الكتاب: قدوة الغازي المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري، الإلبيري المعروف بابن أبي زَمَنِين المالكي (المتوفى: 399هـ)   [الكتاب مرقم آليا] ---------- قدوة الغازي ابن أبي زَمَنِين الكتاب: قدوة الغازي المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى بن محمد المري، الإلبيري المعروف بابن أبي زَمَنِين المالكي (المتوفى: 399هـ)   [الكتاب مرقم آليا] : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّيْخُ الإِمَامُ الْكَبِيرُ الشَّهِيرُ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِمْنِينٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي بِتَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ أَخْلَصَ لَهُ أَوْلِيَاؤُهُ، فَلَمْ يَعْبُدُوا غَيْرَهُ، وَبِخِذْلانِهِ وَالطَّبْعِ عَلَى قُلُوبِ أَعْدَائِهِ أَشْرَكُوا بِهِ وَلَمْ يَتَّبِعُوا أَمْرَهُ، فَجَعَلَ قِتَالَهُمْ، وَالْغَزْوَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَرْبَحِ التِّجَارَاتِ، وَأَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {11} يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. الصف 10-12} وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْءَانِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111] وَلِهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ نَظَائِرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالآثَارُ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ، وَسَأَذْكُرُ مِنْهَا بَعْدَ هَذَا مَا حَضَرَنِي ذِكْرُهُ، وَأُصَنِّفُهَا وَأُشَفِّعُهَا بِمَسَائِلَ مِمَّا لا يَجُوزُ لِلْغَازِي فِعْلُهُ، وَمِمَّا لا يَجُوزُ، فَعَسَى أَنْ يَتَعَلَّمَ ذَلِكَ وَيَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ لَمْ تَتَقَدَّمْ لَهُ عِنَايَةٌ بِطَلَبِ عِلْمِهِ، مِمَّنْ يُؤْثِرُ الْغَزْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ، وَطَرِيقَةٍ قَوِيمَةٍ. وَكُلُّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الآثَارِ وَالْمَسَائِلِ، فَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَتِي، وَاسْتَخْرَجْتُهُ مِنْ كُتُبِي. وَأَسْأَلُ اللَّهَ الْعَوْنَ عَلَى مَا أُحَاوِلُ مِنْ ذَلِكَ، وَالْهِدَايَةَ إِلَى أَحْسَنِهِ، وَإِنَّمَا يُوَفِّقُ لِلْهُدَى اللَّهُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُبَلِّغِ عَنْ رَبِّهِ، الصَّادِقِ فِيمَا جَاءَ بِهِ، مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ أَجْمَعِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 1 بَابٌ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي الْغَزْوِ وَفَضَائِلِ أَهْلِهِ: 1- قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . 2- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «لا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا» . 3- وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ «لا يَلْتَثِمُ مِنَ الْغُبَارِ فِي مَغَازِيهِ» . 4- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَوْقِفُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ شُهُودِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ» . 5- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «لَمَوْقِفُ أَحَدِكُمْ فِي الصَّفِّ خَيْرٌ لَهُ مِنْ عِبَادَتِهِ فِي أَهْلِهِ سَبْعِينَ سَنَةً، وَغَدْوَةُ الرَّجُلِ أَوْ رَوْحَتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» . 6- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إِنَّ لِكُلِّ طَرِيقٍ مُخْتَصَرًا، وَإِنَّ أَقْرَبَ مُخْتَصَرِ طَرِيقِ الْجَنَّةِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُنَجِّي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ» . 7- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ الَّذِي لا يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَقِيَامٍ حَتَّى يَرْجِعَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ، اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» . تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِهِ لا يُخْرِجُهُ إِلا جِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ وَتَصْدِيقٌ بِكَلِمَاتِهِ أَنْ يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِمًا إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ". 8- وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي عَمَلا فَهَلْ يُدْرِكُ عَمَلِي عَمَلَ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَمَا عَمَلُكَ؟» . قَالَ: أَقُومُ اللَّيْلَ وَأَصُومُ النَّهَارَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «ذَلِكَ كَنَوْمَةِ نَائِمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . 9- وَقَالَ: «لِلْمُجَاهِدِ نَوْمُهُ وَنُبْهُهُ» 10- وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلالٍ: أَتَى رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أُدْرِكُ بِهِ عَمَلَ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَوْ قُمْتَ اللَّيْلَ وَصُمْتَ النَّهَارَ، لَمْ تَبْلُغْ نَوْمَ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ لِي مَالا فَإِنْ أَنَا أَنْفَقْتُهُ أَيَكُونُ لِي مِثْلُ أَجْرِ الْمُجَاهِدِ؟ قَالَ: «وَكَمْ مَالُكَ؟» قَالَ: سِتَّةُ آلافِ دِينَارٍ. قَالَ: «لَوْ أَنْفَقْتَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، لَمْ تَبْلُغْ غُبَارَ شِرَاكِ نَعْلِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . 1- وَسَمِعَ عَلَيْهِ السَّلامُ رَجُلا يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلا مِنَ الْجَنَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «أَيْنَ الدَّاعِي؟» . فَقَالَ: هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «أَتَدْرِي لِمَنْ هِيَ؟» قَالَ: لا. قَالَ: «هِيَ لِلْغَادِينَ الرَّائِحِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . 2- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «كُلَّمَا ازْدَادَ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِهِ بُعْدًا، ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ قُرْبًا» . 3- وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الْفِهْرِيُّ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا فِيهِمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَغَدَا الْقَوْمُ وَتَخَلَّفَ مُعَاذٌ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ , فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «لَقَدْ سَبَقَكَ الْقَوْمُ بِشَهْرٍ فِي الْجَنَّةِ، الْحَقْ أَصْحَابَكَ» . قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعَكَ، وَتَدْعُوَ لِي لِيَكُونَ لِي بِذَلِكَ الْفَضْلُ عَلَى أَصْحَابِي. قَالَ: «بَلْ لَهُمُ الْفَضْلُ عَلَيْكَ، الْحَقْ أَصْحَابَكَ فَلَوْ كَانَ لَكَ أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمَّ أَنْفَقْتَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّى لا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ مَا أَدْرَكْتَ سُبْقَةَ الْقَوْمِ الَّتِي سَبَقُوكَ بِهَا» . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَا يُؤْذَنُ لِلْعَبْدِ بِالْخُرُوجِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَاللَّهُ أَفْضَلُ وَأَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَرُدَّهُ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذُنُوبِهِ وَلَمْ يَغْفِرْهَا» . 4- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً طَارَ إِلَيْهَا» . قَالَ مُحَمَّدٌ: مَعْنَى هَيْعَةٍ: رَوْعَةٌ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَحْبَبْتُ أَلا أَتَخَلَّفَ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكِنِّي لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَلا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ فَيَخْرُجُونَ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا. فَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا فَأُقْتَلُ» . 5- وَقَالَ كَعْبٌ: غَزْوَةٌ بَعْدَ حِجَّةِ الإِسْلامِ، خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ حِجَّةٍ. 6- وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَفْرَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ خَمْسِينَ حِجَّةً. قَالَ مُحَمَّدٌ: الصُّفْرَةُ بِالصَّادِ: هِيَ الْجَوْعَةُ. 7- وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: نَوْمَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ حِجَّةً تَتْبَعُهَا سَبْعُونَ عُمْرَةً. الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 2 بَابُ النِّيَّةِ فِي الْغَزْوِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَوَّلُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ وَيَتَفَقَّدَهُ مِنْ نَفْسِهِ صَلاحُ نِيَّتِهِ الَّتِي بِصَلاحِهَا تَزْكُو الأَعْمَالُ وَيَتَقَبَّلُهَا الْكَرِيمُ الْمِفْضَالُ. 8- فَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَإِنَّمَا لامْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٌ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» . 9- قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ لا يَنْوِي فِي غَزَاتِهِ إِلا عِقَالا فَلَهُ مَا نَوَى» . 0- وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ رَجُلا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ خَيْبَرَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أنا قَتَلْتُ هَذَا الْيَهُودِيَّ أَلِي حِمَارُهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ لا يُسْأَلُ شَيْئًا فَيَمْنَعُهُ، قَالَ: نَعَمْ، فَبازَعَهُ الرَّجُلُ شَيْئًا ثُمَّ قَتَلَهُ الْيَهُودِيُّ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لِفُلانَ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «قُتِلَ فُلانُ فِي سَبِيلِ الْحِمَارِ» . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ , قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَقُولُ: «رُبَّ قَتِيلٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ» . الحديث: 8 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 بَابُ مَنْ يَنْبَغِي لِلْغَازِي أَنْ يَلْتَزِمَهُ مِنْ مَحَاسِنِ الأَخْلاقِ 1- وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَا اصْطَحَبَ قَوْمٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا كَانَ أَعْظَمُهُمْ أَجْرًا أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَحْسَنَ اجْتِهَادًا مِنْهُ» . 2- وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: " الْغَزْوُ غَزْوَانِ: غَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةَ وَيُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ وَيُطَاعُ فِيهِ ذُو الأَمْرِ، وَيُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ فَذَلِكَ الْغَزْوُ خَيْرٌ كُلُّهُ، وَغَزْوٌ لا تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ وَلا يُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ، وَلا يُطَاعُ فِيهِ ذُو الأَمْرِ، وَلا يُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ، فَذَلِكَ الْغَزْوُ لا يَرْجِعُ صَاحِبُهُ كَفَافًا " 23- وَقَالَ مُجَاهِدٌ: صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَخْدِمَهُ فَكَانَ يَخْدِمُنِي. 4- وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْضَلُ الْغُزَاةِ خَادِمُهُمْ وَرَاعِي دَوَابِّهِمْ. 5- وَقَالَ سَلْمَانُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ إِذَا غَزَوْا أَوْ سَافَرُوا اشْتَرَطَ أَفْضَلُهُمُ الْعَمَلَ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ اشْتَرَطَ الأَذَانَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 مَا جَاءَ فِيمَا أُعْطِيَ الْغَازِي بِمَسْأَلَةٍ أَوْ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ: وَفِي كِتَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْمَسْأَلَةِ لِلْغَازِي غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، إِنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَغْزُ بِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَجْلِسْ فِي بَيْتِهِ فَلَمْ يُكَلَّفْ مَا لا يُطِيقُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَمَا أُعْطِيَ الْغَازِي مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ فَفِيهِ اخْتِلافٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَهُمُ الأَكْثَرُ لا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ الْغَازِي مَا أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ أَنْفَقَهُ، وَإِنِ اسْتَغْنَى عَنْهُ فَرَّقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لا يَنْبَغِي لِلْغَازِي أَنْ يَقْبَلَ مَا أُعْطِيَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ إِذَا كَانَ غَنِيًّا عَنْهُ، وَلْيَغْزُ بِمَالِهِ فَهُوَ لِثَوَابِهِ، وَهَذَا أَحْوَطُ الْقَوْلَيْنِ وَأَحَبُّهُ إِلَيَّ. وَأَمَّا الْفَقِيرُ وَالضَّعِيفُ فَمُجْتَمِعٌ عَلَيْهِ النَّاسُ أَنَّهُ لا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَ مَا أُعْطِيَ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَلْيَسْتَنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا أُعْطِيهِ، وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَأَثَّلَهُ مَالا فِي غَيْرِ سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ يُنْفِقَهُ فِي أَهْلِهِ، أَوْ يَصْرِفَهُ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي أُعْطِيهِ لَهُ وَفِيهِ وَهُوَ سَبِيلُ اللَّهِ، إِنْ قَفَلَ مِنْ غَزْوِهِ وَقَدْ فَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةً فَلا بَأْسَ أَنْ يُنْفِقَهُ فِي قَفْلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ فَضْلٌ عَمَّا يَكْفِيهِ فِي قَفْلِهِ فَلْيُفَرِّقْ ذَلِكَ الْفَضْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَبْلَ قَفْلِهِ، أَوْ يَرُدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ الَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، إِلا أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَفْضُلُ مِنْهُ تَافِهًا يَسِيرًا، فَلا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ فِي أَهْلِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 مَا جَاءَ فِي ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ وَالْغَزْوِ عَلَيْهَا 6- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " الْخَيْلُ ثَلاثَةٌ: فَرَسٌ لِلرَّحْمَنِ، وَفَرَسٌ لِلإِنْسَانِ، وَفَرَسٌ لِلشَّيْطَانِ، فَأَمَّا فَرَسُ الرَّحْمَنِ: فَمَا اتُّخِذَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَجُوهِدَ عَلَيْهِ أَعْدَاءُ اللَّهِ، وَأَمَّا فَرَسُ الإِنْسَانِ: فَمَا اسْتُمْطِيَ وَتُحِمَّلَ عَلَيْهِ وَأَمَّا فَرَسُ الشَّيْطَانِ: فَمَا رُوهِنَ عَلَيْهِ وَفُوخِرَ بِهِ، وَاتُّخِذَ قُوَّةً عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ ". 7- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِيمَانًا بِاللَّهِ، وَتَصْدِيقًا بِمَوْعِدِ اللَّهِ، كَانَ شِبَعُهُ وَرِيِّهِ وَبَوْلِهِ حَسَنَاتٌ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . 8- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَثَلُ الَّذِي يَرْتَبِطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ نَهَارَهُ، الْقَائِمِ لَيْلَهُ الْبَاسِطِ كَفَّيْهِ بِالصَّدَقَةِ لا يَقْبِضُهُمَا» . 9- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إِنَّ الْفَرَسَ لَيَسْتَنُّ فِي طِيلِهِ وَصَاحِبُهُ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَمَا تَبْقَى لَهُ خَطِيئَةٌ إِلا وَقَعَتْ» . {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] . وَقَوْلُهُ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274] . الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 مَا جَاءَ فِي الإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالتَّقْوِيَةِ: 0- قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] . إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الَّذِينَ يُنْفِقُونَهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَخْرُجُونَ، ثُمَّ قَالَ فِي الَّذِينَ يَقْوُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 262] . قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: فَشَرَطَ عَلَى هَؤُلاءِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الْخَارِجِينَ. 1- وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا، أَوْ بَعَثَ بِمَالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعَ مِائَةِ ضِعْفٍ، وَبِكُلِّ ضِعْفٍ سَبْعُونَ ضِعْفًا» . 2- وَقَالَ كَعْبٌ: لا تُحَقِّرُوا شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ، فَقَدْ دَخَلَ رَجُلٌ الْجَنَّةَ بِإِبْرَةٍ أَعَانَ بِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 مَا جَاءَ فِي الرَّمْيِ وَاتِّخَاذِ الْعُدَّةِ وَالسِّلاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. - قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ رَمَى الْعَدُوَّ بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَبَلَغَ سَهْمُهُ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ فَعَدْلُ رَقَبَةٍ» . 8- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَالْقُوَّةُ: السِّلاحُ كُلُّهُ، وَالْعُدَّةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمِنَ الْقُوَّةِ تَعُلُّمُ الرَّمْيِ بِالْقَوْسِ. 9- وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ تَقَلَّدَ سَيْفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَلْبَسَهُ اللَّهُ وِشَاحَ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ تَنَكَّبَ قَوْسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَتْ لَهُ جُنَّةً مِنَ النَّارِ، وَمَنْ حَمَلَ رُمْحًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَانَ لَهُ عَلَمًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . 0- وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «السُّيُوفُ أَرْدِيَةُ الْغُزَاةِ» . 1- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ تَقَلَّدَ سَيْفًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ رُدِّيَ بِرِدَاءِ الإِيمَانِ، وَلا تَزَالُ مَلائِكَةُ اللَّهِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ مَا دَامَ عَلَيْهِ» . 2- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «يُوزَنُ سِلاحُ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَيَوْمِ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَعَدَّهُ للَّهِ زِيدَ فِي حَسَنَاتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَعَدَّهُ لِلشَّيْطَانِ زِيدَ فِي سَيِّئَاتِهِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 مَا يُؤْمَرُ بِهِ الْغُزَاةُ وَمَا يُنْهَوْنَ عَنْهُ: 3- كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً قَالَ: «اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لا تَغُلُّوا وَلا تَغْدِرُوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا. » 44- وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا بَعَثَ الْجُيُوشَ أَوْصَاهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَبِلُزوِم الْحَقِّ وَالصَّبْرِ، وَقَالَ: «امْضُوا بِتَأْيِيدِ اللَّهِ، وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلا تَجْبُنُوا عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلا تُمَثِّلُوا عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَلا تَقْتُلُوا هَرِمًا وَلا امْرَأَةً وَلا وَلِيدًا وَلا تَغُلُّوا عِنْدَ الْغَنَائِمِ» . 5- وَمِمَّا أَوْصَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ بِجَيْشٍ إِلَى الشَّامِ، قَالَ: «لا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلا صَبِيًّا وَلا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلا بَعِيرًا إِلا لِمَأْكَلَةٍ، وَلا تُحَرِّقَنَّ نَحْلا وَلا تُغْرِقَنَّهُ، وَلا تَغْلُلْ، وَلا تَجْبُنْ» . وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَحْرِيقِ الشَّامِ وَخَرَابِهَا؛ لأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا صَائِرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ بِمَا أَعْلَمَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ بَقَاءَهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَتَوْفِيرَهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُرِدْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنِهَايَتِهِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يُبْقِيَهُ لِلرُّومِ وَيُرَبِّيَهُ وَيَمْنَعَ لَهُمْ نَوَاحِيَهُ لِيَكُونَ لَهُمْ نَفْعُهُ. قَالَ: وَكُلُّ مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ مِنْ بَلَدِ الْعَدُوِّ وَعَامِرِهِمْ عَلى شَيْبِهِ بِالإِفَاءَةِ عَلَيْهِمْ وَالْمَقْدِرَةِ مِنْهُمْ عَلَى أَهْلِهِ وَقَوِيَ الرَّجَاءُ وَالأَمَلُ فِي صَيْرُورَةِ ذَلِكَ إِلَى الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، فَإِنَّهُ لا يَخْفَى وَلا يُعْمَلُ فِيهِ عَلَى مَا الضَّرُورَةِ فِيهِ عَلَى أَهْلِهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمُسْلِمُونَ غَدًا أَهْلَهُ، فَأَمَّا كُلُّ بَلَدٍ دَاخِلٍ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَلا يَطْمَعُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَحُوزُوهُ لِبُعْدِهِ وَانْقِطَاعِهِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، فَمُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لا بَأْسَ بِتِخْرِيبِ حُصُونِهِمْ وَدُورِهِمْ وَعَامِرِهِمْ، وَقَطْعِ شَجَرِهِمُ الْمُثْمِرِ وَغَيْرِهِ، وَعَقْرِ دَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ، وَإِفْسَادِ أَطْعِمَتِهِمْ وَإِحْرَاقِ نَحْلِهِمْ وَتَغْرِيقِهَا، وَإِخْفَاءِ كُلِّ مَا مَلَكُوا وَاسْتِئْصَالِهِ، لأَنَّ ذَلِكَ ذُلٌّ وَصَغَارٌ وَنِكَايَةٌ وَغَيْظٌ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لا بَأْسَ أَنْ تُغْرِقَ النَّحْلَ إِذَا لَمْ يُوصَلْ إِلَى عَسَلِهَا إِلا بَذَلِكَ. 6- وَمِمَّا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِ الْجُيُوشِ: بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ حَتَّى إِذَا أُسْنِدَ فِي الْجَبَلِ قَالَ الرَّجُلُ لَهُ: مَتَرْس أَيْ لا تَخَفْ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَبْلُغُنِي أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ فَعَلَ ذَلِكَ إِلا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: هَذَا تَشْدِيدٌ مِنْ عُمَرَ، وَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ هَذَا فَلا قَتْلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى الْجُيُوشِ أَلا يَقْتُلُوا أَحَدًا أَشَارُوا إِلَيْهِ بِالأَمَانِ؛ لأَنَّ الإِشَارَةَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلامِ. 7- قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَخْذَ بَقَرِ الْعَدُوِّ وَغَنَمِهِمْ لأَكْلِهَا إِلا بِعَقْرِهَا، فَلا بَأْسَ أَنْ تُتَنَاوَلَ بِالْعَقْرِ، وَتُؤْكَلَ إِذَا ذُكِّيَتْ وَلَمْ يَبْلُغِ الْعَقْرَ مِنْهَا الْمَقَاتِلَ، وَلَمْ تَقَعْ فِيهِ النُّهْبَةُ، فَإِنَّ النَّهْبَ حَرَامٌ، وَقَدْ نَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْهَا. قَالَ: " وَمَا أَصَابَ النَّاسُ مِنْ بَقَرِ الْعَدُوِّ وَغَنَمِهِمْ فَأَكَلُوا لُحُومَهَا فَلا بَأْسَ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِجُلُودِهَا إِنِ احْتَاجُوا إِلَيْهَا لِمَنَافِعِهِمْ فِي غَزْوِهِمْ ذَلِكَ، وَسَبِيلُ جُلُودِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا سَبِيلُ لُحُومِهَا، وَإِنِ اسْتَغْنَوْا عَنْهَا جُعِلَتْ فِي الْمَقَاسِمِ إِلا أَلا يُوجَدَ بِهَا ثَمَنٌ فِي الْمُقَسَّمِ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «نَهَى الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَذَلِكَ لِمَا يُخْشَى مِنْ تَعْبِيثِهِمْ وَاسْتِهْزَائِهِمْ وَتَصْغِيرِهِمْ مَا عَظَّمَ اللَّهُ مِنْ حُرْمَتِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 مَا جَاءَ فِي رَمْيِ الْعَدُوِّ بِالنَّارِ وَالْمَجَانِيقِ وَقَطْعِ الْمَاءِ وَالْمَيْرِ عَنْهُمْ. - قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ إِلَى الْيَمَنِ، وَقَالَ: إِنِ اللَّهُ أَمْكَنَكَ مِنْ فُلانٍ فَحَرِّقْهُ بِالنَّارِ، فَلَمَّا وَلِيتُ قَالَ: رُدُّوهُ، فَقَالَ لِي: مَا قُلْتُ لَكَ؟ قَالَ: قُلْتَ لِي: إِنِ اللَّهُ أَمْكَنَكَ مِنْ فُلانٍ فَحَرِّقْهُ بِالنَّارِ، قَالَ: قُلْتُ ذَلِكَ وَأَنَا غَضْبَانُ وَلَيْسَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ فَإِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُ بِضَرْبِ الرِّقَابِ وَشَدِّ الْوَثَاقِ ". وَذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا تَأْوِيلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَنْ أَسَرَ أَسْرًا أَوْ حَرَّقَ بِالنَّارِ صَبْرًا، فَأَمَّا إِذَا تَحَصَّنَ الْعَدُوُّ فِي بَعْضِ حُصُونِهِمْ وَلَمْ يُخْلَصْ إِلَيْهِمْ إِلا بِالنَّارِ فَلا بَأْسَ أَنْ يُرْمَوْا بِهَا وَيُحَرَّقَ عَلَيْهِمْ حِصْنُهُمْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي حِصْنِهِمُ النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ، وَإِنَّمَا هُمْ لِلْمُقَاتِلَةِ مِنَ الرِّجَالِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَعَهُمُ النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ، فَلا يَحِلُّ أَنْ يُرْمَوْا بِالنَّارِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَعَهُمْ فِي حِصْنِهِمْ أَحَدٌ مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَلا يَحِلُّ رَمْيُهُمْ بِالنَّارِ كَانَ مَعَهُمُ الأَطْفَالُ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ صَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: 25] . وَذَلِكَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَالَ: وَلا بَأْسَ أَنْ يُرْمَى الْعَدُوُّ فِي حُصُونِهِمْ بِالْمَجَانِيقِ , وَأَنْ يُرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ لِيَغْرَقُوا بِهِ، وَأَنْ يُقْطَعَ عَنْهُمْ إِذَا كَانَ مَجْرَاهُ إِلَيْهِمْ، وَأَنْ يُقْطَعَ الْمَيْرُ عَنْهُمْ , وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهُمُ النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ أَوْ لَمْ يَكُونُوا، مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 مَا جَاءَ فِي مَنْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلا وَرِقًا إِلا الأَمْوَالَ وَالثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلامًا يُقَالُ مِدْعَمٌ فَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي الْقُرَى، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَلا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَ يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا، فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ، جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» . 1- وَتُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» , فَتَغَيَّرْت وُجُوهُ الْقَوْمِ لِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» . قَالَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ: فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ، فَوَجَدْنَا فِيهِ خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودَ مَا تُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ ". 2- وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا ظَهَرَ الْغُلُولُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلا أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ وَلا خَتَرَ قَوْمٌ بِالْعَهْدِ إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَدُوَّ. 3- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «رُدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمَخِيطَ فَإِنَّ الْغُلُولَ نَارٌ وَعَارٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 مَا جَاءَ فِي فَضِيلَةِ الْحَارِسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ التَّكْبِيرِ 4- قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «لِكُلِّ شَيْءٍ ثَمَرَةٌ، وَثَمَرَةُ الْجِهَادِ الْحَرْسُ» . 5- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «حَارِسُ الْحَرَسِ عَلَى فَرَسٍ يُصْبِحُ وَقَدْ أَوْجَبَ يَعْنِي اسْتَوْجَبَ الْجَنَّةَ» . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَالْحَرَسُ هُمُ الْمُرَابِطُونَ أَوِ الْغُزَاةُ أَوِ السَّرِيَّةُ، وَحَارِسُ الْحَرَسِ الَّذِي يَحْرُسُهُمْ. - وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «لِكُلِّ عَيْنٍ سَاهِرَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ نَائِمَةٍ قِيرَاطٌ مِنَ الأَجْرِ، وَالْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ» . 7- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا عَيْنًا حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنًا غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَعَيْنًا بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» . 8- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " ثَلاثَةُ أَعْيُنٍ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ: عَيْنٌ حَرَسَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ". قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ التَّطْرِيبَ فِي الْعَسَسِ فِي الْحَرْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَسْتَحِبُّونَ مَا سَهُلَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْغِ فِيهِ صَاحِبُهُ، وَلا بَأْسَ أَنْ يُجَزِّئَهُ وَرَأَيْتُهُمْ يَكْرَهُونَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَقَدَّمَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ بِالتَّكْبِيرِ أَوِ بِالتَّهْلِيلِ، ثُمَّ يُجِيبُهُ الآخَرُونَ بِنَحْوٍ مِنْ كَلامِهِ جَمًّا غَفِيرًا، وَلَكِنْ يُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ عَلَى حَالِ نِيَّتِهِ وَرَغْبَتِهِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَرْفَعَ بِذَلِكَ صَوْتَهُ، أَوْ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْوَاحِدُ وَيُنْصِتُ لَهُ الآخَرُونَ إِنْ أَحَبُّوا. قَالَ: وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ التَّكْبِيرَ فِي الْعَسَاكِرِ وَالثُّغُورِ وَالْمُرَابِطَاتِ دُبُرَ صَلاةِ الْعِشَاءِ، وَصَلاةِ الصُّبْحِ تَكْبِيرًا عَالِيًا ثَلاثَ تَكْبِيرَاتٍ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ النَّاسِ قَدِيمًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 مَا جَاءَ مِنَ الثَّوَابِ فِي الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالذِّكْرِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ 9- قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ وَفْدُ اللَّهِ، مَا أَهَلَّ مُهَلِّلٌ، وَمَا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ إِلا بُشِّرَ» ، قَالُوا: بِمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «بِالْجَنَّةِ» . وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَتَبَهُ اللَّهُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ» . 1- وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا مِائَةَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَأَسْكَنَهُ بِهَا دَارَ الْجَلالِ ". 2- وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ كَانَ لَهُ بِهَا صَخْرَةٌ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنَ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا تَحْتَهُنَّ» . 3- وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ: ذَكَرْتُ السِّيَاحَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: «أَبْدَلَنَا اللَّهُ بِهَا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ، وَالتَّكْبِيرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ» . - وَقالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي سَفَرِهِ: إِذَا وَافَى الشَّرَفَ مِنَ الأَرْضِ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» . 5- وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ قَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكَبْرُ كَتَبَ اللَّهُ بِهَا رِضْوَانَهُ الأَكْبَرَ، وَمَنْ كَتَبَ لَهُ رِضْوَانَهُ الأَكْبَرَ، جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمُرْسَلِينَ فِي دَارِ الْجَلالِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَنْظُرُ إِلَى ذِي الْجَلالِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» . 6- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ رَاحَ يُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ غَابَتِ الشَّمْسُ بِذُنُوبِهِ» . 7- وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طُوبَى لِمَنْ كَثَّرَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ لَهُ بِكُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعِينَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، كُلُّ حَسَنَةٍ مِنْهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا مَعَ مَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمَزِيدِ» . 8- وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. 9- قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّ مِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ، وَسِتِّ مِائَةِ أَلْفِ حِجَّةٍ، وَسِتِّ مِائَةِ أَلْفِ عُمْرَةٍ، وَسِتِّ مِائَةِ أَلْفِ رَقَبَةٍ» . 0- وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَكَأَنَّمَا صَامَ أَلْفَيْ أَلْفِ رَمَضَانَ. 1- وَقَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَعِنْدَ النُّزُولِ وَعِنْدَ دُخُولِ الْقُرَى : 72- كَانَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا فِي سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثًا وَقَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ {13} وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ {14} } [الزخرف: 13-14] اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي مَسِيرِنَا هَذَا التَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الأَهْلِ وَالْمَالِ ". وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: «آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَر عَبْدَهُ وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ» . 3- وَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لأَصْحَابِهِ: «قِفُوا» ، ثُمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظَلَّتْ، وَرَبَّ الأَرْضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقَلَّتْ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَّتْ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَتْ، أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: ادْخُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ ". 4- وَجَاءَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عِنْدَ كُلِّ قَرْيَةٍ يُرِيدُ دُخُولَهَا فِي سَفَرِهِ. 5- وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَقُولُ: " مَنْ نَزَلَ مَنْزِلا فَلْيَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، فَإِنَّهُ لا يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ ". وَكانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِذَا غَزَا أَوْ سَافَرَ فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ قَالَ: «يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ، وَمِنْ شَرِّ مَا فِيكِ، وَشَرِّ مَا دَبَّ عَلَيْكِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ وَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ، وَمِن سَاكِنِ الْبَلَدِ، وَمِنْ شَرِّ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 النَّهْيُ عَنِ الْقِتَالِ عَلَى الشَّيْءِ يَجْعَلُهُ الإِمَامُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ لِوَالِي الْجَيْشِ أَنْ يَجْعَلَ لِمَنْ أَصَابَ شَيْئًا ثُلُثَهُ أَوْ رُبُعَهُ، أَوْ أَنْ يَقُولَ: مَنْ قَاتَلَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ كَذَا، أَوْ يَقُولُ مَنْ قَتَلَ مِنَ الْعَدُوِّ وَاحِدًا فَجَاءَ بِرَأْسِهِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَلا يَحِلُّ لِلإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ؛ لأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُفْسِدُ نِيَّاتِ النَّاسِ، وَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى هَذَا، وَلا يَتَعَرَّضَ لِسَفْكِ دَمِهِ فِي طَلَبِهِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: 77- وَإِنَّمَا قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ بَعْدَ الْفَتْحِ وَالْغَنِيمَةِ، وَإِنَّمَا نَفَّلَ مِنْ نَفْلِ يَوْمِ خَيْبَرَ مِنَ الْخُمُسِ، وَأَمَّا مَنْ نَفَّلَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ فَهُوَ غُلُولٌ لِمُعْطِيهِ وَآخِذِهِ» . وَقَدِ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنِ احْتَاجَ الإِمَامُ إِلَى ذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْغَنِيمَةِ وَرَأَى مَوْضِعَهُ، مِثْلَ أَنْ يَرَى الْقِلَّةَ فِي أَصْحَابِهِ، وَالْكَثْرَةَ فِي عَدُوِّهِ، أَنْ يُنَادِيَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيضِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، وَكَرِهُوا لِلرَّجُلِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى ذَلِكَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 مَا جَاءَ فِي الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَالانْحِيَازِ إِلَى الْفِئَةِ وَحَمْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ {15} وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ {16} } [الأنفال: 15-16] . وَفِي قَوْلِهِ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 65] . فَكَأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنْ يَصْبِرُوا لِعَشَرَةِ أَمْثَالِهِمْ، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ عَزَّ وَجَلَّ وَخَفَفَّهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] . فَجَعَلَ ذَلِكَ إِلَى الضِّعْفِ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلضِّعْفِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سَعَةً فِي التَّوْلِيَةِ وَالْفِرَارِ مِنَ الضِّعْفَيْنِ مِنْ عَدُوِّهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَفِي تَأْوِيلِ الضِّعْفِ اخْتِلافٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَفِي تَأْوِيلِ الضِّعْفِ اخْتِلافٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَهُوَ الأَكْثَرُ: إِنَّمَا هُوَ الضِّعْفُ فِي الْعَدَدِ وَلَيْسَ فِي الْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ، وَلا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَفِرَّ مِنَ الرَّجُلَيْنِ، وَلا لِلْمِائَةِ أَنْ تَفِرَّ مِنَ الْمِائَتَيْنِ وَإِنْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ سِلاحًا وَأَظْهَرَ جَلَدًا وَقُوَّةً، إِلا أَنْ يَكُونُوا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَبِمَوْضِعِ مَادَّتِهِمْ وَبُعْدٍ مِنْ مَادَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ يَخَافُونَ اسْتِجَاشَةَ الْعَدُوِّ وَتَكَاثُرِهِمْ عَلَيْهِ، فَلَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الانْحِيَازِ عَنْهُمْ وَالتَّوْلِيَةِ مِنْهُمْ سَعَةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَيْسَ الضِّعْفُ فِي الْعَدَدِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ، فَلَوْ أَنَّ مِائَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قُوَّةٍ وَجَلَدٍ لَقُوا الثَّلاثَ مِائَةٍ، وَالْخَمْسَ مِائَةٍ، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَيْسُوا مِثْلَهُمْ فِي قُوَّتِهِمْ وَجَلَدِهِمْ وَشَدِّ سِلاحِهِمْ، مَا حَلَّ لَهُمُ الانْحِيَازُ مِنْهُمْ، وَلا التَّوْلِيَةُ عَنْهُمْ، إِذَا كَانَتْ لَهُمْ بِمِثْلِهِمْ قُوَّةٌ وَاسْتِضْلاعٌ. وَلَوْ أَنَّ مِائَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَعْفٍ مِنْ أَبْدَانِهِمْ وَمِنْ دَوَابِّهِمْ وَمِنْ سِلاحِهِمْ لَقُوا أَقَلَّ مِنَ الْمِائَتَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَظْهَرَ مِنْهُمْ قُوَّةً وَجَلَدًا وَأَشَدَّ سِلاحًا وَأَقْوَى خَيْلا بِالأَمْرِ الْبَائِنِ الظَّاهِرِ الْمُجَاوِزِ لِلضِّعْفِ، كَانُوا فِي سَعَةٍ مِنَ الانْحِيَازِ عَنْهُمْ وَالتَّوْلِيَةِ مِنْهُمْ، فَإِنَّمَا الضِّعْفُ فِي الْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ وَلَيْسَ فِي الْعَدَدِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَى الْكَتِيبَةِ وَعَلَى الْجَيْشِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ للَّهِ، وَكَانَتْ فِيهِ شَجَاعَةٌ وَجَلَدٌ وَقُوَّةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ، لَمْ يُكْرِهْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ التَّهْلُكَةِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ لِلْفَخْرِ وَالذِّكْرِ فَلا يَفْعَلْ وَإِنْ كَانَتْ بِهِ عَلَيْهِ قُوَّةٌ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَلَيْهِ قُوَّةٌ فَلا يَفْعَلْ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ لأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 مَا يَجُوزُ فِي مَا أُصِيبَ مِنْ طَعَامِ الْعَدُوِّ وَمَا لا يَجُوزُ. وَقَدْ مَضَتِ السُّنَّةُ فِيمَا أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ طَعَامِ الْعَدُوِّ أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ أَحَقُّ بِأَكْلِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْجَيْشِ، إِلا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُوَاسِيَ فِيهِ طَوْعًا، أَوْ يَكُونَ فِيهِ فَضْلٌ عَنْ حَاجَتِهِ، فَيُوَاسِي فِي الْفَضْلِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَسْتَنْفِقَ مِنْهُ إِنْ شَاءَ إِلَى مُنْصَرِفِه، وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ، تَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ مِنْهُ، وَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَنْفِقَهُ فِي أَهْلِهِ، إِلا أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ التَّافِهُ خِطْرُهُ، الْيَسِيرُ قَدْرُهُ، مِثْلُ الْكَعْكِ وَالْقَدِيدِ الْيَسِيرِ وَمَا أَشْبَهُ ذَلِكَ، فَلا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ. 8- وَلَمَّا حَاصَرَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَيْبَرَ، جَاعَ بَعْضُ النَّاسِ، فَأَصَابَ رَجُلٌ جِرَابَ طَعَامٍ فَبَصُرَ بِهِ صَاحِبُ الْمَقَاسِمِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ فَأَخَذَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ لا أُعْطِيكَهُ حَتَّى أَذْهَبَ بِهِ إِلَى أَصْحَابِي، قَالَ: أَعْطِينِيهِ أَقْسِمُهُ بَيْنَ النَّاسِ، فَأَبَى وَتنَازَعَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلِّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ جِرَابِهِ» . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 79 - وَقَالَ زِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ: أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي لَيْثٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ: " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ، فَكَانَ الْفَرُّ يُصِيبُونَ الْغَنَمَ وَلا يُصِيبُ الآخَرُونَ إِلا الشَّاةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّكُمْ أَطْعَمْتُمْ إِخْوَانَكُمْ» . قَالَ: فَرَمَيْنَاهُمْ بِشَاةٍ حَتَّى كَانَ مَعَهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي مَعَنَا. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلا بَأْسَ بِمَا لُتَّ مِنَ السَّوِيقِ بِسَمْنِ الْعَدُوِّ وَعَسَلِهِمْ وَكَذَلِكَ لا بَأْسَ بِأَكْلِ جُبْنِ الرُّومِ وَأَشْبَاهِهِمْ مِنْ عَدُوِّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا يُؤْكَلُ جُبْنُ الْمَجُوسِ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ الْعَلَفِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ مَا وَصَفْنَا فِي الطَّعَامِ لا يَجُوزُ لِمَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَيْعُهُ، وَمَنْ جَهِلَ فَبَاعَهُ فَقَدْ وَجَبَ فِي ثَمَنِهِ خُمُسُ اللَّهِ وَسُهْمَانُ الْمُسْلِمِينَ. 0- وَمِمَّا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى صَاحِبِ جَيْشِ الشَّامِ يَوْمَ فُتِحَتْ: أَنْ دَعِ النَّاسَ يَأْكُلُونَ وَيَعْلِفُونَ فَمَنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَقَدْ وَجَبَ فِيهِ خُمُسُ اللَّهِ وَسُهْمَانُ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَشِرَاؤُهُ لِمُشْتَرِيهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ أَرْخَصُ مِنْ لِبَائِعِهِ وَهُوَ لِبَائِعِهِ غُلُولٌ. قَالَ: وَلا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُسْلِفَ مِمَّا أَصَابَ مِنْ طَعَامِ الْعَدُوِّ وَعَلَفِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ فَعَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ مِنْهُ شَيْءٌ لأَنَّهُ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يُوَاسِيَهُ فِيهِ إِذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ. قَالَ: " وَلا بَأْسَ بِالْقَوْمِ يُصِيبُ بَعْضُهُمُ الْقَمْحَ، وَيُصِيبُ غَيْرُهُمُ الشَّعِيرَ، أَوْ يُصِيبُ بَعْضُهُمُ الْعَسَلَ وَبَعْضُهُمُ السَّمْنَ، فَيُرِيدُ أَحَدُهُمْ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَهُ قَمْحًا وَيَأْخُذَ شَعِيرًا، أَوْ يُعْطِيَ عَسَلا وَيَأْخُذَ سَمْنًا أَوْ لَحْمًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَقَدِ اسْتَخَفَّ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَلَمْ يَرَوْهُ بَيْعًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاسَاةِ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمٌ لِمُعْطِي الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ أَنْ يَأْخُذَ إِلا مِثْلا بِمِثْلٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِضَيِّقٍ وَلا حَرَامٍ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ، لأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْمُوَاسَاةِ، قَدْ كَانَ حَقًّا عَلَى صَاحِبِ الشَّعِيرِ أَنْ يُوَاسِيَ فِيهِ صَاحِبَ الْقَمْحِ، وَحَقًّا عَلَى صَاحِبِ الْقَمْحِ أَنْ يُوَاسِيَ فِيهِ صَاحِبَ الشَّعِيرِ، فَإِنَّمَا اشْتَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلى صَاحِبِهِ الْمُوَاسَاةَ الَّتِي كَانَتْ حَقًّا عَلَيْهِمَا، فَلا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلا بِمِثْلٍ. قَالَ: وَإِنْ جَهِلَ رَجُلٌ فَبَاعَ قَمْحًا أَصَابَهُ بِثَمَنٍ، ثُمَّ اشْتَرَى بِالثَّمَنِ شَعِيرًا أَوْ لَحْمًا أَوْ عَسَلا مِنْ طَعَامِ الْعَدُوِّ، فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ حِينَ نَضَّرَ ثَمَنَ الْقَمْحِ الَّذِي بَاعَ صَارَ مَغْنَمًا، وَوَجَبَ فِيهِ خُمُسُ اللَّهِ وَفَيْءُ الْمُسْلِمِينَ، فَسَوَاءٌ حَبَسَهُ أَوِ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا يَأْكُلُهُ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْمُبَادَلَةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 مَا يَجُوزُ مِنْ رُكُوبِ دَوَابِّ الْغَنِيمَةِ وَالانْتِفَاعِ بِثِيَابِهِمْ وَسِلاحِهِمْ وَمَا لا يَجُوزُ وَقَدْ مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لا بَأْسَ أَنْ يَرْتَفِقَ النَّاسُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ خَيْلِ دَوَابِّهِمْ وَثِيَابِهِمْ وَنَبْلِهِمْ وَسِلاحِهِمْ إِذَا احْتَاجُوا إِلَى ذَلِكَ، وَعَلَى صَاحِبِ الْمُقَسَّمِ أَنْ يُوَفِّقَ بِهِ مَنِ اسْتَرْفَقَ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إِلَيْهِ. قَالَ: وَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إِلَى صَاحِبِ الْمُقَسَّمِ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ. قَالَ: وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَيْهِ وَلا اضْطِرَارٍ إِلا طَلَبَ الاخْتِصَاصِ بِهِ وَاغْتِنَامَ الانْتِفَاعِ بِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 وَمَا يَجُوزُ حَمْلُهُ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ وَلا يَدْخُلُ فِي الْمَقَاسِمِ وَمَا لا يَجُوزُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِيمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الاخْتِصَاصُ بِهِ مِمَّا أَصَابَهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَلا يَدْخِلُهُ الْمَقَاسِمَ: أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ مِنْ سَرْجٍ نَحَتَهُ أَوْ سَهْمٍ بَرَاهُ، أَوْ مِشْجَبٍ صَنَعَهُ، أَوْ قِدَاحٍ بَرَأَهَا، أَوْ نِشَابٍ أَوْ عَصًا أَوْ قَدَحٍ أَوْ قَصْعَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا عَمِلَهُ مِنْ خَشَبِهِمُ الْمُبَاحَةِ الَّتِي مَنْ شَاءَ أَخَذَهَا، وَهِيَ كَذَلِكَ غَيْرُ مَصْنُوعَةٍ لا ثَمَنَ لَهَا هُنَالِكَ مُبَاحٌ مَطْرُوحٌ لا ثَمَنَ لَهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ لَهُ أَخْرَجَهُ لِمَنْفَعَتِهِ أَوْ لِلْبَيْعِ أَوْ بَاعَ مَا عَمِلَ بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَسْكَرِ فَذَلِكَ لَهُ لا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَلا سَبِيلَ إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَظُمَ شَأْنُهُ أَوْ صَغُرَ، قَلَّ ثَمَنُهُ أَوْ كَثُرَ لأَنَّهُ إِنَّمَا ارْتَفَعَ ثَمَنُهُ وَاعْتُدَّ بِهِ لِصَنْعَتِهِ الَّتِي أَحْدَثَ فِيهَا. قَالَ: وَكُلُّ مَا وُجِدَ مِنْ ذَلِك مَعْمُولا مَصْنُوعًا فِي بُيُوتِ الْعَدُوِّ قَدْ حَازُوهُ إِلَيْهِمْ وَصَارَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَلا يَحِلُّ أَنْ يَخْتَصَّ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَائِنًا مَا كَانَ وَإِنْ دَقَّ شَأْنُهُ وَلا أَدَقُّ مِنَ الْخِيَاطِ وَالْمَخِيطِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «رُدُّوا الْخِيَاطَ وَالْمَخِيطَ» . قَالَ: إِلا مَا جُوِّزَ لَهُ مِنَ الانْتِفَاعِ بِذَلِكَ فِي حَالَتِهِ تِلْكَ ثُمَّ يُرَدُّ فِي الْمَقَاسِمِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُعْلَمْ بِهِ وَقَدْ فَاتَتِ الْمَقَاسِمَ تَصَدَّقَ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ حَبْسُهُ وَإِنْ دَقَّ. قَالَ: وَمَا صَادَهُ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ مِنْ طَيْرِ الأَكْلِ وَالْوَحْشِ وَالْحِيتَانِ فَهُوَ أَحَقُّ بِأَكْلِهِ وَحَبْسِهِ وَالْخُرُوجِ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ إِنْ شَاءَ، فَإِنْ أَرَادَ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَسْكَرِ، فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُوَاسِيَ بِهِ وَلا يَبِيعَهُ فَإِنْ بَاعَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْمَغَانِمِ، لأَنَّهُ إِنَّمَا صَارَ ثَمَنًا بِاصْطِيَادِهِ إِيَّاهُ، وَهُوَ مِمَّا لَمْ يَكُنِ الْعَدُوُّ مَلَكُوهُ وَلا حَازُوهُ، وَلا كَانَ مَالا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَالْفَرْقُ فِيهِ بَيِّنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: وَأَمَّا الْبُزَاةُ وَالصُّقُورُ، وَكُلُّ طَيْرٍ يُصْطَادُ بِهِ وَيَعْظُمُ قَدْرُهُ، فَإِنَّمَا تُرَدُّ فِي الْمَغَانِمِ، وَلا يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهَا وَصَادَهَا أَنْ يَخْرُجَ بِهَا، وَإِنْ بَاعَهَا رَدَّ ثَمَنَهَا فِي الْمَقَاسِمِ. قَالَ: وَأَمَّا الْهِرُّ فَإِنْ وُجِدَ بِهِ ثَمَنٌ بِيعَ وَجُعِلَ فِي الْمَقَاسِمِ، وَقَدْ خَفَّفَ النَّاسُ الْهِرَّ وَالْحَمَامَ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ، وَأَمَّا الْكَلْبُ فَإِنْ كَانَ صَائِدًا مُعَلَّمًا بِيعَ وَجُعِلَ ثَمَنُهُ فِي الْمَقَاسِمِ لأَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَرْخَصَ فِي اقْتِنَائِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ ثَمَنٌ أَخَذَهُ مَنْ شَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ أَحَدٌ قُتِلَ وَلَمْ يُتْرَكْ لِلْعَدُوِّ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَائِدٍ مِمَّا لَمْ يُرَخِّصْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْتِنَائِهِ قُتِلَ وَلَمْ يُبَعْ، وَإِنْ وُجِدَ لَهُ ثَمَنٌ ولَمْ يُتْرَكْ لأَحَدٍ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَمَا عَجَزَ الإِمَامُ عَنْ حَمْلِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ مِنَ الأَثَاثِ وَالْمَتَاعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدْ بِهِ ثَمَنًا لِزَهَادَةِ النَّاسِ فِيهِ، أَوْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ حَمْلِهِ: فَلا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُ مَنْ أَحَبَّ أَخْذَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَأْخُذُهُ فَلْيُحَرِّقْهُ وَلا يَتْرُكْهُ لِلْعَدُوِّ، فَإِنْ تَرَكَهُ وَلَمْ يُحَرِّقْهُ، فَأَخَذَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ لَهُ وَلا خُمُسٌ فِيهِ وَلا مُقَسَّمٌ إِذَا أَعْطَاهُ الإِمَامُ أَوْ تَرَكَهُ. قَالَ: وَمَنِ اشْتَرَى مِنَ السَّبْيِ فِي الْمُقَسَّمِ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ حَمْلِهِمْ فَتَرَكَهُمْ ثُمَّ أَخَذَهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَسْكَرِ، أَوْ مِمَّنْ دَخَلَ إِلَيْهِمْ بَعْدَهُمْ بِأَثَرِهِمْ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ الأَوَّلُ تَرَكَهُمْ فِي حَوْزَةِ الإِسْلامِ فَهُمْ لِصَاحِبِهِمُ الَّذِي تَرَكَهُمْ، وَعَلَيْهِ لِلَّذِي أَتَى بِهِمْ أَجْرُ مَئُونَتِهِمْ، وَمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ عَجُوزٍ أَوْ شَيْخٍ فَهُمْ أَحْرَارٌ لأَنَّ تَرْكَهُ مِثْلِ أُولَئِكَ إِنَّمَا هُوَ عِلَّةُ وَجْهِ التَّخْلِيَةِ وَالتَّحْرِيرِ. وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ مَنْ أَرْضَى يَقُولُ: قَالَ: وَإِنْ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ تِلْكَ الرَّقِيقِ وَتَرْكِهِ لَهُمْ فِي حَوْزَةِ الْعَدُوِّ، فَهُوَ لِلَّذِي أَخَذَهُمْ بَعْدَهُ، وَلَيْسَ لِلأَوَّلِ فِيهِمْ شَيْءٌ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُمْ مِلْكًا تَامًّا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْعَجُوزِ فِيهِمْ وَلا لِلشَّيْخِ عِتْقٌ لأَنَّهُ لَمْ يُخَلِّهِمْ وَهُوَ يَمْلِكُهُمْ وَلَكِنَّهُ كَالْمَغْلُوبِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَا تَرَكَ. فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْقَوْمِ: يَكُونُونَ فِي الْغَزْوِ فَيَغْنَمُونَ الْمَغَانِمَ، فَيُلْقُونَ أَشْيَاءَ مِثْلَ الْقَصْعَةِ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، لا يَبِيعُونَهَا وَيُسْلِمُونَهَا، فَيَأْخُذُهَا الرَّجُلُ، أَتَرَى أَنْ يَكُونَ لَهُ؟ قَالَ: إِذَا أَسْلَمُوهَا فَارْتَحَلُوا عَنْهَا فَأَرَاهَا لَهُ وَلا أَرَى فِيهَا خُمُسًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 مَا يَجُوزُ لِلْغُزَاةِ أَكْلُهُ مِنْ ثَمَرِ الْقُرَى الْخَالِيَةِ وَمَا لا يَجُوزُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدُوا قُرًى لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لأَهْلِ الذِّمَّةِ، قَدْ أَجْلَى الْغَزْوُ مِنْهَا أَهْلَهَا، وَطَالَ جِلاؤُهُمْ، وَيَئِسُوا مِنْهَا، فَلا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ النَّاسُ تِلْكَ الْفَوَاكِهَ، وَإِنْ كَانَ الأَمْرُ لَمْ يَطُلْ جِدًّا، وَلَمْ يَنْقَطِعْ رَجَاءُ أَهْلِهَا مِنْهَا، أَوْ رَجَاءُ وَرَثَةِ أَهْلِهَا الَّذِينَ جَلَوْا عَنْهَا، فَلا يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يُصِيبَ مِنْهَا إِلا عَلَى حَالِ الاضْطِرَارِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 مَا يُكْرَهُ مِنَ الْوَحْدَةِ فِي السَّفَرِ وَيُسْتَحَبُّ مِنْ هَيْئَةِ السَّيْرِ. 1- قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلاثَةُ رَكْبٌ» . 2- وَمَرَّ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ رَجُلٌ فَقَالَ: شَيْطَانٌ، وَمَرَّ بِهِ رَجُلانِ، فَقَالَ: شَيْطَانَانِ، وَمَرَّ بِهِ ثَلاثَةٌ فَقَالَ: أَنَسٌ، وَمَرَّ بِهِ أَرْبَعَةٌ، فَقَالَ: صَحَابَةٌ. 3- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَاهُ، وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ فَإِذَا رَكِبْتُمْ هَذِهِ الدَّوَابَّ الْعُجْمَ فَأَنْزِلُوهَا مَنَازِلَهَا، فَإِنْ كَانَتِ الأَرْضُ جَدْبَةً فَانْجُوا عَلَيْهَا بِنَقْبِهَا وَعَلَيْكُمْ بِسَيْرِ اللَّيْلِ، فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لا تُطْوَى بِالنَّهَارِ وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى الطُّرُقِ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَّابِ وَمَأْوَى الْحَيَّاتِ» . 4- قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " إِذَا سِرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَمْكِنُوا الدَّوَابَّ مِنْ أَسْنَانِهَا، وَلا تَجَاوَزُوا الْمَنَازِلَ، وَإِذَا سِرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّلَجِ، فَإِنَّ الأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ مَا لا تُطْوَى بِالنَّهَارِ، وَإِذَا تَغَوَّلَتْ لَكُمُ الْغِيلانُ، فَنَادُوا بِالآذَانِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّعْرِيسَ عَلَى جَوَادِ الطُّرُقِ وَالصَّلاةَ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا مَأْوَى الْحَيَّاتِ وَالسِّبَاعِ، وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ. مَا جَاءَ فِي غَزْوِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ إِذْنِ أَبَوَيْهِ وَالْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَجِهَادِهِ فِي الدِّينِ. 5- قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «لَوْ كَانَ الْغَزْوُ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ، فَلا تَذْهَبْ إِلَيْهِ إِلا بِإِذْنِ أَبَوَيْكَ» . 6- وَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْجِهَادِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَقَدْ جِئْتُكَ وَإِنَّ أَبَوَيَّ لَيَبْكِيَانِ ". فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا» . 7- وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الأَبَوَيْنِ إِذَا أَذِنَا فِي الْغَزْوِ: إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَوَاهُمَا فِي الْمُقَامِ فَأَقِمْ. 8- وَقَالَ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عَبْدًا قَاتَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «أَذِنَ لَكَ سَيِّدُكَ؟» قَالَ: لا. قَالَ: «لَوْ قُتِلْتَ لَدَخَلْتَ النَّارَ» . فَقَالَ سَيِّدُهُ: هُوَ حُرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ فَقَاتِلْ» . قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَسَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الْعَبْدِ يَغْزُو مَعَ سَيِّدِهِ لِيَخْدِمَهُ: لا يُقَاتِلُ إِلا بِإِذْنِهِ إِلا أَنْ يَدْخُلَ الْعَدُوُّ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيُقَاتِلْ وَلْيَدْفَعْ. - وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِيهِمْ، فَذَكَرَ أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفْضَلُ الأَعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلا غَيْرَ مُدْبِرٍ، أَيُكَفِّرُ ذَلِكَ عَنِّي إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، مُقْبِلا غَيْرَ مُدْبِرٍ، أَيُكَفِّرُ ذَلِكَ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ إِلا الدَّيْنَ، كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ» . 0- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الشَّهَادَةُ تُكَفِّرُ كُلَّ خَطِيئَةٍ وَذَنْبٍ إِلا الدَّيْنَ» . 1- وَقَالَ الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ: قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: «أَنَا أَقْضِي عَنْهُ دَيْنَهُ» . قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: قَدْ كَانَ مَالِكٌ يُوسِعُ عَلَى ذِي الدَّيْنِ أَنْ يَغْزُوَ إِذَا خَلَفَ وَفَاءً مِنْ دَيْنِهِ أَوْ أَذِنَ لَهُ غُرَمَاؤُهُ بِالْخُرُوجِ إِنْ لَمْ يَدَعْ وَفَاءً مِنْ دَيْنِهِ، وَلَقَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ: عَلَيَّ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ لِلنَّاسِ شَتَّى فِي الأَمْصَارِ، مِنْهُمْ مَنْ قَدْ مَاتَ، وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ حَيٌّ، وَقَدْ أَرَدْتُ الْجِهَادَ وَلا مَالَ لِي، فَإِنْ أَمُتْ فَفِي أَحَبِّ الْمَوَاضِعِ إِلَيَّ، وَإِنْ أَصَبْتُ شَيْئًا قَضَيْتُ دَيْنِي. فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا أَرَى بَأْسًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْزُوَ. 2- وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " ثَلاثٌ مَنِ ادَّانَ فِيهِنَّ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَقْضِ قَضَى اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ فَادَّانَ بِدَيْنٍ لِقِتَالِ عَدُوِّهِ، ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَقْضِ، وَرَجُلٌ مَاتَ عِنْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّنُهُ فِيهِ وَلا يُوَارِيهِ، إِلا بِدَيْنٍ فَمَاتَ وَلَمْ يَقْضِهِ، وَرَجُلٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ بِالْعُزُوبَةِ فَاسْتَعَفَّ بِدَيْنٍ وَلَمْ يَقْضِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْضِي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 مَا جَاءَ فِي الْجِهَادِ مَعَ وُلاةِ السُّوءِ رَوَى سُحْنُونٌ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا كَانَ يَكْرَهُ جِهَادَ الرُّومِ مَعَ هَؤُلاءِ الْوُلاةِ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ مَرْعَشٍ وَصَنَعَتِ الرُّومُ مَا صَنَعَتْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَقَالَ: لا بَأْسَ بِالْجِهَادِ مَعَهُمْ، وَأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ الْجِهَادُ مَعَهُمْ لَكَانَ ضَرَرًا عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ. قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ مَالِكٌ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَجَمَاعَتُهُمْ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: سَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لا بَأْسَ بِالْجِهَادِ مَعَ الْوُلاةِ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوا الْخُمُسَ مَوْضِعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُوَفُّوا بِعَهْدٍ إِنْ عَاهَدُوا وَإِنْ عَمِلُوا مَا عَمِلُوا، وَلَوْ جَازَ لِلنَّاسِ تَرْكُ الْغَزْوِ مَعَهُمْ لِسُوءِ حَالِهِمْ لاسْتَذَلَّ الإِسْلامُ وَتَخَرَّمَتْ أَطْرَافُهُ، وَاسْتُبِيحَ حَرِيمُهُ، وَلَعَلا الشِّرْكُ وَأَهْلُهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 93 - وَحَدَّثَنِي أَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قِيلَ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَدْرَكُوا مَا أَدْرَكُوا مِنَ الظُّلْمِ: أَتَغْزُو مَعَ هَؤُلاءِ وَهُمْ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ، فَكُلُّهُمْ قَالَ: اغْزُ عَلَى سَهْمِكَ مِنَ الإِسْلامِ، فَإِنْ غَلُّوا فَلا تَغْلُلْ، وَإِنْ خَانُوا فَلا تَخُنْ، وَإِنْ أَفْسَدُوا فَلا تُفْسِدْ، وَإِنْ عَصَوْا فَلا تَعْصِ، قَاتِلْ عَلَى حَظِّكَ مِنَ الآخِرَةِ، وَدَعْهُمْ يُقَاتِلُوا عَلَى حَظِّهِمْ مِنَ الدُّنْيَا، وَإِيَّاكَ وَأَذَى الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 94 - وَحَدَّثَنِي أَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ أَدَّى إِلَى اللَّهِ جَمِيعَ طَاعَتِهِ وَأَدَّى الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ لا تَقْصِيرَ دُونَهُ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» ، قِيلَ: وَمَنْ يَدَعُ الْجِهَادَ بَعْدَ الَّذِي سَمِعَ مِنْكَ؟ قَالَ: " مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا، قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَقُولُونَ: «لا جِهَادَ» قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي عَهْدًا لَنْ يُخْلِفَنِيهِ، أَيْ عَبْدٌ لَقِيَنِي وَهُوَ يَرَى ذَلِكَ، إِنِّي مُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ". قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 95 - وَحَدَّثَنِي الطَّلْحِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا يَزَالُ الْجِهَادُ حُلْوًا خَضِرًا مَا قَطَرَ الْقَطْرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ فِيهِ قُرَّاءٌ مِنْهُمْ: لَيْسَ هَذَا بِزَمَانِ جِهَادٍ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَنِعْمَ زَمَانُ الْجِهَادِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَحَدٌ يَقُولُ ذَلِكَ؟ . قَالَ: نَعَمْ مَنْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ". قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 96 - وَحَدَّثَنِي أَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «سَتَنْشَأُ بَعْدِي نَاشِئَةٌ يَشُكُّونَ فِي الْجِهَادِ، لِلْمُجَاهِدِ يَوْمَئِذٍ مِثْلُ مَا لِلْمُجَاهِدِ مَعِيَ الْيَوْمَ» . قَالَ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 97 - وَحَدَّثَنِي الأُوَيْسِيُّ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ مَاضٍ مُنْذُ بَعْثِ اللَّهِ رَسُولَهُ إِلَى آخِرِ عِصَابَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ، لا يُنْقِصُهُ جَوْرُ مَنْ جَارَ، وَلا عَدْلُ مَنْ عَدَلَ» . قَالَ: الحديث: 97 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 98 - وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْجِهَادِ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، فَقَالَ: قَاتِلْ أَهْلَ الشِّرْكِ أَيْنَمَا وَجَدْتَهُمْ، وَعَلَى الإِمَامِ مَا حَمَلَ وَعَلَيْكَ مَا حَمَلْتَ ". قَالَ: 99 وَحَدَّثَنِي أَسَدٌ، عَنْ مُوسَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولانِ: الْغَزْوُ مَعَ أَئِمَّةِ السُّوءِ لَنَا شَرَفُهُ وَذُخْرُهُ وَفَضْلُهُ وَأَجْرُهُ، وَعَلَيْهِمْ مَأْثَمُهُمْ قَالَ: 100 وَحَدَّثَنِي ابْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: يَا أَبَتِ: تَغْزُو فِي زَمَانِ الْحَجَّاجِ؟ فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ، قَدْ أَدْرَكْتُ رِجَالا هُمْ كَانُوا أَشَدَّ بُغْضًا لِغَيْرِ الْحَجَّاجِ مِنْكُمْ لِلْحَجَّاجِ وَكَانُوا لا يَدَعُونَ الْجِهَادَ مَعَهُ عَلَى حَالٍ قَالَ: 101- وَحَدَّثَنِي أَسَدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ وَقَدْ كَانَ شَهِدَ بَدْرًا، لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ غَزْوٍ لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى كَانَ الْعَامُ الَّذِي اسْتُعْمِلَ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَلَى غَزْوِ الصَّائِفَةِ، وَكَانَ شَابًّا فِيهِ زَهْوٌ فَكَرِهَ أَنْ يَغْزُوَ مَعَهُ، ثُمَّ نَدِمَ وَقَالَ: مَا كَانَ عَلَيَّ مِنْهُ. فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ خَرَجَ مَعَهُ غَازِيًا: فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ بِأَرْضِ الرُّومِ. الحديث: 98 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 مَا جَاءَ فِي فَضَائِلِ الشُّهَدَاءِ وَثَوَابِهِمْ. - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الشَّهِيدُ لا يَجِدُ أَلَمَ الْقَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ أَلَمَ الْقَرْصَةِ» . - وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، وَنَزَلَ الصَّبْرُ، كَانَ الْقَتْلُ أَهْوَنَ عَلَى الشَّهِيدِ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْيَوْمِ الصَّائِفِ» . 4- وَقَالَ الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لِلشَّهِيدِ عَشْرُ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ ذُنُوبُهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهِ، وَلا يَذُوقُ كُرَبَ الْمَوْتِ، وَلا تُفْزِعُهُ الصَّيْحَةُ، وَلا يُقِيمُ فِي طُولِ الْبَرْزَخِ، وَيُؤَمَّنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَطُولَ الْوُقُوفِ فِي الْمَوْقِفِ، وَيَأْمَنُ الْحِسَابَ، وَيَأْمَنُ الصِّرَاطَ، وَيَأْمَنُ الْمِيزَانَ وَيَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ ". 5- وَقَالَ الْعَلاءُ بْنُ كَثِيرٍ: مَا سَمِعْتُ فِي الشُّهَدَاءِ بِحَدِيثٍ أَعْجَبَ إِلَيَّ مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ حِينَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْخَلائِقَ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمْ، أَنَّ الشُّهَدَاءَ يَتَدَاعَوْنَ فَيَقُولُونَ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى رَبِّنَا نَنْظُرْ كَيْفَ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ. - قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر: 68] . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الشُّهَدَاءُ هُمُ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ إِذَا سَمِعُوا النَّفْخَةَ الأُولَى قَالُوا: كَأَنَّ هَذَا أَذَانَ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا، فَلا يَمُوتُونَ وَلا يَفْزَعُونَ، قَالَ: وَهُمْ تَحْتَ الْعَرْشِ مُتَقَلِّدِينَ السُّيُوفِ ". - وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى الشَّهِيدُ بِجَسَدٍ مِنَ الْجَنَّةِ كَأَحْسَنِ جَسَدٍ فَيُؤْمَرُ بِرُوحِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ، فَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى جَسَدِهِ وَكَيْفَ يُبْعَثُ بِهِ، وَمَا يُصْنَعُ بِهِ، وَمَنْ يَتَحَزَّنُ لَهُ وَمَنْ لا يَتَحَزَّنُ لَهُ، وَيَتَكَلَّمُ فَيَرَى أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَهُ، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمْ فَيَرَى أَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يَأْتِيهِ أَزْوَاجُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَيَذْهَبْنَ بِهِ» . 8- وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ الْخُرَسَانِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ عِنْدَ صَفِّ الْقِتَالِ وَصَفِّ الصَّلاةِ، فَإِذَا رَكِبْتُمْ خَيْلَكُمْ وَصَافَفْتُمْ عَدُوَّكُمْ تَزَيَّنُ الْحُورُ الْعِينُ بِالْحَرِيرِ الأَخْضَرِ، وَلَبِسْنَ وُشُحَ الدُّرِّ الأَصْفَرِ، وَحَسَرْنَ عَنْ قُصَصِهِنَّ وَصُدُورِهِنَّ، ثُمَّ رَكِبْنَ خَيْلا مِنْ خَيْلِ الْجَنَّةِ بِرَكَائِلِ الْيَاقُوتِ، وَجِئْنَ يَسِرْنَ خَلْفَهُنَّ، فَإِذَا حَمَلْتُمْ حَمَلْنَ مَعَكُمْ، وَإِذَا صُرِعَ أَحَدُكُمْ أَقْبَلْنَ يَمْسَحْنَ الدَّمَ وَالْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقُلْنَ: الْيَوْمَ تَنْقَضِي عَنْكُمُ الدُّنْيَا وَهُمُومُهَا، وَجَاوَرْتُمِ الرَّبَّ الْكَرِيمَ، وَشَرِبْتُمْ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَعَايَنْتُمْ أَزْوَاجَكُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ". 9- وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: كُنْتُ فِي غَزَاةٍ فَاسْتَيْقَظْتُ وَرَجُلٌ يَبْكِي أَشَدَّ بُكَاءٍ وَيَقُولُ: يَا أَهْلاهُ يَا أَهْلاهُ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّمَا نَقْفُلُ غَدًا، فَاتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرْ، فَقَالَ: إِنِّي لَسْتُ أَبْكِي عَلَى أَهْلِي الَّذِينَ فَارَقْتُ فِي الدُّنْيَا، وَلَكِنِّي أُتِيتُ آنِفًا فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لِي: انْطَلِقْ إِلَى زَوْجَتِكَ الْعَيْنَاءِ فَانْطُلِقَ بِي فَرُفِعَ لِي أَرْضٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا، فَإِذَا بِجَوَارٍ لَمْ أَرَ مِثْلَ حُسْنِهِنَّ وَثِيَابِهِنَّ، فَسَلَّمْتُ فَرَدَدْنَ السَّلامَ، فَقُلْتُ: أَفِيكُنَّ الْعَيْنَاءُ؟ قُلْنَ: لا، وَنَحْنُ مِنْ خَدَمِهَا، وَهِيَ أَمَامَكَ، فَمَضَيْتُ، فَرُفِعَتْ لِي أَرْضٌ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى، وَإِذَا بِجَوَارٍ أَحْسَنُ مِنَ الأَوَّلِ، فَسَلَّمْتُ فَرَدَدْنَ السَّلامَ، فَقُلْتُ: أَفِيكُنَّ الْعَيْنَاءُ؟ قُلْنَ: لا، وَنَحْنُ مِنْ خَدَمِهَا، وَهِيَ فِي تِلْكَ الدُّرَّةِ، فَأَتَيْتُهَا، فَإِذَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ عَلَى السَّرِيرِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، فُضُولُ عَجِيزَتِهَا خَارِجٌ مِنَ السَّرِيرِ فَسَلَّمْتُ، فَرَدَّتِ السَّلامَ، وَجَلَسْتُ إِلَيْهَا، فَحَدَّثَتْنِي وَحَدَّثْتُهَا، ثُمَّ ذَهَبْتُ لأَنْهَضَ، فَأَخْرَجَتْ مِعْصَمًا لَهَا كَمَا شَاءَ اللَّهُ فَقَالَتْ: مَا أَنْتَ بِالَّذِي تُفَارِقُنَا حَتَّى تُعَاهِدَنَا بِاللَّهِ لَتَبِيتَنَّ عِنْدَنَا الْقَابِلَةَ، فَعَاهَدْتُهَا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ فَعَلَيْهَا أَبْكِي، ثُمَّ أَخَذَ فِي بُكَائِهِ، وَنُودِيَ فِي الْخَيْلِ فَفَزِعَ النَّاسُ إِلَى خَيْلِهِمْ وَسِلاحِهِمْ، فَكَانَ الرَّجُلُ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنَّا. قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: نَشْهَدُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ الْعَيْنَاءِ. - وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الشُّهَدَاءُ ثَلاثَةٌ» رَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَنِيَّتِهِ أَلا يَقْتُلَ وَلا يُقْتَلُ، وَهُوَ يُكْثِرُ النَّاسَ بِسَوَادِهِ وَفُسْطَاطِهِ ـ أَصَابَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَذَلِكَ يُغْفَرُ لَهُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقَعُ عَلَى الأَرْضِ مِنْ دَمِهِ، وَيُؤْتَى بِجَسَدٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَيُجْعَلُ فِيهِ رُوحُهُ، ثُمَّ يُؤْتَى بِحُلَّةٍ مِنَ الْجَنَّةِ فَتُصَبُّ عَلَيْهِ لَهَا سَبْعُونَ لَوْنًا كَشَقَائِقِ النُّعْمَانِ، ثُمَّ يَعْرُجُ مَعَ الْمَلائِكَةِ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَنِيَّتِهِ أَنْ يَقْتُلَ وَلا يُقْتَلَ، أَصَابَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَذَلِكَ رَفِيقُ إِبْرَاهِيمَ تَمَسُّ رُكْبَتُهُ رُكْبَةَ إِبْرَاهِيمَ. وَرَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَنِيَّتِهِ، أَنْ يَقْتُلَ وَيُقْتَلَ فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ شَاهِرًا سَيْفَهُ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ مَا شَاءَ ". 1- وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ: وَلَمَّا غَزَا الْمُسْلِمُونَ صَقَلِّيَةَ، نَاهَضُوا حِصْنَهَا، فَجَاءَ حَجَرٌ مِنَ الْمِنْجَنِيقِ فَوَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ، فَطَارَتْ مِنْهُ شَظِيَّةٌ فَأَصَابَتْ رُكْبَةَ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: نَجِيحٌ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَنَجُّوهُ إِلَى الرَّبَضِ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ بَكَى حَتَّى سَالَتْ دُمُوعُهُ، وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَسُئِلَ عَنْ ضَحِكِهِ وَعَنْ بُكَائِهِ، فَقَالَ: إِنَّهُ رَأَيْتُ أَنَّهُ انْطُلِقَ بِهِ إِلَى غُرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، إِذْ أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ عَجِبْتُ مِنْ نُورِهَا وَبَهَائِهَا، وَثِيَابِهَا وَحُلِيِّهَا، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِالْجَافِي الَّذِي لَمْ يَكُنْ يَسْأَلُنَا اللَّهَ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ كَفُلانَةَ الَّتِي كَانَتْ تَفَعْلُ بِكَ هَذَا، فَعَدَدْتُ مَا أَعْرِفُ، فَضَحِكْتُ فَمَمَدْتُ يَدِي إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: تَأْتِينَا مَعَ صَلاةِ الظُّهْرِ، فَبَكَيْتُ وَقُلْتُ: أَأُرَدُّ إِلَى الدُّنْيَا؟ إِلَى دَارِ الزَّوَالِ؟ فَجَعَلَ يَقُولُ: زَالَتِ الشَّمْسُ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَمَاتَ عِنْدَ الزَّوَالِ. 2- وَقَالَ حِبَّانُ بْنُ أَبِي جَبَلَةَ: كُنَّا مُحَاصرِينَ حِصْنًا مِنْ بَعْضِ حُصُونِ الْعَدُوِّ، فَخَرَجَ رَجُلانِ مِنَّا إِلَى الْحِصْنِ لِيُقَاتِلا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَلْ لَكَ أَنْ تَغْتَسِلَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُعَرِّضَنَا لِلشَّهَادَةِ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: مَا أُرِيدُ أَنْ أَغْتَسِلَ، فَاغْتَسَلَ الآخَرُ، فَمَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ أَتَاهُ حَجَرٌ مِنَ الْحِصْنِ فَأَصَابَهُ فَخَرَّ صَعِقًا، فَمَرَرْتُ بِهِمْ وَهُمْ يَحْمِلُونَهُ إِلَى خِبَائِهِ، فَسَأَلْتُ عَنْ شَأْنِهِ فَأَخْبَرُونِي فَانْصَرَفْتُ إِلَى أَصْحَابِي ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَشُكُّونَ هَلْ مَاتَ أَوْ بَقِيَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ رُوحٍ؟ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ ضَحِكَ فَقُلْنَا: إِنَّهُ وَاللَّهِ لَحِيٌّ ثُمَّ مَكَثْنَا مَلِيًّا، ثُمَّ ضَحِكَ أُخْرَى، ثُمَّ مَكَثْنَا مَلِيًّا ثُمَّ بَكَى وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ، فَقُلْتُ: أَبْشِرْ يَا فُلانُ فَلا بَأْسَ عَلَيْكَ، ثُمَّ قُلْنَا: لَقَدْ رَأَيْنَا مِنْكَ عَجَبًا! نَحْنُ نَظُنُّ أَنَّكَ قَدِمْتَ فَرَأَيْنَاكَ ضَحِكْتَ، ثُمَّ مَكَثْتَ مَلِيًّا ثُمَّ ضَحِكْتَ، ثُمَّ مَكَثْتَ مَلِيًّا ثُمَّ بَكَيْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَمَّا أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي أَتَانِي رَجُلٌ فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَضَى بِي إِلَى قَصْرٍ مِنْ يَاقُوتٍ، فَوَقَفَ بِي عَلَى الْبَابِ، فَخَرَجَ إِلَيَّ غِلْمَانٌ مُشَمِّرُونَ لَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ قَطُّ، فَقَالُوا: مَرْحَبًا وَأَهْلا بِسَيِّدِنَا، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتُمْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ خَلَقَنَا اللَّهُ لَكَ، قَالَ: ثُمَّ مُضِيَ بِي حَتَّى أُتِيَ بِي إِلَى قَصْرٍ آخَرَ فَخَرَجَ إِلَيَّ مِنْهُ غِلْمَانٌ أَحْسَنُ مِنَ الأُوَلِ، فَقَالُوا: مَرْحَبًا وَأَهْلا بِسَيِّدِنَا، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتُمْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ خَلَقَنَا اللَّهُ لَكَ، ثُمَّ مُضِيَ بِي حَتَّى أُتِيَ إِلَى بَيْتٍ لا أَدْرِي مِنْ يَاقُوتَةٍ أَوْ زُمُرُّدَةٍ أَوْ لُؤْلُؤَةٍ، فَخَرَجَ إِلَيَّ مِنْهُ غِلْمَانٌ مُشَمِّرُونَ أَنْسَوْنِي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَقَالُوا: مَرْحَبًا وَأَهْلا بِسَيِّدِنَا، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتُمْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ قُلْنَا لَكَ، ثُمَّ وُقِفَ بِي عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَإِذَا بِبَيْتٍ مَبْسُوطٍ بِبِسَاطٍ عَلَيْهِ فُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ سِمَاطَيْنِ، فَأَدْخَلَنِي الْبَيْتَ وَفِيهِ بَابَانِ: بَابٌ عَنْ يَمِينِي، وَبَابٌ عَنْ يَسَارِي، فَأَلْقَيْتُ نَفْسِي عَلَى النَّمَارِقِ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلا أَلْقَيْتَ نَفْسَكَ عَلَى هَذِهِ الْفُرُشِ فَإِنَّكَ قَدْ نَصَبْتَ فِي يَوْمِكَ هَذَا، فَقُمْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى تِلْكَ الْفُرُشِ عَلَى وِطَاءٍ لَمْ أَضَعْ جَنْبِي عَلَى مِثْلِهِ قَطُّ، فَبَيْنَمَا أَنَا عَلَى ذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ حِسًّا مِنْ أَحَدِ الْبَابَيْنِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ لَمْ أَرَ مِثْلَ جَمَالِهَا وَلا مِثْلَ لِبَاسِهَا! فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَيَّ لَمْ تَتَخَطَّ فِي تِلْكَ النَّمَارِقِ وَلَكِنْ أَقْبَلَتْ بَيْنَ السِّمَاطَيْنِ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَيَّ فَسَلَّمَتْ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهَا السَّلامَ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتِ بَارَكَ اللَّهُ فِيكِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا زَوْجَتُكَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، قَالَ: فَضَحِكْتُ فَرَحًا بِهَا، فَأَقَامَتْ تُحَدِّثُنِي وَتُذَاكِرُنِي أَمْرَ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا كَأَنَّ ذَلِكَ مَعَهَا فِي كِتَابٍ، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ سَمِعْتُ حِسًّا مِنَ الْبَابِ الآخَرِ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ كَصَاحِبَتِهَا أَوْ أَحْسَنَ، فَأَقْبَلَتْ حَتَّى وَقَفَتْ عَلَيَّ كَنَحْوٍ مِمَّا صَنَعَتْ صَاحِبَتُهَا، فَمَكَثَتْ تُحَدِّثُنِي وَتُذَاكِرُنِي مِثْلَ الأُخْرَى وَأَقْصَرَتِ الأُخْرَى عَنِ الْحَدِيثِ وَفَرَّغَتْنِي لَهَا، قَالَ: فَأَهْوَيْتُ إِلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ: كَمَا أَنْتَ إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَأْنِ، إِنَّ ذَلِك مَعَ صَلاةِ الظُّهْرِ، قَالَ: فَمَا أَدْرِي قَالَتْ ذَاكَ أَوْ رُمِيَ بِي إِلَى هَذِهِ الصَّحَرَاءِ لا أَرَى مِنْهُمْ أَحَدًا، فَبَكَيْتُ عِنْدَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ أَبِي جَبَلَةَ: فَمَا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 مَا جَاءَ فِي فَضِيلَةِ الرِّبَاطِ: 3- قَالَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: " لَيُبْعَثَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَقْوَامٌ يَمُّرُونَ عَلَى الصِّرَاطِ كَهَيْئَةِ الرِّيحِ، حَتَّى يَلِجُوا الْجَنَّةَ، قِيلَ: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: قَوْمٌ أَدْرَكَهُمُ الْمَوْتُ وَهُمْ فِي الرِّبَاطِ ". - وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «رِبَاطُ الرَّجُلِ لَيْلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ فِي أَهْلِهِ يَقُومُ لَيَالِيَهَا لا يَفْتُرُ وَيَصُومُ نَهَارَهَا لا يُفْطِرُ» . - وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ رَابَطَ فُوَاقَ نَاقَةٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ» . 6- وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لأَنْ أُرَابِطَ لَيْلَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَرَاءَ عَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَادِفَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ". 7- وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ خَرَجَ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ لَهُ مِنْ جَمِيعِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِنْ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ، وَمِنْ كُلِّ مُعَاهِدٍ وَبَهِيمَةٍ، وَطَائِرٍ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ قِيرَاطًا مِنَ الأَجْرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ» . 8- وَخَرَجَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنَ الْمَدِينَةِ مُتَوَجِّهًا إِلَى عَسْقَلانَ مُرَابِطًا، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ، أَفَتَدَعُ الصِّيَامَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَحَرْسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ صِيَامِ أَلْفِ يَوْمٍ لا أُفْطِرُ وَقِيَامِ أَلْفِ لَيْلَةٍ لا أَفْتُرُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ عِنْدَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 9- وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «لَرِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَةِ أَحَدِكُمْ فِي بَيْتِهِ سِتِّينَ سَنَةً» . 0- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ رَابَطَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الرِّبَاطَ» . 1- وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «مَنْ رَابَطَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ رَابَطَ عِشْرِينَ يَوْمًا أَعْتَقَ اللَّهُ نِصْفَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ رَابَطَ ثَلاثِينَ يَوْمًا أَعْتَقَ اللَّهُ ثَلاثَةَ أَرْبَاعِهِ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ رَابَطَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ» . تَمَّ كِتَابُ قُدْوَةِ الْغَازِي بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلانَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31