الكتاب: نكث الهميان في نكت العميان المؤلف: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ) علق عليه ووضع حواشيه: مصطفى عبد القادر عطا الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- نكث الهميان في نكت العميان الصفدي الكتاب: نكث الهميان في نكت العميان المؤلف: صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ) علق عليه ووضع حواشيه: مصطفى عبد القادر عطا الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولا يحتاج في تدبير ملكه إلى المؤازرين ولا إلى الأنصار، ولا تسع عبارة عباده في معرفته غير الاعتراف بالإقصار عن كنه قدرها والإقصاء. نحمده على نعمه التي نوّرت بصائرنا فرفعتنا إلى معالم الهدى، وفتّحت أبصارنا فجرّتنا عن مغارم العدى، وسلّمت أفكارنا من الوقوع في أشراك الشّرك ومهاوي المهالك وموارد الرّدى. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: شهادةً ترقم حروفها على سرادق العرش، وتقوم بما يجب علينا في تقصير أعمالنا من الأرش، وتدغم سيئاتنا في حسناتنا كما ادغم أبو عمرو فيحصل لها تفخيم ورش. ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي جعل رسالته إلى الخلق نعمى، ورمى بعه الباطل فأصاب شاكلته وأصمى، وأنزل عليه في محكم الذكر " عبس وتولى أن جاءه الأعمى ". صلى الله عليه وعلى آل وصحبه الذين جبر فقرهم بالصلات والعوائد، وجلسوا من كرمه الجمّ بأعطاف موائد على تلك الموائد، واصبح كلّ منهم وله من نوره المبين قائد. صلاة يتضوّع منها الأرج، وترفع بها لهم الدرج، ما أفضى مضيق إلى فضاء الفرج، وسقط عن الأعمى ثقل الحرج. وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. وبعد فإني لما وقفت على كتاب المعارف لابن قتيبة رحمه الله تعالى. وجدته قد ساق في آخره فصلاً في المكافيف. فعدّ فيهم أبا قحافة وهو والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأبا سفيان بن حرب، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله، وكعب بن مالك الأنصاريّ، وحسّان بن ثابت الأنصاريّ، وعقيل بن أبي طالب، وأبا أسيد الساعديّ، وقتادة بن النّعمان، وأبا عبد الرحمن السّلميّ، وقتادة بن دعامة، والمغيرة بن مقسّم، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والقاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 رضي الله عنه ذهب بصره آخر عمره، وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود، ومعاوية بن سبرة، وسعد بن أبي وقّاص ذهب بصره في آخر عمره، وعبد الله بن أبي أوفى ذهب بصره، وعليّ بن زيد من ولد عبد الله بن جدعان ولد وهو أعمى، وأبا هلال الراسبيّ وأبا يحيى بن محرز الضّبيّ. وذكر بعد هؤلاء ثلاثة مكافيف في نسق: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وأبوه العباس، وأبوه عبد المطلب. هذا جملة من وقفت على ذكره في كتاب المعارف. ثم رأيت الحافظ جمال الدين أبا الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن الجوزيّ رحمه الله تعالى قد ساق فصلاً في آخر كتابه تلقيح فهوم أهل الأثر في تسمية العميان الأشراف. قال: فمن الأنبياء عليهم السلام: إسحاق، ويعقوب، وشعيب، عليهم الصلاة والسلام. ومن الأشراف: عبد المطّلب بن هاشم، أميّة بن عبد شمس، زهرة بن كلاب، كلاب بن مرّة، مطعم بن عديّ. ومن الصحابة رضي الله عنهم: البراء بن عازب، جابر بن عبد الله، حسّان بن ثابت، الحكم بن أبي العاص، سعد بن أبي وقّاص، سعيد ابن يربوع، صخر بن حرب أبو سفيان، العباس بن عبد المطلب، عبد الله بن الأرقم، عبد الله بن عمر، عبد الله بن العبّاس، عبد الله بن عمير، عبد الله بن أبي أوفى، عتبان بن مالك، عتبة بن مسعود الهذلي، عثمان بن عامر، أبو قحافة، عقيل بن أبي طالب، عمرو بن أم مكتوم، قتادة بن النعمان، كعب بن مالك، مالك بن ربيعة، أبو أسيد الساعديّ، ومخرمة بن نوفل. قال: ومن التابعين: عطاء بن أبي رياح، أبو بكر بن عبد الرحمن، قتادة بن دعامة، أبو عبد الرحمن السّلميّ، أبو هلال الراسبيّ. هذا صورة ما ذكره ابن الجوزيّ رحمه الله تعالى. فما زاد على ابن قتيبة إلا بذكر الأنبياء الثلاثة صلى الله عليهم وسلم، ورتب الصحابة على حروف المعجم لا غير. وكان يمكن ابن الجوزي رحمه الله تعالى الزيادة على ذلك بأضعاف مضاعفة، لتأخر زمانه ووفاته على زمان ابن قتيبة ووفاته رحمه الله تعالى. لأنّ ابن قتيبة توفّي في سنة سبع وستين ومائتين، رحمه الله تعالى، وابن الجوزي توفي في سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ولكن يمكن الاعتذار لكليهما بأنهما لم يضعا مصنفيهما لاستيعاب ذكر العميان، وإنما ذكرا أشراف من كان أعمى. ورأيت أبا العباس أحمد بن علي بن بانة قد ذكر في كتابه رأس مال النديم أشراف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 العميان. فقال: شعيب وإسحاق صلوات الله وسلامه عليهما، وزهرة بن كلاب بن كعب بن مرّة، وعبد المطلب بن هاشم، والعباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن عباس، وأميّة بن عبد شمس وكان أعور، والحكم بن العاص، وأبو سفيان بن حرب، والحارث بن عباس بن عبد المطلب، ومطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، وعتبة بن مسعود الهذليّ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وأبو أحمد بن جحيش ابن مسعود الأسديّ، وجابر بن عبد الله الأنصاريّ، وعبد الله بن أرقم، والبراء بن عازب، وحسان بن ثابت، وقتادة بن النعمان، وأبو أسيد الساعديّ، وقتادة بن دعامة، ودريد بن الصّمّة الجشميّ شهد حنين أعمى فقتل يومئذ، ومخرمة بن نوفل الزّهريّ، والفاكه بن المغيرة المخزوميّ، وخزيمة بن خازم النّهشليّ. هذا جملة من رأيته قد ذكره في كتابه، وأنت تقارب هذه الأسامي وعدتها بعضها من بعض. وأرى أن السابق لذلك ابن قتيبة، ثم بعده هذا ابن بانة، ثم ابن الجوزيّ. وللخطيب أبي بكر خطيب بغداد، جزء جمعه في العميان ولم أره إلى الآن. وجرى يوماً في بعض اجتماعاتي بجماعة من الأفاضل ذكر فصل استطردت بذكره في شرح لامية العجم. ذكرت فيه جماعة من أشراف العميان، قال لي بعض من كان حاضراً: لو أفردت للعميان تصنيفاً تخصّهم فيه بالذكر، لكان ذلك حسناً. فحداني ذلك الكلام، وهزّت عطفي نشوة هذه المدام، على إن عزمت على جمع هذه الأوراق، في ذكر من أمكن ذكره أو وقع إليّ خبره وسميته: نكت الهميان في نكت العميان وقد رتبته على مقدمات ونتيجة. أما المقدمات ، فأذكر في كلّ منها فوائد لا يستغني الفاضل عن ذكرها، ولا يسعه أن يفقد شيئاً من درهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 المقدمة الأولى فيما يتعلق به من اللغة والاشتقاق قد تتبعت أفراد وضع اللغة العربية، فرأيت العين المهملة والميم، كيفما وقعتا في الغالب وبعدهما حرف من حروف المعجم، لا يدّل المجموع إلا على ما فيه معنى الستر أو ذهاب الصواب على الرأي. فمن ذلك: عمج عمج يعمج بالكسر، قلب معج. إذا أسرع في السير واعوجّ. وسهم عموج، إذا كان يتلوّى في ذهابه. وتعمّجت الحيّة، إذا تلوّت في سيرها، كأنها لا ترى الطريق الأقوم: قال الشاعر يصف زمام الناقة. تلاعب مثنى حضرميّ كأنّه ... تعمّج شيطان بذي خروع قفر والعومج الحيّة: وكذلك العمّج بالتشديد: قال الشاعر. يتبعن مثل العمّج المنشوش ... أهوج يمشي مشية المالوش وقال قطرب: هو العمج، على وزن السبب. فأنت ترى مفهوم هذه الأوضاع كيف يدل على معنى الستر وذهاب الصواب. ومن ذلك عمرّد العمرّد بتشديد الراء الفرس الطويل: قال الشاعر. يصرّف سيداً في العنان عمرّدا وكذلك طريق عمرّد: قال الشاعر. خطّارة بالسّبسب العمرّد ولا بدّ للفرس إذا طال، أن يكون فيه بعض التواء، وذهاب على غير استواء. وكذلك الطريق إذا طالت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 ومن ذلك عمد: عمد البعير إذا انفضح داخل سنامه من الركوب، وظاهره صحيح. كّأن داءه ذاك مستور لا يرى. والعمد إنما يقام به ما مال واعوّج. ومن ذلك: عمر عمر الرجل بالكسر يعمر عمراً وعمراً على غير قياس لأنّ قياس مصدره التحريك إذا عاش زماناً طويلاً ومن طال عمره التوت عليه سائر الأيام، ومشت به على غير استقامة: من حوادث الدهر وضعف الجوارح. والعمر بالتحريك واحد عمور الأسنان. وهو ما بينها من اللحم. قيل فيه ذلك لمّا كان يستتر فيها. واعتمر في الحجّ إذا اعتم بعمامة. قيل فيه ذلك لمّا كان يستر ما بدا من رأسه. والعمار الريحان تزيّن به مجالس الشراب. قيل فيه ذلك لمّا كان يستر به ما بدا من الأنماط أو غيرها، أو يستر بريحه الطّيبة ريح غيره الكريهة. ومن ذلك: عمس العماس بالفتح الحرب الشديدة. ولا تكون شديدة إلا وقد عمي الأمر فيها وذهب الصواب على الفوارس. وكذلك داهية عماس أي شديدة. وليل عماس أي مظلم يعني سائر الأشخاص، وأمر عموس أي مظلم، وعماس أيضاً: لا يدري من أين يؤتى له. ومنه: جاءنا بأمور معمسّات أي مظلمة ملوّية عن جهتها. ورجل عموس إذا كان متعسفّاً لا يهتدي لصواب. وتعامس عن الشيء إذا تغافل عنه. وعمس الكتاب إذا درس، فلا يدرك منه حرف. ومن ذلك: عمرّس مشدد الراء. هو السديد الرأي، القويّ من الرجال: قيل فيه ذلك كأنه يأخذ الأشياء قوة واعتسافاً، لا يفكّر في صوابها ولا خطائها. ومن ذلك: عملّس مثل العمرّس. هو القويّ على السير: قال الشاعر عملّس أسفار إذا استقبلت له ... سموم كحرّ النار لم يتلثّم يعني يركب الأهوال، لا يهتدي فيها إلى صواب راحة. ومن ذلك: عمش العمش في العين رؤيتها مع سيلان الدمعة منها. كأنّ المرئيات تستتر عنها بستور الدموع. ومن ذلك: عملّص سير عمليص إذا كان سريعاً. قيل فيه ذلك لأنه لا يبالي فيه أين وضع القدم أو الخف أو الحافر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 ومن ذلك: عمط عمط النعمة عمطا بالسكون وعمطها بالكسر عمطاً بالفتح، إذا كفرها. قيل فيه ذلك لمّا سترها وغطّاها ولم يتحدث بها. والكفر السّتر. ومن ذلك: عمرط العمروط اللصّ والجمع العماريط. قيل فيه ذلك لأنه لا يجيء إلا مختفياً مستوراً في الليل. والعمرّط بتشديد الراء الخفيف. وهو الذي لا يذهب على استقامة ولا استواء. والعملط بتشديد اللام الشديد وهو الذي لا يبالي على أي حاليه كان من صواب ومن خطأ. ومن ذلك: عمق العمق بفتح العين وضمها قعر البئر والفج والوادي. قيل فيه ذلك لما واستتر عن العين. وتعمق في كلامه إذا مال عن جادة الفصيح من الكلام والتوى. والعمق أيضاً ما بعد من أطراف المفاوز. ومنه قول رؤبة: وقاتم الأعماق خاوي المخترق ومن ذلك: عملق العمالقة قوم كانوا في قديم الزمان. يذكر أنهم كانوا في غاية من الطول. منسوبون إلى عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح. وقد تقدم أن كل من طال لابد أن يميل إلى اعوجاج. هذا إن قلنا بأن ذلك عربي، وإلا فلا مدخل لهذا الحرف في هذا الباب. ومن ذلك: عمل اعتمل الرجل إذا اضطرب في العمل. قال الشاعر: إن الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يوماً على من يتكل قيل فيه ذلك لأن الاضطراب حركة على غير استواء. ورجل عمل بالكسر إذا كان مطبوعاً على العمل. ورجل عمول أيضاً. قيل ذلك فيه: أي لا يبالي بما يلقى فيه من العمل. كأنه غير متبصر لرشده. وطريق معمل: أي لحب مسلوك. قيل فيه ذلك لما كثر ركوبه من كل أحد على غير تبصر لمواضع الأقدام. واليعملة الناقة النجيبة الصبورة على المشي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 ومن ذلك: عمم العمامة ما يوضع على الرأس، وهي تستره. واعتم النبت إذا اكتهل أي ستر الأرض. ويقال للشاب إذا طال: قد اعتم. وشيء عميم أي تام. ونخلة عميمة ونخل عم، يقال ذلك للطويل منه. قيل فيه ذلك لأنه لا يطول إلا وفيه خروج عن الاستقامة. والعامة خلاف الخاصة. قيل ذلك لما كانوا كثيرين لا يحيط بهم البصر، فهم في ستر عنه. وعم اللبن إذا علته الرغوة كالعمامة فسترته. ومن ذلك: عمن عمن بالمكان إذا أقام به. كأنه استتر فيه عن غيره. ومن ذلك: عمه العمه التحير والتردد. كأن الإنسان لا يرى دليلاً فيأخذ به. وأرض عمها، لا أعلام بها، أي لا يهتدي فيها إلى سبيل. وذهبت، إبله العمهى بتشديد الميم، إذا كانت لا يدرى مكانها. كأنها في ستر عن راعيها. ومن ذلك: عمي هذه المادة عمود هذا الباب وقاعدته، وهي المطلوبة بالذات لما يتعلق بهذا الكتاب. العمى ذهاب البصر وعدم الرؤية واستتار المرئيات عن الناظر. وقد عمي فهو أعمى وقوم عمي. وأعماه الله تعالى. وتعامى الرجل أرى من نفسه ذلك. وعمي عليه الأمر إذا التبس. ورجل عمي القلب أي جاهل، وامرأة عمية القلب بتخفيف الياء على وزن فعلة بفتح الفاء وكسر العين وفتح اللام. وقوم عمون، وفيهم عميهم بتشدي الياء، والأعميان السيل والجمل الهائج. وعمي الموج بالفتح يعمى عمى، رمى القذى والزبد. وعميت معنى البيت تعمية. ومنه المعمى من الشعر. وقرئ فعميت بضم العين وكسر الميم وتشديدها وفتح الياء. وتركناهم في عمى بضم العين وتشديد الميم وبعدها ألف مقصورة، إذا أشرفوا على الموت. والعماء ممدود السحاب. ويقال هو الذي يشبه الدخان ويركب رؤوس الجبال. والمعامي من الأرضين الأغفال التي لا أعلام لها وليس بها اثر عمارة. وهي الأعماء أيضاً. ويقال أتيته صكة عمي بضم العين وفتح الميم وتشديد الياء أي وقت الهاجرة. وهو تصغير أعمى، مرخماً. وقيل هو اسم رجل من العمالقة أغار على قوم ظهراً فاستأصلهم فنسب الوقت إليه. وقيل المراد به الظبي لأنه يسدر في الهواجر فيصطك بما يستقبله كاصطكاك الأعمى، ثم إنه صغر تصغير الترخيم، كما صغر وأسود وأزهر. فقالوا سويد وزهير. فأنت ترى ما ورد في هذه المادة كيف يدور جميعه على الاستتار والاختفاء والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 المقدمة الثانية فيما يتعلق بذلك من جهة التصريف والأعراب أعمى. لا ينصرف لما فيه من العلتين الفرعيتين: وهما الصفة ووزن الفعل. ويكتب بالياء لان مؤنثه عمياء. والقاعدة عند أهل العربية أن لا يبنى أفعل تعجب ولا أفعل تفضيل من الألوان والعاهات. فلا يقال: هذا اسود من هذا، ولا هذا احمر من هذا في الألوان. ولا يقال: هذا أعور من هذا، ولا هذا أعرج من هذا. بل الصواب أن يقال فيه ذها أشد سواداً وأشد حمرةً، وهذا اشد عرجاً واشد عوراً. وأورد على هذه القاعدة قوله تعالى ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً. والجواب: أن هذا ليس من العاهات الظاهرة، بل هو من عمى البصيرة. قال الله تعالى فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور. وقرأ أبو عمرو: ومن كان في هذه أعمى بالإمالة فهو في الآخرة أعمى بالتفخيم. طلباً للفرق بين ما هو اسم وبين ما هو أفعل منه: بالإمالة. وعيب على أبي الطيب قوله في الشيب إبعد بعدت بياضاً لا بياض له ... لأنت اسود في عيني من الظلم وقال الناصر له: إن أسود هنا من قبيل الوصف المحض الذي تأنيثه سوداء وأخرجه عن حيز أفعل التفضيل. ويكون على هذا التأويل قد تم الكلام عند قوله لأنت اسود في عيني وتكون من التي في قوله من الظلم لبيان جنس السواد لا أنها صلة أسود. مسألة لو قلت ما أسود زيداً، وما أسمر عمراً، وما أصفر هذا الطائر، وما أبيض هذه الحمامة، وما أحمر هذا الفرس. فسدت كل مسألة من وجه وصحت من وجه. ففساد جميعها، إذا أردت التعجب من الألوان. وتصحيح جميعها، إذا أردت التعجب من سودد، زيد ومن سمر عمرو. ومن صفير الطائر، ومن كثرة بيض الحمامة، ومن حمر الفرس، وهو نتن فيه من البشم وقول الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 جارية في درعها الفضفاض ... ابيض من أخت بني بياض قالوا فيه أن ابيض هنا ليس للتفضيل، بل صفة لموصوف محذوف تقديره: في درعها جسم أبيض أو شخص أبيض ومن في محل الرفع صفة لأبيض. على أن الكوفيين جوزوا: ما أسوده وما أبيضه في هذين اللونين خاصةً. قالوا لأنهما أصل الألوان. وهو ضعيف. لأن غالب أفعال اللوان لا تأتي إلا على أفعل وأفعال بتشديد اللام فيهما نحو أحمر وأحمار. وهما زائدان على الثلاثي. ولا تبنى أفعل التعجب وأفعل التفضيل إلا من الثلاثي المجرد من الزيادة. لأن أفعل في مثل ما أحسن زيداً الهمزة فيه زائدة ودخلت عليه لتنقل اللازم إلى التعدي، فيصير الفاعل مفعولاً. إذ أصله حسن زيد. فلما دخلت الهمزة على الفعل، صار الكلام تقديره شيء. حسن زيداً. وشذ قولهم: ما أعطاه للدينار والدرهم! فتعجبوا بالرباعي. وأجازه سيبويه. وكذا: ما أولاه للمعروف وما أفقره! حمله على أنه ثلاثي والصحيح أنه رباعي فلذلك حكم بشذوذه. مسأله وإنما قالوا في السكران: ما أشد سكره! ولم يقولوا: ما أسكره! وهو ثلاثي لأن فعله سكر وليس بخلق ولا لون ولا عيب ظاهر، فرقا بينه وبين قولهم: ما أسكره للنهر. وكذلك لم يقولوا: ما أقعده في الكان، فرقا بينه وبين ما أقعده في النسب. ولا يتعجب من الخلق أيضاً والمراد بالخلق الأعضاء كاليد والوجه والرجل. فلا تقل: ما أيداه! وما أرجله! وما أوجهه! فإن أردت ما أوجهه من الوجاهة وما أرجله من الشؤم على غيره جاز. ويتعجب من العيوب الباطنة، كالحمق والرعونة فيقال: ما أحمقه! وما أرعنه! ومنه ما تقدم في قوله تعالى فهو في الآخرة أعمى. لأنه من عمى البصيرة. تقول رجل أعمى وأعميان وأعمون بفتح الميم، في ذلك كله. وأعمون جمع سلامة. وأجاز الكوفيون ضم الميم في الجميع. وتقول في جمع التكسير: عميان. تقول عمي عمىً فهو عم من عمى القلب، وعمي يعمى فهو أعمى من عمى البصر. وجمع عم عمون. قال الله تعالى: بل هم منها عمون. وجمع أعمى عميان وعمي. قال الله تعالى لم يخروا عليها صماً وعمياناً. وقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 تعالى: صم بكم عمي. والنسبة إلى أعمى أعموي بفتح الهمزة وسكون العين وفتح الميم وكسر الواو. والنسبة إلى عم عموي بفتح العين والميم كما يقال في شج شجوي. وفي المثل: ربما أصاب الأعمى رشده، وربما قيل فيه: بما أصاب: الأعمى رشدة فحذفوا الراء من ربما. قال حسان: إن يكن غث من رقاش حديث ... فبما تأكل الحديث السمينا قالوا: أراد ربما. وقد يجوز أن تكون الباء للبدل. كما يقال: هذا بذاك. وفي المثل: أعمى يقود شجعةً بالشين المعجمة المفتوحة والجيم المفتوحة والعين المهملة والشجعة الزمني. وقيل: الشجعة بسكون الجيم الضعيف. وقولهم: صكة عمي بضم العين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء: هو اشد ما يكون من الحر أي حين كاد الحر يعمي. وقيل: حين يقوم قائم الظهيرة. وقيل: إن عميا هو الحر بعينه. وأنشدوا: وردت عميا والغزالة برنس ... بفتيان صدق فوق خوص عياهم وقيل: عمي رجل من عدوان كان يفتي في الحج. فأقبل معتمراً ومعه ركب، حتى نزلوا بعض المنازل في يوم شديد الحر، فقال عمي: من جاءت عليه هذه الساعة من غدو هو حرام لم يقض عمرته وهو حرام إلى قابل. فوثب الناس في الظهيرة يضربون حتى وافوا البيت. وبينهم وبينه ليلتان، فضرب مثلاً يقال أتانا صكة عمي، إذا جاء في الهاجرة الحارة. وفي المثل: تطرق أعمى والبصير جاهل. الطرق هو الضرب بالحصى. يضرب لمن يتصرف في أمر ولا يعلم مصالحه، فيخبره بالمصلحة غيره من خارج. وفي المثل: إحذر الأعميين، الجمل الهائج والسيل: وفي أمثال العوام الأعمى يجري على السطح ويقول ما رآني أحد. وفي المثل: أيضاً قد ضل من كانت العميان تهديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 المقدمة الثالثة حد العمى قيل في تعريفه: إنه عبارة عن عدم البصر عما من شأنه أن يبصر. وكذا الصمم عبارة عن عدم السمع عما من شأنه أن يسمع. فالعمى والصمم حينئذ معنيان وجوديان متضادان. وقد نازع الفلاسفة في هذا للمتكلمين نزاعاً شديداً. وقالوا إن تقابل السمع والصمم وتقابل العمى والبصر، تقابل العدم والملكة لا تقابل الضدين. فصل من الناس من قال إن السمع أفضل من البصر. لأن الله تعالى حيث ذكرهما في كتابه العزيز، قدم السمع على البصر: حتى في قوله تعالى صم بكم عمي. فقدم متعلق السمع على متعلق العين، والتقدم دليل الفضيلة. ولأن السمع شرط في النبوة، بخلاف البصر. ولذلك لم يأت في الأنبياء صلى الله عليهم من كان أصم. وجاء فيهم من طرأ عليه العمى. وسيأتي الكلام على منع جواز العمى على الأنبياء صلى الله عليهم. قالوا وبالسمع تصل نتائج العقول. فالسمع كأنه سبب لاستكمال العقل بالمعارف والعلوم. وهو متصرف في الجهات الست، والبصر لا يتصرف إلا فيما يقابله من المرئيات. ولأن السمع أصل للنطق. ولهذا لا ترى الأخرس إلا أصم. وقيل سبب خرسه أنه لم يسمع شيئاً ليحكيه. والبصر إذا بطل لم يبطل النطق. ومن قال إن البصر أفضل استدل بان قال: متعلق القوة الباصرة هو النور ومتعلق القوة السامعة هو الريح. والنور أفضل من الريح. قال صاحب الكشاف: البصر نور العين، كما أن البصيرة هي نور القلب. قلت: ولا شك أن أدلة فضيلة السمع أقوى من دليل فضيلة البصر. وللشيخ تقي الدين أبي عباس أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى كراسة في ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم. خاتمة الأعمى هل له حظ في الرؤيا أولاً. بعض الناس قال: الأعمى يرى المنامات وبعضهم قال: لا يرى. والصحيح أن المسألة ذات تفصيل. وهو أن الأعمى، إن كان قد طرأ عليه العمى بعد ما ميز الأشياء فهذا يرى. لأن القوة المتخيلة منه ارتسم فيها صور الأشياء من المرئيات، على اختلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 أجناسها وأنواعها. والقوة المخيلة قادرة على أفعالها في جميع الأحوال، إلا أنها لا تتصور الأشياء باختيارها، لأنها ليست قوة إرادية. وإن كان الأعمى قد ولد أكمة ولم ير الوجود ولا ما فيه من المرئيات فهذا يرى الأحوال التي يقابلها ويباشرها. كما أنه يرى أنه يأكل أو أنه يشرب أو أنه راكب على فرس أو حمار أو أنه يخاصم آخر، إلى غير ذلك من الأحوال التي يباشرها. وقد قال الرئيس ابن سينا: إن المولود يضحك بعد الأربعين يوماً، ويرى الرؤيا بعد أربعة اشهر. قلت: الظاهر أنه ما يرى إلا انه يرضع ثدي أمه. فإنا نشاهد كثيراً من الأطفال يكون نائماً وهو يرضع، ولا ثدي في فمه. وكذلك نرى كثيراً من الخيل وهو واقف نائماً، ثم إنه في أثناء ذلك يصهل وهو نائم، كأنه يرى أنه بين خيل يألفها أو ما أشبه ذلك. وقال أرسطو في كتاب الحيوان: إن الكلاب ترى الأحلام في منامها. وأما أن الأعمى الذي ولد أكمة ولم ير العالم فإنه لا يرى في نومه شمساً ولا قمراً ولا نجوماً ولا سماءً ولا أشجاراً ولا بحاراً ولا غير ذلك مما لم ترسمه المخيلة منه فهذا هو وجه الصواب في هذه المسالة على ما فصلته والله أعلم. علاوة قال العابرون: من رأى في منامه أنه عمي دلت رؤياه على الغنى وإن حلف يميناً لم يحنث، لقوله تعالى: ليس على الأعمى حرج. ومن رأى أنه أعمى فإنه ينسى القرآن، لقوله تعالى: قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. ومن رأى أن إنساناً أعماه فإنه يضله. وغن كان كافراً فرأى أن إنساناً أعماه فإنه يزيله عن رأيه. قالوا: والأعمى رجل فقير يعمل أعمالاً لا تضر به في دينه لسبب فقره. فإن رأى كافراً أنه أعمى فإنه يصيب خسراناً أو غرماً أو هماً. فإن رأى أنه أعمى ملفوف في ثياب جدد فإنه يموت. قالوا: ومن رأى أنه أعمى فإن عليه غزوة أو حجة، لقوله تعالى: ولله على الناس حج البيت. فإن رأى أعمى أن ساقياً سقاه شراباً فإن الساقي يرشده إلى منافع تنزل به ويتوب ويتمول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 قالوا: وإن رأى صحيح أنه أعمى فإنه يخمل ذكره ولا يؤبه له في قوله. وربما كان تأويله أنه ينال حكماً وعلماً لقصة إسحاق ويعقوب عليهما الصلاة والسلام. فإن رأى أعمى أنه استدبر القبلة فهو في ضلالة. وقالت النصارى: من رأى كأن عينه قد عميت، فإنه حل يهتك الستر بينه وبين الله تعالى. وأما فقء العين. فمن رأى أن عينه فقئت فإنه يتقاضى أو يجازى بشيء كان منه، لقوله تعالى: العين بالعين. فإن فقئت كلتاهما فإنه ينقطع عنه ولد قرة عين، أو يرى فيما تقر به عينه من مال أو ولد أو دار أو شيء مما يملكه ما يكره من عنف وشدة. قالوا: وأما العمى فهو ضلالة عن الدين، وهو أيضاً ميراث كبير من عصبة قد كان له في أجداده مكفوف. وقد كان يعطى كل مكفوف سهماً من ميراث من يموت من عصبته. وقال أرطاميذورس: رأى إنسان كأن آخر يقول له لا تخف، فإنك لا تموت ولا تقدر أن تعيش، فصار أعمى وكان ذلك بالواجب. فإنه لم يمت ولكن عدم ضوء بصره. وقال العابرون أيضاً: من رأى أن عينيه ذهبتا، مات أولاده أو إخوته أو أقاربه. رأى الحجاج بن يوسف الثقفي كأن عينيه سقطتا في حجره فلما أصبح نعي أخيه محمد وولده محمد. فإن كان الرائي فقيراً أو محبوساً، فإنه يدل على أنه لا يعود يرى شيئاً مما هو فيه من الشر. فإن رأى ذلك من يريد السفر فإنه يدل على أنه لا يرجع إلى الوطن. لأن المكفوف لا يمكنه أن يرى الغربة ولا أن يرى وطنه. ومن رأى كأن عينيه عيناً إنسان آخر، فإن ذلك يدل على ذهاب بصره وعلى أن غيره يهديه الطريق. فإن عرف الرائي ذلك الغريب، فإنه يتزوج ابنة ذلك الرجل أو قريبته أو يناله منه خير. تتمة هل يبصر الأعمى ملك الموت بعينيه أولاً ذكر ابن أبي الدنيا رحمه الله عن بعض السلف أنه قال فيه: إن الأعمى يرى ملائكة ربه عند قبض روحه. قلت: ما لهذا خصوصية بالأعمى فإنا رأينا جماعة ممن كانوا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 السياق وهم يقولون السلام عليكم ويشيرون لمن يرونه ويخاطبونهم، ونحن لا نراهم. وهذا كثير مستفاض بين الناس. فصل العميان أكثر الناس نكاحاً. وفي المثل: أنكح من أعمى. أورده الميداني في أمثاله. حكى ابن المرزبان في تاريخه عن الأصمعي أنه قال: هما طرفان ما ذهب من أحدهما زاد في الآخر. قلت: ولهذا نرى الخدام وهم الخصيان يعمر الإنسان منهم وبصره قوي. والخادم إذا جب من أسفل لم تنبت له لحية. وكذا الإنسان إذا حصل له صداع في رأسه تحك رجلاه فيسكن الألم. قيل إن بعض الخدام كان واقفاً على رأس سيده وهو في الفراش يشكو من وجع رأسه. فحضر الطبيب إليه فشكا ألمه. فقال: حك رجليلك يسكن الألم. فضحك الخادم وقال: سيدي يشكو أعلاه وأنت تداوي أسافله! فقال: أنت شاهدي على ذلك لأن خصيتك لما قطعت لم تنبت لك لحية. فضل قال إبراهيم بن هانئ: من تمام آلة القصص أن يكون القاص أعمى، ويكون شيخاً بعيد مدى الصوت. قلت: ومن شرط الأعمى، إذا كان سائلاً أن يكون يحفظ سورة يوسف عليه السلام. قال أرسطو في كتاب الحيوان: الخطاطيف إذا عمين أكلن من شجرة يقال لها عين شمس، فيبصرن بعد العمى. وهذه الشجرة لها منفعة في العين التي لا تبصر والتي يخاف عليها من اجتماع الماء. قال: والحيات إذا ساخت في الأرض اظلم بصرها. فإذا خرجت إلى الأرض طلبت الرازيانج فمرت بعينها عليه فعند ذلك ينقى بصرها من الظلمة. قلت: الرازيانج هو السمر وينبغي أن يغسل قبل أكله في أول دخوله لهذه العلة قال: والضب إذا خرج من جحره لا يبصر شيئاً إلى أن يستقبل الشمس ساعة، فحينئذ يرى. وقال الرئيس أبو علي ابن سينا: وكل حيوان يلد حيواناً فله عينان إلا الخلد. ويشبه أن يكون له عينان لكنهما مغشيتان بجلد رقيق لضعفهما، وإنما يدركان الأظلال دون الألوان والأشكال والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 المقدمة الرابعة قوله تعالى عبس وتولى أن جاءه الأعمى. هذا الأعمى هو ابن أم مكتوم. وسيأتي الخلاف في اسمه عند ذكر اسمه. ويأتي ذكر أمه وهو الذي صار مؤذناً للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان قد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو جهل ابن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام. فقال ابن أم مكتوم أقرئني وعلمني مما علمك الله. وكرر ذلك. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع كلامه وأعرض عنه. فنزلت هذه الآيات. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه بعد ذلك ويقول إذا رآه مرحباً بمن عاتبني فيه ربي ويقول: هل لك من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين. وأورد الإمام فخر الدين رحمه الله تعالى هنا سؤالات. الأول إبن أم مكتوم كان يستحق التأديب والزجر، فكيف عاتب الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه؟ واستحقاقه لوجوه: الأول: إنه وإن كان أعمى لا يرى القوم لكنه يسمع كلامهم وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم. وكان يعرف بواسطة كلامه لهم شدة اهتمامه بشأنهم وكان اعتراضه وإلقاء كلامه في الناس قبل تمام عرض النبي صلى الله عليه وسلم معصية. قلت: يحتمل أن ابن أم مكتوم طلع عليهم دفعة واحدة ولم يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم لهم ولا أحس بمن عنده من الصناديد. لأنه كان يعلم محل المذكورين فلا يقطع عليهم كلامه صلى الله عليه وسلم. قال: والوجه الثاني. أن الأهم مقدم على المهم. وهو كان قد أسلم ويعلم ما يحتاج إليه من أمر الدين، وأولئك كانوا كفاراً وما أسلموا. وكان إسلامهم سبباً لإسلام جمع عظيم. فالقاء ابن أم مكتوم كلامه بين الناس سبب في قطع ذلك الخير العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 قلت: هذا أيضاً مفرع على أن ابن أم مكتوم كان يعلم أن صناديد قريش كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أبدينا الاحتمال فاندفع. قال: الوجه الثالث. أنه تعالى قال: إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون. فهذا النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الإيمان، وكالقاطع على الرسول أعظم وكان أولى أن يكون ذنباً ومعصيةً وأن الذي فعله الرسول كان واجباً. قلت: ليس قول ابن أم مكتوم: يا رسول الله علمني مما علمك الله كالذي ينادونه من وراء الحجرات: يا محمد! أخرج إلينا. فإن الرسول لو ألقى إليه ذلك الوقت شيئاً مما علمه الله لكان خيراً لمن يسمعه. قال: السؤال الثاني انه تعالى عاتبه على مجرد كونه عبس في وجهه، ويكون ذلك تعظيماً عظيماً لابن أم مكتوم وكيف يليق بمثل هذا التعظيم أن يذكر باسم الأعمى. وإذا ذكر الإنسان بهذا الوصف اقتضى ذلك تحقيره. قال السؤال الثالث الظاهر أنه كان صلى الله عليه وسلم مأذوناً له أن يعامل أصحابه على حسب ما يراه مصلحة. وكان كثيراً ما يؤدب أصحابه ويزجرهم عن أشياء. وكيف لا يكون ذلك، وهو إنما بعث ليؤدبهم ويعلمهم محاسن الآداب، وإذا كان كذلك كان التعبيس داخلاً في تأديب أصحابه. فكيف وقعت المعاتبة؟ قال رحمه الله تعالى: والجواب عن السؤال الأول من وجهين. الأول أن الأمر وإن كان على انه تكريم إلا أن ظاهر الواقعة يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وانكسار قلوب الفقراء. فلهذا خلصت المعاتبة. ونظيره قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي. قلت: ما هو من ظاهر الواقعة، بل هو من صريح القرآن، لقوله تعالى: أما من استغنى فأنت له تصدى. قال: الوجه الثاني لعل هذا العتاب ما وقع على ما صدر من الرسول من الفعل الظاهر، بل على ما كان منه في قلبه. وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان قد مال قلبه إليهم بسبب قرابتهم، وكان ينفر طبعه عن الأعمى بسبب عماه وعدم قرابته وقلة شرفه فلما وقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 ذلك حصلت المعاتبة لا على التأديب بل على التأدب لهذا المعنى. قلت: سبحان العليم بما كان في ذلك الوقت وهو خلاف ظاهر الواقعة. قال والجواب عن السؤال الثاني أن ذكره بلفظ الأعمى ليس بتحقير له بل كأنه قيل: بسبب عماه استحق مزية الرفق له والرأفة فكيف يليق بك يا محمد أن تخصه بالغلظة؟ والجواب عن السؤال الثالث أنه صلى الله عليه وسلم كان مأذوناً له في تأديب أصحابه: لكن ههنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وكان ذلك ما يوهم ترجيح الدنيا على الدين، فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة. قلت: ليس هذا مما فيه إيهام تقديم الدنيا على الدين لأن أولئك الكفار لو أسلموا لأسلم بإسلامهم جمع عظيم من أتباعهم وألزامهم وأزواجهم ومن يقول بقولهم. ولهذا المعنى رغب صلى الله عليه وسلم في إسلامهم وطمع فيه. وذلك غاية في الدين. قال: المسئلة الثانية القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء تمسكوا بهذه الآية. وقالوا: لما عاتبه في ذلك الفعل. دل على أن ذلك الفعل كان معصية، وهذا بعيد. فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين وهذا جار مجرى ترك الأفضل وترك الاحتياط. فلم يكن هذا ذنباً ألبتة. وقوله تعالى: " وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن اله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور ". هذه أمثال ضربها الله تعالى في حق المؤمنين والكفار فقوله: الأعمى والبصير، أي العالم والجاهل والمؤمن والكافر، ولا الظلمات ولا النور، أي الكفر والإيمان، ولا الظل ولا الحرور، أي الجنة والنار أو ظل الليل وسموم النهار أو الحرور بمنزلة السموم وهي الريح الحارة ويكون ليلاً ونهاراً والسموم لا يكون إلا نهاراً. قال أبو عبيدة الحرور يكون في النهار مع الشمس. وما يستوي الأحياء ولا الأموات العلماء والجهال أو المؤمنون والكافرون. فإن قلت ما فائدة تكثير الأمثلة ههنا وتكريرها. قلت: البصير وإن كان سليم العين بخلاف الأعمى فإنه لا يرى شيئاً ما لم يكن في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 نور وضياء. فأتى بذكر النور لأجل البصير وهو الإيمان. فاستعان البصير وهو المؤمن بنور الإيمان على رؤية الهدى. وأتى بذكر الظلمات وهي الكفر لأجل الأعمى فكان الكافر في ظلمة البصر وظلمة الضلال. ثم قال: ولا الظل ولا الحرور فنبه على أن حالتي المؤمن والكافر متباينتان. لأن المؤمن بإيمانه في ظل وراحة والكافر في حرور وتعب. ثم قال: وما يستوي الأحياء ولا الأموات. نبه على أن الأعمى يشارك البصير في بعض الادراكات فيكون في قرب ما من مساواته. لأن كلاً منهما حي متحرك حساس مدرك، وإن كان الأعمى أنقص إدراكاً من البصير. أما الحي والميت، فليس بينهما مساواة ولا مداناة بوجه ما في الإدراكات. فقال تعالى إن المؤمن لا يستوي مع الكافر، لأن المؤمن حي والكافر ميت فالبون بينهما بعيد، والفرق بينهما مبين. لأن الحي متحرك حساس مدرك والميت جماد عديم الحياة والحس الإدراك. فنافاه من كل وجه، وباينه في كل صفة. فإن قلت كيف كرر حرف النفي في موضع دون موضع. قلت: التكرار إنما يؤتى به للتوكيد. وقد تقرر فيما تقدم أن الأعمى يشارك البصير في صفات كثيرة، وإنما باينه في الإحساس بالمرئيات. فما بينهما من التضاد والمنافاة كما بين النور والظلمة. وكما بين الظل والحرور، فالمنافاة في هذين الموضعين للذات، بخلاف الأعمى والبصير. لا سيما والمراد بهما المؤمن والكافر. فالكافر ليس بأعمى حقيقةً، وإنما استعير له ذلك لأنه لم ير الحق والصواب. ولذلك أتى بحرف النفي أيضاً بين الأحياء والأموات. لأن المنافاة متحققة هنا أيضاً. فإن قلت: كيف أخر الأشرف في قوله تعالى والبصير وقوله تعالى ولا النور وقدم الأخس في قوله تعالى: الأعمى والظلمات. قلت: جاء به على أصل الواقع. لأن الكافر أعمى والكفار كانوا قبل البعثة. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم آمن به من آمن. فانتقل من العمى إلى البصر. فكان الكفر متقدماً على الإيمان. فقدم ذكر الأعمى لذلك وعطف الظلمات على الأعمى وعطف النور على البصير. فإن قلت: وهذا ينقض عليك بقية الآية وهو تقديم الأشرف على الأخس في مكانين وهو الظل والأحياء قدما على الحرور وعلى الأموات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 قلت: قد تقدم أنه لما ضرب المثل للمؤمن والكافر بالأعمى والبصير وأكد ذلك بالظلمات والنور، لأنهما أمس بالأعمى والبصير من الظل والحرور، ومن الحياة ومن الموت، انتقل بعد ذلك إلى بيان حاليهما. فقال إن حاليهما متباينان، فأتى به على القاعدة في تقديم الأشرف على الأخس. فقدم الظل على الحر، والحياة على الموت. ومن قال: إنما أتى بذلك طلباً للمناسبة بين رؤوس الآي، ليناسب بين البصير والنور والحرور فليس في شيء. والذي ذكرته أدخل في أقسام البلاغة وأثبت على محل الإعجاز. فإن قلت: كيف أفرد لفظ الأعمى والبصير والنور والظل وجمع لفظ الظلمات والحرور والأحياء والأموات؟ قلت: أما إفراد الأعمى فيلزم منه على مقتضى الفصاحة إفراد البصير، وهكذا جمع الأحياء يلزم منه جمع الأموات، عملاً بمقتضى الفصاحة. وأما إفراد الأولين وجمع الثانيين فإن الإفراد معناه القلة والجمع معناه الكثرة. فأتى بذلك على الأصل الواقع لأن المؤمنين كانوا قليلين. ولما نشر الله الدعوة ودخل الناس في دين الله أفواجاً حسن أن يضرب المثل لهم بالكثرة. ويؤيد ما قلته أن السورة مكية. وفي ذلك بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم وأن أمر الإيمان والمؤمنين يؤول إلى الكثرة. وفي ذلك طمأنينة له صلى الله عليه وسلم وتثبيت ليعلم العاقبة من أمره. وأما إفراد النور، وجمع الظلمات. فقد تقرر أن هذه أمثلة ضربها الله تعالى للمؤمن والكافر. والمؤمن من اتبع الحق وآمن به. والحق هو شيء واحد وهو الإيمان بالله تعالى. وأما الكفر، فإنه جنس تحته أنواع متعددة الأباطيل: من عبادة الكواكب والإشراك بالله وعبادة الأصنام واعتقاد الدهريين إلى غير ذلك من المقالات الفاسدة التي يجمعها الكفر. فلذلك قال تعالى: ولا الظلمات ولا النور. أي لا يستوي أنواع الضلالات ونوع الهدى. هيهات! وقيل: النور لا يكون إلا باجتماع ثلاثة أشياء وهي المنور والنور نفسه والمستنير وهو الجسم الذي يقبل الاستنارة وعدم الحائل وكذلك الظلمة. فقد قابل الظلمات بشيء هو مجموع من هذه الأمور. وهذا بعيد. والأول أولى. وأما إفراد الظل وكون الحرور أتى بهذه الصيغة وهي فعول مثل قبول وطهور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 للمبالغة. ولم يقل الظل ولا الحر لأن الظل هو شيء واحد يضاد أنواع الحر: من السموم، ومن حر النار، ومن تصاعد الأبخرة من الأرض الكبريتيه إلى غير ذلك مما يتوهج به الجو ويسخن به الهواء. فلذلك حسن إفراد الصيغة وتخصيص الحرور بهذه الصيغة. فإن قلت: فقد قال تعالى تتفيأ ظلاله، فقد جمع الظل. قلت: إنما أراد هناك الجمع لأن الشمس إذا أشرقت ضرب ظل الشخص إلى جهة الغرب فكلما أخذت الشمس في الارتفاع أخذ الظل في التقلص شيئاً فشيئاً فصار كل قدر من الظل فرداً، ومجموع الأفراد من غاية الطول وهلم جراً إلى غاية القصر ظلال. وكذلك إذا جنحت الشمس ومالت عن الاستواء إلى جهة الغرب، برز الظل أقصر ما يكون، ثم تزايد شيئاً فشيئاً وتطاول إلى أن يبلغ الغاية في جهة المشرق. فثبت أن ظل الشرق وظل الغرب ظلال. والله الموفق للصواب. وقوله تعالى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال مجاهد والضحاك ومقاتل أعمى عن الحجة. وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس. وقيل إن هذا القول ضعيف لأنهم في يوم القيامة لا بد وإن يعلمهم الله تعالى ببطلان ما كانوا عليه حتى يتميز الحق عن الباطل. ومن تكون هذه حاله لا يوصف بذلك إلا مجازاً. يراد أنه كان من قبل كذلك. وحينئذ لا يليق بهذا قوله وقد كنت بصيراً ولم يكن كذلك في الدنيا. قال الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى: ومما يؤيد هذا الاعتراض أنه تعالى علل ذلك العمى بأن المكلف نسى الدلائل. فلو كان العمى الحاصل في الآخرة عين ذلك النسيان، لم يكن للمكلف بسبب ذلك ضرر في الآخرة، كما انه لم يكن به ضرر في الدنيا. قال: الأرواح الحاصلة في الدنيا التي تفارق أبدانها جاهلة بكون جهلها سبباً لأعظم الآلام الروحانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 قلت: قد أغرب الإمام في هذا الجواب. ومال في هذا إلى القول بالمعاد الروحاني وأعرض عن المعاد الجسماني. والصواب أن يقال فيه: إن من اعرض عن ذكر الله تعالى في الدنيا وقد كان بصيراً يحشره الله تعالى وهو في حيرة لا يهتدي إلى طريق يسلكها إلى الخلاص من العذاب. كالأعمى الذي يقف متحيراً بلا قائد يرشده ويقوده إلى النجاة. ولهذا قال الله تعالى وكذلك أتتك آياتنا فنسيتها. أي فلم تعمل بها ولم يقل فلم ترها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 المقدمة الخامسة فيما جاء في ذلك من الأخبار والآثار من ذلك قصة الأقرع والأبرص والأعمى. وهي في صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. أخبرني الإمام الحافظ الرحلة الشيخ فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري، قراءة عليه وعلى أخيه الشيخ الغمام أبي القاسم محمد وأنا اسمع بالمدرسة الظاهرية بين القصرين من القاهرة المعزية في شهر رمضان المعظم سنة ثمان وعشرين وسبعمائة قالا: أخبرنا الشيخ المسند عز الدين عبد العزيز بن علي ابن نصر بن منصور الحراني المعروف بابن الصيقل أنا الحافظ أبو العباس أحمد بن يحيى بن هبة الله بن البيع ببغداد سنة ستمائة سماعاً، وأنبانا أبو علي الحسن بن إسحاق بن موهب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي رحمه الله تعالى، وأبو عبد الله الحسين بن المبارك بن محمد بن يحيى بن الزبيدي، وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الله بن روزبة قالوا ثلاثتهم: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي الصوفي قراءةً عليه ونحن نسمع قال: أخبرنا الإمام جمال الإسلام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المظفر بن محمد بن داود بن معاذ بن سهل الداودي، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حموية ابن أحمد ابن يوسف بن أعين السرخسي الحموي، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر بن صالح بن بشر الفربري البخاري، قال: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن إسمعيل بن إبراهيم بن بردزبه البخاري رحمه الله تعالى قراءة عليه وأنا اسمع، عوداً على بدء، قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا عمرو بن عاصم قال: حدثنا همام ح وأخبرني الشيخ الإمام المسند شمس الدين أبو الحسن علي بن الشيخ محب الدين محمد بن ممدود ابن جامع البندينجي رحمه الله تعالى قراءة عليه وعلى الشيخ الإمام الحافظ الرحلة الناقد فرد الزمان جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف المزي رحمه الله تعالى بدار الحديث الأشرفية تحت قلعة دمشق المحروسة في شهر رجب الفرد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 قال البندينجي المذكور: أنا الشيخ المسند أبو العباس احمد بن عمر بن عبد الكريم بن عبد العزيز الباذبيني المقري ببغداد سنة خمسين وستمائة. وقال الشيخ جمال الدين المزي: أنا الشيخ أمين الدين أبو محمد القاسم بن أبي بكر بن القاسم بن غنيمة الأربلي والباذبيني معاً. قالا أخبرنا الشيخ أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي الطوسي، قال: أخبرنا الإمام أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفراوي قراءة عليه وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي، قال: أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه الزاهد، قال: حدثنا الحافظ الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري رحمه الله تعالى. قال حدثنا شيبان بن فروخ. قال حدثنا همام، وعند همام اجتمع سند البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى. قال همام حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. قال حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة أن أبا هريرة رضي الله عنه حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم فبعث إليهم ملكاً فأتى الأبرص، قال أي شيء أحب إليك؟ قال لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قذرني الناس فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً، فقال أي المال احب إليك، قال الإبل، فأعطي ناقة عشراء وقال: بارك الله لك فيها. ثم أتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك، قال شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعراً حسناً، قال فأي المال أحب إليك، قال البقر، فأعطي بقرة حاملاً وقال: بارك الله لك فيها، ثم أتى الأعمى، فقال أي شيء أحب إليك، قال أن يرد الله علي بصري فمسحه: فرد الله بصره، قال فأي المال احب إليك قال: الغنم فأعطي شاة ولوداً. فكان للأبرص واد من إبل، وللأقرع واد من البقر، وللأعمى واد من الغنم، ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين قد انقطعت به الحبال في سفره فلا بلاغ له اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك بالله الذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيراً أتبلغ به سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيراً فأعطاك الله؟ قال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر. قال: إن كنت كاذباً صيرك الله كما كنت. وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال. ورد عليه مثل ما رد الأول. فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله كما كنت. ثم أتى الأعمى في صورته وهيئته فقال. له مثل ما قال. فقال: كنت أعمى فرد الله علي بصري. فخذ ما شئت ودع ما شئت. فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك. قال الوزير عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرة رحمه الله تعالى، بعد ما أورد هذا الحديث في كتاب الإفصاح: البلاء إلى السلامة أقرب من العافية إليها. ألا ترى كيف هلك مع السلامة اثنان ونجا واحد. وقد دل هذا الحديث على أن الصبر على البلاء قد يكون خيراً للمبتلى فإنه بان بمعافاة الأقرع والأبرص أن المرض كان أصلح لهما، لأن العافية كانت سبباً لهلاكهما. وقد خذر هذا الحديث من كان في ضر فسأل زواله فلم ير الإجابة أن يتهم القدر فإن الله ينظر للعبد في الأصلح والعبد لا يعلم للعواقب. انتهى. الناس، فقيراً فأعطاك الله؟ قال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر. قال: إن كنت كاذباً صيرك الله كما كنت. وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال. ورد عليه مثل ما رد الأول. فقال: إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 كنت كاذباً فصيرك الله كما كنت. ثم أتى الأعمى في صورته وهيئته فقال. له مثل ما قال. فقال: كنت أعمى فرد الله علي بصري. فخذ ما شئت ودع ما شئت. فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك. قال الوزير عون الدين يحيى بن محمد بن هبيرة رحمه الله تعالى، بعد ما أورد هذا الحديث في كتاب الإفصاح: البلاء إلى السلامة أقرب من العافية إليها. ألا ترى كيف هلك مع السلامة اثنان ونجا واحد. وقد دل هذا الحديث على أن الصبر على البلاء قد يكون خيراً للمبتلى فإنه بان بمعافاة الأقرع والأبرص أن المرض كان أصلح لهما، لأن العافية كانت سبباً لهلاكهما. وقد خذر هذا الحديث من كان في ضر فسأل زواله فلم ير الإجابة أن يتهم القدر فإن الله ينظر للعبد في الأصلح والعبد لا يعلم للعواقب. انتهى. قلت: ليس هذا الكلام بمستقيم، لأنه لم يطابق الواقع. لأن الثلاثة كانوا في بلاء وسألوا بأجمعهم العافية وخار الله لأحدهم ولم يخر للباقيين. ولكن الصواب أن يسأل الله في العافية من البلاء والتوفيق إلى رضاه. وأما كون الله تعالى نجى الأعمى وأهلك الأقرع والأبرص، فهذا أمر لا يعلل ولا يعقل. وهو من أسرار القدر، فسبحان الفاعل المختار، لا يعلم أسرار القضاء والقدر إلا هو. لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون. قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه عمن حدثه: أن حبيب بن فورك خرج به أبوه إلى رسول الله صلى عليه وسلم وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئاً. فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أصابه. فقال: إني كنت أمون جملاً لي فوضعت رجلي على بيض حية فابيضت عيناي. فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر. فلقد رأيته يدخل الخيط في الإبرة، وهو ابن ثمانين. ويؤيد هذا الحديث الحديث المشهور في عين قتادة. أخبرنا الحافظ الرحلة الشيخ فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن سيد الناس اليعمري رحمه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 تعالى قراءة عليه وهو يسمع بالقاهرة المعزية في سنة تسع وعشرين وسبعمائة قلت له: قرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن ساعد، أخبركم ابن خليل، أنا ابن أبي زيد، أنا محمود الصيرفي، أنا أبو الحسين بن قاذشاه، أنا الطبراني، ثنا الوليد بن حماد الرملي، ثنا عبد الله بن الفضل، حدثني أبي عن أبيه عاصم عن أبيه عمر عن أبيه قتادة بن النعمان، قال: أهدي إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم قوس. فدفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي يوم أحد. فرميت بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اندقت عن سيتها ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى السهام. وكلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلا رمي أرميه. فكان آخرها سهماً ندرت منه حدقتي على خدي. وافترق الجمع فأخذت حدقتي بكفي. فسعيت بها في كفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفي دمعت عيناه، فقال: اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه! فاجعلها أحسن عينيه وأحدهما نظراً! فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظراً. قلت: ولا شك أن هذا أبلغ معجزاً من الحديث الأول. فإن الأول فيه أن عينين كانتا قد ابيضتا. فتفل فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبصرتا. وهما أخف أمراً من عين سالت وصارت في كف صاحبها وبانت عن مستقرها. فيعيدها صلى الله عليه وسلم أحسن من أختها وأحد منها نظراً. لا شك أن هذا أبلغ. وقال الخرنق الأوسي: ومنا الذي سالت على الخد عينه ... فردت بكف المصطفى أحسن الرد فعادت كما كانت لأحسن حالها ... فيا طيب ما عين ويا طيب ما يد وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تكرهوا الرمد، فإنه يقطع عروق العمى. أي أسبابه. وقال إبراهيم التيمي: كفى بالمرء حسرة أن يفسح الله في بصره في الدنيا وله جار أعمى، فيأتي يوم القيامة أعمى وجاره بصيراً. وسمعت عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة رجلاً يقول: ما أشد العمى على من كان بصيراً! فقالت: يا عبد الله عمى القلب عن الله اشد من عمى العين عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الدنيا. والله لوددت أن الله وهب لي كنه محبته ولم يبق مني جارحة لا أخذها! قال رجل للقاسم بن محمد، وقد ذهب بصره: لقد سلبت أحسن وجهك. قال: صدقت غير أني منعت النظر إلى ما يلهى، وعوضت الفكرة في العمل فيما يجدي. قال حكيم: إياك أن تحك بثرة وإن زعزعتك، واحفظ أسنانك من القار بعد الحار والحار بعد القار، وأن تطيل النظر في عين رمدة وبئر عادية، واحذر السجود على خصفة جديدة حتى تمسحها بيدك. فرب شظية حقيرة فقأت عيناً خطيرة. أنس رضي الله عنه رفعه: من قاد أعمى أربعين خطوة لم تمسه النار. كتب مبارك أخو سفيان الثوري إليه يشكو ذهاب بصره. فكتب إليه سفيان: أما بعد. فقد فهمت كتابك فيه شكاية ربك. فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك. والسلام. ذكر الإمام فخر الدين رحمه الله تعالى في كتاب أسرار التنزيل عند ما ذكر الفتوة أن رجلاً تزوج امرأة. وقبل الدخول بها، ظهر بالمرأة جدري أذهب عينها. فقال: الرجل ظهر في عيني نوع ضعف وظلمه. ثم قال: عميت. فزفت إليه المرأة. ثم إنها ماتت بعد عشرين سنة. ففتح الرجل عينيه. فقيل له في ذلك. فقال: ما عميت ولكن تعاميت حذراً أن تحزن المرأة. فقيل له سبقت الفتيان. وقال حكي عن الشبلي أنه قال: خطر ببالي أني بخيل ولئيم فقلت أجرب نفسي: فنويت أن كلّ ما آخذه اليوم أهبه لأي شخص أراه أولاً. ثم إنه جاء خادم في الحال من دار الخلافة ووضع عندي صرة فيها خمسون ديناراً فأخذتها وخرجت فرأيت حجاماً يحلق رأس أعمى. فدفعتها إلى الأعمى. فقال الأعمى: ادفعها إلى هذا الحجام: فقال الحجام أنا نويت حلق رأس هذا الأعمى لله. فقلت: إنها ذهب. فقال الأعمى ما هذا البخل؟ ثم أخذها ودفعها إلى الحجام. فقال الحجام أنا نويت حلق رأس هذا الأعمى لله: ولا آخذ الذهب. والحاصل إن ذلك الذهب ما قبله الأعمى ولا الحجام. ونقلت من بعض المجاميع: قال بعض السادة: كنا في جنازة وحضرها معنا الشيخ أبو بكر الضرير. وبين يدي الجنازة صبيان يبكون ويقولون: من لنا بعدك يا أبة فلما سمعهم أبو بكر يقولون ذلك قال الذي كان لأبي بكر الضرير. فسألته عن سبب ذلك. فقال: كان أبي من فقراء المسلمين وكان يبيع الخزف. وكانت لي أخت أسن مني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 وكنت قد أتي علي في بصري. فانتبهت ليلة فسمعت أبي يقول لأمي: أنا شيخ كبير وأنت أيضاً قد كبرت وضعفت. وقد قرب منا ما بعد. ثم أنشد: وإن أمراً قد سار خمسين حجة ... إلى منهل من ورده لقريب وهذه الصبية تعيش بصحة جسمها وتخدم الناس. وهذا الصبي ضرير قطعة لحم. ليت شعري! ما يكون منه؟ ثم بكيا وداما على ذلك وقتاً طويلاً من الليل. فاحزنا قلبي. فأصبحت ومضيت إلى المكتب، على عادتي. فما لبثت إلا يسيراً إذ جاء غلام للخليفة، فقال للمعلم: السيدة تسلم عليك وتقول لك قد أقبل شهر رمضان وأريد منك صبياً دون البلوغ، حسن القراءة طيب الصوت يصلي بنا التراويح. فقال: عندي من هذه صفته. وهو مكفوف البصر، ثم أمرني بالقيام معه. فأخذ الرسول بيدي وسرنا حتى وصلنا الدار. فاستأذن علي. فأذنت السيدة لي بالدخول، فدخلت وسلمت. واستفتحت وقرأت، بسم الله الرحمن الرحيم. فبكت. واسترسلت في القراءة، فزاد بكاؤها. وقالت: ما سمعت قط مثل هذه التلاوة فرق قلبي، فبكيت. فسألتني عن سبب ذلك فأخبرتها بما سمعت من أبي. فقالت: يا بني! يكون ذلك من لم يكن في حساب أبيك. ثم أمرت لي بألف دينار. فقالت: هذه يتجر بها أبوك ويجهز أختك. وقد أمرت لك بإجراء ثلاثين ديناراً في كل شهر، إدراراً. وأمرت لي بكسوة وبغلة مسرجة ملجمة وسرج محلي. فهو سبب قولي جواباً للصبيان عند ما قالوا: من لنا بعدك يا أبه. قيل إنه مكتوب في التوراة: إن الزاني لا يموت حتى يفتقر، والقواد لا يموت حتى يعمى. ويقال في التجارب: الأعمى مكابر والأعور ظلوم والأحول تياه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 المقدمة السادسة قال حذاق الأصوليين إن العمى لا يجوز على الأنبياء لأن مقام النبوة اشرف من ذلك. ومنعوا من عمى شعيب وإسحاق. وقالوا لم يرد بذلك نص في القرآن العظيم، ليكون العلم بذلك قطعياً. وأورد عليهم قصة يعقوب عليه السلام. وابيضت عيناه من الحزن فهذا صريح. وقوله تعالى: فارتد بصيراً. وبياض العين لا يكون إلا بذهاب السواد. ومتى فقد السواد حصل العمى. والارتداد لا يكون إلا عوداً إلى الحالة الأولى. والحالة الأولى كان فيها بصيراً. فدل على أن الحالة التي ارتد عنها كان فيها أعمى. وأجاب المانعون بأن قوله ابيضت عيناه كناية عن غلبة البكاء وامتلاء العين بالدموع، كما قال الشاعر وقفت كأني من وراء زجاجة ... إلى الدار من فرط الصبابة أنظر فعيناي طوراً تغرقان من البكا ... فأغشى وطوراً يحسران فأبصر فهذا الشاعر ادعى أن عينيه إذا غر قتامن البكاء صار أغشى فلا يرى بهما شيئاً وإذا غدرت الدموع عاد إلى الإبصار. وقوله: من وراء زجاجة كناية عن غلبة الدموع. لأن الدموع تكون بجمودها في عينه كالزجاجة التي تغطي بصره وهي متى كانت كذلك كانت بيضاء. فهذا مثل قوله تعالى: وابيضت عيناه من الحزن. فلا يدل ذلك على العمى قطعاً. وقوله تعالى: فارتد بصيراً، ذهب جماعة من المفسرين إلى أنه كان قد عمي بالكلية. وقالت جماعة: بل كان قد ضعف بصره من كثرة البكاء وكثرة الأحزان، فلما ألقوا القميص وبشروه بحياة يوسف عليه السلام، عظم فرحه وانشرح صدره وزالت أحزانه، فعند ذلك قوي ضوء بصره وزال النقصان عنه. وهذا الذي يليق بجناب النبوة المعظمة. وهو أن يكون النبي سليم الأعضاء، صحيح الجوارح، كامل الخلق، برياً من العاهات، معتدل المزاج. ومن هنا قال الفقهاء: لا يجوز أن يكون الإمام أعمى. والصحيح من مذهب الشافعي رضي الله عنه أن القاضي لا يكون أعمى. وفي المذهب وجه في جوازه، مبني على أن عمى شعيب وغيره من الأنبياء صحيح قيل ومقام النبوة أشرف من مقام القضاء. فصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 المقدمة السابعة فيما يتعلق بالأعمى من الأحكام في الفروغ مما يخالف فيها البصراء وهي عدة أحكام على مذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي قدس الله روحه منها الاجتهاد في الأواني أصح القولين وجوبه عليه، لأنه يعرف باللمس اعوجاج الإناء واضطراب الغطاء وسائر العلامات. والأول لا يجب كما انه لا يجتهد في القبلة، بل يتقلد فيها. فلو اجتهد ولم يتبين له شيء، فالصحيح أنه يقلد لعدم قدرته على العلامات المقتضية لذلك. وإذا قلنا يقلد ولم يجد من يقلده. فالأصح أنه يتيم ويصلي ويعيد. والخلاف في الأواني جار في الثياب مسألة من مفردات الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وهي إذا دخلت المرأة بالماء لا يجوز للرجل أن يتوضأ منه، لحديث عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغتسل بفضل وضوء المرأة. وبعد هذا فقد روى في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة. وقد رواه مسلم أيضاً. وروى أحمد رضي الله عنه في مسنده أيضاً عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غسلها من الجنابة. ورواه ابن ماجه أيضاً. وروى أحمد رضي الله تعالى عنه في مسنده أيضاً عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: اغتسل بعض أزواج رسول الله صلى اله عليه وسلم في جفنة. فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها ويغتسل فقالت له: يا رسول الله: إني كنت جنباً. قال: إن الماء لا يجنب ورواه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. قال الشيخ مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن تيمية: وأكثر أهل العلم على الرخصة للرجل في فضل طهور المرأة. والأخبار بذلك أصح. وكرهه أحمد وإسحاق إذا دخلت به. وهو قول عبد الله بن سرجس. وحملوا حديث ميمونة على أنها لم تخل به، جمعاً بينه وبين حديث الحكم بن عمرو الغفاري. قلت: وحديث الحكم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة. رواه الخمسة، إلا أن ابن ماجه والنسائي قالا: وضوء المرأة: وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال ابن ماجه وقد روى بعده حديثاً آخر الصحيح الأول. يعني حديث الحكم: ولعل الإمام أحمد رضي الله عنه كان يرى أن حديث ميمونة من خواص النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز ذلك لغيره من الأمة. فعلى مذهب الإمام أحمد هل يحصل خلو المرأة بالماء مع حضور الأعمى أولاً في المذهب وجهان. ومنها الاجتهاد في القبلة قال الأصحاب: لا يجوز له ذلك لأن امارتها البصر بخلاف أوقات الصلوات حيث يجوز له إذ التوصل إليها ممكن إما بورد أو ذكر أو خطاً يمشيها. ومنها كراهية أذانه إذا كان راتباً إلا أن يكون معه بصير كما كان بلال مع ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنهما. كذا قال النووي رحمه الله تعالى. وفيه نظر. لأن بلالاً لم يكن أذانه مع ابن أم مكتوم. وإنما كان كل منهما مستقبلاً بوقت دون غيره، يؤذن فيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 وكان أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت! أصبحت! فقد رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم السحور على أذان ابن أم مكتوم، دون بلال. قلت: إلا أن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. قالت: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا. وهذا يؤيد ما ذهب إليه الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله تعالى. ومنها إمامته هل هي وإمامة البصير سواء، أو هي أولى بالعكس. وجوه. والقول بأنهما سواء قول الجمهور. فحكي عن أبي إسحاق المروزي أن الأعمى أولى، لأنه لا ينظر إلى ما يلهيه ويشغله. فيكون أبعد عن تفرق القلب وأخشع. واختار الشيخ أبو إسحاق الشيرازي أن البصير أولى. وبه قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: لأنه أحفظ لبدنه وثيابه عن النجاسات، ولأنه مستقل بنفسه في الاستقبال. وقد كره ابن سيرين إمامة الأعمى لقول ابن عباس رضي الله عنه تعالى عنهما: كيف أؤمهم وهم يعدلوني إلى القبلة، وعن أنس قال: وما حاجتهم إليه. وعند عامة الأصحاب أنهما سواء، لتعارض المعنيين. وهو المنقول عن نص الشافعي رضي الله عنه في الأم. ولم يورد الصيدلاني. والإمام وصاحب التهذيب شيئاً سواه. ومنها هل يجب عليه الجمعة. قال جمهور الأصحاب: إن وجد قائداً متبرعاً أو باجرة، وله مال، وجبت عليه. وإن لم يجد قائداً، لم يلزمه الحضور هكذا أطلق الأكثرون. وعن القاضي حسين أنه إن كان يحسن المشي بالعصا من غير قائد، لزمه ذلك. وعن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه لأنه لا تجب الجمعة على الأعمى بحال. وإذا حضر الأعمى الجامع ينبغي أن يجري الخلاف فيه كما في المريض إذا حضر فأقيمت الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 هل يحرم عليه الانصراف وفيه قولان. فرع ومن شرط الأعمى في القدوة إذا كان مأموماً سماع صوت الإمام أو المترجم أو بهداية غيره وكذا حال البصير الذي لا يشاهد بظلمة أو غيرها. ومنها هل تسقط الجماعة عنه. وقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعمى. فقال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد. وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرخص له. فلما ولى دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تسمع النداء، قال: نعم، قال: فأجب. ومن فروع صلاة الأعمى، ما كتبه إلى الشيخ الإمام بهاء الدين أبي حامد أحمد ابن العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن علي السبكي الأنصاري الشافعي رضي الله عنه أبا حامد إني بشكرك مطرب ... كأن ثنائي في المسامع سيز لقد حزت فضل الفقه والأدب الذي ... يفوت الغنى من لا بذاك يفوز وفت المدى مهلاً إلى الغاية التي ... لها عن لحاق السابقين بروز فأصبحت في حل الغوامض آيةً ... تميل إلى طرق الهدى وتميز كأن حروف المشكلات إذا أتت ... لديك على حل العويص رموز ملكت فأخرج للمساكين فضلة ... فعندك من در البيان كنوز تجيد القوافي والقوى في بيانها ... فبيتك للمعنى الشرود حريز سلت فخبر عن صلاة امرئ غدت ... يحار بسيط عندها ووجيز تجوز إذا صلى إماماً ومفرداً ... وإن كان مأموماً فليس تجوز فأوف لنا كيل الهدى متصدقاً ... فأنت بمصر والشآم عزيز فمن ذا الذي يرجى وأنت كما نرى ... مجيد مجيب للسؤال مجيز فكتب الجواب إلي عن ذلك. أيامن لشأو العلم بات يحوز ... ومن لسواه المدح ليس يجوز ومن حاز في الآداب اقتسم الورى ... فليس لشيء منه عنه نشوز ومن ضاع عرف الفضل منه ولم يضع ... بجدواه عرف الجود فهو حريز سألت وما المسؤل أعلم بالذي ... أردت ولا منه عليك بروز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 وقلت امرؤ لا يقتدي غير أنه ... إماماً وفرداً بالجواز يفوز وذاك امرؤ أعمى نأى عنه سمعه ... وليس لأفعال الإمام يميز فهاك جواباً واضحاً قد أبنته ... ومثلي عن حل الصعاب ضموز فإن كان هذا ما أردت فإنما ... بفضلك في الدنيا تفك رموز وإن لم يكنه فالذي هو لازم ... جواب لمضمون السؤال يحوز فلا زلت تبدي من فضائلك التي ... تزيد مع الإنفاق وهي كنوز فأنت صلاح الدين والناس والدنا ... وأنت خليل والخليل عزيز ومنها أنه لا يجب عليه الحج إذا لم يجد قائداً متبرعاً، أو كان عاجزاً عن أجرته. لأن ذلك من عدم الاستطاعة. ولا يجوز له الاستنابة عنه. وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد. وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه في أصح القولين عنه: الاستنابة فيه. قال الرافعي رحمه الله تعالى: إذا وجد مع الزاد والراحلة قائداً، يلزمه الحج بنفسه، لأنه مستطيع. والقائد في حقه كالمحرم مع المرأة. ومنها بيع الأعمى بنفسه وشراؤه. إن قلنا بالمذهب الصحيح على القول الجديد: إنه لا يجوز بيع الغائب ولا شراؤه، فلا يجوز بيع والأعمى لا شراؤه. فإن جوزناه فوجهان. الأظهر منهما أنه لا يجوز. والفرق أنا إذا جوزنا الغائب، ثبت فيه خيار الرؤية. وفي حق الأعمى لا سبيل له إلى خيار الرؤية، إذ لا رؤية ألبتة. فيكون كبيع الغائب، على شرط أن لا خيار. والثاني: يجوز ويقام وصف غيره له مقام رؤيته، كما تقام الإشارة مقام النطق في حق الأخرس. وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رضي الله تعالى عنهم. وإذا قلنا لا يصح بيع الأعمى ولا شراؤه، فلا تصح منه الإجارة، ولا يصح منه الرهن، ولا تصح منه الهبة. فهذه الثلاث مسائل، مقيسة على عدم صحة بيعه وشرائه. وهل للأعمى أن يكاتب عبده. قال في التهذيب: لا. وقال في التتمة، المذهب أن له ذلك. تغليباً للعتق، وصححه النووي رحمه الله تعالى. ويجوز للأعمى أن يؤجر نفسه، وأن يشتري نفسه، وأن يقبل الكتابة على نفسه: لأنه لا يجهل نفسه في هذه الأحوال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 ومنها سلمه إذا اسلم في شيء أو باع سلماً. فينظر إن كان قد عمي بعد ما بلغ سن التمييز، فهو صحيح. لأن السلم يعتمد الأوصاف. وهو، والحالة هذه يميز بين الألوان ويعرف الأوصاف. ثم يوكل من يقبض عنه. على الوصف المشروط. وهل يصح قبضه بنفسه؟. فيه وجهان. أصحهما لا. لأنه لا تمييز عنده بين المستحق وغيره. وإن كان أكمه، أو عمي قبل بلوغ سن التمييز، فوجهان. أحدهما أنه لا يصح سلمه، لأنه لا يعرف الألوان ولا تمييز بينها عنده. وبهذا قال المزني. ويحكى عن ابن سريج وابن خيران وابن أبي هريرة أيضاً. واختاره صاحب التهذيب. وأصحهما عند العراقيين وغيرهم. ويحكى عن أبي إسحاق المروزي. وبه أجاب في الكتاب انه يصح لأنه يعرف الصفات والألوان بالسماع ويتخيل فرق بينهما. فعلى هذا إنما يصح سلم الأعمى إذا كان راس المال موصوفاً فعين في المجلس، أما إذا كان معيناً فهو كبيع العين، وكل ما لا نصححه من الأعمى في التصرفات، فسبيله أن يوكل ويحتمل ذلك للضرورة. ومنها المساقاة وهي كالبيع فيجري فيها ما يجري في بيعه. ومنها جواز كونه وصيا ً في المسألة وجهان، وجه المنع أنه لا يقدر على التصرف في البيع والشراء لنفسه. فلا يجوز أن يفوض إليه أمر غيره. ووجه الجواز أنه يوكل في كلما يتعذر مباشرته له بنفسه. وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه. ومنها إذا اشترى البصير شيئاً ثم عمي قبل قبضه وقلنا لا يصح قبض الأعمى فهل ينفسخ فيه وجهان. كالوجهين فيما إذا اشترى الكافر عبداً كافراً ثم أسلم العبد، وصحح النووي رحمه الله تعالى أنه لا ينفسخ العقد لأنه وقع صحيحاً وله التوكيل في قبضه. ومنها جواز كونه ولياً في النكاح في أصح الوجهين، فوجه المنع أن العمى نقص يؤثر في الشهادة فأشبه الصغير الذي لا يكون ولي النكاح، ووجه الجواب أن المقصود من الولاية هنا يحصل بالبحث عن الغير والسماع، وإنما لم يقبل شهادته لتعذر التحمل ولهذا قبلت شهادته فيما تحمله قبل العمى، وقيل أيضاً إن شعيباً عليه السلام زوج وهو مكفوف. ومنها أنه يصح خلعه المرأة اتفاقاً، لكنه إن خالع على عين معينة بطل فيها على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 المذهب كما قلنا في بطلان بيعه وشرائه ويجب مهر المثل. ومنها إذا اجتمع بالزوجة هل يعتد بذلك خلوة ويكمل الصداق؟ الظاهر أن الشافعي رضي الله تعالى عنه لا فرق عنده في ذاك بين البصير والأعمى. وأما مذهب الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه فقال أصحابه على القول بتكميل الصداق. فإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها أو الزوج صغيراً أو أعمى لم يعلم دخولها عليه لم يكمل الصداق لأنه لم يحصل التمكن. ومنها العمى في النكاح هل هو عيب أو لا؟ مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه ليس بعيب، لا في النكاح ولا في الكفاءة في أحد الجانبين، أما إذا اشترط أحد الزوجين البصر فبان خلافه هل يصح النكاح أو يبطل؟ فيه قولان أظهرهما الصحة، وهما جاريان في كل وصف شرط فبان خلافه، سواء كان المشروط وصف كمال كالجمال والشباب والنسب واليسار والبكارة أم صفة نقص كأضداد هذه. ومنها هل يجوز أن تكون الحاضنة عمياء هذه من المسائل الغريبة إلا أن ابن الرفعة رحمه الله تعالى قال: في كلام الإمام ما يستنبط منه أن العمى مانع، فإنه يعني الغمام قال إن حفظ الأم للولد الذي لا يستقل ليس مما يقبل الفترات، فإن المولود في حركاته وسكناته لو لم يكن ملحوظاً من مراقب لا يسهو ولا يغفل لأوشك أن يهلك. ومقتضى هذا أن يكون العمى مانعاً، فإن الملاحظة معه كما وصف لا تتأتى. وقد يقال: فيه ما في الفالج إذا كان لا يلهي عن الحضانة وإنما يمنع الحركة. وأخبرني المولى الإمام الفقيه الفاضل القاضي تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب ابن العلامة أوحد المجتهدين قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن علي الأنصاري السبكي الشافعي رضي الله عنه قال قد رأيت فيها نقلا في فتاوى عبد الملك بن إبراهيم المقدسي من أصحابنا وقال: إنه لا حضانة للعمياء، وهو نقل غريب جداً، لم ينقله أحد. قال: وعبد الملك هذا فقيه كبير زاهد ورع فرضي سمع بهمذان أبا نصر بن هبيرة وبغيرها من البلاد. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وثمانين وأربعمائة وببغداد رحمه الله تعالى. قلت: كان إماماً في الفرائض والحساب وقسمة التركات وإليه مرجع الناس في ذلك. طلبه الوزير أبو شجاع للقضاء فاعتذر بالعجز وعلو السن. وقال: لو كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ولايتي متقدمة لاستعفيت منها وأنشد. إذا المرء أعيته السيادة ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عليه شديد وكان يحفظ المجمل لابن فارس، وغريب الحديث لأبي عبيدة ولم يعرف أنه اغتاب أحداً قط. وسمع من عبد الله بن عبدان وعبد الرحمن ابن أحمد الروياني. ومنها ذكاته، تكره ذكاة الأعمى بالاتفاق، لاحتمال أنه يخطئ المذبح، فإن ذبح حل. ومنها حل صيده بالكلب والرمي قياساً على ذبحه. ومن منع احتج بأنه ليس له قصد صحيح، فصار كما لو استرسل الكلب بنفسه، وهذا المنع محكي عن أبي إسحاق: وقد أطلق الوجهين مطلقون والأشبه أن الخلاف مخصوص بما إذا دله بصير على أنه بحذائه صيد فرمى أو أرسل الكلب عليه بدلالته، ووجه الحل بأنه فعل ما فعل بدلالة بصير، فأشبه ما لو دله على القبلة، والمذهب المنع، والأصح التحريم، بخلاف القبلة لأن التوجه يسقط بالأعذار، وتجويز بناء الأمر فيه على الاجتهاد، وذلك بخلاف الصيد. ومنها الإمام لا يجوز أن يكون أعمى. قال الرافعي رحمه الله تعالى: وينعزل بالعمى والصمم والخرس، ولا ينعزل بتمتمة اللسان ولا ثقل السمع. وقال الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى في شروط الإمامة: وهي كونه مكلفاً مسلماً عدلاً حراً ذكراً عالماً مجتهداً شجاعاً ذا رأي وكفاية سميعاً بصيراً ناطقاً قرشياً. وقال قال الماوردي: عشا العين لا يمنع انعقاد الإمامة لأنه مرض في زمن الاستراحة ويرجى زواله وضعف البصر إن كان يمنع معرفة الأشخاص منع انعقاد الإمامة واستدامتها وإلا فلا. قلت: ولهذا كان بنو بويه وغيرهم، إذا خلعوا الخليفة سملوه حتى لا يعود ترجى له الخلافة ولا انعقاد الإمامة كما فعل بأمير المؤمنين المتقي إبراهيم بن جعفر، وبأمير المؤمنين المستكفي بالله عبد الله بن علي، وبأمير المؤمنين الطائع عبد الكريم بن الفضل، وبأمير المؤمنين القاهر محمد بن أحمد. وكما فعل الإمام الناصر بابنه الإمام الظاهر محمد بن أحمد وحاول من فساد بصره ولم يقدره الله تعالى على ما سيمر بك في تراجم المذكورين. ومنها لا يقتض من العين السليمة بالحدقة العمياء قطعاً لعدم المكافأة والتساوي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 فإن كل جارحة لها منفعة ومنفعة العين إدراك المرئيات، ولا إحساس بها للأعمى، فسقطت المكافأة. ألا ترى أن الفقهاء أوجبوا قطع جفن البصير بجفن الأعمى لأنهما تساويا في الجرمين. ومنها الحدقة القائمة كاليد الشلاء لترددها بين البصيرة والعمياء، فلا تؤخذ الصحيحة بها وإن رضي الجاني، كما أنه لا يقتل المسلم بالكافر وإن رضي الجاني. وهل تؤخذ القائمة بالصحيحة؟ فيه وجهان، أحدهما لا، لعدم المكافأة والأصح أنه يراجح أهل الخبرة. ومنها إذا جنى عليه جناية فأعماه كما إذا ضربه على رأسه فحدث له عمى. المذهب أنه يقتص منه، فإن تعذر وقال أهل الخبرة إنه يمكن القصاص اقتص منه. وإن قالوا يتعذر وجبت الدية، كما إذا جرحه موضحة فذهب بصره وشعر رأسه فاقتص المجني عليه في الموضحة فذهب بصر الجاني وشعر رأسه فاقتص المجني عليه في الموضحة فذهب بصر الجاني وشعر رأسه، نص في المختصر أنه استوفى حقه، ولو لم يذهب بصر الجاني ونبت شعره فعليه دية البصر وحكومة الشعر. ومنها إذا جرى بصير وراء أعمى بسيف ووقع الأعمى في طريقه في بئر ضمن البصير، إذا كان الضرير لم يعلم أن هناك بئراً. ومنها استماع الأعمى من خصاص الباب حيث يسوغ رمي البصير في عينه إذا اطلع. قال ابن عقيل من أصحاب الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه في فنونه: هل يجوز ضربه في أذنه كما يضرب البصير في أذنه. ومنها إذا قيل للأعمى: أترك الصلاة أياماً فإنك تبصر مع العلاج، أو قيل له صل مستلقياً إذا كان قادراً على القيام وقال له ذلك طبيب موثوق بدينه وبعلمه جاز له الاضطجاع والاستلقاء على الأصح. ولو قال له: إن صليت قاعداً مكنت مداواتك، قال إمام الحرمين: يجوز القعود قطعاً، ومفهوم كلام غيره أنه على وجهين. ومنها الأعمى إذا تردى من مكان فوقع على غيره أو جذب أحد بيده، روى علي بن رباح اللخمي أن رجلاً كان يقود أعمى فوقعا في بئر ووقع الأعمى فوق البصير فقتله، فقضى عمر رضي الله تعالى عنه بعقل البصير على الأعمى، فكان الأعمى ينشد في الموسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 يا أيها الناس لقيت منكراً ... هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا خرا معاً كلاهما تكسرا قال الشيخ موفق الدين الحنبلي رحمه الله تعالى، وبهذا الحكم قال أصحابنا وهو قول ابن الزبير وشريح والنخعي والشافعي وإسحاق قال: ولو قال قائل ليس على الأعمى ضمان البصير لأن البصير الذي قاده إلى المكان الذي وقعا فيه وكان سبب وقوعه عليه. وكذلك لو فعله قصداً لم يضمنه بغير خلاف وكان عليه ضمان الأعمى لكان له وجه. إلا أن يكون لم يضمنه بغير خلاف وكان عليه ضمان الأعمى لكان له وجه. إلا أن يكون مجمعاً عليه فلا يجوز مخالفة الإجماع، ويحتمل إنما لم يجب الضمان على القائد لوجهين. أحدهما أنه ماذون فيه من جهة الأعمى فلم يضمن ما تلف له، كما لو حفر بئراً في داره بإذنه فتلف بها. الثاني أنه فعل مندوب إليه مأمور به، قياسه ما لو حفر بئراً في سابلة ينتفع بها المسلمون فإنه لا يضمن بما تلف فيها. مسألة في حكم العمى في الأضحية، هذه المسألة لا تعلق لها بمسائل الأعمى، ولكن لها علاقة بالعمى من حيث هو. لا تجزئ الضحية بالعمياء ولا العوراء التي ذهبت حدقتها وإن بقيت فوجهان، الصحيح أنها لا تجزئ، وتجزئ العشواء على الصحيح لأنها تبصر نهاراً وهو وقت الحاجة إلى المرعى. ومنها سقوط الجهاد عنه. لا جهاد على الأعمى وذلك بنص القرآن العظيم فيسقط الجهاد بالصبا والأنوثة والمرض والعرج والعمى والفقر. ومنها لو نقب زمن وأعمى فأدخل الأعمى الزمن فأخذ الزمن المتاع وخرج به الأعمى يجب القطع على الزمن، وفي الأعمى وجهان، إذا حمل الزمن وأدخله الحرز فدل الزمن الأعمى على المال وأخذه وخرج به يجب القطع عليهما أولا يجب إلا على الأعمى فيه وجهان، أصحهما الثاني. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لا قطع على واحد منهما لأنه خرج ولا شيء معه. ومنها اصح الوجهين عند الأكثرين أن من نذر عتق رقبة وأطلق أجزأه عتق الأعمى. وصحح الداركي أنه لا يجزئ وهما مبنيان على أن النذر هل يسلك به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 مسلك واجب الشرع أو جائزه. ومنها القاضي الأعمى، الصحيح من المذهب أنه لا يجوز أن يكون القاضي أعمى. وفيه وجه في جمع الجوامع للروياني اختاره القاضي شرف الدين بن أبي عصرون رحمه الله تعالى وصنف فيه جزأ واستمر على القضاء لما عمي. حجة الجمهور أنه لا يعرف الخصوم ولا الشهود. وحجة من جوز أن شعيباً عليه السلام كان أعمى فالقاضي بطريق أولى لأن النبي اشرف من القاضي. وقيل إن شعيباً عليه السلام لم يثبت عماه ولئن سلمنا عماه فإن الذين آمنوا معه كانوا قليلين. فربما أنهم كانوا لا يحتاجون إلى التحاكم بينهم، سلمنا أنهم احتاجوا إلى التحاكم لكن الوحي ينزل عليه بالحق في فصل القضايا، ولا كذلك القاضي. فلو عمي القاضي بعد سماع البينة وتعديلها، هل ينفذ قضاؤه في تلك الواقعة؟ فيه وجهان أحدهما لا، لأنه انعزل بالعمى. ومنها المذهب أنه لا تقبل شهادة الأعمى إلا في موضعين. أحدهما أن يقول له إنسان في أذنه شيئاً فيعلقه ويحمله إلى القاضي فيشهد بما قاله، وقيل لا تقبل في هذه الحالة أيضاً. قال القاضي: ومحل الخلاف ما إذا جمعهما مكان خال وألصق فمه بخرق أذنه وضبطه فلو كان هناك جماعة وأقر في أذنه لم تقبل. والثاني فيما يشهد فيه بالاستفاضة كالموت والنسب لأن الشهادة إذا كانت على ذلك لم يؤثر فيها فقد البصر. وقال المحاملي: في قبول شهادته والحالة هذه نظر، من جهة أن المخبرين لا بد وأن يكونوا عدولاً، والأعمى لا يشاهدهم، فلا يعرف عدالتهم. وقال القاضي أبو الطيب كلام الأصحاب محمول على ما إذا سمع ذلك في دفعات مختلفة مع قول مختلفين في أزمان مختلفة حتى يصير لا شك فيه لكثرة تكراره على سمعه ويصير بمنزلة التواتر عنده. ولا يجوز التحمل إلا على هذا الوجه. وقال الشيخ أبو علي كلامهم في شهادته بالنسب يتصور فيما إذا كان الشخص معروف النسب من جهة أبيه وأجداده وليس تعرف نسبته إلى قبيلة معينة فيشهد أن فلان بن فلان من بني فلان فتثبت هذه الشهادة من الأعمى فإنه نسب لا يحتاج إلى الإشارة دون ما إذا نسب شخصاً إلى شخص فإنه لا يجد إلى ذلك سبيلاً. وقد أضاف الأصحاب رحمهم الله تعالى إلى الصورتين صورة ثالثة وهي سماع شهادته في الترجمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 على أحد الوجهين. وقال. وأحمد رضي الله عنهما للأعمى التحمل والشهادة إعتماداً على الصوت، كماله أن يطا زوجته ويميز بينها وبين غيرها بالصوت ونحوه. وهو مشكل فإن الأصوات تتشابه ويتطرق إليها التلبيس والتحيل. وأجاب الأصحاب رحمهم الله تعالى بأن الشهادة مبنية على العلم ما أمكن، والوطء يجوز بالظن. وأيضاً فالضرورة تدعو إلى تجويز الوطء ولا تدعو إلى الشهادة، لأن البصراء غنية عنه ولا تقبل شهادة الأعمى على الأجانب ولا على زوجته التي يطؤها لما سبق من تشابه الأصوات. وعن القفال أن مالكياً سئل ببخارى عن شهادة الأعمى وقصدوا بذلك التشنيع عليه. فقال ما قولكم في أعمى يطأ زوجته وأقرت تحته بدرهم فشهد عليها أتصدقونه في انه عرفها حتى استباح بضعها وتقولون إنه لم يعرفها للإقرار بدرهم فانعكس التشنيع. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا تقبل شهادة الأعمى بحال مع تسليمه أن النكاح ينعقد بشهادة أعميين. وأما رواية الأعمى: ففيها وجهان: أحدهما المنع لأنه قد يلبس عليه وقت السماع. والثاني أنها مقبولة إذا حصل الظن الغالب. واحتج له بأن عائشة وسائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن كن يروين من وراء الستر ثم يروي السامعون عنهن. ومعلوم أن البصراء والحالة هذه كالعميان، والأول أظهر عند الإمام وبالثاني أجاب الجمهور، وهذا الخلاف فيما سمعه بعد العمى أما ما سمعه قبل العمى فله أن يرويه بلا خلاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 المقدمة الثامنة فيما يعتقده المنجمون في سبب عمى المولود يزعم المنجمون أن المولود إذا ولد وأحد النيرين في الكسوف أو الخسوف فإنه يولد أعمى. ونقلت من كتاب المواليد لأبي معشر جعفر بن محمد البلخي من أماكن متفرقة. قال: إذا ولد مولود والطالع الجوزاء وعطارد فيه: كان أعمى أو في عينه بياض وهو مع ذلك أحمر اللون: وإذا ولد مولود والطالع الحوت وزحل والمريخ فيه كان أعمى ناتئ العينين. قال: والمريخ إذا كان مشرفاً جيد وإذا كان مغرباً كان المولود أعمى فقيراً. والزهرة مغربة تعطي الحياة والحسن والسعة والنصر. وفي التشريق يقع الماء في العين. وقال: في مكان آخر وإذا كانت الزهرة في الطالع في بيت المرض كان المولود بأحد عينيه عيب. وقال: في موضع آخر ومن يولد بين الجوزاء والسرطان يكون أعمى ولا يلبث أن يعمى بعد مولده بقليل وربما ولد في وجهه خراج حتى تسترخي جلدة وجهه كله على عينيه وفمه وأنفه حتى تقع على صدره ويعيش عيش سوء حتى يموت. ونقلت من كتاب درج تنكلوشا تعريب ابن وحشية. قال: في الدرجة الثالثة من برج السرطان من يولد بها يكون في عينيه أو في إحداهما عيب كثير الشرور والنحوس في معاشه مسعوداً في بدنه ونفسه. وقال: في الدرجة العشرين من برج الأسد من يولد بها يكون أديباً غنياً كريماً: فإن كانت امرأة افتقرت آخر عمرها وذهبت عينها. وقال: في الدرجة العشرين من برج السنبلة من يولد بها تكون عيناه لونين ويكون من الحيلة والخبث والدهاء على حالة ليس وراءها غاية وتمر به شدائد ينجو منها إلا أن عمره قصير ويموت فجاءةً. وقال: في الدرجة الرابعة من برج الميزان من يولد بها يكون مشوه الخلق عيناه مقلوبتان وآذانه كآذان الفيل محباً لأكل الحرام ولا يريد الحلال وهو نكد عسر شرش مشؤم شكال كسلان لا خير فيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 وقال: في الدرجة الخامسة عشرة من برج الدلو من يولد بها يكون ناقص الأعضاء مثل ضعف البصر أو يكون أشل ولكنه عظيم الهمة واسع القدرة والحيلة مختال فخور. وقال: في الدرجة الرابعة عشرة من برج الحوت من يولد بها يكون ملكاً رفيعاً عظيماً رحيماً صالحاً إلا إنه رديء السياسة ضعيف العقل تكون أيامه مضطربة ولا يستوسق له أمر ثم إنه تسمل عيناه بيد عدو له فيظفر به بالحيلة والمكر ويعيش دهراً صالحاً بالمكر ضريراً. قلت هكا يعتقد المنجمون. وليس لهم على ذلك دليل قطعي يذكرونه ولكنهم يزعمون أن ذلك مبني على التجربة والإلهام. والذي يدل، من حيث النظر والبحث، على أن هذه الأشياء التي يقولون إن المولود إذا ولد في الدرجة الفلانية من البرج الفلاني دل على أن يكون كذا وكذا، باطلة لا اصل لها يرجع إليه أولو العقول السليمة. والدليل عليه أنهم يذكرون لكل درجة من درج كل برج حكماً يخالف الدرجة الأخرى. وهذا أمر يقضي أن ماهية كل درجة تخالف ماهية الدرجة الأخرى. وكل برج يخالف البرج الآخر باختلاف ماهيات درجاته، وهذا يؤدي إلى أن الفلك مركباً، وقد أقام أرباب المجسطي الدلائل المبرهنة على أنه بسيط. والبسيط ما أشبه جزؤه كله وأرباب المجسطي هم أصحاب الأصول في علم الفلك. ومتى ادعى مدع في أن الفلك مركب فسدت عليه أصول كثيرة ليس هنا موضع ذكرها. فثبت أن القول بأن كل درجة لها خصاة تمتاز بها في الحكم عن غيرها، باطل بهذا البرهان والله أعلم. وأيضاً فإن الصورة في الخارج تكذب هذه الدعاوي لأن الفلك مقسوم بثلاثمائة وستين درجة. وهذا تنكلوشا قد ذكر فيما تقدم أن هذه الست درج التي نص عليها يختص كل منها بعمى من يولد بها، وهي طالعة. فإذا فرضنا أن كل درجة يولد فيها مولود، يجب أن يوجد في كل ثلاثمائة وستين إنساناً ستة عميان. ونحن لا نشاهد الأعمى إلا في الآلاف. فما بقي غير الاعتراف والرجوع إلى الحق، والقول بأن الله تعالى اختار أن يكون هذا المولود أعمى دون غيره، لا أن ولد في الدرجة الثالثة من السرطان ولا أن ولد في العشرين من برج الأسد ولا في غير ذلك مما ادعوه أنه من خواص الدرجات المذكورة فسبحان الفاعل المختار القادر على ما يشاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 المقدمة التاسعة نوادر العميان قال بعضهم لبشار بن برد: ما أذهب الله كريمتي مؤمن إلا عوضه الله خيراً منهما. فبم عوضك؟ قال: بعدم رؤية الثقلاء مثلك. وقال بعضهم: يقال إن أهل هيت يكون أكثرهم عوراً. فرأيت رجلاً منهم صحيح العينين. فقلت له: إن هذا لغريب! فقال يا سيدي إن لي أخاً أعمى قد أخذ نصيبه ونصيبي. يقال: إن رجلاً أعمى تزوج امرأة قبيحة: فقالت له: رزقت أحسن الناس وأنت لا تدري. فقال لها: يا بظراء! أين كان البصراء عنك قبلي؟ قال بعضهم: نزلت في بعض القرى وخرجت في الليل لحاجة فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة ومعه سراج. فقلت له: يا هذا؟ أنت والليل والنهار عندك سواء! فما معنى السراج؟ فقال: يا فضولي! حملته معي لأعمى البصيرة مثلك، يستضيء به. فلا يعثر بي فأقع أنا وتنكسر الجرة. قيل إن الأعمش كان يقوده النخعي، وهو أعور. فيصيح بهما الصبيان: عين بين اثنين. فكان النخعي إذا انتهى إلى مجامعهم خلى عنه: فقال له الأعمش: ما عليك؟ يأثمون وتؤجر. فقال النخعي أن يسلموا ونسلم. قالت لأبي العيناء قينة يوماً: يا أعمى! فقال لها: ما استعين على وجهك بشيء أصلح من العمى. وسمع محمد بن مكرم رجلاً يقول: من ذهب بصره، قلت حيلته. فقال له: ما أغفلك عن أبي العيناء؟ وقال المتوكل يوماً: لولا ذهاب بصر أبي العيناء لنادمته؟ فبلغه ذلك. فقال: قولوا له إن أعفيتني من قراءة نقوش الخواتيم ورؤية الأهلة صلحت لغير ذلك. فبلغ المتوكل ذلك فضحك ونادمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 كان بحرم سيدنا الخليل، عليه الصلاة والسلام: شخصان أعميان! أحدهما ناظر الحرم والآخر شيخه. فرام الناظر عزل الخطيب فعارضه الشيخ ومنعه. فقال له الناظر كأنك قد شاركتني في النظر. فقال له: لا بل في العمى. فاستحي واستمر الخطيب. ودخل يزيد بن منصور الحميري على بشار وهو واقف بين يدي المهدي ينشد شعراً. فلما فرغ من إنشاده، أقبل يزيد بن منصور على بشار وقال له: ما صناعتك، يا شيخ، فقال له: أثقب اللؤلؤ. فضحك المهدي وقال لبشار: أغرب ويلك! اتتنادر على خالي؟ قال: وما أصنع به؟ يرى شيخاً أعمى قائماً ينشد الخليفة مديحاً، يقول له: ما صناعتك؟ قال بعضهم: رأيت ببغداد مكفوفاً يقول: من أعطاني حبة، سقاه الله من الحوض على يدي معاوية فتبعته حتى خلوت به ولطمته وقلت له يا كذا! عزلت أمير المؤمنين عن الحوض؟ فقال أردت أن اسقيهم بحبة على يد أمير المؤمنين؟ لا ولا كرامة! وقال الشافعي رضي الله عنه: رأيت باليمن أعميين يتقاتلان، وأبكم يصلح بينهما. قلت والأبكم الأخرس. قال حماد بن إسحاق: غنى علوية يوماً بحضرة أبي: فلا تبعد وكل فتىً سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي فقال أبي: مه! إن هذا البيت لمعرق في العمى. الشعر لبشار بن برد الأعمى، والغناء فيه لأبي زكار الأعمى، وأول الشعر: عميت أمري. قلت: حكى مسرور الخادم: قال لما أمرني الرشيد بضرب عنق جعفر البرمكي، دخلت عليه وأبو زكار عنده يغنيه: فلا تبعد البيت. فقلت في هذا والله أتيتك! وأخذت بيد جعفر وضربت عنقه. فقل أبو زكار: نشدتك بالله إلا ألحقتني به! فقلت له: وما رغبتك؟ قال: إنه أغناني عمن سواه بإحسانه، فما أحب أن أبقى بعده. فقلت: استأمر أمير المؤمنين. ولما أتيت الرشيد برأس جعفر، ذكرت له أمر أبي زكار. فقال: هذا رجل فيه مصطنع. فانظر إلى ما كان يجريه عليه جعفر، فأقره عليه. وقيل إن العمى شائع في بني عوف. إذا أسن الرجل منهم عمي. وقل من يفلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 عن ذلك. ولذلك قال أرطاة بن سهية يهجو شبيب بن البرصاء، من جملة أبيات: فلو كنت عوفياً عميت وأسهلت ... كذاك ولكن المريب مريب فقيل إن أرطاة لما قال هذا الهجو، كان كل شيخ من بني عوف يتمنى أن يعمى. ثم إن أرطأة لما قال هذا الهجو عمر ولم يعم. وكان شبيب يعيره بذلك. ثم إنه مات وعمي أرطاة. وكان يقول ليت شبيباً عاش فرآني أعمى فقال إن أبا العيناء لقي جده الأكبر علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فأساء مخاطبته فدعا عليه وعلى ولده بالعمى. وكل من كان منهم أعمى، فهو صحيح النسب. قال بعضهم: رأيت أعمى يجلد عميرة ويقول: فديتك يا سكينة! قال: فتناولت خشبة ولطختها بالخ ... ومسحتها بسباله. فلما شمها، جعل يقول: فسيت يا سكينة. كان الجنيد بن عبد الرحمن، يلي خراسان في أيام هشام. وظفر بصبيح الخارجي وبعدة من أصحابه. فقتلهم جميعاً، غير رجل أعمى، كان فيهم. فقال له الأعمى: أنا أدلك على أصحاب صبيح وأجازيك بما فعلت فكتب، له قوما، وكان الجنيد يقتلهم، حتى قتل مائة. فقال له الأعمى بعد ذلك، لعنكم الله! أتزعم أنه يحل لك دمي وأنا ضال ثم تقبل قولي في مائة قتلتهم. لا والله! ما كتبت لك من أصحاب صبيح رجلاً واحداً. وما هم إلا منكم. فقدمه الجنيد فقتله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 المقدمة العاشرة شعر العميان وما قيل فيهم من الغزل وغيره أنشد الجاحظ لابن عباس: إن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل ... وفي فمي صارم كالسيف مأثور وقال الخريمي: أسعى إلى قائدي ليخبرني ... إذا التقينا عمن يحييني يريد أن أعدل السلام وأن ... أفصل بين الشريف والدون اسمع ما لا أرى فأكره أن ... أخطئ والسمع غير مأمون لله عيني التي فجعت بها ... لو أن دهراً بها يواتيني لو كنت خيرت ما أخذت بها ... تعمير نوح في ملك قارون وقال صالح بن عبد القدوس: عزاءك أيها العين السكوب ... ودمعك إنها نوب تنوب وكنت كريمتي وسراج وجهي ... وكانت لي بك الدنيا تطيب فإن أك قد ثكلتك في حياتي ... وفارقني بك الإلف الحبيب فكل قرينة لا بد يوماً ... سيشعب إلفها عنها شعوب على الدنيا السلام فما لشيخ ... ضرير العين في الدنيا نصيب يموت المرء وهو يعد حياً ... ويخلف ظنه الأمل الكذوب يمنيني الطبيب شفاء عيني ... وما غير الإله لها طبيب إذا ما مات بعضك فابك بعضاً ... فإن البعض من بعض قريب وقال الخريمي: فإن يك عيني خبا نورها ... فكم قبلها نور عين خبا فلم يعم قلبي ولكنما ... أرى نور عيني لقلبي سعى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 وقال المعري: سواد العين زاد سواد قلبي ... ليتفقا على فهم الأمور قلت كلاهما أخذ المعنى من قول ابن عباس وقد تقدم. وقال بشار بن برد: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي القلب ما كانا وقال أيضاً: قالت عقيل بن كعب إذ تعلقها ... قلبي فأضحى به من حبها أثر أنى ولم ترها تهذي فقلت لهم ... إن الفؤاد يرى ما لا يرى البصر وقال أيضاً: يزهدني في حب عبدة معشر ... قلوبهم فيها مخالفة قلبي فقلت دعوا قلبي وما اختاروا رتضى ... فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب وقال أبو العز مظفر بن إبراهيم الضرير: قالوا عشقت وأنت أعمى ... ظبياً كحيل الطرف ألمى وحلاه ما عاينتها ... فنقول قد شغلتك وهما وخياله بك في المنا ... م فما أطاف ولا ألما من أين أرسل للفؤا ... د وأنت لم تنظره سهما فأجبت إني موسو ... ي العشق إنصاتاً وفهما أهوى بحارحة السما ... ع ولا أرى ذات المسمى ومن شعر علي بن عبد الغني الكفيف الحصري: قالت وهبتك مهجتي فخذ ... ودع الفراش ونم على فخذي وثنت إلى مثل الكثيب يدي ... فأجبتها نعم الأريكة ذي وهممت لكن قال لي أدبي ... بالله من سيطانك استعذ قالت عففت فعفت قلت لها ... مذ شبت باللذات لم ألذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 قال علي بن ظافر وهذا الشهر مما يعرف أنه من أشعار العميان من غير أن يذكر قائله. قلت: وقد امتحنت بذلك جماعة من الأدباء: فقلت. بأي شيء يستدل من هذه الأبيات على أنها شعر أعمى؟ فلم يتفطن أحد منهم لما فطن له علي بن ظافر رحمه الله. وقال يستدل به على أنه شعر أعمى قوله: نم على فخذي، وثنت إلى مثل الكثيب يدي. لأنه ما اهتدى لي أن ينام على فخذها حتى أخذت بيده وضعتها على فخذها. ألا ترى أنه لما لمسها قال: نعم الأريكة ذي. ولم يشكرها قبل لمسها. وهذه نكتة أدبية. وقال علاء الدين علي بن مظفر الوداعي في أعمى يرمي بابنة. موسوي الغرام يهوى بسمعي ... هـ ويشكو من رؤية العين ضرا يتوكاً على قضيب رطيب ... وله عنده مآرب أخرى لما تولى السقطي قضاء قوص سنه إحدى عشرة وسبعمائة وكان بصره ضعيفاً جداً حتى قيل إنه لا يبصر به جملة. وكان القاضي فخر الدين ناظر الجيوش قد قام في ولايته حد القيام، قال علاء الدين علي ابن أحمد بن الحسي الأصفوني: قالوا تولى الصعيد أعمى ... فقلت لا بل بألف عين ولما تولى ابن الأصبهاني وهو أعمى دار الزكاة، قال ابن المنجم المصري الشاعر: إن يكن ابن الأصبهاني من ... بعد العمى في الخدمة استنهضا فالثور في الدولاب لا يحسن اس ... تعماله إلا إذا غمضا وقال إبراهيم بن محمد التطيلي: شمس الظهيرة أعشت كوكبي بصري ... كذا سنا النجم في ضوء الضحى خمدا إن نازع الدهر في ثنتين من عددي ... فواحد في ضلوعي يبهر العددا تغنى عن الشهب في أجفانه مقلاً ... من كانت الشمس في أضلاعه خلدا من طال خلقاً نفى عن خلقه قصراً ... لا تقدر الجلد منه واقدر الجلدا لا يدرك الرمح شأ والسهم في غرض ... ولو تسلسل فيه متنه مددا لم يكف أني غريب الشخص في بلدي ... حتى غدوت غريب الطبع متحدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ومن المنحول لأبي العلاء المعري: أبا العلاء يا ابن سليمانا ... إن العمى أولاك إحسانا لو عاينت عيناك هذا الورى ... لم ير إنسانك إنسانا ومنه أيضاً: قالوا العمى منظر قبيح ... قلت بفقدانكم يهون والله ما في الوجود شيء ... تأسى على فقده العيون ومن شعر بشار بن برد: عميت جنيناً والذكاء من العمى ... فجئت عجيب الظن للعلم موئلا وغاض ضياء العين للعلم رافداً ... لقلب إذا ما ضيع الناس حصلا وشعر كنور الروض لاءمت بينه ... بقول إذا ما الشعر أحزن أسهلا وقال أبو بكر بن العلاف، وقد وقع في حفرة: قالت كأنك في الموتى فقلت لها ... قد مات من ذهبت والله عيناه عيناي كفاي لا طرف ألذ به ... وكيف يفرح من عيناه كفاه العز الضرير الإربلي، وقيل هي لغيره: وكاعب قالت لأترابها ... يا قوم ما أعجب هذا الضرير هل تعشق العينان ما لا ترى ... فقلت والدمع بعيني غزير إن كان في طرفي لا يرى شخصها ... فإنها قد صورت في الضمير أنشدني ناصر الدين شافع من لفظه لنفسه: أضحى وجودي برغمي في الورى عدماً ... إذ ليس لي فيهم ورد ولا صدر عدمت عيني وما لي فيهم أثر ... فهل وجود ولا عين ولا اثر وقال علي بن عبد الغني الحصري: وقالوا قد عميت فقلت كلا ... وإني اليوم أبصر من بصير سواد العين زاد سواد قلبي ... ليجتمعا على فهم الأمور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 وقال أبو علي البصير الأعمى: لئن كان يهديني الغلام لوجهتي ... ويقتادني في السير إذ أنا راكب فقد يستضيء القوم بي في أمورهم ... ويخبو ضياء العين والرأي ثاقب وقال أيضاً: إذا ما غدت طلابة العلم مالها ... من العلم إلا ما يخلد في الكتب غدوت بتشمير وجد عليهم ... ومحبرتي سمعي ودفترها قلبي وقال عز الدين أحمد بن عبد الدائم: إن يذهب الله من عيني نورهما ... فإن قلبي بصير ما به ضرر أرى بقلبي دنياي وآخرتي ... والقلب يدرك ما لا يدرك البصر وقال ابن التعاويذي من قصيدة: حتى رمتني رميت بالأذى ... بنكبة قاصمة الظهر وأوترت في مقلة قلما ... علمتها باتت على وتر أصبتني فيها على غرة ... بعائر من حيث لا أدري جوهرة كنت ضنيناً بها ... نفيسة القيمة والقدر إن أنا لم أبك عليها دماً ... فضلاً عن الدمع فما عذري مالي لا أبكي على فقدها ... بكاء خنساء على صخر وقال أيضاً: أظل حبيساً في قرارة منزلي ... رهين أسىً أمسي عليه وأصبح مقامي منه مظلم الجو قاتم ... ومسعاي ضنك وهو ضحيان أفيح أقاد به قود الجنيبة مسمحاً ... وما كنت لولا غدرة الدهر أسمح كأني ميت لا ضريح لجنبه ... وما كل ميت لا أبالك يضرح وقال أيضاً: فها أنا كالمقبور في كسر منزلي ... سواء صباحي عنده ومسائي يرق ويبكي حاسدي لي رحمةً ... وبعداً لها من رقة وبكاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 وقال أيضاً: وأصبت في عيني التي ... كانت هي الدنيا بعين عين جنيت بنورها ... نور العلوم وأي عين حالان مستني الحوا ... دث منهما بفجيعتين إظلام عين في ضيا ... ء من مشيب سرمدين صبح وإمساء معاً ... لا خلفةً فأعجب لذين أو رحت في الدنيا من ال ... سراء صفر الراحتين في برزخ منها أخاً ... كمد حليف كآبتين أسوان لا حي ولا ... ميت كهمزة بين بين وكأنني لم أسع من ... ها في طريق مرتين وكأنني متعت من ... ها نظرةً أو نظرتين وقال أيضاً: يا لك من ليل حجا ... ب جنحه معتكر ظلامه لا ينجلي ... وصبحه لا يسفر ليس له إلى المم ... ات آخر ينتظر ما في حياة معه ... لذي حصاة وطر غادرني كأنني ... في كسر بيتي حجر لا اهتدي لحاجتي ... وفي الليالي عبر أين الشباب والمرا ... ح والهوى والاشر لم يبق لي إلا الأسى ... منهن والتذكر وقال أيضاً: ألا كم لمسجون بغير جناية ... يعد من الموتى وما حان يومه يروعه عند الصباح انتباهه ... فطوبى له لو طال وامتد نومه جفاه بلا ذنب أتاه صديقه ... وأسلمه للحزن والهم قومه وأرخص منه الدهر ما كان غالياً ... على مشترى الإخوان في الناس سومه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وقال النور الإسعردي: لما اضر. قد كنت من قبل في أمن وفي دعة ... طرفي يرود لقلبي روضة الأدب حتى تلقبت نور الدين فانعمشت ... عيني وحول ذاك النور للقب وقال، وقد أخذ الكحال منه ذهباً ولم يبرأ: عجب لذا الكحال كيف أضلني ... ولكم أضل بميله وبمينه ذهب اللئيم بناظري وما رثى ... لأخي الأسى إذراح منه بعينه أأصاب منه في ثلاثة أعين ... هذا لعمركم الصغار بعينه وقال: يا سائلي لما رأى حالتي ... والطرف مني ليس بالمبصر لست أحاشيك ولكنني ... سمحت للعينين للأعور وقال: لله في هذا الورى حكمة ... وأنعم أعيت على الحاضر عوضني والله ذو رحمة ... عن ناظري الباصر بالناصر ابن قزل يتغزل في عمياء: قالوا تعشقها عمياء قلت لهم ... ما شأنها ذاك في عيني ولا قدحا بل زاد وجدي فيها أنها أبداً ... لا تعرف الشيب في فودي إذا وضحا إن يجرح السيف مسلولاً فلا عجب ... وإنما أعجب لسيف مغمد جرحا كأنما هي بستان خلوت به ... ونام ناطوره سكران قد طفحا تفتح الورد فيه من كمائمه ... والنرجس الغض فيه بعد ما افتتحا وقال أيضاً: علقتها عمياء مثل المها ... فخان فيها الزمن الغادر أذهب عينيها فأنسانها ... في ظلمة لا يهتدي حائر تجرح قلبي وهي مكفوفة ... وهكذا قد يفعل الباتر ونرجس اللحظ غداذا بلاً ... واحسرتا لو أنه ناظر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 أبن سنا الملك في عمياء: شمس بغير الليل لم تحتجب ... وفي سوى العينين لم تكسف مغمدة المرهف لكنها ... تفتك بالغمد بلا مرهف رأيت منها الخلد في جؤذر ... وناظري يعقوب في يوسف وقال أيضاً: فتنتي مكفوفة ناظراها ... كتبا لي من الجراح أمانا فهي لم تسلل الجفون حساماً ... لا ولم تحمل الفتور سنانا وهي بكر العينين محصنه آل ... أجفان ما افتض ميلها الأجفانا قصرت عشقها علي فلم تعشق ... فلاناً غذ لم تعاين فلانا عميت من هواي وارتحل الإنسان ... من عينها وأخلى المكانا علمت غيرتي عليها فخافت ... أن يسمى غيري لها إنسانا وقال أيضاً: إن الكمال أصاب في محبوبتي ... لما أصاب بعينه عينيها زادت حلاوتها فصرت تخالها ... وسنى وقد أسر الكرى جفنيها وكما علمت وللدبيب حلاوة ... فكأنني أبداً أدب عليها وقلت أنا في مليح أعمى: أيا حسن أعمى لم يجد حد طرفه ... محب غدا سكران فيه وما صحا إذا طار قلب بات يرعى خدوده ... غدا آمناً من مقلتيه الجوارحا وقلت فيه أيضاً: ورب أعمى وجهه روضةً ... تنزهي فيها كثير الديون في خده ورد غنينا به ... عن نرجس ما فتحته العيون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 خاتمة لهذه المقدمات قل أن وجد أعمى بليداً، ولا يرى أعمى إلا وهو ذكي: منهم الترمذي الكبير الحافظ. والفقيه منصور المصري الشاعر. وأبو العيناء. والشاطبي المقري. وأبو العلاء المعري. والسهيلي صاحب الروض الأنف. وابن سيدة اللغوي. وأبو البقاء العكبري. وابن الخباز النحوي. والنيلي شارح الحاجبية. وغيرهم على ما يمر بك فيما بعد. والسبب الذي أراه في ذلك، أن ذهن الأعمى وفكره يجتمع عليه، ولا يعود متشعباً بما يراه، ونحن نرى الإنسان إذا أراد أن يتذكر شيئاً نسيه، أغمض عينيه وفكر، فيقع على ما شرد من حافظته. وفي المثل: أحفظ من العميان، أورده الميداني في أمثاله. وأورد الجاحظ في كتاب البيان والتبيين، قول ذي الرمة: حوراء في دعج صفراء في نعج ... كأنها فضة قد مسها ذهب قالوا: لأن المرأة الرقيقة اللون، يكون بياضها بالغداة يضرب إلى الحمرة، وبالعشي يضرب إلى الصفرة. ولذلك قال الأعشى: بيضاء ضحوتها وصفراء العشية كالعرارة وقال بشار: فإن دخلت تقنعي بالح ... حسن إن الحسن أحمر ثم قال الجاحظ: وهذان أعميان قد اهتديا من حقائق الأمور إلى ما لا يبلغه تمييز البصراء. ولبشار خاصة في هذا الباب ما ليس لأحد. قلت: تعجب الجاحظ من قول الأعشى وبشار. وكيف به لو سمع قول أبي العلاء المعري: رب ليل كأنه الصبح في الحسن ... وإن كان أسود الطيلسان قد ركضنا فيه إلى اللهو حتى ... وقف النجم وقفة الحيران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فكأني ما قلت والبدر طفل ... وشباب الظلماء في العنفوان ليلتي هذه عروس من الز ... نج عليها قلائد من جمان وكان الهلال يهوى الثريا ... فهما للوداع معتنقان وسهيل كوجنة الحب في اللو ... ن وقلب المحب في الخفقان يسرع اللمح في احمرار كما ... تسرع في اللمح مقلة الغضبان ثم شاب الدجى فخاف من الهجر ... فغطى المشيب بالزعفران وقوله: ولاح هلال مثل نون أجادها ... بجارى النضارا لكاتب ابن هلال وأخبرني الشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري المعروف بابن الأكفاني، قال: كان بالديار المصرية ضرير سماه لي وأنسيته وأظنه يقرئ الطلبة كتاب أقليدس ويضع أشكاله لهم بالشمع، وهذا من أغرب ما يكون. وأخبرني من لفظه أيضاً الشيخ الإمام أقضى القضاة شرف الدين أبو العباس أحمد بن القاضي الإمام المقرئ الشيخ شهاب الدين الحسين ابن سليمان الكفري الحنفي، قال: ذكر لي والدي أنه كان في القليجية بواب يعرف بممدود أعمى، وانه كان يخيط القماش ويضع الخيط في الإبرة في فمه، وينجم جيداً، ويضع الجاخ على الجاخ عند الخياطة. قلت: أما إدخال الخيط في الإبرة، فقد رأيت أنا أعمى وعمياء كانا في صفد وكانا يضعان الإبرة في فمهما ويدخلان الخيط في خرت الإبرة. وأما التنجيم فأمر يهون لأنه مغدوق بالحساب، فيمكن ضبطه. وأما وضع الجاخ على الجاخ فهذا أمر يبهر العقل. وحكى لي الشيخ يحيى بن محمد الخباز الحموي، قال: كان عندنا في حماة أعمى يعرف بنجم. يلعب بالحمام ويصيد الطير الغريب، فاستبعدت صيد الطائر الغريب، فقال لي؟ سألته عن ذلك، فقال إن طيوري أبخرها ببخور أعرفه وأطيرها، فإذا طارت ونزلت ومعها الطير الغريب هدرت حوله فاعرف أن معها غريباً، فأرمي السب على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 الجميع، وآخذها واحداً بعد واحد فأشمه. فالذي فيه شيء من بخوري أعرف أنه غريب فأصطاده. وأما أنا فقد رأيت في الديار المصرية إنساناً بعلاء الدين بن قيدان أعمى. وهو عالية في الشطرنج يلعب ويتحدث وينشد الشعر ويتوجه إلى بيت الخلاء ويعود إلى اللعب ولا يتغير عليه نقل شيء من القطع. وهذا معروف يعرفه أصحابنا في القاهرة. وكان عندنا في صفد شخص أعمى، يعرف بشمس كان يستقى من البئر ويملا بحق كبير ويتوجه بذلك إلى بيوت الناس وزبوناته وهو مع كل ذلك بغير عصاً: ورأيته يوماً هو وزوجةً له متوجهين إلى حمام عين الزيتون، وفي الطريق عقبة تعرف بعقبة عين الورد: وتحتها واد وقد أخذ بيد زوجته، وهو يقول لها تعالي إلى هنا لا تتطر في تقعي في الوادي، والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 النتيجة تراجم العميان هي الغرض المطلوب من هذا الكتاب. فأنا أذكر كل من وقع لي ذكره وهو أعمى. سواء ولد أعمى أو طرأ عليه العمى بمرض أو غيره. فأسردهم على حروف المعجم ليسهل كشفه. حرف الهمزة إبراهيم بن إسحاق الأديب اللغوي الشاعر أبو إسحاق الضرير البارع. قال ياقوت: سمع الحديث بالبصرة والأهواز وبغداد بعد الأربعين وثلاثمائة. وكان من الشعراء المجودين. طاف بعض الدنيا واستوطن نيسابور، إلى أن مات بها في سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وتعلم الفقه والكلام. قال ذلك كله الحاكم، ولقيه وروى عنه. إبراهيم بن جعفر أمير المؤمنين أبو إسحاق المتقي لله بن المقتدر بن المعتضد. ولد سنة سبع وتسعين ومائتين، واستخلف سنة تسع وعشرين وثلاثمائة بعد أخيه الراضي بالله. فوليها إلى سنة ثلاث وثلاثين. ثم إنهم خلعوه وسملوا عينيه، وبقي في قيد الحياة. وكان حسن الجسم أبيض أشقر الشعر مشرباً حمرةً أشهل العينين. وكان فيد دين وصلاح وكثرة صلاة وصيام. لا يشرب الخمر: توفي رحمه الله تعالى في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 السجن سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. فكانت خلافته ثلاث سنين وأحد عشر شهراً. وكانت وفاته بعد خمس وعشرين سنة من خلعه. وكانت أيامه منغصة عليه، لاضطراب الأتراك حتى أنه فر إلى الرقة فلقيه الأخشيد صاحب مصر، وأهدى له تحفاً كثيرة، وتوجع لما ناله من الأتراك، ورغبه في أن يسير معه إلى مصر. فقال: كيف أقيم في زاوية من الدنيا، وأترك العراق متوسطة الدنيا وسرتها، ومقر الخلافة وينبوعها. ولما خلا بخواصه قالوا له: الرأي أن تسير معه إلى مصر لتستريح من هؤلاء. فقال: كيف يحسن في رأيكم أنا نتمكن مع حاشية غريبة منا، عرية من إحساننا الوافر إليها، وقد رأيتم أن خواصنا الذين هم برأي العين منا، ومستغرقون في إحساننا لما تحكموا في دولتنا، ووجدوا لهم علينا مقدرة، كيف عاملونا. فكيف يكون حالنا في ديار قوم إنما يرون أنهم خلصونا مما نزل بنا، ثم إنه سار حتى قدم بغداد بعد أن خاطبه توزون أمير الأتراك، وحلف له أن لا يغدر به. وزينت له بغداد دزينة ضرب بها المثل، وضربت له القباب العجيبة في طريقه. فلما وصل إلى السندية على نهر عيسى، قبض عليه توزون وسمله، وبايع المستكفي من ساعته، ودخل بغداد في تلك الزينة، فكثر تعجب الناس من ذلك. وقال المتقي في ذلك: كحلونا وما شكو ... نا إليهم من الرمد ثم عاثوا بنا ونح ... ن أسود وهم نقد كيف يغتر من أقم ... نا وفي دستنا قعد قلت: ما اغتر المستكفي بالله بعده بتوزون ولم يزل إلى أن سمه وقتله، ولكنه دخل إليه معز الدولة بن بويه، فخلعه وسمله على ما سيأتي في ترجمة المستكفي بالله، واسمه عبد الله بن علي. إبراهيم بن سعيد بن الطيب أبو إسحاق الرفاعي الضرير. قدم واسط صبياً فدخل الجامع وهو ذو فاقة، فآتى حلقة عبد الغفار الحصيني، فتلقن القرآن. وكان معاشه من أهل الحلقة، ثم أصعد إلى بغداد فصحب أبا سعيد السيرافي، وقرأ عليه شرحه لكتاب سيبويه، وسمع منه كتب اللغة والدواوين، وعاد إلى واسط وقد مات عبد الغفار. فجلس يقرئ الناس في الجامع، ونزل في الزيدية من واسط؟ وهناك تكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الرافضة والعلويون، فنسب إلى مذهبهم، ومقت وجفاه الناس وكان شاعراً، ومن شعره: وأحبه ما كنت أحسب أنني ... أبلى بينهم فبنت وبانوا نأت المسافة فالتذكر حظهم ... مني وحظي منهم النسيان وتوفي سنة إحدى عشرة وأربعمائة. ودفن مع غروب الشمس، ولم يكن معه إلا اثنان، وكادا يقتلان: وكان غاية في العلم. ومن غد ذلك النهار. توفي رجل من حشو العامة فأغلقت البلدة من أجله. قال ذلك ياقوت والله أعلم. إبراهيم بن سليمان بن رزق الله بن سليمان بن عبد الله الورديسي أبو الفرج الضرير. ولد بورديس وهي قرية عند إسكاف. ودخل بغداد في صباه. وسمع أبا الخطاب بن البطر، ورزق الله بن عبد الوهاب التميمي، وأحمد بن خيرون، وأحمد بن الحسن الكرجي وأحمد بن عبد القادر بن يوسف، وأبا الفوارس طراد بن محمد الزينبي، وغيرهم. قال ابن النجار: كان فهماً حافظاً لأسماء الرجال، روى عنه شيخنا ابن بوش. وقال أخبرني الحريمي قال اخبرنا ابن السمعاني. قال: أبو الفرج الودريسي، شيخ ثقة حسن السيرة يفهم الحديث سمع الكثير بنفسه، وله أصول. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة. ودفن بباب حرب والله أعلم. إبراهيم بن محاسن بن حسان القضاعي أبو إسحاق الضرير. من أهل قصر قضاعة من نواحي شهرابان. خدم في بغداد في صباه، وحفظ بها القرآن، وصار من قراء دار الخلافة، واجتدى الناس بالشعر، ومن شعره وفيه لزوم: بسمت وهناً فأومض البرق ... ومشت زهواً فغنت الورق قدك والغصن ليس بينهما ... إذا تثنيت وانثنى فرق والوجه والفرع يا معذبتي ... ذا مغرب وذا شرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد أبو إسحاق برهان الدين الواني. بواو مفتوحة وألف بعدها نون، رئيس المؤذنين بجامع بني أمية. سمع من إبراهيم بن عمر بن مضر الواسطي، وأيوب بن أبي بكر الفقاعي، وابن عبد الدائم: توفي رحمه الله تعالى ليلة الخميس سادس صفر سنة خمس وثلاثين وسبعمائة. وصلى عليه ظهر الخميس، بالجامع الأموي، ودفن بمقابر الباب الصغير. وكان قد أضر قبل موته بسنين، ويطلع في مأذنة العورس ويؤذن، والناس يقولون هو يودع الأذان، وأقام على ذلك سنين. وكان صيتاً طيب النغمة، جهوري الصوت. أجاز لي سنة ثلاثين وسبعمائة وكتب عنه ولده. إبراهيم بن محمد بن موسى بن أبي القاسم، أبو إسحاق الكردي الضرير الهذباني، ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وستين وستمائة، وهو من شيوخ الدمياطي. سمع من عبد الخالق فيروز الجوهري، وحدث بالقاهرة ودمشق والله أعلم. إبراهيم بن محمد التطيلي بضم التاء ثالثة الحروف وفتح الطاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها لام وياء النسب. أبو إسحاق الضرير، قال ابن الابار: نشا بقرطبة وسكن إشبيلية، وكان يعرف بالتطيلي الأصغر، رقا بينه وبين أبي العباس أحمد التطيلي، وكان بعده بزمان يسير، ومن شعره: أتاك العذار على غرة ... وقد كنت في غفلة فانتبه وقد كنت تأبى زكاة الجمال ... فصار شجاعاً وطوقت به ومنه: ومعذر رقت له حمر الصبا ... حيث العذار حبابها المترقرق ديباج حسن كان غفلاً ناقصاً ... فأتمه علم الشباب المونق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وشكا الجمال مقيله في ورده ... فأظله آس العذار المشرق هامت بماء الفضل شامة خده ... فغدا العذار زويرقاً لا يغرق إبراهيم بن مسعود بن حسان المعروف بالوجيه الصغير النحوي. ويعرف جده بالشاعر؟ وإنما سمى بالوجيه الصغير لأنه كان ببغداد نحوي يعرف بالوجيه الكبير، واسمه المبارك: وسيأتي ذكره في مكانه، وكلاهما ضرير: وكان إبراهيم هذا من أهل الرصافة ببغداد. وكان عجباً في الذكاء وسرعة الحفظ. كان يحفظ كتاب سيبويه أو أكثره. ويحفظ غير ذلك من كتب الأدب. وأخذ النحو عن مصدق بن شبيب، وكان أعلم منه وأصفى ذهناً. واعتبط شاباً في جمادى الأولى سنة تسعين وخمسمائة. قال ياقوت: ولو قدر الله أن يعيش كان آية من الآيات، والله أعلم. أحمد بن إبراهيم ! بن حسن بن إبراهيم بن جعفر بن أحمد بن هشام بن يوسف ابن توهيت القرشي الأموي البهنسي، علم الدين القمني الضرير المقتي الفقيه. ولد سنة عشرين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وثمانين وستمائة. روى عن ابن الجميزي وغيره، وأعاد بالظاهرية بالقاهرة. وكانوا يكتبون عنه في الفتوى. أخبرني من لفظه الإمام العلامة أثير الدين أبو حيان رحمه الله تعالى. قال: كان فقيهاً فاضلاً، له مشاركة في نحو وأصول، وكان في الحفظ آية يحفظ السطور الكثيرة والأبيات من سمعة واحدة، وكان يقعد يوم الجمعة تحت الخطيب فيحفظ الخطبة من إنشاء الخطيب في مرة واحدة، ويمليها بعد ذلك؟ إلا أنه كان لا يثبت له الحفظ. وكان فيه صلاح وديانة، وله أدب ونظم ونثر. قال: كنت في درس قاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن العلامي، فنعى لي شيخنا اللغوي الإمام رضي الدين الشاطبي، فنظمت في الدرس أرثيه رضي الله تعالى عنه. نعى لي الرضى فقلت لقد ... نعى لي شيخ العلا والأدب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 فمن للنحاة ومن للغات ... ومن للتقاة ومن للنسب لقد كان للعلم بحراً فغار ... وإن غور البحار العجب فقدس من عالم عامل ... أثار شجوني لما ذهب ثم أنشدتها في الدرس لقاضي القضاة، فسمعها الشيخ علم الدين القمني فحفظها وأنشدنا مرتجلاً نظمت كلاماً يفوق اللجين ... جمالاً وينسى نضار الذهب فقمت بحق الرثاء الذي ... بشرع المودة فرض وجب وأنشدته بشجى موجد ... لكل القلوب شجون الطرب فأذكيت فينا لهيب الأسى ... وهيجت فينا جمار الحرب بنظم رقيق رشيق إلى ... جميع القلوب الرقاق اقترب فبلغك الله ما ترتضي ... وأعطاك أقصى المنى والأرب أحمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور ابن الشيخ العماد المقدسي الصالحي. ولد سنة ثمان وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وثمانين وستمائة. سمع من ابن الحرستاني، وابن ملاعب، وأبيه، والشيخ الموفق، وطائفة. ورحل إلى بغداد متفرجاً. وسمع من عبد السلام الداهري، وعمر بن كرم. واشتغل ثم انخلع من ذلك وتجرد فقيراً. وكان سليم الصدر عديم التكلف والتصنع، وفيه تعبد وزهد، وله أتباع ومريدون، وللناس فيه عقيدة وكان الصاحب بهاء الدين يزوره. قال الشيخ شمس الدين الذهبي رحمه الله تعالى؟ إلا انه كان يأكل عشبة الفقراء فيما قيل، ويقول هي لقيمة الذكر والفكر، وربما صحب الحريري. وسمع منه الشيخ أبي جمال الدين المزي، والشيخ علم الدين البرزالي، والطلبة. وأقام مدة بزاوية له بسفح قاسيون. وكف بصره، ودفن يوم عرفة عند قبر والده رحمهما الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 أحمد بن الحسن أمير المؤمنين الإمام الناصر لدين الله أبو العباس بن الإمام المستضيء بن الإمام المستنجد. ولد يوم الإثنين عاشر شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. وبويع له في أول ذي القعدة سنة خمس وسبعين. وتوفي رحمه الله تعالى سلخ شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين وستمائة. فكانت خلافته سبعاً وأربعين سنة: وكان أبيض اللون تركي الوجه مليح العينين أنور الجبهة أقنى الأنف خفيف العارضين أشقر اللحية رقيق المحاسن نقش خاتمه رجائي من الله عفوه. أجاز له أبو الحسين عبد الحق اليوسفي، وأبو الحسن علي بن عساكر، والبطائحي، وشهدة، وجماعة. وأجاز هو لجماعة من الكبار، فكانوا يحدثون في حياته ويتنافسون في ذلك. وكان أبوه المستضيء قد تخوفه فاعتقله ومال إلى أخيه أبي منصور. وكان ابن العطار وأكثر الدولة بنفشا حظية المستضيء والمجد بن الصاحب، مع أبي منصور، ونفر يسير مع الناصر. فلما بويع قبض على ابن العطار، وسلمه إلى المماليك، فأخرج بعد سبعة أيام ميتاً، وسحب في الأسواق. وتمكن المجد بن الصاحب وزاد وطغى إلى أن قتل. قال الموفق عبد اللطيف: وكان الناصر شاباً مرحاً عنده ميعة الشباب، يشق الدروب والأسواق أكثر الليل، والناس يتهيبون لقاءه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وظهر التشيع بسبب ابن الصاحب، ثم انطفئ بهلاكه، وظهر التسنن المفرط، ثم زال. وظهرت الفتوة والبندق والحمام الهادي، وتفنن الناس في ذلك. ودخل فيه الأجلاء ثم الملوك، فألبسوا الملك العادل وأولاده سراويل الفتوة، والبسوا شهاب الدين الغوري ملك غزنة والهند وصاحب كيش وأتابك سعد صاحب شيراز والظاهر صاحب حلب. وتخوفوا من السلطان طغريل وجرت بينهم حروب، وفي الآخر استدعوا تكش لحربه وهو خوارزم شاه فالتقى معه على الري واحتز رأسه وسيره إلى بغداد، وكان الناصر قد خطب لولده الأكبر أبي نصر بولاية العهد، ثم ضيق عليه لما استشعر منه وعين أخاه، وألزم أبا نصر بأن اشهد على نفسه أنه لا يصلح، وانه قد نزل عن الأمر. ولم يزل الناصر مدة حياته، في عز وجلالة، وقمع الأعداء، والاستظهار على الملوك، لم يجد ضيماً، ولا خرج عليه خارجي إلا قمعه، ولا مخالف إلا دمغه. وكان شديد الاهتمام بالملك ومصالحه، لا يكاد يخفى عليه شيء من أمور رعيته كبارهم وصغارهم. وأصحاب الأخبار في أقطار الأرض، يواصلون إليه أحوال الملوك الظاهرة والباطنة. وكانت له حيل لطيفة، ومكائد خفية، وخدع لا يفطن لها أحد. يوقع الصداقة بين ملوك متعادين ويوقع العداوة بين ملوك متصادقين، وهم لا يشعرون. ولما دخل رسول صاحب مازندران بغداد، كان يأتيه ورقة كل صباح بما فعله في الليل. وكان يبالغ في كتمان أمره والورقة تأتيه، فاختلى ليلة بامرأة دخلت إليه من باب السر، فصبحته الورقة بذلك. وكان فيها كان عليكم دواج فيه صورة الفيلة، فتحير وخرج من بغداد وهو لا يشك أن الغمام الناصر يعلم الغيب، لأن الإمامية يعتقدون أن الإمام المعصوم يعلم ما في بطن الحامل وما وراء الجدار. وأتى رسول خوارزم شاه برسالة مخفية، وكتاب مختوم، فقيل له ارجع، فقد عرفنا ما جئت به، فرجع وهو يظن أنهم يعلمون الغيب. ورفع إليه في المطالعات، أن رجلاً كان واقفاً والعسكر خارج إلى ششتر، في قوة الأمطار، وشدة البرد، فقال: كنت أريد من الله من يخبرني إلى أين يمضي هؤلاء المدابير. ويسفقني مائة خشبة، فلم تزل عين الرافع ترقب القائل، حتى وصل إلى مستقره خشية أن يطلب، فأمر الناصر في الحال، أن يطلبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 الوزير ويضربه مائة خشبة فإذا تمت يعلمه إلى أين يذهب العسكر؟ فلما ضربه وهو لا يعلم علام ضرب، نسي أن يعلمه إلى أين يذهب العسكر فما انفصل عن المكان قليلاً حتى تذكر الوزير ذلك. فقال ردوه فعاد مرعو بأخشية زيادة العقوبة، فلما وصل، قال له الوزير قد أمر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن نعلمك بعد أن نؤدبك إلى أين يمضي العسكر، العسكر يمضي إلى ششتر، فقال: لا كتب الله عليهم سلامة. فضحك الحاضرون، ورفع الحبر إلى الناصر. فقال: يغفر له سوء أدبه، لحس نادرته، ولطف موقعها، ويدفع إليه مائة دينار، عدد الخشب الذي ضربه. ويحكى عنه نوادر من هذا وغرائب وعجائب. وكان يعطى في مواضع عطاء من لا يخشى الفقر. وجاءه رجل ومعه ببغا من الهند. تقرأ قل هو الله أحد، فأصبحت ميتة، فجاءه فراش يطلب الببغا؟ فبكى وقال الليلة ماتت. فقال: عرفنا بموتها، وكم كان في ظنك أن يعطيك. فقال: خمسمائة دينار. فقال: خذ هذه خمسمائة دينار، فإنه علم بحالك منذ خروجك من الهند. وقال الظهير الكازروني في تاريخه. قال الشيخ شمس الدين الذهبي وأجازه لي: إن الأنصار في وسط خلافته، هم بترك الخلافة والانقطاع للتعبد، وكتب عنه ابن الضحاك توقيعاً قرئ على الأعيان. وبنى رباطاً للفقراء، واتخذ إلى جانب الرباط داراً لنفسه، كان يتردد غليها، ويحاصر الصوفية، وعمل له ثياباً كثيرة بزي الصوفية. قال الشيخ شمس الدين: ثم ترك ذلك كله ومله سامحه الله. قال ابن النجار: وملك من المماليك ما لم يملكه سواه ممن تقدمه من الخلفاء. وخطب له بالأندلس والصين. وكان أسد بني العباس. وقيل له إن شخصاً يرى خلافة يزيد، فأحضره ليعاقبه، فقيل له أتقول بصحة خلافة يزيد. فقال: أنا أقول إن الغمام لا ينعزل بارتكاب الفسق، فأمر بإطلاقه وأعرض عنه وخاف المحاققة. وكتب له خادم اسمه يمن: ورقة عتب فوقع فيها. بمن يمن يمن ثمن يمن ثمن ثمن. فيقال إن الخادم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 أعاد الجواب وقد كتب فيه. يمن يمن بمن ثمن يمن ثمن ثمن. ولما صرف ابن زيادة عن عمل كان يتولاه ولم يبن لابن زيادة سبب عزله، رفع إليه شعرا منه هذا البيت: هب أن ذلك عن رضاك فمن ترى ... يدري مع الإعراض أنك راض فوقع له على رقعته، الاختيار صرفك، والاختبار صرفك، وما عزلناك لخيانة، ولا لجناية، ولكن للملك أسرار، لا تطلع عليها العامة، ولتعلمن نبأه بعد حين. قال شمس الدين الجزري: حدثني والدي قال سمعت الوزير مؤيد الدين بن العلقمي لما كان على الأستاذ دارية يقول: إن الماء الذي يشربه الإمام الناصر، كانت تحبيبه الدواب من فوق بغداد بسبعة فراسخ، ويغلي سبع غلوات، كل يوم غلوة، ثم يجلس في الأوعية سبعة أيام، ثم يشرب منه؟ وبعد هذا مات حتى سقى المرقد ثلاث مرات، وشق ذكره، وأخرج منه الحصى. وقال الموفق أما مرض موته فسهو ونسيان، بقي ستة اشهر ولم يشعر بكنه حاله أحد من الرعية، حتى خفي على الوزير وعلى أهل الدار، وكان له جارية قد علمها الخط بنفسه، فكانت تكتب مثل خطه، فتكتب على التوقيع بمشورة قهرمانة الدار. ولما مات بويع لولده أبي نصر، ولقب الظاهر بأمر الله. وقال ابن الأثير: بقى الناصر عاطلاً من الحركة بالكلية ثلاث سنين، قد ذهبت إحدى عينيه وفي الآخر أصابه ذو سنطارياً عشرين يوماً، ولم يطلق في مرضه شيئاً مما كان أحدثه من الرسوم. وكان يسيء السيرة، خرب في أيامه العراق، وتفرق أهله في البلاد، وأخذ أموالهم وأملاكهم، وكان يفعل الشيء وضده. وقال أبو المظفر بن الجوزي: قل بصر الخليفة في الآخر، وقيل ذهب جملة، وكان خادمه رشيق قد استولى على الخلافة وأقام مدة يوقع عنه. [منه شدة، وشق ذكره مرارا، ومازال يعترية حتى قتله، وغسله خالى محيى الدين يوسف] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 أحمد بن الحسين : أبو مجالد الضرير، مولى المعتصم أمير المؤمنين. كان من الدعاة إلى مذهب الأعتزال. توفي سنة سبعين ومائتين رحمه الله تعالى. أحمد بن الحسين بن أحمد بن معالي بن منصور. العلامة شمس الدين أبو عبد الله الإربلي الموصلي النحوي الضرير. ابن الخباز صاحب التصانيف وشرح الألفية لابن معطي. وكان أستاذاً بارعاً في النحو واللغة والعروض والفرائض، وله شعر. توفي رحمه الله تعالى سنة تسع وثلاثين وستمائة، والله أعلم. أحمد بن خالد أبو سعيد الضرير. لقى أبا عمرو الشيباني، وابن الأعرابي، وكان يلقى الأعراب الفصحاء الذين استوردهم ابن طاهر نيسابور فيأخذ عنهم. مثل عرام، وأبى العميثل، وأبي العيسجور، وأبي العجيس، وعوسجة، وأبي العذافر، وغيرهم. وقال ابن الأعرابي لبعض من لقيه من الخراسانية: بلغني أن أبا سعيد الضرير يروى عنه أشياء كثيرة فلا تقبلوا منه من ذلك غير ما يرويه من أشعار العجاج ورؤبة، فإنه عرضهما علي وصححهما. وخرج أبو سعيد على أبي عبيد من غريب الحديث جملة مما غلط فيه، وأورد في تفسيره فوائد كثيرة، ثم عرضها على عبد الله بن عبد الغفار، وكان أحد الأدباء، فقال لأبي سعيد ناولني يدك، فناوله؟ فوضع الشيخ في كفه متاعه وقال له اكتحل بهذا يا أبا سعيد حتى تبصر، فكأنك لا تبصر. وكان يقول أبو سعيد؟ إذا أردت أن تعرف خطا أستاذك جالس غيره. وكان مثرياً ممسكاً لا يكسر رغيفاً إنما يأكل عند من يختلف إليهم؟ لكنه كان أديب النفس عاقلاً. حضر يوماً مجلس عبد الله بن طاهر فقدم إليه طبق عليه قصب السكر؟ وقد قشر، وقطع كاللقم فأمره عبد الله أن يتناول منه: فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 إن لهذا لفاظة ترتجع من الأفواه وأنا أكره لك في مجلس الأمير، فقال عبد الله: ليس بصاحبك من احتشمك واحتشمته، أما إنه لو قسم عقلك على مائة رجل لصار كل رجل منهم عاقلاً. وكان أبو سعيد يوماً في مجلسه إذ هجم عليه مجنون من أهل قم فسقط على جماعة من أهل المجلس، فاضطرب الناس لسقطته ووثب أبو سعيد لا يشك أن ذلك آفة لحقتهم من سقوط جدار أو شرود بهيمة؟ فلما رآه المجنون على تلك الحالة قال: الحمد لله رب العالمين، على رسلك يا شيخ لا ترع. آذاني هؤلاء الصبيان فأخرجوني عن طيعي إلى ما لا أستحسنه من غيري، فقال: أبو سعيد منعوا منه عافاكم الله، فوثبوا وشردوا من كان يعبث به وسكت ساعة لا يتكلم، إلى أن عاد المجلس إلى ما كان عليه من المذاكرة، فابتدأ بعضهم يقرا قصيدة من شعر نهشل بن جرير التميمي رحمه الله تعالى حتى بلغ قوله: غلامان خاضا الموت من كل جانب ... فآبا ولم تعقد وراءهما يد متى يلقيا قرناً فلا بد أنه ... سيلقاه مكروه من الموت أسود فما استتم هذا البيت حتى قال المجنون. قف؟ يا أيها القارئ تتجاوز المعنى ولا تسأل عنه؟ ما معنى قوله ولم تعقد وراءهما يد فأمسك من حضر عن القول، فقال: قل يا شيخ. فإنك المنظور إليه والمقتدى به. فقال أبو سعيد: يقول إنهما رميا بنفسيهما في الحرب أقصى مرامها ورجعا موفورين لم يوسرا فتعقد أيديهما كتفاً. فقال: أترضى يا شيخ لنفسك بهذا الجواب. فأنكر ناذلك على المجنون. فقال أبو سعيد: هذا الذي عندنا فما عندك. فقال: المعنى يا شيخ. فأبا ولم تعقد يد بمثل فعلهما بعدهما، لأنهما فعلاً ما لم يفعله أحد كما قال الشاعر: قوم إذا عدت تميم معاً ... ساداتها عدوهم بالخنصر ألبسه الله ثياب الندى ... فلم تطل عنه ولم تقصر أي خلقت له. وقريب من الأول قوله: قومي بني مذحج من خير الأمم ... لا يصعدون قدماً على قدم يعني أنهم يتقدمون الناس ولا يطأون على عقب أحد، وهذان فعلاً ما لم يعطه أحد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 فاحمر وجه أبي سعيد واستحيي من أصحابه ثم غطى المجنون رأسه وخرج وهو يقول يتصدرون فيغرون الناس من أنفسهم. فقال أبو سعيد بعد خروجه: اطلبوه فإنني أظنه إبليس، فخرجوا فلم يظفروا به. أحمد بن سرور بن سليمان بن علي بن الرشيد أبو الحسين السمسطاري. بضم السين المهملة الأولى وسكون الثانية وبينهما ميم مضمومة وطاء مهملة وألف مقصورة وهي قرية بالصعيد من عمل البهنسا على غربي النيل؟ ذكره السلفي في معجم السفر، وقال: رايته بمكة سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وسمع معنا على شيوخنا ثم رأيته بالإسكندرية ثم رأيته بمصر سنة خمس عشرة وكان آخر العهد به. سمع بمكة أبا معشر الطبري، وبمصر أبا إسحاق الجبان، وبالإسكندرية أبا العباس الرازي، وكف آخر عمره. وكان عارفاً بالكتب وأثمانها. وتوفي رحمه الله سنة سبع عشرة وخمسمائة بالصعيد. أحمد بن سليمان بن زبان بالباء ثانية الحروف وقبلها زاي. أبو بكر الكندي الضرير، المعروف بابن أبي هريرة، توفي سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة. أحمد بن شبيب: الحبطي الضرير البصري. نزيل مكة والحبطات من تميم. وثقة أبو حاتم. وتوفي سنة تسع وعشرين ومائتين والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 أحمد بن صدقة أبو بكر الضرير النحوي. من أهل النهروان، حكى عن أبي عمر الزاهد اللغوي. وروى عنه محمد بن بكران والله تعالى أعلم. أحمد بن صدقة الما هنوسي الضرير، كان مقيماً بقوسان، وماهنوس من نواحي واسط. كان أديباً فاضلاً شاعراً ظريفاً، وكان طبقة في لعب الشطرنج مع كونه محجوب البصر. وأورد له العماد الكاتب قصيدة يخاطب فيها الربع: ألفتك للعين الأوانس جامعاً ... وللعان والآرام لست بجامع وها أنت للاطلاء مأوى ومربع ... أنيق سقيت الري بين المرابع علام تبدلت القراهب والمها ... وأقصيت ربات الحلى والبراقع أسح دموعي في طلولك ابتغي ... بذلك نفعاً والبكا غير نافع قلت: شعر ساقط. أحمد بن عبد الدائم بن نعمة بن أحمد بن نعمة بن محمد بن إبراهيم بن احمد ابن بكير المعمر العالم، مسند الوقت زين الدين أبو العباس المقدسي الفندقي الحنبلي الناسخ. ولد بفندق السوخ من جبل نابلس سنة خمس وسبعين وخمسمائة. وتوفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 رحمه الله لتسع خلون من شهر رجب الفرد سنة ثمان وستين وستمائة. وأدرك الإجازة من السلفي التي أجازها لمن أدرك حياته، وأدرك الإجازة الخاصة من خطيب الموصل أبي الفضل الطوسي وأبي الفتح ابن شاتيل، ونصر الله القزاز، وخلق سواهم. وسمع من يحيى الثقفي، وأبي الحسين الموازيني، ومحمد بن علي بن صدقة، وإسماعيل الجنذوي، والمكرم بن هبة الله الصوفي، وبركات الخشوعي، وابن طبرزد، والحافظ عبد الغني. ورحل إلى بغداد، وسمع ابن كليب بقراءته من عبد الخالق بن البندار، وابن سكينة، وعلي بن يعيش الأنباري، وغيرهم، وتفقه على الشيخ الموفق. وكتب بخطه المليح السريع ما لا يوصف لنفسه وبالأجرة؟ حتى كان يكتب إذا تفرغ في اليوم تسع كراريس أو أكثر. ويكتب الكراسين والثلاثة مع اشتغاله في يوم وليلة. وقيل إنه: كان يكتب القدوري في ليلة واحدة، وعندي؟ أن هذا مستحيل. وقيل إنه كان ينظر في الصفحة الواحدة نظرة واحدة ويكتبها؟ ولذلك يوجد له الغلط فيما كتبه كثيراً، ولازم النسخ خمسين سنة. وخطه لا نقط ولا ضبط. وكتب على ما قاله في شعره ألفي مجلدة. وكان تام القامة، حسن الأخلاق والشكل. ذكر ابن الخباز أنه سمع ابن عبد الدائم يقول: كتبت بخطي ألفي جزء. وذكر أنه كتب بخطه تاريخ دمشق مرتين. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: الواحدة في وقف أبي المواهب ابن صصري. وكتب من التصانيف الكبار شيئاً كثيراً. وولى خطابة كفر بطنا. أنشأ خطباً عديدة، وحدث سنين كثيرة. وروى عنه الشيخ محيي الدين، والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، والشيخ شرف الدين الدمياطي، وابن الظاهري، وابن جعوان، وابن تيمية، ونجم الدين بن صصرى، وشرف الدين الخطيب، وأخوه تاج الدين، وولده برهان الدين، وشمس الدين إمام الكلاسة، وشرف الدين منيف قاضي القدس، وعلاء الدين بن العطار، وخلق كثير بمصر والشام. ورحل إليه غير واحد. وتفرد بالكثير، وكف بصره في آخر عمره. ومن نظمه فيما يكتبه في الإجازة: أجزت لهم عني رواية كل ما ... روايته لي مع توق وإتقان ولست مجيزاً للرواة زيادة ... برئت إليهم من مزيد ونقصان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 ومنه: عجزت عن حمل قرطاس وعن قلم ... من بعد إلفي بالقرطاس والقلم كتبت ألفاً وألفاً من مجلدة ... فيها علوم الورى من غير ما ألم ما العلم فخر امرئ إلا لعامله ... إن لم يكن عمل فالعلم كالعدم العلم زين وتشريف لصاحبه ... فاعمل به فهو للطلاب كالعلم ما زلت أطلبه دهري وأكتبه ... حتى ابتليت بضعف الجسم والهرم أحمد بن عبد السلام بن تميم بن عكبر. الشيخ الإمام العالم العامل الخير الناسك الورع التقي المعمر، نصير الدين أبو العباس البغدادي الحنبلي، أحد المعيدين لطائفة مذهبه بالمدرسة البشيرية بالجانب الغربي من بغداد. ولد ليلة الجمعة عاشر جمادى الآخرة سنة أربعين وستمائة. وذلك قبيل وفاة الإمام المستنصر بالله. وتوفي رحمه الله في غرة جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وسبعمائة. ودفن بتربتهم بالجانب الغربي في تربة معروف الكرخي رحمة الله تعالى عليه. كان فاضلاً في الفقه والعربية وله مشاركة في العلوم. وسمع الكثير. ومن أشياخه الإمام مجد الدين أبو أحمد عبد الصمد بن أبي الجيش المقري، وابن أبي الدينة، وابن الدباب، وابن الزجاج، وابن أبي زنبقة، ومجد الدين بن بلدحي، وخلق، وإجازاته عالية، وله نظم ونثر. وبنته معروف بلا فضل. أقعد قبل وفاته بسنين، واضر. والناس يترددون إليه، ويشتغلون عليه، وينتفعون به، ويسمعون منه ويستجيزونه. ولم يزل حريصاً على العلم والعبادة والاشغال والاشتغال إلى حين وفاته. ومن شعر نصير الدين. أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحارث بن ربيعة بن أرقم بن أنور بن أسحم بن النعمان ويقال له ساطع الجمال بن عدي بن عبد غطفان بن عمرو بن سريح بن خزيمة بن تيم الله بن أسد ابن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن إلحاف بن قضاعة. المعري التنوخي، أبو العلاء من أهل معرة النعمان المشهور صاحب التصانيف المشهورة. كان آية في الذكاء المفرط، عجباً في الحافظة. قال أبو سعد السمعاني في كتاب النسب: ذكر تلميذه أبو زكريا التبريزي، أنه كان قاعداً في مسجده بمعرة النعمان بين يدي أبي العلاء يقرا عليه شيئاً من تصانيفه. قال وكنت قد أقمت عنده سنين ولم أر أحداً من أهل بلدي؟ فدخل المسجد مغافصة بعض جيراننا للصلاة فرايته وعرفته فتغيرت من الفرح، فقال لي أبو العلاء: إيش أصابك، فحكيت له أني رأيت جاراً لي بعد أن لم ألق أحداً من أهل بلدي سنين. فقال لي: قم فكلمه، فقلت: حتى أتمم السبق، فقال لي: قم أنا انتظر لك. فقمت وكلمته بلسان الاذربية شيئاً كثيراً إلى أن سألت عن كل ما أردت؟ فلما رجعت وقعدت بين يديه قال لي أي لسان هذا قلت: هذا لسان أذربيجان. فقال لي: ما عرفت اللسان ولا فهمته غير أني حفظت ما قلتما، ثم أعاد علي اللفظ بعينه من غير أن ينقص منه أو يزيد عليه جميع ما قلت. وقال جاري: فتعجبت غاية التعجب كيف حفظ ما لم يفهمه. قلت: وهذا أمر معجز فإنه بلغنا عن جماعة من الحفاظ وما يحكى عن البديع الهمذاني وابن الأنباري وغيرهما، ما هو أمر قريب من الإمكان؟ لأن حفظ ما يفهمه الإنسان ويعرف تراكيبه أو مفرداته سهل. وأما إنه يحفظ ما لم يسمعه ولا يعلم مفرداته ولا مركباته وهو أقل ما يكون أربعمائة سطر من سؤال غائب عن أهل بلده سنين وجوابه. وكان إطلاعه على اللغة وشواهدها أمر باهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 قال الحافظ السلفي أخبرني أبو محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الأيادي أنه دخل مع عمه على أبي العلاء يزوره فرآه قاعداً على سجادة لبد وهو شيخ فان فدعا لي ومسح على رأسي. قال: وكأني أنظر إليه الساعة وإلى عينيه إحداهما نادرو والأخرى غائرة جداً، وهو مجدور الوجه نحيفه. وقال أبو منصور الثعالبي: وكان حدثني أبو الحسين الدلفي المصيصي الشاعر وهو ممن لقيته قديماً وحديثاً في مدة ثلاثين سنة. قال لقيت بمعرة النعمان عجباً من العجب؟ رأيت أعمى شاعراً ظريفاً يلعب بالشطرنج والنرد ويدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء، وسمعته يقول: أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر انتهى. وقال المعري الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة أو اثنتي عشرة سنة، ورحل إلى بغداد ثم رجع إلى المعرة. وكان رحيله إليها سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. وأقام ببغداد سنة وسبعة أشهر. وقصد أبا الحسن علي بن عيسى الربعي النحوي ليقرأ عليه فلما دخل عليه قال ليصعد الاسطبل والاسطبل في لغة أهل الشام الأعمى فخرج مغضباً ولم يعد إليه. ودخل على المرتضى أبى القاسم، فعثر برجل، فقال من هذا الكلب، فقال أبو العلاء: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً. فقربه المرتضى وأدناه واختبره فوجده عالماً مشبعاً بالفطنة والذكاء، فأقبل عليه إقبالاً كثيراً. وكان المعري يتعصب لأبي الطيب كثيراً ويفضله على بشار وأبي النواس وأبي تمام، والمرتضى يبغضه ويتعصب عليه فجرى يوماً ذكره فتنقصه المرتضى وجعل يتتبع عيوبه، فقال المعري. لو لم يكن للمتنبي من الشعر إلا قوله: لك يا منازل في القلوب منازل لكفاه فضلاً وشرفاً. فغضب المرتضى وأمر به فسحب برجله وأخرج من مجلسه. وقال لمن بحضرته: أتدرون أي شيء أراد الأعمى بذكر هذه القصيدة؟ فإن لأبي الطيب ما هو أجود منها لم يذكرها. فقيل السيد النقيب أعرف. فقال أراد قوله: وإذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي باني كامل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ولما رجع المعري لزم بيته، وسمى نفسه رهين المحبسين: يعني حبس نفسه في المنزل وحبس عينيه بالعمى. وكان قد رحل أولاً إلى طرابلس، وكانت بها خزائن كتب موقوفة فأخذ منها ما أخذ من العلم. واجتاز باللاذقية ونزل ديراً كان به راهب له علم بأقوال الفلاسفة سمع كلامه، فحصل له بذلك شكوك. والناس مختلفون في أمره، والأكثرون على إكفاره وإلحاده. وأورد له الإمام فخر الدين الرازي في كتاب الأربعين قوله: قلتم لنا صانع قديم ... قلنا صدقتم كذا نقول ثم زعمتم بلا زمان ... ولا مكن ألا فقولوا هذا كلام له خبئ ... معناه ليست لنا عقول ثم قال الإمام بعد ذلك: وقد هذى هذا في شعره. وأما ياقوت: فقال وكان متهماً في دينه، يرى رأي البراهمة، لا يرى إفساد الصورة، ولا يأكل لحماً، ولا يؤمن بالرسل، ولا بالبعث والنشور. قال القاضي أبو يوسف عبد السلام القزويني، قال المعري لم أهج أحداً قط. فقلت له صدقت إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فتغير لونه أو قال وجهه. ودخل عليه القاضي المنازي فذكر له ما يسمعه عن الناس من الطعن عليه. فقال: ما لي وللناس وقد تركت دنياهم فقال له القاضي وأخراهم فقال يا قاضي وأخراهم وجعل يكررها. قال ابن الجوزي: وحدثنا عن أبي زكرياء أنه قال لي المعري: ما الذي تعتقد، فقلت في نفسي: اليوم يتبين لي اعتقاده فقلت: له ما أنا إلا شاك. فقال: وهكذا شيخك. وأما الشيخ شمس الدين الذهبي فحكم بزندقته في ترجمة له طولها في تاريخ الإسلام له، وذكر فيها عنه قبائح. وأظن الحافظ السلفي قال إنه تاب وأناب. وأما الباخرزي فقال في حقه، ضرير ماله في أنواع الأدب ضريب، ومكفوف في قميص الفضل ملفوف، ومحجوب خصمه الألد محجوج، قد طال في ظلال الإسلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 آناؤه. ولكن ربما رشح بالإلحاد إناؤه، وعندنا خبر بصره، والله العالم ببصيرته، والمطلع على سريرته، وإنما تحدثت الألسن بإساءته، لكتابه الذي زعم أنه عارض به القرآن وعنونه بالفصول والغايات، محاذاة للسور والآيات، وأظهر من نفسه تلك الجناية، وجد تلك الهوسات كما يجد العير الصليانة، حتى قال فيه القاضي أبو جعفر محمد بن اسمعيل البحائي الزوزني قصيدة أولها: كلب عوى بمعرة النعمان ... لما خلا عن ربقة الإيمان أمعرة النعمان ما أنجبت إذ ... أخرجت منك معرة العميان وأما ابن العديم، فقال في كتابه الذي سماه التحري، في دفع التجري، على أبي العلاء المعري: قرأت بخط أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن سليمان المعري أن المستنصر صاحب مصر بذل لأبي العلاء المعري، ما ببيت المال بالمعرة من الحلال فلم يقبل منه شيئاً. وقال: لا أطلب الأرزاق والمولى يفيض على رزقي إن أعط بعض القوت أع ... لم أن ذلك فوق حقي قال وقرأت بخط أبي اليسر المعري في ذكره، وكان رضي الله عنه يرمي من أهل الحسد له بالتعطيل ويعمل تلامذته وغيرهم على لسانه الأشار يضمنونها أقاويل الملحدة قصداً لهلاكه، وإيثاراً لإتلاف نفسه. فقال رضي الله عنه: حاول إهواني قوم فما ... واجهتهم إلا بإهواني يحرشوني بسهاياتهم ... فغيروا نية إخواني لو استطاعوا لوشو بي إلى المريخ في الشهب وكيوان وقال أيضاً: غريت بذمي أمة ... وبحمد خالقها غريت وعبدت ربي ما استطعت من بريته بريت وفرتني الجهال حا ... شدة علي وما فريت سعروا علي فلم أحس وعندهم أني هريت وجميع ما فاهوا به ... كذب لعمري حنبريت انتهى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 قلت: أما الموضوع على لسانه فلعله لا يخفى على من له لب. وأما الأشياء التي دونها وقالها في لزوم ما لا يلزم، وفي استغفروا واستغفري، فما فيه حيلة وهو كثير فيه ما فيه من القول بالتعطيل والاستخفاف بالنبوات. ويحتمل أنه أرعوى وناب بعد ذلك. وحكى لي عن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني رحمه الله تعالى انه قال في حقه: هو جوهرة جاءت إلى الوجود وذهبت. وسألت الحافظ فتح الدين بن محمد بن سيد الناس، فقلت له: ما كان رأي الشيخ تقي الدين دقيق العيد في أبي العلاء، فقال كان يقول هو في حيرة. قلت: وهذا أحسن ما يقال في أمره لأنه قال، في داليته التي في سقط الزند: خلق الناس للبقاء فضلت ... أمة يحسبونهم للنفاد إنما ينقلون من دار أعما ... ل إلى دار شقوة أو رشاد ثم قال في لزوم ما لا يلزم: ضحكنا وكان الضحك منا سفاهة ... وحق لسكان البسيطة أن يبكو تحطمنا الأيام حتى كأننا ... زجاج ولكن لا يعاد لنا سبك فالأول اعتراف بالمعاد. والثاني إنكار له. وهذه الأشياء في كلامه كثيرة وهو تناقض منه وإلى الله ترجع الأمور. ومن شعره: رددت إلى مليك الخلق أمري ... فلم أسأل متى يقع الكسوف وكم سلم الجهول من المنايا ... وعوجل بالحمام الفيلسوف ومنه: صرف الزمان مفرق الألفين ... فاحكم إلهي بين ذاك وبيني أنهيت عن قتل النفوس تعمداً ... وبعثت تأخذها مع الملكين وزعمت أن لها معاداً ثانياً ... ما كان أغناها عن الحالين ومنه: إذا ما ذكرنا آدما وفعاله ... وتزويجه إبنيه بنتيه في الخنا علمنا بأن الخلق من نسل فاجر ... وأن جميع الخلق من عنصر الزنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فأجابه القاضي أبو محمد الحسن بن أبي مقامة اليمني: لعمرك أما فيك فالقول صادق ... وتكذب في الباقين من شط أودنا كذلك إقرار الفتى لازم له ... وفي غيره لغو كذا جاء شرعنا ومن شعر المعري: يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار تحكم مالنا إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار قال ياقوت: لأن المعري حمار لا يفقه شيئاً إلا فالمراد بهذا، بين لو كانت اليد لا تقطع إلا في سرقة خمسمائة دينار لكثرة سرقة ما دونها طمعاً في النجاة، ولو كانت اليد تفدى بربع دينار، لكثر قطعها ويؤدي فيها ربع دينار دية عنها نعوذ بالله من الضلال. انتهى. قلت، وقال الشيخ علم الدين السخاوي يجيب المعري راداً عليه: صيانة العرض أغلاها وأرخصها ... صيانة المال فافهم حكمة الباري ومن شعر المعري: هفت الحنفية والنصارى ما اهتدت ... ومجوس حارت واليهود مضلله إثنان أهل الأرض ذو عقل بلا ... دين وآخر دين لا عقل له فقال أبو رشاد ذو الفضائل أحمد بن محمد الإخسيكتي يرد عليه: الدين آخذه وتاركه ... لم يخف رشدهما وغيهما رجلان أهل الأرض قلت فقل ... يا شيخ سوء أنت أيهما قال سبط الجوزى في المرآة، قال الغزالى: حدثني يوسف بن علي بأرض الهركار، قال دخلت معرة النعمان، وقد وشى وزير محمود بن صالح صاحب حلب إليه، بأن المعري زنديق لايرى إفساد الصور، ويزعم أن الرسالة تحصل بصفاء العقل؟ فأمر محمود بحمله إليه وبعث خمسين فارساً ليحملوه، فأنزلهم أبو العلاء دار الضيافة فدخل عليه عمه مسلم بن سليمان، وقال يا ابن أخي قد نزلت بنا هذه الحادثة، الملك محمود يطلبك، فإن منعناك عجزنا، وإن أسلمناك كان عاراً علينا عند ذوي الذمام، ويركب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 تنوخا الذل والعار. فقال له: هون عليك يا عم فلا بأس علينا فلي سلطان يذب عني. ثم قام فاغتسل وصلى إلى نصف الليل. ثم قال لغلامه انظر إلى المريخ أين هو، قال في منزلة كذا وكذا. قال زنه واضرب تحته وتداً وشد في رجلي خيطاً واربطه إلى الوتد، ففعل غلامه ذلك. فسمعناه وهو يقول، يا قديم الأزل، يا علة العلل، يا صانع المخلوقات، وموجد الموجودات، أنا في عزك الذي لا يرام، وكنفك الذي لا يضام، الضيوف الضيوف، الوزير الوزير. ثم ذكر كلمات لا تفهم. وإذا بهدة عظيمة؟ فسئل عنها: فقيل وقعت الدار على الضيوف الذين كانوا بها فقتلت الخمسين، وعند طلوع الشمس وقعت بطاقة من حلب على جناح طائر لا تزعجوا الشيخ فقد وقع الحمام على الوزير. قال يوسف بن علي: فلما شاهدت ذلك دخلت على المعري، فقال: من أنت، قلت: أنا من أرض الهركار فقال زعموا أني زنديق، ثم قال أكتب، وأملي على وذكر أبياتاً من قصيدة ذكرتها أنا: وأولها استغفر الله في أمني واوجالي ... من غفلتي وتوالى سوء أعمالي قالوا هرمت ولم تطرق تهامة في ... مشاة وفد ولا ركبان أجمال فقلت إني ضرير والذين لهم ... رأى رأوا غير فرض الحج أمثالي ما حج جدي ولم يحجج أبي وأخي ... ولا ابن عمي ولم يعرف منىً خالي وحج عنهم قضاءً بعدما ارتحلوا ... قوم سيقضون عني بعد ترحالي فإن يفوزوا بغفران أفز معهم ... أولاً فإني بنار مثلهم صالي ولا أروم نعيماً لا يكون لهم ... فيه نصيب وهم رهطي وإشكالي فهل أسر إذا حمت محاسبتي ... أم يقتضي الحكم تعتابي وتسألي من لي برضوان أدعوه فيرحمني ... ولا أنادي مع الكفار أمثالي باتوا وحتفي أمانيهم مصورة ... وبت لم يخطروا مني على بال وفوقوا لي سهاماً من سهامهم ... فأصبحت وقعاً عني بأميال فما ظنونك إذ جندي ملائكة ... وجندهم بين طواف وبقال لقيتهم بعصا موسى التي منعت ... فرعون ملكاً ونجت آل إسرال أقسم خمسي وصوم الدهر آلفه ... وأد من الذكر أبكاراً بآصال عيدين أفطر في عامي إذا حضرا ... عيد الأضاحي يقفو عيد شوال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 إذا تنافست الجهال في حلل ... رأيتني وخسيس القطن سربالي لا آكل الحيوان الدهر مأثرة ... أخاف من سوء أعمالي وآمالي وأعبد الله لا أرجو مثابته ... لكن تعبد إكرام وإجلال أصون ديني عن جعل أؤمله ... إذا تعبد أقوام بأجعال وكان المعري من بيت علم وفضل ورياسة، له جماعة من أقاربه قضاة وعلماء وشعراء. مثل سليمان بن أحمد بن سليمان جده، قاضي المعرة وولي القضاء بحمص، ووالده عبد الله ابن سليمان كان شاعراً، وأخيه محمد بن عبد الله وهو أسن من أبي العلاء وله شعر، وأبي الهيثم أخي أبي العلاء وله شعر، وجاء من بعده جماعة من أهل بيته ولوا القضاء وقالوا الشعر ورأسوا ساقهم الصاحب كمال الدين بن العديم على الترتيب وذكر أشعارهم وأخبارهم في مصنفه دفع التجري. وقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. وولد يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة بالمعرة. وتوفي ليلة الجمعة ثالث وقيل ثاني شهر ربيع الأول وقيل ثالث عشرة سنة وتسع وأربعين وأربعمائة. وجد رفي السنة الثالثة من عمره فعمى، وكان يقول لا أعرف من الألوان إلا الأحمر لأني ألبست في الجدري ثوباً مصنوعاً بالعصفر لا أعقل غير ذلك. ولما مات رثاه علي بن همام فقال من قصيدة طويلة: إن كنت ترق الدماء زهادة ... فلقد أرقت اليوم من عيني دماً سيرت ذكرك في البلاد كأنه ... مسك فسامعه تضمخ أو فما وأرى الحجيج إذا أرادوا ليلة ... ذكراك أوجب فدية من أحرما وقال أبو الرضا عبد الوهاب بن نوت المعري يرثيه: سمر الرماح وبيض الهند تشتور ... في أخذ ثارك والأقدار تعتذر والدهر ناقد أهل العلم قاطبة ... كأنهم بك في ذا القبر قد قبروا فهل ترى بك دار العلم عالمة ... أن قد تزعزع منها الركن والحجر والعلم بعدك غمد فات منصله ... والفهم بعدك قوس ماله وتر وقد ذكرت تصانيفة وقطعة صالحة من شعره في التاريخ الكبير الذي لي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 فليكشف ذلك من هناك. أحمد بن عبد الله المهاباذي الضرير. من تلاميذ عبد القاهر الجرجاني. كان نحو يأوله شرح اللمع. أحمد بن عبد الله: بن أبي هريرة أبو العباس القيسي التطيلي الاشبيلي الضرير المعروف بالأعيمى. توفي سنة خمس وعشرين وخمسمائة. ومن شعره: بحياة عصياني عليك عواذلي ... إن كانت القربات عندك تنفع هل تذكرين ليالياً بتنا بها ... لا أنت باخلة ولا أنا أقنع ومنه قصيدة رثى بها ابن البناقي وهي مليحة: خذا حد ثاني عن فل وفلان ... لعلي أرى باق على الحدثان وعن دول حسن الديار وأهلها ... فنين وصرف الدهر ليس بفان وعن هرمي مصر الغداة أمتعا ... بشرح شباب أم هما هرمان وعن نخلتي حلوان كيف تناءنا ... ولم تطويا كشحاً على شنآن وطال ثواء الفرقدين بغبطة ... أما علما أن سوف يفترقان وزايل بين الشعر بين تصرف ... من الدهر لا وإن ولا متوان فإن تذهب الشعري العبور لشأنها ... فإن الغميصا في بقية شان وجن سهيل بالثريا جنونه ... ولكن سلاه كيف يلتقيان وهيهات من جور القضاء وعدله ... شآمية ألوت بدين بمان فازمع عنها آخر الدهر سلوة ... على طمع خلاه للدبران وأعلن صرف الدهر لا بني نويرة ... بيوم تناء غال كل تدان وكانا كند ماني جذيمة حقبة ... من الدهر لو لم ينصرم لا وإن فهان دم بين الد كادك فاللوى ... وما كان في أمثالها بمهان وضاعت دموع بات يبعثها الأسى ... يهيجها قبر بكل مكان ومال على عبس وذبيان ميلةً ... فأودى بمجنى عليه وجان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 فعوجا على جفر الهباءة فأعجبا ... لضيعة أعلاق هناك ثمان دماء جرت منها التلاع بملئها ... ولا ذحل إلا أن جرى فرسان وأيام حرب لا ينادي وليدها ... أهب بها في الحي يوم رهان فآب الربيع والبلاد تهده ... ولا مثل مود من وراء عمان وأنحى على ابني وائل فتهاصرا ... غصون الردى من كزة ولدان تعاطى كليب فاستمر بطعنة ... أقامت لها الأبطال سوق طعان وبات عدي بالذنائب يصطلي ... بنار وغىً ليست بذات دخان فذلت رقاب من رجال أعزة ... إليهم تناهى عز كل زمان وهبوا يلاقون الصوارم والقنا ... بكل جبين واضح ولبان فلا حد إلا فيه حد مهند ... ولا صدر إلا فيه صدر سنان ومال على الجو نين بالشعب فانثنى ... بأسلاب مطلول وربقة عان وأمضى على أبناء قيلة حكمه ... على شرس أدلوا به وليان ولو شاء عدوان الزمان ولو بشا ... لكان عذير الحي من عدوان وأي قبيل لم يصدع جميعهم ... ببكر من الأرزاء أو بعوان خليلي أبصرت الردى وسمعته ... فإن كنتما في مرية فسلاني ولا تعداني أن أعيش إلى غد ... لعل المنايا دون ما تعداني ونبهني ناع مع الصبح كلما ... تشاغلت عنه عن لي وعناني أغمض أجفاني كأني نائم ... وقد لجت الأحشاء في الخفقان أبا حسن أما أخوك فقد مضى ... فوالهف نفسي ما التقى أخوان أبا حسن إحدى يديك رزئتها ... فهل لك بالصبر الجميل يدان أبا حسن ألق السلاح فإنها ... منايا وإن قال الجهول أماني أبا حسن هل يدفع المرء حينه ... بأيدي شجاع أو بكيد جبان توقوه شيئاً ثم كروا وجعجعوا ... بأروع فصفاض الرداء هجان أخي فتكات لا يزال يحيئها ... بحزم معين أو بعزم معان أرى كل ما يستعظم الناس دونه ... فولى غنياً عنه أو متغاني قليل حديث النفس فيما يروعه ... وإن لم يزل من ظنه بمكان أبي وإن يتبع رضاه فمصحب ... بعيد وإن يطلب جداه فدان لك الله خوفت العدا وأمنتهم ... فذقت الردى من خيفة وأمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 إذا أنت خوفت الرجال فخفهم ... فإنك لا تجزي هوىً بهوان رياح وهبها عارضتك عواصفا ... فكيف انثنى أو كاد ركن أبان بلى رب مشهور العلاء مشيع ... قليل بمنهوب الفؤاد هداني أتيحت لبسطام حديدة عاصم ... فخر كما خرت سحوق ليان بنفسي وأهلي أي بدر دجنة ... لست خلت من شهره وثمان وأي أبي لا تقوم له الربا ... ثنى عزمه دون القرارة ثان وأي فتىً لو جاءكم في سلاحه ... متى صلحت كف بغير بنان وما غركم لولا القضاء بباسل ... أصاخ فقعقعتم له بشنان يقولون لا تبعد ولله دره ... وقد حيل بين العير والنزوان ويأبون إلا ليته ولعله ... ومن أين للمقصوص بالطيران رويد الأماني إن زرء محمد ... عدا الفلك الأعلى عن الدوران وحسب المنايا أن تفوز بمثله ... كفاك ولو أخطأته لكفاني أنا كلتيه والثواكل جمة ... لو أنكما بالنس تأتسيان أذيلا وصوناً وأجزعا وتجلدا ... ولا تأخذا إلا بما تدعان أحمد بن عطية بن علي أبو عبد الله الضرير، الشاعر. كانت له معرفة بالنحو واللغة تامة. مدح الأمام القائم، وابن ابنه الإمام المقتدى، وابنه الإمام المستظهر، ووزراءهم. وكان خصيصاً بسيف الدولة صدقة بن مزيد، وأحد ندمائه وجلسائه. وله فيه مدائح كثيرة. روى عنه أبو البركات بن السقطي، ومحمد بن عبد الباقي بن بشر المقرئ، شيئاً من شعره. ومن شعره: النفس في عدة الوساوس تطمع ... وزخارف الدنيا تغر وتخدع والمرء بكدح واصلاً أطماعه ... وأمامه أجل يخون ويخدع ومنه: كأن انزعاج القلب حين ذكرتكم ... وقد بعد المسرى خفوق جناحين سيعلم إن لجت به حرق الهوى ... ولم تسمحوا بالوصل كيف جنى حيني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 أحمد بن علي بن الحسين بن عيسى المقرئ الضرير، أبو نصر المايمرغي بالميم وبعدها ألف وياء آخر الحروف وسكون الراء بعدها غين معجمة. سمع أبا عمرو محمد بن محمد بن صابر، وأبا سعيد الخليل بن أحمد، وأبا أحمد الحاكم البخاريين. وكان صدوقاً ثقة. ولد سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وأربعمائة. أحمد بن علي: بن أحمد أبو العباس الضرير المقرئ من أهل البردان. قدم بغداد في صباه وحفظ القرآن وأحكمه. وقرأ بالروايات على المشايخ، وقرأ بواسط على ابن الباقلاني وغيره. واشتغل بالتجويد، ووصف بحسن الأداء، وقوة الصوت، وحفظ حروف الخلاف. وكان يخطب في القرى، وكان يقرأ في المحراب في صلاة التراويح بالشواذ المكروهة طلباً للدنيا. قال ابن النجار في ذيل بغداد: ولم يكن في دينه بذاك. وتوفي سنة إحدى وعشرين وستمائة. أحمد بن غالب: بن أبي عيسى بن شيخون، الأبروذي أبو العباس الضرير، يعرف بالجبابيني. والجبابين بالجيم وبعدها باآن منقوطتان بواحدة بينهما ألف وياء آخر الحروف ونون قرية بد جيل. دخل بغداد صبياً وحفظ القرآن وقرأه بالروايات على عبد الله بن علي بن أحمد الخياط. وسمع منه الحديث، ومن سعد الخير بن محمد الأنصاري، ومن جماعة. وقرا الفقه على أحمد بن بكروس، وحصل منه طرفاً صالحاً. ولما مات ابن بكروس خلفه في مدرسته ومسجده. توفي رحمه الله تعالى سنة أربع وسبعين وخمسمائة. أحمد بن محمد: بن أحمد بن نصر بن ميمون بن مروان الأسلمي الكفيف النحوي. أبو عبد الله، وقيل أبو عمرو. قال ابن الفرضي: هو من أهل قرطبة. ويقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 له إشكابه بألف وشين معجمة وبعدها ألف وباء ثانية الحروف وهاء. وسمع من قاسم بن أصبع، ومحمد بن محمد الخشني، وغيرهما. وكان صالحاً عفيفاً. أدب عند الرؤساء والجلة من الملوك. ومان رحمه الله تعالى سنة تسعين وثلاثمائة. أحمد بن محمد بن الحسين الرازي الضرير ويقال له أبو العباس البصير ولد أعمى وكان ذكياً حافظاً وثقة الدارقطني وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. أحمد بن محمد: بن الحسين الرازي الضرير، ويقال له أبو العباس البصير. ولد أعمى وكان ذكياً حافظاً. وثقة الدارقطني. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. أحمد بن محمد: بن علي بن نمير، أبو سعيد الخوارزمي، الضرير الفقيه العلامة الشافعي، تلميذ الشيخ أبي حامد. قال الخطيب: درس فتى، ولم يكن بعد أبي الطيب الطبري أفقه منه. وتوفي رحمه الله سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. أحمد بن محمد: المرندي بالراء وبعد الرء نون ودال مهملة، الضرير المقرئ البغدادي. كان عالماً بالتفسير، وقسمة الفرئض، وتعبير الرؤيا. كان ماراً بالموصل في الطريق فسقط، فاضطرب، فمات فجأة رحمة الله تعالى سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمسمائة. أحمد بن المختار: بن محمد بن عبيد بن جبر بن سليمان، وأبو العباس بن أبي الفتوح ابن أخي مهذب الدولة. كان أحمد هذا وأبوه من أمراء البطيحة. وكان كثير الشعر. قدم بغداد ومدح الإمامين: المسترشد والمستظهر. ومدح المقتفي لأمر الله. وتوفي رحمه الله سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. وكان قد مات له ابن فبكى عليه إلى أن ذهبت عينه ثم تلتها العين الأخرى. فقال يشكو الزمان: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 كأنما آلى على نفسه ... أن لا يرى شملاً لاثنين لم يكفه ما نال من مهجتي ... حتى أصاب العين بالعين ومن شعره: أللحمامة أم للبرق تكتئب ... لا بل لكل دعاك الشوق والطرب إن أومض البرق أو غنت مطوقة ... قضيت من حق ضيف الحب ما يجب والحب كالنار تمسى وهي ساكنة ... حتى تحركها ريح فتلتهب أحمد بن مسعود: بن احمد بن ممدود بن برسق. الأديب الفاضل شهاب الدين أبو العباس الضرير السنهوري، بالسين المهملة والنون الساكنة والهاء المضمومة والواو الساكنة وبعدها راء. المعروف بالمادح: لأنه كان يكثر من مدائح النبي صلى الله عليه وسلم. اجتمعت به غير مرة بالقاهرة عند الصاحب أمين الدين، في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمعت منه كثيراً من أمداحه النبوية. وكان حفظة. وله قدرة على النظم، ينظم القصيدة، وفي كل بيت حروف المعجم، وفي كل بيت طاء، وفي كل بيت ضاد، وهكذا من هذا اللزوم. وأخبرت عنه أنه كان أولاً كثير الأهاجي للناس، ثم إنه رفض ذلك ورجع إلى مدائح النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يكن ناضج العلم. وكان موجوداً في سنة ست وأربعين وسبعمائة بالديار المصرية. ومن شعره رحمه الله تعالى. إن أنكرت مقلتاك سفك دمي ... من ورد خديك لي به شاهد جرحه ناظري ويشهد لي ... أليس ظلماً تجريحي الشاهد أطاعك الخافقان به بهما ... قلبي المعنى وقرطك المائد قلت: وهو مأخوذ من قول ابن سنا الملك: أما والله لوال خوف سخطك ... لهان علي ما القى برهطك ملكت الخافقين فتهت عجباً ... وليس هما سوى قلبي وقرطك ومن شعر ابن مسعود: يا من له عندنا أياد ... تعجز عن شكرها الأيادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 فيك رجاء وفيك يأس ... كالحر والبرد في الزناد أحمد بن يوسف: بن حسن بن رافع. الإمام العلامة الزاهد الكبير، موفق الدين أبو العباس الموصلي الكواشي. ولد بكواشة وهي قلعة من عمل الموصل، سنة تسعين أو إحدى وتسعين وخمسمائة. وتوف رحمه الله تعالى سنة ثمانين وستمائة. قرا القرآن على والده، واشتغل وبرع في القراآت والتفسير والعربية والفضائل. سمع من أبي الحسين بن روزبة. وقدم الشام وأخذ عن السخاوي وغيره. وحج وزار القدس وعاد إلى بلده وتعبد. وكان عديم المثل: زهد وصلاحاً وصدقاً وتبتلاً. وكان السلطان ومن دونه يزوره ولا يعبأ بهم، ولا يقوم لهم، ولا يقبل منهم شيئاً. وله كشف وكرامات. وأضر قبل موته نحو عشرين سنة. صنف التفسير الكبير والصغير وأرسل نسخة إلى مكة، وإلى المدينة نسخة، وإلى القدس نسخة. ولأهل الموصل فيه اعتقاد عظيم. وكان كثير الإنكار على بدر الدين صاحب الموصل وإذا شفع عنده، لا يرده. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: وكان شيخنا المقصاتي يطنب في وصفه، وقرأ عليه تفسيره فلما وصل إلى سورة الفجر منعه وقال: أنا أجيزه لك، ولا تقول أنا كملت الكتاب على المصنف. يعني أن للنفس في ذلك حظاً. وحدث عنه بالكتاب سنة اثنتي عشرة وسبعمائة والله تعالى أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 إدريس بن أحمد: الضرير أبو سليمان الكوفي. قال المرزباني في معجم الشعراء: مقتدري مدح محمد بن علي المادراي، عند قدومه بغداد بقصيدة يقول فيها: إلى أبي بكر الميمون طائره ... إلى الجواد الذي أفنى اللهى جودا يولي الأقارب تقريباً إليه ولا ... يولي إلا باعد إن زاروه تبعيدا علاك يا ابن علي فوق كل علاً ... فزادك الله إعلاءً وتأييداً إدريس بن عبد الله بن إسحاق. اللخمي النابلسي الضرير البصري أبو سليمان. قال المرزباني: حدثني عنه الصولي، وعمر بن حسن الأشناني. وتوفي رحمه الله تعالى بعد الثمانين والمائتين. وكان يكاتب أبا الحسن أحمد بن محمد بن المدبر بالأشعار عند خروجه إلى الشام. ومن شعره: صاحب الحاجة أعمى ... وهو ذو مال بصير فمتى يبصر فيها ... رشده أعمىً فقير وحجبه رجل، فكتب إليه: سأترككم حتى يلين حجابكم ... على أنه لا بد أن سيلين خذوا حذركم من نومة الدهر إنها ... وإن لم تكن حانت فسوف تحين إسحاق بن فاروت بك: هو سلطان شاه بن فاروت بك بن داود بن سلجوق بن دقاق بن سلجوق. كان والده فاروت بك أخا السلطان ألب أرسلان. فلما توفي ألب أرسلان، كان فاروت بك بكرمان، فسار من عمان وركب في البحر في فصل الشتاء وخاف من سبقه إلى الري لأن ألب أرسلان أقام ابنه ملكشاه في الملك بعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وكان معه عسكر يسير، يبلغ ألفي فارس وأربعة آلاف راجل. فبلغ ذلك ملكشاه. فأخذ هو ووزيره نظام الملك من قلعة الري خمسمائة ألف دينار، وخمسة آلاف ثوب، وسلاحاً. وخرجا من الري سبقاه إلى التركمان الذين كان فاروت بك يقصدهم. فاقتتلوا فهرب فاروت بك وأسر أولاده. فلما كان من الغد، جاء إلى ملكشاه سوادي، فقال: عمك في القرية الفلانية مع ولد له، فابعث معي من يأخذه. فسار إليه ملكشاه بنفسه. وحمل إليه مقيداً ماشياً فأومأ إلى الأرض وقبل يد ملكشاه. فقال له: يا عم! كيف أنت من تعبك؟ أما استحييت من هذا الفعل؟ يموت أخوك، فما قعدت في عزائه، ولم تبعث إلى قبره ثوبا، والغرباء قد حزنوا عليه. فقد لقاك الله سوء فعلك. فقال: ما قصدت ذلك، ولكن كاتبني عسكرك فجئت لأمر قضاه الله. فحمل مقيداً إلى همذان. فلام كان يوم الأربعاء ثالث شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة، قتل فاروت بك. خنقه رجل أعور أرمني من أصاغر الحاشية، بوتر قوي. ثم إن ملكشاه جمع أولاده وصهره إبراهيم بن ينال. وكحلهم بين يديه. وقدم سلطان شاه إسحاق هذا وهو أكبر أخوته وأنجبهم، وهو كما يقل عذاره، فأخذ إخوته الصغار واحداً بعد واحد، وجعل يضمه إليه، ويقبله: ويقول: هذا قضاء الله فلا تجزعوا، فإن الموت يأتي على جميع الناس. وكحل وكحلوا ومات منهم اثنان. ثم إنه اعتقل سلطان شاه في همذان سنة خمس وستين وأربعمائة. فدبر سلطان شاه الحيلة مع بعض الموكلين، وبعث إلى كرمان يستدعي له خيلاً. فلما جاءته، فتح الموكلون السقف واستقوه ومعه أخوه، ونزلا وركبا الخيل ولم يتبعهما أحد. ومضيا إلى كرمان وحصلا في قلعة لا بهما، وسر الناس بهما. وقام سلطان شاه مقام أبيه واجتمعت الكلمة عليه وورد الخبر إلى ملكشاه عمه في جمادى الأولى، فشغب الجند على الوزير نظام الملك، وطالبوه بالأموال حتى فرغت الخزائن. واستمر سلطان شاه على حاله ملكاً بتلك الناحية. وجهز أموالاً عظيمة جداً إلى مكة شرفها الله تعالى، شكر الله تعالى على نجاته. ولم يزل على حاله، إلى أن توفي رحمه الله تعالى سنة ست وسبعين وأربعمائة. وجاءت أمه بهدايا إلى السلطان، وألطاف وأموال، فأكرمها وأقر أخاه مكانه. والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 إسمعيل بن أحمد: بن عبد الله الحيري. أبو عبد الرحمن الضرير المفسر المقرئ الواعظ الفقيه المحدث. أحد ائمة المسلمين. والحيرة محلة بنيسابور. قال ياقوت: هي الآن خراب. توفي رحمه الله تعالى فيما ذكرها الجاحظ عبد الغافر بعد الثلاثين والأربعمائة. ومولده سنة إحدى وستين وثلاثمائة. وله التصانيف المشهورة في علم القرآن والقراآت والحديث والوعظ والتذكير. سمع صحيح البخاري من أبي الهيثم ببغداد، وقد روى عن زاهر السرخسي. رحمه الله تعالى. إسمعيل بن المؤمل: بن الحسين بن إسمعيل. أبو غالب الضرير الأسكافي النحوي. كان فاضلاً أديباً شاعراً. روى عنه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن باقياء الشاعر، وعبد المحسن بن علي التاجر، وغيرها. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة. ومن شعره: سرت ومطايا بينها لم ترحل ... وزارت وحادي ركبها لم يحمل وجادت بوصل كان للطيف شكره ... وسرت بوعد في الكرى لم يحصل وعهدي بها في الحي سكري من الصبا ... وصاحيةً من زفرتي وتململي يهز الصبا منها شمائل قامة ... ويجلو الكرى منها لواحظ مغزل قال الوزير ابن المسلمة: لا أدري في النحو مفتوح العين إلا هذا المغمض العين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الأشرف بن الأعز: ين هاشم. المعروف بتاج العلى. العلوي الحسني الرافضي الرملي، كان بآمد. وتوفي بحلب سنة عشر وستمائة. اجتمع هو وابن دحية فقال له: إن دحية لم يعقب. فتكلم ابن دحية، ورماه بالكذب، في مسائله الموصلية. وذكر يحيى ابن أبي طي في تاريخه، فقال: شيخنا العلامة الحافظ النسابة الواعظ الشاعر. قرأت عليه نهج البلاغة وكثيراً آمن شعره. أخبرني انه ولد بالرملة في غرة المحرم سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. وعاش مائة وثمانياً وعشرين سنة. وقال: إنه لقي ابن الفحام وقرا عليه بالسبع في كتابه الذي صنفه. قال: وكنت بالبصرة وسمعت من الحريري خطبة المقامات. ثم أخبرني إنه دخل الغرب وسمع من الكروحي كتاب الترمذي، ودخل دمشق والجزيرة وحلب. وأخذه ابن شيخ السلامية. وجعل له الظاهر كل يوم ديناراً صورياً، وفي كل شهر عشرة مكاكيك حنطة ولحماً. وله كتاب نكت الأبناء في مجلدين. وكتاب جنة الناظر وجنة المناظر خمسة مجلدات في تفسير مائة آية ومائة حديث، وكتاب في تحقيق غيبة المنظر وما جاء فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة ووجوب الإيمان بها، وشرح القصيدة البائية التي للسيد الحميري. وقدح عينيه ثلاث مرات. وكانت العامة تطعن عليه عند السلطان ولا يزيده إلا محبة. قال الشيخ شمس الدين الذهبي رحمه الله: ما كان هذا إلا وقحاً جريئاً على الكذب. انظر كيف ادعى هذه السن، وكيف كذب في لقاء ابن الفحام والحريري. الطنطاش: الأمير سيف الدين. مملوك الأمير أمين الدولة صاحب بصرى وصرخد. وواقف الأمينية بدمشق. لما توفي أمين الدولة كان الطنطاش هذا نائباً على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 قلة بصرى، فاستولى عليها وعلى صرخد، واستعان بالفرنج. فسار لقتاله معين الدين أنر ونازل القلعتين فملكهما. وكان الطنطاش له أخ يدعى خطلخ فآذاه وكحله وأبعده، فحضر إلى دمشق. فلما قدم أخوه الطنطاش إلى دمشق، حاكمه أخوه إلى الشرع وكحله قصاصاً. فبقي أعميين. وتوفي الطنطاش رحمه الله تعالى في حدود الخمسين والخمسمائة تقريبا، والله تعالى أعلم. أمية بن الأشكر: الكناني. من بنى ليث الصحابي رضي الله عنه. شاعر مخضرم. كان من سادات قومه. وكان له ابن اسمه كلاب، أكتتب نفسه في الجند الغازي مع أبي موسى الأشعري، في خلافة عمر رضي الله عنه. فاشتاقه أبوه وكان قد أضر فأخذ قائده بيده، ودخل به عمر وهو في المسجد. فأنشده: أعاذل قد عذلت بغير قدر ... وماتدرين عاذل ماألاقي فإن ما كنت عاذلتي فردي ... كلابا إذ توجه للعراق فتى الفتيان في عسر ويسر ... شديد الركن في يوم التلاق فلا وأبيك ماباليت وجدي ... ولاشغفي عليك ولا اشتياقي وإيقادي عليك إذا شتونا ... وضمك تحت نحري واعتناقي فلو فلق الفؤاد شديد وجد ... لهم سواد قلبي بانفلاق سأستعدى على الفاروق ربا ... له عمد الحجيج إلى بساق وأدعو الله محتسبا عليه ... ببطن الأخشبين إلى دفاق إن الفاروق لم يردد كلابا ... على شيخين هامهما زواق فبكى عمر رضي الله عنه، وكتب إلى موسى الأشعري، برد كلاب إلى المدينة. فلما قدم ودخل عليه، قال له عمر: ما بلغ من برك بأبيك قال: كنت أوثره وأكفيه أمره، وكنت إذا أردت أن أحلب له لبنا أجيء إلى أغزر ناقة في إبله فأريحها وأتركها حتى تستقر، ثم أغسل أخلافها حتى تبرد، ثم أحلب له فأسقيه. فبعث عمر رضي الله عنه إلى أمية فجأة فدخل عليه وهو يتهادى وقد انحنى. فقال له: كيف أنت يا أبا كلاب؟ فقال: كما ترى يا أمير المؤمنين. فقال: هل لك من حاجة؟ قال: نعم. كنت أشتهي أن أرى كلابا فأشمه شمة وأضمه ضمة قبل أن أموت. فبكى عمر رضي الله عنه وقال: ستبلغ في هذا ما تحب إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ثم أمر كلابا أن يحلب لأبيه ناقة كما كان يفعل ويبعث بلبنها إليه. ففعل. وناوله عمر رضي الله عنه الإناء، وقال: اشرب هذا يا أبا كلاب. فأخذه فلما أدناه من فيه. قال: والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة يدي كلاب. فبكى عمر رضي الله عنه وقال هذا كلاب عندك، وقد جئناك به. فوثب إلى ابنه وضمه. وجعل عمر رضي الله تعالى عنه والحاضرون يبكون. وقالوا لكلاب: الزم، أبويك. فلم يزل مقيما عندهما إلى أن ماتا. والله أعلم. أبو شروان: الضرير الشاعر المعروف بشيطان العراق. سافر إلى بلاد الجزيرة وما والاها، ومدح الملوك والأكابر. والغالب على شعره الخلاعة والمجون والهزل والفحش. وعاد إلى بغداد خمس وسبعين وخمسمائة. ومدح المستضيئ. ومن شعره قصيدة يهجو فيها بلد إربل: تبا لشيطاني وما سولا ... لأنه أنزلني إربلا نزلتها في يوم نحس فما ... شككت أني نازل كربلا وقلت ما أخطأ الذي مثلا ... باربل إذ قال بيت الخلا هذا وفي البازار قوم إذا ... عاينتهم عاينت أهل البلا من كل كردى حمار ومن ... كل عراقي نفاه الغلا أما العراقيون ألفاظهم جب لي ... جفاني جف جال البلا جمالك أي جعفغ جبه يجي ... يجب جمالوا قبل أن نرحلا هيا مخاغيطي الكسحلي مشى ... كف المكفنى اللنك إي بوالعلا جغه بجعصوا نتف سبيله ... انتغوا مده بكعغو به اسفقه بالملا عكلى تغى هواي نتف اعفقه ... قل لوالبو يذتخين كيف انقلى هذى القطيعة بهجغه انحط من ... عندي تدفع كم تحط الكلا والكرد لا تسمح إلا جيا ... أو بحيا أو نتوى زنكلا كلا وبوبو علكوا خشتري ... خيلو وميلو موسكا منكلا ممرو ومفو ممكى ثم إن ... قالوا بوير بكى بخى قلت لا وفتية تزعق في سوقهم ... سردا جليدا صوتهم قد علا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 وعصبة تزعق والله تنفروا ... وشوبوا ثم هم سخام الطلا ربع خلا من كل خير بلى ... من كل عيب وسقوط ملا فلعنة الله على شاعر ... يقصد ربعا ليس فيه كلا أخطأت والمخطئ في مذهبي ... يصفع في قمته بالدلا إذ لم يكن قصدي إلى سيد ... جماله قد جمل الموصلا ثم إنه بعد ذلك قال يعتذر من هجاء إربل، ومدح الرئيس مجد الدين داود بن محمد. وهي قصيدة طويلة، وقد سقت بعضها في تاريخي الكبير في ترجمته. أيد غدي: الأمير علاء الدين. الأعمى الركني الزاهد. ناظر أوقاف القدس الشريف والخليل عليه السلام. أنشأ العمائر والربط وغير ذلك، وأثر الآثار الحسنة بالقدس، وبلد سيدنا الخليل عليه السلام، والمدينة النبوية الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. وكان من أحسن الناس سيرة، وأجملهم طريقة. عمرت الأوقاف في أيامه، وتضاعفت أجورها، واشتهر ذكره وسار. وكان من أذكياء العالم. يقال عنه: إنه خط حماما في بلد الخليل عليه السلام، ورسم الأساس بيده وذره بالكلس للصناع. وكان يحب الخيل ويستولدها. وكان إذا مر به فرس من خيله عرفه، وقال هذا من خيلي. وتوفي بالقدس الشريف، سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب. أيمن بن نابل: الحبشي المكي الطويل الضرير، عداده في صغار التابعين. كان ابن معين حسن الرأي فيه. وقال ابن حبان لا يحتج به إذا انفرد. وتوفي رحمة الله تعالى في حدود الستين والمائة. وروى له البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 بدر بن جعفر: بن عثمان الأميري من قرية تعرف بالأميرية من نواحي النيل ببغداد. أبو النجم الشاعر الضرير. نشأ بواسط وقرأ بها القرآن والأدب، وسمع الحديث، وقال الشعر. وقدم بغداد وسكنها، ومدح بها الأكابر والأعيان. وصار من شعراء الديوان، ينشد في التهاني والتعازي. وكان شيخا حسنا متدينا. ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى عشرة وستمائة. ومن شعره: عذ يرى من جيل غدوا وصنيعهم ... بأهل النهى والفضل شر صنيع ولؤم زمان مايزال موكلا ... بوضع رفيع أو برفع وضيع سأصرف صرف الدهر عني بماجد ... متى آته لا آته بشفيع البراء بن عازب: بن حارث بن عدي بن جشم بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ابن الخزرج الحارثي الخزرجي. أبو عمارة، وقيل أبو الطفيل، وقيل أبو عمر. والأشهر أبو عمارة. قال البراء: استصغرت أنا وإبن عمر يوم بدر، وكان المهاجرون يومئذ نيفا على الستين، وكان الأنصار نيفا على أربعين ومائة. والأشبه أن يكون البراء أراد الخزرج قبيلته، وإلا فالأنصار كانوا يوم بدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 وذكر الدولابي عن الواقدي، قال: أول غزوة شهدها ابن عمر والبراء بن عازب وأبو سعيد وزيد بن أرقم، الخندق. وقال أبو عمر الشيباني: أفتتح البراء بن عازب الرى سنة أربع وعشرين، صلحا أو عنوة. وقال أبو عبيدة: افتتحها حذيفة سنة إثنتين وعشرين. وقال حاتم بن مسلم: افتتحها قريظة بن كعب الأنصاري. وقال المدائني: افتتح بعضها أبو موسى وبعضها قريظة. وشهد البراء بن عازب مع علي رضي الله عنه الجمل وصفين والنهروان، ثم نزل الكوفة ومات بها، أيام مصعب بن الزبير، في سنة إحدى وسبعين للهجرة بعد ما أضر. بركة بن أبي يعلى: بن أبي الغنائم الأنباري أبو البركات الضرير. كان له شعر. روى عنه أبو بكر المبارك بن كامل الخفاف في معجم شيوخه. وسمع منه عمر بن طبرزد شيا من شعره في جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة. ومن شعره وهو نازل: أغالب وجدي فيهم وهو غالب ... وأحبس دمعي وهو في الخد ساكب وقد عيل صبري واعترتني وساوس ... تمانعني طيب الكرى وهو آئب وقد حرت لما أصبح الركب راحلا ... وقد قوضت نيرانهم والمضارب حدا بهم الحادي فأضحيت بالحمى ... كئيبا وقد ضاقت على المذاهب بشار بن برد: بن يرجوخ بفتح الياء آخر الحروف وسكون الراء وضم الجيم وبعد الواو الساكنة خاء معجمة العقيلي بضم العين المهملة. مولاهم الشاعر المشهور، أبو معاذ المرعث بضم الميم وفتح الراء وتشديد العين المهملة وبعدها ثاء مثلثة وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 الذي في أذنه رعاث وهي القرط لأنه كان في أذنه وهو صغير قرط. ذكر صاحب الأغاني في كتابه أسماء أجداد بشار ستة وعشرين جدا أسماؤهم كلها أعجمية. ولد على الرق وأعتقته امرأة عقيلية. وفد على المهدي وأنشده قصيدة يمدحه بها، منها: إلى ملك من هاشم في نبوه ... ومن حمير في الملك والعدد الدثر من المشترين الحمد تندى من الندى ... يداه وتندى عارضاه من العطر فلم يحظ منه، فقال يهجوه: خليفة يزني بعماته ... يلعب بالدبوق والصولجان أبدلنا الله به غيره ... ودس موسى في ح ... الخيزران وأنشدهما في حلقة يونس النحوي، فسعى به إلى الوزير يعقوب بن داود، وكان بشار قد هجاه بقوله: بني أمية هبوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الناي والعود فدخل الوزير يعقوب بن المهدي، وقال يا أمير المؤمنين: إن هذا الملحد الزنديق قد هجاك. قال: بم ذاك؟ فقال: لا أطيق أقوله. فأقسم عليه فكتبهما، فلما وقف عليهما كاد ينشق غيظا. فانحدر إلى البصرة فلما بلغ البطيحة سمع أذانا في وضح النهار. فقال: انظروا ما هذا؟ فإذا بشار سكران. فقال: يا زنديق عجبت أن يكون هذا من غيرك. أتلهو بالآذان في غير وقت الصلاة، وأنت سكران؟ وأمر بضربه. فضرب بالسياط بين يديه على صدر الحراقة سبعين سوطا تلف منها. فكان إذا أصابه السوط قال: حس وهي كلمة تقولها العرب للشيء إذا أوجع. فقال بعضهم: انظروا إلى زندقته كيف يقول حس ولا يقول بسم الله. فقال بشار: ويلك أطعام هو فأسمى الله عليه؟ فقال له آخر: أفلا قلت الحمدلله؟ فقال: أو نعمة هي فأحمد الله عليها؟ وبان الموت فيه. فألقى في سفينة حتى مات سنة ثمان وستين ومائة. وقد بلغ نيفا وتسعين سنة. وقال: في حالة ضرب الجلاد له: ليت عيني أبي الشمقمق ترياني حيث يقول: هللينة هللينة ... طعن قثاة لتينه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 إن بشار بن برد ... تيس أعمى في سفينة وكان بشار يخاف لسان أبي الشمقمق ويصانعه في كل سنة بمبلغ من الذهب حتى يكف عنه. ووجد في أوراقه مكتوب بعد موته،: إني أردت هجاء آل سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، فذكرت قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسكت عنهم، والله العالم بحالهم. فيقال إن المهدي لما بلغه ذلك، ندم على قتله. وكان كثيرا ما ينشد قوله: سترى حول سريري ... حسرا يلطمن لطما ياقتيلاً قتلته ... عبدة الحوراء ظلما عبدة، إسم محبوبته. وفيها يقول: زود ينا يا عبد قبل الفراق أنا والله أشتهي سحر عينيك وأخشى مصارع العشاق. ولما خرجت جنازته، لم يتبعها إلا أمة سندية عجماء. تقول واشيداه! واشيداه! بالشين المعجمة. وكان بشار يرى رأي الكاملية. وهم فرقة من الرافضة يتبعون رجلا كان يعرف بأبي كامل. كان يزعم أن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي بن أبي طالب، وكفر علي بن أبي طالب بتركه قتالهم، وكان يلزمه قتالهم كما لزمه قتال أصحاب الجمل وصفين. وقيل لبشار: ما تقول في الصحابة؟ فقال كفروا قيل له: فما تقول في علي بن أبي طالب؟ فقال: وما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصحبينا وقيل: إنه كان يفضل النار على الأرض، ويصوب رأي إبليس في إمتناعه من السجود لآدم، وقال: إبليس خير من أبيكم آدم ... فتنبهوا يا معشر الفجار إبليس من نار وآدم طينة ... والأرض لا تسمو سمو النار وقال أيضا: الأرض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبودة مذ كانت النار وكان بشار قد ولد أعمى، جاحظ العينين، قد تغشاهما لحم أحمر. وكان ضخما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 عظيم الخلق والوجه، مجدورا طويلا. وهو معدود في أول مرتبة المحدثين. وهو من مخضرمي الدولتين. وهو من الشعراء المجيدين. وكان خبيث الهجو. قال بشار: هجوت جريرا، فاحتقرني واستصغرني. ولو أجابني لكنت أشعر الناس. وقال بشار: لي إثني عشرة ألف قصيدة، لعنها الله ولعن قائلها، إن لم يكن في واحدة منها بيت عين. ومر بشار برجل ندت من تحته بغلة وهو يقول: الحمد لله شكراً، فقال بشار استزده يزدك ومر يوماً بقوم يحملون جنازة وهم يسرعون المشي بها. فقال: مالهم مسرعين؟ أتراهم قد سرقوها؟ وهم يخافون أن يلحقوهم ليأخذوها منهم. ورفع غلام بشار إليه في حساب نفقته جلاء مرآة، عشرة دراهم. فصاح به بشار، وقال: ما في الدنيا أعجب من جلاء مرآة لأعمى بعشرة! والله؟ لو صدئت عين الشمس حتى يبقى العالم في ظلمة، ما بلغت أجرة من يجلوها عشرة دراهم. وقال داود بن رزين: جئت بشارا مع جماعة. فأذن لنا والمائدة موضوعة بين يديه، فلم يدعنا إلى طعامه. فلما أكل دعا بالطست، فكشف سوأته وبال. ثم حضرت الظهر والعصر والمغرب، فلم يصل. فقال له بعضنا: أنت أستاذنا. وقد رأينا منك أشياء أنكرناها. قال: وماهي؟ قلنا: دخلنا والطعام بين يديك فلم تدعنا. فقال إنما أذنت لكم لتأكلوا. ولو لم أرد، ما أذنت لكم. قال: ثم ماذا؟ قلنا: دعوت بالطست فبلت، ونحن حضور. فقال: أنا مكفوف وأنتم المأمورون بغض البصر دوني. قال: ثم ماذا؟ قلنا: حضرت الظهر والعصر والمغرب، ولم تصل. فقال: الذي يقبلها تفاريق يقبلها جملة. وقعد إلى بشار رجل يستثقله، فضرط عليه ضرطة. فظن أنها فلتة منه. ثم ضرط أخرى. ثم ضرط ثالثة. فقال له: يا أبا معاذ ما هذا؟ فقال بشار: أرأيت أم سمعت؟ فقال: بل سمعت صوتا قبيحا. قال: فلا تصدق حتى ترى. وأنشد: ربما ثقل الجليس وإن كان ... خفيفا في كفه الميزان كيف لا تحمل الأمانة أرض ... حملت فوقها أبا سفيان وكان النساء المتظرفات يجئن إلى بشار ويسمعن كلامه وشعره. فسمع واحدة منهن فهويها وراسلها. فقالت لرسوله: قل له أي معنىً فيك لي؟ ويلك أولىك في؟ أنت أعمى لا تراني فتعرف حسني ومقداره، وأنت قبيح لا حظ لي فيك، فليت شعري! لأي شئ تطلب وصال مثلي؟ وجعلت تهزأ به، فأدى إليه الرسول ما قالت. فقال: عد إليها وقل لها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 أي..ى له فضل على أي..انهم ... فإذا أشظ سجدان غير أوابي تلقاه بعد ثلاث عشرة قائما ... فعل المؤذن شك يوم سحاب وكأن هامة رأسه بطيخة ... حملت إلى ملك لدجلة جاب وجاءه رجل، فسأله عن منزل رجل ذكره له. فجعل يفهمه ولا يفهم. فأخذ بشار بيده وقام يقوده إلى منزل الرجل، وهو يقول: أعمى يقود بصيرا لا أبالكم ... قد ضل من كانت العميان تهديه فلما وصل به إلى منزل الرجل، قال له: هذا منزله يا أعمى. وعشق بشاراً امرأة مرة فكان ينفذ غلامه إليها، وهي تتمنع. فلما أضجرها، عرفت زوجها. فقال لها أجيبيه وعديه أن يجئ إلى هنا. ففعلت. وجاء بشار مع امرأة أنفذتها إليه. فدخل، وزوجها جالس وهو لا يعلم. فجعل بشار يحادثها ساعة. ثم قال، ما اسمك؟ قالت: أمامه. فقال: أمامة قد وصفت لنا بحسن ... وإنا لا نراك فألمسينا فأخذت يده ووضعتها على أي ... زوجها، وقد أنع ... ففزع ووثب. وقال: على ألية ما دمت حياً ... أمسك طائعاً إلا بعود ولا أهدي لأرض أنت فيها ... سلام الله إلا من بعيد طلبت غنيمة فوضعت كفي ... على شيء اشد من الحديد فخير منك من لا خير فيه ... وخير من زيارتكم قعودي وقبض زوجها عليه، وقال: هممت أن أفضحك. فقال: قد كفاني، فديتك! ما فعلت. ولست عائداً إليها أبداً. وكان بالبصرة رجل يقال له حمدان الخراط. فاتخذ جاماً لإنسان، وكان بشار عنده. فسأله بشار أن يتخذ له جاماً فيه صورة طير. فاتخذه له وجاءه به. فقال له: ما في هذا الجام؟ فقال: صورة طير يطير. فقال له: قد كان ينبغي أن تتخذ فوق هذا الطير طائراً من الجوارح كأنه يريد صيده فإنه كان أحسن. قال: لم أعلم. قال: بلى علمت. ولكن علمت أني أعمى. وتهدده بالهجاء. فقال له حمدان: لا تفعل تندم. قال: أو تهددني أيضاً؟ قال: نعم. قال: وأي شيء تستطيع أن تصنع بي؟ قال: أصورك على باب داري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 في صورتك هذه، واحمل من خلفك قرداً ين..ك حتى يراك الصادر والوارد. فقال بشار: اللهم اخزه! أنا أمازحه وهو يأبى إلا الجد. وأخباره كثيرة. وأشعار شهيرة. وهذا القدر من أخباره كاف. ومن شعره وهو في غاية الحكمة: إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن ... بحزم نصيح أو نصاحة حازم ولا تحسب الشورى عليك غضاضة ... فإن الخوافي رأفة للقوادم وخل الهوينا للضعيف ولا تكن ... نؤوماً. فإن الحر ليس بنائم وأدن من القربى المقرب نفسه ... ولا تشهد الشورى أمرأً غير كاتم وما خير كف أمسك الفل أختها ... وما خير سيف لم يؤيد بقائم فإنك لا تستطرد الهم بالمنى ... ولا تبلغ العليا بغير المكارم وقال حماد عجرد يهجوه: لقد صار بشار بصيراً بد..ره ... وناظره بين الانام ضرير له مقلة عمياء وا ... تٌ بصيرة ... إلى الأ ... ر من تحت الثياب تشير على وده أن الحمير تني ... هـ ... وأن جميع العالمين حمير بشير بن معاذ: العقدي الضرير البصير. توفي في حدود الخمسين والمائتين. روى عنه الترمذي والنسائي وابن ماجة. ووثقه ابن حبان. أبو بكر بن احمد: بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي. الشيخ الصالح المعمر اليقظ مسند الوقت المقدسي الصالحي. ويعرف بالمحتال. ولد بكفر بطنا إذا كان والده بها خطيباً سنة خمس أو ست وعشرين وستمائة. وسمع سنة ثلاثين على الفخر الإربلي، وسمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 الصحيح كله على ابن الزبيدي، وسمع من الناصح بن الحنبلي، وسالم بن صصري، وجعفر الهمداني، والشيخ الضياء، وجماعة. وأجاز له ابن روزبة وأقرانه من بغداد. وحج ثلاث مرات. وأضر قبل موته بأعوام، وثقل سمعه. ولكن كان زاد همه وجلادة وفهم. وله عبادة وأذكار. وقد حدث في زمان والده. وروى عنه ابن الخباز، وابن نفيس، والقدماء. وحدث بالصحيح غير مرة، وسمع منه الخلق، وانتهى إليه علو الإسناد، كوالده في زمانه. وعاش كأبيه ثلاثاً وتسعين سنة. وتوفي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة تاسع عشر شهر رمضان سنة ثمان عشرة وسبعمائة. وكانت جنازته مشهورة. أبو بكر بن عبد الرحمن: بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي. أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. وكنيته إسمه. وكان من سادات التابعين. ويسمى راهب قريش. وجده الحارث اخو أبي جهل بن هشام من جملة الصحابة رضي الله عنهم. ولد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. وتوفي رحمه الله تعالى في سنة أربع وتسعين للهجرة. وهذه السنة تسمى سنة الفقهاء، لأنه مات فيها جماعة منهم. وهؤلاء الفقهاء السبعة كانوا بالمدينة في عصر واحد. وعنهم انتشر العلم والفتيا في الدنيا. وقد جمعهم بعض الشعراء في بيتين، فقال: ألا كل من لا يقتدى بأئمة ... فقسمته ضيري عن الحق خارجه فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد سليمان أبو بكر خارجه وإنما قيل لهم الفقهاء السبعة، لأن الفتوى بعد الصحابة رضي الله عنهم صارت إليهم، وشهروابها. وكان في عصرهم جماعة من العلماء. مثل سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم وأمثاله. ولكن الفتوى لم تكن إلا لهؤلاء السبعة. وكان لأبي بكر عدة إخوة وهو أجلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وروى عن أبيه، وعن عمار بن ياسر، وأبي مسعود البدري، وعائشة، وعبد الرحمن بن مطيع، وأبي هريرة، وأسماء بنت عميس، وجماعة. وكان عبد الملك بن مروان أن يكرمه ويقول: إني لأهم بالسوء افعله بأهل المدينة لسوء أثرهم عندنا، فاذكر أبا بكر فاستحيي منه. وروى له الجماعة وأضر بأخرة. بيجار: بالباء الموحدة والياء آخر الحروف ساكنة والجيم وبعدها ألف وراء الأمير حسام الدين اللاوي الرومي، ابن بختيار. كان له ببلاد الروم قلاع وحشمة. فنزح إلى بلاد المسلمين مهاجراً في أواخر الدولة الظاهرية. وحج وأنفق أموالاً كثيرة. ثم إنه رجع ولزم بيته وترك الإمرة. قال الشيخ قطب الدين اليؤنيني: جاوز المائة بسنين. كذا قال وكف بصره. وتوفي سنة إحدى وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى. بيبغاء: الأشرفي الأمير سيف الدين. كان في وقت نائب الكرك فيما بعد العشرين والسبعمائة، فيما أظن. ثم إنه عزل منها وحضر إلى دمشق. وجهز إلى صرخد. وكان قد اضر باخرة والله تعالى أعلم. وتوفي رحمه الله تعالى في سنة [ ... ] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 حرف الجيم جابر بن عبد الله بن عمرو بن سواد بن سلمة الأنصاري. من مشاهير الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وأحد المكثرين من الرواية. شهد هو وأبوه العقبة الثانية، ولم يشهد الأولى. وشهد بدراً، وقيل لم يشهدها. وشهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر غزوات. وقدم مصر والشام. وأبو أحد الاثني عشر نقيباً وكف بصر جابر بأخرة. روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن علي الباقر، وعطاء بن أبي رباح، وأبو الزبير، فأكثر ومحمد بن المنكدر، وخلق سواهم. وروى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. ولما توفي، وقف الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم بين عمودي سريره؟ فأخرجه الحجاج ووقف مكانه، وصلى عليه. وأخرجه أيضاً من حفرته واقتحمها الحجاج حتى فرغ منه. قيل إن هذا لا يثبت لأنه مات والحجاج على العراق أمير. وعاش أربعاً وتسعين سنة. وتوفي رضي الله تعالى عنه سنة أربع وسبعين، وقيل سبع وسبعين، وقيل ثمان وسبعين. وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، في قول. ولما أراد شهود بدر، خلفه أبوه على بناته. وهن أخوات جابر. وكن تسعاً، وقال: أخرجني خالي ليلة العقبة وأنا لا أستطيع أن أرمي بحجر. جعفر بن علي بن موسى أبو محمد الضرير المقرئ البغدادي. كان أحد الفقهاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 المشهورين. وكان يصلي بالناس إماماً في جامع المنصور يوم الجمعة صلاة العصر. قرأ على والده وعلى حمزة بن عمارة بن الحسن المقرئ، وأبي بكر أحمد بن العباس بن مجاهد، وأبي بكر بن أحمد بن أبي قتادة، وإدريس بن عبد الكريم الحداد. وقرأ عليه أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي، والقاضي أبو العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي، وروى عنه. وحدث باليسير عن ابن مجاهد، وأبي محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله الزهري. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 حرف الحاء حبشي بن محمد بن شعيب. أبو الغنائم الشيباني الواسطي الضرير المقرئ النحوي. قرأ القرآن، واشتغل بشيء من الأدب. ثم إنه قدم بغداد واستوطنها إلى أن مات رحمه الله تعالى، سنة خمس وستين وخمسمائة. وقرأ على الشريف الشجري ولازمه حتى برع في النحو، وبلغ الغاية. وسمع شيئاً من الحديث، وكتب الأدب، ودواوين شعر العرب، من الحافظ محمد بن ناصر. وحدث باليسير. وقرأ عليه جماعة من أهل بغداد كمصدق بن شبيب. قال ياقوت: وكان مع هذا إذا خرج الطريق بغير قائد لا يهتدي كما يهتدي العميان، حتى سوق الكتب الذي كان يأتيه كل ليلة عشرين سنة. ولم يكن بعيداً عن منزله. حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام. أبو الوليد، وقيل أبو عبد الرحمن، وقيل أبو الحسام. الأنصاري النجاري. صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاعره. وفد على عمرو بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 الحارث بن أبي شمر، وعلى جبلة بن الأيهم، وعلى معاوية رضي الله تعالى عنه حين بويع سنة أربعين. قال ابن سعد: عاش في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام مثلها. وكان قديم الإسلام. ولم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهداً. وكان يجبن. قال الحافظ ابن عساكر: نعم، كان جهاده بشعره. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصب له منبراً في المسجد يقوم عليه ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك على قريش أشد من رشق النبل. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجب عن رسول الله. اللهم أيده بروح القدس! وفي رواية: أهجهم أو هاجهم، وجبريل معك. وفي رواية: أن روح القدس معك ما هاجيتهم. وفي رواية: جبريل معينك. وفي رواية: إن الله يؤيد حسان بروح القدس، ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقال صاحب الأغاني بسنده إلى محمد بن جرير قال: كان حسان بن ثابت رضي الله عنه يوم الخندق في حصن بالمدينة مع النساء والصبيان لجبنه. قال: فمر رجل من اليهود، فجعل يطيف بالحصن فقالت حفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها يا حسان هذا يهودي كما ترى يطيف بالحصين. وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا. وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فانزل إليه فاقتله. فقال يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب! قد عرفت ما أنا بصاحب هذا. قالت: فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئاً، اعتجرت ثم أخذت عموداً ثم نزلت من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته. فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن وقلت: يا حسان أنزل إليه فاسلبه، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل. فقال ما لي بسلبه حاجة! يا بنت عبد المطلب. قال وحكى أنه كان قد ضرب وتداً في ذلك اليوم في جانب الأطم. فكان إذا حمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على المشركين، حمل على الوتد وضربه بالسيف، وإذا حمل المشركون، انحاز عن الوتد، كأنه يقاتل قرناً انتهى. قلت: وقد رأيت بعضهم ينكر جبنه، واعتذر له بأنه كان يهاجي قريشاً ويذكر مثالبهم ومساويهم، ولم يبلغنا أن أحداً عيره بالجبن والفرار من الحروب. وقد هجا الحارث بن هشام بقوله: إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجا الحارث بن هشام ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا براس طمرة ولجام وما أجابه بما ينقض عليه ويطعن عليه، بل اعتذر رضي الله تعالى عنه عن فراره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 بقوله: الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى رموا فرسي بأشقر مزبد ووجدت ريح الموت من تلقائهم ... في مأزق والخيل لم تتبدد وعلمت أني إن أقاتل واحداً ... أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي فصدفت عنهم والأحبة دونهم ... طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد وقال ابن الكلبي: إن حسان كان لسناً شجاعاً، فأصابته علة له الجبن. فكان بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ولا يشهده. وقال ابن عساكر: قال عطاء بن أبي رباح: دخل حسان على عائشة رضي الله عنهما بعدما عمي، فوضعت له وسادة. فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: أتجلسينه على وسادة وقد قال ما قال؟ فقالت إنه؟ تعني كان يجيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشفى صدره من أعدائه، وقد عمي وإني لأرجو أن لا يعذب في الآخرة. قلت: أراد عبد الرحمن رضي الله عنه، ما قاله حسان في قصة إلا فك، لأن الذين تحدثوا في شان عائشة رضي الله عنها. كانوا جماعة. وهم عبد الله بن أبي سلول، ومسطح بن اثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش. وقوله تعالى والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. قال المفسرون: هو حسان بن ثابت رضي الله عنه، أو عبد الله بن أبي. وتاب الله على الجماعة إلا عبد الله السلولي، فإنه مات منافقا. وقيل لعائشة رضي الله تعالى عنها: لم تأذنين لحسان عليك؟ والله يقول. والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم. فقالت: وأي عذاب اشد من العمى. ولما أنشد حسان عائشة رضي الله عنهما، شعره الذي منه قوله: حصان رزان ما تزن بريبة ... وتصبح غرثي من لحوم الغوافل قالت له: لكنك لست كذلك. وقعد صفوان بن المعطل، لحسان بسبب قصة إلا فك، وضربه بالسيف. وهذه القصة مذكورة في مواطنها من كتب التفسير والحديث، مستوفاة هناك. وقال حسان للنبي صلى الله عليه وسلم، لما طلبه لهجو قريش: لأسلنك منهم سل الشعرة من العجين، ولي مقول ما أحب أن لي به مقول أحد من العرب، وإنه ليفري مالاً تفري الحربة. ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 أخرج لسانه، فضرب به أنفه، كأنه لسان شجاع بطرفه شامة سوداء، ثم ضرب به ذقنه، وقال: لأفرينهم فري الأديم فصب على قريش منه شآبيب شر. فقال: اهجهم كأنك تنضحهم بالنبل: فهجاهم. فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: لقد شفيت يا حسان وأشفيت. وعن النبي صلى الله عليه وسلم. ذاك حاجز بيننا وبين المنافقين. لا يحبه إلا مؤمن. ولا يبغضه إلا منافق. وعن محمد بن سيرين. قال: كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، جماعة من قريش. عبد الله بن الزبعري، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعمرو بن العاص. فقال حسان: يا رسول الله إئذن لي في الرد عليهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فكيف وهو مني. فقال: والله لأسلنك منه، كما تسل الشعرة من العجين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حسان، فأت أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك. فأتاه فقال له. كف عن فلانة، واذكر فلانة، فقال حسان رضي الله عنه: هجوت محمداً فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء أتهجوه ولست له بكفء ... فشر كما لخير كما لفداء قلت: قال علماء الأدب. هذا أنصف بيت قالته العرب. ولما ورد وفد تميم على النبي صلى الله عليه وسل للمفاخرة. وقام خطيبهم الزبرقان. وقال ما قال. وقام خطيب النبي صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس. وقال ما قال. فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى حسان، فجاءه فأمره أن يحييه على الأبيات العينية وهي مشهورة. قال حسان يحيبه عن ذلك. ثم قام عطارد بن حاجب. فقال: أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا ... إذا اجتمعوا وقت احتضار المواسم بأنا فروع الناس في كل موطن ... وأن ليس في أرض الحجاز كدارم فقام حسان رضي الله عنه فقال: منعنا رسول الله من غضب له ... على أنف راض من معد وراغم هل المجد إلا السؤدد الفرد والندى ... وجار الملوك واحتمال العظائم فقال الأقرع بن جابس: والله! إن هذا الرجل لمؤتىً له. والله! لشاعره أشعر من شاعرنا. ولخطيبه أمهر من خطيبنا. وأصواتهم أرفع من أصواتنا. اعطني يا محمد. فأعطاه. فقال: زدني. فزاده. فقال: اللهم إنه سيد العرب. فنزلت فيهم إن الذين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ينادونك من وراء الحجرات. ثم إن القوم اسلموا. وفي حديث الرسول الذي وجهه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، إلى هرقل. أنه بعد ما ودعه. قال له: هرقل ألقيت جبلة ابن الأيهم؟ وكان قد دخل إليهم. وتنصر عندهم. وكان حسان، ممن يفد عليه ويمدحه بالشام. وله فيه تلك القصيدة اللامية. التي أولها: أسألت رسم الدار أم لم تسأل ... بين الجواني فالنصيع فحومل يقول فيها: بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول فقال له لا. فقال: القه. فجاء إليه. فوجد ما هو فيه من الرفاهية والعيش. والقصة مشهورة. فسأله عن حسان أحي هو. قال؟ نعم. فأمر له بمال وكسوة. ونوق موقرة براً. ثم قال له: إن وجدته حياً، فادفعها إليه. وإن وجد ميتاً، فادفعها إلى أهله. وانحر الجمال على قبره. فلما قدم الرسول على عمر رضي الله عنه. ذكر له حديث حسان. فبعث إليه فأتى، وقد كف بصره، وقائد يقوده. فلما دخل. قال: إني أجد ريح آل جفنة عندك. قال: نعم. هذا رجل أقبل من عنده. قال: هات يا ابن أخي ما بعث إلي معك. فقال: ومن أعلمك بهذا. قال: يا ابن أخي إنه كريم من عصبة كرام. مدحته في الجاهلية، فحلف أن لا يلقى أحداً يعرفني إلا أهدى إلي معه شيئاً فدفع إليه المال والثياب. وأخبره بما كان أمره في الجمال. فقال: وددت لو كنت ميتاً فنحرت على قبري. وقال أبو عبيدة: فضل حسان الشعراء بثلاث. كان شاهر الأنصار في الجاهلية، وشاعر النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام، وشاعر اليمن كلها، وكان اشعر أهل المدر. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: في سنة أربع وخمسين. توفي حكيم بن حزام، وحويطب بن عبد العزي، وسعيد بن يربوع المخزومي، وحسان بن ثابت. قال: ويقال إن هؤلاء الأربعة ماتوا وقد بلغ كل واحد منهم عشرين ومائة سنة. وقال الشيخ شمس الدين الذهبي: الذي بلغنا أن حساناً، وأباه، وجده، وجد أبيه، عاش كل منهم مائة وعشرين سنة. الحسن بن أبي الحسن الدرزبيني بدال مهملة وراء وبعدها زاي وباء ثانية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 الحروف وياء آخر الحروف ونون. أبو عل الضرير المقرئ البغدادي. حفظ القرآن وجوده، على أبي الحسن بن عساكر البطائحي، وغيره بالروايات. وسمع الحديث الكثير، من أبي الفتح بن البط وغيره. قال محب الدين بن النجار: وما أظنه روى شيئاً، ولم اسمع قارئاً أطيب صوتاً منه. ولا احن تلاوة وتجويداً. وكان من أعيان القراء، ووجوعه الأضراء. يدخل دار الخلافة. ويقرئ الجهات، والجواري، والخواص. وكان متجملاً ذا نعمة. وكان حنبلياً. وتوفي رحمه الله تعالى. سنة سبع وتسعين وخمسمائة. الحسن بن علي بن أحمد بن بشار بن زياد. أبو بكر المعروف بابن العلاف الضرير النهرواني الشاعر المشهور. كان من الشعراء المجيدين. وحدث عن أبي عمر الدوري المقرئ، وحميد بن مسعدة البصري، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن إسماعيل الحساني. وروى عنه عبد الله بن الحسن بن النحاس، وأبو الحسن الجراحي القاضي، وأبو حفص بن شاهين، وغيرهم. وكان ينادم المعتضد: حكى عنه. قال: بت ليلة في دار المعتضد مع جماعة من ندمائه، فأتانا خادم ليلاً. فقال أمير المؤمنين يقول: أرقت الليلة بعد انصرافكم فقلت: ولما انتبهنا للخيال الذي سرى ... إذا الدار قفر والمزار بعيد وقال: قد راتج عليه تمامه. فمن أجازه بما يوافقه في غرضه، أمر له بجائزة. قال: فارتج على الجماعة كلهم، وكلهم شاعر فاضل. فابتدرت وقلت: فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي ... لعل خيالاً طارقاً سيعود فرجع الخادم. ثم عاد. فقال. أمير المؤمنين يقول قد أحسنت: وأمر لك بجائزة. وكان لأبي بكر هذا هر يألف وكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه. ويأكل فراخها. وكثر ذلك منه. فامسكوه وذبحوه. فرثاه بالقصيدة التي اشتهرت. وقد قيل إنه رثى بها عبد الله بن المعتز، وخشي من الإمام المقتدر أن يتظاهر بها، لأنه هو الذي قتله، فنسبها إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 الهر، وعرض به في أبيات منها لصحبة كانت بينهما، وقيل إنما كنى بالهرعن المحسن ابن الفرات. أيام محنته، لأنه لم يجسر أن يذكره ويرثيه. وقيل إن جارية لعلي بن عيسى هويت غلاماً لأبي بكر ففطن بهما. فقتلا جميعاً، وسلخا وحشيت جلودهما تبناً. فقال مولاه أبو بكر يرثيه: يا هر فارقتنا ولم تعد ... وكنت مني بمنزل الولد فكيف ننفك عن هواك وقد ... كنت لنا عدة من العدد وتخرج الفار من مكامنها ... ما بين مفتوحها إلى السدد يلقاك في البيت منهم مدد ... وأنت تلقاهم بلا مدد لا عدد كان منك منفلتاً ... منهم ولا واحد من العدد لا ترهب الصيف عند هاجرة ... ولا تهاب الشتاء في الجمد وكان يجري ولا سداد لهم ... أمرك ما بيننا على السدد حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا ... ولم تكن للاذى بمعتقد وحمت حول الردى بظلمهم ... ومن يحم حول حوضه يرد وكان قلبي عليك مرتعداً ... وأنت تنساب غير مرتعد تدخل برج الحمام متئداً ... وتبلغ الفرخ غير متئد وتطرح الريش في الطريق لهم ... وتبلع اللحم غير مزدرد أطمعك الغي لحمها فرأى ... قتلك أصحابها من الرشد حتى إذا راموك واجتهدوا ... وساعد النصر كيد مجتهد كادوك دهر وقعت وكم ... أفلت من كيدهم ولم تكد فحين أخفرت وانهمكت وكا ... شفت وأسرفت غير مقتصد صادوك غيظاً عليك وانتقموا ... منك وزادوا ومن يصد يصد ثم شفوا بالحديد أنفسهم ... منك ولم يرعوا على أحد ومنها: فلم تزل للحمام مرتصداً ... حتى سقيت الحمام بالرصد لم يرحموا صوتك الضعيف كما ... لم ترث منها لصوتها الغرد أذاقك الموت ربهن كما ... أذقت أفراخه يداً بيد كأن حبلاً حوى بجودته ... جيدك للخنق كان من مسد كأن عيني تراك مضطرباً ... فيه وفي فيك رغوة الزبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وقد طلبت الخلاص منه فلم ... تقدر على حيلة ولم تجد فجدت بالنفس والبخيل بها ... أنت ومن لم يجد بها يجد فما سمعنا بمثل موتك إذ ... مت ولا مثل عيشك النكد عشت حريصاً يقوده طمع ... ومت ذا قاتل بلا قود يا من لذيذ الفراخ أوقعه ... ويحك هلا قنعت بالعدد ألم تخف وثبة الزمان وقد ... وثبت في البرج وثبة الأسد عاقبة الظلم لا تنام وإن ... تأخرت مدة من المدد أردت أن تأكل الفراخ ولا ... يأكل الدهر أكل مصطيد هذا بعيد من القياس وما ... أعزه في الدنو والبعد لا بارك الله في الطعام إذا ... كان هلاك النفوس في المعد كم دخلت لقمة حشا شره ... فأخرجت روحه من الجسد ما كان أغناك عن تسلقك البر ... ج ولو كان جنة الخلد قد كنت في نعمة وفي دعة ... من العزيز المهيمن الصمد تأكل من فأر بيتنا رغداً ... وأين بالشاكرين للرغد وكنت بددت شملهم زمناً ... فاجتمعوا بعد ذلك البدد فلم يبقوا لنا على سبد ... في جوف أبياتنا ولا لبد وفرغوا قعرها وما تركوا ... ما علقته يد على وتد وفتتوا الخبز في السلال فكم ... تفتت للعيال من كبد ومزقوا من ثيابنا جدداً ... وكلنا في المصائب الجدد وتوفي ابن العلاف رحمه الله تعالى. سنة ثمان عشرة، وقيل تسع عرة وثلاثمائة. قلت: وأناشيد التعجب ممن يزعم أن هذه القصيدة رثى بها غير هر. الحسن بن محمد: بن أحمد بن نجا الإربلي الرافضي الفيلسوف. عز الدين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 الضرير. كان بارعاً في الأدب والعربية. رأساً في علوم الأوائل. وكان منقطعاً في منزله بدمشق. يقرئ المسلمين وأهل الكتاب والفلاسفة. وله حرمة وافرة. وكان يهين الرؤساء وأولادهم بالقول. وكان مجرماً تارك الصلاة، يبدوا منه ما يشعر بانحلاله. وكان يصرح بتفضيل علي ري الله عنه، على أبي بكر رضي الله عنه. وكان حسن المناظرة والجدال. له نظم، وهو خبيث الهجو. روى عنه من شعره وأدبه الدمياطي، وابن أبي الهيجاء، وغيرهما. توفي سنة ستين وستمائة. ولما قدم القاضي شمس الدين احمد بن خلكان، ذهب إليعه فلم يحفل به، فأهمله القاضي وتركه. قال عز الدين ابن أبي الهيجاء: لازمت العز الضرير يوم موته، فقال: هذه البنية قد تحللت، وما بقي يرجى بقاؤها، وأشتهي رزاً بلبن، فعمل له وأكل منه. فلما أحس بشروع خروج الروح منه. قال: قد خرجت الروح من رجلي، ثم قال: قد وصلت إلى صدري. فلما أراد المفارقة بالكلية تلا هذه الآية " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. " ثم قال: صدق الله العظيم، وكذب ابن سينا. ثم مات في شهر ربيع الآخر. ودفن بسفح قاسيون. ومولده بنصيبين، سنة ست وثمانين وخمسمائة. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: وكان قذراً، زرى الشكل، قبيح المنظر، لا يتوقى النجاسات، ابتلى مع العمى بقروح وطلوعات. وكان ذكياً. جيد الذهن. قلت: أنشدني العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه، قال أنشدني الشيخ علاء الدين علي بن خطاب الباجي، قال: أنشدني لنفسه عز الدين حسن الضرير الإربلي. لو كان لي الصبر من الأنصار ... ما كان عليه هتكت أستاري ما ضرك يا أسمر لو بت لنا ... في دهرك ليلةً من السمار وبالسند المذكور له: لو ينصرني على هواه صبري ... ما كنت ألذ فيه هتك الستر حرمت علي السمع سوى ذكرهم ... مالي سوى حديث السمر ومن شعر العز الإربلي: توهم واشينا بليل مزارنا ... فهم ليسعى بيننا بالتباعد فعانقته حتى اتحدنا تلازماً ... فلما أتانا ما رأى غير واحد قلت: لأنه امسكه إمساكة أعمى. ومن شعره: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 إن أجف تكلفاً وفي لي طبعاً ... أو خنت عهوده يرعى يبغي لي في ذاك دوام الأسر ... هذا ضرر تحسبه لي نفعاً ومنه: ذهبت بشاشات عهدت من الجوى ... وتغيرت أحواله وتنكرا وسلوت حتى لو سرى من نحوكم ... طيف لما حياه طيفي في الكرى ومنه: قم يا نديم إلى الإبريق والقدح ... هات الثلاث وسل ما شئت واقترح وغن إن عادرتني الكأس مطرحاً ... وأنت يا صاح صاح غير مطرح عليك سقى ثلاث غير مازجها ... وما عليك إذاً مني ومن قدحي إني لأفهم في الأوتار ترجمةً ... ما ليس يفهمه النساك في السبح قلت: الرابع مضمن. ومن شعره في العماد بن أبي زهران: تعمم بالظرف نم ظرفه ... وقام خطيباً لندمانه وقال السلام على من زن ..... ولا.. وقاد لإخوانه فردوا جميعاً عليه السلام ... وكل يترجم عن شأنه وقال يجوز التداوي بها ... وكل عليل بأشجانه فأفتى بحل الز.. واللو ..... فقيه الزمان ابن زهرانه وقال فيه وكان لقبه شجاع الدين فنقل إلى عماد الدين: شجاع الدين عمدنا ... فهلا كنت شمستا خطيباً قمت سكراناً ... وبالزكرة عممتا الحسين بن سليمان: بن فزارة. القاضي شهاب الدين الكفري. بفتح الكاف وسكون الفاء وبعدها راء الدمشقي الحنفي. تلا بالسبع على علم الدين القاسم. وسمع من إبن طلحة. ومن إبن عبد الدايم. وتصدر للإقراء. وطال عمره. وقرأ عليه ولده القاضي شرف الدين، وخلق من الفضلاء، ودر وأفتى وناب في الحكم. وكان ديناً خيراً صالحاً عالماً. ودرس الاطرخانية. وكان شيخ الإقراء بالمقدمية والزنجيلية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 وقرأ بنفسه على ابن أبي اليسر. وكتب الطباق. واضر بأخرة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع عشرة وسبعمائة، عن إثنين وثمانين سنة. الحسين بن علي: بن بهجل. أبو عبد الله الضرير الباقدراني. بالباء ثانية الحروف وألف بعدها قاف ودال مهملة وراء بعدها ألف ونون نسبة. إلى باقدرا قرية من قرى بغداد من نواحي طريق خراسان. كان مقرئاً سمع الحديث من البرع أبي عبد الله الحسين بن محمد الدباس، وأبي القاسم هبة الدين بن محمد بن الحصين، وغيرهما. وروى عنهما. وكان صالحاً. وتوفي رحمه الله تعالى، في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة. الحسين بن علي: بن ثابت المقرئ. صاحب المنظومة في القراآت السبع، رواها عنه أحمد بن محمد العتيقي. وكن حافظاً ذكياً ولد أعمى. وكان يحضر مجلس ابن الأنباري، ويحفظ ما يملى. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. الحسين بن محمد: الونى، بفتح الواو وتشديد النون الفرضي الحاسب. أبو عبد الله. كان غماماً في الفرائض، وله فيها تصانيف كثيرة مليحة جودها. وسمع الحديث من أصحاب أبي علي الصفار وغيرهم. وسمع منه أبو حكيم عبد الله بن إبراهيم الخبري. صاحب التلخيص في الحساب، والخطيب التبريزي، وغيرهما. وهو شيخ الخبري في الحساب والفرائض. وانتفع به خلق كثير. وتوفي رحمه الله تعالى، شهيداً ببغداد في فتنة البساسيري، سنة أحدى وخمسين وأربعمائة. وون قرية من عمل قهستان. الحسين بن هداب: بن محمد بن ثابت الديري. أبو عبد الله الضرير المقرئ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 ويعرف بالنوري نسبةً إلى النورية قرية على السيب من الحلة السيفية، والدير قرية من النعمانية. سكن بغداد. وكان يقرئ النحو واللغة والقراآت. وكان يحفظ عدة دواوين من شعر العرب. وكان متفنناً فقيهاً شافعياً عفيفاً صيناً كثير العبادة منعكفاً على نشر العلم وإقراء القرآن. وقرأ بالروايات. على أبي العز محمد بن الحسين بن بندار الواسطي، وأبي بكر محمد بن الحسين بن علي المزرفي. وقرأ عليه جماعة. وحدث بكتاب الوقف والابتداء، لأبي بكر بن الأنباري عن المزرفي. وتوفي رحمه الله سنة اثنتين وستين وخمسمائة. الحسين بن يوسف: بن أحمد بن يوسف بن فتوح. أبو علي الأنصاري الأندلسي البلنسي الضرير. المعروف بابن زلال بضم الزاي وتشديد اللام وبعد الألف لام أخرى. قرأ القراآت، وسمع الحديث، وأخذ الناس عنه. وكان محققاً مشاركاً في فنون عديدة. آية من آيات الله تعالى في الفطنة والذكاء والحدس. توفي رحمه الله تعالى سنة ثلال عشرة وستمائة. حصين بن نمير: الكوفي الواسطي. كوفي الأصل ضرير. وثقة أبو زرعة. وتوفي رحمه الله في حدود التسعين والمائتين. وروى له البخاري وأبو داود، والترمذي، والنسائي. حفص بن عمر: بن عبد العزيز بن صهبان، ويقال له صهيب. الإمام أبو عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 الدوري، الأزدي، المقرئ، الضرير النحوي، نزيل سر من رأى. وشيخ المقرئين بالعراف. صدقه أبو حاتم. وصنف كتاباً في القراآت. وهو ثقة في جميع ما يرويه وتوفي رحمه الله سنة ست وأربعين ومائتين. قرأ على الكسائي، وإسمعيل بن جعفر، ويحبى اليزيدي، وسليم، وشجاع بن أبي نصر، وأبي عمارى حمزة بن القاسم الأحول صاحب حمزة الزيات. وسمع الحروف من أبي بكر بن عياش. ويقال: إنه كان أول من جمع القراآت وألفها. وحدث عن أبي إسمعيل المؤدب، وإسمعيل بن جعفر، وإسمعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة، وأبي معاوية الضرير، ومحمد بن مروان السدي، وعثمان بن عبد الرحمن الوقاصي، ويزيد بن هارون، وعدة. حتى أنه روى عن احمد بن حنبل، وروى أحمد عنه. وطال عمره. وقصد من الآفاق. وأزدحم عليه الحذاق، لعلو سنده وسعة علمه. وحدث عنه ابن ماجة في سننه، وأبو زرعة الرازي، وحاجب بن أركين، ومحمد بن حامد والد السني، وخلق كثير. وذهب بصره آخر عمره. الحكم بن أبي العاص: بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي، عم عثمان رضي الله عنه. كان من مسلمة الفتح. طرده رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة، فنزل الطائف، وخرج معه ابنه مروان، وقيل إن مروان ولد له بالطائف. ولم يزل الحكم بالطائف، إلى أن ولي عثمان رضي الله عنه الخلافة. فرده إلى المدينة. وتوفي آخر خلافة عثمان قبل القيام عليه بأشهر. واختلف في سبب نفيه، فقيل إنه كان يتحيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ويستخفي ويتسمع ما يسره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبار أصحابه، في مشركي قريش، وسائر الكفار والمنافقين. وكان يفشي ذلك عنه. حتى ظهر ذلك عليه. وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته، إلى أمور غيرها. قال ابن عبد البر: كرهت ذكرها. وكان النبي صلى اله عليه وسلم إذا مشى يتكفى وكان الحكم يحكيه، فالتفت فرآه يفعل ذلك. فقال رسول الله صلى اله عليه وسلم: فكذلك فلتكن. فكان الحكم مختلجاً مرتعشاً من يومئذ. وعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت. فقال: في عبد الرحمن بن الحكم: إن اللعين أبوك فارم عظامه ... إن ترم ترم مخلجاً مجنونا يمسى خميص البطن من عمل التقى ... ويظل من عمل الخبيث بطينا وعن عبد الله نب عمرو بن العاص. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين. قال عبد الله: وكنت قد تركت عمراً يلبس ثيابه، ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم أزل مشفقاً أن يكون أول من يدخل، فدخل الحكم بن أبي العاص. ولما أحضره عثمان رضي الله عنه إلى المدينة. وصل رحمه، وبره، وأعطاه مائة ألف درهم. وقد احتج الناس لعثمان رضي الله عنه، فقيل لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سراً: إذا صار هذا الأمر إليك فاردد عمك. وعلى الجملة فله عموم الصحبة، وهو جد عبد الملك بن مروان. وتوفي سنة إحدى وثلاثين للهجرة، بعد ما أضر بأخرة. حماد بن زيد: بن درهم. الإمام الأزدي مولاهم، البصري الأزرق الضرير، الحافظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 أحد الأعلام. قال ابن معين: ليس أحد أثبت من حماد بن زيد. وقال احمد: حماد من أئمة المسلمين، وهو أحب إلي من حماد بن سلمة. وقال ابن مهدي: لم أر أحداً قط أعلم بالسنة ولا بالحديث الذي يدخل في السنة من حماد. قال الشيخ شمس الدين الذهبي رحمه الله: من خاصته أنه لا يد لس أبداً. توفي رحمه الله يوم الجمعة تاسع شهر رمضان، سنة تسع وسبعين ومائة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. حماد بن مزيد: بن خليفة. أبو الفوارس الضرير المقرئ البغدادي. قرأ بالروايات على سعد الله بن نصر بن الدجاجي، وعلى ابن عساكر البطائحي. وسمع منهما، ومن أبي الفتح ابن البطي، وغيرهما. وقرأ عليه جماعة. وكان شيخاً صالحاً حسناً ورعاً زاهداً. له معرفة حسنة بوجوها القراآت، وطريقة مليحة في الأداء والتجويد. توفي رحمه الله تعالى في سنة ست وتسعين وخمسمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 حرف الخاء خالد بن صفوان كان قد كف بصره أخيراً. وكان بلال بن أبي بردة بغيضاً له، فمر به موكب بلال، فسأل من هذا فقالوا بلال. فقال: سحابة صيف عن قليل تقشع فسمعه بلال، فقال: أجل والله! لا تقشع حتى يصيبك شؤبوب برد. ثم أمر به فضرب مائة سوط، ثم أمر بحبسه. فقال له خالد: علام تفعل بي هذا ولم أجن جناية. فقال بلال: يخبرك بذلك باب مصمت، وأقياد ثقال، وقيم يقال له حفص. ثم إن الدهر ضرب ضربانه، فنكب بلال بعد ذلك، وأحضره يوسف بن عمر الثقفي عامل هشام في قيوده. وكان خالد بن صفوان جالساً عنده. فقال: أيها الأمير، إن بلالاً عدو الله ضربني وحبسني، وما فارقت جماعة، ولا خلعت يداً من طاعة. ثم التفت إلى بلال. وقال: الحمد الله الذي أذل سلطانك، وهد أركانك، وأزال جمالك، وغير حالك. فوالله كنت شديد الحجاب، مستخفاً بالشريف، مظهراً للمعصية، فقال بلال: يا خالد! إنما استطلت علي بثلاثة، الأمير عليك مقبل، وعني معرض. وأنت طليق، وأنا عان. وأنت في وطنك، وأنا غريب. فأفحمه. الخضر بن ثروان بن أحمد بن أبي عبد الله. الثعلبي. أبو العباس الضرير التوماثي بضم التاء المثناة من فوق وبعد الواو الساكنة ميم وألف ثم ثاء مثلثة. كذا وجدته مقيداً، بلد من نواحي برقعيد من بلاد الجزيرة، وقدم بغداد شاباً، وتفقه بها للشافعي. وسمع الحديث، وقرأ الأدب، وكان فاضلاً. وتوفي رحمه الله تعالى ببخارى، سنة ثمانين وخمسمائة. ومن شعره: أنت في غمرة النعيم تعوم ... لست تدري بأن ذا لا يدوم كم رأينا من الملوك قديماً ... همدوا فلعظام منهم رميم ما رأينا الزمان أبقى على شخ ... ص شقاءً فهل يدوم النعيم والغنى عند أهله مستعار ... فحميد به ومنهم ذميم وكان يحفظ المجمل، وشعر الهذليين، وأخبار الأصمعي، ورؤبة بن العجاج، وذي الرمة، وغيرهما. من المخضرمين، وأهل الجاهلية والإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 خلف بن أحمد: بن عبد الله. أبو القاسم الضرير الشلحي بالشين المعجمة وبعد اللام حاء مهملة. الفقيه الحنفي. قدم بغداد، وقرأ على قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الدامغاني، وغيره. حتى برع في المذهب والأصول والخلاف، وكان يدرس بمشهد أبي حنيفة رضي الله عنه. وسمع من الشريف أبي نصر الزينبي، وأبي عبد الله الدامغاني، وأبي الحسين المبارك بن أحمد الصيرفي. وحدث بالسير. وسمع منه السلفي وغيره. وتوفي رحمه اللهسنة خمس عشرة وخمسمائة. الخليل بن علي: بن إبراهيم. الجوسقي. والجوسق المنسوب هذا إليه قرية من قرى النهروان من عمل بغداد. أبو طاهر الضرير المقرئ. سكن بغداد، وروى عن أبي الخطاب بن البطر، وأبي عبد الله المعالي. ذكره أبو سعد في شيوخه. وتوفي رحمه الله تعالى في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 حرف الدال داود بن أحمد بن يحيى بن الخضر. الملهمي. أبو سليمان الضرير الداودي البغدادي. قرا القرآن بالروايات، على أبي الفضل أحمد بن محمد بن شنيف، وأبي الحسن علي بن عساكر البطائحي. وتفقه على مذهب أهل الظاهر. وقرأ الأدب وبرع فيه. وكان مولعاً بشعر أبي العلاء المعري. ويحفظ منه كثيراً، قال محب الدين بن النجار: كنت أراه يصلي في الجماعة، وما سمعت منه كلمةً أنقمها عليه، وكان الناس يسيئون الثناء عليه، ويرمونه بسوء العقيدة. توفي رحمه الله تعالى سنة خمس عشرة وستمائة ببغداد، وقد قارب السبعين. ومن شعره: إلى الرحمن أشكو ما الاقي ... غداة غد على هوج النياق نشدتكم بمن زم المطايا ... أمر بكم أمر من الفراق وهل داء أمر من التنائي ... وهل عيش ألذ من التلاقي دبيس: الضرير المدائني. شاعر. دخل بغداد، ومدح صدورها. وقال العماد الكاتب: دبيس المدائني ضرير، بالأدب بصير، لقيته واستنشدته أشعاره، وهي في غاية الرقة، بعيد من التعسف وارتكاب المشقة. وأورد له محب الدين بن النجار: وفي قدود الرماح السمر منعطف ... وفي خدود السريجيات توريد تغنت البيض فاهتز القنا طرباً ... مثل اهتزازك إذ يدعو بك الجود دعوان بن علي بن حماد بن صدقة. الجبائي. أبو محمد الضرير المقرئ البغدادي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 كان من أعيان الأضراء، ومن فضلاء القراء، موصوفاً بالديانة، حسن الطريقة. قرأ القرآن بالروايات، على أبي طاهر أحمد بن علي بن سوار، وأبي الخطاب علي بن عبد الرحمن بن الجراح، وأبي القاسم يحيى بن أحمد السيبي، وغيرهم. وسمع من الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة النعالي، والحسين بن علي بن أحمد بن البسري، وأبي المعالي ثابت بن بندار، وأبي طاهر بن سوار. وروى عنه عبد الرزاق بن عبد القادر الجيلي. وختم خلقاً كثيراً كتاب الله تعالى. وتوفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. ورئ بعد موته بخمس وعشرين سنة في المنام، وعليه ثياب شديدة البياض، وعمامة بيضاء مليحة ووجهه عليه نور، فأخذ بيد الرائي ومشيا إلى صلاة الجمعة. فقال: له يا سيدي ما فعل الله بك، فقال: عرضت على الله خمسين مرة، فقال لي: إيش عملت، فقلت: قرأت القرآن وأقرأته، فقال لي: أنا أتولاك أنا أتولاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 حرف الراء ربيعة بن ثابت بن لجإ بن العيزار بن لجغ الأسدي. أبو شبانه، ويقال أبو ثابت من أهل الرقة. كان شاعراً ضريراً يلقب بالغاوي. أشخصه المهدي إليه، فمدحه بعدة قصائد، وأثابه عليها ثواباً كثيراً. وهو الذي يقول في العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس: قصيدته التي لم يسبق إليها حسناً، منها: لو قيل للعباس يا ابن محمد ... قل لا وأنت مخلد ما قالها ما إن أعد من المكارم خصلة ... إلا وجدتك عمها أو خالها وإذا الملوك تسايروا في بلدة ... كانوا كواكبها وكنت هلالها إن المكارم لم تزل معقولة ... حتى حللت براحتيك عقالها ولما مدحه بهذه القصيدة بعث إليه بدينارين، فقال: مدحتك مدحة السيف المحلى ... لتجري في الكرام كما جريت فهبها مدحة ذهبت ضياعاً ... كذبت عليك فيها وافتريت فأنت المرء ليس له وفاء ... كأني إذ مدحتك قد رثيت فلما وقف عليها العباس، غضب وتوجه إلى الرشيد وكان عظيماً. فقال: إن ربيعة الرقي. قد هجاني. فأحضره الرشيد وهم بقتله فقال: يا أمير المؤمنين: مره بإحضار القصيدة، فأحضرها. فلما رآها استحسنها. وقال: والله، ما قال أحد في الخلفاء مثلها. فكم أثابك. قال دينارين: فغضب الرشيد على العباس، وقال يا غلام: أعط ربيعة ثلاثين ألف درهم وخلعة واحمله على بغلة. وقال له بحياتي لا تذكره في شعرك، لا تعريضاً ولا تصريحاً. وكان الرشيد قد هم بأن يتزوج العباس ابنته ففتر عنه بعد ذلك. رجب بن قحطان: بن الحسن بن قحطان. أبو المعالي الأنصاري الضرير الحنبلي البغدادي. سمع أبا الحسين أحمد بن محمد بن النقور. وحدث باليسير. وسمع منه. هزار سب بن عوض، وغيره. وكان من مجودي القراء، والمحسنين في الأداء، ذا عقل وفضل وأدب. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وخمسمائة. ومن شعره: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 إنما المرء خلاص جائز ... فإذا جربته فهو شبه وتراه راقداً في غفلة ... فهو حي فإذا مات انتبه رسته بن أبي الأبيض: الضرير الشاعر الأصبهاني. ذكره مزة بن الحسن. وقال: كان مليح الشعر، أشبه الناس شعراً ببشار بن برد. حمل من أصفهان إلى بغداد. وأدخل على زبيدة بنت جعفر زوج الرشيد. وكان دميماً فلما رأته. قالت. تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. فقال رسته: أيها السيدة. إنما المرء بأصغريه. ثم أنشدها وأخذ جائزتها. وله شعر كثير، ومنه قوله: أيها الأخوة الذين لساني ... في قديم الزمان عنهم كليل جئتكم للسلام حتى إذا ما ... صحت شهراً كما يصيح الذليل قيل قد أدخل الخوان عليهم ... قلت مالي إذاً إليهم سبيل ريحان: بن تيكان بن موسك بن علي. أبو الخير المقرئ البغدادي. قرأ بالروايات، على أبي حفص عمر بن عبد الله بن علي الحربي. وسمع منه، ومن أبي العباس أحمد بن أبي غالب بن الطلاية، وأبي القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن بن البنا، وأبي المظفر هبة الله بن أحمد بن محمد الشبلي، وأبي الوقت عبد الأول السجزي، وغيرهم. وكان شيخاً صالحاً ديناً فاضلاً. توفي رحمه اله تعالى سنة ست عشر وستمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 حرف الزاي الزبير بن أحمد بن سليمان بن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام. الأسدي الزبيري، البصري الفقيه الشافعي الضرير. له تصانيف في الفقه، كالكافي وغيره. وكان ثقة إماماً مقرئاً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وقيل سنة عشرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 حرف السين السائب بن فروخ أبو العباس الأعمى. المكي. هو والد العلاء. سمع عبد اللهابن عمرو. وروى عنه عطاء، وعمرو بن دينار، وحبيب بن أبي ثابت. وثقة أحمد. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. وقال المرزباني في معجمه: هو ابن فروخ مولىً لبني جذيمة بن عدي بن الديل. كان هجاءً خبيثاً فاسقاً مبغضاً لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم، مائلاً إلى بني أمية، مادحاً لهم. وهو القائل لأبي الطفيل عامر بن واثلة، وكان شيعياً: لعمرك إنني وأبا طفيل ... لمختلفان واله الشهيد لقد ضلوا ببغض أبي تراب ... كما ضلت عن الحق اليهود واستفرغ شعره في هجاء آل الزبير، غير مصعب لأنه كان يحسن إليه. وقال صاحب الأغاني: مولى لبني ليث وقيل بل الديل. حكى مسلم بن الوليد قال: سمعت يزيد بن مزيد يقول، سمعت هرون الرشيد يقول، سمعت المهدي يقول، سمعت المنصور يقول. خرجت أريد الشم في أيام مروان بن محمد. فصحبني في الطريق رجل ضرير. فسألته عن مقصده. فقال: إني أريد مروان بشعر امتدحه به. فاستنشدته إياه. فأنشدني. ليت شعري أفاح رائحة المسك ... وما إن إخال بالخيف أنسى حين غابت بنو أمية عنه ... والبهاليل من بني عبد شمس خطباء على المنابر فرسا ... ن عليها وقالة غير خرس لا يعابون صامتين وإن قا ... لوا أصابوا ولم يقولوا بلبس بحلوم إذا الحلوم استخفت ... ووجوه مثل الدنانير ملس قال فوالله! ما فرغ من إنشاده حتى توهمت أن العمى قد أدركني، وافترقنا. فلما أفضت إلى الخلافة خرجت حاجاً. فنزلت أمشي بجبلي زرود فبصرت بالضرير ففرقت من كان مع. ثم دنوت منه. فقلت له: أتعرفني؟ فقال: لا. قلت، أنا رفيقك وأنت تريد الشام. أيام مروان. فقال أوه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 أمست نساء بني أمية منهم ... وبناتهم بمضيعة أيتام نامت جدودهم واسقط نجمهم ... والنجم يسقط والجدود تنام خلت المنابر والأسرة منهم ... فعليهم حتى الممات سلام قلت: فما كان مروان أعطاك، بابي أنت؟ قال: أغناني أن أسأل أحداً بعده. فهممت بقتله ثم ذكرت حق الاسترسال والحبة، فأمسكت عنه. وغاب عن عياني. فبدا لي فأمرت بطلبه، فكأنما البيداء بادت به. وتوفي رحمه الله تعالى بعد ست وثلاثين ومائة. سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب نب عبد مناف بن زهرة بن كلاب. القرشي الزهري أبو إسحاق. سابع سبعة في إسلامه. أسلم بعد ستة وعمره تسع عشرة سنة. وقال: أسلمت قبل أن تفرض الصلاة. وشهد بدراً والحديبية وسائر المشاهد. وهو أحد الستة الذين جعل عمر بن الخطاب فيهم الشورى، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عنهم. وأحد العشرة المقطوع لهم بالجنة، وكان مجاب الدعوة تخاف دعوته وترجى. مشوراً بذلك لأن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال فيه: اللهم سدد سهمه وأجب دعوته. دعا على الكاذب عليه من أهل الكوفة بقوله: إنه كان لا يعدل في القضية، ولا يقسم بالسوية، ولا يسير بالسرية. فقال سعد اللهم! إن كان كاذباً فاعم بصره، وأطل عمره، وعرضه للفتن. قال عبد الملك بن عمير: فأنا رأيته بعد يتعرض للإماء في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 السكك. فإذا سئل كيف أنت. يقول كبير مفتون أصابتني دعوة سعد، وفي رواية: فما مات حتى عمي. وكان يلتمس الجدارات. وافتقر حتى سأل الناس. وأدرك فتنة المختار بن أبي عبيد فقتل فيها. ومن ذلك: أن سعداً أصابه في حرب القادسية جرح فلم يشهد فتحها. فقال رجل من بجيلة: ألم تر أن الله أظهر دينه ... وسعد بباب القادسية معصم فأبنا وقد آمت نساء كثيرة ... ونسوة سعد ليس فيهن أيم فقال سعد: اللهم! اكفنا يده ولسانه، فجاءه سهم غرب فأصابه فحرس، ويبست يده جميعاً. ومن ذلك: دعاؤه على الذي سمعه يسب علياً وطلحة والزبير. فنهاه فلم ينته، وقال يتهددني كأنما يتهددني نبي، فقال سعد اللهمّ إن كنت تعلم أنه سب أقواماً قد سلف لهم منك سابقة وأسخطك سبه إياهم. فأره اليوم آية تكون آية للعالمين. فخرجت ناقة نادة فحبطته حتى مات. ومن ذلك: دعاؤه على امرأة كانت تطلع عليه، فنهاها فلم تنته. فقال: شاه وجهك. فعاد وجهها في فقاها. وعن سعيد بن المسيب. قال خرجت جارية لسعد فكشفتها الريح. فشد عليها عمر بالدرة وجاء سعد ليمنعه فتناوله بالدرة. فذهب سعد يدعو على عمر. فناوله الدرة وقال: اقتص. فعفا عن عمر. وسعد رضي الله عنه. أول من رمى بسهم في سبيل الله. واسر يوم بدر اسيرين. وثبت يوم أحد. وكان من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم. ويقال له فارس الإسلام. وكان مقدم الجيوش في فتح العراق. ولاه عمر رضي الله عنه قتال فارس، فتح مدائن كسرى. وهو صاحب وقعة القادسية. وكوف الكوفة ونفى الأعاجم. وولى الكوفة لعمر وعثمان. واعتزل اختلاف الناس بعد قتل عثمان. وأمر أهله أن لا يخبروه من أخبار الناس شيئاً، حتى تجتمع الأمة على إمام. ودعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وقال له: لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون. فكان كما قال صلى اله عليه وسلم انتفع به المسلمون، وضربه المشركون. وعن الزهري قال: قتل سعد يوم أحد بسهم رمى به فرموا به فأخذه سعد الثانية فقتل فرموا به فرمى به سعد الثالثة فقتل. فعجب الناس من فعله. وكان قد اعتزل آخر عمره في قصر بناه بطرف حمراء الأسد، واتخذ بها أرضاً فمات بها وحمل إلى المدينة، فدفن بها سنة خمس وخمسين للهجرة، على الأصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 وروى عنه ابن عمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة، وعائشة، وبنوه عامر ومصعب ومحمد وإبراهيم وعمر، وعائشة ابنته، وغيرهم، وخلف أربعين ولداً ذكراً وأنثى. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. سعد بن المبارك أبو عثمان. الضرير النحوي. مولى عاملة، مولاة المهدي، امرأة المعلي بن طريف، الذي ينسب إليه نهر المعلي ببغداد. كان أحد رواة العلم والأدب. كوفي المذهب. روى عن أبي عبيدة. وله من المصنفات: كتاب خلق الإنسان، كتاب الوحوش، كتاب الأرض والمياه والبحار والجبال، كتاب الأمثال، كتاب النقائض. سعيد بن أحمد بن سليمان أبو الحسن الضرير النهرفضلي ونهر فضل اسفل واسط. قدم بغداد، وقرأ بها القراآت، وتفقه لمالك، وسمع من أبي الخطاب بن البطر، والحسين بن أحمد بن طلحة، وأحمد بن الحسن بن خيرون، وغيرهم. وروى عنه أبو سعد بن السمعاني، والمبارك بن كامل الخفاف. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثين وخمسمائة. سعيد بن أحمد بن مكي النيلي المؤدب الشيعي. له شعر، وأكثره في مدائح آل البيت رضي الله عنهم. قال العماد الكاتب: كان مغالياً في التشيع، حالياً بالتورع، عالماً في الأدب، معلماً في المكتب، مقدماً في التعصب، ثم أسن حتى جاوز حد الهرم، وذهب بصره وعاد وجوده شبيه العدم، وأناف على التسعين، وآخر عهدي به في درب صالح ببغداد، سنة اثنتين وستين يعني وخمسمائة: ومن شعره. قمر أقام قيامتي بقوامه ... لم لا يجود لمهجتي بذمامه ملكته كبدي فأتلف مهجتي ... بجمال بهجته وحسن كلامه وبمبسم عذب كأن رضابه ... شهد مذاب في عبير مدامه وبناظر غنج وطرف أحور ... يصمى القلوب إذا رنا بسهامه وكأن خط عذاره في حسنه ... شمس تجلت وهي تحت لثامه فالصبح يسفر من ضياء جبينه ... والليل يقبل من أثيث ظلامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 سعيد بن عبد الله الحمصي الضرير. المعروف بسعاده. قال العماد الكاتب: كان مملو كالبعض الدمشقيين. سافر إلى مصر أول دولة الناصر، ودعا بوفر وافر، وغنىً ظاهر، كنت في دار العدل جالساً بين يدي الملك الناصر بدمشق إذ حضر سعاده، فوقف. وأنشد قصيدة في عاشر شعبان سنة إحدى وسبعين وخمسمائة: حيتك أعطاف القدود ببابها ... لما انثنت تيهاً على كثبانها وبما وقى العناب من تفاحها ... وبما حماه اللاذ من رمانها من كل رانية بمقلة جؤذر ... يبدو لنا هاروت من أجفانها وافتك حاملة الهلال بعدة ... جعلت لواحظها مكان سنانها حورية تسقيك جنة ثغرها ... من كوثر أجرته فوق جمانها نزلت بواديها منازل جلق ... فاستوطنت بالقيح من أوطانها فالقصر فالشرفين فالمرج الذي ... تحدو محاسنها على استحسانها سعيد بن المبارك بن علي بن عبد الله بن سعيد بن محمد بن نصر بن عاصم بن عباد ابن عاصم، وقيل عصام. ينتهي إلى ابن أبي اليسر كعب بن عمرو الأنصاري. أبو محمد النحوي المعروف بابن الدهان. كان من أعيان النحاة. المشهورين بالفضل ومعرفة العربية. توفي رحمه الله بالموصل، سنة تسع وستين وخمسمائة. ومولده سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، بنهر طابق. أقام بالموصل. أربعاً وعشرين سنة وثلاثة اشهر. وله تصانيف منها: كتاب شرح الإيضاح، في أربعين مجلدة: كتاب شرح المع، سماه الغرة: كتاب الدروس، في النحو: كتاب الرياضة، في النكت النحوية: كتاب الفصول، في العربية: كتاب الدروس، في العروض: المختصر في علم القوافي: كتاب الضاد والظاء: تفسير القرآن، أربع مجلدات: وكتاب الأضداد: والعقود، في المقصور والممدود: والنكت والإشارات، على السنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 الحيوانات: وكتاب إزالة المراء، في الغين والراء: كتاب فيه شرح بيت واحد من شعر ابن رزيك وزير مصر، عشرون كراساً: تفسير قل هو الله أحد، مجلد: تفسير الفاتحة، مجلد: وله رسائل: وديوان شعر. وسمع الحديث من أبي القاسم هبة الله بن الحصين، وأبي غالب أحمد بن البناء، وغيرهما. وخرج من بغداد إلى دمشق، فاجتاز على الموصل وبها وزيرها الجواد، فارتبطه وصدره. وغرقت كتبه في بغداد، وهو غائب فحملت إليه فبخرها بالأذن ليقطع الرائحة الردئية عنها إلى أن بخرها بنحو ثلاثين رطلاً من اللاذن، فطلع ذلك إلى رأسه وعينيه، فأحدث له العمى. وقال ياقوت: كان مع سعة علمه سقيم الخط. كثير الغلط. وهذا عجيب منه. قال الحافظ السمعاني: سمعت الحافظ ابن عساكر الدمشقي يقول: سمعت سعيد بن المبارك بن الدهان، يقول: رأيت في النوم شخصاً أعرفه وهو ينشد شخصاً كأنه حبيب له: أيها الماطل ديني أملي وتماطل على القلب فإني ... قانع منك بباطل قال ابن السمعاني: فرأيت ابن الدهان وعرضت عليه الحكاية، فقال: ما أعرفها. ولعل ابن الدهان نسي فإن ابن عساكر من أوثق الرواة ثم إن ابن الدهان استملى الحكاية مني. وقال أخبرني ابن السمعاني عن ابن عساكر عني. فروى عن شخصين عن نفسه. ومن شعره: لا تحسبن إن بالكتب مثلنا ستصير فلدجاجة ريش ... لكنها ما تطير سعيد بن يربوع بن عنكثة بن عامر بن مخزوم. القرشي المخزومي. أبو عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 الرحمن، ويقال أبو هو، ويقال أبو يربوع، ويقال أبو مرة. وكان من مسلمة الفتح، وقيل اسلم قبل الفتح. شهد حنيناً. وكان يجدد أنصاب الحرم. عاش مائة وعشرين سنة، وقيل أربعاً وعشرين سنة. وتوفي رضي الله عنه سنة أربع وخمسين الهجرة. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما أكبر أنا أو أنت؟ فقال له: أنت أكبر مني وخير. وأنا أسن. وهو أحد مشيخة قريش. وقيل: كان من المؤلفة قلوبهم. أعطى من غنائم حنين بعيراً. وكان اسمه الصرم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت سعيد. وكان من أقران حكيم بن حزام. وروى عنه ابنه عبد الرحمن، وروى له أبو داود. وكان له بالمدينة دار بالبلاط. واضر بأخرة. سلامة بن عبد الباقي: بن سلامة. اللامة أبو الخير الأنباري النحوي الضرير المقرئ. نزيل مصر. تصدر بجامع عمرو بن العاص. وله تصانيف منها: شرح المقامات الحريرية. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسعين وخمسمائة. سليمان بن مسلم: بن الوليد. كان سليمان المذكور ضريراً. وزعم الجاحظ! أنه من العمى الشعراء في كتابه الذي ذكر فيه ذوي العاهات. وسليمان هذا هو ابن مسلم صريع الغواني، المشهور. وكان سليمان المذكور كثير الإلمام ببشار والأخذ منه. وكان متهماً في دينه. وهو الذي يقول: إن في ذا الجسم معتبراً ... لطلوب العلم ملتمسه هيكل للروح ينطقه ... عرفه والصوت من نفسه رب مغروس ياش به ... عدمته كف مغترسه وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وهو القائل أيضاً وتروى لأخيه خارجه تبارك الله ما أسخى بني مطر ... هم كما قيل في بعض الأقاويل بيض المطابخ لا تشكو ولائدهم ... غسل القدور ولا غسل المناديل سماك بن حرب: بن أوس بن خالد الذهلي، البكري الكوفي. أحد أئمة الحديث وهو أخو محمد وإبراهيم. روى عن جابر بن سمرة، والنعمان بن بشير، وأنس بن مالك، ورأى المغيرة بن شعبة. وروى عن سعيد بن جبير، ومصعب بن سعد، وإبراهيم النخعي. وثعلبة الليثي، وله صحبة. وعبد الله بن عميرة، وعلقمة بن وائل. ذكر إنه أدرك ثمانين من الصحابة. قال: كان قد ذهب بصري، فدعوت الله فرده علي. قال حماد بن سلمة سمعته يقول: رأيت الخليل إبراهيم عليه السلام في النوم، فقلت: ذهب بصري. فقال: انزل في الفرات فاغمس رأسك وافتح عينيك فيه، فإن الله يرد بصرك. قال: ففعلت ذلك فأبصرت. قال العجلي: جائز الحديث. وقال ابن معين. ثقة: أسند أحاديث لم يسندها غيره. وقال ابن خراش: في حديثه لين. وقال ابن المبارك: ضعيف الحديث. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وعشرين ومائة. وروى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وروى له البخاري في التاريخ. سوتاي: بضم السين المهلمة وسكون الواو وبعدها تاء ثالثة الحروف بعدها ألف ممدودة وياء آخر الحروف. هو النوين الحاكم على ديار بكر بمجموعها. نزل بتوماثة بعد وفاة النوين إيك باصميش واستمر حاكماً من أوائل دولة أولجا يتوسطان إلى أواخر دولة إبنه السلطان بوسعيد. وتوفي في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة. في مدينة بلد، وهي مدينة خراب بالقرب من الموصل كان ينزلها في مشتاه، كل سنة. ثم حمل من بلد إلى الموصل ودفن بتربة بناها، داخل الموصل على دجلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وقد عمر حتى تجاوز المائة. لأنه حكى عن نفسه أنه حضر واقعة بغداد مع هولاكو وكان بالغاً. ورأى أربع بطون من ولده وولد ولده وولد ولد ولده وأولادهم، حتى أنهم أنافوا على الأربعين ذكوراً وإناثاً. واكبر ولده بار نباي ثم طغاي. وكان أقطجياً لابغاً والقطجي بمنزلة أمير آخور. وكان رئيساً في نفسع ذا عزم وحزم وتدبير وحسن سياسة. تحبه الرعية ويدعون له. ولم يزل عند ملوك المغل. أضر قبل موته بسنوات. ومرض مدة ثلاثة اشهر وتوفي. ولما عدى قرا سنقر والأفرم وبهادر الزردكاش الفرات وصاروا في ملكة المغل، نزلوا عند سوتاي. فأضافهم، وأكرمهم وضرب لهم خاماً، كان قد كسنه من المسلمين في واقعة غازان. فنظروا إلى الخام وهم تحته فوجدوا فيه ألقاب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون وكانوا قد هربوا منه. فقال بعض المماليك الأفرم لهم: إذا كان الله جعل هذا الرجل فوقكم، فما عسى تصنعون أنتم في بلاد أعدائه واسمه على رؤوسكم، وقال الأفرم: صدق لكم. سوسنه: الموسوس من عقلاء المجانين. قال أبو هفان الشاعر: مررت بسوسنة الموسوس بسر من رأى، قبل أن يكف بصره. فقلت له: يا أبا الغصن! أجز لي هذا البيت: ما ترى غير عذله في سكون ... وطمأنينة وفي حسن مس فغن انقاد للملامة والعذ ... ل وإلا فحقه ألف فلس وقال به أيضاً، وقد كف بصره: أجز لي هذا البيت: يا أحسن الناس وجهاً ... وأعذب الخلق لفظاً فما لبث أن قال: حمى العمى حظ عيني ... فاجعل لقلبي حظاً فقد جعلت بناني ... عيناً وقرصي لحظاً فأذن خدك مني ... ولا تكن بي فظاً قال: فعجبت من نظمه وصحة صفته في سرعة وأصابة معنى لما قصد له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 سويد بن سعيد: ين سهل بن شهريار. أبو محمد الحد ثاني. قال أبو بكر الخطيب: سكن الحديثة، حديثة النورة على فراسخ من الأنبار، فنسب إليها. سمع مالك بن أنس وسفيان بن عيينة، وإبراهيم بن سعد، وسعد بن ميسرة، وعلي بن مسهر، وشريك بن عبد الله القاضي، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وغيرهم. وروى عنه يعقوب ابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله مطين، ومسلم بن الحجاج، في صحيحه وأبو الأزهر أحمد ابن الأزهر، وإبراهيم بنهانئ النيسابوري، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان. وقال البخاري: فيه نظر. كان قد عمى فتلقن ما ليس من حديثه. وقال سعيد بن عمرو البرذعي: رأيت أبا زرعة يسيء القول فيه. وقال: رأيت فيه شيئاً لم يعجبني. قلت: ما هو؟ قال: لما قدمت من مصر مررت به فأقمت عنده. فقلت له: إن عندي أحاديث ابن وهب عن ضمام ليست عندك. فقال: ذاكرني بها. فأخرجت الكتب أذاكره. وكنت كلما ذاكرته بشيء قال حدثنا به ضمام. وكان يدلس حديث بن عثمان، وحديث ابن مكرك، وحديث عبد الله بن عمرو زرغبا: تزدد حباً. فقلت أبو محمد لم يسمع هذه الثلاثى أحاديث من هؤلاء. فغضب. فقلت لأبي زرعة: فأيش حاله؟ فقال: أما كتبه صحاح. وكنت أتبع أصوله فأكتب منها. فاما إذا حدث من حفظه، فلا. وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس. قال ابن معين: حلال الدم. وقال الشيخ شمس الدين الذهبي: هذا الرجل، ممن لم يتورع ابن معين في تضعيفه. وتوفي سنة أربعين ومائتين عن مائة سنة. وكان ضريراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 حرف الشين شافع بن علي بن عباس بن اسمعيل بن عساكر. الكناني العسقلاني، ثم المصري. سبط القاضي رشيد الدين بن عبد الظاهر. الإمام الكاتب ناصر الدين. ولد سنة تسع وأربعين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاثين وسبعمائة. باشر الإنشاء بمصر زماناً إلى أن أضر لأنه أصابه سهم في نوبة حمص الكبرى، سنة ثمانين وستمائة في صدغه، فعمى بعد ذلك. فلازم بيته إلى أن توفي رحمه الله تعالى. روى عن الشيخ جمال الدين بن مالك وغيره. وروى عنه الشيخ أثير الدين أبو حيان، والشيخ علم الدين البرزالي وجمال الدين إبراهيم الغانمي وغيره من الطلبة. وله النظم الكثير والنثر الكبير، وكتب المنسوب. وكان جماعةً للكتب. اخبرني الشهاب البوتيجي الكتبي المعروف بزحل. قال: خلف ثمانية عشر خزانة كتباً نفائس أدبية. وكانت زوجته تعرف ثمن كل كتاب. وبقيت تبيع منها إلى أن خرجت أنا من القاهرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. وأخبرني المذكور أيضاً قال كا إذا لمس الكتاب وجسه. قال: ها الكتاب الفلاني ملكته في الوقت الفلاني. وكان إذا أراد أي مجلد كان، قام إلى الخزانة التي هو فيها وتناوله منها، كأنه الآن وضعه فيها. كتب إليه السراج الوراق يستشفع به عند فتح الدين بن عبد الظاهر: أيا ناصر الدين اتنصر لي فطالما ... ظفرت بنصر منك بالجاه والمال وكن شافعاً فالله سماك شافعاً ... وطابقت أسماءً بأحسن أفعال وقدرك لم يجهله عند محمد ... لأن ابن عباس من الصحب والآل اجتمعت به في داره غير مرة. وكتبت إليه وأنا بالقاهرة سنة ثمان وعرين وسبعمائة. استدعاء أثبته بكماله في ترجمته في التاريخ الكبير. وكتب لي الجواب إجازة، وهو أيضاً نظم ونثر، وأثبته هناك أيضاً. وكان من جملة النظم في الاستدعاء: لا زال في هذا الورى فضله ... يسير سير القمر الطالع حتى يقول الناس إذ أجمعوا ... ما مالك الإنشاء سوى شافع وكان من جملة الجواب له: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وحسبي بع غرساً تسامى أصالةً ... إلى أن سما السماء علاؤها حوى من بديع النظم والنثر ما رقى ... إلى درجات لا يرام انتهاؤها وذكر لي تصانيفه التي أجازني روايتها عنه. وهي: ديوان شعره. مناظرة القبح بن خاقان المسى: شنف الآذان، في مماثلة تراجم قلائد العقيان. وسيرة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون. وسيرة السلطان الملك المنصور قلاون. وسيرة الملك الأشرف خليل. ونظم الجواهر، في سيرة الملك الناصر، نظم. وما شرح الصدور، من أخبار عكا وصور. والإعراب، عما اشتمل عليه البناء الملكي الناصري بسرياقوس من الإعراب. وإفاضة أبهى الحلل، على جامع قلعة الجبل. وقلائد الفرائد وفرائد القلائد، فيما للشعراء العصريين من الأماجد. ومناظرة ابن زيدون في رسالته. وقراضات الذهب المصرية في تقريظ الحماسة البصرية. والمقامات الناصرية. ومماثلة سائر ما حل من الشعر وتضمن الآية الشريفة والأحاديث النبوية من المثل السائر. والمساعي المرضية، في الغزوة الحمصية. وما ظهر من الدلائل، في الحوادث والزلازل. والمناقب السرية، المنتزعة من السيرة الظاهرية. والدر المنتظم، في مفاخرة السيف والقلم. والأحكام العادلة، فيما جرى من المنظوم والمنثور من المفاضلة. والرأي الصائب، فيما لا بد منه للكاتب. والإشعار، بما للمتنبي من الأشعار. وتجربة الخاطر، في مماثلة فصوص الفصول، وعقود العقول مما كتب به القاضي الفاضل في معنى السعيد بن سنا الملك. وعدة الكاتب، وعمدة المخاطب. وشوارد المصائد، فيما لحل الشعر من الفوائد. ومخالفة المرسوم، في الوشي المرقوم. وأنشدني لنفسه إجازة: قال لي من رأى صباح مشيبي ... عن شمال من لمتي ويمين أي شيء هذا فقلت مجيباً ... ليل شك محاه صبح يقين وأنشدني له ايضاً: تعجبت من أمر القرافة إذ غدت ... على وحشة الموتى لها قلبنا يصبو فألفيتها مأوى الأحبة كلهم ... ومستوطن الأحباب يصبو له القلب وله وقد احترقت خزائن الكتب في أيام الأشرف: لا تحسبوا كتب الخزانة عن سدىً ... هذا الذي قد تم من إحراقها لما تشتت شملها وتفرقت ... أسفت فتلك النار من زفراتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وأنشدني له: شكا لي صديق حب سوداء أغريت ... بمص لسان لا تمل له وردا فقلت له دعها تلازم مصه ... فإن لسان الثور يصلح للسودا وأنشدني له في شبابة: سلبتنا شبابة بهواها ... كلما ينسب اللبيب إليه كيف لا والمحسن القول فيها ... آخذ أمره بكلتا يديه وأنشدني له أيضاً: لقد فاز بالأموال قوم تحكموا ... ودان لهم مأمورها وأميرها نقاسمهم أكياسها شر قسمة ... ففينا غواشيها وفيهم صدورها وأنشدني له في ممسحة القلم: ومسحة تناهى الحسن فيها ... فأضحت في الملاحة لا تبارى ولا نكر على القلم الموافي ... إذا في ضمنها خلع العذارا وأنشدني له: ومن عجب أن السيوف لديهم ... تكلم من تاتمه وهي صامته وأعجب من ذا أنها أكفهم ... تحيد عن الكف المدى وهي ثابته وأنشدني لنفسه في سجادة خضراء: عجبوا إذا رأوا بديع إخضرار ... ضمن سجادة بظل مديد ثم قالوا من أي ماء تروى ... قلت ماء الوجوه عند السجود وأنشدني له أيضاً: قل لمن أطرا أباد بألف ... بمديح زاد في عرره كم رأينا من أبي دلف ... خبره يربى على خبره ثم ولى بالممات وما ... ولتالدنيا على أثره وأنشدني له في البند الأحمر: وبي قامة كالغصن حين تمايلت ... وكالرمح في طعن يقدوفي قد جرى من دمي بحر بسهم فراقه ... فخضب منه ما على الخضر من بند وكان ناصر الدين شافع، قد وقف على شيء من خط بان الوحيد فكتب إليه: أرانا يراع ابن الوحيد بدائعاً ... تشوق بما قد أنهجبته من الطرق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 بها فات كل الناس فحبذا ... يمين له قد أحرزت قصب السبق فقال شرف الدين بن الوحيد: يا شافعاً شفع العليا بحكمته ... فساد من راح ذا علم وذا حسب بانت زيادة خطى بالسماع له ... وكان يحكيه في الأوضاع والنسب فجاءني منه مدح صيغ من ذهب ... مرصعاً بل أتى أبهى من الذهب فكدت أنشد لولا نور باطنه ... أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي فلما بغلت هذه الأبيات ناصر الدين شافعاً. قال: نعم نظرت ولكن لم أجد أدباً ... يا من عدا واحداً في قلة الأدب جاريت مدحي وتقر يظى بمعيرة ... والعيب في الرأس دون العيب في الذنب وزدت في الفخر حتى قلت منتسباً ... بخطك اليابس المرئي كالحطب بانت زيادة خطة بالسماع له ... وكان يحكيه في الأوضاع والنسب كذبت والله لن أرضاه في عمري ... يا بان الوحيد وكم صنفت من كذب جازيت درى وقد نظمته كلماً ... يروق سمع الورى دراً بمخشللب وما فهمت مرادي في المديح ولو ... فهمته لم توجهه إلى الأدب سأتبع القاف إذ جاوبت مفتخراً ... بالراء يا غافلاً عن سورة الغضب خالفت وزني عجزاً والروى معاً ... وذاك أقبح ما يروى عن العرب شعيب بن أبي طاهر بن كليب بن مقبل. أبو الغيث البصري الضرير. سكن بغداد وتقه للشافعي، علي أبي طالب الكرخي، وأبي القاسم الفراي صاحبي أبي الحسن ابن الخل. وتولى الإعادة بالمدرسة الثقتية ببا الأزج. وكانت له معرفة حسنة بالأدب. وله شعر وتوسل. وكان متديناً حسن الطريقة محباً للخمول. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان عشرة وستمائة. ومن شعره: لعمري لئن اقصت يد الدهر قربنا ... وجذب بكين النوى منه أقرانا فإني على العهد الذي كان بيننا ... مقيم إلى أن يقدر الله ملقانا [قلت: شعر غث رث] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 شبيب [ ... ] شيث بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة. المعروف بابن الحاج القناوي، بالقاف والنون المكي النحوي اللغوي العروضي. أبو الحسن. نقلت من خط شهاب الدين القوصي من معجمه: أنشدنا الغمام العالم ضياء الدين أبو الحسن شيث بن إبراهيم بمحروسه قنا في شهر ربيع الأول سنة تسعين وخمسمائة قصيدته اللغوية، ووسمها باللؤلؤة المكنونة واليتيمة المصونة، في الأسماء المذكرة. وهي: وضعت الشعر من يفهم ... يخبرني بما يعلم يخبرني بألفاظ ... من الإعراب ما ألد هثم وما التقليد والتعتيد ... والتهنيد والأهتم وما النهاد والاهذام ... والأسمال والعنهم وما الألغاد والأحراد ... والاقراد والمكدم وما ألد فراس والمرداس ... والقداس والأعلم وما الادعاص والأد ... راص والقراص والأثرم وما اليعيضيد واليعقيد ... والتدمين والأرقم وهي مذكورة في ترجمته في تاريخي الكبير. وتوفي ضياء الدين المذكور سنة تسع وتسعين وخمسمائة، بعد ما اضر. وله تصانيف في العربية: منها كتاب الإشارة، في تسهيل العبارة: والمعتصر من المختصر: وتهذيب ذهن الواعي. في إصلاح الرعية والراعي، صنفه لملك الناصر صلاح الدين، قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي: ابن الحاج الفقيه المالكي النحوي القفطي كان قيماً بالعربية. وله فيها تصانيف: منها حز الغلاصم. وإفحام المخاصم، ذكره أبو الحسن على بن يوسف الشيباني الصاحب القفطي في كتابه إنباه الرواة. على أنباه النحاة وذكر أن له في الفقه تعاليق ومسائل. وله كلام في الرقائق. وكان حسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 العبارة ولم يره أحد ضاحكاً ولا هازلاً. وكان يسير في أفعاله وأقواله سيرة السلف وملوك مصر يعظمونه ويجلون قدره ويرفعون ذكره على كثرة طعنه عليهم وعدم مبالاته بهم. وكان القاضي الفاضل أيضاً يجله على حديثه، وله إليه رسائل ومكاتبات. سمع من الحافظ السلفي، وأبي القاسم عبد الرحمن بن الحسين بن الجباب، وحدث. وسمع منه جماعة. منهم الشيخ الحسن بن عبد الرحيم، ومن شعره: إجهد لنفسك إن الحرص متعبة ... للقلب والجسم والإيمان يرفعه فإن رزقك مقسوم سترزقه ... وكل خلق تراه ليس يدفعه فإن شككت بأن اله يقسمه ... فإن ذلك باب الكفر يقرعه وقال بان سعيد المغربي: نقلت من خط بدر الدين بن أبي جرادة بن سيناء رحل إلى شار واشتغل بتعليم أولاده. وأنشد قوله: هي الدنيا إذا اكتملت ... وطاب نعيمها قتلت فلا تفرح بلذتها ... فبالذات قد شغلت وكن منها على حذر ... وخف منها إذا اعتدلت وقال سمعت إليها زهيراً يقول: سمعت ابن الغمر الأديب يقول، رأيت في النوم الفقيه شيئاً يقول، شعراً وهو: ابئكم يا أهل ودي بان لي ... ثمانين عاماً أردفت بثمان ولم يبق إلا هفوة أو صبابة ... فجد يا إلهي منك لي بأمان قال فأصحبت وجئت إلى الفقيه شيث وقصصت عليه الرؤيا، فقال: لي اليوم ثمانية وثمانون سنة وقد نعيت لي نفسي. ولهم بقفط حارة تعرف بحارة ابن الحاج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 حرف الصاد صاروجا الأمير صارم الدين المظفري. كان أميراً بمصر. ولما أعطى السلطان الملك الناصر الأمير سيف الدين تنكز إمرة عشرة قبل توجهه إلى الكرك جعل الأمير صارم الدين أغاً له ليتحدث له في إقطاعه. فأحسن إلى تنكز وخدمه. ثم إن السلطان لما حضر من الكرك اعتقله وأفرج عنه بعد مدة تقارب العشر سنين. وجهزه أميراً إلى صفد. فأقام بها تقرير سنتين، ونقله الأمير سيف الدين تنكز إلى جملة الأمراء بدمشق وحظي عنده ورعى له عهد خدمته وكان إذا خاطبه قال له: يا صارم. ولم يزل مقيماً بدمشق إلى أن أمسك الأمير سيف الدين تنكز بدمشق، في ذي الحجة سنة أربعين وسبعمائة. وحضر بعد ذلك الأمير سيف الدين بشتاك فأمسك الأمير صارم الدين صارواجا اعتقل في جملة من أمسك. بسبب تنكز رحمه الله تعالى. ثم إن المرسوم ورد من مصر بتكحيله. فدافع عنه الأمير علاء الدين ألطنبغا الانئب بويمات يسيرة. ثم إنه خاف وصمم وكحله فعمى بأمره. وفي صبحة ذلك اليوم ورد المرسوم بالعفو عنه. ثم إنه رتب له ما يلكفيه وجهزه إلى القدس فأقام به مدة ثم عاد إلى دمشق وأقام بها إلى أخريات سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وتوفي رحمه الله تعالى. صالح بن عبد القدوس البصري. قال أبو أحمد بن عدي: كان صالح بن عبد القدوس ممن يعظ الناس في البصرة، ويقص عليهم. وله كلام حسن في الحكمة، فإما في الحديث فليس بشيء. كما قال ابن معين. ولا أعرف له من الحديث إلا الشيء اليسير. قال المرزباني: كان حكيم الشعر زنديقاً متكلماً، يقدمه أصحابه في الجدال عن مذهبهم. وقتله المهدي. وعلى الزندقة شيخاً كبيراً. استقدمه من دمشق. وهو القائل: ما تبلغ الأعداء من جاهل ... ما يبلغ الجاهل من نفسه ومن شعره: يا صاح لو كرهت كفى مصاحبتي ... لقلت إذ كرهت كفى لها بيني لا أبتغي وصل من لا يبتغي صلتي ... ولا أبالي حبيباً لا يباليني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 ومنه: قد يحقر المرؤ ما يهوى فيركبه ... حتى يكون إلى توريطه سببا ومنه: أنست بوحدتي فلزمت بيتي ... فتم العز لي ونما السرور وأدبني الزمان فليت أني ... هجرت فلا أزار ولا أزور ولست بقائل ما دمت يوماً ... أسار الجند أم قدم الأمير ومنه له أيضاً لا يعجبنك من يصون ثيابه ... حذر الغبار وعرضه مبلول ولربما افتقر الفتى فرايته ... دنس الثياب وعرضه مغسول وضربه المهدي بيده بالسيف فجعله نصفين وعلق ببغداد، وقال أحمد نب عبد الرحمن بن المغير. رأيت ابن عبد القدوس في النوم ضاحكاً، فقلت له: ما فعل الله بك وكيف نجوت مما كنت ترمي به، فقال: إني وردت على رب ليس تخفى عليه خافية وإنه استقبلني برحمته، وقال: قد علمت لراءتك مما كنت تقذف به. وكان قد أضر آخر عمره وشعره في أول الكتاب في أشعار العميان يدل على ذلك. صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أبو سفيان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وأبو حنظلة القرشي الأموي. والد معاوية رضي الله عنهما. أسلم يوم الفتح. روى عنه ابن عباس وابنه معاوية وشهد اليرموك تحت راية ابنه يزيد، وكان القاص يومئذ. وقدم الشام غير مرة تاجراً أو اجتمع بقيصر ببيت المقدس حين جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع دحية بن خليفة، وابنته أم حبيبة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عامله على نجران وقيل بل كان بمكة. وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً والطائف وأمه عمة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وكان من أشراف قريش. قال أبو بكر رضي الله عنه لبلال وصهيب وسلمان ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مآخذها أتقولون هذا لسيد قريش وشيخها، وهو كان في عير قريش التي أقبلت من الشام وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترض لها حتى ورد بدراً، وهو كان راس المشركين يوم أحد، وهو كان رئيس الأحزاب يوم الخندق. ولم يزل بمكة بعد انصرافه عن الخندق لم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع إلى أن فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأسلم. وفي حديث ابن عباس عن أبيه لما أتى به العباس وقد أردفه يوم الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله أن يؤمنه. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: ويحك! أبا سفيان: أما آن لك أن تعلم أن لا غله إلا الله؟ فقال بأبي أنت وأمي! ما أوصلك وأحلمك وأكرمك والله! لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لقد كان أغنى شيئاً. فقال: ويحك. يا أبا سفيان. ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ فقال: بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك أما هذه ففي النفس منها شيء: فقال له العباس. ويلك! اشهد بشهادة الحق قبل أن تضرب عنقك. فشهد وأسلم. ثم إن العباس سأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمن من دخل داره، وقال أنه رجل يحب الفخر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل الكعبة فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن. ومن أغلق بابه على نفسع فهو آمن. ولما شهد الطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى يوم ذاك. فذهبت عينه. فقال له رسول الله صلى الله عيه وسلم وعينه في يده أيما أحب إليك: عين في الجنة. أو أدعو الله لك أن يردها عليك. فقال: بل عين في الجنة. ورمى بها. وأصيبت عينه الأخرى يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد. فبقي أعمى. وكان أبو سفيان قاص الجماعة يوم اليرموك، يسير فيهم ويقول: الله الله عباد الله انصروا الله ينصركم. اللهم هذا يوم من أيامك. اللهم أنزل نصرك على عبادك. يا نصر الله اقترب يا نصر الله اقترب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 وأغلظ أبو بكر يوماً لأبي سفيان: فقال له أبو قحافة يا أبا بكر: لأبي سفيان تقول هذه المقالة قال يا أبه إن الله رفع بالإسلام بيوتاً ووضع بيوتاً وكان بيتي فيما رفع بيت أبي سفيان فيما وضع. وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خنين من غنائمها مائة من الإبل وأربعين أوقيه. وزنها له بلال فلما أعطاه وأعطى يزيد ومعاوية قال له أبو سفيان: والله إنك لكريم. فداك أبي وأمي. لقد حاربتك فنعم المحارب كنت. ثم سألتك فنعم المسلم أنت. فجزاك الله خيراً. وقال ثابت البنائي إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، للأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوذى بمكة. دخل دار أبي سفيان فأمن. وقال مجاهد في قوله تعالى " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة. قال. مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب. وتوفي أبو سفيان رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه ابنه معاوية. وقيل: بل صلى عليه عثمان بموضع الجنائز. ودفن بالبقيع. وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقيل: ابن بضع وتسعين سنة. وكان ربعةً دحداحاً ذا هامة عظيمة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. صدقة بن يحيى بن سالم بن يحيى بن عيسى بن صقر. الإمام المفتي المعمر ضياء الدين. أبو المظفر، وأبو محمد الكلبي الحلبي الشافعي. ولد سنة تسع وخمسين، ظناً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وخمسين وستمائة. وتفقه في المذهب وجوده. وسمع من يحيى بن محمود الثقفي، والخشوعي، وحنبل، وابن طبرزد. ودرس مدةً بحلب، وأفتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وأفاد. وروى عنه الدمياطي، وابن الظاهري، وأخوه أبو إسحاق إبراهيم، وسنقر القضائي، وتاج الدين الجعبري، وبدر الدين محمد بن التوزي، والكمال إسحاق، والعفيف إسحاق، وجماعة. وكان موصوفاً بالعلم والديانة وأضر بأخرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 حرف الطاء المهملة طرخان بن ماضي بن جوشن بن علي. الفقيه أبو عبد الله اليمني، ثم الدمشقي الشاغوري الضرير الشافعي. سمع من أبي المعالي محمد بن يحيى القرشي، وأبي القاسم بن مقاتل، ومحمد بن كامل بن ديسيم، وغيرهم. وروى عنه عبد الكافي، والصقلي، وابن خليل، والشهاب القوصي، وجماعة. وأم السلطان نور الدين. وكان يلقب تقي الدين. وهو والد إسحاق شيخ الشرف محمد بن خطيب بيت الآبار. وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس وتسعين وخمسمائة. طقتمر الأمير سيف الدين الشريفي السلاح دار. كان من جملة أمراء الطبلخانات بدمشق، وكان في نظرة ضعف. وكان يركب قدامه واحد من مماليكه يعرفه بالناس ليسلم عليهم. ثم إنه أضر جملةً كافةً، قبل موته بأربع سنين. وانقطع في بيته إلى أن توفي رحمه الله تعالى في حادي عشر من شوال، سنة خمسين وسبعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 طلحة بن الحسين بن أبي ذر محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني. كان من المكثرين في الحديث. أضر في آخر عمره. ومات رحمه الله تعالى سنة خمس عشرة وخمسمائة وهو والد الحسين بن طلحة، ووالد أخيه سعيد بن طلحة. حرف العين عامر بن موسى بن طاهر بن بشكم. أبو محمد الضرير المقري البغدادي. كان فقيها شافعياً يتكلم في مسائل الخلاف ويعرف القراآت والنحو، معرفةً تامةً. وكان يؤم في شهر رمضان بالإمام المقتدى. وسمع من علي بن محمد بن علي بن قسيس، وعلي بن المحسن بن علي التنوخي، وغيرهما. وحدث باليسير. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وثمانين وأربعمائة. العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو الفضل. كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين، وقيل بثلاث، أمه نثلة، وقيل نثيلة ابنة جناب بن كليب بن مالك بن النمر بن قاسط. كذا نسبها الزبير وغيره. ولدت العباس لعبد المطلب، فأنجبت به. وهي أول عربية كست البيت الحرام الحرير والديباج وأصناف الكسوة. لأن العباس ضل وهو صبي فنذرت كسوة البيت إن وجدته. فلما وجدته، وفت بنذرها. وكان العباس رئيساً في الجاهلية وفي قريش وإليه كانت عمارة البيت والسقاية في الجاهلية، أما السقاية. فمعروفة وأما العمارة، فإنه كان لا يدع أحداً يسقب في المسجد الحرام ولا يقول فيه هجراً: يحملهم على عمارته في الخير، لا يستطيعون لذلك امتناعاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 لان ملا قريش تعاقدوا على ذلك وسلموه إليه، وكانوا له أعواناً. وكان العباس ممن خرج مع المشركين. يوم بدر فأسر مع جملة الأسرى وشد وثاقهم. فسهر رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم. فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا نبي الله فقال: أسهر لأنين العباس. فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فافعل ذلك بالأسرى كلهم. قال ابن عبد البر: اسلم العباس قبل فتح خيبر. وكان يكتم إسلامه. وذلك بين في حديث الحجاج بن علاط إنه كان مسلماً يسره ما فتح الله على المسلمين. ثم أظهر إسلامه يوم الفتح، وشهد حنيناً، والطائف، وتبوك. وقيل إن إسلامه قبل بدر. وكان يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى اله عليه وسلم. وكان المسلمون بمكة يتقوون به. وكان يحب أن يقدم على رسول الله صلى اله عليه وسلم، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن مقامك بمكة خير: فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لقى منكم العباس فلا يقتله فإنه أخرج كرهاً. وكان العباس: أنصر الناس لرسول اله صلى الله عليه وسلم بعد أبي طالب. وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم العقبة، يشترط له على الأنصار. وكان على دين قومه يومئذ. وقدى عقيلاً ونوفلاً ابن أخويه أبي طالب والحارث. وغيرهم من ماله. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم الباس ويجله ويعظمه بعد الإسلام، ويقول: هذا عمي، صنو أبي. وكان العباس جواداً مطعماً وصولاً للرحم ذا رأي حسن ودعوة مرجوة. ولم يمر بعمر ولا بعثمان وهما راكبان إلا نزلا: إجلالاً له، ويقولون: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولما أقحط أهل الرمادة وذلك سنة سبع عشرة، قال كعب لعمر: يا أمير المؤمنين! إن بني إسرائيل. كانوا إذا أصابهم مثل هذا، استسقوا بعصبة الأنبياء. فقال عمر: هذا عم النبي صلى الله عليه وسلم وصنو أبيه وسيد بني هاشم. فمشى إليه عمر فشكا إليه ما الناس فيه. ثم صعد المنبر ومعه العباس، فقال: اللهم! إنا قد توجهنا إليك بعم نبينا وصنو أبيه فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين! ثم قال: عمر! يا أبا الفضل. قم فادع. فقال العباس بعد حمد الله والثناء عليه: اللهم إن عندك سحاباً وعندك ماءً. فانشر السحاب ثم انزل الماء فيه علينا فاشدد به الأصل وأطل به الفرع وأدر به الضرع. اللهم! إنك لم تنزل بلاءً إلا بذنب ولم تكشفه إلا بتوبة. وقد توجه القوم بي إليك فاسقنا الغيث! اللهم! اشفعنا في أنفسنا وأهلينا! اللهم اسقنا سقياً وادعاً طبقاً سحاً عاماً. اللهم! لا نرجو إلا غياك ولا ندعو غيرك ولا نرغب إلا إليك. اللهم! إليك جوع كل جائع وعرى كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 عار وخوف كل خائف وضعف كل ضعيف. في دعاء كثير. فأرخت السماء عزاليها فجاءت بأمثال الجبال حتى استوت الحفر بالآكام وأخصبت الأرض وعاش الناس. فقال عمر: هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه. وقال حسان بن ثابت الأنصاري: سأل الإمام وقد تتابع جدبنا ... فسقى الإمام بغرة العباس عم النبي وصنو والده الذي ... ورث النبي بذاك دون الناس أحيي الإله به البلاد فأصبحت ... مخضرة الأجناب بعد الياس وقال الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب: بعمى سقى الله الحجاز وأهله ... عشية يستسقى بشيبته عمر توجه بالعباس في الجدب راغباً ... فما كر حتى جاء بالديمة المطر ولما سقى الناس طفق الناس يمسحون أركان العباس ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين وكان العباس جميلاً أبيض غضاً، ذا ضفيرتين معتدل القامة. وقيل: بل كان طويلاً. وقد بارك الله في نسله. قال رجاء بن أبي الضحاك فس سنة مائتين أحصى ولد العباس فبلغوا ثلاثى وثلاثين ألفاً، ذكر ذلك الجهشياري في كتاب الوزراء. وأضر رضي الله عنه بأخرة، قيل إنه لما استسقى. كان ضريراً. وتوفي رضي الله عنه سنة اثنتين وثلاثين للهجرة. وصلى عليه عثمان رضي الله تعالى عنهما. ودفن بالبقيع. وعاش رضي الله عنه ثمانياً وثمانين سنة. عبد الله بن أحمد بن جعفر. أبو جعفر. الضرير المقرئ، من أهل واسط. قدم بغداد صبياً، وقرأ بالروايات على الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الدباس المعروف بالبارع وغيره. وسمع من أبي القاسم هبة الله بن الحصين، وأحمد بن الحسن بن البناء، ويحيى بن عبد الرحمن بن حبيش الفارقي. وغيرهم. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 عبد الله بن الأرقم الكاتب. كان ممن أسلم يوم الفتح. وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لأبي بكر رضي الله عنه، ثم لعمر رضي الله عنه، وولي بيت المال لعمر وعثمان رضي الله عنهما مديدة. وكان من فضلاء الصحابة وصلحائهم. وأجازه عثمان ثلاثين ألف درهم، فلم يقبلها. وتوفي في حدود الستين للهجرة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي. عبد الله بن حبيب بن ربيعة. أبو عبد الرحمن السلمي. مقرئ الكوفة بلا مدافعة. قرأ القرآن على عثمان وعلى علي وعلى ابن مسعود وسمعهم. وتوفي في حدود الثمانين للهجرة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وقد عده ابن الجوزي وغيره في العميان من التابعين. عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين. الغمام العلامة محب الدين. أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 البقاء البغدادي العكبري الأزجي الضرير النحوي الفرضي الحنبلي، صاحب التصانيف. ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله سنة ست عشرة وستمائة. قرأ على ابن الخشاب، وأبى البركات بن نجاح. وبرع في الفقه والأصول. وحاز قصب السبق في العربية. أضر في صباه الجدري. وكان إذا أراد أن يصنف شيئاً، أحضرت إليه مصنفات ذلك الفن وقرئت عليه. وإذا حصل ما يريد في خاطره، أملاه. وكان يقال أبو البقاء تلميذ تلاميذه. وكان ينظم الشعر. وقال جاء إلى جماعة من الشافعية وقالوا: انتقل إلى مذهبنا ونعطيك تدريس النحو واللغة بالنظامية. فقلت: لو أقمتموني وصببتم الذهب علي حتى واريتموني، ما رجعت عن مذهبي. وقرأ الأدب على عبد الرحيم بن العصار والفقه على الشيخ أبي حكم إبراهيم بن دينار النهاوندي. وكان الشيخ أبو الفرج يفزع إليه مما يشكل عليه من الأدب. وكان رقيق القلب سريع الدمعة. وسمع في صباه من أبي الفتح بن البطي، وأبي زرعة طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي، وأبي بكر عبد الله بن النقور، وأبي العباس أحمد بن المبارك بن المرقعاني، وغيرهم. قلا محب الدين بن النجار: وكان ثقةً صدوقاً فيما ينقله ويحكيه، غزير الفضل، كامل الأوصاف، كثير المحفوظ، متديناً، حسن الأخلاق، متواضعاً. ذكر أنه تقرأ له زوجته. ومن شعره يمدح الوزير ابن مهدي: بك أضحى جيد الزمان محلى ... بعد ا، كان من علاه مخلى لا يجاريك في نجاريك شخص ... أنت أعلى قدراً وأغلى محلاً دمت تحيي ما قد أميت من الفضل ... وتنفى فقراً وتطرد محلا ومن تصانيف أبي البقاء: تفسير القرآن. إعراب القرآن. إعراب الشواذ من القراآت. متشابه القرآن. عدد آي القرآن. إعراب الحديث. المرام في نهاية الأحكام، في المذهب. الكلام على دليل التلازم. تعليق في الخلاف. المنقح من الخطل في الجدل. شرح الهداية لأبي الخطاب. الناهض في علم الفرائض. البلغة في الفرائض. التلخيص في الفرائض. الأستيعاب في أنواع الحساب. مقدمة في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 الحساب. شرح الفصيح. المشوف المعلم، في ترتيب كتاب إصلاح المنطق على حروف المعجم. شرح الحماسة. شرح المقامات الحريرية. شرح الخطب النباتية. المصباح، في شرح الغيضاح والتكملة. المتبع، في شرح اللمع. لباب الكتاب. شرح أبيات كتاب سيبويه. إعراب الحماسة. الإفصاح، عن معاني أبيات الإيضاح. تلخيص أبيات الشعر لأبي علي. المحصل، في إيضاح المفصل. نزهة الطرف، في إيضاح قانون الظرف. الترصيف في علم التصريف اللباب في علل البناء والإعراب. الإشارة في النحو، مختصر. مقدمة في النحو. أجوبة المسائل الحلبيات. التلخيص، في النحو. التهذيب، في النحو. شرح شعر المتنبي. شرح بعض قصائد رؤبة. مسائل الخلاف، في النحو. تلخيص التنبيه، لابن جني. مختصر أصول ابن السراج. مسائل نحو، مفردة. مسئلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما يرحم الله من عبادة الرحماء. المنتخب من كتاب المحتسب. لغة الفقه. عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي، أبو العباس، الحبر البحر، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو الخلفاء. ولد في شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين. وتوفي رضي الله عنه سنة ثمان وستين للهجرة بالطائف. وصلى عليه محمد بن الحنيفة، وكبر عليه أربعاً، وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة. وضرب على قبره فسطاطاً. صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا بالحكمة مرتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وقال ابن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأبي، وأبيه العباس، وبأبي ذر، وأبي سفيان، وطائفة من الصحابة. وقال مجاهد: ما رأيت أحداً قط مثل ابن عباس. لقد مات يوم مات وإنه لحبر هذه الأمة. وكان يسمى البحر لكثرة علومه. وعن عبيد الله بن عبد الله، قال: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبق، وفقه ما احتيج إليه، وحلم ونسب ونائل. ولا رأيت أحداً أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان منه، ولا أعلم بشعر منه. وروى من وجوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم علمه الحكمة، وتأويل القرآن. وفي بعض الروايات: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل. وفي حديث: اللهم بارك فيه وانشر منه واجعله من عبادك الصالحين. وفي حديث: اللهم زده علماً وفقهاً. قال ابن عبد البر: وكلها أحاديث صحاح. وكان عمر رضي الله عنه يحبه ويدنيه ويقربه، ويشاور مع جلة الصحابة: وكان عمر يقول: ابن عباس فتى الكهول، له لسان سؤل. وقلب عقول. وقال طاووس أدركت نحو خمسمائة من الصحابة إذا ذاكروا ابن عباس. فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وقال يزيد بن الأصم: خرج معاوية رضي الله عنه حاجاً معه ابن عباس رضي الله عنه. وكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم. وقال عبد الله بن يزيد الهلالي. ونحن ولدنا الفضل والخبر بعده ... عنيت أبا العباس ذا الفضل والندى وفيه يقول حسان بن ثابت الأنصاري: إذاما ابن عباس بدا لك وجهه ... رأيت له في كل أحواله فضلا إذا قال لم يترك مقالاً لقائل ... بمنتظمات لا ترى بينها فصلا كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع ... لذي غربة في القول جداً ولا هزلا ومر عبد اله بن صفوان يوماُ بدار عبد الله بن عباس فرأى فيها جماعة من طالب الفقه، ومر بدار عبيد الله بن عباس فرأى فيها جمعاً يتناوبونها لطعام، فدخل على ابن الزبير فقال له: أصبحت والله كما قال الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 فإن تصبك من الأيام قارعة ... لم نبك منك على دنيا ولا دين فقال: وما ذاك يا أرعج؟ فقال: هذان ابنا العباس: أحدهما يفقه الناس، والآخر يطعم الانس. فما أبقيا لك مكرمةً. فدعا عبد الله بن مطيع وقال له: انطلق إلى ابني العباس. فقل لهما: يقول لكما أمير المؤمنين. اخرجا عني، أنتما ومن انضوى إليكما من أهل العراق. وإلا فعلت وفعلت. فقال عبد اله: والله ما يأتينا من الناس إلا رجلان رجل يطلب فقهاً. ورجل يطلب فضلاً. فأي هذين تمنع. وكان عبد الله رضي الله عنه قد عمي آخر عمره. قيل لأنه كان في وضوءه يدخل الماء في عينيه. مبالغةً في استقصاء. وروى عنه انه رأى رجلاً مع النبي صلى اله عليه وسلم فلم يعرفه. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: فقال له: رأيته؟ قال نعم قال: ذاك جبريل. أما إنك ستفتقد بصرك. ورؤي أن طائراً أبيض خرج من قبره فتأولوه خرج إلى الناس. ويقال بل دخل قبره كائراً أبيض، فقيل إنه بصره بالتأويل. وقيل جاء طائر أبيض فدخل نعشه حين حمل فما رؤي خارجاً منه. وشهد عبد الله بن عباس الجمل وصفين والنهروان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال له يوماً معاوية رضي الله عنه: ما بالكم تصابون في أبصاركم يا بني هاشم؟ فقل له: كما تصابون في بصائركم يا بني أمية. وعمي هو وأبوه وجده. عبد الله بن عبد العزيز: أبو القاسم. الضرير النحوي المعروف بأبي موسى. كان يؤدب المهتدي. وكان من أهل بغداد. وسكن مصر. وحدث بها عن أحمد بن جعفر الدينوري، وجعفر بن مهلهل بن صفوان الراوي عن ابن الكلبي. وروى عنه يعقوب بن يوسف ين خرزاذ النجيرمي. وله كتاب في الفرق، وكتاب في الكتابة والكتاب. عبد الله بن علقمة أبي أوفى الخزاعي الأسلمي. أحد من بايع بيعة الرضوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات. نأكل الجراد. وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة، وممن مات في عشر المائة أو تجاوزها. وتوفي رضي الله عنه سنة ست وثمانين للهجرة، وقيل سنة ثمان وثمانين. وكنيته أبو محمد، وقيل أبو معاوية، وقيل أبو إبراهيم. وشهد الحديبية وخيبر. ولم يزل بالمدينة إلى أن قبض رسول الله صلى اله عليه وسلم فتحول إلى الكوفة وكف بصره بأخرة. عبد الله بن علي أمير المؤمنين المستكفي بالله. بن المكتفي بن المعتضد بن طلحة الموفق بن جعفر المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور. بويع له عند خلع أخيه، في صفر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة. وقبض عليه في جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين، وسملت عيناه، وسجن في هذه السنة إلى أن مات، سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، عن ست وأربعين سنة. وكان أبيض جميلاً، ربعة من الرجال، خفيف العارضين، اكحل أقنى، ابن أمة اسمها غصن، ولم تدرك خلافته. وبايعوه بعد المطيع لله الفضل بن المقتدر. وكان يلقب الوسيم، ويسمى بإمام الحق، وخطب له بالمستكفي. وكنيته أبو القاسم. ولم يل الخلافة قبله من بني العباس أكبر سناً منه ومن المنصور. وخلعه معز الدولة أحمد بن بويه، ولم يزل محبوساً في دار السلطان إلى أن مات. فكانت خلافته سنة وأربعة أشهر ويومين. وأقام في السجن ثلاث سنين وأربعة اشهر وأربعة عشر يوماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وكان كاتبه أبو الفرج محمد بن أحمد السامري، ثم الحصين بن أبي سلمان، ثم أبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن بن جعفر الشيرازي. والمدبر للأمور محمد بن يحيى بن شيرازاد. وحاجبه أبو العباس أحمد بن خاقان المفلحي. ونقش خاتمه، لله الأمر. وكان الغالب على دولته امرأة يقال لها علم الشيرازية، وكانت قهرمانة داره. وهي التي سعت في خلافته عند توزون حتى تمت. فعوتب على إطلاق يدها وتحكمها في الدولة فقال: خفضوا عليكم فإنما وجدتها في الشدة ووجدتكم في الرخاء، وهذه الدنيا التي بيدي هي التي سعت لي فيها حتى حصلى؟ أفأبخل عليها ببعضها. وكان خواصه كثيراً ما يبصرونه مصفراً لكثرة الجزع. فقالوا له في ذلك. فقال: كيف يطيب لي عيش، والذي خلع ابن عمي وسمله أشاهده في اليوم مرات وأطالع المنية بين عينيه فما مر شهر من حين هذا الكلا حتى سم توزون ومات. ثم دخل عليه معز الدولة بن بويه فخلعه وسمله وانقضت دولة الأتراك وصارت الدولة للديلم. عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن، رضي الله عنه. صاحب رسول الله صلى اله عليه وسلم، وابن وزيره. هاجر به أبوه قبل احتلامه، واستصغر عن أحد وشهد الخندق وما بعدها. وهو شقيق حفصة. أمهما زينب بنت مطعون. روى علماً كثيراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر. وشهد فتح مصر. قاله ابن يونس. وقال غيره: شهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 غزو فارس. وكان يخضب بالصفرة. وبلغ أربعاً وثمانين سنة. وتوفي رضي الله عنه بمكة سنة ثلاث وسبعين. قيل إنه قدم حاجاً فدخل عليه الحجاج وقد أصابه زج رمح: فقال من أصابك: قال أصابني من أمر نموه بحمل السلام في مكان لا يحل فيه حمله. وقيل أنه أول نم بايع يوم الحديبية. والصحيح أن أول من بايع تحت الشجرة بيعة الرضوان، أبو سنان الأسدي. وكان رضي الله عنه شديد الاحتياط في فتواه، وكل ما يأخذ به نفسه. وكان لا يتخلف عن السرايا في حياة رسول اله صلى اله عليه وسلم. ثم كان بعد موته مولعاً بالحج، قبل الفتنة وفي الفتنة، يقال إنه كان أعلم الصحابة بمناسك الحج. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجه حفصة: إن أخاك عبد الله رجل صالح، لو كان يقوم من الليل فما ترك بعدها قيام الليل وكان لورعه قد أشكلت عليه حروب علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقعد عنه وندم على ذلك حين حضرته الوفاة. وسئل عن تلك المشاهد، فقال: كفت يدي فلم أقدم. والمقاتل على الحق أفضل. وقال جابر بن عبد الله ما منا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها، ما خلا عمر وابنه عبد الله. وأفتى في الإسلام ستين سنة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وأضر باخرة. عبد الله بن عمير الأنصاري الخطمي. روى عنه عروة بن الزبير. وهو صحابي بعد في أهل المدينة. وكان أعمى يؤم قومه، بني خطمة. وجاهد مع رسول الله صلى اله عليه وسلم، وهو أعمى رضي الله عنه. عبد الله بن محمد وقيل ابن محمود. أبو محمد المكفوف. النحوي القيرواني. كان عالماً بالغريب والعربية والشعر وتفسير المشروحات وأيام العرب وأخبارها. توفي رحمه اله تعالى سنة ثمان وثلاثمائة. وله كتاب في العروض يفضله أهل العلم على كل ما صنف لما بين وقرب، وكان يجلس مع حمدون النعجة في مكتبه. فربما استعار بعض الصبيان كتاباً فيه شرع أو غريب أو شيء من أخبار العرب. فيقتضيه صاحبه إياه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فإذا ألح عليه أعلم أبا محمد المكفوف بذلك فيقول له: اقرأه علي. فإذا فعل قال: أعده ثانية. ثم يقول: رده على صاحبه، ومتى شئت تعال حتى أمليه عليك. وهجاه أبو إسحاق بن خنيس، فأجابه المكفوف: إن الخنيسي يهجوني لأرفعه ... إخسأ خنيس فإني لست أهجوكا لم تبق مثلبة تحصى إذا جمعت ... من المثالب إلا كلها فيكا وكانت الرحلة إليه من جميع إفريقية: لأنه كان أعلم الناس بالنحو واللغة والشعر وأيام العرب. عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المطهر بن علي بن أبي عصرون بن أبي السري. قاضي القضاة شرف الدين، أبو سعد التميمي الموصلي الفقيه الشافعي، أحد الأئمة الأعلام. تفقع على القاضي المرتضى بن الشهرزوري، وأبي عبد الله الحسين بن خميس الموصلي. وقرأ السبع على أبي عبد الله البارع، والعشر على أبي بكر المزرفي، والنحو على أبي الحسن بن دبيس. ودخل حلب ودرس بها وأقبل عليه صاحبها نور الدين. ولما أخذ دمشق ورد معه إليها. ودرس بالغزالية ثم عاد إلى حلب وولي قضاء سنجار وحران وديار بيعة. ثم عاد إلى دمشق، فولي بها القضاء. وبنة له نور الدين المدارس بحلب وحماه وحمص وبعلبك. وبنى هو لنفسه مدرسة حلب وأخرى بدمشق. وأضر آخر عمره، وهو قاض. فصنف جزأً في قضاء الأعمى وجوزه. وقد تقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 الكلام على هذه المسالة في مقدمة الكتاب وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس وثمانين وخمسمائة. وكتب السلطان صلاح الدين بخطه إلى القاضي الفاضل يقول فيه. إن القاضي قال: إن قضاء الأعمى جائز. فتجتمع بالشيخ أبي الطاهر بن عوف الإسكندري وتسأله عما ورد من الأحاديث في قضاء الأعمى. ومن تصانيفه: صفوة المذهب في نهاية المطلب. سبع مجلدات: والانتصار، في أربع مجلدات: والمرشد، في مجلدين: والذريعة في معرفة الشريعة: والتيسير في الخلاف، أربع مجلدات: ومآخذ النظر. ومختصر في الفرائض: والإرشاد في نصرة المذهب، ولم يتم: والتنبيه في معرفة الأحكام: وفوائد المهذب، في مجلدين، وغير ذلك. وكتب القاضي الفاضل رحمه الله جواباً لمن كتب إليه بموت القاضي: وصل كتاب حضرة القاضي مع الله شملها، وسر بها أهلها، ويسر إلى الخيرات سبلها، وجعل في ابتغاء رضوانه قولها وفعلها، وفيه زيادة وهي نقص الإسلام. وثلم في البرية تتجاوز رتبة الإنثلام إلى الإنهدام. وذلك ما قضاه الله تعالى، من وفاة الإمام شرف الدين بن أبي عصرون، رحمة الله عليه، وما حصل بموته من نقص الأرض من أطرافها، ومن مساءة أهل الملة ومسرة أهل خلافها، فلقد كان علماً للعلم منصوباً، وبقيةً من بقايا السلف الصالح محسوباً، وقد علم الله اغتمامي، لفقد حضرته، واستيحاشي لخلو الدنيا من بركته، واهتمامي بما عدمت من النصيب الموفور من أدعيه. ومن شعر القاضي ابن أبي عصرون: أؤمل أن أحيي وفي كل ساعة ... تمر بي الموتى تهز نعوشها وهل أنا غلا مثلهم غير أن لي ... بقايا ليال في الزمان أعيشها ومنه: أؤمل وصلا من حبيب وإنني ... على ثقة عما قليل أفارقه تجارى بنا خيل الحمام كأنما ... يسابقني نحو الردى واسابقه فيالبتنا متنا معاً ثم لم يذق ... مرارة فقدي لا ولا أنا ذائقه ومنه: يا سائلي كيف حالي بعد فرقته ... حاشاك مما بقلبي من تنائيكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 قد أقسم الدمع لا يجفو الجفون أسىً ... والنوم لا زارها حتى ألا قيكا عبد الله بن هرمز بن عبد الله. أبو العز. الضرير البغدادي المقرئ. كان ينظم الشعر. ورور عنه أبو بكر بن كامل الخفاف. ومن شعره. ومدامة صهباء صافية ... تنسى الهموم وتذكر المرحا سبقت حدوث الدهر عصرتها ... فلذاك يلفى سؤرها شبحا هينئاً لك النوم يا نائم ... رقدت ولم يرقد الهائم وكيف ينام فتىً مغرم ... برى جسمه سره الكاتم أريد لا ضمر وجدي بكم ... فيظهره دمعي الساجم فلست الذي شفني حبه ... بما في فؤادي له عالم عساه على ظلمه يرعوى ... فيدنو وقد يرعوى الظالم أبو عبد الله الباذني بالباء ثانية الحوف وبعدها ألف وذاك معجمة وبعدها نون شاعر مجيد، كان ضريراً، وكان يمدح الوزير البلعمي. ذكره الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور. وباذن قرية من قرى خابران من أعمال سرخس. عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن اصبغ بن الحسين بن سعدون بن رضوان ابن فتوح. الإمام الحبر أبو القاسم، وأبو زيد، ويقال أبو الحسن بن الخطيب أبي محمد ابن الخطيب أبي عمرو بن أبي الحسن الخثعمي السهيلي الأندلسي المالقي الحافظ صاحب المصنفات. توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة. ناظر علي بن الحسين ابن الطراوة في كتاب سيبويه، وسمع منه كثيراً من اللغة والآداب. وكف بصره وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان عالماً بالعربية واللغة والقراآت، بارعاً في ذلك. تصدر للإقراء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 والتدريس والحديث، وبعد صيته وجل قدره. جمع بين الرواية والدراية. ومن تصانيفه. الروض الأنف في شرح السيرة النبوية، وهو كتاب جليل جود فيه ما شاء. ذكر في آخره أنه استخرجه من نيف وعشرين ومائة ديوان. وله التعريف والإعلام بما في القرآن من الأسماء والأعلام. وشرح آية الوصية. ومسألة رؤية الله تعالى ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. وشرح الجمل، ولم يتم. ومسألة السر في عور الدجال. استدعى إلى مراكش، وحظى بها، وولى قضاء الجماعة وحسنت سيرته. وأصله من قرية بوادي سهيل من كورة مالقة. لا يرى سهيل في جميع المغرب إلا من جبل مطل على هذه القرية. ومن شعره يرثي بلده، وكان الفرنج فد خربته وقتلت رجاله ونساءه، وكان غائباً عنه: يا دار أين البيض والأرام ... أم أين جيران علي كرام دار المحب من المنازل آية ... حياً فلم يرجع إليه سلام أخرسن أم بعد المدى فنسينه ... أم غال من كان المجيب حمام دمعي شهيدي أنني لم أنسهم ... إن السلو على المحب حرام لما أجابني الصدى عنهم ولم ... يلج المسامع للحبيب كلام طارحت ورق حمامها مترنماً ... بمقال صب والدموع سجام يا دار ما صنعت بك الأيام ... ضامتك والأيام ليس تضام ومر علي بعض تلاميذه من أعيان البلد، وهو جميل وقد مرض فلقيه بعض المشايخ، فقال له عجباً لمرورك ههنا، فأشار بيده نحو دار التلميذ وأنشد: جعلت طريقي على داره ... ومالي على داره من طريق وعاديت من أجله جيرتي ... وآخيت من لم يكن لي صديقي فإن كان قتلي حلالاً له ... فسيري بروحي مسير الرفيق وله الأبيات المشهورة: يا من يرى ما في الضمير ويسمع ... أنت المعد لكل ما يتوقع يا من يرجى للشدائد كلها ... يا من إليه المشتكى والمفزع يا من خزائن رزقه في قول كن ... امنن فإن الخير عندك أجمع مالي سوى فقري إليك وسيلة ... فبالافتقار إليك ربي أضرع مالي سوى قرعي لبابك حيلة ... فإذا رددت فأي باب أقرع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 ومن الذي أدعو وأهتف باسمه ... إن كان فضلك عن فقيرك يمنع حاشى لمجدك أن يقنط عاصياً ... الفضل أجزل والمواهب أوسع عبد الرحمن بن عبد المولى بن إبراهيم. الشيخ المسند أبو محمد اليلداني، بالياء آخر الحروف وبعدها لام ودال مهملة وألف ونون الصحراوي، سبط اليلداني. سمع الكثير من جده تقي الدين، والرشيد العراقي، وابن خطيب القرافة، وشيخ الشيوخ الأنصاري. وأجاز له علم الدين السخاوي، والحافظ ضياء الدين، وآخرون. وتفرد بأشياء. وسمع منه الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام. كتاب الآثار للطحاوي، ووصله ورتب له مرتباً. وكان فقيراً. ثم إنه عمي. ومولده سنة أربعين وستمائة. ووفاته سنة خمس وعشرين وسبعمائة. رحمه اله تعالى. عبد الرحمن بن عمر: بن أبي القاسم. الشيخ الإمام العلامة نور الدين أبو طالب البصري الحنبلي. مدرس طائفته بالمدرسة المستنصرية ببغداد. مولده سنة أربع وعشرين وستمائة. ووفاته يوم عيد الفطر سنة أربع وثمانين وستمائة. كان من العلماء المجتهدين العالمين العاملين. عين أولاً مدرساً بمدرسة الحنابلة بالبصرة، فدرس بهامدة وانتفع به خلق كثير. حفظ القرآن المجيد في أول عمره، وختمه سنة إحدى وثلاثين، وعمره يومئذ سبع سنين ونصف. قدم بغداد سنة سبع وخمسين وفوض إليه التدريس بطائفة الحنابلة بالمدرسة البشيرية فدرس بهامدةً. وكف بصره سنة أربع وثلاثين، وأذن له في الإفتاء سنة ثمان وأربعين. وفضائله كثيرة مشهورة. ومن تصانيفه: كتاب جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحي القيوم، أربع مجلدات. الحاوي في الفقه، كتاب جليل القدر كثير الفوائد. ولما توفي الشيخ الإمام جلال الدين ابن عكبر مدرس الحنابلة بالمدرسة المستنصرية عين مدرساً بها، وذلك في يوم الإثنين التاسع من شوال سنة إحدى وثمانين وستمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وكان رحمه الله تعالى محققاً للمسائل، عارفاً بالخلاف، صحيح النقل لمذهبه ومذهب غيره، تام الأنس حسن المعشرة والخلق، ينبسط مع جلسائه بحسب أحوالهم. وكان لا يكاد يغلب في البحث والمجادلة والمعارضة. حكى الشيخ تقي الدين أبو الوليد محمد ابن إبراهيم بن عمر الخالدي الحنبلي وكان خصيصاً بالشيخ يقرا له الدروس والفتاوى ويكتب عنه ما يحتاج إليه ويطالع له، وكان ختن الشيخ على ابنته قال: حضرنا في خدمة الشيخ يوماً في ديوان المظالم، وكان الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى صاحب ديوان الإنشاء بالعراق حاضراً، فتكلم الجماعة، وتكلم الشيخ، فاستحسن الحاضرون كلام الشيخ، فقال له الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى: من أين الشيخ. فقال: من البصرة، فقال: ما المذهب؟ قال: حنبلي. قال: عجيب بصري حنبلي! فقال له الشيخ على الفور: ها هنا ما هو اعجب من هذا. فقال له: ما هو؟ قال: كردي رافضي. فأفحم الصاحب بهاء الدين بن الفخر عيسى حتى لم يحر جواباً، وكان أصله كردياً، وكان متشيعاً. عبد الرحمن بن يحيى الأسدي الكفيف أبو القاسم. ابن الخواص المغربي. لم يكن أبوه خواصاً، ولكن سكن بالقيروان في سوق الخوص. قال بان رشيق في الأنموذج: أبو القاسم هذا شاعر مشهور، حسن الطريقة منقاد الطبع، لا يتكلف برئ من تعقيد أصحابه النحويين وبرد أشعارهم، مفنن في علم القرآن من مشكل وغريب وأحكام. ومن شعره: دق لما يلقى من اللمس ... وفات درك الوهم والحس كأنه مما به من ضنىً ... وهم جرى في خاطر النفس ومنه: أراك عيني كحيل الطرف ذي حور ... ظبي خلا أنه ظبي من البشر أغني من الغصن قداً بالقوام كما ... أغنى بغرته عن طلعة القمر يفتر عن أشنب عذب مراشفه ... كالمسك نكهته في ساعة السحر مستملح الدل حلو الشكل ما نظرت ... إليه عين فلم تفتن من النظر ما كان أحسن غذ تمت محاسنه ... لو تم لي منه إشفاق على ضرري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 جرى هواه مجاري الروح في جسدي ... وحل مني محل السمع والبصر عبد الرزاق بن أبي الغنائم بن ياسين بن العلاء. أبو محمد مهذب الدين الدقوقي بقافين بينهما واو العراقي الضرير الشاعر. قدم دمشق شاباً، وسمع من عبد اللطيف ابن أبي سعد، ومن القاسم بن عساكر، والد ولعي الخطيب وغيرهم. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وأربعين وستمائة. ومن شعره عبد الرزاق بن همام: بن نافع. الإمام أبو بكر الحميري الصنعاني. احد الأعلام. روى عن أبيه ومعمر، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وعبيد الله بن عمر، وابن جريج، والمثنى بن الصباح، وثور بن يزيد، وحجاج بن أرطاة، وزكرياء بن إسحاق، والأوزاعي، وعكرمة بن عمار، والسفيانين، ومالك، وخلق. ودخل إلى الشام بتجارة وسمع الكثير عن جماعة. مولده سنة ست وعشرين ومائة. وروى عنه شيخاه. معمر بن سليمان، وسفيان بن عيينة، وأبو أسامة، وهو أكبر منه. وأحمد بن حنبل، وابن معين، وإسحاق، ومحمد بن نافع، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن غيلان، وأحمد بن صالح، وأحمد بن الأزهر، وأحمد بن الفرات، والرمادي، وإسحاق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 الكوسج، والحسن بن علي الخلال، وسلمة بن شبيب، وعبد بن حميد، وإسحاق الديري، وإبراهيم بن سويد الشامي، وخلق كثير. قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لأحمد بن حنبل: كان عبد الرزاق يحفظ حديث معمر؟ قال: نعم. قيل له: فمن أثبت ابن جريج في عبد الرزاق أو محمد بن بكر البرساني؟ قال: عبد الرزاق. وعمي عبد الرزاق بأخرة، وكان يلقن. قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسال عن حديث الناجبار. فقال: هذا باطل، ليس من هذا شيء؟ ثم قال: ومن يحدث به عن عبد الرزاق. قلت: حدثني أحمد بن شبويه. قال: هؤلاء سمعوا بعدما عمي. ليس هو في كتبه. وقد اسندوا عنه بأحاديث ليست في كتبه. كان يلقنها بعدما عمي. قال ابن معين: سمعت من عبد الرزاق كلاماً يوماً، فاستدللت به على ما ذكر عنه من المذهب، يعني التشيع. فقلت له: إن أستاذيك اللذين أخذت عنهم ثقات. كلهم أصحاب سنة: معمر ومالك وابن جريج وسفيان والأوزاعي. فعمن أخذت هذا المذهب؟ فقال: قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته فاضلاً حسن الهدى فأخذت هذا عنه. وقال سليمان بن شبيب: سمعت عبد الرزاق يقول: والله ما نشرح صدري لأن أفضل علياً على أبي بكر وعمر. وقال أحمد بن الأزهر: سمعت عبد الرزاق يقول: أفضل الشيخين بتفضيل علي إياهما نفسه لو لم يفضلهما. كفى بي إزراءً أن أحب علياً ثم أخالف قوله. وقال ابن معين: قال لي عبد الرزاق: أكتب عني حديثاً من غير كتاب. فقلت: ولا حرف. وصنف عبد الرزاق التفسير والسنن وغير ذلك. وعمر دهراً طويلاً وأكثر عنه الطبراني. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وقال أبو خثيمة زهير بن حرب. لما قدمنا صنعاء أغلق عبد الرزاق الباب ولم يفتحه لأحد إلا لأحمد بن حنبل لديانته فدخل. فحدثه بخمسة وعشرين وحديثاً: ويحيى بن معين جالس بين الناس. فلما خرج أحمد، قال له يحيى: أرني ما حدثك. فنظر فيه فخطأه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 ثمانية عشر حديثاً. فعاد أحمد إليه فأراه مواضع الخطا، فأخرج عبد الرزاق أصوله، فوجدها كما قال يحيى. ففتح الباب وقال: ادخلوا وأخذ مفتاح بيت وسلمه إلى أحمد. وقال، هذا البيت ما دخلته يد غيري منذ ثمانين سنة أسلمه إليكم بأمانة الله، على أنكم لا تقولون ما لم أقل ولا تدخلوا علي حديثاً من حديث غيري ثم أومأ إلى أحمد وقال: أنت أمين الله على نفسك وعليهم. فأقاموا عنده مولاً. وقال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الرزاق بن همام فيه نظر لمن كتب عنه بأخرة. وفي رواية أخرى: عبد الرزاق بن همام، من لم يكتب عنه من كتاب ففيه نظر، ومن كتب عنه بأخرة، حدث عنه بأحاديث مناكير. عبد السيد بن عتاب بن محمد بن جعفر بن عبد الله الحطاب. بالحاء المهملة أبو القاسم الضرير المقرئ. كان من الموصوفين بجودة القراءة ومعرفة وجوه القراآت. قرا بالروايات على القاضي أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي، والحسين بن عبد الله الحربي، ومحمد بن زلال النهاوندي، وجماعة كثيرين. وتوفي رحمه الله سنة تسع وثمانين وأربعمائة. عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن جعفر. أبو نصر، الفقيه الشافعي ابن الصباغ البغدادي. فقيه العراق. كان يقدم على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. صنف الشامل، وهو من أصح كتب الشافعية وأجودها في النقل. وصنف كتاب الكامل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وتذكرة العالم والطريق السالم. والعدة، في أصول الفقه. وتولى التدريس بالنظامية ببغداد. أول ما فتحا. ثم إنه عزل بالشيخ أبي إسحاق. ولما توفي أبو إسحاق رحمه الله تعالى، أعيد إليها أبو نصر، وقيل تولى المتولي بعد أبي إسحاق وعزل المتولي وولى أبو نصر. وتوفي رحمه الله في ثالث عشر جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وأربعمائة. قال ابن النجار في ذيله. وكف بصره في آخر عمره. عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. الهاشمي، كانت فيه عجائب. منها أنه ولد سنة ست ومائة أو أربع ومائة، وولد أخوه محمد بن علي والد السفاح والمنصور سنة ستين. فبينهما في المولد أربع وأربعون سنة. وتوفي محمد بن علي سنة ست وعشرين ومائة، وتوفي عبد الصمد سنة خمس وثماني ومائة. فبينهما في الوفاة تسع وخمسون سنة. ومنها أنه حج يزيد بن معاوية سنة خمسين، وحج عبد الصمد بالناس سنة مائة وخمسين. وهما في النسب إلى عبد مناف سواء. لأن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. فبين يزيد وعبد مناف خمسة أجداد، وبين عبد الصمد وعبد مناف خمسة أجداد. لأن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف. ومنها أنه أدرك السفاح والمنصور، وهما ابنا أخيه، ثم أدرك المهدي بن المنصور، وهو عم أبيه، ثم أدرك الهادي، وهو عم جده، ثم أدرك الرشيد. وفي أيامه مات رحمه الله تعالى. ومنها أنه مات بأسنانه التي خلق بها وولد بها ولم يثغر. وكانت قطعة واحدة من أسفل. وقال يوماً للرشيد: يا أمير المؤمنين هذا مجلس فيه عم أمير المؤمنين، وعم عم أمير المؤمنين وعم عم عمه. وذلك أن سليمان بن أبي جعفر عم الرشيد، والعباس عم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 سليمان، وعبد الصمد عم العباس. وولي عبد الصمد إمرة دمشق للمهدي والرشيد. وولي مكة والموسم. وكان كبير القدر معظماً. وهو أعرق الناس في العمى: لأنه أعمى ابن أعمى ابن أعمى ابن أعمى ابن أعمى. وقعت في عينه ريشة فعمي منها. وكانت وفاته بالبصرة في التاريخ المذكور. عبد الصمد بن يوسف بن عيسى. النحوي الضرير. قرأ على ابن الخشاب. وأقام بواسط يقرئ النحو ويفيد أهلها، إلى أن مات رحمه الله سنة ست وتسعين وخمسمائة. عبد الظاهر بن نشوان: بن عبد الظاهر بن نجدة. الإمام رشيد الدين، أبو محمد الجذامي المصري المقرئ الضرير من ذرية روح بن زنباع، قرأ القراآت على أبي الجود وغيره، وسمع وتصدر للأقراء مدة وتخرج به جماعة. وكان مقرئ الديار المصرية في زمانه. روى عنه الدمياطي والحفاظ. وهو والد القاضي محيي الدين عبد الظاهر، الكاتب المنشئ. توفي رحمه الله تعالى سنة تسع وأربعين وستمائة. ونقلت من خط ولده محيي الدين يرثيه: فما ابن كثير الدمع إن مات نافع ... ولا نافع حزن عليه يحتم خزانة علم قبره فلذا غدا ... بها كل يوم بالتلاوة يختم عبد العزيز بن أبي سهل الحسني الضرير. قال ابن رشيق في الأموذج كان مشهور باللغة والنحو جداً، مفتقراً إليه فيهما، بصيراً بغيرهما من العلوم. ولم ير ضرير قط أطيب نفساً ولا اكثر حياءً، مع دين وفعة، أدركته وقد جاوز التسعين، والتلاميذ يكلمونه فيحمر خجلاً. وكان شاعراً مطبوعاً، يلقي الكلام إلقاءً. وسلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 طريق أبي العتاهية في سهولى الطبع ولطف التركيب. ولا غنى لأحد من الشعراء الحذاق عن العرض عليه، والجلوس بيتن يديه. أخذ للعلم عنه واقتباساً للفائدة منه. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وأربعمائة. ومن شعره: قال العواذل قد طولت حزنك إذ ... لو شئت إخراجه عن سلوة خرجا ولن أطيق خروج الحزن عن جلدي ... لأنني أنا لم آمره أن يلجا ومنه: العين من وجهك في لهو ... والقلب من صدك في شجو تناصف الحسن الذي حزنه ... لم يفتقر عضو إلى عضو ولم يفد منك محب سوى ... قلب شج في جسد نضو عبد العزيز بن صهيب مولاهم البصري الأعمى. روى عن أنس، وشهر، وأبي نضرة العبدي. وثقة أحمد بن حنبل. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاثين ومائة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. عبد الكريم بن علي بن محمد القضاعي. أبو محمد النحوي، الملقب بالبارع. كانت له حلقة في جامع الإسكندرية، يقرئ النحو وهو ضرير. مائل إلى الخير كثير الصمت. وتوفي رحمه الله تعالي في عبد الكريم بن علي بن عمر الأنصاري. الشيخ الإمام العلامة علم الدين ابن بنت العراقي. أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان، قال ولد بديار مصر سنة ثلاث وعشرين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وسبعمائة. وأصله من وادي آش من الأندلس. وجده أبو أمه ليس من العراق وغنما رحل إلى العراق. ثم قدم مصر وهي بلده فسمي العراقي. وكان الشيخ علم الدين من المعدودين في علماء مصر. وكانت له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 مشاركة في الفقه وأصوله والتفسير وله اختصاص بتفسير الزمخشري، وصنف مختصراً في أصول الفقه، ورداً على القاضي ابن المنير المالكي في رده على الزمخشري، وكان كثيراً ما يشغل الطلبة بالعلم حتى إنه معظم من بديار مصر اشتغل عليه، ولا يمل من الإقراء ولا يسأم حسن المفاكهة، كثير الحكاية والنوادر، منبسط النفس، وله معرفة بالحساب والكتابة، وحظ من النظم والنثر، درس بالشريفية وبالمشهد الفقه. وأضر في آخر عمره. وأملى كتاباً في تفسير القرآن مختصراً احتوى على فوائد، وكتب الشيخ علم الدين بخطه كتاب الحاوي الكبير للماوردي مرتين. وكان يؤم بمسجد الدرفيل، قال العلامة أثير الدين وأنشدنا قال نظمت في النوم في قاضي القضاة ابن رزين وكان معزولاً. ياسالكاً سبل السعادة منهجاً ... يا موضح الخطب البهم اذادجا يا ابن الذين رست قواعد مجدهم ... وسرى ثناهم عاطراً فتأرجا لا تيأسن من عود ما فارقته ... بعد السرار ترى الهلال تبلجا وابشر وسرح ناظراً فلقد ترى ... عما قليل في العدى متفرجا وترى وليك ضاحكاً مستبشراً ... قد نال من تدميرهم ما يرتجى عبد الكريم بن الفضل بن جعفر بن أحمد. أمير المؤمنين الطائع لله بن المطيع المرتضي بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور العباسي. أمه أمة. تولى الخلافة في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة، وقبضوا عليه في شعبان سنة إحدى وثمانين. فكانت خلافته سبع عشرة سنة وتسعة اشهر وستة أيام، وكان كبير الأنف. وفي أنفه يقول ابن حجاج: خليفة في وجهه روشن ... خر بشته قد ظلل العسكرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 عهدي به يمشي على رجله ... وانفه قد صعد المنبرا واستعرض جارية فأعجبته، فأمر بشرائها. فنظرت إليه ورأت عظم انفه فقالت ما يقدم على أن يباع عندكم إلا من يوطن نفسه على المرابطة في سبيل الله. فضحط، وقال: اشتروها. فإن لم يكن عندها أدب الملوك فعندها نوادر الظرفاء. وتوفي رحمه الله تعالى ليلة عبد الفطر سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. وصلى عليه القادر، وكبر خمساً. وحمل إلى الرصافة وشيعه الأكابر. وكان قد خلف بهاء الدولة بن عضد الدولة بإشارة الأمراء ومعونتهم، وسملوا عينيه، وجعلوا القادر مكانه. فرق له واسكنه معه في زاوية قصره وكان يحسن إليه ويحتمل غلطة كلامه ويقضي معظم ماله من الحوائج. ورثاه الشريف الرضي بقصيدة منها: أيها القبر الذي أمسى به ... عاطل الأرض جميعاً وهو حال لم يواروا فيك ميتاً إنما ... أفرغوا فيك جبالاً من نوال لا أرى الدمع كفاءً للجوى ... ليس أن الدمع من بعدك غال وبرغمي أن كسوناك الثرى ... وفرشناك زرابي الرمال وهجرناك على رغم العدى ... رب هجران على غير تقال لا تقل تلك قبور إنها ... هي أصداف على در اللألى عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون، وقيل دينار بن الماجشون. أبو مروان القرشي التيمي المنكدري مولاهم. الأعمى الفقيه المالكي. تفقه على الإمام مالك رضي الله عنه، وعلى والده عبد العزيز وغيرهما. وقيل إنه عمى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 آخر عمره. وكان مولعاً بالغناء. قال أحمد بن حنبل: قدم علينا ومعه من يغنيه. وحدث. وكان من الفصحاء. روى أنه كان إذا كره الشافعي رضي الله عنه. لا يعرف الناس كثيراً مما يقولان. لأن الشافعي تأدب بهذيل، وعبد الملك تأدب في خؤولته في كلب البادية. وقال أحمد بن المعدل: كلما تذكرت أن التراب يأكل لسان عبد الملك، صغرت الدنيا في عيني. قال أبو داود: كان لا يعقل الحديث. وقال فيه يحيى بن أكثم: كان بحراً لا تكدره الدلاء. توفي رحمه الله تعالى بالمدينة سنة اثنتي عشرة ومائتين، وقيل: سنة ثلاث عشرة. وروى له النسائي وابن ماجه. عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود بن عاقل بن حبيب ينتهي إلى عدنان أبو عبد الله الهذلي. أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. وهو أخو أخي عبد الله بن مسعود الصحابي. وكان من أعلام التابعين. لقي خلقاً كثيراً من الصحابة، وسمع من ابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم. وقال الزهري: أدركت أربعة بحور. فذكر عبيد الله وقال: سمعت من العلم شيئاً كثيراً فظننت أنني قد اكتفيت، حتى لقيت عبيد الله فإذا كأني ليس في يدي شيء. وكان مؤدب عمر بن عبد العزيز. وكان عمر يقول: لأن يكون لي مجلس من عبيد الله أحب إلي من الدنيا. وكان عالماً ناسكاً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين ومائتين، وقيل سنة تسع وتسعين، وقيل سنة ثمان وتسعين، وقيل سنة سبع وتسعين، بالمدينة وأورد له أبو تمام الطائي في الحماسة. شفقت القلب ثم ذررت فيه ... هواك فليم فالتأم الفطور تغلغل حب عثمة في فؤادي ... فباديه مع الخافي يسير توغل حيث لم يبلغ شراب ... ولا حزن ولم يبلغ سرور ولما قال هذا الشعر، قيل له: أتقول مثل هذا؟ فقال؟ في اللدود، راحة المكدود. أو قال: المفؤد. وهو القائل: لا بد للمصدور أن ينفث. وأضر رحمه الله بأخرة. عبيد بن عقيل: أبو عمرو الهلالي لابصري الضرير المقرئ المؤدب. قال أبو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 حاتم: صدوق. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع ومائتين. وروى له أبو داود والنسائي. عتبان بن مالك بن عمرو بن العجلان. الأنصاري السالمي من بني عوف الخزرج. شهد بدراً، ولم يذكره ابن إسحق في البدريين، وذكره غيره فيما قال ابن هشام. وكان أعمى. ذهب بصره على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقال كان ضرير البصر ثم عمي بعد. ومات في خلافة معاوية. روى عنه أنس بن مالك ومحمود بن الربيع. وبعد في أهل المدينة. وروى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. عتبة بن مسعود الهذلي حليف بني زهرة. أخو عبد الله بن مسعود وشقيقه، وقيل بل أمه امرأة من هذيل. والأكثر أنه شقيقه أبو عبد الله هاجر مع أخيه إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية. ثم قدم المدينة وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد. وتوفي رضي الله عنه بالمدينة وصلى عليه عمر بن الخطاب. وقال المسعودي مات عتبة قبل أخيه عبد الله في خلافة عمر. وقال الزهري: ما عبد الله افقه عندنا من عتبة، ولكن مات عتبة سريعاً انتهى. وكف بصره بأخرة. عثمان بن عامر: بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 بن غالب بن فهر القرشي التيمي، أبو قحافة، والدائي أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. أسلم أبو قحافة يوم الفتح. وأتى به ليبايع ورأسه ولحيته كأنهما ثغامة بيضاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروا وهذا بشيء، وجنبوه السواد. فهو أول مخضوب في الإسلام. وعاش بعد ذلك إلى أن مات سنة أربع عشرة للهجرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة. وتوفي ولده أبو بكر رضي الله عنه قبله. وورث منه السدس، ورده على ولد أبي بكر. واضر بأخرة. عدي بن ربيعة: كان في زمن النبي صلى اله عليه وسلم. وهو أعمى. وكان منافقاً. وهو أبو سويد بن عدي. عطاء بن أبي رباح اسلم. أبو محمد المكي مولى قريش. أحد الأئمة الأعلام من التابعين. ولد في خلافة عثمان. وتوفي رحمه الله سنة أربع عشرة ومائة على الصحيح. سمع عائشة وأبا هريرة وأسامة بن زيد وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وأبا سعيد الخدري وخلقاً. وكان إماماً سيداً، أسود مفلفل الشعر، من مولدي الجند، فصيحاً علامةً. أنتهت إليه الفتوى بمكة، مع مجاهد. وكان يخضب بالحناء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 قال أبو حنيفة: ما رأيت افضل من عطاء. وقال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنةً. قال ابن معين: كان معلم كتاب دهراً. قال ابن سعد: كان أعور. وقال غيره: كان اسود مفلفل الشعر أعور أشل وعمي آخراًز وإياه عني الشاعر حيث قال: سألت الفتى المكي هل في تزاور ... وضمة مشتاق الفؤاد جناح فقال معاذ الله أن يذهب التقى ... تلاصق أكباد بهن جراح وقال أحمد بن حنبل: ليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء، كانا يأخذان عن كل أحد. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: عطاء حجة بالإجماه، وعاش مائة سنة. قال ابن خلكان: حكى أبو الفتوح العجلي في كتاب مشكلات الوسيط والوجيز في الباب الثالث من كتاب الرهن ما مثاله: وحكي عن عطاء أنه كان يبعث بجواربه إلى ضيفانه. والذي أعتقد، أنا أن هذا بعيد. فإنه لو رأى الحل لكانت المروءة والغيرة تأبي ذلك. فكيف يظن ذلك بمثل هذا السيد الإمام. ولم أذكره إلا لغرابته. وقال ابن خلكان قبل هذا: ونقل اصحابنا أنه كان يرى إباحة وطئ لجواري، بإذن أربابهن. عقيل بن أبي طالب أبو يزيد الهاشمي، أخو علي رضي الله عنهما. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا يزيد! إني أحبك حبين: حباً لقرابتك مني، وحباً لما كنت أعلم من حب عمي إياك ". قدم البصرى، ثم أتى الكوفة، ثم الشام. وتوفي في خلافة معاوية. وله دار بالمدينة مذكورة. وكان قد أخرج إلى بدر مكرهاً ففداه عمه العباس. ثم إنه أتى مسلماً قبل الحديبية، وشهد غزوة مؤتة. وكان أسن من أخيه جعفر بعشر سنين، وجعفر أسن من علي بعشر سنين. وكان عقيل أنسب قريش وأعلمهم بأيامهم، ولكنه كان مبغضاً إليهم. لأنه كان يعد مساويهم. وكانت له طنفسة تطرح في مسجد رسول الله صلى لله عليه وسلم، يصلي عليها ويجتمع إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 في علم النسب وأيام العرب. وكان أسرع الناس جواباً، وأحضرهم مراجعة في القول، وأبلغهم في ذلك. وكان الذين يتحاكم إليهم ويوقف عند قولهم في علم النسب أربعة: عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل الزهري، وأبا جهم بن حذيفة العدوي، وحويطب بن عبد العزي. وعقيل أكثرهم ذكراً لثالب قريش. فعادوه لذلك، وقالوا فيه بالباطل ونسبوه إلى الحمق، واختلفوا عليه أحاديث مزورة. وكان مما أعانهم عليه في ذلك مغاضبته لأخيع علي وخروجه إلى معاوية وإقامته معه. وقال معاوية يوماً بحضرته: هذا أبو يزيد! لولا علمه بأني خير له من أخيه أقام عندنا وتركه. فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي. وقد آثرت ديناي وأسأل الله خاتمة خير. ولما التحق عقيل بمعاوية بالغ في إكرامه إرغاماً لعلي. فلما قتل علي واستقل معاوية بالأمر، ثقل عليه أمر عقيل. فكان يسمعه ما يكره، لينصرف عنه. فبينما هو يوماً في مجلس حفل بأعيان الناس من الشاميين إذ قال معاوية: أتعرفون أبا لهب الذي أنزل الله في حقه: " تبت يدي أبي لهب ". من هو؟ فقال أهل الشام: لا. فقال معاوية: هو عم هذا. وأشار إلى عقيل. فقال عقيل: أتعرفون أرملته التي قال الله في حقها " حمالى الحطب في جيدها حبل من مسد ". من هي؟ فقالوا: لا؟ فقال عقيل هي عمة هذا. وأشار إلى معاوية. وكانت عمته أم جميل بنت حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وهي زوجة أبي لهب عبد العزي. وتوفي رضي الله عنه في حدود الخمسين، وقد أضر بصره. وروى له النسائي وابن ماجه. العلاء بن الحسن بن وهب بن الموصلايا. أبو سعيد البغدادي. أحد الكتاب المعروفين الذين يضرب بهم المثل. كان نصرانياً. فلما رسم الخليفة في رابع عشر صفر سنة أربع وثمانين وأربعمائة بإلزام أهل الذمة بلبس الغيار والتزام ما شرطه عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهربوا كل مهرب، واسلم أبو غالب الأصباغي وابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 الموصلايا صاحب ديوان الإنشاء وابن أخته صاحب الخبر على يد الخليفة. وكان يتولى ديوان الرسائل منذ أيام القائم، وناب في الوزارة. وأضر آخر عمره. وكانت مدة خدمته خمساً وستين سنة كل يوم منها يزيد جاهه وناب في الوزاة. وقد أضر مرات. وكان ابن أخته هبة الله بن الحسن يكتب الإنشاآت عنه. وكان كثير الصدقة والخير. ومولده سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. وتوفي سنة سبع وتسعين وأربعمائة ثامن عشر جمادى الأولى. وكان الخليفة قد لقبه أمين الدولة. قال محمد نب عبد الملك الهمذاني: ومن قرأ علم السير، علم أن الخليفة والملوك لم يثقوا بأحد، ثقتهم بأمين الدولة، ولا نصحهم أحد نصحه ومن شعره: يا هند رقى لفتىً مدنف ... يحسن فيه طلب الأجر يرعى نجوم الليل حتى يرى ... حل عراها بيد الفجر ضاق نطاق الصبر عن قلبه ... عند استاع الخرق في الهجر ومنه: وكاس كساها الحسن ثوب ملاحة ... فحازت ضياءً مشرقاً يشبه الشمسا أضاءت له كف المدير وما درى ... وقد دجت الظلماء أصبح أم أمسى ومنه: أقول للائمي في حب ليلى ... وقد ساوى نهار منه ليلا أقل فما اقلت قط أرض ... محباً جر في الهجران ذيلا ومنه: بنفسي وإن عزت وأهلي أهلة ... لها غرر في الحسن تبدو وأوضاح نجوم أعاروا النور للبدر عندما ... أغاروا على سرب الملاحة واجتاحوا فتتضح الأعذار فيهم إذا بدوا ... ويفتضح اللاحون فيهم إذا لاحوا وكرخية عذراء يعذر حبها ... ومن دنها في الدهر تقدح أفراح إذا جليت في الكأس والليل ما انجلى ... تقابل إصباح لديك ومصباح يطوف بها ساق لسوق جماله ... نفاق لإفساد الهوى فيه إصلاح به عجمة في اللفظ تغرى بوصله ... وإن كان منه في القطيعة إفصاح وغرته صبح وطرته دجىً ... ومبسمه در وريقته راح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 أباح دمي مذ بحت في الحب باسمه ... وبالشجو من قبلي المحبون قد باحوا وأوعدني بالسوء ظلماً ولم يكن ... لإشكال ما يفضى إلى الضيم إيضاح وكيف أخاف الضيم أو أحذر الردى ... وعوني على الأيام أبلج وضاح وظل نظام الملك للكسر جابر ... وللضر مناع وللخير مناح علوان بن علي بن مطارد. الأسدي الضرير. سمع منه سلمان الشحام في شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. ومن شعره في غلام أسود مخطوط: سواد عيني فدا أسود ... في داخل القلب له نقطه البدر ما استكمل في حس ... نه حتى اكتسى من لونه خطه مخطط بالحسن لكنما ... قلبي من الخطة في خطه علي بن إبراهيم بن إسمعيل الشرفي. والشرف بفتح الشين المعجمة وفتح الراء بعدها فاء. موضع بمصر. الفقيه الشافعي الضرير أبو الحسين. روى كتاب المزني عن الصابوني. روى عنه أبو الفتح أحمد بن بابشاذ، وأبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال. توفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وأربعمائة. علي بن أبي بكر بن روزبة، راء أول قبل الواو وبعدها زاي وباء موحدة ابن عبد الله أبو الحسن. البغدادي القلانسي الصوفي. سمع البخاري من أبي الوقت. وحدث ببغداد ورأس العين مرات بالصحيح. وازدحموا عليه ووصلوه بجملة من الذهب. وكان قد عزم على الحضور إلى دمشق، فرد إلى بغداد، فطالبوه بما كانوا أعطوه. فرد البعض وماطل بالباقي. وجاوز السبعين. وأضر آخر عمره. وأجاز لابن الشيرازي وسعد والمطعم وأحمد ابن الشجنة وغيرهم. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 علي بن أبي القاسم بن أحمد القزويني الشافعي القاضي. الإمام العالم الفاضل الورع التقي الكبير المعمر. تاج الدين أبو الحسن، نزيل بغداد. كان ديناً متواضعاً إلى الغاية، متودداً مليح الهيئة، حسن الخلق والخلق، تام الشكل، باشاً وقوراً، ذا زهد وعفة وحياء، جم الفضائل. ولي القضاء بالجانب الشرقي من بغداد، نحو خمسين سنة. ودرس بالمدرسة النظامية زماناً إلى أن توفي بعيد ضرره في سنة وأربعين وسبعمائة. كان محبباً إلى الناس والحكام، ولهم فيه اعتقاد عظيم. وعمر له خواجا إمام الدين الافتخاري القزويني حاكم بغداد إذ ذاك مدرسةً بدرب فراشا، شرقي بغداد. أجاد بناءها وتحسينها، وأسكنه إياها، وفوض إليه التدريس بها وولاية أوقافها. وهي معروفة به. وله نظم ونثر وأدب كثير وتصانيف منها: شرح المصابيح. وشرح المقامات الحريرة. وكتاب المحيط بفتاوى أقطار البسيط. وكتاب العجاب مع شرحه، في النحو. وكتاب الإعجاز مع شرحه، في النحو. وكتاب الرغاب مع شرحه، في التصريف وكتاب اللطائف. وغير ذلك. وأجاز له فضلاء عصره، وأولو السند فيه. ومن شعر القاضي تاج الدين القزويني رحمه الله. علي بن أحمد ين سيده. أبو الحسن اللغوي الأندلسي المرسي الضرير. كان أبوه أيضاً ضريراً. قال ياقوت: هكذا قال الحميدي: علي بن أحمد. وفي كتاب ابن بشكوال: علي بن إسمعيل. وفي كتاب القاضي صاعد الجياني: علي بن محمد في نسخة، وفي نسخة: علي بن إسمعيل، كما قال ابن بشكوال. فاعتمدنا على ما ذكره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الحميدي، لان كتابه اشهر. وتوفي أبن سيده بالأندلس سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن ستين سنة أو نحوها. روى ابن سيده عن أبيه وعن صالح بن الحسن البغدادي. وكان مع توفره على علوم العربية، متوفراً على علوم الحكمة، وألف فيها تواليف كثيرة. قال أبو عمر الطلمنكي: دخلت مرسية فتشبث بي أهلها ليسمعوا علي الغريب المصنف. فقلت لهم: انظروا من يقرأ، وأنا أمسك كتابي، فأتوني برجل أعمى يعرف بابن سيده فقرأه من أوله إلى آخره، حفظاً من قلبه. فتعجبت منه. وقال الحميدي: كان ابن سيده منقطعاً إلى الأمير أبي الجيش مجاهد بن عبد الله العامري. ثم حدثت له نبوة بعد وفاته في أيام إقبال الدولة بن الموفق فهرب منه. ثم قال يستعطفه: ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمنى ... سبيل فإن الأمن في ذاك واليمنا ضحيت فهل في برد ظلك نومة ... لذي كبد حري وذي مقلة وسنى ونضو هموم طلحته ظباته ... فلا غارباً أبقين منه ولامتنا وهي طويلة. فوقع له الراضي عنه عند وصولها إليه. فرجع. وكان ابن سيده ثقة في اللغة، حجة. لكنه عثر في المحكم عثرات. قال في الجمار التي ترمى بعرفة ... وكذلك يهم في النسب. ومن تصانيفه: كتاب المحكم، والمحيط الأعظم في اللغة. وكتاب المخصص، مرتب على الأبواب كالغريب المصنف. كتاب شرح إصلاح المنطق. كتاب الأنيق في شرح الحماسة، كبير إلى الغاية. كتاب العالم والمتعلم، على المسألة والجواب. وكتاب الوافي في علم القوافي. وكتاب شاذ اللغة، في خمس مجلدات. وكتاب شرح كتاب الاخفش. وتوفي رحمه اله تعالى بدانية. وكان يوم الجمعة صحيحاً سوياً إلى صلاة المغرب، فدخل المتوضا وأخرج منه، وقد سقط لسانه، وانقطع كلامه. وبقي على تلك الحالة إلى عصر يوم الأحد ثم قضى نحبه رحمه الله تعالى. علي بن أحمد: بن هبل بفتح الهاء والباء ثانية الحروف وبعدها لام البيع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 مهذب الدين أبو الحسن البغدادي الطبيب. قرأ الأدب على الشريف الشجري، وسمع من أبي القاسم ابن السمرقندي، ومحمد بن أحمد العاقولي. وقرأ الطب وبرع فيه. وخرج عن بغداد ودخل الروم وصار طبيب السلطان هناك. وكثر ماله وارتفع مقداره. ثم إنه سكن خلاط، ثم الموصل إلى أن توفي رحمه الله تعالى سنة عشر وستمائة. وكان قد بعث من خلاط إلى الموصل بوديعة ستة وثلاثين ألف دينار، لما كان عند شاه أرمن. وأضر في آخر عمره وزمن. وكان الناس يأتونه إلى منزله ويقرؤون عليه. وله مصنفات. منها: كتاب المختار في الطب وهو كتاب جليل يشتمل على علم وعمل. وكتاب الطب الجمالي، صنفه لجمال محمد الدين الوزير المعروف بالجواد. ومن شعره: لقد سبتني غداة الخيف غانية ... قد حازت الحسن في دل لها وصبا قامت تميس كخوط البان غازله ... مع الأصائل ريحاً شمأل وصبا يكاد من دقة خصر تدل به ... يشكو إلى ردفها من ثقله وصبا لو لم يكن أقحواناً ثغر مبسمها ما هام قلبي بحبها هوىً وصبا علي بن أحمد: بن يوسف بن الخضر. الشيخ الإمام العلامة زين الدين أبو حسن الحنبلي الآمدي العابر. كان شيخاً مليحاً مهيباً صالخاً ثقة صدوقاً كبير القدر والسن. آية عظيمة في تعبير الرؤيا مع مزايا عجيبة. أضر في أوائل عمره. وله حكايات غريبة. منها أن بعض أصحابه أهدي إليه نصفية حسنة فسرقت من بيته. فرأى شيخه الإمام مجد الدين عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش المقرئ شيخ القراء ببغداد في النوم وهو يقول له: النصفية أخذها فلان، وأودها عند فلان. اذهب وخذها منه. فلما استيقظ قال في نفسه: الشيخ مجد الدين كان صدوقاً في حياته. وكذلك هو بعد وفاته. فذهب إلى الرجل الذي ذكره له الشيخ مجد الدين، فدق عليه الباب فخرج إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 فقال: اعطني النصفية التي أودعها فلان عندك. فقال: نعم. ودخل فأخرجها. فقال: اعطني، فأخذها وذهب ولم يقل شيئاً. وجاء السارق بعد ذلك إلى المودع، يطلب النصفية. فقال له: جاء الشيخ زين الدين الآمدي وطلبها على لسانك، فأعطيته إياها. فبهت السارق، وبقي حائراً. ولم يعنفه الشيخ ولا وأخذه. ومنها أنه قال: رأيت في المنام كأن شخصاً أطعمني دجاجة مطبوخة فأكلت منها ثم استيقظت وبقيتها في يدي وهذا شيء عجيب وهاتان الواقعتان مشهورتان عنه. ولما دخل السلطان غازان بن السلطان ارغون بن السلطان آباقا بن السلطان هولاكو بن السلطان جنكز خان بغداد سنة خمس وتسعين وستمائة، أعلم بالشيخ زين الدين الآمدي المذكور. فقال. إذا جئت غداً المدرسة المستنصرية، اجتمع به. فلما أتى السلطان غازان المستنصرية، احتفل الناس له واجتمع بالمدرسة أعيان بغداد وأكابرها من القضاة والعلماء والعظماء، وفيهم الشيخ زين الدين الآمدي، لتلقى السلطان. فأمر غازان أكابر أمرائه أن يدخلوا المدرسة قبله واحداً بعد واحد، ويسلم كل منهم على الشيخ زين الدين، ويوهمه الذين معه انه هو السلطان، امتحاناً له: فجعل الناس، كلما قدم أمير، يزهزهون له ويعظمونه ويأتون به إلى الشيخ زين الدين، ليسلم عليه، والشيخ يرد السلام على كل من أتى به إليه من غير تحرك له ولا احتفال به. حتى جاء السلطان غازان في دون من تقدمة من الأأمراء في الحغل وسلم على الشيخ وصافحه فحين وضع يده نهض له قائماً، وقبل يده وأعظم ملتقاه والاحتفال به وأعظم الدعاء له باللسان المغلي، ثم بالتركي، ثم بالفارسي، ثم بالرومي، ثم بالعربي، ورفع به صوته، إعلاماً للناس. وكان زين المذكور يعرف بألسن عدة فعجب السلطان غازان من فطنته وذكائه وحدة ذهنه ومعرفته مع ضرره. ثم إن السلطان خلع عليه في الحال ووهبه مالاً ورسم له بمرتب يجري عليه في كل شهر ثلاثمائة ردهم. وحظي عنده وعند أمرائه ووزرائه وخواتينه كثيراً. ومن تصانيفه: جواهر التبصير في علم التعبير. وله تعاليق كثيرة في الفقه والخلاف وغير ذلك. وانتفع به جماعة. وكان يتجر في الكتب. وله كتب كثيرة جداً وكان إذا طلب منه كتاب وكان يعلم أنه عنده نهض إلى خزانة كتبه واستخرجه من بينها كأنه قد وضعه لساعته وإن كان الكتاب عدة مجلدات وطلب منه الأول مثلاً أو الثاني أو الثالث أو غير ذلك أخرجه بعينه وأتى به. وكان يمس الكتاب أولاً ثم يقول: يشتمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 هذا الكتاب على كذا وكذا كرأسة فيكون الأمر كما قال. وإذا أمر يده على الصفحة قال عدد أسطر هذه الصحيفة كذا وكذا سطراً فيها بالقلم الغليظ كذا وهذا الموضع كتب به في الوجهة فيها بالحمرة هذا وهذا لمواضع كتبت فيها بالحمرة. وإن اتفق أنها كتبت بخطين أو ثلاثة، قال: اختلف الخط من هنا إلى هنا، من غير إخلال بشيء مما يمتحن به ويعرف أثمان جميع كتبه التي اقتناها بالشراء وذلك أنه كان إذا اشترى كتاباً بشيء معلوم أخذ قطعة ورق خفيفة وفتل منها فتيلة لطيفة وصنعها حرفاً أو أكثر من حروف الهجاء لعدد ثمن الكتاب بحساب الجمل ثم يلصق ذلك على طرف جلد الكتاب من داخل ويلصق فوقه ورقة بقدره لتتأبد فإذا شذ عن ذهنه كمية ثمن كتاب ما من كتبه مس الموضع الذي علمه في ذلك الكتاب بيده فيعرف ثمنه من تنبيت العدد الملصق فيه. وكان لا يفارق الإشغال والاشتغال أبداً وعنده تودد عظيم في حاله وتؤدة تامة في سائر أموره وحركاته وللناس والحكام والرؤساء عليه إقبال عظيم لخيره وفضله وورعه ودينه وعلمه ونزاهته ومروته وتوفي رحمه الله تعالى بعد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. بقليل والله سبحانه وتعالى أعلم علي بن أسامة: أبو الحسن. العلوي الواسطي الضرير الشاعر. قدم بغداد ومدح الوزير أبا الفرج محمد بن عبد الله بن رئيس الرؤساء. ومن شعره فيه: يا عضد الدين يا محمد يا ... من صان ملكاً وشيد الأمرا بشرت بالسعد ما أتى بشر ... إليك إلا أوسعته بشرا طويت عرضاً مطهراً بك إن ... فض نشقنا من نشره نشرا عمرت يا عامر البلاد لقد ... فضلت زيداً وقبله عمرا علي بن إسمعيل: بن إبراهيم بن جبارة. القاضي الرئيس شرف الدين أبو الحسن الكندي التجيبي السخاوي، المولد المحلي الدار، النحوي المالكي العدل. حدث عن السلفي. وسمع من ابن عوف، وأبي عبد الله الحضرمي، وأبي طالب أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 المسلم التنوخي والشريف أبي علي محمد بن اسعد الجواني وغيرهم. مولده سنة أربع وخمسين وخمسمائة تقريباً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة. كف بصره. آخر عمره ولزم دار. وكان يزعم أنه من ولد عبد الرحمن بن الأشعث. ومن شعره: خاطر بها إما ردىً أو ورود ... فهذه نجد وهذا زرود قد حكم البين بإسراعها ... والوجد والدمع عليها شهود قلائص تحمل أكوارها ... اشباح عليها همود وله كتاب نظم الدر في نقد الشعر، قصره على مؤاخذات ابن سنا الملك. وأجاد في بعضها وتعنت تعنتاً زائداً في بعضها. ومن شعره: ما للنصيحة في الغرام بذلتها ... يا عاذلي وجسرت حتى قلتها أو ما علمت وما تريد زيادة ... أن النصيحة في الهوى لا تشتهى نهنهت دمعي عن ثراه فما هدى ... ونهيت قلبي عن هواه فما انتهى أو لم تخف لهف الزفير بمهجتي ... أسرارها إذا أودعتك أذعتها علي بن جبلة: بن مسلم بن عبد الرحمن المعروف بالعكوك بعين مهملة وكافين وبينهما واو مشددة. أبو الحسن الخراساني. أحد فحول الشعراء. كان أسود ابرص، وولد أعمى. والعكوك السمين القصير. قال الجاحظ: كان أحسن خلق الله إنشاداً. ما رأيت مثله بدوياً ولا حضرياً. وهو من الموالي. ولد ببغداد سنة ستين ومائة. وتوفي رحمه الله سنة ثلاث عشرة ومائتين. ومن شعره في أبي دلف قصيدته المشهورة وأولها: ذاد ورد الغي عن صدره ... فارعوى واللهو من وطره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 يقول منها في المديح: إنما الدنيا أبو دلف ... بين باديه ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره كل من في الأرض من عرب ... بين باديه إلى حضره مستعير منك مكرمةً ... يكتسيها يوم مفتخره وهي ثمانية وخمسون بيتاً. قال قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله تعالى: سئل شرف الدين بن عنين عن هذه القصيدة وقصيدة أبي نواس الموازنة التي أولها أيها المنتاب من عفره ... لست من ليلى ولا سمره فلم يفضل أحداهما على الأخرى. وقال: ما يصلح يفضل بين هاتين إلا شخص يكون في درجة هذين الشاعرين. ثم أن العكوك مدح حميد بن عبد الحميد الطوسي فقال له: ما عسى أن تقول فينا، وما أبقيت لنا بعد قولك في أبي دلف: إنما الدنيا أبو دلف. وأنشد البيتن. فقال أصلح الله الأمير قد قلت ما هو أحسن من ذلك: فقال: ما هو. فأنشد إنما الدنيا حميد ... وأياديه الجسام فإذا ولي حميد ... فعلى الدنيا السلام فتبسم، ولم يحر جواباً. فاجمع من حضر المجلس من أهل العلم بالشعر أن هذا أحسن مما قاله في أبي دلف. فأعطاه وأحسن جائزته. قال ابن المعتز في طبقات الشعراء: لما بلغ المأمون خبر هذه القصيدة غضب غضباً شديداً وقال اطلبوه حيث ما كان. فطلب فلم يقدر علي، لأنه كان مقيماً بالجبل وهرب إلى الجزيرة الفرانية. فكتب إلى الآفاق بأخذه حيث كان فهرب إلى الشامات فظفروا به فحمل مقيداً إليه. فلما صار بين يديه قال له يا ابن اللخناء أنت القائل في قصيدتك للقاسم بن عيسى. كل من في الأرض من عرب. وأنشد البيتين. جعلتنا ممن يتسعير المكارم منه ويفتخر به قال يا أمير المؤمنين: أنتم أهل بيت لا يقاس بكم لأن الله أختصكم لنفسه على عباده وآتاكم الكتاب والحكم وأنالكم ملكاً عظيماً: وإنما ذهبت في قولي إلى الأقران والأشكال من هذا الناس. فقال: والله ما أبقيت أحداً. ولقد أدخلتنا في الكل وما أستحل دمك بكلمتك هذه. ولكن بكفرك في شعرك حيث قلت في عبد ذليل مهين فأشركت بالله العظيم وجعلت معه ملكاً قادراً. وهو قولك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 أنت الذي تنزل الأيام منزلها ... وتنقل الدهر من حال إلى حال وما مددت مدى طرف إلى أحد ... إلا قضيت بأرزاق وآجال ذاك الله عز وجل يفعله أخرجوا لسانه من قفاه. فأخرجوه فمات من وقته: قلت وبعد هذين البيتين قوله: تزور سخطاً فتمسي البيض راضيةً ... وتستهل فتبكي أعين المال وأما قوله في أبي دلف فإنه أحسن من قوله في حميد الطوسي عند من له ذوق، لا سيما قوله: ولت الدنيا على أثره. وأخبار العكوك في الأغاني كثيرة. علي بن الحسن: بن يوسف. الشيخ الإمام العلامة موفق الدين. أبو الحسن ابن الصياد البغدادي الحنبلي. أحد معيدي الحنابلة بالمدرسة السمتنصرية. كان من أعيان العدول ببغداد. وأضر قبل وفاته بمدة. كان شيخاً بهياً عفيفاً صالحاً مباركاً عالماً عاملاً فاضلاً. سمع الأربعين الطائية على ابن الليثي عن مصنفها. وتوفي رحمه الله تعالى بناحية الراذان في شهر رجب سنة خمس وثمانين وستمائة. وإجازاته عالية. وأجاز لجماعة من الفضلاء ببغداد وغيرهم. علي بن الحسين: بن علي الضرير. أبو الحسن النحوي الباقولي. المعروف بالجامع. ذكره أبو الحسن البيهقي في كتاب الوشاح فقال: هو في النحو والإعراب كعبة، لها أفاضل العصر سدنة، والفضل بعد خفائه إسوة حسنة. وقد بعث إلى خراسان ببيت الفرزدق المشهور في شهور سنة خمسون وثلاثين وخمسمائة وهو: وليست خراسان التي كان خالد ... بها أسد إذ كان سيفاً أميرها وكتب كل فاضل من أفاضل خراسان لهذا البيت شرحاً. وهذا الإمام استدرك علي أبي الحسن النسوي وعبد القاهر وله هذه الرتبة. ومن شعره: أخبب النحو من العلم فقد ... يدرك المرء به أعلى الشرف إنما النحوي في مجلسه ... كشهاب ثاقب بين السدف يخرج القرآن من فيه كما ... تخرج الدرة من جوف الصدف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 وله من التصانيف: شرح اللمع. كتاب كشف المعضلات، وإيضاح علل القراآت. وكتاب الجواهر. وكتاب المجمل. وكتاب الاستدراك، علي أبي علي. وكتاب البيان، وفي شواهد القرآن. علي بن الخطاب: بن مقلد أبو الحسن الفقيه الشافعي المحدثي بسكون الحاء المهملة. من وسواد واسط المقرئ الضرير. كان بارعاً في المذهب والخلاف. ودرس وأعاد وأفاد. وكان يقرأ في شهر رمضان تسعين ختمةً، وفي باقي السنة كل يوم ختمة. وكان قيماً بعلم العربية. أقبلت الدنيا عليه آخر عمره، وجالس المستنصر بالله، فأقام عنده نحو خمسة أشهر لتعليم بعض الجواري القرآن. ووصله بأنعام كثير. ثم أصابه فالج يومين ومات رحمه الله تعالى سنة ست وعشرين وستمائة. وكان قد قرأ علي أبي بكر عبد الله بن منصور الباقلاني، وسمع من أبي طالب محمد بن علي بن الكناني، وأبي العباس بن الجلخت، وغيرهما. وقرأ المذهب والخلاف والأصول على أبي القاسم بن فضلان، وأبي علي بن الربيع. علي بن زيد بن جدعان: هو ابن زيد بن أبي مليكة. أبو الحسن القرشي التيمي البصري الضرير. أحد أوعية العلم في زمانه. روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وأبي عثمان النهدي وجماعة. ولد أعمى، ولما مات الحسن، قالوا له: اجلس موضعه. قال حماد بن زيد: سمعت الجريري يقول: اصبح فقهاء البصرة عمياناً ثلاثةً: قتادة. وعلي بن زيد. وأشعث الحداني. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أحمد: ضعيف الحديث. وقال ابن خزيمة: لا أحتج به، لسوء حفظه. وقال النسائي: ضعيف. وقال الترمذي: صدوق. وقال خليفة: مات في الطاعون. وقال مطين. سنة تسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 وثلاثين ومائة، وقيل سنة إحدى وثلاثين ومائة. وكان يقلب الأحاديث وهو شيعي. وروى له مسلم مقروناً. وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. علي بن زيد: بن علي بن مفرج. أبو الرضا الجذامي السعدي التسارسي بتاء ثالث الحروف وسينين مهملتين بينهما ألف وراء. وتسارس قرية من بلاد برقة ثم الاسكندراني المالكي الخياط الضرير. ولد سنة ست وخمسين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وعشرين وستمائة أو ما بعد الثلاثين. سمع من السلفي. وقدم دمشق شاباً. كان شاعراً فاضلاً حسن السمت. وروى عنه جماعة. ومن شعره. علي بن شجاع: بن سالم بن علي بن موسى بن حسان بن طوق بن سند بن علي بن الفضل بن علي. الشيخ كمال الدين. أبو الحسن بن أبي الفوارس الهاشمي العباس المقرئ الشافعي الضرير. مسند الآفاق في القراآت. فإنه قرأ السبع لكل رواة الأئمة سوى رواية الليث عن الكسائي وجامعاً لهم إلى سورة الأحقاف، على حمية الإمام الشاطبي، تزوج بعد الشاطبي بابنته وسمع الشاطبية وصحهها دروساً، على الشاطبي. وروى بالإجازة العامة عن السلفي. وكان أحد الأئمة المشاركين في فنون العلم. وقرأ عليه جماعة كبيرة منهم: الدمياطي، وبرهان الدين إبراهيم الوزير، والشيخ نصر المنبجي. وروى عنه الدواداري. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وستين وستمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 علي بن عبد الله: بن عبد الجبار بن يوسف. أبو الحسن الشاذلي بالشين والذال المعجميتن وبينهما ألف وفي الآخر لام. وشاذلة قرية بأفريقية. المغربي. الزاهد، نزيل الإسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية. وقد انتسب في بعض مصنفاته إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال: بعد يوسف المذكورين يوشع بن برد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب. قال الشيخ شمس الدين الذهبي. هذا نسب مجهول لا يصح ولا يثبت وكان الأولى به تركه وترك كثير مما قاله في تآليفه من الحقيقة. وهو رجل، كبير القدر. كثير الكلام. عالي المقام. له نظم ونثر، فيه متشابهات وعبارات. يتكلف له في الاعتذار عنها. ورأيت شيخنا عماد الدين قد فتر عنه في الآخر، وبقي واقفاً في هذه العبارات حائراً في الرجل. لأنه كان قد تصوف على طريقته. وصحب الشيخ نجم الدين الأصفهاني نزيل الحرم، ونجم الدين صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي. وكان الشاذلي ضريراً. وحج مرات. وتوفي رحمه الله تعالى بصحراء عيذاب، قاصد الحج. فدفن هناك في أول ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة. والشيخ تقي الدين ابن تيمية مصنف في الرد على ما قاله الشاذلي في حزبه. علي بن عبد الغني: أبو الحسن الفهري. المقرئ الحصري بالحاء والصاد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 المهملتين. الشاعر الضرير. اقرأ الناس بسبتة وغيرها. له قصيدة مائتا بيت نظمها في قراءة نافع، وتوفي رحمه الله تعالى سنة وثمان وثمانين وأربعمائة. قال ابن خلكان هو ابن خالة أبي إسحاق إبراهيم الحصري صاحب زهر الآداب، بعث. المعتمد بن عباد إلى أبي العرب مصعب بن محمد بن صالح الزبيري الصقلي الشاعر خمسمائة دينار وإلى أبي الحسن الحصري بمثلها. وأمرهما بالمصير إليه، فكتب إليه أبو العرب: لا تعجبن لرأسي كيف شاب اسىً ... وأعجب لاسود عيني كيف لم يشب البحر للروم لا تجري السفين به ... إلا على غرر والبر للعرب وكتب إليه الحصري. أمرتني بركوب البحر أقطعه ... غيري لك الخير فاخصصه بذا الداء ما أنت نوح فتنجيني سفينته ... ولا المسيح أنا أمشي على الماء ومن شعره: أقول له وقد حيي بكاس ... لها من مسك ريقته ختام أمن خديك تعصر قال كلا ... متى عصرت من الورد المدام ومنه القصيدة المشهورة التي أولها: يا ليل الصب متى غده ... أقيام الساعة موعده رقد السمار فأرقه ... أسف للبين يردده علي بن عساكر: بن المرجب بن العوام. أبو الحسن البطائحي الضرير المقرئ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 من قرية المحمدية. قدم بغداد صغيراً واستوطنها إلى أن توفي رحمه الله تعالى في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، قرأ بها القرآن على أبي العز محمد بن الحسين القلانسي والحسين الدباس ومحمد بن الحسين المزرفي وسبط أبو منصور الخياط وغيرهم. وقرأ الأدب على الشريف عمر بن إبراهيم الزيدي الكوفي. وسمع الكثير من أحمد بن عبد الجبار الصيرفي. وعبد القادر بن محمد بن يوسف ومحمد بن أبي يعلي ابن الفراء وأحمد بن الحسن ابن البناء وغيرهم. وحدث، وأقرا الناس، وصنف في القرآن عدة مفردات. وكان إماماً كبيراً في القراآت ووجوهها وعللها وطرقها، وحسن الاتقان والأداء والثقة والصدق. وكان يعرف النحو جيداً. وروى عنه ابن الأخضر وأبو العباس البندنيجي، وداود بن معمر القرشي. علي بن علي: بن جعفر بن شيران. أبو القاسم الضرير المقرئ الواسطي. قرا القراآت بالعشر على أبي علي الحسن بن القاسم غلام الهراس. وكان مقرئاً، مجوداً موصوفاً بالصدق والتحقيق. قرأ عليه جماعة. وسمع من الحسن بن أحمد الغندجاني، وأبي نعيم الجماري، وأبي الفتح بن مختار النحوي، وغيرهم. ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وعشرين وخمسمائة. علي بن عمر بن أبي بكر: الشيخ الصالح المعمر المسند. أبو الحسن نور الدين المصري الصوفي الواني الأصل. ولد تقريباً سنة خمس وثلاثين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وعشرين وسبعمائة. وسمع من ابن رواج أربعين الثقفي. ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 السبط أربعين السلفي. وجزأ ابن عيينة، والسابع من أمالي المحاملي، والعاشر من الثقفيات. وسمع صحيح مسلم من المرسي والبكري. وحدث به خمس مرات. وسمع من يوسف الساوي. وتفرد. وألحق الصغار بالكبار. وأضر بأخرة ثم عولج فابصر. وكان شخصاً صالحاً سهل القياد. أكثر المصريون وغيرهم عنه. علي بن محمد: بن إبراهيم بن عبد الله القهندزي بالقاف والهاء والنون والدال المهملة والزاي. أبو الحسن الضرير النحوي الأديب النيسابوري. كان شيخاً فاضلاً. سمع من أبي العباس المناسكي المحاملي وغيره. وقرأ عليه الأئمة وتخر جوابه. قرأ عليه مثل الواحدي. وقال الواحدي: كان من أبرع أهل زمانه. وذكره عبد الغافر في السياق. علي بن محمد: بن الحسين بن محمد بن أبي الفضل. هو الوزير أبو الفتح بن العميد. كان والده وزيراً كبيراً مشهوراً. ووزر أبيه أبي الفضل لركن الدولة. وكان عمره اثنتين وعشرين سنة. وكان ذكياً متوقداً أديباً متوسطاً. وله نظم ونثر. لكنه ولد نعمة شديد العجب والدالة. وحمل النفس على ما تدعوه إليه الحداثة. فسد رأي عضد الدولة فيه. فلما توفي ركن الدولة وسار مؤيد الدولة من أصبهان إلى الري، استصحب معه الصاحب بن عباد، كاتبه، وأقرأ أبا الفتح ابن العميد على جهاته، ورتبه في منزلته وقدمه ومكنه. فاستمر على عادته في الإدلال والاستبداد والمضي على وجهه في كل الأحوال. فاستوحش منه مؤيد الدولة وترددت بينه وبين عضد الدولة مكاتبات ومراسلات في شأنه. فقبض عليه مؤيد الدولة في شهر ربيع الأول سنة ست وستين وثلاثمائة. وحبسه وعذبه وسمل عينيه وجدع انفه وجز لحيته. ففتق جيب جبته وأخرج منها رقعةً تشتمل على ودائع أمواله وذخائره فألقاها في النار. وقال للموكل به: إصنع ما شئت، فوالله لا يصل إليكم من أموالي المستورة حبة واحدة. فما زال يعذبه بعد ذلك إلى أن مات رحمه الله تعالى. ووجد بعد موته، على حائط محبسه من نظمه: ملك شد لي عرى الميثاق ... بأمان قد سار في الآفاق لم يحل رأيه ولكن دهري ... حال عن رأيه فشد وثاقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 فقرى الوحش من عظامي ولحمي ... وسقى الأرض من دمي المهراق فعلى من تركته من قريب ... وبعيد تحية المشتاق وكان قد جرى في بعض الأيام في مجلس أبيه قول الشاعر: لئن كففت وإلا ... شققت منك ثيابي فأصغى أبو الفتح، وقال في الوقت: يا مولعاً بعذابي ... أما رحمت شبابي تركت قلبي تيهاً ... نهب الأسى والتصابي إن كنت تنكر ما بي ... من ذلتي واكتآبي فارفع قليلاً قليلاً ... عن العظام ثيابي ومن شعره: مازلت في سكري ألمع كفها ... وذراعها بالقرص والآثار حتى تركت أديمها وكأنما ... غرس البنفسج فيه بالجمار قال الثعالبي: كنت يوماً عند أبي الفتح ابن العميد في يوم شديد الحر، فقال لي: ما قول الشيخ في قلبه؟ فلم أفطن لما أراده. فلما كان بعد قليل، أتى من استدعاني إلى مجلس أبيه، فلما مثلت بين يديه تبسم، وقال لي: ما قول الشيخ في قلبه؟ فبهت من جهة والده من يطالعه بأخباره، فكتب إلى أبيه في تلك الساعة بتلك. اللفظة، وكتب إلى والده: أنه كتب الليلة إلى فلان يستدعي منه بشراب ونقل ومشموم. فدس أبوه إلى ذلك الرجل من يأتيه بنفس الورقة التي بخط ابنه. فأتاه بها. فإذا فيها بعد البسملة: قد اغتنمت الليلة أطال الله بقاء سيدي ومولاي رقدةً من عين الدهر، وانتهزت فيها فرصةً من فرص العمر، وانتظمت مع أصحابي في سمط الثريا، فإن لم تحفظ علينا النظام عدنا كبنات نعش والسلام، فاستطير: أبوه فرحاً وعجاباً بهذه الرقعة، وقال: الآن ظهر لي أثر براعته، ووقع له بألفي دينار، وانشد وهو في آخر حاله في الحبس: راعوا قليلاً فليس الدهر عبدكم ... كما تظنون فالأيام تنتقل علي بن محمد: بن خلف. الإمام أبو الحسن المعافري القروي القابسي المالكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 عالم إفريقية سمع وحدث، وكان حافظاً للحديث وعلله ورجاله، فقيهاً أصولياً متكلماً مصنفاً صالحاً متقناً، وكان أعمى لا يرى شيئاً. وألف تآليف بديعةً. وسمي القابسي، لأن عمه كان يشد عمته قابسيةً. وتوفي رحمه الله تعالى. سنة ثلاث وأربعمائة. ورثاه الشعراء وضربت الأخبية على قبره. ومولده سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. رحل إلى المشرق. وسمع البخاري بمكة من أبي زيد ورجع إلى القيروان، قال: أبو بكر الصقلي، قال: أبو الحسن القابسي. كذب علي وعليك فسموني القابسي وما أنا قابسياً، وإلا فأنا قيرواني وأنت. دخل أبوك مسافراً إلى صقلية فنسب إليها وأول جلوسه للمناظرة بأثر موت أبي محمد، قال: لعمر أبيك ما نسب المعلي ... لمكرمة وفي الدنيا كريم ولكن الرياض إذا اقشعرت ... وصوح نبتهار عي الهشيم ثم بكى أبكى الناس، وقال. أنا الهشيم ثلاثاً. والله! لو أن في الدنيا خضراء ما دعيت أنا، وشيخه المذكور. هو أبو محمد عبد الله بن أبي هاشم التجيبي، وسمع شخصاً يقول في مجلسه ما قصر المتنبي في قوله: يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل فقال: يا مسكين أين أنت عن قوله تعالى " لا تبديل لخلق الله ". ومن تصانيفه الممهد في الفقه وأحكام الديانات. والمنقذ من شبه التأويل. والمنبه للفطن، نمن غوائل الفتن. وملخص الموطا. والمناسك والاعتقادات. علي بن محمد: بن علي أبو الحسن الأزجي الضرير المفسر، كان: عالماً بتفسير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 القرآن. وقد صنف فيه كتاباً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس وأربعين وأربعمائة. علي بن محمد: الدرزبيني نسبةً إلى الدرزبينية وهي قرية من قرى نهر عيسى من أعمال بغداد، وهي بدال مهملة وراء ساكنة وزاي وبعدها باء ثانية الحروف وياء آخر الحروف ونون وياء أخرى مشددة وهاء. أبو الحسن المقري الضرير. سكن بغداد وقرأ القرآن على أبي الحسن علي بن عساكر بن المرجب البطائحي. وكان حسن القراءة والتلاوة يدخل دار الخلافة ويقرأ بها ويؤم في مسجد الحدادين. وسمع الحديث. وتوفي رحمه الله تعالى في نصف شهر رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة. ودفن بباب حرب. علي بن مسهر: أبو الحسن القرشي مولاهم. الحافظ قاضي الموصل. وهو أخو عبد الرحمن قاضي جبل. كان ثقةً جمع الفقه والحديث. وولى قضاء إرمينية. فلما قدمها اشتكى عينه. فقال قاض كان قبله للكحال: اكحله بما يذهب عينه حتى أعطيك مالاً. فكحله. فذهبت عينه فرجع إلى الكوفة أعمى. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وثمانين ومائة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. علي بن المظفر: بن بدر. أبو الحسن الشافعي الضرير. المعروف بابن الخلوفي. من أهل البندنيجين. سمع بالبصرة عبد الأعلى بن أحمد بن عبد الله بن مالك البجلي والحسين بن محمد بن بكر الوراق وعلي بن وصيف القطان، وغيرهم. وقرأ بعسكر على أبي أحمد العسكري. وروى عنه الخطيب أبو بكر وغيره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وعشرين وأربعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 علي بن مقلد: هو علاء الدين حاجب العرب أيام المرحوم سيف الدين تنكز. كان أسمر طوالاً، يتحنك بعمامته ويتقلد بسيفه على عاتقه. زي العرب. قدمه الأمير وأهله لهذه الوظيفة وصار عنده مكيناً. حكي لي من لفظه، قال: توجهت إلى الرحبة في شغل فعدت وقد حصل لي ثمانية عشر ألف درهم. أو قال خمسة عشر ألف درهم من العربان، وكان الأمير في آخر الأمر قد سأل عنه من ناصر الدين الدوادار. فقال: له هذا علي بن مقلد ما يعجبني حاله وربما إنه يشرب الخمر، فقال له: ما أعلم أنه يشرب ولا يقدر يفعل ذلك وحاجه فيه مرات وكان حمزة التركماني يحط عليه فخرج ذلك الوقت وهو متمكن عند الأمير، فقال: لوالي دمشق أريد أن تكبس الليلة ابن مقلد فكبسه في تلك الليلة وعنده جماعة نسوة ومعهن الحرفاء، فلما اصبح دخل حمزة إلى الأمير وعرفه الصورة فأحضر ناصر الدين الدوادار ووبخه وعنفه وكان ذلك سبب الانحراف عنه وأحضر ابن مقلد قدامه وضربه بالمقارع ضرباً شديداً مبرحاً وكحله وقطع لسانه في الاعتقال لأنه تكلم بما لا يليق وأحضر لسانه إليه على ورقة فأقام معتقلاً في قلعة دمشق مدة يسيرةً. وتوفي رحمه الله وسامحه في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة بعدما سلبه الله تعالى نعمةً عظيمةً. عمر بن ثابت: أبو القاسم الثمانيني وثماني قرية، وقيل بليدة صغيرة بجزيرة ابن عمر بأرض الموصل نزلها الثمانون الذين كانوا في سفينة نوح عليه السلام، وهي أول بلدة بنيت بعد الطوفان. هو النحوي الضرير. كان إماماً فاضلاً كاملاً أديباً. أخذ عن ابن جني وكان خواص الناس في ذلك الوقت يقرؤون على ابن برهان والعوام يقرؤون على الثمانيني. روى ابن جني اللمع والتصريف. وروى عنه الشريف يحيى بن طباطبا وإسمعيل بن المؤمل الأسكافي، ومحمد بن عقيل بن عبد الواحد الكاتب الدسكري، وصنف شرح اللمع. وكتاب المقيد في النحو. وشرح التصريف الملوكي. وتوفي رحمه الله تعالى اثنتين وأربعين وأربعمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 عمر بن علي: بن البدوخ. أبو جعفر القلعي المغربي. كان فاضلاً خبيراً بمعرفة الأدوية المركبة والمفردة. وله حسن نظر في الإطلاع على الأمراض ومداواتها، وأقام بدمشق سنين كثيرةً. وكانت له دكان عطر باللبادين يجلس فيها يبيع ويداوي الناس وكانت له عناية بالكتب الكبية والنظر فيها وتحقيق ما ذكره المتقدمون من صفة الأمراض ومداواتها. وله حواش على كتاب القانون لابن سينا. وشرح الفصول لأبقراط أرجوزة. وشرح كتاب تقدمة المعرفة رجوزة. وكتاب ذخيرة الألباء في الباءة. وعمر عمراً طويلاً. وكان يحمل إلى دكانه في محفة لما ضعف عن الحركة. وعمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه لأنه كان يغتذي باللبن كثيراً يقصد بذلك ترطيب بدنه. وتوفي بدمشق سنة ست أو خمس وسبعين وخمسمائة. وله قصيدة في ذكر الموت والمعاد منها. يا رب سهل لي الخيرات أفعلها ... مع الأنام بموجودي وإمكاني فالقبر باب إلى دار البقاء فمن ... للخير يغرس أثمار المنى جان وخير أنس الفتى تقوى تصاحبه ... والخير يفعله مع كل إنسان يا ذا الجلالة والإكرام يا أملي ... إختتم بخير وتوحيد وإيمان إن كان مولاي لا يرجوك ذو زلل ... بل من أطاعك من للمذنب الجاني عمر بن ميمون: من بحر بن الرماح. أبو علي الفقيه قاضي بلخ. ولي قضاء بلخ نحواً من عشرين سنة. وكان فيها محموداً وهو مذكور بالحلم والعلم والصلاح. واضر في آخر عمره، وقال: أبو داود ثقة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وسبعين ومائة. عمرو بن قيس: بن زائدة بن الأصم القرشي العامري. هو إبن أم مكتوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 الأعمى مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه أم مكتوم اسمها عاتكة بنت عبد الله بن عاتكة بن عامر بن مخزوم. واختلف في اسمه، فقيل عبد اله، وقيل عمرو. وهو الأكثر. وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها أخو أمها، وكان ممن قدم المدينة مع مصعب بن عمير قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الواقدي: قدمها بعد بدر بيسير. واستخلفه رسول الله صلى اله عليه وسلم على المدينة في غزواته ثلاث عشرة مرةً. واستخلفه في خروجه إلى حجة الوداع وشهد القادسية ومعه اللواء يومئذ وقتل بها شهيداً، وقال الواقدي: رجع إلى المدينة ومات بها سنة خمس عشرة. وروى له أبو داود والنسائي وابن ماجه. وقد ذكرت سبب نزول قوله تعالى " عبس وتولى أن جاءه الأعمى ". في مقدمات هذا الكتاب. عمرو بن مرة: المرادي الجملي. أبو عبد الله الكوفي أحد الأعلام. وكان ضريراً سمع ابن أبي أوفى وسعيد بن المسيب ومرة الطبيب وأبا وائل، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وأبا وزاذان وطائفة، قال: عبد الرحمن بن مهدي هو من حفاظ الكوفة، ويقال إنه دخل في شيء من الإرجاء وهو مجمع على ثقته وإمامته. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست عشرة ومائة. والجملي بفتح الجيم والميم كذا وجدته مقيداً. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي. عمير بن عدي: الخطمي. إمام بن خطمة وقارئهم الأعمى. روى عنه عدي بن عمير، قال ابن عبد البر: فإن كان الذي روى عنه زيد بن إسحق فهو الذي قتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 أخته لشتمها رسول الله صلى اله عليه وسلم، فقال: رسول الله صلى اله عليه وسلم أبعدها الله. قال وهما عندي واحد. قال ابن الدباغ: شهد أحداً وما بعدها وكان ضعيف البصر وقد حفظ طائفةً من القرآن فسمي القارئ. هذا قول بن القداح. وأما الواقدي وأهل المغازي فيقولون لمشهد أحداً ولا الخندق لضرر بصره، ولكنه قديم الإسلام صحيح النية، وكان هو وخزيمة بن ثابت يكسران أصنام بني خطمة وعمير قتل عصماء بنت مروان كانت تحض على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فوجاها عمير بسكين تحت ثديها فقتلها، ثم أتى رسول الله صلى اله عليه وسلم فاخبره، وقال: إني لأتقي تبعة إخوتها، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تخفهم. وقيل، قال: لا ينتطح فيها عنزان. وهو أول من اسلم من بني خطمة. عوانة بن الحكم: بن عوانة بن عياض. ينتهي إلى عامر بن النعمان الكوفي الأخباري المشهور. يروى عن طائفة من التابعين عالم بالشعر وأيام الناس. قل أن روى حديثاً مسنداً ولهذا لم يذكر بجرح ولا تعديل. الظاهر أنه صدوق. وكان يكنى أبا الحكم وهو ضرير. توفي رحمه الله تعالى ثمان وخمسين ومائة. قال أبو عبيدة في كتاب المثالب. يقال في الحكم بن عوانة. إن أباه كان عبداً خياطاً ادعى بعدما احتلم وكانت أمه أمةً سوداء لآل ايمن بن خريم بن فاتك الأسدي وله أخوة موالي، قال: في ذلك ذو الرمة. الكني فإني مرسل برسالة ... إلى حكم من غير حب ولا قرب فلو كنت من كلب صميم هجوتها ... ولكن لعمري لا إخالك من كلب ولكنني أخبرت أنك ملصق ... كما ألصقت من غيره ثلمة القعب تهدى فخرت ثلمة من صحيحه ... فلز بأخرى بالغراء وبالشعب قال الهيثم بن عدي: كنت عند عبد الله بن عياش وعنده عوانة بن الحكم فذكروا أمر النساء. فقلت: حدثني ابن الظلمة عن أمه أنها قالت: والله ما أتى النساء مثل أعمى عفيف فضرب عوانه بيده على فخذي وقال لي: حفظك الله يا أبا عبد الرحمن فإنك تحفظ غريب الحديث وحسنه. وعامة أخبار المدائني عن أبي الحكم عوانة. ويروى عن اعبد الله بن المعتز عن الحسن عليك العنزي. أن عوانة بن الحكم كان عثمانياً. وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 يضع الأخبار لبني أمية. عيسى بن شعيب: أبو الفضل الضرير النحوي. توفي في حدود المائتين. روى عن سعيد بن أبي عروبة وأبي حرة واصل وروح بن القاسم. وروى عنه عمر الفلاس ومحمد بن المثنى وعباس بن يزيد البحراني ومحمد بن موسى الحرسي. وآخرون. وصدقه الفلاس. عيسى بن يوسف: بن أحمد تقي الدين العراقي الغرافي بالغين المعجمة والفاء وبينهما راء مشددة. الأعمى. قال أبو شامة كان ضريراً عفيفاً فقهياً شافعياً مدرساً بالمدرسة الأمينية خارج باب الجامع القبلي. وكان يسكن في أحد بيوت منارة الجامع العربية. وكان ابلتى بأخذ مال له من بيته، واتهم به شخصاً كان يقرا عليه، ويطلع معه إلى البيت يقضي حاجته، ويقوده من المدرسة إلى البيت، ومن البيت إلى المدرسة، فأنكر الشخص المتهم ذلك. وتعصب له أقوام عند الوالي ووقع الناس في عرضه، من اتهامه من ليس من أهل التهم. ومن كونه جمع ذلك المال، وهو وحيد غريب. ونسبوه إلى أنه غير صادق فيما ادعاه. فزاد عليه الهم، فشنق نفسه. قال: وقد وقع مثل هذا لجماعة وفعلوا فعله. بلغني، أن جماعة من الفقهاء. امتنعوا من الصلاة عليه. فتقدم شيخنا فخر الدين أبو منصور عبد الرحمن بن عساكر فصلى عليه، فاقتدى به الناس. وذلك في سنة اثنتين وستمائة. ودرس بعده بالأمينية، الجمال المصري وكيل بيت المال. عيسى: طبيب القاهر. كان القاهر يركن إليه ويفضي له بأسراره. ولد سنة إحدى وثمانين ومائتين. توفي ببغداد، وقد كف بصره، سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 حرف الغين غازي القاضي شهاب الدين الحلبي الكاتب. المعروف بابن الواسطي. ولد بحلب، وخدم بديوان الاستيفاء نائباً. ثم خدم كاتب الجيش. وتوجه إلى مصر، وخدم بها في جهات. وعاد إلى حلب مستوفياً في الدولة الظاهرية بيبرس. وصرف وعاد إلى مصر، ورتب بديوان الإنشاء. وكان يكتب خطاً حسناً. رأيت بخطه نسخة المثل السائر في غاية الحسن، ثم ولي نظر الصحبة في الأيام المنصورية. ورافق الأمير بدر الدين بكتوت الأقرعي، سنة اثنتين وثمانين وستمائة. والأقرعي مشد الصحبة وصادرا الناس وعاقباهم، ووصل أذاهما إلى القضاة. ثم إنه تولى نظر حلب في الدولة الناصرية إلى سنة اثنتين وسبعمائة. وصرف. ثم ولي نظر الدواوين بدمشق، ثم صرف. وأعيد إلى حلب وقد ضعف نظره جداً. وتوفي بها سنة اثنتي عشرة وسبعمائة. وكان عنده فضيلة وله تصانيف وشعر. ومن شعره: غياث بن فارس بن مكي. أبو الجود. اللخمي المصري المقرئ. الأستاذ النحوي العروضي الضرير. شيخ الديار المصرية. ولد سنة ثمان عشرة وخمسمائة. وتصدر للإقراء مدة زمانيةً. وسمع كثيراً وروى. وتوفي سنة خمس وستمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 حرف الفاء الفرج بن عمر بن الحسن بن احمد بن عبد الكريم بن زيدان. أبو الفتح الضرير المقرئ الواسطي. قرأ القرآن بواسط على علي بن منصور الشعيري في سنة ست وسبعين وثلاثمائة عن يوسف بن يعقوب عن العليمي وعلي أبي أحمد عمر بن عبد اله بن شوذب المقرئ، وغيرهما. وقرأ القرآن ببغداد على أبي طاهر صالح بن محمد بن المبارك المؤدب صاحب أبي بكر بن مجاهد. وأقرا الناس ببغداد. ولد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاثين وأربعمائة. الفضل بن جعفر بن الفضل بن يونس. أبو علي النخعي. الشاعر المعروف بالبصير. كان من أهل الكوفة وسكن بغداد. وكان قدم من سر من رأى، أول خلافة المعتصم. ومدحه، ومدح جماعةً من قواده، ومدح المتوكل، والفتح بن خاقان. وكان يتشيع تشيعاً فيه بعض الغلو. وله في ذلك أشعار. وكان أعمى. وإنما لقب البصير على العادة في التفاؤل. وقيل: إنما لقب بذلك لأنه كان يجتمع مع إخوانه على النبيذ، فيقوم من صدر المجلس يريد البول، فيتخطى الزجاج وكلما في المجلس من آلة، ويعود إلى مكانه، ولم يؤخذ بيده. وبقي إلى أيام المعتز. وقيل توفي سنة الفتنة. وقيل توفي رحمه الله بعد الصلح. وتغير عقله قبل موته بقليل من سوداء عرضت له، ولم تزل إلى أن مات. وربما ثاب إليه عقله في بعض الأوقات. وفي ذلك يقول: خبا مصباح عقل أبي علي ... وكانت تستضيء به العقول إذا الإنسان مات الفهم منه ... فإن الموت بالباقي كفيل ومن شعره: إن أرم شامخاً من العز أدركه ... بذرع رحب وباع طويل وإذا نابني من الأمر مكر ... وه تلقيته بصبر جميل ما ذممت المقام في بلد يو ... ماً فعاتبته بغير الرحيل الفضل بن الحباب بن محمد بن شعيب بن صخر. أبو خليفة الجمحي. هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 ابن أخت محمد بن سلام الجمحي. كان من رواة الأخبار والأشعار والآداب والأنساب. توفي بالبصرة رحمه الله سنة خمس وثلاثمائة. وروى عن خاله كتبه. وروى عن غيره. ومن شعره: سيبان والكبش حدثاني ... شيخان بالله عالمان قالا إذا كنت فاطمياً ... فاصبر على نكبة الزمان الكبش أبو داود الطيالسي، وشيبان هو ابن فروخ الايلي. وكان قد ولي القضاء بالبصرة. وكان كثير استعمال السجع في كلامه. وكان في البصرة رجل يتحامق ويتشبه به يعرف بأبي الرطل لا يتكلم إلا بالسجع هزلاً، كله. فقدمت هذا الرجل امرأته إلى أبي خليفة، وادعت عليه الزوجية والصداق فاقر لها، بهما. فقال له أبو خليفة: إعطهما مهرها. فقال أبو الرطل: كيف. أعطيها مهرها، ولم تقلع مسحاتي نهرها. فقال له أبو خليفة: فأعطها نصف صداقها. فقال: لا. أو أرفع بساقها، واضعه في طاقها. فأمر به أبو خليفة فصفع. واشترى القاضي أبو خليفة جارية، فوجدها حسنة. فقال: يا جارية، هل من بصاق، أو بزاق، أو بساق؟ العرب تنقل السين صاداً أو زاياً. فتقول أبو الصقر وأبو الزقر، وأبو السقر. فقالت الجارية: الحمد لله الذي ما أماتني حتى رأيت حرى قد صارا بن الأعرابي يقرأ عليه غريب اللغة. وكان أبو خليفة يتشيع. وكان يقرأ عليه سراً ديوان عمران بن حطان، ويبكي في مواضيع منه. فقال المفجع المصري: أبو خليفة مطوي على دخن ... للهاشميين في سر وإعلان مازلت أعرف ما يخفي وأنكره ... حتى اصطفى شعر عمران بن حطان الفضل بن عمار بن فياض. أبو الكرم الشيباني الضرير. ذكره أبو سعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 السمعاني. وقال: شاب له معرفة باللغة والأدب. أظنه من بعض سواد بغداد. رأيته بالمسجد الذي على باب شيخنا أبي الفتح بن البطى وكتبت عنه. وأنشدنا لنفسه: أمن شجن عيناك جادت شؤونها ... نجيعاً وما ضنت بذاك جفونها نأت بنت عوف آبن الخطيم غديةً ... إلى الحلة الرجلاء تحدى ظعونها فإن تك هند حلت الرمث فاالغضا ... فلسنا وإن شط المزار نخونها الفضل بن محمد بن علي بن الفضل. أبو القاسم القصباني بالقاف المفتوحة والصاد المهملة الساكنة والباء الموحدة وبعدها ألف ونون. النحوي البصري. شيخ الحريري صاحب المقامات الحريرية. كان واسع العلم، غزير الفضل، إماما في علم العربية، وإليه كانت الرحلة في زمانه. وكان مقيماً بالبصرة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وأربعين وأربعمائة. وأخذ عنه الخطيب أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي. وله كتاب في النحو. وكتاب حواش على الصحاح. وكتاب الأمالي. وكتاب مختار أشعار العرب. ومن شعره: في الناس من لا يرتجى نفعه ... إلا إذا مس بإضرار كالعود لا يطمع في ريحه ... إلا إذا أحرق بالنار فويك بالفاء المضمومة والواو المفتوحة وبعدها ياء آخر الحروف وكاف. قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيناه مبيضتان لا يبصر بهما شيئاً. فسأله ما أصابه. فقال: وقفت على بيض حية فأصيب بصري. فنفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه فأبصر. فرؤى. وهو ابن ثمانين سنة يدخل الخيط في الإبرة، وأن عينيه لمبيضتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 حرف القاف القاسم بن فيره بكسر الفاء وسكون الياء آخر الحروف وتشديد الراء وضمها وهذا من لغة اللطيني من أعاجم الأندلس. ومعناه الحديد. إبن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني بضم الراء وفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وبعدها نون. الشاطبي المقرئ الضرير أحد الأعلام. ذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعية. سمع من السلفي وغيره. وكان إماماً نبيلاً محققاً ذكياً، واسع المحفوظ كثير الفنون، بارعاً في القراآت وعللها، حافظاً للحديث، كثير العناية به، أستاذاً في العربية، وقصيدتاه في القراآت والرسم تدلان على تبخره. وقد سارت بهما الركبان وخضع لهما فحول الشعراء. وكان زاهداً عابداً قانتاً مهيباً. إستوطن القاهرة وتصدر للأقرباء بالمدرسة الفاضلية، وانتفع به الخلق. وكان يقول عن قصيدته في القراآت: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله عز وجل بها، لأنني نظمتها مخلصاً لله تعالى. ونظم قصيدةً دالية في خمسمائة بيت، من حفظها أحاط علماً بكتاب التمهيد لإبن عبد البر. وكان عالماً بالقرآن قراءةً وتفسيراً، وبالحديث مبرزاً فيه. وكان إذا قرئ عليه البخاري ومسلم والموطأ، يصحح النسخ من حفظه، ويملي النكت على الموطأ في المواضع المحتاج إليها. وكان أوحد عصره في النحو واللغة، عارفاً بالتعبير، حسن، المقاصد مخلصاً فيما يقول ويفعل. قرأ بالروايات على عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أبي العاص النفزي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 المغربي، وأبي الحسن علي بن محمد بن هذيل الأندلسي. وكان لا ينطق إلا بما تدعو الضرورة إليه ولا يجلس للإقراء إلا على طهر في هيئة حسنة وتخشع واستكانة. وكان يعتل العلة الشديدة، فلا يشتكي ولا يتأوه. وإذا سئل عن حاله، فال: العافية! لا يزيد على ذلك. قال السخاوي: قال لي يوماً: جرت بيني وبين الشيطان مخاطبة. فقال: فعلت كذا، فسأهلكك. فقلت: والله! ما أبالي بك. وقال لي يوماً: كنت في طريق وتخلف عني من كان معي وأنا على الدابة وأقبل إثنان، فسبني أحدهما سباً قبيحاً. فأقبلت على الاستعاذة وبقي كذلك ما شاء الله. ثم قال له الآخر: دعه. وفي تلك الحالة لحقني من كان معي، فأخبرته بذلك. فطلب يميناً وشمالاً، فلم يجد أحداً. وكان رحمه الله يعذل أصحابه في السر على أشياء لا يعلمها إلا الله عز وجل. وكان يجلس إليه من لا يعرفه فلا يرتاب به أنه يبصر لذكائه، ولا يظهر منه ما يدل على العمى. ومولده سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. ومات رحمه الله تعالى سنة تسعين وخمسمائة. ودفن في مقبرة الفاضل بسارية مصر. قال ياقوت: بعد أن أضر. ومن شعره: بكى الناس قبلي لا كمثل مصائبي ... بدمع مطيع كالسحاب الصوائب وكنا جميعاً ثم شتت شملنا ... تفرق أهواء عراض المواكب ومن: يلومونني إذ ما وجدت ملائماً ... ومالي مليم حين سمعت الأكارما وقالوا تعلم للعلوم نفاقها ... بسحر نفاق يستنفر العزائما وقال بعضهم يصف الشاطبية: جلا الرعيني علينا ضحىً ... عروسة البكر وياما جلا لو رامها مبتكر غيره ... قالت قوافيها له الكل لا القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. أحد الأعلام. ولد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 في خلافة عثمان رضي الله عنه. وتوفي سنة سبع ومائة. وكان خيراً من أبيه. نشأ بعد قتل أبيه في حجر عمته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وسمع منها ومن ابن عباس وابن عمر ومعاوية وصالح بن خوات وفاطمة بنت قيس. وكان فقيهاً إماماً مجتهداً ورعاً عابداً ثقةً حجة. وأضر بأخرة. قال مالك: كان القاسم من فقهاء هذه الأمة. وكان يقول في سجوده: اللهم اغفر لأبي ذنبه في عثمان رضي الله عنه. وكان هو وزين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما إبني خالة، وكذلك سالم بن عبد الله بن عمر وزين العابدين. وروى للقاسم البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وإبن ماجة. القاسم بن محمد بن القاسم بن محمد بن رشيق. أبو البركات الضرير. المقرئ الشاعر. الملقب بالزنزرة بزائين مفتوحتين بينهما نون ساكنة وبعد الزاي الثانية راء وهاء. من أهل الرصافة. وكان صافي الذهن والقريحة، والإرتجال والبديهة. حدث باليسير عن أبي محمد عبد الله بن محمد الصريفي. وسمع منه أبو البركات بن السقطي. وروى عنه حديثاً واحداً في معجم شيوخه. قتادة بن دعامة أبو الخطاب السدوسي البصري الأعمى المفسر. أحد الأئمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 الأعلام. روى عن عبد الله بن سرجس وابن مالك أنس وابن الطفيل وأبي رافع الصائغ وأبي أيوب المراغي وأبي الشعثاء وزرارة بن أوفى والشعبي وعبد الله بن شقيق ومطرف بن الشخير وسعيد بن المسيب وأبي العالية وصفوان بن محرز ومعاذة العدوية وأبي عثمان النهدي والحسن، وخلق. وكان أحد من يضرب به المثل في حفظه. قال: ما قلت قط لمحدث: أعد علي وما سمعت أذناي شيأً قط، إلا وعاه قلبي. قال: أحمد بن حنبل: قتادة عالم بالتفسير وباختلاف العلماء. ثم وصفه بالفقه والحفظ، وأطنب ذكره. وقال: قلما نجد من يتقدمه. قرئت مرةً عليه صحيفة جابر، فحفظها. قال الشيخ شمس الدين الذهبي: وقد تفوه بشئ من القدر، وقال: كل شيء بقدر، إلا بالمعاصي. وكان رأساً في الغريب والعربية والأنساب. وقد وثقه غير واحد. قال معمر: سألت أبا عمر بن العلاء عن قوله تعالى: وما كنا معذبين. فلم يجيبني. فقلت: أني سمعت قتادة يقول: مطيقين. فقلت له: ما تقول يا أبا عمر؟ قال: حسبك فلولا كلامه في القدر، وقد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا ذكر القدر فامسكوا: لما عدلت به أحداً من دهره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع عشرة ومائة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 حرف الكاف كامل بن الفتح بن ثابت. ظهير الدين الباذراي الضرير. الأديب. أبو تمام له شعر وترسل كتب الطلبة عنه. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وتسعين وخمسمائة. ونزل في باب الأزج من بغداد، وصاهر بني رهويه الكتاب. وسمع من أبي الفتح علي بن رهويه، وقيل إنه كان يدخل على الناصر ويحاضره ويخلو معه وإنه علمه علم الأوائل. وهون عليه الشرائع، والله أعلم. قال ياقوت: كان متهماً في دينه. وأورد له من شعره: وفي الأوانس من بغداد آنسة ... لها من القلب ما تهوى وتختار ساومتها نفثةً من ريقها بدمي ... وليس إلا خفى الطرف سمسار عند العذول اعتراضات ولائمة ... وعند قلبي جوابات وأعذار كعب بن مالك بن عمر بن القين بن كعب بن سواد بن غنم. ينتهي إلى الخزرج. الأنصاري السلمى أبو عبد الله، وقيل أبو عبد الرحمن. أمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة من بني سلمة. شهد العقبة، واختلف في شهوده بدراً. آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين طلحة بن عبيد الله، حين آخى بين المهاجرين والأنصار. وكان أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يردون الأذى عنه. وكان مجوداً مطبوعاً، قد غلب عليه في الجاهلية أمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الشعر وعرف به. وأسلم، وشهد أحداً والمشاهد كلها، حاشا تبوك. فإنه تخلف عنها. وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا، والثاني هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، تخلفوا عن غزوة تبوك. وتاب الله عليهم، وعذرهم وغفر لهم. ولبس يوم أحد لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت صفراء، ولبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته. فجرح كعب أحد عشر جرحاً. وتوفي رضي الله عنه سنة خمس، وقيل سنة ثلاث وخمسين. وهو ابن سبع وسبعين سنة. وكان قد عمي آخر عمره، يعد من المدنيين. وكان شعراء المسلمين: حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك. وكان كعب يخوفهم الحرب، وعبد الله يعيرهم بالكفر، وحسان يقبل على الأنساب. وأسلمت دوس فرقا من قول كعب رضي الله عنه: قضينا من تهامة كل وتر ... وخيبر ثم أغمدنا السيوفا نخيرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا فقالت دوس: إنطلقوا فخذوا لأنفسكم، لا ينزل بكم ما نزل بثقيف. وشعراء المشركين عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبعري، وأبو سفيان بن الحارث، وضرار بن الخطاب. وقال كعب: يا رسول الله! ماذا ترى في الشعر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترى الله عز وجل نسى لك قولك: زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... فليغلبن مغالب الغلاب وروى عن كعب جماعة من التابعين. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 حرف الميم مالك بن ربيعة بن البدن بن عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج إبن ساعدة. أبو أسيد الساعدي. قال إبن إسحاق. ذكر جده، بالياء والنون. وكذلك قال يونس بن بكير. وقال غيرهما: بالياء مكان النون، فصحف، وهو مشهور بكنيته. شهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومات بالمدينة سنة ستين للهجرة. وقيل سنة ثلاثين. ذكر ذلك الواقدي وخليفة. وهذا إختلاف متباين جداً: ومات رضي الله عنه وهو ابن خمس وسبعين سنة. وقيل ابن ثمان وسبعين. وقد ذهب بصره. وهو آخر من مات من البدريين. هذا على قول من قال إنه مات سنة ستين، وهو قول المدائني وقول ابن سعد. المبارك بن المبارك بن سعيد. أبو بكر وجيه الدين ابن الدهان الواسكي قدم بغداد مع أبيه. قال ياقوت: وهو شيخي. عليه تخرجت وعليه قرأت، وقرأ هو بواسط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 على أبي سعد نصر بن محمد بن مسلم المؤدب وغيره. وأدرك ابن الخشاب ببغداد. وأخذ عنه ولازم الكمال ابن الأنباري، وهو أشهر شيوخه، وسمع منه تصانيفه. وسمع الحديث من طاهر المقدسي. وتولى تدريس النحو بالنظامية، سنين. وتخرج عليه جماعة. منهم حسن بن الباقلاني الحلى، والموفق عبد اللطيف البغدادي، والمنتجب سالم بن أبي الصقر العروضي. وكان قليل الحظمن التلامذة: يتخرجون عليه ولا ينتسبون إليه. ولم يكن فيه عيب إلا أنه كان فيه كيس ولين فإذا جلس للدرس، قطع أكثر أوقاته بالأخبار والحكايات وإنشاد الأشعار، حتى يسأم الطالب منه وينصرف وهو ضجر، وينقم ذلك عليه. وكان إبن الدهان المذكور، يعرف بالتركي والفارسي والرومي والحبشي والزنجي. وكان إذا قرأ عليه عجمي، واستغلق عليه المعنى بالعربي، فهمه إياه بالعجمية. وكان حسن التعليم، طويل الروح، كثير الإحتمال للتلامذة. مولده سنة إثنتين وخمسمائة. وتوفي رحمه الله تعالى في شعبان سنة اثنتي عشرة وستمائة. ودفن بالوردية. وكان لا يغضب أبداً، ولم يره أحد حردان. فخاطر إنسان على إغضابه وجاء إليه وتعنته في مسألة وشتمه وسبه، فلم يغضب. وقال: قد فهمت مقصودك. وكان أولا حنبلياً ثم صار حنفيا. فلما درس النحو بالنظامية، صار شافعيا. فقال فيه المؤيد أبو البركات محمد بن أبي الفرج التكريتي، وهو تلميذه: ألا مبلغ عني الوجيه رسالة ... وإن كان لا تجدى لديه الرسائل تمذهبت للنعمان بعد إبن حنبل ... وذلك لما أعوزتك المآكل وما اخترت دين الشافعي تدينا ... ولكنما تهوى الذي هو حاصل وعما قليل أنت لاشك صائر ... إلى ما ذلك فافطن لما أنا ناقل ومن شعر وجيه الدين ابن الدهان: أرفع الصوت إن مررت بدار ... أنت فيها إذ ما إليك وصول وأحيي من ليس عندي باهل ... أن يحى كي تسمعى ما أقول محمد بن إبراهيم بن عمران القفصي. الكفيف. أصله من دانية، وبها تأدب. ذكره إبن رشيق فقال: شاعر متقدم، علامة بغريب اللغة، قادر على التطويل. يصنع القصيدة تبلغ المائة وأكثر في ليلتها، ويحفظها فلا يشذ عنه منها شيء. ويسرد أكثر مسائل العين للخليل بن أحمد. ومن شعره: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 ومن غير الأيام أني شاعر ... أديب بسربال الخمول مسربل أروم على إكداء حالي تجملاً ... وأحسن من مضغ الحديد التجمل ومنه: سقاك بلخط مقلته مداما ... وهز الغصن من خنث قواما وظل الصبح يخطر في رداه ... وقد خط العذار به ظلاما كأن تموج الأصداغ منه ... عقارب مسكة تشكو الضراما مجمجمة بها الواوات تعلو ... على قرطاسها لاماً فلاما بعينيه من المنصور سيف ... يقد بشفرتيه طلىً وهاما محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر. الإمام العالم. قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله الكناني، الحموي الشافعي. ولد بحماة سنة تسع وثلاثين وستمائة. وتوفي رحمه الله سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة في حمادى الأولى بمصر. سمع سنة خمسين من شيخ الشيوخ الأنصاري، وبمصر من المرضي بن البرهان والرشيد العطار وإسماعيل بن عزون وعدة. وبدمشق من إبن أبي يسر وابن عبد وطائفة. وأحاز له عمر بن البراذعي والرشيد بن مسلمة وطائفة. وحدث بالشاطبية عن إبن عبد الوارث صاحب الشاطبي. وسمعتها أنا عليه، مع جماعة بمنزله بمصر مجاوراً لجامع الناصري. وأجاز لي في سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وحدث بالكثير، وتفرد في وقته. وكان قوي المشاركة في علوم الحديث والفقه والأصول والتفسير، خطيباً تام الشكل، ذا تعبد وأوراد. وحج. وله تصانيف. درس وأفتى واشتغل. نقل إلى خطابة القدس ثم طلبه الوزير شمس الدين بن السلعوس، فولاه قضاء مصر ورفع شأنه. ثم حضر إلى الشام قاضيا. وولى خطابة الجامع الأموي مع القضاء. ثم طلب لقضاء مصر بعد الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد. وامتدت أيامه إلى أن شاخ وكبر وأضر وثقل سمعه. فعزل بقاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني سنة سبع وعشرين وسبعمائة. وكثرت أمواله. وباشر آخراً بلا معلوم على القضاء. ولما رجع السلطان الملك الناصر من الكرك سنة تسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وسبعمائة، صرفه وولى جمال الدين الزرعي فاستمر نحو السنة. ثم أعيد قاضي القضاة بدر الدين، وولى المناصب الكبار. وكان يخطب من إنشائه. وصنف في علوم الحديث وفي الأحكام. وله رسالة في الإضطرلاب. ومن شعره ما أنشدنيه لنفسه إجازة: يا لهف نفسي لو تدوم خطابتي ... بالجامع الأقصى وجامع جلق ماكان أهنأ عيشنا وألذه ... فيها وذاك طراز عمري لو بقي الدين فيه سالم من هفوة ... والرزق فوق كفاية المسترزق والناس كلهم صديق صاحب ... داع وطالب دعوة بترقق وأنشدني له إجازة: لما تمكن من فؤادي حبه ... عاتبت قلبي في هواه ولمته فرثى له طرفي وقال أنا الذي ... قد كنت في شراك الردى أوقعته عاينت حسناً باهراً فاقتادني ... سراً إليه عند ما أبصرته محمد بن أحمد أمير المؤمنين القاهر بالله العباسي. أبو منصور بن أمير المؤمنين المعتضد بالله أبي العباس. بويع بالخلافة سنة عشرين وثلاثمائة عند قتل المقتدر. وخلع القاهر في جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة، وسملت عيناه فسالتا وحبسوه مدةً. ثم أهملوه وأطلقوه فمات رحمه الله تعالى في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وكان، ربعة أسمر أصهب الشعر، طويل الأنف. وأمه أم ولد تسمى قبول، لم تدرك خلافته. ووزر له أبو علي ابن مقلة وهو بشيراز، وخلفه محمد بن عبيد الله بن محمد الكلوذاني، ثم أحمد بن الخصيب. وكان حاجبه بليق، ثم سلامة الطولوني. ونقش خاتمة: القاهر بالله المنتقم من أعداء الله لدين الله. ولما بويع له يوم الخميس لليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين وثلاثمائة، كان ذلك بمشورة مؤنس المظفر، قال: هذا رجل قد سمى مرةً للخلافة، فهو أولى بها، ممن لم يسم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 وكأنما سعى مؤنس في حتف نفسه، لأنه أول من قتله القاهر. وكان سن القاهر يوم بويع ثلاثا وثلاثين سنة، وكانت خلافته سنة وستة أشهر وثمانية أيام، ولما توفي رحمه الله ببغداد دفن في دار محمد بن طاهر. وكان يسعى بين الصفوف في الجمع، ويقول: أيها الناس! تصدقوا على من كان يتصدق عليكم، تصدقوا على من كان خليفتكم. ولما ولى الراضي أوقع القاهر في همه، بما يلقيه من فلتات لسانه، أن له بالقصر دفائن عظيمة من الأموال والجواهر. فأحضره وقال: ألا تدلني على دفائنك؟ قال: نعم. بعد تمنع يسير. وقال: احفروا المكان الفلاني والمكان الفلاني. وجعل يتتبع الأماكن التي كان عمرها أحسن عمارة واصطفاها لنفسه حتى خربها كلها، ولم يجدوا شيأً. فقال: لأني كنت عملتها لأتمتع بها فحرمتموني إياها وأذهبتم نور عيني، فلا أقل من أن أحرمكم التمتع بما عملته لي. محمد بن أحمد : بن محمد بن أحمد. أبو جعفر السمناني، قاضي الموصل وشيخ الحنفية سكن بغداد، وحدث عن المرجي، والدارقطني. قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً حنفياً فاضلاً، يعتقد مذهب الأشعري، وله تصانيف. ذكره ابن حزم فقال: السمناني المكفوف، قاضي الموصل، من أكبر أصحاب الباقلاني، مقدم الأشعرية في وقته. ثم أخذ في التشنيع عليه. وتوفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة. محمد بن أحمد بن محمد بن حاضر. أبو عبد الله الضرير. المقرئ الشاعر، الأنباري. قدم بغداد وسكن باب البصرة. وكان موصوفاً بالصلاح والديانة. قال ابن النجار: وله قصيدة في السنة سماها الموضحة، سمعها منه محمد بن علي بن اللتي، ورواها عنه أبو علي الحسن ابن إسحاق بن موهوب الجواليقي. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وسبعين وخمسمائة. ومن شعره يمدح الوزير عون الدين ابن هبيرة: لك الجود والعدل الذي طبق الأرضا ... وبلج أياد بعضها يشبه البعضا ورأى له ألحاظ بأس كأنها ... سيوف على الأعداء لكنها اقضى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 محمد بن أحمد بن هبة الله بن تغلب. الفزاري. أبو عبد الله. الضرير النحوي. كان يعرف بالبهجة، من أعمال نهر الملك. قدم بغداد في صباه وقرأ القرآن والنحو وسمع الكثير. وقرأ الأدب على أبي عبد الله أحمد بن الخشاب وصحبه مدة. وسمع من ابن الشهرزوري وأبي الحصين وأبي الفضل بن ناصر وجماعة. وكان عالماً بالنحو والقراآت. انقطع في بيته وقصده الناس للقراءة. وكان كيساً نظيف الهيئة وقوراً. توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وستمائة. محمد بن أحمد أمير المؤمنين أبو نصر الظاهر بالله بن الإمام الناصر بن المستضيء. بايع له أبوه ثم خلعه، فلما توفي أخوه بايع له ثانياً. واستخلف عند موت والده. وكانت وفاته سنة ثلاث وعشرين وستمائة. فكانت خلافته تسعة أشهر ونصفاً. وروى عن والده بالإجازة. وقال ابن الأثير: لما ولى الظاهر بالله أظهر من العدل والإحسان ما أعاد به سيرة العمرين فإنه لو قيل: ما ولى الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز مثله، لكان القائل صادقاً. فإنه أعاد من الأموال المغصوبة والاملاك المأخوذة، في أيام أبيه وقبلها، شيئاً كثيراً، وأطلق المكوس في البلاد جميعها، وأمر بإعادة الخراج القديم في جميع العراق وإسقاط جميع ما جدده أبوه، وأخرج المحبوسين، وأرسل إلى القاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 عشرة آلاف دينار، ليوفيها عمن أعسر. وقيل له: هذا الذي تخرجه من الأموال ما تسمح نفس ببعضه. فقال: أنا فتحت الدكان بعد العصر، فاتركوني أفعل الخير. وفرق في العلماء والصلحاء، مائة ألف دينار. انتهى. وعمر رباط الأخلاطية. ورباط الحريم. ومشهد عبد الله. وتربة عون ومعين. وتربة والدته. والمدرسة إلى جانبها. والرباط الذي يقابلها، كان دار والدته. ومسجد سوق السلطان. ورباط المرزبانية. ودور المضيف في جميع المحال. ودار ضيافة الحاج. وغرم على هذه الأماكن أموالاً جليلةً. ونقل إليها الكتب النفيسة بالخطوط المنسوبة، والمصاحف الشريفة. وزر له عبد الله بن يونس وابن حديدة وابن القصاب، ثم يحيى بن زيادة، ثم القمي. وفتح خوزستان وتستر وتشتمل على أربعين قلعة وهمذان وإصبهان وحمل إليه خراجها وتكريت ودقوقا والحديثة. وكان جميل الصورة، ابيض مشرباً حمرة حلو الشمائل، شديد القوى. وحديثه مع الجاموس بحضرة والده مشهور. ولد في المحرم سبعين وخمسمائة، وخطب له والده بولاية العهد على المنابر سنة خمس وثمانين، وعزله سنة إحدى وستمائة. وألزمه أن أشهد على نفسه بخلعه. ثم أعيدت له ولاية العهد سنة ثمان عشرة وستمائة. ولما توفي والده الناصر سنة اثنتين وعشرين وستمائة، بويع بالخلافة، ولد من العمر اثنان وخمسون سنة إلا شهوراً. وصلى عليه بالتاج، وعمل العزاء ثلاثة أيام. ولما خلعه أبوه الناصر، اسقط ذكره من الخطبة على المنبر في سائر الآفاق، فسقطت، إلا خوارزم شاه. قال قد صح عندي توليته ولم يثبت عندي موجب عزله. وجعل ذلك حجة لطروق العراق بالعساكر ليرد خطبته. وحبس الناصر ولده الظاهر في دار مبيضة الأرجاء، ليس فيها لون غير البياض. وكان حراسه يفتشون اللحم، خوفاً من أين يكون فيه شيء أخضر ينعش به نور بصره، فضعف بصره وكاد يذهب جملة، إلى أن تخيل ابن الناقد الذي صار وزيراً بعد ذلك فدخل عليه، ومعه سراويل اخضر وارى أنه يحتاج إلى المستراح، فدخل وترك السروال في المستراح. وفطن الظاهر لذلك. فدخل على أثره فوجده فلبسه. ولم يزل يتعلل به إلى أن تراجع ضوء بصره. رحمه الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 محمد بن أحمد بن بصخان بفتح الباء الموحدة وسكون الصاد المهملة وخاء معجمة وبعد الألف نون. ابن عين الدولة، الإمام شيخ القراء. بدر الدين. أبو عبد الله ابن السراج الدمشقي، المقرئ النحوي. ولد سنة ثمان وستين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى في خامس ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة بدمشق. كان حسن الشيبة منورها، حسن البزة والعمة، طيب النغمة، جيد الأداء. اشتهر عنه أنه لا يأكل إلا اللحم مصلوقاً والحلواء السكرية، لا غير. ولم يأكل المشمش. وكان يدخل الحمام وعلى رأسه قبع لباد غليظ. فإذا تغسل، رفعه وإذا بطل قلب لاماء أعاده، فأورثه ذلك ضعف البصر وانقطع لعدم قوة البصر مدة. وكان: له قعدد في جلوسه ومشيته لا يلتفت ولا يتنخم ولا يبصق إذا كان جالساً للإقراء، دخل يوماً هو والشيخ نجم الدين القفخازي في درب العجم، وبه ظروف زيت فعثر في أحدها. فقال الشيخ نجم الدين: تعسنا في ظرف المكان. فقال له الشيخ بدر الدين: لأنك تمشي بلا تمييز. فقال: إن ذا حال نحس. وسمع الكثير بعد الثمانين من أبي إسحاق اللمتوني، والعز ابن الفراء، والإمام عز الدين الفاروئي، وطائفة. وعني بالقراآت سنة تسعين وبعدها. فقرأ للحرميين وأبي عمرو علي رضي الدين ابن دبوقا، ولابن عامر علي جمال الدين الفاضلي. ولم يكمل عليه ختمة الجمع. ثم كمل على الدمياطي وبرهان الدين الإسكندري. وتلا لعاصم ختمة على الخطيب شرف الدين الفزاري، ولازمه مدة وقرأ عليه شرح القصيدة لأبي شامة. قال: الشيخ شمس الدين الذهبي وترددنا جميعاً إلى الشيخ الجد نبحث عليه في القصيد. ثم حج غير مرة. وانجفل عام سبعمائة إلى مصر وجلس في حانوت تاجراً. أقبل على العربية فأحكم كثيراً منها. وقدم دمشق بعد ستة أعوام، وتصدى لإقراء القراآت والنحو. وقصده الطلبة وظهرت فضائله وبهرت معارفه وبعد صيته. ثم إنه أقرا لأبي عمر بإدغام الحمير لتركبوها وبابه ورآه سائغاً في العربية، والتزم إخراجه من القصيد وصمم على ذلك مع اعترافه بأنه لم يقل له، وقال أنا قد أذن لي بالإقراء بما في القصيد وهذا يخرج منها فقام عليه شيخنا المجد وابن الزملكاني وغيرهما. فطلبه قاضي القضاة نجم الدين ابن صصري، بحضورهم وراجعوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 وباحثوه. فلم ينته. فمنعه الحاكم من الإقراء بذلك، وأمره بموافقة الجمهور. فتألم وامتنع من الإقراء بالجامع. وجلس للإفادة، وازدحم عليه المقرئون وأخذوا عنه، وأقرأ العربية. وله ملك يقوم بمصالحه، ولم يتناول من الجهات درهماً ولا طلب جهةً مع كمال أهليته. قال: وذهنه متوسط لا باس به. ثم ولى بلا طلب مشيخة التربة الصالحية، بعد مجد الدين التونسي، بحكم أنه أقرا من دمشق في زمانه. قلت: وأجاز لي رحمه الله تعالى جميع ما صنفه ونظمه وسمعه. وكتب لي خطه بذلك، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. وأنشدني رضي الله عنه لنفسه إجازةً: كلما اخترت أن ترى يوسف الحسن ... فخذ في يمينك المرآة وانظرن في صفائها تبصرنه ... وارحمن من لاجل ذا الحسن باتا لا يذوق الرقاد شوقاً إليه ... قلق القلب لا يطيق ثباتا وأنشدني له أجازةً أيضاً، في مليح دخل الحمام مع عمه، فلما جعل السدر على وجهه قلب الماء عليه شخص اسود، كان هناك: وبروحي ظبي على وجهه السدر ... وقد أغمض الجفون لذلك قائلاً عند ذاك حين أتاه ... يسكب الما عليه اسود حالك من ترى ذا الذي يصب أعمى ... قلت بل ذا الذي يصب كخالك قلت: وقد حقق الشيخ بدر الدين رحمه الله تعالى ما قيل عن شعر النحاة من الثقالة. على أنني ما أعتقد أن أحداً أرضى لنفسه أن ينظم هكذا. والذي أظنه به رحمه الله تعالى أنه تعمد هذا التركيب القلق. إلا فما في طباع أحد يعاني النظم هذا التعسف، ولا هذه الركة. ولكن المعاني جيدة، كما تراها. محمد بن أحمد: بن عثمان بن قايماز. الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ شمس الدين، أبو عبد الله الذهبي. حافظ لا يجارى، ولافظ لا يبارى. أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله. وعرف تراجم الناس، وأزال الإيهام في تواريخهم والإلباس. مع ذهن يتوقد ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وإنتماؤه. جمع الكثير ونفع الجم الغفير، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف. وقف الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني على تاريخه الكبير، المسمى تاريخ الإسلام، جزأ بعد جزأ، إلى أن أنهاه مطالعة، وقال: هذا كتاب علم. اجتمعت به وأخذت عنه وقرأت عليه كثيراً من تصانيفه. ولم أجد عنده جمود المحدثين، ولا كوذنة النقلة. بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة من السلف، وأرباب المقالات. أعجبني ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثاً يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن أو ظلام إسناد أو طعن في رواة. وهذا لم أر غيره يعاني هذه الفائدة فيما يورده. وتوفي رحمه الله تعالى ليلة الإثنين ثالث ذي العقدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة. ودفن في مقابر باب الصغير. أخبرني العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي السبكي الشافعي، قال: عدته ليلة مات. فقلت له: كيف تجدك؟ فقال: في السياق. وكان قد أضر رحمه الله تعالى، قبل موته بأربع سنين أو أكثر، بماء نزل في عينيه. فكان يتأذى ويغضب، إذا قيل له: لو قدحت هذا الرجع إليك بصرك. ويقول: ليس هذا بماء، وأنا أعرف بنفسي. لأنني ما زال بصري ينقص قليلاً قليلاً إلى أن تكامل عدمه. وأخبرني عن مولده فقال: في ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وستمائة. وارتحل وسمع بدمشق، وبعلبك، وحمص، وحماه، وحلب، وطرابلس، ونابلس، والرملة، وبلبيس، والقاهرى، والاسكندرية، والحجاز، والقدس، وغير ذلك. ومن تصانيفه: تاريخ الإسلام. وقد قرأت منه عليه المغازي، والسيرة النبوية، إلى آخر ايام الحسن رضي الله عنه، وجميع الحوادث إلى آخر سنة سبعمائة. والثلاثين البلدية. ومن تكلم فيه وهو موثق وقد كتبتهما بخطى وقرأتهما عليه. وتاريخ النبلاء. والدول الإسلامية. وطبقات القراء وسماه القراء الكبار على الطبقات والأعصار. تناولته منه وأجازني روايته عنه وكتبت عليه: عليك بهذه الطبقات فاصعد ... إليها بالثنا إن كنت راق تجدها سبعة من بعد عشر ... كنظم الدر في حسن اتفاق تجلى عنك ظلمة كل جهل ... به أضحى مقالك في وثاق فنور الشمس أحسن ما تراه ... إذا ما لاح في السبع الطباق وطبقات الحفاظ، مجلدان. وميزان الإعتدال في الرجال، في ثلاثة أسفار. كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 المشتبه في الأسماء والأنساب، مجلد. نبأ الدجال، مجلد. تذهيب التهذيب، اختصار تهذيب الكمال للشيخ جمال الدين المزي. واختصار كتاب الأطراف، أيضاً للمزي. والكاشف، اختصار التذهيب. اختصار السنن الكبير للبيهقي. تنقيح أحاديث التعليق لإبن الجوزي. المستحلى في اختصار المحلى. المقتنى في الكنى. المغنى في الضعفاء. العبر في خبر من غبر، مجلدان. إختصار تاريخ نيسابور، مجلد. إختصار المستدرك للحاكم. إختصار تاريخ إبن عساكر، في عشرة أسفار. إختصار تاريخ الخطيب، مجلدان. الكبائر، جزآن. تحريم الأدبار، جزآن. أخبار السد. أحاديث مختصر إبن الحاجب. توقيف أهل التوفيق على مناقب الصديق. نعم السمر في سيرة عمر. التبيان في مناقب عثمان. فتح المطالب في أخبار علي بن أبي طالب وقرأته عليه من أوله إلى آخره. معجم أشياخه، وهم ألف وثلاثمائة شيخ. إختصار كتاب الجهاد، لبهاء الدين بن عساكر. ما بعد الموت، مجلد. إختصار كتاب القدر للبيهقي، ثلاثة أزاء. هالة البدر في عدد أهل البدر. إختصار تقويم البلدان لصاحب حماة. نفض الجعبة في أخبار شعبة. قض نهارك بأخبار إبن المبارك. أخبار أبي مسلم الخراساني. وله في تراجم الأعيان لكل واحد مصنف قائم الذات مثل الأئمة الأربع، ومن جرى مجراهم. لكنه أدخل الكل في تاريخ النبلاء. وقد أجازني رحمه الله تعالى رواية جميع ما يجوز له تسميعه. وأنشدني لنفسه مضمنا: إذا ماقرأ الحديث على شخص ... وأخلى موضعاً لوفاة مثلي فما جازى بإحسان لأني ... أريد حياته ويريد قتلي وأنشدني لنفسه من لفظه أيضاً: لو أن سفيان على حفظه ... في بعض همي نسى الماضي نفسي وعرسي ثم ضرسي سعوا ... في غربتي والشيخ والقاضي وأنشد أيضاً لنفسه من لفظه: العلم قال الله قال رسوله ... إن صح والإجماع فأجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالةً ... بين الرسول وبين رأي فقيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 وقلت أنا أرثيه لما توقي رحمه الله تعالى: لما قضى شيخنا وعالمنا ... ومات فن التاريخ والنسب قلت عجيب وحق ذا عجباً ... كيف تعدى البلى إلى الذهب وقلت فيه أيضاً: الشمس الدين غبت وكل شخص ... تغيب وغاب عنا نور فضلك وكم ورخت أنت وفاة شخص ... وما ورخت قط وفاة مثلك محمد بن أحمد: بن عبد الرحيم، الموقت بالجامع الأموي. هو الإمام المدقق شمس الدين أبو عبد الله المزي. قرأ على الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأكفاني. وكان الشيخ شمس الدين ابن الأكفاني يثني على ذهنه كثيراً. وكان يحفظ الشاطبية، وينقل القراآت، وعلى ذهنه بعض عربية. وبرع في وضع الاسطرلاب والأرباع، ولم نر أحسن من أوضاعه ولا اظرف. يباع اسطرلابه في حياته بمائتي درهم واكثر. وأرباعه تباع بخمسين درهماً وأكثر. وتهافت الناس عليها في حياته. ولعلها فيما بعد تبلغ أكثر من ذلك. وبرع في دهن القسي. وقول الناس قوس: عمل المزي، يريدون به دهان هذا شمس الدين. وتباع قوسه دائماً زائداً عن قوس غيره. ومن ملازمته للشمس، نزل في عينيه ماء. ثم إنه قدح عينيه ورأى بالواحدة يسيراً. وكان أولاً يوقت بالربوة، ثم إنه انتقل إلى الجامع. وكان يعرف أشياء من حيل بني موسى ويصنعها. وله رسائل في الاسطرلاب، وله رسالة سماها كشف الريب في العمل بالجيب، وكان ينظم. توفي رحمه الله تعالى في أوائل سنة خمسين وسبعمائة، وهو من أبناء الستين. محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الضرير. أبو عبد الله الهواري المربي عرف بابن جابر. قدم إلى دمشق وسمع بها على أشياخ عصره. وتوجه من دمشق إلى حلب في أخريات سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. اجتمعت به مرات وسألته عن مولده، فقال: سنة ثمان وتسعين وستمائة بالمرية. وقرا القرآن والنحو على أبي الحسن علي بن محمد ابن أبي العيش، والفقه لمالك رضي الله عنه على أبي عبد الله محمد بن سعيد الرندي. وسمع علي أبي عبد الله محمد الزواوي صحيح البخاري، غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 كامل. وينظم الشعر جيداً. وأنشدني منه كثيراً. وهو الآن حي يرزق بناحية البيرة. كتب إلي يستجيزني: إن البراعة لفظ أنت معناه ... وكل شيء بديع أنت مغناه إنشاد نظمك أشهى عند سامعه ... من نظم غيرك لو إسحاق غناه تحجب الشعر عن قوم وقد جهدوا ... وعند ما جئته أبدى محياه أتيت منه بمثل الروض مبتسماً ... فلو تكلم زهر الروض حياه حجرت بعداً ابن حجر أن يحوز فتىً ... محاسن الشعر إلا كنت إياه وهل خليل إذا عدت محاسنه ... إلا حبيب إذا عدت مزاياه إذا المعري رامت ذكره بلد ... قلناها الصفدي اليوم أنساه إعلام كل بديع راق سامعه ... أعلام فخر تلقتهن كفاه ما لذة السمع إلا من فوائده ... ولا لفض ختام العلم إلا هو يا مشبه البحر فيما حاز من درر ... لكن وردك عذب إن وردناه حليت أسماعنا بالدر منك وما ... كمال ذلك إلا أن رويناه تلك الذخائر أولى ما نسير بها ... للغرب مغربةً فيما سمعناه كذا الكواكب شرق الأرض مطلعها ... وكلها أبداً للغرب مسراه إن ابن جابر إن تسأله معرفةً ... محمد عند من نادى فسماه لما عمرت مجال السمع منه بما ... لو جال في سمع ملحود لأحياه وافاكم مستجيزاً والإجازة من ... أمثالك اليوم أحرى ما سألناه فألفظ كجيزاً لنا ما صغت من كلم ... ينازع الروض مرآه ورياه نظم ونثر يهز السامعين له ... لو صيغ للدر حلي كان إياه إجازةً شملت ما قد رويت وما ... ألفت يا نخبةً فيمن رأيناه فعش لنظم المعاني في مواضعها ... ودم لوارف عز طاب مجناه فكتبت له إجازةً، صدرتها بقولي: يا فاضلاً كرمت فينا سجاياه ... وخصنا باللآلئ في هداياه خصصتني بقريض شف جوهره ... لما تألق منه نور معناه من كل بيت مبانيه مشيدة ... كم من خبايا معان في زواياه إذا أديرت قوافيه وقد ثمل ... النديم أغنته عن راح تعاطاه وغير مستنكر من أهل أندلس ... لطف إذا هب من روض عرفناه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 هم فوارس ميدان البلاغة في ... يوم الفصاحة إن خطوا وإن فاهوا إيه تفضلت بالنظم البديع فما ... أعلاه عندي من عقد وأغلاه أقسمت لو سمعته أذن ذي حزن ... في الدهر ألزمه البشرى وألهاه أشرت فيه بأمر ما أقابله ... لا بطاعة عبد خاف مولاه ولست أهلاً لأن تروى فضائح ما ... عندي لأني من التقصير أخشاه وليس إلا الذي ترضاه فارو عن ال ... مملوك ما رحت تهواه وترضاه محمد بن أحمد بن معضاد الضرير الصرصري البغدادي الحنبلي. كان من الأضراء الملازمين لمسجد ابن حمدي بالريحانيين، وهو معدود في القراء والمحدثين. كان عالماً فاضلاً خيراً ديناً. حدثنا عنه بعض شيوخنا بسنن الدارقطني. وأجاز لجماعة. وتوفي رحمه الله تعالى بكرة الخميس الحادي عشر من شهر ربيع الأول سنة ست وثمانين وستمائة. ودفن بمقبرة الإمام أحمد رضي الله عنه. محمد بن البقاء بن الحسن بن صالح بن يوسف. أبو الحسن. الضرير البرسفي بالباء ثانية الحروف وراء بعدها سين مهملة وفاء، قرية من طريق خراسان من سواد بغداد بالجانب الشرقي. سمع أبا القاسم علي بن عبد السيد بن الصباغ، وأبا الوقت السجزي، ومحمد ابن ناصر. وسمع منه جماعة. وكان شيخاً صالحاً ثقةً. ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة. وتوفي سنة خمس وستمائة. محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق. الأسدي الحلبي الصفار. الشيخ الصالح المعمر المسند أمين الدين، نزيل دمشق. ولد سنة خمس وعشرين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة عشرين وسبعمائة. وسمع لما حج مع إخوته، من صفية القرشية. ومن شعيب الزعفراني بمكة. ومن يوسف الساوي وابن الجميزي بمصر. ومن ابن خليل بحلب. وأجاز له أبو إسحاق الكاشغري، وطائفة. وتفرد وأضر وانحطم وعجز وأبطل الحانوت. وكان ساكناً خيراً عامياً، وله دنيا، وفيه بر. وما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 تزوج قط، ولا احتلم. ثم إنه قدح بعد ما أضر فأبصر. محمد بن جابر اليمامي الضرير الحنفي السحيمي. روى له أبو داود وابن ماجه. وضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وسبعين ومائة. محمد بن حازم: أبو معاوية الضرير. مولى بني عمرو بن سعد بن زيد مناة. التميمي. من الطبقة السابعة من أهل الكوفة. ولد سنة ثلاث وعشرة ومائة. وتوفي سنة أربع وتسعين ومائة. وعمي وله أربع سنين. جرى له مع هرون الرشيد حديث؟ منه: قال هرون: لا يثبت أحد خلافة علي بن أبي طالب إلا قتلته. فقال: ولم يا أمير المؤمنين؟ قالت تيم: منا خليفة. وقالت عدي: منا خليفة. وقالت بنو أمية: منا خليفة. فأين حظكم يا بني هاشم من الخلافة؟ لولا علي. فقال صدقت. لا ينفي أحد علياً من الخلافة إلا قتلته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 وقدم بغداد، وحدث عن الاعمش. وكان أثبت أصحابه، لأنه لازمه عشرين سنةً. وروى عن هشام بن عروة وليث بن أبي سليم. وروى عنه أحمد ابن معين والحسن بن عرفة وآخرون. وكان يحفظ القرآن. وهو ثقة. قال ابن سعد: كان يدلس. وكان مرجئاً ولم يشهد وكيع جنازته. وهذا أبو معاوية غير أبي معاوية الأسود. لان ذاك اسمه اليمان. نزل طوس وصحب سفيان الثوري وإبراهيم بن أدهم والفضيل. وكان عظيم الزهد والورع، اسود اللون، من موالي بني أمية. محمد بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن النبلوية، أبو الفضائل المعيني الريوندي الفجكشي بالفاء والجيم والكاف والشين المعجمة. نسبةً إلى قرية بربع الريوند من أرباع نواحي نيسابور. كان ضريراً أديباً فاضلاً عارفاً باللغة والأدب. يقرأ الناس عليه. سمع أبا الفتيان عمر بن عبد الكريم الرواس. كتب عنه أبو سعد وأبو القاسم ابن عساكر. ولد بفجكش. وتوفي رحمه الله تعالى بنيسابور، في شوال سنة سبع وثلاثين وخمسمائة. محمد بن خلصة أبو عبد الله. النحوي الشذولي بالشين والذال المعجمتين. كان كفيفا ً نحوياً من كبار النحاة والشعراء. أخذ عن ابن سيده. وبرع في النحو واللغة. وشعره مدون. توفي سنة سبعين وأربعمائة أو ما قبلها. ورأيت ابن الأبار قد ذكر في تحفة القادم ابن خلصة النحوي الشاعر في أول كتابه لكنه محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن فتح بن قاسم بن سليمان وبن سويد. وقال: هو من أهل بلنسية وأقرا وقتاً بدانية. وذكر وفاته في سنين مختلفة وصحح سنة إحدى وعشرين وخمسمائة. ولعله غير هذا، لبعد ما بين الوفاتين. والأول نقلته من خط الشيخ شمس الدين الذهبي. وقد طول ياقوت. في معجم الأدباء في إبراد ما أورده من ترسله وشعره، وأورد له من مراسلات كتبها إلى وزراء الموصل ونقيبها. والحميدي قال: آخر عهدي به بدانية، ويحتمل أن يكون ورد إلى الشام. ومن شعره: يغرهم بك والآمال كاذبة ... ما جمعوا لك من خيل ومن خول وما يصمم عظماً كل ذي شطب ... ولا يقوم بخصل كل ذي خصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 مكنت حزمك من حيزوم مكرهم ... وقد تصاد أسود الغيل بالغيل ومنه: ملك لو استبقت الأيام باقيةً ... ممن أبادته أو جادت بمعتقب طوى الجناح على كسر به حسداً ... كسرى وعاد أبا كرب أبو كرب ومنه: بنفسي وقلت ظعنهم مستقلةً ... وللقلب إثر الواخدات بهم وخد يحف سنا الأقمار فيهم سنا الظبي ... وشهد اللمى الماذي ماذية حصد فمن غرب ثغر دونه غرب مرهف ... ومن ورد خد دونه أسد ورد محمد بن زكريا الرازي الطبيب الفيلسوف. كان في صباه مغنياً بالعود، فلما التحى، قال: كل غناء يخرج بين شارب ولحية، ما يطرب. فأعرض عن ذلك وأقبل على دراسة كتب الطب والفلسفة. فقرأها قراءة متعقب على مؤلفيها. فبلغ من معرفتها الغاية واعتقد صحيحها، وعلل سقيمها. وصنف في الطب كتباً كثيرة. فمن ذلك الحاوي، يدخل في مقدار ثلاثين مجلدةً. والجامع. وكتاب الأعصاب، وهو أيضاً كبير. والمنصوري المختصر، جمع فيه بين العلم والعمل، يحتاج إليه كل أحد. صنفه لأبي صالح منصور بن نوح أحد ملوك السامانية. وغير ذلك. ومن كلامه: إذا كان الطبيب عالماً، والمريض مطيعاً، فما أقل لبث العلة. ومنه: عالج في أول العلة بما لا تسقط به القوة. ولم يزل رئيس هذا الفن. واشتغل به على كبر، قيل إنه اشتغل فيه بعد الأربعين. وطال عمره. وعمي في آخر عمره. وأخذ الطب عن الحكيم أبي الحسن علي بن زيد الطبري صاحب التصانيف التي منها: فردوس الحكمة. وكان مسيحياً ثم أسلم. وقيل إن سبب عماه، أنه صنف للملك منصور المذكور كتاباً في الكيمياء فأعجبه ووصله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 بألف دينار، وقال: أريد أن تخرج ما ذكرت من القوة إلى الفعل. فقال: إن ذكل يحتاج إلى مؤن وآلات، وعقاقير صحيحة، وإحكام صنعة. فقال: الملك كلما تريده أحضره إليك، وأمدك به. فلما كع عن مباشرة ذلك وعمله، قال له الملك: ما اعتقدت أن حكيماً يرضى بتخليد الكذب في كتب ينسبها إلى الحكمة، يشغل بها قلوب الناس ويتعبهم فيما لا فائدة فيه والألف دينار لك صلة، ولا بد من عقوبتك على تخليد الكذب في الكتب. ثم أمر أن يضرب بالكتاب الذي وضعه على رأسه، إلى أن يتقطع. فكان ذلك الضرب سبب نزول الماء في عينيه. وتوفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. قال ابن أبي أصيبعه في تاريخ الأطباء: قال عبد الله بن جبريل إن الرازي عمر إلى أن عاصر الوزير بن العميد. وهو الذي كان سبب إظهار كتاب الحاوي بعد وفاته بأن بذل لأخته مالاً حتى أظهرت المسودات له. فجمع تلاميذه الأطباء بالري حتى رتبوا الكتاب. فخرج الكتاب على ما هو عليه من الاضطراب انتهى. وكنت أنا قد وقفت على بيتين من شعره، وهما: لعمري ما أدري وقد آذن البلى ... بعاجل ترحالي إلى أين ترحالي وأين محل الروح بعد خروجه ... من الهيكل المنحل والجسد البالي وكان وقوفي عليهما بدمشق في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، فقلت راداً عليه في وزنه ورويه. إلى جنة المأوى إذا كنت خيراً ... تخلد فيها ناعم الجسم والبال وإن كنت شريراً ولم تلق رحمةً ... من الله فالنيران أنت لها صال محمد بن سالم: بن نصر الله بن سالم بن واصل. القاضي جمال الدين. قاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 حماه الشافعي الحموي. أحد الأئمة الأعلام. ولد بحماه ثاني شوال سنة أربع وستمائة وعمر دهراً طويلاً. وتوفي سنة سبع وتسعين وستمائة. وبرع في العلوم الشرعية والعقلية، والأخبار، وأيام الناس. وصنف ودرس، وأفتى، واشتغل. وبعد صيته واشتهر اسمه. وكان من أذكياء العالم. ولي القضاء مدةً طويلةً. وحدث عن الحافظ زكي الدين البرزالي بدمشق وبحماه. وتخرج به جماعة. وما زال حريصاً على الإشغال، وغلب عليه الفكر إلى أن صار يذهل عن احوال نفسه وعمن يجالسه. ولما مات رحمه الله تعالى يوم الجمعة رابع عشري شوال من السنة المذكورة، دفن بتربته بعقبة يبرين عن أربع وتسعين سنة. وصنف في الهيئة. وله تاريخ. واختصر الأغاني. وملكت باختصاره نسخةً عظيمةً إلى الغاية في ثلاث مجلدات، وخطه عليها بعد ما أضر، وهي كتابة من قد عمي. رحمه الله! وله مختصر الأربعين. وشرح الموجز للأفضل الخونجي. وشرح الجمل له. وهداية الألباب في المنطق. وشرح قصيدة ابن الحاجب في العروض والقوافي. والبارع الصالحي. ومختصر الأدوية لابن البيطار. وقيل إنه جهزه بعض ملوك مصر أظنه الصالح إلى الانبرور ملك الفرنج في الرسلية. فتلقاه وعظمه واحضر له الأرفل يوماً، وضرب به قدامه. وأراد بذلك ليستخفه. فيقال إنه ما تحرك ولا اهتز وتثبت، وما أظهر لهم خفةً لذلك ولا طرباً، إلا أنه لما قام وجدوا تحته نقط دم. يقال إنه بقي يحك كعبيه في الأرض إلى أن أدماها. فعظم أمره عند لأنبرور. ثم قال له: يا قاضي! أنا ما عندي ما أسألك عنه: لا فقه ولا عربية. وسأله ثلاثين سؤالاً، من علم المناظر. فبات تلك الليلة، وصبحه بالواب عنها. فصلب الأنبرور على وجهه. وقال: هكذا يكون قسيس المسلمين! لأن القاضي لم يكن معه كتب في تلك السفرة، وإنما أجابه عن ظهر قلب. وله أيضاً كتاب مفرج الكروب في دولة بني أيوب. وغير ذلك. وقيل: إنه كان يشغل في حلقته في ثلاثين علماً. وحضر حلقته نجم الدين ديبران الكاتبي المنطقي، وأورد عليه أشكالاً في المنطق. وحكى لي عنه الإمام البارع شمس الدين إبن الأكفاني غرائب عن حفظه وذكائه. وحكى لي الحكيم السديد الدمياطي اليهودي، قال: جاء ليلةً إلى عند الشيخ علاء الدين بن النفيس في بعض سفراته إلى القاهرة ونام عنده تلك الليلة. فصلى العشاء الأخيرة. وانفتح بينهما باب البحث، فلم يزالا إلى إلى أن طلع الضوء، والشيخ علاء الدين يبحث معه من غير انزعاج، والقاضي جمال الدين إبن واصل يحتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 في البحث ويحمار وجهه. فلما طلع الضوء إلتفت إلى الشيخ علاء الدين، وقال له: يا شيخ علاء الدين! نحن عندنا نكت ومسائل وأطراف. وأما خزائن علم هكذا فما عندنا. وحكى لي العلامة أثير الدين أبو حيان، قال: قدم علينا القاهرة مع المظفر، فسمعت منه، وأجاز لي جميع رواياته ومصنفاته، وذلك بالكبش من القاهرة يوم الخميس التاسع والعشرين من المحرم سنة تسعين وستمائة. وهو من بقايا من رأيناه من أهل العلم الذين ختمت بهم المائة السابعة. وأنشدنا لنفسه، مما كتب به لصاحب حماة الملك المنصور ناصر الدين محمد بن المظفر: يا سيداً مازال نجم سعده ... في فلك العلياء يعلو إلا نجما إحسانك الغمر ربيع دائم ... فلم يرى في صفر محرما محمد بن سعدان: الضرير النحوي المقرئ. توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين ومائتين. وكنيته أبو جعفر. وكان أحد القراء. له كتاب في النحو. وكتاب كبير في القراآت. وروى عن عبد الله بن إدريس وأبي معاوية الضرير وجماعة. وروى عنه محمد بن سعد. كاتب الواقدي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهما. محمد بن سعيد: بن غالب البغدادي الضرير. كان ثقة. قال إبن أبي حاتم: صدوق. روى عنه ابن ماجة في تفسيره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وستين ومائتين. محمد بن سعيد: أبو بكر. البلخي الضرير. من شعره: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 نأى عني لقاءكم الرقاد ... وحالفني التذكر والسهاد علام صددت ياتفديك نفسي ... ولج بك التجنب والبعاد ولو لم أحى نفسي بالأماني ... وبالتعليل لا نصدع الفؤاد محمد بن سواء: بن غبر. أبو الخطاب السدوسي البصري، المكفوف. كان ثقة نبيلا. روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وثمانين ومائة. محمد بن شبل: بن عبد الله المقرئ الضرير. أبو عبد الله الدممي. الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد الورع التقي الناسك، له الروايات العالية الصحيحة الجمة. منها: صحيح البخارى والدارمى. وتوفي رحمه الله تعالى في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة. قال الشيخ تقي الدين الدقوقي محدث بغداد. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن شبل بن عبد الله الدممي الضرير المقرئ بجميع صحيح البخاري، قراءة مني عليه، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي بكر إبن عبد الله بن روز به القلانسي، قال: أخبرنا أبو الوقت السجزي. محمد بن شرشيق: بشينين معجمتين الأولى مكسورة وبينهما راء ساكنة وبعد الشين الثانية ياء آخر الحروف ساكنة وقاف. ابن محمد بن عبد العزيز بن عبد القادر بن صالح ابن جنكي دوست بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحصن بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. الشيخ الإمام العارف الكامل شمس الدين أبو الكرم بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الشيخ الإمام القدوة حسام الدين أبي الفضل بن الشيخ الإمام القدوة جمال الدين أبي عبد الله بن الشيخ الإمام علم الزهاد شمس الدين أبي المعالي بن الشيخ الإمام قطب العارفين محي الدين أبي محمد الجيلي الحسنى الحنبلي المعروف بشيخ الحيال بالحاء المهملة وياء أخر الحروف وألف بعدها لام، وهي بلدة من أعمال سنجار. ولد ليلة الجمعة منتصف شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى يوم الجمعة ثاني ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة. ودفن بالحيال في تربتهم عند قبر أبيه وجده. وأضر قبل موته بنحو من ستة سنين. ولم يخلف بعده مثله. حفظ القرآن العظيم في صباه. وتفقه للإمام أحمد. وسمع الحديث، وهو كبير، من جماعة. منهم: الإمام فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخارى بدمشق، وأبو العباس أحمد بن محمد بن النصيبي بحلب، والإمام عفيف الدين أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن الزجاج بمكة، والإمام عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع المصري البصري بالمدينة الشريفة. ورحل. وحدث ببغداد ودمشق والحيال وغيرها من البلاد. وروى عنه جماعة منهم أولاده المشايخ حسام الدين عبد العزيز، وبدر الدين الحسن، وعز الدين الحسين، وظهير الدين أحمد، ومحدث العراق تقي الدين أبو البناء محمود بن علي بن محمود الدقوقي الحنبلي، والشيخ الإمام زين العابدين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن شيخ العوينة الموصلي الشافعي، والإمام بدر الدين محمد ابن الخطيب الإربلي الشافعي، وخلق. وبيته بيت رئاسة وحشمة وسؤدد ومروءة، والخير والإحسان معروف بهم. لم تمس يده منذ عاش إلى أن توفي ذهباً ولافضة. وجوده مشهور معروف. وكانت له في النفوس هيبةً، وعليه وقار وحرمة. وله كشف وأحوال وقيام بعلم وعمل وزهد وتقوى. حسن الشكل مليح الخلق والخلق. وله وجاهة عند الملوك، وهولا يكترث بهم. وللناس فيه إعتقاد ومحبة شديدة، لمكارمه وأصالته وديانته. ولم يزل بيته إلى آخر وقت يناصحون الإسلام ويكاتبون صاحب مصر ونوابه بالشام. ولما كنت بالرحبة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، أهديت إليه قماشاً اسكندرياً، فأهدى إلى أشياء من طرائف سنجار. ولم تزل رسله تتردد إلي وأخدمهم. رحمه الله تعالى! محمد بن عبد الحميد: أبو جعفر الفرغاني العسكري الضرير. سكن اللؤلؤة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 وهي قلعة قرب طرطوس غزاها المأمون. وكان أبو جعفر المذكور يلقب زريق. حدث عن جماعة وافرة. ومات سنة سبع عشرة وثلاثمائة رحمه الله تعالى. محمد بن عبد الرحمن: بن عبيد الله بن يحيى بن يونس. الطائي، الداراني القطان المعروف بإبن الخلال الدمشقي. حدث عن خيثمة. كان ثقة نبيلا. مضى على سداد وأمر جميل. وقد كف بصره سنة خمس عشرة، وقيل ست عشرة وأربعمائة. محمد بن عبد الرحيم: بن الطيب القيسي، الأندلسي، الضرير، العلامة المقرئ. أبو القاسم ولد سنة ثلاثين وستمائة، أو نحوها. وتلا بالسبع على جماعة وسكن سبتة. أراده الأمير العزفي أن يقرأ في رمضان السيرة، فبقي يدرس كل يوم ميعاداً ويورده. فحفظها في الشهر. وكان طيب الصوت، صاحب فنون. يروى عن أبي عبد الله الأزدى أخذ عنه أئمة. وتوفي سنة إحدى وسبعمائة. محمد بن عبد العزيز: وقيل محمد بن محمد بن عبد العزيز بن عبد الصمد بن رستم الأسعردى، أبو بكر نور الدين الشاعر. ولد سنة تسع عشرة وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وخمسين وستمائة. كان من كبار شعراء الملك الناصر، وله به إختصاص. وله ديوان شعر مشهور. وغلب عليه المجون. وأفرد هزلياته، وسمى ذلك: سلافة الزرجون في الخلاعة والمجون، وضم إليه أشياء من نظم غيره. وكان شابا خليعاً جلس تحت الساعات. واصطفاه الناصر. وأحضره مجلس شرابه فخلع عليه ليلة قباءً وعمامة بطرف مذهب. فأتى بهما من الغد وجلس تحت الساعات مع الشهود. وحضر ليلة عند الناصر مجلس أنس وكان فيه شرف الدين ابن الشيرجى، وكان ألحى. فقام ابن الشيرجى قضى شغله وعاد. فأشار إليه بصفع النور الأسعردي، فصفعه. فلما فعل ذلك نزلت دقنه على كتف النور لما انحنى لصفعه. فأمسكها النور بيده، وأنشد في الحال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 قد صفعنا في ذا المحل الشريف ... وهو إن كنت ترتضي تشريفي فارث للعبد من مصيف صفاع ... يا ربيع الندى وإلا خرى في وأضر النور الأسعردي المذكور قبل موته. ومن شعره، مضمناً قول الشريف الرضي: قلت إذ نام من أحب وأبدي ... ضرطةً آذنت لشملي بجمع فإنني أن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أرى الديار بسمعي ومنه يضمن قول المتنبي: سباني معسول المراشف عاسل!! ... معاطف مصقول السوالف مائد يروم على أردافهالخصر مسعداً ... إذا عظم المطلوب قل المساعد ومنه: سمحت بيعا لمملوك يعاندني ... ولو أراد رضائي ماتعداني قالوا أينسب للعلان قلت لهم ... ما كنت بايعه لو كان علاني ومنه: كم رام أي ... جرح ج..ر معذبي ... بالطعن فيه عند جد مراسه حتى تجرح رأسه فأعجب له ... طلع الذي في قلبه في رأسه ومنه: قلت للزين هل تثبت للبع ... ث وتنفي إنكارهم للحشر قال أثبت قلت دقنك في آس ... ى قال أنفي فقلت في وسط ج ... ى ومنه: لما ثنى جيده للسكر مضطجعاً ... وهناً ولولا شفيع الراح لم ينم د ... ت ليلا عليه بعد هجعته ... سكراً فقل في دبيب النور في الظلم ومنه: رآه في النوم فانتبه وهو يحفظه: د ... ت على الخطيب قبيل نوم ... فقال أصبر إلى وقت الدبيب فلما نام قمت إليه سراً ... فقل في من يطيب على الخطيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 ومنه: وريم جلالي خمرةً مزةً جلت ... همومي وقد عاينت في خده سطرا وربونه الشقراء ناعمة غدت ... ويا حسنها من برزة ليتها عذراء جمع فيها أسماء سبعة من ضواحي دمشق وهي: المزة وسطراو والربوة والشقراء والناعمة وبرزة وعذرا. ومنه: لحية طال شعرها وعلتها ... صفرة ليتها تكون لهيبا لولوى شعرها إلى أنفه اله ... ائل عاينت منه جنكا عجيبا ومنه " يلغز في الطست والإبريق " وذات بطن فارغ ... تحمل فيه إبنها حتى إذا فارق في ال ... يوم مراراً بطنها يصب فيها ماؤه ... بآلة كأنها ومنه في غلام يحرث: ياحارثاً تروي مقامات الهوى ... عن طرفه الفتاك غير مأولة أضحى يشق لحود من قتل الهوى ... في حبة ليست خطوطا مهملة روحي الفداء لبدر ثم سائق ... للثور ليس يروم غير السنبلة ومنه يلغز في عثمان: ياسائلي عمن هويت وحسنة ... ذو شهرة في الناس وهو يصان خوف الوشاة أجبت عنه ملغزاً ... هو ثالث من سبعة وثمان ومنه ومليح شكا من الخط ضعفاً ... بمعانيه تضرب الأمثال قلت إن رمت جودة الخط فاكتب ... بمثال فقال مالي مثال وأنشدني الشيخ شمس الدين الذهبي وغيره. قالوا أنشدنا الشيخ شمس الدين محمد ابن عبد العزيز الدمياطي. قال أنشدنا النور الأسعردي لنفسه: ولقد بليت بشادن إن لمته ... في قبح ما يأتيه ليس بنافع متبذل في خسة وجهالة ... ومجاعة كشهود باب الجامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 محمد بن عبد الله: بن رزين. الشاعر المشهور، الملقب بأبي الشيص. وهو ابن عم دعبل الخزاعي. توفي سنة مائتين أو قبلها. قال ابن الجوزي: في سنة ست وتسعين ومائة. وقد كف بصره قال أبو الشيص. وهو مشهور عنه: وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذةً ... حباً لذكرك فليلمني اللوم أشبهت أعدائي فصرت أحبهم ... إذ كان حظى منك حظى منهم وأهنتني فأهنت نفسي عامداً ... ما من يهون عليك ممن يكرم قوله: أجد الملامة. البيت، أخذه بعض المغاربة فقال: هددت بالسلطان فيك وإنما ... أخشى صدودك لا من السلطان أجد اللذاذة في الملام فلو درى ... أخذ الرشا مني الذي يلحاني وخالفه أبو الطيب، فقال: أأحبه وأحب فيه ملامة ... إن الملامة فيه من أعدائه ولأبي الشيص أيضاً: لا تنكري صدىً ولا إعراضي ... ليس المقل عن الزمان براض شيئان لا تصبو النساء إليهما ... حلى المشيب وحلة الإنفاض حسر المشيب عذاره عن رأسه ... فرمينه بالصد والإعراض ولربما جعلت محاسن وجهه ... لجفونها غرضاً من الأغراض محمد بن عبد الله: الضرير المروزي. أبو الخير. كان فقيهاً فاضلاً أديباً لغوياً. تفقه على القفال وبرع في الفقه. وإشتهر بالأدب النحو واللغة وصنف فيها. وتوفي سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة. قال السمعاني في كتاب مرو: كان من أصحاب الرأي فصار من أصحاب الحديث لصحبة الإمام أبي بكر القفالئ. سمع الحديث منه، ومن أبي نصر إسمعيل بن محمد بن محمود المحمودي. وروى عنه أبو منصور محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 عبد الجبار السمعاني. ومن شعره: تنافى العقل والمال ... فما بينهما شكل هما كالورد والنر ... جس لا يحويهما فصل فعقل حيث لا مال ... ومال حيث لاعقل محمد بن عبد الله: الناجحون الضرير. قال ابن رشيق: هو من أبناء قفصة. خرج منها صغيرا. كان يسرد جميع ديوان أبي نواس، ويقرأ القرآن برواياته. ولم يكن له صبر على النبيذ. وكان يعلم الصبيان. رأيته في المكتب يوماً طافحاً، وهو يقول للصبيان: يا فراخ المزابل ... ونتاج الأراذل إقرأوا لا قرأتم ... غير سحر وباطل روح الله منكم ... عاجلا غير آجل أطعم طعاماً فمات منه مبطوناً بالحضرة. سنة أربع عشرة وأربعمائة. مشرفا على الستين. وأتهم به جماعة ممن كان هجاهم. محمد بن عبيد الله: بن عبد الله. أبو الفتح. سبط التعاويذي، المبارك بن المبارك. وكان أبو الفتح المذكور من الشعراء المشهورين. وديوانه مشهور، يدخل في مجلدين. أضر آخر عمره. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وثمانين وخمسمائة. ومولده سنة تسع عشرة وخمسمائة. وإنما نسب إلى التعاويذي لأنه نشأ في حجر التعاويذي المذكور وكفله صغيراً. قال ابن خلنكان: ولم يكن في وقته مثله، ولم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه، ولا يؤاخذني من يقف على هذا الفصل، فإن ذلك يختلف بميل الطباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 قلت كان شاعراً منطبقاً، سهل الألفاظ، عذب الكلام، منسجم التركيب، ولم يكن غواصاً على المعاني. ولم يورد له ابن خلنكان رحمه الله تعالى على إطنابه في وصفه شيئاً من قصائده الطنانة. وكان شيخنا الإمام القاضي شهاب الدين محمود رحمه الله تعالى لا يفارق ديوانه، ويعجبه طريقه، ويقتفي أسلوبه. وكان ابن التعاويذي كاتبا بديوان المقاطعات وعمي آخر عمره سنة تسع وستعين. وله في عماه أشعار كثيرة أوردت منها جملة في صدر هذا الكتاب. وجمع ديوانه بنفسه ورتبه أربعة فصول ثم ألحقه بعد ذلك زيادات. وصنف كتابا سماه الحجبة والحجاب، يدخل في مقدار خمسة عشر كراساً وهو قليل الوجود. وقال العماد الكاتب: إنه كان بالعراق صاحبه فلما انتقل العماد إلى الشام وخدم نور الدين وصلاح الدين كتب إليه يطلب منه فروة برسالة ذكرها ابن خلنكان في وفيات الأعيان. وقد تقدمت أشعاره في مصيبته بعينيه في ديباجة الكتاب. ومن شعره: سقاك سار من الوسمى هتان ... ولا وقت للغوادي فيك أجفان يا دار لهوي وأطرابي ومعهد أت ... رابي وللهو أوطار وأوطان أعائد لي ماض من جديد هوىً ... أبليته وشباب فيك فينان إذ الرقيب لنا عين مساعدة ... والكاشحون لنا في الحب أعوان وإذ جميلة توليني الجميل وعن ... د الغانيات وراء الحسن إحسان ولى إلى البان من رمل الحمى طرب ... فاليوم لا الرمل يصبيني ولا البان وما عسى يدرك المشتاق من وطر ... إذا بكى الربع والأحباب قد بانوا كانوا معاني المغاني والمنازل أم ... وات إذا لم يكن فيهن سكان لله كم قمرت لبى بجودك أق ... مار وكم غازلتني فيك غزلان وليلة بات يجلو الراح من يده ... فيها أغن خفيف الروح جذلان خال من الهم في خلخاله حرج ... فقلبه فارغ والقلب ملآن يذكى الجوى بارد من ريقه شبم ... ويوقظ الطرف طرف منه وسنان إن يمس ريان من ماء الشباب فلي ... قلب إلى ريقه المعسول ظمآن بين السيوف وعينيه مشاركة ... من أجلها قيل للأغماد أجفان فكيف أصحو غراما أو أفيق جوىً ... وقده ثمل الأعطاف نشوان أفديه من غادر للعهد غادرني ... صدوده ودموعي فيه غدران الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 في خده وثناياه ومقلته ... وفي عذاريه للعشاق بستان شقائق وأقاح نبته خضل ... ونرجس أنا منه الدهر سكران منه: إن كان دينك في الصبابة ديني ... فقف المطي برملتي يبريني والثم ثرىً لو شارفت بي هضبة ... أيدي الركاب لثمته بجفوني وأنشد فؤادي في الظبا معرضا ... فبغير غزلان الصريم جنوني ونشيدتي بين الخيام وإنما ... غالطت عنها بالظباء العين لولا العدى لم أكن عن ألحاظها ... وقدودها بجوازئ وغصون من كل تائهة على أترابها ... بالحسن غانية عن التحسين خود ترى قمر السماء إذا بدت ... ما بين سالفة لها وجبين غادين ما لمعت بروق ثغورهم ... إلا آستهلت بالدموع شؤوني إن تنكروا نفس الصبا فلأنها ... مرت بزفرة قلبي المحزون وإذا الركائب في القطار تلفتت ... فحنينها لتلفتي وحنين ياسلم إن ضاعت عهودي عندكم ... فأنا الذي أستودعت غير أمين أو عدت مغبونا فما أنا في الهوى ... لكم بأول عاشق مغبون رفقاً فقد عسف الفراق بمطلق!! ... العبرات في أسر الغرام رهين مالي ووصل الغانيات أرومه ... ولقد بخلن علي بالماعون وعلام أشكو والدماء مطاحة ... بلحاظهن إذا لوين ديوني ومن البلية أن تكون مطالبي ... جدوى بخيل أو وفاء خؤون ومنه، قصيدة طويلة كتبها إلى القاضي الفاضل: مرت بنا في ليلة النفر ... تجمع بين الإثم والأجر أدماء غراء هضيم الحشا ... واضحة اللبات والنحر مرت تهادى بين أترابها ... كالبدر بين الأنجم الزهر مال بها سكر الهوى والصبا ... ميل الصبا بالغصن النضر تفر من ساكل وجدى بها ... دنوها في ساعة النفر لم أحظ منها بسوى نظرة ... خلستها من جانب الخدر أومت بتسليم وجاراتها ... يروينا بالنظر الشزر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 يابردها تسليمة قلبت ... قلب أخي الشوق على الجمر منها: ذنبي إلى الأيام حريتي ... ولم تزل إلباً على الحر مالي أرى الناس وحالي على ... خلاف أحوالهم تجرى كأنني لست من الناس في ... شئ ولا دهرهم دهري ومالإ نسانيتي شاهد ... شئ سوى أني في خسر وهي قصيدة طويلة جيدة كلها. قال الشيخ تقي الدين إبن دقيق العيد: لو مدحت بهذه القصيدة، أجزت عليها بألف دينار. ومن شعره: يا واثقاً من عمره بشبيبة ... علقت يداك بأضعف الأسباب ضيعت ما يجدى عليك بقاؤه ... وحفظت ماهو مؤذن بذهاب المال يضبط في يديك حسابه ... والعمر تنفقه بغير حساب ومنه: وعلو السن قد ... كسر بالشيب نشاطي كيف سموه علواً ... وهو أخذ في إنحطاط ومنه: أأحرم دولتكم بعدما ... ركبت الأماني وأنضيتها ومالي ذنب سوى أنني ... رجوتكم فتمنيتها ومنه: جبة طال عمرها فغدت تص ... لح أن يسمع الحديث عليها كلما قلت فرج الله منها ... أحوجت خسة الزمان إليها ومنه: فمن شبه العمر كأساً يق ... ر قذاه ويرسب في أسفله فإني رأيت القذى طافياً ... على صفحة الكأس من أوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 ومنه. يهجو الوزير إبن البلدي: يارب أشكو إليك ضراً ... أنت على كشفه قدير أليس صرنا إلى زمان ... فيه أبو جعفر وزير ومنه: ولقد مدحتكم على جهل بكم ... وظننت فيكم للصنيعة موضعا ورجعت بعد الأختبار أذمكم ... فأضعت في الحالين عمري أجمعا ومنه: أسفت وقد نضت عني الليالي ... جديداً من شباب مستعار وكان يقيم عذرى في ومان ال ... صبا لون الشبيبة في عذارى ولم أكره بياض الشيب إلا ... لأن العيب يظهر في النهار ومنه: إذا اجتمعت في مجلس الشرب سبعة ... فبادر فما التأخير عنه صواب شواء وشمام وشهد وشادن ... وشمع وشاد مطرب وشراب محمد بن عبد الملك: بن عيسى بن درباس. القاضي كمال الدين. أبو حامد ابن قاضي القضاة صدر الدين الماراني المصري الشافعي الضرير. أجاز له. وروى عنه. الدواداري، وابن الظاهري، وغيرهما. ودرس بالمدرسة السيفية مدة. وأفتى. وأشغل. وقال الشعر. وجالس الملوك. وتوفي رحمه الله سنة تسع وخمسين وستمائة. محمد بن عثمان: أبو القاسم. الإسكافي الخوارزمي النوباغي. الأديب الضرير. توفي رحمه الله تعالى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، عن خمس وثمانين سنة. كان من أعيان فضلاء خوارزم. وهو فقيه أديب شاعر مترسل. وكان آخر عمره يعظ الناس ويذكرهم. ومن شعره: ونار كالعقيقة في احمرار ... وفي حافاتها مسك وند أمام الشيخ مولانا المرجي ... إمام ماله في الفضل ند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 محمد بن عدنان: بن حسن. الشيخ الإمام العالم العابد الشريف السيد يحيى الدين العلوي الحسيني الدمشقي الشيعي المعتزلي شيخ الإمامية. ولد سنة تسع وعشرين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة ولى مرى نظر السبع وولي ابناه زين الدين حسين، وأمين الدين جعفر، نقابة الأشراف فماتا، واحتسبهما عبد الله تعالى. أخبرني غير واحد أنه لما مات كل منهما. كان يسجى ولده قدامه وهو قاعد يتلو القرآن لم تنزل دمعة عليه وكان كل منهما رئيس دمشق. وولي النقابة في حياته ابن ابنه شرف الدين عدنان بن جعفر. وكان محيي الدين ذا تعبد زائد وتلاوة وتأله وانقطاع بالمرة. واضر مدةً قبل موته. وكان يترضى عن عثمان رضي الله عنه ويتلو القرآن ليلاً ونهاراً ويتظاهر بالاعتزال، ينتصر له، ويبحث عليه. محمد بن علي: بن علوان. الشيخ شمس الدين المزي عابر الرؤيا. كان ضريراً كثير التلاوة. وكان إليه المنتهى في تفسير المنامات. يضرب به المثل في وقته. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمانين وستمائة. محمد بن عيسى: بن سورة بن موسى. السلمي الحافظ. أبو عيسى الترمذي الضرير مصنف الكتاب الجامع. ولد سنة بضع ومائتين. وتوفي رحمه الله تعالى ثالث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 عشر شهر رجب الفرد سنة تسع وسبعين ومائتين. وسمع قتيبة بن سعيد، وأبا مصعب الزهري، وإبراهيم ابن عبد الله الهروي، وإسماعيل بن موسى السدي، وصالح بن عبد الله الترمذي، وعبد الله ابن معاوية، وحميد بن مسعدة، وسويد بن مطر المروزي، وعلي بن حجر السعدي، ومحمد بن حميد الرازي، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وأبا كريب محمد بن العلاء، ومحمد بن أبي معشر السدي، ومحمود بن غيلان، وهناد بن السري، وخلقاً كثيراً. وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله البخاري. وروى عنه حماد بن شاكر، ومكحول بن الفضل، وآخرون. وذكره ابن حبان في الثقاة. وقال: كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر. محمد بن عيسى: الفقيه الحنفي أبو عبد الله. بن أبي موسى الضرير. ولي القضاء زمن المتيق والمستكفي. وكان ثقة مشهوراً بالفقه والتصون. لا مطعن عليه. قتله اللصوص رحمه الله تعالى. في شهر ربيع الأول سنة وأربع وثلاثين وثلاثمائة. محمد بن القاسم: بن خلاد بن ياسر اليمامي. الهاشمي. مولى المنصور البصري الأخباري أبو العيناء. ولد سنة إحدى وتسعين ومائة. وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وكان قبل العمى أحول، قال: ياقوت قرأت في تاريخ دمشق، قرأت على زاهر بن طاهر عن أبي بكر البيهقي. حدثنا أبو عبد الله الحافظ، قال. سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الأموي. يقول سمعت اسمعيل بن محمد النحوي. يقول سمعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 أبا العيناء. يقول: أنا والجاحظ. وضعنا حديث فدك وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه. إلا ابن شيبة العلوي. قال: لا يشبه آخر هذا الحديث أوله. فأبى أن يقبله. وكان أبو العيناء يحدث بهذا بعدما كان. وكان جد أبي العيناء الأكبر، لقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأساء المخاطبة بينه وبينه. فدعا عليه بالعمة له وتولد من بعده. فكل من عمي من ولد أبي العيناء فهو صحيح النسب فيهم، وقال المبرد: إنما صار أبو العيناء أعمى بعد أن نيف على الأربعين وخرج من البصرة واعتلت عيناه. فرمى فيهما بما رمى. والدليل على ذلك قول أبي علي البصير فيه: قد كنت خفت يد الزما ... ن عليك إذ ذهب البصر لم أدر أنك بالعمى ... تغني ويفتقر البشر وقال أحمد بن أبي داود لأبي العيناء: ما اشد؟ ما أصابك في ذهاب بصرك. قال ابدأ بالسلام، وكنت. أحب أن أكون أنا المبتدئ. وأحدث من لا يقبل على حديثي. ولو رايته لم اقبل عليه، فقال له ابن أبي داود: أما من بداك بالسلام. فقد كافأته بجميل نيتك له. ومت أعرض عن حديثك. إنما أكسب نفسه من سوء الأدب، أكثر مما نالك من سوء الاستماع. فأنشد أبو العيناء: إن يأخذ الله من عيني نورهما ... ففي لساني وسمعي منهما نور قلب ذكي وعقل غير خطل ... وفي فمي صارم كالسيف ماثور وقال الخطيب: مولد أبي العيناء بالأهواز. ومنشاؤة بالبصرة. وبها كتب الحديث، وطلب الأدب. وسمع من أبي عبيدة، والأصمعي، وأبي عاصم النبيل، وأبي زيد الأنصاري، وغيرهم. وكان من أحفظ الناس، وأفصحهم لساناً، وأسرعهم جواباً، وأحضرهم نادرة. وانتقل من البصرة إلى بغداد، وكتب عنه أهلها، ولم يسند من الحديث إلا القليل. والغالب على رواياته الأخبار والحكايات. وقال الدارقطني: ليس بالقوي في الحديث. وقال جحظة: أنشدنا أبو العيناء لنفسه: حمدت إلهي إذ بلاني بحبها ... على حول يغني عن النظر الشزر نظرت إليها والرقيب يظنني ... نظرت إليه فاسترحت من الغدر وقال محمد بن خلف بن المرزبان: قال لي أبو العيناء. أتعرف في شعراء المحدثين. رشيد الرياحي، قال: فقلت لا. قال بل هو القائل في: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 نسب لابن قاسم ما تراث ... فهو لخير صاحب وقرين أحول العين والخلائق زين ... لا احولال بها ولا تلوين ليس لمرء شائناً حول العين ... إذا كان فعله لا يشين فقلت له، وكنت قبل العمى. أحول؟ من السقم إلى البلى، فقال: هذا أظرف خبر تعرج به الملائكة إلى السماء اليوم. وقال: أيما أصلح؟ من السقم إلى البلى. أو حال العجوز. لا وأخذها الله! من القيادة إلى الزنا. وحمله بعض الوزارء على دابة. فانتظر علفها فلما ابطأ عليه، قال: أيها الوزير هذه الدابة حملتني عليها أو حملتها علي. وقال له المتوكل يوماً: هل رأيت طالبياً؟ حسن الوجه، قال: نعم رأيت ببغداد منذ ثلاثين سنة واحداً. قال: تجده كان مؤاجراً. وكنت أنت تقود عليه، فقال: يا أمير المؤمنين أو بلغ هذا من فراغي. أدع موالي مع كثرتهم وأقود على الغرباء، فقال المتوكل للفتح: أردت أن أشتفي منهم. فاشتفى مني لهم. وقال له يوماً: إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك. فقال إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون. وقال ابن ثوابة يوماً: كتبت أنفاس الرجال، فقال: حيث كانوا وراء ظهرك. وقال له يوماً نجاح بن سلمة: ما ظهورك؟ وقد خرج توقيع أمير المؤمنين في الزنادقة، فقال له: استدفع الله عنك وعن أصهارك. ودخل يوماً على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر. وهو يلعب بالشطرنج، فقالت: في أي الحيزين أنت، فقال: في حيز الأمير أيده الله. وغلب عبيد الله، فقال: يا أبا العيناء قد غلبنا. وقد أصابك خمسون رطل ثلج. فقام ومضى إلى ابن ثوابة. وقال: إن الأمير يدعوك. فلما دخلا. قال: أيد الله الأمير قد جئتك. بجبل همذان، وماسبذان، ثلجاً. فخذ منه ماشئت. ومر يوماً على دار عدو له. فقال: ما خبر أبي محمد. فقالوا كما تحب. قال: فمالي لا أسمع. الرنة والصياح. ووعده ابن المدبر بدابة. فلما طالبه قال: أخاف أن أحملك عليها فتقطعني ولا أراك. فقال: عدني أن تضم إليها حماراً. لاواظب مقتضياً. ووعده يوماً أن يعطيه بغلاً. فلقيه في الطريق، فقال له: كيف أصبحت يا أبا العيناء. فقال: أصبحت بلا بغل. فضحك منه وبعث به إليه، وقالت له: قينة هب لي خاتمك أذكرك به. فقال لها: اذكري أنك طلبته مني ومنعتك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 وقال له محمد بن مكرم: هممت أن آمر غلامي أن يدوس بطنك. فقال: الذي تخلفه على عيالك إذا ركبت، أو الذي تحمله على ظهرك إذا نزلت. وقيل له: ما تقول في محمد بن مكرم والعباس بن رستم. فقال: هما. الخمر والميسر وإثمهما من نفعهما، ولما استوزر صاعد عقيب إسلامه، صار أبو العيناء إلى بابه. فقيل له يصلي، فعاد. فقيل يصلي. فقال: معذور لكل جديد لذة. وحضره يوماً ابن مكرم، وأخذ يؤذيه، فقال ابن مكرم، الساعة والله انصرف. فقال ما رأيت من يتهدد بالعافية غيرك. وقال له: يوماً يعرض به: كم عدد المكديين بالبصرة، فقال. عدد البغايين ببغداد. وقال ابن مكرم يوماً: مذهبي الجمع بين الصلاتين. فقال له: صدقت. تجمع بينهما بالترك. وقال له أبو الحمار المغني: هل تذكر سالف معاشرتنا، فقال: إذ تغنينا ونحن نستعفيك. وقال له علي بن الجهم: إنما تبغض علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه كان يقتل الفاعل والمعول وأنت أحدهما، وقال له يوماً: يا مخنث، فقال وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه. وقال له عبيد اله بن سليمان: اعذرني فإني مشغول عنك، فقال له: إذا فرغت لم أحتج إليك. وسلم نجاح بن سلمة. إلى موسى بن عبد الملك ليستاديه مالاً. فتلف في المطالبة. فلقي بعض الرؤساء أبا العيناء، وقال له: ما عندك من خير نجاح قال فوكزه موسى فقضى عليه. فبلغت كلمته موسى فلقيه، فقال له: أبي تولع والله لأقومنك، فقال: أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس. وغداه ابن مكرم يوماً. فقدم إليه عراقاً فلما جسه قال له: قدركم هذه طبخت بالشطرنج. وقدم يوماً إليه قدراً. فوجدها كثيرة العظام، فقال له: هذه قد رأم قبر. وقال له رجل من بني هاشم: بلغني أنك بغاء، فقال: وما أنكرت من ذلك مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. مولى القوم منهم، فقال: إنك دعي فينا. قال: بغائي صحح نسبي فيكم. وأكل عند ابن المكرم. فسقى على المائدة ثلاث شربات باردة. ثم استسقى فسقى شربةً، فقال: لعل مزملتكم تعتريها حمى الربع. وقال له العباس ابن رستم يوماً: أنا أكفر منك، قال لأنك تكفر ومعك خفير مثل عبيد الله بن يحيى وابن أبي داود، وأنا أكفر بلا خفارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 ودخل يوماً إلى المتوكل. فقدم إليه طعاماً. فغمس أبو العيناء لقمته في خل كان حامضاً، فأكلها وتأذى بالحموضة. وفطن المتوكل فجعل يضحك، فقال: لا تلمني يا أمير المؤمنين، فقد محت حلاوة الإيمان من قلبي. وقيل لأبي العيناء: لم اتخذت خادمين أسودين. قال: أما أسودان فلئلا أتهم بهما. وأما خادمين. فلئلا يتهما بي. وقال ابن مكرم له يوماً: أحسبك لا تصوم شهر رمضان، فقال: ويلك وتدعني؟ امرأتك أصوم. وقال أبو العيناء: مررت يوماً في درب بسر من رأى، فقال لي غلامي. يا مولاي في الدرب حمل سمين والدرب خال. فأمرته أن يأخذه وغطيته بطيلساني وصرت به إلى منزلي. فلما كان من الغد جاءتني رقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها، جعلت فداك ضاع لنا بالأمس حمل فأخبرني صبيان دربنا أنك أنت أخذته فأمر برده متفضلاً، فكتبت إليه: يا سبحان الله: ما أعجب هذا الأمر مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاء. وأكذبهم أنا ولا أصدقهم. وتصدق أنت صبيان دربك أني أخذت الحمل، قال: فسكت وما عاودني. وأكل يوماً عند بعض أصحابه طعاماً وغسل يده عشر مرات ولم تنق، فقال: كادت هذه القدر تكون نسباً وصهراً. وقال يوماً لابن ثوابة: إذا شهدت على الناس ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، شهد عليك أنتن عضوفيك. ودق عليه إنسان الباب. فقال: من هذا. قال أنا، أنا والدق سواء. وقال ابن مكرم يوماً: كان ابن الكلبي صاحب البريد يحب أن يشم الخري، فقال أبو العيناء لو رآك لترشفك. وسأل إبراهيم ابن ميمون حاجةً فدفعه عنها واعتذر إليه. وحلف له أنه صدقه. فقال: والله لقد سرني صدقك. لعوز الصدق عنك. فمن صدقه حرمان كيف يكون كذبه. ولقيه بعض الكتاب في السحر. فقال متعجباً منه ومن بكوره: أبا عبد الله أتبكر في مثل هذا الوقت، فقال له: أتشاركني في الفعل وتنفرد بالتعجب. واعترضه يوماً احمد بن سعيد فسلم عليه، فقال له أبو العيناء: من أنت؟ قال: أنا أحمد بن سعيد، فقال: إني بك لعارف. ولكن عهدي بصوتك يرتفع إلي من أسفل فماله؟ ينحدر علي من علو، قال: لأني راكب، فقال: عهدي بك وأنت في طمرين لو أقسمت على الله في رغيف لأعضك بما تكره. وقال ابن وثاب يوماً لأبي العيناء. أنا والله! أحبك بكليتي، فقال أبو العيناء: إلا بعضو واحد أيدك الله. فبلغ ذلك ابن أبي دؤاد فقال: قد وفق في التحديد عليه. وقال أبو العيناء: أنا أول من أظهر العقوق بالبصرة، قال لي أبي: يا بني إن الله تعالى قرن طاعته بطاعتي، فقال: اشكر لي ولوالديك فقلت له: يا أب إن الله ائتمنني عليك ولم يأتمنك علي، فقال: تعالى " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ". وسئل يوماً عن ابن طوق مالك، فقال لو كان في بني إسرائيل ثم نزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره. وقال يوماً لجارية مغنية: أنا اشتهي أني.. قالت له: ذاك يوم عماك. فقال: يا ستي فالساعة بالنقد فقد سبق بالشرط. وبات ليلةً عند ابن مكرم. فجعل ابن مكرم يفسو عليه. فقام أبو العيناء وصعد السرير. فارتفع إليه فساؤه فصعد إلى السطح. فبلغته رائحته. فقال: يا ابن الفاعلة ما فساؤك إلا دعوة مظلوم. وقدم إليه ابن مكرم يوماً جنب شواء. فلما جسه. قال ليس هذا جنباً هذا سريجة قصب. وذكر يوماً ولد موسى بن عيسى فقال: كأن أنوفهم قبور نصبت على غير قبلة. وقال له رجل من ولد سعيد بن سلم: إن أبي يبغضك، فقال يا بني: لي إسوة بآل محمد صلى الله عليه وسلم. يا أمير المؤمنين، فقد محت حلاوة الإيمان من قلبي. وقيل لأبي العيناء: لم اتخذت خادمين أسودين. قال: أما أسودان فلئلا أتهم بهما. وأما خادمين. فلئلا يتهما بي. وقال ابن مكرم له يوماً: أحسبك لا تصوم شهر رمضان، فقال: ويلك وتدعني؟ امرأتك أصوم. وقال أبو العيناء: مررت يوماً في درب بسر من رأى، فقال لي غلامي. يا مولاي في الدرب حمل سمين والدرب خال. فأمرته أن يأخذه وغطيته بطيلساني وصرت به إلى منزلي. فلما كان من الغد جاءتني رقعة من بعض رؤساء ذلك الدرب مكتوب فيها، جعلت فداك ضاع لنا بالأمس حمل فأخبرني صبيان دربنا أنك أنت أخذته فأمر برده متفضلاً، فكتبت إليه: يا سبحان الله: ما أعجب هذا الأمر مشايخ دربنا يزعمون أنك بغاء. وأكذبهم أنا ولا أصدقهم. وتصدق أنت صبيان دربك أني أخذت الحمل، قال: فسكت وما عاودني. وأكل يوماً عند بعض أصحابه طعاماً وغسل يده عشر مرات ولم تنق، فقال: كادت هذه القدر تكون نسباً وصهراً. وقال يوماً لابن ثوابة: إذا شهدت على الناس ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، شهد عليك أنتن عضوفيك. ودق عليه إنسان الباب. فقال: من هذا. قال أنا، أنا والدق سواء. وقال ابن مكرم يوماً: كان ابن الكلبي صاحب البريد يحب أن يشم الخري، فقال أبو العيناء لو رآك لترشفك. وسأل إبراهيم ابن ميمون حاجةً فدفعه عنها واعتذر إليه. وحلف له أنه صدقه. فقال: والله لقد سرني صدقك. لعوز الصدق عنك. فمن صدقه حرمان كيف يكون كذبه. ولقيه بعض الكتاب في السحر. فقال متعجباً منه ومن بكوره: أبا عبد الله أتبكر في مثل هذا الوقت، فقال له: أتشاركني في الفعل وتنفرد بالتعجب. واعترضه يوماً احمد بن سعيد فسلم عليه، فقال له أبو العيناء: من أنت؟ قال: أنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 أحمد بن سعيد، فقال: إني بك لعارف. ولكن عهدي بصوتك يرتفع إلي من أسفل فماله؟ ينحدر علي من علو، قال: لأني راكب، فقال: عهدي بك وأنت في طمرين لو أقسمت على الله في رغيف لأعضك بما تكره. وقال ابن وثاب يوماً لأبي العيناء. أنا والله! أحبك بكليتي، فقال أبو العيناء: إلا بعضو واحد أيدك الله. فبلغ ذلك ابن أبي دؤاد فقال: قد وفق في التحديد عليه. وقال أبو العيناء: أنا أول من أظهر العقوق بالبصرة، قال لي أبي: يا بني إن الله تعالى قرن طاعته بطاعتي، فقال: اشكر لي ولوالديك فقلت له: يا أب إن الله ائتمنني عليك ولم يأتمنك علي، فقال: تعالى " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ". وسئل يوماً عن ابن طوق مالك، فقال لو كان في بني إسرائيل ثم نزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره. وقال يوماً لجارية مغنية: أنا اشتهي أني.. قالت له: ذاك يوم عماك. فقال: يا ستي فالساعة بالنقد فقد سبق بالشرط. وبات ليلةً عند ابن مكرم. فجعل ابن مكرم يفسو عليه. فقام أبو العيناء وصعد السرير. فارتفع إليه فساؤه فصعد إلى السطح. فبلغته رائحته. فقال: يا ابن الفاعلة ما فساؤك إلا دعوة مظلوم. وقدم إليه ابن مكرم يوماً جنب شواء. فلما جسه. قال ليس هذا جنباً هذا سريجة قصب. وذكر يوماً ولد موسى بن عيسى فقال: كأن أنوفهم قبور نصبت على غير قبلة. وقال له رجل من ولد سعيد بن سلم: إن أبي يبغضك، فقال يا بني: لي إسوة بآل محمد صلى الله عليه وسلم. محمد بن محمد: المعروف بابن الجبلي. الفرجوطي بالفاء والراء والجيم والواو والطاء المهملة. كان له مشاركة في الفقه والفرائض. ومعرفة بالقرآت. وله أدب وشعر ومعرفة بحل الألغاز والأحاجي. وكان ذكياً. جيد الإدراك. خفيف الروح. حسن الأخلاق. كف بصره آخر عمره. قال كمال الدين جعفر الأدفوي: اجتمعت به كثيراً وأنشدني من شعره وألغازه. وتوفي رحمه الله تعالى بفرجوط. في شهر الله المحرم سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. ومن شعره: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 وشاعر يزعم من غرة ... وفرط جهل أنه يشعر يصنف الشعر ولكنه ... يحدث من فيه ولا يشعر ومنه في النبق: نظر إلى النبق في الأغصان منتظماً ... والشمي قد أخذت تجلوه في القضب كأن صفرته للناظرين غدت ... تحكى جلاجل قد صيغت من الذهب محمد بن محمد: ين أحمد بن إسحاق. الحافظ الحاكم الكبير. النيسابوري الكرابيسي أبو أحمد. صاحب التصانيف. سمع بنيسابور وبغداد والكوفة وطبرية ودمشق ومكة والبصرة وحلب والثغور. وروى عنه جماعة. كف بصره سنة سبعين. وكان حافظ عصره. وتغير حفظه لما كف ولم يختلط قط. وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. وله ثلاث وتسعون سنة. قال أبو عبد الله: الحاكم أبو أحمد الحافظ إمام عصره في الصنعة. وكان من الصالحين الثابتين على الطريق السلفية، ومن المنصفين فيما يعتقده في أهل البيت والصحابة رضي الله عنهم. تقلد القضاء في مدن كثيرة. وصنف على صحيحي البخاري ومسلم، وعلى جامع الترمذي، وله كتاب الأسماء والكنى، وكتاب العلل، والمخرج على كتاب المزني، وكتاب الشروط، وكان بها عارفاً. وصنف الشيوخ والأبواب. وقلد قضاء الشاش، وحكم بها أربع سنين، ثم قضا طوس. وكان يحكم بين الخصوم فإذا فرغ أقبل على التصنيف بين يديه. وقدم نيسابور سنة خمس وأربعين وثلاثمائة وأقبل على العبادة والتأليف. محمد بن محمد: بن الحسين بن صالح. أبو الفضل الضرير الحنفي. المعروف بزين الأئمة. كان له معرفة تامة بالفقه. وناب في التدريس عن قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي بمشهد أبي حنيفة. ثم درس بالمدرسة الغياثية. سمع أبا الفضل أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 خيرون، وأبا طاهر أحمد ابن الكرجي، وأبا علي أحمد البرداني الحافظ، وغيرهم. وسمع منه أبو محمد بن الخشاب، وأبو بكر الخفاف. وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وأربعين وخمسمائة. محمد بن محمد: بن بقية. بالباء الموحدة والقاف والياء آخر الحروف، على وزن هديه الوزير. أبو الطاهر. نصير الدولة وزير عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه. كان من جلة الوزراء وأعيان الكرماء وأكابر الرؤساء يقال إن راتبه في الشمع كان في كل شهر ألف من. وكان من أهل أو أنا من عمل بغداد. وفي أول أمره توصل إلى أن صار صاحب مطبخ معز الدولة، ثم نقل في غير ذلك من الولايات والخدم. ولما مات معز الدولة حسنت حاله عند ولده عز الدولة. ورعى له خدمته لأبيه. فاستوزره في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة. فقال الناس: من الغضارة إلى الوزارة. وستر عيوبه كرمه. خلع في عشرين يوماً عشرين ألف خلعه. وقال أبو إسحاق الصابي: رأيته في ليلة يشرب وكلما لبس حلة خلعها على احد الحاضرين. فزادت على مائة خلعة. وقالت له مغنية: في هذه الخلع زنانير ما تدعك تلبسها. فضحك وأمر لها بحقة حلي. ثم إن عز الدولة قبض عليه. لسبب بطول ذكره. حاصله أنه حمله على محاربة ابن عمه عضد الدولة فالتقيا على الأهواز وكسر عز الدولة. وفي ذلك يقول أبو عنان الطيب بالبصرة أقام على الأهواز خمسين ليلةً ... يدبر أمر الملك حتى تدمرا فدبر أمراً كان أوله عمىً ... وأوسطه بلوي وآخره خرا ولما قبض عليه بمدينة واسط سمل عينيه ولزم بيته إلى أن مات عز الدولة وملك عضد الدولة بغداد فطلبه لما كان يبلغه عنه من الأمور القبيحة. منها انه كان يسميه أبا بكر الغددي تشبيهاً له برجل أشقر أنمس يبيع الغدد للسنانير. والظاهر أن أعداءه كانوا يفعلون به ذلك ويفتعلونه. فلما حضر ألقاه تحت أرجل الفيلة. فلما قتلته. صلبه بحضرة البمارستان العضدي ببغداد. وذلك يوم الجمعة لست خلون من شوال سنة سبع وستين وثلاثمائة. وكان قد نيف على الخمسين ورثاه أبو الحسن محمد بن عمر بن يعقوب الأنباري أحد العدول ببغداد بقصيدة لم يسمع في مصلوب أحسن منها: وأولها. علو في الحياة وفي الممات ... بحق أنت إحدى المعجزات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 كان الناس حولك حين قاموا ... وفود نداك أيام الصلاة كأنك قائم فيهم خطيباً ... وكلهم قيام للصلاة مددت يديك نحوهم احتفاءً ... كمد كها إليهم بالهبات ولما ضاق بطن الأرض عن أن ... يضم علاك من بعد الممات أصاروا الجو قبرك واستنابوا ... عن الأكفان ثوب السافيات لعظمك في النفوس تبيت ترعى ... بحفاظ وحراث ثقات وتشعل عندك النيران ليلاً ... كذلك كنت أيام الحياة ركبت مطيةً من قبل زيد ... علاها في السنين الذاهبات ولم أر قبل جذعك قط جذعاً ... تمكن من عناق المكرمات أسأت إلى النوائب فاستثارت ... فأنت قتيل ثار النائبات وكنت تجير من صرف الليالي ... فعاد مطالباً لك بالترات وصير دهرك الإحسان فيه ... إلينا من عظيم السيئات وكنت لمعسر سعداً فلما ... مضيت تفرقوا بالمنحسات غليل باطن لك في فؤادي ... يخفف بالدموع الجاريات ولو أني قدرت على قيام ... بفرضك والحقوق الواجبات ملأت الأرض من نظم القوافي ... ونحت بها خلاف النائحات ومالت تربة فاقول تسقى ... لأنك نصب هطل الهاطلات عليك تحية الرحمن تترى ... برحمات غواد رائحات وكتبها الشاعر المذكور. ورمى بها نسخاً في شوارع بغداد. فتداولها الأدباء إلى أن وصل خبرها إلى عضد الدولة وأنشدت بين يديه. فتمنى أن يكن هو المصلوب دونه. وقال: علي بهذا الرجل. فطلب سنةً كاملةً واتصل الخبر بالصاحب ابن عباد فكتب له إلى عضد الدولة بالأمان فحضر إليه. فقال له الصاحب: أنشدنيها فلما بلغ قوله ولم أر قبل جذعك البيت قام إليه وقبل وفاته وأنفذه إلى عضد الدولة. فقال له: ما حملك على رثاء عدوي. قال: حقوق وجبت، وأياد سلفت فجاش الحزن في قلبي فرثيته. وكان بين يدي عضد الدولة شموع تزهر. فقال: هل يحضرك شيء في الشموع. فأنشد: كان الشموع وقد أظهرت ... من النار في كل رأس سنانا أصابع أعدائك الخائفين ... تضرع تطلب منك الأمانا فخلع عليه وأعطاه فرساً وبدرةً. ولم يزل ابن بقية المذكور مصلوباً إلى أن توفي عضد الدولة رحمهما الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 محمد بن محمد: بن علي المقرئ. العكبري الجوزراني بالجيم والواو الساكنة وزاي بعدها راء وألف ونون، وهي قرية قرب عكبراء من نواحي بغداد. كان ضريراً من أهل القرآن والحديث. سمع أبا الحسن محمد بن أحمد رزقويه، وغيره. وروى الحافظ ابو محمد الاشعثي، وغيره عنه. ومات الجوزراني في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. محمد بن محمود: ين سبكتكين. لما توفي والده كان ولده مسعود أخو محمد هذا غائباً. فقدم نيسابور وقد استتب أمر أخيه محمد. بوصية من أبيه. واجتمعت الكلمة عليه وغمر الناس ببذل الأموال فيهم. فراسل أخاه محمداً ومال الناس إليه. لقوة نفسه، وتمام هيبته. وزعم أن الإمام القادر ولاه خراسان، وسماه الناصر لدين اله وخلع عليه وطوقه سواراً، فقوى أمره لذلك. وكان محمد سيء التدمير منهمكاً في ملاذه. فاجتمع الجند على عزل محمد وولاية مسعود. وفعلوا ذلك وقبضوا على محمد وحملوه إلى قلعة. ووكلوا له واستقر الأمر لمسعود. وجرى له مع بني سلجوق خطوب يطول شرحها. وقتل سنة ثلاثين وأربعمائة. واستولى على الممكلة بنو سلجوق. وقاسى الناصر المذكور شدائد عظيمةً في حروب بني سلجوق. وثبت ثباتاً عظيماً. هكذا ذكره ابن خلكان رحمه الله تعالى في ترجمة محمود أبيه. وقال غيره: إن مسعود خلع أخاه محمداً وسجنه وسمل عينيه وحكم على خراسان والهند وغير ذلك. ثم إن الجيش أطاعوا أخاه محمداً لمسمول وعاد إلى الملك وقتل أخاه مسعوداً سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. والله أعلم. محمد بن المسيب: بن إسحاق بن عبد الله النيسابوري. الأرغياني الأسفنجي. الحافظ الجوال الزاهد. روى عنه ابن خزيمة مع جلاله قدره وتقدمه. قيل إنه بكى حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 عمي. وكان من العباد المجتهدين. وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس عشرة وثلاثمائة. محمد بن مصطفى: بن زكرياء بن خواجا حسن فخر الدين التركي الصلغري الدوركي الحنفي. أخبرني الشيخ أثير الدين أبو حيان من لفظه، قال صلغر فخذ من الترك ودورك بلد بالروم. مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة دورك. كان شيخاً فاضلاً عنده أدب. وله نظم ونثر. وقد نظم القدوري، في الفقه. نظماً فصيحاً سهلاً جامعاً. ونظم قصيدة في النحو تضمنت أكثر الحاجبية. وفخر الدين هذا كتبنا عنه لسان الترك ولسان الفرس. وكان عالماً باللسانين، يعرفهما إفراداً وتركيباً. أعانه على ذلك مشاركته في علم العربية وله قصائد كثيرة، منها قصيدة في قواعد لسان الترك، ونظم كثير في غير فن، وانشدني كثيراً منه. ردس بالحسامية الفقه على مذهب أبي حنيفة. وكان قديماً قد تولى الحسبة بغزة. وكان بارع الخط، جميل العشرة، متواضعاً منصفاً، تالياً للقرآن، حسن النغمة. وقد أدب بقلعة الجبل بعض أولاد الملوك. قلت: هو السلطان الملك الناصر. قال الشيخ أثير الدين: وعمى في آخر عمره. وأنشدني من قصيدة مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم: قالوا اتخذ مدح النبي محمد ... فينا شعارك إن شعرك ريق وعلى بنانك لليراعة بهجة ... وعلى بيانك للبراعة رونق يا قطب دائرة الوجود باسره ... لولاك لم يكن الوجود المطلق مذ كنت أوله وكنت أخيره ... في الخافقين لواء مجدك يخفق كل الوجود إلى جمالك شاخص ... فإذا اجتلاك فعن جلال يطرق كنت النبي وآدم في طينه ... ما كان يعلم أي خلق يخلق فأتيت واسطة لعقد نبوة ... منها أنار عقيقها والابرق قلت: شعر جيد فصيح. محمد بن مكرم: بتشديد الراء ابن علي بن أحمد الأنصاري الرويفعي الإفريقي ثم المصري. القاضي جمال الدين أبو الفضل. من ولد رويفع بن ثابت الصحابي. سمع بن يوسف بن المخيلي، وعبد الرحمن بن الطفيل، ومرتضى بن حاتم، وابن المقير، وطائفة. وتفرد وعمر وكبروا وأكثروا عنه. وكان فاضلاً وعنده تشيع. بلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 رفض. خدم في ديوان الإنشاء بمصر. ثم ولى نظر طرابلس. وكتب عنه الشيخ شمس الدين الذهبي. أخبرني العلامة اثير الدين أبو حيان رحمه الله قال: ولد المذكور يوم الإثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى عشرة وسبعمائة. قال وأنشدني لنفسه من نظمه سنة إحدى وثمانين وستمائة. ضع كتابي إذا أتاك إلى الأ ... رض وقلبه في يديك لماما فعلى ختمه وفي جانبيه ... قبل قد وضعتهن نؤاما كأن قصدي بها مباشرة الأر ... ض وكفيك بالتثامي إذا ما ومن شعر جمال الدين بن مكرم: بالله إن جزت بوادي الأراك ... وقبلت عيدانه الخضر فاك ابعث إلى المملوك من بعضه ... فإنني والله مالي سواك قلت: هو والد القاضي قطب الدين بن المكرم، كاتب الإنشاء الشريف بمصر، الصائم الدهر، المجاور بمكة زماناً. أخبرني قطب الدين المذكور بقلعة الجبل في ديوان الإنشاء أن والده ترك بخطه خمسمائة مجلد. قلت: وما أعرف في كتب الأدب شيئاً إلا وقد اختصره. من ذلك: كتاب الأغاني الكبير، رتبه على الحروف مختصراً. وزهر الآداب للحصري. واليتيمة. والذخيرة. ونشوان المحاضرة. واختصر تاريخ ابن عساكر. وتاريخ الخطيب. وذيل ابن النجار عليه. وجمع بين صحاح الجوهري، وبين المحكم لابن سيده، وبين الأزهري، في سبع وعشرين مجلدة. ورأيت أنا أولها بالقاهرة، وقد كتب عليه أهل ذلك العصر يقرظونه ويصفونه بالحسن: كالشيخ بهاء الدين بن النحاس، وشهاب الدين محمود، ومحيي الدين بن عبد الظاهر، وغيرهم. واختصر صفوة الصفوة. ومفردات ابن البيطار. وكتاب التيفاشي. فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب، اختصره في عشر مجلدات، وسماه سرور النفس. ورأيت كتاب الصحاح للجوهري، في مجلدة واحدة بخطه، في غاية الحسن. ولم يزل يكتب لي أن أضر وعمي في آخر عمره. رحمه الله تعالى. محمد بن منهال: التميمي المجاشعي البصري الضرير الحافظ. أبو جعفر. روى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 عنه البخاري ومسلم وأبو داود. وروى عنه النسائي بواسطة. قال العجلي: بصري ثقة. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين. رحمه الله تعالى. محمد بن موهوب: بن السحن. أبو نصر الفرضي الضرير. كان أوحد وقته في علم الفرائض والحساب. وله مصنفات حسنة في ذلك. قرأ عليه جماعة وتخر جوابه. وذكره ابن كامل الخفاف في معجم شيوخه الذين سمع منهم، ولم تخرج عنه حديثاً. وكان لا يأخذ أجرة على تعليمه الفرائض والحساب. ولكن يأخذ الأجرة على تعليمه الجبر والمقابلة، ويقول: الفرائض مهمة. وهذا العلم من الفضل. محمد بن هبة الله: بن ثابت. الإمام أبو نصر البندنيجي الشافعي. كان من أكبر أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي. سمع وحدث. كان يقرأ في كل أسبوع ستة آلاف مرة " قل هو الله أحد ". ويعتمر في شهر رمضان ثلاثين عمرة. وهو ضرير يؤخذ بيده. وتوفي رحمه الله بمكة. سنة خمس وتسعين وأربعمائة. محمد بن الهذيل: بن عبد الله بن مكحول. أبو الهذيل. العلاف البصري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 المعتزلي. قيل اسمه أحمد. كان من أجلاد القوم راساً في الاعتزال. ومن المعتزلة فرقة ينسبون إليه، يعرفون بالهذيلية يقولون بمقالاته. زعم أن أهل الجنة تنتقطع حركاتهم حتى لا يتكلمون كلمة وينقطع نعيمهم. وكذلك أهل النار خمود سكوت. وتجتمع اللذة لأهل الجنة، والآلام لأهل النار في ذلك السكون. وهذا قريب من مذهب جهم بن صفوان. لأنه حكم بفناء أهل الجنة والنار. وإنما التزم أبو الهذيل هذا المذهب. لأنه التزم في مسالة حدوث العالم أن الحوادث التي لا اول لها كالحوادث التي لا آخر لها، إذ كان كل واحد منهما لا يتناهى. قال: إني لا أقول بحركات لا تتناهى بل يصيرون إلى سكون دائم. فظن أن ما التزم من الأشكال في الحركة لا يلزمه في السكون. وغلط في ذلك بل هو لازم. فلا فرق في امتناع عدم التناهي بين الحركات والسكون. وأثبت إرادات لا في محل. وهو أول من أحدث هذه المقالة. وتابعه عليها جماعة من المتأخرين: وقال: بعض كلام الباري لا في محل، وهو قوله: كن. وبعضه في محل، كالأمر، والنهي، والخبر، والاستخبار. وابتدع القول بأن المقتول بالسيف أو غيره لم ينته أجله ولو مات بأجله، حتى لو فرضنا أنه لم يقتل لبقي إلى اجله فيموت. وكذلك من أكل حراماً، لم يأكل رزقه. وانفرد بأشياء غير هذه. ويروى أن المأمون قال لحاجبه: من بالباب؟ قال: أبو الهذيل العلاف، وعبد الله بن أباض الخارجي، وهشام بن الكلبي الرافضي. فقال المأمون: ما بقي من رؤس جهنم أحد إلا وقد حضر. وشرب مرة عند أناس فراود غلا ماأمرد. فضربه بتور فدخل في رقبته. فاحضروا له حداداً حتى فكه من عنقه. وقال أبو الهذيل: أول ما تكلمت كان عمري خمس عشرة سنة. فبلغني أن يهوديا قدم البصرة وقطع كل من فيها. فقلت لعمي: امض بي إليه حتى أناظره. فقال: لا طاقة لك به. فقلت: بلى. فمضينا إليه فوجدته في إثبات نبوة موسى وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: نحن قد اتفقنا على نبوة موسى، فأثبتوا لنا نبوة محمد حتى نقربه. فقلت له: أسألك أو تسألني؟ فقال مستصغراً: أو ما ترى ما فعلت بمشايخك؟ فقلت: دع هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 واسألني أو أسألك. فقال: أليس قد ثبتت نبوة موسى وصحت دلائله؟ أتقر بهذا أم تجحده؟ فقلت له: سألتني عن نبوة موسى. وهذا على أمرين، أحدهما موسى الذي أخبر عن نبوة محمد وبشر به وأمر بإتباعه. فإن كنت سألتني عن نبوة هذا فأنا أقر به. وهو نبي. والثاني موسى الذي لم يخبر عن نبوة محمد، ولا بشر به ولا أمر بأتباعه، فلا أقر به ولاأعرفه، فإنه شيطان. فتحير اليهودي ثم قال لي: ماتقول في التوراة؟ فقلت: أيضاً هي منقسمة إلى قسمين: توراة فيها ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة به والأمر بأتباعه، فهي التوراة الحق المنزلة. وتوراة ليس فيها ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ولا البشارة به، فهي باطلة ولا أصدق بها. فتحير اليهودي وانقطع. ثم قال لي: إني أريد أن أشارك في شئ. فتقدمت إليه، فإذا هو يشتمني ويشتم معلمي وأبوي. فظن أني أرد عليه وأضار به بحضرة الناس، فيقول إنهم قد تغلبوا علي. فقلت للجماعة ما قال وعرفتهم ما أراد. فأخذته الأيدي بالنعال. فخرج هاربا من البصرة. وقال المسعودي في مروج الذهب: إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين. وكان قد كف بصره، وخرف آخر عمره إلا أنه كان لا يذهب عليه شيء من الأصول لكنه. ضعف عن المناظرة ومحاجة المخالفين له. وقيل ولد سنة خمس وثلاثين ومائة. وتوفي سنة تسع وثلاثين ومائتين. وحكى عنه أنه لقى صالح بن عبد القدوس وقد مات له ولد وهو شديد الجزع عليه، فقال أبو الهذيل: لا أرى لجزعك عليه وجهاً، إذ كان الإنسان عندك كالزرع. فقال صالح: يا أبا الهذيل إنما أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك. فقال: وما كتاب الشكوك؟ قال: كتاب وضعته من قرأه يشك فيما كان حتى يتوهم أنه لم يكن، ويشك فيما لم يكن حتى كأنه قد كان. فقال له أبو الهذيل: فشك أنت في موته واعمل على أنه لم يمت، وإن كان قد مات. وشك في قراءته الكتاب وأعمل على أنه قرأه، وإن لم يكن قرأه. فأخجله. وقيل إن الذي قال ذلك إبراهيم النظام ابن أخت أبي الهذيل. وهو الصحيح. ولأبي الهذيل: كتاب يعرف بميلاس. وكان ميلاس هذا مجوسيا جمع بين أبي الهذيل وبين جماعة من الثنوية فقطعهم أبو الهذيل. فأسلم فيلاس عند ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 محمد بن يعقوب: بن يوسف بن معقل بن بشار. أبو العباس الأموي مولاهم النيسابوري الأصم. كان يكره أن يقال له الأصم. قال الحاكم إنما ظهر به الصمم بعد إنصرافه من الرملة فاستحكم فيه حتى بقي لايسمع نهيق الحمار. وكان محدث عصره بلا مدافعة. حدث في الإسلام ست وسبعين سنة، ولم يختلف في صدقه وصحة سماعه. وضبط والده يعقوب الوراق لها. أذن سبعين سنة في مسجده. وكف بصره بأخرة. وانقطعت الحلة إليه. ورجع أمره إلى أن كان يناول قلما فإذا أخذه بيده علم أنهم يطلبون الرواية، فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان، ويسرد أحاديث يحفظها: وهي أربعة عشر حديثا. وسبع حكايات. وصار بأسوء حال. وتوفي رحمه الله تعالى في شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاثمائة. قال الحاكم: سمعت أبا العباس يقول: رأيت أبي في المنام. فقال لي: عليك بكتاب البويطي، فليس في كتب الشافعية مثله. محمد بن يوسف: بن علي بن يوسف بن حيان. الشيخ الأمام الحافظ العلامة. فريد العصر وشيخ الزمان، وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي النفزى بالنون والفاء والزاي. قرأ القرآن بالروايات، وسمع الحديث بجزيرة الأندلس، وبلاد إفريقية، وثغر الإسكندرية، وديار مصر، والحجاز. وحصل الإجازات من الشام والعراق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وغير ذلك. واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد، ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالاً منه لأني لم أره إلا وهو يسمع أو يشغل أو يكتب. ولم أره على غير ذلك. وله إقبال على الطلبة الأذكياء، وعنده تعظيم لهم. وله نظم ونثر. وله الموشحات البديعة. وهو ثبت فيما ينقله، محرر لما يقوله، عارف باللغة، ضابط لألفاظها. وأما النحو والتصريف، فهو إمام الدنيا في عصره فيهما، لم يذكر معه أحد في أقطار الأرض. وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم، خصوصاً المغاربة. ويقيد أسماؤهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم، لأنهم مجاورو بلاد الفرنج، وأسماؤهم قريبة منهم وألقابهم كذلك. كل ذلك قد جرده وحرره وقيده. والشيخ شمس الدين الذهبي. له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة، وأجابه عنها. وله التصانيف التي سارت وطارت، وانتشرت وما انتثرت، وقرئت ودريت، ونسخت وما نسخت. أخملت كتب الأقدمين، وألهت المقيمين بمصر والقادمين. وقرأ الناس عليه. وصاروا أئمةً وأشياخاً في حياته. وهو الذي جسر الناس على مصنفات السيخ جمال الدين بن مالك رحمه الله، ورغبهم في قراءتها، وشرح لهم غامضها، وخاض بهم لججها، وفتح لهم مقفلها. وكان يقول عن مقدمة بن الحاجب هذه نحو الفقهاء. والتزم أن لا يقرأ أحداً إلا إن كان في كتاب سيبويه، أو في التسهيل لإبن مالك، أو في تصانيفه. ولما قدم البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس رحمه الله كثيراً، وأخذ منه كتب الأدب. وكان شيخاً حسن العمة، مليح الوجه، ظاهر اللون، مشرباً بحمرة، منور الشيبة، كبير اللحية، مسترسل الشعر فيها، لم تكن كثة. عبارته فصيحة لغة الأندلس، يعقد القاف قريباً من الكاف، على أنه ينطق بها في القرآن فصيحةً. وسمعته يقول: ليس في هذه البلاد من يعقد حرف القاف. وكانت له خصوصية الأمير سيف الدين أرغون النائب الناصري، ينبسط معه ويبيت عنده. ولما توفيت إبنته نضار. طلع إلى السلطان الملك الناصر وسأل منه أن يدفنها في بيتها داخل القاهرة فأذن له. وكان أولاً يرى رأي الظاهرية. ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله عنه. وتولى تدريس التفسير بالقبة النصورية والإقراء بجامع الأقمر. وقرأت عليه الأشعار الستة وكان يحفظها، والمقامات الحريرية وحضرها جماعة من أفاضل الديار المصرية، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وسمعوها بقراءتي عليه. وكان بيده نسخة صحيحة يثق بها وبأيدي الجماعة قريب من إثنتي عشرة نسخة وإحداهن بخط الحريري. ووقع منه الجماعة في أثناء القراءة فوائد ومباحث عديدة. وقال لي: لم أر بعد بن دقيق العيد أفصح من قراءتك. ولما وصلت إلى المقامة التي أورد الحريري فيها الأحاجي، قال: ما أعرف مفهوم الأحجية المصطلح عليها بين أهل الأدب. فأخذت في إيضاح ذلك وضرب الأمثلة له. فقال لي: لا تتعب معي. فإني تعبت مع نفسي في معرفة ذلك كثيراً، ولا أفاد ولا ظهر لي. وهذا في غاية الإنصاف منه والعدالة، لاعترافه لي في مثل ذلك الجمع وهم يسمعون كلامه بمثل ذلك، وقرأت عليه سقط الزند لأبي العلاء المعري، وبعض الحماسة لأبي تمام الطائي، ومقصورة إبن دريد. وسمعت من لفظه كتاب الفصيح لثعلب. وكان يحفظه. وسمعت من لفظه كتاب تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراآت السبع لإبن بليمة. وسمعت من لفظه خطبة كتاب إرتشاف الضرب من لسان العرب. وانتقيت ديوانه وكتبته وسمعته منه. وسمعت من لفظه ما اخترته من كتابه مجاني الهصر، وغيرذلك. وأنشدني من لفظه لنفسه: سبق الدمع بالمسير المطايا ... إذ نوى من أحب عني نقله وأجاد السطور في صفحة الخ ... د ولم يجيد وهو ابن مقلة وأنشد أيضاً في صفات الحروف: أنا هاو لمستطيل أغن ... كلما اشتد صارت النفس رخوة أهمس القول وهو يجهر سبى ... وإذا ما انخفضت أظهر علوة فتح الوصل ثم أطبق هجراً ... بصفير والقلب قلقل شجوه لان دهراً ثم اغتدى ذا إنحراف ... وفشا السر مذ تكررت نحوه وأنشدني من لفظة لنفسه: يقول لي العذول ولم أطعه ... تسل فقد بدا للحب لحيه تخيل أنها شانت حبيبي ... وعندي أنها زين وحليه وأنشدني من لفظه لنفسه: راض حبيبي عارض قد بدا ... يا حسنه من عارض رائض وظن قوم أن قلبي سلا ... والأصل لا يعتد بالعارض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 وأنشدني من لفظه في أحدب تعشقته أحدباً كيساً ... يحاكي نجيباً حنين البغام إذا كدت أسقط من فوقه ... تعلقت من ظهره بالسنام وأنشدني من لفظه لنفسه في أسود: علقته بشجى اللحظ حالكه ... ما ابيض منه سوى ثغر حكى الدررا قد صاغه من سواد العين خالقه ... وكل عين إليه تقصد النظرا وأنشدني من لفظه لنفسه: تعشقته شيخاً كأن مشيبة ... على وجنتيه ياسمين على ورد أخا العقل يدري ما يراد من النهى ... أمنت عليه من رقيب ومن ضد وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى ... لسود اللحى ناس وناس إلى المرد ألا إنني لو كنت أصبو لأمرد ... صبوت إلى هيفاء مائسة القد وسد اللحى أبصرت فيهم مشاركاً ... فأحببت أن أبقى بأبيضهم وحدي وأما تصانيفه فهي: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم. اتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب. كتاب الأسفار الملخص من كتاب الصفار، شرحاً لكتاب سيبويه. كتاب التجريد، لأحكام سيبويه. كتاب التذييل والتكميل، في شرح التسهيل. كتاب التنخيل الملخص من شرح التسهيل. كتاب التذكرة. كتاب المبدع في التصريف. كتاب الموفور. كتاب التقريب. كتاب التدريب. كتاب غاية الإحسان. كتاب النكت الحسان. كتاب الشذا في مسألة كذا. كتاب الفصل في أحكام الفصل. كتاب اللمحة. كتاب الشذرة. كتاب الإرتضاء في الفرق بين الضاد والظاء. كتاب عقد اللىلي. كتاب نكت الأمالي. كتاب النافع في قراءة نافع. كتاب الأثير في قراءة ابن كثير. المورد الغمر في قراءة أبي عمرو. الروض الباسم في قراءة عاصم. المزن الهامر في قراءة ابن عامر. الرمزة في قراءة حمزه. تقريب الناتئ في قراءة الكسائي. غاية المطلوب في قراءة يعقوب، قصيدة. النير الجلي في قراءة زين بن علي. الوهاج في اختصار المنهاج. الأنور الأجلي في اختصار المجلي. الحلل الحالية في أسانيد القراآت العالية. كتاب الإعلام بأركان الإسلام. نثر الزهر ونظم الزهر. قطر الحبي في جواب أسئلة الذهبي. فهرست مسموعاته. نوافث السحر في دمائث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الشعر. كتاب تحفة الندس في نحاة الأندلس. الأبيات الوافية في علم القافية. جزء في الحديث. مشيخة أبي المنصور. كتاب الإدراك للسان الأتراك. زهر الملك في نحو الترك. نفحة المسك في سيرة الترك. منطق الخرس في لسان الفرس. ومما لم يكمل تصنيفه إلى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة حسب ما كتب به خطه لي. مسلك الرشد في تجريد مسائل نهاية ابن رشد. كتاب منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك. نهاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب، رجز. مجاني الهصر في آداب وتواريخ لأهل العصر. خلاصة البيان في علمي البديع والبيان، رجز. نور الغبش. في لسان الحبش. المخبور في لسان اليحمور. ومولده بغرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى في ثامن عشري صفر بالقاهرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة. وقلت أنا أرثيه رحمه الله تعالى: مات أثير الدين شيخ الورى ... فاستعر البارق واستعبرا ورق من حزن نسيم الصبا ... واعتل في الأسحار لما سرى وصادحات الأيك في دوحها ... رئته في السجع على حرف را ياعين جودي بالدموع التي ... تروي بها ما ضمه من ثرى واجرى دماً فالخطب في شأنه ... قد اقتضى أكثر ما جرى مات إمام كان في علمه ... يرى أماماً والورى من ورا أمسى منادي للبلى مفرداً ... فضمه القبر على ما ترى يا أسفاً كان هدىً ظاهراً ... فعاد في تربته مضمرا وكان جمع الفضل في عصره ... صح فلما أن قضى كسرا وعرف العلم به برهةً ... والآن لما أن مضى نكرا وكان ممنوعاً من الصرف لا ... يطرق من وافاه خطب عرا لاأفعل التفضيل ما بينه ... وبين من أعرفه في الورى لا بدل عن نعته بالتقى ... ففعله كان له مصدرا لم يدغم في اللحد إلا وقد ... فك من الصبر وثيق العرى بكى له زيد وعمرو فمن ... أمثلة النحو وممن قرا ما أعقد التسهيل من بعده ... فكم له من عسرة يسرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 وجسر الناس على خوضه ... إذ كان في النحو قد استبحرا من بعده قد حال تمييزه ... وحظه قد رجع القهقرى شارك من قد ساد في فنه ... وكم له فن به استاثرا داب بني الآداب أن يغسلوا ... بدمعهم فيه بقايا الكرى والنحو قد سار الردى نحوه ... والصرف للتصريف قد غيرا واللغة الفصحى غدت بعده ... يلغى الذي في ضبطها قررا تفسيره البحر المحيط الذي ... يهدي إلى وارده الجوهرا فوائد من فضله جمة ... عليه فيها نعقد الخنصرا وكان ثبتاً نقله حجة ... مثل ضياء الصبح إذ اسفرا ورحلة في سنة المصطفى ... أصدق من يسمع إن خبرا له الأسانيد التي قد علت ... فاستفلت عنها سوامي الذرا ساوى بها الأحفاد أجدادهم ... فاعجب لماض فاته من طرا وشاعراً في نظمه مفلقاً ... كم حرر اللفظ وكم حبرا له معان كلما خطها ... تستر ما يرقم في تسترا أفديه من ماض لأمر الردى ... مستقبلاً من ربه بالقرى ما بات في أبيض أكفانه ... إلا وأضحى سندساً أخضرا تصافح الحور له راحةً ... كم تعبت في كل ما سطرا إن مات فالذكر له خالد ... يحيى به من قبل أن يقبرا جاد ثرىً واراه غيث إذا ... مساه بالسقيا له بكرا وخصه من ربه رحمة ... تورده في حشره الكوثرا وكنت كتبت إليه من رحبة مالك بن طوق في سنة تسع وعشرين وسبعمائة في ورق أحمر: لو كنت أملك من دهري جناحين ... لطرت لكنه فيكم جنى حيني يا سادةً نلت في مصر بهم شرفاً ... أرقى به شرفاً تتأى عن العين وإن جرى لسما كيوان ذكر علاً ... أحلني فضلهم فوق السماكين وليس غير أثير الدين اثله ... فساد ما شاد لي حقاً بلا مين حبر ولو قلت إن الباء رتبتها ... من قبل صدقك الأقوام في ذين أحي علوماً أمات الدهر أكثرها ... مذ خلدت خلدت ما بين دفين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 يا واحد العصر ما قولي بمتهم ... ولا أحاشي امرأ بين الفريقين هذي العلوم بدت من سيبويه كما ... قالوا وفيك انتهت يا ثاني اثنين فدم لها وبودي لو أكون قدىً لما ينالك في الأيام من شين يا سيبويه الورى في العصر لا عجب ... إذا الخليل غدا يفديك بالعين يقبل الأرض وينهى ما هو عليه من الأشواق التي برحت بالمها، وأجرت الدموع دماً وهذا الطرس الأحمر يشهد بدمها، وأربت بسحها على السحائب، وأين دوام هذه من ديمها، وفرقت الأوصال على السقم لوجود عدمها. فيا شوق ما أبقى ويالي من النوى ... ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما اصبا ويذكر ولاءه الذي تسجع به في الروض الحمائم، ويسير تحت لوائه مسير الرياح بين الغمائم، وبناؤه الذي يتضوع كالزهر في الكمائم. ويتنسم تنسم هامات الربا إذا لبست من الربيع ملونات العمائم. ويشهد الله على كل ما ... قد قلته والله نعم الشهيد محمد بن يوسف: بن عبد الغني بن محمد بن ترشك بالتاء ثالثة الحروف والراء وشين معجمة وبعدها كاف. الشيخ الصالح الورع العالم الناسك تاج الدين المقرئ الصوفي الحنبلي البغداي. مولده ثالث عشر شهر رجب سنة ثمان وستين وستمائة ببغداد. حفظ القرآن المجيد في صباه بالروايات وأقرأه. وسمع الكثير من ابن حصين ومن في طبقته. وإجازاته عالية. وروى وحدث وسمع منه خلق ببغداد وبدمشق وبغيرهما من البلاد. وكان ذا سمت حسن وخلق طاهر ونقس عفيفة رضية وصوت مطرب إلى الغاية. قدم الشام مراراً وحدث وحج غير مرة، ثم عاد إلى بلده. توفي رحمه الله تعالى سنة خمسين وسبعمائة وقد أضر بأخرة. محمود بن همام: بن محمود. عفيف الدين. أبو الثناء. الإمام الزاهد المحدث المقرئ الأنصاري الدمشقي الضرير. كان فقيهاً مدققاً حسن الأداء للإقراء. وكان يصوم الدهر ويلازم الجامع. ولا يكاد يخرج منه إلا بعد العشاء للفطر. وسمع من الخشوعي، وابن عساكر، وطبقتهم، وابن طبرزد. ولازم الحافظ عبد الغني كثيراً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين وستمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 مخرمة بن نوفل: بن أهيب بن زهرة بن كلاب القرشي. أمه رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف. وهو والد المسور. وكان مخرمة من مسلمة الفتح وكان له سن وعلم يايام وقريش. كان يؤخذ عنه علم النسب. وكان أحد علماء قريش وكنيته أبو صفوان، وقيل أبو المسور، وقيل أبو الأسود، والأول أكثر. روى عن الليث بن سعد عن ابن أبي مليكة، قال: أخبرني المسور بن مخرمة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي صفوان: يا أبا صفوان في حديث ذكره. شهد مخرمة حنيناً وهو أحد المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه. وهو أحد الذين نصبوا أعلام الحرم لعمر رضي الله عنه. توفي رضي اله عنه بالمدينة سنة أربع وخمسين للهجرة. وقد بلغ مائة وخمس عشرة سنة وكف بصره في زمن عثمان. وله من الولد صفوان والمسور والصلت الاكبر وام صفوان والصلت الأصغر وصفوان الأصغر والعطاف الأكبر والعطاف الأصغر ومحمد. استأذن مخرمة على رسول صلى الله عليه وسلم، فلما سمع صوته، قال: بئس أخو العشير. فلما دخل بش به. فلما خرج. قالت له عائشة في ذلك. فقال: يا عائشة أعهدتني فحاشاً؟ إن شر الناس من يتقي شره. مربع بن قيظي: وقيل ابن قطن. قال الدارقطني: كان مربع أعمى منافقاً. وهو الذي سلك النبي صلى الله عليه وسلم في حائطه لما خرج إلى أحد. فجعل مربع يحثو التراب في وجوه المسلمين. ويقول: إن كنت نبياً فلا تدخل حائطي. المرزبان: بن فناخسرو هو الملك صمصام الدولة. أبو كاليجار بن عضد الدولة. ولي الملك بعد أبيه. لأنه لما توفي والده. أخفى خواصه موته وكتموه كتماناً بليغاً واستدعوا ابنه صمصام الدولة إلى دار المملكة. وأخرجوا عهداً من عضد الدولة بتوليته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 واستخلافه. وفيه مكتوب: قد قلدنا ابا كاليجار المرزبان بن عضد الدولة، والله يختار لنا وله حسن الخيرة. وبويع على ما في العهد. ثم إنهم التمسوا له من الطائع العهد والخلع واللواء. فبعث إليه بذلك جميعه. وجلس صمصام الدولة وقرئ العهد بين يديه. واستمر الحال على إخفاء موت عضد الدولة، إلى أن تمهد الامر لصمصام الدولة، واجتمعت الكلمة على الطاعة له. وكان صمصام الدولة، قد خاف من أخيه أبي الحسن أحمد فاعتقله، وكانت والدته ابنة نادر ملك الديلم، فخافهم صمصام الدولة. وعزمت أمه على كبس دار صمصام الدولة، وأن تلبس مثل الرجال، وتأتي بالرجال، وتخلص ولدها. فعلم بذلك صمصام الدولة فأطلقه وولاه شيراز وفارس. وقال له: الحق، قبل أن يصل إليها شرف الدولة. وأعطاه الأموال والرجال. فسبقه شرف الدولة إلى شيراز. وأقام أبو الحسن بالأهواز. بأبن أخاه صمصام الدولة وتلقب بتاج الدولة. وخطب لنفسه. فجهز إليه صمصام الدولة جيشاً من الترك والديلم، فهزمهم وقتل جماعة منهم. واستولى على الأهواز ووجد فيها أربعمائة ألف دينار وثلاثة آلاف وخمسمائة ثوب ديباج وأربعمائة رأس من الدواب. ووجد جمالاً وقماشاً. فاستولى على الجميع. وجاء الترك والديلم فاستخدمهم وأعطاهم وأحبوه وسار إلى البصرة فملكها ورتب فيها أخاه أبا طاهر ولقبه ضياء الدولة. ثم إنه في شهر رمضان سنة سبعين وثلاثمائة، شغب الجند على صمصام الدولة وفارقه أكثرهم وتسلل الأعيان منهم إلى شرف الدولة، منهم أبو نصر بن عضد الدولة. فعزم صمصام الدولة على الإصعاد إلى عكبرا. فبينا هو في ذلك. احتاطوا بداره وصاحوا بشعار شرف الدولة وخرقوا الهيبة. فانحدر إلى شرف الدولة بنفسه فتلقاه وأكرمه وأنزله في خيمة وأخدمه حواشيه ولما كان يوم العيد. جلس شرف الدولة جلوساً عاماً للتهنئة. ودخل الناس على طبقاتهم وجاء صمصام الدولة، فقبل الأرض ووقف عن يمين السرير. وجاء الشعراء وأنشدوا مدائحهم وغمز بعضهم في شعره بصمصام الدولة خبر. فقيل: حمل إلى فارس واعتقل بقلعة وكحل. وكانت مدة ايامه بالعراق ثلاث سنين وأحد عشر شهراً. وتوفي شرف الدولة سنة تسع وسبعين وثلاثمائة بعلة الاستسقاء. ونزل صمصام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الدولة من القلعة التي كان بها محبوساً هو وأخوه أبو طاهر. وكانا قد أقاما معتقلين بها مدة. ولم يعلم أحد منهما بصاحبه. ولما خلص صمصام الدولة من الاعتقال، سار إلى فارس وملك شيراز وأقام بها ملكاً إلى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. فاضطربت أموره. وتبسط الديلم عليه. وقصرت مواده عما يرضيهم. فاستولى الديلم على إقطاع والدته وحاشيته. وكان قد أسقط من الديلم ألف رجل، فتوجهوا إلى أبي نصر سهفيروزو أبي القاسم ابني عز الدولة بختيار، وهما مبحوسان في بعض قلاع فارس. وخدعوا الموكلين بهما. فصارت القلعة بحكمهما، وانضم إليهما الاكراد. فسار ابنا عز الدولة في جيش كثيف ومكا أرجان. ثم إنه مات ابن لصمصام الدولة، يقال له أبو شجاع. قد ترعرع ونشأ. فوجد عليه وجداً عظيماً ولم يبق بشيراز إلا من لبس السواد عليه. وكان صمصام الدولة يبكي عليه من أذنيه. وهذا من الغرائب. وأراد أن يصعد إلى القلعة، فلم يفتح له نائبها الباب. فدعا الأكراد واستوثق منهم واخذ أمواله وجواهره وكل ما يملكه. وطلب الأهواز. فما بعد عن شيراز حتى نهبوا جميع ما معه. وعرف أبو نصر خبره فبعث إليه جماعة من الديلم فقتلوه في رابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. وكان عمره خمساً وثلاثين وسبعة اشهر وسبعة عشر يوماً. وإمارته بفارس تسع سنين وثمانية أيام. مسافر بن إبراهيم: مسلم بن إبراهيم: أبو عمرو. الأزدي الفراهيدي. مولاهم البصري الحافظ؟ روى عنه البخاري وأبو داود. وروى الباقون عن رجل عنه. وكان ثقة. وكان يروي عن سبعين امرأة. وكان لا يحتاج إلى الجماع وفيه سلامة. وتوفي رحمه الله تعالى في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 صفر سنة اثنتين وعشرين ومائتين. مشرف بن علي: بن أبي جعفر بن كامل. الخالصي أبو العز الضرير المقرئ. قدم بغداد في صباه وأقام بها. وجود القرآن، وقرأ بالروايات. على أبي الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد الشهرزوري، وأبي منصور مسعود بن عبد الواحد بن محمد بن الحصين، وأبي الحسن علي بن أبي الغنائم المشتركي. وسمع الكثير من ابن الشهرزوري، ومسعود بن الحصين، وأبي الوقت عبد الاول وأبي بكر بن سلامة، وأحمد بن الصدر، وغيرهم. قال ابن النجار: كتبت عنه. وكان صدوقاً شيخاً صالحاً. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان عشرة. مظفر بن إبراهيم: بن جماعة بن علي بن سامي بن أحمد بن ناهض بن عبد الرزاق. أبو العز. موفق الدين الغيلاني الحنبلي الشاعر المصري. كان أديباً شاعراً مجيداً. صنف في العروض مختصراً جيداً، دل على حذقه. وله ديوان شعر. ولد في جمادى الآخرة سنة أربع واربعين وخمسمائة بمصر. وتوفي بها رحمه الله تعالى سنة ثلاث وعشرين وستمائة. ودفن بسفح المقطم. ومن شعره: كانما مشمشنا ... في الياسمين اليقق جلاجل من ذهب ... في ورق من ورق ومنه في الشمعة: جاءت بجسم لسانه ذهب ... تبكي وتشكو الهوى وتلتهب كأنها في يمين حاملها ... رمح لجين سنانه ذهب ومنه: ومورد الوجنات أخفى حبه ... عنه ولا يخفى عليه تموهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 في خده لعذاره ولخاله ... حرفان من يقرأهما يتأوه ومنه: قبلته فتلظى جمر وجنته ... وفاح من عارضيه العنبر العبق وجال بينهما ماء ومن عجب ... لا ينطفي ذاوولاذامنه يحترق ومنه: مولاي زرت وما عليك رقيب ... ومضيت والسلوان عنك عجيب كالطيف أو كهلال أول ليلة ... في الشهر تطلع ساعة وتغيب ومنه: مولاي مالك لا تحنو على دنف ... جفاك من هذه الدنيا وظيفته ما اسود خدك حتى ابيض مفرقه ... مما يقاسيه واسودت صحيفته ومنه في أمرد التحي: وشادن كان زمان الصبا ... بدولة المرد له صوله قد كتب الشعر على خده ... خفض فهذا آخر الدولة ومنه: حييت من أهوى بباقة نرجس ... نمت محاسنها على لحظاته وسقيته بيد المحبة خمرةً ... فبدت مصحفةً على وجناته ومنه: ومطرب لو صدقنا في محبته ... لهان منا عليه المال والروح غنى فملنا على ألحانه طرباً ... مثل الغصون إذا هبت بها الريح ومنه: يا حادياً بغنائه وبهائه ... يزداد فيه تشوقي وتلهفي شيئآن فيك صبا الفؤاد إليهما ... نغمات داود وصورة يوسف ودخل موفق الدين المذكور. على ابن سنا الملك. فقال له: يا أدريب. قد صنعت نصف بيت. ولي أيام أفكر فيه ولا يأتي تمامه. فقال: له ما هو فأنشده: بياض عذارى من سواد عذاره فقال موفق الدين: قد حصل تمامه. وأنشده: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 كما جل ناري فيه من جلناره فاستحسنه وجعل يعمل عليه. فقام موفق الدين، فقال له: ابن سنا الملك إلى أين؟ قال أقوم وإلا يطلع المقطوع من كيسي. وكان الوزير صفي الدين بن شكر قد توجه إلى مصر. فخرج أصحابه يتلقونه إلى الخشبي وهي المنزلة المعروفة المجاورة للعباسية. فكتب إليه الموفق المذكور يعتذر: قالوا إلى الخشبي سرنا على عجل ... نلقى الوزير جميعاً من ذوي الرتب ولم تسر أيها الأعمى فقلا لهم ... لم أخش من تعب ألقى ولا نصب وإنما النار في قلبي لوحشته ... وكيف أجمع بين النار والخشب وقد أكثر أهل عصره الهجو فيه. فقال فيه نشء الملك ابن المنجم: قالوا يقود أبو العز قلت هذا عناد أعمى يقود عهدي بكل أعمى يقاد وكان الموفق يقرأ في مسجد كهف الدين طغان. فكتب ابن المنجم إليه: يا كهف دين الله يأوي له ... فتية كهف قط لم يكفروا لا تظلم إلا ستبطل في كفهم ... فهو بسب الناس مستهتر ولا تقل دعه يكن كلبهم ... فكلب أهل الكهف لا يعقر فطرده طغان من المسجد. فقال فيه ابن المنجم: أبا العز قل لي ولا تجحد ... علام نفوك من المسجد أحقاً رأوك على أربع ... وفي اس ... فيشله الأسود لقد كذبوا وتجنوا عليك ... بما سوف يلقونه في غد وحاشاك من سجدة للعبيد ... فأنت لربك لم تسجد وقال فيه ايضاً: قالوا هجاك أبو العز الضرير ولم ... تجبه إلا بتهديد وإنذار فقلت لا تعجبوا فالخوف أقلقه ... العير يضرط والمكواة في النار المظفر بن القاسم: بن المظفر بن علي بن الشهرزوري. أبو منصور بن أبي أحمد. ولد بإربل. ونشأ بالموصل. وقدم بغداد في صباه. وتفقه على أبي إسحاق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 الشيرازي. وسمع منه ومن الشريف أبي نصر الزينبي، وأبي الغنائم محمد بن علي بن أبي عثمان، وغيرهم. وعاد إلى الموصل وولي قضاء سنجار. بعد علو سنه، وسكنها. وأضر في آخر عمره. وقدم بغداد سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وحدث بها. وسمع منه أبو سعد السمعاني وعبد الخالق بن عبد الوهاب الصابوني. وكان شيخاً فاضلاً صالحاً، كثير العبادة، مليح الشيبة. ولد سنة سبع وخمسين واربعمائة. معاوية بن سفيان: أبو القاسم الأعمى. شاعر. رواية. أحد غلمان الكسائي. كان معلم أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب ونديمه. ثم إنه اتصل بالحسن بن سهل يؤدب ولده. فعتب عليه في شيء، فقال يهجوه: لا تحمدن حسناً في الجود إن مطرت ... كفاه غزراً ولا تذممه إن رزما فليس يمنع إبقاءً على نسب ... ولا يجود لفضل الحمد مغتنما لكنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع لا بخلاً ولا كرما ومن شعره: أتدري من تلوم على المدام ... فتىً فيها أصم عن الكلام فتىً لا يعرف النشوات إلا ... بكاسات وطاسات وجام وكتب إلى الحسن بن سهل: ما كان أقصر عمر فاكهةً ... جاءت إلينا ثم لم تعد ولدت غداة السبت صالحةً ... فينا وماتت ليلة الأحد معن بن أوس: المزني. شاعر مجيد مخضرمي الجاهلية والإسلام. كان له بنات وكان يكرمهن ويحسن إليهن. فولد لبعض عترته بنت فكرهها، فقال: رأيت رجالاً يكرهون بناتهم ... فيهن لا تكذب نساء صوالح وفيهن والأيام يعثرن بالفتى ... نوادب لا يمللنه ونوائح ومر عبيد الله بن العباس بمعن، وقد كف بصره، فقال: يا معن كيف حالك؟ فقال: ضعف بصري وكثر عيالي وغلبني الدين. فقال: وكم دينك؟ قال: عشرة آلاف درهم. فبعث بها إليه. فمر به من الغد، فقال: كيف أصبحت يا معن؟ فقال: أخذت بعين المال حتى نهكته ... وبالدين حتى ما أكاد أدان وحتى سألت القرض عند ذوي الغنى ... فرد فلان حاجتي وفلان فقال له عبيد الله: الله المستعان. إنا بعثنا إليك بالأمس لقمةً. فمالكتها حتى انتزعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 من يدك. فأي شيء الأهل والقرابة والجيروان؟ وبعث إليه بعشرة آلاف درهم أخرى. فقال: إنك فرع من قريش وإنما ... يمج الندى منها البحور القوارع ثو وإقادةً للناس بطحاء مكة ... لهم وسقايات الحجيح الدوافع فلما دعوا للموت لم تبك منهم ... على حادث الدهر العيون الدوامع مغيرة بن مقسم: الضبي الكوفي. أبو هاشم الكوفي الأعمى. أحد الأعلام. من موالي بني ضبة. تفقه بإبراهيم النخعي وبالشعبي. وروى عنهما، وعن أبي وائل شقيق، ومجاهد. وقال: ما وقع في مسامعي شيء فنسيته. وكان عثمانياً، إلا أنه كان يحمل على علي بعص حمل. وقال: إذا تكلم اللسان بما لا يعنيه، قال القفا: واحرباه. وقال: من طلب الحديث، قلت صلاته. قال أحمد بن حنبل: مغيرة بن مقسم صاحب سنة، ذكي حافظ، في روايته عن إبراهيم ضعف. توفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وثلاثين ومائة، وقيل سنة اربع وثلاثين ومائة. وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. مفرج بن موفق: بن عبد الله. الشيخ الصالح العابد ذو الكرامات أبو الغيث الدماميني. ذكره الشيخ الصفي بن أبي المنصور وذكر عنه كرامات. وذكر أنه كان أولاً مجذوباً ثم صحب الشيخ أبا الحسن بن الصباغ. وذكر الشيخ عبد الكريم أنه صحب أبا الحجاج الأقصري. وذكره الحافظ رشيد الدين العطار، وقال: من مشاهير الصالحين ومن ترجى بركة دعائه. وذكرت عنه بركات وتعبد. نفعنا الله به! وكان قد عمر وبلغ نحواً من تسعين سنة. وكف بصره آخر عمره، وقال: سمعته يقول: التقوى مجانبة ما حرم الله تعالى. وسمعته يقول: من تكلم في شيء لا يصل إلى علمه، كان كلامه فتنةً لسامعه. وتوفي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وستمائة. ولما قبض الصالح نجم الدين أيوب على أخيه العادل قبض على بني الفقيه نصر بسبب العادل. لأنه ابن الكامل من شمسة. وكانت أولا جارية لابن الفقيه نصر. وكانوا جماعة بقوص، ولهم إحسان لى الفقراء والفقهاء وغيرهم. فتوجه الشيخ مجد الدين علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 بن وهب القشيري والد الشيخ تقي الدين ين دقيق العيد والشيخ مفرج بسببهم إلى القاهرة. فلما وصلا إليها أرسل السلطان إليه يقول له: لولا العوام جئت إليك. وطلب منه الحضور، فطلع ودخل عليه. وكان عادته أول ما يرى شخصاً يقول له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقاطعوا ولا تباغضوا. ويسوق الحديث. فلما رأى السلطان قال له: أنت السلطان؟ قال: نعم. فروى الحديث، فوجم السلطان خشية أن يشفع في العادل. فلما ذكر أولاد الفقيه نصر، سري عنه ورسم بإطلاق بني نصر ورفع الحوطة عنهم. وأخرج الحريم إلى الشيخ حتى لمس رؤسهن ودعا لهن. وكان يقال له في الطريق: يا سيدي! إذا دخلت على السلطان ايش تقول له؟ فقال: يا أولادي! كل كلام معبي مفسود. مقلد بن أحمد: بن محمد أبو الحمائل، المعروف والده بحشيش التكريتي. قال محب الدين ابن النجار: ذكر لي القاضي عبد الرحمن بن يحيى التكريتي أنه كان يقول الجيد من الشعر، في غير معرفة بالأدب. وأنه رثى الأمير أبا الحسن علي بن الإمام الناصر بقصيدة وأنشدها ببغداد، وسمعها منه جماعة. وأضر آخر عمره. وولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة. ووفاته رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثين وستمائة. ومن شعره: مكي بن ريان: بن شبة الماكسيني النحوي أبو الحرم. قدم بغداد وجالس شيوخها. ومات رحمه الله تعالى بالموصل سنة ثلاث وستمائة. وقرا ببغداد علي أبي محمد بن الخشاب، وعلى أبي الحسن بن العطار، وعلى أبي البركات ابن الأنباري، وبالموصل على أبي بكر بن سعدون القرطبي وغيره. وقرأ عليه أهل الموصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وتخرج به أعيان زمانه من أهلها. ومضى إلى الشام وعاد إلى الموصل. قال ياقوت رحمه الله: رأيته وكان شيخاً طوالاً على وجهه أثر الجدري إلا أنني ما قرات عليه شيئاً. وكان حراً كريماً صالحاً صبوراً على المشتغلين. يجلس لهم من سحر إلى أن يصلي العشاء الآخرة. وكان من أحفظ الناس للقرآن، ناقلاً للسبع. وكان قد أخذ من كل علم طرفاً وسمع الحديث فأكثر. ومن شعره: إذا احتاج النوال إلى شفيع ... فلا تقبله تضح قرير عين إذا عيف النوال لفرد من ... فأولى أن يعاف لمنتين وكان يتعصب لأبي العلاء المعري ويطرب إذا قرئ عليه شعره، للجامع بينهما من الأدب والعمى. لأنه اضر بأخرة. وكان أولاً في ماكسين يعرف بمكيك، تصغير مكي. فلما ارتحل عن ماكسين وتميز واشتغل، اشتاق إلى وطنه. فعاد إليها وتسامع به الناس، ممن كان قد بقي يعرفه. فزاروه وفرحوا بفضله. فبات تلك الليلة فلما كان من الغد خرج لى الحمام سحر، فمسع امرأة تقول من غرفتها لأخرة: ما تدرين من جاء؟ قالت: لا. قالت: مكيك بن فلانة. فقال: والله لا أقمت في بلد أدعى فيه بمكيك! وسافر من وقته إلى الموصل بعد ما كان قد نوى الإقامة في وطنه. وماكسين بليدة على نهر الخابور من أعمال الجزيرة. مكي بن علي: بن الحسن الحريري أبو الحرم الضرير. الفقيه الشافعي المعروف بالعراقي. قرا الفقه ببغداد على أبي منصور سعيد بن محمد بن الرزاز. وسكن دمشق إلى حين وفاته. وتفقه بها على أبي السحن علي بن المسلم السلمي. وسمع منه ومن الفقيه نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي. وحدث باليسير. وتوفي رحمه اله تعالى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة. منصور بن إسماعيل: بن عمر أبي الحسن. الفقيه الشافعي التميمي. أصله من رأس العين. وهو من أصحاب الشافعي. كان ضريراً. وله مصنفات في المذهب، مليحة. منها: الواجب، والمستعمل، والمسافر، والهداية. وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الفقهاء. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثمائة بمصر. أصابته مسغبة شديدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 في سني القحط فرقي سطح داره ونادى بأعلى صوته في الليل: الغياث الغياث يا أحرار ... نحن خلجانكم وأنتم بحار إنما تحسن المواساة في الشد ... ة لا حين ترخص الأسعار فسمع جيرانه. فأصبح على بابه مائة حمل من بر. وكان جندياً قبل عماه، ويظهر في شعره التشيع. ومن شعره: عاب التفقه قوم لا عقول لهم ... وما عليه إذا عابوه من ضرر ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة ... أن لا يرى ضوءها من كان ذا بصر ومنه: الكلب احسن عشرة ... وهو النهاية في الخساسة ممن ينازع في الرئاسة ... قبل أوقات الرئاسة ومنه: لي حيلة فيمن ينم ... وليس في الكذاب حيله من كان يخلق ما يقو ... ل فحيلتي فيه قليله ومنه: كن بما أوتيته مغتبطاً ... تستدم عمر القنوع المكتفى إن في نيل المنى وشك الردى ... وقياس القصد عند السرف كسراج دهنه قوته ... فإذا غرقته فيه طفى مهنا بن علوي: بن مهنا. أبو بكر. الضرير المقرئ الدممي الوالدمم قرية على الفرات. قدم بغداد في صباه، وحفظ القرآن وجوده، وسمع الكثير من أبي الحسين عبد الخالق بن أحمد بن يوسف، ومن جماعة. وكان صالحاً. قال: محب الدين ابن النجار: وسمع معنا كثيراً بالحلقة بجامع القصر، وكتبنا عنه شيئاً يسيراً. وكان حسن الشكل. موسى بن سلطان: بن علي أبو الفضل. البابوني. الضرير المقرئ البغدادي. قدم بغداد صبياً وسكنها إلى حين وفاته. وقرأ بالروايات، على أبي الكرم المبارك بن الحسن بن أحمد الشهرزوري، وعلى غيره. وسمع من أبي الوقت، وحدث باليسير. وكان شيخاً صالحاً صدوقاً. قال: محب الدين ابن النجار كتبنا عنه، وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وتسعين وخمسمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 المؤمل بن أميل: المحاربي الكوفي. كان شاعراً مجيداً. مدح المهدي مرةً فأجازه ألف دينار، وتوفي رحمه الله في حدود التسعين والمائة. وهو القائل في امرأة كان يهواها من أهل الحيرة شف المؤمل يوم الحيرة النظر ... ليت المؤمل لم يخلق له بصر فيقال إنه بات تلك الليلة، فرأى رجلاً في المنام أدخل إصعيه في عينيه، وقال: هذا ما تمنيت. فأصبح أعمى. ومن هذه القصيدة: يكفي المحبين في الدنيا عذابهم ... والله لا عذبتهم بعدها سقر وامتدح المهدي وهو ولي عهد، فأمر له بعشرين ألف درهم. فبلغ المنصور ذلك، فكتب إليه يلومه. وقال: إنما كان ينبغي أن تعطيه أربعة آلاف درهم، بعد أن يقيم ببابك سنة. وأجلس قائداً من وقواده على جسر النهروان وأن يتصفح وجوه الناس، حتى مر به المؤمل فأخذه ودخل به على المنصور فسلم. فقال: من أنت؟ قال: المؤمل بن أميل. قال: أتيت إلى غلام غر خدعته. قال: نعم أصلح الله أمير المؤمنين أتيت غلاماً كريماً فخدعته فانخدع. فكأن ذلك أعجب المنصور. فقال: أنشدني ما قلت فيه. فأنشده القصدية التي منها: هو المهدي إلا افيه ... مشابهةً من القمر المنير تشابه ذا وذا فهما إذا ما ... أنارا مشكلان على البصير فهذا في الظلام سراج ليل ... وهذا في النهار ضياء نور ولكن فضل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير وبالملك العزيز فذا أمير ... وماذا بالأمير ولا الوزير وبعض الشهر ينقص ذا وهذا ... منير عند نقصان الشهور فقال: والله أحسنت، ولكن هذا لا يساوي عشرين ألف درهم. فأين المال؟ فقال: هوذا. فقال: يا ربيع! امض معه فأعطه أربعة آلاف درهم. وخذ الباقي. ففعل. فلما تولى المهدي رفع المؤمل رقعةً ذكر فيها واقعته، فضحك. وقال: ردوا إليه عشرين ألف درهم. فردت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 حرف النون نابت أبو الزهر الضرير. قال العماد الكاتب: كان يحفظ كتاب سيبويه. وكان هجاءً. ومن شعره في الهجاء قوله: ونابت هو في ذا الدهر نائبة ... وأقرع وهو عندي من قوارعه قفاه يشهد وهو العدل أن يدى ... لا توقع الصفع إلا في مواقعه نصر بن الحسن بن جوشن بن منصور بن حميد، يتصل بمضر بن نزار بن معد بن عدنان. أبو المرهف النميري الضرير الشاعر. قدم بغداد وسكنها إلى حين وفاته، سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وحفظ القرآن المجيد، وتفقه لابن حنبل، وسمع من القاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، وأبي البركات عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي، وأبي الفضل محمد بن ناصر، وغيرهم. وقرأ الأدب على أبي منصور الجواليقي. ومدح الخلفاء. والأكابر. وحدث. وكان زاهداً ورعاً. وكان كثير الانقطاع إلى الوزير ابن هبيرة. ومن شعره: مافي قبائل عامر ... من معلم الطرفين غيري خالي زعيم عبادة ... وأبي زعيم بني نمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 ومنه أيضاً: متى يتألف الشمل الصديع ... وآمن من زماني ما يروع وتأنس بعد وحشتنا بنجد ... منازلنا القديمة والربوع ذكرت بأيمن العلمين عصراً ... مضى والشمل ملتم جميع فلم أملك لدمعي ردغرب ... وعند الشوق تعصيك الدموع النفيس بن معتوق بن يحيى بن فارس بن وهب. الأسدي. أبو الخير الضرير البغدادي. سكن رحبة الشام، وتفقه بها على أبي الحسن ابن المتقنة. ثم إنه أقام بدمشق في آخر عمره. وروى بها أرجوزة ابن المتقنة في الفرائض. نوح بن دراج القاضي بالجانب الشرقي من بغداد الكوفي الفقيه. أحد المجتهدين. تفقه على أبي حنيفة، وعلى عبد الله بن شبرمة. كذبه يحيى بن معين. وقال ابن حبان: روى موضوعات. وضعفه النسائي وغيره، وأضر بأخرة. وبقي يحكم ثلاث سنين حتى فطنوا له. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وثمانين ومائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 حرف الهاء هارون بن معروف أبو علي المروزي. كان خزازاً وأضر بأخرة. وروى عنه مسلم وأبو داود. وروى البخاري عن رجل عنه. وأحمد وصالح جزره، وغيرهم. وقال: رأيت في المنام. قيل لي: من آثر الحديث على القرآن عذب. قال: فظننت أن ذهاب بصرى من ذلك. وكان صدوقاً فاضلاً صاحب سنة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثلاثين ومائتين. هارون بن الحاتك الضرير النحوي. أحد أعيان أصحاب ثعلب. وكان يوزن بوزنه. أصله يهودي من الحيرة. وكان الوزير عبيد الله بن سليمان أرسل إلى ثعلب في الاختلاف إلى ولده القاسم فأبى واحتج عليه بالضعف. فقال: أنقذ إلي من ترتضيه من أصحابك. فأنفذ هرون الضرير، فاستحضر عبيد الله أبا اسحاق الزجاج، وجمع بينهما، فسأله الزجاج. كيف تقول: ضربت زيداً ضرباً؟ فقال: ضربت زيداً ضرباً. فقال: كيف تكنى عن زيد والضرب؟ فأفحمه ولم يجبه وحار في يده وانقطع انقطاعاً قبيحاً وكان ذلك سبب منيته. وما كان هرون يذهب عليه ذلك، وجواب المسألة أن تقول: ضربته إياه. ولهارون من التصانيف: كتاب العلل في النحو، وكتاب الغريب الهاشمي واختلف فيه فقيل إنه لثعلب. هبة الله بن سلامة أبو القاسم. المقرئ الضرير المفسر. كان من أحفظ الناس. للتفسير والنحو والعربية. وكانت له حلقة بجامع المنصور في بغداد. وسمع الحديث من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 أبي بكر بن مالك القطيعي وغيره. وله كتاب الناسخ والمنسوخ، وله مسائل منثورة في العربية. وأبو محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي المحدث هو ابن بنت هذا. هبة الله بن عبد الرحيم بن إبراهيم. شيخ الإسلام، ومفتي الشام، القاضي شرف الدين أبو القاسم بن القاضي نجم الدين ابن القاضي الكبير شمس الدين ابن الطاهر بن المسلم الجهني الحموي الشافعي البارزي قاضي حماة، صاحب التصانيف. ولد سنة خمس وأربعين وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، في ذي القعدة. سمع من أبيه وجده، وابن هامل والشيخ إبراهيم بن الأرموي يسيراً. وتلا بالسبع على التاذفي. واجاز له نجم الدين البادراي، والكمال الضرير، والرشيد العطار، وعماد الدين ابن الحرستاني، وعز الدين بن عبد السلام، وكمال الدين ابن العديم. وبرع في الفقه وغيره. وشارك في الفضائل، وانتهت إليه الإمامة في زمانه، ورحل إليه. وكان من بحورالعلم، قوي الذكاء، مكباً على الطلب، لا يفتر ولا يمل، مع الصون والدين والفضل والرزانة والخير والتواضع. وكان جم المحاسن كثير الزيارة للصالحين حسن المعتقد. اقتنى من الكتب. شيئاً كثيراً. وأذن لجماعة بالإفتاء، وحكم بحماة دهراً. ثم إنه ترك الحكم وذهب بصره. وحج مرات. وحدث بأماكن. وحمل عنه خلق. وكان يرى الكف عن الخوض في الصفات. ويثنى على الطائفتين. ولما توفي أغلقت حماه لمشهده. وله من التصانيف. تفسيران، وكتاب بديع القرآن، وشرح الشاطبية، وكتاب الشرعة في السبعة، والناسخ والمنسوخ، ومختصر جامع الأصول، والوفا في شرف المصطفى، والأحكام على أبواب التنبيه، وغريب الحديث. كبير، وشرح الحاوي، أربع مجلدات، ومختصر التنبيه، والزبدة في الفقه، وكتاب المناسك، وكتاب عروض، وغير ذلك. ووقف كتبه. وهي تساوي مائة ألف درهم. وباشر القضاء بلا معلوم لغناه عنه. ولا اتخذ درةً. ولا عزر أحداً قط، ولا ركب بمهماز ولا بمقرعة وعين مرات لقضاء مصر فاستعفى. وكانت جلالته عجيبة مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 تواضعه. وكان قد أخذ الفقه عن والده وجده، وجده عن القاضي عبد الله بن إبراهيم الحموي، وعن فخر الدين بن عساكر. وأخذ القاضي عبد الله عن أبي سعد بن أبي عصرون، عن الفارقي، عن أبي إسحاق الشيرازي، عن القاضي أبي الطيب. وأخذ الفخر عن القطب مسعود النيسابوري، عن عمر بن سهل السلطان، عن الغزالي، عن إمام الحرمين، عن أبيه، عن أبي بكر القفال. وقال لي: غير واحد إن الشيخ برهان الدين بن تاج الدين الفزاري شيخ دمشق. كان يقول مع جلالته وددت لو سافرت إلى حماة وقرأت التنبيه على القاضي شرف الدين البارزي. وله مما يقرا معكوساً سور حماة بربها محروس هبة الله بن علي بن ملكا. أبو البركات أوحد الزمان الطبيب الفاضل. كان يهودياً وسكن بغداد وأسلم في أخر عمره. خدم المستنجد. ودخل يوماً على الخليفة فقام الحاضرون سوى قاضي القضاة فإنه لم يقم له. فقال: يا أمير المؤمنين. إن كان القاضي لم يوافق الجماعة لكوني على غير ملته. فأنا أسلم ولا ينتقصني فاسلم. وكان له اهتمام بالغ في العلوم. وفطرة فائقة. وكان مبدأ أتعلمه الطب. أن أبا الحسن سعيد بن هبة الله. كان له تصانيف وتلامذة. وكان لا يقرئ يهودياً. وكان أوحد الزمان يشتهي أن يقرأ عليه وثقل عليه بكل طريق فما مكنه فكان يتخادم للبواب ويجلس في الدهليز. فلما كان بعد سنة جرت مسألة وبحثوا فيها ولم يتجه لهم جواب عنها. فدخل وخدم الشيخ؟ وقال يا سيدي بإذنك أتكلم، فقال: قل. فأجاب بشيء من كلام جالينوس. وقال يا سيدنا هذا جرى في اليوم الفلاني في ميعاد فلان فاستعلم حاله فأوضحه. فقال إذا كنت كذا فما نمنعك. فقربه وصار من أجل تلامذته. وكان في بغداد مريض بالماليخوليا يعتقد أن على رأسه دنا وأنه لا يفارقه فيتحايد السقوف القصيرة ويطأطئ راسه فأحضره أبو البركات عنده وأمر غلامه أن يرمي دنا بقرب رأسه وأن يضربه بخشبة يكسره فزال بذلك الوهم عن الرجل وعوفي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وأضر أبو البركات في آخر عمره، وكان: يملي على الجمال بن فضلان. وعلى ابن الدهان المنجم. وعلى يوسف والد عبد اللطيف. وعلى المهذب النقاش. كتاب المعتبر وهو كتاب جيد. وله مقالة في سبب ظهور الكواكب ليلاً وخفائها نهاراً، وإختصار التشريح، وكتاب أقراباذين. ومقالة في الدواء الذي ألفه وسماه برشعثا. ورسالة في العقل، وغير ذلك. ومن تلامذته المهذب بن هبل. وتوفي في حدود الستين وخمسمائة. وعاش ثمانين سنة. وكان كثيراً ما يلعن اليهود. قال مرةً بحضور ابن التلميذ لعن الله اليهود. فقال: نعم وأبناء اليهود. فوجم لذلك وعرف أنه عناه. هشام بن معاوية أبو عبد الله الضرير النحوي الكوفي. صاحب أبي الحسن على الكسائي. أخذ عنه كثيراً من النحو. وله فيه مقالة تعزى إليه. وله فيه تصانيف، منها: كتاب الحدود وهو صغير. وكتاب المختصر. وكتاب القياس. وغير ذلك، كان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب قد كلم المامون يوماً فلحن في كلامه فنظر إليه المأمون ففطن لما أراد وخرج من عنده. وجاء إلى هشام المذكور وقرأ النحو عليه. وتوفي هشام المذكور رحمه الله تعالى سنة تسع ومائتين. قال أبو نصر سندي بن صدقة: كنت أهوى غلاماً يقال له إسحاق من أبناء الكتاب، وكان هشام الضرير يعرف أمري معه. فقال لي يوماً: يا أبا نصر رأيت في النوم كأنك بطحت إسحاق وأنت تضربه. فقلت له: إن صدقت رؤياك نلت أملي منه: فلم أزل حتى خلوت معه. فقلت: ما رأينا كمثل رؤيا هشام ... لم تكن من كواذب الأحلام كأن تأويلها وقد يكذب الحا ... كم ... وشرب صفو المدام في ندامى كأنهم أوبة الأحب ... اب من حسن منطق وندام فاقترحنا ونحن أنضاء شكر ... من لقلب متيم مستهام ذاك حتى بدا وقد وضح الفج ... ر ومال الصباح بالإظلام جادلي أحمد قدت نفسة نف ... سي ما شئت من صنوف الحرام ولقد كان بعد بطح ونطح ... واغتلام ما تشتهي من غلام همام بن غالب أبو الحسن السعدي. الضرير الموصلي الشاعر. قدم بغداد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 ومدح بعا عضد الدولة. وابن بقية الوزير. وقاضي القضاة ابن معروف. وكان مجدوراً جهوري الصوت يقوده أخوه. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبين وثلاثمائة. دخل مرة على ابن بقية وأنشده قصيدة أولها ما تأبيت في الديار الخلاء ومطط إنشاده وطوله. فقال ابن بقية لما فرغ من المصراع الأول: أبعد وهذا الذي قد تهوع علينا في الخلاء، وأعطوه جائزته. وقطع إنشاده. وقال في القاضي ابن معروف: اليوم أشرق وجه الدين وابتسما ... وازداد نوراً بأسنى قادم قدما قاضي القضاة الذي حلت ما ثره ... فوق النجوم وساد العرب والعجما يزين الحكم أحكام له سمعت ... ترى الأصالة فيما حاولت أمما أقام سوق المعالي بعدما كسدت ... ورد الشعر ذكراً بعدما انخرما أبو هلال بن سليم: الراسبي البصري. قال أبو حاتم: كان محله الصدق. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الشيخ شمس الدين الذهبي: علق له البخاري. وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. وتوفي رحمه الله تعالى في حدود السبعين والمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 حرف الواو وشاح بن جواد بن أحمد بن الحسن بن جواد. أبو طاهر الضرير المقرئ. من أهل قرية دازربجان بالدال المهملة والألف والزاي والراء والباء الموحدة والجيم والألف والنون، وهي بين المدائن وبغداد. سكن بغداد إلى أن توفي رحمه الله تعالى سنة ثمانين وخمسمائة. قرأ القرآن على المشايخ، وسمع من أبي طالب بن يوسف، وغيره. وحدث باليسير. روى عنه ابن الأخضر. وكان شيخاً صالحاً جيد التلاوة. وصلى أياماً بالوزير علي بن طراد الزينبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 حرف الياء يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن علي. الجذامي الإمام المقرئ المعمر. شرف الدين. أبو الحسين بن نجيب الدين بن الصواف الإسكندري الشروطي. ولد سنة تسع وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمس وسبعمائة. وسمع في سنة خمس عشرة من ناصر الأغماي، وسمع من محمد بن عماد، الخلعيات. ومن جمال الدين ابن الصفراوي، وتلا عليه بالثمان. وسمع من جعفر بالهداني، ومن جده، وطائفة. ثم إنه كبر وثقل سمعه وذهب بصره. ولحقه العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن على السبكي الشافعي بآخر رمق، فلقنه أاديث سمعها نه. وسمع منه الشيخ شمس الدين الذهبي، ثلاثة أجزاء. يحيى بن الحسين بن أحمد بن حميلة، أبو زكرياء الأواني الضرير المقرئ. قدم بغداد في صباه. وأتقن القرآن بالروايات الكثيرة على المشايخ. وسمع الكثير. ولازم مجالس العلم. وحصل النسخ والأصول. ولم يزل في التحقيق والتجويد وضبط القراآت. وقرأ عليه خلق كثير وجم غفير، قال محب الدين ابن النجار: قرأت عليه ولم يكن ثقة ولا مر ضيافي دينه ولا روايته. وكان يرتكب لافواحش والمنكرات في المساجد، رأيته مراراً يبول في بالوعة المسجد، ويخل بالصلوات، ولا فرق عنده بين المسجد وأقمين الحمام في الحرمة، وزاد في ذمه. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وستمائة. وكان يحقق التلاوة، وحفظ القراآت، ومعرفة وجوهها وعللها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 يحيى بن هذيل: بن عبد الملك بن هذيل بن إسمعيل. التميمي القرطبي الشاعر. سمع. وروى، وتوفي رحمه الله تعالى سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وكان يعرف بالكفيف وهو شيخ الرمادي. ومن شعره: لا تلمني على الوقوف بدار ... أهلها صير والسقام ضجيعي جعلوا لي إلى هواهم سبيلا ... ثم سدوا علي باب الرجوع يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور بن المعمر بن عبد السلام. الشيخ الإمام الزاهد الضرير. جمال الدين. أبو زكرياء الصرصري البغدادي الحنبلي اللغوي الأديب الناظم صاحب المدائح النبوية السائرة في الآفاق. لا أعلم شاعراً أكثر من مدائح النبي صلى الله عليه وسلم أشعر منه. وشعره طبقة عليا. وكان فصيحاً. بليغاً. يدخل شعره في ثمان مجلدات. وكله جيد وله قصائد التزم في كل حرف ظاءً. وأخرى في كل كلمة منها ضاد. وأخرى في كل كلمة منها زاي. وهكذا الحروف الصعبة. وأخرى في كل بيت حروف المعجم، وهذا دليل القدرة والإطلاع والتمكن. ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة. وروى الحديث. وتوفي رحمه الله في سنة ست وخمسين وستمائة. دخل عليه التتار في كائنة بغداد وكان ضريراً فطعن بعكازه بطن واحد فقتله. ثم إنه قتل شهيداً، ومن شعره يمدح النبي صلى الله عليه وسلم. بين السهاد وبين جفنك آخى ... زمن تقادم عهده وتراخى هل ناشد خبر الحمى لمتيم ... صب إذا ذكر الحجاز اصاخا لولا جوى يحلو له ما اعتاض من ... ريف الحضارة حرةً وسباخا يا سائق البزل البوادن طالبا ... خير المنازل للركاب مناخا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 بلغ إلى الحرم الشريف رسالة ... عن ذي بلابل وقده ما باخا هل لي إلى تلك الأباطح عودة ... لا زال صوب غمامها نضاخا وإذ لحللت بأرض طيبة داره ... جمعت مناقب تعجز النساخا بلغ سلام محلا عن وردوه ... والماء قد روى العطاش نقاخا فبعطف من فيها يبدل خوفه ... أمناً ويفرخ كربه إفراخا يا خاتم الرسل الكرام وفاتح الخيرات ... يا متواضعاً شماخا يا من به الإسلام أصبح طاهراً ... وبقهره الكفر المشقشق داخا يا من رست وسمت قواعد دينه ... وبه هوى أس الضلال وساخا يا خير من شد الرحال لقصده ... حادي المطي وفي هواه أناخا عطفاً على عبد تعلق حبكم ... طفلاً وفي صدق المحبة شاخا فامنن علي بنظرة تجلو الصدى ... عنه وتنفى الهم والأوساخا وأسأل لي الله المهيمن عزم من ... في الدين أضحى ثابتاً رساخا فلعلني أكفى غوائل ناصب ... شر كالنا من كيده وفخاخا يجري مع الدم بالوساوس نافثاً ... في الصدر همازاً به نفاخا وأفوز بالبشرى إذا ورد الورى ... يوم القيامة جاحماً طباخا فنجا التقى ولم يدر في قعرها ... إلا غوياً معولاً صراخا ومنه: لغز في حرف الكاف وحرف من حروف الخط ليست ... علامته على العلماء تخفى يكوتن اسماً مع الأسماء طوراً ... وطوراً في الحروف يكون حرفا تراه يقدم الأسماء طرا ... ويمنع من مشابهها وينفى يصير أمامها ما دام حرفاً ... وإن سميته فيصير خلفا وقد تلقاه بين اسم وفعل ... قد اكتنفاه كالأبوين لفا ومنه: في عدد أسنان الإنسان ثنيات الفتى ورباعيات ... وأنياب الفتى كل رباع وأربع الضواحك ثم ست ... وست في طواحنها انتفاع وأربع النواجذ ما لماض ... إذا ثغر الفتى منها ارتفاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 يعقوب بن داود بن عمر بن عثمان بن طهمان. السلمي بالولاء. مولى أبي صالح عبد الله بن حازم السلمي والي خراسان. كان يعقوب كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. وكان أبوه داود وأخوته كتاباً لنصر بن سيار عامل خراسان. ولما ظهر المنصور على إبراهيم المذكور حبس يعقوب في المطبق. وكان يعقوب سمحاً جواداً كثير البر والصدقة واصطناع المعروف. وكان مقصوداً ممدحاً، فلما مات المنصور وقام المهدي من بعده، جعل يتقرب إليه حتى أدناه واعتمد وعلت منزلته عنده وعظم شأنه، حتى خرج كتابه إلى الديوان، أن أمير المؤمنين قد آخى يعقوب بن داود. فقال في ذلك سلم الخاسر. قل للإمام الذي جاءت خلافته ... تهدى إليه بحق غير مردود نعم القرين على التقوى استعنت به ... أخوك في الله يعقوب بن داود وحج المهدي ويعقوب معه ولم يكن ينفذ شيء من كتب المهدي حتى يرد كتاب الوزير يعقوب معه. إلى أمينه بإنفاذه. وكان المنصور قد خلف في بيوت المال ألف ألف درهم وستين ألف الف درهم. وكان الوزير أبو عبيد الله بشير على المهدي بالاقتصاد في الإنفاق وحفظ الأموال. فلما عزله وولى يعقوب بن داود. زين له هواه فأنفق الأموال على اللذات والشرب وسماع الغناء واشتغل يعقوب بالتدبير. وفي ذلك قال بشار بن برد: بني أمية هبوا طال نومكم ... إن الخليفة يعقوب بن داود ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا ... خليفة الله بين الناي والعود ثم إن يعقوب ضجر مما هو فيه فسأل المهدي الإقالة فامتنع عليه. ثم إن المهدي أراد أن يمتحنه في ميله إلى العلوية. فدعا به يوماً وهو في مجلس فرشه موردة، وعليه ثياب موردة، وعلى رأسه جارية عليها ثياب موردة، وهو مشرف على بستان فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 صنوف من الورد. فقال له: يا يعقوب كيف ترى مجلسنا. فقال: في غاية الحسن متع الله أمير المؤمنين به. فقال: جميع ما هو فيه لك والجارية لك ليتم سرورك. وقد أمرت لك بمائة ألف درهم فدعا له. فقال له المهدي: لي إليك حاجة فقام قائماً. وقال: ما هذا يا أمير المؤمنين إلا لموجدة وأنا أستعيذ بالله من سخطك. فقال: أحب أن تضمن قضاءها، فقال السمع والطاعة. فقال له: والله! قال. والله! ثلاثاً. فقال: ضع يدك على راسي واحلف به. ففعل. فلما استوثق منه، قال: هذا فلان ابن فلان من العلوية أحب أن تكفيني مؤونته وتريحني منه. فخذه إليك فحوله وحول الجارية، وما كان في المجلس فلشدة سروره بالجارية جعلها في مجلس يقرب منه. ووجه فأحضر العلوي فوجده لبيباً فهماً، فقال له: ويحك يا يعقوب تلقى الله بدمي وأنا رجل من ولد فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له: يعقوب يا هذا. أفيك خير؟ فقال: إن فعلت معي خيراً شكرت لك ودعوت لك، فقال: خذ هذا المال وخذ أي طريق شئت، فقال طريق. كذا وكذا لي آمن. فقال: امض مصاحباً. وسمعت الجارية الكلام كله فوجهت مع بعض خدمها إلى المهدي تعرفه الخبر. فأمسك المهدي الطرقات حتى ظفر بالعلوي والمال. ووجه إلى يعقوب فقال له: ما حال الرجل، فقال: قد أراحك الله منه. قال مات. قال: نعم. قال: والله! قال: والله! قال: فضع يدك على راسي واحلف به. فوضع يده وحلف له. فقال المهدي: اخرج إلينا يا غلام. ففتح العلوي الباب وخرج والمال معه. فبقي متحيراً وامتنع من الكلام. فقال المهدي: لقد حل دمك. ولو شئت لأرقته. ولكن احبسوه في المطبق. فحبسوه وأمر أن يطوى خبره عنه وعن كل أحد. فحبس في بئر وبني عليه قبة فكان فيها خمس عشرة سنة. يدلي له في كل يوم رغيف وكوز ماء ويؤذن بأوقات الصلوات. فلما كان في رأس ثلاث عشرة سنة. أتاه آت في منامه. فقال له: حنى على يوسف رب فأخرجه ... من قعر جب وبيت حوله غمم فحمد الله. وقال: أتاني الفرج، ثم مكث حولاً لا يرى شيئاً. ثم أتاه ذلك الآتي. فأنشده: عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب ثم أقام حولاً آخر لا يرى شيئاً، ثم أتاه ذلك الآتي بعد حول. فأنشده: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر فلما أصبح نودي فظن أنه يؤذن بالصلاة. ودلى له حبل أسود. وقيل اشدده في وسطك. ففعل. فلما خرج إلى الضوء وقابله غشي بصره ولم ير شيئاً. وانطلقوا به فادخل على الرشيد. فقيل له: سلم على امير المؤمنين. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته المهدي. فقال: لست به. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الهادي. فقال: لست الهادي. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته الرشيد. فقال: يا يعقوب بن داود والله ما شفع فيك أحد عندي. غير أني حملت الليلة صبية على عنقي. فذكرت حملك إيي على عنقك. فرثيت لك من المحل الذي أنت فيه. ثم إنه رد ماله إليه وخيره المقام حيث يريد. فاختار مكة فتوه إليها فأقام بها حتى مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل سنة اثنتين وثمانين ومائة. رحمه الله تعالى. يعقوب بن سفيان ين جوان الحافظ الكبير الفسوي صاحب التاريخ والمشيخة. طوف الأقاليم. وسمع ما لا يوصف كثرة. روى عنه الترمذي والنسائي وقال: لا بأس به، وكان يتشيع ويتكلم في عثمان. قال كنت أكثر النسخ في الليل وقلت نفقتي، فجعلت أستعجل فنسخت لبلة حتى تصرم الليل فنزل الماء في عيني. فلم أبصر السراج فبكيت على انقطاعي وعلى ما يفوتني من طلب العلم. فاشتد بكائي فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم. فناداني: يا يعقوب بن سفيان لم بكيت؟ فقلت: يا رسول الله ذهب بصري فتحسرت على ما فاتني من كتب سنتك. وعلى الانقطاع عن بلدي. فقال: ادن مني قدنوت منه. فأمر يده على عيني كأنه يقرأ عليهما. ثم استيقظت. فأبصرت. فأخذت نسخي وقعدت أكتب في السراج. وتوفي رحمه الله تعالى في حدود الثمانين والمائتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 يعيش بن صدقة بن علي أبو القاسم. الفراتي الضرير الفقيه الشافعي. صاحب ابن الخل. كان إماماً صالحاً بارعاً في معرفة المذهب والخلاف. سديد الفتاوى. حسن المناظرة. توفي رحمه اله تعالى سنةثلاث وتسعين وخمسمائة. اليمان بن أبي اليمان أبو بشر البندنيجي. أصله من الأعاجم من الدهاقين. ولد أكمه لا يرى الدنيا، في سنة مائتين. وتوفي رحمه الله تعالى سنة أربع وثمانين ومائتين. نشأ بالبندنيجين. وحفظ هناك أدباً كثيراً، وأشعاراً كثيرة. وكان بها أبو الحسن علي بن المغيرة الأثرم صاحب أبي عبيدة. يروي كتبه كلها، وكتب الأصمعي. فلزم أبو بشر ذلك النمط، وحفظ من كتب الأثرم علماً كثيراً. قال: حفظت في مجلس واحد مائةً وخمسين بيتاً من الشعر بغريبة. وخرج إلى بغداد وسر من رأى. ولقي العلماء. وقرأ على محمد بن زياد الأعرابي، وسمع منه. ولقي أبا نصر صاحب الأصمعي، وهو ابن أخته. حفظ كتاب الأجناس الأكبر. وكانت لأبي بشر ضياع كثيرة وبساتين خلفها أبوه فباعها وأنفقها في طلب العلم. ولقي يعقوب بن السكيت. ولقي الزيادي، والرياشي، بالبصرة. وقرأ عليهما من حفظه كتباً كثيرة. ومن تصانيفه: كتاب التفقيه. كتاب معاني الشعر. كتاب العروض. ومن شعره. أنا اليمان بن أبي اليمان ... أسعد من أبصرت في العميان إن تلقني تلق عظيم الشأن ... تلاقني أبلغ من سحبان في العلم والحكمة والبيان ومن شعره: فديوان الضياع بفتح ضاد ... وديوان الخراج بغير جيم إذا ولى ابن عباس وموسى ... فما أمر الإمام بمستقيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 يوسف بن سليمان بن عيسى أبو الحجاج الأندلسي الشنتمري بالشين المعجمة والنون وبعدها تاء ثالثة الحروف وميم بعدها راء، الأعلم النحوي. كان واسع الحفظ جيد الضبط، كثير العناية بهذا الشأن، فكانت الرحلة إليه في وقته. أخذ عن أبي القاسم إبراهيم الإقليلي، وأبي سهل الحراني، ومسلم بن أحمد الأديب. وأخذ عنه أبو علي الغساني، وطائفة كبيرة. وكف بصره في آخر عمره. وكان مشقوق الشفة العليا شقاً كبيراً. توفي رحمه الله تعالى بإشبيلية سنة ست وسبعين وأربعمائة. وكانت ولادته سنة عشر وأربعمائة. وشرح الجمل في النحو لأبي القاسم الزجاجي. وشرح أبيات الجمل في كتاب مفرد. وساعد شيخه الإفليلي على شرح ديوان أبي الطيب. وقيل شرح الحماسة شرحاً مطولاً. ورتب الحماسة كل باب منها على حروف المعجم. يوسف بن عدي أبوي يعقوب الكوفي. روى عنه البخاري. وروى النسائي عن رجل عنه. وأبو زرعة وأبو حاتم. قال أبو زرعة ثقة. وأضر قبل موته بيسير. وتوفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. يوسف بن علي بن حبارة بن محمد بن عقيل. الهذلي. أبو القاسم الضرير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 المقرئ البسكري بالباء الموحدة والسين المهملة والكاف والراء، وبسركة من بلاد المغرب في اقليم يعرف بالزاب الصغير، وهي في عمل المعز بن بادس. ولد سنة ثلاث وأربعمائة. وتوفي رحمه الله تعالى في سنة خمس وستين وأربعمائة. وقدم بغداد، وطوف البلاد، في طلب القراآت. وقرأ على المشايخ بأصبهان. وسمع من أبي نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، وبنيسابور من أبي بكر أحمد بن منصور بن خلف. وقرأ ببغداد على القاضي أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي، وغيره. وله كتاب سماه الكامل في القراآت. وكان يدرس النحو ويفهم الكلام والفقه. يوسف بن محمد بن الحسين. الموفق. أبو الحجاج المعروف بابن الخلال. صاحب ديوان الإنشاء بمصر في دولة الحافظ أبي الميمون عبد المجيد صاحب مصر. قال: العماد يكتب الكاتب في حقه. ناظر ديوان مصر، وإنسان ناظره، وجامع مفاخره. وكان إليه الإنشاء. وله قوة على الترسل، يكتب كيف شاء. عاش كثيراً، وعطل في آخر عمره، وأضر. ولزم بيته إلى أن تعوض منه القبر. وتوفي رحمه الله تعالى بعد ملك الملك الناصر بثلاث أو أربع سنين. وكان الفاضل قد سيره أبوه، وهو قاضي عسقلان إلى ابن الخلال ليتخرج عليه في فن الكتابة ويتدرب به. فلما وصل إليه. قال له: ما الذي؟ أعددت لفن الكتابة من الآلات. فقال: ليس عندي شيء سوى أني أحفظ القرآن الكريم وكتاب الحماسة. فقال: في هذا بلاغ، ثم أمره بملازمته فلازمه وتدرب بين يديه، ثم أمره بعد ذلك أن يحل شعر الحماسة، فحله من أوله إلى آخره، ثم أمره به فحله مرةً ثانيةً. ويقال: إن الموفق بن الخلال، كان يكتب إلى القاضي الفاضل وهو عاطل في بيته. خادمه يوسف. وكان الفاضل يقول: إلى متى يخبأ الألف واللام، يعني يقول الخادم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ولم يزل ابن الخلا بالديوان إلى أن طعن في السن، وعجز عن الحركة. فانقطع في بيته. وكان الفاضل يرعى له حق الصحبة والتعليم. ويجري عليه ما يحتاج إليه إلى أن مات رحمه الله تعالى في ثالث عشري جمادى الآخرة سنة ست وستين وخمسمائة. ومن شعره: عذبت ليال بالعذيب حوال ... وحلت مواقف بالوصال حوال ومضت لذ ذات تقضي ذكرها ... تصبي الخلى وتستهيم السالي وحلت موردة الخدود فأوثقت ... في الصبوة الخالي بحسن الخال قالوا سراة بني هلال أصلها ... صدقوا كذاك البدر فرع هلال ومنه: وله طرف لواحظه ... نصرت شوقي على كبدي قذفت عيني سوالفه ... فتوارت منه بالزرد ومن شعره: وصعدة لدنة كالتبر تفتق في ... جنح الظلام إذا ما أبرزت فلقا تدنو فيخرق برد الليل لهذمها ... وإني نأت الإظلام ما فتقا وتستهل بماء عند وقدتها ... كما تألق برق الغيث فانذفقا كالصب لوناً ودمعاً والتظاً ضنىً ... وطاعة وسهاداً دائماً وشقا والحب أنساً وليناً واستوى وسناً ... وبهجةً وطروقاً واجتلاً ولفا وكان الموفق بن الخلال خال القاضي الجليس عبد العزيز بن الحسين بن الحباب فحصل لابن الخلال نكبة وحصل لابن الحباب بسبب خاله ابن الخلال صداع. فكتب ابن الحباب إلى القاضي الرشيد بن الزبير: تسمع مقالي يا ابن الزبير ... فأنت خليق بأن تسمعه بلينا بذي نسب شابك ... قليل الجدى في زمان الدعة إذا ناله الخير لم نرجه ... وإن صفعوه صفعنا معه يوسف بن محمد بن عبد الله الإمام الفاضل الكاتب. مجد الدين أبو الفضائل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 المعروف بابن المهتار. المصري المحدث القارئ بدار الحديث الأشرفية. ولد في حدود سنة عشر وستمائة. وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وثمانين وستمائة. وسمع من ابن صباح، وابن الزبيدي، والفخر الإربلي، وابن اللتي، وجعفر الهمداني، وابن المقير، وابن ماسويه، وطائفة. وقرأ كتب الاجزاء والطباق، وشارك في العلم، وتوحد في الكتابة الفائقة، وعلم بها دهراً، وولى في الآخر مشيخة دار الحديث النورية. وكان إمام المسجد الذي داخل باب الفراديس. وكان ذا دين وورع. وكف بصره قبل موته بقليل. وسمع منه ابن العطار، وابن الخباز، وابن أبي الفتح، والمزي، وطائفة سواهم. وأجاز مروياته للشيخ شمي الدين الذهبي. يونس بن ميسرة بن حلبس. الجبلاني الأعمى. هو أخو يزيد وأيوب. كان من كبار علماء دمشق. وروى عن معاوية، وعبد الله بن عمرو، وواثلة بن الأسقع، وأبي عمرو الصنابحي، وأبي مسلم الخولاني. وأم الدرداء. وغيرهم. وله كلام نافع في الزهد والمعرفة قال العجلي والدارقطني وغيرهما. ثقة. قتله المسودة عند ملك دمشق سنة اثنتين وثلاثين ومائة رحمه اله تعالى. وكان يقول في دعائه. اللهم ارزقنا الشهادة، فيتعجب منه، إذ يدعو بهذا الدعاء، وهو أعمى حتى قتله المسودة. وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. آخر الكتاب والحمد لله وحده وصلىالله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303