الكتاب: الإسلام والدستور المؤلف: توفيق بن عبد العزيز السديري الناشر: وكالة المطبوعات والبحث العلمي وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الطبعة: الأولى، 1425هـ عدد الصفحات: 241 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- الإسلام والدستور توفيق بن عبد العزيز السديري الكتاب: الإسلام والدستور المؤلف: توفيق بن عبد العزيز السديري الناشر: وكالة المطبوعات والبحث العلمي وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الطبعة: الأولى، 1425هـ عدد الصفحات: 241 عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] [ مقدمة الكتاب ] الإسلام والدستور مقدمة الكتاب إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فإن الدستور أو القانون الدستوري فرع من فروع القانون العام، والدستور لأي دولة كانت يعبر عن فكر تلك الدولة واتجاهها الديني والاجتماعي؛ لأن الدستور هو القانون المهيمن، والموجه لقوانين تلك الدولة ونظمها. وهذه الأهمية للدستور أحد الأسباب التي دفعتني لهذا البحث، وبخاصة معالجته من الناحية الإسلامية ومحاولة توضيح أسس الأحكام الدستورية في الشريعة الإسلامية، ومن ثم دراسة لبعض تطبيقاتها منذ قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا الحاضر. وما من شك في أن بحث موضوع كهذا من هذه الزاوية من الأهمية بمكان، لأهمية الأحكام الدستورية بين الأحكام والنظم الأخرى، ولأهمية دراسة الدستور في الإسلام وذلك بتحديد قواعده، مما يسهم في إثراء البحث العلمي في الشريعة الإسلامية في العصر الراهن، سواء من ناحية تبيين ما عليه الشريعة الإسلامية في هذا المجال، أم من ناحية الدراسات المقارنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ولذلك كان اختيار موضوع " الإسلام والدستور " (1) الذي حاولت فيه تبيين وجهة النظر القانونية البحتة للدستور، ثم تبيين وجهة النظر في الإسلام، بحيث يجمع البحث بين الدراسة القانونية والشرعية، واستعراض الواقع الدستوري للدولة الإسلامية على مر عصورها من خلال دراسة بعض الوقائع الدستورية في التاريخ الإسلامي. والحقيقة أن البحث في الأحكام الدستورية الإسلامية ليس جديدا ومستحدثا، فالفقهاء المسلمون القدامى بحثوا هذا الموضوع وبينوا تلك الأحكام في مختلف أبواب الفقه وكتب السياسة الشرعية. وقد تقدمت الدراسات الدستورية والقانونية في هذا الوقت وأصبحت لها أبحاث ودراسات مستقلة مما يتطلب من الباحثين والمفكرين المسلمين المعاصرين أن يؤصلوا الدراسات الدستورية، ويبينوا وجهة النظر الإسلامية ويستنبطوا الأحكام للوقائع المستجدة، وإذا نظر الباحث إلى الدراسات الدستورية المعاصرة، يجد أن الذين تعرضوا لهذا الموضوع، منهم من يغلب عليه الطابع القانوني البحت، ومنهم من يعرض الموضوع بشكل عام دون تفصيل، ومنهم من يبحث جزئيات من الموضوع عند دراسة النظام السياسي الإسلامي، مما يجعل سير الباحث في هذا الطريق صعبا وشاقا. إن أهم مصادر هذا البحث تتركز في كتب السياسة الشرعية، والكتب والدراسات الدستورية والقانونية الوضعية، والكتب المعاصرة التي تبحث   (1) هذا الكتاب مستل من رسالة ماجستير قدمها المؤلف لكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سنة 1407هـ بعنوان (الدستور في البلاد الإسلامية ومشكلاته في ضوء الإسلام) وقد تم تعديل وتحديث ما يحتاج إلى تعديل أو تحديث من المعلومات الواردة في الكتاب وفقا لوضعه الجديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 في النظام السياسي، بالإضافة إلى الوثائق والنصوص المشتملة على بعض القوانين والنظم المطبقة في بعض البلدان. ومن أهم الصعوبات التي واجهتها في هذا البحث، قلة المراجع الحديثة التي تخدم موضوع البحث، وبخاصة الدراسات التي تبحث في النظام الدستوري الإسلامي بحثا مقارنا مع النظم الوضعية، أو تلك التي تؤصل للنظام الدستوري الإسلامي وتبين أحكامه وقواعده من مصادره ومظانه الأصلية من الكتاب والسنة وما سطره علماء المسلمين الأوائل في هذا المجال. كما أن حساسية البحث في الموضوع تشكل عائقا أمام الباحث في هذا المجال؛ نظرا لخطورة الموضوعات والمباحث التي تتعلق بهذا الجانب ودقتها. ولقد حاولت أن أقدم هذا الموضوع بشكل متكامل، جامعا فيه خلاصة ما اطلعت عليه مما كتبه الآخرون، محللا لبعض آرائهم، ولا أزعم أنني أعطيت الموضوع حقه كاملا، ولعل عذري في ذلك أن الموضوع لا يزال بكرا، ولم يحظ بدراسات علمية شاملة وعميقة، ولكنني حاولت وبجهد المقل أن يكون البحث شاملا، بقدر الاستطاعة وكم تمنيت أني قد توصلت إلى نتائج أكبر مما كان. والمجال متسع للباحثين فيما بعد لاستكمال البحث في هذا الموضوع، والتوسع فيه، والعناية به بشكل أكبر. ولقد ابتعدت قدر الإمكان عن العاطفة الشخصية والآراء المسبقة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، واستخدمت عدة مناهج علمية حسب ما اقتضته طبيعة البحث، فاستخدمت المنهج التاريخي فيما كان له الطابع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 التاريخي من البحث، أو نسق من أقوال العلماء، ثم التحليل على أساس تلك القاعدة، أو ذلك النسق، واستخدمت المنهج المقارن عند الحاجة لمقارنة الآراء والحجج مع بعضها. ولقد تم عزو الآيات القرآنية إلى سورها وتخريج الأحاديث النبوية التي تم الاستشهاد بها في هذا البحث، كما أرجعت الاقتباسات والنقول إلى مراجعها في كل مكان يتم فيه الاقتباس أو النقل، وأثبت أهم المراجع في فهرس مستقل في آخر الكتاب. وبعد: حسبي أني قدمت ما استطعت من جهد ووقت لإخراج هذا البحث، سائلا الله جل وعلا أن يتقبل هذا العمل ويجعله خالصا لوجهه، وأحمد الله وأشكره وأثني عليه بما أنعم به من إكمال هذا البحث. وفي الختام أرجو الله القبول والتوفيق والسداد. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، كتبه توفيق بن عبد العزيز السديري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 [ الباب الأول تعريفات ضرورية ] [ الفصل الأول القانون ] [ المبحث الأول تعريف القانون ] الباب الأول تعريفات ضرورية الفصل الأول: القانون الفصل الثاني: الدستور الفصل الثالث: الدولة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 سيكون الحديث في الباب الأول عن بعض المواضيع الرئيسة التي لا بد منها للتمهيد لموضوع البحث الرئيس، وذلك في ثلاثة فصول، الفصل الأول منها عن القانون، تعريفه وضرورة وجوده، وتقسيماته وفروعه، ثم يتحدث الفصل الثاني عن فرع من فروع القانون وهو المتعلق بموضوع البحث الرئيس وهو الدستور، حيث سيتناول البحث تعريفه، وأنواع الدساتير وأساليب نشأتها ونهايتها، ومصادرها، ومقومات الدستور الأساسية، ثم يتحدث الفصل الثالث عن الدولة وذلك لارتباطها الوثيق جدا بموضوع البحث حيث سيتم تعريف الدولة وأركانها، ومقومات الدولة والقانون وضمانات تحقيقها وأنواع الدول. وما يذكر في هذا الباب من مسائل إنما يوضح ما استقر عليه الفقه القانوني الوضعي المعاصر في هذه المسائل، التي يدخل أغلبها في باب الوسائل؛ ليكون تمهيدا للباب الثاني وهو الباب الذي يبحث الدستور في الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الفصل الأول: القانون المبحث الأول: تعريف القانون المبحث الثاني: ضرورة وجود القانون المبحث: تقسيمات القانون المبحث الرابع: فروع القانون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 المبحث الأول: تعريف القانون: التعريف اللغوي: القانون كلمة يونانية الأصل، تلفظ كما هي kanun وانتقلت من اليونانية إلى اللغات الأخرى وهى تعني العصا المستقيمة، فانتقلت إلى الفارسية بنفس اللفظ (كانون) بمعنى أصل كل شيء وقياسه، ثم عربت عن الفارسية بمعنى الأصل، ودرج استخدامها بمعنى أصل الشيء الذي يسير عليه، أو المنهج الذي يسير بحسبه، أو النظام الذي على أساسه تنتظم مفردات الشيء، وتكون متكررة على وتيرة واحدة بحيث تصبح خاضعة لنظام ثابت، فيقال في معرض الأبحاث الطبيعية قانون الجاذبية، ويقال في معرض الأبحاث الاقتصادية قانون العرض والطلب (1) . وهكذا.   (1) ابن منظور لسان العرب، ص 177 جـ 3، طبع دار لسان العرب ببيروت، د. حبيب إبراهيم الخليل، المدخل للعلوم القانونية، ص 9 - طبعة ثانية، د. محمد موسى هنداوي، المعجم في اللغة الفارسية، ص 328، مكتبة الأنجلو بمصر، د. أحمد سلامة، المدخل لدراسة القانون، جـ1، ص15، مكتبة نهضة مصر 1963، محمد كمال عبد العزيز، الوجيز في نظرية القانون، ص4، مكتبة وهبة بالقاهرة 1962م، د. عبد العزيز النعيم، أصول الأحكام الشرعية ومبادئ علم الأنظمة، ص 5 ط 1، دار الاتحاد العربي، د. جميل الشرقاوي، دروس في أصول القانون، جـ 1ص 13، دار النهضة العربية 1970م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 التعريف الاصطلاحي: لتعريف القانون اصطلاحا ثلاثة تعريفات: 1 - تعريف اصطلاحي عام: وهو القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع تنظيما ملزما، ومن يخالفها يعاقب، وذلك كفالة لاحترامها. 2 - تعريف اصطلاحي باعتبار المكان: وهو مجموعة القواعد القانونية النافذة في بلد ما، فيقال القانون الفرنسي والقانون المصري مثلا. . . 3 - تعريف اصطلاحي باعتبار الموضوع: وهو مجموعة القواعد المنظمة لأمر معين وضعت عن طريق السلطة التشريعية فيقال: قانون الملكية العقارية، وقانون المحاماة، وقانون الجامعات (1) .   (1) د. جميل الشرقاوي، دروس في أصول القانون، جـ1 ص13، د. عبد المنعم فرج الصدة، أصول القانون، ص 12، دار النهضة العربية القاهرة 1979. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 [ المبحث الثاني ضرورة وجود القانون ] المبحث الثاني: ضرورة وجود القانون: الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم (1) . فالإنسان بدافع من طبعه لا يستطيع أن يعيش بمفرده ويسعى إلى المحافظة على وجوده من خلال مجتمع من الأفراد يعيش بينهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وجعل طبيعته لا تمكنه من العيش بمعزل عن الناس، ولا يمكن أن يقوم وحده بسد حاجاته، بل هو مضطر إلى أن يعيش في جماعة يتفاعل معها وتتفاعل معه، فيتبادل مع هذه الجماعة المنافع، وبهذا تنشأ بين أفراد هذه الجماعة علائق متعددة، اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وثقافية، وغيرها وهذه العلائق لا يمكن أن تقوم بحال إلا وفق ضوابط تحكمها، حتى لا يختل توازن هذه الجماعة، وهذه الضوابط هي النظم والقوانين، فبدون القانون تصبح الأمور فوضى تسير وفق الأهواء والرغبات الفردية، وحالة عدم وجود القانون حالة لا يمكن أن يتصور دوامها لأن مجرى السنة الكونية يحتم وجود قانون، ولو افترض وجود حالة الفوضى فلا بد أن يكون الحكم للقوة، فيتحكم الأقوياء بالضعفاء، وفق ما يريدون ويشتهون فيكون هناك قانون القوة أو الغابة، بغض النظر عن كون هذا القانون سليما وموافقا للحق أو بعكس ذلك. ومن هنا يتبين أن القانون ضرورة اجتماعية لا بد منه؛ ليحكم نشاط الأفراد، وينظم علاقاتهم.   (1) عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ص 37، طبعة دار الهلال، عام 1983م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 [ المبحث الثالث تقسيمات القانون ] المبحث الثالث: تقسيمات القانون: يقسم الفقهاء القانون تقسيمات عدة، نذكرها فيما يلي: 1 - علي أساس طبيعة القواعد القانونية: وحسب هذا الأساس ينقسم القانون إلى قسمين هما: أ - قانون موضوعي، وهو الذي تتضمن قواعده أحكاما موضوعية تبين الحقوق والواجبات المختلفة، فيقال مثلا: القانون المدني، والقانون التجاري وغيرهما. . حسب الموضوع الذي تتضمنه أحكام كل قانون. ب - قانون شكلي أو إجرائي: وهو الذي تتضمن قواعده أحكاما إجرائية تبين الأوضاع والإجراءات، التي تتبع لاقتضاء الحقوق التي يقررها القانون الموضوعي، كقانون المرافعات المدنية، وقانون الإجراءات الجنائية مثلا (1) . 2 - على أساس القوة الملزمة للقاعدة القانونية: وحسب هذا الأساس ينقسم القانون إلى قسمين هما: أ - قواعد آمرة أو ناهية: وهي تشمل مجموعة القواعد التي تحمي المصالح الأساسية في الدولة، ولا يجوز للمتعاقدين الخروج عليها وإلا كان اتفاقهم باطلا. ب - قواعد قانونية مفسرة أو مكملة أو مقررة: وهي مجموعة القواعد التي لا تتصل بالنظام الأساسي في المجتمع، ويجوز   (1) د. عبد المنعم فرج الصدة، أصول القانون، ص 43. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 الاتفاق على عكسها؛ لأنها وضعت لتفسير وتكملة إرادة المتعاقدين (1) . ويمكن التفريق بين القواعد الآمرة والقواعد المفسرة من عبارة النص نفسه؛ إذا لم يكن ذلك واضحا من العبارة يعرف من موضوع القاعدة القانونية؛ فالقواعد المتصلة بالنظام العام والآداب تعتبر قواعد آمرة أو ناهية، وماعداها يعتبر قواعد مكملة. 3 - من حيث التدوين وعدمه: وينقسم القانون من حيث المصدر الذي توجد فيه القاعدة القانونية إلى قسمين هما: أ - قانون مكتوب، وهو مجموعة القواعد القانونية الواردة في نصوص مكتوبة كالتشريع. ب - قانون غير مكتوب: وهو مجموعة القواعد القانونية التي لم تصدر في نصوص مكتوبة كما هو الحال بالنسبة لقواعد العرف. 4 - على أساس النطاق الإقليمي: ويبنى هذا التقسيم على أساس الرابطة التي ينظمها؛ فيقال: قانون داخلي، وقانون خارجي، وذلك تبعا للرابطة الاجتماعية التي ينظمها، هل هي داخل الجماعة أو خارجها (2) . 5 - على أساس الرابطة التي تحكمها قواعده: وهذا التقسيم هو التقسيم الرئيس الذي يسير عليه أكثر كتاب القانون، وهو تقسيم تقليدي لا يزال مستقرا ومسلما به في الفقه القانوني   (1) د. محمد علي إمام، محاضرات في نظرية القانون، ص 53، مكتبة نهضة مصر، القاهرة. (2) د. محمد علي إمام، محاضرات في نظرية القانون، ص 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 الوضعي الحديث، وهذا التقسيم أهم أنواع تقسيمات القانون، وهو الذي درج عليه معظم فقهاء القانون منذ عهد الرومان إلى عصرنا هذا، بالرغم من المحاولات للعدول عنه (1) . وينقسم القانون من حيث طبيعة الرابطة التي تحكمها قواعده إلى قسمين هما: أ - القانون العام: وهو مجموعة من القواعد تنظم الارتباط بين طرفين أحدهما أو كلاهما ممن يملكون السيادة، أو السلطات العامة، ويتصرفون بهذه الصفة (الدولة أو أحد فروعها) ولهذا وصف بأنه قانون إخضاع (2) . ب - القانون الخاص: وهو مجموعة من القواعد تنظم الروابط بين طرفين لا يعمل أيهما بوصفه صاحب سيادة أو سلطة على الآخر، كالأفراد والأشخاص المعنوية الخاصة أو الدولة - أو أحد فروعها - حين تمارس نشاطا يماثل نشاط الأفراد (3) كالقواعد التي تنظم ما يعرف بالأحوال الشخصية وكذلك أحكام المعاملات والعقود وغيرها أو كأن تبيع الدولة أرضا تملكها، أو تستأجر منزلا.   (1) د. عبد المنعم فرج الصدة، أصول القانون، ص 42، د. أحمد سلامة، المدخل لدراسة القانون، جـ 1 ص 62. (2) د. حبيب الخليلي، المدخل للعلوم القانونية، ص 58، طبعة ثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر. (3) د. حبيب الخليلي، المدخل للعلوم القانونية، ص 58، طبعة ثانية، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 [ المبحث الرابع فروع القانون ] [ فروع القانون العام ] المبحث الرابع: فروع القانون: ينقسم القانون حسب التقسيم الرئيس السابق إلى: قانون عام، وقانون خاص، ويتفرع من كل قسم منهما عدة فروع نذكرها فيما يلي: أولا: فروع القانون العام: يتفرع القانون العام إلى فرعين رئيسين يسمى أحدهما القانون الدولي العام، وهو الذي تكون الدولة طرفا فيه، باعتبارها صاحبة السلطان، ويكون الطرف الآخر فيه دولة أو دول أخرى، أو هيئات دولية. والفرع الثاني: هو القانون الداخلي، وهو الذي ينظم الروابط الداخلية العامة التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبار سلطتها، وهذا الأخير ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي: القانون الدستوري، والقانون الإداري والمالي، والقانون الجنائي. وعلى هذا تكون فروع القانون العام أربعة هي: أ - القانون الدولي العام: وهو مجموعة الأحكام التي تنظم ارتباط الدولة بالدول الأخرى في أوقات السلم والحرب (1) فالمحتكمون إلى هذا القانون الدول وليس الأفراد، ومن التعريف يتضح أن القانون الدولي العام ينقسم إلى قانون سلم وقانون حرب، ولكل واحد منهما موضوعاته الخاصة. فقانون السلم يبحث في المواضيع التالية:   (1) د. عبد العزيز العلي النعيم، أصول الأحكام الشرعية ومبادئ علم الأنظمة، ص 179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 - أشخاص القانون الدولي. - ممثلو الأشخاص في الجماعات الدولية. - الأعمال القانونية الدولية، وأهمها المعاهدات، فيعين أركان انعقادها وشروط صحتها وآثارها وأسباب انقضائها. - المسؤولية الدولية في قيامها وآثارها. - المنظمات الدولية. - حقوق الدول وواجباتها وفض المنازعات الدولية سلميا (1) . ويبحث قانون الحرب في الموضوعات التالية: - العلاقة بين الدول المتحاربة وواجبات كل دولة إزاء جيش الأخرى، ورعاياها، والأسرى، ويبين القواعد الخاصة ببدء حالة الحرب ووقفها وانتهائها. - علاقة الدولة المحاربة بالدول المحايدة (2) . ب - القانون الدستوري: وهو مجموعة الأحكام التي تحكم شكل الدولة، ونظام الحكم فيها، وسلطاتها، وطريقة توزيع السلطات، وبيان اختصاصاتها، ومدى ارتباطها ببعضها، ومن حيث التعاون أو الرقابة، وكذلك بيان حقوق المواطنين وواجباتهم تجاه الدولة وسلطاتها العامة (3) . ومن هذا يتبين لنا أن القانون الدستوري يبحث في الموضوعات التالية:   (1) المرجع السابق، ص 182 - 184. (2) المرجع السابق، ص 182 - 184. (3) المرجع السابق، ص 182 - 184. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 - شكل الدولة، هل هي بسيطة أو مركبة، ملكية أو جمهورية. - السلطات العامة في الدولة: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. - الأشخاص أو الهيئات التي تتولى السلطات العامة. - علاقة هذه السلطات ببعضها، نوع هذه العلاقة، وهل هناك فصل مطلق بينهما أو مرن. - الحريات الفردية وضماناتها، وهي الحريات الشخصية، والتملك، والمسكن، والرأي، والتعليم، والمساواة أمام القضاء، والوظائف العامة، والتكاليف العامة (1) . جـ - القانون الإداري والمالي: يفصل بعض الكتاب (2) القانون الإداري عن القانون المالي، ولكن أصلهما واحد؛ لأن القانون المالي منبثق أصلا عن القانون الإداري، لذا نجد أكثر الكتاب يعدونهما قسما واحدا، لتقارب النواحي الإدارية والمالية للدولة من بعض. ويعرف القانون الإداري بأنه مجموعة القواعد التي تبين كيفية أداء السلطة التنفيذية لوظائفها (3) . ويبحث القانون الإداري في المواضيع التالية: - تحديد أجهزة الدولة الإدارية المختلفة، وطرق تكوين كل منها، وعلاقة بعضها ببعض، وعلاقتها بالسلطات العامة الأخرى.   (1) د. عبد العزيز العلي النعيم، أصول الأحكام الشرعية ومبادئ علم الأنظمة، ص 182 - 184. (2) أصول الأحكام الشرعية، مرجع سابق، ص 187 - 192. (3) د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، ص 44، مؤسسة الثقافة الجامعية 1977. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 - كيفية ممارسة الإدارة لنشاطها، والأساليب المتبعة في ذلك. - صور النشاط الإداري المختلفة، وأسس اختلافها عن صور النشاط العام الأخرى للدولة. - صلة الإدارة بالعاملين فيها، والقواعد التي تنظم اختيارهم، وتحدد حقوقهم وواجباتهم، والمزايا الممنوحة لهم، والضمانات التي توفر لهم الحماية. - تبيين الأموال العامة، والنظام القانوني لها، وكيفية إدارتها والانتفاع بها، والتفريق بينها وبين المال الخاص. - تنظيم القضاء الإداري بترتيب المحاكم الإدارية، وتحديد اختصاصاتها وقواعد الطعن أمامها بالقرارات والأعمال الإدارية المخالفة للقانون (1) . ويعرف القانون المالي، بأنه مجموعة الأحكام التي تنظم حصول الدولة على دخلها وطرق إنفاقها لهذا الدخل (2) . ويبحث القانون المالي في المواضيع التالية: - النفقات العامة للدولة، وذلك بتحديد أوجه إنفاق المال العام. - الإيرادات العامة للدولة من رسوم وضرائب وغيرها. - القروض العامة وكيفية تحصيلها. - القواعد التي تتبع في تحديد الميزانية السنوية للدولة، وفي تنفيذها والرقابة على هذا التنفيذ.   (1) جميل شرقاوي، دروس في أصول القانون، ص 52. (2) المرجع السابق، ص 52 - 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 د - القانون الجنائي: وهو مجموعة الأحكام التي تحدد الجرائم، والعقوبات المقررة عليها، والإجراءات التي تتبع في تعقب المتهم ومحاكمته، وتوقيع العقاب عليه (1) . ويتضح أن القانون الجنائي يشتمل على طائفتين من الأحكام: أحكام موضوعية، وهي التي تبين الجرائم وتحديد العقوبة لكل جريمة، وأحكام إجرائية وهي التي تبين الإجراءات التي يجب اتباعها منذ وقوع الجريمة إلى حين توقيع العقاب على الجاني. وعلى ذلك فالقانون الجنائي ينقسم إلى فرعين كل منهما مستقل عن الآخر، أحدهما: قانون العقوبات، والثاني: قانون الإجراءات الجنائية. - فقانون العقوبات: هو مجموعة الأحكام التي تحدد الجرائم والعقوبات (2) وينقسم إلى قسمين، هما: قسم عام: يشمل القواعد التي تحدد الأحكام العامة للجريمة والعقوبة، فيبين أنواع الجرائم من جنايات وجنح ومخالفات، وأركان الجريمة، والأحكام التي تحدد العقوبات من حيث أنواعها، وحالات تعددها، ومتى تخفف، ومتى تسقط، ومتى يعفى منها. قسم خاص: يشمل الأحكام الخاصة بكل جريمة على حدة، ويبين أركانها، وصورها المختلفة، والعقوبات التي توقع على مرتكبيها (3) . - وقانون الإجراءات الجنائية: هو مجموعة الأحكام التي تبين الإجراءات التي يجب اتباعها، منذ أن تحدث الجريمة إلى أن يوقع العقاب على مرتكبها، من حيث ضبط المتهم، والقبض عليه، والتحقيق معه، ومحاكمته، وتنفيذ العقوبة المحكوم عليه بها (4) .   (1) د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية، ص 47. (2) المرجع السابق، ص 48. (3) المرجع السابق، ص 48. (4) المرجع السابق، ص 48 - 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 [ فروع القانون الخاص ] ثانيا: فروع القانون الخاص: يعتبر القانون المدني أصلا للقانون الخاص، وبالانفصال عنه نشأت فروع أخرى للقانون الخاص، وهذه الفروع إما أن تحكم قواعد موضوعية كالقانون التجاري والبحري والجوي والعمل، أو قواعد إجرائية كقانون أصول المحاكمات المدنية، وقانون المرافعات التجارية والمدنية، وإلى جانب هذه الفروع ظهر فرع آخر وهو: القانون الدولي الخاص؛ حيث تنفرد أحكامه بوظيفة معينة فيما يتعلق بالأمور ذات العنصر الأجنبي؛ وعلى هذا فتكون فروع القانون الخاص خمسة، هي: أ - القانون المدني: وهو مجموعة الأحكام التي تنظم الروابط الخاصة بين الأشخاص في المجتمع، إلا ما يتكفل بتنظيمه فرع آخر من فروع القانون الخاص (1) وهذا يعني أن القانون المدني يعتبر الأصل في علاقات القانون الخاص، وذلك لأن القانون المدني هو أصل الفروع الأخرى للقانون الخاص، ويعني: - أنه ينظم ارتباط الأفراد بغض النظر عن طبيعتهم ومهنتهم التي يمتهنونها، وبخلاف الفروع الأخرى من القانون الخاص، التي تعنى بطوائف ومهن معينة، أو حالات وأوضاع معينة. - أن قواعده يرجع إليها في كل مسألة مسكوت عنها في الفروع الأخرى من فروع القانون الخاص، عدا القانون الدولي الخاص، وهذا الفرع ينظم نوعين من الروابط، هما: الأحوال الشخصية، والأمور المالية (2) .   (1) د. عبد المنعم فرج الصدة، مبادئ القانون، ص 45. (2) المرجع السابق، ص 45 - 46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ب - القانون التجاري: وهو مجموعة الأحكام التي تنظم نشاط التجار في ممارستهم لمهنتهم (1) والمعاملات التجارية لا تعدو أن تكون معاملات مالية تشبه ما ينظمه القانون المدني منها، وهي ما كانت في البداية محكومة بقواعد هذا القانون، إلا أنه تبين بعدئذ قصور هذه القواعد عن سد حاجات التعامل التجاري إلى السرعة والأمان؛ فبدأت النظم الخاصة بالتجارة تظهر تدريجيا، وكمل تنظيمها حتى استوت على سوقها، فشكلت فرعا مستقلا عن القانون المدني، هو القانون التجاري، ويلحق بالقانون التجاري: القانون البحري، والقانون الجوي. فالقانون البحري هو مجموعة الأحكام التي تنظم النشاط التجاري البحري، فهو جزء من القانون التجاري، ولكن نظرا لازدياد عدد قواعده استقل حتى أنه من الممكن أن يعتبر فرعا مستقلا من فروع القانون الخاص. والقانون الجوي، أحدث فروع القانون الخاص، وهو مجموعة الأحكام التي تنظم المسائل المتعلقة بالملاحة الجوية، على غرار تنظيم القانون البحري لمسائل الملاحة البحرية، وقد بدأت قواعده بعد استعمال الطائرات وسائل نقل، ونظرا لحداثته لا تزال القواعد المكونة له متبعثرة في عدة تشريعات ولم تقنن بعد (2) . جـ - قانون العمل: وهو مجموعة الأحكام التي تنظم الارتباط بين العمال وأصحاب العمل (3) وهذا الفرع حديث المنشأ نسبيا، فقد كانت العلاقة بين العامل   (1) جميل شرقاوي، دروس في أصول القانون، ص 58 - 62. (2) جميل شرقاوي، دروس في أصول القانون، ص 58 - 63. (3) د. عبد المنعم فرج الصدة، مبادئ القانون، ص 49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 ورب العمل تخضع للقانون المدني، وكان نشوء هذا الفرع رد فعل من جانب العمال الذين تكونت منهم طبقة اجتماعية جديدة لها وزنها وقوتها، بعد قيام النهضة الصناعية الحديثة؛ للاختلال الحاصل في عقد العمل، الواضح في جور الشروط والقيود التي يفرضها أرباب العمل. د - قانون المرافعات: قانون أصول المرافعات المدنية والتجارية كما يسميه فقهاء القانون المصري أو قانون أصول المحاكمات المدنية، كما يسميه فقهاء القانون اللبناني، هو مجموعة الأحكام التي تنظم السلطة القضائية، وتبين الإجراءات الواجب اتباعها لتطبيق الأحكام الموضوعية في القانون المدني والقانون التجاري (1) . فهو قانون إجرائي يتكفل بأمرين هما: 1 - تنظيم السلطة القضائية، وذلك بتنظيم مجموعتين من القواعد هما: - قواعد النظام القضائي، وهي التي تبين أنواع المحاكم وتشكيلها، وشروط تنصيب القضاة، وحقوقهم، وواجباتهم. - قواعد الاختصاص، وهي التي تتعلق بتوزيع ولاية القضاء على المحاكم بطبقاتها المختلفة. 2 - بيان الإجراءات التي تتبع لحماية الحقوق واقتضائها (2) . هـ - القانون الدولي الخاص: وهو مجموعة الأحكام التي تعنى بصفة أساسية، ببيان المحكمة المختصة، وتحديد القانون الواجب التطبيق فيما يتعلق بالعلاقات   (1) المرجع السابق، ص50. (2) المرجع السابق، ص50. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 القانونية الخاصة والتي يدخل العنصر الأجنبي طرفا فيها (1) . أي تلك العلاقات التي تدخل ضمن نطاق القانون الخاص، ويكون أحد عناصرها متصلا بدولة أجنبية، فيوضح هذا القانون المحكمة المختصة والقانون الواجب تطبيقه في واقعة ما. ويضم في نطاق موضوعات القانون الدولي الخاص، موضوعات ثلاثة أخرى وذلك باعتبارها مسائل أولية، قد تسهم في تعيين الاختصاص القضائي أو التشريعي، وهذه الموضوعات هي: - الجنسية وهي علاقة تبعية الفرد للدولة. - الوطن، وهو علاقة الفرد بالدولة نتيجة إقامته فيها. - مركز الأجانب، وهو ما يمكن أن يتمتع به الأجانب من حقوق، أو يتحملوه من تكاليف وواجبات في الدولة التي يوجدون على أرضها (2) . ويلاحظ أنه على الرغم من وجود كلمة " دولي " في هذا القانون، إلا أنه في الواقع قانون وطني، فلكل دولة قواعد تطبق في محاكمها في هذا الخصوص، كما تطبق أي قانون داخلي، وقد تختلف من دولة لأخرى، بخلاف القانون الدولي العام، الذي تعتبر قواعده واحدة واجبة الاحترام من جميع الدول على حد سواء (3) . وفي الصفحة التالية شكل يوضح أقسام القانون وفروعه.   (1) المرجع السابق، ص 51. (2) المرجع السابق، ص 51. (3) المرجع السابق، ص 53. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 - أقسام القانون وفروعه التي تم ذكرها في هذا المبحث: القانون: * القانون العام القانون الخاص القانون الدولي العام ـ[قانون سلم ـ قانون حرب] القانون المدني القانون الدستوري بحري ـ جوي ـ القانون التجاري القانون الإداري والمالي قانون العمل القانون الجنائي قانون العقوبات [قسم خاص ـ قسم عام] قانون الإجراءات الجنائية قانون المرافعات القانون الدولي الخاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 [ الفصل الثاني الدستور ] [ المبحث الأول تعريف الدستور ] الفصل الثاني: الدستور المبحث الأول: تعريف الدستور. المبحث الثاني: أنواع الدساتير. المبحث الثالث: أساليب نشأة الدستور وتطوره في العصر الحديث. المبحث الرابع: أساليب نهاية الدستور. المبحث الخامس: مصادر الدستور. المبحث السادس: مقومات الدستور الأساسية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 المبحث الأول: الدستور: - التعريف اللغوي: الدستور كلمة فارسية تعني الدفتر الذي تكتب فيه أسماء الجند، والذي تجمع فيه قوانين الملك، وتطلق أيضا على الوزير، وهي مركبة من كلمة " دست " بمعنى قاعدة، وكلمة " ور" أي صاحب، وانتقلت إلى العربية من التركية بمعنى (قانون، وإذن) ثم تطور استعمالها حتى أصبحت تطلق الآن على القانون الأساسي في الدولة (1) . - التعريف الاصطلاحي: يعرف الدستور اصطلاحا بأنه مجموعة الأحكام التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وسلطاتها، وطريقة توزيع هذه السلطات، وبيان اختصاصاتها، وبيان حقوق المواطنين وواجباتهم (2) . وينطبق تعريف الدستور هذا على تعريف القانون الدستوري؛ لأن القانون الدستوري هو الأحكام الدستورية المطبقة في بلد ما، والدستور المطبق في بلد ما هو مجموعة الأحكام الدستورية الخاصة بهذا البلد. ويعتبر الدستور أهم القوانين السارية في الدولة، بل أساس هذه القوانين، ويجب ألا تخالف القوانين حكما أو أحكاما دستورية. ويجرى وضع الدستور عادة عن طريق سلطة أعلى من السلطة   (1) د. محمد موسى هنداوي، المعجم في اللغة الفارسية، ص 207، السيد آدي شير، معجم الألفاظ الفارسية المعربة، ص 63 مكتبة لبنان 1970م، أحمد عطية الله، المعجم السياسي، ص 251طبعة ثالثة - دار النهضة العربية 1968م. (2) د. عبد العزيز النعيم، أصول الأحكام الشرعية ومبادئ علم الأنظمة، ص 182. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 التشريعية، وتسمى السلطة التأسيسية، وتتم إجراءات تعديل أحكام الدستور بطريقة أشد تعقيدا من الإجراءات المتبعة لتعديل الأحكام القانونية الأخرى. وتطلق كلمة الدستور أحيانا فتنصرف إلى الوثيقة التي تحمل هذه التسمية، أو ما يراد ضمنها، مثل القانون الأساسي للدولة، وهذا هو المعنى الشكلي للدستور، إلا أن هذا التعريف يخرج ما قد يكون دستوريا بطبعه إذا لم يرد في تلك الوثيقة، كالأمور الدستورية التي يكون العرف مصدرها. وظهور المعنى الشكلي للدستور، كان نتيجة لانتشار حركة تدوين الدساتير في العصر الحديث، تلك الحركة التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية ومنها إلى فرنسا، ثم إلى بقية الدول، حيث كانت دساتير الولايات المتحدة الأمريكية ثم دستورها سنة 1778م أول الدساتير المكتوبة في التاريخ الحديث، تلاه الدستور الأول للثورة الفرنسية سنة 1971م، وانتشرت بعد ذلك حركة تدوين الدساتير فعمت بلاد العالم (1) .   (1) د. محمد حسين عبد العال، القانون الدستوري، ص 13 - 14، طبعة عام 1975م، د. عبد الحميد متولي، القانون الدستوري والأنظمة السياسية، ص جـ 2 ص 19، 20، طبعة ثالثة، د. الشافعي محمد بشير، القانون الدستوري والنظم السياسية السودانية، ص 7 - 8 طبعة عام 1970م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 [ المبحث الثاني أنواع الدساتير ] المبحث الثاني: أنواع الدساتير: يتم تحديد نوع الدستور وفقا للمعيار الذي يرجع إليه عند التحديد، وهناك معياران لتحديد نوع الدستور هما: التدوين، وكيفية التعديل. من حيث التدوين وعدمه، يكون للدستور نوعان، دستور مدون، ودستور غير مدون. ومن حيث كيفية التعديل، يكون للدستور نوعان أيضا هما: الدستور المرن، والدستور الجامد، وفيما يلي توضيح ذلك. أولا: من حيث التدوين وعدمه: تنقسم الدساتير من حيث المصدر إلى نوعين، وهما الدساتير المدونة والدساتير غير المدونة أو العرفية، ويرى البعض (1) . أن استخدام مصطلح غير المدون أدق، لأنه يشمل المصادر غير التشريعية، سواء تمثلت في العرف أو القضاء. ومناط هذا التقسيم هو التدوين، والمقصود بالتدوين ليس فقط تسجيل الحكم في وثيقة مكتوبة، وإنما المقصود به التسجيل في وثيقة رسمية من سلطة مختصة بسنها وهو ما يسمى بالتدوين الفني أو الرسمي (2) . ويعتبر الدستور مدونا إذا كان صادرا في أغلبه في وثيقة أو عدة وثائق رسمية عن طريق المشرع الدستوري، ويعتبر غير مدون إذا كان   (1) د. سعد عصفور، القانون الدستوري والنظم السياسية، القسم الأول ص 74، منشأة المعارف، الإسكندرية. (2) المرجع السابق، ص 74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 مستمدا في أغلبه عن طريق العرف أو القضاء، وليس عن طريق التشريع (1) . والحقيقة أن تقسيم الدساتير إلى مدونة وغير مدونة، هو تقسيم نسبي فلا يوجد دستور في العالم إلا ويشمل أحكاما صدرت عن طريق التشريع، وأخرى صدرت عن المصادر الأخرى المتمثلة في العرف والقضاء، ومثال ذلك دستور إنجلترا حيث يعتبر المثال التقليدي للدستور غير المدون، وبالرغم من ذلك فهو يشمل وثائق رسمية لها أهميتها كالعهد الأعظم MAGNA CHARTA سنة 1215 م، وملتمس الحقوق سنة 1628م POTITION OF RIGHT وقانون الحقوق BILL OF RIGHTS وقانون توارث العرش ACT OF SETTLEMENT ACT سنة 1701 م وقانون البرلمان - PARLIA MENT ACTسنة 1911م (2) . وتؤكد التجارب الدستورية في الدول ذات الدساتير المدونة أنه مهما يكن الدستور المدون للدولة مفصلا، فلا بد أن ينشأ عقب صدوره ظروف وتطورات، تؤدي إلى نشؤ أحكام جديدة تفسره، أو تكمله، أو تعدله، يكون مصدرها العرف أو القضاء. وأغلب دول العالم لها اليوم دساتير مدونة ماعدا بريطانيا، حيث انتشرت حركة تدوين الدساتير بعد استقلال الولايات المتحدة الأمريكية ووضعها لدساتيرها المدونة. ثانيا: من حيث كيفية التعديل: تنقسم الدساتير حسب هذا المعيار إلى دساتير مرنة، وأخرى جامدة، فالدساتير المرنة هي التي يمكن تعديلها بالإجراءات نفسها التي تعدل بها   (1) د. سعد عصفور، القانون الدستوري والنظم السياسية، القسم الأول ص 74. (2) المرجع السابق، ص 75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 القوانين العادية، والدساتير الجامدة هي التي يتطلب تعديلها إجراءات أشد من الإجراءات التي يعدل بها القانون العادي. والهدف من جعل الدستور جامدا، هو كفالة نوع من الثبات لأحكامه عن طريق تنظيم يجعل تعديله عسيرا (1) . وكون الدستور جامدا يحمي مواده من العبث والتغيير المستمر، لسبب ولغير سبب. وتنقسم الدساتير الجامدة إلى دساتير تحظر التعديل، ودساتير تجيزه بشروط خاصة: 1 - فالدساتير التي تحظر التعديل لا ينص على الحظر فيها صراحة، وإنما يتم اللجوء إلى الحظر الزمني، أو الحظر الموضوعي، ويقصد بالحظر الزمني، حماية الدستور فترة من الزمن - لضمان نفاذ أحكام الدستور كلها أو جزء - تكفي لتثبيتها قبل أن يسمح باقتراح تعديلها، مثال ذلك دستور الاتحاد الأمريكي الصادر سنة 1789م، فقد حظر تعديل بعض أحكامه قبل سنة 1808م. أما الحظر الموضوعي فيقصد به، حماية أحكام معينة، بحيث لا يمكن تعديلها، ويكون هذا عادة للأحكام الجوهرية في الدستور، ولا سيما ما يتعلق منها بنظام الحكم المقرر، ومثاله الدستور الفرنسي لسنة 1875م، حيث نصت المادة الثامنة منه، وفقا للفقرة المضافة إليها في 14 أغسطس 1884م، بأنه لا يجوز أن يكون شكل الحكومة الجمهوري محلا للتعديل (2) .   (1) القانون الدستوري والنظم السياسية، مرجع سابق، ص 75. (2) القانون الدستوري والنظم السياسية، مرجع سابق، ص 77 - 78. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 2 - أما الدساتير التي تجيز التعديل بشروط خاصة: فتختلف هذه الدساتير في كيفية تعديلها، والشروط المعتبرة لذلك، ويرجع هذا الاختلاف لاعتبارين: أحدهما سياسي، والآخر فني، أما الاعتبار السياسي فيتمثل في أن التنظيم المقرر لتعديل الدستور لا بد وأن يرعى جانب السلطات التي يقوم عليها نظام الحكم، وأما الاعتبار الفني، فيتمثل في أسلوب الصياغة المأخوذ بها عند وضع الدستور، ويظهر جليا أثر هذه الأساليب في ناحيتين هما: - شرط التماثل في الأوضاع القانونية بين نشأة الدستور وتعديله، مما يؤدي إلى التشدد في إجراء التعديل. - الاقتصار على تنظيم الأسس الجوهرية في الدستور، مما يؤدي إلى التشدد في إجراءات تعديله، بينما إيراد التفصيلات في الدستور ينتج عنه التيسير في تعديله (1) . وتحسن الإشارة - قبل ختم هذا المبحث - إلى أن بعض الباحثين القانونيين (2) يخلط بين تقسيم الدساتير إلى مدونة وغير مدونة، وتقسيمها إلى مرنة وجامدة، معتبرا أن كل دستور مدون جامدا، وكل دستور غير مدون مرنا، وهذا الخلط غير صحيح، لاختلاف هذين التقسيمين من حيث المعيار الذي على أساسه تم التقسيم، فهذا مرتبط بالمصدر، وذاك مرتبط بكيفية التعديل، ومن خلال تتبع بعض التجارب الدستورية المختلفة، نجد أنه قد يكون الدستور مدونا ومرنا في الوقت نفسه، كما في دستور فرنسا لسنة 1814م، وسنة 1830م، ودستور إيطاليا   (1) المرجع السابق، ص 196. (2) د. السيد صبري في كتابه النظم الدستورية في البلاد العربية، ص 136 - 141، جامعة الدول العربية 1956م، مثلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 لسنة 1848م، ودستور الاتحاد السوفيتي لسنة 1918م، ودستور إيرلندا الحرة لسنة 1922م. وقد يكون الدستور غير مدون ومستندا إلى العرف، وهو في الوقت نفسه جامد، ففي المدن اليونانية القديمة وجدت تفرقة بين القوانين العادية وقوانين أخرى، مثل القوانين الدائمة وقوانين المدينة، وكان يشترط لتعديل الأخيرة شروط خاصة وإجراءات أكثر أهمية، مما يضفي عليها صفة الجمود، وكذا في العهد الملكي في فرنسا وجدت القوانين الأساسية التي لم يكن يكفي لتعديلها موافقة السلطة التشريعية العادية وإنما يلزم لذلك موافقة الهيئة النيابية (1) . ولعل سبب هذا الخلط هو أن دساتير العالم اليوم أصبحت في الغالب مدونة، فيما عدا الدستور الإنجليزي، وأنها في الوقت نفسه جامدة فارتبطت لدى القائلين بذلك فكرة التدوين بالجمود، وفي المقابل فكرة عدم التدوين بالمرونة.   (1) د. سعد عصفور، القانون الدستوري والنظم السياسية، قسم أول، ص 75 - 77. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 [ المبحث الثالث أساليب نشأة الدستور وتطوره في العصر الحديث ] المبحث الثالث: أساليب نشأة الدستور وتطوره في العصر الحديث: يرى بعض (1) فقهاء القانون الدستوري أن نشأة الدساتير تنحصر في طرق ثلاثة، هي: 1 - طريق المنحة، كالدستور الفرنسي لسنة 1814م حينما منح لويس الثامن عشر ذلك الدستور للأمة الفرنسية عقب سقوط نابليون، والدستور الروسي الصادر سنة 1906م، والدستور الياباني الصادر سنة 1889 م. 2 - طريق جمعية وطنية منتخبة من الشعب، تصدر الدستور كما هو الحال في الدستور البلجيكي سنة 1875م، ودستور الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1787م، والدستور الألماني سنة 1919م. 3 - طريق وسط بين الطريقين السابقين، بحيث يكون الدستور نتيجة تعاقد بين الملك وشعبه، كما حدث (2) في إنجلترا عند صدور العهد الكبير سنة 1215م، وإعلان الحقوق سنة 1688م (3) . ويرى آخرون أن نشأة الدساتير محصورة في طريقتين، هما: 1 - الأساليب الملكية، وتنقسم إلى أسلوبي المنحة والتعاقد. 2 - الأساليب الديمقراطية، وتنقسم إلى أسلوبين، هما الجمعية التأسيسية، والاستفتاء التأسيسي.   (1) د. السيد صبري، والدكتور عثمان خليل، والأستاذان وحيد رأفت ووايت إبراهيم، ومعظم رجال الفقه الدستوري المصري. (2) النظم الدستورية في البلاد العربية. د. السيد صبري - ص 139. (3) مثل: الفقيه الفرنسي لانسارلير وبرتلمي وبيبدور وفيدل - القانون الدستوري - وسعد عصفور - ص211ـ 213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 وقد تضمنت هاتان الطريقتان أربعة أساليب، يضيف إليها البعض (1) أسلوبا خامسا، وهو الاستفتاء السياسي. والحقيقة أن حصر طرق نشأة الدساتير في أساليب معينة أمر غير مسلم به لأنه يمكن أن تتنوع هذه الطرق تبعا لتنوع أنظمة الحكم وأن تتطور بتطورها؛ وأن هذه الطرق التي حددها الفقهاء القانونيون، والتي عرفت حتى الآن، إنما تعكس في نشأتها المراحل الرئيسية التي مرت بها أنظمة الحكم، وهذا ما يرجحه بعض (2) فقهاء القانون، وعليه فإنه يمكن تحديد المراحل التي مر بها هذا التطور، وحصرها في ثلاث مراحل، هي: المرحلة الأولى: اتسمت بوجود تيارات في الدول الأوربية تطالب بوجود الدستور، فوجد الدستور عن طريق المنحة من قبل ملوك الدول الأوربية إلى شعوبهم. المرحلة الثانية: تميزت بازدياد قوة تلك التيارات بحيث وجدت الدساتير عن طريق مشاركة الشعب في السلطة التأسيسية، وهي الطريقة التي تسمى طريقة التعاقد. المرحلة الثالثة: تميزت بتغلب تلك التيارات، وذلك بصدور الدساتير عن طريق سلطة تأسيسية منتخبة من الشعب، وأول ما نشأ من ذلك، أسلوب الجمعية التأسيسية في الولايات المتحدة الأمريكية وذلك عند استقلالها عن إنجلترا سنة 1776م، والدستور الاتحادي الذي وضعه مؤتمر فلادلفيا   (1) د. سعد عصفور، القانون الدستور، ص 212. (2) المرجع السابق، ص - 315. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 سنة 1787م، ثم أخذ هذا الأسلوب في الانتشار حيث لقي إقبالا كبيرا في فرنسا، إلا أنه ساعد على إقرار الفكرة التي كانت قائمة وقتها في فرنسا والمتضمنة التفريق بين القوانين الدستورية والعادية، عن طريق وجود سلطتين، إحداهما تأسيسية، والأخرى تشريعية، وبعد انتشار مبدأ الديمقراطية لجأ كثير من الدول لهذا الأسلوب في وضع دساتيرها، وخاصة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كما في دستور ألبانيا لسنة 1946م، ويوغسلافيا لسنة 1946م، وإيطاليا لسنة 1947م (1) . ومما تقدم يتبين أن أساليب نشأة الدساتير تتنوع تبعا للظروف التي يوجد فيها كل دستور، ولا ينبغي للباحث أن يعالج هذه الأساليب بصورة توحي بأنها قابلة للحصر، وإنما يجدر به أن يردها إلى اتجاهات رئيسة تبرز السلطة التي تولت إنشاء الدساتير على النحو الذي سبق، لأنه يمكن أن تنشأ أساليب أخرى غير هذه الأساليب التي يحددها رجال القانون، وفق ظروف وبيئات معينة تكون لها سمات فكرية وحضارية تختلف كثيرا أو قليلا عن تلك الملامح الفكرية والحضارية والتاريخية لهذه الدول التي نشأت فيها الأساليب التي يحددها فقهاء القانون الدستوري، وبالتالي فإنه لن يكون هناك أي حرج على الباحث، في اعتبار هذه الأساليب من أساليب نشأة الدساتير وبالعكس في حالة الالتزام بطرائق معينة لنشأة الدساتير، فإن الباحث يلزم نفسه بإقحام الأساليب غير المحصورة، بالأساليب المحصورة، بشكل أو بآخر، وينتج عن ذلك خلط في المفاهيم والأساليب، وعدم اعتبار للظروف التي صاحبت وجود أسلوب أو أساليب معينة، علما بأن هذه الظروف والمتغيرات هي الأساس الذي ينبغي أن يركز عليه الباحث، باعتبارها متغيرات رئيسة لإقرار الفكرة التي يهدف إليها في بحثه.   (1) المرجع السابق ص / 206 - 215. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 [ المبحث الرابع أساليب نهاية الدستور ] المبحث الرابع: أساليب نهاية الدستور: يقصد بنهاية الدستور، إلغاؤه كليا، أو تعديله تعديلا شاملا. ومن تتبع بعض التجارب الدستورية المختلفة، وجد أنه وإن اختلفت الدساتير من حيث كيفية نهايتها، إلا أنه بشكل عام، يمكن أن ترجع هذه الكيفية إلى أساليب ثلاثة، هي: 1 - الأسلوب العادي: في ظل الدساتير المرنة، هناك سلطة واحدة تملك تعديل القوانين جميعا بالإجراءات نفسها، أما في حالة الدساتير الجامدة، فإن تعديلها يتطلب إجراءات أشد من الإجراءات المتبعة لتعديل القانون العادي، ومعظم الدساتير الجامدة لا تنظم سوى الكيفية التي تعدل بها تعديلا جزئيا، بحيث تجيز للسلطة المختصة بإنشاء الدستور تعديل بعض أحكامه ولا تجيز لها إلغاءه، أو تعديله تعديلا شاملا. والقاعدة المتبعة في القانون الوضعي، أن الأمة بوصفها صاحبة السلطة التأسيسية الأصلية هي صاحبة الحق فقط في إلغاء دستورها في أي وقت تشاء وأن تضع دستورا جديدا عن طريق جمعية تأسيسية تنتخبها، أو استفتاء تأسيسي أو عن أي طريق دستوري آخر تراه ملائما لتحقيق هذا الغرض. وعلى هذا يكون إنهاء الدستور بالأسلوب العادي، أو ما يمكن أن يسمى بالأسلوب السلمي، يختلف حسب نوعية الدستور في كل دولة، هل هو جامد أو مرن، وهل ينص على كيفية التعديل والإلغاء في بنوده أولا ينص (1) .   (1) د. سعد عصفور، القانون، ص / 206 - 215. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 2 - الأسلوب غير العادي: ويسميه البعض الأسلوب الثوري يكون ذلك بإلغاء الدستور نتيجة لظروف غير عادية أدت إلى هذا الإلغاء أو إلى تعطيل الدستور. ويظهر هذا الأسلوب بوضوح في التاريخ الدستوري الفرنسي، فإن الذين يتسببون في هذا الإلغاء أو التعطيل يقصدون تحقيق أهداف مختلفة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم غيرها، يكون سبيلهم إليها تسلم سلطات الحكم، ويؤدي ذلك إلى سقوط الدستور القائم إنشاء دستور جديد، وبغض النظر عن صحة هذا الأسلوب في تحقيق الأهداف، وهل له سند قانوني أو لا، مما هو مجال بحث وخلاف بين فقهاء القانون الدستوري، فإن ما يهدف إليه هذا المبحث هو معرفة الأثر المترتب على ذلك، وهو نهاية الدستور القائم وقيام بديل له. والفقهاء القانونيون متفقون على أن سقوط الدستور لا يسقط القوانين العادية التي صدرت بإجراء سليم في ظل الدستور السابق، ما لم ينص على ذلك صراحة أو ضمنا، وكذلك الأحكام الموجودة في الدستور وليست أحكاما دستورية، فإنها تأخذ الحكم نفسه الذي تأخذه القوانين العادية؛ لأن إلغاء الدستور يقصد به تعديل النظام السياسي للدولة، وهذه الأحكام ليست من الأحكام الأساسية، وإنما وضعت في الدستور صيانة لها من التعديل وإعطاءها حصانة شكلية اكتسبتها من وجودها ضمن مواد الدستور؛ فتبقى هذه الأحكام، وهنا تزول عنها الصفة الدستورية وتعامل مستقبلا معاملة القوانين العادية، ما لم تعد إلى الدستور الجديد بنص صريح (1) .   (1) المرجع السابق، ص 216 - 220. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 3 - أسلوب العرف: وذلك أن العرف قد يجرى بعدم تطبيق الدستور؛ نظرا لظروف تقتضي عدم تطبيقه، فالدستور موجود ولم يلغ، ولم يطالب أحد بإلغائه، ولكن يستقر العرف بعدم تطبيق نصوصه، وذلك مثل العرف الذي جرى بعدم تطبيق الدستور الثاني للثورة الفرنسية الصادر سنة 1793م، ويختلف الفقهاء في أثر العرف على الدستور القائم على رأيين: أحدهما يرى جوازه إذا توافرت أركان العرف المادية والمعنوية، والثاني يرى عدم الجواز، ويقولون: إن النصوص الدستورية لا تلغى بعدم التطبيق، وإنما بالطريقة نفسها التي وجدت بها (1) .   (1) د. إسماعيل بدوي، مبادئ القانون الدستوري، دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية، ص 49، طبعة دار الكتاب الجامعي - القاهرة 1399هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 [ المبحث الخامس مصادر الدستور ] المبحث الخامس: مصادر الدستور: حدد فقهاء القانون أربعة مصادر للدستور يستمد منها أحكامه، وهي: الفقه والقضاء، والعرف، والتشريع، وفيما يلي استعراض موجز لهذه المصادر: 1 - الفقه القانوني: يعتبر الفقه في السابق مصدرا للقانون، أي أن القاعدة القانونية التي مصدرها الفقه تكتسب صفة الإلزام، ومع التطور الذي مر على القانون بفروعه المختلفة، أصبح الفقه مصدرا ماديا للقانون، أي أنه الطريق الذي تتكون به القاعدة القانونية وتستمد منه مادتها وموضوعها، فلم يعد يعتمد عليه في تفسير النصوص التي يسنها المشرع، لذلك يسميه بعض الفقهاء بالمصدر التفسيري (1) فالفقه يمثل الناحية العلمية أو النظرية للقانون، فهو لا يعدو أن يكون مجموعة من النظريات التي ليست لها صفة الإلزام، ويظهر أثر الفقه في مجال القانون الدستوري الإنجليزي أكثر منه في مجالات القوانين الأخرى؛ لأن النصوص الدستورية في إنجلترا قليلة جدا، فتبقى محتاجة إلى أن تدرس من جانب الفقهاء (2) . 2 - القضاء: القضاء مجموعة الأحكام الصادرة من المحاكم أثناء تطبيقها للقانون على المنازعات المعروضة، وهي على ضربين: - أحكام عادية هي مجرد تطبيق للقانون. - أحكام متضمنة لمبادئ غير منصوص عليها أو حاسمة لخلاف حول النص.   (1) المرجع السابق، ص 57 - 60. (2) المرجع السابق، ص 60 - 61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وكان القضاء مصدرا رسميا، وأصبح الآن مصدرا ماديا (1) ويبرز دوره في تفسير النصوص التشريعية كالفقه، ولكنه يختلف عن الفقه في أن الفقيه يفترض أمورا محتملة لم تقع، ويقترح لها حلولا مناسبة ويردها إلى الأصول والنظريات، فالفقه له طابع العمومية، واستباق الأحداث، ومسايرة التطور، أما القضاء فينظر فقط فيما يعرض عليه من قضايا ويسعى إلى الفصل فيها، على هدي الاعتبارات العملية التي تحتل المكان الأول في ساحته، فالفقه يمثل الناحية العلمية أو النظرية للقانون، والقضاء يمثل الناحية العملية أو التطبيقية، والأحكام الدستورية في بريطانيا تدين كثيرا للسوابق القضائية التي أنشأت أحكاما دستورية جديدة، إما بدعوى وتفسير أحكام دستورية غامضة، وإما لحسم خلاف حول نص دستوري أو بحكم في أمر لم ينص عليه (2) . 3 - العرف: اختلف الفقهاء القانونيين في كون العرف مصدرا رسميا للدستور على رأيين: - أحدهما، لا يسلم بغير التشريع مصدرا، وينكر كل قيمة للعرف إلا إذا أقره المشرع، أو اعترف به القضاء، إلا أن معتدلي هذا الاتجاه يسلمون بالعرف مصدرا على أساس أنه يمثل الإرادة المفترضة للمشروع. - أما الرأي الآخر: فيعتبر العرف مصدرا، ويلقى هذا الرأي تأييد معظم فقهاء الدستور (3) .   (1) أي أنه مصدر تفسيري للقاعدة القانونية. (2) المرجع السابق، ص 62 - 65. (3) المرجع السابق، ص 66 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ومعلوم أن فكرة الدولة ظهرت تدريجيا تحت تأثير مجموعة من العوامل التاريخية، وذلك على مراحل متدرجة، إلى أن اكتملت عناصر قيامها، حيث صاحب ذلك استقرار مجموعة من القواعد التي تبين كيفية تنظيم سلطاتها، ومصدر هذه القواعد هو العرف؛ لأنها قواعد نتجت عن التقاليد والعادات، ومن ثم كانت قواعد عرفية. ولكن مع التطور التاريخي، وظهور الدساتير المكتوبة وانتشارها في معظم دول العالم، لم يعد العرف مصدرا رئيسا لقواعد الدستور فيما عدا إنجلترا، فلا خلاف في أهمية العرف، ومكانته بالنسبة للدول التي ليس لها دساتير مكتوبة، ولكن يختلف الفقهاء حول دور العرف ومكانته واعتباره مصدرا للدستور بالنسبة للدول ذات الدساتير المكتوبة، وهم في ذلك على رأيين: - أحدهما: ينكر كل دور للعرف في الشؤون الدستورية. - والآخر: يقر للعرف هذه القواعد بالنسبة لنصوص وثيقة الدستور (1) . 4 - التشريع: التشريع هو سن القواعد القانونية، وإكسابها قوتها الملزمة عن طريق سلطة مختصة وفقا لإجراءات معينة (2) ولقد ازدادت أهمية التشريع باعتباره مصدرا رسميا للقانون بازدياد التطور التدريجي للمجتمعات، فبينما كان العرف مصدرا رئيسا للقواعد القانونية المنظمة للمجتمع في العصور القديمة أخذ دور العرف يقل تدريجيا، ويزداد دور التشريع،   (1) د. محمد حسين عبد العال، القانون الدستوري، ص 87 - 89. (2) د. سعد عصفور، القانون الدستوري والأنظمة السياسية، القسم الأول، ص40 - 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وذلك لانتقال المجتمعات إلى مرحلة التنظيم السياسي وقيام الدولة، وكذلك لأنه أصلح المصادر الرسمية وأكثرها ملاءمة لحاجات الجماعة المتطورة، فالعرف وإن كان يصدر عن الجماعة إلا أنه بطيء في نشوئه وتطوره، فضلا عما قد يشوبه من غموض بجهل قواعده، في حين أن التشريع وسيلة ميسرة وسريعة في انتشار القواعد القانونية وتعديلها، ووضوحها، وانضباطها، فالتشريع هو المصدر الرسمي الرئيس للقانون بشكل عام وللدستور بشكل خاص (1) . ويحدد عادة في الدستور السلطة المختصة بالتشريع، وتسمى السلطة التشريعية، وكيفية ممارستها لواجباتها، وكيفية تكوينها، وقد يوجد في الدولة الواحدة أكثر من سلطة تشريعية، ففي الدول التي يكون دستورها غير مرن لا بد من وجود سلطة تأسيسية أو دستورية لإقرار وتعديل الدستور، غير السلطة التشريعية المختصة بالتشريع العادي، فيكون تدرج قوة التشريع تسلسليا من التشريع الدستوري إلى التشريع العادي إلى التشريع الفرعي، ولا يجوز لأي تشريع أن يخالف تشريعا أعلى منه درجة، وفي حالة وجود ذلك يكون التشريع المخالف غير شرعي، ولضبط عملية مشروعية التشريعات، وتنظيم رقابتها، وتقرير الجزاء المناسب بالنسبة للتشريع المخالف، نشأ ما يسمى برقابة مشروعية التشريع بفرعيها وهما: رقابة مشروعية التشريع العادي، الذي اصطلح عليه برقابة دستورية القوانين وهي من مباحث القانون الدستوري. والفرع الثاني رقابة مشروعية التشريع الفرعي، وهي من مباحث القانون الإداري.   (1) المرجع السابق، ص 40 - 41. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 [ المبحث السادس مقومات الدستور الأساسية ] المبحث السادس: مقومات الدستور الأساسية: يجب أن يحتوي كل دستور على مقومات رئيسة يتضمنها الدستور، وهي بشكل عام القواعد التي تبين شكل الدولة، ونوع نظام الحكم فيها وتحديد السلطات العامة، وعلاقتها ببعضها، وحقوق وواجبات الأفراد تجاه الدولة؛ فغالبا ما يحتوي الدستور على مقدمة هي عبارة عن ديباجة توضح الفكرة التي تقوم عليها الدولة، ثم يقسم الدستور إلى أبواب وفصول، يحوي كل باب أو فصل مواد متسلسلة، حول موضوع من المواضيع التي يعنى بها الدستور، ويحدد عنوان لكل فصل أو باب حسب كل موضوع من هذه المواضيع، وغالبا ما يكون ترتيب هذه الأبواب والفصول على النحو التالي: - تعريف بالدولة يحدد شعب الدولة، وأرضها، وسيادتها، وشكلها ومنهجها السياسي. - المقومات الأساسية للمجتمع. - السلطات العامة. - أحكام عامة. - تعديل الدستور. - أحكام انتقالية (1) . ولقد حدد بعض (2) المفكرين المسائل التي يجيب عليها الدستور في تسع نقاط هي:   (1) انظر: الدستور المصري، المطبعة الأميرية، والدستور السوري لعام 1369هـ. (2) الأستاذ: أبو الأعلى المودودي في كتابه تدوين الدستور الإسلامي، ص 21 - 76. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 - لمن الحكم؟ - ما حدود تصرفات الدولة؟ - ما الحدود التي تعمل السلطات الثلاث في حيزها؟ - ما الغاية التي تقوم لأجلها الدولة؟ - كيف تؤلف الحكومة لتسير نظام الدولة؟ - ما الصفات التي يتحلى بها القائمون بأمر الحكومة؟ - ماذا يكون في الدستور من أسس المواطنة وبأي طريق يصبح الفرد عضوا في كيان الدولة؟ - ما الحقوق الرئيسة لمواطني الدولة؟ - ما حقوق الدولة على المواطنين؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 [ الفصل الثالث الدولة ] [ المبحث الأول تعريف الدولة ] الفصل الثالث: الدولة المبحث الأول: تعريف الدولة. المبحث الثاني: أركان الدولة. المبحث الثالث: مقومات الدولة القانونية وضمانات تحقيقها. المبحث الرابع: أنواع الدول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 المبحث الأول: تعريف الدولة: - التعريف اللغوي: الدولة في اللغة بتشديد الدال مع فتحها أو ضمها، العاقبة في المال والحرب، وقيل: بالضم في المال، وبالفتح بالحرب، وقيل: بالضم للآخرة وبالفتح للدنيا، وتجمع على دول بضم الدال وفتح الواو، ودول بكسر الدال وفتح الواو، والإدالة الغلبة، أديل لنا على أعدائنا أي نصرنا عليهم، وكانت الدولة لنا (1) . ومن هذا المعنى جاء مصطلح الدولة نتيجة لغلبتها، وإلا لما كانت دولة، وقد ورد لفظ الدولة في القرآن الكريم في قوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] الآية (2) . - التعريف الاصطلاحي: تعرف الدولة بأنها، شعب مستقر على إقليم معين، وخاضع لسلطة سياسية معينة، وهذا التعريف يتفق عليه أكثر الفقهاء لأنه يحتوي العناصر الرئيسة التي لا بد لقيام أي دولة منها، وهي الشعب، والإقليم والسلطة وإن اختلفوا في صياغة التعريف، ومرد هذا الاختلاف إلى أن كل فقيه يصدر في تعريفه عن فكرته القانونية للدولة (3) .   (1) ابن منظور، لسان العرب، ص 1034 جـ1، محمد الأمين الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، تتمة عطية سالم، جـ8 ص 53، 54، الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد 1403هـ. (2) سورة الحشر آية رقم: 7. (3) د. سعد عصفور، القانون الدستوري والنظم السياسية، القسم الأول، ص 93 - 94. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 [ المبحث الثاني أركان الدولة ] المبحث الثاني: أركان الدولة: تقوم الدولة على ثلاثة أركان هي: 1 - الشعب: لا يتصور وجود دولة دون وجود مجموعة من البشر، ولا بد أن ينشأ لدى هذه المجموعة، إحساس بضرورة إشباع حاجات شتى، والتعاون على أداء المناشط المطلوبة لإشباع هذه الحاجات، ويتكون شعب أي دولة من وطنيين يتمتعون بجنسية الدولة، وتربطهم بها رابطة الولاء، وأجانب يوجدون على إقليم الدولة لا تربطهم بها سوى رابطة التوطن أو الإقامة حسب الأحوال (1) . 2 - الإقليم: إذا وجد الشعب فلا بد له من الاستقرار على إقليم ما، يكون مستقرا للشعب ومصدرا رئيسا لثروة الدولة، وإقليم الدولة هو ذلك الجزء من الكرة الأرضية الذي تباشر الدولة عليه سلطانها، ولا يمارس عليه سلطان غير سلطانها. ويتكون إقليم الدولة من ثلاثة أجزاء، جزء أرضي، وهو الجزء اليابس الذي تعينه حدود الدولة، ويستعمل سطح الأرض وما دونه من طبقات إلى ما لا نهاية، وما فوق ذلك السطح من مرتفعات كالجبال والهضاب وجزء مائي، ويشمل المياه الموجودة داخل حدود الدولة من أنهار وبحيرات ونصيب من البحار العامة الملاصقة لإقليم الدولة، وتسمى المياه الإقليمية، وجزء هوائي ويشمل طبقات الهواء فوق الإقليمين الأرضي والمائي حسب ما هو   (1) المرجع السابق، ص 95. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 محدد في أحكام القانون الدولي العام (1) وقد يكون إقليم الدولة متصلا بشكل واحد وهو الغالب، أو منفصلا كالباكستان سابقا عندما كانت تنقسم إلى قسمين شرقي وغربي حتى انفصلت باكستان الشرقية وأصبحت دولة مستقلة تسمى بنجلادش فظل اسم باكستان يطلق على باكستان الغربية. 3 - السلطة: لا يكفي لقيام الدولة وجود شعب معين على إقليم معين، فلا بد من قيام حكومة تباشر السلطات باسم الدولة، وركن الحكومة أو السلطة هو الذي يميز الدولة عن الأمة، فالأمة تتفق مع الدولة في ركني الشعب والإقليم، ولكنها تختلف عنهما في ركن السلطة السياسية، وإذا ما تيسر لأمة ما أن تقيم حكومة تخضع لسلطانها فإنها تصبح دولة (2) . ويلحق بركن السلطة ركن آخر هو السيادة، وهو مثار لجدل بين فقهاء القانون حيث اختلفوا في ذلك على رأيين، الرأي الأول ويمثل النظرية الفرنسية، وتقول بوجوب وجود السيادة، وأنه لا يمكن قيام دولة ليست ذات سيادة، أي أن الجماعة لا تستحق وصف الدولة، إلا إذا كانت تتمتع بالسيادة أي بالسلطة غير المقيدة في الخارج والداخل. والرأي الثاني، ويمثل النظرية الألمانية، حيث لا تشترط لقيام الدولة أن توجد حكومة ذات سيادة، ومقتضى هذه النظرية، أن العبرة في قيام الدولة هي بوجود الحكومة التي تملك سلطة إصداره أوامر ملزمة في قدر معين من الشؤون المتصلة بالحكم، ولو لم تكن لها السيادة بالمعنى المطلق في تلك الشؤون كافة (3) .   (1) د. يحيى الجمل، الأنظمة السياسية المعاصرة، مرجع سابق ص 96، ص 32، دار النهضة المصرية 1969م. (2) د. سعد عصفور، القانون الدستوري والنظم السياسية، قسم أول، د. سعد عصفور، القانون الدستوري، ص 223. (3) المرجع السابق، ص 234 - 235. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 [ المبحث الثالث مقومات الدولة القانونية وضمانات تحقيقها ] المبحث الثالث: مقومات الدولة القانونية وضمانات تحقيقها: أولا: مقومات الدولة القانونية: الدولة القانونية هي تلك الدولة الخاضعة للقانون، سلطة وأفرادا (1) . ووجود هذه الدولة يلزم منه وجود مقوماتها، وهي: 1 - وجود الدستور: فلا بد أن يكون لهذه الدولة دستور يحدد سلطات الحكومة، وحقوقها وواجباتها، وحقوق الأفراد، وواجباتهم، والعلاقة بين السلطات وشكل الدولة، ونظام الحكم فيها، سواء أكان هذا الدستور مدونا أم غير مدون. 2 - تدرج القواعد القانونية: ويقصد بتدرج القواعد القانونية أن تكون الدولة قائمة في نظامها القانوني على قواعد متسلسلة من حيث القيمة والقوة، فالقاعدة القانونية التي في مرتبة أدنى تستند إلى أعلى منها وهكذا، وتسلسلها كما يلي: - الدستور. - القوانين العادية. - اللوائح الإدارية. - القرارات الإدارية الصادرة من سلطة إدارية دنيا. 3 - خضوع الإدارة للقانون: خضوع الإدارة للقانون يؤدي إلى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم،   (1) د. منير البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 499، جامعة بغداد، طبعة أولى، 1399هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ويؤدي هذا المبدأ إلى مبدأ آخر وهو سيادة القانون، ويقصد بالإدارة جميع أجهزة الدولة، وإذا خضعت الإدارة للقانون فإن ذلك يؤدي إلى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، وإذا لم تخضع الإدارة للقانون يقع بالأفراد الظلم وتصادر حرياتهم، فالدولة التي تخضع للقانون دولة قانونية وعكسها الدولة غير القانونية. 4 - الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية: من أجل أن تكون الدولة قانونية لا بد من اعترافها بحقوق الأفراد وحرياتهم؛ لأن هدف الدولة القانونية هو حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من سياسية، واقتصادية واجتماعية، وفكرية، ودينية. ثانيا: ضمانات تحقيق مقومات الدولة القانونية: لكي تتحقق مقومات الدولة القانونية حدد فقهاء القانون المعاصرين عدة ضمانات لا بد من وجودها لتحقيق تلك المقومات، وهذه الضمانات هي: 1 - الفصل بين السلطات: هذا المبدأ يشكل ضمانة لخضوع الدولة للقانون وهي ضمانة مهمة وفعالة ولكن عدم الأخذ به لا يعني عدم قيام الدولة القانونية؛ لأن مجرد احترام الهيئات الحاكمة لقواعد اختصاصها وعدم خروجها عن حدود سلطاتها يكفي لاعتبار الدولة خاضعة للقانون، إلا أنه من تتبع التجارب يتضح أن هذا المبدأ أسهم بشكل فعال في خضوع الدولة للقانون. 2 - تنظيم رقابة قضائية: مقتضاه أن تخضع أعمال الهيئات العامة للقضاء المتخصص الذي يملك مناقشتها في تصرفاتها، وتعتبر هذه الضمانة أقوى الضمانات جميعا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 3 - تطبيق النظام الديمقراطي: يذكر القانونيون هذا المبدأ باعتباره ضمانة من ضمانات الدولة القانونية، ومقتضى هذه الضمانة هو تنظيم الحكم بطريقة تجعل للمحكومين الحق في اختيار الحاكم، ومشاركته السلطة، ومراقبته، وعزله؛ مما يكون له الأثر الفعال في خضوع الحكام للقانون، ونزولهم على أحكامه (1) . وهذه الضمانة كغيرها من الضمانات السابقة، والحديث في هذا الباب كله إنما جاء من وجهة النظر القانونية، بصرف النظر عن اتفاقه مع وجهة النظر الإسلامية، أو اختلافه معها؛ إذ الحديث عن وجهة النظر الإسلامية في الدستور والدولة في الإسلام له مباحثه فيما بعد.   (1) المرجع السابق، ص 46 - 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 [ المبحث الرابع أنواع الدول ] المبحث الرابع: أنواع الدول: تقسم الدول إلى عدة تقسيمات، تختلف حسب الهدف من التقسيم، وأهم هذه التقسيمات في مباحث الدستور هو تقسيم الدول إلى بسيطة، ومركبة (1) . 1 - فالدولة البسيطة أو الموحدة: هي دولة تباشر سلطات الحكم فيها حكومة واحدة، مثل فرنسا، وبلجيكا، واليونان (2) . 2 - والدولة المركبة: هي الدولة المكونة من عدة دول تتنوع سلطات الحكم بينها، على نحو يختلف باختلاف نوع الاتحاد الرابط بينها (3) ويقسم فقهاء القانون الاتحاد إلى أربعة أنواع هي: أ - الاتحاد الشخصي: هو أن تتحد دولتان في شخص رئيس الدولة فقط، وتعتبر كل دولة مستقلة بكيانها، وسلطاتها، ورموزها، تمام الاستقلال، ماعدا أن رئيس الدولتين واحد، وهو عندما يتصرف في أمر من الأمور لا ينفذ هذا التصرف إلا في حق الدولة التي يتعلق بها هذا الأمر فقط، في حدود ما حدده الدستور له من سلطة، ويوضح التاريخ أمثلة على الاتحاد الشخصي، مثل ما حدث في الاتحاد بين بريطانيا وهانوفر، حيث آل العرش إلى شخص واحد في الدولتين؛ نتيجة لقوانين الوراثة، وانقضى الاتحاد لزوال صفة الملك عن ذلك الشخص في إحدى الدولتين بحكم قوانين الوراثة نفسها، وذلك كان عام 1714م إلى عام 1838م السنة التي   (1) د. سعد عصفور، القانون الدستوري والنظم السياسية، ص 102. (2) د. سعد عصفور، القانون الدستوري والنظم السياسية، ص 102. (3) المرجع السابق ص 103. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 تولت الملكة فكتوريا عرش بريطانيا، حيث أن الدستور في هانوفر لا يسمح للنساء بتولي العرش (1) . ب - الاتحاد الحقيقي أو الفعلي: وهو أن تتحد الدولتان في شخص رئيس الدولة وفي الهيئة المشرفة على الشؤون الخارجية، وعلى هذا يكون هذا النوع من الاتحاد أقوى من سابقه؛ لأنه لا يقتصر على كون رئيس الدولتين واحد بل يتعداه إلى اتحاد الدولتين في مجال السياسة الخارجية، عن طريق هيئة مشتركة تباشر شؤونها، ويبقى السلطان الداخلي لكل دولة مستقلا كما هو الشأن في الاتحاد الشخصي، وينشأ هذا النوع إما عن طريق معاهدة بين دولتين، كما حدث بين السويد والنرويج سنة 1885م، وإما عن طريق تشريع متماثل تصدره دولتان، كما حدث بالنسبة لاتحاد الدنمراك وأيسلندا في الفترة من 1918 - 1944م (2) . جـ - الاتحاد التعاهدي أو الاستقلالي: وهو أن تتحد عدة دول على نحو يبقى معه لكل دولة سلطانها في الخارج والداخل، وتقوم هيئة مشتركة بتصريف بعض شؤونها الخارجية نيابة عنها، ويكون ذلك بأن تبرم مجموعة من الدول معاهدة تقضي بإنشاء مؤتمر مهمته رسم السياسة المشتركة وعرضها على الدول الأعضاء في الاتحاد لتقرر رأيها فيها، ولا تعتبر سارية المفعول ما لم تجمع عليها الدول الأعضاء، فالمؤتمر إذن ليس سلطة فوق الدول الأعضاء، وإنما هو أداة تظهر من خلالها رغبة تلك الدول، والعمل على التوفيق بينها، وليس للمؤتمر سلطة على رعايا دول الاتحاد، وليس له ما يخوله بالاتصال بهم إلا عن طريق دولهم.   (1) المرجع السابق، ص 103. (2) المرجع السابق، ص 104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ومن تتبع بعض التجارب يتبين أن هذا النوع من الاتحاد لا يدوم، فهو إما أن ينتهي بالانفصال كما حدث لاتحاد جمهوريات أمريكا الوسطى سنة 1898م، أو باشتداد الصلة بين الدول الأعضاء فيتحول بذلك إلى اتحاد مركزي، كما حدث بالنسبة للاتحاد الأمريكي سنة 1787م، والاتحاد السويسري سنة 1848م والاتحاد اليوناني سنة 1866م (1) . د - الاتحاد المركزي: وهو أن تتحد عدة دول في شكل دولة واحدة هي دولة الاتحاد، تكون مهمتها تصريف جميع الشؤون الخارجية لجميع الدول، وبعض الشؤون الداخلية لكل دولة. والسند التشريعي لهذا الاتحاد ليس معاهدة، وإنما هو دستور تلتزم بأحكامه الحكومة المركزية، ودول الاتحاد فيما بينها، ولدولة الاتحاد بموجب الدستور سلطان مباشر على رعايا الدول الأعضاء، دون الرجوع إلى تلك الدول، ومثال ذلك اتحاد الولايات الأمريكية، حيث تحول الاتحاد التعاهدي الأمريكي إلى اتحاد مركزي سنة 1787 (2) .   (1) المرجع السابق، ص 105. (2) المرجع السابق، ص 106. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 [ الباب الثاني الدستور في الإسلام ] [ الفصل الأول مسائل رئيسية في موضوع الدستور في الإسلام ] [ المبحث الأول تعريف الدستور في الإسلام وتدوينه وأساليب نشأته ونهايته ] [تعريف الدستور في الإسلام] الباب الثاني الدستور في الإسلام الفصل الأول: مسائل رئيسية في موضوع الدستور في الإسلام الفصل الثاني: تطبيقات دستورية في التاريخ الإسلامي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 كان الحديث في الباب الأول عن بعض المواضيع الرئيسة التي لا بد منها للتمهيد لموضوع البحث الرئيس، فكان الحديث في فصول ثلاثة عن القانون، والدستور، والدولة، وذلك وفق ما هو مقرر في القانون الوضعي المعاصر؛ وذلك من أجل تحديد مصطلحات البحث، ومقابلة تلك المصطلحات بما يوازيها في الفقه الدستوري الإسلامي الذي سيتناوله البحث في هذا الباب، حيث سيكون الكلام فيه عن الدستور في الإسلام، تعريفه، ومصادره، وخصائصه، ثم تطبيقات دستورية في العهود الإسلامية: المختلفة إلى عصرنا الحاضر. وليس الهدف الرئيس من هذا الكتاب الدراسة الموازنة، ولكنه عرض لمشكلة الدستور في البلاد الإسلامية في هذا العصر، لذلك فلن يتسم هذا الباب بالدراسة الموازنة البحتة، إلا بقدر ما يحتاجه البحث من موازنة تفيد في عرض موقف الإسلام في مجال الدستور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الفصل الأول مسائل رئيسة في موضوع الدستور في الإسلام المبحث الأول: تعريف الدستور في الإسلام وحقيقته. المبحث الثاني: مصادر الدستور في الإسلام. المبحث الرابع: خصائص الدستور في الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 المبحث الأول: تعريف الدستور في الإسلام وتدوينه وأساليب نشأته ونهايته: أولا: تعريف الدستور في الإسلام: سبق تعريف الدستور لغة في المبحث الأول من الفصل الثاني من الباب الأول، وسيتم هنا عرض لتعريف الدستور في الإسلام من الناحية الاصطلاحية. ويمكن أن يعرف الدستور في الإسلام بتعريفين: أحدهما عام، والآخر خاص: أ - التعريف العام: الدستور في الإسلام هو مجموعة القواعد والأحكام العامة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، التي تنظم المبادئ الرئيسة التي يقوم عليها الحكم في الإسلام. فالدستور الإسلامي بهذا التعريف العام ثابت على مدى الزمن، لا يمكن تعديله، أو تغييره، أو إلغاؤه بحال؛ لأنه وحي من الله وليس لبشر أن يغير في الوحي أو يبدل. ب - التعريف الخاص: الدستور في الإسلام هو مجموعة القواعد والأحكام الأساسية في الدولة المسلمة، التي تبين نظام الحكم وشكل الدولة، والسلطات العامة فيها، والأشخاص والهيئات التي تتولى هذه السلطات، وارتباطها ببعضها، وبيان حقوق الأفراد، وواجباتهم، صادرة في ذلك عن مبادئ الإسلام العامة، وتنظيماته في الشؤون الدستورية. وتعريف الدستور بهذا المعنى، يمكن أن يسمى (التعريف الفني أو القانوني) ، وهو الذي تعنى به هذه الدراسة، والدستور بهذا المعنى لا يعني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الأحكام الشرعية الثابتة، والمبادئ الأساسية لنظام الحكم في الإسلام، وإنما يعني الدستور في دولة إسلامية - مهما اختلف زمان وجودها ومكانها - الذي يبين التنظيمات الأساسية في تلك الدولة حسب ظروفها وأحوالها، وقد يختلف عن دستور دولة إسلامية عن أخرى، باختلاف مكانها أو زمانها. ومما يوضح التعريفين السابقين، أن الأحكام والقواعد الدستورية في النظام الإسلامي تنقسم إلى قسمين: ثابتة، وغير ثابتة، فالثابتة هي ما ورد صريحا من قواعد عامة في نصوص القرآن والسنة، وما كان محل إجماع علماء المسلمين منها، في الشؤون الدستورية كالشورى، والعدالة، والمساواة، والتعاون. وغير الثابتة هي الأحكام المستنبطة عن طريق الاجتهاد والرأي، مما يتعلق بالأساليب والأنظمة، والتفصيلات التي تختلف تبعا لاختلاف ظروف الزمان والمكان (1) . ووفقا لما عليه الفقه الدستوري المعاصر الذي قسم الدساتير إلى جامدة ومرنة يجد الباحث في المقابل أن قواعد الدستور في الإسلام تشمل النوعين الجامد والمرن، وهي ما يقصد بها هنا الثابتة وغير الثابتة، فالثابتة تقابل الجامدة وغير الثابتة تقابل المرنة، ومن الأمثلة على القضايا الدستورية الثابتة في الإسلام عدم جواز تغيير دين الدولة الإسلامية، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار.   (1) د. عبد الحميد متولي، القانون الدستوري والأنظمة السياسية مع المقارنة بالمبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية، جـ 1 ص22 ـ 24، طبعة خامسة. د. محمد فاروق النبهان، منشأة المعارف بالإسكندرية، نظام الحكم في الإسلام، ص 184، طبعة عام 1393هـ، جامعة الكويت، د. إسماعيل بدوي، مبادئ القانون الدستوري، دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية، ص 32 - 34، دار الكتاب الجامعي، 1349هـ، د. علي محمد جريشة، المشروعية الإسلامية العليا، ص 107، طبعة عام 1396هـ، مكتبة وهبة، د. محمود حلمي، نظام الحكم الإسلامي مقارنا بالنظم المعاصرة، ص 116، طبعة أولى، 1970م، د. عبد الهادي أبو طالب، المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، ص 323، طبعة أولى، دار الكتاب بالدار البيضاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ومن القضايا المرنة: ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بصفته السياسية، أي باعتباره إماما ورئيسا للدولة، مما هو مبني على المصلحة الموجودة في عصره صلى الله عليه وسلم، مثل طريقة إرسال الجيوش. للقتال، وتولية القضاة والولاة، وعقد المعاهدات وتدبير أمور الدولة المالية والإدارية، فهذه أحكام وتشريعات وقتية حسب المصلحة والظروف في ذلك الزمن، مثل ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم بصفته قاضيا؛ لأنه يحكم بناء على ما يسمع من حجة، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, وإنما أقضي لكم على نحو ما أسمع منكم فمن قضيت له من حق أخيه شيئا، فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة» (1) . [ تدوين الدستور في الإسلام ] ثانيا: تدوين الدستور في الإسلام: اتضح مما سبق أن الأحكام الدستورية الإسلامية قسمان، قسم ثابت وقسم غير ثابت، وعليه فإن الأحكام والقواعد الثابتة لا تتغير مدى الزمن، سواء دونت فيما يسمى بوثيقة الدستور أم لم تدون، بل لم يثبت تدوينها على مر التاريخ الإسلامي، إذ ليس هناك حاجة إلى تدوينها ما دامت ثابتة في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين والمفترض أن الدولة الإسلامية يتوفر فيها العلماء والفقهاء الذين يهدون مسيرتها الدستورية ويستندون إلى هذه المصادر.   (1) رواه البخاري في الشهادات، باب من أقام البينة بعد اليمين، وفي الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم، ومسلم في الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، ومالك في الموطأ في الأقضية - باب الترغيب في القضاء في الحق، وأبو داود رقم 3583، 3584 - في الأقضية باب قضاء القاضي إذا أخطأ والترمذي رقم 1339 في الأحكام - باب ما جاء في التشديد على من يقضي له، والنسائي في القضاء - باب الحكم بالظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وسواء دونت هذه الأحكام أم لا فإن لها السمو على جميع القوانين والأحكام دستوريها وغير دستوريها؛ لأنها وحي من الله لا يسمو فوق حكمه حكم. فالبحث في تدوين الدستور إنما هو لدولة إسلامية معينة بما يحتويه من أحكام غير ثابتة؛ لأنها تختلف من دولة لأخرى، ولأنها هي التي يجب أن يحتويها الدستور، أما الأحكام الثابتة فإن تدوينها في دستور دولة معينة أمر لا لزوم له كما سبقت الإشارة إليه؛ لأن هذه الأحكام ثابتة في آيات القرآن وتفسيرها والأحاديث وشروحها، ومباحث الفقه وأصوله؛ ولأن هذه الدولة الإسلامية يجب أن تلتزم في دستورها بأحكام الشرع وأن لا تخالفها، وبالتالي فلها أن تعد دستورها وفق ظروفها، موافقة في ذلك شرع الله، ويحتوي هذا الدستور الأحكام الخاصة بدستور هذه الدولة. وفي هذا المجال نجد بعض الباحثين (1) في شأن الدستور الإسلامي يرى أن هناك تدوينا للدستور في بعض العصور، ويمثل بالوثيقة التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة، ويعتبرها دستورا للدولة في ذلك العصر، موافقا لظروف ومتطلبات الوقت الذي وضع فيه، والحقيقة أن هذه الوثيقة تحوي أحكاما دستورية تعالج بعض القضايا الدستورية في ذلك الوقت الذي وضعت فيه، ويمكن الاستئناس بها عند تدوين أي دستور لدولة إسلامية، ولكنها ليست دستورا كاملا بمعنى الدستور الفني أو الخاص بل هي وثيقة دستورية لها أهميتها في تاريخ الدولة الدستورية. ولم يثبت بعد هذه الوثيقة تدوين يشبهها لأحكام   (1) أمثال: الدكتور: محمد سليم العوا، الدكتور محمد حميد الله، والدكتور منير البياتي، والدكتور عون الشريف قاسم، والدكتور أحمد حمد وآخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 دستورية في الدولة الإسلامية، بل استمر العمل بالرجوع إلى الأحكام الثابتة، واستنباط أحكام جديدة لما يستجد من وقائع، والتعارف على أعراف معينة غير مخالفة لأحكام الشريعة (1) تستقر لفترة من الزمن، حتى بدأت حركة تدوين الدساتير في الدول الإسلامية بإعلان الدستور التونسي عام 1276هـ الموافق 1861م ثم الدستور العثماني عام 1293هـ الموافق 1876م. اللذين يمكن اعتبارهما أول دستورين إسلاميين بمعنى الدستور الخاص تم تدوينهما (2) . ويستنتج من ذلك وفقا للمعنى الخاص للدستور أنه من الممكن أن توجد دساتير مدونة في بعض الدول الإسلامية وأخرى غير مدونة، أو توجد بعض قواعد الدستور مدونة وبعضها الآخر غير مدون، أي أنه ليس هناك إلزام بتدوين الدستور في النظام الإسلامي، ولا إلزام بعدم التدوين، وأن ذلك راجع لما تستقر عليه الآراء في الدولة الإسلامية وللظروف المتغيرة، بحيث قد يكون الأفضل في جهات متعددة التدوين صيانة لحقوق عامة للمسلمين واستئناسا بتوثيق التداين، {وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} [البقرة: 282] (3) واستئناسا بتدوين السنة مع ورود نصوص تصرف عن ذلك وبالوثيقة النبوية التي كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة.   (1) ومثال القواعد الدستورية العرفية نوع الشورى وشكلها ومداها وطريقة اختيار الحاكم وغير ذلك مما هو في عمومه عرفي وفي خصوصه قد ينص على شكل من أشكاله في دستور دولة إسلامية معينة. (2) د. محمد السيد سليم ود. محمد مفتي، الإسلام في دساتير الدول الإسلامية، ص10 - 11، جامعة الملك سعود 1408هـ. (3) سورة البقرة آية 282. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وقد لا يحتاج إلى التدوين في جهات وأزمان معينة إذا أمن جانب صيانة حقوق عامة المسلمين وترجحت مراعاتها، فليس المهم في النظام الإسلامي النظر إلى الشكل ولكن المهم هو المضمون، وهو وجود قواعد دستورية راسخة وصريحة متمشية مع حكم الله، تضمن للحاكم والمحكوم حقوقهما على حد سواء، وليس ضروريا بعد ذلك أن تكون هذه القواعد مدونة في وثيقة تسمى الدستور أو تكون غير مدونة. ثم إن الدستور بمعناه الخاص في الدولة الإسلامية قد يكون ثابتا أو مرنا حسب ظروف كل دولة، وما يستقر الرأي الدستوري فيها عليه من أمر بهذا الخصوص، ولا علاقة بين تدوين الدستور وثباته، فقد يكون الدستور مدونا ومرنا، وقد يكون ثابتا وهو غير مدون، والعكس كذلك، وهذا الثبات الذي أشير إليه هنا متعلق بالدستور بمعناه الفني أو القانوني، وبالتأكيد فإن الثبات هنا هو ثبات نسبي. وفي حالة تدوين دستور معين لدولة إسلامية، يجب النص على أن الحكم لله وحده، وأن السيادة المطلقة لله {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57] (1) . وإن التشريع الملزم هو من عند الله {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] (2) . كما أنه لا يفضل وضع نص قرآني ضمن مواد الدستور؛ لأن مواد الدستور من طبيعتها التغير، وليس ذلك من طبيعة نصوص القرآن؛ ولأن النصوص القرآنية فوق النصوص الدستورية وبالتالي فإن وضعها مادة في الدستور إنقاص من شأنها، وإنما يستخلص الحكم الدستوري من الآية، ويذكر أن ذلك استنادا إلى الآية كذا، ومثال ذلك عندما يراد أن ينص على أن الشورى أساس من أسس الحكم، لا توضع آية: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]   (1) سورة الأنعام آية 57. (2) سورة المائدة آية 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 (1) مادة كبقية المواد، وإنما يقال مثلا: " إن الشورى أساس من أسس الحكم "، ثم تفصل كيفية الشورى ونطاقها وفق ظروف الواقعة. والخلاصة: أن تدوين الدستور في الدولة الإسلامية ليس بضرورة، فالأمر فيه متروك للحاجة والمصلحة، ويتأكد التدوين عند قلة العلماء المجتهدين، وضعف الوازع الديني لدى المؤسسات الدستورية، والخوف على حقوق عامة المسلمين. وعدم تدوين الدستور في الدولة الإسلامية لا يعني عدم وجود المؤسسات الدستورية، فوجودها غير مرتبط بالتدوين أو عدمه؛ لأن وجودها مرتبط بوجود الدولة الإسلامية ذاتها. [ أساليب نشأة الدساتير في الإسلام ونهايتها ] ثالثا: أساليب نشأة الدساتير في الإسلام ونهايتها: 1 - أساليب نشأة الدساتير في الإسلام: سبق الكلام في الباب الأول حول أساليب نشأة الدساتير، حيث يحدد علماء الفقه الدستوري المعاصر عدة أساليب لنشأة الدساتير التي حصروها في: أ - أسلوب المنحة. ب - أسلوب التعاقد. جـ - أسلوب الجمعية الوطنية المنتخبة. د - أسلوب الاستفتاء التأسيس. وقد رجحت الرأي القائل بأن حصر أساليب نشأة الدستور أمر غير مسلّم وأن كل أسلوب من الأساليب المذكورة يمثل الأسلوب الذي اتبع في مرحله معينة لها ظروفها التي أدت إلى وجود هذا الأسلوب، وأنه قد   (1) سورة الشورى آية 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 تستجد أساليب جديدة وفق ظروف معينة، إضافة إلى أن الأساليب المذكورة تمثل ما تم اتباعه في ظل الأنظمة الغربية التي هي نتيجة لثقافة وظروف وتاريخ تلك الأنظمة، وأنه قد تتبع أساليب أخرى بالنسبة للنظام الإسلامي؛ وذلك لاختلاف الظروف الحضارية والتاريخية لهذا النظام عن النظم الغربية المعاصرة. ومن الباحثين (1) في الفقه الدستوري الإسلامي من حدد أساليب أو أسلوبا معينا لنشوء الدستور في الدولة الإسلامية، كأسلوب المنحة وأسلوب التعاقد، أو أسلوب الجمعية الوطنية المنتخبة، وهذا أمر غير مسلم به كذلك؛ لأنه قد تستجد أساليب أخرى بتغير الظروف، ثم إن اختيار أسلوب من الأساليب المتبعة في الأنظمة الغربية، وتحديده أسلوبا لنشوء الدستور في النظام الإسلامي أمر غير مقبول؛ لأن النظام الإسلامي متميز عن ما سواه من الأنظمة الوضعية، وإن وافق في شيء من الجزئيات بعض هذه الأنظمة، فذلك لا يعني أن يصبغ النظام الإسلامي بصبغة هذه الأنظمة، فهو نظام له خصوصيته واستقلاليته. فالدستور في ظل النظام الإسلامي قد ينشأ بأسلوب مشابه شكلا لأحد الأساليب المستخدمة في الأنظمة الغربية، أو بأسلوب مختلف ومعايير لجميع تلك الأساليب، فالباحث في هذا المجال يجب أن يتحرر من إلزام نفسه باتباع المنهج الغربي التقليدي لتميز النظام الإسلامي في هذا المجال عن غيره من الأنظمة، فنشأة الدستور في النظام الإسلامي مرتبطة بالشرعية الإسلامية وأحكامها، فمن المعروف أن الأحكام الدستورية الثابتة ليست منحة من البشر، وليست كذلك مجالا للمناقشة   (1) كالدكتور: إسماعيل بدوي في كتابه " مبادئ القانون الدستور "، ص 43 - 45، والدكتور سليمان الطماوي في كتابه " عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة الحديثة "، ص 147، طبعة دار الفكر 1969م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 بقبولها أو رفضها سواء من الحكومات، أو من الشعوب فهي ملزمة للجميع، فمعروف أن السيادة في الإسلام لله وحده وليست للحكومة أو للشعب كما في بعض النظم، وبالتالي فالدولة تتقيد في سيادتها الداخلية والخارجية بالإسلام ولا تخرج على أحكامه، فأحكام الإسلام لها السيادة المطلقة، والأحكام الدستورية المتغيرة التي قد تدون فيما يسمى بوثيقة الدستور هي التي يكون المجال لنشوئها متروكا للأسلوب الذي يوافق ظروف الدولة الإسلامية وقت نشوء هذا الدستور الذي لا يخرج بحال عن أحكام الإسلام ولا يخالفها، وبالتالي فإن مسألة موافقة الحاكم أو الشعب على الدستور في ظل النظام الإسلامي مسألة نسبية، فالحكم المطلق والتشريع المطلق في الإسلام لله وحده، وإنما يكون اختيار الناس وموافقتهم فيما لم يرد فيه نص قاطع وما كان محلا للاجتهاد من أهل الاجتهاد (1) كل في تخصصه حسب الوقائع فلكل واقعة تتطلب الاجتهاد وأهلها؛ فينبغي التفريق هنا بين تحرير الواقعة التي يؤخذ فيهما رأي ذوي الخبرة من ساسة واقتصاديين ومهندسين وأطباء، أو عامة مستفيدين مما كان منفعته عامة، وبين ما كان اجتهادا في إظهار الحكم الشرعي وليس ذلك إلا لذوي العلم بالشريعة من أفراد تكمل بهم أداة الاجتهاد تفسيرا وحديثا وفقها وأصولا ولغة وبلاغة. إذن فنشأة الدستور في الدولة الإسلامية مرتبطة بالتزام المجتمع، والدولة بالإسلام عقيدة وشريعة، ثم إن بيعة الناس للحاكم ملزمة للطرفين بالتحاكم إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فإن الدولة المسلمة ملزمة بالدستور الإسلامي، ولا يتصور وجود حاكم مسلم أو دولة مسلمة غير ملتزمة بهذا الدستور.   (1) د. جمال الدين محمد محمود، قضية العودة إلى الإسلام في الدولة والمجتمع، ص 88، ط بدون، دار النهضة العربية، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 فنشأة الدستور بالمعنى المتعارف عليه لدى فقهاء القانون غير وارد في النظام الإسلامي؛ لأن الأحكام الدستورية الثابتة موجودة أصلا ولا داعي لإنشائها، أما الأحكام المتغيرة فمردها إلى المجتهدين من العلماء المسلمين، وإن كان هناك تشابه بين أسلوب نشوء - هذه الأحكام المتغيرة، وأحد الأساليب المتعارف عليها لدى الفقهاء القانونيين فهذه المشابهة شكلية فقط. 2 - أساليب نهاية الدساتير في الإسلام: ذكر في الباب الأول الأساليب التي ينتهي بها الدستور عادة، وفقا للفقه الدستوري الوضعي وهي: أ - الأسلوب السلمي. ب - الأسلوب غير العادي. جـ - أسلوب العرف. والنظام الدستوري الإسلامي يختلف عن النظم الوضعية، ذلك لأن جزءا من أحكامه وحي، والوحي غير قابل للتعديل والإنهاء من البشر. أما الجزء الآخر من أحكامه والتي قد تقنن، بناء على الاجتهاد والمصلحة في الدولة الإسلامية، فهذا يرجع لما يتفق عليه أهل الرأي حول إنهاء الدستور أو بعض أحكامه، فقد تنهى عن طريق الأسلوب الذي وضعت به، أو أي أسلوب يضمن عدم انتهاك حقوق الأفراد. وهو ما يشبه إلى حد ما الأسلوب السلمي، أو قد تنهى بعض أحكام الدستور بسبب تقادمها وعدم إمكانية تطبيقها فتهمل، أو ينشأ حكم جديد يتعارف عليه يكون ملغيا لحكم غير مبني على حكم شرعي ثابت، بشرط أن لا يكون في إلغائه ضرر، وأن لا يكون الحكم الجديد مخالفا لأحكام الشرع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 أما ما اصطلح عليه في الفقه الوضعي بالأسلوب غير العادي أو الأسلوب الثوري ومقتضاه أن توجد ظروف وأوضاع تؤدي إلى إلغاء الدستور أو تعطيله فهذا لا يوجد نظيره في الإسلام فيما يتعلق بالدستور بمعناه الثابت أو العام؛ لأن المسلمين ملتزمون بدستورهم بحكم إيمانهم وعقيدتهم، وتطبيق الدستور دين ملتزمون به، أما فيما يتعلق بالدستور بمعناه الخاص أو الفني فالأمر فيه راجع لأهل الحل والعقد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 [ المبحث الثاني مصادر الدستور في الإسلام ] [ القرآن الكريم هو المصدر الرئيسي للتشريع ] المبحث الثاني: مصادر الدستور في الإسلام: اتضح معنا في الباب الأول، أن مصادر الدستور في الأنظمة الوضعية هي: الفقه والقضاء والتشريع والعرف، والكلام في هذا المبحث عن مصادر الدستور في النظام الإسلامي، وذلك لاختلافها عن مصادر الدستور في النظم الوضعية. فمصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية تختلف عنها في القانون الوضعي، فمصدر الأحكام في الشريعة هو الوحي المتمثل في القرآن والسنة، وبقية المصادر تابعة للوحي، أما مصادر القانون الوضعي فهي بشرية ومرتكزة على نتاج الفكر البشري المجرد. وقد اختلف الباحثون المسلمون في مصادر الدستور في الإسلام على آراء ثلاثة هي: 1 - أن هذه المصادر هي مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية (1) . 2 - أن هذه المصادر هي القرآن، ثم السنة "وفق شروط معينة، ثم التشريع الصادر من أولي الأمر في إطار الشريعة الإسلامية، دون غيرها من المصادر (2) .   (1) ويتبنى هذا الرأي، د. إسماعيل بدوي، مبادئ القانون الدستوري. (2) ويتبنى هذا الرأي، د. عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم في الإسلام حيث يرى أن الأخذ بالسنة بالإضافة إلى الأخذ بالقرآن مشروط بأن لا تكون سنة آحاد، كما أنه يفرق بين آيات الأحكام الدستورية وسنن الأحكام الدستورية من حيث الإلزام وعدمه، فيرى أن سنن الأحكام الدستورية ليست كلها ملزمة كآيات الأحكام، وقد تمت مناقشته في آرائه من قبل بعض الباحثين، وليس هنا موضع تفصيل ذلك، كما أنني قد بينت الخلاف في ذلك مفصلا في رسالتي للماجستير المشار إليها في هامش مقدمة هذا الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 3 - أن هذه المصادر هي مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية مضافا إليها المصادر المأخوذ بها في القانون الوضعي ولكن وفق الشريعة الإسلامية (1) . وسوف نتحدث هنا عن كل مصدر من هذه المصادر على حدة، ونبين رأي العلماء والرأي الراجح في كل مصدر. أولا: القرآن الكريم: يتفق علماء القانون الدستوري الذين تكلموا في مصادر الدستور في الإسلام على أن القرآن الكريم هو المصدر الرئيس والأول للدستور، وأنه جاء فيما يتعلق بالأمور الدستورية بأحكام كلية ومبادئ أساسية، فأغلب ما ورد في القرآن الكريم من أحكام إنما هو أحكام كلية وقواعد عامة تجب مراعاتها في القضاء والاعتماد عليها في الاجتهاد، فلم يتعرض القرآن للتفصيلات أو الجزئيات في الأحكام الشرعية المتصلة بالقوانين؛ لاختلافها باختلاف البيئات وتغيرها بتغير المصالح، تاركا التفصيل في الجزئيات إلى السنة النبوية، والاجتهاد وفق ما تستدعيه المصلحة (2) . وهذه الأحكام والقواعد الكلية الواردة في القرآن الكريم هي أحكام وقواعد فوق أحكام وقواعد الدستور، وفق المعنى الفني للدستور، فهي قواعد وأحكام فوق دستورية تلتزم السلطة التأسيسية التي تضع الدستور   (1) ويتبنى هذا الرأي، د. محمد فاروق النبهان، نظام الحكم في الإسلام. (2) د. منير حميد البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 82، د. عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم في الإسلام، ص 33، د. محمد فاروق النبهان، نظام الحكم في الإسلام، ص 301 - 307، علي حسب الله، أصول التشريع الإسلامي، طبعة خامسة، 1396هـ، دار المعارف بمصر، د. محمد معروف الدواليبي، المدخل إلى علم أصول الفقه، ص 29، طبعة خامسة، 1985م، دار العلم للملايين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 في كل دولة إسلامية باحترامها، فالدستور قابل للتعديل والتغيير وأحكام القرآن الكريم ليست كذلك (1) . - الآيات الدستورية في القرآن: قررت النصوص القرآنية مبادئ أساسية يقوم عليها كل نظام دستوري عادل وهي الشورى والعدل والمساواة (2) (3) وتطرقت بعض الآيات القرآنية لأحكام دستورية معينة، مما يعتبر من المسائل المهمة التي يرجع إليها عند وضع دستور إسلامي. ونذكر فيما يلي بعض هذه الآيات وما قررته في المجال الدستوري: 1 - الآيات المقررة لضرورة الشورى، مثل قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] (4) . 2 - الآيات المقررة لمبدأ العدل، مثل قوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] (5) .   (1) د. علي محمد جريشة، المشروعية الإسلامية العليا، ص 107، طبعة أولى 1396هـ، مكتبة وهبة، د. محمود حلمي، نظام الحكم الإسلامي مقارنا بالنظم المعاصرة، ص 116، طبعة أولى 1971م، دار الفكر العربي. (2) عبد الوهاب خلاف، مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، ص 158، طبعة خامسة، دار القلم، 1402هـ. (3) ويحسن أن نشير هنا إلى ثلاثة أمور تتعلق بالمساواة في الإسلام وهى: أ - ما منع الشرع من المساواة فيه كشهادة الرجل والمرأة، وميراثهما، والقوامة وعصمة الطلاق. ب - ما أطلق فيه الشرع المساواة كتطبيق الأحكام الشرعية على الأبيض والأحمر، والشريف والدون عند وجود الأهلية، واكتمال شروط الحكم، وتخلف موانعه كالتسوية في إقامة حدود الله. جـ - التسوية حسب الأهلية والإنتاج وليس بين مطلق الأفراد: فليس أجر ساعي البريد كأجر الطبيب، وليس الفارس كالراجل في الغنيمة. وبهذه التفريقات نخرج من إطلاق المساواة في الديموقراطية الغربية، لأن المساواة ليس لها قيمة في ذاتها، بل مضمون قيمة، وبهذا تكون المساواة في بعض الحالات غير عادلة. (4) سورة آل عمران، آية 159. (5) سورة النساء، آية 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 3 - الآيات المقررة لمبدأ المساواة، مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] (1) . 4 - الآيات المقررة لضرورة الحكم بما أنزل الله، مثل قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] (2) . 5 - الآيات المقررة لنظام القضاء والتقاضي بين الناس، وأنهم سواء أمام ساحة القضاء، مثل قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] (3) . 6 - الآيات المتضمنة أحكاما للسلم والحرب، مثل قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61] (4) وقوله: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: 36] (5) . 7 - الآيات المتضمنة حقوق الأمة على الحاكم، مثل قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] (6) . 8 - الآيات المتضمنة لحقوق الحاكم على الأمة، مثل قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] (7) . 9 - الآيات المتضمنة لحق الحياة، مثل قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179] (8) .   (1) سورة الحجرات آية 10. (2) سورة المائدة آية 49. (3) سورة المائدة آية 8. (4) سورة الأنفال آية 61. (5) سورة التوبة آية 36. (6) سورة التوبة، آية 71. (7) سورة النساء آية 59. (8) سورة البقرة آية 179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 10 - الآيات المتضمنة للالتزام بالمعاهدات والوفاء بها، مثل قوله تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [الأنفال: 72] (1) . 11 - الآيات المتضمنة حق إبداء الرأي، مثل قوله تعالى: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71] (2) وقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة: 1] ) الآية (3) . 12 - الآيات المتضمنة لحق الملكية، مثل قوله تعالى: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] (4) . 13 - الآيات المقررة لحرمة المسكن، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] (5) . 14 - الآيات المقررة لحق التكريم للإنسان، والذي تنفرد بذكره صراحة الشريعة الإسلامية، مثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] (6) . 15 - الآيات المقررة لصيانة الأموال العامة، مثل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161] (7) . 16 - الآيات المقررة لقاعدة الولاء والبراء في الإسلام، وهي ما تقابل في مصطلح الفقه المعاصر الخيانة العظمى مع الاختلاف في المنطلق   (1) سورة الأنفال، آية 72. (2) سورة التوبة آية 71. (3) سورة المجادلة آية 1. (4) سورة البقرة، آية 279. (5) سورة النور، آية 27. (6) سورة الإسراء، آية 70. (7) سورة آل عمران، آية 161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 والأساس، وذلك مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] (1) . 17 - الآيات المقررة لعدم المساس بأمن المحايدين، مثل قوله تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء: 90] (2) . 18 - الآيات المقررة لحسن الجوار، مثل قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] (3) . 19 - الآيات المقررة لرابطة الإنسانية وأنها فوق اعتبار الجنس والنوع، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] (4) . مما تقدم يتضح أن القرآن قد تضمن مسائل دستورية مهمة، ولكن يجب أن يلاحظ أن الآيات السابق ذكرها ليس المراد من إيرادها الحصر بل التمثيل، وإلا فإن من الممكن استخراج مسائل دستورية أخرى من القرآن الكريم (5) . أما فيما يتعلق بالأمور المنظمة للشورى، والمحققة للعدل والمساواة وغيرها من تفاصيل الأحكام الدستورية فمتروك لأولي الأمر؛ ليفرعوا   (1) سورة الممتحنة، آية رقم 1. (2) سورة النساء، آية 90. (3) سورة الممتحنة، آية 8. (4) سورة النساء آية 1. (5) د. منير حميد البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 81 - 82، د. محمد بن عبد الله دراز، دستور الأخلاق في القرآن، ص 749 - 0 76 طبعة أولى 1393هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ويفصلوا حسب مقتضيات الحال ومصالح الناس دون أن يصطدموا بحكم تفصيلي شرعه القرآن، مراعين في ذلك تلك الأحكام الكلية، والنصوص الدالة على رفع الحرج، والدالة على إيجاب الوفاء بالعهد، والنصوص التي دلت على أن الأصل في الأشياء الإباحة (1) . [ المصدر الثاني للتشريع السنة النبوية ] ثانيا: السنة النبوية: تعتبر السنة مصدرا رئيسا من مصادر التشريع، وهي المصدر الثاني للتشريع بالاتفاق، وفي مجال الدستور فإن علماء القانون الدستوري المسلمين المعاصرين متفقون على أن السنة مصدر رئيس للتشريع الدستوري الإسلامي، كما اتفقوا في شأن القرآن، ولكن الاختلاف بينهم في شروط معينة يراها البعض، ويعترض عليها البعض الآخر. فبعض الباحثين (2) في القانون الدستوري أن سنة الآحاد لا يجوز الأخذ بها في مجال الأحكام الدستورية للاعتبارات التالية: 1 - أهمية الأحكام الدستورية وخطورتها. 2 - أن سنة الآحاد غير يقينية. 3 - أنه ليس كل سنن الأحكام الدستورية تعد تشريعا عاما، بل إن هذه السنن بصفتها قاعدة عامة لا تعد تشريعا عاما. وقد رد على الاعتبار الأول، ونوقش (3) بأن الأحكام الدستورية ليست إلا فرعا من فروع القانون العام، كبقية الفروع، وبالتالي لماذا يكون لها   (1) عبد الوهاب خلاف، مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، ص 158 - 163. (2) د. عبد الحميد متولي في كتابه، نظام الحكم في الإسلام، طبعة أولى، 1966م، ولم يتنازل عن هذه الآراء حيث أشار في الطبعة الثانية للكتاب - وهي طبعة موجزة ومختصرة إلى نصف الكتاب تقريبا - في ص 36 هامش 2 أنه لم يتنازل عما جاء في الطبعة الأولى من اتجاه فكري أو فقهي تبناه في الطبعة الأولى. (3) الدكتور على جريشة في كتابه المشروعية الإسلامية العليا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 هذا التخصيص، فما هي إلا جزء من الأحكام العملية التي اتفق الفقهاء على العمل بما فيها، وهي ما تقابل مباحث الإمامة، وأنها عند علماء أهل السنة من أحكام الفروع، ولا يرتفع بها إلى مرتبة الأصول سوى غلاة الشيعة (1) وبالتالي فلا مجال لعدم الأخذ بسنة الآحاد في المسائل الدستورية وأحكامها التي لا شك في أهميتها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعمل خبر الآحاد فيما لا يقل خطورة عن تلك الأحكام وذلك مثل إرسال مبعوثين ورسلا إلى الدول المجاورة، وهم آحاد مما قد يترتب عليه سلم أو حرب، بل إن الله تعالى أرسل رسله إلى الناس آحادا (2) . أما فيما يتعلق بالاعتبار الثاني وهو عدم يقينيتها، فإن هذا الشرط لم يشترطه أحد من الفقهاء في أحكام الفروع، ثم إن عدم شهرة سنن الآحاد لا يعتبر دليلا على عدم صحتها، فلا علاقة بين الصحة والشهرة (3) . وتقسيم العلماء للسنة إلى متواترة تفيد اليقين، وآحاد تفيد الظن الراجح اعتبار أصولي لا صلة له باعتبارها أساسا لابتناء الأحكام الشرعية (4) . أما فيما يتعلق بالاعتبار الثالث، وهو أنه لا يمكن اعتبار سنن الأحكام الدستورية تشريعا عاما أو قاعدة عامة، فإنه كلام غير مسلم به على إطلاقه، فسنن الأحكام الدستورية تحتوي على تشريعات كلية وعامة وأخرى تفصيلية ووقتية، فالسنة النبوية تضمنت مبادئ دستورية شرعها الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بماله من صفة النبوة والتبليغ، وهذا مما يعتبر تشريعا كليا.   (1) د. علي جريشة، ص 127 - 128، المشروعية الإسلامية العليا. (2) د. منير حميد البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 89. (3) د. علي جريشة، المشروعية الإسلامية العليا، د. محمد فاروق النبهان، نظام الحكم في الإسلام، ص 322. (4) د. منير حميد البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ثم أنه وردت نصوص السنة في الراعي والرعية، والبيعة والإمارة والطاعة للأمير، وكذلك في السنة تشريعات لحقوق الحاكم والأفراد ومسؤولياتهم، وكذلك السلم، والحرب، والمعاهدات، والقضاء، والشورى، ومركز الأقليات الدينية، مما يؤكد أن السنة تحوي قدرا كبيرا من المسائل الدستورية التي لها أهمية كبرى في مجال الدستور في النظام الإسلامي، وهذه السنة معتبرة إذا توافرت فيها شروط الصحة، سواء كانت متواترة أو مشهورة أو آحادا (1) . والحقيقة أن سنة الآحاد متى صحت نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم حسب الشروط التي وضعها علماء الحديث فإنها تكون مستندا ومصدرا للأحكام الشرعية، لا فرق بين الدستوري منها وغيره، لأن الصحيح أن خبر الواحد إذا توافرت فيه شروط الصحة فهو حجة في العقائد والأحكام من غير تفريق بينهما، والعمل به على مقتضى الحكم الشرعي الذي يدل عليه، لأنه يفيد اليقين، وقيل: لا يفيد اليقين إلا إن احتفت به قرائن دالة على صدقة مثل أن يرويه الشيخان البخاري ومسلم (2) . فالسنة هي المصدر الثاني بعد كتاب الله للدستور، في النظام الإسلامي، ثم إن تقسيم العلماء للسنن إلى عامة وغير عامة يجب ألا يحمل ما لا يحتمل بأن توضع أغلب الأحاديث والسنن في قالب التشريع الوقتي، الأمر الذي يؤدي إلى رفض السنة بشكل غير مباشر. وبهذا يتبين ضعف الرأي القائل بأن سنة الآحاد لا تؤخذ في مجال الأحكام الدستورية.   (1) المرجع السابق، ص 83. (2) محمد بن علي الشوكاني، إرشاد الفحول ص 92 - 95، ط1 1413هـ، مكتبة مصطفى الباز، مكة المكرمة، ومحمد الأمين الشنقيطي، مذكرة أصول الفقه ص 103 - 107، ط بدون، المكتبة السلفية المدينة المنورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 [ الإجماع المصدر الثالث للتشريع في الإسلام ] ثالثا: الإجماع: يعتبر الإجماع المصدر الثالث للتشريع في الإسلام، فهو حجة شرعية يجب العمل به على كل مسلم (1) . وذلك إذا توافرت فيه الأمور التالية: 1 - توافر عدد المجتهدين في عصر وقوع الحادثة. 2 - اتفاق جميع مجتهدي العصر على حكم واحد في الواقعة. 3 - أن يبدي كل واحد من المجتهدين حكمه صراحة، سواء عن طريق الفتوى أو طريق القضاء، وسواء أبدوا آراءهم مجتمعين أو متفرقين. 4 - أن يكون الإجماع على حكم شرعي كالصحة والفساد، فلو حصل أن اتفقوا على حكم عقلي، أو لغوي، لا يكون ذلك إجماعا شرعيا (2) . فإن تحققت هذه الأمور، لم يكن لأحد أن يخرج عن الإجماع، فالأمة لا تجتمع على ضلالة، ولكن كثيرا من المسائل يظن أن فيها إجماعا وهو ليس كذلك، بل قد يكون الرأي المخالف أرجح في الكتاب والسنة (3) . أما من حيث التشريع الدستوري الإسلامي، ومدى كون الإجماع مصدرا من مصادر الدستور فإن الوقائع في التاريخ الإسلامي تظهر أنه كان مصدرا من مصادر الأحكام الدستورية، ومن أمثلة ذلك إجماع الصحابة على وجوب الإمامة، وعرف هذا الوجوب في الشرع بإجماع الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم على بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذلك في كل عصر من عصور الدولة الإسلامية فلم يترك الناس فوضى في عصر من العصور، واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام (4) ومن   (1) د. محمد فاروق النبهان، نظام الحكم في الإسلام، ص370. (2) د. عبد العزيز النعيم، أصول الأحكام الشرعية ومبادئ علم الأنظمة، ص 56 - 57، طبعة أولى. (3) ابن تيمية، مجموع الفتاوى، جـ 202، ص10، طبع الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين. (4) عبد لرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ص 131. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 الأمثلة كذلك، الإجماع على البيعة بين الحاكم والمحكوم، وكذلك الإجماع على محاربة المرتدين، وغير ذلك من الوقائع الدستورية التي كان مصدرها الإجماع. أما من حيث اعتبار الإجماع مصدرا للدستور في العصر الحديث فإن للباحثين في ذلك آراء ثلاثة هي: 1 - لا مكان للإجماع في العصر الحديث، وبالذات في الأحكام الدستورية ويرجع أصحاب هذا الرأي ذلك إلى أن الإجماع يكون في الأمور الدينية والأحكام الدستورية ليست كذلك، ولاستحالة انعقاد الإجماع بعد القرون الثلاثة الأولى (1) . 2 - أنه ما دام أن الإجماع قد وقع في العصور المتقدمة لمختلف الأحكام ومنها الدستورية، فإن ذلك ممكن جدا في العصر الحديث، عن طريق إنشاء مجمع فقهي يضم جميع الفقهاء في العالم الإسلامي، وعلماء القانون ويجتمعون دوريا وينظرون في الوقائع المستجدة كما يستفاد من وسائل الاتصالات ليضمن وصوله إلى من لم يحضر (2) ويقصد أصحاب هذا الرأي الإجماع المعروف في الأصول. 3 - أن الأحكام الصادرة عن الإجماع نوعان: ثابتة، ومتغيرة، فالثابتة يعتبر الإجماع فيها مصدرا ملزما، كالإجماع في أمر من أمور العبادات، والمتغيرة يعتبر الإجماع على حكم منها غير ملزم إلا في عصر الإجماع فقط، ومن هذا النوع الأحكام الدستورية (3) . والرأي الذي يرجح في هذه المسألة، أن الإجماع مصدر من مصادر التشريع الدستوري في العصر الحديث، ولكن وفق التفصيل الآتي:   (1) د. عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم في الإسلام، ص 51. (2) د. منير البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص100 - 101. (3) د. محمد فاروق النبهاني، نظام الحكم في الإسلام، ص 372 - 375. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 1 - إمكانية انعقاده عقلا مع الاعتراف بصعوبة ذلك واقعا، ولكن هذه الصعوبة لا تخرج عن دائرة الممكنات إلى دائرة المستحيلات فقد تتغير الظروف والأوضاع ويصبح ممكنا. 2 - خيالية بعض الحلول المقترحة، كالمجمع الفقهي القانوني الذي ذكره أصحاب الرأي الثاني، لصعوبة تحقيق الإجماع الأصولي. 3 - ليست كل الأحكام الدستورية أحكاما متغيرة، بل فيها الثابت والمتغير، فبعضها ثابت وصادر عن طريق الإجماع، مثل الإجماع على وجوب الإمامة والبيعة، فهذه يكون الإجماع فيها ملزما للمسلمين في كل وقت، أما الأحكام المتغيرة مثل الإجماع على طريقة اختيار الخليفة، فيكون الإجماع في هذه الحالة غير ملزم إلا في وقت الإجماع فقط؛ لاختلاف الظروف من وقت لآخر، كما حدث في اختيار الخلفاء الراشدين، والإجماع على طريقة الشورى، وغير ذلك. [ المصدر الرابع من مصادر التشريع الإسلامي الاجتهاد ] رابعا: الاجتهاد: الاجتهاد هو المصدر الرابع من مصادر التشريع الإسلامي، فإذا عرضت قضية ولم ينص على حكمها في الكتاب أو السنة أو الإجماع، فإن الكتاب والسنة دلا على مكانة الاجتهاد، وأنه طريق من طرق الوصول إلى الحكم الإسلامي (1) مثل قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] (2) وقوله تعالى: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 28] (3) ومن السنة حديث معاذ عندما بعثه الرسول صلى الله   (1) د. محمد معروف الدواليبي، المدخل إلى علم أصول الفقه، ص 52. (2) سورة النساء، آية رقم 105. (3) سورة الروم، آية 28. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 عليه وسلم إلى اليمن، وأمره بالرجوع إلى الكتاب، ثم السنة، ثم الاجتهاد (1) . والفرق بين الإجماع والاجتهاد هو أن الاجتهاد رأي غير مجمع عليه، فإذا أجمع عليه كان الإجماع، ولذا تقدم الإجماع على الاجتهاد فصار أقوى منه والمجتهد لا يعتمد في اجتهاده على رأيه المجرد، بل عندما لا يجد النص من الكتاب أو السنة أو الإجماع فإنه يغوص في الكتاب والسنة ويتلمس الأشباه والنظائر ثم يقيس الأمور وينظر فيها (2) . وفي مجال التشريع الدستوري فإن الاجتهاد يعتبر مصدرا من مصادر الدستور في النظام الإسلامي، بل هو أوسع المصادر مجالا بالنسبة للأحكام الدستورية. والاجتهاد في المسائل الدستورية يصدر عن طريق أولي الأمر (3) . وإذا صدر الاجتهاد بشأن مسألة دستورية من أولي الأمر وفقا لقواعد الاجتهاد الصحيحة يكون الحكم واجب الطاعة والتنفيذ، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] (4) إذ هو اجتهاد صحيح مقترن بالأمر فتجب طاعته.   (1) حديث معاذ رضي الله عنه رواه أبو داود رقم 3592 - 3593، في الأقضية باب اجتهاد الرأي في القضاء، والترمذي رقم1327 - 1328، في الأحكام باب ما جاء في القاضي كيف يقضي، وقال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي: الناس في هذا الحديث على رأيين فمنهم من قال: إنه لا يصح، ومنهم من قال هو صحيح، والدين القول بصحته، وقد صححه كذلك ابن القيم في أعلام الموقعين. (جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير الجزري، حديث رقم 7673، ص 178، جـ 10، مكتبة الحلواني، 1392هـ) . (2) د. محمد معروف الدواليبي، المدخل إلى علم أصول الفقه، ص 55. (3) أولي الأمر كما يقول العلماء، هم الحكام والعلماء، ويلاحظ منهج القرآن أنه لم يذكر أولي الأمر بلفظ المفرد، بل بصيغة الجمع دائما، حيث أن إطلاقها مفردة تنصرف فقط إلى الحاكم، عبد الحميد متولي، مبادئ نظام الحكم الإسلامي، ص50. (4) سورة النساء آية رقم 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وذكر بعض الباحثين أن الحكم الصادر عن الاجتهاد بشأن مسألة دستورية إذا كان صادرا من المجتهدين سواء أكانوا من مجتهدي الصحابة أو ممن بعدهم من مجتهدي الأمة إلى هذا العصر فإن هذه الاجتهادات تشكل مصدرا يستنير به الحاكم المسلم، ولا حرج عليه بأن يأخذ بأحد الاجتهادات في مسألة ما - بعد المشاورة -، وعندئذ له أن يأمر باتباع هذا الاجتهاد، ويجب على الأفراد الطاعة له (1) . وهذا كلام لا يؤخذ على إطلاقه، فإن الاجتهاد إذا كان صحيحا وبشرائطه ولم يظهر ما يخالفه ولم يكن مرتبطا بزمن أو مكان أو قضية معينة فإنه يجب العمل به، أما إذا كان غير ذلك فالحاكم يختار ما يراه أصلح لوقته بعد التشاور مع أهل الرأي والحل والعقد. وللاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية أصول تحدثت عنها كتب الأصول والتشريع أهمها: 1 - القياس. 2 - الاستحسان. 3 - الاستصلاح. 4 - الاستصحاب. 5 - العرف. ومن الأمثلة لبعض الأحكام الدستورية التي يمكن أن تستنبط عن طريق الاجتهاد باستخدام القياس، قياس أهل القوة والشوكة ممن يصلحون للإمارة على قريش، بجامع علة مشتركة بينهما هي القوة والشوكة فيكون الأمير من غير قريش على أن يكون من أهل القوة والشوكة (2) ومن الأمثلة كذلك ما فعله عمر رضي الله عنه من فصله للسلطة القضائية عن السلطة التنفيذية في بعض الأمور والأحوال، مستخدما المصلحة المرسلة، ومن ذلك يتضح أنه تم فعلا استنباط أحكام دستورية عن طريق الاجتهاد.   (1) منير البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص111. (2) مقدمة ابن خلدون، ص 133. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 وباب الاجتهاد هذا - بقواعده الصحيحة - هو الينبوع الذي يمد الأحكام الدستورية في العصر الحديث بالروح، والحيوية، ويجعلها مرنة ومتطورة حسب الحاجة وفق إطار ثابت وسياج قوي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما يعطي ثروة من الآراء والحلول في مجال الأحكام الدستورية، وهي بلا شك ليست ملزمة أو قطعية لطبيعتها الاجتهادية، ولذلك تعطى حكم المصادر الاحتياطية أو التفسيرية، ولا تكون ملزمة إلا في حالة تبني أولي الأمر لأحد الاجتهادات، وبالتالي تلزم الطاعة في وقت محدد، أي ليست ملزمة على مر العصور؛ لأنها من الأحكام المتغيرة بتغير الأحوال لا الأحكام الثابتة (1) . وبعد الكلام على مصادر الدستور الإسلامي يرد تساؤل عن مصادر الدستور الوضعي، ومكانتها من الدستور الإسلامي؟ وللإجابة عن ذلك باختصار نقول: من المعروف أن مصادر الدستور الوضعي هي الفقه القانوني، والقضاء، والعرف، والتشريع، وهذه المصادر لا يمكن قبولها هكذا مجردة، لتكون مصادر للدستور في الإسلام، إنما يمكن الأخذ بها عندما لا تكون مخالفة لنصوص وأحكام الشريعة الإسلامية، وعند ذلك تدخل هذه المصادر جميعا ضمن مصادر الدستور في الإسلام.   (1) المرجع السابق، ص 148، د. منير حميد البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 112. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 [ المبحث الثالث خصائص الدستور في الإسلام ] المبحث الثالث: خصائص الدستور في الإسلام: للدستور في الإسلام خصائص تميزه عن غيره من دساتير العالم، فالدساتير المعاصرة تختلف من حيث طبيعتها ونشأتها، عن الدستور في الإسلام، وذلك أن هذه الدساتير نشأت في بيئة تختلف اختلافا كبيرا عن البيئة الإسلامية، وهذا الاختلاف ليس اختلافا شكليا أو فرعيا، ولكنه اختلاف ممتد إلى الجذور والأسس والمنطلقات، فبينما يرتكز الدستور في النظم الغربية والشرقية على منطلقات فكرية بشرية هي نتاج الفكر البشري المتأثر بخليط من الحضارات الوثنية والدينية المحرفة والمادية، نجد في المقابل الدستور في الدولة الإسلامية يتكئ على قاعدة صلبة من الإيمان، والوحي بما فيه من أصالة وصفاء منبع، صحيح أن الدستور في أي دولة لا يختلف كثيرا عن الدستور في دولة أخرى من الناحية الشكلية، ومن ناحية مواضيع الدستور، ولكن الاختلاف يكمن في كيفية معالجة هذه المواضيع، فدستور الدولة الإسلامية يعالج هذه المواضيع معالجة منطلقة من أسس ومنطلقات مرتكزة على الوحي الرباني، والدساتير في الدول الأخرى تعالج هذه المواضيع معالجة منطلقة من فكر بشري ومؤثرات بيئية وتاريخية أرضية. فالحقوق مثلا عالجها دستور الدولة المسلمة، وكذلك هي في دساتير الدول الأخرى، ولكن المعالجة التي تتم لها تختلف في هذه الدساتير عن بعضها البعض، والمرجع لهذه الحقوق في دستور الدولة المسلمة، غير المرجع لها في الدساتير الوضعية. وسنتحدث في هذا المبحث عن الخصائص التي تميز دستور الدولة المسلمة عن غيرها من الدساتير الوضعية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 1 - تميز النشأة: من المعروف أن الدساتير نشأت إما عن طريق المنحة من الحاكم للمحكومين، أو عن طريق الاكتساب المباشر من المحكومين لحقوقهم في وضع الدستور، أو غيرها من الطرق التي مرت في المبحث الثالث من الفصل الثاني من الباب الأول. تلك الطرق كلها نشأت نشأة بشرية صرفة، أما في ظل النظام الإسلامي فإن الحقوق الدستورية والقواعد الدستورية الأساسية وردت قواعد شرعية، فهي ربانية المصدر، ليس للبشر الحق بأن يمنحوا بعضهم أو يمنحوا أنفسهم هذه القواعد والحقوق، فهي ليست تفضلا من الحاكم للمحكومين، وليست كذلك منتزعة من الحكام عن طريق كفاح المحكومين، فالحكام والمحكومين أمامها سواء، وما كان من هذه الأحكام متروكا لهم يتم اجتهادهم فيه حسب الأحوال والملابسات، فإن وسيلة وضع هذه الأحكام هو الاجتهاد الشرعي والشورى الشرعية، في إطار التوجيهات الربانية. والنظام الإسلامي يجعل الحكام والمحكومين أمام الشرع سواء، وأمام القضاء سواء، وأمام الحدود سواء، وليس للحكام في هذا المجال مزايا خاصة، بل عليهم عبء كبير في تنفيذ أحكام الله في كل أمر من أمور الحياة، وليس لهم الحكم وفق الأهواء والمصالح الشخصية أو الحزبية أو العرفية أو الإقليمية أو غيرها (1) . 2 - تميز المصدر: من المعروف أن الدستور عبارة عن مجموعة القواعد الأساسية التي تبين شكل الدولة، ونظام الحكم فيها، ومدى سلطتها إزاء الأفراد،   (1) د. منير البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 506، 507، ص 157 - 167، ص 211. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وحقوقهم وحرياتهم، وبالتالي فإن هذه الأمور تختلف حسب الوجهة السائدة في الدولة التي تنشأ فيها، فالدستور الناشئ في النظام الإسلامي غير ذلك الدستور الناشئ في ظل النظم الوضعية؛ لأن الإسلام يصدر عن أصل واحد لا عن خليط من العناصر، وهذا الأصل ليس بشري المصدر كما هو الحال بالنسبة للنظم الأخرى، فهو إلهي المصدر، هذا الأصل هو الوحي وما انبثق منه من مصادر لا تخرج بحال عن حدوده ونطاقه، وبالتالي فإن القواعد الدستورية الإسلامية نظمت الكيان الشرعي للهيئات الحاكمة في النظام الإسلامي، وحددت الإطار القانوني لنشاط هذه الهيئات مبينة الحقوق والحريات، وهي محددة بما في القرآن الكريم والسنة المطهرة، والتطبيقات الدستورية في العهود الإسلامية، واجتهاد المجتهدين فيما كان محلا للاجتهاد، مكونة بذلك ميراثا حضاريا إسلاميا ضخما في مجال التشريع الدستوري. 3 - السمو: يتميز الدستور في النظام الإسلامي عنه في النظم الوضعية باختلاف درجة السمو لقواعده وأحكامه ونصوصه، فمن المعروف أن الدستور في النظم الوضعية له المكانة الأولى بين القوانين، وأن قواعده تسمو على كافة القواعد القانونية الأخرى السائدة في الدولة، وأنه لا يجوز لأي قاعدة قانونية أن تخالف نصا دستوريا؛ لأن القواعد القانونية تتدرج من الأعلى للأسفل مبتدئة بقواعد الدستور، ثم قواعد التشريع العادي أو القانوني، ثم قواعد التشريع الفرعي أو اللوائح، فلا يجوز لقاعدة أدنى أن تخالف قاعدة أعلى أو تبطلها، والعكس فإن القاعدة الأعلى إذا صدرت وهي مخالفة لقواعد أدنى فإن قواعد الأدنى تبطل وينسخ حكمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 أما في ظل النظام الإسلامي فإن درجة السمو هذه تختلف؛ لأن التشريع الإسلامي من عند الله، فقد يرد نص قاطع في مسألة ما وهي ليست دستورية، وبالتالي فإن على واضع الدستور في الدولة الإسلامية ألا يخالف هذا النص ولو كان محله التشريع العادي أو الفرعي؛ لأن النص يعلو على غيره، ولا مانع في الإسلام من أن ندرج القواعد القانونية على الشكل المتدرج في القانون الوضعي؛ لأن ذلك من باب الوسائل والأمور الاجتهادية، ولكن السمو للقاعدة القانونية ليس مرتبطا بمكان وجود القاعدة أو درجتها من درجات القانون، إنما هو مرتبط بالقاعدة القانونية نفسها، فإذا كانت القاعدة من الأمور الثابتة التي ورد فيها نص من الكتاب أو السنة أو كانت محل إجماع فإنها تسمو على غيرها بغض النظر عن درجتها القانونية، فهذا التدرج في ظل النظام الإسلامي تدرج شكلي فقط، وإذا كانت القاعدة تدخل ضمن الأمور الاجتهادية التي لم يرد فيها نص والتي يختلف حكمها باختلاف الظروف فإنها والحالة هذه تسمو على القواعد الاجتهادية الأدنى منها درجة، لكنها لا تسمو على القواعد المبنية على نصوص أو التي ورد فيها حكم شرعي ولو كانت في التدرج القانوني أعلى منها (1) . والمثال التالي يوضح مكانة القاعدة الاجتهادية أمام القواعد الأخرى، فلو افترضنا أنه ورد نص في دستور دولة إسلامية يقول: (يعين القضاة بأمر من رئيس الدولة) فهذه القاعدة قاعدة اجتهادية تسمو على القواعد الاجتهادية التي أدنى منها فقط، فإنه لا يجوز أن يصدر قانون يخول وزيرا من الوزراء في تلك الدولة أن يعين القضاة لمخالفة هذا القانون لنص الدستور، كما لا يجوز لوزير العدل مثلا أن يصدر أمرا وزاريا بتعيين قاض   (1) د. علي محمد جريشة، المشروعية الإسلامية العليا، ص 107، د. محمد حلمي، نظام الحكم الإسلامي مقارنا بالنظم المعاصرة، ص 116. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 معين، ففي هذه الحالة - أي حالة وجود القواعد الاجتهادية في مقابل بعضها بعضا - فإننا نرتب درجاتها ونعمل سمو الأعلى على الأدنى، ولكن هذه القاعدة لا تسمو على حكم شرعي، فيجب ألا يخالف هذا الحكم الاجتهادي الدستوري حكما شرعيا، كاشتراط القوة والأمانة في التولية ولو لم يؤكد هذا المبدأ في الدستور؛ فالسمو في هذه الحالة للحكم أو القاعدة الشرعية، فلا يجوز لرئيس الدولة مثلا أن يعين قاضيا غير مستوف لشروط التولية في الشريعة الإسلامية ولو كان تعيين القضاة من حقه بصفته رئيسا للدولة؛ وذلك لسمو الحكم الشرعي على هذا النص الدستوري. 4 - الثبات والمرونة: تتميز القواعد الدستورية في النظام الإسلامي بالثبات والمرونة في الوقت نفسه، الثبات في الأسس والمبادئ الكلية كالشورى والعدل، والمرونة في الأمور الاجتهادية الوقتية التي تختلف باختلاف الزمان والمكان، فالإسلام لم يأت فيما يتعلق بالأمور الدستورية بأمور تفصيلية صرفة، وإنما جاء بالمبادئ الدستورية الأساسية، ولم يحدد التفاصيل والجزئيات التي تختلف من عصر لآخر حسب اختلاف الزمان المكان، إذن فالقواعد الدستورية في النظام الإسلامي تنقسم إلى قسمين: قواعد ثابتة لا يمكن أن تتغير بتغير الأوضاع والأزمان والأمكنة، وأخرى متغيرة حسب الأزمان والأحوال وهي ما يتعلق بالوسائل والجزئيات، وهذا التقسيم يكسب النظام الدستوري في الإسلام ميزة الثبات في الكليات، والتطور والمرونة في إطار هذه الكليات لما هو ليس بكلي، وهذه الميزة تميز النظام الدستوري الإسلامي عن غيره من الأنظمة التي لا تعرف الثبات لشيء من القواعد إلا ما استقر عليه العرف بثباته ويزول بزوال هذا العرف، وبالتالي يفقد صفة الثبات، ويوصم بأنه متغير متحول دائما حسب الظروف والأحوال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 لا تقيد بأصل ثابت، ولا قيمة ثابتة، ولا حقيقة ثابتة يتغير في إطارها، هذا التغير يجعله يجرى دائما وراء تصورات متقلبة منبعها الفكر البشري المحدود. ومما لا شك فيه أن مجتمعا يحكمه هذا النظام معرض دائما للهزات والتأرجح. وفي المقابل نجد أن وجود خاصتي التطور والثبات في النظام الإسلامي يوفر للمجتمع المسلم الاستقرار، والطمأنينة، وثبات الإطار الذي تتحرك فيها حياته، وثبات المحور الذي تدور حياته حوله، فيشعر أن حركته إلى الأمام ثابتة الخطى ممتدة من أمسها إلى يومها إلى غدها وفق قواعد ثابتة ومبادئ أساسية يتحاكم إليها المجتمع المسلم وحكامه على السواء. فالنظام الدستوري الإسلامي حين يتميز بهذه الخاصية ليس مستقلا بها دون غيره من النظم الإسلامية، إنما استمد ذلك من الشريعة الإسلامية التي تتميز بهذه الخاصية، حيث إنها تحوي أحكاما ثابتة وأخرى متغيرة، فالأحكام المتعلقة بحفظ الضرورات: (الدين، والنفس والنسل، والعقل، والمال) تتسم بالثبات، أما الأمور المتصلة بالأمور الحاجية والتحسينية التي تتعلق بكيفية استيفاء المتطلبات الحاجية والتحسينية أمور تختلف حسب الظروف ومقتضايات الزمن، ولذلك فهي تتطلب المرونة والتطور حسب هذه المقتضيات (1) . وبهذا يتبين أن خصائص الدستور الإسلامي هي خصائص التشريع الإسلامي والتشريع الإسلامي رباني المصدر، رباني التوجيه، ذو صبغة إنسانية عالمية، يحرص على رفع الحرج عن الناس والتيسير عليهم (2) .   (1) د. مصطفى كمال وصفي، النظام الدستوري الإسلامي مقارنا بالنظم العصرية، ص 48 - 59. طبعة أولى، مكتبة وهبة 1394 هـ. (2) عبد الوهاب خلاف، مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، ص 90، دار القلم، الكويت طبعة خامسة، 1402 هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 5 - الشرعية مقابل الدستورية: توصف الأحكام والأوضاع والمراكز والتصرفات الموافقة للدستور بالدستورية، وذلك في النظم الوضعية؛ لأن الدستور يعتبر هو الأصل والمرجع لكافة القوانين في هذه النظم، ويشترط لكافة الأمور القانونية أن تلتزم بأحكام الدستور وألا تخالفه، أما في ظل النظام الإسلامي فإن هذا الوصف يمكن أن يطلق عليه اسم الشرعية، وذلك نسبة لأحكام الشرع، لأنه في ظل النظام الإسلامي لا بد لكافة الأوضاع والمراكز والتصرفات، الدستورية وغيرها، في الدولة الإسلامية أن تخضع للشريعة والإسلامية وأحكامها، ولا تعطي أحكام دستور أية دولة إسلامية، هذه الهيبة وهذا الاحترام دون الشريعة، بل هي المختصة بها ويجب أن يكون الدستور - بمعناه الفني والخاص - تبعا لها في ذلك، في حالة مخالفته للشريعة، يوصف بعدم الشرعية وكذلك من باب أولى سائر القوانين واللوائح التي يجب أن تتمشى مع أحكام الشريعة، وإلا وصفت بعدم الشرعية وتم إلغاؤها، أو الدفع بعدم الشرعية، وتوجب على القضاء أيا كان نوعه أن لا يقبل هذه الأحكام، ولو وردت في الدستور، في حالة مخالفتها للأحكام الشرعية، وذلك لأن الشريعة الإسلامية هي الأصل والمرجع لكافة القوانين مبتدئة بالدستور إلى القوانين العادية، واللوائح التشريعية، والقرارات الإدارية، فكلها يجب أن لا تخرج ولا تخالف حكما شرعيا، وذلك في ظل النظام الإسلامي. 6 - حرية التدوين: يتميز الدستور في النظام الإسلامي بعدم الالتزام بالتدوين لقواعده وأحكامه، أو عدم التدوين، لأن الأحكام الثابتة للنظام الدستوري الإسلامي معروفة ومستقرة في الكتاب والسنة والإجماع، والأحكام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 المتغيرة قد تدون في وثيقة أو عدة وثائق، أو تكون عرفية في حالة استقرار العرف الدستوري على جريان هذه الأحكام والقواعد. فالباحث في مجال الدستور في العهود الإسلامية يجد الحالتين متوفرتين في تدوين الدستور، كما حدث في عهد الدولة العثمانية، وعدم التدوين كما في عهد الراشدين مثلا. وفي حالة التدوين، أو عدمه لا اعتبار لأي حكم أو نظام يخالف الشريعة الإسلامية، وقد جرت العادة في الدساتير أن يكون لها مقدمة أو ديباجة مختصرة تعبر عن روح النظام السائد في البلد، وبالتالي فإن على الدولة الإسلامية أن تنص في مقدمة دستورها على الصدور عن الكتاب والسنة، كمواثيق وأسس يأتي الدستور، وسائر التشريعات الوقتية في حدودها (1) . فالدستور في الدولة الإسلامية منطلق من أسس الإسلام ومنطلقاته ومحدود بها ولا تتحدد هي من خلاله.   (1) د. مصطفى كمال وصفي، مصنفة النظم الإسلامية، ص 131، طبعة أولى 1397 هـ، مكتبة وهبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 [ الفصل الثاني تطبيقات دستورية في التاريخ الإسلامي ] [ المبحث الأول تطبيقات دستورية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ] [ الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ] الفصل الثاني تطبيقات دستورية في التاريخ الإسلامي المبحث الأول: تطبيقات دستورية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. المبحث الثاني: تطبيقات دستورية في عهد الخلفاء الراشدين. المبحث الثالث: وقائع دستورية في العهود الإسلامية الأخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 المبحث الأول: تطبيقات دستورية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: سبق الكلام في الفصل السابق عن مسائل رئيسة في موضوع الدستور في الإسلام، وهي تعريف الدستور في الإسلام، وتدوينه، وأساليب نشأته ونهايته، ثم كان الحديث عن مصادر الدستور في الإسلام، وخصائصه المميزة له. وحتى تتضح تلك المسائل لا بد من إيراد شيء من التطبيقات الدستورية من العصور الإسلامية المختلفة، بدء بعهد الرسالة بحكم أنه الأساس والقدوة في ذلك، ثم ما تلاه من العهود التي طبقت الإسلام، وحكمت به اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم، والحديث عن تلك التطبيقات في عهد الرسالة، يستلزم الحديث عن الدولة في هذا العهد بشكل موجز، وهل اكتملت فيه أركانها، ومقوماتها، وضمانات تحقيق هذه المقومات أم لا وذلك لأن الدولة في هذا العهد هي بداية تأسيس الدولة الإسلامية وما بعدها كان استمرارا لها، وبناء على أساسها. أولا: الدولة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: يعتبر عهد النبي صلى الله عليه وسلم بقسميه المكي والمدني مرحلة تأسيس وبناء لكيان هذه الأمة، ووضع الأسس والقواعد العامة التي تسير على ضوئها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن الفترة المكية كانت تمهيدا للفترة المدنية، ففي الأولى تكونت نواة المجتمع المسلم، وكان التركيز فيها على قواعد الإسلام، وخاصة فيما يتعلق بعقيدته، فهي أسس لا بد منها قبل البدء في المرحلة العملية، وهي إنشاء الدولة، فتلك الفترة التأسيسية لازمة لتحديد منهج الإسلام وتقريره في النفوس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وكانت نقطة الانطلاق للمرحلة العملية بيعتي العقبة الأولى والثانية، وبهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واستقراره فيها اكتملت أركان الدولة الإسلامية وهي: 1 - العقيدة والشريعة التي تجمع بين الناس. 2 - الشعب. 3 - السلطة السياسية. 4 - الإقليم. ومن المعروف أن الدولة لا تكتمل قانونيتها عند القانونيين المحدثين، إلا بوجود عدة مقومات هي: 1 - وجود الدستور. 2 - تدرج القواعد القانونية. 3 - خضوع الإدارة للقانونية. 4 - الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية. وهذه المقومات توافرت في الدولة الإسلامية الأولى في الوقت الذي كانت تسيطر على العالم دول استبدادية، كدولة الفرس ودولة الروم، وبالإضافة إلى توافر مقومات الدولة القانونية في دولة الإسلام الأولى، فقد توافرت كذلك ضمانات لتحقيق هذه المقومات هي: 1 - نظام خلقي ونظام روحي كاملان يتفاعلان مع النظام السياسي، يمنعان من بيده السلطة في مختلف المناصب من النزوع إلى إساءة استعمالها، بعكس ما عمدت إليه النظم الوضعية المعاصرة من توزيع السلطات للحيلولة دون إساءة استخدامها؛ فالنظام الإسلامي وضع علاجا لهذا الاستبداد، وتلك النظم أبقت هذا الداء وأوجدت علاجا للتخفيف من مساوئه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 2 - إضافة إلى ذلك فإن النظام الإسلامي تضمن فصل السلطة التشريعية وهي عمل المجتهدين من تفسير للنصوص، واجتهاد فيما لا نص فيه لاستنباط الأحكام، فصلا مرنا عن السلطتين التنفيذية والقضائية. 3 - فيما يتعلق بالسلطتين التنفيذية والقضائية، فإن النظام الإسلامي جعل جمعهما وفصلهما مما يدخل في باب المباح، فالجمع جائز كما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والتوزيع جائز عند الحاجة كما حدث في عهد عمر رضي الله عنه، بشرط ألا يفضي أي منهما إلى مفسدة. 4 - أن القضاء في النظام الإسلامي عرف الرقابة على أعمال الإدارة، وعلى شرعية القوانين بما يتضمن من استقلال للقضاء، وشروط لاختيار القضاة، ومصدر القضاء الذي هو الكتاب والسنة والإجماع والاجتهاد، وفق أصول، ومسؤولية القاضي، وحمايته من العزل إلا لأسباب معينة، فذلك كله يشكل ضمانة قوية لرقابة القضاء على أعمال الإدارة وشرعية القوانين. 5 - نظام التولية في الإسلام والقائم على ركني القوة والأمانة. 6 - التشريع الإلهي الذي يخضع له كافة المسلمين حكاما ومحكومين وما يتضمنه من حقوق وواجبات، أو ما يمكن تسميته بسيادة القانون الإلهي، مما يشكل ضمانا للعدل والمساواة بين الناس. 7 - الشورى. 8 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1) .   (1) د. منير حميد البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي، ص 499 - 546، ابن تيمية، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، ص 19 - 20، دار الكتاب العربي. أبو الأعلى المودودي، الحكومة الإسلامية، ص 51، طبعة أولى، 1397 هـ، المختار الإسلامي، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 وقد أدت هذه الضمانات إلى تحقيق مقومات الدولة القانونية، واحترام الناس للدستور والقوانين، واستجابتهم لمقتضياتها استجابة ذاتية، وكذلك أدت إلى تعاون عامة المسلمين مع أولي الأمر، وما نتج عن ذلك من أمن، واستقرار، وعدل واستيفاء للحقوق، وصيانة لها، وجهاد لإعلاء كلمة الله في الأرض، ونشر دينه بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح والتشاور في مصالح البلاد والعباد. [ نماذج من التطبيقات الدستورية في العهد النبوي ] [ بيعتا العقبة ] ثانيا: نماذج من التطبيقات الدستورية في العهد النبوي: من المعروف أن الدولة الإسلامية تحتكم في جميع شؤونها إلى الشريعة الإسلامية، إلا أنه يتم التركيز في هذا المبحث على الأمور الدستورية، وذلك بأخذ نماذج دستورية من العهد النبوي الذي هو موضوع هذا المبحث، والعصر النبوي مليء بالتطبيقات الدستورية التي يضيق المجال عن حصرها، ولكن بشكل عام يمكن إجمالها بما أوحى الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه من آيات، وما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من سنن قولية وفعلية وتقريرية من أمور تتعلق بالحكم، والإمارة، والولاية، والملك، والسلطان، والسيادة، والقضاء، والحرب، والسلم، والمعاهدات، وحقوق الأفراد، وحقوق الحكام، وحقوق أهل الذمة، والشورى، والبيعة والطاعة لأولي الأمر، والراعي، والرعية، كل هذه الأمور وما يدور في فلكها مما ورد في الكتاب والسنة من المسائل الدستورية سواء أكانت تطبيقات دستورية مباشرة، أم أسسا يجري التطبيق على أساسها، والسيرة النبوية مليئة بتلك التطبيقات لهذه الأسس. وفيما يلي استعراض لبعض تلك الوقائع الدستورية في العهد النبوي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 1 - بيعتا العقبة: تعتبر بيعة العقبة الأولى هي النواة لتحديد قواعد الأخلاق الاجتماعية العامة التي تعتبر الأساس لمجتمع فاضل (1) وتعتبر بيعة العقبة الثانية بداية الاضطلاع بمسئوليات الحكم الفعلية بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم بما تضمنته من شروط تتعلق بالنصرة والحرب وما تم بعدها من تعيين النقباء الاثني عشر، فاضطلاع الرسول صلى الله عليه وسلم بمهامه بوصفه رئيسا للدولة يعتبر واقعة تعني الالتزام بشروط الدولة من قبل الأنصار. وكذلك فإن البيعتين تعتبران بحد ذاتهما واقعتين دستوريتين في العهد النبوي، بل من أهم الوقائع الدستورية في هذا العهد، لأنهما نقطة الانطلاق في إنشاء الدولة الإسلامية. وقد تضمنتا بعض المسائل الدستورية في نصوصهما مثل: أ - الأساس الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية، والمجتمع الإسلامي، وهو توحيد الله عز وجل، وهذا الأساس هو أهم المسائل الدستورية للدولة الإسلامية، جاء ذلك في نص البيعة الأولى، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولي على أن لا نشرك بالله شيئا. . .» (2) .   (1) محمد سليم العوا، في النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 45 - 47. عون الشريف قاسم، دبلوماسية محمد، ص 13، ط بدون، د. حسن صبحي عبد اللطيف، جامعة الخرطوم، بحث مقارن موضوعه: الدولة الإسلامية وسلطاتها التشريعية، ص44، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية. (2) حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه رواه البخاري، في الإيمان: باب علامة الإيمان حب الأنصار، ومسلم: في الحدود باب الحدود والكفارات لأهلها، والترمذي في الحدود: باب الحدود كفارة لأهلها، والنسائي في البيعة: باب البيعة على فراق المشرك، جامع الأصول رقم 43 ـ جـ1، ص250. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 ب - حقوق الدولة على المواطنين، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقوموا في الله لا تخافون لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني - إذا قدمت عليكم - مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم» (1) . جـ - حقوق المواطنين على الدولة ممثلة في شخص رئيسها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء ذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «. . . بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم» (2) . ومن المعروف أن حقوق الدولة وحقوق المواطنين من الأمور الدستورية المهمة التي يجب النص عليها في الدستور، والتي تنص عليها دساتير دول العالم المعاصرة. د - نتج عن البيعتين إيجاد الجو والمكان الملائمين لنشر دين الله والدعوة إلى توحيده في الأرض، وهذان الأمران هما الغاية التي قامت لأجلهما الدولة الإسلامية، ومن المعروف أن تحديد الغاية التي تقوم لأجلها أي دولة من المسائل الدستورية الرئيسة. هـ - تضمنت البيعة الثانية تعيين النقباء الاثني عشر عن طريق اختيار الأنصار لهم، وفي هذا تطبيق لمبدأ الشورى في اختيار الأشخاص،   (1) الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أخرجه أحمد (3 / 322 - 329، 394) ، والحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، فقه السيرة، محمد الغزالي، تحقيق الألباني، ص 153. (2) الحديث عن كعب بن مالك رضي الله عنه: رواه أحمد (3 / 460 - 462) ، وابن إسحاق في المغازي (1 / 273 - 276) وصححه الألباني، فقه السيرة، محمد الغزالي تحقيق الألباني، ص 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 حيث ترك الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك للأنصار، ومبدأ الشورى من المبادئ الدستورية الرئيسة في النظام الإسلامي. و تضمنت البيعة الثانية تنظيم وتحديد أطراف المعاهدة التي على أساسها ستنشأ الدولة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم نائب عن قومه، والنقباء نائبون عن قومهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء: «أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء، ككفالة الحوارين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل قومي» (1) . [ الوثيقة الدستورية التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم ] بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، آخى بين المهاجرين والأنصار، ووادع اليهود، وكتب في ذلك وثيقة بين سكان الدولة الجديدة اعتبرها بعض الكتاب (2) دستورا للدولة الإسلامية في ذلك العهد، وهي بلا شك وثيقة دستورية بالغة الأهمية، بما احتوته من تنظيمات عادة ما تكون الدولة الناشئة في حاجة لها، إضافة إلى تميزها بصياغة قانونية شاملة ودقيقة، لا مجال للاختلاف حول مفهومها وتطبيقها، وتعد هذه الوثيقة أهم واقعة دستورية في العهد النبوي، وسنورد نص الوثيقة مفصلة في فقرات، وسنحلل فقراتها ذاكرين الأحكام الدستورية المتضمنة لها.   (1) الحديث عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه: أخرجه ابن إسحاق (1 / 277، المرجع السابق. (2) مثل: د. محمد حميد الله - مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، د. محمد سليم العوا - النظام السياسي للدولة الإسلامية، د. منير البياتي - الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، د. عون الشريف قاسم - دبلوماسية محمد، د. أحمد حمد - الجانب السياسي في حياة الرسول. . وآخرون غير هؤلاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 أ - نص الوثيقة: بسم الله الرحمن الرحيم 1 - هذا كتاب من محمد النبي، بين المؤمنين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. 2 - إنهم أمة واحدة من دون الناس. 3 - المهاجرون من قريش على ربعتهم (1) يتعاقلون (2) بينهم وهم يفدون عانيهم (3) بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 4 - وبنو عوف على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالقسط والمعروف بين المؤمنين. 6 - وبنو الحارث على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالقسط والمعروف بين المؤمنين. 7 - وبنو جشم على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 8 - وبنو النجار على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 9 - وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 10 - وبنو النبيت على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.   (1) ربعتهم: حالتهم وشأنهم، والمعنى: الحال التي جاء الإسلام وهم عليها. (2) يتعاقلون: من العقل وهو الدية، المعاقل: الديات واحدتها معقلة. (3) العاني: الأسير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 11 - وبنو الأوس على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 12 - وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا (1) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل. 13 - وإن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه. 14 - وإن المؤمنين المتقين على من بغي منهم أو ابتغى دسيعة (2) ظلم، أو إثم أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم. 15 - ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينص كافرا على مؤمن. 16 - وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بغض، دون الناس. 17 - وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصرة والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. 18 - وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلا على سواء وعدل بينهم. 19 - وإن كل غازية غزت معنا، يعقب بعضها بغضا (3) . 20 - وإن المؤمنين يبيء (4) بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.   (1) المفرح: المثقل بالدين، وتروى بالجيم، وهي بنفس المعنى. (2) الدسيعة: العظيمة، وهي في الأصل: ما يخرج من حلق البعير إذا رغا، وأراد بها هنا: ما ينال عنهم من ظلم. (3) أي يتناوبون فإذا خرجت طائفة غازية ثم عادت تكلف أن تعود ثانية حتى تعقبها أخرى غيرها. (4) يبيء: من البواء وهو المساواة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 21 - وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدي وأقومه. 22 - وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن. 23 - وإنه من اعتبط (1) مؤمنا قتلا عن بينة، فإنه قود به، إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه. 24 - وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا، أو يؤويه، وأن من نصره فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه عدل ولا صرف. 25 - وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل والى محمد صلى الله عليه وسلم. 26 - وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. 27 - وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ (2) إلا نفسه وأهل بيته. 28 - وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف. 29 - وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف. 30 - وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. 31 - وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. 32 - وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.   (1) اعتبطه: أي قتله بلا جناية توجب القتل. (2) يوتغ: يهلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 33 - وإن ليهود بني ثغلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته. 34 - وإن جفنة بطن من ثعلبه كأنفسهم. 35 - وإن لبني الشطبية مثل ما ليهود بني عوف. 36 - وإن البر دون الإثم. 37 - وإن موالي ثعلبة كأنفسهم. 38 - وإن بطانة يهود كأنفسهم. 39 - وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم. 40 - وإنه لا ينحجز على ثار جرح (1) . 41 - وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم. 42 - وإن الله على أبر هذا (2) . 43 - وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم. 44 - وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.   (1) الحجز: المنع، وحجز عليه ماله أي حبسه، وفي الحديث لأهل القبيلة أن يتحجزوا الأدنى فالأدنى، أي يكفوا عن القتال، والانحجاز مطاوعة، وكل من ترك شيئا فقد انحجز، أي لا يترك ثأر جرح، وذكر ثأر الجرح لبيان أخفى أفراد القود، لبيان شدة الأمر وأنه لا يغمض عن أدنى جناية، ولا يعفي، ويمكن أن تكون هذه الجملة كناية عن التشديد في مواد العهد، أي لا يترك شيء من مواد العهد، فتكون الجملة كالمثل السائر يستعمل في أمثال المقام، وعلى هنا بمعنى من كما في قوله تعالى: وإذا اكتالوا على الناس يستوفون ولعل هذا التأكيد والتهديد، من أجل علمه صلى الله عليه وسلم بغدر اليهود وغوائلهم وقلة مبالاتهم بعهودهم، وشدة عداوتهم للإسلام والمسلمين. على بن حسين علي الأحمدي، - مكاتيب الرسول - ص 255 - 256 جـ 2، دار صعب بيروت. (2) علي أبر هذا: أي علي الرضا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 45 - وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم. 46 - وإنه لا يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم. 4 - وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة. 48 - وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم. 49 - وإنه لاتجار حزمة إلا بإذن أهلها (1) . 50 - وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 51 - وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره. 52 - وإنه لا تجار (2) قريش ولا من نصرها. 53 - وإن بينهم النصر على من دهم يثرب وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه. 54 - وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين - إلا من حارب في الدين - على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم. 55 - وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة. 56 - وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه. 57 - وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره.   (1) أي لا تعطى ذمة ولا عهد، والمراد بالحرمة هنا الجوار، فلا يجير الجار مستجيرا إلا بإذن مجيره. (2) أي لا تعطى عهدا ولا ذمة، والذمة الأمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 58 - وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم أو أثم. 59 - وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى نص الوثيقة (1) . ب - تخرج الوثيقة: وردت هذه الوثيقة بهذا النص المطول عن ابن إسحاق مرسلة، كما ذكر ذلك ابن كثير في البداية، وابن هشام في السيرة، وابن إسحاق هو أول من أورد نص الوثيقة كاملا، وقد ذكر ابن سيد الناس أن ابن أبي خيثمة أورد الوثيقة في تاريخه بهذا الإسناد، حدثنا أحمد بن خباب أبو الوليد حدثنا عيسى بن يوسف حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار فذكر بنحوه، أي بنحو ما أورد ابن إسحاق. ويبدو أن الوثيقة وردت في القسم المفقود من تاريخ ابن أبي خيثمة (2) كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد آخر هو: حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير وعبد الله بن صالح قالا حدثنا الليث بن سعد قال حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بهذا الكتاب وسرده (3) .   (1) السيرة النبوية لابن هشام، ص 501 - 504، جـ ا، البداية والنهاية لابن كثير جـ 3، ص 346 - 347، ط بدون، مكتبة الفلاح، الرياض، تم نقلها كما وردت في سيرة ابن هشام مع تفصيلها على شكل مواد. (2) مقال بعنوان: أول دستور أعلنه الإسلام، للدكتور أكرم العمري، كلية الإمام الأعظم، عدد "1 "، 1392 هـ، ص 37. (3) المرجع السابق، ص 38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 كما وردت الوثيقة في كتاب الأموال لابن زنجويه من طريق الزهري أيضا (1) . هذه هي الطرق التي وردت بها الوثيقة بنصها الكامل، وهي متطابقة إلى حد كبير سوى بعض التقديم والتأخير أو اختلاف بعض العبارات مما لا يؤثر على مضمونها (2) . ويذكر أحد الباحثين (3) أن الوثيقة موضوعة، وذلك لعدم ورودها في كتب الفقه والحديث الصحيح على الرغم من أهميتها التشريعية، بل رواها ابن إسحاق دون إسناد معتمدا على رواية كثير المزني حاذفا إسناده، وقد نقلها عنه ابن سيد الناس، وأضاف أن كثير بن عبد الله روى هذه عن أبيه عن جده وقد ذكر ابن حبان أن كثير المزني روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا الرواية عنها إلا على جهة التعجب، وسبب الحكم على الوثيقة بالوضع هو تصور أنه لم يروها غير ابن إسحاق، وأنه لم يعثر على إسناد لها سوى ما ذكره ابن سيد الناس من رواية ابن أبي خيثمة من طريق كثير المزني. ولكن أبا عبيد القاسم بن سلام أوردها من طريق الزهري، وهي طريق لا صلة لها بكثير هذا، ونظرا لكون ابن إسحاق من أبرز تلاميذ الزهري، فإن ثمة احتمالا كبيرا أن يكون قد أوردها من طريقه، ثم كون كتب الحديث لم ترو نص الوثيقة كاملا لا يعني عدم صحتها، فكتب الحديث أوردت مقتطفات كثيرة منها تشمل جزءا كبيرا منها (4) بأسانيد متصلة وبعضها أوردها البخاري ومسلم، فهذه النصوص من الأحاديث   (1) المرجع السابق، ص 38. (2) المرجع السابق، ص 38. (3) المرجع السابق، ص 39. (4) المرجع السابق، ص 39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الصحيحة، وقد احتج بها الفقهاء وبنو عليها الأحكام، كما أن بعضها ورد في مسند أحمد، وسنن أبي داود وابن ماجه والترمذي بطرق مستقلة عن الطرق التي وردت منها الوثيقة (1) ومن ذلك ما يلي: «عن علي رضي الله عنه لما سئل هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء بعد القرآن، قال: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهم يؤتيه الله عز وجل رجلا في القرآن، أو ما في الصحيفة، فقلت: وما في الصحيفة، قال: العقل، وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر» (2) قال على رضي الله عنه: «ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا خاصة دون الناس، إلا شيء سمعته منه فهو في صحيفة في قراب سيفي، قال: فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة قال: فإذا فيها من أحدث حدثا أو أوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، قال: وإذا فيها إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم المدينة حرام ما بين حريتها، وحماها كله، لا يختلي خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا لمن أشار بها، ولا تقطع منها شجرة، إلا أن يعلف رجل بعيره، ولا يحمل فيها السلاح لقتال، قال: وإذا فيها المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده» (3) . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار، أن يعقلوا معاقلهم وأن يقدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين» (4) .   (1) المرجع السابق، ص 39. (2) مسند الإمام أحمد (1 / 79) ، الطبعة الخامسة، المكتب الإسلامي، بيروت، 1405 هـ. (3) المرجع السابق (1 / 119) . (4) المرجع السابق (1 / 271) ، ورواه بنحوه بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما (1 / 271) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله، ثم إنه كتب أنه لا يحل أن يتوالى مولى رجل مسلم بغير إذنه، قال روح: يتولى» (1) . وقال رافع بن خديج رضي الله عنه قال: «إن مكة إن تكن حرما فإن المدينة حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مكتوب عندنا في أديم خولاني» (2) . عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «. . . ثم نظر إلى المدينة قال اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة. .» (3) . وعن علي رضي الله عنه قال: «ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فقال فيها الجراحات، وأسنان الإبل، والمدينة حرم ما بين عير إلى كذا فمن أحدث فيها حدثا أو أوي محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل، ومن تولى غير مواليه فعليه مثل ذلك، وذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه مثل ذلك» (4) . وعن علي رضي الله عنه قال: « (من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة (قال: وصحيفة معلقة في قراب سيفه) فقد كذب، فيها أسنان الإبل، وأشياء من الجراحات، وفيها قال النبي صلى الله عليه   (1) المرجع السابق (3 / 321) ، وصحيح مسلم رقم (1507) ، ومسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه رقم (1508) . (2) مسند الإمام أحمد (4 / 141) ، وانظر: كذلك المرجع السابق (1 / 122) ، (2 / 178، 180، 194، 204، 211، 215) ، (242 / 3، 342) . (3) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من غزا بصبي للخدمة (3 / 255) . (4) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ذمة المسلمين وجوارهم واحدة، ويسعى بها أدناهم (4 / 67) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وسلم: (المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا، وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا) » (1) . وعن كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة قتل كعب بن الأشرف، وقال في آخر الحديث: «. . . ثم دعاهم إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابا، ينتهون إلى ما فيه، فكتب بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفة» (2) وعن عاصم بن سليمان الأحول قال: قلت لأنس: «أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حلف في الإسلام؟ فقال: قد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في دارى» (3) . وفي رواية قال: (سمعت أنس بن مالك يقول: «حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا، فقيل له: أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام؟ فقال: حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا، مرتين أو ثلاثا» (4) . وذكر ابن القيم رحمه الله: «أن الرسول صلى الله عليه وسلم صالح اليهود وكتب بينهم وبينه كتاب آمن» (5) وقال ابن حجر: وذكر ابن إسحاق   (1) رواه أبو داود، رقم (1370) . (2) رواه مسلم، رقم (3000) . (3) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الإخاء والحلف، وكتاب الكفالة باب قول الله تعالى: والذين عقدت أيمانكم وكتاب الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وخص على اتفاق أهل العلم، ورواه مسلم رقم 2529) ، ورواه أبو داود رقم (2926) ، ورواه أحمد (3 / 111، 145، 281) . (4) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الإخاء والحلف، وكتاب الكفالة باب قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ) وكتاب الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وخص على اتفاق أهل العلم، ورواه مسلم رقم 2529) ، ورواه أبو داود رقم (2926) ، ورواه أحمد (3 / 111، 145، 281) . (5) ابن القيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، ص 71، ج2، طبعة ثالثة، 1362هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 أن النبي صلى الله عليه وسلم «وادع اليهود لما قدم المدينة، وامتنعوا من اتباعه، فكتب بينهم كتابا» (1) . وقال ابن القيم رحمه الله في أحكام أهل الذمة: «. . . إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وادع جميع اليهود، الذين كانوا بها موادعة مطلقة، ولم يضرب عليهم جزية» ، وهذا مشهور عند أهل العلم بمنزلة التواتر بينهم، قال الشافعي رحمه الله: لم أعلم مخالفا من أهل العلم بالسير أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة وادع يهود كافة على غير جزية، وهو كما قال الشافعي رحمه الله تعالى، وذلك أن المدينة كان فيما حولها ثلاثة أصناف من اليهود: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وكانوا (بنو قينقاع وبنو النضير) حلفاء الخزرج، وكانوا (قريظة) حلفاء الأوس، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم هادنهم ووادعهم مع إقراره لهم ولمن كان حول المدينة من المشركين من حلفاء الأنصار على حلفهم وعهدهم الذي كانوا عليه حتى أنه عاهد اليهود أن يعينوه إذا حارب، ثم نقض العهد بنو قينقاع، ثم النضير، ثم قريظة. قال محمد بن إسحاق: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أول ما قدم المدينة كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم واشترط عليه وشرط لهم. قال بن إسحاق حدثني عثمان بن محمد بن عثمان بن الأخنس بن شريق قال: (أخذت من آل عمر بن الخطاب هذا الكتاب كان مقرونا بكتاب الصدقة الذي كتب للعمال) (2) ثم ذكر نحو نص الوثيقة التي نحن بصددها الآن، ثم قال:   (1) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري: ص 275، جـ7، نشر الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض. (2) ابن القيم، أحكام أهل الذمة، ج 2 ص 834 - 835، طبعة ثانية، دار العلم للملايين ببيروت 1401هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 (وهذه الصحيفة معروفة عند أهل العلم) (1) ثم استشهد بحديث جابر بن عبد الله الذي رواه مسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كتب على كل بطن عقولة» والذي ذكرناه سابقا. ثم قال: " فكل من أقام بالمدينة ومخالفيها غير محارب من يهود دخل في هذا، ثم بين أن ليهود كل بطن من الأنصار ذمة من المؤمنين، ولم يكن أحد من اليهود إلا وله حلف إما مع الأوس أو مع بطون الخزرج، وكان بنو قينقاع وهم المجاورون للمدينة رهط عبد الله بن سلام حلفاء بني عوف بن الخزرج رهط البطن الذي بدئ بهم في هذه الصحيفة " (2) . وبذلك يتبين أن القول بأن الوثيقة موضوعة مجازفة وذلك للأسباب الآتية: 1 - ثبوت المحالفة بين المهاجرين والأنصار، وكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك. 2 - ثبوت موادعة اليهود، وكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك. 3 - أن الوثيقة وردت من طرق عديدة تتضافر في إكسابها القوة. 4 - أن الزهري علم كبير من أعلام الرواد الأوائل في كتابة السيرة النبوية. 5 - أن أسلوب الوثيقة يدل على أصالتها، فنصوصها مكونة من جمل قصيرة وغير معقدة، وفيها كلمات وتعابير كانت مألوفة في العهد النبوي.   (1) المرجع السابق، ص 838. (2) المرجع السابق، ص 838. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 6 - أنه ليس في الوثيقة نصوص تمدح أو تقدح فردا، أو جماعة، أو أي قرينة يمكن القول معها بأنها مزورة. 7 - التشابه الكبير بين أسلوبها، وأساليب كتب النبي صلى الله عليه وسلم الأخرى يعطيها توثيقا آخر. 8 - أن الأحكام المستنتجة من الوثيقة يمكن استنتاجها من عموميات النصوص الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد التي ذكرنا طرفا منها (1) . جـ - أهم ما احتوته الوثيقة من أمور دستورية: وقد احتوت هذه الوثيقة على عدة أحكام دستورية أهمها ما يلي: 1 - الإعلان عن قيام الدولة الإسلامية، وأن شعبها يتكون من: مهاجري مكة وأنصار المدينة، مضافا إليهم كل من أبدى استعدادا للتبعية لهذه الوحدة، وخضع لقيادة دولتها من الأقليات الأخرى القاطنة المدينة كما في الفقرة (1) ، والفقرة (2) . 2 - نصت الوثيقة على مبدأ الانضمام إلى المعاهدة بعد توقيعها، وهو مبدأ دستوري مهم، ومازال العمل يجري به إلى يومنا هذا، ولعلها أول وثيقة في التاريخ تقر هذا المبدأ (2) كما في الفقرة (1) والفقرة (17) . 3 - نصت الوثيقة على مواد في التكافل الاجتماعي بين أفراد الدولة، كما في الفقرات من (3) إلى (13) . 4 - نصت الوثيقة على إقامة العدل، وتنظيم القضاء، ونقله من الأفراد والعشيرة إلى الدولة دون محاباة، ودون السماح لأحد بالتدخل وتعطيل القانون، كما في الفقرة (14) .   (1) أول دستور أعلنه الإسلام، د. أكرم العمري، ص 39 - 40. (2) محمد العوا، في النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 56، 57، طبعة خامسة، 1981م، المكتب المصري، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 5 - قررت الوثيقة مبدأ شخصية العقاب كما في الفقرة (46) والفقرة (56) . 6 - أوردت الوثيقة نصوصا في بيان مركز الأقليات الدينية، كما في الفقرات (71) ، (26) ، (27) ، (43) ، (44) ، (53) . 7 - أوردت الوثيقة نصوصا في بيان الحقوق، كحق الحياة، كما في الفقرة (23) ، وحق الملكية، كما في الفقرة (58) وحق الأمن والمسكن، والتنقل، كما في الفقرتين (47) ، (58) . 8 - أوردت الوثيقة نصوصا في بيان الحريات والحقوق كحق احترام عقيدة الآخرين، وعدم الإكراه في الدين، كما في الفقرة (27) ، وبالتناصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في الفقرة (45) . 9 - حددت الوثيقة أساس المواطنة في الدولة الناشئة، وهو الإسلام، فأحلت الرابطة الدينية بدلا من الرابطة القبلية، حيث نصت الفقرة (2) ، من الوثيقة على أن المسلمين أمة من دون الناس، وليس معنى ذلك حصر المواطنة في المسلمين وحدهم، بل نصت الوثيقة على اعتبار اليهود المقيمين في المدينة من مواطني الدولة، وأوضحت حقوقه وواجباتهم (1) كما في الفقرات من (27) إلى (41) . 10 - عينت الوثيقة أن المرجع عند الاختلاف رئيس الدولة، كمما في الفقرة (25) ، والفقرة (39) والفقرة (50) بمعنى أن الوثيقة حددت سلطة تفسير النصوص. 11 - قررت الوثيقة مبدأ المساواة كما في الفقرات (16) ، (18) ، (20) ، (53) ، (54) ، فالناس سواء في الحقوق والواجبات.   (1) المرجع السابق، ص56 ـ 57. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 12 - نصت الوثيقة على عدم جواز إبرام الصلح المنفرد مع أعداء الأمة، كما في الفقرة رقم (18) . 13 - نصت الوثيقة على مبادئ غير سياسية أو غير دستورية أصلا، وذلك لإعطائها أهمية ومكانة، ولإلزام أطراف هذه الوثيقة بالنزول على حكمها، وذلك لإعطائها سمو ومكانة ليست لأحكام القانون العادي، ولمنحها شيئا من الثبات، وذلك لأهميتها حين وضع الوثيقة، كما في الفقرات (23) ، (24) ، (46) ، (26) ، فهذا أمر متعارف عليه حاليا في الدساتير الحديثة. 14 - أبقت الوثيقة على بعض الأعراف القديمة، التي كان العرب متعارفين عليها قبل الإسلام كما في الفقرات (3) وما بعدها فنشؤ الدولة الإسلامية لم يؤد إلى الإلغاء لوظائف القبيلة الاجتماعية، ذلك أنها لم تكن شرا كلها (1) . والحقيقة أن هذه الوثيقة جاءت واضحة في نصوصها على غير مثال سبقها، وشملت نصوصها أغلب ما احتاجته الدولة الناشئة في تنظيم شؤونها السياسية، وتتضح دقة صياغة هذه الوثيقة، من خلال النظر في نصوص المعاهدات الدولية، والدساتير في العصر الحديث، وما تثيره نصوصها من خلاف في المعنى والتطبيق (2) . [ المكاتبات والعهود مع القبائل العربية حتى صلح الحديبية ] 3 - المكاتبات والعهود مع القبائل العربية حتى صلح الحديبية: تعتبر المعاهدات بين دولتين أو أكثر أو بين دولة وطرف آخر من الأمور الدستورية، كما هو مستقر في القانون الدستوري المعاصر.   (1) د. منير البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 72 - 73. محمد العوا، في النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 54، 56، 57، 58، 59. (2) محمد العوا، في النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 58، 59. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ففي الدولة الإسلامية الأولى، سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلال العام الأول للهجرة إلى إقرار الأمن والنظام في المدينة، وبعد أن نجح في ذلك توجه نظره خارج المدينة، حيث قريش عدو الإسلام الأول، فكان أن بدأ بإعلان قريش عدوا لدولة المدينة وحرم أي تعامل معها، حيث بدأ بإرسال سلسلة من الحملات العسكرية غرضها قطع الطريق، على قوافل مكة وهي في طريقها من الشام، وبالإضافة إلى ذلك سعى إلى عزل قريش سياسيا، وذلك بعقد معاهدات دفاعية مع القبائل المحيطة بالمدينة، والتي تخترق قوافل قريش أراضيها، فكسبت الدولة الإسلامية إلى جانبها في السنوات الأولى من الهجرة، عددا من القبائل (1) وهي بني ضمرة (2) وجهينة (3) وخزاعة (4) وغفار (5) وأسلم (6) وتضمنت هذه المعاهدات نصوصا بعدم الاعتداء من أي طرف على آخر، والأمن على الأنفس والأموال. ومن تلك المعاهدات، معاهدة بني ضمرة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار في أول غزواته حتى بلغ ودان (7) وهي غزوة الأبواء (8) يريد قريشا وبني ضمرة، فوادعته قبيلة بني ضمرة، وكان الذي عاهده منهم سيدهم مخشى بن عمرو الضمري (9) وكتبت هذه المعاهدة   (1) عون الشريف قاسم، دبلوماسية محمد، ص 29. (2) بني ضمرة: بالفتح هم بني بكر بن عبد مناة بن كنانة. (3) جهينة: قبيلة تسكن سيف البحر الأحمر وأرضيهم معبرا للقوافل المتجهة للشام. (4) خزاعة: قبيلة تقيم بمر الظهران مسيرة يوم من مكة، وبعض زعمائهم يتمتعون بمراكز مرموقة في مكة مثل بديل بن ورقاء، وبين هذه القبيلة وقريش عداء قديم. (5) غفار: قبيلة صغيرة قريبة من المدينة. (6) أسلم: فرع من قبيلة خزاعة. (7) ودان: بفتح الواو وشد المهملة قرية من أمهات القرى من عمل الفرع وقيل: واد على الطريق، يقطعه المصعدون من حجاج المدينة. (8) الأبواء: قرية من عمل الفرع، بينها وبين الجحفة من جهة المدينة (33) ميلا. (9) سيرة ابن هشام، جـ1، ص 591. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 على شكل كتاب جاء فيه (بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم وأن لهم النصر على من دهمهم بظلم وعليهم نصر النبي، ما بل بحر صوفه (1) إلا أن يحاربوا في دين الله، وأن النبي إذا دعاهم لنصره أجابوه عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله ولهم النصر على من بر منهم واتقى) (2) . هذا الكتاب يقر أمورا دستورية هي: الأمن على الأموال، والأنفس، والنصر في مواجهة العدو، ونصر هؤلاء الحلفاء في حالة الاعتداء عليهم وهو ما يسمى اليوم بمعاهدة الدفاع المشترك، أو الحلف الدفاعي. ومن المعاهدات المهمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية، الذي حدث بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش، وذلك حين قدم من المدينة معتمرا، لا يريد حربا، وساق معه الهدي، لكن قريشا ذعرت من هذا الزحف المباغت من المسلمين، وفكرت بجد في منع المسلمين من دخول مكة مهما كلف الأمر؛ لأنها رأت أن دخول المسلمين مكة واعتمارهم بعد كل ما وقع بينهم من حروب ودماء سيؤدي إلى نزع مهابتها من قلوب الناس، وفي الوقت نفسه عرفت قريش أن قتالها للمسلمين لردهم عن البيت ليس لها فيه حجة أمام نفسها وأمام أحلافها، لا سيما وأن المسلمين لا يريدون حربا؛ لذلك سيرت قريش الوسطاء يفاوضون الرسول صلى الله عليه وسلم لعلهم ينتهون معه إلى مخلص من هذه الورطة (3) إلى أن انتهى الأمر بأن بعثت قريش سهيل بن عمرو (4)   (1) صوف البحر مثل الصوف الحيواني والمعنى هنا من المبالغة في لزوم النبي. (2) عون الشريق قاسم، دبلوماسية محمد، ص 245، قسم النصوص. (3) محمد الغزالي، فقه السيرة، ص 351 - 352، طبعة سابعة 1976م، دار الكتب الحديثة، مصر. (4) هو سهيل بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 حيث تكلم مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأطال الكلام وتراجعا، ثم جرى بينهما الصلح، وتم بعد ذلك تدوين المعاهدة بين المسلمين وقريش، يمثل الدولة الإسلامية قائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمثل قريش سهيل بن عمرو وكانت صيغة المعاهدة المتفق عليها ما يلي: (هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه: وأن بيننا عيبة مكفوله (1) وأنه لا إسلال ولا إغلال (2) وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فتواثبت خزاعة فقالوا: نحن في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر فقالوا: نحن في عقد قريش وعهدهم، وإنك ترجع عامك هذا فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا معك سلاح الراكب، والسيوف في القرب لا تدخلها بغيرها (3) . يستنتج من هذه المعاهدة وضوح الرؤية السياسية لدى الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أتى أمرا قد يرى في ظاهره مخالفة للتوجه الديني، والدليل أن بعض الصحابة قد دهش لملاينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأعدائه وكان الأولى القسوة، ثم إنه لم يستشر أصحابه في شأن المعاهدة، ولكن بعد نظر الرسول صلى الله عليه وسلم وترجيحه للمصلحة الأكبر وامتثاله لأمر ربه، حيث أوحى الله إليه بفعل ذلك، كل   (1) أي أن تكف عنا ونكف عنك فلا تكون بيننا عداوة. (2) الإسلال: السرقة الخفية، والإغلال الخيانة. (3) ابن كثير، البداية والنهاية، ب 4، ص 190 - 191. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ذلك جعله يدرك أن هناك مصلحة، وإن لم تدرك في الحال، كما يستفاد من الحادثة أن الحاكم المسلم إذا رأى في أمر معين ترجيحا للمصلحة ودرءا للمفسدة، فإن عليه أن يتخذ قرارا بما يوافق المصلحة، ومما لا شك فيه أنه ليس هناك إصابة لعين المصلحة أو المفسدة لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يكون الحكم على غلبة الظن. [ المكاتبات والعهود مع الملوك خارج جزيرة العرب ] 4 - المكاتبات والعهود مع الملوك خارج جزيرة العرب: تختلف هذه المعاهدات عن سابقتها بأنها على مستوى الدول حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم كاتب دولا أخرى أجنبية، أما المعاهدات السابقة فكانت مع أطراف خارج الدولة الإسلامية لا يمكن اعتبارها دولا؛ لعدم توافر أركان الدولة في أي منها، هي القبائل العربية، وليس الهدف من المكاتبات والمعاهدات في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التوسع السياسي، بل الهدف الرئيس هو تبليغ الدعوة وإيصال هذا الدين إلى الناس كافة. كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوك وأمراء الدول الأجنبية يطالبهم وشعوبهم بالدخول في الإسلام، فكتب إلى هرقل، والنجاشي، والمقوقس، وكسرى، وملك البحرين، وأمير الغساسنة، وملك اليمن، وحاكم اليمامة، فمنهم من أسلم، ومنهم من اعترف بالدولة الإسلامية، ومنهم من مزق الكتاب، ومنهم من قتل مبعوث الرسول صلى الله عليه وسلم، والمكاتبة بين رئيسي دولتين من الأمور الدستورية، واعتراف الدول الأخرى بدولة ما يعطي هذه الدولة مكانة دستورية أكبر. وذكر ابن سعد (1) أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية أرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وكتب إليهم كتبا، وأشار   (1) ابن سعد، الطبقات، جـ1، ص 258، طبع دار صادر بيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 عليه بعض أصحابه ببعض الأمور التي تتخذ لتكون العلاقة رسمية بين الدولتين مثل ختم الكتاب، وذلك أن الملوك لا يقرؤون كتابا إلا مختوما، فاتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خاتما من فضة، فصه منه، نقشه ثلاثة أسطر: محمد رسول الله، وختم به الكتب، فخرج ستة نفر من هؤلاء الرسل في يوم واحد، كل رسول يتكلم بلسان القوم الذين بعث إليهم. ومن أمثلة ذلك ما كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم، وجاء فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد: عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين (1) {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] (2) (3) . [ الاتفاقيات مع اليهود والنصارى ] 5 - الاتفاقيات مع اليهود والنصارى: وضع الرسول صلى الله عليه وسلم عدة اتفاقيات مع أهل الكتاب، وتعتبر هذه الاتفاقيات من الوقائع الدستورية في العصر النبوي، وذلك حسب المستقر في نظريات الفقه الدستوري، ومن الأمثلة على تلك الوقائع تلك الاتفاقية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل أيلة (4)   (1) الأريسيين: أي الفلاحين أو الحراثين، وفي رواية الأكارين وهي بالمعنى نفسه. (2) سورة آل عمران الآية 64. (3) ابن كثير، البداية والنهاية، جـ4، ص 296، روى الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب دعوة اليهود والنصارى وعلى ما يقاتلون عليه وما كاتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، والدعوة قبل القتال. (4) أيلة: مدينة بحرية وميناء مشهور وهي العقبة في الأردن حاليا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 والتي منح فيها أهل أيلة ومن معهم من أهل الشام واليمن وأهل البحر الأمان الكامل، حيث كانت أيلة نقطة استراتيجية على البحر يجتمع فيها الناس من كل مكان، كما أن الاتفاقية تنظم الأمن الداخلي لتلك المدينة، حيث نصت على أن من أحدث من هؤلاء المذكورين حدثا أي أرتكب جرما يحل دمه وماله. ومن الوقائع كذلك اتفاقية مقنا (1) والموجهة في شكل خطاب من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهل مقنا وبني جبنة (2) الذين قبلوا مواد هذه الاتفاقية (3) . [ وقائع الشورى ] 6 - وقائع الشورى: تعتبر الشورى مبدأ مهما من مبادئ نظام الحكم في الإسلام، وتهدف الشورى إلى تحري المصلحة العامة، ومشاركة الأمة للقائد في اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون الحكم، حيث تظهر أفضل الحلول للمسائل محل الشورى من خلال مقابلة الآراء بعضها ببعض ونقدها وتمحيصها، وتبين أسباب الخلاف، وإيجابيات كل رأي وسلبياته، وتبرز ضرورة الشورى في أنها تساعد على ترابط واتحاد المجتمع المسلم، لإحساس أفراده بقيمتهم في اتخاذ القرار، وتساعد كذلك على التزام المسلمين بطاعة أولي الأمر منهم، الذين أتاحوا لهم فرصة تداول الرأي في الأمور العامة، وكانت الشورى إحدى دعائم الحكم في العهد النبوي، حيث أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بمشاورة المسلمين بقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: 159] (4)   (1) مقنا: قرية على ساحل البحر الأحمر وأهلها يهود. (2) بني جبنة: من اليهود. (3) عون الشريف قاسم، دبلوماسية محمد، ص 261 - 262. (4) سورة آل عمران، آية 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 وقوله {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38] (1) وقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم مبدأ الشورى في مواقف كثيرة، وسأتعرض فيما يلي لبعض وقائع الشورى وتطبيقاتها في العهد النبوي: أ - ما حدث في غزوة بدر حين نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بجيش المسلمين عند أول ماء وجده، فقام إليه أحد الصحابة وهو الحباب بن المنذر رضي الله عنه وقال له: يا رسول الله، هذا المنزل الذي نزلته، منزل أنزلك الله إياه، فليس لنا أن نجاوزه أو منزل نزلته للحرب والمكيدة؟ فقال: بل منزل نزلته للحرب والمكيدة، فقال: يا رسول الله، ليس بمنزل، ولكن سر بنا حتى ننزل على أدنى ماء يلي القوم ونغور ما وراءه من القلب ونسقي الحياض، فيكون لنا ماء وليس لهم ماء، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي وسار بالجيش إلى المكان المشار به (2) . ب - مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في شأن أسرى بدر، حيث أشار عليه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه باستبقائهم واستتابتهم أو فك أسرهم وافتدائهم بالمال، وأشار عمر رضي الله عنه بضرب أعناقهم، فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر، ولكن الله عاتب نبيه على ذلك (3) . جـ - وتبرز صورة الشورى في أروع معانيها في مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أمر الخروج لملاقاة الأعداء في غزوة أحد،   (1) سورة الشورى، آية: 38. (2) ابن هشام، السيرة النبوية، جـ2 ص62، روى حديث الحباب هذا ابن هشام عن ابن إسحاق، ورواه الحاكم كذلك (3 / 126، 127) . (3) ابن كثير، البداية والنهاية، جـ3، ص 306. روى الحديث ابن عباس وأخرجه مسلم: في الجهاد والسير باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 حيث نزل الرسول صلى الله عليه وسلم على رأي الأغلبية، وهو الخروج لملاقاة العدو، وعدم البقاء في المدينة، بينما كان رأي الرسول صلى الله عليه وسلم الشخصي هو البقاء في المدينة للدفاع عنها بدلا من الخروج، فلما رأى البعض أنهم قد أكرهوا الرسول على الخروج، وأرادوا التراجع عن رأيهم، رفض الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن الأمر قد قطع بالشورى وقال: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل» (1) . د - ومن وقائع الشورى في العهد النبوي حفر الخندق في غزوة الأحزاب حيث كان من نتيجة مشاورة الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه أن اقترح سلمان الفارسي رضي الله عنه حفر الخندق، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الرأي. هذه نماذج من تطبيقات الشورى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور عامة ذات صبغة سياسية وعسكرية مهمة مما هو من صميم الموضوعات الدستورية. [ إعلان الحرب ] 7 - إعلان الحرب: يعتبر إعلان الحرب من الأمور التي لها شأن في أي دولة من الدول، ويعد من الأمور الدستورية، وقد وقعت عدة وقائع لهذا الأمر في العهد النبوي، وتمهيدا لخوض الحروب في سبيل تبليغ دين الله إلى الناس كافة عمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إعداد قواته المسلحة إعدادا قويا في ثلاثة ميادين هي:   (1) سيرة ابن هشام، جـ2 ص 63، والحديث أخرجه أحمد (3 / 351) عن جابر وهو على شرط مسلم، وأخرجه البيهقي من حديث ابن عباس (4 / 11) بسند حسن، وأخرجه الحاكم (2 / 128 - 129، 296، 297) وصححه ووافقه الذهبي، فقه السيرة الغزالي، تحقيق الألباني، ص 269. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 أ - القوة البشرية حيث جعل المسلمين كلهم جيشا للدولة الإسلامية. ب - الإعداد المعنوي، ويبنى على أركان ثلاثة هي: - إيمان الجيش بقضيته التي يقاتل من أجلها. - تحقيق كرامة المواطن في دولة الإسلام. - التربية الخلقية، بهجر الفواحش والإقبال على الله. جـ - إعداد السلاح والعتاد الحربي، حيث شجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على اقتناء الخيل وتربيتها، وعلى الرماية وإجادتها والتمرن عليها، كما عمل على إعداد وتصنيع السلاح محليا، وأرسل بعض أصحابه لتعلم صناعة الأسلحة في جرش (1) . وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بعض السرايا (2) بقيادة بعض أصحابه، كسرية حمزة إلى شاطئ البحر (3) وسرية سعد بن أبي وقاص لاعتراض عير قريش (4) وقاد بعض الغزوات صلى الله عليه وسلم بنفسه كودان (5) وبواط (6) والعشيرة (7) وبدر الأولى (8) حيث كان الهدف منها إرباك العدو باعتراض قوافله، وعقد موادعة مع بعض قبائل   (1) د. محمد رواس قلعة، التفسير السياسي للسيرة، ص 158 - 160، الطبعة الأولى، دار السلام للطباعة، وجرش مدينة في الأردن، وقد أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود وغيلان بن سلمة لتعلم صناعة بعض الآلات الحربية الضخمة في ذلك الوقت في هذه المدينة. (2) السرية: كل مناوشة حصلت بين المسلمين والمشركين ولم يحضرها الرسول صلى الله عليه وسلم، والغزوة هي ما حضرها الرسول من المعارك. (3) وكان أول لواء عقده الرسول صلى الله عليه وسلم في رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره صلى الله عليه وسلم زاد المعاد، ابن القيم، جـ2 ص 83، طبعة ثالثة، 1362هـ، المطبعة العصرية. (4) في ذي القعدة على رأس تسعة أشهر من الهجرة. (5) وهي غزوة الأبواء كذلك، وهي أول غزوة غزاها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في صفر على رأس اثنى عشر شهرا من الهجرة. (6) بواط في ربيع الأول على رأس ثلاثة عشر شهرا من الهجرة. (7) العشيرة في جماد الآخر على رأس ستة عشر شهرا من الهجرة، وهي بين ينبع والمدينة. (8) بدر الأول في الشهر الثالث عشر من الهجرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 العرب، ليسهل مواجهة بقية الأعداء؛ إلى أن كانت غزوة بدر الكبرى بين الجيش الإسلامي وقريش، ثم أحد كذلك، ثم بقية الغزوات والمعارك التي خطط لها وأعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعداء الدولة الإسلامية، الذين وقفوا أمام تبليغ دين الله وعادوه وذلك بصفته رئيسا أعلى للدولة الإسلامية. [ وقائع دستورية متفرقة ] 8 - وقائع دستورية متفرقة: بالإضافة إلى ما ذكر من وقائع وتطبيقات دستورية فإن العهد النبوي مليء بالتطبيقات الدستورية التي يضيق المجال عن حصرها، ونشير إلى أمثلة منها حدثت في العهد النبوي، نتيجة لاكتمال بناء الدولة الإسلامية ومباشرتها لمهامها الدستورية في مختلف شؤونها، ومن هذه الأمور: أ - تنفيذ حدود الله. ب - تنظيم القضاء، وإرسال القضاة إلى الأقاليم. جـ - تعيين الولاة. د - تنظيم الموارد المالية للدولة، عن طريق جباية الزكاة والجزية والغنائم. هـ - استقبال الوفود الرسمية من خارج الدول الإسلامية الراغبين في الموادعة أو الراغبين الدخول في الإسلام، وكانت هذه الوفود رمزا لقبائلهم أو دولهم. و إنفاذ السفارات إلى العالم الخارجي، حيث تم بذلك وضع أساس للعلاقات الدولية عندما تكون الدولة الإسلامية طرفا فيها. ز - عمومية التعليم لجميع رعايا الدولة، والحرص على نشره، وإرسال المعلمين إلى الأقاليم (1) .   (1) محمد العوا في النظام السياسي للدول الإسلامية، ص 59. د. منير البياتي، الدولة القانونية والنظام الإسلامي، ص 501، 507، 511. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 [ المبحث الثاني تطبيقات دستورية في عهد الخلفاء الراشدين ] [ عدم تدوين السنة ] المبحث الثاني: تطبيقات دستورية في عهد الخلفاء الراشدين: لم يلحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى إلا بعد أن ربى أصحابه تربية كاملة، تؤهلهم لمواصلة المسيرة؛ لنشر دين الله في الأرض، تحت ظل الدولة الإسلامية التي أنشأها الرسول صلى الله عليه وسلم فسار الصحابة من بعده على المنهج الذي اختطه لهم صلى الله عليه وسلم فكانوا بذلك أفضل الأمة من بعده صلى الله عليه وسلم؛ لتربيتهم على يده وحرصهم الشديد على اقتفاء أثره صلى الله عليه وسلم في كل شؤونهم، فكان عصر الخلافة الراشدة الذي توالى فيه أبو بكر، فعمر، فعثمان، فعلي رضي الله عنهم أجمعين استمرارا لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد سار الخلفاء الأربعة على منهاج النبوة واتخذوا ما كان عليه العمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة لهم، واجتهدوا فيما استجد من وقائع ضمن إطار من الكتاب والسنة، واستمروا في نشر دين الله في الأرض، فتوسعت الدولة الإسلامية، وواجهوا أوضاعا ووقائع لم تكن موجودة في عهده صلى الله عليه وسلم فاجتهدوا فيها على هدى من كتاب الله وسنة رسوله ومشاورة لأصحابه رضي الله عنهم. ويختص هذا المبحث بذكر بعض الوقائع الدستورية في عهد الخلفاء الراشدين الذي يعتبر بعد عهد النبوة الأساس العملي الثاني في بناء النظام السياسي الإسلامي، حيث تكونت من قواعد وتطبيقات العهد النبوي واجتهادات وتطبيقات هذا العهد سوابق دستورية، تعد معيارا للحكم على ما تلا ذلك من العهود من تطبيقات عملية، وأساسا لكافة الآراء المتعلقة بالجانب السياسي والدستوري من حياة المسلمين، فهذه السوابق الدستورية - فيما يتعلق بالثوابت منها - تعتبر ملزمة للمسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 في كل وقت، وما كان من المتغيرات فلا إلزام فيه؛ لأن الحكم فيما يتعلق بالمتغيرات يختلف حسب الظروف والمصلحة، وهذا متسق مع طبيعة التشريعات الإسلامية كلها، في اتسامها بالمرونة والصلاحية للتطبيق، عن طريق البناء على أسسها، والتخريج على أحكامها في كل العصور، ونعرض في هذا المبحث بعض الوقائع التطبيقية الدستورية في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. 1 - عدم تدوين الدستور: استقر العرف الدستوري في عهد الخلفاء الراشدين، على عدم وجود دستور مدون في شكل وثيقة واحدة، تحوي كافة الأحكام الدستورية، وذلك أن العمل الدستوري استمر في هذا العهد بناء على قواعد دستورية ثابتة في الكتاب والسنة، وبناء على الاجتهاد فيما يستجد من حوادث في إطار الكتاب والسنة، فأبو بكر رضي الله عنه لم يدون دستورا للدولة الإسلامية في عهده، واكتفى بالميراث النبوي وبالاجتهاد والشورى فيما يستجد من وقائع، وكذلك عمر اكتفى بالميراث السابق لعهده، وهكذا عثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا. ولا يمكن اعتبار أحكام الدستور هذه أحكاما عرفية، أو أن يكون الدستور عرفيا لعدم التدوين؛ لأن الأساس والمرجع لهذا الدستور هو شرع الله، وما كان فيه من بعض الجزئيات فإنما تكون من باب الوسائل، فإنه قد يستقر العرف على حكم أو أحكام منها ويجرى العمل به. ولكن هذا لا يجعل الدستور في النظام الإسلامي دستورا عرفيا كما يرى البعض (1) .   (1) أمثال: الدكتور سليمان الطماوي، والدكتور عبد المنعم جابر أبو قاهوق، والدكتور: إسماعيل بدوي وغيرهم، انظر في ذلك: عمر بن الخطاب وأصول السياسة والإدارة الحديثة، د. سليمان الطماوي ص 147، طبع دار الفكر العربي، مبادئ القانون الدستوري، د. إسماعيل بدوي، ص 138. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 فالدستور العرفي هو الذي يكون العرف مصدرا له، والدستور في النظام الإسلامي مصدره الوحي وما انبثق عنه من مصادر، وبالتالي فلا يمكن اعتباره دستورا عرفيا، كما قد يتبادر إلى الذهن لكونه غير مدون فقط، والذين نحوا هذا المنحى استخدموا المصطلحات الدستورية الغربية دون تمحيص، إذ أنه وفق هذه المصطلحات الغربية إذا لم يكن الدستور مدونا عد دستورا عرفيا، كما في بريطانيا مثلا، فاستخدام المصطلحات الغربية على عواهنها غير مسلم به، فالظروف والمتغيرات الحضارية والسياسية تختلف في النظام الإسلامي عنها في النظم الغربية، ففي النظام الإسلامي هناك الشريعة الإسلامية التي يحتكم إليها الجميع، وهي الأساس لكافة الأحكام الدستورية منها وغيرها، أما في النظم الغربية فأساس التشريع هم البشر، سواء عن طريق التشريع العادي، أو العرفي، أو القضائي، أو الفقهي، وبالتالي فلا يعتبر الدستور في الإسلام بأي حال دستورا عرفيا بالمصطلح الغربي. وتدوين الدستور وعدمه أمر يرجع لظروف كل دولة، ففي عصر الخلفاء الراشدين لم يكن هناك ضرورة لتدوين الدستور؛ لقرب الناس من العهد النبوي ولالتزام الجميع التزاما ذاتيا بأحكام الشرع، وهذا بحد ذاته يعتبر ميزة دستورية لهذا العصر، وليس معنى عدم وجود الدستور المدون أن الدولة غير قانونية؛ لأن المقصود بوجود الدستور - مقوما للدولة القانونية - هو وجود القواعد الدستورية أو الأساسية التي تحكم أمور الدولة الرئيسة، وما يتعلق بالسلطات وحقوق الأفراد سواء أدونت هذه القواعد في وثيقة واحدة، أم لم تدون في هذه الوثيقة، كما يجب أن نفرق هنا بين مصطلحي الدستور العرفي والعرف الدستوري، فالدستور العرفي يخص الدول التي لم تدون القواعد الدستورية فيها في وثيقة مكتوبة تجمعها ويعد العرف هو المصدر الرئيس للقواعد الدستورية فيها، أما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 العرف الدستوري فينصرف إلى مجموعة القواعد الدستورية التي تتولد عن العادات والسوابق في ظل دستور دولة معينة (1) والعرف الدستوري قد يوجد في ظل النظام الدستوري الإسلامي فقد تتكون عادات وسوابق دستورية في ظل دستور هذه الدولة الإسلامية، سواء أكان دستورها مدونا أم غير مدون. [ الخلافة والبيعة ] 2 - الخلافة والبيعة: لعل من أهم الوقائع الدستورية في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أمر الخلافة والبيعة، حيث لم يحدد الرسول صلى الله عليه وسلم الطريقة التي تتبع في اختيار الحاكم، وإنما اكتفى بإيضاح القواعد العامة التي يجب أن تراعى، وبين بسنته القولية والعملية المثل العليا التي يجب على الحاكم والمحكومين الالتزام بها، دون ذكر تفاصيل نظام الحكم، إذ أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وغيرها متغيرة ومتبدلة من زمن لآخر، وهي بلا شك مؤثرة في النظام السياسي. وبناء عليه فإن على المسلمين في كل عصر تحديد ما يصلح لذلك العصر في إطار القواعد الرئيسة، والمثل العليا، والمبادئ التي جاء بها الإسلام، فالصحابة رضوان الله عليهم واجهوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الخلافة بحزم وعزيمة، حتى استقروا على رأي واحد، حتى أنهم - خوفا من أن ينفلت زمام الأمر قدموا البحث فيه على دفن الرسول صلى الله عليه وسلم وتجهيزه؛ مراعاة للمصلحة وتقديما للأهم قبل المهم. لقد بادر الأنصار إلى الاجتماع في سقيفة بني ساعدة لبحث أمر رئاسة الدولة بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فعلم بذلك   (1) د. محمد حسين عبد العال - القانون الدستوري، ص 89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 المهاجرون، وأسرع أبو بكر وعمر وأبو عبيد رضي الله عنهم للقاء إخوانهم من الأنصار للمشاركة في اتخاذ القرار، فكان النقاش بينهم الذي يمكن بلورته في آراء ثلاثة هي: أ - رأي الأنصار بأحقيتهم في الخلافة. ب - رأي المهاجرين، وعبر عنه أبو بكر، وهو الاعتراف بفضل الأنصار، ولكن هذا الفضل لا يلزم أن تكون الخلافة فيهم، ثم ذكر فضل المهاجرين إلى أن قال: " إن العرب لن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا " (1) أي أن الأمر لا بد أن يكون في قريش. جـ - الرأي الثالث هو رأي الحباب بن المنذر - وهو من الأنصار - يرى بأن يكون من الأنصار أمير ومن المهاجرين أمير. ودار النقاش بين المجتمعين في أروع صورة للشورى، حيث تكلم كل فريق بما يراه وما يسند رأيه من حجج، وبصراحة تامة لا لبس فيها، بحيث لا يبقى مجال لبس عند اتخاذ القرار، ولم يكن ما حدث في الحقيقة نزاعا من أجل السلطة، أو انتصارا للرأي الشخصي المجرد، بل على العكس من ذلك فهي الشورى بعينها التي حض عليها الإسلام ومدح الله المسلمين بها. ويشبه بعض الباحثين (2) اجتماع السقيفة بجمعية تأسيسية قامت بوضع مستقبل الأمة السياسي. وبعد مداولة الرأي استقر رأي المجتمع على اختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين، وتمت البيعة له ممن حضر الاجتماع،   (1) سيرة ابن هشام، جـ 2 ص 659. (2) الدكتور. محمد ضياء الدين الريس في كتابه النظريات السياسية الإسلامية، ص 27 - 32، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الخامسة 1969 م. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وهي البيعة الخاصة، وفي اليوم التالي تمت البيعة العامة في المسجد النبوي لأبي بكر من قبل المسلمين في المدينة. واستمر بعد ذلك نظام رئاسة الدولة مع اختلاف صورة اختيار الخليفة، أو الإمام أو الملك أو الأمير، وكان اختيار رئيس الدولة يتم عن طريق البيعة التي تتم بإحدى طرق أربع (1) هي: أ - الاختيار، كاختيار أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. ب - الاستخلاف، كاختيار عمر رضي الله عنه. جـ - الاختيار بين معينين، كاختيار عثمان رضي الله عنه. د - ولاية العهد، كما في الدولة الأموية والعباسية. ويمكن تلخيص النقاط التي تستنتج من وقائع اختيار الخليفة والبيعة في عهد الخلفاء الراشدين في النقاط التالية: أ - تأكيد أن أمر اختيار الخليفة أو رئيس الدولة الإسلامية متروك للمسلمين، يقررون فيه ما يلائم مصالحهم. ب - تكريس تطبيق مبدأ الشورى دون تحديد طريقة معينة بذاتها، ويتضح هذا من خلال اختيار الخلفاء الراشدين ومبايعتهم. جـ - تحديد تسمية الخلافة، لتكون هذه التسمية في ذلك الوقت علما على هذا النظام المتميز بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حدد الفقهاء مدلول الخلافة: بأنها خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا (2) .   (1) د. ماجد راغب الحلو، الاستفتاء الشعبي بين الأنظمة الوضعية والشريعة الإسلامية، ص 12، طبعة أولى، 1400هـ، مكتبة المنار الإسلامية، الكويت. (2) الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ص 5. مصطفى الحلبي، 1386هـ. مقدمة ابن خلدون، ص 131. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 د - الشعور بأهمية القيادة السياسية فإن اختيار أبي بكر رضي الله عنه تم بأسرع وقت، بل وحتى قبل دفن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كره أصحاب رسول الله أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة، فكان هذا الوعي السياسي في اجتماع كلمة المسلمين وتجنب الفتن والخلاف. بالإضافة إلى أن وجود القيادة السياسية يكفل استمرار مسيرة الدعوة الإسلامية التي بدأها الرسول صلى الله عليه وسلم ويجعل الدولة (سندا للدين) (1) . [ الخطابات والعهود ] 3 - الخطابات والعهود: من تلك الوقائع التي تعتبر دستورية في طبيعتها بعض الخطابات الموجهة من الحكام لأفراد الأمة، والتي تعتبر ميثاقا يبين منهج الحاكم السياسي وكذلك العهود والمواثيق الموجهة من الحكام إلى الولاة إلى الدول الأجنبية، ونجد عصر الراشدين مليء بالأمثلة على هذا الضرب من الوقائع الدستورية، ومن أمثلة ذلك الخطبة التي ألقاها أبو بكر الصديق رضي الله عنه غداة مبايعته خليفة للمسلمين، حيث قال: " أما بعد، أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة: والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه (2) إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله (3) .   (1) محمد العوا، في النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 81. (2) أي حتى آخذ له حقه. (3) سيرة ابن هشام، ص 661، جـ 2. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 هذا الميثاق الذي أعلنه أبو بكر رضي الله عنه غداة تسلمه مهام منصبه خليفة للمسلمين، يعتبر وثيقة دستورية هامة في تاريخ الدولة الإسلامية فهو على قصره من جوامع الكلم، أوضح فيه أبو بكر طريقته التي سيسير عليها في الحكم، ومنهجه السياسي الذي اختطه لنفسه بعد مبايعته إماما للمسلمين، ويمكن أن يستنتج من هذا الميثاق بعض الأمور الدستورية منها ما يلي: أ - من حق الحاكم على الرعية إعانته عند سيره سيرا صحيحا. ب - من حقه أيضا النصح له وبيان ما عليه من أخطاء عندما يسيء استخدام سلطته كأي فرد من المسلمين، وهذا المبدأ فيه إقرار لحقوق الرعية. ب - الحض على بعض الأمور الأخلاقية من الصدق وعدم الكذب وعدم انتشار الفواحش، هذه الأخلاقيات التي تشكل سياجا لبناء الأمة وأساسا لبقائها. د - المساواة بين الرعية والعدل بينهم في الحقوق والواجبات. هـ - الحث على الجهاد الذي هو أساس عزة الأمة وكرامتها. و إعلانه أن حقه في طاعتهم له مرتبط بالتزامه بطاعة الله، فإن عصى الله سقط هذا الحق عنهم، وهذا تكريس لقاعدة دستورية إسلامية عظيمة وهي أن طاعة الرعية للراعي مقيدة بطاعة الله وليست مطلقة وذلك يؤدي إلى صيانة حقوق الرعية من الاستبداد والتسلط والظلم وهو ما تدعو إليه النظم الدستورية المعاصرة، حيث نلحظ سبق النظام الدستوري الإسلامي لهذه النظم. ومن الوقائع الدستورية كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري عندما ولاه القضاء في البصرة، والمشهور بكتاب سياسة القضاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وتدبير الحكم (1) الذي يشرح له فيه سياسة القضاء والفصل بين الناس والقواعد المتبعة في هذا الشأن، وقد عده العلماء قاعدة وأساسا في تنظيم السلطة القضائية. من هذا الضرب أيضا المعاهدات التي تمت بين الدولة الإسلامية والأقليات الأخرى من أهل البلاد المفتوحة، مثل معاهدة أهل أصبهان في عهد بن الخطاب رضي الله عنه التي تنص على ما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من عبد الله للفاذ وسنان وأهل أصبهان وحواليها إنكم آمنون ما أديتم الجزية بقدر طاقتكم في كل سنة، تؤدونها إلى الذي يلي بلادكم عن كل حالم (2) ودلالة المسلم، وإصلاح طريقه، وقراره يوما وليلة، وحملان الراجل إلى مرحلة (3) لا تسلطوا على مسلم، وللمسلمين نصحكم، وأداء ما عليكم، ولكم الأمان ما فعلتم، فإذا غيرتم شيئا أو غيره منكم ولم تسلموه فلا أمان لكم، ومن سب مسلما بلغ منه (4) فإن ضريه قتلناه (5) . هذا العهد أو المعاهدة وأمثالها من الأمور الدستورية بطبعها وذلك لأهميتها، وتوضح هذه المعاهدة في فقراتها الحقوق والواجبات لكل طرف من أطراف المعاهدة.   (1) محمد حميد الله، انظر: مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة، ص 343 - 356، طبعة ثالثة، 1389، دار الإرشاد بيروت. (2) حالم: أي بالغ. (3) حملان الرجل إلى مرحلة: أي حمل الماشي من المسلمين، وإركابه إلى المرحلة التي تلي المرحلة التي بلادكم فيها. (4) بلغ منه: أي اقتص منه وعوقب. (5) محمد حميد الله، مجموع الوثائق السياسية، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، جـ 4، ص 141، دار المعارف بمصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 [ التجديدات الإدارية ] 4 - التجديدات الإدارية: توسعت الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، نتيجة للفتوحات التي حدثت في سبيل تبليغ الإسلام، وواجه المسلمون حضارات أخرى قائمة ومتكاملة بنظمها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والعقدية وغيرها بما تحتويه هذه النظم من قوانين ومراسم وهيئات وأوضاع معينة. ولقد واجه المسلمون هذه الحضارات بما يملكونه من مبادئ إسلامية، وعقيدة ربانية، هي أس الحضارة ومعينها الأصيل، فأثروا فيها وأثروها، بما جعل إنجازاتها المادية وسيلة لمرضاة الله وأحدث ذلك تناسقا بين الكون، ومسيرة الحياة الإنسانية بارتباطها بقانون الله خالق الكون وخالق الإنسان. ودولة الإسلام الأولى ليست دولة بدائية أو بدوية أو صحراوية، بل هي دولة قامت على أساس الحضارة ومنطلقها، وتستند إلى الإسلام بعقيدته وشريعته التي شرعها الله لتكون هادية، ومصلحة للبشر في حياتهم وتعاملهم مع أنفسهم ومع الكون بآياته وخزائنه، والدليل على إقامة هذه الدولة لحضارة الإسلام الصافية أنها حينما واجهت تلك الحضارات القائمة استوعبتها وأخذت منها ما يمكن أن تستفيد منه، دون المساس بجوهر الإسلام، بغض النظر عن مصدرها، بل خدم فيها أصحاب هذه الحضارات - بعد إسلامهم - وأخلصوا لها وأصبحوا من المبرزين في شتى مجالاتها ومن حملة لوائها في تبليغ دعوة الله مثلهم تماما مثل العرب أهل هذه الحضارة الأوائل، فهي دولة عادلة ليس لها هدف سوى تبليغ دعوة الله إلى خلقه، فلو كانت دولة بدائية لانصهرت في هذه الحضارات، كما حدث للرومان عندما تغلبوا على اليونانيين ولم يكن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 معهم أي مقوم للحضارة سوى القوة فقط، فما لبثوا أن ذابوا في الحضارة اليونانية وتغلبت على عقلياتهم، وانصبغوا بصبغتها. وعلى العكس من ذلك، فالدول الاستعمارية في العصر الحديث - حيث كان هدفها هو مصلحتها الذاتية فقط - امتصت خيرات الشعوب واستعبدتهم لخدمة مصالحها وأغراضها، وأورثت لهم التخلف والفقر والجهل والمرض، غير آبهة بأهل تلك البلاد وبكرامتهم، ولا بأدنى مستوى للكرامة الإنسانية. ونتيجة لتوسع الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، ونتيجة للاتصال بحضارات أخرى أحدثت بعض التجديدات الإدارية في الدولة الإسلامية، لمواجهة متطلبات التوسع وامتداد أقاليم الدولة، واستفادت مما توصل إليه الآخرون من وسائل لا تمس جوهر الإسلام. والذي يذكر في هذا المجال أن المنهج الإداري الذي سلكه أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان مقاربا لما كان عليه العمل في العهد النبوي؛ وذلك لعدم تغير الظروف والأوضاع تغيرا كبيرا يتطلب تغيير تلك النظم، ولانصراف أبي بكر إلى تثبيت قواعد الحكم الإسلامي في الجزيرة العربية، وإخماد فتن المرتدين، فيمكن اعتبار العهد النبوي عهد تأسيس الدولة ويعتبر عهد أبي بكر عهد تثبيت قواعد الدولة. ونشر سلطانها السياسي (1) . ومن أهم التطبيقات الإدارية في عهد أبي بكر توليته القضاء لعمر، وبيت المال لأبي عبيدة، وتقسيمه شبه الجزيرة إلى ولايات، حيث وضع في كل ولاية أميرا يؤمهم في الصلاة، ويقضي بينهم، ويقيم فيهم الحدود (2) .   (1) د. محمد العوا، النظام السياسي للدولة الإسلامية، ص 83. (2) د. يوسف علي يوسف، د. محمد أبو سعدة، دراسات في عصر الخلفاء الراشدين، ص32. طبعة أولى 1398هـ، دار الطباعة المحمدية، القاهرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وتميز عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بوضع الأنظمة الإدارية للدولة، وتطوير طرق الحكم فيها، وتطوير وسائله وأساليبه، ومن ذلك ما يلي: أ - محاسبة الولاة على ما في حوزتهم من المال فإذا زاد ما في يد الوالي عما كان عليه قبل الولاية زيادة فاحشة، قدر مرتباته وحقه في الغنائم وأخذ الفائض إلى بيت المال، وهو ما يمكن أن يطلق عليه نظام (من أين لك هذا؟!) . ب - جعل عمر رضي الله عنه القاضي غير الوالي في بعض الولايات؛ لظروف وأحوال معينة، فكان أول من دفعه من الوالي إلى غيره وفوضه فيه، فولى أبا الدرداء معه بالمدينة قاضيا، وولى شريحا وقيل: كعب بن سورة قضاء البصرة، وكان واليها أبا موسى الأشعري، وولى أبا موسى الأشعري وقيل: شريحا قضاء الكوفة، وكان واليها المغيرة بن شعبة، وكانت أحكام هؤلاء القضاة ملزمة ونهائية، وواجبة التنفيذ من قبل الولاة، مما يؤكد استقلالية القضاء في تلك البلدان، ولم يكن الفصل للسلطة القضائية شاملا لجميع الولايات؛ لأن فصل السلطة القضائية عن التنفيذية لم يكن معروفا بعد لعدم بروز الحاجة إليه، وعندما رأى عمر رضي الله عنه الحاجة في بعض الولايات لذلك جعل القاضي غير الوالي، ويعتبر ذلك بداية لفصل السلطة القضائية عن التنفيذية في الدولة الإسلامية (1) . ب - أنشأ عمر الدواوين، كديوان العطاء، والجند، والاستيفاء، وهذه الدواوين تعتبر نواة للجهاز الإداري في الدولة الإسلامية، وفكرة الدواوين ارتبطت ارتباطا مباشرا بالفتوح الإسلامية؛ وذلك لبروز   (1) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، جـ3، ص 77، دار صادر ببيروت 1399هـ، مقدمة ابن خلدون، ص 148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 مشكلات جديدة أمام الدولة نظرا لاتساعها، ولالتقاء المسلمين بحضارات جديدة أستفيد مما فيها مع المحافظة على الأصول والمقومات الإسلامية دون تعال على أهل البلاد المفتوحة، فلم تغمض الدولة الإسلامية عينيها عن نظمهم وتقاليدهم، بل تفاعلت معها، وتعاونت أينما وجدت ذلك مناسبا، ومن هنا شهدت الحضارة الإسلامية تطورا وصقلا سريعين وحين بدأ عمر في التنظيم الإداري لم يبدأ من فراغ بل اقتدى بالسوابق والشواهد والآثار (1) . هذه بعض التجديدات الإدارية في عصر الخلفاء الراشدين التي تعتبر من الوقائع الدستورية المهمة في هذا العهد، واعتبرت هذه التجديدات من الوقائع الدستورية؛ لارتباطها بشكل الدولة، وتنظيمها، وسلطاتها، وهي التي تعد من صميم المواضيع الدستورية. [ التنظيمات العسكرية ] 5 - التنظيمات العسكرية: من الوقائع الدستورية في عصر الخلفاء الراشدين تنظيم الجيوش وتيسير القوات الفاتحة المبلغة لدين الله في شتى بقاع الأرض، وتشمل هذه الوقائع أمورا كثيرة منها. 1 - طريقة تعيين أمراء الأجناد. 2 - تنظيم الجيوش وتعبئتها ماديا وبشريا وروحيا. 3 - الاتصال الدائم بين أمير الجند، والخليفة لوصف المعارك، وحالة الجيش حتى أن عمر رضي الله عنه كان يوصي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في القادسية بأن يكتب إليه باستمرار، ويصف كل حركة وسكنة من تحركات الجيش الإسلامي ومواقع نزولهم، ويقول له: صف لي ما أنتم عليه وما هم عليه حتى كأني أراه رأى العين.   (1) المرجع السابق ص 32 - 47، وابن الأثير، الكامل في التاريخ ص 77 جـ 3. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 4 - الرفق بأفراد الجيش الإسلامي، حتى أن عمر سن في ذلك نظاما، حيث أمر سعد بن أبي وقاص أن ينزل بالمسلمين كل أسبوع يوما وليلة، ليرتاحوا من تعب المسير ويضعوا عنهم السلاح والمتاع، وترتاح دوابهم. 5 - الاستمرار في تخيير أهل البلدان المفتوحة قبل المعركة بين الإسلام أو الجزية أو المعركة، وعدم إكراههم على الدين أو القتال أو الجزية، وهذا من الأمور الدستورية الثابتة في النظام الإسلامي؛ لأن هدف الفتوحات الإسلامية ليس التوسع الجغرافي والسياسي، أو الكسب المادي، إنما هو تبليغ دين الله، وإزالة ما يعترض وصوله إلى الناس. هذه النماذج وغيرها من الوقائع الدستورية في الناحية العسكرية في عهد الخلفاء الراشدين تمت ممارستها واقعيا، ابتداءا من إنفاذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنه في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم حروب المرتدين، وبقية الفتوحات في عهد الصديق رضي الله عنه، ثم في عهد عمر رضي الله عنه الذي شهد أكبر توسع للدولة الإسلامية في ذلك الوقت، ثم في عهد عثمان رضي الله عنه الذي استكمل الفتوحات العمرية، وسير أول أسطول بحري للدولة الإسلامية. [ لقب رئيس الدولة ] 6 - لقب رئيس الدولة: من الأمور الدستورية الشكلية لقب (رئيس الدولة) باعتباره رمزا يعكس الفكرة التي يقوم عليها نظام الحكم فيها، فكان اللقب السائد هو لقب (الخليفة) أو (أمير المؤمنين) ، وكان أول من لقب بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (1) حيث كان لقب (الخليفة) هو اللقب   (1) د. يوسف على، ود. محمد أبو سعده، دراسات في عصر الخلفاء الراشدين، ص 42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 السائد في عهد أبي بكر وأول عهد عمر، إلى أن لقب عمر بأمير المؤمنين واستمر هذا اللقب طيلة عهد الراشدين، وامتد كذلك إلى ما بعده من العهود، مع اقترانه أحيانا بلقب آخر، كالخليفة، والإمام، والسلطان، والملك. - والخلاصة أن هذه التطبيقات، والوقائع الدستورية في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وهي: 1 - عدم تدوين الدستور. 2 - الخلافة والبيعة. 3 - الخطابات والعهود. 4 - التجديدات الإدارية. 5 - التنظيمات العسكرية. 6 - لقب رئيس الدولة. تعتبر سوابق دستورية لما جاء بعد هذا العهد من عهود وزادت الفقه الدستوري الإسلامي ثراء، حيث أضيفت هذه السوابق، إلى التطبيقات الدستورية في العهد النبوي، فكانت مجتمعة تمثل نبراسا للمسلمين في شؤونهم الدستورية، يرجعون إليها عندما توجد وقائع مشابهة لها، فينهجون نهجها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 [ المبحث الثالث وقائع دستورية في العهود الإسلامية الأخرى ] [ رئاسة الدولة ] المبحث الثالث: وقائع دستورية في العهود الإسلامية الأخرى: في هذا المبحث سنتطرق إلى بعض الوقائع الدستورية في العهود الإسلامية فيما بعد عصر الخلافة الراشدة إلى العصر الحديث، وفيما يلي نذكر نماذج من هذه الوقائع: أولا: رئاسة الدولة: جدت أمور لها أهميتها الدستورية في رئاسة الدولة الإسلامية، حيث غلب تسلسل الحكم في أسر عريقة ينقاد الناس إليها، كالأمويين، والعباسيين، والعثمانيين، وغيرهم ممن حكم في الدول الإسلامية التي قامت في الشرق أو الغرب، ولكن نظام البيعة للحاكم ظل مستمرا، ومما جد البيعة لولي عهد الخليفة أو الأمير أو الملك، على أن تتم البيعة له بالحكم بعد توليه مباشرة. وهذه الطريقة، وإن كان فيها اختلاف عما كان عليه الأمر في عهد الراشدين، إلا أن الإسلام لم يحدد طريقة معينة لتولية الحاكم، كما لم يحدد أسلوبا خاصا للشورى، فبأي كيفية تتم الشورى، ويرضى الناس حاكما يبايعونه على كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم يكون الحاكم شرعيا. [ نظام الوزارة ] ثانيا: نظام الوزارة: لفظ الوزارة معروف عند العرب قبل الإسلام، وقد ورد في القرآن الكريم في موضعين، هما قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} [طه: 29] (1)   (1) سورة طه، آية: 29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان: 35] (1) . كما أنه ورد في عدة مواضع من السنة النبوية مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق، إن نسى ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك، جعل له وزير سوء، إن نسى لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه» (2) . وفي أقوال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في السقيفة، في كلامه للأنصار رضي الله عنهم حيث قال: (نحن الأمراء وأنتم الوزراء) (3) . ولكن الوزارة لم تعرف بشكلها الذي يعني معاونة الخليفة في تصريف وشؤون الدولة إلا في العصر الأموي، الذي كانت الدولة الإسلامية فيه تشكل رقعة كبيرة من العالم، حيث تحدها الصين شرقا، وجبال البرانس " شمال أسبانيا " غربا، فكان من البديهي أن يكون إلى جانب الخليفة من يساعده في تصريف شؤون الدولة، إذ ليس من المعقول أن يشرف الخليفة بنفسه على كل كبيرة وصغيرة، إلا أن هذا المنصب لم يوجد في هذا العصر بشكله المنظم الذي عرف فيما تلاه من العصور، وحتى المصطلح؛ الذي يطلق على من يعمل في هذا المنصب، وهو مسمى الوزير لم يطلق على من يقوم بمهام هذا المنصب، بل كان يسمى كاتبا أو مشيرا، والوزارة لم تنظم قواعدها إلا في عهد الدولة العباسي حيث تقررت قوانين الوزارة، وسمي الوزير وزيرا، ويعتبر أبو سلمة الخلال حفص بن سليمان أول وزراء الدولة العباسية، أي أنه أول من تولى الوزارة بعد تنظيم   (1) سورة الفرقان، آية: 35. (2) روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وأخرجه أبو داود في الإمارة رقم (2932) . (3) روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها - وأخرجه البخاري - كتاب فضائل الصحابة، باب (5) ، (3668) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 قواعدها، وتطورت الوزارة في العهد العباسي، حيث أضيفت إليها الكتابة، أي كانت وظيفة تابع للوزارة فالكاتب تبع الوزير، وقد يرقى الكاتب إلى رتبة وزير. ويقسم علماء السياسة الشرعية الوزارة إلى قسمين: وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ: 1 - فوزير التفويض يباشر الحكم وينظر في المظالم، وليس ذلك لوزير التنفيذ. 2 - ولوزير التفويض الاستقلال في تقليد الوزراء، وليس ذلك لوزير التنفيذ. 3 - ويقوم وزير التفويض بمهمة تسيير الجيوش وتدبير الحروب، دون وزير التنفيذ. 4 - ويتصرف وزير التفويض في أموال الدولة العامة بقبض المستحق ودفع الواجب دون وزير التنفيذ. 5 - يحدد علماء السياسة الشرعية شروطا لوزير التفويض هي: الحرية والإسلام، والعلم بأحكام الشرع، والمعرفة بأمور الحرب والخراج، وهذه الشروط غير معتبرة في وزير التنفيذ. وعندما نشأ هذا الوضع الدستوري في الدولة الإسلامية وهو وجود الخليفة مع تفويض اختصاصاته إلى رجل آخر يسمى وزيرا، وليس وزيرا بالمعنى المعروف وإنما قائم عن الخليفة أو نائب له، سموا من تكون هذه صفته وله هذه الاختصاصات بوزير التفويض؛ تفريقا له عن الوزير العادي، أو من سموه بوزير التنفيذ، والذي حدد عمله في مهمة معينة، ومن وزراء التفويض في الدولة العباسية يحيى بن خالد حين قلده هارون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الرشيد شؤون الدولة، حيث قال له: " وقد فوضت إليك أمر الرعية، وخلصت ذلك من عنقي وجعلته في عنقك، فول من رأيت واعزل من رأيت " (1) . وتشبه وزارة التفويض هذه منصب رئيس مجلس الوزراء في العصر الحديث. ثم إن الدولة العباسية كذلك، عرفت نظام اللامركزية في نظام الوزارة، وذلك من خلال وجود وزراء في الأقاليم يتبعون لوالي الإقليم كما يتبع وزراء الدولة للخليفة. وتطورت الوزارة في الدولة الإسلامية، فنجد مثلا في الأندلس أن معنى الوزارة مطابق لمعناها المعروف في العصر الحديث، حيث يستقل الوزير بمرفق من مرافق الدولة مع وجود رئيس للوزراء يسمى حاجبا (2) . فنظام الوزارة في الدولة الإسلامية - بتطوره الذي مر - يعتبر من الوقائع الدستورية المستجدة في العهود الإسلامية بعد عصر الخلافة الراشدة، وهو يدخل ضمن نطاق الوقائع الدستورية بمعنى الدستور الخاص أو الفني التي تعتبر أحكاما متغيرة تتغير بتغير الزمان والمكان، وقد تكون عرفا دستوريا في بعض العصور. [ الدستور غير المدون ] ثالثا: الدستور غير المدون: استمر العرف الدستوري الذي استقر في دولة الخلفاء الراشدين بعدم وجود دستور مكتوب، طيلة حكم الدولة الأموية والعباسية والدول المتتابعة وشطرا من عهد الدولة العثمانية، حيث استمر العمل طيلة هذه   (1) ابن كثير، البداية والنهاية، ص 184 جـ 10. (2) ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ، ص 406 - 472، جـ1، طبعة أولى 1394هـ، دار النفائس ببيروت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 العهود بناء على القواعد الدستورية في القرآن الكريم، والسنة النبوية، والسوابق الدستورية، والاجتهاد فيما يستجد من الوقائع، التي تؤسس مجتمعة الكيان القانوني أو الشرعي للهيئات الحاكمة في الدولة الإسلامية، وتحدد الإطار القانوني لنشاط تلك الهيئات، إضافة إلى بيان تفصيلي للحقوق والحريات (1) . ويضاف إلى تلك القواعد الدستورية ما يصدر عن الخلفاء من كتب ومواثيق إلى الوزراء والولاة وأمراء الأجناد والقضاة، مما يتعلق بمواضيع الدستور، فمن مجموع القواعد الأصلية في القرآن والسنة، والسوابق الدستورية، والاجتهاد في الوقائع، والوثائق الدستورية، يتكون دستور غير مدون ويختلف في تفصيلاته من عهد إلى عهد، فالتطبيقات في عصر الدولة الأموية ليست كالتطبيقات في الدولة العباسية، وهي غيرها في الدولة العثمانية، بل وحتى في عصر دولة واحدة قد تختلف التطبيقات باختلاف الزمن والوضع الدستوري، ففي عهد الدولة الأموية مثلا نجده يختلف في عصر عمر بن عبد العزيز رحمه الله عن غيره من الخلفاء، فلكل زمن تطبيقاته الدستورية المتكيفة مع الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذا الزمن. وسبق القول: إن تدوين الدستور وعدم تدوينه ليس له تأثير على قانونية الدولة، فالمهم هو وجود القواعد الدستورية والعمل بها، دون النظر إلى كونها مجموعة في وثيقة واحدة أو متفرقة في عدة وثائق، أو أعراف دستورية أو غير ذلك (2) .   (1) د. منير البياتي، الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي، ص 71. (2) المرجع السابق، ص 68، ص 51. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 [ البلاد الإسلامية وتدوين الدستور في العصر الحديث ] [ الدستور التونسي ] رابعا: البلاد الإسلامية وتدوين الدستور في العصر الحديث: كما مر معنا في الباب الأول بأن المعنى الشكلي للدستور برز نتيجة لانتشار حركة تدوين الدساتير التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1778م ثم دستور الثورة الفرنسية سنة 1791م وانتشرت بعد ذلك حركة تدوين الدساتير في بقية بلاد العالم، وتأثرت البلاد الإسلامية بهذه الحركة في وقت مبكر فكانت التجربة التونسية سنة 1861م ثم العثمانية سنة 1876م، ثم أصبحت عملية إصدار دستور مكتوب من التقاليد السياسية شبه المستقرة لمعظم الدول الإسلامية، ومع توالي ظهور الدول الإسلامية في العصر الحديث منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم توالى إصدار الدساتير في هذه الدول، فكان الدستور المصري الصادر عام 1923 (1) ثالث دستور مكتوب، بعد الدستورين التونسي والعثماني، وسوف نستعرض بإيجاز بداية حركة تدوين الدساتير في البلاد الإسلامية ممثلة في التجربتين التونسية والعثمانية، ثم نستعرض بعد ذلك التجربة الدستورية السعودية مبينين خصائصها وتفردها عن بقية التجارب في البلاد الإسلامية في العصر الحديث. 1 - الدستور التونسي: يعتبر تدوين الدستور التونسي بداية حركة تدوين الدساتير في الدول الإسلامية في العصر الحديث وكان ذلك عام 1861م، وهو الدستور الذي أصدره الباي (2) محمد الصادق وقد صدر بعد تزايد تدخل الدول الأوروبية في شؤون تونس وكانت حينذاك خاضعة اسميا للدولة العثمانية، ويذكر بعض الباحثين أن فرنسا ساهمت بشكل مباشر في   (1) د. محمد السيد سليم ومحمد مفتي، الإسلام في دساتير الدول الإسلامية، ص 12. (2) الباي لقب يطلق على حاكم تونس في ذلك الوقت حين كانت نيابة تدين بسيادة عثمانية اسمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وضع هذا الدستور عن طريق قنصلها في تونس، كما أن الباي قد عرض مسودة الدستور على نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، وقد نص الدستور على وجوب الاهتداء بالشريعة الإسلامية تأسيسا على أن الإسلام هو الدين الرسمي لتونس وأن الباي والسكان مسلمون (1) ويتبين من ملابسات إصدار هذا الدستور أنه كان نتيجة للنفوذ الأوروبي كما أن مضمونه كان متأثرا بالدساتير الأوروبية (2) ولن نتوسع في الحديث عن هذا الدستور؛ لأن الحديث في الفقرة التالية سوف يكون عن الدستور العثماني الذي تتشابه ظروف إصدارة مع إصدار الدستور التونسي كما أن تونس كانت في ذلك الوقت تحت السيادة العثمانية ولو كان ذلك اسميا. [الدستور العثماني] 2 - الدستور العثماني: أ - نبذة عن الأوضاع القانونية في الدولة العثمانية: قبل الحديث عن الدستور العثماني، يحسن بنا استعراض الأوضاع القانونية في الدولة العثمانية بشيء من الإيجاز، فالدولة العثمانية كانت تعتمد على الشريعة الإسلامية، وكان القضاء بالشريعة هو القضاء النافذ والمعمول به، فكانت الشريعة الإسلامية هي القانون الأساس، وكانت الدولة تحرص على أن تصبغ أعمالها بصبغة الشريعة، فكانت تلجأ إلى المفتي تستفتيه عندما تريد أن تضع قانونا سياسيا، أو نظاما عسكريا، وكثيرا ما كانت تتفاوض معه في القضية التي ستعرض عليه، ولقد ظهر في ميدان القانون خاصة المحاولة الجادة من العثمانيين لجعل الإسلام الأساس الصحيح للحياة الخاصة والعامة، ولجعل الشريعة القانون النافذ للدولة، وتطبيقها في جميع أنحاء البلاد (3) .   (1) د. محمد السيد سليم ومحمد مفتي، الإسلام في دساتير الدول الإسلامية، ص10. (2) المرجع السابق، ص11. (3) عبد الكريم المشهداني، العلمانية وآثارها على الأوضاع الإسلامية في تركيا، 48 - 50، طبعة أولى، المكتبة الدولية، الرياض 1403هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وبدأت في عهد السلطان محمود، ومن بعده في عهدي السلطانين: عبد المجيد وعبد العزيز التنظيمات القانونية، حيث كونت اللجان لوضع القوانين الخاصة، كقانون الأراضي الذي نشر عام (1857م ـ 1274م) ، وقانون الطابو (1) سنة (1858م ـ 1275هـ) ، وقانون الجزاء سنة (1857م ـ 1274هـ) ، وقانون التجارة سنة (1871م ـ 1288هـ) ، ثم تم وضع القانون المدني، الذي نظم في مجلة الأحكام العدلية، حيث أخذت نصوصه من النصوص الشرعية المبثوثة في الفقه وبالذات الفقه الحنفي، مراعين ما يلائم العصر، وأصدره السلطان عبد العزيز بإرادة سنية عام (1871م ـ 1289هـ) قانونا تعتمده المحاكم في جميع أنحاء الدولة (2) . وبدأت الدولة العثمانية مع بداية وضع هذه القوانين الاقتباس من النظم القانونية الأوربية، وبالذات الفرنسية، حيث عدلت بعض الأحكام الشرعية ببعض القواعد القانونية الفرنسية، وانتهى الأمر بإحلال القوانين الفرنسية محل الشريعة الإسلامية، حيث نقلت عنها قانون العقوبات، وقانون التجارة، وقانون الإجراءات المدنية (3) . ب - التنظيمات الدستورية: تعتبر بداية التنظيمات الدستورية في العهد العثماني أيام السلطان عبد المجيد والد السلطان عبد الحميد الثاني، إلا أن هذه التنظيمات لم تكن بشكل شامل، ولم يدون خلالها الدستور، وفي عهد السلطان عبد العزيز صدرت بعض التنظيمات في شكل فرمان صدر في تاريخ   (1) ويقصد به قانون أملاك الدولة العقارية من أراض ومبان. (2) المرجع السابق ص10 - 51، محمد فريد بك المحامي، تاريخ الدولة العثمانية، ص 406، دار الجيل، بيروت، 1397 هـ. (3) د. محمد عبد الجواد محمد، بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون، ص 29 - 30، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، القاهرة، 1977هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 15 - / 11 / 1292 هـ الموافق 14 ديسمبر 1874م، أما التنظيمات الدستورية الفعلية والشاملة، فقد حصلت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، حيث تم في عهده إنشاء (مجلس المبعوثان) ، وهو بمثابة البرلمان، وكذلك (مجلس الأعيان) ، حيث وافق على قرار سائر الوكلاء الفخام في 5 شوال سنة 1293هـ الموافق 3 نوفمبر 1876م، وفي 7 ذي الحجة 1293هـ أصدر أمره بالموافقة على إصدار القانون الأساسي (الدستور) (1) وجاء في (119) مادة، وهو أول دستور مدون للدولة العثمانية، وثاني دستور مدون لدولة إسلامية في العصر الحديث. إلا أن العمل بهذا الدستور أبطل في 13 شباط 1878م بصدور مرسوم سلطاني بحل مجلس المبعوثان، إلغاء العمل بالدستور؛ ونظرا للظروف الاستثنائية التي مرت بها الدولة العثمانية في ذلك الوقت، واستمر وقف العمل بالدستور، حتى كانت المطالبة به من الرعية، وحصلت بعض القلاقل في أرجاء الدولة بسبب عدم إعادة العمل بالدستور، ونزولا عند هذه الرغبة الملحة من الرعية صدرت موافقة السلطان على قرار مجلس وكلاء الدولة بإعادة مجلس المبعوثان والعمل بالدستور وذلك في 24 جماد الثانية 1326هـ الموافق 10 تموز 1908م، حيث بدأ تطبيق القانون الأساسي، ودعوة المجلس النيابي (المبعوثان) للانعقاد في 1 رجب 1326هـ الموافق 18 تموز 1908م، بموجب الإرادة السنية الصادرة في هذا اليوم (2) .   (1) انظر في ذلك كل من: كنز الرغائب في منتخبات الجوائب، سليم فارس، ص260 - 269 جـ 5 ص 338 - 341 جـ 5 - ص 2 - 27 جـ 6، طبعة أولى سنة 1294، 1295، مطبعة الجوائب بالآستانة. سورية والعهد العثماني، يوسف الحكيم، طبعة ثانية، ص 25، ص 152، 155 - دار النهار - بيروت، الدستور والبلاد الإسلامية ومشكلاته في ضوء الإسلام، رسالة ماجستير للمؤلف مقدمة لقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الملحق رقم 1. (2) انظر في ذلك كل من: كنز الرغائب في منتخبات الجوائب، سليم فارس، ص260 - 369 جـ 5 ص 338 - 341 جـ 5 - ص 2 - 27 جـ 6، طبعة أولى سنة 1294، 1295، مطبعة الجوائب بالآستانة. سورية والعهد العثماني، يوسف الحكيم، طبعة ثانية. ص 25، ص 152، 155 - دار النهار - بيروت، الدستور والبلاد الإسلامية ومشكلاته في ضوء الإسلام، رسالة ماجستير للمؤلف مقدمة لقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، الملحق رقم 1. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 جـ - أهم محتويات الدستور: بلغت مواد هذا الدستور (119) مادة، موزعة في عدة أقسام هي: القسم الأول: في ممالك الدولة العثمانية: ويحوي هذا القسم المواد السبع الأولى، وقد ورد في المادة الثالثة النص على أن السلطنة العثمانية هي دولة الخلافة الإسلامية، كما ورد في المادة الرابعة، أن السلطان حسب الخلافة هو الحامي لدين الإسلام. ومما يؤخذ على هذا الدستور ما ورد في المادة الخامسة، بأن ذات الخليفة مقدسة وغير مسؤولة. القسم الثاني: في حقوق تبعة الدولة العثمانية العمومية: ويحوي هذا القسم على المواد من (8) إلى (26) ، وقد نصت المادة الحادية عشر على أن دين الدولة العثمانية هو دين الإسلام، ومع المحافظة على هذا الأساس تكون حرية جميع الأديان المعروفة في الدولة العثمانية، وكافة الامتيازات الممنوحة إلى الجماعات المختلفة تحت حماية الدولة، على شرط أن لا تخل براحة الناس ولا بالآداب العامة. ونصت المادة الثامنة عشر على أن اللسان التركي هو اللسان الرسمي للدولة، وهذا مما يؤخذ على هذا الدستور، لأن الدولة العثمانية لم تكن تمثل القومية التركية، وإنما تمثل الأمة الإسلامية وهي دولة الخلافة فكان الأولى أن تكون اللغة الرسمية هي لغة القرآن الكريم. القسم الثالث: في وكلاء الدولة: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (27) إلى رقم (38) وينظم هذا القسم أوضاع المسؤولين في الدولة (الوكلاء) وهم رؤساء المصالح الحكومية، وفي مقدمتهم منصبا الصدر الأعظم، وشيخ الإسلام، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 631 القسم الرابع: في المأمورين: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (39) إلى رقم (41) ، وينظم هذا القسم أوضاع المأمورين المنتخبين للمأموريات من تعيين وعزل وما يتعلق بذلك. القسم الخامس: في المجلس العمومي: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (40) إلى رقم (59) ، ويحدد هذا القسم المجلس العمومي بأنه مكون من هيئتين، إحداهما: هيئة الأعيان، والأخرى هيئة المبعوثان، وينظم أوضاع المجلس وأعضاءه، وما يناقش فيه، وكيف يناقش. القسم السادس: في هيئة الأعيان: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (60) إلى رقم (64) وينظم هذا القسم، عدد أعضاء الهيئة، وشروط العضوية، ومرتبات الأعضاء وأعمال الهيئة. القسم السابع: في هيئة المبعوثان: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (65) إلى رقم (80) ، وينظم هذا القسم عدد أعضاء الهيئة، وكيفية الانتخاب، وشروط العضوية ومدة العضوية، ومرتبات الأعضاء، وكيفية عمل الهيئة ومحاكمة أعضائها. القسم الثامن: في المحاكم: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (81) إلى رقم (91) ، وينظم هذا القسم، طريقة المحاكمات، وأوضاع القضاة، وتنظيم أمور القضاء والتقاضي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 ومما يؤخذ على هذا الدستور أيضا ما ورد فيه من النص على ازدواجية القضاء، وذلك بفصل القضاء الشرعي عن القضاء النظامي أو القانوني، حيث كان هناك محاكم شرعية، ومحاكم نظامية، وقد وكل إلى هذه الأخيرة تطبيق القوانين المنقولة من القوانين الفرنسية، وعين بها قضاة أعدوا لذلك، وضاق نطاق المحاكم الشرعية حتى قصر اختصاصها على مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين (1) . القسم التاسع: في الديوان العالي: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (92) إلى رقم (95) ، وينظم تشكيل الديوان العالي ومهامه واختصاصاته. القسم العاشر في الأمور المالية: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (96) إلى رقم (107) ، وينظم الأمور المالية للدولة، والميزانية العامة، والمحاسبة. القسم الحادي عشر في الولايات: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (108) إلى رقم (112) ، وينظمها شؤون إدارة الولايات، وأعضاء مجالس الإدارة في مراكز الولايات، والأولوية، والأقضية، وأمور البلديات. القسم الثاني عشر في مواد شتى: ويحوي هذا القسم المواد من رقم (113) إلى رقم (119) ، وينظم أمور لا تدخل تحت أي من الأقسام السابقة، مثل حالات فرض الأحكام العرفية، وإلزامية التعليم الأولي، وكيفية تعديل الدستور، وتفسير أحكامه.   (1) محمد عبد الجواد محمد، بحوث في الشريعة والقانون، ص 31. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 ذلك عرض موجز لمحتويات الدستور، ويظهر جليا تأثر هيكله بالهياكل الدستورية في الدول الغربية، من حيث التقسيمات، وما يجب أن يحويه الدستور؛ ويرجع ذلك إلى أن فكرة إصدار هذا الدستور كانت نتيجة لضغوط الدول الأوربية، وفي هذا الصدد يذكر ساندي في دراسته عن عملية تدوين الدستور في الدول الإسلامية أن الحاجة إلى التقنين سواء في الميدان الدستوري أو المجالات القانونية الأخرى قد ظهرت في العالم الإسلامي نتيجة للنفوذ الغربي، ويضيف بأن الحاجة إلى وضع الدستور في الدول الإسلامية قد نشأت من الرغبة في تقليد المعايير الغربية (1) . كما يذكر بعض المؤرخين أن مضمون الدستور العثماني كان متأثرا بالدساتير الأوروبية وأنه قد صيغ على نمط الدستورين البلجيكي الصادر عام 1830هـ والروسي الصادر عام 1850م (2) . ولكن الدستور باعتباره من أوائل الدساتير المدونة للدول الإسلامية يعتبر من الوقائع الدستورية المهمة في العهود الإسلامية التي تلت عصر الراشدين باعتبار أولويته على الرغم من المآخذ التي أخذت عليه التي ذكرنا طرفا منها. ويجدر أن ننبه هنا إلى أن ما تمارسه الدولة الحديثة من أعمال وسلطات، قد مارسته الدولة الإسلامية الأولى فعلا، فالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية كانت معروفة في ذلك الوقت ونظمت هذه السلطات، وقعدت القواعد الضابطة لها، في ضوء المبادئ الأصولية والفقهية التي تولى شرحها وبيانها بعد ذلك العلماء المسلمون، ولكن دون   (1) د. محمد السيد سليم، ومحمد مفتي، الإسلام في دساتير الدول الإسلامية، ص11. (2) المرجع السابق، ص11. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 166 استخدام التعبيرات المعروفة الآن، فهذه التعبيرات الحديثة متأثرة بالنظم الدستورية الغربية المعاصرة، كما أن ما يعده العلماء المعاصرون من مسائل دستورية بطبعها هي موجودة فعلا في التراث الدستوري الإسلامي، ولكن باختلاف المصطلحات، والعبرة ليست بالأسماء ولكن بالمسميات، ولعل هذا الأمر اتضح من خلال تتبع بعض الأمور الدستورية في هذا البحث. [ التجربة الدستورية السعودية ] 3 - التجربة الدستورية السعودية: في الوقت الذي تمكن فيه الغرب من السيطرة على البلاد الإسلامية، وغرز مخالبه في مختلف أجزائها، وأحاط بها من كل جانب، وما نتج عنه من تغلب عسكري وسياسي وثقافي وتشريعي على البلاد الإسلامية، وفي الوقت الذي انتشرت في البلاد الإسلامية الاتجاهات الدستورية المستوردة المنبتة الصلة عن حضارة الأمة وتاريخها كان هناك اتجاه دستوري إسلامي أصيل برز في الجزيرة العربية، حاملا لواء الشريعة الإسلامية الحقة وداعيا إليها، هذا الاتجاه الذي يأخذ بنظام الإسلام الدستوري، ويطبق شرع الله ومنهجه في أمور الحياة، " ففي ظروف الهزيمة الشاملة للمسلمين أمام الغزوة الأوربية التي لم يكن احتلالها العسكري هو أخطر أسلحتها بل محاولة إقناع المسلمين بأن الإسلام قد انتهى عصره، وأن التغريب هو حتمية التاريخ، فاستطاع السعوديون (بالله ثم) بدعوة محمد بن عبد الوهاب تأخير التغريب مائة عام (1) "، وأثبتوا للعالم أنه بالرجوع إلى المنبع الصافي الكتاب والسنة يمكن تحويل هذا الدين إلى واقع معاش في شتى نواحي الحياة، وأثبتوا للمسلمين إمكانية تطبيق الإسلام شريعة وعقيدة، وإمكانية قيام مجد   (1) محمد جلال كشك، السعوديون والحل الإسلامي، ص 6، طبعة ثالثة 1402هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 المسلمين مرة أخرى على ما قام عليه المجد الأول، وأن الاستسلام للحلول المستوردة لا يؤدي بحال إلى تقدم الأمة ونمائها، بل يؤدي إلى تبعيتها وتأخرها وأثبتوا كذلك مصداقية الحل الإسلامي وصلاحيته لهذا العصر ولكل عصر وأنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وبالرغم من الهزيمة التي لحقت بالدولة السعودية في عهدها الأول، والمؤامرات الدولية التي حيكت ضدها، إلا أنها استطاعت - بفضل الله - ثم بتمسكها بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، بعد مرور قرن على التجربة الأولى وكان قرنا حاسما في تاريخ المسلمين، فلم يقتصر الأمر على استمرار الزحف الغربي على بلاد المسلمين وسقوط البلاد الإسلامية في يد الاستعمار، بل إن الشك بدأ يغزو الطبقة المثقفة المسلمة في صلاحية الاتجاه الإسلامي، بحيث استسلموا للحلول الغربية المستوردة في شتى مناحي الحياة، كما حدث في تركيا وغيرها من بلاد المسلمين، وتأكدت الاتجاهات التغريبية في مطلع القرن العشرين، حيث فتح باب التغريب على مصراعيه، وإذا بالسعوديين يهبون مرة أخرى بقيادة عبد العزيز فيطرحون الحل الإسلامي وينتصرون، بل إن نصرهم هو النصر الوحيد على الساحة الإسلامية إن لم نقل في العالم الثالث حتى النصف الثاني من القرن العشرين، فاستطاعوا وحدهم إقامة كيان مستقل عن السيطرة الاستعمارية الغربية (1) ذلك أن الدولة السعودية اتخذت الكتاب والسنة مصدر التشريع والحكم، ودعت وعملت على الحفاظ على كيان الأمة، والاستمساك بمبدأ وحدتها، كما استمرت في الدعوة واتصال النشاط العلمي والحضاري، ونشر الثقافة الإسلامية (2) .   (1) المرجع السابق، ص70. (2) د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الملك عبد العزيز والمملكة العربية السعودية المنهج القويم في الفكر والعمل، ص 18، طبعة عام 1406هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 168 قام الملك عبد العزيز رحمه الله " ليقيم دولة إسلامية كبرى وهي المملكة العربية السعودية، مملكة العقيدة المنجية، ومملكة الشريعة المنظمة، ومملكة الوحدة الراسخة، ومملكة الأمن المكين الواعد، ومملكة البناء والعمران، ومملكة القوة والسلام، ومملكة الوزن الدولي المؤثر والموقر " (1) وقد " استقى الملك عبد العزيز فكره السياسي من أصول: العقيدة، والشريعة، والوحدة، كما استقاها من أنهار العقيدة والشريعة والوحدة، هذه الينابيع هي: الشورى، والمصلحة العامة، والموقع " (2) . وقد " طبق الملك عبد العزيز - رحمه الله - منهج الإسلام في مجالات القضاء والإعلام " (3) وكافة مجالات الحياة واستمر هذا من بعده منهجا للدولة السعودية، ممثلا الاتجاه الدستوري الإسلامي الأصيل في العصر الحديث، مما يثبت صلاحية الاتجاه الإسلامي مرة أخرى، ويضع المسلمين أمام مسؤولياتهم في انحرافهم عن هذا الاتجاه الذي أثبت صلاحيته في هذا العصر، رغم كل الظروف وكل المؤامرات، بل هو الحل الوحيد الناجح للبلاد الإسلامية؛ لأن الحل الوحيد المرتبط بحضارة الأمة وتاريخها وظروفها ومشاعر أفرادها، وفي هذا الخصوص يقول الملك عبد العزيز رحمه الله: " إن العرب في هذا الزمن تأخروا كثيرا، وليس لهم من المجد شيء، فوسائل القوة كلها بيد غيرهم، وإذا لم يرجع العرب للأصل الذي نشأ عليه أولهم فما هم ببالغين شيئا إلا أن يشاء الله " (4) وقال رحمه الله " أما نحن فلا عز لنا إلا بالإسلام، ولا سلام لنا إلا التمسك به، وإذا حافظنا عليه حافظنا على عزنا وسلاحنا، وإذا أضعناه   (1) المرجع السابق، ص 10 - 21. (2) المرجع السابق ص 75. (3) المرجع السابق، ص 97. (4) عبد المنعم الغلامي، الملك الراشد، ص 360 - 361. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 ضيعنا أنفسنا وبؤنا بغضب من الله " (1) ويقول كذلك: " أما الحياة التي تسير على غير الدين فهي كالمطر الذي يقع على الأرض السبخة فلا يجدي ولا يثمر، إن الدين الإسلامي الصحيح في نظري هو أساس الرقي ومن اعترضنا في ديننا أو وطننا قاتلناه حتى ولو كان أهل الأرض " (2) . فالمملكة العربية السعودية قامت على أساس من الإسلام ودعوته، فالإسلام والدعوة إليه كانا الأساس لقيام هذه الدولة ونشأتها، واستمر التطور التنظيمي للمملكة على أساس المواءمة بين الأسس الإسلامية ومتطلبات العصر، فنشأ النظام الدستوري والمؤسسات الدستورية في المملكة العربية السعودية على أساس الشريعة الإسلامية، فاتباع النهج الإسلامي في المملكة ليس وليد تغيرات وظروف معينة، بل هو ناشئ مع نشوء هذه المملكة. ويجري العمل في المملكة العربية السعودية على أساس أن نصوص القرآن والسنة تسمو فوق النصوص الوضعية الأخرى، بمعنى أنه لا يجوز للدولة إصدار نظام يتعارض مع نصوص القرآن والسنة، سواء أكان هذا النظام ضمن النظام الأساسي أو النظم العادية، ومن المعروف أن القرآن الكريم والسنة المطهرة يهدفان إلى تحقيق العدل والمساواة ونفي الحرج، وهذه هي الأهداف التي تحاول الدساتير - في جميع أنحاء العالم - تحقيقها، وقد حددت نصوص القرآن والسنة وسائل لبلوغ هذه الأهداف منها: التشاور، والتعاون، والاجتهاد (3) . والعمل في المملكة قائم على أساس أنه يمكن وضع أي قاعدة قانونية   (1) محيى الدين القابسي، المصحف والسيف، ص101، ط بدون، المطابع الأهلية للأوفست، الرياض. (2) المرجع السابق، ص 137 - 138. (3) د. مطلب النفيسة، مذكرة لدارسي الأنظمة في كلية العلوم الإدارية جامعة الملك سعود، ص2. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 في نظامها الأساسي أو نظمها العادية، إذا كان هدف هذه القاعدة المصلحة العامة، وبشرط عدم تعارضها مع نصوص القرآن والسنة، وهذا هو التطبيق السليم للشريعة الإسلامية (1) . وقد نشأت معظم القواعد القانونية في المملكة عن طريق الاجتهاد، لبروز الحاجة العملية إليها، ولم تتقل من أنظمة أخرى (2) . ذلك كله يجعل النظام القانوني في المملكة متميزا عن غيره من الأنظمة القانونية في البلاد الإسلامية، في موضوعاته، وخصائصه، ولغته، وطرق البحث فيه، فمن المعروف أن البلاد الإسلامية الأخرى تأثرت بالنظم القانونية الغربية، فكانت بداية انطلاقتها منقطعة عن ماضيها القانوني، بينما سارت المملكة العربية السعودية نحو بناء نظام قانوني متصل بالماضي، تتعايش فيه الحلول الجديدة للمشاكل العصرية مع التراث الفقهي الشرعي القديم، وتعتبر تجريه المملكة هذه الحل العملي السليم لعلاقة الشريعة الإسلامية بالقانون الحديث، وهذا الحل لم يكن ممكنا لو لم توجد في الشريعة الإسلامية مبادئ ووسائل ذاتية تسمح بإيجاد حلول جديدة للمشكلات المستجدة (3) . ومن المعروف أن أحكام الدستور قد تكون مدونة في وثيقة تسمى الدستور أو النظام الأساسي، أو عدة وثائق، وقد تكون غير مدونة كذلك، فقد عرف التاريخ القديم والحديث دولا كبيرة ذات نظم دستورية عريقة ولم يكن لها دستور مدون، مثل الدولة الإسلامية في عصورها المتقدمة، ونجد في العصر الحديث بريطانيا - وهي من الدول العظمى في هذا   (1) المرجع السابق، ص342. (2) المرجع السابق، ص3. (3) المرجع السابق، ص3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 العصر لها نظام دستوري، وأحكام دستورية واضحة، بالرغم من عدم تدوينها في وثيقة الدستور؛ وذلك لأن مناط وجود الدستور هو سيادة أحكامه، لأهميتها. من بين سائر الأحكام القانونية الأخرى، فإذا تحققت هذه السيادة، وهذا السمو لأحكام الدستور، فلا يؤثر بعد ذلك تدوين هذه الأحكام أو عدم تدوينها، أو جمعها في وثيقة واحدة أو تفريقها في عدة وثائق، والقواعد الدستورية في المملكة العربية السعودية طبقا للنظام الدستوري الإسلامي تنقسم إلى قسمين، هما: الأحكام الثابتة، والأحكام المتغيرة، فالأحكام الثابتة هي نصوص القرآن والسنة، وما أجمع عليه علماء المسلمين من أحكام، وما كان من مبادئ الإسلام العامة في الشؤون الدستورية، كالشورى، والعدالة، والتعاون. . أما الأحكام غير الثابتة فهي الأحكام المستنبطة عن طريق الاجتهاد، والأحكام المتعلقة بالأساليب والوسائل والأنظمة والتفصيلات، التي تختلف تبعا لاختلاف ظروف الزمان والمكان، والمرجع في استنباط هذه الأحكام والأمور الدستورية هو الشريعة الإسلامية، وعلماء الشريعة هم المرجع لمعرفة الأحكام الشرعية عند الاشتباه. فالأحكام الثابتة موجودة في مصادرها وهي القرآن والسنة، ولا يجوز أن يخالفها أي حكم آخر مهما كانت درجته وأهميته. وسنستعرض هنا المؤسسات والوثائق الدستورية في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز رحمه الله، هذه المؤسسات والوثائق ذات العلاقة بالشؤون الدستورية التي مصدرها الاجتهاد وتتغير حسب المصلحة وظروف الزمان والمكان، ويعكس هذا الاستعراض مدى اهتمام الدولة السعودية منذ نشأتها بالجانب الدستوري ومؤسساته واهتمام قيادتها بذلك حتى قبل أن يتم توحيدها، والاستعراض التالي يوضح لنا التاريخ الدستوري لهذه البلاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 أ - إنشاء الهيئة التأسيسية: أمر الملك عبد العزيز رحمه الله في وقت مبكر - قبل اكتمال توحيد المملكة - بتكوين هيئة تأسيسية مكونة من ثلاثة عشر عضوا، وكان من مهام هذه الهيئة، وضع المواد الأساسية لتشكيلات الحكومة، وهي ما سميت بالتعليمات الأساسية، أو النظام الأساسي، أي الدستور (1) وكان ذلك في عام 1344م وفي نفس العام وأثناء عمل الهيئة أصدر الملك أمرا بإنشاء مجلس الشورى العام (2) . وقد عقدت الهيئة التأسيسية عدة اجتماعات، وفي خلال سبعة أشهر، وضعت المواد الأساسية لنظام الحكم والإدارة، وبعد عرضها على الملك صدرت مقترنة بموافقته عليها في 21 / 2 / 1345 هـ (3) . وقد اشتملت هذه التعليمات الأساسية (4) على تسعة أقسام، هي: - القسم الأول: المملكة وشكل الدولة والعاصمة واللغة. - القسم الثاني: إدارة المملكة والأحكام النيابية العامة ومسؤولية الإدارة. - القسم الثالث: يختص بأمور المملكة. - القسم الرابع: يختص بالمجالس كمجلس الشورى. - القسم الخامس: يختص بديوان المحاسبات. - القسم السادس: يختص بالمفتشية العامة.   (1) د. محمد صادق، تطور الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية، ص 39 - 30، 1385هـ، معهد الإدارة العامة بالرياض. (2) د. محمد صادق، تطور الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية، ص 39 - 30، 1385هـ، معهد الإدارة العامة بالرياض. (3) المرجع السابق ص31. (4) المرجع السابق، ص25 / 2، 3 / 3 / 1345هـ، والدستور في البلاد الإسلامية ومشكلاته في ضوء الإسلام للمؤلف ملحق رقم (2) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 - القسم السابع: يختص بالمأمور في. - القسم الثامن: يختص بالمجالس العمودية بالبلدية. - القسم التاسع: يختص بلجان الإدارة للبلديات (1) تعتبر هذه التعليمات دستورا كاملا، بالنسبة لدولة ناشئة، ومن الواضح أنها لم تفصل بين السلطات الثلاث، كما هو الوضع في الدساتير الحديثة، ولكن تركيز هذه السلطات مقيد بأحكام الشريعة، كما نصت على ذلك المادة الخامسة من التعليمات، كما أن النص في المادة الثانية على أن الدولة ملكية شورية إسلامية يجعل الأحكام تكون دائما منطبقة مع الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة وسلف الأمة، كما نصت على ذلك المادة السادسة من التعليمات، ولم تتعرض هذه المواد لتفصيلات ترد أحيانا في بعض الدساتير الحديثة؛ لأنه أحال على الشريعة الإسلامية، وقد كفلت الشريعة الإسلامية كفالة تامة كل ما يحتاجه المجتمع، ولم تتعرض هذه التعليمات إلى استقلال السلطة القضائية؛ لأنه من المعروف بداهة، وضع النظام القضائي في الإسلام، واستقلال القضاة، ومركزهم في الدولة من الأمور الواضحة المقررة منذ العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين، وهي أمور لم تصل إليها النظم القانونية الحديثة إلا منذ أقل من قرنين من الزمان، بل إن القضاء في الإسلام فوق جميع السلطات بما فيها الرئيس الأعلى للدولة، وتاريخ القضاء في الإسلام خير شاهد على ذلك. لقد جرى على هذا النظام تعديلات عدة تبعا لتطور الظروف والأحوال ولعل أهم هذه التعديلات تعديل نظام مجلس الشورى، حيث وافق الملك عبد العزيز على مشروع نظام مجلس الشورى المقدم من قبل   (1) المرجع السابق، ص 31 - 44، صحيفة أم القرى عدد 90 - 91 في 25 / 2 / 1345هـ و 3 / 3 / 1345هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 لجنة التفتيش والإصلاح، وحل المجلس القديم في 7 / 1 / 1346 هـ وبعد يومين من حل المجلس صدر النظام الجديد، وعين أعضاؤه الجدد (1) . ب - مجلس الشورى: كان الملك عبد العزيز رحمه الله قد أصدر بلاغا بإنشاء مجلس الشورى العام، وعندما صدرت التعليمات الأساسية، في 21 / 2 / 1345 هـ، نصت في القسم الرابع منها على تأليف مجلس الشورى من النائب العام ومستشاريه وستة أعضاء. وعندما قدمت لجنة التفتيش والإصلاح مشروع نظام مجلس الشورى الجديد (2) وافق عليه الملك، وحل المجلس القديم في 7 / 6 / 1346 هـ. وتألف المجلس - وفق نظامه الجديد - من ثمانية أعضاء برئاسة النائب العام، وأعطى للمجلس صلاحيات واسعة، من بينها النظر في القرارات الصادرة من السلطة التنفيذية، حيث تعرض على المجلس على شكل مشروع، لإبداء رأيه فيه، كما أجاز النظام للمجلس أن يلفت نظر الحكومة عند وقوع خطأ في تطبيق القوانين والأنظمة (3) . ومن اختصاصات المجلس ما يلي: 1 - موازنات دوائر الحكومة. 2 - الرخص في الشروع في عمل مشاريع اقتصادية وعمرانية. 3 - الامتيازات والمشاريع المالية والاقتصادية. 4 - نزع الملكية للمنافع العمومية.   (1) د. محمد عبد الجواد محمد، التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية، ص 91 - 92، طبعة عام 1397هـ. (2) المرجع السابق ص 32ـ 36. (3) صحيفة أم القرى، العدد 135 في 15 / 1 / 1349هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 5 - سن القوانين والأنظمة. 6 - الموازنات التي تضاف إلى موازنات الدوائر في بحر السنة. 7 - النفقات العارضة التي تعرض لدوائر الحكومة في بحر السنة، إذا زاد المطلوب عن مائة جنيه. 8 - قرارات استخدام الموظفين الأجانب. 9 - العقود مع الشركات أو التجار لمشتري أو بيع لوازم دوائر الحكومة إذا زاد المبلغ عن مائتي جنيه (1) . وطرأت تعديلات لهذا النظام صدرت بأمر ملكي على شكل نظام جديد عام 1374هـ، وهذه التعديلات فيما يتعلق في الأمور الشكلية للمجلس حيث لم يطرأ تعديلات أو إضافات مهمة على اختصاصات وصلاحيات المجلس وفق نظامه السابق (2) . ولقد مارس المجلس صلاحياته وقام بمسؤولياته وفقا لنظامه الذي صدر عام 1347هـ (3) وخلال ربع قرن مارس المجلس صلاحيات وسلطات اقتربت كثيرا من السلطات التشريعية، فلم يسن نظام في تلك الفترة إلا بعد دراسته ومناقشته في المجلس (4) وفي ذلك يقول الملك عبد العزيز رحمه الله: " لقد أمرت أن، لا يسن نظام في البلاد ويجرى العمل به قبل أن يعرض على مجلسكم من قبل النيابة العامة، وتنقحونه بمنتهى حرية الرأي، على الشكل الذي يكون منه الفائدة لهذه البلاد وقاصديها من حجاج بيت الله الحرام، إنكم لتعلمون أن أساس نظامنا وأحكامنا هو   (1) المرجع السابق، ص 36 - 39. (2) المرجع السابق، ص 36 - 39. (3) موسوعة الأنظمة السعودية - د / محمد الهوشان، د / على العمير، ص 21، 32 - دار موسوعة الأنظمة السعودية، طبعة أولى، 1399هـ، والدستور والبلاد الإسلامية ومشكلاته في ضوء الإسلام للمؤلف ملحق رقم (3) . (4) محمد صادق، تطور الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية، ص 39. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 الشرع الإسلامي، وأنتم في تلك الدائرة أحرار في سن كل نظام وإقرار العمل الذي ترونه موافقا لصالح البلاد على شرط أن لا يكون مخالفا للشريعة الإسلامية " (1) . وعندما تكون مجلس الوزراء سنة 1373هـ استدعت الظروف التنظيمية للدولة أن تشمل سلطاته بعض الاختصاصات التي كان يزاولها مجلس الشورى (2) . جـ - مجلس الوزراء: بقي العمل بالنظام الأساسي السابق ذكره وما جرى عليه من تعديلات حتى صدر نظام مجلس الوزراء، حيث تولى هذا المجلس السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وتسمى في المملكة السلطة التنظيمية، وتعتبر معظم القواعد الدستورية في المملكة موجودة في نظام مجلس الوزراء الصادر بالمرسوم الملكي رقم 38 وتاريخ 22 / 10 / 1377 هـ (3) وتتميز بأنها لم تدون في وثيقة واحدة، وأن بعضها تكون عن طريق العرف أو العادة وأنها مرنة (4) حيث إن هذا النظام على الرغم من تسميته نظام مجلس الوزراء إلا أنه في حقيقته نظام أساس، ويقابل الدستور في الدول الأخرى، ووفقا لهذا النظام يعتبر الملك ومجلس الوزراء السلطة التشريعية ويعتبر مجلس الوزراء وما يتبعه من أجهزة إدارية السلطة التنفيذية، وهو ما يستفاد من المواد (7، 25، 119) من نظام المجلس (5) .   (1) محي الدين القابسي، المصحف والسيف، ص91. (2) د. محمد صادق، تطور الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية، ص39. (3) نظام مجلس الوزراء - مطبعة الحكومة - مكة المكرمة - طبعة رابعة، 1392هـ الدستور في البلاد الإسلامية ومشكلاته في ضوء الإسلام ملحق رقم (4) . (4) د. مطلب النفيسة، مذكرات لدارسي الأنظمة. ص 1. (5) د. عبد الفتاح حسن، مذكرات القانون الإداري، معهد الإدارة العامة بالرياض، ص 25. د. عيد مسعود الجهني، مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية بين الشريعة الإسلامية والاتجاهات الدستورية، 93 - 94، طبعة أولى 1404هـ، مطابع المجد التجارية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 وقد أدخلت على هذا النظام منذ صدوره بعض التعديلات التي لم تغير من جوهره شيئا، منها على سبيل المثال: المرسوم الملكي رقم3 / 6 / 3121 في 26 / 12 / 1378 هـ بتعديل المادة (13) وبمقتضى هذا التعديل، يجوز في الحالات الاستثنائية انعقاد المجلس انعقادا صحيحا بحضور نصف أعضائه بدلا من الثلثين، وكذلك المرسوم الملكي رقم 14 في 14 / 7 / 1387 هـ، بتعديل المادتين (7) , (8) ، وبمقتضى هذا التعديل أصبح جلالة الملك هو رئيس مجلس الوزراء (1) . د - التنظيمات الجديدة: استمر العمل بنظام مجلس الوزراء المشار إليه في الفقرة السابقة وتعديلاته نظاما أساسيا أو دستورا بالمعنى الخاص أو الفني للدستور إلى أن أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز الأنظمة الجديدة، وهي: النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق، التي تعتبر إتماما لحلقة البناء الدستوري في المملكة العربية السعودية وخلاصة لتجربة إسلامية فذة عرفها التاريخ الحديث، وسنلقي الضوء في الفقرات التالية على هذه التنظيمات الجديدة. هـ - النظام الأساسي للحكم: صدر هذا النظام بموجب الأمر الملكي ذي الرقم أ / 90 المؤرخ في 27 / 8 / 1412 هـ ويقع هذا النظام في ثلاث وثمانين مادة ينظمها تسعة أبواب (2) وجاء النظام بلغة دقيقة وعبارات منتقاة شاملة وهو يعكس اقتناع المجتمع السعودي بالإسلام عقيدة وشريعة، ويعتبر هذا النظام كما قال خادم المحرمين الشريفين في كلمته عند صدور التنظيمات الجديدة: " إن هذه الأنظمة الثلاثة إنما هي توثيق لشيء قائم وصياغة لأمر واقع معمول به (3)   (1) المرجع السابق ص 25 - 26. (2) جريدة عكاظ العدد 9534. (3) جريدة عكاظ العدد 9534. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 "وعماد النظام الأساسي ومصدره هو الشريعة الإسلامية حيث اهتدى هذا النظام بشريعة الإسلام في تحديد طبيعة الدولة ومقاصدها ومسؤولياتها وتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتي تقوم على الأخوة والتناصح والموالاة والتعاون (1) . إذن فمسألة صدور هذه الأنظمة في وثائق إنما هي من باب التنظيم وهي مسألة تقنينية بحتة تطلبتها ظروف العصر، وإلا فإن المملكة لم تعرف ما يسمى بالفراغ الدستوري كما مر معنا في الاستعراض السابق. ويعتبر النظام الأساسي للحكم في المملكة دستورا للملكة العربية السعودية بالمعنى الخاص للدستور؛ لتوافر المعايير القانونية الشكلية منها والموضوعية في هذا النظام وانطباقها عليه، إلا أنه على الرغم من ذلك فإنه لا يعتبر المرجع الأساسي الحاكم لغيره، بل هو نص محكوم بغيره، ويؤخذ هذا من نصوص مواد النظام، كما جاء في المواد الأولى، والسابعة، والثامنة والأربعين حيث ورد فيها: إن (المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينهما الإسلام، ودستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. . . .) . وهذا يرجع إلى خصوصية المملكة وتميزها في كل شؤونها حتى إن هذا التميز أصبح واضحا في لغتها ومصطلحاتها القانونية التي تميزها عن غيرها؛ نتيجة لارتباطها بالإسلام عقيدة وشريعة، فنظمها كلها وحتى النظام الأساسي هي أحكام اجتهادية محكومة بالشريعة الإسلامية مستظلة بهديها. وـ نظام مجلس الشورى الجديد: صدر هذا النظام بموجب الأمر الملكي ذي الرقم أ / 91 المؤرخ في   (1) المرجع السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 27 - / 8 / 1412 هـ وقد جاء هذا النظام ليحل محل نظام مجلس الشورى الصادر عام 1347هـ وقد صدر هذا النظام في ثلاثين مادة (1) يهدف المجلس إلى إبداء الرأي في سياسات الدولة ومناقشة خططها ودراسة الأنظمة والمعاهدات والاتفاقات والامتيازات، وترفع قرارات المجلس لرئيس مجلس الوزراء الذي يحيلها إلى مجلس الوزراء لدراستها فإذا اتفقت وجهتا نظر المجلسين صدرت بعد موافقة الملك عليها، وإن تباينت وجهات النظر فللملك إقرار ما يراه. وارتباط نظام المجلس بالإسلام يبدو جليا فالمادة الأولى صادرة عن الآيات الدالة على الشورى من القرآن الكريم والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كما نصت على أن يمارس المجلس مهامه وفقا لنظامه وللنظام الأساسي للحكم ملتزما بكتاب الله وسنة رسوله، محافظا على روابط الأخوة والتعاون على البر والتقوى، وصدور هذا النظام ما هو إلا تحديث وتطوير للوضع القائم؛ استجابة لمتطلبات المرحلة، وقد صدر الأمر الكريم ذو الرقم أ / 15 المؤرخ في 3 / 3 / 1414 هـ بإصدار اللائحة الداخلية لمجلس الشورى، ولائحة حقوق أعضاء المجلس، وقواعد تنظيم الشؤون المالية والوظيفية للمجلس، وقواعد التحقيق والمحاكمة لأعضاء المجلس. ز - نظام المناطق: صدر هذا النظام بموجب الأمر الملكي ذي الرقم أ / 92 المؤرخ في27 / 8 / 1412 هـ وجاء في أربعين مادة (2) ويهدف هذا النظام إلى دعم التنمية، والمحافظة على الأمن والنظام، وكفالة حقوق المواطنين وحرياتهم، في إطار الشريعة الإسلامية، كما ورد في المادة الأولى من النظام، وقد   (1) المرجع السابق. (2) المرجع السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 نشأ بموجب هذا النظام مجلس في كل منطقة يحدد احتياجاتها ومشاريعها ويدرس مخططاتها التنظيمية ومتابعة وتنفيذ ما يخص المنطقة من خطة التنمية والموازنة والتنسيق في ذلك. كما صدر الأمر الملكي ذو الرقم أ / 21 المؤرخ في 30 / 3 / 1414 هـ بتعديل بعض مواد هذا النظام التي لم تغير من جوهره شيئا. ح - نظام مجلس الوزراء الجديد: ووفقا لهذه التنظيمات الجديدة كان لا بد من تعديل نظام مجلس الوزراء السابق ليتفق مع هذه التنظيمات فصدر الأمر الملكي ذو الرقم أ / 13 والمؤرخ في 3 / 3 / 1414 هـ القاضي بإصدار نظام مجلس الوزراء بصيغته الجديدة وذلك في اثنين وثلاثين مادة (1) . كما صدر الأمر السامي ذو الرقم أ / 14 المؤرخ 3 / 3 / 1414 هـ بتحديد مدة من يشغل مرتبة وزير والمرتبة الممتازة من موظفي الدولة، وبهذا يكتمل عقد منظومة الأحكام الدستورية في المملكة العربية السعودية في عصرها الحديث. من خلال هذا الاستعراض التاريخي لأبرز المعالم الدستورية في تاريخ المملكة الحديث يتضح ارتباط النظام الدستوري في المملكة بالإسلام من خلال هيمنة الشريعة الإسلامية على كافة الأحكام والنظم، بما فيها النظم الدستورية، وأن أيا من مجلس الشورى، ومجلس الوزراء لا يملك حق إصدار قرار أو حكم معين يخالف الشريعة الإسلامية، كما أن السلطة التنفيذية لا تستطيع الخروج عن أحكام الشريعة في تنفيذها للأنظمة؛ لالتزام الأنظمة أساسا بالشريعة الإسلامية، ولعدم شرعية أي نظام يخالف حكما شرعيا، كما أن السلطة القضائية ملزمة بالحكم   (1) المرجع السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 بالشريعة الإسلامية، ولا يجوز لها الحكم بأي حكم يخالف الشريعة مهما كان مصدره، وبهذا تضرب المملكة مثالا رائعا للتطبيق السليم للشريعة الإسلامية في نظامها الدستوري في العصر الحديث، بحيث لا يتعارض مع التقدم والتنمية الشاملة لكل مرافق الحياة، فالنموذج الدستوري السعودي يعتبر النموذج الدستوري الإسلامي الوحيد الذي استطاع تحقيق النجاح والتقدم في هذا العصر، دون ميل إلى التشريعات الغربية أو التأثر بها، ودون التحجر العقيم الذي يرفضه الإسلام، ودون الفوضوية والارتجال في التطبيق. ط - عناصر النظام الدستوري السعودي: نستنتج من الفقرات السابقة أن النظام الدستوري السعودي يتكون من العناصر التالية: 1 - نصوص عامة في الكتاب والسنة تؤصل للنظام الدستوري في الدولة المسلمة. 2 - أعراف دستورية استقرت وهي مستمدة من تلك النصوص العامة ومستهدية بوقائع دستورية للدولة الإسلامية في عهودها السابقة. 3 - وثائق دستورية دعت الحاجة إلى تدوينها إما على شكل نظم أو معاهدات أو التزامات أو قواعد نظامية معينة أو غير ذلك من أشكال تجمعها صفة الدستورية بالمعنى الفني أو الخاص للدستور. 4 - مؤسسات دستورية تتفاعل مع الواقع والعصر وتستجيب لمتطلباتهما وفق الثوابت الإسلامية التي تنطلق وتلتزم بها هذه البلاد. ي - النظام الدستوري في المملكة وحقوق الأفراد: من المعروف أن حقوق الأفراد من الأركان الرئيسة للدستور، والمملكة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 العربية السعودية بهدي من الشريعة الإسلامية لم تغفل هذا الجانب، بل أولته جل عنايتها واهتمامها وضمنت للأفراد كل حقوقهم التي يجب أن يتمتعوا بها في ظل الشريعة الإسلامية، يتضح ذلك من التطبيق العملي الملموس في المملكة، وقد أوجزت المملكة ذلك في مذكرتها حول شريعة حقوق الإنسان في الإسلام وتطبيقها في المملكة، الموجهة للهيئات الدولية المختصة (1) وقد أجملت تلك الحقوق بالنقاط التالية: أ - كرامة الإنسان. ب - عدم التمييز في الكرامة وفي الحقوق الأساسية بين إنسان وآخر. جـ - النداء بوحدة الأسرة الإنسانية. د - الدعوة إلى التعارف والتعاون على الخير، وتقديم جميع أنواع البر إلى جميع بني الإنسان. هـ - عدم إكراه الإنسان على تغيير عقيدته. و حرمة العدوان على مال الإنسان ودمه. ز - حصانة البيت لحماية حرية الإنسان. ح - التكافل فيما بين أبناء المجتمع، وفي حق كل إنسان بالحياة الكريمة والتحرر من الحاجة، والفقر، بفرض حق معلوم في أموال القادرين، ليصرف لذوي الحاجة على اختلاف حاجاتهم. ط - إيجاب العلم على كل مسلم. ي - فرض العقوبة على الممتنعين عن التعلم أو التعليم مما لم تصل إليه بعد حقوق الإنسان في أية دولة.   (1) انظر نص المذكرة في ندوة علمية حول الشريعة الإسلامية، وحقوق الإنسان، وزارة الإعلام السعودية، 1392 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 ك - فرض الحجر الصحي في حالات الأمراض المعدية، وقد عرفته الدولة الإسلامية منذ أربعة عشر قرنا، عملا بقول الرسول صلى الله عليه ونسلم: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه» (1) . ل - النصوص الأخرى من القرآن والسنة بشأن الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية (2) . وغير ذلك مما لم تصل إليه بعد نصوص " الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "، ولا نصوص " الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإنسان"، بل ظلت هذه النصوص مجرد توصيات أدبية لا ضمان لها من الضمانات التشريعية لا على المستوى الدولي ولا الإقليمي، وهذه أولى تحفظات (3) المملكة على الميثاقين، لذلك كله تحرص المملكة على ألا تهبط بهذه الحقوق إلى مستوى التوصيات التي لا ضامن لها، وأن يبقى العمل على أساس الشريعة الإسلامية لما اتخذته الشريعة من ضمانات وإجراءات قامت المملكة بتنفيذها على أوسع نطاق وبكل طاقة. وقد سأل فريق من كبار رجال القانون والفكر في أوروبا في ندوة علمية لهم مع فريق من كبار علماء المملكة العربية السعودية في اجتماعهم في الرياض سنة 1392هـ، سألوا عن عدم وضع المملكة دستورا لها في ذلك الوقت - يقصدون دستورا مدونا - فأجابهم الفريق السعودي: " بأن الغرض من وضع النظام الأساسي وإعلانه في العصور الحديثة إنما   (1) رواه البخاري، ح (5728) ومسلم، ح (2218) . (2) انظر: ذلك بالتفصيل في نص المذكرة، المرجع السابق. (3) المعروف أن المملكة هي الدولة الإسلامية الوحيدة في العالم التي لم توقع على هذين الميثاقين، لمخالفتهما لأحكام الإسلام، مما يدل على صدق التمسك الدستوري بالنظام الإسلامي حتى ولو خالف ذلك العالم كله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 كان من أجل تحديد سلطه رئيس الدولة وتصرفاته بحدود حقوق الإنسان الأساسية، وأحكام الحقوق المعلنة الوضعية؛ وذلك ليقضي على السلطة المطلقة التي كانت لرؤساء الدول على شعوبهم وليقضي على الزعم الذي يزعمه أولئك بأنهم خلفاء الله في أرضه، وأنهم إنما يستمدون سلطاتهم منه، ولكن رئيس الدولة في الدولة التي تطبق فيها شريعة الله الإسلامية مثل المملكة العربية السعودية فإن سلطاته محدودة بحدود وأحكام الشريعة في أحكامها الأساسية، وفي أحكامها التفصيلية مثل أي رئيس دولة ذات دستور وقوانين، وأن ولايته إنما يستمدها من مبايعة الشعب له ولا يدعي أبدا أنه خليفة الله في الأرض، وإنما يستمد ولايته منه ولذلك لا ينبغي إساءة فهم تطبيق شريعة الله لديه، بما عرف في الغرب سابقا من الحكم (الثيوقراطي) ، وأن الحاكم فيه هو خليفة الله في الأرض، وأنه لا شيء يحد من سلطاته، فكل ذلك لا يتفق مع مفهوم الحكم في الدولة التي يقوم حكمهما على الشريعة الإسلامية، ولذلك لا مانع من إعلان نظام أساسي يستمد مبادئه مع شريعة القرآن) (1) وهذا ما تم بالفعل من خلال المسيرة الدستورية للمملكة. ك - النظام الدستوري الإسلامي في المملكة وأثره في الأنظمة والمؤسسات: أدى التزام الملكة العربية السعودية بالنظام الدستوري الإسلامي، إلى أن تكون كافة النظم ملتزمة بالإسلام، كما أدى إلى أن تكون كافة الاستراتيجيات، والسياسات، والأهداف، منبثقة من الإسلام، فإذا نظر الباحث إلى استراتيجية التنمية في المملكة يجد أن أهم مبدأين تستند إليها هما:   (1) المراجع السابقة ص 38 - 39. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 1 - المحافظة على القيم الدينية والأخلاقية للإسلام. 2 - ضمان الدفاع عن الدين والوطن (1) . ويقع على عاتق كل مصلحة حكومية واجب إلزامي بمساندة هذه المبادئ ودعمها، كما أن البعض يتعين عليه القيام بدور محدد في هذا الصدد، فتعتبر وزارة الداخلية مسؤولة عن تطبيق الشريعة الإسلامية، كما أن الخدمات القضائية مسؤولة عن تنفيذ النظم وتوفير الخدمات القانونية في القضايا المدنية والمعاملات، وتعتبر وزارة الحج مسؤولة عن حماية مصالح الحجاج، وتنظيم المرافق اللازمة لملايين الحجاج الذين يفدون إلى الأماكن المقدسة كل سنة، كما أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد مسؤولة عن بناء وصيانة المساجد واستثمار أموال الأوقاف لفائدة المجتمع، وهناك أيضا هيئات ومجالس دينية متخصصة، تتلقى دعما تاما من الدولة وأموالا؛ لتقديم الإرشاد الديني إلى كل المواطنين (2) وتقوم بدور فعال في الحياة العامة في المملكة، ومنها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، ومجلس الدعوة والإرشاد، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، إضافة إلى الاضطلاع بمهمة الدعوة إلى الله في أنحاء العالم، وما يترتب على ذلك من إيفاد للدعاة إلى أصقاع الأرض، والدعم المادي والمعنوي لمؤسسات الدعوة في الداخل والخارج، كما يوجد في المملكة ثلاث جامعات متخصصة في التعليم الإسلامي، من أهدافها إعداد الكوادر المتخصصة في العلوم الشرعية، كالقضاء، والدعوة، والتعليم   (1) خطة التنمية الثالثة، وزارة التخطيط، 1400، 1405 هـ، ص 312. (2) المرجع السابق، ص 312. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 الإسلامي، بالإضافة إلى أقسام وكليات أخرى على المستوى الجامعي، وكذلك تشجيع البحوث والترجمة في المجالات الإسلامية وغرس الروح الإسلامية ورسالة الإسلام (1) . ونعرض هنا لبعض الأنظمة والسياسات التي تنظم المجتمع وشؤون الدولة في المملكة العربية السعودية؛ لبيان مدى أثر الالتزام بالنظام الدستوري الإسلامي في هذه الأنظمة، ومنها على سبيل المثال: 1 - النظام القضائي: يقوم النظام القضائي في المملكة العربية السعودية، على أصلين هما كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما يتبعهما من أصول معتبرة، فيها يكون الفصل بين المنازعات، والرجوع عند التحاكم، وانبثق من ذلك تنظيم القضاء في المملكة، وفقا لما يلي: أ - طرق الإثبات الموضحة في الشريعة الإسلامية. ب - الاجتهاد القضائي في ظل ذلك. جـ - الاستدراك الضابط للاجتهاد القضائي، وتضطلع به جهتان: - هيئة التمييز. - مجلس القضاء الأعلى. وكان لتطبيق القضاء الإسلامي القائم على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية دعم للأمن الداخلي والاستقرار الاجتماعي بالمملكة (2) .   (1) المرجع السابق، ص 267 - 268. (2) حسن بن عبد الله آل الشيخ، التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية، ص 30. طبعة أولى، تهامة للنشر والتوزيع، نظام القضاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م / 64) وتاريخ 14 / 7 / 1395هـ. د. عبد الله بن عبد المحسن التركي، الملك عبد العزيز والمملكة العربية السعودية المنهج القويم في الفكر والعمل، ص 98. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 2 - سياسة التعليم: السياسة التعليمية للملكة هي الخطوط العامة التي تقوم عليها عملية التربية والتعليم، أداء للواجب في تعريف الفرد بربه ودينه وإقامة سلوكه على شرعه، والسياسة التعليمية في المملكة تنبثق من الإسلام الذي تدين به الأمة، وهي جزء أساسي من السياسة العامة للدولة، وتقوم هذه السياسة على أسس منها: أ - الإيمان بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا. ب - التصور الإسلامي الكامل للكون والإنسان والحياة، وأن الوجود كله خاضع لما سنه الله تعالى؛ ليقوم كل مخلوق بوظيفته دون خلل أو اضطراب. جـ - الحياة الدنيا مرحلة إنتاج وعمل، يستثمر فيها المسلم طاقاته عن إيمان بالحياة الأبدية الخالدة في الدار الآخرة، فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل. د - الرسالة المحمدية هي المنهج الأقوم للحياة الفاضلة التي تحقق السعادة لبني الإنسان وتنقذ البشرية مما ترددت فيه من فساد وشقاء. هـ - طلب العلم فرض على كل فرد ومسلم، ونشره وتيسيره في مختلف المراحل واجب على الدولة بقدر وسعها وإمكاناتها. و العلوم الدينية أساسية في جميع سنوات التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي بفروعه، والثقافة الإسلامية مادة أساسية في جميع سنوات التعليم العالي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 ز - الثقة الكاملة بمقومات الأمة الإسلامية وأنها خير أمة أخرجت للناس، والإيمان بوحدتها على اختلاف أجناسها وألوانها، وتباين ديارها: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92] (1) . حـ - التضامن الإسلامي في سبيل جمع كلمة المسلمين وتعاونهم ودرء الأخطار عنهم. ط - شخصية المملكة العربية السعودية متميزة بما خصها الله به من حراسة مقدسات الإسلام، وحفاظها على مهبط الوحي، واتخاذها الإسلام عقيدة، وعبادة، وشريعة، ودستور حياة واستشعار مسؤوليتها العظيمة في قيادة البشرية وهدايتها إلى الخير. ي - الدعوة إلى الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن واجبات الدولة والأفراد وذلك هداية للعالمين، وإخراجا لهم من الظلمات إلى النور، وارتفاعا بالبشر في مجال العقيدة إلى مستوى الفكر الإسلامي (2) . 3 - السياسة الإعلامية: جاء في التمهيد لهذه السياسة على أنها تنبثق من الإسلام الذي تدين به الأمة عقيدة وشريعة، وتهدف إلى ترسيخ الإيمان بالله عز وجل في النفوس، والنهوض بالمستوى الفكري والحضاري والوجداني للمواطنين، وإلى معالجة المشكلات الاجتماعية وغيرها، وإلى تعميق مفهوم الطاعة له ولرسوله ولأولي الأمر، والحض على احترام النظام وتنفيذه عن قناعة (3) .   (1) سورة الأنبياء، آية: 92. (2) وثيقة سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية. وزارة المعارف الطبعة الأولى، 1390هـ. (3) السياسة الإعلام للمملكة العربية السعودية وزارة الإعلام، الطبعة بدون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 وجاء في المادة الأولى من هذه السياسة، النص على أن يلتزم الإعلام السعودي بالإسلام، وأن يحافظ على عقيدة السلف الصالح، وأن يستبعد من وسائله كل ما يناقض شرع الله (1) . كما جاء في المادة الثانية والعشرون النص على أن الإعلام السعودي يؤكد أن الدعوة إلى الله بين المسلمين وغيرهم قائمة دائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذلك فهو يقوم بنصيبه في أداء هذا الواجب الجليل سالكا في دعوته إلى الله سبل الحكمة والموعظة الحسنة معتمدا على مخاطبة الفكر ومبتعدا عن كل ما من شأنه أن يثير حفائظ الآخرين. ومن هذه الأمثلة الثلاثة يتضح الأثر الكبير للنظام الدستوري الإسلامي الذي تنتهجه المملكة العربية السعودية، على نظمها، وسياساتها، ومؤسساتها وانطلاقها من الإسلام وارتباطها به؛ لكونه مصدرا وحيدا للتشريع في الدولة. * * *   (1) المرجع السابق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 190 [ الخاتمة ] أهم موضوعات الكتاب والنتائج التي توصل إليها الباحث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فقد تم في هذا الكتاب استعراض موضوع (الإسلام والدستور) من خلال رؤية إسلامية لهذا الموضوع، الذي يعتبر من المواضيع المهمة التي يجب أن تحظى بمزيد من العناية والبحث؛ لما يترتب عليه من نتائج خطيرة لها تأثير كبير في مسيرة الأمة، حيث يمكن القول بأن النظام الدستوري المطبق في مرحلة من مراحل التاريخ، أو في دولة من الدول، يترك آثاره وسماته على تلك المرحلة، أو في تلك الدولة، وتظهر سماته جلية في شتى مناحي الحياة سواء أكانت ثقافية، أم اجتماعية، أم اقتصادية، أم سياسية، أم غيرها. ونستعرض فيما يلي ما تمت دراسته في هذا الكتاب بشكل موجز، وما تم التوصل إليه من نتائج. 1 - تعرض الباب الأول للمصطلحات الرئيسة لهذا البحث وهي: القانون، والدستور، والدولة، حيث تم تعريف القانون، وتبيين ضرورة وجوده، وذكر تقسيماته وفروعه بشكل موجز، ومنها الدستور، الذي نوقش في فصل مستقل وبشكل أكثر تفصيلا؛ لأنه محور هذه الدراسة، حيث تم تعريفه، وتحديد أنواعه، وأساليب نشأته ونهايته، ومصادره ومقوماته الأساسية. وفي فصل مستقل من الباب الأول، ثم تعريف الدولة، وذكر أركانها، ومقومات الدولة القانونية، وضمانات تحقيق هذه المقومات، وأنواع الدول، وذلك وفقا لما استقر عليه الفقه القانوني المعاصر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 2 - وفي الباب الثاني تم بحث الدستور في الإسلام، حيث عرفنا الدستور في النظام الإسلامي، وحقيقته، وتقسيم القواعد الدستورية في النظام الإسلامي إلى قسمين: ثابتة، ومتغيرة، فالثابتة ما وردت بنص ثابت من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، والمتغيرة هي تلك التي تختص بمرحلة زمنية معينة، وهي في الغالب تكون من الوسائل، كتحديد كيفية الشورى مثلا. 3 - وبالنسبة لتدوين الدستور في النظام الإسلامي اتضح أن المهم في النظام الإسلامي المضمون قبل الشكل، وتدوين الدستور في وثيقة واحدة أمر شكلي، فليس هناك ما يمنع من تدوينه، وكذلك ليس هناك ما يلزم تدوينه في وثيقة واحدة. 4 - وأرى أنه من المستحسن عدم تدوين الأحكام الدستورية الثابتة في دستور أي دولة إسلامية؛ لأن الدولة الإسلامية ملزمة أصلا باتباعها، ويكتفي بالنص على أن الإسلام دين الدولة، وأن الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع، ويكون التدوين للأحكام المتغيرة، وفقا لظروف وضع الدستور المكانية والزمانية، التي يمكن تعديلها تبعا لتغير الظروف، وهذا لا يكون ممكنا بالنسبة للأحكام الثابتة. 5 - وفي أساليب نشأة الدساتير في النظام الإسلامي اتضح أن تحديد أساليب نشأة الدستور عموما بأساليب معينة أمر غير سليم؛ لأن ذلك يتحدد وفقا لظروف تساعد على هذه النشأة، وبالنسبة للدستور في ظل النظام الإسلامي فإن الأمر يختلف عنه في النظم الغربية، والأساليب المتبعة في النظام الإسلامي تختلف عنها في تلك النظم: نتيجة لاختلاف الظروف المحيطة، وقد ينشأ الدستور في دولة إسلامية معينة بأسلوب متشابه شكلا لأحد الأساليب المتبعة في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 النظم الغربية، ولكنه يختلف عنه مضمونا لتباين النظامين، فحصر أساليب النشأة للدساتير بما عليه الحال في النظم الغربية، والقول بأن الدستور في ظل النظام الإسلامي لا بد أن ينشأ وفقها قول غير صحيح، وكذلك تحديد أحد هذه الأساليب دون غيره والقول بأنه وحده هو الذي يناسب النظم الإسلامية قول غير صحيح كذلك، بل ذلك متروك لظروف كل دولة إسلامية على حدة ومتطلبات عصرها. 6 - وفي أساليب نهاية الدساتير في ظل النظام الإسلامي، اتضح أن هذه الأساليب ليس ضروريا أن تتفق مع أساليب نهاية الدساتير في النظم الغربية؛ لاختلاف النظام الإسلامي عن تلك النظم، فقد تنهى بأسلوب نشأتها نفسه، أو أي أسلوب يضمن عدم انتهاك حقوق الأفراد، هذا بالنسبة للأساليب العادية، أما الأسلوب الثوري فهذا لا يوجد نظيره في الإسلام؛ لأن المسلمين ملتزمون بدستورهم بحكم إيمانهم وعقيدتهم، وتطبيق الدستور - في أي حال - دين ملتزمون به. 7 - وعند البحث في مصادر الدستور في الإسلام اتضح اختلاف فقهاء الدستور المسلمين في ذلك على آراء ثلاثة، هي: أ - القرآن ثم السنة - وفق شروط معينة - ثم التشريع الصادر من أولي الأمر دون غيرها من المصادر. ب - مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية. جـ - مصادر الأحكام في الشريعة الإسلامية، مضافا إليها المصادر المأخوذ بها في القانون الوضعي وفق الشريعة الإسلامية. وقد تبين لي أن مصادر الدستور الإسلامي هي القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة (بدون شرط) ، والإجماع في حالة توافر أركانه، والاجتهاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 8 - في خصائص الدستور الإسلامي تبين أن أهمها: أ - تميز أسلوب النشأة. ب - اختلاف درجة السمو للدستور الإسلامي عن غيره من الدساتير. جـ - تميزه بالثبات والمرونة معا. د - الشرعية مقابل الدستورية في النظم الأخرى. هـ - تميز المصدر. و حرية التدوين، فليس هناك إلزام بالتدوين أو عدمه، ومرد ذلك للظروف والمصلحة. 9 - عند البحث في التطبيقات الدستورية في التاريخ الإسلامي تبين: أ - اكتمال أركان الدولة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. ب - اكتمال مقومات الدولة القانونية كذلك في العهد النبوي، مع وجود الضمانات الكافية لتحقيق هذه المقومات. جـ - تم عرض بعض التطبيقات الدستورية في العهد النبوي، مثل بيعتي العقبة، والوثيقة الدستورية التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة، مع تخريج هذه الوثيقة، وبيان مدى حجيتها وأنها صالحة لتكون أساسا للدراسات التاريخية دون الأحكام الشرعية. كما تم استخلاص أهم ما احتوته الوثيقة من أمور دستورية. ومن التطبيقات في العهد النبوي المكاتبات والعهود، مع القبائل العربية، ومع الدول خارج الجزيرة العربية، والاتفاقيات مع اليهود والنصارى، ووقائع الشورى في العهد النبوي، وإعلان الحروب، وتعيين الولاة والقضاة، وغيرها مما يعتبر من الوقائع الدستورية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 د - تم ذكر بعض التطبيقات الدستورية في عهد الخلفاء الراشدين، مثل: موضوع الخلافة، والبيعة، والخطابات والعهود من الخلفاء، والتجديدات والتنظيمات الإدارية المستحدثة في ذلك العهد، والتنظيمات العسكرية، ولقب رئيس الدولة. هـ - أوردت بعض الوقائع الدستورية في العهود الإسلامية التي تلت عهد الخلفاء الراشدين، مثل ما استجد في أمر الخلافة والبيعة، ونظام الوزارة، وما تم من تدوين الدستور، أو عدم تدوينه في هذه العصور. و استعرضت حركة تدوين الدساتير في البلاد العربية والإسلامية في العصر الحديث، حيث تم اختيار النموذجين التونسي والعثماني باعتبارها أول تجربتين لتدوين الدستور في الدول الإسلامية في العصر الحديث، ثم استعراض التجربة الدستورية السعودية وبيان خصائصها. 10 - هذا ويمكن تلخيص أهم النتائج التي توصلت إليها في البحث فيما يلي: أ - أن الدستور الإسلامي وتطبيق الشريعة مطلب أساس، وضرورة ملحة للأمة الإسلامية كلها، بعد أن مزقتها التجارب البشرية، وباءت بالفشل في كثير من خططها التنموية. ب - أن ذلك لا يتم إلا بعودة صادقة لله وللإسلام تعليما، ودعوة، وأمرا بالمعروف، ونهيا عن المنكر، وتحاكما إلى شرع الله. جـ - أن وضع الدستور وتطبيقه سيسهم في التزام المسلمين بالدين ويحقق لهم الأمن والرخاء والسعادة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 د - أن العقبات والمشكلات التي يثيرها المرجفون ممن لا يرتاحون لتطبيق الإسلام يمكن التغلب عليها إذا صدقت العزائم. هـ - أن وضع دستور إسلامي والالتزام به يتطلب إعداد الكوادر الدستورية والقضائية، ويتطلب إصلاح التعليم وبناءه على الإسلام؛ لأنه الذي يؤهل هذه الكوادر، والإعلام؛ لأنه الذي يقنع فئات كثيرة في المجتمع بأهمية ذلك، والاقتصاد؛ لأنه القوة الحقيقية في كثير من الوسائل. و أن الجهود المبذولة في وضع دستور إسلامي وتدوينه جهود مشكورة، وتمهد لأرضية جيدة يستفاد منها في أي بلد إسلامي، ومن الخير متابعتها، ومتابعة الدراسات الدستورية والقانونية الإسلامية لإيضاح الحقائق. ز - أن واقع المملكة العربية السعودية الإسلامي وجهود بعض الدول الإسلامية الأخرى دليل عملي على نجاح تطبيق النظام الدستوري الإسلامي في البلاد الإسلامية، وحجة على الذين يشككون في صلاحه، أو يماطلون في تطبيق الإسلام. حـ - صعوبة البحث في هذا الموضوع، ووعورة الطريق أمام الباحث؛ وذلك لجدته، والعقبات والمشكلات التي تكتنف موضوع الدستور وتطبيق الشريعة الإسلامية في بلاد المسلمين. ط - ليس المهم هو مجرد تدوين دستور إسلامي، بل المهم هو التزام النظام الدستوري الإسلامي في الدولة الإسلامية سواء دون الدستور أم لم يدون. ي - إن تطبيق القوانين الإسلامية من جنائية، ومدنية، وغيرها مظهر من مظاهر الالتزام بالنظام الدستوري الإسلامي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 ك - إن هناك ميراثا دستوريا إسلاميا ضخما، تكون منذ نشأة الدولة الإسلامية، وتزايد عبر عصورها المختلفة، وهو يشكل أساسا للنظام الدستوري الإسلامي، وسوابق دستورية يستفاد منها في العصر الحديث. 11 - وأقدم هنا بعض التوصيات العملية التي يمكن الاستفادة منها، لمن يريد متابعة البحث في هذا الموضوع المهم ومن أهم هذه التوصيات: أ - ضرورة العناية بالدراسات المتعلقة بالنواحي الدستورية والقانونية، في اتجاهين متوازين هما: - الاتجاه الأول: التقنين. - الاتجاه الثاني: الدراسات الدستورية المنطلقة من الشريعة والمتمشية مع المتطلبات الراهنة؛ لإثراء الفقه الدستوري الإسلامي في العصر الحديث، ولكي يجد المسلمون ما يحتاجونه من أمور مستجدة بسهولة ويسر. ب - أن تعنى الجامعات الإسلامية، وكليات الشريعة بالذات بشيء من هذه الدراسات، عن طريق البحوث المقدمة للدراسات العليا وعن طريق تدريس النظام الدستوري الإسلامي في المرحلة الجامعية. جـ - أن تقوم بقية الهيئات ومراكز البحوث الإسلامية بدورها في هذه الدراسات. د - ضرورة إنشاء مجمع فقهي إسلامي - أو الاستفادة مما هو قائم - على مستوى العالم الإسلامي؛ للقيام بعملية التقنين، ولبحث ومناقشة المسائل الدستورية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 هـ - ضرورة قيام علماء المسلمين، ومفكريهم، والدعاة، بالمطالبة الملحة بتطبيق النظام الدستوري الإسلامي، والشريعة الإسلامية، وتوعية المسلمين حكاما وشعوبا بأهمية ذلك، وفائدته على الفرد والمجتمع. و أن تهتم الجامعات الإسلامية، ومراكز البحوث، بالتراث الفقهي الدستوري الإسلامي الضخم، واستخراجه من بطون الكتب، وتحقيقه، وتحليله، والتعليق عليه. ليجد الباحثون في هذا المجال، الأساس الذي ترتكز عليه دراساتهم الدستورية. ز - ضرورة تقويم ومتابعة المحاولات التي تتم في بعض الدول الإسلامية في مجال تطبيق الدستور الإسلامي، والاقتداء بما نجح منها وظهرت إيجابياته. وبعد فهذا جهد المقل، وفي الختام أرجو أن يتقبل الله هذا العمل، وأن يجعله خالصا لوجهه، راجيا أن أكون قد أسهمت في هذا المجال من خلال هذا البحث، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 ثبت المراجع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 ثبت المراجع (1) أولا: الكتب: الأحمدي: علي بن حسين علي - مكاتب الرسول. دار صعب - بيروت الطبعة بدون التاريخ بدون. ابن الأثير: عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني. - الكامل في التاريخ. دار صادر - بيروت - الطبعة بدون 1399 هـ. ابن الأثير الجزري: الإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد. - جامع الأصول في أحاديث الرسول. مكتبة الحلواني - مكان النشر بدون - الطبعة بدون - 1389 هـ. الألباني: محمد ناصر الدين. - دفاع عن الحديث النبوي والسيرة. مؤسسة ومكتبة الخافقين - دمشق - الطبعة بدون - التاريخ بدون. - صحيح الجامع الصغير وزيادته للسيوطي. المكتب الإسلامي - دمشق - الطبعة الأولى - 1388 هـ. - ضعيف الجامع الصغير وزيادته للسيوطي.   (1) هذا ثبت لأهم المراجع مرتبة هجائيا حسب الاسم الأخير للمؤلف مع حذف الكلمات (آل) و (ابن) و (أب) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة الثانية - 1399هـ. - سلسلة الأحاديث الصحيحة. المكتب الإسلامي - دمشق - الطبعة الثانية - 1399هـ. - سلسلة الأحاديث الصحيحة. المكتب الإسلامي - دمشق - الطبعة الثانية - 1399هـ. - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة. المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة الرابعة - 1398 هـ. إمام: د. محمد علي - محاضرات في نظرية القانون. مكتبة نهضة مصر - القاهرة - الطبعة بدون - والتاريخ بدون. ابن أنس: الإمام مالك - الموطأ، برواية يحيى بن يحيى الليثي - إعداد أحمد راتب عرموش. رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - الطبعة السابعة - 1404هـ. الباقلاني: أبو بكر محمد بن الطيب - التمهيد في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة. تحقيق محمد عبد الهادي أبو زيده ومحمود الخضيري. دار الفكر العربي - القاهرة - الطبعة بدون - 1947هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 البخاري: الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل. - الصحيح. دار الفكر - مكان النشر بدون - الطبعة بدون - 1401هـ. بدر د. أحمد - أصول البحث العلمي ومناهجه. وكالة المطبوعات - الكويت - الطبعة الخامسة - 1979م. بدوي: د. إسماعيل. - مبادئ القانون الدستوري - دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية. دار الكتاب الجامدي - القاهرة - الطبعة بدون - 1399هـ. بشير: د. الشافعي محمد. - القانون الدستوري والنظم السياسية السودانية. دار النشر بدون - مكان النشر بدون - الطبعة بدون - 1970م. البياتي: د. منير حميد - الدولة القانونية والنظام السياسي الإسلامي. جامعة بغداد - بغداد - الطبعة الأولى - 1399هـ. التركي: د. عبد الله بن عبد المحسن. - الملك عبد العزيز والمملكة العربية السعودية المنهج القويم في الفكر والعمل. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض - الطبعة بدون - 1406 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة - الجامع الصحيح. دار الفكر - مكان النشر بدون - الطبعة الثالثة - 1398 هـ. ابن تيمية: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم - مجموع الفتاوى. الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين - مكة المكرمة - الطبعة بدون - التاريخ بدون. - السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية. دار الكاتب العربي - مكان النشر بدون - الطبعة بدون - التاريخ بدون. جريشة: د. علي محمد - المشروعية الإسلامية العليا. مكتبة وهبة - القاهرة - الطبعة بدون - 1396 هـ. - أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي بالاشتراك مع محمد شريف الزيبق. دار الاعتصام - مكان النشر بدون - الطبعة الثالثة - التاريخ بدون. الجمل: د. يحيى - الأنظمة السياسية المعاصرة. دار النهضة العربية - القاهرة - الطبعة بدون - 1969 م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 الجهني: د. عيد مسعود - مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية بين الشريعة الإسلامية والاتجاهات الدستورية المعاصرة. مطابع المجلس التجارية - الرياض - الطبعة الأولى - 1404 هـ. ابن حزم: الإمام أبو محمد علي بن أحمد الفصل في الملل والأهواء والنحل. دار الفكر - القاهرة - الطبعة بدون - 1307هـ. حسب الله: د. علي - أصول التشريع الإسلامي. دار المعارف - القاهرة - الطبعة الخامسة - 1396 هـ. حسن: د. عبد الفتاح - مذكرات في القانون الإداري. معهد الإدارة العامة - الرياض - الطبعة بدون - التاريخ بدون. الحكيم: يوسف - سورية والعهد العثماني. دار النهار - بيروت - الطبعة الثانية - التاريخ بدون. حلمي: د. محمود - نظام الحكم الإسلامي مقارنا بالنظم المعاصرة. دار النشر بدون - مكان النشر بدون - الطبعة الأولى - 1970 م. الحلو: د. ماجد راغب - الاستفتاء الشعبي بين الأنظمة الوضعية والشريعة الإسلامية مكتبة المنار الإسلامية - الكويت - الطبعة الأولى - 1400 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 حميد الله: محمد - مجموعة الوثائق السياسية وفي العهد النبوي والخلافة الراشدة. دار الإرشاد - بيروت - الطبعة الثالثة - 1969 م. ابن حنبل: الإمام أحمد بن محمد - المسند. المكتب الإسلامي - بيروت - الطبعة الخامسة - 1405 هـ. خلاف: عبد الوهاب - مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه. دار القلم - الكويت - الطبعة الخامسة - 1402 هـ. ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد - المقدمة. دار الهلال - بيروت - الطبعة بدون - 1983 م. الخليلي: د. حبيب إبراهيم. - المدخل للعلوم القانونية. ديوان المطبوعات الجامعية - الجزائر - الطبعة الثانية 1983 م. الدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل. - السنن. دار إحياء السنة النبوية - القاهرة - الطبعة بدون - التاريخ بدون. أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني. - السنن. دار الحديث - حمص - الطبعة الأولى - 1394 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 دراز: د. محمد عبد الله - دستور الأخلاق في القرآن. مؤسسة الرسالة - بيروت - الطبعة الأولى - 1393 هـ. الدواليبي: د. معروف - المدخل إلى علم أصول الفقه. دار العلم للملايين - بيروت - الطبعة الخامسة - 1385 هـ. الريس: د. محمد ضياء الدين - النظريات السياسة الإسلامية. دار المعارف - القاهرة - الطبعة الخامسة - 1969 م. الرزقاني: أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي - شرح الموطأ. المكتبة التجارية - القاهرة - الطبعة الثالثة - التاريخ بدون. ابن سعد: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري النصيري - الطبقات الكبرى. دار صادر - بيروت - الطبعة بدون - التاريخ بدون. السديري: توفيق بن عبد العزيز الدستور في البلاد الإسلامية ومشكلاته في ضوء الإسلام - رسالة ماجستير مقدمة لقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض 1408 هـ. سلامة: د. أحمد - المدخل لدراسة القانون. مطبعة نهضة مصر - القاهرة - الطبعة بدون - 1963 م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 سليم: د. محمد السيد بالاشتراك مع د. محمد مفتي الإسلام في دساتير الدول الإسلامية دراسة مقارنة جامعة الملك سعود - الرياض - الطبعة بدون - 1408 هـ. الشرقاوي: د. جميل - دروس في أصول القانون. دار النهضة العربية - القاهرة - الطبعة بدون - 1970 م. الشرقاوي: حسن - مناقشات الدستور. دار الكتاب العربي - القاهرة - الطبعة بدون - 1967 م. الشمري: هزاع عبد - مختصر جغرافية العالم. مطابع اليمامة - الرياض - الطبعة الأولى - 1395 هـ. الشنقيطي: محمد الأمين. - أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد - الرياض - الطبعة بدون - 1403 هـ. - مذكرة أصول الفقه. المكتبة السلفية - المدينة المنورة - الطبعة بدون. الشوكاني: محمد بن علي. - إرشاد الفحول. مكتبة مصطفى الباز - مكة المكرمة - الطبعة الأولى - 1413 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 آل الشيخ: حسن بن عبد الله - التنظيم القضائي في المملكة العربية السعودية. تهامة للنشر والتوزيع - جدة - الطبعة الأولى - 1403 هـ. شير: السيد آدي - معجم الألفاظ الفارسية. مكتبة لبنان - مكان النشر بدون - الطبعة بدون - 1970 م. صادق: د. محمد توفيق - تطور الحكم والإدارة في المملكة العربية السعودية معهد الإدارة العامة - الرياض - الطبعة بدون - 1385 هـ. صبري: د. السيد - النظم الدستورية في البلاد العربية. جامعة الدول العربية - القاهرة - الطبعة بدون - 1956 م. الصدة: د. عبد الفتاح فرج - أصول القانون. دار النهضة العربية - القاهرة - الطبعة بدون - 1979 م. أبو طالب: د. عبد الهادي - المرجع في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية. دار الكتاب - الدار البيضاء - الطبعة الأولى - التاريخ بدون. الطبري: أبي جعفر محمد بن جرير - تاريخ الرسل والملوك. دار المعارف - مصر - الطبعة بدون - التاريخ بدون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 الطماوي: سليمان - عمر بن الخطاب وأصول السياسة الإدارية الحديثة. دار الفكر العربي - القاهرة - الطبعة الأولى - 1969 م. عبد الباقي: محمد فؤاد - المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. دار الفكر - بيروت - الطبعة بدون - التاريخ بدون. عبد الخالق: أحمد سعيد - الموسوعة المقارنة للقوانين والتشريعات لدول الكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية - بالاشتراك مع محمود حامد النقيب. مؤسسة محمود حامد النقيب - الكويت - الطبعة بدون - بدون. عبد العال: د. محمد حسين - القانون الدستوري. دار النشر بدون - مكان النشر بدون - الطبعة بدون - 1975 م. عبد العزيز: محمد كمال - الوجيز في نظرية القانون. مكتبة وهبة - القاهرة - الطبعة بدون - 1962 م. عبد اللطيف: د. حسن صبحي - بحث مقارن موضوعه الدولة الإسلامية وسلطاتها التشريعية. مؤسسة شباب الجامعة - الإسكندرية - الطبعة بدون - التاريخ بدون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 العسقلاني: الإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر - فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري. المطبعة السلفية ومكتبتها - القاهرة - الطبعة بدون - التاريخ بدون. عصفور: د. سعد - القانون الدستوري. دار المعارف - الإسكندرية - الطبعة الأولى - 1954 م. - القانون الدستوري والنظم السياسية - بالاشتراك مع د. عبد الحميد متولي ود. محسن خليل. منشأة المعارف - الإسكندرية - الطبعة بدون - للتاريخ بدون. عطية الله: أحمد - المعجم السياسي. دار النهضة العربية - القاهرة - الطبعة الثالثة - 1968 م. العوا: محمد سليم - في النظام السياسي للدولة الإسلامية. المكتب المصري - القاهرة - الطبعة الرابعة 1980 م - الطبعة الخامسة 1981 م. الغزالي: محمد - فقه السيرة. دار الكتب الحديثة - مصر - الطبعة السابعة - 1976 م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 غلامي: عبد المنعم - الملك الراشد. دار اللواء - الرياض - الطبعة الثانية - 1400 هـ. فارس: سليم - كنز الرغائب في منتخبات الجوائب. مطبعة الجوائب - الأستانة - الطبعة الأولى - 1394 هـ. فرج: د. توفيق حسن - المدخل للعلوم القانونية. مؤسسة الثقافة الجامعية - الإسكندرية - الطبعة بدون - 1977 م. فريد بك المحامي: محمد - تاريخ الدولة العلية العثمانية. دار الجيل - بيروت - الطبعة بدون - 1397 هـ. قابسي: محي الدين - المصحف والسيف. المطابع الأهلية للأوفست - الرياض - الطبعة بدون - التاريخ بدون. قاسم: عون الشريف - دبلوماسية محمد. جامعة الخرطوم - الخرطوم - الطبعة بدون - 1960 م. القاسمي: ظافر - نظام الحكم في الشريعة والتاريخ. دار النفائس - بيروت - الطبعة الأولى - 1394 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 قلعة جي: د. محمد رواس - التفسير السياسي للسيرة. دار السلام للطباعة - المكان بدون - الطبعة الأولى - التاريخ بدون. ابن القيم: شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر. - زاد المعاد في هدي خير العباد. دار النشر بدون - المكان بدون - الطبعة الثالثة - 1362 هـ. - أحكام أهل الذمة. دار العلم للملايين - بيروت - الطبعة الثانية - 1401 هـ. ابن كثير: عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن عمر - البداية والنهاية. مكتبة الفلاح - الرياض - الطبعة بدون - التاريخ بدون. كشك: محمد جلال - السعوديون والحل الإسلامي. دار النشر بدون - المكان بدون - الطبعة الثالثة - 1402 هـ. ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني. - السنن. دار الدعوة - استنبول - الطبعة بدون - التاريخ بدون. الماوردي: أبو الحسن محمد بن حبيب - الأحكام السلطانية والولايات الدينية. مكتبة مصطفى البابي الحلمي - القاهرة - الطبعة الثانية - 1386هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 المبارك: محمد - بين الثقافتين الغربية والإسلامية. دار الفكر - المكان بدون - الطبعة بدون - 1400 هـ. متولي: د. عبد الحميد - القانون الدستوري والأنظمة السياسية. دار النشر بدون - المكان بدون - الطبعة الثالثة - 1964 م. - القانون الدستوري والأنظمة السياسية مع المقارنة بالمبادئ الدستورية في الشريعة الإسلامية. منشأة المعارف - الإسكندرية - الطبعة الخامسة - التاريخ بدون. - نظام الحكم الإسلامي. دار النشر بدون - المكان بدون - الطبعة الأولى - 1966 م. - مبادئ نظام الحكم في الإسلام مع المقارنة بالمبادئ الدستورية الحديثة. منشأة المعارف - الإسكندرية - الطبعة بدون - 1974 م. محمد: د. محمد عبد الجواد - التطور التشريعي في المملكة العربية السعودية. دار النشر بدون - المكان بدون - الطبعة بدون - 1397 هـ. - بحوث في الشريعة الإسلامية والقانون. دار الفكر العربي - القاهرة - الطبعة بدون - 1393 هـ. ومطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي - القاهرة - الطبعة بدون - 1977 م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 محمود: د. جمال الدين محمد - قضية العودة إلى الإسلام في الدولة والمجتمع. دار النهضة العربية - القاهرة - الطبعة بدون - التاريخ بدون. مشهداني: عبد الكريم. - العلمانية وآثارها على الأوضاع الإسلامية في تركيا. المكتبة الدولية - الرياض - الطبعة الأولى - 1403 هـ. ابن منظور: محمد بن مكرم بن علي بن أحمد الأنصاري. - لسان العرب. دار لسان العرب - بيروت - الطبعة بدون - التاريخ بدون. المودودي: أبو الأعلى - تدوين الدستور الإسلامي. الدار السعودية للنشر والتوزيع - جدة - الطبعة بدون - 1405 هـ. الحكومية الإسلامية. المختار الإسلامي - القاهرة - والطريقة الأولى 1397 هـ. النبهان: د. محمد فاروق. - نظام الحكم في الإسلام. جامعة الكويت - الكويت - الطبعة بدون - 1393 هـ. النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب بن سنان - السنن. المطبعة العصرية بالأزهر - القاهرة - الطبعة بدون - 1384 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 النعيم: د. عبد العزيز العلي - أصول الأحكام الشرعية ومبادئ علم الأنظمة دار الاتحاد العربي - مكان النشر بدون - الطبعة الأولى - التاريخ بدون. النفيسة: د. مطلب. - مذكرات لدارسي الأنظمة في كلية العلوم الإدارية. قسم القانون - جامعة الملك سعود - 1402 هـ. النووي: محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف - شرح صحيح مسلم. دار إحياء التراث العربي - مكان النشر بدون - الطبعة الثانية - 1392 هـ. ابن هشام: أبو محمد عبد الملك - السيرة النبوية. مطبعة مكتبة مصطفى البابي الحلبي - مصر - الطبعة الثانية - 1375 هـ. الهمداني: الحسن بن أحمد بن يعقوب - صفة جزيرة العرب. دار اليمامة - الرياض - الطبعة بدون - 1394 هـ. هنداوي: د. محمد موسى - المعجم في اللغة الفارسية. مكتبة الأنجلو - المكان بدون - الطبعة بدون - التاريخ بدون. الهوشان: د. محمد - موسوعة الأنظمة السعودية - بالاشتراك مع د. علي العمير وبالتعاون مع معهد الإدارة العامة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 دار موسوعة الأنظمة السعودية - الرياض - الطبعة الأولى - 1399 هـ. وصفي: د. مصطفى كمال - النظام الدستوري الإسلامي مقارنا بالنظم العصرية. مكتبة وهبة - المكان بدون - الطبعة الأولى - 1394 هـ. - مصنفة النظم الإسلامية. مكتبة وهبة - المكان بدون - الطبعة بدون 1397 هـ. ونسنك: أ. ي. - المعجم المفهرس لألفاظ الحديث الشريف - بمشاركة لفيف من المستشرقين ومحمد فؤاد عبد الباقي. مطبعة بريل - المكان بدون - الطبعة بدون - 1962 م. يوسف: د. يوسف علي دراسات في عصر الخلفاء الراشدين - بمشاركة د. محمد أبو سعدة. دار الطباعة المحمدية - القاهرة - الطبعة الأولى - 1398 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 ثانيا: المنشورات الرسمية والمقالات: - أول دستور أعلنه الإسلام - مقال للدكتور أكرم ضياء العمري - مجلة كلية الإمام الأعظم - عدد 1 - 1392 هـ. - خطة التنمية الثالثة (1400 - 1405 هـ) - وزارة التخطيط السعودية - 1400 هـ. - الدستور السوري - دار اليقظة العربية - دمشق - 1369 هـ. - الدستور المصري - المطبعة الأميرية - مصر - 1956 م. - السياسة الإعلامية في المملكة العربية السعودية - وزارة الإعلام السعودية - التاريخ بدون. - السياسة التعليمية في المملكة العربية السعودية - وزارة المعارف السعودية - الطبعة الأولى - 1390 هـ. - صحيفة أم القرى - الأعداد (135 في 15 / 1 / 1346 هـ، 90 في 25 / 2 / 1345 هـ، 91 في 3 / 3 / 1345 هـ، 146 في 25 / 1 / 1347 هـ) . - قرار مجلس الوزراء السعودي رقم 824 وتاريخ 5 / 7 / 1395 هـ. - ندوة علمية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان - نشر وزارة الإعلام السعودية - 1392 هـ. - نظام مجلس الوزراء - مطبعة الحكومة - مكة المكرمة - الطبعة الرابعة - 1393 هـ. - النظام الأساسي للحكم - الصادر بالأمر الملكي رقم م / 90 في 27 / 8 / 1412 هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 - نظام مجلس الوزراء (الجديد) الصادر بالأمر الملكي رقم 5 / 13 من 3 / 2 / 1414هـ. - نظام مجلس الشورى (الجديد) الصادر بالأمر الملكي رقم 5 / 91 في 27 / 8 / 1412هـ. - نظام المناطق الصادر بالأمر الملكي رقم 5 / 92 في 27 / 8 / 1412هـ. - صحيفة عكاظ السعودية العدد رقم 9354 الصادر في 28 / 8 / 1412هـ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231