الكتاب: آل الجرباء في التاريخ والأدب المؤلف: محمد بن عمر بن عبد الرحمن العقيل المعروف بأبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] ---------- آل الجرباء في التاريخ والأدب ابن عقيل الظاهري الكتاب: آل الجرباء في التاريخ والأدب المؤلف: محمد بن عمر بن عبد الرحمن العقيل المعروف بأبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري   [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع] مقدمة الكتاب الحمد لله رب العلَمْين، وصلى الله على محمد. فيمَا بين عام 1373 - 1378هـ كنت أسمع أخبار عبد الكريم الجرباء " أبو خوذه " وصفوق الجرباء، على لسان محمد بن يحيان - رحمه الله - وبعض من يفدون إلى شقراء في رمضان ممن يتلقفهم الَوْالد - رحمه الله -. وبقي من أذكارهم العاطرة ظلٌ في ذاكرتي كأعقاب الحُلَمْ ومنذ سنة عندمَا بدأت تأليف كتابي " ديوان الشعر العامي " تلقفت عن آل الجرباء كغيرهم من الأسر أشتاتاً من هنا وهناك لتكون ذخيرتي في تفسير هذا الشعر فحسب، ولَمْ أَدْرِ أن هذه الشذرات ستكون بحثاً منهجياً عن أُسرة آل الجرباء، وقد نشرته إفادات متفرقة في الجزء الثاني من " ديوان الشعر العامي " ثم زودني شيخي حمد الجاسر بإفادات جديدة من كتاب " مطالع السعود " لابن سند، وإفادة واحدة من مجلة " لغة العرب " التي يصدرها أنستاس الكرملي ثم ناولني مَا ينقصني من كتاب " عشائر العراق " وهو الجزء الأول الذي توسع في الحديث عن آل الجرباء مع تصحيحاته لَمْسودات هذا البحث إلى معلَوْمَات أخرى تجمعت عندي فآثرت إفراد آل الجرباء ببحث مستقل. ولا ريب أن الَوْمضات عنهم في كتب التاريخ والأنساب لا تعطي صورة كاملة، فاستعنت - بعد الله - بالرواية الشفهية والشعر العامي في تتميم هذه الصورة. وفاتني من الَمْصادر كتاب " عشائر الشام " لَوْصفي ذكريا. وأُسرة آل الجرباء من الأُسر التي تفتخر بلادنا بأمجادها عندمَا رحلت إلى العراق وسوريا، فكانت بناءً وطنياً في هذين القطرين، وكونت أدباً نجدياً هناك، ونشرت عادات وتقاليد البلد الذي رحلت منه، إلا إن ممَا لا يُحْمَدُ للشمَامرة هناك الإخلالُ بالأمن، وإعادة سنة السلب والنهب والثارات الجاهلية. روى عبد الجبار الراوي أن فرحان باشا بن صُفُوق الجرباء قال لأهل قرية الَمْشاهدة بالعراق وقد أعجبته ضخامة أجسامهم: لَمْاذا لا تغزون؟ فقالَوْا: لا نحسن الغزو ولا نستطيعه. فقال: اغزوا من هو أطقع منكم!! ومن معاناتي لهذا البحث بدا لي أنَّ مَا كان مغموراً من تاريخنا يمكن أن يشبع بملاحظات عناصر أرجو أن يعنى بها شيخنا حمد الجاسر، ومن نهج لهم الَمْسلك ممن سيأتون بعده. وهذه العناصر تتلخص في التالي: 1 - الاعتناء بتاريخ وأنساب وآداب الأقطار الأخرى، حيث ارتحال الأُسر والبوادي. وتعاقب الأحداث الأخرى يربط نجداً بغيرها، فربمَا وجدنا في تواريخ الحجاز عن نجد مَا لا نجده في كتب تاريخ نجد. الزَّولْ زَوْلِهْ والْحَلايَا حَلاَيَاهْ ... والفِعِلْ مَا هُو فِعْل ضَافي الْخَصَايِلْ *** جانا من " الْعارِض " ركَيْبٍ يِهِيْفِ ... يِتْلَوْن ابن عَرُّوْجْ مِقْدِم بِني لاَمْ وأَكثر مَا نجده عند أَهل نجد قولهم: ابن عَروْج آخر ملوك بني لام. وتظل القصة عندنا كالأسطورة فترمي بنا الَمْصادفات إلى كتب أهل العراق فنجد في كتاب " أَنساب العشائر العربية في النجف الأَشرف " لناجي وداعة الشريس توثيقات تاريخية تؤكد الرواية الأَدبية النجدية. فقد ذكر الشريس أُسرةً في النجف تعرف بآل شُكْرٍ، من آل حَدِيدِ الأَحسائي، وهو شكر بن محمد بن شكر بن حمود ابن علي الأَحسائي من أَحفاد يوسف بن حَديد بن عَرُّوْج من آل غَزِّيِّ من الْفُضُوْل من بني لاَمٍ. وكتاب الشريس ليس من نوع التخرصات التي توجد عند مؤرخينا ونَسَّابينا، فقد اعتمد على أَوراق أَوقاف ومواريث كوقفية لآل ثابت، مؤرخة في 980هـ ووقفية للحاج ناصر ابن علي الأَحسائي، مؤرخة في 1174هـ ووقفية لشكر بن حمود آل حَديد، مؤرخة في 1225هـ. ونقل عن كتاب " أَنساب العرب " لسمير عبد الرزاق القطب أَن حديد بن عروج آخر من بقي في نجد من عشيرة آل غِزي من الفضول، وذكر عنه أَن رئاسة حديد بعد عجل ابن حنيتم، وقد تولى بعده محمد بن حديد. وقد أَفدت من هذا الكتاب في ربط سلسلة النسب بين آل فارس وآل رشيد وآل علي. وسيستفاد منه في ربط السلسة لبعض الأُسر الَمْتحضرة من البوادي. فَضَمَّ مِثْلِ هذه الإفاداتِ يُبَلَوْرُ ويمحِّصُ بعضَ معلَوْمَات النسابين والَمْؤرخين في نجد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 2 - الاكتفاء بمَا نشر من كتب الأَنساب والرحلات ومعاجم البلدان إِلى حدود القرن الرابع واستحياء مَا بعد ذلك ممَا يضيف معلَوْمَات ولا يكررها. وقد أحسن الشيخ حمد صنعاً في نشره لقسم من " مسالك الأَبصار " رغم أَنه أَفاد منه النسابون الذين جاؤا بعد ابن فضل الله. ولقد أفاد الشيخ حمد من كتاب ابن رسول إِفادت هو الَمْصدر الَوْحيد فيها. وحبذا لَوْ استمرت العناية بكتب الأَنساب لَمْا بعد القرن الرابع والاحتفاء بكل مَا تأخر عصره ممَا هو قبل كتابات الَمْعاصرين. وأتوقع أَن كتاب مجمع الأَنساب لابن قدامة الَمْتوفي سنة 620هـ ربمَا أَفاد جديداً وهكذا كل مَا تأخر عصره. 3 - العناية بالشعر العامي، بلهجة أهل نجد منذ نشأته إلى استقرار الجزيرة في عهد الَمْلك عبد العزيز، لتفسير التاريخ وتعميقه وقد لَمْست هذه الفائدة في الأَسفار الستة التي أَنهيتها من كتاب " الشعر العامي ". 4 - الاتصال مباشرة بالأُسر النجدية والأَعيان من أَفخاذ البوادي للإِفادة من وثائق أَوقافهم ومواريثهم. 5 - الاضطلاع بدليل " ببلَوْجرافي " عن تاريخ الجزيرة وأَنسابها وأَعلامها من كتب التاريخ والتراجم والرحلات والأّنساب لاسيمَا كتب التراجم في القرن الثامن إلى آخر الثالث عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 ولقد سمعت من شيخي إبراهيم العثمَان أَحد سلاطين الَمْمَاليك - ولعله أَحال إلى أَحال إِلى أَحد كتب الَمْقريزي - طلب مقابلة بعض أَعيان نجد وأَحالني إِلى رحلة ابن الَمْجاور عن نص من الشعر العامي فوجدته كمَا قال. ووجدت في تاريخ العصامي لَمْحمد بن جدوع في مدح بركات بن إبراهيم الشريف من نوع الشعر العامي القديم الذي دونه ابن يحيى ونشره ابن حاتم. ووجدت في أنساب أهل عمَان مَا وصلت به تاريخ بعض الأسر الحاكمة في البحرين وذلك في السفر الأول من كتابي عن الشعر العامي. وعلَمْت علَمْ اليقين من قصيدة للكليف " الجليف " أن مقرن ابن غصيب استرد ملك الأحساء من آل مغامس وأن الأتراك استولَوْا على الأحساء والحكام من آل أجود كمَا قال ابن بشر وغيره، وإنمَا أخطاء ابن بشر في التاريخ فحسب. وعلى أي حال فالَمْشروع الببلجرافي لهذه النتف يعين طلبة العلَمْ على تجلية تاريخهم الَمْغمور لا سيمَا بعد انفتاح العامة على خزانات الَمْخطوطات، وتيسر التصوير. وقد كنا منذ عقد من الزمن نرى إحالة الَمْؤرخ إلى مخطوط من كبرى الَمْناقب. وآل الجرباء من أُمراء الجبل ومن قبيلة عريقة في هذا الَمْوطن فقد ذكر النسابون أن قبيلة طيْ خرجت من اليمن على إثر خروج الأزد منه، ونزلَوْا سَمِيْرَاءَ وفيداً في جوار بني أسد ثم غلبوا بني أسد على أجا وسَلَمْى فعرفا فيمَا بعد بجبلي طيء. وذكر ابن سعيد أنهم أصحاب الرئاسة في العرب في عصره بالعراق والشام. ورئاستهم في بني ربيعة بن حازم من أحفاد سلسلة بن غنم من أحفاد فطرة بن طيء، فقد ورثوا أرض غسان والشام ومن أشهر أسرهم آل عيسى بن مهنا بن فضل بن ربيعة أثنى عليهم ابن فضل الله العمري كثيراً. وكان شيخنا حمد الجاسر ألف عن آل فضل كتاباً في صغره وحدثني مشافهة أن عقب آل فضل باقون حتى الآن بالأردن. وشمر بطن من طيء ولكنها في العصور الَمْتأخرة أصبحت مجمع البطون الطائية مع أخلاط أخرى دخلت فيها بالحلف. وقد نسب ابن دخيل آل علي وآل رشيد إلى آل فضل ولا سند له إلا أنهم حلَوْا محلهم في الَمْكان والإمَارة أمَا كتب الأنساب فدلت على أنهم من مذحج. فإن صح أن عَبْدَةَ بن شمر - كمَا نقل عن الكتاب الَمْنسوب لابن قدامة - فلا ريب أن زعمَائهم آل ضيغم من جنب من مذحج وقد دخلَوْا في عَبْدَةَ. وآل ضيغم إلى آخر القرن السابع الهجري لايزالَوْن في الجنوب في بلاد مذحج. ويظهر - استئناسا بالأسمَاء - أن آل علي وآل رشيد من ذرية شهوان بن منصور بن ضيغم بن منيف بن جابر بن علي الذي ذكره ابن رسول. ولعل بين جدهم الأدنى عرار بن شهوان وشهوان بن منصور جدًّا اسمه فارس بن طعان استئناساً بنص عن آل فارس كمَا سيأتي بيانه. وإنمَا نسبتهم إلى فارس بن طعان لأن آل خليل هم أبناء خليل بن جاسر بن علي بن عطية من آل جعفر، وقد ذكر الشريس أن آل فارس وآل خليل بطن واحدة وابن فارس محمد كان حياًّ عام 1109.ثم ذكر أن آل صادق من ذرية عبد الله بن محمد بن علي من آل فارس. فإذا كان آل صادق أبناء عم آل علي وكانوا من آل فارس بن طعان فآل علي من ذرية فارس. وكلهم من آل جعفر وقد ذكر ابن بسام أن آل جعفر من الضياغم. ولهذا كله رجحت أن لآل علي وآل رشيد جداً اسمه فارس ابن طعان إمَا من أحفاد عرار بن شهوان وإمَا بين عرار بن شهوان وشهوان بن منصور بن ضيغم. وعلى أي حال فإقحام فارس بن طعان في نسب آل رشيد استنتاج يظل مجرد احتمَال. وفي نص ابن رسول أن لَمْنيف بن ضيغم بن منيف بن جابر ولداً اسمه راشد وله حفيد اسمه عمير بن أحمد بن راشد. وفي الكتاب الَمْجهول الَمْؤلف الذي نقل عنه الشيخ حمد الجاسر أخبار الدُّهم الشهوانيات في مخطوطته عن الخيل أن شهوان أبا عرار أو راشد عم عمير. فيحتمل أن يكون عرار حفيداً لَمْنيف بن ضيغم. ويحتمل أن يكون من ذرية شهوان بن منصور بن ضيغم. وعلى أي حال فتوارث اسم شهوان وعمير وراشد يؤكد أن عرار بن شهوان وعمير بن راشد من أحفاد منيف بن ضيغم. وآل الجرباء هم زعمَاء شمر ورؤساء الجبل وأبعد ذكر لهم وجدته عن وفاة اثنين منهم عام 1100هـ وعام 1103هـ وقد رحلَوْا من نجد عام 1205هـ بعد هزيمتهم أمَام ابن سعود فبنوا زعامتهم في العراق وسوريا. وعَبْدَةَ أكبر قبائل شمر من قبيلة جنب من مذحج فهم أبناء عم عبيدة من قحطان. ومن عَبْدَةَ الجربان وآل علي وآل رشيد. قال شاعر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 عبيدة من قحطان: دة من قحطان: ان سَلْتْ عَنَّا يَالسُّوَيْطِي قَحَاطِيْنْ ... عَوَاصْمٍ، واللِّيْ حْذَانَا لفَايِق حِنَّا وْعَبْدَةَ والضَّيَاغِمْ بْجَدَّيْنْ ... لَطَّامة يَوْمَ اللقا كلِّ مَايِق وأمراء الجبل بعد الجربان آل علي، وفي التاريخ لهم اضطراب كثير، وقد طمر الدارسون العهد الأول من إمَارة عيسى بن علي، ممَا ترتب عليه الخلط بين أحداث عبد الله ابن رشيد في عهد عيسى الأول وعهد صالح بن عبد الَمْحسن وعهد عيسى بن علي للَمْرة الثانية. وقد حققت ترتيب ولايتهم على هذا النحو: 1 - عبد الَمْحسن بن فايز بن محمد بن عيسى بن علي بن علي بن عطية. وهو أمير الجبل في عهد الإمَام عبد العزيز بن محمد وقد دخل في طاعته عام 1201هـ. 2 - محمد بن عبد الَمْحسن تولى عام 1201هـ. 3 - عيسى بن علي تولى عام 1234هـ. 4 - صالح بن عبد الَمْحسن تولى عام 1249هـ. 5 - ابن رشيد تولى عام 1250هـ. 6 - عيسى بن علي تولى مرة ثانية عام 1253هـ. ثم طرده عبد الله بن رشيد في نفس العام، وبذلك انتهت إمَارة آل علي. وهذا الترتيب جاء بعد تحقيق وتدقيق ومناقشات. وبعد آل علي جاء آل رشيد، وقد كتب الدكتور عبد الله الصالح العثيمين ضميمة غاية في التحقيق، والتدقيق بعنوان " نشأة إمَارة آل رشيد " نشرتها:عمَادة شؤون الَمْكتبات بجامعة الرياض " عام 1981م وطبعتها " مطابع الشرق الأوسط بالرياض " وقد تطرق في هذه الضميمة لأمراء الجبل قبل عبد الله بن رشيد. وضميمة الدكتور العثيمين دراسة رائدة في تناول تاريخنا الَمْحلي، من ناحية الاستنباط والإفادة من الشعر العامي ومَا كتبه الأجنبون. وكانت عناية الدكتور العثيمين بالتاريخ قصداً، وبالشعر العامي تبعاً، ولقد تناولت تاريخ عبد الله بن الرشيد في السفر الثاني من كتابي " تاريخ نجد في عصور العامية " بعكس هذا الَمْنهج وهو أنني قصدت الشعر العامي واتكأت على التاريخ تتميمَا للدراسة من الشعر. ولَمْا قارنت مَا كتبته بمَا كتبه الدكتور العثيمين رأيت في مصادره سعة لي، وفي تخريجاته واستنباطاته معالَمْ اهتديت بها. ورأيت في ضميمة الدكتور العثيمين شيئاً يجب استدراكه دون أن يُخل بِأصالة بحثه ودقته. ورأيت في بحثي شيئاً يجب أن يضم إلى بحث الدكتور ليكون مكتملاً بحسب الأداة التي يملكها الباحث في هذا العصر. ومن الَمْستحسن أن آتي بنبذة عن آل علي الذين خلفوا آل الجرباء في الزعامة فقد أسلفت في الحديث عن آل الجرباء أنهم من عَبْدَةَ من شمر، وأن عَبْدَةَ من آل ضيغم. وآل رشيد أبناء عم آل علي الأقربين، وقد سلسل الدكتور ابن عثيمين نسب الأمير محمد بن عبد الَمْحسن هكذا: محمد بن عبد الَمْحسن بن فايز بن محمد بن عيسى بن علي ابن علي الكبير الذي يلتقي فيه نسب هذه الاسرة مع نسب آل رشيد. ولَمْ يذكر الدكتور مصدره. وقال سليمَان الدخيل عن عبد الله الرشيد: عبد الله علي بن رشيد بن خليل بن عطية. وخليل أخوعلي جد آل علي. ونقل الدكتور العثيمين عن ورقة عند نايف آل علي بحائل: عبد الله بن علي بن حمد بن رشيد بن خضير بن خليل ابن ياسر بن علي بن عطية. قال العثيمين: ومَا ذكره ضاري يتفق مع ورقة نايف، إلا أن حمداً أبٌ لرشيد، لا ابناً له. وقال ابن بشر عن جبر عم عبد الله بن رشيد: جبر بن رشيد بن علي. قال أبو عبد الرحمن: يظهر لي أن عليا الكبير هو جد آل صادق بالنجف فجدهم الحاج أحمد كان حياً سنة 1185هـ وهو ابن عبد الله بن محمد بن علي من شمر عَبْدَةَ. ويظهر أن عليا الكبير بن عطية ينتهي نسبه إلى فارس ابن طعان جد آل فرس بالنجف. قال الشريس عن آل فارس: أحد فروع آل جعفر من قبيلة شمر عَبْدَةَ الطائية القحطانية وقد ذكرهم العزاوي في كتابه " عشائر العراق " البدوية وهم آل خليل بطن واحدة قال أبو عبد الرحمن: وسياق النسب من هذه النصوص لهذه الأسر يتسق على هذا الَمْشجر. فارس بن طعان من ذريته علي الكبير بن عطية محمد جد آل صادق علي عيسى جد آل علي جاسر جد آل رشيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 وعلى هذا الأساس يصح القول بأن آل رشيد من آل علي كمَا قال الدخيل، وأنهم أبناء عم آل علي كمَا يقول الجمهور. هذا أكثر مَا رأيته في سلسلة النسب. أمَا عموم كتب الأنساب فتذكر آل رشيد من آل خليل من الجعافرة من الدغيرات من آل يحيا من عَبْدَةَ من شمر. وقال يوسف البسام: وآل حعفر من الضياغم من شمر عَبْدَةَ. ورأيت عبد الله الخالد الحاتم يذكر أن عرار بن شهوان آل ضيغم، جد الرشيد، أمراء جبل حائل،انه عاش سنة 850 هـ. وإلى ذلك مال شيخنا حمد الجاسر في كتابه " جمهرة أنساب الأسر الَمْتحضرة " فنسبهم إلى آل ضيغم، ونقل عن كتاب " طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب " عمر بن يوسف ابن رسول " ... - 694 هـ " أن آل ضيغم كانوا إلى آخر القرن السابع الهجري لا يزالَوْن في الجنوب في بلاد مذحج " بلاد قحطان الآن بمنطقة إمَارة عسير " وسمَاهم آل منيف ونسبهم إلى جنب. وجدهم منيف بن ضيغم بن منيف بن جابر بن علي ابن عبد الرب بن ربيع بن سليمَان بن عبد الرحمن بن روح ابن مدرك بن عبد الحميد بن مدرك. ويقال إنهم من نزار - من عنز بن وائل بن قاسط، دخلَوْا في نسب جنب، لأن أمهم عبيدة بنت مهلهل بن ربيعة التغلبي تزوجها روح بن مدرك. ولهم أشعار في رحلتهم ذكر قطعاً منها الشيخان العبودي والجنيدل في معجميهمَا والشيخ حمد الجاسر في كتابه الخطي " معجم الخيل ". وقد ألَمْحت إلى شيء من ذلك في السفر الأول من كتابي عن الشعر العامي. ونسبة آل رشيد إلى آل ضيغم واردة في الشعر العامي. قال عبد الله بن رشيد يبكت جمَاعته: من باب خَدَّام إِلى باب شدَّادْ ... واللِّيْ اعْتَزَى بالضَّيْغَمِيَّة تطليه وقال مخلد بن هديرس يمدح عبد الله بن رشيد: الضيغمِي منْ حاْيلٍ عطَّ الاَنْجَاد ... دَزَّ السبور وقام يجْمَعْ نواحيه وقال علي الْقَبالي التميمي: الضيغمي كل الَمْراجل بعِّبهْ ... وحنَّا نْلَقِّطْ مَا وقَعْ بالتَّرابِ وقال ابن هديرس: أَبو طلال الضَّيْغمي فرز الاَوْلاَد ... زَبْزُومْ غَلْبا باللقا، ينطح التيه وقال منيع القعود يمدح عبد العزيز بن متعب الرشيد: تهزَّا بالضَّياغِم، يا سمىَّ الكلب سدحان ... تهزا بالضياغم، والضياغم للعدوعِلَّهْ وفال سليمَان بن جمهور. مَا صار مثل الضغيمي لاتوارى ... أَقْفَى على عين الَمْادي بالأَدبار وقال عُبيَد بن علي بن رَشيد: ضياغم ترخص جلالَه والارقاب ... ودون الرفيق بمَا لهم مَا يشحَّوْنَ وقال يمدح أَخاه عبد الله: يتلَوْن شغموم خوالهْ عمَامهْ ... من ضَيْغم مَا دكِّ به عرق الاجْنَابْ وقال يمدح ابن أَخيه طلالا: ضِيَاغْم يِرْدُوْنْ حوضَ الزّحَام ... يردون لاَمِنِّهْ غشَى الناسَ الابْدالْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 إِلا أَن العزاوي نقل عن كتاب " مجمع الأَنساب " الذي نسبه لابن قدامة بأَن عَبْدَةَ من شمر. قال أبو عبد الرحمن: وعلى هذا يكون القحطانيون - من غير طيء - هم آل ضيغم دخلَوْا في عَبْدَةَ بالحلف. والَمْعلَوْمَات عن آل على غير مكتملة، ومَا وجد عنهم من معلَوْمَات فيه اضطراب كثير. فالدكتور ابن عثيمين: يرى أَن إِمَارة حائل خلال القرن الثاني عشر الهجري لآل علي الَمْنتمين لآل جعفر. وعد من أُمراء هذا القرن محمداً الأَول وهو محمد بن عيسى ابن علي أَخو خنساء، أَو السمن العرابي أَمَا الشيخ علي بن سالَمْ فيذكر أَن أَول أُمراء آل علي عبد الَمْحسن بن علي. ثم قال في موضع آخر: وليس عندي بيان وقت ولايتهم وكيف انقرضوا لكنهم من عام 1232. قال أبو عبد الرحمن: عبد الَمْحسن كان أمير حائل في عهد الإمَام عبد العزيز بن محمد وقد دخل في طاعة الإمَام عام 1201هـ وبهذا تكون بدايتهم قبل عام 1201 ويسقط قول ابن سالم: أنهم من عام 1232هـ. أمَا الدكتور العثيمين فقد أسقط عهد عبد الَمْحسن هذا، وقال: إن الأمير في نهاية القرن الثاني عشر هو محمد بن عبد الَمْحسن. قال أبو عبد الرحمن: إنمَا تولى محمد بعد ابنه عبد الَمْحسن في مطلع القرن الثالث عشر. ونقل العثيمين عن كتاب " كيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبد الَوْهاب " لَمْؤلف مجهول: أن حجيلان عام 1201 قتل رجلاً ساحراً ونصب محمد بن علي شيخاً في الَمْنطقة. وعلق على ذلك بقوله: ولعل حجيلان أقر محمد بن علي في زعامة الجبل. قال أبو عبد الرحمن: أسلفت نص ابن سالَمْ على أن عبد الَمْحسن كان أمير حائل قبل ابنه، وذكر يوسف البسام: أن حجيلان عين محمداً بعد وفاة والده عبد الَمْحسن. فهذان النصان بالإضافة إلى نص صاحب كتاب " كيف كان ظهور شيخ الإسلام " يؤيد سبق إمَارة عبد الَمْحسن وليس عند الدكتور العثيمين زيادة علَمْ تنفي ذلك. ويظهر أن شمر دانت لدعوة الشيخ محمد بن عبد الَوْهاب في حياته، وحياة الإمَام محمد بن سعود قبيل سنة 1178هـ لأن صاحب كتاب " لَمْع الشهاب " ذكر في أحداث هذه السنة أن محمد بن سعود هيأَ عسكراً مقداره ستة آلاف، بقيادة ابنه عبد العزيز بأمر من محمد بن عبد الَوْهاب، وأرسله إلى طائفة من شمر، كانت قد دخلت في الطاعة قبل ذلك ولَمْا سمعوا بمجيء النجراني وعرعر ارتدُّوا عن حكم ابن سعود، وجعلَوْا يغزون أطرافه، فسار عبد العزيز بالجيش إلى جبل شمر وغزاهم ليلاً فأهلك منهم جمعاً كثيراُ وقد أسر منهم مئتي رجل بل أزيد. أمَا آل علي أنفسهم وحاضرة الجبل فقد دانوا لحكم آل سعود منذ عام 1201هـ. ولذلك مقدمتان: أولاهمَا: أن قبيلة شمر سنة 1196 ناصرت سعودون ابن عريعر في حصاره لحجيلان أمير بريدة من قبل آل سعود. وأخراهمَا: أن شمر في الَمْحرم عام 1201هـ ناصرت ثويني بن عبد الله، في هجومه على نجد، ومحاصرته للقصيم ولحجيلان في بريدة. فلعله نتيجة للَمْقدمة الأولى: كانت غزوة حجيلان عام 1200هـ حيث أخذ قافلة لشمر وقتل منهم قتلى كثيرة. ونتيجة للَمْقدمة الثانية بيقين: غزا حجيلان بأمر من الإمَام عبد العزيز بلد شمر وأدخلهم في الطاعة فبايعوا ابن سعود. ومحمد هذا من أشهر أُمراء آل علي. من الأحداث التاريخية في عصره أنه غزا قبيلة الشرارات في الجوف سنة 1207هـ ومعه أربع مئة من الإبل وخمسون من الخيل لكن نتيجة غزوته كانت فاشلة. وفي سنة 1208 هاجم الجوف وأدخله في طاعة آل سعود، فضم إليه الإمَام سعود بن عبد العزيز ولاية الجوف. وفي سنة 1211هـ اشترك أهل الجبل مع القوات السعودية في صد حملة ثويني. وذكر أن محمداً غزا ناحية العراق واشتبك مع آل بعيج وقتل منهم خمسين رجلاً. وفي سنة 1221هـ كان محمد من بين الزعمَاء الَمْرابطين حول الَمْدينة الَمْنورة، بأمر من الإمَام سعود، لإجبار أمير حجاج الشام على العودة إلى بلاده. وفي سنة 1225هـ كان أهل الجبل مع الإمَام سعود في غزوه للبلاد الشامية. وفي سنة 1228هـ كلف الإمَام سعود محمداً بمراقبة فرقة من الجيش الَمْصري العثمَاني ليجبرها على الذهاب إلى العراق. وفي سنة 1229هـ اشترك محمد مع القوات السعودية في هجومها التأديبي الفاشل على عياد الذويبي الحربي قرب الحناكية. وفي سنة 1230هـ كان أهل الجبل مع الإمَام عبد الله بن سعود في القصيم، حين وصل إليها طوسون كمَا كانوا معه لتأديب بعض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 البوادي والأهالي بعد انسحاب طوسون. وقد ذكر الشيخ حمد الجاسر أن حكام حايل آل علي وآل رشيد يسكنون السويفلة، قبل انتقالهم إلى حائل، وقد أوردت نصه في شعر عبد الله بن رشيد خلال الكلام عن قصيدته على قافيتي التاء والراء بوصل الهاء بالسفر الثاني من كتابي " ديوان الشعر العامي ". وفي نص آخر ذكر الجاسر أن عاصمة الأمَارة السافلة " السويفلة " عمرت في القرن الثامن ومَا لبثت أن خربت فعمرت حائل على إثرها. وقال في موضع ثالث عن السمراء: " يقال إنها حائل القديمة وأنها كانت مقر آل علي ". وقال ابن عثيمين: " وكانت مساكن آل علي في أسفل قاعدة الجبل أو مَا يعرف بالسويفلة ". ثم بنى زعمَاؤها لهم قصراً في مكان يقال له الَوْشيقي على بعد ثلاثة أكيال من مساكنهم الأولى. وبعد ذلك أسس الأمير محمد بن عبد الَمْحسن قصر بَرْزَان الشهير، الذي أصبح فيمَا بعد قصر حكم آل رشيد. يقال إن القصر سُمِّي برزانا لبروزه عن مسكنهم الأول ففي النص السابق ذكر العثيمين أن محمد بن عبد الَمْحسن هو الذي أسس قصر برزان، وقال في موضع آخر: وضع أساس برزان الشهير. وقال الزركلي عن محمد بن عبد الله بن رشيد: أكمل قصر برزان في حائل، وكان عيسى بن علي قد شرع في بنائه ولا أستطيع التوفيق بين هذين النصين إلا بأن يكون محمد بن عبد الَمْحسن أسسه وعيسى أكمله، ومحمد العبد الله رممه ووسعه. ولَمْ يتطرق شيخنا حمد الجاسر إلى علاقة برزان بآل علي وإنمَا قال: قصر كان في مدينة حائل في عهد الإمَارة الرشيدية، ورسم موقعه في كتاب " القول السديد " لابن دخيل، وقد صورت بعض مبانيه في كتاب " مقدمة عن الآثار في الَمْملكة " الذي أصدرته وزارة الَمْعارف عام 1396هـ. وذكر هوبر في رحلته: أن عبد الله بن علي بن رشيد اشترى قصر برزان من آل علي. قال أبو عبد الرحمن: إنمَا شهرة قصر برزان في عهد آل رشيد. قال راكان بن حثلين: والأهالي بعد انسحاب طوسون. وقد ذكر الشيخ حمد الجاسر أن حكام حايل آل علي وآل رشيد يسكنون السويفلة، قبل انتقالهم إلى حائل، وقد أوردت نصه في شعر عبد الله بن رشيد خلال الكلام عن قصيدته على قافيتي التاء والراء بوصل الهاء بالسفر الثاني من كتابي " ديوان الشعر العامي ". وفي نص آخر ذكر الجاسر أن عاصمة الأمَارة السافلة " السويفلة " عمرت في القرن الثامن ومَا لبثت أن خربت فعمرت حائل على إثرها. وقال في موضع ثالث عن السمراء: " يقال إنها حائل القديمة وأنها كانت مقر آل علي ". وقال ابن عثيمين: " وكانت مساكن آل علي في أسفل قاعدة الجبل أو مَا يعرف بالسويفلة ". ثم بنى زعمَاؤها لهم قصراً في مكان يقال له الَوْشيقي على بعد ثلاثة أكيال من مساكنهم الأولى. وبعد ذلك أسس الأمير محمد بن عبد الَمْحسن قصر بَرْزَان الشهير، الذي أصبح فيمَا بعد قصر حكم آل رشيد. يقال إن القصر سُمِّي برزانا لبروزه عن مسكنهم الأول ففي النص السابق ذكر العثيمين أن محمد بن عبد الَمْحسن هو الذي أسس قصر برزان، وقال في موضع آخر: وضع أساس برزان الشهير. وقال الزركلي عن محمد بن عبد الله بن رشيد: أكمل قصر برزان في حائل، وكان عيسى بن علي قد شرع في بنائه ولا أستطيع التوفيق بين هذين النصين إلا بأن يكون محمد بن عبد الَمْحسن أسسه وعيسى أكمله، ومحمد العبد الله رممه ووسعه. ولَمْ يتطرق شيخنا حمد الجاسر إلى علاقة برزان بآل علي وإنمَا قال: قصر كان في مدينة حائل في عهد الإمَارة الرشيدية، ورسم موقعه في كتاب " القول السديد " لابن دخيل، وقد صورت بعض مبانيه في كتاب " مقدمة عن الآثار في الَمْملكة " الذي أصدرته وزارة الَمْعارف عام 1396هـ. وذكر هوبر في رحلته: أن عبد الله بن علي بن رشيد اشترى قصر برزان من آل علي. قال أبو عبد الرحمن: إنمَا شهرة قصر برزان في عهد آل رشيد. قال راكان بن حثلين: يافَاطْرِي ذِبِّي خَرَايِمْ طِمِيَّهْ ... تَنَحَّرِي بَرْزَانْ زَيْنَ الَمْبانِي وقال حمود بن عبيد بن رشيد: فانْ كانِ ابِنْ هِنْدِي نُوَانَا ببرْزَانْ ... فْحِنَّا عَلَى عَرْوَا قصَرْنَا مسِيْرِْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 ظل محمد أميراً للجبل مَا يقرب من ثلاثة وثلاثين عامَا حيث تولى سنة 1201 تقريباً وقتل سنة 1234 وسبب ذلك أن إبراهيم باشا لَمْا قضى على دولة آل سعود قام بحملة على أُمراء الَمْناطق الَمْتحمسين للدعوة وأنصارها آل سعود، ولهذا قتل محمداً وأخاه علياً عام 1234هـ. قال ابن عثيمين: اغتاله الحبشي زعيم رجال إبراهيم باشا حيلة في مقصورة الداحس، ثم حز رأسه وبعث به إلى تركيا ويشير إلى ذلك قول الشاعر: يَا حَيْف رَاسَ الشَّيْخ تَلْعَب به الْبُوْمْ ... مِتْقَابْلِيْنٍ بَيْنَهُمْ يَجْزرُونِه أمَا بقية جسده فدفنت في مقبرة الزبارة في حائل، وقد رأيت قبره وقد كتب على أحد شاهديه: " محمد بن علي رحمه الله واسكانهو " وأسكنه " دار السلَمْ " السلام ". وعبارة أمير الَمْسلَمْين تفيد أنه كان مشهوراً بالديانة، كمَا تفيد أنه كان عظيمَا وهذا ممَا يؤيد مَا ذكر من حمَاسه لدعوة الشيخ محمد بن عبد الَوْهاب، ومَا كان له من دور في الدولة الَمْعتمدة على دعوته. وقد خلف الأمير محمد بن عبد الَمْحسن أربع بنات إحداهن سلَمْى التي تزوجها عبد الله بن علي بن رشيد. وقال الشيخ علي بن سالَمْ: " فأمَا محمد بن علي فقتله الترك أيام ظهورهم على نجد بقصر برزان بحائل حين حاصروه وأنزلَوْه بالرغم وقتلَوْه ". والآن قبره بمقبرة الزبارة في حائل جثة بلا رأس. هكذا سمعت من والدي رحمه الله يقول ذلك، ولا أدري أي سنة كان ذلك فالله أعلَمْ. وقد ذكر الدكتور العثيمين: أن محمد بن عبد الَمْحسن أشار على أهل قفار إبان غزو إبراهيم باشا بأن يبنوا قصراً يكون جزء منه في مستوى أكثر انخفاضا من سطح الأرض القريبة منه لئلا تؤثر فيه الَمْدافع. وبعد قتل محمد بن عبد الَمْحسن لا نعرف من تولى بعده مباشرة إلا أنه من الَمْؤكد أن عيسى بن علي بن فايز تولى قبل صالح بن عبد الَمْحسن. والبرهان على ذلك مَا يلي: أ - دلالة قصيدة عبد الله بن رشيد الدالية التي رجحت أنها في فترة حكم عيسى الأولى، كمَا بينت ذلك في السفر الثاني من كتابي " ديوان الشعر العامي ". ب - ذكر ابن بشر أنه في سنة 1243 أو 1242هـ وفد عيسى ابن علي بن فايز رئيس جبل شمر على الإمَام تركي وبايع وجعل في بيت مَال الجبل حمد الشويعر. وقد وصفه ابن بشر في عام 1253 بأنه رئيس الجبل القديم. ج - أن الإمَام تركي بن عبد الله لَمْ يعين صالح بن عبد الَمْحسن إلا في سنة 1249هـ. والدكتور العثيمين يستبعد ولاية عيسى بن علي بعد محمد ابن عبد الَمْحسن مباشرة ويتعلل بالتالي: أ - قول ابن بشر عن عيسى " رئيس الجبل " لا يدل على رئاسة سابقة، لأن عادة ابن بشر أن يصف بالرئاسة من سيليها ثم ذكر نمَاذج لذلك. ب - أن ابن رشيد أخذ الإمَارة من صالح بن عبد الَمْحسن باتفاق الَمْصادر. ج - أن ابن بشر ذكر صالحاً من أُمراء تركي عند كلامه عن اغتياله. قال أبو عبد الرحمن: الجواب عن هذا بمَا يلي: 1 - أن ابن بشر يوهم أحياناً إذ يصف بالرئاسة من سيليها ولَمْ يلها بعد. ولكنه هذه الَمْرة رفع الَوْهم بقوله " رئيس الجبل القديم " فصح أن ابن بشر وصف عيسى بالرئاسة لأنه كان رئيساً في السابق. 2 - لا ريب أن ابن رشيد تولى الإمَارة بعد صالح بن عبد الَمْحسن باتفاق الَمْصادر. ولكن الَمْصادر لَمْ تتفق على أن صالحاً تولى بعد محمد بن عبد الَمْحسن مباشرةً، بل نص ابن بشر على أن تركياً عينه في 1249هـ. 3 - أن ابن بشر لَمْا ذكر وفادته عام 1243هـ وصفه بالرئيس والَمْبايعة. فهذا تعريف فعلي للرئيس حقيقة. 4 - إنمَا ذكر ابن بشر صالحاً أميراً عند ذكره لأُمراء تركي، لأنه هو الأمير حال وفاة تركي. وابن بشر إنمَا يذكر أُمراء الإمَام حال وفاته، ولا يلتزم ذكر كل من تأمر في حياته. وبهذا يسقط احتمَال الدكتور العثيمين أن عيسى مجرد صاحب نفوذ في عهد الأمير الصالح. قال أبو عبد الرحمن: وعيسى هذا يحتمل أن يكون: عيسى بن علي بن عبد الَمْحسن بن فايز بن علي. فيكون أبوه علياً أخا محمد بن عبد الَمْحسن، الذي قتله إبراهيم باشا مع أخيه. ويكون قول ابن بشر: عيسى بن علي بن فايز، من باب الاختصار، وهو أمر مَالَوْف. ويحتمل أن يكون لعبد الَمْحسن بن فايز أخ اسمه علي، فيكون عيسى بن علي بن فايز بن علي. أمَا الدكتور العثيمين فأورد بشأنه التالي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 أ - قول موزل: خلف محمد بن عبد الَمْحسن ابنه عيسى. إذن هو عيسى بن محمد بن عبد الَمْحسن بن فايز بن علي وصاحبنا عيسى بن علي بن فايز. فهمَا اثنان بلا ريب، ومن البعيد أن يكون الاسم الثاني اختصاراً للأول، لأنه لبس غير مَالَوْف في اختصار النسابين والَمْؤرخين. وقد نقل العثيمين عن بعض آل علي الَمْقيمين في حائل أن محمداً لَمْ ينجب ذكراً. فهذا دفع لقول موزل بلا ريب. ب - قول ضاري الرشيد و " هوبير " أن صاحبنا هو عيسى ابن عبيد الله. قال أبو عبد الرحمن: لَمْ نجد علَمْا له أحداث تاريخية بهذا الاسم، ومن الَمْحال أن يكون أمير الجبل عيسى بن عبيد الله فيسميه ابن بشر: عيسى بن علي بن فايز! وقد ذكر العثيمين أنه ذكر في ورقة عند السيد نايف آل علي في حائل أن عبد الله ابن عم لصالح بن عبد الَمْحسن. قال أبو عبد الرحمن: لا ننكر ورود من اسمه عبيد الله أو عيسى في آل علي، وإنمَا ننكر أن يكون عيسى بن عبيد الله هو عيسى بن علي بن فايز الأمير. قال العثيمين: أمَا أُسرة آل علي الَمْوجودين في الَوْقت الحاضر فإنهم من نسل عيسى بن صالح بن عبد الَمْحسن. وكان عيسى هذا طفلاً حين وقعت الأحداث على أبيه، فأخفته أمه حتى استقرت الأمور فيمَا بعد. قال أبو عبد الرحمن: إذن عيسى هذا عصر أهليته للَوْلاية غير عصر عيسى بن علي بن فايز. وبعد عيسى تولى صالح بن عبد الَمْحسن عينه الإمَام تركي عام 1249هـ كمَا مر آنفاً ثم عزله الإمَام فيصل سنة 1250هـ وعين عبد الله بن رشيد. وقد بينت في السفر الثاني من كتابي " ديوان الشعر العامي " قصة قتل صالح وأن عبيد بن علي بن رشيد هو الذي قتله. وفي عام 1253 استولى عيسى بن علي الآنف الذكر على حائل وطرد عبد الله بن رشيد، ثم طرده عبد الله في نفس العام وانتهت بذلك إمَارة علي. ومحمد بن عبد الَمْحسن الذي هو أبرز زعيم من آل علي أورد الدكتور العثيمين نسبه كالتالي: محمد بن عبد الَمْحسن ابن فايز بن محمد بن علي بن علي الكبير. وورد عند ابن بشر: محمد بن عبد الَمْحسن بن فايز ابن علي وتارة محمد بن عبد الَمْحسن بن علي فسياق ابن بشر نحمله على الاختصار. أمَا الدكتور العثيمين فربمَا اعتمد على وثائق عند آل علي بحائل. وكون محمد هو الأمير بعد والده ليس محل التباس ولكن قال ابن سالَمْ: " أول ملَوْك آل علي عبد الَمْحسن بن علي وبعده ولده صالح بن عبد الَمْحسن وبعده محمد بن علي ". وعلق الَمْارك على ذلك بقوله: وبعد محمد " أي ابن علي " أخو صالح بن علي. فكلَمْه أخو بدون هاء أحدثت لبساً إلا أن الشيخ حمداً نقل هذا النص مرة ثانية فأزال اللبس عندمَا قال: فإن الذي تولى الإمَارة بعد محمد بن علي أخوه صالح بن علي على مَا أفادني الأستاذ فهد الَمْارك. وعلى كل حال فالَمْوضوع يحتاج إلى تفصيل ليس هذا محله. قال أبو عبد الرحمن: محمد بن علي قبل أخيه صالح خلافاً لَمْا زعمه ابن سالَمْ. وبعد محمد بن علي: عيسى بن علي قبل صالح بن علي وهذا مَا فات الَمْارك. وزعم ابن سالَمْ أن لعبد الَمْحسن ذكراً في تاريخ ابن بشر. قال أبو عبد الرحمن: لَمْ يذكره ابن بشر، إنمَا ذكر ابنه محمداً وصالحاً. ولَمْا كانت إفادتي من الجزء الأول من " عشائر العراق " ومن مجلة " لغة العرب " بعد تحريري لَمْادة هذا البحث فقد آثرت إبقاء بحثي على حاله على أن أجعل نصي " عشائر العراق " و " لغة العرب " ملحقين محققين بآخر الكتاب. وفي ختام هذه التوطئة أُقدم خالص شكري لأُستاذ الجيل حمد الجاسر الذي قدم لي رفده وتوجيهه، وأرجو أن يتم نواقص هذا الكتاب بمَا في مخطوطته عن الخيل من أخبار وأشعار آل ضيغم والله الَمْستعان. وكتبه لكم أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري الرياض 941402 هـ ثم أنهى تنقيحه في 3041402 هـ آل الْجَرْبَاءِ 2 - نسبهم، وقصة رحيلهم من الجنوب إلى بلاد الَمْحبلين، ثم رحلتهم إلى العراق وسوريا. نسب آل الجرباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 من الَمْتفق عليه بين النسابين أن آل الجرباء من عَبْدَةَ من شَمَّر. ومنهم قسم دخلَوْا في سنجارة من شمر، ولا يزالَوْن ألان في سوريا بزعامة ميزر الجرباء شيخ الفداغة، ودهام الجرباء شيخ الخرصة. وشمر بطن من ثعل بن عمرو من طيء كمَا قال ابن الكلبي. وهي اليوم من كبريات القبائل العربية. ولَمْا تكلَمْ ابن لَعْبُون عن شمر أَبي القبيلة قال: وقد غلبت هذه النسبة شمر على أَهل جبل طيء من البادية وبعض الحاضرة والظاهر أَنهم كلهم ليسوا من نسله، ولا يبعد أَن ينسب إِليه غير من يجتمع معه في عمود نسبه من سائر طيء وكذلك من خالطهم أَو نازلهم من جار أَو حليف قد ينسب إليهم، مع تطاول الأَزمَان قال أَبو عبد الرحمن: إِذنْ عَبْدَةَ من أَكبر قبائل شمر الطائية حلفاً، وهي من قبيلة جنب الَمْذحجية نسباً. فهم أَبناء عم عبيدة من قحطان. قال شاعر من عبيدة من قحطان: إِنْ سَلْتَ عَنَّا يَالسُّوَيْطِي قَحَاطِيْن ... عَوَاصْمٍ واللِّي حذَانَا لفَايِقْ حنَّا وعَبْدَةَ والضَّياَغمْ بجَدَّيْن ... لطَّامْة يومْ اللّقا كُلِّ مَايقْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 فأَمَا عن عموم طيء فقد ذكر النسابون أَن قبيلة طيء خرجت من اليمن على إِثر خروج الأَزد منه، ونزلَوْا سَمِيراء وفَيْدَ، في جوار بني أَسد، ثم غلبوا بني أَسد على أَجاءٍ وسَلَمْى فعرفا فيمَا بعد بجبلى طيء. وذكر ابن سعيد أصحاب الرياسة في العرب في عصره بالعراق والشام. ورئاستهم في بني ربيعة بن حارم، من أحفاد فطرة بن طي، فقد ورثوا أرض غسان والشام، ومن أشهر أُسرهم آل عيسى بن مهنا بن فضل بن ربيعة، أثنى عليهم ابن فضل الله العمري كثيراً وكان شيخنا حمد الجاسر أَلفَ عن آل فضل كتاباً في صغره، وحدثني مشافهة أًن عقب آل فضل باقون حتى الآن بالأُردن. وشَمَّرُ بطن من طيء، ولكنها في العصور الَمْتأخرة أَصبحت مجمع البطون الطائية مع أَخلاط أُخرى دخلت فيها بالحلف وقد نسب ابنُ دَخِيْلٍ آل علي وآل رشيد إِلى آل فضل، ولاسند له إلا أَنهم حلَوْا محلهم في الَمْكان والإمَارة، أَمَا كتب الأَنساب فدلت على أَنهم من مذحج. فإن صح أن عَبْدَةَ من شمر - كمَا نقل عن ابن قدامة - فلا ريب أن زعمَاءهم آل ضيغم من جنب من مذحج، وقد دخلَوْا في عَبْدَةَ. وآل ضيغم إلى آخر القرن السابع الهجري، لا يزالَوْن في الجنوب في بلاد مذحج. ويظهر - استئناساً بالأسمَاء - أن آل علي وآل رشيد من ذرية شهوان بن منصور بن ضيغم بن منيف بن جابر بن علي، الذي ذكره ابن رسول في كتابه " طرفة الأصحاب ". ولعل بين جدهم الأدنى عرار بن شهوان وشهوان بن منصور جداً اسمه فارس بن طعان استئناساً بنص ظن آل فارس كمَا سيأتي بيانه. وإنمَا نسبتهم إلى فارس بن طعان لأن آل خليل هم أبناء خليل بن جاسر بن علي بن عطية من آل حعفر، وقد ذكر الشريس أن آل فارس وآل خليل بطن واحد، وابن فارس محمد كان حياً عام 1109هـ. ثم ذكر أن آل صادق من ذرية عبد الله بن محمد بن علي من آل فارس، فإذا كان آل صادق أبناء عم آل علي وكانوا من آل فارس بن طعان فآل علي من ذرية فارس. وكلهم من آل جعفر، وقد ذكر ابن بسام أن آل جعفر من الضياغم. ولهذا كله رجحت أن لآل علي وآل رشيد جداً اسمه فارس ابن طعان إمَا من أحفاد عرار بن شهوان، وإمَا بين عرار بن شهوان، وشهوان بن منصور بن ضيغم. وعلى أي حال، فإقحام فارس بن طعان في نسب آل رشيد استنتاج يظل مجرد احتمَال. وفي نص ابن رسول أن لَمْنيف بن ضيغم بن منيف بن جابر ولداً اسمه راشد وله حفيد اسمه عُمير بن أحمد بن راشد. وفي الكتاب الَمْجهول الَمْؤلف الذي نقل عنه الشيخ حمد الجاسر أخبار الخيل الدُّهْم الشهوانيات في مخطوطته عن الخيل أن شهواناً أبا عرار أخو راشد عم عمير. فيحتمل أن يكون عرار حفيداً لَمْنيف بن ضيغم. ويحتمل أن يكون من ذرية شهوان بن منصور بن ضيغم. وعلى أي حال، فتوارث اسم شهوان وعُمير وراشد يؤكد أن عرار بن شهوان وعمير بن راشد من أحفاد منيف بن ضيغم. وقال ابن مغيرة عن الجربان وعن عموم نسب عَبْدَةَ: وآل السيح بطن من شمر، وهم بطون وأفخاذ، منهم الجربان البطن الثالث من شمر عَبْدَةَ: وهم بنو ضيغم ابن معاوية بن الحارث بن منبه بن يزيد بن حرب بن عُلَةَ ابن جلد بن مذحج أخو طيء. وكان معاوية بن الحارث من جنب والَمْلك في بيت جنب، وهو الذي استجار به مهلهل أخو كليب، وتزوج ابنة مهلهل واسمها عبيدة، وإليها تنسب قبائل من جنب، فولدت له أبا القبيلة ضيغمَا. ومن بني ضيغم عَبْدَةَ هؤلاء وكانت لهم الرئاسة على قبائل شمر من طيء بن علي "؟ ". وكانت رئاسة جبل طيء قديمَا لجديلة بطن من طيء ثم صارت في بني نبهان ثم صارت في الجربان. ثم صارت في عَبْدَةَ في آل جعفر. قال أبو عبد الرحمن في كلام ابن مغيرة: هذا تصحيف وتداخل، وسأضم إليه نصاً لابن رسول لعله يزيل شيئاً من غموض ابن مغيرة. قال شيخنا حمد الجاسر: جاء في كتاب " طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب " للسلطان عمر بن يوسف ابن رسول الَمْتوفى سنة 694: نسب آل منيف وهم آل ضيغم وآل رشيد من جنب، وهم الَمْعرفون بالَمْعضة. وهو منيف بن ضيغم بن منيف بن جابر بن علي بن عبد الرب بن ربيع بن سليمَان بن عبد الرحمن بن روح بن مدرك بن عبد الحميد بن مدرك. ويقال: إنهم من بَكيل، إلا أنهم حالفوا عنس من مذحج فسموا جَنْباً وقيل: إنهم من نزار من عَنْزِ بن وايل بن قاسط ابن هنب بن أفصا بن دُعْمِيِّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة ابن نزار بن معد بن عدنان. دخلَوْا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 نسبسب جنبٍ، لأن أُمهم عبيدة بنت مهلهل بن ربيعة التغلبي، من تغلب بن وائل أخي عنز بن وائل، تزوجها روح بن مدرك من بعد معاوية بن عمرو ابن معاوية بن الحارث الجنبي. وإخوتهم من أُمهم آل عايذ، وآل رشيد، وبنو قيس، وآل سفر، وآل الصلت، وأصحابهم، يسمون الأبطن، من ولد هذا معاوية الجنبي فنسبوا إليهم. فآل ضيغم بن منيف وأولاده ثمَانية: منيف وشكر وعيسى وعلي ومنصور وشيبان وعامر وحارث. قال أبو عبد الرحمن: من نص ابن رسول ونص ابن مغيرة يتضح التالي: جنبٍ، لأن أُمهم عبيدة بنت مهلهل بن ربيعة التغلبي، من تغلب بن وائل أخي عنز بن وائل، تزوجها روح بن مدرك من بعد معاوية بن عمرو ابن معاوية بن الحارث الجنبي. وإخوتهم من أُمهم آل عايذ، وآل رشيد، وبنو قيس، وآل سفر، وآل الصلت، وأصحابهم، يسمون الأبطن، من ولد هذا معاوية الجنبي فنسبوا إليهم. فآل ضيغم بن منيف وأولاده ثمَانية: منيف وشكر وعيسى وعلي ومنصور وشيبان وعامر وحارث. قال أبو عبد الرحمن: من نص ابن رسول ونص ابن مغيرة يتضح التالي: 1 - أن عَبْدَةَ لا تنتسب إلى شمر بالرجوع إلى الجد شمر، وإنمَا يجتمعون مع شمر في أدد بن زيد، والد طيء الذي من ذريته بنو شمر، ومَالك الذي من ذريته عَبْدَةَ. وبين أهل النسب خلاف هل " مذحج " لقب لَمْالك بن أدد أم هو اسم لأُم طيء ومَالك. 2 - أن قبائل عَبْدَةَ من ذرية ضيغم بن معاوية بن الحارث وأُم ضيغم عبيدة بنت مهلهل. إلا أن أبا حزم جعل زوج عبيدة من أحفاد معاوية بن الحارث فقال: ومن بني يزيد بن حرب بن علة ابن جلد بن مَالك " مذحج ": معاوية بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن منبه بن يزيد بن حرب بن علي الذي تزوج بنت مهلهل بن رييعة التغلبي بنجران ومهرها أدمَا فقال في ذلك أبوها أَنْكَحَهَا فَقْدُهَا اْلأَرَاقِمَ، في ... جَنْبٍ وَكَانَ الْحِبَاءُ مِنْ أَدَمِ لَوْ بِأَبَانَيْنِ جَاءَ يَخْطِبُهَا ... ضُرِّجَ مَا أَنْفُ خَاطِبٍ بِدَمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 3 - سبب دخول عَبْدَةَ في جنب أنهم من ذرية ضيغم بن معاوية بن الحارث وحده منبه بن يزيد بن حرب أحد الأخوة الذين شملتهم التسمية بجنب. قال ابن حزم: ولد يزيد بن حرب بن عُلَةَ بن جَلْدِ ابن مَالك " مذحج ": منبه والحارث، والغلي، وسنحان، وهفان، وشِمران، تحالف هؤلاء الستة على ولد أخيهم صُدَاء ابن يزيد، فسموا جَنْباً، مع بني عمهم بني سعد العشيرة بن مَالك بن عُلَةَ بن جلد بن مَالك، وهو مذحج. ونقل العزاوي عن كتاب " مجمع الأنساب " أن عَبْدَةَ من شمر. قال أبو عبد الرحمن: ونص ابن مغيرة يوافق نص السلطان عمر بن يوسف بن رسول. وقد جاء في هذا النص أن آل ضيغم كانوا إلى آخر القرن السابع - وهو عصر ابن رسول - لا يزالَوْن في الجنوب في بلاد مذحج، ونسبهم إلى جنب، وذكر وجهاً آخر في نسبتهم إلى عنز بن وائل من نزار، وأنهم دخلَوْا في جنبٍ لأن أُمهم عبيدة بنت مهلهل تزوجها روح بن مدرك. ولا ريب أن الَمْعروف الآن بين عَبْدَةَ انتسابهم إلى ضيغم، وعلى ذلك شواهد من الشعر العامي. وقد أفادني شيخي علامة الجزيرة حمد الجاسر - حفظه الله - أن شارل هوبر نقل عن عبيد بن علي بن رشيد خبر انتقال أجداده من الجنوب إلى الجبلين بمَا يشبه قصة انتقال طيء من وادي طَرِيْبٍ في الجنوب إلى الجبلين. فهذا يعني تسليم آل رشيد بأنهم آل ضيغم. وقد نقلت الليدي آن بلنت عن محمد بن رشيد أن شمراً الذين في الجزيرة وشمراً أتباعه يعدون أنفسهم أقرباء قرابة رحم وقال: إن دمَاء خيولنا واحدة. قال أبو عبد الرحمن: وثمة رأي طريف ينسب الجربان إلى آل فضل وهو مَا جاء في كتاب " كنز الأنساب " نقلا عن مجلة " لغة العرب " البغدادية بعنوان بنو تغلب العدنانية. ثم إنني سألت بعد ذلك أحد الشيوخ الكبار وهو الشيخ مجول الجرباء، رئيس عشاير شمر عن تغلب وهل لها بقية موجودة في الديار الشمَالية فلَمْ يذكر لي من ذلك شيئاً، بل تعذر عليه تعيين البطن معتذراً عن ذلك بتغير الأسمَاء عليه، ولَمْ ينف بالَمْرة وجود بقية منهم، فلَمْا ذكرت له الفضول طابت نفسه، وارتاح لهذا الاسم كثيراً، وكأنه كان نائمَا فاستيقظ ثم قال: إنه قريب من الصواب، ثم فكر هنيهة وقال: بل هو الصواب عينه، وعد لي منهم مطلق وبُنَيَّةَ الجرباء، رؤساء شمر أي الجد الأول الَمْؤسس لإمَارة شمر في جبل طيء، وكان ذلك في حين نبوغ أول رجالها الَمْشهورين بهذا الاسم. وذكر بعد ذلك أشياء تدل على صدق قوله، ثم قال: الفضول اندمجوا في القبائل، وتشتتوا في البلاد، وأورد أدلة عديدة على تأييد كلامه هذا. وقال أبو عبد الرحمن: هذه إفادة انتسختها من أوراق شيخي حمد الجاسر ثم راجعت مجلة " لغة العرب " فوجدت كاتب هذا البحث الأستاذ سليمَان الدخيل - رحمه الله -. يذكر أن سالَمْا الجرباء جد مطلق وبُنَيَّةَ الجرباء. قال أبو عبد الرحمن: ويا ليت الدخيل أورد هذه الأدلة العديدة؟! وعلى أي حال فهذا العاصي أحد مشايخ آل الجرباء يلَمْح إلى أصل رحلتهم بهذا البيت من إحدى أُحْدِيَّاتِه على الخيل: ترْ لاَبِتِكْ غَوْشَ الْيِمَنْ ... مَا هُم مجمَّعْ مِنْ بَلَدْ رحلة الضياغم من الجنوب إلى الشمَال ولرحلة الضياغم من الجنوب إلى الجبلين شواهد من مَاثور العامة، ومن نصوص الَمْؤرخين كنص ابن رسول. وعن هذه الَمْرحلة قال الدكتور العثيمين مَا موجزه: كانت عشيرة عَبْدَةَ تسكن إحدى جهات جنوب الجزيرة، ثم هاجرت حتى حلت بجبل شمر، وهذه الهجرة منذ أكثر منذ أربعة قرون. وكان أُمراءُ الجبل قبل هجرة عَبْدَةَ من قبيلة زُبيد، فتغلبت عَبْدَةَ عليهم حتى أجلَوْهم،،وآخر زعمَائهم بَهِيْجُ، وفي ذلك يقول أحد شعراء شمر فيمَا بعد: قَبْلك بَهِيْجِ حَدَّروه السَّنَاعِيْس ... من عِقْدِةَ اللِّي مَا يْحَدَّرْ قَنَاهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 قال أبو عبد الرحمن: يفهم من هذا النص أن رحيل عَبْدَةَ من الجنوب إلى جبل طيء في الشمَال كان في حدود القرن العاشر وهكذا يفهم من نص للشيخ العبودي سيأتي. ويفهم من نص لابن حاتم - سيأتي - أن رحيلهم في منتصف القرن التاسع. ولَوْ استطعنا أن نصل نسب عرار بن شهوان بن صيغم بضيغم بن منيف الذي ذكره ابن رسول لاستطعنا تحديد التاريخ لرحيلهم بشكل أدق. ولَوْ افترضنا أن عراراً هو عرار بن شهوان بن منصور بن ضيغم بن منيف لكان رحيلهم في أول القرن الثامن الهجري تقريباً، لأن ابن رسول الَمْتوفي سنة 694 ذكر أن ذرية منيف ابن ضيغم لا تزال في الجنوب وعلى ضوء ذلك نجعل عصر كل فرد من سلسلة النسب منذ عرار إلى منيف ثلاثين عامَا ونضم الناتج إلى سبعة قرون توفى ابن رسول في نهايتها. وعن رحيلهم ذكر الشيخ سعد بن جُنَيْدِل قصيدةً لفارس ابن شهوان الضيغمي، ذكر أنه رسم طريق ارتحال قبيلته من بلادهم إلى نجد، ورتب منازل طريقهم ترتيباً دقيقا قال فيها يذكر الْقُوَيْع: وْلَيْلٍ في السِّرْدَاحْ لاعَلّهَ الْحَيَا ... هشِيْمِه وَقِّاف وْحَمْضِهْ بَادْ وْوَطَّيْتهَا وَادي الْقُوَيْع تَعمِّدْ ... تَمَنَّيْتهَا لَوْلا الْهَيَامِ بْلادْ ولَيْلٍ بَالْحَدْبَا لاَعِمِرْ جَالْهَا ... شَدَّوْا وْخَلَوْا في الَمْرَاحْ سُوَادْ وقال في موضع آخر: وقال شاعر من الضياغم وهو يرسم طريق هجرتهم: ليل في الْقِمْرا ولَيْلٍ في الرَّكَا ... ولَيْلٍ في حَزْمَ الْحَصَاةِ شْدَادْ ولَيْلَةْ وَرَدْنَا مَاسَل وْمِوَيْسِلْ ... وْجِيْهَ الَمْغَارِفْ كِنِّهِنّ جْدَاد ثم ذكر بعد هذين البيتين ثلاثة الأبيات الآنفة الذكر وذكر في موضع آخر أنهمَا لفارس بنم شهوان الضيغمي وقد مر به قومه في طريق هجرتهم إلى شمَال نجد. وذكر شيخنا حمد الجاسر مؤلفاً حديثاُ - ولَمْ يذكر اسمه ولا اسم مؤلفه - تحدث عن نجائب من الخيل تدعى الُّهْمَ الشهوانيات. قال الشيخ حمد: جاء في هذا الَمْؤلف: شهوان عبيدة أي من قحطان وسميت باسم راعيها شهوان أبو عرار أخو راشد عم عمير. ثم قال: وأورد أخباراً عن هذه الخيل وشعراً لشهوان أبو عرار جاء فيه: لَنا مَنْزل مَا بَيْنَ الافْلاج والْحَسَا ... ومَا بَيْنَ صنْعا والسّليل وحود إلى حَوْدَرُوا يَبْغُونَ الاَسْعَار بالقرى ... حَدَرْنَا على مِثْلَ الْغمَامَ السوْدْ كبار الشُّوادِي مَيرنَا منْ زْرُوْعها ... غَرَايْرٍ بلا حَطَبْ ولا وُقوْد إالى حافها سبع الخلا بات جايع ... بباطنها مثل النسور لبود تمنيب من حطمَات الليالي لعلنا ... ندرك بعض يا أبو ربيع حمود ان صار مَالك من دراعيك نجده ... فشر بك باعضاد الرجال يكود وقال الشيخ حمد: إنه أورد أشهاراً لعرار بن شهوان وأخباراً تتعلق بخيله. وذكر الشيخ محمد العبودي معركة بين آل ضيغم وسلطان مَارد، قتل فيها حُميدان بن راشد بن ضيغم، ابن عم عرار ابن شهوان، وسلطان مَارد معاً. وقال في ذلك عمير بن راشد قصيدة مطلعها: تَهَيَّا لْنَا عِنْدَ أبْرَقَ السَّيْحْ عَرْكَةْ ... تَمَنَّى بْهَا حضارَ الرجال غيَابْ وحدد عصر هذا الشعر بأنه بعد عصر الشاعر جرير بحوالي تسعة قرون. ويذكر الأستاذ عبد الله بن خالد الحاتم أن عرار بن شهوان آل ضيغم جد آل رشيد أُمراء حائل وأنه عاش سنة 850هـ. وذكر له قصيدة يتشوق فيها إلى نجد، ويفهم منها أن ابن عمه عمير بن راشد موجود بنجد، فممَا ورد من هذه القصيدة قوله: يقول عرارٍ قول من ضَلّ مُوْقِف ... عَلى الدار يَرْثِي بالدموعَ الذِّرَايف قَلِيْلَ الجداَ منْ دِمْنِه هدّ رَسْمَهْ ... مَزاعِيج هُوْجَ الذَّارْيَاتَ الْعواصِفْ لَكِنّي بْها مَا ريْتْ خِيمْ ظلايلْ ... مَحَتْهَا صروفٍ للْعَوادِي قَرَايف إلى أن قال: فَلاَ وَاعَلاَ لَوْلاَ التَّمَنِّي سمَاجهْ ... أَوْقَف بنَجْد آمن غير خايف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وَالْقى عُمَيْرٍ بَالْعْذَيْبَهْ مُوَقِّفْ ... على شَلْشل بيْضَ الجمَال الشَّرايفْ ومن الأخبار التي يتناقلها السمَار مَا حدثني به الشيخ إبراهيم ابن عثمَان أن فارس بن شهوان سكن معه والده بوادي الدواسر، فكان يعطي جارته من صيده وغنائمه، فتطور ذلك إلى أن أظهرت له الَوْد، فلَمْ يستجب لذلك، إكرامَا لجاره، فلَمْا رأت انصرافه عنها أظهرت لَوْالده أنه يُسِيْءٌ إليها، فلَمْا التآثر في وجه والده رحل مع من خف معه من قومه وممَاليكه، فأرسل شهوان عَبْدَةَ عمَاراً ليرافق فارساً، ويعرف اتجاهه، فلَمْا أحس فارس بمرافقة عمَار له صار يأخذ بيض نعام، فكلَمْا نزل منزلاً أظهر بيضة وملأها مَاءً، ووضع بجنبه تمراً ودفنها تحت مبرك ناقته حتى نزل منزلاً قريباً من ظفار سمى فارسا باسمه. وبعد ذلك أمر عمَاراً أن يعود إلى والده، ووصف له مدافن بيض النعام، لتكون له زاداً ومعالَمْ لطريقه، وقال بهذه الَمْناسبة قصيدة مطلعها: عَمَار عَلِّك عن ذَا تنثني ... من يَمّ شْهوان عزيز جار ويزيدنا عبد الجبار الراوي تفصيلاً فيذكر أن شمراً قتلت بهيجا شيخ العبيد فهاجرت العبيد إلى جزيرة العراق. وقد أشارت شَمَّرُ على بهيج أن يدخل على شيوخ شمر، ويصالحهم فأبى ذلك وقال: يقول بهيج بن ذبيانٍ مثايلْ ... ودَمْعِه على الاملاك دُوْنَ الشَّلايلْ جَلَوْنَا عنْ ديارنا الْعَذِبَّات شَمَّرْ ... قَرَاح وبرْدِ مَا، يدْاوي الغلايِلْ ونَحَّيْنا رقاب الْقُوْد عنهم وغربنا ... وعين الزُّبَيْديُّات لنجد مَايِلْ لاَ صارْ مَا عِدْل يُعادِلْ عَدِيْلَهْ ... مَا ينقعد بالدارْ والشَّيْلْ مَايلْ ولاَ صَارْ مَاحقَّ الفتى بِذرَاعِهْ ... هَبَّيْتْ يا حُكْم يِجِى بَالدَّاخايِلْ صبَّار على الزهدة بِسُوّ فعلهم ... بالنسب مَا يوجد لهم بالقبايِلْ لئام لَوْ حَجَّجُتُهُمْ كعبة الرضا ... يجازونك عنها البايرات الفسايِلْ رحيل آل الجرباء إلى العراق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 وآل الجرباء هم زعمَاء شمر ورؤساء الجبل، وأبعد ذكر لهم وجدته عن وفاة اثنين منهم عام 1100هـ وعام 1103هـ وقد رحلَوْا من نجد عام 1205هـ بعد هزيمتهم أمَام ابن سعود فبنوا زعامتهم في العراق وسوريا. قال حسين خزعل: وكانت الرئاسة العامة لشمر في اُسرة الجرباء من بطن سِنْجَارة، وقد أجلاهم الأمير سعود ابن عبد العزيز عن ديارهم عام 1205هـ بعد أن نازلهم قرب مدينة حائل وقتل مصلط بن مطلق. وسار مطلق من جبل شمر إلى العراق وبر الشام، ورافق أحمد باشا الجزار إلى الحج، ثم أقام في بادية السمَاوة من العراق. أمَا عن رحيل آل الجرباء فيذكر عباس العزاوي أن آل محمد الجرباء أُمراء شمر برئاسة فارس الجرباء مَالَوْا إلى العراق في أوائل القرن الثالث عشر الهجري. ويزيدنا يوسف البسام تفصيلاً فيقول: ويعرف رؤساء شمر السابقون بآل محمد وآخرهم فارس الجرباء وقد لقب بالجرباء نسبة لأُمه التي ابتليت بمرض الجدري، واصبحت جرباء على أثر هذا الَمْرض. وعلى عهد الأمير محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى وابنه الإمَام عبد العزيز نزح فارس الجرباء من جبل شمر واستوطن بادية الجزيرة في العراق بين دجلة والفرات، وذلك بعد أن انقطعت الأمطار مدة طويلة وأجدبت الأرض. وعلى أثر نزوح فارس الجرباء تبعه الكثير من شمر واستقروا في العراق ولا يزالَوْن حتى الآن وتولى أمر جبل شمر آل علي. وذكر عبد الجبار الراوي أن نجداً أصابها محل، فاضطر شيخ عشيرة شمر فارس إلى الهجرة مع أربعين بيتاً من قومه، طلباً للَمْرعى، حتى وصل إلى جزيرة العراق، فنزل جاراً على عشائر العبيد، ثم ذكر قصة شبه خرافية، لا سيمَا مَا يتعلق برثاثة شمر في حين أنه من الَمْعروف عند أهل نجد شهرة قبائل الشمَال - وبالأخص الشمَامرة - باللباس الأنيق والَمْظهر الباذخ. وذكر في موضع آخر أن أول من رحل من نجد إلى الجزيرة في العراق هو فارس الجرباء، وأنه الرئيس الأول لآل محمد ثم ذكر بنيه وأحفاده. وذكر أن فارساً لقب بالجرباء نسبة إلى أُمه، التي ابتليت بالجدري، فسميت به وإن كانت قد شفيت من هذا الَمْرض. قال أبو عبد الرحمن: ولا بأس من سياق هذه القصة التي أوردها الراوي. قال: أصاب نجداً محل، اضطر شيخ عشيرة شمر حينئذ فارساً إلى الهجرة مع أربعين بيتاً من بيوت الشعر، طلباً للَمْرعى، ومضى سائراً حتى بلغ الجزيرة، فنزل قصيراً " أي مجاوراً " على عشائر العبيد، التي أضافته، وأولَمْت له وليمة كبيرة دعت إليها رئيس عشائر طيء والجبور، وكان الَمْهاجرون من شمر في ثياب رثة، يعلَوْها الَوْسخ، بحيث اشمَازَّ الَمْدعوون منها فتناولَوْا الطعام على كره منهم، وقد خُيِّل إليهم أن هؤلاء الَمْهاجرين هم من عشيرتي صُلُبة، أو هُتيم اللتين يعدهمَا البدو من العشائر الحقيرة، ولَمْا شعر فارس شيخ شمر بمَا بدا على وجوه رؤساء العبيد وطيء والجبور، من الاشمئزاز، أراد أن يثبت لَمْضيفيه أنه هو وعشيرته من النبل والكرم بحيث يضرب بهمَا الَمْثل، فقرر أن يقابل الَوْليمة بمثلها، ودعا رؤساء العبيد وطيء والجبور، لتناول الطعام عنده، إلا أن هؤلاء ترددوا في قبول الدعوة، اعتقاداً منهم بأن هؤلاء ليسوا أهلاً لإجابه دعوتهم، وحضور وليمتهم، ولكنهم بعد لأْيٍ أجابوا الدعوه على مضض، فرأوا الَمْناسف - جمع منسف وهو مَا يوضع فيه الطعام - وقد ملئت بالطعام واللحم، إذ نحر لهم جُزُرَا، وكانت الَمْناسف من الضخامة بحيث علقت بها السكاكين لتساعد كبار السن على تقطيع اللحوم. وضخامة الَمْناسف تدل عند البدو دلالة قاطعةً على عظمة صاحبها، ولذلك حسبوا لهؤلاء النازلين ألف حساب، خوفاً على أنفسهم، لاعتقادهم أن وراء هذه الَمْناسف عشائر كبيرة العدد، فقرروا أن يغتالَوْا فارساً وجمَاعته قبل أن تصل إليه عشائره. كانت وليمة الشيخ فارس باعثةً للشيوخ الثلاثة على التآمر لقتل فارس ورهطه، كمَا أسلفنا، إلا أن فارساً شعر بالَمْؤامرة، فطلب من نسائه أن يخلعن حليهن، ويقدمنه إلى نساء الرؤساء الثلاثة هدية، على أن يتوسطن عند أزواجهن للحيلَوْلة دون الفتك به وبأعوانه، فلبين الطلب، ووعدنهن خيراً، فلَمْا أقبل الليل لَمْ تفرش نساء زعمَاء عبيد وطيء والجبور الفرش - وهي عند العرب علامة يستدل منها الرجال على حدوث أُمور خطيرة -، فسئلن عن السبب، فطلبن الأمَان للَمْهاجرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 النازلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 فأُعطين الأمَان، وأُجبن إلى مَا أَردن، فمدت الفرش وهكذا تمكنت جمَاعة فارس من الاستيطان في الجزيرة، والاستقرار فيها، ثم إن فارساً قطع نمَاذج من جميع الأعشاب والحشائش التي تنبت في الجزيرة، وملأ منها زكيبةً وأرسلها مع أعوانه إلى عشيرته في نجد، قاصداً بذلك إخبارهم بأنواع الحشائش الَمْمتازة للرعي، في الأرض التي نزح إليها، حاثا إياهم على اللحاق به، فمَا لبثت عشائر شمر أن لبت طلبه، ورحلت إليه جمَاعات، لا تقل كل جمَاعة منها عن خمسين بيتاً، فتكاثرت شمر، وحدث مَا كان يخشاه رؤساء العبيد وطيء والجبور، فأورث هذا الأمر نزاعاً بين هؤلاء بالاتفاق مع الصايح من جهة وبين شمر من جهة أخرى، على أرض الجزيرة التي نزلَوْها، ونشب قتال دام تسعين يومَا، انتصرت فيه شمر، وأجبرت عشائر الصايح والعبيد وطيء على الجلاء، عن أمَاكنها في الجزيرة، فعبرت الصايح دجلة، متجهة نحو الحويجة، فاتخذتها منازل لها، وانتقلت طيء من مكانها، وجعلت مساكنها غرب سنجار، أمَا الجبور فقد سكنوا منطقة الخابور، وهكذا خلا الجو لشمر في الجزيرة، وتمت لها السيطرة على أطرافها ونواحيها، حتى آل بها الأمر إلى أن تفرض نوعاً من الضرائب يسمى " الخوة " تأخذها من كل عشيرة تنزل منطقتها، واضطر كل من يعبر الجزيرة إلى أدائها صاغراً، وظلت هذه " الخوة " نافذة الَمْفعول، وشملت جميع القرى الَمْجاورة للبادية. ولَمْا تألفت الحكومة العراقية، بدأت قواتها النظامية تكافح هذه " الْخُوَّة " بكل مَا أُوتيت من قوة، إلا أنها لَمْ تتمكن من استئصال شأْفتها وقطع دابرها بالَمْرة. وقد بذلت جهوداً كثيرة لإنشاء مركز حكومي في الجزيرة حتى تم ذلك في السنة الأُولى من تسلَمْى زمَام مديرة الشرطة العامة، كمَا سبق أَن أَلفت في بادية الشامية مثلها قبل ذلك، واستطاعت أَن تمنع الخوة فيها. أَمَا " الْخُوَّة " في حد ذاتها فهي ظريبةس تدفعها العشائر التي تدخل الجزيرة طوعاً أَو كرهاً، وهي مقدار مُعَيّن من الدهن والغنم، يدفع إلى شيخ معين من شَمَّر في كل سنة، وتؤخذ " الخوة " من الَمْستطرق أيضاً، حيث يجب عليه أن يدفع مقداراً من النقود عن كل جمل يمر بالجزيرة، وكذلك في القرى التي تدفع مَا عليها من الحبوب في كل موسم، وتقسم " الخوة " على شيوخ شمر الذين يعرف كل منهم نصيبه منها، فالشيخ الفلاني يأخذ " الخوة " من الحديديين، والآخر من الجبور أو الَمْستطرقين أو من قرى الَمْوصل أو من غنم التجار التي ترسل إلى سورية. وهكذا لا يفلت أحد من أيدي جباة هذه الضريبة. ولَمْ تزل عشائر شمر في تكاثر وازدياد، منذ استيلاء السعوديين على حائل عاصمة ابن الرشيد، حيث هاجر عدد كبير من عشيرة عَبْدَةَ من نجد إلى الجزيرة في العراق ويؤلف هؤلاء الآن القسم الأكبر من شمر عَبْدَةَ. ومن أشهر رؤساء عَبْدَةَ النازحين إلى العراق الشيخ عقاب العجل، رئيس فرقة الأحية من عَبْدَةَ، وسبب نزوحه وهجرته هو عدم اعتراف شمر بشيخ أو زعيم في حائل إلا إذا كان من آل الرشيد. هذا، وأغلب عشائر منطقة حائل عاصمة ابن الرشيد القديمة من شمر، في الَوْقت الحاضر. قال أبو عبد الرحمن: لي على هذه النصوص تتميمَات واستدراكات على هذا النحو: أُعطين الأمَان، وأُجبن إلى مَا أَردن، فمدت الفرش وهكذا تمكنت جمَاعة فارس من الاستيطان في الجزيرة، والاستقرار فيها، ثم إن فارساً قطع نمَاذج من جميع الأعشاب والحشائش التي تنبت في الجزيرة، وملأ منها زكيبةً وأرسلها مع أعوانه إلى عشيرته في نجد، قاصداً بذلك إخبارهم بأنواع الحشائش الَمْمتازة للرعي، في الأرض التي نزح إليها، حاثا إياهم على اللحاق به، فمَا لبثت عشائر شمر أن لبت طلبه، ورحلت إليه جمَاعات، لا تقل كل جمَاعة منها عن خمسين بيتاً، فتكاثرت شمر، وحدث مَا كان يخشاه رؤساء العبيد وطيء والجبور، فأورث هذا الأمر نزاعاً بين هؤلاء بالاتفاق مع الصايح من جهة وبين شمر من جهة أخرى، على أرض الجزيرة التي نزلَوْها، ونشب قتال دام تسعين يومَا، انتصرت فيه شمر، وأجبرت عشائر الصايح والعبيد وطيء على الجلاء، عن أمَاكنها في الجزيرة، فعبرت الصايح دجلة، متجهة نحو الحويجة، فاتخذتها منازل لها، وانتقلت طيء من مكانها، وجعلت مساكنها غرب سنجار، أمَا الجبور فقد سكنوا منطقة الخابور، وهكذا خلا الجو لشمر في الجزيرة، وتمت لها السيطرة على أطرافها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 ونواحيها، حتى آل بها الأمر إلى أن تفرض نوعاً من الضرائب يسمى " الخوة " تأخذها من كل عشيرة تنزل منطقتها، واضطر كل من يعبر الجزيرة إلى أدائها صاغراً، وظلت هذه " الخوة " نافذة الَمْفعول، وشملت جميع القرى الَمْجاورة للبادية. ولَمْا تألفت الحكومة العراقية، بدأت قواتها النظامية تكافح هذه " الْخُوَّة " بكل مَا أُوتيت من قوة، إلا أنها لَمْ تتمكن من استئصال شأْفتها وقطع دابرها بالَمْرة. وقد بذلت جهوداً كثيرة لإنشاء مركز حكومي في الجزيرة حتى تم ذلك في السنة الأُولى من تسلَمْى زمَام مديرة الشرطة العامة، كمَا سبق أَن أَلفت في بادية الشامية مثلها قبل ذلك، واستطاعت أَن تمنع الخوة فيها. أَمَا " الْخُوَّة " في حد ذاتها فهي ظريبةس تدفعها العشائر التي تدخل الجزيرة طوعاً أَو كرهاً، وهي مقدار مُعَيّن من الدهن والغنم، يدفع إلى شيخ معين من شَمَّر في كل سنة، وتؤخذ " الخوة " من الَمْستطرق أيضاً، حيث يجب عليه أن يدفع مقداراً من النقود عن كل جمل يمر بالجزيرة، وكذلك في القرى التي تدفع مَا عليها من الحبوب في كل موسم، وتقسم " الخوة " على شيوخ شمر الذين يعرف كل منهم نصيبه منها، فالشيخ الفلاني يأخذ " الخوة " من الحديديين، والآخر من الجبور أو الَمْستطرقين أو من قرى الَمْوصل أو من غنم التجار التي ترسل إلى سورية. وهكذا لا يفلت أحد من أيدي جباة هذه الضريبة. ولَمْ تزل عشائر شمر في تكاثر وازدياد، منذ استيلاء السعوديين على حائل عاصمة ابن الرشيد، حيث هاجر عدد كبير من عشيرة عَبْدَةَ من نجد إلى الجزيرة في العراق ويؤلف هؤلاء الآن القسم الأكبر من شمر عَبْدَةَ. ومن أشهر رؤساء عَبْدَةَ النازحين إلى العراق الشيخ عقاب العجل، رئيس فرقة الأحية من عَبْدَةَ، وسبب نزوحه وهجرته هو عدم اعتراف شمر بشيخ أو زعيم في حائل إلا إذا كان من آل الرشيد. هذا، وأغلب عشائر منطقة حائل عاصمة ابن الرشيد القديمة من شمر، في الَوْقت الحاضر. قال أبو عبد الرحمن: لي على هذه النصوص تتميمَات واستدراكات على هذا النحو: ونواحيها، حتى آل بها الأمر إلى أن تفرض نوعاً من الضرائب يسمى " الخوة " تأخذها من كل عشيرة تنزل منطقتها، واضطر كل من يعبر الجزيرة إلى أدائها صاغراً، وظلت هذه " الخوة " نافذة الَمْفعول، وشملت جميع القرى الَمْجاورة للبادية. ولَمْا تألفت الحكومة العراقية، بدأت قواتها النظامية تكافح هذه " الْخُوَّة " بكل مَا أُوتيت من قوة، إلا أنها لَمْ تتمكن من استئصال شأْفتها وقطع دابرها بالَمْرة. وقد بذلت جهوداً كثيرة لإنشاء مركز حكومي في الجزيرة حتى تم ذلك في السنة الأُولى من تسلَمْى زمَام مديرة الشرطة العامة، كمَا سبق أَن أَلفت في بادية الشامية مثلها قبل ذلك، واستطاعت أَن تمنع الخوة فيها. أَمَا " الْخُوَّة " في حد ذاتها فهي ظريبةس تدفعها العشائر التي تدخل الجزيرة طوعاً أَو كرهاً، وهي مقدار مُعَيّن من الدهن والغنم، يدفع إلى شيخ معين من شَمَّر في كل سنة، وتؤخذ " الخوة " من الَمْستطرق أيضاً، حيث يجب عليه أن يدفع مقداراً من النقود عن كل جمل يمر بالجزيرة، وكذلك في القرى التي تدفع مَا عليها من الحبوب في كل موسم، وتقسم " الخوة " على شيوخ شمر الذين يعرف كل منهم نصيبه منها، فالشيخ الفلاني يأخذ " الخوة " من الحديديين، والآخر من الجبور أو الَمْستطرقين أو من قرى الَمْوصل أو من غنم التجار التي ترسل إلى سورية. وهكذا لا يفلت أحد من أيدي جباة هذه الضريبة. ولَمْ تزل عشائر شمر في تكاثر وازدياد، منذ استيلاء السعوديين على حائل عاصمة ابن الرشيد، حيث هاجر عدد كبير من عشيرة عَبْدَةَ من نجد إلى الجزيرة في العراق ويؤلف هؤلاء الآن القسم الأكبر من شمر عَبْدَةَ. ومن أشهر رؤساء عَبْدَةَ النازحين إلى العراق الشيخ عقاب العجل، رئيس فرقة الأحية من عَبْدَةَ، وسبب نزوحه وهجرته هو عدم اعتراف شمر بشيخ أو زعيم في حائل إلا إذا كان من آل الرشيد. هذا، وأغلب عشائر منطقة حائل عاصمة ابن الرشيد القديمة من شمر، في الَوْقت الحاضر. قال أبو عبد الرحمن: لي على هذه النصوص تتميمَات واستدراكات على هذا النحو: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أ - ليس من البعيد أن آل محمد لقبوا بآل الجرباء لأن أُمهم أُصيبت بالجدري، إلا أن فارساُ ليس أول من لقب بذلك كمَا زعم يوسف البسام والراوي، لأنني وجدت هذا اللقب مستعملا قبل مولد فارس بن محمد الجرباء بعشرات السنين، فقد ذكر مؤرخو نجد في أحداث سنة 1100هـ قتل عمَار الجرباء. وذكروا في أحداث سنة 1103هـ أو 1104 قتل مصلط الجرباء. ب - لَمْ يرحل آل الجرباء بسبب الَمْحل، بل رحلَوْا بسبب هزيمتهم أمَام آل سعود كمَا سيأتي بيان ذلك في الأحداث التاريخية. ولَمْ يرحلَوْا بزعامة فارس وإنمَا رحلَوْا بزعامة أخيه مطلق، يصحبه أخوه فارس وقرينيس. ولكن الَمْؤرخين العراقيين لَمْا رأوا أن الإمَارة في ذرية فارس ظنوا أن شمراً رحلت بزعامته. وإنمَا كان فارس زعيمَا قبل ابنه صفوق ولعل من أحفاده فارس الَمْذكور في عهد محمد بن عبد الله بن رشيد. ج - سكنوا في جزيرة العراق بين ثلاثة أنهر وهي دجلة من الشمَال والشرق والفرات من الجنوب والخابور من الغرب. ونزح قسم آخر إلى جزيرة سوريا جنوب الفرات غربي الخابور. ومشايخ عشائر سنجارة في سوريا أبناء عم آل محمد وتعدادهم في عَبْدَةَ على الأصح الَمْشهور. د - منذ رحل آل محمد بقوا هناك بقاء استقرارٍ، أمَا عشائرهم فهم لا يزالَوْن رُحلاً بين العراق ونجد، إلا أن أقاربهم الأدنين بقوا هناك، كمَا أن جمهرة عَبْدَةَ بقيت هناك أيضاً، إلا من لَمْ يؤثر العودة إلى جزيرة العراق بعد عودتهم إلى نجد. وعن قصة عودتهم إلى نجد بعد رحيلهم إلى الجزيرة نجد إشارتين: أولاهمَا: في سنة 1224هـ بعد انهزام شمر أمَام الظفير، في جزيرة العراق كاتبوا الإمَام سعوداً فأذن لهم وظهروا إلى نجد. وأُخراهمَا: سنة 1231هـ بعد قتل زعيمهم بُنَيَّةَ بن قرينيس، جلَوْا من الجزيرة ونازلَوْا قومهم في الجبل. هـ - ذكر يوسف البسام في النص الآنف الذكر أن فارس الجرباء نزح من جبل شمر، واستوطن بادية الجزيرة في العراق، وذلك بعد أن انقطعت الأمطار مدة طويلة، وعلى أثر نزوح فارس تبعه الكثيرون من شمر واستقروا في العراق وذلك في عهد الإمَام محمد بن سعود وابنه عبد العزيز. ووصف فارساً بأنه آخر آل محمد رئاسة في نجد. قال أبو عبد الرحمن: إنمَا كانت رحلتهم في آخر عهد الإمَام عبد العزيز حيث أجلاهم ابنه سعود، ولَوْلا أنه قال " واستقروا " لقلت: يحتمل أن شمراً رحلت مع فارس بسبب الجدب في عهد محمد بن سعود ثم رحلت جالية في عهد سعود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 و - من الَمْعروف الَمْشهور بين الَمْؤرخين أن زعامة الجبل لآل الجرباء بادية وحاضرة ثم لآل علي ثم لآل الرشيد بيد أن الدكتور العثيمين يأبى ذلك. قال متعقباً الريحاني: ولعله أدق لَوْ قيل: إن الجرباء كان زعيم بادية جبل شمر، لأن إمَارة حاضرة الجبل " حائل " كانت لآل علي قبل انضمَام الَمْنطقة إلى آل سعود. ولَمْ يرتض الدكتور رأي " هوجارث " في قوله بأن عبد الله ابن رشيد زعيمَا لقبائل شمر. ولَمْ يرتض قول الفاخري عن عبد الله بن رشيد " رئيس بادية شمر ". قال أبو عبد الرحمن: حيثمَا أطلق الجبل فإنمَا يراد به سكانه من بادية وحاضرة. وزعامة آل الجرباء للجبل إنمَا هي زعامة لكافة قبائل شمر كزعامة ابن ربيعان مثلا لكافة قبائل عتيبة وكزعامة ابن هادي لكافة قبائل قحطان. وهذا لا يمنع من وجود إمَارة لخاصة الحاضرة، وأن آل الجرباء لا يهتمون بخاصة الحاضرة، إلا أن الرابطة بين الحاضرة والبادية الغارات والَمْغازي والقرابة من ناحية النسب " أو الَوْلاء في الأغلب الأعم ". لهذا فالحاضرة تبع لراية آل الجرباء. ثم تحولت زعامة الجبل بادية وحاضرة من شيخ كافة البادية التقليدي وهو الجرباء إلى أمير خاصة الحاضرة وهو ابن علي. وليس من شرط هذا التحول أن يكون مقراً في عرف مشيخة البادية أو أن تكون قبائل شمر مذعنة لهذا التحول. وإنمَا تم هذا التحول من ولي الأمر الحاكم من آل سعود، فهو الذي اختار أن تكون زعامة الجبل بادية وحاضرة لابن علي، ثم لابن رشيد، بحيث يعتبر من شذ عن هذه الطاعة من قبائل شمر متمرداً. وعلى هذا دلائل: منها أن أمَارة آل علي لَمْ تسبق عهد آل سعود كمَا قال الدكتور العثيمين، فقد بينت في حديثي عن آل علي أن قبيلة شمر دانت للدعوة قبل عام 1178هـ بناء على نص من " لَمْع الشهاب ". ومنها أن الشيخ عقاب بن عجل نزح من حائل لأن شمراً أبت الاعتراف بشيخ أو زعيم في حائل إلا إذا كان من آل رشيد، فهذا دليل على أن ابن رشيد زعيم الكافة من باديته. ومنها أن حاضرة حائل حاربت مطلق الجرباء وباديته وكاتبت الإمَام عبد العزيز تخبره بأن مطلقاً نكث فهذه الأحداث تدل على أن لأمير الحاضرة زعامة رسمية على البادية تطالب بها وتقاتل عليها. ومنها أن قبائل شمر الَمْوجودة بنجد شاركت في غزوات آل سعود، ولَمْ نر الراية معقودة لأحد مشايخ شمر، وإنمَا كانت القيادة لابن علي أو ابن رشيد. وقال الدكتور شفيق الكمَالي تعليقاً على نص ل " دائرة الَمْعارف الإسلامية " في مَادة بلاد العرب حول دفع طيء وزبيد " الخوة " لشمر: أمَا عدم دفع " الخوة " فصحيح، وقد استبدلت " الخوة " حين دخول فارس الجرباء إلى الجزيرة بالَمْصاهرة، فقد زوج ابنه صفوق من عمشة ابنة شيخ طيء، وكان ذلك في حدود عام 1225هـ. قال أبو عبد الرحمن: ولعل تواريخ الحجاز تكشف لنا عن تاريخ الضياغم، فقد رأيت عراراً يذكر الأشراف في شعره، كمَا رأيت العصامي يذكر وقعة بين الأشراف وشمر كمَا يذكر أن الشريف إدريس الذي نافسه ابن عمه محسن يموت في جبل شمر ويدفن بياطب سنة 1033. ويذكر مصطفى مراد الدباغ أنه من الَمْحتمل أن قرية جربا من عمل جنين في فلسطين وجرباء في شرقي الأردن تنسبان إلى قبائل الجربة الشمرية العراقية نزلتها وطبعت اسمها عليها. قال أبو عبد الرحمن: وليلاحظ أن آل محمد من آل الجرباء دون العكس، وأن آل محمد لا تشمل آل الجرباء وإنمَا تقتصر على ذرية محمد بن سالَمْ الجرباء. وَلِسُؤدُدِ آل الجرباء صارت بادية شمر في العراق تسمى شمر الجرباء. وبقى آل الجرباء على ذكر من أهل نجد يقصدهم الشعراء وينالَوْن منحهم ويستفزع بهم أبناء عمهم في شمَال نجد. وبعكس ذلك وجد في شمر الجزيرة من يتشوق إلى نجد فهذا شاعر من شمر، يتبرم من شيعة العراق ويتشوق إلى حائل فيقول: ياعَون منْ طَالِعِكْ يا بَرْزَانْ ... ونام بَاشْنَاقِكْ هَني ياعَون منْ فارِقكْ يَا الْبِرْغُوْثْ ... وفرَاق عَبَّادَةْ علِى من أحداث آل الجرباء التاريخية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 أ - في سنة 1205هـ جهز شريف مكة غالب بن مساعد أخاه عبد العزيز، بجيش اشتركت فيه بعض البوادي، لَمْهاجمة الدرعية، ثم خرج غالب بجيش عظيم، لأمداد أخيه، ثم لَمْا انهزمَا بعد محاصرتهمَا لبلد الشعراء، بدأ سعود بن عبد العزيز يغير على القبائل التي تمردت، وانضمت إلى الشريف، ومن هؤلاء مُطَيْرٍ وشَمَّر، كانوا على الَمْاء الَمْعروف بِالْعُدْوَةِ لشمر، قرب حائل، ورئيسهم حصان إبليس. وقد قصدهم الإمَام سعود في هذا الَمْكان، فهزمهم، وقُتل في الَمْعركة رئيسهم مسعود " حصان إبليس " وسمرة "؟ " الَمْشهور رئيس العبيات من مُطَيْرٍ، وأبو هُليبة من مُطَيْرٍ. وكانت هذه الَوْقعة في آخر ذي الحجة من هذا العام. إلا أن هؤلاء القوم بعد انهزامهم استنفروا بقية قبائلهم، وأرسلَوْا إلى سعود يدعونه للَمْنازلة، وينذرونه بمسيرهم إليه، وكان في مكانه بالعدوة، يقسم الغنائم، فثبت لهم بعد مَا وصلَوْا إليه بزعامة مسلط بن مطلق الجرباء، الذي نذر أن يخترق " صيوان " سعودٍ بفرسه. وقد أرخى مسلط عنان فرسه ليتم نذره، فاختطفه قوم سعود بعد مَا ضربه رجل بعود يشوي به القرص، فطرحه عن جواده، ومن ثم قُتل وأنهزم اتباعه. وكانوا عندمَا قدموا عليه أقبلَوْا مقرنين إبلهم، فثبت لهم سعود وجيشه، وأوقدوا فيهم وفي إبلهم بالرصاص، فلَمْا انهزموا تركوا إبلهم مقرنة بالحبال، فغنم منهم سعود أحد عشر ألف بعير، وأكثر من ألف من الغنم، وتبع أثرهم يومين يأخذ الأموال ويقتل الرجال. وقد كان مطلق الجرباء والد مسلط، يرى التريث في مهاجمة آل سعود، بعد هزيمتهم الأولى بالعدوة، ويقال: إن هذه القصيدة لَمْسلط الجرباء قيلت في هذه الَمْناسبة: عَدَّيتْ روس مْشَمْرخاتَ الَمْراقيبْ ... رِجْمٍ طويلٍ نايْفٍ مِقْلِحِزِّ جرَّيْتَ صوتٍ مثل مَاجَرّه الذيْبْ ... أَوْجِسْ ضميري من ضلَوْعي يِنز خوفي من اللِّيْ روُسهم كالْجعابِيْبْ ... وسيفٍ على غيرَ الَمْفاصِلَ يِجِز لا صار مَانَاتِي سْواةَ الجلالِيبْ ... بْقَلاَيْعٍ بَايْمَاننا لَهْ نِخِزِّ احسن تصبَّر واجمل الصبر بالطيبْ ... هذِي حياةٍ كلّ ابوها تَلَزِّيْ والحر لا صكَّتْ عليه الَمْغاليبْ ... ملزوم عن دار الَمْذلة ينِزِّ قال أبو عبد الرحمن: البيت الأخير إيذان بالجلاء من جبل شمر، ومَا كان في نية مسلط الجلاء، والأشبه أن يكون هذا الشعر لَمْطلق الجرباء وال مسلط، وهذا مَا حصل بالفعل فبعد هزيمة شمر، وقتل مسلط، رحلت شمر بزعامة مطلق الجرباء إلى العراق، فاستقرت في منطقة الجزيرة وأصبح لها نفوذ قوي هناك. وقال ابن سند بأُسلَوْبه الأدبي العاطفي: وله أيام منها العدوة لسعود بن عبد العزيز عليه، وفي ذلك اليوم قتل ابنه مسلط، وكان شجاعاً هزبراً طاعن ذلك اليوم حتى كف كل رعيل، وقرى كل ذابل وصقيل، كيف ومطلق أبوه ذلك الباسل، ومحمد جده الذي تحامَاه القنابل، وأمَا مطلق فإنه في ذلك اليوم هزم الكتائب، وأروى من دم الفرسان كل سنان وقاضب: قومٌ إذَا حَرَبُوا فآسادُ الشِّرَى ... وإذا هُمُ أَعْطَوْا فَأَبْحُرُ جُوْدِ ياعيْن إِنْ مَاتُوا فقد مَاتَ النَّدَى ... فعليهم حُزْناً بِدَمْعِكِ جُودِي خَاضوا الَوْغَا بصوارم وشياظم ... قُبِّ الْبُطُوْنِ، تَؤُمُّ جَيْشَ " سُعُوْدِ " فتفرقتْ منه الْكَمَاةُ كَأنَّهمْ ... نَقَدٌ نوافِرُ منْ زَئِيْر أُسُوْدِ لاَقَاهُمُ الأَسدُ الضُبَارِمُ " مطلقٌ " ... فتعلقوا بشليل كلِّ قَعَوْدِ فلَمْا ضاقت على سعود الأوهاد والنجود، خان ابن هذال فلَمْ يكن لَمْطلق مجال، فنكص على العقب وهو يطاعن ذلك الجيش اللجب. كلَمْا كَرَّ على فُرْسَانِهِ ... هربوا منه كَشَاةٍ مِنْ أَسَدْ مَا رَأَوْا صَيْلَمْةً إلا رَأَوْا ... هَرَباً مِنْهُ وَإنْ كانَ أَسَدْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 فمَا زلَوْا معه على كر وفر، ومضاربة بكل صارم ذكر، حتى سئموا من الَمْضاربة، فرجعوا بصفقة خائبة، ونجا هو وبنو عمه، وباء الخائن بخزيه وإثمه، فأناخ رجاله في بادية العراق، إلى أن اخضر عيشه وراق. ووجدت في كراسات الشيخ منديل هذه الأبيات لزوجة مطلق ترثى مسلطاً وأباه: ونَّيتْ وَنَّة من شَلَع ضِرْسِه الْقَازْ ... اللِّي صبر لَلْجزْ يَجْذبْ مِنْينِهْ عليكْ يا حَامِي الَمْظَاهِير، طهْمَازْ ... لَجَّتْ فَرَاقِيْنَ الْعَرَبْ فَاقْدِيْنِهْ جانا عقابٍ فَرَّقَ الْحُرّ والْبازْ ... وَغَدا بْصَيَّادَ الْحَبَارِي حَثِيْنهْ الدمع من عيني يِجِيْ فَرْد واجْوَازْ ... والشَّيْب لاح بْقِذْلِتي قَبْل حِيْنِهْ وقال صاحب " لَمْع شهاب ": ثم إن عرب الشريف الذين كانوا ملتجئين به من بداة نجد تفرقوا عنه راجعين إلى أطراف نجد، فقحطان احتاروا إلى تثليث، وعتيبة إِلى بَرِّيَّةِ مّكَّة كَرُكْبَةَ ومَا يليها، وأمَا مُطَيْر فاحتازوا إِلى أَرض شَمَّر، واتفقوا مع مُطلق الجرباء، وبادية شَمر جميعها التي في الجبل، وصار بينهم أَهل القرى التي في الجبل حرب، فأَرسل أَهلُ الجبل إِلى عبد العزيز بن سعود أَنَّ هذا مُطلق الجرباء نكث، والتجأَتْ مُطَيرْ إِليه فهذا اليوم نحاربه، وكان إِذًا شيخ مطير حسين بن وطبان رجل شجاع، فلَمْا سمع عبد العزيز بهذا الخبر بعث ولده سعود بجيش إِليهم، وعه بعض من عَنَزَةً، وكانوا أضددًا لَمْطَيْر، وعه أَيضاً بَدْو العارض: سُبيْع والعجمَان، وهذه الَمْسيرة أول معاضدته لآل سعود، وشهور شأْنه في جزيرة العرب، ثم صار له صيت كبير، وهذا الجيش يبلغ خمسة آلاف رجل " بواردي " وثمَان مئة فارس، فصبَّحَ عرباً يقال لهم البراعِصَة من مُطَيْرٍ، وزعيمهم اسمه سعود؟ يكنى بحصان الشيطان، أَو بحصان إِبليس، وهو الذي كَنَّى نفسه بهذه الكنية، وهو شجاع معدود، ومعه مئتا فارس من رفقته، فحاربوا سعوداً وقد قتل من فرسانه نفر وقد قتل حصان إِبليس وأَولاده، وأَولاد أَخيه، وأُخِذَت بيوته وأغنامهم، وكانت إِبلهم غائبة في الفلاة. وبعد هذا اشتدَّ الأَمُر على مطلق الجرباء، وحسين الدويش، وضاقت بهم الدنيا وكانا على مَاء يسمى " يا طب " عن حائل ثمَان ساعات، فأَقبلا صائلين على سعود، وعسكروا يريدون منا جزة الحرب معه، فوقعت الحروب بينهم وبين سعود، فَساقَ أولا في وجوههم حتى دفع جموعهم بها، ثم أعقبهم بالخيل والرجال، فقتل ولد مُطلق الجرباء اسمه سلطان، وانهزمت تلك البوادي، وعددهم كثير، فأَخذ أَموالهم وقتل من قتل وأُسر من أُسر، وجملة أمولهم لا تحْصَى عدا، فجلا مُطلق الجرباء إلى العراق من ذلك اليوم. ب - في رمضان من سنة 1212هـ نازل الإمَام سعود بن عبد العزيز عرباناً كثيرة من عدة قبائل بزعامة مُطلق بن محمد الجرباء في وادي اْلأُبيِّضِ قُرْب السمَاوة بالعراق ومَا كان أَحد يقف أَمَام كَراتِ مُطلق ذكر ذلك ابن بشر وابن سند وقتل قُرَيْنِيْس أَخو مُطلق. وقال ابن سند - كمَا نقلت من أَوراق الشيخ حمد الجاسر غزا سعود بن عبد العزيز بن محمد سعود في سنة 1212 أَطراف بني الَمْنْتَفِق، فصبَّح القرية الَمْعروفة بأَم العباس، فقتل منها وممن حولها خلقاً كثيراً ونهب وحرقَّ، ثم كَرَّ راجعاً وحمود في البادية، فلَمْا بلغه الخبر جَدَّ، في السير ليدركه، كمَا أَدركه، وبعدمَا كَرَّ سعود راجعاً ووصل إلى أَطراف نجد، عطف وأغار في سنته تلك على بادية العراق، وكان مُطلق بن محمد الجرباء نازلاً في بادية العراق، فلَمْا صَبَّحهم سعود فَرَّ من فَرَّ منهم وثبت من ثبت، وقاتل جيش سعود مُطاق الجرباء، فكَرَّ الفرسان مرة بعد مرة، فكلَمْا كَرَّ على كتيبة هزمها، فحاد عن مطاعنته الشجعان، فكان من الله تعالى الذي لا يُرَدُّ أَنه كَرَّ عليهم في بعض كراته فعثرت فرسه في شاة، فسقط من ظهر فرسه فقتل، رحمه الله تعالى - وكان قتله عند سعود من أَعظم الفتوح إِلا أَنه وَدَّ أَسره دون قتله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 ج - في سنة 1231هـ كانت الَوْقعة بين باشا العراق وبين عدة قبائل بزعامة بُنَيَّةَ بن قرَيْنِيْس بن محمد الجرباء، ومعه فارس بن محمد، وكان الباشا قد أَجلاهم عن العراق. فَهُزِمَتْ هذه القبائل بعد قتل زعيمها بُنَيَّةَ في حادثة ممَاثلة لحادثة قتل عمه مُطلق بن محمد، وذلك أَنه لحقه فارسان فأَحسَّ بهمَا أَوْ أَنهمَا دعواه للَمْبارزة، فجذب عنان جواده جَذبةَ منكرةً ليَحرِفهَا عليهمَا، فوقعت الفرس على رأُسها ويديها، وسقطت على ظهرها، فصار تحت السرج والفرس فوقه فأُدركَ وقتل ولَعلَ سبب هذا مَا حدث سنة 1228هـ وهو أَن أَسعد بن سليمَان باشا خاف من عبد الله باشا صاحب بغداد وهرب إلى الَمْنتفق، فلَمْا أَبى حُمُوْدُ بن ثامرٍ زعيم الَمْنتفق وبعد القتال، انحازت شَمَّرُ للَمْنُتفق، وخانت عبد الله باشا، فانهزمت العساكر العراقية. قال أبو عبد الرحمن: والعامَّةُ في نجْد تنطق الجرباء هكذا " الجربا " بدون همزة، وذلك لثقل حرف الهمزة على نطق العامة قال ابن سَنَد: وفي السنة الحادية والثلاثين بعد الَمْئتين والأَلف من الهجرة، له (عدد مَا أحاط به العلَمْ، وتَعَلَّقَت به مِن الَمْمكنات القدرة، قُتلِ بُنَيَّةَ بن قُرَينيْيس الجرباء، وأُتِيَ بِرَاْسِهِ إِلى الَوْزير سعيد. واعلَمْ أَن بُنَيَّةَ عَبَر من الجزيرة لغربي الفرات، عندمَا ولَّى وزارة بغداد سعيد باشا، لَمْا بين عمه فارس وآل عُبَيْدِ من الضغائن، لاسيمَا أَميرهم قاسم بن محمد بن عبد الله بن شاوي الْعبَيدِي، وقد كان سعيد باشا وَلَّى زمَام أَكثر أُمُورِهِ له، فلَمْا بين فارس والَمْذكور لَمْ يستقر في الجزيرة فنزل بعشيرته على خُزَاعة، في تلك السنة، ليكتال، وكان بين الدُّرَيعي الْعَنزيِ الرُّوَيلي - بضم الراء وفتح الَوْاو ولام بعدها ياء النسب - اقتفى أَثره ونزل قريباً منه، وأَرسل إِلى حمود بن ثامر، استنفر، فنفر بفرسان عشيرته لَمْساعدة الدُّرَيْعي، لَمْا بينهمَا من الائتلاف، وكذلك خرج عسكر الَوْزير سعيد، كبيرهم قاسم ابن شاوي، ومعه عُقيل - بضم العين وفتح القاف وسكون الَمْثناة التحتية - وهم عسكر للَوْزير، فقامت الحربُ على ساق وذاذ الفرسانُ، فَقَدَّر الله عليه في بعض كَرَّاتِهِ أَنْ أصابته بندقُ فَخَرَّ من صهوَة فرسه - رحمه الله وإيانا - وقد سمعته ينتسب إلى طيء القبيلة الَمْعروفة الَمْنسوب إليها حَاتِمُ بن عبد الله بن سعد الطائي وابنه عدي بن حاتم الطائي الصحابيُّ الجليل وهذا نص أَدبي، بأُسلَوْب عاطفي انتسخته من أَوراق شيخي حمد الجاسرنقلا عن " مطالع السعود بطيب أَخبار الَوْالي داود " لعثمَان بن سند. قال ابن سند: " د " وفي سنة 1237هـ وقد كان أَرسل والي كَرْمَانَ مقدار أَلف من عسكره للَمْيرة من تلك الأَوطان، فلقيهم صُفُوقُ الجرباء، وقراهم طعناً وضرباً، وسقاهم بدل العْذَابِِ عَذَابأ، وجَرَّعَهم بالسيوف مُرًّا وصاباً، فقتل منهم الكثير، والباقي بين منهزم وأَسير. ثم قال بعد كلام طويل يتعلق بداود باشا: أَخبرني ثقاتُ عدَّة أَنَّ صفوقَ بن فارسٍ الجرباء غزا ابن الشاه، وعبر دِيَالةَ، بفوارس من عشيرته، إلى أَن كان من عسكر ابن الشاه بمرآة، فركب فرسان العسكر لَمْا رأََوه وكَرَّوا عليه، فاستطردهم حتى عبروا دِيالَةَ، وبعدوا عنها، فعطف هو ومن عشيرته ومن الروم عليهم، فأَدبرتِ فرسان العجم، وقفاهم فوارس شَمر، وقتلَوْا منهم من أَدركوا، وأَتوا بخيلهم وسَلَبِهِمْ - ولله الحمد والَمْنة -.وأخبرني غير واحد أَن هذه غير الأُولى التي ذكرها الَمْؤرخ التركي أُسَرُ آل الجرباء وبعض مشاهيرهم 4 - بيان أسرهم، والتنويه ببعض أعلامهم قال عبد الجبار الراوي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 قبل تفصيل القول في فروع كل قسم من هذه الأَقسام، نسوق مقدمة عن الأُسرة الشهيرة التي أُلقيت إِليها مقاليد الرئاسة العليا في شَمَّر الجربة. إِن الذين تزعموا هذه العشيرة هم " آل محمد "، وإِذ تكاثروا حتى أَصبحوا جمَاعة بل عشيرة كبيرة، لَمْ نجد بدًّا من ذكر من ينتسب إِلى هذا البيت منذ أَول نشوئه حتى اليوم، منوهين بأَشهر رؤسائهم في الَمْاضي والحاضر: كان أول من رحل من نجد إلى الجزيرة في العراق هو فارس الجربة، فهو إِذن الرئيس الأَول لآل محمد شيوخ شَمَّر في الجزيرة. وقد خلف فارس جمَاعة سُميت باسم آل فارس، واشتهر من هؤلاء صفوق، واشتهر من اولاد صفوق فرحان باشا الَمْشهور، وقد خلف فرحان باشا أَولاداً كثيرين، انقسموا أربعة فروع كل فرع انتسب إلى أُمه " أَي إلى إحدى زوجات فرحان باشا " الأَربع، وهذه الفروع هي: الدرة والجزعة والسرحة والباشات. الفرع الأول - الدرة ويقدر هذا القسم مع مواليهم بخمس مئة بيت، وأَشهرهم آل عبد العزيز، وآل فيصل،وآل شلال، وبرز من آل عبد العزيز فرأَس عشائر شَمَّر كلها الشيخ " عَقِيل الياور بن عبد العزيز بن فرحان باشا " رحمه الله، ولاتزال الرئاسة في عقبه الفرع الثاني - الجزعة ويقدرون مع مواليهم ب500 بيت أَيضاً، وأَشهرهم العاصي، والجار الله، وآل مجِولْ. وقد عاش العاصي " 120 " عامَا، وصار شيخاً لِشَمَّر كلها ثم آلت الَمْشيخة إِلى ولده الهادي في عهده، وهو على قيد الحياة ثم قتل الهادي، وآلت الَمْشيخة إِلى دهام رئيس عشائر شَمَّر القاطنة في سورية الآن. الفرع الثالث - السرحة ويقدرون مع مواليهم ب100 بيت، وأشهر رؤسائهم مطلق وهايس وثويني وعبد المحسن وسلطان. الفرع الرابع - الباشات وسموا باسم الباشات، لأَنهم لَمْ يفارقوا بيت فرحان باشا حتى وفاته، ويقدرون مع مواليهم ب " 50 " بيتاً، ومنازله الآن في الفرحانية قرب بلد " ناحية تابعة لقضاء سامَراً في محافظة بغداد "، وأَشهر رؤسائهم الحُمَيْدي الذي آلت مشيخة شَمر إليه في العهد العثمَاني، ومِيزر وبندر، وقد توفوا، وأَحمد وزيد، وهمَا حيان يرزقان. وهناك غير هؤلاء ينتسبون إلى آل محمد، مثل: آل عمرو: ويقدرون مع مواليهم ب " 300 " بيت، أَبرزهم زيد العمرو. آل زيدان: ويقدرون مع مواليهم ب " 300 " بيت أيضا. آل فهد: ويقدرون مع مواليهم ب " 30 " بيتاً، وأشهرهم سطام الفهد، ولَمْ تعهد إلى أَحد منهم مشيخة شَمَّر. الشاعر ابن حطاب. قال أبو عبد الرحمن: ومن آل الجرباء الذين لَمْ يرحلَوْا إلى الجزيرة السعديون وآل سراح بالجوف، منهم آل سلَمْان من آل حبوب من آل سراح. ومن آل سَرَّاح الشاعر غالب بن حَطَّاب، من شعره قوله يخاطب شَرِيْدَة، خادم مضيفه: لاَواهَنيِ من نط راسَ الفريدهْ ... وشَافَ الطويلُ وْشَافْ خشْمَ الاَضارِعْ أَخَيْر عندِي منْ مقابَلْ شِرِيْدَهْ ... مْنَاخَى النَّشَامَى عند قَصْر ابن زراع ووالده هو الذي يعنيه عُبَيد الرشِيْد بقوله: يامنْ يبَشِّرْ بِيْ خْلَيْفٍ وْحَطَّابْ ... تَبْشير فِرْعَوْنٍ بْمُوْسَى وهَارُوْن ووجدت في كراسات الشيخ مِنْديل هذه الأَبيات لحطَّاب، وذكر أَنه قالها وهو في سجن ابن رشيد: يا موفَّقين الخَيْر يا أهل النجايِبْ ... عَسَى السَّعدْ في نحورهنْ حين تمشونْ مع النَّقيب ادعْوا طريق الركايِبْ ... والعَصر بَاكِر باللَّقايِطْ تحطُّوْن تلقون ناصِرْ مثْل حُرَّ الجلايِبْ ... مَاكَرْ ولا عُمْرَ الَمْوَاكِر يبُورُونْ تلقون فِنْجالٍ من الْبُنِّ رَايِبْ ... زَوْدٍ على اللِّيْ بالَمْناسِفْ يِحِطُّوْنْ لَوْا على من شَافْ هَاكَ الْخَرَايِبْ ... في سَاعَةٍ يَحْضرْ بها كلِّ ملْعَونْ ومن شعر غالب بن حطاب قصيدة حدثني بها أبو محمد البازعي - رحمه الله - يقول فيها: يا الله يا اللي فوقنا معتلِينَّا ... حنَّا ومن يَرْجى ثابك حْذَانَا حنَّا بْلَيَّا طلبتك مَا بَغَيْنَا ... حِتِّى ايْشْ لَوْجَا زادْنَا مَاهَنَانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 يَا البيْضْ عَدِّنَّ الَمْلاثِمْ علينا ... عدن ملاثمكن ودُوْكنْ لْحَانَا حِطِّنْ مفاتيلَ الذَّهَبْ في يْدَي ... وتقلدَنْ بسْيُوْفْنَا يانْسَانَا لاعادْ منْ زَمْلَ الَمْحامِل نشينْا ... وحنَّا علينا حرْدِهِنْ وشْ بَلانَاَ من عقْب مَانَادَى القبايل وُدِيْنَا ... اليوم لَوْ يَأتي سفيه ودَانَا ومن عقب مَانَاطَا القبايلْ وُطِيْنَا ... اليومْ بالرجلينْ كِل وَطَانَا وحدثني أبو محمد البازعي بهذه الأبيات لحطاب: مَاطِعْتْ شَوْري يومَ انا بالسِّقِفَيةْ ... انْتَ تقول: هْنَا وانا اقولْ هانا من عقب مَاحِنَّا زَهَاهَا ورِيْفَهْ ... اليوم نَتْنَى مَقْعَد في غدَانَا ياوَنَّتِى وَنَّةْ مْعِيْدٍ ضعيفةْ ... على ديارٍ خابْرِيْنَهْ ورانَا لَوْ البكا يَفْرِجْ بكينا " مْنِيْفَةْ " ... الحوطةَ اللِّي شَرَّعوا بَهْ عَدانَا اليوم تَمْر " الْكَسْبِ " عندي طَريفه ... من عقب مَا ناكل مْذَنِّبِ حْلانَا أمَا القصيدة التي منها: تِفِّ على الدّنيا لَوْ بَهْ طربْنَا ... لعادْ فيها عن هوانا نِحيْنَا فقد نسبها ابن خميس مرة لحطاب، ونسبها مرة لبرغش ابن زيد بن عريعر، ونسبها ابن سيحان لنمر بن عدوان. قال أبو عبد الرحمن: الَمْحقق أنها لابن عريعر، وإنمَا يوجد على وزنها وقافيتها قصيدة لَمْرخان بن دابس - أبو ابن سمحان - الَمْرخان من أهل الجوف يقول فيها: لاعادْ حِنَّا يوم دَوْرِكْ صبرنا ... وِشْ مِجْزعِكْ مِنْ دَوْرنا يوم جانا غَرّك زمَان لَلدرَيْعِي غترنا ... بالبوق وِالاَّ بالنَّقا مَا ولانا حنا ليا ثار الدَّخَنْ وانْتشرنا ... بالْقِنَّبَ الَمْصيْصْ نَمْقِسْ دْلانا من دُون غَرْسٍ مَا بطَلْعِهْ تِجَرْنَا ... ولا قِيل: صَكَّ البابْ عَمَّنْ نصانا يا ابو طواري لا تْبَيَّحْ خَبَرْنَا ... عيْبٍ لغاك، وعيب حِنَّا لَغَانَا حِنَّا لعوراتك ورُمْلكْ سترنا ... وعَيَّتْ على الشِّيْمة سواعِدْ لحانا ومن شعر غالب بن سراح قوله يرد بها على عبيد العلي الرشيد: إنْ جيتنا ياعْبَيْد نفتح لك البابْ ... حنَّا نِقِيف وْفِنّ رَبْعِكْ يِخِشُّوْن الجوف تلقى به خليفٍ وحطابْ ... مَاهم فريق ضعوف عنكم يهجُّونْ يا عبيْد مَا قصدِك زكاةٍ ونوَّابْ ... هذي بغاضي مَير يا عْبَيْد تَكْمُوْنْ يا عبيد يوم انّك رفيقٍ لحطَّابْ ... والدَّبْس عند حْسَيْن يِغْرَفِ بْمَاعُوْنْ مطلق بن محمد الجربا من أبرز أعلامهم في الجزيرة وسوريا مطلق بن محمد بن سالَمْ الجرباء، الذي تزعم من هاجر معه إلى العراق من الشمريين يصحبه أخوه فارس بعد أن قتل أخوه قرينيس بن محمد وابنه مسلط بن مطلق. قال ابن سند بأُسلَوْبه العاطفي نحو هذا البيت الشريف: هذا ومطلق من كرام العرب، عريق النجار شريف النسب، من الشجعان الفرسان، الذين لا يمتري بشجاعتهم إنسان، له مواقف يشهد له فيها السنان والقاضب، ووقائع اعترف له بالبسالة فيها العدو والصاحب، وأمَا كرمه فهو البحر حدث عنه ولا حرج، وأمَا أخلاقه فألطف من الشمول وأذكى من الخزامى من الأرج، وأمَا بيته فكعبة الَمْحتاجين وركن الَمْلتمسين، جمع البسالة والكرم في ردائه، بحيث نادت ألسنة نظرائه: إنه العلَمْ الفرد، والشمري الذي لا يوقف لكرمه على حد، ولقد والله أعجز من بعده من سراة البادية، بمكارم لا توصف إلا بأنها ظاهرة بادية: يا بَحْرُ لاَ تَفْخَرْ بمَدِّكَ واقْصِر ... عَنْ أنْ تُضَارعَ حاتِمِيًّا شَمَّريْ مَا حلَّ في كَفَّيْهِ مَقْسُوْمٌ على ... كلِّ الأنام غَنِيِّهمْ والَمْقْتِر مَا ثَمَّ مَاثرةٌ سمتْ إلا روى ... مرفوعها عنه لسانُ الأعْصُر فَفِنَاؤُهُ مَاوى طَرْيد خائف ... وحِبَاؤهُ مَغْنَى مسيف مُعْسِر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وقال عن هجرته: ثم دعته الهمة العربية إلى ارتقاء الَمْناصب العلية، فسار من العراق إلى الشام، وتوجه مع أحمد الجزار إلى البيت الحرام، ثم لَمْا قضى نسكه رجع إلى العراق من مكة محارباً بالبنان والسنان، أُلئك الَمْبتدعة لا باللسان، فبقي في بادية العراق مطاعاً أمره، مشاعاً في الأغوار والأنجاد ذكره، لا يضرب مثلٌ إلا بشجاعته وكرمه، ولا يلَوْذ طريدٌ إلا بساحة حرمه، ولا تستمَاح إلا راحتاه، ولا تُقَبَّلُ إلا يمناه، إلى أن أصابه سهم الحمَام ودرج شهيداً إلى دار السلام. ثم نظم ابن سند هذه القصيدة في مدح مُطلق: بَكَتْهُ الْعَوَالي والرِّقاقُ الصَّفَائِحُ ... لَدُنْ غابَ منه في الضريح الصَّفَائِحُ بكى أَجَا مِمَا شَجَاهُ ومَاسَلُ ... وضَجَّتْ ضَجيْجاً بالنَّوَاح الصَّحَاصِحُ لِرُزْءِ امْريٍْ صلْت جُرَازٍ صَلَنْفَح ... صَبُورٍ إذا اشْتَدَّتْ عليهِ الْفَوَادِحُ صَفوحٌ سَمُوحٌ مُطْلَقُ الْكَفِّ بالنَّدَى ... كأَنَّ يَدَيْهِ لِلْهَباتِ الَمْفَاتِح أشمُّ عِصامِيٌّ مِنَ النَّفَر الأُلَى ... فَخَارُهُم كالشَّمْسِ أَبْيَضُ واضِح سيوفٌ، صَنَادِيْدٌ، عِظَامٌ، أمَاثِلٌ ... ثِمَالٌ لَمْعتَرِّ غُيُوْثٌ مَسَامِحُ لأَ غْزَرهِمْ مدًّا وأَشَّهَرهمْ عُلىً ... وأَكْبَرهمْ قَدْراً أُتِيح الطوائحُ فَأُوْدِعَ في بطْن الثَّرى مِنْهُ بَاسِلُ ... عزِيْزُ لَدَيْه مَشْرَفُّي وسَابِحُ فَمَا أَغْمَضَ الْعَيْنَيْنِ يومَا عَلَى قَذًى ... وَلا رامَ إلا مَاتَرُومُ الَّصفَائِحُ فتىً كَانَ خَوَّاضًا لِكُلِّ كَتِيْبَةٍإِذَا لَمْ يَخُضْ إِلا الْهِزَبْرُ الصُّمَادِحُ أُتْيِح لهُ سَهْمُ فَأسْكَنَهُ الَّثرَى ... فَهَا كُلُّ قُطْرٍ فِيْه نَاع ونَائِحُ فكَادتْ بهِ سَلَمْى تُهَدُّ، وَأَوْحَشَتْ ... مَرَاتِعُ في أَكْنَافِهَا وَمَسَارحَ أَمُطْلَقُ مَا لِلبَدْو بَعْدَك بَهْجَةٌ ... فهَا هُوَ مِنْ فُرْط الِكآبةِ كالِحُ وَهَا هُوَ لاَ قَطْرٌ يُرَادُ، ولاَ خِباً ... يُشَاد، ولا خَالٌ من الجُوْدِ سَافحُ ولا شِيْدَ منْ فَوْقِ الهِضَابِ قِبَابُةُ ... ولا شَمَّ أرواحَ النَّدَى مِنْهُ رائِحُ لَدُنْ متَّ قَال الْجُوْدُ: هَا أَنَا مَيِّتٌبِمَوْتِ امْريٍْ يَبْكِيْه غَادِ وَرَائِحُ فَمَا أُسْرجَتْ لَوْلاكَ خَيْلٌ لِغَارَةٍ ... ولا عَشِقَ الأشْعَارَ لَوْلاكَ مَادِحُ ولاَ تَبِعَ الأَظْعَانُ مثلَكَ سَيِّداً ... نَمَتْهُ إلى الْعَلْيَا الكرامُ الْجَحَاجِحُ ومَا سَرَّ عَيْشٌ بَعْدَ فَقْدِكَ واحِداً ... تَأَثَّفٌهُ لَوْلاَ نَدَاك الْجَوائِحُ فلا قَلْبَ إلاَّ فِيْك مُشْتَعِلُ أسى ... ولا طَرْفَ إِلا فِيْهِ جَار وسَافِحُ َنَمَاك إلى الْغرُ اَلأكَارِمِ طَّيٌْ ... ضَحُوكُ الَمْحَيَّا هَامِرُ الْكَفِّ مَانِحُ غَيُوْرُ علىَ الْجَارَاتِ لا َمُتَطَلِّعُ ... عَلَيْهَا وََلا للِّسِّر مِنْهُنَّ فَاضِحُ فَمِنْكُمْ وَفي أَوْصَافِكُمْ يُرْتجَى النَّدَى الْنعَيِمُ ويُسْتَحْلَى الرِّثَا وَالَمْدَايحُ إذَا مَا أَجَرْتُمْ بالسُّيُوفِ مُطَرَّداً ... تَجَنَّبُهُ مِمَا تَخَافُ الْجَوَارِحُ وأَصْبَحَ في ظلِّ مِنَ اْلأمْنِ وَارِفِ ... يُراعِيْهِ سَّيافُ وَرَامٍ وَرَامحُ كَأَنكُمُ لَلَمْعْتَفُيْنَ غَمَائِمٌ ... تَظَلُّ وَهُنَّ الْغَادِيَاتُ الرَّوَاِئُح فَمَا زَالَتِ الأَعْرابُ تَرْجُو لُحُوقَكُمْ ... وَمَا كَرِيَاح في النَّسِيمِ الَمْرَاوح وأَيْنَ مِنََ الْهَامَاتِ في الْفَضْلِ أَرْجُلٌ؟ وَأَيْنَ مِنَ الأَدْلِى الْغُيُوْمُ الدَّوَالِحُ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 فَلَوْلاَكُمُ لَمْ يُطْرِبِ الْبَدْوُ وَالْفَلاوَلاَ طَرِبَتْ لِلْغَزْوِ كُمْتٌ قَوَارِحُ سَقَى جَدَثَا أَصْبَحْتَ فِيْهِ مِنَ الرِّضَا ... سَحَابٌ مُلِثٌّ مُرْجَحِنُْ وَدَالِحُ وَلاَ زَالَ مِنْكُمْ من يُؤَمُّ فِنَاؤُهُ ... وَيَغْشَاهُ في الْجُلَّى طَرِيْدٌ وَمَادِحُ قال أبو عبد الرحمن: قتل في حياة مطلق أخوه قرينيس عام 1212 وابنه مسلط عام 1205. بُنَيَّةَ بن قرينيس الجرباء قال أبو عبد الرحمن: لا أدري متى توفى مطلق، وقد تولى الزعامة بعده أخوه فارس، وقد كبر وكان شيخ " الشداد " وقائد الَمْعارك في عهد فارس ابن أخيه بُنَيَّةَ بن قرينيس ابن محمد. قال ابن سند: وبُنَيَّةَ - بضم الَمْوحدة وفتح النون وتشديد الَمْثناة التحتية وهاء تأنيث - من فرسان العرب وكرمَائهم، وكانت له كَعَمِّهِ فارس أيام الَوْزير علي باشا أُبهة عظيمة وصدارة وبُنَيَّةَ هاذا يكاد يضاهي بالبسالة فارس النعامة، ومحطم ابن الأرقم ذا الغزالة، وأمَا الكرم فهو الغيث بل البحر الخضم وأمَا منع الجار بكل رسوب بتار، فهو منه في الذروة، والناس إنمَا يحذون فيه حذوه، وأمَا غض طرفه عن جاراته، فأمر لا يُطمع فيه بمباراته. وأمَا النسب فهو من بيوتات العرب. تَنْمِيْهِ للشَّرَفِ الْعَاليِ بَنُو ثُعَلأُسْدُ الشَّرَى وسَرَاةُ الْقَادِة الأُوَلِ النَّازلَوْنَ مِنَ الْبَيْداءِ فَوْقَ رُبًىًوالشَّائِدُوْنَ بُيُوْتَ الْعِزِّ بِاْلأَسلِ النَّاحِرُو جُزُرَ اْلأَضْيَافِ نَحْرَهُمُأُسْدُ الْعريْن، بمَا سَلَوْا مِنَ النُّصُل والَمْانِعُو الْجار باْلأَسْيَافِ لاَمِعَةًبَيْنَ الْخَمِيْسَيْن والعَسَّالةِ الذُّبُل وقال ابن سند: ولَمْا لبُنَيَّةَ من الَمْكارم والشجاعة وارتفاع الصيت وللَمْودة بيني وبينه رثيته ارتجالا ثم ذكر هذه القصيدة: قَضَى فَلِدَمْعِي في الْخُدُوْدِ سُفُوْحُ ... هِزَبْرٌ عَلَيْهِ الَمْشْرفيٌّ يَنُوحُ أَغرُّ كَريْمُ النِّسْبَتَيْن مِنَ الأُلَى ... فَخَارُهُمُ كَالنّيِّرَيْن يَلَوْحُ عَلى مِثْلِهمْ يَبْكِي غَريْبٌ تَطَوَّحَتْ ... بهِ نُوَبٌ مُسْوَدَّةٌ وَبُرُوْحُ وسارٍ بمَوْمَاةٍ مِنَ الزَّادِ مُقْفِرٌ ... هَدَاهُ إِلَيْهمْ أَنْؤُرٌ وسُرُوْحُ وَتَبْكِيْهمُ الْحَرْبُ الْعَوَانُ وقَارحُ ... أَقبُّ كَسِرحَان الْفَلاَةِ سَبُوْحَ كَأَنَّهُمُ لِلْفَضْل في النَّاسِ أَعْيُنٌ ... ولِلَمْجْدِ قَلْبٌ وَالَمْكَارم رُوْحُ هُمُ الَمْوْقِدُوْنَ النَّار في الْبَدْو، لِلْقِرَىولِلْنَّجْم في لَيْل الشِّتَاءِ جُنُوْحُ وأَبْيَضَ مِنْهُمْ شَمَّريٌّ بَكَيْتهُ ... نمَاهُ إلَى الأَصْل الأَصِيْل سَمُوْح وأَرْوَعُ أَمَا جَدُّهُ فَهْوَ حَاتمٌ ... وسَعْدٌ وَأَمَا مَدُّهُ فِسِفًوْحُ كِأِن النَّدى الطَّبْعِيَّ قَارَنَ رُوْحَهُلَدُنْ قَرّ في الفُلْكِ الَمْكَرَّمُ نُوْحُ فيا جُوْدَهُمْ إِنْ تَبْكِهمْ تَبْكِ سادةً ... بنَشْرهِمُ بُرْدُ الْفَخَار يَفُوْحُ وتَبْكِ الأُلَى كَانَتْ بذَوْب نَجيْعِهمْ ... تُدَاوَي قُرُوْحٌ أَعْضَلَتْ وَجُرُوْحُ فوارس وَصَّاِليْنَ بالْخَطْو بِيْضَهُمْ ... وللأُسْدِ منْ لَمْع السيوف دُنُوْحُ بَكَيْتُ وَوَاصَلْتُ الْبُكَاءَ سَمَيْدَعاً ... بهِ كُنْتُ أَرْبَابَ الشِّقَاق أَكُوْحُ بُنَيَّةَ وَالْقَرْم الذِي لَمْ يَزَلْ بهِ ... تَخِبُّ لِدَأْمَاءِ الْحُرُوْب مَرُوْحُ مَكَرُّ دِمَاءِ الدَّارعِيْنَ كَأَنَّهَا ... غَبُوْقٌ لَهُ في كَرِّهِ وصَبَوْحُ فقدتُّ بهِ الْبَدْرَ الَّذي غَاضَ مُذْقَضَى ... بحُورٌ لَهَا مِنَ رَاحَتَيْهِ سُفُوْحُ فَنُحْتُ وأَسْرابُ الدُّمُوْع كَأَنَّهَا ... سحابٌ، وَمَفْجُوْعُ الْكِرَام يَنوْحُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 ومَا أَنا بالْقَاضِي لَهُ بَعْضَ وُدِّهِوإِنْ دُمْتُ مَا نَاح الحمَامُ أَنُوْحُ وذكر أنه قتل سنة 1231هـ وأُتي برأسه إلى الَوْزير سعيد. وذكر الَمْارك أن الأشمل هو بُنَيَّةَ الجرباء شقيق مطلق الجرباء وقد ذكر الَمْارك هذا تعليقاً على قول الهربيد: وذكر لي الشيخ منديل الفهيد أن الذي قتل بُنَيَّةَ الرُّوَلَة في مِجْراد عنزة على الجربان أَخْذاً بالثار من سلبة حصة الَمْشهورة. وهي حصة بنت الحُميدي بن هذال. ذلك أن بنيه لَمْا علَمْ بقدوم الرولة أرسل يطلب النجدة من آل سعدون، رغم أن بينه وبين آل سعدون ثارات، فواعدوه يخرج للَمْفاوضة معهم، فخرج آمناً ليس معه غير أربعين فغدروا به. قال أبو عبد الرحمن: ثم وجدت في كراسات منديل مَا ملخصه: " حصلت معركة بين بُنَيَّةَ الجرباء من شيوخ شمر الَمْعروفين والأتراك، بقيادة ناصر الأشقر السعدون أيام الحروب السابقة، قيل: إن بُنَيَّةَ لَمْ يكن معه أحد من قومه أثناء الَمْعركة فعثرت جواده فيه فقتل، وقيل: إنه بُتر رأسه من جثته، فأُحضر في مجلس ابن سعدون، فوضع بمكان مرتفع وعلى مقربة من النار، بقصد بَطَرِ الاستيلاء أو التعجب من شجاعته، وكان يوجد رجلٌ شمريٌّ جارٌ لقوم السعدون، لا أعرف اسمه، إلا أنه فِدَاغيٌّ من سنجارة، فلَمْا شاهد رأس بُنَيَّةَ الجرباء، عرف ملامح وجهه، فتأثر فقام وجلس بالقرب منه، وبدأَ يمشط شواربه بيده أو عصاه ويقول: مَا يستاهل صاحب هذا الَوْجه ذو الهيبة والجاه العظيم. ثم قال أبيات شعر يمتدح بُنَيَّةَ ويغمز فيها ابن سعدون وانصرف إلى بيته. وبعد ذلك قال بعض الحاضرين بالَمْجلس لابن سعدون: هل سمعت كلام الشمري؟ قال: لا فبعث إليه من يحضره، وعندمَا وصل الرسول هناك سئل عنه فقيل: نائم بِالرَّفَّة، وبعد اقترابه منه لإيقاظه وجده ميتاً، وللأسف الشديد لَمْ أعثر على الأبيات التي قالها قبل مغادرته الَمْجلس، بالرغم من بحثي عنها وسؤال الكثير من الرواة، وهذه أبيات من قصيدة قالتها عَبْطاء رثاء لَوْالدها بُنَيَّةَ بعد أن قتل في هذه الَمْعركة تقول فيها: حمَّع حْباله ثم لَمْهْ وشاله ... وتقنطرت من كثر الاِقْفَا والاقْبَالْ عزَّات يا ذيب السبايا جفالَهْ ... يا نعم والله يَاهَلَ الخيل خَيَّالْ يامَا عطَا من كلِّ قُبا سلالَهْ ... سباقة الغارة من الخيل مِشْوَالْ يامَا شرِبْتو من حَلاَوِي دْلاِلهْ ... وَقْتَ القسا يرخصْ لكم غاليَ الَمْالْ يامَا نَحَى بالسيف من صَعب قالهْ ... ويامَا لطَمْ من دونكم كلّ منْ عالْ مَحْد زَرَقْ رمحِه، ولا احْدٍ ثَنى له ... مَا حصل عنده عركةٍ تِسْمِحِ البَالَ *** والأَشْمَلَ اللِّي من مْنَاهَ التَّراديد ... ومُطلق مطيق بالْغَدِيْرِ الزّلاَل قال أبو عبد الرحمن: إنمَا هو بُنَيَّةَ بن قُرَيْنِيْس، ومُطلق عمه. وبُنَيَّةَ بن قُرَيْنِيْس الجرباء هو الذي أمر بغسل جواد الَوْضَيْحي ثلاث مرات بالصابون، لأنَّ بَصرياًّ الَوْضَيْحي فر عليها هارباً في حرب للجرباء مع الرولة. وبمناسبة قتل بُنَيَّةَ قال شاعر من الصديد من شمر، يفخر بقتل بُنَيَّةَ، ويشير إلى اعتداء آل الجرباء على الصديد: سرنا من " الشِّمْبلْ " إلى قصر " شَلاَّلْ " ... شهرين، والثالث ذبحنا بُنَيَّةَ أويْه والله يَاهَل الخيْل خَيَّالْ ... وْعِزِّيْ لعقبه عِزْوَةَ الشَّمَّريَّةْ هذا جزا اللِّي بَاعْنَا بابنْ هَذَّالْ ... جبنَا دْمَاغِهْ للبواشِي هَدِيَّهْ وهذا شاعر من البرقع من شمر يسكن في عقدة هو وجمَاعته تحت رحمة أميرها ابن فوزان الدوسري فيقول: اللِّي يَبِيْ " عُقَدة " ولذْة نمَاها ... يصبر ولَوْ أنَّه معَ الجنب مطعون ومن لا يَبِيْ " عُقْدة " يفارق جباها ... ينحر " بُنَيَّةَ " مع جموع يعِنُّوْنْ يعني بُنَيَّةَ بن قرينيس. صفوق بن فارس الجرباء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أمَا عمه فارس فقد توفى سنة 1233هـ فتولى الزعامة بعد ابنه صفوق بن فارس بن محمد بن سالَمْ. قال ابن سند: وصَفُوق هذا - بفتح الصاد الَمْهملة والفاء بعدها واو ساكنة وقاف -، وهو في الأصل الَمْمتنع من الجبال، واللينة من القسي، والصخرة الَمْلساء الَمْرتفعة جمعه صُفق ككتب، فسمى به هذا الكريم، والحاتمي الذي أثرى بنائله العديم، وأيم الله إنه لعديم النظير، في كرمه الذي عنه لسان النعت قصير، ولا غرو أن يحذو الفتى حذو آبائه، وآباؤه مَا منهم إلا من يضرب الَمْثل بسخائه: هُمُ الأَكَارمُ فَاسْأَلْ عَنْهُمُ فَهُمُمَنْ يُسْأَلَوْنَ إذَا مَا اشْتَدَّتِ الإِِزَمُ منْ حَلَّ سَاحَتُهمْ ضَيْفًا رَآى بهمُ ... أُسْدًا إذَا صَدَمُوا سُحْبًا إذَا كَرُمُوا مَا ضَامَ جَارُهُمُ دَهْر ولا خَذَلَوْا ... مَوْلًى، وَلا وَخِمُوا طَبْعَا وَلاَ وَجَمُوا مَا شَامَ نَاَر قِرًى سَارٍ فَيَمَّمَهَا ... إلاَّ وَرافِعُهَا حَتَّى تُشَام هُمُ لَوْ رَاَمَ ضَيْفُهُمُ أَرْوَاحَهُمْ سَمَحُوافَلْيَتَّق الَلَّهَ في اْلأَرْوَاح ضَيْفُهُمُ مَا سَادَ سَائِدُهُمْ إلا بمُصْلَتَةٍ ... خِضَابُها عَلَقُ مِمَّنْ بَغَى وَدَمُ وَحَقَهمْ مَا أَضَاءَْتْ نَارُ عَاَّديِةٍ ... إلاَّ وَمُوْقِدُهَا أَسْيَافُهمْ بهمُ مَا فَاخَرَ الْعُرْبُ إلاَّ فَاقَ نَاشِئِهُمْ ... بكُلِّ فَضْلٍ بهِ فَاقَتْ كُهُولُهُمُ مُوْلَّعُوْنَ بمَا آبَاؤُهُمْ أَلِفُوا ... قَبْل الفَطَام النَّدَى يَهْوَى وَلِيْدُهُمُ كَأَنَّهُمْ لِقِرَى اْلأَضْيَافِ قَدْ خُلِقُوْاوَلِلْطِّعَان لأُِسْدِ الْغَاب تَصْطَدِمُ مُخَدَّمُوْنَ وَلَكِنْ فْي مَجَالِسِهمْ ... لِكُلِّ ضَيْفٍ بتَعْجٍيْل الْقِرَى خَدَمُ لَوْلاَهُمُ مَازَهَا بَدْوُ وَرَابيَةُوَلاَ زَهَا " أَجَأُ " وَ " النِّيْرُ " و " الْعَلَمْ " وَلاَ ظَعَائِنُ في الْبَيْدَاءٍ عَوَّدَهَا ... طَعْنَ الْفَوَارسِ عْنهَا صَيْرَمُ رَزمُ إذَا انْتَمَى فَإلَى الأَجْوَادِ مِن ثُعَل ... وَالْبَاذِلِيْنَ إِذَا مَاضَنَّ غَيْرَهُمُ وَالْحَامِليْن مِنَ الْخَطِّيِّ أَطْوَلَهُكَيْ يُعْلَمْ الأُسْدَ أَنَ الرَّامِحِيْنَ هُمُ وَالنَّازلِيْن بنَجْدِ كُلَّ رَابَيةٍ ... عَنْهَا تَقَاصَرَتِ الْحِزَّانُ وَاْلأَكَمُ لَمْ يَرْكَبُوا الْعَيْرَ في بَدْوٍ وَلاَ حَضَرٍلَكِنْ شَيَاظِم، مِنْهَا الْكمْتُ والدُّهُمُ شُمٌّ أُبَاةٌ فَمَا أَدَّوْا إِلىَ مَلِكٍ ... إِتَاوَةً أَوْ عَرَا جَارَاتِهمْ ظُلَمْ لاَ يَشْتَكِي جَارُهُمْ مِنْهُمْ سِوَى كَرَملَوْ بُثَّ في الأَرْضِ لَمْ يُوجَدْ بهَا لُؤُمُ هُمْ يَنْحرُوْنَ من الْكوْم البَهَارِزَ مَا ... لَوْ كَانَ في إِرَمٍ مَا مَسَّهَا قَرَمُ لَوْ كَانَ النَّاس مْنهُمْ وَاحدٌ وعدوا: ... منَ الْكَريْم؟ لأَوْمَا نَحْوَهُ الْكَرَمُ لَمْ أَدْر " مُطْلَقُهُمْ " أَنْدَى وَأَكْرَم أَمْأَبُوْهُ، أمْ " فَارسٌ " أَمْ ذَا " صَفُوقُهُمُ " لكنْ سَألتُ النَّدَى عَنْهُمْ فَقَال: أَلاَ ... كُلُّ كَريْمٌ، وَأَسْخَاهُمْ أَخيرُهُمُ يَكَادُ منْ كَرَم الأَخْلاَق يَبْذلُ مَافي الأَرْض وَهُوَ يَرَى أَنَّ النَّدَى وَجَمُ أَعْطى صَبيًّا ففَاقَ الْجَوْدَ منْ " هَرمٍ " ... وَهَلْ يُضَارعُ شَبًّا نَائلا هَرمُ سَلْ عَنْ فَوَاضله أَعْدَاءَهُ فَهُمُ ... منْ عدِّ مَا أَثْبَتوا مِنَ نَزْرهَا سَئمُوا يا " شَمَّرياًّ " رَأَيْنَا منْ مَوَاهبه ... مَالَيْسَ يَحْصُرُهُ طِرْسٌ ولا قلَمُ إِني مَدحت لسمعي عنك مَا قصرت ... عَنْ أنْ تُجَاريَةُ في سَحِّه الدِّيَمُ سَيَّرْتُ فيك بأفكاري قوافيَ لاَ ... تَنْفَكُّ تُضْرَبُ أَمثالا فَتَنْسَجمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 وَلَمْ أُردْ بمَديحِي فِيكَ جَائِزةً ... وإنْ تَكُنْ ثريتْ مِنْ سَيبِكَ الأُممُ لكِنَّني رجلٌ أَهْوَى الكرِامَ وَمَنْ ... كانُوا لِخَيْر وَزيْر في الَوَْرَى خدموا إذْ كُنْت أَفْرَغْتَ وُسْعاً في نَصِيحَتِهِ ... وَكُنتَ قَاضِيهُ لَمْا بَغَى الْعَجَمُ حَارَبْتَهُمْ مُخْلِصاً في حُبِّ مُنْتَصِرٍ ... لَوْلاه " داود " قُلْت الَمْرء " مُعْتَصِم " نَصرْتَهُ ببَني عمًّ ضَرَاغِمَةٍ ... بَاعُوا عَلَى كلِّ خَطَّارٍ نفوسهمُ فَصَبَّحوا عَجَمَاً قَدْ خَالَفوا وَبَغَوا ... بمرهَفَاتٍ تُخَال الشُّهبَ فوقهُم هُمْ صَبَّحُوهُمْ وَلكِنْ أنتَ قَائِدُهُمْلَوْلاَكَ مَا كَسَرُوا هامَاً وَلاَ جزَمُوا إذْ سَاوَرُوْهُم عَلَى جُرد مُطَهَّمة ... لَوْ لَمْ يَكُونُوا جَبالا حَلَّقَتَ بهمُ شمُّ الْعَرَاِنين مَالاَنَتْ شَكَائِمُهم ... إنْ لاَنَ مِنْ غَيرهِم في حَادِث شُكُمُ سلُّوْا السُّيُوفَ عَلَى سُودِ الَوُجُوهِ فَمُذْشامُوا بَوَارِقَهَا انجابَت بهَا الظُّلَمُ رَوَافِضٌ حَسبُوا فَجرَ الْهُدَى سَحَمَاوَلَيْسَ مِثلَ الْبَيَاضِ السَّاطِع السَّحَمَ رامُوا مُعَادَاةَ مَنْ ظَلَّتْ بَوَادِرُهُ ... بِالَمُرهَفَاتِ مِنَ الْبَاغِينَ تَنتَقِمُ وَمُذُ أَذَاقَهَمُ الْخَطِّىَّ مُرتَعِشاً ... والْمَشرَفيَّ بِهِ الْمَستَأْسِدُ الشَّكِمُ ردُّوا خَزَايَا عَلَى الأَعقَابِ تَحْصِبُهُمْبِالبِيضِ وَالسُّمْر أَبْطَالُ الَوَغَا القدمُ والدَّارعُونَ ولكنْ بالقُلُوْب فكمْ ... كَرُّوا وَمَا ادَّرَعُوا إلا قُلُوْبَهُمُ فَكُنت أَجرَأَهُمْ مُهراً إِلى رَهَجٍ ... والبيض تنثُرُ والَمُران ينتظمُ قَد سَاعَدَتكَ أُسُودٌ قَالَ قَائِلُهُم: ... سُلُوْا الظُّبَى وبحبلِ الله فاعتصِمُوا فَغَردَ العُجمُ أَمثَالَ الرِّئَال وهَلْ ... يُصادمُ العُربَ في كَرَّاتِهَا العَجَمُ؟ للهِ عُرْبٌ أَطَاعُوا أَمْرَ مُنْصَلِت ... وَهِبْرزيٍّ لَهْ مِنَ سُمُرهِ أَجَمُ لَوْلاه غشى السواد الرفض من عجم " سود الَوْجوه إذا لَمْ يظلَمْوا ظلَمْوا " لكنه ذادهم عنه بمنصلتفأسلَمْوا العز لَمْا سل وانهزموا فخراً " صفوق " لأن ناصرت منتصرا ... به الأمَاثل في أيامه ختموا هذا ولَمْا نصر صفوق هذا الَوْزير الَمْقدم، والخليفة الذي بسياسته التي لا توجد في معاصريه تعظم، أقطعه " عانة " ومَا يتبعها من القرى، وهذا عطاءٌ لَمْ أره من غيره لَمْثل صفوق جرى. وأمَا الَوْزير فله من الكرم قضايا، قاضية له بأنه " ابن جلا وطلاع الثنايا "، ولَمْا مع صفوق فعل، خدمه صفوق فعظم وجل، فعادى أعداءه، ووالى أولياءَه، وصار له رقيق الأيادي، محسوداً بذلك في الحاضر والبادي، وكأن الَوْزير الَمْحجب نظر فيمَا فعل إلى قول الَمْهلب: عجبت ممن يشتري العبيد بمَاله، ولا يسترق الأحرار بنواله. وكأن صفوقاً إنمَا صير نفسه رقيقاً لقول من قال في هذا الَمْجال: ليس من اشتراك مولاك، إنمَا مولاك من أعلاك وأولاك. وسأذكر من مواهب الَوْزير، لصفوق مَا نزره عنه لسان الشكر قصير. وأمَا كرم صفوق فممَا سارت به الأمثال، وأقرت به الأضداد والأمثال، حتى ذكر لي من حضر طعامه، أنه يفوق ابن سنان وابن مَامة. قال أبو عبد الرحمن: صفوق مضرب الَمْثل في الكرم عند العامة وإذا أرادوا أن يردوا ادعاء مدعي السخاء قالَوْا: " والله لَوْك صفوق ". أي: والله لا تبلغ هذا الَوْصف إلا لَوْ كنت صفوقاً ولَوْك اصلها: لَوْ أنك. قال أبو عبد الرحمن: قتل صفوق غدراً بيد أحد ولاة الأتراك عام 1840 أو 1841م. وقد زوجه أبوة من عَمشاء بنت شيخ طيء عام 1225هـ. وله زوجتان أُخريان همَا سلَمْى بنت عمه مطلق بن محمد وعبطا بنت ابن عمه بُنَيَّةَ بن قرينيس بن محمد. وهاتان البنتان تنافرتا واحتكمتا إلى علي بن سريحان، ليفاضل بين أبويهن فقال قصيدة مطلعها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 يَا بنْتْ فَارقْ بَيْنَ الاثْنَيْنْ كَذَّابْقَبْلِي تَعَايَوْا به شْيُوخَ الْقَبَايلْ وقد زكى أبويهمَا ولَمْ يفاضل. وهذا هو نص القصيدة كاملة. قال ابن سريحان: يَا بنْتْ فَارقْ بَيْنَ الاثْنَيْنْ كَذَّابْقَبْلِي تَعَايَوْا به شْيُوخَ الْقَبَايلْ لَوْ تَجمعينَ الْقَوْم هُمْ وَايَّا الاَصْحَابْمَا عَدَّلَوْا حَقِّكْ ولاٌِقيْلْ مَايلْ يَاحِصَّةٍ مَا جَابْها كلِّ جذَّابْ ... يَابنتْ مِعْطِي الَمْسْمَيَاتَ الاَصايلْ فَإِنْ قلّ نَوَّ الَوْسِمْ والكَيْلْ بَالْبَابْوصَفَا السَّمَا، السُّوْقُ مَا مِن صمَايلْ وانْ رَوَّجَوْا بالنَّزْل شَيْنِيْنَ الاسْلاَبْواسْتَرْبَدَتْ عَنْهُمْ هْزَالَ الْقَبايلْ لِلِّىْ بْه الدِّبْدُوْبْ وْللطَّوْقْ قَصَّابْفَدَّاعْ فَوْقَ الزَّادْ بشْطُوْطْ حَايلْ بَذَّالْ مَا بالْكَف صفَّاطْ مَا جَابْ ... هَاتِفْ شَلِيْلَ الْبَيْتْ واَفى الْخَصَايلْ عَوقَ الْخَصِيْم مْبَطِّل كِلَّ الاَسْبَابْحِلْحْيِلْ شَيَّالَ الْحْمُوُل الثَّقَايِلْ إِن جَتْ جْمُوع لِهْ مَع الْقاعْ ضَبْضَابْيَجْدَعِ بْحَدَّ السَّيْف منْ جَاهْ عَايِلْ لهْ هَدِّةِ يَلْقَا به الَمْرجْ هَرَّابْ ... بِكْثر بْخَيْلَ الضِّدّ طَعْنَ السَّلايلْ وانْ جَاهْ بَدَّايِ نَهَجْ تقلْ جَلاَّبْ ... الصَّبحْ تَبْرَا له خْيَارَ الاَصَايلْ عَطِّيِّتهْ منْ خَيرْ بَابَه لْطَلاَّبْ ... شَيْخَ الشيوخ ونْاَفْلٍ كلِّ طَايلْ شُوَايْعهْ يا بعْدهَا عنْدَ الاَجْنَابْ ... الْحَيْد شَيَّالَ الْحْمُوْلَ الثَّقَايلْ ونَقَلتْ من كراسات الشيخ منديل قول أَبو عنقا من عَبْدَةَ من شَمَّر، يخاطب صفوق الجرباء ويفخر بقومه: يَا صْفُوقْ شفْ حُمْرَ الدَّساَميْلْ سَاجَةْمنْ ربْعَة " ابْن شْرَيْم " قَامُوا لاَ " باَالَمْيْخ " أَنَا عَرَفْت وْجيْههُمْ يَوْم لاَجَهْ ... كَثْرَةْ مَنَاجيهم وثَارُوا مصاليخْ يَا صْفُوق تَرَى بَعْضَ الَمْسايلْ سمَاجَةْ ... يَاحَيْفْ نزْعلْهُمْ ونرْضى الطَّبَابيْخْ رَبْع لَنَا نَقْضى بْهُمْ كلِّ حَاجَهْ ... تِرْ كَسْبُهمْ يَوْمَ الَمْلاقى مَجَاويْخْ اللِّي قَلاَيعْهُمْ نَهَارَ اللِّجَاجَهْ ... قُبِّ مَنَاخرْها سْوَاةَ الَمْنَافيْخْ وقال بَصري الَوْضَيْحى من قصيدة يمدح فيها الشيخ صفوق الجَرباء: نَطَّيْتْ رجْم نَايْفٍ منْتَبى بيْ ... مرقب " عَرْوا " مشْرف هَاكْ عَنْهَا طَالَعْتْ بالْخَابُوْر شَوْف عَذيْب ... غَربي تليْل نْمَيْل مَرْحَلْ شَقَنْهَا طَالَعْتْ بيتَ الشَّيخ سُقْمَ اْلحَريْب ... صْفُوْقْ ثقيْلَ الرَّوْزْ حَامي وَطَنْها شَيْخ ولاَهيْ شَوْفْتهْ منْ قريْب ... ولا ينتْهي عَنْ رَادتهْ يَوْم ينْهَى البيتْ يبْنَىَ وَالدَّخَنْ تقلْ سيْب ... سيْبَ الْعراقَ اللَّيْ تَطَانَبْ دَخَنْهَا يْقَلِّط صْحُونٍ بَهْ عَبيْط وْعَصيْب ... ولاقَلَّلَوْا أَكَّالْةَ الزَّادْ منْهَا وقال عبد الله بن ربيعة عن صفوق الجرباء أَثناء مَدْحه لعبد الَمْحسن السعدون: وَهْوَ الذي خَلَّى الصُّوَيْطي عَدَا الْكَوْمْ ... والشَّمَّريْ للشَّام يطرد ظْعيْنهْ وصفوق منْ كَوْن الَمْقَيَّرْ إِلى الْيَوْمْ ... متْقَاِّد قَلْبَ النَّعَامَه قريْنهْ وقال الشيخ عبد الله بن هذال شيخ عنزة يخاطب الشيخ صفوق - وهي ممَا وجدته في كراسات الشيخ منديل: " مَرْجَان " قَرِّبْ سَابقي في جْلالَهْ ... واحْلبْ لَهَا من دَرّ ذَوْدِ خَوَاويْرْ عُقْبَ الْعليْقَةْ جرّ تَالي الْعَشَا لهْ ... من مَنْسَفٍ مَا قَلَّلَوْهَ الْخَطَاطيْرْ أَبا ارْكبهْ ركْبَ الّرشَا لَلَمْحَالَهْ ... واوَرِّدهْ تَوْريْد غَرْبٍ عَلى بيْرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 ياصْفُوْق عنْدي للسّيَافَا جمَالَهْمَا انْسَاهْ كُوْدَ انْسَى النُجُوْمَ الزُّوَاهيْرْ أَجيْك " بَالَوْيْلاَنْ " نَقْوَة رْجَالَهْ ... كتْعَ الجموع مَهَدِّميْنَ الطُّوَابيْرْ بالْكَف مَصْقُولٍ يِزِيْد اشْتعالهْ ... يُوْدعْ شَظَى رُوسَ الَمْعَادي شَعَاثيْرْ وقال دخيل بن ناعم من قبايل الصايح، يهدد صفوق الجرباء: لَوْ جيْت ابُو فَرحانْ قلْ لهْ: عبرنا ... جَزَّاعْة مَا ندْعِىَ الْخَشْمِ يِنْدَاسْ ولَوْ تَرْكَبَ " اْلأرْوَام " كلَّهْ بَاثَرْنَالا بدّ لَنَا يا صْفُوْق منْ رَفْعَةَ الرَّاسْ وْحنَّا عَلَى حْرابةْ جْدُوْدكْ صَبَرْنَا ... مَا هي منَكْ وْجَايْ يَا ذيْبَ الاَمْرَاسْ قَبْلَ " الجِزْيرة " يوم " نَجْدٍ " دْيَرْنَا ... وَامْوَاتَنَا فيْهَا تْطَارِدْعَ الافْرَاسْ يَا صْفُوْق واللهْ مَا نْخَلِّىْ سكَرْنَاكُود " الجِزْيرة " خالْيَةْ مَا بِهَا اوْنَاسْ كَانَ الَمْحَزَّمْ شبرْ حنَّا ذَرَعْنَا ... رَمْيَ الَمْدَرِّعْ منْ قَديْم لَنَا سَاسْ وقال الدكتور شفيق الكمَالي: يروى عن الشيخ صفوق الفارس الجرباء وقد عاش في بداية القرن الثالث عشر للهجرة - أحد مشايخ قبيلة شمر - أنه كان في مجلس من مجالس بغداد، فدخل الَمْجلس رجل احتفى به الجميع، ونال احترامهم فسأل عنه، فقيل له إنه الشيخ فلان. قال: هو شيخ أي قبيلة؟ فقيل له: إنه ليس بشيخ قبيلة وإنمَا شيخ الطريقة النقشبندية، وهي طريقة دينية. فكان جوابه: الدين مَا به نقوش، أي ليس في الدين نقوش أو زخارف. وقال ردهان أبو عنقا في رثاء الشيخ صفوق: مِنْ غِبْتْ عَنا يَا ابْنَ آخي سِبيْلَهْغَابَ السَّعْدَ عَنْ نَزْلَنَا والنَّوَامِيْسْ وْنَرْتَع رتِيْعَ الصَّيْد وَنَجْفِلْ جفِيْلَهْوْصِرْنَا مِثِلْ فِرْزَ الامَاعِزْ بَلا تَيْسْ فرحان بن صفوق الجرباء قال أبو عبد الرحمن: ولعل الذي تولى الزعامة بعد صفوق ابنه فرحان باشا، ولقد رأيت له ذكراً في الشعر العامي في قول شاعر من زبيد، يتغنى بانتصار آل غُبَيْنٍ من عَنَزَةَ على فرحان الجرباء: صَكُّوا عَلَيْكُمْ بَالسِّيُوْفَ الصّقِيْلَةْلاَ مَا بَكَى حِبْسَ الَمْلاَزِيْمْ " فَرْحَانْ " وقصة هذا البيت كمَا قرأت في كراسات الشيخ منديل: أنه نزح رجل من زبيد عن فرحان الجرباء، لجرم ارتكبه، والتجأ عند الْغُبَيْنِ من عَنَزَة، وأقام عندهم مدة. ثم أصاب ديارهم محلٌ فاحتاجوا للرعي بالجزيرة، وطلبوا من الجرباء مدةً معينة للرعي فأذن لهم. ولَمْا علَمْ أن الزُّبَيْديُّ معهم أرسل من يأخذ إبله. فقام شيخ الْغُبَيْنِ وقال: من لَمْ يمر على بيت الزُّبَيْديُّ جارنا ويعوضه بناقة فليس غُبَيْنِياً! فصار كل صاحب ذود يأخذ منه مطية إلى إبل الزُّبَيْديُّ، حتى ردوا عليه مَا أُخذ منه وزيادة خمس عشرة مطية. فأقبل رجل من الْغُبَيْنِ متأخر، فقالَوْا له: اكتفى الزُّبَيْديُّ وحصل له أكثر من حقه. فقال: لست قاصراً عن جمَاعتي إن لَمْ تأخذوها له ذبحتها! ولَمْا عادوا إلى بلادهم، أغار عليهم قوم من شمر الجزيرة فانتصر الْغُبَيْنِ على الشمَامرة، فلَمْا علَمْ جارهم الزُّبَيْديُّ الذي عاد إلى الجرباء بالجزيرة بعد انتهاء جريمته قال: يَامِزْنِةِ غَرَّا نَشَتْ منْ مِخِيْلَْ ... منَ " الْجزيرة " غَرَّبَتْ يَمِّ " حَوْرَانْ " تِمْطِرْ على " الْغِبْنَانْ " يَنْحَوْن سَيْلهْأَهْلَ الِّربَاعَ اللِّيْ عَلَى الْخَيْلْ فِرْسَانْ ركْبُوا عَلَيْهِم مِقحِمْين الدبِيلة ... أَرْخَوْا مَصَارِيعَ الاعِنَّهْ وَالأَرْسَان صَكُّوا عَلَيْهمْ بَالسيُوْفَ الِّصقِيلة ... لاَ مَابَكَى حِبْسَ الَمْلازيِمْ فَرْحَان فارس وعبد الكريم الجرباء ولست أَدري من تولى بعد فرحان إلا أَن هناك اثنين تَولَّيا بالتتابع بعد فرحان، وهمَا من أَحفاد فارس بن محمد بلا ريب: أَحدهمَا: فارس الجرباء الذي ذكرت الليدي آن بلنت في رحلتها أَنه شيخ الجزيرة في عهد محمد العبد الله الرشيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 وثانيهمَا: عبد الكريم الجرباء وأَخوه مُطلق، ولست أَدري أَيهمَا كان الشيخ إلا أَنهمَا معاصران لطلال بن عبد الله الرشيد، وعبد الله الفيصل فهمَا أَقدم من معاصر محمد العبد الله الرشيد. وعبد الكريم له شهرة كبيرة عند أَل نجد، ولَمْ أَجدْ له هذه الشهرة عند مؤرخي العراق. قال أَبو عبد الرحمن: وربمَا ترجَّح أَن عبد الكريم ومطلق ابنان لفرحان بن صفوق، وأَن عبد الكريم تولى بعد فرحان مباشرةً ثم بعده فارس. وصفوق معاصرُ لعبد الله الرَّشيد، وله علاقة في مساعداته له أَيام محنته مع آل علي، وربمَا كانت بينهمَا مصاهرة. فقد أَملى عليَّ الشيخ منديل هذين البيتين لعبد الله بن علي ابن رَشيِد يخاطب أَخاه عُبَيْدًا بعد أَن رجعا من العراق وزوجا أُختهمَا من الجرباء. قال عبد الله: يَاعْبَيْدْ مَا بَاقٍ لَنَا كُوْدْ حاجَةْ وْهِي حَاجْةٍ لاَ هِيْبْ تِشْتَرى ولاتْبَاعْ ويَاعْبَيدْ تَرَى بَعْضَ الَمْعَانْي سَمَاجَةْ ... والله إِلىَ مِنِّهْ نَوَى ضَايْع ضَاعْ ومن أَخبار عبد الكريم الجرباء هذه القصة التي نسبها الشيخ ابن خميس إِلى أَحد مشايخ آل الجرباء. قال ابن خميس عن عبد العزيز بن عيد " الْعِزِّي " راعي الْبَرَّة: إِنه قال هذه الأبيات يمدح أحد الَمْشايخ من آل الجرباء. يَا الزِّيْرْ يَاالزَّحَّارْ يَاالنِّمْر يَاالذِّيْبْ يَاالَّيْثْ يَااللاَّيُوْثَ يا الشبل يَا الدَّابْ نَطَّاح طَابُوْرَ الْعَسَاكِرْ إلىَ هِيْبْبَالسَّيْفْ لِرْقَابَ الَمْنَاعِيْرِ قَصَّابْ عَيْبِهْ إلىَ منْ قَالَوْا النَّاسْ بِهْ عَيْبْلَلْسَّمْنْ فَوْقِ مْفَطَّحَ الْحِيْل صَبَّابْ قال ابن خميس: ويقال إنه لَمْا أمعن في إيراد هذه الألفاظ الجزلة بهذا الأسلَوْب الشعري القوي، وكان الجرباء متمنطقاً بمنطقة ذهبية وبها خنجر ثمينة شعر الَمْمدوح بالزهو والإعجاب، وتعاظم حتى لَمْ تقو هذه الَمْنطقة على تحمله، فانبترت، وكانت أوُلى هبات الشاعر! قال أبو عبد الرحمن: وتابع ابن خميس على هذا العزو نقلاً عنه كُلًّ من الحُقَيْل وصاحب " الأزهار " والكمَالي. والصواب مَا نشره الشيخ منديل، وحدثني به إبراهيم أن الأبيات لخضير الصعيليك من قصيدة يمدح بها عبد الكريم الجرباء مطلعها: يا شَيْخَ انَا جيْتِكْ على الْفُطَّرَ الشَّيْبْقَزَانْ منْ دَارَ الَمْحبِّيْنَ دَبَّابْ قال منديل: وقيل: إنه يوم سمعها أعطاه جائزة خمسة عشر بعيراً بحمولتها من الأرزاق. قال أبو عبد الرحمن: وها هو نص القصيدة كاملة كمَا رواها الشيخ منديل. قال خضير الصعيليك: يا شَيْخَ انَا جيْتِكْ على الْفُطَّرَ الشَّيْبْقَزَانْ منْ دَارَ الَمْحبِّيْنَ دَبَّابْ دَبَا علي ودَبِّ منّي بْتَقْريْبْ ... قلَّ الَمْوَاشِي يا ذَرَا كِلِّ منْ هَابْ من دَارْنا جيْنَا لْدَاركْ مَغَاريْبْ ... يَمُّوْمْ نَجم لا تَغَيَّرْ وَلاَ غَابْ متْخَيُركْ يَا مَنْقَعَ الْجُوْدِ والطِّيْبْ ... لاَ خَيَّبَ اللهْ لَلاجَاويْدِ طَلاَّبْ سَلاَمْ مِنْ قَلْبٍ مْحِبِّ بَلاَ رَيْبْ ... لِهْ يسْتَتَابَ الشَّابّ وْيشِبِّ مِنْ شَابْ يَا الْجَوْهَرَ النَّاريْزْ يَا الَمْعَطَّرَ الطِّيْبْيَا الصَّعْل يَا الصَّهَّالْ يَا حْصَانَ الاطْلاَبْ يَا الزِّيْرْ يَاالزَّحَّارْ يَاالنِّمْر يَاالذِّيْبْ يَاالَّيْثْ يَااللاَّيُوْثَ يا الشبل يَا الدَّابْ يَا الضَّارْيَ الضِّرْغَام عَطْبَ الَمْضَاريْبْيَا الْفِرْزْ يَا مَفْرَاصْ ضِدِّهْ والاجْنَابْ يَا النَّادْرَ الْهَيْلَعْ عْقَابِ الَمْرَاقِيْبْيَا نَافْلٍ جيْلِهْ بْعِيْدِيْنْ وَاقْرَابْ نَطَّاحْ طَابُوْرَ الْعَسَاكِرْ إِلى هِيْبْسِتْرَ الْعَذَارىَ لاغَشَاَ الزَّمْل ضِبْضَابْ عَيْبِك الَىِ ثَارَ الَّدخَنْ كِنِّهَ السِّيْبْبَالسَّيْفِ لِرْقَابَ الَمْنَاعِيْر ِقَصَّابْ وَعَيْبِك إلَى مِنْ قَالَوْا النَّاسْ بِكْ عَيْبْللسَّمْنِ فَوْق مْفَطَّحَ الْحِيْلِ صَبَّابْ وْذَبْحَ الْغَنَمْ والْكُوْمْ حِرْشَ الْعَرَاقِيْبْوْاعْطَا الَمْهَار، وبَذْلٍ مَالٍ بْلاَ حْسَابْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وَبَكْ شَارة كَبَّ الْفْرَادَ الَمْحَانِيْبْوبَذلْلَ الطَّعَام وللَتَّنَافِيْلِ كَسَّابْ ونَمْرا تِجِرَّهْ للَعْدَا والاَجَانِيْبْ ... تَفْجَا بْهَا غِرَّاتِ ضِدِّك بَالاسْبَابْ ومِنْ عقْبِ ذَا بَالْعَوْن مَابِكْ عَذَاريْبْأَحْلاَ مْنَ السّكَّرْ عَلَى كَبْدِ شَرَّاب اجيْناك فَوْقَ الْهِجن شِيْبَ الَمْحَاقِيْبْلَمْشَاهَدَكْ يَاشَوْ وَضَّاحَ الانْيَابْ الْحُرّ يَضْرِب بَالكفوفَ الَمْعَاطِيْبْوالتِّبعْ قّنَّاصَهْ مْنَ الصَّيْدِ مَا جَابْ وانْتَ الَّذِي تافي بْكِلَّ الَمْوَاجِيْبْكنِّك " هْدَيْبَ الشَّامْ " بَالحِمِلْ عَتَّابْ تَثْني لِبُو " صلفيق " مَابِهْ تكاذِيْبْ ... شيْخ الصَّخا مِعْطي طوِيْلات الاَرْقَابْ يَا مَا عَطَيْتَ اللِّيْ يِجُوْنِكْ طَلالَيْبْكَمْ وَاحِدٍ جَالِكْ مْنَ الَوْقْتِ منْصَابْ وْفَرَّجْتْ هَمِّهْ في كْبَارَ الَمْوَاهِيْبْمنْ عيْلَمْ يَزْمِي كمَا يَزْمِي " الزَّابْ " عَزَّ الله انِّكْ طَيِّبْ وْتفْعَلَ الطِّيْبْوالطِّيْبْ يِجْنَا مِنْكْ يَازَاكي الاَنْسَابْ وْلاَهُو كِثِيْر يَا مْهَدِّي الاَصَاعِيبْ ... أَفعالكُم يِعِدَّهَ اللِّيْ بَالاَصلاَبْ وذكر الأمير السُّديري أن عبد الكريم يلقب عند شمر وعنزة بسكران الَمْجانين، وأورد قصيدة لَمْحدا الهبداني، يمدح بها عبد الكريم، وهو يطلب الجوار عنده وقد أجاره عبد الكريم وجلس عنده. ومن هذه القصيدة قوله: سَمُّوا وطِيْعُني عَلَى الزَّمْل ونْشِيْلْ ... لْعَبْدَ الكريم اللِّيْ تْذَكَّرَ فْعَالِه للِشَّيخ نَطَّاحَ الَوْجِيهَ الَمْقَابِيل ... ومن صَكِّتِه غُبْر الليَّالي عَنَا لِهْ ووجدت في كتاب روزل عن الرولة ممَا زودني به مترجمَا الأُستاذ ناصر الْعُلَيِوي هذه الأحدية لأحد الشعراء يتهدد عبد الكريم الجرباء: لِعْيُوْنِ شِقْحٍ دَوَّحَتْ ... نَسْمَعْ بَهَا دَنَّ الْجَرَسْ أَمَا رَمَيْتْ لْعَبْدَ الْكَرِيْم ... يِحْرَمْ عَلَيْ رِكْبَ الْفَرَسْ قال أبو عبد الرحمن: حدثني محمد بن يحيان - رحمه الله في حدود عام 1376هـ - عن منافرة جرت بين عبد الكريم الجرباء وأخيه مطلق، فهاب الناس الَمْفاضلة بينهمَا، وهكذا فعلت والدتهمَا إلا أنها ذكرت أن مطلقاً وهو رضيع يمسك بالحلَمْة ولا يلتفت لَمْناغاة أُمه له، أمَا عبد الكريم فيطلق الثدي ويلهو ببشاشة أُمه ويضحك لها، ففهم الناس من ذلك أنها ميزت عبد الكريم بالكرم. ولفرط كرم عبد الكريم يلقبونه " أبو خوذة " كمَا سيأتي بيانه في قصيدة فجحان الفراوي. ونقلت من كراسة الشيخ منديل هذه الأبيات للشاعر ردهان أبن عنقا الشمري، يمدح عبد الكرم الجرباء، لَمْا كساه فروته وهو لا يعرفه، لأنه وجده غريباً في ليلة شاتية. قال ردهان: الْبَارْحَة مَا هِي منَ البَارْحَاتِ ... مِنْ نَافْخٍ يَنْفَخْ وَرَا الْبَيْتِ وِيْزِيْرْ تصْبْحْ بَهَا الْخَلْفَاتْ والَمِسمَنَاتِ ... كِنِّكْ تِحِشِّ ظْهُورَهَا بالَمَنَاشِيْرْ تصبحْ خَوَاوِيْرَ النَّضَا جَاثِيَاتِ ... قَامَتْ تَصُبّ خْشُوْم عُوْجَ الْخَوَاوِيْرْ ولَوْلا " أبو مدبغ " كَانْ هذَا مَمَاتي ... في لَيلَة مَا يِلِّقِي لي خَفَافِيْر عَطية مَاهِي مْنَ الْبَيَّنَات ... " فَرْوَة " وكِنَّةْ سَايقٍ لي مَغَاتِيْرْ أَبُوْهْ مِثلِهِ يِعطِيَ الْمِسْمَيَات ... قُبَّ الْحَوَافِرْ نَاسْعَاتَ الَمَسَامِيْرْ وذكر الشيخ منديل أن خال عبد الكريم هو ابن سبيلة من آل شُريم من عَبْدَةَ. فبنات ابن سبيلة أربع أم الشيخ عبد الكريم، وأم العجل من شيوخ عَبْدَةَ، جده عقاب بن عجل، خال عبد العزيز ابن متعب آل رشيد، وأُم الُّريم شيوخ عَبْدَةَ، وأُم آل فهيد أَهل الأسياح الَمْعروفة بِمُطَيْرَة. وقال ردهان أبو عنقا يخاطب الشيخ عبد الكريم: يَارَاكْبِينٍ مُوْمْيَاتَ السِّفَايِفْ ... حُمْرٍ وهِنْ مِنْ حَدْر يكْسَنْ تِقِلْ خَامْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مَتَّيَات عِقْبِ مَاهِنْ عَسَايفْ ... رَعَنّ عْظَامَ الربْع عام باثَرْ عَامْ يِبْدِنْ كَلاَم منْ دْمَاغِي طَرَايِفْ ... من رَاس عَوْد صَايْيبِهْ غِشّ وِهْيامْ يلْفِنْ علَى عَبْد الكريم " ابو نَايِفْ " ... يَاعَلِّ عِزِّهْ دَايْم دبَّ الايَّامْ يَا شَيْخْ يَا اللِّيْ لَلَمْحَزَّمْ خَلاَيِفْيَا شِبْهِ زِمْلَوْقَ الثّريَّا إلى زَامْ يَالَوْلَبَ الحُكَّامْ وَافي الْكَلاَيِفْلَوْلاَ عَلَيْكِ مْنَ الَمْثَالَمْ مِثْلاَمْ أَصْغَيْت رَاسِكْ يَمِّ رَاعِي غَرَايِفْ ... لاقَاعْدٍ عِزِّكِ بْرَاسهْ وَلاَقَامْ حَطَّاطِ غِلٍّ بَالْقْلَوْبَ النَّظايِفْ ... عَجل عَلَى نَقْلَ الَمْشَالِيْتْ مِيْلاَمْ الزَّمِلْ غَرَّبْ منكم الْيَوْم خَايفْوِشْ عِلَمْكُمْ يَا مْدَ لِّهَةْ كِلِّ مِرْزَامْ؟ ثَلاَثِ جموعٍ عَايْزَاتَ الَوْصَايف ... متْنَحِّريْن دَار " جَدْعَان " و " ودْهَامْ " امكنْ تَرَاهَا مَا تْفِيْدَ الْحَسَايفْ ... شَيِّ يفوتَ الْيَوْم عِدِّهِ مْنَ الْعَامْ قال أبو عبد الرحمن: هذه القصيدة ممَا نقلته من كراسات الشيخ منديل، وذكر عن مناسبتها أن الأحدب وقومه من الثابت من شمر، قتلَوْا غريمَا لهم اسمه ابن درعان، في بيت عبد الكريم الجرباء، فغضب عبد الكريم وأمرهم بالرحيل عنه. إلا أن الشاعر ردهان خشي أن يلجأَ الأحدب وقومه إلى الأعداء، ولَمْ يستطع أن يشير على عبد الكريم في الحال، فاحتالت زوجة عبد الكريم للشاعر بأن فتقت ذرا البيت من كل جانب، وعبد الكريم نائم، فلَمْا أستيقظ أمر بستر البيت وتسويته فقالت: إني كشفت البيت لأجل الأعداء. فلَمْا مهدت له الَمْناسبة قدم مشورته في القصيدة الآنفة الذكر. ووجدت في كراسات الشيخ منديل هذه الأبيات للشيخ عبد الكريم الجرباء بمناسبة طلب " البيه " مفوض الدولة لفرسه الكحيلة وإصراره بأنه سيأخذها بثمن أو غير ثمن. قال عبد الكريم: أَرْسَلْتْ لي يْا " بيه " خْطٍّ يُروْعِ ... تَطْلُبْ عَذَابِ مْلاَوْيَاتَ الْفْرُوْع أَبْغِي إلَى مَا حَضَّبَنَّ الْجُمُوْع ... أَثْنِي عَليْهَا مَع جْمُوْعَ الطَّنَايَا يَا " بَيْه " مَاهِي قَنبَرٍ بَالصُّحُوْنِ ... هذي " كْحَيلَةْ " مِثْلِ عَنْزَ الْبْدُونِ أِبِغي إِلَى جَوْا لاَبْتي يِنتِخُونِ ... في سَاعَةٍ حَامَتْ طٌيُورَ الْمَنَايَا الْبَيْع وَاللهْ مَا نِبِيعَ " الْكْحَيْلَةْ " ... الاَ وَلاَ نِصخِيْ بَهَا رُبعٍ لَيلَةْ أَبي إلَى مَا سَنَّدوا مَعْ طِوِيْلَةْ ... أَثِني عَلَيْهَا عِنْد تَالي الرَّذَايَا مَا هَمني " البيه " ولاَ هَم " شريف " ... حِنَّا مْنَزِّحْةَ الْعِدا والْحَفيف بَالغَصْبْ مَا نِعْطِي عدَالَ الرّغِيْف ... وْعنْدَ الرضَا حِنَّا كْبَارَ الْعَطَايَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وقال فهد الَمْارك رحمه الله: يقول الأستاذ أدهم الجندي: كنت ذات يوم في نادي الَمْرحوم مشل باشا الجرباء، في دمشق فَسُئِل الشيخ مشل عن أعظم شيء سمعه ورآه من مواقف الشجعان النادرة، فأجاب بقوله: إن أروع وأهم مشهد رآه في حياته هو شجاعة فارس من فرسان قبيلة عَنَزَة.. ويمضي الشيخ مشل في حديثه حسب رواية الراوي إلى أن قال: كنا غزاة من قبيلتنا " أي قبيلة شمر " بقيادة الَمْرحوم عبد الكريم الجرباء، قاصدين غزو قبيلة عَنَزَة، فوجدنا إبلا ترعاها فتاة، فاغتنمناها، اعتقاداً منا أنها لقمة سائغة، وقد لفت انتباهنا نظرة الفتاة الَمْختصة برعاية الإبل، فقد كانت تنظر إلينا نظرة الساخر، أو الَمْستهتر، ومَا كنا نظن أن وراء نظرتها هذه مَا ورائها من سرِّ دَفِيْنٍ. ومَا أن قطعنا مسافة ليست بالبعيدة حتى لحقنا فارس بمفرده وعندمَا دنا منَّا طلب منا " الْحَذِيَّة " أي الهبة كمَا هي العادة الَمْتبعة بحالة كهذه، فالَمْغتنم حسب العرف الَمْتبع يتحتم عليه أن يهب من غنيمته. فيقول مشل: لَمْ نتردد من هبته ناقتين، ظانين أن ذلك كاف له، ولكنه عاد فطلب " الْحَذِيَّة " مرة ثانية فوهبناه ناقتين أيضاً، ثم عاد ثالثة فطلب، فوهبناه عدداً ممَاثلاً، ثم عاد رابعاً يطلب " الْحَذِيَّة " ولكن بلهجة توحي أنه لَمْ يكن مُسْتَجْدِياً، كمَا بدا لنا من الَوْهلة الأولى في طلبه السابق، وإنمَا كان هذه الَمْرة متحدياً، ولذلك برز لَمْنازلته ستة من فرساننا بينمَا نحن نسوق الإبل التي اغتنمناها، فظل برهة يتصارع مع الفرسان بين كرٍّ وفرٍّ، وبعد ذلك لحقتنا أفراس رفاقنا خالية سروجها من فرسانها الذين أبادهم هذا الفارس. فلَمْ يسعنا إلا أن أبرزنا فرساناً أكثر عدداً من السابقين بينمَا ظل البقية منا يسوقون الإبل، ومَا أن أخذنا فترة حتى لحقنا أفراس قومنا الذين كان مصيرهم كمصير سابقيهم. فكانت النتيجة أن أرهبنا الفارس وأدخل في قلب كل منا الرعب، فهربنا تاركين له إبله، مغتنمين السلامة بعد أن قتل منا فتياناً من خيرة فرساننا. وبعد، فقد وجدت السيد الجندي راوي القصة مُندهشاً ل من البطولة التي قان بها الفارس، وبالرغم من أنها بطولة خارقة حقاً، ولكنه مندهش ومعجب في آن واحد من اعتراف الَمْرحوم مشل الجرباء بشجاعة عدوه. ولكنني شخصياً لَمْ استغرب ذلك بحكم معرفتي الراسخة لأخلاق العرب. وستأتي أخبار لعبد الكريم وفرحان في آخر هذا الفصل. وقد مَات عبد الكريم مشنوقاً، شنقه الأتراك في حدود عام 1265هـ. وممن عني بمدح عبد الكريم فجحان الفراوي فمن ذلك قصيدته الَمْيمية. حدثني بها محمد بن يحيان - رحمه الله - ولا أضبط نص لفظه وأملاها علىَّ رضيمَان بن حسين الشمري، ونشر منها ابن بليهد بيتين، وأوردها الشيخ منديل في كتابه قالها عند انتجاعه لعبد الكريم الجرباء، بعد تردده بين أبي بندر طلال بن عبد الله بن رشيد وابن الإمَام عبد الله الفيصل: قال فجحان الفراوي: أَخَذْتِ ليْ من بَيْنَ الاثِنَيْن سَجَّهْ ... مَا بَيْنَ " ابو بَنْدَر " و " ولْدَ الاِمَام " منْ عُقْبُهُمْ نَاخِذْ على الْهجْن هَجَّهْ ... لِدْيَار سَمحِينَ الْوجيهَ الْكرَام لَمْشَاهَدَ " الْجرْبَان " فَرضٍ وحِجَّه ... منْ بدِّ بَنَّايَ الشَّعَرْ والْخِيَام امَا الْكَرَم صَجهْ وَلَجَّهْ ... مَا احْد مْنَاحِيْهُمْ جنُوبٍ وْشَام مَنصَايْ هُوْ مَلفَايْ يَومَ اتوَجَّهْ ... عَبْد الكريم اللَّيْثِ غَايَة مَرَامِي كَمْ وَاحِد جَا مِنْ بِعْيد يسِجِّهْ ... يَبي يشُوْفِكْ يَا بِعْيدَ الْعَلاَم وَكَمْ مَرِةَّ خَلَّى عَلى الضَّدِّ عَجَّهْ ... بْنمْراً يجرَّة مِثْل وَسْط الكِتِام تَلْقَى بْقَلْبَ الِّلي يْعَادِيْهِ رَجَّهْ ... منْ خَوْفِتِهْ يحْرَمْ عَلَيْهَ الَمْنَام وَشِلْف تْوَسِّعْ بَالاَبضاهِرْ مفَجَّهْ ... وْحِدْبَ الظهور اللَّيْ تِقِصَّ العِظَام عَلَى مهار يَرْعَبَ الْقَلْب عَجَّهْ ... فِرسان يكْدُوْنَ الْعَدُو بَالزِّحَام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 آخِرْ كَلاَمِي " لِبُو خَوْذَةْ " مْوَجَّهْ ... شَطَّ الفِراَتَ الَى حَدَتْكَ الَمْظَامِي يَالله يَاوالي لَمْقادِيْر نَجِّهْ ... حَيْثِهْ كريْم ومْنْ مُوَارثِ كْرَام ثم قصيدته التي أَملاها عليَّ رُضَيْمَان بن حسين وذكر أَن الفِرَاوي قالها بعد رجوعه من الجرباء ونشرها الشيخ منديل في كتابه. قال فجحان مشيرا إلى أن عبد الكريم الجرباء أعطاه فرسا: سُوَالْفي عِنْدَ النّشامى طِريْفَهْ ... مَاهِي خَرَابيْط تْعَوِّدْ عَلَى مَاشْ قَلْبي يحِبّ مْلافْخَاتَ السِّفِيْفهْ ... نوْمَ الْخلا عِنْدِي مَضاريْبْ وفْراشْ جِبْت الْحْصَان وجِبْت " هَدْبَا " وْريْفهْ صُمَّ الْحَوَافِرْ مِنْ مَرَاكِيْبَ " الاَبْوَاشْ " مَانابِ مْقابلْهَا تِقِلْ لَوْنِ جيْفَهْ ... لاَ صَارْ غَازْي رحْتِ طرَّاشُ الشيخ العاصي ومن أعلام آل الجرباء البارزين أبو الهادي الشيخ العاصي من الجزعة وهو شيخ شمر كلها في الجزيرة. ووجدت في كراسات خطية للشيخ الأمير أحمد بن محمد السديري جمع فيهن أحديات الخيل من الشعر العامي أخبارا تتعلق بالعاصي، وابنه الهادي، فنقلتها هاهنا. وكان الأمير السديري عهد إِليَّ بشرح كتابه فأنهيت الجزء الأول، فلَمْا توفى رحمه الله استرد مني ابنه مشعل أُصول الكتاب، مع مَا شرح منه، ولا أدري مَاذا تم بتلك الأسفار النفيسة. فمن أخبارهم مَا يتعلق بالخلاف بينهم وبين الثابت، وقد بين الأمير السديري - رحمه الله - سبب العداوة بين الهادي والثابت، فذكر أن العرجاني العريفي الظفيري كان جاراً عند مناور بن سوقي شيخ العفاريت من عبدة من شمر، ثم رحل عنهم ورجع بعد سبع سنوات، إلا أنه قبل أن يصل إلى مناور، أغار عليه الهادي ونهب منه رعيتين، وقد اعتذر مناور عن إغاثة العرجاني، لأنه إنمَا كان جاراً له منذ سبع سنوات، إلا أن العرجاني ألح على نجدته وأثار نخوته، وتعلل بأن الهادي أخذه وهو في طريقه إلى الجوار، فثارت النخوة في رأس مناور، وراح يستنجد بمتعب الحدب، وجمَاعته الثابت، فركب متعب لنجدته في ستين فارساً ونزل على الهادي شافعاً في رعيتي العرجاني، بيد أن الهادي رفض وجاهته، فركب الحدب جواده غاضباً، فناداه الهادي متهكمَا: قدامكم الْحُمُر " يعني نياقه "! وهو بهذه الجملة يتحداهم أن يأخذوا نياقه. فاصطف الحدب وجمَاعته صفين يحدون بهذه الأُحدية لشاعر من الثابت: حِنَّا هَلَ الْجَدْعَا وُكَادْ ... إن اقفنْ واقْبَلَنْ بناَ حِنَّا ذَرَاكُمْ منْ شِمَالْ ... وْكِلَّ الْحِرَابِ بْجَنْبنَا يا من يْسَايلْ شَيْخَنَا ... يَارَبْعَنَا وشْ ذَنْبَنَا ومروا على إبل الهادي الحمر، واستولَوْا عليها. فطلب الهادي جواده، وأهاب بجمَاعته، فبادر والده العاصي بالأمر بربط ابنه الهادي، ووضع الحديد في يديه ورجليه، كمَا أمر بإرجاع رعيتي العرجاني للحدب، مع جمَاعة من الخرصة وبالَمْقابل قام الحدب بإرجاع إبل الهادي. وأمَا الهادي فقد أُغمي عليه من الغضب. ومن هذه الحادثة اشتعلت نار العداوة بين الطرفين، وفي خلال الَمْعارك بينهمَا قتل الهادي، قتله فهد بن شخير الَوْضيحي حفيد الشاعر بصري الَوْضيحي، وقد فر فهد من جزيرة العراق والتجأ عند ابن مُهيد في سوريا، وبقي عنده إلى أن مَات. وبهذا السبب طرد العاصي أبناء عمه الثابت والفداغة، من جزيرة العراق، فالتجأت هاتان القبيلتان عند ضَنَا مَاجد من الفدعان، وكونوا لهم قوة، ثم رحلَوْا ضيوفاً عند العاصي، وصالحوا إلا أن العاصي استثنى منهم الَوْضحان، القتلة الَمْباشرين للهادي، ولا يزالَوْن جالية عند الفدعان إلى الآن. ولعله قبل هذا الظرف قال فهد بن شخير قصيدته التي يخاطب بها الجرباء. قال فهد - كمَا في كراسات الأمير السديري -: قالَوا: تْسَيِّرْ قِلتْ مَاني مْسَيِّرْ ... يَكْفُوْني الَمِسْيَار فِتْخَانَ الاَيْدِيْ إِلاَّ انْ يقولَ الشَّيْخ سَيِّرْ وْسَيِّرْوْيعْطِيْنْيَ اللِّيْ مِثْل عِنقَ الْفِريْدِ ان مَا ذبَحتِ دْهَامْ والاَّ الَمْير ... يَحرم عَلَيَّهْ لاَبْسَاتَ الْحَدِيدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وقد رد عليه دلي الَوْمير شيخ الخرصة من ضنا مَاجد من الفدعان من عنزه: يَا رَاكْبَ اللِّى مَالَهَجْهَا الْحْوَيِّرْحَمْرا طُوَاهَا الْقَفْلْ عُقْبَ الْفِدِيْدِ يَارَاكْبَهْ وَصَّلْ سَلاَمِي شْخَيِّرْ ... اللِّي بدَعْ بَالشَّيْخْ قَاف جدِيْدِ ابُوك قبلك مَا ذِبَحَْ كلِّ خَيِّرْ ... غَيْرَ الْقصايدْ مَاذِكِرْ بهْ حَمِيْدِ نَرْكَب عَلَى مِثْلَ الْحَمَامَ الَمْطَيِّرْيَاطَنْ حَدِيْد وْلِبْسَ اهَلْهنْ حَدِيْدِ يَامَا وقَعْ بنْحُوْرْهِنْ كلِّ خَيِّرْ ... عَلَيْه سِحْمَانَ الضُّوَاري تِعْيدِ دهامْ شيْخَ الْقَوْم مَاهُو صْغَيرْ ... فَرْقه عَلَيْكُمْ يَا الَوْضَيْحي بْعِيدِ ووجدت في كراسات الأَمير السديري - رحمه الله - هذه الأُحدية لحاد من الثابت من شمر يؤكد مقتل الهادي الجرباء: يَا للِّىْ تْدَوِّرْ لَلقَضَا ... إِنْشِدْ وحنَّا حِرْوتِهْ سبْعَ الْخَلا وقفْ عَلَيْه ... والسَّبْع يَاكلْ كِلَوْتِهْ وقد قال العاصي عدة أُحديات في رثاء ابنه الهادي فمن ذلك قوله: مَرْحُوم يَامَيْتِ لَنَا ... يذْكَرْ لَنَا تَحْتَ الثَّرَى يَاالْهادِي يَالَيْتكْ تَقُوْمْ ... وتْشُوفِ عِقْبكْ وشْ جَرَى مْنَاورٍ يَطْلُبْ حَلِيْبْ ... يَبى مْنَ الْحُمْر عَشْرَا وقال يخاطب الحدب شيخ الثابت بعد قتلهم لابنه الهادي: يَاوَنة وَنَّيْتَهَا ... مِنْ ضامِريْ يا ابُو عَلِي يَالِعْن ابُو ... الْحَدَبْ ... لَوْلا الِّردِي يزْري عَلَي وقال الهادي يرثي ولده الهادي: يَا الْهَادِي مَا انْسى عَبْرتِكْ ... كُوْد الْجمَلْ يَنْسَى الْهَدِيْرْ مِنْ عقْب فَقْدِي سِرْبتَكْ ... الُّدنْيَا مِنْ عِقْبكْ تدِيْرْ يَامَا وقَعْ منْ حَرْبتَك ... رَاسٍ مَعَ السَّرْبَةْ كِبيْرْ وذكر عبد الجبار الراوي أَن الهادي تولى شيخة الجربان بعد أَن هرم والده فنافيه أَولاد عمه جار الله، فقال العاصي يشجع ولده الهادي: لِكْ دِيْرة فَيْضَهْ نِعِيمْ ... مِتْعِب والسّيبْ يْريْدَهَا الَّشيْخ مِثْلكْ مَا يَنَامْ ... يَتْعْبْ عَلَى تَبْريْدَهَا فقال الهادي يخاطب والده: أَدْري بها قَبْل تقُولْ ... بنْتِ تْنَسِّفْ عِيْدَهَا مِفْرَاص بَالَوْدَ الْحَدِيْدْ ... بحْنُوكِ مَنْ يريْدَهَا وقال يخاطب ابنه الهادي: يَا الْهْادِي رَبْكْ وَاهَمُوكْ ... رَاحُوا عَلَى نَبْطَ الْعَجَاجْ ولْد الظِّفِيْري جَهُلَمْ ... حِرٍّ تَوَلَّى لِهْ دِجَاجْ وقال العاصي: يا الْهادِي هذي هقْوتي ... مَاهِي هقْوْ خَطْوَ الَوْلَدْ تِر لاَيتكْ غوشَ الْيمن ... مَاهُم مْجَمَّعْ مِنْ بَلَدْ يا الْهادي يا طَير الْهداد ... منْ جيْت في وجْهكْ سعدْ وقال في ابنه البكر: يا ضَنْوة خَسَرْتِهَا ... مِنْ غَيْر اخو شَاهَةْ فِسَادْ فيهَ الزعيلي والدُّويْش ... وعْضَيْب خَال امِّهْ وُكَادْ وقال في ابنه هادي من لحن الَمْسحوب: يا طَير ياللِّي مَا كركْ بَالطُّويْلَهْ ... بَالْمِسْتِوي مَا بَينَ ابَانَاتِ وسوَاج مَا يَذْبَح الاَّ كلِّ بَرْقاً جِليْلةْطَيرَ السَّعْدَ دَايِمْ عَلَى الصَّيْدِ مِزْعَاجْ وقال العاصي يستحث حفيده دهام: تَرَكْتِ عْيَالِي كلهمْ ... وَانخَاكِ يَا وِلْدُ وْلِدِيْ مَا كَرْ حَرَارٍ مِنْ حَرَارْ ... مَحْفوظُ وْلاَ عِرْقِكْ رِدِيْ خَلَّيتِ لْعَبْدَةْ مَرَّتَيْنْ ... والثالْثَة لاِبِنْ جَدِيْ احْذَرْ، تَنَبَّهْ لا تَنَامْ ... افطَنْ لِحَقِّك لا يْغَدِيْ وقال العاصي يخاطب حفيده دهام بن الهادي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 يَا دْهَامِ عَبْدَةَ غَرَّبَتْ ... إِقْعِدْ تَحَزَّمْ لا تَنَامْ عَدُّوْا بِمْنَسِّفْ قِذْلِتِهْ ... الْهَادِي زَيْزُوْمَ الْجَهَامْ وكان عقيل الياور قبل أن يتولى الَمْشيخة، يكثر الإغارات ويحالفه النجاح، فيوزع الغنائم على بيوت شمر، فخشي العاصي من انتقال الزعامة إليه وانتزاعها من ولده، فقال يستحث ولده حاكم على أخذ الزعامة وهي من لحن الحداء: اللِّي يبِي شربَ اللبَنْ ... يَنْزلْ عَلَى الْيَاوَرْ عقِيْلْ كل يَوْم يَاخِذْ لِهْ عَرَبْ ... يُومِي لْشَمَّر بَالشلِيْل نَازوْعِ يَاخَطْوَ الْوَلَدْ ... مجنعٍ مَال الصَّلِيْل وذكر الأمير السديري - رحمه الله - أن قبيلتي الثابت والفداغة من سنجارة استنجدت بالباشا برهة، فأغاروا على العاصي، وأخذوا نياقه هبوب فقال العاصي: هَبُوب تِذْكرْ عِنْدُهُمْ ... حَلُوْبةٍ لَهلْ قناة لاَبدِّ نَاخِذْ ثَارَهَا ... بْيَوْمٍ يهيْلَ الْمرضِعَاتْ يَلْزَمْ عَلَيْنَا رَدَّهَا ... فَرْضٍ كَمَا فَرْضَ الصَّلاةْ وقال العاصي في هذه الَمْناسبة: هبوب تبغي له مصيف ... تنزحوا عن جوها تنزحوا يا اهل القناة ... والحرب نشعل ضوها فقال حاد من سنجارة يرد على العاصي: يَا الْعَاصِي يَا الرَّاسَ الْكِبيْرْ ... تَبي الْمَرَاجل تَوَّهَا هَبُوب تَبْغِيْ لَهْ صُبَاحْ ... تَمْشِي وتْخَازرْ بَوَّهَا وذكر الأمير السديري - رحمه الله - أن متعب الحدب شيخ الثابت التجأ إلى إبراهيم باشا. وإبراهيم باشا أصله من الرولة، وقد سكن العراق، والتف حوله جمَاعة من العربان فهادن الأتراك ومنحوه لقب " باشا ". فقال العاصي بهذه الَمْناسبة: يَا طَارشٍ يَمَّ الْحَدَبْ ... من ورا كوكب يِدِيْرْ من عِقْب مِنزَالَ الطَّرَبْ ... يَنْزلْ عَلى خنسْا قِصِيْرْ يَا حَيْفِ يَا سَبْعَ الْجَنبْ ... يَقْعِدْ لاَ عِنْدِهْ شِويْرْ وقال العاصي رداً على خزعل أحد عبيد شمر: يَا عَبْدِ مَا حِنَّا عليْكْ ... عَلى جَارَ اللهْ وَلَوْالدْ وْعَسْكرْكِ طوعتهم بَالسَّيْفْ ... الْيَوْم وَاَّيامٍ بَعد وقال العاصي: جَدِّكْ لِجدَّانِهْ ضِدِيْدْ ... قِدْرَاني، مَاتَّدَان النكادْ مَادّكِّ بكْ بَرْقَا عَبَاةْ ... طَلْعِكْ بعِيْد بَالْحمَادْ بْكَ الزعيلى والدُّويْشْ ... وعْضَيبْ خَال أُمك وُكَادْ قال الأمير السديري: حصل اختلاف بين العاصي وبين مطنى الصديد شيخ الصايح، فانضم آل جار الله من الجرباء إلى الصديد، وانضم ابن حسان شيخ الأسلَمْ إلى العاصي مع أنه معدود من الصديد. فقال العاصي بهذه الَمْناسبة: ولْدَ الَمْحَزَّمْ عاشره جَدْعَانْ ... كِلِّ يَوْم يَصْفِقْ لِهْ عَرَبْ الحرْب ثَار وذِبْحِ بهْ شِجْعَانْ ... والْيَوم اخُو شَاهةْ حَرَبْ قال الأمير السديري - رحمه الله -: كان الثابت عند العاصي على الطعام وقد صالحهم بعد قتلهم لابنه الهادي، وقد أراد العاصي أن يروعهم دون أن يغفر ذمة ضيوفه، فوضع العاصي هذه الأُحدية على لسان بعض أصحابه، وأمره أن ينشدها بعد الطعام بصوت عالٍ: يَا الْعَاصِي قَطِّعْ رُوْسُهُمْ ... لِعْيُوْنِ مَنْ رِكْبَ الْحِنِيْ الْهَادِي خِلِّي بَالْمَحَاسْ ... والْجَفْنِ مَا لَجْلَجْ هَنِي وقال العاصي مخاطباً عُبيد بن شُرَيْعِيب: يَا عْبَيْد وَيْنَ الاوَلِّيْنْ ... اللِّي صِلِيْبٍ شَوْرُهُمْ؟ اللِّي يِصِكُّوْنَ الْكِمِيْنْ ... وطْعُوْنُهُمْ بِصْدُوْرُهُمْ إنْ طِعْتُوا شَوْرِي يَاالْحَيِيْنْ ... نحُطكمْ بِقْبُوْرُهُمْ قال أبو عبد الرحمن: وفي وضع آخر من كراسات الأمير السديري نسب هذه الأحدية لحاد من عنزة بهذه الصيغة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 يَا زَيْدِ وَيْنَ الاوَّلِيْنْ ... اللِّي صِلِيبٍ شُوْرُهُم؟ نَطاحَة وَجْهَ الْكِمْينْ ... وِطْعُوْنُهُمْ بِصْدُوْرُهُمْ وكان عبيد بن شريعيب الشمري سليط اللسان، يحرض القبائل على أخذ الثأرات، وقد طلب جوار عقيل الياور، فاشترط عليه عقيل أن يترك إثارة الفتن، على أن يجري له أي راتب يريده. فقال عبيد يخاطب عقيلاً: عَقِيل هَرجِي فِضّةٌ وذِهْبَانْ ... مَا اقُولَ انَا هَرجٍ ضِعِيْفْ الْحُكْم مَا دام لْبِنِي عِثْمَانْ ... الحكُم للخالِقْ يِقِيفْ والحُكم قَبْلِك زوَّله سلطانْ ... نَهَجْ مَلَطْ مَالِهْ رِدِيْفْ واخْوَانِ نوْرةْ تَرَّكوا بَرْزَانْ ... والْبَيْتِ خَلاَّهَ الشِّرِيْفِ وفي موضع آخر من كراسات السديري وردت الرواية هكذا: عقيل هرجي فضّة ومرجَان ... ولا حَكَيْنَا حَكْىَ الضعِيْفْ واخوات نورة دَشّروا بَرْزان ... ...................... إلخ وفي مرة - كمَا ذكر ذلك الأمير السديري - كان الجربان متهيئين لغزو برهة باشا، وبرهة هذا من الكواكبة من الرولة نزل بالعراق، وتزعم عدداً من القبائل، وأعطته الدولة لقب باشا لتأمن جانبه، وتستفيد من نفوذه في تطويع البدو. فلَمْا شعر عبيد بن شريعيب بمسير الجربان طلب منهم أن يأذنوا له بالذهاب إلى أهله عند برهة، وكان قصده أن ينذر برهة لأنه صديق له، فأذنوا له بعد أن أخذوا عليه العهود والَمْواثيق بكتمَان الخبر، وصعب على عبيد أن يخيس بعهده فقال هذه الأحدية ملغزاً: اللهِ مِنْ دَابٍ دَبَا ... مَا بَيْن ثَوْبي وْصَايِتِيْ أَقْرَا قْرَايَة مَغْربي ... ولاَ احْدٍ فَهْمِ قْرَاِيتي بَلاَيْ مَاجَا مِن بعِيْدْ ... أنَا بلاَيِ بْلاَبتي مَا اقْدَر ابِيحِ بْسِرَّهَا ... يَنْهَدِّ سُوْرِ بْنَايِتيْ ورغم ترديده لهذه الأحدية فلَمْ يفهمها جمَاعة برهة إلا بعد مَا هزمهم الجربان هزيمة قاسية. وروى الأمير محمد السديري - رحمه الله - أن حكومة تركيا بالعراق أرسلت سرية تبحث عن العاصي، فالتجأ إلى أخيه، واختبأ في سدرة بجانب البيت، وطلب من أخيه أن يوهمهم بأنه الأمير إلى أن هرب العاصي، فلَمْا تكشف الأمر رجعت السرية بدون طائل، فقال عبيد بن شريعيب يتندر بالعاصي: تَقليطةَ الْعَاصِي لِخوْهْ ... قنية مِتينْ لْبِسِّتُهْ سطَتْ عَلَى نِحْوٍ شَرَاهْ ... دِهْنُ وْطِحِيْنٍ مَسّتهْ رقتْ عَلى جْرَابَ الشَّحَمْ ... فَاتَتْ عَليْه وْمَسِّتهْ يَا حَيْفِ يَا شَيخَ الْجَهَامْ ... " فَصل " من بيته نَسِّتُهْ زِبَنْ علَى السِّدْرَةْ وَرَاهْ ... شَوْكَ الطوِيلَةْ دَسِّتهْ وقال العاصي: عدله شَقَّتْ ثُوْبَه زبُوْنْ ... والدمْع مَلَّي عْيُوْنَهَا نتْنَى ضَنَا صُبْحِي يِجُوْنْ ... والشيمة مَا يَرْمُوْنَهَا وقال العاصي: مَا ارِيدِ حَربْ الْمِرْتِكِي ... غْلَيِّمْ وسْلاَحه قَنَاةْ نَتْنَى ضَنَا صُبْحِى يِجُوْنْ ... أهْلَ الدّرُوْعَ الْمِبْهَمَاتْ وقال العاصي: يَا خشْمِ قِلْ لِلَمِعْتِدِي ... جْرُوح كان انِّكْ نِسِيْتْ يَصْبِر وْنَاخِذْ ثَارَنَا ... الصبْح مَا هُو بَالْمِبِيْتْ مِنْ فَوقِ خَيْلٍ مُكْرَمَاتْ ... مِنْ فَوْقِهِن بِعْتُ وْشَرَيْت وقال العاصي: مِنْ دَوْرِ سَالِمْ وَالشِّرِيف ... مَا حنَا للِقَاسِي ليانْ حِنَّا كمَا غِشَّ الْعراق ... نلْحَقْ عَلى طوْل الزَّمَان وقال العاصي: الَبيْرَقْ بَيْرق الدَّراتْ ... واليوم بَيرَقْنَا نصَلْ الحْيل حَيْل ابو عَقِيْلْ ... وْحَيْلي مْنَ الرُّكْبَةْ نصَلْ الْعَامِ مَشْرُوْبي حَلِيْبْ ... والْيَوم مَاكُوْلي بصَلْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 مِن عُقْبِ ركْبي للاصِيْلْ ... الْيَوْم مَرْكْوبي عَصَلْ وقال العاصي: يَا حيْف يَا طَيْرِي غَدَا ... ضَّيعْتِ بَايَّامَ الْهَدَادْ عنْد الْخليْبِصْ حِروِتِهْ ... وِالا هَلَ الْجَدْعَا وكَادْ وقال العاصي: يَا طَارِش يَمَّ الفِدْعَانْ ... مَا يِمِّنِعْ مقدُوْرها وخيْل السِّيَافا اللِّي تقولْ ... يَامَا لجتوا بنحورها من دَورْ سَالِمْ والشَّرِيْف ... الخَيلِ حِنَّا نوْرَهَا وقال العاصي يمدح مسلط بن ملحم شيخ الجبور، لأنه أعانه في حروبه مع الثابت: ابُو شِبِلْ قَدَّ الْحَرَايِبْ ... مَا دَاوَرَ الْخِيْراتِ عَنَّا الشِّيْخ هُو عِزَّ الْقَرَايِبْلَوْلاَه والله مَا سَكَنَّا وقال العاصي: صِرْتوا لاِبِنْ حَيمى؟ نِحِيْلَة ... اخْسَوْا عَسَاكُمْ لَلذَّهَابْ مَا مِنْ غْلامٍ يِنْتِبِي لِهْ ... يِمِلِّهْ بَالاَبْهَرْ صُوَابْ وقال العاصي: اشقر ذوْيبه عَذبَكْ ... واغواك نَقَّاضَ الْجَعَدْ بِنت الرِّدِي لا تَأْخْذَهْ ... يِجِيْكِ مِثْلِ ابْوهْ ولدْ وقال الهادي: مِنْ دَوْرِ سَالَمْ والشَّريْفْ ... يَا مِتْعِبْ وانْتُمْ حقَّنَا الصَّايْحِي جَابِهْ بَلاَهُ ... عن الْجَزِيْرَةْ صَدَّنا وقد أورد الأمير السديري هذه الأحدية في موضع آخر من كراساته منسوبا للعاصي بهذا اللفظ: يا متعب وانتم عزنا قال الراوي: فهذه عشيرة شمر الجربة بالعراق قد عقد لَوْاء الَمْشيخة فيهل إلى الهادي وابوه العاصي حي، وإلى عقيل الياور وأبوه عبد العزيز حي. قال أبو عبد الرحمن: هو عقيل بن عبد العزيز بن فرحان ابن صفوق بن فارس بن محمد بن سالَمْ الجرباء. توفى سنة 1940م ولاتزال الرئاسة في عقبه في 14 تشرين الثاني. ومن أخبار الجربان التي لا أُحقق زمَانها حادثة سجلها أحد شعراء شمر بالجزيرة علي بن سريحان أوردها فهد الَمْارك - رحمه الله - وذكر أنها في رثاء ظاهر الجرباء الذي قتله ابن عمه فهد الجرباء: بالله عَلَيْك بْجَاهَتِكْ يَا خَلَوْج ... لاتَقْطِعِيْن قْلَوْب نَاسٍ مْرنِّيْن انتِ غَدَا لك حَاشْي تِقِلْ بُوْجِي ... اللِّيْ إلَى طَبَّ الَمْبِيْعَةْ بْعِشِريْن وَانَا غَدَا ظاهِرْ وسِيْعَ الْفْجُوْج ... اللِّيْ بْبَيْتِهْ يَشْبعُوْنَ الَمْساكِيْن خريصات؟ فَوْق الْخَيْل مِثْلَ الْبْرُوْجِ ... على الْكِمِين وْغَالْى الْعُمْر مُرْخِيْنْ وذكر الَمْارك أن ممثلي قبيلة شمر الفرات من أُسرة الجربان في كل من البرلَمْانين السوري والعراقي في الحين الذي يكون فيه انتخاب في القطرين. وذكر الَمْارك مَا يتعلق بزيد بن عمرو الجرباء الذي نزح مع بعض جمَاعته من الفرات إلى الأراضي التركية الَمْتاخمة للحدود السورية عام 1350هـ. وعن إحدى معارك شمر وعنزة قالت مُوَيْضِي البرازية مفتخرةً ببلاءِ قومها الَمْطران: وَاقْفَنْ بَالْجُرْبَانْ مِثْلَ الْعَفارَى ... والشَّيْخ صابهْ مِطْرَقٍ شقّ لاَحِيْهْ نفوذ آل الجرباء في العراق وعن نفوذ آل الجرباء في العراق قال كحالة نقلا عن جونز: جربة شمر من عشائر العراق التي كان يمتد نفوذها إلى شمَالي أرض مَا بين النهرين من شمَال سنجارة ونهر الخابور إلى الصقلاوية غربي بغداد وفي بعض الأحيان إلى الحي. وقد وصف هذه العشيرة جيمس فيلكس جونز سنة 1853م بقوله: وهم يمثلَوْن الرعب بالنسبة إلى السلطات التركية وللأهلين، ويعيشون في البرية والقفار، وفي الَمْناطق التي تبدو غير مَاهولة، ولا ترغب السلطات في الاستحواذ عليها، حيث ينطلقون منها في أعمَال غزو ينهبون فيها كل مَا تصل إليه أيديهم، حتى يصلَوْن إلى أبواب الَمْدينة في بغداد، ولَمْا عجزت السلطات التركية عن صدهم، فقد رضيت في الأخير أن تدفع إلى زعيمهم راتباً شهرياً لكي يضمنوا ولاءه، وبالرغم من تلك الاتفاقية حصل في بعض الأحيان نهب وسلب صغيرة. وقال عبد الجبار الراوي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 لَمْ تكن للحكومة العثمَانية على امتداد سلطانها ورقعة البلاد التي تديرها أية سيطرة تذكر على البادية، ففي كل هذا الحكم كنت ترى مثلاً عشائر شمر تنتقل في الجزيرة بين الخابور ودجلة والفرات، وكل مَا فعلته السلطات آنذاك أنها نصبت شيخين أحدهمَا " بداوة " يسير مع عشيرته وينتقل معها والاخر " مدينة " مركزه بين بغداد والَمْوصل، وبذلك يكون قريباً من السلطات ليستعينوا به على الإدارة البدوية، والأول ينتخب من الشيوخ الشجعان الكرمَاء الَمْوفقين بالغزو أمَا الاخر فيكون من أصحاب الَوْجاهة ولين العريكة، ولكن الشرط فيهمَا أن يكون كلا الشيخين من آل محمد لأنهم بيت الَمْشيخة، وبيت الَمْشيخة وقف على آل محمد، وهذا مَا فصلناه في الجزء الثاني من هذا الكتاب. ومرد ذلك إلى أن معظم أهل الَمْوصل أهل بغداد يعرفون آل محمد شيوخ شمر الجربة وهم أولاد فرحان باشا. وكثيراً مَا كانت الحكومة العثمَانية تغضب عليهم، أو تهددهم. وقد حدث مرة كمَا نوهت في فصل آخر أن أحد الَوْلاة غضب على أحد الشيوخ وكتب إليه كتاباً مهدداً إياه، اختتمه بقول ابن الَوْردي: جانبِ السلطانَ واحْذرْ بَطْشَهُ ... لا تخاصمْ مَنْ إذا قَالَ فعلْ فأجابه الشيخ مستعطفاً إياه، مردداً في ختام رسالته إليه قوله: جانبِ السلطانَ واحْذرْ بَطْشَهُ ... لا تخاصمْ مَنْ إذا شَدَّ رَحَلْ والحكم العثمَاني لَمْ يقتصر على اتخاذ طريق الَمْشيخة وسيلة للسيطرة، بل إنه أنشأ قلاعاً للجند لتكون مركز قوة لفرض النفوذ تسير منها قوات كبيرة بين آونة وأُخرى، وهذا مَا حدث يوم سارت حملة كبيرة من تلك الأمَاكن على شمر حين عاث شيخها عبد الكريم الجربة فساداً في منطقة الَمْوصل، فألقت القبض عليه وشنقته على رأس جسر الَمْوصل، وقد عرف اعتداء شمر وشيخها بالَمْوصل آنذاك باسم " خراب عبد الكريم "، وذلك يرجع إلى مَا قبل مئة وثلاثين عامَا تقريباً، ولا بد أن نذكر في هذا الصدد أن الَمْوصل أصابها خراب على يد اثنين أحدهمَا عبد الكريم الجربة قديمَا، وثانيهمَا عبد الكريم قاسم حديثاً، وهمَا باسم واحد مع اختلاف اللقب، ورغم الَوْسائل التي اتبعها الحكم العثمَاني، بقيت عشائر شمر تغزو عشائر عنزة وعلى الأخص بالشامية ممَا سبب الفوضى والتعدي على القرى والطرق التي يمر عليها الغزو، والَمْعابر التي يعبر منها على نهر الفرات ومَا زلت أذكر أيام الطفولة في راوة تلك الغزوات الكثيرة وكيف كانت الرمَاح الطويلة تملأُ واديها، إذ كان البدو يتخذون الَمْعابر والَمْخاضات في راوة وجوارها مسرحاً لهم، ومَا زلت أذكر أسمَاء الرجال الشجعان الذين كان يتردد ذكرهم ممن كانوا يقودون الغزو ومَا كان بينهم من منافسة، ولا سيمَا من عائلة الَمْشيخة أمثال منيف ونايف ونواف أولاد جار الله والهادي بن العاص، الذين كانوا يتنافسون على الَمْشيخة في الجزيرة، حتى بلغ بهم الأمر حد الاقتتال واغتيال بعضهم بعضا، وكان الأباء آنذاك يشجعون أولادهم على تولي الَمْشيخة ويحثونهم عليها، لقد كان العاصي يردد لَوْلده الهادي: الشَّيخْ مِثْلِكَ مَا يَنَامْ ... يَسْعَى عَلى تَبْريْدَهَا كمَا كان يمتدحه دون إخوته بقوله: " يا ظنية بعد أبو شاته فساد ". واستمر الحال بين العشائر البدوية يغزو بعضها بعضا، ويتقاضون بذلك تفاخرهم بعاداتهم التي جاء الإسلام قبل 1390 سنة فحاربها وندد بها واعتبرها عصبية جاهلية إلا أن ذلك لَمْ يلق أي أثر على البدو، فأنه يروى أن فرحان باشا مر يومَا بقرية تدعى " الَمْشاهدة " فرأى رجالها وقد امتلأت أجسامهم وضخمت قامَاتهم، فقال لهم: لَمْاذا لا تغزون؟ فقالَوْا له: لا نعرف، فقال لهم: اغزوا من هو أطقع منكم. وقال: أمَا في الشمَال في منطقة الَمْوصل، فقد ألف بيرق لشيخ شمر دهام الهادي إلا أن هذا البيرق لَمْ يكتب له النجاح، وبعد إنشاء الحكم الأهلي ألفت الحكومة بيرقاً في الشمَال لشيخ شمر الشيخ عقيل الياور وقد انتخب حديثاً، ولَمْ يقبل أن يكون بيرقة بإمرة ضابط بريطاني، فاختارت الحكومة مؤلف هذا الكتاب قائداً لهذا البيرق في 2021922. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وقال: أمَا في الجزيرة التي يحكمها عشائر شمر، فقد اعتمدوا على الشيخ دهام الجربة رئيس عشائر شمر بالشمَال في الجزيرة وفي جوار الَمْوصل، وبواسطته وواسطة شيخ عنزة أصبحت مدرعات الإنكليز تجوب الجزيرة والشامية في كل وقت بأمَان تام حتى إن سير هذه الَمْدرعات علَمْ في الأرض التي تسير فيها، وصار البدو وكل من يقطع البادية يرى طرق الَمْدرعات واضحاً ولا سيمَا في أيام الربيع حينمَا تخضر الأرض، إلا مواطئ عجلاتها فلا تخضر، ولهذا يظهر للَمْشاهد كأنها سكة حديد، وقد عينوا لكل بيرق من هذه البيارق الَمْؤلفة من مئتي هجان قائداً بريطانياً، يعاونه ضباط من رؤساء العشائر كمَا هو في بيرق الدليم. وإن البيرق الذي ألف في الجزيرة عند الشيخ دهام قد أخفق في مهمته فأُلغي قبل تأسيس الحكومة العراقية. ولَمْا رأس الأمير فيصل، اتجه إلى تعيين الشيخ عقيل الياور ابن عم الشيخ دهام شيخاً لَمْشايخ شمر، وتأليف بيرق له، لسمعته الحسنة بين العشائر وبين الَوْطنيين لأنه كان مساعداً للثوار، فأمر أحد ضباط الثورة العراقية في الحجاز وسورية وهو السيد تحسين علي باستصحاب الشيخ عقيل الياور إلى بغداد، فذهب إليه في مضارب شمر وصحبه إلى بغداد، وبعد مداولات ومذكرات قررت الحكومة العراقية تعيينه شيخاً لَمْشايخ شمر، وقد علَمْت أن تلك الَمْداولات والَمْشاورات كانت جارية بين البلاط ودائرة الَمْندوب السامي البريطاني، إذ كان البلاط يريد أن يكون الشيخ عقيل الياور هو الشيخ ودائرة الَمْندوب السامي تريد دهام حفيد العاصي أن يكون شيخاً باعتبار أن الَمْشيخة كانت ومَا زالت في بيت العاصي، وتجاه هذه الَمْطالعة تمسك الَمْلك فيصل برأيه باعتبار أن الشيخ العاصي كان نازلاً في موقع رميلان داخل الأراضي التركية، وأنه لا يمَانع من إعطاء حفيد العاصي الَمْشيخة إذا ترك جده العاصي منزله ونزل الأراضي العراقية، ولَمْا طلب ذلك من دهام فعجز عن إقناع جده من النزول في الأراضي العراقية، اضطر الَمْندوب السامي إلى الاتفاق مع الَمْلك فيصل على تعين الشيخ عقيل الياور شيخاً لَمْشايخ شمر وتأليف بيرق له من مئتي هجان، كمَا تقرر تعين الكابت لَوْدر البريطاني قائداً لهذا البيرق الذي عرف باسم الهجانة الشمَالية وقد علَمْت أخيراً أن الشيخ عقيلا الياور لَمْا علَمْ بتعين الكابت لَوْدر لهذا البيرق، طلب من البلاط ومن وزارة الداخلية عدم تأليف هذه القوة، لأنه لا يوافق أن تكون بين عشائر شمر قوة يقودها ضابط بريطاني وبعد مذكرات ومداولات بين البلاط ووزارة الداخلية تقرر أن يعين ضابط عراقي لقيادة هذه القوة بدلاً من الضابط البريطاني، ووقع الاختيار على كاتب هذه السطور ليكون قائداً لهذه القوة وجرى تعييني معاوناً لشرطة الهجانة في الَمْوصل في 2021922. وكانت الجزيرة تحت سيطرة رؤساء شمر الجربة، وهذه السيطرة ممتد إلى قرى الَمْوصل الَمْتصلة بالجزيرة، وتشمل جميع من يسير بالجزيرة من قوافل تجارية بضمنها الأغنام التي يأخذها التجار إلى سورية وغيرها من عروض التجارة مهمَا كان نوعها، إلا أن هذه السيطرة لا تصل إلى حد النهب وأخذ الَمْال، وإنمَا تمر الأموال بأمَان إذا دفع عنها الرسوم التي يقررها رؤساء شمر إلى أصحابها الَمْختصين وهذه الرسوم معروفة بالجزيرة وبين عشائرها ومن يسلك طريق الجزيرة باسم " الخوة " وهكذا كان رؤساء شمر الجربة ناشرين سيطرتهم عندمَا ألفت الهجانة. فشيوخ شمر آل محمد كل واحد منهم يعد شيخاً، وإن كانوا يحترمون ويطيعون الشيخ الذي تعينه الحكومة، فمنذ زمن غير قليل والَمْشيخة في بيت العاصي عم عقيل الياور ويلقبون أهل هذا البيت بالجزعة على اسم أمهم، وأمَا عجيل وأبوه فيعرفان باسم الدرة اسم أمهم أيضاً حيث كانت عشائر شمر ولا سيمَا الخرصة منهم تميل إلى العاصي، أمَا عشائر عبدة ولا سيمَا الذين نزحوا من نجد إلى العراق بعد سقوط إمَارة آل الرشيد منهم، فيميلَوْن إلى الشيخ الجديد الشيخ عقيل الياور، ولَمْا نصب الشيخ عقيل شيخاً كان العاصي نازلا في موقع رميلان داخل الحدود التركية بجوار نصيبين. كانت عشائر شمر كلها متفائلة من هذا الحدث الجديد، والشيء الذي عدوه حدثاً جديداً هو تأليف هجانة في مضارب الشيخ مع مخصصات ضخمة لَمْ يألفوها، لأنهم كانوا قانعين بالرسوم التي يأخذونها باسم الخوة، وهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 متمسكون بها أشد التمسك، ويقول قائلهم " قطع الخشوم ولا قطع الرسوم " ولهذا نرى روحاً جديدة دبت فيهم وفي البادية ونشاطاً غير اعتيادي لأنهم سارعوا إلى الدخول في الهجانة والتعاون مع الشيخ الجديد. كيف لا يدب النشاط فيهم بهذا الحدث الجديد، وهم لَمْ يشاهدوا موظفاً أو ضابطاً؟ وإنمَا هم لا يعرفون أكبر من درجة عريف، حتى أن عبد العزيز الفرحان والد الشيخ عقيل لَمْا زار مدير الشرطة السيد تحسين علي، قال له عند توديعه شاكراً إياه " الله يرقيك ويسويك شاويش! " فقال: " خلف الله عليك! ". إن لكل شيخ من شيوخ شمر الجربة جمَاعة من العبيد يعتمد عليها كقوة مسلحة، ومن الجملة الشيخ عقيل الياور، كان عنده جمَاعة من العبيد جيدة بل ممتازة يعتمد عليها لا باستعمَال القوة فقط، بل بالَمْلَمْات أيضاً، وقد اختبرتهم فوجدت كثيراً منهم أصحاب رأي صائب، وكان الشيخ يعاملهم معاملة حسنة، ويسميهم بآل، وبني، وهم يقابلَوْنه بالاحترام والإخلاص، ومَا برحت أتذكر أن أكثرهم ينتمون إلى ثلاث أُسر: سكون بها أشد التمسك، ويقول قائلهم " قطع الخشوم ولا قطع الرسوم " ولهذا نرى روحاً جديدة دبت فيهم وفي البادية ونشاطاً غير اعتيادي لأنهم سارعوا إلى الدخول في الهجانة والتعاون مع الشيخ الجديد. كيف لا يدب النشاط فيهم بهذا الحدث الجديد، وهم لَمْ يشاهدوا موظفاً أو ضابطاً؟ وإنمَا هم لا يعرفون أكبر من درجة عريف، حتى أن عبد العزيز الفرحان والد الشيخ عقيل لَمْا زار مدير الشرطة السيد تحسين علي، قال له عند توديعه شاكراً إياه " الله يرقيك ويسويك شاويش! " فقال: " خلف الله عليك! ". إن لكل شيخ من شيوخ شمر الجربة جمَاعة من العبيد يعتمد عليها كقوة مسلحة، ومن الجملة الشيخ عقيل الياور، كان عنده جمَاعة من العبيد جيدة بل ممتازة يعتمد عليها لا باستعمَال القوة فقط، بل بالَمْلَمْات أيضاً، وقد اختبرتهم فوجدت كثيراً منهم أصحاب رأي صائب، وكان الشيخ يعاملهم معاملة حسنة، ويسميهم بآل، وبني، وهم يقابلَوْنه بالاحترام والإخلاص، ومَا برحت أتذكر أن أكثرهم ينتمون إلى ثلاث أُسر: 1 - آل عويد، وهم يعاونونه في إدارة الَمْضيف والاستشارة التي تخص ذلك. 2 - آل وريدة، وهم يعاونونه في الَمْراسلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 3 - آل جفال، وهم مشهورون بالدلالة، أي معرفة الأراضي والطرق. وأشهر رجل رأيته فيهم ذياب الجفال، وقد استصحبته في بعض الأسفار، فقال لي: تريد طريقاً سهلاً أسيرك فيه؟ أو ذا شجر أو ذا رضم " حجر "؟ وعلى كل حال فهؤلاء العبيد كانوا قوته الأصلية. ولَمْا ألفت قوة الهجانة، كان هؤلاء العبيد يبلغون مسلحا وقد أصبحوا من ضمن قوة الهجانة. وبعد إكمَال تأليف القوة، أصبحت الجزيرة دار أمَان، والغزو قضى عليه قضاء تامَا، وكانت قوة الهجانة من الَوْجهة الادارية والانضباطية والتدريبية والتجهيز والتسليح بإمرة قائد الهجانة معاون مدير الشرطة ومعرفته، وأَمَا قبض الرواتب وتوزيعها فكانت بمعرفة الشيخ عقيل الياور، وتعد هذه القوة " معاونية هجانة " تابعة لَمْدير شرطة لَوْاء الَمْوصل، إلا أَن مركزها الدائم في الَمْنزل الذي ينزل فيه شيخ مشايخ شمر، وكان الَمْركز عند تأُليفها في الَمْوقع الَمْسمى " اخضيروات " قرب قرية الإبراهيمية التابعة لقضاء تلعفر، وكان الشيخ وقوته يتنقلَوْن من مكان إلى آخر مَابين هذا الَمْوقع الأَثري الَمْشهور الَمْعروف باسم " الحضر " بالجزيرة، ولَمْا أَلفت القوة الَمْركزية في الحضر، أَصبح مقر الهجانة ومشيخة شمر في الحضر، إِلى أَن نقلت منها إِلى معاونية شرطة قضاء الَمْوصل. كان شيخ مشايخ شمر عقيل الياور طويل القامة حسن الخلقة والخلق محبوباً حسن السمعة قبل أَن يصير شيخاً وكان موفقاً حين مَا كان يقود الغزو، وكان حسن التصرف بتوزيع الغنائم، فهذه أكسبته بين العشائر ولا سيمَا بين شمر السمعة الحسنة، أمَا حظه، فكمَا ظهر كان موفقاً لَمْا كان يقود الغزو، وظهر بتوفيق احسن عندمَا صار شيخاً حيث تتراكم الشكاوي من تعديات شمر على قرى الَمْوصل والَمْستطرقين لدى " القائم مقامين " ولا سيمَا قائمي تلعفر وسنجار، وعند متصرف الَمْوصل والَمْفتش الإداري البريطاني، حتى يؤول الأمر إلى مراجعة الَوْزارة في بغداد، وتصدر أوامر بتوقيف دفع مخصصات الشيخ الذي يسافر بعد ذلك إلى الَمْوصل ويواجه الَمْتصرف والَمْفتش الإداري، وينتج من وراء هذه الَمْواجهة إلغاء أوامر توقيف دفع الَمْخصصات، وطبعاً هذا يدل على لباقته وحسن تصرفه بالحديث وحظوته، وهكذا كان موفقاً طوال حياته - رحمه الله - وهو أُمي لا يقرأ ولا يكتب، اجتهد حتى تعلَمْ أن يوقع توقيعه بيده كتابة. البدو وإن كانوا في باديتهم بعيدين عن الَمْدن والحضارة، يفهمون وضع الحكومة والحكام ونفوذ الإنكليز في سياسة العراق، وهذا الشيخ عقيل الياور الذي رفض أن يكون قائد بيرقه ضابطاً بريطانياً، اعتقد البدو أنه لَوْ لَمْ يوافق الإنكليز لَمْا صار شيخاً، كمَا يظهر ذلك من قصيدة شاعر البدو الَمْعروف بابن دوخي التي مدح فيها عقيلا الياور عندمَا صار شيخاً، وقال في مدحه له في مطلع القصيدة: تَوْنِي لَقَيْت الغَيْهَبي ... ليثٍ تِقَفَّى سرْبتِهْ يَا دهام يَا وَرْنَا عَقِيْلْ ... مِنْ لَنْدَنْ جَتْنَا رِتْبته وقال الراوي عن فرحان: ولا بأس من أن أُورد هنا قصة طريفة عن فرحان باشا الجد الأعلى لشيوخ شمر الجربة الحاليين، تدلنا على مَا لعادة الغزو من رسوخ في نفوس البدو في الجيل القريب تقول الرواية إن فرحان باشا ذهب في أحد الأيام إلى قرية الَمْشاهدة القريبة من الكاظمية " من ضواحي بغداد " فرأى سكانها ضخام الأجسام، فسألهم: هل تغزون؟ فقالَوْا: لا، فإننا لا نستطيع أن نغزو، ولَمْ نتخذ الغزو صنعة، فقال لهم: أغزوا من هم أطقع منكم، أي أضعف منكم. وقال حمد الشرابي يمدح آل الجربا في الجزيرة: ابُوْي قَبْلِي نَازْلٍ لِهْ بْمَرْجَه ... وَانَا نِصيْتِ مهدمِيْن الْجْمُوْع ووجدت في كراسات الشيخ منديل هذه القصيدة لَمْنوخ الغويري يخاطب السويط ويدافع عن آل الجرباء وزعيمها بُنَيَّةَ، بمناسبة إبل أُخذت من الجربان: يَاَرَاكبْ حرٍّ تطارخ ايديّهْ ... من نسل فْرحَةْ عَدْلَ الأَيْدي حْوارَهْ كنه إِلى انْحَا معْ خطاة الثَّنيَّة ... سَيْلٍ تحدر معْ شفا راس قارهْ ملفاكْ مَانعْ زَبْن رَاعَ الرّذيَّهْ ... الشايب اللِّي كلِّ شيْبِهْ خيَارَهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 أَخْذ الدِّبَشْ مَابِهْ عَليْنا هَزيَّهْ ... الْعَيْب بَاللَّيْ جُرّ منْ فْوقِ نارَهْ دورْ مِنِيْعكْ عنْدِ ذِيْب السَّريَّهْ ... سْيف الّسعِيْدي شارْع في فقارَهْ ترَى حَياتِكْ ياَلسُّويْطِى زرِيَّهْ ... مَاعَادْ تَسْوَى عِنْدُكَمْ رُبْعِ بَارَهْ الطرْشْ عِنْده سَرْبة زَوْبِعَّيهْ ... جَدَّاعْة الَمْلْبَسْ بْوَجْهَ الْكرَارَهْ خَيْل بْمِقْدِمِهْا عَشِيْركِ بْنَيَّهْ ... عارضْ جُوَابهْ للتفَافِيْق شَارَهْ 5 - نصوص العزاوي في عشائر العراق الصايح من شمر: قال العزاوي عن الصايح: وهذه القبائل لَمْ يكن اسمها هذا هو الذي يجمعها، وإنمَا هي في الحقيقة تسمية حادثة أُطلقت على مجموع من قبائل شمر كانت قد تابعت الصديد لَمْا أَن حارب الجرباء أو نازعها. فمن صار في جهة الصديد، أَو تبعه وأَجاب نداءه أطلق عليه الصائح، ومن مَال إِلى الجرباء وتابع رؤساءها عد من الجرباء. وكانت بينهم الخصومَات مشعلة فلا يريدون أَن يرضخوا لَمْطالب الجرباء وأَساساً الصديد منهم. وممَاثيل في ذلك: لَوْ جيت أَبُو فَرْحانْ قل له عَبَرْنَا ... جَزّاعْة مَا نِدْعِيَ الْعِرْضِ ينداسْ ولَوْ ترْكَبَ الأروام كِلَّهْ بَاثَرْنَا ... لا بد لنا يا صْفوق من هزَّة الراس وحنا على حْرَابَةِ جْدُوْدِكْ صَبْرنَا ... مَا هِي مِنْك وَجَايْ يَا ذِيْبَ الاَمْراسْ قَبْلَ " الجِزْيرة " يوم " نَجْدٍ " دْيَرْنَا ... وَامْوَاتَنَا فيْهَا تْطَارِدْعَلى افْرَاسْ يَا صْفُوْق واللهْ مَا نْخَلِّىْ سكَرْنَاكُود " الجِزْيرة " خالْيَةْ مَا بِهَا اوْنَاسْ كَانَ الَمْحَزَّمْ شبرْ حنَّا ذَرَعْنَا ... رَمْيَ الَمْدَرِّعْ منْ قَديْم لَنَا سَاسْ آل محمد وقال العزاوي عن آل محمد مَا أقول فيهم إلا مَا قال ابن عثيمير من التومَان اللي يْغَالِطْهمْ كذوب ممَاري ... تَسْري وتَلْقي في أَثَرْهُمْ رُوَامِيسْ بطعون مثل مشلشلات العزالىِ ... ورخص الطعام الْيَا غَدَا لِهْ حَراريْسْ وقال آخر في قصيدة يمدح بها فارس بن عبد الكريم: عيَالْ الَمْحَمَّدْ مِثْل فْرُوخَ الذِّيَابهْ وِالاَّ الْجواهر، غاليات بَالاثْمَان الجرباء قال العزاوي الجرباء نبز وصل إليهم من أُمهم، والعرب لا يزالَوْن يتنابزون بأمثال هذه يقال إنه أصابها " مرض جلدي " فتركها أهلها ورحلَوْا إلى موطن آخر ثم تعافت فلزمها هذا الاسم ومن عادة البدو أن يتركوا الَمْصاب بالجدري ومَا مَاثله ويرحلَوْا عنه حتى يبرأُ أو يموت تخلصاً من عدواه ويراقبونه من بعيد ويضعون له مَا يحتاج إليه من أكل وشرب. وقبيلة أُمهم على مَا هو معروف، محفوظة وهي من الفضول من طيء " من بني لام ". وقال وهذه التسمية قديمة ترجع إلى أميرهم الأول محمد الذي يدعون به فيقال " آل محمد " والجرباء هذه أُم سالَمْ بن محمد الَمْذكور وهو الَمْحفوظ أيضاً ولَمْ يقطعوا في صحة تاريخها لقدم العهد. وهؤلاء لَمْ يصح مَا كان يشيع عنهم بعض العربان أنهم من الشرفاء، أو من البرامكة فعلقت في أذهان بعضهم، ونقل ذلك ابن خلدون في تاريخه وكذبه فهم من طيء كمَا قال الحيدري رحمَائهم؟ من آل محمد من طيء. ويؤيد هذا مَا قاله صاحب " مطالع السعود " عثمَان بن سند وقد سمعت بُنَيَّةَ ينتسب إلى طيء القبيلة الَمْعروفة.. وقد ذكر صاحب " قلب جزيرة العرب " أن الجرباء من قبيلة سنجارة، وفروعها إلى العامود والجرباء وبين أن من الجرباء آل حريز، والحسنة والبريج. والَمْنقول عنهم أن سنجارة قبيلة زوبعية وترجع إلى الحريث من طيء، والجرباء من طيء رأْساً وأَنها من بطونهم القديمة. وقال: هم آل محمد كمَا تقدم، ومحمد رأْس عمود نسبهم وأقدم من عرف من أجدادهم ممن لا يزال محفوظاً إلى الآن. ونبدأُ في تعريفهم من أحد أجدادهم مقرن بن محسن بن مشعل بن مَانع بن سالَمْ بن محمد، والَمْلحوظ أنه قد ابتلعت بعض الأسمَاء نظراً لعدم القطع الذي علَمْته من كثيرين منهم فلَمْ يتمكنوا من الحفظ التام. مجرن " مقرن " جعيري الزيدان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الحميدي مجرن نجم فارس مطلق عمرو قرينيس سمير شلاش بنية أسعد صفوق محمد مسلط فهد فرحان عبد الكريم عبد الرزاق طلال فارس سلطان ملحم مسلط مشمل الحميدي محمد الشيوخ عبد الَمْحسن صفوك مطلق فواز عبد الكريم نزار محمد سميط كردي سطام هيجل " هيكل " مشعل وفرحان بن صفوق أولاده كثيرون وهم: 1 - عبد العزيز 4 - شلال وهؤلاء أولاد درة 5 - فيصل 6 - عبد الَمْحسن 7 - هايس أولاد السرحة 8 - ثويني 9 - العاصي 10 - مجول أولاد جزعة 11 - جارالله 12 - مطلق ويقال له ابن العيط من زوجته بنت نوير العيط 13 - الحميدي 14 - زيد 15 - أحمد ويقال لهم الباشات " أولاد الجرجرية " 16 - ميزر 17 - سلطان وهذا ابن بهيمة بنت ابن قشعم ويقال له ابن الجشعمية. من هؤلاء فيصل والحميدي وأَحمد وزيد لايزالَوْن في قيد الحياة. وإن عبد العزيز ترك عقيل الياور وهو " أَمير شمر " اليوم وشيخ مشايخهم. وهؤلاء نقول فيهم مَا تيسرت لنا معرفته: 1 - محمد: وهو الجد الأعلى الذي تسمت به فرقة الرؤساء فيقال لهم آل محمد. ويقال إنهم كانوا سبعة من الأخوة أحدهم " الصديد " وهو جد " الصديد " وآخر هو جد البريج من الخرصة. والباقون مَاتوا بلا عقب. ومن هذا يعلَمْ أن " آل محمد " أو من يمتون إلى جد واحد هم هؤلاء. 2 - سالَمْ: وهذا هو الَمْعنى بقول شاعرهم: مِنْ دَوْرِ سَالِمْ وَالشِّرِيف ... مَا حنَا للِقَاسِي ليانْ حِنَّا كمَا غِشَّ الْعراق ... نلْحَقْ عَلى طوْل الزَّمَان ومن هذا البيت يستدل البعض على أنهم من الشرفاء. والظاهر أنه يشير إلى وقعة جرت لسالَمْ مع الشريف الَمْعاصر له لا باعتبار جد لهم. 3 - مَانع. 4 - مشعل: وهذا يمتون إليه بالنسب الأقرب فيقال لهم آل مشعل ونخوتهم الأخيرة نشأت من زمنه وهي " حرشة وأنا ابن مشعل " ويقول قائلهم: مرد على سرد من أَولاد مزيد ... جمَاة الدار لياجاه البلا من ضديده اللي جمع وكرين في وكر واحد ... العين توه مَا تهنَّا رقيده تصافوا الصيداد هم وآل مشعل ... وتبشرت النوق بايام عيده وآل مشعل هم آل محمد، والصيداد آل صديد، وهم من آل محمد، أو كمَا قلت سابقاً من إخوة آل محمد رؤساء الصايح على اختلاف في ذلك، ويجمعهم مزيد وهو جد أعلى. 5 - محسن 6 - مجرن 7 - الجعيري 8 - الحميدي: هو والد فارس الجرباء ويعرف ب " الأمسح " لأنه ولد وعينه مسحاء فلَمْ يظهر لها أثر، ويعد من مشاهير شيوخ آل محمد. وقد ترك أولاده ذكراً ذائعاً وهم مطلق وفارس ومن يليهم وهم ألصق بنا وحوادثهم قريبة منا ولا تزال ترددها التواريخ أو تتناقلها الألسن. ومن أولاد الحميدي " عمرو " ومنه آل عمرو أخي فارس..ولا يزال فرعهم معروفاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 9 - مطلق: يعرف ب " أخو جوزة " وهذا أراد مهادنة الامَام ابن سعود ولكن ابنه مسلطا لَمْ يرضخ لَمْطالب الامَام من زكاة وقص الشعاف " شعر الرأس " ومَا مَاثل، فشوق أباه على القيام في وجه ابن سعود فحاربه، وهذه مبادىْ نزوحهم إلى أنحاء العراق ومن بواعث الَمْيل إليه. وقال العزاوي عن مسلط بن مطلق الجرباء: هو ابن مطلق ويلقب بالَمْحشوش أي الَمْغضوب. وهو شجاع مشهور بالبسالة، وتفوق على كثير من القبائل كقبيلة بني خالد وكان رئيسهم ابن حميد آل عريعر وكان قد قال لابن حميد " ولد حمره حزك " أي أنهم يلتمسون الحسن والجمَال دون عراقة النسب وطيب الأرومة. وكان قد أبرز لهم أُمه وكانت بادية الأنياب مهولة الَمْنظر فقال إن أبي التمس مثل هذه لتلد مثلي. وممَا يحكى عنه أن أُمه كانت تخشى بطشه فتحذره. من ذلك أنه سألها يومَا أي أشجع هو أو أبوه؟ لَمْ تجبه فلَمْا ألح عليها قالت له: كل منكمَا شجاع وبعد الإلحاح الزائد ذكرت أن أباه أشجع فضربها ضربة كادت تطير بأم رأسها وكان قد تحارب أُبوه مُطلق مع إحدى القبائل فقتل له ولدان فحملهمَا على بعير ومع هذا لَمْ يبال واتصل بأُمهمَا في ذلك اليوم فولدت مسلطاً هذا فصار من تلك العلقة وشاعت أخباره وهو مشهور بالكرم أَجرى السمن سواقي وصار يأُكله الضيوف مع التمر وقد شاهد كرمه الأَعداء والأَقارب. توفى قبل أبيه كمَا أُشير إلى ذلك فيمَا مر. ويحكى عنه أنه حينمَا قوي أَمر مسعود وأَمر يجز الشعاف وتأْدية الزكاة امتنع أن يتكلَمْ مع أحد وصار يراقب على رجم " تل " يبقى فيه طول النهار وقسمَا من الليل فحسبوا أَنه عاشق أَو مختل العقل فأَرسل إِليه أَبوه أن يأتيه ويطيع أَوامر ابن سعود فأَبى وضرب عبد ابن سعود فأَدمى جبينه وحينئذ غضب الأب وتناول سيفه وتقدم إليه قاصداً قتله فقال مُسلط: نطيت راس مْشَمْخَرَات الْعَرَاقيْب ... رجم طويل نايف مقحلز ونيت ونة مَا تهجع بها الذيب ... واوجس ضلَوْعي من ضميري نِنِز اشكي لاخو جَوْزة ستر الرعابيب ... الحر عن دار الَمْذلة ينز َ لا صار مَاناتي سواة الجلاليب ... وقلايع بايمَاننا نبزي وحينئذ أَدرك الأَب مرامي ولده فأَجابه: اصبر تصبر واجمع الخبث للطيب ... وهذي حياة كل ابوها تلز أَخاف من قوم روسها كاليعابيب ... وسيفٍ على غير الَمْفاصل يحز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 وقال العزاوي عن شلاش بن عمرو: وهذا معلَوْم عنه الكرم. ويقال له " تل اللحم " إِشارة إلى مَايقدمه إلى الضيوف. قتل قرب هور عقرقوف، في محل يقال " أبو ثوب " وقبر هناك. وقال العزاوي عن فارس آل محمد: جاء هذا ومُطلق وسائر أَقاربهم وأَهليهم إلى أَرياف العراق، فرحبت الحكومة بهم ووقائع شمر في العراق تبتدي في الحقيقة من فارس هذا. وفي زمنه استقرت قدم شمر فائقة، وكان النفوذ في بغداد لآل الشاوي وقبيلة العبيد التزمت الحكومة فاعتزت بها. والَمْحفوظ عن بعضهم أَن إِبراهيم بك بن عبد الجليل بك هو الذي جاء بفارس إِلى العراق لَمْصلحة عداء ابن سعود، ولسحق العشائر ومَا مَاثل. الصحيح مَا قدمنا وأن إبراهيم بك ينتسب إلى شمر من " الجعفر " الذين منهم آل الرشيد. وبسبب هذا الرئيس أعنى فارساً خضدت شوكة قبيلة العبيد نوعا بل كادت تمحي لَوْلا أَن يتوالى نبوغ رجال مشاهير من آل شاوي يساعدون قبيلتهم العبيد في حين أَن هؤلاء البدو لاناصر لهم غير قوة ساعدهم وتمرنهم على الحروب والذكاء الفطري في معرفة الَوْضع السياسي للحكومة فاستغلَوْا الحالة عن معرفة وخبرة فنالَوْا مكانتهم الَمْمتازة لدى ولاة بغداد. وكانت الحكومة ترغب في إمَالة قبيلة عظيمة مثل هذه إليها واستخدامها على العبيد والقبائل الأُخرى وكانت تخشى بطشهم وترهب سطوتهم، وهي أيضاً في حاجة لَمْعرفة مَا يجري في جزيرة العرب وهذا مَا كانت تنويه في بادئ الأَمر ثم التفتت إلى الأَوضاع الأُخرى في حينها، أو أَنها نظرت للأَمرين معاً وكل آمَالها مصروفة إلى محو البعض بالبعض تأْميناً لحاكميتها وتأْييداً لسلطتها وقهرها للأَهلين، ولذا قامت بعد ذلك بوقائع تؤكد نواياها وتبين وضعها وسائر مطالبها وأغراضها نحو الأهلين. وأول مَا رأته الحكومة من فارس الجرباء - عدا مَا ذكر هو مَا حدث سنة 1213هـ 1798م - زمن الَوْالي سلَمْان باشا الكبير فإنها أَرادت الَوْقيعة بابن سعود فجمعت كل مَا استطاعته من قوة عشائرية وعسكرية فكان فارس الجرباء بعشائره وكذا شيخ الَمْنتفق بمن معه من قبائل ومحمد بك الشاوي وجمَاعات كثيرة جعلهم الَوْزير تحت قيادة علي باشا الكتخدا إلا أَن هذا لَمْ يكن عارفاً بالأُمور الحربية ولَمْ يسمع نصائح أَكابر رجاله من رؤساء القبائل الَمْتمرنين على حرب أَمثال هذه خصوصاً الجرباء. وفي هذه الَوْقعة لَمْ يسجل التاريخ سوى غارة على قبيلة السبيع فغنم منهم إٍبلاً وشاءًا وفي هذه الغارة كان فارس وابن أَخيه بنية بن قرينيس غنموا مَاغنموا وقتلَوْا من قتلَوْا من قبيلة السبيع وعادوا ولكن الكتخدا خذل في هذه الحرب وخسرت الحكومة خسائر فادحة لاتقدر ولَوْلا العشائر معه لدمر شر تدمير، فانتهت بالصلح الظاهر والَمْغلَوْبية الحقيقية التامة، وقد أَوضحت هذه في موطنها من تاريخ العراق وفي عام1216هـ - 1801م أغارت سرايا من أهل نجد على العراق فأرسل الكتخدا علي باشا لَمْقاتلتهم محمد بك الشاوي وفارس الجرباء ومعهمَا عسكر الَوْزير فوجدوا القوم قد تحصنوا بالرواحل، وشمروا عن ساق الحرب بالبنادق والَمْناضل، فاحجم من أَرسله الكتخدا ورأَوا ذلك أَحمد فرجعوا إلى شفائي " عين تمر " كارهين النزال فأنبهم ابن سند في تأريخه بقوله: رأوا البيض مصلتات فظنوا ... أَنَّهَا أَنْوُرُ بليل تشَبُّ فَأَتَوْا يَهرعون عنها فهلا ... وردوها وبالشياظم خبوا أنكوصاً عن أن تراق نفوس ... بسيوف على الرؤوس تصب؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 هذا ولَمْ يعلَمْ ابن سند أن الَمْخاطرة بلا أمل نصرة شطط وكان الجيش منهوك القوى فصادف على حين غرة أُناساً مستريحين وقد عقلَوْا إبلهم وصاروا ينتظرون الحرب بهدوء وراحة فكف الجيش عن قتالهم ومَا إلى جانب، للأسباب الَمْذكورة ولأحوال حربية، والظاهر أنهم أرادوا أن يسحبوا عدوهم بحيلة حربية فيعقبوا أثرهم فلَمْ يحصل مطلَوْبهم ولَمْ يفلحوا فانقضت الَوْقعة بسلام. ولَمْ يقف فارس الجرباء وقومه عند هذا الحد بل ازداد نفوذهم فإنهم أزاحوا العبيد وغيرهم وتمكنوا في مواطنهم، جاءوا بين النهرين - الجزيرة - في بادىء الأمر بقصد أن يردوا الَمْوطن وبعد ذلك جاءهم فارس بقوم كثيرين فوقعت بعض الحروب الَمْؤلَمْة. وممَا تتناقله الألسن أنه حين ورود فارس الجزيرة دعا رؤساء القبائل الَمْجاورة وقدم لهم منسفاً كبيراً جداً " جفنة " فيه الطعام الكثير وفي أطرافه سكاكين مربوطة بأمراس لقطع اللحوم، فاستعظموا مَا رأوا وحسبوا الحساب لَمْا وراءه وكان بين الَمْدعوين رؤساء العبيد والجبور. وإن رئيس قبائل الجبور أبى أن يأكل بحجة أنه صائم لئلا يمنعه الَمْلح والزاد من أن يوقع بهذا الرئيس أو يغدر به وشاور أصحابه فيمَا أضمر له في أن يقتلَوْه فيأمنوا شره قبل أن يتوارد إليه قومه ويعظم أمرهم فلَمْ يوافقه سائر الرؤساء لأنه نزيل ولأنه لَمْ يأت محارباً فاضطر إلى العدول عن رأيه. ومن ثم تواردت شمر حتى عظم أمرها، واحتلت الجزيرة فدفعت هذه القبائل إلى انحاء مختلفة، فمَالت قبيلة العبيد إلى الحويجة، وأزاحت البيات إلى أمَاكنهم الحالية. وهكذا جرى على الجبور فتفرقوا. وفي هذه كان الإيعاز من الحكومة فأغرت على هذه القبيلة وقد صور ابن سند مكانة فارس آنئذ فقال: كانت لفارس وابن أخيه بنية أيام الَوْزير علي باشا أُبهة عظيمة وصدارة. فتقلص ظل العبيد، وكاد يمحى فعبروا إلى الحويجة، ولا يزالَوْن بها إلى الآن. وإن رؤساء القبيلتين يذكرون هذه الَوْقائع التي ولدتها السياسة واستغلت القدرة من أحد الجانبين للَوْقيعة بالآخر، ومَا ذلك إلا نكاية بآل الشاوي. ولكن الحكومة لَمْ تر من شمر النتائج التي كانت تأملها فرأتهم أصعب مراساً ولَمْ يكونوا تابعين لكل أمر. وكانت وقيعة الَوْالي علي باشا بمحمد وعبد العزيز آل الشاوي حدثت في أوائل حكومته. كان قد ذهب بنفسه إلى سنجار وبعد أن رحل غضب عليهمَا فخنقهمَا سنة 1218هـ - 1803م وحينئذ قدم فارس الجرباء، وابن أخيه بنية الَمْذكورين فمحا بيت الشاوي وناصر رؤساء شمر. ومن هؤلاء فرع لا يزال معروفاً ب " آل فارس ". ومنهم مجول بن محمد الفارس. وقال العزاوي عن بُنية: هذا هو ابن قرينيس ويقال له الأشمل أي أنه يزاول أعمَاله وحروبه بيده اليسرى " شمَاله " ويقال لفرسه " الجنيدية " نوع من الخيل معروفة. وبنية هذا عبر من الجزيرة لغربي الفرات عندمَا تولى وزارة بغداد سعيد باشا لَمْا بين عمه فارس وآل عبيد من الضغائن ولا سيمَا أميرهم قاسم بن محمد الشاوي، وقد كان سعيد باشا ولى زمَام أموره لقاسم، فلَمْا بين فارس وقاسم الَمْذكور لَمْ يستقر بنية في الجزيرة فنزل بعشيرته خزاعة في سنة 1231هـ - 1816م ليكتال، ومن ثم حدثت الَمْعركة التالية وذلك أن شيخ الرولة من عنزة الَمْعروف بالدريعي أرسل إلى حمود بن ثامر شيخ الَمْنتفق فاستنفره فنفر بفرسان عشيرته لَمْساعدة الدريعي لَمْا بينهمَا من الائتلاف، وكذلك خرج عسكر الَوْزير سعيد باشا وهم عقيل وكبيرهم قاسم الشاوي فقامت الحرب على ساق وقائد شمر بنية وهذا مَاكر على جناح أو قال إلا هزمه حتى تحامته الفرسان فقدر الله عليه في بعض كراته أن أصابته رمية بندقية فخر من صهوة فرسه قتيلا. وجاء " في عنوان الَمْجد في تاريخ نجد ": أنه كان لحقه فارسان فلَمْا أحس بهم أو أنهم دعوه للَمْبارزة جذب عنان جواده جذبة منكرة ليحرفه عليهم فرفعت الفرس رأُسها ويديها وسقطت على ظهرها إلى الأرض وهو فوقها فصار تحت السرج والفرس فوقه فأُدرك وقتل وكان عمه فارس معه في هذه الَوْقعة. وأمَا أثر قتلته هذه فكان كبيراً وله وقع في نفوسهم. وممَا قاله ابن عجاج في وقعة الَمْنتفق هذه مقابل انتصارهم الأول على آل الشاوي يخاطب شيخ الَمْنتفق ويذمه على افتخاره في قتله بنية، وكان هارباً من آل محمد ونزيلا عند الَمْنتفق، ينقلَوْن أنه قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 خذلت شيخ دوم يخذلك ... وعطيت له حبل الشرك ثم كفيت تسعين راس من قومك غدت لك ... وشْ عاد يا خصَّاي الدجاج سويت وعلى كل حال كانت وقائعه مشهورة، ولكن نهضة آل الشاوي للَمْرة الثانية ممَا ضعفت من عزمه فتألب القوم عليه وحارب حتى قتل بمناصرة من الحكومة والَمْنتفق وعنزة. وإن عمه كان ولا يزال حياً ومعه في هذه الَوْقعة. وقد مضت مدة حتى استعادوا مكانتهم أيام داود باشا وبهم استعانت الحكومة وبغيرهم من العشائر على حرب العجم في أيام الشيخ صفوق بن فارس وهذه الَمْغلَوْبية التي أصابت بنية لَمْ تؤثر على قبائل شمر وإنمَا هي حرب مبارزة ولَمْ تكن حرباً حاسمة. وقال العزاوي عن صفوق: وهذا أشهر من نار على علَمْ وقد لقبته الحكومة بلقب " سلطان البر " سنة 1249هـ - 1835م، خلف بنيه ابن عمه في مكانته ونال حظوة لدى الحكومة أيام داود باشا الَوْزير. هذا وتكاثرت الَمْدونات في أيامه أو أن الذي وصلنا أكثر لقرب العهد. ويمتاز بالَمْمَارسة على الحروب أكثر ممن سبقه، وتدابير في سوق الجيش مهمة. ولا ينكر لأمثال هؤلاء أن ينبغوا في أمر الحروب وقد ذاقوا حلَوْها ومرها ونالَوْا منها الأمر واعتادوها. فالفطرة السليمة، وعيشة البادية، والرياسة، والتمرن الزائد في أمر الحروب، والذكاء الَمْفرط، ممَا يعوض نوعاً عن التجارب الفنية خصوصاً إذا كانت ترافقه رباطة جأْش، وصبر على الَمْكارة، وانتباه قد يحصل ببضع وقائع محفوظة مع الحالة العملية فيعوض عن دراسات عديدة، قضاياهم لا تحتاج إلى مَا يحتاج إليه في الحروب الَمْنظمة. وإذا كان الَمْرء مسبوعاً بحب الحروب ومَائلا إليها بكليته وبيئته مساعدة للقيام بأمرها دائمَا، أو مراعاة مَا يعوض عنها عن مطاردة الصيد أيام السلَمْ، فهناك حدث عن الشجاعة وعن الخطط الحربية، والتدابير الصائبة ولا حرج. ولَوْ دونت وقائعهم التي يقصونها، والَوْسائل التي يتخذونها لتنفيذ خططهم لهال الأمر أو لحصل الإذعان في الكفاءة لهم والَمْقدرة. ومن الَمْؤسف أن تصرف الهمم لأمثال هذه الأمور في غزوة بعضهم البعض وكل واحد نراه مَاهراً فيمَا زاوله، والخطر والصعوبة في أن ينال الَوْاحد من الآخر حظه. ومترجمنا هذا يعد في طليعة شجعان العرب وأكابر قوادهم ولَوْ وجد له تربة صالحة وبيئة مناسبة لظهر أعظم. وقد قال صاحب " الَمْطالع " في حوادث سنة 1238هـ - 1823م عن وقعة العجم التي حدثت سنة 1237هـ - 1822م: أخبرني ثقاة عدة أن صفوقا غزا ابن الشاه وعبر ديالى بفوارس من عشيرته إلى أن كان من عسكر ابن الشاه بمرأى فركب فرسان العسكر لَمْا رأوه وكروا عليه فاستطردهم حتى عبروا ديالى وبعدوا عنها فعطف هو ومن معه من عشيرته ومن الروم عليهم فأدبرت فرسان العجم وقفاهم فوارس شمر وقتلَوْا منهم من أدركوا وأتوا بخيلهم وسلبهم. وأخبرني غير واحد أن هذه غير الأولى التي ذكرها الَمْؤرخ التركي. والَمْحفوظ في هذه الَوْقعة أنها كانت بالاشتراك مع قبيلة الِعزَّة، وأنهم أبلَوْا فيها البلاء العظيم، فتكاتفوا على عدوهم، وعولَوْا على أنفسهم، ولا ناصر لهم من جيش الروم " الترك العثمَانيين " وإذا كان معهم من عُقيل بعض أفراد فلا تعطف لهم أهمية. وشمر هؤلاء في حروبهم يهارشون الَمْقابل، ويطمعونه في النصرة دون غلبة قطعية، حتى يأتوا إلى مجال الطراد وموطن العطفة - كمَا عبر ابن سند - فيعاودوا الكرة على عدوهم، ولذا يسمون أهل " العادة " وهكذا فعل صفوق في ترتيب خطته ونجاحهم وهم أكثر تعوداً لها وأساساً عن صغره يزاولها. وتفصيل الَوْقعة في " تاريخ العراق بين احتلالين ". وقد مدح ابن سند وقعته هذه مع العجم ومؤازرته للَوْزير وبين أنه كان قائد الجيش ومعه العشائر حتى قال ولَمْا نصر صفوق هذا الَوْزير أقطعه عانة ومَا يتبعها من القرى فنال منزلته عند الَوْزير فعادى أعداءه ووالى أولياءه. وأمَا كرم صفوق فمَا سارت به الأمثال وأقرت به الأمثال. ولصفوق هذا مع قبائل عنزة وقائع أشهرها: 1 - يوم بصالة. وهو يوم انتصر فيه شمر على عنزة سنة 1238هـ - 1823م. 2 - في السنة التالية انتصرت عنزة عليهم وهي عام 1249هـ - 1824م. وفي هذه الَوْقعة الأخيرة انكسرت شمر فشد الَوْزير عضد كبيرهم صفوق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 كذا قال ابن سند، ولا محل للتفصيل هنا. وعلى كل حال إن كسرة شمر هذه الَمْرة لَمْ تكن القاضية وإنمَا هي على عادة العرب في قولهم " الحرب سجال ". ولذا لَمْ تتركهم الحكومة، وإنمَا أخذت بيدهم فاستعادوا مكانتهم الأولى فقاموا بمهمَاتها الحربية مع العشائر الَمْناوأَة. وكان للحكومة من العشائر مَا هم بمنزلة جيش متأهب للطوارئ وحاضر للكفاح والاستنفار. وحوادث صفوق الأخرى من هذا النوع. ومنها مَا يتعلق بالقبائل الشمرية ولكن حادثة سنة 1249هـ - 1831م تدل على أنه بقى على ولاءِ داود باشا الَوْزير وكره حكومة علي رضا باشا فلَمْ يذعن له. وذلك أن والي الَمْوصل يحي باشا كان أيضاً على رأي الشيخ صفوق الفارس وكانت بينهمَا مراسلات. حث صفوقاً على القيام فناوأَ الحكومة وتمكن من قطع الطريق بين بغداد والَمْوصل وصار يتجول بين النهرين فجمع قوة كبرى وحاء إلى قرب الإمَام موسى الكاظم فحارب علي رضا باشا الَوْالي وجيش الحكومة وأمله كبير في أن ينكل بالقوة التي أمَامه ويستولي على بغداد فكان لهذا الحادث وقع عظيم في نفس الحكومة، وفي نتيجة هذه الحرب اضطر الشيخ صفوق على الانسحاب وترك الأثقال. ولَمْا اطلعت الحكومة على نوايا والي الَمْوصل عزلته وعينت مكانه سعيد باشا الَوْالي السابق وكان في بغداد. إن الحكومة بعد وقعة صفوق هذه مع علي رضا باشا اللازم قد احتالت فقبضت عليه وأبعدته إلى الأستانة ومعه ابنه فرحان باشا وكان صغيراً تعلَمْ التركية خلال بقاء والده هناك، وكانت الَمْدة التي قضاها ثلاث سنوات. ومن غريب مَا يحكى عنه أنه جاء إلى السلطان يتوسط الشريف عبد الَمْطلب فدخل عليه وعندئذ صار ينظر يميناً وشمَالا. وهذا مَا دعا أن يغضب عليه السلطان مرة أُخرى ويطرده من عنده ولَمْ يدر السبب في حين أنه كان يأمل أن يكرمه. ذلك لَمْا رآه السلطان منه من سوء الأدب، هكذا كان يظن السلطان فيه ولَمْ يدر أنه بدوي، وأمثاله لا يعرفون مراسم التشريفات، والحكومة أساساً لا تعرف تقاليد العرب وعاداتهم فلا يستغرب من السلطان أن يعتقد فيه مَا اعتقد وهو بعيد عن البداوة، ولَمْ يتعود التجول ولا السياحات الَوْطنية على الأقل، ولا بيده من كتب العشائر مَا يبصره بأوضاعهم. وقد رأينا من الَمْغفور له الَمْلك فيصل صبراً عظيمَا من جفاء العشائر وخشونتها وهو يسمع جميع هوساتها ويتلقاها بكل سعة صدر وارتياح، لأنه عارف بهم وبضروب طباعهم وأحوالهم. ثم إنه توسط له الشريف مرة ثانية في الدخول فوافق السلطان، ولكنه حينمَا جاء إِلى الصدر الأَعظم صار يوصيه بمراعاة الَمْراسم اللائقة وأَن لا يرفع بصره لا يلتفت إلى جهاته، فقال: لا أَدخل، ولا فائدة لي من ذلك الدخول وحينئذ أُرجح البقاء لأني سوف أذهب إلى قبائلي وأُحدثهم أَني رأيت السلطان وشاهدت بلاطه ومَا فيه من كذا وكذا، ولَوْ قلت لهم: إني خرجت كمَا دخلت فلَمْ أنظر شيئاً فحينئذ لا يصدقونني بل يكذبونني وقالَوْا: لا نصدق أنك دخلت. فأوصل خبر ذلك إلى السلطان فاستأنس بمَا قصه، وسمح له أن دخل وأذن السلطان له بمشاهدته وأن يتفرج على الأمَاكن الأخرى والنظارات " الَوْزارات " وكل الَمْباني البديعة والقصور الفخمة والآثار. عفا عنه السلطان، واختبر هو الَوْضع من جهة، ومن أُخرى أن قبيلته معتادة الغزو والنهب ولا يمكن تعيين أي السببين قد دعا لقيامه على الحكومة مرة أُخرى زمن الَوْالي نجيب باشا ويقال في هذه الَمْرة لَمْ تعلن الحكومة مطاردته وإنمَا اتخذت طريق الَمْسالَمْة والحيلة للقبض عليه وأرسلت إليه رؤساء القبائل الَمْشهورين لتقريبه من الصلح والانقياد والطاعة. فجاءوا به كمطيع، مسالَمْ لها ومنقاد، فلَمْا وصل إلى هور عقرقوف وقارب بغداد سل محمد بك سيفه عليه وضربه فقتله غدراً وعلى غفلة منه. وكان الشيخ صفوق قد قضى أكثر أيامه بالحروب فهو متمرن عليها، لا يستريح بدونها، وقصصه أشبه بقصص الأبطال القدمَاء وحروبهم، ومجالس شمر لا تخلَوْ في وقت من ذكريات بسالته، والتغني بمَاثره ومناقب شجاعته. واليوم بيت الرياسة العامة على شمر في " آل صفوق ". قيل كان قتل صفوق على يد الأتراك بالَوْجه الَمْذكور سنة 1840 - 1841م كمَا جاء في كتاب " عشائر سورية " وفيه نظر، لأن وقائعه مع علي رضا باشا بعد هذا التاريخ كمَا رأيت. ومن أولاده: فرحان، وعبد الكريم، وعبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 الرزاق وفارس " والد مشعل باشا " وممن رثاه ردهان بن عنقا قال: اق وفارس " والد مشعل باشا " وممن رثاه ردهان بن عنقا قال: ونيت وأنا من غفيله ... ونة عجوز وقفت بالَمْتاريس لقت ولدها غادي مع حليله ... وعقب الطرب بدلت بالهداريس واويل قيل صفوق واطول ويله ... ويل يموس بسرة الكبد تمويس من غبت عنا يا ابن اخي سبيله ... غاب السعد عن نزلنا والنواميس ونجفل جفيل الصيد ونرتع رتيعه ... وصرنا مثل فرج الَمْواعز بلا تيس قال العزاوي عن فرحان: هذا ابن صفوق، وكانت وجاهته عند الحكومة رفيعة، ولَمْ يقع له من الحوادث مَا يعكر صفو الأمن ولا عرفت منه معارضة للحكومة، وإن الحكومة العثمَانية أنعمت علية برتبة باشا وكان قد ذهب مع أبيه صفوق مبعداً إلى الأستانة كمَا ذكر والَمْعروف عند البدو أنه صاحب بخت " حظ "، ويدعو البدو دائمَا ببخته فيقال " يا بخت فرحان ". وكانت مشيخته وعلاقته ببغداد، وله راتب منها وهو في خدمتها للأمور الَمْدلهمة. ونعم إنه سالَمْ الحكومة، ولذا راعت جانبه ورضيت عنه وكان يساعد الحكومة إذا كان قريباً منها أو أخوه عبد الكريم إذا كان الحادث قريباً من أرفة. وقد ترك فرحان باشا أولاداً كثيرين وقد بيناهم عند ذكر سلسلة بيتهم. قال العزاوي عن عبد الكريم: وهذا ابن الشيخ صفوق اشتهر اسمه ونال مكانة معروفة وكانت مشيخته في آرفة وله راتب، وهو أخو فرحان باشا ويعرف " بالشيخ " فالقبيلة تعرف هذا شيخها فسمى أولاده " بالشيوخ " وقد شنق سنة 1868م بعد أن أحاق بالَمْوصل خطراً، وقد اتخذت الحكومة التدابير للَوْقيعة به بعين مَا قامت به في حادث صفوق أو قريب منه. وهذا ترك محمداً، وعبد الَمْحسن، وصفوقاً وهؤلاء أولاد. وممَا قيل في عبد الكريم: عبد الكريم الياركب يعبوبة ... لاكن رجله عند الاقفا عايبة جده من أُمه من موارث حاتم ... وابوه شيال الحمول النوايبة حامي الرمك معطي الرمك ... له هدة تكثر بها الجنايبة لَوْ يقضب الياقوت مَا عيَّا به ... تلقى الندى بين الحجاجين رايبة يقول: كأَن عبد الكريم قد عيبت رجله حينمَا نراه راكباً جواده. وممَا قاله فجحان الفراوي من مطير في عبد الكريم: نبي ناخذ على الهجن سجة ... من بين أو بندر وبين الامَام ونبي ناخذ على الهجن هجة ... لديار سمحين الَوْجيه الكرام ترى الكرم مَا به عجة ولجة ... ولا أحد يغالطهم جنوب وشام مقابل الجربان فرض وحجة ... هل السيوف اللي تقص العظام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وإن ولده فارسا عاش أيضاً مسالَمْ للحكومة ومراع جانبها وهو شيخ شمر في أنحاء سورية، صاحب مقام رفيع هناك، وممن جمع صفات الرجولة والدهاء وحفظ الَوْقائع الَمْاضية وعلاقة القبائل الأخرى بهم ولكنه دائمَا يود أن يظهر علَوْ قبيلته على سائر القبائل. وقال العزاوي عن فارس بن صفوق: هو ابن صفوق ووالد مشعل باشا، كان قد جاء عالي بك والي طربزون السابق ومدير الديون العمومية بسياحة رسمية إلى بغداد دونها في كتابه الَمْسمى " سياحت زورنالي " الَمْحرر باللغة التركية والَمْطبوع عام 1314هـ - 1897م كان قد كتبه كرحلة عن سنة 1300هـ - 1883م إلى سنة 1304هـ - 1887م مبيناً مَا رآه في طريقه من الأستانة إلى بغداد فالهند قال: " قد ذهبت لَوْاجهة الشيخ فارس الجرباء - بعد مروره في مَاردين - فاستقبلنا أبنه محمد " ومحمد هذا ليس أبنه وإنمَا هو ابن أخيه عبد الكريم " وأدخلنا خيمته، وهي من شعر وطولها من 60 إلى 70 ذراعاً وعرضها من 25 إلى 30 ولها عمد كثيرة وهي جسيمة جداً. وقد وصف بيوتهم وطعامهم وقهوتهم ومجلسهم ولكنه لَمْ يتحدث القوم في مطالب لينبه عليها إلا أنه قال: وفي مجلس الشيخ فارس نحو 60 من الرؤساء. وقال: لَمْ يكن عند العرب هناك مَا يدعو للتكريم والَمْراسم للقيام والقعود، فلانشاها قيامَا لديهم، والظاهر أن السياح الَمْومَا إليه لَمْ يعلَمْ أن الجالس معه لا يوجد أكبر منه ليقوم له. وطبعاً تستولي الحشمة على مجلسه خصوصاً أنهم رأوا غريباً عند شيخهم أو بالتعبير الصحيح أميرهم. وقال: كان بعضهم يتعاطى شرب النارجلية، والأصوات بينهم تعلَوْ ويتكلَمْون جميعهم معاً فيكثر اللغط في معاشرتهم " لَمْ يعرف الحرية عند البدو ولا قدر سلطة الرؤساء وإنها محدودة إلا بحق " ثم تغدى ووصف الَمْنسف الَمْقدم له وأن الشيخ كان يدعو جمَاعات بعد أُخرى للأكل إلى أن بقى منه القليل فدعا الصبيان وهؤلاء دخلَوْا نفس الَمْنسف وأكلَوْا فيه لأن أيديهم لا تصله نظراً لعظمه، ولَمْا رأى الَمْنسف وعظمه وأنه مملَوْء أُرزاً ولحمَا أخذته الحيرة وصار ينظر في وجه صاحبه كأنه يشير إلى عظمته. وقال: أن الشيخ فارساً كناقد ألححنا عليه فأبى أن يأكل معنا وقال هكذا اعتدنا حتى إنه ممَا دعا لحيرتهم أنه بقى واقفاً طول جلَوْسهم للأكل وبقى في خدمتهم بنفسه شأن العرب مع الضيف العزيز. ولكن لَمْا رأى الإصرار الَوْاقع منه دعا من يأكل معه من الحاضرين نحو " 7 آو 8 " قال أكلَوْا معنا بالخمس!. ثم يقول: وبعد أن ودعنا ومضينا راجعين من عند لَمْسا ة جاءنا ابنه " ابن أخيه " محمد وقدم لنا حصاناً، وكنا قدمنا له بندقية، ولَمْا كنا أكرمناه البندقية قبلنا هديته هذه بشكر. اه ملخصاً. وهذا هو والد الشيخ مشعل باشا. ومن قول هذا السياح التركي ومَا رآه من إلحاح الشيخ فارس وتقديم الطعام له وإكرامه بفرس عربي، ووصف مقامه تعرف مكانه سائر شيوخ شمر. وللشيخ فارس هذا - عدا مشعل باشا - من الأولاد ملحم، مسلط والحميدي. وقال العزاوي عن فيصل بن فرحان: قد شاهدته مراراً ولا يزال قوياً بالرغم من أنه طاعن في السن، وهذا لَمْ أتمكن أن أعرف منه أكثر من حوادث الغزو، فإذا تجاوزت لك يقول لي أسأل عقيلاً " الشيخ عقيل الياور ابن أخيه " وكانت حكاياته عن الغزو لاذة ومنعشة. وكان يقول شيخ الربعيين في العراق مبرد بن سوكي عم فيصل: إنه فوق مَا يحدث. وأَغرب مَا سمعته منه قصة الخنزير الذي أراد أَن يقتل أخاه عبد العزيز والد الشيخ عقيل، وكانا صغيرين فذهب لَمْعاونته وتخليصه ولكنه وقع معه في مَازق فلَمْ يستطع الخلاص منه ولَمْ يجرأ أَخوه أن يساعده، وذلك أنه قبض على ذنبه من جانب فلَمْ يستطع أَن يفلته خوفاً منه وصار يدور معه فلَمْ يقدر على النجاة، ثم تمكن عبد العزيز من هذا الخنزير فضربه بطلقة بشتاوة " يقال لها عندنا فرد وهي من نوع بندقية البارود إلا أَنه صغير كالَمْسدس ولا يحوي إلا طلقة واحدة في الأَغلب ويوضع في حزام الَمْرء أَو في بيت خاص كبيت الَمْسدس بلا فرق " أَمَا غزواته وأَخباره في حروبه فهذه كثيرة جدا، وأَهم مَافيها مَا ناله منها عناء وجروح وأَسر أَو هزيمة. ولسان حاله ينشد: فَأُبتُ إلى فَهْم وَلَمْ أَك آيِبا ... وكم مِثْلُها فَارَقْتُها وهي تصفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ولا يسع الَمْقام الإطالة في هذه، وإلا فإنها تشكل سمراً، وكل حكايات شجعان البدو من هذا القبيل ولا تخلَوْ من غرابة ودقة. وللشيخ الَمْشار إليه أولاد، ملؤهم الذكاء والشجاعة والروح العالية منهم مشعان. وقال العزاوي عن الحميدي: وهذا ابن فرحان باشا. كان قد درس في مدرسة العشائر في الأستانة، وهو اليوم يتجاوز الخمسين من عمر، مشهور بالصلاح، سلفي العقيدة، ملازم قراءة القرآن الكريم، وصحيح البخاري وكتب الحديث الَمْعتبرة، فهو من الأَخيار الطيبين. وفي سنة 1353هـ - 1935م صار نائباً، وقد شاهدت له ابناً صغيراً وقد حادثته وسألته عن الأَمسح فكان يفسره فاستأْنست لشرحه، وفيه روح بدوية، ويؤمل فيه كل خير. والحميدي ينهزم من ذكر عنعنات القبائل، وتقاليدهم لاعتقاده أَنها مخالفة للشرع الشريف، ولا يحب الفخر بالأَجداد وكلَمْا حاولت استطلاع رأيه في بعض الأُمور كان جوابه مختصراً وبقدر الحاجة. وقال العزاوي عن العاصي: من مشاهير أَولاد فرحان والَمْحفوظ عنه مَا قاله في ابنه الهادي والد دهام الَمْعروف اليوم: ياصقرة ربيتها من عكب أخو شاهة فساد ... أَبوه الحميدي والدويش واعضيب خال أُمه وكاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وقال العزاوي عن عقيل: هو اليوم شيخ مشايخ شمر في العراق، وابن عبد العزيز ابن فرحان باشا، وأَكثر معلَوْمَاتي عن قبائل شمر اقتبستها منه رأْسًا بالَوْاسطة ومن مبرد بن سوقي وبعض شيوخ شمر الَمْشاهير ممن يعتمد عليهم. شاهدته امراً منطقياً، عاقلا، كاملا، حسن الَمْعاشرة من كل وجه، وقد اتصلت به كثيراً، فلَمْ أعثر على مَا يمل منه وإنمَا هناك لين الجانب، ودمَاثة الأَخلاق، وحسن الَمْنطق، وقوة البيان، وصدق اللهجة، وأَن القلَمْ ليعجز أَن يذكر كافة مزاياه، ومجمل مَا يسعني أَن أَقوله أَنه جامع لصفات العرب النبيلة. ولا أنسى محادثاته عن القبائل وعن عرفها وتوجيهه لبعض الَوْقائع والأحكام البدوية ممَا لَمْ أَجده عند غيره، ولا يعثر عليه لدى أَكثر العوارف الذين شاهدتهم. ولَمْ نعثر على وقائع مهمة عن أولاده الآخرين سوى أن عبد الرزاق وقعت له معركة مع الأتراك وأمَا فرحان وفارس فقد كانت علاقتهمَا مع الحكومة العثمَانية حسنة جداً، وحصلا على رتبة " باشا "، وتمكنا ممَا ناله أجدادهمَا من السلطة والنفوذ على قبائلهم فغطت شهرتهمَا على الباقين من سائر رؤساء شمر، فلا نطيل القول بذكر تفرعاتهم. وقال العزاوي: كانت قبائل شمر تتجول في جزيرة العرب ومَا بين النهرين بلا معارض ولا منازع سوى مَا يحدث من جراء اختلاف القبائل بعضها مع بعض أو مع الحكومة أحياناً. وبعد احتلال العراق من الجيش البريطاني سنة 1917م وسورية من الجيش الفرنسي استقل كل فريق من شمر في جهته وعهدت الرئاسة إلى عراقي في الَمْملكة العراقية وإلى سوري في الَمْملكة السورية. وهذه الرئاسة لَمْ يكن هذا سببها الَوْحيد وهناك رئاسة من كل من آل محمد على ناحية أو قبيلة أو عدة قبائل، فالسلطة منقسمة بتكاثر آل محمد وتعددهم وفي زمن الحكومة العثمَانية يعرف واحد منهم، وإذا كان غير صالح لإدارة القبائل فالعشائر تميل إلى من تهواه من آل محمد ويبقى الرئيس واسطة التفاهم. أمَا اليوم فكل واحد عرف رئيساً في جهته. إن رئاسة شمر في العراق قررت إلى الشيخ عقيل الياور. فهو اليوم شيخ مشايخهم لا يزاحمه فيها مزاحم، وقد خلف دهامَا آل الهادي الذي ذهب إلى سورية، والآن هو في الحدود ويقود " شمر الحدود " كمَا سمتهم السلطة الفرنسوية. وإن مشعل باشا صار شيخاً على شمر الزور " كذا سمتهم حكومة سورية " وهم شمر الذين يسكنون دير الزور. وهناك شمر آخرون يقودهم مثقل العجمي " كذا في عشائر سورية " وتسميهم الحكومة الفرنسوية " شمر دمير قبو ". وهنا يلاحظ أن الرقابة موجودة بين عقيل الياور وبين دهام الهادي ابن عمه ولكن لَمْ يقع بين هذين الرئيسين مَا كانت تتوقعه السلطات الفرنسية من جراء العداء أو تتنبأ به من حدوث مَا يثير كامن الحقد والضغينة وأنهم سوف يبقون أعداء طول حياتهم استنتاجاً من حوادث الصلح الظاهرية التي وقعت خلال عام 1926م في عانة وعام 1929 في حسيجة. ولا يعدو هذا عن أُمور حدسية يظن تحققها أو أن تتوتر شقة الخلاف بين أقسام قبيلة قوية يخشى بطشها وسلطانها فيمَا إذا اتفقت وتوحدت كلَمْتها نظراً لخصومة آنية وقعت بين قريبين لا تؤدي إلى أكثر من تكون عداءًا شخصياً فلا يدع مجالاً لأن تتقابل شمر بعضها مع بعض. وعلى كل - كمَا قلنا سابقاً ونقول - إن اختيار الرئاسة في البدو إنمَا يكون لَمْواهب يرونها من أفراد بيت الرئاسة. وقال العزاوي: إن الذين عددناهم كانت تنتقل إليهم الإمَارة. وهناك من آل محمد غير هؤلاء وهم: 1 - آل عمرو: وهؤلاء في سورية وقد أُشير إلى القول عنهم. وثلة منهم عند الأتراك. قال البسام في عشائر العراق بعد أن ذكر شمر بالَوْجه الَمْنقول عنه في صحيفة 128 وشيخ هؤلاء الَمْشهورين سلَمْا وحرباً، يقال له عمر الجرباء. وقد سهوت عن ذكره فجاء تمَام العبارة هنا كاملة فاقتضى التنبية والظاهر من نطقهم عمراً بفتح العين إنه عمرو ولا عمر. 2 - آل زيدان: منهم في سورية وفي العراق مع الخرصة ورئيسهم أسعد بن سميري بن نجم بن مجزن بن زيدان. ويقال لهؤلاء الزيادين أيضاً، ومن رؤسائهم الَمْذكور وهو القائل القصيدة التي مطلعها: عبعوب غطى مهرتي في جلاله ... واحلب لها در من اذواد مغاتير ومنها: يا صفوق آتيك بالَوْيلات رمل الهلالي ... رخم الجموع مغترين الَمْداوير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 يا صفوق عدنا للسيافه رجال ... خيل وتتلى خيل كله مشاهير 3 - آل فهد. منهم في سورية وفي العراق. 4 - آل مشحن. وهؤلاء مع الخرصة 5 - آل صديد. وهم رؤساء قبائل الصائح. ويجتمعون مع شمر الجرباء " بياس " ولَمْ يعرف طريق اتصاله اليوم. 6 - آل فارس. وهم متفرعون من ابن فارس وهو محمد الفارس فسموا باسم جدهم خاصة دون سائر أولاده وهم في العراق. 7 - آل صفوق. مر البحث عنهم. ومن الجرباء الَوْطيفي مشهور والان لَمْ يبق من نسله سوى النساء. والحشاش يسكن مع الخرصة وكذا ابن مشحن، وابن ضمن وابن صلال. والعتوية. ويعرفون بآل عبد الرحمن. ويعد من الجرباء العمود ومنهم في نجد وفي العراق. والصبحي في الحويجة. والخرصة في الجزيرة. والظاهر أن اتصالهم بعيد إلا أنهم يقطعون به. والبدوي أينمَا حل وحيثمَا سكن لا يضيع أصله. 6 - نصوص من مجلة لغة العرب. شمر الجزيرة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 عن شمر الجزيرة: عن شمر الجزيرة قال الشمَاس فرنسيس جبران في رحيله له بعنوان: تطواف في جوار بغداد والَمْدائن: وجميع الزوايا الَوْاقعة على الجانب الشرقي من دجلة من " باوى " إلى مَا وراء " كوت الإمَارة " تسكنها شمر طوقة وتزرعها. وبيوت هؤلاء العشائر في الشتاء خيم منسوجة من شعر الَمْز وهي مظالَمْ وكل مظلة منها مؤلفة من ثلاث أو أربع أو خمس شقاق " شكاك " حسب التمكن وعرض كل شقة ذراع وثلث أو نصف الذراع قل: متر وطولها نحو من نيف وعشرين إلى ثلاثين ذراعاً فيضمون حاشية الشقة الَوْاحدة إلى حاشية الأُخرى ويخيطها الرجال وخيمهم في الصيف من شقاق شوب العوين أَو اللَوْبياء. ومعنى الشوب أَنهم يأُخذون قضبان العوين وسوقها بعد اصفرار ورقها وينقعونها، في الَمْاء مدة سبعة أَو ثمَانية أَيام ثم يرفعونها منه ويخيطونها بالعصي والهراوي ويدقونها بالأخشاب والحجارة دقاً بليغاً إلى أن تصير كالقطن وهذا الَمْدقوق يسمى عندهم بالشوب، ثم تشرع النساء يغزلنه وينسجنه شقاقاً، ثم يخيطها الرجال خيمة فيرفعونها بالأعمدة سقفاً للبيت. روى بعض شويخ شمر طوقة الثقات الإثبات، وأنا جالس بحضرتهم قال: قبل خمسة أو ستة أظهر أَي أجيال كنا في الجانب الغربي من دجلة مع شمر الجرباء البدو، تجمعنا جامعة واحدة وسلبتنا لاتقطع من الَمْوصل والشرقاط إلى سوق الشيخ والقرنة ولأُمور عرضت لأَجدادنا تظاهروا - أي تدابروا - فعبر أجدادنا من عبر دجلة الغربي إلى عبره الشرقي فتخلفت في الَمْعبر الغربي كلبة لنا من كلابنا وكان اسمها طوقة فأَخذت امرأة منا تشيلها قائلة طوقة! طوقة! طوقة! فسمى البدو شمر الجرباء أجدادنا بشمر طوقة، إهانة واستخفافاً بهم وسار هذا الاسم علينا إلى يومنا هذا فأصبحنا قبيلتين أو فصيلتين ولنا عشائر عديدة وقد تعقبه قاسم الدجيلي بقوله: ثم عدَّ من شمر طوقة " الغرير..الزقاريط..الأقرع..السعيد ... الزوبع " والأَصح زوبع " السعود ". أمَا الغرير فقد قال عنهم الحيدري مَا نصه: الغرير من حمير ومن قبائلهم آل شهوان وآل بكر. وأمَا الزقاريط فهم من عبدة، من ولد رجل اسمه " زقروط " بفتح الزاء وإخوته العفاريت والجعفر وغيرهم، وقد ذكرهم القزويني في رسالته قال: " الزقاريط قبيلة من العرب في العراق تنسب إلى شمرٍ ذي الجناح من لهيعة الحميري أبي قبيلة شمر ". وقال: ينكر اليوم شمر الغربيون على شمر طوقة أنهم منهم كمَا ذكره الحيدري في كتابه " عنوان الَمْجد ". وشمر الغربيون من عدة قبائل قال الحيدري الَمْذكور: ومن أجلها " يعني شمر العراق " شمر وهم عدة قبائل منها الخرصة والعمود والصائح - ولهم قرابة مع العبيد - والنجم وأسلَمْ وهم من الصائح والعليان " بتشديد اللام " والبرمج والفداغة وعبدة والغفيلة والعفاريت والزقاريط والزميل، وآل جعفر قوم ابن رشيد شيخ جبل شمر، وحمَائلهم آل محمد من طيء. وقد نبغ في أوائل القرن الثالث عشر من شمر طوقة فارس اشتهر بالفروسية والشجاعة كل الشهرة، وطار صيته في الآفاق اسمه " بْنَيَّة " بإسكان الباء وفتح النون وتشديد الياء الَمْفتوحة وفي الآخر هاء - بن قرينيس الجرباء وقد قتل سنة 1231هـ - 1816م في حرب قامت بينه وبين عقيل والعبيد وخزاعة وعنزة والرولة وحمود بن ثامر من الَمْنتفق وقعت في غربي الفرات وأتى برأسه إلى سعيد باشا بن الَوْزير سليمَان باشا الكبير ودفن في النجف وبني على قبره قبة من القاشاني الأصفر والأبيض والأسود لها بهو كبير بني بالجص والطاباق والقبة في طرف الشمَال الغربي من مقبرة النجف. ثم قال الدجيلي مستدركاً على مقالته: كنا قد كتبنا أسطراً في شأن بنية ابن قرينيس أو قرينيص أو قرينس الجرباء وقلنا أنه من شمر طوقة وكان اعتقادنا كذلك وفي الشهر الَمْاضي ذهبنا إلى زيارة حضرة السيد محمود أفندي النقيب في بغداد فصادفنا الشيخ مجول بن فرحان الجرباء أحد شيوخ شمر الغربيين، والحاج عباس العلي كبير أهل الكوت، ولَمْا استقر بنا الجلَوْس أخذنا نتجاذب أطراف الأحاديث كمَا هي عادة الزائر والَمْزور وبعد هنيهة قال السيد محمود أفندي: إنكم ذكرتم أن بنية من شمر طوقة والصحيح أنه من شمر الغربيين. ثم التفت إلى الشيخ مجول الَمْتقدم ذكره وقال: أليس مَا أقوله صحيح؟ فقال الشيخ مجول: بَلَى، وهو من الَمْحمد ابن أخي فارس الجرباء والد جدي صفوق. وليس اسم أبي بنية جرينس بل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 اسمهه قُرينيص. فقلنا: إذا كان الأمر كذلك فمَا الَمْناسبة لدفنه في النجف وتشييد هذا البناء على قبره، وهو مخالف لَمْعتقد شمر الغربيين سيمَا وهم من أهل السنة والجمَاعة؟ فقال: إن قتل بنية كان في أرض الخزاعل وهم الذين دفنوه في النجف. فقلنا: إذا فرضنا جدلاً أنهم دفنوه في الغَريِّ فمن الذي أنفق على هذا البناء الفخم والقبة الَمْغشاة بالقاشاني الَمْبالغ الطائلة؟ فلَمْ يأت بدليل مقنع ثم قلنا: أمَا دليلنا نحن أنه من شمر طوقة فلأن شمر طوقة هم على مذهب الشيعة، وهم يدفنون موتاهم في النجف وكربلاء فلا شك أنه كان منهم وهم الذين شيدوا على قبره هذا البناء. ثم انتبه الحاج عباس العلي السالف الذكر لقولي: " دفنه في النجف وتشييد البناء على قبره ". وقال: صف لي قبره فوصفته له فقال: هذا الذي تعنيه هو قبر بنية رئيس عشيرة بني لامٍ، وليس قبر بُنَيَّة الذي جرى الكلام عليه، وقد توفى رئيس عشيرة بني لامٍ الَمْذكور في حدود سنة 1313هـ - 1895م والَمْشيد على قبره هذا البناء هو ابنه غضبان الرئيس الحالي لعشيرة بني لام. وقد راجعنا بعض الَمْجاميع فوجدنا الأمر كمَا ذكره القوم. ثم بعد أسبوع صادفنا الشيخ مجول السالف الذكر وقال لنا: إن قبر بنية الجرباء اليوم واقع في الجنوب الشرقي من " أُم البعرور والحميدية " من أرض الشامية على بعد 4 أ، 5 ساعات. فنحن نشكر حضرات الجميع على إفادتهم إيانا، وتنبيههم على أغلاطنا سيمَا نشكر لحضرة السيد محمود أفندي النقيب، لأنه هو السبب في ذلك، ويا حبذا لَوْ حصل لنا من يدلنا على خطانا ويرشدنا إلى الصواب إذ الإنسان موضع الخطاءِ والنسيان والكمَال لله وحده. ُرينيص. فقلنا: إذا كان الأمر كذلك فمَا الَمْناسبة لدفنه في النجف وتشييد هذا البناء على قبره، وهو مخالف لَمْعتقد شمر الغربيين سيمَا وهم من أهل السنة والجمَاعة؟ فقال: إن قتل بنية كان في أرض الخزاعل وهم الذين دفنوه في النجف. فقلنا: إذا فرضنا جدلاً أنهم دفنوه في الغَريِّ فمن الذي أنفق على هذا البناء الفخم والقبة الَمْغشاة بالقاشاني الَمْبالغ الطائلة؟ فلَمْ يأت بدليل مقنع ثم قلنا: أمَا دليلنا نحن أنه من شمر طوقة فلأن شمر طوقة هم على مذهب الشيعة، وهم يدفنون موتاهم في النجف وكربلاء فلا شك أنه كان منهم وهم الذين شيدوا على قبره هذا البناء. ثم انتبه الحاج عباس العلي السالف الذكر لقولي: " دفنه في النجف وتشييد البناء على قبره ". وقال: صف لي قبره فوصفته له فقال: هذا الذي تعنيه هو قبر بنية رئيس عشيرة بني لامٍ، وليس قبر بُنَيَّة الذي جرى الكلام عليه، وقد توفى رئيس عشيرة بني لامٍ الَمْذكور في حدود سنة 1313هـ - 1895م والَمْشيد على قبره هذا البناء هو ابنه غضبان الرئيس الحالي لعشيرة بني لام. وقد راجعنا بعض الَمْجاميع فوجدنا الأمر كمَا ذكره القوم. ثم بعد أسبوع صادفنا الشيخ مجول السالف الذكر وقال لنا: إن قبر بنية الجرباء اليوم واقع في الجنوب الشرقي من " أُم البعرور والحميدية " من أرض الشامية على بعد 4 أ، 5 ساعات. فنحن نشكر حضرات الجميع على إفادتهم إيانا، وتنبيههم على أغلاطنا سيمَا نشكر لحضرة السيد محمود أفندي النقيب، لأنه هو السبب في ذلك، ويا حبذا لَوْ حصل لنا من يدلنا على خطانا ويرشدنا إلى الصواب إذ الإنسان موضع الخطاءِ والنسيان والكمَال لله وحده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 عن أحداث شعبان سنة 1330هـ قالت مجلة العرب: أغار ابن مهيد، رئيس الفدعان، على شمر، النازلين بأنحاء الَمْوصل، فغنم منهم 300 بعير كلها لفيصل بن فرحان باشا وقفل إلى دياره سالَمْا. وقالت عن هذا التاريخ: استنزل ابن مهيد قائد عشائر الفدعان وعنزة عشائر شمر بالجزيرة، وزحف بعشائره وعبر نهر الفرات واجتاز عانة وراوة متوجهاً إلى شمر في أنحاء الَمْوصل. وجاء في مجلة " لغة العرب " في أَحداث آخر سنة 1329هـ عن حميدي بن فرحان: عين ولاية بغداد حميدي بك بن فرحان الجرباء شيخاً لعشيرة شمر بدلاً من أَخيه مجول، الذي تين عجزه عن حفظ الأَمن في دياره. ولَمْا طرق سمع مجول ذلك أمر بعض العشائر من أتباعه وتعرف " بالَمْثلَوْثة " " ومعنى الَمْثلَوْثة عندهم أَخلاط من الناس من عشائر متفرقة " بأن ينبهوا ويسلبوا كل من عارضهم في طريقهم وقد حصل بعض ذلك سيمَا في طريق بغداد وسامراء. فعسى أن يحقق الشيخ الجديد صدق الأمَاني ويمنع رسم الَمْرور بدياره وهو الرسم الَمْعروف " بالخاوة "،ويترك الغزو ويحافظ على تأمين الطرق ويشوق عشائره إلى الفلاحة والزراعة ونزع الأسلحة والإقبال على أَسباب الرقي والحضارة والتمدن وفي أحداث 1928م قالت مجلة لغة العرب: تنوي حكومة الشام أن تجعل رئاسة عشائر شمر بالانتخاب لتعلَمْ مقياس اعتمَاد تلك العشائر على أي الشيخين يكون: والشيخان همَا دهام الهادي ومشعل الفارس وفي أحداث سنة 1930م قالت: قدم حاضرتنا حضرة الشيخ مشعل الفارس رئيس قبائل شمر في سورية وقد لجأ إلى العراق قبل شهرين وهو يراجع حكومتنا لتوطن قبائله العراق وفي أحداث 1927م قالت مجلة " لغة العرب ": يروى أن الشيخ دهام الهادي والشيخ مشعل الفارس انتهيا من جبابة الَوْدي " ضريبة الأَباعر " من عشائر شمر الَمْحتلة ديار سورية فاستوفى الشيخ دهام ودي عشيرة " الخرصة " وجبى الشيخ مشعل الفارس ودي " الثابت " و " الفداغة " من عشيرة " سنجارة " مع ودي عشيرة " العمود " وعن شهر رمضان عام 1330هـ قالت " لغة العرب ": وقع قبل مَا يزيد على سنة منافرة بين الشيخ عداي الجربان وبين رشيد الدبوني، وذلك لأن الحكومة أَعطت الشيخ عداي أراضي الغبيشية من ملحقات البغيلة والجزيرة ليزرعها، فحاول رشيد أن ينزعها من يده فلَمْ يفلح وقتل رشيد، ثم أَرجع ناظم باشا عداي إلى أراضيه وأسكنه فيها، لكن العدلية حكمت على عداي وعشيرته حكمَا غيابيا فهم الآن يسترحمون الحومة لتعفو عنهم الحكومة لتعفو عنهم وقالت عن أَحداث آخر سنة 1330هـ: زحفت عشائر شمر بخيلها وجالها من الَمْوصل إلى العراق تحت رئاسة الشيخ حميدي بك ونزلَوْا عين الأَرنب على مسافة يومين من غربي بغداد. ويقدر عددهم بألفي فارس مدجج بالسلاح الكامل. وهم يترقبون أمر الأَمير ابن الرشيد لينضموا إليه ويعملَوْا بشوره " عن الرياض ": والأَصح أنهم جاؤوا للامتيار. وعن شهر محرم سنة 1331هـ قالت: اجتازت عشيرة شمر بغداد ومَا بين الرافدين، بقيادة رئيسهم الأكبر حميدي بك بن فرحان باشا، متوجهين إلى قضاء الجزيرة فكوت الإمَارة ومنها إلى لَوْاء الَمْنتفق، لخضب مرعا ورخص الَمْعيشة فيه، ومعهم القصيط أيضاً رئيس الفرقة الثانية. 1 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61