ذلك إمَّا جائزٌ، وإمَّا واجبٌ، وإمَّا مُمتنع. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 8 تقديم الفاعل والمفعول أحدهما على الآخر يجوزُ تقديمُ المفعولِ به على الفاعلِ وتأخيرُه عنه في نحو "كتبَ زُهيرٌ الدرسَ، وكتبَ الدرسَ زُهيرٌ". ويجب تقديمُ أَحدِهما على الآخر في خمس مسائل 1- إذا خُشيَ الإلتباسُ والوقوعُ في الشكِّ، بسبب خفاء الإعراب مع عدَمِ القرينةِ، فلا يُعلَمُ الفاعلُ من المفعول، فيجبُ تقديمُ الفاعل، نحو "عَلّمَ موسى عيسى، وأكرمَ ابني أخي. وغلَب هذا ذاك". فإن أُمِنَ اللّبسُ لقرينةٍ دالّةٍ، جازَ تقديمُ المفعولِ، نحو "أكرمتْ موسى سَلمى، وأَضنتْ سُعدَى الحُمّى". 2- أن يتصلَ بالفاعلِ ضميرٌ يعودُ إلى المفعول، فيجبُ تأخيرُ الفاعل وتقديمُ المفعولِ، نحو "أكرمَ سعيداً غلامُهُ". ومنهُ قولهُ تعالى {وإذْ ابتلى إبراهيمَ رَبُّهُ بكلماتٍ"، وقولهُ "يومَ لا ينفع الظّالمينَ مَعذِرتُهم} . ولا يجوزُ أن يقال "أكرم غلامُهُ سعيداً"، لئلا يلزمَ عَودُ الضمير على مُتأخر لفظاً ورتبةً، وذلك محظورٌ. وأما قولُ الشاعر [من الطويل] وَلَوْ أَنَّ مَجداً أَخلَدَ الدَّهْرَ واحِداً ... مِنَ النَّاسِ، أَبقى مَجْدُهُ الدَّهرَ مُطْعِما وقول الآخر [من الطويل] كسَا حِلْمُهُ ذَا الْحِلْمِ أَثوابَ سُؤدُدٍ ... وَرَقَّىَ نَدَاهُ ذَا النَّدَى في ذُرَى الْمَجْدِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 9 وقوله غيره [من الطويل] جَزَى رَبُّهُ عَنِّي عَدِيَّ بْنَ حاتِمٍ ... جَزاءَ الكِلابِ الْعاوِياتِ، وقَدْ فَعلْ وقول الآخر [من البسيط] جَزَى بَنُوهُ أبا الْغيْلانِ عنْ كِبَرٍ ... وَحُسْنِ فِعْلٍ كَما يُجْزَى سِنِّمار فضَرُورةٌ، إن جازتْ في الشعر، على قبُحها، لم تَجزْ في النّثر. فإنِ اتّصل بالمفعول ضميرٌ يعودُ على الفاعل، جازَ تقديمهُ وتأخيرُهُ فتقول "أكرمَ الأستاذُ تلميذَهُ. وأَكرمَ تلميذَهُ الأستاذُ"، لأنَّ الفاعلَ رتبتُهُ التقديمُ، سواءٌ أَتقدّمَ أَم تأخّر. 3- أَن يكون الفاعلُ والمفعولُ ضميرينِ، ولا حصرَ في أَحدهما، فيجبُ تقديمُ الفاعل وتأخيرُ المفعول به، نحو "أَكرمتُه". 4- أَن يكون أَحدُهما ضميراً متصلاً، والآخر اسماً ظاهراً، فيجبُ تقديمُ الضمير منهما، فيُقدّمُ الفاعلُ في نحو "أكرمتُ علياً"، ويُقدّمُ المفعولُ في نحو "أكرَمني علي"، وجوباً. (ولك في المثال الأول تقديمُ المفعول على الفعل والفاعل معاً. نحو "علياُ أكرمتُ". ولك في المثال الآخر تقديم "عليّ" على الفعل والمفعول به، نحو "عليٌ أكرمني"، غير أنه يكون حينئذ مبتدأ، على رأي البصريين، ويكون الفاعل ضميراً مستتراً يعود اليه. فلا يكون الكلام، والحالة هذه، من هذا الباب، بل يكون من المسألة الثالثة، لأن الفاعل والمفعول كليهما حينئذ ضميران) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 10 5- أَن يكون أَحدُهما محصوراً فيه الفعلُ بإلا أَو إنما، فيجبُ تأخيرُ ما حُصِرَ فيه الفعلُ، مفعولاً أو فاعلاً، فالمفعولُ المحصورُ نحو "ما أَكرمَ سعيدٌ إلا خالداً"، والفاعلُ المحصورُ نحو "ما أكرمَ سعيداً إلا خالدٌ. وإنما أَكرمَ سعيداً خالدٌ". (ومعنى الحصر في المفعول أن فعل الفاعل محصور وقوعه على هذا المفعول دون غيره. وذلك يكون ردّاً على من اعتقد أن الفعل وقع على غيره، أو عليه وعلى غيره. ومعنى الحصر في الفاعل أن الفعل محصور وقوعه من هذا الفاعل دون غيره. وذلك يكون رداً على ن اعتقد أن الفاعل غيره، أو هو وغيره) . وقد أَجازَ بعضُ النُّحاة تقديمَ أحدِهما وتأخيرَ الآخرِ، أيًّا كان المحصورُ فيهِ الفعلُ، إذا كان الحصرُ بإلا، تَمسكاً بما ورَدَ من ذلك. فمن تقديم المفعولِ المحصورِ بإلا قولُ الشاعر [من الطويل] وَلَمَّا أَبَى إِلاَّ جِمَاحاً فُؤَادُهُ ... وَلَمْ يَسْلُ عَنْ لَيْلَى بِمَالٍ ولا أَهلِ وقول الآخر [من الطويل] تَزَوَّدْتُ مِنْ لَيْلَى بِتَكْلِيمِ ساعةٍ ... فَما زادَ ضِعْفَ ما بِي كَلامُها ومن تقديم الفاعلِ المحصورِ بها قولُ الشاعر [من البسيط] ما عابَ إِلاَّ لَئِيمٌ فِعْلَ ذي كَرَم ... ولا جَفَا قَطُّ إِلاَّ جُبَّأُ بَطَلاَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 11 وقول الآخر [من الطويل] نُبِّئْتُهُمْ عَذَّبوا بالنَّارِ جارَهُمُ! ... وَهَلْ يَعَذِّبُ إِلاَّ اللهُ بالنَّارِ؟! وقولُ غيره [من الطويل] فَلْم يَدْرِ إِلا اللهُ ما هَيَّجَتْ لَنا، ... عَشِيَّةَ آناءِ الدِّيارِ، وِشامُها والحق أَن ذلكَ كله ضَرورَةٌ سَوَّغَها ظهورُ المعنى المرادِ ووضُوحهُ، وسَهّلها عدمُ الالتباسِ. واعلم أَنهُ متى وجبَ تقديمُ أَحدِهما، وجبَ تَأخيرُ الآخر بالضرورة. تقديم المفعول على الفعل والفاعل معاً يجوزُ تقديمُ المفعول به على الفعل والفاعل معاً في نحو "عليّاً أَكرمتُ. وأَكرمتُ عليّاً"، ومنه قولهُ تعالى {فَفريقاً كذَّبتم وفَريقاً تقتلونَ} . ويجبُ تقديمهُ عليهما في أَربعَ مَسائلَ 1- أَن يكونَ اسمَ شرطٍ، كقولهِ تعالى {من يُضلِل اللهُ فما لهُ من هادٍ} ، ونحو "أَيَّهُمْ تُكرِمْ أُكرِمْ"، أَو مضافاً لاسمِ شرطٍ، نحو "هدْيَ من تَتبعْ يَتبعْ بَنوكَ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 12 2- أَن يكونَ اسمَ استفهامٍ، كقولهِ تعالى {فأيَّ آياتِ اللهِ تُنكرِونَ؟} ، ونحو "من أَكرمتَ؟ وما فعلتَ؟ وكمْ كتاباً اشتريتَ؟ " أَو مُضافاً لاسم استفهامِ، نحو كتابَ من أَخذتَ؟ ". وأَجاز بعضُ العلماء تأخيرَ اسم الإستفهام، إذا لم يكن الاستفهامُ ابتداءً، بل قُصِدَ الإستثباتُ من الأمر، كأن يُقالَ "فعلتُ كذا وكذا"، فتستثبِتُ الأمرَ بقولكَ "فعلتَ ماذا؟ ". وما قولُهم ببعيدٍ من الصواب. 3- أَن يكون "كمْ" أَو "كأيِّنْ" الخَبريَّتينِ، نحو "كم كتابٍ مَلَكتُ! "، ونحو "كأيِّنْ من عِلمٍ حَوَيتُ! "، أَو مضافاً إلى "كم" الخبريَّةِ نحو ذَنبَ كم مُذْنِبٍ غَفرتُ! ". (أما "كأين" فلا تضاف ولا يضاف اليها. وانما وجب تقديم المفعول به ان كان واحداً مما تقدم، لأنّ هذه الأدوات لها صدر الكلام وجوباً، فلا يجوز تأخيرها) . 4- أَن ينصبهُ جوابُ "أَما"، وليسَ لجوابها منصوبٌ مُقدَمٌ غيرُهُ، كقولهِ تعالى {فأمّا اليتيم فلا تَقهرْ، وأَمَّا السائلَ فلا تَنهرْ} . (وانما وجب تقديمه، والحالة هذه، ليكون فاصلاً بين "أما" وجوابها، فان كان هناك فاصل غيره فلا يجب تقديمه، نحو "أما اليوم فافعل ما بدا لك") . تقديم أحد المفعولين على الآخر إذا تعدَّدَت المفاعيلُ في الكلام، فلبعضها الأصالةُ في التقدُّم على بعضٍ، إمّا بكونه مبتدأً في الاصل كما في باب "ظنَّ"، وإمّا بكونهِ فاعلاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 13 في المعنى، كما في باب "أَعطى". (فمفعولا "ظنّ" وأخواتها أصلهما مبتدا وخبر، فاذا قلت "علمت الله رحيماً". فالأصل "اللهُ رحيمٌ". ومفعولا "أعطى" وأخواتها ليس أصلهما مبتدأ وخبراً، غير أن المفعول الأول فاعل في المعنى، فاذا قلت "ألبستُ الفقير ثوباً". فالفقير فاعل في المعنى، لأنه لبس الثوب) . فإذا كان الفعل ناصباً لمفعولين، فالأصلُ تقديمُ المفعولِ الأوَّل، لأنّ اصله المبتدأُ، في باب "ظَنَّ"، ولأنهُ فاعلٌ في المعنى في باب "أَعطى"، نحو "ظننتُ البدرَ طالعاً، ونحو "أعطيتُ سعيداً الكتابَ". ويجوز العكسُ إِن أُمِنَ اللَّبْسُ، نحو، "ظننتُ طالعاً البدرَ"، ونحو "أَعطيتُ الكتابَ سعيداً". ويجب تقديم أَحدهما على الآخر في أربع مسائلَ 1- أَن لا يُؤْمنَ اللّبْسُ، فيجبُ تقديمُ ما حقّهُ التقديمُ، وهو المفعولُ الأول، نحو "أَعطيتكَ أَخاكَ"، إن كان المخاطَبُ هو المُعطى الآخذَ، وأخوهُ هو المعطى المأخوذ، ونحو "ظننت سعيداً خالداً"، إن كان سعيدٌ هو المظنونَ أنه خالدٌ. وإلا عكستَ. 2- أن يكونَ أحدُهما اسماً ظاهراً، والآخر ضميراً، فيجبُ تقديمُ ما هو ضميرٌ، وتأخيرُ ما هو ظاهرٌ، نحو "أعطيتُكَ درهماً" و"الدرهمَ أعطيتُهُ سعيداً". 3- أن يكون أحدُهما محصوراً فيه الفعلُ، فيجبُ تأخير المحصور، سواءٌ أكان المفعولَ الاولَ أم الثاني، نحو ما اعطيتُ سعيداً إلا دِرهماً" و"ما أعطيتُ الدرهمَ إلا سعيداً". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 14 4- أن يكونَ المفعولَ الأولُ مشتملاً على ضمير يعودُ إلى المفعول الثاني، فيجب تأخيرُ الأول وتقديم الثاني، نحو "أعطِ القوسَ باريَها". (فلو قُدِّم المفعولُ الأول لعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، لأن المفعول الثاني رتبته التأخير عن المفعول الأول. أما أن كان المفعول الثاني مشتملاً على ضمير يعود الى المفعول الأول، نحو "أعطيت التلميذَ كتابه"، فيجوز تقديمه على المفعول الأول، نحو "أعطيتُ كتابه التميذَ" لأن المفعول الأول، وان تأخر لفظاً، فهو متقدم رتبة) . (4) المُشَبَّهُ بالْمَفعول به إن كان معمولُ الصفةِ المُشبَّهة معرفةً، فحقُّهُ الرفعُ، لأنه فاعلٌ لها، نحو "عليٌّ حَسَنٌ خُلقُهُ". غيرَ أنهم إذا قصدوا المبالغةَ حوَّلوا الإسنادَ عن فاعلها إلى ضميرٍ يسْتَتِرُ فيها يعود الى ما قبلها، ونَصبوا ما كان فاعلاً، تشبيهاً له بالمفعول به، فقالوا "علي حَسَنٌ خُلقَهُ، بنصبِ الخُلُق على التَّشبيه بالمفعول به، وليس مفعولاً به، لأنّ الصفةَ المشبَّهة قاصرةٌ غيرُ متعديةٍ، ولا تمييزاً، لأنه معرفةٌ بالإضافة إلى الضمير. والتمييزُ لا يكونُ إلا نكرةً. 5- التَّحْذيرُ التَّحذيرُ نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوف يُفيدُ التَّنبيهَ والتّحذيرَ. ويُقدّرُ بما يُناسبُ المقامَ كاحذَرْ، وباعِدْ، وتَجنَّبْ، و"قِ" وتَوَقَّ، ونحوها. وفائدتُهُ تنبيهُ المخاطبِ على أمرٍ مكروهٍ ليجتنبَهُ. ويكونُ التحذيرُ تارةً بلفظِ "إيّاكَ" وفروعهِ، من كلّ ضميرٍ منصوبٍ متصل للخطاب، نحو "إياكَ والكَذِبَ، إِياكَ إِياكَ والشرَّ، إياكما من النفاقِ إياكم الضَّلالَ، إياكنَّ والرَّذيلةَ. ويكونُ تارةً بدونه، نحو "نفسَكَ والشرّ، الاسدَ الاسد". وقد يكونُ بـ "إيّاه، وفروعهما، إذا عُطفَ على المُحذّر، كقوله [من الهزج] فَلا تَصْحَبْ أَخَا الجَهْلِ ... وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ ونحو "إيّايَ والشرَّ". ومنه قولُ عُمرَ، "إيايَ وان يَحذفَ أحدكمُ الأرنبَ، يريد أن يحذفها بسيفٍ ونحوهِ. وجعلَ الجمهورُ ذلك من الشُّذوذ. ويجبُ في التّحذيرِ حذفُ العامل مع "إيَّاكَ" في جميع استعمالاته، ومعَ غيره، إن كُرِّر او عطفَ عليه، كما رأَيتَ. وإلا جازّ ذِكرُه وحذفُهُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 15 نحو: "الكسلَ، نفسكَ الشرَّ" فيجوز في هذا أن تقول: "احذَرْ، أو توقّ الكسلَ، قِ نفسكَ الشرَّ، او أُحذِّرُكَ الشرَّ". وقد يُرفعُ المكرّرُ، على أنهُ خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ، نحو "الأسدُ الأسدُ" أي هذا الأسدُ. وقد يُحذَفُ المحذورُ منه، بعد "إياك" وفروعهِ، اعتماداً على القرينة، كأنْ يُقال "سأفعلُ كذا" فتقولُ "إياكَ"، أَي "إياك أَن تفعله". وما كان من التّحذير بغير "إياك" وفروعهِ، جاز فيه ذكرُ المُحذَّر والمحذَّر منه معاً، نحو "رجلَكَ والحجرَ" وجازَ حذفُ المحذّر وذكرُ المحذّر منه وحدَهُ، نحو "الأسدَ الاسدَ". ومنه قولهُ تعالى {ناقةَ اللهِ وسُقياها} . 6- الإِغراءُ الإِغراءُ نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوفٍ يُفيدُ الترغيبَ والتشويقَ والإِغراءَ. ويقدَّرُ بما يُناسبُ المقامَ كالزَمْ واطلُبْ وافعلْ، ونحوها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 16 وقائدتُه تنبيهُ المخاطَبِ على أمرٍ محمودٍ ليفعلُه، نحو "الاجتهادَ الاجتهادَ" مو "الصِدقَ وكرَمَ الخلقِ". ويجبُ في هذا البابِ حذفُ العاملِ إن كُرّرَ المُغرَى به، أو عُطِفَ عليهِ، فالأولُ نحو "النَجدةَ النَّجدةَ". ومنه قول الشاعر [من الطويل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 17 أَخاكَ أَخَاكَ، إنَّ مَنْ لا أَخا لَهُ ... كساعٍ إلى الهَيْجا بِغَيْرِ سِلاَحِ وإِنَّ ابْنَ عَمِّ المَرْءِ فاعلَمْ، جَناحُهُ ... وهَلْ يَنْهَضُ البازِي بِغَيْرِ جَنَاحِ والثاني نحو "المُروءةَ والنّجدةَ". ويجوزُ ذِكرُ عاملهِ وحذفه إن لم يُكرّر ولم يُعطَفْ عليه، نحو "الإِقدامَ، الخيرَ". ومنه "الصّلاةَ جامعةً". فإن أظهرتَ العاملَ فقلتَ "اِلزمِ الإقدام، إفعَلِ الخيرَ، أُحضُرِ الصلاة"، جازَ. وقد يُرفعُ المكرَّرُ، في الإغراءِ، على أنهُ خبرٌ لمبتدأ محذوف، كقوله [من الخفيف] إِنَّ قَوْماً مِنْهُمْ عُمَيْرٌ وأَشبا ... هُ عُميْرٍ، ومِنْهُمُ السَّفَّاحُ لَجَدِيرُونَ بالوَفاءِ إِذَا قا ... لَ أَخُو النَّجْدةِ. السِّلاَحُ السِّلاَحُ 7- الاختِصاصُ الاختصاصُ نصبُ الاسمِ بفعلٍ محذوفٍ وجوباً تقديرُهُ "أَخصُّ، أو أعْني". ولا يكونُ هذا الاسمُ ضميرٍ لبيان المرادِ منه، وقَصرِ الحكمِ الذي للضمير عليه، نحو "نحنُ - العرَبَ - نُكرِمُ الضّيفَ". ويُسمّى الاسمَ المُختصّ. (فنحن مبتدأ، وجملة نكرم الضيف خبره. والعربَ منصوب الجزء: 3 ¦ الصفحة: 18 على الاختصاص بفعل محذوف تقديره "أخصّ". وجملة الفعل المحذوف معترضة بين المبتدأ وخبره. وليس المراد الإخبار عن "نحن" بالعرب، بل المراد أن اكرام الضيف مختص بالعرب ومقصور عليهم. فان ذُكرَ الاسمُ بعد المضير للاخبار به عنه، لا لبيان المراد منه، فهو مرفوع لأنه يكون حينئذ خبراً للمبتدأ. كأن تقول "نحنُ المجتهدون" أو "نحن السابقون". ومن النصب على الاختصاص قولُ الناس "نحنُ - الواضعين أسماءنا أدناه - نشهد بكذا وكذا". فنحن مبتدأ، خبره جملة "نشهد" والواضعين مفعول به لفعل محذوف تقديره "نخصّ، أو نعني") . ويجبُ أن يكونَ مُعرّفاً بأل، نحو "نحنُ - العربَ - أوفى الناسِ بالعُهود"، أو مضافاً لمعرفةٍ، كحديث "نحنُ - مَعاشرَ الأنبياء - لا نورثُ ما تركناهُ صدَقةٌ"، أو عَلَماً، وهو قليلٌ، كقول الراجز "بنا - تَميماً - يُكشَفُ الضَّبابُ". أما المضافُ إلى العَلَمِ فيكونَ على غيرِ قِلّةٍ، كقولهِ "نحنُ - بَني ضَبَّةَ أصحابَ الجَمَل". ولا يكونُ نكرةً ولا ضميراً ولا اسمَ إشارة ولا اسمَ موصولٍ. وأكثرُ الأسماءِ دخولاً في هذا البابِ "بنو فلان، ومعشر (مضافاً) ، وأهلُ البيتِ، وآلُ فلانٍ". واعلمْ أن الأكثر في المختصِّ أن يَلي ضميرَ المتكلِّمِ، كما رأيتَ. وقد يلي ضميرَ الخطاب، نحو "بكَ - اللهَ. ارجو نجاحَ القصدِ" و"سُبحانَكَ - اللهَ - العظيمَ". ولا يكون بعدَ ضميرِ غيبة. وقد يكون الاختصاصُ بلَفظ "أَيُّها وأَيَّتُها"، فيُستعملان كما يستعملان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 19 في النّداءِ، فيبنيان على الضمِّ، ويكونانِ في محلِّ نصبٍ بأخُص محذوفاً وجوباً، ويكونُ ما بعدَهما اسماُ مُحَلًّى بألْ، لازمَ الرفعِ على أنه صفةٌ لِلَفظهما، أو بدلٌ منه، أو عطفُ بيانٍ لهُ. ولا يجوزُ نصبه على أنه تابعٌ لمحلّهما من الإعراب. وذلك نحو "أَنا أفعلُ الخيرَ، أيُّها الرجلُ، ونحن نفعلُ المعروفَ، أيُّها القومُ". ومنه قولهم "أَللهمَّ اغفر لنا، أَيَّتُها العَصابةُ". (ويراد بهذا النوع من الكلام الاختصاص، وإن كان ظاهره النداء. والمعنى "أنا أفعل الخير مخصوصاً من بين الرجال، ونحن نفعل المعروف مخصوصين من بين القوم, واللهمّ اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب". ولم ترد بالرجل إلا نفسك ولم يريدوا بالرجال والعصابة إلا أنفسهم. وجملة "أخص" المقدّرة بعد "أيها رأيتها" في محل نصب على الحال) . 8- الاشتغالُ الاشتغالُ أن يَتقدَّمَ اسمٌ على من حقِّهِ أن يَنصِبَه، لولا اشتغالهُ عنه بالعمل في ضميرهِ، نحو "خالدٌ أَكرمتُهُ". (إذا قلت "خالداً أكرمتُ"، فخالداً مفعول به لأكرمَ. فان قلتَ "خالدٌ أكرمته"، فخالدٌ حقه أن يكون مفعولاً به لأكرم أيضاً، لكنّ الفعلَ هنا اشتغل عن العمل في ضميره، وهو الهاء. وهذا هو معنى الاشتغال) . والأفضلُ في الاسم المقتدمِ الرفعُ على الابتداء، كما رأيتَ. الجملةُ بعدَهُ خبرهُ. ويجوز نصبُهُ نحو "خالداً رأيتهُ". وناصبُهُ فعلٌ وجوباً، فلا يجوزُ إظهارهُ. ويُقدَّرُ المحذوفُ من لفظِ المذكور. إلا أن يكونَ المذكورُ فعلاً لازماً متعدياً بحرف الجر، نحو "العاجزَ أخذتُ بيدهِ" و"بيروتَ مررتُ بها"، فَيُقدّرُ من معناهُ. (فتقدير المحذوف "رأيت". في نحو "خالداً رأيته". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 20 وتقديره "أعنت، أو ساعدت، في نحو "العاجزَ أخذت بيده". وتقديره "جاوزت" في نحو "بيروتَ مررت بها") . وقد يَعرِضُ للاسمِ المُشتَغَلِ عنه ما يوجبُ نصبَهُ أو يُرَجّحُهُ، وما يوجبُ رفعَهُ أويُرَجّحُهُ. فيجبُ نصبُهُ إذا وقعَ بعدَ أدواتِ التّحضيضِ والشرطِ والاستفهامِ غير الهمزةِ، نحو "هلاّ الخيرَ فعلتَهُ. إنْ علياً لقيتَهُ فسَلّمْ عليهِ, هل خالداً أَكرمتَهُ؟ ". (غير أن الاشتغال بعد أدوات الاستفهام والشرط لا يكون الا في الشعر. الا أن تكون أداة الشرط "أن" والفعل بعدها ماض، أو "إذا" مطلقاً، نحو "إذا عليّاً لقيته، أو تلقاه فسلم عليه". وفي حكم "اذا". في جواز الاشتغال بعدها في النثر، "لو ولولا") . ويُرجَّحُ نصبُهُ في خمسِ صُوَر 1- أن يقعَ بعد الاسمِ أمرٌ، نحو "خالداً أَكرِمْهُ" و"عليّاً لِيُكرِمْهُ سعيدٌ". 2- أن يقعَ بعدَهُ نهيٌ، نحو "الكريمَ لا تُهِنهُ". 3- أن يقعَ بعدَهُ فعلُ دُعائي، نحو "اللهمَّ أمرِيَ يَسّرّهُ، وعَمَلي لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 21 تُعَسّرْهُ". وقد يكونُ الدعاءُ بصورةِ الخبرِ، نحو "سليماً غفرَ اللهُ لهُ، وخالداً هداهُ اللهُ". (فالكلام هنا خبري لفظاً، انشائيَّ دعائي معنى. لأنّ المعنى اغفر اللهم لسليم، واهدِ خالداً. وانما ترجح النصب في هذه الصور لأنك ان رفعت الاسم كان خبره جملة انشائية طلبية، والجملة الطلبية يضعف الإخبار بها) . 4- أن يقعَ الإسمُ بعدَ همزة الاستفهام، كقوله تعالى {أَبشَراً مِنّا واحداً نَتَّبعُهُ؟} . (وانما ترجح النصب بعدها لأن الغالب ان يليها فعلٌ، ونصبُ الاسم يوجبُ تقديرَ فعل بعدها) . 5- أن يقعَ جواباً لمُستفهَمٍ عنه منصوبٍ، كقولك "عليّاً أَكرمتُهُ"، في جواب من قال "مَنْ أَكرمتَ؟ ". (وانما ترجح النصب لأنّ الكلام في الحقيقة مبنيّ على ما قبله من الاستفهام) . ويجبُ رفعُهُ في ثلاثة مواضعَ 1- أن يقعَ بعدَ "إذا الفجائيَّةِ" نحو "خرجت فإذا الجوُّ يَملَؤُهُ الضَّبابُ". (وذلك لأن "اذا" هذه لم يؤوّلها العربُ الا مبتدأ، كقوله تعالى {ونزعَ يده فإذا هي بيضاء للناظرين} ، او خبراً، كقوله سبحانه {فاذا لهم مكرٌ في آياتنا} . فلو نُصب الاسمُ بعدها، لكان على تقدير فعل بعدها، وهي لا تدخل على الأفعال) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 22 2- أن يقعَ بعدَ واو الحال، نحو "جئتُ والفرسُ يَركبُهُ أَخوكَ". 3- أن يقعَ قبلَ أدوات الاستفهام، أو الشرط، أو التحضيص، أو ما النافية، أو لامِ الإبتداء، أو ما التَّعجبيةِ، أو كم الخبرية، أو "إنَّ" وأَخواتها، نحو "زُهيرٌ هل أَكرمتَهُ؟، سعيدٌ فأكرِمه، خالدٌ هلاَّ دعوتهُ، الشرُّ ما فعلتُهُ، الخيرُ لأنا أَفعلُهُ، الخلُق الحَسَنُ ما أَطيبَهُ!، زُهيرٌ كم أكرمتُهُ!، أُسامةُ إني أَحِبُّهُ". (فالاسم في ذلك كله مبتدأ. والجملة بعده خبره. وانما لم يجز نصبه بفعل محذوف مفسر بالمذكور. لأن ما بعد هذه الأدوات لا يعمل فيما قبلها. وما لا يعمل لا يفسر عاملاً) . ويُرَجَّحُ الرفعُ، إذا لم يكن ما يوجبُ نصبَهُ، أو يرَجِّحُه، أو يوجبُ رفعَه، نحو "خالدٌ أكرمتُهُ". لأنهُ إذا دار الامرُ بينَ التقديرِ وعدَمِهِ فتركهُ أولى. 9- التَّنازُعُ التَّنازُعُ أن يَتوجهَ عاملانِ مُتقدمانِ، أو أكثرُ، إلى معمول واحدٍ مُتأخرٍ أو أكثر، كقوله تعالى {آتوني أُفرغْ عليه قِطراً} . (آتوا فعل أمر يتعدى الى مفعولين. ومفعوله الأول هو الياء، ضميرُ المتكلم. وهو يطلب "قطراً" ليكون مفعوله الثاني. و "أفرغ" فعل مضارع متعد الى مفعول واحد. وهو يطلب "قطراً" ليكون ذلك المفعول. فأنت ترى أنّ "قطراً" قد تنازعه عاملانِ، كلاهما يطلبه ليكون مفعولاً به له، لأنّ التقدير {آتوني قطراً أفرغه عليه} . وهذا هو معنى التنازع) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 23 ولكَ أن تُعمِلَ في الاسم المذكور أيَّ العاملَينِ شئتَ. فإن أعملت الثاني فَلقُربهِ، وإن أعملت الأولَ فلسبَقهِ. فإن أَعملتَ الأوَّلَ في الظاهرِ أَعملتَ الثانيَ في ضميرهِ، مرفوعاً كان أم غيرَهُ، نحو: " قامَ، وقعدا، أخواك * اجتهدَ، فأكرمتُهما، أخواك * وقفَ، فسلمتُ عليهما، أخواك * أكرمتُ، فَسُرّا، أخَويْكَ * أكرمتُ، فشكرَ لي، خالداً". ومن النُّحاة من أجاز حذفه، إن كان غيرَ ضميرِ رفعٍ، لأنهُ فضلةٌ، وعليه قول الشاعر [من مجزوء الكامل] بِعُكاظَ يُعْشي النَّاظِريـ ... ـنَ، إذا هُمُ لَمَحُوا، شُعاعُهْ وأن أعملتَ الثانيَ في الظاهر، أعملتَ الأولَ في ضميرهِ، إن كان مرفوعاً نحو: "قاما، وقعدَ أخواك * اجتهدا، فأكرمتُ أخوَيْك * وَقَفا، فسَلَّمتُ على أخويكَ". ومنه قولُ الشاعر [من الطويل] جَفَوْني، ولم أَجفُ الأَخِلاَّءَ، إِنَّني ... لِغَيْرِ جَميلٍ مِنْ خَلِيلَي مُهْمِلُ وإن كان ضميرُهُ غير مرفوعٍ حذفتَهُ، نحو "اكرمتُ، فَسُرَّ أخواك * أكرمتُ، فشكرَ لي خالدٌ * أكرمتُ، وأكرَمني سعيدٌ * مررتُ، ومَرَّ بي علىُّ." ولا يقال "أكرمتهما، فَسُرَّ أخواكَ * أكرمتُهُ، فشكرَ لي خالد * أكرمتُهُ، وأكرمني سعيدٌ * مررتُ به، ومرَّ بي عليَّ." وأمّا قول الشاعر [من الطويل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 24 إذا كُنْتَ تُرْضِيهِ، وَيُرْضيكَ صاحبٌ ... جِهاراً، فَكُنْ في الْغَيْبِ أَحفَظَ للعَهْدِ وَأَلْغِ أَحاديثَ الْوُشاة، فَقَلَّما ... يُحاوِلُ واشٍ غَيْرَ هِجْرانِ ذِي وُدِّ بإظهار الضمير المنصوب في "تُرضيه"، فضرورةٌ لا يحسُنُ ارتكابها عند الجمهور. وكان حقُّهُ ان يقول "إذا كنت تُرضي، ويُرضيكَ صاحبٌ". وأجازَ ذلك بعضُ مُحَقّقي النّحاة. (وذهب الكسائيّ ومن تابعه الى أنه أذا اعملتَ الثاني في الظاهر، لم تُضمر الفاعلَ في الاول بل يكون فاعله محذوفاً لدلالة ما بعده عليه (لانه يُجيز حذف الفاعل اذا دل عليه دليل) . فاذا قلت "اكرمني فسرّني زهيرُ"، فان جعلت زهيراً فاعلاً لسرّ، كان فاعل "أكرمَ" (على رأى سيبويه والجمهور) ضميراً مستتراً يعود اليه. وعلى رأي الكسائي ومن وافقه يكون فاعل "اكرمَ" محذوفاً لدلالة ما بعده عليه. ويظهر اثر الخلاف في التثنية والجمع، فعلى رأي سيبويه يجب ان تقول (ان اعملت الثاني) "اكرماني، فسرَّني صديقايَ. واكرموني، فسرَّني اصدقائي". وتقول على مذهب الكسائي ومن تابعه "اكرمني، فسرَّني صديقايَ. واكرمني، فسرَّني اصدقائي". فيكون الاسم الظاهر فاعلاً للثاني. ويكون فاعل الاول محذوفاً. وما قاله الكسائي ليس ببعيدٌ، لان العرب تستغني في كلامها عما يُعلم لو حُذف، ولو كان عمدة. ولهذا شواهدُ من كلامهم. اما لو اعملتَ الاول في الاسم الظاهر، فيجب بالاتفاق الإضمار في الثاني، نحو "اكرمني، فسرَّاني، صديقايَ، واكرمني، فسرّوني، اصدقائي". والذي دعا الكسائيّ الى ما ذهب اليه، انه لو لم يحذف الفاعل، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 25 لوجب أن يكون ضميراً عائداً على الاسم الظاهر المتأخر لفظاً ورتبة، وذلك قبيح. وقال سيبويه ان عود الضمير على المتأخر أهون من حذف الفاعل، وهو عمدة، والحقّ أنَّ لكل وجهاً، وانّ الإضمار وتركه على حد سواء. وقد ورد في كلامهم ما يؤيج ما ذهب اليه الفريقان. فقول الشاعر جفوني ولم اجف الاخلاءَ ... " شاهدٌ لسيبويه وقول الآخر [من الطويل] تعفق بالارطى لها وأرادها ... رجالٌ، فبذَّت نبلَهم وكَليبٌ (شاهدٌ للكسائي فهو لا يُضمر في واحد من الفعلين. ولو اضمر في الاول واعمل الثاني لقال "تعفقوا بالارطى وأرادها رجال". ولو اضمر في الثاني واعمل الاول، لقال "تعفق بالارطى ورادوها رجال") . واعلم أنهُ لا يقعُ التنازعُ إلا بينَ فعلينِ مُتصرّفينِ، او اسمينِ يُشبهانِهما، أو فعلٍ متصرفٍ واسمٍ يُشبهُه. فالأول نحو "جاءَني، وأكرمتُ خالداً"، والثاني كقول الشاعر [من الطويل] عُهِدْتَ مُغِيثاً مُغنِياً مَنْ أَجَرْتَهُ ... فَلَمْ أَتَّخِذْ إِلاَّ فِناءَكَ مَوْئِلا والثالثُ كقوله تعالى {هاؤُمُ اقرَأُوا كتابِيَهْ} . ولا يقعُ بينَ حرفين ولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 26 بينَ حرفٍ وغيره، ولا بينَ جامدينِ، ولا بينَ جامدٍ وغيره. وقد يُذكَرُ الثاني لمجرَّدِ التَّقويةِ والتأكيد، فلا عَمَلَ له، وإنَّما العمل للأوَّلِ. ولا يكونُ الكلامُ حينئذٍ من باب التنازع، كقول الشاعر [من الطويل] فَهَيْهَاتَ، هَيْهَاتَ، الْعَقِيقُ وَمَنْ بهِ ... وهَيْهَاتَ خِلٌّ بالْعَقيقِ نُواصِلُهْ وقول الآخر فأَينَ إلى أَينَ النَّجَاةُ ببَغْلَتِي ... أَتاكَ، أَتاكَ، اللاَّحِقُونَ، احْبِسِ احْبِسِ (ولو كان من باب التنازع لقال "اتوك اتاك اللاحقون"؛ باعمال الثاني في الظاهر والإضمار في الاول، او "اتاك اتوك اللاحقون" بالإضمار في الاول واعمال الثاني في الظاهر) . 10- القوْلُ المتَضَمِّنُ مَعْنَ الظنِّ قد يتضمنُ القول معنى الظن، فينصبُ المبتدأ والخبر مفعولينِ، كما تنصبهُما "ظنَّ". وذلك بشرطِ أن يكون الفعل مضارعاً للمخاطَب مسبوقاً باستفهامٍ، وأن لا يُفصَلَ بينَ الفعلِ والاستفهام بغير ظرفٍ، أو جار ومجرورٍ، أو معمولِ الفعل، كقول الشاعر [من الرجز] مَتَى تَقُولُ الْقُلُصَ الرَّواسِما ... يَحْمِلْنَ أُمَّ قاسمٍ وَالْقاسِما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 27 ومثالُ الفصل بينهما بظرفٍ زمانيّ أو مكانيّ: أيومَ الخميس تقولُ عليّاً مسافراً أوَ عندَ سعيدٍ تَقولُهُ نازلاً قال الشاعر [من البسيط] أَبَعْدَ بُعْدٍ تَقولُ الدَّارَ جامعةً ... شَمْلي بهمْ؟ أَمْ تَقول البُعْدَ مَحْتوما؟! ومثالُ ما فُصِلَ فيه بينهما بالجارّ والمجرور "أبا الكلامِ تقول الأمّةَ بالغةً مجدَ آبائها الأوَّلينَ؟ ". ومثالُ الفصلِ بمعمول الفعل قولُ الشاعر [من الوافر] أجُهَّالاً تَقُولُ بني لُؤَيِّ؟ ... لَعَمْرُ أَبِيكَ، أَمْ مُتَجاهِلينا؟ فإن فُقد شرطٌ من هذه الشروطِ الأربعة، تَعيّنَ الرفعُ عند عامة العربِ، إلا بني سلَيمٍ، فهم ينصبون بالقول مفعولينِ بلا شرطٍ. ولا يجب في القول المُتَضمّنِ معنى الظن، المُستوفي الشروط، أن ينصب المفعولين، بل يجوز رفعُهما على أنهما مبتدأ وخبر، كما كانا. وإن لم يتضَمنِ القولُ معنى الظن فهو مُتعد إلى واحد. ومفعولهُ إمّا مفرد (أي غير جملةٍ) ، وإمّا جملةٌ محكيّة. فالمفرد على نوعينِ مفردٍ في معنى الجملةِ، نحو "قلت شعراً، أو خطبةً، أَو قصيدة أَو حديثاً"، ومفردٍ يُرادُ به مُجردُ اللفظِ، مثلُ "رأيتُ رجلاً يقولون له خليلاً" (أي يُسمُّونه بهذا الاسم) وأمَّا الجملة المحكِيَّة بالقول، فتكونُ في موضع نصب على أنها مفعوله، نحو "قلتُ لا إلهَ إلا اللهُ". وهمزةُ "إنَّ" تكسرُ بعد القول العَري عن الظن، وتُفتح بعد القول المَتضمّن معناهُ. كما سبق في مبحث "أن". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 28 11- الإِلغاءُ والتَّعْليقُ في أَفعال الْقُلُوب الإلغاءُ إِبطال عملِ الفعلِ القلبيِّ الناصبِ للمبتدأ والخبر لا لمانعٍ، فيعودان مرفوعينِ على الابتداءِ والخبرّةِ، مثل "خالدٌ كريم ظننت". والإلغاء جائز في أَفعالِ القلوب إِذا لم تَسبقْ مفعولَيها. فإن تَوسطت بينهما فإعمالُها وإلغاؤها سِيّانِ. تقول "خليلاً ظننت مجتهداً" و"خليلٌ ظننتُ مجتهد". وإن تأخرت عنهما جاز أن تَعمَل وإلغاؤها أَحسن، تقول "المطر نازل حَسِبتُ"، و"الشمس طالعةً خلت". فإن تقدَّمت مفعولَيها، فالفصيح الكثيرُ إعمالها، وعليهِ أكثرُ النُّحاةِ، تقول "رأيتُ الحقَّ أَبلجَ". ويجوزُ إهمالُها على قِلةٍ وضعفٍ، وعليه بعضُ النُّحاةِ، ومنه قولُ الشاعر [من البسيط] أَرْجُو وآمُلُ أنْ تَدْنو مَوَدَّتُها ... وما إخالُ لدَيْنا منْك تنويلُ وقول الآخر [من البسيط] كَذَاكَ أُدِّبْتُ، حتَّى صارَ مِنْ خُلقِي ... أَنِّي وَجَدْتُ مِلاكُ الشِّيمةِ الأَدَبُ والتعليقُ إِبطالُ عملِ الفعل القلبيِّ لفظاً لا محلاً، لمانع، فتكونُ الجملةُ بعده في موضع نصبٍ على أَنها سادَّةٌ مَسدَّ مفعوليهِ، مثل علمتُ لخَالد شجاعٌ". فيجبُ تعليقُ الفعلِ، إذا كان هناك مانعٌ من إعماله. وذلك إذا وقع بَعدَهُ أحدُ أربعةِ أَشياءَ 1- ما وإنْ ولا النافياتُ نحو "علمتُ ما زُهيرٌ كسولاً. وظَننتُ إنْ فاطمة مُهملة. ودخلتُ لا رجلَ سُوءٍ موجودٌ. وحَسِبتُ. لا أُسامةُ بطيءٌ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 29 ولا سُعادُ"، قال تعالى "لَقد علمتَ، ما هؤلاءِ يَنطقونَ". 2- لامُ الابتداءِ، مثلُ علمتُ "لأخوكَ مجتهدٌ. وعلمتُ إنَّ أخاكَ لمجتهدٌ". قال تعالى {ولقد علموا لِمَنِ اشتراهُ مالَهُ في الآخرةِ من خلاقٍ} . 3- لامُ القسمِ، كقول الشاعر [لبيد / من الكامل] وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَتأْتِيَنَّ مَنِيَّتي ... إنَّ الْمَنَايَا لا تَطِيشُ سِهَامُها 4- الاستفهامُ، سواءٌ أكان بالحرف، كقوله تعالى {وإنْ أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما تُوعدُونَ؟} أم بالاسمِ، كقوله عزّ وجلّ {لنَعلَمَ أيُّ الحزبينِ أحصى لِما لَبِثوا أمداً؟} ، وقوله {لَتَعلمُنَّ أيُّنا أشدُّ عذاباً؟} . وسواءٌ أكانَ الاستفهام مبتدأ، كما في هذه الآيات، أم خبراً، مثل "علمتُ مَتى السّفرُ؟ "، أم مضافاً إلى المبتدأ، مثل "علمتُ فَرَس أيهم سابقٌ؟ " أم إلى الخبر، مثل "علمتُ ابنُ مَن هذا؟ ". وقد يُعلقُ الفعلُ المتعدي، من غير هذه الأفعالِ، عن العمل، كقوله تعالى {فَليَنظُر أيُّها أزكى طعاماً؟} ، وقوله {ويَستنبئُونَكَ أحقّ هُوَ؟} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 30 وقد اختُصَّ ما يتصرّفُ من أفعال القُلوب بالإلغاءِ والتَّعليقِ. فلا يكونانِ في "هَبْ وتَعلَمْ"، لأنهما جامدانِ. وقد علمت أن الإلغاء جائز عند وجودِ سبيلهِ، وأن المُلغى لا عملَ له البتَةَ، وإنَّ المعلَّقَ، إن لم يعملْ لفظاً فهو يعمل النصبَ في مَحلِّ الجملةِ، فيجوزُ العطفُ بالنصب على محلها، فنقولُ "علمتْ لخالد شجاعُ وسعيداً كريماً"، بالعطف على مَحلّ "خالد وسعيد"، لأنهما مفعولان للفعل المعلّق عن نصبهما بلام الإبتداءِ. ويجوز رفعُهما بالعطف على اللفظ، قال الشاعر [كثير عزة / من الطويل] وما كُنْتُ أَدْرِي قَبْلَ عَزَّةَ. ما الْبُكا ... ولا مُوجِعاتُ الْقَلْبِ؟ حَتَّى تَوَلَّتِ يُروَى بنصب موجعات، عطفاً على محل "ما البكا". ويجوزُ الرفعُ عطفاً على البكا. والجملةُ بعدَ الفعلِ المُعلَّقِ عن العمل في موضع نصبٍ على المفعولية. وهي سادّةٌ مَسدَّ المفعولينِ، إن كان يتعدّى إلى اثنينِ ولم ينصب الأوّلَ. فإن نصبَهُ سدَّت مسدّ الثاني، مثلُ "علمتكَ أيَّ رجلٍ أنتَ؟ ". وإن كان يتعدّى إلى واحدٍ سدّت مسدّهُ، مثل "لا تأتِ أمراً لم تعرفْ ما هُوَ؟ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 31 وإن كان يتعدَّى بحرف الجرّ، سقطَ حرفُ الجرّ وكانت الجملة منصوبة محلاًّ بإسقاط الجارِّ (وهو ما يسمُّونهُ النصبَ على نَزع الخافض) ، مثل "فكَّرت أصحيحٌ هذا أم لا؟ "، لأن فكَّرَ يتعدَّى بفي، تقول "فكَّرْتُ في الأمر". (المفعولُ المطلقُ) المفعولُ المطلَقُ مَصدرٌ يُذكرُ بعد فعلٍ من لفظهِ تأكيداً لمعناهُ، أو بياناً لِعَددِهِ، أو بياناً لنوعهِ، أو بَدَلاً من التلفُّظِ بفعلهِ. فالأول نحو {وكلّم اللهُ مُوسى تكليماً} . والثاني نحو "وقفتُ وقفتينِ". والثالثُ نحو "سرتُ سيرَ العُقلاءِ". والرابعُ نحو "صَبراً على الشدائد". واعلم أنّ ما يُذكرُ بدلاً من فعلهِ لا يُرادُ به تأكيدٌ ولا بيان عددٍ أو نوع. وفي هذا المبحث ستَّةَ مَباحث. 1- الْمَصْدَرُ المُبْهَمُ وَالْمَصْدَرُ المُخْتَصُّ المصدرُ نوعانِ مُبهمٌ ومُختَص. فالمُبهم ما يُساوي معنى فعلهِ من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ، وإنما يُذكرُ لمجرّد التأكيد، "قمتُ قياماً. وضربتُ اللصّ ضرباً"، أو بدَلاً من التّلفّظِ بفعلهِ، نحو "إيماناً لا كُفْراً"، ونحو "سَمعاً وطاعةً"، إذِ المعنى "آمِنْ ولا تكْفُرْ، وأَسمعُ وأُطيعُ". ومن ثمَّ لا يجوزُ تثنيتُهُ ولا جمعهُ، لأنَّ المؤكدَ بمنزلةِ تكرير الفعلِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 32 "والبدل من فعلهِ بمنزلةِ الفعلِ نفسهِ، فعُومِلَ مُعاملتَهُ في عدَمِ التثنيةِ والجمعِ. والمختصُّ ما زادَ على فعلهِ بإفادتهِ نوعاً أو عدداً، نحو "سرتُ سَيرَ العُقلاءِ. وضربتُ اللصَّ ضرْبَتينِ، أو ضَرَباتٍ". والمُفيدُ عَدَداً يُثنّى ويُجمَعُ بلا خلافٍ. وأمّا المُفيدُ نوعاً، فالحقُّ أن يُثنَّى ويُجمَعُ قياساً على ما سُمعَ منهُ كالعقولِ والألبابِ والحُلُوم وغيرها فيَصحُّ أن يُقالَ "قمتُ قِيامَينِ"، وأنتَ تُريدُ نوعينِ من القيام. ويَختصُّ المصدرُ بألْ العهديَّةِ، نحو "قمتُ القيامَ"، أي "القيامَ الذي تَعهَدُ"، وبأل الجنسيّةِ، نحو "جلستُ الجلوسَ"، تُريدُ الجنسَ والتنكير، وبوصَفهِ، نحو "سعيتُ في حاجتك سعياً عظيماً، وبإضافته، نحو "سرتُ سيرَ الصالحينَ". 2- الْمَصْدَرُ المُتَصَرِّفُ والْمَصْدَرُ عَيْرُ الْمُتَصَرِّفِ المصدرُ المتصرّف ما يجوزُ أن يكونَ منصوباً على المصدريّة، وأن ينصرف عنها إلى وقوعهِ فاعلاً، أو نائبَ فاعلٍ، أو مبتدأ، أو خبراً، أو مفعلواً بهِ، أو غيرَ ذلك. وهو جميعُ المصادر، إلا قليلاً جِدًّا منها. وهو ما سيُذكر. وغيرُ المتصرّفِ ما يُلازمُ النصبَ على المصدريَّة، أي المفعوليّة المطلقةِ؛ لا يَنصرف عنها إلى غيرها من موقاع الإعراب، وذلك نحو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 33 سبحان ومَعاذَ ولَبيّكَ وسَعدَيكَ وحنَانَيكَ ودوَاليكَ وحَذارَيك". وسيأتي الكلام على هذه المصادر. 3- النائبُ عن المَصْدَر ينوب عن المصدر - فيُعطَى حكمَه في كونهِ منصوباً على أنه مفعولٌ مُطلَقٌ - اثنا عَشرَ شيئاً 1- اسم المصدرِ، نحو "أعطيتُك عَطاءً"، و"اغتسلتُ غُسلاً" و"كلّمتكَ كلاماً" و"سلّمتُ سلاماً". 2- صفتهُ، نحو "سرت أحسنَ السيرِ" و {اذكروا الله كثيراً} . 3- ضميرُهُ العائدُ اليهِ، نحو "اجتهدتُ اجتهاداً لم يجتهدهُ غيري". ومنه قَولهُ تعالى {فإني أعذِّبُهُ عذاباً لا أعَذبُهُ أحداً من العالمينَ} . 4- مرادفُهُ - بأن يكون من غير لفظهِ، معَ تَقارُب المعنى - نحو "شَنِئْتُ الكسلانَ بُغضاً". و"قمت وقُوفاً" و"رُضتُه إذلالاً" و"أعجبني الشي حُباً"، وقال الشاعر [من الرجز] يُعْجبُهُ السَّخُونُ والبَرُودُ ... والتَّمْرُ، حُبًّا ما لَهُ مَزِيدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 34 5- مصدر يُلاقيهِ في الاشتقاقِ، كقولهِ تعالى {واللهُ أنبتَكم من الأرض نبَاتاً} ، وقولهِ {تَبتَّلْ إليهِ تَبتيلاً} . 6- ما يَدلُّ على نوعه، نحو "رجعَ القهقرَى" و"قعدَ القُرفُصاءَ" و"جلسَ الاحتباءَ" و"اشتمل الصّمّاءَ". 7- ما يدلُّ على عدده نحو "أنذرتُك ثلاثاً"، ومنه قولهُ تعالى {فاجلدوا كلَّ واحدٍ منهما ثمانينَ جلدةً} . 8- ما يدلُّ على آلته التي يكونُ بها، نحو "ضربتُ اللصَّ سَوطاً، أو عصاً، ورشقتُ العدوَّ سهماً، أو رَصاصةً أو قذيفةً. وهو يَطّردُ في جميع أسماءِ آلاتِ الفعلِ. فلو قلتَ "ضربتُه خشبةً، أو رميتُه كرسيّاً، لم يَجُز لأنهما لم يُعهَدا للضرب والرمي. 9- "ما" وأَيُّ" الإستفهاميَّتان، نحو "ما أكرمتَ خالداً؟ " و"أَيَّ عيشٍ تعيش؟ "، ومنه قوله تعالى {وسيعلمُ الذين ظَلموا أَيَّ مُنقلب ينقلبون} . 10- "ما ومهما وأَيُّ" الشَّرطيّاتُ "ما تجلسْ أجلسْ" و"مهما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 35 تقِفْ أَقِفْ" و"أَيَّ سَيرٍ تَسِرْ أَسِرْ". 11- لفظ كل وبعضٍ وأي الكماليّة، مضافاتٍ إلى المصدرِ، نحو {فلا تَميلوا كلَّ المَيلِ} و"سَعَيتُ بعضَ السعيِ" "واجتهتدتُ أيَّ اجتهادٍ". (وهذا في الحقيقة من صفة المصدر عنه، لان التقدير "فلا تميلوا ميلاً كلّ الميل. وسعيت سعياً بعضَ السعي. واجتهدت اجتهاداً أيّ اجتهاد". وسميت "أيّ" هذه بالكمالية، لأنها تدل على معنى الكمال. وهي إذا وقت بعد النكرة كانت صفة لها، نحو "خالدٌ رجلٌ أيّ رجلٍ" أي هو كامل في صفات الرجال. وإذا وقعت بعد المعرفة كانت حالاً منها، نحو "مررت بعبد اللهِ أيّ رجل". ولا تُستعمل إلا مضافة وتطابق موصوفها في التذكير والتأنيث، تشبيهاً لها بالصفات المشتقات. ولا تطابقه في غيرهما) . 12- اسمُ الإشارةِ مُشاراً به إلى المصدر، سواءٌ أَأُتبعَ بالمصدر، نحو "قلتُ ذلكَ القولَ" أم لا، كأن يُقال "هل اجتهدتَ اجتهاداً حسَناً؟ "، فتقولُ "اجتهدتُ ذلك". 4- عاملُ الْمَفْعول المُطْلَق يعملُ في المفعولِ المُطلقِ أحدُ ثلاثةِ عواملَ الفعلُ التام المتصرّفُ، نحو "أتقِنْ عملَك إتقاناً"، والصفةُ المُشتقّةُ منهُ، نحو "رأيتُهُ مُسرعاً إسراعاً عظيماً"، ومصدرُه، نحو "فرحتُ باجتهادك اجتهاداً حسناً"، ومنه قوله تعالى {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً} [الإسراء: 63] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 36 5- أَحكامُ المفعولِ المطلَق للمفعول المطلق ثلاثةُ أَحكام 1- أنهُ يجبُ نصبُه. 2- أنهُ يجبُ أن يقعَ بعدَ العامل، إن كان للتأكيد. فإن كان للنَّوع أو العدَدِ، جاز أن يُذكرَ بعدَه أو قبله، إلا إن كان استفهاماً أو شرطاً، فيجبُ تَقدمُه على عاملهِ، كما رأيتَ في أمثلتهما التي تقدّمت. وذلكَ لأنَّ لأسماءِ لاستفهام والشرط صدرَ الكلام. 3- أنهُ يجوزُ أن يُحذَفَ عاملُهُ، إن كان نَوعيّاً أو عدديّاً، لقرينةٍ دالّةٍ عليه، تقولُ "ما جلستَ"، فيقالُ في الجواب "بَلى جُلوساً طويلاً، أَو جَلستينِ"، ويُقالُ "إنك لا تعتني بعملك"، فتقولُ "بلى اعتناءً عظيماً"، ويقال "أيَّ سيرٍ سرتَ؟ "، فتقول "سيرَ الصالحينَ"، وتقول لِمنْ تأهَّبَ للحجَّ "حَجّاً مبروراً"، ولِمن قَدِمَ من سفَر "قُدوماً مُباركاً" و"خيرَ مَقدَمٍ"، ولِمن يُعِدُ ولا يَفي "مَواعيدَ عُرقوبٍ" من ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 37 قولهم "غضَب الخيل على اللُّحْم". وأمّا المصدرُ المؤكدَ فلا يجوزُ حذفُ عامله، على الأصحَ من مذاهب النحاة، لأنه إنما جيء به للتَّقوية والتأكيد. وحذفُ عامله يُنافي هذا الغرض. وما جِيء به من المصادر نائباً عن فعله (أي بدلاً من ذكر فعله) ، لم يجُز ذكرُ عامله، بل يحذفُ وجوباً، نحو "سَقياً لكَ ورَعياً* صبراً على الشدائد* أتَوانياً وقد جَدَّ قُرناؤكَ؟ * حمداً وشكراً لا كفراً* عجباً لك* وَيلُ الظالمين* تبّاً للخائنينَ* وَيْحَكَ* أنتَ صديقي حقاً". قال الشاعر [من الوافر] فَصبْراً في مجالِ الْمَوتِ صَبْراً ... فَما نَيْلُ الخُلودِ بِمُسْتَطاعِ 6- الْمَصدَرُ النائبُ عن فعلهِ المصدرُ النائبُ عن فعله ما يُذكرُ بَدلاً من التلفظ بفعله. وهو على سبعةِ أنواعٍ 1- مصدرٌ يَقعُ مَوقعَ الأمر، نحو "صبراً على الأذَى في المجد"، ونحو "بَلْهاً الشر، وبَلْهَ الشرَّ". (و "بله" مصدر متروك الفعل، وهو منصوب على المصدرية بفعله المهل أو بفعل من معناه تقديره "أترك". وهو إما أن يستعمل مضافاً أو منوّناً. كما رأيت. وأكثر ما يستعمل اسم فعل أمر بمعنى "أترك") . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 38 2- مصدرٌ يقعُ موقعَ النَّهي، نحو "إجتهاداً لا كسلاً، جِداً لا تَوانياً* مَهلاً لا عجلةً* سُكوتاً لا كلاماً* صَبراً لا جَزَعاً". وهو لا يقع إلاّ تابعاً لمصدر يُرادُ به الأمر كما رأيت. 3- مصدرٌ يقعُ موقعَ الدعاءِ، نحو "سَقياً لك ورَعياً* تَعساً للخائن* بُعداً للظالم، سُحقاً للَّئيم* جَدعاً للخبيثِ* رحمةً للبائس* عذاباً للكاذب* شقاءً للمهمل* بُؤْساً للكسلان* خَيبة للفاسق* تَبّاً للواشي* نُكساً للمتكبِّر". ومنعَ سيبويه أن يُقاسَ على ما وَرَدَ من هذه الألفاظ. وأجاز الأخفش القياسَ عليها. وهو ما يظهرُ أنه الحقُّ. (ولا تُستعمل هذه المصادر مضافة إلا في قبيح الكلام. فان أضفتها فالنصبُ حتمٌ واجب، نحو "بُعدَ الظالم وسُحقَهُ". ولا يجوز الرفع لأنّ المرفوع يكون حينئذ مبتدأ ولا خبرَ له وان لم تُضفها فلك أن تنصبها، ولك أن ترفعها على الإبتداء، نحو عذاباً له، وعذابٌ له". والنصب أولى. وما عُرَّف منها بأل فالافضل فيه الرفع على الإبتداء، نحو "الخيبةُ للمفسد") . ومما يُستعمَلُ للدُّعاءِ مَصادرُ قد أُهملت أفعلها في الاستعمال، وهي "ويلَهُ، وويَبَهُ، ووَيْحَهُ، ووَيسَهُ". وهي منصوبةٌ بفعلها المُهمَل، أو بفعل من معناها. ("ويل وويب" كلمتا تهديد تقالانِ عند الشتم والتوبيخ. و"ويح وويس" كلمتا رحمة تقالان عند الإنكار الذي لا يراد به توبيخ ولا شتم؛ وإنما يراد به التنبيه على الخطأ. ثم كثرت هذه الألفاظ في الاستعمال حتى صارت كالتعجب، يقولها الإنسان لمن يجب ولمن يبغض. ومتى أضفتها الجزء: 3 ¦ الصفحة: 39 لزمتِ النصب، ولا يجوز فيها الرفع، لان المرفوع يكون حينئذ مبتدأ ولا خبر له. وان لم تُضفها فلك أن ترفعها، ولك أن تنصبها. نحو "ويلٌ له وويحٌ له، وويلاً له وويحاً له" والرفع أولى) . 4- مصدرٌ يقعُ بعدَ الاستفهام موقعَ التوبيخ، أو التعجُّب، أو التوَجعِ، فالأول نحو "أجُرأةً على المعاصي؟ "، والثاني كقول الشاعر [من الطويل] أَشوْقاً؟ وَلَمَّا يَمْضِ لي غَيْرُ لَيْلَةٍ ... فَكَيْفَ إِذَا خَبَّ المطِيُّ بِنَا عَشْرَا والثالث كقول الآخر [من الطويل] أَسِجْناً وقتْلاً واشتياقاً وغُرْبَةً ... وَنَأيَ حَبيبٍ؟ إنَّ ذا لَعَظيم وقد يكونُ الاستفهامُ مُقدَّراً، كقوله [من الطويل] خُمُولاً وإِهْمالاً؟ وَغَيْرُك مُولَعٌ ... بِتَثْبيتِ أَركانِ السِّيادَةِ والْمَجْدِ أي أخمولاً؟ وهو هنا للتوبيخ. 5- مَصادرُ مسموعةٌ كثرَ استعمالُها، ودلَّتِ القرائنُ على عاملها، حتى صارت كالأمثال، نحو "سَمعاً وطاعةً* حمداً لله وشُكراً* عَجَباً* عجَباً لكَ*، ويُقالُ أتفعلُ هذا؟ فتقول "أفعلُهُ، وكراهةً ومَسَرَّةً"، أو "لا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 40 أفعلُهُ ولا كَيْداً ولا همّاً" و"لافعلنَّهُ ورَغماً وهواناً". وإذا أفرَدْتَ "حمداً وشكراً" جاز إظهارُ الفعل، نحو "أحمدُ اللهَ حمداً" و"أشكرُ اللهَ شًكراً". أمّا "لا كُفراً" فلا يُستعمل إلا معَ "حمداً وشكراً". ومن هذه المصادر "سُبحانَ اللهِ، ومَعاذَ اللهِ". ومعنى "سبحانَ الله". تَنزيهاً للهِ وبراءَةً له مما لا يليقُ به. وعمى "مَعاذَ اللهِ" عياذاً باللهِ، أي أعوذُ به. ولا يُستعملان إلا مُضافينِ. ومنها "حِجْراً - بكسر الحاءِ وسكونِ الجيم - يقال للرجل أتفعلُ هذا؟ فيقولُ "حِجْراً"، أي منعاً، بمعنى أمنعُ نفسي منه، وأُبعِدُهُ وأبرأُ منه، وهو في معنى التعوُّذ ويقولون عند هجوم مكروهٍ "حِجْراً محجوراً"، أي منعاً ممنوعاً. والوصف للتأكيد. وتقول لِمن أراد أن يخوض فيما لا يجوزُ الخوضُ فيه، أو أراد أن يأتيَ ما لا يحِلُّ "حِجْراً محجوراً"، أي حراماً مُحرَّماً. ومنها مصادرُ سُمعتْ مُثنَّاةً، نحو "لَبَّيكَ وسَعدَيك وحَنانَيكَ ودَوالَيكَ وحَذارَيكَ". وهي مُثنّاةٌ تَثنيةً يُرادُ بها التكثيرُ، لا حقيقةُ التَّثنيةِ. (و "لبيك وسعديك" يستعملان في إجابة الداعي، أي "أجابة بعد اجابة واسعاداً بعد اسعاد"، أي كلما دعوتني أجبتك وأسعدتك، ولا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 41 يستعمل "سعديك" إلا تابعاً للبيك. ويجوز أن يستعمل لبيك وحده. و"حنانيك" معناه تحنناً بعد تحنن. ومعنى قولهم "سبحان الله وحنانيه" أسبحه وأسترحمه. و"دواليك" معناه مداولة بعد مدالة. و"حذاريك" معناه حذراً بعد حذر) . 6- المصدرُ الواقعُ تفصيلاً لمُجمَلٍ قبلَهُ، وتَبييناً لعاقبتهِ ونتيجتهِ كقوله تعالى "فَشُدُّوا الوَثاقَ، فإمّا مَنّاً بعدُ، وإمّا فِداءً" وكقول الشاعر [من البسيط] لأَجهَدَنَّ، فإمَّا دَرْءَ مَفْسَدَةٍ ... تُخْشى، وإمَّا بُلُوغَ السُّوْلِ والأَمَلِ 7- المصدرُ المؤكّدُ لمضمونِ الجملة قبلهُ. سواءٌ أَجيءَ بهِ لمجرَّد التأكيدِ (أيٍ لا لدفعِ احتمال المجازِ، بسبب أنَّ الكلامَ لا يحتملُ غيرَ الحقيقةِ) نحو "لكَ عليَّ الوفاءُ بالعهد حَقّاً"، أم للتأكيد الدافعِ إرادةَ المجاز نحو "هو أَخي حقّاً". فإنَّ قولكَ "هو أَخي" يحتملُ أنك أردتَ الأخوَّة المجازيَّةَ، وقولكَ "حقّاً، رفعَ هذا الاحتمال. ومن المصدر المؤكّدِ لمضمونِ الجملةِ قولهم "لا أفعله بَتّاً وبَتاتاً وبَتَّةً والبَتَّةَ". (ويجوز في همزة "البتة" القطع والوصل، والثاني هو القياس لأنها همزة وصل. واشتقاق ذلك من البت، وهو القطع المستأصل، لأن من يقول ذلك يقطع بعدم الفعل. ويُستعمل من كل أمر يمضي لا رجعة فيه ولا التواء) . فكلَّ ما تقدَّمَ من هذه المصادر، النائبة عن أفعالها، يجبُ فيه حذفُ العامل كما رأيتَ. ولا يجوزُ ذكرهُ. لأنهاإنما جِيءَ بها لتكونَ بدلاً من أفعالها. واعلم أنْ ليسَ المصدرُ، الذي يُؤتى بهِ بَدلاً من التلفظ بفعله، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 42 من المصادرِ المؤَكّدةِ (كما زعم جمهورٌ من النُّحاةِ) ، وإنما هو ضرب آخرُ من المصادرِ، كما علمتَ. ولو كان مؤَكداً لم يَجُز حذفُ عامله، لأنه إنما أُتيَ به ليؤكّدَ عاملُه ويُقوِّيهِ. فحذفُ العاملِ بعدَ ذلك يُنافي ما جِيءَ بالمصدرِ لأجله. ولو كان مؤكداً لجاز ذكر العامِلِ معَهُ. ولم يَقُلْ بذلك أحدٌ منهم، مع إجماعِهم على أنه يجوزُ ذكرُ العاملِ ومصدرِهِ المؤَكدِ له معاً. نحو {يا أيُّها آمنوا صلُّوا عليه وسلموا تسليماً} . (المفعولُ لهُ) المفعولُ لهُ (ويُسمّى المفعولَ لأجلهِ، والمفعولَ من أجلهِ) هو مصدرٌ قَلبيٌّ يُذكرُ عِلّةً لحدَثٍ شاركهُ في الزمانِ والفاعلِ، نحو "رغبةً" من قولكَ "اغتربتُ رَغبةً في العلم". (فالرغبة مصدر قلبي، بين العلة التي من أجلها اغتربت، فان سبب الإغتراب هو الرغبة في العلم, وقد شارك الحدثُ (وهو اغتربت) المصدرَ (وهو رغبة) في الزمان والفاعل. فان زمانهما واحد وهو الماضي. وفاعلهما واحد وهو المتكلم. والمراد بالصدر القلبي ما كان مصدراً لفعل من الأفعال التي منشؤُها الحواسّ الباطنة كالتعظيم والإجلال والتحقير والخشية والخوف والجرأة والرغبة والرهبة والحياء والوقاحة والشفقة والعلم والجهل. ونحوهما. ويقابل أفعال الجوارح (أي الحواسّ الظاهرة وما يتصل بها) كالقراءة والكتابة والقعود والقيام والوقوف والجلوس والمشي والنوم واليقظة، ونحوها) . وفي هذا المبحث مبحثان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 43 ِ1- شُروطُ نَصْبِ المفعولِ لأَجلهِ عَرفتَ، ممّا عَرَّفنا به المفعولَ لأجلهِ، أنه يُشترَطُ فيه خمسةُ شروطٍ. فإنْ فُقِدَ شرطٌ منها لم يَجُز نصبُهُ. فليسَ كلُّ ما يُذكر بياناً لسبب حُدوثِ الفعلِ يُنصَب على أنه مفعولٌ له. وهكاَ تفصيلَ شروط نصبه 1- أن يكونَ مصدراً. (فان كان غير مصدر لم يجز نصبه كقوله تعالى {والأرض وضعها للأنام} ) . 2- أن يكون المصدر قلبياً. (أي من أفعال النفس الباطنة، فان كان المصدر غير قلبي لم يجز نصبه، نحو "جئت للقراءة") . 3 و4- أن يكونَ المصدرُ القلبيُّ مُتَّحداً معَ الفعل في الزمان، وفي الفاعل. (أي) يجب أن يكون زمان الفعل وزمان المصدر واحداً، وفاعلهما واحداً. فان اختلفا زماناً أو فعلاً لم يجز نصب المصدر. فالأول نحو "سافرت للعمل". فان زمان السفر ماضٍ وزمان العلم مستقبل والثاني نحو "أحببتك لتعظيمك العلم". إذ أن فاعل المحبة هو المتكلم وفاعل التعظيم هو المخاطب. ومعنى اتحادهما في الزمان أن يقع الفعل في بعض زمان المصدر كجئت حباً للعلم، أو يكون أول زمان الحدث آخر زمان المصدر كأمسكته خوفاً من فراره. أو بالعكس، كأدبته اصلاحاً له) . 5- أن يكون هذا المصدرُ القلبي المُتَّحدُ معَ الفعل في الزمان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 44 والفاعل، عِلَّةً لحُصولِ الفعلِ، بحيثُ يَصِحُّ أن يقعَ جواباً لقولكَ "لِمَ فعلتَ؟ ". (فان قلت "جئت رغبة في العلم"، فقولك "رغبة في العلم" بمنزلة جواب لقول قائل "لم جئت؟ ". فان لم يذكر بياناً لسبب حدوث الفعل، لم يكن مفعولاً لأجله، بل يكون كما يطلبه العامل الذي يتعلق به. فيكون مفعولاً مطلقاً في نحو "عظمت العلماء تعظيماً"، ومفعولاً به في نحو "علمتُ الجبن معرةً"، ومبتدأ في نحو "البخل داء"، وخبراً في نحو "أدوى الأدواء الجهل"، ومجروراً في نحو "أي داء أدوى من البخل"، وهلم جراً) . ومثال ما اجتمعت فيهِ الشروطُ قولهُ تعالى {ولا تقتلوا أولادَكم خشيةَ إملاقٍ، نحن نرزُقُهم وإيَّاكم} . فإن فُقدَ شرطٌ من هذه الشروطِ، وجب جرُّ المصدرِ بحرف جر يفيدُ التعليلَ، كاللامِ ومن وفي، فاللامُ نحو "جئت للكتابةِ"، ومن، كقولهِ تعالى {ولا تَقتُلوا أولادَكم من إملاقٍ نحن نَرزُقكم وإيّاهم} ،وفي، كحديثِ "دخلتِ امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ حَبَستها، لا هي أطعمتها، ولا هي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 45 َ تركتها تأكلُ من خَشاشِ الأرض". 2- أَحكامُ الْمَفْعولِ لَهُ للمفعولِ من أجلهِ ثلاثةُ أحكام 1- يُنصَبُ، إذا استوفى شروطَ نصبهِ، على أنهُ مفعولٌ لأجله صريحٌ. وإن ذُكرَ للتعليل، ولم يَستوف الشروطَ، جُرَّ بحرف الجرِّ المُفيدِ للتَّعليل، كما تقدَّمَ، واعتُبِرَ أنهُ في محلّ نصبٍ على أنه مفعولٌ لأجلهِ غيرُ صريحٍ، وقد اجتمع المنصوبان، الصريحُ وغيرُ الصريح، في قوله تعالى {يجعلون أصابعَهم في آذانهم من الصّواعق حَذَرَ الموت} ، وفي قول الشاعر [الفرزدق / من البسيط] يُغضِي حَياءً، ويُغضَى من مَهابتِهِ ... فَلا يُكَلَّمُ إِلاَّ حِينَ يَبْتسِمُ (فقوله تعالى {من الصواعق} في موضع نصب على أنه مفعول لأجله غير صريح. وقوله {حذر} مفعول لاجله صريح. وقول الشاعر "حياء" مفعول لأجله صريح. وقوله "من مهابته" في محل نصب على أنه مفعول له غير صريح. ونائب فاعل "يغضى" ضمير مستتر يعود على مصدره المقدّر. والتقدير "يغضى الإغضاءُ". ولا يجوز أن يكون "من مهابته" في موضع نائب الفاعل، لان المفعول له لا يُقام مُقامَ الفاعل، لئلا تزول دلالته على العلة. وقد عرفت في مبحث نائب الفاعل (في الجزء الثاني) أن الجزء: 3 ¦ الصفحة: 46 المجرور بحرف الجر لا ينوب عن الفاعل؛ ان جُرّ بحرف جر يفيد التعليل) . 2- يجوزُ تقديمُ المفعولِ لأجلهِ على عامله، سواءٌ أَنُصبَ أم جُرَّ بحرف الجرَّ، نحو "رغبةً في العلم أتيتُ" و"للتِّجارةِ سافرتُ". 3- لا يجبُ نصبُ المصدر المُستوفي شروطَ نصبهِ، بل يجوزُ نصبُهُ وجرُّهُ. وهو في ذلك على ثلاثِ صوَر 1- أن يَتجرَّدَ من "أَل" والإضافة، فالاكثرُ نصبُهُ، نحو "وقفَ الناسُ احتراماً للعالم". وقد يُجَرُّ على قلَّةٍ، كقوله [من الرجز] مَنْ أَمَّكُمْ، لِرَغْبَةٍ فِيكْم، جُبِرْ ... ومَنْ تَكونُوا ناصِريهِ يَنْتَصِرْ 2- أن يقترنَ بأل، فالأكثرُ جرهُ بحرفِ الجر، نحو "سافرتُ للرغبة في العلم". وقد يُنصَبُ على قلةِ كقولهِ [من الرجز] لا أَقْعُدُ، الجُبْنَ، عنِ الْهَيْجاء ... وَلَوْ تَوَالتْ زُمَرُ الأَعداءِ 3- أن يُضافَ، فالأمرانِ سواءٌ، نصبُهُ وجرُّه بحرف الجرّ، تقول "تركتُ المنكَرَ خَشيةَ اللهِ، أو لخشيةِ الله، أو من خشيةِ اللهِ". ومن النصب قولهُ تعالى {يُنفقونَ أموالَهُمُ ابتغاءَ مَرضاةِ اللهِ} ، وقولُ الشاعر [من الطويل] وَأَغْفِرُ عَوْراءَ الْكريمِ ادِّخارَهُ ... وأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئيمِ تَكرُّما ومن الجرِّ قوله سبحانَهُ {وإنَّ منها لمَا يَهبِط من خشيةِ اللهِ} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 47 (المفعولُ فيه) وهو المُسَمَّى ظَرْفاً المفعولُ فيه (ويُسمّى ظرفاً) هو اسمٌ يَنتصبُ على تقدير "في"، يُذكرُ لبيانِ زمان الفعل أو مكانهِ. (أما اذا لم يكن على تقدير "في" فلا يكون ظرفاً، بل يكون كسائر الاسماء، على حسب ما يطلبه العامل. فيكون مبتدأ وخبراً، نحو "يومنا يومٌ سعيد"، وفاعلاً، نحو "جاء يومُ الجمعة"، ومفعولاً به، نحو "لا تضيع أيامَ شبابك". ويكون غير ذلك، وسيأتي بيانه. والظرف، في الاصل، ما كان وعاء لشيء. وتسمى الاواني ظروفاًن لانها أوعية لما يجعل فيها، وسميت الازممنة والامكنة "ظروفاً". لأنّ الافعال تحصل فيها، فصارت كالاوعية لها) . وهو قسمانِ ظرفُ زمانٍ، وظرفُ مكان. فظرفُ الزمان ما يَدْلُّ على وقتٍ وقعَ فيه الحدثُ نحو "سافرتُ ليلاً". وظرفُ المكان ما يدلُّ على مكانٍ وقعَ فيه الحدثُ، نحو "وقفتُ تحتَ عَلَمِ العلم". والظرفُ، سواءٌ أكانَ زمانياً أم مكانياً، إما مُبهَمٌ أو محودٌ (ويقال للمحدود المُوَقَتُ والمختصُّ أيضاً) ، وإما مُتصرّفٌ أو غيرُ مُتصرفٍ. وفي هذا الباب ثمانيةُ مباحثَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 48 1- الظَّرفُ المُبْهَمُ والظَّرفُ الْمَحْدُود المُبهَهمُ من ظروفِ الزمانِ ما دلَّ على قَدْرٍ من الزمان غير مُعيَّنٍ، نحو "أبدٍ وأمدٍ وحينٍ ووقتٍ وزمانٍ". والمحدودُ منها (أو المُوقَّتُ أو المختصُّ) ما دلَّ على وقتٍ مُقدَّرٍ مُعَيَّنٍ محدودٍ، نحو "ساعةٍ ويومٍ وليلةٍ وأُسبوعٍ وشهرٍ وسنةٍ وعامٍ". ومنه أسماءُ الشهور والفُصولِ وأيام الأسبوع وما أُضيفَ من الظروف المُبهَمةِ إلى ما يزيلُ إبهامَهُ وشُيوعَهُ كزمانِ الرَّبيعِ ووقتِ الصيف. والمُبهمُ من ظروف المكان ما دلَّ على مكانٍ غيرِ مُعيَّنٍ (أي ليس له صورةٌ تدرَكُ بالحسِّ الظاهر، ولا حُدودٌ لصورةٍ) كالجهاتِ الستَّ، وهيَ "أمامٌ (ومثلُها قُدَّامٌ) ووراءٌ (ومثلها خَلفٌ) ويَمينٌ، ويَسار (ومثلُها شمال) وفَوق وتحت"، وكأسماءِ المقادير المكانيّة كمِيلٍ وفَرسخٍ وبَريدٍ وقَصبةٍ وكيلومترٍ، ونحوها، وكجانبٍ ومكانٍ وناحيةٍ، ونحوِها. ومن المُبهَمِ ما يكونُ مُبهمَ المكانِ والمسافةِ معاً كالجهاتِ الستْ، وجانبٍ وجهةٍ وناحيةٍ. ومنه ما يكونُ مُبهمَ المكانِ مُعينَ المسافةِ كأسماءِ المقادير، فهي شبيهةٌ بالمُبهم من جهةِ أنها ليست أشياءَ مُعيَّنةً في الواقع، ومحدودةٌ من حيثُ أنها مُعيّنةُ المقدار. (فمكان الجهات الست غير معين لعدم لزومها بقعة بخصوصها، لانها أمور اعتبارية أي باعتبار الكائن في المكان، فقد يكون خلفك أماماً لغيرك؛ وقد تتحول فينعكس الامر. وهكذا مقدارها، أي مسافتها ليس له أمد معلوم. فخلفك مثلاً اسم لما وراء ظهرك الى ما لا نهاية. أما أسماءُ المقادير فهي، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 49 وان كانت معلومة المسافة والمقدار. لا تلزم بقعة بعينها، فابهامها من جهة أنها لا تختص بمكان معين) . والمختص منها (أو المحدودُ) ما دلَّ على مكانٍ معيَّنٍ، أي له صورة محدودةٌ، محصورةٌ كدارٍ ومدرسةٍ ومكتبٍ ومسجدٍ وبلدٍ. ومنهُ أسماءُ البلادِ والقُرَى والجبال والأنهارِ والبحار. 2- الظَّرْفُ المُتَصرِّفُ والظَّرفُ غَيْرُ المُتَصَرِّفِ الظّرفُ المتصرفُ ما يُستعملُ ظرفاً وغيرَ ظرفٍ. فهو يُفارق الظرفيّة إلى حالةٍ لا تُشبهُها كأن يُستعملَ مبتدأ أو خبراً أو فاعلاً أو مفعولاً به، أو نحوَ ذلك، نحو "شهرٍ ويومٍ وسنةٍ وليل"، ونحوها. فمِثالُها ظرفاً "سرتُ يوماً أو شهراً أو سنةً أو ليلاً". ومثالُها غيرَ ظرف "السنةُ اثنا عَشرَ شهراً. والشهرُ ثلاثون يوماً والليلُ طويل. وسرَّني يومُ قدومِكَ. وانتظرتُ ساعةَ لقائك. ويومُ الجمعة يومٌ مُباركٌ". والظرفُ غيرُ المُتصرفِ نوعانِ النّوعُ الأولُ ما يُلازمُ النصبَ على الظرفيّةِ ابداً، فلا يُستعمَلُ إلا ظرفاً منصوباً، نحو "قَط وعوْضُ وبَينا وبينما وإذا وأَيَّانَ وأنّى وذا صَباحٍ وذاتَ ليلةِ". ومنه ما رُكِّبَ من الظروف كصباحَ مساءَ وليلَ ليلَ. النوع الثاني ما يَلزَمُ النصبَ على الظرفيّة أو الجرِّ بمن أو إلى أو حتى أو مُذ أو مُنذُ، نحو "قَبل وبَعدَ وفوق وتحت ولدَى وَلدُنْ وعندَ ومتى وأينَ وهُنا وثَمَّ وحيث والآن". (وتُجرّ "قبل وبعد" بمن، من حروف الجر. وتُجر "فوق وتحت" الجزء: 3 ¦ الصفحة: 50 بمن والى. وتجر "لدى ولدن وعند" بمن. وتجر "متى" بالى وحتى. وتجر "أين وهنا وثم وحيث" بمن والى. وقد تجر "حيث" بفي أيضاً. وتجر "الآن" بمن والى ومذ ومنذ. وسيأتي شرح ذلك) . 3- نَصْبُ الظَّرْفِ يُنصَبُ الظّرفُ الزَّماني مُطلقاً، سواءٌ أكانَ مُبهَماً أم محدوداً، أي (مُختصاً) ، نحو "سرتُ حيناً، وسافرتُ ليلةً"، على شرط أن يَتضمنَ معنى (في) . (فان لم يتضمن معناها، نحو "جاءَ يومُ الخميس. ويومُ الجمعة يومٌ مبارك. واحترم ليلةَ القدر"، وجب أن تكون على حسب العوامل) . ولا يُنصَبُ من ظروف المكان إلا شيئانِ 1- ما كان منها مُبهَماً، أو شِبهَهُ، مُتَضمّناً معنى (في) ، فالأول نحو "وقفتُ أمامَ المِنبر"، والثاني نحو "سرتُ فرسخاً". (فإن لم يتضمن معناها نحو "الميل ثلث الفرسخ، والكيلومترُ ألفُ متر". وجب أن يكون على حسب العوامل) . 2- ما كان منها مُشتقّاً، سواءٌ أكان مُبهماً أَم محدوداً، على شرطِ أن يُنصَب بفعلهِ المُشتقّ منهُ، نحو "جلستُ مجلسَ أَهل الفضل. وذهبتُ مذهبَ ذَوِي العقلِ". فإن كان من غيرِ ما اشتُقَّ منهُ عاملُهُ وجبَ جَرُّهُ نحو "أَقمتُ في مجلسك. وسرتُ في مذهبكَ. وأَمّا قولُهم "هو مني مَقعَدَ القابلةِ. وفلانٌ مَزجَرَ الكلبِ. وهذا الأمرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 51 مُناطَ الثُّرَيّا"، فسماعِيٌّ لا يقاس عليه. (والتقدير "مستقرَّ مقعد القابلة ومزجرَ الكلب ومناطَ الثريا". فمقعد ومزجر ومناط منصوبات بمستقر، وهن غير مشتقات منه، فكان نصبهنّ بعامل من غير مادّة اشتقاقهنَّ شاذّاً) . وما كان من ظروف المكان محدوداً، غيرَ مُشتقٍ، لم يجُز نصبُه، بل يجب جَرُّهُ بِفِي، نحو "جلستُ في الدارِ. وأَقمتُ في البلد. وصلَّيتُ في المسجد". إلاَّ إذا وقعَ بعدَ "دخلَ ونَزَلَ وسكنَ" أَو ما يُشتقُّ منها، فيجوزُ نصبُهُ، نحو "دخلتُ المدينةَ. ونزَلتُ البلَدَ. وسكنتُ الشامَ". (وبعض النحاة ينصب مثل هذا على الظرفية والمحققون ينصبونه على التوسع، في الكلام باسقاط الخافض، لا على الظرفية، فهو منتصب انتصاب المفعول به على السعة، باجراء الفعل اللازم مُجرى المتعدي. وذلك لانّ ما يجوز نصبه من الظروف غيرُ المشتقة يُنصب بكل فعل، ومثل هذا لا ينصب الا بعوامل خاصة، فلا يقال "نمت الدارَ، ولا صليتُ المسجدَ، ولا أقمتُ البلدَ" كما يقال "نمت عندك. وصليت أمام المنبر. وأقمتُ يمينَ الصف") . 4- ناصب الظَّرْف (أي العاملُ فيه) ناصبُ الظَّرفِ (أي العاملُ فيه النصبَ) هوَ الحدَثُ الواقع فيه من فعلٍ أو شِبههِ. وهو إمّا ظاهرٌ، نحو "جلستُ أمام المِنبَرِ. وصُمتُ يومَ الخميسِ. وأنا واقفٌ لديك. وخالدٌ مسافرٌ يومَ السبتِ". وإمّا مُقدَّرٌ جوازاً، نحو "فرسخينِ"، جواباً لمن قال لكَ "كم سرتَ؟ "، ونحو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 52 "ساعتينِ"، لمن قال لك "كم مشيتَ؟ ". وإمّا مُقدَّرٌ وجوباً، نحو "أنا عندَك". والتَّقديرُ "أنا كائنٌ عندَك". 5- مُتَعَلَّق الظَّرف كلُّ ما نُصبَ من الظروف يحتاجُ إلى ما يتعلّقُ بهِ، من فعلٍ أو شِبهه، كما يحتاجُ حرفْ الجر إلى ذلك. ومُتعلَّقُهُ إمّا مذكورٌ، نحو "غبتُ شهراً. وجلستُ تحت الشجرة". وإمّا محذوف جوازاً أو وجوباً. فيُحذَفُ جوازاً، إنْ كان كوناً خاضاً، ودلَّ عليه دليلٌ، نحو "عندَ العلماءِ"، في جواب من قال أينَ أجلسُ؟ ". ويُحذَفُ وجوباً في ثلاثِ مسائلٌ 1- أن يكون كوناً عمّاً يَصلُحُ لأن يُرادَ به كلُّ حَدَثٍ كموجودٍ وكائن وحاصل. ويكونُ المتعلَّق المقدَّرُ إمّا خبراً، نحو "العصفورُ فوقَ الغصنِ. والجنةُ تحت أقدامِ الأمهاتِ" وإمّا صفةً، نحو "مررتُ برجل عندَ المدرسةِ". وإمّا حالاً، نحو "رأيتُ الهلالَ بين السحابِ". وإمّا صِلةً للموصولِ، نحو "حَضَرَ مَنْ عندَهُ الخبرُ اليقينُ". غيرَ أنَّ مُتعلّق الصلةِ يجبُ أن يُقدَّرَ فعلاً، كحصَل ويَحصلُ، وكان ويكون، ووُجِد ويُوجَدُ، لوجوبِ كونِها جملةً. 2- أن يكونَ الظرفُ منصوباً على الاشتغال، بأن يشتغلَ عنهُ العاملُ المتأخرُ بالعمل في ضميره، نحو "يوم الخميس صُمتُ فيه. ووقت الفجر سافرتُ فيه". (فيوم ووفت منصوبان على الظرفية بفعل محذوف، لاشتغال الفعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 53 المذكور عن العمل فيهما بالعمل في ضميرهما. والفعل المحذوف مقدَّر من لفظ الفعل المذكور غير أنه يجوز التصريح به؛ كما علمت في باب الاشتغال) . 3- أن يكون المتعلَّقُ مسموعاً بالحذف، فلا يجوزُ ذكرُهُ، كقولهم "حينئذٍ الآنَ"، أي "كان ذلك حينئذٍ، فاسمعِ الآنَ". (فحينئذ والآن منصوب كل منهما بفعل محذوف وجوباً؛ لأنه سُمع هكذا محذوفاً. وهذا كلام يقال لمن ذكر أمراً قد تقادمَ زمانه لينصرف عنه الى ما يعنيه الآن) . 6- نائبُ الظَّرْفِ ينوبُ عن الظّرفِ - فيُنصَبُ على أنهُ مَفعولٌ فيهِ - أحد ستةِ أشياءَ 1- المُضافُ إلى الظرفِ، ممّا دَلَّ على كُليّةٍ أو بعضيّة، نحو "مشيتُ كلَّ النهارِ، أو كلَّ الفَرْسخِ، أو جميعَهُما أو عامّتهُما، أو بَعضَهما، أو نصفَهُما، أو رُبعَهُما". 2- صِفتُهُ، نحو "وقفتُ طويلاً من الوقت وجلستُ شرقيَّ الدار". 3- اسم الإشارة، نحو "مشيتُ هذا اليومَ مشياً مُتعِباً. وانتبذت تلكَ الناحية". 4- العدَدُ الممَيّزُ بالظرفِ، أو المضافُ إليه، نحو "سافرتُ ثلاثين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 54 يوماً. وسرتُ أربعين فرسخاً. ولزمتُ الدارَ ستةَ أيام، وسرت ثلاثة فراسخَ". 5- المصدرُ المتضمنُ الظّرفِ، وذلك بأن يكون الظرف مضافاً إلى مصدر، فيُحذَفُ الظّرفُ المضاف، ويقوم المصدرُ (وهو المضاف إِليه) مَقامَهُ، نحو "سافرتُ وقتَ طلوعِ الشمس".وأكثرُ ما يُفعلُ ذلك بظروف الزمان، بشرط أن تُعيَّن وقتاً أو مقداراً. فما يُعيّن وقتاً مثل "قَدِمتُ قدومَ الرَّكبِ. وكان ذلك خُفُوقَ النّجمِ. وجئتكَ صلاةَ العصرِ"، وما يُعيّنُ مقداراً مثل "انتظرتُكَ كتابةَ صفحتينِ، أو قراءَةَ ثلاثِ صفحاتٍ. ونمتُ ذهابَكَ إلى دارِكَ ورُجوعَكَ منها. ونَزَلَ المطرُ ركعتينِ من الصلاة. وأقمت في البلد راحةَ المسافرِ". وقد يكون ذلك في ظروف المكان، نحو "جلستُ قربَكَ. وذهبتُ نحوَ المسجدِ". 6- ألفاظٌ مسموعةٌ توسعُوا فيها، فنصبوها نصبَ ظروفِ الزمانِ، على تضمينها معنى (في) ، نحو "أحقّاً أنك ذاهبٌ؟ ". والأصل "أفي حَقّ؟ ". وقد نُطِقَ بفي في قوله [من الطويل] أَفي الْحَقِّ أَني مُغْرَمٌ بِكِ هائِمٌ ... وأَنَّكِ لا خَلٌّ هَواكِ وَلا خَمْرُ ونحو "غيرَ شَك اني على حقٍّ. وجهَدَ رأيي أنكَ مُصيبٌ. وظَنّ مني أنكَ قادمٌ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 55 فائدة اعلمُ أنَّ ضميرَ الظّرفِ لا يُنصَبُ على الظرفيّة، بل يجبُ جرهُ بفي نحو "يومَ الخميسِ صُمتُ فيه"، ولا يُقالُ "صُمتُهُ"، إلا إذا لم تضمّنهُ معنى (في) ، فلكَ أن تنصبه بإسقاط الجارِّ على أنهُ مفعولٌ به تَوَسُّعاً، نحو "إذ جاءَ يومُ الخميسِ صُمتُهُ"، ومنه قول الشاعر "ويومٍ شَهِدناهُ سُليماً وعامراً". (فقد جعل الضمير في "شهدناه" مفعولاً به على التوسع باسقاط حرف الجر. والأصل "ويوم شهدنا فيه عامراً وسليماً") . 7- الظَّرفُ المُعْرَب والظَّرفُ الْمَبْنِي الظروفُ كلها مُعرَبةٌ مُتغيرةُ الآخر، إلا ألفاظاً محصورةً، منها ما هو للزمان، ومنها ما هو للمكان، ومنها ما يُستعمَلُ لهما. فالظُروفُ المبنيّةُ المختصَّةُ بالزمانِ إذا ومتى وأيانَ وإذْ وأمسِ والآن ومُذ ومُنذُ وقَطُّ وعَوْضُ وبَينا وبَينما ورَيْثُ ورَيْثما وكيفَ وكيفما ولمَّا". ومنها ما رُكِّبَ من ظروف الزمان، نحو "زُرنا صبَاحَ مساءَ، وَليل لَيلَ، ونهارَ نهارَ، ويومَ يومَ". والمعنى كلَّ صباحٍ، وكلَّ مساءٍ، وكلَّ نهارٍ، وكلّ يومٍ. والظروفُ المبنيّةُ المختصة بالمكانِ هي "حيثُ وهُنا وثَمَّ وأينَ". ومنها ما قُطعَ عن الإضافةِ لفظاً من أسماءِ الجهاتِ الستّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 56 والظروف المبنيّةُ المشتركةُ بينَ الزمانِ والمكانِ هي "أنّى وَلدَى ولَدُنْ". ومنها "قبلُ وبعدُ"، في بعض الأحوال. وسيأتي شرحُ ذلكَ كلّه. 8- شَرْح الظُّرُوفِ الْمَبْنِيَّةِ وبَيانٌ أَحكامِها 1- قَط ظرفٌ للماضي على سبيل الاستغراق، يَستغرقُ ما مضى من الزَّمان، واشتقاقُهُ من "قَطَطتُهُ" - أي قطعته - فمعنى "ما فعلتُهُ قطُّ" ما فعلتُهُ فيما انقطعَ من عُمري. ويُؤتى به بعدَ النفي أو الاستفهام للدلالة على نفي جميع أجزاءِ الماضي، أو الاستفهامِ عنها. ومن الخطأ أن يقال "لا أفعلُهُ قَطُّ"، لأنَّ الفعلَ هنا مُستقبَلٌ، و"قطّ" ظرفٌ للماضي. 2- عَوْضٌ ظرفٌ للمستقبَلِ، على سبيل الاستغراق أيضاً، يستغرقُ جميعَ ما يُستقبلُ من الزمان. والمشهورُ بناؤهُ على الضمِّ. ويجوزُ فيه البناءُ على الفتح والكسر أيضاً. فإن أُضيفَ فهو مُعرَبٌ، نحو "لا أفعلهُ عَوضَ العائضين". وهو منقولٌ عن العَوْضِ بمعنى الدَّهر. والعَوْضُ في الأصل مصدرُ عاضهُ من الشيءِ يَعوضُهُ عَوْضاً وعِوَضاً وعِياضاً، إذا أعطاهُ عِوَضاً، أي خلفاً. سُميَ الدهرُ بذلك، لأنه كلما مضى منهُ جُزءٌ عُوَّضَ منه آخر، فلا ينقطعُ. ويُؤتى بعَوْضُ بعد النّفي أو الاستفهام للدلالة على نفي جميع أجزاءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 57 المستقبَلِ، أو الاستفهام عن جميع أجزائهِ. فإذا قلت "لا أفعلُهُ عَوْضُ"، كان المعنى لا أفعلهُ في زمنِ من الأزمنةِ المُستقبلة. وقد يُستَعملُ للزمانِ الماضي. 3- بَيْنا وبَينما ظرفان للزمانِ الماضي. وأصلهما "بينَ"، أشبِعت فتحةُ النون، فكان منها "بيْنا". فالألفُ زائدةٌ، كزيادة "ما" في "بَيْنما". وهما تلزَمانِ الجُملَ الإسميّة كثيراً، والفعليّةَ قليلاً. ومن العلماءِ من يَضيفُهما إلى الجملة بعدَهما. ومنهم من يكفُّهُما عن الإضافة بسببِ ما لحقهما من الزيادة. وهو الأقربُ، لبُعدهِ من التكلُّف. وأصلُ "بَينَ" للمكانِ وقد تكونُ للزَّمان، نحو "جئتُ بينَ الظهر والعصر". ومنه حديثُ "ساعةُ الجُمعةِ بينَ خروجِ الإمامِ وانقضاءِ الصلاة". وإذا لحقتها الألف أو "ما" الزَّائدتانِ، اختصّتْ بالزمان، كما تقدَّم. 4- إذا ظرفٌ للمستقبَل غالباً، مَتَضمنٌ معنى الشرطِ غالباً. ويختصّ بالدخول على الجملِ الفعليّة. ويكونُ الفعلُ معه ماضيَ اللَّفظِ مُستقبَلَ المعنى كثيراً؛ ومضارعاً دونَ ذلك. وقد اجتمعا في قول الشاعر [من الكامل] والنَّفْسُ راغبةٌ إِذا رَغَّبْتَها ... وَإِذَا تُرَدُّ إِلى قليلٍ تَقْنَعُ وقد يكونُ للزمان الماضي، كقوله تعالى {وإذا رأَوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها} . وقد يتجرَّدُ للظرفية المحض، غيرَ مُتَضمنٍ معنى الشرط، كقوله تعالى "والليل إذا يَغشَى، والنهارِ إذا تَلجَّى"، وقولهِ "واللَّيلِ إذا سَجى"، ومنه قول الشاعر [من الوافر] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 58 ونَدْمانٍ يزيد الكأْسَ طِيباً ... سَقَيْتُ إِذا تَغَوَّرَتِ النُّجومُ 5- أَيَّانَ ظرفٌ للمستقبل. يكونُ اسمَ استفهام، فَيُطلَبُ به تعيينُ الزَّمانِ المستقبل خاصةً. وأكثرُ ما يكونُ في مواضع التَّفخيم، كقوله تعالى {يَسألُ أَيانَ يومُ الدِّين؟} . ومعناهُ أَيُّ حينٍ؟ وأصلُهُ "أيُّ آنٍ" فَخُفِّفَ، وصارَ اللفظانِ واحداً. وقد يتضمّنُ معنى الشّرط، فيجزمُ الفعلين، نحو "أَيَّانَ تجتهدْ تَجدْ نجاحاً". 6- أنّى ظرفٌ للمكان. يكونُ اسمَ شرطٍ بمعنى "أَينَ"، نحو "أنّى تَجلسْ أجلسْ"، واسمَ استفهامٍ عن المكان، بمعنى "من أينَ؟ "، كقوله تعالى {يا مريمُ أنّى لكِ هذا؟} أي "من أينَ"، ويكون بمعنى "كيفَ؟ "، كقوله سبحانهُ {أنّى يُحيي هذهِ اللهُ بعدَ موتها؟} أي "كيفَ يُحييها؟ ". ويكونُ ظرفَ زمانٍ بمعنى "متى؟ "، للاستفهام، نحو "أنّى جئتَ؟ ". 7- قَبلُ وبعدُ ظرفانِ للزمانِ، يُنصبَانِ على الظّرفيّة أو يُجرَّانِ بمن، نحو "جئتُ قبلَ الظهر، أو بعدَهُ، أو من قبلهِ، أو بعدهِ". وقد يكونانِ للمكان نحو "داري قبلَ دارِك، أو بعدَها". وهما مُعْرَبان بالنّصبِ أو مجروران بمن. ويُبنيانِ في بعض الأحوال وذلك إذا قطعا عن الإضافة لفظاً لا معنًى - بحيثُ يَبقى المضافُ إليه في النية والتّقدير - كقوله تعالى للهِ الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ"، أي من قَبلِ الغلَبةِ ومن بعدها". فإن قُطِعا عن الإضافة لفظاً ومعنًى لقصدِ التّنكير - بحيثُ لا يُنوَى المضافُ إليه ولا يُلاحَظُ في الذهن - كانا مُعرَبين، نحو "فعلتُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 59 ذلكَ قبلاً، أو بعداً"، تَعني زماناً سابقاً أو لاحقاً، ومنه قول الشاعر [من الوافر] فَساغَ لِيَ الشَّرابُ، وكُنْتُ قَبْلاً ... أكادُ أَغَصُّ بالماءِ الْفُرَاتِ (واليك توضيح هذا البحث اذا أردت قبليّةً أو بعديةً معينتين، عينتَ ذلك بالإضافة، نحو "جئت قبل الشمس أو بعدها"، أو بحذف المضاف إليه وبناء "قبل وبع" على الضم، نحو "جئتك قبلُ أو بعدُ، أو من قبلُ أو من بعدُ"، تعني بذلك قبل شيء معين أو بعده. فالظرف هنا، وان قُطع عن الإضافة لفظاً، لم يُقطع عنها معنى، لأنه في نية الإضافة. وان أردت قبليَّة أو بعديه غير معينتين، قلت "جئتك قبلاً، أو بعداً، أو من قبلٍ أو من بعدِ". بقطعهما عن الإضافة لفظاً ومعنى وتنوينهما، قصداً الى معنى التنكير والإبهام) . 8- لَدَى ولَدُنْ ظرفانِ للمكان والزمان، بمعنى "عن"، مَبنيّانِ على السكون. والغالبُ في "لَدُنْ" أن تُجرَّ بمن، نحو "وعلَّمناهُ من لَدُنّا علماً. وقد تُنصَبُ مَحلاًّ على الظرفيّة الزمانية، نحو "سافرتُ لَدُنْ طُلوعِ الشمسِ"، أو المكانيّة، نحو "جلستُ لَدُنْك". وإذا أُضيفت إلى ياء المتكلم لَزمتها نونُ الوقاية، نحو "لَدُنِّي". وقد تترَك هذه النونُ، على قِلَّةٍ، نحو "لَدْنِي". وهي تَضافُ إلى المفرد، كما رأيتَ، وإلى الجملة، نحو "انتظرتُك من لَدُنْ طلعت الشمسُ إلى أن غَربتْ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 60 وإن وقعت بعدَها "غُدْوَةٌ" نحو جئتُك لَدُن غُدْوَة" جاز جرها بالإضافة إلى "لَدُنْ". وجاز نصبُها على التَّمييز، أو على أنها خبرٌ لكان المُقدَّرة معَ اسمها. والتقديرُ "لَدُنْ كان الوقتُ غُدوةً" وجاز رفعُها على أنها فاعلٌ لفعل محذوف. والتقديرُ "لَدُنْ كانت غدوةٌ" أي "وُجِدتْ". فكان هنا تامّة. والغالبُ على "لَدَى" النّصبُ محلاً على الظرفيّة الزمانيّة، نحو "جئتُ لَدَى طُلوعِ الشمس"، أو الكانيّة، نحو "جلست لَديكَ". وقد تُجرُّ بمن، نحو "حَضَرتُ من لَدَى الأستاذ". ولا تقعُ "لَدُنْ" عمدةً في الكلام، فلا يُقالُ "لدُنهُ عِلم"، بخلافِ "لَدَى" فتقعُ، نحو "ولَدَينا مَزيدٌ". وكذلك "عند" تقعُ عُمدة، نحو "عندَك حُسنُ تدبيرٍ". ولا تكون "لَدى وَلدُنْ" إلا للحاضر. فلا يُقال "لديَّ كتابٌ نافعُ"، إلا إذا كان حاضراً. أمّا "عند" فتكون للحاضر والغائب. ولا تُجرُّ "لَدَى ولَدُنْ وعند" بحرف جرّ غيرِ "من"، فمن الخطأ أن يُقال "ذهبتُ إلى عندهِ". وكثيرٌ من الناس يُخطئُون في ذلك. والصوابُ أن يقال "ذهبتُ إليه، أو إلى حضرتهِ". وإذا اتصلَ الضميرُ بِلَدَى انقلبت ألفها ياءً، نحو "لَدَيه ولديهم ولدينا". 9- مَتى ظرفٌ للزمان، مبني على السكون. وهو يكون اسمَ استفهامٍ، منصوباً محلاً على الظرفيّة، نحو "متى جئتَ؟ "، ومجروراً بإلى أو حتى، نحو "إلى متى يرتَعُ الغاوي في غيَّه؟ وحَتّى متى يبقى الضّال في ضلالهِ؟ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 61 ويكونُ اسمَ شرطٍ، نحو "متى تُتقنْ عملَكَ تبلغْ أملَكَ". ومتى تضمّنت "متى" معنى الشرط لَزِمتِ النصبَ على الظرفية، فلا تُستعملُ مجرورةٌ. 10- أينَ ظرفٌ للمكانِ، مبنيٌّ على الفتح. وهو يكونُ اسمَ استفهامٍ، منصوباً على الظرفيّة، فَيُسأل به عن المكان الذي حلَّ فيه الشيءُ، نحو "أينَ خالدٌ؟ وأينَ كنتَ؟ ". ومجروراً بمن، فيُسألُ به عن مكانِ بُروزِ الشيءِ، نحو "من أَينَ جِئتَ؟ "، ومجروراً بإلى، فيُسألُ به عن مكان انتهاءٍ الشيءِ. نحو "إلى أينَ تذهبُ؟ ". ويكونُ اسمَ شرطٍ. وحينئذٍ يَلزَمُ النصبَ على الظرفيّة، نحو "أينَ تَجلسْ أجلسْ" وكثيراً ما تلحقُهُ "ما" الزائدةُ للتّوكيد، نحو "أينما تكونوا يُدرِكُكُمُ الموتُ". 11- هنا وثَمَّ اسما إشارةٍ للمكان. فهُنا يُشار به إلى المكان القريب وثَمَّ يُشار به إلى البعيد. والأول مبني على السكون. والآخرُ مبنيّ على الفتح. وقد تلحقُهُ التاءُ لتأنيث الكلمة، نحو "ثَمَّةَ". ومَوضعُها النصبُ على الظرفية. وقد يُجرَّان بمن وبإلى. 12- حيثُ ظرفٌ للمكان، مبنيٌّ على الضمِّ، نحو "إجلِسْ حيثُ يجلسُ أهلُ الفضلِ"، ومنهم من يقول، "حَوْثُ". وهي ملازمةٌ الإضافةَ إلى الجملة. والأكثرُ إضافتُها إلى الجملة الفعليّة، كما مُثِّلَ. ومن إضافتها إلى الاسميةِ أن تقولَ إجلِسْ حيثُ خالدٌ جالسٌ". ولا تُضاف إلى المفردِ. فإن جاءَ بعدَها مفردٌ رُفعَ على أنهُ مبتدأ خبرُهُ محذوف، نحو "إجلسْ حيثُ خالدٌ"، أي "حيث خالدٌ جالس". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 62 وقد تُجرُّ بمن أو إلى، نحو "إرجِعُ من حيثُ أتيتَ إلى حيثُ كنتَ". وأقلُّ من ذلك جرُّها بالباءِ أو بفي. وإذا لحقتها "ما" الزائدة كانت اسمَ شرطٍ، نحو "حيثُما تذهبْ أذهبْ". 13- الآن ظرفُ زمانٍ للوقت الذي أنت فيهِ، مبني على الفتح. ويجوز أن يدخلهُ من حروفِ الجرَّ "من وإلى وحتى ومُذْ ومُنذُ"، مبنياً مَعَهنَّ على الفتح. ويكون في موضعِ الجرِّ. 14- أمسِ له حالتان إحداهما أن تكون معرفةً، فتُبنى على الكسر، وقد تُبنى على الفتح نادراً. ويُرادُ بها اليومُ الذي قبلَ يومكَ الذي أنت فيه، نحو "جئتُ أمسِ". وتكونُ في موضع نصب على الظرفيّة الزمانية. وقد تخرجُ عن النصب على الظرفية، فتجرُّ بمن أو مُذْ أو منذُ. وتكونُ فاعلاً أو مفعولاً به أو غيرَهما. ولا تخرجُ في ذلك كلهِ عن بنائها على الكسر قال الشاعر [من الكامل] أَلَيْومَ أَعلمُ ما يَجِيءُ بهِ ... وَمَضى بِفَصلِ قَضائهِ أَمْسِ ومن العرب من يُعربها إعرابَ ما لا ينصرفُ وعليه قولهُ [من الرجز] إني رَأَيتُ عَجَباً مُذْ أَمْسَا ... عَجائِزاً مِثْلَ السَّعالِي خَمْساً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 63 وقول الآخر [من الخفيف] إعتَصِمْ بالرَّجاءِ إِنْ عَنَّ يَأسُ ... وَتَناسَ الَّذي تَضَمَّنَ أَمْسُ ومنعُها من الصّرف هو للتعريف والعَدْل، لأنها معدولةٌ عن الأمس. كما أنَّ "سحَرَ" معدولٌ عن السَّحَر. كما سبقَ في إعراب ما لا ينصرف. والحالةُ الثانيةُ أن تدخلَ عليها (أل) ، فتُعرَبُ بالإجماع، ولا يُرادُ بها حينئذٍ أمس بعينهِ، وإنما يُرادُ بها يومٌ من الأيام التي قبل يومك. وهي تتصرّفُ من حيثُ موقعُها في الإعراب تَصرُّفَ "أمس". 15- دُون ظرفٌ للمكان. وهو نقيضُ "فوْق"، نحو "هو دونَه"، أي أحُّ منه رتبةً، أو منزلةً، أو مكاناً. وتقولُ "قعدَ حالدٌ دونَ سعيدٍ" أي في مكانٍ مُنخفض عن مكانه. وتقولُ "هذا دُونَ ذاك"، أي هو مُتسفّلٌ عنه. ويأتي بمعنى "أمام" نحو "الشيء دونَك"، أي "أمامَكَ" وبمعنى "وراْ"، نحو "قعدَ دُونَ الصَّفِّ"، أي وراءَه. وهو منصوبٌ على الظرفيةِ المكانيّة، كما رأيتَ. وقد يأتي بمعنى "رديءِ وَخسيسٍ" فلا يكون ظرفاً، نحو "هذا شيءٌ دُونٌ" أي خسيسٌ حقيرٌ. وهو حينئذٍ يتصرَّفُ بوجوهِ الإعرابِ. وتقولُ "هذا رجلٌ من دُونٍ. وهذا شيءٌ من دونِ". هذا أكثرُ كلامِ العرب، ويجوز حذفُ "من"، كما تقدَّمَ وتُجعَلُ "دون" هي النّعت. وهو مُعرَبٌ. لكنَّه يُبنى في بعض الأحوال، وذلكَ إذا قطع عن الإضافةِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 64 لفظاً ومعنى، نحو "جلستُ دونُ"، بالبناءِ على الضم. ويكونُ في موضع نصب. 16- رَيْثَ ظرفٌ للزمان منقول عن المصدر. وهو مصدر "راثَ يَريثُ رَيْثاً"، إذا أبطأ، ثُمَّ ضُمنَ معنى الزمان. ويُرادُ به المقدارُ منه، نحو "انتظرتُه رَيثَ صَلَّى. وانتظرني رَيثَ أجيءُ"، أي قدْرَ مُدَّةِ صلاتهِ، وقدرَ مدة مجيئي. ولا يَليهِ إلا الفعلُ، مُصدَّراً بما أو أنْ المصدريتين، أو مُجرَّداً عنهما فالأول نحو "انتظرني رَيثما أحضُرُ. وانتظرتُهُ رَيثَ أن صَلّى"، فيكون حينئذ مضافاً إلى المصدر المُؤوّل بِهما والثاني تقدّم مثاله. وإذا لم يُصَدّر الفعلُ بهما، أُضيفَ "رَيْث" إلى الجملة. وكان مبنيّاً على الفتح، إن أُضيف إلى جملةٍ صَدرُها مبنيٌّ، نحو "وَقفَ رَيث صلَّينا"، ومُعرَباً، إن أُضيف إلى جملةٍ صدرُها مُعربٌ، كقول الشاعر [من البسيط] لا يَصعُبُ الأًمْرُ إلاَّ رَيْثَ يَرْكبُهُ ... وَكلَّ أَمرٍ، سِوَى الْفَحْشاء، يأْتَمِرُ لأنَّ المضارع هنا مُعرَب. وأكثرُ ما يُستعملُ (رَيثَ) قبل فعلٍ مُصَدَّر بما أو أنْ. وقد يُستعمل مُجرّداً عنهما. كما تَقدم. ويكثر وقوعه مُستثنًى بعد نفي، نحو "ما قعدَ عندنا إلا ريثما تُقرأ الفاتحة". ومنهُ حديثُ "فلم يَلبَثْ إلا رَيثما قلتُ". 17- معَ ظرفٌ لمكانِ الاجتماع ولزمانهِ، فالأول نحو "أنا معكَ"، والثاني نحو "جئتُ معَ العصر". وهو مُعرَب منصوب وقد يُبنى على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 65 السكون. (وذلك في لغة غُنْمٍ ورَبيعة) ، فيكون في محلِّ نصبٍ. وإذا وَلِيَهُ ساكنُ حُرِّكَ بالكسر، على هذه اللغة، تَخلصاً من التقاءِ الساكنينِ، نحو "جئتُ معِ القومِ". وأكثرُ ما يُستعملُ مضافاً، كما رأيتَ. وقد يُفرَدُ عن الإضافة، فالأكثر حينئذٍ أن يقعَ حالاً، نحو "جئنا معاً" أي جميعاً، أو مجتمعينِ. وقد يقعُ في موضع الخبر، نحو "سعيدٌ وخالدٌ معاً"، فيكونُ ظرفاً متعلقاً بالخبر. والفرقُ بين "مع"، إذا أُفردت، وبينَ "جميعاً" أنكَ إذا قلتَ "جاءُوا معاً"، كان الوقتُ واحداً. وإذا قلتَ "جاءوا جميعاً"، احتمل أن يكونَ الوقتُ واحداً، واحتملَ أنهم جاءُوا مُتفرِّقينَ في أوقات مختلفة. 18- كيفَ اسمُ استفهام. وهي ظرفٌ للزمان عندَ سيبويهِ، في موضع نصبٍ دائماً، وهي مُتعلقةٌ إما بخبرٍ، نحو "كيفَ أنت؟ وكيفَ أصبحَ القومُ؟ "، وإمّا بحالٍ، نحو "كيفَ جاءَ خالدٌ؟ ". والتقديرُ عندهُ "في أي حالٍ، أي على أي حالٍ؟ ". والمُعتمَدُ أنها للاستفهامِ المجرّدِ عن معنى الظرفيّة، فتكون هي الخبرَ أو الحال، لا المتعلّقَ المقدّر. وتكون أيضاً ثانيَ مفعولَيْ "ظنّ" وأخواتها، لأنه في الأصل خبرٌ، نحو "كيفَ ظننتَ الأمرَ؟ ". وقد تكون اسمَ شرطٍ فيجزمُ فعلين، عندَ الكوفيين، نحو "كيفَ تجلسْ أجلسْ، وكيفما تكنْ أكنْ". وهي، عند البصريين، اسمُ شرطٍ غيرُ جازم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 66 19- إذْ ظرفٌ للزمانِ الماضي، نحو "جئتُ إذْ طلعت الشمسُ". وقد تكونُ ظرفاً للمستقبَل، كقوله تعالى {فسوف يعلمونَ إذِ الأغلال في اعناقهم} . وهي مبنيةٌ على السكون في محل نصبٍ على الظرفية. وقد تقعُ موقعَ المضاف إليه، فتُضافُ إلى اسمِ زمانٍ، كقولهِ تعالى {رَبَّنا لا تزغْ قُلوبَنا بعدَ إذْ هَدَيتنا} . وقد تقعُ موقعَ المفعولِ به (أو البدل منه) . فالأولُ كقوله سبحانه {واذكرُوا إذ كنتم قليلاً} . والثاني كقولهِ {واذكرْ في الكتاب مريمَ، إذ انتبذتْ من أهلها مكاناً شرقيّاً} . وهي تلزمُ الإضافةَ إلى الجُمل، كما رأيتَ. فالجملةُ بعدها مضافة إليها. وقد يُحذف جزء الجملة التي تضافُ إليها، كقول الشاعر [من البسيط] هَلْ تَرجِعَنَّ لَيالٍ قَدْ مَضَيْنَ لَنا ... وَالْعَيْشُ مُنَقَلِبٌ إذْ ذَاكَ أَفْناناً وقد تُحذَفُ الجملةُ كلُّها، ويُعوَض عنها بتنوينِ "إذ" تنوين العِوَض، كقوله تعالى {فلَولا إذْ بلغتِ الرُّوحُ الحُلْقُومَ، وأنتم حينئذٍ تَنظُرونَ} أي وأنتم حينَ إذْ بلغت الروحُ الحُلقوم تَنظرون. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 67 20- لمَّا ظرفٌ للزمانِ الماضي، بمعنى "حينٍ" أو "إذْ". وهي تقتضي جملتينِ فعلاهما ماضيانِ. ومحلها النصبُ على الظرفية لجوابها. وهي مضافة إلى جملةِ فعلِها الأول والمُحقّقون من العلماءِ يَرَوْنَ أنها حرفٌ لربطِ جُملتيها. وسمّوها حرفَ وُجودٍ لوجودِ. أي هو للدَّلالة على وجودِ شيءٍ لوجودِ غيرِهِ. وسترى توضيحَ ذلك في كتاب الحروف. إن شاءَ الله. 21- مُذ ومُنذُ ظرفانِ للزّمان. و"مُذْ" مُخفَّفةٌ من "منذُ". و"منذُ" أصلُها "من" الجارَّةُ و"إذ" الظرفيّةُ، لذلك كُسرت مِيمُها في بعض اللُّغاتِ باعتبار الأصلِ. وإن وَلِيهما جملةٌ فعليّةٌ، أو اسميّةٌ، كانا مُضافينِ إليها، وكانت الجملةٌ بعدَهما في موضع جَرّ بالإضافةِ إليهما، نحو "ما تركتُ خدمةَ الأمةِ مُنذُ نَشأتُ. وما زلتُ طَلاباً للمجد مُذْ أنا يافِعٌ". وإن وَلِيَهما مُفردٌ جاز رفعُهُ على أنهُ فاعلٌ لفعلٍ محذوف، نحو "ما رأيتكَ منذ يومُ الخميسِ، أو مُذْ يومانِ". والتقديرُ منذ كان أو مضى يوم الخميسِ، أو يومانِ. فالجملةُ المركبةُ من الفعل المحذوف والفاعل المذكور في محل جر بالإضافة إلى مذأو منذُ. ولكَ أن تَجُرّهُ على أنهما حرفا جرٍّ، شبيهانِ بالزائدِ، نحو "ما رأَيتك مذْ يومٍ أو منذُ يومينِ". 22- عَلُ ظرفٌ للمكان بمعنى "فَوقُ". ولا يستعملُ إلا بمن ولا يضافُ لفظاً على الصّحيح، فلا يُقالُ "أخذتُهُ من عَلِ الخزانة"، كما يقال "أخذتهُ من عُلوها ومن فوقها". وأجاز قومٌ إضافتهُ. وله حالتانِ، الأولى البناءُ على الضم، إن نَوَيتَ المضافَ إليه، نحو "نَزَلتُ من عَلُ"، تُريدُ من فوقِ شيءٍ مُعيَّنٍ مخصوصٍ، قال الشاعر [من الكامل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 68 وَلَقَدْ سَدَدْتُ عَلَيْكَ كُلَّ ثَنِيَّةٍ ... وَأَتَيْتُ نَحْوَ بَني كِلاَبٍ مِنْ عَلُ والحالةُ الثانية جرُّهُ لفظاً بمن، على أنهُ مُعرَبٌ، وذلك إن أردتَ التنكيرَ، فحذفتَ المضافَ إليه وجعلتَه نَسياً مَنسيّاً، نحو "نزلتُ من عَلٍ"، تريدُ من مكانٍ عالٍ، لا من فوقِ شيءٍ مُعيّن. ومنه قول الشاعر يصف فرسهُ [من الطويل] مِكَرٌّ مِفَرٌّ، مُقْبِلٌ مُدبِرٌ مَعاً ... كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّةُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ أراد تشبيهَ الفرسِ في سرعته بِجُلمودٍ انحطَّ من مكانٍ عالٍ، لا من عُلْوٍ مخصوصٍ. 23- أسماءُ الزمان، المُضافةُ إلى الجملِ، يجوزُ بناؤها، ويجوز إعرابها. ويرَجّحُ بناءُ ما أُضيفَ منها إلى جملةٍ صَدرُها مبنيٌّ، كقول الشاعر [امرئ القيس / من الطويل] عَلى حِينَ عَاتَبتُ الْمَشِيبَ عَلى الصِّبا ... فَقُلْتُ أَلَّما تَصْحُ؟ والشَّيْبُ وازِعُ وقولِ غيرِه [من الطويل] لأَجتَذِبنْ مِنْهُنَّ قَلْبي تَحَلُّماً ... عَلى حِينَ يَستصْبينَ كُلَّ حَليم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 69 وإن كانت مُصدَّرةً فالرَّاجحُ والأولى إعرابُ الظرفِ، كقولهِ تعالى {هذا يومُ ينفعُ الصادقينَ صِدقُهُم} . وقد يُبنى، ومنه قراءَةُ نافعٍ {هذا يومَ ينفعُ} ، ببناء "يومَ" على الفتح. ومن هذا الباب قولُ الشاعر [من الطويل] أَلَمْ تَعْلَمي، يا عَمْرَكِ اللهُ، أَنني ... كريمٌ عَلى حِينِ الكرامُ قَلِيلُ وقول الآخر [من الوافر] تَذَكَّرَ مَا تَذَكَّرَ مِنْ سُلَيْمَى ... عَلى حِينِ التَّواصُلُ غَيْرُ دانِ 24- يجري مَجرَى "قبل وبعد"، من حيث الإعرابُ تارة والبناءُ تارة أُخرَى، الجهاتُ الستُّ "أَمام وقُدّام وخَلف ووراءَ ويَمين وشمال ويَسار وفوق وتحت". فإن أُضيفت، أو قُطعت عن الإضافة لفظاً ومعنى، كانت مُعربَةً، نحو "جلستُ أمامَ الصفِّ. وسرتُ يميناً. وامشِ من وراءِ الشَجرة" وإن قُطعت عن الإضافةِ لفظاً لا معنًى، بُنيتْ على الضمِّ، نحو "اقعُدْ وراءُ، أو أمامُ، أو يمينُ، أو خَلفُ، أو فوقُ، أو تحتُ"، ونحو "نزلتُ من فوقُ. ونظرتُ من تحتُ. وأتيتُ من يَسارُ". وتقولُ "جاءَ القوم، وخالدٌ خلف، أو أمامُ" تُريدُ خلفَهم أو أَمامَهم، فحذفتَ المضافَ إليه ونوَيت معناهُ. قال الشاعر [من الكامل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 70 لَعَنَ الإِلهُ تَعِلَّةَ بنَ مُسافِرٍ ... لَعْناً يُشَنُّ عَلَيْهِ مِنْ قُدَّامُ أي "من قُدّامه". (إذا أردت جهة معينة، فانما تعينها بالإضافة، نحو "سر يمينَ الصف". أو بحذف المضاف إليه وبناء الظرف على الضم، نحو "سِر يمينُ"، تعني يمين شيءٍ معين معروف عنده. فالظرف هنا، وإن قطع عن الإضافة لفظاً. لم يقطع عنها معنى لأنه في نية الإضافة. وإن أردت يميناً غير معين، قلت "سر يميناً"، تقطعه عن الإضافة لفظاً ومعنى، قصداً إلى التنكير والإبهام) . وفي حُكمها "أولُ وأسفلَ ودُونُ"، تقول "قِفْ أوَّل الصفِّ" وقِفْ أوَّلَ. وَلقيتُهُ عامَ أوَّلَ. وقِفْ أَوَّلُ. وسِر من أَوّل. وتقولُ "اقعُدْ أَسفلَ الصفِّ. واقعد أَسفلَ. وقم من أَسفلَ. واقعُد أَسفلُ. وسِرْ من أَسفلُ". وقد تقدمَ الكلامُ على "دون". واوَّلُ وأَسفلُ ممنوعانِ من الصرف للوصفيّةِ ووزنِ "أفعلَ"، ولذا لم ينوَّنا في قولكَ قُم من أسفلَ، ولقيتُهُ عَامَ أَوَّلَ". فائدة اعمل ان لفظ "أول" له استعمالان. أحدهما أن يراد به الوصف، فيكون بمعنى "أسبق"، فيعطى حكم اسم التفضيل فيمتنع من الصرف ولا يؤنث الجزء: 3 ¦ الصفحة: 71 بالتاء، نحو "لقيتك عامَ أوّلَ"، ويستعمل بمن، نحو "هذا اوَّلُ من هذين. وجئت أوَّلَ من أمس". وثانيهما أن لا يراد به الوصف، فيكون اسماً متصرفاً نحو "لقيته عاماً أولا". تريد عاماً قديماً. ومنه قولهم "ما له أولٌ ولا آخرٌ. وما رأيت لهذا الأمر أولاً ولا آخراً"، بالتنوين. تعني بالأول والآخر المبدأ والنهاية. قال أبو حيان وفي محفوظي أن هذا مما يؤنث بالتاء ويصرف أيضاً. فيقال "أولةٌ وآخرةٌ" او قلت والعامة عندنا تقول هذا الشيء ما له أولةٌ ولا آخرةٌ"، وتقول "والذي ماله أولةٌ ما له آخرةٌ" بالتأنيث. (المفعولُ معهُ) المفعولُ مَعَهُ اسمٌ فضلةٌ وقعَ بعد واوٍ، بمعنى "مع" مسبوقةً بجملةٍ، ليدُلَّ على شيءٍ حصلَ الفعلُ بمُصاحبتِه (أي معهُ) ، بلا قصدٍ إلى إشراكِهِ في حكم ما قبلهُ، نحو "مَشيتُ والنّهرَ". وفي هذا المبحث ثلاثة مباحثَ 1- شُرُوطُ النصْبِ عَلى المعِيَّة يشترط في نصبِ ما بعد الواو، على أنه مفعولٌ معهُ، ثلاثةُ شُرُوط 1- أَن يكون فضلةً (أَيْ بحيثُ يصحُّ انعقادُ الجملةِ بدونه) . (فان كان الاسم التالي للواو عمدة، نحو "اشترك سعيدٌ وخليلٌ"، لم يجز نصبه على المعية، بل يجب عظفه على ما قبله، فتكون الواو عاطفة. وإنما كان "خليل" هنا عمدة، لوجوب عطفه على "سعيد" الذي هو عمدة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 72 والمعطوف له حكم المعطوف عليه. وغنما وجب عطفه لأنّ فعل الاشتراك لا يقع إلا من متعدد. فبالعطف يكون الاشتراك مسنداً إليهما معاً. فلو نصبته لكان فضلة، ولم يكن له حظّ في الاشتراك حاصلاً من واحد، وهذا ممتنع) . 2- أن يكونَ ما قبلَهُ جملةً. (فان سبقه مفرد، نحو "كلّ امرئ وشأنهُ"، كان معطوفاً على ما قبله. وكل مبتدأ. وامرئ مضاف إليه. وشأنه معطوف على كل. والخبر محذوف وجوباً. كما تقدم نظيره في باب "المبتدأ والخبر". والتقدير كل امرئ وشأنهُ مُقترنانِ. ولك أن تنصب "كل"، على أنه مفعول به لفعل محذوف تقديره "دع أو اترك"، فتعطف "شأنه" حينئذ عليه منصوباً) . 3- أن تكونَ الواوُ، التي تسبقُهُ، بمعنى "مَعَ". (فان تعين أن تكون الواو للعطف، لعدم صحة المعية، نحو "جاء خالدٌ وسعيدٌ قبله، أو بعده"، فلم يكن ما بعدها مفعولا معه، لأن الواو هنا ليست بمعنى "مع"، إذ لو قلت "جاء خالد مع سعيد قبله، أو بعده" كان الكلام ظاهر الفساد. وإن تعين أن تكون واوً الحال فكذلك، نحو "جاء علي والشمسُ طالعة") . ومثالُ ما اجتمعت فيه الشُّروطُ "سارَ علي والجبلَ. وما لكَ وسعيداً؟ وما أنت وسليماً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 73 2- أَحكامُ ما بعدَ الواوِ للاسمِ الواقعِ بعد الواو أربعةُ أحكام وجوبُ النّصبِ على المعيّةِ، ووجوبُ العطفِ، ورُجحانُ النصبِ، ورجحانُ العطف. فيجب النصبُ على المعيّةِ (بمعنى أنه لا يجوزُ العطف) إذا لزمَ من العطف فسادٌ في المعنى، نحو "سافرَ خليلٌ والليلَ. ورجعَ سعيدٌ والشمسَ" ومنه قولهُ تعالى {فأجمِعُوا أمرَكم وشُرَكاءَكم} ، وقولهُ {والذين تَبَوَّؤُا الدارَ والإيمانَ} . (وإنما امتنع العطف، لأنه يزلم منه عطف الليل على خليل، وعطف الشمس على سعيد، فيكونان مسنداً إليهما، لأن العطف على نية تكرير العامل، والمعطوف في حكم المعطوف عليه لفظاً ومعنى، كما لا يخفى، فيكون المعنى "سافر خليل وسافر الليل، ورجع سعيد ورجعت الشمس" وهذا ظاهر الفساد. ولو عطفتَ "شركاءكم"، في الآية الأولى، على "أمركم" لم يجز، لأنه يقال "أجمع أمرَهُ وعلى أمره"، كما يقال "عزمه وعزم عليه"، كلاهما بمعنى واحد. ولا يقال "أجمع الشركاء أو عزم عليهم". بل يقال "جمعهم". فلو عطفت كان المعنى "اعزموا على أمركم واعزموا على شركائكم" ... وذلك واضح البلطلان. ولو عطفتَ الإيمانَ على الدار، في الآية الأخرى، لفسد المعنى، لأنّ الدار. أن تُتَبَوَّأ - أي تُسكن - فالإيمان لا يُتَبوأ. فما بعد الواو، في الآيتين، منصوب على أنه مفعول معه. فالواو واو المعية. ويجوز أن تكون الواو في الآيتين، عاطفة وما بعدها مفعول به لفعل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 74 محذوف تقديره في الآية الأولى "ادعوا واجمعوا" - فعل أمر من الجمع - وفي الثانية "أخلصوا" - فعل ماض من الإخلاص - فيكون الكلام من عطف جملة على جملة، لا من عطف مفرد على مفرد. ويجوز أن يكون شركاءَكم معطوفاً على (أمركم) على تضمين "أجمعوا" معنى "هيئوا". وأن يكون الإيمان معطوفاً على تضمين "تبوؤا" معنى "لزموا". والتضمين في العربية باب واسع) . ويجبُ العطفُ (بمعنى أنه يمتنعفُ النصبُ على المعيّة) إذا لم يَستكمل شروطَ نصبهِ الثلاثةَ المتقدمةَ. ويرَجّحُ النصبُ على المعيّة، مَعَ جواز العطفِ، على ضَعفٍ، في موضعين 1- أن يلزمَ من العطف ضعفٌ في التركيب، كأن يلزمَ منه العطفُ على الضمير المُتّصلِ المرفوعِ البارز، أو المستتر، من غير فصلٍ بالضمير المنفصل، أو بفاصلٍ، أيِّ فاصلٍ، نحو "جئتُ وخالداً. واذهبْ وسليماً". ويَضعُفُ أن يُقالَ "جئتُ وخالدٌ. واذهبْ وسليم". (أي بعطف "خالد" على التاء في "جئت"، وعطف "سليم" على الضمير المستتر في "اذهب". والضعف إنما هو من جهة الصناعة النحوية الثابتة أصولها باستقراء كلام العرب. وذلك أن العرب لا تعطف على الضمير المرفوع المتصل البارز أو المستتر، إلا أن يفصل بينهما بفاصل أيّ فاصل. نحو: "جئت اليوم وخالدٌ واذهب غداً وسعيدٌ". والأفضل أن يكون الفاصل ضميراً منفصلاً يؤكد به الضميرُ المتصل أو المستتر، نحو "جئت أنا وخالد. واذهب أنت وسعيد") . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 75 أما العطفُ على الضمير المنصوب المتّصل، فجائزٌ بلا خلافٍ، نحو "أَكرمتكَ وزُهيراً". وأما العطفُ على الضمير المجرور، من غير إعادة الجارّ، فقد منعه جمهور النُّحاةِ، فلا يقالُ على رأيهم "أحسنتُ إليك وأبيك"، بل أحسنتُ إليك وأباكَ"، بالنصب على المعيّة. فإن أعدتَ الجار جازَ، نحو "أحسنتُ إليك وإلى أبيك". والحقُّ أنه جائز. وعلى ذلك الكسائيُّ وابنُ مالكٍ وغيرُهما. وجعلوا منه قولهُ تعالى {وكُفرٌ بهِ والمسجدِ الحرام} وقد قرئَ في السبعِ {واتقوا اللهَ الذي تساءَلونَ بهِ والأرحامِ} ، بجرّ "الأرحامِ" عطفاً على الهاء في "به"، قرأ ذلك حمزةُ، أحدُ القُرَّاءِ السبعة. لكنَّ الأكثرَ والأفصحَ إعادةُ الجارَ، إذا أُريد العطفُ. كما تقدّم. 2- أن تكونَ المعيّةُ مقصودةً من المتكلم، فتَفوتُ بالعطف، نحو "لا يَغُرَّكَ الغِنى والبَطَرَ. ولا يعجِبْكَ الأكل والشبَعَ. ولا تهوَ رغَدَ العيشِ والذُّلَّ"، فإن المعنى المراد، كما ترى، ليسَ النهيَ عن الأمرينِ. وإنما هو الأول مجتمعاً مع الآخر. ومنه قول الشاعر [من الوافر] فَكونوا أَنتُمُ وبَنِي أَبيكمْ ... مَكانَ الكِلْيَتَيْنِ مِنَ الطِّحالِ (فليس مراده كونوا أنتم وليكن بنو أبيكم، وإنما يريد كونوا أنتم مع بني أبيكم. فالنصب على المعية فيما تقدم راجح قوي، لتعيينه المعنى المراد، وفي العطف ضعف من جهة المعنى) . والمُحقّقُون يوجبون، في مثل ذلك النصبَ على المعيّة، ولا يُجوّزون العطف. وهو الحقُّ، لأنَّ العطفَ يفيدُ التشريكَ في الحكم. والتشريكُ هنا غير مقصود. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 76 ويرَجْحُ العطفُ متى أمكنَ بغيرِ ضعفٍ من جهة التركيب، ولا من جهة المعنى، نحو "سار الأميرُ والجيشُ. وسرتُ أنا وخالدٌ. وما أنتَ وسعيدٌ؟ "، قال تعالى {يا آدمُ اسكن أنتَ وزوجُكَ الجنة} . ومتى ترجحَ العطفُ ضَعُفَ النصبُ على المعيّة، ومتى ترجحَ النصبُ على المعيّة ضعُفَ العطفُ. خلاصة وتحقيق (وخلاصة البحث أن ما بعد الواو، تارة لا يصح تشريكه في حكم ما قبله، نحو "سار علي والجبل" فيجب نصبه على المعية. وتارة يصح تشريكه فيمنع من العطف مانع، نحو "جئت وسعيداً"، فيترجح نصبه على المعية. وتارة يجب تشريكه، نحو "تصالح سعيد وخالد" فيجب العطف. وتارة يجوز تشريكه بلا مانع، نحو "سافرت أنا وخليل"، فيختار فيه العطف على نصبه على المعية، وتارة لا يكون التشريك مقصوداً، وإنما يكون المقصود هو المعية، فيكون الكلام على نية الإعراض عن تشريك ما بعد الواو في حكم ما قبلها الى مجرّد معنى المصاحبة. فيرجح النصب على المعية على العطف، نحو "لا تسافر أنت وخالدً"، إذا أردت نهيه عن السفر مع خالد، لا نهيه ونهيَ خالدٍ عن السفر. وقد ذكرنا آنفاً بضعة أمثلة على ذلك. فان قصدت إلى نهيهما كليهما عن السفر، ترجح العطف. نحو "لا تسافر أنت وخالد". والنفس تواقة إلى إيجاب النصب على المعية فيما لم يُقصد به إلى التشريك في الحكم، والى ايجاب العطف فيما يُقصد به الى التشريك فيه، مراعاةً لجانب المعنى الذي يريده المتكلم. ونرى أن اجازتهم العطف في الجزء: 3 ¦ الصفحة: 77 الصورة الأولى، والنصب على المعية في الصورة الثانية (على ضعف فيهما) انما هي من حيث الصناعة اللفظية، بمعنى أنه لا يمنع من ذلك مانع من حيث القواعد النحوية. وأنت خبير بما في ذلك من التهويش على السامع والتلبيس عليه. فاحفظ هذا التحقيق واعمل به) . 3- العاملُ في الْمَفْعولِ مَعَهُ يَنصبُ المفعولَ معهُ ما تقدَّمَ عليه من فعلٍ أو اسمٍ يُشبهُ الفعلَ. فالفعلُ نحو "سرتُ والليلَ"، والاسمُ الذي يُشبهُهُ، نحو "انا ذاهبٌ وخالداً". "وحسبُكَ وسعيداً ما فعلتُما". وقد يكونُ العاملُ مقدّراً، وذلكَ بعدَ "ما وكيفَ" الاستفهاميّتينِ، نحو "ما أنتَ وخالداً. وما لك وسعيداً. وكيفَ أنتَ والسفرَ غداً. والتقدير "ما تكون وخالداً؟ وما حاصل لكَ وسعيداً؟ وكيف تكونُ والسفرَ غداً". واعلم أنه لا يجوزُ أن يتقدّمَ المفعولُ معهُ على عاملهِ، ولا على مُصاحبهِ، فلا يقال "والجبلَ سارَ عليٌّ" ولا "سارَ والجبلَ عليٌّ". (الحال) الحالُ وصفٌ فضلةٌ يُذكرُ لبيانِ هيئَةِ الاسمِ الذي يكونُ الوصفُ له، نحو "رجعَ الجندُ ظافراً. وأدَّبْ ولدَكَ صغيراً. ومررتُ بهند راكبةً. وهذا خالدٌ مُقبلاً". (ولا فرق بين أن يكون الوصف مشتقاً من الفعل، نحو "طلعت الشمس صافية"، أو اسماً جامداً في معنى الوصف المشتق، نحو "عدا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 78 خليل غزالاً" أي مسرعاً كالغزال. ومعنى كونه فضلة أنه ليس مسنداً اليه. وليس معنى ذلك أن هيصح الاستغناء عنه اذ قد تجيء الحال غير مستغنى عنها كقوله تعالى {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} وقوله {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} ؛ وقول الشاعر [من الخفيف] انما الميتُ من يعيشُ كئيباً ... كاسفاُ بالُهُ، قليلَ الرّجاء وقد تشتبه الحال بالتمييز في نحو "لله ِ دَرّهُ فارساً أو عالماً أو خطيباً". فهذا ونحوه تمييزٌ لأنه لم يقصد به تمييز الهيئة. وانما ذكر لبيان جنس المتعجب منه، والهيئة مفهومة ضمناً. ولو قلت "لله دَرّهُ من فارس". لصحَّ. ولا يصحّ هذا في الحال. فلا يقال "جاء خالد من راكب" وليس مثل ما تقدم هو التمييز حقيقة. وانما هو صفته نابت عنه بعد حذفه. والأصل "لله درّهُ رجلاً فارساً". وربما اشتبهت الحال بالنعت. نحو "مررت برجل راكب". فراكب نعت. لأنه ذكر لتخصيص الرجل لا لبيان هيئته) . واعلم أنّ الحالَ منصوبةٌ دائماً. وقد تُجرُّ لفظاً بالباءِ الزائدة بعد النفيِ، كقول الشاعر [من الوافر] فما رَجَعَتْ بِخائِبةٍ رِكابٌ ... حَكيمُ بنُ المُسَيَّبِ مُنْتَهاها وفي هذا الباب تسعةُ مَباحثَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 79 1- الاسمُ الَّذي تَكون لَهُ الحالُ تجيء الحالُ من الفاعل، نحو "رجعَ الغائبُ سالماً". ومن نائب الفاعل، نحو "تُؤكلُ الفاكهةُ ناضجة". ومن الخبرِ، نحو "هذا الهلالُ طالعاً". ومن المبتدأ (كما هو مذهبُ سيبويه ومن تابعهُ. وهو الحقُّ) ، نحو "أنتَ مجتهداً أخي" ونحو "الماءُ صرفاً شرابي". ومن المفاعيل كلها على الأصحّ، لا من المفعول به وحدَهُ. فمجيئُها من المفعول به نحو "لا تأكل الفاكهة فِجّةً" ومن المفعول المطلق نحو "سرتُ سيري حثيثاً، فتعبتُ التعب شديداً"، ومن المفعول فيه نحو "سريتُ الليلَ مظلماً. وصُمتُ الشهرَ كاملاً"، ومن المفعول لأجلهِ نحو "افعلِ الخيرَ محبةَ الخيرِ مجرَّدةً عن الرياء"، ومن المفعولِ معهُ نحو "سِرْ والجبلَ عن يمينك" ونحو "لا تَسرِ والليلَ داجياً". ولا فرقَ بينَ أن يكون المفعولُ صريحاً، كما رأيتَ، أو مجروراً بالحرف، نحو "انهضْ بالكريمِ عاثراً" ونحو "لا تَسرِ في الليل مُظلِماً" ونحو "اسعَ للخير وحدَهُ". وقد تأتي الحالُ من المضاف إليه بشرط أن يكون في المعنى، أو في التقدير، فاعلاً أو مفعولاً، وذلك في صورتين. 1- أن يكونَ المضافُ مَصدراً أو وصفاً مضافين إلى فاعلهما أو نائب فاعلهما أو مفعولِهما. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 80 فالمصدرُ المضافُ إلى فاعلهِ، نحو سَرّني قدومكَ سالماً"، ومنه قولهُ تعالى {إليه مرجعُكُم جميعاً} ، وقولُ الشاعر [مالك بن الديب / من الطويل] تقُولُ ابْنَتي إنَّ انْطلاقَكَ واحداً، ... إلى الروْعِ يَوْماً، تاركي لا أَبالِيَا والوصفُ المضافُ إلى فاعله نحو "أنتَ حسَنُ الفرَسِ مُسرَجاً". والوصفُ المضافُ إلى نائب فاعله نحو "خالدٌ مغمَض العينِ ادمعةً". والمصدرُ المضافُ إلى مفعولهِ، نحو "يعجبُني تأديبُ الغلام مُذنِباً، وتهذيبُهُ صغيراً". والوصفُ المضافُ إلى مفعولهِ نحو "أنتَ ورادُ العيشِ صافياً، ومسهَلُ الأمرِ صعباً"، ونحو "خالدٌ ساري الليلِ مظلماً". وبذلك تكونُ الحالُ قد جاءَت من الفاعل أو نائبه أو من المفعولِ، كما هو شرطها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 81 2- أن يَصِحَّ إقامةُ المضافِ إليه مقامَ المضاف، بحيثُ لو حذف المضافُ لاستقامَ المعنى. وذلكَ بأن يكونَ المضافُ جُزْءاً من المضاف إليه حقيقةً، كقولهِ تعالى {أيُحب أحدُكم أن يأكل لحمَ أخيه مَيتاً فكَرِهتُموهُ} ، وقوله {ونَزَعنا ما في صُدورهم من غِلٍّ إخواناً} ، ونحو "أمسكتُ بيدِكَ عاثراً". أو يكونَ كجزءٍ منه، نحو "تَسرُّني طِباعُ خالدٍ راضياً، وتسوءُني أخلاقُهُ غضبان". ومنه قوله تعالى {أنِ اتَّبِعْ ملّةَ إبراهيمَ حنيفاً} . (وبذلك تكون الحال ايضاً قد جاءت من الفاعل أو المفعول تقديراً، لأنه يصح الاستغناء عن المضاف. فاذا سقط ارتفع ما بعده على الفاعلية أو انتصب على المفعولية. وإذا علمت ذلك عرفت أنه لا يصحُّ أن يقال "مررت بغلام سعاد جالسة"، لعدم صحة الاستغناء عن المضاف؛ لأنه ليس جزءاً من المضاف إليه، ولا كالجزء منه. فلو أسقطت الغلام، فقلت "مررت بهند جالسة" لم يستقم المعنى المقصود، لأن القصد هو المرور بغلامها لا بها) . 2- شروطُ الحال يشترطُ في الحال أربعةُ شروطٍ 1- أن تكونَ صفةً مُنتقلةً، لا ثابتةً (وهو الأصلُ فيها) ، نحو "طلعت الشمسُ صافيةً". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 82 وقد تكونُ صفةً ثابتةً، نحو "هذا أَبوكَ رحيماً* {يومَ أُبعثُ حيّاً} * {خُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً} * خَلَقَ اللهُ الزَّرافةَ يَدَيها أطولَ من رِجلَيها* {أَنزلَ إليكم الكتابَ مفصّلاً} ". وقال الشاعر [من الطويل] فَجَاءَتْ بهِ سَبْطَ العِظامِ، كأَنما ... عِمامتُهُ بَيْنَ الرِّجالِ لِواءُ 2- أن تكونَ نكرةً، لا معرفةً. وقد تكون معرفةً إذا صحَّ تأويلُها بنكرةٍ، نحو "آمنتُ بالله وحدهُ". أَي منفرداً، ونحو "رجعَ المسافرُ عودَهُ على بَدئهِ"، أي عائداً في طريقه، والمعنى أنه رجعَ في الحال. ونحو "أُدخلُوا الأولَ فالأولَ" أي مترَتِّبينَ. ونحو "جاءُوا الجَمّاءَ الغَفيرَ"، أي جميعاً. ونحو "إفعلْ هذا جُهدَكَ وطاقتكَ" أي جاهداً جادًّا. ونحو "جاءَ القومُ قَضَّهُم، بقَضيضهم"، أي جاءُوا جميعاً أو قاطبةً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 83 3- أن تكونَ نَفْسَ صاحبِها في المعنى، نحو "جاءَ سعيدُ راكباً". (فان الراكب هو نفس سعيد. ولا يجوز أن يقال "جاء سعيد ركوباً". لأن الركوب فعل الراكب وليس هو نفسه) . 4- أن تكون مشتقّةً، لا جامدةً. وقد تكون جامدةً مُؤَوَّلةً بوصفٍ مشتقٍّ، وذلك في ثلاث حالات الأولى أن تدُلَّ على تشبيهٍ، نحو "كرَّ عليٌّ أسداً"، أي شُجاعاً كالأسد، ونحو "وضَحَ الحقُّ شمساً"، أي مضيئاً، أو ميراً كالشَّمس. ومنه قولهم "وقعَ المصطَرعانِ عِدْليْ عَيرٍ". أي مصطَحِبَينِ كاصطحابِ عدليْ حمارٍ حينَ سقوطهما. الثانيةُ أن تَدُلُّ على مُفاعلةٍ، نحو "بِعتُكَ الفرَسَ يداً بيدٍ"، أي متقابضينِ، ونحو "كلّمتُه فاهُ غلى فيَّ"، أي مُتشافهينِ. الثالثةُ أن تدلَّ على ترتيبٍ، نحو "دخلَ القومُ رجلاً رجلاً"، أي مُترَتّبينَ، ونحو "قرأتُ الكتابَ باباً باباً"، أي مُرَتّباً. وقد تكونُ جامدةً، غيرَ مُؤوَّلةٍ بوصفٍ مُشتق، وذلك في سبع حالاتٍ الأولى أن تكونَ موصوفةً، كقوله تعالى {إنّا أنزلناه قرآنا عربياً} وقولهِ {فتَمثَّلَ لها بَشراً سَوياً} . الثانيةُ أن تدلَّ على تسعيرٍ، نحو بعتُ القمحَ مُدًّا بِعشرةِ قُروشٍ. واشتريتُ الثوبَ ذِراعاً بدينارِ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 84 الثالثةُ أن تدُلَّ على عددٍ، كقوله تعالى {فَتَمَّ مِيقاتُ رَبكَ أربعينَ ليلةً} . الرابعةُ أن تَدُلَّ على طَورٍ، أي حالٍ، واقعٍ فيه تفضيلٌ، نحو "خالدٌ غلاماً أحسنُ منهُ رجلاً" ونحو "العِنَب زبيباً أطيبُ منه دِبساً". الخامسةُ أن تكون نوعاً لصاحبها، نحو "هذا مالُكَ ذهباً". السادسةُ أن تكونَ فرعاً لصاحبها، نحو "هذا ذَهبُكَ خاتماً"، ومنه قولهُ تعالى {وتنحِتونَ الجبالَ بُيوتاً} . السابعةُ أن تكون أصلاً لصاحبها، نحو "هذا خاتُمكَ ذَهباً. وهذا ثوبُك كتّاناً"، ومنه قوله تعالى {أأسجُدُ لِمن خَلقتَ طيناً؟} . فوائد 1- سمع بعض المصادر مما يدل على نوع عامله منصوباً. فقال جمهور البصريين انه منصوب على الحال. وهو مؤول بوصف مشتق، نحو "جاء ركضاً. قتله صبراً. طلع علينا فجأة أو بغتة. لقيته كفاحاً أو عياناً. كلمته مشافهة. أخذت الدرس عن الأستاذ سماعاً" ونحو ذلك وجعلُ هذه المصادر حالاً، كما قالوا، جائز. والأولى أن يجعل ذلك مفعولاً مطلقاً مبيناً للنوع. فهو منصوبٌ على المصدرية لا على الحالية، لأن المعنى على ذلك، فلا حاجة الى التأويل. 2- جعلوا أيضاً المصدر المنصوب بعد "أل" الكمالية (أي الدالة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 85 على معنى الكمال في مصحوبها) منصوباً على الحال (بعد تأويله بوصف مشتق) . نحو "أنت الرجل فهماً" والحق أنه منصوب على التمييز، ولا معنى للحال هنا. 3- جعلوا من المنصوب على الحال (بعد تأويله بوصف مشتق) المصدرَ المنصوب بعد خبر مُشبهٍ به مبتدؤه، نحو "أنتَ زهيرٌ شعراً. وسحبانُ فصاحةً، وحاتم جوداً، والأحنفُ حلماً، واياسٌ ذكاءً". وهو منصوب على التمييز لا محالة، ولا معنى للحال هنا. 4- جعلوا أيضاً المنصوب بعد "أمّا" في مثل قولك "أمّا علماً فعالمٌ" حالاً، بعد تأويله بوصف مشتق، وهو منصوب على أنه مفعول به لفعل محذوف، والتقدير "أن ذكرت العلم فهو عالم". ولا معنى لنصبه على الحال. 3- عاملُ الحالِ وصاحبُها تحتاج الحالُ إلى عاملٍ وصاحبٍ. فعاملُها ما تَقدَّم عليها من فعلٍ، أو شبههِ، أو مَعناهُ. فالفعلُ، نحو "طلعت الشمسُ صافيةً". والمرادُ بشبهِ الفعلِ الصفاتُ المشتقةُ من الفعلِ، نحو "ما مسافرٌ خليلٌ ماشياً". والمراد بمعنى الفعل تسعةُ أشياء 1- اسمُ الفعلِ، نحو "صَهْ ساكتاً. ونَزَالِ مُسرعاً". 2- اسمُ الإشارةِ، نحو "هذا خالدٌ مُقبلاً"، ومنه قولهُ تعالى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 86 {وهذا بَعلي شيخاً} ، وقولهُ {فَتلكَ بُيوتُهُم خاويةً بما ظلموا} ، وقولهُ {إنَّ هذه أُمَّتُكم أُمَّةً واحدةً} . 3- أدواتُ التّشبيهِ، نحو "كأنَّ خالداً، مقبلاً، أسدٌ"، قال الشاعر [من الطويل] كأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ، رَطْباً ويَابساً ... لَدَى وَكْرِها، العُنَّابُ والحَشَف البالي 4- أدوات التّمني والتّرجّي، نحو: "ليتَ السرورَ، دائماً عندنا، ونحو: "لَعلَّك، مدَّعياً، علي حقٍّ". 5- أدوات الاستفهام، نحو: "ما شأنُكَ واقفاً؟ * ما لَكَ مُنطلقاً* كيفَ أنتَ قائماً؟ * كيفَ بزُهيرٍ رئيساً؟ ". ومن ذلك قولُه تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} [المدثر: 49] . 6- حرفُ التنبيهِ، نحو "ها هُوَ ذا البدرُ طالعاً". 7- الجارُّ والمجرورُ، نحو "الفرَسُ لكَ وحدَك". 8- الظرفُ، نحو "لَدَينا الحقُّ خَفّاقاً لواؤُهُ". 9- حرفُ النداء، كقوله "يا أيُّها الرَّبعُ مبكيّاً بساحتهِ". وصاحبُ الحالِ ما كانت الحالُ وصفاً له في المعنى. فإذا قلتَ "رجعَ الجندُ ظافراً"، فصاحبُ الحال هو "الجُندُ" وعاملُها هو "رجعَ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 87 والأصلُ في صاحبها أن يكون معرفةً، كما رأيتَ. وقد يكونُ نكرةً، بأحدِ أربعةِ شروطٍ 1- أن يتأخرَ عنها، نحو "جائني مُسرعاً مُستنجدٌ فأنجدتهُ"، ومنه قولُ الشاعر "لِمَيّةً مُوحِشاً طَلَلُ". وقول الآخر [من الطويل] وَفي الجِسْم مِنّي بَيِّناً، لَوْ عَلِمْتِهِ، ... شُحُوبٌ. وإِنْ تَستَشْهِدي العَيْنَ تَشْهَدِ وقولُ غيره [من الطويل] ومَا لامَ نَفْسِي مِثْلَها ليَ لائِمُ ... ولا سَدَّ فَقْرِي مِثْلُ مَا مَلَكَتْ يَدِي 2- أن يسبقه نفيٌ أو نهيٌ أو استفهامٌ فالأولُ نحو "ما في المدرسة من تلميذٍ كسولاً. وما جاءني أحدٌ إلاّ راكباً"، ومنه قولهُ تعالى {وما أهلكنا من قريةٍ إلا لها مُنذِرُونَ} . والثاني نحو "لا يَبغِ امروءٌ على امرئ مُستسهِلاً بَغيَهُ، ومنه قولُ الشاعر [من الطويل] لاَ يَرْكَنَنْ أَحدٌ إِلى الإِحجامِ ... يَوْمَ الْوَغَى مُتَخَوِّفاً لِحمامِ الثالثُ، نحو "أَجاءكَ أحدٌ راكباً"، ومنه قولُ الشاعر [من البسيط] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 88 يا صَاحِ، هَلْ حمَّ عَيْشٌ باقِياً؟ فَترَى ... لِنَفْسِكَ العُذْرَ في إِبعادِها الأَمَلا 3- أن يتَخصَّصَ بوصفٍ أو إضافةٍ، فالأولُ نحو "جاءني صديقٌ حميمٌ طالباً مَغونتي"، ومنهُ قوله تعالى {فيها يُفرَقُ كلُّ أمر حكيمٍ، أمراً من عندِنا} ، وقول الشاعر [من البسيط] يا رَبِّ نَجَّيْتَ نُوحاً واستجَبْتَ لَهُ ... في فُلُكٍ ماخِرٍ في الْيَمِّ مَشْحُونَا والثاني، نحو "مَرَّت علينا ستةُ أيامٍ شديدةً"، ومنه قولهُ تعالى {في أربعة ايامٍ سَواءً للسائلين} . 4- أن تكون الحالُ بعدَهُ جملةً مقرونةً بالواو، كقوله تعالى {أو كالذي مَرَّ على قريةٍ، وهيَ خاويةٌ على عُرُوشها} . وقد يكونُ صاحبُ الحالِ نكرةً بلا مُسَوِّغٍ، وهو قليلٌ، كقولهم "عليه مِئَةٌ بيضاً"، وفي الحديث "صلَّى رسولُ اللهِ، صلَّى الله عليه وسلَّم، قاعداً وصلَّى وراءهُ رجالٌ قِياماً". 4- تَقَدُّمُ الحالِ على صاحِبها وتَأَخُّرُها عنه الأصلُ في الحالِ أن تتأخرَ عن صاحبها. وقد تتقدَّمُ عليه جوازاً، نحو "جاء راكباً سعيدٌ"، ومنه قول الشاعر [من الكامل] فَسَقَى دِيارَكِ، غَيْرَ مُفْسِدِها، ... صَوْبٌ الرَّبيعِ وديمة تَهْمِي وقد تتقدَّمُ عليه وُجوباً. وقد تَتأخرُ عنهُ وجوباً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 89 فتتقدّمُ عليه وُجوباً في موضعينِ 1- أن يكونَ صاحبُها نكرةً غير مستوفيةٍ للشُّروطِ، نحو "لخليلٍ مُهذَّباً غلامٌ"، ومنه قولُ الشاعر [من الطويل] وهَلاَّ أَعَدُّوني لِمثْلي، تَفَاقَدُوا ... وَفي الأَرْضِ مَبْثُوثاً شُجاعٌ وعَقْرَبُ 2- أن يكونَ محصوراً، نحو "ما جاء ناجحاً إلا خالدٌ وإنما جاء ناجحاً خالدٌ". تقولُ ذلك إذا أردتَ أن تَحصُرَ المجيء بحالة النجاح في خالد. وتتأخرُ عنه وجوباً في ثلاثة مواضع 1- أن تكونَ هي المحصورة، نحو "ما جاء خالدٌ إلا ناجحاً. وإنما جاء خالدٌ ناجحاً". تقول ذلك إذا اردت أن تحصُرَ مجيء خالدٍ في حالة النجاح. ومنه قولهُ تعالى {وما نُرسِلُ المُرسلين إلا مبشّرينَ ومنذِرينَ} . 2- أن يكون صاحبُها مجروراً بالإضافة، نحو "يُعجبُني وُقوفُ عليٍّ خطيباً. وسرَّني عملُك مخلصاً". أما المجرور بحرف جرٍّ أصلي، فقد منعَ الجمهورُ تقدُّمَ الحال عليه. فلا يقالُ "مررتُ راكبةً بسعادَ وأخذتُ عاثراً بيدِ خليلٍ". بل يجب تأخيرُ الحال. وأجاز تقدُّمَهُ ابنُ مالك وغيرهُ. وجعلوا منه قوله تعالى {وما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 90 أرسلناكَ إلا كافَّةً للناس} . وجعلَ بعضُهم جوازَ تَقدُّمها عليه مخصوصاً بالشعر، كقول الشاعر [من الطويل] إذا الْمَرءُ أَعيَتْهُ المُرُوءَةُ ناشئاً ... فَمَطْلَبُها كَهْلاً عَلَيْهِ عَسِيرُ وقولُ الآخر [من الطويل] تَسَلَّيْتُ طُرًّا عَنْكُمُ بُعْدَ بَيْنِكُمْ ... بِذِكْراكُمُ، حَتَّى كَأَنَّكُم عِنْدِي وقول غيره [من الطويل] لَئنْ كانَ بَرْدُ الْمَاءِ هَيْمانَ صادِياً ... إليَّ حبِيباً، إِنَّها لَحَبِيبُ وقولُ الآخر [من الخفيف] غافلاً تَعْرِضُ الْمَنِيَّةُ لِلمَرْ ... ءِ فَيُدْعَى، ولاتَ حِينَ نِداءِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 91 أمّا المجرور بحرفِ جرٍّ زائد، فلا خلافَ في جواز تقدُّمِ الحالِ عليه، لأن حرفَ الجرِّ الزائد كالسّاقطِ فلا يُعتدُّ به، نحو "ما جاء راكباً من أحدٍ. وكفى صديقاً بِكَ". 3- أن تكون الحالُ جملةً مقترنةً بالواو، نحو "جاء عليٌّ والشمسُ طالعة". فإن كانت غيرَ مُقترننة بها جاز تأخيرُها وتقديمها، فالأولُ نحو "جاء خليلٌ يَحمِلُ كتابهُ"، والثاني نحو "جاء يحملُ كتابَهُ خليلٌ". وأجاز قومٌ تقديمَها وهي مُصَدَّرةٌ بالواو. والأصح ما ذكرناه. 5- تقَدُّمُ الحالِ على عاملِها وتأَخُّرُها عَنه الأصلُ في الحال أن تَتأخرَ عن عاملها. وقد تتقدَّم عليه جوازاً، بشرطِ أن يكون فعلاً مُتَصرفاً، نحو "راكباً جاء علي" أو صفة تُشبهُ الفعلُ المتصرفَ - كاسمِ الفاعلِ واسمِ المفعولِ والصفة المشبهَةِ - نحو "مُسرعاً خالدٌ مُنطلقٌ". ومن الفعل المتصرف قوله تعالى {خُشّعاً أبصارُهم يَخرُجونَ} ، وقولهم "شتّى تؤوبُ الحَلَبةُ"، أي مُتَفرِّقين يرجعون. (فان كان العامل في الحال فعلا جامداً، أو صفة تشبهه - وهي اسم التفضيل - أو معنى الفعل دون أحرفه، فلا يجوز تقديم الحال عليه، فالأول نحو "ما أجملَ البدرَ طالعاً! ". والثاني "عليّ افصحُ الناس خطيباً". والثالث نحو "كأنّ علياً مُقدماً أسدٌ"، فلا يقال "طالعاً ما أجمل البدر. ولا علي خطيباً أفصحُ الناس. ولا مقدماً كأن علياً أسدٌ" ويستثنى من ذلك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 92 اسم التفضيل في نحو، قولك "سعيد خطيباً أفصح منه كاتباً. وابراهيمُ كاتباً أفصح من خليل شاعراً" ففي هذه الصورة يجب تقديم الحال، كما ستعلم. واعلم أن اسم التفضيل صفة تشبه الفعل الجامد، من حيث أنه لا يتصرف بالتثنية والجمع والتأنيث، كما تنصرف الصفات المشتقة، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة. فهو لا يتصرف تصرّفها إلا في بعض الأحوال، وذلك إن اقترن بأل أو أضيف الى معرفة، فيصرف حينئذ افراداً وتثنية وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً. كما عرفت في الجزء الأول من هذا الكتاب) . متى تتقدم الحال على عاملها وجوباً؟ تتقدمُ الحالُ على عاملها وجوباً في ثلاثِ صُوَرٍ 1- أن يكون لها صدرُ الكلامِ، نحو "كيفَ رجعَ سليمٌ؟ "، فإن أسماء الاستفهامِ لها صدرُ جملتها. 2- أن يكون العاملُ فيها اسمَ تفضيلٍ، عاملاً في حالين، فُضّلَ صاحبُ إحداهما على صاحبِ الأخرى، نحو "خالدٌ فقيراً، أكرمُ من خليلٍ غنيّاً"، أو كان صاحبُها واحداً في المعنى، مُفضّلاً على نفسه في حالةٍ دونَ أُخرى، نحو "سعيدٌ، ساكتاً، خيرٌ منه متكلماً". فيجبُ والحالةُ هذهِ، تقديمُ الحال التي للمُفضّل، بحيثُ يتوسطُ اسمُ التفضيلِ بينهما، كما رأَيتَ. 3- أن يكون العاملُ فيها معنى التّشبيه، دونَ أحرُفهِ، عاملاً في حالينِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 93 يرادُ بهما تشبيهُ صاحبِ الأولى بصاحبِ الأخرى، نحو "أنا، فقيراً، كخليلٍ غنيّاً، ومنه قولُ الشاعر [من المتقارب] تُعَيّرُنا أنَّنا عالةٌ ... ونحنُ، صَعاليكَ، أَنُتمْ مُلوكا أو تشبيهُ صاحبهما الواحد في حالةٍ، بنفسه في حالةٍ أُخرى، نحو "خالدٌ، سعيداً، مِثلُهُ بائساً". فيجبُ، إذ ذاك، تقديمُ الحالِ التي للمُشبّهِ على الحالِ التي للمُشبّهِ به، كما رأيت. إلا إن كانت أداةٌ التّشبيه "كأنَّ"، فلا يجوزُ تقديمُ الحال عليها مُطلقاً، نحو "كأنَّ خالداً، مُهرولاً، سعيدٌ بَطيئاً". (فان كان التشبيه العامل في الحالين، فعلاً أو صفة مشتقة منه، جاز تقديم حال المفضل عليه وتأخيرها عنه، فالأول نحو "خالد ماشياً يشبه سعيداً راكباً". والثاني نحو "يشبه خالد ماشياً سعيداً راكباً") . متى تتأخر الحال عن عاملها وجوبا؟ تتأخرُ الحال عن عاملها وجوباً في أحدَ عشرَ موضعاً 1- أن يكونَ العاملُ فيها فعلاً جامداً، نحو "نِعْمَ المهذارُ ساكتاً. ما أحسنَ الحكيمَ متكلِّماً. بئس المرءُ منافقاً. أحسِنْ بالرَّجلِ صادقاً". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 94 2- أن يكونَ اسمَ فعلٍ، نحو "نَزالِ مسرعاً". 3- أن يكونَ مصدراً يَصِحُّ تقديرُهُ بالفعلِ والحرفِ المصدري، نحو "سرَّني أو يَسرُّني، اغترابُك طالباً للعلم". (اذ يصح أن تقول "يسرني أن تغترب طالباً للعلم". فان كان يصح تقديره بالفعل والحرف المصدري. نحو "سمعا كلامَ اللهِ متلوّاً"، جاز تقديمه عليه نحو "متلوّاً سمعا كلام الله". 4- أن يكون صِلةً لألْ، نحو "خالدٌ هو العاملُ مجتهداً". 5- أن يكون صِلةً لحرفٍ مصدريٍّ، نحو "يَسُّرني أن تعملَ مجتهداً. سَرَّني أن عملتُ مُخلِصاً، يَسرُّني ما تجتهدُ دائباً. سرَّني ما سَعَيتَ صابراً". 6- أن يكونَ مقروناً بلامِ الابتداءِ، نحو "لأَصبِرُ مُعتمِلاً". 7- أن يكونَ مقروناً بلامِ القسم، نحو "لأثابرَنَّ مجتهداً". 8- أن يكونَ كلمةً فيها معنى الفعل دون أَحرفهِ، نحو "هذا عليٌّ مقبلاً. ليت سعيداً، غنيّاً، كريمٌ. كأنَّ خالداً، فقيراً، غنيٌّ. 9- أن يكون اسمَ تفضيلٍ، نحو "عليٌّ أفصحُ القومِ خطيباً"، إلا إذا كان عاملاً في حالين، نحو "العصفورُ، مغَرداً خيرٌ منه ساكتاً"، فيجبُ تقديمُ حال المفضّل على عامله، كما تقدَّم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 95 10- أن تكونَ الحالُ مؤكدةً لعاملها، نحو "ولّى العدوُّ مدبِراً، فتَبسّم الصديقُ ضاحكاً". 11- أن تكون جملةً مقترنة بالواو، على الأصحِّ، نحو "جئتُ والشمسُ طالعةٌ". (فان كانت غير مقترنة بالواو جاز تقديمها على عاملها، نحو "يركب فرسه جاء خالد" وأجاز قوم تقديمها على عاملها وهي مصدرة بالواو، فأجازوا أن يقال "والشمس طالعة جئت" والأصح ما قدّمناه. وقد سبق أنه لا يجوز تقديم الجملة المصدرة بالواو على صاحبها أيضاً؛ وان قوماً أجازوه) . 6- حَذْفُ الحالِ وحَذْفُ صاحِبها الأصلُ في الحال أنه يجوز ذكرها وحذفُها، لانها فضلةٌ. وإن حذفت فإنما تُحذَفُ لقرينة. وأكثرُ ذلك إذا كانت الحالُ قولاً أغنى عنه ذكرُ القَول، كقولهِ تعالى {والملائكةُ يَدخلونَ عليهم من كل باب سلامٌ عليكم} ، أي "يدخلون قائلين سلامٌ عليكم"، وقوله {وإذْ يَرفعُ إبراهيمُ القواعدَ من البيتِ وإسماعيلُ ربّنا تَقبّلْ منا} ، أي "يَرفعانِ القواعدَ قائلَينِ ربّنا تقبّلْ منّا". وقد يُحذَفُ صاحبُها لقرينةٍ، كقولهِ تعالى {أهذا الذي بَعثَ الله رسولاً} ، أَي "بعثهُ". وقد يَعرِضُ للحال ما يَنعُ حذفَها، وذلك في أربعِ صورٍ 1- أن تكونَ جواباً، كقولك "ماشياً" في جواب من قال "كيف جئتَ؟ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 96 2- أن تكونَ سادًةَ مسَدَّ خبرِ المبتدأ، نحو "أَفضلُ صدَقةِ الرجلِ مُستتراً". 3- أن تكونَ بَدلاً من التلفُّظِ بفعلها، نحو "هنيئاً لكَ". 4- أن يكونَ الكلامُ مَبنيّاً عليها - بحيثُ يَفسُدُ بحذفها - كقوله تعالى {يا أيُّها الذينَ آمنوا لا تقربُوا الصلاةَ، وأنتم سكارى، حتى تَعلموا ما تقولون} ، وقولهِ {ولا تَمشِ في الأرضِ مَرَحاً} ومن هذا أن تكون محصورةً في صاحبها، أَو محصوراً فيها صاحبُها، فالأولُ نحو "ما جاءَ راكباً إلاّ علي"، والآخرُ نحو "ما جاءَ عليٌّ إلاَّ راكباً". 7- حذفُ عاملِ الحالِ يحذَفُ العاملُ في الحال. وذلك على قسمين جائز وواجب. فالجائزُ كقولك لقاصد السفر "راشداً"، وللقادم من الحجِّ "مأجوراً"، ولِمن يحدِّثُكَ "صادقاً"، ونحو "راكباً" لمن قال لكَ "كيف جئتَ؟ "، وبَلى مسرعاً" في جواب من قال لكَ "إنَّكَ لم تَنطلق". ومن ذلك قولهُ تعالى {أيَحسَبُ الإنسانُ أَن لن نجمعَ عِظامَهُ؟ بَلى، قادرينَ على أن نُسوِّي بنَانَهُ} ، وقولُهُ {حافضوا على الصّلواتِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 97 والصلاة الوسطى} ، إلى قوله {فإن خِفتم فَرِجالاً أَو ركباناً} . والواجبُ في خمس صوَر 1- أن يُبيّن بالحالِ ازيادٌ أَو نقصٌ بتدريجٍ، نحو (تَصدَّق بدرهمٍ فصاعداً، أَو فأكثرَ) ، ونحو (اشترِ الثّوبَ بدينار فنازلاً، أو فأقلَّ، أَو فسَافِلاً) . وشرطُ هذهِ الحالِ أَن تكون مصحوبة بالفاءِ، كما رأيت، أَو بِثمّ. والفاءُ أكثرُ. 2- أن تُذكرَ للتّوبيخِ، نحو (أقاعداً عن العلمل، وقد قام الناسَ؟) ، ونحو (أَمتوَانياً، وقد جَدَّ قُرَناؤكَ؟) . ومنه قولهم (أَتَميميّاً مرةً، وقَيسيّاً أُخرَى؟) . 3- أَن تكون مُؤكدةً لمضمونِ الجملةِ، نحو (أنت أَخي مواسياً) . 4- أن تسُدّ مسَدّ خبر المبتدأ، نحو (تأديبي الغلامَ مُسيئاً) . 5- أَن يكون حذفُهُ (أَي حذفُ العامل) سَماعاً، نحو (هنيئاً لك) . 8- أَقسامُ الحال تنقسم الحال - باعتبارات مختلفة - الى مؤسسة ومؤكدة؛ والى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 98 مقصودة لذاتها وموئة، والى حقيقية وسببية، والى مفردة وشبه جملة. فالمجموع تسعة أنواع، وسيأتيك بيانها الحال المؤسسة، والحال المؤكدة الحالُ، إمّا مؤسسةٌ، وإمَّا مؤكدةٌ فالمؤسسةُ (وتُسمّى المبنيّة أَيضاً، لانها تُذكرُ للتّبين والتّوضيح) هي التي لا يُستفادُ معناها بدونها، نحو (جاءَ خالدٌ راكباً) . وأَكثر ما تأتي الحالُ من هذا النوع، ومنه قولهُ تعالى {وما نُرسِلُ المرسَلين إلا مبَشّرينَ ومُنذِرينَ} . والمؤكدةُ هيَ التي يُستفادُ معناها بدونها، وإنما يُؤتى بها للتوكيد. وهي ثلاثةُ أَنواع 1- ما يؤتى بها لتوكيدِ عاملها، وهي التي تُوافقه معنًى فقط، أو معنى ولفظاً. فالأول نحو (تَبسّم ضاحكاً) ، ومنهُ قولهُ تعالى {ولا تَعثوا في الأرضِ مُفسدِين} ، وقولهُ {ثمَّ توَليتم مدبِرين} ، والثاني كقوله تعالى {وأَرسلناكَ للناس رسولاً} ، وقولِ الشاعر [من البسيط] أَصِخْ مُصيخاً لِمَنْ أَبدَى نَصيحَتَهُ ... والزَمْ تَوَقِّيَ خَلْطِ الجِدِّ بِاللَّعِبِ 2- ما يؤتى بها لتوكيدِ صاحبِها، نحو (جاءَ التلاميذُ كلُّهم جميعاً) . قال تعالى {ولو شاءَ ربُّكَ لآمنَ مَن في الأرض كلُّهم جَميعاً، أفأنتَ تُكرِهُ الناسَ حتى يكونوا مؤمِنينَ؟} . 3- ما يؤتى بها لتوكيدِ مضمون جملة معقودة من اسمينِ معرفتينِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 99 جامدينِ، نحو "هو الحقُّ بيّناً، أو صريحاً"، ونحو "نحنُ الأخوةُ مُتعاونينَ"، ومنهُ قولُ الشاعر [من البسيط] أَنَا ابنُ دَارَةَ، مَعْروفاً بها نَسَبي. ... وَهَلْ بِدارَةَ، يا للنَّاسِ مِنْ عارٍ الحال المقصودة لذاتها، والحال الموطئة الحالُ، إمَّا مقصودة لذاتها (وهو الغالبُ) نحو "سافرتُ منفرداً"، وإمَّا مُوطِّئة، وهيَ الجامدةُ الموصوفةَ، فتُذكرُ تَوطئةً لما بعدها، كقوله تعالى {فتَمثّلَ لها بَشراً سويّاً} ، ونحو "لَقيتُ خالداً رجلاً مُحسناً". الحال الحقيقية، والحال السببية الحالُ، إمَّا حقيقيةٌ، وهي التي تُبيّنُ هيئَةَ صاحبها (وهو الغالبُ) نحو (جئتُ فَرِحاً) ، وإمَّا سَببيّة، وهي ما تُبيّنُ هيئةَ ما يَحملُ ضميراً يعودُ إلى صاحبها، نحو (ركِبتُ الفرسَ غائباً صاحبُهُ) ، ونحو (كلّمتُ هنداً حاضراً أبوها) . الحال الجملة الحالُ الجملة. هو أَن تقعَ الجملةُ الفعليةُ، أو الجملةُ الاسميّة، مَوقعَ الحال، وحينئذٍ تكونُ مؤَوَّلة بمفرد، نحو "جاء سعيدٌ يركُضُ" ونحو "ذهبَ خالِدٌ دَمعُهُ مُتحدَّرٌ". والتأويلُ "جاء راكضاً. وذهبُ مُتحدِّراً دَمعُهُ". ويُشترطُ في الجملة الحاليّة ثلاثةُ شروطٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 100 1- أن تكون جملةً خبريّةً، لا طلبيةً ولا تَعَجُّبيّة. 2- أن تكون غيرَ مُصدّرةٍ بعلامةِ استقبالٍ. 3- أن تَشتملَ على رابط يربطُها بصاحب الحال. والرابطُ إمّا الضميرُ وحدَهُ، كقوله تعالى {وجاءُوا أَباهم عِشاءً يبكونَ". وإمّا الواوُ فقط، كقوله سبحانهُ {لَئِنْ أكلَهُ الذئبُ ونحنُ عصبةٌ} وإمّا الواو والضميرُ معاً، كقوله تعالى {خرجوا من ديارهم وهم أُلوفٌ} . الحال شبه الجملة الحالُ شِبهُ الجملة هو أَن يقعَ الظرف أو الجارُّ والمجرورُ في موقعِ الحال. وهما يتعلقانِ بمحذوفٍ وجوباً تقديرُهُ "مستقرًّا" أو "استقرَّ". والمُتعلّقُ المحذوفُ، في الحقيقة هو الحال، نحو "رأيتُ الهلالَ بينَ السحابِ"، ونحو "نظرتُ العُصفورَ على الغصنِ". ومنه قوله تعالى "فخرجَ على قومهِ في زينتهِ". فائدة جليلة إذا ذكرَ معَ المبتدأ اسمٌ وظرفٌ أَو مجرورٌ بحرف جرّ، وكلاهما صالحان للخبريَّة والحاليّة، فإن تَصدَّرَ الظرفُ أَو المجرورُ، فالمُختارُ نصبُ الاسم على الحاليّة وجعلُ الظرفِ أو المجرور خبراً مقدّماً، نحو "عندك، أَو في الدار، سعيدٌ نائماً"، ونحو "عندَك، أو في الدار، نائماً سعيدٌ"، لأنه بتقديمه يكون قد تَهيّأ للخبرية، ففي صرفه عنها إجحافٌ. ويجوز العكس. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 101 وإن تَصدّرَها الاسمُ، وجب رفعُهُ وجعلُ الظرفِ أو المجرور حالاً، نحو "نائمٌ عندَكَ، أو في الدار، سعيدٌ"، ونحو "نائمٌ سعيدٌ عندَكَ، أو في الدار". وإن تَصدَّرَها المبتدأ، فإن تقدَّمَ الظرفُ أو المجرور على الاسم، جاز جعلُ كلٍّ منهما حالاً والآخر خبراً، نحو "سعيدٌ عندَكَ، أو في داره "نائماً"، أو تقولُ "نائمٌ". وإن تَقدَّمَ الاسم على الظرف أو المجرور، فالمختارُ رفعُ الاسم، وجعلُ الظرفِ أو المجرور حالاً، نحو "سعيدٌ نائمٌ عندَك، أو في داره"، ويجوز العكسُ (وهو قليل في كلامهم) ، فتقولُ "سعيدٌ نائماً عندَكَ، أو في داره". ومنعَ الجمهورُ نصبَ الاسم، في هذه الصورة. وأجازَهُ ابن مالك مُستنداً إلى قراءَة الحسن البصريّ. {والأرضُ جميعاً قبضتُهُ يوم القيامة. والسمواتُ، مَطوياتٍ، بِيَمينهِ} بنصبِ "مطوياتٍ" على الحال، وجعلِ "بيمينهِ" خبراً عن "السّموات"، وإلى قراءة من قرأَ، وقالوا {ما في بُطُونِ هذه الأنعامِ، خالصةً لذكورنا} ، بنصب "خالصةً" على الحال، وجعلِ "لذكورنا" خبراً عن "ما الموصوليّة". والقراءتان شاذّتانِ. لكن فيهما دليلاً على الجواز. لأنه ليس معنى شذوذِ القراءة أنها غيرُ صالحةٍ للاحتجاج بها عَربيّةً. فإن لم يَصلُحِ الظرفُ أو المجرورُ بالحرف للخبريّة (بحيثُ لا يكون مستغنًى عن الاسم، لأنه لا يَحسُنُ السكوتُ عليه) تَعَيّنتْ خبريةُ الاسم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 102 وحاليّةُ الظرف أو المجرور، نحو "فيكَ إبراهيمُ راغبٌ"، ونحو "إبراهيمُ فيكَ راغبٌ". إذ لا يصحُّ أن تَستغنيَ هنا عن الاسم، فتقولُ "إبراهيم فيك". الحال المفردة الحالُ المُفرَدةُ ما ليست جملةً ولا شِبهَها، نحو "قرأتُ الدرسَ مجتهداً. وكتَباهُ مُجتهدَينِ. وتَعلمناهُ مجتهدِينَ". 9- واوُ الحالِ وأَحكامُها واوُ الحالِ ما يصحُّ وقوعُ "إذ" الظرفيّةِ موقعَها، فإذا قلتَ "جئتُ والشمسُ تغيبُ"، صحَّ أن تقول "ئجتُ إذِ الشمسُ تغيب". ولا تدخلُ إلاّ على الجملة، كما رأَيتَ، فلا تدخلُ على حال مُفرَدة، ولا على حالٍ شبهِ جملةٍ. وأصلُ الرَّبطِ أن يكونَ بضمير صاحب الحال. وحيثُ لا ضميرَ وجبتِ الواو، لأنّ الجملةَ الحاليّةَ لا تخلو من أحدهما أو منهما معاً. فإن كانت الواو معَ الضمير كان الرَّبطُ أشدَّ وأحكم. وواوُ الحالِ، من حيثُ اقترانُ الجملة الحاليّة بها وعَدمُهُ، على ثلاثة أضرُبٍ واجبٍ وجائزٍ ومُمتنع. متى تجب واو الحال؟ تجبُ واو الحال في ثلاثِ صُوَرٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 103 1- الأولى أن تكونَ جملةُ الحالِ إسميَّةً مجرَّدةً من ضمير يَربطُها بصاحبها، نحو "جئت والناس نائمون"، ومنه قوله تعالى {كما أخرجكَ ربُّك من بيتكَ بالحق، وإنّ فريقاً من المؤمنين لكارهونَ} [الأنفال: 5] ، وقولهُ: {لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} [يوسف: 14] ، وتقول: "جئتُ وما الشمسُ طالعةٌ". 2- أن تكون مُصدَّرَةً بضمير صاحبها، نحو "جاء سعيدٌ وهو راكبٌ"، ومنه قولهُ تعالى {لا تَقرَبوا الصلاة وأنتم سُكارى} . 3- أن تكون ماضيَة غيرَ مُشتملةٍ على ضمير صاحبها، مُثبتةً كانت أو مَنفيَّةً. غير أنه تجب "قَدْ" معَ الواوِ في المثبتةِ، نحو "جئتُ وقد طلعت الشمسُ"، ولا تجوز مع المفيّةِ، نحو "جئتُ وما طلعتِ الشمسُ". متى تمنع واو الحال؟ تمتنعُ واوُ الحال من الجملة في سبعش مسَائلَ 1- أن تقعَ بعد عاطفٍ، كقوله تعالى {وكم من قريةٍ أهلكناها، فجاءَها بأسُنا بَياتاً، أو هم قائلونَ} . 2- أن تكونَ مُؤكدةً لمضمون الحملةِ قبلَها، كقولهِ سبحانهُ {ذلكَ الكتابُ، لا ريبَ فيه} . 3- أن تكونَ ماضِيَّةً بعد "إلاَّ"، فتمتنعُ حينئذٍ من "الواو" و"قدْ" الجزء: 3 ¦ الصفحة: 104 مجتمعينِ، ومُنفردتينِ، وتُربطُ بالضميرِ وحدَهُ، كقوله تعالى {ما يأتيهم من رسول إلاَّ كانوا بهِ يستهزئونَ} . ولا عبرةَ بِشُذوذِ من ذهب إلى جواز اقترانها بالواو، تمسُّكاً بقولِ الشاعر [من البسيط] نِعْمَ امرَءًا هَرِمٌ، لم تَعْرُ نائِبَةٌ ... إِلاَّ وكانَ لِمُرتْاعٍ بها وَزَرا أو إلى جواز اقترانها بِقَدْ، تمسكاً بقولِ الآخر [من الطويل] مَتَى يَأْتِ هذا الْمَوْتُ لَمْ يُلْفِ حاجَةً ... لِنَفْسِيَ، إلاَّ قَدْ قَضَيْتُ قَضَاءَها لأنَّ ذلك شاذ مخالفٌ للقاعدةِ، وللكثيرِ المسموعِ في فصيح الكلام، منثورهِ ومنظومه. 4- أن تكون ماضيّةً قبلَ "أو"، كقول الشاعر [من البسيط] كُنْ لِلخَليلِ نَصيراً، جارَ أوْ عَدَلاَ ... وَلاَ تَشُحَّ علَيْهِ. جادَ أَوْ بَخِلاَ 5- أن تكونَ مُضارعيّةً مُثبَتةً غيرَ مُقترنةٍ بِقدْ وحينئذٍ تُربطُ بالضميرِ وحدَهُ، كقولهِ تعالى {ولا تَمنُنْ تَستكثرُ} ، ونحو "جاء خالدٌ يحملُ كتابهُ". فإن اقترنت بِقدْ، وجبتِ الواوُ معَها، كقولهِ تعالى {لِمَ تُؤذونني؟ وقد تَعلمونَ أني رسولُ اللهِ إليكم} . ولا يجوزُ الواوُ وحدَها ولا قَد وحدَها. بل يجبُ تجريدُها منهما معاً، أو اقترانُها بهما معاً، كما رأيت. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 105 6- أن تكونَ مُضارِعيّةً منفيّةً بِ "ما"، فتمنعُ حينئذٍ من الواو وقد، مُجتمعتينِ ومُنفردتينِ، وتُربَطُ بالضميرِ وحدَهُ كقول الشاعر [من الطويل] عَهْدْتُكَ ما تَصْبُو، وفيكَ شَبيبةٌ ... فَما لَكَ بَعْدَ الشَّيْبِ صَبًّا مُتَيَّما؟ وقول الآخر [من البسيط] كأنَّها - يومَ صَدَّتْ ما تُكَلِّمُنا - ... ظَبْيٌ بِعُسْفانَ ساجِي الْظَّرْفِ مَطْرُوفُ (وأجاز بعض العلماء اقترانها بالواو، نحو "حضر خليل وما يركب". وليس ذلك بالمختار عند الجمهور. والذوق اللغوي لا يأباه. قال السيوطي في (همع الهوامع) والمنفيّ بما فيه الوجهان أيضاً، نحو "جاءَ زيد وما يضحك؛ أو ما يضحك") . 7- أن تكونَ مُضارعيّةً مَنفيّةً بِـ "لا"، فتمنع أيضاً من "الواو" و"قَدْ" مُجتمعتينِ ومُنفردتينِ، كقوله تعالى {وما لَنا لا نُؤمِنُ باللهِ} ، وقولهِ {ما لي لا أرَى الهُدهُدَ} وقولِ الشاعر [من الكامل] لَوْ أَنَّ قَوْماً - لارْتِفاعِ قَبِيلَةٍ ... دَخَلوا السَّماءَ - دَخَلْتُها - لاَ أُحجَبُ (وأجاز قوم اقترانها بالواو، لكنه بعيد من الذوق اللغوي، قال ابن الناظم "وقد يجيء (أي المضارع المنفي بلا) بالضمير والواو") . فإن كانت مَنفيّةً بِلَمْ، جاز أن تُربَطَ بالواوِ والضميرِ معاً، كقولهِ تعالى {أو قالَ أُوحِيَّ، إِليَّ ولم يُوحَ إليهِ شيءٌ} ، وقولِ النابغة الذبياني الشاعر [من الكامل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 106 ِسَقَطَ النَّصيفُ ولم تُرِدْ إِسقاطَهُ ... فَتَناوَلَتْهُ، وَاتَّقَتْنا بالْيَدِ وجاز أن تُربَطَ بالضمير وحدَهُ، كقوله تعالى {فانقلبُوا بِنعمةٍ من اللهِ وفضلٍ لم يُمسسْهُم سُوءٌ} ، وقولِ الشاعر [زهير / من الطويل] كأَنَّ فُتاتَ العِهْنِ - في كُلِّ مَنْزِلٍ ... نَزَلْنَ بهِ - حَبُّ الْفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ فإن خلت من الضميرِ، وجبَ رَبطُها بالواو، نحو "جئت ولم تطلُعِ الشمسُ" ولا يجوزُ تركها، ومنه قول الشاعر [عنترة / من الكامل] ولَقَدْ خَشِيتُ بِأنْ أَمُوتَ وَلَمْ تَدُرْ ... لِلْحَرْبِ دائِرَةٌ عَلى ابنَيْ ضَمْضَمِ وإن كانت منفيّة بلمّا، فالمختارُ ربطها بالواو على كل حال، كقوله تعالى {أم حَسِبتُمْ أن تدخُلوا الجنّةَ ولمّا يَعلمِ اللهُ الّذينَ جاهدوا منكم ويَعلَم الصّابرينَ} وقولِ الشاعر [من الطويل] اشَوْقاً وَلَمَّا يَمضِ لي غَيْرُ لَيْلَةٍ ... فَكَيْفَ إِذا خَبَّ الْمَطِيُّ بِنا عَشْرا؟ وقولِ غيره [من الطويل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 107 إذا كُنْتَ مأْكُولاً، فكُنْ خَيْرَ آكِلِ ... وَإِلاَّ فأَدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمزَّقِ (وأجاز النحاة ربطها بالضمير وحده، نحو "رجعت لما أبلغ مرادي". والمختار أن تربط بالواو والضمير معاً، لأنها لم ترد في كلام العرب إلا كذلك. وإنما جوَّز النحاة ترك الواو معها، قياساً على أختها (لم) ، لا سماعاً. والنفس غير مطمئنة إلى هذا القياس، لأنّ الذوق اللغوي يأباه. قال ابن مالك والمنفي بلما كالمنفي بلم في القياس. إلا أني لم أجده إلا بالواو) . متى تجوز واو الحال وتركها يجوزُ أن تقترنَ الجملةُ بواو الحالِ، وأن لا تقترنَ بها، في غير ما تقدَّمَ من صُوَر وُجوبها وامتناعها. غيرَ أن الأكثرَ في الجملةِ الاسميّة - مُثبتةً أو منفيةً - أن تقترنَ بالواو والضمير معاً. فالمُثبتةُ كقولهِ تعالى "خرجوا من ديارهم وهم أُلوفٌ"، وقولهِ {فلا تجعلوا للهِ أنداداً وأنتم تعلمونَ} . والمنفيّةُ نحو "رجعتُ وما في يدي شيءٌ". وقد تُربَطُ - مُثبَتةً أو منفيّةٌ - بالضمير وحدَهُ. فالمُثبتَةُ كقوله تعالى {قُلنا اهبِطوا بعضُكم لبعضٍ عدُوٌّ} ، وقولِ الشاعر [من الطويل] وَلَوْلاَ جَنَانُ الليلِ ما آبَ عامرُ ... إلى جَعْفَرٍ، سِربَالُهُ لَمْ يُمَزَّق الجزء: 3 ¦ الصفحة: 108 وتقولُ "جاءَ عليٌّ، وجهُهُ مُتَهَلَلٌ. وكرّ خالدٌ كأنَّهُ أسدُ، والمنفيّة كقوله تعالى {واللهُ يَحكُمُ لا مُعَقْبَ لِحُكمه} . (ولا يشترط لاقتران الجملة الاسمية بالواو، عدم اقترانها بالا (كما توهم بعض أصحاب الحواشي سامحهم الله، فان ذلك ثاتب في أفصح الكلام، قال تعالى {وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم} . وهذا الشرط إنما هو للجملة الماضيَّة فقط، كما علمت، وأما الجلمة الاسمية فقد تقترن بهما معاً كما رأيت، وقد تقترن بالا وحدها، كقوله تعالى {وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون} ) . أمّا الجملةُ الماضيّة الحاليَّة، فإن كانت مُبتَةً، فأكثرُ ما تُربَطُ بالضمير والواو وقَدْ معاً، كقوله تعالى {أفتَطْمَعونَ أن يُؤمنوا لكم، وقد كان فريقٌ منهم يسمعون كلامَ اللهِ ثمّ يُحرفونهُ من بعدظش ما عقَلوهُ} . وأقلُّ منه أن تُربَطَ بالضمير وَقدْ فقطْ، دون الواوِ، كقول الشاعر [من الطويل] وَقَفْتُ برَبْعِ الدَّارِ، قَدْ غَيَّرَ البِلى ... معارِفَها، والسَّارِياتُ الهَواطِلُ وأقلَ من هذا أن تُربَطَ بالضمير وحدَهُ، دون الواو وقَدْ، كقوله تعالى {هذِهِ بِضاعتُنا رُدَّتْ إلينا} ، وقولهِ {أو جاءُوكم حَصِرَتْ صُدورُهم} ومنه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 109 قول الشاعر [أبي صخر الهذلي / من الطويل] وإنِّي لتعُرُوني لِذِكْرَاكَ هَزَّةٌ ... كَما انتفَضَ العُصفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ وأقلّ من الجميعِ أن تُربَطَ بالضمير والواو فقط، دونَ قد، كقوله تعالى {قالوا، وأقبلوا عليه ماذا تفقِدون} ، وقوله {أنؤمِنُ لكَ واتّبعكَ الأرذلونَ} . إن كانت منفيّةً امتنعتْ معها "قد"، فهي تُربَط غالباً بالضمير والواو معاً، نحو "رجعَ خالِدٌ وما صنعَ شيئاً". وقد تُربَطُ بالضمير وحدَهُ، نحو "رجعَ ما صنعَ شيئاً". فإن لم تشتمل الجملةُ الماضيّة، مُثبتةً كانت أو منفيّة، على ضميرٍ يعودُ إلى صاحب الحال، رُبِطت المُثبتةُ بالواوِ وقد، والمنفيّةُ بالواو وحدها، وجوباً، كما سبقَ. (واما الجملة المضارعية الحالية، فقد تقدم حكمها، مثبتة ومنفية، في الكلام على المواضع التي تمتنع فيها واو الحال من الجملة، فراجعه) . فائدة (أوجب البصريون، إلا الأخفش، لزومَ "قد" مع جملة الماضي المثبت الذي لم يقع بعد "إلا" ولا قبل "أو" مطلقاً، سواء أربطت بالضمير، أم بالواو، أم بهما معاً. فان لم تكن ظاهرة فهي مقدرة. وقد قدَّروها قبل الماضي في الآيات السابقة، والمختار قول الكوفيين والأخفش، وهو أنها لا تلزم إلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 110 مع جملة الماضي التي لم تشتمل على ضمير صاحب الحال وهي تلزم في ذلك مع الواو، كما تقدم. ولا تلزم في غير ذلك، لكثرة وقوعها حالاص بدون "قد"، والأصل عدم التقدير) . 10- تَعَدُّدُ الحالِ يجوزُ أن تَتعدّدَ الحالُ، وصاحبُها واحدٌ أو مُتَعدّدٌ. فمثالُ تعدُّدها، وصاحبُها واحدٌ، قولهُ تعالى {فرجَعَ موسى إلى قومهِ غضبانَ أسِفاً} . وإن تَعدّدَت وتعدّدَ صاحبها، فإن كانت من لفظٍ واحدٍ، ومعنًى واحدٍ ثَنّيتها أو جمعتها، نحو "جاءَ سعيدٌ وخالدٌ راكبينِ. وسافر خليلٌ وأخواه ماشِيينَ"، ومنه قوله تعالى {وسَخَّرَ لكمُ الشمسَ والقمرَ دائِبَيْنِ} (والأصلُ دائبةً ودائباً) وقولهُ {وسخَّرَ الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ والنجومَ مُسخّراتٍ بأمرهِ} . وإن اختلفَ لفظُهما فُرِّقَ بينهما بغير عطفٍ، نحو "لَقيتُ خالداً مُصعِداً مُنحدراً. ولقيتُ دَعداً راكبةً ماشياً. ونظرتُ خليلاً وسعيداً واقفيْنِ قاعداً". وإنْ لم يُؤمنِ اللّبسُ أعطيتَ الحال الأولى للثاني والأخرَى للأولِ. فإن أردتَ العكس وجبَ أن تقول "لقيتُ خالداً مُنحدِراً مُصعِداً، فيكونُ هوَ المنحدِر وأنت المُصعِد. وإن أُمِنَ من اللّبسُ، لظهور المعنى، كما في المثالينِ الباقيينِ، جاز التقديمُ والتأخير، لأنهُ يمكنُكَ أن تَرُدّ كلّ حال إلى صاحبها. فإن قلت "لقيتُ دعداً ماشياً راكبةً. ونظرت خليلاً وسعيداً قاعداً راكبينِ"، جاز لِوضوح المعنى المراد. ومنه قول الشاعر [من الطويل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 111 خَرَجْتُ بها أَمشِي تَجُرُّ وَراءَنا ... عَلى أَثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ 11- تَتمَّةٌ وردت عن العَربِ ألفاظٌ، مركّبةٌ تركيبَ خمسةَ عشَر، واقعةً موقع الحالِ. وهي مبنيّة على فتح جُزءَيها، إلاّ ما كان جُزؤهُ الأولُ ياءً فبناؤهُ على السكون. وهذهِ الألفاظُ على ضربينِ 1- ما رُكِّبَ، وأصلُهُ العطفَ، نحو "تَفَرّقُوا شَذَرَ مَذَرَ، أو شَغَرَ بَغَرَ"، أي "مُتفرّقِين، أو مُنتشرين، أو متَشتّتينَ"، ونحو "هو جاري بيتَ بَيتَ"، أي "مُلاصِقاً"، ونحو "لَقيتُهُ كَفّةَ كَفّةَ"، أي "مُواجِهاً". 2- ما رُكِّبَ، وأصلهُ الإضافةُ، نحو "فَعلتُهُ بادِئَ بَدْءَ، وبادِيْ بَدْأَةَ، وبادِئَ بِداءَ، وباديْ بَداءَ، وبَدْأَةَ بَدْأَةَ"، أي "فعلتُهُ مَبدوءاً بهِ" ونحو "تفَرَّقوا، أو ذَهَبُوا أَيدي سَبَا وأَيادِي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 112 سَبا"، أي "مُتَشتِتين". (التمييز) التَّمييزُ اس مٌ نكرةٌ يذكرُ تفسيراً للمُبهَم من ذاتٍ أو نِسبةٍ. فالأوّلُ نحو "اشتريتُ عشرينَ كتاباً"، والثاني نحو "طابَ المجتهدُ نفساً". والمُفسّرُ للمُبهَمِ يُسمّى تمييزاً ومُميّزاً، وتفسيراً ومُفسّراً، وتبييناً ومُبيّناً، والمُفَسّرُ يُسمّى مُميّزاً ومُفسّراً ومُبيّناً. والتّمييزُ يكونُ على معنى "مِنْ"، كما أنَّ الحال تكون على معنى "في". فإذا قلتَ "اشتريتُ عشرين كتاباً"، فالمعنى أنكَ اشتريتَ عشرين من الكتُب، وإذا قلتَ "طابَ المجتهدُ نفساً"، فالمعنى أنهُ طابَ من جِهة نفسهِ. والتَّمييزُ قسمانِ تمييزُ ذاتٍ (ويسمّى تمييزَ مُفرَدٍ أيضاً) ، وتمييزُ نِسبةٍ (ويُسَمّى أيضاً تمييزَ جملةٍ) . وفي هذا المَبحث ثمانيةُ مَباحثَ 1- تَمْيِيزُ الذَّاتِ وحُكْمُهُ تمييزُ الذاتِ ما كان مُفسّراً لاسمٍ مُبهمٍ ملفوظٍ، نحو "عندي رِطلٌ زَيتاً". والاسمُ المُبهَمُ على خمسة أنواع 1- العَدَدُ، نحو "اشتريتُ أحدَ عشرَ كتاباً". ولا فرقَ بينَ أن يكونَ العدَدُ صريحاً، كما رأيتَ، أو مُبهَماً، نحو " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 113 كم كتاباً عندكَ؟ ". والعددُ قسمانِ صريحٌ ومُبهمٌ. فالعدَدُ الصريحُ ما كان معروفَ الكميّةِ كالواحد والعشرةِ والأحدَ عشرَ والعشرينَ ونحوِها. والعدَدُ المُبهَمُ ما كانَ كنايةً عن عَدَدٍ مجهولٍ الكميّةِ وألفاظهُ "كَمْ وكأيِّنْ وكذا"، وسيأتي الكلام عليه. 2- ما دلَّ على مِقدارٍ (اي شيءٍ يُقدَّرُ بآلة) . وهو إمّا مِساحةٌ نحو "عندي قَصبَةٌ أرضاً"، أو وزنٌ، نحو "لك قِنطارٌ عَسَلاً، أو كيلٌ، نحو "أعطِ الفقيرَ صاعاً قمحاً"، أو مِقياسٌ نحو "عندي ذراعٌ جوخاً". 3- ما دلَّ على ما يُشبهُ المقدارَ - مما يَدُلُّ على غيرِ مُعيّنٍ - لأنهُ غيرُ مُقدَّر بالآلة الخاصّة. وهو إمّا إن يُشبهَ المِساحةَ، نحو "عندي مَدُّ البصرِ أرضاً. وما في السماء قَدْرُ راحةٍ سَحاباً"، أو الوزن كقوله تعالى {فمن يعمَلْ مِثقالَ ذَرَّةٍ خيراً يَرَهُ، ومَنْ يعملْ مِثقالَ ذَرَّةٍ شرًّا يَرَهُ} ، أو الكيلُ - كالأوعيةِ - نحو "عندي جَرَّةٌ ماءً، وكيسٌ قمحاً، وراقودٌ خَلاًّ، ونِحْيٌ سَمناً، وحُبٌّ عسلاً"، وما أشبه ذلك، أو المِقياسَ، نحو "عندي مَدُّ يَدِكَ حبلاً". 4- ما أُجرِيَ مُجرَى المقادير - من كل اسمٍ مُبهَمٍ مُفتقرٍ إلى التّمييز والتّفسير، نحو "لنا مِثلُ ما لَكم خيلاً. وعندنا غيرُ ذلك غَنَماً"، ومنه قولهُ تعالى {ولو جئْنا بِمثلهِ مَدَداً} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 114 5- ما كان فرعاً للتّمييز، نحو "عندي خاتمٌ فِضّةً، وساعةٌ ذهباً، وثوبٌ صوفاً، ومِعطفٌ جوخاً". وحكمُ تمييز الذاتِ أنه يجوز نصبُهُ، كما رأيتَ، ويجوزُ جرُّه بمن، نحو "عندي رِطلٌ من زيتٍ، ومِلْءُ الصّندوقِ من كتب"، وبالإضافة، نحو "لنا قَصَبةُ أرضٍ، وقِنطارُ عَسَلٍ"، إلا إذا اقتضت إضافتُهُ إضافتْين - بأن كانَ المُمَيّزُ مضافاً - فتمتنعُ الإضافةُ، ويتَعيَّنُ نصبُهُ أو جَرُّهُ بِمِن، نحو "ما في السّماءِ قدَرُ راحةٍ سَحاباً، أو من سَحابٍ". ويُستثنى منه تمييزُ العدَدِ، فإن له أحكاماً ستُذكر. 1- تَمْيِيزُ النِّسْبَةِ وحُكمُهُ تمييزُ النّسبةِ ما كان مُفسّراً لجملةٍ مُبهَمةِ النسبةِ، نحو "حَسُنَ علي خُلُقاً. ومَلأ الله قَلبَكَ سُروراً". فإنَّ نسبةَ الحُسنِ إلى عليٍّ مُبهَمةٌ تحتملُ أشياءَ كثيرة، فأزلتَ إبهامَها بقولك "خلُقاً". وكذا نسبةُ مَلْءِ اللهِ القلبَ قد زال إبهامُها بقولك "سروراً". ومن تمييزِ النسبةِ الاسمُ الواقعُ بعدَ ما يُفيدُ التَّعجُّبَ، نحو "ما أشجعَهُ رجلاً. أكرمْ بهِ تلميذاً. يا لهُ رجلاً. للهِ درُّهُ بَطلاً. وَيحَهُ رجلاً. حَسبُكَ بخالدٍ شُجاعاً. كفى بالشَّيبِ واعظاً. عَظُمَ عليٌّ مَقاماً، وارتفعَ رُبتةً". وهو على قسمين مُحَوَّلٍ وغير مُحوَّل. فالمحوَّلُ ما كانَ أصلُهُ فاعلاً؛ كقوله تعالى {واشتعلَ الرأسُ شيباً} ، ونحو "ما أحسنَ خالداً أدباً! "، أو مفعولاً، كقوله سبحانهُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 115 {وفجَّرنا الأرضَ عُيوناً} ، ونحو "زَرَعتُ الحديقةَ شجراً"، أو مُبتدأ، كقوله عزَّ وجلَّ "أنا أكثرُ منكَ مالاً وأعزُّ نفراً"، ونحو "خليلٌ أوفرُ علماً وأكبرُ عقلاً". وحُكمهُ أنهُ منصوبٌ دائماً. ولا يجوزُ جرُّهُ بِمن أو بالإضافة، كما رأيتَ. وغيرُ المحول ما كان غير محوّل عن شيء، نحو "أكرمْ بسليم رجلاً. سَمَوتَ أديباً. عظُمت شجاعاً، لله دَرُّهُ فارساً, ملأتُ خزائني كُتُباً. ما أكرَمكَ رجلاً". وحُكمُهُ أنهُ يجوز نصبُهُ، كما رأيتَ، ويجوزُ جَرهُ بِمن، نحو "لله دَرُّهُ من فارس. أكرِمْ به من رجل. سَمَوتَ من أديب". واعلم أنَّ ما بعدَ اسم التفضيل ينصَبُ وجوباً على التَّمييزِ، إن لم يكن من حنس ما قبلَهُ، نحو "أنتَ أعلى منزلاً". فإن كان من جنس ما قبلهُ وجبَ جَرُّهُ بإضافتهِ، إلى "أفعل"، نحو "أنتَ أفضلُ رجلٍ". إلاّ إذا كانَ "أفعَلُ" مضافاً لغير التَّمييز، فيجبُ نصبُ التمييز حينئذٍ، لتعذُّرِ الإضافة مَرتينِ، نحو "أنتَ أفضلُ الناسِ رجلاً". 4- حُكمُ تَمْيِيزِ العَدَدِ الصَّريح تمييزُ العددِ الصَّريحِ مجموعٌ مجرورٌ بالإضافة وجوباً، منَ الثلاثةِ إلى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 116 العشرة، نحو "جاءَ ثلاثةُ رجالٍ، وعشرُ نِسوةٍ"، ما لم يكن التمييزُ لفظَ مِئَةٍ، فيكون مفرداً غالباً، نحو "ثلاث مِئَةٍ". وقد يُجمعُ نحو "ثلاثِ مئينَ، أو مِئاتٍ". أما الألفُ فمجموع البتةَ، نحو "ثلاثة آلافٍ". واعلم أنَّ مُميَّزَ الثلاثةِ إلى العشرة، إنما يُجرُّ بالإضافة إن كان جمعاً كعشرةِ رجالٍ. فإن كان اسمَ جمعٍ أو اسمَ جنس، جُرَّ بمن. فالأولُ كثلاثةٍ من القوم، وأَربعةٍ من الإبل، والثاني كستَّةٍ من الطَّيرِ، وسَبعٍ من النَّخلِ. قال تعالى {فَخُذْ أَربعةً من الطَّير} . وقد يُجرُّ بالإضافة كقوله تعالى {وكان في المدينةِ تسعةُ رَهْطٍ} . وفي الحديثِ "ليس فيما دونَ خَمسٍ ذَوْدٍ صَدَقةٌ"، وقال الشاعر [من الوافر] ثَلاثَةُ أَنفُسٍ، وثَلاَثُ ذَوْدٍ ... لَقَدْ جارَ الزَّمانُ على عِيالي وأما معَ أحدَ عشرَ إلى تسعةٍ وتسعينَ، فالتمييزُ مفردٌ منصوبٌ، نحو "جاء أحدَ عشرَ تلميذاً، وتسعٌ وتسعونَ تلميذةً". وأما قوله تعالى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 117 {وقَطَّعناهمُ اثنتيْ عشَرةَ أسباطاً} ، فأسباطاً ليس تمييزاً لاثنتيْ عَشرةَ، بل بدلٌ منه والتمييزُ مُقدَّر، أي قطعناهم اثنتي عشرةَ فِرقةً، لأنَّ التمييزَ هنا لا يكونُ إلا مفرداً. ولو جازَ أن يكون مجموعاً - كما هو مذهبُ بعض العلماءِ - لَمَا جازَ هنا جعلُ "أَسباطاً تمييزاً، لأن الأسباطَ جمعُ سِبطٍ، وهو مُذكَّر، فكان ينبغي أن يُقالَ وقطَّعناهم اثنتيْ عشرَ أسباطاً، لأنَّ الإثنين تُوافِقُ المعدودَ، والعشرةَ، وهي مركبةٌ، كذلك، كما مرَّ بك في بحث المركبات. وأما معَ المئَةِ والألفِ ومُثنَّاهما وجمعِهما، فهو مفردٌ مجرورٌ بالإضافة وجوباً، نحو "جاءَ مِئَةُ رجلٍ؛ ومِئَتا امرأَةٍ، ومِئاتُ غُلامٍ، والفُ رجلٍ، وأَلفا امرأَةٍ، وثلاثةُ آلافِ غلامٍ". وقد شذَّ تمييزُ المِئَة منصوباً في قوله [من الوافر] إذا عاشَ الْفَتى مِئَتَيْنِ عاماً ... فَقَدْ ذّهَبَ الْمَسَرَّةُ وَالفَتاءُ 5- "كم" الاستِفْهامِيَّة وتَمْيِيزُها كم على قسمينِ استفهاميّة وخَبَريّة. فكَمِ الاستفهاميةُ ما يُستفهَمُ بها عن عددٍ مُبهَمٍ يُراد تَعيينُهُ، نحو "كم رجلاً سافرً؟ ". ولا تقعُ إلاّ في صدر الكلامِ، كجميع أَدواتِ الاستفهام. ومُميّزُها مفردٌ منصوبٌ، كما رأَيتَ. وإن سبقها حرفُ جرّ جاز جره - على ضَعفٍ - بِمنْ مُقدَّرةً، نحو "بكمْ درهم اشتريتَ هذا الكتابَ؟ " أَي بكم من درهم اشتريته؟ ونصبُهُ أَولى على كلِّ حالٍ. وجرُّهُ ضعيفٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 118 وأَضعفُ منه إظهارُ "مِنْ". ويجوزُ الفصلُ بينها وبينَ مُميِّزها. ويكثرُ وقوعُ الفصل بالظّرف والجارِّ والمجرور، ونحو "كم عندَك كتاباً؟ * كم في الدار رجلاً؟ ". ويَقِلُّ الفصلُ بينهما بخبرها، نحو "كم جاءَني رجلاً؟ "، أو بالعامل فيها نحو "كمن اشتريتَ كتاباً؟ ". ويجوزُ حذفُ تمييزِها، مثل "كم مالُكَ؟ " أي كم درهماً، أو ديناراً، هُو؟. وحُكمُها، في الإعرابِ، أَن تكونَ في محلِّ جرٍّ، إن سبقَها حرفُ جرٍّ، أو مضافٌ، نحو "في كم ساعة بلغتَ دمَشقَ؟ "، ونحو "رأيَ كم رجلاً أّخذتَ؟ "، وأن تكونَ في محل نصب إن كانت استفهاماً عن المصدر، لأنها تكونُ مفعولاً مطلقاً، نحو "كم إحساناً أحسنت؟ "، أو عن الظّرفِ، لأنها تكونُ مفعولاً فيه، نحو كم يوماً غِبْتَ؟ وكم ميلاً سِرتَ؟ "، أَو عن المفعول به، نحو "كم جائزةً نِلْتَ؟ " أَو عن خبر الفعلِ الناقصِ، نحو "كم إخوتُكَ؟ ". فإن لم تكن استفهاماً عن واحدٍ مما ذُكرَ، كانت في محل رفعٍ على أنها مبتدأ أو خبرٌ. فالأولُ نحو "كم كتاباً عندَكَ؟ "، والثاني نحو "كم كتُبكَ؟ ". ولك في هذا أيضاً أن تجعل "كم" مبتدأ وما بعدَها خبراً. والأول أولى. 6- "كم" الخَبَرِيَّة وتَمْيِيزُها كم الخبريّةُ هي التي تكون بمعنى "كثيرٍ" وتكونُ إخباراً عن عدَد كثير مُبهَمِ الكميّةِ، نحو "كم عالمٍ رأيتُ! "، أي رأيتُ كثيراً من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 119 العلماء ولا تقعُ إلاّ في صدر الكلامِ، ويجوز حذفُ مُميّزها، إن دلَّ عليه دليلٌ، نحو "كم عَصَيتَ أمري! "، أي "كم مَرَّةٍ عصيتَهُ! ". وحكمُ مُميّزها أن يكونَ مفرداً، نكرةً، مجروراً بالإضافةِ إليها أو بِمن، نحو "كم علمٍ قرأتُ! " ونحو "كم من كريم أكرمتُ! ". ويجوزُ أن يكون مجموعاً، نحو "كم عُلومٍ أعرِفُ! ". وإفرادُهُ أَولى. ويجوزُ الفصلُ بينها وبينَ مُميّزها. فإن فُصِلَ بينهما وجبَ نصبُهُ على التَّمييز، لامتناعِ الإضافةِ معَ الفصلِ، نحو "كم عندكَ درهماً! "، ونحو "كم لك يا فتى فضلاً! " أو جرُّه بِمنْ ظاهرةً، نحو "كم عندكَ من درهم! ". ونحو "كم لك يا فتى من فضل! ". إلاّ إذا كان الفاصل فعلاً مُتعدّياً متسلّطاً على "كم"، فيجبُ جرُّهُ بمن، نحو "كم قَرأتُ من كتابٍ"، كيلا يلتبسَ بالمفعول به فيما لو قلت "كم قَرأتُ كتاباً". (وذلك لأن الجملة الأولى تدل على كثرة الكتب التي قرأتها، والجملة الأخرى تدلّ على كثرة المرّات التي قرأت فيها كتاباً. فكم في الصورة الأولى في موضع نصب على أنها مفعول به مقدم لقرأت، وفي الصورة الأخرى في موضع نصب على أنها مفعول مطلق له. لأنها كناية عن المصدر، والتقدير كم قراءة قرأت كتاباً فيكون تمييزها محذوفاً) . ويجوز في نحوِ "كم نالني منك معروفٌ! "، أن تَرفعَهُ على أنه فاعل "نالَ"، فيكون تمييزُ "كم" مقدَّراً، أي "كم مرَّةٍ! ". ويجوز أن تنصبَهُ على التمييز، فيكون فاعلُ "نال" ضميراً مستتراً يعود إلى "كم. وحكمُ "كم" الخبريّةِ، في الإعراب، كحُكم "كم" الاستفهامية تماماً، والأمثلةُ لا تخفى. واعلم أنَّ "كم" الاستفهاميةَ مو "كم" الخبريَّةَ، لا يَتقدَّمُ عليهما شيءٌ من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 120 متعلَّقاتِ جُملَتيهما، إلا حرفُ الجرّ والمضاف، فهما يَعملانِ فيهما الجرَّ. فالأولى نحو "بكم درهماً اشتريتَ هذا الكتاب؟ " ونحو "ديوانَ كم شاعراً قرأتَ؟ "، والثانيةُ نحو "إلى كم بلدٍ سافرتُ! " ونحو "خطبةَ كم خَطيبٍ سَمِعتُ فَوَعيتُ! ". وتشترِكُ "كم" الاستفهاميةُ و"كم" الخبريّة في خمسةِ أمور كونُهما كنايتَينِ عن عددٍ مُبهَمٍ مجهولِ الجنس والمِقدارِ، وكونُهما مُبنيَّتينِ، وكون النباءِ على السكونِ، ولُزومُ التصديرِ، والاحتياجُ إلى التَّمييز. ويفترقانِ في خمسة أُمور أيضاً 1- أنَّ مُميزيهما مختلفانِ إعراباً. وقد تقدَّم شرحُ ذلك. 2- أنَّ الخبريّة تختصُّ بالماضي، كَرُبَّ، فلا يجوزُ أن تقول "كم كتُبٍ سأشتري! "، كما لا تقولُ "رُبَّ دارٍ سأبني". ويجوز أن تقول "كم كتاباً ستشتري؟ ". 3- أن المتكلَم بالخبرية لا يستدعي جواباً، لأنه مخبِرٌ، وليس بُمستفهِم. 4- أنَّ التصديقَ أو التكذيب يتوجَّهُ على الخبرية، ولا يتوجّه على الاستفهاميّة، لأنَّ الكلامَ الخبريّ يحتملُ الصدقَ والكذبَ. ولا يحتملُهما الاستفهاميُّ، لأنه إنشائي. 5- أنَّ المُبدَل من الخبريةِ لا يقترِنُ بهمزة الاستفهاميّة، تقولُ "كم رجلٍ في الدار! عَشَرةٌ، بل عشرونَ". وتقولُ "كم كتابٍ اشتريتَ! عَشَرةً، بل عشرينَ"، أما المُبدَلُ من الاستفهاميةِ فيقترن بها، نحو "كم كتُبُكَ؟ أعشرَةٌ أم عشرون؟ " ونحو "كم كتاباً اشتريتَ؟ أَعشرةً، أَم عشرين؟ ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 121 6- "كأَيِّنْ" وتَمْيِيزُها كأيّنْ (وتُكتَبُ كأيٍّ أيضاً) مثل "كم" الخبريّة معنًى. فهي تُوافقُها في الإبهام، والافتقارِ إلى التمييز، والبناءِ على السكون، وإفادةِ التّكثير، ولُزومِ أن تكونَ في صدر الكلام، والاختصاصِ بالماضي. وحكمُ مُميزها أن يكون مفرداً مجروراً بِمِنْ، كقوله تعالى {وكأيّنْ من نَبيّ قاتلَ معَهُ رِبَيُّونَ كثير} ، وقولهِ {وكأيّنْ من دابّة لا تَحمِلُ رزقَها، اللهُ يَرزقُها وإياكم} وقولِ الشاعر [من الطويل] وَكائِنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ، لكَ مُعجبٍ ... زِيادَتُهُ، أَو نَقْصُهُ، في التَّكَلُّمِ! وقد يُنصبُ على قِلَّة، كقولِ الآخر [من الطويل] وَكائِنْ لَنا فَضْلاً عَلَيْكُمْ ومِنَّةً ... قَديماً! ولا تَدْرُونَ ما مَنُّ مُنْعِمِ؟ وقول غيره [من الخفيف] أُطْرُدِ الْيأْسَ بالرَّجا، فَكَأيِّنْ ... آلِماً حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرٍ! وحكمها في الإعراب، كحكم أُختها "كم" الخبرية، إلا انها إن وقعت مبتدأ لا يُخبَر عنها إلا بجملةٍ أو شبهها (أي الظَّرفِ والجارّ والمجرور) ، كما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 122 رأيتَ ولا يُخبَرُ عنها بمفردٍ، فلا يقالُ "كأينْ من رجلٍ جاهلٌ طريق الخير! "، بخلاف "كم". 7- "كَذا" وتَمْيِيزُها تكونُ "كذا" كنايةً عن العددِ المبهَمِ، قليلاً كان أو كثيراً، نحو "جاءني كذا وكذا رجلاً"، وعن الجملةِ، نحو قلتُ "كذا وكذا حديثاً" والغالب أن تكونَ مُكرَّرةً بالعطفِ، كما رأيت. وقد تُستعمَلُ مُفردَةً أو مكرَّرةً بلا عَطف. وحكمُ مُميّزها أنه مفردٌ منصوبٌ دائماً، كما رأيت. ولا يجوزُ جرهُ. قال الشاعر [من الطويل] عِدِ النَّفْس نُعْمى، بَعدَ بُؤْساكَ، ذاكراً ... كَذا وكَذا لُطْفاً بهِ نُسِيَ الجَهْدُ وحُكمُها في الإعراب أنها مبنيّةٌ على السكون. وهي تقع فاعلاً، نحو "سافر كذا وكذا رجلاً"، ونائب فاعل، نحو "أُكرِمَ كذا وكذا مجتهداً"، ومفعولاً به نحو "أكرمتُ كذا وكذَا عالماً"، ومفعولاً فيه، نحو "سافرتُ كذا وكذا يوماً. وسرت كذا وكذا ميلاً"، ومفعولاً مطلقاً، نحو "ضربتُ اللصَّ كذا وكذا ضَربةً"، ومبتدأ، نحو "عندي كذا وكذا كتاباً"، وخبراً، نحو "المسافرونَ كذا وكذا رجلاً". 8- بعضُ أَحكامٍ للتَّمْيِيز 1- عاملُ النّصبِ في تمييزِ الذاتِ هو الاسمُ المُبهَمُ المميَّزُ، وفي تمييزِ الجملةِ هو ما فيها من فعل أو شِبههِ. 2- لا يَتَقدَّمُ التمييزُ على عامله إن كان ذاتاً "كرطل زيتاً"، أو فعلاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 123 جامداً، نحو "ما أحسنَهُ رجلاً. نِعمَ زيدٌ رجلاً. بِئس عَمرٌو امرأً". ونَدَر تَقدُّمُهُ على عاملهِ المتصرّفِ، كقولهِ [من المتقارب] أَنَفْساً تَطِيبُ بِنَيْلِ المُنى؟ ... وداعِي المْمَنُونِ يُنادي جِهارا!. أمّا تَوسُّطُهُ بينَ العاملِ ومرفوعهِ فجائزٌ، نحو "طابَ نفساً علي". 3- لا يكونُ التمييزُ إلاّ اسماً صريحاً، فلا يكونُ جملةً ولا شِبهَها. 4- لا يجوز تعدُّدُهُ. 5- الأصلُ فيه أن يكونَ اسماً جامداً. وقد يكونُ مشتقاً، إن كان وصفاً نابَ عن موصوفهِ، نحو "للهِ دَرُّهُ فارساً!. ما أحسنَهُ عالماً!. مررت بعشرينَ راكباً". (لأن الأصل "لله درّهُ رجلاً فارساً، وما أحسنه رجلاً عالماً، ومررت بعشرين رجلاً راكباً". فالتمييز، في الحقيقة، انما هو الموصوف المحذوف) . 6- الأصلُ فيه أن يكونَ نكرةً. وقد يأتي معرفةً لفظاً، وهو في المعنى نكرةٌ، كقول الشاعر [من الطويل] رَأَيتُكَ لَمَّا أَنْ عَرَفْتَ وُجوهَنا ... صَدَدْتَ، وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ عَنْ عَمْرِو وقول الآخر [من الطويل] عَلاَمَ مُلِئْتَ الرُّعبَ؟ ... وَالحَرْبُ لم تَقِدْ". فإن "أل" زائدةٌ، والأصل "طِبتَ نفساً، ومُلِئتَ رعباً"، كما قال الجزء: 3 ¦ الصفحة: 124 تعالى {لَوَلْيتَ منهم فراراً،، ولُمُلئتَ منهم رُعباً} . وكذا قولهم "ألِمَ فلانٌ رأسَهُ" أي "ألِمَ رأساً". قال تعالى {إلاّ مَنْ سَفِه نَفسَه} ، وقال {وكم أهلكنا من قرية بَطِرَتْ مَعيشَتها} ، أي "سَفِهَ نفساً، وبَطِرَت مَعيشةً". فالمعرفةُ هنا، كما ترى، في معنى النكرة. (وكثير من النحاة ينصبون الاسم في نحو "ألم رأيه، وسفه نفسه، وبطرت معيشتها" على التشبيه بالمفعول به. ومنهم من لم يشترط تنكير التمييز، بل يجيز تعريفه مستشهداً بما مرّ من الأمثلة. والحق أن المعرفة لا تكون تمييزاً إلا اذا كانت في معنى التنكير، كما قدمنا) . 7- قد يأتي التمييزُ مؤكّداً، خلافاً لكثير من العُلماءِ، كقوله تعالى {إنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عندَ اللهِ اثنا عشرَ شهراً} ونحو "اشتريتُ من الكتبِ عشرينَ كتاباً"، فشهراً وكتاباً لم يذكرا للبيانِ، لأنَّ الذات معروفة، وإنما ذُكرا للتأكيد. ومن ذلك قول الشاعر [من البسيط] وَالتَّغْلِبِيُّونَ بِئْسَ الفَحْلُ فَحْلُهُم ... فَحْلاً، وأُمُّهُمُ زَلاَّءُ مِنْطِيقُ 8- لا يجوزُ الفصلُ بينَ التمييزِ والعدَدِ إلاّ ضرورة في الشعر كقوله [من الطويل] "في خَمْسَ عَشْرَةَ من جُمادَى لَيْلَةً" يريدُ في خَمسَ عَشرَةَ ليلةً من جُمادى. 9- إذا جئتَ بعد تمييز العَددِ - كأحدَ عشرَ وأخواتها، وعشرين وأخواتها - بِنعتٍ، صَحّ أن تُفردهُ منصوباً باعتبارِ لفظِ التمييز، نحو "عندي ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون، رجلاً كريماً"، وصَحَّ أن تجمعهُ جمعَ تكسيرٍ منصوباً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 125 باعتبار معنى التمييز، نحو "عندي ثلاثة عَشر، أو ثلاثون رجلاً كِراماً، لأن رجلاً هُنا في معنى الرجال، ألا ترى أنَّ المعنى ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون من الرجال". ولكَ في هذا الجمعِ المنعوتِ به أن تحمِلَهُ، في الإعراب، على العَدَد نفسه، فتَجعلهُ نعتاً لهُ، نحو "عندي ثلاثةَ عشرَ، أو ثلاثون رجلاً كِراماً". ولكَ أن تقولَ "عندي أَربعونَ درهماً عربياً أَو عربيّةً"، فالتذكير باعتبار لفظٍ الدرهم، والتأنيث باعتبار معناهُ، لأنه في معنى الجمع، كما تقدمَ. فإن جمعتَ نعتَ هذا التمييز جمعَ تصحيحٍ، وجبَ حملُهُ على نفسه، وجعلُهُ نعتاً لهُ لا للتمييز، نحو "عندي أَربعةَ عشرَ، أو أَربعونَ، رجلاً صالحونَ". 10- قد يضافُ العددُ فيستغنى عن التّمييز، نحو "هذه عَشَرَتُكَ، وعِشرُو أبيك، وأحدَ عشرَ أَخيكَ"، لأنك لم تُضِف إِلاَّ والمُميّزُ معلومُ الجنس عند السامع. ويستثنى من ذلك "اثنا عشرَ واثنتا عَشْرةَ"، فلم يُجيزُوا إضافتها، فلا يقال "خُذِ اثنيْ عشرَكَ"، لأنَّ عَشْرَ هنا بمنزلةِ نون الاثنين، ونونُ الاثنينِ لا تجتمعُ هي والإضافة، لأنها في حكم التنوينِ، فكذلك ما كان في حكمها. واعلم أنَّ العددَ المركبَ، إذا اضيفَ، لا تُخِلُّ إِضافته ببنائه، فيبقى مبنيّ الجزءَين على الفتحِ، كما كان قبلَ إضافتهِ، نحو "جاءَ ثلاثةَ عشرَكَ". ويرى الكوفيّون أنَّ العددَ المركّب إذا اضيفَ اعربَ صدرُهُ بما تقتضيهِ العواملُ، وجرَّ عَجزُهُ بالإضافةِ نحو "هذه خمسةُ عشَركِ. خُذْ خمسةَ عشرِكَ. أعطِ من خمسةِ عشرِكَ" والمختارُ عند النُّحاة أنَّ هذا العددَ يلزم بناءَ الجزءين، كما قدَّمنا. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 126 (الاستثناء) الاستثناءُ هو إخراجُ ما بعدَ "إلاّ" أو إحدَى أخواتها من أدوات الاستثناءِ، من حكم ما قبلَهُ، نحو "جاءَ التلاميذُ إلاّ عليّاً". والمُخرَجُ يُسمّى "مستثنى"، والمُخرَجُ منه "مُستثنى منه". وللاسثناءِ ثماني أَدواتٍ، وهي "إلاّ وغيرٌ وسِوًى (بكسر السين. ويقال فيها أيضاً سُوًى - بضم السين - وسَواءٌ - بفتحها) وخَلا وعَدا وحاشا وليسَ ولا يكونُ". وفي هذا المبحث ثمانية مباحث 1- مَباحِثُ عامَّةٌ 1- المُستثنى قسمانِ مُتَّصلٌ ومنقطعٌ. فالمُتّصلُ ما كان من جنس المُستثنى منه، نحو "جاءَ المسافرون إلا سعيداً". والمُنقطعُ ما ليسَ من جنس ما استثنيَ منه، نحو "احترقت الدارُ إلاّ الكتُبَ". 2- الاستثناء استفعالٌ من "ثنَاهُ عن الأمر يثنيهِ" إذا صَرَفهُ عنه ولواه. فالاستثناءُ صرفُ لفظِ المُستثنى منه عن عمومه، بإخراج المستثنى من أن يتناولهُ ما حُكِمَ به على المستثنى منه. فإذا قلتَ "جاءَ القومُ، ظُنَّ أنَّ خالداً داخلٌ معهم في حكم المجيءِ أيضاً، فإذا استثنيتَهُ منهم، فقد صرفتَ لفظَ "القوم" عن عُمومه باستثناءِ أحدِ أفرادهِ - وهو خالدٌ - من حكم المجيءِ المحكومِ به على القوم. لذلك كان الاستثناءُ تخصيصَ صفةٍ عامّةٍ بذكر ما يَدُلُّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 127 على تخصيص عمومها وشُمولها بواسطة أداةِ من أدوات الاستثناء. فإذا علمتَ هذا، علمتَ أَن الاستثناء من الجنس، هو الاستثناءُ الحقيقيُّ، لأنه يُفيدُ التخصيص بَعدَ التّعميم، ويُزيلُ ما يُظَنُّ من عُموم الحكم. وأَما الاستثناءُ من غير الجنس فهو استثناءٌ لا معنى له إلاّ الاستدراكُ، فهو لا يُفيدُ تخصيصاً، لأن الشيءَ إنما يُخصّصُ جنسَهُ. فإذا قلتَ "جاءَ المسافرون إلا أَمتعتَهُم"، فلفظ "المسافرين" لا يتناول الأمتعةَ، ولا يدلُّ عليها. وما لا يَتناولهُ اللفظُ فلا يحتاجُ إلى ما يخرجُهُ منهُ. لكنْ إنما استثنيتَ هُنا استدراكاً كيلا يُتَوهم أن أَمتعتَهُم جاءَت مَعهم أَيضاً، عادةَ المسافرين. فالاستثناءُ المتَّصلُ يُفيدُ التَّخصيصَ بعدَ التعميم، لأنهُ استثناءٌ من الجنس. والاستثناءُ المُنقطعُ يُفيدُ الاستدراكَ لا التّخصيصَ، لأنه استثناءٌ من غير الجنس. 3- لا يستثنى إلاّ من معرفةٍ أو نكرةٍ مُفيدةٍ، فلا يقالُ "جاءَ قومٌ إلا رجلاً منهم"، ولا "جاءَ رجالٌ إلا خالداً". فإن أفادت النكرةُ جاز الاستثناء منها، نحو "جاءَني رجالٌ كانوا عندكَ إلاّ رجلاً منهم" ونحو "ما جاءَ أحدٌ إلا سعيداً"، قال تعالى {فَلَبِثَ في قومهِ أَلفَ سنةٍ إلا خمسينَ عاماً} [العنكبوت: 14] . وتكونُ النكرةُ مفيدة إذا أُضيفتْ، أو وصِفت، أو وقعت في سياقِ النفي أو النَّهي أو الاستفهام. وكذا لا يُستثنى من المعرفة نكرةٌ لم تخصَّص، فلا يقالُ "جاء القومُ إلاّ رجلاً". فإن تُخصّصَت جاز، نحو "جاء القومُ إلاّ رجلاً منهم، أو إلاَّ رجلاً مريضاً، أو إلاّ رجلَ سُوءٍ". 4 - الناصب للمستثنى بإلا هو "إلا" نفسها على المعتمد، وقيل: هو ما تقدمها من فعلٍ أو شبهه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 128 5- يصح استثناءُ قليلٍ من كثير. وكثيرٍ من أكثرَ منه. وقد يُستثنى من الشيء نصفُهُ، تقول "لهُ عليَّ عشرةٌ إلا خمسةً"، قال تعالى {يا أَيُّها المُزَّمِّلُ، قُمِ الليلَ إلاّ قليلاً، نِصفَه، أَو انقُصْ منهُ قليلاً، أو زِدْ عليه} . فقد سمّى النصفَ قليلاً واستثناهُ من الأصل. وقال قومٌ لا يستثنى من الشيءِ إلا ما كان دونَ نصفهِ. وهو مردودٌ بهذه الآية. 6- استثناءُ الشيء من غيرِ جنسهِ لا معنى له. وما ورد من ذلك فليست فيه "إلاّ" للاستثناء على سبيل الأصل. وإنما هي بمعنى "لكنْ"، وهو ما يُسمونهُ "الاستثناء المُنقَطِع". ومعّ ذلك فلا بدّ من الارتباط بين المستثنى منه والمستثنى، كما ستعلم ذلك ... ومن ذلك قوله تعالى {ما أنزَلنا عليك القرآنَ لِتشقى، إلا تَذكرَةً لِمن يخشى} ، أي لكن أنزلناهُ تذكرةً، وقولُهُ {فذَكّر، إنما أنتَ مُذكّرٌ، لستَ عليهم بِمُسَيطرٍ، إلاّ مَنْ تَوَلى وكفرَ فَيُعذبُهُ اللهُ العذابَ الأكبرَ"، أي لكنْ مَنْ تَوّلى وكفرَ. 2- حُكْمُ المُسْتَثْنَى بِإلاَّ المُتَّصِلِ إن كان المستثنى بإلاّ مُتَّصلاً، فلهُ ثلاثُ أحوال وجوبَ النصبِ بإلاّ وجوازُ النّصبِ والبدليّةِ، ووجوبُ أن يكونَ على حسبِ العواملِ قبلَه. متى يجب نصب المستثنى بإلا؟ يجبُ نصبُ المستثنى بإلاّ في حالتين الجزء: 3 ¦ الصفحة: 129 1- أن يقعَ في كلامٍ تام موجَب، سواءٌ أتأخرَ عن المستثنى منهُ أم تقدَّمَ عليه. فالأولُ نحو "ينجحُ التلاميذُ إلا الكسولَ"، والثاني نحو "ينجحُ إلاّ الكسولَ التلاميذُ". والمُرادُ بالكلامِ التام أن يكونَ المُستثنى منه مذكوراً في الكلام، وبالمُوجَب أن يكونَ الكلامُ مُثَبتاً، غيرَ منفي. وفي حكم النَّفي النَّهيُ والاستفهامُ الإنكاري. ولا فرقَ بينَ أن يكون النفيُ معنًى أو بالأداةِ، كما ستعلم. 2- أن يقعَ في كلامٍ تام منفي، أو شِبهِ منفي، ويتقدَّمَ على المستثنى منه، نحو "ما جاء إلا سليماً أحدٌ" ومنه قولُ الشاعر [من الطويل] ومَا لِيَ إِلاَّ آلَ أَحمدَ شِيعَةٌ ... وما لِيَ إِلاَّ مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ فإن تقدَّمَ المستثنى على صفة المُستثنى منه، جاز نصبُ المستثنى بإلا، وجاز جعلهُ بدلاً من المستثنى منه، نحو "ما في المدرسة أحد إلا أخاك، أو إلاّ أخوكَ، كَسوٌ". متى يجوز في المستثنى بالاّ الوجهان يجوز في المستثنى بإلاّ الوجهان - جَعلُهُ بَدَلاً من المستثنى منه. ونصبُهُ بالاّ - إن وقعَ بعدَ المستثنى منه في كلامٍ تام منفيٍّ أو شِبهِ منفيّ، نحو "ما جاءَ القومُ إلاّ علي، وإلا علياً". وتقولُ في شِبه النفي "لا يَقمْ أحدٌ إلاّ سعيدٌ، وإلا سعيداً. وهل فعلَ هذا أحدٌ إلا أنت، وإلا إياك! " والاتباع على البدليّة أولى. والنصبُ عربي جَيِّدٌ. ومنه قوله تعالى {ولا يَلتفتْ منكم أحدٌ إلا امرأتَكَ} . "وقُرئَ إلا امرأتُكَ"، بالرفع على البدلية. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 130 ومن أمثلة البدليّةِ، والكلامُ منفيٌّ، قولُهُ تعالى {ما فعلوهُ إلاَّ قليلٌ منهم} ، وقرئَ "إلاّ قليلاً" بالنصب بالاّ، وقولُهُ {لا إله إلاّ اللهُ} ، وقوله {وما من إله إلاّ إلهٌ واحدٌ} [المائدة: 73] ، وقوله {وما من إلهٍ إلاّ اللهُ} [آل عمران: 62] . ومن أمثلتها، والكلامُ شِبهُ منفي، لأنهُ استفهامٌ إنكاري، قولهُ تعالى {ومَن يغفرُ الذُّنوبَ إِلاّ اللهُ!} ، وقولهُ {ومَن يقنَطُ من رحمةِ ربهِ إلاّ الضّالون؟!} . وقد يكونُ النفيُ معنوياً، لا بالأداةِ، فيجوزُ فيما بعدَ "إلاّ" الوجهان أيضاً - البدليّةُ والنصبُ بإلاّ، والبدليّة أولى - نحو "تَبدَّلت أخلاقُ القوم إلاّ خالدٌ، وإلاّ خالداً"، لأن المعنى لم تَبقَ أخلاقُهم على ما كانت عليه، ومنه قول الشاعر [من البسيط] وبَالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ ... عافٍ، تَغَيَّرَ، إلاَّ النُّؤْيُ وَالْوَتِدُ فمعنى تغيّرَ لم يبقَ على حاله. (وانما جاز الوجهان في مثل ما تقدم، لأنك ان راعيت جانب اللفظ نصبت ما بعد (الا) ، لأن الجملة قد استقوفت جزءيها - المسند والمسند اليه - فيكون ما بعد (الا) فضلة، والفضلة منصوبة, وان راعيت جانب المعنى رفعت ما بعدها، لأن المسند إليه في الحقيقة هو ما بعد (الا) . لذلك يصح تفريغ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 131 العامل الذي قبلها له وتسليطه عليه. فان قلت "ما جاء القوم إلا خالد. أو خالداً"، صحّ أن تقول "ما جاء إلا خالد"، فنصبه باعتبار أنه عمدة في المعنى، فهو بدل مما قبله، والمبدل منه في حكم المطروح. ألا ترى أنك ان قلت "أكرمت خالداً أباك"، صحّ أن تقول "أَكرمت أَباك") . ثلاث فوائد 1- يجوزُ، في نحو "ما أَحدٌ يقولُ ذلك إلاّ خالدٌ"، رَفعُ ما بعد "إلاَّ" على البدليّةِ من أحدٌ (وهو الأولى) ، أو على البدليّة من ضمير "يقولُ". ويجوزُ نصبُهُ على الاستثناء. ويجوز في نحو "ما رأيتُ أحداً يقولُ ذلك إلاّ خالداً، نصبُ ما بعد "إلا" على البدليّة من "أحداً" (وهو الأوْلى) ، ونصبُهُ "بإلا" ويجوز رفعه على أنه بدلٌ من ضمير "يقولُ" ومن مجيئهِ مرفوعاً على البدليّة من ضمير الفعلِ المستتر قولُ الشاعر [من المنسرح] في لَيْلَةٍ لا نَرَى بِها أَحَداً ... يَحْكِي عَلَيْنا إِلاَّ كَواكِبُها 2- تقولُ "ما جاءَني من أحدٍ إلا خالداً، أو إلا خالدٌ". فالنصب على الاستثناء، والرفعُ على البدليّة من محل "أحد"، لأن محله الرفع على الفاعليّة، ومن حرف جر زائد. ولا يجوزُ فيه الجرُّ على البدليّة من لفظ المجرور. (لأن البدل على نية تكرار العامل. وهنا لا يجوز أن تكرره، فلا يجوز أن تقول "ما جاءني من أحد إلا من خالد". وذلك لأن "من" زائدة لتأكيد النفي، وما بعد "إلا" مثبت، لأنه مستثنى من منفي، فلا تدخل عليه "من" هذه. لكن إن قلت "ما أخذت الكتاب من أحد إلا خالد" جاز الجر على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 132 البدلية من اللفظ، لأن "من" هنا ليست زائدة. فلو كررت العامل، فقلت "ما أخذت الكتاب من أحد إلا من خالد"، لجاز) . وكذلك تقولُ "ليس فلانٌ بشيءٍ إلا شيئاً لا يُعبَأُ به"، بالنصب فقط، إما على الاستثناءِ، وإما على البدليّة من موضع "شيءٍ" المجرور بحرف الجرّ الزائد، لأنَّ موضعَهُ النصب على أنهُ خبرُ "ليسَ". ولا تجوز البدليّة بالجر. (لأن الباء هنا زائدة لتأكيد النفي، وما بعد "إلا" مثبت، فلو كررت الباء مع البدل، فقلت "ليس فلان بشيء إلا بشيء لا يعبأ به"، لم يجز) . من ذلك قول الشاعر [من الكامل] أَبَنِي لُبَيْنَى، لَسْتُمُ بِيَدٍ ... إِلاَّ يَداً لَيْسَتْ لَها عَضُدُ (لكن، إن قلت "ما مررت بأحد إلا خالد"، جاز الجرّ على البداية من اللفظ، لأن الباء هنا أصلية، فان قلت "ما مررت بأحد إلا بخالد"، بتكريرها، جاز) . 3- علمتَ أنهُ إذا تقدَّمَ المستثنى على المستثنى منه - في الكلام التامّ المنفيّ - فليس فيه إلا النصبُ على الاستثناء، نحو "ما جاءَ إلا خالداً أحدٌ"، غير أنَّ الكوفيينَ والبّغداديين يجيزونَ جَعلَهُ معمولاً للعامل السابق، وجعلَ المستثنى منه المتأخر تابعاً له في إعرابه، على أنهُ بدلٌ منه، فيجوّزون أن يقال "ما جاءَ إلا خالدٌ أحدٌ"، فخالدٌ فاعلٌ لجاءَ، وأحدٌ بدلٌ من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 133 خالدٌ. ومن ذلك ما حكاهُ سيبويهِ عن يُونسَ أنه سمع قوماً يُوثَقُ بِعربيَّتهم، يقولون "ما لي إلا أبوك ناصرٌ"، وعليه قولُ الشاعر [من الطويل] لأَنَّهُمُ يَرْجُونَ مِنْكَ شَفاعَةً ... إِذا لم يَكنْ إِلاَّ النَّبِيُّونَ شافعُ وهذا من البدل المقلوب. (لأنك ترى أن التابع هنا - وهو البدل ناصر وشافع - قد كان متبوعاً - أي مبدَلاً منه -، وأنّ المتبوع - وهو المبدل منه أبوك والنبيون - قد كان تابعاً - أي بدلاً - لأنّ الأصل "مالي ناصر إلا أبوك، وإذا لم يكن شافع إلا النبيون". ونظيره في القلب - اي جعلِ التابع متبوعاً والمتبوع تابعاً - قولك، "ما مررت بمثلك أحد" "فأحد بدل من مثلك مجرور مثله. وقد كان "مثلك" صفة له مؤخرة عنه، لأن الأصل "ما مررت بأحد مثلك") . متى يجب أن يكون المستثنى بالا على حسب العوامل. يجبُ أن يكون المستثنى بإلا على حسب ما يطلبُهُ العاملُ قبلَهُ، متى حُذِفَ المستثنى منه من الكلام، فيتفرَّعُ ما قبلَ "إلا" للعملِ فيما بعدَها، كما لو كانت "إلا" غيرَ موجودةٍ. ويجبُ حينئذٍ أن يكون الكلامُ منفيّاً أو شِبهَ منفيٍّ، نحو "ما جاءَ إلا عليٌّ، ما رأيتُ إلا عليّاً، ما مررتُ إلا بعليّ" ومنه في النهي قوله تعالى {ولا تَقولوا على الله إلا الحقّ} ، وقولهُ "ولا تُجادلوا أهلَ الكتابِ إلا بالتي هيَ أحسن". ومنه في الاستفهامِ قولُه سبحانهُ "فَهَلْ يَهلِكُ إلا القومُ الفاسقون". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 134 وقد يكونُ النفيُ معنويّاً، كقولهِ تعالى {ويأبى الله إلا أن يُتِمَّ نورَهُ} ، لأنَّ معنى يأبى لا يريدُ. فائدة إذا تَكرَّرت "إلا" للتّوكيد - بحيث يصحُّ حذفُها، وذلك إذا تَلَتْ واوَ العطف، أو تلاها بَدَل ممّا قبلَها - كانت زائدةً لتوكيد الاستثناء، غيرَ مُؤثرة فيما بعدَها، فالأولُ نحو "ما جاءَ إلا زهيرٌ وإلا أُسامةُ"، والثاني، نحو "ما جاءَ إلا أبوكَ إلا خالدٌ". وقد اجتمع البدل والعطف في قوله [من الرجز] مَالَكَ مِنْ شَيْخِكَ إِلاَّ عَمَلُهُ ... إلاَّ رَسِيمُهُ، وَإِلاَّ رَمَلُهُ وإن تكرَّرت لغير التوكيد - بحيثُ لا يصحُّ حذفُها - فالكلام على ثلاثةِ أَوجُهٍ 1- أن يحذَف المستثنى منه، فتَجعل واحداً من المستثنَيات معمولاً للعامل وتَنصب ما عداه. تقولُ "ما جاءَ، إلا سعيدٌ، إلا خالداً، إلا إبراهيم". والأوْلى تسليطُ العامل على الأول ونصبُ ما عداهُ، كما ترَى. ولك أن تَنصبَ الأولَ وترفعَ واحداً مما بعدَهُ. 2- أن يُذكرَ المستثنى منهُ، والكلامُ مثبتٌ، فتنصبُ الجمع على الاستثناء نحو "جاء القومُ إلا سعيداً، إلا خالداً، إلا إبراهيم". 3- أن يُذكر المستثنى منه، والكلامُ منفي، فان تقدمت المستثنيات، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 135 وجب نصبُها كلُّها، نحو "ما جاءَ إلا خالداً، إلا سعيداً، إلا ابراهيمَ أحدٌ". وإن تأخرت، أبدلتَ واحداً من المستثنى منه، ونصبتَ الباقي على الاستثناء. والأوْلى إبدالُ الأولِ ونصبُ الباقي، نحو "ما جاءَ القومُ إلا خالداً، إلا إبراهيمَ". 3- حُكُم المُستثْنى بِإِلاَّ المُنْقَطِعِ إن كان المُستثنى بإلا منقطعاً، فليس فيه إلا النصبُ بالا، سواءٌ أتقدَّمَ على المستثنى منه أم تأخر عنه، وسواءٌ أكان الكلام مُوجَباً أم منفياً، نحو "جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتَهم. جاءَ إلا أمتعتَهمُ المسافرون. ما جاءَ المسافرون إلا أمتعتَهم". ومن الاستثناء المُنقطع قولهُ تعالى {ما لهم به من علمٍ، إلا اتباعَ الظنّ} ، وقوله {وما لأحدٍ عندَهُ من نِعمةٍ تُجزى، إلا ابتغاءَ وجهِ ربهِ الأعلى} . ولا تجوز البدليّةُ في الكلام المنفيّ، هنا، كما جازت في المستثنى المُتَّصل، إذ لا معنى لإبدال الشيءِ من غير جنسه. وبَنو تميمٍ يُجيزون البدليّة فيه، إن صحَّ تَفرُّغ العاملِ قبلَه له وتَسلُّطهُ عليه. فيجيزون أن يقالَ "ما جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتُهم"، لأنك لو قلتَ "ما جاءَ إلا أمتعةُ المسافرين"، لَصَحَّ. وعليه قولُ الشاعر [من الرجز] وبَلْدةٍ لَيْسَ بِها أَنيسُ ... إِلاَّ الْيَعافِيرُ، وإِلاَّ العِيسُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 136 وقول الآخر [من الطويل] عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّياحُ مَكانَها ... ولا النَّبْلُ، إِلاَّ المَشْرِفيُّ المُصَمِّمُ وقول غيره [من الطويل] وَبِنتَ كِرامٍ قد نَكحْنا، ولم يَكُنْ ... لَنا خاطِبٌ إلا السِّنانُ وعامِلُهُ فائدة اعلم أنه لا يكون الاستثناء المنقطع إلا إذا كان للمستثنى علاقة بالمستثنى منه، فيتوهم بذكر المستثنى منه دخولُ المستثنى معه في الحكم، فتقول "جاء السادة إلا خدمهم"، إذا كان من العادة أنهم يجيئون معهم، فان لم يكن ن العادة ذلك فلا معنى لهذا الاستثناء. وتقول "رجع المسافرون إلا أثقالهم. أو إلا دوايهم"، لأنّ الإخبار برجوعهم يتوهم منه رجوعُ أثقالهم أو دوابهم معهم. وقد تكون العلاقة بينهما، لكنه لا يُتوهم دخولُ المستثنى في حكم المستثنى منه، وإنما يذكر لتمكين المعنى في نفس السامع والتهويل به، كأن تقول "لا يخطب في الحرب خطيبٌ إلا ألسنَ النيران". وقد صح الاستقناء مع عدم التوقهم لمكان المناسبة بين صوت النار وصوت الخطيب المتأجج حماسة، وللتهويل بشدة الحال. وكذا إن قلت "سلكتُ فلاةً ليس فيها أنيس إلا الذئاب، أو إلا وحوشها". فلمناسبة التضاد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 137 بين الأنيس والذئاب، ولتمثيل هول الموقف. لهذا لم يتعدَّ الصواب من أجاز من العرب البدلية في الكلام التام المنفي، من هذا الاستثناء، لأنه في حكم المتصل معنى، ألا ترى أنك إن حذفت المستثنى منه وسلطت العامل فيه على المستثنى صح اللفظ والمعنى, فتقول "لا يتكلم في الحرب إلا ألسنُ النيران"، وتقول "مررت بفلاة ليس فيها إلا الذئاب"، من غير أن ينقص من المعنى شيءٌ إلا ما كنت تريده من إعظام الأمر وتهويله. ويجري هذا المجرى الأبيات الثلاثة التي مرت بك آنفاً. هذا هو الحق فاعتصم به. وبما قدمنا تعلم أنَّ في إطلاق النحاة الكلام، في الاستثناء المنقطع، تساهلاً لا ترضاه أساليب البيان العربي. وتمثيلهم له بقولهم "جاء القوم إلا حماراً" شيءٌ يأباه كلام العرب. نعم يصح أن تقول "جاء القوم إلا الحمار، أو إلا حماراً لهم، أو إلا حمارهم" إن كان من العادة أن يكون معهم. أما "جاء القوم إلا حماراً" فلا يجوز، وإن كان من العادة مجيءُ حمار معهم، لأنه لا يجوز استثناء النكرة غير المفيدة (أي التي لم تخصص) من المعرفة. كما قدمنا. 4- "إلاَّ" بِمَعْنى "غَيْر" الأصلُ في "إلاّ" أن تكونَ للاستثناء، وفي "غير" أن تكون وصفاً. ثمَّ قد تُحمَلُ إحداهما على الأخرى، فَيوصَفُ بإلاّ، ويُستثنى بغير. فان كانت "إلا" بمعنى "غير"، وقعت هي وما بعدَها صفةً لما قبلها، (وذلك حيثُ لا يُرادُ بها الاستثناءُ، وإنما يُرادُ بها وصفُ ما قبلَها بما يُغاير ما بعدَها) ، ومن ذلك حديثُ "الناسُ هلَكَى إلا العالِمونَ، والعالِمونَ هَلكَى إلا العامِلونَ، والعاملونَ هلكى إلاّ المخلصون"، أي "الناسُ غيرُ العالمينَ هَلكى، والعالمونَ غيرُ العاملين هلكى، والعاملونَ غيرُ المخلصينَ هَلكى" الجزء: 3 ¦ الصفحة: 138 ولو أراد الاستثناءَ لنصبَ ما بعدَ "إلا" لأنهُ في كلام تامٍّ مُوجَبٍ. وقد يصحُّ الاستثناءُ كهذا الحديث، وقد ولا يصحُّ، فيتعيّن أن تكونَ "إلا" بمعنى "غير"، كقوله تعالى {لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا} . فالا وما بعدَها صفةٌ لآلهَة، لأنَّ المُرادَ من الآية نفي آلهةٌ المتعدِّدةِ وإثبات الآلهِ الواحد الفرد. ولا يصحُّ الاستثناءُ بالنصب، لأنَّ المعنى حينئذٍ يكون "لو كان فيهما آلهةٌ، ليس فيهمُ اللهُ لفسدتا". وذلك يقتضي أنه لو كان فيهما آلهةٌ، فيهمُ الله، لم تَفسْدا، وهذا ظاهرُ الفسادِ. وهذا كما تقولُ "لو جاءَ القوم إلا خالداً لأخفقوا" أي لو جاءُوا مستثنًى منهم خالدٌ - بمعنى أنه ليس بينهم - لأخفقوا. فهم لم يُخفقوا لأنَّ بينهم خالداً. ونظيرُ الآية - في عدم جواز الاستثناءِ - أن تقول "لو كان معي دراهمُ" إلا هذا الدرهم". فان قلتَ "إلا هذا الدرهمَ"، بالنصب كان المعنى لو كان معي دراهمُ ليس فيها هذا الدرهمُ لبذلتُها، فيُنتجُ أنكَ لم تبذُلها لوجودِ هذا الدرهمِ بينّها. وهذا غير المراد. ولا يَصِحُّ أيضاً أن يُعرَب لفظ الجلالةِ بدلاً من آلهة، ولا "هذا الدرهم"، بدلاً من دراهمَ، لأنهُ حيثُ لا يَصِحُّ الاستثناءُ لا تصحُّ البدليّةُ. ثم إنَّ الكلامَ مُثبتٌ، فلا تجوزُ البدليّةُ ولو صحَّ الاستثناءُ، لما علمتَ من أنَّ النصبَ واجبٌ في الكلام التامّ المُوجَبِ. وأيضاً لو جعلتَهُ بدلاً لكان التقديرُ "لو كان الجزء: 3 ¦ الصفحة: 139 فيهما إلا اللهُ لفسدتا"، لأنَّ البدلَ على نِيَّةِ طرحِ المُبدَل منه، كما هو معلومٌ. ولعدَم صحَّةِ الاستثناءِ هنا وَعدَمِ جَواز البدليّة تَعيَّنَ أن تكونَ "إلا" بمعنى "غير". وممّا جاءَت فيه "غلا" بمعنى "غير"، معَ عدم تَغدُّرِ الاستثناءِ معنًى، قول الشاعر [من الوافر] وكلُّ أخٍ مُفارقُهُ أخوهُ ... لَعَمْرُ أَبيكَ إلاَّ الفَرْقَدَانِ أي كلُّ أخٍ، غيرُ الفرقدينِ، مفارقُهُ أخوه. ولو قال "كل أخٍ مُفارقُهُ أخوهُ إلا الفَرقدينِ" لَصَحَّ. واعلم أنَّ الوصفَ هو "إلا" وما بعدَها معاً، لا "إلا" وحدَها، ولا ما بعدَها وحدَه، معَ بقائها على حرفيّتها، كما يُوصف بالجارّ والمجرورِ معَ بقاءِ حرف الجرِّ على حرفيته. والإعرابُ يكون لِما بعدَها. ومن العلماءِ من يجعلُها اسماً مبنياً بمعنى "غير" ويَجعلُ إعرابها المحلّي ظاهراً فيما بعدَها. والجمهور على الأول وهوَ الأولى. 5- حُكُم المُستَثْنى بِغَيْرٍ وسِوًى غيرٌ نكرة مُتوغلةٌ في الابهام والتَّنكير، فلا تُفيدُها إضافتُها إلى المعرفة تعريفاً، ولهذا تُوصَفُ بها النكرةُ مع إضافتِها إلى معرفةٍ، نحو "جاءَني رجلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 140 غيرُكَ، أو غيرُ خالدٍ". فلذا لا يُوصَفُ بها إلا نكرةٌ، كما رأيتَ، أو شبهُ النكرةِ مِمّا لا يفيدُ تعريفاً في المعنى، كالمُعرَّفِ بألِ الجنسيةٍ، فإنَّ المعرَّفَ بها، وإن كان معرفة لفظاً، فهو في حكم النكرةِ معنًى، لأنه لا يدُلُّ على مُعيَّنٍ. فان قلتَ "الرجالُ غيرُك كثيرٌ"، فليس المرادُ رجالاً مُعيَّنينَ. ومثلُها في تنكيرها، وتَوَغُّلها في الإبهام، ووصفِ النكرةِ أو شبهها بها، وعدمِ تعرُّفها بالإضافةِ "مِثلٌ وسِوًى وشِبْهٌ ونظيرٌ". تقول "جاءَني رجلٌ مِثلُك، أو سِواكَ، أو شِبهُكَ، أو نظيرُكَ". وقد تُحمَلُ "غير" على "إلا" فيُستثنى بها، كما يستثنى بإلا، كما حُملتْ "إلا" على "غير" فَوُصِفَ بها. والمستثنى بها مجرورٌ أبداً بالإضافة إليها، نحو "جاءَ القومُ غيرَ عليّ". وقد تُحمَلُ "سِوى" على "إلا"، كما حُمِلت "غيرٌ"، لأنها بمعناها، فَيُستثنى بها أيضاً. والمُستثنى بها مجرور بالإضافة إليها. وحكُم "غيرٍ وسِوًى" في الإعراب كحكمِ الاسم الواقع بعدَ "إلا": فتقول: "جاءَ القومُ غيرَ خالدٍ"، بالنصب، لأنَّ الكلام تامٌّ مُوجَبٌ. وتقول "ما جاءَ غيرَ خالدٍ أحدٌ"، النصب أيضاً، وإن كان الكلامُ منفيّاً، لأنها تقدَّمت على المستثنى منه. وتقول "ما احترقتِ الدارُ غيرَ الكتبِ"، بالنصب، وإن كان الكلام منفيّاً، ولم يَتقدم فيه المستثنى على المستثنى منه، لأنها وقعت في استثناء مُنقطع. وتقول "ما جاءَ القومُ غيرُ خالدٍ، أو غيرَ خالد"، بالرفع على أنها بدلٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 141 من القوم، وبالنصب على الاستثناء، لأنَّ الكلام تَامٌّ منفي. قال تعالى {لا يَستوي القاعدون من المؤمنينَ، غيرُ أولي الضَرر، والمُجاهدون في سبيل اللهِ بأموالهم وأنفُسهم} . قُرئَ "غير" بالرفع، صفةً للقاعدون، وبالجر، صفةً للمؤمنين، وبالنصب على الاستثناءِ. وتقول "ما جاءَ غيرُ خالدٍ" بالرفع، لأنها فاعل، و"ما رأيتُ غيرَ خالد" بالنصب، لأنها مفعولٌ به، و"مررتُ بغير خالدٍ"، بجرها بحرف الجر. وإنما لم تُنصَب "غير" هنا على الاستثناء لأن المستثنى منه غيرُ مذكورٍ في الكلام، فتفرَّغَ ما كان يعملُ فيه للعمل فيها. واعلم أنه يجوز في "سوى" ثلاثُ لغاتٍ "سِوى" بكسر السين، و"سُوى" بضمها، و"سَواء" بفتحها معَ المدّ. 6- حُكُم المُستثْنى بِخَلا وعَدَا وحاشا خلا وعدا وحاشا أفعال ماضيةٌ، ضُمّنت معنى "غلا" الاستثنائية، فاستثنيَ بها، كما يُستثنى بإلاّ. وحكمُ المستثنى بها جوازُ نصبِه وجرّهِ. فالنصبُ على أنها أفعالٌ ماضية، وما بعدَها مفعولٌ به. والجرُّ على أنها أحرفُ جرٍّ شبيهةٌ بالزائدِ، نحو "جاءَ القومُ خَلا عليّاً، أو عليٍّ". والنصبُ بخلا وعَدا كثيرٌ، والجرُّ بهما قليلٌ. والجرُّ بحاشا كثيرٌ، والنصبُ بها قليلٌ. وإذا جررتَ بهن كان الاسمُ بعدَهنَّ مجروراً لفظاً، منصوباً محلاً على الاستثناءِ. فإن جُعلت أفعالاً كان فاعلها ضميراً مستتراً يعودُ على المُستثنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 142 منه. والتُزِمَ إفرادهُ وتذكيرهُ، لوقوعِ هذهِ الأفعالِ موقعَ الحرف، لأنها قد تضمّنت معنى "إلا"، فأشبهتها في الجمودِ وعَدَمِ التَّصرُّفِ والاستثناءِ بها. والجملةُ إما حالٌ من المستثنى منه، وإما استئنافية. ومن العلماءِ من جعلها أفعالاً لا فاعلَ لها ولا مفعولَ، لأنها محمولةٌ على معنى "إلا"، فهي واقعةٌ موقعَ الحرفِ. والحرفُ لا يحتاج إلى شيء من ذلك. فما بعدَها منصوبٌ على الاستثناء، حملاً لهذه الأفعال على "غلا". وهو قولٌ في نهاية الحِذقِ والتَّدقيق. (قال العلامة الاشموني في شرح الالفية "ذهب الفراءُ الى أن (حاشا) فعل، لكن لا فاعل له. والنصب بعده إنما هو بالحمل على (إلا) . ولم ينقل عنه ذلك في (خلا وعدا) . على أنه يمكن أن يقول فيهما مثل ذلك". قال الصبان في حاشيته عليه "قوله لا فاعل له، أي ولا مفعول، كما قاله بعضهم. وقوله بالحمل على "إلا" أي. فيكون منصوباً على الاستثناء ومقتضى حمله على "إلا" أنه العامل للنصب فيما بعده" اهـ. والحق الذي ترتاح إليه النفس أن تُجعل هذه الأدوات "خلا وعدا حاشا" - في حالة نصبها ما بعدها - إما أفعالاً لا فاعل لها ولا مفعول، لأنها واقعة موقع الحرف، وإما أحرفاً للاستثناء منقولة عن الفعلية الى الحرفية، لتضمنها معنى حرف الاستثناء كما جعلوها - وهي جارَّةٌ أحرفَ جر، وأصلها الافعال) . وإذا اقترنت بخلا وعدا "ما" المصدريةُ، نحو "جاءَ القوم ما خلا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 143 خالداً" وجبَ نصبُ ما بعدَهما، ويجوزُ جره، لأنهما حينئذٍ فعلانِ. و"ما" المصدريّة لا تَسبقُ الحروفَ. والمصدر المؤوَّل منصوبٌ على الحال بعد تقديره باسم الفاعل، والتقديرُ جاءَ القومُ خالينَ من خالدٍ. (هكذا قال النحاة، وأنت ترى ما فيه من التكلف والبعد بالكلام عن أسلوب الاستثناء. والذي تطمئن إليه النفس أن "ما" هذه ليست مصدرية. وإنما هي زائدة لتوكيد الاستثناء، بدليل أن وجودها وعدمه، في إفادة المعنى، سواء على أن من العلماء من أجاز أن تكون زائدة، كما في شرح الشيخ خالد الازهري لتوضيح ابن هشام) . أما حاشا فلا تَسبقُها "ما" إلا نادراً. وهي تُستعملُ للاستثناءِ فيما ينزَّه فيه المستثنى عن مشاركة المستثنى منه، تقول "أهملَ التلاميذُ حاشا سليمٍ"، ولا تقولُ "صلَّى القومُ حاشا خالدٍ" لأنه لا يتنزَّه عن مشاركة القوم في الصَّلاة. وأما سليم - في المثال الأول، فقد يتنزَّه عن مشاركة غيرهِ في الإهمال. وقد تكون للتَّنزيه دون الاستثناء، فيُجرُّ ما بعدها إما باللام، نحو "حاشَ للهِ"، وإما بالإضافة إليها، نحو "حاشَ اللهِ". ويجوز حذفُ ألفها، كما رأيتُ، ويجوز إثباتها، نحو "حاشا لله" و"حاشا اللهِ". ومتى استُعملت للتّنزيهِ المجرَّدِ كانت اسماً مُرادِفاً للتنزيهِ، منصوباً على المفعوليّة المُطلَقةِ انتصابَ المصدرِ الواقع بدلاً من التفُّظ بفعلهِ. وهي، إن لم تُضَف ولم تُنوَّن كانت مبنيّةً، لشببهها بحاشا الحرفية لفظاً ومعنى. وإن أُضيفت أو نُوّنت كانت مُعرَبةً، لِبُعدِها بالإضافة والتنوينِ من شَبِهٍ الحرف، لأنَّ الحروفَ لا تُضافُ ولا تنوَّنُ، نحو "حاشَ اللهِ، وحاشا للهِ". وقد تكونُ فعلاً متعدِّياً مُتصرفاً، مثل "حاشيتهُ أُحاشيهِ"، بمعنى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 144 استثنيتُه أستثنيهِ. فإن سبقتها "ما" كانت حينئذٍ نافيةً. وفي الحديث أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال "أُسامة أحبُّ الناسِ إليَّ"، وقال راويهِ "ما حاشى فاطمةَ ولا غيرَها". وتأتي فعلاً مضارعاً، تقول "خالدٌ أفضلُ أقرانهِ، ولا أُحاشي أحداً"، أي لا استثني، ومنه قول الشاعر [النابغة - من البسيط] ولا أرَى فاعلاً في النَّاس يُشْبِهُهُ ... وَلا أُحاشِي منَ الأَقوامِ مِنْ أحدِ وإن قلت "حاشاك أن تكذب. وحاشى زهيراً أن يُهملَ"، فحاشى فعلٌ ماضٍ بمعنى "جانبَ" وتقولُ أيضاً "حاشى لك أن تُهملَ"، فتكون اللام حرفَ جرّ زائداً في المفعول به للتقوية. وإن قلتَ "أُحاشيك أن تقول غير الحقِّ"، فالمعنى أُنزِّهُك. 7- حُكْمُ المُستثْنى بِلَيْسَ ولا يَكُون ليس ولا يكونُ من الأفعال الناقصةِ الرَّافعة للاسم الناصبةِ للخبر. وقد يكونان بمعنى "إلا" الاستثنائية؛ فَيستثنى بهما، كما يُستثنى بها. والمستثنى بعدَهما واجبُ النصبِ، لأنه خبرٌ لهما، نحو "جاءَ القومُ ليس خالداً، أو لا يكون خالداً". والمعنى جاءُوا إلا خالداً. واسمُهما ضميرٌ مستتر يعود على المستثنى منه. والخلاف في مرجع الضمير فيهما كالخلاف في مرجعه في "خلا وعدا وحاشا" فراجِعهُ. (هكذا قال النحاة. أما ما تطمئن إليه النفس فان يجعلا فعلين لا مرفوع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 145 لهما ولا منصوب، لتضمنهما معنى "إلا" أو يجعلا حرفين للاستثناء، نقلاً لهما عن الفعلية إلى الحرفية، لتضمنهما معنى "إلا" كما جعل الكوفيون "ليس" حرف عطف إذا وقعت موقع "لا" النافية العاطفة، نحو: خذ "الكتابَ ليس القلمَ"، وكما قال الشاعر: "والأشرمُ المطلوبُ ليس الطالبُ". برفع "الطالب" عطفاً بليس على "المطلوب" أي: (الأشرمُ الطالب لا المطلوب) . 8- شِبْهُ الاستِثناء شبهُ الاستثناء يكون بكلمتين "لا سِيَّما" و"بيدَ" فلا سِيّما كلمةٌ مُركَّبةٌ من "سِيّ" بمعنى مثلٍ، ومُثناها سِيّانِ، ومن "لا" النافيةِ للجنس، وتُستعمل لترجيح ما بعدَها على ما قبلها. فإذا قلتَ "اجتهدَ التلاميذُ، ولا سِيّما خالدٍ"، فقد رَجَّحْتَ اجتهادَ خالدٍ على غيرهِ من التلاميذ. وتشديد يائها وسَبقُها بالواوِ و"لا"، كلُّ ذلك واجب. وقد تُخففُ ياؤها. وقد تُحذَف الواو قبلها نادراً. وقد تُحذفُ (ما) بعدَها قليلاً. أما حذفُ (لا) فلم يَرد في كلام من يُحتج بكلامهِ. والمُستثنى بها، إن كان نكرةً جازَ جَرُّهُ ورَفعُه ونَصبُهُ. تقول "كلُّ مجتهدٍ يُحَبُّ، ولا سيّما تِلميذٍ مثلِكَ" أو "ولا سيّما تلميذٌ مِثلَك"، أو "ولا سِيّما تلميذاً مثلَك". وجرُّهُ أَولى وأكثرُ وأشهرُ. (فالجر بالإضافة إلى "سيّ" وما زائدة. والرفع على أنه خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هو. وتكون "ما" اسم موصول محلها الجر بالإضافة إلى (سي) . وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول. ويكون تقدير الكلام "يجب كل مجتهد لا مثل محبة الذي هو تلميذٌ مثلك، لأنك مُفصَّلٌ على كل تلميذ" والنصب على التمييز لسي، وما زائدة) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 146 وإن كان المُستثنى بها معرفةً جازَ جَرُّه، وهو الأولى، وجاز رفعهُ، نحو "نجحَ التلاميذُ ولا سِيّما خليلٍ" أو "ولا سِيّما خليلٌ". ولا يجوزُ نصبُهُ، لأن شرطَ التّمييز أن يكونَ نكرةً. وحكمُ "سِيّ" أنها، أن أُضيفت (كما في صورَتي جرَّ الاسم ورفعه بعدَها) فيه مُعرَبةٌ منصوبةٌ بلا النافية للجنس، كما يعرَبُ اسم (لا) في نحو "لا رجلَ سوءٍ في الدار". وإن لم تُضَف فهي مبنيّةٌ على الفتح كما يُبنى اسم (لا) في نحو "لا رجلَ في الدار". وقد تستعمل "لا سِيّما" بمعنى "خُصوصاً"، فيُؤتى بعدَها بحالٍ مُفردَةٍ، أو بحالٍ جُملةٍ، أو بالجملة الشرطية واقعةً موقعَ الحال. فالأول نحو "أُحِبُّ المطالعةَ، ولا سِيّما منفرداً". والثاني نحو "أُحبُّها، ولا سِيّما وأنا منفردٌ". والثالثُ نحو "أُحبُّها، ولا سِيّما إن كنتُ منفرداً". وقد يَليها الظَّرفُ، نحو "أُحبُّ الجلوسَ بين الغِياضِ، ولا سِيّما عند الماءِ الجاري"، ونحو "يَطيبُ ليَ الاشتغالُ بالعلم، ولا سِيّما ليلاً"، أو "ولا سِيّما إذا أَوَى الناسُ إلى مضاجعهم". أمّا "بَيدَ فهو اسمٌ ملازمٌ للنّصب على الاستثناءِ". ولا يكون إلا في استثناءٍ منقطع. وهو يَلزَمُ الإضافةَ إلى المصدر المؤوَّلِ بأنَّ التي تنصبُ الاسمَ وترفُ الخبرَ، نحو "إنهُ لكثيرُ المال، بيدَ أنه بخيل". ومنه حديثُ "أنا أفصَحُ من نطقَ بالضادِ، بَيدَ أني من قُرَيشٍ، واستُرضِعتُ في بَني سَعدِ بنِ بَكرٍ". (المنادى) المنادَى اس مٌ وقعَ بعدَ حرفٍ من أَحرف النداءِ، نحو "يا عبدَ الله". وفي هذا البحث أربعةَ عشرَ مبحثاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 147 1- أَحرُفُ النِّداءِ أحرفُ النداءَ سبعة، وهيَ "أَ، أَيْ، يا، آ، أَيا، هَيا، وَا". فـ "أَيْ وأَ" للمنادَى القريب. و"أيا وهَيا وآ" للمنادى البعيد. و"يا" لكلّ مُنادًى، قريباً كان، أو بعيداً، أو مُتوسطاً. و"وا" للنُّدبة، وهي التي يُنادَى بها المندوبُ المُتفجَّعُ عليه، نحو "واكبدِي!. واحَسرتي! ". وتَتعيَّنُ "يا" في نداءِ اسمِ اللهِ تعالى، فلا يُنادَى بغيرها، وفي الاستغاثة، فلا يُستغاثُ بغيرِها. وتتعيَّنُ هيَ و"وَا" في النُّدبة، فلا يُندَُ بغيرهما، إلا أنَّ "وا" - في النُّدبة - أكثرُ استعمالاً منها، لأنَّ "يا" تُستعمل للنُّدبة إذا أُمِنَ الالتباسُ بالنداءِ الحقيقيِّ، كقوله [من البسيط] حُمِّلْتَ أَمراً عَظيماً، فاصطَبَرْتَ لَهُ ... وقُمْتَ فيهِ بِأَمْرِ اللهِ يا عُمَرَا! 2- أَقسامُ المُنادى وأَحكامُهُ المنادَى خمسةُ أقسامٍ المفردُ المعرفةُ، والنكرةُ المقصودة، والنكرةُ غيرُ المقصودة، والمضافُ، والشبيهُ بالمضافِ. (والمراد بالمفرد والمضاف والشبيه به ما أريد به في باب "لا" النافية للجنس، فراجعه في الجزء الثاني من هذا الكتاب. والمراد بالنكرة المقصودة كل اسم نكرة وقع بعد حرف من أحرف النداء وقُصد تعيينه، وبذلك يصير معرفة. لدلالته حينئذ على مُعّين. راجع مبحث المعرفة والنكرة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 148 في الجزء الأول من هذا الكتاب) . وحكمُ المنادَى أنهُ منصوبٌ، إمّا لفظاً، وإمّا مَحَلاً. وعاملُ النَّصب فيه، إمّا فعلٌ محذوفٌ وجوباً، تقديرُهُ "أَدعو"، نابَ حرفُ النداءِ منَابَهُ، وإمّا حرفُ النداءِ نفسُهُ لتَضمنهِ معنى "أَدعو"، وعلى الأول فهو مفعولٌ به للفعل المحذوف، وعلى الثاني فهو منصوب بـ "يا" نفسِها. فيُنصَبُ لفظاً (بمعنى أنهُ يكونُ مُعرَباً منصوباً كما تُنصب الأسماءُ المُعربَةُ) إذا كان نكرةً غيرَ مقصودةٍ، أو مُضافاً، أو شبيهاً به، فالأول نحو "يا غافلاً تنبّهْ"، والثاني نحو "يا عبدَ اللهِ"، والثالثُ نحو "يا حسناً خُلُقُهُ". ويُنصبُ محلاً (بمعنى أنهُ يكونُ مبنياً في محلِّ نصب) إذا كان مفرداً معرفةً أو نكرةً مقصودةً، فالأولُ نحو "يا زُهيرُ"، والثاني نحو "يا رجلُ". وبناؤه على ما يُرفَعُ بهِ من ضمَّةٍ أو ألفٍ أو واوٍ، نحو "يا علي. يا موسى. يا رجلُ. يا فَتى. يا رجلانِ. يا مجتهدونَ. بعض أحكام للمنادى المبني المستحق البناء 1- إذا كان المنادَى، المُستحقُّ للبناء، مبنيّاً قبلَ النداءِ، فإنهُ يبقى على حركة بنائهِ. ويقالُ فيه إنهُ مبنيٌّ على ضمَّةٍ مُقدَّرةٍ، منعَ من ظهورها حركةُ البناءِ الأصليَّةُ، نحو "يا سيبويهِ. يا حَذامِ. يا خَباث. يا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 149 هذا. يا هؤلاء". ويظهر أثرُ ضمِّ البناءِ المقدَّر في تابعه، نحو "يا سيبويهِ الفاضلُ. يا حذامِ الفاضلةُ. يا هذا المتجهِدُ. يا هؤلاءِ المجتهدون". 2- إذا كان المنادَى مفرداً علماً موصوفاً بابنٍ، ولا فاصلَ بينهما، والابنُ مضافٌ إلى علَمٍ، جاز في المُنادى وجهانِ ضمُّهُ للبناءِ ونصبُهُ، نحو "يا خليلُ بنَ أحمدَ. ويا خليلَ بنَ أحمدَ". والفتحُ أولى. أمّا ضمُّهُ فعلى القاعدةِ، لأنه مفردٌ معرفةٌ. وأما نصبُهُ فعلى اعتبارِ كلمة "ابن" زائدةً، فيكونَ "خليل" مضافاً و"أحمد" مضافاً إليه. وابنُ الشخص يُضافُ إليه، لمكان المناسبة بينهما. والوصف بابنةٍ كالوصفِ بابنٍ، نحو "يا هندَ ابنةَ خالدٍ. ويا هندُ ابنةَ خالد". أمّا الوصفُ بالبنت فلا يُغيّر بناءَ المفرد العَلَم، فلا يجوزُ معَها إلا البناءُ على الضمِّ، نحو "يا هندُ بنتَ خالدٍ". ويتَعيَّنُ ضَمُّ المنادى في نحو "يا رجلُ ابنَ خالدٍ. ويا خالد ابنَ أَخينا" لانتفاءِ عَلَميَّةِ المنادَى، في الأول، وعَلَميَّةِ المضافِ إلى ابنِ في الثاني، لأنك، إن حذفتَ ابناً، فقلتَ "يا رجلَ خالدٍ، ويا خالدَ أخينا"، لم يبق للاضافة معنًى. وكذا يَتعيّنُ ضمُّهُ في نحو "يا عليٌّ الفاضلُ ابنَ سعيد"، لوجود الفَصل، لأنه لا يجوزُ الفصلُ بينَ المضافِ والمضاف إليه. 3- إذا كُرِّرَ المنادى مضافاً، فلك نصب الاسمينِ معاً، نحو "يا سعدَ سعدَ الأوس"، ولكَ بناءُ الأول على الضم، نحو "يا سعدُ سعدَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 150 الأوس". أما الثاني فهو منصوب أبداً. (أما نصب الأول، فعلى أنه مضاف إلى ما بعد الثاني، والثاني زائد للتوكيد، لا أثر له في حفض ما بعده. أو على أنه مضاف لمحذوف مماثل لما أضيف اليه الثاني. وأما بناؤه (أي بناء الأول) على الضم، فعلى اعتباره مفرداً غير مضاف. وأما نصب الثاني، فلأنه على الوجه الأول توكيد لما قبله، وعلى الوجه الثاني بدلٌ من محل أو عطف بيان) . 4- المنادَى المُستحقُّ البناءِ على الضمّ، إذا اضطُرَّ الشاعر إلى تنوينه جازَ تنوينُهُ مضموناً أو منصوباً. ويكونُ في الحالة الأولى مَبنيّاً، وفي الثانيةِ مُعرباً منصوباً كالعلم المضاف، فمن الأول قول الشاعر [من الوافر] سَلامُ الله يا مَطَرٌ عَلَيْها ... وَلَيْس عَلَيْكَ يا مَطَرُ السَّلامُ وقولُ الآخر يخاطب جَمَله [من البسيط] حَيَّيْتكَ عَزَّةُ بَعْدَ الهَجْرِ وَانصَرَفَتْ ... فَحَيّ، وَيْحَكَ، مَنْ حَيَّاكَ، يا جَمَلُ لَيْتَ التَّحِيَّةَ كانَتْ لِي، فَأَشْكرَها، ... مَكانَ يا جَمَلٌ حُيِّيتَ يا رَجُلُ ومن الثاني قول الشاعر [من الخفيف] ضَرَبَتْ صَدْرَها إليَّ وقالتْ ... يا عَيدِيّاً، لَقَدْ وَقَتْكَ الأَواقي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 151 ومن العلماءِ من اختارَ البناءَ، ومنهم من اختارَ النصبَ، ومنهم من اختارَ البناءَ مع العَلَمِ، والنصبَ مع اسم الجنس. فوائد إذا وقعَ "ابنٌ" أو "ابنةٌ" بينَ علَمينِ - في غير النداء - وأُريدَ بهما وصفُ العَلَم، فسبيلُ ذلكَ أن لا يُنوَّنَ العلَمُ قبلهما في رفع ولا نصبٍ ولا جرّ، تخفيفاً، وتُحذَفُ همزةُ "ابن" تقولُ "قالُ عليٌّ بنُ أبي طالب. أُحب عليَّ بنَ أبي طالب. رَضي اللهُ عن عليٍّ بن أبي طالب". وتقولُ "هذهِ هِندٌ ابنةُ خالدٍ. رأيتُ هندَ ابنةَ خالد. مررت بهندِ ابنةِ خالد". وقد جَوَّزوا - في ضرورة الشعر - تنوينَ العلم الموصوف بهما، وعليه قول الشاعر [من الرجز] جَارِيةٌ مِنْ قَيْسٍ بنِ ثَعْلَبَهْ ... كَأَنَّما حِليَةُ سَيْفٍ مُذْهَبَهْ أما إن لم يُرَدْ بهما الوصفُ، بل أُريدَ بهما الإخبارُ عن العلَم، نُوّنَ العلمُ وجوباً، وثبتت همزةُ "ابن"، تقولُ "خالدٌ ابنُ سعيدٍ. إنَّ خالداً ابنُ سعيدٍ. ظننت خالداً ابنَ سعيدٍ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 152 فإن وقعا بينَ علَمٍ وغيرِ علَم، فسبيلُ العلَم قبلَها التَّنوينُ مطلقاً، وإنْ وقعا صفةً للعلَم أو خبراً عنه. فالأول "هذا خالدٌ ابنُ أخينا. وهذه هندٌ ابنةُ أخينا". والثاني نحو "خالدٌ ابنُ أخينا. إنَّ هنداً ابنةُ أُختنا". وهمزةُ "ابن" ثابتةٌ هنا على كل حال، كما رأيت. 3- نِداءُ الضَّمير نداءُ الضمير شاذ نادرُ الوقوع في كلامهم. وقصَرَهُ ابنُ عُصفور على الشعر. واختار أبو حيّانَ أنهُ لا ينادَى البَتَّةَ. والخلاف إنما هو في نداءِ ضمير الخطاب. أمّا نداءُ ضميريِ التكلم والغَيبة، فاتفقوا على أنهُ لا يجوز نداؤهما بَتَّةً، فلا يُقال "يا أنا. يا إيّايَ. يا هُوَ. يا إيّاهُ". وإذا ناديتَ الضمير، فأنتَ بالخيار إن شئتَ أتيتَ به ضميرَ رفعٍ أو ضمير نصبٍ، فتقولُ "يا أنت. يا إياك". وفي كِلتا الحالتينِ، فالضميرُ مبني على ضم مُقدَّر، وهو في محل نصب، مِثلَه في "يا هذا، ويا هذهِ، ويا سِيبَويهِ"، لأنه مُفَردٌ معرفة. 4- نِداءُ ما فيهِ "أَلْ" إذا أريْدَ نداءُ ما فيه "أَلْ"، يُؤتى قبلَهُ بكلمةِ "أيُّها" للمذكر، و"أَيّتُها" للمؤنث. وتَبقيانِ معَ التثنيةِ والجمع بلفظ واحدٍ، مراعىً فيهما التذكيرُ والتأنيث، أو يؤتى باسم الإشارة. فالأول كقوله تعالى {يا أيُّها الإنسانُ ما غَرَّكَ بربّكَ الكريم؟} وقوله {يا أيتُها النفسُ المُطمَئِنّةُ، ارجعي إلى ربكِ راضيةً مرضِيّةً} وقوله {يا أيُّها الناسُ اتَّقوا ربَّكم} . والثاني نحو "يا هذا الرجل. يا هذهِ المرأةُ" إلا إذا كان المنادى لفظَ الجلالة. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 153 لكن تبقى "ألْ" وتُقطَعُ همزتُها وُجوباً، نحو "يا ألله". والأكثر معَهُ حذفُ حرفِ النداءِ والتعويضُ منه بميمٍ مُشدَّدةٍ مفتوحةٍ، للدلالةِ على التعظيم نحو "اللهمَّ ارحمنا". ولا يجوز أن تُوصَفَ "اللهمَّ"، على على اللفظ ولا على المحلِّ، عل الصحيح، لأنهُ لم يُسمَع. وأما قولهُ تعالى "قُلِ اللهمَّ، فاطرَ السمواتِ والأرض"، فهو على أنه نداءٌ آخرُ، قُل اللهمَّ، يا فاطرَ السمواتِ. وإذا ناديتَ علماً مُقترِناً بألْ وَضعاً حذفتَها وُجوباً فتقولُ في نداء العبّاسِ والفضلِ والسّموأَلِ "يا عبّاسُ. يا فضلُ. يا سَمَوأَلُ". فائدة تستعمل "اللهمَّ" على ثلاثة أنحاء (الأول) أن تكون للنداء المحض، نحو "اللهمَّ اغفر لي". (الثاني) أن يذكرها المجيب تمكيناً للجواب في نفس السامع، كأن يقال لك "أخالد فعل هذا؟ "، فتقول "اللهم نعم". (الثالث) أن تستعمل للدلالة على الندرة وقلة وقوع المذكور معها، كقولك للبخيل "إن الأمة تعظمك، اللهم ان بذلت شطراً من مالك في سبيلها". 5- أَحكامُ تَوابعِ المُنادَى إن كن المنادى مبنياً فتابعُهُ على أربعة أضرُبٍ 1- ما يجبُ رفعُهُ معرَباً تَبَعاً لِلَفظِ المنادى. وهو تابعُ (أيّ وأيَة واسمِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 154 الإشارة) ، نحو "يا أيها الرَّجلُ. يا أيتها المرأة. يا هذا الرجلُ. يا هذهِ المرأةُ". ولا يُتبَعُ اسمُ الإشارةِ أبداً إلا بما فيهِ "ألْ". ولا تُتبَعُ "أيُّ وأيّةٌ" في باب النداءِ، إلا بما فيه "أَلْ" - كما مُثِّلَ - أو باسم الإشارة، نحو "يا أيُّهذا الرجلُ". 2- ما يجبُ ضَمهُ للبناءِ، وهوَ البدَلُ، والمعطوفُ المجرَّدُ من "أَلْ" اللَّذانِ لم يضافا، نحو "يا سعيدُ خليلُ. يا سعيدُ وخليلُ". 3- ما يجبُ نصبُهُ تبعاً لمحلِّ المنادَى، وهو كلُّ تابعٍ اضيف مُجرَّداً من "أَل"، نحو "يا علي أبا الحسن. يا علي وابا سعيد. يا خليلُ صاحبَ خالدٍ. يا تلاميذُ كلَّهُمْ، أو كلَّكُم. يا رجلُ أبا خليلٍ". 4- ما يجوز فيه الوجهان الرفعُ مُعرَباً للفظِ المنادَى، والنصبُ تبعاً لمحلِه وهو نوعان الأول النعتُ المضافُ المقترنُ بألْ، وذلك يكون في الصفاتِ المُشتقَّةِ المضافة الى معمولها، نحو "يا خالدُ الحسنُ الخلُقِ، أو الحسنَ الخلق. يا خليلُ الخادمُ الأمةِ، أَو الخادمَ الأمة". الثاني ما كان مُفرَداً من نعتٍ، أو توكيدٍ، أو عطفِ بيانٍ، أو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 155 معطوفٍ مُقترنٍ بألْ، نحو "يا عليّ الكريمُ، أو الكريمَ. يا خالدٌ خالدٌ، أو خالداً. يا رجلُ خليلٌ، أو خليلاً. يا عليّ والضيفُ، أو والضيفَ، ومن العطفِ بالنصبِ تبعاً لمحلِّ المنادى قوله تعالى {يا جبالُ أَوّبي معهُ والطّيرَ} ، وقُريءَ في غيرِ السبعةِ "والطيرُ"، بالرفع عطفاً على اللفظ. وان كان المنادَى مُعرَباً منصوباً فتابعُهُ أبداً منصوبٌ مُعرباً، نحو "يا أَبا الحسنِ صاحبَنا. يا ذا الفضل وذا العلم. يا أبا خالدٍ والضيفَ"، إلا إذا كان بدَلاً، أو معطوفاً مجرداً من "ألْ" غيرَ مضافين، فهما مَبنيّان، نحو "يا أبا الحسن عليٌّ. يا عبدَ الله وخالدُ". 6- حَذْفُ حَرْفِ النِّداءِ يجوزُ حذفُ حرفِ النداءِ بكثرةٍ، إذا كان "يا" دونَ غيرِها، كقولهِ تعالى "يوسفُ، أَعرِضْ عن هذا"، وقولهِ "رَبِّ أَرِني أَنظُرْ إليكَ" ونحو "مَنْ لا يزالُ مُحسناً أحسنْ إليَّ، واعظَ القومِ عِظهُمْ. أَيُّها التلاميذُ اجتهدوا. أَيتُها التلميذاتُ اجتهِدْنَ". ولا يجوزُ حذفُهُ من المنادى المندوبِ والمنادَى المُستغاث والمنادى المتعجَّبِ منه والمنادى البعيد، لأنَّ القصدَ إطالةُ الصوتِ، والحذفُ يُنافيهِ. وقلَّ حذفُهُ من اسم الإشارة، كقول الشاعر [من الطويل] إذا هَمَلَتْ عَيْني لَها قالَ صاحبي ... بِمثْلِكَ، هذا، لَوْعَةٌ وغَرامُ؟! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 156 ومن النكرة المقصودة بالنداءِ كقولهم "إفتَد مخنوقُ. أصبح ليلُ ومنه قول الشاعر [من الرجز] جَارِيَ، لا تَسْتَنْكري عَذِيري ... سَيْرِي وإِشْفاقِي على بَعيري وقولُ الآخر [من الرجز] أَطرِقْ كرا، أَطرِقْ كرا ... إنَّ النَّعَامَ في الْقُرَى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 157 وأقل من ذلك حذفُهُ من النكرة غير المقصودة ومن المشبّه بالمضاف. 7- حَذْفُ المُنادى قد يُحذّف المنادى بعد "يا" كقوله تعالى {يا ليتني كنت معَهم، فأفوزَ فوزاً عظيماً} ، وقولِكَ "يا نَصَرَ اللهُ من يَنصُرُ المظلومَ"، وقول الشاعر [من الطويل] أَلاَ يا اسْلَمي يا دارَ مَيَّ، عَلى الْبَلى ... وَلا زالَ مُنْهَلاً بِجَرْعائِكِ الْقَطْرُ (والتقدير يكون على حسب المقام. فتقديره في الآية الأولى "يا قوم"، وفي الثانية "يا عبادي"، وفي المثالث الثالث، "يا قوم"، وفي الشعر "يا دار") . والحقُّ أن "يا" أَصلُها حرفُ نداءٍ، فإن لم يكن مُنادَى بعدها كانت حرفاً يُقصَدُ به تنبيهُ السامع إلى ما بعدَها. وقيلَ إن جاءَ بعدها فعلُ أَمر فهيَ حرفُ نداءٍ، والمنادَى محذوف، نحو "ألا يا اسجدوا". والتقدير ألا يا قومُ. ونحو "أَلا يا اسلمي" والتقدير أَلا يا عَبْلةُ .... وإلاّ فهيَ حرفُ تنبيهٍ، كقولهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 158 تعالى "يا ليتَ قومي يَعلمونَ". 8- المُنادى المَضافُ إِلى ياءِ المُتَكلِّم المنادى المضافُ إلى ياءِ المتكلمِ على ثلاثة أنواعٍ اسمٍ صحيحِ الآخرِ، واسمٍ مُعتلٍّ الآخرِ، وصفةٍ. والمُرادُ هنا اسمُ الفاعل واسمُ المفعولِ ومبالغةُ اسمِ الفاعل. فإن كان المضافُ إلى الياءِ اسماً صحيحَ الآخر، غيرَ أب ولا أُم، فالأكثرُ حذف ياءِ المتكلمِ والاكتفاءُ بالكسرةِ التي قبلَها، كقوله تعالى {يا عبادِ فاتَّقُون} . ويجوز إثباتها ساكنةً أو مفتوحةً، كقولهِ عزَّ وجلَّ "يا عبادِي لا خوفٌ عليكم" وقوله "يا عباديَ الذينَ أَسرفوا على أَنفسهم". ويجوزُ قلبُ الكسرةِ فتحةً والياءِ أَلفاً، كقوله تعالى {يا حَسرتا على ما فرَّطتُ في جَنبِ الله} . وإن كانَ المضافُ إلى (الياءِ) معتلَّ الآخرِ، وجبَ إثباتُ الياءِ مفتوحةً لا غيرُ، نحو "يا فتاي. يا حامِيَّ". وإن كان المضافُ إليها صفةً صحيحةَ الآخر، وجبَ إثباتُها ساكنةً أو مفتوحةً، نحو "يا مكرميْ. يا مُكرمِيَ". وإن كان المضافُ إليها أباً أَو أُمّاً، جاز فيهِ ما جازَ في المنادَى الصحيح الآخر، فتقول "يا أَبِ ويا أُمِّ. يا أَبي ويا أُمي. يا أَبيَ ويا أُميَ. يا أبا ويا أُمّا" ويجوزُ فيه أَيضاً حذفُ ياءِ المتكلم والتَّعويضُ عنها بتاءِ التأنيثِ مكسورةً أَو مفتوحةً، نحو "يا أَبَتِ ويا أُمَّتِ. يا أَبَتَ يا أُمَّتَ". ويجوزُ إبدالُ هذهِ التاءِ هاء في الوقفِ، نحو "يا أَبَهْ ويا أُمَّهْ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 159 وإن كان المنادَى مضافاً إلى مضافٍ إلى ياءِ المتكلم، فالياءُ ثابتةٌ لا غيرُ، نحو "يا ابنَ أَخي. يا ابنَ خالي" إلاّ إذا كان "ابنَ أُمّ" أو "ابن عمّ" فيجوزُ إثباتُها، والأكثر حذفُها والاجتزاءُ عنها بفتحةٍ أَو كسرةٍ. وقد قُريءَ قوله تعالى {قال يا ابنَ أمَّ، إنَّ القومَ استضعفوني} ، وقوله {قال يا ابنَ أُمَّ لا تأخذْ بِلحيتي ولا برأسي} ، بالفتح والكسر. فالكسر على نيّةِ الياءِ المحذوفة، والفتحُ على نيّةِ الألفِ المحذوفةِ التي أَسلُها ياءُ المتكلم. ومثلُ ذلكَ يُقال في "يا ابنَ عمَّ" قال الراجز [من الرجز] كُنْ لِيَ لاَ عَليَّ، يا ابنَ عَمَّا ... نَعشْ عَزِيزَينِ، ونُكْفَى الهَمّا ويجري هذا أيضاً مع "ابنةِ أُمِّ" و"ابنةِ عَم". واعلم أنهم لا يكادون يُثبتون ياءَ المتكلم، ولا الألفَ المنقلبةَ عنها، إلا في الضرورةِ، فإثباتُ الياء كقوله [من الخفيف] يا ابنَ أُمِّي، ويا شُقَيِّقَ نَفْسِي ... أَنتَ خَلَّقْتَني لِدَهرٍ شَديدِ وإثباتُ الألف المنقلبة عنها، كقول الآخر [من الرجز] يا ابنةَ عَمَّا، لا تَلُومِي واهجَعي ... لا يَخْرُقُ اللَّوْمُ حِجابَ مِسْمَعي 9- المُنادى المُسْتَعاثُ الاستغاثةُ هي نداءُ من يُعينُ من دفع بلاءٍ أو شدَّة، نحو "يا للأَقوياءِ لِلضُّعفاءِ". والمطلوبُ منه الإعانةُ يسمّى "مُستغاثاً"، والمطلوبُ له الإعانةُ يُسمّى "مُستغاثاً لهُ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 160 ولا يُستعملُ للستغاثةِ من أحرف النداءِ إلا (يا) . ولا يجوزُ حذفُها، ولا حذفُ المُستغاث. أما المستغاث له فحذفه جائز، نحو "يا للهِ". وللمستغاث ثلاثةُ أوجهِ 1- أن يُجرَّ بلامٍ زائدةٍ واجبةِ الفتحِ، كقول الشاعر [من البسيط] يا لَقَوْمي، ويا لأَمثالِ قَوْمي ... لأُناسٍ عُتُوُّهُمُ في ازدِيادِ! وقول الآخر [من الوافر] تَكَنَّفَني الوُشاةُ فأَزْعَجُوني ... فَيا لَلنَّاسِ لِلْواشي المُطَاع! وقولِ غيره [من الخفيف] يا لَقَوْمي! مَنْ لِلْعُلاَ والْمَساعِي؟ ... يا لَقَوْمي! مَنْ لِلنَّدَى والسَّماحِ؟ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 161 يا لَعَطَّافِنا! ويَا لَرِياح ... وَأَبي الحَشْرَجِ الْفَتَى النَّفَّاحِ! ولا تُكسر هذه اللامُ إذا تكرَرَ المستغاثُ غيرَ مقترنٍ بـ "يا" كقول الشاعر [من البسيط] يَبْكيكَ ناءٍ، بَعِيدُ الدَّارِ، مُغْتَرِبٌ ... يا لَلْكهُولِ وَلِلشُّبَّانِ لِلْعَجَبِ! 2- أن يُختَم بألفٍ زائدةٍ لتوكيد الاستغاثة، كقول الشاعر [من الخفيف] يا يَزِيدا لآمِلٍ نَيْلَ عِزٍّ ... وَغِنًى بَعْدَ فاقَةٍ وهَوَانٍ! 3- أن يبقى على حاله، كقول الآخر [من الوافر] أَلا يا قَوْمُ لِلعَجَبِ الْعَجيبِ! ... ولِلْغَفَلاتِ تَعْرِضُ لِلأَديبِ! أمّا المُستغاثَ له، فإن ذُكِرَ في الكلام، وجبَ جرُّهُ بلامٍ مكسورة دائماً، نحو "يا لَقومي لِلعلمِ! ". وقد يجر بِـ "مِنْ"، كقول الشاعر [من البسيط] يَا لَلرِّجالِ ذَوي الأَلبابِ مِنْ نَفَرٍ ... لا يَبْرَحُ السَّفَهُ المُرْدِي لَهُمْ دِيناً! الجزء: 3 ¦ الصفحة: 162 10- المُنادى المُتَعَجَّبُ مِنهُ المُنادى المُتعجَّبَ منه، هو كالمُنادَى المُستغاثِ في أحكامهِ، فتقولُ في التعجّب من كثرةِ الماءِ "يالَلماءِ!. يا ماءَا!. يا ماءُ! ". وتقولُ "يالَلطربِ!. يا طرَبا. يا طَرَبُ! ". 11- المُنادَى الْمَنْدوب النُّدبةُ هي نداءُ المُتفجَّعِ عليه أو المُتوجَّعِ منه، نحو "واسَيّداه!. واكَبِداه! ". ولا تُستعملُ لنداءِ المندوب من الأدواتِ إلا "وَا". وقد تُستعملُ "يا"، إذا لم يَحصُلِ التباسٌ بالنداء الحقيقي. ولا يجوز في النُّدبةِ حذفُ المنادَى ولا حذفُ أداتهِ. وللمنادَى المندوب ثلاثةُ أوجه 1- أن يُختَم بألفٍ زائدةٍ لتأكيد التَّفجُّعِ أو التوجُّع، نحو "واكَبِدَا! ". 2- أن يُختَم بالألفِ الزائدة وهاءِ السَّكتِ، نحو "واحُسَيناه". (وأكثر ما تزاد الهاء في الوقف فان وصلت حذفتها، إلا في الضرورة، كقول المتنبي [من البسيط] "واحرّ قلباهُ ممن قلبه شبِمُ". ولك حينئذ ان تضمها، تشبيهاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 163 لها بهاء الضمير. وان تكسرها على أصل التقاء الساكنين. وأجاز الفرّاء إثباتها في الوصل مضمومة أو مكسورة من غير ما ضرورة) . 3- أن يبقى على حاله، نحو "واحُسينُ! ". ولا يكونُ المنادى المندوبُ إلا معرفةً غيرَ مبهَمةٍ. فلا يندَبُ الاسمُ النكرةُ، فلا يقال "وَارجلُ! "، ولا المعرفةُ المُبهمَة - كالأسماءِ الموصولة وأسماءِ الإشارة - فلا يقال "وامَنْ ذهبَ شهيدَ الوفاءِ! "، إلا إذا كان المُبهمُ اسمَ موصولٍ مُشتهرِاً بالصّلة، فيجوزُ، نحو "وامَنْ حَفرَ بِئرَ زمزمَ". 12- المُنَادى المُرَخَّم التَّرخيمُ هو حذفُ آخرِ المنادى تخفيفاً،، نحو "يا فاطمَ". والأصلُ "يا فاطمةُ". والمنادى الذي يُحذفُ آخرُهُ يُسمّى "مُرَخمّاً". ولا يُرخَّمُ من الأسماءِ إلا اثنان 1- ما كان مختوماً بتاءِ التأنيث، سواءٌ أكان عَلَماً أو غيرَ عَلَم، نحو "يا عائشَ. يا ثِقَ. يا عالِمَ"، في "عائشةَ وثِقَةٍ وعالمةٍ". 2- العَلمُ لمذكَّرٍ أو مؤنثٍ على شرط أن يكونَ غيرَ مركَّبٍ، وأن يكون زائداً على ثلاثة أحرفٍ، نحو "يا جَعفَ. يا سُعا"، في "جعفرٍ وسعادَ". (فلا ترخم النكرة، ولا ما كان على ثلاثة أحرف ولم يكن مختوماً بالتاء، ولا المركب. فلا يقال "يا انسا"، في "انسان"، لأنه غير علم، ولا "يا حسَ"، في "يا حسن"، لأنه على ثلاثة أحرف، ولا مثل "يا عبدَ الرحمن". لأنه مركب. وأما ترخيم "صاحب" في قولهم "يا صاحِ"، مع كونه غير علم، فهو شاذّ لا يقاس عليه) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 164 ويُحذَفُ للتَّرخيم إمّا حرفٌ واحدٌ، وهو الأكثر، كما تقدّم، وإمّا حرفانِ، وهو قليل. فتقول "يا عُثَم. يا مَنْصُ"، في "عُثمانَ ومنصورٍ". ولك في المنادى المرخَّمِ لغتانِ 1- أن تُبقيَ آخرَهُ بعدَ الحذفِ على ما كان عليه قبلَ الحذف - من ضَمَّةٍ أو فتحةٍ أو كسرةٍ - نحو "يا منصُ. يا جعفَ. يا جارِ". وهذهِ اللغةُ هي الأولى والأشهرُ. 2- أن تُحرّكهُ بحركة الحرف المحذوف، نحو "يا جَعفُ. يا جارُ". (وتسمى اللغة الأولى "لغة من ينتظر"، أي من ينتظر الحرف المحذوف ويعتبره كأنه موجود. ويقال في المنادى حينئذ أنه مبني على ضم الحرف المحذوف للترخيم. وتسمى اللغة الأخرى "لغة من لا ينتظر"، أي من لا ينتظر الحرف المحذوف، بل يعتبر ما في آخر الكلمة هو الآخر فيبنيه على الضم) . 13- أَسْماءُ لازَمَتِ النِّداءَ منها "يا فُلُ، ويا فُلَةُ"، بمعنى. يا رجل، ويا امرأةُ، و"يا لُؤمانُ" أي يا كثيرَ اللؤم، و"يا نَوْمانُ"، أي يا كثيرَ النَّومِ. وقالوا "يا مَخبَثانُ، ويا مَلأمانُ، ويا مَلكَعانُ، ويا مَكذَبانُ، ويا مَطيَبانُ، ويا مَكرَمانُ". والأنثى بالتاءِ. وقالوا في شتم المذكَّرِ "يا خُبَثُ، ويا فُسَقُ، ويا غُدَرُ، ويا لُكَعُ". وكلُّ ما تقدَّم سَماعيٌّ لا يقاسُ عليهِ. وقاسهُ بعضُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 165 العلماء فيما كان على وزنِ "مَفعَلان". وقالوا في شتم المؤنث "يا لَكاعِ، ويا فَساقِ، ويا خَباثِ". ووزنُ "فَعالِ" هذا قياسيٌّ من كل فعلٍ ثلاثيٍّ. وما ذُكرَ من هذه الأسماءِ كلّها لا يستعملُ إلا في النداءِ، كما رأيتَ. وأما قولُ الشاعر [من الوافر] أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ، ثُمَّ آوِي ... إِلى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لَكاعِ فضرورةٌ، لاستعمالهِ "لكاعِ" خَبراً، وهي لا تُستعملُ إلا في النداءِ. 14- تَتمَّةٌ في كلامِ العربِ ما هو على طريقةِ النداءِ ويُقصَدُ به الاختصاصُ لا النداءُ، وذلك كقولهم "أمّا أنا فأفعلُ كذا أيّها الرجلُ"، وقولهم "نحن نفعلُ كذا أيُّها القومُ"، وقولهم "اللهمَّ اغفرْ لنا أيَّتُها العِصابة". فقد جعلوا "أيّا" معَ تابعها دليلاً على الاختصاص والتوضيح. ولم يُريدوا بالرجل والقوم إلا أنفسَهم. فكأنهم قالوا "أما أنا فأفعلُ كذا متخصّصاً بذلك من بين الرجال، ونحن نفعلُ كذا متخصّصينَ من بين الأقوام. واغفر لنا اللهمَّ مخصوصينَ من بينِ العصائب". وقد تقدَّمت الإشارة إلى ذلك في بحث الاختصاص. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 166 (مجرورات الأسماء) (حروف الجر) حروفُ الجرِّ عشرون حرفاً، وهي "الباء ومِن وإلى وعن وعلى وفي والكافُ واللاَّمُ وواوُ القَسَمِ وتاؤهُ ومُذْ ومُنذُ ورُبَّ وحتى وخَلا وَعدَا وحاشا وكي ومتى - لي لُغَةِ هُذَيل - ولَعَلَّ في لغة عُقَيل". وهذهِ الحروف منها ما يختصّ بالدخولِ على الاسمِ الظاهر، وهو "رُبَّ ومُذْ ومُنذُ وحتى والكافُ وواوُ القسمِ وتاؤهُ ومتى". ومنها ما يدخلُ على الظاهر والمَضمَر، وهي البواقي. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 167 واعلم أنَّ من حروفِ الجرِّ ما لفظُهُ مُشترَكٌ بينَ الحرفيّةِ والاسميّة، وهو خمسةٌ "الكافُ وعن وعلى ومُذْ ومُنذُ". ومنها ما لفظُهُ مُشتركٌ بينَ الحرفيّة والفعليّةِ، وهو "خلا وعدا وحاشا". ومنها ما هو ملازم للحرفيّة، وهو ما بقي. وسيأتي بَيانُ ذلك في مواضعهِ. وسُمّيت حروف الجرّ، لأنها تَجرُّ معنى الفعل قبلَها إلى الاسم بعدَها، أو لأنها تجرُّ ما بعدَها من الأسماءِ، أي تَخفِضُه. وتسمّى "حروفَ الخفض" أيضاً، لذلك. وتُسمّى أيضاً "حروف الإضافة"، لأنها تُضيفُ معانيَ الأفعال قبلها إلى الأسماء بعدها. وذلك أنَّ من الأفعال ما لا يَقوَى على الوصول إلى المفعول به، فَقوَّوه بهذه الحروف، نحو "عجبتُ من خالدٍ، ومررتُ بسعيدٍ". ولو قلتَ "عجبتُ خالداً. ومررتُ سعيداً"، لم يُجُز، لضعف الفعل اللازم وقُصورهِ عن الوصول إلى المفعول به، إلا أن يَستعينَ بحروف الإضافة. وفي هذا المبحث تسعةُ مَباحث. 1- شرْحُ حُرُوفِ الجَرِّ 1- الباءُ الباءُ لها ثلاثةَ عشرَ معنًى 1- الإلصاقُ وهو المعنى الأصليُّ لها. وهذا المعنى لا يُفارقُها في جميع معانيها. ولهذا اقتصرَ عليه سِيبويهِ. والإلصاقُ إمّا حقيقيّ، نحو "أمسكتُ بيدِكَ. ومسحتُ رأسي بيدي"، وإمّا مجازيٌّ، نحو "مررتُ بدارِكَ، أو بكَ"، أي بمكانٍ يَقرُبُ منها أو منكَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 168 2- الاستعانةُ، وهي الداخلةُ على المستعانِ به - أي الواسطة التي بها حصلَ الفعلُ - نحو "كتبتُ بالقلم. وبَرَيتُ القلمَ بالسكينِ". ونحو "بدأتُ عملي باسمِ الله، فنجحتُ بتوفيقهِ". 3- السّببيةُ والتَّعليلُ، وهي الداخلةُ على سبب الفعل وعِلَّتهِ التي من أجلها حصلَ، نحو "ماتَ بالجوعِ"، ونحو "عُرِفنا بفلانِ". ومنه قولهُ تعالى {فَكُلاُّ أخَذْنا بذنبه} ، وقولهُ {فبِما نقضِهم ميثاقَهمْ لَعنّاهم} . 4- التّعديةُ، وتُسمّى باءَ النّقلِ، فهي كالهمزةِ في تصييرها الفعلَ اللازمَ مُتعدِّياً، فيصيرُ بذلك الفاعلُ مفعولاً، كقوله تعالى {ذهبَ الله بِنُورهم} ، أي أذهبهُ، وقولهُ {وآتيناهُ من الكُنوزِ ما إنَّ مَفاتِحَهُ لتَنُوءُ بالعُصبة أُولي القوّة} ، أي لَتُنيءُ العُصبةَ وتُثقلُها. وهذا كما تقول "ناءَ به الحملُ، بمعنى أثقلهُ". ومن باءِ التّعدية قولهُ تعالى {سُبحانَ الذي أسرَى بعبدهِ ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} . أي سيّرهُ ليلاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 169 5- القسمُ، وهي أصلُ أحرُفهِ. ويجوز ذكرُ فعلِ القسمِ معها؛ نحو "أُقسم بالله". ويجوزُ حذفُهُ، نحو "باللهِ لأجتهدَنَّ". وتدخلُ على الظاهرِ، كما رأيتَ، وعلى المُضَمرِ، نحو "بكَ لأفعلنَّ". 6- العَوَضُ، وتسمى باءَ المقابلةِ أيضاً، وهي التي تَدُلُّ على تعويض شيءٍ من شيءٍ في مُقابلةِ شيءٍ آخرَ، نحو "بِعتُكَ هذا بهذا. وخُذِ الدارَ بالفرسِ". 7- البدَلُ، وهي التي تدلَّ على اختيار أحدِ الشيئينِ على الآخرِ، بلا عِوَضٍ ولا مقابلةٍ، كحديث "ما يَسُرُّني بها حُمْرُ النّعَم"، وقولِ بعضهم "ما يَسُرُّني أني شَهِدتُ بَدْراً بالعقبة" أي بَدَلها، وقول الشاعر [من البسيط] فَلَيْتَ لِي بِهِمِ قَوْماً إذا رَكِبُوا ... شَنُّوا الإِغارةَ فُرْساناً ورُكْبانا 8- الظرفيّةُ - أي معنى (في) - كقوله تعالى {لَقَد نَصرَكمُ اللهُ بِبَدْرٍ. وما كنتَ بجانبِ الغربي. نجّيناهم بِسَحر. وإنَّكم لَتَمُرون عليهم مصبِحينَ وباللّيلِ} . 9- المصاحبةُ، أي معنى "معَ"، نحو "بعتُكَ الفَرَسَ بسرجهِ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 170 والدارَ بأثاثها"، ومنه قولهُ تعالى "إهبِطْ بسلام". 10- معنى "مِن" التَّبعيضيّةِ، كقولهِ تعالى "عَيناً يشربُ بها عبادُ اللهِ"، أي منها. 11- معنى "عن"، كقولهِ تعالى {فاسأل به خبيراً} ، أي عنهُ، وقولهِ {سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ} ، وقوله {يَسعى نورُهم بينَ أيديهم وبأيمانِهم} . 12- الاستعلاءُ، أي معنى "على" كقوله تعالى "ومن أهلِ الكتابِ مَن إن تَأمَنهُ بِقِنطارٍ يُؤدَّهِ إليكَ"، إي على قنطار، وقولِ الشاعر [من الطويل] أَرَبٌّ يَبُولُ الثُّعلُبانُ بِرَأْسِهِ ... لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بالتْ عَلَيْهِ الثَّعالِبُ 13- التأكيدُ، وهي الزائدةُ لفظاً، أي في الإعراب، نحو "بِحَسبِكَ ما فعلتَ"، أي حَسبُك ما فعلتَ. ومنهُ قوله تعالى {وكفى باللهِ شهيداً} ، وقولهُ {أَلم يعلم بأنَّ اللهَ يرى} ، وقولهُ {ولا تُلقوا بأيديكم إلى التّهلُكة} ، وقولهُ {أَليس الله بأحكمِ الحاكمين؟} وسيأتي لهذه الباء فضلُ شرح. 2- مِنْ مِنْ لها ثمانيةُ مَعانٍ 1- الابتداءُ، أَي ابتداءُ الغايةِ المكانيّةِ أو الزمانيّةِ. فالأول كقوله الجزء: 3 ¦ الصفحة: 171 ِ تعالى {سبحانَ الذي أسرى بعبدهِ ليلاً من المسجد الحرامِ إلى المسجد الأقصى} . والثاني كقوله {لَمَسجدٌ أُسسَ على التّقوى من أوَّلِ يوم أَحَقُّ أَن تقومَ فيهِ} . وتَرِدُ أَيضاً لابتداء الغاية في الأحداث والأشخاص. فالأول كقولك "عَجبتُ من إقدامك على هذا العمل"، والثاني كقولك "رأيتُ من زهير ما أُحبُّ". 2- التّبعيضُ، أي معنى "بعض"، كقولهِ تعالى {لن تنالوا البرَّ حتى تُنفقوا ممّا تُحبُّونَ} أي بعضَهُ، وقولهِ "منهم من كلّمَ اللهَ"، أَب بعضُهم. وعلامتُها أَن يَخلُفَها لَفظُ "بعضٍ". 3- البيانُ، أي بيانُ الجنس، كقوله تعالى {واجتنبوا الرجسَ من الأوثانِ} . قولهِ {يُحَلَّونَ فيها من أَساورَ من ذهبٍ} . وعلامتُها أَن يصحَّ الإخبارُ بما بعدَها عمّا قبلها، فتقول الرجس هي الأوثانُ، والأساورُ هي ذهب. واعلم أَن "من" البيانيّةَ ومجرورَها في موضعِ الحال مما قبلَها، إن كان معرفةً، كالآية الأولى، وفي موضع النّعتِ له إن كان نكرة، كالآية الثانية. وكثيراً ما تَقَعُ "من البيانيّةُ" هذهِ بعد "ما ومهما"، كقوله تعالى {ما يَفتَحِ اللهُ للناسِ من رحمةٍ فلا مُمسِكَ لها} ، وقولهِ {ما ننْسَخْ من آيةٍ} ، وقولهِ {مهما تأتِنا به من آية} . 4- التأكيدُ، وهي الزائدة لفظاً، أي في الإعراب، كقوله تعالى {ما جاءنا من بشيرٍ} ، وقوله {هل تحس منهم من أحد} وقوله {هل من خالق غير الله} [فاطر: 3] . وسيأتي لـ "مِنْ" هذه فضلُ شرح 5- البدل: كقوله تعالى {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} أي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 172 بدلها وقولهِ {لجعَلَ منكم ملائكةً في الأرضِ يَخلُفون} أي "بَدَلكم"، وقولهِ {لن تُغنيَ عنهم أموالُهم ولا أولادُهم من الله شيئاً} ، أي بَدَلَ الله، والمعنى بَدَلَ طاعتهِ أو رحمتهِ. وقد تقدَّم معنى البدل في الكلام على الباءِ. 6- الظَّرفيّة، أَي معنى (في) ، كقوله سبحانهُ {ماذا خَلقوا من الأرض} ، أي فيها، وقولهِ {إذا نُوديَ للصّلاة من يومِ الجمعة} ، أي في يومها. 7- السّببيّةُ والتّعليلُ، كقوله تعالى {مِمّل خطيئاتِهم أُغرِقوا} ، قال الشاعر [من البسيط] يُغْضِي حَياءً، وَبُغْضَى مِنْ مَهابَتهِ ... فَما يُكَلَّمَ إِلاَّ حِينَ يَبْتَسِم 8- معنى "عن"، كقولهِ تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ الله} [الزمر: 22] ، وقولهِ: {يا ويلنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا} [الأنبياء: 97] . 3- إِلى إلى لها ثلاثة معانٍ 1- الانتهاءُ، أي انتهاءُ الغايةِ الزمانيّة أو المكانيّة. فالأولُ كقولهِ تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليل} ، والثاني كقولهِ {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} . وترِدُ أيضاً لانتهاء الغاية في الأشخاص والأحداث. فالأولُ نحو " الجزء: 3 ¦ الصفحة: 173 جئتُ إليك"، والثاني نحو "صِلْ بالتّقوى إلى رضا الله". ومعنى كونها للانتهاءِ أنها تكونُ منتهًى لابتداء الغاية. أمّا ما بعدَها فجائزٌ أن يكون داخلاً جُزءٌ منه أو كلُّهُ فيما قبلَها، وجائزٌ أن يكونَ غيرَ داخل. فإذا قلتَ "سرتُ من بيروتَ إلى دمَشقَ"، فجائزٌ أن تكون قد دخلتَها، وجائزٌ أنك لم تدخلها، لأنَّ النهايةَ تشملُ أولَ الحدّ وآخرَهُ. وإنما تمتنعُ مجاوزتُهُ. ومن دخول ما بعدَها فيما قبلَها قولهُ تعالى {إذا قُمتُم إلى الصَّلاة فاغسِلوا وُجوهكُم وأيديَكُم إلى المَرافِق} . فالمَرافق داخلةٌ في مفهوم الغسل. ومن عدم دُخولهِ قولهُ عَزَّ وجلَّ {ثمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليل} . فالجزءُ من الليل غيرُ داخلٍ في مفهوم الصيام. وقالت الشيعةُ الجعفريةُ إنه داخل. والآية - بظاهرها - مُحتملة للأمرينِ. فإن كان هناك قرينةٌ تدلُّ على دخول ما بعدَها فيما قبلَها، دخل، أو على عدم دخوله لم يدخل. فإن لم تكن قرينةٌ تدلُّ على دخوله أو خورجهِ، فإن كان من جنس ما قبلها جاز أن يدخل وأن لا يدخل، نحو "سرتُ في النهار إلى العصر" وإلا فالكثير الغالبُ أنه لا يدخل. نحو "سرتُ في النهار إلى الليل". وقال قوم يدخل مطلقاً، سواءٌ أكان من الجنس أم لا. وقال قومٌ لا يدخل مطلقاً. والحقّ ما ذكرناه. 2- المصاحبةُ، أي معنى "معَ" كقوله تعالى {قال مَن أنصاري إلى الله؟} أي معهُ، وقولهُ {ولا تأكلوا أموالَهم إلى أموالكم} ، ومنهُ قولهم "الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إبلٌ"، وتقولُ "فلانٌ حليمٌ إلى أدبٍ وعلمٍ". 3- معنى "عند"، وتُسَمّى المُبَيّنَة، لأنها تُبينُ أن مصحوبها فاعلٌ لما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 174 قبلها. وهي التي تقعُ بعدَ ما يفيدُ حُباً أو بُغضاً من فعل تعجّبٍ أو اسمِ تفضيلٍ، كقوله تعالى "قال رب السّجنُ أحَب إليَّ مِمّا يدعونني إليه" [يوسف: 33] ، أي أحبُّ عندي. فالمُتكلم هو المُحِبُّ. وقولِ الشاعر [من الكامل] أَمْ لا سَبيلَ إلى الشَّباب، وذِكْرُهُ ... أَشهى إِلَيَّ مِنَ الرَّحيقِ السَّلْسَلِ 4- حَتَّى حتى للانتهاء كإلى، كقوله تعالى {سلامٌ هيَ حتى مَطلَعِ الفجر} . وقد يدخلُ ما بعدَها فيما قبلها، نحو "بَذَلتُ ما لي في سبيل أُمَّتي، حتى آخر دِرهمٍ عندي". وقد يكون غيرَ داخلٍ، كقوله تعالى {كلوا واشربوا حتى يَتبيّن لكمُ الخيطُ الأبيضُ من الخيط الأسود من الفجر} ، فالصائم لا يُباحُ له الأكلُ متى بدا الفجر. ويَزعُمُ بعضُ النحاةِ أنّ ما بعدَ "حتى" داخلٌ فيما قبلها على كل حال. ويَزعُمُ بعضهم أنه ليس بداخلٍ على كل حال. والحقُّ أنه يدخلُ، إن كان جزءًا مما قبلها، نحو "سِرتُ هذا النهارَ حتى العصرِ"، ومنه قولهم "أكلتُ السمكة حتى رأسِها". وإن لم يكن جزءًا ممّا قبلها لم يدخلْ، نحو "قرأتُ الليلةَ حتى الصَّباحِ" ومنه قولهُ تعالى {سلامٌ هيَ حتى مَطلَعِ الفجر} . واعلم أن هذا الخلافَ إنما هو في "حتى" الخافضة. وأما "حتى"العاطفة، فلا خلاف في أن ما بعدَها يجبُ أن يدخلَ في حكم ما قبلها، كما ستعلم ذلك في مبحث أحرف العطف. والفرق بينَ غلى وحتى أنَّ "إلى" تجرُّ ما كان أخراً لِما قبله، أو مُتّصلاً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 175 بآخره، وما لم يكن آخراً ولا متصلاً به. فالأولُ نحو "سرتُ ليلةَ أمسِ إلى آخرها" والثاني نحو "سهرتُ اليلةَ إلى الفجر"، والثالثُ نحو "سرتُ النهارَ إلى العصر". ولا تجرُّ "حتى" إلا ما كان آخراً لِما قبلها، أو متّصلاً بآخره، فالأول نحو "سرتُ ليلةَ امسِ حتى آخرِها"، والثاني كقوله تعالى {سلامٌ هيَ حتى مَطلَعِ الفجر} . ولا تجرُّ، ما لم يكن آخراً ولا متصلاً به، فلا يقال "سرتُ الليلةَ حتى نصفها". وقد تكونُ حتى للتَّعليل بمعنى اللام، نحو {إتَّقِ اللهَ حتى تفوزَ برضاهُ} ، أي لتفوز. 5- عَنْ عن لها ستة معانٍ 1- المجاوزةُ والبُغدُ، وهذا أصلُها، نحو "سرتُ عن البلدِ. رَغِبتُ عن الأمر. رَمَيت السهمَ عن القوس". 2- معنى "بَعد"، نحو عن قريبٍ أزُورُكَ"، قال تعالى {عمّا قليلٍ لَتُصبحُنَّ نادمين} ، وقال {لَتركبُنَّ طَبَقاً عن طبَقٍ} ، أي حالاً بعدَ حالٍ. 3- معنى "على" كقولهِ تعالى "ومَن يَبخَلْ فإنما بَبخَلُ عن نفسه"،أي عليها، ومنه قول الشاعر [من البسيط] لاَهِ ابنُ عَمِّكَ! لاَ أُفْضِلْتَ في حَسَبٍ ... عَنِّي. وَلا أَنتَ دَيَّاني فَتَخُزُوني الجزء: 3 ¦ الصفحة: 176 4- التَّعليلُ، كقولهِ سبحانه {وما نحنُ بتاركي آلهتِنا عن قولك} ، أي من أجل قولك، وقولهِ {وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيهِ إلا عن مَوعِدةٍ وعَدَها إيّاهُ} . 5- معنى "مِن" كقوله سبحانه: {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى: 25] ، وقولهِ: {أولئك الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} [الأحقاف: 16] ، أَي: منهم. 6- معنى البَدَل كقولهِ تعالى {واتَّقوا يوماً لا تجزي نَفسٌ عن نَفسٍ شيئاً} ، أَي بَدل نفس، وكحديثِ "صومي عن أُمك"، وتقولُ "قُمْ عني بهذا الأمر"، أَي بَدَلي. واعلم أنَّ "عن" قد تكونُ اسماً بمعنى "جانِبٍ"، وذلك إذا سُبقت بِمن، كقول الشاعر [من الكامل] فَلَقَدْ أَراني لِلرِّماحِ دَريئَةً ... مِنْ عَنْ يَميني تارَةً وِشمالي وقول الآخر [من الطويل] وَقُلْتُ اجعَلي ضَوْءَ الفَراقِدِ كُلِّها ... يَميناً. وَمَهْوى النَّجْمِ مِنْ عَنْ شِمالِكِ 6- عَلَى على لها ثمانيةُ مَعانٍ 1- الاستعلاءُ، حقيقةً كان، كقولهِ تعالى {وعليها وعلى الفُلكِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 177 تُحمَلونَ} ، أو مجازاً، كقولهِ {وفَضّلناهم بعضَهم على بعض} ، ونحو "لفلانٍ عليَّ دَينٌ". والاستعلاءُ أصلُ معناها. 2- معنى "في"، كقوله تعالى "ودخلَ المدينةَ على حين غَفلةٍ من أهلها" [القصص: 15] أي في حين غفلة. 3- معنى "عن"، كقول الشاعر: [من الوافر] إذا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ ... لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَني رِضَاها أي إذا رضِيت عني. 4- معنى اللام، التي للتعليل، كقوله تعالى {ولتُكَبّروا اللهَ على ما هداكم} ، أي "لهِدايتهِ إيّاكم"، وقولِ الشاعر [من الطويل] عَلامَ تَقولُ الرُّمْحُ يُثْقِلُ عاتِقي ... إِذا أَنا لَمْ أَطعنْ، إذا الخَيْلُ كَرَّتِ أي لِمَ تقول؟ 5- معنى "مَعَ"، كقولهِ تعالى {وآتَى المالض على حُبّهِ} ، أي معَ حُبهِ، وقولهِ {وإنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغفرةٍ للناسِ على ظُلمهم} ، مع ظُلمهم. 6- معنى "من"، كقولهِ سبحانَهُ {إذا اكتالوا على الناسِ يَستَوفونَ} أي اكتالوا منهم. 7- معنى الباءِ، كقولهِ تعالى {حَقيقٌ عليَّ أن لا أقولَ إلاّ الحق} ، أي حقيقٌ بي، ونحو "رمَيتُ على القوس"، أي رميتُ مستعيناً بها، ونحو "اركبْ على اسمِ الله"، أي مستعيناً به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 178 8- الاستدراكُ، كقولكَ "فلانٌ لا يدخلُ الجنةَ لِسوءِ صنيعهِ، على أنهُ لا يَيأسُ من رحمة اللهِ"، أي لكنَّهُ لا ييأسُ. ومنه قولُ الشاعر [من الطويل] بِكُلِّ تَداوَينا. فَلَمْ يَشْفِ ما بِنا ... عَلى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ خَيْرٌ مِنَ الْبُعْدِ عَلى أَنَّ قُرْبَ الدَّارِ لَيْسَ بِنافعٍ ... إِذا كانَ مَنْ تَهْواهُ لَيْسَ بِذي وُدِّ وقولُ الآخر [من الطويل] فَوَاللهِ لا أَنسى قَتيلاً رُزِئتُهُ ... بِجانِبِ قَوْسى ما بَقيتُ عَلى الأَرضِ عَلى أنَّها تَعْفو الْكُلومُ، وإِنَّما ... نُوَكَّلُ بالأَدنى، وَإِنْ جَلَّ ما يَمْضِي وإذا كانت للاستدراك، كانت كحرف الجر الشبيهِ بالزائد، غيرَ متعلقة بشيءٍ، على ما جنحَ إليه بعضُ المحقّقينَ. واعلم أنَّ "على" قد تكونُ اسماً للاستعلاء بمعنى "فَوْق"، وذلك إذا سُبِقتْ بِمِنْ كقوله [من الطويل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 179 "غَدَتْ مِنْ عَلَيْهِ ... بَعْدَ ما تَمَّ ظِمْؤُها" أي من فوقه، وتقولُ "سقطَ من على الجبل". 7- في في لها سبعةُ مَعانٍ 1- الظرفيّةُ، حقيقيّةً كانت، نحو "الماءُ في الكوز. سرتُ في النّهار". وقد اجتمعت الظرفيّتانِ الزمانيّة والمكانيّةُ في قولهِ تعالى {غُلبتِ الرُّومُ في أَدنى الأرض. وهم مِن بَعْدِ غَلَبِهمَ سَيَغلِبونَ في بِضعِ سنينَ} ، أَو مجازيَّةً، كقوله سبحانه {ولَكُم في رسول اللهِ أُسوةٌ حسنةٌ} ، وقولهِ {ولَكُم في القصاصِ حياةٌ} . 2- السببيّة والتّعليلُ، كقولهِ تعالى {لَمَسّكم فيما أَفضتُم فيه عذابٌ عظيم} أي بسبب ما أَفضتم فيه. ومنه الحديثُ "دخلتِ امرأَةٌ النارَ في هِرَّةٍ حَبَستها" أي بسبب هِرَّةٍ. 3- معنى "معَ" كقولهِ تعالى {قال ادخلوا في أمَمٍ قد خَلَت من قبلكم} أي مَعَهم. 4- الاستعلاءُ - بمعنى "عَلى" - كقولهِ تعالى {لأصلبنّكُم في جُذوعِ النّخلِ} ، أي عليها. 5- المُقايَسةُ - وهيَ الواقعةُ بينَ مفضولٍ سابقٍ وفاضلٍ لاحقٍ، كقولهِ تعالى {فما مَتاعُ الدنيا في الآخرةِ إلا قليلٌ} ، أي بالقياس على الآخرة والنسبة إليها. 6- معنى الباءِ، التي للالصاقِ، كقول الشاعر [من الطويل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 180 ويَرْكَبُ يَوْمَ الرَّوْعِ مِنَّا فَوارِسٌ ... بَصيرُونَ في طَعْنِ الأَباهِرِ والْكُلى أي بصيرونَ بطعنِ الأباهر. 7- معنى "إلى" كقولهِ تعالى {فَرَدُّوا أيديَهم في أفواههم} . 8- الكاف الكافُ لها أَربعةُ معانٍ 1- التشبيهُ، وهو الأصلُ فيها، نحو "عليٌّ كالأسد". 2- التّعليلُ، كقوله تعالى {واذكرُوهُ كما هداكم} ، أَي لهدايتهِ إيّاكم. وجعلوا منه قوله تعالى {وَيْ كأنّهُ لا يُفلحُ الكافرون!} . أَي أعجبُ أَو تَعجّبْ لعَدم فلاحهم. فالكافُ حرف جر بمعنى اللام، وأنَّ هي الناصبةُ الرافعة. 3- معنى "على" نحو "كُنْ كما أَنتَ"، أَي كُن ثابتاً على ما أنت عليه. 4- التّوكيدُ - وهي الزائدةُ في الإعراب - كقولهِ تعالى {ليس كمِثلهِ شيءٌ} ، أي ليس مِثلهُ شيءٌ، وقولِ الرَّاجز يَصفُ خيلاً ضوامرَ "لَواحِقُ الأقرابِ، فيها كالمقَق". واعلم أَنَّ الكاف قد تأتي اسماً بمعنى "مِثلٍ"، كقول الشاعر [من البسيط] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 181 أَتَنتَهونَ؟ وَلَنْ يَنْهى ذّوي شَطَطٍ ... كَالطَّعْنِ يَذْهَبُ فيهِ الزَّيتُ والفُتُلُ وقول الراجز [من الرجز] "يّضْحَكْنَ عَنْ أسنان كَالبَرَدِ المُنْهَمِّ" ومنهُ قول المُتنبي [من الطويل] وَما قَتَلَ الأَحرارَ كَالْعَفْوِ عَيْنُهمْ ... ومَنْ لَكَ بالحُرِّ الَّذِي يَحْفَظُ الْيَدا ومن العلماءِ من خصَّ ورودَ اسماً بضرورة الشعر. ومنهم من أَجازهُ في الشعر والنثرِ، كالأخفش وأبي علي الفارسي وابن مالكٍ وغيرهم. ويشهدُ لهم قولهُ تعالى، عن لسان المسيح، عليه السلام، في سُورة آل عمرانَ {أني أخلُقُ لَكم من الطّين كهيئةِ الطير، فأنفُخُ فيه فيكونُ طيراً بإذنِ اللهِ} أي مثلَ هيئةِ الطير. فالكاف اسمٌ بمعنى "مثل"، وهي في محلّ نصبٍ على أنها مفعولٌ به لأخلُقُ. والضميرُ في "فيه" يعود على هذه الكاف الاسميّة، لأنَّ مدلولها مُذكَّرٌ وهو "مِثل". ولو لم تُجعل الكاف هنا بمعنى "مِثل" .... الضميرُ بلا مرجع، لأنهُ لا يجوزُ أن يعود إلى "الطير"، لأن النفخ ليس في الطير نفسه، وإنما هو فيما يُشبهُهُ، ولا على هيئة، لأنها مؤنثة. وقد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 182 أعاد الضمير على الهيئة، في سورة المائدة، وهو قولهُ تعالى {وإذْ تَخلُقُ من الطين كهيئة الطير بإذني، فتنفخُ فيها فتكونُ طيراً بإذني} . 9- اللاَّم اللامُ لها خمسةَ عشرَ معنى 1- الملِكُ - وهي الداخلة بين ذاتينِ، ومصحوبُها يَملِكُ - كقوله تعالى {للهِ ما في السَّمواتِ والأرضِ} ، ونحو "الدارُ لسعيدٍ". 2- الاختصاصُ، وتُسمَّى لامَ الاختصاصِ، ولامَ الاستحقاقِ - وهي الداخلة بين معنًى وذات - نحو "الحمدُ للهِ" والنجاحُ للعاملين, ومنه قولهم "الفصاحةُ لِقُرَيشٍ، والصبّاحةُ لِبَني هاشمٍ". 3- شِبهُ المِلك. وتُسمّى لامَ النسبة - وهي الدَّاخلة بينَ ذاتينِ، ومصحوبُها لا يملِكُ - نحو "اللجامُ للفرَس". 4- التّبيينُ، وتُسمّى "اللاّمَ المُبيّنة"، لأنها تُبيِّنُ "أن مصحوبَها مفعولٌ لما قبلَها"، من فعل تعَجُّبٍ أو اسمِ تفضيل، نحو "خالدٌ أحب لي من سعيدٍ. ما أحبّني للعلم!. ما أحملَ عليّاً للمصائب! ". فما بعدَ اللام هو المفعول به. وإنما تقول "خالدٌ أحب لي من سعيد"، إذا كان هو المُحبَّ وأنت المحبوب. فإذا أردت العكسَ قلت "خالدٌ أحبُّ إليَّ من سعيد"، كما قال تعالى {ربِّ السجنُ أحبُّ إليَّ} وقد سبقَ هذا في "إلى". 5- التّعليلُ والسببيَّةُ، كقوله تعالى {إنَّا أنزلنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ لتحكُمَ بينَ الناسِ بما أراكَ الله} ، وقولِ الشاعر [من الطويل] وإِنِّي لَتَعْروني لِذِكْراكِ هزَّةٌ ... كما انْتَفَضَ الْعُصْفورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 183 ومنهُ اللامُ الثانيةُ في قولكَ "يالَلنَّاسِ لِلمظلوم! ". 6- التوكيدُ - وهي الزائدة في الإعراب لمُجرَّد توكيد الكلام - كقول الشاعر [من الكامل] وَمَلَكْتَ ما بَيْنَ الْعِراقِ ويَثْرِبٍ ... مُلْكاً أَجارَ لُمسْلِمٍ ومُعاهِدِ ونحو "يا بُؤسَ لِلحرب! ". ومنهُ لامُ المُستغاث، نحو "يا لَلفضيلة! " ويه لا تَتعلَّق بشيءٍ، لأنَّ زيادتها لمجرَّد التوكيد. 7- التّقويةُ - وهيَ التي يُجاءُ بها زائدةً لتقويةِ عاملٍ ضَعُف بالتأخيرِ، بكونه غيرَ فعلٍ. فالأول كقولهِ تعالى {الذينَ هم لربهم يَرهبُون} وقوله {إن كنتم للرُّؤْيا تَعبُرونَ} . والثاني كقوله سبحانه {مُصَدِّقاً لِما مَعَهمْ} وقولهِ {فعّالٌ لِما يُريدُ} . وهي - معَ كونها زائدةً - مُتعلّقةٌ بالعامل الذي قوَّتهُ، لأنها - مع زيادتها - أفادته التَّقوية، فليست زائدةً مَحضة. وقيل هي كالزائدة المحضة، فلا تتعلَّق بشيء. 8- انتهاءُ الغاية - أي معنى "إلى" - كقوله سبحانه {كلٌّ يجري لأجل مُسمًّى} ، أي إليه، وقولهِ {ولو رُدُّوا لعادوا لِما نُهُوا عنه} ، وقولهِ {بأنّ ربكَ أوحى لها} . 9- الاستغاثةُ وتُستعمَلُ مفتوحةً معَ المستغاث، ومكسورةً معَ المُستغاثِ لهُ، نحو "يا لَخالِدٍ لِبَكر! ". 10- التعجبُ وتُستعملُ مفتوحةً بعد "يا" في نداءِ المُتعجَّب منه، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 184 نحو "يا لَلفرَحِ! "، ومنهُ قول الشاعر [امرئ القيس - من الطويل] فَيا لَكَ مِنْ لَيْلٍ! كأنَّ نُجُومَهُ ... بِكُلِّ مُغارِ الْفَتْل شُدَّتْ بِيَذْبُلِ وتُستعملُ في غير النداءِ مكسورةٌ، نحو "للهِ دَرُّهُ رجلاً! "، ونحو "للهِ ما يفعلُ الجهلُ بالأممِ! ". 11- الصّيرورةُ (وتُسمَّى لامَ العاقبةِ ولامَ المآلِ أيضاً) وهي التي تدلُّ على أنَّ ما بعدَها يكونُ عاقبةً لِمَا قبلها ونتيجةً له، عِلةَّةً في حصوله. وتخالفُ لامَ التَّعليل في أنّ ما قبلها لم يكن لأجل ما بعدها، ومنه قوله تعالى {فالتقطهُ آلُ فِرعونَ ليكونَ لهم عدواً وحَزَناً} ، فَهُم لم يلتقطوهُ لذلك، وإنما التقطوهُ فكانتِ العاقبةُ ذلك. قال الشاعر [من الوافر] لِدُوا لِلْمَوْتِ، وَابنُوا لِلْخرابِ ... فَكُلُّكُمء يَصيرُ إِلى الذَّهابِ فالإنسان لا يَلِدُ للموت، ولا يبني للخراب، وإنما تكونُ العاقبةُ كذلك. 12- الاستعلاءُ - أي معنى "على" - إما حقيقةً كقوله تعالى {يَخِرُّونَ للأذقانِ سُجَّداً} ، وقولِ الشاعر [من الطويل] ضَمَمْتُ إِليهِ بالسِّنانِ قميصَهُ ... فَخَرَّ صَريعاً لِلْيَدَيْنِ ولِلفَم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 185 وإمّا مجازاً كقوله تعالى {إن أسأتُم فَلَها} ، أي فعليها إساءتُها، كما قال في آية أخرى {وإن أسأتُم فعليها} . 13- الوقتُ (وتُسمَّى لامَ الوقت ولامَ التاريخ) نحو "هذا الغلامُ لِسنةٍ"، أي مرَّت عليه سَنةٌ. وهي عندَ الإطلاق تدلُّ على الوقت الحاضر، نحو "كتبتُهُ لِغُرَّةِ شهر كذا"، أي عند غُرّتِهِ، أو في غُرَّتهِ. وعندَ القرينة تدلُّ على المُضيِّ أو الاستقبال، فتكونُ بمعنى "قبَلٍ" أو "بَعدٍ"، فالأولُ كقولك "كتبتُهُ لستٍّ بَقينَ من شهر كذا"، أي قبلها، والثاني كقولك "كتبتُهُ لخمسٍ خَلَوْن من شهر كذا"، أي بعدها. ومنهُ قولهُ تعالى {أقمِ الصّلاةَ لِدلوكِ الشمس} ، أي بعدَ دلُوكها. ومنه حديثُ "صُوموا لِرُؤيتهِ وأفطِروا لِرؤيته"، أي بعد رؤيته. 14- معنى "معَ"، كقول الشاعر [من الطويل] فَلَمَّا تَفَرَّقْنا كأَنِّي ومالِكاً ... - لِطولِ اجتماعٍ - لم نَبِتْ ليْلَةً مَعا 15- معنى "في"، كقوله تعالى {ويَضَعُ الموازينَ القسطَ ليومِ القِيامة} ، أي فيها، وقولهِ {لا يُجلّيها لوقتها إلاّ هُو} ، أي في وقتها. ومنه قولهم "مضى لسبيله"، أي في سبيلهِ. 10 و11- الواوُ والتَّاءُ والواوُ والتاءُ تكونان للقسم، كقوله تعالى {والفجرِ وليالٍ عَشرٍ} ، وقولهِ {تاللهِ لأكيدَنَّ أصنامَكم} . والتاءُ لا تدخُلُ إلا على لفظ الجلالة. والواوُ تدخلُ على كل مقسم به. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 186 12 و13- مُذ ومُنْذُ مُذْ ومُنذُ تكونان حرفيْ جَرّ بمعنى "منْ"، لابتداءِ الغاية، إن كان الزمانُ ماضياً، نحو "ما رأيتكَ مُذْ أو منذُ يومِ الجمعة"، وبمعنى "في"، التي للظرفيّة، إن كان الزمان حاضراً، نحو "ما رأيتهُ مُنذُ يومنا أو شهرِنا" أي فيهما. وحينئذٍ تُفيدان استغراقَ المدَّة، وبمعنى "من وإلى" معاً، إذا كان مجرورهما نكرةً معدودةً لفظاً أو معنى. فالأول نحو "ما رأيتكَ مُذ ثلاثةِ أيام"، أي من بَدئها إلى نهايتها. والثاني نحو "ما رأيتكَ مذ أمدٍ، أو مُنذُ دَهرٍ". فالأمدُ والدهرُ كِلاهما مُتعدِّدٌ معنًى، لأنه يقالْ لكل جزءٍ منها أمدٌ ودهرٌ. لهذا لا يقالُ "ما رأيتُهُ مُنذ يومٍ أو شهرٍ"، بمعنى ما رأيتهُ من بدئهما إلى نهايتهما، لأنهما نكرتانِ غيرَ معدودتينِ، لأنهُ لا يقالُ الجزءِ اليومِ يومٌ، ولا لجزءِ الشهر شهرٌ. واعلم أَنهُ يشترطُ في مجرورهما أن يكون ماضياً أو حاضراً، كما رأيتَ. ويشترطُ في الفعل قبلَهما أن يكون ماضياً منفيّاً، فلا يقالُ "رأيتهُ منذُ يومِ الخميس"، أَو ماضياً فيه معنى التَّطاوُلِ والامتدادِ، نحو "سِرتُ مُذْ طلوعِ الشمسِ". وتكونُ "مُذ ومُنذُ" ظرفينِ منصوبينِ مَحلاً، فَيُرفعُ ما بعدَهما. ويُشترَطُ فيهما أَيضاً ما اشتُرطَ فيهما وهما حرفان. وقد سبقَ الكلامُ عليهما في المفعول فيهِ، عندَ الكلامِ على شرحِ الظروف المبنية فراجعهُ. ومُذ أصلُها "منذُ" فَخُفّفت، بدليل رجوعهم إلى ضم الذَّال عند ملاقاتها ساكناً، نحو "انتظرتكَ مذُ الصباح". ومُنذُ أصلُها "من" الجارَّةُ و"إذ" الظرفيّة، فَجُعلتا كلمةً واحدةً. ولذا كسرت مِيمُها - في بعض اللُّغات - باعتبار الأصل. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 187 14- رُبَّ رُبَّ تكونُ للتّقليلِ وللتّكثير، والقرينةُ هي التي تُعيّنُ المرادَ. فمن التقليل قولُ الشاعر [من الطويل] أَلا رُبَّ مَوْلودٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ ... وذي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهُ أَبَوانٍ يُريدُ بالأول عيسى، وبالثاني آدمَ، عليهما السلامُ. ومن التكثيرِ حديثُ "يا رُب كاسِيةٍ في الدنيا عاريةٌ يومَ القيامةِ"، وقولُ بعضِ العرب عند انقضاءِ رَمضانَ "يا رُبَّ صائمهِ لن يَصومَهُ ويا رُبَّ قائمهِ لن يَقومهُ". واعلم أنهُ يُقالُ "رُبَّ ورُبَّةَ ورُبّما ورُبَّتما". والتاءُ زائدة لتأنيث الكلمة، و"ما" زائدةٌ للتوكيد. وهي كافةٌ لها عن العمل. وقد تُخَفّفُ الباءُ. ومنه قوله تعالى {رُبَما يَودُّ الذين كفروا لو كانوا مُسلمينَ} . ولا تَجُرُّ "رُبَّ" إلا النكرات، فلا تُباشِرُ المعارفَ. وأمّا قولهُ "يا رُبَّ صائمهِ، ويا رُبَّ قائمهِ" المتقدَّمُ، فإضافة صائم وقائم إلى الضمير لم تُفدهما التعريفَ، لأنَّ إضافةَ الوصف إلى معمولهِ غير محضةٍ، فهي لا تُفيدُ تعريفَ المضاف ولا تخصيصَهُ، لأنها على نيّة الانفصال، ألا ترى أنك تقول "يا رُبَّ صائم فيه، ويا ربَّ قائم فيه". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 188 والأكثر أن تكون هذه النكرة موصوفة بمفردٍ أو جملة. فالأول نحو "رُبَّ رجلٍ كريمٍ لقيته". والثاني نحو "رُبَّ رجلٍ يفعل الخيرَ أكرمته". وقد تكونُ غيرَ موصوفة، نحو "رُبَّ كريم جبانٌ". وقد تُجُرُّ ضميراً مُنكَّراً مُميّزاً بنكرةٍ. ولا يكونُ هذا الضميرُ إلا مُفرداً مُذَكَّراً. أما مُميّزُهُ فيكونُ على حسب مُراد المتكلم مفرداً أو مُثَنَّى أو جمعاً أو مذكراً أو مؤنثاً، تقول "رُبّهُ رجلاً. رُبّهُ رَجلَينِ. رُبّهُ رجالاً. رُبّهُ امرأةً. رُبَّهُ امرأتينِ. رُبّهُ نساءً". قال الشاعر [من الخفيف] رُبَّهُ فِتَيَةً دَعَوْتُ إلى ما ... يُورِثُ الْحَمَدَ دائباً، فأَجابُوا وسيأتي الكلامُ على محل مجرور "رُبَّ" من الإعراب، في الكلام على موضع المجرور بحرف الجر. 15 و16 و17- خَلاَ وَعَدا وحَاشا خَلا وعدا وحاشا تكون أَحرف جرٍّ للاستثناء، إذا لم يتقدَّمهنَّ "ما". وقد سبق الكلام عليهنَّ في مبحث الاستثناء. فراجعه. 18- كَيْ كي حرفُ جرَّ للتعليل بمعنى اللام. وإنما تَجُرُّ "ما" الاستفهامية، نحو "كيْمَهْ؟ "، نقولُ "كيمَ فعلتَ هذا؟ "، كما تقولُ "لمَ فعلته؟ ". والأكثرُ استعمالُ "لمهْ؟ " وتُحذَفُ أَلِفُ "ما" بعدَها كما تُحذَفُ بعدَ كلِّ جارٍّ، نحو "مِمّهْ وعَلامهْ وإلامَهْ". وإذا وقَفُوا ألحقوا بها هاء الجزء: 3 ¦ الصفحة: 189 السكت، كما رأيتَ. وإذا وصلوا حذفوها، لعدم الحاجة إليها في الوصل. وقد تَجرُّ المصدرَ المؤوّلَ بما المصدرية كقول الشاعر [من الطويل] إِذا أَنتَ لَم تَنْفَعْ فَضُرَّ، فإنَّما ... يُرادُ الْفَتَى كيْما يَضُرُّ وَيَنْفَعُ (فكي حرف جر. وما مصدرية، فما بعدها في تأويل مصدر مجرور بكي. أي يراد الفتى للضر والنفع. ويجوز أن تكون "كي" هنا هي المصدرية الناصبة للمضارع. فما. بعدها. زائدة كافةٌ لها عن العمل) . 19- مَتَى مَتى تكونُ حرفَ جرٍّ - بمعنى "مِنْ" - في لُغةِ "هُذَيلٍ"، ومنهُ قولهُ [من الطويل] شَرِبْنَ بِماءٍ البَحْرِ، ثُمَّ تَرَفَّعْتْ ... مَتَى لُجَج خُضْرٍ لَهُنَّ نَئيجُ 20- لعَلَّ لَعَلَّ تكونُ حرفَ جرٍّ في لغة "عُقَيلٍ" وهي مبنيّةٌ على الفتح أو الكسر، قال الشاعر [من الطويل] فَقُلْتُ ادْعُ أُخرَى وارفَعِ الصَّوْتَ جَهْرَةً ... لَعَلَّ أَبي المِغْوارِ منْكَ قَريبُ وقد يُقال فيها "عَلَّ" بحذف لامِها الأولى. وهي حرفُ جرّ شبيهٌ بالزائد، فلا تتعلَّقُ بشيءٍ. ومجرورها في موضع الجزء: 3 ¦ الصفحة: 190 رفعٍ على أَنه مبتدأ. خبرهُ ما بعدَه. وهي عندَ غير "عُقَيل" ناصبةٌ للاسم رافعةٌ للخبر، كما تقدَّم. 2- مَا الزَّائدَةُ بعْدَ الجارِّ قد تُزادُ "ما" بعدَ "من وعن والباء"، فلا تَكفُّهنَّ عن العمل، كقوله تعالى {مِمّا خَطيئاتهم أُغرِقوا} ، وقولهِ {عَمّا قَليلٍ ليُصبحنَّ نادمينَ} ، وقولهِ {فَبما رَحمةٍ من الله لِنتَ لَهُم} . وقد تُزادُ بعدَ "رُبَّ والكافِ" فيبقى ما بعدَهما مجروراً، وذلك قليلٌ، كقول الشاعر [من الخفيف] رُبَّما ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ صَقيلٍ ... بَيْنَ بُصْرى وَطَعْنَةٍ نَجْلاءُ وقولِ غيره [من الطويل] وَنَنْصُرُ مَوْلانا، ونَعْلَمُ أَنَّهُ ... كمَا النَّاسِ، مَجْرومٌ عَلَيْهِ وجارِمُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 191 وإنما وجبَ أَن تكونا هنا عاملتينِ، غيرَ مكفوفتينِ، لأنهما لم تُباشِرا الجملة، وإنما باشرتا الاسم. والاكثرُ أن تُكُفّهما "ما" عن العملِ، فيدخلانش حينئذٍ على الجُمَلِ الاسميّة والفعليّة كقول الشاعر [من الطويل] أَخٌ ماجِدٌ لَمْ يُخْزِني يَومَ مَشْهَدٍ ... كمَا سَيْفُ عَمْرٍ ولَمْ تَخُنْهُ مَضارِبُهْ وقولِ الآخر [من المديد] رُبَّما أَوْفَيتُ في عَلَمٍ ... تَرْفَعَنْ ثَوْبي شَمَالاتُ والغالب على "رُبَّ" المكفوفةِ أَن تدخلَ على فعلٍ ماضٍ، كهذا البيت. وقد تدخلُ على فعلٍ مضارع، بشرط أن يكونَ مُتَحققَ الوقوع، فيُنزّلُ منزلة الماضي للقطع بحصولهِ، كقولهِ تعالى {رُبَما يَودُّ الذينَ كفروا لو كانوا مُسلمينَ} . ونَدَرَ دخولها على الجملة الاسميّة، كقول الشاعر [من الخفيف] رُبَّما الْجَامِلُ المُؤَبَّلُ فيهِمْ ... وعَناجيجُ بَيْنَهُنَّ المِهارُ 3- واوُ رُبَّ وفاؤُها قد تُحذَف "ربَّ"، ويبقى عملُها بعد الواو كثيراً، وبعد الفاء قليلاً، كقول الشاعر وهو امرئ القيس: [من الطويل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 192 وَلَيْلٍ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، أَرْخى سُدُولَهُ ... عَلَيَّ. بِأَنْواعِ الهُمومِ، لِيَبتَلي وقولهِ [من الطويل] فَمِثْلِكِ حُبْلى قَدْ طَرَقْتُ وَمُرْضِعٍ ... فَألْهيْتُها عَنْ ذي تَمائِمَ مُحْوِلِ 4- حَذْفُ حَرْفِ الجَرِّ قِياساً يُحذَفُ حرفُ الجَرِّ قِياساً في ستَّة مواضع 1- قبلَ أنْ، كقوله تعالى {وعَجِبوا أن جاءَهم مُنذرٌ منهم} ، أي لأنْ جاءهم، وقولهِ {أوَ عَجِبتُمْ أنْ جاءكم ذِكرٌ من ربكم على رجلٍ منكم} ، وقولِ الشاعر [من البسيط] اللهُ يَعْلَمُ أَنَّا لا نُحِبُّكُمُ ... وَلا نَلومُكُمُ أَن لا تُحِبُّونا أي على أن لا تُحبُّونا. 2- قبلَ أنَّ، كقولهِ تعالى {شهِدَ اللهُ انهُ لا إِله إلا هو} ، أي شَهِدَ بأنهُ. واعلم أنهُ إنما يجوزُ حذفُ الجارِّ قبلَ "أن وأنَّ"، إن يُؤمَنِ اللَّبسُ بحذفهِ. فإن لم يُؤمَن لم يَجز حذفهُ، فلا يقالُ "رغِبتُ أن أفعلَ"، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 193 لإشكالِ المراد بعدَ الحذفِ، فلا يَفهمُ السامعُ ماذا أردتَ أرَغبَتك في الفعلِ، أم رغبَتَكَ عنه؟ فيجبُ ذكرُ الحرف ليتعيَّن المرادُ، إلا إذا كان الإبهامُ مقصوداً من السامع. 3- قبلَ "كي" الناصبةِ للمضارع، كقولهِ تعالى {فرَددناهُ إلى أمهِ كي تَقرَّ عينُها} ، أي لكي تَقرَّ. واعلم أن المصدرَ المؤوَّل بعد "أنْ وأنَّ وكيْ" في موضع جرَّ بالحرف المحذوف، على الأصحَّ. وقال بعض العلماءِ هو في موضعِ النصب بنزعِ الخافض. 4- قبلَ لفظِ الجلالة في القسم، نحو "اللهِ لأخدمنَّ الأمةَ خدمةً صادقةً"، أي والله. 5- قبلَ مُميّز "كم" الاستفهامية، إذا دخل عليها حرفُ الجرِّ، نحو "بكم درهم اشتريتَ هذا الكتابَ؟ " أي بكم من درهم؟ والفصيحُ نصبُهُ، كما تقدَّم في باب التمييز، نحو "بكم درهماً اشتريته؟ ". 6- بعدَ كلامٍ مُشتملٍ على حرف جرّ مثله، وذلك في خمس صُوَر الأولى بعد جوابِ استفهامٍ، تقول "مِمَّنْ أخذتَ الكتاب؟ "، فيقالُ لك "خالدٍ"، أي من خالد. الثانية بعد همزةِ الاستفهام، تقولُ "مررتُ بخالدٍ"، فيقالُ "أخالدِ ابنِ سعيدٍ؟ " أي أبخالدِ بنِ سعيد؟. الثالثة بعدَ "إن" الشرطّيةِ، تقولُ "إذهبْ بِمنْ شئتَ، إنْ خليلٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 194 وإنْ حسَنٍ" أي إن بخليلٍ، وإن بحسنٍ. الرابعةُ بعدَ "هَلاَ"، تقولُ "تصدَّقتُ بدرهمٍ"، فيقالُ "هَلاّ دينار"، أي هلاّ تَصدَّقتَ بدينار. الخامسة بعد حرف عطفٍ مَتْلُوٍّ بما يصحُّ أن يكونَ جملةً، لو ذُكرَ الحرفُ المحذوفُ، كقولك "لخالدٍ دارٌ، وسعيدٍ بُستانٌ"، أي ولسعيد بستانٌ، وقولِ الشاعر [من الرجز] ما لِمحُبٍّ جَلَدٍ أَنْ يَهْجُرا ... وَلا حَبيبٍ رَأْفةٌ فَيَجْبُرَا وقولِ الآخر [من البسيط] أَخْلِقْ بِذي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظى بِحاجتِهِ ... ومُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلأَبوابِ أَنْ يَلِجا أي وبِمُدمنِ القرع. ومنهُ قولهُ تعالى {وفي خَلقكم وما يَبُثُّ من دآبَّةٍ آياتٌ لقومٍ يُوقنونَ، واختلافِ الليلِ والنهار وما أنزلَ اللهُ من السماءِ من رزقٍ، فأحيا به الأرضَ بعد موتها، وتصريفِ الرِّياح، آياتٌ لقومٍ يعقلون} . 5- حَذْفُ حَرْفِ الجَرِّ سَمَاعاً قد يُحذَف الجَرِّ سَمَاعاً، فينتصبُ المجرورُ بعدَ حذفهِ تشبيهاً لهُ بالمفعول به. ويُسمى أيضاً المنصوب على نزعِ الخافض، أي الاسمَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 195 الذي نُصبَ بسبب حذفِ حرفِ الجرِّ، كقولهِ تعالى {ألا إنَّ ثمودَ كفروا ربَّهم} ، أي بربهم، وقولهِ {واختارَ موسى قومَهُ أربعينَ رجلاً} أي من قومه، وقولِ الشاعر [من الوافر] تَمُرُّونَ الدِّيارَ وَلَمْ تَعُوجُوا ... كَلامُكُمُ عَلَيَّ إذاً حَرامُ أي تَمُرُّونَ بالديار، وقولِ الآخر [من البسيط] أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ مَا أُمرْتَ بهِ ... فَقَدْ تَرْكْتُكَ ذا مَالٍ وَذا نَشَبِ أي أمرتُك بالخير، وقولِ غيرهِ [من البسيط] أَسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنباً لَسْتُ مُحْصِيَهُ ... رَبَّ الْعِبادِ، إِلَيهِ الْوَجْهُ والعَمَلُ أي أستغفرُ اللهَ من ذنب. ويُسمّى هذا الصنيعُ بالحذف والإيصال، أي حذفِ الجارَّ وإيصالِ الفعل غلى المفعول بنفسهِ بلا واسطة. وقال قومٌ إنهُ قياسي. والجمهورُ على انهُ سماعيٌّ. ونَدَرَ بقاءُ الاسمِ مجروراً بعد حذف الجارِّ، في غير مواضع حذفهِ قياساً. ومن ذلك قولُ بعضِ العربِ، وقد سُئلَ "كيف أصبحتَ؟ " فقال "خيرٍ، إن شاءَ اللهُ"، أي "على خير"، وقولُ الشاعر [من الطويل] إذا قيلَ أَيُّ النَّاسِ شَرٌّ قَبيلَةً ... أَشارَتْ كُلَيْبٍ بالأَكُفِّ الأَصابِعُ أي إلى كليب. ومثلُ هذا شُذوذٌ لا يُلتفتُ إليه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 196 6- أَقسامُ حَرفِ الجَرِّ حرفُ الجرَّ على ثلاثة أقسام أصليٍّ وزائدٍ وشبيه بالزائد. فالأصليُّ ما يحتاجُ غلى مُتعلَّق. وهو لا يُستغنى عنه معنًى ولا إعراباً، نحو "كتبتُ بالقلم". والزائدُ ما يُستغنى عنه إعراباً، ولا يحتاجُ إلى مُتعلّق. ولا يُستغنى عنه معنًى، لأنهُ إنما جيءَ به لتوكيد مضمونِ الكلام، نحو "ما جاءَنا من أحدٍ" ونحو "ليسَ سعيدٌ بمسافرٍ". والشِّبيهُ بالزائدِ ما لا يُمكن الاستغناءُ عنهُ لفظاً ولا معنى، غيرَ أنهُ لا يحتاجُ إلى مُتعلّق. وهو خمسةُ أحرفٍ "رُبَّ وخَلاَ وعدا وحاشا ولَعَلَّ". (وسمي شبيهاً بالزائد لأنه لا يحتاج إلى متعلّق. وهو أيضاً شبيهٌ بالأصلي من حيث أنه لا يستغنى عنه لفظاً ولا معنى. والقول بالزائد هو من باب الاكتفاء، على حد قوله تعالى {سرابيل تقيكم الحرّ} ، أي وتقيكم البرد أيضاً) . 7- مَواضِعُ زِيادَةِ الجارِّ لا يُزادُ من حروفِ الجرّ إلا "من والباءُ والكافُ واللام". وزيادتها إنما هي في الإعراب، وليستْ في المعنى، لأنها إنما يُؤتى بها للتَّوكيدِ. أمّا الكافُ، فزيادتها قليلةٌ جداً. وقد سُمعت زيادتها في خبر "ليس"، كقوله تعالى {ليسَ كمثلهِ شيءٌ} ، أي "ليس مثلَه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 197 شيءٌ"، وفي المبتدأ، كقول الراجل "لَواحِق الأقرابِ فيها كالمَقَقْ". وزيادتها سماعيّة. وأمّا اللامُ فتُزادُ سماعاً بينَ الفعل ومفعوله. وزيادتها في ذلك رديئةٌ. قال الشاعر [من الكامل] وَمَلَكْتَ ما بَيْنَ الْعِراقِ ويَثْرِبٍ ... مُلْكاً أَجارَ لِمُسْلِمٍ وَمُعاهِدِ أي أجار مسلماً ومعاهداً. وتُزادُ قياساً في مفعولٍ تأخَّرَ عنه فِعلُهُ تقويةً للفعل المتأخر لضَعفهِ بالتأخُّر، كقولهِ تعالى {الذينَ هم لربهم يَرهبون} ، أي ربهم يَرهبون، وفي مفعول المشتقِّ من الفعل تقويةً لهُ أيضاً، لأنَّ عملَهُ فَرعٌ عن عملِ فعلهِ المشتقَّ هو منه، كقوله تعالى {مُصَدِّقاً لِما مَعَهم} ، أي مصدقاً لما معهم، وقولهِ {فَعَالٌ لما يُريد} ، أي فَعّالٌ ما يريد وقد سبق الكلام عليها. وأمّا "مِن" فلا تُزادُ إلا في الفاعل والمفعول به والمبتدأ، بشرط أن تُسبَقَ بنفيٍ أو نهي أو استفهامٍ بهَلْ، وأن يكون مجرروها نكرةً. وزيادتها فيهنَّ قياسيّةٌ. ولم يشترط الأخفش تَقدُّمَ نفي أو شبههِ، وجعل من ذلك قولهُ تعالى {ويكفّر عنكم من سيئاتكم} ، وقولهُ {فَكلُوا مِمّا أمسكنَ عليكم} . و"من" في هاتين الآيتين تحتملُ معنى التبعيض أيضاً. وبذلك قال جمهور النُّحاة. وأقوى من هذا الاستشهاد الاستدلالُ بقوله تعالى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 198 {ويُنَزِّلُ من السماء، من جبال فيها، من بَرَدٍ} . فمن في قوله "من برد" لا ريب في زيادتها، وإن قالوا إنها تحتمل غيرَ ذلك، لأنَّ المعنى أن يُنزَّل بَرَداً من جبالٍ في السماءِ. فزيادتها في الفاعل، كقوله تعالى {ما جاءَنا من بشير} . وزيادتها في المفعول، كقوله {تَحِسُّ منهم من أحد} . وزيادتها في المبتدأ، كقوله {هل من خالقٍ غيرُ اللهِ يَرزُقُكم!} . وأما الباءُ فهي أكثر أخواتها زيادةً. وهي تزادُ في الإثباتِ والنفي. وتزاد في خمسةِ مواضعَ 1- في فاعل "كفى"، كقوله تعالى {وكفى بالله وليّاً، وكفى بالله نصيراً} . 2- في المفعول به، سماعاً نحو "أخذتُ بزمامِ الفَرَس"، ومنه قولهُ تعالى {ولا تُلقوا بأيديكم إلى التّهلُكةِ} ، وقولهُ {وهُزِّي إليكِ بِجِذعِ النَّخلة} ، وقوله {ومَنْ يُرِدْ فيه بإِلحادٍ} ، وقولُهُ {فَطفِقَ مَسحاً بالسُّوقِ والأعناقِ} . ومنهُ زيادتُها في مفعولِ "كفى" المُتعدَّيةِ إلى واحدٍ، كحديثِ "كفى بالمرءِ إثماً أن يُحدِّثَ بكلِّ ما سَمِعَ". وتُزادُ في مفعولِ "عَرَف وعَلِمَ - التي بمعناها - ودَرَى وجَهِلَ وسَمِعَ وأحسَّ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 199 ومعنى زيادتها في المفعول به سَماعاً أنها لا تُزادُ إلا في مفعول الأفعال التي سُمعت زيادتها في مفاعيلها، فلا يُقاسُ عليها غيرها من الأفعال. وأمّا ما وَرَد، فلك أن تَزيدَ الباءَ في مفعوله في كل تركيب. 3- في المبتدأ، إذا كان لفظَ "حَسْب" نحو "بِحَسبِكَ درهمٌ"، أو كان بعدَ لفظِ "ناهيكَ"، نحو "ناهيكَ بخالدٍ شجاعاً"، أو كان بعدَ "إذا الفُجائيّةِ، نحو "خرجتُ فإذا بالأستاذِ"، أو بعدَ "كيفَ"، نحو "كيفَ بِكَ، أو بخليل، إذا كان كذا وكذا؟ ". 4- ي الحال المنفيّ عاملَها. وزيادتها فيها سَماعيّةٌ، كقولِ الشاعر [من الوافر] فَما رَجعَتْ بِخائِبَةٍ رِكابٌ ... حَكيمُ بْنُ المسيِّبِ مُنْتَهاها وقولِ الآخر [من البسيط] كائِنْ دُعيتُ إلى بَأْساءَ داهِمَةٍ ... فَما انبَعَثْتُ بِمَزءُودٍ وَلا وَكَلِ وجعلَ بعضهُم زيادَتها فيها مَقيسةً، والذوقُ العربيُّ لا يأبى زيادَتها فيها. 5- في خبر "ليسَ وما" كثيراً، وزيادتها هنا قياسيّةٌ. فالأولُ كقوله تعالى {أَليسَ اللهُ بِكافٍ عبدَه} ، وقولهِ {أَليسَ اللهُ بأحكمِ الحاكمين} . والثاني كقوله سبحانهُ {وما رَبُّكَ بِظلاّمٍ للعبيد} ، وقولهِ {وما اللهُ بغافلٍ عمّا تعملونَ} . وإنما دخلت الباءُ في خبر "إنَّ" في قوله تعالى {أَوَ لَمْ يَرَوا أنَّ اللهَ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 200 الذي خَلَقَ السّمواتِ والأرضَ، ولم يَعيَ بخلقهنَّ، بقادرٍ على أنْ يُحييَ المَوتى، بَلَى، إنهُ على كلِّ شيءٍ قديرٌ} ، لأنه في معنى "أَوَلَيسَ" بدليلِ أَنهُ مُصَرحٌ بهِ في قولهِ عز وجلّ {أَوَلَيس الذي خلقَ السمواتِ والأرضَ بقادرٍ على أن يَخلُقَ مِثلَهم، بَلَى، وهو الخلاّقُ العليمَ} [يس: 81] . فائدتان 1- قد يَتوهَّمُ الشاعرُ أنه زاد الباء في خبر "ليس" أو خبرِ "ما" العاملةِ عملَها، فيعطفُ عليه بالجرِّ تَوَهُّماً، وحقُّهُ أن ينصبَهُ، كقوله [من الطويل] بَدا لِيَ أَني لَسْتُ مُدْرِكَ ما مَضَى ... وَلا سابقٍ شَيْئاً، إذا كانَ جَائِيا وقولِ الآخر [من الطويل] أَحَقًّا، عِبادَ اللهِ، أَنْ لَسْتُ صاعِداً ... وَلا هابِطاً إِلاَّ عَلَيَّ رَقيبُ وَلا سالِكٍ وَحْدي، وَلا في جَماعَةٍ ... مِنَ النَّاسِ، إِلاَّ قيلَ أَنتَ مُريبُ! وقولِ غيره [من الطويل] مَشَائيمُ لَيْسُوا مُصْلِحينَ عَشيرَةً ... وَلا ناعِبٍ إِلاَّ بِبَيْنٍ غُرابُها فالخفضُ في "سابق وسالك وناعب" على تَوهم وجود الباءِ في "مدرك الجزء: 3 ¦ الصفحة: 201 وصاعد ومصلحين". والجرُّ على التوهم سماعي لا يُقاس عليه. 2- وقد يُجرُّ ما حقهُ الرفعُ أو النصبُ، لمجاورتهِ المجرورَ، كقولهم "هذا جُحرُ ضَبٍّ خَرِبٍ"، ومنه قولُ امرئ القيس [من الطويل] كَأَنَّ ثَبيراً، في عَرانِينِ وَبْلِهِ ... كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ ويُسمّى الجرَّ بالمُجاورة. وهو سَماعيٌّ أيضاً. 8- مُتَعَلَّقُ حَرْفِ الجَرِّ الأَصلِيِّ مُتعلًَّقُ حرفِ الجرِّ الأصليِّ هو ما كانَ مُرتبطاً به من فعلٍ أو شَبهِهِ أو معناهُ. فالفعلُ نحو "وقفتُ على المِنبرِ". وشِبهُ الفعلِ، نحو "أَنا كاتبٌ بالقلم". ومعنى الفعل نحو "أُفٍّ للكُسالى". وقد يَتعلَّقُ باسمٍ مُؤوَّلٍ بما يُشبهُ الفعلَ، كقولهِ تعالى {وهو اللهُ في السّموات وفي الأرض} ، فحرفُ الجرِّ متعلقٌ بلفظ الجلاة لأنه مُؤوَّلٌ بالمعبود، أي وهو المعبودُ في السموات وفي الأرض، أو وهو المُسمّى بهذا الاسم فيهما. ومثلُ ذلك أَن تقولَ "أَنتَ عبدُ اللهِ في كلِّ مكان" و"خالدٌ لَيثٌ في كل موقعةٍ". ومن ذلك قول الشاعر [من الطويل] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 202 وَإن لِساني شُهْدَةٌ يُشْفى بِها ... وَهُوَّ عَلى مَنْ صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ فحرفُ الجرّ "على" متعلق بعلقم، لأنه بمعنى "مُرّ"، وأراد به أَنه صعب أو شديد، وقولُ الآخر [من مخلع البسيط] ما أُمُّكَ اجتاحَت الْمَنايا ... كَلُّ فُؤَادٍ عَلَيْكَ أُمُّ فحرف الجر متعلق بأم، لأنها بمعنى "مُشفِق". وقد يَتعلقُ بما يُشيرُ إلى معنى الفعلِ، كأداةِ النفي، كقوله تعالى {ما أَنتَ بنعمةِ ربكَ بمجنونٍ} . فحرفُ الجر في "بنعمة" مُتعلقٌ بما، لأنهُ بمعنى "انتفى". وقد يُحذَفُ المتعلَّقُ. وذلك على ضربين جائزٍ وواجبٍ. فالجائزُ أَن يكون كوناً خاصاً، بشرطِ أن لا يضيعَ الفهم بحذفه، نحو "بالله"، جواباً لمن قال لك "بِمَن تَستعينُ؟ ". والواجبُ أَن يكون كوناً عاماً، نحو "العلمُ في الصُّدورِ. الكتابُ لخليلْ, نظرتُ نورَ القمر في الماءِ. مررت برجلٍ في الطريق". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 203 9- محَلُّ الْمَجُرورِ مِنَ الإِعرابِ حكمُ المجرور بحرف جرّ زائدٍ أَنهُ مرفوعُ المحلِّ أَو منصوبهُ، حَسبَ ما يَطلبهُ العاملُ قبلهُ. (فيكون مرفوع الموضع على أنه فاعل في نحو "ما جاءنا من أحد". والأصل ما جاءنا أحدٌ. وعلى أنه نائب فاعل في نحو "ما قيل من شيء". والأصل ما قيل شيءٌ. وعلى أنه مبتدأ في نحو "بحسبك الله"؛ والأصل حسبُك الله. ويكون منصوب الموضع على أنه مفعول به في نحو "ما رأيت من أحد"، والأصل: ما رأيت أحداً. وعلى أنه مفعول مطلق في نحو: "ما سعى فلان من سعي يُحمد عليه". والأصل: ما سعى سعياً يُحمد عليه. وعلى أنه خَبر "ليس" في نحو {أليس الله بأحكم الحاكمين} . والأصل أليس الله أحكم الحاكمين) . أمَّا المجرورُ بحرفِ جرٍّ شبيهٍ بالزائد، فإن كان الجارُّ "خَلا وعَدا وحاشا"، فهو منصوب محلاً على الاستثناءِ. وإن كان الجارُّ "ربَّ" فهوَ مرفوعٌ محلاً على الابتداءِ، نحو "رُبَّ غَنيٍّ اليومَ فقيرٌ غداً. رُبَّ رجلٍ كريمٍ أكرمتُهُ". إلاّ إذا كان بعدها فعلٌ مُتعدٍّ لم يَأخذ مفعولهُ، فهو منصوبٌ محلاًّ على أَنهُ مفعولٌ به للفعل بعدَهُ، نحو "ربَّ رجلٍ كريمٍ أَكرمتُ". فإن كان بعدَها فعلٌ لازم، أَو فعلٌ متعدّ ناصبٌ للضمير العائدِ على مجرورها فهو مبتدأ، والجملةُ بعدَهُ خبرهُ، نحو "رُبَّ عاملٍ مجتهدٍ نَجَحَ. ربَّ تلميذٍ مجتهدٍ أكرمتُهُ". وأمّا المجرورُ بحرفِ جَرّ أصليّ فهو مرفوعٌ محلاًّ، إن ناب عن الفاعل بعد حذفهِ، نحو "يؤخذُ بِيَدِ العاثرِ. جيءَ بالمُجرم الفارِّ" أو كان في موضع خبرِ المبتدأ، أو خبرِ "إنَّ" أو إحدى أخواتها، أَو خبر "لا" النافية الجزء: 3 ¦ الصفحة: 204 للجنسِ، نحو "العلمُ كالنور. إن الفَلاَحَ في العمل الصالحِ لا حَسَبَ كحُسنِ الخُلُقِ". وهو منصوب محلاًّ على أَنهُ مفعولٌ فيه، إن كان ظرفاً، نحو "جلستُ في الدار. سرتُ في الليل". وعلى أنه مفعولٌ لأجله غيرُ صريحٍ، إن كان الجارّ حرفاً يُفيد التّعليلَ والسببيّة، نحو "سافرتُ للعلم، ونَصِبتُ من أَجلهِ، واغتربتُ فيه". وعلى أنه مفعولُ مُطلَق، إن ناب عن المصدر، نحو "جرى الفرسُ كالرِّيح". وعلى أنه خبرٌ للفعل الناقص، إن كان في موضع خبرهِ. نحو "كنت في دِمَشقَ". وإن وقعَ تابعاً لِمَا قبلهُ كان محلُّهُ من الإعراب على حسَب متبوعهِ، نحو "هذا عالمٌ من أَهل مِصرَ. رأَيتُ عالماً من أَهل مَصر. أَخذتُ عن عالمٍ من أَهل مَصر". فإن لم يكن، أي المجرور، شيئاً ممّا تقدَّمَ كان في محلِّ نصبٍ على أنهُ مفعولٌ به غيرُ صريحٍ، نحو "مررتُ بالقومِ، وَقفتُ على المِنبر. سافرتُ من بيروت إلى دِمشقَ". (الإضافة) الإضافةُ نِسبةٌ بينَ اسمين، على تقديرِ حرفِ الجر، توجِبُ جرَّ الثاني أبداً، نحو "هذا كتابُ التلميذِ. لَبِستُ خاتمَ فِضَّة. لا يُقبلُ صِيامُ النهارِ ولا قيامُ اللَّيلِ إلا من المُخلِصينَ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 205 ويُسمّى الأوَّلُ مضافاً، والثاني مضافاً إليهِ. فالمضافُ والمضافُ إليه اسمانِ بينهما حرفُ جَرّ مُقدَّرٌ. وعاملُ الجرِّ في المضاف إليه هو المضافُ، لا حرفُ الجرّ المقدَّرُ بينهما على الصحيح. وفي هذا المبحث سبعةُ مَباحثَ 1- أَنواعُ الإِضافةِ الإضافةُ أَربعةُ أنواع لاميّةٌ وبَيانيّةٌ وظرفيةٌ وتَشبيهيَةٌ. فاللاميّةُ ما كانت على تقدير "اللام". وتُفيدُ المِلكَ أَو الاختصاصَ. فالأولُ نحو "هذا حصان عليٍّ". والثاني نحو {أخذتُ بلِجامِ الفرس} . والبَيانيّة ما كانت على تقدير "مِن". وضابطُها أَن يكون المضاف إليه جنساً للمضاف، بحيثُ يكونُ المضافُ بعضاً من المضافِ إليه، نحو "هذا بابُ خشبٍ. ذاك سِوارُ ذَهبٍ. هذه أثوابُ صوفٍ". (فجنس الباب هو الخشب., وجنس السوار هو الذهب. وجنس الأثواب هو الصوف. والباب بعض من الخشب. والسوار بعض من الذهب. والأثواب بعض من الصوف. والخشبُ بيَّن جنس الباب. والذهب بَيَّن جنسِ السوار. والصوف بَيَّن جنس الأثواب. والإضافة البيانية يصح فيها الإخبار بالمضاف إليه عن المضاف. ألا ترى أنك إن قلت "هذا البابُ خشبٌ، وهذا السوارُ ذهبٌ، وهذه الأثوابُ صوفٌ" صحّ) . والظَّرفيةُ ما كانت على تقدير "في". وضابطُها أن يكون المضاف إليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 206 ظرفاً للمضاف. وتفيدُ زمانَ المضافِ أَو مكانَهُ، نحو "سَهَرُ الليلِ مَضنٍ وقُعودُ الدارِ مُخْمِلٌ". ومن ذلك أَن تقول "كان فلانٌ رفيقَ المدرسةِ، وإلفَ الصّبا، وصديقَ الأيام الغابرة". قال تعالى {يا صاحبَي السّجنِ} . والتشبيهيّةُ ما كانت على تقدير "كاف التَّشبيهِ". وضابطُها أن يَضافَ المُشبَّهُ بهِ إلى المشبَّه، نحو "انتثرَ لُؤْلؤُ الدمعِ على وَردِ الْخدودِ" ومنه قول الشاعر [من الكامل] وَالرِّيحُ تَعبَثُ بِالْغُصُونِ، وقَدْ جَرَى ... ذَهَبُ الأَصيلِ عَلى لُجَيْنِ الْمَاءِ 2- الإِضافةُ الْمَعنَويَّةُ وَالإِضافةُ اللَّفْظيَّة تنقسمُ الإضافة أَيضاً إلى معنويَّةٍ ولظفيّة. فالمعنويّةُ ما تُفيدُ تَعريفَ المضافِ أَو تخصيصهُ. وضابطُها أَن يكون المضافُ غيرَ وَصفٍ مَضافٍ إلى معمولهِ. بأن يكون غيرَ وصف أَصلاً كمفتاحِ الدَّارِ، أو يكونَ وصفاً مضافاً إلى غير معمولهِ ككاتبِ القاضي، ومأكولِ الناس، ومشربهم وملبوسهم. وتفيدُ تعريفَ المضافِ إن كان المضافُ إليهِ معرفةً، نحو "هذا كتابُ سعيدٍ"، وتخصيصَهُ، إن كان نكرةً، نحو "هذا كتابُ جلٍ". إلاّ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 207 إذا كان المضافُ مُتَوغِّلاً في الإبهام والتّنكير، فلا تُفيدُهُ إضافتُهُ إلى المعرفة تعريفاً، وذلك مثل صغيرٍ ومِثلٍ وشِبهٍ ونظيرٍ"، نحو "جاءَ رجلٌ غيرُك، أَو مثل سليمٍ، أو شبهُ خليلٍ، أَو نظيرُ سعيدٍ"، أَلا ترى أَنها وقعت صفةً لرجلٍ، وهو نكرةٌ، ولو عُرِّفت بالإضافة لَمَا جاز أَن تُوصفَ بها النكرةُ، وكذا المضافُ إلى ضمير يعودُ إلى نكرة، فلا يتعرَّف بالإضافة إليه، نحو "جاءني رجلٌ وأخوه. رُبَّ رجلٍ وولدهِ. كم رجلٍ وأَولادهِ". وتُسمّى الإضافةُ المعنويةُ أَيضاً "الإضافةَ الحقيقيّةَ" و"الإضافةَ المحضةَ". (وقد سُميت معنوية لأنَّ فائدتها راجعة إلى المعنى، من حيث أنها تفيد تعريف المضاف أو تخصيصه. وسميت حقيقية لأنّ الغرض منها نسبة المضاف إلى المضاف إليه. وهذا هو الغرض الحقيقي من الإضافة. وسميت محضة لأنها خالصة من تقدير انفصال نسبة المضاف من المضاف إليه. فهي على عكس الإضافة اللفظية، كما سترى) . والإضافةُ اللفظيّةُ ما لا تُفيدُ تعريف المضاف ولا تخصيصَهُ وإنما الغرَضُ منها التّخفيفُ في اللفظ، بحذفِ التنوينِ أَو نوني التّثنيةِ والجمع. وضابطُها أَن يكون المضاف اسمَ فاعلٍ أو مُبالغةَ اسمِ فاعلٍ، أو اسمَ مفعولٍ، أو صفةً مُشبّهةً، بشرط أن تضافَ هذهِ الصفاتُ إلى فاعلها أو مفعولها في المعنى، نحو "هذا الرجلُ طالبُ علمٍ. رأَيتُ رجلاً نَصّارَ المظلومِ. أنصرْ رجلاً مهضومَ الحقِّ. عاشِرْ رجلاً حسَنَ الخُلُق". والدليلُ على بقاءِ المضافِ فيها على تنكيرهِ أنهُ قد وُصفت به النكرةُ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 208 كما رأَيت، وأنهُ يقعُ حالاً، والحالُ لا تكون إلا نكرةً، كقولك "جاءَ خالدٌ باسمَ الثَّغرِ، وقولِ الشاعر [من الكامل] فَأتَتْ بِهِ حُوشُ الفُؤَادِ مُبَطَّناً ... سُهُداً إذا ما نامَ لَيْلُ الهَوْجَلِ وأنه تُباشرُهُ "رُبّ"، وهي لا تُباشرُ إلا النَّكراتِ، كقول بعضِ العرب، وقد انقضى رمضانُ "يا رُبَّ صائمه لن يَصومَهُ، ويا رُبَّ قائمهِ لن يَقومَهُ". وتُسمّى هذه الإضافةُ أيضاً "الإضافةَ المجازيَّةَ" و"الإضافةَ غيرَ المحضة". (أما تسميتها باللفظية فلانّ فائدتها راجعة إلى اللفظ فقط، وهو التخفيف اللفظي، بحذف التنوين ونوني التثنية والجمع. وأما تسميتها بالمجازية فلانها لغير الغرض الأصلي من الإضافة. وانما هي للتخفيف، كما علمت. وأما تسميتها بغير المحضة فلانها ليست اضافة خالصة بالمعنى المراد من الإضافة بل هي على تقدير الانفصال، ألا ترى أنك تقول فيما تقدَّم "هذا الرجل طالبٌ علماً. رأيت رجلاً نصاراً للمظلوم. انصر رجلاً مهضوماً حقّه. عاشر رجلاً حسناً خلقُه") . 3- أَحكامُ المُضافِ يجبُ فيما تُراد إضَافتهُ شيئانِ 1- تجريدُهُ من التَّنوين ونونيِ التَّثنيةِ وجمعِ المذكرِ السّالم ككتابٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 209 الأستاذٍ، وكتابَيِ الأستاذِ، وكاتِبي الدَّرسِ. 2- تجريدُهُ من "ألْ" إذا كانت الإضافةُ معنويَّة، فلا يُقالُ "الكتابُ الأستاذِ". وأمّا في الإضافةِ اللفظيَّة. فيجوز دخولُ "أل" على المضافِ، بشرطِ أن يكونَ مُثنّى، "المُكرما سليمٍ"، أو جمعَ مذكرٍ سالماً، نحو "المُكرمو عليٍّ"، أو مضافاً إلى ما فيه" أل"، نحو "الكاتبُ الدَّرسِ"، أو لاسمٍ مضافٍ إلى ما فيه "أل" نحو "الكاتبُ درسِ النَّحوِ"، أو لاسمٍ مضافٍ إلى ضمير ما فيه "أل"، كقول الشاعر [من الكامل] الوُدُّ، أَنتِ المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ ... مِنّي وإنْ لَمْ أَرْجُ مِنْكش نَوالا (ولا يقال "المكرم سليم، والمكرمات سليم، والكاتب درس"، لأن المضاف هنا ليس مثنى، ولا جمعَ مذكر سالماً، ولا مضافاً الى ما فيه "ألى" أو الى اسم مضاف الى ما فيه "أل". بل يقال "مكرم سليم، ومكرمات سليم، وكاتب درس". بتجريد المضاف من "أل") . وجوَّزَ الفَرّاءُ إضافةَ الوصفِ المقترنِ بأل إلى كل اسمِ معرفةٍ، بلا قيدٍ ولا شرطٍ. والذوقُ العربيُّ لا يأبى ذلك. 3- بَعْضُ أَحكامٍ للإِضافة 1- قد يكتسبُ المضافُ التأنيثَ أو التذكيرَ من المضاف إليه، فيُعامَلُ معاملةَ المؤنثِ، وبالعكس، بشرطِ أن يكون المضافَ صالحاً للاستغناءِ عنه، وإقامةِ المضافِ إليه مُقامَهُ، نحو "قُطعتْ بعضُ أصابعهِ"، ونحو "شمسُ العقلِ مكسوفٌ بِطَوعِ الهَوى"، قال الشاعر [من الوافر] الجزء: 3 ¦ الصفحة: 210 أَمُرُّ عَلى الدِّيارِ، دِيارِ لَيْلى ... أُقَبِّلُ ذا الجِدارَ وذَا الجِدارا وما حُبُّ الدِّيارِ شَغَفْنَ قَلْبي ... وَلكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيارا والأولى مُراعاةُ المضاف، فتقولُ "قُطعَ بعضُ أصابعهِ. وشمسُ العقل مكسوفةٌ بِطَوع الهوى. وما حبُّ الديار شغفَ قلبي". إلا إذا كان المضافُ لفظَ "كُلّ" فالأصلحُّ التأنيث، كقوله تعالى "يومَ تَجِدُ كلُّ نفسٍ ما عَمِلتْ من خير مُحضَراً"، وقولِ الشاعر [عنترة - من الكامل] جادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ ... فَتَرَكْنَ كُلَّ حَديقَةٍ كَالدِّرْهَمِ أما إذا لم يصحَّ الاستغناءُ عن المضاف، بحيثُ لو حُذفَ لَفَسدَ المعنى، فمُراعاةُ تأنيثِ المضاف أو تذكيرِهِ واجبةٌ، نحو "جاءَ غُلامُ فاطمةَ، وسافرتْ غلامةُ خليلٍ"، فلا يقالُ "جاءَت غلامُ فاطمةَ"، ولا "سافر غلامةُ خليل"، إذ لو حُذف المضافُ في المثالين، لفسدَ المعنى. 3- لا يَضافُ الاسمُ إلى مرادِفه، فلا يقالُ "ليثُ أسدِ"، إِلا إِذا كانا عَلمينِ فيجوزُ، مثل "محمدُ خالدٍ"، ولا موصوفٌ إلى صفتهِ، فلا يقال "رجلُ فاضلٍ". وأما قولهم "صلاةُ الأولى، ومَسجدُ الجامعِ، وحَبَّةُ الحَمقاءِ، ودارُ الآخرةِ، وجانبُ الغربي، فهو على تقدير حذفِ المضافِ إليه وإقامةِ صفتهِ مُقامَهُ. والتأويلُ "صلاةُ الساعةِ الأولى، ومسجدُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 211 المكان الجامع، وحبةُ البَقلة الحمقاءِ، ودارُ الحياة الآخرة، وجانبُ المكانِ الغربي". وأمّا إضافةُ الصفةِ إلى الموصوف فجائزةٌ، بشرط ان يصحَّ تقديرُ "مِن" بين المضافِ والمضافِ إليه، نحو "كرامُ الناسِ، وجائبةُ خبرٍ، ومُغَرِّبةُ خَبرٍ، وأخلاقُ ثياب، وعظائمُ الأمورِ، وكبيرُ أمرٍ". والتقديرُ "الكرام من الناس، وجائبةٌ من خبر الخ". أمّا إذا لم يصحْ "مِن" فهيَ ممتنعةٌ، فلا يقالُ "فاضلُ رجلٍ، وعظيمُ أمير". 3- يجوز أن يُضافَ العامُّ إلى الخاصّ. كيوم الجُمعة، وشهر رمضانَ. ولا يجوزُ العكسُ، لعدم الفائدة، فلا يقالُ "جُمعة اليوم، ورمضان الشهر". 4- قد يضافُ الشيءُ إلى الشيءُ لأدنى سَببٍ بينَهما (ويُسمُّونَ ذلك بالإضافةِ لأدنى مُلابَسةٍ) ، وذلكَ أنك تقولُ لرجلٍ كنتَ قد أجتمعتَ به بالأمسِ في مكان "انتظرني مكانَكَ أمسِ"، فأضفتَ المكانَ إليه لأقلَّ سببٍ، وهو اتفاقُ وُجوده فيه، وليس المكانُ ملكاً لهُ ولا خاصاً به، ومنه قول الشاعر [من الطويل] إذا كَوْكَبُ الخَرْقاءِ لاحَ بِسُحْرَةٍ ... سُهَيْلٌ، أَذاعَتْ غَزْلَها في القَرائِبِ 5- إذا أمِنوا الالتباسَ والإبهامَ حذفوا المضافَ وأقاموا المضافَ إليه الجزء: 3 ¦ الصفحة: 212 مُقامَهُ، وأعربوهُ بإِعرابهِ، ومنه قولهُ تعالى {واسألِ القريةَ التي كنّا فيها والعِيرَ التي أقبلنا فيها} ، والتقديرُ واسألْ أهل القريةَ وأصحابَ العِيرِ. أما إن حصلَ بحذفه إبهامٌ والتباسٌ فلا يجوزُ، فلا يُقالُ "رأيتُ عليّاً"، وأنتَ تُريدُ "رأيتُ غلامَ عليّ". 6- قد يكونُ في الكلام مضافانِ اثنانِ، فيُحذَفَ المضافُ الثاني استغناءً عنهُ بالأوَّل، كقولهم "ما كلُّ سَوداءَ تَمرةً، ولا بيضاءَ شَحمةً"، فكأنَّكَ قلتَ "ولا كلُّ بيضاءَ شحمة". فبيضاء مُضافٌ إلى مضافٍ محذوف. ومثلُهُ قولُهم "ما مثلُ عبد اللهِ يقولُ ذلك، ولا أخيهِ"، وقولُهم "ما مثلُ أبيكَ، ولا أخيكَ يقولان ذلك". 7- قد يكونُ في الكلام اسمانِ مضافٌ إليهما فيُحذَفُ المضاف إليه الأول استغناءً عنه بالثاني، نحو "جاءَ غلامُ وأخو عليّ". والأصلُ "جاءَ غلامُ عليَّ وأخوهُ". فلمّا حُذِفَ المضافُ إليه الأول جعلتَ المضافَ إليه الثاني اسماً ظاهراً، فيكون "غلام" مضافاً، والمضافُ إليه محذوف تقديرُه "علي"، ومنه قول الشاعر [من المنسرح] يا مَنْ رَأَى عارِضاً أُسَرُّ بهِ ... بَيْنَ ذِراعَيْ وَجَبْهَةِ الأَسَدِ والتقديرُ "بينَ ذراعيِ الأسد وجبهتهِ". وليس مثلُ هذا بالقويِّ والأفضلُ ذكرُ الاسمين المضاف إليهما معاً. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 213 5- الأَسماءِ المُلاَزِمةُ للإِضافة من الأسماءِ ما تمتنعُ إضافتُه، كالضمائرِ وأسماءِ الإشارةِ والأسماءِ الموصولةِ وأسماءِ الشرط وأسماءِ الاستفهام، إلاّ "أيّاً"، فهي تُضافُ. ومنها ما هو صالحُ للاضافة والإفراد (أي عدمِ الإضافة) ، كغلامٍ وكتابٍ وحصانٍ ونحوهما. ومنها ما هو واجبُ الإضافة فلا ينفكُّ عنها. وما يُلازِمُ الإضافة على نوعين نوعٍ يلازِمُ الإضافةَ إلى المفرد. ونوعٍ يُلازمُ الإضافةً إلى الجملة. 6- المُلازِمُ الإِضافةِ إلى المُفْرَد إنَّ ما يُلازمُ الإضافةَ إلى المفرد نوعان نوعٌ لا يجوزُ قطعُه عن الإضافة، ونوعٌ لا يجوزُ قطعهُ عنها لفظاً لا معنًى، أي يكونُ المضافُ إليه مَنوِياً في الذِّهن. فما يلازمُ الاضافةَ إلى المفردِ، غيرَ مقطوعٍ عنها، هو "عِند وَلدَى وَلدُن وبين ووَسط (وهي ظروف) وشِبْهٌ وقابٌ وكِلاَ وكِلتا وسوَى وذُو وذاتٌ وذَوَا وذَوَاتا وذَوُو وذواتِ وأُولُو وأَولات وقُصارَى وسُبحان ومَعاذ وسائر الجزء: 3 ¦ الصفحة: 214 ووَحْد ولبَّيْك وسَعدَيكَ وحَنانَيكَ ودَواليكَ" (وهي غيرُ ظروف) . وأمّا ما يُلازم الإضافةَ إلى المفرد، تارةً لفظاً وتارةً معنًى، فهو "أوَّل ودون وفَوق وتحت ويمين وشِمال وأمام وقُدَّام وخَلف وورَاء وتِلقاء وتجاه وإزاء وحِذاء وقبل وبعد ومَع (وهي ظروف) وكلٌّ وبعضٌ وغير وجميعٌ وحَسْبٌ وأيُّ" (وهي غيرُ ظروف) . أحكام ما يلازم الاضافة إلى المفرد 1- ما يُلازمُ الاضافةَ إلى المفرد لفظاً، منه ما يضافُ إلى الظاهر والضميرِ، وهوَ "كِلاَ وكِلتا ولَدى وَلدُنْ وعند وسوى وبين وقُصارَى ووسَط ومِثل وذَوُو ومَع وسُبحان وسائر وشِبه". ومنه ما لا يُضافُ إلا إلى الظاهر، وهو "أُولو وأُولات وذُو وذات وذَوَا وذَوَاتا وقاب ومَعاذ". ومنه ما لا يضافُ إلا إلى الضميرِ، وهو "وَحْد"، ويضافُ إلى كلِّ مَضمَرٍ فتقولُ "وحدَهُ ووحدَكَ ووحدَها ووحدَهما ووحدَكم" الخ، و"لبَّيكَ وسَعدَيكَ وحنانيكَ ودَواليكَ" ولا تُضاف إلا إلى ضمير الخطاب، فتقول "لبَيَّكَ ولَبيّكما وَسعدَيكمُ" الخ. (وهي مصادر مثناة لفظاً، ومعناها التكرار، فمعنى "لبيك" اجابة لك بعد اجابة. ومعنى "سعديك" اسعاداً لك بعد اسعاد. وهي لا تُستعمل الا بعد "لبيك". ومعنى "حنانيك" تحنّناً عليك بعد تحنن. ومعنى "دواليك" تداولاً بعد تداول. وهذه المصادر منصوبة على أنها مفعول مطلق لفعل محذوف، اذ التقدير "ألبيك تلبيةً بعد تلبيةٍ. وأسعدك إسعاداً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 215 بعد اسعاد" الخ. وعلامة نصبها الياء لأنها تثنية) . 2- كِلا وكلتا إن أُضيفتا إلى الضمير أُعربتا إعرابَ المُثنّى، بالألف رفعاً، وبالياءِ نصباً وجراً، نحو "جاءَ الرجلانِ كلاهما. رأيتُ الرجلين كليهما. مررتُ بالرجلين كليهما". وإن أُضيفتا إلى اسمٍ غيرِ ضمير أُعربتا إِعرابَ الاسم المقصور، بحركاتٍ مُقدَّرةٍ على الألف للتعذُّر، رفعاً ونصباً وجراً. نحو "جاءَ كِلا الرجلين. رأيتُ كلا الرجلين. مررتُ بكلا الرجلين". وحُكمُهُما أنهما يَصحُّ الإخبارُ عنهما بصفةٍ تحملُ ضميرَ المفرد، باعتبار اللفظِ، وضميرَ المثنّى، باعتبار المعنى، فتقول "كِلا الرجلين عالم" و"كلا الرجلين عالمان". ومراعاةُ اللفظ أكثر. وهما لا تُضافان إلا إلى المعرفة، وإلى كلمةٍ واحدة تدُلُّ على اثنين، فلا يُقال "كِلا رجلينِ"، لأن "رجلين" نكرة، ولا "كِلا عليٍّ وخالدٍ"، لأنها مضافةٌ إلى المفرد. 3- أيُّ. على خمسة أنواعٍ موصوليّةٍ ووصفيّةٍ وحاليّةٍ واستفهاميّةٍ وشرطيّة. فإن كانت اسماً موصولاً فلا تُضاف إلا إلى معرفةٍ، كقولهِ تعالى {ثُمَّ لَنَنزِعنَّ من كلِّ شيعةٍ أيُّهم أشدُّ على الرَّحمنِ عِتِياً} . وإن كانت منعوتاً بها، او واقعةً حالاً، فلا تُضافُ إلا إلى النكرةِ، نحو "رأيتُ تلميذاً أيَّ تلميذٍ"، ونحو "سرَّني سليمٌ أيَّ مجتهدٍ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 216 وإن كانت استفهاميّةً، أو شرطيّةً، فهي تُضافُ إلى النكرة والمعرفة، فتقولُ في الاستفهاميّة "أي رجلٍ جاءَ؟ وأيُّكم جاءَ؟ "، وتقولُ في الشرطيّة "ايُّ تلميذٍ يجتهدْ أكرمْهُ. وأيكم يجتهدْ أُعطهِ". وقد تُقطَعُ "أيُّ"، الموصوليّةُ والاستفهاميّة والشرطيّةُ، عن الاضافة لفظاً، ويكونُ المضافُ إليه مَنوياً، فالشرطيّةُ كقولهِ تعالى {أيّاً ما تَدعُوا فلَهُ الأسماءُ الحُسنى} . والتقديرُ "أيَّ اسمٍ تدعو"، والاستفهاميّةُ نحو "أيٌّ جاءَ؟ وأيّاً أكرمتَ؟ "، والموصوليّةُ نحو "أيٌّ هوَ مجتهدٌ يفوزُ. وأكرمْ ايّاً هو مجتهدٌ". أما "أيُّ" الوصفيّةُ والحاليّةُ فملازمةٌ للاضافة لفظاً ومعنًى. 4- مَعَ وَقبل وبَعد وأوَّل ودون والجهاتُ الستُّ وغيرُها من الظُّروف، قد سبقَ الكلامُ عليها مُفصلاً في مبحث الأسماءِ المبنية، وفي مبحث أحكام الظروف المبنيةِ، في باب المفعول فيه. فراجع ذلك. 5- غير اسمٌ دال على مخالفةِ ما بعدَه لحقيقةِ ما قبلَهُ. وهو ملازمٌ للاضافةِ. وإذا وقعَ بعدَ "ليس" أو "لا" جازَ بقاؤه مضافاً، نحو "قبضتُ عشرة ليس غيرها، أو لا غيرها" وجازَ قطعهُه عن الاضافة لفظاً وبناؤه على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 217 الضمَّ، على شرط أن يُعلَمَ المضاف إليهِ، فتقول "ليس غيرُ أو لا غيرُ". 6- حَسب بمعنى "كافٍ". ويكون مضافاً، فيعرَبُ بالرفع والنصب والجر. وهو لا يكون إلا مبتدأ، مثل "حسبُكَ اللهُ"، أو خبراً نحو "اللهَ حَسبي"، أو حالاً نحو "هذا عبدُ اللهِ حسبَكَ من رجلٍ"، أو نعتاً نحو "مررتُ برجلٍ حَسبِكَ من رجلٍ. رأيتُ رجلاً حَسبَكَ من رجلٍ. هذا رجلٌ حَسبُكَ من رجل". ويكونُ مقطوعاً عن الاضافة، فيكون بمنزلةِ "لا غيرُ" فيُبنى على الضمِّ، ويكونُ إعرابهُ محليّاً، نحو "رأيتُ رجلاً حسبُ. رأيت علياً حسبُ. هذا حسبُ". فحسبُ، في المثالِ الأول، منصوبٌ محلاً، لأنه نعتٌ لرجلاً، وفي المثال الثاني منصوبٌ محلاً، لأنه حالٌ من "عليّ" وفي المثالث الثالث مرفوعٌ محلاً لأنه خبر المبتدأ. وقد تَدخلُه الفاءُ الزائدةُ تزييناً لِلَّفظِ، نحو "أخذت عشرةً فحسبُ". 7- كلٌّ وبعضٌ يكونان مُضافينِ، نحو "جاءَ كلُّ القومِ أو بعضُهم" ومقطوعينِ عن الاضافة لفظاً، فيكون المضافُ إليه مَنوياً، كقوله تعالى {وكُلاًّ وعدَ اللهُ الحُسنى} ، أي كلاًّ من المجاهدينَ والقاعدينَ، أي كلَّ فريق منهم، وقولهِ {وفضّلنا بعض النّبيينَ على بعضٍ} ، أي على بعضهم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 218 8- جميعٌ يكونُ مضافاً، نحو "جاءَ القومُ جميعُهم". ويكون مقطوعاً عن الاضافةِ منصوباً على الحال، نحو "جاءَ القومُ جميعاً"، أي مجتمعينَ. 7- المُلاَزِمُ الإضافة إِلى الجُمْلَةِ ما يلازمُ الاضافةَ إلى الجملة هو "إذْ وحيثُ وإذا ولمّا ومذ ومُنذ". فإذْ وحيثُ تُضافانِ إلى الجُملِ الفعليّة والاسميّة، على تأويلها بالمصدر. فالأولُ كقوله تعالى {واذكروا إذْ كُنتم قليلاً} ، وقولهِ {فأتوهنَّ من حيثُ أمرَكمَ اللهُ} ، والثاني كقوله عزَّ وجلَّ {واذكروا إذْ أنتم قليلٌ} ، وقولِكَ "اجلِسْ حيث العلمُ موجودٌ". و"إذا ولمّا". تُضافانِ إلى الجملِ الفعليةِ خاصةً، غير أن "لمّا" يجبُ أن تكونَ الجملةُ المضافةُ إليها ماضيّةً، نحو "إذا جاءَ عليٌّ أكرمتُه" و"لمّا جاءَ خالدٌ أعطيته". ومُذْ ومنذُ" إن كانتا ظرفينِ؛ أُضيفتا إلى الجمل الفعليّةِ والاسميّة، نحو "ما رأَيتُكَ مُذْ سافرَ سعيدٌ. وما اجتمعنا منذُ سعيدٌ مسافرٌ". وإن كانتا حرفيْ جرٍّ، فما بعدَهما اسمٌ مجرورٌ بهما. كما سبق الكلام عليهما في مبحث حروف الجرّ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 219 واعلم أنَّ "حيثُ" لا تكون إلا ظرفاً. ومن الخطأ استعمالُهما للتعليلِ، بمعنى "لأن"، فلا يُقالُ "أكرمتُه حيث إنه مجتهدٌ"، بل يُقالُ "لأنه مجتهدٌ". وما كان بمنزلةِ "إذْ" أَو إذا"، في كونه اسمَ زمانٍ مُبهماً لِمَا مضَى أَو لما يأتي، فإنهُ يُضافُ إلى الجمل، نحو "جئتك زمنَ عليٌّ والٍ"، أَو "زمنَ كان عليٌّ والياً"، ومنه قوله تعالى {يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بَنونَ، إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم} ، وقوله {هذا يومُ ينفعُ الصادقينَ صِدقُهُم} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 220 (التوابع وإعرابها) (النعت) النّعتُ (ويُسمّى الصَّفَةَ أَيضاً) هو ما يُذكرُ بعدَ اسمٍ ليُبيَّنَ بعض أَحوالهِ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 221 أَو أَحوال ما يَتعلَّقُ به. فالأوَّلُ نحو "جاءَ التلميذُ المجتهدُ"، والثاني نحو "جاءَ الرجلُ المجتهدُ غلامُهُ". (فالصفة في المثال الأول بينت حال الموصوف نفسه. وفي المثال الثاني لم تبين حال الموصوف، وهو الرجل، وإنما بينت ما يتعلق به، وهو الغلام) . وفائدةُ النَّعتِ التَّفرقةُ بينَ المشتركينَ في الاسم. ثمَّ إن كان الموصوفُ معرفةً ففائدةُ النّعتِ التَّوضيح. وإن كانَ نكرةً ففائدتهُ التّخصيصُ. (فان قلت "جاء عليّ المجتهد" فقد أوضحت من هو الجائي من بين المشتركين في هذا الاسم. وإن قلت "صاحب رجلاً عاقلاً"، فقد خصصت هذا الرجل من بين المشاركين له في صفة الرجولية) . وفي هذا المبحث خمسةُ مباحثَ 1- شَرْطُ النَّعْتِ الأصلُ في النعتِ أن يكونَ اسماً مُشتقاً، كاسم الفاعل واسمِ المفعول والصفةِ المُشبّهة واسم التّفضيل. نحو "جاء التلميذُ المجتهدُ. أكرِمْ خالداً المحبوبَ. هذا رجلٌ حسنٌ خُلقُهُ. سعيدٌ تلميذٌ أعقلُ من غيره". وقد يكونُ جملةً فعليّةً، أو جملةً اسميةً على ما سيأتي. وقد يكون اسماً جامداً مُؤوَّلاً بمشتقٍّ. وذلك في تسعِ صُوَرٍ 1- المصدرُ، نحو "هو رجلٌ ثِقةٌ"، أي موثوقٌ بهِ، و"أنتَ رجلٌ عَدلٌ"، أي عادلٌ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 222 2- اسمُ الاشارةِ، نحو "أكرِمْ عليّاً هذا"، أي المشارُ إليه. 3- "ذُو"، التي بمعنى صاحب، و"ذات"، التي بمعنى صاحبة، نحو "جاءَ رجلٌ ذُو علمٍ، وامرأةٌ ذاتُ فَضلٍ، أي صاحبُ علمٍ، وصاحبة فضلٍ. 4- الاسمُ الموصولُ المقترنُ بألْ، نحو "جاءَ الرجلُ الذي اجتهدَ"، أي المجتهدُ. 5- ما دلَّ على عَدَد المنعوتِ، نحو "جاءَ رجالٌ أربعةُ"، أي مَعْدُودُونَ بهذا العَدَد. 6- الاسمُ الذي لحقتهُ ياءُ النسبة، نحو "رأيتُ رجلاً دِمَشقيّاً، منسوباً إلى دِمَشق. 7- ما دلَّ على تشبيهٍ، نحو "رأيتُ رجلاً أسداً، أي شجاعاً، و"فلانٌ رجلٌ ثَعلبٌ"، أي محتالٌ. والثعلبُ يُوصفُ بالاحتيالِ. 8- "ما" النكرةُ التي يُرادُ بها الابهامُ، نحو "أُكرِمُ رجلاً ما" أي رجلاً مُطلقاً غيرَ مُقيّدٍ بصفةٍ ما. وقد يُرادُ بها معَ الابهامِ التهويلُ، ومنهُ المثلُ "لأمرٍ ماجَدَعَ قَصيرٌ أنفَهُ"، أي لأمرٍ عظيمٍ. 9- كَلِمتا "كلٍّ وأيٍّ"، الدَّالتينِ على استكمال الموصوفِ للصفةِ، نحو "أنتَ رجلٌ كلُّ الرجلِ"، أي الكاملُ في الرُّجوليّةِ، و"جاءَني رجلٌ أيُّ رجلٍ"، أي كاملٌ في الرجوليّةِ. ويقال أيضاً "جاءَني رجلٌ أيُّما رجلٍ"، بزيادةِ "ما". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 223 2- النَّعْتُ الحَقيقِيُّ وَالنَّعْتُ السَّبَبِيُّ ينقسمُ النعتُ إلى حقيقيٍّ وسببيٍّ. فالحقيقيُّ ما يُبيِّنُ صفةً من صفاتِ مَتبوعهِ، نحو "جاءَ خالدٌ الأديبُ". والسَّببيُّ ما يُبيِّنُ صفةً من صفاتِ ما لهُ تَعلقٌ بمتبوعهِ وارتباطٌ به نحو "جاءَ الرجلُ الحسنُ خطُّهُ". (فالأديب بين صفة مبتوعه، وهو خالد. أما الحسن فلم يبين صفة الرجل، إذ ليس القصد وصفة بالحسن، وإنما بين صفة الخط الذي له ارتباط بالرجل، لأنه صاحبه المنسوب إليه) . والنعتُ يجبُ أن يَتْبعَ منعوتَهُ في الاعراب والافرادِ والتَّثنية والجمعِ والتذكيرِ والتأنيث والتعريفِ والتنكير. إلا إذا كان النَّعتُ سببيّاً غيرَ مُتحمّلٍ لضميرٍ المنعوتِ، فيَتبعُهُ حينئذٍ وجوباً في الاعراب والتعريف والتنكير فقط. ويراعَى في تأنيثهِ وتذكيره ما بعدَهُ. ويكونُ مُفرَداً دائماً. فتقولُ في النَّعت الحقيقي "جاءَ الرجلُ العاقلُ. رأيتُ الرجلَ العاقلَ. مررتُ بالرجلِ العاقلِ. جاءَت فاطمةُ العاقلةُ. رأيت فاطمةَ العاقلةَ. مررت بفاطمةَ العاقلةِ. جاءَ الرجلانِ العاقلانِ. رأَيتُ الرجلين العاقلين. جاءَ الرجالُ العُقلاءُ. رأيتُ الرجالَ العُقلاءَ. مررتُ بالرجالِ العقلاءِ. جاءَت الفاطماتُ العاقلاتُ. رأيت الفاطماتِ العاقلاتِ. مررتُ بالفاطماتِ العاقلاتِ". وتقولُ في النعتِ السّببيِّ، الذي لم يَتحمّل ضميرَ المنعوت "جاءَ الرجلُ الكريمُ أَبوه، والرجلانِ الكريمُ أَبوهما، والرجالُ الكريمُ أَبوهم، والرجلُ الكريمة أُمُّهُ. والرجلانِ الكريمةُ أُمُّهما، والرجالُ الكريمةُ. أُمُّهم، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 224 والمرأةُ الكريمُ أبوها، والمرأتانِ الكريمُ أَبوهما، والنساءُ الكريمُ أبوهنَّ، والمرأَة الكريمةُ أُمُّها، والمرأَتانِ الكريمةُ أُمُّهما، والنساءُ الكريمةُ أُمُّهنَّ". أَمَّا النّعتُ السبَبيُّ، الذي يَتحمّلُ ضميرَ المنعوتِ، فيطابقُ منعوتَهُ إفراداً وتثنيةً وجمعاً وتذكيراً وتأنيثاً، كما يُطابقهُ إعراباً وتعريفاً وتنكيراً، فتقولُ "جاءَ الرجلانِ الكريما الأبِ، والمرأتانِ الكريمتا الأبِ، والرجالُ الكرامُ الأبِ، والنساءُ الكريماتُ الأبِ". واعلم أنهُ يُستثنى من ذلكَ أربعةُ أشياء 1- الصفاتُ التي على وزنِ "فَعُول" - بمعنى "فاعل" نحو "صَبُورٍ وغَيورٍ وفَخُورٍ وشكُورٍ"، أو على وزن "فَعِيل" - بمعنى "مفعول" - نحو "جريح وقَتيل وخَضيبٍ"، أو على وزن "مفعالٍ"، نحو "مِهذار ومِكسال ومِبسامٍ"، أو على وزن "مِفعيلٍ" نحو "مِعطيرٍ ومِسكينٍ"، أو على وزن "مِفعَلٍ"، نحو "مِغشَمٍ ومِدعسٍ ومِهذَرٍ". فهذه الأوزان الخمسةُ يَستوي في الوصفِ بها المذكرُ والمؤنثُ، فتقولُ "رجلٌ غيورٌ، وامرأةٌ غيورٌ، ورجلٌ جريحٌ، وارمأة جريح" الخ. 2- المصدرُ الموصوفُ به، فغنه يبقى بصورةٍ واحدةٍ للمفردِ والمثنّى والجمع والمذكّرِ والمؤنث، فتقولُ "رجلٌ عدلٌ، وامرأة عدلٌ. ورجلانِ عَدلٌ. وامرأتانِ عدلٌ. ورجالٌ عَدلٌ. ونساءٌ عَدلٌ". 3- ما كان نعتاً لجمعِ ما لا يَعقلُ، فإنهُ يجوز فيه وجهان أن يُعاملَ مُعاملةَ الجمعِ، وأن يُعامَلَ مُعاملةَ المفردِ المؤنث، فتقولُ "عندي خيولٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 225 سابقاتٌ، وخيولٌ سابقة". وقد يوصفُ الجمعُ العاقلُ، إن لم يكن جمعٌ مُذكرٍ سالماً، بصفة المفردة المؤنثة كالأمم الغابرة. 4- ما كان نعتاً لاسمِ الجمع، فيجوزُ فيه الإفرادُ، باعتبارِ لفظِ المنعوتِ والجمعُ، باعتبارِ معناهُ، فتقولُ "إنَّ بَني فلان قومٌ صالحٌ وقومٌ صالحون". 3- النَّعْتُ المُفْرَدُ والجُمْلَةُ وشِبْهُ الجُمْلَة ينقسم النّعتُ أيضاً إلى ثلاثةِ أقسامٍ مُفرَدٍ وجملةٍ وشِبهِ جُملة. فالمفردُ ما كانَ غيرَ جملةٍ ولا شِبهَها، وإن كان مُثنًى أو جمعاً، نحو "جاءَ الرجلُ العاقلُ، والرجلان العاقلانِ، والرجالُ العُقلاءُ". والنّعتُ الجملةُ أن تقعَ الجملةُ الفعليّةُ أو الاسميّة منعوتاً بها، نحو "جاءَ رجلٌ يَحملُ كتاباً" و"جاءَ رجلٌ أبوهُ كريمٌ". ولا تقعُ الجملةُ نعتاً للمعرفة، وإنما تقعُ نعتاً للنكرةِ كما رأيتَ. فإن وقعت بعد المعرفة كانت في موضع الحال منها، نحو "جاءَ عليٌّ يحملُ كتاباً". إلاّ إذا وقعت بعد المعرَّفِ بأل الجنسيّةِ، فيصح أن تُجعَلَ نعتاً له، باعتبار المعنى، لأنهُ في المعنى نكرةٌ، وأن تُجعل حالاً منهُ، باعتبار اللفظ، لأنهُ مُعرَّفٌ لفظاً بألْ، نحو "لا تُخالطِ الرجلَ يَعملُ عملَ السُّفهاءِ"، ومنه قولُ الشاعر [من الكامل] وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئيمِ يَسُبُّني ... فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لا يَعنيني وقولِ الآخر [من الطويل] وَإني لَتَعروني لِذِكْراكِ هَزَّةٌ ... كمَا انْتَفَضَ العُصفورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 226 (فليس القصد رجلاً مخصوصاً، ولا لئيماً مخصوصاً، ولا عصفوراً، مخصوصاً، لأنك ان قلت "لا تخالط رجلاً يعمل عمل السفهاء. لقد أمرّ على لئيم يسبني. كما انتفض عصفورٌ بلله القطر" صح) . ومثلُ المعرَّفِ بألِ الجنسيّةِ ما أُضيفَ إلى المُعرَّف بِها، كقولِ الشاعر [من الكامل] وَتُضِيءُ في وَجْهِ الظَّلاَمِ مُنيرَةً ... كَجُمانَةِ الْبَحْرِيِّ سُلَّ نِظامُها أي كجُمانة بحرِيٍّ سُل نظامها. وشرطُ الجملةِ النعتيّة (كالجملة الحاليّة والجملة الواقعةِ خبراً) أن تكونَ جملةً خبريَّةً (أي غيرَ طلبيّة) ، وان تشتملَ على ضمير يَربِطُها بالمنعوت، سواءُ أكان الضميرُ مذكوراً نحو "جاءَني رجلٌ يَحملُهُ غلامُهُ"، أم مستتراً، نحو "جاءَ رجلٌ يحملُ عَصاً، أو مُقدَّراً، كقولهِ تعالى {واتَّقوا يوماً لا تُجزَى نفسٌ عن نفسٍ شيئاً} ، والتقديرُ "لا تُجزَى فيه". (ولا يقال "جاءَ رجل أكرمهُ" على أن جملة "أكرمْه" نعت لرجل. ولا يقال "جاء رجلٌ هل رأيت مثله، أو ليته كريم" لأن الجملة هنا طلبية. وما ورد من ذلك فهو على حذف النعت؛ كقوله "جاءوا بمذقٍ هل رأيت الذئب قط". والتقدير "جاءوا بمذقٍ مقولٍ فيه هل رأيت الذئب". والمذق بفتح الميم وسكون الذال اللبن المخلوط بالماء فيشابه لونُه لونَ الذئب) . والنعتُ الشبيهُ بالجملة أن يقعَ الظرفُ أو الجارُّ والمجرورُ في موضع النعت، كما يَقَعانِ في موضع الخبر والحال، على ما تَقدَّمَ، نحو "في الدار رجلٌ أمامَ الكُرسيّ"، "ورأيتُ رجلاً على حصانهِ". والنعتُ في الحقيقة الجزء: 3 ¦ الصفحة: 227 إنما هو مُتعلِّقُ الظرفِ أو حرفِ الجرّ المحذوفُ. (والأصل في الدار رجل كائن، أو موجود، أمام الكرسي. رأيت رجلاً كائناً، أو موجوداً، على حصانه) . واعلم أنه إذا نُعتَ بمفردٍ وظرفٍ ومجرور وجملةٍ، فالغالب تَأخيرُ الجملة، كقولهِ تعالى "وقالَ رجلٌ من آلِ فرعون يَكتُمُ إيمانَهُ" وقد تُقدَّمُ الجملة، كقولهِ سبحانهُ "فسوفَ يأتي اللهُ بقومٍ يُحبّهم ويُحبُّونهُ، أذلَّةٍ على المؤمنينَ، أعزَّةٍ على الكافرين". 4- النَّعْتُ الْمَقْطوع قد يُقطعُ النعت، عن كونهِ تابعاً لِما قبلهُ في الإعراب، إلى كونه خبراً لمبتدأ محذوف، أو مفعولاً به لفعل محذوف. والغالبُ أن يُفعلَ ذلك بالنعت الذي يُؤتى به لمجرَّدِ المدح، أو الذَّمِّ، أو التَّرحُّمِ، نحو "الحمدُ للهِ العظيمُ، أو العظيمَ". ومنهُ قولهُ تعالى {وامرَأتُهُ حَمّالةَ الحطب} . وتقولُ "أحسنتُ إلى فلانٍ المِسكينُ، أو المسكينَ". وقد يُقطَعُ غيرُهُ مما لم يُؤتَ بهِ لذلك، نحو "مررتُ بخالد النجارُ أو النجارَ". وتقديرُ الفعل، إن نصبتَ، وأَمدَحُ، فيما أريدَ به المدحُ، "وأَذمُّ"، فيما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 228 أُريدَ به الذمُّ، و"أَرحَمُ"، فيما أُريدَ به التُّرحُّمُ، و"أَعني" فيما لم يُرَد به مدحٌ ولا ذمٌّ ولا ترحُّمٌ. وحذفُ المبتدأ والفعل، في المقطوع المراد به المدحُ أو الذمُّ أو الترحم، واجبٌ، فلا يجوزُ إظهارُهما. ولا يُقطَعُ النعتُ عن المنعوت إلا بشرط أن لا يكونَ مُتمّماً لمعناهُ، بحيثُ يستقلُّ الموصوف عن الصفة. فإن كانت الصفة مُتمّمةً معنى الموصوف، بحيثُ لا يَتَّضِحُ إلاّ بها، لم يَجُز قطعُهُ عنها، نحو "مررتُ بسليمٍ التاجرِ"، إذا كان سليم لا يُعرَفُ إلا بذكر صفته. وإذا تكرّرتِ الصفاتُ، فإن كان الموصوفُ لا يتعيَّنُ إلاّ بها كلّها، وجبَ إتباعها كلّها له، نحو "مررتُ بخالدٍ الكاتبش الشاعرِ الخطيبِ"، إذا كان هذا الموصوف (وهو خالدٌ) يُشاركهُ في اسمه ثلاثةٌ أحدهم كاتبٌ شاعر، وثانيهم كاتبٌ خطيب. وثالثهم شاعر خطيب. وإن تعيّنَ ببعضها دونَ بعضٍ وجبَ إتباعُ ما يَتعَيَّن بهِ، وجاز فيما عداهُ الإتباعُ والقطعُ. وإن تكرَّرَ النّعتُ، الذي لمجرَّد المدح أو الذمِّ أو الترحُّم، فالأوْلى إما قطعُ الصفاِ كلّها، وإما إتباعها كلّها. وكذا إن تكرَّرَ ولم يكن للمدح أو الَّم. غيرَ أن الاتباع في هذا أولى على كل حال، سواءٌ أتكرَّرت الصفةُ أم لم تكرَّر. 5- تَتمَّةٌ 1- الاسمُ العلمُ لا يكونُ صفةً، وإنما يكونُ موصوفاً. ويُوصفُ بأربعةِ أَشياءَ بالمعرَفِ بألْ، نحو "جاءَ خليلٌ المجتهدُ" وبالمضاف إلى معرفةٍ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 229 نحو "جاءَ علي صديقُ خالدٍ"، وباسمِ الاشارةِ، نحو "أُكرِمُ علياً هذا"، وبالاسم الموصولِ المُصدَّرِ بأل، نحو "جاءَ عليٌّ الذي اجتهد". 2- المعرَّف بألْ يُوصفُ بما فيه "أَلْ"، وبالمضاف إلى ما فيه "أَلْ"، نحو "جاءَ الغلامُ المجتهدُ" و"جاءَ الرجلُ صديقُ القومِ". 3- المضافُ إلى العَلمِ يُوصفُ بما يُوصفُ به العلَمُ، نحو "جاءَ تِلميذُ عليٍّ المجتهدُ. جاءَ تِلميذُ عليٍّ صديقُ خالدٍ. جاءَ تلميذ عليٍّ هذا. جاء تلميذُ عليٍّ الذي اجتهدَ". 4- اسمُ الاشارة و"أيُّ" يُوصفانِ بما فيه "ألْ" مثلُ "جاءَ هذا الرجل"، ونحو "يا أيُّها الانسانُ". وتوصفُ "أَيُّ" أَيضاً باسم الاشارةِ، نحو "يا أَيُّها الرَّجلُ". 5- قال الجمهورُ من حقِّ الموصوفِ أن يكون أخصَّ من الصفة وأعرفَ منها أو مساوياً لها. لذلك امتنعَ وصفُ المعرَّف بألْ باسم الاشارة وبالمضاف إلى ما كان مُعرَّفاً بغيرِ "أَلْ". فإن جاءَ بعده معرفةٌ غيرُ هذين فليست نعتاً له، بل هي بدل منه أو عطفُ بيانٍ، نحو "جاءَ الرجلُ هذا، أو الذين كان عندنا، أو صديق علي، أَو صديقُنا". والصحيحُ أَنه يجوزُ أَن يُنعَتَ الأعمُّ بالأخصّ، كما يجوزُ العكسُ، فتوصفُ كلُّ معرفةٍ بكلّ معرفة، كما تُوصفُ كلُّ نكرةٍ بكل نكرة. 6- حقُّ الصفةِ أَن تَصحَبَ الموصوفَ. وقد يُحذَفُ الموصوف إذا ظهرَ أَمرُهُ ظُهوراً يُستغنى معه عن ذكره. فحينئذٍ تقومُ الصفةُ مَقامَهُ كقوله تعالى الجزء: 3 ¦ الصفحة: 230 {أَنِ اعمَلْ سابغاتٍ} ، أَي "دُروعاً سابغاتٍ"، ونحو "نحنُ فريقانِ منّا ظَعَنَ ومنا أَقامَ"، والتقدير "منا فريقٌ ظعنَ، ومنّا فريقٌ أَقامَ". ومنه قولهُ تعالى أَيضاً {وعندهم قاصراتُ الطرفِ عينٌ} ، والتقديرُ "نساءٌ قاصراتُ الطّرفِ"، وقولُ الشاعر [من الوافر] أَنا ابْنُ جَلاَ وَطَلاَّعُ الثَّنَايا ... مَتى أَضَعِ الْعِمامَةَ تَعرِفوني والتقدير "أَنا ابنُ رجلٍ جلاَ"، أَي جلا الأمور بأعماله وكشفها. وقد تُحذَفُ الصفةُ، إن كانت معلومةً، كقوله تعالى {يأخذُ كلَّ سفينة غَصباً} ، والتقدير {يأخذُ كلَّ سفينةٍ صالحةٍ} . 7- إذا تكرَّرت الصفاتُ، وكانت واحدةً، يُستغنى بالتثنية أو الجمع عن التفريق، نحو "جاءَ عليٌّ وخالدٌ الشاعرانِ، أو عليٌّ وخالدٌ وسعيدٌ الشعراءُ، أو الرجلان الفاضلان. أَو الرجالُ الفضَلاءُ". وان اختلفت وجبَ التفريقُ فيها بالعطفِ بالواو، نحو "جاءَني رجلانِ كاتبٌ وشاعرٌ، أَو رجالٌ كاتب وشاعرٌ وفقيهٌ". 8- الأصلُ في الصفة أَن تكونَ لبيانِ الموصوفِ. وقد تكونُ لمجرَّدِ الثناءِ والتعظيمِ، كالصفاتِ الجاريةِ على اللهِ سبحانهُ، أو لمجرَّد الذّم والتّحقيرِ نحو "أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ" أو للتأكيدِ نحو "أمسِ الدابرُ لا يعودُ"، ومنه قولهُ تعالى {فإذا نُفِخَ في الصور نَفخةٌ واحدةٌ} . (التَّوكيد) التَّوكيدُ (أو التأكيدُ) تكريرٌ يُرادُ به تثبيتُ أمرِ المُكرَّر في نفس السامعِ، نحو "جاءَ عليٌّ نفسُهُ"، ونحو "جاءَ عليٌّ عليٌّ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 231 وفي التّوكيدِ ثلاثةُ مباحث 1- التَّوْكيدُ اللَّفْظيُّ التّوكيدُ قسمانِ لفظيٌّ ومعنويٌّ. فاللفظي يكونُ بإعادةِ المُؤكّدِ بلفظهِ أو بمرادفه، سواءٌ أكان اسماً ظاهراً، أم ضميراً، أم فعلاً، أم حرفاً، أم جملةً. فالظاهرُ نحو "جاءَ عليٌّ عليٌّ". والضمير نحو "جئتَ أنتَ. وقُمنا نحنُ". ومنه قوله تعالى {يا آدمُ اسكُنْ أنتَ وزَوجُكَ الجنّةَ} والفعلُ نحو "جاءَ جاءَ عليٌّ". والحرفُ نحو "لا، لا أبوحُ بالسرّ. والجملةُ نحو "جاءَ عليٌّ، جاءَ عليٌّ، وعليٌّ مجتهدٌ، عليّلإ مجتهدٌ". والمرادفُ نحو "أتى جاءَ عليٌّ". وفائدةُ التوكيدِ اللفظيِّ تقريرُ المؤكدِ في نفسِ السامعِ وتمكينُهُ في قلبِهِ، وإزالةُ ما في نفسهِ من الشُّبهة فيه. (فانك ان قلت "جاءَ علي"، فان اعتقدَ المخاطب أن الجائي هو لا غيره ادميت بذلك وأن أنكرَ، أو ظهرت عليه دلائل الانكار، كرّرت لفظ "علي" دفعاً لإنكاره، أو ازالة للشبهة التي عرضت له. وان قلت "جاءَ علي، جاء علي"، فانما تقول ذلك اذا أنكر السامع مجيئه، أو لاحت عليه شبهةٌ فيه، فتثبت ذلك في قلبه وتُميط عنه الشبهة) . 2- التَّوْكيدُ الْمَعنَوِيُّ التّوكيدُ المعنوي يكونُ بذكرِ "النّفسِ أو العينِ أو جميع أو عامّةٍ أو كلاَ أو كلتا، على شرطِ أن تُضاف هذه المؤكّداتُ إلى ضميرٍ يُناسِبُ المؤكّدَ، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 232 نحو "جاءَ الرجلُ عينُه، والرجلانِ أنفُسهُما. رأيتُ القومَ كلّهم. أحسنتُ إلى فُقراءِ القريةِ عامَّتِهم. جاءَ الرجلانِ كلاهما، والمرأتانِ كلتاهما". وفائدةُ التوكيدِ بالنفس والعينِ رفعُ احتمالِ أن يكون في الكلام مجازٌ أو سهوٌ أو نسيانٌ. (فان قلت "جاء الأميرُ" فربما يتوهم السامع أن اسناد المجيء إليه، هو على سبيل التجوّز أو النسيان أو السهو، فتؤكده بذكر النفس أو العين، رفعاً لهذا الاحتمال، فيعتقد السامع حينئذ أن الجائي هو لا جيشه ولا خدمه ولا حاشيته ولا شيء من الأشياء المتعلقة به) . وفائدةُ التوكيد بكلٍّ وجميعٍ وعامَّةٍ الدلالةُ على الاحاطة والشُّمول. (فاذا قلت "جاء القوم"، فربما يتوهم السامع أن بعضهم قد جاء، والبعض الآخر قد تخلّف عن المجيء. فتقول "جاء القوم كلهم"، دفعاً لهذا التوهم. لذلك لا يقال "جاء علي كله"، لأنه لا يتجزأ. فاذا قلت "اشتريت الفر كله" صح، لأنه يتجزأ من حيث المبيع) . وفائدةُ التوكيد بكِلا وكِلتا اثباتُ الحُكم للاثنين المُؤكّدينِ معاً. (فاذا قلت "جاء الرجلان"، وأنكر السامع أن الحكم ثابت للاثنين معاً، أو توهم ذلك، فتقول "جاء الرجلان كلاهما"، دفعاً لإنكاره، أو دفعاً لتوهمه أن الجائي أحدهما لا كلاهما. لذلك يمتنع أن يقال "اختصم الرجلان كلاهما، وتعاهد سليم وخالد كلاهما"، بل يجب أن تحذف كلمة "كلاهما"، لأن فعل المخاصمة والمعاهدة لا يقع إلا من اثنين فأكثر، فلا حاجة الى توكيد ذلك، لأنّ السامع لا يعتقد ولا يتوهم أنه حاصل من أحدهما دون الآخر) . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 233 3- تتِمَّةٌ 1- إذا أُريدَ تقوية التوكيدِ يُؤتى بعدَ كلمة "كله" بكلمة "أجمع"، وبعدَ كلمةِ "كلها" بكلمة "جمعاء"، وبعدَ كلمة "كلهم" بكلمة "أجمعينَ"، وبعدَ كلمة "كلهنَّ" بكلمة "جُمَع"، تقولُ "جاءَ الصفُّ كلُّهُ أجمعُ" و"جاءَت القبيلةُ كلُّها جمعاءُ"، قال تعالى {فسجدَ الملائكةُ كلُّهُم أجمعونَ} وتقولُ "جاءَ النساءُ كلُّهنَّ جُمَعُ". وقد يُؤكدُ بأجمعَ وجمعاءَ وأجمعينَ وجُمَعَ، وإن لم يَتقدَّمهنَّ لفظ "كلّ" ومنه قوله تعالى {لأغوينَّهُم أجمعينَ} . 2- لا يجوزُ تثنيةُ "أجمع وجمعاءَ"، استغناءً عن ذلك بِلَفظيْ "كِلا وكلتا" فيقالُ "جاءا جمعانِ" ولا "جاءَتا جمعاوانِ" كما استَغنوا بتثنيةِ "سِيٍّ" عن تثنية "سواءٍ"، فقالوا "زيدٌ وعمرٌو سِيّانِ في الفضيلة"، ولم يقولوا "سواءَانِ". 3- لا يجوزُ توكيدُ النكرة، إلا إذا كان توكيدُها مفيداً، بحيثُ تكونَ النكرةُ المؤكَّدةَ محدودةً، والتوكيدُ من ألفاظ الإحاطة والشُّمول نحو "اعتكفتُ أُسبوعاً كلَّهُ". ولا يقالُ "صُمتُ دهراًَ كلَّهُ"، ولا "سِرتُ شهراً نفسَهُ"، لأنّ الأول مُبهَمٌ، والثاني مؤكدٌ بما لا يفيدُ الشُّمولَ. 4- إذا أُريدَ توكيدُ الضميرِ المرفوعِ، المُتَّصلِ أو المستتر، بالنفس أو العين؛ وجبَ توكيدُهُ أوَّلاً بالضميرِ المنفصلِ، نحو "جئتُ أنا نفسي. ذهبوا هم أنفسُهم. عليٌّ سافرَ نفسُهُ". أما إن كان الضميرُ منصوباً أو مجروراً، فلا يجبُ فيه ذلكَ، نحو "أكرمتُهم أنفسَهم، ومررتُ بهم أَنفسِهم". "وكذا إن كان التوكيدُ غيرَ النّفس والعين"، نحو "قاموا كلُّهم. وسافرنا كلُّنا". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 234 5- الضميرُ المرفوعُ المنفصلُ يُؤكد به كل ضميرٍ مُتّصل، مرفوعاً كان، نحو "قمتَ أنت"، أَو منصوباً، نحو "أَكرمتكَ أَنتَ"، أَو مجروراً، نحو "مررتُ بكَ أنتَ". ويكون في محلِّ رفع، إن أُكِّدَ به الضميرُ المرفوعُ، وفي محلِّ نصبٍ، إن أُكِّدَ به الضميرُ المنصوب، وفي محلِّ جرٍّ، إن أُكِّدَ به الضميرُ المجرورُ. 6- يُؤكدُ المُظهَرُ بمثلهِ، لا بالضمير، فيقال "جاءَ عليٌّ نفسُهُ". ولا يُقالُ "جاءَ عليُّ هوُ". والمُضمَرُ يُؤكدُ بمثله وبالمُظهَر أيضاً. فالأوَّلُ نحو "جئتَ أنتَ نَفسُكَ"، والثاني نحو "أحسنتُ إليهم أنفسِهم". 7- إن كان المؤكَّدُ بالنَّفسِ أو العين مجموعاً جمعتَهما، فتقولُ "جاءَ التلاميذُ أَنفسُهم، أَو أَعينُهم". وإن كان مثنًّى فالأحسنُ أن تجمعهما، نحو "جاءَ الرجلانِ أَنفسُهما، أَو أَعينهما". وقد يجوزُ أَن يُثنيَّا تَبعاً لِلَفظِ المؤكدِ، فتقولُ "جاءَ الرَّجلانِ نَفساهما أو عيناهما" وهذا أُسلوبٌ ضعيفٌ في العربيّة. 8- يجوزُ أَن تُجرَّ "النفسُ" أَو "العينُ" بالباءِ الزائدةِ، نحو "جاءَ عليٌّ بنفسهِ". والأصلُ "جاءَ عليٌّ نفسُهُ"، فتكونُ "النفس" مجرورة لفظاً بالباءِ الزائدة، مرفوعةً محلاً، لأنها توكيد للمرفوع، وهو "عليٌّ". (البدل) البَدَلُ هو التّابعُ المقصودُ بالحُكمِ بلا واسطةٍ بينهُ وبينَ متبوعهِ نحو "واضعُ النحوِ الإمامُ عليٌّ". (فعليٌّ تابع للامام في إعرابه. وهو المقصود بحكم نسبة وضع النحو اليه. والإمام انما ذكر توطئة وتمهيداً له، ليستفاد بمجموعهما فضلُ توكيد وبيان، لا يكون في ذرك أحدهما دون الآخر. فالإمام غير مقصود بالذات، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 235 لأنك لو حذفته لاستقلّ "عليٌّ" بالذكر منفرداً، فلو قلت "واضع النحو عليٌّ"، كان كلاماً مستقلاً. ولا واسطة بين التابع والمتبوع. أما ان كان التابع مقصوداً بالحكم، بواسطة حرف من أحرف العطف، فلا يكون بدلاً بل هو معطوف، نحو "جاء علي وخالد" وقد خرج عن هذا التعريف النعت والتوكيد أيضاً، لأنهما غير مقصودين بالذات وانما المقصود هو المنعوت والمؤكد) . وفي البدل مبحثهان 1- أَقْسامُ الْبَدَل البَدلُ أربعةُ أقسامٍ البدلُ المطابِقُ (ويُسمّى أيضاً بَدَلَ الكُل من الكل) ، وبَدلُ البعضِ من الكلِّ، وبدلُ الاشتمالِ، والبدلُ المُبايِنُ. فالبدلُ المُطابقُ (أو بَدَلُ الكل من الكُلِّ) هو بَدَلُ الشيءِ مِمّا كان طَبقَ معناهُ، كقولهِ تعالى {إهدنِا الصراطَ المستقيمَ، صِراطَ الذينَ أنعمت عليهم} . فالصراطُ المُستقيم وصِراطُ المُنعَمِ عليهم مُتطابقانِ معنًى، لأنهما، كلَيهما، بدلانِ على معنًى واحدٍ. وبدلُ البعضِ من الكُل هو بدل الجزء من كُلِّهِ، قليلاً كان ذلكَ الزءُ، أو مُساوياً للنّصفِ، أو أكثرَ منهُ، نحو " جاءتِ القبيلةُ رُبعُها. أو نصفُها، أو ثُلُثاها"، ونحو "الكلمةُ ثلاثة أقسامٍ اسمٌ وفعلٌ وحرف"، ونحو "جاءَ التلاميذُ عشرونَ منهم". وبدلُ الاشتمالِ هو بدلُ الشيءِ مِمّا يشتملُ عليه، على شرط أن لا يكونَ جزءاً منه، نحو "نفعني المُعلِّمُ عِلمُهُ. أحببتُ خالداً شجاعتَهُ. أُعجِبتُ بعليٍّ خُلقهِ الكريمِ". فالمعلِّمُ يشتملُ على العلم، وخالدٌ يشتملُ على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 236 الشجاعة، وعليٌّ يشتملُ على الخُلُق. وكلٌّ من العلم والشجاعة والخُلق، ليس جزءاً مِمّن يشتملُ عليه. ولا بُدَّ لبدلِ البعضِ وبدلِ الاشتمالِ من ضميرٍ يربطُهما بالبدل، مذكوراً، كان، كقوله تعالى {ثمَّ عَمُوا وصَمُّوا، كثيرٌ منهم} ، وقولهِ {يَسألونكَ عن الشّهرِ الحرامِ. قِتالٍ فيه} ، أو مُقدَّراً، كقوله سبحانهُ {وللهِ على النّاس حِجُّ البيت من استطاعَ إليه سبيلاً} ، وقولهِ {قُتِلَ أصحابُ الأخدودِ، النّارِ ذاتِ الوَقود} . والبَدَلُ المباينُ هو بدلُ الشيءِ مِمّا يُباينُهُ، بحيثُ لا يكون مطابقاً لهُ، ولا بعضاً منه، ولا يكونُ المُبدَلُ منه مُشتملاً عليه. وهو ثلاثةُ أنواعٍ بدَلُ الغَلَطِ، وبَدلُ النسيان، وبدلُ الاضراب. فبَدَلُ الغلطِ ما ذكرَ ليكونَ بدلاً من اللفظ الذي سبقَ إليه اللسانُ، فذكرَ غلطاً، نحو "جاءَ المعلِّمُ، التلميذُ"، أردتَ أن تذكرَ التلميذ، فسبقَ لسانُكَ، فذكرتَ المعلمَ غلطاً، فتَذكَّرتَ غَلَطَكَ، فأبدلتَ منه التلميذَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 237 وبدلُ النسيان ما ذُكرَ ليكونَ بدلاً من لفظٍ تَبيَّنَ لكَ بعدَ ذكرهِ فسادُ قصدهِ، نحو "سافرَ عليٌّ إلى دِمَشقَ، بَعلبكَّ"، توهمتَ أنه سافرَ إلى دمشقَ، فأدرككَ فسادُ رأيك، فأبدلتَ بعلبكَّ من دمشقَ. فبدلُ الغلطِ يتعلَّقُ باللسانِ، وبدلُ النسيانِ يَتعلَّق بالجَنان. وبَدلُ الاضراب ما كان في جملةٍ، قصدُ كلٍّ من البلد والمُبدَل منه فيها صحيحٌ، غيرَ أنَّ المتكلم عدلَ عن قصد المُبدَلِ منه إلى قصدِ البدل، نحو "خُذِ القلمَ، الوَرَقةَ"، أمرتَهُ بأخذ القلم، ثم أضربتَ عن الأمر بأخذهِ إلى أمرهِ بأخذ الورقة، وجعلتَ الأوَّل في حكم المترُوك. والبَدَلُ المُباينُ بأقسامهِ لا يقعُ في كلامِ البُلغَاءِ. والبليغُ إن وقع في شيءٍ منها، أتى بين البدل والمبدَل منه بكلمةِ "بَلْ"، دلالةً على غلطهِ أو نسيانهِ أو إِضرابه. 2- أَحكامٌ تَتَعَلَّقُ بالْبَدَل 1- ليسَ بمشروطٍ أن يتطابَقَ البدلُ والمُبدَل منه تعريفاً وتنكيراً. بل لكَ أن تُبدِلَ أيَّ النوعينِ شئتَ من الآخر، قال تعالى {إلى صراط مُستقيم، صراطِ الله} ، فأبدلَ "صراط الله"، وهو معرفةٌ، من "صراطٍ مُستقيم"، وهو نكرة، وقالَ "لنفسعاً بالناصيةِ، ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ"، فأبدلَ "ناصية"، وهي نكرةٌ، منَ "الناصية"، وهي معرفةٌ. غيرَ أنه لا يَحسُنُ إِبدالُ النكرة من المعرفة إلا إذا كانت موصوفةً كما رأيتَ في الآية الثانية. 2- يُبدَلُ الظاهرُ من الظاهرِ، كما تقدَّمَ. ولا يُبدَلُ المُضمَر من المُضمَر. وأما مثلُ "قُمتَ أنتَ. ومررتُ بكَ أنت"، فهو توكيد كما تقدَّم. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 238 ولا يُبدلُ المضمرُ من الظاهر على الصحيح. قال ابنُ هشام وأمّا قولهم "رأيتُ زيداً أياهُ"، فمِنْ وضعِ النحويينَ، وليس بمسموع. ويجوز إبدالُ الظاهر من ضميرِ الغائبِ كقولهِ تعالى {وأسَرُّوا النّجوى، الذينَ ظلموا} فأبدلَ "الذينَ" من "الواو"، التي هي ضميرُ الفاعلِ. ومن ضمير المخاطبِ والمتكّلم، على شرط أن يكونَ بدلَ بعضٍ من كلٍّ، أو بدلَ اشتمالٍ، فالأول كقوله تعالى {لَقد كانَ لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ، لِمَنْ كان يَرجو اللهَ واليومَ الآخرَ} فأبدلَ الجارَّ والمجرورَ، وهما "لِمن" من الجارّ والمجرورِ المُضمر وهما "لكم" وهو بدلُ بعضٍ من كلٍّ، لأنَّ الأسوةَ الحسنةَ في رسولِ اللهِ ليست لكلِّ المخاطبين، بل هيَ لمن كان يرجو اللهَ واليومَ الآخرَ منهم. والثاني كقولك "أعجبتني، علمُكَ"، فعلمُك بدلٌ من "التاءِ"، التي هي ضميرُ الفاعل، وهو بدلُ اشتمال، ومنه قول الشاعر [من الطويل] بَلَغْنا السَّماءَ مَجْدُنا وسَناوُّنا ... وإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذلِكَ مَظْهرا فأبدلَ "مجدنا" من "نا"، التي هي ضمير الفاعلِ، وهو بدلُ اشتمال أيضاً. 3- يُبدَلُ كلٌّ من الاسمِ والفعلِ والجملة من مثله. فإبدالُ الاسمِ من الاسمِ قد تقدَّم. وإبدالُ الفعل من الفعل كقوله تعالى {ومَنْ يفعلْ ذلكَ يَلق أثاماً، يُضاعفْ له العذابُ} ، أبدل "يُضاعف" من "يلقَ". وإبدالُ الجملة من الجملة كقوله تعالى {أمَدَّكم بما تَعلمونَ، أمدَّكم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 239 بأنعامٍ وبنينَ} ، فأبدل جملة "أمدَّكم بأنعامٍ وبَنينَ" من جملة "أمدَّكم بما تَعلمون". وقد تُبدَلُ الجملةُ من المُفرَدِ، كقول الشاعر [من الطويل] إِلى اللهِ أَشْكُو بِالْمَدينَةِ حاجةً ... وبالشَّامِ أُخْرى، كَيْفَ يَلْتَقِيانِ؟! أبدلَ "كيفَ يَلتقيانِ" من حاجةٍ وأخرى، والتقديرُ الإعرابيُّ "أشكون هاتينِ الحاجتينِ، تَعذُّرَ التقائهما". والتقديرُ المعنويُّ "أشكو إلى الله تَعَذُّرَ التقاءِ هاتينِ الحاجتينِ". 4- إذا أُبدِلَ اسمٌ من اسم استفهام، أو اسم شرط، وجب ذكرُ همزةِ الاستفهام، أو "إن" الشرطيّةِ معَ البدلِ، فالأولُ نحو "كم مالُكَ؟ أعشرونَ أم ثلاثون؟. من جاءَك؟ أعليٌّ أم خالد؟. ما صنعتَ؟ أخيراً أم شرًّا؟ ". والثاني نحو "مَنْ يَجتهدْ، إنْ عليٌّ، وإن خالدٌ، فأكرمهُ. ما تَصنعْ، إنْ خيراً، وإنْ شرًّا، تُجزَ بهِ. حيثما تنتظرني، إنْ في المدرسة، وإن في الدَّار أُوافِك". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 240 (عَطفُ البيانِ) عطفُ البيانِ هو تابعٌ جامدٌ، يُشبهُ النّعتَ في كونه يكشفُ عن المراد كما يكشفُ النّعتُ. ويُنزّلُ من المتبوع مَنزلةَ الكلمةِ الموضّحة لكلمةٍ غريبةٍ قبلها، كقول الراجز "أقسمَ باللهِ أبو حَفصٍ عُمَر". (فعمر عطف بيان على "أبو حفص"، ذُكر لتوضيحه والكشف عن المراد به، وهو تفسير له وبيان، وأراد به سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه) . وفائدته إيضاحُ متبوعهِ، إن كان المتبوعُ معرفةً، كالمثال السابق، وتخصيصه إن كان نكرةً، نحو "اشتريتُ حُلِيّاً سِواراً". ومنه قولهُ تعالى "أو كفّارةٌ طَعامُ مَساكينَ". ويجبُ أن يُطابقَ متبوعَهُ في الإعرابِ والإفرادِ والتّثنيةِ والجمع والتّذكير والتأنيث والتعريفِ والتنكير. ومن عطفِ البيان ما يقعُ بعد "أَيْ وأنْ" التّفسيريتينِ. غيرَ أنَّ "أَيْ" تُفسّرُ بها المُفرداتُ والجُمَلُ، و"أَنْ" لا يفسَّر بها إلا الجُمل المشتملةُ على معنى القول دونَ أحرفهِ. تقول "رأيتُ ليثاً، أي أَسداً" و"أشرتُ إليهِ، أي اذهبْ". وتقولُ "كتبتُ إليهِ، أنْ عَجَّلْ بالحضور. وإذا تضمّنتْ "إذا" معنى "أي" التفسيريَّةِ، كانت حرفَ تفسيرٍ مثلها، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 241 نحو "تقولُ امتطيتُ الفرسَ إذا ركبتَه". وسيأتي لهذا البحث فضلُ بيانٍ في باب الحروف. أَحكامٌ تَتَعَلَّقُ بِعَطْفِ البَيَان 1- يجبُ أن يكون عطفُ البيان أوضح من متبوعهِ وأشهر، وإلا فهو بدلٌ نحو "جاءَ هذا الرجل"، فالرجلُ. بدلٌ من اسم الإشارة، وليس عطفَ بيان، لأنَّ اسمَ الإشارةِ أوضح من المعرَّف بأل. وأجازَ بعضُ النّحويين أن يكونَ عطفَ بيان، لأنهم لا يشترطون فيه أن يكون أوضعَ من المتبوع. وما هو بالرأي السديد، لأنه إنما يُؤتى به للبيان والمبيِّنُ يجبُ أن يكونَ أوضحَ من المُبيَّن. 2- الفرقُ بين البدلِ وعطف البيان أنَّ البدلَ يكونُ هو المقصودَ بالحكم دُون المُبدلِ منه. وأمّا عطفُ البيان فليس هو المقصودَ، بل إنَّ المقصود بالحُكم هو المتبوعُ، وإنما جيءَ بالتابع (أي عطف البيان) تَوضيحاً له وكشفاً عن المراد منه. 3- كلُّ ما جازَ أن يكونَ عَطفَ بيانٍ جازَ أن يكونَ بدلَ الكلِّ من الكلِّ، إذا لم يُمكن الاستغناءُ عنه أو عن متبوعهِ، فيجبُ حينئذٍ أن يكون عطفَ بيان. فمثالُ عدمِ جواز الاستغناء عن التابع قولكَ "فاطمةُ جاء حسينٌ أخوها"، لأنكَ لو حذفتَ "أخوها" من الكلام لفسد التركيبُ. ومثالُ عدَم جواز الاستغناءِ عن المتبوعِ قولُ الشاعر [من الوافر] أَنا بانُ التَّارِكِ الْبَكْرِيِّ بِشْرٍ ... عَلَيْهِ الطَّيْرُ تَرْقُبُهُ وقُوعا فبشر عطفُ بيانٍ على "البكري"، لا بدلٌ منه، لأنكَ لو حذفت الجزء: 3 ¦ الصفحة: 242 المتبوعَ، وهو "البكري" لوجب أن تضيفَ "التّارك" إلى "بشر"، وهو ممتنعٌ، لأنّ إضافةَ ما فيه "ألْ" إذا كان ليس مُثنى أو مجموعاً جمعَ مذكرٍ سالماً، إلى ما كان مُجرَّداً عنها غيرُ جائزة، كما علمتَ في مبحث الإضافة. ومن ذلك قول الآخر [من الطويل] أَيا أَخَوَيْنا، عَبْدَ شَمْسٍ ونَوْفَلاً ... أُعِيذُ كُما بِاللهِ أَنْ تُحْدِثا حَربا فعبدَ شمس معطوفٌ على "أخوينا" عطفَ بيان، و"نوفلاً" معطوف بالواو على "عبد شمس"، فهو مثله عطف بيان. ولا تجوزُ البدليَّةُ هنا، لأنه لا يُستغنى عن المتبوع، إذ لا يصحُّ أن يقال "أيا عبدَ شمسٍ ونوفلاً"، بل يجبُ أن يقال "ونوفلُ" بالنباءِ على الضم، لأن المنادى إذا عُطف عليه اسمٌ مُجرَّد من "ألْ" والإضافة، وجبَ بناؤه، لأنك إن ناديتَهُ كان كذلك، نحو "يا نوفلُ". كما عرفتَ ذلك في مبحث "أحكام توابع المنادى". ومن ذلكَ أن تقول "يا زيدُ الحارث". فالحارث عطفُ بيان على "زيد". ولا يجوز أن يكون بدلاً منه، لأنك لو حذفتَ المتبوع، وأحللتَ التابعَ محلَّهُ، لقلتَ "يا الحارثُ". وذلك لا يجوز، لأنَّ "يا" و"أل" لا يجتمعان إلا في لفظ الجلالة. 4- يكونُ عطفُ البيان جملةً، كقوله تعالى {فَوَسوسَ إليه الشيطانُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 243 قال يا آدمُ هل أدُلُّك على شجرةِ الخُلدِ ومُلكٍ لا يَبلَى} ، فجملةُ "قال يا آدمُ هل أدُلُّك" عطفُ بيان على جملة "فوسوَس إليه الشيطان". وقد منعَ النُّحاة عطفَ البيانِ في الجُمل، وجعلوه من باب البدل. وأثبتهُ علماء المعاني، وهو الحقُّ. ومنه قولهُ تعالى أيضاً {ونُودُوا أن تِلكُمُ الجنةُ} ، فجملة "أن تلكُمُ الجنةُ" عطف بيانٍ على جملة "نُودوا". (المعطوفُ بالحرف) المعطوفُ بالحرف هو تابعٌ يتوسّط بينه وبينَ متبوعه حرفٌ من أحرف العطفِ، نحو "جاءَ عليٌّ وخالدٌ. أكرمتُ سعيداً ثم سليماً". ويُسمّى العطفُ بالحرف "عَطفَ النَّسَقِ" أيضاً. وفيه ثلاثةُ مباحث 1- أَحْرُفُ العَطْفِ احرفُ العَطفِ تسعةٌ. وهي "الواو والفاءُ وثُمَّ وحتى وأَو وأَم وبَلْ ولا ولكنْ". فالواوُ والفاءُ وثمَّ وحتَّى تُفيدُ مشاركةَ المعطوفِ للمعطوف عليه في الحُكم والإعرابِ دائماً. وأَو، وأَمْ، إن كانتا لغير الإضراب على المعطوفِ عليه إلى المعطوف، فكذلك، نحو "خُذ القلمَ أو الورقةَ"، ونحو "أخالدٌ جاءَ أم سعيدٌ؟ ". وإن كانتا للاضرابِ فلا تفيدانِ المشاركةَ بينهما في المعنى، وإنما هما التَّشريك في الإعراب فقطْ، نحو "لا يَذهبْ سعيدٌ أو لا يَذهبْ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 244 خالدٌ"، ونحو "أذهبَ سعيدٌ؟! أم أذهبَ خالدٌ؟ ". وبَل تُفيدُ الاضرابَ والعدولَ عن المعطوف عليه إلى المعطوف، نحو "جاءَ خالدٌ، بَل عليٌّ". ولكنْ تُفيدُ الاستدراكَ، نحو "ما جاءَ القومُ، لكنْ سعيدٌ". ولا تفيدُ معَ العطفِ نفيَ الحكم عمّا قبلها وإثباتَهُ لِمَا بعدَها نحو "جاءَ عليٌّ لا خالدٌ". 2- مَعاني أَحرُفِ الْعَطْفِ 1- الواو تكونُ للجمع بين المعطوفِ والمعطوف عليه في الحُكم والاعرابِ جمعاً مطلقاً، فلا تُفيدُ ترتيباً ولا تعقيباً. فإذا قلتَ "جاءَ عليٌّ وخالدٌ"، فالمعنى أنهما اشتركا في حكم المجيء، سواءٌ أكان عليٌّ قد جاءَ قبل خالد، أم بالعكس، أم جاءَا معاً، وسواءٌ أكان هناك مُهلةٌ بين مجيئهما أم لم يكن. 2- الفاءُ تكونُ للترتيب والتعقيب. فإذا قلتَ "جاء عليّ فسعيدٌ". فالمعنى أنَّ عليّاً جاءَ أوَّلُ، وسعيداً جاءَ بعدَهُ بلا مُهلةٍ بينَ مجيئهما. 3- ثمَّ تكون للتَّرتيبِ والتَّراخي. فإذا قلتَ "جاءَ عليٌّ ثمَّ سعيدٌ"، فالمعنى أن "عليّاً" جاءَ أولُ، وسعيداً جاءَ بعدهُ، وكان بينَ مجيئهما مُهلة. 4- حتى العطفُ بها قليلٌ. وشرطُ العطفِ بها أن يكونَ المعطوفُ اسماً ظاهراً، وأن يكون جزءاً من المعطوف عليهِ أو كالجزء منه، وأن يكون أشرفَ من المعطوف عليه أو أخسَّ منه، وأن يكونَ مفرداً لا جملةً، نحو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 245 "يموتُ الناسُ حتى الأنبياءُ. غلبكَ الناسُ حتى الصبيانُ. أعجبني عليٌّ حتى ثوبُهُ". واعلم أنَّ "حتى" تكونُ أيضاً حرف جرّ، كما تقدم. وتكون حرف ابتداء، فما بعدها جملةٌ مُستأنفة، كقول الشاعر [من الطويل] فَما زالَت الْقَتْلى تَمُجُّ دِماءَها ... بِدِجْلَةَ، حَتَّى ماءُ دِجْلَةَ أَشْكَلُ 5- أو إن وقعت بعدَ الطَّلب، فهي إمّا للتَّخيير، نحو "تَزوَّجْ هنداً أو أختها"، وإما للاباحة، نحو "جالس العلماءَ أو الزُهّادَ". وإما للاضراب، نحو "إذهبْ إلى دِمَشقَ، أو دَع ذلكَ، فلا تَذهب اليومَ"، أي بَلْ دَعْ ذلك، أُمرتَهُ بالذهاب، ثمَّ عدلتَ عن ذلك. والفرق بينَ الإباحة والتَّخيير، أن الاباحةَ يجوز فيها الجمعُ بين الشيئين، فإذا قلتَ "جالس العلماءَ أو الزُّهّادَ"، جاز لك الجمعُ بين مجالسةِ الفريقينِ، وجاز أن تُجالسَ فريقاً دُون فريق. وأما التّخييرُ فلا يجوزُ فيه الجمعُ بينهما، لأن الجمعَ بينَ الأختين في عقد النكاح غير جائز. وإن وقعت "أو" بعد كلامٍ خبريٍّ، فهي إمّا للشّك، كقوله تعالى {قالوا لبِثنا يوماً أو بعَض يومٍ} ، وإمّا للابهام، كقوله عزَّ وجل {وإنا وإياكم لَعلَى هُدًى أو في ضلالٍ مُبين} . ومنه قولُ الشاعر [من الخفيف] نَحْنُ أَوْ أَنْتُمُ الأُلى أَلِفُوا الحَقَّ ... فُبُعْداً لِلمُبْطِلينَ وَسُحْقا وإما للتقسيم، نحو "الكلمةُ أسمٌ أَو فعلٌ أو حرفٌ"، وإِمّا للتّفصيل الجزء: 3 ¦ الصفحة: 246 بعدَ الإجمال، نحو "اختلفَ القومُ فيمن ذهب، فقالوا ذهب سعيدٌ أَو خالدٌ أو عليٌّ". ومنه قولهُ تعالى {قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ} أي بعضُهم قال كذا، وبعضهم قال كذا. وإمّا للاضراب بمعنى "بل"، كقوله تعالى {وأرسلناهُ إلى مِئَة ألفٍ، أو يزيدونَ} . أي بل يزيدون، ونحو "ما جاءَ سعيد، أو ما جاء خالدٌ". 6- أم على نوعين مُتّصلةٍ ومنقطعة. فالمتصلةُ هي التي يكونُ ما بعدَها متّصلاً بما قبلَها، ومشاركاً له في الحكم وهي التي تقعُ بعدَ همزةِ الاستفهام أو همزةِ التسويةِ، فالأولُ كقولك "أَعليٌّ في الدار أم خالدٌ؟ "، والثاني كقوله تعالى {سواءٌ عليهم أَأَنذَرتَهُم أَم لم تُنذِرهم} . وإنما سُميت متصلةً لأنَّ ما قبلَها وما بعدَها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر. و"أم" المنقطعةُ هي التي تكونُ لقطعِ الكلام الأول واستئناف ما بعدَه. ومعناها الإضرابُ، كقوله تعالى {هل يستوي الأعمى والبصيرُ؟ أم هل تستوي الظُّلماتُ والنُّورُ؟ أم جعلوا للهِ شُرَكاء} . والمعنى "بل جعلوا لله شركاء"، قال الفرَّاءُ "يقولون هل لكَ قِبَلنا حقٌّ؟ أم أنتَ رجلٌ ظالمٌ" يريدون "بل أنت رجلٌ ظالمٌ" وتارة تَتضمَّنُ معَ الإضراب استفهاماً إنكاريّاً، كقوله تعالى {أَم لهُ البناتُ ولكمُ البَنون؟} . ولو قَدَّرت "أم" في هذه الآية للاضراب المحضِ، من غير تَضَمُّنِ معنى الانكار، لزمَ المُحال. 7- بَل تكونُ للاضراب والعُدول عن شيءٍ إلى آخرَ، إن وقعت بعدَ كلام مُثبَتٍ، خبراً أَو أَمراً، وللاستدراك بمنزلة "لكنْ"، إن وقعت بعدَ نفيٍ أو نهي. ولا يُعطَفُ بها إلا بشرط أَن يكونَ معطوفُها مفرداً غيرَ جملةٍ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 247 وهي، إن وقعت بعدَ الإيجاب أو الأمرِ، كان معناها سَلبَ الحكم عما قبلَها، حتى كأنهُ مسكوتٌ عنه، وجعلَهُ لِمَا بعدَها، نحو "قام سليمٌ، بل خالدٌ" ونحو "لِيَقُمْ عليٌّ. بل سعيدٌ". وإن وقعت بعد النفي أو النهي، كان معناها إثباتَ النفي أو النّهي لِمَا قبلها وجعلَ هذه لِمَا بعدَها، نحو "ما قام سعيدٌ بل خليلٌ"، ونحو "لا يَذهبْ سعيدٌ بل خليلٌ". فإن تلاها جملةٌ لم تكن للعطفِ، بل تكونُ حرفَ ابتداءٍ مُفيداً للاضراب الإبطالي أو الإضراب الانتقالي. فالأولُ كقولهِ تعالى {وقالوا اتَّخذَ الرحمنُ ولداً، سبحانَهُ، بَل عِبادٌ مُكرَمُون} ، أي بل هُم عبادٌ، وقولهِ {أو يقولونَ بهِ جِنَّةٌ، بل جاءهم بالحق} . والثاني كقولهِ تعالى {قد أَفلحَ من تَزكّى، وذكرَ اسمَ رَبهِ فَصَلَّى، بل تُؤثرونَ الحياةَ الدُّنيا} ، وقولهِ {وَلدَينا كتابٌ يَنطِقُ بالحق وهُم لا يُظلمونَ، بل قُلُوبهم في غَمرة} . وقد تُزادُ قبلها "لا"، بعد إثباتٍ أَو نفيٍ، فالأولُ كقول الشاعر [من الخفيف] وَجْهُكِ الْبَدْرُ، لا، بل الشَّمْسُ، لوْ لَمْ ... يُقْضَ لِلشَّمْسِ كَسْفَةٌ أو أُفولُ والثاني كقول الآخر [من البسيط] وَما هَجَرْتُكِ، لا، بَلْ زادَني شَغَفاً ... هَجَرٌ وبُعْدُ تُراخٍ لا إِلى أجلِ 8- لكن تكونُ للاستدراكِ، بشرطِ أَن يكون معطوفُها مُفرداً، أي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 248 غيرَ جُملة، وأن تكونَ مسبوقةً بنفي أو نهي، وأن لا تقترنَ بالواو، نحو "ما مررتُ برجلٍ طالحٍ، لكنْ صالحٍ"، ونحو لا يَقُمْ خليلُ، لكنْ سعيدٌ". فإن وقعت بعدَها جملةٌ، أو وقعت هي بعدَ الواو، فهي حرفُ ابتداءٍ، فالأول كقول الشاعر [زهير بن أبي سلمى - من البسيط] إنَّ ابنَ وَرْقاءَ لا تُخْشى بَوادِرُهُ ... لكِنْ وَقائِعُهُ في الحَرْبِ تُنتَظَرُ والثاني كقولهِ تعالى {ما كانَ محمد أبا أحدٍ من رجالكم، ولكن رسولَ اللهِ وخاتمَ النّبيينَ} ، أي لكنْ كان رسولَ الله. فرسول منصوبٌ لأنه خبر "كان" المحذوفة، وليس معطوفاً على "أبا". وكذلك إن وقعت بعد الإيجاب، فهيَ حرفُ ابتداءٍ أيضاً، مثلُ "قامَ خليلٌ، لكنْ عليٌّ"، فعليٌّ مبتدأ محذوفُ الخبر، والتقديرُ "لكنْ عليٌّ لم يَقُم". وهيَ بعدَ النفي والنهي مثلُ "بَلْ" معناها إثباتُ النفي أَو النهي لِمَا قبلَها وجَعلُ ضِدّهِ لِما بعدَها. 9- لا تُفيدُ معَ النفي العطفَ. وهيَ تُفيدُ إثباتَ الحُكمِ لِما قبلَها ونَفيَهُ عمّا بعدَها. وشرطُ معطوفها أن يكون مفرداً، أي غيرَ جملة، وأَن يكون بعدَ الإِيجابِ أو الأمرِ، نحو "جاءَ سعيدٌ لا خالدٌ"، ونحو خذِ الكتاب لا القلمَ". وأثبتَ الكوفيُونَ العطفَ بليس، إن وقعت موقعَ "لا"، نحو "حُذ الكتابَ ليس القلمَ". وعليه قولُ الشاعر [من الرجز] أينَ المَفرُّ؟ وَالإِلهُ الطَّالِبُ ... وَالأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغالِبُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 249 (فليس هنا حرف عطف. والغالب معطوف على المغلوب. ولو كانت هنا فعلاً ناقصاً لنصب الغالب على أنه خبرٌ لها) . 3- أحكامٌ تَتَعَلَّقُ بِعَطْفِ النَّسَق 1- يُعطَفُ الظاهرُ على الظاهر، نحو "جاءَ زُهيرٌ وأُسامةُ" والمُضمَرُ على المُضمَر؛ نحو "أنا وأنتَ صديقان"، ونحو "أَكرمتُهم وإيّاكم"، والمَضمَرُ على الظاهر، نحو "جاءَني علىٌّ وأَنتَ"، ونحو "أكرمتُ سليماً وإيّاك"، والظاهرُ على المُضمر، نحو "ما جاءَني إلا أنتَ وعلي" ونحو "ما رأيتُ إلا إياك وعليّاً". غيرَ أنَّ الضميرَ المتّصِل المرفوعَ، والضميرَ المستترَ، لا يَحسُنُ أن يُعطَف عليهما إلا بعد توكيدهما بالمضير المنفصل، نحو "جئتُ أنا وعليٌّ"، ومنه قوله تعالى {إذهب أنتَ ورَبُّكَ} . ويجوزُ العطفُ عليهما أيضاً إذا كان بينَهما فاصلٌ أيُّ فاصلٍ، كقوله تعالى {يَدخلونها ومَنْ صَلَحَ} ، وقولهِ {ما أشركنا ولا آباؤنا} ، فقد عطفَ "مَنْ"، في الآية الأولى، على الواو في "يدخلونها"، لوجود الفاصل، وهو "ها"، التي هيَ ضميرُ المفعول به، وعطفَ "آباء"، في الآية الثانية، على "نا" في "أشركنا"، لوجود الفاصل، وهو "لا"، وذلك جائز. أمّا العطفُ على الضميرِ المجرور، فالحقُّ أنه جائزٌ، ومنه قوله تعالى {وكفرٌ بهِ والمسجدِ الحرام} . وقُريءَ في بعض القراءَات السّبعِ {واتَّقُوا الله لاذي تساءَلونَ به والأرحامِ} ، بالجرِّ عطفاً على الهاء. والكثيرُ إعادةُ الجارِّ كقوله تعالى {فقال لها وللأرض ائتِيا طَوْعاً وكَرْهاً} ، ونحو "أحسنت إليكَ وإلى عليٍّ"، ونحو "أكرمتُ غلامَكَ وغلامَ سعيدٍ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 250 2- يُعطَفُ الفعلُ على الفعل، بشرطِ أن يَتّحدا زماناً، سواءٌ اتحدا نوعاً، كقوله تعالى {وإن تُؤْمنوا وتتّقوا يُؤتِكُمُ أُجُورَكم} ، أم اختلفا، نحو "إن تَجيء أكرمتُك وأُعطِك ما تريد". 3- يجوزُ حذفُ الواو والفاء مع معطوفهما إذا كان هناك دليلٌ، كقوله تعالى {أن اضرِبْ بعصاكَ الحجَر، فانبجستْ} ، أي فضرَبَ فانبجست، وقولِ الشاعر [من الطويل] فَما كانَ بَيْنَ الخَيْرِ، لَوْ جاءَ سالِماً ... أبو حَجَرٍ، إِلاَّ لَيالٍ قَلائِلُ أي "بين الخير وبيني". 4- تختصُّ "الواوُ" من بينِ سائر أخواتها بأنها تَعطفُ اسماً على اسم لا يكتفي به الكلامُ، نحو "اختصمَ زيدٌ وعمرٌو. اشتركَ خالدٌ وبكرٌ. جلست بينَ سعيدٍ وسليمٍ"، فإنَّ الاختصامَ والاشتراكَ والبَينيّة من المعاني التي لا تقومُ إلا باثنينِ فصاعداً. ولا يجوزُ أن تقعَ الفاء ولا غيرُها من أحرف العطف في مثل هذا المَوقع، فلا يقالث "اختصمَ زيدٌ فعمرٌو. اشتركَ خالدٌ ثمَّ بكرٌ. جلستُ بينَ سعيدٍ أو سليمٍ". 5- كثيراً ما تقتضي الفاءُ معَ العطف معنى السّببيّة، إن كان المعطوف بها جملةً، كقوله تعالى {فوَكزَهُ موسى، فقضَى عليهِ} [القصص: 15] . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 251 (حروف المعاني) الحرف على ضربين: حرف مبنى، وحرف معنى. فحرف المبنى: ما كان من بنية الكلمة. ولا شأن لنا فيه. وحرف المعنى: ما كان له معنى لا يظهر إلا إذا انتظم في الجملة: كحروف الجر والاستفهام والعطف، وغيرها. وهو قسمان: عامل وعاطل. فالحرف العامل: ما يحدث إعراباً (أي تغيراً) في آخر غيره من الكلمات. والحروف العاملة هي: حروف الجر، ونواصب المضارع، والأحرف التي تجزم فعلاً واحداً، وإن وإذ ما (اللتان تجزمان فعلين) ، والأحرف المشبهة بالفعل (التي تنصب الاسم وترفع الخبر) ولا النافية للجنس (التي تعمل عمل "إن"، فتنصب الاسم وترفع الخبر) وما ولا ولات وإن (المشبهات بليس في العمل، فترفع الاسم وتنصب الخبر) . وقد سبق الكلام عليها. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 253 والحرف العاطل (ويسمى غير العامل أيضاً) : ما لا يحدث إعراباً في آخر غيره من الكلمات، كهل وهلا ونعم ولولا، وغيرها. (أنواع الحروف) الحروفُ بحسب معناها، سواءٌ أكانت عاملةً أم عاطلةً، واحد وثلاثون نوعاً. وهي 1- أحرُفُ النَّفْي وهي "لم ولمَّا"، اللَّتانِ تجزمانِ فعلاً مضارعاً واحداً، و"لن"، التي تنصب الفعل المضارع، و"ما وإنْ ولا ولاتَ". فما وإنْ تنفيانِ الماضي، نحو "ما جئتُ. إن جاءَ إلا أنا" والحالِ نحو "ما أجلسُ. إن يجلس إلا أنا". وتدخلانِ على الفعل، كما رأيتَ، وعلى الاسمِ، نحو "ما هذا بشراً. إن أحدٌ خيراً من أحدٍ إلا بالعافية". و"لا" تنفي الماضي، كقوله تعالى {فلا صدَّقَ ولا صَلّى} ، والمُستقبلَ كقوله {قُلْ لا أسألُكم عليهِ أجراً} . و"لاتَ". خاصّةٌ بالدُّخولِ على "حين" وما أشبهَهُ من ظُروف الزمانِ، نحو {ولاتَ حينَ مناصٍ} ، وكقول الشاعر "نَدِمَ البُغاةُ ولاتَ ساعةَ مَندَمٍ" وهي بمعنى "ليسَ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 254 2- أحرُفُ الجَواب وهيَ "نَعَمْ وبَلى وإي وأَجلْ وجَيرِ وإنَّ ولا وكلاَّ". ويُؤتى بها للدلالةِ على جملة الجواب المحذوفة، قائمةً مَقامها. فإن قيلَ لكَ "أَتذهبُ؟ "، فقلتَ "نَعَمْ"، فالمعنى نَعَمْ أذهبُ. فنَعَمْ سادَّةٌ مَسَدَّ الجواب، وهو "أَذهبُ". و"أَجلْ" بمعنى "نعَمْ" وهي مثلُها تكونُ تصديقاً للمُخبر في أخبارهِ كأن يقولَ قائلٌ حضرَ الاستاذُ، فتقولُ نعَمْ، تُصدِّقُ كلامهُ. وتكونُ لإعلامِ المُستخبر، كأن يُقالَ هلْ حضرَ الأستاذُ؟ فتقولُ نَعَم. وتكونُ لِوَعدِ الطالبِ بما يَطلُبُ، كأن يقولَ لكَ الأستاذُ "اجتهِدْ في دروسكَ" فتقول "نَعَم"، تَعِدُهُ بما طلبَ منك. و"أي" لا تُستعمَلُ إلا قبل القسمِ، كقوله تعالى {قُلْ إي ورَبي إنَّهُ لَحَقٌّ} . "أي" توكيد للقسم، والمعنى نعم وربي. وبينَ "بَلى ونَعمْ وأَجل" فرقٌ. فَبلى. تختصُّ بوقوعها بعدَ النّفي فتجعلُهُ إثباتاً، كقوله تعالى {زَعَمَ الذينَ كفروا أَنْ لن يُبعَثوا، قُل بَلى ورَبي لَتُبعَثُنَّ} ، وقولهِ {أَلستُ بِرَبّكُم، قالوا "بَلى"} ، أي بَلى أنتَ ربُّنا. بخلاف "نَعَمْ وأجلْ" فإنَّ الجوابَ بهما يَتبعُ ما قبلَهما في إثباتهِ ونفيهِ، فإن قلتَ لرجلٍ "أَليسَ لي عليكَ الفُ دِرهَمٍ؟ " فإن قالَ "بَلَى" لزِمَهُ ذلكَ، لأنَّ المعنى "بَلى لَكَ عليَّ ذلكَ" وإن قال "نَعَمْ" أَو "أَجلْ" لم يَلزمهُ، لأنَّ المعنى "نَعَم ليس لكَ عليَّ ذلك". و"جَيْرِ" حرفُ جوابٍ، بمعنى "نَعَمْ". وهو مبنيٌّ على الكسر. وقد يُبنى على الفتح. والأكثرُ أن يقعَ قبلَ القَسم، نحو "جيرِ لأفعلنَّ"، أي الجزء: 3 ¦ الصفحة: 255 "نَعَم واللهِ لأفعلنَّ". ومنهم من يجعله اسماً، بمعنى "حقاً" قال الجوهريُّ في صَحاحه "قولهم جيرِ لآتينَّك، بكسر الراءِ يمينٌ للعرب" بمعنى "حقاً". و"إنَّ" حرفُ جوابٍ، بمعنى "نَعَمْ"، يقال لك "هل جاءَ زُهَيرٌ؟ " فتقولُ "إنَّهُ"، قال الشاعر [من مجزوء الكامل] بَكَرَ العَواذلُ، في الصَّبُو ... حِ، يَلُمْنَني وَأَلومُهُنَّهْ وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاَ ... كَ، وَقَدْ كَبِرْتَ، فَقُلْتُ إِنَّهُ والهاءُ، التي تلحقه، هي هاءُ السَّكت، التي تُزادُ في الوقف، لا هاءُ الضمير ولو كانت هاءَ الضمير لثبتت في الوصل، كما تثبتُ في الوقف. وليس الأمرُ كذلك، لأنك تحذفها إن وصلتَ، يقال لك "هل رجعَ أُسامةُ؟ " فتقولُ "إنّ" يا هذا، أي نعم، يا هذا قد رجع. وأيضاً قد يكون الكلام على الخطاب أو التكلم، والهاءُ هذه على حالها، نحو "هل رجعتم؟ "، فتقولُ "إنَّهُ"، وتقولُ "هل نمشي؟ " فتقول "إنَّهْ". ولو كانت هذه الهاءُ هاءَ الضمير، وهي للغيبة، لكان الكلامُ فاسداً. و"إنَّ"، الجوابيّةُ هذه، منقولةٌ عن "إنَّ" المؤكدة، التي تنصبُ الاسمَ وترفع الخبر، لأن الجوابَ تصديقٌ وتحقيق، وهما والتأكيد من باب واحد. و"لا وكَلاَّ" تكونانِ لنفي الجواب. وتُفيدُ "كَلاَّ"، مع النفي، رَدعَ المُخاطبِ وزجرَهُ. تقولُ لِمنْ يُزَيَّنُ لك السوء ويُغريكَ بإتيانهِ "كَلاَّ"، أي لا أُجيبُكَ إلى ذلك، فارتدعْ عن طلبك. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 256 وقد تكونُ "كَلاَّ" بمعنى "حَقاً"، كقولهِ تعالى "كلاَّ، إنَّ الإنسانَ لَيَطغى أنْ رآه استغنى". 3- حرفا التفسير وهُما "أيْ وأن". وهُما موضوعانِ لتفسيرِ ما قبلهما، غيرَ أنَّ "أيْ" تُفسَّرُ بها المُفرداتُ، نحو "رأيتُ ليثاً، أي أسداً"، والجُمَلُ، كقول الشاعر [من الطويل] وَتَرْمينَني بالطَّرْفِ، أَيْ، أَنتَ مُذْنِبٌ ... وَتَقْلينني، لكِنَّ إِيَّاكِ لا أَقلي وأمّا "أنْ" فتختصُّ بتفسير الجُمَلِ. وهي تقعُ بينَ جملتينِ، تتضمَّنُ الأولى منهما معنى القولِ دونَ أحرفهِ، كقوله تعالى {فأوحينا إليه، ان اصنَعِ الفُلكَ} ، ونحو "كتبتُ إليه، أنِ تحضرْ". 4- أحرُفُ الشَّرْطِ وهي "إنْ وإذْ ما" الجازمتانِ، و"لَوْ ولولا ولوما وأمّا ولمَّا". و"لَوْ" على نوعين 1- أن تكونَ حرفَ شرطٍ لِمَا مضى، فتُفيدُ امتناعَ شيءٍ لامتناعِ غيرهِ وتُسمّى حرفَ امتناع لامتناع، أو حرفاً لِما كانَ سيقعُ لوقوعِ غيره. فإن قلتَ "لو جئتَ لأكرمتُكَ"، فالمعنى قد امتنعَ إكرامي إياكَ لامتناع مجيئك، لأنَّ الإكرامَ مشروطٌ بالمجيءِ ومُعلَّقٌ عليه. ولا يَليها إلا الفعلُ الماضي صيغةً وزماناً، كقوله تعالى {ولو شاءَ رَبُّكَ لجعلَ الناس أُمةً واحدةً} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 257 2- أن تكونَ حرفَ شرطٍ للمستقبل، بمعنى "إنْ". وهي حينئذٍ لا تُفيدُ الامتناع، وإنما تكون لمجرَّد ربطِ الجوابِ بالشرط، كإنْ، إلاّ أنها غيرُ جازمةٍ مثلَها، فلا عملَ لها، والأكثرُ أن يَليها فعلٌ مُستقبلٌ معنًى لا صيغةً، كقوله تعالى {وليَخشَ الذينَ لو تركوا من خلفهم ذُرِّيَّةً ضعافاً خافوا عليهم} ، أي "إنْ يَتركوا" وقد يَليها فعلٌ مستقبلٌ معنًى وصيغةً "لو تزورُنا لسُرِرنا بِلقائكَ"، أي "إن تَزُرْنا". وتحتاجُ "لو" بنوعيها إلى جواب، كجميع أجواتِ الشرطِ. ويجوزُ في جوابها أن يقترنَ باللام، كقوله تعالى {لو كانَ فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفَسدَتا} ، وأن يتجرَّدَ منها، كقوله تعالى {ولو نشاءُ جعلناهُ أُجاجاً} ، وقولهِ "ولو شاءَ رَبُّكَ ما فعَلوهُ". إلا أن يكون مضارعاً منفيّاً، فلا يجوزَ اقترانهُ بها، نحو "لو اجتهدتَ لم تَندَم". و"لولا ولوما"، حرفا شرطٍ بَدلانِ على امتناعِ شيءٍ لوُجودِ غيرهِ. فإن قلتَ "لولا رحمةُ اللهِ لَهلَكَ الناسُ" و"لَوما الكتابةُ لَضاعَ أكثرُ العلمِ"، فالمعنى أنهُ امتنعَ هَلاكُ الناسِ لوجودِ رحمةِ اللهِ تعالى، وامتنعَ ضياعُ أكثرِ العلم لوجود الكتابةِ. وهما تَلزَمانِ الدخولَ على المبتدأ والخبر، كما رأيتَ. غيرَ أَنَّ الخبرَ بعدهما يُحذَفُ وجوباً في أكثرِ التراكيبِ. والتقديرُ "لولا رحمةُ اللهِ حاصلةٌ أو موجودةٌ" و"لولا الكتابة حاصلة أو موجودة". وتحتاجانِ إلى جوابٍ، كما تحتاجُ إليه "لو". وحكمُ جوابهما كحكم جوابها، فيقترنُ باللام، كما رأيتَ، أو يُجرَّدُ منها، نحو "لولا كرمُ أخلاقِكَ ما عَلَوَتَ"، ويمتنعُ من اللام في نحو الجزء: 3 ¦ الصفحة: 258 "لولا حُبُّ العلمِ لم أغتربْ" لأنهُ مضارع منفيٌّ. و"أمّا" بالفتح والتشديدَ، حرفُ شرطٍ يكونُ للتّفصيل أو التوكيد. وهي قائمةٌ مَقامَ أَداةِ الشرط وفعلِ الشرط. والمذكورُ بعدَها جوابُ الشرط، فلذلك تَلزَمُه فاءُ الجواب للرَّبط. فإن قلتَ "أمّا أنا فلا أقولُ غيرَ الحقِّ" فالمعنى "مهما يكنْ من شيءٍ فلا أقولُ غيرَ الحقِّ". أمّا كونُها للتفصيلِ فهو الأصلُ فيها، كقوله تعالى {فأمّا اليتيم فلا تقهَرْ، وأمّا السائل فَلا تَنهَرْ، وأمّا بنعمةِ رَبِّكَ فحدِّثْ} . وأمّا كونُها للتأكيد، فنحوُ أن تقولَ "خالدٌ شجاعٌ"، فإن أردتَ توكيدّ ذلكَ، وأنهُ لا محالةَ واقعٌ، قلتَ "أمّا خالدٌ فشجاعٌ". والأصلُ "مهما يكن من شيءٍ فخالدٌ شجاع". و"لمّا" حرفُ شرطٍ، موضوعٌ للدلالةِ على وجودِ شيءٍ لوجودِ غيرهِ. ولذلك تُسمّى حرفَ وُجودٍ لوجودٍ. وهي تختصُّ بالدخول على الفعل الماضي. وتقتضي جُملتينِ، وُجِدَتْ أُخراهما عند وجود أولاهما. والأولى هي الشرطُ، والأخرى هي الجوابُ، نحو "لمَّا جاءَ أكرمتُهُ". وتحتاج إلى جوابٍ، لأنها في معنى أدواتِ الشرط. ويكونُ جوابها فعلاً ماضياً، كما رأيتَ، أو جملةً اسميّةً مقرونةً بإذ الفجائيّة، كقوله تعالى {فلمّا نجّاهم إلى البَرِّ إذا هم يشركونَ} ، أو بالفاءِ، كقوله تعالى {فلمّا نجاهم إلى البرِّ فمنهم مُقتصدٌ} . ومن العلماءِ من يجعلها ظرفاً للزمان بمعنى "حين"، ويضيفها إلى جُملةِ الشرطِ وهو المشهورُ بينَ المُغرِبينَ، والمحقِّقُونَ على أنها حرفٌ للرَّبط. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 259 5- أَحرُفُ التَّخْضيضِ وَالتَّنْديمِ وهي "هَلاّ وأَلاّ ولوما ولولا وألا". والفرقُ بينَ التحضيضِ والتّنديمِ، أنَّ هذه الأحرفَ، إن دخلت على المضارع فهيَ للحضِّ على العملِ وتركِ التهاوُنِ به، نحو "هَلاّ يرتدعُ فلانٌ عن غيِّه. أَلاَّ تَتُوبُ من ذنبِك. لولا تستغفرونَ اللهَ. لوما تأتينا بالملائكة. {ألا تُحبُّون أن يغفرَ اللهُ لكم} ". وإن دخلت على الماضي كانت لجعلِ الفاعلِ يندَمُ على فواتِ الأمر وعلى التّهاون به، نحو "هلاّ اجتهدتَ"، تُقرِّعهُ على إهمالهِ، وتُوبِّخهُ على عدَم الاجتهاد، فتجعلُهُ يندَمُ على ما فَرَّطَ وضيَّع. ومنهُ قوله تعالى {فلولا نَصَرَهمُ الذينَ اتخذوا من دُونِ اللهِ قُرَناءَ آلهةً} . 6- أحرُفُ العَرْضِ العَرضُ الطَّلبُ بلينٍ ورفقٍ، فهو عكسُ التّحضيض، لأنَّ هذا هو الطلبُ بشدَّةٍ وَحثٍّ وإزعاجٍ. وأحرفهُ هيَ "ألا وأمَا ولوْ"، نحو "ألا تَزُورُنا فنَأنس بكَ. أما تَضِيفُنا فتلقى فينا أهلاً. لو تُقيم بيننا فتُصيبَ خيراً". وقد تكونُ "أمَا" تحقيقاً للكلام الذي يَتلوها، فتكونُ بمعنى "حَقاً"، "أمَا إنَّهُ رجلٌ عاقلٌ" تعني أنهُ عاقلٌ حقاً. 7- أحرُفُ التَّنبيهِ وهيَ "أَلا وأمَا وها ويا". فـ "ألا وأمَا" يُستفتَحُ بهما الكلامُ، وتُفيدانِ تنبيهَ السامع إلى ما الجزء: 3 ¦ الصفحة: 260 يُلقى إليه من الكلامِ. وتُفيدُ "ألا"، معَ التنبيه، تَحقُّقَ ما بعدَها، كقوله تعالى {أَلا إِنَّ أَولياءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} . واعلم أنَّ "أَلا وأَمَا". معناهما التنبيهُ، ومكانُهما مُفتتَحُ الكلام. و"ها" حرفٌ موضوعٌ لتنبيهِ المُخاطَب. وهو يدخلُ على أربعة أشياء 1- على أسماءِ الإشارةِ الدَّالةِ على القريب، نحو "هذا وهذه وهذَين وهاتَينِ وهؤلاء"، أو على المتوسطِ، إن كان مُفرداً، نحو "هذاكَ". أمّا على البعيدِ فلا. ويجوزُ الفصلُ بينهما بكافِ التشبيهِ، كقوله تعالى {فلمّا جاءَت قيل أهكذا عَرشُكِ؟} ، وبالضميرِ المرفوعِ، كقولهِ {ها أنتم أُولاءِ} ، ونحو "ها أنا ذا. ها أنتما ذانِ. ها أنتِ ذي". 2- على ضميرِ الرفع، وإن لم يكن بعدَهُ اسمُ إشارةٍ، كقول الشاعر [من الطويل] فَها أَنا تائِبٌ مِن حُبِّ لَيْلى ... فَما لَكَ كُلَّما ذُكِرَتْ تَذوبُ؟! غيرَ أنها، إن دخلت على ضمير الرفع، فالأكثرُ أن يَليَهُ اسمُ الاشارةِ، نحو "ها أنا ذا. ها نحنُ أُولاءِ. ها أنتم أُولاءِ. ها هو ذا. ها هما ذانِ. ها هم أُولاءِ. ها أنتما تانِ يا امرأتانِ". 3- على الماضي المقرون بِقد، نحو "ها قد رجعتُ". 4- على ما بعدَ "أيٍّ" في النداءِ، كقوله تعالى {يا أيُّها الإنسانُ ما غَرَّكَ بربكَ الكريم. يا أيّتُها النفسُ المُطمئنَةُ ارجعي إلى ربكِ راضيةً الجزء: 3 ¦ الصفحة: 261 مرضيّةً} وهي تلزمُ في هذا الموضع وجوباً، للتبيهِ على أنَّ ما بعدَها هو المقصودُ بالنداءِ. و"يا" أصلُها حرفُ نداءٍ. فإن لم يكن بعدَها مُنادىً، كانت حرفاً يُقصَدُ بهِ تنبيهُ السامع إلى ما بعدها. وقيلَ إن جاءَ بعدها فعلُ أمرٍ فهي حرفُ نداءٍ، والمنادَى محذوفٌ، كقولهِ تعالى {أَلا يا اسجُدوا} ، والتقديرُ "ألا يا قومُ اسجدوا".وإلا فهيَ حرفُ تنبيه، كقوله {يا ليتَ قومي يعلمون} ، وكحديث "يارُبَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٌ يوم القيامَةِ". ومنه قول الشاعر [من البسيط] يا لَعْنَةُ اللهِ وَالأَقْوامِ كُلِّهِمِ ... وَالصَّالحِينَ عَلى سَمْعانَ مِنْ جارِ والحقُّ أنها حرفُ تنبيهٍ في كلِّ ذلك. 8- الأَحْرُفُ الْمَصْدَرِيَّةُ وتسمّى الموصولاتِ الحرفيّة أَيضاً وهي التي تجعلُ ما بعدَها في تأويل مصدر. وهي "أَنْ وأَنًَّ وكي وما ولو وهمزةُ التّسوية"، نحو "سرَّني أَن تُلازمَ الفضيلةَ. أُحِبُّ أنكَ تجتنبُ الرَّذيلةَ. إرحمْ لكي تُرحَمَ. أَوَدُّ لو تجتهدُ. {واللهُ خلقكُم وما تعملون} . {سواءٌ عليهم أَأَنذرتهم أم لم تُنذِرهم} ". والمصدر المؤولُ بعدها يكونُ مرفوعاً أَو منصوباً أَو مجروراً، بحسب العاملِ قبلَهُ. (ففي المثال الأول مرفوع، لأنه فاعل. وفي المثال الثاني منصوب، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 262 لأنه مفعول به. وفي المثال الثالث مجرور باللام. وفي المثال الرابع منصوب أيضاً، لأنه مفعول به. وفي المثال الخامس منصوب أيضاً، لأنه معطوف على كاف الضمير في "خلقكم" المنصوبة محلاً، لأنها مفعول به. وفي المثال السادس مرفوع، لأنه مبتدأ خبره مقدَّم عليه، وهو سواء) . وتكونُ "ما" مصدريةً مجرَّدةً عن معنى الظرفيّةِ، نحو "عَدِبتُ مما تقولُ غيرَ الحقِّ"، أَي "من قولك غيرَ الحقِّ". وتكون مصدريةً ظرفيّةً، كقوله تعالى {وأَوصاني بالصلاةِ والزَّكاةِ ما دُمتُ حيّا} ، أَي "مُدَّةَ دَوامي حَيّاً". فَحُذِفَ الظَّرفُ وخَلَفتهُ "ما" وصِلَتُها. ويكونُ المصدرُ المؤوَّلُ بعدها منصوباً على الظَّرفيّة، لقيامهِ مقامَ المُدَّةِ المحذوفةِ (وهوَ الأحسنُ) ، أَو يكون في موضع جَرٍّ بالإضافة إلى الظّرف المحذوفِ. وأَكثرُ ما تقعُ "لو" بعدَ "وَدَّ وَيوَدُّ"، كقوله تعالى {وَدُّوا لو تُدهِنُ فَيُدهنونَ} . {يَوَدُّ أحدُهم لو يُعمّرُ أَلفَ سنةٍ} . وقد تقعُ بعد غيرهما كقول قُتَيلةَ [من الكامل] ما كانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنتَ، وَرُبَّما ... مَنَّ الْفَتى وَهُوَ المَغِيظُ المُخْنَقُ أَي ما كان ضَرَّكَ مَنُّكَ عليه بالعفو. 9- أَحرُفُ الاستِقْبال وهي "السينُ، وسوفَ، ونواصبُ المضارعِ، ولامُ الأَمرِ، ولا الناهية وإنْ، وإِذْ ما الجازمتان". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 263 فالسينُ وسوفَ تختصّانِ بالمضارعِ وتَمحضانهِ الاستقبالَ، بعدَ أن كان يحتملُ الحالَ والاستقبالَ، كما أَنَّ لامَ التأكيدِ تُخلِصُهُ للحالِ، نحو "إنَّ سعيداً لَيَكتبُ". والسينُ تُسمّى حرفَ استقبال، وحرفَ تنفيسٍ (أَي توسيعٍ) ، لأنها تَنقُلُ المضارعَ من الزمان الضيّقِ، وهو الحالُ؛ إلى الزمانِ الواسعِ وهو الاستبقال. وكذلك "سوفَ"، إلا أَنها أَطولُ زماناً من السين، ولذلك يُسمُّونها "حرفَ تسويفٍ"، فتقولُ "سَيَشِبُّ الغلامُ، وسوفَ يَشيخُ الفتى"، لِقُربِ زمان الشبابِ من الغلام وبُعدِ زمان الشيخوخةِ من الفتى. ويجبُ التصاقُهما بالفعلِ، فلا يجوزُ أن يَفصلَ بَينَهما وبينه شيءٌ. وإذا أردتَ نفيَ الاستبقالِ أَتيتَ بِلا، في مُقابلة "السين"، وبِلَنْ، في مقابلة "سوف"، نحو "لا أفعلُ"، تَنفي المستقبل القريب، ونحو "لن أَفعلَ"، تنفي المستقبلَ البعيد. ولا يجوزُ أن يُؤتى بسوفَ و"لا" معاً، ولا بسوفَ و"لن" معاً، فلا يُقالُ "سوفَ لا أفعلُ" ولا "سوف لن أفعلَ" كما يقولُ كثيرٌ من الناسِ، وبينهم جَمهَرةٌ من كتّابِ العصر. 10- أحْرُفُ التَّوْكيد وهي "إنَّ، وأَنَّ، ولامُ الابتداءِ، ونونا التوكيدِ، واللامُ التي تقع في جواب القسَم، وقد". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 264 و"نونا التوكيد" إحداهما ثقيلةٌ والأخرى خفيفةٌ. وقد اجتمعتا في قوله تعالى {ليُسجَننْ وَليَكُوناً من الصّاغرين} . ولا يُوكّدُ بهما إلا فعلُ الأمر، نحو "تَعلّمَنَّ"، والمضارعُ المُستقبلُ الواقعُ بعدَ أداةٍ من أَدواتِ الطلبِ، ونحو "لِنجتهدَنَّ ولا نكسلَنَّ"، والمضارعُ الواقعُ شرطاً بعدَ "إن" المؤكّدةِ بما الزائدة، كقوله تعالى {فإمَّا يَنزَغَنَّكَ من الشيطانِ نزغٌ فاستعِذْ باللهِ} ، والمضارعُ المنفيُّ بلا. كقوله {واتّقُوا فِتنةً لا تُصيبنَّ الذينَ ظَلموا منكم خاصّةً} ، والمُضارعُ المُثبتُ المستقبلُ الواقعُ جواباً لقسمٍ" كقوله {تاللهِ لأكيدَنَّ أصنامكم} . وتأكيدُهُ في هذهِ الحالِ واجبٌ، وفي غيرها، ممّا تقدَّمَ، جائزٌ. و"لامُ القسم" هي التي تقعُ في جواب القسمِ تأكيداً له، كقوله تعالى {تاللهِ لقد آثرَك اللهُ علينا} . والجملةُ بعدَها جوابُ القسم وقد يكونُ القسمُ مُقدَّراً، كقوله سبحانه {لقد كان لكم في رسولِ الله أُسوةٌ حَسنةٌ} . وتختصُّ "قد" بالفعل الماضي والمضارع المتصرِّفينِ المُثبَتينِ ويشترَطُ في المضارع أن يَتجرَّدَ من النواصب والجوازم والسينِ وسوف. ويُخطىءُ من يقولُ "قد لا يذهب، وقد لن يذهب". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 265 (وقد شاع على ألسنة كثير من أدباء هذا العصر وعلمائه وأقلامهم دخول "قد" على "لا". ولم يسلم من ذلك بعض قدماء الكتاب وعلمائهم. وإنَّ "ربما" تقوم مقام "لا" في مثل هذا المقام، فبدل أن يقال "قد لا يكون" مثلاً، يقال "ربما لا يكون") . ولا يجوزُ أن يُفصَلَ بينَها وبينَ الفعل بفاصلٍ غيرِ القسم، لأنها كالجُزءِ منه، أَمَّا بالقسم فجائزٌ، نحو "قد واللهِ فعلتُ". وهي، إن دخلت على الماضي أفادت تحقيقَ معناهُ. وإن دخلت على المضارع أَفادت تقليل وقوعه، نحو "قد يَصدُقُ الكذوبُ. وقد يجودُ البخيل". وقد تُفيدُ التحقيقَ مع المضارع، إن دلَّ عليه دليلٌ، كقوله تعالى {قد يَعلم اللهُ ما أَنتم عليه} . ومن معانيها التّوقُّعُ، أَي تَوَقُّعُ حصولِ ما بعدها، أَي انتظارُ حصولهِ، تقولُ "قد جاءَ الأستاذُ"، إِذا كان مجيئُهُ مُنتظراً وقريباً، وإن لم يجىء فعلاً، وتقولُ "قد يقدُمُ الغائبُ". إذا كنتَ تَترَقّبُ قُدومَهُ وتَتوَقعُهُ قريباً. ومن ذلك "قد قامت الصلاةُ"، لأنَّ الجماعة يَتوَقعونَ قيامَها قريباً. ومنها التقريبُ، أَي تقريبُ الماضي من الحالِ، تقولُ "قد قُمتُ بالأمر"، لِتدُل على أنَّ قيامك بهِ ليسَ ببعيدٍ من الزمانِ الذي أنتَ فيه. ومنها الكثيرُ، نحو {قد نَرى تَقلُّبَ وَجهِك في السماءِ} . وتُسمَّى "قد" حرفَ تحقيقٍ، أو تقليلٍ، أو تَوقعٍ، أو تقريبٍ، أو تكثير، حَسَبَ معناها في الجملة التي هي فيها. 11- حَرْفا الاستِفْهام وهما "الهمزة وهل". فالهمزةُ يُستفهَمُ بها عن المُفرَدِ وعن الجملةِ. فالأول نحو "أخالدٌ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 266 شجاعٌ أم سعيدٌ؟ ". والثاني نحو "اجتهدَ خليلٌ؟ "، تستفهمُ عن نسبة الاجتهاد إِليه. ويُستفهَمُ بها في الإثباتِ، كما ذُكرَ، وفي النَّفي، نحو "ألم يسافر أخوك؟ ". و"هل" لا يُستفهمُ بها إلا عن الجملة في الإثبات، نحو "هلْ قرأتَ النَّحوَ؟ "، ولا يُقال "هَل لم تقرأهُ؟ ". وأكثرُ ما يَليها الفعلُ، كما ذُكرَ، وقلَّ أن يَليها الاسمُ، نحو "هل عليٌّ مجتهدٌ؟ ". وإذا دخلت على المضارع خَصّصتهُ بالاستقبال؛ لذلكَ لا يُقالُ "هل تسافرُ الآن؟ ". ولا تدخل على جملة الشرط، وتدخُل على جملة الجواب، نحو "إن يَقُم سعيدٌ فهل تقومُ؟ ". ولا تدخلُ على "إنَّ" ونحوها لأنها للتوكيد وتقرير الواقع، والاستفهامُ ينافي ذلك. 12- أحرُفُ التَّمنِّي وهي "ليتَ ولو وهل". فليتَ موضوعةٌ للتّمني. وهو طلبُ ما لا طمعَ فيه (أي المستحيل) أو ما فيه عُسرٌ (أي ما كان عَسِرَ الحصولِ) . فالأولُ نحو "ليت الشبابَ يعودُ" والثاني نحو "ليتَ الجاهلَ عالم". و"لو وهل" قد تُفيدانِ التمني، لا بأصلِ الوضع، لأنَّ الأولى شرطية والثانيةَ استفهاميةٌ. فمثالُ "لو"، في التمني، قولهُ تعالى {لو أنَّ لنا كَرَّةً فنكونَ من المؤمنينَ} ومثالُ "هل" فيه قوله سبحانهُ {هل لنا من شُفعاءَ فيشفعوا لنا} . 13- حَرْفُ التَّرَجِّي وَالإِشْفاقِ وهو "لعلَّ". وهي موضوعةٌ للترجي والإشفاقِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 267 فالترجي طلبُ الممكنِ المرغوب فيه، كقوله تعالى {لعلَّ اللهَ يُحدِثُ بعد ذلك أمراً} . الإشفاقُ هو توقُّع الأمر المكروهِ، والتخوُّفُ من حدوثهِ، كقوله تعالى {لعلَّكَ باخعٌ نفسَكَ على آثارهم} . 14- حَرْفا التَّشْبيهِ وهما "الكافُ وكأنَّ" فالكافُ نحو "العلمُ كالنور". وقد تخرُج عن معنى التشبيه، فتكونُ زائدةً للتوكيدِ، نحو {ليسَ كمثلهِ شيءٌ} ، أي ليس مثلَهُ شيءٌ. وتكونُ بمعنى "على"، نحو "كن كما أنتَ"، أي على ما أنتَ عليه. وتَكونُ اسماً بمعنى "مِثلٍ". وقد تقدَّمتْ أمثلتُها في حروف الجر. وكأنَّ، نحو "كأنَّ العلمَ نورٌ". وإنما تتعيّنُ للتشبيهِ إن كن خبرُها اسماً جامداً، كما مُثِّلَ. فإن كان غيرَ ذلكَ، فهي للشّك، نحو "كأَنَّ الأمرَ واقعٌ أو وَقعَ"، أو للظّنِّ، نحو "كأنَّ في نفسكَ كلاماً"، أو التّهكُّمِ، نحو "كأنكَ فاهمٌ! "، وكأن تَقولَ لقبيحِ المنظر "كأنك البدرُ! "، أو للتّقريب، نحو "كأنَّ المسافرَ قادمٌ"، ونحو "كأنكَ بالشتاءِ مُقبِلٌ". 15- أحرُفُ الصلَة المرادُ بحرف الصلة هي حرفُ المعنى الذي يُزادُ للتأكيد. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 268 وأحرفُ الصلة هي "إنْ وأنْ وما ومن والباء"، نحو "ما إنْ فعلتُ ما تكرهُ. لمّان أن جاءَ البشير. أكرمتُكَ من غيرِ ما مَعرفة. ما جاءَنا من أحدٍ. ما أنا بمُهملٍ". وتزادُ "من" في النَّفي خاصّةً، لتأكيدهِ وتعميمهِ، كقوله سبحانه {ما جاءَنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ} . والاستفهامُ كالنفي، كقوله سبحانه {هل من خالقٍ غيرُ اللهِ} ، وقولهِ {هل من مَزيدٍ} . وتُزادُ الباءُ لتأكيد النفي، كقوله تعالى {أليسَ اللهُ بأحكمِ الحاكمين؟} ، ولتأكيد الإيجاب، نحو "بحَسبكَ الاعتمادُ على النّفس"، ونحو {كفى بالله شهيداً} ، أي "حَسبُكَ الاعتمادُ على النَّفس، وكفى اللهُ شهيداً". 16- حَرْفُ التَّعْليلِ الحرفُ الموضوع للتعليل هو "كي"، يقولُ القائلُ "إني أطلُبُ العلمَ" فتقولُ "كيَمَهْ؟ " أي لِمَ تَطلبُهُ؟ فيقولُ "كي أخدمَ بهِ الأمةَ"، أي "لأجلِ أن أخدمها به". وقد تأتي "اللامُ وفي ومن" للتعليل، نحو "فيمَ الخصامُ؟. سافرتُ للعمل. {مِمّا خطيئاتِهم أُغرِقوا} ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 269 17- حَرْفُ الرَّدْعِ والزَّجْرِ وهوَ "كَلاَّ". ويُفيدُ، معَ الرَّدعِ والزَّجرِ، النّفيَ والتّنبيهَ على الخطأ، يقولُ القائلُ "فلانٌ يُبغضُكَ"، فتقولُ "كلاَّ" تنفي كلامَهُ، وتَردعهُ عن مثل هذا القول؛ وتنبهُهُ على خَطَئِهِ فيه. وقد سبقَ الكلامُ عليه في أحرف الجواب. فراجعه. 18- اللاَّمات هي لامُ الجرِّ، نحو "الحمدُ للهِ". ولامُ الأمر، كقوله تعالى {لِيُنفقْ ذو سَعةٍ من سَعتهِ} . ولامُ الابتداءِ، نحو "لَدِرهمٌ حَلالٌ خيرٌ من ألفِ دِرهمٍ حرامٍ". ولامُ البُعد، وهي التي تلحقُ أسماءَ الإشارةِ، للدَّلالةِ على البُعد أو توكيدهِ نحو "ذلكَ وذلِكُما وذلكم وذلكُنَّ". ولامُ الجواب، وهي التي تقعُ في جواب "لو ولولا"، نحو "لو اجتهدتَ لأكرمتُكَ. لولا الدينُ لهَلكَ النّاسُ"، أو في جواب القَسم، كقوله تعالى {تاللهِ لأكيدَنَّ أصنامكم} . واللام المُوَطَّئَةُ للقسم، وهي التي تدخلُ على أداةِ شرطٍ للدلالة على أن الجوابَ بعدَها إنما هو جوابٌ لقسمٍ مُقدَّرٍ قبلَها، لا جواب الشرطِ، نحو" "لَئِنْ قُمتَ بواجباتِكَ لأكرمتُكَ". وجوابُ القسم قائمٌ مَقامَ جوابِ الشرط ومُغنٍ عنهُ. 19- تاءُ التَّأنيثِ السَّاكِنَةُ وهي التاءُ في نحو "قامت وقعدّت". وتلحَقُ الماضي، للايذان من الجزء: 3 ¦ الصفحة: 270 أوَّلِ الأمرِ بأنَّ الفاعلَ مُؤنث. وهي ساكنةٌ، وتحرّكُ بالكسر إن وَلِيها ساكنٌ، كقوله تعالى {قالتِ امرأةُ عمرانَ} وقولهِ {قالتِ الأعرابُ آمنّا} ، وبالفتح، إن اتصلَ بها ضمير الاثنينِ، نحو "قالتا". 20- هاءُ السَّكْتِ وهي هاءٌ ساكنةٌ تلحقُ طائفةً من الكلمات عندَ الوقفِ، نحو {ما أغنى عني ماليَهْ، هلَكَ عني سُلطانيهْ} ، ونحو "لِمَهْ؟ كَيمَهْ؟ كيفَهْ؟ " ونحوها. فإن وصَلتَ ولم تَقِفْ لم تُثبتِ الهاءَ، نحو "لِمَ جئتَ، كيمَ عصَيتَ أمري؟ كيف كان ذلك؟ ". ولا تزاد ُ "هاءُ السكت"، للوقف عليها، إلا في المضارع المعتلّ الآخر، المجزومِ بحذف آخره، وفي الأمر المبنيِّ على حذف آخره، وفي "ما" الاستفهاميَّةِ، وفي الحرف المبنيِّ على حركةٍ، وفي الاسم المبنيِّ على حركةِ بناءً أصليّاً. ولا يوقفُ بهاء السكت في غير ذلك، إلا شذوذاً. وقد سبق شرحُ ذلكَ في الكلام على "الوقف" في الجزءِ الثاني. 21- أَحرُفُ الطَّلَب وهي "لامُ الأمرِ، ولا الناهيةُ، وحرفا الاستفهام، وأحرفُ التحضيض والتَّنديم، وأحرفُ العرض، وأحرف التمني، وحرفُ الترجي". وقد سبقَ الكلام عليها. 22- حَرْفُ التَّنْوينِ حرفُ التَّنوينِ هو نونٌ ساكنةٌ زائدةٌ، تلحقُ أواخرَ الأسماءِ لفظاً، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 271 وتفارقها خطّاً ووقفاً. وقد سبق الكلامُ عليه، في أوائل الجزءِ الأول. بَقِيَّةُ الحروفِ (23) أحرفُ النّداءِ (24) أحرفُ العَطفِ (25) أحرف نصبِ المضارع (26) أحرفُ جزمه (27) حرفُ الأمر (28) حرفُ النَّهي (29) الأحرفُ المُشبّهةُ بالفعل، الناصبةُ للاسم الرافعةُ للخبر (30) الأحرف المشبهةُ بليسَ، الرافعةُ للاسم الناصبةُ للخبر (31) حروف الجر. وقد سبقَ الكلامُ عليها في مواضعها من هذا الكتاب. (الخاتمة: مباحث إعرابية متفرقة) (العامل والمعمول والعمل) وهذا الفصل يشتملُ على أربعة مباحث 1- مَعْنى العامِلِ وَالْمَعْمولِ وَالْعَمَلِ متى انتظمتِ الكلماتُ في الجملة. فمنها ما يُؤثر فيما يَليهِ، فيرفعُ ما بعدَهُ، أو ينصِبُهُ أو يجزمهُ، أو يجُرُّهُ، كالفعل، يرفعُ الفاعلَ وينصِبُ المفعولَ بهِ، وكالمبتدأ، يرفعُ الخبر، وكأدوات الجزم، تجزمُ الفعلَ المضارع، وكحروف الجرِّ، تخفضُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 272 ما يَليها من الأسماء. فهاذ هو المُؤَثِّرُ، أو العاملُ. ومنها ما يُؤثرُ فيه ما قبلَهُ، فيرفعُهُ، أو ينصبُهُ، أو يَجُرُّهُ، أو يجزمهُ، كالفاعل، والمفعول، والمضاف إليه، والمسبوق بحرف جرّ، والفعلِ المضارعِ وغيرِها. فهذا هو المتأثرُ أو المعمولُ. ومنها ما لا يُؤَثِّرُ ولا يَتأثرُ، كبعض الحروف، نحو "هل وبل وقد وسوف وهلاَّ"، وغيرِها من حروف المعاني. والنتيجةُ الحاصلةُ من فعل المؤثر وانفعالِ المتأثر، هي الأثرُ، كعلامات الإعراب الدالَّةِ على الرفعِ أو النصب أو الجر أو الجزم، فهي نتيجةٌ لتأثيرِ العوامل الداخلةِ على الكلمات ولتأثُّرِ الكلمات بهذه العوامل. فما يُحدِثُ تَغيُّراً في غيرِه، فهو العاملُ. وما يَتغيَّرُ آخرُهُ بالعاملِ، فهو المعمولُ. وما لا يُؤثر ولا يَتأثرُ، فهو العاطلُ، أي ما ليسَ بمعمولٍ ولا عامل. والأثرُ الحاصلُ، من رفع، أو نصبٍ، أو جزمٍ، أو خفض، يُسمّى "العملَ"، أي الإعرابَ. 2- العامل العاملُ ما يُحدِثُ الرفعَ، أو النصب، أو الجزمَ، أو الخفضَ، فيما يَليهِ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 273 والعواملُ هي الفعلُ وشِبهُه، والأدواتُ التي تنصبُ المُضارع أو تجزمُهُ، والأحرفُ التي تنصبُ المبتدأ وترفعُ الخبرَ، والأحرفُ التي ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، وحروف الجرِّ، والمُضافُ، والمبتدأ. وقد سبقَ الكلامُ عليها، إلا شِبهَ الفعل، فسيأتي الكلامُ عليه. وهي قسمان: لفظيّةٌ ومعنويَّةٌ. فالعاملُ اللفظيَّ: هوَ المؤثرُ الملفوظُ، كالذي ذكرناه. والعاملُ المعنوي: هو تَجرُّدُ الاسم والمضارعِ من مؤثرٍ فيهما ملفوظٍ بالتجرُّدُ هو من عوامل الرفع. (فتجرّدُ المبتدأ من عامل لفظي كان سبب رفعه. وتجرّدُ المضارع من عوامل النصب والجزم كان سببَ رفعه أيضاً. فالتجرّد. هو عدم ذكر العامل. وهو سبب معنوي في رفعه ما تجرَّد من عامل لفظي كالمبتدأ والمضارع الذي لم يسبقه ناصب أو جازم) . 3- الْمَعْمول المعمولُ هو ما يَتغيَّرُ آخرُهُ برفعٍ، أو نصبٍ، أو جزمٍ، أو خفضٍ بتأثير العامل فيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 274 والمعمولاتُ هي الأسماءُ، والفعلُ المضارعُ. والمعمولُ على ضربين معمولٍ بالأصالة، ومعمولٍ بالتَّبعيّة. فالمعمولُ بالأصالةِ هو ما يُؤثَرُ فيه العاملُ مباشرةً، كالفاعل ونائبهِ، والمبتدأ وخبرهِ، واسم الفعل الناقص وخبره، واسمِ إنَّ وأَخواتها وأَخبارها، والمفاعيلِ، والحال، والتمييز، والمستثنى، والمضافِ إليهِ، والفعلِ المضارع. والمبتدأ يكونُ عاملاً، لرفعهِ الخبرَ. ويكونُ معمولاً، لتجرُّدهِ من العوامل اللفظيةِ للابتداء، فهو الذي يرفعُه. والمضافُ يكون عاملاً، لجرِّهِ المضافَ إليه، ويكونُ معمولاً، لأنه يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً، حسبَ العواملِ الداخلةِ عليه. والمضارعُ وشِبهُهُ (ما عدا اسمَ الفعلِ) عاملانِ فيما يَليهما، معمولانِ لما يَسبقُهما من العوامل. والمعمولُ بالتّبعيّة هو ما يُؤثرُ فيه العاملُ بواسطة متبوعه، كالنَّعت والعَطفِ والتوكيدِ والبدل، فإنها تُرفعُ أَو تُنصَبُ أو تُجرُّ أو تُحزَمُ، لأنها تابعةٌ لمرفوع أو منصوب أو مجرور أو مجزوم. والعاملُ فيها هو العاملُ في متبوعها الذي يَتقدّمها. وقد سبقَ الكلام على ذلك كلهِ مُفصّلاً. 4- العَمَل العملُ (ويُسمّى الإعرابَ أيضاً) هو الأثرُ الحاصلُ بتأثير العامل، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 275 من رفعٍ أو نصبٍ أو خفض أو جزم. وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه مُفصلاً في أَوائل الجزء الأول من هذا الكتاب. (عمل المصدر والصفات التي تُشْبِهُ الفِعْل) وهذا الفصل يشتملُ على خمسة مباحث 1- عَمَلُ الْمَصْدَرِ وَاسمِ الْمَصْدَرِ يعملُ المصدرُ عَمَلَ فعلهِ تَعدِّياً ولزوماً. فإن كان فعلهُ لازماً، احتاجَ إلى الفاعلِ فقط، نحو "يُعجبُني اجتهادُ سعيدٍ". وإن كان مُتعدِّياً احتاجَ إلى فاعلٍ ومفعولٍ بهِ. فهو يتعدَّى إلى ما يتعدَّى إليه فعلُه، إمّا بنفسهِ، نحو "ساءَني عصيانُك أباكَ"، وإمّا بحرف الجرِّ، نحو "ساءَني مُرورُكَ بمواضعِ الشُّبهةِ". واعلم أن المصدرَ لا يعملُ عملَ الفعلِ لشبههِ به، بل لأنهُ أَصلُهُ. ويجوزُ حذفُ فاعلهِ من غيرِ أن يتحمّلَ ضميرَهُ، نحو "سرَّني تكريم الجزء: 3 ¦ الصفحة: 276 العاملينَ". ولا يجوزُ ذلكَ في الفعل، لأنهُ إن لم يَبرُز فاعلُهُ كان ضميراً مستتراً، كما تقدَّم في باب الفاعل. ويجوزُ حذفُ مفعوله، كقوله تعالى {وما كان استغفارُ إبراهيمَ لأبيه إلا عن موعِدةٍ وَعدَها إياهُ} ، أَي استغفار إبراهيمَ رَبّهُ لأبيه. وهو يعملُ عملَ فعلهِ مضافاً، أو مجرَّداً من "أَلْ" والإضافةِ، أو مُعرَّفاً بأل، فالأولُ كقوله تعالى {ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضِ} . والثاني كقوله عزَّ وجلَّ {أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسبغةٍ يَتيماً ذا مقربةٍ أو مِسكيناً ذا مَترَبَةٍ} . والثالثُ إِعمالُه قليلٌ، كقولِ الشاعر [من الطويل] لَقَدْ عَلِمَتْ أُولَى المُغيرَةِ أَنَّني ... كَرَرْتُ، فَلَمْ أَنْكُلْ عَنِ الضَّرْبِ مِسْمَعا وَشُرِط لإعمال المصدر أن يكون نائباً عن فعلهِ، نحو "ضرباً اللصَّ"، أو أن يصحَّ حُلولُ الفعل مصحوباً بأنْ أو "ما" المصدريتين مَحلَّهُ. فإذا قلتَ "سرَّني فَهمُكَ الدَّرسَ"، صحَّ أن تقول "سرَّني أن تفهمَ الدرسَ". وإذا قلتَ "يَسرُّني عملُكَ الخيرَ"، صحَّ أن تقول "يَسُرُّني أن تعملَ الخيرَ". وإذا قلتَ "يُعجبُني قولكَ الحقَّ الآن"، صحَّ أن تقولَ "يعجبني ما تقولُ الحقَّ الآن". غيرَ أنهُ إذا أُريدَ به المُضيُّ أو الاستقبالُ قُدِّرَ بأنْ، وإذا أريدَ به الحالُ قُدِّرَ بِمَا، كما رأيتَ. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 277 لذلك لا يعملُ المصدرُ المؤكّدُ، ولا المُبيّنُ للنوع، ولا المُصغّرُ، ولا ما لم يُرَدْ به الحَدَثُ. فلا يُقالُ "علَّمتُهُ تعليماً المسألةَ"، على أنَّ "المسألة منصوبةٌ بتعليماً" بل بعلَّمتُ، ولا "ضربتُ ضربةً وضربتينِ اللصَّ"، على نصب اللص بضربة أوضربتينِ، بل بضربتُ، ولا "يُعجبني ضُرَيْبكَ اللصَّ"، ولا "لسعيدٍ صَوْتٌ صوْتَ حَمامٍ"، على نصب "صوت" الثاني بصوت الأول بل يفعل محذوف، أو يُصَوتُ صوتَ حمام، أي يُصَوِّتُ تصويتَهُ. ويجوز أن يكونَ مفعولاً به لفعلٍ محذوف، أي يُشبهُ صوتَ حمامٍ. ولا يجوز تقديمُ معمولِ المصدر عليه، إلا إذا كانَ المصدرُ بدلاً من فعلهِ نائباً عنه، نحو "عملَكَ إتقاناً"، أو كان معمولهُ ظرفاً أو مجروراً بالحرف، كقوله تعالى {فلمّا بلغَ معهُ السَّعيَ} ، وقولهِ {ولا تأخذكم به رأفةٌ} . ويُشترطُ في إعمالهِ أن لا يُنعتَ قبلَ تمامِ عملهِ، فلا يُقالُ "سرَّني إكرامُكَ العظيمُ خالداً"، بل يجبُ تأخيرُ النَّعتِ، فتقولُ "سرَّني إكرامُكَ خالداً العظيمُ"، كما قال الشاعر [من الخفيف] إنَّ وَجْدي بِكِ الشَّديدَ أَراني ... عاذراً مَنْ عَهِدْتُ فيكِ عَذولاً وإذا أُضيفَ المصدرُ إلى فاعله جَرَّهُ لفظاً، وكان مرفوعاً حكماً (أي في محلِّ رَفعٍ) ، ثمَّ يَنصبُ المفعولَ به، نحو "سرَّني فهمُ زُهيرٍ الدرسَ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 278 وإذا أُضيفَ إلى مفعولهِ جَرَّهُ لفظاً، وكان منصوباً حُكماً (أي في محلِّ نصبٍ) ، ثم يَرفعُ الفاعلَ، نحو "سرَّني فَهمُ الدرسِ زُهيرٌ". وإذا لحقَ الفاعلَ المضافَ إلى المصدرِ، أو المفعولَ المضافَ إليهِ، أحدُ التوابعِ جازَ في التابعِ الجرُّ مراعاةً للَّفظِ، والرفعُ أو النصبُ مراعاةً للمحلِ، فتقولُ في تابعِ الفاعلِ "سَرَّني اجتهادُ زُهيرٍ الصغيرِ، أو الصغيرُ" و"ساءَني إهمالُ سعيدٍ وخالدٍ، أو خالدٌ". وتقولُ في تابعِ المفعول "يُعجبُني إكرامُ الأستاذِ المُخلصِ، أو المُخلصَ، تلاميذُهُ" و"ساءَني ضرب خالد وسعيدٍ، أو وسعيداً، خليلٌ". والمصدرُ الميميُّ كغير الميميّ، في كونهِ يعملُ عملَ فعلهِ، نحو مُحتمَلُك المصائبَ خيرٌ من مَركبِكَ الجَزَعَ". ومنه قول الشاعر [من الكامل] أَظَلومُ، إنَّ مَصابَكُمْ رَجُلاً ... أَهدَى السَّلامَ تَحِيَّةً، ظُلْمُ! واسمُ المصدرِ يعملُ عملَ المصدرِ الذي هو بمعناهُ، وبِشروطهِ، غيرَ أنّ عملَهُ قليلٌ، ومنه قولُ الشاعر [من الوافر] أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ الْمَوْتِ عَنِّي ... وَبَعْدَ عَطائِكَ الْمِئَةَ الرِّتاعا الجزء: 3 ¦ الصفحة: 279 وقولُ الآخر [من الطويل] إذا صَحَّ عَوْنُ الخَالِقِ الْمَرْءَ، لَمْ يَجِدْ ... عَسيراً مِنَ الآمالِ إِلاَّ مُيَسَّرا وقولُ غيره [من الوافر] بِعِشْرَتِكَ الْكِرامَ تُعَدُّ مِنْهُمْ ... فَلاَ تُرَيَنْ لِغَيْرِهِمِ أَلوفا ومنه الحديثُ "من قُبلَةِ الرجلِ امرأتَهُ الوُضوءُ". 2- عَمَلُ اسمِ الْفاعِلِ يعملُ اسمُ الفاعلِ عملَ الفعلِ المُشتق منه، إنْ متعدياً، وإنْ لازماً. فالمتعدّي نحو "هل مُكرِمٌ سعيدٌ ضُيوفَه؟ ". واللازمُ، نحو "خالدٌ مجتهدٌ أولادُهُ". ولا تجوزُ إضافتُهُ إلى فاعلهِ، كما يجوز ذلك في المصدر، فلا يقالُ "هلْ مُكرِمُ سعيدٍ ضُيوفَهُ". وشرطُ عمله أن يقترنَ بألْ. فإن اقترنَ بها، لم يحتج إلى شرطٍ غيره. فهو يعملُ ماضياً أو حالاً أو مستقبلاً، مُعتمداً على شيءٍ أو غيرَ معتمدٍ، نحو "جاء المعطي المساكينَ أمسِ أو الآن أو غداً". فإن لم يقترن بها، فشرطُ عملهِ أن يكون بمعنى الحال أو الاستقبال، الجزء: 3 ¦ الصفحة: 280 وأن يكون مسبوقاً بنفيٍ، أو استفهام، أو اسمٍ مُخبَرٍ عنه بهِ، أو موصوفٍ، أو باسمٍ يكون هوَ حالاً منه، فالأولُ، نحو "ما طالبٌ صديقُكَ رفعَ الخلافِ". والثاني نحو "هلْ عارفٌ أخوك قدرَ الإنصافِ؟ ". والثالث نحو "خالدٌ مسافرٌ أبواهُ". والرابعُ نحو "هذا رجلٌ مجتهدٌ أبناؤُهُ". والخامسُ نحو "يَخطُبُ عليٌّ رافعاً صوتَهُ". وقد يكونُ الاستفهامُ والموصوفُ مُقدَّرَينِ. فالأولُ نحو "مُقيمٌ سعيدٌ أم مُنصرفٌ؟ " والتقديرُ أمقيمٌ أم منصرفٌ؟ والثاني كقول الشاعر [من البسيط] كناطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيوهِنَها ... فَلَمْ يَضِرْها، وَأَوَهى قَرْنَهُ الْوَعِلُ أي كوعلٍ ناطحٍ صخرةً. ونحو "يا فاعلاً الخيرَ لا تنقطع عنه، أي يا رجلاً فاعلاً. واعلم أنَّ مبالغةَ اسم الفاعل تعملُ عملَ الفعلِ، كاسم الفاعل، بالشروطِ السابقةِ، نحو "أنتَ حَمُولٌ النائبةَ، وحَلاَّلٌ عُقَدَ المشكلاتِ". والمثنّى والجمعُ، من اسمِ الفاعل وصيَغ المُبالغة، يعملان كالمُفرد منهما، كقوله تعالى {والذاكرينَ اللهَ كثيراً} ، وقولهِ {خُشَّعاً أبصارُهم يخرجون من الأجداث} . وإذا جُرَّ مفعولُ اسم الفاعل بالإضافةِ إليه، جازَ في تابعهِ الجرُّ مراعاةً للِفظه، والنصبُ مراعاةً لمحلهِ، نحو "هذا مُدرَّسُ النحوِ والبيانِ، أوِ البيانَ" ونحو "أنت مُعينُ العاجزِ المسكينِ، أو المسكينَ". ويجوزُ تقديمُ معمولهِ عليه، نحو "أنتَ الخيرَ فاعلٌ"، إلاّ أن يكونَ مقترناً بأل "هذا المُكرمُ سعيداً"، أو مجروراً بالإضافةِ، نحو "هذا وَلد الجزء: 3 ¦ الصفحة: 281 مُكرمٍ خالداً"، أو مجروراً بحرفِ جرٍّ أصليٍّ، نحو "أحسنتُ إلى مُكرمٍ عليّاً"، فلا يجوزُ تقديمهُ في هذه الصُّوَر. أمّ إن كان مجروراً بحرفِ جرٍّ زائد فيجوزُ تقيمُ معمولهِ عليه، نحو "ليسَ سعيدٌ بسابقٍ خالداً"، فتقولُ "ليس سعيدٌ خالداً بسابقٍ"، لأنَّ حرفَ الجرّ الزائدِ في حكم الساقط. 3- عَمَلُ اسْمِ الْمَفْعولِ يعملُ اسمُ المفعول عمَلَ الفعلِ المجهول، فيرفعُ نائبَ الفاعلِ، نحو "عزَّ من كان مُكرَماً جارُهُ، محموداً جِوراُهُ". وتجوزُ إضافتُهُ إلى معمولهِ، نحو "عَزَّ من كان محمودَ الجوارِ، مُكرَمَ الجارِ". وشروطُ إعمالهِ كما مرَّ في اسمِ الفاعل تماماً. 4- عَمَلُ الصِّفَةِ المُشَبَّهَةِ تعملُ الصفةُ المشبهةُ عملَ اسم الفاعلِ المتَعدِّي إلى واحدٍ، لأنها مُشبَّهةٌ به ويُستحسَنُ فيها أن تُضافَ إلى ما هوَ فاعلٌ لها في المعنى، نحو "أنتَ حَسَنُ الخُلُقِ، نَقِيُّ النفسِ، طاهرُ الذَّيلِ". ولكَ في معمولها أربعةُ أوجُهٍ 1- أن ترفعهُ على الفاعليّة، نحو "عليٌّ حسَنٌ خُلقُهُ، أو حسَنٌ الخُلُقُ أو الحسنُ خُلقُهٌ، أو الحسنُ خُلُقُ الأبِ". 2- أن تنصبهُ على التّشبيهِ بالمفعولِ به، إن كان معرفةً، نحو "عليٌّ حسنٌ خُلقَهُ، أو حَسَنٌ الخُلُقَ، أو الحسنُ الخُلُقَ، أو الحسَنُ خُلُقَ الأبِ". 3- أن تنصبهُ على التمييز، إن كانَ نكرةً، نحو "عليٌّ حسنٌ خُلقاً، أو الحسَنُ خُلقاً". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 282 4- أن تَجرَّهُ بالإضافة، نحو "عليٌّ حسَنُ الخُلُقِ، أو الحسنُ الخُلُقِ، أو حسنُ خُلُقهِ، أو حسَنُ خُلقِ الأبِ، أو الحسن خُلُقِ الأبِ". واعلم أنهُ تمتنعُ إضافةُ الصفة إذا اقترنتْ بألْ، ومعمولها مُجرَّدٌ منها ومنَ الإضافة إلى ما فيه "أَلْ"، فلا يُقالُ "عليٌّ الحسنُ خُلقهِ، ولا العظيمُ شدَّة بأسٍ". ويقال "الحسنُ الخُلُقِ، والعظيمُ شدَّةِ البأسِ". 5- عَمَلُ اسْمِ التَّفْضِيلِ يرفعُ اسمُ التفضيلِ الفاعلَ. وأكثرُ ما يرفعُ الضميرَ المستترَ، نحو "خالد أشجعُ من سعيدٍ". ولا يرفعُ الاسمَ الظاهرَ إلا إذا صَلَحَ وقوعُ فعلٍ بمعناهُ مَوقعَهُ، نحو "ما رأيتُ رجلاً أوقع في نفسه النصيحةُ منها في نفس زهير"، ونحو "ما رأيتُ رجلاً أوقعَ في نفسهِ النصيحةُ كزهير". ونحو "ما رأيتُ كنفس زهيرٍ أوقعَ فيها النصيحةُ". وتقولُ "ما رجلٌ أحسنَ به الجميلُ كعليٍّ" ومن ذلك قولُ الشاعر [من الخفيف] ما رَأَيْتُ امرَأً أَحَبَّ إِلَيْهِ ... البَذْلُ مِنْهُ إِلَيْكَ يا ابْنَ سِنانٍ فإن قلت فيما تقدَم "ما رأيتُ رجلاً تقعُ النصيحةُ في نفسه كزهير، ما رجلٌ يحسنُ به الجميلُ كعليٍّ. ما رأيتُ أمرأ يحبُّ البذلَ كابنِ سنان" صحَّ. وقد يرفعُ الاسمَ الظاهرَ، وإن لم يَصلُح وقوعُ فعلٍ مَوقعَهُ، وذلك في لغةٍ قليلةٍ، نحو مررتُ برجلٍ أكرمَ منهُ أبوهُ".والأفضلُ أن يُرفعَ "أكرم" على الجزء: 3 ¦ الصفحة: 283 أنهُ خبرٌ مُقدَّمٌ، و"أبوهُ". مبتدأ مؤخرٌ. وتكون جملة المبتدأ والخبر صفةً لرجلٍ. (الجمل وأنواعها) الجملةُ قولٌ مُؤلفٌ من مُسنَدٍ ومُسندٍ إليه. فهي والمركَّبُ الاسناديُّ شيءٌ واحدٌ. مثلُ "جاءَ الحقُّ، وزهقَ الباطلُ، إنَّ الباطلَ كانَ زَهوقاً". ولا يُشترط فيما نُسميه جملةً، أو مركَّباً إسنادياً، أن يُفيدَ معنًى تاماً مكتفياً بنفسهِ، كما يُشترطُ ذلك فيما نُسميهِ كلاماً. فهو قد يكون تامَّ الفائدةٍ نحو {قد أفلحَ المؤمنون} ، فيُسمّى كلاماً أَيضاً. وقد يكون ناقصَها، نحو "مهما تفعلْ من خير أَو شرٍّ"، فلا يُسمّى كلاماً. ويجوزُ أن يُسمّى جملةً أَو مُركباً إسنادياً. فإن ذُكر جوابُ الشرط، فقيلَ "مهما تفعلْ من خير أَو شرٍّ تُلاقهِ"، سُميَ كلاماً أيضاً، لحصول الفائدة التامّة. والجملةُ أَربعةُ أَقسامٍ فعليّةٌ، واسميَّةٌ، وجملةٌ لها محلٌّ من الإعراب، وجُملةٌ لا محلَّ لها من الإعراب. 1- الجُملَةُ الفِعْلِيَّة الجملة الفعليّة ما تألفت من الفعل والفاعل، نحو "سبقَ السيفُ العذَلَ"، أو الفعل ونائبِ الفاعل، نحو "يُنصَر المظلومُ"، أَو الفعلِ الناقصِ واسمه وخبره نحو "يكون المجتهدُ سعيداً". 2- الْجُمْلَةُ الاسمِيَّةُ الجملةُ الاسميّةُ ما كانت مؤلفةً من المبتدأ والخبر، نحو "الحقُّ منصورٌ" أَو مِمّا أَصلُه مبتدأ وخبرٌ، نحو "إن الباطل مخذولٌ. لا ريبَ فيه. الجزء: 3 ¦ الصفحة: 284 ما أَحدٌ مسافراً. لا رجلٌ قائماً. أن أَحدٌ خيراً من أَحد إلا بالعافيةِ. لاتَ حينَ مناصٍ". 3- الجُمَلُ الَّتي لَها مَحَلٌّ مِنَ الإِعْراب الجملةُ، إن صحَّ تأويلُها بمُفرَدٍ، كان لها محلٌّ من الإعراب، الرفعُ أَو النصبُ أَو الجرُّ، كالمفرد الذي تُؤَوَّلُ بهِ، ويكونُ إعرابُها كإعرابه. فإن أُوِّلت بمفردٍ مرفوعٍ، كان محلُّها الرفعَ، نحو "خالدٌ يعملُ الخيرَ"، فِإن التأويل "خالدٌ عاملٌ للخير". وإن أُوِّلت بمفردٍ منصوبٍ، كان محلُّها النصبَ، نحو "كان خالدٌ يعملُ الخيرَ"، فإنَّ التأويلَ "كان خالدٌ عاملاً للخير". وإن أُوِّلت بمفردٍ مجرورٍ، كانت في محلِّ جرٍّ، نحو "مررتُ برجلٍ يعملُ الخيرَ"، فإن التأويلَ "مررتُ برجلٍ عاملٍ للخيرِ". وإن لم يصحَّ تأويلُ الجملةِ بمفردٍ، لأنها غيرُ واقعةٍ مَوْقِعَهُ، لم يكن لها محلٌّ من الإعراب، نحو "جاءَ الذي كتبَ"، إذ لا يَصح أَن تقول "جاءَ الذي كاتبٌ". والجُمَلُ التي لها محلٌّ من الإعرابِ سبعٌ 1- الواقعةُ خبراً. ومحلُّها من الإعراب الرفعُ، إن كانت خبراً للمبتدأ، أَو الأحرفِ المشبهةِ بالفعلِ، أو "لا" النافية للجنس، نحو "العلمُ يرفعُ قدرَ صاحبه. إن الفضيلةَ تُحَبُّ. لا كسولَ سِيرتُهُ ممدوحةٌ". والنصبُ إن كانت خبراً عن الفعلِ الناقصِ، كقولهِ تعالى {أَنفسَهم كانوا يظلمون} ، وقولهِ {فذبحوها وما كادوا يفعلون} . الجزء: 3 ¦ الصفحة: 285 2- الواقعة حالاً. ومحلُّها النصب، نحو "جاءُوا أَباهم عشاءً يَبكون} . 3- الواقعةُ مفعولاً به. ومحلها النصبُ أيضاً، كقولهِ تعالى {قالَ إني عبدُ الله} ، ونحو "أَظنُّ الأمةَ تجتمعُ بعدَ التفرُّق". 4- الواقعةُ مضافاً إليها. ومحلُّها الجرُّ، كقوله تعالى {هذا يومُ ينفعُ الصادقينَ صدقُهم} . 5- الواقعةُ جواباً لشرطٍ جازمٍ، إن اقترنت بالفاءِ أَو بإذا الفجائية. ومحلها الجزمُ، كقوله تعالى {ومن يُضللِ اللهُ فما لهُ من هادٍ} ، وقولهِ {وإن تصِبهم سيِّئةٌ بما قدَّمت أَيديهم إذا همْ يَقنَطون} . 6- الواقعةُ صفةً، ومحلُّها بحسَبِ الموصوفِ، إمّا الرفعُ، كقولهِ تعالى {وجاءَ من أَقصى المدينةِ رجلٌ يسعى} . وإمّا النصبُ، نحو "لا تحترمْ رجلاً يَخونُ بلادَهُ". وإمّا الجرُّ، نحو "سَقياً لرجلٍ يَخدمُ أُمتَهُ". 7- التابعةُ لجملةٍ لها محلٌّ من الإعراب. ومحلُّها بحسب المتبوع. إمّا الرَّفعُ، نحو "عليٌّ يقرأ ويكتبُ"، وإمّا النصبُ، نحو "كانت الشمسُ تبدو وتخفى"، وإمّا الجرُّ، نحو "لا تعبأ برجلٍ لا خيرَ فيهِ لنفسهِ وأمتهِ، لا خيرَ فيه لنفسهِ وأمتهِ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 286 4- الجُملُ الَّتي لا مَحَلَّ لَها مِنَ الإعراب الجملُ التي لا محلَّ لها من الإعراب تسعٌ 1- الابتدائيةُ، وهي التي تكونُ في مُفتَتحِ الكلامِ، كقوله تعالى {إنا أعطيناك الكوثرَ} ، وقولهِ {اللهُ نور السَّمواتِ والأرض} . 2- الاستئنافيّةُ، وهي التي تقعُ في أثناءِ الكلامِ، منقطعةً عمّا قبلَها، لاستئنافِ كلامٍ جديدٍ، كقوله تعالى {خلق السَّمواتِ والأرضَ بالحقِّ، تعالى عمَّا يُشركونَ} . وقد تقترنَ بالفاءِ أو الواو الاستئنافيَّتين. فالأولُ كقوله تعالى {فلمَّا آتاهما صالحاً جعلا لهُ شركاءَ فيما آتاهما، فتعالى الله عمّا يُشركون} . والثاني كقولهِ {قالت ربِّ إني وضعتُها أُنثى، والله أعلمُ بما وضعتْ، وليس الذكر كالأنثى} . 3- التَّعليليَّة، وهي التي تقعُ في اثناءش الكلامِ تعليلاً لِما قبلَها، كقوله تعالى {وصلِّ عليهم، إنَّ صلاتَكَ سَكنٌ لهم} . وقد تقترنُ بفاءِ التَّعليل، نحو "تمسَّك بالفضيلةِ، فإنها زينةُ العُقلاءِ". 4- الاعتراضيّةُ، وهي التي تَعترضُ بين شيئينِ مُتلازمين، لإفادة الكلام تَقويةً وتسديداً وتحسيناً، كالمبتدأ والخبر، والفعلِ ومرفوعهِ، والفعلِ ومنصوبهِ، والشرطٍ والجوابِ، والحالِ وصاحبها، والصفةِ والموصوفِ، وحرفِ الجر ومُتعلِّقه والقسمِ وجوابهِ. فالأول كقول الشاعر [من الطويل] وَفِيَهِنَّ، وَالأَيامُ يَعْثُرْنَ بِالْفَتَى ... نَوادِبُ لا يَمْلَلْنَهُ، ونَوائحُ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 287 والثاني كقول الآخر [من الطويل] وَقَدْ أَدْرَكَتْني، وَالحَوادِثُ جَمَّةٌ ... أَسِنَّةُ قَوْمٍ لا ضِعافٍ، وَلا عُزْل والثالثُ كقولِ غيره [من الرجز] وَبُدِّلَتْ، وَالدَّهْرُ ذُو تَبَدُّلِ ... هَيْفاً دَبُوراً بِالصَّبا، وَالشَّمْأَلِ والرابعُ، كقولهِ تعالى {فإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا، فاتَّقُوا النارَ التي وَقُودُها الناسُ والحجارةُ} . والخامس، نحو "سعيتُ، وربَّ الكعبةِ، مجتهداً". والسادسُ، كقوله تعالى {وانَّهُ لَقَسمٌ، لو تعلمونَ عظيم} . والسابعُ، نحو "اعتصِمْ، اصلحكَ اللهُ، بالفضيلة". والثامن كقول الشاعر [من الطويل] لَعَمْري، ومَا عَمْري عَلَيَّ بِهَيِّنٍ ... لَقَدْ نَطَقَتْ بُطْلاً عَلَيَّ الأَقارِعُ 5- الواقعة صِلةً للموصولِ الاسميّ، كقوله تعالى {قد أفلحَ من تَزَكَّى} ، أو الحرفيِّ، كقولهِ {نخشى أن تُصيبنا دائرةٌ} . والمراد بالموصولِ الحرفيِّ الحرفُ المصدريُّ، وهو يُؤوَّلُ وما بعدَه بمصدرٍ وهو ستةُ أحرفٍ "أنْ وأنَّ وكيْ وما ولوْ وهمزة التسوية". وقد سبقَ الكلامُ عليه في أقسام الفاعل"، وفي "حروف المعاني". 6- التّفسيريةُ، كقوله تعالى " {وأَسرُّوا النّجوَى} ، {الذين ظلموا} ، {هل هذا إلا بشرٌ مثلُكمْ} " وقولهِ {هل ادُلُّكم على تجارةٍ تُنجيكم من عذابٍ الجزء: 3 ¦ الصفحة: 288 أليمٍ، تُؤمِنونَ بالله ورسوله} . والتّفسيريّةُ ثلاثةُ أقسامٍ مجرَّدةٌ من حرف التفسيرِ، كما رأيتَ، ومقورنةٌ بأي، نحو "أشرتُ إليه، أي أذهبْ"، ومقورنةٌ بأنْ، نحو "كتبتُ إليهِ أن وافِنا"، ومنه قولهُ تعالى {فأوحينا إليه أن اصنَعِ الفُلكَ} . 7- الواقعةُ جواباً للقسمِ، كقوله تعالى {والقرآنِ الحكيمِ انّكَ لَمِنَ المُرْسَلين} ، وقولهِ {تاللهِ لأكيدَنَّ أصنامَكم} . 8- الواقعةُ جواباً لشرطٍ غيرِ جازمٍ "كإذا ولو ولوا"، كقوله تعالى {إذا جاءَ نصرُ اللهِ والفتحُ، ورأيتَ الناسَ يَدخلون في دينِ اللهِ أفواجاً، فسَبِّحْ بِحَمْدِ ربك} ، وقوله {لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ، لَرأَيتهُ خاشعاً مُتصدِّعاً من خشيةِ اللهِ} وقولهِ {ولولا دَفعُ اللهِ الناسَ بعضَهم ببعضٍ، لَفَسدتِ الأرضُ} . 9- التابعةُ لجملةٍ لا محلَّ لها من الإعراب، نحو "إذا نَهضَتِ الأمةُ، بَلغت من المجد الغايةَ، وادركت من السُّؤْدَدِ النهايةَ". الجزء: 3 ¦ الصفحة: 289