الكتاب: سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي المؤلف: يوسف بن محمد الدّخيل النجدي ثم المدني (المتوفى: 1431هـ) الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى 1424هـ/2003م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] ---------- سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي يوسف بن محمد الدخيل الكتاب: سؤالات الترمذي للبخاري حول أحاديث في جامع الترمذي المؤلف: يوسف بن محمد الدّخيل النجدي ثم المدني (المتوفى: 1431هـ) الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى 1424هـ/2003م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي] المجلد الأول مقدمة ... ترجمة وافية ومستوعبة للإمام الترمذي "رحمه الله تعالى" تشمل: اسمه، ونسبه، ونسبته، وكنيته، ومولده، ونشأته، وطلبه للعلم، ورحلته، وصفاته الخلقية والخلقية، وشيوخه، وتلاميذه، وصلته بالإمام البخاري، ومكانته العلمية، وثناء الأئمة عليه، وآثاره، ووفاته. نبذة يسيرة ومختصرة عن حياة الإمام البخاري "رحمه الله تعالى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 المقدِّمَة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} 2 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}   1 النساء: 1 2 الأحزاب: 70، 7 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 أما بعد/ فإنه يسرني –وقد تهيأت لي المناسبة- أن أقدّم –في مجال السنة النبوية- هذا الجهد المتواضع الذي أرجو أن يفسح له من القارئ الكريم محل وأن يصادف لديه قبولا. كما يسرني شرف الانتساب إلى خدمة السنّة المطهّرة وأن أسلك في عداد من أتيحت له فرصة الاتصال بها والاطلاع على بعض جوانبها المشرقة، والتمتع بشيء من أنفاسها العطرة، والارتشاف من معينها الصافي. وإني إذ أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره على ذلك ليسعدني أن أبدأ فأقدّم للقارئ العزيز: فكرة موجزة عن موضوع هذه الرسالة مع ذكر أسباب اختياره ومنهج البحث فيه. كلمة في علم علل الحديث تبحث في: أهميته، ومنزلته من علوم الحديث، وتعريف العلة لغة واصطلاحاً، وتعريف الحديث المعل، ومواطن العلة، وأنواعها، وكيف تدرك، والطرق الموصلة إليها، وأهم الكتب المؤلفة في علل الحديث، مع ذكر مؤلفيها ووفياتهم. المؤلفات التي على هذا النمط "السؤالات والأجوبة عليها، في علم الحديث، الموجود منها والمفقود، مع تعريف موجز لكل من السائل والمجيب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 فكرة موجزة عن موضوع الرسالة ربما يظن البعض أو يتصور من عنوان هذه الرسالة أنها مخطوطة، وللبيان فإنها ليست كذلك؛ إذ أن موضوع هذه الرسالة أحاديث في "جامع الترمذي" أدار الترمذي حولها سؤالات وجهها لشيخه البخاري ونقل إجابته عليها، وقد قمت بادئ ذي بدء بتتبعها والتقاطها من "جامع الترمذي" ومن ثَمّ جمعها وترتيبها والاشتغال فيها، حتى برزت بهذا الشكل، وهذه الصورة التي نرى. والحقيقة: أن الله -عزّ وجلّ- هو الذي هداني إلى هذا الموضوع فلم يكن لي سابق علم به وبمضمونه، وما يحمله من مشاق وصعاب، ولم يذكره لي أحد، كما لم أر من نصّ عليه، أو ساقه ضمن مؤلفات الترمذي. هذا والتزاماً مني بالسير على منهج البحث العلمي الصحيح؛ وأملا في الوصول إلى غاية منشودة ونتيجة حاسمة –حيث أخذت على عاتقي الكتابة في هذا الموضوع- قمت –فيما بعد- بالتأكد والتثبت فيما إذا كان هناك شيء مؤلف بهذا اللقب1 للإمام الترمذي أو لأحد غيره، فسألت بعض ذوي الاختصاص ولكن كانت الإجابة بنفي العلم وعدم الاطلاع.   1 "سؤالات الترمذي للبخاري". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 كما أني فتشت ونقبت في المظان من فهارس المخطوطات وفهارس كتب السنة ومعاجم المطبوعات، مما قُدِّر لي الاطلاع عليه لعل وعسى إلا أنني لم أقف على ذكر لذلك أو خبر، ومعنى هذا سيظل الباب مفتوحاً حتى نحصل على شيء بهذا الصدد. وكتتمة لما سبق البدء به فإنه رغم ما شغلته هذه السؤالات وأجوبتها من مواضع في "جامع الترمذي" تربو على الثلاثين موضعاً لم يكتب لها من نبه عليها بخصوصها بصريح العبارة، هذا ما لم يقع لي الظفر به حتى هذه اللحظة. فلعلها ضاعت في زحمة الأقوال التي يزخر بها الجامع ويشتمل عليها فلم تبرز ككل. أو أن لتباعدها وتناثرها موزعة هنا وهناك على طول وعرض الكتاب أثره الفعّال في عدم تبيين معالمها وتمييزها وإعطاء الذهن تنبيها عنها. نعم نوه الترمذي عنها وأشار إليها ضمناً فلم يقتصر على إيرادها فحسب وذلك حين قال في كتابه "العلل الصغير"1 الذي في آخر "الجامع":   1 /57 بشرح الحافظ ابن رجب الحنبلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 "وما كان فيه –يعني الجامع- من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ فهو ما استخرجته من كتاب "التاريخ1" وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد بن إسماعيل ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن وأبا زرعة وأكثر ذلك عن محمد وأقل شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة" اه. فإذا كان للترمذي أن يثبت رأي البخاري مثلا الذي جاء نتيجة المناظرة معه مجرداً من أي دلالة على ذلك، فإنه لا أصدق ولا أدلّ على المناظرة من هذه الأسئلة والأجوبة إذ المناظرة في الأصل المحاورة والمناقشة والمباحثة والمذاكرة وهذا ما تمثله هذه الأسئلة والأجوبة وتصوره تصويراً ظاهراً وحياً. فلا يبقى إلا أن نهتدي من خلال كلام الترمذي ذلك إلى هذه الأسئلة والأجوبة التي يحويها "الجامع". وإذا كنا بصدد إعطاء فكرة موجزة عن مختلف محتويات الأسئلة والأجوبة موضوع هذه الرسالة، فإنه بعد استعراض السؤالات وتقليب النظر فيها أمكن توزيعها على النحو الآتي: القسم الأول: "أسئلة تختص بالرواة" وهي على أنواع:- النوع الأوّل: يتعلق بطلب الكشف عن بعض الرواة ومعرفة   1 المراد به "التاريخ الكبير" للبخاري انظر: "شرح علل الترمذي" لابن رجب/58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 أسمائهم، كأن يكون الراوي المسئول عنه مبهماً كما في الحديث الرابع والحديث التاسع والعشرين، أو مذكوراً بكنية ونسبته، كما في الحديث السابع والثامن. النوع الثاني: يتعلق بمعرفة سماع بعض الرواة من بعض أو عدمه مما يتوقف عليه اتصال الحديث أو انقطاعه. وهذا كما في الحديث الخامس والحديث الحادي والثلاثين. النوع الثالث: يتصل بمعرفة أحوال بعض الرواة جرحاً وتعديلاً (علم ميزان الرجال) . وهذا كما في الحديث التاسع والحديث السادس والعشرين والحديث الأخير. القسم الثاني: "أسئلة حول الصناعة الحديثيّة" وهي على نوعين: النوع الأوّل: يتناول ناحية معينة في الحديث بغية الوصول إلى إيجاد حل ومخرج لها. وذلك كأن يكون الحديث مختلفاً فيه فيلتمس ما يرفع الاختلاف ويزيله. وهذا كما في الأحاديث الأول والثاني والحادي عشر والثاني عشر والثامن عشر. أو أن يكون الحديث ورد متصلا ومرسلا والهدف الوقوف على الراجح والصحيح من ذلك. وهذا كما في الحديث السادس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 النوع الثاني: على العكس من سابقه، ويمثل غالبية الأسئلة؛ إذ لا يحدد طلبا معيناً في الحديث، فنجد الترمذي يطلق السؤال عن حكم الحديث عموماً، فيقول مثلا: "وسألت محمداً عن هذا الحديث". هذا وأما بالنسبة للأجوبة فإنها تتسم بالدقة والعمق والإيجاز الشديد الذي يعرف به البخاري، مما يحتاج معه إلى تأمل طويل، وتدبر قوي على أنها أحياناً اقتصرت على التلويح دون التصريح، كما هي عادة البخاري، قال المعلمي في مقدمة تحقيقه لكتاب "موضح أوهام الجمع والتفريق"1 للخطيب البغدادي: "وللبخاري -رحمه الله- ولع بالاجتراء بالتلويح عن التصريح كما جرى عليه في مواضع من "جامعه الصحيح" حرصاً منه على رياضة الطالب، واجتذاباً له إلى التنبيه، والتيقظ، والتفهم". والحقيقة أن ذلك أتعبني جداً، وأخذ مني جهداً عظيماً ووقتاً كبيراً في فهمها، وفي معرفتها، وحلها، ومن ثَمّ بسطها، والكشف عن مراميها. ولا أذيع سراً إذا قلت: إن البخاري كان موفقاً جداً في إجاباته، وعلى جانب عظيم من الورع، والتواضع، والحيطة،   1 /14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 والتحري، والتحفظ بعيداً عن المجازفة والإسفاف في القول، والتهور والتسرع في إصدار الأحكام، مما يفيدنا نحن في التريث والتثبت حينما نريد أن نُقْدِم على إصدار حكم، أو إعطاء إجابة على شيء ما. وليس هذا غريباً على البخاري المعروف بسداد الرأي، وقوة العلم، وخدمة السنّة النبويّة، لا سيما وهو في مستوى العالم العامل المجرب الذي منحه الله نفاذاً في البصر، ونوراً في البصيرة. فمن أجل ذلك تراه يجيب في بعض الأحيان بالاحتمال أو التخمين من غير قطع أو جزم، فيقول: يحتمل كذا، وأرى كذا. كما تراه يقف على بعض السؤالات ولا يتعاظم أن يقول بملء فيه: لا أدري عن كذا، أولا أعرف ذا، من غير أن ينقص ذلك من معارفه الواسعة أو يمس مقداره، وهذا هو شأن كثير من كبار المحدثين، فإنهم لم يدعوا الإحاطة والمعرفة بكل شيء، مما يعطي انطباعاً حسناً عن حال سلفنا الصالح في عدم تحمل الإجابة والإقدام عليها بغير علم، "وإنهم يريدون بعلمهم وجه الله تعالى؛ فإن من يريد غير وجه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 بعلمه لا تسمح نفسه بأن يقر على نفسه بأنه لا يدري"1 ولا ريب أن هذا يزيدنا تعلقاً بهم، واطمئناناً إلى أحكامهم، ووثوقاً بها، وأنهم بحق حماة الشريعة والقائمون عليها، الذين اختارهم الله للذود عنها، والذب عن كيانها. ونحن إذا استعرضنا إجابات البخاري نجدها قد أغنت الرسالة بدسامة مادتها وأصالة جوهرها، وأمدت البحث بأشياء كثيرة فكشفت لنا عن أمور في غاية الأهمية اعتمد عليها البحث إلى حد بعيد، بل اعتمدت عليها كثير من المصادر الحديثيّة، كما ساعدت على حل بعض المشكلات العلمية إلى البت والجزم في بعض القضايا الحديثيّة، ولم تخل من إبداء آراء لها قيمتها وإضافة معلومات جديدة وضرورية يحتاج إليها المقام، وبدونها يبقى فراغ. فمن ذلك أنها أوقفتنا على مكانة بعض رجال الحديث جرحاً وتعديلا مما يترتب عليه قبول الحديث أورده. كما تناولت بالمقارنة والترجيح بعض الرواة الضعفاء، مما يفيدنا عند المعارضة.   1 انظر: "إحياء علوم الدين" 1/27 و"حياة الحيوان الكبرى" /318 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وعن لقيا الرواة وسماع بعضهم من بعض، فقد ساهمت باطلاعنا على جانب من ذلك، فعرفتنا الثابت منه وغير الثابت، مما يكشف لنا عن اتصال الحديث أو انقطاعه. كما أوضحت أسماء رواة ذكروا بكناهم أو العكس. وفيما يختص بالأحاديث والكلام عليها وبيان حالها، فقد اعتنت بذكر درجات بعض الأحاديث من الصحة أو الحسن كما حكمت على بعضها بالضعف أو النكارة. وفي التعرف على مسلك البخاري الذي سلكه في هذه الأجوبة في تصحيح الأحاديث وتضعيفها. فإنه أحياناً يعل الحديث بذكر طريق أخرى راجحة، تدل على موضع العلة في ذلك الحديث، وذلك كما في الحديث الثالث، والحديث الثالث عشر، والحديث السادس عشر. وقد يعل الحديث المرفوع بالوقف؛ بأن يرويه موقوفاً، وأحياناً يكتفي بإعلاله بذلك من غير أن يسوق الطريق إلى الموقوف عليه، كما في الحديث السابع عشر والعشرين. وفي مجال المقارنة النقديّة بين الروايات فإنه أحياناً يرجح رواية على أخرى مصرحاً بصحة الرواية الراجحة، وصوابها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 وخطأ وغلط الرواية المرجوحة، وأحياناً يكتفي في ذلك كله بالإشارة والتلميح، وهذا كما في الحديث الثاني عشر، والثاني والعشرين، والخامس والعشرين، والثاني والثلاثين. ويحصل أنه يجزم بترجيح رواية على روايات أخرى، ثم يعمد إلى محاولة يجمع فيها بين تلك الروايات كلها باحتمال يذكره، كما في الحديث الثامن عشر. وقد يعل الحديث بالإرسال، معيناً من وقع منه الخطأ باتصاله ورفعه، كما في الحديث التاسع عشر. وفي الاختلاف بين الوصل والانقطاع، فإنه يبين الراجح والصواب في ذلك مصحوباً بالدليل، وهذا كما في الحديث السادس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 اختيار الموضوع إذا كان كثير ممن يكتب في الرسائل الجامعية اعتاد أن يعطي في المقدمة جواب سؤال تقليدي وهو: "ما الداعي لاختيار هذا الموضوع؟ " فإن سبب اختياري لهذا الموضوع: "سؤالات الترمذي للبخاري" والتصدي له بالكتابة والبحث فيه يتبدى في النقاط التالية: أولاً: هو أنني رأيت أنه أولى الموضوعات التي فكرت فيها؛ لما يحمله من طابع الجدة حسب اعتقادي، وموطن الجدة فيه يكمن في حصر أسئلة الترمذي المتفرقة في "جامعه" وأجوبة شيخه البخاري عليها في مكان واحد ولأول مرة؛ إذ لم يسبق –فيما أعلم- أنها جمعت في مؤلف مستقل؛ ليتسنى للمطالع الوقوف عليها ككل، وبالتالي الرجوع إلى شيء منها وقت الحاجة. وقبل هذا وذاك فإنه يمكن بعد تبين أمرها ألاّ تعدم مشتغلا في جانب منها آخر يراه ضرورياً وتدعو إليه الحاجة. ولا يكفي وجودها مبثوثة في "جامع الترمذي"؛ لأن ذلك –في نظري- لا يؤلف وحدة متكاملة لها، كما لا استبعد أن مجيئها على ذلك النحو سبَّبَ ويسبِّبُ عدم التنبه لها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 ثانياً: ما يراودني من الأمل في أن تقف هذه السؤالات وأجوبتها بجانب أخواتها آخذة مكانها الذي ينتظرها تذكر إذا ذكرت، فإنه آن الأوان لتبرز مستقلة تضارع مثيلاتها. ولا شك أن نزع تلك السؤالات والأجوبة عليها من جامع الترمذي فكرة ضرورية، لا سيما أنها لإمام المحدثين، وأمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله البخاري، وتلميذه الترمذي. وكم يصعب على النفس أن تذكر المؤلفات المماثلة ولا تجد بينها سؤالات الترمذي ورد شيخه البخاري عليها. ثالثاً: ما يتسم به هذا الموضوع –في نظري- من طرافة، وما يحمله من مفاجآت علمية، وقضايا حديثيّة مهمة، سواء في الأسئلة أو في الأجوبة. وحقاً إن موضوعاً كهذا قائم على الحوار، وعلى شبه المجاذبة والمناظرة بين طرفين لا بد من أن يستميل النفوس ويحظى بإقبالها عليه. وأينا لا يستهويه أسلوب الحوار وهو أسلوب شيق، ومحبب إلى النفس يطرد الملل، ويدفع السأم، ويربط الذهن بدورة منتظمة، ويجعله أكثر تفتحاً وتجاوباً. وإنك لتجد هذا التفاعل واضحاً هنا في ترقب كيفية سؤال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 الترمذي، وفي ترقب الجواب عنه، وفي تصور هذه الحركة الفكرية العلمية بين هذين الإمامين إذ يتقدم أحدهما من الآخر، ولا يضيره أن يخرج بمخرج التلميذ والمستفيد، ويجيبه الآخر ولا يتوانى في إفادته، والرد على استفساراته. والحق يقال إن الترمذي بإثارته هذه الأسئلة شد انتباهنا وحرك أذهاننا وأكسبنا متابعته في كل الأحاديث التي سأل عنها، وأشركنا معه، وكأننا حاضرون نسمع سؤاله ونصغي جميعاً باحترام لجواب شيخه البخاري عليه. رابعاً: أن هذا الموضوع يلتقي مع رغبة المشرف السابق فضيلة الدكتور محمد أمين المصري "رحمة الله تعالى" فإنه كان يوجه أنظارنا أثناء الدراسة التمهيدية إلى بذل الاعتناء بالسنن الأربعة أبي داود، والترمذي والنسائي، وابن ماجه، والانصراف إلى خدمتها وإعطائها الأولوية في الاشتغال بها لحاجتها. لذلك وجدتني مقبلا عليه مائلا إليه لأنه يمثل جزءاً من العمل في "سنن الترمذي" وهو جزء –كما يبدو لي- مهم. كل ذلك وغيره مما لم أذكره شجعني على الإقدام على هذا الموضوع والسير فيه، وشدني للمساهمة، وبذل الجهد والوقت واستفراغ الوسع؛ شعوراً بالمسؤولية، وخدمة للعلم، وسداً لباب وقفت عليه، وتقديراً لهذين الرجلين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 البخاري، والترمذي، واعترافاً بفضلهما وما قدماه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى الرغم من صعوبته التي لا تخفى فإنه في "علل الحديث" أدقّ علم وأعوصه، الذي لا يجيده إلا الأفذاذ من العلماء الحفاظ ذوي الفهم الثاقب والنظر النافذ. ولا أدل على ذلك من إدخال المصنف معظم هذه الأحاديث في كتابه "العلل الكبير" وقد نبهت على هذا في مواضعه. أضف إلى ذلك أن الترمذي إمام لا يَسْأل إلا عما هو مهم ومجدي، أو عما عسر عليه التوصل إلى البت في أمره، وأن البخاري شيخه الذي يتوجه بأسئلته إليه إمام أعظم منه، فلتوقفه في الإجابة وزن، ولمخالفته غيره في الرأي شأن، ولإجابته المحتملة سر. فكون الموضوع في علل الحديث، وكونه يعزى للإمامين الكبيرين البخاري، والترمذي المعروفين بثقلهما في ميدان الحديث وعلومه، فهذا كله مؤذن بقوّته وصلابته وقيمته والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 كلمة في علل الحديث لما كان موضوع هذه الرسالة أو معظمه في علل الحديث، رأيت تخصيص الكلمة الآتية للتحدث عن أهمية علم علل الحديث ومنزلته من علوم الحديث، وتعريف العلة، والحديث المعل، ومواطن العلة، وأنواعها، وكيف تدرك؟ والطرق الموصلة إليها مما أرشد إليه النقاد، وأهم الكتب المؤلفة في علل الحديث مع ذكر مؤلفيها ووفياتهم. وذلك ليتمكن القارئ الكريم من متابعة بحوث هذه الرسالة بشكل جيد ومرضي، وليكون على ذكرى من هذا العلم العملاق والخطير، وما قام به أسلافنا الصالحون -رحمهم الله تعالى- من مجهودات ضخمة وعظيمة في هذا المضمار تفوق التصور والوصف، فيكفي أن نعلم أن الواحد منهم كان يقطع الفيافي والقفار –مع قلة الإمكانات وصعوبة وسائل المواصلات- ويسير المراحل الطويلة الواسعة ينتقل من مكان إلى مكان من أجل تصحيح حديث أو تضعيفه، وهذا بالفعل ما حصل لشعبة بن الحجاج -رحمه الله- حين رحل من الكوفة إلى مكة، ثم إلى المدينة، ثم إلى البصرة يتتبع حديثاً واحداً فقط هو حديث عقبة بن عامر: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل مسجداً فصلى ركعتين واستغفر الله غفر الله له". يريد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 أن يتثبت منه ويقف على حقيقته، وقد تم له ذلك1 فتأمل إلى أي مدى وصل بهم الجهد والحرص والحدب على سنة النبي صلى الله عليه وسلم والعناية بها، حتى أنهم أوقفوا حياتهم عليها، فاستحقوا أن يكونوا أمناء الله في أرضه، وأن يتناولهم الحديث المرفوع الذي يقول: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته"2. وما ذلك إلا مثل واحد من عشرات بل مئات الأمثلة، فإذا شئت أن تقف عليها أو على بعضها فما عليك إلا أن تدنو من سير القوم وتنظر فيها، وهي مدونة –ولله الحمد- في كثير من كتب التراجم التي حفلت بهم؛ لترى العجب العجاب من مزايا ومحاسن وجهاد أولئك القوم مما يبعث على الاعتزاز والاقتداء بهم، والاعتراف بتقصيرنا وتأخرنا الشديد في عدم اللحوق بركابهم، فضلا عن الوصول إلى ما وصلوا إليه مع توفر كافة الإمكانات، وتيسير سبل العلم، وما هذا إلا بسبب فساد نياتنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.   1 انظر: "تقدمة الجرح والتعديل"/167 و"الكفاية"/516-517 و"ميزان الاعتدال" 2/283-461 و"فتح المغيث" 1/173. 2 سنن ابن ماجه المقدمة 1/5 حديث رقم 8. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 علم علل الحديث لا تنكر أهمية هذا العلم، ومكانته من علوم الحديث، فهو يأتي في مقدمتها وعلى رأسها، إذ هو أعظمها وأرفعها، به يتميز صحيح السنة من سقيمها، وسليمها من معلولها، وقويها من ضعيفها ومقبولها من مردودها. وقد اهتم به العلماء اهتماً بالغاً وكبيراً حتى روى ابن أبي حاتم1 بإسناده إلى ابن مهدي أنه قال: "لأن أعرف علة حديث واحد هو عندي أحب إليّ من أن أكتب عشرين حديثاً ليست عندي". ولدقة مسلك هذا الفن وصعوبته وغموضه واعتماده على يقظة وفطنة، ومهارة ومجالسة ومذاكرة،وخبرة قوية، وذكاء متوقد، وممارسة ودربة طويلة، فإنه خفي على كثير من علماء الحديث ولم يتمكن منه ويخض غماره إلا نفر قليل من أكابر علماء هذا الشأن ذوي الاختصاص، ممن وهبه الله فهماً ثاقباً، ونظراً فاحصاً، وحفظاً واسعاً، واطلاعاً حاويا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة واعية بالأسانيد والمتون، كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي   1 علل الحديث 1/9 وانظر: "معرفة علوم الحديث" للحاكم/112 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/175 و"تدريب الراوي"/161 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 حاتم، وأبي زرعة الرازيين، والترمذي، وابن عدي، والدارقطني. وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين من أساطين هذا العلم والماهرين فيه الجهابذة، أهل النقد الذين أفنوا أعمارهم في خدمة السنة والاشتغال في علومها. فلا تنكر جهود هؤلاء العلماء الأفذاذ التي بذلوها في حياطة الحديث وحراسة أسانيده، كما لا ينكر مدى حرصهم على تقويمه، ومبلغ عنايتهم في تنحية ما علق به من دخل وخلل أو وهم وخطأ وتنقية ما يشوب صفاءه من كدر، وأباطيل وترهات، وآفات. فبينوا –رحمهم الله تعالى- علل أحاديث كثيرة ومحصوها، وحققوا القول فيها؛ أداء للأمانة، ونصحاً للمسلمين، وحفظاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصيانة لها، ودفاعاً عنها. وفي هذا حماية للشريعة؛ فإن السنة صنو القرآن مبينة له وشارحة له. وأن آثارهم العظيمة التي خلفوها شاهدة لهم بذلك، ودالة على دقة منهجهم وسلامته، وشدة بحثهم وقوة ضبطهم، واحتياطهم وتحريهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 تعريف العلة* العلة في اللغة: "العِلّة بالكسر، المرض علَّ الرجل يَعِلّ علاّ فهو عليل، واعتلّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 اعتلالا، وأعلّه الله أي أصابه بعلّة فهو معل وعليل. ولا تقل معلول". والعلة في اصطلاح المحدثين: عبارة عن سبب غامض خفي قادح في صحة الحديث. فالحديث المعل1: هو ما اطلع فيه على علة خفية قادحة في صحته مع أن ظاهره السلامة منها. وقد تطلق العلة على غير معناها الاصطلاحي: فتطلق على القوادح الظاهرة في الحديث ككذب الراوي   1 وسماه ابن الصلاح: "المعلل" وتبعه النووي وابن حجر. وقد وقع في عبارة كثير من المحدثين كالبخاري والترمذي وابن عدي والدارقطني وأبي يعلى الخليلي والحاكم وغيرهم تسميته بـ "المعلول" انظر الحديث الثالث من هذه الرسالة. قال ابن الصلاح: وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: "العلة والمعلول" مرذول عند أهل العربية واللغة. ا?. وقال النووي: "ويسمونه بالمعلول وهو لحن". ا?. وقال السيوطي: "لأن اسم المفعول من أعل الرباعي لا يأتي على مفعول بل الأجود فيه "معل" بلام واحدة لأنه مفعول أعلّ قياسا وأما معلول فمفعول علل وهو لغة: بمعنى ألهاه بالشيء وشغله وليس هذا الفعل بمستعمل في كلامهم" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 وفسقه وغفلته وسوء حفظه ونحو ذلك من أنواع الجرح. وهذا موجود بكثرة في كتب علل الحديث. وأما الحاكم في كتابه "معرفة علوم الحديث" فإنه جعل معرفة علل الحديث علماً برأسه غير الصحيح والسقيم والجرح والتعديل حيث قال: "وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل فإن حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث يكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فيخفى عليهم علمه فيصير الحديث معلولا ... " قال: السخاوي: "قد يعِلّون -أي أهل الحديث- في كتبهم الحديث بكل قدح ظاهر كفسق وغفلة ونوع جرح ونحو ذلك من الأمور الوجودية التي يأباها كون العلة خفية ولذا صرّح الحاكم بامتناع الإعلال بالجرح ونحوه، فإن حديث المجروح ساقط واهٍ ولا يعل الحديث إلا بما ليس بالجرح فيه مدخل. قال السخاوي: على أنه يحتمل أن التعليل بذلك من الخفي لخفاء وجود طريق أخر ليخبر بها ما في هذا من ضعف، فكأن المعلِّل أشار إلى تفرده". كما أطلقها أبو يعلى الخليلي في كتاب "الإرشاد" على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف كإرسال ما وصله الثقة الضابط حتى قال: "من أقسام الصحيح: ما هو صحيح معلول" كما قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 بعضهم1:"من الصحيح ما هو صحيح شاذ". ونقل ابن الصلاح وتبعه غيره أن الترمذي سمّى النسخ علة من علل الحديث. قال العراقي: "فإن أراد الترمذي أنه علة في العمل بالحديث (بمعنى أنه لا يعمل بالحديث المنسوخ) فهو كلام صحيح، وإن أراد أنه علة في صحة نقله فلا، لأن في الصحيح أحاديث كثيرة منسوخة" اه. قال السخاوي: "بل وصحح الترمذي نفسه من ذلك جملة فتعيّن لذلك إرادته". ا?. قال الشيخ أحمد شاكر: "والذي أجزم به أن الترمذي إنما يريد به أنه علة في العمل بالحديث فقط، ولا يمكن أن يريد أنه علة في صحته، لأنه قال في سننه2: "إنما كان "الماء من الماء" في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك" فلو كان النسخ عنده علة في صحة الحديث لصرح بذلك" اه. مواطن العلة: وأكثر ما تقع العلة في السند فتقدح فيه وفي المتن معاً وذلك   1 قائل ذلك الحاكم أبو عبد الله النيسابوري. 2 1/185 بتحقيق وتعليق أحمد شاكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 كالإعلال بالوقف1 أو الإرسال2 أو الانقطاع. وقد تقدح في السند وحده إذا كان المتن مروياً بإسناد آخر صحيح3. وتقع العلة في المتن ولكن قليلا، وهذه قد تستلزم القدح في السند وقد لا تستلزم بأن يقتصر أثرها على المتن فقط. أنواع العلل: قسم الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في كتابه "معرفة علوم الحديث" أجناس العلل إلى عشرة أجناس وأورد لكل جنس مثالا، موضحاً العلة التي فيه، ثم قال عقب ذلك منبهاً على أن أجناس علل الحديث كثيرة غير محصورة في هذا العدد: "وبقيت أجناس لم نذكرها، وإنما جعلتها مثالا لأحاديث كثيرة معلولة ليهتدي إليها المتبحِّر في هذا العلم، فإن معرفة علل الحديث من أجل هذه العلوم" وقد اختصرها البلقيني في "محاسن الإصطلاح" ذاكراً قبل كل   1 انظر على سبيل المثال الحديث الثالث عشر والسابع عشر. 2 انظر على سبيل المثال الحديث الثالث والحديث السادس عشر. 3 انظر على سبيل المثال الحديث الثالث والعشرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 مثال تعريف الجنس الذي أورد الحاكم ذلك المثال لأجله؛ وخوفاً من الإطالة فإنني أكتفي بسرد تعاريف الأجناس من غير ذكر الأمثلة، ومن أحبّ أن يقف على الأمثلة فليرجع إلى مصدرها المشار إليه آنفاً أو إلى محل اختصارها المذكور، هذا وإن من المؤسف جداً أن السيوطي في "تدريب الراوي" نسب صنيع البلقيني هذا لنفسه1؛ والذي حدث عقب ذلك أن من جاء بعد السيوطي ولم يحقق في الموضوع أضاف ذلك الصنيع له، باعتبار أنه صاحبه وهو للبلقيني كما عرفت؛ لذا رأيت التنبيه على ذلك والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الأول: أن يكون السند ظاهره الصحة وفيه من لا يُعْرف بالسماع ممن روى عنه2. الثاني: أن يكون الحديث مرسلا من وجه، رواه الثقات الحفاظ، ويسند من وجه ظاهره الصحة ولكن له علة تمنع من صحة السند. الثالث: أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي، فيروى عن غيره لاختلاف بلاد رواته، كرواية المدنيين عن الكوفيين.   1 وانظر: "توجيه النظر إلى أصول الأثر" /268 للشيخ طاهر الجزائري فإنه نسب تعاريف الأجناس التي أتى بها البلقيني لنفسه ولم يعزها لصاحبها. 2 انظر على سبيل المثال الحديث الثلاثين والحادي والثلاثين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 الرابع: أن يكون الحديث محفوظاً عن صحابي ويروى عن تابعي يقع الوهم بالتصريح بما يقتضي صحبته بل ولا يكون معروفاً من جهته، وربما وقع وهم آخر في إسناده. الخامس: أن يكون الحديث روي بالعنعنة وسقط منه رجل دلّ عليه طريق أخرى محفوظة1. السادس: أن يخْتلف على رجل بالإسناد وغيره، ويكون المحفوظ عنه ما قابل الإسناد فيكون ذلك علة في المسند. السابع: الاختلاف على رجل في تسمية شيخه وتجهيله. الثامن: أن يكون الراوي عن شخص أدركه وسمع منه ولكن لم يسمع منه أحاديث معينة، فإذا رواها عنه من غير ذكر واسطة تبينت علتها ببيان أنه لم يسمعها منه. التاسع: أن تكون طريق معروفة يروي أحد رجالها حديثاً من غير تلك الطريق فيقع مَن رواه من تلك الطريق بناء على الجادة في الوهم. العاشر: أن يروى الحديث مرفوعاً من وجه آخر2.   1 انظر على سبيل المثال الحديث الحادي العشرين. 2 انظر على سبيل المثال الحديث الثالث عشر والسابع عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وتدرك العلة: بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له ممن هو أحفظ واضبط أو أكثر عدداً مع قرائن تنضم إلى ذلك تنبه الناقد الحاذق البصير بهذا الفن على وهم وقع بإرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو وصل مرسل، أو رفع موقوف، أو دخول حديث في حديث، أو إبدال راو ضعيف بثقة أو غير ذلك من الأشياء القادحة بحيث يقع في نفسه أن الحديث معل، ويغلب على ظنه ذلك فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقف فيه. وربما تقصر عبارته عن إقامة الحجّة على دعواه فيما ذهب إليه بأن يعلم أن في الحديث قصوراً لكن لا يقدر على بيانه كالصيرفي1 في نقد الدينار والدرهم إذ قد يصل إلى اكتشاف العلة بضرب من الإلهام. قال عبد الرحمن بن مهدي: "معرفة الحديث إلهام2 فلو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا؟ لم يكن له حجة". قال السخاوي: "يعني يعبّر بها غالباً وإلا في نفسه حجج للقبول والرد" اه.   1 الصَيْرَفي: بفتح الصاد وسكون الياء وفتح الراء ينسب إلى صرف الدنانير والدراهم. 2 شيء يرد على قلوبهم وعلم يلقيه الله في نفوسهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وقال ابن رجب في "شرح علل الترمذي": "قاعدة مهمة: حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كل واحد منهم لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان ولا يشبه حديث فلان، فيعللون الأحاديث بذلك. وهذا مما لا يعبّر عنه بعبارة تحضره، وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عن سائر أهل العلم كما سبق ذكره في غير موضع فمن ذلك". ثم ساق بعض الأمثلة الموضحة لما ذكر. وقال الشيخ طاهر الجزائري في كتابه "توجيه النظر إلى أصول الأثر": "وهذه المسألة ليست من المسائل الغامضة فإن كل من اشتغل بفن من الفنون وتفرغ له وسلك مسلك أهله وصرف عنايته إليه قد يحكم في مسائله بحكم لا يتيسر له إقامة الدليل الظاهر عليه، وإن كان له في نفس الأمر دليل ربما كان أقوى من الأدلة الظاهرة إلا أن العبارة تقصر عنه". هذا وأسند ابن أبي حاتم إلى محمد بن عبد الله بن نمير قال: "قال ابن مهدي: "معرفة الحديث إلهام". قال ابن نمير: "وصدق لو قلت له من أين قلت؟ لم يكن له جواب". وقيل له أيضاً: "إنك تقول للشيء: هذا صحيح، وهذا لم يثبت فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 دراهمك، فقال: هذا جيد، وهذا بهرج1، أكنت تسأل عمن ذلك أو تسلم له الأمر؟ قال: بل أسلم له الأمر. قال: فهذا كذلك بطول المجالسة والمناظرة والخبرة". وقال ابن أبي حاتم في "تقدمة كتاب الجرح والتعديل" في ترجمة يحيى ابن معين: نا الوليد بن أبان الأصبهاني قال: سمعت يعقوب بن سفيان الفسوي قال: سمعت سليمان بن حرب يقول: كان يحيى بن معين يقول في الحديث: "هذا خطأ"، فأقول: كيف صوابه؟ فلا يدري، فأنظر في الأصل فأجده كما قال. وسئل أبو زرعة: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته ثم تقصد ابن وارة –يعني محمد بن مسلم بن وارة- وتسأله عنه ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه فيذكر علته. ثم تقصد أبا حاتم فيعلله ثم تميّز كلام كل منا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافاً في علته فاعلم أن كلاً منّا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم. ففعل الرجل فاتفقت كلمتهم عليه فقال: أشهد أن هذا العلم إلهام.   1 بهرج: بوزن جعفر: الرديء من الشيء، والدرهم البهرج: الرديء من الفضة. انظر: أساس البلاغة/32 والنهاية في غريب الحديث والأثر 1/166 وتاج العروس 5/432 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 قال البلقيني في "محاسن الاصطلاح": "وهذه الحكاية التي ذكرها الحاكم تدل على أن الجهابذة النقاد يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه ومعوجه ومستقيمه كما يميّز الصيرفي بين الجيد والرديء وكم من شخص لذلك لا يهتدي". اه. وسأل بعض الأجلاء من أهل الرأي (القياس) أبا حاتم عن أحاديث؟ فقال في بعضها هذا خطأ دخل لصاحبه حديث في حديث وهذا باطل وهذا منكر وهذا صحيح. فسأله: من أين علمت هذا أخبرك الراوي بأنه غلط أو كذب؟ فقال له: لا ولكني علمت ذلك، فقال له الرجل: أتدَّعي الغيب؟ فقال: ما هذا ادعاء غيب، قال: فما الدليل على قولك؟ فقال: أن تسأل غيري من أصحابنا فإن اتفقنا علمت أنا لم نجازف. فذهب الرجل إلى أبي زرعة، وسأله عن تلك الأحاديث بعينها فاتفقا، فتعجب السائل من اتفاقهما من غير مواطأة، فقال له أبو حاتم: أفعلمت أنا لم نجازف؟ ثم قال: والدليل على صحة قولنا، أنك تحمل بهرجاً إلى صيرفي فإن أخبرك أنه بهرج وقلت له: أكنت حاضراً حين بهرج أو هل أخبرك الذي بهرجه بذلك؟ يقول لك لا. ولكن علم رزقنا معرفته، وكذلك إذا حملت إلى جوهري فص ياقوت وفص زجاج يعرف ذا من ذا، ونحن نعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون كلام النبوة، ونعرف سقمه ونكارته بتفرد من لم تصح عدالته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 قال السخاوي ناقل ذلك: "وهو –أي الحديث المُعَلّ- كما قال غيره: أمر يهجم على قلوبهم لا يمكنهم رده، وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها؛ ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث كابن خزيمة، والإسماعيلي، والبيهقي، وابن عبد البرّ لا ينكر عليهم، بل يشاركهم ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة، هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح كما اتفقوا على الرجوع في كل فن إلى أهله، ومن تعاطى تحرير فن غير فنه فهو متعنٍ". قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: مثل معرفة الحديث كمثل فصٍ ثمنه مئة دينار وآخر مثله على لونه ثمنه عشرة دراهم. وروى بإسناده إلى أحمد بن صالح أنه قال: "معرفة الحديث بمنزلة معرفة الذهب، والشبه فإن الجوهر إنما يعرفه أهله، وليس للبصير فيه حجة إذا قيل له كيف قلت هذا؟ ". يعني الجيد أو الرديء. الطريق الموصلة إلى الكشف عن العلة: والطريق إلى معرفة علل الحديث هو بالتفتيش وكثرة التتبع وجمع طرق الحديث واستقصائها من المجامع والمسانيد والأجزاء وغير ذلك من كتب الحديث، وفحصها وسبر أحوال رواتها والنظر في اختلافهم ومقدار ضبطهم وإتقانهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 قال أبو بكر الخطيب: "السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته ويعتبر" أي الخطأ والصواب "بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط" اه. وروى عن علي بن المديني أنه قال: "الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه" اه. وكان بعض الحفاظ1 يقول: "كل حديث لم يكن عندي من مئة وجه فأنا فيه يتيم"2. وقال ابن معين3:"لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجهاً ما عقلناه". وقال أبو حاتم الرازي4:"لو لم نكتب الحديث من ستين وجهاً ما عقلناه". أهم الكتب المؤلفة في علل الحديث: كتاب "التاريخ والعلل"5 للإمام يحيى بن معين (158-   1 هو إبراهيم بن سعيد الجوهري. 2 ميزان الاعتدال 1/35 وفتح المغيث للسخاوي 1/218. 3 انظر: تهذيب التهذيب 11/282. 4 انظر: التبصرة والتذكرة 2/233. 5 انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من كتب الحديث- وضع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني/113، و"تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان 3/162 وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/158. والكتاب حققه أحمد محمد نور سيف ونال به درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر، وقد عنونه بالتاريخ من غير أن يذكر كلمة "العلل"؛ نظراً لأن بعض المصادر اقتصرت في تسميته على "التاريخ"، وأنه لم ترد هذه الكلمة "العلل" -حسبما ذكر- إلا في موضع واحد في عنوان الكتاب على الورقة الأولى ملحقة أعلى السطر، واستبعد أن تكون في الأصول التي أخذت عنها النسخة، قال: أما ما سار عليه البعض في تسمية الكتاب بالتاريخ والعلل فإنما كانوا متأثرين بالعنوان الذي جاء في أول هذه النسخة، وعن إلحاق كلمة "العلل" بعنوان النسخة قال: ولعل مبعث ذلك ما اشتهر به ابن معين من الإمامة في هذا الفن". ومتى عرف أن ما تقدم إنما يتعلق باسم الكتاب والتحقيق فيه من غير نظر إلى ما يحتويه من علل، فإن من الثابت قطعاً أن الكتاب مشتمل على تعليل أحاديث كثيرة، ولعل هذا هو الحامل لإضافة كلمة "العلل" إلى عنوان الكتاب. أما الاقتصار في تسميته على "التاريخ" مع أن فيه عللا وتاريخاً، فذلك كاقتصار الإمام البخاري على تسمية كتابه بالتاريخ مع أن فيه عللا وذلك من باب التغليب. والذي يبدو لي أنه لو جعل أحدٌ كتاب ابن معين هذا أقدم مؤلف في علل الحديث –وإن لم يكن مستقلا بموضوع العلل- فإنه لا يعد والصواب والله أعلم. ملاحظة: الكتاب يتولى طبعه الآن مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بمكة وهو يقع في أربعة أجزاء وقد صدر منه جزءان الأول والثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 00000000000000000000000000000000000000000000000000000000000   لبروكلمان 3/162 وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/158. والكتاب حققه أحمد محمد نور سيف ونال به درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر، وقد عنونه بالتاريخ من غير أن يذكر كلمة "العلل"؛ نظراً لأن بعض المصادر اقتصرت في تسميته على "التاريخ"، وأنه لم ترد هذه الكلمة "العلل" -حسبما ذكر- إلا في موضع واحد في عنوان الكتاب على الورقة الأولى ملحقة أعلى السطر، واستبعد أن تكون في الأصول التي أخذت عنها النسخة، قال: أما ما سار عليه البعض في تسمية الكتاب بالتاريخ والعلل فإنما كانوا متأثرين بالعنوان الذي جاء في أول هذه النسخة، وعن إلحاق كلمة "العلل" بعنوان النسخة قال: ولعل مبعث ذلك ما اشتهر به ابن معين من الإمامة في هذا الفن". ومتى عرف أن ما تقدم إنما يتعلق باسم الكتاب والتحقيق فيه من غير نظر إلى ما يحتويه من علل، فإن من الثابت قطعاً أن الكتاب مشتمل على تعليل أحاديث كثيرة، ولعل هذا هو الحامل لإضافة كلمة "العلل" إلى عنوان الكتاب. أما الاقتصار في تسميته على "التاريخ" مع أن فيه عللا وتاريخاً، فذلك كاقتصار الإمام البخاري على تسمية كتابه بالتاريخ مع أن فيه عللا وذلك من باب التغليب. والذي يبدو لي أنه لو جعل أحدٌ كتاب ابن معين هذا أقدم مؤلف في علل الحديث –وإن لم يكن مستقلا بموضوع العلل- فإنه لا يعد والصواب والله أعلم. ملاحظة: الكتاب يتولى طبعه الآن مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بمكة وهو يقع في أربعة أجزاء وقد صدر منه جزءان الأول والثاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 233هـ) رواية أبي الفضل العباس بن محمد الدوري عنه. كتاب "العلل"1 للإمام على بن المديني (161-234هـ) كتاب "العلل ومعرفة الرجال"2 للإمام أحمد بن حنبل   1 نشرة المكتب الإسلامي بدمشق عام 1392هـ بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، وقد ذكره سزكين في "تاريخ التراث العربي" 1/160 بعنوان "علل الحديث ومعرفة الرجال". هذا وذكرت بعض المصادر لابن المديني كتاب "المسند المعلل" الذي يبدو أنه مفقود. انظر: فهرست ابن النديم/231 و"معرفة علوم الحديث" للحاكم/71 و: "شرح علل الترمذي" لابن رجب/186. 2 مخطوط في مكتبة جامع أيا صوفيا بإلاستانة تحت رقم (3380) وهو عبارة عن ثمانية أجزاء تقع في 180 ورقة حجم 294-165 مليمتراً وقد اطلعت على صورة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (381) وتوجد عدة أجزاء ناقصة منه في دار الكتب الظاهرية بدمشق ضمن مجموعتي رقم 40 و 46. وقد طبع المجلد الأول منه في أنقرة سنة 1963م ويقع في 414 صفحة عدا المقدمة والفهارس بتحقيق الدكتور طلعت قوج بيكيت والدكتور إسماعيل جراح أوغلي، وهو يمثل –كما أشير في آخره- الأربعة الأجزاء الأولى من نسخة آيا صوفيا الفريدة. انظر: مقدمة: "كتاب العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد بن حنبل كج و"تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان 3/312، و"تاريخ التراث العربي" لسزكين 2/204. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 (164-241هـ) وهو من رواية ابنه عبد الله عنه. كتاب "علل الحديث ومعرفة الرجال"1 للإمام أحمد بن حنبل من رواية أبي بكر أحمد بن محمد بن الحجاج المروذي ( ... -275هـ) وغيره. وهو إجابات أحمد على أسئلتهم في الحديث ورجاله. كتاب "علل الحديث ومعرفة الشيوخ"2 للإمام أبي جعفر محمد ابن عبد الله بن عمار المخرمي الموصلي (162-242هـ) كتاب "العلل"3 للإمام أبي حفص عمرو بن علي الفلاس   1 توجد نسخة منه اطلعت عليها في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (99) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق ضمن مجموع رقم (40) تقع في (22) ورقة. انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من كتب الحديث- وضع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني/222، وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –التاريخ وملحقاته- وضع الدكتور يوسف العش/232. 2 ذكره الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 5/417 والذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/596 و"تذكرة الحفاظ" 2/494 ووصفه بأنه كبير. انظر: "الإعلام" للزركلي 7/92 و"معجم المؤلفين" 10/228. 3 ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 8/81 وانظر: "الإعلام" للزركلي 5/254 و"معجم المؤلفين" 8/11. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 ( ... - 249?) . كتاب "العلل"1 للإمام البخاري (194-256هـ) . كتاب "العلل"2 للإمام مسلم (204-261هـ) .   1 ذكره ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"/492 وانظر: "الرسالة المستطرفة"/147. 2 ذكره النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" الجزء الثاني من القسم الأول/91 والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/590 وحاجي خليفة في "كشف الظنون" 2/1160 وانظر: "الرسالة المستطرفة"/147 و"مقدمة تحفة الأحوذي"/70. هذا وللإمام مسلم كتاب "التمييز" وهو في بيان أوهام وقعت في رواية بعض الأحاديث، وهم قوم في روايتها فصارت عند أهل العلم في عداد الغلط والخطأ، نشر الكتاب الدكتور محمد مصطفى الأعظمي بتحقيقه وتعليقه بعد أن صدره بمقدمة ضافية، وهو –أي الكتاب- ليس كاملا بل فقد منه جزء كبير من الأخير، ولم يبق منه إلا عشر ورقات في دار الكتب الظاهرية هي التي نشرها الدكتور الأعظمي جزاه الله خيراً. انظر: مقدمة المحقق و"فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من مخطوطات الحديث- وضع ناصر الدين الألباني"/408. هذا وقد ادعى بعض الناس أن كتاب "العلل" لمسلم هو كتاب "التمييز" هذا ولم يذكر دليلا على ذلك، وعندما أحال على بعض المصادر أحال على مصادر اعتنت بذكر كتاب "العلل" لمسلم. ولا يخفى أن الحاكم الذي أورد لمسلم ستة عشر مصنفاًُ أثبتها الذهبي في "تذكرة الحفاظ" نقلا عنه ذكر فيها هذين الكتابين كتاب "العلل" وكتاب "التمييز" وكذا تعاقب على ذكرهما ونسبتهما لمسلم من جاء بعده مما يفيد أن كتاب "العلل" غير كتاب "التمييز" والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 كتاب "العلل"1 للإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم ( ... -262هـ) . كتاب "المسند الكبير المعلل"2 للإمام يعقوب بن شيبة   1 ذكره ابن النديم في "الفهرست"/335 والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 5/110 والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/571 وابن كثير في "البداية والنهاية" 11/108 وانظر: "الرسالة المستطرفة"/148. 2 أثنى عليه الذهبي فقال في ترجمة يعقوب من "تذكرة الحفاظ" 2/577: "ما صنف مسند أحسن منه ولكنه ما أتمه". وقال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 14/281 في ترجمة يعقوب: "وصنف مسنداً معللا إلا أنه لم يتممه ... حدثني الأزهري قال: "بلغني أن يعقوب كان في منزله أربعون لحافاً أعدها لمن كان يبيت عنده من الوراقين لتبييض المسند ونقله، ولزمه على ما خرج من المسند عشرة آلاف دينار"، قال: "وقيل لي: أن نسخة بمسند أبى هريرة شوهدت بمصر فكانت مائتي جزء"، قال الأزهري: "ولم يصنف يعقوب المسند كله، وسمعت الشيوخ يقولون: لم يتم مسند معلل قط" قال الخطيب: "قلت: والذي ظهر ليعقوب مسند العشرة وابن مسعود، وعمار، وعتبة بن غزوان، والعباس، وبعض الموالي هذا الذي رأينا من مسنده حسب" اهـ. قال الذهبي: "قلت بلغني أن مسند علي له خمس مجلدات ... ووقع لي من مسنده جزء واحد" اهـ. قال السخاوي في فتح المغيث 2/342: "واتصل الأول من عمار خاصة للذهبي وشيخنا "يعني ابن حجر" ومؤلفه "يعني نفسه" ورأيت بعض أجزاء من مسند ابن عمر" اهـ. قال الخطيب البغدادي: " حدثني الأزهري قال: "سمعت جماعة من شيوخنا وسمى منهم أبا عمر بن حيويه، وأبا الحسن الدارقطني يقولون: لو أنَّ كتاب يعقوب بن شيبة كان مسطوراً على حَمّام لوجب أن يكتب" اهـ. قال السخاوي: "يعني لا يحتاج إلى سماع" اهـ. هذا وقد عثر على قطعة صغيرة منه هي من "مسند عمر بن الخطاب" نحو الثلاثين حديثاً طبعت في بيروت في المطبعة الأمريكية سنة 1940م طبعها الدكتور سامي حداد بتحقيقه وبها ينتهي الجزء العاشر من المسند. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 السدوسي البصري (182-262هـ) . كتاب "العلل الكبير"1 للإمام الترمذي (209-279هـ) . كتاب "العلل الصغير"2 للإمام الترمذي. كتاب "العلل"3 للحافظ أبي زرعة الدمشقي عبد الرحمن بن عمرو النصري الضبي ( ... -280هـ) . كتاب "العلل"4 لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي   1 سيأتي الكلام عنه عن شاء الله تعالى. 2 سيأتي الكلام عنه عن شاء الله تعالى. 3 ذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" 2/1440 وانظر: "الإعلام" للزركلي 4/94 و"معجم المؤلفين" 5/163. 4 ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب 2/20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 (195- 285هـ) . كتاب "المسند الكبير المعلل"1 للإمام أبي بكر أحمد بن عمرو ابن عبد الخالق البزار البصري ( ... -292هـ) .   1 مخطوط يوجد الجزء الأول منه وبأوله نقص في مكتبة مراد ملا بتركيا تحت رقم (572) يقع في 210 ورقة يبتدئ ببقية مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه وينتهي بآخر مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. كما يوجد الجزء الأول وبأوله نقص في مكتبة جامع القرويين بفاس تحت رقم (61) يقع في 243 ورقة. ويوجد الجزءان الثاني والثالث في مجلد بالمكتبة الأزهرية بمصر تحت رقم حديث (924) في 296 ورقة بأول الثاني نقص ويشتملان على بقية مسند عبد الله بن عمر ومسندي أنس بن مالك وأبي هريرة رضي الله عنهما. كما يوجد الجزء الثاني في مكتبة الكتاني بالرباط تحت رقم (393) اطلعت على صورة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (804) يقع في (321) صفحة يبتدئ بمسند أبي اليسر وينتهي ببعض مسند ابن عباس. ويوجد الجزء السادس في مكتبة كوبريلي بتركيا تحت رقم (426) يقع في 175 ورقة يبتدئ بحديث النضر بن أنس وينتهي بحديث أبي معين عن أبي صالح. انظر: "فهرس المخطوطات المصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية" 1/99-100 رقم 427، 428 وفهرس المكتبة الأزهرية 1/604 و"تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/257. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 كتاب "العلل في الحديث"1 للحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن أبي طالب محمد بن نوح بن عبد الله النيسابوري شيخ خراسان ( ... -295?) . كتاب "علل الحديث"2 للحافظ أبي يعلى زكريا بن يحيى الساجي (220-307?) . كتاب "العلل"3 للإمام أبي بكر بن محمد بن هارون الخلال البغدادي الحنبلي ( ... -311?) .   1 انظر: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون 2/314 ومعجم المؤلفين، 1/109. 2 ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/709-710 فقال: "وللساجي كتاب جليل في علل الحديث يدل على تبحره في هذا الفن" وانظر: "الرسالة المستطرفة"/148. 3 ذكر ابن رجب في "شرح علل الترمذي"/61 والذهبي في "تذكرة الحفاظ" 3/385"أنه في عدة مجلدات". وانظر: "اختصار علوم الحديث" لابن كثير/64 مع "الباعث الحثيث" و"محاسن الاصطلاح في فن الاصطلاح"/203 و"الرسالة المستطرفة"/148 هذا وأفاد الأستاذ صبحي جاسم السامرائي في تعليقه على "شرح علل الترمذي" لابن رجب/61 أنه يوجد الجزء الثاني عشر من منتخبه مخطوطا في المكتبة المركزية في بغداد انتخاب موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي صاحب المغني (541-620?) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 كتاب "علل الحديث"1 للإمام أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (240-327?) . كتاب "العلل"2 للإمام أبي علي النيسابوري الحسين بن علي (277-349?) .   1 طبع في المطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1343? في مجلدين وهو إجابات أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين على سؤلات ابن أبي حاتم مرتب على أبواب الفقه. وقد محصت فيه علل نحو ثلاثة آلاف حديث ذكرت في كل واحد منها علته واسم الراوي الذي جاءت العلة من ناحيته. هذا وقد ذكر المالكي: محمد بن أحمد بن محمد الأندلسي ضمن ما ورد به الخطيب البغدادي دمشق كتاب "العلل" منسوباً لأبي زرعة الرازي وأنا أظنه يعني به كتاب ابن أبي حاتم هذا؛ لأن مصادر ترجمة أبي زرعة التي رجعت إليها وغيرها من الكتب التي تعنى بإيراد المصنفات لا تذكر له كتاباً في العلل استقل به. علما أن المالكي لم يذكر ضمن ما ورد به الخطيب البغدادي دمشق كتاب ابن أبي حاتم "علل الحديث" مما يقوى ما أشرت إليه. انظر: كتاب "الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها" للدكتور يوسف العش/96 فقد نشر فيه كتاب المالكي "تسمية ما ورد به الخطيب دمشق" مع إعادة ترتيبه. وانظر: موارد الخطيب البغدادي/322 للدكتور أكرم ضياء العمري فقد عزا كتاب "العلل" المذكور لأبي زرعة اعتماداً على ذكر المالكي له. 2 ذكره العراقي في كتابه "التبصرة والتذكرة" 2/240 وانظر: "الرسالة المستطرفة"/148 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 كتاب "المسند الكبير المعلل"1 للإمام أبي علي الحسين بن محمد الماسرجسي (297-365?) . كتاب "العلل"2 للإمام أبي أحمد الحاكم الكبير (285-378?) كتاب "العلل الواردة في الأحاديث النبوية"3 للإمام أبي   1 هو مسند مهذب معلل في ألف وثلاثمائة جزء قال الحاكم: وعلى التخمين يكون بخطوط الوراقين في أكثر من ثلاثة آلاف جزء، وعندي أنه لم يصنف في الإسلام مسند أكبر منه، وكان مسند أبي بكر الصديق بخطه في بضعة عشر جزءاً بعلله وشواهده، فكتبه النساخ في نيف وستين جزءاً. انظر: تذكرة الحفاظ 3/956 والبداية والنهاية 11/283 وفتح المغيث 2/342 والإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ 165 والرسالة المستطرفة/73. 2 ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 3/977 وانظر: "الأعلام" للزركلي 7/244 و"معجم المؤلفين" 11/180. 3 منه نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في (7) مجلدات من رقم (217إلى223) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب المصرية بالقاهرة رقم (394) تقع في 934 ورقة ويرجع تاريخ نسخها إلى سنة 708?. كما توجد صورة أخرى منه مثل التي في الجامعة عند المشرف على هذه الرسالة فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري. انظر: فهرست مخطوطات دار الكتب المصرية 2/137 وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/340. ولا يخفى أن كتاب العلل هذا للدارقطني هو أحد المصادر التي اعتمدت عليها هذه الرسالة. وهو أجمع كتاب في العلل مرتب على المسانيد.. وليس من جمعه بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني. الرسالة المستطرفة/148 وانظر: فتح المغيث للسخاوي 2/334 وقد حكى البرقاني قصة جمعه لكتاب العلل الذي أملاه عليه الدارقطني من حفظه، فقد قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 12/37: سألت البرقاني قلت له: هل كان أبو الحسن الدارقطني يملي عليك العلل من حفظه؟ فقال: نعم. ثم شرح لي قصة جمع العلل فقال: كان أبو منصور بن الكرخي (انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" 6/59) يريد أن يصنف مسنداً معللا (في الأصل: معلماً، وهو خطأ) فكان يدفع أصوله إلى الدارقطني فيعلم له على الأحاديث المعللة، ثم يدفعها أبو منصور إلى الوارقين فينقلون كل حديث منها في رقعة. فإذا أردت تعليق الدارقطني على الأحاديث نظر فيها أبو الحسن، ثم أملى على الكلام من حفظه فيقول: حديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود، الحديث الفلاني اتفق فلان وفلان على روايته، وخالفهما فلان، ويذكر جميع ما في ذلك الحديث فأكتب كلامه في رقعة مفردة، وكنت أقول له: لم تنظر قبل إملائك الكلام في الأحاديث، فقال: أتذكر ما في حفظي. ثم مات أبو منصور والعلل في الرقاع، فقلت لأبي الحسن بعد سنتين من موته: "إني قد عزمت أن أنقل الرقاع إلى الأجزاء وأرتبها على المسند، فأذن لي في ذلك، وقرأتها عليه من كتابي ونقلها الناس من نسختي". وقد أثنى كل من الذهبي وابن كثير على كتاب "العلل" للدارقطني فقال الذهبي في ترجمته من "تذكرة الحفاظ" 3/993: "وإذا شئت أن تتبين براعة هذا الإمام الفرد فطالع "العلل" له فإنك تندهش ويطول تعجبك". وقال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث/64-65 مع الباعث الحثيث" بعد أن ذكر بعض الكتب المؤلفة في علل الحديث: "وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك وهو أجل كتاب بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده فرحمه الله وأكرم مثواه، ولكن يعوزه شيء لا بدّ منه، وهو: أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم ليسهل الأخذ منه فإنه مبدد جداً لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوب منه بسهولة والله الموفق". ومن هنا قال من قال: "إن كتاب ابن أبي حاتم أحسن ترتيباً وأقرب؛ لاستفادة أكثر الناس منه". قال السخاوي في "فتح المغيث" 2/235: "وقد أفرد شيخنا –يعني الحافظ ابن حجر- من هذا الكتاب –يعني علل الدارقطني- ماله لقب خاص كالمقلوب والمدرج، والموقوف، فجعل كلا منها في تصنيف مفرد، وجعل العلل المجردة في تصنيف مستقل، (يشير بهذا إلى كتاب شيخه الزهر المطلول ... الذي سيأتي. وأما أنا فشرعت في تلخيص الكتاب مع زيادات وعزو فانتهى منه الربع يسّر الله إكماله". وقد سمى السخاوي تلخيصه هذا "بلوغ الأمل بتلخيص كتاب الدارقطني في العلل". انظر: "إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون" 1/195 و"هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين" 2/220. هذا وللإمام الدارقطني كتاب "التتبع" الذي انتقد فيه أكثر من مائتي حديث من أحاديث صحيحي البخاري ومسلم وبيّن عللها. حقق الكتاب مع كتاب "الإلزامات" للدارقطني أيضاً ودرس أحاديثهما الأخ مقبل بن هادي الوادعي اليمني في رسالة تقدم بها للجامعة الإسلامية بالمدينة ونال بها درجة الماجستير عام 1399?، وقد طبعت فيما بعد في كتاب نشره عبد المحسن اليماني صاحب المكتبة السلفية بالمدينة. هذا وكان الأخ ربيع بن هادي المدخلي قد تقدم برسالته المسماة "بين الإمامين مسلم والدارقطني" لجامعة الملك عبد العزيز كلية الشريعة بمكة قسم الدراسات العليا ونال بها درجة الماجستير عام 1397? وهي تبحث في الأحاديث التي انتقدها الإمام الدارقطني على الإمام مسلم في صحيحه وإمكان التوسط بينهما في إقرار النقد أو دفعه. ولا يخفى أن الإمام النووي قد أجاب عن أكثر أحاديث مسلم التي قدح فيها الدارقطني وغيره أثناء تعرضه لها في شرحه لصحيح مسلم، كما أن الحافظ ابن حجر عقد فصلا مستقلا في "هدي الساري" مقدمة "فتح الباري" أجاب فيه عن الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري إجمالا وتفصيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ...........................................................................................................   ولا يخفى أن كتاب العلل هذا للدارقطني هو أحد المصادر التي اعتمدت عليها هذه الرسالة. وهو أجمع كتاب في العلل مرتب على المسانيد.. وليس من جمعه بل الجامع له تلميذه الحافظ أبو بكر البرقاني. الرسالة المستطرفة/148 وانظر: فتح المغيث للسخاوي 2/334 وقد حكى البرقاني قصة جمعه لكتاب العلل الذي أملاه عليه الدارقطني من حفظه، فقد قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 12/37: سألت البرقاني قلت له: هل كان أبو الحسن الدارقطني يملي عليك العلل من حفظه؟ فقال: نعم. ثم شرح لي قصة جمع العلل فقال: كان أبو منصور بن الكرخي (انظر ترجمته في "تاريخ بغداد" 6/59) يريد أن يصنف مسنداً معللا (في الأصل: معلماً، وهو خطأ) فكان يدفع أصوله إلى الدارقطني فيعلم له على الأحاديث المعللة، ثم يدفعها أبو منصور إلى الوارقين فينقلون كل حديث منها في رقعة. فإذا أردت تعليق الدارقطني على الأحاديث نظر فيها أبو الحسن، ثم أملى على الكلام من حفظه فيقول: حديث الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود، الحديث الفلاني اتفق فلان وفلان على روايته، وخالفهما فلان، ويذكر جميع ما في ذلك الحديث فأكتب كلامه في رقعة مفردة، وكنت أقول له: لم تنظر قبل إملائك الكلام في الأحاديث، فقال: أتذكر ما في حفظي. ثم مات أبو منصور والعلل في الرقاع، فقلت لأبي الحسن بعد سنتين من موته: "إني قد عزمت أن أنقل الرقاع إلى الأجزاء وأرتبها على المسند، فأذن لي في ذلك، وقرأتها عليه من كتابي ونقلها الناس من نسختي". وقد أثنى كل من الذهبي وابن كثير على كتاب "العلل" للدارقطني فقال الذهبي في ترجمته من "تذكرة الحفاظ" 3/993: "وإذا شئت أن تتبين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ...........................................................................................................   براعة هذا الإمام الفرد فطالع "العلل" له فإنك تندهش ويطول تعجبك". وقال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث/64-65 مع الباعث الحثيث" بعد أن ذكر بعض الكتب المؤلفة في علل الحديث: "وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك وهو أجل كتاب بل أجل ما رأيناه وضع في هذا الفن، لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بعده فرحمه الله وأكرم مثواه، ولكن يعوزه شيء لا بدّ منه، وهو: أن يرتب على الأبواب ليقرب تناوله للطلاب أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبين على حروف المعجم ليسهل الأخذ منه فإنه مبدد جداً لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوب منه بسهولة والله الموفق". ومن هنا قال من قال: "إن كتاب ابن أبي حاتم أحسن ترتيباً وأقرب؛ لاستفادة أكثر الناس منه". قال السخاوي في "فتح المغيث" 2/235: "وقد أفرد شيخنا –يعني الحافظ ابن حجر- من هذا الكتاب –يعني علل الدارقطني- ماله لقب خاص كالمقلوب والمدرج، والموقوف، فجعل كلا منها في تصنيف مفرد، وجعل العلل المجردة في تصنيف مستقل، (يشير بهذا إلى كتاب شيخه الزهر المطلول ... الذي سيأتي. وأما أنا فشرعت في تلخيص الكتاب مع زيادات وعزو فانتهى منه الربع يسّر الله إكماله". وقد سمى السخاوي تلخيصه هذا "بلوغ الأمل بتلخيص كتاب الدارقطني في العلل". انظر: "إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون" 1/195 و"هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين" 2/220. هذا وللإمام الدارقطني كتاب "التتبع" الذي انتقد فيه أكثر من مائتي حديث من أحاديث صحيحي البخاري ومسلم وبيّن عللها. حقق الكتاب مع كتاب "الإلزامات" للدارقطني أيضاً ودرس أحاديثهما الأخ مقبل بن هادي الوادعي اليمني في رسالة تقدم بها للجامعة الإسلامية بالمدينة ونال بها درجة الماجستير عام 1399?، وقد طبعت فيما بعد في كتاب نشره عبد المحسن اليماني صاحب المكتبة السلفية بالمدينة. هذا وكان الأخ ربيع بن هادي المدخلي قد تقدم برسالته المسماة "بين الإمامين مسلم والدارقطني" لجامعة الملك عبد العزيز كلية الشريعة بمكة قسم الدراسات العليا ونال بها درجة الماجستير عام 1397? وهي تبحث في الأحاديث التي انتقدها الإمام الدارقطني على الإمام مسلم في صحيحه وإمكان التوسط بينهما في إقرار النقد أو دفعه. ولا يخفى أن الإمام النووي قد أجاب عن أكثر أحاديث مسلم التي قدح فيها الدارقطني وغيره أثناء تعرضه لها في شرحه لصحيح مسلم، كما أن الحافظ ابن حجر عقد فصلا مستقلا في "هدي الساري" مقدمة "فتح الباري" أجاب فيه عن الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري إجمالا وتفصيلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 الحسن على بن عمر الدارقطني (306-385?) . كتاب "العلل"1 لأبي علي حسن بن محمد الزجاجي ( ... - في حدود 400?) . كتاب "العلل"2 لأبي عبد الله الحاكم (321-405?) .   1 انظر: "كشف الظنون" 2/1160 والرسالة المستطرفة/148. 2 ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 3/1043 وانظر: "كشف الظنون" 2/1160. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 كتاب "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية"1 للحافظ أبي   1 منه نسختان في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية: إحداهما: جزءان في مجلد تحت رقم (802) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الآصفية (المكتبة الشرقية للمخطوطات) في حيدر آباد الدكن بالهند تحت رقم (116) حديث تقع في 335 ورقة يرجع تاريخ نسختها إلى عام 1293?. والثانية: جزءان في مجلدين تحت رقم (273، 274) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة رامبور بالهند تقع في 348 ورقة. وكتاب ابن الجوزي هذا "العلل المتناهية" عليه في كثير منها انتقاد (انظر: الرسالة المستطرفة/148) هذا وقد لخصه الحافظ الذهبي (673-748?) في كتابه "مختصر العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" الذي توجد منه نسختان في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. إحداهما: في مجلد تحت رقم (660) مصورة عن الأصل المحفوظ في المكتبة الأزهرية بالقاهرة تقع في 84 ورقة. وكذا توجد صورة مماثلة عن هذه النسخة في مكتبة الشيخ حماد المشرف على هذه الرسالة. والثانية: في مجلد تحت رقم (664) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة الجامعة العثمانية في حيدر أباد الدكن بالهند تحت رقم (204) تقع في 85 ورقة يرجع تاريخ نسخها إلى سنة 1119?. هذا وتجدر الإشارة إلى أن كتاب "العلل المتناهية" ومختصره هما من المصادر التي اعتمدت عليها هذه الرسالة، كما تجدر الإشارة إلى أن "العلل المتناهية" يجري طبعه الآن وللمرة الأولى في مطبعة المكتبة العلمية بلاهور بالباكستان، وهو يقع في مجلدين ظهر الأول منه في شعبان سنة 1399? نشرته إدارة العلوم الأثرية بفيصل آباد بالباكستان؛ ونظراً لوصوله إلى يدي متأخراً لم أتمكن من استعماله في أثناء الرسالة لذا فإني اقتصرت في الكتاب كله على المخطوطة هذا ومن ناحية أخرى يقوم حالياً الأخ محفوظ الرحمن الطالب بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية بالمدينة بتحقيق كتاب "مختصر العلل المتناهية" للذهبي في رسالة يعدها سوف يتقدم بها إن شاء الله تعالى لنيل درجة الماجستير وفقه الله وسدد خطاه. وبالمناسبة فإن لابن الجوزي كتاباً آخر بعنوان "التحقيق في أحاديث الخلاف" مخطوط في مجلدين في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة وهو يحتوي على تعليل أحاديث كثيرة وقد طبع منه مجلد واحد معه "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي، ولا يخفى أن كتاب ابن الجوزي هذا هو أحد مصادر هذه الرسالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (508-597?) . كتاب "الزهر المطلول في الخبر المعلول"1 للحافظ   1 انظر: "كشف الظنون" 2/961 و"تدريب الراوي"/167 و"الرسالة المستطرفة"/148. قال الشيخ أحمد شاكر في "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث" لابن كثير/65: "وقد حكى السيوطي في "التدريب" أن الحافظ ابن حجر ألّف فيه كتاباً سماه "الزهر المطلول في الخبر المعلول" ولم أره ولو وجد لكان في رأيي جديراً بالنشر لأن الحافظ ابن حجر دقيق الملاحظة واسع الإطلاع ويظن أنه يجمع كل ما تكلم فيه المتقدمون من الأئمة من الأحاديث المعلولة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ابن حجر (773-852?) . وإلى جانب تلك المؤلفات المستقلة والخاصة في هذا الفن يوجد الكلام على علل الحديث مفرقاً في كتب كثيرة: منها كتب الحديث مثل: "جامع الترمذي" فإن فيه تعليل أحاديث كثيرة منها أحاديث هذه الرسالة. ومنها كتب التخريج مثل: "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية" للزيلعي، و"الدراية في تخريج أحاديث الهداية" لابن حجر، و"التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" لابن حجر، و"الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف" له أيضاً، و"المغنى عن حمل الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار" للعراقي. ومنها كتب شروح الحديث مثل: "فتح الباري بشرح صحيح البخاري مع مقدمته هدى الساري" لابن حجر، و"التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" لابن عبد البر، و"تهذيب سنن أبي داود" لابن قيم الجوزية، و"نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار" للشوكاني. ومنها كتب الفقه مثل: "المحلى" لابن حزم، والمجموع "شرح المهذب" للنووي، و"المغني" لابن قدامة. ومنها كتب الرجال مثل "كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين" لابن حبان، و"الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي، و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال" للذهبي. فإن هؤلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 يذكرون أثناء ترجمة الراوي الضعيف حديثاً أو حديثين من مروياته الضعيفة والمنكرة والمعلولة بسببه. ومن الدراسات النقدية القيمة التي ظهرت في هذا العصر "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" لفضيلة المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وقد صدر منها حتى الآن ألف حديث في مجلدين بيّن في كل حديث وجوه الضعف التي فيه وبيّن علله كما نبه على وضعه إن كان موضوعاً أو باطلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الكتب المؤلفة على السؤالات تمهيد: لست بحاجة إلى التنبيه على قيمة السؤال والتذكير بأنه مفتاح العلوم، فكثيراً ما جاء التأكيد عليه والترغيب فيه، وأن إتقانه نصف العلم، ولقد كان طلاب العلم النابهون يذاكرون شيوخهم ويسائلونهم عما خفي عليهم أو يستشكلونه، ويقيدون ما يحصلون عليه من معلومات من أفواه شيوخهم حفاظاً عليها وذخيرة لهم ولغيرهم، ولم يكن هذا وقفاً على علم دون علم بل شمل أكثر العلوم من فقه، وحديث، وتفسير، وعقيدة، ولغة إلى آخر هذه الفنون، وقد وصل إلينا عدد من تلك المدونات التي برزت في مؤلفات عظيمة مستقلة على هيئة سؤالات وأجوبة، حبذا لو اتجهت نحوها النوايا، وأفرغت لها الطاقات؛ لحصرها والعمل على تحقيقها ودراستها في سبيل تقريبها لأيدي الناس وتيسير سبل الاستفادة منها، فإنه حان الوقت ليتميز هذا الضرب من التأليف على هذا الأسلوب وهو نقل المعلومات من الشيوخ وتتحد معالمه؛ لما فيه من المتعة والفائدة الجمة والثمرة المرجوة، كما أنه آن الأوان لتبرز مجهودات أولئك التلاميذ ومعلميهم علّها تكون حافزاً لنا للالتصاق بالعلم وأهله أكثر فأكثر. وإذا كانت هذه الرسالة "سؤالات الترمذي للبخاري" مناسبة لدراسة فصل فيها تحت عنوان: مقارنة بين عمل الترمذي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 مع البخاري وبين أعمال أخرى مماثلة في علم الحديث –حيث موضوع الرسالة في علل الحديث ومعرفة الرواة- لجأ فيها المتأخر إلى المتقدم يستوضحه ويستفسره عما جهل وانبهم، فإنه لا يحول بيني وبين ذلك إلا ضخامة هذا الفصل وما يتطلبه من وقت لدراسة تلك الأعمال دراسة واعية ومتأنية ترقب الموافقات، وتميز بين المفارقات، وتستخلص النتائج وتعطي الفوائد ولا شك أن هذا يحتاج إلى جهد وتفرغ محله موضوع رسالة علمية عظيمة ينفع الله بها المسلمين، وكما قيل ما لا يدرك كله لا يترك جله فقد حرصت على رصد كل ما تناها إلى علمي من تلك المؤلفات، فكان أن جاز عدد ما أوردته منها العشرين، وهي لأئمة محققين ونقاد كبار ومنطوية على مادة في النقد واسعة ودقيقة سواء في نقد الرجال، أو الأحاديث، أو فيهما معاً. وقد بينت عند ذكر مؤلف منها مادة النقد التي هي فيه وحاولت أن أعطي معلومات وافية عنه تعين على تصوره تشمل وصفاً لنسخته الوحيدة –إن كان مخطوطاً أو صورة عنه- أو لنسخه المتعددة من ناحية ذكر مكان، أو أماكن وجوده، وذكر الرقم الخاص به في المكتبة المحفوظ بها، وعدد أوراقه، وهل هو كامل أو ناقص؟ ومحل النقص، وبيان ما طبع أو حقق في رسالة علمية عالية وبيان ما وقفت عليه من ذلك. وقد اعتمدت في كل ذلك على فهارس المخطوطات، وفهارس المخطوطات المصورة، وفهارس المكتبات، والفهارس المعنية بالتراث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 في شتى مكتبات العالم. أما إذا كان الكتاب الذي أتحدث عنه مفقوداً فإني أبين ذلك واذكر المصدر الذي ذكره. ونظراً لكون المؤلفات لأئمة محققين ونقاد كبار كما سبق واعتمدت عليهم رسالتي هذه في الكثير الغالب؛ فإنني ترجمت لهم بتراجم موجزة ومستخرجة من عدة مصادر، ذكرت عقب كل ترجمة مصادرها التي استقيت الترجمة منها، وقد رتبت تلك المؤلفات على وفاة المشائخ فيها. "سؤالات ابن المديني ليحيى"1 جزءان. مخطوط نسخة منه في مكتبة أحمد الثالث ضمن مجموع رقم (624) استانبول2.   1 ذكره الحاكم في "معرفة علوم الحديث"/17 وابن رجب في "شرح علل الترمذي"/187. 2 انظر: ثبت المراجع لتحقيق كتاب "العلل" لعلي بن المديني. هذا وقد وقفت على نصين في "تهذيب التهذيب" أحدهما في 8/326 والثاني في 9/376 يسأل فيهما ابن المديني يحيى بن سعيد القطان. وهو: يحيى بن سعيد بن فروخ (بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة) القطان أبو سعيد التميمي مولاهم البصري الأحول. اتفقوا على إمامته وجلالته ووفور حفظه وعلمه وصلاحه قال ابن معين: قال لي عبد الرحمن ابن مهدي: لا ترى بعينيك مثل يحيى بن سعيد القطان أبداً. وقال أحمد: ما رأينا مثل يحيى بن سعيد في هذا الشأن –يعني معرفة الحديث- هو كان صاحب هذا الشأن وجعل يرفع أمره جداً. وقال أبو بكر بن خلاد: دخلت على يحيى بن سعيد في مرضه فقال لي: يا أبا بكر ما تركت أهل البصرة يتكلمون؟ قلت: يذكرون خيراً، إلا أنهم يخافون عليك من كلامك في الناس فقال: احفظ عني لأن يكون خصمي في الآخرة رجل من عرض الناس أحبّ إليّ من أن يكون خصمي في الآخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بلغك عني حديث وقع في وهمك أنه عني غير صحيح فلم تنكر. وقال النسائي: أمناء الله على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك وشعبة ويحيى القطان. وقال الخليلي: هو إمام بلا مدافعة وهو أجل أصحاب مالك بالبصرة وكان الثوري يتعجب من حفظه واحتج به الأئمة كلهم. وقالوا من تركه يحيى تركناه. وقال ابن حبان في الثقات: كان من سادات أهل زمانه حفظاً وورعاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً وهو الذي مهّد لأهل العراق، ورسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ومنه تعلم أحمد ويحيى وعلي وسائر أئمتنا. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: "ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين أي ومئة وله ثمان وسبعون، روى له الجماعة" ا?. تذكرة الحفاظ 1/298 تهذيب التهذيب 11/216 تقريب التهذيب 2/348 تاريخ بغداد 14/135 تقدمة الجرح والتعديل/232 شرح علل الترمذي لابن رجب/171 تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/154. وابن المديني هو حافظ العصر وقدوة أرباب هذا الشأن أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري المعروف بابن المديني كان أصلا من المدينة. ولد بالبصرة سنة إحدى وستين ومئة (161?) أجمعوا على جلالته وإمامته وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره قال أبو حاتم: كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل وما سمعت أحمد بن حنبل سماه قط إنما كان يكنيه تبجيلاً له. وكان ابن عيينة أحد شيوخه يروي عنه ويقول: يلومونني على حب عليّ والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني وكذا روى عن يحيى القطان أنه قال: أنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني. وعليّ بن المديني هو شيخ البخاري وعنه تلقى هذا العلم وكان البخاري يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. وقال النسائي: كأن علي ابن المديني خلق لهذا الشأن. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: قلت مناقب هذا الإمام جمة لولا ما كدرها بتعلقه بشيء من مسألة القرآن وتردده إلى أحمد بن أبي دؤاد إلا أنه تنصل وندم وكفّر من يقول بخلق القرآن فالله يرحمه ويغفر له. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب فيه: ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله ... عابوا عليه إجابته في المحنة لكنه تنصل وتاب واعتذر بأنه كان خاف على نفسه. من العاشرة. مات سنة أربع وثلاثين أي ومئتين على الصحيح/ روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير. وقد ذكرت المصادر أنه توفي بسر من رأى ليومين بقيا من ذي القعدة ودفن بالعسكر. ولابن المديني تصانيف كثيرة في علوم الحديث منها الأساء والكنى ثمانية أجزاء واختلاف الحديث خمسة أجزاء، والطبقات عشرة أجزاء. قال النووي: كان عليّ أحد أئمة الإسلام المبرزين في الحديث صنف فيه مئتي مصنف لم يسبق إلى معظمها ولم يلحق في كثير منها. تذكرة الحفاظ 2/428 تهذيب التهذيب 7/349 تقريب التهذيب 2/39 تاريخ بغداد 11/458 التاريخ الكبير 3/2/284 تقدمة الجرح والتعديل/319 الجرح والتعديل 3/1/194 شرح علل الترمذي لابن رجب/185 معرفة علوم الحديث للحاكم/71 ميزان الاعتدال 3/138 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/145 اللباب في تهذيب الأنساب 3/184 تهذيب الأسماء واللغات 1/350. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 ...........................................................................................................   الحديث- هو كان صاحب هذا الشأن وجعل يرفع أمره جداً. وقال أبو بكر بن خلاد: دخلت على يحيى بن سعيد في مرضه فقال لي: يا أبا بكر ما تركت أهل البصرة يتكلمون؟ قلت: يذكرون خيراً، إلا أنهم يخافون عليك من كلامك في الناس فقال: احفظ عني لأن يكون خصمي في الآخرة رجل من عرض الناس أحبّ إليّ من أن يكون خصمي في الآخرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بلغك عني حديث وقع في وهمك أنه عني غير صحيح فلم تنكر. وقال النسائي: أمناء الله على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك وشعبة ويحيى القطان. وقال الخليلي: هو إمام بلا مدافعة وهو أجل أصحاب مالك بالبصرة وكان الثوري يتعجب من حفظه واحتج به الأئمة كلهم. وقالوا من تركه يحيى تركناه. وقال ابن حبان في الثقات: كان من سادات أهل زمانه حفظاً وورعاً وفهماً وفضلاً وديناً وعلماً وهو الذي مهّد لأهل العراق، ورسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ومنه تعلم أحمد ويحيى وعلي وسائر أئمتنا. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: "ثقة متقن حافظ إمام قدوة من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين أي ومئة وله ثمان وسبعون، روى له الجماعة" ا?. تذكرة الحفاظ 1/298 تهذيب التهذيب 11/216 تقريب التهذيب 2/348 تاريخ بغداد 14/135 تقدمة الجرح والتعديل/232 شرح علل الترمذي لابن رجب/171 تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/154. وابن المديني هو حافظ العصر وقدوة أرباب هذا الشأن أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري المعروف بابن المديني كان أصلا من المدينة. ولد بالبصرة سنة إحدى وستين ومئة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 ...........................................................................................................   (161?) أجمعوا على جلالته وإمامته وبراعته في هذا الشأن وتقدمه على غيره قال أبو حاتم: كان ابن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل وما سمعت أحمد بن حنبل سماه قط إنما كان يكنيه تبجيلاً له. وكان ابن عيينة أحد شيوخه يروي عنه ويقول: يلومونني على حب عليّ والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني وكذا روى عن يحيى القطان أنه قال: أنا أتعلم من علي أكثر مما يتعلم مني. وعليّ بن المديني هو شيخ البخاري وعنه تلقى هذا العلم وكان البخاري يقول ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني. وقال النسائي: كأن علي ابن المديني خلق لهذا الشأن. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: قلت مناقب هذا الإمام جمة لولا ما كدرها بتعلقه بشيء من مسألة القرآن وتردده إلى أحمد بن أبي دؤاد إلا أنه تنصل وندم وكفّر من يقول بخلق القرآن فالله يرحمه ويغفر له. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب فيه: ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله ... عابوا عليه إجابته في المحنة لكنه تنصل وتاب واعتذر بأنه كان خاف على نفسه. من العاشرة. مات سنة أربع وثلاثين أي ومئتين على الصحيح/ روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه في التفسير. وقد ذكرت المصادر أنه توفي بسر من رأى ليومين بقيا من ذي القعدة ودفن بالعسكر. ولابن المديني تصانيف كثيرة في علوم الحديث منها الأساء والكنى ثمانية أجزاء واختلاف الحديث خمسة أجزاء، والطبقات عشرة أجزاء. قال النووي: كان عليّ أحد أئمة الإسلام المبرزين في الحديث صنف فيه مئتي مصنف لم يسبق إلى معظمها ولم يلحق في كثير منها. تذكرة الحفاظ 2/428 تهذيب التهذيب 7/349 تقريب التهذيب 2/39 تاريخ بغداد 11/458 التاريخ الكبير 3/2/284 تقدمة الجرح والتعديل/319 الجرح والتعديل 3/1/194 شرح علل الترمذي لابن رجب/185 معرفة علوم الحديث للحاكم/71 ميزان الاعتدال 3/138 طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/145 اللباب في تهذيب الأنساب 3/184 تهذيب الأسماء واللغات 1/350. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 "سؤالات ابن الجنيد ليحيى بن معين" مخطوط توجد ثلاث نسخ1 منه باسم: "معرفة الرجال سؤالات إبراهيم بن عبد الله   1 انظر: تاريخ التراث العربي لـ "سزكين" 1/159. وابن معين هو يحيى بن معين بن عون المري الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي الحافظ المشهور والناقد الجهبذ. سمع: ابن المبارك وابن عيينة ويحيى القطان وخلائق. وعنه: أحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم وأمم لا يحصون. ولد سنة ثمان وخمسين ومئة. أجمعوا على إمامته وتوثيقه وحفظه وجلالته وتقدمه في هذا الشأن واضطلاعه منه. قال أحمد بن حنبل: ها هنا رجل خلقه الله تعالى لهذا الشأن يظهر كذب الكذابين يعني ابن معين. وقال محمد بن هارون الفلاس المخرمي: إذا رأيت الرجل يقع في ابن معين فاعلم أنه كذاب يضع الحديث وإنما يبغض لما يبين من أمر الكذابين. وقال هارون ابن بشر الرازي: "رأيت يحيى بن معين استقبل القبلة رافعاً يديه يقول: اللهم إن كنت تكلمت في رجل ليس هو عندي كذاباً فلا تغفر لي" وقال الدوري عن ابن معين: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه. وقال ابن المديني: لا نعلم أحداً من لدن آدم عليه السلام كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. وقال أيضاً: انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين. وقال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين كان أبوه على خراج الري فخلف له ثروة كبيرة أنفقها كلها على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسها. قال ابن حبان في "الثقات": أصله من سرخس، وكان من أهل الدين والفضل ورفض الدنيا في جميع السنن، وكثرت عنايته بها، وجمعه، وحفظه إياها، حتى صار علماً يقتدى به في الأخبار، وإماماً يرجع إليه في الآثار. ونعّته الذهبي بالإمام الفرد سيّد الحفاظ، وقال: قلت: يحيى أشهر من أن نطول الشرح بما فيه. وقال ابن رجب فيه: الإمام المطلق في الجرح والتعديل وإلى قوله في ذلك يرجع الناس وعلى كلامه فيه يعولون. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب" إمام الجرح والتعديل، من العاشرة، مات سنة ثلاث وثلاثين (أي ومئتين) بالمدينة النبوية، وله بضع وسبعون سنة/ روى له الجماعة. تذكرة الحفاظ 2/429 تهذيب التهذيب 11/280 تقريب التهذيب 2/358 تاريخ بغداد 14/177 تهذيب الأسماء واللغات 1/1/156 شرح علل الترمذي لابن رجب/187. وابن الجنيد هو إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أبو إسحاق المعروف بالختّلي (بضم الخاء والتاء المثناة من فوقها المشددة نسبة إلى ولاية بخراسان) . وثّقَه الخطيب وقال: صاحب كتب الزهد والرقائق، بغدادي سكن "سر من رأى" وحدث بها عن أبي سلمة التبوذكي، وسليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، وعنده عن يحيى بن معين سؤالات كثيرة الفائدة تدل على فهمه. روى عنه: أبو العباس بن مسروق الطوسي، ومحمد بن القاسم الكوكبي، ومحمد بن أحمد بن هارون العسكري. وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ العالم ونزيل سامراء سأل يحيى بن معين عن الرجال، وصنف وجمع، ولم أظفر له بوفاة وكأنها في حدود الستين ومئتين (260?) . تاريخ بغداد 6/120 تذكرة الحفاظ 2/586 معجم المؤلفين 1/51 اللباب في تهذيب الأنساب 1/421. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ...........................................................................................................   وقال الدوري عن ابن معين: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه. وقال ابن المديني: لا نعلم أحداً من لدن آدم عليه السلام كتب من الحديث ما كتب يحيى بن معين. وقال أيضاً: انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين. وقال يحيى القطان: ما قدم علينا مثل هذين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين كان أبوه على خراج الري فخلف له ثروة كبيرة أنفقها كلها على الحديث حتى لم يبق له نعل يلبسها. قال ابن حبان في "الثقات": أصله من سرخس، وكان من أهل الدين والفضل ورفض الدنيا في جميع السنن، وكثرت عنايته بها، وجمعه، وحفظه إياها، حتى صار علماً يقتدى به في الأخبار، وإماماً يرجع إليه في الآثار. ونعّته الذهبي بالإمام الفرد سيّد الحفاظ، وقال: قلت: يحيى أشهر من أن نطول الشرح بما فيه. وقال ابن رجب فيه: الإمام المطلق في الجرح والتعديل وإلى قوله في ذلك يرجع الناس وعلى كلامه فيه يعولون. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب" إمام الجرح والتعديل، من العاشرة، مات سنة ثلاث وثلاثين (أي ومئتين) بالمدينة النبوية، وله بضع وسبعون سنة/ روى له الجماعة. تذكرة الحفاظ 2/429 تهذيب التهذيب 11/280 تقريب التهذيب 2/358 تاريخ بغداد 14/177 تهذيب الأسماء واللغات 1/1/156 شرح علل الترمذي لابن رجب/187. وابن الجنيد هو إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أبو إسحاق المعروف بالختّلي (بضم الخاء والتاء المثناة من فوقها المشددة نسبة إلى ولاية بخراسان) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 بن الجنيد الختّلي". الأولى: في مكتبة أحمد الثالث 624/4 وتقع في (28) ورقة. والثانية: كذلك في مكتبة أحمد الثالث 624/5 وتقع في (23) ورقة. والثالثة: في أنقرة، صائب 1447 وتقع في (13) ورقة. "سؤالات الدوري ليحيى بن معين" في العلل ومعرفة الرجال. سبق التعرض له عند ذكر أهم الكتب المؤلفة في علل الحديث؛ لما يحتويه من علل، ولمّا كان قائماً على أسئلة موجهة من الدوري لابن معين وأجوبة ابن معين عنها فإنني أذكره هنا. كما سبق البحث في اسمه هل هو بعنوان "التاريخ"   وثّقَه الخطيب وقال: صاحب كتب الزهد والرقائق، بغدادي سكن "سر من رأى" وحدث بها عن أبي سلمة التبوذكي، وسليمان بن حرب، وعمرو بن مرزوق، وعنده عن يحيى بن معين سؤالات كثيرة الفائدة تدل على فهمه. روى عنه: أبو العباس بن مسروق الطوسي، ومحمد بن القاسم الكوكبي، ومحمد بن أحمد بن هارون العسكري. وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ العالم ونزيل سامراء سأل يحيى بن معين عن الرجال، وصنف وجمع، ولم أظفر له بوفاة وكأنها في حدود الستين ومئتين (260?) . تاريخ بغداد 6/120 تذكرة الحفاظ 2/586 معجم المؤلفين 1/51 اللباب في تهذيب الأنساب 1/421. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 أو"التاريخ والعلل" ومما لم أذكره هناك هو أن السمعاني في كتابه "التحبير في المعجم الكبير"1 أطلق عليه اسم: "علل   1 2/95 ترجمة رقم 702 وانظر: "موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد"/574. والدوري هو عباس بن محمد بن حاتم بن واقد أبو الفضل الهاشمي مولاهم البغدادي خوارزمي الأصل صاحب يحيى بن معين. ولد سنة (185?) . روى عن أبي داود الطيالسي وأبي نعيم الفضل بن دكين وخلق كثير. وروى عنه أهل السنن الأربعة وخلق. قال ابن أبي حاتم: صدوق سمعت منه مع أبي وسئل عنه أبي فقال صدوق. وقال النسائي ثقة. وقال الأصم: لم أر في مشايخي أحسن حديثاً منه وذكره يحيى بن معين فقال: صديقنا وصاحبنا. وقال مسلمة: ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال الخليلي في الإرشاد: متفق عليه. قال ابن حجر: يعني على عدالته وإلا فالشيخان لم يخرج له واحد منهما قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: وكتابه في الرجال عن أبي معين مجلد كبير نافع ينبئ عن بصره بهذا الشأن. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة إحدى وسبعين ومئتين وقد بلغ ثمانياً وثمانين سنة/ روى له أهل السنن الأربعة. تذكرة الحفاظ 2/539 تهذيب التهذيب 5/129 تقريب التهذيب 1/399 الجرح والتعديل 3/1/216 معجم المؤلفين 5/63 وقال "له كتاب في الرجال عن ابن معين في مجلد كبير". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الحديث ومعرفة الرجال". "سؤالات مضر بن محمد ليحيى بن معين".1 "سؤالات الدارمي2 ليحيى بن معين".   1 ذكره ابن حجر في "التلخيص الحبير" 1/123. ومضر بن محمد هو ابن خالد بن الوليد بن مضر أبو محمد الأسدي القاضي، بغدادي، ولي قضاء واسط وكان راوية لحروف. سمع ابن معين، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم بن المنذر الحزامي. وعنه يحيى بن صاعد، وأبو بكر بن مجاهد المقرئ، ومحمد بن مخلد. نقل الخطيب توثيقه عن الدارقطني. توفي سنة (277?) "تاريخ بغداد 13/268". 2 هو أبو سعيد الحافظ الإمام الحجة عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني، محدّث هراة وتلك البلاد. أخذ هذا الشأن عن: ابن المديني، ويحيى، وأحمد، وإسحاق. وأكثر الترحال. حدّث عنه أبو عمرو أحمد بن محمد الحيرى، ومحمد بن يوسف الهروي، وحامد الرفاء وخلق كثير. قال أبو الفضل يعقوب القراب: "ما رأينا مثل عثمان بن سعيد ولا رأى هو مثل نفسه" قال الذهبي: قلت ولعثمان سؤالات عن الرجال ليحي بن معين، وله مسند كبير وتصانيف في الرد على الجهميّة، وهو الذي قام على ابن كَرّام، وطرده من هراة فيما قبل، ولد سنة مئتين (200?) وتوفي في ذي الحجة سنة ثمانين ومئتين (280?) . تذكرة الحفاظ 2/621، الإعلام للزركلي 4/366، معجم المؤلفين 6/254. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 يوجد نسخة منه في "معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية تحت رقم (106) سعودية مصورة بـ "الميكروفيلم" عن الأصل المحفوظ في مكتبة الشيخ سليمان بن صالح بن حمد بن بسام الخاصة بـ "عنيزة" وقد جاء اسم هذه النسخة هكذا: "تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين في تجريح الرواة وتعدليهم". وتتألف هذه النسخة من (27) ورقة، في (22) سطراً، ومقاسها 5ر13×19 سم1 "سؤالات يزيد بن الهيثم2 ليحيى بن معين".   1 انظر: موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد/399-340 ومقدمة تحقيق كتاب التاريخ ليحي بن معين رواية عباس الدوري، نسخة محققة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر/148 وتعليق السيّد صبحي جاسم الحميد على شرح علل الترمذي لابن رجب تعليقة رقم (67) /60 وقائمة المصادر فيه/578. 2 هو أبو خالد الدقاق يزيد بن الهيثم بن طهمان يعرف بـ "البادا" سمع ابن معين، وعاصم بن علي، وعبد الله بن مطيع البكري. وروى عنه: ابن صاعد، ومكرم بن أحمد القاضي، وأبو عمرو بن السماك، وغيرهم. وثقه الخطيب، ونقل عن الدارقطني توثيقه. مات سنة أربع وثمانين ومئتين (284?) . تاريخ بغداد 14/349. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 مخطوط في مكتبة أحمد الثالث ضمن مجموع رقم (624) استانبول1 سؤالات ابن محرز لابن معين "في الرجال وتعديلهم وتجريحهم". مخطوط بعنوان "معرفة الرجال" توجد ثلاث نسخ منه في دار الكتب الظاهرية بدمشق: الأولى: مجموع (1) تقع في (42) ورقة، ويرجع تاريخ نسخها إلى القرن السادس الهجري، وهي تمثّل الجزء الأول والثاني، وقد وصف الألباني2 هذه النسخة بأنها كاملة. اطلعت عليها في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ضمن مجموع رقم (85) . الثانية: مجموع (1/39) تقع في (39) ورقة ويرجع تاريخ نسخها إلى القرن الرابع الهجري وهي تمثّل القسم الأول منه3.   1 انظر تعليق السيد صبحي جاسم الحميد على "شرح علل الترمذي" لابن رجب تعليقة رقم (67) /60 وقائمة المصادر فيه/578. 2 انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من مخطوطات الحديث- وضع محمد ناصر الدين الألباني/113. 3 انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية -التاريخ وملحقاته- وضع الدكتور يوسف العش/231 وقد قال عنه: "لم يتبع فيه أي ترتيب ومعظمه في معاصري يحيى، وإلا فرواية عن شيوخه في معاصريهم، وقد يورد آراء فقهية ليحي خارجة عن موضوع الكتاب، ومعظمه أسئلة وجهت إلى يحيى في الرجال" وانظر: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/162. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 الثالثة: حديث (287) تقع في (6) ورقات، ويرجع تاريخ نسخها إلى سنة 617?1 كما توجد نسخة رابعة في مكتبة أحمد الثالث تحت رقم (624ف 1219) ، تقع في (23) ورقة بخط أبي بكر بن علي بن إسماعيل الأنصاري البهنسي سنة 728?، معها سؤالات ابن الجنيد لابن معين، ومعها قطعة أخرى من كلام ابن معين في الرجال في (8) ورقات2.   1 انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من مخطوطات الحديث- وضع محمد ناصر الدين الألباني/113 وانظر في ذلك كله تاريخ التراث العربي لسزكين 1/159. 2 انظر فهرست معهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية –فهرس المخطوطات المصورة 2/151. وابن محرز هو: أحمد بن محمد بن قاسم بن محرز أبو العباس. لم أقف له على ترجمة في المصادر التي رجعت إليها إلا ما ذكره الخطيب البغدادي عنه في تاريخه 5/83، وهو غير وافٍ ومكتمل في تبيين شخصيّته حيث قال: "يروى عن يحيى بن معين. حدّث عنه جعفر بن درستويه بن المرزبان الفارسي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 "سؤالات المفضل الغلابي ليحيى بن معين"1. "سؤالات أبي سعيد هاشم بن مرثد الطبراني2 ليحيى بن معين". مخطوط نسخة منه في مكتبة أحمد الثالث ضمن مجموع رقم (624/10) تقع في ورقتين من (86أ-87أ) ويرجع تاريخ نسخها إلى سنة 628?3.   1 ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" في موضعين: الأول: 4/449، الثاني: 9/113. والمفضل الغلابي هو: أبو عبد الرحمن المفضل بن غسان المفضل الغلابي وثقه أبو بكر الخطيب وقال: "بصري الأصل سكن بغداد وحدث بها عن أبيه، وابن مهدي، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين وغيرهم". روى عنه ابنه الأحوص، ويعقوب بن شيبة، وأبو بكر بن أبي الدنيا "تاريخ بغداد" 13/124. 2 هاشم بن مرثد الطبراني أبو سعيد قال ابن حبان: "ليس بشيء في الحديث وابنه صدوق" ديوان الضعفاء والمتروكين/322. 3 انظر: "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/159 وقد جاء اسمه فيه هكذا: "جزء من تاريخ أبي سعيد هاشم بن مرثد الطبراني عن يحيى بن معين في التعديل". وانظر: تعليق الأستاذ صبحي جاسم السامرائي على شرح علل الترمذي لابن رجب/60. وانظر: مقدمة كتاب "التاريخ" لابن معين، رسالة محققة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر لأحمد محمد نور سيف الذي أفاد/139 أن رواية أبي سعيد هذه جاءت في ذيل مخطوطة ابن الجنيد ونظراً لصغرها لم يفردها بالدراسة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 "سؤالات أبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة شيوخه" ابن المديني وأبا نعيم وغيرهما عن حال بعض رواة الحديث جرحاً وتعديلاً. اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبويّة ضمن مجموع رقم (123) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية. تقع في ست أوراق من (206-211) بما فيها الورقة التي أثبت عليها عنوان النسخة والذي جاء هكذا: "جزء فيه مسائل أبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة شيوخه" قال العش في "فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –التاريخ وملحقاته1":   1 /235 وانظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية المنتخب من مخطوطات الحديث وضع محمد ناصر الدين الألباني/18 وقد ذكر أنه استنسخه وقدّم له وحققه ووضع له فهرساً وفي الأخير رجا أن يطبع مستقبلاً. وانظر: تاريخ الأدب العربي لـ "بروكلمان" 3/223 وتاريخ التراث العربي لـ "سزكين" 1/260. وابن أبي شيبة هو: محمد بن عثمان بن أبي شيبة أبو جعفر العبسي الكوفي. أخذ عن والده، وابن المديني، وابن معين، وغيرهم. وعنه: سليمان الطبراني، وأبو بكر النجاد، وسعد الناقد، وآخرون. وثقة صالح جزرة، وقال عبد الله بن الإمام أحمد: كذاب، ورماه ابن خراش بالوضع. قال ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً، وهو على ما وصف لي عبدان لا بأس به، وقال البرقاني: لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه. قال الخطيب: كان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم وله تاريخ كبير. وقال الذهبي: "في تذكرة الحفاظ" وقد أورده فيها: الحافظ البارع محدِّث الكوفة صنف وجمع ... كما قال في "ميزان الاعتدال": كان بصيراً بالحديث والرجال له تواليف مفيدة. مات ببغداد سنة سبع وتسعين ومئتين (297) عن نيف وثمانين سنة. تذكرة الحفاظ 2/661 ميزان الاعتدال 3/642 لسان الميزان 5/280 تاريخ بغداد 3/42 معجم المؤلفين 10/285 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 هو مسائل معظمها عن رجال الحديث ورأي الشيوخ فيهم طعناً أو تعديلاً مع ذكر شيء من رأيهم، وكثير من المسائل وردت عن والد المؤلف، وفيه بعض الأحاديث. في مجموع رقم (40) من ورقة (216 إلى 211) ، 14×13سم حبكت الأوراق بشكل أصبح فيه قياس النسخة (5ر16×13) سم، نحو (19) سطراً، وسم واحد حاشية، خط مهمل بطريقة قديمة من خط على بن الحسن بن عساكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 صاحب النسخة وسامعها وكاتب سماعها سنة 520?. "سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لابن المديني" عن علماء البصرة الذين وصفهم يحيى بن معين بالقدريّة وآراء ابن المديني فيهم: منه نسخة مخطوطة في سراي أحمد الثالث 624/12 تقع في (17) ورقة من (210أإلى 226أ) ويرجع تاريخ نسخها إلى 628?1 ويبدو أنه لدى معهد إحياء المخطوطات العربية بالقاهرة صورة منها2. كما توجد منه نسخة أخرى مخطوطة في دار الكتب الظاهرية بدمشق بعنوان "مسائل" مجموع (40/9) تقع في ست ورقات من (206أإلى 211أ) يرجع تاريخ نسخها إلى سنة 520?3. هذا وقد اطلعت على الكتاب منسوخاً بالآلة الكاتبة في مكتبة المشرف على هذه الرسالة الذي أعطى نسخة مماثلة لما عنده للمكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة والذي أفاد أنه   1 انظر: "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/161. 2 انظر: "فهرست المخطوطات المصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة 1/130". 3 انظر: "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/161 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 أخذه عن طريق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الأستاذ المشارك بكليّة التربية (قسم الدراسات الإسلاميّة) جامعة الرياض حيث توجد لديه نسخة مصورة عن الأصل المحفوظ وذلك إبان وجوده في جامعة الملك عبد العزيز بقسم الدراسات العليا فرع مكة المكرّمة قبل انتقاله إلى الرياض فقد ذكر المشرف أنه كلف أحد تلامذته هناك بمكة بنسخ تلك المصورة التي عند الدكتور الأعظمي وقد تمّ ذلك ومن ثَمَّ تمّ نسخها بالآلة الكاتبة في (15) ورقة وتتضمن (233) سؤالا، وهي غفل من البيانات عن تلك المصورة خالية من أية معلومات عنها، فمن هنا لم أعرف مصدر تلك المصورة ومأخذها التي أحسب والله أعلم أنها من معهد إحياء المخطوطات العربيّة، وحتى تلك الأوراق التي أرسلها الدكتور الأعظمي من تلك المصورة للشيخ عبد الكريم مراد المدرس بكلية الشريعة بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة بناء على طلبه لم تكن من أولها، فيمكن التعرف على مصدرها، وقد ذكر لي المشرف الذي أفادني بهذا أن الشيخ مراد بصدد الاتصال بالدكتور الأعظمي من أجل استكمال الباقي والتعرف على مكان النسخة حيث يرغب في تحقيقها في أطروحة لنيل درجة الماجستير وفقه الله وأعانه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 "سؤالات مسلم لأحمد بن حنبل"1.   1 ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" في ترجمة مسلم نقلاً عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري لعله في تاريخ نيسابور له. والإمام أحمد بن حنبل هو أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن حنبل بن هلال بن أسد الذهلي الشيباني المرزوي ثم البغدادي، ولد سنة أربع وستين ومئة. سمع هشيماً، وإبراهيم بن سعد، وسفيان بن عيينة، وطبقتهم. وعنه البخاري ومسلم، وأبو داود، وابنه عبد الله، وخلق عظيم. قال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين. وقال علي بن المديني: إن الله أيّد هذا الدّين بأبي بكر الصدّيق يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة. وقال ابن معين: أرادوا أن أكون مثل أحمد والله لا أكون مثله أبداً. وقال الشافعي: خرجت من بغداد وما خلفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أزهد ولا أورع ولا أفقه من أحمد بن حنبل. قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: شيخ الإسلام وسيد المسلمين في عصره الحافظ الحجّة إلى أن قال: قلت: سيرة أبي عبد الله قد أفردها البيهقي في مجلد، وأفردها ابن الجوزي في مجلد، وأفردها شيخ الإسلام الأنصاري في مجلد لطيف. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: أحد الأئمة ثقة حافظ فقيه حجة، وهو رأس الطبقة العاشرة. مات سنة إحدى وأربعين أي ومئتين وله سبع وسبعون سنة. روى له الجماعة. تذكرة الحفاظ 2/431، تهذيب التهذيب 1/24، تاريخ بغداد 4/412 شرح علل الترمذي/81 لابن رجب، البداية والنهاية 10/325، تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/110. وأما مسلم فهو مسلم بن الحجاج بن مسلم أبو الحسين القشيري النيسابوري. يقال ولد سنة أربع ومئتين. روى عن أحمد بن حنبل، والهيثم بن خارجة، وشيبان بن فروخ، وخلق كثير. وروى عنه الترمذي حديثاً واحداً، وابن خزيمة، والسراج، وآخرون. قال أحمد بن سلمة: رأيت أبا زرعة، وأبا حاتم يقدمان مسلم ابن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما. وقال بندار: الحفاظ أربعة: أبو زرعة، ومحمد بن إسماعيل، والدارمي، ومسلم. وقال فيه شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء: كان مسلم من علماء الناس، وأوعية العلم ما علمته إلا خيراً وقال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ: الإمام الحافظ حجة الإسلام ... صاحب التصانيف. قال ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة حافظ، إمام مصنف، عالم الفقه. مات سنة إحدى وستين أي ومئتين وله سبع وخمسون سنة، روى له الترمذي. تذكرة الحفاظ 2/588، تهذيب التهذيب 10/126، تقريب التهذيب 2/245، تاريخ بغداد 13/100، تهذيب الأسماء واللغات الجزء الثاني من القسم الأول/89، البداية والنهاية 11/33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 "سؤالات الأثرم1 لأحمد بن حنبل".   1 هو أحمد بن محمد بن هانئ الطائي أو الكلبي الاسكافي أبو بكر الأثرم صاحب الإمام أحمد بن حنبل. سمع: سليمان بن حرب، وأبا الوليد الطيالسي وأبا بكر بن أبي شيبة وطبقتهم. حدّث عنه: النسائي في "السنن"، وموسى بن هارون، وابن صاعد، وآخرون. قال الخطيب: له كتاب في علل الحديث، ومسائل أحمد بن حنبل تدل على علمه ومعرفته. وكان ممن يعدّ من الحفاظ والأذكياء حتى قال فيه يحيى بن معين: كان أحد أبوي الأثرم جنياً. وقال أبو بكر الخلاّل: كان جليل القدر حافظاً، وكان له تيقظ عجيب جداً. وقال: أخبرني أبو بكر بن صدقة قال: سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول: الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن. ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" فقال: وله كتاب نفيس في السنن يدل على إمامته وسعة حفظه أظنه مات بعد الستين ومئتين. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": روى عن أحمد بن حنبل وتفقه عليه وسأله عن المسائل والعلل. وقال في "تقريب التهذيب": ثقة حافظ له تصانيف من الحادية عشرة مات سنة ثلاث وسبعين أي ومئتين قاله ابن قانع. روى له النسائي. تاريخ بغداد 5/110، تذكرة الحفاظ 2/570، البداية والنهاية 11/108، تهذيب التهذيب 1/78، تقريب التهذيب 1/25. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 مخطوط توجد نسخة منه في "دار الكتب الظاهرية" بدمشق ضمن مجلد رقم (حديث 349) تقع في سبع ورقات، يبدو أنها بعض سؤالاته إذ عنوان النسخة: "من سؤالات أبي بكر الأثرم أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل". رواية أبي العباس الظاهري عن أبي القاسم بن رواحة عن الحافظ السلفي ... بسنده عن الأثرم. وقد حوى المجلد بالإضافة إلى ذلك: "جزءاً فيه سؤالات الحافظ أبي طاهر السلفي أبا الكرم الحوزي عن جماعة من أهل واسط ومن الغرباء القادمين إليها". رواية أبي الفضل الهمداني عن الحافظ السلفي. وهو جزء يقع في (25) ورقة في أول المجلد المذكور يليه: "النصف الثاني من كتاب الشجرة في أحوال الرجال لأبي إسحاق إبراهيم الجوزجاني" أفرده منه السلفي يقع في (26) ورقة. وأخيراً: من سؤالات أبي بكر الأثرم … أفاد ذلك مطاع الطرابيشي في مقدمة تحقيقه لكتاب "سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 واسط/27 فما بعدها". وقد رجعت إلى فهرس مخطوطات الظاهرية، المنتخب من مخطوطات الحديث وضع محمد ناصر الدّين الألباني فألفيته ذكر الكتاب الأوّل/301 وذكر الكتاب الثاني/250 بعنوان "الشجرة في أحوال الرجال" وكانت عدد أوراقه عنده (24) ورقة، ولم يشر في هذا والذي قبله أنهما ضمن المجلد المذكور، كما لم يورد في مادة الأثرم الكتاب الثالث الذي هو من سؤالات الأثرم أبا عبد الله ... علماً أنني فتشت عن المجلد المذكور في المخطوطات المصورة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبويّة فلم أعثر عليه. "سؤالات أبي داود أحمد بن حنبل، عن الرواة الثقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 والضعفاء". رُتِّبت أسماؤهم على أسماء بلادهم. اطلعت منه على نسخة ناقصة من أوّلها في مكتبة الشيخ حماد ابن محمد الأنصاري المشرف على هذه الرسالة مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية مجموع (46) تقع في (15) ورقة1.   1 انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية وضع محمد ناصر الدين الألباني/161. وذكر بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي 3/188" وجود نسختين في كوبريلي (292) ودمشق عموميّة (23، 334) . وأبو داود هو: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني. ولد سنة (202?) ورحل إلى البلاد. سمع: القعنبي، وأبا الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب، وخلقاً كثيراً. حدّث عنه: الترمذي، والنسائي، وابنه أبو بكر، وكتب عنه شيخه أحمد بن حنبل حديث العتيرة وأراه كتابه فاستحسنه. قال الهرويّ: كان أحد حفاظ الإسلام للحديث، وعلمه، وعلله، وسنده في أعلى درجة مع النسك، والعفاف، والصلاح، والورع، من فرسان الحديث. وقال محمد بن إسحاق الصاغاني وإبراهيم الحربي: أُلين لأبي داود الحديث كما أُلين لداود عليه السلام الحديد. وقال ابن حبّان: كان أحد أئمة الدنيا فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونسكاً، وورعاً، واتقاناً جمع وصنّف وذبّ عن السنن. وقال الحاكم أبو عبد الله: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة. وقال فيه الذهبي: الإمام الثبت سيّد الحفاظ ... صاحب السنن. قال ابن حجر في "تقريب التهذيب": ... ثقة حافظ مصنف السنن وغيرها من كبار العلماء من الحادية عشرة. مات سنة خمس وسبعين (أي ومئتين) روى له الترمذي والنسائي. تذكرة الحفاظ 2/591، تهذيب التهذيب 4/169، تقريب التهذيب 1/321، تاريخ بغداد 9/55، وفيات الأعيان 2/404، الأعلام للزركلي 3/182، معجم المؤلفين 4/255. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 "سؤالات أبي بكر المروذي1 وغيره لأحمد بن حنبل" عن الحديث ورجاله. اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة   1 ترجم له الذهبي في كتابه "العبر" في وفيات سنة خمس وسبعين ومئتين (275?) وتبعه ابن العماد في كتابه "شذرات الذهب" فقال: "وفيها توفي: أبو بكر المروذي الفقيه أحمد بن محمد بن الحجاج في جمادى الأولى ببغداد وكان أجل أصحاب الإمام أحمد بن حنبل إماماً في الفقه والحديث كثير التصانيف خرج مرة إلى الرباط فتبعه نحو خمسين ألفاً من بغداد إلى سامرا قال أبو يعلى الفراء روى عنه –يعني عن أحمد- مسائل كثيرة". الفهرست لابن نديم/335، طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1/56، مختصر طبقات الحنابلة للنابلسي/32، الأنساب ورقة522ب، اللباب في تهذيب الأنساب 3/198، العبر في خبر من عبر 2/54، شذرات الذهب 2/166. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 الإسلامية بالمدينة النبويّة تحت رقم (99) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق ضمن مجموع رقم (40) تقع في (22) ورقة أثبت على الورقة الأولى منها عنوان الكتاب الذي ورد هكذا: "جزء فيه من كلام أبي عبد الله أحمد بن محمّد بن حنبل -رضي الله عنه- في علل الحديث ومعرفة الرجال، مما رواه عنه أبو بكر أحمد بن محمّد بن الحجّاج المروذي، وأبو الحسن عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، وأبو الفضل صالح بن أحمد ابنه رحمهم الله، وأحاديث وحكايات وغير ذلك". رواية أبي أحمد الحسن بن محمد بن يحيى التميمي النيسابوري عن أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني عنهم1. "سؤالات في العلل والرجال من الحسين بن إدريس الهروي لمحمّد بن عبد الله بن عمار"2   1 سبق التعرض لهذا الكتاب عند ذكر أهم الكتب المؤلفة في علل الحديث وانظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –المنتخب من كتب الحديث- وضع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني/113، وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –التاريخ وملحقاته- وضع الدكتور يوسف العش/232، وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/162، وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/158. 2 ذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 9/265 في ترجمة ابن عمار وفي "لسان الميزان" 2/272 في ترجمة الحسين بن إدريس الهروي. وابن عمار هو محمد بن عبد الله بن عمار الأزدي الغامدي أبو جعفر الموصلي المخرمي أحد الحفاظ المكثرين. روى عن ابن عيينة ويحيى القطان وابن مهدي وغيرهم. وعنه: النسائي ويعقوب بن سفيان والحسين بن إدريس. وقال علي بن أحمد بن النضر الأزدي: رأيت علي بن المديني يقدمه. وقال يزيد بن محمد الأزدي في "تاريخ الموصل": كان ابن عمار فهماً بالحديث وعلله رحالا فيه جماعاً له. قال: ورأيت عبيد العجل يعظم أمره ويرفع قدره. وقد وثقه عبد الله بن أحمد، ويعقوب بن سفيان، والنسائي، والدراقطني، وغيرهم، وأما ابن عدي فقال: رأيت أبا يعلى يسيء القول فيه. ويقول: شهد على خالي بالزور، قال ابن عدي: وابن عمار ثقة حسن الحديث عن أهل الموصل وعنده عنهم أفراد وغرائب وقد شهد أحمد بن حنبل أنه رآه عند يحيى القطّان، ولم أر أحداً من مشائخنا يذكره بغير الجميل، وهو عندهم ثقة. وأثنى عليه الخطيب فقال: كان أحد أهل الفضل المحققين بالعلم حسن الحفظ كثير الحديث، وكان تاجراً قدم بغداد غير مرة، وجالس بها الحفاظ، وذاكرهم، وحدّثهم، إلى أن قال: وروى عنه الحسين بن إدريس الهروي كتاباً في علل الحديث ومعرفة الشيوخ. وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الإمام الحجة ... شيخ الموصل ... له كتاب كبير في الرجال والعلل. وقال في "ميزان الاعتدال": حافظ صدوق، له تاريخ مفيد، حدّث عنه الحسين بن إدريس الهروي بكتابه في العلل والرجال. اهـ. فلعل هذا الكتاب الذي ذكره الخطيب والذهبي هو كتاب السؤالات المذكور. قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" ثقة حافظ من العاشرة مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين وله ثمانون سنة/ روى له النسائي. تذكرة الحفاظ 2/494، تاريخ بغداد 5/416 تهذيب التهذيب 9/265، ميزان الاعتدال 3/596، تقريب التهذيب 2/178 معجم المؤلفين 1/227. وأما ابن إدريس فهو الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم أبو علي الأنصاري الهروي المعروف بابن خُرّم 0بضم الخاء وتشديد الراء المفتوحة) قال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الثقة كان أحد من عني بهذا الشأن، وحصّل وعمل تاريخاً على هيئة تاريخ البخاري، وثقه الدارقطني. وقال أبو الوليد الباجي: لا بأس به. وقال ابن ماكولا: كان من الحفاظ المكثرين/ روى عن ابن عمار، وداود بن رشيد، وروى تاريخ عثمان بن أبي شيبة عنه. وحدّث عنه: ابن حبان في صحيحه، وبشر بن محمد المزني، وأبو الفضل بن حمرويه، وآخرون، توفي سنة (301?) تذكرة الحفاظ 2/695، ميزان الاعتدال 1/530، لسان الميزان 2/272، الجرح والتعديل 1/2/47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 ...........................................................................................................   "لسان الميزان" 2/272 في ترجمة الحسين بن إدريس الهروي. وابن عمار هو محمد بن عبد الله بن عمار الأزدي الغامدي أبو جعفر الموصلي المخرمي أحد الحفاظ المكثرين. روى عن ابن عيينة ويحيى القطان وابن مهدي وغيرهم. وعنه: النسائي ويعقوب بن سفيان والحسين بن إدريس. وقال علي بن أحمد بن النضر الأزدي: رأيت علي بن المديني يقدمه. وقال يزيد بن محمد الأزدي في "تاريخ الموصل": كان ابن عمار فهماً بالحديث وعلله رحالا فيه جماعاً له. قال: ورأيت عبيد العجل يعظم أمره ويرفع قدره. وقد وثقه عبد الله بن أحمد، ويعقوب بن سفيان، والنسائي، والدراقطني، وغيرهم، وأما ابن عدي فقال: رأيت أبا يعلى يسيء القول فيه. ويقول: شهد على خالي بالزور، قال ابن عدي: وابن عمار ثقة حسن الحديث عن أهل الموصل وعنده عنهم أفراد وغرائب وقد شهد أحمد بن حنبل أنه رآه عند يحيى القطّان، ولم أر أحداً من مشائخنا يذكره بغير الجميل، وهو عندهم ثقة. وأثنى عليه الخطيب فقال: كان أحد أهل الفضل المحققين بالعلم حسن الحفظ كثير الحديث، وكان تاجراً قدم بغداد غير مرة، وجالس بها الحفاظ، وذاكرهم، وحدّثهم، إلى أن قال: وروى عنه الحسين بن إدريس الهروي كتاباً في علل الحديث ومعرفة الشيوخ. وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الإمام الحجة ... شيخ الموصل ... له كتاب كبير في الرجال والعلل. وقال في "ميزان الاعتدال": حافظ صدوق، له تاريخ مفيد، حدّث عنه الحسين بن إدريس الهروي بكتابه في العلل والرجال. اهـ. فلعل هذا الكتاب الذي ذكره الخطيب والذهبي هو كتاب السؤالات المذكور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 "سؤالات البرذعي لأبي زرعة وأبي حاتم" حول الضعفاء والكذابين والمتروكين في الحديث. اطلعت على نسخة منه في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري المشرف على هذه الرسالة مصورة من معهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة من الأصل المحفوظ في مكتبة كوبريلي 40/3 تقع في (76) صفحة   قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" ثقة حافظ من العاشرة مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين وله ثمانون سنة/ روى له النسائي. تذكرة الحفاظ 2/494، تاريخ بغداد 5/416 تهذيب التهذيب 9/265، ميزان الاعتدال 3/596، تقريب التهذيب 2/178 معجم المؤلفين 1/227. وأما ابن إدريس فهو الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم أبو علي الأنصاري الهروي المعروف بابن خُرّم 0بضم الخاء وتشديد الراء المفتوحة) قال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الثقة كان أحد من عني بهذا الشأن، وحصّل وعمل تاريخاً على هيئة تاريخ البخاري، وثقه الدارقطني. وقال أبو الوليد الباجي: لا بأس به. وقال ابن ماكولا: كان من الحفاظ المكثرين/ روى عن ابن عمار، وداود بن رشيد، وروى تاريخ عثمان بن أبي شيبة عنه. وحدّث عنه: ابن حبان في صحيحه، وبشر بن محمد المزني، وأبو الفضل بن حمرويه، وآخرون، توفي سنة (301?) تذكرة الحفاظ 2/695، ميزان الاعتدال 1/530، لسان الميزان 2/272، الجرح والتعديل 1/2/47. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 باستثناء صفحتين قبل الجزئين اللذين تشتمل عليهما النسخة، أثبت على كل واحدة منهما تعيين الجزء، وعنوان الكتاب، وسند النسخة التي رويت به، فقد كتب على الصفحة الأولى ما يلي: "الجزء الأول وهو النصف من كتاب الضعفاء والكذابين والمتروكين من أصحاب الحديث عن أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم، وأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي مما سألهما عنه، وجمعه، وألفه أبو عثمان سعيد ابن عمرو بن عمار البرذعي الحافظ رحمه الله" ثم ذكر سند النسخة وكتب على الصفحة الأربعين: "االجزء الثاني وهو النصف من كتاب ... الخ". وهي نسخة بقلم معتاد كتبها لنفسه إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن الأنصاري سنة 618? وقد أشار البرذعي في آخرها إلى ختامها بقوله: "انتهى كتاب أبي عثمان البرذعي في الضعفاء والمتروكين والكذابين ولله الحمد". هذا وتضم النسخة المذكورة في أثنائها "كتاب الضعفاء والكذابين والمتروكين من أصحاب الحديث لأبي زرعة" الذي نسخه البرذعي بيده، وهو يقع في (7) صفحات من صفحة (47 إلى صفحة 53) فقد قال البرذعي: "وكان أبو زرعة قد أخرج أسامي الضعفاء ومن تكلم فيهم من المحدثين. وقال في ذلك فسألته أن يخرج إليَّ كتابه فأخرج إليَّ كتابه بخطه فدفعه إليَّ من يده فنسخت هذه الأساميَّ من كتابه الذي ناولني من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 يده بخطه ولم أسمعه منه". ثم ساق الأسامي وهي مرتبة فيه على وفق حروف المعجم، وفي بعضها يذكر ضعفاً وتجريحاً1.   1 انظر: فهرس المخطوطات المصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة –التاريخ 2/95-56 رقم 719 وضع الدكتور لطفي عبد البديع. "وتاريخ التراث العربي" لسزكين 1/258. وأبو زرعة: هو عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ القرشي مولاهم أبو زرعة الرازي أحد الأئمة الحفاظ. ولد سنة (200?) سمع: أبا نعيم، وأبا الوليد الطيالسي، والقعنبي. وحدّث عنه: من شيوخه حرملة بن يحيى، وأبو حفص الفلاس، وجماعة، وابن خالته الحافظ أبو حاتم الرازي. قال فضلك عن الربيع: "إن أبا زرعة آية" وقال عبد الواحد بن غياث: "ما رأى أبو زرعة مثل نفسه". وقال أبو حاتم: "حدثني أبو زرعة: وما خلف بعده مثله علماً، وفقهاً، وفهماً وصيانة، وصدقاً، وحذقاً، وهذا ما لا يرتاب فيه، ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله، ولقد كان من هذا الأمر بسبيل، وقَلّ من رأيت في زهده. قال: وإذا رأيت الرازي وغيره ينتقص أبا رزعة فاعلم أنه مبتدع". وروى البيهقي عن ابن وارة قال: كنا عند إسحاق بنيسابور فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد يقول: "صحّ من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر وهذا الفتى –يعني أبا زرعة- قد حفظ ستمائة ألف حديث" قال البيهقي: "وإنما أراد ما صحّ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصحابة وفتاوى من أخذ عنهم من التابعين". وقال صالح بن محمد جزرة عن أبي زرعة: أنا أحفظ عشرة آلاف حديث في القراءات. قال ابن وارة سمعت إسحاق بن راهوية يقول: "كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل". وقال البرذعي سمعت محمد بن يحيى يقول: "لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زرعة". وقال أبو يعلى الموصلي: "ما سمعنا يذكر أحد في الحفظ إلا كان اسمه أكبر من رؤيته إلا أبو زرعة الرازي، فإن مشاهدته كانت أكبر من اسمه، وكان قد جمع وحفظ الأبواب والشيوخ والتفسير وغير ذلك". قال الخطيب البغدادي: "وكان إماماً ربانياً متقناً حافظاً مكثراً صادقاً، قدم بغداد غير مرة وجالس أحمد بن حنبل وذاكره". قال عبد الله بن أحمد: "لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، وكان كثير المذاكرة له فسمعت أبي يقول يوماً ما صليت غير الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي". قال ابن حبّان في "الثقات": "كان أحد أئمة الدنيا في الحديث مع الدّين والورع، والمواظبة على الحفظ، والمذاكرة، وترك الدنيا وما فيه الناس". وقال فيه الذهبي "في تذكرة الحفاظ": "الإمام حافظ العصر ... كان من أفراد الدهر حفظاً، وذكاء وديناً، وإخلاصاً، وعلماً، وعملاً". وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": " ... إمام حافظ ثقة مشهور من الحادية عشرة، مات سنة أربع وستين أي ومئتين وله أربع وستون، ورى له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه". تقدمة الجرح والتعديل/328، تذكرة الحفاظ 2/557، تهذيب التهذيب 7/30، تقريب التهذيب 1/536، تاريخ بغداد 10/326. وأبو حاتم: هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم الرازي. ولد سنة خمس وتسعين ومئة (195?) . روى عن: محمد بن عبد الله الأنصاري، وعبيد الله بن موسى، وأبي مسهر الدمشقي، وأمم سواهم. وروى عنه: يونس بن عبد الأعلى وهو من شيوخه، وابنه عبد الرحمن، وأبو زرعة الرازي، وأبو داود، والنسائي، وخلق كثير. رحل وهو أمرد وبقي في الرحلة زماناً. قال ابنه: سمعت أبي يقول: "أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً، ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى دمشق، ثم إلى إنطاكية، ثم إلى طرسوس، ثم رجعت إلى حمص ثم منها إلى الرقة، ثم ركبت إلى العراق، كل هذا وأنا ابن عشرين سنة". وروى عنه أيضاً أنه قال: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: "من أغرب عليَّ حديثاً غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به فله علي درهم يتصدّق به، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق، من الخلق أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى عليَّ ما لم أسمع به، فيقولون هو عند فلان فأذهب فأسمع، وكان مرادي أن استخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب عليَّ حديث". وقال سمعت أبي يقول: "جرى بيني وبين أبي زرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها، وكذلك كنت أذكر أحاديث خطأ وعللها، وخطأ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتم قَلّ من يفهم هذا ما أعز هذا! إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقَلّ من تجد من يحسن هذا! وربما أشك في شيء، أو يتخالجني شيء في حديث فإلى أن ألتقي معك لا أجد من يشفيني منه. قال أبي وكذلك كان أمري". قال أبو بكر الخلال: "أبو حاتم إمام في الحديث روى عن أحمد مسائل كثيرة وقعت إلينا متفرقة كلها غريب". وقال ابن أبي حاتم: "سمعت موسى بن إسحاق القاضي يقول: ما رأيت أحفظ من والدك ... ". قال: وسمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان ودعالهما وقال: "بقاؤهما صلاح للمسلمين". قال الخطيب البغدادي: "كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات مشهوراً بالعلم، مذكوراً بالفضل، وكان أول كتْبه الحديث في سنة تسع ومئتين". وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ الكبير ... أحد الأعلام". قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: "وقد ذكر ابن أبي حاتم في مقدمة (الجرح والتعديل) لوالده ترجمة مليحة فيها أشياء تدل على عظم قدره وجلالته وسعة حفظه رحمه الله، منها ما قال أبو حاتم: قدم محمد بن يحيى النيسابوري الريَّ فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثاً من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلا ثلاثة. وهذا يدل على حفظ عظيم؛ فإن الذهلي شهد له مشايخه، وأهل عصره بالتبحر في معرفة حديث الزهري، ومع ذلك فأغرب عليه أبو حاتم". وقال الذهبي في تقريب التهذيب: " ... أحد الحفاظ من الحادية عشرة مات سنة سبع وسبعين أي ومئتين/ روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه". تقدمة الجرح والتعديل/349، تاريخ بغداد 2/73، تذكرة الحفاظ 2/567 تهذيب التهذيب 9/31، تقريب التهذيب 2/143. والبرذعي: هو الحافظ الناقد أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي البرذعي، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الذال وفي آخرها العين المهملة. (قال ياقوت: وقد رواه أبو سعد –يعني السمعاني- بالدال المهملة والعين مهملة عند الجميع بلد في أقصى أذربيجان) . رحل وسمع محمد بن يحيى الذهلي، ومسلم بن الحجاج، وأبا سعيد الأشج وخلائق وصحب أبا زرعة وتخرج به. حدّث عنه: حفص بن عمر الاردبيلي، وأحمد بن طاهر الميانجي، وحسن ابن علي بن عباس، وغيرهم. قال ابن عقدة: مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين رحمه الله تعالى (292?) . تذكرة الحفاظ 2/743، معجم البلدان 1/379-381، معجم المؤلفين 4/228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 ...........................................................................................................   وقال صالح بن محمد جزرة عن أبي زرعة: أنا أحفظ عشرة آلاف حديث في القراءات. قال ابن وارة سمعت إسحاق بن راهوية يقول: "كل حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل". وقال البرذعي سمعت محمد بن يحيى يقول: "لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زرعة". وقال أبو يعلى الموصلي: "ما سمعنا يذكر أحد في الحفظ إلا كان اسمه أكبر من رؤيته إلا أبو زرعة الرازي، فإن مشاهدته كانت أكبر من اسمه، وكان قد جمع وحفظ الأبواب والشيوخ والتفسير وغير ذلك". قال الخطيب البغدادي: "وكان إماماً ربانياً متقناً حافظاً مكثراً صادقاً، قدم بغداد غير مرة وجالس أحمد بن حنبل وذاكره". قال عبد الله بن أحمد: "لما قدم أبو زرعة نزل عند أبي، وكان كثير المذاكرة له فسمعت أبي يقول يوماً ما صليت غير الفرض استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي". قال ابن حبّان في "الثقات": "كان أحد أئمة الدنيا في الحديث مع الدّين والورع، والمواظبة على الحفظ، والمذاكرة، وترك الدنيا وما فيه الناس". وقال فيه الذهبي "في تذكرة الحفاظ": "الإمام حافظ العصر ... كان من أفراد الدهر حفظاً، وذكاء وديناً، وإخلاصاً، وعلماً، وعملاً". وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": " ... إمام حافظ ثقة مشهور من الحادية عشرة، مات سنة أربع وستين أي ومئتين وله أربع وستون، ورى له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ...........................................................................................................   تقدمة الجرح والتعديل/328، تذكرة الحفاظ 2/557، تهذيب التهذيب 7/30، تقريب التهذيب 1/536، تاريخ بغداد 10/326. وأبو حاتم: هو محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي أبو حاتم الرازي. ولد سنة خمس وتسعين ومئة (195?) . روى عن: محمد بن عبد الله الأنصاري، وعبيد الله بن موسى، وأبي مسهر الدمشقي، وأمم سواهم. وروى عنه: يونس بن عبد الأعلى وهو من شيوخه، وابنه عبد الرحمن، وأبو زرعة الرازي، وأبو داود، والنسائي، وخلق كثير. رحل وهو أمرد وبقي في الرحلة زماناً. قال ابنه: سمعت أبي يقول: "أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، ثم تركت العدد بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً، ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى دمشق، ثم إلى إنطاكية، ثم إلى طرسوس، ثم رجعت إلى حمص ثم منها إلى الرقة، ثم ركبت إلى العراق، كل هذا وأنا ابن عشرين سنة". وروى عنه أيضاً أنه قال: قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: "من أغرب عليَّ حديثاً غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به فله علي درهم يتصدّق به، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق، من الخلق أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي أن يلقى عليَّ ما لم أسمع به، فيقولون هو عند فلان فأذهب فأسمع، وكان مرادي أن استخرج منهم ما ليس عندي، فما تهيأ لأحد منهم أن يغرب عليَّ حديث". وقال سمعت أبي يقول: "جرى بيني وبين أبي زرعة يوماً تمييز الحديث ومعرفته، فجعل يذكر أحاديث ويذكر عللها، وكذلك كنت أذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 ...........................................................................................................   أحاديث خطأ وعللها، وخطأ الشيوخ، فقال لي: يا أبا حاتم قَلّ من يفهم هذا ما أعز هذا! إذا رفعت هذا من واحد واثنين فما أقَلّ من تجد من يحسن هذا! وربما أشك في شيء، أو يتخالجني شيء في حديث فإلى أن ألتقي معك لا أجد من يشفيني منه. قال أبي وكذلك كان أمري". قال أبو بكر الخلال: "أبو حاتم إمام في الحديث روى عن أحمد مسائل كثيرة وقعت إلينا متفرقة كلها غريب". وقال ابن أبي حاتم: "سمعت موسى بن إسحاق القاضي يقول: ما رأيت أحفظ من والدك ... ". قال: وسمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان ودعالهما وقال: "بقاؤهما صلاح للمسلمين". قال الخطيب البغدادي: "كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات مشهوراً بالعلم، مذكوراً بالفضل، وكان أول كتْبه الحديث في سنة تسع ومئتين". وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ الكبير ... أحد الأعلام". قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: "وقد ذكر ابن أبي حاتم في مقدمة (الجرح والتعديل) لوالده ترجمة مليحة فيها أشياء تدل على عظم قدره وجلالته وسعة حفظه رحمه الله، منها ما قال أبو حاتم: قدم محمد بن يحيى النيسابوري الريَّ فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثاً من حديث الزهري، فلم يعرف منها إلا ثلاثة. وهذا يدل على حفظ عظيم؛ فإن الذهلي شهد له مشايخه، وأهل عصره بالتبحر في معرفة حديث الزهري، ومع ذلك فأغرب عليه أبو حاتم". وقال الذهبي في تقريب التهذيب: " ... أحد الحفاظ من الحادية عشرة مات سنة سبع وسبعين أي ومئتين/ روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه". تقدمة الجرح والتعديل/349، تاريخ بغداد 2/73، تذكرة الحفاظ 2/567 تهذيب التهذيب 9/31، تقريب التهذيب 2/143. والبرذعي: هو الحافظ الناقد أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي البرذعي، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الذال وفي آخرها العين المهملة. (قال ياقوت: وقد رواه أبو سعد –يعني السمعاني- بالدال المهملة والعين مهملة عند الجميع بلد في أقصى أذربيجان) . رحل وسمع محمد بن يحيى الذهلي، ومسلم بن الحجاج، وأبا سعيد الأشج وخلائق وصحب أبا زرعة وتخرج به. حدّث عنه: حفص بن عمر الاردبيلي، وأحمد بن طاهر الميانجي، وحسن ابن علي بن عباس، وغيرهم. قال ابن عقدة: مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين رحمه الله تعالى (292?) . تذكرة الحفاظ 2/743، معجم البلدان 1/379-381، معجم المؤلفين 4/228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 هذا والجدير بالذكر أن هذه النسخة المشار إليها نال بها الدكتور سعدي الهاشمي المدرس حالياً بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر. "سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود السجستاني" في معرفة الرجال، وجرحهم، وتعديلهم، وفي درجة بعض الأحاديث مرتب على البلدان.   وابن ماجه". تقدمة الجرح والتعديل/349، تاريخ بغداد 2/73، تذكرة الحفاظ 2/567 تهذيب التهذيب 9/31، تقريب التهذيب 2/143. والبرذعي: هو الحافظ الناقد أبو عثمان سعيد بن عمرو بن عمار الأزدي البرذعي، بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الذال وفي آخرها العين المهملة. (قال ياقوت: وقد رواه أبو سعد –يعني السمعاني- بالدال المهملة والعين مهملة عند الجميع بلد في أقصى أذربيجان) . رحل وسمع محمد بن يحيى الذهلي، ومسلم بن الحجاج، وأبا سعيد الأشج وخلائق وصحب أبا زرعة وتخرج به. حدّث عنه: حفص بن عمر الاردبيلي، وأحمد بن طاهر الميانجي، وحسن ابن علي بن عباس، وغيرهم. قال ابن عقدة: مات سنة اثنتين وتسعين ومئتين رحمه الله تعالى (292?) . تذكرة الحفاظ 2/743، معجم البلدان 1/379-381، معجم المؤلفين 4/228. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 اطلعت منه على ثلاثة أجزاء هي: الثالث، والرابع، والخامس، وذلك في مكتبة المشرف على هذه الرسالة مصورة: الثالث: في مجلد عن الأصل المحفوظ في مكتبة كوبريلي بتركيا تحت رقم (292) ويقع في (30) ورقة1. والرابع والخامس: يقع في مجلد عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الأهلية بباريس تحت رقم (2085) ويقع في 68 ورقة كتب على وجهها وظهرها يخص الرابع منها 17 ورقة والمتبقى (51) ورقة تخص الخامس. ويبدو من مطالعة الأجزاء الثلاثة أن ناسخها واحد مما يدل أنه فرق بينها وقد كتبت بخط جيد وجميل2.   1 وتوجد صورة منه أيضا في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (249) في مجلد عن الأصل المحفوظ في المكتبة المذكورة، وقد قام الأخ محمد علي قاسم الأردني بتحقيقه في رسالة جامعية؛ لنيل درجة الماجستير تقدم بها للجامعة الإسلامية بالمدينة في أواخر عام 1399?. 2 انظر: "تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان 3/188 و"تاريخ التراث" لسزكين 1/262. وانظر: اختصار علوم الحديث لابن كثير/41 مع الباعث الحثيث فقد قال: "ولابن عبيد الآجري عنه (يعني عن أبي داود) أسئلة في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل كتاب مفيد، ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في سننه". تنبيهان: أخطأ بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 3/209 فنسب كتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ...........................................................................................................   السؤالات هذا إلى أبي بكر الآجري محمد بن الحسين بن عبد الله (ت 360?) بعد أن نسبه لأبي عبيد الآجري عند ذكر شيخه أبي داود، مما دعا سزكين في تاريخ التراث العربي 1/316 إلى أن يقول: "يحذف كتاب السؤالات الذي ذكره بروكلمان رقم 11". جرى بعض الناس في التعبير عن الجزء الثالث بنسخة والجزء الرابع، والخامس بنسخة، وهذا تعبير فيه ما فيه كما لا يخفى. وأبو عبيد الآجرّي هو: محمد بن علي بن عثمان الآجرّي (بفتح الألف الممدودة وضم الجيم وتشديد الراء المهملة) وهذه النسبة إلى عمل الآجر وبيعه أونسبة إلى درب الآجر أيضاً موضع ببغداد. ونسبه النووي في أثناء ترجمة شيخه أبي داود من "تهذيب الأسماء واللغات" إلى البصرة. لم أقف له على ترجمة في المصادر التي رجعت إليها ولما كان تلميذاً لأبي داود وملازماً له فقد ذكر في ترجمة شيخه أبي داود ضمن تلاميذه، والرواة عنه مع التنصيص بأنه راوي المسائل عنه، ووصفه بالحافظ فقد قال المزي، وتبعه ابن حجر: "وأبو عبيد محمد ابن علي بن عثمان الآجرّي الحافظ له عنه مسائل مفيدة". وسواء قلنا أن أبا عبيد الآجرّي اتصل بأبي داود في البصرة أو في بغداد؛ لأن أبا داود دخل كلتيهما أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يمكث فترة من الزمن إلى أن وافته المنيّة بالبصرة، فإننا لا نجد له ترجمة في "تاريخ بغداد" ولا يدرى لماذا! ويرى فضيلة المشرف الشيخ حماد الأنصاري أنه لا يبعد أن تكون له ترجمة في "تاريخ بغداد" إلا أنها لم تصل إلينا في ضمن تراجم أخرى ساقطة منه. انظر موارد الخطيب البغدادي/87. ويستدل على ذلك النقص بأن ابن حجر أورد ابن أبي حاتم في "لسان الميزان" 3/432 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 "سؤالات الحاكم النيسابوري للدارقطني، وأجوبته في أسامي مشائخه من أهل العراق". مخطوط يوجد نسختان منه في مكتبة أحمد الثالث1:   1 انظر: تاريخ التراث العربي لـ "سزكين 1/342، 370". الدارقطني: هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي. ولد سنة ست وثلاثمئة. في دار قطن حي ببغداد. سمع: البغوي وابن أبي داود وابن صاعد وخلائق. حدّث عنه: الحاكم وأبو بكر البرقاني، وأبو القاسم حمزة السهمي. قال الحاكم: "صار الداقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماماً في القراء والنحويين، وأقمت في سنة سبع وستين ببغداد أربعة أشهر وكثر اجتماعنا، فصادفته فوق ما وصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ...........................................................................................................   وله مصنفات يطول ذكرها فأشهد أنه لم يخلِّف على أديم الأرض مثله". وقال الخطيب: "كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة مع الصدق والأمانة، والفقه والعدالة، وقبول الشهادة وصحة الاعتقاد، وسلامة المذهب والاضطلاع بعلوم سوى الحديث، منها القراءات، ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء ... ، ومنها المعرفة بالأدب والشعر ... " وقال فيه الذهبي: الإمام شيخ الإسلام حافظ الزمان ... صاحب السنن. توفي في ثامن ذي القعدة سنة 385?. تذكرة الحفاظ 3/991. تاريخ بغداد 12/34. طبقات الشافعية للسبكي 2/310. وفيات الأعيان 3/297. البداية والنهاية 11/317. معجم المؤلفين 7/157. اللباب في تهذيب الأنساب 1/483. والحاكم هو: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع. ولد سنة 321?. روى عن: أبيه، والدارقطني، والصفار. حدّث عنه: أبو ذر الهروي، وأبو يعلى الخليلي، وأبو بكر البيهقي. وثقه الخطيب وذكر أنه كان يميل إلى التشيع. وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": "الحافظ الكبير إمام المحدّثين ... صاحب التصانيف". توفي في صفر سنة خمس وأربعمائة 405?. تذكرة الحفاظ 3/1039. تاريخ بغداد 5/473. ميزان الاعتدال 3/608. لسان الميزان 5/232. البداية والنهاية 11/355. طبقات الشافعية للسبكي 3/64 معجم المؤلفين 10/238. تنبيه: للحاكم أجوبة حين منصرفه من بغداد عن أسئلة أهل الحديث عن جماعة من الخراسانيين لم يقفوا على محلهم من الجرح والتعديل مخطوط في مكتبة أحمد الثالث (624/18) يقع في (10) ورقات تاريخ التراث العربي 1/370. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 الأولى: (634/23) تقع في (12) ورقة هي بعض سؤالاته. الثانية: (624/18) تقع في (10) روقات. "سؤالات السلمي للدارقطني" في نقد الرجال. اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبويّة تحت رقم (1102) 1 مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث 624/16 تقع في (16) ورقة مقياس الورقة 19/26 بخط أبي بكر بن علي بن إسماعيل الأنصاري البهنسي الشافعي وتاريخ نسخها سنة 628?2.   1 في مجلد يحتوي عليها وعلى سؤالات البرقاني الآتية. 2 انظر: تاريخ التراث العربي لسزكين 1/342. والسلمي هو: محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي السلمي النيسابوري الصوفي أبو عبد الرحمن. قدم بغداد مرات وحدّث بها عن شيوخ خراسان منهم: أبو العباس الأصم وأحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي، وإسماعيل ابن نجيد السلمي، وغيرهم. وحمل عنه القشيري والبيهقي، وأبو صالح المؤذن، وخلق سواهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 ...........................................................................................................   قال الذهبي في "ميزان الاعتدال": شيخ الصوفية، وصاحب تاريخهم، وطبقاتهم، وتفسيرهم، تكلموا فيه وليس بعمدة. روى عن: الأصم وطبقته، وعني بالحديث ورجاله، وسأل الدارقطني، وفي القلب مما يتفرد به. وأورده في "تذكرة الحفاظ" فقال: الحافظ العالم شيخ المشايخ، كتب العالي والنازل، وصنف وجمع، وسارت بتصانيفه الركبان إلا أنه ضعيف. قال الخطيب البغدادي: قال لي محمد بن يوسف القطان: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة، ولم يكن سمع من الصم إلا شيئاً يسيراً، فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع حدّث عن الأصم بتاريخ يحيى بن معين وبأشياء كثيرة سواه، قال: وكان يضع للصوفية الحديث. قال الخطيب: قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، ومحله في طائفته كبير، وكان مع ذلك صاحب حديث مجوداً، جمع شيوخاً، وتراجم، وأبواباً، وبنيسابور له دويرة معروفة به يسكنها الصوفية. وكان ذا عناية بأخبار الصوفية وصنف لهم سننا وتفسيراً وتاريخاً. قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": ألف حقائق التفسير فأتى فيه بمصائب، وتأويلات الباطنية. نسأل الله العافية. ونقل عن: الحافظ عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور أنه قال: جمع من الكتب ما لم يسبق إلى ترتيبه، حتى بلغ فهرست تصانيفه مئة أو أكثر، وكتب الحديث بمرو، ونيسابور، والعراق، والحجاز. قال الذهبي: قلت قد سأل أبا الحسن الدارقطني عن خلق من الرجال سؤال عارف بهذا الشأن. ولد سنة ثلاثين وثلاثمئة (330?) . ومات في شعبان سنة اثنتي عشرة وأربعمائة (412?) . تاريخ بغداد 2/248. تذكرة الحفاظ 3/1046. ميزان الاعتدال 3/523. لسان الميزان 5/140. الإعلام للزركلي 6/330. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 "سؤالات البرقاني للدارقطني" في جرح الرواة وتعديلهم. اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبويّة تحت رقم (1102) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث ضمن مجموعة رقم (624/112) تقع في (13 ورقة) 1 مقياس الورقة (19×26) سم. بخط أبي بكر بن علي بن إسماعيل الأنصاري البهنسي الشافعي رواية أبي غالب محمد بن الحسن بن أحمد الكرجي عن البرقاني، وقد رتبت فيها أسماء الرواة على وفق حروف المعجم. ويليها "تعليق الخطيب على سؤالات البرقاني للدارقطني" في آخر صفحة من السؤالات وفي صفحة أخرى (16-17) . وقد ذكر فؤاد سيّد في "فهرس المخطوطات المصورة بمعهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربيّة بالقاهرة" تعليق الخطيب المذكور بأكمل من هذا، فقال2: "تعليق على سؤالات البرقاني للدارقطني" تأليف أبي بكر أحمد بن علي بن   1 انظر: "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/342. 2 1/68 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ثابت الخطيب البغدادي المتوفى سنة 463?. نسخة كتبت سنة 728? بخط أبي بكر بن علي بن إسماعيل الأنصاري البهنسي الشافعي. مكتبة أحمد الثالث (624/10) ، (4 أوراق) (116-119) 19×26 سم كما توجد نسخة أخرى من السؤالات في دار الكتب بالقاهرة رقم (1558) حديث في (8) صفحات رواية أبي غالب المذكور عن البرقاني، يرجع تاريخ نسخها إلى القرن الثامن الهجري1.   1 انظر: "فهرست المخطوطات بدار الكتب بالقاهرة" 1/212. والبرقاني هو: أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي المعروف بالبرقاني -بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وفتح القاف نسبة إلى قرية بنواحي خوارزم خربت وصارت مزرعة- الشافعي شيخ بغداد. سمع من الدارقطني، وأبي بكر بن مالك القطيعي، وعبد الغني الأزدي، وخلق كثير. وحدّث عنه: الخطيب، وأبو إسحاق الشيرازي الفقيه، وأبو الفضل بن خيرون، وآخرون. قال الخطيب: كان ثقة، ورعاً، متقناً، متثبتاً، فهماً، لم ير في شيوخنا أثبت منه، حافظاً للقرآن، عارفاً بالفقه، له حظ من علم العربيّة، كثير الحديث حسن الفهم له والبصيرة فيه، وصنّف "مسنداً" ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري ومسلم، وجمع حديث سفيان الثوري، وشعبة، وأيوب، وعبيد الله بن عمرو، وعبد الملك بن عمير، وبيان بن بشر، ومطر الوراق وغيرهم من الشيوخ. ولم يقطع التصنيف إلى حين وفاته. ومات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 "سؤالات حمزة السهمي للدارقطني" عن حال بعض رجال الحديث جرحا وتعديلا، وهو مرتب على الحروف. اطلعت على نسخة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ضمن مجموع رقم (56) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية ضمن مجموع رقم   وهو يجمع حديث مسعر، وكان حريصاً على العلم منصرف الهمة إليه وسمعته يوماً يقول لرجل من الفقهاء –معروف بالصلاح وقد حضر عنده-: ادع الله أن ينزع شهوة الحديث من قلبي؛ فإن حبه قد غلب علي، فليس لي اهتمام بالليل والنهار إلا به، أو نحو هذا من القول. وقال: "سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: البرقاني إمام إذا مات ذهب هذا الشأن -يعني الحديث-". وقال ابن الأثير في "اللباب": الفقيه المحدث الأديب الصالح له التصانيف المشهورة. وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الإمام الحافظ شيخ الفقهاء والمحدثين ... صنف التصانيف، وخرّج على الصحيحين. انتقل من بيته فكان معه (63) سفطاً، وصندوقان كل ذلك مملوء كتباً. ولد في آخر سنة 336، وسكن بغداد وبها مات رحمه الله في يوم الأربعاء أوّل يوم من رجب سنة 425?. تذكرة الحفاظ 3/1074، تاريخ بغداد 4/373، اللباب في تهذيب الأنساب 1/140، البداية والنهاية 12/36، طبقات الشافعيّة الكبرى للسبكي 3/19، الإعلام للزركلي 1/205، معجم المؤلفين 2/74. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 (111) تقع في ست أوراق من ورقة 206-215 يتخللها من أولها (4) أوراق خارجة عنها ليست من السؤالات. ومقياس الورقة حسبما ذكر العش (14×10) سم نحو (19) سم واحد حاشية خط ضياء الدين المقدسي المتوفى سنة 643?1. وذكر سزكين في "تاريخ التراث العربي"2 وجود نسخة   1 انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية التاريخ وملحقاته، وضع يوسف العش/ (242) ، وفهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية المنتخب من مخطوطات الحديث وضع محمد ناصر الدين الألباني/ (306) ، وتاريخ التراث العربي لسزكين 1/342-343. 2 1/242. وحمزة السهمي هو: أبو القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم القرشي السهمي الجرجاني من ذرية هشام بن العاص بن وائل -رضي الله عنه- دخل أصبهان، والري، والأهواز، وبغداد، والبصرة، والكوفة، وواسط، والشام، ومصر، والحجاز، وغير ذلك. حدّث عن: ابن عدي، والإسماعيلي، والدراقطني، وخلائق. وروى عنه: أبو بكر البيهقي، وأبو صالح المؤذن، وأبو القاسم القشيري. قال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الإمام الثبت ... ، صنّف التصانيف، وجرّح، وعدّل، وصحّح وعلّل. توفي سنة سبع وعشرين وأربعمئة وبعضهم أرخه سنة ثمان. تذكرة الحفاظ 3/1089، الأعلام للزركلي 2/314. قال الدكتور أكرم ضياء العمري في كتابه موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد/ في مادة السهمي هذا/ 380: "وقد ذكر الذهبي أن حمزة السهمي سأل الشيرازي عن أحوال الرجال، كما سأل ابن غلام الزهري عن الرجال، والجرح، والتعديل. وأشار الخطيب إلى سؤال حمزة لأبي زرعة (الرازي الصغير أحمد ابن الحسين بن علي المتوفى سنة 375?) عن أحوال الرواة" ا?. تذكرة الحفاظ 3/990، 1021، 1000. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 أخرى مخطوطة في مكتبة أحمد الثالث (624/12) تقع في (18) ورقة من ورقة (172ب-189ب) وتاريخ نسخها 628?. "سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من أهل واسط والغرباء القادمين إليها" حققه ونشره مطابع الطرابيشي سنة 1396? بمطبعة الحجاز بدمشق عن النسخة الخطيّة المحفوظة في "المكتبة الظاهرية"1 ضمن مجلد (حديث 349) ويعدّ مصدراً في   1 انظر: فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية وضع محمد ناصر الدين الألباني/ 301 خميس الحوزي هو: أبو الكرم خميس بن علي بن أحمد الحوزي (بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفي آخرها زاي) نسبة إلى الحوز قرية شرقي واسط قريبة منها) الواسطي. ولد في شعبان سنة 442? ومات في شعبان أيضاً سنة 510? بواسط. سمع علي بن محمد النديم، وأبا القاسم بن البسرى، وأبا نصر الزيني، وطبقتهم بواسط، وبغداد. وروى عنه: أبو الجوائز سعد بن عبد الكريم، وأحمد بن سالم المقرئ، وأبو طاهر السلفي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 ...........................................................................................................   وآخرون. قال السلفي: "سألت خميساً الحوزي عن أهل واسط المتأخرين فأجابني". وفي "الأعلام" للزركلي: قال السلفي: سألته عن رجال من الرواة فأجابني مما أثبته في جزء ضخم وهو عندي. قال عمر رضا كحالة في "معجم المؤلفين" في ترجمة الحوزي: وسأله أبو طاهر السلفي عن شيوخ واسط ومن قدمها، فكتب جوابه في جزء سمعه منه ابن نقطة بالإسكندريّة. قال الذهبي: "وكان السلفي يثني عليه، ويقول: كان عالماً ثقة يملي من حفظه علي حال من أسأله، وكان لا يؤبه له". وقال ابن نقطة: "كان له معرفة بالحديث والأدب". وقال ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب": من فضلاء واسط ومحدثيها. وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الإمام محدث واسط ... ، كتب وجمع وجرّح وعدّل. تذكرة الحفاظ 4/1262. اللباب في تهذيب الأنساب 1/400. الأعلام للزركلي 2/371. معجم المؤلفين 4/130. والسلفيّ هو: صدر الدين أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السِّلَفي (بكسر السين وفتح اللام) الأصبهاني. ولد سنة 475? أو قبلها بسنة وقيل ولد سنة 472? وقيل سنة 478?. قال ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب" كان فاضلاً مكثراً، رحل في طلب الحديث، وصار من الحفاظ، سمع أبا الخطاب نصر ابن أحمد بن البطر والحسين بن طلحة النعالي وخلقاً كثيراً، وانتقل إلى الإسكندرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 تراجم الواسطيين وهم على طبقات: فمنهم القراء، ومنهم المحدّثون، ومنهم القضاة، ومنهم الفقهاء، ومنهم الأدباء، والشعراء، ومنهم النحاة، ومنهم الخطباء بمساجد واسط، ومنهم الزهاد والصوفيّة. ذلك هو ما شاء الله عز وجل أن أسجله من كتب السؤالات،   وأقام بها، روى عنه الناس وصار يُرْحل إليه من البلاد البعيدة. وقال فيه الذهبي "تذكرة الحفاظ": "الحافظ العلامة شيخ الإسلام" وبعد أن ذكر الأماكن التي ارتحل إليها قال: وبقي في الرحلة بضع عشرة سنة، وسمع ما لا يوصف كثرة، ونسخ بخطه الصحيح السريع، وهو في غضون ذلك يقرأ القرآن، والفقه، والعربية، وغير ذلك وكان متقناً متثبتاً، ديناً خيراً، حافظاً، ناقداً، مجموع الفضائل. انتهى إليه علو الإسناد، وروى الحفاظ عنه في حياته، ونقل عن: الحافظ عبد العظيم أنه قال: كان السِّلَفي مغرى بجمع الكتب، وما حصل له من المال يخرجه في ثمنها، كان عنده خزائن الكتب لا يتفرغ للنظر فيها، فعضت، وتلصقت لنداوة البلد فكانوا يخلصونها بالفأس فتلف أكثرها. وقال فيه ابن كثير: الحافظ الكبير المعمر. وللسِّلَفي تصانيف كثيرة منها: معجم شيوخه الأصبهانيين، ومعجم شيوخ بغداد، ومعجم السفر. توفي صبيحة الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمئة (576?) وقد جاوز المئة. اللباب في تهذيب الأنساب 2/126. تذكرة الحفاظ 4/1298. وفيات الأعيان 1/105. البداية والنهاية 12/307. ميزان الاعتدال 1/155. لسان الميزان 1/299. الأعلام للزركلي 1/209. معجم المؤلفين 2/75. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 ويوجد هناك كتب نحت منحى السؤالات والأجوبة إلا أنها اتخذت مسميات خاصة، قد ذكرت بعضها مثل: "التاريخ" لابن معين رواية عباس بن محمد الدوري، و"الضعفاء والكذابين والمتروكين" للبرذعي و"معرفة الرجال" لابن محرز. وما لم أذكره منها مثل: "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد رواية ابنه عبد الله و"الجرح والتعديل"، و"علل الحديث" لابن أبي حاتم، و"العلل الواردة في الأحاديث النبويّة" للدارقطني. قال الدكتور محمد عجاج الخطيب1: "والغالب على منهج كتب العلل أن يسأل الشيخ عن حديث من طريق معينة فيذكر الخطأ في سنده، أو في متنه، أو فيهما، وقد يذكر بعض الطرق الصحيحة ويعتمد عليها في بيان علة الحديث المسؤول عنه، ويعرِّف أحياناً ببعض الرواة، ويبيّن أحوالهم قوة وضعفاً، وحفظاً وضبطاً؛ ولهذا أطلق بعض المصنفين على كتبهم اسم (التاريخ والعلل) ، أو (الرجال والعلل") . وإن التزام الأئمة لهذا المنهج يعود إلى طبيعة هذا العلم وموضوعه، الذي يعتمد اعتماداً كبيراً على الحفظ والفهم ومعرفة الطرق الكثيرة، والمشتبه من أسماء الرواة، وألقابهم، وأنسابهم، وأوطانهم، وشيوخهم، وأحاديثهم. فحين يعرض السائل ما عنده من   1 أصول الحديث علومه ومصطلحاته/ 295-296. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 حديث على الجهبذ، أو يسأله عن أحاديث معلة، يجد الجواب حاضراً؛ لمعرفته بالصواب. وأقرب مثل لهذا قراءة القرآن بين يدي أئمة القراء الذين يصححون الغلط؛ لمعرفتهم بالقراءات الشاذة والصحيحة؛ لذلك قال بعضهم: لا تقل لي: ما الحجّة في قولكم كذا وكذا؟ بل أذكر لي الحديث أبيّن لك علته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ترجمة وافية للإمام الترمذي اسمه ونسبه وكنيته وشهرته*: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 هو الإمام الحافظ محمّد بن عيسى. إلى هنا باتفاق. ثم يبدأ الاختلاف بين الأقوال الثلاثة التي وردت في ذكر نسبه: فالمشهور الذي جاء في أكثر الروايات: "محمد بن عيسى بن سورة1 ابن موسى بن الضحاك". وقال السمعاني: "ابن شداد" بدل "ابن موسى" واقتصر عليه ولم يتجاوزه وكذا فعل أبو يعلى الخليلي. ومن تبعهما. وقيل: "محمّد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن". أبو عيسى2 السلمي البوغي الترمذي الضرير.   1 سَوْرة: بفتح السين المهملة وسكون الواو وفتح الرّاء المهملة وفي آخرها تاء مربوطة على وزن طَلْحة، وقد أخطأ بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي" فقال: "ابن سهل". 2 هذه كنية الترمذي التي اشتهر بها والتي يعبر بها عن نفسه كثيراً في "الجامع" وقد كره بعض العلماء التكني بأبي عيسى: لما أخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" قال: حدثنا الفضل ابن دكين عن موسى بن عُلى عن أبيه: "أن رجلا اكتنى بأبي عيسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن عيسى لا أب له" قالوا: فكره ذلك لإيهامه أن لعيسى عليه السلام أباً."، ولأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 ...........................................................................................................   عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب ابناً له اكتنى بأبي عيسى، وقال: "إن عيسى ليس له أب"، وأنكر على المغيرة بن شعبة تكنيته بهذه الكنية كما سيأتي. وقد أجيب عن الحديث بأنه مرسل لا حجة فيه على القول الراجح، فعليُّ بن رباح والد موسى من صغار التابعين، كما في "تقريب التهذيب" 2/37، وقد أرسله إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والواقع بأن عيسى لا أب له وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مزاحاً. ويدل لجواز الاكتناء بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى المغيرة بن شعبة بأبي عيسى بإخبار المغيرة عن نفسه، وبشهادة بعض الصحابة له بأنه كان يكنيه، بها فقد أخرج أبو داود في "سننه" 13/303 مع عون المعبود (في كتاب الأدب/ باب فيمن يتكنى بأبي عيسى) بسند حسن إن لم يكن صحيحاً من طريق زيد بن أسلم عن أبيه. أن عمر بن الخطاب ضرب ابناً له تكنى أبا عيسى، وأن المغيرة ابن شعبة تكنى بأبي عيسى فقال: أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني فقال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأنا في جلجتنا فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك" (الجلجة) محركة: واحدة الجلج، قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/283: "قال أبو حاتم: سألت الأصمعي عنه، فلم يعرفه. وقال ابن الأعرابي وسلمة: الجلج: رؤوس الناس واحدتها جلجة. وقال ابن قتيبة: معناه بقينا نحن في عدد من أمثالنا من المسلمين لا ندري ما يصنع بنا. وقيل الجلج في لغة أهل اليمامة: جباب الماء كأنه يريد: تركنا في أمر ضيق كضيق الجباب" وانظر: تاج العروس 5/455. وفي الإصابة لابن حجر قال: "وذكر البغوي من طريق زيد ابن اسلم أن المغيرة استأذن على عمر فقال: "أبو عيسى" قال: من أبو عيسى؟ قال المغيرة بن شعبة. قال: "فهل لعيسى من أب؟ " فشهد له بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكنيه بها فقال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم غفر له، وأنا لا ندري ما يفعل بنا، وكناه أبا عبد الله" ا?. "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 3/453. فعمر بن الخطاب رضي الله عنه –على حدّ قول المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي/345- تأول تكني رسول الله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بأبي عيسى بأنه ما كناه به بل إنما دعاه به بعض الأحيان وهذا لا يستدل به على الجواز لأن النبي صلى الله عليه وسلم ربما فعل شيئاً، وإن كان خلافه أولى، ويكون هذا في حقه مسلوب الكراهة. وهذا معنى قوله: "غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر". قال المباركفوري: "قلت: ليس في النهي عن التكني بأبي عيسى حديث مرفوع متصل صحيح صريح فالظاهر هو الجواز" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 والسُّلَمي: بضم السين المهملة1 وفتح اللام ثم ميم، نسبة إلى بني سُلَيم "بالتصغير" قبيلة معروفة من قيس عيلان. والبُوْغي: بضم الباء الموحدة وسكون الواو آخرها غين معجمة، نسبة إلى "بوغ". قال السمعاني في "الأنساب": "وهي قرية من قرى "ترمذ" على ستة فراسخ"2. وفي تعليل هذه النسبة قال: "إما أنه كان من هذه القرية، أو سكن هذه القرية إلى أن مات". هكذا على الاحتمال لكن جاء بعد ذلك بقليل، وجزم بأحد الاحتمالين فذكر أنه مات بقرية "بوغ"، وهذا ما جزم به في "مادة الترمذي". وإذا كان ذلك كذلك يكون الترمذي نسب إليها لوفاته فيها، ويفسر صنيع السمعاني هذا بأنه ترجيح منه بعد تفصيل لما قيل في هذه المسألة. والذي مال إليه أحمد شاكر ورجحه أنه من أهل هذه القرية   1 قال الكتاني في "الرسالة المستطررفة"/11: خلافاً لمن قال بفتحها. 2 الفرسخ: ثلاثة أميال والميل: كيلومتر ونصف تقريباً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 وأنه ولد ومات بها فينسب إليها أو إلى مدينتها "ترمذ" التي تعرف بها قريته، غير أنه لم يذكر أي مرجح، واكتفى بتوجيه قول من قال أنه ولد ومات ببلدة "ترمذ"، فحمله على أنه تجوّز من قائله، وأن مراده "بوغ" القرية القريبة منها التابعة لها إلى أن قال: "ومثل هذا كثير" أي على الألسنة وهو إضافة ما للقرية إلى المركز التابعة له. وقد قال قبل ذلك في وجه تعليل أنه من أهل هذه القرية: "إذ يبعد أن يكون من أهل البلدة فينسب إلى قرية من قراها من غير أن يكون له بها صلة". ويبدو من كلام أحمد شاكر أنه ليس ثمة واسطة. ويمكن أن نتفق مع أحمد شاكر في هذا التعليل وهو تعليل جيد، ولكن لا يلزم منه أن يكون ولد ومات في قرية "بوغ". والحال أنني لم أر من نصّ على مولده، ووفاته في هذه القرية غيره. وقد نقل ابن الأثير في "جامع الأصول" وغيره عن الترمذي أنه قال: كان جدي مروزياً في أيام ليث بن سيار، ثم انتقل من مرو إلى ترمذ. والترمذي: نسبة إلى "ترمذ" -بمثناة فوقية وراء مهملة وميم وذال معجمة- مدينته التي نشأ فيها بلا خلاف، واشتهر بالنسبة إليها. قال السمعاني: "والناس مختلفون في كيفية هذه النسبة: بعضهم يقول: بفتح التاء المنقوطة بنقطتين من فوق. وبعضهم يقول: بضمها. وبعضهم يقول: بكسرها. والمتداول على لسان أهل تلك البلدة –وكنت أقمت بها اثنى عشر يوماً (بفتح التاء وكسر الميم) . والذي كنا نعرفه "قديماً" فيه -كسر التاء والميم جميعاً- والذي يقوله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 المتنوقون1 وأهل المعرفة: بضم التاء والميم. وكل واحد يقول معنى لما يدعيه". فهذه ثلاث لغات في "ترمذ": فتح التاء وكسر الميم، وكسرهما جميعاً، وضمهما جميعاً، وفيها لغتان أخريان حكاهما صاحب "تاج العروس": فتح التاء وضم الميم، وفتحهما جميعاً. وعلى هذا تكون "ترمذ" مثلثة التاء والميم وبفتح التاء مع كسر الميم أو ضمها. أما الراء فساكنة على كل حال في الوجوه كلها. قال أحمد شاكر: "والمعروف المشهور على الألسنة: كسر التاء والميم وبينهما راء ساكنة بوزن "إثمد" كما ضبطها صاحب القاموس". وهذا هو الذي نصّ عليه ابن دقيق العيد فيما نقله عنه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" حيث قال: "قال شيخنا ابن دقيق العيد: "وترمذ بالكسر هو المستفيض على الألسنة حتى يكون كالمتواتر". وقول أحمد شاكر: "بوزن إثمد كما ضبطها صاحب القاموس" قال الزبيدي في "تاج العروس": "قال شيخنا: "الأولى التمثيل بزبرج لأن التاء أصلية ولذلك ذكرت في بابها". وفي تعبير صاحب القاموس عن "ترمذ" بأنها قرية ببخارى، قال   1 قال الفيروز أبادي في "القاموس المحيط" 3/287: "تنيق في مطعمه وملبسه تجود وبالغ كتنوق" ا?. وقد كتبت الكلمة في نسخة "الأنساب" المطبوعة "المتوقون" وفي المخطوطة "المفتون" وجاءت في معجم البلدان "المتأنقون" قال الشيخ أحمد شاكر: "والصواب ما هنا نقلا عن ابن خلكان" ا?. يعني في "وفيات الأعيان" وهكذا وردت "المتنوقون" عند ابن الأثير في "اللباب". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الزبيدي: "وإنما يعبر بالقرية عن صغار البلاد، وترمذ مدينة عظيمة واسعة بخراسان (1") . وقال السمعاني في وصفها: "مدينة قديمة على طرف نهر (بلخ) الذي يقال له "جيحون". وقال ابن خلكان2:"سألت من رآها: هل هي في ناحية خوارزم أم في ناحية ما وراء النهر؟ فقال بل هي في حساب ما وراء النهر3 من ذلك الجانب". وقال ياقوت: "وترمذ مدينة مشهورة من أمهات المدن راكبة على نهر جيحون من جانبه الشرقي متصلة العمل بالصغانيان4 ولها قهندز5   1 قال: "ولم يذكر (يعني صاحب القاموس) من نسب إليها كما هو عادته مع أنه آكد". قلت: ذكر أبا عيسى الترمذي بعد ذلك في مادة "سَوْرة" على أن سورة جَدُّه. 2 في ترجمة: أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي الفقيه الشافعي المتوفى سنة 295? "وفيات الأعيان" 4/196 3 المراد بلفظ ما وراء النهر هو نهر بلخ "انظر مقدمة تحفة الأحوذي/341". 4 صغانيان: بالفتح وبعد الألف نون ثم ياء مثناة من تحت وآخره نون، والعجم يبدلون الصاد جيماً فيقولون: جغانيان: ولاية عظيمة بما وراء النهر متصلة الأعمال بترمذ ... وقد نسبوا إليها على لفظين: صفانيّ، وصاغانيّ "مجعم البلدان" 3/408-409. 5 قهندز: بفتح أوله وثانيه وسكون النون وفتح الدال وزاي وهو في الأصل: اسم الحصن أو القلعة في وسط المدينة وهي لغة كأنها لأهل خراسان وما وراء النهر خاصة وأكثر الرواة يسمونه قُهُندُز -بضم القاف والهاء والدال- وهو تعريب كهندز معناه: القلعة العتيقة، وفيه تقديم وتأخير لأن كهن: هو العتيق و: دز: قلعة، ثم كثر حتى اختص بقلاع المدن، ولا يقال في القلعة إذا كانت مفردة من غير مدينة مشهورة. معجم البلدان 4/419. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وربض يحيط بها سور، وأسواقها مفروشة بالآجرّ، ولهم شرب يجري من الصغانيان لأن جيحون يستقل عن شرب قراهم". مولده: كثير ممن كتب عن حياة الترمذي وتناول ترجمته من السابقين لم يتعرض لذكر تاريخ ولادته وأقدم من رأيته اعتنى بذلك هو ابن الأثير (544-606?) في "جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فصرّح أنه ولد سنة تسع ومئتين (209?) وقد قال أحمد شاكر: "ولد سنة 209 ولم أجد من نصّ على ذلك صريحاً إلا ما كتبه العلامة الشيخ محمد عابد السندي بخطه على نسخته من كتاب الترمذي ... ولعله نقل ذلك استنباطاً من كلام غيره من المتقدمين أو من كتاب آخر لم يصل إلي، وقد صرّح بذلك أيضاً جسوس1 في "شرحه على الشمائل" وشأنه شأن سابقه". ا?. ثم ذكر من كلام الذهبي في "ميزان الاعتدال" ومن كلام غيره من   1 هو محمد بن قاسم أبو عبد الله جسوس المتوفى سنة 1182? انظر ترجمته في "الأعلام" للزركلي 7/230 وشرحه يسمى "الفوائد الجلية البهية". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 المتأخرين ما يستنبط منه أنه ولد سنة تسع ومئتين، وبعد أن أورد كلام صلاح الدين الصفدي الآتي ختم بهذه الخاتمة وهي قوله: "فالله أعلم بصحة ذلك". وقد قمت باستعراض ما ساقه في صدر ترجمة الترمذي من مصادر ترجمته فلم أر فيها: "جامع الأصول" فلعله فاته الاطلاع فيه. واستناداً إلى قول الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "ولد في حدود سنة عشر ومئتين" وقول صلاح الدين الصفدي في "نكت الهميان في نكت العميان": "ولد سنة بضع ومئتين" قال الدكتور نور الدين عتر: "لم يبين لنا المؤرخون سنة ولادته وإنما أرخوها بالعقد الأول من القرن الثالث". ويبدو أنه فاته أيضاً ما نصّ عليه ابن الأثير من سنة ولادته، وإلا لأشار إليه واعتمده بجانب ما استنبطه من كلام الذهبي في "ميزان الاعتدال" على أنه ولد سنة تسع ومئتين حيث قال: "والذي يظهر لنا أنه ولد سنة تسع ومئتين كما ذكره بعض المتأخرين؛ لأن الأكثرين اتفقوا على أنه توفي سنة تسع وسبعين ومئتين، وقد قال الحافظ الذهبي "أنه كان من أبناء السبعين"، ولعلهم استنبطوا ذلك من كلام الذهبي على نحو استدلالنا" ا?. والعجيب أن بعض المعاصرين1 اعتمد ما ذكره ابن الديبع الشيباني في   1 انظر: "علوم الحديث ومصطلحه"/399 للدكتور صبحي الصالح و"لمحات في أصول الحديث"/ 152 للدكتور محمد أديب صالح و"الحديث النبوي"/394 للشيخ محمد الصباغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 مقدمة تيسير الوصول إلى جامع الأصول "أن ولادته كانت سنة مئتين 200?". وابن الديبع الذي خالف سلفه ابن الأثير في ذلك وخالف ما دل عليه كلام الذهبي وغيره مما تقدّم لم يذكر لنا مستنده في ذلك ولم أعرف مأخذه فيه. على أن هناك ملاحظة جديرة بالاهتمام وهي أن هذا التصريح من ابن الأثير جاء في طبعتي جامع الأصول القديمة والجديدة بين قوسين مربعين، وقد أورث هذا الشك عندي هل ذلك التصريح هو من ابن الأثير أو من غيره؟ لاسيما إذا أخذنا بالاعتبار قول ابن الديبع الشيباني من أنه ولد سنة 200?، وهو من اختصر جامع الأصول في تيسير الوصول، فيبعد –في نظري- أن يتصرف في كلام ابن الأثير بالتغيير والتبديل والتحريف. هذا والذي يترجح لي بعد ذلك في ولادته ما ذكر استنباطاً من قول الذهبي والله أعلم. صفاته الخَلْقيّة: نعت الترمذي بالضرير وذلك لأنه اعتل في آخر عمره بذهاب بصره، وقد قيل أنه ولد أكمه وممن نقل هذا الذهبي، وابن كثير، وابن حجر، وهو خلاف ما اعتمدوه من أنه ولد مبصراً ثم عمي في آخر عمره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 قال الذهبي في كتابه "العبر في خبر رمن غبر": "وكان ضريراً فقيل: أنه ولد أكمه". وقال ابن كثير: "قلت: الذي يظهر من حال الترمذي أنه إنما طرأ عليه العمى بعد أن رحل وسمع وكتب وذاكر وناظر وصنف ... ". وأما ابن حجر فإنه استدل على أنه ولد مبصراً بالأتي وهو ما اعتبره يرد على من زعم أنه ولد أكمه: بما نقله في "تهذيب التهذيب" عن يوسف بن أحمد البغدادي الحافظ قال: "أضرّ أبو عيسى في آخر عمره". بما حكى الترمذي عن نفسه مع الشيخ الذي اختبر حفظه كما سيأتي إن شاء الله تعالى. قال المباركفوري: قلت: ويرده أيضاً (يعني القول بأنه ولد أكمه) ما قال الحاكم1 عن عمر بن علك2: "بكى حتى عمي، وبقي ضريراً سنين".   1 هو الحاكم الكبير أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي محدّث خراسان الإمام الحافظ الجهبذ، صاحب التصانيف، ومؤلف كتاب الكنى توفي سنة 378? وله 93سنة "تذكرة الحفاظ" 3/976 و"الرسالة المستطرفة"/ 121 وهذا هو شيخ الحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك على الصحيحين محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، المعروف بابن البيع، وبالحاكم المولود في ربيع الأول سنة 321? والمتوفى في صفر سنة 405 وقد تقدمت ترجمته. 2 هو الحافظ الثقة الفقيه أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن علك المروزي الجوهري من كبار علماء مرو، قال الخليلي: أبو حفص ثقة عالم متفق عليه روى عنه الكبار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وقال أحمد شاكر: "وقد قيل: أنه ولد أكمه، وهذا خطأ يرده ما عرف من ترجمته". نشأته وطلبه للعلم ورحلته: ما اطلعت عليه من مصادر ترجمة الإمام الترمذي لا تتحدث عن نشأته وعن بدء تلقيه للعلم وتاريخ رحلته فيه، كما أنها لا تذكر شيئاً عن حال أسرته، إلا أنه لا يخالجنا شك أنه نشأ في بيئة ومحيط يعنى بالحديث النبوي عناية فائقة. وقد صرّح الدكتور نور الدين عتر بأن الذي يدل عليه الاستقراء أن الترمذي بدأ طلبه للعلم ورحلته في وقت متأخر أي حوالي سنة خمس وثلاثين ومئتين وقد جاوز العشرين من عمره. هذا وقد بقي في الرحلة متغرباً عن بلاده سنين، حيث رجع إليها بعد ذلك قال الدكتور العتر: "ويظهر لنا أنه عاد إلى بلاده خراسان قبل الخمسين ومئتين". والذي دعا الدكتور العتر إلى هذا القول –كما يبدو- هو ما ذكرته   حافظ دين مات في سنة خمس وعشرين وثلاثمئة (325?) "تذكرة الحفاظ" 3/847 فهو ممن أدرك الترمذي وعرف حاله. وفي "تهذيب التهذيب" صحف اسمه إلى "عمران بن علان" مما حدا بالشيخ أحمد شاكر في "مقدمة سنن الترمذي" أن يبهمه ولا يذكره باسمه حيث قال: "ونقل الحاكم أبو أحمد عن أحد شيوخه ثم ذكر قوله" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 بعض المصادر من أن الترمذي التقى بشيخه البخاري سنة خمسين ومئتين في نيسابور. وقد رحل أبو عيسى الترمذي إلى العراق والحجاز للحديث، وعبّ من معينه بعد أن تنقل في بلاده خراسان يتلقى عن علمائها. قال الشيخ أحمد شاكر: "ولكني لا أظنه دخل بغداد إذ لو دخلها لسمع من سيد المحدثين الإمام أحمد بن محمد بن حنبل1، ولترجم له الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد" ا?. وثمة حواضر علم أخرى عظيمة ومزدهرة في ذلك العصر كمصر والشام لم يدخلها أبو عيسى أيضاً، ولا نعلم سبباً لذلك. هذا ويوجد مؤشر يفهم منه أن الإمام الترمذي قام بجولة أخرى في الأقطار وقد طعن في السن وذلك بعد أن ألّف كتابه العظيم "الجامع" حيث تمكن من عرضه على علماء تلك الأقطار فاستحسنوه ورضوا به. نقل عنه أنه قال: "صنفت هذا الكتاب –يعني الجامع- فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلّم" وفي رواية "ينطق".   1 فإنه لم يثبت أنه سمع منه ومن هنا ندرك خطأ ما جاء في "الموسوعة العربية الموسعة"/ 506 بإشراف محمد شفيق غربال في عد الإمام أحمد في شيوخ الترمذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فإذا علمنا أن الإمام الترمذي ولد سنة تسع ومئتين وتوفي سنة تسع وسبعين ومئتين، ونقل ابن حجر عنه أنه أتم كتابه هذا "في يوم الأضحى من سنة سبعين ومئتين"، تبيّن لنا وقت قيامه بعرض كتابه على أولئك العلماء وأنه في آخر حياته. شيوخه: إن من مظاهر حرص الترمذي وجِدِّه ودأبه في طلب الحديث توسعه في تلقيه على عدد كبير من المحدثين، حتى قال ابن الأثير في "جامع الأصول": "وأخذ عن خلق كثير لا يحصون كثرة". وكما علمنا سابقاً فهو لم يقف في طلبه للحديث وتحصيله له عند حدود وطنه، بل تجول في الآفاق يطلب الحديث من منابعه الصافية فسار إلى بلدان أخرى نائية، والتقى بعلمائها وأشياخ الحديث فيها فنهل من مواردهم وتزود على أيديهم. قال المزي في "تهذيب الكمال": "طاف البلاد، وسمع خلقاً من الخراسانيين، والعراقيين، والحجازيين، وغيرهم. وقد سميناهم في مواضعهم من كتابنا هذا". وأسهل وأقرب من كتاب المزي هذا في الوقوف على مشايخ الترمذي والتعرف عليهم هو "جامع الترمذي" الذي لا يخفى تداوله بين الناس، فهو سجل حافل بشيوخ الترمذي الذين روى عنهم، وكذا كتاب "الشمائل المحمّديّة" له، وهو متداول أيضاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 ومشتمل على عدد من مشايخه. وقد ساق المترجمون له كالسمعاني في "الأنساب"، والذهبي في "تذكرة الحفاظ"، وصلاح الدين الصفدي في كتاب "الوافي بالوفيات" طائفة من أسماء شيوخه الأجلاء. اجتزئ هنا بسرد جماعة منهم يعدون من أقدم شيوخه الذين أدركهم، وسمع منهم، وروى عنهم في كتابه "الجامع" وهم: محمّد بن عمرو السواق البلخي1. إسحاق بن راهويه2. محمود بن غيلان3. قتيبة بن سعيد الثقفي أبو رجاء4.   1 محمد بن عمرو السواق البلخي، صدوق، من العاشرة مات سنة ست وثلاثين أي ومئتين، روى له البخاري والترمذي "تقريب التهذيب" 2/196. 2 إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، أبو محمد بن راهوية المروزي، ثقة حافظ مجتهد، قرين أحمد بن حنبل، ذكر أبو داود أنه تغير قبل موته بيسير، مات سنة ثمان وثلاثين أي ومئتين، وله اثنان وسبعون، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. (المصدر السابق 1/54) 3 محمود بن غيلان العدوي مولاهم أبو أحمد المروزي نزيل بغداد، ثقة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين أي ومئتين، وقيل بعد ذلك، روى له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. (المصدر السابق 2/233) . 4 سيأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث الرابع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 سويد بن نصر بن سويد المروزي1. محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة المروزي2. أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري المدني3. عبد الله بن معاوية الجمحي4. علي بن حجر المروزي5.   1 سويد بن نصر بن سويد المروزي أبو الفضل لقبه شاه راوية ابن المبارك، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربعين أي ومئتين، وله تسعون سنة، روى له الترمذي والنسائي. (تقريب التهذيب 1/341) 2 محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة -بكسر الراء وسكون الزاي- غزوان -بفتح المعجمة وسكون الزاي- أبو عمرو المروزي، ثقة، من العاشرة، مات ستة إحدى وأربعين أي ومئتين، روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة. (المصدر السابق 2/186) . 3 أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زراره بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب الزهري المدني الفقيه، صدوق عابه أبو خيثمة للفتوى بالرأي، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين أي ومئتين، وله نيّف على التسعين، روى له الجماعة. (المصدر السابق 1/12) . 4 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث العاشر. 5 علي بن حُجْر -بضم المهملة وسكون الجيم- ابن إياس السعدي المروزي نزيل بغداد ثم مرو، ثقة حافظ من صغار التاسعة، مات سنة أربع وأربعين وقد قارب المئة أو جاوزها، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. (تقريب التهذيب 2/133) وقد سقط الرمز للترمذي فالحقته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 إسماعيل بن موسى الفزاري السدي1. وابن كثير في ترجمة الترمذي من "البداية والنهاية" لم يذكر أحداً من شيوخه واكتفى بالإحالة على كتابه "التكميل" بقوله: "وقد ذكرنا مشايخ الترمذي في التكميل". والترمذي مع أنه تلميذ البخاري أخذ عنه واستفاد منه فإنه شارك البخاري في الأخذ عن كثير من شيوخه منهم طائفة اشترك الأئمة الستة كلهم في الرواية عنهم يبلغون تسعة وهم: عباس بن عبد العظيم العنبري2. أبو حفص عمرو بن علي الفلاس3.   1 إسماعيل بن موسى الفزاري أبو محمد أو أبو إسحاق الكوفي نسيب السدي أو ابن بنته أوابن أخته، صدوق يخطئ، ورمي بالفرض من العاشرة مات سنة خمس واربعين أي ومئتين/ روى له البخاري في "أفعال العباد" وأبو داود والترمذي وابن ماجة. (تقريب التهذيب 1/75) . 2 عباس بن عبد العظيم بن إسماعيل العنبري أبو الفضل البصري ثقة حافظ من كبار الحادية عشرة مات سنة أربعين أي ومئتين روى له البخاري تعليقاً ومسلم وأهل السنن الأربعة. (تقريب التهذيب 1/397) . 3 عمرو بن علي بحر بن كُنَيز بنون وزاي (مصغراً) أبو حفص الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة تسع وأربعين أي ومئتين، روى له الجماعة. (المصدر السابق 2/75) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 نصر بن علي الجهضمي1. محمد بن بشار بندار2. محمد بن المثنى أبو موسى3. يعقوب بن إبراهيم الدورقي4. زياد بن يحيى الحسّاني5. محمد بن معمر القيسي البحراني6. أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد الكندي7.   1 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث العشرين. 2 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث الثاني. 3 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث الثاني. 4 يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن أفلح العبدي مولاهم أبو يوسف الدورقي، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين أي ومئتين، وله ست وتسعون سنة، وكان من الحفاظ، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/374) . 5 زياد بن يحيى بن حسان أبو الخطاب الحساني النُّكري -بضم النون- البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وخمسين أي ومئتين، روى له الجماعة. (المصدر السابق 1/270) . 6 محمد بن معمر بن ربعي القيسي البصري البحراني -بالموحدة والمهملة- صدوق من كبار الحادية عشرة مات سنة خمسين أي ومئتين روى له الجماعة. (المصدر السابق 2/219) . 7 عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي أبو سعيد الأشج الكوفي ثقة من صغار العاشرة مات سنة سبع وخمسين أي ومئتين/ روى له الجماعة. (المصدر السابق 1/419) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 وسمع الترمذي من الإمام مسلم وقد حدّث عنه في "جامعه" بحديث واحد فقط هو حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أحصوا هلال شعبان لرمضان". أخرجه في كتاب الصيام باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان فقال1: حدّثنا مسلم بن حجاج حدّثنا يحيى حدّثنا أبو معاوية عن محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... الحديث. قال العراقي في "شرح سنن الترمذي2":"لم يرو المصنف في كتابه شيئاً عن مسلم صاحب الصحيح إلا هذا الحديث، وهو من رواية الأقران؛ فإنهما اشتركا في كثير من شيوخهما". وقال المزي في "تذيب الكمال"3 بعد أن أورده في ترجمة مسلم: "ما له في جامع الترمذي غيره". وقال ابن كثير في ترجمة مسلم من البداية والنهاية4:"وروى عنه جماعة كثيرون منهم الترمذي في جامعه حديثاً واحداً ... ثم ذكره".   1 سنن الترمذي 3/368 مع تحفة الأحوذي. 2 انظر: "مقدّمة تحفة الأحوذي"/338. 3 7 ورقة 662 وانظر: "تهذيب التهذيب" 10/126. 4 11/33. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وقد أشار إليه الذهبي في "تذكرة الحفاظ"1 فقال في ترجمة مسلم: "روى عنه الترمذي حديثاً واحداً". هذا ولقي الترمذي الإمام أبا داود صاحب "السنن" وسمع منه وروى عنه في "جامعه"2. صلة الترمذي بالبخاري: الترمذي –وقد لقي الصدر الأول من المشايخ وأخذ عن الحفاظ الكبار- اشتهر بأنه تلميذ أبي عبد الله البخاري وخريجه. وهذا واضح لمن تصفح سيرة كل منهما. قال ابن خلكان: "وهو تلميذ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، وشاركه في بعض شيوخه". قال ابن العماد: "الإمام الترمذي تلميذ أبي عبد الله البخاري ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه". ولا غرو أن يكون البخاري أبرز شيوخ الترمذي، وأعظم مربيه، وأقواهم تأثيراً فيه، فهو علم الأعلام وأمير المؤمنين في الحديث، ومن أجمعت الأمة على إمامته وجلا لته. فحسب الترمذي فخراً وشرفاً أن يكون تلميذ البخاري وخريجه،   1 2/588. 2 انظر: "تذكرة الحفاظ" 2/591 و"طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/48 و"تهذيب التهذيب" 4/170، و"تقريب التهذيب" 1/321. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 لقد وجد الترمذي بغيته في البخاري، فالترمذي قد طوّف البلدان في سبيل العلم ومن أجل الحديث فلم يجد أقوى علماً وأرسخ فهماً من شيخه البخاري في علم الحديث وعلله. وها هو الترمذي يشهد له بالفضل ويعترف له بالقدر فيصرح بتفوقه في العلم وتقدمه على سائر أئمة عصره فيقول: "لم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كثيراً أحدّ علم من محمد بن إسماعيل". وهذا يفسر لنا سر اعتماد الترمذي على البخاري في "جامعه" فيما أورده فيه من هذه العلوم الحديثيّة المهمة والدقيقة، ولقد نبه الترمذي على ذلك، فذكر في كتاب العلل الصغير الذي في آخر كتاب الجامع في معرض بيانه عن مرجعه في علوم الصنعة بأن أكثر ما دوّنه في "الجامع" من علل الحديث، والكلام في الرجال، والتاريخ هو مما ناظر به البخاري، وبعضه استخرجه من كتاب تاريخ البخاري، وبعضه ناظر به الدارمي وأبا زرعة، ثم توّج كلامه بتلك العبارة التقديرية العظيمة كالبينة لهذا الاعتماد. قال الترمذي: "وما كان فيه من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ فهو ما استخرجته من كتاب التاريخ، وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد ابن إسماعيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن1، وأبا زرعة2، وأكثر ذلك عن محمد، وأقل شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة. ولم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كثيراً أحدّ علم من محمد بن إسماعيل رحمه الله". قال ابن رجب شارح العلل3: "وقد ذكر الترمذي رحمه الله أنه لم ير بخراسان ولا بالعراق في معنى هذه العلوم كثيراً أحدّ علم بها من البخاري مع أنه رأى أبا زرعة وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وذاكرهما، ولكن أكثر علمه مستفاد من البخاري، وكلامه كالصريح في تفضيل البخاري في هذا العلم على أبي زرعة والدارمي وغيرهما". وتتضح قيمة هذا التفضيل في كونه جاء نتيجة فكر وروية ومراس وتجربة، ولم يأت جزافاً وعن عاطفة؛ فالترمذي قد دار على الشيوخ وخبرهم وعرفهم وأدرك الفرق بينهم، كما أنه في حكمه ذلك لم يصدر عن جهل وقلة دربة ومعرفة في معنى هذه العلوم التي فضل بها شيخه على غيره من أساطين العلم، بدليل أنه شارك وتصدّى بالتأليف فيها فألف كتابين في علل الحديث: أحدهما: "العلل الصغير" والآخر "العلل الكبير"   1 الدارمي ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى في الحديث الثاني. 2 تقدمت ترجمته. 3 159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 كما أن له كتاب التاريخ، وأظنه في تاريخ الرجال وجرحهم وتعديلهم، وهو وإن كنا لا نعلم عنه شيئاً الآن قد ذكرته المصادر المعنية بالتصانيف، والترمذي في هذا يسير على منوال شيخه حيث ألف في العلل والتاريخ كما هو معروف. ويتأكد هذا التفضيل للبخاري بأنه كان أبصر وأعلم وأفقه في علم علل الحديث، ومرجعاً فيه لكبار علماء عصره أبي زرعة والدارمي وغيرهما. قال إبراهيم الخوّاص1: "رأيت أبا زرعة كالصبي جالساً بين يدي محمد بن إسماعيل يسأله عن علل الحديث". وقال الدارمي2: "هو أعلمنا وأفقهنا وأكثرنا طلباً". وقال حاشد بن عبد الله3: "رأيت محمد بن رافع وعمرو بن زرارة عند محمد بن إسماعيل وهما يسألانه عن علل الحديث؟ فلما قاما قالا لمن حضر: لا تخدعوا إن أبا عبد الله أفقه منا وأبصر". ويقول أبو حامد الأعمش4: "رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة ومحمد بن يحيى الذهلي –إمام نيسابور وشيخ البخاري- يسأله عن الأسماء والكنى وعلل الحديث والبخاري يمر فيها مثل السهم كأنه يقرأ: قل هو   1 "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي 2/8. 2 هدي الساري/484. 3 تهذيب التهذيب 9/53 وهدي الساري/484. 4 تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/69 وهدي الساري/488. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الله أحد". هذا والترمذي ليس وحده من تلامذة البخاري في تلك الشهادة، فقد شهد للبخاري في علل الحديث واعترف له بذلك تلميذ آخر طبق صيته الآفاق هو الإمام مسلم صاحب الصحيح. قال أحمد بن حمدون1: "جاء مسلم بن الحجاج إلى البخاري فقبّل بين عينيه وقال: دعني أقبّل رجليك يا أستاذ الأساتذين، ويا سيّد المحدثين، ويا طبيب الحديث في علله". فلما كان البخاري بهذه المثابة من الثقة، والقوة، والإمامة، فإن كلامه في العلل والخلاف يكون موضع تعويل واعتناء. هذا ولئن صرح الترمذي باعتماده على البخاري وكتبه فيما يتعلق بالجامع، فإن كتابه "العلل الكبير" معتمد إلى حدّ بعيد على البخاري. وكذا "العلل الصغير" فإنه لا يخلو من نقل عن البخاري، واعتماده عليه، واستشهاد به وبكلامه. وثمة ناحية مهمة تتصل بشخصية الترمذي لها تعلق فيما نحن فيه ألمحت إليها السطور القلية الماضية، وهي ما كان عليه أبو عيسى من مجالسة كبار العلماء وجهابذة الفن والأئمة النقاد في هذا الشأن لاسيما شيخه البخاري، ومناقشتهم في شؤون العلم مما يبرهن على جده   1 هو أبو حامد الأعمش، تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/70 والبداية والنهاية 11/26 وهدي الساري/488. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 وإخلاصه وعلمه وتمكنه ومثابرته. فالترمذي أحد أفرادٍ قلائلَ أدركوا أهمية المناظرة ومزاياها ونتائجها الحسنة في تلقيح العقول، وتثبيت المعلومات وتنشيط الأذهان، وشحذ الأفكار، وحصول الملكات ورسوخها، وتحرك الهمم نحو الغايات الحميدة، وغير ذلك. فأقبل على مذاكرة الشيوخ وأكب على مباحثتهم ومساءلتهم عما عنّ له من المشكلات العلميّة الدقيقة والخفيّة، حتى غدا ذلك سمة بارزة فيه. قال ابن حبان: "كان أبو عيسى ممن جمع وصنف وذاكر وحفظ". ومن هنا فلا ينبغي أن يمضي القارئ الكريم قبل أن يستحضر في مخيلته الإمام الترمذي ذلك المحدّث الدؤوب، وهو كتلة من الحيوية والنشاط ينقب ويبحث، ويتنقل بين المشايخ يستفيد منهم، ويناظرهم بوعي وفكر وحضور قلب وفهم وجودة وتصور. وقد أحرز الترمذي بتلك السمة مكانة عالية ومنزلة سامية في نفوس شيوخه ومعلميه، فهذا شيخه البخاري –وقد امتدت إليه ظلال تلك المذاكرة بعظيم نفعها ووافر كسبها- لا يكتم تلميذه الترمذي مشاعره، وانطباعاته وتقديره، وامتنانه نحوه، فيبوح له بأن ما عاد عليه بتلك المناظرات يفوق ما أفاده هو به. نقل الترمذي عن شيخه البخاري أنه قال له: "ما انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي". هكذا استطاع الترمذي بقيمة ما ذاكر به أن ينتزع هذه الشهادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 العظيمة الغالية من شيخه البخاري، التي لا شك أنها كانت له نبراساً وزاداً على الطريق، وموجها ودافعاً قوياً إلى الأمام. ولا أدلّ على ذلك من محافظته عليها وتمسكه واعتزازه بها؛ إذ كان يتحدث عنها فيقول: قال لي محمد بن إسماعيل ثم يذكرها. وكيف لا يحرص عليها كل هذا الحرص وهي صادرة عن شيخه الذي عرف مكانته، وعلو كعبه، ورجاحة عقله. وفي تقديري أن هذه الشهادة التي تتجلى بها مكانة الترمذي تأتي على رأس ما حظي به من ثناء على مرّ العصور، فلقد زاد من قيمة هذه الشهادة كونها من البخاري إمام العلماء وعلم الأئمة. ولا تتصوّر أن الترمذي الذي ناظر شيخه وذاكره كان مقلداً له لم يكن له رأي مستقل به، بل أنه وافقه، وخالفه، واجتهد في المسائل على ضوء ما يظهر له منها، ولا أدل على هذا القول من الحديث الثاني إذ يرى الترمذي اختلاف الرواة فيه موجباً لاضطرابه فيسأل عنه الحافظ الدارمي عبد الله بن عبد الرحمن: أي الروايات فيه أصحّ؟ إلا أن الدارمي على جلالة قدره يتوقف، ولم يبد رأيه بترجيح أو غيره. ويسأل عنه شيخه البخاري؟ فكان موقفه أولا يشبه تماماً موقف الدارمي، ثم أدّاه اجتهاده، فاختار إحدى الروايات ووضعها في كتابه "الجامع الصحيح". أما الترمذي فإنه –بما توفر له من أدلة- خالف اجتهاد شيخه فرجح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 رواية غير تلك التي رجحها شيخه. وإذا كان الواجب يقتضينا أن نهتبل هذه الفرصة وننتهزها فلا ندعها تمر من غير أن نستخلص منها عبرة أو فائدة؛ فإن مما يؤكد عليه ما كان عليه بعض التلاميذ آنذاك من الحرص على الفائدة والعون لأساتذتهم في مهمتهم على الطريق؛ والسبب في فتح آفاق جديدة عليهم في عالم العلم والمعرفة وما كان يتحلى به أولئك الأساتذة العظام وهم أئمة عصرهم من تواضع جمّ، وإنصاف عجيب، وتشجيع لا يقف عند حدّ، ساعد على دفع عجلة العلم نحو التقدم والازدهار. وإن هذا الموقف المشرق ليذكرنا بموقف مشرق مثيله وما أكثرها تلك المواقف الجميلة التي بين المشايخ وطلابهم مما يدّل على مدى الترابط والتلاحم، والحب، والألفة، والنية الصادقة المخلصة، مما يصلح أن يكون لنا مثلا يحتذى، وعدة في مسيرتنا ونهضتنا العلمية، وسط ما يحيط بها من عواصف ويكتنفها من غياهب. هذا الموقف المشابه كان بين ابن عيينة وتلميذه ابن المديني فقد روى أن ابن عيينة قال في حق تلميذه ابن المديني: "يلومونني على حبّ علي والله لما أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني". وكذا روى عن يحيى بن سعيد القطان وهو من شيوخ علي بن المديني أيضاً أنه قال فيه: "أنا أتعلّم من علي أكثر مما يتعلّم مني". ولا ننسى أن علي بن المديني الذي حصل على هذا الثناء الرفيع والتقدير العظيم هو أحد شيوخ البخاري الذين أثّروا فيه، والذين سار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 على نهجهم وارتسم خطاهم، وهو الذي قال لمن أخبره بقول البخاري: "ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني" "دع قوله هو ما رأى مثل نفسه". ومما يتصل بما تقدّم من شهادة البخاري لتلميذه الترمذي ما سجله الترمذي معتزاً به من تكريم شيخه له في سماعه حديثين1 منه. فقد صرّح الترمذي في "مناقب علي" بعد إخراجه لحديث أبي سعيد مرفوعاً: "يا علي لا يحلّ لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك". بقوله: "سمع مني محمد بن إسماعيل –يعني البخاري- هذا الحديث". وكذلك صرّح عند حديث ابن عباس في تفسير قول الله عز وجلّ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} من سورة الحشر2 فكفى بهذا منقبة عظيمة للترمذي وتوثيقاً له ونبلا وثناء عليه أن يأخذ شيخه البخاري عنه، ويكون أحد الرواة عنه. قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": "وقد سمع من أبي عيسى: أبو عبد الله البخاري وغيره". وقال ابن العماد في "شذرات الذهب": "سمع منه شيخه البخاري وغيره". وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": "وروى عنه غير واحد من   1 وهذا خلاف ما جاء في "البداية والنهاية" 11/67 و"مقدمة سنن الترمذي"/83 من أن البخاري سمع من الترمذي حديثاً واحداً. 2 آية: 5 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 العلماء منهم محمد بن إسماعيل البخاري في الصحيح". هكذا والصواب "في خارج الصحيح" لأن البخاري لم يرو عن الترمذي في الصحيح1 فلعله سهو، أو سبق قلم من ابن كثير، أو أن كلمة "خارج" سقطت في الكلام. وقد نقل كلام ابن كثير هذا بعض الأفاضل من المعاصرين ولم يتنبه له2. هذا وقد صحب الترمذي شيخه البخاري، ولازمه فترة من الزمن، أفاد منه بجانب تلك العلوم والمعارف الحديث وفقهه. قال صلاح الدين الصفدي: "وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله البخاري". وقال الذهبي: "وتفقه في الحديث بالبخاري". وعن بدء صلة الترمذي بالبخاري ولقيه له فالذي استظهره الدكتور نور الدين عتر أن لقيا الترمذي للبخاري كانت في المدة التي استقر فيها البخاري بنيسابور، حيث عاد من رحلاته، وهي مدة تقدر بخمس سنوات إذ أقام في نيسابور من سنة خمسين ومئتين إلى سنة خمس وخمسين ومئتين. وقد أشار الدكتور العتر في أعقاب ذلك إلى أن هذه الفائدة التاريخية   1 انظر: "تقريب التهذيب" لابن حجر فقد علم على ترجمة الترمذي بـ "تمييز" وهي كلمة يذكرها ابن حجر –كما بين في مقدمة كتابه المذكور/7- لمن ليست له عند الأئمة الستة رواية إشارة إلى أنه ذكر ليتميز عن غيره. 2 انظر: "الحديث والمحدثون"/360 للشيخ محمد أبي زهو. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 القيمة ذكرها الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" وأنه تفرد بها. فمن ذلك التاريخ ارتبط اسم الترمذي باسم البخاري وعرف به، وكانت صلته به –رغم أنها جاءت متأخرة حيث لم تبدأ في بواكير حياة الترمذي- وثيقة، ومكانته في نفسه كبيرة، واستفادته منه جمّة وتأثّره به عظيم. فإذا علمنا من سيرة الإمام البخاري العلم، والحفظ، والفضل، والزهد والورع، والخشية، والخشوع لله عزّ وجلّ، والمهابة، والخوف منه، فإننا نرى الإمام الترمذي قد التزم نهج شيخه هذا وسار على منواله فكان –بحق- خير من خلفه في جميل هذه الصفات واحتل مكانه بعد وفاته في كريم تلك الخصال قال الحافظ عمر بن علك: "مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عمي وبقي ضريراً سنين". تلاميذه: روى عن أبي عيسى خلق كثير فيهم علماء أجلاء اقتصرت المصادر على ذكر بعضهم، وهم أشهرهم. ومن هؤلاء: أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي، والهيثم ابن كليب الشاشي صاحب المسند، ومكحول بن الفضل، ومحمد بن محمود ابن عنبر، وحماد بن شاكر الوراق، وعبد بن محمد بن محمود النسفيون، وأبو حامد أحمد بن عبد الله بن داود المروزي التاجر، ومحمد بن المنذر بن سعيد الهروي، وأبو الحارث أسد بن حمدويه، ومحمد بن سهل الغزال، وداود بن نصر بن سهيل البزدوي، وأحمد بن علي بن حسنويه، وبكر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 محمد الدهقان، وأبو النصر الرشاوي، وأبو علي بن الحرب الحافظ. هذا وسأكتفي بالترجمة لاثنين من هؤلاء الرواة هما: أبو العباس المحبوبي راوي "كتاب الجامع" عنه، والهيثم بن كليب الشاشي راوي "كتاب الشمائل" عنه. أبو العباس المحبوبي: قال السمعاني في "الأنساب"1: "المحبوبي -بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وضم الباء الموحدة في آخرها باء أخرى بعد الواو- هذه النسبة إلى محبوب وهو اسم لجد المنتسب إليه، واشتهر بهذه النسبة أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي التاجر من أهل مرو، كان شيخ أهل الثروة من التجار بخراسان". وترجم له الذهبي في كتابه "العبر في خبر من غبر"2 في وفيات سنة ست وأربعين وثلاثمئة (346?) ، وتبعه العماد في "شذرات الذهب"3، فقال: "وفيها (توفي) أبو العباس المحبوبي محمد بن أحمد بن محبوب المروزي محدّث مرو، وشيخها، ورئيسها في رمضان وله سبع وتسعون سنة. روى جامع الترمذي عن مؤلفه، وروى عن سعيد بن منصور صاحب النضر بن شميل وأمثاله".   1 ورقة/511 وانظر: اللباب في تهذيب الأنساب 3/173. 2 2/272. 3 2/373. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الهيثم بن كليب الشاشي: قال السمعاني في "الأنساب"1: الشاشي -بالألف الساكن بين الشينين المعجمتين- هذه النسبة إلى مدينة وراء نهر سيحون يقال لها الشاش، وهي من ثغور الترك خرج منها جماعة كبيرة من أئمة المسلمين ذكر منهم الهيثم بن كليب الشاشي فقال: "أبو سعيد الهيثم ابن كليب بن شريح معقل الشاشي الأديب كان أصله من مرو قدم بخارى وحدّث بها في سنة أربع وثلاثين وثلاثمئة، (روى) عن: عيسى ابن أحمد العسقلاني، وإسحاق بن إبراهيم ابن جبلة الترمذي، وأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، والعباس بن محمد الدوري، وجماعة من أهل العراق. روى عنه: جماعة كثيرة منهم أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي، وأبو الفضل منصور بن نصر ابن بنت الكاغدي السمرقندي". وانصرف إلى الشاش ومات بها في سنة خمس وثلاثين وثلاثمئة (335?) ، وأورده الذهبي في "تذكرة الحفاظ"2 فقال: "الحافظ المحدّث الثقة ... محدّث ما وراء النهر ومؤلف المسند الكبير".   1 8/13 وانظر: اللباب في تهذيب الأنساب 2/174. 2 3/848 وانظر: العبر في خبر من غبر 2/242. وشذرات الذهب 2/342. والأعلام للزركلي 9/115. ومعجم المؤلفين 13/156. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 مكانة الترمذي العلميّة: بلغ الترمذي بسبب عوامل عدة شأوا بعيداً ومدى واسعاً بوأه مكاناً عالياً، ولقبا رفيعاً، وأسلمه زمام الإمامة في الحديث حتى أصبح –كما قال السمعاني-: "إمام عصره بلا مدافعة". فإن إلقاء نظرة على بعض شيوخ الترمذي الذين اعتنى بلقبهم والأخذ عنهم والاقتباس منهم نجدهم من كبار الأئمة الذين انتهت إليهم الرئاسة في العلم والتعليل، وأشير إليهم بالأصابع في الحفظ وعلو المرتبة. وإن إدراكاً لزمن الترمذي "القرن الثالث الهجري" نجده من أزهى عصور العلم وأبهجها. وإن تأملا في بلدته "ترمذ" التي نشأ فيها وتلك البلدان الأخرى التي حولها نجدها من حواضر العلم والمعرفة الغاصة بفحول العلماء والمحدثين، حتى إنه كان يطلق على بلدته تلك "مدينة الرجال"؛ لما أنجبته من العلماء العظام في شتى العلوم والفنون. فهذا الذي ذكر مع ما رزقه الله من استعداد فطري ونفسي، وصلاح وتقوى، وتفتح ووعي، وهمة عالية في طلب العلم لا تعرف الكلل ولا الملل، ولا تفرق بين الحضر والسفر كما سيأتي، وحركة دائبة متمثلة في رحلاته الواسعة وتنقله بين أعيان المشايخ جرياً وراء الفائدة، مكّنه من النبوغ في العلم والرسوخ في الحديث حتى بذَّ الأقران وتقدمهم وصار القدوة في الحديث وعلله. قال الحافظ العالم أبو سعيد الإدريسي: "محمد بن عيسى بن سورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الترمذي الحافظ الضرير أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث ... ". وقال ابن العماد: " ... كان مبرزاً على الأقران". حفظه وذكاؤه: لعله يأتي في مقدمة تلك العوامل التي أوصلت الترمذي إلى تلك الغاية ما آتاه الله من قوة الذاكرة وما منحه من شدة الحفظ والضبط، حتى كان مضرب المثل في ذلك فلقب بالحافظ ونظم في سلك الحفاظ، وهي مرتبة صعبة المرتقى عسيرة المنال لا يتطاولها كل أحد ولا يصل إليها كل إنسان إلا من وهبه الله مثل ما وهب أبا عيسى الترمذي، من صفاء ذهني وحافظة واعية. قال ابن الأثير في "جامع الأصول ... ": "هو أحد العلماء الحفاظ الأعلام". وقال ابن العماد: "كان مبرزاً على الأقران، آية في الحفظ والإتقان". أصغ إليه وهو يتحدث عن تلك الخصلة فيه –فيما نقله المقدسي عنه- في قصته مع الشيخ الذي لقيه بطريق مكة واختبر حفظه وهي قصة عجيبة تدل على عظم ما كان يتمتع به أبو عيسى من براعة الحفظ وسعته حتى عدّ من أفراد الحفاظ المشهورين. كما تدل على أنه كان على صلة وثيقة بالعلم لا يكاد ينفك عنه في حله وترحاله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي: "أخبرنا الحسن بن أحمد أبو محمد السمرقندي مناولة أنبأنا أبو بشر عبد الله بن محمد بن محمد ابن عمرو حدثنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي الحافظ قال: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ الضرير، أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث صنف كتاب الجامع، والتواريخ، والعلل، تصنيف رجل عالم متقن كان يضرب به المثل في الحفظ". قال الإدريسي: سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحارث المروزي الفقيه يقول: سمعت أحمد بن عبد الله بن داود المروزي يقول: سمعت أبا عيسى محمد بن عيسى الحافظ يقول: "كنت في طريق مكة وكنت قد كتبت جزئين من أحاديث شيخ فمرّ بنا ذلك الشيخ فسألت عنه؟ فقالوا: فلان، فذهبت إليه وأنا أظن أن الجزئين معي، وحملت معي في محملي جزئين كنت طننت أنهما الجزءان اللذان له فلما ظفرت به، وسألته أجابني إلى ذلك (أخذت الجزئين فإذا هما بياض فتحيرت فجعل الشيخ يقرأ علي من حفظه ثم ينظر إلي1" فرأى البياض في يدي فقال أما تستحي مني؟ قلت: لا. وقصصت عليه القصة، وقلت: أحفظه كله. فقال: اقرأ فقرأت جميع ما قرأ علي على الولاء، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن يجيئني، فقلت: حدثني بغيره فقرأ علي أربعين حديثاً من   1 هذه الزيادة من مخطوطة "شروط الأئمة الستة" نقلا من مقدمة "سنن الترمذي" لأحمد شاكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 غرائب حديثه، ثم قال: هات اقرأ فقرأت من أوله إلى آخره كما قرأ ما أخطأت في حرف. فقال لي: "ما رأيت مثلك". ثناء العلماء عليه: الإمام الترمذي إمام واسع العلم، واسع الحفظ، واسع الشهرة، تردد اسمه في ميدان الحديث فكان له المعرفة التامة به رواية وفقهاً وعللا ورجالا، حتى عده الإمام الذهبي من علماء الجرح والتعديل المتسمحين، انعقد الإجماع على توثيقه وتقديره وأمانته، والتقت الكلمة على الشهادة له بالعلم، والفقه، والحفظ، والإتقان، وناهيك الإمامة في هذا الشأن والأسوة فيه. قال الحافظ أبو سعيد الإدريسي: "محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ الضرير أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث صنف كتاب الجامع والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن يضرب به المثل في الحفظ". وقال أبو يعلى الخليلي في كتابه "علوم الحديث": "محمد بن عيسى ابن سورة بن شداد الحافظ متفق عليه ... وهو مشهور بالأمانة، والإمامة، والعلم". وإذا تجاوزنا عصر الأئمة الكبار من سلف أهل الحديث إلى من بعدهم من الحفاظ فإننا نجد الحافظ الذهبي يقرر ما قاله أبو يعلى الخليلي فيه فيقول في "ميزان الاعتدال": "محمد بن عيسى بن سورة الحافظ العلم أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع ثقة مجمع عليه". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 وقال المزي في "تهذيب الكمال": "أحد الأئمة الحفاظ المبرزين ومن نفع الله به المسلمين". وقال ابن الأثير في "جامع الأصول": "وهو أحد العلماء الحفاظ الأعلام وله في الفقه يد صالحة". وأما ابن حزم1 فإنه لا شك جازف حين خالف ذلك الإجماع   1 هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أبو محمد الظاهري الفقيه الحافظ صاحب التصانيف. ولد بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمئة (384?) ومات سنة ست وخمسين وأربعمئة (456?) قال ابن حجر في "لسان الميزان" 4/198 في ترجمته وهي مما زاده على الذهبي في "ميزان الاعتدال": ... كان واسع الحفظ جداً إلا أنه لثقته بحافظته (في اللسان: لثقة حافظته) كان يهجم على القول (في اللسان: كالقول) في التعديل والتجريح (في اللسان: التخريح) وتبين أسماء الرواة فيقع له من ذلك أوهام شنيعة، وقد تتبع كثيراً منها الحافظ قطب الدين الحلبي ثم المصري من "المحلى" خاصة وسأذكر منها أشياء (ذكرها في ختام ترجمته) ونقل عن الحميدي أنه قال: كان حافظاً للحديث مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة متفنناً في علوم جمة عاملا بعلمه ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ والتدين وكرم النفس وكان له في الأثر باع واسع، وما رأيت من يقول الشعر أسرع منه، وقد جمعت شعره على حروف المعجم. وقد تتبع أغلاطه في الاستدلال والنظر عبد الحق بن عبد الله الأنصاري في كتاب سماه "الرد على المحلى". وقال مؤرخ الأندلس أبو مروان بن حيان: "كان ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه ونسب وأدب مع مشاركة في أنواع التعاليم القديمة وكان لا يخلو في فنونه من غلط لجرأته في الصيال (في اللسان: السوال) على كل فن ... ولم يكن مع ذلك سالماً من اضطراب رأيه". وانظر في مصادر ترجمته: جذوة المقتبس 1/290، بغية الملتمس في تاريخ الأندلس/415، تذكرة الحفاظ 3/1146، الصلة 1/395. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 على توثيق أبي عيسى فحكم عليه بالجهالة فقال في كتاب الفرائض من كتاب "الإيصال": "محمد بن عيسى بن سورة مجهول". وقال في "محلاه": "ومن محمد بن عيسى بن سورة؟ ". وقد أنكر عليه العلماء ولم يقبلوا حكمه هذا ولم يعتبروه، بل كان سبباً في الحط من مكانته عند الحفاظ. فقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" في ترجمة الترمذي –ويبدو أنه أورده فيه من أجل قول ابن حزم هذا إلا أنه لم يقره عليه، ونبه على عدم الالتفات إليه كما سوف تعرف-: "الحافظ العلم أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع ثقة مجمع عليه، ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم فيه في الفرائض من كتاب "الإيصال" أنه مجهول ... ". وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": "وجهالة ابن حزم لأبي عيسى لا تضره، حيث قال في "محلاه": "ومن محمد بن عيسى بن سورة؟ " فإن جهالته لا تضع من قدره عند أهل العلم، بل وضعت منزلة ابن حزم عند الحفاظ. وكيف يصحّ في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل". وقال ابن حجر "في تهذيب التهذيب": "وأما أبو محمد بن حزم فإنه نادى على نفسه بعدم الاطلاع فقال في كتاب الفرائض من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 "الإيصال"1: "محمد بن عيسى بن سورة مجهول". قال ابن حجر معترضاً على من اعتذر له كالذهبي بأنه ما عرفه ولا درى بوجود الجامع والعلل التي له: "ولا يقولن قائل: لعله ما عرف الترمذي ولا اطلع على حفظه ولا على تصانيفه. فإن هذا الرجل قد أطلق هذه العبارة في خلق من المشهورين من الثقات الحفاظ كأبي القاسم البغوي2، وإسماعيل بن محمد الصفار3، وأبي العباس   1 في "تهذيب التهذيب" "الاتصال" وهو تصحيف وكتابه "الإيصال" هذا ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة ابن حزم فقال: "وقد صنف كتاباً كبيراً في فقه الحديث سماه "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع" أورد فيه أقوال الصحابة فمن بعدهم والحجة لكل قول وهو كبير جداً". 2 هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان أبو القاسم البغوي الأصل البغدادي ابن بنت أحمد بن منيع، ولد في رمضان سنة أربع عشرة ومئتين (214?) قال أبو بكر الخطيب: "كان ثقة ثبتاً مكثراً فهماً عارفاً". وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ الثقة الكبير مسند العالم" توفي ليلة عيد الفطر سنة سبع عشرة وثلاثمئة (317?) . تاريخ بغداد 10/111. تذكرة الحفاظ 2/737. وأنظر في مصادر ترجمته: ميزان الاعتدال 2/492. لسان الميزان 3/338. اللباب في تهذيب الأنساب 1/164. 3 قال ابن حجر في ترجمته في "لسان الميزان" 1/432: "إسماعيل بن محمد بن إسماعيل ابن صالح بن عبد الرحمن الصفار الثقة الإمام النحوي المشهور. حدّث عن الحسن ابن عرفة وأحمد بن منصور الزيادي والكبار وانتهى إليه علو الإسناد. روى عنه الدارقطني وابن مندة والحاكم ووثقوه وآخر من حدّث عنه بجزء ابن عرفة أبو الحسن بن مخلد عبد الرحمن سمعنا من حديثه جملة بعلو، ولم يعرفه ابن حزم فقال في "المحلى": إنه مجهول. وهذا هو رمز ابن حزم يلزم منه ألا يقبل قوله في تجهيل من لم يطلع هو على حقيقة أمره، ومن عادة الأئمة أن يعبروا في مثل هذا بقولهم: لا نعرفه أو لا نعرف حاله وأما الحكم عليه بالجهالة بغير زائد لا يقع إلا من مطلع عليه أو مجازف. مات الصفار سنة إحدى وأربعين وثلاثمئة (341?) في المحرم وقد جاوز التسعين بأربع سنين. قال الدارقطني: "صام إسماعيل الصفار أربعة وثمانين رمضاناً وكان قد صحب المبرد واشتهر بالأخذ عنه وكان له نظم مقبول رحمه الله تعالى". وانظر في مصادر ترجمته: معجم الأدباء 7/33. بغية الوعاة 1/554. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الأصم1 وغيرهم2 والعجب ابن الحافظ ابن الفرضي3 ذكره في كتابه   1 هو محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي مولاهم النيسابوري أبو العباس الأصم، ولد سنة سبع وأربعين ومئتين (247?) قال ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب" 1/70 "كان ثقة أميناً" وقال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 3/860 "الإمام المفيد الثقة محدّث المشرق" توفي في ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاثمئة (346?) . 2 وبناء على اطلاق ابن حزم هذه العبارة على أولئك المشهورين فقد ألحق السخاوي ابن حزم بأئمة الجرح والتعديل المتسمحين. انظر: فتح المغيث للسخاوي 3/325. 3 هو عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي الأندلسي القرطبي أبو الوليد المعروف بابن الفرضي قال ابن خلكان: "كان فقيها عالماً في فنون من العلم: الحديث وعلم الرجال والأدب البارع وغير ذلك وله من التصانيف: "تاريخ علماء الأندلس" وهو الذي ذيّل عليه ابن بشكوال بكتابه الذي سماه "الصلة" وله كتاب حسن في "المؤتلف والمختلف" وفي "مشتبه النسبة" وكتاب في أخبار شعراء الأندلس وغير ذلك. ورحل من الأندلس إلى المشرق في سنة اثنتين وثمانين وثلاثمئة فحج وأخذ عن العلماء وسمع منهم وكتب من أماليهم. وكان مولده في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثلاثمئة (351?) وتولى القضاء بمدينة بلنسية وقتله البربر يوم فتح قرطبة وهو يوم الاثنين لست خلون من شوال سنة ثلاث واربعمئة (403?) رحمه الله تعالى". وقال فيه الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ الإمام الحجة ... صاحب تاريخ الأندلس". وفيات الأعيان 3/105-106. تذكرة الحفاظ 3/1076. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 "المؤتلف والمختلف" ونبه على قدره فكيف فات ابن حزم الوقوف عليه فيه! ". مؤلفاته: كان أبو عيسى الترمذي –كما قال ابن حبان- ممن جمع وصنّف. فألّف مؤلفات كثيرة قيّمة أسهم بها في تدوين السنّة وعلومها؛ ذاع صيتها؛ وأضحى بها محل إعجاب وثناء العلماء؛ لما حوته من علم نافع؛ واتصفت به من دقّة وإتقان تشهد له بالتفوّق العلمي وتنبئ عن قدره وتنطق بإمامته. ولا ريب أن الترمذي لو لم يؤلف غير كتابه "الجامع" الذي عرف به لكفى بالإشادة به والدلالة على إمامته فهو –كما ذكر ابن كثير- أحد الكتب الستة التي يرجع إليها العلماء في سائر الآفاق. فالترمذي يعتبر بحق أحد بناة النهضة الحديثيّة المباركة في عصره وممن ساهم فيها بسهم وافر وحظ كبير نعيش نحن اليوم خيرها وعطاءها الممتد إلى يومنا هذا، والمتمثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 في تلك الآثار العظيمة التي خلفها أساطين العلم كالبخاري والترمذي وغيرهما، نقطف منها ثماراً يانعة ونجني منها علوماً ومعارف نافعة، وسيظل هذا الخير يتدفق وهذا العطاء يمتد بإذن الله إلى ما قدره الله عزّ وجلّ له. هذا وفيما يلي قائمة بمؤلفات الترمذي التي تركها والتي وصل إلينا خبرها ثم تعريف بالموجود منها مما وقفت عليه تعريفاً موجزاً سواء كان مطبوعاً أو مخطوطاً. الجامع: طبع عدة مرات بمصر والهند وعليه شروح كثيرة مطبوعة ومخطوطة فمن الأولى: "عارضة الأحوذي" للقاضي أبي بكر العربي، و"تحفة الأحوذي" للمباركفوري. ومن الثانية: شرح ابن سيّد الناس وتكملته للعراقي و"قوت المغتذي" للسيوطي1 الشمائل النبوية والخصال المصطفوية، المعروف بـ"شمائل الترمذي" طبع مرات في عدة أمكنة منها مصر، والهند، وفاس والآستانة. وعليه شروح كثيرة سنعرّج على بعضها فيما بعد. كتاب "العلل الكبير" أو "االعلل المفرد". كتاب "العلل الصغير". كتاب "الزهد".   1 انظر في شروح "جامع الترمذي" "تاريخ الأدب العربي" لبروكلمان 3/190 وما بعدها. و"تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/243 وما بعدها و"كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون" 1/559 و"مقدمة تحفة الأحوذي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 كتاب "الأسماء والكنى"1. كتاب "التاريخ"2. كتاب "الصحابة"3. "كتاب في الجرح والتعديل"4 "الثلاثيات"5   1 كتاب "االزهد"، وكتاب "الأسماء والكنى" ذكرهما ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 9/389 فقال: "ولأبي عيسى كتاب الزهد مفرد لم يقع لنا وكتاب الأسماء والكنى". وانظر: "تدريب الراوي"/516. 2 ذكره ابن نديم في "الفهرست"/233 وانظر: "تدريب الراوي"/516 و"الأعلام" للزركلي 7/213 3 ذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" 11/66 وقد وصل إلينا باسم "تسمية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مخطوط في مكتبة لاله لى بتركيا تحت رقم (2089) ويقع في إحدى عشرة ورقة وتاريخ نسخه القرن السابع الهجري. "تاريخ التراث العربي" لسزكين (1/251) . كما ذكر سزكين أيضاً وجود نسخة أخرى منه مخطوطة في مكتبة شهيد علي بتركيا تحت رقم (2840/1) تقع في 16 ورقة وتاريخ نسخها سنة 736?. "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/251 4 ذكره ابن كثير في "البداية النهاية" 11/66 نقلا عن أبي يعلى الخليلي، وأقول: لعله يريد به كتاب "العلل الصغير" الذي ملحق بجامع الترمذي فإنه مشتمل على حرج وتعديل كثير. 5 مخطوط في مكتبة "أياصوفيا" بتركيا تحت رقم (7882) ويقع في ورقتين. "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/245. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 "الرباعيات في الحديث"1 "العشاريات"2 كتاب "الموقوف"3   1 ذكره البغدادي في "هدية العارفين" 2/19 والكتاني في "الرسالة المستطرفة"/98 وهو مخطوط في مكتبة جار الله بتركيا تحت رقم (282) يقع في 23 ورقة تاريخ نسخه سنة 758? "تاريخ التراث العربي" لسزكين 1/245. 2 ذكره الكتاني في "الرسالة المستطرفة"/98. 3 أشار إليه المؤلف في "العلل الصغير" الذي في آخر كتابه الجامع فإنه بعد أن ذكر أسانيده في نقل مذاهب الفقهاء مجملة قال: "وقد بينا هذا على وجهه في الكتاب الذي فيه الموقوف". قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"/58: "اعلم: أن أبا عيسى رحمه الله ذكرفي هذا الكتاب (يعني الجامع) مذاهب كثيرة من فقهاء أهل الحديث المشهورين كسفيان، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق ... ولم يذكر أسانيد أكثر ذلك فذكر هنا أسانيده مجملة، وإن كان لم يحصل بها الوقوف على حقيقة أسانيد ذلك، حيث ذكر أن بعضه عن فلان وبعضه عن فلان ولم يبيّن ذلك البعض ولم يميّزه وقد ذكر أنه بيّن ذلك على وجهه في كتابه الذي فيه الموقوف، وكأنه -رحمه الله- له كتاب مصنف أكبر من هذا، فيه الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة مذكورة كلها بالأسانيد، وهذا الكتاب وضعه للأحاديث المرفوعة وإنما يذكر فيه قليلا من الموقوفات". وقال المباركفوري في شرحه للعلل الصغير المسمى "شفاء الغلل في شرح كتاب العلل" في آخر "تحفة الأحوذي" 10/466 "هو كتاب للترمذي رحمه الله جمع فيه الأحاديث الموقوفة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 "رسالة في الخلاف والجدل والتاريخ"1. وفاته: اختلف في تاريخ ومكان وفاة الترمذي. فالمشهور الذي اعتمده الأكثرون في ذلك هو ما قاله الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سليمان غنجار (337-412?) ، في "تاريخ بخارى"2. والحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز المستغفري3 (بعد الخمسين وثلاثمئة- 432?) ، والحافظ هبة الله بن علي ابن هبة الله بن ماكولا4 (421?-486?) والحافظ الرشاطي5 (466-542?) وغيرهم.   1 هكذا ذكرها عمر رضا كحالة في "معجم المؤلفين" 11/105 وذكرها حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" 1/863 باسم "رسالة في الخلاف والجدل" من غير كلمة "التاريخ" وقال: أولها: "الحمد لله مسبب الأسباب، هذا مختصر في فقه جدل الإعراب لإظهار الصواب فصلته اثني عشر فصلاً". 2 انظر: البداية والنهاية 11/67 والتبصرة والتذكرة 3/255 وفتح المغيث للسخاوي 3/309. 3 انظر: تهذيب الكمال 7/ورقة 628 وتهذيب التهذيب 9/387 والتبصرة والتذكرة 3/255 وفتح المغيث للسخاوي 3/309. 4 انظر: التبصرة والتذكرة 3/255 وفتح المغيث للسخاوي 3/309. 5 انظر: فتح المغيث للسخاوي 3/309. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 إنه توفي بـ"ترمذ" ليلة الاثنين لثلاث عشرة خلت من رجب سنة تسع وسبعين ومئتين (279?) وقال السمعاني في الأنساب في مادة "الترمذي"، وتبعه ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب": "توفي بقريته" بوغ "سنة نيف وسبعين ومئتين إحدى قرى ترمذ". وقال في مادة "البوغي" وتبعه ابن الأثير أيضاً "مات بقرية بوغ سنة 275?". قال أحمد شاكر: "وياقوت قلد السمعاني في الأولى، وابن خلكان قلده في الثانية". هكذا قال والواقع أن ابن خلكان لم يقلد السمعاني، بل أنه حكى قول السمعاني هذا بعد ما ذكر وفاته على قول الجمهور. وأما ما قاله أبو يعلي الخليلي القزويني أنه مات بعد الثمانين ومئتين فقد رده العلماء. فقال ابن كثير بعد أن نقله: "كذا قال في تاريخ وفاته". وختم ابن كثير ترجمة الترمذي من "البداية والنهاية" بقوله: "ثم اتفق موته في بلده منها (يعني من سنة 279? التي أرخه فيها) على الصحيح المشهور". وقال العراقي: في التبصرة والتذكرة1:"وأما قول الخليلي في "الإرشاد" أنه مات بعد الثمانين ومئتين فقاله على الظن وليس   1 3/255-256. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 بصحيح". وقال السخاوي: في فتح المغيث1:"وقول الخليلي في "الإرشاد" أنه مات بعد الثمانين ظن منه لأن النقل بخلافه". وقال السيوطي: في تدريب الراوي2: "قال الخليلي: بعد الثمانين وهو وهم".   1 3/319. 2 /516. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 التعريف بكتاب "الجامع" للإمام الترمذي ويشمل: اسمه. شرط الإمام الترمذي فيه. رتبته بين كتب السنة المشرفة. مكانته عند العلماء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 1- "جامع الإمام الترمذي" اشتهر هذا الكتاب بنسبته إلى مؤلفه فيقال: "جامع الترمذي"، ويقال له أيضاً: "سنن الترمذي"1. والأوّل أشهر وأكثر استعمالا. وأطلق عليه بعضهم لفظ "الصحيح"2 فسماه الحاكم: "الجامع الصحيح"3. وسماه الخطيب "صحيح الترمذي". وهذا تساهل منهما؛ لأن فيه الصحيح والحسن والضعيف والمنكر4، ولا أدلّ على بطلان هذا الإطلاق من كون الترمذي نفسه قد صرّح في "سننه" بتضعيف كثير من الأحاديث، وكشف عن عللها. فكيف يصحّ أن يوصف كتابه بالجامع الصحيح أو يحكم على كل حديث فيه بأنه حسن؟ 5. كما أطلق عليه ابن الأثير6 المؤرخ وغيره7 اسم "الجامع الكبير".   1 في الرسالة المستطرفة/11 ويسمّى بالسنن أيضاً خلافاً لمن ظن أنهما كتابان. 2 انظر: تدريب الراوي/95. 3 وكذا سماه حاجي خليفة في "كشف الظنون" 2/559 والبغدادي في "هدية العارفين" 2/19. 4 انظر: اختصار علوم الحديث لابن كثير مع شرحه الباعث الحثيث/31. 5 انظر: دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للألباني/5. 6 الكامل في التاريخ 6/75. 7 انظر: الرسالة المستطرفة/11 والأعلام للزركلي 7/213. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 وقد ألّف الترمذي كتابه هذا على أبواب الفقه، وخرّج فيه الأحاديث الكثيرة، وبيّن درجتها من الصحّة، أو الحسن، أو الضعف مع بيان وجه الضعف، وتكلم في الرجال والأسانيد وكشف عن عللها، وذكر عقب كل مسألة مذاهب العلماء من الصحابة، والتابعين، وآراء فقهاء الأمصار، وشارك برأيه بالترجيح فيما يحتاج إلى ترجيح، وإذا كان في الباب أحاديث أخرى يصحّ إيرادها فيه فإنه ينبه عليها، ويشير إليها بذكر من رواها من الصحابة رضوان الله عليهم، فيقول: "في الباب عن فلان وفلان فيعدد جماعة من الصحابة". قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"1 "اعلم أن الترمذي -رحمه الله- خرّج في كتابه الحديث الصحيح والحديث الحسن –وهو ما نزل عن درجة الصحيح وكان فيه بعض ضعف-، والحديث الغريب والغرائب التي خرّجها فيها بعض المناكير، ولاسيما في "كتاب الفضائل"، ولكنه يبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه، ولا أعلمه خرّج عن متهم بالكذب متفق على اتهامه: حديثاً بإسناد منفرد، إلا أنه قد يخرّج حديثاً مختلفاً في إسناده وفي بعض طرقه متهم". وعلى هذا الوجه: خرّج حديث محمد بن سعيد المصلوب2، ومحمد   1 /292. 2 محمد بن سعيد بن حسان بن قيس، الأسدي، الشامي، المصلوب، ويقال له ابن سعيد بن عبد العزيز، أو ابن أبي عتبة، أو ابن أبي قيس، أو ابن أبي حسان، ويقال له ابن الطبري أبو عبد الرحمن، وأبو عبد الله، وأبو قيس، وقد ينسب لجده، وقيل إنهم قلبوا اسمه على مئة وجه ليخفى، كذبوه وقال أحمد بن صالح: وضع أربعة آلاف حديث وقال أحمد قتله المنصور على الزندقة وصلبه، من السادسة/ روى له الترمذي وابن ماجه. تقريب التهذيب 2/164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 ابن السائب الكلبي1، نعم. قد يخرّج عن سيء الحفظ وعمن غلب على حديثه الوهم، ويبين ذلك غالباً ولا يسكت عنه، وقد شاركه أبو داود في التخريج عن كثير من هذه الطبقة مع السكوت على حديثهم كإسحاق2 ابن أبي فروة وغيره. شروط الترمذي في كتابه: وشرط الترمذي في كتابه "الجامع" واسع جداً، فإنه أخرج فيه من الأحاديث ما عمل به فقيه، أو تمسك به عالم، فقد قال في "العلل الصغير"3 الذي في آخر كتاب الجامع: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث فهو معمول به، وقد أخذ به بعض أهل العلم ما خلا حديثين ... " الخ.   1 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 2 إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي، مولاهم المدني متروك من الرابعة، مات سنة أربع وأربعين أي ومئة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه. المصدر السابق 1/59. 3 / 43 بشرح ابن رجب الحنبلي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وقال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتابه "شروط الأئمة الستة"1: "وأما أبو عيسى الترمذي رحمه الله فكتابه وحده على أربعة أقسام: قسم صحيح مقطوع به وهو ما وافق فيه البخاري ومسلماً. قسم على شرط الثلاثة2 دونهما. قسم أخرجه للضدية وأبان علته ولم يغفله. وقسم رابع أبان هو عنه فقال: "ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثاً قد عمل به بعض الفقهاء". قال أبو الفضل ابن طاهر المقدسي: "وهذا شرط واسع فإن على هذا الأصل كل حديث احتج به محتج أو عمل بموجبه عامل، أخرجه سواء صحّ طريقه أو لم يصحّ، وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنه شفى في تصنيفه وتكلم على كل حديث بما يقتضيه" ا?. وقد ذكر الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة"3: أن شرط الترمذي هو إخراج أحاديث الطبقة الرابعة من الرواة، وهم قوم لم تكثر ممارستهم لحديث شيوخهم، ولم يسلموا من غوائل الجرح، فهم بين الردّ والقبول، فأهل هذه الطبقة شاركوا أهل الطبقة الثالثة الذين هم شرط أبي   1 / 13. 2 يريد بهم: أبا داود والنسائي وابن ماجه. 3 / 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 داود والنسائي كما بيّن الحازمي في الجرح والتعديل، وتفردوا بقلة ممارستهم لحديث شيوخهم لقلة ملازمتهم لهم. قال الحازمي1: "وفي الحقيقة شرط الترمذي أبلغ من شرط أبي داود؛ لأن الحديث إذا كان ضعيفاً أو مطلعه من حديث أهل الطبقة الرابعة، فإنه يبيّن ضعفه وينبه عليه، فيصير الحديث عنده من باب الشواهد والمتابعات، ويكون اعتماده على ما صحّ عند الجماعة. وعلى الجملة فكتابه مشتمل على هذا الفن، فلهذا جعلنا شرطه دون شرط أبي داود" ا?. رتبة جامع الترمذي: وتختلف الآراء والأنظار في رتبة جامع الترمذي، هل يلي الصحيحين فيكون ثالث الكتب الستة أو أنه بين سنن أبي داود والنسائي فيكون رابعها أو أنه بعدها فيكون خامسها؟ ذهب إلى الأول حاجي خليفة في "كشف الظنون"2 فقال في الكلام عن جامع الترمذي: "هو ثالث الكتب الستة في الحديث". وذهب إلى الثاني الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة"3، فإنه كما   1 شروط الأئمة الخمسة/ 44. 2 2/559. 3 / 44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 سبق أن بيّن سبب تأخر جامع الترمذي عن سنن أبي داود وهو اشتماله على حديث الطبقة الرابعة، فقال: "وعلى الجملة فكتابه مشتمل على هذا الفن فلهذا جعلنا شرطه دون شرط أبي داود". وذهب إلى الثالث الذهبي فقال فيما نقله السيوطي1 عنه: "انتحلت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي؛ لإخراجه حديث المصلوب والكلبي وأمثالهما". وانتصر المباركفوري2 ومن بعده الدكتور نور الدين عتر3 للقول بأن جامع الترمذي ثالث الكتب الستة وردّا على المخالف لذلك. مكانة جامع الترمذي: حظي "جامع الترمذي" على مرّ الدهور باستحسان العلماء وتقديرهم، فأشادوا به، وبينوا مزاياه وخصائصه التي ينفرد بها، وما اشتمل عليه من فوائد، وقد عرف مؤلفه قيمة كتابه فأثنى عليه. نقل عن الترمذي أنه قال4 مبيناً قدر كتابه: "صنفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا   1 تدريب الراوي/99. 2 مقدمة تحفة الأحوذي/ 364. 3 الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين/ 62-63. 4 انظر جامع الأصول لابن الأثير 1/114 وتذكرة الحفاظ 2/634 وتهذيب التهذيب 9/389 وكشف الظنون 2/559. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم". ومن مزايا جامع الترمذي ما أشار إليه عبد الله بن محمد الأنصاري فقد قال الحافظ أبو الفضل المقدسي1:"سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري2 بهراة، وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه فقال: "كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم؛ لأن كتابي البخاري ومسلم لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدته كل أحد من الناس"3. وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن رشيد4: "الذي عندي أن الأقرب إلى التحقيق والأحرى على واضح الطريق أن يقال أن كتاب الترمذي تضمن الحديث مصنفاً على الأبواب وهو علم برأسه، والفقه   1 شروط الأئمة الستة/16. 2 ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ 3/1183 فقال: "شيخ الإسلام الحافظ الإمام الزاهد ... الأنصاري الهروي من ذرية أيوب الأنصاري، ولد سنة ست وتسعين وثلاثمئة (396?) وسمع جامع أبي عيسى من عبد الجبار بن محمد الجراحي، وصنف كتاب منازل السائرين وأشياء وكان سيفاً مسلولا على المخالفين، وجذعاً في أعين المتكلمين وطوداً في السنة لا يتزلزل، وقد امتحن مرات. توفي في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمئة وقد جاوز أربع وثمانين سنة". وانظر الأعلام للزركلي 4/267. 3 وانظر: تذكرة الحفاظ 3/1189 والبداية والنهاية 11/67. 4 مقدمة تحفة الأحوذي/356 ورشيد بالتصغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 وهو علم ثان، وعلل الحديث. ويشتمل على بيان الصحيح من السقيم وما بينهما من المراتب وهو علم ثالث، والأسماء والكنى وهو علم رابع، والتعديل والتجريح وهو علم خامس، ومن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يدركه ممن أسند عنه في كتابه وهو علم سادس، وتعديد من روى ذلك الحديث وهو علم سابع. هذه علومه المجملة، وأما التفصيلية فمتعددة، وبالجملة فمنفعته كثيرة وفوائده غزيرة". قال ابن سيّد الناس1:"ومما لم يذكره ما تضمنه من الشذوذ وهو نوع ثامن، ومن الموقوف وهو تاسع من المدرج، وهو عاشر، وهذه الأنواع مما يكثر فوائده، وأما ما يقل فيه وجوده من الوفيات والتنبيه على معرفة الطبقات، أو ما يجري مجرى ذلك، فداخل فيما أشار إليه من فوائده التفصيلية". وقال القاضي أبو بكر العربي في فصل نفيس عقده في أول شرحه لجامع الترمذي المسمى: "عارضة الأحوذي"2: "اعلموا –أنار الله أفئدتكم- أن كتاب الجعفي3 هو الأصل الثاني في هذا الباب، والموطأ هو   1 مقدمة تحفة الأحوذي/356. 2 عارضة الأحوذي 1/5-6 والتصحيح للكلام من أحمد شاكر في مقدمة جامع الترمذي. 3 يريد به صحيح البخاري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 الأول والباب، وعليهما بنى الجميع كالقشيري1، والترمذي فمن دونهما وليس فيها –يعني كتب الحديث- مثل كتاب أبي عيسى حلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع، وفيه أربعة عشر علماً، وذلك أقرب إلى العمل وأسلم. أسند، وصحّح، وضعّف، وعدّد الطرق، وجرّح، وعدّل، وأسمى وأكنى، ووصل وقطع، وأوضح المعمول به والمتروك، وبيّن اختلاف العلماء في الردّ والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله، وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه، وفرد في نصابه؛ فالقارئ له لا يزال في رياض مونقة وعلوم متفقة متسقة، وهذا شيء لا يعمه إلا العلم الغزير، والتوفيق الكثير، والفراغ والتدبير". وقال ابن الأثير في "جمع الأصول"2 وتبعه طاش كبري زاده في "مفتاح السعادة"3: "كتابه الصحيح أحسن الكتب، وأكثرها فائدة وأحسنها ترتيباً، وأقلها تكراراً، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال، وتبيين أنواع الحديث من الصحيح، والحسن، والغريب، وفيه جرح وتعديل، وفي آخره كتاب العلل قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرها على من وقف عليها".   1 يريد به مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح. 2 1/114. 3 2/137. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وقال ملا علي قارئ1:"وجامعه دال على اتساع حفظه ووفور علمه، فإنه كاف للمجتهد وشاف للمقلد". وقال الشيخ إبراهيم الباجوري في شرحه على الشمائل المحمّديّة المسمى "المواهب اللدنيّة"2: "وله تصانيف كثيرة بديعة، وناهيك بجامعه الصحيح الجامع للفوائد الحديثيّة والفقهيّة، والمذاهب السلفيّة والخلفيّة، فهو كاف للمجتهد مغن للمقلد". وقال الشاه عبد العزيز في "بستان المحدثين"3: "تصانيف الترمذي في هذا الفن كثيرة، وأحسنها هذا الجامع بل هو أحسن من جميع كتب الحديث من وجوه: الأول: من جهة حسن الترتيب وعدم التكرار. والثاني: من جهة ذكر مذاهب الفقهاء ووجوه الاستدلال لكل أحد من أهل المذاهب. والثالث: من جهة بيان أنواع الحديث من الصحيح، والحسن، والضعيف، والغريب، والمعل. والرابع: من جهة بيان أسماء الرواة، وألقابهم، وكناهم، والفوائد الأخرى المتعلقة بعلم الرجال." ا?.   1 جمع الوسائل في شرح الشمائل 1/7. 2 /5. 3 انظر مقدمة تحفة الأحوذي 1/358. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وقال الدكتور محمد عجاج الخطيب1:"ورأينا أن جامع الترمذي مثال جيد للتطبيق العملي الذي كان يقوم به المحدّثون، من أجل معرفة الصحيح، والحسن، والضعيف، والكشف عن علل الأحاديث، واستنباط الأحكام حيناً، ومعرفة الثقات من المتروكين أحياناً، وغير ذلك. وبهذا جمع هذا الكتاب فوائد كثيرة لا تجد معظمها في الكتب الأخرى التي استغنت عن أكثر ذلك، بالتزامها تخريج الصحيح فقط. والترمذي لم يلتزم هذا فكان كتابه مثالا مستقلا في التصنيف لم يسبق إليه، وإلى جانب ما ذكرت فقد حفظ لنا هذا الكتاب كثيرا من اصطلاحات المحدّثين في أحكامهم على الرواة والمرويات؛ مما يزيدنا ثقة بقدم هذه المصطلحات ورسوخ قواعد علوم الحديث قبل عصره، كما أن الترمذي جمع بين بعض المصطلحات جمعاً لم يسبق إليه في قوله: "صحيح حسن"، و"صحيح غريب"، وغير هذا" ا?. وقال بروكلمان: في "تاريخ الأدب العربي"2: "وقد ضمّن الترمذي جامعه كل حديث احتج به بعض الفقهاء في بعض الأحكام وسمّى مع كل حديث من احتج به من أهل المذاهب مع ذكر ما عارضه به الآخرون، ومن ثَمّ كان كتابه من أهم المصادر لدراسة الخلاف بين مدارس الفقه المختلفة".   1 أصول الحديث/323. 2 3/189. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وقال سزكين في تاريخ التراث العربي1:"وأهم مؤلفاته "الجامع" الذي اعتبر فيما بعد من الكتب الصحيحة المعتمدة، وقد امتاز في المقام الأول بملاحظاته النقديّة حول الأسانيد، وبإضافة الآراء المتباينة للمدارس الفقهيّة المختلفة".   1 1/241. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 التعريف بكتاب "الشمائل المحمّديّة" للإمام الترمذي 2- كتاب "الشمائل النبويّة". موضوع هذا الكتاب يمثل جانباً من جوانب الحديث النبويّ؛ إذ هو في حلية النبي صلى الله عليه وسلم الخلقيّة، وصفاته الخلقيّة، وبيان أحواله وعاداته، فقد عرّف علماء مصطلح الحديث بأنه ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة. وأبو عيسى في هذا الكتاب أخرج أحاديثه موزعة على الأبواب التي برع في ترتيبها، والتي تكون ستة وخمسين باباً قد ترجم كل باب منها بترجمة تدل على ما تحتها من أحاديث. وما اتبعه في تلك الأحاديث هو أنه اقتصر فيها على إخراجها من غير أن يسلك فيها ما سلكه في أحاديث الجامع من الكلام عليها جرحاً وتعديلاً، وتصحيحاً وتضعيفاً، وغير ذلك. وعن رتبة أحاديث الكتاب يقول الدكتور نور الدين عتر1: "ونستطيع أن نقسم أحاديث الكتاب ثلاثة أقسام: الحديث الصحيح، وهو كثير جداً في كتابه هذا، وفيه جملة أحاديث في أعلى درجات الصحة؛ لكونها من رواية الطبقة الأولى في التوثيق، ثم مثل على ذلك بمثال. الحديث الحسن، ومنه جملة من الحسن لغيره الذي يحسنه   1 الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين/440. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 الترمذي؛ لوروده من غير وجه، فإذا كان في السند ضعف فإنه قد يخرّج له متابعة أو شاهداً يقوّيه، ثم مثل على ذلك بمثال. الضعيف الذي لا يرتقي للحسن، وقلما يروي أبو عيسى في الشمائل حديثاً ضعيفاً لا جابر له يقوّيه". ثناء العلماء على كتاب الشمائل: حظيت شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم منذ القدم بالعناية الفائقة والاحترام الكبير، فسطرت فيها المؤلفات المستقلة وغير المستقلة، وكان من أوائل وأشهر ما أفرد فيها كتاب أبي عيسى هذا الذي أشاد به العلماء وأثنوا على مؤلفه: فقال الحافظ ابن كثير –وقد اعتمده في كتابه شمائل الرسول ودلائل نبوتة وخصائصه وفضائله-1: "قد صنّف الناس في هذا قديماً2 وحديثاً كتباً كثيرة مفردة وغير مفردة، ومن أحسن من جمع في ذلك فأجاد وأفاد الإمام أبو عيسى محمّد ابن عيسى بن سورة الترمذي -رحمه الله- أفرد في هذا المعنى كتابه المشهور بالشمائل ولنا به سماع متصل إليه. ونحن نورد عيون ما أورده فيه، ونزيد عليه أشياء مهمّة لا يستغني عنها المحدّث والفقيه".   1 / 5 2 من ذلك كتاب "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه" للحافظ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصفهاني المعروف بأبي الشيخ (ت369?) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في شرحه لشمائل الترمذي1: "فإن كتاب الشمائل لعلم الرواية وعالم الدّراية الإمام الترمذي جعل الله قبره روضة عرفها أطيب من المسك الشذى كتاب وحيد في بابه فريد في ترتيبه واستيعابه، لم يأت أحد بمماثل ولا بمشابه، سلك فيه منهاجاً بديعاً ورصعه بعيون الأخبار وفنون الآثار ترصيعاً، حتى عدّ ذلك الكتاب من المواهب وطار في المشارق والمغارب". وقال الشيخ ملا علي قارئ في كتابه "جمع الوسائل إلى شرح الشمائل"2: "ومن أحسن ما صنف في شمائله وأخلاقه صلى الله عليه وسلم كتاب الترمذي المختصر الجامع في سيرته على الوجه الأتم بحيث إن مطالع هذا الكتاب كأنه يطالع طلعه ذلك الجناب، ويرى محاسنه الشريفة في كل باب، وقد قال شيخ مشائخنا محمد بن محمد الجزري قدّس الله سره العلى: أخلاي أن شط الحبيب وربعه وعز تلاقيه وناءت منازله وفاتكم إن تبصروه بعينكم فما فاتكم بالعين فهذي شمائله وعن شروح كتاب الشمائل تحدّث بروكلمان في "تاريخ الأدب العربي" 3/192 وما بعدها وسزكين في "تاريخ التراث العربي" 1/246 وما بعدها.   1 1/2 بحاشية كتاب جمع الوسائل الآتي. 2 1/2-3 . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 وقد ذكرت بعضها هنا وفيما تقدم من الرسالة مثل "الفوائد الجليّة البهيّة" لمحمد بن قاسم جسوس. و"المواهب اللدنيّة" لإبراهيم بن محمد الباجوري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 3- كتاب "العلل الكبير" أو "المفرد" ظهر هذا الكتاب أخيراً وقد كان قبل فترة وجيزة في حكم المفقود لا نعلم عنه شيئاً، اللهم إلا نقول منه أو عنه مبثوثة في بعض الكتب كالسنن الكبرى للبيهقي، وتهذيب سنن أبي داود لابن القيم، وشرح سنن الترمذي لابن سيّد الناس، والعراقي، ونصب الرّاية للزيلعي، والتلخيص الحبير لابن حجر، وعمدة القارئ للعيني. ولكنه لم يصل إلينا على هيئته التي ألّفه بها الترمذي، وإنما مرتباً بترتيب الفقيه القاضي أبي طالب1   1 لعل القارئ الكريم يتطلع إلى التعرف إلى مُرَتِّب الكتاب الفقيه القاضي أبي طالب كما تطلعت أنا إلى ذلك، ولا يفاجأ إذا قلت له أنني رغم ما بذلت من جهد وعناء لم أظفر له بترجمة؛ فانطلاقاً من سند رواية الكتاب الذي أثبته "رحمه الله تعالى" في صلب المقدمة التي عملها في أول الكتاب علمت أن الرجل أندلسي، وأنه عاش في القرن السادس لأنه يروي الكتاب عن ابن بشكوال الأندلسي خلف بن عبد الملك المتوفى سنة 578? فمن هنا أخذت أبحث عنه في كتب تراجم الأندلسيين مما تيسر لي، ولكن دون جدوى، حيث لم أعثر عليه، كما أنه لم يفتني –في سبيل التعرف عليه- تتبع ترجمة ابن بشكوال في بعض المصادر رجاء أن يأتي له ذكر، ولكن لم أحصل على شيء. ولم أكتف بذلك بل فتشت عنه في غير ذلك من الكتب مثل "تذكرة الحفاظ" و"طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي و"وفيات الأعيان" و"الأعلام" للزركلي و"معجم المؤلفين" إلا أنني لم أقف له على ترجمة. علماً أنه لا توجد عنه معلومات زائدة على ورقة عنوان الكتاب سوى لقبه، وكنيته، وكذا لم يذكر من أشار إلى وجود الكتاب شيئاً زائداً على ذلك سواء سزكين في "تاريخ التراث العربي" 1/251 أو فؤاد السيد في "فهرس معهد المخطوطات العربية" 1/87. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وقد اطلعت عليه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبويّة مصوراً بـ"الميكروفيلم" عن النسخة الخطيّة المحفوظة في مكتبة أحمد الثالث رقم (530) ، وهذه النسخة هي التي أشار إليها سزكين في تاريخ التراث العربي1، وهي نفيسة جداً، وربما تكون الوحيدة في العالم. والكتاب مكتوب بخط مغربي جميل وواضح جداً عدد أوراقه (77) ورقة مسطرات الورقة (22) سطراً ومقاسها 5ر18×5ر23 يرجع تاريخ نسخه إلى القرن السادس الهجري، وتوجد بهوامشه حواشي كثيرة لم يتبيّن لي صاحبها. وقد ذكر مرتبه في المقدّمة التي عملها في أوله أنه قصد ترتيبه على نسق كتاب الجامع للترمذي، حتى يسهل؛ إذ الأحاديث فيه متفرقة منثورة لا تضبطها أبواب ينظر فيها ويهتدي إلى ما تحتها؛ ويتلخص منهجه الذي أتبعه في ترتيب الكتاب، والذي أوضحه في المقدمة المذكورة بما يلي:   1 1/251 وانظر: فهرس معهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة 1/87 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 أنه أولاً - أرجع الأحاديث إلى ما يليق بها من "كتب الجامع" فجعل مثلا أحاديث الطهارة والصلاة في كتاب الصلاة، وأحاديث الزكاة في كتاب الزكاة، وأحاديث الصوم في كتاب الصوم، وهكذا إلى آخر الجامع. ثانياً – أدخل أحاديث هذه الكتب تحت أبوابها، ومعلوم أنه يندرج في كل كتاب من كتب الجامع أبواب كثيرة ومتعددة، وألحق الحديث ببابه بناء على أنه مذكور بعينه في ذلك الباب من كتاب الجامع، أو نبه عليه أبو عيسى في الجامع بقوله: وفي الباب عن فلان من الصحابة أو أنه مطابق للحديث الذي تضمنه الباب وفي معناه. ثالثاً – أسقط من كتب الجامع وتراجم أبوابه ما لم يكن فيه أحاديث في "كتاب العلل". رابعاً – ما جاء فيه من الأحاديث التي لم تذكر في الجامع، ولم يمكن إدخالها في الأبواب، وهي قليلة أفرد لها فصولا مستقلة في آخر كل كتاب هي منه ونبه على أنها ليست في الجامع. أما ما أدخله منها في الأبواب وهو الأقل لم ينبه عليه؛ وعلل ذلك بأنه لا يخفى الزائد على مطالع الكتابين معاً. خامساً- عقد في آخر الكتاب باباً جمع فيه ما كان منثوراً من الكلام على الرجال الذين لم يقع لهم ذكر في حديث ما. أما ما كان فيه من الكلام على راو جرى ذكره في سند حديث فإنه يسوقه حيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 يسوق الحديث الذي يحوي اسم ذلك الراوي المتكلم عليه. بعد ذلك نبه المؤلف على أمرين: الأمر الأول: أنه كان ينوي تجريد كتاب العلل من كل ما هو مذكور في الجامع، حتى لا يكون فيه إلا ما ليس في الجامع غير أنه كره إسقاط شيء منه فتركه على ما هو عليه قال: "فربما يجيء الباب ويكون فيه الحديث الذي في ذلك الباب من الجامع بنحو الكلام الذي تكلم عليه في الجامع بلا مزيد عليه". الأمر الثاني: ما تضمنه قوله: ولعل الناظر في هذا الكتاب يرى فيه في بعض المواضيع ترجمة يكون تحتها حديث لا يناسبها فيستبعد ذلك، فليعلم أن ذلك الحديث إنما وقع في الجامع في ذلك الباب، ولم نر أن نبوّب عليه باباً آخر بل ذكرناه حيث ساقه أبو عيسى في أي باب كان. وفي ختام المقدمة ساق سنده الذي وقع له به كتاب العلل هذا. وقد سبق القول باعتماد الترمذي على البخاري في هذا الكتاب، كما سبق ثناء العلماء على هذا الكتاب وإشادتهم به؛ ونظراً لأن بعض أحاديث هذه الرسالة مما في كتاب "العلل الكبير" هذا كما هو مبيّن في محله، فإنني أكتفي بها كنماذج من الكتاب، وهي تدلّ على إن هذا الكتاب اشتمل على التعليل بالعلة الظاهرة والخفيّة، على أن الدكتور نور الدين عتر بما توفر إليه من نقول عن هذا الكتاب، حيث لم يعلم بوجوده استطاع أن يقسم العلل في كتاب الترمذي هذا إلى ثلاثة أقسام: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 القسم الأول: العلل القادحة الخفيّة وهو المعنى الاصطلاحي الخاص للعلّة. القسم الثاني: كل قادح يطعن في صحة الحديث مما ليس خفياً بل ظاهراً كالضعف والانقطاع. القسم الثالث: ما لا يقدح في صحة الحديث. ثم وضّح ذلك بالأمثلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 4- كتاب "العلل الصغير" يرى الدكتور نور الدين عتر أن كتاب "العلل الصغير" جزء من كتاب "الجامع" وليس هو كتاباً مفرداً فهو بمثابة المقدمة للجامع إلا أن الترمذي أتى به آخراً. واستدل على ذلك بما اشتمل عليه كتاب "العلل الصغير" من مسائل مهمة في علوم الحديث تتصل بالجامع اتصالا وثيقاً، وبما فيه من عبارات تربطه بالجمع برباط الوحدة كقول الترمذي: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث ... "، ونحوها من العبارات التي تكررت فيها الإشارة إلى الجامع بقوله: "هذا الكتاب" ومن هنا خطأ الدكتور العتر من ظن أنه كتاب مستقل ألحق بالجامع، وأجاب عن صنيع بعض رواة الجامع من إفراد "كتاب العلل" بالرواية مستقلا عن الجامع: بأن ذلك لا يدل على أنه كتاب مفرد بنفسه، بل إنهم أفردوه بالرواية؛ لاختصاصه بالفوائد التي تضمنها تسهيلا للانتفاع به قال: "وقد سلك الترمذي بوضعه "كتاب العلل" سبيل مسلم في كتابه مقدمة لصحيحه، أوضح فيها مسلم عمله في الكتاب وشرح بعض مسائل رآها تتناسب مع الكتاب، وليست هذه المقدمات في شيء من كتب الحديث التي وضعت حتى ذلك الوقت إلا في هذين الكتابين، ولكن الترمذي قد توسع فتعرّض لبعض مسائل سبقه مسلم إليها، وتفرد بمسائل كثيرة اقتضتها مناسبة الجامع، لها أهميتها في علم الحديث، أثنى عليها الأئمة وذكروها في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 محاسن الكتاب، كما في قول ابن الأثير: "وفي آخره كتاب العلل قد جمع فيه فوائد حسنة لا يخفى قدرها على من وقف عليها" ا?. ويتلخص ما تعرض له الترمذي في "كتاب العلل الصغير" من أمور في الآتي: بدأ ببيان حال أحاديث الجامع عموماً؛ فذكر أن جميع ما فيه من الأحاديث معمول به، أو أخذ به بعض العلماء ما عدا حديثين ذكرهما، ثم قال: "وقد بيّنا علة الحديثين جميعا في هذا الكتاب" (يعني الجامع) . بعد ذلك أورد أسانيده إلى الفقهاء الذين ذكر مذاهبهم في الجامع من غير أن يسوق أسانيد إليهم. كما صرّح أن ما في الجامع من الكلام في علل الأحاديث والرجال والتاريخ وما أشبه ذلك من هذه العلوم استخرجه من كتاب التاريخ للبخاري، وأكثره مما ناظر به شيخه البخاري، وبعضه ناظر به أبا زرعة، وبعضه ناظر به الدارمي. ثم بيّن السبب الحامل له على بيان مذاهب الفقهاء وعلل الأحاديث والكلام فيها تصحيحاً وتضعيفاً ونحو ذلك، وهو أنه سئل عن ذلك فلم يفعله زماناً، ثم فعله لما رجا من منفعة الناس، فإذا أقدم على ذلك –وهو كما قال لم يسبق إليه- فإنه وجد كثيراً من الأئمة –وقد سمى بعضهم- صنفوا ما لم يسبقوا إليه. انتقل بعد ذلك فبيّن حكم الكلام في الرجال جرحاً وتعديلا، وأنه جائز لما فيه من تمييز ما يجب قبوله من الأخبار مما لا يجوز قبوله، وأنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 نصيحة للمسلمين ليس من باب الغيبة المحرّمة، كما ظنّ بعض من لا يفهم فعاب على المحدّثين كلامهم في الرواة وبيان أحوالهم. ثم ذكر نقولا عن بعض السلف والأئمة تبيّن أهمية الإسناد، وأنه من الدين وتبيّن متى بدأ بالسؤال عن الإسناد ولماذا؟ بعد ذلك تعرّض لأقسام الرواة وأحكامهم؛ فذكر أربعة أقسام وبيّن حكمها: أحدها: من يتهم بالكذب. الثاني: من ضعف لغفلته وكثرة خطئه. وما قاله في هذين القسمين: هو أن من كان كذلك فإنه لا يشتغل بالرواية عنه عند أكثر المحدّثين، وأنه إذا انفرد بحديث لا يحتج به. الثالث: من تكلم فيه من قبل حفظه مع علمه، وصدقه، وجلالته، فحكم عليه بأنه إذا انفرد بحديث ولم يتابع عليه لم يحتج به. الرابع: الحفاظ المتقنون الذين يندر أو يقل خطؤهم وغلطهم في الحديث وهؤلاء محتجّ بهم بالاتفاق. تطرق بعد ذلك إلى حكم الرواية بالمعنى فذكر جوازها عن أهل العلم لمن أقام الإسناد وحفظه، وأتى بالمعنى دون تغيير فيه. ثم بيّن من مسائل نقل الحديث، وتحمله مسألة العرض؛ وهو القراءة على الشيخ فذكر جوازه عند أهل الحديث مثل السماع من لفظ الشيخ وفيما يقوله من تحمّل بالعرض عند الرواية ذكر قولين عن أهل العلم في ذلك: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 الأول: أن يقول أخبرنا وفي السماع حدثنا. الثاني: جواز أن يقول في العرض حدثنا. هذا وقد اشترط الترمذي لصحة العرض على العالم أن يكون العالم حافظاً لما يعرض عليه، أو يمسك أصله بيده عند العرض عليه إذا لم يكن حافظاً. كما نقل عن بعضهم أنه كان لا يقول حدثنا إلا فيما كان من لفظ العالم مع الناس، فإذا قرئ على العالم وهو شاهد قال: أخبرنا، وإن سمع وحده قال: حدثني وإن قرأ وحده قال: أخبرني. بعد ذلك تناول حكم الرواية بالإجازة وهي من مسائل نقل الحديث وتحمله، فذكر عن بعض أهل العلم إجازتها، وذكر عن جماعة من العلماء إنكارها. ثم بيّن حكم الحديث المرسل وأن لأهل العلم فيه قولين: أحدهما: أنه لا يحتج به وهذا عند أكثرهم. الثاني: أنه يحتج به وهذا عند بعضهم. وأخيراً فسّر مراده واصطلاحه بالحديث الحسن وبالحديث الغريب. هذا وقد شَرَح كتاب العلل الصغير هذا في كتاب مستقل الحافظ زين الدّين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، وأعقبه بتتمة مفيدة جداً فيما يتعلق بموضوع الكتاب. وقد حقق الكتاب ونشره الأستاذ صبحي جاسم الحميد عن مطبعة العاني ببغداد –1396? وقد بلغني أن الدكتور نور الدين عتر أخرج الكتاب أيضاً محققاً هذه الأيام. كما شرحه الباركفوري في كتابه "شفاء الغلل في شرح العلل" وجعله في آخر تحفة الأحوذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 ترجمة موجزة للإمام البخاري* نسبه: هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدَزْبَة1 الجعفي، مولاهم البخاري.   1 بفتح الباء الموحدة وسكون الراء المهملة وكسر الدال المهملة وسكون الزاي المعجمة وفتح الباء الموحدة بعدها هاء قال ابن حجر: هذا هو المشهور في ضبطه وبه جزم ابن ماكولا وقد جاء في ضبطه غير ذلك. وبردزبة بالفارسيّة: الزراع، كذا يقول أهل بخارى، وكان بردزبة فارسياً على دين قومه ثم أسلم ولده المغيرة على يد اليمان الجعفي، وأتى بخارى فنسب إليه نسبة ولاء عملاً بمذهب من يرى أن من أسلم على يده شخص كان ولاؤه له، وإنما قيل له الجعفي لذلك. ا? الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 مولده: ولد في مدينة "بخارى" يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومئة (194?) . نشأته: توفي والده وهو صغير فنشأ يتيماً في حجر أمه، وقد اتجه منذ حداثة سنه ونعومة أظفاره إلى العلم فبدأ بحفظ الحديث، وهو دون العشر سنين، ولما بلغ السادسة عشرة من عمره قرأ تصانيف بعض الأئمة، فحفظ كتب ابن المبارك، ووكيع، وعرف كلام أصحاب الرأي. رحلته وطلبه الحديث: بعد أن سمع الحديث من شيوخ بلده رحل في طلبه إلى أكثر محدّثي الأمصار، فبدأ أول رحلاته إلى الحجاز سنة عشر ومئتين، فأقام فيه ست سنوات يسمع الحديث من علماء الحرمين، ثم تنقّل في البلدان، وسمع من مشايخها، ودخل الشام، ومصر، والجزيرة، والعراق، ودخل بغداد عدة مرات. شيوخه: شيوخ البخاري الذين سمع منهم لا يحصون كثرة منهم كبار الأئمة في عصره، وقد كتب عن أكثر من ألف شيخ انتقاهم انتقاء كما نقل عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 وراقه محمد بن أبي حاتم أنه قال: "كتبت عن ألف وثمانين نفساً ليس فيهم إلا صاحب حديث". وقال أيضاً: "لم أكتب إلا عمن قال: الإيمان قول وعمل". وذكر ابن حجر في "هدي الساري" مراتب مشايخ البخاري الذين كتب وحدّث عنهم، فحصرهم في خمس طبقات اشير إليها هنا: الطبقة الأولى: من حدّثه عن التابعين: مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدّثه عن حميد الطويل. الطبقة الثانية: من كان من عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين كآدم بن أبي إياس. الطبقة الثالثة: هي الطبقة الوسطى من مشايخه، وهم من لم يلق التابعين بل أخذ عن كبار تبع الأتباع كسليمان بن حرب وقتيبة بن سعيد، ونعيم بن حماد، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي بكر، وعثمان ابني أبي شيبة، وأمثال هؤلاء وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم. الطبقة الرابعة: رفقاؤه في الطلب ومن سمع قبله قليلاً كمحمد بن يحيى الذهلي، وأبي حاتم الرازي. قال ابن حجر: "وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه أو ما لم يجده عند غيرهم". الطبقة الخامسة: قوم في عداد طلبته في السن والإسناد سمع منهم للفائدة كعبد الله بن حماد الآملي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 قال ابن حجر: "وقد روى عنهم أشياء يسيرة، وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع قال: "لا يكون الرجل عالماً حتى يحدّث عمن فوقه وعمن هو مثله وعمن هو دونه". وعن البخاري أنه قال: "لا يكون المحدّث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وعمن هو دونه". ومن هذا القبيل ما سبق أن ذكرناه في ترجمة الترمذي من سماع البخاري حديثين منه. الرواة عنه: لقد كثر الآخذون عن البخاري، والرواة عنه كثرة لا يمكن حصرهم معها، وقد ذكر أنه كان يحضر مجلسه أكثر من عشرين ألفاً يأخذون عنه. فممن روى عنه من مشايخه: عبد الله بن محمد المسندي، وعبد الله بن منير، ومحمد بن خلف بن قتيبة، وغيرهم. ومن أقرانه: أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وإبراهيم الحربي، وآخرون. وممن روى عنه من كبار الأئمة الحفاظ الأعلام: صالح بن محمد جزرة، وأبو بكر بن خريمة، وأبو الفضل أحمد بن سلمة، وغيرهم من أبرزهم مسلم بن الحجاج، وأبو عيسى الترمذي، اللذان تتلمذا عيله ومرنا بين يديه، وتخرجا به وأكثرا من الاعتماد عليه. حفظه وذكاؤه: كان البخاري -رحمه الله تعالى- آية في الحفظ، والذكاء، وقوة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الذاكرة نقل عنه أنه قال: "أحفظ مئة ألف حديث صحيح، ومئتي ألف حديث غير صحيح". وقصته حين دخل بغداد مع علمائها مشهورة تدل على مبلغ حفظه وعظيم ضبطه، فقد أراد أصحاب الحديث في بغداد امتحان حفظه فعمدوا إلى مئة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوها إلى عشرة أشخاص لكل واحد عشرة أحاديث؛ ليلقوها عليه في المجلس، وأخذوا عليه الموعد لذلك فلما اطمأن المجلس بأهله، وكان قد حضره جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خراسان وغيرهم، ومن البغداديين انتدب إليه أحدهم فسأله عن حديث من تلك الأحاديث، فقال البخاري: لا أعرفه فما زال يلقى عليه حديثاً بعد آخر حتى فرغ من عشرته، والبخاري: يقول لا أعرف. فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون فهم الرجل، ومن كان غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز، والتقصير، وقلة الفهم. ثم انتدب الثاني والثالث إلى آخر العشرة فكان حاله معهم كذلك فلما فرغوا التفت إلى الأول منهم، فقال: أما حديثك الأول فقلت كذا وصوابه كذا، وحديثك الثاني كذا وصوابه كذا، والثالث والرابع على الولاء حتى تمام العشرة، فردّ كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، فأقرّ له الناس بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. وقد علّق الحافظ ابن حجر على هذه القصّة بقوله: هنا يخضع للبخاري، فما العجب من رده الخطأ إلى الصواب، فإنه كان حافظاً بل العجب من حفظه للخطأ على ترتيب ما ألقوه إليه من مرة واحدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 إلى غير ذلك من الأخبار الشاهدة على سعة حفظه، وشدة إتقانه التي لا يتسع المقام لإيراد بعضها فضلا عن كلها، فإنها كثيرة جداً فقد ظهرت عليه من صغره مخائل الذكاء، وعلائم النجابة والفطنة. ثناء الناس عليه: لقد حظي البخاري في سائر الأزمان بثناء الناس عليه، وإجماعهم على تقديره، وإكباره، وإمامته، وتقدمه في هذا الشأن. فقال فيه شيخه الإمام أحمد بن حنبل: "ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل". وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: "ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث، ولا أحفظ له من محمد بن إسماعيل البخاري". وقال أبو سهل محمود بن النضر الفقيه: "دخلت البصرة، والشام والحجاز، والكوفة، ورأيت علماءها، فكلما جرى ذكر محمد بن إسماعيل فضلوه على أنفسهم". وقال موسى بن هارون الحمال: "عندي لو أن أهل الإسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمد بن إسماعيل لما قدروا عليه". وقال أبو أحمد بن عدي: "كان يحيى بن محمد بن صاعد إذا ذكر البخاري قال: "ذاك الكبش النطاح". وقال له مسلم بن الحجاج: "لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وقال أبو عيسى الترمذي: "كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير فقال له لما قام "يا أبا عبد الله جعلك الله زين هذه الأمة" فاستجاب الله له فيه. وقال الحاكم أبو عبد الله: "هو إمام أهل الحديث بلا خلاف بين أهل النقل". وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": "كان رأساً في الذكاء، رأساً في العلم رأساً في الورع والعبادة". وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": "هو إمام أهل الحديث في زمانه، والمقتدى به في أوانه، والمقدّم على سائر أضرابه وأقرانه". وقال ابن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى": "هو إمام المسلمين، وقدوة الموحدين، وشيخ المؤمنين، والمعوّل عليه في أحاديث سيّد المرسلين، وحافظ نظام الدين". وفاته: توفي رحمه الله تعالى في قرية من قرى سمرقند تسمى "خَرْتَنْك1". على فرسخين منها.   1 بفتح أوّله وتسكين ثانيه وفتح التاء المثناة من فوق ونون ساكنة وكاف. قال ياقوت: قرية بينها وبين سمرقند ثلاثة فراسخ بها قبر إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري. معجم البلدان 2/356. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 كان نزلها في آخر حياته، وأقام فيها أياماً عند أقربائه، ثم مرض، وقد وافاه الأجل المحتوم وهو ينوي التوجه إلى سمرقند قبل الخروج إليها وكانت وفاته ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة عيد الفطر ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر سنة ست وخمسين ومئتين (256?) ومدة عمره اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 منهج البحث في الرسالة إن ما اتبعته من منهج في هذه الرسالة يتلخص في الآتي: لا يخفى أن الترمذي عبّر عما تحمّله من شيخه البخاري في "جامعه" بشتى عبارات التحمل منها: قال، وسمعت، وسألت، وذاكرت، وأنني التزمت في هذه الرسالة بما يقول فيه، سألت وذاكرت، وهذا ما ينطبق عليه عنوان الرسالة ويدل عليه، ولو ذهبت استقصي كل ما أورده في "جامعه" عن البخاري واشتغل به لاحتاج إلى عدة رسائل. في تتبع السؤالات والأجوبة عليها، والتقاطها من "جامع الترمذي" اعتمدت على النسخة المحققة من قبل؛ أحمد محمد شاكر إذ حقق الجزء الأول والثاني منها، ومحمد فؤاد عبد الباقي إذ حقق الجزء الثالث، وإبراهيم عطوه عوض إذ حقق المتبقى وهو الجزء الرابع والخامس. هذا مع الاستعانة بما وصلت إليه يدي من نسخ الترمذي المخطوطة والمطبوعة بشرح أو بدون. وبالمقارنة بينها اتّضح لي التقاؤها جميعاً –ولله الحمد- على مواطن الأسئلة والأجوبة التي أثبتها. أبقيت الأحاديث التي هي مدار السؤالات حسب ترتيبها ووفق مجيئها من "جامع الترمذي"، فلم أحدث فيها أي ترتيب آخر، ومعلوم أن الأحاديث في "جامع الترمذي" مرتبة على الأبواب الفقهية. اعتنيت بنقل كلام الترمذي على كل حديث من هذه الأحاديث معنوناً له بما يفيد ذلك. تحققت من كلام الترمذي على كل حديث بالرجوع إلى بعض نسخ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 "الجامع" المخطوطة والمطبوعة، أو إلى المصادر التي ذكرته، وذلك عملا بوصية المحققين كابن الصلاح وغيره؛ نظراً لاختلاف نسخ "الجامع" وقد أفادني ذلك في تحرير حكم الترمذي على الأحاديث كما بينته في محله. رقمت الأحاديث المذكورة وقد بلغت ثلاثة وثلاثين حديثاً، وأشرت إلى موضع كل حديث من "جامع الترمذي" بذكر الجزء، والصفحة والباب الذي هو فيه ورقمه، والكتاب الذي يحوى ذلك الباب. ذكرت من خرّج هذه الأحاديث من الأئمة سوى الترمذي أصحاب الكتب المعتمدة مع العزو إلى هذه الكتب التي خرجوها فيها، ولم أبن التخريج على الاختصار والاقتصار بل إني حاولت الاستقصاء قدر الإمكان في الدلالة على مكان تخريج الحديث، وقد كلفني ذلك الكثير من الجهد والوقت، إذ تتبعت كل حديث في مظانه من عشرات الكتب، والأجزاء المطبوعة، والمخطوطة على اختلاف أنواعها من حديث، وتفسير، وأحكام، وغير ذلك؛ أملاً في العثور على طريق أخرى للحديث، وتيسيراً على القارئ في الوقوف على مواطن وجود الحديث من مؤلفات الأئمة العلماء. هذا وبالنسبة للمخرجين وترتيبهم فبعد أن أرتب أصحاب الأمهات الست، أو بعضهم إن وجدوا، والإمام أحمد، لم التزم أي ترتيب آخر بل تركت ذلك حسب ما يقتضيه المقام. أنبه أحياناً على من أورد الحديث في كتابه من متأخري الحفاظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 كالمنذري والنووي والسيوطي وغيرهم. هناك نزر من الأحاديث لم أقف عليها لغير الترمذي، فليعلم أني بحثت عنها قدر استطاعتي فلم أجد من خرجها، فلا يبعد أن تكون مما أنفرد به الترمذي. قمت بتجلية ما في الأحاديث من علل مما نصّ عليه الترمذي، أو البخاري، أو غيرهما من الأئمة الحفاظ، أو مما توصلت إليه من خلال دراستي للأحاديث، أو لطرقها بعد جمعها ومقارنتها ببعض، وأبرزت ما يدل على موضع كل علّة في تلك الأحاديث من الطرق الأخرى الراجحة إن وجدت. تعقبت بعض العلماء في إثبات بعض العلل أو في محلها، ودعمت موقفي بالحجة والبرهان. اعتنيت بإيراد ما أجيب به عن العلل أو بعضها، ثم أبديت رأيي فيه تأييداً أورداً على ضوء الأدلة والنصوص. تتبعت طرق بعض الأحاديث وألفاظها من مختلف كتب السنة، وذكرت من تفرد بها وما وقع فيه رواة بعضها من أوهام. عرضت المواقف المتباينة والآراء المتضاربة حول بعض الأحاديث، وحجة كل موقف، وما يتعرض به على مقابلة، ثم نقدت ما يحتاج إلى نقد وبينت الحق في الجانب الذي هو فيه. اختياري لموضوع يتعلق بـ"جامع الترمذي" دعاني للعكوف على دراسة مصطلحات الترمذي فيه من مثل قوله: "حسن غريب"، أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 "حسن صحيح"؛ لأكون على بصيرة بما يعترضني منها، وقد بينت بعض هذه المصطلحات في مواضع اقتضتها من البحث. نظرت في حكم الترمذي على الأحاديث فإن كان صواباً أقررته عليه، وإلا فإنني أبيّن رتبة الحديث من الصحّة، أو الحسن، أو الضعف متبعاً في ذلك قواعد المحدثين التي قعّدوها ومشوا عليها في نقد الحديث، وإذا كان هناك رأي لإمام معتبر، أو كلمات لأئمة هذا الفن، أو لمعاصرين محققين تؤيد ما ذهبت إليه فإنني أوردها وأتبناها. هناك أحاديث سكت عنها الترمذي فلم يحكم عليها بشيء حكمت أنا عليها حسب ما ظهر لي من أسانيدها. حرصت أن أذكر في أعقاب غالب الأحاديث نتيجة فيها خلاصة دراستي للحديث والحكم عليه، وتكون أحياناً مشتملة على اعتراض ورد مناقشة. أوردت من الأحاديث الصحيحة أو الحسنة ما يقوم مقام حديث الباب الضعيف. بينت وجه التعارض بين بعض الأحاديث وبين ما أوردته من الأحاديث المعارضة لها، وأجبت عنه ثم حكمت على تلك الأحاديث بما تقتضيه تلك الإجابة صحة أو ضعفاً. قد اختار رواية من روايات الحديث التي روى بها فأذكر ما بنيت عليه هذا الاختيار من أمور. عرفت بأحوال الرواة الذين عليهم مدار الحديث جرحاً وتعديلاً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 فنقلت فيهم –بعد تتبع أحوالهم من شتى كتب الرجال- أقوال النقاد المعتبرين وبعد دراستها وفحصها وفقت أو رجحت بين الأقوال المتعارضة في نقدهم، حسب ما ظهر لي قوته وفي نطاق قواعد علماء الجرح والتعديل، وإذا كان هناك رأي لمحقق فإنني أورده واعتمده. تحققت من سماع بعض الرواة من بعض أو إمكانه ومن ثَمّ حكمت على الإسناد بالاتصال أو الانقطاع. اقتصرت في التعريف ببعض التراجم مما يتوقف عليها أمر من الأمور على "تقريب التهذيب" غالباً وأحلت على باقي مصادر ترجمة الراوي بقدر المستطاع. اكتفيت بترجمة الراوي في أول موضع يرد، وأحلت عليه في باقي المواضع، واقتضى الأمر أحياناً تكرار بعض التراجم، فلم أكتف بترجمة الراوي في موضع واحد، وأحياناً أحيل على التراجم بعد أن أذكر شيئاً منها يقتضيه الحال والمقام. كملت سنة وفاة الراوي في ترجمته التي أخذتها من "تقريب التهذيب" لابن حجر، وذكرت من خرّج له صراحة، فلم أكتف بالرمز إليه كما هو صنيع ابن حجر. عرّفت بصحابي كل حديث مراعياً جانب الإيجاز، فاقتصرت في التعريف على "تقريب التهذيب" مع الإحالة إلى مكان ترجمته من "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" للحافظ ابن حجر. وليعلم أنني أترجم للصحابي المذكور -رضي الله عنه- في أول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 موضع يرد فيه، فإذا تكرر فإنني أكتفي بالإشارة إلى موضع ترجمته الذي تقدم، وقد لا أشير. في المقارنة بين الرواة بيّنت وجه الاختلاف في ذلك بين العلماء، كما وضحت الخلاف حول أسماء بعض الرواة المبهمين، أو المذكورين بكناهم، ورجحت في ذلك كله ما أمكنني ترجيحه. شرحت بعض ألفاظ الجرح والتعديل لاسيما تلك التي يأتي بها البخاري، حيث له اصطلاح خاص بها، كما عرفت ببعض المصطلحات الحديثّية. أوضحت معاني الألفاظ الغريبة وضبطت ما يحتاج إلى ضبط. بينت مواضع البلدان التي وردت في بعض الأحاديث. أوردت الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله: "وفي الباب" وخرجتها، وتكلمت عليها بقدر الحاجة، ولم يفتني منها إلا القليل جداً، حيث بحثت عنه فلم أعثر عليه، وهذه الأحاديث التي يشير إليها الترمذي بقوله "وفي الباب" ليست من السهولة، بحيث يمكن تخريجها بدون عناء واستعانة بمصادر خاصة، بل إن الاكتفاء بالرمز إلى الصحابي فقط جعل تخريجها صعباً وعسيراً أحياناً، وتشتد الصعوبة إذا اختلف في تعيين الحديث المشار إليه هل هو هذا أو ذاك، على أن المباركفوري في شرحه لجامع الترمذي وهو الشرح المتوفر لي أكثر من غيره كثيراً ما يقول عن الحديث المشار إليه: بحثت عنه فلم أجد، فلينظر من أخرجه. زدت أحاديث في الباب لم يشر إليها الترمذي، وهي تصلح شواهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 ومتابعات، وتكلمت عليها بقدر الحاجة والضرورة. نبهت على أوهام وأخطاء وقع فيها بعض العلماء وتبعهم فيها غيرهم. ناقشت بعض العلماء في أشياء ذكروها قابلة للنقد. نبهت على كل سقط أو خطأ أو تحريف وقع في المراجع أو الأصول التي نقلت منها، على أنني أذكر في الصلب من الرسالة الصواب، وأبيّن في الهامش الخطأ. ما يتعلق بالآيات القرآنية -وهي قليلة جداً- عزوتها إلى مواضعها من سورها. بالنسبة للنقل من المراجع والمصادر، استعملت طبعة واحدة فإذا استعملت طبعة أخرى نبهت على ذلك في حينه، وقد أرجيء التنبيه إلى قائمة المراجع والمصادر هذا، ويحصل أني استعين بمصدر مخطوط قد طبع بعضه فأميز عند الاستفادة منه بين الاستعمالين. هذا البحث احتوى على عدة مشكلات حديثيّة أصليّة وطارئة، كادت تعترض طريقي لولا لطف الله عزّ وجلّ، فإنها من الصعوبة بمكان وبحيث عسر علي أولا حلها، ولا يخفى أنني أمضيت فيها الأيام والليالي أفكر فيها وأقلبها على كل وجه، وأسائل فيها ذوي الاختصاص واستنطق بها الكتب، ولقد صور فضيلة الدكتور محمد أمين المصري المشرف السابق رحمه الله تعالى الأحاديث التي تضمنت تلك المشكلات أو استدعتها أصدق تصوير، فقال –وقد عرضت عليه بعضها-: "هذه الأحاديث نماذج من الأحاديث الشائكة والمعقدة". ولا أطيل على القارئ الكريم بسرد هذه المشكلات وملابستها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وما انتهيت إليه فيها، فأكتفي بإحالته إلى مواطنها من الكلام على الأحاديث. انظر مثلا في الحديث الأول الاختلاف في الضمير "عنهما" في قول البخاري والمراد به. وانظر الحديث الثاني بأكمله، وعلى جهة الخصوص مخالفة الترمذي للبخاري في اختياره من بين روايات الحديث المختلفة رواية مغايرة للرواية التي اختارها شيخه وأودعها صحيحه. وانظر إلى إنكار الذهبي لاختلاط أبي إسحاق السبيعي. وبالنسبة للحديث الثالث انظر مثلا مشكلة تعيين محل الانقطاع في سند الحديث في كلام العلماء والجواب عنها. ننتقل بعد ذلك إلى الحديث الخامس عشر، حيث يواجهنا البخاري بإثبات سماع ابن المنكدر من عائشة -رضي الله عنها- في الوقت الذي تنفيه جميع المصادر التي وقفت عليها. وأخيراً انظر: (الحديث الحادي والعشرين) وتضارب النقل عن البخاري في حكمه عليه بين تلميذه الترمذي، والخطابي، والمشكلة التي أدخلنا فيها أحمد شاكر. عملت مقدمة اشتملت على ذكر إلمامة سريعة عن موضوع هذه الرسالة، ودواعي اختياره، وكلمة في أهمية علم علل الحديث، واشهر الكتب المؤلفة فيه مع ذكر مؤلفيها ووفياتهم، وحصر الكتب المؤلفة على السؤالات مع تراجم لمؤلفيها، وترجمة ضافية للترمذي، وأخرى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 للبخاري موجزة ثم منهج البحث هذا. ذيلت الرسالة بوضع فهارس متعددة، فوضعت فهرساً للآيات، وآخر للموضوعات، ولقد كانت النيّة متجهة لعمل فهرس تفصيلي لها، ولكن حال دون ذلك حائل. كما أعددت فهرساً للرجال المترجمين على وفق ترتيب حروف المعجم مراعياً ذلك في أسمائهم وأسماء آبائهم. وأخيراً زودت البحث بقائمة للمصادر والمراجع التي اعتمدت عليها التي أمدت البحث، تاركاً غيرها مما أفدت منه، ولم يأت له ذكر في الرسالة. عملت خاتمة في آخر الرسالة فيها خلاصة البحث. هذا وإنني كلي آمل أن أكون برسالتي هذه قد شاركت بإضافة لبنة إلى ذلك الصرح الشامخ، حتى تأخذ محلها اللائق بها بين تلك المؤلفات. والخيرَ أردتُ فإن وفقت لذلك فهو من فضل ربّي، وإن كانت الأخرى فحسبي أنني حاولت بقدر جهدي، وعلى غيري أن يعليَ البنيان. ولا يسعني في الختام إلا التوجه إلى الله العلي القدير أن يتغمد الفقيد الغالي الدكتور محمد أمين المصري رئيس قسم الدراسات العليا والمشرف على الرسالة سابقاً بواسع رحمته وعظيم مغفرته كفاء ما قدّم، فقد ساعدني كثيراً بملاحظاته الدقيقة وتوجيهاته السديدة. وأنا إذ أسأل الله له ذلك وأسأله أن يعلي درجاته في الجنة، أشكره على ما بذل من جهد، وأبدى من حرص، وأسدى من نصح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 كما أشكر فضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري الذي انتقل إليه الإشراف على الرسالة فتابع معي المسيرة، وواصل توجيهي، وتسديدي مما ساعد في دفع هذه الرسالة إلى الأمام، وبروزها بهذا النحو، فجزاه الله عني خيراً الجزاء ومتع بحياته. وقبل أن أضع القلم أتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء وهو أن يحسن إلى كل من أحسن إلي بالقول، أو بالفعل، أو بالنية، وهذا في نظري أشمل لكل الإخوة الذين قدّموا مساعداتهم لي، وأَبْلَغُ في شكرهم، والله يتولى الجميع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الحديث الأوّل: باب ما يقول إذا دخل الخلاء، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/11 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 قال أبو عيسى الترمذي -رحمه الله تعالى-: حدّثنا قتيبة وهناد قالا: حدّثنا وكيع عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاءصلى الله عليه وسلم1 قال: "اللهم إني أعوذ بك –قال شعبة: وقد قال مرة أخرى: أعوذ بك- من الخبْث والخبيث أو: الخبُث والخبائث"2 3.   1 بفتح الخاء والمد موضع قضاء الحاجة، سمي بذلك لخلائه في غير أوقات قضاء الحاجة وهو الكنيف، والحش، والمرفق، والمرحاض أيضاً، وأصله المكان الخالي، ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك. ا?. قاله العيني في "عمدة القارئ" 1/699. 2 "الخبث" الأولى -بإسكان الباء الموحدة والثانية بضمها- هكذا ضبطه ابن حجر في فتح الباري فيما وقع في رواية الترمذي هنا وغيره، وقال الخطابي: "الخبُث -بضم الباء:- جماعة الخبيث. والخبائث: جمع الخبيثة يريد ذكران الشياطين وإناثهم. وعامة أصحاب الحديث يقولون: الخبث، ساكنة الباء وهو غلط، والصواب الخبُث مضمومة الباء وقال ابن الأعرابي: أصل الخبث في كلام العرب: المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من الملل فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار" ا?. وتعقب بأن هذا الذي غلطهم فيه ليس بغلط، وأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب ورسل ورسل. قال النووي: واختلف الذين رووه ساكن الباء في معناه فقيل الخبث: الشر، وقيل الكفر، وقيل الشيطان. والخبائث المعاصي، ثم ساق قول ابن الأعرابي (معالم السنن للخطابي 1/10 مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود وشرح صحيح مسلم للنووي 4/70 والمجموع له 2/74 وفتح الباري لابن حجر 1/243 وتعليق أحمد شاكر على سنن الترمذي 1/10) . 3 أخرجه البخاري في "صحيحه" 1/242 مع فتح الباري ومسلم في "صحيحه" 4/70 بشرح النووي وأبو داود في "سننه" 1/21 مع عون المعبود والنسائي في "سننه" 1/20 بشرح السيوطي (زهر الربى) وحاشية السندي وابن ماجه في "سننه" 1/109 رقم الحديث (298) والدارمي في "سننه" 1/136 وابن الجارود في "المنتقى"/20 وابن حبان في "صحيحه" (انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 2/490) والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/95 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي، وزيد بن أرقم، وجابر، وابن مسعود1.   1 أ- حديث علي رضي الله عنه أخرجه الترمذي في "سننه" 2/503، 504 بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر (426) باب ما ذكر من التسمية عند دخول الخلاء من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حدثنا محمد بن حميد الرازي، حدثنا الحكم ابن بشير بن سلمان، حدثنا خلاد الصفار عن الحكم بن عبد الله النصري عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله". قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوي، وقد روى عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء في هذا" ا?. وأخرجه أيضاً ابن ماجه في سننه 1/109 رقم الحديث (297) بهذا السند، وذكر المناوي في "فيض القدير" 4/96 تبعاً للسيوطي في الجامع الصغير أنه أخرجه أحمد في "مسنده"، وكذا ذكر المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 3/228 أن أحمد أخرجه في "مسنده"، ولعله تبع السيوطي أيضاً، وانظر "كنز العمال" 9/209 فإن فيه العزو لأحمد أيضاً. وقد بحثت عنه في مسند علي من مسند أحمد فلم أعثر عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 ...........................................................................................................   فيه، ثم رأيت أحمد شاكر في تعليقه على هذا الحديث من سنن الترمذي 2/504 ذكر أنه بحث عنه فلم يجده في المسند. وعن درجة الحديث فقد صرّح أحمد شاكر بمخالفته للترمذي في حكمه على هذا الحديث. وذهب إلى أنه حديث حسن إن لم يكن صحيحاً. قال: وقد ترجمنا رواته وبيّنا أنهم ثقات وشاهده الحديث الذي أشار إليه الترمذي عن أنس. قال: وحديث أنس هذا ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 1/205 بلفظ: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم الله". وقال: أي الهيثمي "رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما: فيه سعيد بن مسلمة الأموي ضعفه البخاري وغيره، ووثقه ابن حبان، وابن عدي. وبقية رجاله موثقون" ا?. قال أحمد شاكر: فهذا شاهد لا بأس به لحديث الباب. ا?. وأحمد شاكر فيما ذكره عن المباركفوري من كونه نقل عن المناوي أنه صحح الحديث بهذا الإسناد لم يورد تعقيب المباركفوري عليه، مما يفهم منه أنه مقر له فيما قاله؛ وإزالة للبس أحببت التنبيه على ذلك، وذكر ما عقب به المباركفوري على المناوي مقراً الترمذي في حكمه على هذا الحديث، قال: قلت: إسناد الترمذي ليس بصحيح كما صرّح به بقوله: "وإسناده ليس بذاك" أي ليس بالقوي؛ لأن محمد بن حميد الرازي شيخ الترمذي ضعيف. ا?. وكذا أقرّ الترمذي ناصر الدين الألباني، فإنه لما نقل صاحب "مشكاة المصابيح" 1/116 قول الترمذي ذلك قال الألباني معلقاً عليه: وهو كما قال لكن الحديث صحيح له شواهد ذكرتها في إرواء الغليل رقم (8) ا?. انظر "المطالب العالية" 1/16 فإن فيه شاهد الحديث على هذا من حديث أبي سعيد الخدري رفعه. والحاصل أن إسناد هذا الحديث غير قوي وفيه علل غير ابن حميد، ليس هذا موضع تبيينها، أظهرها عنعنة أبي إسحاق وهو السبيعي عمرو بن عبد الله فإنه من المدلسين الذين لا تقبل أحاديثهم، ما لم يصرحوا بالتحديث أو السماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 قال أبو عيسى: حديث أنس أصحّ شيء في هذا الباب وأحسن. كلام الترمذي على حديث زيد بن أرقم* قال أبو عيسى: وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب*:   إلا مع شعبة فإنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة وذكره منهم كما سيأتي. ب- وحديث زيد بن أرقم لفظه هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث" سيأتي من أخرجه، وسيأتي الكلام عليه. وقوله: "إن هذه الحشوش" يعني الكنف ومواضع قضاء الحاجة الواحد حَش بالفتح وأصله من الحَشّ: البستان؛ لأنهم كانوا كثيراً ما يتغوطون في البساتين (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/390) وانظر تاج العروس 17/146. وقوله "محتضرة" أي يحضرها الجن والشياطين (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/390) . ج- وحديث جابر بحثت عنه جهدي فلم أظفر به. د - وحديث ابن مسعود هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الغائط قال: "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" ذكر العيني في "عمدة القارئ" 1/699 أن الإسماعيلي أخرجه في "معجمه" بسند جيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 روى هشام الدستوائي1 وسعيد بن أبي عروبة2 عن قتادة3 فقال سعيد: عن القاسم بن عوف الشيباني4، عن زيد بن أرقم5. وقال هشام الدستوائي: عن قتادة، عن زيد بن أرقم6.   1 هشام بن أبي عبد الله سنبر -بمهملة ثم نون ثم موحدة وزن جعفر- أبو بكر الدستوائي -بفتح الدال وسكون السين المهملتين وفتح المثناة ثم مد- ثقة ثبت، وقد رمي بالقدر من كبار السابعة، روى له الجماعة. مات سنة أربع وخمسين أي ومائة وله ثمان وسبعون سنة. (تقريب التهذيب 2/319) 2 سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري ثقة، حافظ، له تصانيف، لكنه كثير التدليس، واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة، من السادسة، روى له الجماعة. مات سنة ست، وقيل سبع وخمسين أي ومئة، (المصدر السابق 1/302) . 3 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 4 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 5 رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (انظر تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي 2/200) وابن ماجه في "سننه" 1/108 رقم الحديث (296) وأحمد في "مسنده" 4/373 وابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/1 وابن حبان في "صحيحه" انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 2/491 وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان/61) والحاكم في "المستدرك" 1/187 وأبو يعلى في "مسنده" ج6 ورقة 162 والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 13/301 عند "ترجمة نصر بن علي بن علالة". 6 رغم ما بذلت من جهد فإني لم أقف على من أخرج هذه الرواية غير الترمذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 ورواه شعبة1، ومعمر2 عن قتادة، عن النضر بن أنس3: فقال شعبة: عن زيد بن أرقم4. وقال معمر عن النضر بن أنس عن أبيه5 عن   1 شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري ثقة، حافظ متقن، كان الثوري يقول: هو أمير المؤمنين في الحديث وهو أول من فتّش بالعراق عن الرجال وذب عن السنّة، وكان عابداً من السابعة مات سنة ستين أي ومئة، روى له الجماعة (تقريب التهذيب 1/351) . 2 معمر بن راشد الأزدي مولاهم، أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل، إلا أن في روايته عن ثابت، والأعمش، وهشام بن عروة شيئاً، وكذا فيما حدّث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين أي ومئة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، روى له الجماعة (المصدر السابق 2/266) . 3 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 4 أخرجه الترمذي في "العلل الكبير" ورقة 3 وأبو داود في "سننه" 1/29 والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (انظر تحفة الأشراف بمعرفة الطراف للمزي 2/200) وابن ماجه في "سننه" 1/108 رقم الحديث (296) وأحمد في "مسنده" 4/333، 369 وأبو داود الطيالسي في "مسنده"/93-94 (وانظر منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود 1/45-46) وابن خزيمة في "صحيحه" 1/38 وابن حبان في "صحيحه" (انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 2/491 وموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان 62) والحاكم في "المستدرك" 1/187 والبيهقي في "السنن الكبرى" من طريق أبي داود الطيالسي 1/96 وأبو يعلى في "مسنده" 6/ورقة162 والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 4/287 عند ترجمة أحمد بن محمد بن زنجويه. 5 هو أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وتسعين، وقد جاوز المئة، روى له الجماعة (تقريب التهذيب 1/84) ، وانظر: الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 1/71. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 النبي صلى الله عليه وسلم 1. قال أبو عيسى: سألت محمداً عن هذا؟ فقال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً. تصوير الاضطراب على ما ذكره الترمذي حكم الترمذي على هذا الحديث بالاضطراب في إسناده ثم بيّن هذا الاضطراب، فساق وجوه الاختلاف فيه على قتادة. والمتأمل في هذا الاضطراب يتبيّن موطنه، وأنه ينحصر في موضعين: الأول: في تعيين الصحابي. الثاني: في تعيين الواسطة بين قتادة والصحابي وفي عدمها. فبالنسبة للصحابي هل هو زيد أو أنس؟ ففي رواية سعيد بن أبي   1 قال المزي في تحفة الأشراف 2/202 في الزيادات ورواه إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن أنس بن مالك ا?. وقد بحثت عنه في مصنف عبد الرزاق، وفي كتاب الجامع الذي في آخر المصنف، إلا أنني لم أعثر عليه. وانظر: "آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان"/24 فقد عزاه لعبد الرزاق في "جامعه" من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخلها أحدكم فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 عروبة، وهشام الدستوائي، وشعبة: الصحابي "زيد". وفي رواية معمر: الصحابي "أنس". أما عن الواسطة وتعيينها؛ فالواسطة في رواية سعيد: "القاسم بن عوف الشيباني"، وفي رواية شعبة ومعمر: "النضر بن أنس". وقد خلت رواية هشام من واسطة إذ فيها "قتادة عن زيد" من غير واسطة. موقف الترمذي من هذا الاضطراب الذي يشير إليه صنيع الترمذي أنه أقرّ الاضطراب، واكتفى بذكره حيث لم يرجح، أو يوفق بين الروايات، مما يكون معه إزالة هذا الاضطراب والقضاء عليه، وحتى بعد أن استمع إلى رأي شيخه البخاري ظل محتفظاً بموقفه، مما يدل على أنه مقتنع به. موقف البخاري من هذا الاضطراب يتمثل موقف البخاري من هذا الاضطراب فيما نقله الترمذي عنه، فإن الترمذي لما سأله عن هذا الاضطراب مستطلعاً رأيه، أجابه بأنه يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً. المراد بالضمير في قول البخاري عنهما وعن المراد بالضمير في قول البخاري "عنهما"، يرى المباركفوري إرجاعه إلى القاسم، والنضر بن أنس، وأن هذا هو الصواب، وأما إرجاعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 إلى زيد ابن أرقم، والنضر بن أنس فخطأ، وقد شفع رأيه هذا بنقولات عن البيهقي، والعيني، والسيوطي، وصاحب غاية المقصود، واستشهد بها على ما ذهب إليه فقال1:"قال العلامة أبو الطيب في "غاية المقصود": أي يحتمل أن يكون قتادة سمع من القاسم والنضر بن أنس، كما صرّح به البيهقي2، وأخطأ من أرجع الضمير من "محشي الترمذي" إلى زيد بن أرقم، والنضر ابن أنس" ا?. قلت –القائل المباركفوري-: "الأمر كما قال أبو الطيب إرجاع ضمير "عنهما" إلى القاسم، والنضر بن أنس هو الحق". وأما إرجاعه إلى زيد بن أرقم، والنضر بن أنس فخطأ، قال العيني3: قال الترمذي: حديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب، وأشار إلى اختلاف الرواية فيه، وسأل الترمذي البخاري عنه فقال: لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيباني، والنضر بن أنس عن أنس4، ولم   1 تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي 1/45. 2 السنن الكبرى 1/96. 3 عمدة القارئ شرح صحيح البخاري 1/697. 4 وضع المباركفوري هنا تنبيهاً حيث قال: "تنبيه: قول البخاري المذكور في كلام العيني: "لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيباني والنضر بن أنس عن أنس" مخالف لقوله المذكور في كلام البيهقي بلفظ: "لعل قتادة سمع منهما جميعاً عن زيد ابن أرقم"، والظاهر عندي أن لفظ "عن أنس" المذكور في كلام العيني سهو من الناسخ فتأمل" ا?. قلت: بل لفظ "عن أنس" المحقق أنه سهو؛ لأن الذي في العلل الكبير ورقة 3 عن زيد كما هو نقل البيهقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 يقض فيه بشيء. ا?. إلى أن قال: قال السيوطي1: " ... قال البيهقي في "سننه2" ... قال أبو عيسى3: قلت لمحمد –يعني البخاري- أي الروايات عندكم أصحّ؟ فقال: لعل قتادة سمع منهما جميعاً عن زيد بن أرقم، ولم يقض فيه بشيء" ا?. قال المباركفوري: "فثبت من هذا كله أن إرجاع ضمير عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق والصواب" ا?. والذي أوقع هذا الاختلاف، ودعا إلى بحثه هو أن الضمير "عنهما" في كلام البخاري محتمل عوده إلى القاسم والنضر –على رأي بعضهم- ومحتمل عوده إلى زيد، والنضر- على رأي البعض الآخر؛ إذ قتادة4 –حسب ظاهر الروايات- يروي عن الثلاثة، القاسم، والنضر، وزيد إلا أن مما يقوّي ما ذهب إليه المباركفوري، وأكد عليه من إرجاع الضمير إلى القاسم والنضر هو أن قتادة عن زيد مرسل. قال الحاكم5:"لم يسمع قتادة عن صحابي غير أنس" ا?.   1 مرقاة الصعود شرح سنن أبي داود مصور "بالمايكروفيلم" لم ترقم صفحاته. 2 1/96. 3 العلل الكبير للترمذي ورقة 3. 4 قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي أبو الخطاب البصري ثقة ثبت يقال: ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة مات سنة بضع عشرة أي ومئة روى له الجماعة (تقريب التهذيب 2/123) وانظر في مصادر ترجمته "تهذيب التهذيب" 8/351 و"تذكرة الحفاظ" 1/122 و"الجرح والتعديل" 3/2/133 "ميزان الاعتدال" 3/385. 5 معرفة علوم الحديث/111 وما ذكره الحاكم هنا هو الصحيح إن شاء الله؛ لأنه ذكر في "المستدرك" 1/186 أن قتادة سمع من جماعة من الصحابة، ولم يبين من هم، ولا يخفى أنه مع هذا الإبهام لا يدري هل زيد منهم أو لا؟ وعلى فرض أنه منهم فإن القول الأول هو الصحيح؛ إذ مؤيد بقول الإمام أحمد وأبي حاتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وذكر ابن أبي حاتم عن أحمد بن حنبل مثل ذلك، فقال في المراسيل1: "أخبرنا حرب بن إسماعيل –فيما كتب إلي- قال: قال أحمد ابن حنبل: ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أنس رضي الله عنه. قيل: فابن سرجس؟ 2 فكأنه لم يره سماعاً". قال في الجرح والتعديل3: سمعت أبي يقول: لم يلق قتادة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنساً، وعبد الله بن سرجس. فهذا يفهم منه أن روايات قتادة عن الصحابة –بما فيهم زيد- مرسلة باستثناء أنس، أما ابن سرجس فمحل اختلاف كما لا يخفى. وقد ذكر كل من ابن أبي حاتم، والعلائي، وابن حجر، جماعة من الصحابة، وأيضاً من غيرهم الذين أرسل عنهم قتادة.   1 /168 بعناية شكر الله بن نعمة الله قوجاني. وانظر "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" 2/610 نسخة بالآلة الكاتبة مقدمة لنيل الماجستير بمكة "وتهذيب التهذيب" 8/355. 2 عبد الله بن سرجس (بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة) المزني حليف بني مخزوم صحابي، سكن البصرة، روى له مسلم والأربعة. (تقريب التهذيب) 1/418 وانظر: "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 2/315. 3 3/2/133. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 ويساعد على عدم سماع قتادة من زيد أن ولادة قتادة سنة 61?، ووفاة زيد مختلف فيها من سنة 65? إلى سنة 68?. فعلم مما تقدم أن رواية قتادة عن زيد مرسلة. وإذا كان الأمر كذلك فإنه من المستبعد أن يكون البخاري لم يلاحظ ذلك في جوابه، فعليه لم يبق إلا إرجاع الضمير إلى القاسم والنضر، وهذا –في نظري- هو الذي يتفق ودقة البخاري المعروفة عنه، ويتفق وموقفه من هذا الاضطراب واجتهاده في إزالته. ولو حصل أن قلنا بإرجاع الضمير إلى زيد بدل القاسم تكون رواية قتادة عن القاسم بحاجة إلى جواب، خاصة والقاسم عرف بهذا الحديث حتى قيل1: "اشتهر القاسم بن عوف بحديث "الحشوش محتضرة" عن زيد بن أرقم" ا?. إذن إرجاع الضمير إلى زيد بدل القاسم يعكر الجمع بين الروايات الذي قصده البخاري، وتطلع إليه في دفع هذا الاضطراب، ومخالف لما أجاب به في العلل الكبير كما نقله عنه الترمذي. وصف لإجابة البخاري تتسم إجابة البخاري بالقوة العلمية، والحدب على السنّة النبويّة في إثبات ما يمكن إثباته، وإلغاء ما يمكن إلغاؤه.   1 القائل ابن عدي: الكامل في ضعفاء الرجال مصور ج4 صفحة 5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 وهي –وإن كانت خالية من الجزم؛ لأنها مبنيّة على الحيطة والتحري والتحفظ- مهمة، وذات قيمة في رفع الاضطراب، وإنقاذ الموقف إلى حدّ بعيد، لا يستغني عنها في هذا الحال وهذا المقام. هل يندفع بإجابة البخاري الاضطراب من كل وجه؟ وعن رفع الاضطراب بإجابة البخاري هذه يرى المباركفوري: أنه لا يندفع الاضطراب بها من كل وجه، ثم دفعه هو بما أورده فقال1: "فإن قلت: لا يندفع الاضطراب من كل وجه بقول البخاري، فيحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً. قلت: نعم، إلا أن يقال: أن قتادة روى عنهما عن زيد بن أرقم، وروى عن زيد بن أرقم من غير واسطة. وأما رواية معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه فوهم كما صرّح به البيهقي2، والله تعالى أعلم" ا?.   1 تحفة الأحوذي 1/46. 2 السنن الكبرى 1/96 قال: "قال الإمام أحمد: وقيل عن معمر عن قتادة عن النضر ابن أنس عن أنس وهو وهم" ا?. (قال الدارقطني في "العلل": معمر سيء الحفظ لحديث قتادة والأعمش "وقال ابن أبي خيثمة: "سمعت يحيى بن معين قال: قال معمر: "جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ عنه الأسانيد") شرح علل الترمذي لابن رجب/365 وفيما ذكره ابن أبي خيثمة عن ابن معين بيان السبب لما قاله الدارقطني في معمر بالنسبة لحديث قتادة، وذلك يقوي ما نقل عن أحمد، وجاء في تهذيب التهذيب 10/245 عند ترجمة معمر أن ابن أبي خيثمة قال: "سمعت يحيى ابن معين يقول: "إذا حدثك معمر عن العراقيين فخالفه إلا عن الزهري، وابن طاوس، فإن حديثه عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة وأهل البصرة فلا" ا?. ومعلوم أن قتادة بصري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 كان هذا هو موقف المباركفوري من إجابة البخاري. وأقول: فإنه ليس هناك ما يمنع من حملها على دفع الاضطراب من كل وجه، وإن عدم تعرض البخاري لرواية معمر بالذكر إهدار لها وإقصاء، وهذا أبلغ إجابة عنها خاصة وما قيل فيها من أنها وهمٌ منقول عن شيخه أحمد ابن حنبل فلا يستبعد إطلاعه عليه. وأما ما بقي وهو ما تحتمله إجابة البخاري فهو –كما قال المباركفوري- أن قتادة روى عنهما عن زيد بن أرقم، وروى عن زيد بن أرقم من غير واسطة أي مرسلا. النتيجة وبعد فقد رأيتَ كيف أن الترمذي يقرر الاضطراب، ويثبته، وكيف أن غيره يرفعه. وسواء اندفع الاضطراب من كل وجه بقول البخاري أو بقول غيره، فإني بعد ذلك أتخيّر رواية شعبة من بين الروايات، وأقدمها على غيرها وغيرها –بعد إسقاط رواية معمر وإطراحها؛ لأنها وهم كما مرّ- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 رواية هشام عن قتادة عن زيد، ورواية سعيد عن قتادة عن القاسم عن زيد، فهاتان الروايتان ورواية شعبة هي الروايات التي أمكن الجمع بينها، ومع ذلك يلوح لي أن رواية شعبة أميز رواية وأصحّ، وأنها سيدة هذه الروايات فلذلك جعلتها العمدة وجعلت غيرها يرجع إليها، وهذا مني بناء على الأمور الآتية: سبق أن عرف أن قتادة في رواية هشام روى عن زيد مرسلا بلا واسطة، وروى عنه في روايتي سعيد وشعبة بواسطة القاسم والنضر. ومعنى هذا أن رواية هشام ترجع إلى روايتي سعيد وشعبة، وبإرجاعها إلى ما ذكر يتحصّل لدينا روايتان هما: روايتا سعيد وشعبة. وبالمقارنة بينهما يتضح أن رواية شعبة أصحّ من رواية سعيد لأن الأخيرة فيها قتادة يروي بالعنعنة بينه وبين القاسم، وهذا عدا الكلام الذي قيل في القاسم. وعنعنة قتادة لا تقبل لأنه مدلس سرده العلائي في أسماء المدلسين، وقال: "قتادة بن دعامة السدوسي أحد المشهورين بالتدليس1" وأورده البرهان الحلبي في التبيين في أسماء المدلسين2 وابن حجر في طبقات المدلسين3 في أهل المرتبة الثالثة الذين لا   1 جامع التحصيل في أحكام المراسيل 1/193 أو 2/610. 2 /14. 3 /11 نسخة بالآلة الكتابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 تقبل رواياتهم ما لم يصرّحوا بالتحديث أو السماع، وقد قال: "هو مشهور بالتدليس وصفه به النسائي وغيره" ا?. وأما ما يتعلق بالقاسم وما قيل فيه: فالقاسم هذا كما قال الذهبي1:"مختلف فيه وفي حاله"، ضعّفه شعبة2 والنسائي3، وقال أبو حاتم: "مضطرب الحديث، ومحله عندي الصدق4"، وقال ابن عدي5:" ... وهو ممن يكتب حديثه" ا?. هذا وقد روى له مسلم في صحيحه، فذكر الخزرجي6 أن له في مسلم فرد حديث. قال الدكتور نور الدين عتر في تعليقه على المغني7 للذهبي: "له عند مسلم حديث صلاة الأوّابين"8.   1 ميزان الاعتدال في نقد الرجال 3/375 والمغني في الضعفاء 2/520 والكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة 2/392. 2 انظر "الجرح والتعديل" 3/2/115 و"الكامل" ج4 صفحة 5 و"تهذيب التهذيب" 8/326. 3 انظر "تهذيب التهذيب" 8/326. 4 الجرح والتعديل 3/2/115. 5 الكامل ج4 صفحة 5. 6 خلاصة تذهيب تهذيب الكمال/313. 7 2/520. 8 ونصه كما رواه الإمام مسلم بإسناده إلى القاسم بن عوف الشيباني أن زيد بن أرقم رأى قوماً يصلون من الضحى فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" ورواه أيضاً من طريق آخر إلى القاسم عن زيد بن أرقم قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون، فقال: "صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال" "صحيح مسلم" 6/29 بشرح النووي. قال النووي 6/30 "ترمض": "هو بفتح التاء والميم يقال: رمض يرمض كعلم يعلم، والرمضاء: الرمل الذي اشتدت حرارة بالشمس، أي حين تحترق إخفاف الفصال وهي: الصغار من أولاد الإبل جمع فصيل من شدة حرّ الرمل ... والأواب: المطيع وقيل: الرجاع إلى الطاعة" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 أما ابن حجر فإنه قال في تقريب التهذيب1: "القاسم بن عوف الشيباني، صدوق يغرب، من الثالثة، روى له مسلم، والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجه". وهل هذا الكلام في القاسم مؤثر أو غير مؤثر؛ نظراً لأن الذهبي أورده في جزء من تكلم فيه، وهو موثق أو صالح الحديث2، فإن عنعنة قتادة كافية في تقديم رواية شعبة على رواية سعيد هذه. وعن حال قتادة في رواية شعبة فإن البيهقي قال في "المعرفة"3: روينا عن شعبة أنه قال: "كنت أتفقد فم قتادة فإذا   1 2/118. 2 2/365 نسخة بالآلة الكاتبة محققة لنيل الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض. 3 انظر "طبقات المدلسين"/16. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 قال ثنا، وسمعت حفظته، وإذا قال: حدّث فلان تركته" وقال: "كفيتكم تدليس ثلاثة الأعمش1 وأبي إسحاق2 وقتادة" ا?. قال ابن حجر في كتابه "طبقات المدلسين"3 بعد أن نقل هذا عن البيهقي. قلت: "فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع ولو كانت معنعنة" ا?. وقال في "فتح الباري"4 "ورواية شعبة عن قتادة مأمون فيها من تدليس قتادة، لأنه كان لا يسمع منه إلا ما سمعه". وقال البرديجي: "أصح الناس رواية عن قتادة: شعبة كان يوقف قتادة على الحديث" ا?. قال ابن رجب5 الذي نقل هذا عنه: "لأن شعبة كان لا يكتب عن قتادة إلا ما يقول فيه حدثنا، ويسأله عن سماعه". فانظر إلى ذلك مع ما وقع من تصريح قتادة في رواية شعبة بالسماع من النضر بن أنس، كما هو عند ابن خزيمة6، وابن   1 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 2 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 3 /16. 4 1/58 باب حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان. 5 شرح علل الترمذي/363. 6 صحيح ابن خزيمة 1/38. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 حبّان1، وغيرهما، أما النضر بن أنس2 فهو ثقة معروف الرواية عن زيد بن أرقم، لم ينقل فيه أنه لم يسمع منه، أو أنه مدلس. أن الحافظ الذهبي في "ميزان الاعتدال"3 في ترجمة القاسم بن عوف الشيباني، رجح رواية شعبة هذه، فإنه بعد أن نقل عن ابن عدي قوله: "اشتهر القاسم بن عوف بحديث الحشوش محتضرة عن زيد وهو من يكتب حديثه"، قال: "والأصح حديث قتادة عن النضر بن أنس بدل القاسم عن زيد" ا?. أن ابن حجر اعتمد هذه الرواية ورجحها، فقال في "لسان الميزان"4 في ترجمة عدي بن أبي عمارة الذارع -وهو راوي الشاهد الآتي- قلت: "ومن أغلاطه أنه روى عن قتادة عن أنس في القول عند دخول الخلاء، وإنما رواه قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم، وقيل عن النضر بن أنس عن أبيه والأول أصح" ا?. أن أبا داود روى في "سننه"5 رواية شعبة هذه مقتصراً عليها   1 صحيح ابن حبان (انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) 2/491. 2 النضر بن أنس بن مالك الأنصاري أبو مالك البصري، ثقة من الثالثة، مات سنة بضع ومئة، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/301) . 3 3/376. 4 4/160. 5 1/29. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 وسكت عنها، وكأن هذا ترجيح منه، وتقديم لها على سائر الروايات. وأما المنذري في "مختصر السنن"1 فإنه نقل كلام الترمذي على الحديث واعتمده، وقد أشار الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح2 أنه بيّن في "صحيح أبي داود" رقم (4) "لم يطبع" أن إسناده صحيح. أنه أخرجها ابن خزيمة في "صحيحه"3 من طريقين إلى شعبة واقتصر عليها، أما ابن حبّان فقد أخرجها في "صحيحه"4 هي ورواية سعيد، وقال: "الحديث مشهور عن شعبة وسعيد جميعاً وهو ما تفرد به قتادة" ا?. وكذلك فعل الحاكم5 فإنه أخرج حديث زيد هذا من طريقين: من طريق سعيد بن أبي عروبة، ومن طريق شعبة، ثم قال: "كلا الإسنادين من شرط الصحيح، ولم يخرجاه بهذا اللفظ، وإنما اتفقا على حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بذكر الاستعاذة فقط" ا?.   1 1/16 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 2 1/116. 3 1/38. 4 انظر "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" 2/491 و"موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان"/61-62. 5 المستدرك 1/187. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 وقد أقره الذهبي على ذلك في مختصر المستدرك الذي مع المستدرك، قال ذلك الحاكم بعد أن أشار إلى الاختلاف فيه بقوله: "وهذا الحديث مختلف فيه على قتادة"، رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم. وقد كان لفظ رواية شعبة عند الحاكم: "إن هذه الحشوش محتضرة فإذا أحدكم دخل الغائط، فليقل أعوذ بالله من الرجس النجس الشيطان الرجيم". وممن أشار إلى الاختلاف في حديث زيد ورجح عليه حديث عبد العزيز ابن صهيب عن أنس بن مالك أبو زرعة، كما نقل ذلك عنه ابن أبي حاتم في "علل الحديث"1 قال: "سمعت أبا زرعة يقول: حديث زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم في دخول الخلاء قد اختلفوا فيه، فأما سعيد بن أبي عروبة فإنه يقول: عن قتادة عن القاسم بن عوف عن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس أشبه عندي". ا?. أن سعيد بن أبي عروبة رواه كرواية شعبة عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن زيد بن أرقم أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"2، عن   1 1/17. 2 انظر: (تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 2/200) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 مؤمل ابن هشام1، عن إسماعيل بن علية2، عن سعيد بن أبي عروبة. شواهد الحديث هناك شاهد للحديث على أوله رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة"3 قال: حدثنا عبد الله4، وأبو يعلى5 قالا: حدثنا قطن بن نسير6، حدثنا عدي بن أبي عمارة   1 مؤمل بوزن محمد –بهمزة- ابن هشام اليشكري -بتحتانية ومعجمة- أبو هشام البصري، ثقة من العاشرة، مات سنة ثلاث وخمسين أي ومئتين، روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي (تقريب التهذيب 2/290) . 2 إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر البصري، المعروف بابن علية ثقة حافظ، من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين أي ومئة، وهو ابن ثلاث وثمانين، روى له البخاري (المصدر السابق 1/66) . 3 /18. 4 عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني أبو عبد الرحمن، ولد الإمام، ثقة من الثانية عشرة، مات سنة تسعين أي ومئتين، وله بضع وسبعون، روى له النسائي. (تقريب التهذيب 1/401) . 5 أحمد بن علي بن المثنى الموصلي صاحب المسند الكبير، قال عنه الذهبي في "تذكرة الحفاظ 2/707": الحافظ الثقة، محدث الجزيرة، ونقل ثناء العلماء عليه، ولد سنة 210 وتوفي سنة 307?. 6 في النسخة المطبوعة بين أيدينا وهي نسخة يقع فيها أغلاط وتحريفات كثيرة، "قطن بن بشير" وصوابه ما أثبته قطن بن نسير -بنون ومهملة- مصغراً: أبو عباد البصري، صدوق يخطئ، من العاشرة روى له مسلم، وأبو داود، والنسائي (تقريب التهذيب 2/126) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 الذراع1 قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك، يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل بسم الله". وقد أورد السيوطي في "الجامع الصغير"2 وعزاه لابن السني وفيه الرمز بصحته، وقد بيّن المناوي في "فيض القدير"3 خطأ هذا الرمز حيث قال: "رمز لحسنه" ا?. وعرفنا فينا سبق أن ابن حجر يعد هذا الحديث من أغلاط عدي بن أبي عمارة الذارع، وقال: إنما الحديث هو عن قتادة عن زيد بن أرقم. وفي "كنز العمال"4 عزاه لابن السني إلا أنه جعله من مسند أبي هريرة بدل أنس وهذا وهم.   1 في الأصل من النسخة المشار إليها عدي بن عمارة الدارع، وصوابه ما أثبته من "الجرح والتعديل" 3/2/4 عدي بن أبي عمارة الذارع -بالذال المعجمة- قال ابن أبي حاتم أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل "فيما كتب" إلي قال سمعت أبي يقول: "وقلت له: كيف عدي بن أبي عمارة الجرمي"؟ فقال: "هو شيخ. قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عدي بن أبي عمارة فقال ليس به بأس" ا?. 2 6/352 مع فيض القدير. 3 6/352. 4 9/209. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 وقد مضى حديث أنس بن مالك الذي رواه أصحاب الكتب الستة، والذي قال عنه الترمذي: "وحديث أنس أصحّ شيء في هذا الباب وأحسن"، وهو شاهد لحديث زيد على آخره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 الحديث الثّاني: باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/25-28 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 حدثنا هناد وقتيبة، قالا حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله1 قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته فقال: "التمس لي ثلاثة أحجار" قال: فأتيته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة2 وقال: "إنها ركس "34.   1 هو عبد الله بن مسعود بن غافل (بمعجمة وفاء) ابن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن من السابقين الأولين، ومن كبار العلماء من الصحابة، مناقبه جمّة، وأمّره عمر على الكوفة، ومات سنة اثنتين وثلاثين أو في التي بعدها بالمدينة –روى له الجماعة "تقريب التهذيب 1/450" وانظر "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 2/368. 2 الروثة كما في "القاموس المحيط" 1/168 واحدة الروث والأرواث، قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/271: "الروث: رجيع ذوات الحافر، والروثة أخص منه، وقد راثت تروث روثاً" ا?. وانظر "تاج العروس" 5/268. 3 ركس: بكسر الراء وإسكان الكاف "هو شبيه المعنى بالرجيع" يقال: ركست الشيء، وأركسته إذا رددته ورجعته. كذا في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/259، وانظر "تاج العروس" 16/131 وفي "القاموس المحيط" 2/220 و"مختار الصحاح"/254 و"أساس البلاغة"/176 الركس بالكسر: الرجس ا?. والرجس هو النجس والقذر فعلى هذا "ركس" بالكاف والجيم، أي نجس. قال ابن حجر "فتح الباري" 1/258 "قيل هي لغة في رجس –بالجيم- ويدل عليه رواية ابن ماجة 1/114 وابن خزيمة 1/39 فإنها عندهما بالجيم إلى أن قال: وأغرب النسائي 1/41 فقال عقب هذا الحديث: الركس: طعام الجن. وهذا إن ثبت في اللغة فهو مريح من الإشكال" ا?. 4 أخرجه أحمد في "مسنده" في موضعين: أحدهما: 1/388 والثاني: 1/465 ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في "التحقيق" 1ورقة 8 وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: وهكذا روى قيس بن الربيع1 هذا الحديث عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله نحو حديث إسرائيل2. وروى معمر3 وعمار بن رزيق4، عن أبي إسحاق، عن علقمة5، عن عبد الله6 وروى زهير7، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن   1 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى قريباً. 2 لم أقف على من خرّج هذه الرواية سوى الترمذي. 3 تقدمت ترجمته في الحديث الأول. 4 عمار بن رزيق -بتقديم الراء- مصغراً الضبي، أو التميمي، أو الأحوص الكوفي، لا بأس به، من الثامنة مات سنة تسع وخمسين أي ومئة، روى له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه "تقريب التهذيب" 2/47. 5 علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، ثقة ثبت، فقيه عابد، من الثانية، مات بعد الستين، وقيل بعد السبعين، وروى له الجماعة "المصدر السابق" 2/31 6 أخرجه أحمد في "مسنده" 1/450 والدارقطني في "سننه" 1/55 وقال عقبه: اختلف على أبي إسحاق في إسناد هذا الحديث، وقد بينت الاختلاف في مواضع أخر. ا?. والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/103 كلهم من طريق معمر عن أبي إسحاق. 7 زهير بن معاوية بن حديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة، ثقة ثبت إلا أن سماعه من أبي إسحاق بآخره، من السابعة، مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين أي ومئة وكان مولده، سنة مئة، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب) 1/265 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 3/351 و"تذكرة الحفاظ" 1/233 و"ميزان الاعتدال" 2/86 و"الجرح والتعديل" 1/2/588 و"التاريخ الكبير" 1/2/427 و"طبقات ابن سعد" 6/376. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 الأسود1، عن أبيه الأسود بن يزيد 2، عن عبد الله3. وروى زكريا بن أبي زائدة4، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد5 عن الأسود بن يزيد، عن عبد الله6. وهذا حديث فيه اضطراب.   1 عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، من الثالثة، مات سنة تسع وتسعين، روى له الجماعة (المصدر السابق) 1/473. 2 الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو، أو أبو عبد الرحمن، مخضرم ثقة مكثر، فقيه، من الثانية، مات سنة أربع أو خمس وسبعين، روى له الجماعة (المصدر السابق) 1/77. 3 أخرجه البخاري في "صحيحه" 1/49 والنسائي في "سننه" 1/39 وابن ماجه في "سننه" 1/418، 436 والإسماعيلي في "مستخرجه على صحيح البخاري" ذكره ابن حجر في "مقدمة الفتح"/349 و"الفتح" 1/258. 4 زكريا بن أبي زائدة خالد ويقال هبيرة بن ميمون بن فيروز الهمداني الوادعي أبو يحيى الكوفي، ثقة، وكان يدلس، وسماعه من أبي إسحاق بآخره، من السادسة، مات سنة سبع أو ثمان أو تسع وأربعين أي ومئة، روى له الجماعة (تقريب التهذيب 1/261) . 5 عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي، ثقة من كبار الثالثة، مات سنة ثلاث وثمانين أي ومئة، روى له الجماعة (المصدر السابق) 1/502. 6 أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" 1/155. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 قال أبو عيسى: وأصحّ شيء في هذا عندي حديث إسرائيل وقيس، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة؛ لأن إسرائيل1 أثبت وأحفظ لحديث أبي   1 إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني أبو يوسف الكوفي، ثقة تكلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات سنة ستين أي ومئة وقيل بعدها، روى له الجماعة (تقريب التهذيب 1/64) . ولما كان إسرائيل أحد من طعن فيه من رواة البخاري، فقد ذكره ابن حجر في هدي الساري مقدمة فتح الباري/390 وقال عنه: "أحد الأثبات" ثم لخص الأقوال فيه ورتبها بشكل، جيد وقد دافع عنه، ورد على من ضعّفه. وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/208 ودافع عنه؛ فقال: "أحد الأعلام وكان مع حفظه وعلمه صالحاً خاشعاً لله كبير القدر؛ وقال: قلت: إسرائيل اعتمده البخاري ومسلم، وهو في الثبت كالاسطوانة فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعّفه" ا?. وذكره في "تذكرة الحفاظ" 1/214 ودافع عنه أيضاً كما أدخله في رسالتيه: "من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث" 1/44 نسخة بالآلة الكاتبة محققة؛ لنيل الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بارياض. و"الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد"/4 نسخة بخط اليد وقال في "المغني في الضعفاء": "أحد الثقات الأعلام" ا?. انظر في مصادر ترجمته: "الجرح والتعديل 1/1/330" و"التاريخ الكبير" 1/2/56 و"التاريخ الصغير" 2/136 و"طبقات ابن سعد" 6/374 و"تاريخ بغداد" 7/20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 إسحاق من هؤلاء. وتابعه على ذلك قيس بن الربيع1. قال أبو عيسى: وسمعت أبا موسى محمد بن المثنى2 يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي3 يقول: "ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان الثوري4، عن أبي إسحاق إلا لما اتكلت به على إسرائيل؛ لأنه كان يأتي به أتم". قال أبو عيسى: وزهير في أبي إسحاق ليس بذاك سماعه منه بآخره. قال: وسمعت أحمد بن الحسن الترمذي5 يقول: سمعت أحمد بن   1 قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد الكوفي، صدوق، تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة، مات سنة بضع وسنيتين أي ومئة، روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجة. (تقريب التهذيب 2/128) . 2 محمد بن المثنى بن عبيد العنزي -بفتح النون والزاي- أبو موسى البصري المعروف بالزمن، مشهور بكنيته، وباسمه، ثقة ثبت، من العاشرة، وكان هو وبندار فرسي رهان، وماتا في سنة واحدة، روى له الجماعة. (المصدر السابق) 2/204. 3 عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة ثبت حافظ، عارف بالرجال والحديث، قال ابن المديني: "ما رأيت أعلم منه"، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين أي ومئة وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، روى له الجماعة. (المصدر السابق) 1/499. 4 سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ، فقيه عابد، إمام حجة من رؤس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين أي ومئة وله أربع وستون، روى له الجماعة (تقريب التهذيب 1/311) . 5 أحمد بن الحسن بن جنيدب بالجيم والنون –مصغراً- الترمذي أبو الحسن، ثقة حافظ، من الحادية عشرة مات سنة خمسين أي ومئتين تقريباً روى له البخاري، والترمذي. (تقريب التهذيب) 1/13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 حنبل يقول: "إذا سمعت الحديث عن زائدة1، وزهير فلا تبال أن لا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبي إسحاق". وأبو إسحاق اسمه: عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني2. وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود3 لم يسمع من أبيه، ولا يعرف اسمه.   1 زائدة بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي، ثقة ثبت، صاحب سنة، من السابعة مات سنة ستين أي ومئة وقيل بعدها، روى له الجماعة. (المصدر السابق) 1/256. وفي "تهذيب التهذيب" 3/306 عن أبي داود الطيالسي قال: "لم يكن زائدة بالأستاذ في حديث أبي إسحاق" ا?. 2 عمرو بن عبد الله الهمداني أبو إسحاق السبيعي -بفتح المهملة وكسر الموحدة- مكثر ثقة، عابد، من الثالثة، اختلط بآخره، مات سنة تسع وعشرين أي ومئة، وقيل قبل ذلك، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/73) . وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 8/63 و"تذكرة الحفاظ" 1/114 و"ميزان الاعتدال" 3/270 و"المغني في الضعفاء" 2/486 و"مقدمة فتح الباري"/431 و"الجرح والتعديل" 3/1/242 و"التاريخ الكبير" 3/2/347 و"التاريخ الصغير" 1/326 و"طبقات ابن سعد" 6/313 و"اللباب في تهذيب الأنساب" 2/102. 3 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 حدثنا محمد بن بشار العبدي1 حدثنا محمد بن جعفر2، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة3 قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله "هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا"4. ترجيح الترمذي لرواية إسرائيل قدم الترمذي بما ساقه من اختلاف الروايات على أبي إسحاق الدليل لما استخلصه منها في قوله "وهذا حديث فيه اضطراب". وهو قبل أن يذكر لنا رأيه في هذا الاضطراب أطلعنا على موقف الدارمي منه، كما كشف لنا عن رأي البخاري فيه. فقد قام الترمذي مشكوراً بعرض الاضطراب على الدارمي شيخه وشيخ شيخه، وعلى شيخه البخاري "وذلك في سبيل البحث عن حل له   1 محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري، أبو بكر بندار، ثقة من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين أي ومئتين، وله بضع وثمانون سنة، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/147) . 2 محمد بن جعفر المدني البصري، المعروف بغندر، ثقة، صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة، من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومئتين، روى له الجماعة. (المصدر السابق) 2/151. 3 عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق الجملى -بفتح الجيم والميم- المرادي، أبو عبد الله الكوفي، الأعمى، ثقة عابد، كان لا يدلس، ورمي بالإرجاء، من الخامسة مات سنة ثمان عشرة ومئة، وقيل قبلها، روى له الجماعة. (المصدر السابق 2/78) . 4 أدخل الترمذي هذا الحديث في كتابه "العلل الكبير" ورقة/5 ونقل الكلام عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ومخرج منه". فذكر أنه سأل الدارمي عن أصح الروايات في ذلك؟ إلا أن الدارمي على جلالة قدره توقف، ولم يقض فيها بشيء، فلم يبد رأيه في الموضوع، ولم يفصل فيه بشيء لا بترجيح ولا غيره. وذكر أنه سأل البخاري عن الموضوع؟ فكان موقفه منه مبدئياً يشبه تماماً موقف الدارمي أقر بالاضطراب، ولم يحكم فيه بشيء، ثم أداه اجتهاده إلى غير ذلك فاختار إحدى الروايات، وهي رواية زهير ووضعها في كتابه "الجامع الصحيح" وهذا ما نبه عليه الترمذي بقوله: "وكأنه –أي البخاري- رأى حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود أشبه، ووضعه في كتاب "الجامع". فالبخاري بوضعه لرواية زهير في "صحيحه" يشير إلى ذلك الاجتهاد والترجيح من غير أن يصرّح. وبهذا الصنيع يكون البخاري قضى على الاضطراب. أما الترمذي فإنه خالف شيخه، وخالف اجتهاده، فرجح رواية أخرى غير الرواية التي رجحها شيخه. فقد اجتهد الترمذي في إزالة هذا الاضطراب وأبدى رأيه، فرجح –بما ذكره من وجوه الترجيح الثلاثة- رواية إسرائيل على باقي الروايات بما فيها رواية زهير التي اختارها شيخه، وأودعها جامعه الصحيح. وهذا يظهر لنا استقلال الترمذي وثقله في الميدان العلمي، وتمسكه بما يقوم لديه من دليل وحجة، فلم يقلد شيخه فيما رآه وذهب إليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 والترمذي ليس وحده في هذا الترجيح، فقد قال ابن حجر في هدي الساري مقدمة فتح الباري1: "وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه، وأبي زرعة أنهما رجحا رواية إسرائيل2 وكأن الترمذي تبعهما في ذلك" ا?. وجوه ترجيح الترمذي لرواية إسرائيل والوجوه الثلاثة التي رجح بها الترمذي رواية إسرائيل هي: أن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من زهير ومعمر ومن معهما. وقد قوى هذا الوجه بما ذكره بإسناده عن عبد الرحمن بن   1 /348. 2 هكذا نقل ابن حجر عن أبي حاتم، وهو خلاف ما في "علل الحديث" لابن أبي حاتم؛ إذ فيه نسبة الترجيح إلى أبي زرعة فقط من غير تعرض لذكر أبيه، فقد قال في علل الحديث 1/42 سمعت أبا زرعة يقول في حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بحجرين وألقى الروثة. فقال أبو زرعة: "اختلفوا في هذا الإسناد؛ فمنهم من يقول: عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبد الله، ومنهم من يقول: عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله، ومنهم من يقول: عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد الله. والصحيح عندي حديث أبي عبيدة والله أعلم. وكذا يروي إسرائيل يعني عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة. وإسرائيل أحفظهم" ا?. وكذا في "نصب الراية" 1/116 نقلا عن "الخلافيات" للبيهقي. هذا ويلاحظ في بعض الأسانيد التي ذكر أبو زرعة سقط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 مهدي، قال: "ما فاتني الذي فاتني من حديث سفيان الثوري عن أبي إسحاق إلا لما اتكلت به على إسرائيل؛ لأنه كان يأتي به أتم" ا?. معنى هذا الكلام على ما في "الكوكب الدريّ"1: "أن الذي فاتني من حديث سفيان ولم اعتمد عليه، كان السبب فيه اتكالي على إسرائيل؛ فإنه كان يأتي برواية أبي إسحاق أتم من سفيان". أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل في روايته عن أبي إسحاق. ما قاله في شأن زهير: "وزهير في أبي إسحاق ليس بذاك؛ لأن سماعه منه بآخرة". وقد أيّد الترمذي هذا الوجه بما قاله أحمد بن حنبل: "إذا سمعت الحديث عن زائدة وزهير فلا تبال أن لا تسمعه من غيرهما إلا حديث أبي إسحاق". والترمذي بهذا الوجه بالذات يبدو وأنه يرمي إلى تعليل رواية زهير التي اختارها شيخه، وتقوية موقفه باختياره لرواية إسرائيل، فزهير عنده سمع من أبي إسحاق بآخره، أما إسرائيل فإنه لم يسمع منه بآخره. ابن حجر يثبت قوة ترجيح البخاري على ترجيح الترمذي وإذا كان الترمذي تولى بنفسه ذكر تلك الوجوه لتقوية ترجيحه   1 1/19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 على ترجيح شيخه البخاري، فإن ابن حجر تولى في مقدمة فتح الباري1 والفتح2 بيان قوة ترجيح البخاري على ترجيح الترمذي، وفي أثناء ذلك تعرّض للجواب عن العلتين اللتين وجهتا إلى ما رجحه البخاري علة الاضطراب وعلة التدليس. علة الاضطراب والجواب عنها غير خاف أن الدارقطني3 انتقد فيما انتقد من أحاديث البخاري حديث زهير هذا الذي رجحه البخاري، ووضعه في كتاب "الجامع" فاعترض عليه بكثرة الاختلاف فيه على أبي إسحاق. فإن الدارقطني بعد أن ساق وجوه الاختلاف فيه على أبي إسحاق بأتم مما ساقه الترمذي وغيره قال: "وأحسنها سياقاً الطريق الأولى التي أخرجها البخاري، ولكن في النفس منها شيء، لكثرة الاختلاف فيه على أبي إسحاق" ا?. فالدارقطني كان موافقاً للترمذي في موضوع الاضطراب، وقد صرّح بأن الطريق التي أخرجها البخاري أحسن الطرق سياقاً، ولولا الاستدراك الذي أتى به لقلنا بأنه يؤيد موقف البخاري في اختياره وترجيحه، إلا أنه في استدراكه أبان وجه نقده وطعنه لرواية البخاري   1 /348. 2 1/256 وما بعدها. 3 التتبع/303 مع الإلزامات له نسخة محققة؛ لنيل درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبويّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 هذه. ومعنى هذا أن علة الاضطراب لا زالت باقية فيها عند الدارقطني. ولما كان الاعتراض من الدارقطني بمثل هذا يقدح في شرط البخاري الذي شرطه في كتابه وهو أن يخرّج فيه الصحيح، والحديث المضطرب ليس بصحيح كما هو معروف، فإننا نجد ابن حجر يدافع عن البخاري وينتصر له، ويحقق في الموضوع، فيرد دعوى الاضطراب هذه، وينفيها بعدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحاق فيه، حيث أمكن ترجيح بعضها على بعضها الآخر. ومعنى هذا تخلف أحد الشرطين الموجبين للاضطراب وهما كما قال ابن حجر1: "استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجّح أحد الأقوال قدّم ولا يعل الصحيح بالمرجوح. مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، ويغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه، فحينئذ يحكم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب، ويتوقف عن الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك" ا?. ويعقّب ابن حجر على هذا بقوله: "وهنا يظهر عدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحاق فيه؛ لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسناد منها من مقال غير الطريقين المقدم ذكرهما عن زهير، وعن إسرائيل، مع أنه يمكن ردّ أكثر الطرق إلى رواية زهير" ا?.   1 هدي الساري مقدمة فتح الباري/348. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 ونفهم من هذا الكلام أنه لا اضطراب في الروايات؛ لأن بعضها راجح وبعضها مرجوح، والراجح منها رواية إسرائيل التي اعتمدها الترمذي، ورواية زهير التي اعتمدها البخاري، وقد صرّح ابن حجر بأرجحيتهما على غيرهما في كلام قبل ذلك فقال1: "مجموع كلام الأئمة مشعر بأن الراجح على الروايات كلها إما طريق إسرائيل، وهي عن أبي عبيدة، عن أبيه، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه فيكون الإسناد منقطعاً، أو رواية زهير، وهي عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه عن ابن مسعود فيكون متصلا، وهو تصرف صحيح؛ لأن الأسانيد فيه إلى زهير وإلى إسرائيل أثبت من بقية الأسانيد، وإذا تقرر ذلك كانت دعوى الاضطراب في هذا الحديث منتفية" ا?. علة التدليس والجواب عنها ننتقل بعد ذلك إلى علة التدليس التي أعله بها الشاذكوني2 فإنه   1 هدي الساري مقدمة فتح الباري/348. 2 الشاذكوني: -بفتح الشين وسكون الألف وفتح الذال وضم الكاف- وفي آخرها نون قال الذهبي في كتابه "المغني في الضعفاء": "سليمان بن داود المنقري الشاذكوني" الحافظ مشهور رماه ابن معين بالكذب وقال البخاري: فيه نظر. وعن ابن معين أيضاً قال: كان يضع الحديث. وسئل صالح بن محمد جزرة عنه؟ فقال: "ما رأيت أحفظ منه، لكنه يكذب في الحديث" وقال عنه في "تذكرة الحفاظ": "الحافظ الشهير أبو أيوب ... البصري من أفراد الحافظين إلا أنه واه" ا?. وقال السخاوي في "فتح المغيث": "كان من الحفاظ الكبار، إلا أنه كان يتهم بشرب النبيذ، وبالوضع حتى قال البخاري: هو أضعف عندي من كل ضعيف" ا?. وسرده ابن عراق في أول كتابه "تنزيه الشريعة" في أسماء الوضاعين والكذابين. "المغني في الضعفاء" 1/279 "ميزان الاعتدال" 2/205 "لسان الميزان" 3/84 "تذكرة الحفاظ" 2/488 "فتح المغيث" 1/337 "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة" 1/64 "اللباب في تهذيب الأنساب" 2/172. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 صرّح –فيما حكاه الحاكم1 عنه- بأن أبا إسحاق دلّس هذا الخبر عن عبد الرحمن بن الأسود، فقال في قول أبي إسحاق "ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه ... ": ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى، قال: "أبو عبيدة لم يحدثني، ولكن عبد الرحمن عن فلان عن فلان" ولم يقل: "حدثني" فجاز الحديث وسار" ا?. فعند الشاذكوني أن قوله "ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه" تدليس، حيث لم يقل مثلا "ولكن عبد الرحمن بن الأسود ذكره لي فأوهم أنه سمعه منه". ولما كان أبو إسحاق2 معروفاً بالتدليس، فهذا مما دلسه ولم يسمعه   1 معرفة علوم الحديث/109 وانظر: "هدي الساري مقدمة فتح الباري"/349 و"نصب الراية" 1/216. 2 سرده العلائي في أسماء المدلسين وقال: "كبير مشهور بذلك" ا?. "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" 1/193 وانظر: 2/583 منه. وأورده ابن حجر في "طبقات المدلسين" في الثالثة منها/11 وقال: "مشهور بالتدليس وصفه النسائي وغيره بذلك" ا?. وقال في "تهذيب التهذيب" في ترجمته 8/66 قال ابن حبان في "كتاب الثقات": "كان مدلساً" وكذا ذكره في المدلسين حسين الكرابيسي، وأبو جعفر الطبري، وقال ابن المديني في "العلل" قال شعبة: سمعت أبا إسحاق يحدث عن الحارث بن الأزمع بحديث فقلت له: سمعت منه؟ فقال: حدثني به مجالد عن الشعبي عنه. قال شعبة: وكان أبو إسحاق إذا اخبرني عن رجل قلت له: هذا أكبر منك؟ فإن قال: نعم، علمت أنه لقيه، وإن قال: أنا أكبر منه تركته. وقال أبو إسحاق الجوزجاني: حدثنا إسحاق ثنا جرير عن معن (الذي في "ميزان الاعتدال" 3/270 مغيرة) قال: "أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق يعني للتدليس" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 من عبد الرحمن، فيكون الحديث منقطعاً ولا يأخذ حكم الاتصال. والذي يبدو أن الشاذكوني لم ينفرد بما ذكره من علة التدليس في الحديث، فإن السيوطي أورد قول أبي إسحاق "ليس أبو عبيدة ... " الخ في "تدريب الراوي"1 مثالا على قسم من أقسام تدليس الإسناد مصدراً له بقوله: "وقال جماعة: كان أبو إسحاق يقول ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن ابن الأسود عن أبيه. فقوله عبد الرحمن "تدليس يوهم أنه سمعه منه" ا?. وهنا ملاحظة وهي أن السيوطي ضرب هذا مثالا للتدليس ولم ينفه، وكان من حقه لو لم يكن تدليساً لنفاه.   1 /142. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 وجوه تقديم ما رجحه البخاري على ما رجحه الترمذي وفيما يلي الأسباب التي دعت إلى تقديم ما رجحه البخاري حسب ما ذكره ابن حجر: متابعة يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق1، وزكرياء بن أبي زائدة2، وشريك3 القاضي، وغيرهم لزهير وهي متابعات تامة. متابعة ليث بن أبي سليم لأبي إسحاق وهي متابعة قاصرة أخرجها أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"4. قال ابن حجر (5) :"وليث وإن كان ضعيف الحفظ، فإنه يعتبر به، ويستشهد، فيعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أصلا" ا?. اختيار أبي إسحاق في رواية زهير لطريق عبد الرحمن بن الأسود وعدوله عن رواية أبي عبيدة.   1 يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي، وقد ينسب لجده، ثقة، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين أي ومئة، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/379) . 2 تقدمت ترجمته. 3 شريك بن عبد الله النخعي، أبو عبد الله، صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلا فاضلا، عابداً شديداً على أهل البدع، من الثامنة مات سنة سبع أو ثمان وسبعين أي ومئة، روى له البخاري، ومسلم، والأربعة. (المصدر السابق 1/351) . 4 1/155. 5 هدي الساري مقدمة فتح الباري/349. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 قال ابن حجر1: "ثم أن ظاهر سياق زهير يشعر بأن أبا إسحاق كان يرويه أولا عن أبي عبيدة، عن أبيه، ثم رجع عن ذلك، وصيره عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه. فهذا صريح في أن أبا إسحاق كان مستحضراً للسندين جميعاً عند إرادة التحديث، ثم اختار طريق عبد الرحمن، واضرب عن طريق أبي عبيدة. فأما أن يكون تذكر أنه لم يسمعه من أبي عبيدة، أو كان سمعه منه، وحدث به عنه، ثم عرف أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه فيكون الإسناد منقطعاً فأعلمهم أن عنده فيه إسناداً متصلا، أو كان حدّث به عن أبي عبيدة مدلساً له ولم يكن سمعه منه" ا?. فابن حجر وإن لم يجزم هنا بأحد هذه الثلاثة الأمور التي ذكرها في بيان سبب عدول أبي إسحاق عن طريق أبي عبيدة، فإنه جزم بواحد منها أثناء تعرضه للحديث من "الفتح"2 فقال: "وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له؛ لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح، فتكون منقطعة بخلاف رواية عبد الرحمن؛ فإنها موصولة" ا?. وقد ختم ابن حجر بالآتي مثبتاً على البخاري وعلى دقته وقوة علمه، ومتعجباً ممن حكم على ما اختاره البخاري بالمرجوحية فقال: "وإذا تقرر   1 هدي الساري مقدمة فتح الباري/349. 2 1/257. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 ذلك لم يبق لدعوى التعليل عليه مجال؛ لأن روايتي إسرائيل وزهير لا تعارض بينهما، إلا أن رواية زهير أرجح؛ لأنها اقتضت رفع الاضطراب عن رواية إسرائيل، ولم تقتض ذلك رواية إسرائيل، فترجحت رواية زهير. وأما متابعة قيس بن الربيع لرواية إسرائيل، فإن شريكاً القاضي تابع زهيراً وشريك أوثق من قيس على أن الذي حررناه لا يرد شيئاً من الطريقين إلا أنه يوضح قوة طريق زهير واتصالها وتمكنها من الصحة، وبعد إعلالها، وبه يظهر نفوذ رأي البخاري، وثقوب ذهنه، والله أعلم. وقد أخرج البخاري1 من حديث أبي هريرة ما يشهد لصحة حديث ابن مسعود، فازداد قوة بذلك. فانظر إلى هذا الحديث كيف حكم عليه بالمرجوحيّة مثل أبي حاتم وأبي زرعة، وهما إماما التعليل، وتبعهما الترمذي، وتوقف الدارمي، وحكم عليه بالتدليس الموجب للانقطاع أبو أيوب الشاذكوني، ومع ذلك فتبيّن بالتنقيب والتتبع التام أن الصواب في الحكم له بالراجحية، فما ظنك بما يدعيه من هو دون هؤلاء الحفاظ النقاد من العلل؟ هل يسوغ أن يقبل منهم في حق مثل هذا الإمام مسلماً؟ كلا والله والله الموفق" ا?.   1 1/255 مع فتح الباري قال: حدثنا أحمد بن محمد المكيّ: قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو المكي عن جده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتبعت النبي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت فدنوت منه فقال: "أبغني أحجاراً استنفض بها –أو نحوه- ولا تأتني بعظم ولا روث، فأتيته بأحجار بطرف ثيابي فوضعتها إلى جنبه وأعرضت عنه فلما قضى أتبعه بهن" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 موافقة المباركفوري وأحمد شاكر لابن حجر وقد وافق ابن حجر في تقديم رواية زهير على رواية إسرائيل كلٌّ من المباركفوري في تحفة الأحوذي1، وأحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي2 مناقشة المباركفوري للترمذي في ترجيحه لرواية إسرائيل والمباركفوري قد انضم إلى ابن حجر في الانتصار لموقف البخاري؛ فإنه ناقش الترمذي في كل وجه من الوجوه الثلاثة التي رجّح بها رواية إسرائيل، فأتى عليها كلها بالتضعيف؛ إذ أورد في كل وجه منها ما يعارضه فقال3: "اعلم أن الترمذي رجح رواية إسرائيل على رواية زهير التي وضعها الإمام البخاري في "صحيحه" وعلى روايات معمر وغيره بثلاثة وجوه: الأول: أن إسرائيل أثبت، وأحفظ لحديث أبي إسحاق من زهير ومعمر وغيرهما. الثاني: أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل على روايته، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله. الثالث: أن سماع إسرائيل من أبي إسحاق ليس في آخر عمره، وسماع زهير منه في آخر عمره.   1 1/86. 2 1/27. 3 تحفة الأحوذي 1/86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 قلت (القائل المباركفوري) في كل من هذه الوجوه الثلاثة نظر: فما قال في الوجه الأول، فهو معارض بما قال الآجري: "سألت أبا داود عن زهير وإسرائيل في أبي إسحاق؟ فقال: زهير فوق إسرائيل بكثير". وما قال في الوجه الثاني من متابعة قيس بن الربيع لرواية إسرائيل. فإن شريكا القاضي تابع زهيراً، وشريك أوثق من قيس. وأيضاً تابع زهيراً، إبراهيم1 بن يوسف عن أبيه، وابن حماد الحنفي، وأبو مريم وزكريا بن أبي زائدة. وما قال في الوجه الثالث، فهو معارض بما قال الذهبي2: "قال أحمد بن حنبل: "حديث زكريا وإسرائيل عن أبي إسحاق لين سمعا منه بأخرة" ا?. ثم يخلص المباركفوري إلى هذه النتيجة التي يصرّح فيها بضعف هذه الوجوه وترجيح رواية زهير، فيقول: "فظهر أنه ليس لترجيح رواية إسرائيل وجه صحيح، بل الظاهر أن الترجيح لرواية زهير التي رجحها البخاري ووضعها في صحيحه" ا?. مناقشتي للمباركفوري فيما اعترض به وإذا كان يحفظ للمباركفوري أنه اعتنى بما ذكره الترمذي من وجوه ترجيح لما اختاره ولم يهمله، بل ناقشه فيه ورده بما أتى به، فإن   1 هذا خطأ فإن إبراهيم لم يتابع زهيراً وإنما الذي تابعه هو أبوه يوسف حفيد أبي إسحاق. 2 ميزان الاعتدال 2/73 من ترجمة زكريا بن أبي زائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ابن حجر لم يتعرض إلا لواحد منها وهو متابعة قيس لإسرائيل حيث قال1: "وأما متابعة قيس بن الربيع لرواية إسرائيل، فإن شريكاً القاضي تابع زهيراً وشريك أوثق من قيس" ا?. وأما الوجهان الآخران فلم يتعرض لهما بشيء من الذكر بل ركز على بيان وجوه ترجيح رواية زهير التي اختارها البخاري. وأنا أرى بنظري القاصر أنه من تمام البحث ومن مكملات الترجيح لرواية زهير أن يجاب عن أوجه ترجيح الرواية التي في مقابلها، وهي رواية إسرائيل. وقد فعل المباركفوري حسناً حين تولى ذلك وكمل موضوع ترجيح رواية زهير، ولكن هذا لا يمنع من مناقشة المباركفوري في أجوبته تلك، بل أرى أنه لا مانع من مناقشة من هو أكبر منه إذا ظهر محل لذلك، وكان القصد واضحاً، والحق هو الرائد. فلا أدري كيف يعارض المباركفوري الوجه الأول بما قاله أبو داود وهو قول واحد، فلو لم يكن في إسرائيل وأنه أثبت وأحفظ من زهير وغيره في أبي إسحاق لكثرة ممارسته لحديثه إلا قول الترمذي ذلك، فإنه ما كان ينبغي أن نعارضه بقول أبي داود في زهير، ومن ثم أخذه في جانب ترجيح رواية زهير فكان على الأقل أن يقال –والحالة هذه-: ليس قول كل واحد منهما أي من الترمذي، وأبي داود بأولى من الآخر؛ فإن كليهما إمام معتبر لا يبعد أحدهما عن الآخر.   1 هدي الساري مقدمة فتح الباري/349. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 كيف وقد أيّد الترمذي ما قاله بما نقله عن ابن مهدي من اتكاله وهو الإمام على إسرائيل في حديث أبي إسحاق بدل سفيان لأن إسرائيل كان يأتي به أتم. فهذه شهادة لها قيمتها من مثل ابن مهدي بل نقل ابن حجر1 عنه أنه قال في حق إسرائيل: "إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة والثوري". فهذا تصريح منه بتقديم إسرائيل في أبي إسحاق ليس في سفيان فقط، بل وفي شعبة أيضاً2 وشعبة وسفيان هما من هما ليس شأنهما هيناً، بل هما جبلان.   1 تهذيب التهذيب 1/263. 2 قال الشيخ أحمد شاكر في "تعليقه على مسند الإمام أحمد بن حنبل" عند الحديث رقم (7711) تحت عنوان "تبرئة إسرائيل من كلمة شانئة وقعت في التهذيب" قال: و"جاءت كلمة في آخر ترجمته في التهذيب" (1/263) توهم جرحاً شديداً هي: وهم ممن رواها، أو ممن روى عمن رواها ففيه: "قال عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي: إسرائيل لص يسرق الحديث". ومعاذ الله أن يوصم بهذا، وعبد الرحمن أجل وأتقى لله من أن يرميه به. والرواية الصحيحة الثابتة ما روى ابن أبي حاتم في ترجمته "الجرح والتعديل" 1/1/330 أخبرنا عبد الله بن أحمد –فيما كتب إلي- حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة سمعت ابن مهدي يقول: "كان إسرائيل في الحديث لصاً" يعني أنه يتلقف العلم تلقفاً. فهذا هو صواب الكلمة وصواب تفسيرها عن أبي بكر بن أبي شيبة وما أظن أن أخاه عثمان فسرها بما جاء في التهذيب. الراجح عندي أنه تفسير ممن نقلها عنه ثم كيف يقول فيه ابن مهدي هذا المعنى المنكر وهو يروي عنه؟ بل يقول: "إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة والثوري" بل إن الذهبي في "الميزان" ترجمة (1/208) ذكر ما تكلم به بعضهم في إسرائيل، ولم يذكر هذه الكلمة، ولا تفسيرها المنكر، بل قال: "إسرائيل اعتمده البخاري ومسلم في الأصول وهو في الثبت كالاسطوانة، فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعّفه" ا?. وقال المعلمي في تعليقه على "الجرح والتعديل" 1/1/330 معلقاً على قول ابن أبي حاتم الذي نقله أحمد شاكر: "في التهذيب (1/263) قال عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي: إسرائيل لص يسرق الحديث". كذا قال والمعروف عن ابن مهدي توثيق إسرائيل والثناء عليه. وفي التهذيب: "وقال ابن مهدي إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة والثوري". فكلمة يسرق الحديث إنما هي من قول عثمان، فسر بها كلمة لص، والصواب ما قاله المؤلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 قال ابن رجب1: "وقد رجحت طائفة إسرائيل في أبي إسحاق خاصة على الثوري وشعبة، ومنهم ابن مهدي" ا?. ولا نفاجأ إذا وجدنا شعبة نفسه يعترف بترجيح إسرائيل عليه في حديث أبي إسحاق، فقد قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"2: "قال حجاج الأعور: قلنا لشعبة: حدثنا حديث أبي إسحاق قال: سلوا عنها إسرائيل فإنه أثبت فيها مني" ا?. قال الذهبي في ميزان الاعتدال3 وقد أورد إسرائيل فيه: "قلت:   1 شرح علل الترمذي/376. 2 1/263. 3 1/209. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 إسرائيل اعتمده البخاري ومسلم في الأصول، وهو في الثبت كالاسطوانة، فلا يلتفت إلى تضعيف من ضعّفه، نعم شعبة أثبت منه إلا في أبي إسحاق" ا?. فأنت ترى أن الذهبي يلفت النظر إلى هذه الناحية، ويؤكذ عليها، وهي تقديم إسرائيل في أبي إسحاق على شعبة؛ لأن إسرائيل أثبت منه فيه. أما رأي أحمد، وابن معين، ومعاذ بن معاذ فهو تقديم شعبة والثوري على إسرائيل في أبي إسحاق، فرأي هؤلاء في شعبة يخالف رأيه هو في نفسه كما لا يخفى. قال ابن حجر1: "وقدم ابن معين وأحمد شعبة والثوري على إسرائيل في حديث أبي إسحاق، وقدمه ابن مهدي عليهما" ا?. وقال ابن أبي خيثمة2: "سمعت ابن معين يقول: أثبت أصحاب أبي إسحاق: الثوري وشعبة، وهما أثبت من زهير وإسرائيل، وهما قرينان. قال: سمعت ابن معين يقول: لم يكن أحد أعلم بحديث أبي إسحاق من الثوري" ا?. وقال ابن المديني3: سمعت معاذ بن معاذ وقيل له: أي أصحاب أبي إسحاق أثبت؟ قال: "شعبة وسفيان" ثم سكت.   1 هدي الساري مقدمة فتح الباري/390. 2 شرح علل الترمذي لابن رجب/373-374. 3 شرح علل الترمذي لابن رجب/373. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 ولا نستغرب إذا عرفنا أن هذا أيضاً رأي الترمذي وهو تقديم شعبة والثوري على إسرائيل وغيره ممن روى عن أبي إسحاق، فقد ذكر الترمذي في كتابه "الجامع"1 أن الثوري وشعبة أحفظ وأثبت من جميع من روى عن أبي إسحاق. ولا خلاف بين هذا وبين ما ذكر هنا مما نحن بصدده، فقد أشار هنا إلى أن إسرائيل أرجح ومقدم في أبي إسحاق من زهير ومن ذكر معه، وواضح أنه ليس فيمن ذكر معه شعبة والثوري. قال ابن حجر2: "وقدمه أحمد في حديث أبي إسحاق على أبيه3، وكذا قدمه أبوه على نفسه" ا?. قال الأثرم4 "وضعّف أحمد حديث يونس بن أبي إسحاق عن أبيه، وقال: "حديث إسرائيل أحبّ إلي منه" ا?. قال أبو طالب5: قلت لأحمد: من أحبّ إليك يونس أو إسرائيل في أبي إسحاق؟ قال: إسرائيل؛ لأنه كان صاحب كتاب.   1 4/230 بشرح تحفة الأحوذي. 2 هدي الساري مقدمة فتح الباري/390. 3 يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو إسرائيل الكوفي، صدوق يهم قليلا، من الخامسة، مات سنة اثنتين وخمسين أي ومئة على الصحيح، روى له البخاري في جزء القراءة، ومسلم، والأربعة. (تقريب التهذيب 1/384) . 4 شرح علل الترمذي لابن رجب/375. 5 الجرح والتعديل 1/1/331 وتهذيب التهذيب 1/262. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وتقديم أبيه له على نفسه ذكره عيسى بن يونس1 أخو إسرائيل قال2: "كان أصحابنا سفيان وشريك وعدّ قوماً إذا اختلفوا في حديث أبي إسحاق يجيئون إلى أبي فيقول: "اذهبوا إلى ابني إسرائيل فهو أروى عنه مني، وأتقن لها مني، هو كان قائد جده". قال شبابة بن سوار3: "قلت ليونس بن أبي إسحاق: أمل علي حديث أبيك. قال: اكتبه عن ابني "إسرائيل" كان أبي أملاه عليه". أما أبو حاتم فجعله مرة من أتقن أصحاب أبي إسحاق4، ومرة قال5: "زهير أحبّ إلينا من إسرائيل في كل شيء إلا في حديث أبي إسحاق". وهذا -كما يبدو- يعود إلى الأول؛ إذ مفهومه: إسرائيل أحبّ إليه من زهير في حديث أبي إسحاق. وقال أبو زرعة –فيما نقله عنه ابن أبي حاتم6- "وإسرائيل أحفظهم".   1 عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي -بفتح المهملة وكسر الموحدة- أخو إسرائيل، كوفي نزل الشام مرابطاً، ثقة مأمون، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين وقيل سنة إحدى وتسعين أي ومئة، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/103) . 2 تهذيب التهذيب 1/262. 3 الجرح والتعديل 1/1/330 وتهذيب التهذيب 1/262. 4 الجرح والتعديل 1/1/331 وانظر "تهذيب التهذيب" 1/263 في ترجمة إسرائيل. 5 الجرح والتعديل 1/2/589 وانظر "تهذيب التهذيب" 3/352 في ترجمة زهير بن معاوية. 6 علل الحديث 1/42. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 وإذا أصغينا إلى قول غيره فيه فلننصت إلى قوله هو عن نفسه وقد أفصح عن حاله في أحاديث جده أبي إسحاق كما قال1 –فيما رواه أخوه عيسى عنه-: "كنت أحفظ حديث أبي إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن". نقل السخاوي في "فتح المغيث"2 عن ابن مهدي أنه قال في إسرائيل: "إنه كان يحفظ حديث جده كما يحفظ سورة الحمد". وأخيراً فما هو رأي القارئ الكريم في كل هذه النقولات؟! بل ما هو رأي المباركفوري نفسه فيها؟ أما أنا فأقول إنه لا يمكن أن يقف أمامها قول أبي داود الذي حكاه الآجري عنه، ونقله المباركفوري معارضاً به وجه تقديم الترمذي إسرائيل على زهير في حديث أبي إسحاق. وقد فرغنا من ذلك ننتقل عقبه إلى شيء آخر لنا فيه وقفة مع المباركفوري، وهو أنه ذكر في جوابه على الوجه الثالث أنه معارض بما نقله الذهبي3 عن أحمد، قال: "حديث زكريا وإسرائيل عن أبي إسحاق لين سمعا منه بآخرة". والحقيقة أن هذا لا يعارض قول الترمذي من كل وجه، غاية ما فيه أن إسرائيل أيضاً ممن سمع من أبي إسحاق بآخره.   1الجرح والتعديل 1/1/330 وتهذيب التهذيب 1/263. 2 1/166. 3 ميزان الاعتدال 2/73 في ترجمة زكريا بن أبي زائدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 أما سماع زهير منه بآخرة فإنه باقي كما صرّح به الترمذي، حيث لم يتعرض له بأي نفي. وإذا كان الأمر كذلك أصبحت رواية زهير ورواية إسرائيل على حدّ سواء؛ لأن زهيراً سمع من أبي إسحاق بآخره؛ بناء على قول الترمذي؛ ولأن إسرائيل سمع منه بآخره؛ بناء على قول أحمد، ويكون التعليل الذي أراد الترمذي أن يعلل به رواية زهير وهو سماعه من أبي إسحاق بآخره موجوداً في رواية إسرائيل. وإذا علم ذلك فالتعارض بهذا الشكل مسلم، أما إذا أريد به إسقاط رواية إسرائيل وترجيح رواية زهير عليها فلا. والواقع أنه وجد من خالف في إسرائيل، ولم أر أحداً خالف في زهير. فإذا كان إسرائيل عند أحمد وعند ابن معين أيضاً1 ممن سمع من أبي إسحاق بآخره، فإن سماعه من أبي إسحاق عند ابن مهدي وأبي حاتم، ويضاف إليها الترمذي متقدم ليس بآخره وقد ذكر الخلاف في ذلك السيوطي في "تدريب الراوي"2، وسبقه إليه العراقي3، فقال السيوطي عقب عد النووي في "تقريبه" لأبي إسحاق فيمن خلط4 من الثقاة:   1 كما سيأتي قريباً. 2 /523. 3 التقييد والإيضاح/445. 4 قال ابن منظور في "لسان العرب" 9/165: "اختلط فلان أي فسد عقله ورجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 "وممن سمع منه حينئذ إسرائيل بن يونس، وزكريا بن أبي زائدة، وزهير، وخالف ابن مهدي، وأبو حاتم في إسرائيل" ا?. وفي نظري لو قدم أحد إسرائيل على زهير في أبي إسحاق بالنسبة لهذا الوجه لكان مندوحة لأن إسرائيل فيه خلاف، أما زهير فلا خلاف فيه، فما هي إلا كلمة واحدة وهي أنه سمع منه بآخره. وأخيراً اذكر بما مضى، أذكر بالثناء الذي لاقاه إسرائيل لحفظه وضبطه وتثبته في حديث أبي إسحاق مما لا يتفق والقول بأنه سمع من أبي إسحاق بآخره؛ لأنه لو كان الأمر كذلك لما وصف بذلك الوصف، وذلك الضبط والإتقان، نتبيّن هذا واضحاً في موقف من خالف في سماعه من أبي إسحاق بآخره؛ إذ هم بعض من أثنى عليه بما سبق. على أنه ينبغي أن يستفاد هنا من شهادة شعبة المتقدمة لإسرائيل، فمع كون شعبة وصف بأنه أقدم سماعاً من إسرائيل في أبي إسحاق فقد رأينا كيف شهد له بأنه أثبت منه في أحاديث أبي إسحاق، وهي شهادة   ورجل خلط بين الخلاطة أحمق مخالط العقل. ويقال: خولط الرجل فهو مخالط واختلط عقله فهو مختلط إذا تغيّر عقله" ا?. وانظر تاج العروس 5/134. وقال السخاوي في "فتح المغيث" 3/231 "وحقيقته أي الاختلاط: فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال إما بخرف أو ضرر أو مرض أو عرض من موت ابن وسرقة مال كالمسعودي أو ذهاب كتب كابن لهيعة أو احتراقها كابن الملقن" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 لها قيمتها، ولا يستغنى عنها المقام، وهذا ابن مهدي يقدم إسرائيل على شعبة والثوري في أبي إسحاق والثوري من أصحاب أبي إسحاق القدماء أيضاً بلا خلاف. نعم على رأي الذهبي الذي ينفى أن يكون أبو إسحاق اختلط لا يبقى لهذه النقطة أي أثر، ويكون بحثها ضرباً من العبث. فإن الذهبي قال في "ميزان الاعتدال"1 عن أبي إسحاق وقد أورده فيه: "من أئمة التابعين بالكوفة وأثباتهم إلا أنه شاخ ونسي ولم يختلط، وقد سمع منه ابن عيينة، وقد تغير قليلا" ا?. ولما قال ابن الصلاح في "علوم الحديث"2: "أبو إسحاق اختلط أيضاً، ويقال: إن سماع سفيان بن عيينة منه بعد ما اختلط ذكر ذلك أبو يعلى الخليلي" ا?. علّق عليه العراقي في "التقييد والإيضاح"3 بقوله: فيه أمور. فنذكر منها: أحدها: أن صاحب الميزان أنكر اختلاطه، ثم نقل كلامه الآنف الذكر، ولم يتعقبه بشيء، بل اكتفى بما ذكر، وكذا فعل في "التبصرة والتذكرة"4.   1 3/270 وانظر: "تذكرة الحفاظ" 1/233 في ترجمة زهير بن معاوية حيث أنكر اختلاط أبي إسحاق. 2 /353. 3 /445. 4 3/266. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وممن اكتفى بالإشارة إلى ذلك والتنبيه عليه أيضاً السخاوي في "فتح المغيث"1، والسيوطي في "تدريب الراوي"2. ولا أدري كيف أنكر الذهبي ذلك، وقد جاء وصفه بالاختلاط على لسان أحمد، ويحيى بن معين، وأبي زرعة، وغيرهم. قال محمد بن موسى بن مشيس3: "سئل أحمد بن حنبل: أيما أحبّ إليك شريك أو إسرائيل؟ فقال: إسرائيل هو أصحّ حديثاً من شريك إلا في أبي إسحاق، فإن شريكاً أضبط عن أبي إسحاق. قال: وما روى يحيى (يعني القطان) عن إسرائيل شيئاً. فقيل: لم؟ فقال: لا أدري أخبرك إلا أنهم يقولون من قبل أبي إسحاق؛ لأنه خلط" ا?. ونقل الدوري عن يحيى بن معين قال4: زكريا وزهير وإسرائيل حديثهم عن أبي إسحاق قريب من السواء سمعوا منه بأخرة، إنما صحب أبا إسحاق سفيان وشعبة. وقال أبو زرعة5 في زهير بن معاوية: "ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط".   1 3/334. 2 /523. 3 التقييد والإيضاح/445، التاريخ 2/134 وليس فيه قوله "سمعوا منه بأخرة". 4 انظر: تهذيب التهذيب 1/263 وشرح علل الترمذي لابن رجب/375. 5 الجرح والتعديل 1/2/589 وميزان الاعتدال 2/86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وقال أبو عثمان البرذعي1: سمعت أبا زرعة يقول: سمعت ابن نمير يقول: سماع يونس وزكريا وزهير من أبي إسحاق بعد الاختلاط. وماذا يعني قول أحمد الذي نقله ابنه صالح عنه2: "إسرائيل عن أبي إسحاق فيه لين سمع منه بآخرة". وكذا قول الترمذي في زهير بن معاوية: "وزهير في أبي إسحاق ليس بذاك؛ لأن سماعه منه بآخرة" إلا أن أبا إسحاق قد اختلط، وإلا فما الفائدة منه. وقد علّق العراقي على قول ابن الصلاح3: "ويقال إن سماع سفيان ابن عيينة منه بعد ما اختلط فقال4: الأمر الثالث: أن المصنف لم يذكر أحداً قيل عنه أن سماعه منه بعد الاختلاط إلا ابن عيينة، وقد ذكر ذلك عن إسرائيل بن يونس، وزكريا ابن أبي زائدة، وزهير بن معاوية، وكذلك تكلم في رواية زائدة بن قدامة عنه5، ثم أخذ يفصّل فقال: أما إسرائيل فقال صالح بن أحمد بن حنبل   1 شرح علل الترمذي لابن رجب/374. 2 الجرح والتعديل 1/1/331 وتهذيب التهذيب 1/262. 3 علوم الحديث/353. 4 التقييد والإيضاح/445. 5 أقول إذا كان هؤلاء ممن سمعوا من أبي إسحاق بعد الاختلاط فإن هذا يدعوا إلى التأمل فيما قاله ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"/431 فإنه ذكر أبا إسحاق السبيعي فيمن طعن فيه من رجال البخاري وقال عنه: "أحد الأعلام الأثبات قبل اختلاطه، ولم أر في البخاري من الرواية عنه إلا عن القدماء من أصحابه كالثوري وشعبة لا عن المتأخرين كابن عيينة وغيره واحتج به الجماعة" ا?. يقول هذا ابن حجر وبين أيدينا رواية زهير عن أبي إسحاق، وهو ممن قالوا فيه وبدون خلاف ممن سمع من أبي إسحاق بآخرة، والواقع أن ابن حجر لم يتعرّض في دفاعه عن رواية زهير هذه التي اختارها البخاري؛ لاختلاط أبي إسحاق، ولا لسماع زهير منه بعد الاختلاط. قال العراقي في "التقييد والإيضاح"/446 معلقاً على قول ابن الصلاح المذكور أعلى "الأمر الرابع" أنه قد أخرج الشيخان في الصحيحين لجماعة من روايتهم عن أبي إسحاق وهم إسرائيل وزكريا وزهيراً، وعد جماعة ثم قال: وقد تقدم أن إسرائيل وزكريا وزهيراً سمعوا منه بآخرة والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 عن أبيه وذكر ما ذكرناه سابقاً عنه، وأما زهير وذكر فيه قول الترمذي. وفي "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم1 قال عبد الله بن أحمد بن حنبل قلت لأبي: "أيّما أحبّ إليك؟ أبو إسحاق أو السدي. فقال: أبو إسحاق ثقة، ولكن هؤلاء الذين حملوا عنه بآخرة" ا?. وقال البرهان الحلبي في كتابه "الاغتباط بمن رمى بالاختلاط"2 عن أبي إسحاق. "وقد ذكره أيضاً فيهم (يعني في المختلطين) ابن الصلاح" ا?.   1 3/1/243 وانظر (تهذيب التهذيب 8/64-65) في ترجمة أبي إسحاق. 2 /20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وتبع ابن الصلاح النووي في "تقريبه"1 فأورده فيهم. وكذا أورده ابن الكيال في كتابه "الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات"2، ونقل أقوال أهل العلم في اختلاطه. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"3 عنه أيضاً: "اختلط بأخرة". إلى غير ذلك مما يطول ذكره، وما أوردته فيه كفاية ومقنع على وصف أبي إسحاق بالاختلاط. خاصة أن من الواصفين له بذلك من هو أقرب إلى زمنه كثيراً كأحمد، وابن معين، وأبي زرعة، وهؤلاء أئمة كبار، وعلماء أثبات. هذا ولا يخفى ما بين الذهبي، وأبي إسحاق من القرون المتطاولة. والواقع أني فتشت كثيراً من الكتب علِّي أجد سلفا للذهبي، وسندا له في نفي الاختلاط عن أبي إسحاق، إلا أنني بعد طول بحث وتنقيب لم أجد، ثم عثرت أخيراً على قول لابن شاهين قلت: يمكن أن يصلح دليلا لما ذكره الذهبي؛ فقد أورد ابن شاهين أبا إسحاق في كتابه الثقات4، وقال: "ثقة تغير قبل موته من الكبر ساء حفظه" ا?.   1 /523 بشرحه تدريب الراوي. 2 /225 نسخة بالآلة الكاتبة محققة؛ لنيل درجة الماجستير من مكة. جامعة الملك عبد العزيز. 3 2/73. 4 مصورة ورقة 34. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 فكلام ابن شاهين هذا أفاد أن أبا إسحاق حصل له تغير قبل موته، بأن ساء حفظه ونقص، وذلك بسبب تقدم العمر به، وليس فيه أنه اختلط. وأخيراً الذي يبدو بعد ذلك كله أن الحق في تقديم رواية زهير التي اختارها البخاري، وترجيحها على رواية إسرائيل التي اختارها الترمذي؛ فإن الصواب كان حليفاً للبخاري، وأظهر شيء في ترجيح رواية زهير على رواية إسرائيل أن رواية زهير موصولة، وهذا بخلاف رواية إسرائيل فإنها منقطعة بصريح قول الترمذي: "أبو عبيدة بن مسعود1 لم يسمع من أبيه ولا يعرف اسمه".   1 "أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته والأشهر أن لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي، ثقة من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصحّ سماعه من أبيه، مات بعد سنة ثمانين أي ومئة، روى له أهل السنن الأربعة". (تقريب التهذيب 2/448) وفي "تهذيب التهذيب" 5/75 رمز لاسمه بعلاّمة الجماعة، وهو الصواب إن شاء الله تعالى. قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 4/2/403: سئل أبو زرعة عن اسم أبي عبيدة هذا؟ فقال: "اسمه وكنيته واحد" وقال سمعت أبي يقول: "أبو عبيدة لا يسمى" ا?. وفي "تهذيب الكمال" 5 ورقة 323: "عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي أبو عبيدة الكوفي ويقال اسمه كنيته" ا?. وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 5/76: قال الترمذي في "العلل الكبير" قلت لمحمد: "أبو عبيدة ما اسمه؟ فلم يعرف اسمه وهو كثير الغلط" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 ثم ساق بسنده الصحيح إلى عمرو بن مرة، قال: "سألت أبا عبيدة ابن عبد الله: هل تذكر من عبد الله شيئاً قال: لا" ا?. قال المباركفوري صاحب تحفة الأحوذي1:"هذا نص صحيح صريح في أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه شيئاً، وهو القول الراجح" ا?. وهذا الذي قال أنه هو القول الراجح مأخوذ فيما يبدو من كلام ابن حجر في "تقريب التهذيب"2: "والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه" ا?. وذكر في "فتح الباري"3: "أنه لم يسمع من أبيه على الصحيح". ومفهوم ذلك أنه مختلف في سماعه من أبيه إلا أن الصحيح، والراجح هو عدم سماعه من أبيه، وهذا المفهوم قد نطق به ابن حجر في "طبقات المدلسين"4 فقال –وقد ذكر أبا عبيدة في الثالثة منها-: "ثقة مشهور، حديثه عن أبيه في السنن وعن غير أبيه في الصحيح، واختلف في سماعه من أبيه، والأكثر على أنه لم يسمع منه، وثبت له لقاؤه، وسماع كلامه، فروايته عنه داخلة في التدليس، وهو أولى   1 1/88. 2 2/448. 3 1/257. 4 /13. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 بالذكر من أخيه عبد الرحمن"1 ا?. وممن نفى سماعه من أبيه صراحة أبو حاتم؛ فإنه قال: "أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من عبد الله بن مسعود "رضي الله عنه" نقل ذلك عنه ابنه في "المراسيل"2. وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" أيضاً3 سألت أبي عن أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود: هل سمع من أبيه عبد الله؟ فقال: لم يسمع. قلت: فإن عبد الواحد بن زياد روى عن أبي مالك الشجعي، عن عبد الله بن أبي هند، عن أبي عبيدة قال: "خرجت مع أبي لصلاة الصبح، فقال أبي: ما أدري ما هذا؟ عبد الله بن أبي هند4 من هو؟ " ا?. والأثر المذكور أورده العلائي في "جامع التحصيل"5، فقال: وقد روى عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي عبيدة قال: خرجت ... الخ.   1 عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي المسعودي، صدوق اختلط قبل موته وضابطه: أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط، من السابعة، مات سنة ستين وقيل: سنة خمس وستين أي ومئة، روى له البخاري تعليقاً، وأهل السنن الأربعة. (تقريب التهذيب 1/487) . 2 /257. 3 /256 وانظر (تهذيب التهذيب 5/75) . 4 قال البخاري: عبد الله بن أبي هند عن أبي عبيدة، روى عن أبي مالك الأشجعي لا يصح حديثه. التاريخ الكبير 3/2/223-224. وانظر: ميزان الاعتدال 2/517. 52/467 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وأنت تلاحظ أنه سقط من هذا الإسناد ابن أبي هند، وفي آخره قال العلائي: "وضعّف أبو حاتم هذه الرواية" ا?. وذكر ابن أبي حاتم في "المراسيل"1 بإسناده إلى سلم بن قتيبة قال: قلت لشعبة: "إن البري يحدثنا عن أبي إسحاق أنه سمع أبا عبيدة يحدّث أنه سمع ابن مسعود، قال: أوه كان أبو عبيدة ابن سبع سنين وجعل يضرب جبهته"2 ا?. وقد عقب ابن حجر3 على هذا بقوله: "هذا الاستدلال بكونه ابن سبع سنين على أنه لم يسمع من أبيه ليس بقائم، ولكن راوي الحديث عثمان4 ضعيف والله أعلم" ا?. أما العيني في "عمدة القارئ"5 فإنه يقرر سماع أبي عبيدة من أبيه ويثبته، وهو في هذا يرد على ابن حجر الذي قرر عدم سماعه منه، وقد تولى الرد على العيني المباركفوري فقال6: تنبيه: قال العيني في "شرح البخاري" راداً على الحافظ ما لفظه: وأما قول هذا القائل أبو عبيدة لم   1/256 2وأورد ابن أبي حاتم هذا النص أيضاً في "تقدمة الجرح والتعديل"/147 وفي "الجرح والتعديل" 3/1/167. 3تهذيب التهذيب 5/76. 4 اسمه عثمان بن مقسم البري انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" 3/1/167. 5 1/734. 6 تحفة الأحوذي 1/88-89 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 يسمع من أبيه فمردود بما ذكر في "المعجم الأوسط" للطبراني من حديث زياد بن سعد عن أبي الزبير، قال حدثني يونس بن عتاب الكوفي سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر أنه سمع أباه يقول: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرة ... الحديث، وبما أخرج الحاكم في "مستدركه"1 من حديث أبي إسحاق عن أبي عبيدة، عن أبيه في ذكر يوسف عليه السلام وصحح إسناده، وربما حسّن الترمذي عدة أحاديث رواها عن أبيه: منها لما كان يوم بدر جيء بالأسرى2، ومنها كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف3. ومنها قوله {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} 4، ومن شرط الحديث الحسن أن يكون متصل الإسناد عند المحدثين انتهى كلام العيني. قلت (القائل المباركفوري) : "لا بد للعيني أن يثبت أولا صحة رواية "المعجم الأوسط"، ثم بعد ذلك يستدل بها على صحة سماع أبي عبيدة ودونه خرط القتاد. وأما استدلاله على سماعه من أبيه بما أخرجه الحاكم وتصحيحه   1 2/572. 2 سنن الترمذي 8/476 مع تحفة الأحوذي. 3 سنن الترمذي 2/361 مع تحفة الأحوذي والرضف بسكون المعجمة وبفتحها وبعدها فاء: الحجارة المحماة على النار واحدتها رضفة كناية عن التخفيف في الجلوس. انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/231. 4 سنن الترمذي 8/362-363 مع تحفة الأحوذي. والآية في آل عمران/169. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 فعجيب جداً؛ فإن تساهله مشهور، وقد ثبت بسند صحيح عن أبي عبيدة نفسه عدم سماعه من أبيه كما عرفت. وأما استدلاله على ذلك بما حسّن الترمذي عدة أحاديث رواها عن أبيه، فمبني على أنه لم يقف على أن الترمذي قد يحسن الحديث مع الاعتراف بانقطاعه، وقد ذكرنا ذلك في المقدمة" ا?. هذا وقد نفى ابن حبان سماعه أي شيء من أبيه، قال ابن حجر1: "ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: لم يسمع من أبيه شيئاً" ا?. وفي "تهذيب الكمال"2: "روى عن أبيه ولم يسمع منه" ا?. هكذا على الجزم. وإذا تقرر أن الراجح عدم سماعه من أبيه، وأنه هو قول الأكثرية، وأنه ثبت ذلك عنه هو نفسه، فيكون انقطاع رواية إسرائيل ظاهراً. أما رواية زهير فإنها –كما سبق- موصولة، وتكون صحيحة؛ لمتابعاتها. قلت هذا لأجل علة الاختلاط في أبي إسحاق وزهير ممن أخذ عنه بآخرة، أي بعد ما اختلط، فلما اعتضدت رواية زهير برواية إسرائيل وكان المتن صحيحاً، عرفنا منه أنه لم يختلط فيه، وكذا عرفنا هذا بالمتابعات الأخرى التي سبق ذكرها.   1 تهذيب التهذيب 5/75. 2 5 ورقة 323. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وممن اعتبرها صحيحة ابن تيمية فقال في "الفتاوى"1: "وبعض ما يصححه الترمذي ينازعه غيره فيه، كما قد ينازعونه في بعض ما يضعّفه ويحسّنه، فقد يضعّف حديثاً ويصححه البخاري، كحديث ابن مسعود لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أبغني أحجاراً استنفض بهن قال: فأتيته بحجرين وروثة قال: فأخذ الحجرين، وترك الروثة، وقال: إنها رجس. فإن هذا قد اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي، فجعل الترمذي هذا الاختلاف علة، ورجح روايته له عن أبي عبيدة عن أبيه وهو لم يسمع من أبيه وأما البخاري فصححه من طريق أخرى؛ لأن أبا إسحاق كان الحديث يكون عنده عن جماعة يرويه عن هذا تارة وعن هذا تارة، كما كان الزهري يروي الحديث تارة عن سعيد بن المسيب، وتارة عن أبي سلمة، وتارة يجمعهما، فمن لا يعرفه فيحدث به تارة عن هذا، وتارة عن هذا، يظن بعض الناس أن ذلك غلط، وكلاهما صحيح، وهذا باب يطول وصفه".   1 المجلد 18/24. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 الحديث الثّالث: باب ما جاء في المسح على الخفين: أعلاه وأسفله. من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/162-163 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 حدثنا أبو الوليد الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم أخبرني ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة بن شعبة1: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلا الخف2 وأسفله". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء. وبه يقول مالك، والشافعي، وإسحاق3. وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم. قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة، ومحمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة، قال: حدثت عن كاتب المغيرة: مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه المغيرة.   1 المغيرة بن شعبة بن مسعود بن معتب الثقفي صحابي مشهور، أسلم قبل الحديبية، وولى إمرة البصرة، ثم الكوفة، مات سنة خمسين على الصحيح، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/269) وانظر (الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 3/452) . 2 الخف: نعل من أدم يغطى الكعبين (نيل الأوطار 1/212) 3 كذا عدّ الترمذي إسحاق من القائلين بالمسح على أعلا الخف وأسفله، وفي "المغني" لابن قدامة 1/306 أن إسحاق قال: "لا يسن مسح أسفله" وانظر "الاستذكار" لابن عبد البر 1/284 فقد عدّ إسحاق ممن يقول بالمسح على ظاهر الخفين دون بطونهما كأبي حنيفة، وأحمد وداود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 تخريج الحديث فيما يلي: بيان ذكر من أخرج الحديث سوى الترمذي وهم:- أبو داود في "سننه"1. بلفظ: "وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فمسح على الخفين وأسفلهما" قال أبو داود: "وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء" ا?. فرواية أبي داود هذه ورواية الدارقطني "الآتية بينت ظرف هذا الحديث وهو غزوة تبوك" ابن ماجة في "سننه"2. أحمد في "مسنده"3. البخاري في "التاريخ الكبير"4 و"الصغير"5. ابن الجارود في "المنتقى"6. الدارقطني في "سننه"7. بلفظ: "وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة   1 1/79. 2 1/182 رقم الحديث (550) . 3 4/251. 4 4/2/185-186 في ترجمة ورّاد كاتب المغيرة بن شعبة. 5 1/292 في ترجمة ورّاد أيضاً. 6 /38. 7 1/195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 تبوك، فمسح أعلا الخف وأسفله". البيهقي في "السنن الكبرى"1. ابن الجوزي في "التحقيق"2. بإسناده إلى أحمد بن حنبل. وفي "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية"3 بإسناده إلى الترمذي. أبو نعيم في "الحلية"4 بإسناده إلى أحمد بن حنبل، وقال: "غريب من حديث رجاء لم يروه عنه الأثور" ا?. الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"5 بإسناده إلى أحمد بن حنبل كلهم من طريق الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد. ذكر العلل الواردة على هذا الحديث لقد صُوِّبت نحو هذا الحديث السهام، فذكرت له عدة علل بمثل ما ذكره الترمذي منها: أهمها، وقد اعتنى ببسطها والكلام عليها جملة من العلماء منهم: ابن دقيق العيد، وابن سيّد الناس، وابن القيم، والزيلعي، وابن حجر، والشوكاني.   1 1/290. 2 1/163. 3 1 ورقة 117 وانظر: "كتاب تلخيص العلل المتناهية" للذهبي ورقة 30. 4 5/176 في ترجمة رجاء بن حيوة. 5 2/135 في ترجمة محمد بن جعفر بن محمد بن المهلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 والعلل الواردة على هذا الحديث هي: أولا: أنه مرسل: أعله بذا الترمذي، والبخاري، وأبو زرعة، وأحمد، والدارقطني. قال الترمذي: "وهذا حديث معلول لم يسنده عن ثور بن يزيد1 غير الوليد بن مسلم" ا?. فحكم عليه بأن فيه علة، ثم بيّن هذه العلة –مستشهداً لها من كلام البخاري، وأبي زرعة بمخالفة ابن المبارك للوليد بن مسلم، فقال: "لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم" ومراده: أن كل من روى هذا الحديث عن ثور بن يزيد جعله عن كاتب المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم –مرسلا من غير ذكر المغيرة ما عدا الوليد بن مسلم، فإنه أسنده- أي جعله متصلا مرفوعاً- حيث قال: عن كاتب المغيرة عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الترمذي من البخاري وأبي زرعة سائلا إياهما عن حكم هذا الحديث؟ كأنه يستوثق لقوله فقالا له -فيما حكاه عنهما-: "ليس   1 ثور بن يزيد: -بزيادة تحتانية في أول اسم أبيه- أبو خالد الحمصي، ثقة ثبت، إلا أنه يرى القدر، من السابعة، مات سنة خمسين وقيل ثلاث أو خمس وخمسين أي ومئة، روى له البخاري وأهل السنن الأربعة. (تقريب التهذيب 1/121) انظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 2/33 و"ميزان الاعتدال" 1/374 و"المغني في الضعفاء" 1/124 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/394 و"تذكرة الحفاظ" 1/75 و"الجرح والتعديل" 1/1/468 و"التاريخ الكبير" 1/2/181 و"التاريخ الصغير" 2/99-100 و"العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد بن حنبل/240 و"الضعفاء" للعقيلي 1 ورقة 64. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 بصحيح؛ لأن ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء بن حيوة1 قال: حدثت عن كاتب المغيرة2 مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولم يذكر فيه المغيرة". فاتفقت إجابتهما على تعليل حديث الوليد بالإرسال بدليل أن ابن المبارك3 –وهو أوثق وأحفظ من الوليد4- رواه مرسلا فخالف الوليد،   1 رجاء بن حيوة: -بفتح المهلمة وسكون التحتانية وفتح الواو- الكندي أبو المقدام ويقال أبو نصر الفلسطيني، ثقة فقيه، من الثالثة مات سنة اثنتي عشرة أي ومئة، روى له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأهل السنن الأربعة. (تقريب التهذيب 1/248) وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 1/265 و"تذكرة الحفاظ" 1/118 و"الجرح والتعديل" 1/2/501 و"التاريخ الكبير" 1/2/312 و"حلية الأولياء" 5/170. 2 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 3 عبد الله بن المبارك المروزي مولى بني حنظلة، ثقة ثبت، فقيه عالم، جواد مجاهد، جمعت فيه خصال الخير، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين أي ومئة، وله ثلاث وستون، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 1/445) . وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 5/382 و"تذكرة الحفاظ" 1/274 و"التاريخ الكبير" 3/1/212 و"التاريخ الصغير" 2/225 و"تاريخ بغداد" 10/152 و"شرح علل الترمذي لابن رجب"/178. 4 الوليد بن مسلم القرشي مولاهم أبو العباس، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين أي ومئة، روى له الجماعة. (المصدر السابق 2/336) . انظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 11/151 و"ميزان الاعتدال" 4/347 و"المغني في الضعفاء" 2/725 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/450 و"تذكرة الحفاظ" 1/302 و"الجرح والتعديل" 4/2/16-17 و"التاريخ الكبير" 4/2/152-153 و"التاريخ الصغير" 2/276-277 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 فلتعل رواية الوليد المسندة برواية ابن المبارك المرسلة. أما أحمد فقد قال عنه الأثرم1: إنه كان يضعّفه، ويقول: ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال: عن ابن المبارك عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة –ولم يذكر المغيرة. وقال عبد الله بن أحمد2: حدثنا أبي قال: قال عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن ثور بن يزيد قال: حدثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلا الخفين وأسفلهما". قال أحمد3: وقد كان نعيم بن حماد حدثني به: عن المبارك، كما حدثني الوليد بن مسلم به.   1 "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" (1/13) وشرح سنن الترمذي لابن سيد الناس مخطوط (1) ورقة (16) وجه أو"نصب الراية" (1/181-182) و"التلخيص الحبير" 1/159. ونقل الخطيب البغدادي عقب تخريجه لحديث الوليد من طريق صالح بن أحمد عن أبيه أنه قال: "قال أبي: فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن مهدي فذكر عن ابن المبارك عن ثور قال حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة ولم يذكر المغيرة. قال أبي: ولا أرى الحديث يثبت وقد روى عن سعد وأنس: أنها مسحا أعلا الخفين". 2 انظر: تهذيب سنن أبي داود 1/281 مع عون المعبود. 3 شرح سنن الترمذي لابن سيد الناس (1) ورقة (16) وجه (أ) والتلخيص الحبير 1/159. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 فقلت له: إنما يقول هذا الوليد، فأما ابن المبارك فيقول: حدثت عن رجاء –ولا يذكر المغيرة. فقال لي نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه. فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق، فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم "عن المغيرة" فأوقفته عليه، وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها، فجعل يقول بعد –وأنا أسمع-: اضربوا على هذا الحديث" ا?. فحديث ابن المبارك هذا يرويه عنه اثنان ابن مهدي ونعيم ابن حماد، إلا أن الأول يرويه عنه مرسلا، والثاني يرويه عنه مسنداً ولكنه رجع لما رأى "عن المغيرة" ملحقة بين السطرين بخط جديد. ولا شك بترجيح ابن مهدي1 على نعيم بن حماد2. فأحمد يؤكد على إرسال الحديث، ويخبر بأنه ذكر لعبد الرحمن بن مهدي حديث الوليد فما كان من ابن مهدي إلا أن رواه له عن ابن   1 تقدمت ترجمته في الحديث الثاني. 2 نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي أبو عبد الله المروزي، نزيل مصر، صدوق يخطئ كثيراً، فقيه عارف بالفرائض، من العاشرة، مات سنة ثمان وعشرين أي ومئتين على الصحيح، وقد تتبع ابن عدي ما أخطأ فيه، وقال: -باقي حديثه مستقيم-/ روى له البخاري، ومسلم في مقدمة صحيحه، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة (تقريب التهذيب 2/305) وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 10/458 و"ميزان الاعتدال" 4/267 و"المغني في الضعفاء" 2/700 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/447 و"الجرح والتعديل" 4/1/463 و"التاريخ الكبير" 4/2/100 و"الضعفاء والمتروكين للنسائي"/101. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 المبارك مرسلا، مشيراً إلى أنه هكذا الحديث ليس كما أورده الوليد. أما الدارقطني فإنه قال في "العلل"1 -وقد سئل عن حديث الوليد هذا-: "لا يثبت لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً". ثانيا: أنه منقطع، وقد أشار إلى علة الانقطاع فيه أبو داود، حيث قال عقب تخريجه له2: "وبلغني أنه لم يسمع ثور من رجاء". وكذا قال موسى بن هارون الحمال3 والبغوي4: "لم يسمع ثور من رجاء". وهي واضحة فيما نقله أحمد عن ابن مهدي، وفيما نقله الترمذي عن البخاري، وأبي زرعة، وفيما قاله الدارقطني في "العلل"5 "رواه عبد الرحمن بن مهدي عن ابن المبارك عن ثور قال: حدثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا" ا?. وبعد النظر في هذه العلة تبين لي عدم اتفاقهم على محلها، وقد وجدت أحمد شاكر سبقني إلى التنبه لذلك والتنبيه عليه حيث قال6:   1 مصور المجلد الثاني/102. 2 سنن أبي داود 1/79. 3 التلخيص الحبير 1/159. 4 شرح السنة 1/463. 5 المجلد الثاني/102. 6 سنن الترمذي بتعليق وعناية أحمد شاكر 1/164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 "فكلام أحمد وأبي داود والدارقطني يدل على أن العلة أن ثوراً لم يسمعه من رجاء، وهو ينافي ما نقله الترمذي هنا عن البخاري، وأبي زرعة أن العلة أن رجاء لم يسمعه من كاتب المغيرة، وأنا أظن أن الترمذي نسي فأخطأ فيما نقله عن البخاري وأبي زرعة" ا?. فأحمد شاكر يميل –فيما يظهر- إلى تخطئة الترمذي في النقل عن البخاري، وأبي زرعة الناتج عن نسيانه والرجوع في محل العلة إلى موطنها الذي يدل عليه كلام أحمد، وأبي داود، والدارقطني، ولعله مما يصلح حجة هنا أن البخاري نفسه روى حديث ابن المبارك في "التاريخ الكبير"1، و"الصغير"2 من طريق أحمد عن ابن مهدي عنه وفيه الانقطاع بين ثور ورجاء تماماً، كما رواه غير البخاري عن أحمد. قال الدكتور محمد أمين المصري المشرف السابق رحمه الله: "يمكن أن يكون الخطأ من نقل الترمذي ومعنى ذلك أننا نرجح ما رواه الأكثرون، ويمكن أن يكون الترمذي نقل أيضاً كما نقل الآخرون، ولكن النساخ من بعده أخطأوا، وقد أشار إلى ذلك ابن الصلاح وغيره، وأكدوا على كل باحث بأن يعنى عناية دقيقة بأن تكون النسخة التي بين يديه من جامع الترمذي مصححة". وأنا أقول: أنه يمكن تمشية ذلك لولا أني رأيت ابن القيم3 ذكر أن   1 4/2/186. 2 1/292. 3 تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود 1/284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 بعض الحفاظ قال: "أخطأ الوليد بن مسلم في هذا الحديث في موضعين: أحدهما: أن ثورا لم يسمعه من رجاء. الثاني: أن رجاء لم يسمعه من كاتب المغيرة، وإنما قال: "حدثت عنه". ولا شك أن هذا الذي ذكر عن بعض الحفاظ يجمع بين القولين المختلفين، ويقضي على الاختلاف، فيكون لا منافاة بين كلام أحمد، وأبي داود، والدارقطني، وبين ما نقله الترمذي عن البخاري وأبي زرعة، بل يكون كل فريق من الفريقين ذكر موضعاً من الموضعين اللذين أخطأ فيهما الوليد التي اعتنت رواية ابن المبارك ببيانها. قال الدكتور محمد أمين المصري رحمه الله: "كلام ابن القيم ينقذ الترمذي من الوهم، ولكن إذا أخذنا بكلامه فرواية ابن المبارك يكون فيها انقطاع في موضعين بين ثور ورجاء وبين رجاء وكاتب المغيرة، ومعنى هذا: أن الرواية التي ذكرها البخاري وأبو زرعة بنقل الترمذي قد قصرت، وكذلك الرواية التي نقلت برواية أحمد تكون قد قصرت أيضاً" ا?. وحتى نبني أمورنا على التأكد والتثبت قبل تخطئة شيء وقبول شيء آخر يخالفه، رأيت لزاماً على الرجوع إلى المصادر؛ لأقف بنفسي عن كثب فأتعرّف هل سمع رجاء من كاتب المغيرة أولا؟ ومعنى هذا –في نظري- أنه إذا لم يسمع منه تكون رواية البخاري وأبي زرعة بنقل الترمذي لها نصيب من القبول وربما يقال: لا سبيل لنا إلى تخطئة الترمذي وإلصاق الوهم به، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 وبرجوعي إلى شيء من تلك المصادر وجدت العلائي1 ينقل عن أحمد بن حنبل أنه قال: "لم يلق رجاء بن حيوة ورّاداً يعني كاتب المغيرة". قال العلائي2: وكذلك ذكر الترمذي عن البخاري وأبي زرعة عقب حديث رجاء عن ورّاد كاتب المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث، ونقل كلام البخاري وأبي زرعة عليه الذي حكاه عنهما الترمذي. كما نجد ابن حجر في "تهذيب التهذيب"3 بعد أن نقل ذلك عن أحمد قال: "وكذا حكى الترمذي عن البخاري وأبي زرعة" ا?. فاتضح أن لما ذكره الترمذي عن البخاري وأبي زرعة نصيباً من الصحة والصواب. ثالثاً: أنه مدلس: وذلك أن الوليد بن مسلم لم يصرّح فيه بالسماع من ثور بن يزيد بل قال فيه: "عن ثور"، والوليد مدلس4 فلا يحتج بعنعنته ما لم يصرّح بالسماع.   1 جامع التحصيل 1/377 وانظر "المغني لابن قدامة" 1/307. 2 كلام العلائي هذا ألحقته هنا من نسخة جامع التحصيل التي طبعت مؤخراً في العراق بتحقيق وتخريج حمدي عبد المجيد السلفي/211، وهو زائد على ما في نسخة جامع التحصيل المحققة؛ لنيل درجة الماجستير بمكة؛ والتي استعملها في جميع هذه الرسالة. 3 3/266. 4 ذكره ابن حجر في الطبقة الرابعة من "طبقات المدلسين"/13 وهي من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل. وقد قال فيه: "الوليد بن مسلم الدمشقي معروف موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 رابعاً: أن كاتب المغيرة مجهول: فهو غير معروف. قال البيهقي في المعرفة: "وضعّف الشافعي في القديم حديث المغيرة بأن لم يسم رجاء بن حيوة كاتب المغيرة" ا?. وقال ابن حزم1: "أنه لم يسم فيه كاتب المغيرة" ا?. الجواب عن العلل الواردة على هذا الحديث هذه هي مجموع العلل التي أعل بها هذا الحديث، وفي العلة الرابعة نظر؛ فإنها مدفوعة بما جاء من التصريح باسمه كما في رواية ابن ماجة. قال ابن القيم2: "وأيضاً فالمعروف بكاتب المغيرة هو مولاه "ورّاد" وقد خرج له في الصحيحين3، وإنما ترك ذكر اسمه في هذه الرواية لشهرته، وعدم التباسه بغيره، ومن له خبرة بالحديث ورواته لا يتمارى في أنه ورّاد كاتبه" ا?. وقال ابن سيد الناس4: "إن وصفه بكتابة المغيرة (كذا) قائم مقام التسمية؛ لأن ورّاد مولاه هو المعروف بذلك وهو مخرج له في الصحيح، وقد أخرج أصحاب الأطراف هذا الحديث في ترجمة ورّاد عن   1 المحلى 2/114. 2 تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود 1/283. 3 انظر (الجمع بين رجال الصحيحين لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني 2/544 رقم الترجمة 2121) 4 شرح سنن الترمذي 1 ورقة 16 وجه أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 المغيرة1، ونسبه كذلك ابن عساكر لتخريج أبي داود والترمذي، وهو عندهما كذلك عن كاتب المغيرة" ا?. وقال الشيخ أحمد شاكر2: "وكاتب المغيرة هو ورّاد –بفتح الواو وتشديد الراء- أبو سعيد الثقفي وقد اشتهر بهذا اللقب حتى صار كالعلم عليه، وقد صرّح باسمه في رواية ابن ماجة في هذا الحديث" ا?. وقال ولي الدين أحمد بن زين الدين عبد الرحيم العراقي في كتابه "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد"3: "حديث رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة في المسح على الخفين. كذا في أبي داود وغيره وهو ورّاد" ا?. وأورده ابن حجر في باب المبهمات من "تهذيب التهذيب"4 فيمن   1 انظر (تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي 8/497 فقد أورد هذا الحديث في ترجمة ورّاد عن المغيرة) . 2 في تعليقه على "سنن الترمذي" 1/165. 3 /18. 4 12/367 وانظر (تقريب التهذيب 2/573) وقد ترجمه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/330 في حرف الواو فقال: "ورّاد" بتشديد الراء أبو سعيد أو أبو الورد الكوفي كاتب المغيرة ومولاه ثقة من الثالثة/ روى له الجماعة" ا?. وانظر في مصدر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 11/112 و"تهذيب الأسماء واللغات" الجزء الثاني من القسم الأول/144 و"التاريخ الكبير" 4/2/185 و"الصغير" 1/292 و"الجرح والتعديل" 4/2/48 و"تبصرة المنتبه" 4/1469. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 عرف اسمه فقال: "رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة، اسمه ورّاد" ا?. وكذا العلة الثالثة فإنها محل نظر؛ فإن رواية الترمذي تأباها إذ فيها رواية الوليد بالإخبار، وكذلك رواية أبي داود أما رواية أحمد وابن ماجة ففيها التصريح بالتحديث، من هنا فقد أمن تدليس الوليد فلا تدليس. ويرى ابن سيد الناس أن التعليل بتدليس الوليد لا يزال قائماً؛ لأن النوع الذي رمي به الوليد بن مسلم من التدليس هو المسمى عندهم تدليس التسوية، قال هذا في معرض رده على شيخه ابن دقيق العيد الذي قال عن وجه تعليل الحديث بتدليس الوليد: "وهذا الوجه ليس بشيء" بعد أن اتضح له الأمن من تدليس الوليد بما جاء من الأخبار بين الوليد وثور. قال ابن سيّد الناس1: "وقوله: (ليس بشيء) بل هو وجه من التعليل صحيح؛ لما يأت عنه بجواب، وجوابه عنه "بأنه قد أمن تدليس الوليد بقوله أخبرني في رواية من روى ذلك عنه" دليل على أنه لم يأت على المراد من هذا التعليل؛ لأن التصريح بتلك العبارة لا يسقطه". وبيانه: أن النوع الذي رمي به الوليد بن مسلم من التدليس هو نوع يسمى عندهم "التسوية"2، وهو يختص بالتدليس في شيخ شيخه لا في شيخه، وذلك: أن يعمد لأحاديث مثلا رواها هو عن الأوزاعي وهي عند   1 شرح سنن الترمذي 1 ورقة 16 وجه ب. 2 انظر: "فتح المغيث" للسخاوي 1/182-183. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 الأوزاعي عن شيوخ له ضعفاء رووها عن الثقات، وشيوخ الأوزاعي كحديث يكون فيه بين الأوزاعي والزهري، أو بين الأوزاعي ونافع، أو بين الأوزاعي وعطاء رجل ضعيف، ويروي الحديث عن الأوزاعي عن الزهري أو عطاء أو نافع كيف ما كان، وكلهم شيوخ للأوزاعي فيروج بذلك الخبر عند سامعه؛ لعلمه أن الأوزاعي روى عن أولئك الشيوخ، وكذلك مثله ابن الجوزي1 مثالا مستقيماً. والوليد موصوف عندهم بهذا النوع من التدليس، ومن هذا الضرب ما يخشى وقوعه هاهنا، فإنه قال: أخبرني ثور عن رجاء فأتى به بصيغة العنعنة، وهي لا تدل على الاتصال من مثله، فبقي التدليس غير مأمون، وقلما يرتكب التدليس ويسقط الواسطة إلا لمقتض اقتضاه، فقد كانت مثل هذه العنعنة من الوليد في مثل هذا الموضع كافية في التعليل، لاسيما وقد صحّ عن ابن المبارك وهو من عرف محله قوله في هذا الحديث عن ثور حدثت عن رجاء بن حيوة، فنبه على ثبوت واسطة مجهول فاقتضى كما هو المعهود من تسوية الوليد الضعف أو الجهالة في ذلك الواسطة المطوي الذكر، وتصريح الوليد بن مسلم بقوله (أنا) ثور عن رد هذا التعليل بمعزل" ا?. والظاهر أن تعريف تدليس التسوية لا ينطبق على حديث الوليد الذي معنا؛ لأن ثوراً لم يسمع من رجاء فهو ليس شيخاً له، أما ما جاء   1 التحقيق في أحاديث الخلاف 1/163 والعلل المتناهية في الأحاديث الواهية (1 ورقة 177) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 في سنن الدارقطني من التصريح بالتحديث بين ثور ورجاء فقد رده ابن حجر مما تجده فيما بعد أثناء الكلام عن العلة الثانية، وأيضاً ممن رده ابن سيّد الناس نفسه في شرحه المذكور لسنن الترمذي. أما بالنسبة للعلة الثانية وهل الانقطاع بين ثور ورجاء منفي أو لا؟ فقد قال ابن حجر1: "ووقع في سنن الدارقطني2 ما يوهم رفع العلة وهي حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز3، ثنا داود بن رشيد4 عن الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد، ثنا رجاء بن حيوة فذكره". فهذا ظاهره أن ثوراً سمعه من رجاء فتزول العلة، ولكن رواه أحمد ابن عبيد الصفار في "مسنده"، عن أحمد بن يحيى الحلواني5، عن داود بن   1 التلخيص الحبير 1/160. 2 1/195. 3 قال عنه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/737: "الحافظ الثقة الكبير مسند العالم أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان البغوي الأصل، البغدادي، ابن بنت أحمد بن منيع، مولده في رمضان سنة 214?، وتوفي 317?". وقد ذكرت ترجمته فيما مضى. 4 داود بن رشيد بالتصغير الهاشمي مولاهم الخوارزمي، نزيل بغداد، ثقة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين أي ومئتين، روى له البخاري في "الأدب المفرد"، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة. (تقريب التهذيب 1/231) . 5 رغم ما بذلت من جهد فأني لم أقف له على ترجمة، وقد بحثت عن ترجمته في تهذيب التهذيب، وتذكرة الحفاظ، وتاريخ بغداد، الجرح والتعديل، والتاريخ الكبير، والصغير، وميزان الاعتدال، ولسان الميزان، والأنساب للسمعاني، والألباب لابن الأثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 رشيد فقال: "عن رجاء": ولم يقل: "حدثنا رجاء1" فهذا اختلاف على داود يمنع من القول بصحة وصله مع ما تقدم في كلام الأئمة" ا?. هذا وقد رأيت الداقطني بعد أن أخرج الحديث من طريق داود بن رشيد2 قال: حدثنا أبو بكر النيسابوري (نا) عيسى بن أبي عمران بالرملة (ثنا) الوليد بن مسلم بهذا الإسناد مثله. وهذا يفهم منه أن عيسى رواه بسند داود أيضاً الذي فيه التحديث بين ثور ورجاء، إلا أن عيسى المذكور ذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال3" فقال: "عيسى بن أبي عمران الرملي البزار عن الوليد بن مسلم كتب عنه عبد الرحمن ابن أبي حاتم ثم ترك الرواية عنه"4 ا?. وقال ابن حجر في "لسان الميزان"5: "وذكر أن سبب ذلك أن أباه نظر في حديثه فقال: يدل حديثه6 على أنه غير صدوق" ا?. ولعل هذا   1 وهكذا رواه البيهقي في السنن الكبرى 1/290 من طريق أحمد بن عبيد الصفار. 2 سنن الدارقطني 1/195. 3 3/319. 4 وكذا قال في "المغني في الضعفاء" 2/500. 5 4/403. 6 الذي في لسان الميزان (يكتب حديثه) صوابه ما أثبته من "الجرح والتعديل" 3/1/284 وقد قال ابن أبي حاتم في ترجمته: عيسى بن أبي عمران أبو عمر البزار الرملي عن الوليد بن مسلم وضمرة بن ربيعة وأيوب بن سويد كتبت عنه بالرملة فنظر أبي في حديثه فقال: "يدل حديثه أنه غير صدوق" فتركت الرواية عنه" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 هو السبب في عدم تعرّض ابن حجر لرواية عيسى هذا. وأما ما يتعلق بالعلة الأولى وهي علة الإرسال فقد أجيب عنها: بأن الوليد بن مسلم ثقة، فإن خالفه ابن المبارك في هذه الرواية فإنما زاد أحدهما عن الآخر، زيادة الثقة مقبولة، ولم ينفرد الوليد بإسناده –وهذا يرد به على الترمذي القائل لم يسنده عن ثور غير الوليد، بل تابعه على ذلك إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي رواه الشافعي1 عنه، وتابعه أيضاً محمد بن عيسى بن سميع على ما ذكره الدارقطني في العلل2، فقد روياه عن ثور مثل رواية الوليد بن مسلم. حكم هذا الحديث على ضوء ما ذكر فيه من العلل والأجوبة عنها وبعد هذه الرحلة في ذكر العلل والجواب عنها ما هو حكم هذا الحديث؟ الذي يلوح لي من خلال مطالعتي لما ذكر فيه من العلل ومناقشتها: أن هذا الحديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به؛ لأنه كما قال ابن القيم3: "قد تفرد الوليد بن مسلم بإسناده ووصله وخالفه من هو   1 انظر مختصر المزني (1/50) . 2 المجلد الثاني ورقة (102) . 3 تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود 1/284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 أحفظ منه وأجل، وهو الإمام الثبت عبد الله بن المبارك، وإذا اختلف عبد الله بن المبارك والوليد بن مسلم فالقول ما قال عبد الله" ا?. فالوليد بن مسلم تفرد وخالف من هو أقوى منه، فحديثه –لاشك- شاذ، وهذا ما عبّر عنه أبو حاتم حين قال عن حديث الوليد هذا وقد سأله ابنه1 عنه؟: "ليس بمحفوظ". قال السخاوي2 في تعليق له على كلام لشيخه ابن حجر: "ومن هنا يتبيّن أنه لا يحكم في تعارض الوصل والرفع مع الإرسال والوقف بشيء معيّن، بل إن كان من أرسل أو وقف من الثقات أرجح قدم وكذا بالعكس" ا?. فكيف يقال بعد ذلك: إن مخالفة الوليد لابن المبارك من باب زيادة الثقة المقبولة، مع أنه إذا قرن ابن المبارك بالوليد رجح به ابن المبارك، ويبدو أنه لا مجال لاعتبار مخالفة الوليد لابن المبارك من باب زيادة الثقة بعد تأكيد الأئمة الترمذي، والبخاري، وأبي زرعة، وأحمد، وابن مهدي، والدارقطني، وغيرهم على أن الأصل والصحيح فيه أنه مرسل، عمدتهم في ذلك أن ابن المبارك وهو الإمام الحافظ الحجة رواه كذلك، وهذا ذهاب منهم إلى ترجيح ابن المبارك وتقديمه على الوليد وعلى غيره ممن رواه كرواية الوليد، مما حدا بالترمذي إلى أن يقول: "لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم".   1 علل الحديث 1/54. 2 فتح المغيث 1/186. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 فإنه لما رواه ابن المبارك مرسلا عرف به، وهذا نجده واضحاً في المحاورة التي جرت بين أحمد وابن مهدي. فإن أحمد لما قال عن حديث الوليد: "ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي" ما كان من ابن مهدي إلا أن أرجعه إلى حديث ابن المبارك، فقال له رأساً: "عن المبارك عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة مرسلاً"، وكأنه يقول له هذا هو الحديث لا ما ذكرته. كما نجد أحمد ينكر على نعيم بن حماد روايته لحديث ابن المبارك مسنداً وهو المعروف عنه مرسلاً، ويقول له: "إنما يقول هذا الوليد فأما ابن المبارك، فيقول: "حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة". وبعد هذا هل بقي محل للقول: بأن مخالفة الوليد لابن المبارك من باب زيادة الثقة المقبولة، العكس هو الصواب؛ أي أنها من باب الزيادة الشاذة يوضح هذا أن الإمام أحمد، وهو من هو علماً وحذقاً ونفاذ بصيرة قال عنه الأثرم: "إنه كان يضعّف حديث الوليد بن مسلم". هكذا نقل الأثرم عنه مع أن أحمد رواه عن الوليد مباشرة، فالذي ينقدح في ذهني من صنيع أحمد هذا أن الوليد أسند الحديث وهو غير مسند بل مرسل فمن هنا جاء تضعيفه لحديث الوليد. ثم أليس هذا صنيع من يضارع أحمد كالبخاري، وأبي زرعة، والترمذي، والدراقطني في ردهم حديث الوليد إلى حديث ابن المبارك وأن حديث الوليد مسنداً لا يثبت، وإنما الثابت أنه مرسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 انظر إلى الدارقطني في العلل1، وقد سئل عن حديث الوليد، فإنه يصور الاختلاف فيه عن ثور بن يزيد ثم يرجعه إلى رواية ابن المبارك فيقول: "واختلف عنه –أي عن ثور- فرواه الوليد بن مسلم ومحمد بن عيسى بن سميع، عن ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة وكذلك رواه الإمام الشافعي، عن بعض أصحابه، عن ثور. ورواه عبد الرحمن بن مهدي، عن ابن المبارك، عن ثور قال: حدثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وروي هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير2، عن وراد عن المغيرة لم يذكر فيه أسفل الخف3.   1 المجلد الثاني ورقة 102. 2 عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي، حليف بني عدي، الكوفي، ويقال له الفرسي، -بفتح الراء والفاء ثم مهملة، نسبة إلى فرس له سابق- كان يقال له القبطي، -بكسر القاف وسكون الموحدة- وربما قيل ذلك أيضاً لعبد الملك، ثقة فقيه، تغير حفظه، وربما دلس، من الثالثة، مات سنة ست وثلاثين، أي ومئة وله مائة وثلاث سنين روى له الجماعة (تقريب التهذيب 1/521) . 3 وفي نسخة ابن حجر من العلل زيادة كما يتضح من النكت الظراف 8/498 بعد قوله ذلك وهي قوله "وهو المقصود من هذا الحديث". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 ورواه الحكم بن هشام1، وإسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر2، عن عبد الملك بن عمير. وحديث رجاء بن حيوة الذي فيه ذكر أعلا الخف وأسفله لا يثبت؛ لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً" ا?. والخلاصة لم نجد أحداً من هؤلاء الأئمة صحح رواية الوليد هذه، واعتبرها من باب زيادة الثقة، بل الذي لمس من أقوالهم تطابقهم على ردها، والحكم عليها بأنها غير صحيحة وغير ثابتة وشاذة. ثم ما ذكر من متابعة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي ومتابعة محمد بن عيسى بن سميع للوليد بن مسلم، فإن هاتين المتابعتين لا تصلحان في إنقاذ حديث الوليد، بل هما ساقطتان سقوط حديث الوليد فلا يلتفت إليهما ولا قيمة لهما. أما لماذا؟ فلأن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى هذا قد ضعّفه جماعة المحدثين، بل رماه الأكثرون بالكذب كمالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى ابن معين، وعلى بن المديني، ويزيد بن هارون، وابن حبان.   1 الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الثقفي مولاهم، أبو محمد الكوفي، نزيل دمشق، صدوق، من السابعة، روى له النسائي وابن ماجة (تقريب التهذيب 1/193) . 2 إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي، ضعيف، من السابعة/ روى له الترمذي وابن ماجة (المصدر السابق 1/66) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وقال ابن حجر1: متروك، من السابعة، مات سنة أربع وثمانين، وقيل إحدى وتسعين أي ومئة، روى له ابن ماجه. أما بالنسبة لتوثيق الشافعي له فقد قال الذهبي في "ميزان الاعتدال"2، "قلت: الجرح مقدم" أي إذا كان مفسراً، كما هو معلوم، وهو هنا مفسر أوضح تفسير. قال ابن أبي حاتم "آداب الشافعي ومناقبه"3: "لم يبن له –أي الشافعي- أنه كان يكذب، وكان يحسب أنه طعن الناس عليه من أجل مذهبه في القدر". وقد أنكر إسحاق بن راهويه على الشافعي روايته عنه واحتجاجه به، فقال4: "ما رأيت أحداً يحتج بإبراهيم بن أبي يحيى مثل الشافعي قلت   1 تقريب التهذيب 1/42 وانظر في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب 1/158، الجرح والتعديل 1/1/125، المغني في الضعفاء 1/23، التاريخ الكبير 1/1/323، التاريخ الصغير 2/257، الضعفاء الصغير للبخاري/13، الضعفاء والمتروكين للنسائي/12، شرح علل الترمذي لابن رجب/249، العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد 1/336، مقدمة الموضوعات لابن الجوزي 1/48، الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث/30 نسخة خطية بخط الشيخ حماد الأنصاري في مكتبته، أسماء الضعفاء والواضعين لابن الجوزي ورقة (7) ، تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/103، تذكرة الحفاظ 1/246. 2 1/59. 3 /223. 4 آداب الشافعي ومناقبه/178-179 وتهذيب التهذيب 1/161. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 للشافعي: "وفي الدنيا أحد يحتج بإبراهيم بن أبي يحيى؟! ". وقال البزار1: "كان يضع الحديث، وكان يوضع له مسائل فيضع لها إسناداً، وكان قدرياً، وهو من أستاذي الشافعي، وعزّ علينا". وذكر ابن حبان في "المجروحين"2 فقال: كان إبراهيم يرى القدر، ويذهب إلى كلام جهم، ويكذب مع ذلك في الحديث، إلى أن قال: "وأما الشافعي فإنه كان يجالس إبراهيم في حداثته، ويحفظ عنه حفظ الصبي، والحفظ في الصغر كالنقش في الحجر، فلما دخل مصر في آخر عمره وأخذ يصنف الكتب المبسوطة احتاج إلى الإخبار، ولم يكن معه كتب فأكثر ما أودع الكتب من حفظه فمن أجله ما روى عنه وربما كنى عنه، ولا يسميه في كتبه" ا?. هذا وقد ذكره ابن حجر في "طبقات المدلسين"3 في الخامسة منها؛ وهي من ضعف بأمر آخر سوى التدليس فحديثه مردود، ولو صرحوا بالسماع إلا أن يوثق من كان ضعفه يسيراً فقال فيه: "إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي شيخ الشافعي ضعفه الجمهور، ووصفه أحمد، والدارقطني، وغيرهما بالتدليس". هذا ما يختص بإبراهيم.   1 تهذيب التهذيب 1/160-161. 2 1/105. 3 14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 أما محمد بن عيسى بن سميع فإنه وصف بأنه يخطئ ويدلس1، وقد جاءت روايته بالعنعنة على ما ذكره الدارقطني في العلل، فلا شك بضعف روايته، وأنها لا تقوى على معاضدة رواية الوليد هذا عدا مخالفتها، ومخالفة رواية ابن أبي يحيى لرواية ابن المبارك، مما لا يمكن لهذه الروايات وأشباهها أن تقف أمامها وهذا قد رأيناه من الدارقطني فإنه لما بين الاختلاف على ثور، قال عن رواية الوليد وما تبعهما من متابعات: "لا تثبت لأن ابن المبارك رواه مرسلاً". فالدارقطني رجح رواية ابن المبارك على كل هذه الروايات التي في مقابلها.   1 قال ابن حجر في (تقريب التهذيب 2/198) : "محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع بالتصغير الأموي مولاهم صدوق يخطئ، ويدلس، ورمي بالقدر، من التاسعة، مات سنة أربع وقيل ست ومئتين وله نحو من تسعين سنة، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجة" ا?. وانظر (تهذيب التهذيب 9/390) وقال عنه في "طبقات المدلسين"/14 وقد ذكره في الرابعة منها وهي من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل، فقال فيه محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع دمشقي فيه ضعف، ووصفه بالتدليس ابن حبان. ا?. وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 4/1/37-38: سئل أبي عنه فقال: "شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به". وذكره الذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/677 كما أدخله في ديوان الضعفاء والمتروكين/284 وفي "المغني في الضعفاء" 2/622 ونقل فيهما قول أبي حاتم فيه. وانظر في مصادر ترجمته "التاريخ الكبير" 1/1/203 و"الصغير" 2/271. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 فاتضح بعد أن الصواب إرساله، وأن علة الإرسال فيه عقيمة عن الجواب؛ إذ لم يجب عنها بجواب شاف كاف، وهذه العلة كافية في رده وفي تضعيفه. كيف إذا أضيف إليها علة الانقطاع بين ثور ورجاء من جهة وبين رجاء وكاتب المغيرة من جهة أخرى، وكيف إذا أضيف أيضاً إلى ذلك كله مخالفته للأحاديث الصحيحة، فقد اجتمع فيه الإرسال والانقطاع في موضعين والمخالفة للأحاديث المسندة الصحيحة. قال ابن القيّم1: "وبعد فهذا حديث قد ضعّفه الأئمة الكبار: البخاري، وأبو زرعة، والترمذي، وأبو داود، والشافعي ومن المتأخرين: أبو محمد بن حزم، وهو الصواب؛ لأن الأحاديث الصحيحة كلها تخالفه" ا?. وقال النووي2: "ضعيف ضعّفه أهل الحديث، ممن نصّ على ضعفه البخاري، وأبو زرعة الرازي، والترمذي، وآخرون، وضعّفه أيضاً الشافعي في كتابه القديم، وإنما اعتمد الشافعي "رضي الله عنه" في هذا على الأثر عن ابن عمر رواه البيهقي وغيره" ا?. وقال الزيلعي في "نصب الراية"3 "وأما حديث الوليد بن مسلم ... وهو ضعيف" ا?.   1 تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود 1/284. 2 المجموع 1/560-566. 3 1/181. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 وقال ابن حجر في بلوغ المرام1: "في إسناده ضعف" قال الصنعاني2: "وقد أشار إلى ضعفه وبين وجه ضعفه في التلخيص" ا?. وقال المباركفوري3: "تمسك القائلون بالمسح على أعلى الخف وأسفله بحديث الباب –يعني حديث الوليد-، وهو حديث فيه كلام لأئمة الحديث، ولم أجد في هذا الباب حديثاً مرفوعاً صحيحاً خالياً عن الكلام وقد صحّ عن على بإسناد صحيح4 أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما"، وكذلك ثبت عن المغيرة بن شعبة بإسناد حسن، فالقول الراجح قول من قال بالمسح على أعلى الخف دون أسفله والله تعالى أعلم" ا?. وقد جمع البخاري في كل من "التاريخ الكبير5"، و"الصغير6" بين حديث الوليد وابن المبارك، وبين حديث المغيرة أنه ليس فيه إلا المسح   1 /23. 2 سبل السلام 1/56. 3 تحفة الأحوذي 1/322. 4 أخرجه أبو داود في "سننه" 1/287 مع عون المعبود ونصه عن علي قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمح على ظاهر خفيه" ا?. قال ابن حجر في "التلخيص الحبير" 1/160: "إسناده صحيح" وقال في "بلوغ المرام"/23: "إسناده حسن" ا?. 5 4/2/185. 6 1/292. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 على أعلى الخفين مرجحاً للأخير فقال: حدثني إبراهيم بن موسى عن الوليد عن ثور عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح ظاهر خفيه وباطنهما. وقال أحمد بن حنبل: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا ابن المبارك، عن ثور حدثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة ليس فيه المغيرة. حدثني محمد بن الصباح قال حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة ابن الزبير، عن المغيرة بن شعبة قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مسح على خفيه ظاهرهما1 وهذا أصحّ" ا?. الرد على من جمع بين حديث الوليد وبين غيره من الأحاديث الصحيحة وقد رام بعضهم الجمع بين حديث الوليد في المسح على أعلى الخفين وأسفلهما، وبين الأحاديث الأخرى في الاقتصار في المسح على ظاهر الخفين، بجعل حديث الوليد على الاستحباب والأحاديث الأخرى على الوجوب. وقد قال ابن رشد2 عن هذه الطريقة: "وهي طريقة حسنة" ا?.   1 أخرجه أحمد في "مسنده" 4/254-247 وأبو داود في "سننه" 1/278 مع "عون المعبود" والترمذي في "سننه" 1/165 بتحقيق وتعليق أحمد شاكر. 2 بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وهذا الجمع يقبل، وهو أولى من الترجيح لو كان حديث الوليد صحيحاً، أما وقد تقرر ضعفه وعدم صلاحيته للعمل فإننا لسنا بحاجة إلى هذا الجمع، وأرى أنه لا يصار إليه بل يقتصر في المسح على ما في الأحاديث الصحيحة؛ فإن لنا فيها غنية عن تجشم الجمع بينهما وبين حديث ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأعتقد أنه لا يلحقنا بذلك أي نقص أو تفريط وأننا في محل العذر. وبمثل هذا الرد يمكن الرد على الشوكاني وقد أجرى جمعاً بين حديث الوليد وحديث علي فقال1: "ليس بين الحديثين تعرض غاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح تارة على باطن الخف، وظاهره وتارة اقتصر على ظاهره، ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من إحدى الصفتين فكان جميع ذلك جائزاً وسنة" ا?. وهنا نسأل الشوكاني هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على ظاهر الخف وباطنه، فإذا قال: نعم. نقول له: وأين ذلك؟ فإذا أحالنا على حديث الوليد قلنا له: حديث الوليد غير مقبول مع اعترافك أنت بأن فيه مقالا، فكيف تجمع بينه -وفيه مقال ليس هيناً، بل قوي وقادح- وبين غيره من الصحيح الذي كان ينبغي أن يقضي به على ذلك الضعف بدل أن يقال: ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من إحدى الصفتين، فكان جميع ذلك جائزاً وسنة.   1 نيل الأوطار 1/219. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 والخلاصة أنه يصار إلى هذا الذي قاله الشوكاني لو صحّ حديث الوليد أما أنه لم يصح فلا، ويكون المتعيّن هو ما في الأحاديث الصحيحة وهو مسح ظاهر الخفين فقط1. مناقشة أحمد شاكر في تصحيحه لحديث الوليد وكلمة أخيرة بالنسبة لهذا الحديث وهي أنني لم أر من صحح هذا الحديث، حتى من جمع بينه وبين ما ينافيه من الأحاديث الأخرى يعترف ويصرّح بضعفه، اللهم إلا ما كان من أحمد شاكر فإنه الوحيد الذي رأيته يصحح حديث الوليد هذا، وبنى تصحيحه له على أمور2. فهو:   1 انظر تحفة الأحوذي 1/326 وعون المعبود 1/282-283 وقد احتج بعضهم بالحديث مع اعترافه بضعفه بناء على أنه يعمل بالحديث الضعيف في الفضائل. قال ملا علي قارئ في "مرقاة المفاتيح" 1/364: "والظاهر أن العمل بالحديث الضعيف محله إذا لم يكن مخالفاً للحديث الصحيح أو الحسن، وسيأتي ما يخالفه من حديثه المتصل –أي من حديث المغيرة- ومن حديث علي كرّم الله وجهه، وأيضاً إنما يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال الثابتة بأدلة أخرى، وهاهنا هذا الحكم ابتدائي مع أنه ليس فيه ما يدل على ثوابه وفضيلته. فتأمل حق التأمل وثبت العرش ثم انقش" ا?. وهذا على رأي من يجيز العمل بالحديث الضعيف بشروطه، وإلا الذي حققه بعض العلماء أنه لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقاً لا في الفضائل ولا في غيرها. 2 سنن الترمذي بتعليق وعناية أحمد شاكر 1/163-164 وانظر: الجواهر النقي 1/290 مع السنن الكبرى للبيهقي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 أولا: اعتبر مخالفة الوليد لابن المبارك في هذه الرواية من باب زيادة الثقة المقبولة ومعنى هذا أننا نرمي بكلام الترمذي، والبخاري، وأبي زرعة، وأحمد، والدارقطني، وغيرهم الذي يفهم منه أن هذه الزيادة لا أصل لها. ثم أين نذهب بقول أبي حاتم عن هذا الحديث بأنه غير محفوظ. ثانياً: اعتمد في رده لعلة الانقطاع بين ثور ورجاء بأن ثوراً قد صرّح بالسماع من رجاء في رواية الدارقطني والبيهقي من طريق داود بن رشيد –وهو ثقة- ولم يلتفت إلى ما ذكره ابن حجر في التلخيص الحبير، ومن قبله ابن سيد الناس في شرحه لجامع الترمذي من الاختلاف على داود بن رشيد، المانع من القول بصحة وصله مع ما تقدم في كلام الأئمة. كما أنه لم يعرّج على الانقطاع الحاصل بين رجاء وكاتب المغيرة والذي نصّ عليه أحمد وجاء في كلام أبي زرعة والبخاري، الذي حكاه عنهما تلميذهما الترمذي. ثالثاً: بالنسبة للمتابعتين فإنه اعتمد إحداهما ولم يذكر الأخرى؛ إذ اعتمد متابعة إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي، ودافع عنه بأن الشافعي الراوي عنه تلميذه وهو أعرف به ونقل عن "تهذيب التهذيب"1: قول   1 1/159 وانظر ميزان الاعتدال 1/58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 الربيع: "سمعت الشافعي يقول: كان إبراهيم بن أبي يحيى قدرياً. قيل للربيع: فما حمل الشافعي على أن روى عنه؟ قال: كان يقول: لأن يخر إبراهيم من بعد أحبّ إليه من أن يكذب، وكان ثقة في الحديث. ونقل أيضاً عن الشافعي في كتاب اختلاف الحديث أنه قال: ابن أبي يحيى احفظ من الدراوردي" ا?. وقد مضى ما في توثيق الشافعي لابن أبي يحيى هذا، كما مضى اعتذار ابن حبان عن الشافعي في روايته عنه وتضعيف جمهور المحدثين له، بل تصريح جماعة من الأئمة بتكذيبه. رابعاً: لما صحح هذا الحديث وجد ما يعارضه من الأحاديث الأخرى، فإنه احتاج إلى نفي هذا التعارض والجمع بينه وبين غيره بهذا الجمع الآتي فقال1: "ليس في حديث ثور عن رجاء ما ينافي الروايات الأخرى في المسح على ظاهر الخفين؛ لأن ثبوت المسح على أسفلهما زيادة ثقة، ولأنها لا تدل على وجوب ذلك، وإنما الأمران جائزان والمسح على ظاهرهما فقط يجزئ، وإن مسح أعلاهما وأسفلهما فقد أحسن" ا?. والواقع أنه سبق أن أجيب عن هذا كله فأغنى عن إعادته هنا.   1 في تعليقه على "سنن الترمذي" 1/164. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الحديث الرابع: باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 1 /220-221 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 حدثنا قتيبة، حدثنا شريك عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "في المستحاضة"1: "تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها، ثم تغتسل، وتتوضأ عند كل صلاة، وتصوم، وتصلي". حدثنا على بن حجر أخبرنا شريك: نحوه بمعناه. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان. قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث فقلت: عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده جدّ عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه. وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين: أن اسمه "دينار" فلم يعبأ به. وقال أحمد وإسحاق "في المستحاضة": إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها، وإن جمعت بين الصلاتين بغسل واحد أجزأها. تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي جماعة وهم:   1 الاستحاضة: أن يستمر بالمرأة خروج الدم بعد أيام حيضها المعتادة يقال: استحيضت فهي مستحاضة، وهو استفعال من الحيض. (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/1469) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 أبو داود في "سننه"1 وتكلّم عليه. ابن ماجه في "سننه"2. الدارمي في "سننه"3. الطحاوي في "شرح معاني الآثار"4. ابن عدي في "الكامل"5. البيهقي في "السنن الكبرى"6. كلهم من طريق شريك بن عبد الله النخعي، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جدّه. وأشار إليه البخاري في "التاريخ الصغير"7. التعريف برجال الإسناد قتيبة: -بضمّ القاف وفتح المثناة الفوقانية- هو ابن سعيد بن جميل -بفتح الجيم- ابن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني -بفتح الموحدة   1 1/125. 2 1/204 رقم الحديث (625) . 3 1/166. 4 1/51. 5 3 قسم3 صفحة97. 6 1/347. 7 2/14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 وسكون المعجمة- يقال اسمه يحيى، وقيل علي، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة أربعين أي ومئتين عن تسعين سنة، روى له الجماعة1. شريك: هو ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبو عبد الله، سبقت ترجمته في الحديث الثاني، وهو صدوق يخطئ كثيراً، من الثامنة مات سنة سبع أو ثمان وسبعين أي ومئة، روى له البخاري تعليقاً، ومسلم متابعة، وأصحاب السنن الأربعة2.   1 تقريب التهذيب 2/123 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 8/358 و"تاريخ بغداد" 12/464 و"اللباب في تهذيب الأنساب" 1/164-165 وفيه أن هذه النسبة البغلاني إلى "بغلان" وهي بلدة بنواحي "بلخ". 2 المصدر السابق 1/351 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 4/333 و"تذكرة الحفاظ" 1/232 و"ميزان الاعتدال" 1/444 و"المغني في الضعفاء" 1/297 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/457 و"الجرح والتعديل" 2/1/365 و"التاريخ الكبير" 2/2/237 و"التاريخ الصغير" 2/213 و"تاريخ بغداد" 9/279 و"البداية والنهاية" 10/171 و"وفيات الأعيان" 2/464 و"التبيين في أسماء المدلسين"/11 و"طبقات المدلسين"/7 وقد ذكره ابن حجر فيها في الثانية منها وهي: من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح؛ لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة، وقد قال فيه: "شريك بن عبد الله النخعي القاضي مشهور كان من الأثبات، فلما ولي القضاء تغير حفظه، وكان يتبرأ من التدليس، ونسبه عبد الحق في "الإحكام" إلى التدليس، وسبقه إلى وصفه به الدارقطني" ا?. وفي "تهذيب التهذيب" في ترجمة شريك 4/337: "وقال عبد الحق الأشبيلي": كان يدلس. قال ابن القطان: وكان مشهوراً بالتدليس" ا?. كما سرده العلائي في أسماء المدلسين من كتابه "جامع التحصيل" 1/187 فقال: "شريك بن عبد الله النخعي القاضي كوفي، وليس تدلسيه بالكثير" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 أبو اليقظان: نتيجة الحكم في هذا الرجل أعطاها ابن حجر في "تقريب التهذيب"1 حيث قال: أبو اليقظان هو عثمان بن عمير –بالتصغير- ويقال ابن قيس والصواب أن قيساً جدّ أبيه، وهو عثمان ابن أبي حميد أيضاً البجلي، الكوفي، الأعمى، ضعيف، واختلط، وكان يدلس ويغلو في التشيّع، من السابعة، مات في حدود الخمسين ومئة، روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجة. عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي. روى عن أبيه، والبراء بن عازب، وسعيد بن جبير، وغيرهم.   1 2/13 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب الكمال" 7/460 و"تهذيب التهذيب" 7/145 و"ميزان الاعتدال" 3/50 و"المغني في الضعفاء" 2/428 و"التاريخ" لابن معين 2/321 نسخة بالآلة الكاتبة محققة؛ لنيل درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر و"التاريخ الكبير" 3/2/245-246 و"التاريخ الصغير" 2/13-14 و2/21 و"الجرح والتعديل 3/1/161" و"الكامل" 3 قسم3 ص96 و"المجروحين" 2/95 و"الكنى والأسماء مصورة" ورقة 56 و"والمقتنى في الكنى" ورقة 82 و"الكنى والأسماء" للدولابي 2/169 و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي/76 و"الضعفاء والمتروكين" للدارقطني مصور ورقة (17) و"سؤالات البرقاني للدارقطني" مصور ورقة (15) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وعنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، وشعبة، وآخرون1. لخص ما قيل فيه ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"2 فقال: "عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي التابعي المشهور، وثقه أحمد، والنسائي، والعجلي، والدارقطني، إلا أنه قال: "كان يغلو في التشيع"، وكذا قال ابن معين، وقال أبو حاتم: "صدوق، وكان إمام مسجد الشيعة وقاضيهم"3، وقال الجوزجاني: "مائل عن القصد"، وقال عفان عن شعبة: "كان من الرفاعين"4، قلت: احتج به الجماعة وما أخرج له في الصحيحين شيء مما يقوي بدعته" ا?. فأكثر ما نقم عليه بدعة التشيع ومع هذا قال الذهبي في "ميزان الاعتدال"5: "عالم الشيعة، وصادقهم، وقاصهم، وإمام مسجدهم، ولو كانت الشيعة مثله لقل شرّهم" ا?. وقد مال هو في "المغني في الضعفاء"، وابن حجر في "تقريب التهذيب" إلى توثيقه.   1 تهذيب التهذيب 7/165. 2 /424. 3 هكذا هنا والذي في الجرح والتعديل، وميزان الاعتدال "وقاصهم". 4 أي يرفع الموقوف كثيراً. 5 3/61. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فقال في "المغني"1: "عدي بن ثابت تابعي كوفي، شيعي، جلد، ثقة مع ذلك" ا?. وقال ابن حجر في "التقريب"2: "عدي بن ثابت الأنصاري، الكوفي، ثقة رمي بالتشيع، من الرابعة مات سنة ست عشرة أي ومئة، روى له الجماعة" ا?. والد عدي: الظاهر من السند أن ثابتاً هو والد عدي، وفي "تهذيب الكمال"3 و"تهذيب التهذيب"4 وتقريبه5 التنصيص على ذلك، وهو أن ثابتاً والد عدي، وذكر الذهبي شيئاً آخر هو أن والد عدي "أبان" وليس ثابتاً، فقال في "ميزان الاعتدال"6: في ترجمة ثابت الأنصاري "والصحيح أنه عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري، فغلبت على عدي بن ثابت النسبة إلى جده ذكره ابن سعد وغيره. وقيل: هو عدي بن ثابت بن دينار قاله يحيى بن معين. وقيل: عدي بن ثابت بن عبيد بن عازب بن أخي   1 2/431. 2 2/16 وانظر في مصادر ترجمته: "الجرح والتعديل" 3/2/2 و"التاريخ الكبير" 4/1/44. 3 2 ورقة 88. 4 2/19. 5 1/118. 6 1/369. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 البراء بن عازب. ثم قال: "فعلى كل تقدير والد عدي بن ثابت مجهول الحال؛ لأنه ما روى عنه سوى ولده" ا?. وقال في "المغني في الضعفاء"1 في ترجمة ثابت أيضاً: "وقيل: هو عدي بن أبان بن ثابت بن قيس بن الخطيم الأنصاري الظفري، غلبت عليه النسبة إلى جده، فإن كان هكذا وهو الأصح إن شاء الله –فابنه أبان هو المجهول" ا?. وفي نظري أن هذا الخلاف في والد عدي تأثر بالخلاف في جده كما سيأتي. قال ابن حجر في ترجمة عدي2: "وقد جمعت ما قيل في اسم أبيه وجده في ترجمة "ثابت" فلا حاجة إلى تكراره" ا?. وكانت النتيجة هي أن والد عدي مجهول الحال عند ابن حجر أيضاً كما هو عند الذهبي. قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "ثابت الأنصاري والد عدي قيل: هو ابن قيس بن الخطيم، وهو جدّ عدي لا أبوه، وقيل: اسم أبيه دينار، وقيل: عمرو بن أخطب، وقيل: عبيد بن عازب فهو مجهول الحال من الثالثة، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه".   1 1/122. 2 تهذيب التهذيب 7/165. 3 1/118. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 قال البرقاني1: قلت للدارقطني: "فعدي بن ثابت عن أبيه عن جدّه، قال: لا يثبت ولا يعرف أبوه ولا جده وعدي ثقة" ا?. جدّ عدي. ما اسم جدّ عدي؟ هذا السؤال هو ما وجهه الترمذي إلى شيخه البخاري، وقد كان جواب شيخه له بالنفي، وأن جدّ عدي مجهول لا يعرفه، ولا يعرف ما اسمه، ولم ير قول ابن معين الذي ذكره له تلميذه الترمذي شيئاً. فقول ابن معين اسمه "دينار" ليس إلا أحد الأقوال التي قيلت فيه والتي لا يدري معها عنه وعن اسمه بالضبط وعلى جهة الترجيح. الخلاف في جدّ عدي اختلف في اسم جدّ عدي، وفي تعيينه، وهل جده لأمه أو لأبيه على أقوال: فقيل اسمه "دينار"2.   1 سؤالات البرقاني للدارقطني ورقة 16. انظر: تهذيب التهذيب 7/165 في ترجمة عدي بن ثابت. 2 قال يحيى بن معين وكما سبق لم يعده البخاري شيئاً، وقد رده الدارقطني، وأبو علي الطوسي كما سيأتي، وأبو أحمد الدمياطي انظر "نيل الأوطار" 1/322 وكذا رده ابن حجر في "تقريب التهذيب" 1/237 فقال: "دينار هو جدّ عدي بن ثابت، ولا يصح، روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 وقيل: "عمرو بن أخطب"1. وقيل: "عبيد بن عازب"2. وقيل: "قيس الخطمي"3. وقيل: "قيس بن الخطيم الظفري"4.   1 قاله أبو زرعة الدمشقي. "تهذيب التهذيب" 2/20 قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/65: "عمرو أخطب أبو زيد الأنصاري، صحابي جليل، نزل البصرة مشهور بكنيته، روى له مسلم، وأهل السنن الأربعة" ا?. وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 8/4 و"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" بهامش الإصابة 2/524-525 و"الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 2/522 وفي الكنى منها 4/78. 2 قاله ابن حبان في "الثقات" 3/26 في ترجمة ثابت. وأبو عمر بن عبد البر في ترجمة عبيد من "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" بهامش الإصابة 2/438. قال ابن حجر في "الإصابة" 2/445 في ترجمة عبيد بن عازب مبيناً موقف ابن عبد البر من اسم جدّ عدي: "كذا جزم به هناك (يعني في ترجمة عبيد بن عازب) وذكر في موضع آخر أن اسم جده: دينار (الاستيعاب 1/476) وفي آخر قيس الأنصاري (الاستيعاب 3/237) وفي آخر عبد الله بن يزيد (الاستيعاب 2/391) فالله أعلم" ا?. 3 قال أبو نعيم في "الصحابة" انظر "تهذيب التهذيب" 2/20 في ترجمة ثابت الأنصاري. 4 قاله جماعة من النسابين منهم الطبري، والكلبي، والمبرد، وابن حزم انظر "المصدر السابق" الجزء والصفحة والترجمة، وقد تعقبه ابن حجر بقوله: "ويخدش فيه أن قيس بن الخطيم قتل قبل الإسلام؛ ومن أجل هذا قال الحربي في "العلل": "ليس لجد عدي بن ثابت صحبة" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 وقيل: "ثابت بن قيس الخطيم الأنصاري" وأنه عدي بن أبان بن ثابت ... الخ. نسب إلى جده على سبيل الغلبة1.   1 حكاه أبو أحمد الدمياطي، وقطع بصحبته، وتبعه العلائي "تهذيب التهذيب" 2/20 و"الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 1/195 في ترجمة ثابت بن قيس بن الخطيم، و"النكت الظراف على الأطراف" 3/134، وهو ما اعتمده الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/369 و3/61 و"المغني في الضعفاء" 1/122 واصفا له بالصحيح مرة وبالأصح أخرى. وقد تعقب ابن حجر الدمياطي، وبيّن وهمه فيما جزم به فبعد أن صرّح ابن حجر بما يؤيده من كون ابن سعد ذكر "ثابت بن قيس بن الخطيم" في الصحابة، وذكر في أولاده "أبان"، وأنه على هذا يكون ثابت هذا هو ابن قيس بن الخطيم الصحابي أورد ما يعكر عليه، وهو أن ابن الكلبي وابن سعد وغيرهما ذكروا أن أبان ابن ثابت بن قيس بن الخطيم "درج لا عقب له". قال ابن حجر: "ومما يعكر عليه أيضاً أن مصعباً الزبيري ذكر في "كتاب النسب" عن عبد الله بن محمد بن عمارة القداح النسابة في نسب الأنصار، ثم نسب الخزرج، قال: "فولد الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن كعب "قيس بن الخطيم الشاعر"، قال: "ومن ولده: "يزيد بن قيس" وبه كان يكنى شهد أحداً، وقتل يوم جسر أبي عبيد، ومن ولده "عدي بن أبان بن يزيد بن قيس بن الخطيم مات على فراشه". قال ابن حجر: "قلت: فمن هنا تبيّن أن الدمياطي وهم فيما جزم به، وظهر أن عدي بن أبان بن يزيد بن قيس غير عدي بن ثابت صاحب الترجمة" ا?. "تهذيب التهذيب" 2/20-21 وانظر "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 1/195 في ترجمة ثابت بن قيس بن الخطيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 وقيل: أن جده هو جده لأمه "عبد الله بن يزيد الخطمي"1. إلى غير ذلك مما قيل فيه. هذا وممن اشتغل بذكر الخلاف في ذلك المنذري، والذهبي، وابن حجر، وغيرهم. قال ابن حجر في "لسان الميزان"2: "وقد اختلف في المراد بقول عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، كما أوضحته في "تهذيب التهذيب" ا?. قلت: نعم وضح الحافظ ذلك وفصّله، وجمع ما قيل في اسم أبيه وجده، وأشبع القول فيه، وذلك في ترجمة "ثابت الأنصاري" من "تهذيب التهذيب"3، وانتهى إلى هذه النتيجة الآتية وهي قوله: "ولم يترجح لي في اسم جده إلى الآن شيء   1 مال إليه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 2/21 كما سيأتي ويبدو أنه مال إليه أخيراً بعد أن اتضح له عدم صواب قول أبي أحمد الدمياطي، وكان ابن حجر قد رجحه كما يعلم من تعليقاته على أطراف المزي المسماة "النكت الظراف على الأطراف" 3/134، حيث قال: "قلت: الراجح أن اسم جد عدي "ثابت"، وهو "ابن قيس بن الخطيم"، وعدي كان ينسب إلى جده وهو "عدي بن أبان بن ثابت"، قاله الحافظ أبو أحمد الدمياطي وتبعه العلائي من قوله" ا?. 2 2/81. 3 2/19-21 . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 من هذه الأقوال كلها، إلا أن أقربها إلى الصواب أن جده هو جده لأمه عبد الله بن يزيد الخطمي1 والله أعلم" ا?. وعلى أن موقف ابن حجر من اسم جد عدي هو هذا، لم يجزم بصواب ما أورده، فإنه مغاير لموقف الدارقطني الذي يرى أنه لا يصحّ شيء من هذه الأقوال. قال أبو بكر البرقاني2:"قلت للدارقطني: عدي بن ثابت ابن من؟ قال: قد قيل: ابن دينار، وقيل: أنه يعني جده أبو أمه، وهو عبد الله بن يزيد الخطمي، ولا يصح من هذا كله شيء" ا?. والحاصل أن أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين تشير إلى أن جد عدي لا يعرف، مما يثبت صحة موقف البخاري، ويقوي ما ذهب إليه. قال أبو علي الطوسي3: "جد عدي مجهول لا يعرف، ويقال اسمه دينار ولا يصحّ" ا?. وقد سبق قول الدارقطني: "لا يعرف أبوه ولا جده".   1 عبد الله بن يزيد الخطمي -بفتح المعجمة وسكون المهملة- الأنصاري صحابي صغير، ولي الكوفة لابن الزبير، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 1/461) وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 6/78 و"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" بهامش الإصابة 2/391 و"الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 2/382. 2 تهذيب الكمال 2 ورقة 88 و"تهذيب التهذيب" 2/19. 3 تهذيب التهذيب 2/19-20. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 وقال البرقي1: "لم نجد من يعرف جده معرفة صحيحة، وقد قيل: إنه عدي بن ثابت بن قيس الخطيم". وقال المنذري2: "وقيل: لا يعلم من جده، وكلام الأئمة يدل على ذلك". وقال ابن العربي3: "لا يعلم جده". وقال أحمد شاكر4: "وجد عدي بن ثابت لم يعرف، وتضاربت فيه الأقوال جداً". وقال السبكي: صاحب "المنهل العذب المورود"5: "اختلف في اسم جد عدي اختلافاً كثيراً، وبعد أن ساق ما قيل فيه قال: ولا يصحّ من هذا شيء". وقال الألباني6: "وقد قيل في اسمه أقوال خمسة، وليس فيها شيء تطمئن النفس إليه". ويبدو للناظر فيما تقدم رجحان الجانب الذي فيه البخاري على غيره والله تعالى أعلم.   1 تهذيب التهذيب 2/20. 2 مختصر سنن أبي داود 1/191 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 3 عرضة الأحوذي 1/202. 4 في تعليقه على سنن الترمذي 1/221. 5 1/115. 6 مشكاة المصابيح بتعليق وعناية الألباني 1/176. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 موقف البخاري والترمذي من هذا الحديث تومئ إجابة البخاري أن حال هذا الحديث عنده هو الضعف؛ لجهالة جد عدي، وهذا ما صرّح به في "التاريخ الصغير"1 إذ قال: "وروى عثمان عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم –في المستحاضة- وعن أبيه عن علي –في المستحاضة- ولا يصح" ا?. أما الترمذي فإنه –كما قال ابن سيد الناس-2: "سكت عن هذا الحديث فلم يحكم عليه بشيء" ا?. وهذا وإن كان على خلاف عادته، فإنه لا يبعد أنه كان يرى ضعفه؛ ذهاباً منه إلى إجابة شيخه. ووهم المجد بن تيمية في "منتقى الأخبار"3 حين عزا إلى الترمذي تحسين هذا الحديث، وقد عقب عليه الشوكاني4 بقوله: "الحديث لم يحسنه الترمذي كما ذكره المصنف، بل سكت عنه" ا?. واستشهد بقول ابن سيد الناس السابق.   1 2/14. 2 شرح سنن الترمذي 1 ورقة 40 وجه أ. 3 1/321 مع نيل الأوطار. 4 نيل الأوطار 1/321. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 وقال الفقي في تعليقه على "منتقى الأخبار"1 بعد أن ذكر كلام الترمذي إلى قوله: "فلم يعبأ به": "فيدل هذا أن الترمذي لم يحسنه كما ذكر المصنف بل قال ابن سيّد الناس في شرح الترمذي: "وليس من باب الصحيح، ولا ينبغي أن يكون من باب الحسن؛ لضعف راويه عن عدي ابن ثابت وهو أبو اليقظان" ا?. ثم كيف يحسنه الترمذي وهو قد أدخله في كتابه "العلل الكبير"2 وذكر عليه من الكلام نحو ما هنا؟ ومما يصلح إيراده هنا هو أن نسخة السنن التي حققها أحمد شاكر والتي اعتمد فيها على سبع نسخ مطبوعة ومخطوطة منها نسخة مطبوعة معها شرح المباركفوري، تلتقي مع نسخة ابن سيّد الناس، وتؤيد ما قاله من عدم حكم الترمذي على هذا الحديث بشيء لا بحسن، أو صحة، أو تضعيف. كلام العلماء في هذا الحديث تضافرت أقوال الأئمة والعلماء على تضعيف هذا الحديث. فقال أبو داود في "سننه"3: "حديث عدي بن ثابت ضعيف لا   1 1/177. 2 ورقة 10. 3 1/126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 يصحّ" ا?. وقال: "روى أبو اليقظان عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن علي وهو ضعيف"1 ا?. وقال ابن أبي داود2: "حديث عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده معلول". وقال ابن عدي في "الكامل"3 في ترجمة عثمان بن عمير (أبي اليقظان) : "روى عثمان بن عمير عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة- ولا يصحّ" ا?. وقال أبو بكر البرقاني4: "قلت لأبي الحسن الدارقطني: شريك عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، كيف هذا الإسناد؟ قال ضعيف. قلت: من جهة من؟ قال: أبو اليقظان ضعيف. قلت: فيترك؟ قال: لا يخرج رواه الناس قديماً" ا?. وقال البرقاني5: قلت للدارقطني: فعدي بن ثابت، عن أبيه،   1 انظر السنن الكبرى 1/347 والكامل (3) قسم (3) ص (97) وقد أخرجه الطحاوي في معاني الآثار 1/51. 2 تهذيب التهذيب 7/166. (3) قسم (3) صفحة (97) . 4 تهذيب الكمال (2) ورقة (88) في ترجمة ثابت الأنصاري وتهذيب التهذيب 2/19. 5 سؤالات البرقاني للدارقطني ورقة 16، وانظر: تهذيب التهذيب 7/165 في ترجمة عدي بن ثابت، وفي كل كلام البرقاني عن الدارقطني الذي ذكرته في هذا الحديث قد بحثت عنه في "سؤالات البرقاني للدارقطني" وهو مصور إلا أني لم أعثر عليه فيه، ما عدا القول الأخير كما هو مبين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 عن جده. قال: لا يثبت، ولا يعرف أبوه ولا جده، وعدي ثقة. وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب1 في معرفة الأصحاب"، وقد ذكر أن اسم جد عدي "دينار" قال: "دينار الأنصاري انفرد بالرواية عنه ابنه ثابت بن دينار، وهو جد عدي بن ثابت حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة يضعفونه" ا?. وقال ابن العربي2: "أما حديث عدي بن ثابت فإنه لا يصح؛ لأنه مجهول لا يعلم من جده" ا?. وقال ابن سيد الناس3: "وسكت الترمذي عن هذا الحديث فلم يحكم بشيء، وليس من باب الصحيح، ولا ينبغي أن يكون من باب الحسن؛ لضعف راويه عن عدي بن ثابت وهو أبو اليقظان" ا?. وقال المنذري4: "وشريك هو ابن عبد الله النخعي قاضي الكوفة تكلم فيه غير واحد، وأبو اليقظان هذا هو عثمان بن عمير الكوفي ولا يحتج بحديثه" ا?. وقد نقل الزيلعي في "نصب الراية"5 كلام المنذري هذا، وأقره؛ إذ لم يتعرض له بشيء.   1 1/476 بهامش الإصابة. 2 عارضة الأحوذي 1/201. 3 شرح سنن الترمذي 1 ورقة 40 وجه أ. 4 مختصر سنن أبي داود 1/191 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 5 1/201. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير"1: "إسناده ضعيف". وقال في "لسان الميزان"2: "ثابت الأنصاري عن أبيه عن جده –في المستحاضة- لا يتابع عليه أبو اليقظان" ا?. وقال أحمد شاكر3: "كلام الأئمة يدل على تضعيفه". خاتمة المطاف والخلاصة في هذا الحديث أن إسناده ضعيف، وقد اتفق على ذلك العلماء الذين نقلت كلامهم عليه وذلك للأمور الآتية: لتفرد شريك به وهو ضعيف من قبل حفظه. لضعف أبي اليقظان، وهذا بالإضافة إلى أنه مدلس، وقد عنهنه، ومختلط. لجهالة والد عدي. لجهالة جد عدي. والحق يقال: إن واحداً من هذه الأمور كاف في تضعيفه، كيف وقد اجتمعت فيه كلها غير أن له شواهد ذكرها كل من   1 1/169-170. 2 2/81 ويلاحظ أنه قال: "ثابت الأنصاري عن أبيه عن جده" وحقه أن يقول بعد قوله ثابت الأنصاري وعدي بن ثابت عن ابيه عن جده ... الخ. 3 في تعليقه على "سنن الترمذي" 1/221. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الزيلعي في "نصب الراية"1، وابن حجر في "الدراية في تخريج أحاديث الهداية"2، و"التلخيص الحبير"3، والهيثمي في "مجمع الزوائد"4، وغيرهم. تجعله صالحاً للاحتجاج به، لا باعتباره هو بل باعتبار شواهده، وهذا خلاف صنيع العيني5 الذي جعل الحديث صالحاً للاحتجاج، باعتباره هو معتمد في ذلك على الآتي:- أن ابن حبّان ذكر في "الثقات" أن ثابتاً هو ابن عبيد بن عازب ابن أخ البراء. أن ابن معين قال في شريك: صدوق ثقة، وأن العجلي وثقه. أن أبا اليقظان قد أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة. وقد تكفل المعلق على الدراية6 في الرد عليه برد النقطة الأخيرة فقال: "وقد حاول العيني جاهداً أن يجعل الحديث صالحا   1 1/199-204. 2 1/88-89 . 3 1/162 وما بعدها. 4 1/280-281 . 5 عمدة القارئ. 6 1/88. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 للاحتجاج؛ باعتبار أن أبا اليقظان أخرج له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه فهم لم يقولوا ذلك، والمتبع لسننهم يعلم أنهم لم يشترطوا أن إخراجهم لشخص كاف لتعديله" ا?. وما ذكر ابن حبّان في "الثقات" يمثل أحد الأقوال التي دار عليها الخلاف في جد عدي الذي هو والد ثابت، ولم يحصل القطع أن والد ثابت هو هذا؛ لوجوده في ثقات ابن حبان، بل سار الخلاف مساره، ولم يترجح شيء من تلك الأقوال تطمئن إليه النفس، وهذا القول لم ينفرد به ابن حبان بل شاركه فيه ابن عبد البر، والحال أنه سبق بحث هذه المسألة، وكانت النتيجة جهالة جد عدي، وجهالة والده. وأما ما يتعلق بشريك فإنه نقل فيه ما يتعلق بتوثيقه، وكان الواجب يقتضيه أن ينقل بجانبه ما قيل في تجريحه؛ فإنه كما قال المنذري قد تكلم فيه غير واحد. وكانت حصيلة الحكم فيه أنه ضعيف من قبل حفظه، كما أشار إلى هذا ابن حجر في "تقريب التهذيب" في ترجمته. ذكر بعض الشواهد للحديث عن عائشة قالت: جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله أني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم، ثم صلّي، ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت". أخرجه البخاري1 ومسلم2 واللفظ للبخاري. وعن سليمان بن يسار أن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت، فأمرت أم سلمة أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل، وتستذفر بثوب وتصلي". رواه الدارقطني في "سننه"3. قال الزيلعي في "نصب الراية"4: "ورواه ابن أبي شيبة في "مسنده" حدثنا يزيد بن هارون، ثنا حجاج عن نافع عن سليمان بن يسار أن امرأته أتت أم سلمة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لها عن المستحاضة فقال: صلى الله عليه وسلم: "تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل، وتستثفر بثوب، وتتوضأ لكل صلاة، وتصلي إلى مثل ذلك" ا?.   1 صحيح البخاري مع فتح الباري 1/331-332. 2 صحيح مسلم بشرح النووي 2/16 وانظر "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" 1/70-71. 3 1/280 وقوله صلى الله عليه وسلم: "وتستذفر" أي: تستثفر وهو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحتشي قطناً، وتوثق طرفيها في شيء تشده على وسطها فتمنع بذلك سيل الدم، وهو مأخوذ من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها. "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/214 وانظر: "تاج العروس" 10/327، 11/376. 4 1/202. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 قال الزيلعي: وهذه المرأة هي فاطمة بنت أبي حبيش، يفسره رواية الدراقطني المذكورة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 الحديث الخامس: باب ما جاء في المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد، من أبواب الطهارة عن رسول الله عليه وسلم ... الحديث الخامس: باب ما جاء في المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد، من أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1/221 وما بعدها سنن الترمذي بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش1 قالت: "كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختى زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله: إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها قد منعتني الصيام والصلاة؟ قال: "أنعت لك الكرسف2، فإنه يذهب الدم". قالت: "هو أكثر من ذلك؟ قال: "فتلجمي"3، قالت: هو أكثر من ذلك؟ قال: "فاتخذي   1 "حمنة بنت جحش الأسدية أخت زينب كانت تحت مصعب بن عمير، ثم طلحة، وكانت تستحاض، ولها صحبة، وهي أم ولدي طلحة عمران ومحمد، روى لها البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة" ا?. (تقريب التهذيب 2/595) وانظر: "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 4/275 وحَمْنة -بفتح الحاء المهملة وسكون الميم فنون- وجحش -بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة فشين معجمة. 2 "الكرسف" بضم الكاف وإسكان الراء وضم السين المهملة وآخره فاء وهو القطن كما في (النهاية في غريب الحديث والأثر 4/163) و (القاموس المحيط 3/189) و (مختار الصحاح/567) . 3 أي اجعلي موضع خروج الدم عصابة تمنع الدم، تشبيهاً بوضع اللجام في فم الدابة (النهاية في غريب الحديث والأثر 4/235) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 ثوبا". قالت: هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجاً1؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزء عنك فإن قويت عليهما فأنت أعلم. فقال إنما هي ركضة من الشيطان2 فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام3 في علم الله، ثم اغتسلي، فإذا رأيت أنك قد طهرت واستقأت4، فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخّري الظهر، وتعجّلي العصر،   1 بالمثلثة وتشديد الجيم أي أصب صباً والثجّ: صب الماء والدم وسيلانه بشدة. انظر (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/207) و (تاج العروس 5/444-445) . و (المفردات في غريب القرآن للراغب/79) . 2 أصل الركض: الضرب بالرجل والإصابة بها كما تركض الدابة وتصاب بالرجل. أراد: الإضرار بها والأذى. والمعنى: أن الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها، وطهرها، وصلاتها، حتى أنساها ذلك عادتها، وصار في التقدير كأنه ركضة بآلة من ركضاته" ا?. (النهاية في غريب الحديث والأثر 2/259) والذي اختاره القاضي أبو بكر بن العربي في "عرضة الأحوذي" 1/208 حملها على الحقيقة لعدم امتناعها عقلا. 3 تحيضت المرأة: إذا قعدت أيام حيضها تنتظر انقطاعه. أراد: عُدِّي نفسك حائضاً وافعلي ما تفعل الحائض، وإنما خص الست والسبع؛ لأنهما الغالب على أيام الحيض" ا?. (النهاية في غريب الحديث والأثر 1/469) . 4 من الاستنقاء وهو المبالغة في تنقية البدن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 ثم تغتسلين حين تطهرين، وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخّرين المغرب وتعجّلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بن الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي وصومي، إن قويت على ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعجب الأمرين إلي" ا?. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي، وابن جريج، وشريك، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمه عمران، عن أمه حمنة إلا أن ابن جريج يقول: "عمر بن طلحة، والصحيح "عمران بن طلحة". قال: وسألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن صحيح. وهكذا قال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح. وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة: إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره، -وإقباله أن يكون أسود، وإدباره أن يتغير إلى الصفوة-: فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش، وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض: فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي، وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة، ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره، فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش. وكذلك قال أبو عبيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 وقال أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي1: "وأما العلة الأخرى التي نقلها البيهقي، عن الترمذي، عن البخاري في الشك في سماع ابن عقيل من إبراهيم بن محمد ابن طلحة فإنها علة لا تقوم لها قائمة؛ لأن ابن عقيل تابعي سمع كثيراً من الصحابة، ومات بين سنتي مئة وأربعين وخمس وأربعين ومئة، ويقال سنة (142) وإبراهيم بن محمد ابن طلحة مات سنة 110? فهما متعاصران، وابن عقيل سمع ممن هم أقدم موتاً من إبراهيم هذا". ذلك هو ما يتعلق بتصحيح البخاري. وأما ما يتعلق بتصحيح أحمد، فقد نقل أبو داود عنه ما يخالف ما نقله الترمذي عنه هنا من تصحيحه، قال أبو داود في "سننه"2: "سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء". وفي الجواب عن ذلك قال أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي3: "لعله يشير إلى أن في نفسه شيئاً من جهة الفقه والاستنباط، والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، وإن كان صحيحاً ثابتاً عنده من جهة الإسناد". وقال السبكي في المنهل العذب المورود4: "وفي بعض النسخ إسقاط هذه الجملة، والمنقول عن أحمد قوله: إن في هذا الباب حديثين وثالثاً في النفس منه شيء، ففسر أبو داود الثالث بحديث حمنة".   1 1/226. 2 1/479 مع عون المعبود. 3 1/226. 4 1/96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 أبو داود في "سننه"1 من طريق زهير بن محمد. ابن ماجة في "سننه"2 من طريق ابن جريج، ومن طريق شريك. أحمد في "مسنده"3 من طريق شريك بن عبد الله، ومن طريق زهير ابن محمد. الشافعي في "الأم"4 من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى. ابن أبي شيبة في "مصنفه"5 من طريق شريك. عبد الرزاق في "مصنفه"6 من طريق بن جريج. الدارقطني في "سننه"7 من طريق زهير بن محمد، وشريك، وعمرو ابن ثابت، وعبيد الله بن عمرو، وإبراهيم بن أبي يحيى.   1 1/120-121. 2 1/203 رقم الحديث (622) و1/205 رقم الحديث (627) . 3 6/381-382 و439-440. 4 1/60. 5 1/128. 6 1/306-307 . 7 1/214-215 . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"1 من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي. الطحاوي في "مشكل الآثار"2 من طريق زهير بن محمد، ومن طريق شريك. البغوي "شرح السنة"3 بإسناده إلى أبي داود، وإلى الشافعي. الحاكم في "المستدرك"4 من طريق زهير بإسناد إلى الحارث بن أسامة. البيهقي في "السنن الكبرى"5 بإسناده إلى أبي داود، وبإسناده إلى الحاكم، وفي "معرفة السنن"6، وفي "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي"7 بإسناده إلى الشافعي. ابن الجوزي في "التحقيق"8 بإسناده إلى أحمد بن حنبل.   1 ذكره ابن حزم في "المحلى" 2/193 وابن حجر في "تهذيب التهذيب" 7/466. 2 3/299-300 . 3 2/148، 150. 4 1/172-173 . 5 1/338-339 . 6 1/299. 7 /131 رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عام 1398?. 8 1/32. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 البخاري في "التاريخ الكبير"1 ولكن إشارة. كلهم من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد ابن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش، وبعض هذه الروايات مطول، وبعضها مختصر. درجة هذا الحديث هذا الحديث مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد ذكر الدارقطني في علله2 وجوه الاختلاف عليه فيه، منبهاً على ما هو صحيح من غيره فقال: "يرويه عبد الله بن محمد بن عقيل، واختلف عنه: فرواه أبو أيوب الإفريقي عبد الله بن علي3 عن عبد الله بن محمد ابن عقيل، عن جابر ووهم فيه. وخالفه عبيد الله بن عمرو، ويزيد، وابن جريج، وعمرو بن ثابت، وزهير بن محمد، وإبراهيم بن أبي يحيى، رووه عن ابن عقيل، عن إبراهيم ابن محمد بن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش، وهو صحيح" ا?.   1 1/1/315-316 في ترجمة إبراهيم بن محمد بن طلحة. 2 المجلد الخامس القسم الثاني ورقة 211 وفيه عبيد الله بن عمر وعمرو بن أبي ثابت وهو خطأ صوابه ما أثبته. 3 عبد الله بن علي بن الأزرق أبو أيوب الأفريقي ثم الكوفي صدوق يخطئ من السادسة/ روى له أبو داود والترمذي (تقريب التهذيب 1/434) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وإذا عرف ذلك فإن موقف العلماء من هذا الحديث كان متبايناً في قبوله ورده، مع تنوّع وجوه رده؛ وذلك نظراً لاختلاف أنظارهم فيه: فضعّف أبو حاتم الحديث تبعاً لضعف إسناده عنده، قال ابنه في علل الحديث1: "سألت أبي عن حديث رواه ابن عقيل، عن إبراهيم بن محمد، عن عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش في الحيض؟ فوهّنه، ولم يقوّ إسناده" ا?. وقال الخطابي في "معالم السنن"2: "وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الخبر؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك" ا?. وهذا الكلام من الخطابي يعني أن ابن عقيل مختلف فيه، وبالتالي مختلف فيما يرويه وهو كذلك، قال البيهقي في كتاب "المعرفة"3 عن هذا الحديث، وعن راويه: "تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به" ا?. وقال في السنن الكبرى4: "أهل العلم مختلفون في جواز الاحتجاج برواياته" ا?. ومن هنا لم يقبل من "ابن مندة" دعوى الإجماع على ترك حديث   1 1/51. 2 1/185 مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود. 3 1/231. 4 1/237. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ابن عقيل، واستنكر منه هذا الإطلاق. قال ابن سيّد الناس1: "وأما ابن مندة فقال: "لا يصحّ عندهم بوجه من الوجوه؛ لأنه من رواية ابن عقيل، وقد أجمعوا على ترك حديثه". ذكر ذلك عنه شيخنا الإمام الحافظ أبو الفتح القشيري -رحمه الله تعالى- وتعقبه بالرد عليه، وإنكار هذا الإطلاق على ابن عقيل" ا?. وقد أيّد ابن سيّد الناس شيخه ابن دقيق العيد فقال عقب ذلك: "ولم يعد القشيري منهج الصواب" ا?. قال ابن القيّم2: "ودعوى ابن مندة الإجماع على ترك حديثه غلط ظاهر منه" ا?. أما ابن حجر فإنه اعتذر عن ابن مندة، فحمل مراده بالإجماع على إجماع خاص وهو إجماع من التزم إخراج الصحيح، فقال في التلخيص الحبير3 بعد أن أورد قول ابن مندة، وأشار إلى تعقب ابن دقيق العيد له: "لكن ظهر لي أن مراد ابن مندة بذلك من خرّج الصحيح وهو كذلك" ا?. قلت: ويمكن أن يرشح لهذا الحمل قول ابن مندة: "لا يصحّ عندهم بوجه من الوجوه" ا?. فإن قوله "لا يصحّ" إيماء إلى أهل الصحيح.   1 شرح سنن الترمذي (1) ورقة (41) وجه (ب) . 2 تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود 1/477. 3 1/163. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 قال الحاكم في ابن عقيل بعد أن أخرج حديثه في "المستدرك"1: "وهو من أشراف قريش وأكثرهم رواية غير أنهما لم يحتجا به" ا?. يعني البخاري ومسلم فيخرجا له في صحيحيهما. وأيضاً فإنه يبعد أن يجهل ابن مندة الاختلاف في ابن عقيل، وما قيل فيه من الكلام فيطلق على ترك حديثه إجماعاً عاماً. ومع أني لم أقف على تعقيب بن دقيق العيد ورده، فإن من أوضح وأقرب ما يرد به على ابن مندة في مراده الإجماع العام ما نقله الترمذي عن البخاري أنه سمعه يقول: "كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل". وأيضاً تصحيح الترمذي للحديث، وتصحيح أحمد والبخاري له فيما نقله الترمذي عنهما. ثم الاختلاف الآتي في الاحتجاج براويه وهو عبد الله بن محمد ابن عقيل، وقد صور الترمذي الخلاف في ابن عقيل هذا خير تصوير وأروعه، فذكر –بعد أن أدلى برأيه فيه: موقف العلماء منه بأوجز عبارة وأدقها، وذلك أنه أخرج في أول سننه2 حديث ابن عقيل. "مفتاح الصلاة الطهور" ثم قال عقبه: " هذا الحديث أصحّ   1 1/173. 2 1/8-9 بتحقيق وتعليق أحمد شاكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل. قال محمد: وهو مقارب الحديث" ا?. ومن نظر فيما قيل في ابن عقيل في كتب الرجال من مصادر ترجمته1، يجد أن الترمذي كان بارعاً وموفقاً في تلخيص آراء العلماء فيه، مما يدل على نفاذ بصيرة منه، ورسوخ قدم، وطول باع في هذا المجال، وهذا الشأن. والحق يقال إن ابن عقيل لا يخرج عما قاله الترمذي، وأن من تكلم فيه إنما تكلم فيه من قبل حفظه وضبطه.   1 انظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 6/13 و"تقريب التهذيب" 1/447 و"ميزان الاعتدال" 2/484 و"المغني في الضعفاء" 1/354 و"ديوان الضعفاء والمتروكين"/175 و"الكاشف" 2/126-127 و"خلاصة تهذيب تهذيب الكمال"/213 و"الجرح والتعديل" 2/2/153 و"التاريخ الكبير" 3/1/183-184 و"المجروحين" 2/3 و"شرح علل الترمذي"/249 و"الكامل" (3) قسم (2) صفحة (25) و"تهذيب الأسماء واللغات" الجزء الأول من القسم الأول/287 و"الضعفاء" لابن الجوزي مصور ورقة (89) و"التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة" 3/30-31 و"كشف الأحوال في نقد الرجال"/63. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 ونعلم من هذا أن من لم يرو عنه، أو ترك الرواية عنه، أو لم يحتج به، أو ضعفه إنما هو من أجل ذلك، بل صرّح بعضهم بهذا؛ السبب كابن خزيمة كما سيأتي. والمقصود أن عدالة الرجل لم تخدش، ولم تمس بشيء، بل كان موضع ثناء من ناحية عدالته. قال ابن حبان –وقد ترجمه في "المجروحين"1؛ لأجل رداء حفظه-: "كان عبد الله من سادات المسلمين من فقهاء أهل البيت وقرائهم، إلا أنه كان رديء الحفظ". وسبق قول الحاكم فيه: هو من أشرف قريش، وأكثرهم رواية. وقال العقيلي2: "وكان فاضلاً خيراً موصوفاً بالعبادة، وكان في حفظه شيء" ا?. وقال العجلي3: "مدني تابعي جائز الحديث" ا?. وقال الساجي4: "كان من أهل الصدق، ولم يكن بمتقن في الحديث" ا?. إلى غير ذلك مما يدل على صلاحه، وصدقه، وتدينه، وعدالته.   1 2/3. 2 انظر تهذيب التهذيب (6/15) . 3 ترتيب ثقات العجليّ للهيثمي ورقة 32، وانظر تهذيب التهذيب (6/14-15) . 4 انظر المصدر السابق الجزء والصفحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 أما من تناوله من جهة حفظه وضبطه وإتقانه كابن خزيمة، فإنه قال1: "لا أحتج به لسوء حفظه" ا?. وقال الدوري عن ابن معين2: "ابن عقيل لا يحتج بحديثه". وقال ابن سعد3: -وقد ذكره في الطبقة الرابعة من أهل المدينة-: "كان منكر الحديث لا يحتجون بحديثه، وكان كثير العلم" ا?. ومعنى قوله "لا يحتجون بحديثه" أي إذا انفرد، فإنه مظنة الخطأ والوهم، فإذا ما جاء متابع لحديثه أو شاهد أمن ما كان يخالف منه وحصل الاطمئنان إلى ما رواه. يؤيد ما قلته أن أبا حاتم قال4 في ابن عقيل –وقد سئل عنه من قبل ابنه-: "لين الحديث ليس بالقوي، ولا ممن يحتج بحديثه، يكتب حديثه، وهو أحب إلي من تمام بن نجيح"5 ا?. فأنت ترى أنه قال "يكتب حديثه"، أي للاعتبار مع قوله "ولا ممن يحتج بحديثه".   1 تهذيب التهذيب (6/15) . 2 انظر المصدر السابق (6/14) . لم أقف على هذا القول في "التاريخ" 2/226 في ترجمة ابن عقيل. 3 انظر المصدر السابق الجزء والصفحة. 4 الجرح والتعديل 2/2/154. 5 تمام بن نجيح الأسدي الدمشقي نزيل حلب، ضعيف، من السابعة، روى له البخاري في جزء رفع اليدين في الصلاة، وأبو داود، والترمذي. (تقريب التهذيب 1/113) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فهذا دليل على أن المراد ليس هو نفي الاحتجاج بحديثه مطلقاً، بل إذا انفرد. وقال ابن عدي1 بعد أن ساق جملة من أحاديثه: "ولعبد الله بن محمد بن عقيل غير ما أمليت أحاديث وروايات، وقد روى عنه جماعة من المعروفين الثقات، وهو خير من ابن سمعان2، ويكتب حديثه" ا?. وقال الخطيب3: "كان سيء الحفظ" ا?. وقال أبو أحمد الحاكم4: "كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يحتجان بحديثه، وليس بذاك المتين المعتمد" ا?. وضعفه ابن المديني والنسائي5 وقال يعقوب بن شيبة6: "وابن عقيل صدوق، وفي حديثه ضعف شديد جداً، وكان ابن عيينة يقول: "أربعة من قريش يترك حديثهم فذكره منهم".   1 الكامل 3 قسم 2 صفحة 25. 2 هو عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي، أبو عبد الرحمن المدني، قاضيها، متروك اتهمه بالكذب أبو داود وغيره، من السابعة، روى له أبو داود في "المراسيل" وابن ماجة (تقريب التهذيب 1/416) . 3 تهذيب التهذيب 6/15. 4 المصدر السابق الجزء والصفحة. 5 تهذيب التهذيب 6/14-15. 6 تهذيب التهذيب 6/14. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 وقال القطيعي1: "كان ابن عيينة لا يحمد حفظه" ا?. وقال الحميدي2 عن ابن عيينة: "كان في حفظه شيء، فكرهت أن ألقاه" ا?. وقال بشر بن عمر3: "كان مالك يروي عنه" ا?. وابن عبد البر الذي وثّق ابن عقيل ردّ على من جرحه بأنه لا حجة له، ولم يكتف بهذا بل جعله أوثق من جميع المتكلمين فيه، مما حدا ابن حجر الذي نقل ذلك عنه أن يعقب عليه بقوله4: "وهذا إفراط" ا?. وقد قلد الشيخ أحمد شاكر ابن عبد البر وتبنى حكمه في ابن عقيل، حيث قال5: "وعبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ثقة لا حجة لمن تكلم فيه، بل هو أوثق من كل من تكلم فيه، كما قال ابن عبد البر" ا?. فعلى هذا عنده أن حديث ابن عقيل صحيح مطلقاً، كما هو عند ابن عبد البر. أما ابن رجب6 الذي قسّم الرواة المختلف فيهم إلى ثلاثة أقسام فإنه مثّل بابن عقيل للقسم الثاني، وهو: "من اختلف فيه هل هو ممن   1 تهذيب التهذيب 6/14. 2 المصدر السابق الجزء والصفحة. 3 المصدر السابق الجزء والصفحة. 4 تهذيب التهذيب 6/15. 5 في تعليقه على "سنن الترمذي" 1/9. 6 شرح علل الترمذي/249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 غلب على حديثه الوهم والغلط أو لا؟ " فساق فيه ما ذكره الترمذي عن البخاري، كما أشار إلى تصحيح الترمذي لحديثه، ثم أورد قول ابن معين وغيره "لا يحتج به"، وختم بما قاله الجوزجاني: "عامة ما يروى عنه غريب وتوقف عنه" ا?. ويجدر التنبيه هنا أن كتب الرجال إنما اعتمدت في احتجاج أحمد ابن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والحميدي بحديث ابن عقيل على ما ذكره الترمذي عن شيخه البخاري. هذا وتشير بعض النقولات إلى أن الرجل كان حافظاً متقناً لما يؤديه، ثم تغير في آخر عمره فاختل ضبطه وساء حفظه، فقد قال الحاكم أبو عبد الله1: "عُمِّر فساء حفظه فحدث على التخمين" ا?. ويؤيد هذا قول ابن المديني2 عن ابن عيينة: "رأيته –يعني ابن عقيل- يحدث نفسه، فحملته على أنه قد تغيّر" ا?. وقد حكى ابن حجر القول بتغيره في "تقريب التهذيب"3 فقال: "ويقال تغير بآخرة من الرابعة مات بعد الأربعين أي ومئة، روى له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة" ا?.   1 تهذيب التهذيب 6/15. 2 المصدر السابق. 3 1/448. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 فإذا ثبت هذا أمكن الجمع بين قول من وثّقه وقول من جرّحه، بأن يقال أن من وثّقه بناء على أول أمره، ومن جرّحه بناء على آخر أمره، ويكون حكم حديثه حكم حديث المختلط. هذا وقد مال الذهبي إلى توثيقه وأنه حسن الحديث، فقال في ترجمته من "ميزان الاعتدال"1 بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين: "حديثه في مرتبة الحسن" ا?. والذي يبدو أن ابن حجر يسير على هذا؛ فإنه اختار من الحكم فيه في "تقريب التهذيب"2: "صدوق في حديثه لين". وممن مشى على ذلك من المتأخرين المباركفوري في "تحفة الأحوذي"، فإنه حسّن حديث علي "مفتاح الصلاة الطهور" الذي في سنده ابن عقيل، حيث قال3: "فالراجح المعمول عليه هو أن حديث علي المذكور حسن يصلح للاحتجاج" ا?. ومن المعاصرين الشيخ الألباني فقد حسن في –سلسلة الأحاديث الصحيحة- عدة أسانيد فيها ابن عقيل، فما قاله في أحدها4: "وهذا   1 2/485. 2 1/448. 3 تحفة الأحوذي 1/40. 4 سلسلة الحاديث الصحيحة وشيء من فقهها 2/477 وانظر صفحة 630 و675 من الجزء عينه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، وفي ابن عقيل كلام من قبل حفظه لا ينزل به حديثه عن هذه المرتبة التي ذكرنا" ا?. وإذا عرف ذلك فإن ابن حزم تعرض لهذا الحديث في كتابه "المحلى"1، ورده بأنواع من الرد غير ابن عقيل. قال ابن سيّد الناس2: "ليس منها ما يستقر على النقد"، وقال: "ولم يعلله بابن عقيل، وذلك يقتضي أنه عنده مقبول، إلا أن يكون يرى أنه استغنى بإعلاله بغيره" ا?. فمما أعله به: الانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل فقد زعم أن ابن جريج3 لم يسمعه من عبد الله بن محمد بن عقيل، ثم ذكر بسنده عن أحمد أنه قال: قال ابن جريج: حدثت عن ابن عقيل، "ولم يسمعه". قال أحمد: "وقد رواه ابن جريج عن النعمان بن راشد" قال: "والنعمان بن راشد يعرف فيه الضعف" ا?. وفي الجواب عن هذه العلة قال ابن القيم4: "أما قوله: "إن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل، وأن بينهما النعمان بن راشد"   1 2/193-195. 2 شرح سنن الترمذي 1 ورقة41 وجه أ. 3 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي، ثقة، فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل، من السادسة، مات سنة خمسين أو بعدها أي ومئة وقد جاوز السبعين وقيل: جاوز المئة ولم يثبت، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 1/520) . 4 تهذيب سنن أبي داود (1/476) مع عون المعبود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 فجوابه: "أن النعمان بن راشد1 ثقة، أخرج له مسلم في صحيحه، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، واستشهد به البخاري، وقال2:"في حديثه وهم كثير، وهو صدوق" ا?. وقال ابن أبي حاتم3: "أدخله البخاري في "الضعفاء"4، فسمعت أبي يقول: "يحول اسمه منه" ا?. وأجاب ابن سيد الناس عن ذلك بإمكان الاستغناء عن طريق ابن جريج؛ لوروده متصلا من غير طريقه، قال5: "أما ما رده به من الانقطاع بين ابن جريج وابن عقيل، ومن ضعف الواسطة فقد سقناه من غير طريق ابن جريج، (يعني أنه ساقه من طريق زهير بن محمد عن ابن عقيل) ، فلتتصل طريق ابن جريج، أو لتتقطع، وليكن الواسطة بينه وبين ابن عقيل ضعيفاً إن شاء أو قوياً" ا?.   1 النعمان بن راشد الجزري أبو إسحاق الرقي، مولى بني أميّة، صدوق، سيء الحفظ، من السادسة، روى له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأهل السنن الأربعة. (تقريب التهذيب 2/204) . 2 التاريخ الكبير 4/2/80 والتاريخ الصغير 2/69 و"الضعفاء"/112. 3 الجرح والتعديل 4/1/449. 4 /112 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 10/452 و"ميزان الاعتدال" 4/265 و"المغني في الضعفاء" 2/699 و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي/101. 5 شرح سنن الترمذي 1 ورقة41 وجه أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 أعلّه بشريك، وزهير، وعمرو بن ثابت. قال: "وقد رواه أيضاً شريك، وزهير بن محمد، وكلاهما ضعيف، وعن عمرو بن ثابت، وهو ضعيف" ا?. والجواب أن شريكاً هذا هو ابن عبد الله النخعي1 مختلف فيه، احتج به أهل السنن الأربعة، واستشهد به البخاري، وروى له مسلم في المتابعات، قال عنه ابن حجر2: "صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة" ا?. وأما زهير بن محمد: فاحتج به الشيخان، وباقي الستة، وعن أحمد فيه أربع روايات3: إحداها: أنه ثقة، والثانية: مستقيم الحديث، والثالثة: مقارب الحال، والرابعة: ليس به بأس. وعن يحيى بن معين فيه ثلاث روايات4: "إحداها: صالح لا بأس به، والثانية: ثقة، والثالثة: ضعيف". وقال النسائي5: "ليس بالقوي" ا?.   1 تقدمت ترجمته في الحديث الثاني والرابع. 2 تقريب التهذيب 1/351. 3 انظر تهذيب التهذيب 3/349. 4 انظر تهذيب التهذيب 3/349. 5 الضعفاء والمتروكين للنسائي/44. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وقال عثمان الدارمي1: "ثقة صدوق، وله أغاليط كثيرة" ا?. وقال يعقوب بن شيبة2: "صدوق صالح الحديث" ا?. وذكره ابن حبّان في "الثقات"3، وقال: "يخطئ ويخالف" ا?. وقال أبو حاتم4 وقد سأله ابنه عنه: "محله الصدق، وفي حفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق؛ لسوء حفظه، وكان من أهل خراسان سكن المدينة، وقدم الشام، فما حدّث من كتبه فهو صالح، وما حدّث من حفظه ففيه أغاليط" ا?. وقال البخاري5: "ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح الحديث" ا?. قال ابن القيّم6: "وهذا الحديث قد رواه أبو داود، والترمذي من حديث أبي عامر العقدي –عبد الملك بن عمرو-7 عنه وهو بصري   1 تهذيب التهذيب 3/349. 2 المصدر السابق 3/350. 3 انظر المصدر السابق 3/350. 4 الجرح والتعديل 1/2/590. 5 انظر تهذيب التهذيب 3/349 فقد نقله عنه والذي في التاريخ الكبير 2/1/427 والضعفاء/47 "روى عنه أهل الشام أحاديث مناكير" ا?. 6 تهذيب سنن أبي داود مع عون المعبود 1/480-481. 7 عبد الملك بن عمرو القيسي أبو عامر العقدي -بفتح المهملة والقاف- ثقة، من التاسعة، مات سنة أربع أو خمس ومئتين، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/521 وانظر في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب 6/409، الجرح والتعديل 2/2/359، التاريخ الكبير 3/1/425، التاريخ الصغير 2/304، الطبقات الكبرى لابن سعد 7/299، الطبقات لخليفة بن خياط/227، تاريخ خليفة بن خياط/472، اللباب في تهذيب الأنساب 2/348. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 فيكون على قول البخاري صحيحاً" ا?. وقال البخاري1: قال أحمد بن حنبل: "كأن الذي روى عنه أهل الشام زهير آخر فقلب اسمه" ا?. وفي "تهذيب التهذيب" وتقريبه نقلا عن البخاري: "كان زهير الذي روى عنه أهل الشام زهيراً آخر"، ولم يذكر "فقلب اسمه". قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"2: "زهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني سكن الشام، ثم الحجاز، رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعّف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كان زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم: حدّث بالشام من حفظه فكثر غلطه، من السابعة مات سنة اثنيتين وستين أي ومئة، روى له الجماعة. ا?.   1 التاريخ الكبير 2/1/427-428 والتاريخ الصغير 2/149. 2 1/264 وانظر في مصادر ترجمته: "ميزان الاعتدال" 2/84 و"المغني في الضعفاء" 1/241 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/403 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/430. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 وأما عمرو بن ثابت: فقد ذكر أبو داود في "سننه"1 عن يحيى بن معين بأنه كان رافضياً، ونقل هذا ابن حجر في "تهذيب التهذيب"2 بزيادة عما في نسخة السنن فقال: "وقال أبو داود في السنن إثر حديث في الاستحاضة: "ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل، وهو رافضي خبيث، وكان رجل سوء زاد في رواية ابن الأعرابي: "ولكنه كان صدوقاً في الحديث" ا?. قال الشيخ أحمد شاكر3: "وعمرو4 هذا ضعّفه أكثر أهل العلم، وقال ابن حبّان5:"يروي الموضوعات عن الأثبات". وأحسن أمره أن يكون صدوقاً في الرواية، كما روى ابن الأعرابي   1 1/479 مع عون المعبود. 2 8/10. 3 في تعليقه على "سنن الترمذي" 1/227. 4 عمرو بن ثابت هو ابن أبي المقدام الكوفي، مولى بكر بن وائل، ضعيف رمي بالرفض، من الثامنة، مات سنة اثنتين وسبعين أي ومئة، روى له ابن ماجة في "التفسير" وأبو داود. (تقريب التهذيب 2/66) وانظر في مصادر ترجمته: "ميزان الاعتدال" 3/249 و"المغني في الضعفاء" 2/482 و"الجرح والتعديل" 3/1/223 و"التاريخ الكبير" 3/2/319 و"الضعفاء" للبخاري/83 و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي/81 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/92. 5 المجروحين 2/76 وعبارته فيه: "كان ممن يوري الموضوعات لا يحل ذكره إلا على سبيل الاعتبار" ا? الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 عن أبي داود، فإن قبل حديثه في ذاته فلا يقبل ما يخالف فيه الثقات الحافظين المعروفين" ا?. ويكفي في الرد على ابن حزم أن عمرو بن ثابت لم ينفرد به عن ابن عقيل، فقد تقدم أنه رواه جماعة عن ابن عقيل، فلا تضر متابعة عمرو ابن ثابت لهم. أنه تعلق في رده للحديث بما وقع من الغلط من عمران بن طلحة إلى عمر بن طلحة فقال: "وأيضاً فعمر بن طلحة غير مخلوق، ولا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر" ا?. قال ابن القيّم1: "وهذا تعلق باطل أما قوله عمر بن طلحة غير مخلوق، فقد ذكرنا أن هذا وهم ممن سماه عمر، وإنما هو عمران بن طلحة2" ا?. قال البخاري في "التاريخ الكبير"3 -في ترجمة إبراهيم بن محمد ابن طلحة التيمي –بعد أن أخرج الحديث إشارة كما سبق من طريق شريك   1 تهذيب سنن أبي داود 1/481 مع عون المعبود. 2 انظر: في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب 8/133، تقريب التهذيب 2/83، الجرح والتعديل 1/1/299، التاريخ الكبير 3/2/416، الطبقات الكبرى لابن سعد 5/166، الطبقات لخليفة بن خياط/244. 3 1/1/316. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 عن ابن عقيل وفيه عمران بن طلحة قال: "قال زهير بن محمد وعبد الله ابن عمرو، عن ابن عقيل- نحوه". وقال عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن ابن عقيل، عن إبراهيم ابن محمد بن طلحة، عن عمه عمر بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش. قال أبو عبد الله (كنية البخاري) والأول أصحّ1. وقد نبه الترمذي على أن عمر لا يقوله في هذا الإسناد إلا ابن جريج، وأن غيره يقول عمران وهو الصواب. وقد ذكر ابن القيّم أن ابن جريج يقول عمران أيضاً على الصواب، وذلك أخذاً من كلام الدارقطني فقال2: "وقد تقدم في كلام الدارقطني أن ابن جريج قال فيه عمران بن طلحة وهو الصواب، فوقع الغلط من عمران بن طلحة إلى عمر بن طلحة". أنه تعلق في رده للحديث برواية الحارث بن أبي أسامة له، قال وهو قد ترك حديثه. قال ابن القيّم3: وقوله الحارث بن أبي أسامة رواه وقد ترك حديثه، "فإنما اعتمد في ذلك على كلام أبي الفتح الأزدي فيه، ولم يلتفت إلى   1 انظر: تهذيب التهذيب 7/465 وتقريب التهذيب 2/58. 2 تهذيب سنن أبي داود 1/479 مع عون المعبود. 3 تهذيب سنن أبي داود 1/481 مع عون المعبون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 ذلك، وقد قال إبراهيم الحربي: هو ثقة. وقال البرقاني: أمرني الدارقطني أن أخرج عنه في الصحيح"، وصحح له الحاكم، وهو أحد الأئمة الحفاظ1" ا?. وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "المحلى"، وهنا بهامش اليمنية ما نصّه: قال الشيخ شمس الدين الذهبي: "هذا يدل على قلة معرفة المؤلف؛ إذ يسقط هذا الحديث برواية الحارث له، كأنه لم يروه إلا الحارث، وقد رواه جماعة غيره، وقد صححه الترمذي، وأخرجه هو وأبو داود" ا?. وبعد: فهذا الحديث –كما رأيت- مختلف في جواز الاحتجاج به بين العلماء.   1 ترجمة الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 2/619-620 فقال: "الحارث بن محمد بن أبي أسامة داهر الإمام أبو محمد التميمي البغدادي، صاحب المسند، ومسنده لم يرتب، ولد سنة ست وثمانين ومئة، وتوفي يوم عرفة سنة اثنتين وثمانين ومئتين". وقال في "ميزان الاعتدال" 1/442 -وقد علم على اسمه بكلمة صح، وهي إشارة إلى أن العمل على توثيقه (انظر: لسان الميزان 1/9) -: "الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي صاحب المسند. سمع علي بن عاصم ويزيد بن هارون. وكان حافظاً عارفاً بالحديث، عالي الإسناد بالمرة. تكلم فيه بلا حجة ... ، ولينه بعض البغاددة لكونه يأخذ على الرواية". وقد بين في تذكرة الحفاظ 2/620 السبب في ذلك بقوله: "وأما أخذه الدراهم على الرواية فكان فقيراً كثير البنات". وانظر في مصادر ترجمته: لسان الميزان 2/157، والبداية والنهاية 11/72. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وضعّفه بعضهم كأبي حاتم، وابن حزم، والشوكاني في نيل الأوطار؛ حيث قال1: "وهو غير صالح للاحتجاج". وحسّنه بعضهم كالألباني؛ فإنه قال في تعليقه على مشكاة المصابيح2: "وإسناده حسن كما بينت ذلك في صحيح السنن (لم يطبع) رقم 292". وصححه جماعة كالترمذي، والبخاري، والإمام أحمد، وأحمد شاكر، والنووي أيضاً فقد قال في "المجموع شرح المهذب"3: "حديث حمنة صحيح". قال الدكتور نور الدين عتر4: "وقد يقال: كيف يصحح الترمذي، والبخاري حديثه (يعني عبد الله بن محمد بن عقيل) مع قول الترمذي فيه: "صدوق"، وقول البخاري: "مقارب الحديث"؟ ثم قال: الذي نجيب به عنهما ونعلل هذا التصرف: هو أن الترمذي والبخاري قد صححا من حديثه ما علم أنه أتقنه، وحدّث به قبل تغيّره. ولعل الترمذي نقل عن أحمد والبخاري تصحيح الحديث؛ استشهاداً بهما، وإشارة إلى اندفاع الاعتراض عليه في تصحيحه؛ لأنه مما قامت عليه   1 نيل الأوطار 1/315. 2 1/177. 3 2/538. 4 الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين/284. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 الأدلة عنده وعند من صححه من الأئمة؛ ذلك أن الحديث قد تقوى بحديث عائشة، وأسماء بنت عميس. أما حديث عائشة فرواه أحمد1، وأبو داود2، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أن سهلة بنت سهيل بن عمرو استحيضت، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأمرها بالغسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل، والمغرب والعشاء بغسل، والصبح بغسل. وأما حديث أسماء فرواه أبو داود3، عن سهيل بن أبي صالح، (عن الزهري) ، عن عروة بن الزبير، عن أسماء بنت عميس قالت: قلت يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله إن" هذا من الشيطان" ... الحديث بمعنى السابق4. فكل من الحديثين شاهد يؤيد حديث عبد الله بن محمد بن عقيل   1 مسند أحمد بن حنبل 6/119، 139. 2 سنن أبي داود 1/488 مع عون المعبود. 3 سنن أبي داود 1/488 مع عون المعبود وسكت عنه أبو داود، وتبعه المنذري في مختصر السنن 1/191. 4 تكملة الحديث: " ... لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلا واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحداً، وتغتسل للفجر غسلا، وتتوضأ فيما بين ذلك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وإن كان الحديث الأول عن عائشة فيه القاسم بن محمد1 عن أبيه2، وقد قيل: إنه لم يسمع أباه فإن الحديث مع حديث أسماء بنت عميس يعضدان حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، ويدلان على صحته. فصح فيه قول الترمذي: "حسن صحيح" ا?. قلت: وكلمة "صحيح" عن البخاري –على حدّ قول الدكتور العتر- ثبتت في نسخة بولاق، ونسخة خطية عند الشيخ أحمد شاكر محقق الكتاب، ولم تثبت في طبعات الهند. ولا يخفى أن الترمذي أدخل هذا الحديث في كتابه "العلل الكبير"، ونقل عن شيخه البخاري توقفه في تحسينه بسبب شكه في سماع ابن عقيل من إبراهيم بن محمد بن طلحة3، فقال4: "قال محمد حديث حمنة بنت   1 هكذا قال، وهو خطأ صوابه عبد الرحمن بن القاسم، قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" 1/495 عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي أبو محمد المدني، ثقة جليل، قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه، من السادسة، مات سنة ست وعشرين أي ومئة، وقيل بعدها، روى له الجماعة. 2 القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي ثقة أحد الفقهاء بالمدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه، من كبار الثالثة مات سنة ست ومئة على الصحيح. (تقريب التهذيب 2/120) . 3 إبراهيم بن محمد بن طلحة التيمي أبو إسحاق المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة وله أربع وسبعون، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة. (المصدر السابق 1/41) وانظر في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب 1/153، الجرح والتعديل 1/1/124، التاريخ الكبير 1/1/315. 4 العلل الكبير ورقة 10. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 جحش في المستحاضة هو حديث حسن، إلا أن إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم لا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا؟ وكان أحمد ابن حنبل يقول هو حديث صحيح" ا?. وقد نقل هذه العلة عن الترمذي البيهقي في "السنن الكبرى"1. وممن تصدى للرد على هذه العلة ابن سيّد الناس الذي أنكر قول البخاري هذا، وشك في صحته عنه فقال2: "وهذا القول عن البخاري لا أعلم له وجهاً إبراهيم بن محمد ابن طلحة مات سنة عشر ومئة فيما قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، وعلي بن المديني، وخليفة بن خياط، وهو تابعي سمع أبا أسيد الساعدي، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وعائشة رضي الله عنهم. وابن عقيل سمع عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، والربيّع بنت معوذ رضي الله عنهم. فكيف ينكر سماعه من إبراهيم بن محمد بن طلحة لقدمه؟ وأين ابن طلحة من هؤلاء في القدم وهم نظراء شيوخه في الصحبة وقريب منهم في الطبقة؟ ولو توقف عن القول بسماعهم من ابن طلحة؛ معللا ذلك بعلة غير القدم؛ أو غير معلل له بعلة؛ لما توجه إنكاره، وفي صحة هذا عن البخاري عندي نظر".   1 1/339. 2 شرح سنن الترمذي 1 ورقة 41 وجه أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 وقال أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي1: "وأما العلة الأخرى التي نقلها البيهقي، عن الترمذي، عن البخاري في الشك في سماع ابن عقيل من إبراهيم بن محمد ابن طلحة فإنها علة لا تقوم لها قائمة؛ لأن ابن عقيل تابعي سمع كثيراً من الصحابة، ومات بين سنتي مئة وأربعين وخمس وأربعين ومئة، ويقال سنة (142) وإبراهيم بن محمد ابن طلحة مات سنة 110? فهما متعاصران، وابن عقيل سمع ممن هم أقدم موتاً من إبراهيم هذا". ذلك هو ما يتعلق بتصحيح البخاري. وأما ما يتعلق بتصحيح أحمد، فقد نقل أبو داود عنه ما يخالف ما نقله الترمذي عنه هنا من تصحيحه، قال أبو داود في "سننه"2: "سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء". وفي الجواب عن ذلك قال أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي3: "لعله يشير إلى أن في نفسه شيئاً من جهة الفقه والاستنباط، والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، وإن كان صحيحاً ثابتاً عنده من جهة الإسناد". وقال السبكي في المنهل العذب المورود4: "وفي بعض النسخ إسقاط هذه الجملة، والمنقول عن أحمد قوله: إن في هذا الباب حديثين وثالثاً في النفس منه شيء، ففسر أبو داود الثالث بحديث حمنة".   1 1/226. 2 1/479 مع عون المعبود. 3 1/226. 4 1/96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 وقال الشوكاني1: "ويجاب عن ذلك بأن الترمذي قد نقل عن أحمد تصحيحه نصاً، وهو أولى مما ذكره أبو داود؛ لأنه لم ينقل التعيين عن أحمد، وإنما هو شيء وقع له ففسر به كلام أحمد، وعلى فرض أنه من كلام أحمد فيمكن أن يكون قد كان في نفسه من الحديث شيء، ثم ظهرت له صحته". كان ذلك هو بيان موقف العلماء من حديث ابن عقيل هذا. والذي أراه بالنسبة لأحاديث ابن عقيل هو ألا يحكم لها بصحة، أو حسن، أو غير ذلك قبل أن يتثبت منها؛ فإن ما قيل فيه من قبل حفظه أحدث شكاً فيما يرويه، فينبغي أن ينظر في كل ما يرويه، ويتأكد منه هل هو مما ضبطه أو لا؟ فإن كان لما يرويه مثلا شواهد –كما هنا- قُبِل، وكذلك يقبل إذا لم يخالف الثقات، ولم ينفرد عنهم بما ينكر عليه. قال ابن القيّم2: "هذا الحديث مداره على ابن عقيل وهو عبد الله بن محمد بن عقيل ثقة صدوق، لم يتكلم فيه بجرح أصلا، وكان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق بن راهويه يحتجون بحديثه، والترمذي يصحح له، وإنما يخشى من حفظه إذا انفرد عن الثقات أو خالفهم، أما إذا لم يخالف ولم ينفرد بما ينكر عليه فهو حجة، وقال البخاري في هذا الحديث هو حديث حسن، وقال الإمام أحمد هو حديث صحيح".   1 نيل الأوطار 1/319. 2 تهذيب سنن أبي داود 1/475 مع عون المعبود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الحديث السّادس: باب ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 2/365 وما بعدها سنن الترمذي بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 قال بعض أصحاب الزهري عن الزهري قال: "حدثني آل عبد الله ابن عمر، عن عبد الله بن عمر: "بينما عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل1 من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أية2 ساعة هذه؟! فقال: "ما هو إلا أن سمعت النداء، وما زدت على أن توضأت". قال: والوضوء3 أيضاً وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل؟! ". حدثنا بذلك أبو بكر محمد بن أبان، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا أبو صالح عبد الله بن صالح حدثنا الليث، عن يونس عن الزهري بهذا الحديث.   1 هو عثمان بن عفّان كما جاء في عدة روايات، قال ابن عبد البر: "لا أعلم خلافاً في ذلك" ا?. 2 بتشديد التحتية تأنيت "أي" وهذا الاستفهام استفهام إنكار على تأخره إلى هذه الساعة. 3 ضبط بالنصب والرفع قال العراقي في "شرح سنن الترمذي": "المشهور في الرواية فيه النصب بإضمار فعل أي توضأت الوضوء، أو خصصت الوضوء دون الغسل قاله الأزهري وغيره" ا?. قال ابن حجر في "فتح الباري" 2/360 "في روايتنا بالنصب وعليه اقتصر النووي أي: الوضوء أيضاً اقتصرت عليه، واخترته دون الغسل، والمعنى: ما اكتفيت بتأخير الوقت، وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل، واقتصرت على الوضوء. وجوّز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي: الوضوء أيضاً يقتصر عليه" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: وروى مالك هذا الحديث، عن الزهري، عن سالم قال: "بينما عمر بن الخطاب يخطب يوم الجمعة" فذكر الحديث. قال أبو عيسى: وسألت محمداً عن هذا؟ فقال: الصحيح حديث الزهري، عن سالم عن أبيه. قال محمد: وقد روى مالك أيضاً عن الزهري، عن سالم، عن أبيه نحو هذا الحديث. نفي دعوى الاضطراب في الحديث قبل الخوض في هذا الحديث أودّ أن أورد الحديث الذي قبله الذي يشترك معه في نفس الباب (باب ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة) ؛ وذلك لأن ابن العربي في "شرح الترمذي"1 جعلها حديثاً واحداً، وادعى فيه اضطراباً، وقد ردّ هذه الدعوى العراقي في شرحه للترمذي2 بأن بيّن أنهما حديثان وليسا حديثاً واحداً فلا اختلاف في إسناده، كما قاله ابن العربي. وأسوق أولا الحديث ثم أثني بتعقيب العراقي على ابن العربي. قال الترمذي: حدثنا أحمد بن منيع أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من أتى الجمعة فليغتسل".   1 2/275-276. 2 1 ورقة 167 وجه أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 وفي الباب عن أبي سعيد، وعمر، وجابر، والبراء، وعائشة، وأبي الدرداء. قال أبو عيسى: "حديث ابن1 عمر حديث حسن صحيح، وروى عن الزهري، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث أيضاً. حدثنا بذلك قتيبة أخبرنا الليث بن سعد، عن أبي شهاب، عن عبد الله ابن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله" ا?. قال العراقي: "وأما قول القاضي أبي بكر بن العربي: أن أبا عيسى ذكر في حديث ابن عمر هاهنا عن الزهري اضطراباً. تارة يرويه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، وتارة يرويه عن آل عبد الله عن عمر، وتارة يرويه عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال البخاري: "وهو الصحيح" ا?. فهذا ليس اضطراباً؛ وذلك لأن رواية الزهري عن آل عبد الله بن عمر حديث آخر لعمر غير حديث ابن عمر، وليس اضطراباً في حديث واحد. وأما روايته لحديث ابن عمر عن عبد الله بن عبد الله، وعن سالم فليس اضطراباً أيضاً، وإنما سمعه الزهري منهما جميعاً، فحدّث به مرة عن هذا، ومرة عن هذا. ويستدل على أنه ليس اضطراباً أنه حدّث به عنهما جميعاً، كما رواه مسلم في صحيحه2 من طريق معمر، عن الزهري، عن سالم وعبد   1 أخرجه أصحاب الكتب الأمهات الستة وغيرهم. 2 6/130 بشرح النووي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 الله بن عبد الله كلا منهما، عن أبيه كما تقدّم والله أعلم. وذكر المصنف في كتاب "العلل المفرد" أنه رواه ابن جريج، عن الزهري، عنهما جميعاً. وقول البخاري: "أن الصحيح رواية الزهري عن سالم" ليس فيه تضعيف لرواية الزهري عن عبد الله، وإنما أراد البخاري جواب الترمذي لما سأله عن حديث عمر لا عن حديث ابن عمر، فصحح رواية الزهري عن سالم على رواية الزهري عن آل عبد الله بن عمر. وأما رواية الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، فقد صرّح البخاري بصحتها كما تقدم في أثناء الباب. وإنما رجحها؛ لأنه اتفق عليها مالك، ويونس بكمال القصة والزبيدي1 بالمرفوع منها ثلاثتهم عن الزهري عن سالم. وأما رواية الزهري عن آل عمر2 فرواها معمر فحسب عن الزهري فكانت أرجح؛ لاتفاقهم، وكون مالك مع الكثرة ترجيحاً آخر والله أعلم. ويؤيّد أنهما حديثان أن الترمذي في حديث ابن عمر عندما عدّد   1 هو محمد بن الوليد بن عامر الزبيدي -بالزاي والموحدة مصغراً- أبو الهذيل الحمصي القاضي ثقة ثبت من كبار أصحاب، الزهري، من السابعة، مات سنة ست أو سبع أو تسع وأربعين أي ومئة، روى له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. (تقريب التهذيب 2/215) . 2 هكذا في المخطوطة وصوابه عن آل ابن عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الأحاديث التي في الباب أشار إلى حديث عمر، فقال: "وفي الباب عن أبي سعيد وعمر وجابر ... الخ". فهذا دليل على أن الترمذي اعتبرهما حديثين لا حديثاً واحداً كما ظن ابن العربي. البخاري يرجح المتصل على المنقطع، ويذكر أن مالكاً رواه متصلا أيضاً اختلف في حديث عمر هذا على الزهري من جهة الوصل والانقطاع. فرواه معمر ويونس عنه موصولا، ورواه مالك عنه منقطعا بدون ذكر (ابن عمر) ، وفي جواب البخاري لتلميذه عن ذلك رجح الموصول على المنقطع، وأخبره بأن مالكاً كما رواه عن الزهري منقطعاً قد روى عنه عن الزهري موصولا نحو حديث يونس ومعمر، فوافقها في روايته بعد أن خالفها. قال العراقي في "شرح الترمذي"1 معترضاً على قول البخاري: "وقد روي عن مالك ... ": "الأولى أن يقال: روى مالك، فقد أخرجه البخاري في صحيحه2 من طريق هكذا، ولكن هذا على طريق الأولوية، ويجوز أن يقال في الصحيح روى بصيغة التمريض" ا?.   (1) ورقة 164 وجه أ. 2 2/356 مع فتح الباري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 والذي يبدو أن البخاري أراد بذلك أن يثبت الاختلاف عن مالك بأن رواه بعضهم عنه موصولا ورواه بعضهم منقطعاً فهو أي البخاري لم يقصد بقوله: "وقد روى عن مالك ... تضعيف هذه الطريق، وإنما هو بدل أن يقول: وقد رواه بعضهم عن مالك عن ... الخ، قال: "وقد روي عن مالك ... ". بيان الاختلاف على مالك وقد بيّن الاختلاف فيه عن مالك، الدراقطني، وابن عبد البر، وذكرا من رواه عنه موصولا ومن رواه عنه منقطعاً. قال الدارقطني في "العلل"1 وقد سئل عن هذا الحديث ... هو حديث يرويه مالك في "الموطأ"2، عن الزهري، عن سالم، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه "ابن عمر" كذلك رواه معن، والقعنبي، ويحيى بن يحيى، والشافعي، ويحيى بن بكير وعبد الله بن يوسف، وغيرهم. ورواه جماعة من الثقات في "غير الموطأ" عن مالك، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر "متصلاً". منهم: "جويرية بن أسماء، وإبراهيم بن طهمان، وعبد الرحمن بن   1 المجلد الأول ورقة (63) . 2 1/206 بشرح الزرقاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 مهدي، وأبو عاصم، والوليد بن مسلم، وروح بن عبادة، وإسحاق بن إبراهيم الحنيني1، وأبو قرة، ويحيى بن مالك بن أنس، وغيرهم" ا?. وقال ابن عبد البر2: "كذا رواه أكثر رواة الموطأ عن مالك مرسلاً لم يقولوا: "عن أبيه"، ووصله عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه، روح بن عبادة وجويرية بن أسماء وإبراهيم بن طهمان، وعثمان بن الحكم الجذامي، وأبو عاصم النبيل، وعبد الوهاب بن عطاء، ويحيى بن مالك بن أنس، وعبد الرحمن ابن مهدي، والوليد بن مسلم، وعبد العزيز ابن عمران ومحمد بن عمر الواقدي، وإسحاق بن إبراهيم الحنيني، والقعنبي في رواية إسماعيل بن إسحاق القاضي عنه" ا?. فقد زاد ابن عبد البر: "عثمان بن الحكم الجذامي، وعبد الوهاب ابن عطاء وعبد العزيز بن عمران، ومحمد بن عمر الواقدي، والقعنبي". وزاد الدارقطني: "أباقرة". "البخاري يخرج الحديث في "صحيحه" من طريق جويرية عن مالك موصولاً" ومن طريق جويرية بن أسماء عن مالك أخرجه البخاري في   1 في الأصل "الحبلي" وهو خطأ صوابه ما ذكر. 2 انظر: تنوير الحوالك شرح موطأ مالك 1/123 والاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار 2/272. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 "صحيحه"1 فقال في (باب فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء؟) : حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، قال: أخبرنا جويرية عن مالك عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر "رضي الله عنهما" "أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ قال: إني شغلت فلم انقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد أن توضأت. فقال: والوضوء أيضاً؟ وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل".   1 2/356 مع فتح الباري وأخرج نحوه من حديث أبي هريرة عن أبي نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة: "أن عمر ... الحديث" 2/370 مع فتح الباري. وأخرجه أيضاً مسلم في "صحيحه" 6/131 بشرح النووي وأبو داود في "سننه" 2/3 مع عون المعبود وانظر "مختصر وشرح وتهذيب سنن أبي داود 1/211" وأحمد في "مسنده" 1/15 والدارمي في "سننه" 1/300 وابن أبي شيبه في "مصنفه" 2/93-94 وأبو داود الطيالسي في "مسنده" انظر "منحة المعبود بترتيب مسند الطيالسي أبي داود" 1/142 والطحاوي في "معاني الآثار" 1/58 وفي رواية مسلم والطحاوي تسمية من دخل وهو عثمان بن عفّان "رضي الله عنه" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 قال ابن حجر في فتح الباري1: "أورده (أي البخاري) من رواية جويرية بن أسماء عن مالك، وهو عند رواة الموطأ عن مالك ليس فيه ذكر ابن عمر، فحكى الإسماعيلي عن البغوي –بعد أن أخرجه من طريق روح ابن عبادة عن مالك-: "أنه لم يذكر في هذا الحديث أحد عن مالك "عبد الله بن عمر" غير روح بن عبادة وجويرية" ا?. وقد عقّب ابن حجر على هذا بقوله: "وقد تابعهما أيضاً عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أحمد بن حنبل2 عنه بذكر ابن عمر، وقال الدارقطني في "الموطأ": "رواه جماعة من أصحاب مالك الثقات عنه خارج الموطأ موصولاً. منهم: فذكر هؤلاء الثلاثة، ثم قال: "وأبو عاصم النبيل وإبراهيم بن طهمان، والوليد بن مسلم، وعبد الوهاب ابن عطاء، وذكر جماعة غيرهم في بعضهم مقال، ثم ساق أسانيدهم إليهم بذلك" ا?. بعض الأمور التي تثبت صحة الوصل فالبخاري صحح وصل الحديث فيما حكاه تلميذه الترمذي عنه ورواه في صحيحه موصولا من طريق مالك الذي اختلف مع غيره في روايته عن الزهري موصولا ومنقطعاً؛ ليدل البخاري بذلك على أن طريق   1 2/359. 2 مسند الإمام أحمد بن حنبل 1/29 قال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند 1/241: "إسناده صحيح". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 مالك الأخرى التي وافق فيها الجماعة في روايته موصولا هي الصحيحة، والراجحة كما قرره. ومما يدل على أن الوصل هو الصحيح هو أن مسلماً أخرجه في "صحيحه"1 من طريق يونس عن الزهري، وقد تابع يونس، والجماعة معمراً، ومالكاً، وغيرهما أبو أويس2 عند قاسم بن أصبغ3، فرواه عن الزهري موصولاً. موافقة الدارقطني للبخاري في ترجيح المتصل على المنقطع ولما سئل الدارقطني في "العلل"4 عن هذا الحديث كان رأيه موافقاً لرأي البخاري، فصوّب الموصول، ورجحه على المنقطع قال: " ... ورواه جماعة من الثقات في غير الموطأ عن مالك عن الزهري عن سالم عن ابن عمر متصلا منهم فعدّد طائفة. ثم قال: "وكذلك رواه أصحاب الزهري، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصواب" ا?.   1 6/131 بشرح النووي. 2 هو عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الصبحي، أبو أويس المدني، قريب مالك وصهره، صدوق يهم، من السابعة، مات سنة سبع وستين أي ومئتين، روى له أهل السنن الأربعة. (تقريب التهذيب 1/426) . 3 انظر: فتح الباري 2/359. 4 المجلد الأول ورقة (63) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 ويبدو لي أن المنقطع خطأ ووهم من مالك؛ فإنه انفرد من بين أصحاب الزهري بذلك. تعقيب على العراقي وما ذكره العراقي في كلامه السابق من أن البخاري رجح رواية الزهري، عن سالم على رواية الزهري عن آل عبد الله بن عمر؛ لأن هذه رواها معمر فحسب، وأن تلك اتفق عليها مالك، ويونس، والزبيدي، وكون مالك مع الكثرة ترجيحاً آخر" ا?. فهو خطأ صوابه ما قدمناه عن البخاري. ويستفاد مما ذكره العراقي أن البخاري رجح رواية على نفسها؛ لأن رواية الزهري عن سالم، هي رواية الزهري عن آل عبد الله بن عمر، فإن المقصود بآل عبد الله بن عمر "سالم" كما هو مبيّن عند مسلم، وأحمد، وغيرهما، فإن مسلماً أخرجه1 من طريق يونس، وفيه الزهري عن سالم. وأخرجه أحمد في "مسنده"2 من طريق معمر، وفيه الزهري عن سالم. وكذا أخرجه غير أحمد كعبد الرزاق في "مصنفه"3، والشافعي في   1 صحيح مسلم 6/131 بشرح النووي. 2 1/29. 3 3/195. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 "الرسالة"1، والطحاوي في "معاني الآثار"2، والبيهقي في "السنن الكبرى"3. وقدبيّن ولي الدين أحمد بن زين الدين عبد الرحيم العراقي في كتابه "المستفاد من مبهمات المتن والإسناد"4، المراد بآل عبد الله بن عمر أنه سالم بن عبد الله فقال: "حديث الزهري: حدّثني آل عبد الله بن عمر، عن ابن عمر، عن عمر في الاغتسال للجمعة كذا رواه النسائي5، ورواه أيضاً عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر" ا?. وما قاله العراقي من أن رواية الزهري عن آل ابن عمر رواها معمر فحسب ليس بصحيح، فإنه رواها أيضاً يونس كما أشرت إليه آنفاً. وقد ذكر الترمذي عقب الحديث إسناديه إليه وفي أحدهما معمر، وفي الآخر يونس كلاهما عن الزهري. فالترمذي وضّح المبهم في قوله: "وقال بعض أصحاب الزهري" أنه معمر ويونس، وأنهما هما اللذان رويا رواية الزهري هذه عن آل ابن عمر، فعرف من ذلك أن معمراً لم ينفرد بها.   1 /304. 2 1/58. 3 3/189. 4 /18. 5 لم أجده في "السنن الصغرى" التي بين أيدينا، وهي المجتبى فلعله في "الكبرى". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 الحديث السّابع: باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر، من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2/373 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 حدّثنا علي بن خشرم أخبرنا عيسى بن يونس، عن محمد بن عمرو، عن عبيدة بن سفيان، عن أبي الجعد (يعني) الضمري، وكانت له صحبة فيما زعم محمد بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً1 بها طبع2 الله على قلبه". وفي الباب عن ابن عمر، وابن عباس، وسمرة. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: حديث أبي الجعد، حديث حسن. قال: وسألت محمداً عن اسم أبي الجعد الضمري؟ فلم يعرف اسمه. وقال: لا أعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث. قال أبو عيسى: ولا نعرف هذا الحديث إلا من حديث محمد بن عمرو. تخريج الحديث تضافر على إخراج هذا الحديث جماعة من الأئمة في كتبهم،   1 قال العراقي في "شرح سنن الترمذي" 1 ورقة 175 وجه أ. "المراد بالتهاون": الترك من غير عذر وضرورة كما في بعض طرق حديث الباب" ا?. 2 قال ابن الأثير في "غريب الحديث والأثر" 3/112: "طبع الله على قلبه" أي ختم عليه، وغشاه، ومنعه ألطافه، والطبع بالسكون: الختم وبالتحريك: الدنس، وأصله من الوسخ والدنس يغشيان السيف، يقال طبع السيف يطبع طبعاً، ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الوزار والآثام، وغيرهما من المقابح" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 فأخرجه أصحاب السنن وغيرهم*، وفيما يلي ذكر من أخرجه:- أبو داود في "سننه"1 وسكت عنه، أما المنذري2 فإنه نقل كلام الترمذي عليه وأقرّه. النسائي في "سننه"3. ابن ماجه في "سننه"4. أحمد في "مسنده"5 بلفظ: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً من غير عذر طبع الله تبارك وتعالى على قلبه". الشافعي في "الأم"6 بلفظ: "لا يترك أحد الجمعة ثلاثاً تهاوناً بها إلا   1 1/380. 2 مختصر سنن أبي داود 2/6 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 3 3/88. 4 1/357 رقم الحديث (1125) . 5 3/424. 6 1/208 وانظر (مسند الشافعي بترتيب السندي 1/129-130 وبدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن للساعاتي 1/153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 طبع الله على قلبه"، قال الشافعي: "في بعض الحديث ثلاثاً ولاء" ا?. الدارمي في "سننه" 1 بلفظ: "من ترك الجمعة تهاوناً بها طبع الله على قلبه" مطلقاً عن العدد والتوالي. ابن أبي شيبة في "مصنفه"2. ابن الجارود في "المنتقى"3. البغوي في "شرح السنة"4. الطحاوي في "مشكل الآثار"5 من طريقين إلى محمد بن عمرو بلفظ: "من ترك الجمعة ثلاث مرات طبع الله على قلبه" مطلقاً من غير قيد التهاون. البزار في "مسنده"6. أبو يعلى في "مسنده"7.   1 1/307. 2 2/154. 3 /109. 4 4/213. 5 4/230. 6 قاله ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/52 وقد رجعت إلى مسند البزار الموجود في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وهو مصور بالمايكروفلم، فلم أجد فيه مسند أبي الجعد الضمري، فلعله في الناقص منه. 7 2 ورقة 179. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 الطبراني في "المعجم الكبير"1. ابن خزيمة في "صحيحه"2 من طريقين بلفظ: "من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر –في أحد الطريقين "طبع على قلبه"، وفي الآخر "فهو منافق"، ومن عدة طرق مثل لفظ الترمذي. ابن حبّان في "صحيحه"3 من طريقين إلى محمد بن عمرو، إحدى الطريقين مثل لفظ الترمذي، والثانية بلفظ: "من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر فهو منافق". الحاكم في "المستدرك"4 من طريقين إلى محمد بن عمرو في موضعين، كما هو مبيّن في الهامش، مرة قال "الموضع الأول": "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي، وأخرى "الموضع الثاني" سكت عنه. وقال الذهبي: "حسن" ا?. البيهقي في "السنن الكبرى"5. أبو أحمد الحكم في "الأسامي والكنى"6.   1 عزاه إليه صاحب "كنز العمال" 7/518. 2 3/176. 3 انظر "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبّان"/146-147. 4 1/280 و3/624 في "الكنى ومعرفة الصحابة من المستدرك". 5 3/172 و247. 6 مصور بالمايكروفلم ورقة (59) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 الدولابي في "الكنى والأسماء"1 أخرجه من طريقين إلى محمد بن عمرو. ابن السكن في "صحيحه"2. المزي في "تهذيب الكمال"3 بإسناده إلى أحمد بن حنبل، وبإسناده إلى أبي القاسم الطبراني. أبو نعيم في "معرفة الصحابة"4 جميع هؤلاء أخرجوا هذا الحديث من طريق محمد بن عمرو، عن عبيدة بن سفيان، عن أبي الجعد الضمري. ودونك تعريفاً بهؤلاء الرواة: محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، أبو عبد الله (ويقال أبو الحسن) المدني. روى عن: أبيه، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعبيدة بن   1 1/21-22. 2 أشار إليه ابن حجر في "التلخيص الحبير" 2/52. (8) ورقة (796) . 4 عزاه إليه صاحب "كنز العمال" 7/518 وعزاه أيضاً إلى الباوردي، وذكر أبو حاتم هذا الحديث (الجرح والتعديل 4/2/355) بلفظ: "من ترك أربع جمع تهاوناً طبع على قلبه" فأخطأ؛ إذ كل من أخرجه ذكره بلفظ "ثلاث جمع" كما هو موضّح، وقد ذكره أبو حاتم على الصواب بلفظ: "ثلاث جمع"، كما نقله عنه ابنه في "علل الحديث" 1/324 في إجابة لابنه على سؤال وجهه إليه يتعلق بحديث نسب إلى أبي الجعد الضمري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 سفيان. وروى عنه: شعبة، والثوري، وابن عيينة1. قال علي: قلت ليحيى: محمد بن عمرو كيف هو؟ قال: تريد العفو أو تشدد؟ قال: لا بل أشدّد. قال: ليس هو ممن تريد ... قال يحيى: وسألت مالكاً عنه فقال فيه نحو ما قلت لك2. وقال إسحاق بن حكيم3 عن يحيى القطان: "محمد بن عمرو رجل صالح، ليس بأحفظ الناس للحديث". وقال ابن أبي خيثمة: سئل ابن معين عنه فقال: "ما زال الناس يتقون حديثه". قيل له: وما علة ذلك؟ قال: كان يحدّث مرة عن أبي سلمة بالشيء من روايته4، ثم يحدّث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة5". وقال أحمد بن مريم6 عن ابن معين: "ثقة". وقال النسائي7: "ليس به بأس". وقال مرة: "ثقة".   1 تهذيب التهذيب 9/375. 2 المصدر السابق 9/376. 3 المصدر السابق 9/376. 4 هكذا في "تهذيب التهذيب" 9/376 والذي في "الجرح والتعديل" 4/1/31 كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء رأيه "والذي يظهر أن هذا هو الصواب". 5 تهذيب التهذيب 9/376. 6 المصدر السابق الجزء والصفحة. 7 المصدر السابق الجزء والصفحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 وقال يعقوب بن شيبة1: "هو وسط وإلى الضعف ما هو". وقال الحاكم2: قال ابن المبارك: لم يكن به بأس. وقال ابن سعد3: "كان كثير الحديث يستضعف". وقال ابن عدي4: "له حديث صالح، وقد حدّث عنه جماعة من الثقات كل واحد ينفرد عنه بنسخة، ويغرّب بعضهم على بعض، وروى عنه مالك في الموطأ وأرجو أنه لا بأس به". وقال الجوزجاني5: "ليس بقوي الحديث، ويشتهى حديثه". وذكره ابن حبان في "الثقات"6، وقال: "يخطئ". وقال أبو حاتم7 وقد سأله ابنه عنه: "صالح الحديث وهو شيخ".   1 تهذيب التهذيب 9/377. 2 المصدر السابق 9/377. 3 انظر المصدر السابق 9/377. 4 الكامل الجزء الرابع صفحة 159. 5 تهذيب التهذيب 9/376. 6 7/377. 7 الجرح والتعديل 4/1/31 وانظر في مصادر ترجمته: "ميزان الاعتدال" 3/673 و"المغني في الضعفاء" 2/621 و"ديوان الضعفاء"/284 و"الكاشف" 3/84 و"الخلاصة" للخزرجي/354 و"تهذيب الأسماء واللغات" الجزء الأول القسم الأول/89-90 و"التاريخ الكبير" 1/1/191 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/125. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 والمتأمِّل في هذه الترجمة والمحلل لها يخرج بنتيجة مهمة هي عدالة هذا الراوي، فإنه لم يطعن فيها، ولم تخدش بشيء، ويرى عباراتهم تنم عن ناحية أخرى إذ كانت متجهة إلى الكلام فيه من ناحية ضبطه وإتقانه، وأنه كان خفيف الضبط، لم يسلم من الوهم والغلط. قال ابن حجر في "هدي الساري مقدّمة فتح الباري"1: "صدوق تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه" ا?. فهو كما قال يحيى القطّان2: "رجل صالح، ليس بأحفظ الناس للحديث" وهذا يفسر قوله الآخر فيه جواباً لعلي بن المديني: "ليس هو ممن تريد"3، أي في الحفظ والضبط والإتقان. ومما يدل على وهمه وخطئه قول ابن معين4: "كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء رأيه، ثم يحدّث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة" ا?. قال ذلك ابن معين في معرض بيان علة قوله فيه: "ما زال الناس يتقون حديثه"، أي يتوقفون فيه حتى يسبروه ويختبروه، ويحصل الاطمئنان به. ولعل من هنا أخذ ابن حجر قوله "له أوهام" فإنه قال في   1 /441. 2 تهذيب التهذيب 9/376. 3 المصدر السابق الجزء والصفحة. 4 المصدر السابق الجزء والصفحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 "تقريب التهذيب"1 في حكمه على هذا الرجل: "صدوق له أوهام"، من السادسة مات سنة خمس وأربعين أي ومئة على الصحيح، روى له الجماعة. وليس هذا فقط، بل ذكر ابن عدي بأن له غرائب أيضاً، ولا يبعد أن تكون بسبب أوهامه فقال2: "وقد حدّث عنه جماعة من الثقات كل واحد ينفرد عنه بنسخة، ويغرّب بعضهم على بعض" ا?. ولا يمنع كل ذلك أن يكون للرجل كما قال ابن عدي3 "حديث صالح"، وقد صور ابن الصّلاح ما قيل في هذا الراوي خير تصوير، ووفّق بين كلماتهم فيه بتوفيق عجيب فقال4: "محمد بن عمرو بن علقمة من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنه لم يكن من أهل الإتقان حتى ضعّفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته" ا?. ولا يخفى أن هذا الراوي أحد الرواة الذين انتقد البخاري بسبب روايته لهم في "صحيحه". وقد دافع ابن حجر عن البخاري في روايته لمحمد بن عمرو هذا   1 2/196. 2 الكامل الجزء الرابع صفحة 159. 3 المصدر السابق الجزء والصفحة. 4 علوم الحديث/31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 فقال في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"1: "مشهور من شيوخ مالك صدوق، تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وأخرج له الشيخان، أما البخاري فمقروناً بغيره، وتعليقاً، وأما مسلم فمتابعة، وروى له الباقون" ا?. عَبِيدة2بن سفيان بن الحارث بن الحضرمي المدني. روى عن: أبي هريرة، وأبي الجعد الضمري، وزيد بن خالد الجهني. وروى عنه: ابنه عمرو، وبشر بن سعيد، ومحمد بن عمرو بن علقمة3. قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"4: "قد احتجّ به مسلم، ووثقه النسائي وغيره" ا?. قال العجلي5: "مدني تابعي ثقة".   1 /441. 2 عبيدة: بفتح العين المهملة وكسر الموحدة مكبراً. قال أحمد شاكر في تعليقه على "سنن الترمذي" 2/373: "وضبط في النسخة المطبوعة مع شرح ابن العربي -بضم العين وفتح الباء- وهو خطأ" ا?. وهو بفتح العين وكسر الموحدة في "مشتبه الأسماء والنسبة" 2/437 و"تبصير المتنبه بتحرير المشتبه" 3/914 و"الإكمال" 6/47 و"المؤتلف والمختلف في أسماء نقلة الحديث"/83 و"قرة العين في ضبط أسماء رجال الصحيحين"/77. 3 تهذيب التهذيب 7/83-84. 4 1 ورقة 174 وجه ب. 5 ترتيب ثقات العجلي للهيثمي ورقة 38، وانظر تهذيب التهذيب 7/84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 وقال ابن سعد1: "كان شيخاً قليل الحديث". وذكره ابن حبّان في "الثقات"2 وقال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "ثقة من الثالثة، روى له مسلم، والأربعة" ا?. أبو الجعد الضمري: قوله في السند (يعني الضمري) أراد به تمييزه عن غيره ممن يقال له "أبو الجعد". جاء في "قواعد التحديث" للقاسمي4 تحت هذا العنوان: "سر قولهم في خلال ذكر الرجال: "يعني ابن فلان أو هو ابن فلان". قال النووي5: "ليس للراوي أن يزيد في نسب غير شيخه ولا صفته على ما سمعه من شيخه؛ لئلا يكون كاذباً على شيخه، فإذا أراد تعريفه وإيضاحه، وزوال اللبس المتطرق إليه؛ لمشابهة غيره فطريقه أن يقول: حدثني فلان يعني ابن فلان أو الفلاني، أو هو ابن فلان أو الفلاني أو نحو ذلك، وقد استعمله الأئمة، وقد أكثر البخاري، ومسلم منه غاية   1 الطبقات الكبرى 5/252. 2 انظر تهذيب التهذيب 7/84. 3 1/547 وانظر في مصادر ترجمته: "الجرح والتعديل" 3/1/91 و"التاريخ الكبير" 3/2/82. 4 /211. 5 مقدمة صحيح مسلم 1/38-39. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 الإكثار، وهذا ملحظ دقيق، ومن لا يعاني هذا الفن قد يتوهم أن قوله: "يعني" وقوله: "هو" زيادة لا حاجة إليها، وأن الأولى حذفها، وهذا جهل، وسرها ما عرفت" ا?. التنبيه على خطأ وقع في نسبته وقد نبه أحمد شاكر على خطأ وقع في نسبته فقال1: "الضَمْري" -بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم- نسبة إلى: "ضمرة بن بكر ابن عبد مناة"، نقله الشارح (يعني صاحب تحفة الأحوذي (2" عن "جامع الأصول"، و"المغني" ولكن ذكر فيه "عبد مناف"، وهو خطأ صوابه "عبد مناة"، كما في الاشتقاق لابن دريد" ا?. قلت: وهو منسوب على ما هو صواب في "الاستيعاب"3، و"تهذيب الكمال"4، و"شرح سنن الترمذي"5 للعراقي. وقد عدّه خليفة بن خياط في "الطبقات"6 من بني ضمرة بن بكر ابن عبد مناة ابن علي بن كنانة.   1 في تعليقه على سنن الترمذي 1/373. 2 3/13. 3 4/38. 4 8 ورقة 796. (1) ورقة (174) وجه (أ) . 6 31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 قال السيوطي في "لب اللباب"1: "الضمري: -بالفتح والسكون- إلى ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس ابن مضر" ا?. هذا ويتعلق بأبي الجعد الضمري عدة مباحث نذكرها فيما يلي: المبحث الأول في اسمه ذكر البخاري أبا الجعد الضمري في كتاب "الكنى"2 من "تاريخه الكبير"، ولم يسمه، وهذا يؤيد ما نقله الترمذي عنه من أنه لم يعرف اسمه3. وقلد مسلم البخاري فذكره في "الكنى"4 بلقبه، ولم يسمه. وكذلك ذكره الطبراني في الكنى من "معجمه"5. وإذا كان هذا هو حال هؤلاء من اسم أبي الجعد، فقد سماه غيرهم لكن اختلف في اسمه على أقوال: فقيل: اسمه أدرع، وقيل: جنادة، وقيل: عمرو بن بكر6.   1 /165. 2 /20. 3 وفي التلخيص الحبير 2/52 "قال البخاري لا أعرف اسمه، وكذا قال أبو حاتم" وقد رجعت إلى "الجرح والتعديل" 4/2/355 في ترجمة أبي الجعد الضمري، فلم أجد ذلك عن أبي حاتم. 4 ورقة 51. 5 انظر: التلخيص الحبير 2/52. 6 وقع في تهذيب التهذيب 12/54 (عمر بن بكير) وهو خطأ ووقع في "تقريب التهذيب" 2/ القسم الخاص بالكنى "عمر" وهو خطأ أيضاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 قال ابن حجر1: "وبه جزم أبو أحمد2 ونقله عن خليفة3 وغيره" ا?. قال العراقي في "شرح سنن الترمذي": "وقال أبو أحمد الحاكم في "الكنى" وأبو عبد الله بن مندة أنه: عمرو بن بكر" ا?. قال الدولابي4: "سمعت عبد الله بن عبد الرحيم يقول: "اسم أبي الجعد الضمري عمرو بن بكر فيما يقال، ويقال أن عثمان استقضاه على البصرة، وقتل مع عائشة يوم الجمل" ا?. وقال الحاكم في "المستدرك"5: "حدثني أبو بكر محمد بن أحمد ابن بالويه، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، ثنا مصعب بن عبد الله قال: "أبو الجعد الضمري عمرو بن بكر بن جنادة بن مراد بن كعب بن ضمرة" ا?. وقال المنذري6: "وذكر الكرابيسي أن اسمه عمرو بن بكر" ا?.   1 التلخيص الحبير 2/52. 2 الأسامي والكنى ورقة 59 وانظر "المقتنى في الكنى" ورقة 17 ففيه: "أبو الجعد السكوني عمرو بن بكر الضمري له صحبة" ا?. 3 الطبقات/31. 4 الكنى والأسماء 1/22. 5 3/624. 6 مختصر سنن أبي داود 2/6 و"الترغيب والترهيب" 1/679. والكرابيسي هو أبو أحمد الحاكم الكبير الذي مرّ ذكره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وجاء في تسمية أبي الجعد الضمري بعمرو بن بكر في "المنتقى"1 في سند ابن الجارود فقال: "حدثنا عبد الله بن هاشم، قال ثنا يحيى –يعني ابن سعيد- عن محمد بن عمرو قال ثني عبيدة بن سفيان عن أبي الجعد عمرو بن بكر الضمري -رضي الله عنه-، وكانت له صحبة ... الحديث، ولم أر هذا في سند أحد ممن أخرج حديثه غيره. والخلاصة: أن هذا الاختلاف في اسم أبي الجعد فيه دلالة على أن اسمه لا يعرف، وإن كان أقرب الأقوال في اسمه أنه عمرو بن بكر مما يقوي جانب من لم يعرف اسمه، أو ذكره في الكنى، وهذا الجانب يمثله كما لا يخفى البخاري وتلميذه مسلم. المبحث الثاني في صحبته الذي جرّ إلى هذا المبحث كلام الترمذي عن أبي الجعد: "وكانت له صحبة فيما زعم محمد بن عمرو" ا?. فعبر بما يفيد الشك في صحبته؛ لأن هذه الكلمة "زعم" تأتي في موضع الشك غالباً، وأكثر ما تقال فيما يشك فيه. قال في "القاموس المحيط"2: "الزعم: مثلثة: القول الحق والباطل   1 /109. 2 4/124. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 والكذب ضد، وأكثر ما يقال فيما يشك فيه" ا?. والحقيقة أنه لا يلتفت إلى شك الترمذي بعد أن وقع في بعض طرقه التصريح بصحبته، "وكانت له صحبة" من غير شك كما هو عند أبي داود والنسائي، وابن ماجه، وأحمد، وابن خزيمة، وابن حبّان، وغيرهم. وقد نصّ على صحبته جماعة ممن ألف في الرجال وفي الصحابة. فذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"1 قال: "له صحبة ورواية وله دار في بني ضمرة بالمدينة" ا?. ونقل كلام ابن عبد البر هذا ابن الأثير في "أسد الغابة"2 في ترجمة أبي الجعد الضمري، وأقرّه عليه. وأورده الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة"3، وعزاه إلى الكتب الآتية: كتاب أبي عبد الله بن مندة، وكتاب ابن عبد البر، وكتاب أبي نعيم، وهي كتب في أسماء الصحابة. وذكره ابن حجر في "الإصابة"4 ونقل فيه ما يفيد صحبته. قال أبو حاتم5: "له صحبة" ا?.   1 4/38. 2 5/159. 3 2/166. 4 4/32. 5 الجرح والتعديل 4/2/355. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 وقال مسلم1: "أبو الجعد الضمري سمع النبي صلى الله عليه وسلم ا?. وقال أبو أحمد الحاكم2: "له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم. وقال المزي في "تهذيب الكمال"3: "له صحبة" ا?. وتبعه على ذلك ابن حجر في "تهذيب التهذيب"4، والذهبي في "الكاشف"5، والخزرجي في "الخلاصة"6. كما صرّح ابن حجر في "تقريب التهذيب"7 بصحبته، فقال: "صحابي له حديث". قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"8: "ولم يرو عنه (يعني أبا الجعد الضمري) إلا عبيدة بن سفيان الحضرمي، وعبيدة هذا -بفتح العين وكسر الباء الموحدة- قد احتج به مسلم، ووثقه النسائي، وغيره، وقد اختلفوا هل تثبت الصحبة برواية واحد من الثقات، أو لا بد من اثنين، والخلاف معروف في علوم الحديث، وذكر ابن عبد البر أن من لم يرو عنه   1 الكنى والأسماء ورقة 51. 2 الأسامي والكنى ورقة 59 وانظر المنتقى في الكنى ورقة 17. 3 11/7796. 4 12/54. 5 3/321. 6 /446. 7 2/ القسم الخاص بالكنى. 8 1 ورقة 174 وجه ب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 إلا واحد وكان معروفاً في غير حمل العلم في المغازي والسير أو الفدا أو النجدة أي يكون مقبولا، وأبو الجعد هذا معروف في السير، فذكر ابن حبّان في الصحابة أنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يجيش قومه لغزوة الفتح، وذكر ابن سعد "الطبقات" أيضاً أنه بعثه يجيش قومه لغزوة الفتح وغزوة تبوك" ا?. وفي "الإصابة"1: "وكان على قومه في غزوة الفتح –قاله ابن سعد". وقال أبو القاسم البغوي: "سكن المدينة وكانت له دار في بني ضمرة وعزاه لابن سعد، وزاد: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه يحشر قومه لغزوة الفتح، وبعثه أيضاً إلى قومه حين أراد الخروج إلى تبوك يستنفر قومه، فخرج إليهم إلى الساحل فنفروا معه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال البرقي2: "قتل مع عائشة "رضي الله عنها" في وقعة الجمل" ا?.   1 4/32. 2 هو أبو بكر أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعد (بن البرقي) الحافظ المتوفى سنة 270? له كتاب في معرفة الصحابة "الرسالة المستطرفة"/127-128، وله أخ هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعد بن البرقي الزهري مولاهم المصري الحافظ المتوفى سنة249? له كتاب في الضعفاء، ويبدو أنه يفرق بينهما بأن يقال لهذا البرقي قال الكتاني في "الرسالة المستطرفة"/144 "وقيل له البرقي لأنهم كانوا يتجرون إلى "برقة". ويبدو أن هذا هو الذي مر علينا نقل كلامه في الحديث الرابع فيما يتعلق بجهالة جد عدي بن ثابت والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 قال الدولابي في الكنى1: "سمعت عبد الله بن عبد الرحيم يقول اسم أبي الجعد الضمري عمرو بن بكر فيما يقال. ويقال أن عثمان استقضاه على البصرة، وقتل مع عائشة يوم الجمل" ا?. وأذكر هنا شيئاً وهو أن الحاكم في "المستدرك"2 ذكر أبا الجعد الضمري في جزء "معرفة الصحابة" وأخرج هذا، وفي الحديث هذا اعتبار من الحاكم لصحبته. وتحضرني بهذا الصدد ملاحظة وهي أن الترمذي في سؤاله لشيخه عن أبي الجعد الضمري لم يسأل إلا عن اسمه، فلم يسأل عن صحبته فلو كان عنده شك في صحبته لسأل عنها شيخه؛ لأن هذا أهم ويبقى ما جاء في سنده "وكانت له صحبة فيما زعم محمد بن عمرو فلعل هذا من قول من فوقه، نقله بتمامه؛ أداء للأمانة العلمية أو تكون كلمة "زعم" بمعنى قال فإن الزعم كما يطلق على القول الذي لا يوثق به، يطلق على القول المحقق، كما يفهم هذا من القاموس المحيط، والله أعلم. المبحث الثالث في عدد أحاديثه قال البخاري –فيما حكاه الترمذي عنه-: "لا أعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث"3.   1 1/22. 2 3/624. 3 وممن مشى على أنه لم يرو له إلا حديث واحد ابن حجر في تقريب التهذيب2/ القسم الخاص بالكنى حيث قال: "صحابي له حديث" والسيوطي في شرح سنن النسائي/88 والزبيدي في اتحاف السادة المتقين 3/214 فقد ذكر هو والسيوطي من قبله أنه ليس له إلا هذا الحديث، ويجدر الانتباه إلى أن ابن حجر أشار في التلخيص الحبير، كما سيأتي إلى حديث آخر له، وأن السيوطي صرّح في قوت المغتذي كما سيأتي بحديث ثان له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 قال السيوطي في "قوت المغتذي"1: "قلت بل له حديث ثان أخرجه الطبراني، فذكر بإسناده عن أبي الجعد الضمري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى" ا?. وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير"2 بعد نقله كلام البخاري: "وذكر له البزار حديثاً آخر، وقال: "لا نعلم له إلا هذين الحديثين" وأورده بقي بن مخلد أيضاً"3 ا?.   1 مخطوط غير مرقم الصفحات. 2 2/52. 3 ومع أن الذهبي قال في مقدمة كتابه "تجريد أسماء الصحابة" 1/3: "ومن أوله (د) فقد روى له بقي حديثاً واحداً ومن أوله (س) فله حديثان عند بقي" ا?. فإنه لما ذكر أبا الجعد الضمري 2/166 لم يعلم عليه بشيء من ذلك مع أن بقي بن مخلد روى له حديثاً كما أفاد ذلك قول ابن حجر الذي في الأعلى، وآخر كما ذكر بقي بن مخلد نفسه في "جزئه الذي بيّن فيه عدد ما لكل واحد من الصحابة رضي الله عنهم من الحديث" مخطوط صفحة 13 فإنه جعل أبا الجعد الضمري من أصحاب الاثنين. بل لم يعلم الذهبي عليه بأحد من أهل السنن، وحديثه فيها جميعاً كما هو معروف فالله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 ولم يبين ابن حجر ما هو الحديث الآخر، مما دعا المعلق على "الكوكب الدري"1 أن يقول: "قلت فإن كان حديث البزار غير حديث الطبراني فله ثلاثة أحاديث، وإلا فله حديثان فلينقح" ا?. والواقع أن حديث البزار هو حديث الطبراني الذي ذكره السيوطي معزواً إليه، بدليل أن الهيثمي أورد هذا الحديث "لا تشد الرحال ... " في "مجمع الزوائد"2، ثم قال عقبه: "رواه الطبراني في الكبير، والأوسط ورجاله رجال الصحيح، ورواه البزار أيضاً". وأصرح من هذا واوضح أن الهيثمي نفسه ذكر الحديث في كتابه "كشف الأستار عن زوائد البزار"3. فتبيّن أن الحديث الثاني رواه الطبراني، والبزار، وبقي بن مخلد. هذا وقد تعرّض الخزرجي لعدد أحاديث أبي الجعد فزاد على ما سلف؛ إذ أوصلها إلى أربعة فقال في "الخلاصة"4: "له أربعة أحاديث" ا?. لكن لم يفصح إلا عن واحد منها هو حديثنا هذا، حيث قال: "وعندهم (يعني أهل السنن) حديث" ا?. ومعلوم أنهم لم يرووا له غير هذا الحديث الذي معنا.   1 1/198. 2 4/4. 3 2/4. 4 /446. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وإذا كان من الثلاثة الباقية حديث الطبراني ومن ذكر معه، يبقى حديثان يبحث عنهما. درجة الحديث أهم عنصر في دراسة الحديث والغاية التي يسعى إليها الدارس من وراء دراسته للحديث إعطاء درجة له، ففيها تكمن زبدة تلك الدراسة، وعلى ضوء ما يعطى الحديث من حكم ودرجة يكون العمل بموجبه أو عدمه. وفي مبدأ الكلام عن هذا العنصر المهم أود أن أشير إلى من حسّن الحديث ومن صححه: من حسّن الحديث إذا استثني الترمذي، حيث له اصطلاح خاص به في تحسين الأحاديث، نجد من حسّن الحديث: الذهبي في "تلخيص المستدرك"1، قال المناوي2: "قال الذهبي في التلخيص: هو حسن، وقال في "الكبائر"3 سنده قوي" ا?.   1 3/624 مع المستدرك. 2 فيض القدير 6/103. 3 يبدو من تعليق المعلق على كتاب الكبائر الذي لم أتعّرف عليه؛ لأنه لم يفصح عن اسمه أن للذهبي كتابين في الكبائر أحدهما الكبائر الكبرى والآخر الكبائر الصغرى، وأن هذا الذي بين أيدينا هو الكبائر الكبرى، فلذلك لما رأى الذهبي سكت عن الحديث هنا نقل كلامه عليه، وهو قريب مما ذكره المناوي، وعزاه له في الصغرى فقال/231 "وقال المصنف في الصغرى إسناده جيد قوي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 فالذهبي يطبق في "تلخيص المستدرك" ما قاله في "ميزان الاعتدال"1، عن محمد بن عمرو، وعن حديثه؛ إذ قال: "شيخ مشهور حسن الحديث" ا?. الألباني: قال في تعليقه على "مشكاة المصابيح"2: "إسناده حسن وصححه جماعة، وهو صحيح باعتبار شواهده، وقد أتبعه المصنف (يعني صاحب مشكاة المصابيح) بذكر بعضها" ا?. ولما علّق الأعظمي على هذا الحديث في صحيح ابن خزيمة3 بطريقيه، قال في كل مرة: "إسناده حسن صحيح" وعزاه للألباني4. ابن الصلاح: وهو وإن لم يتعرّض للحديث بالذكر وينصّ عليه، فإنه بناء على رأيه في محمد بن عمرو أن حديثه حسن5، يكون هذا   1 3/673 وانظر: المغني في الضعفاء 2/621. 2 1/433. 3 2/176. 4 وقد مضى ما نقلناه من كلام الألباني على هذا الحديث في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية، وهو لا يختلف عما هنا، ويلاحظ أن الألباني استعمل بقوله "حسن صحيح" التعبير الشائع، والاصطلاح المشهور عن الترمذي. 5 علوم الحديث لابن الصلاح 1/31. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 الحديث عنده حسناً، خاصة وأن من بعد محمد بن عمرو في السند ثقة. ابن عبد البر1: أخرج مالك عن صفوان بن سليم قال مالك: "لا أدري أعن النبي صلى الله عليه وسلم أم لا أنه قال: "من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر ولا علة طبع الله على قلبه" قال أبو عمر: "هذا يسند من وجوه أحسنها حديث أبي الجعد الضمري بنحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: "أحسنها" ليس نصا في الموضوع، بل هو يحتمل، ومع هذا فقد أوردته فإنه لا يعدّ أنه يقصد بقوله: "أحسنها" المفاضلة بينها وبيان رحجان بعضها على بعض، بقطع النظر عن ثبوت الصحة أو الحسن والله أعلم. من صحّح الحديث قال ابن حجر في "الإصابة"2 "وصححه ابن خزيمة وابن حبّان وغيرهما" ا?. وقال في "التلخيص الحبير"3: "وصححه ابن السكن من هذا الوجه" ا?. وصححه أيضاً الحاكم4 على شرط مسلم.   1 انظر شرح الموطأ للزرقاني 1/232. 2 4/32. 3 2/52. 4 المستدرك 1/280 وقد وهم في تصحيحه على شرط مسلم كما بين ذلك الألباني سابقاً لأن أبا الجعد الضمري لم يخرج له مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 قال أحمد شاكر: "في تعليقه على سنن الترمذي"1: "والحديث نسبه الحافظ في "الإصابة" للبغوي وصححه أيضاً" ا?. أنا لم أرجع إلى نسخة الإصابة التي أشار إليها أحمد شاكر، وفي نسخة الإصابة التي بين يدي وهي مصورة بالأوفست على الطبعة الأولى من الإصابة نسب الحافظ الحديث للبغوي، وذلك في ترجمة أبي الجعد الضمري كما قال، إلا أنه لم يقل: "وصححه" التي أفهم منها كما نقل أحمد شاكر أنها للبغوي، فإن ابن حجر في الإصابة ذكر هذا الحديث ومن رواه بمناسبة الكلام على أبي الجعد الضمري، ولم يتعرض لتصحيحه، أو تضعيفه، أو غير ذلك فقال: "قال البخاري لا أعرف اسمه (يريد أبا الجعد) ، ولا أعرف له إلا هذا الحديث، يعني الذي أخرجه له أصحاب السنن والبغوي. وصححه ابن خزيمة، وابن حبّان، وغيرهما، وهو من الترهيب من ترك صلاة الجمعة –الحديث ... " ا?. فكلمة "وصححه" تابعة لما بعدها وليست للبغوي، فأكثر الظن أن أحمد شاكر انتقل نظره فأضاف كلمة "وصححه" للبغوي من غير أن يتنبه لما بعدها؛ فإن كلمة "وصححه" لابن خزيمة وابن حبّان كما هو واضح، هذا إذا قلنا إن أحمد شاكر نقل كلمة "وصححه" من الإصابة، أما إذا كانت من عنده يخبر بها أن البغوي صححه أيضاً كما صححه   1 2/373. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 غيره، فلنا أن نقول أين صححه؟ فإن البغوي إذا أطلق في مجال الحديث انصرف الذهن إلى كتابه "شرح السنة"، وهو أخرج الحديث فيه، ولكن لم يصححه كما ذكر أحمد شاكر، بل قال عنه أنه حسن جرياً على اصطلاحه المعروف. وأنا أرجح أنه لم يرجع للبغوي، وإلا لذكره رأساً، ولما احتاج أن يقول: ونسبه الحافظ للبغوي. وبعد: فإن هذا الحديث يدور على محمد بن عمرو وحاله ما عرفت، فهو وإن كان من أهل الصدق والديانة، إلا أنه متكلم فيه من قبل ضبطه وإتقانه حتى ضعّفه بعضهم –كما قال ابن الصلاح- من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم؛ لصدقه وجلالته. فحديثه يمكن أن يكون حسناً لذاته، هذا إذا تسامحنا؛ لأن الدلائل تشير إلى غير ذلك، وهو أن حديثه صالح للاعتبار، ويرقى بشواهده إلى حسن لغيره، وفيما يلي بيان هذه الدلائل: قال ابن معين عنه فيما تقدّم: "مازال الناس يتقون حديثه" ولما قيل له: ما علة ذلك؟ قال: "كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء رأيه، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة" ا?. واتقاء حديثه يكون بالنظر فيه والتأكد منه بأن يختبر ويعتبر حتى يحصل الاطمئنان به، بأن يكون رواه على وجهه الذي ورد عليه لم يخطئ، ولم يغلط فيه؛ لأن ما عرف عنه من ضعف الحفظ أحدث شكاً في مروياته، ولا يزول هذا الشك إلا باليقين منها، بأن ينظر مثلا هل شاركه أحد في مرويه هذا، أو جاء من أوجه أخرى، فإن كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 كذلك زال ما كان يخشى عليه من سوء الحفظ أو الوهم، وحصلت الثقة بمرويه هذا، وإلا فلا وأصبح موضع شك ونظر. أن ابن حجر في حكمه عليه قال في "تقريب التهذيب"1: "صدوق له أوهام" ا?. وهذه العبارة –كما بيّن في مقدمة التقريب2- تقع في مرتبة "صدوق سيء الحفظ"، وهو من تساوى خطؤه وصوابه، وحديث صاحب هذه المرتبة صالح للاعتبار كما هو معلوم. وأحب بهذه المناسبة أن أورد شيئاً وهو إذا كان هناك من ينازع كابن أبي حاتم في إعطاء حديث من وصف "صدوق" درجة الحسن، فكيف بمن هو في مرتبة صدوق سيء الحفظ في إعطائه هذه المرتبة. أن في صنيع البخاري ومسلم إشارة إلى ما نحن بصدده، فإن ابن حجر في دفاعه عن البخاري واعتذاره له في إخراجه حديث محمد بن عمرو؛ لأنه أحد الرجال الذين انتُقد البخاري في روايته لهم، ولعل هذا لقلة حفظه وإتقانه، بيّن أن البخاري لم يكتف بمحمد بن عمرو حتى قرنه بغيره، وأنه أخرج له تعليقاً، وكذا مسلم فإنه أخرج له متابعة. وأخيراً فإن هذا هو الذي يوافق اصطلاح الترمذي في إطلاقه كلمة "حسن"، فهو يطلق كلمة "حسن" على الحديث، ومراده أنه حسن   1 2/196. 2 1/4. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 لغيره، وهذا بخلاف صنيع المحدثين، حيث يطلقون كلمة "حسن" ويريدون أنه حسن لذاته.1 ذلك كله إنما هو بالنظر إلى سند الحديث بالذات، وإلا بالنظر إلى متن الحديث فإنه صحيح باعتبار شواهده الكثيرة التي سوف نذكر طرفاً منها إن شاء الله تعالى فيما بعد. وهذا –فيما يبدو- هو الذي حدا بالسيوطي إلى أنه لم يكتف بتصحيح الحديث، حتى عدّه في الأحاديث المتواترة2، وذلك بناء على قاعدته وهي أن كل حديث رواه عشرة من الصحابة فهو متواتر، وقد جرى على هذه القاعدة في كتابه "الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" تلخيص كتابه "الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة. حيث جمع فيه ما رواه من الصحابة عشرة فصاعداً". ذكر بعض الشواهد للحديث أشار الترمذي بقوله: "وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس   1 أنظر: تقدمة الجرح والتعديل 1/1/37 لابن أبي حاتم حيث قال تحت باب بيان درجات رواة الآثار: "ووجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى فإذا قيل للواحد إنه ثقة أو متقن، فهو ممن يحتجّ بحديثه، وإذا قيل له إنه صدوق أو محله الصدق، أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية". 2 الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة/18 رقم الحديث (37) والجامع الصغير 6/102 مع فيض القدير. وانظر: نظم المتناثر في الحديث المتواتر/74 واتحاف ذوي الفضائل المشتهرة/93. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وسمرة" ا?. إلى بعض شواهد الحديث، وفي نظري أن من أبرز من اعتنى بإيراد الشواهد على هذا الحديث، وهي شواهد كثيرة مختلفة المراتب المنذري في "الترغيب والترهيب"، والعراقي في "شرح سنن الترمذي"، وابن حجر في "التلخيص الحبير"، والهيثمي في "مجمع الزوائد"، والزبيدي في "إتحاف السادة المتقين". وأذكر هنا ما أشار إليه الترمذي، ثم أعقب بشيء قليل من تلك الشواهد: حديث ابن عمر، وهو: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبر: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين". قال العراقي1: "أخرجه مسلم2، والنسائي3. وزاد مسلم مع ابن عمر أبا هريرة، وزاد النسائي مع ابن عمر ابن عباس" ا?. حديث ابن عباس، وهو: "من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد   1 شرح سنن الترمذي 1 ورقة 173 وجه ب. 2 في صحيحه 6/152 بشرح النووي وأخرجه ايضاً الدارمي في "سننه" 1/306 وابن خزيمة في "صحيحه" 3/175 من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري. 3 في سننه 3/88 وأحمد في مسنده 1/239 و254 و335، 2/84 وأبو داود الطيالسي في "مسنده"/263 وانظر "منحة المعبود" 1/141 وابن أبي شيبة في "مصنفه" 2/154 وابن حبان في "صحيحه" انظر: "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان"/147. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 نبذ الإسلام وراء ظهره". قال المنذري في "الترغيب والترهيب"1: "رواه أبو يعلى موقوفاً بإسناد صحيح" ا?. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد"2: "رجاله رجال الصحيح" ا?. وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير"3: "رجاله ثقات"4 ا?. قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"5: "هكذا ذكر موقوفاً، ولا يقال مثله من قبل الرأي، فحكمه حكم المرفوع، وقد رواه البيهقي في "شعب الإيمان" أيضاً من قوله6" ا?.   1 1/682. 2 2/193. 3 2/52. 4 قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" 2/112 –وقد ساق بسنده من مسند أبي يعلى 2 ورقة 719 وهو حدثنا حميد بن مسعدة نا سفيان بن حبيب عن عوف به موقوفاً على ابن عباس بلفظ: "من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ ... الخ- قال: "قلت: وهو إسناد صحيح، كما قال المنذري ورجاله ثقات رجال مسلم غير سفيان بن حبيب، وهو ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومنه تعلم خطأ الهيثمي في إطلاق قوله: "ورجاله رجال الصحيح". 5 1 ورقة 174 وجه أ. 6 قال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" 2/113: والحديث أورده الغزالي في "الإحياء" 1/178 مرفوعاً ... فقال مخرجه الحافظ العراقي: رواه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس. قلت: فهذا يدل بظاهره أنه مرفوع عند البيهقي، فليراجع من استطاع إسناده في "شعب الإيمان"، فإنه لا يزال غالبه غير مطبوع حتى الآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 حديث سمرة بن جندب، وهو: "من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار". قال العراقي1: "أخرجه أبو داود2 والنسائي3". هذا وفي الباب مما لم يذكره الترمذي عن ابن مسعود، وعائشة، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن أبي أوفى، وجابر بن عبد الله، وأبي هريرة، وحارثة بن النعمان. حديث ابن مسعود، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".   1 شرح سنن الترمذي 1 ورقة 174 وجه أ. 2 سنن أبي داود 3/378 مع عون المعبود. 3 سنن النسائي 3/89. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 قال المنذري1: "رواه مسلم2، والحاكم3 بإسناد على شرطهما" ا?. حديث عائشة، وهو: "من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير علة –أو قال: من غير ضرورة- طبع الله على قلبه". أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد"4 في ترجمة العباس بن يزيد. حديث أسامة بن زيد، وهو: "من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"5: "رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف عند الأكثرين" ا?. حديث عبد الله بن أبي أوفى، وهو: "من سمع النداء يوم الجمعة ولم يأتها، ثم سمع النداء ولم يأتها ثلاثاً، طبع على قلبه فجعل قلبه منافق". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"6: "رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه من لم يعرف" ا?. وقال العراقي7: "إسناده جيد" ا?.   1 الترغيب والترهيب 1/677. 2 5/155 شرح النووي. 3 المستدرك 1/292. 4 12/142 في ترجمة العباس بن يزيد. 5 2/193. 6 2/193. 7 شرح سنن الترمذي 1 ورقة 174 وجه أ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 حديث جابر بن عبد الله، وهو: "من ترك الجمعة ثلاثاً من غير ضرورة طبع على قلبه". أخرجه ابن ماجه في "سننه"1، قال في "الزوائد"2: "الحديث إسناده صحيح، ورجاله ثقات" ا?. وابن خزيمة في "صحيحه"3، والحاكم في "المستدرك"4. قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"5: "قال الدارقطني: أنه أصحّ من حديث أبي الجعد" ا?. حديث أبي هريرة، وهو: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا هل عسى أحدكم أن يتخذ الصُّبّة من الغنم على رأس ميل أو ميلين، فيتعذر عليه الكلاء، فيرتفع ثم تجئ الجمعة فلا يجئ ولا يشهدها، وتجئ الجمعة فلا يشهدها، حتى يطبع على قلبه". قال المنذري6: "رواه ابن ماجة7 بإسناد حسن وابن خزيمة في   1 1/357 رقم الحديث (1126) . 2 انظر تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على هذا الحديث في سنن ابن ماجة 1/357 رقم الحديث (1126) . 3 3/176. 4 1/292. 5 2/52. 6 الترغيب والترهيب 1/680. 7 في سننه 1/357 رقم الحديث (1127) ونقل محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه عن الزوائد أنه قال فيه "إسناده ضعيف فيه معدي بن سليمان وهو ضعيف" وانظر في ترجمته تقريب التهذيب 2/263. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 "صحيحه"1 و"الصُّبّة" -بضم الصاد المهملة وتشديد الباء الموحدة-: السرية إما من الخيل، أو الإبل، أو الغنم: ما بين العشرين إلى الثلاثين، تضاف إلى ما كانت منه. وقيل: هي ما بين العشرة إلى الأربعين. ا?. وقال ابن حجر في "التلخيص الحبير"2: "في إسناده معدي بن سليمان وفيه مقال" ا?. حديث حارثة بن النعمان، وهو: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يتخذ أحدكم السائمة فيشهد الصلاة في جماعة، فتتعذر عليه سائمته، فيقول: لو طلبت لسائمتي مكاناً هو أكلأ من هذا، فيتحوّل ولا يشهد إلا الجمعة، فتتعذر عليه سائمة فيقول: لو طلبت لسائمتي مكاناً هو أكلأ من هذا، فيتحول ولا يشهد الجمعة ولا الجماعة، فيطبع الله على قلبه". قال المنذري3:"رواه أحمد4 من رواية عمر بن عبد الله مولى غفرة5 وهو ثقة عنده" ا?.   1 3/177 وأخرجه أيضاً الحاكم في "المستدرك" 1/292. 2 2/52. 3 الترغيب والترهيب 1/683. 4 في مسنده 5/434. 5 انظر في ترجمته تهذيب التهذيب 7/471 وتقريب التهذيب 2/59 وغفرة –كما في الأخير- بضم المعجمة وسكون الفاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 الحديث الثّامن: باب ما جاء في التطوع في السفر من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2/435 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق أحمد محمد شاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 حدّثنا قتيبة1 بن سعيد أخبرنا الليث بن سعد2، عن صفوان بن سليم3، عن أبي بسرة الغفاري4، عن البراء بن عازب5 قال: "صحبت رسول الله ثمانية عشر سفراً6، فما رأيته ترك الركعتين إذا زاغت   1 قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البغلاني، تقدمت ترجمته في الحديث الرابع وهو ثقة ثبت. 2 الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري، ثقة ثبت، فقيه إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين أي ومئة، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/138) . 3 صفوان بن سليم المدني أبو عبد الله الزهري مولاهم، ثقة، مفت عابد، رمي بالقدر، من الرابعة مات سنة اثنتين وثلاثين أي ومئة وله اثنتان وسبعون سنة، روى له الجماعة. (المصدر السابق 1/368) . 4 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 5 البراء بن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي، صحابي ابن صحابي، نزل الكوفة، استصغر يوم بدر، وكان هو وابن عمر لدة، مات سنة اثنين وسبعين، روى له الجماعة. (المصدر السابق 1/194) . وانظر في ترجمته: الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 1/142. 6 قال أحمد شاكر في تعليقه على "سنن الترمذي" 2/435: "سفراً: -بالسين المهملة والفاء مفتوحتين- وفي نسخة بحاشية ب "شهراً" وكذلك في "التهذيب" 12/20 وهو خطأ". ونقل الشارح (يعني المباركفوري صاحب "تحفة الأحوذي") عن العراقي قال: "كذا وقع في الأصول الصحيحة –يعني سفراً- قال: "وقد وقع في بعض النسخ بدله شهراً وهو تصحيف". أقول (القائل أحمد شاكر) والذي في أبي داود في نفس الحديث "سفراً" على الصواب" ا?. وانظر "تهذيب الكمال" 8 ورقة 790 فالذي يبدو أن ابن حجر تبع المزي في هذا الخطأ. وانظر أيضاً "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" 2/67 و"ذخائر المواريث" 1/106 فإن الذي فيهما "شهراً" بدل سفراً، وهو تصحيف كما سبق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 الشمس1 قبل الظهر". وفي الباب عن ابن عمر "رضي الله عنهما". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: "حديث البراء حديث غريب". قال: وسألت محمداً عنه؟ فلم يعرفه إلا من حديث الليث بن سعد، ولم يعرف اسم أبي بسرة الغفاري، ورآه حسناً. وروى عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها". وروى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يتطوّع في السفر". ثم اختلف أهل العلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم: فرأى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطوّع الرجل في السفر، وبه يقول أحمد، وإسحاق. ولم تر طائفة من أهل العلم أن يصلي قبلها ولا بعدها.   1 زاغت الشمس: أي: مالت ففاء الفيء "القاموس المحيط" 3/107، وانظر: "مختار الصحاح"/280. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 ومعنى من لم يتطوّع في السفر قبول الرخصة، ومن تطوّع فله في ذلك فضل كثير. وهو قول أكثر أهل العلم: يختارون التطوع في السفر. تخريج الحديث روى الحديث غير الترمذي: 1- أبو داود في "سننه"1، وسكت عنه، أما المنذري2 فإنه نقل كلام الترمذي عليه وأقره. 2- أحمد في "مسنده"3. 3- البيهقي في "السنن الكبرى"4. 4- أبو أحمد الحاكم في "الأسامي والكنى"5. البغوي في "شرح السنة"6. بإسناده إلى الترمذي. كلهم من طريق الليث بن سعد عن صفوان بن سليم وعند البيهقي مقرون بالليث أبو يحيى بن سليمان عن صفوان بن سليم.   1 2/11. 2 مختصر سنن أبي داود 2/58 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 3 4/292. 4 3/158. 5 ورقة (2) من الجزء الرابع. 6 4/186. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 وقد نقل "المباركفوري (1") عن السيوطي أنه قال في "قوت المغتذي"2: "وليس له (يعني أبا بسرة) في الكتب إلا هذا الحديث عند المصنف وابن ماجة" ا?. وهذا يفيد أن ابن ماجة أخرج الحديث أيضاً. والظاهر أنه لم يخرجه، فإنني اجتهدت في البحث عنه في المظان من "سنن ابن ماجة"، ولكن بدون جدوى، حيث لم أقف عليه. كما استعنت بكتب التخريج إلا أنها لم تشر إلى ابن ماجة، فثبت أن عزوه إلى ابن ماجة، وهو من السيوطي، وأن المباركفوري تبعه عليه. وبعد تحرير ذلك رأيت أحمد شاكر قال في تعليقه على "سنن الترمذي"3: "وقد وقع عند الشارح (يعني المباركفوري) ما يفهم منه أنه رواه ابن ماجة وهو سهو، فإنه لم يروه، وليس لأبي بسرة الغفاري في الكتب الستة إلا هذا الحديث عند أبي داود والترمذي" ا?. حكم هذا الحديث رجال هذا الحديث ثقات إلا أبا بسرة الغفاري ففيه كلام، سوف أتطرق إليه في بحث مستقل عقب البحث في اسمه.   1 تحفة الأحوذي 3/117. 2 مخطوط لم ترقم أوراقه. 3 2/435. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 المبحث الأول في اسم أبي بسرة هذا الراوي "أبو بسرة الغفاري"1 مذكور بكنيته ونسبته، فهل له اسم يعرف به أو لا اسم له؟ بأن يكون عرف بكنيته ونسبته هذه، أو أن كنيته هي اسمه كما هو حال بعض الرواة. وفي مطلع الإجابة على ذلك أقول: إن أحداً ممن أخرج حديثه لم يسمه. وإذا حصل أن اهتم الترمذي وسأل شيخه البخاري عن اسمه فلا يستغرب؛ لأن هذا مما يهم المحدث لفوائد لا تخفى، ويشكر الترمذي بأن كان واسطة العقد بيننا وبين البخاري، حيث اطلعنا على موقف البخاري من اسم أبي بسرة، وهو أنه لم يعرف اسمه. كما يشكر الترمذي على بنائه كتابه على مثل هذه المعلومات التي انفرد بها.   1 قال السيوطي في "قوت المغتذي" مخطوط لم ترقم أوراقه: "أبو بسرة الغفاري": -بضم الموحدة وسكون السين المهملة- تابعي لا يعرف اسمه، ولم يرو عنه غير صفوان بن سليم، إلى أن قال: "وربما اشتبه على من لم يتنبه له بأبي بصرة الغفاري -بفتح الباء وبالصاد المهملة-: وهو صحابي اسمه حميل: بضم الحاء المهملة مصغراً" ا?. وانظر في ترجمة أبي بصرة الغفاري "رضي الله عنه": "تهذيب التهذيب" 3/56 و"تقريب التهذيب" 1/204 و"الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 1/358 و"الكنى والأسماء" لمسلم ورقة 17 و"مشتبه الأسماء والنسبة" 1/84. وقال في "لب اللباب"/188: "الغفاري: -بالكسر وتخفيف الفاء وراء- إلى غفار بن مليك بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة" ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 ويظهر مدى التطابق بين ما نقله الترمذي عن شيخه هنا، وما ذكره شيخه في كتاب "الكنى"1 من "تاريخه الكبير"، فإنه أورده فيه ولم يسمه. ونعلم أن كتاب "الكنى" للبخاري، وهو جزء من "التاريخ الكبير" معظمه فيمن عرف بكنيته ولم يعرف اسمه، وقد عقّد فصلا فيه فيمن عرف بكنيته وله اسم، إلا أنه لم يورد في هذا الفصل أبا بسرة الغفاري، وهذا يدل أيضاً أنه لم يعرف اسمه، كما نقل الترمذي عنه. والدلائل تشير إلى أن هذا الراوي لا يعرف اسمه. فهذا ابن حبّان ذكره في كتاب "الثقات"2، ولكن في باب الكنى. وكذا هو في "تهذيب الكمال"3، وما يتبعه من الكتب "كتهذيب التهذيب"4، و"تقريبه"5، و"الكاشف"6، و"والخلاصة"7. وكذا ذكره الذهبي في "الكنى" من "ميزان الاعتدال"8، و"المغني   1 /66. 2 3/303. 3 8 ورقة 790. 4 12/20. 5 2/395. 6 3/312. 7 /443. 8 4/495. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 في الضعفاء"1، وابن حجر من "لسان الميزان"2، والفتني في "المغني"3، وأورده أبو أحمد الحاكم في كتابه "الأسامي والكنى"4، فذكره بكنيته ولم يسمه. وكذا أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"5، ولكن في باب من عرف بالكنى ولا يسمى. هذا والجدير بالذكر أنني فتشت عن أبي بسرة الغفاري في كتاب "الكنى" للدولابي حتى تيقنت أنه لم يذكره. المبحث الثاني في حال أبي بسرة مما مضى عرفنا أن ابن حبان ذكره في كتاب "الثقات"، ووثقه أيضاً العجلي، حيث قال6: "أبو بسرة مدني تابعي ثقة". أورده ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" إلا أنه سكت عنه، فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلا. ومثل هذا يورده ابن أبي حاتم رجاء أن يقف فيه على جرح أو   1 2/772. 2 7/453. 3 /10. 4 ورقة 2 من الجزء الرابع. 5 4/2/348. 6 انظر: "ترتيب ثقات العجلي" مصور ورقة (61) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 تعديل فيضيفه إليه، كما نبه على ذلك في تقدمة كتابه المذكور1. أما الذهبي في "ميزان الاعتدال"2 فإنه قال: "لا يعرف"، وكذا قال في "المغني في الضعفاء"3، ومعنى هذا أنه مجهول. وقد استدرك ابن حجر على الذهبي حين أورده في "لسان الميزان"4، وقال فيه: "وثقه ابن حبان". والذي يبدو من صنيع الذهبي في "الكاشف"5 أنه كان متنبهاً للتوثيق فيه؛ لأنه قال: "وثق". وفي هذا إشارة من الذهبي إلى تضعيف هذا التوثيق فيه، وعدم الاعتماد عليه. وأما ابن حجر فإنه لم يلتفت إلى هذا التوثيق، ومشى في حكمه على هذا الراوي من "تقريب التهذيب" على اصطلاحه الذي ذكره في مقدمة كتابه المذكور6، وهو: "أن من ليس له من الحديث إلا القليل ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله" فإنه يشير إليه بلفظ: "مقبول"، حيث يتابع وإلا فليّن الحديث.   1 1/1/38. 2 4/495. 3 2/772. 4 7/453. 5 3/312. 6 1/5. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 قال ابن حجر1: "أبو بسرة -بضم أوله وسكون المهملة- الغفاري مقبول من الرابعة، روى له أبو داود والترمذي". فقوله عن أبي بسرة أنه "مقبول" أي إذا كان له متابع، وإلا فيكون ليّن الحديث. كما سبق بيانه. وقد نظرنا فلم نجد له متابعاً، ولا يخفى أن الترمذي استغرب هذا الحديث، فبناء على ذلك يكون الحديث ضعيفاً، وهذا هو الذي قرره الترمذي بقوله: "غريب"؛ فإنه يعني بقوله غريب أي: ضعيف. وإلى حدّ هنا تقريباً انتهى الكلام على هذا الحديث، لولا ما نقله الترمذي عن البخاري من أنه رآه حسناً. وإن النفس لتستشرف إلى معرفة ما بنى البخاري عليه تحسينه لهذا الحديث، فلعل تضعيفه غير سائغ. وأقرب ما يقال في هذا المجال هو لعل البخاري يريد حسن المعنى2، أو أن أبا بسرة الغفاري ليس ضعيفاً عنده؛ فلأجل هذا حسّن حديثه ويمكن أن يساعد على ذلك ما قيل من أن سكوت البخاري عن الراوي يدل على توثيقه له، فإنه سكت عنه هنا، فلم ينقل الترمذي عنه أنه قال فيه شيئاً لا جرحاً ولا تعديلا.   1 تقريب التهذيب 2/395. 2 انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/54. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 كذلك لمّا أورده في "الكنى" من "التاريخ الكبير" لم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 الحديث التّاسع: باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصّبح حتى تطلع الشمس من أبواب الصّلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2/481 سنن الترمذي بتعليق وتحقيق أحمد محمد شاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 حدّثنا عبد الله بن معاوية الجمحي البصري، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، حدثنا أبو ظلال عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين: كانت له كأجر حجة وعمرة". قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم1: "تامة تامة تامة "2. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. قال: وسألت محمد بن إسماعيل عن أبي ظلال؟ فقال: هو مقارب الحديث واسمه "هلال". تخريج الحديث الظاهر أن هذا الحديث من أفراد الترمذي فإنه لم يخرجه غيره،   1 قال ابن حجر: "أعاده (يعني القول) لئلا يتوهم أن الوصف بالتمام وتكريره من قول أنس". انظر: الفتوحات الربانية 3/65) . 2 قال الشوكاني في "تحفة الذاكرين"/19: "وفي تكرير قوله: "تامة تامة تامة" تأكيد لرفع توهم أنه لم يرد الحجة والعمرة على التمام، وهو تأكيد راجع إلى الحجة والعمرة، فكأنه قال كأجر حجة تامة تامة تامة، وعمرة تامة تامة تامة، وهذا الأجر المذكور يحصل بمجموع ما اشتمل عليه الحديث من صلاة الفجر في جماعة ثم القعود للذكر حتى تطلع الشمس، ثم صلاة ركعتين بعد طلوع الشمس. ا?. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وحتى البغوي1 الذي أخرجه فإنما أخرجه من طريق الترمذي. التعريف برجال الإسناد رجال سند هذا الحديث ثقات ما عدا أبا ظلال الذي دار عليه سؤال الترمذي وجواب شيخه، فإنه متكلم فيه، وفيما يلي تفصيل ذلك: 1- عبد الله بن معاوية بن موسى الجمحي، أبو جعفر البصري، ثقة معمر، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين أي ومئتين، وقد زاد على المئة، روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجة2. 2- عبد العزيز بن مسلم القسملي، -بفتح القاف وسكون المهملة وفتح الميم مخففاً- أبو زيد المروزي ثم البصري، ثقة عابد، ربما وهم من السابعة، مات سنة سبع وستين أي ومئة، روى له البخاري، ومسلم والنسائي، وأبو داود، والترمذي3. 3- "أبو ظلال" (بكسر الظاء المعجمة وتخفيف اللام) . وقبل ذكر ما قيل عنه أحب أن أشير إلى أن هذا الراوي مشهور بكنيته، كما بينه ابن حجر في "تقريب التهذيب"4، ولا يخفى أنهم لم يذكروا في كنيته اختلافاً.   1 شرح السنة 3/221. 2 تقريب التهذيب 1/452. 3 المصدر السابق 1/512. 4 2/324 وانظر: "تهذيب التهذيب" 11/84. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما اسم هذا الراوي؟ هل له اسم يسمى به؟ أو أن كنيته اسمه كما هو حال بعض الرواة. والجواب: أن اسمه "هلال" ذكره بهذا الاسم ابن معين1، والبخاري كما هنا، وفي "الكنى"2 من "تاريخه الكبير"، وقد تابعها على ذلك غيرهما، ولم أر اختلافاً في اسمه. أما اسم أبيه فقد وقع فيه الاختلاف الذي أورده ابن حجر في "تقريب التهذيب"3، فقيل: "هلال بن أبي هلال، أو ابن أبي مالك، وهو ميمون، وقيل غير ذلك في اسم أبيه". نخلص بعد ذلك إلى ما قاله أئمة النقد وأهل الشأن في هذا الراوي، ومن ثم إعطاء حكم يتفق وحاله الذي وصف به من قبلهم، والله الموفق للسداد. نبدأ بما قاله البخاري فإنه قال عنه –فيما حكاه الترمذي-: "هو مقارب الحديث". ونتعرّض بالنسبة لهذا القول لشيئين:- الأول: لضبطه. الثاني: لمعناه، وهل هو من ألفاظ الجرح أوالتعديل؟. وجملة القول: "أنه ضبط -بكسر الراء وبفحتها- وجهان معناهما واحد وهما من ألفاظ التعديل".   1 التاريخ لابن معين 2/517. 2 /92. 3 2/324. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 وقيل بالوجهين ومعناها مختلف: بكسر الراء من ألفاظ التعديل، وبفتحها من ألفاظ التجريح. وفي الكلمات التالية تفصيل ما أجمل: قال السخاوي في "فتح المغيث"1: "هو من القرب ضد البعد وهو بكسر الراء كما ضبط في الأصول الصحيحة من كتاب ابن الصلاح المسموعة عليه، وكذا ضبطها النووي في مختصريه2، وابن الجوزي3. ومعناه: أن حديثه مقارب لحديث غيره من الثقات. وبفتح الراء: أي حديثه يقاربه حديث غيره، فهو –على المعتمد بالكسر والفتح-: وسط لا ينتهي إلى درجة السقوط، ولا الجلالة، وهو نوع مدح. وممن ضبطها بالوجهين: ابن العربي، وابن دحية، والبطليوسي، وابن رشيد في "رحلته". قال ابن رشيد: "ومعناها: يقارب الناس في حديثه، ويقاربونه أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر"، قال: "وما يدلك على أن مرادهم بهذا   1 1/339. 2 للنووي مختصران: الأول "الإرشاد" الذي اختصر فيه مقدمة ابن الصلاح، والثاني "التقريب" الذي اختصر فيه "الإرشاد" وهو الذي شرحه السيوطي في "تدريب الراوي". 3 تقويم اللسان/182. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 اللفظ هذا المعنى ما قاله الترمذي في آخر باب من فضائل الجهاد من "جامعه"1، وقد جرى له ذكر إسماعيل بن رافع" فقال: ضعّفه بعض أهل الحديث، وسمعت محمداً –يعني البخاري- يقول: هو ثقة مقارب الحديث. وقال في "باب ما جاء من أذّن فهو يقيم"2، والأفريقي يعني عبد الرحمن ضعيف عند أهل الحديث، ضعّفه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقال أحمد: لا أكتب عنه. قال الترمذي: رأيت البخاري يقوي أمره، ويقول: هو مقارب الحديث. فانظر إلى قول الترمذي أن قوله مقارب الحديث تقوية لأمره وتفهمه، فإنه من المهم الخافي الذي أوضحناه" ا?. قال أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي"3: "يروى بفتح الراء وكسرها، وبفتحها قرأته. فمن فتح أراد أن غيره يقاربه في الحفظ، ومن كسر أراد أنه يقارب غيره. فهو في الأول مفعول، وفي الثاني فاعل، والمعنى واحد" ا?. ورد العراقي في "التقييد والإيضاح"4 على من قال أنه بفتح الراء من   1 5/308 مع تحفة الأحوذي. 2 جامع الترمذي 1/597 مع تحفة الأحوذي. 3 1/16. 4 /162. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 ألفاظ التجريح، فقال: "وقد اعترض بعض المتأخرين بأن ابن السيد1 حكى فيه الوجهين: الكسر والفتح، وأن اللفظين حينئذ لا يستويان؛ لأن كسر الراء من ألفاظ التعديل، وفتحها من ألفاظ التجريح. وهذا الاعتراض والدعوى ليسا صحيحين، بل الوجهان: فتح الراء وكسرها معروفان. وقد حكاهما ابن العربي في "عارضة الأحوذي" وهما على كل حال من ألفاظ التوثيق. وقد ضبط أيضاً في النسخ الصحيحة عن البخاري بالوجهين. وممن ذكره من ألفاظ التوثيق الحافظ أبو عبد الله الذهبي في "مقدمة الميزان"2 وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء، وهذا فهم عجيب؛ فإن هذا ليس معروفاً في اللغة، وإنما هو في ألفاظ العوام، وإنما هو على الوجهين من قوله "سددوا وقاربوا". فمن كسر قال: إن معناه: أن حديثه مقارب لحديث غيره ومن فتح قال: إن معناه: أن حديثه يقاربه حديث غيره، ومادة فاعل تقتضي المشاركة إلا في مواضع قليلة والله أعلم. واعلم أن ابن سيده حكى في الرجل المقارب الكسر فقط، فقال:   1 الاقتضاب في شرح أدب الكتاب/208. 2 رجعت إلى مقدمة الميزان فلم أجد فيها ذلك فلعله في نسخة أخرى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 "ورجل مقارِب بالكسر، ومتاع مقارَب بالفتح ليس بنفيس. وقال بعضهم: دين مقارِب بالكسر، ومتاع مقارَب بالفتح" هذه عبارته في "المحكم"، فلم يحك الفتح إلا في المتاع فقط. وأما الجوهري1 فجعل الكل بالكسر وقال: ولا تقل مقارب بالفتح" ا?. قال السيوطي في "تدريب الراوي"2: "وممن جزم بأن الفتح تجريح البلقيني في "محاسن الاصطلاح"، وقال: "حكى ثعلب: تبر3 مقارَب أي رديء" ا?. وقد رجعت إلى "محاسن الاصطلاح"4 للبلقيني فرأيته قال: "مقارِب الحديث بكسر الراء من ألفاظ التعديل، وسوى البطليوسي بيّن الفتح والكسر وفيه نظر، فالفتح تجريح تقول: "هذا تبر مقارَب أي: "رديء" ذكره ثعلب" ا?.   1 الصحاح/199 وانظر: "تثقيف اللسان وتلقيح الجنان"/170 و"تقويم اللسان"/182 و"المصباح المنير" 2/598. 2 /235-236 . 3 قال الفيروز أبادي في "القاموس المحيط" 1/379 "التبر بالكسر الذهب والفضة أو فتاتهما قبل أن يصاغا، فإذا صيغا فهما ذهب وفضة، أو ما استخرج من المعدن قبل أن يصاغ، ومكسر الزجاج وكل جوهر يستعمل من النحاس والصفر" ا?. وانظر: تاج العروس 10/276. 4 /240. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 فالبلقيني لم يرتض التسوية بين الفتح والكسر من البطليوسي، واستند في جزمه بأن الفتح تجريح وليس تعديلا إلى ما نقله عن ثعلب. والحاصل أن من فرّق بين مقارِب الحديث بكسر الراء ومقارَب الحديث بفتحها ليس عنده إلا ما ذكره ثعلب، ويمكن لندرته نفاه العراقي في جوابه الذي مضى على المعترض قال: "وكأن المعترض فهم من فتح الراء أن الشيء المقارب هو الرديء، وهذا ليس معروفاً في اللغة، وإنما هو في ألفاظ العوام" ا?. ولا يستبعد أن العراقي يقصد بهذا المعترض البلقيني من غير أن يفصح عنه، فإن البلقيني اعترض على البطليوسي الذي هو ابن السيد الذي ذكر عنه أنه يرى الوجهين من ألفاظ التعديل، وحينئذ فرّق بينهما البلقيني فرأى أن الكسر تعديل والفتح تجريح. وإذا كان هذا المعترض في كلام العراقي هو البلقيني، فإنه لم يفهم الشيء المقارب بالفتح هو الرديء من تلقاء نفسه، كما عبّر عنه كلام العراقي بل فهمه بواسطة ما حكاه ثعلب من أهل اللغة فكيف يقول العراقي: "وهذا فهم عجيب فإن هذا ليس معروفاً في اللغة، وإنما هو في ألفاظ العوام". ينبغي الرجوع إلى "فصيح ثعلب" إن كان ذكره فيه لنرى على أي وجه ذكر ثعلب ذلك الكلام1.   1 رجعت إلى "فصيح ثعلب" وهو مخطوط في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة إلا أنني لم اهتد لشيء من ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 فإن كان ذكره على أنه لغة فإنه لا ينبغي الاعتراض، والقول بأنه ليس معروفاً في اللغة حينئذ. ومن المحتمل أن يكون جواب العراقي صحيحاً، وأن الشيء المقارب بالفتح بمعنى الرديء لا تعرفه اللغة بل هو لحن، فإن ثعلب له كتاب بعنوان: "ما تلحن فيه العامة"1. فمن الجائز أن يكون ثعلب حكى ذلك القول هنا في هذا الكتاب على أنه مما تلحن فيه العوام، ثم أخذه من أخذه واستعمله في جرح الراوي، يمكن أن يؤيد ذلك أي أنه لحن أن من قصر فتح الراء على المتاع؛ لأن بعضهم كالجوهري لا يجيز إلا كسر الراء مطلقاً، ويمنع فتحها، فيقول ولا تقل مقارب بالفتح، قال: إن معناه: "ليس بنفيس". ولكن لا أظن هذا المعنى يصل إلى حالة الرداءة، ويكون معنى ليس بنفيس أي: رديء، لو كان هذا المقصود لما عبّر عنه وهو كلمة واحدة بكلمتين؛ فإن (رديء) كلمة واحدة (وليس بنفيس) كلمتان ولقيل: متاع مقارب بالفتح أي رديء، والحاصل أن معنى قولهم ليس بنفيس أي في حالة بين الجيد والرديء، فرجع معنى الفتح إلى الكسر.   1 انظر: الأعلام للزركلي 1/252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 والذي يعنينا بعد ذلك كله في كلمة "مقارب" هو اصطلاح المحدّثين؛ لأننا في مجال التجريح والتعديل الذي يقوم عليه تصحيح الأحاديث وتضعيفها، فما هو استعمالهم لها هل بالفتح أو الكسر؟ يجيبنا على هذا الزبيدي1 فإنه بعد أن تكلم عن كلمة مقارب في اللغة قال: "قال شيخنا: ومنه أخذ المحدّثون في أبواب التعديل والتجريح فلان مقارب الحديث ومقارب الحديث، فإنهم ضبطوه بكسر الراء وبفتحها كما نقله القاضي أبو بكر بن العربي في "شرح الترمذي"، وذكره شرّاح ألفية العراقي وغيرهم" ا?. قال السخاوي في "فتح المغيث"2: "ومما ينبه عليه أنه ينبغي أن تتأمل أقوال المزكين ومخارجها، قال: "ومن ذلك "مقارب الحديث"، حيث قيل إنه بفتح الراء رديء، ولكن المعتمد كما تقدم أنه لا يختلف أمرها في فتح ولا كسر" ا?. والخلاصة أن قول البخاري في أبي ظلال: "هو مقارب الحديث". تقوية لأمره، ومعناه كما قال ابن رشيد في "رحلته": "يقارب الناس في حديثه، ويقاربونه، أي ليس حديثه بشاذ ولا منكر" ا?.   1 تاج العروس 4/13. 2 1/348-349 . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 فهو –كما قال السخاوي- "وسط لا ينتهي إلى درجة السقوط، ولا الجلالة، وهو نوع مدح" ا?. والسخاوي قائل ذلك قد جعل مقارب الحديث في ألفاظ التعديل ولكن في المرتبة السادسة منها، وصاحب هذه المرتبة عنده يكتب حديثه للاعتبار، فنحن إذا مشينا على هذا لا يكون حديثه حسناً لذاته، كما فعل الترمذي؛ فإن قول الترمذي: "هذا حديث حسن غريب". يريد به غالباً أنه حسن لذاته، كما عرف هذا من اصطلاحه، وهو هنا قال عن هذا الحديث "حسن غريب" مع أن فيه أبا ظلال. وقد قال فيه شيخه "مقارب الحديث" وقد عرفنا من صنيع السخاوي أن من قيل فيه ذلك أن حديثه يصلح للمتابعات، ومعنى هذا أنه كان له متابع أو شاهد ارتقى إلى درجة حسن لغيره، وإلا حكم على حديثه بالضعف؛ لخفة ضبط صاحب هذه المرتبة، فاتضح أنه لا يحكم لهذا الحديث بأنه حسن لذاته، ولا يحكم له بهذا الحكم بناء على قول البخاري، فكيف مع قول غيره الذي هو أسوأ. والحق يقال إن البخاري انفرد من بينهم بأن كان حسن الرأي في أبي ظلال وإلا هذا ابن حبّان ذكره في "المجروحين"1، فقال فيه: "شيخ مغفل لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي عن أنس ما ليس من حديثه" ا?.   1 3/85-86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 وإذا قيل بأن ابن حبّان متشدد في التجريح حتى وصفه بعضهم بأنه متعنت في الجرح، فهذا ابن عدي يقول عنه في "الكامل"1: "عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات". وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال"2 وقد ذكره في قسم "الكنى": "واه بمرة" ا?. وقال في "المغني في الضعفاء"3 في قسم الكنى أيضاً: "ضعّفوه". وهذه العبارة والتي قبلها في مرتبة واحدة عند الذهبي حسب اصطلاحه الذي بيّنه في مقدمة "ميزان الاعتدال"4، وهما عنده أسوأ من ضعيف. فأين هذا الذي قاله من ابن حبّان، وابن عدي، والذهبي مما قاله البخاري؟ كان على الترمذي على الأقل أن يعامل أبا ظلال معاملة شيخه البخاري له، فإن البخاري قد أخرج لأبي ظلال في صحيحه، ولكن في المتابعات. قال ابن حجر في "مقدمة فتح الباري"5 وقد أورد فيها أبا ظلال؛   1 الجزء الرابع صفحة 407. 2 4/542. 3 2/792. 4 1/4. 5 /458. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 لأنه أحد الرواة الذين انتقد البخاري بروايته لهم، قال: "هلال أبو ظلال عن أنس ضعّفه ابن معين، والنسائي، وقال البخاري: "مقارب الحديث" له موضع متابعة1 عن أنس في فضل العمى" ا?. وفي نهاية الكلام عن الترمذي وقبل أن أصل إلى القول الذي أرجحه، وأميل إليه في أبي ظلال أقول: هذا الذي ذكر من أن الترمذي قال في حكمه على هذا الحديث "حسن غريب" موجود في نسخة أحمد شاكر، وهي نسخة محققة على عدة نسخ من سنن الترمذي منها نسخة مطبوعة معها تحفة الأحوذي للمباركفوري، كما بيّن ذلك أحمد شاكر في مقدمته لسنن الترمذي.   1 يظهر من رمز ابن حجر له في "تقريب التهذيب" 2/325 أن هذه المتابعة تعليقاً فإنه رمز له بـ (خت) وقد صرّح ابن حجر بهذا في (القول المسدد 36-37) حيث قال: "قلت قد أخرج له الترمذي وحسّن له بعض حديثه، وعلق له البخاري حديثاً" ا?. قال هذا ابن حجر في المصدر المشار إليه بمناسبة أن ابن الجوزي ذكر في كتابه (الموضوعات 3/267) حديثاً رواه أحمد في "مسنده" من طريق أبي ظلال، وقد دافع الحافظ ابن حجر عنه في "القول المسدد" انظر: أحمد شاكر في تعليقه على سنن الترمذي 2/482 وانظر: مسند الإمام أحمد بتحقيق وتعليق أحمد شاكر 3/230 رقم الحديث (13444) . والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان في "المجروحين" 3/86 في ترجمة أبي ظلال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 وهو كذلك أي الوصف بحسن غريب في النسخة المطبوعة بين أيدينا من "تحفة الأحوذي"1. وقد أورد الحديث المنذري في "الترغيب والترهيب"2، ثم عزاه للترمذي ونقل عنه الحكم على الحديث بالوصفين، فقال: "رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب". ونقل المزي أيضاً في "تحفة الأشراف"3 الحكم بالوصفين عنه بعد أن عزاه إليه. وكذا ذكر الشوكاني في "تحفة الذاكرين"4 أن الترمذي قال: "حسن غريب". ولما أخرج الحديثَ البغويُّ في "شرح السنة"5 بإساده إلى الترمذي نقل بعد ذلك كلام الترمذي عليه، وفيه الحكم بالوصفين "حسن غريب" ا?. تعرّضت لقضية النسخ هذه ليعلم صواب ما قاله الترمذي، وخطأ ما   1 3/194. 2 1/385. 3 1/422. 4 /19. 5 3/221. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 نقله عنه النووي في "الأذكار النووية"1، فإنه قال عقب إيراده للحديث: "قال الترمذي حديث حسن" ا?. هكذا بالاقتصار على الحسن فقط، مع أن كل الذي تقدم يدل على أنه قال فيه: "حسن غريب". ولا ضير فإن هذا الاختلاف يقع دوماً؛ لاختلاف نسخ الترمذي التي مافتئ العلماء والمحققون ينبهون عليها، ويطلبون ممن يشتغل بسنن الترمذي مراجعتها على الأصول للتأكد من مثل ما وقع. وبعد: فإن الحكم الذي اختاره في أبي ظلال هو أنه ضعيف، وهذا هو الذي اختاره ابن حجر في "تقريب التهذيب"2، حيث قال: "هلال بن أبي هلال ... البصري ضعيف. من الخامسة"، وابن حجر في اختياره هنا يبدو أنه صدر عن قول ابن معين3، وأبي حاتم4، والنسائي5، وابن الفتح الأزدي6، وغيرهم.   1 /61 وانظر: الفتوحات الربانيّة 3/63. 2 2/324. 3 التاريخ لابن معين 2/517. 4 الجرح والتعديل 4/2/74. 5 الضعفاء والمتروكين/104، 114. 6 تهذيب التهذيب 11/85. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 فإن كل واحد منهم قال فيه ضعيف1. وقد قال ابن حجر في "فتح الباري"2: "وهو ضعيف عند الجميع، إلا أن البخاري قال: إنه مقارب الحديث". فابن حجر لم يلتفت إلى تحسين الترمذي لحديثه، كما أنه لم يأخذ بقول البخاري فيه؛ لأن الرجل قيل فيه ما هو أشد من ذلك مما لو أخذ به لما جاز الاحتجاج بحديثه مطلقاً، ولرد ولم يقبل. فليتوسط حينئذ في أمره، ولا يكون هذا التوسط إلا بقبول قول من قال فيه ضعيف. فهذا القول قريب من قول من قال: إنه ضعيف جداً، ويشترك مع قول البخاري في أنه يعتبر بحديثه، ويصلح في المتابعات، ثم القول بأنه ضعيف هو قول الأكثر والله أعلم. بعض الشواهد للحديث للحديث شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة حسن لغيره، نقتصر هنا على بعضها. ومنها:   1 انظر: في مصادر ترجمة أبي ظلال: تهذيب الكمال (8) ورقة (726) ، (9) ورقة (809) والمعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان 2/661 والكنى والأسماء لمسلم ورقة (59) والأسامي والكنى لابن أحمد الحاكم ورقة (21) من الجزء الخامس عشر والكاشف 3/228 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال/412. 2 10/117. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة الغداة في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم قام فصلى ركعتين، انقلب بأجر حجة وعمرة". قال المنذري في "الترغيب والترهيب"1: "رواه الطبراني وإسناده جيد" ا?. حديث أبي أمامة وعتبة بن عبد مرفوعاً: "من صلى صلاة الصبح في جماعة، ثم ثبت حتى يسبِّح الله سبحة الضحى2، كان له كأجر حاج ومعتمر تاماً حجة وعمرة". قال المنذري في "الترغيب والترهيب"3: "رواه الطبراني وبعض رواته مختلف فيه" ا?. حديث ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة، وقال: "من صلى الصبح، ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة، كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين".   1 1/387. 2 يعني حتى يصلي لله صلاة الضحى. 3 1/388. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 قال المنذري في "الترغيب والترهيب"1: "رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق2 ففيه كلام".   1 1/387. 2 الفضل بن الموفق بن أبي المتّئد -بضم الميم وتشديد المثناة بعدها تحتانية مهموزة- الثقفي أبو الجهم الكوفي، فيه ضعف، من صغار التاسعة، روى له ابن ماجة (تقريب التهذيب 2/112) وانظر في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب 8/287 وميزان الاعتدال 3/360 والمغني في الضعفاء 2/514 والجرح والتعديل 3/2/68. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 حديث العلشر: باب ما ذكر في فضل الصلاة من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث العاشر: باب ما ذكر في فضل الصلاة من أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2/512 سنن الترمذي بتحقيق أحمد محمد شاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 حدّثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني الكوفي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا غالب أبو بشر، عن أيوب بن عائد الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن كعب بن عجرة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي. فمن غشي أبوابهم أو لم يغش فلم يصدقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد على الحوض. يا كعب بن عجرة: "الصلاة برهان، والصوم جُنَّة1 حصينة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار" يا كعب بن عجرة: "إنه لا يربو لحم نبت من سحت2 إلا كانت النار أولى به" ا?. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى. وأيوب عائذ الطائي يضعّف، ويقال: "كان يرى رأي الإرجاء". وسألت محمداً عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه إلا من حديث عبيد الله ابن موسى، واستغربه جداً.   1 أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات. الجنة: الوقاية. "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/308. 2 السحت: الحرام الذي لا يحل كسبه؛ لأنه يسحت البركة: أي: يذهبها. "المصدر السابق" 2/345. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 وقال محمد: حدّثنا ابن نمير عن عبيد الله بن موسى عن غالب بهذا. التعريف برجال الإسناد 1- عبد الله بن أبي زياد القطواني1 الكوفي: نسب إلى جده وهو عبد الله ابن الحكم ... أبو عبد الرحمن الدهقان2، واسم أبي زياد، سليمان. روى عن: ابن عيينة، وأبي داود الطيالسي، وزيد بن الحباب. وروى عنه: أبو داود، والترمذي، وابن ماجة3. قال ابن أبي حاتم4: "قدمت الكوفة وهو حي، وكان مستتراً فلم أكتب عنه، وذلك سنة خمس وخمسين ومئتين، ورجعنا من الحج وقد توفي، وكان ثقة، وقال: سئل أبي عنه فقال: "كوفي صدوق" ا?. قال الذهبي في الكاشف5: "صدوق مشهور، مات بالكوفة" ا?. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"6: "صدوق، من العاشرة مات سنة خمس وخمسين أي ومئتين، روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجة" ا?.   1 بفتح القاف والمهملة. 2 بكسر فسكون. 3 تهذيب التهذيب 5/190. 4 الجرح والتعديل 2/2/38. 5 2/81. 6 1/411. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 2- عبيد الله بن موسى بن أبي المختار واسمه باذام1 العبسي2 مولاهم الكوفي أبو محمد الحافظ. روى عن: شعبة، ومسعر، وإسرائيل بن يونس. وروى عنه: البخاري (وفي الزهرة: روى عنه البخاري "27" حديثاً، وروى في مواضع عن غير واحد عنه3 والدارمي، وإسحاق ابن راهويه4. صفوة القول في هذا الراوي هو أن جماعة وثقوه منهم: ابن معين5، والعجلي6، وعثمان بن أبي شيبة7، وأبو حاتم8، وابن سعد9، وابن عدي10، والذهبي، وقد ذكره في "ميزان الاعتدال"11، و"المغني في الضعفاء"12، كما أثنى عليه في   1 بموحدة وإعجام الذال. 2 بموحدة. 3 تهذيب التهذيب 7/53. 4 المصدر السابق 7/50 وما بعدها. 5 المصدر السابق 7/52 و53. 6 المصدر السابق 7/52. 7 المصدر السابق 7/53 و"الثقات" لابن شاهين ورقة 72. 8 الجرح والتعديل 2/2/335. 9 الطبقات الكبرى 6/400. 10 انظر تهذيب التهذيب 7/52. 11 3/16. 12 2/418. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 "تذكرة الحفاظ"1. وممن وثقه أيضاً ابن حجر في "تقريب التهذيب"2 فقال: "ثقة كان يتشيع، من التاسعة، قال أبو حاتم: كان أثبت في إسرائيل من أبي نعيم، واستصغر في سفيان، مات سنة ثلاث عشرة أي ومئتين على الصحيح، روى له الجماعة". وأكثر ما نقم على هذا الراوي هو غلوّه وإفراطه في التشيع، وروايته أحاديث منكرة في التشيع، لم يرجع عنها، مما كان سبباً في تضعيفه عند جماعة من الناس. وهذا هو السبب بعينه الذي جعل أحمد يترك الرواية عنه فيما بعد3. ومن هنا كان أحد رجال البخاري الذين طعن فيهم، فإنه لا يخفى أن عبيد الله بن موسى هذا من مشايخ البخاري، بل قال ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"4: "إنه من كبار شيوخه". وقد سبق أن البخاري روى عنه سبعة وعشرين حديثاً كما في "الزهرة" هذا مباشرة من غير واسطة، وإلا روى عنه غير ذلك بواسطة.   1 1/354. 2 1/539. 3 انظر: تهذيب التهذيب 7/50 وما بعدها في ترجمة عبيد الله. 4 /423. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 كما احتج به الباقون ومنهم مسلم، ولكن لم يرووا عنه مباشرة، وإنما بواسطة. 3- غالب أبو بشر: هو غالب بن نجيح أبو بشر1 الكوفي، روى عن: أيوب بن عائذ الطائي، وأبي صخرة جامع بن شداد، وحماد بن أبي سليمان. وروى عنه: جرير بن عبد الحميد، وإسحاق السلولي، وأبو أحمد الزبيري2. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"3: "ذكره ابن حبان في "الثقات". له عنده (يعني عند الترمذي) حديث كعب بن عجرة في التحذير من أمراء الجور" ا?. قال أحمد شاكر في تعليقه على "سنن الترمذي"4: "وليس له في "الكتب الستة" إلا هذا الحديث عند الترمذي وحده" ا?. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"5: "مقبول، من السابعة، روى له الترمذي".   1 في تقريب التهذيب 2/104 قال: "غالب بن نجيح بن بشر" وهو خطأ صوابه كما في "تهذيب التهذيب" وغيره "أبو بشر". 2 تهذيب التهذيب 8/244. 3 8/244. 4 2/513. 5 2/104. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 4- أيوب بن عائذ1 بن مدلج الطائي البحتري الكوفي، روى عن: قيس ابن مسلم، وبكير بن الأخنس، والشعبي. وروى عنه: القاسم بن مالك المزني، وعبد الواحد بن زياد، والسفيانان، وغيرهم2. قال الترمذي: "وأيوب بن عائذ الطائي يضعّف، ويقال: "كان يرى رأي الإرجاء". وقد علق أحمد شاكر3 على هذه الفقرة بما مفاده: أنها ذكرت في بعض النسخ، ولم تذكر في بعضها الآخر. وقوله بعد ذلك: "وأيوب بن عائذ لم أر من ضعّفه، وإنما قالوا: "كان يرى الإرجاء" وليس هذا بضعف" ا?. محل نظر؛ فإن البخاري أورده في "الضعفاء"4؛ لإرجائه، وكذا سرده أبو زرعة في "الضعفاء"5. وأيضاً لولم يكن ذلك ضعفاً لما أدخله الذهبي في كتابه "المغني في الضعفاء"6، مع أنه وثقه، فقد قال فيه: "أبو أيوب بن عائذ ثقة   1 ترجم له الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/289 باسم أيوب بن صالح بن عائذ. 2 تهذيب التهذيب 1/406. 3 في تعليقه على "سنن الترمذي" 2/514. 4 /18. 5 مصور ورقة/48. 6 1/96. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 مرجئ". وها هو الذهبي نفسه يذكره في "ميزان الاعتدال"1، ويعبّر عن إيراد البخاري له في الضعفاء بسبب الإرجاء بأنه غمز له، ثم يتعجب من البخاري كيف يغمزه، ويحتج به في صحيحه، فقال: " ... وكان من المرجئة قاله البخاري وأورده في الضعفاء لإرجائه، والعجب من البخاري يغمزه، وقد احتج به، لكن له عنده حديث، وعند مسلم له حديث آخر فإنه مقل". وهذا الحديث الذي له عند البخاري بيّنه ابن حجر في "هدي الساري"2 أثناء دفاعه عن البخاري في روايته له فقال: " ... له في صحيح البخاري حديث واحد في المغازي في قصة أبي موسى الأشعري أخرجه له بمتابعة شعبة". فأوضح أن البخاري لم يحتج به بل أخرج له، بمتابعة جبل من الجبال هو شعبة، وهذا مما يصلح أن يعتذر به عن البخاري في إخراجه لحديثه، مع أن البخاري لما أورده في الضعفاء قال فيه: "كان يرى الإرجاء وهو صدوق". والحاصل أن ما يقول أحمد شاكر وقد انتقد البخاري بإخراجه لأيوب هذا؛ لأنه طعن فيه بسبب الإرجاء؟ وابن حجر في جوابه عن ذلك ذكر من وثقه أولاً، ثم تلا بمن ضعّفه   1 1/289. 2 /392. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 بالإرجاء فقال: "وثقه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي، والعجلي، وأبو داود، وزاد كان مرجئاً، وكذا ضعّفه بسبب الإرجاء أبو زرعة، وقال البخاري: كان يرى الإرجاء إلا أنه صدوق". فابن حجر الذي دافع عن البخاري بما سبق وهو أنه لم يخرج له إلا متابعة، أقرّ تضعيفه بالإرجاء، ولم يرده كما فعل أحمد شاكر. هذا ولما كان صادقاً في روايته متقناً لها، وثقه في تقريب التهذيب مع التنصيص ببدعة الإرجاء التي فيه تماماً، كما حصل من الذهبي في المغني، وقد مضى. قال ابن حجر1: "أيوب بن عائذ -بتحتانية ومعجمة- ابن مدلج الطائي البحتري -بضم الموحدة وسكون المهملة وضم المثناة- الكوفي، ثقة، رمي بالإرجاء، من السادسة، روى له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي". وإقرار ابن حجر هو الحق فإن الإرجاء وغيره من الابتداع جرح بل جرح مفسر ومبيّن، ولا تقبل رواية المبتدع مطلقة من القيود والشرط، بل يشترط في قبولها: ألا يكون داعياً لبدعته، وألا   1 تقريب التهذيب 1/90 وانظر في مصادر ترجمته: الجرح والتعديل 1/1/252 سؤالات الآجري لأبي داود ورقة 12 الضعفاء والكذابين والمتروكين لأبي زرعة صفحة 48. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 يروي شيئاً مما يؤيد بدعته وألا يكون غالياً فيها، وأن يكون صادق اللهجة فيما يرويه1. وقد اعتذر للبخاري في روايته عن أيوب بما تقدم، وأيضاً حديثه الذي أخرجه البخاري يبدو منه أنه في قصة ليس في حكم شرعي. وهذه الأعذار التي اعتذر بها عن أيوب تكاد تكون قاسماً مشتركاً بين جميع المبتدعين الذين روى لهم البخاري، بل ومسلم، قال ابن حجر2: "وأما روايات المبتدعين إذا كانوا صادقين ففي الصحيحين عن خلق كثير من ذلك، لكنهم من غير الدعاة ولا الغلاة. وأكثر ما يخرجان من هذا القسم في غير الأحكام. نعم قد أخرجا لبعض الدعاة والغلاة، كعمران بن حطان، وعباد بن يعقوب، وغيرهما، إلا أنهما لم يخرجا لأحد منهم إلا ما توبع عليه" ا?. 5- قيس بن مسلم: الجدلي أبو عمرو الكوفي، ثقة، رمي بالإرجاء، من السادسة، مات سنة عشرين ومئة، روى له الجماعة3. طارق بن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي.   1 انظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري/385، ومقدمة لسان الميزان 1/9 وما بعدها، وشرح علل الترمذي لابن رجب/83 وما بعدها. 2 انظر: توضيح الأفكار 1/90. 3 تقريب التهذيب 2/130. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 قال أبو داود: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين، روى له الجماعة1. 7- كعب بن عجرة2: الأنصاري المدني، أبو محمد، صحابي مشهور، مات بعد الخمسين له نيف وسبعون، روى له الجماعة3. درجة هذا الحديث حكم الترمذي على هذا الحديث بالحسن، كما بين معنى قوله "غريب" وأنه من هذا الوجه فهي غرابة في الإسناد فقط ليست في المتن، وإلا الترمذي نفسه روى الحديث كما سيأتي، وعن كعب أيضاً، ولكن بغير هذا الإسناد. والذي يبدو لي أن هذا الحديث ضعيف بهذا الإسناد؛ فقد قال ابن حجر في غالب بن نجيح "مقبول"، ومعنى قوله "مقبول" أي حيث يتابع وإلا فليّن الحديث كما بيّن هذا ابن حجر في مقدمة كتابه "تقريب التهذيب"، ولما لم يكن لغالب المذكور متابع –وقد مضى أنه بهذا الإسناد غريب كما ذكره الترمذي، ونقله عن شيخه البخاري؛ لأنه تفرد به عبيد الله بن موسى- كان الحديث ضعيفاً.   1 تقريب التهذيب 1/377 وانظر: الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 2/212. 2 بضم العين وسكون الجيم وبالراء. 3 تقريب التهذيب 2/135 وانظر: الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 3/297. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 نعم قد يكون المتن حسناً أو صحيحاً بالنظر إلى قوة شواهده التي سوف نعرف. وإذا اتّضح ذلك عرف تساهل أحمد شاكر في تصحيحه للحديث بهذا الإسناد، فإنه قال: "فالحديث صحيح وله شواهد تؤيد صحته سنذكرها إن شاء الله". ولما ذكر منها حديث جابر –وهو ضعيف الإسناد كما سيأتي- قال: "وهذا إسناد صحيح" ثم قال: "فهذا الحديث الصحيح عن جابر شاهد قوي لرواية أيوب بن عائذ من حديث كعب بن عجرة، وهو يؤيد ما ذهبنا إليه من أنه حديث صحيح". هذا ولما كان الحديث روي عن كعب بأسانيد أخرى، فقد عبرت عنها بالمتابعات، ثم أردفتها بالشواهد، أما أحمد شاكر فإنه عبّر عن الجميع بكلمة شواهد، ولا ضير في ذلك كما لا يخفى. المتابعات للحديث متابع رواه الترمذي1 من طريقين عن أبي حصين عن الشعبي، عن عاصم العدوي، عن كعب بن عجرة. الأول: من طريق مسعر عنه. والثاني: من طريق سفيان عنه.   1 سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/537-538. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 ومن الطريقين رواه النسائي في "سننه"1. ومن الطريقين أيضاً رواه ابن حبّان في "صحيحه"2، وقد أحال في طريق سفيان على الأخرى. ومن طريق سفيان عن أبي الحصين رواه أحمد في "مسنده"3. ومن طريق مسعر رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"4، وقال: "مشهور من حديث مسعر". وله متابع آخر رواه الترمذي5 من طريق سفيان، عن زبيد، عن إبراهيم –وليس بالنخعي- عن كعب بن عجرة نحو حديث مسعر، ولم يسق الترمذي لفظه، وإنما أحال به على رواية الشعبي، عن عاصم، عن كعب. قال أحمد شاكر في تعليقه على "سنن الترمذي"6: "وكل هذه الراويات ليس فيها ذكر الصلاة، والصوم، والصدقة، وأكل السحت" ا?. قال الإمام الترمذي رحمه الله تعالى: "حدّثنا هارون بن إسحاق   1 7/160-161. 2 انظر: موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبّان/378. 3 4/243 وأخرجه أيضاً ابن عبد البر في التمهيد 2/303 بإسناده إلى أحمد بن حنبل. 4 7/248. 5 سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/537-538. 6 2/513. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 الهمداني، أخبرنا محمد بن عبد الوهاب، عن مسعر، عن أبي حصين، عن الشعبي، عن العدوي، عن كعب بن عجرة قال: "خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تسعة: خمسة وأربعة أحد العددين من العرب، والآخر من العجم، فقال: "إسمعوا هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء. فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد على الحوض. ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدّقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه، وهو وارد على الحوض". قال الترمذي: "هذا حديث صحيح غريب لا نعرفه من حديث مسعر إلا من هذا الوجه". قال هارون: وحدّثني محمد بن عبد الوهاب، عن سفيان، عن أبي حصين، عن الشعبي، عن عاصم العدوي، عن كعب بن عجرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. قال هارون وحدثني محمد، عن سفيان، عن زبيد، عن إبراهيم وليس بالنخعي، عن كعب بن عجرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مسعر. ا?. ولما أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"1 من طريق سفيان عن التيمي عن عاصم قال: "المحفوظ عن سفيان، عن أبي حصين، عن الشعبي، عن عاصم ... ".   1 5/362 في ترجمة محمد بن صالح أبي جعفر الصائغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"1 من طريق سفيان، عن زبيد إشارة فقال: "حدّثني محمد بن يوسف، عن سفيان، عن زبيد، عن رجل يقال له إبراهيم عن كعب بن عجرة قال النبي صلى الله عليه وسلم "سيكون أمراء". وقد أخرجه في ترجمة إبراهيم بن قعيس. قال المعلمي في تعليقه على "التاريخ الكبير": "سيكون عليكم أمراء. والحديث في "جامع الترمذي" في أبواب الفتن أخرجه من طريق سفيان، عن زبيد، عن إبراهيم، وليس بالنخعي عن كعب بن عجرة" وذكر المزي وابن حجر2 إبراهيم هذا، ولم يعرفا من حاله بغير ما تضمنه السند، والظاهر أنه غير قعيس والله أعلم" ا?. الشواهد وللحديث شاهد رواه أحمد في "مسنده"3 قال: "حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن ابن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: "أعاذك الله من إمارة السفهاء". قال: ما إمارة السفهاء؟ قال: "أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهدي ولا يستنون بسنتي. فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم   1 1/1/315. 2 تهذيب التهذيب 1/185 وقال في "تقريب التهذيب" 1/47 "إبراهيم عن كعب بن عجرة مجهول من الثالثة وليس هو النخعي روى له الترمذي". 3 3/321 وانظر: المسند بتحقيق وتعليق أحمد شاكر رقم الحديث (14493) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردوا على حوضي. ومن لم يصدّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم وسيردوا1 على حوضي. يا كعب بن عجرة: الصوم جنة، والصدقةتطفئ الخطيئة، والصلاة قربان، أو قال: برهان. يا كعب بن عجرة: إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به. يا كعب بن عجرة: الناس غاديان: فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها". ورواه أيضاً في "مسنده"2، عن عفان عن وهيب، عن ابن خثيم بنحوه فهذا الشاهد يدور على ابن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، وفيما يلي تعريف موجز بهما: 1- ابن خثيم، هو: "عبد الله بن عثمان بن خثيم -بالمعجمة والمثلثة مصغراً- القارئ المكيّ أبو عثمان، صدوق من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين أي ومئة، روى له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأهل السنن الأربعة"3. عبد الرحمن بن سابط (ويقال) ابن عبد الله بن سابط، وهو الصحيح، ويقال ابن عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي المكيّ ثقة، كثير الإرسال من الثالثة، مات سنة ثمان عشرة أي ومئة، روى له   1 "ولا يردوا"، "وسيردوا" هكذا في المسند. 2 3/399 وانظر المسند بتحقيق وتعليق أحمد شاكر رقم الحديث (15347) . 3 تقريب التهذيب 1/432. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجة1. وإذا كان هذا حاله عموماً وهو أنه كثير الإرسال، فما هو حاله مع جابر بن عبد الله؟ فالجواب مختلف فيه، ففي "تهذيب الكمال"2 "قيل ليحيى: سمع عبد الرحمن من سعد؟ قال: من سعد؟ ابن إبراهيم؟ قالوا: لا، من سعد بن أبي وقاص، قال: لا. قيل ليحيى: سمع من أبي أمامة؟ قال: لا. قيل ليحيى سمع من جابر؟ قال: لا هو مرسل، كان مذهب يحيى أن عبد الرحمن يرسل عنهم ولم يسمع منهم" ا?. وأثبت له ابن أبي حاتم السماع من جابر، فقال في "الجرح والتعديل"3: "روى عن عمر "رضي الله عنه" مرسل، وعن جابر بن عبد الله متصل" ا?. فانظر مع هذا الاختلاف ومع ما قيل قبله في ابن خثيم إلى أحمد شاكر، فإنه قال عن إسناد هذا الحديث: "وهذا إسناد صحيح".   1 تقريب التهذيب 1/480. 2 4 ورقة 395 وانظر: تهذيب التهذيب 6/180 و"المراسيل" لابن أبي حاتم/128 و"جامع التحصيل في أحكام المراسيل" 2/514. 3 2/2/240 وأما في "المراسيل" فإنه أورد ابن سابط هذا، واكتفى بنقل رأي ابن معين فيه من غير أن يعقب عليه بشيء "المراسيل"/128. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وهو في هذا يشبه الحاكم، فإن الحاكم روى هذا الشاهد في "المستدرك" من طريقين: مطولاً1 من طريق عبد الرزاق، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، "ووافقه الذهبي". ومختصراً2 من طريق معلى بن أسد عن وهيب، وسكت عليه، وتبعه الذهبي في السكوت عليه. أما المنذري وكذا الهيثمي فإنهما نقلا الحديث، وقال كل منهما عقبه عبارة لا يلزم منها تصحيح الحديث. فقد نقله المنذري في "الترغيب والترهيب"3، وعزاه لأحمد4، والبزار وقال: "رواتها محتج بهم في الصحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه"5 ا?. ونقله الهيثمي في "مجمع الزوائد"6، ونسبه أيضاً لأحمد،   1 المستدرك 4/422. 2 المستدرك 3/479-480. 3 3/339. 4 مسند الإمام أحمد بن حنبل 3/321، 399. 5 انظر: "موارد الظمآن" إلى زوائد ابن حبان/378 وقد رواه ابن حبان من طريقين: من طريق حماد بن سلمة عن ابن خثيم نحوه ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عنه، ولم يسقه بل أحال على الذي قبله بقوله فذكر نحوه إلا ... 6 5/247. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 والبزار1، وقال: "رجالهما رجال الصحيح" ا?. فهاتان العبارتان من المنذري، والهيثمي لا تفيد تصحيح الحديث؛ فإنه يكون الرجال رجال الصحيح ومحتجاً بهم في الصحيح إلا أن هذا لا ينفي وجود علة انقطاع مثلا، كما هو هنا على رأي ابن معين الذي يرى أن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع من جابر. والانقطاع –لا شك- مؤثر في صحة الحديث، وعلى كل حال فإن عبارة المنذري وكذا الهيثمي أحوط وأدق. وقد روى هذا الشاهد أيضاً أبو نعيم في "حلية الأولياء"، وذلك في ترجمة يوسف بن أسباط، مرتين من طريقه عن زائده بن قدامة. ففي المرة الأولى2 رواه مطولا نحو حديث عبد الرزاق من طريق يوسف ابن أسباط، عن زائدة بن قدامة، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لكعب بن عجرة: " ... وقال عقبة: "لم يسقه هذا السياق من حديث جابر، إلا ابن خثيم تفرد به رواه عنه الأعلام" ا?.   1 انظر: كشف الأستار عن زوائد البزار 2/241. 2 حلية الأولياء 8/247. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 وفي المرة الثانية1 قال: "وروى ابن أسباط عن زائدة بن قدامة، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن سفيان الثوري، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: "أعيذك بالله من إمارة السفهاء قال وما ذاك". هكذا هذه المرة أشار إليه مجرد إشارة، ومما ينبغي التنبيه عليه هو أن سفيان جاء في هذا السند مدمجاً ومقحماً؛ لأن ابن سابط متقدم عليه ولا يروي عنه. ابن سابط من الثالثة من أوساط التابعين، وسفيان من السابعة من كبار أتباع التابعين، وقد ولد سفيان سنة 97?، بينما كانت وفاة ابن سابط سنة 118?، والمهم في هذا هو أنه لم يثبت أن ابن سابط روى عن سفيان، بل لم يثبت العكس وهو سفيان يروي عن ابن سابط، ثم كيف يكون سفيان عن جابر وهو لم يدركه. والمعروف أن هذا السند عن ابن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله. وإذا تبيّن ذلك علم أن مجيء سفيان بين عبد الرحمن وجابر غلط ظاهر، من الجائز أن يكون من الناسخ، أو من الطابع، أو يكون وهماً من ابن نعيم. وأورد هذا الشاهد المنذري في "الترغيب   1 حلية الأولياء 8/252. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 والترهيب"1 مختصراً جداً، وعزاه لأبي يعلى، وذكر أنه بإسناد صحيح. شاهد ثان: قال ابن حجر الهيثمي في "الزواجر عن الكبائر"2: "وأخرج أحمد3 بسند رواته محتج بهم في الصحيح إلا راوياً لم يسم عن النعمان بن بشير. قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء فرفع بصره إلى السماء ثم خفض، حتى ظننا أنه حدث في السماء أمر، فقال: "ألا إنه ستكون بعدي أمراء يظلمون ويكذبون. فمن صدّقهم بكذبهم، ومالأهم على ظلمهم، فليس مني ولا أنا منه. ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يمالئهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه" الحديث. وقد أورد هذا الشاهد المنذري في "الترغيب والترهيب"4 وقال عقبه: "رواه أحمد وفي إسناده راو لم يسم، وبقيته ثقات محتج بهم في الصحيح". شاهد ثالث: وقال ابن حجر الهيثمي أيضاً5:"وأخرج   1 2/10. 2 2/119. 3 مسند الإمام أحمد 4/267-268. 4 3/340. 5 الزواجر عن الكبائر 2/120. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 الطبراني وابن حبان في "صحيحه"1، واللفظ له، عن عبد الله بن خباب2، عن أبيه قال: "كنا قعوداً على باب النبي صلى الله عليه وسلم فخرج علينا فقال: "اسمعوا، قلت: قد سمعنا، قال: اسمعوا، قلنا: قد سمعنا، قال: إنه سيكون بعدي أمراء فلا تصدقوهم بكذبهم، ولا تعينوهم على ظلمهم، فإنه من صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم لم يرد على الحوض" ا?. شاهد رابع: وعن أبي سعيد الخدري "رضي الله عنه" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون أمراء تغشاهم غواش أو حواش من الناس، يكذبون، ويظلمون، فمن دخل عليهم فصدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني، ولست منه. ومن لم يدخل عليهم ولم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني، وأنا منه". قال المنذري في "الترغيب والترهيب"3: "رواه   1 انظر: موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان/379. 2 في الأصل: "عبد الله بن عمر" وهو خطأ صوابه عبد الله بن خباب كما في "موارد الظمآن"/379 وقد أورده المنذري في "الترغيب والترهيب" 3/341 عن عبد الله ابن خباب على الصواب. وفي موارد الظمآن أيضاً قال لهم اسمعوا وهم يقولون قد سمعنا ثلاث مرات. 3 3/341. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 أحمد1 واللفظ له، وأبو يعلى ومن طريقه ابن حبّان في "صحيحه"2، إلا أنهما قالا: فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فأنا منه بريء". وقد أورده الذهبي في "الكبائر"3 فقال عن ابن مسعود فلعله من خطأ النساخ والله أعلم. شاهد خامس: رواه أحمد في "مسنده"4 عن إسماعيل، عن يونس عن حميد بن هلال أو عن غيره، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستكون أمراء يكذبون ويظلمون، فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس منا، ولست منهم، ولا يرد على الحوض. ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد على الحوض". قال ابن كثير في "النهاية"5: "رواه الطبراني6 من حديث   1 مسند الإمام أحمد بن حنبل 3/24 ورواه ابن حبان في "صحيحه". انظر: موارد الظمآن ... /379. 2 انظر: موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان/379. 3 /111. 4 5/384. 5 2/15 في باب ذكر ما ورد في الحوض النبوي. 6 المعجم الكبير 3/185-186 ورواه أحمد في "مسنده" 5/384، والبزار انظر: "كشف الأستار عن زوائد البزار" 2/239-240 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/248: "رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح ورجال أحمد كذلك". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 مبارك بن فضالة، عن خالد بن أبي الصلت، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة مرفوعاً: "ستكون أمراء يكذبون ويظلمون. فمن صدّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه. ومن لم يصتدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فهو مني وأنا منه، وسيرد على الحوض غداً إن شاء الله". إلى غير ذلك من الشواهد التي ذكرت في "الترغيب والترهيب"1، وفي "مجمع الزوائد"2، وفي غيرهما. ض   1 3/340 وما بعدها. 2 5/264-248 . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 الحديث الحادي عشر: باب ما جاء في زكاة الذهب والورق من أبواب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 3/7 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، أخبرنا أبو عوانة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي1 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة2 من كل أربعين درهما درهم، وليس لي في تسعين ومئة شيء، فإذا بلغت مئتين ففيها خمسة دراهم". وفي الباب: عن أبي بكر الصديق وعمرو بن حزم. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: روى هذا الحديث، الأعمش3، وأبو   1 علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته، من السابقين الأولين المرجح أنه أول من أسلم، وهو أحد العشرة، مات في رمضان سنة أربعين، وهو يومئذ أفضل الأحياء من بني آدم بالأرض، بإجماع أهل السنة، وله ثلاث وستون سنة على الأرجح/ روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/39 وانظر: "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 2/507. 2 الرقة: بكسر الراء وتخفيف القاف، قال ابن الأثير: "يريد: الفضة والدراهم المضروبة منها. وأصل اللفظة: الورق، وهي الدارهم المضروبة خاصة، فحذفت الواو وعوض منها التاء" (النهاية في غريب الحديث والأثر 2/254) وانظر مادة (ورق) في القاموس المحيط. وقال ابن حجر في "فتح الباري" 3/321: "الرقة: الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة". 3 أخرجه النسائي في "سننه" 5/37 وأحمد في "مسنده" 2/178 بتحقيق أحمد شاكر رقم الحديث (913) قال أحمد شاكر: "إسناده صحيح" ا?. وهو مكرر (1266-1268) والطحاوي في "معاني الآثار" 1/261 والدارقطني في "سننه" 2/126. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 عوانة1 وغيرهما2، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي. روى سفيان الثوري3، وابن عيينة4، وغير واحد5، عن أبي   1 أخرجه أبو داود في "سننه" 4/450 مع "عون المعبود" وأحمد في "مسنده" 2/92 بتحقيق أحمد شاكر رقم الحديث (711) قال أحمد شاكر: "إسناده صحيح" ا?. وهو مكرر (1232) والحاكم في "المستدرك" 1/400 وسكت عنه وتبعه الذهبي. والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/117-118 وابن حزم في "المحلى" 6/62-63 وقد قال عنه ابن حزم: "صحيح مسند" والبغوي في "شرح السنة" 6/47 بإسناده إلى الترمذي. 2 كسفيان عند النسائي في "سننه" 5/37 ومن طريق النسائي أخرجه ابن حزم في "المحلى". 3 أخرجه ابن ماجة في "سننه" 1/570 رقم الحديث (1790) وأحمد في "مسنده" 2/248 بتحقيق أحمد شاكر ورقم الحديث (1097) قال أحمد شاكر: "إسناده ضعيف من أجل الحارث الأعور" ا?. وأخرجه أيضاً في موضع آخر من طريق سفيان ومعه شريك عن أبي إسحاق 2/300 رقم الحديث (1242) قال أحمد شاكر: "إسناده ضعيف لضعف الحارث الأعور" والطحاوي في "معاني الآثار" 1/261. 4 أخرجه ابن ماجة في "سننه" 1/580 رقم الحديث (1813) وابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/152 وأبو عبيد في "الأموال"/463 والبيهقي في "السنن الكبرى" 4/118 مقرون بابن عيينة الثوري. 5 كإبراهيم بن طهمان عند الطحاوي في "معاني الآثار" 1/261 وكحجاج عند ابن أبي شيبة في "مصنفه" 3/152. ملاحظة: بعض هؤلاء أخرج الحديث مختصرا وبعضهم أخرجه بتمامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 إسحاق عن الحارث، عن علي. قال: سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقال: كلاهما –عندي- صحيح عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون عنهما جميعاً. حكم هذا الحديث مدار هذا الحديث على أبي إسحاق السبيعي، وقد اختلفت الرواية عنه في إسناده: فرواه جماعة عنه، عن الحارث، عن علي مرفوعاً، وخالفهم جماعة آخرون فرووه عنه عن عاصم بن ضمرة، عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد بيّن هذا الاختلاف أربعة من الأئمة؛ هم على التوالي: أبو داود في "سننه"1. الترمذي هنا. الدارقطني في "العلل"2. البيهقي في "السنن الكبرى"3.   1 2/135. 2 المجلد الأول ورقة 95. 3 4/117-118 . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 ومن رواية عاصم أخرجه الترمذي ولم يحكم عليه بشيء من الصحة، أو الحسن، أو الضعف، وفي بيان الاختلاف أشار إلى رواية الحارث، وذكر أنه سأل شيخه البخاري عن حكم هذا الحديث، وعن رأيه في هذا الاختلاف؟ فأجابه بصحة رواية كلا الحديثين عن أبي إسحاق، فإنه يحتمل أن يكون أبو إسحاق رواه عن عاصم بن ضمرة، وعن الحارث جميعاً عن علي "رضي الله عنه"، فالبخاري بما ذكره من احتمال أجاب عن الاختلاف على أبي إسحاق، واجتهد في القضاء عليه. هذا وقد فهم بعض الناس1 من إجابة البخاري أنه يصحح الحديث مطلقا بطريقيه، ويبعد في نظري أن يصححه كذلك، خاصة من طريق الحارث الذي أجمع الجمهور على تضعيفه، بل اتهمه بعضهم، وبعضهم كذّبه. وممن نقل هذا الاتهام له وهذا التكذيب، واقتصر عليه البخاري نفسه في "التاريخ الكبير"2، فروى بسنده: "عن إبراهيم3 أنه اتهم   1 انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/254، وفقه الزكاة 1/223 للدكتور يوسف القرضاوي، وفقه السنة 1/368 لسيد سابق. 2 1/2/273. 3 إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي، الفقيه، ثقة، إلا أنه يرسل كثيراً، من الثانية مات سنة ست وتسعين وهو ابن خمسين أو نحوها، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/46. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 الحارث". وروى بسنده أيضاً: "عن مغيرة1 سمعت الشعبي2: حدثنا الحارث وأشهد أنه أحد الكذابين". ونحو ذلك في "التاريخ الصغير"3؛ إذ قال: "قال الشعبي: حدثني الحارث وكان كذاباً". قال شعبة: "لم يسمع أبو إسحاق من الحارث إلا أربعة". حدثني أحمد بن يونس، ثنا زائدة عن مغيرة عن إبراهيم أنه اتهم الحارث وهو ابن عبد الله، ويقال ابن عبيد أبو زهير الحوثي الهمداني الأعور الكوفي، كناه النضر بن شميل عن يونس بن أبي إسحاق" ا?. قال أحمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد بن حنبل4: "الحارث: هو ابن عبد الله الأعور الهمداني من كبار التابعين، نستخير الله فيه، ونرجح قول من ضعّفوه، وبعد أن نقل قول البخاري في "التاريخ الكبير". وأشار إلى أن نحوه في "التاريخ الصغير" قال: "وفي الميزان قال   1 مغيرة بن مقسم بكسر الميم الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي الأعمى، ثقة متقن، إلا أنه كان يدلس، ولاسيما عن إبراهيم، من السادسة، مات سنة ست وثلاثين أي ومئة على الصحيح، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/270. 2 هو عامر بن شراحيل الشعبي -بفتح المعجمة-: أبو عمرو ثقة مشهور، فقيه فاضل، من الثالثة. قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين، ورى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/387. 3 1/156. 4 2/20 عند الحديث رقم 565. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 أيوب: كان ابن سيرين يري أن عامة ما يروى عن علي باطل". وفيه أيضاً قال ابن المديني: كذاب. واختلفت الرواية عن ابن معين في شأنه، وأكثر الرواية عنه أنه يضعفه. وفي التهذيب عن ابن شاهين في الثقات قال: قال أحمد بن صالح المصري: الحارث الأعور ثقة ما أحفظه، وما أحسن ما روى عن علي، وأثنى عليه قيل له: فقد قال الشعبي: كان يكذب، قال: لم يكن يكذب في الحديث، وإنما كان كذبه في رأيه. قال أحمد شاكر: وهذا تمحل، وتأول ضعيف بعيد، ما الكذب في الرأي؟ هذا والشعبي يقول: حدثنا الحارث، وأشهد أنه أحد الكذابين. وقال الذهبي في الميزان: حديث الحارث في السنن الأربعة، والنسائي على تعنته في الرجال فقد احتج به، وقوّى أمره، والجمهور على توهين أمره مع روايتهم لحديثه في الأبواب. هذا الشعبي يكذبه، ثم يروي عنه، والظاهر أنه كان يكذب في لهجته، وحكاياته، وأما في الحديث النبوي فلا. قال أحمد شاكر: وهذا الكلام ضعيف أيضاً، فإن الكذب في اللهجة والحكايات ينافي العدالة، ويضع حديث الكاذب موضع الشك، ثم ما أظن الشعبي أراد هذا، وأما ما نقل عن النسائي ففيه تساهل؛ فإن النسائي ضعفه في كتاب الضعفاء والمتروكين، قال: "حارث بن عبد الله الأعور ليس بالقوي"، وقال الحافظ في التهذيب معقباً على الذهبي: قلت لم يحتج به النسائي، وإنما أخرج له في السنن حديثاً واحداً مقروناً بابن ميسرة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 وآخر في عمل اليوم والليلة متابعة، هذا جميع ما له عنده1" ا?. حتى حديث عاصم الذي هو أحسن حالا من الحارث لا يصل إلى رتبة الصحة، فكيف بحديث الحارث، وقد حسن ابن حجر في "فتح الباري"2 إسناد حديث على هذا، وغالب ظني أنه حسن إسناد عاصم، فإنه بعد أن ذكر متن الحديث، قال: "أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن" ا?. فأنت تلاحظ أن ابن حجر أفصح عن اسم أبي داود فقط فيمن أخرجه، وفي هذا إشارة عندي على أنه عني إسناد عاصم؛ لأن أبا داود ما أخرجه إلا من طريق عاصم الذي قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي، صدوق، من الثالثة، مات سنة أربع وسبعين أي ومئة، روى له أهل السنن الأربعة".   1 انظر في مصادر ترجمة الحارث: "تهذيب التهذيب" 1/145 "تقريب التهذيب" 1/141 "ميزان الاعتدال" 1/435 "المغني في الضعفاء" 1/141 "الجرح والتعديل" 1/2/78 "الضعفاء الصغير للبخاري"/28 "الضعفاء والمتروكين" للنسائي/29 "الضعفاء" للعقيلي 1 ورقة 73 "المجروحين" 1/22 "شرح علل الترمذي" لابن رجب/75 "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد ابن حنبل 1/55، 147، 178 "الإكمال" 2/282. 2 3/327. 3 1/384 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 5/45 "ميزان الاعتدال" 2/352 "المغني في الضعفاء" 1/320 "تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول"/255 "الجرح والتعديل" 3/1/345 "التاريخ الكبير" 3/2/482 "التاريخ الصغير" 1/218-219. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 ثم كيف هذا التصحيح للحديث مع احتمال أن يكون أبو إسحاق سمعه منهما، من عاصم، والحارث، والمعروف أن التصحيح لا يثبت بالاحتمال. وهكذا نجد الدارقطني في "العلل"1 وقد سئل عن هذا الحديث يعطي إجابة محتملة غير جازمة، فيقول بعد أن وضّح الخلاف على أبي إسحاق: "ويشبه أن يكون القولان صحيحين" ا?. قال أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي"2: "أصحّ الأحاديث حديث أبي سعيد الخدري: "ليس فيما دون خمسة أوسق3 من التمر صدقة، ولا فيما دون خمسة أواق من الوَرِق4 صدقة، ولا فيما   1 المجلد الأول ورقة 95. 2 3/101. 3 جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب "المحكم" وجمعه حينئذ أوساق كحمل وأحمال وقد وقع كذلك في رواية لمسلم (صحيح مسلم 7/52 بشرح النووي) وهو ستون صاعاً بالاتفاق وفي رواية مسلم (صحيح مسلم 7/52 بشرح النووي) ليس فيما دون خمس أوسق من تمر ولا حب صدقة "فتح الباري" 3/311 وانظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي 7/49، 52-53 والنهاية في غريب الحديث والأثر 5/185. 4 بفتح الواو وبكسرها وبكسر الراء وسكونها وقوله "أواق" بالتنوين وبإثبات التحتانية مشدداً ومخففاً جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية وحكى اللحياني "وقية" بحذف الألف وفتح الواو. ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهماً بالاتفاق، والمراد بالدرهم الخالص من الفضة سواء كان مضروباً أو غير مضروب. فتح الباري 3/310 وانظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي 7/51-52 والنهاية 5/217. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 دون خمس ذود1 من الإبل صدقة" إلى أن قال: "وليس في هذا الباب حديث صحيح يعوّل عليه إلا حديث أبي سعيد انفرد به، ولا يوجد في الصحيح عن غيره، ولا يوجد في الحسان أبداً على ما قلنا شيء" ا?. وهذا الحديث أخرجه البخاري2، ومسلم3، والترمذي4، وغيرهم وقد قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم ليس فيما دون خمسة أواق صدقة، والأوقية أربعون درهماً، وخمس أواق مئتا درهم" ا?. وإذا جاء هذا الحديث في بيان مقدار نصاب الفضة الذي يجب فيه الزكاة، وهذا ما تناوله الشطر الثاني من حديث علي، أما الشطر الأول   1 الذود: بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة قال الزين بن المنير "أضاف خمس إلى ذود وهو مذكر؛ لأنه يقع على المذكر والمؤنث، وأضافه إلى الجمع؛ لأنه يقع على المفرد والجمع، وأما قول ابن قتيبة أنه يقع على الواحد فقط فلا يدفع ما نقله غيره، أنه يقع على الجمع". قال ابن حجر "والأكثر على أن الذود من الثلاثة إلى العشرة، وأنه لا واحد له من لفظه" فتح الباري 3/323 وانظر المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي 7/50-51 والنهاية 2/171. 2 في صحيحه 3/271 مع فتح الباري. 3 في صحيحه 7/50 بشرح النووي. 4 في جامعه 3/261-262 مع تحفة الأحوذي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 وهو ما يتعلق بزكاة الخيل والرقيق، فقد جاء أيضاً في حديث صحيح أخرجه البخاري في "صحيحه"1 واللفظ له، ومسلم2، والترمذي3، وغيرهم من حديث أبي هريرة "رضي الله عنه" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه". قال الترمذي عقبه: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل عند أهل العلم أنه ليس في الخيل السائمة صدقة، ولا في الرقيق إذا كانوا للخدمة صدقة، إلا أن يكونوا للتجارة، فإذا كانوا للتجارة ففي أثمانهم الزكاة إذا حال عليه الحول" ا?. هذا ولا نوافق ابن العربي أنه لا يوجد في الحسان حديث في هذا البابِ، فإن حديث عاصم إسناده حسن. أما حديث الحارث فإن إسناده ضعيف، ويكون حسناً لغيره بإسناد عاصم والله أعلم. تخريج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله وفي الباب حديث أبي بكر الصديق "رضي الله عنه": أخرجه البخاري في "صحيحه"4 من طريق عبد الله بن المثنى، قال: حدثني ثمامة بن عبد الله   1 3/327 مع فتح الباري. 2 في صحيحه 7/55 بشرح النووي. 3 في جامعه 3/268 مع تحفة الأحوذي. 4 3/317-318 مع "فتح الباري". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 بن أنس أن أنساً حدثه أن أبا بكر "رضي الله عنه" كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين1: "بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل ... إلى آخر فرائض الصدقات التي بينها الحديث، وفيه: "وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومئة، فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها". ورواه أيضاً أحمد2 وأبو داود3 والنسائي4 وغيرهم. وهو يصلح شاهداً على الشطر الثاني للحديث. حديث عمرو بن حزم: أخرجه الحاكم في "المستدرك"5 من رواية سليمان بن داود، عن الزهري، عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض، والسنن، والديات، ومما جاء فيه قوله: "وفي كل خمس   1 وهي –كما في فتح الباري 3/318- اسم لإقليم مشهور يشتمل على مدن معروفة قاعدتها "هجر" وانظر: مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع 1/167. 2 في مسنده 1/11. 3 في سننه 4/431 مع عون المعبود. 4 في سننه 5/19 بشرح السيوطي وحاشية السندي. 5 1/395 وما بعدها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 أوراق من الوَرِق خمسة دراهم، وما زاد ففي كل أربعين درهماً درهم، وليس فيما دون خمس أواق شيء". "وأنه ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شيء". ورواه الطبراني في "الكبير" عزاه إليه الهيثمي في "مجمع الزوائد"1، وقال: "فيه سليمان بن داود الخريبي2، وثقه أحمد وتكلم فيه ابن معين، وقال أحمد: "أن الحديث صحيح. قلت: وبقية رجاله ثقات" ا?.   1 3/71 وانظر: "عمدة القارئ" 4/383 للعيني فقد عزاه إليه أيضاً. 2 في مجمع الزوائد "الحرسي" وهو خطأ وستأتي ترجمة الخريبي هذا إن شاء الله تعالى في الحديث السادس عشر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 الحديث الثّاني عشر: باب ما جاء في الخرص من أبواب الزكاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3/27-28 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 ثنا أبو عمرو مسلم بن عمرو الحذاء المديني1، أخبرنا عبد الله ابن نافع2، عن محمد بن صالح التمار3، عن ابن شهاب4، عن سعيد ابن المسيب5، عن عتاب بن أسيد6 أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص7 عليهم كرومهم8، وثمارهم".   1 مسلم بن عمرو الحذاء المديني أبو عمرو صدوق من الحادية عشرة روى له الترمذي والنسائي (تقريب التهذيب 2/246) . 2 عبد الله بن نافع بن أبي نافع الصائغ المخزومي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين، من كبار العاشرة، مات سنة ست ومئتين وقيل بعدها، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة. (المصدر السابق 1/456) . 3 محمد بن صالح التمار المدني مولى الأنصار، صدوق يخطئ، من السابعة، مات سنة ثمان وستين أي ومئة، روى له أهل السنن الأربعة (المصدر السابق 2/170) . 4 محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة ابن كلاب القرشي الزهري، وكنيته أبو بكر، الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة خمس وعشرين أي ومئة وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين، روى له الجماعة (المصدر السابق 2/207) . 5 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 6 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 7 خرص النخلة والكرمة يخرصها خرصاً: إذا حزر ما عليها من الرطب تمراً أو العنب زبيباً فهو من الخرص: الظن؛ لأن الحزر إنما هو تقدير بظن. والاسم الخِرص بالكسر يقال: كم خرص أرضك؟ وفاعل ذلك الخارص. (النهاية في غريب الحديث والأثير 2/22-23) . 8 كرومهم: -بضمتين- جمع الكرم وهو شجر العنب. قال ابن حجر: ولا ينافي في تسمية العنب كرماً خبر الشيخين: "لا تسمو العنب كرماً فإن الكرم هو المسلم"، وفي رواية: "فإنما الكرم قلب المؤمن"؛ لأنه نهى تنزيه على أن تلك التسمية من لفظ الراوي، فلعله لم يبلغه النهي أو خاطب من لا يعرفه إلا به" ا?. انظر: تحفة الأحوذي 3/306. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 وبهذا الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: -في زكاة الكرم-: "أنها تخرص كما يخرص النخل، ثم تؤدى زكاته زبيباً، كما تؤدى زكاة النخل تمراً". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث، حسن غريب، وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب، عن عروة عن عائشة. وسألت محمداً عن هذا؟ فقال: حديث ابن جريج غير محفوظ، وحديث سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أصح. تخريج الحديث روى هذا الحديث غير الترمذي: أبو داود في "سننه"1 بمعنى اللفظين. ابن ماجه في "سننه"2 بلفظ الترمذي الأول.   1 2/147. 2 1/582 رقم الحديث (1819) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 الشافعي في "الأم"1 باللفظين. الدارقطني في "سننه"2 باللفظين. الطحاوي في "شرح معاني الآثار"3 من طريق الزهري عن عيد ابن المسيّب، عن عتاب بن أسيّد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرص العنب زبيباً، كما يخرص الرطب. البغوي في "شرح السنة"4 بإسناده إلى الشافعي، وبإسناده إلى الترمذي باللفظين. ابن حبّان في "صحيحه"5 باللفظين. الحاكم في "المستدرك"6 بلفظ الترمذي الثاني، وقد سكت عنه هو والذهبي. البيهقي في "السنن الكبرى"7 بلفظ الترمذي الأول، وبمعنى اللفظ الثاني.   1 2/31 وانظر: "مسند الشافعي" مع الأم 8/369 و"مختصر المزني" مع الأم 8/47. 2 2/132. 3 1/266. 4 6/37. 5 انظر: موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان/205. 6 3/595. 7 4/121. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 هذا وقد وهم ابن حجر في "بلوغ المرام"1 في عزوه هذا الحديث إلى أحمد؛ فإنه لم يخرجه، بل لم يورد عتاباً في مسنده، عرفت هذا بواسطة الدليل والكشاف الذي وضعه الألباني في أول السند، والذي فهرس فيه أسماء الصحابة الذين أخرجت مسانيدهم. والساعاتي في شرحه لمسند أحمد المسمى: "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني"2 جعل هذا الحديث في زوائد الباب، وهو عنوان يذكر فيه الأحاديث التي لم يخرجها أحمد وهي مما في الباب. حكم هذا الحديث لما كان مدار هذا الحديث على سعيد بن المسيّب عن عتاب فإن الحكم عليه يتوقف على صحة سماع سعيد من عتاب أو عدمه، والحال أن في سماعه منه كلاماً، فالغالبية من العلماء على أن سعيداً لم يسمع من عتاب، ولم يدركه. قال أبو حاتم3: "لم يسمع منه" ا?. وقال أبو داود4: "سعيد لم يسمع من عتاب شيئاً" ا?.   1 /141. 2 9/14. 3 انظر: "الإصابة" 1/444 وقد بحثت عنه في المراسيل والجرح والتعديل فلم أجده فلعله في علل الحديث. 4 سنن أبي داود 2/147. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب"1 في ختام ترجمة عتاب: "وحدّث عنه سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح، ولم يسمعا منه". وقال ابن النافع2: "لم يدركه" ا?. وقال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات"3 وقد تترجم لعتاب بن أسيد: "روى عنه ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح، وروايتهما عنه مرسلة، لم يدركاه بلا شك" ا?. وقال ابن الأثير في "أسد الغابة"4 في ترجمة عتاب: "روى عنه عطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، ولم يدركاه" ا?. وإذا كان من هؤلاء من أطلق القول بنفي السماع أو الإدراك من غير أن يذكر دليلا عليه، فإن البعض ذكر دليل ذلك، وهو أن عتاباً توفي قبل مولد سعيد بسنتين، وقيل بأكثر. قال ابن عبد البر في ترجمة عتاب من "الاستيعاب"5: "وكانت وفاته –فيما ذكر الواقدي- يوم مات أبو بكر الصديق "رضي الله عنه" قال: "ماتا في يوم واحد".   1 3/153. 2 التلخيص الحبير 2/171. 3 الجزء الأول من القسم الأول/319. 4 3/359. 5 3/153. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 وكذلك يقول ولد عتاب، وقال محمد بن سلام وغيره: "جاء نعي أبي بكر "رضي الله عنه" إلى مكة يوم دفن عتاب بن أسيد بها، وكان رجلا صالحاً خيراً فاضلاً". قال النووي1: "قال الواقدي، وآخرون منهم أولاد عتاب: أنه توفي في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر الصديق "رضي الله عنه" ا?. وقال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة"2: "عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة، وأمه زينب بنت عمر بن أميّة، أسلم يوم الفتح، وحسن إسلامه، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة، وتوفي مع أبي بكر في يوم" ا?. "وكانت وفاة الصديق "رضي الله عنه" لثمان من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فعلى هذا تكون وفاة عتاب في هذا الشهر، ويحتمل أن تكون في رجب من هذه السنة على القول بأنه توفي يوم جاء نعي الصديق؛ لجواز أن يكون نعيه أتى بعد انسلاخ جمادى الآخرة3") . وذكر الحاكم في "المستدرك"4 بإسناده إلى مصعب بن عبد الله الزبيري قال: "توفي عتاب بن أسيد بمكة في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة" ا?.   1 تهذيب الأسماء واللغات الجزء الأول من القسم الأول/319. 2 1/398. 3 العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين 6/703. 4 3/595. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 وممن أرّخ وفاته في هذه السنة الذهبي في "العبر في خبر من غبر"1، وابن العماد في "شذرات الذهب"2، وقال: "ومات يوم وفاة أبي بكر أميره على مكة عتاب بن أسيد الأموي"، وابن كثير في البداية3. هذا عن وفاة عتاب. وأما عن مولد سعيد فقد قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ"4: "أنه ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر" ا?. قال ابن أبي حاتم5: "حدثنا علي بن الحسن، نا أحمد بن حنبل، نا سفيان عن يحيى6 –إن شاء الله- قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "ولدت لسنتين مضتا من خلافة عمر "رضي الله عنه" ا?. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"7: " (قلت) على تقدير ما   1 1/16. 2 1/26. 3 7/31. 4 1/54. 5 المراسيل/73 وانظر: تهذيب التهذيب 4/86. 6 يحيى بن سعيد بن فروخ -بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وسكون الواو ثم معجمة-، التميمي، أبو سعيد القطان البصري، ثقة- متقن- حافظ، إمام قدوة من كبار التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين أي ومئة، وله ثمان وسبعون، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب) 2/348 وقد مضت ترجمته. 7 4/86. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 ذكروا عنه أن مولده لسنتين من خلافة عمر، والإسناد إليه صحيح، يكون مبلغ عمره ثمانين سنة إلا سنة لا كما يقول الواقدي1") ا?. وقال في تقريب التهذيب2: سعيد بن المسيب بن حزن3 بن أبي وهب بن عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات، الفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصحّ المراسيل، وقال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه، مات بعد التسعين، وقد ناهز الثمانين، روى له الجماعة. فبناء على ما تقدم يكون الحديث منقطعاً، ومحل الانقطاع بين سعيد وعتاب. فإنه بالنظر إلى وفاة عتاب وولادة سعيد نجد أن سعيداً ولد بعد موت عتاب بسنتين، ولا شك أن هذا الانقطاع موجب لضعف الحديث. قال ابن حجر في "بلوغ المرام"4 بعد أن أورد هذا الحديث: "فيه انقطاع" ا?.   1 قال الواقدي: "مات سنة أربع وتسعين في خلافة الوليد وهو ابن خمس وسبعين سنة" ا?. وقد أيد الحافظ رأيه بما ذكره ابن أبي شيبة عنه أنه قال: "بلغت ثمانين سنة وإن أخوف ما أخاف علي النساء" ا?. تهذيب التهذيب 4/86. 2 1/305. 3 حزن: بوزن: سهل وبضد معناه. 4 /141. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وقال في ختام ترجمة ابن المسيب من "تهذيب التهذيب"1: "وأما حديثه عن بلال2، وعتاب بن أسيد، فظاهر الانقطاع بالنسبة إلى وفاتيهما ومولده والله أعلم" ا?. وقال المنذري –وقد نقل في "مختصر سنن أبي داود3") كلام الترمذي، والبخاري على الحديث-: "وذكر غيره (يعني غير البخاري) أن هذا الحديث منقطع، وما ذكره ظاهر جداً؛ فإن عتاب بن أسيد توفي في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر الصديق، ومولد سعيد بن المسيب في خلافة عمر سنة خمس عشرة على المشهور، وقيل: كان مولده بعد ذلك والله عزّ وجلّ أعلم" ا?. هذا ولما كان الانقطاع يسمى عند بعض المحدثين إرسالا4، وكان المرسل سعيد بن المسيب لزم التوقف هنيهة، حيث أن مرسلات سعيد مما جرى فيها كلام، ودار حولها نقاش بين العلماء، مما يدل على اعتنائهم بها، وإعطائهم مزيد اهتمام لها من بين باقي المرسلات، حتى قال بعضهم: إنها فتشت فوجدت كلها مسندة من وجوه آخر.   1 4/88. 2 بلال بن رباح المؤذن، وهو ابن حمامة، وهي: أمه، أبو عبد الله مولى أبي بكر، من السابقين الأولين، شهد بدراً والمشاهد، مات بالشام سنة سبع عشرة، أو ثمان عشرة، وقيل: سنة عشرين، وله بضع وستون سنة./ روى له الجماعة. (تقريب التهذيب) 1/110 وانظر: "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 1/165. 3 2/210 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 4 انظر: مقدمة تحفة الأحوذي/399. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 وقال بعضهم: أنه يحتج بها مطلقاً، وقال بعضهم: بالتفصيل بها. قال النووي في "المجموع شرح المهذب"1 عن حديث عتاب هذا: "وهو مرسل؛ لأن عتاباً توفي سنة ثلاث عشرة، وسعيد بن المسيب ولد بعد ذلك بسنتين، وقيل بأربع سنين، وقد سبق من الفصول السابقة في مقدمة هذا الشرح أن من أصحابنا من قال: "يحتج بمراسيل ابن المسيب مطلقاً. والأصحّ: أنه إنما يحتج به إذا اعتضد بأحد أربعة أمور:- 1- أن يسند. 2- أو يرسل من جهة أخرى. 3- أو يقول به بعض الصحابة. 4- أو أكثر العلماء. وقد وجد ذلك هنا فقد أجمع العلماء من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم على وجوب الزكاة في التمر، والزبيب2" ا?.   1 5/432. 2 نازع ابن حزم في المحلى 5/22 في إيجاب الزكاة في الزبيب فقال: "وادعى من ذهب إلى هذا أن إيجاب الزكاة في الزبيب إجماع وذكر آثاراً ليس منها شيء يصحّ: أحدها ... وآخر ... وآخر من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، وعبد الله بن نافع وكلاهما في غاية الضعف، ومن طريق عبد الملك بن حبيب الأندلسي، عن أسد بن موسى وهو منكر الحديث، عن نصر بن طريف وهو أبو جزء، وهو ساقط البتة، كلهم يذكر عن سعيد بن المسيب، عن عتاب بن أسيد أنه أمر بخرص العنب، وسعيد لم يولد إلا بعد موت عتاب بسنتين، وعتاب لم يوله النبي صلى الله عليه وسلم إلا مكة، ولا زرع بها ولا عنب ... الخ" قلت: ورد في بعض ألفاظ عتاب كما هو عند الدارقطني في "سننه" 2/132: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرص أعناب ثقيف ... " الحديث، وثقيف في الطائف بها عنب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 فكأن إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم على وجوب الزكاة في التمر والزبيب إجماع على الخرص فيهما، مما يؤيد هذا الحديث، مع أنه قد ورد بخصوص خرص التمر بعض الأحاديث الصحيحة1.   1 كحديث أبي حميد الساعدي الذي أخرجه البخاري في صحيحه 3/343 مع فتح الباري، وبوّب عليه بقوله: "باب خرص التمر" ونصه بعد سوق سنده: حدثنا سهل بن بكار، حدثنا وهيب عن عمرو بن يحيى عن عباس الساعدي، عن أبي حميد الساعدي قال: "غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أخرصوا"،وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق فقال لها: "أحصي ما يخرج منها. فلما" أتينا تبوك قال: "أما أنها ستهب الليلة ريح شديدة فلا يقومن أحد، ومن كان معه بعير فليعقله"، فعقلناها، وهبت ريح شديدة، فقام رجل فألقته بجبل طيء، وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء، وكساه برداً، وكتب له ببحرهم، فلما أتى وادي القرى قال للمرأة: كم جاء حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " الحديث. فهذا الحديث يدل على مشروعية الخرص، وبه يرد على من أنكر مشروعيته. انظر: فتح الباري 3/344 ومعالم السنن 2/212 مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود. وإعلام الموقعين 2/390. ويفهم من كلام ابن رشد في بداية المجتهد 1/274 أنه يعلق القول بمشروعية الخرص على صحة حديث عتاب، فقال: "لو صحّ حديث عتاب لكان جواز الخرص بيناً". فيقال له: إن مشروعية الخرص ثابتة بغير حديث عتاب من الأحاديث الأخرى، كهذا الحديث، وكحديث سهل بن أبي خثمة مرفوعاً الذي رواه أهل السنن، وابن حبان في صحيحه، وهو "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 هذا وقد صحح ابن حجر سماع سعيد بن من عتاب فاستظهر –في ترجمته عتاب في "الإصابة"1، و"تهذيب التهذيب"2- من حديث رواه أبو داود الطيالسي، والبخاري في تاريخه، أنَّ عتاباً عاش بعد أبي بكر الصديق "رضي الله عنه"، وأُيِّد ذلك بأن الطبري ذكره في عمال عمر إلى سنة اثنين وعشرين من الهجرة. قال: روى الطيالسي3، والبخاري في "تاريخه"4 من طريق أيوب ابن عبد الله بن يسار، عن عمرو بن أبي عقرب سمعت عتاب بن أسيد وهو مسند ظهره إلى بيت الله يقول: "والله ما أصبت في عملي هذا الذي ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثوبين معقدين5، كسوتهما مولاي كيسان".   1 2/444. 2 7/89. 3 مسند أبي داود الطيالسي/193. 4 3/2/356 ونظر الجرح والتعديل 3/1/252 والمراسيل لابن أبي حاتم/142. 5 الثوب المعقد: نوع من البرود الهجرية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 وإسناده حسن. ومقتضاه: "أن عتاب تأخرت وفاته عما قال الواقدي؛ لأن أيوب1 ثقة، وعمرو بن أبي عقرب ذكره البخاري2 في التابعين، وقال: سمع عتاباً. والله أعلم". قال: ويؤيد ذلك أن الطبري ذكره في عمال عمر في سني خلافته كلها إلى سنة اثنتين وعشرين3، ثم ذكر أن عامل عمر على مكة سنة ثلاث وعشرين كان نافع بن عبد الحارث4. قال ابن حجر: "قال أبو جعفر الطبري في "تاريخه"، وقد ذكر عتاباً فيمن لا يعرف تاريخ وفاته: "أنه كان والي مكة لعمر سنة عشرين" قال: "وذكره قبل ذلك في سني عمر، ثم ذكره في سنة (21) ثم في سنة (22) ، ثم قال في مقتل عمر سنة (23) : "قتل وعامله على مكة نافع بن عبد الحارث"، فهذا يشعر بأن موت عتاب كان في أواخر سنة (22) أو أوائل سنة (23) ، فعلى هذا فيصحّ سماع سعيد بن المسيب منه. والله أعلم" ا?.   1 انظر ترجمته في التاريخ الكبير 1/1/419 والجرح والتعديل 1/1/251. 2 التاريخ الكبير 3/2/356. 3 انظر تاريخ ابن جرير الطبري 3/479، 597، 623، 4/39، 94، 101، 103، 113، 145، 173. 4 نافع بن عبد الحارث بن خالد الخزاعي، صحابي فتحي، وأمّره عمر على مكة فأقام بها إلى أن مات، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة (تقريب التهذيب 2/295) وانظر "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 3/545. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 هذا ما كان من ابن حجر من اجتهاده هنا إلى الوصول إلى هذه النتيجة، وهي لا شك تغاير ما ختم به ترجمة سعيد بن المسيب في "تهذيب التهذيب"، حين قال –كما تقدم-: "أما حديثه عن بلال، وعتاب بن أسيد فظاهر الانقطاع بالنسبة إلى وفاتيهما ومولده. والله أعلم" ا?. مما يدل على أنه قال هذا قبل أن يصل إلى تلك النتيجة، وعلى هذا مشى في "بلوغ المرام"1، وفي "التلخيص الحبير"2؛ فإنه لما ذكر هذا الحديث قال: "وفيه انقطاع". واكتفى في "تقريب التهذيب"3 بأن أشار إلى أن الطبري ذكر أنه كان عاملا على مكة لعمر، فقال: "عتاب بن أسيد: -بفتح أوله- ابن أبي العيص، -بكسر المهملة- ابن أميّة الأموي، أبو عبد الرحمن، أو أبو محمد المكي، له صحبة، وكان أمير مكة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في يوم مات أبو بكر الصديق فيما ذكر الواقدي، لكن ذكر الطبري4 أنه كان عاملا على مكة لعمر، سنة إحدى وعشرين، روى له أهل السنن الأربعة". وزاد الخزرجي في "الخلاصة"5 بأن قال: إن هناك حديثاً يدل على   1 /141. 2 2/171. 3 2/3. 4 في الأصل "الطبراني" وهو خطأ صوابه "الطبري" كما أثبت. 5 /217. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 ذلك فقال: في ترجمة عتاب: "وعنه ابن المسيب وعطاء مرسل؛ لأنه مات يوم مات الصديق، وذكر الطبري1 أنه عمل لعمر، وفي صحيح مسلم حديث يدل على ذلك إلى سنة إحدى وعشرين" ا?. قال الزركلي في "الأعلام"2: "عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن والأموي قرشي، مكي من الصحابة، كان شجاعاً عاقلا من أشراف العرب في صدر الإسلام، أسلم يوم فتح مكة، واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم عليها عند مخرجه إلى حنين سنة 8?، وكان عمره (21) سنة، وأقره أبو بكر فاستمر فيها إلى أن مات يوم مات أبو بكر، وفي المؤرخين من يذكر أنه عاش والياً على مكة إلى أواخر أيام عمر، فتكون وفاته في أوائل سنة 23?" ا?. قال صاحب العقد الثمين في "تاريخ البلد الأمين3") : "وفي تاريخ ابن جرير، وابن الأثير4 ما يقتضي أنه ولي مكة لعمر رضي الله عنه، وهذا يدل على أنه لم يمت في هذا التاريخ (يشير إلى سنة ثلاث عشرة التي ذكر أنه توفي فيها) والله تعالى أعلم" ا?. ولا يفهم ممن حسّن الحديث حسناً لذاته كالترمذي إلا أنه يصحح   1 في الأصل "الطبراني" وهو خطأ صوابه "الطبري" كما أثبت. 2 4/358. 3 6/703. 4 الكامل في التاريخ 2/309، 340، 354، 367، 388، 394، 398، 3/19. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 سماع سعيد بن المسيب من عتاب؛ لأن الاتصال شرط من شروط الحديث الحسن لذاته. فالترمذي في حكمه على هذا الحديث بقوله: "هذا حديث حسن غريب"، يريد أنه حديث حسن لذاته. قال البقاعي1: "استعمل الترمذي الحسن لذاته في المواضع التي يقول فيها "حسن غريب" ونحو ذلك" ا?. قال نور الدين عتر2: "إذا أطلق الترمذي كلمة "حسن" من غير صفة أو قرينة أخرى، فمراده الحسن لغيره، وإذا أراد الحسن لذاته أشعر في حكمه بتفرد هذا السند في الحكم بالحسن" ا?. هل روي الحديث من وجه آخر قال ابن السكن3: "لم يرو عن رسول صلى الله عليه وسلم من وجه غير هذا" ا?. قال ابن حجر4: "وقد رواه الدارقطني بسند فيه الواقدي، فقال: عن سعيد بن المسيب عن المسور بن مخرمة عن عتاب بن أسيد" ا?.   1 انظر: جامع الإمام الترمذي، والموازنة بينه وبين الصحيحين/186 رسالة دكتوراه مطبوعة مقدمة لجامعة الأزهر بمصر. 2 جامع الإمام الترمذي والموازنة بينه وبين الصحيحين/170. 3 التلخيص الحبير 2/171. 4 المصدر السابق الجزء والصفحة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 قال الدارقطني في "سننه"1: "حدثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا عبد الله بن شبيب حدثني إسحاق بن محمد، حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز الأيامي، ثنا ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عتاب بن أسيد قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرص أعناب ثقيف خرص النخل، ثم تؤدّى زكاته زبيباً، كما تؤدّى زكاة النخل تمراً". قال الدارقطني: "خالفه الواقدي، رواه عن عبد الرحمن بن عبد العزيز فزاد في الإسناد المسور بن مخرمة" ثم قال: حدثنا محمد بن عمرو بن البختري، ثنا أحمد بن الخليل، ثنا الواقدي، ثنا محمد بن عبد الله بن مسلم، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد قال الواقدي: وحدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن المسور بن مخرمة، عن عتاب بن أسيد قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرص أعناب ثقيف2 كخرص النخل، ثم تؤدى زبيباً، كما تؤدى زكاة النخل تمراً". والمسور بن مخرمة هو ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة الزهري أبو عبد الرحمن، له ولأبيه صحبة، مات سنة أربع وستين، روى له الجماعة3.   1 2/132. 2 قبيلة بالطائف. 3 تقريب التهذيب 2/249. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 أما الواقدي فهو محمد بن واقد الأسلمي المدني القاضي نزيل بغداد قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"1: "متروك مع سعة علمه، من التاسعة مات سنة سبع ومائتين وله ثمان وستون، روى له ابن ماجة". وقال الذهبي في "المغني في الضعفاء2": "مجمع على تركه"، ونقل عن ابن عدي3 أنه قال: "يروي أحاديث غير محفوظة والبلاء منه" ا?. وقال في "ميزان الاعتدال"4: "استقر الإجماع على وهن الواقدي" ا?. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"5 بعد أن نقل كلام الذهبي هذا: "وتعقبه بعض مشائخنا بما لا يلاقي كلامه"، وقال: "قال النووي في "شرح المهذب" في كتاب "الغسل منه": الواقدي ضعيف باتفاقهم" ا?. فهذه الزيادة مردودة لا تقبل؛ لانفراد الواقدي بها، ولمخالفته لكل من رواه من الثقات على وجه خال من هذه الزيادة في الإسناد.   1 2/194. 2 2/619. 3 الكامل الجزء الرابع صفحة 174 وتكملة كلام ابن عدي فيه: "ومتون أخبار الواقدي غير محفوظة وهو بين الضعف". 4 2/662. 5 9/363. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 قال أبو حاتم1: الصحيح عندي والله أعلم عن الزهري، عن سعيد ابن المسيب "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عتاب بن أسيد" مرسل. وقال أبو زرعة2: "الصحيح عندي عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عتاب بن أسيد. مرسل". فهذا يستفاد منه أن الحديث من وجه آخر، وسبق أن أشار الترمذي إلى أن هذا الحديث قد رواه ابن جريج، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة. غير أن البخاري ذكر فيما نقله الترمذي عنه هنا أن حديث ابن جريج هذا غير محفوظ، وقال فيما نقله عنه في "العلل الكبير"3: "غلط". قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"4: حديث عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة خارصاً أول ما تطيب الثمرة" أبو داود5 من حديث حجاج عن ابن جريج قال: أخبرت عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت، وهي تذكر شأن خيبر: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه ". وهذا فيه جهالة الواسطة.   1 علل الحديث لابن أبي حاتم 1/213. 2 المصدر السابق الجزء والصفحة. 3 ورقة 21. 4 2/172-173 . 5 سنن أبي داود 2/148. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 وقد رواه عبد الرزاق1، والدارقطني2 من طريقه (يعني من طريق عبد الرزاق) ، عن ابن جريج، عن الزهري ولم يذكر واسطة3، وهو مدلس4. وذكر الدارقطني الاختلاف فيه ... " ا?. قال الدارقطني في "سننه"5: "حدثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا محمد بن يحيى ح وحدثنا ابن صاعد، ثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه، ثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت وهي تذكر شأن خيبر: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بابن رواحة إلى اليهود فيخرص النخل حين تطيب أول الثمرة قبل أن يؤكل منها، ثم يخير يهود يأخذونها بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص وإنما كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخرص؛ لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق".   1 مصنف عبد الرزاق 4/129. 2 سنن الدارقطني 2/134. 3 وكذا رواه الترمذي في "العلل الكبير" ورقة 21. 4 ذكره ابن حجر في "طبقات المدلسين" في الطبقة الثالثة منها وهي: من لم يقبل حديثهم ما لم يصرحوا بالسماع فقال: "عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، فقيه الحجاز، مشهور بالعلم والثبت، كثير الحديث، وصفه النسائي، وغيره بالتدليس. قال الداقطني: "شر التدليس تدليس ابن جريج؛ فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح" ا?. 5 2/134. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة وأرسله مالك، ومعمر، وعقيل، عن الزهري، عن سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً" ا?. رأي البخاري في حديث سعيد عن عتاب لما بين البخاري حديث ابن جريج -كما سبق- رجح عليه حديث سعيد عن عتاب فقال: "وحديث سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد أصح". أي أرجح. قال نور الدين عتر1: "يوجد في "جامع الترمذي" كثيراً، وفي "تاريخ البخاري"، وغيرهما قولهم "أصحّ شيء في الباب كذا، أو أحسن شيء كذا، وحديث فلان أصحّ من حديث فلان أو أحسن". فهل هذا حكم للأحاديث بالصحة أو الحسن؟ ربما يتوهم من لا إحاطة عنده أن ذلك هو المراد، وليس الحال كذلك بل المراد المفاضلة، وبيان رجحان بعضها على بعض، بقطع النظر عن ثبوت الصحة أو الحسن. قال النووي في "الأذكار"2:   1 جامع الإمام الترمذي والموازنة بينه وبين الصحيحين/175. 2 /158 باب أذكار صلاة التسبيح قال السيوطي في "تدريب الراوي"/39: "ذكر ذلك النووي عقب قول الدارقطني: "أصح شيء فضائل السور فضل "قل هو الله أحد"، وأصح شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح" ا?. وانظر: "قواعد التحديث"/59 و"مقدمة تحفة الأحوذي"/401. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 "لا يلزم من هذه العبارة صحة الحديث؛ فإنهم يقولون هذا أصحّ ما جاء في الباب، وإن كان ضعيفاً، ومرادهم أرجحه، أو أقله ضعفاً" ا?. فعلى القول بأنه مرسل من مرسلات سعيد بن المسيب فقد مضى ما قاله النووي فيه، وقد أخرجه هكذا النسائي في "سننه"1 عن عمرو بن علي قال: حدثنا بشر بن المفضل، ويزيد بن زريع قالا: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أمر عتاب ابن أسيد أن يخرص العنب فتؤدى زكاته زبيباً، كما تؤدى زكاة النخل تمراً". وأخرجه كذلك البيهقي2 ولكن من طريق يزيد بن زريع فقط، وفي آخره زيادة هي: "قال فتلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في "النخل والعنب". وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة في "مصنفه"3. وعلى القول بأنه مرسل من مرسلات الزهري، فإن العلماء   1 5/109 باب شراء الصدقة من كتاب الزكاة. 2 السنن الكبرى 4/121. 3 4/49. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 تكلموا في مرسلات الزهري. قال أحمد بن سنان الواسطي1: "كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئاً، ويقول: "هو بمنزلة الريح"، ويقول: "هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه". وروى البيهقي2 عن يحيى بن سعيد قال: "مرسل الزهري شر من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يستحب أن يسميه" ا?. هذا ولا يبعد أن يرجع مرسل الزهري إلى مرسل سعيد بن المسيب، بل مرسل سعيد ما روى إلا من طريقه فمن المرجح أنه أخذه، وأرسله عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومرسل الزهري هذا أخرجه عبد الرزاق3، عن ابن جريج، عن ابن شهاب أنه قال أمر النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد حين استعمله على مكة، فقال: "أخرص العنب، كما تخرص النخل، ثم خذ زكاته من الزبيب، كما تأخذ زكاة النخل من التمر". وفيه ابن جريج يروي بالعنعنة، وهو مدلس كما سبق.   1 تقدمة الجرح والتعديل/246 وتهذيب التهذيب 9/451. 2 انظر: "تدريب الراوي"/125، "تذكرة الحفاظ" 1/111. 3 مصنف عبد الرزاق 4/127. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 وأخرجه أبو عبيد1 بنحوه فقال: "حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب، قال: "مضت السنة في زكاة الكرم أن يخرص، كما يخرص النخل، ثم تؤدى زكاته زبيباً، كما تؤدى زكاة النخل تمراً. قال: فتلك السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في النخل والكرم" ا?.   1 الأموال/494. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 المجلد الثاني الحديث الثالث عشر: باب ما جاء في فضل شهر رمضان من أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث الثّالث عشر: باب ما جاء في فضل شهر رمضان من أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدّثنا أبو كريب محمد بن العلاء بن كريب1، أخبرنا أبو بكر بن عياش2، عن الأعمش3، عن أبي صالح4، عن أبي هريرة5 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت6   1 محمد بن العلاء بن كريب الهمداني، أبو كريب الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة، حافظ، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين أي ومئتين، وهو ابن سبع وثمانين سنة، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/197. 2 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 3 سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، أبو محمد الكوفي الأعمش، ثقة، حافظ، عارف بالقراءة، ورع، لكنه يدلس، من الخامسة، مات سنة سبع وأربعين، أي ومئة أو ثمان، وكان مولده أول إحدى وستين، روى له الجماعة "المصدر السابق" 1/331. 4 ذكوان، أبو صالح، السمان الزيات، المدني، ثقة ثبت، وكان يجلب الزيت إلى الكوفة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومائة، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/238. 5 أبو هريرة الدوسي الصحابي، الجليل، حافظ الصحابة، اختلف في اسمه واسم أبيه، قيل عبد الرحمن بن صخر، وقيل ابن غنم، وقيل عبد الله بن عائذ، وقيل: إلى باقي الأقوال التي ساقها ابن حجر، ثم قال: هذا الذي وقفنا عليه من الاختلاف في ذلك، ويقطع بأن عبد شمس وعبد نهم، غير بعد أن أسلم، واختلف في أيها أرجح، فذهب الأكثرون إلى الأول، وذهب جمع من النسابين إلى عمرو بن عامر، مات سنة سبع، وقيل سنة ثمان، وقيل تسع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، روى له الجماعة "المصدر السابق" 2/484 وانظر: "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 4/202. 6 "صفدت" قال ابن حجر في "فتح الباري" 4/114: "بالمهملة المضمومة بعدها فاء ثقيلة مكسورة أي شدت بالأصفاد وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت" ا?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 551 الشياطين، ومردة الجن1، وغلقت أبواب النيران، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي2 الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر3، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة". وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وسليمان. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: وحديث أبي هريرة الذي رواه أبو بكر بن عياش حديث غريب، لا نعرفه من رواية أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة إلا من حديث أبي بكر. وسألت محمد بن إسماعيل، عن هذا الحديث؟ فقال: أخبرنا الحسن ابن الربيع4، أخبرنا أبو الأحوص5، عن الأعمش، عن مجاهد6 قوله   1 المراد بالمردة: العتاة الكثيرو الشر. 2 يا باغي: يا طالب. 3 بفتح الهمزة وكسر الصاد أي: أمسك وكف وامتنع. 4 الحسن بن الربيع البجلي، أبو علي الكوفي، البوراني: بضم الموحدة ثقة، من العاشرة، مات سنة عشرين، أي ومئتين أو إحدى وعشرين، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/166. 5 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 6 مجاهد بن جبر -بفتح الجيم وسكون الموحدة- أبو الحجاج المخزومي مولاهم، المكي، ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، من الثالثة، مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة، وله ثلاث وثمانون، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 2/229. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 552 قال: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان". فذكر الحديث. قال محمد: وهذا أصحّ "عندي" من حديث أبي بكر بن عياش. تخريج الحديث أخرج الحديث غير الترمذي: النسائي1. ابن ماجة في "سننه"2. ابن خزيمة في "صحيحه"3 ولكن فيه "الشياطين مردة الجن" بغير عطف. ابن حبّان في "صحيحه"4. الحاكم في "المستدرك"5. وقال: هذا حديث صحيح على شرط   1 قاله المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/147 وابن حجر في "فتح الباري" 4/114 ولعله في السنن الكبرى؛ لأنني لم أعثر عليه في "المجتبى" الذي هو "السنن الصغرى". 2 1/526 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم1642) . 3 3/187. 4 عزاه إليه العيني في عمدة القارئ 5/178 والعجلوني في كشف الخفاء 1/92. 5 1/421. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 553 الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة، وأقره الذهبي. البيهقي في "السنن الكبرى"1، و"شعب الإيمان"2. أبو نعيم في "حلية الأولياء"3 وقال: غريب من حديث الأعمش لم يروه عنه إلا قطبة بن عبد العزيز، وأبو بكر. البغوي في "شرح السنة"4 بإسناده إلى الترمذي. حكم هذا الحديث ضعّف الترمذي هذا الحديث بهذا الإسناد؛ لأن أبا بكر الذي ذكر أنه تفرد به متكلم فيه من قبل حفظه، فقد قال الذهبي في ترجمته من "ميزان الاعتدال"5: "أحد الأئمة الأعلام، صدوق ثبت في القراءة، لكنه في الحديث يغلط ويهم، وقد أخرج له البخاري، وهو صالح الحديث، لكن ضعّفه محمد بن عبد الله ابن نمير". ونقل عن أبي نعيم قوله: "لم يكن في شيوخنا أكثر غلطاً منه". كما نقل عن أحمد أنه قال: "ثقة ربما غلط"، وأنه قال أيضاً فيما سمعه منه مهنا: "كثير الغلط جداً، وكتبه ليس فيها خطأ".   1 4/303. 2 مصور صلى الله عليه وسلم2) قسم صلى الله عليه وسلم2) لم ترقم صفحاته. 3 8/306. 4 6/216. 5 4/499. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 554 وقال ابن سعد1: "كان ثقة، صدوقاً، عارفاً بالحديث والعلم، إلا أنه كثير الغلط". وقال العجلي2: "كان ثقة، قديما، صاحب سنة وعبادة، وكان يخطئ بعض الخطأ". وقال أبو أحمد الحاكم3: "ليس بالحافظ عندهم". وقال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"4: "وأما أبو بكر بن عياش فهو المقرئ الكوفي، وهو رجل صالح لكنه كثير الوهم، ومع هذا فقد خرّج البخاري حديثه، وأنكر عليه ابن حبان تخريج حديثه، وتركه لحماد بن سلمة". وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"5: "أبو بكر بن عياش: -بتحتانية ومعجمة- ابن سالم الأسدي الكوفي، المقرئ الحناط -بمهملة ونون- مشهور بكنيته، والأصح أنها اسمه، وقيل اسمه محمد، أو حبيب أو ... فذكر في اسمه عشرة أقوال، ثم قال: ثقة عابد، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين أي ومئة،   1 الطبقات الكبرى 6/386. 2 انظر: تهذيب التهذيب 12/36. 3 الأسامي والكنى الجزء الثالث ورقة 27. 4 /126. 5 2/399. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 555 وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين، وقد قارب المئة، وروايته في مقدمة مسلم. روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة" ا?. وقد سقط من نسخة "تقريب التهذيب" المصرية التي بين أيدينا الرمز للبخاري، وهو قد أخرج له أحاديث يسيرة توبع عليها عنده، والرمز للبخاري موجود في ترجمته من "تهذيب التهذيب"1. فأنت ترى أنهم أثنوا على فضله، وعمله، وصدقه، وأمانته، وعبادته وصلاحه، وأن توثيقهم له من هذه الناحية دون حديثه، وحفظه، وضبطه، وإتقانه. وإذا عرف ذلك فإن تفرده لا يقبل؛ لأنه لا يؤمن أن يكون هذا الحديث مما أخطأ ووهم فيه، وهذا الذي يخشى منه، إذا انفرد بشيء قد وقع هنا بمخالفة أبي الأحوص له، فقد سأل الترمذي البخاري عن هذا الحديث فأجابه بأن رواه له بسنده عن أبي الأحوص، عن الأعمش، عن مجاهد وصحح وقفه عليه، فكان هذا أرجح عنده من حديث أبي بكر بن عياش، فأبو الأحوص –واسمه سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة، متقن، كما وصفه ابن حجر في "تقريب التهذيب"2- لما رواه عن   1 12/34 وانظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري/455 فقد أورده ابن حجر فيه حيث كان أحد الرجال الذين انتقد البخاري بروايته له. 2 1/342 وهو من السابعة، مات سنة تسع وسبعين ومئتين، روى له الجماعة وانظر في مصادر ترجمته: "ميزان الاعتدال" 2/176 و"المغني في الضعفاء" 1/271 و"تذكرة الحفاظ" 1/250 و"تهذيب التهذيب" 4/282 و"الخلاصة" للخزرجي/160 و"الجرح والتعديل" 2/1/259 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 556 الأعمش جعله من قول مجاهد، فتبيّن خطأ رواية أبي بكر له، حيث جعله عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً. قال العراقي1: "لم يحكم المصنف على حديث أبي هريرة بصحة ولا حسن، مع كون رجاله رجال الصحيح، وكأن ذلك؛ لتفرد أبي بكر بن عياش به، وإن كان احتج به البخاري، فإنه ربما غلط كما قال أحمد، ولمخالفة أبي الأحوص له في روايته عن الأعمش، فإنه جعله مقطوعاً به من قول مجاهد، كما رواه في آخر الباب، وكذلك أدخله المصنف في كتاب "العلل المفرد"2، وذكر أنه سأل البخاري عنه، وذكر كونه عن مجاهد أصح عنده". ا?. وفي هذا رد لما علقه الأعظمي على الحديث في صحيح ابن خزيمة3، وعزاه للألباني وهو قوله: "إسناده حسن للخلاف في أبي بكر ابن عياش من قبل حفظه" ا?. ولا شك أن الألباني كان مصيباً في تعليقه على "مشكاة المصابيح"4، حين أقر الترمذي في حكمه على الحديث، وذلك أن صاحب "مشكاة   1 شرح سنن الترمذي صلى الله عليه وسلم3) ورقة صلى الله عليه وسلم3) وجه أ. 2 ورقة 21 وقد نقل الترمذي عنه فيه جواباً على سؤاله عن هذا الحديث قوله: "غلط أبو بكر بن عياش في هذا الحديث، ثم ساقه من رواية مجاهد، وقال هذا أصح عندي من حديث أبي بكر". 3 3/187. 4 1/613. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 557 المصابيح" بعد أن أورد الحديث نقل قول الترمذي: "هذا حديث غريب"، فقال الألباني معلقاً عليه: "وهو كما قال" ا?، والألباني ممن يفسر غريب بمعني ضعيف، وما استدرك به من كون الحديث له شاهد في المسند يتقوى به، شيء آخر، بل الحديث أصله في الصحيحين، كما سيأتي. وهذا الشاهد المشار إليه ذكره في "مشكاة المصابيح"1، وعزاه لأحمد2، والنسائي3، وهو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم". وقد أورده المنذري في "الترغيب والترهيب"4، وقال: "رواه النسائي والبيهقي كلاهما عن أبي قلابة5 عن أبي هريرة، ولم يسمع منه فيما أعلم" ا?. قال الألباني: "وهو حديث جيد لشواهده" ا?.   1 1/614. 2 انظر الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني 9/226. 3 سنن النسائي 4/129. 4 2/148. 5 عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر، الجرمي، أبو قلابة البصري، ثقة فاضل، كثير الإرسال، قال العجلي: فيه نصب يسير، من الثالثة، مات بالشام هارباً من القضاء، سنة أربع ومائة، وقيل بعدها، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 1/417، وانظر تهذيب التهذيب صلى الله عليه وسلم5/225) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 558 أعود بعد هذا فأذكِّر بموقف العراقي، فإنه أقر الترمذي في عدم حكمه على الحديث بصحة أو حسن، ولم يعترض عليه، بل اجتهد في إظهار سبب ذلك. وإذا تقرر ضعف الحديث بسند أبي بكر بن عياش، فلا نغتر بتصحيح الحاكم له على شرطهما وبموافقة الذهبي له، كما لا نغتر بإدخال ابن خزيمة وتلميذه ابن حبان له في صحيحهما، وقد مضى أن البخاري رجح وقفه على مجاهد. نعم أصل الحديث في الصحيحين متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه دون قوله: "ونادى مناد يا باغي الخير أقبل ... الخ"، قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين". هذا لفظ البخاري1، ولفظ مسلم2: "فتحت أبواب الرحمة". وفي رواية أخرى لمسلم3: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين".   1 صحيح البخاري مع فتح الباري 4/112 ورواه مالك وأحمد والنسائي. 2 صحيح مسلم بشرح النووي 7/187. 3 صحيح مسلم بشرح النووي 7/187 وأخرجه أيضاً النسائي في سننه 4/127، 128 وابن خزيمة في "صحيحه" 3/187 وقد رواه البخاري في صحيحه 4/112 مع فتح الباري مختصراً: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 559 وأما الزيادة على هذا وهي قوله: "ونادى مناد ... "، فقد جاءت في حديث الرجل الذي لم يسم من الصحابة الذي أخرجه مالك، وأحمد1، والنسائي2، وهو: والسياق لأحمد: عن عرفجة3 قال: "كنت عند عتبة ابن فرقد4، وهو يحدث عن رمضان، قال فدخل علينا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلما رآه عتبة هابه فسكت، قال: "فحدث عن رمضان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في رمضان تغلق أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنة، وتصفد فيه الشياطين، قال: وينادي فيه ملك يا باغي الخير أبشر، ويا باغي الشر أقصر حتى ينقضي رمضان". وهذا يصلح أن يكون شاهداً للحديث الذي معنا ككل، أما الشاهد الذي أشار إليه الألباني فيما سبق فهو شاهد له على أوله فقط.   1 مسند الإمام أحمد بن حنبل 4/311-312 و5/411 وانظر: الفتح الرباني 9/228. 2 سنن النسائي 4/129-130. 3 عرفجة: بفتح فسكون ففتح هو كما في "تقريب التهذيب" 2/18 عرفجة بن عبد الله الثقفي أو السلمي، مقبول، من الثالثة، روى له النسائي. 4 عتبة بن فرقد بن يربوع السلمي أبو عبد الله صحابي، نزل الكوفة، وهو الذي فتح الموصل في زمن عمر، روى له النسائي. "المصدر السابق" 2/5. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 560 تخريج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله وفي الباب حديث عبد الرحمن بن عوف: أخرجه النسائي1 من رواية النضر ابن شيبان2. قال: قلت لأبي سلمة بن عبد الرحمن3: حدثني بشيء سمعته من أبيك، سمعه أبوك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أبيك أحد، قال: نعم حدثني أبي4 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى فرض صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وأقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". قلت (القائل ابن حجر) : فإذا كان أخطأ في حديثه وليس له غيره فلا معنى لذكره في "الثقات"، إلا أن يقال: "هو في نفسه صادق، وإنما غلط في اسم الصحابي فيتجه، لكن يرد على هذا أن في   1 سنن النسائي 4/158. 2 النضر بن شيبان الحداني بضم المهملة وتشديد الدال لين الحديث من السادسة/ روى له النسائي وابن ماجة. "تقريب التهذيب" 1/301. 3 أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، قيل اسمه عبد الله، وقيل إسماعيل، ثقة مكثر، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين، وكان مولده سنة بضع وعشرين، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 2/430. 4 هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري، أحد العشرة، أسلم قديماً، ومناقبه شهيرة، ومات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل غير ذلك، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/494 وانظر الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 2/416. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 561 بعض طرقه عنه: لقيت أبا سلمة فقلت له: حدثني بحديث سمعته من أبيك، وسمعه أبوك من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو سلمة: حدثني أبي فذكر. وقد جزم جماعة من الأئمة بأن أبا سلمة لم يصح سماعه من أبيه، فتضعيف النضر على هذا متعيّن، وقد قال ابن خراش: أنه لا يعرف بغير هذا الحديث، وأعله الدارقطني أيضاً بحديث أبي سلمة عن أبي هريرة " ا?. وحديث ابن مسعود أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"1 من رواية مقاتل بن حيان2، عن ربعي بن حراش3، عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أول ليلة من شهر رمضان فتحت أبواب الجنان فلم يغلق منا باب واحد الشهر كله، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب واحد الشهر كله، وغلت عتاة الجن، ونادى مناد من السماء   1 مصورة 2 القسم الأول لم ترقم صفحاته. 2 مقاتل بن حيان النبطي بفتح النون والموحدة، أبو بسطام البلخي الخزاز بزائين منقوطتين، صدوق فاضل، أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعاً كذّبه، وإنما كذّب بعده، من السادسة، مات قبل الخمسين أي ومئة بأرض الهند، روى له مسلم، وأهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 2/272. 3 ربعي بن حراش بكسر المهملة وآخره معجمة أبو مريم العبسي الكوفي، ثقة، عابد، مخضرم من الثانية، مات سنة مئة وقيل غير ذلك، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/243. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 562 كل ليلة إلى انفجار الصبح: يا باغي الخير تمم وأبشر، ويا باغي الشر أقصر وأبصر، هل من مستغفر يغفر له؟ وهل من تائب يتوب عليه؟ هل من داع يستجيب له؟ هل من سائل يعطى سؤله؟ ولله عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون ألفاً، فإذا كان يوم الفطر أعتق مثل ما أعتق من جميع الشهر كله، ثلاثين مرة ستين ألفاً ستين ألفاً". قال العراقي1: "والراوي عن مقاتل، ناشب بن عمرو الشيباني2 وإن قال: فيه الراوي عنه وهو أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي3، كان ثقة صائماً قائماً، فقد قال فيه البخاري: إنه منكر الحديث وقال الدارقطني: ضعيف" ا?. قال ابن حجر في "فتح الباري"4: "رواه البيهقي وهو حديث حسن لا بأس به في المتابعات، وفي إسناده ناشب بن عمر الشيباني وثق، وتكلم فيه الدارقطني" ا?.   1 شرح سنن الترمذي 3 ورقة 2 وجه أ. 2 انظر ترجمته في "ميزان الاعتدال" 4/239. 3 سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى التميمي الدمشقي، ابن بنت شرحبيل، أبو أيوب، صدوق، يخطئ، من العاشرة مات سنة ثلاث وثلاثين أي ومئتين، روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 1/327. 4 9/235. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 563 وحديث سليمان الفارسي رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده"1 قال: ثنا عبد الله بن بكير، قال حدثني بعض أصحابنا رجل يقال له إياس رفع الحديث إلى سعيد بن المسيب، عن سليمان الفارسي قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان، فقال: "يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر، فرض الله صيامه، وجعل قيام ليله تطوّعاً، فمن تطوّع فيه بخصلة من الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فريضة كان كمن أدّى سبعين فريضة، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وهو شهر المواساة وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، مَن فطر صائما كان له عتق رقبة، ومغفرة لذنوبه. قيل يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم قال: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على جرعة لبن، أو تمرة، أو شربة ماء، ومن أشبع صائماً كان له مغفرة لذنوبه، وسقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، ومن خفف عن مملوكه فيه اعتقه الله من النار".   1 عزاه إليه العراقي في "شرح سنن الترمذي" 3 ورقة 2 وجه/ أ، وانظر "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية" 1/271-272. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 564 قال العراقي1: "ولا يصح إسناده، وإياس المذكور الظاهر أنه ابن أبي إياس2 عن سعيد بن المسيب لا يعرف، والخبر منكر3، ورويناه في "شعب الإيمان" للبيهقي من رواية علي بن زيد بن جدعان4، عن سعيد بن المسيب، عن سليمان، وذكر نحوه النسائي".ا?. ومن رواية علي بن زيد بن جدعان، رواه ابن خزيمة في "صحيحه"5 وقد ترجم عليه بقوله: باب فضائل شهر رمضان إن صحّ الخبر.   1 شرح سنن الترمذي 3 ورقة 2 وجه/ أ، وانظر: عمدة القارئ 5/178. 2 قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/282: "إياس بن أبي إياس عن سعيد بن المسيب لا يعرف وخبره منكر". 3 قال أبو حاتم –وقد سأله ابنه عن هذا الحديث-: "هذا حديث منكر غلط فيه عبد الله بن بكر إنما هو أبان بن أبي عياش فجعل عبد الله بن بكر: أبان: إياس". علل الحديث 1/249 ومن المستحسن نقل نص السؤال هنا قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث حدثناه الحسن بن عرفة عن عبد الله بن بكر السهمي قال حدثني إياس عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي قال: فذكره". ففي هذا السند الذي يحدث عن إياس عبد الله بن بكر لا بكير، وهو الصواب انظر: تهذيب التهذيب 5/162. 4 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 5 3/191. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 565 قال المنذري في "الترغيب والترهيب"1: "رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، ثم قال: إن صحّ الخبر. ورواه من طريقه البيهقي ورواه أبو الشيخ ابن حبان في "الثواب" باختصار عنهما" ا?. وقال الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة2": "منكر، رواه المحاملي في "الأمالي (ج5 رقم50") ، وابن خزيمة في صحيحه وقال: "إن صحّ" والواحدي في (الوسيط 1/640/1-2) والسياق له عن علي بن زيد ابن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن سلمان الفارسي قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان فقال:" فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل علي بن زيد بن جدعان، فإنه ضعيف كما قال أحمد وغيره، وبيّن السبب الإمام ابن خزيمة فقال: "لا أحتج به لسوء حفظه"؛ ولذلك لما روى هذا الحديث في صحيحه قرنه بقوله: "إن صحّ الخبر"، وأقره المنذري في "الترغيب"، وقال: إن البيهقي رواه من طريقه. قلت وفي إخراج ابن خزيمة لمثل هذا الحديث في صحيحه إشارة قوية إلى أنه قد يورد فيه ما ليس صحيحاً عنده منبهاً عليه ... ، ثم إن الحديث قال ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه: "حديث منكر".   1 2/143. 2 2/263. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 566 الحديث الرابع عشر: باب ما جاء في العمل في أيام العشر من أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 3/122 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 567 حدّثنا أبو بكر بن نافع البصري أخبرنا مسعود بن واصل عن نهاس ابن قهم عن قتادة عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أحبّ إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها صيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث مسعود ابن واصل، عن النهاس، وسألت محمداً عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه من غير هذا الوجه مثل هذا، وقال: قد روى عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل شيء من هذا. تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: ابن ماجه في "سننه"1. البيهقي في "شعب الإيمان"2. ابن أبي الدنيا في "جزء فضل عشر ذي الحجة"3.   1 1/551 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم1728) . 2 مصور صلى الله عليه وسلم2) القسم الأول لم ترقم صفحاته. 3 قاله العراقي في "شرح سنن الترمذي" 3 ورقة 39 وجه/ ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 569 الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"1 في ترجمة عمر بن شبة. ابن الجوزي في "العلل المتناهية"2 بإسناده إلى الترمذي. الذهبي في "ميزان الاعتدال"3 في ترجمة مسعود بن واصل بإسناده إلى عمر بن شبة الذي روى عنه ابن ماجة. المزي في "تهذيب الكمال"4 في ترجمة مسعود بن واصل بإسناده إلى عمر بن شبة الذي روى عنه ابن ماجة. وكلهم من طريق مسعود بن واصل عن نهاس بن قهم. حكم هذا الحديث ضعف الترمذي هذا الحديث5، وقد تفرد به مسعود بن واصل عن النهاس بن قهم، وكلاهما ضعيف كما سيأتي، ولما سأل الترمذي شيخه   1 11/208. 2 مصور 2 ورقة 28. 3 4/100. 4 7 ورقة 661. 5 قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"/492: "ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء أو لا يثبت منها إلا شيء يسير، مع أنه قد روى بها أكثر من ذلك. ثم قال: قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال البرديجي: هذه الأحاديث كلها معلولة، وليس عند شعبة منها شيء، وعند سعيد بن أبي عروبة منها حديث، وعند هشام منها آخر وفيها نظر" ا?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 570 البخاري عن هذا الحديث1 وعن رأيه فيه أجابه بأنه لا يعرفه إلا من هذا الوجه من حديث مسعود بن واصل عن النهاس، ونفى معرفته له من وجه آخر غير هذا الوجه، وذكر للترمذي أن شيئاً من هذا الحديث قد روي عن قتادة عن سعيد بن المسيب مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفيما يلي تعريف بمسعود والنهاس: مسعود بن واصل العقدي البصري الأزرق صاحب السابري. روى عن: النهاس بن قهم وغالب التمار. وروى عنه: بسطام بن الفضل، ومالك بن عبد الواحد، وأبو بكر بن نافع العبدي2. أورده الذهبي في كتابه "المغني في الضعفاء"3، وقال: "ضعّفه أبو داود الطيالسي، وقبله غيره" ا?. كما ذكره في "ميزان الاعتدال"4، فقال: "ضعّفه أبو داود الطيالسي، وقال أبو داود: ليس بذاك ومشاه غيره" ا?. وقد ساق الذهبي هنا حديثه هذا بإسناده إلى عمر بن شبة الذي   1 شيخ الترمذي في هذا الحديث أبو بكر بن نافع البصري هو: محمد بن أحمد بن نافع العبدي أبو بكر البصري، مشهور بكنيته، صدوق، من صغار العاشرة مات بعد الأربعين أي ومئتين، روى له مسلم والترمذي والنسائي. "تقريب التهذيب" 2/143. 2 تهذيب التهذيب 10/120. 3 2/654. 4 4/100. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 571 روى عنه ابن ماجة الحديث، ثم قال: "النهاس فيه ضعف أيضاً"، وقد ألمح إلى أن الترمذي روى لمسعود هذا عن أبي بكر بن نافع عنه، ونقل حكم الترمذي على الحديث، وسؤاله وجواب شيخه عليه. وقال ابن حجر1: "ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يكنى أبا مسلم ربما أغرب، وقال ابن حجر أيضاً: "وقرأت بخط الذهبي ضعّفه أبو داود الطيالسي، ثم وجدت ذلك في "الضعفاء"2 لابن الجوزي" ا?. هذا وقد أشار ابن حجر إلى حديث مسعود بن واصل هذا الذي معنا، وذلك في ترجمته من "تهذيب التهذيب"3، فقال: "واستغرب الترمذي حديثه عن النهاس عن قتادة عن سعيد عن أبي هريرة في صوم أيام العشر" ا?. كما أفادنا أنه ليس في السنن غيره، وقد سبقه إلى هذا شيخه العراقي في شرحه لسنن الترمذي4 عند هذا الحديث، حيث ذكر أنه ليس لمسعود بن واصل عند الترمذي، وابن ماجة إلا هذا الحديث الواحد.   1 تهذيب التهذيب 10/120. 2 مصور ورقة صلى الله عليه وسلم167) وذلك موجود أيضاً في "العلل المتناهية" له صلى الله عليه وسلم2) ورقة صلى الله عليه وسلم28) . 3 10/120. 4 3 ورقة 39 وجه/ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 572 وابن حجر في حكمه على هذا الراوي في "تقريب التهذيب" بقوله: "ليّن الحديث" رجح قول من ضعّفه، ولم يلتفت إلى توثيق ابن حبان له؛ لأنه معروف بتساهله في التعديل. قال ابن حجر1: مسعود بن واصل الأزرق البصري صاحب السابري ليّن الحديث من التاسعة، روى له الترمذي وابن ماجة. أما ابن أبي حاتم فإنه أورده في كتابه "الجرح والتعديل"2، وسكت عنه فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلا، ومثل هذا كما مضى يورده ابن أبي حاتم رجاء أن يجد فيه جرحاً أو تعديلا، فيضيفه إليه كما بيّن ذلك في آخر مقدمة كتابه المذكور3. النهاس بن قهم القيسي، أبو الخطاب، البصري. روى عن: أنس بن مالك، وقتادة، وعطاء بن أبي رباح. وروى عنه: إبراهيم بن أدهم، ويزيد بن زريع، ومسعود بن واصل4. القول الفصل والمجمل في هذا الراوي أنه "ضعيف" فإنني لم أر أحداً وثقه، فقد ضعّفه ابن معين5،   1 تقريب التهذيب 2/244. 2 4/1/284. 3 1/1/38. 4 تهذيب التهذيب 10/478. 5 انظر ميزان الاعتدال 4/274 والمصدر السابق الجزء والصفحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 573 والنسائي1، وليّنه أبو أحمد الحاكم2، وتركه يحيى بن سعيد القطان3، وقال أبو داود4: "ليس بالقوي تكلم فيه ابن أبي عدي"، وقال الدوري عن ابن معين5: "كان ابن أبي عدي يقول: "لا يساوي شيئاً". قال ابن معين: "وليس هو بشيء"، وكذا قال أبو حاتم. وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد6: "كتبت عنه، وكان يروي عن عطاء عن ابن عباس أشياء منكرة". وقال أحمد7: "النهاس قاص، وكان يحيى يضعّف حديثه". وقال الدارقطني8: "مضطرب الحديث تركه يحي القطان". وقال ابن عدي9: "وأحاديثه مما ينفرد به عن الثقات لا يتابع عليه".   1 الضعفاء والمتروكين للنسائي/103 وانظر تهذيب التهذيب 10/478. 2 انظر المغني في الضعفاء 2/701 وميزان الاعتدال 4/274 وتهذيب التهذيب 10/478. 3 المغني في الضعفاء 2/701 وميزان الاعتدال 4/274 وتهذيب التهذيب 10/478. 4 انظر تهذيب التهذيب 10/478. 5 التاريخ 2/506 وانظر الجرح والتعديل 4/1/511 وتهذيب التهذيب 10/478. 6 الجرح والتعديل 4/1/511 وتهذيب التهذيب 10/478. 7 انظر الجرح والتعديل 4/1/511. 8 انظر تهذيب التهذيب 10/478. 9 الكامل الجزء الرابع صفحة 370. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 574 وقال ابن حبان1: "كان يروي المناكير عن المشاهير، ويخالف الثقات لا يجوز الاحتجاج به". وقد عبر عن ذلك كله الذهبي في "الكاشف"2 حين قال: "ضعّفوه" هكذا بصيغة الجمع، ولم يستثن أحداً، وذكره في "المغني في الضعفاء"3، و"ميزان الاعتدال"4، ونقل بعض ما قيل فيه. أما ابن حجر فإنه لم يخرج عن هذا الإجماع على تضعيفه، فقد وصفه في "تقريب التهذيب" بأنه ضعيف، ومعنى هذا أنه لا يحتج به إذا انفرد، وأنه صالح للاعتبار. قال ابن حجر5: "النهّاس -بتشديد الهاء ثم مهملة- ابن قهم -بفتح القاف وسكون الهاء- القيسي، ابن الخطاب البصري، ضعيف من السادسة، روى له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة".   1 المجروحين 3/56. 2 3/210. 3 2/701. 44/274. 5 تقريب التهذيب 2/307 وانظر في مصادر ترجمته: التاريخ الكبير 4/2/137، تهذيب الكمال 8 ورقة 712، تبصر المنتبه 3/1086، تاج العروس 4/265-266، 9/38. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 575 أقوال أهل العلم في هذا الحديث أورد السيوطي الحديث في "الجامع الصغير"1، ورمز لضعفه، وأقره المناوي. وقال ابن الجوزي: في "العلل المتناهية"2: "حديث لا يصحّ تفرد به مسعود بن واصل عن النهاس" ا?. وتبعه على ذلك الذهبي في "مختصر العلل"3. وقال المناوي في "فيض القدير"4: "وأورده الذهبي في "الميزان" من مناكير مسعود عن النهاس" ا?. وأورده المنذري في "الترغيب"5، واكتفى بنقل كلام الترمذي عليه. وقال محمد خليل الهراس في تعليقه على "الترغيب والترهيب"6: "وهنا يظهر ضعف الحديث؛ لمخالفته لصريح القرآن فقد ذكر القرآن أن ليلة القدر خير -لمن قامها- من ألف شهر ليس   1 5/474 مع فيض القدير. 2 2 ورقة 28. 3 مصورة ورقة 44. 4 5/474. 5 2/322. 6 2/322. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 576 فيها ليلة القدر، فكيف يكون قيام كل ليلة من العشر مساوياً ليلة القدر؟ " ا?. قال ابن رجب: "ولو صحّ حديث أبي هريرة المروي في الترمذي "قيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر"؛ لكان صريحاً في تفضيل لياليه على ليالي عشر رمضان؛ فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة، وهذا جميع لياليه متساوية، والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء أن مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيره"1 ا?. نقل ذلك القسطلاني في "إرشاد الساري"2 في معرض المفاضلة بين عشر ذي الحجة وعشر رمضان الأخير، فأتى بكلام ابن رجب هذا جواباً على من زعم أن ليالي عشر رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة؛ لاشتمال عشر رمضان على ليلة القدر، فقال: قال ابن رجب: "وهذا بعيد جداً، ولو صحّ حديث أبي هريرة ... " الخ. والشاهد في قوله "ولو صحّ حديث أبي هريرة"، فإنه لم يصح كما عرفت للعلتين اللتين فيه، وهما: ضعف مسعود بن واصل، ونهاس بن قهم،   1 انظر في المفاضلة بين العشر الثلاثة عشر ذي الحجة وعشر رمضان وعشر محرم تفسير ابن كثير 3/228 وشرح سنن الترمذي للعراقي 3 ورقة 40 وجه/أ. 2 2/207. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 577 وفيه علة ثالثة، وهي: تدليس قتادة؛ فإن قتادة من المشهورين بالتدليس كما مضى، وقد رواه بالعنعنة هنا فلا تقبل ما لم يصرّح بالتحديث كما هو معروف، وهذه العلة الثالثة في الحديث لم أر من نبه عليها، ومن تعرّض لبيان علل هذا الحديث كالذهبي، والمناوي، فإنه اقتصر على العلتين الأوليين. هذا ولجملة الصيام في الحديث شاهد من حديث ابن عباس الذي رواه البيهقي في "شعب الإيمان" 1 من طريق عدي بن ثابت. وقد قال ابن حجر عن حديث أبي هريرة الذي معنا، وحديث ابن عباس المشار إليه، وقد أوردهما في شرحه "فتح الباري"2: "لكن إسناده –يعني حديث أبي هريرة- ضعيف، وكذا الإسناد إلى عدي بن ثابت والله أعلم" ا?. ونص حديث ابن عباس كما في "الترغيب والترهيب"3 للمنذري: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أفضل عند الله ولا العمل فيهن أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من هذه الأيام؛ يعني من العشر، فأكثروا فيهن التهليل، والتكبير، وذكر الله، وإن صيام يوم منها   1 انظر الترغيب والترهيب للمنذري 2/323 والدر المنثور في التفسير بالمأثور 6/346. 2 2/461. 3 2/323. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 578 يعدل بصيام سنة، والعمل فيهن يضاعف بسبعمائة ضعف"1. وقد قال المنذري قبل سوقه حديث أبي هريرة: "روى البيهقي وغيره، عن يحيى بن عيسى الرملي2". حدثنا يحيى بن أيوب البجلي3، عن عدي بن ثابت4، وهؤلاء الثلاثة ثقات مشهورون   1 وأخرجه البيهقي من حديث ابن عمر ولكن بدون الزيادة قال السيوطي في "الدر المنثور" 6/345: "واخرج البيهقي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أفضل عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل، والكبير، والتحميد" وعزاه ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود" 3/320 وابن كثير في تفسيره 3/228 لأحمد في مسنده وعزاه العراقي في "شرح سنن الترمذي" 3 ورقة 29 وجه/ب بالإضافة إلى البيهقي في "شعب الإيمان" إلى أبي بكر بن أبي الدنيا في جزء فضائل عشر ذي الحجة. 2 يحيى بن عيسى التميمي، النهشلي، الفاخوري، بالفاء والخاء المعجمة الجرار، الجيم ورائين، الكوفي، نزيل الرملة، صدوق، ورمي بالتشيع من التاسعة، مات سنة إحدى ومئتين، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة. تقريب التهذيب 2/355. 3 يحيى بن أيوب، بن أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي لا بأس به، من السابعة، روى له البخاري تعليقاً، وأبو داود، والترمذي. "المصدر السابق" 2/343. 4 تقدمت ترجمته في الحديث الرابع وقد قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب 2/16: ثقة، رمي بالتشيع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 579 تكلم فيهم عن سعيد بن جبير1، عن ابن عبّاس. قال العراقي في شرحه لسنن الترمذي2: "وقوله في حديث أبي هريرة: "يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة" هو لا شك محمول على ما عدا يوم النحر، ويوم عرفة، وأما يوم النحر فلتعذر الصيام فيه، وأما يوم عرفة: فلكونه سنتين كما في حديث أبي قتادة في صحيح مسلم"3. ولسنا بحاجة إلى هذا الحمل مع ضعف الحديث فالأولى أطراحه؛ فإنه لا تقوم به حجة وقد عارضه حديث آخر ضعيف، فأقل ما يقال والحالة هذه حديثان ضعيفان تعارضا فتساقطا، وهذا الحديث المعرض له هو حديث ابن عباس الذي رواه أبو الشيخ ابن حيان4 فقال: ثنا عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي، ثنا أبو بلال الأشعري، ثنا علي بن علي الحميري، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام العشر من ذي الحجة فله بكل يوم صوم شهر، وله بصوم يوم التروية سنة، وله بصوم عرفة سنتان".   1 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. 2 3 ورقة 40 وجه/ب. 3 8/49-50 ، 51 بشرح النووي ونصه: "صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" فالحديث في التكفير وليس في عدل الصيام، كما يفهم من كلام العراقي. 4 انظر شرح سنن الترمذي للعراقي 3 ورقة 39 وجه/ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 580 ولقد أحسن العراقي حين قال عقب كلامه السابق معقباً على حيث أبي هريرة: "وهذا الحديث يعارضه حديث ابن عباس الذي رواه أبو الشيخ ابن حيان، فإن فيه أن صوم كل يوم بشهر إلا يوم التروية بسنة، ويوم عرفة بسنتين" وكلا الحديثين ضعيف والله أعلم" ا?. قلت يكفي في حديث ابن عباس أنه جاء من طريق الكلبي، وهو محمد بن السائب بن بشر الكلبي، أبو النضر الكوفي، النسابة المفسر، قال فيه ابن حجر في "تقرب التهذيب"1: "متهم بالكذب ورمي بالرفض، من السادسة، مات سنة ست وأربعين أي ومئة، روى له الترمذي، وابن ماجة في التفسير". هذا وقد ورد في فصل العمل الصالح مطلقاً في العشر من ذي الحجة أحاديث صحاح. منها الحديث الذي صدّر به الترمذي الباب عن ابن عباس والذي رواه البخاري2 وغيرها. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحبّ إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا   1 2/163 وأبو صالح المذكور في سند حديث ابن عباس هو ذكوان السمان الزيات تقدمت ترجمته في الحدي السابق. 2 صحيح البخاري مع فتح الباري 2/457. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 581 رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، فقال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 582 الحديث الخامس عشر: باب ما جاء في الفطر والأضحى حتى يكون من كتاب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 3/156 سنن الترمذي بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 583 حدّثنا يحيى بن موسى حدثنا يحيى بن اليمان، عن معمر، عن محمد ابن المنكدر، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: سألت محمداً قلت له: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ قال: نعم، يقول في حديثه "سمعت عائشة". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه. تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: الدارقطني في "سننه"1. البغوي في "شرح السنة"2 بإسناده إلى الترمذي. وفي هذا ردّ على العراقي، حيث قال في "شرح سنن الترمذي"3: "حديث عائشة هذا انفرد بإخراجه الترمذي" ا?. اللهم إلا أن يريد أنه انفرد به عن باقي الستة فنعم.   1 2/225. 2 6/247. 3 3 ورقة 13 وجه/أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 585 حكم هذا الحديث هذا الحديث اختلف في إسناده على معمر1: فرواه عنه يحيى بن اليمان، عن محمد بن المنكدر، عن عائشة (فجعله من مسند عائشة) . وخالفه يزيد بن زريع فرواه عنه عن محمد بن المنكدر، عن أبي هريرة (فجعله من مسند أبي هريرة) . ولا شك بأرجحية يزيد بن زريع، وتقديمه على يحيى بن اليمان، فإن يزيد أوثق، وأحفظ، وأتقن من يحيى، يدرك الفرق بينهما من وقف على ترجمتيهما في كتب الرجال. فكون الحديث من "مسند أبي هريرة" هو الأقرب إلى الصحة والصواب إن شاء الله تعالى. قال في "تهذيب التهذيب"2: يزيد بن زريع3 العيشي4، ويقال   1 معمر بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة، ثبت، فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئاً، وكذا فيما حدّث به بالبصرة، من كبار السابعة، مات سنة أربع وخمسين أي ومئة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 2/266 وقد تقدمت ترجمته في الحديث الأول. 2 11/325-326 . 3 بتقديم الزاي مصغراً "تقريب التهذيب" 2/364. 4 بتحتانية كما في "الخلاصة" للخزرجي/431. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 586 التميمي، أبو معاوية البصري الحافظ. روى عن: سعيد بن أبي عروبة، وشعبة، والثوري، وغيرهم. وروى عنه: ابن المبارك، وابن مهدي، وابن المدني، وآخرون. وقد لحقه ثناء عظيم من ذلك ما قاله أبو بكر الأسدي، عن أحمد: "إليه المنتهى في التثبت بالبصرة". وقال عبد الله بن أحمد، عن أبيه: "كان ريحانة البصرة". وقال أبو طالب عن أحمد: "ما أتقنه! وما أحفظه! يا لك من صحة حديث صدوق متقن! ". وقال عبد الخالق بن منصور عن ابن معين: "يزيد بن زريع الصدوق الثقة المأمون". وقال إبراهيم بن محمد بن عرعرة: "لم يكن أحد أثبت من يزيد بن زريع"1. وقال أبو حاتم2: "إمام ثقة". وقال ابن سعد3: "كان ثقة حجة، كثير الحديث". قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"4: "ثقة، ثبت، من الثامنة،   1 تهذيب التهذيب 11/326. 2 الجرح والتعديل 4/2/265. 3 الطبقات الكبرى 7/289. 4 2/364. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 587 مات سنة اثنتين وثمانين أي ومئة، روى له الجماعة". وقال الخزرجي في "الخلاصة"1: "الحافظ أحد الأعلام". وقد ترجمه الذهبي في "تذكرة الحفاظ"2 في الطبقة السادسة، فقال عنه: "يزيد بن زريع الحافظ الحجة محدّث البصرة". فهذه النصوص ونحوها ناطقة بما كان يتمتع به يزيد من ثقة وإمامة وحفظ، وإتقان، مما يثبت أرجحيته، وذلك بالنظر إلى ترجمة يحيى بن اليمان التي جاء فيها كما في "تهذيب التهذيب"3، و"ميزان الاعتدال"4، و"المغني في الضعفاء"5، و"تاريخ بغداد"6، وغير ذلك. يحيى بن يمان العجلي أبو زكرياء الكوفي. روى عن: أبيه، وهشام ابن عروة، والأعمش، وآخرين. وروى عنه: ابنه داود، وأبو بكر، وعثمان ابنا أبي شيبة، وابن معين وغيرهم. قال حنبل بن إسحاق عن أحمد: "ليس بحجة".   1 /431. 2 1/256 وانظر في مصادر ترجمته أيضاً: "التاريخ الكبير" 4/2/335 و"التاريخ الصغير" 2/228، 230 و"تاريخ خليفة بن خياط"/456 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/224 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/151، 369. 3 11/306-307 . 4 4/416. 5 2/746. 6 14/120-124 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 588 وعن ابن معين ثلاث روايات: الأولى: قال إبراهيم بن الجنيد، عن ابن معين: "ليس يثبت لم يكن يبالي أي شيء حدّث، كان يتوهّم الحديث". والثانية: قال عثمان الدارمي عنه: "أرجو أن يكون صدوقاً"1. والثالثة: قال عبد الخالق بن منصور عنه: "ليس به بأس". وقال يعقوب بن شيبة: "كان صدوقاً كثير الحديث، وإنما أنكر عليه أصحابنا كثرة الغلط، وليس بحجة إذا خولف" وقال أيضاً: "يحيى بن يمان ثقة أحد أصحاب سفيان، وهو يخطئ كثيراً في حديثه". وقال الآجرّي عن أبي داود: "يخطئ في الأحاديث ويقلبها". وقال أبو بكر بن عياش: "ذاك راهب" يعني لعبادته. وقال أبو بكر بن عفان الصوفي، عن وكيع: "ما كان أحد من أصحابنا أحفظ منه، ثم نسي فلا أعلم بالكوفة أحفظ من داود ابنه". وقال ابن أبي شيبة: "كان سريع الحفظ سريع النسيان". وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه: "صدوق، فُلِج، فتغير حفظه".   1 تتمة هذا في "تاريخ بغداد" 14/123 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/385 قلت: فكيف حديثه؟ قال: "ليس بالقوي". وذكر الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 14/122 بسنده إلى ابن الغلابي، قال: قال أبو زكريا يحيى بن معين: "ربما عارضت أحاديث يحيى بن يمان بأحاديث الناس فما خالف ضربت عليه ... " ا?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 589 وقال ابن عدي1: "عامة ما يرويه غير محفوظ، وهو في نفسه لا يتعمد الكذب إلا أنه يخطئ، ويشبه عليه". وقال ابن سعد2: "كان كثير الحديث كثير الغلط لا يحتج به إذا خولف". وقال أبو حاتم3: "مضطرب الحديث في حديثه بعض الصنعة، ومحله الصدق". وقال النسائي4: "ليس بالقوي". وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"5: "صدوق، عابد، يخطئ كثيراً، وقد تغير، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وثمانين أي ومئة، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة". فأنت ترى أن الرجل ضعيف من قبل حفظه، فلا غرو إذا قدم عليه يزيد بن زريع، وهو ثقة ثبت. وأعتقد أنه لا يعوزك الاستدلال على خطئه وغلطه في الأحاديث، وذلك من خلال النظر في ترجمته، وقد قال ابن عدي   1 الجزء الرابع صفحة 479. 2 الطبقات الكبرى 6/391. 3 الجرح والتعديل 4/2/199. 4 الضعفاء والمتروكين للنسائي/109. 5 2/361 وانظر في مصادر ترجمته أيضاً: "التاريخ الكبير" 4/2/313 و"تاريخ خليفة بن خياط"/458 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/172 و"المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان 1/721-722 و"الخلاصة" للخزرجي/429. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 590 –كما مرّ-: عامة ما يرويه غير محفوظ. وهذا ويؤيد كون هذا الحديث مما أخطأ فيه يحيى فقلبه على معمر، أن أيوب1 السختياني، وروح بن القاسم2 وعبد الوارث3، رووه4 فتابعوا فيه معمراً، عن ابن المنكدر، عن أبي هريرة. ولا يخفى أن رواية هؤلاء الثقات الأثبات تعتبر متابعات قاصرة لرواية يزيد.   1 أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني -بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون- أبو بكر البصري، ثقة، ثبت حجة، من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة، وله خمس وستون، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/89. 2 روح بن القاسم التميمي العنبري أبو غياث: صلى الله عليه وسلمبالمعجمة والمثلثة) البصري، ثقة، حافظ، من السادسة، مات سنة إحدى وأربعين أي ومئة، أرّخه ابن حبان، روى له الجماعة إلا الترمذي. "المصدر السابق" 1/254. 3 عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم، أبو عبيدة التنوري: -بفتح المثناة وتشديد النون- البصري، ثقة، ثبت، رمي بالقدر، ولم يثبت عنه، من الثامنة، مات سنة ثمانين ومئة، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/527 وتصحيح الوفاة من تهذيب التهذيب 6/443. 4 أخرج حديث أيوب أبو داود في "سننه" 6/441 مع عون المعبود، وسكت عنه هو والمنذري "مختصر سنن أبي داود" 3/213 ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 3/317، وأخرجه أيضاً من غير طريقه في 5/175، وأخرجه الدارقطني في "سننه" 2/224 وأخرج حديث روح بن القاسم الدارقطني في "سننه" 2/225، وأخرج حديث عبد الوارث البيهقي في "السنن الكبرى" 4/251 مقروناً به روح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 591 والواقع أنه لا يمكن أن يقف أمام تلك الروايات ما انفرد به يحيى بمصداق كلام الترمذي، الذي قال فيه عن هذا الحديث: "غريب من هذا الوجه". ولم يكن ذلك وحده عن رواية يحيى، فإنه بالإضافة إلى ما ذكره وقع شك في رفعها، فقد قال أحد الرواة عن يحيى في هذا الحديث، وهو أبو هشام الرفاعي –كما عند الدارقطني1-: "أظنه رفعه" هكذا على الشك فلم يدر أبو هشام هل رفعه يحيى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو وقفه على عائشة رضي الله عنها، وقد صوّب الدارقطني وقفه عليها. قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"2: "صوّب الدارقطني وقفه في العلل". وأبو هشام هذا هو محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي الرفاعي، الكوفي، قاضي المدائن، قال فيه ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "ليس بالقوي، من صغار العاشرة. وذكره ابن عدي في شيوخ البخاري، وجزم الخطيب بأن البخاري روى عنه، لكن قد قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه، مات سنة ثمان وأربعين أي ومئتين، روى له مسلم، وأبو داود، وابن ماجه".   1 سنن الدارقطني 2/225. 2 2/256. 3 2/219. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 592 نعم أخرج الحديث بمعناه، وبزيادة في أوله البيهقي في "السنن الكبرى"1 من حديث سفيان الثوري، عن ابن المنكدر، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرفة يوم يعرف الإمام والأضحى يوم يضحي الإمام، والفطر يوم يفطر الإمام". وهذا الحديث يعتبر متابعة قاصرة لرواية يحيى بن يمان، وهو لا شك يؤثر في كلام الترمذي السابق عن حديث يحيى "غريب من هذا الوجه". ولكن الراوي عن سفيان محمد بن إسماعيل الفارسي يُغرِّب قاله ابن حبان في "الثقات"2. وقد قال البيهقي عقب تخريجه للحديث: "ومحمد هذا يعرف بالفارسي، وهو كوفي قاضي فارس، تفرد به عن سفيان". ونقل ابن حجر3 عن البيهقي أنه قال هنا: وهو ما لم أقف عليه في "السنن الكبرى": "ومحمد ابن المنكدر عن عائشة مرسل". وإذا عاد الحديث إلى حديث أبي هريرة فهو منقطع؛ لأن ابن المنكدر4 لم يسمع من أبي هريرة، حيث كانت وفاة ابن المنكدر سنة   1 5/175. 2 انظر لسان الميزان 5/77. 3 التلخيص الحبير 2/256-257. 4 محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي، المدني، ثقة فاضل، من الثالثة، مات سنة ثلاثين أي ومئة أو بعدها، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 2/210. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 593 ثلاثين ومئة 130?1، وفي رواية أخرى سنة إحدى وثلاثين ومئة 131 ?2، وبلغ ستاً وسبعين سنة 76? فتكون ولادته على هذا سنة أربع وخمسين 54?، أو خمس وخمسين 55?. واختلف في وفاة أبي هريرة من سنة سبع وخمسين إلى سنة تسع وخمسين أي على ثلاثة أقوال: روى ابن عيينة عن هشام بن عروة قال: "مات أبو هريرة وعائشة سنة سبع وخمسين"3، وفيها أرّخه خليفة4 وعمر بن علي، وأبو بكر البزار، وجماعة5. وقال الهيثم بن عدي، وضمرة بن ربيعة، وأبو معشر: مات سنة ثمان وخمسين6. وقال الواقدي، وأبو عبيدة، وغيرهما: مات سنة تسع وخمسين7.   1 انظر: تاريخ خليفة بن خياط/ 395 وتهذيب التهذيب 9/474. 2 انظر: التاريخ الصغير للبخاري 2/32. 3 سير أعلام النبلاء 2/448 وتهذيب التهذيب 12/266. 4 التاريخ/225. 5 تهذيب التهذيب 12/266. 6 الإصابة 4/210. 7 المصدر السابق الجزء والصفحة وتهذيب التهذيب 12/266 والذي فيهما أبو عبيد صوابه أبو عبيدة معمر بن المثنى كما في "سير أعلام النبلاء" 2/135. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 594 قال ابن حجر1: "زاد الواقدي وهو ابن ثمان وسبعين سنة وهو صلى على عائشة في رمضان سنة ثمان وخمسين، وعلى أم سلمة في شوال سنة تسع وخمسين، ثم توفي بعد ذلك فيها". قال الذهبي2: "قلت: الصحيح خلاف هذا". قال ابن حجر3: "قلت: هذا من أغلاط الواقدي الصريحة؛ فإن أم سلمة بقيت إلى سنة إحدى وستين، وثبت في صحيح مسلم ما يدل على ذلك، كما في ترجمتها، والظاهر أن التي صلى عليها ثم مات معها في السنة هي عائشة، كما قال هشام بن عروة: أنها ماتا في سنة واحدة". قال ابن حجر في "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة"4: "والمعتمد في وفاة أبي هريرة قول هشام بن عروة5". وعلى هذا يكون ابن المنكدر أدركه وله من العمر سنتان أو ثلاث، مما لا يمكن معه سماع.   1 تهذيب التهذيب 12/266. 2 سير أعلام النبلاء 2/448. 3 تهذيب التهذيب 12/266. 4 4/210. 5 هكذا رجح ابن حجر هنا أما في "تقريب التهذيب" 2/484 فإنه حكى الأقوال من غير ترجيح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 595 وقد قال ابن معين1 وأبو بكر البزار2:"لم يسمع من أبي هريرة". وقال أبو زرعة3: "لم يلقه". وإذا كان الأمر كذلك فلم يسمع من عائشة أيضاً؛ لأنها ماتت قبل أبي هريرة، وبذلك جزم ابن حجر في ترجمة ابن المنكدر من "تهذيب التهذيب"4، وقد اعتمد ابن حجر في سنة وفاتها، على قول هشام بن عروة فقال في "تقريب التهذيب"5 في ترجمتها: "ماتت سنة سبع وخمسين على الصحيح". ويفهم من كلامه هذا أنه مختلف في سنة وفاتها، وهو كذلك فقد قيل6: أنها توفيت سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان.   1 التاريخ 2/446 وانظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم/189 و"جامع التحصيل في أحكام المراسيل" 2/655 و"تهذيب التهذيب" 9/474. 2 انظر: تهذيب التهذيب 9/474. 3 انظر "المراسيل" لابن أبي حاتم/189 و"جامع التحصيل في أحكام المراسيل" 2/655 و"تهذيب التهذيب" 9/474. 4 9/474. 5 2/606. 6 انظر: "سير أعلام النبلاء" 2/135 و"الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 4/361 و"تهذيب التهذيب" 12/43. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 596 هذا ونقل ابن حجر عن ابن سعد ما يفيد عدم لقيه لعائشة فقال1: وأخرج ابن سعد من طريق أبي معشر قال: دخل المنكدر على عائشة رضي الله عنها فقال: إني قد أصابتني جائحة فأعينيني، فقالت: ما عندي شيء لو كان عندي عشرة آلاف لبعثت بها إليك، فلما خرج من عندها جاءتها عشرة آلاف من خالد بن أسد، فقالت: وما أوشك ما ابتليت، ثم أرسلت في أثره فدفعتها إليه، فدخل السوق فاشترى جارية بألف درهم فولدت له ثلاثة فكانوا عباد أهل المدينة محمد، وأبو بكر، وعمر. قال ابن حجر: "وإذا كان كذلك فلم يلق عائشة؛ لأنها ماتت قبله". وإذا تقرر ذلك فإن مما يدعو للتوقف ما نقله الترمذي هنا عن شيخه البخاري من إثبات سماع ابن المنكدر من عائشة رضي الله عنها، حيث قال الترمذي: سألت محمداً. قلت له: محمد ابن المنكدر سمع من عائشة؟ قال: نعم يقول في حديثه سمعت عائشة. ولا أكتم للقارئ أنني بقيت حائراً أمام هذه المسألة التي أرى أنها من المسائل العويصة؛ نظراً لأن البخاري يثبت فيها أمراً تنفيه سائر المصادر2.   1 تهذيب التهذيب 9/475 وانظر: "الطبقات الكبرى" 5/28 و"سؤالات السلمي" للدارقطني ورقة صلى الله عليه وسلم15) . 2 يلاحظ عدم تعرّض ابن أبي حاتم في كتابه "المراسيل" والعلائي في كتابه "جامع التحصيل" لسماع ابن المنكدر من عائشة رضي الله عنها مع أن كلا منهما أورد ابن المنكدر في كتابه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 597 وإذا كان البخاري واحداً في هذا الأمر، ويجوز عليه الوهم والخطأ، حتى إنه ألف ابن أبي حاتم كتاباً في بيان خطأ البخاري في تاريخه، وكذا ألف الخطيب البغدادي "موضع أوهام الجمع والتفريق"، وهو في بيان أوهام البخاري في تاريخه بالنسبة لهذا النوع، فإن من الصعوبة بمكان توهيم البخاري أو إلصاق الخطأ به قبل التثبت والتأكد، وتجميع الأدلة، فالبخاري ليس رجلا عادياً. ورد عنه أنه قال1: "قَلّ اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة". والواقع أنني قمت أول ما قمت بالتأكد والتثبت من نقل الترمذي عن البخاري، وقد تحققت من صحته فهو موجود في نسخة العراقي مع شرحه2 لسنن الترمذي، وذكره ابن حجر في كتابين من كتبه. أحدهما: "تهذيب التهذيب"3: وفيه أثبت عقب ذكره أن ابن المنكدر لم يلق عائشة رضي الله عنها. الثاني: "التلخيص الحبير"4: وفيه علق إمكان سماع ابن   1 هدي الساري مقدمة فتح الباري. 2 3 ورقة 64 وجه/ب. 3 9/474. 4 2/257 أما في "بلوغ المرام"/112 فأنه اكتفى بإيراد الحديث معزواً للترمذي، وسكت عنه وانظر: سبل السلام 2/63 الجزء: 2 ¦ الصفحة: 598 المنكدر من أبي هريرة على ثبوت سماعه من عائشة؛ لأن أبا هريرة مات بعدها. ثم هذا النقل جاء في كتاب "العلل الكبير"1 للترمذي، فقد أدخل فيه هذا الحديث، ويبدو أنه أدخله فيه من أجل سماع ابن المنكدر من عائشة، وقد جاء كلام البخاري حوله بصورة أكمل وأوضح، مما فتح لنا باباً في الجواب عنه، فقد قال الترمذي الذي أراد أن يتثبت من شيخه في سماع ابن المنكدر من عائشة: سألت محمداً عن هذا الحديث؟ وقلت له: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ فقال: نعم. روى مخرمة بن بكير عن أبيه2، عن محمد المنكدر قال: سمعت عائشة. فالبخاري يبدو هنا واضحاً، حيث يقرن الجواب بدليله، كما هي عادة علمائنا من سلفنا الصالح، فمستنده على إثبات سماع ابن المنكدر من عائشة هذا الإسناد الوحيد الذي ساقه، والذي فيه التصريح بسماع ابن المنكدر من عائشة. وإذا تبيّن ذلك فإنني رجعت إلى مصادر ترجمة ابن بكير فوجدت   1 ورقة 24. 2 بكير بن عبد الله بن الأشج مولى بني مخزوم، أبو عبد الله، أو أبو يوسف، المدني، نزيل مصر، ثقة، من الخامسة مات سنة عشرين أي ومئة وقيل بعدها، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 12/108. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 599 فيها ما يدل على ضعف هذا الإسناد، وعدم الاعتداد به في إثبات سماع ابن المنكدر من عائشة؛ لأن ابن بكير روى عن أبيه وجادة لم يسمع منه، فلم يحتج العلماء بمروياته عنه. قال أبو طالب1: سألت أحمد عن مخرمة؟ فقال ثقة ولم يسمع من أبيه شيئاً، إنما يروي من كتاب أبيه، وقال ابن أبي خيثمة2: قلت لابن معين: مخرمة بن بكير؟ فقال: وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمعه. وقال الدوري عن ابن معين3: مخرمة ضعيف الحديث ليس حديثه بشيء، يقولون: إن حديثه عن أبيه كتاب ولم يسمعه منه. وقال أبو داود4: لم يسمع من أبيه إلا حديثاً واحداً، وهو حديث الوتر. وقال سعيد بن أبي مريم5: سمعت خالي موسى بن سلمة قال: أتيت مخرمة بن بكير فسألته يحدثني عن أبيه قال: ما سمعت من أبي شيئاً إنما هذه كتب وجدناها عندنا عنه، ما أدركت أبي إلا وأنا غلام، وفي لفظ: لم   1 تهذيب التهذيب 10/70 والجرح والتعديل 4/1/363. 2 تهذيب التهذيب 10/70. 3 انظر: ميزان الاعتدال 4/81 وتهذيب التهذيب 10/70 والجرح والتعديل 4/1/364. 4 انظر: تهذيب التهذيب 10/70. 5 ميزان الاعتدال 4/81. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 600 أسمع من أبي وهذه كتبه. وقال ابن حبان1: يحتج بحديثه من غير روايته عن أبيه؛ لأنه لم يسمع من أبيه. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب2: "مخرمة3". بن بكير4 بن عبد الله بن الأشج أبو المسور المدني، صدوق، وروايته عن أبيه وجادة من كتابه. قاله أحمد، وابن معين، وغيرهما. وقال ابن المديني: سمع من أبيه قليلا، من السابعة مات سنة تسع وخمسين أي ومئة، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. فلا شك أن هذه النصوص والنقول عن هؤلاء العلماء الكبار فيما يتعلق بأحاديث ابن مخرمة عن أبيه تضعيف الثقة بالإسناد الذي أتى به البخاري، والذي قصد من ورائه إثبات سماع ابن المنكدر من عائشة، وكما سبق أن الصواب في هذا الحديث أنه من مسند أبي هريرة لا من مسند عائشة، وأن الأدلة على عدم سماع ابن المنكدر من عائشة. أما تحسين الترمذي للحديث من هذا الوجه، أو تصحيحه له كما في بعض النسخ5 فإنه –كما يبدو- إنما هو اعتماد على إجابة البخاري   1 انظر تهذيب التهذيب 10/71. 2 2/234. 3 بفتح فسكون ففتح. 4 بالتصغير. 5 انظر: سبل السلام وسلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ عند الحديث رقم صلى الله عليه وسلم224) وكتاب هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخاصة/30 ووقع عند العراقي من شرحه لسنن الترمذي صلى الله عليه وسلم3) ورقة صلى الله عليه وسلم64) وجه/ب: "هذا حديث غريب من هذا الوجه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 601 له، وقد عرفت ما فيها ولله الحمد. ولا يخفى أن الذهبي ترجم للسيدة عائشة رضي الله عنها في "سير أعلام النبلاء" بترجمة طويلة جداً، وقد سرد فيها الرواة عنها، ومنهم محمد ابن المنكدر، فقال1: "ومحمد بن المنكدر وكأنه مرسل". هذا وقد جاء حديث عائشة رضي الله عنها من غير طريق ابن المنكدر موقوفاً عليها، أخرجه البيهقي في السنن الكبرى2 من طريق أبي حنيفة3، قال: حدثني علي بن الأقمر4 عن مسروق5، قال: "دخلت على عائشة يوم عرفة فقالت: اسقوا مسروقاً سويقاً،   1 2/11. 2 4/252. 3 النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة الإمام يقال أصله من فارس، ويقال مولى بني تميم، فقيه مشهور، من السادسة، مات سنة خمسين ومئة على الصحيح، وله سبعون سنة، روى له الترمذي، والنسائي. "تقريب التهذيب" 2/303. 4 علي بن الأقمر بن عمرو الهمداني -بسكون الميم وبالمهملة- الوادعي -بكسر الدال وبالمهملة- أبو الوازع، كوفي، ثقة، من الرابعة، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/32. 5 مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي، أبو عائشة، الكوفي، ثقة، فقيه عابد مخضرم، من الثانية مات سنة اثنتين، ويقال سنة ثلاث وستين، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 2/242. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 602 وأكثروا حلواه، قال: فقلت: إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر، فقالت عائشة: النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس". قال الألباني1 "قلت: وهذا سند جيد بما قبله2، كما جاء حديث عائشة أيضاً من غير طريق ابن المنكدر مرفوعاً بإسناد تالف". ا?. أخرجه الشافعي في "مسنده"3 عن شيخه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى قال حدثني عبد الله عن عطاء بن إبراهيم مولى صفية بنت عبد المطلب عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، فإبراهيم –كما سبق في الحديث الثالث- رماه الأكثرون بالكذب، وعطاء بن إبراهيم مولى صفية بنت عبد المطلب لم أعرفه، حيث لم أقف له على ترجمة في المصادر التي رجعت إليها، فاتضح من ذلك أن هذا الحديث بهذا الإسناد لا تقوم له قائمة. وإذا كان حديث أبي هريرة رضي الله عنه منقطعاً؛ لأن ابن المنكدر لم يسمع منه كما سلف، وقد قال ابن عيينة4: "ما رأيت أحداً أجدر أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسأل عمن هو من ابن المنكدر" يعني   1 سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/عند الحديث رقم صلى الله عليه وسلم224) . 2 الذي يبدو أن هذا الحديث روي إلى مسروق بأسانيد أخري مع اختلاف يسير في اللفظ. انظر: "مجمع الزوائد" 3/189 و"الترغيب والترهيب" 2/169. 3 8/361 مع الأم. 4 تهذيب التهذيب 9/475 وانظر: التاريخ الكبير 1/1/220. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 603 aqلتحريه، فإنه ورد من وجه آخر بزيادة جملة في أوله، أخرجه الترمذي في موضع آخر1 عن إسحاق بن جعفر بن محمد قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري2، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون". قال الترمذي عقبه: " هذا حديث غريب حسن، وفسّر بعض أهل العلم   1 سنن الترمذي 3/382 مع تحفة الأحوذي، ومن طريقه أخرجه البغوي في "شرح السنة" 6/248، وأخرجه الدارقطني في "سننه" 2/164. أما أبو داود فإنه لم يخرجه في "سننه" من هذا الوجه كما يفهم من كلام المباركفوري في "تحفة الأحوذي" 3/383، وانظر: منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار 3/353. قال العراقي في "شرحه لسنن الترمذي" صلى الله عليه وسلم3) ورقة صلى الله عليه وسلم13) وجه/أ "حديث أبي هريرة انفرد بإخراجه المصنف صلى الله عليه وسلميعني عن باقي الستة) وحكم عليه بالغرابة، والحسن، ولم يرتفع به إلى درجة الصحة، وإن كان رواته ثقات، ولعثمان بن محمد الأخنسي عند المصنف ثلاثة أحاديث صحح منها حديثين وهما: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"، وحديث "إياكم وسوء ذات البين فإنها الحالقة"، واقتصر في حديث الباب على الغرابة والحسن، كما في روايتنا من طريق الكروخي، لكن في رواية ابن المبارك عند الحباب الصيرفي "حسن غريب" وقد وثقه ابن معين، وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال علي بن المديني: روى عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مناكير، والأخنسي -بالخاء المعجمة والنون والسين المهملة- نسبة إلى جد أبيه، فإنه عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس بن شريف الثقفي". 2 سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري أبو سعد المدني ثقة من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين، وروايته عن عائشة، وأم سلمة مرسلة، مات في حدود العشرين أي ومائة، وقيل قبلها، وقيل بعدها، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/297. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 604 هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس". قال الألباني1: قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وفي عثمان ابن محمد، وهو ابن المغيرة بن الأخنس كلام يسير، وقال الحافظ في "التقريب"2: "صدوق له أوهام". وعبد الله بن جعفر هو ابن عبد الرحمن بن المسور المخرمي المدني3، وهو ثقة، روى له مسلم. وإسحاق بن جعفر بن محمد هو الهاشمي الجعفري وهو صدوق، كما في "التقريب"4، وقد تابعه أبو سعيد مولى بني هاشم5 وهو ثقة من رجال البخاري قال: ثنا عبد الله بن جعفر المخرمي به دون الجملة الوسطى "والفطر يوم تفطرون"، أخرجه البيهقي في "سننه"6. قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"7: ولم ينفرد به الأخنسي   1 سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/ عند الحديث رقم صلى الله عليه وسلم224) . 2 2/14. 3 انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" 5/171. 4 1/56. 5 انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" 6/209. 6 4/252. 7 3 ورقة 13 وجه/أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 605 فقد رويناه في "سنن الدراقطني"1 من رواية محمد بن عمر، قال: ثنا داود ابن خالد وثابت بن قيس ومحمد بن مسلم جميعاً، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون". ومحمد بن عمر هو الواقدي. ثم رواه من رواية الواقدي، عن عبد الله بن جعفر الزهري بلفظ ثم قال: الواقدي ضعيف وتعقبه القاضي أبو بكر بن العربي بقوله: "الواقدي ومحمد بن إسحاق إمامان عظيمان تقيان قويان، ومحمد بن إسحاق أكبر من محمد بن عمر فلا وجه لتضعيف القوي ... ". قلت (القائل العراقي) : الواقدي إمام في السير، ضعيف في الحديث، وأنى نقبل توثيق ابن العربي الذي لم يعاصره، ويخبر رواياته، والجمهور لم يقبلوا توثيق من عاصره، فقد وثقه أبو عبيد، ومصعب ابن عبد الله الزهري، ومحمد بن إسحاق الصنعاني؛ وذلك لأن الجرح مقدم إذا فسّر، لاسيما إذا فسّر بالكذب، ووضع الحديث. قال فيه أحمد: هو كذاب يقلب الأخبار، يقلب حديث ابن أخي الزهري على معمر ونحوه. وقال علي بن المديني، وأبو حاتم، الرازي، والنسائي: يضع الحديث. وقال البخاري وأبو حاتم أيضاً: متروك. وقال ابن معين: ليس بثقة.   1 2/164. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 606 وقال علي بن المديني: لا أرضاه في الحديث، ولا في الأنساب، ولا في شيء. وقال صاحب الميزان: استقرّ الإجماع على وهن الواقدي1. ولم يقنع الواقدي بروايته عن أصحاب المقبري حتى ألصقه على مالك بإسناد آخر، فقال أبو أمية الطرسوسي، ثنا الواقدي، قال: ثنا مالك وابن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون". وهذا لا يعرف من حديث مالك أصلا إلا من طريق الواقدي.   1 انظر: دفاع عن الحديث النبوي والسيرة للألباني/21 فقد وجه الأنظار إلى عدم الاغترار بما ذهب إليه ابن سيد الناس في مقدمة كتابه "عيون الأثر" من توثيق الواقدي، قال: "فإنه خلاف ما عليه المحققون من الأئمة قديماً وحديثاً، ولمنافاته علم المصطلح الذي ينص على وجوب تقديم الجرح المفسَّر على التعديل. قال: وأي جرح أقوى من الوضع" ا?. قد تقدمت ترجمة الواقدي في الحديث الثاني عشر وستأتي في الحديث الرابع والعشرون إن شاء الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 607 الحديث السّادس عشر: باب ما جاء: كم حج النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 3/169-170 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 609 حدّثنا عبد الله بن أبي زياد: أخبرنا زيد بن حباب عن سفيان عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجج: حجتين قبل أن يهاجرن، وحجة بعد ما هاجر معها عمرة، فساق ثلاثاً وستين بدنة1، وجاء علي من اليمن ببقيتها فيها جمل لأبي جهل في أنفه برة2 من فضة، فنحرها، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل بدنة ببضعة3 فطبخت فشرب من مرقها". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من حديث سفيان، لا نعرفه إلا من حديث زيد بن حباب، ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن روى هذا الحديث في كتبه، عن عبد الله بن أبي زياد. وسألت محمداً عن هذا؟ فلم يعرفه من حديث الثوري، عن جعفر، عن أبيه، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيته لا يعد هذا الحديث محفوظاً وقال: إنما يروي عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، مرسل.   1 البدنة: صلى الله عليه وسلمبفتحتين) : تقع على الجمل، والناقة، والبقرة وهي بالإبل أشبة. وسميت بدنة؛ لعظمها وسمنها. "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/108. 2 البرة: 0بضم الباء وتخفيف الراء) : حلقة تجعل في لحم الأنف، وربما كانت من شعر. "المصدر السابق" 1/22. 3 البضعة: بالفتح: القطعة من اللحم، وقد تكسر "المصدر السابق" 1/133. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 611 تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: 1- ابن ماجه في "سنن"1 نحوه. 2- الحاكم في "المستدرك"2 مختصراً، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي. 3- البيهقي في "دلائل النبوة"3 بإسناده إلى أبي القاسم الطبراني. 4- الدراقطني في "سننه"4 مختصراً. حكم هذا الحديث ضعّف الترمذي هذا الحديث؛ لتفرد زيد بن الحباب به عن سفيان5، وذكر أنه رأى عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخرجه في "كتبه"6 عن شيخه فيه، كما ذكر أنه سأل البخاري عنه فلم يعرفه من   1 2/1027 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم3076) . 2 1/470. 3 مصور 2 ورقة 104 وجه/ب. 4 2/278. 5 سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه، عابد إمام حجة، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة إحدى وستين أي ومئة، وله أربع وستون، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 1/311. 6 بحثت عنه في "سنن الدارمي" فلم أعثر عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 612 حديث سفيان بهذا الإسناد، وعده خطأ، وقال إنما يروي عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن مجاهد مرسلا. وهذا المرسل الذي أشار إليه البخاري فيما نقله عنه الترمذي أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة"، إلا أن فيه "عن ابن جريج" بدل "عن أبي إسحاق"، وقد نبه البيهقي على ذلك عقب تخريجه، وقال: "هذا هو المحفوظ مرسلا" ا?. وفيما يلي نص ذلك: "قال البيهقي1: أخبرنا أبو الحسين بن بشران، اخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا سعد أن بن نصر، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: "حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجج حجتين: وهو بمكة قبل الهجرة، وحجة الوداع". كذا قال: "عن ابن جريج" هذا هو المحفوظ مرسلا" ا?. وأخرج تلوه حديث زيد بن الحباب، وقال بعد تخريجه: "تفرد به زيد ابن الحباب عن سفيان، وقد بلغني عن محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله- أنه قال: "هذا حديث خطأ، وإنما روى عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. قال البخاري: كان زيد بن الحباب إذا روى حفظاً ربما غلط في الشيء" ا?. وإلصاق الخطأ بزيد كان بالإمكان لو انفرد به، فإنه كما قال   1 دلائل النبوة 2 ورقة 104 وجه/ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 613 أحمد1: "كان يخطئ كثيراً" ا?، ويخطئ في حديث الثوري خاصة كما قال ابن حجر2، حتى إن ابن معين قال3 تلك الجملة، وهي: "أحاديثه عن الثوري مقلوبة" ا?. إلا أنه لم ينفرد، بل تابعه عليه عبد الله بن داود الخريبي، وهو ثقة كما سوف نعرف. قال العراقي4 في كلامه على هذا الحديث: "شيخ الترمذي نسب إلى جده وهو عبد الله بن أبي الحكم بن أبي زياد القطواني الكوفي5، وتابعه عليه أحمد بن يحيى الصوفي6، وكلاهما ثقة، وباقيهم رجال 1 العلل ومعرفة الرجال 1/248 وانظر: شرح سنن الترمذي للعراقي 3/ورقة 75 وجه/أ، وتهذيب التهذيب 3/404. 2 قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" 1/273: "زيد بن الحباب -بضم المهملة وموحدتين- أبو الحسين العكلي -بضم المهملة وسكون الكاف- أصله من خراسان وكان بالكوفة، ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين/ روى له مسلم وأهل السنن الأربعة". وانظر في مصادر ترجمته: "تذكرة الحفاظ" 1/350 و"تاريخ بغداد" 8/442 و"الجرح والتعديل"   1/2/561 و"التاريخ الكبير" 2/1/391 و"التاريخ الصغير" 2/298 و"شرح علل الترمذي"/124 و"الطبقات الكبرى" 6/402. 3 انظر ميزان الاعتدال 2/100. 4 شرح سنن الترمذي 3 ورقة 75 وجه/أ. 5 تقدمت ترجمته في الحديث العاشر. 6 أحمد بن يحيى بن زكريا الأودي أبو جعفر الكوفي، العابد ثقة، من الحادية عشرة مات سنة أربع وستين أي ومئتين، روى له النسائي. تقريب التهذيب 1/28 وفي تهذيب التهذيب 1/89 "وقال البناني: الصوفي". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 614 الصحيح، إلا أن زيد بن حباب قال فيه ابن معين: "يقلب حديث الثوري، ولم يكن به بأس" وقال أحمد: "كان كثير الخطأ" ووثقه هو وغيره، واحتج به مسلم، ولم ينفرد به زيد بن الحباب كما قال الترمذي، بل تابعه عليه عبد الله بن داود الخريبي رواه ابن ماجه عن القاسم بن محمد بن عباد المهلبي، عن عبد الله بن داود عن سفيان قال: "حجّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حجات حجتين قبل أن يهاجر"، وذكر نحوه وفي آخره قيل له: من ذكره؟ قال: جعفر1 عن أبيه2، عن جابر، وهو إسناد صحيح والقاسم بن محمد وثقه ابن حبان، وعبد الله ابن داود الخريبي ثقة احتج به البخاري" ا?. وقوله: "والقاسم بن محمد وثقه ابن حبان" قلت: وكذا الخطيب3   1 جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو عبد المعروف بالصادق، صدوق فقيه، إمام من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين أي ومئة/ روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة "تقريب التهذيب" 1/132. 2 هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر ثقة، فاضل، من الرابعة مات سنة بضع عشرة أي ومئة/ روى له الجماعة "المصدر السابق" 2/192. 3 تاريخ بغداد 12/431. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 615 قال: "كان ثقة"، وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"1: "وحدّث عنه ابن خزيمة في صحيحه" ا?. وقال في "تقريب التهذيب"2: "القاسم بن محمد بن عباد المهلبي أبو محمد البصري، نزيل بغداد، ثقة، من الحادية عشرة، روى له ابن ماجة.". وأما الخريبي: فهو عبد الله بن داود بن عامر بن الربيع الهمداني، ثم الشعبي أبو عبد الرحمن المعروف بالخريبي 3، كوفي الأصل، سكن الخريبة، وهي محلة بالبصرة، وقيل كان ينزل عبادان. روى عن: الأعمش، والثوري، ومسعر، وجماعة. وروى عنه: الحسن بن صالح بن يحيى، وهو من شيوخه، وعارم ومسدد وغيرهم4. قال ابن سعد5: "كان ثقة، عابداً، ناسكاً".   1 8/336. 2 2/120. 3 قال ابن الأثير في "تهذيب الأنساب" 1/437-438: "الخريبي -بضم الخاء وفتح الراء وسكون الياء قبل آخر الحروف وفي آخرها باء موحدة- هذه النسبة إلى الخريبة، وهي محلة بالبصرة، ينسب إليها أبو عبد الرحمن عبد الله بن داود الخريبي الهمداني ... " الخ. 4 الطبقات الكبرى 7/199 دون قوله صلى الله عليه وسلمعابداً) وانظر: تهذيب التهذيب 5/199. 5 انظر تهذيب التهذيب 5/199-200 و"تذكرة الحفاظ" 1/338. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 616 وقال معاوية بن صالح عن ابن معين1: "ثقة، صدوق، مأمون". وقال أبو زرعة2 والنسائي3: ثقة. وقال أبو حاتم4: كان يميل إلى الرأي، وكان صدوقاً. وقال الدراقطني5: "ثقة، زاهد". وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"6: "ثقة، عابد، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة أي ومئتين وله سبع وثمانون سنة، أمسك عن الرواية قبل موته، فلذلك لم يسمع منه البخاري. روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة". فعرفنا بمتابعة عبد الله بن داود أن هذا الحديث مما ضبطه زيد بن الحباب، ولم يغلط فيه. قال ابن عدي في "الكامل"7 معقباً على قول ابن معين السابق: "والذي قاله ابن معين أن أحاديثه عن الثوري مقلوبة، إنما له عن الثوري أحاديث مثبتة، بعض تلك الأحاديث تستغرب بذلك الإسناد،   1 تهذيب التهذيب 5/200. 2 المصدر السابق 5/200 والجرح والتعديل 2/2/47. 3 تهذيب التهذيب 5/200. 4 الجرح والتعديل 2/2/47 وانظر "تهذيب التهذيب" 5/200. 5 انظر تهذيب التهذيب 5/200. 6 1/412-413 . 7 2 القسم الثاني صفحة 138. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 617 وبعضه يرفعه ولا يرفعه غيره، والباقي عن الثوري، وعن غير الثوري مستقيمة كلها" ا?. فليكن هذا الحديث من تلك المستقيمة لما سبق من متابعة عبد الله ابن داود، فإنه من الجائز أن يكون الحديث عند سفيان بهذا الإسناد وبهذا الإسناد فكان يحدث مرة بهذا ومرة بهذا، ولما عرض الترمذي على البخاري حديث سفيان من رواية زيد بن الحباب وهو لا يعرفه إلا بالإسناد الآخر من رواية غير زيد. قال عن حديث زيد أنه غير محفوظ، فإنه قدر أن يكون زيد أخطأ فيه فخالف غيره، واعتقد أن البخاري، وكذا الترمذي، ومن تبعهما لو اطلعوا على متابعة عبد الله بن داود الخريبي والشاهد الآتي لكان موقفهم غير هذا الموقف، والله أعلم. هذا وللحديث شاهد من رواية ابن عباس، رواه ابن ماجة عن القاسم بن محمد بن عباد، عن عبد الله بن داود، عن سفيان فذكر الحديث وفي آخره قيل له من ذكره؟ قال جعفر عن أبيه عن جابر، وابن أبي ليلى عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس1. وقد أورده المزي في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" في مسند ابن عباس، كما أورد حديث جابر في مسنده من الأطراف من رواية زيد والخريبي، وفي هذا الشاهد تأييد لما سبق أن ذكرته من أن الحديث يجوز أن يكون عند سفيان بأكثر من إسناد، فهذا إسناد ثالث غير الإسنادين   1 انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم 1/295. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 618 السابقين، وهذا لا يمنع أن يكون أحد هذه الأسانيد التي روى فيها الحديث أشهر من غيره. وأيضاً أنت تلاحظ أن الحديث عند القاسم، والخريبي عن سفيان بإسنادين: إسناد إلى جابر، وإسناد إلى ابن عباس. هذا وابن ليلى المذكور في هذا الشاهد هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو عبد الرحمن الكوفي، الفقيه، قاضي الكوفة. قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"1: "صدوق، سيء الحفظ جداً، من السابعة، مات سنة ثمان وأربعين أي ومئة، روى له أهل السنن الأربعة". وأما الحكم: فهو الحكم بن عتيبة -بالمثناة ثم الموحدة مصغراً- أبو محمد، ويقال أبو عبد الله، ويقال أبو عمر الكندي مولاهم الكوفي، وليس هو الحكم بن عتيبة بن النهاس. قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"2: "ثقة ثبت، فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الخامسة، مات سنة ثلاث عشرة أي ومئة أو بعدها، وله نيف وستون، روى له الجماعة".   1 2/184 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 9/301 و"ميزان الاعتدال" 3/613 و"المغني في الضعفاء" 2/603 و"الجرح والتعديل" 3/2/322 و"التاريخ الكبير" 1/1/162 و"التاريخ الصغير" 2/91 و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي/92. 2 1/192 وانظر في مصادر ترجمته: "تذكرة الحفاظ" 1/117 و"الجرح والتعديل" 1/2/123 و"التاريخ الكبير" 1/2/332 و"التاريخ الصغير" 1/276 و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 6/331. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 619 وعلى أن الحكم روى عن مقسم كثيراً، فقد جزم بعض العلماء بأنه لم يسمع منه إلا بضعة أحاديث. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"1: "قال أحمد وغيره: لم يسمع الحكم حديث مقسم كتاب إلا خمسة أحاديث، وعدها يحيى القطان: "حديث الوتر، والقنوت، وعزمة الطلاق، وجزاء الصيد، والرجل يأتي امرأته وهي حائض. رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه"، عن علي بن المديني، عن يحيى". قال ابن رجب في شرح "علل الترمذي"2: "الحكم عن مقسم روى عنه كثيراً، ولم يسمع منه سوى أربعة أحاديث. قاله شعبة. قال أبو داود: ليس فيها مسند واحد يعني: كلها موقوفات. وذكر ابن المديني عن يحيى بن سعيد، عن شعبة أنه قال: هي خمسة أحاديث. وعدّها شعبة: ... المذكورة أعلاه". وواضح أن هذا الحديث ليس فيما عدّ. قال ذلك ابن رجب في فصل عقده في كتابه المذكور تحت عنوان: "ذكر الأسانيد التي لا يثبت منها شيء، أو لا يثبت منها إلا شيء يسير، مع أنه قد روى بها أكثر من ذلك". قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "قال ابن حبان "الثقات": كان يدلس" ا?.   1 2/434. 2 495-496 . 3 2/434. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 620 وأورده ابن حجر في "طبقات المدلسين"1 في الثانية منها، وهي من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى، فقال: الحكم بن عتيبة -بمثناة ثم موحدة مصغراً- تابعي صغير من فقهاء الكوفة، مشهور، وصفه النسائي بالتدليس، وحكاه السلمي عن الدارقطني" ا?. وأما مِقسم: فهو -بكسر أوله- ابن بجرة -بضم الموحدة وسكون الجيم- ويقال نجدة -بفتح النون وبدال- أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث، ويقال له مولى ابن عباس؛ للزومه له صدوق، وكان يرسل من الرابعة، مات سنة إحدى ومئة، وما له في البخاري سوى حديث واحد، روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة2. وليس بين حديث جابر الذي معنا، وحديث أنس الذي رواه الترمذي فيما بعد مخالفة. قال الترمذي3: حدثنا إسحاق بن منصور ثنا حبان بن هلال، ثنا همام، حدثنا قتادة قال: قلت لأنس كم حجّ النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: حجة واحدة   1 /6. 2 تقريب التهذيب 2/273 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 10/288 و"ميزان الاعتدال" 4/176 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/445 و"الجرح والتعديل" 4/1/414 و"التاريخ الكبير" 4/2/33 و"التاريخ الصغير" 1/292 وما بعدها. 3 سنن الترمذي مع تحفة الحوذي 3/546. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 621 واعتمر عمرة في ذي العقدة، وعمرة الحديبية، وعمرة مع حجته، وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة حنين. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وحبان بن هلال، أبو حبيب البصري، وهو جليل ثقة، وثقه يحيى بن سعيد القطان. أ?. والحديث أخرجه مسلم1 وغيره، فإنه أراد هنا حج حجة واحدة –أي- بعد ما هاجر. قال النووي في "شرح صحيح مسلم"2: "معناه بعد الهجرة لم يحج إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع سنة عشر من الهجرة". ا?. وأخرج البخاري3، ومسلم4 من حديث زهير قال: حدثنا أبو إسحاق قال: حدثني زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وأنه حج بعدما هاجر حجة واحدة لم يحج بعدها (حجة الوداع) قال أبو إسحاق: وبمكة أخرى". قال ابن حجر5: "وقوله: "وأنه حجّ بعد ما هاجر حجة واحدة لم   1 صحيح مسلم بشرح النووي 8/235-236. 2 8/236. 3 صحيح البخاري مع فتح الباري 8/107. 4 صحيح مسلم بشرح النووي 8/336. 5 فتح الباري شرح صحيح البخاري 8/107 وانظر "عمدة القارئ" 8/419 و"إرشاد الساري" 6/446. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 622 يحج بعدها "حجة الوداع" يعني: ولا حجّ قبلها، إلا أن يريد نفي الحجّ الأصغر، وهو العمرة فلا، فإنه اعتمر قبلها قطعاً. وقوله: "قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى": هو موصول بالإسناد المذكور، وغرض أبي إسحاق أن لقوله: "بعد ما هاجر" مفهوماً، وأنه قبل أن يهاجر كان قد حجّ، لكن اقتصاره على قوله (أخرى) قد يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا واحدة، وليس كذلك، بل حجّ قبل أن يهاجر مراراً بل الذي لا أرتاب فيه أنه لم يترك الحج، وهو بمكة قط؛ لأن قريشاً في الجاهلية لم يكونوا يتركون الحج، وإنما يتأخر منهم عنه من لم يكن بمكة، أو عاقه ضعف وإذا كانوا وهو على غير دين يحرصون على إقامة الحج، ويرونه من مفاخرهم التي امتازوا بها على غيرهم من العرب، فكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه يتركه؟ وقد ثبت من حديث جبير بن مطعم1 أنه رآه في الجاهلية واقفاً بعرفة، وأن ذلك من توفيق الله له2، وثبت دعاؤه قبائل العرب إلى   1 جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي النوفلي، صحابي، عارف بالأنساب، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/126. 2 أخرج البخاري في صحيحه 3/515 مع فتح الباري ومسلم في صحيحه بشرح النووي 8/198 عن جبير بن مطعم قال –واللفظ للبخاري-: "أضللت بعيراً لي، فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فقلت: هذا والله من الحمس فما شأنه ها هنا؟ " قال ابن حجر في فتح الباري 3/516: "وروى ابن خزيمة وإسحاق موصولا في مسنده من طريق ابن إسحاق، حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن عمه نافع ابن جبير عن أبيه، قال: كانت قريش إنما تدفع من المزدلفة، ويقولون: نحن الحمس فلا نخرج من الحرم، وقد تركوا الموقف بعرفة. قال فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقف مع الناس بعرفة على جمل له، ثم يصبح مع قومه بالمزدلفة فيقف معهم ويدفع إذا دفعوا". ولفظ يونس بن بكير عن ابن إسحاق في "المغازي" مختصراً وفيه: "توفيقاً من الله له". وأخرجه إسحاق أيضاً، عن الفضل بن موسى، عن عثمان بن الأسود، عن عطاء أن جبير بن مطعم قال: "أضللت حماراً لي في الجاهلية فوجدته بعرفة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفات مع الناس، فلما أسلمت علمت أن الله وفقه لذلك". قال ابن حجر: وأفادت هذه الرواية أن رواية جبير له لذلك كانت قبل الهجرة، وذلك قبل أن يسلم. ا?. قال القاضي عياض: "كان هذا في حجه قبل الهجرة، وكان جبير حينئذ كافراً وأسلم يوم الفتح، وقيل يوم خيبر فتعجب من وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، والله أعلم". "شرح صحيح مسلم" للنووي 8/198 وانظر المراسيل لابن أبي حاتم/155. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 623 الإسلام بمنى ثلاث سنين متوالية، كما بينته في الهجرة إلى المدينة" ا?. قال النووي في "شرح صحيح مسلم"1: "وقوله: قال أبو إسحاق: "وبمكة أخرى" يعني: قبل الهجرة، وقد روى في غير مسلم قبل الهجرة حجتان" ا?.   1 8/336. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 624 قال ابن حزم في "جوامع السير"1: "حجّ صلى الله عليه وسلم واعتمر قبل النبوة وبعدها قبل الهجرة حججا وعمرا لا يعرف عددها، ولم يحج بعد أن هاجر إلى المدينة إلا حجة واحدة، وهي حجة الوداع سنة عشر" ا?. وقال ابن الجوزي في كتابه "الوفا بأحوال المصطفى"2: "قد حجّ النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة حجات وما حج بعد الهجرة إلا مرة، وهي التي تسمى حجة الوداع" ا?. قال الكرماني في "شرح صحيح البخاري"3: "قال ابن الأثير في "الجامع"4: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حجّ قبل النبوة وبعدها حجات" ا?. قال ابن كثير في "البداية"5: "كتاب حجة الوداع في سنة عشر ويقال لها حجة البلاغ، وحجة الإسلام، وحجة الوداع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها، ولم يحج بعدها، وسميت حجة الإسلام؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يحج من المدينة غيرها،   1 /15. 2 /523. 3 16/210. 4 بحثت عن كلام ابن الأثير هذا في "جامع الأصول" فلم أعثر عليه علماً أنه أورد الحديث وعزاه للترمذي فقط. 5 5/109-110 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 625 ولكن حج قبل الهجرة مرات قبل النبوة وبعدها. إلى أن قال: وهذا الذي قال أبو إسحاق من أنه عليه الصلاة والسلام حجّ بمكة حجة أخرى أي أراد أنه لم يقع منه بمكة إلا حجة واحدة، كما هو ظاهر لفظه فهو بعيد، فإنه عليه الصلاة والسلام كان بعد الرسالة يحضر مواسم الحج، ويدعو الناس إلى الله، ويقول: "من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عزّ وجلّ"، حتى قيض الله جماعة الأنصار يلقونه ليلة العقبة أي عشية يوم النحر عند جمرة العقبة ثلاث سنين متتاليات، حتى إذا كانوا آخر سنة بايعوه ليلة العقبة الثانية، وهي ثالث اجتماعه لهم به ثم كانت بعدها الهجرة إلى المدينة، كما قدمنا ذلك مبسوطاً في موضعه والله أعلم" ا?. قال ابن القيم في "زاد المعاد"1: "لا خلاف أنه لم يحج بعد هجرته إلى المدينة سوى حجة واحدة، وهي حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت سنة عشر، واختلف هل حج قبل الهجرة؟ فروى الترمذي عن جابر بن عبد الله "رضي الله عنهما" قال: "حجّ ... "، فذكر الحديث إلى قوله: "معها عمرة"، ثم نقل بعض كلام الترمذي عليه، ولم يعقب عليه بشيء.   1 1/175. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 626 قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"1: "معروف أنه حجّ صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ففي الصحيحين من حديث جبير بن مطعم قال: "أضللت بعيراً لي، فذهبت أطلبه، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة –الحديث. وفي الصحيحين عن أبي إسحاق أنه حجّ حجة قبل الهجرة، وقد ذكر جماعة من أهل السير أنه حج حججاً ذوات عدد قبل الهجرة أكثر من حجتين، ولا مانع من ذلك" ا?. قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي"2: "فإن قيل: "رويتم أن النبي صلى الله عليه وسلم حجّ قبل أن يفرض الحجّ فعلى أي ملة كان؟ فإن الناس اختلفوا فيه". قلنا: قد بينا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على شرعه أحد، وأنه كان على الفطرة سليماً عن الريبة، سليماً عن البدعة، سليماً عن المعصية، سد عليه باب المخالفة لما يكره الله بتوفيق الله له ذلك، وتيسيره حتى جاء أمر الله، فلما بعث الله نبينا، وقص عليه أمر الرسل، وأعلمه حالهم وشرائعهم، وتفصيل الكائنات، ورأى الأنبياء حجاجاً كإبراهيم مصلين، حج فتطوّع، فجرى على الطريقة المثلى بتوفيق الله تعالى حتى فرضه الله علينا، وعليه، وأنزل تفسيره إليه، وقال: "خذوا عني مناسككم" فأكمل الله الدين، وأتم النعمة، فتعالى ربنا، وجزاه عنا بأفضل الجزاء" ا?.   1 3 ورقة 75 وجه/ب. 2 4/32-33 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 627 قال الكرماني1: "فإن قلت فرض الحج سنة ثمان أو تسع وقرر مناسكه فيها، فكيف حج بمكة قبل الهجرة؟ قلنا: كانوا يحجون قبل السنة المذكورة، لكن لم تكن فريضة، وأركانه إما هذه المشروعة اليوم أو نحو منها" ا?.   1 شرح صحيح البخاري 16/210. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 628 الحديث السّابع عشر: باب ما جاء في فضل الطواف من كتاب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 3/210 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 629 حدّثنا سفيان بن وكيع: أخبرنا يحيى بن اليمان، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عبّاس1 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طاف بالبيت خمسين مرة، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". قال: وفي الباب عن أنس، وابن عمر. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: حديث ابن عباس، حديث غريب. سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: إنما يروي هذا عن ابن عباس. حدثنا ابن أبي عمر: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن أيوب قال: "كانوا يعدون عبد الله2 بن سعيد بن جبير أفضل من   1 عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، بن هاشم بن عبد مناف ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بثلاث سنين، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم في القرآن، فكان يسمى البحر، والحبر، لسعة علمه، وقال عمر: "لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد"، مات سنة ثمان وستين بالطائف، وهو أحد المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة من فقهاء الصحابة، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 1/425 وانظر: "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 2/330. 2 عبد الله بن سعيد بن جبير، الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة فاضل من السادسة، روى له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. "تقريب التهذيب" 1/419 قال العراقي في "شرح سنن الترمذي" 3 ورقة 111 وجه/ب: "وعبد الله بن سعيد بن جبير ليس له عند الترمذي إلا هذا الحديث الواحد، وله في بقية الكتب ثلاثة أحاديث أخر ولا يعرف له رواية إلا عن أبيه، وقد روى عنه أيضاً أيوب السختياني، ومحمد بن أبي القاسم الطويل، ووثقه النسائي، وابن حبان، وليس لأخيه عبد الملك المذكور عند الترمذي إلا حديث واحد في سبب نزول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ} الآية. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 631 أبيه1، وله أخ يقال له عبد الملك2 بن سعيد بن جبير، وقد روى عنه أيضاً". تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: عبد الرزاق في "مصنفه"3.   1 هو سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت، فقيه، من الثالثة، وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة، قتل بين يدي الحجاج، سنة خمس وتسعين ولم يكمل الخمسين. روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/292. 2 عبد الملك بن سعيد بن جبير، الأسدي مولاهم، الكوفي، لا بأس به، من السابعة، روى له البخاري، وأبو داود، والترمذي. "المصدر السابق" 1/519. 3 قاله المحب الطبري في "القرى لقاصد أم القرى"/325 ونقله عنه العراقي في "شرح سنن الترمذي" 3 ورقة 112 وجه/أ، وقد بحثت عنه في "المصنف" فلم أعثر عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 632 الطبران في "الأوسط"1. المحب ايلطبري في "القرى لقاصد أم القرى"2 بإسناده إلى الطبراني. كلهم من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس مرفوعاً به إلا أن عندهم "خمسين سبوعا"3 بدل "مرة". وفي هذا ردّ على العراقي الذي قال4: "حديث ابن عباس انفرد بإخراجه الترمذي"، اللهم إلا أن يريد أنه انفرد به عن باقي الستة. فنعم، وهذا ما يدل عليه ما نقلناه عنه في الهامش أسفل. حكم هذا الحديث حكم الترمذي على هذا الحديث بالضعف والأمر كما ذكر الترمذي؛ فإن شريكاً تفرد به عن أبي إسحاق السبيعي، وشريك هو ابن عبد الله النخعي الكوفي، القاضي، تقدمت ترجمته في الحديث الثاني، والرابع، قال عنه   1 قاله العراقي في "شرح سنن الترمذي" الجزء والصفحة، والسيوطي في "قوت المغتذي"؛ مصور لم ترقم صفحاته، والمحب الطبري في "المصدر السابق" غير أن المحب الطبري لم يعزه للأوسط. 2 /325. 3 سبوع بلا ألف لغة قليلة في أسبوع انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" 2/336. 4 شرح سنن الترمذي 3 ورقة 111 وجه/ب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 633 ابن حجر في "تقريب التهذيب"1: "صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، من الثامنة، مات سنة سبع، أو ثمان وسبعين أي ومئة، روى له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأهل السنن الأربعة". وأبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي، تقدمت ترجمته في الحديث الثاني، قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"2: "ثقة عابد، من الثالثة، اختلط بآخره، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وقيل: قبل ذلك، روى له الجماعة". وهو مدلس، أورده ابن حجر في "طبقات المدلسين"3، في الثالثة منها، وهي من لم يقبل حديثه ما لم يصرح بالتحديث أو السماع، فقال: "عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي مشهور بالتدليس، وهو تابعي ثقة، وصفه النَّسائي وغيره بذلك" ا?. وهو قد روى هذا الحديث بالعنعنة عن عبد الله بن سعيد بن جبير. هذا وقد ذكر ابن الجوزي الحديث في كتابه "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية"4، وأعله بيحيى بن اليمان5، وقد نقل فيه قول أحمد:   1 1/351. 2 2/73. 3 /7. 4 2 ورقة 31. 5 يحيى بن يمان العجلي الكوفي، صدوق عابد، يخطئ كثيراً، وقد تغير من كبار التاسعة، مات سنة تسع وثمانين أي ومئتين، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 2/361 هذا وقد تقدمت ترجمته في الحديث الخامس عشر بأوسع من هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 634 "ليس بحجة"، وقول ابن المديني: "تغير حفظه"، وقول أبي داود: "يخطئ في الأحاديث ويقلبها، إلى أن قال: وفيه شريك، قال يحيى: "مازال مخلطا". وتبعه الذهبي في "مختصر العلل"1، ونقل قول البخاري الذي ذكره الترمذي عنه: "إنما يروى هذا من قول ابن عباس"، وقال: فيه يحيى بن يمان عن شريك كذلك عن أبي إسحاق ... الخ، ونقل حكم الترمذي عليه. وأورد الحديث السيوطي في "الجامع الصغير2"، ورمز لضعفه ووافقه المناوي في "فيض القدير"3. وفي جواب البخاري للترمذي حين سأله عن هذا الحديث قال له: إنما يروى عن ابن عباس من قوله موقوفاً عليه لا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فالثابت إذاً وقفُه على ابن عباس، وقد ذكر صاحب "كنز العمال"4 أن ابن زنجويه أخرجه عن ابن عباس موقوفاً عليه.   1 مصور ورقة 45. 2 6/175 مع فيض القدير. 3 6/175. 4 5/89. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 635 وكذلك ذكر المحب الطبري1 أن سعيد بن منصور أخرجه في "سننه" موقوفاً، ولكن على سعيد بن جبير، قال المحب الطبري: "ومثل هذا لا يكون إلا توقيفاً والله أعلم" ا?. قلت: يريد أن مثل هذا من قبيل الأخبار التي لا مجال للرأي فيها، فيأخذ حكم الرفع، ولكن هذا مشروط بشرط، وهو أن يصح سنده إلى ابن عباس، أو سعيد بن جبير، وأنا لم أقف على سند ابن عباس أو سعيد ابن جبير بسبب أن صاحب "كنز العمال" الذي ذكر حديث ابن عباس وعزاه لابن زنجويه لم يورد سنده حتى ننظر فيه. وكذلك حديث سعيد بن جبير فإن المحب الطبري الذي عزاه لسعيد بن منصور في "سننه" لم ينقل لنا سنده، وإنما اكتفى بأن قال: "وروى عن سعيد بن جبير". والمطبوع في سنن سعيد بن منصور مجلدان: الأول في الجهاد، والثاني في الأنكحة والطلاق، ومعنى هذا أن الحديث ليس فيهما لأن مظانه الحج. وتوجد نسخة كاملة مخطوطة من سنن سعيد بن منصور في ألمانيا عرفت هذا بواسطة فهرس مكتبات ألمانيا، ولا أدري إن كانت توجد في غير ألمانيا أو لا، وهذا الفهرس يوجد لدى المشرف على هذه الرسالة في مكتبته. أما إذا كان السند إلى ابن عباس، وإلى سعيد بن جبير، هو سند الحديث المرفوع الذي أخرجه الترمذي، وهذا هو غالب ظني، فقد عرفتَ حاله، وأنه ضعيف لا يحتج به مع انفراده والله أعلم.   1 القرى لقاصد أم القرى/324. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 636 وهنا ملاحظة وهي يمكن أن يرجع حديث سعيد إلى حديث ابن عباس، فإن حديث ابن عباس روي من طريق سعيد بن جبير. تخريج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله وفي الباب حديث أنس: قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي"1: "لم أقف عليه" ا?. وقد ذكره العراقي في "شرح سنن الترمذي"2، فقال: وحديث أنس رواه أبو الوليد الأزرقي في "تاريخ مكة"3، وأبو سعيد الفضل بن محمد الجندي في "فضائل مكة" من رواية عن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوافان لا يوافقهما عبد مسلم إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، يغفر له ذنوبه كلها بالغة ما بلغت؛ طواف بعد صلاة الفجر فراغه مع طلوع الشمس، وطواف بعد صلاة العصر فراغه مع غروب الشمس". حديث ابن عمر: رواه الترمذي4 في باب ما جاء في استلام الركنين، وحسّنه، ولفظه: "من طاف بهذا البيت سبوعاً فأحصاه كان كعتق رقبة" لا يضع قدماً ولا يرفع أخرى إلا حط الله بها عنه خطيئة، وكتب له بها حسنة".   1 3/604. 2 3 ورقة 111 وجه/ب. 3 2/22 وقد قال أبو الوليد الأزرقي: حدثني جدي، عن عبد الرحمن ابن زيد العمى، عن أبيه عن أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب قالا: ... الحديث. 4 سنن الترمذي 4/31 مع تحفة الأحوذي وأخرجه أيضاً ابن ماجة في سننه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 637 قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة"1: "حديث من طاف أسبوعاً خالياً كان كعتق رقبة". قال الصنعاني: "هو باطل لا أصل له، ولا عبرة بكون مثل هذه الأحاديث في "الأحياء" فهو لا يميز بين الصحيح والموضوع" ا?. وقد أورده السيوطي في "الجامع الصغير"2 من رواية ابن ماجة، وأشار إلى ضعفه. وقال المناوي3: قال ابن الجوزي حديث لا يصح4. هذا وقد ذكر العراقي في "شرح سنن الترمذي"5 جملة من الأحاديث، مما لم يذكره الترمذي في الباب، مما يشترك في فضل الطواف والترغيب فيه، وكذا فعل قبله المنذري في "الترغيب والترهيب"6، والمحب الطبري في "القرى لقاصد أم القرى"7.   1 6/106-107 وانظر: المقاصد الحسنة/417 وقواعد في علوم الحديث للتهانوي/286 حاشية تعليقة رقم صلى الله عليه وسلم2) . 2 6/175 مع فيض القدير. 3 فيض القدير 6/175. 4 انظر: "قواعد في علوم الحديث" للتهانوي/282 وما بعدها. 5 3 ورقة 112 وجه/أ. 6 2/308 وما بعدها. 7 323 وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 638 الحديث الثّامن عشر: باب ما جاء "في الحج عن الشيخ الكبير والميت". 3/178-179 سنن الترمذي بتحقيق فؤاد عبد الباقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 639 حدّثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا روح بن عبادة، أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني ابن شهاب، قال: حدثني سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس عن الفضل بن عباس: "أن امرأة من خثعم قالت: " يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على ظهر البعير، قال: "حجي عنه". وفي الباب عن علي، وبريدة، وحصين بن عوف، وأبي رزين العقيلي، وسودة، وابن عباس. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: حديث الفضل بن عباس، حديث حسن صحيح. وروي عن ابن عباس أيضاً عن سنان بن عبد الله الجهني عن عمته عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فسألت محمداً عن هذه الروايات؟ فقال: أصحّ شيء في هذا ما روي ابن عباس، عن الفضل بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال محمد: ويحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم روى هذا فأرسله، ولم يذكر الذي سمعه منه. قال أبو عيسى: وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب غير حديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم. وبه يقول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق: يرون أن يحج عن الميت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 641 وقال مالك: إذا أوصى أن يحج عنه حج عنه. وقد رخص بعضهم: أن يحج عن الحي إذا كان كبيراً، وبحال لا يقدر أن يحج، وهو قول ابن المبارك والشافعي. تخرج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: البخاري في "صحيحه"1. مسلم في "صحيحه"2. النسائي في "سننه"3. ابن ماجه في "سننه"4. أحمد في "مسنده"5. ابن خزيمة في "صحيحه"6. الطحاوي في "مشكل الآثار"7.   1 4/66 مع فتح الباري. 2 9/98 بشرح النووي. 3 1/212. 4 2/97 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم2909) . 5 1/213. 6 4/341. 7 3/219. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 642 البيهقي في "السنن الكبرى"1، و"معرفة السنن والآثار"2، و"بيان خطأ من أخطأ على الشافعي"3. حكم هذا الحديث روى هذا الحديث ابن جريج –وتابعه معمر، والأوزاعي- عن الزهري، عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس، عن الفضل بن عباس. وخالفهم مالك4 وأكثر الرواة عنه، فلم يقولوا فيه عن الفضل؛ أي جعلوه من مسند ابن عباس. وقد أشار الترمذي إلى حديث، ابن عباس هذا، كما ذكر أنه روى عن ابن عباس أيضاً، عن سنان بن عبد الله الجهني "رضي الله عنه" عن عمته، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر في "العلل الكبير"5 أن ابن عباس يرويه عن الفضل، وعن حصين بن عوف. فابن عباس في هذه الروايات يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة، وبدون   1 4/328. 2 2/200. 3 /68. 4 الموطأ 2/291 مع شرح الزرقاني. 5 ورقة 26. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 643 واسطة، وقد دعا هذا الاختلاف الترمذي إلى سؤال شيخه البخاري عن الصحيح في تلك الروايات؟ وفي جواب شيخه له رجح ما رواه ابن عباس عن الفضل فقال: "أصحّ شيء في هذا ما روى ابن عباس، عن الفضل بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعما رواه ابن عباس من غير واسطة يرى البخاري أنه يحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رواه فأرسله ولم يذكر الذي سمعه منه، ويحتمل أن يكون سمعه مباشرة كما سمعه غيره، وقد قوى هذا الاحتمال الأخير ابن حجر باحتمال ذكره كما سيأتي. وعلى هذا الاحتمال فمرة يحدث به عن غيره، ومرة يحدث به عما شاهده، وسمعه. قال الترمذي في "العلل الكبير"1 ناقلا جواب شيخه حول تلك الروايات، وقد سأله عنها: "الصحيح عن الزهري، عن سليمان بن يسار، عن ابن عباس، عن الفضل ابن عباس. قلت له: بأن ابن عباس يرويه عن الفضل، وعن حصين بن عوف؟ قال: أرجو أن يكون صحيحاً. قال: وقد روى هذا عن ابن عباس، عن سنان بن عبد الله الجهني، عن عمته، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. يحتمل أن يكون ابن عباس روى هذا عن غير واحد، عن النبي صلى الله عليه وسلم،   1 ورقة 26. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 644 ولم يذكر الذي سمعه منه، ويحتمل أن يكون كله صحيحاً" ا?. قال ابن حجر1 في تعليل ما رجحه البخاري: "وإنما رجح البخاري الرواية عن الفضل؛ لأنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ، وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة، وقد سبق في "باب التلبية والتكبير" من طريق عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل، فأخبر الفضل أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة، فكأن الفضل حدّث أخاه بما شاهده في تلك الحالة". وفيما يؤكد العيني على عدم حضور ابن عباس تلك الحالة، يورد ابن حجر احتمالا على حضوره لها، مما يدل على قوة إجابة البخاري ودقتها، وسلامة نظره وعمق علمه، فقد قال البخاري: "ويحتمل أن يكون كله صحيحاً" أي: بأن يكون رواه ابن عباس رأساً، ورواه عن غيره فيحدث بهذا تارة، ويحدث بهذا أخرى. فانظر إلى هذا الاحتياط في الإجابة، وإلى هذه الحيطة في الحكم. قال العيني2: "والحديث حديث الفضل؛ لأنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة النحر من المزدلفة إلى منى، وعبد الله بن عباس قدمه النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله من جَمْع3 بليل وروى عنه، أنه قال: مشيت على   1 فتح الباري 4/67. 2 عمدة القارئ 4/479. 3 جمع: بفتح الجيم وسكون الميم علم للمزدلفة سميت به لأن آدم عليه السلام وحواء لما اهبطا اجتمعا بها. صلى الله عليه وسلمالنهاية في غريب الحديث والأثر 1/296) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 645 رجلي –في سياق- إلى منى". فقد دلّ غير شاهد واحد على أن عبد الله لم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة، وإنما سمع ذلك من الفضل، كما جاء في حديث ابن عباس حين دفعوا عشية عرفة: "عليكم بالسكينة، قال عبد الله: "وأخبرني الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة.". وكذلك روى مسلم قال: حدثني علي بن خشرم، قال: أخبرنا عيسى عن ابن جريج عن ابن شهاب، قال: حدثنا سليمان بن يسار، عن ابن عباس، عن الفضل: "أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله: إن أبي شيخ كبير عليه فريضة الله في الحج، وهو لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فحجي عنه". وأخرج مسلم أيضاً عن يحيى بن يحيى، عن مالك نحو رواية البخاري" ا?. وقال ابن حجر1: "ويحتمل أن يكون سؤال الخثعمية وقع بعد رمي جمرة العقبة، فحضره ابن عباس فنقله تارة عن أخيه؛ لكونه صاحب القصة، وتارة عما شاهده، ويؤيد ذلك ما وقع عند الترمذي، وأحمد، وابنه عبد الله، والطبري من حديث علي2، مما يدل على أن السؤال   1 فتح الباري 4/67. 2 سيأتي إن شاء الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 646 المذكور وقع عند النحر بعد الفراغ من الرمي، وأن العباس كان شاهدا. ولفظ أحمد عندهم من طريق عبيد الله بن أبي رافع، عن علي قال: "وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: "هذه عرفة وهو الموقف" فذكر الحديث وفيه: "ثم أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر فقال: هذا المنحر، وكل منى منحر، واستفتته" وفي رواية عبد الله: ثم جاءته جارية شابة من خثعم، فقالت: إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج، أفيجزئ أن أحج عنه، قال: حجي عن أبيك "قال: ولوى عنق الفضل. فقال العباس: يا رسول الله لويت عنق ابن عمك "قال: رأيت شاباً وشابة فلم آمن عليهما الشيطان" ا?. وظاهر هذا أن العباس كان حاضراً لذلك، فلا مانع أن يكون ابنه عبد الله أيضاً كان معه" ا?. قال العراقي: في "شرح سنن الترمذي"1: "قول الترمذي -رحمه الله- وروى عن ابن عباس، عن سنان بن عبد الله الجهني، عن عمته، عن النبي صلى الله عليه وسلم: فيه نظر من حيث إن الموجود بهذا الإسناد هو حديث آخر في المشي إلى الكعبة عن الميت لا عن الكبير العاجز، رواه الطبراني من رواية عبد الرحيم بن سليمان، عن محمد بن كريب، عن كريب، عن ابن عباس، عن سنان بن عبد الله الجهني: أن عمته حدثت أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت يا رسول الله توفيت أمي وعليها مشي إلى الكعبة نذرا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل تستطيعين أن تمشي عنها؟ قالت: نعم. قال فامشي عن   1 3 ورقة 161 وجه/ب، وانظر عمدة القارئ 4/479. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 647 أمك. قالت: أو يجزئ ذلك عنها؟ قال: أرأيت لو كان عليها دين، ثم قضيتيه عنها هل كان يقبل منك؟ قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق بذلك1". قال: والجواب عن الترمذي: أنه أراد أن يبيّن الاختلاف في هذا الحديث عن ابن عباس في الإسناد والمتن معاً وهذا اختلاف في متنه. والدليل على أن هذا اختلاف منه أن أبا جعفر العقيلي رواه من رواية عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن كريب عن ابن عباس عن   1 أخرج الحديث قبل الطبراني البخاري في "تاريخه" في ترجمة سنان بن عبد الله الجهني 2/2/161-162، وقد قال في سنان المذكور أنه منكر الحديث، والذهبي الذي أورده في كتابه "ميزان الاعتدال" 2/235 اقتصر على نقل قول البخاري فيه بعد أن أشار إلى حديثه هذا، وقد تعقب الذهبي ابن حجر في "لسان الميزان" 3/115 وذكر أنه أوضح في كتابه "الإصابة" أنه صحابي، صحيح الصحبة، فقال بعد نقله لكلام الذهبي في سنان: "وذكره صلى الله عليه وسلميعني الحديث) ابن عدي صلى الله عليه وسلمالكامل 3/ قسم 1 ص126) وقال: لا أعلم له غيره، وذكره ابن حبان في الصحابة، فإن صحت صحبته فالإنكار على من بعده وليس من شرط هذا الكتاب، وقد أوضحت في كتابي في الصحابة صلى الله عليه وسلمالإصابة في تمييز أسماء الصحابة 2/83) أنه صحابي، صحيح الصحبة، والله الموفق". وأما ابن أبي حاتم فاكتفى في كتابه "الجرح والتعديل" 2/1/251 بقوله "سنان ابن عبد الله الجهني روى عن عمته، روى عنه عبد الله بن عباس، سمعت أبي يقول ذلك". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 648 حصين بن عوف فذكر حديث حصين بن عوف1 وقد رواه النسائي2 فجعله سنان بن سلمة والسائلة هي امرأته. رواه من رواية موسى بن سلمة الهذلي أن ابن عباس قال: "أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمها ماتت ولم تحج أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها؟ قال: نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يكن يجزئ عنها؟ فلتحج عن أمها"3.   1 سيأتي إن شاء الله تعالى. 2 سنن النسائي 5/116. 3 حديث ابن عباس هذا رواه ابن خزيمة في "صحيحه" 4/343 عن عمران بن موسى القزاز شيخ النسائي فيه، ولكن وقع عند ابن خزيمة سنان بن عبد الله الجهني، والآمرة بالسؤال هي امرأته. نعم جاء ذكر لسنان بن سلمة الجهني على لسان موسى بن سلمة الهذلي في كلام قبل الحديث، وقد أفاد هذا الكلام أن سنان بن سلمة الجهني سمع حديث ابن عباس هذا مع راويه موسى بن سلمة الهذلي؛ إذ قال موسى: "انطلقت أنا وسنان بن سلمة معتمرين، فلما نزلنا البطحاء قلت: انطلق إلى ابن عباس نتحدث إليه. قال: قلت: –يعني لابن عباس- أن والدة لي بالمصر صلى الله عليه وسلمقال المعلق كذا في الأصل) وإني أعزو في هذه المغازي أفيجزئ عنها أن اعتمر صلى الله عليه وسلمفي الكتاب اعتق، ولم يعلق عليها المعلق) وليست معي؟ قال: أفلا أنبئك بأعجب من ذلك، ثم ساق الحديث. وقد علق عليه الدكتور محمد مصطفى الأعظمي بقوله: إسناده صحيح، وفي قوله رواه النسائي من طريق عمران بن موسى الجزء الخاص بامرأة سنان إيهام؛ لأن سنان المذكور في رواية النسائي هو سنان بن سلمة الجهني، وأما سنان المذكور في رواية ابن خزيمة، فهو سنان بن عبد الله الجهني، فكان من حق الدكتور أن يبيّن ذلك، وقد قال ابن حجر في "الإصابة" 2/83 عن حديث ابن عباس عن حصين بن عوف "لكن الظاهر أنه قصة أخرى". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 649 قال المباركفوري1 معقباً على ذلك: "قلت: لو كان إرادة الترمذي بيان الاختلاف في هذا الحديث في المتن أيضاً، لساق لفظ حديث ابن عباس، عن سنان بن عبد الله، عن عمته، فالظاهر أنه قد جاء بهذا الإسناد حديث في الحج عن الكبير العاجز أيضاً، وقد وقف عليه الترمذي، والبخاري، ولم يقف عليه من تعقب على الترمذي في قوله المذكور والله تعالى أعلم". تخريج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله وفي الباب حديث علي: أخرجه الترمذي2 مطولا وفيه قوله ... وأردف الفضل، ثم أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر، فقال: "هذا المنحر ومنى كلها منحر" واستفتته جارية شابة من خثعم، فقالت: إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة الله في الحج، أفيجزئ أن أحج عنه؟ قال: "حجي عن أبيك".   1 تحفة الأحوذي 3/676. 2 سنن الترمذي 3/625 مع تحفة الأحوذي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 650 قال الترمذي: حديث علي حديث حسن صحيح. ا?. وأخرجه أحمد1، وابنه عبد الله في "زوائد المسند"2، وابن جرير الطبري3، والبيهقي4، وأخرجه أبو داود5 مختصراً جداً. وقد وهم صاحب "كنز العمال"6 فعزاه للبخاري، ومسلم. وذكره ابن حجر في "التلخيص الحبير"7، وسكت عنه. حديث بريدة: أخرجه مسلم8، وأبو داود9، والترمذي10، وغيرهم من حديث   1 مسند الإمام أحمد بن حنبل بتحقيق أحمد شاكر رقم الحديث صلى الله عليه وسلم562) قال أحمد شاكر 2/17: "إسناده صحيح" ورواه أيضاً في المسند بتحقيق أحمد شاكر رقم الحديث صلى الله عليه وسلم1347) قال أحمد شاكر 2/343 "إسناده صحيح وهو مكرر 525، 562، 564، 613". 2 مع مسند الإمام أحمد بن حنبل بتحقيق أحمد شاكر رقم الحديث صلى الله عليه وسلم525) . 3 عزاه إليه ابن حجر في "فتح الباري" 4/67. 4 السنن الكبرى 4/329 و5/122. 5 سنن أبي داود 2/258. 6 5/148. 7 2/225. 8 صحيح مسلم بشرح النووي 8/25. 9 سنن أبي داود 8/79 مع عون المعبود. 10 سنن الترمذي 3/336 مع تحفة الأحوذي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 651 عبد الله بن عطاء المكي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة قال –والسياق لمسلم- بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتته امرأة فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وأنها ماتت. قال: فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث، قالت يا رسول الله: أنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها. قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها. وأخرجه الترمذي1 مقتصراً على الحج فقط. حديث حصين بن عوف: أخرجه ابن ماجه في "سننه"2 من طريق محمد بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس قال: اخبرني حصين بن عوف، قال: قلت: يا رسول الله إن أبي أدركه الحج، ولا يستطيع أن يحج إلا معترضاً، فصمت ساعة ثم قال: حج عن أبيك. وأخرجه أيضاً أبو جعفر العقيلي كما سبق الإشارة إليه في كلام العراقي المتقدم، وفي إسناده محمد بن كريب والجمهور على تضعيفه. قال الأثرم عن أحمد3: "منكر الحديث، يجيء بعجائب عن حصين   1 سنن الترمذي 3/678 مع تحفة الأحوذي. 2 2/790 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم2908) . 3 تهذيب التهذيب 9/420. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 652 ابن عوف، ويسند الأحاديث، وحمل عليه". وقال ابن حجر في تقريب التهذيب1: "محمد بن كريب مولى ابن عباس ضعيف، من السادسة، مات بعد الخمسين أي ومئة، روى له ابن ماجة". حديث أبي رزين العقيلي: أخرجه أهل السنن الأربعة2، وابن حبان في "صحيحه"3، وابن جرير الطبري في "تفسيره"4، والحاكم في "المستدرك"5، وقال: "على شرط الشيخين"، والبيهقي في "السنن الكبرى"6. وهو من جامع الترمذي: عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج، ولا العمرة، ولا الظعن، قال: "حج عن أبيك واعتمر". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.   1 2/203. 2 أبو داود في سننه 5/249 مع عون المعبود والترمذي في سننه 3/678 مع تحفة الأحوذي والنسائي في سننه 5/117 وابن ماجة في سننه 2/970 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم2906) . 3 انظر موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان/239. 4 انظر مختصر تفسير ابن جرير الطبري 4/17-18. 5 1/481. 6 4/329 و350. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 653 قال المباركفوري1:"وأخرجه أبو داود، وسكت عنه، ونقل المنذري في "تلخيصه"2 تصحيح الترمذي وأقره" ا?. حديث سودة: أخرجه أحمد في "مسنده"3 فقال: ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمى أبو عبد الصمد، ثنا منصور، عن مجاهد، عن مولى لابن الزبير يقال له يوسف بن الزبير، عن ابن الزبير، عن سودة بنت زمعة، قالت: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع أن يحج، قال: أرأيت لو كان على أبيك دين، فقضيته عنه قبل منك؟ قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم فالله أرحم، حُجَّ عن أبيك". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"4 رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات. ا?. ورواه أيضاً البيهقي في "السنن الكبرى"5. وقد جعله النسائي6 من حديث ابن الزبير، فرواه عن إسحاق بن   1 تحفة الأحوذي 3/628. 2 2/333. 3 6/429. 4 3/282. 5 4/329. 6 سنن النسائي 5/117. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 654 إبراهيم قال: أنبأنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يوسف بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير قال: "جاء رجل من خثعم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الركوب، وأدركته فريضة الله في الحج، فهل يجزئ أن أحج عنه، قال: أنت أكبر ولده؟ قال: نعم. قال أرأيت لو كان عليه دين، أكنت تقضيه، قال: نعم. قال: فحُجَّ عنه". قال البيهقي في "السنن الكبرى"1: "اختلف في هذا على منصور فرواه جرير بن عبد الحميد هكذا، رواه عبد العزيز بن عبد الصمد، عن منصور، عن مجاهد، عن مولى لابن الزبير يقال له يوسف بن الزبير أو الزبير بن يوسف، عن ابن الزبير، عن سودة بنت زمعة "رضي الله عنها" وقد ساقه البيهقي من كلا الطريقين ثم قال: ورواه إسرائيل، عن منصور، عن مجاهد، عن مولى لآل ابن الزبير، عن ابن الزبير أن سودة "رضي الله عنها" قالت: يا رسول الله فذكره. وأرسله الثوري عن منصور، فقال: عن يوسف بن الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحيح عن مجاهد، عن يوسف بن الزبير، عن ابن الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك قاله البخاري" ا?2. قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"3: "وروى أحمد من حديث   1 4/329. 2 انظر: "العلل الكبير" ورقة 26 فقد نقله عنه الترمذي فيه. 3 2/225. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 655 مجاهد، عن مولى لابن الزبير، عن ابن الزبير، عن سودة قالت: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي شيخ كبير لا يستطيع أن يحج"، وإسناده صالح، ومولى ابن الزبير اسمه يوسف، قد أخرج له النسائي" ا?. قال ابن أبي حاتم في "علل الحديث"1: "سألت أبي عن حديث رواه زيد بن الحباب2، عن سفيان الثوري، عن منصور ابن المعتمر، عن مجاهد، عن يوسف بن الزبير3، عن عبد الله بن الزبير قال: قال رجل: يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج فمات ولم يحج أفأحج عنه؟ قال: إن كنت أكبر ولد أبيك فحج عنه". قال أبي ليس في شيء من الحديث أكبر ولد أبيك غير هذا الحديث.   1 1/282-283. 2 في الأصل يزيد بن الخباب وهو خطأ صوابه ما أثبت. 3 في الأصل يوسف بن ماهك، وهو خطأ، صوابه ما ثبت قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/380: يوسف بن الزبير المكي مولى آل الزبير، وقلبه بعضهم مقبول من الثالثة، روى له النسائي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 656 الحديث التاسع عشر: باب ما جاء في المشي أمام الجنازة من كتاب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه سلم ... الحديث التّاسع عشر: باب ما جاء في المشي أمام الجنازة من كتاب الجنائز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 3/322 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 657 حدّثنا محمد بن المثنى: أخبرنا محمد بن بكر، أخبرنا يونس بن يزيد، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي أمام الجنازة، وأبو بكر، وعمر، وعثمان". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: وسألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث أخطأ فيه محمد بن بكر، وإنما يروى هذا الحديث عن يونس، عن الزهري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة". قال الزهري: "وأخبرني سالم أن أباه كان يمشي أمام الجنازة". قال محمد: وهذا أصحّ. تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: ابن ماجه في "سننه"1. الطحاوي في "معاني الآثار"2. حكم هذا الحديث المحفوظ في هذا الحديث –كما يستفاد من إجابة البخاري- أنه   1 1/475 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم1483) . 2 1/232. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 659 يروى عن يونس، عن الزهري مرسلاً. وقد رواه محمد بن بكر البرساني، عن يونس، عن الزهري موصولا بزيادة "أنس بن مالك". فبيّن البخاري أن هذه الزيادة خطأ منه، وأن الأرجح والأصحّ في هذا الحديث أنه مرسل. ولا يخفى أن محمد بن بكر هذا جاء في وصفه أنه "يخطئ"، فقد قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"1: "محمد بن بكر بن عثمان البرساني -بضم الموحدة وسكون الراء ثم مهملة- أبو عثمان البصري، صدوق يخطئ، من التاسعة، مات سنة أربع ومئتين، روى له الجماعة. ويفهم من كلام البخاري أن محمد بن بكر انفرد بوصله، والواقع أنه لم ينفرد بذلك، فقد شاركه في وصله أبو زرعة وهب الله بن راشد البصري، مؤذن فسطاط عند الطحاوي2، وهو يخطئ أيضاً، فقد ذكره   1 2/147-148 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 9/77 و"ميزان الاعتدال" 3/492 و"المغني في الضعفاء" 2/560 و"الخلاصة" للخزرجي/329 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/437 و"الجرح والتعديل" 3/2/212 و"التاريخ الكبير" 1/1/48-49 و"التاريخ الصغير" 2/299 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/226 و"اللباب في تهذيب الأنساب" 1/139 و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/296 و"تاريخ بغداد" 2/92. 2 معاني الآثار 1/232. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 660 ابن حبان في "الثقات"1 وقال: "يخطئ". ا?. فلا يحصل الاطمئنان بمتابعته هذه. وأبو زرعة هذا ليس هو من رجال الكتب الستة، ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"2، ونقل عن أبيه أنه قال فيه: "محله الصدق"، وسأل عنه أبا زرعة الرازي، فقال: "ليس لي به علم؛ لأني لم أكتب عن أحد عنه" ا?. وأورده الذهبي في "ميزان الاعتدال"3، و"المغني في الضعفاء"4 فقال: "غمزه سعيد بن أبي مريم وغيره ... ، وفضل ابن وارة عليه عنبسة ابن خالد5" ا?. وقال أبو سعيد بن يونس6: "لم يكن أحمد بن شعيب النسائي يرضى وهب الله بن راشد" ا?.   1 انظر: لسان الميزان 6/235. 2 4/2/27. 3 4/352. 4 2/727. 5 عنبسة بن خالد بن يزيد، الأموي مولاهم، الأيلي، بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة، صدوق، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين أي ومئتين، روى له البخاري وأبو داود. صلى الله عليه وسلمتقريب التهذيب 2/88) . 6 انظر: لسان الميزان 6/235. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 661 قال ابن حجر في "لسان الميزان"1: "وقول الذهبي: أن ابن أبي مريم غمزه، لعله يريد بذلك ما رواه ابن يونس عن غيلان، عن احمد بن سعيد بن أبي مريم قال: "نهاني عمي عن الكتابة عن أبي زرعة المؤذن". قال ابن يونس: "توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومئتين، وكانت القضاة تقبله" ا?. ومما ينبغي أن يتنبه له أن حديثه رواه الطحاوي كما سبق في "معاني الآثار"، ولكن بزيادة في متنه فقال: "حدثنا ربيع الجيزي، وابن أبي داود قال: ثنا أبو زرعة قال: انا يونس ابن يزيد، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة وخلفها". وكذلك أخرج حديث محمد بن بكر البرساني، إلا أنه أحال به على حديث أبي زرعة بقوله "مثله"، ولم يذكره. ويعرف من هذا أن أبا زرعة شارك البرساني في هذه الزيادة في المتن، وهي قوله "وخلفها"، كما شاركه في الزيادة في السند. ومن قبل أخرج الترمذي حديث البرساني دون هذه الزيادة في المتن. إذن فما هو الموقف حيال هذا؛ لأن كلام البخاري لا يعدو تخطئة محمد بن بكر البرساني؟ والجواب: فإنه ليس أمامنا إلا ما أجاب به أحمد، وقد ذكر له حديث البرساني، فألصق الخطأ والوهم بمن فوق البرساني وأبي زرعة، وهو شيخهما يونس بن يزيد.   1 6/235. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 662 قال أبو داود في كتابه "مسائل الإمام أحمد"1: "سمعت أحمد ذكر له حديث محمد بن بكر البرساني، عن يونس، عن الزهري، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة؟ فقال: هذا يعني الوهم من يونس؛ لعله حدثه حفظاً" ا?. قال أحمد –فيما نقله ابن رجب2- "إذا حدث من حفظه يخطئ" ا?. وقال يعقوب الفارسي عن محمد بن عبد الرحيم: سمعت علياً يقول3: "أثبت الناس في الزهري، ابن عيينة، وزياد بن سعد، ثم مالك ومعمر، ويونس من كتابه". قال أبو زرعة4: "كان صاحب كتاب، فإذا حدّث من حفظه لم يكن عنده شيء" ا?. قال ابن رجب5 الذي نقل ذلك عنه: "وكذا قال ابن المبارك، وابن مهدي في يونس: "إن كتابه صحيح".   1 /103. 2 شرح علل الترمذي/420. 3 تهذيب التهذيب 11/451. 4 انظر: شرح علل الترمذي لابن رجب/420. 5 شرح علل الترمذي/420 وانظر: "تهذيب التهذيب" 11/450. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 663 قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"1: "يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي –بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام- أبو يزيد مولى آل أبي سفيان، إلا أن في روايته عن الزهري وهماً قليلاً، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة تسع وخمسين أي ومئة على الصحيح، وقيل سنة ستين، روى له الجماعة".   1 2/386 وانظر في مصادر ترجمته: "تذكرة الحفاظ" 1/162 و"ميزان الاعتدال" 4/484 و"الجرح والتعديل" 4/2/247 وما بعدها و"التاريخ الكبير" 4/2/406 و"التاريخ الصغير" 1/133 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/455 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/296 و"اللباب في تهذيب الأنساب" 1/98 و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 7/520. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 664 الحديث العشرون: باب ما جاء في (أمرك بيدك) من كتاب الطلا ق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث العشرون: باب ما جاء في "أمرك بيدك" من كتاب الطلاق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3/472-473 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 665 حدّثنا على بن نصر بن علي، حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد ابن زيد1 قال: قلت، لأيوب: هل علمت أن أحداً قال في "أمرك بيدك" أنها ثلاث إلا الحسن2؟ فقال: لا إلا الحسن، ثم قال: اللهم غفراً3 إلا ما حدثني قتادة، عن كثير مولى بني سمرة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث"، قال أيوب فلقيت كثيراً مولى بنى سمرة، فسألته فلم يعرفه، فرجعت إلى قتادة فأخبرته فقال: نسي.   1 حماد بن زيد بن درهم الأزدي، الجهضمي، أبو إسماعيل البصري، ثقة ثبت، فقيه، قيل أنه كان ضريراً، ولعله طرأ عليه؛ لأنه صح أنه كان يكتب، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين أي ومائة، وله إحدى وثمانون سنة، روى له الجماعة. صلى الله عليه وسلمتقريب التهذيب) 1/197. 2 الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه: يسار -بالتحتانية والمهملة- الأنصاري مولاهم، ثقة، فقيه، فاضل مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلس، قال البزار: كان يروي عن جماعة. يسمع منهم فيتجوز، ويقول: حدثنا، وخطبنا، يعني قومه الذين حدثوا، وخطبوا بالبصرة، هو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومائة، وقد قارب التسعين، روى عنه الجماعة. صلى الله عليه وسلمالمصدر السابق) 1/165. 3 بفتح الغين المعجمة هو منصوب على المصدر أي اغفر غفراً قال بعض العلماء: "طلب المغفرة من الله تعالى؛ لأنه جعل سماع هذا القول مخصوص بالحسن، يعني أنه سمع من قتادة أيضاً مثله" ا?. صلى الله عليه وسلمتحفة الأحوذي) 4/345. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 667 كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد" وسألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: حدثنا سليمان بن حرب عن حماد بن زيد بهذا، وإنما هو عن أبي هريرة موقوفاً. ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعاً. وكان علي بن نصر حافظاً صاحب حديث. وقد اختلف أهل العلم في "أمرك بيدك": فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود: هي واحدة. وهو قول غير واحد من أهل العلم، من التابعين، ومن بعدهم. وقال عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت: القضاء ما قضت. وقال ابن عمر: إذا جعل أمرها بيدها، وطلقت نفسها ثلاثاً، وأنكر الزوج وقال: لم أجعل أمرها بيدها إلا واحدة، استحلف الزوج، وكان القول قوله مع يمينه. وذهب سفيان، وأهل الكوفة إلى قول عمر، وعبد الله، وأما مالك ابن أنس فقال: القضاء ما قضت، وهو قول أحمد، وأما إسحاق فذهب إلى قول ابن عمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 668 تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: أبو داود في "سننه"1. مختصراً، وسكت عنه أما المنذري في "مختصر سنن أبي داود2"، فإنه نقل كلام الترمذي، وأقره عليه. النسائي: في "سننه"3. البيهقي: في "السنن الكبرى"4. الخطيب البغدادي: في "جزء من حدث ونسي"5، و"الكفاية"6 أخرجه هؤلاء كلهم من طريق سليمان بن حرب عن حماد بن زيد. وقد وهم صاحب "جمع الفوائد7" في عزوه الحديث لابن ماجه في "سننه"؛ إذ لم يخرج ابن ماجة لكثير مولى ابن سمرة في "سننه" أصلاً، وإنما أخرج له في "التفسير"، كما يظهر من رمز ابن حجر له في "تقريب التهذيب"8.   1 2/353. 2 3/132 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 3 6/147. 4 7/349. 5 انظر: تذكرة المؤتسي بمن حدث ونسي/3. 6 /220. 7 1/612. 8 2/133. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 669 حكم هذا الحديث هذا الحديث يدور على "سليمان بن حرب1"، وقد اختلف عليه فيه: فرواه عنه "علي بن نصر" مرفوعاً. ورواه عنه البخاري –فيما حكاه الترمذي- موقوفاً، ولم يعرفه مرفوعاً. وقد قال المباركفوري2 على قول الترمذي: "وكان علي بن نصر3 حافظاً صاحب حديث" ا?. "لعل الترمذي أراد بقوله هذا أن علي بن نصر روى هذا الحديث مرفوعاً، وكان ثقة حافظاً، وروايته مرفوعاً زيادة، وزيادة الثقة الحافظ مقبولة، والله تعالى أعلم" ا?. والذي يستفاد من البحث والتقصي أن هذه الزيادة لم ينفرد بها "علي بن نصر"، بل شاركه فيها غيره من الجهابذة الحفاظ، مثل   1 سليمان بن حرب الأزدي الواشحي -بمعجمة ثم مهملة- البصري، القاضي بمكة، ثقة أمام حافظ، من التاسعة، مات سنة أربع وعشرين أي ومئتين، وله ثمانون سنة، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/322 2 تحفة الأحوذي 4/347. 3 علي بن نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي -بفتح الجيم وسكون الهاء بعدها معجمة مفتوحة- ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة خمسين ومئتين، روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. "تقريب التهذيب" 2/45. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 670 "محمد بن يحيى الذهلي"1 عند الخطيب البغدادي في "الكفاية"2، وإسماعيل بن إسحاق القاضي3 عند البيهقي في "السنن الكبرى"4. وفي هذا رد على من أعلّ الحديث بالوقف؛ استناداً على ما نقله الترمذي عن البخاري5، ولا يعدو الأمر بالنسبة للبخاري ما قاله الترمذي في "العلل الكبير"6. "وكأن البخاري لم يحفظه مرفوعاً" ا?. وذلك بأن يكون سليمان بن حرب رواه مرة مرفوعاً، ورواه مرة موقوفاً، وأدى كل واحد ممن رواه عنه وفق ما سمع.   1 محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي، النيسابوري، ثقة حافظ، جليل، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وخمسين أي ومئتين على الصحيح، وله ست وثمانون سنة، روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 2/217. 2 /220. 3 قال فيه الذهبي في "تذكرة الحفاظ 2/625-626": "الإمام شيخ الإسلام ... الحافظ، صاحب التصانيف، وشيخ مالكية العراق، وعالمهم، ولد سنة تسع وسبعين ومئة، ومات سنة اثنتين وثمانين ومئتين" ا?. 4 7/349. 5 انظر: "المحلى" 10/119 و"مختصر الأحكام الكبرى"/303. 6 ورقة 32. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 671 وعلى كل حال فهذا الحديث من قبيل من حدّث ونسي حديثه، وذلك أن أيوب1 راوي الحديث عن قتادة2 ذكر أنه لقي كثيراً مولى بني سمرة فسأله عن هذا الحديث الذي يرويه قتادة عنه، فأنكره، وقال: لا أعرفه، ولما رجع أيوب إلى قتادة، وأخبره بموقف كثير منه، قال له: إنه نسي. هذا وقد بيّن علماء مصطلح الحديث الحكم فيمن روى عن رجل حديثاً، فسئل المروي عنه فأنكره، فذكروا أن إنكار الشيخ مرويه إن كان على طريقة الجزم كأن يقول: "كذب علي"، أو "ما رويت له هذا"، فهو علة قادحة. وأما إن كان إنكاره لا على طريقة الجزم، كأن يقول: "لا أذكر هذا" أو "لا أعرفه" فليس ذلك قادحاً في الحديث، وقُبِل   1 هو أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني -بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون- أبو بكر البصري، تقدمت ترجمته في الحديث الخامس عشر، وقد قال ابن حجر فيه في "تقريب التهذيب" 1/89: "ثقة ثبت، حجة من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة، وله خمس وستون، روى له الجماعة". 2 قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي أبو الخطاب البصري، تقدمت ترجمته في الحديث الأول، وهو كما قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/123 ثقة ثبت، وقد ذكره في طبقات المدلسين، في الثالثة منها، إذ هو مشهور بالتدليس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 672 ذلك الحديث في الأصح. وعليه فإن هذا الحديث يكون مقبولا على رواية المصنف، والنسائي؛ نظراً لأن كثيراً لم يجزم فيها بالإنكار، فقد قال أيوب لما التقى به "فسأله فلم يعرفه". وأما على رواية أبي داود فإنه يكون مردوداً؛ لأن كثيراً أنكر الحديث فيها جزماً، حيث قال: "ما حدثت بهذا قط". هذا وكثير المذكور هو: كثير بن أبي كثير البصري مولى عبد الرحمن بن سمرة. روى عن: مولاه، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن المسيب، وأبي سلمة ابن عبد الرحمن، وأبي عياض. وأرسل عن عمر. وروى عنه: محمد بن سيرين، ومنصور بن المعتمر، وأيوب السختياني وعبد الله بن القاسم، وقتادة1. قال العجلي2: "تابعي ثقة". وذكره ابن حبان في: "الثقات"3. وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"4: "قلت: ذكره ابن الجوزي   1 تهذيب التهذيب 8/427. 2 انظر: المصدر السابق الجزء والصفحة. 3 5/332. 4 8/427. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 673 في "الصحابة"، وزعم عبد الحق1 تبعاً لابن حزم2 أنه مجهول، فتعقب ذلك ابن القطان بتوثيق العجلي، وذكره العقيلي في "الضعفاء" وما قال فيه شيئاً" ا?. وقد ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير"3 فلم يذكر فيه شيئاً، كما أورده ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل"4، ولم يتعرض له بجرح أو تعديل، ومثل هذا –كما سلف في أكثر من موضع- يورده ابن أبي حاتم رجاء أن يجد فيه جرحاً أو تعديلاً، فيضيفه إليه، كما بين هذا في آخر مقدمة كتابه المذكور5. واكتفى الذهبي في "ميزان الاعتدال"6 بنقل قول ابن حزم فيه، وتوثيق العجلي وابن حبان من غير أن يتعقب ذلك بشيء، وكأنه أشار في كتابه الكاشف7 إلى تضعيف هذا التوثيق بقوله فيه: "وثق".   1 مختصر الأحكام الكبرى/302-303. 2 المحلى 10/119. 3 4/1/211. 4 3/2/156. 5 1/1/38. 6 3/410. 7 3/6. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 674 وأما ابن حجر فإنه أطلق عليه من الحكم لفظ "مقبول"؛ بناء على قاعدته التي ذكرها في مقدمة كتابه "تقريب التهذيب"1، وهي أن من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، فإليه الإشارة بلفظ مقبول، حيث يتابع وإلا فلين الحديث، فقال في "تقريب التهذيب"2: كثير بن أبي كثير البصري مولى ابن سمرة مقبول، من الثالثة وهم من عده صحابيا، روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة في التفسير. والحال أننا بحثنا له عن متابع فلم نجد، فالحديث إذاً ضعيف، وقد ضعّفه الترمذي بقوله "غريب". وقال النسائي3: "هذا حديث منكر". وطعن البيهقي في كثير هذا، وبالتالي في روايته فقال4 بعد أن أخرج الحديث من طريقه: "وكثير هذا لم يثبت من معرفته ما يوجب قبول روايته، وقول العامة بخلاف روايته".   1 /5. 2 2/133 وانظر في ترجمته: تهذيب الكمال 6 ورقة 572. 3 سنن النسائي 6/147. 4 السنن الكبرى 7/349. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 675 الحديث الحادي والعشرون: باب ما جاء فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم من كتاب الحكام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3/639-640 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 677 حدّثنا قتيبة حدثنا شريك بن عبد الله النخعي، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع بن خديج1 أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وله نفقته". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد الله. والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق2، وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟   1 رافع بن خديج، بن عدي الحارثي، الأوسي الأنصاري، صحابي جليل، أول مشاهده أحد ثم الخندق، مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين، وقيل قبل ذلك، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/241. وخديج: صلى الله عليه وسلمبفتح المعجمة وكسر الدال) وانظر في ترجمته: "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 1/495. 2 قال العراقي في "شرح سنن الترمذي" 3/ ورقة 126 وجه/ب. "حكى المصنف أن أحمد وإسحاق قالا بهذا الحديث، وأحمد لا يقول به مطلقاً، وإنما يقول به ما دام الزرع قائماً، فأما إذا حصده فإنما يكون له الأجرة، حكاه الخطابي، وغيره عن أحمد" ا?. وعلّق الألباني على قول الترمذي هذا بقوله: "قلت: وقد فات هذا الإمام الطحاوي فقال: "ولا نعلم أحداً من أهل العلم تعلق بهذا الحديث، وقال به غير شريك بن عبد الله النخعي، فأما من سواه من أهل العلم فهو على خلافه، وهو عندنا قول حسن؛ لما قد شده من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ". "سلسلة الأحاديث الضعيفة"/124 و"مشكل الآثار" 3/280. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 679 فقال: هو حديث حسن، وقال: لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك. قال محمد: حدثنا معقل بن مالك البصري، حدثنا عقبة بن الأصم عن عطاء، عن رافع بن خديج، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. تخريج الحديث أخرج هذا الحديث سوى الترمذي: أبو داود في "سننه"1. ابن ماجة في "سننه"2. أحمد في "مسنده" من طريقين عن شريك الأولى3، عن وكيع وأبي كامل عنه، والثانية4 عن اسود بن عامر، والخزاعي عنه. يحيى بن آدم في "كتاب الخراج"5.   1 3/355-356. 2 2/824 رقم الحديث صلى الله عليه وسلم2466) . 3 3/465 4 4/141 وانظر: الفتح الرباني 15/148. 5 /93-94 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 680 أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب الأموال"1. أبو داود الطيالسي في "مسنده"2. الطحاوي في "مشكل الآثار"3 من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، ومن طريق يحيى الحماني، ومن طريق الهيثم بن جميل، عن شريك وفي "معاني الآثار"4 من طريق يحيى الحماني، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن شريك. ابن أبي شيبة في "مصنفه"5. أبو يعلى في "مسنده"6. البيهقي في "السنن الكبرى"7 من طريقين عن شريك؛ إحداهما من طريق يحي بن آدم عنه، والأخرى من طريق أبي الوليد الطيالسي عنه. الطبراني في "المعجم الكبير"8 من عدة طرق إلى شريك.   1 /287 بتعليق محمد حامد الفقي و/405 بتعليق محمد خليل الهراس. 2 /129 صلى الله عليه وسلموانظر: "منحة المعبود" 1/278) . 3 3/280. 4 2/218 و219. 5 عزاه إليه الشوكاني في "نيل الأوطار" 5/359. 6 عزاه إليه الشوكاني في "نيل الأوطار" 5/359. 7 6/136. 8 4/339 وانظر: "نيل الأوطار" 5/359 حيث عزاه إليه الشوكاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 681 ابن عدي في "الكامل"1 من طريقين عن شريك، إحداهما من طريق أبي الوليد الطيالسي عنه، والأخرى من طريق أبي الربيع الزهراني عنه. ابن أيمن في "مصنفه"2 بلفظ: "إن رجلا غصب رجلا أرضاً، فزرع فيها، فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى لصاحب الأرض بالزرع، وقضى للغاصب بالنفقة". وكل هؤلاء من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع به3. أقوال أهل العلم في هذا الحديث اختلفت كلمة العلماء في هذا الحديث بين تضعيفه، وتحسينه، وتصحيحه وفيما يلي نتناول هذا بالبحث والبيان: أولا: من ضعّفه ضعّفه الخطابي، ونقل تضعيفه عن موسى بن هارون الحمال، والبخاري، وأحمد بن حنبل، وضعّفه البيهقي، ونقل تضعيفه عن الشافعي،   1 3 قسم صلى الله عليه وسلم1) صفحة صلى الله عليه وسلم155) في "ترجمة شريك بن عبد الله النخعي". 2 عزاه إليه ابن حجر في "التلخيص الحبير" 3/54. 3 فات هذا الحديث صاحب "ذخائر المواريث"، فلم يذكره في أحاديث رافع بن خديج مع أنه من كتابه فليستدرك عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 682 وضعّفه العراقي، ونقل تضعيفه عن الدارقطني، وضعّفه ابن عدي. هذا مجمل، وفي الأسطر القليلة التالية بسط ذلك وتفصيله: قال الخطابي في "معالم السنن"1: "هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث، وحديثي الحسن بن يحيى، عن موسى بن هارون الحمال: أنه كان ينكر هذا الحديث ويضعّفه، ويقول: لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك، ولا عن عطاء غير أبي إسحاق، وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئاً". وضعّفه البخاري أيضاً، وقال: "تفرد بذلك شريك عن أبي إسحاق، وشريك يهم كثيراً أو أحياناً". ويشبه أن يكون معناه –لو صحّ وثبت- على العقوبة والحرمان للغاصب، والزرع في قول عامة الفقهاء لصاحب البذر؛ لأنه تولد من غير ماله وتكون معه، وعلى الزارع كراء الأرض، غير أن أحمد بن حنبل كان يقول: "إذا كان الزرع قائماً فهو لصاحب الأرض، فأما إذا حصد فإنما يكون له الأجرة". وحكى ابن المنذر عن أبي داود قال2: سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن حديث رافع؟ فقال: عن رافع ألوان، ولكن أبا إسحاق زاد فيه "زرع بغير إذنه"، وليس غيره يذكر هذا الحرف" ا?.   1 5/64 مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود. 2 مسائل الإمام أحمد بن حنبل لأبي داود/200. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 683 قال الشوكاني في "نيل الأوطار"1: "وضعفه أيضاً البيهقي" ا?. قال البيهقي في "السنن الكبرى"2: "قال الشافعي في "كتاب البويطي": "الحديث منقطع؛ لأنه لم يلق عطاء رافعا". قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"3: "هكذا وقع في السنن في هذا الحديث، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع، ولم يسمعه أبو إسحاق من عطاء، ولا عطاء من رافع إلى أن قال: والحديث قد ضعّفه غير واحد من الأئمة، منهم الدارقطني" ا?. قال ابن عدي في "الكامل"4: "وهذا يعرف بشريك بهذا الإسناد، وكنت أظن أن عطاء عن رافع بن خديج مرسل، حتى تبين لي أن أبا إسحاق أيضاً –عطاء- مرسل" ا?. ومما سبق يمكن حصر العلل التي أعلّ بها الحديث، وكانت سبباً في تضعيفه وهي: تفرد شريك به عن أبي إسحاق. تفرد أبي إسحاق به عن عطاء. أن أبا إسحاق أرسله عن عطاء، ولم يسمعه منه. أن عطاء لم يلق رافعاً.   1 5/359. 2 6/136. 3 3 ورقة 126 وجه/أ-ب. 4 3 قسم 1 صفحة 155-156. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 684 ولتوضيح هذه العلل ومناقشتها؛ نأخذ كل واحدة منها على حدة: فالعلة الأولى: وهي تفرد شريك1 به عن أبي إسحاق، قد دلّ عليها قول موسى بن هارون الحمال "لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك"، وقول البخاري –فيما حكاه الخطابي عنه- وفيه بيان السبب الذي من أجله لم يقبل تفرد شريك به. وإذا سلم ما قيل في شريك؛ لأنه قيل فيه هذا أو قريباً منه، فإنه لا يسلم تفرده به؛ لمتابعة قيس بن الربيع له عن أبي إسحاق، وهذه المتابعة رواها يحيى بن آدم في "كتاب الخراج"2 له ومن طريقه، رواها البيهقي في "السنن الكبرى"3، فانتفى ما قيل من تفرد شريك به. العلة الثانية: وهي تفرد أبي إسحاق4 به عن عطاء، دلّ عليها قول موسى بن هارون الحمال الآخر "ولم يروه عن عطاء غير أبي إسحاق". ويكفي في رد هذه العلة رواية عقبة بن الأصم5 له عن عطاء التي رواها   1 تقدمت ترجمته في الحديث الثاني والرابع وهو صدوق يخطئ كثيراً. 2 /93-94 . 3 6/136. 4 هو عمرو بن عبد الله الهمداني، أبو إسحاق السبيعي -بفتح المهملة وكسر الموحدة- تقدمت ترجمته في الحديث الثاني، وهو ثقة اختلط بآخره، ومدلس، ذكره ابن حجر في "طبقات المدلسين" في الثالثة منها. 5 عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي البصري، ضعيف من الرابعة، وربما دلس ووهم، من فرق بين الأصم والرفاعي، كابن حبان/ روى له الترمذي "تقريب التهذيب" 2/27 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 7/244 و"ميزان الاعتدال" 3/86 و"المغني في الضعفاء" 2/437 و"الخلاصة" للخزرجي/269 و"المجروحين" 2/199 و"الجرح والتعديل" 3/1/314 و"التاريخ الكبير" 3/2/441 و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي/79 و"الكامل" 3 قسم 3 صفحة 188. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 685 الترمذي، عن شيخه البخاري، عن معقل بن مالك البصري1 عنه. ويمكن أن يعتذر لمن جزم بهذه العلة والتي قبلها بأن الحديث مشتهر بشريك أكثر من غيره، كما قال ابن عدي2: "وهذا يعرف بشريك بهذا الإسناد". والعلة الثالثة: وهي أن أبا إسحاق أرسله عن عطاء، ولم يسمعه منه، نبه عليها ابن عدي في "الكامل"3، وتبعه فيها العراقي في "شرح سنن الترمذي"4، ومن قبل هذا وذاك ذكر العلائي في "جامع التحصيل5" عن الحافظ أبي بكر البرديجي قال: "لم يسمع أبو إسحاق من عطاء بن أبي رباح".   1 معقل بن مالك الباهلي أبو شريك البصري، مقبول، من العاشرة، وزعم الأزدي أنه متروك فأخطأ، روى له البخاري في جزء القراءة، والترمذي. "المصدر السابق" 2/264 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 10/234 و"ميزان الاعتدال" 4/147 و"الحرج والتعديل" 4/1/286 و"المغني في الضعفاء" 2/669. 2 الكامل 3 قسم 1 صفحة 155. 3 3 قسم 1 صفحة 156. 4 3 ورقة 126 وجه/أ. 5 2/583. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 686 ويفهم من كلام ابن عدي أنه اهتدى إلى هذه العلة أخيراً قال1: "وكنت أظن أن عطاء عن رافع بن خديج مرسل، حتى تبيّن لي أن أبا إسحاق أيضاً عن عطاء مرسل"، ثم ساقه، وفيه واسطة بين أبي إسحاق وعطاء، فقال: حدثناه عبد الله بن محمد بن مسلم، ثنا يوسف بن سعيد2، حدثنا حجاج بن محمد3، ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد العزيز بن رفيع4، عن عطاء بن أبي رباح، عن رافع بن خديج   1 الكامل 3 قسم 1 صفحة 156. 2 يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة إحدى وسبعين أي ومئتين، وقيل قبل ذلك، روى له النسائي. صلى الله عليه وسلمتقريب التهذيب 2/381) وانظر في ترجمته: تهذيب التهذيب 11/414 والجرح والتعديل 4/2/224. 3 حجاج بن محمد المصيصي الأعور، أبو محمد الترمذي الأصل، نزل بغداد ثم المصيصة، ثقة ثبت، لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته، من التاسعة، مات ببغداد سنة ست ومئتين، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/154 هذا وسوف تأتي ترجمته إن شاء الله تعالى بأوسع من هذا. 4 عبد العزيز بن رفيع، بفاء مصغراً، الأسدي أبو عبد الملك المكي، نزيل الكوفة، ثقة من الرابعة، مات سنة ثلاث ومئة، وقيل بعدها وقد جاوز السبعين، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/509 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 6/337 و"الجرح والتعديل" 2/2/381 و"التاريخ الكبير" 3/2/11 و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 6/323 و"المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان 3/85، 241. و"الطبقات" لخليفة بن خياط/165 و"تاريخ خليفة بن خياط"/398. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 687 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وترد عليه قيمة نفقته". قال يوسف: غير حجاج لا يقول: "عبد العزيز" يقول: "عن أبي إسحاق عن عطاء". فاستدل ابن عدي بهذه الواسطة "عبد العزيز بن رفيع" بين أبي إسحاق وعطاء على أن أبا إسحاق في السند الخالي من الواسطة أرسله عن عطاء. والفرق بين قول البرديجي وما قاله ابن عدي أن قول البرديجي عام يتناول جميع الأحاديث التي يروي فيها أبو إسحاق عن عطاء، وما قاله ابن عدي خاص بهذا الحديث الذي معنا، فهو يصلح مثالا لما ذكره البرديجي. العلة الرابعة: وهي أن عطاء1 لم يلق رافعاً، موجودة في كلام الشافعي، وموسى بن هارون الحمال، وأبي زرعة، وابن عدي، والعراقي.   1 عطاء بن أبي رباح، بفتح الراء والموحدة، واسم أبي رباح، أسلم القرشي، مولاهم، المكي، ثقة فقيه، فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة أربع عشرة أي ومئة على المشهور، وقيل أنه تغير بأخرة ولم يكن ذلك منه/ روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/22 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 7/199 و"ميزان الاعتدال" 3/70 و"تذكرة الحفاظ" 1/98 و"الطبقات الكبرى" لابن سعد 2/386 و"الجرح والتعديل" 3/1/330 و"التاريخ الكبير" 3/2/463 و"التاريخ الصغير" 1/277 و"تهذيب الأسماء واللغات" الجزء الأول القسم الأول/333 و"الخلاصة" للخزرجي/266 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/280 و"القد الثمين في تاريخ البلد الأمين" 6/84 و"حلية الأولياء" 3/310 و"البداية والنهاية" 9/306. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 688 قال البيهقي في "السنن الكبرى"1: قال الشافعي في كتاب البويطي الحديث منقطع؛ لأنه لم يلق عطاء رافعاً. وقال موسى بن هارون الحمال –فيما حكاه الخطابي2 عنه- وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئاً. قال أبو زرعة3: "لم يسمع عطاء من رافع بن خديج". قال ابن عدي4: "وكنت أظن أن عطاء، عن رافع بن خديج مرسل، حتى تبين لي أن أبا إسحاق أيضاً، عن عطاء مرسل". قال العراقي5: "ولم يرد ابن عدي أنه تبيّن له خلاف ما كان يظنه من الانقطاع بين عطاء ورافع، وإنما معنى كلامه أنه كان يظن أنه مرسل في موضع واحد، فإذا هو مرسل في موضعين. والله أعلم" ا?. وقال العراقي في "شرح سنن الترمذي"6: "هكذا وقع في السنن في هذا الحديث عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن رافع، ولم يسمعه أبو إسحاق من عطاء ولا عطاء من رافع".   1 6/136. 2 معالم السنن 5/64 مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود. 3 انظر المراسيل لابن أبي حاتم/155 وجامع التحصيل في أحكام المراسيل 2/562 و"تهذيب التهذيب" 7/203. 4 الكامل قسم 1 صفحة 156. 5 شرح سنن الترمذي 3 ورقة 126 وجه/أ. 6 3 ورقة 126 وجه/أ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 689 ونختم بقول البيهقي1: "وأهل العلم بالحديث يقولون: عطاء عن رافع منقطع". رد ابن التركماني على العلتين الأخيرتين وقد عقب ابن التركماني2 على هاتين العلتين الخيرتين بقوله: "قلت: ذكر صاحب الكمال أن عطاء سمع رافع بن خديج، وأخرج الترمذي هذا الحديث وقال: حسن غريب، وسألت محمد بن إسماعيل عنه فقال: "حديث حسن". وأخرج البخاري في كتاب الحج من صحيحه من حديث أبي إسحاق، قال: "سألت مسروقاً، وعطاء، ومجاهداً فقالوا اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة قبل أن يحج" وهذا تصريح بسماع أبي إسحاق من عطاء" ا?. ولا أدري على أي وجه ذكر ذلك صاحب الكمال؛ لأنني لم أقف عليه فمن هنا لا يمكنني إجراء مقارنة بينه وبين ما يقابله، والجدير بالذكر أنني رجعت إلى "تهذيب الكمال" و"تهذيب التهذيب" فلم أجد شيئاً من ذلك، سواء في ترجمة رافع أو عطاء، بل الذي وجدته في "تهذيب التهذيب"3 في ترجمة عطاء نفي سماعه من رافع، فقد نقل ابن حجر عن   1 السنن الكبرى 6/136. 2 الجوهر النقي 6/137. 3 7/203. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 690 أبي زرعة قوله المتقدم: "لم يسمع عطاء من رافع بن خديج"، وأقره، ولم يتعقبه بشيء. وعلى فرض أن عطاء سمع من رافع بن خديج فإن ما نقل عن أحمد يضعف الثقة بعنعنة عطاء ويوجب التوقف فيها، وهو هنا قد روى بالعنعنة. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"1 في ترجمة عطاء: "وروى الأثرم عن أحمد ما يدل على أنه كان يدلس، فقال في قصة طويلة: "ورواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلا أن يقول: "سمعت". هذا ما يتعلق بسماع عطاء من رافع، ويلاحظ أن ابن التركماني في إثباته له أورد تحسين الترمذي، وشيخه البخاري للحديث مشيراً به إلى عدم الانقطاع بين عطاء ورافع، وإلا فكيف يحسنانه؟ وكذا يقال في الانقطاع بين أبي إسحاق وعطاء، وعلى كلٍ سيأتي الكلام عن تحسين الترمذي، والبخاري للحديث. وأما بالنسبة لسماع أبي إسحاق من عطاء ففعلا رجعت إلى صحيح البخاري، ورأيته أخرج الحديث المشار إليه بإسناده إلا أن فيه "في ذي القعدة" بدل "في ذي الحجة"، فقال2: "حدثنا أحمد بن عثمان، حدثنا شريح بن مسلمة، حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال:   1 7/203. 2 صحيح البخاري 3/600 مع فتح الباري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 691 سألت مسروقاً، وعطاء، ومجاهداً فقالوا: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة قبل أن يحج". قال ابن حجر1: "ورجال هذا الحديث كلهم كوفيون إلا عطاء، ومجاهداً" ا?. فهذا الحديث ظاهره أن أبا إسحاق التقى بعطاء، وأنه سمع منه، ولكن هل سمع منه هذا الحديث الذي نحن بصدده؟ علماً أنه رواه بالعنعنة عنه وهو مدلس، هذا ما لا يجزم به ابن التركماني ولا غيره، وقد مضى ما اكتشفه ابن عدي من وجود واسطة بين أبي إسحاق وعطاء مما يدل على أنه لم يسمعه منه، وما يدرينا وقد عنعنه عن الواسطة أيضاً أنه اسقط فيه واسطة أخرى بينه وبين عطاء، فهذا غير مستبعد من أبي إسحاق، وقد حصل منه كما عند الطحاوي في "مشكل الآثار" أنه اسقط عطاء نفسه، ورواه عن رافع بن خديج رأساً. قال الطحاوي2: "حدثنا أحمد بن أبي عمران قال: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة (ح) ، وحدثنا فهد بن سليمان قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني (ح) ، وحدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي، قال: ثنا الهيثم ابن جميل، قالوا جميعاً حدثنا شريك عن أبي إسحاق السبيعي. قال أحمد وفهد في حديثيهما: عن رافع بن خديج".   1 فتح الباري 3/602. 2 مشكل الآثار 3/280. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 692 وقال الحسن بن عبد الله في حديثه عن أبي إسحاق السبيعي، عن عطاء ابن أبي رباح، عن رافع بن خديج قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحديث". وإذا كان كما قال الحافظ أبو بكر البرديجي1: "جالس رافع بن خديج". فعلى هذا يكون دلسّه عنه بإسقاط أكثر من واحد. قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل2: حدثني أبي، قال: حدثنا حسين بن حسن الأشقر، قال: حدثنا زهير قال: سمعت أبا إسحاق يقول: "كنت كثير المجالسة لرافع بن خديج، وكنت كثير المجالسة لابن عمر" ا?. ثانياً: من حسّنه حسّن الحديث البخاري، وتبعه في تحسينه الترمذي، والذي يسترعي النظر والانتباه أن يذكر البخاري هنا فيمن حسنه مع أنه ذكر سابقاً فيمن ضعفه، ويزول عجبنا متى عرفنا سبب ذلك؛ وهو أن النقل اختلف عن البخاري في الحكم على هذا الحديث، فبينما ينقل عنه الترمذي التحسين، حكى الخطابي عنه التضعيف، ولا شك أن هذا الاختلاف يتطلب منا التوسط في معرفة الصحيح من ذلك والثابت عنه، وأرى أن هذا التدخل ضروري لا بد منه، حيث النقل عنه متضارب؛ إذ من غير المستحسن أن   1 انظر: "جامع التحصيل في أحكام المراسيل" 2/583. 2 العلل ومعرفة الرجال 1/138، 289، 361. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 693 يغفل، أو يمر عليه من غير تحقيق، وإنني لأعجب أشد العجب أن يحصل ذلك، من بعضهم فلا يحقق في نقل الخطابي، أو الترمذي، ويثبت لنا الصحيح من ذلك فمثلا غير كاف أن ينبه على هذا الاختلاف كل من الصنعاني1، والشوكاني2، من غير ترجيح، أو إبداء رأي، ومما يبعث على الدهشة إننا نجد العراقي يثبت هذا التناقض عن البخاري من غير أن يتنبه له فقال3: "حسّن المصنف (يعني الترمذي) هذا الحديث تبعاً للبخاري". وعقبه وعلى الفور قال: "والحديث قد ضعّفه غير واحد من الأئمة، منهم البخاري". ثم نقل كلام البخاري عليه الذي أورده الخطابي. أما ابن حجر فقد اكتفى بأن قال4: "ويقال: إن البخاري ضعّفه" ا?. ومن المتيسر هنا أن نتساءل من أين نقل الخطابي ما نقل عن البخاري؟ وأين سنده فيما نسبه إلى البخاري؟ حتى الآن لم أقف على ذلك ولم أعرف مصدره. وإذا كان من المهام في هذا المجال رجوعي إلى المصادر التي هي مظنة وجود كلام البخاري الذي نقله الخطابي، فإنه لا أقرب من كتب   1 سبل السلام 3/70. 2 نيل الأوطار 5/359. 3 شرح سنن الترمذي 3/ ورقة 126 وجه/أ-ب. 4 بلوغ المرام/205. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 694 البخاري نفسه صاحب القول المنسوب إليه، فقد رجعت لأتحقق من نقل الخطابي إلى "التاريخ الكبير"، و"الصغير"، و"الضعفاء والمتروكين"، وكلها للبخاري، فلم أجد أثراً لذلك، هذا ما يتعلق بناحية الخطابي، وقد قمت فيما يتعلق بناحية الترمذي بالتأكد من صحة ما نقله عن البخاري والتثبت منه عملا بوصية المحققين من العلماء، وعلى رأسهم ابن الصلاح؛ نظراً لاختلاف النسخ، فوجدت طائفة من العلماء تناقلت هذا التحسين للحديث من البخاري عن الترمذي، كالمنذري1، وابن القيم2، والعراقي3، وصاحب الجوهر النقي4، وأحمد شاكر5، وصاحب بذل المجهود6. وهذا التحسين موجود في نسخة ابن العربي مع "عارضة الأحوذي7". وفي نسخة العراقي في شرحه لسنن الترمذي. ونحن لو قمنا بإجراء مقارنة بين الترمذي، والخطابي لوجدنا الأول تلميذه وخريجه قد اعتنى بجمع أقواله وتدوينها، حتى غدا كتابه "الجامع"   1 مختصر سنن أبي داود 5/65 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 2 تهذيب سنن أبي داود 5/64 مع مختصر وشرح سنن أبي داود. 3 شرح سنن الترمذي 3 ورقة 126 وجه/أ. 4 6/137. 5 في تعليقه على كتاب الخراج ليحي بن آدم/94. 6 15/70. 7 6/126. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 695 مرجعاً مهماً يضم الكثير من أقوال البخاري وآرائه، وهذا بخلاف الخطابي الذي جاء بعد البخاري بردح من الزمن. وأخيراً يلوح لي رجحان كفة الترمذي على الخطابي؛ لأن الخطابي ناقل، والعادة منه النقل بالسند كما فعل في نقله عن موسى بن هارون الحمال، وأحمد بن حنبل، وحيث لم يأت هنا في نقله عن البخاري بالسند ويذكر مصدره فإننا نحمله مسؤولية ما نسبه إلى البخاري، حيث يحتاج ما نسبه إليه إلى دعائم تدعمه كما سلف. والله أعلم. ويمكن لو ثبت نقل الخطابي أن يحمل تحسين البخاري للحديث في كلام الترمذي على أنه يريد حسن معناه، ويبقى في سنده ضعيفاً. وأظن هذا هو الذي قصده محمد خليل الهراس في تعليقه على "كتاب الأموال"1 حين قال: "والحديث رغم ضعفه فإنه أقرب إلى العدل، حيث يوجب لصاحب الزرع نفقة ما زرع أو غرس، وأما قطع النخل في الحديث الذي قبله2 فلعله للتغليظ" ا?.   1 /405. 2 "قال أبو عبيد: وحدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق" قال قال عروة: "لقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلا غرس في أرض رجل من الأنصار من بني بياضة نخلا فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى للرجل بأرضه، وقضى على الآخر أن ينزع نخله. قال: فلقد رأيتها يضرب في أصولها بالفؤوس، وإنها لنخل عم". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 696 وأعتقد أن كلام الهراس وما بنى عليه من الكلام الذي قبله لا يعدم ناقداً أو معترضاً؛ لأن الأحكام لا تثبت بالحديث الضعيف، كما هو معلوم، والعدل وحسن المعنى إنما هو في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه، فإذا ثبت هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون ما تضمنه هو العدل والحق، وإذا لم يثبت لا يفيد فيه حسن معناه، ولا يمكن أن يقال: فات رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه من العدل إذا كان كذلك. قال ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود"1: "وليس مع من ضعّف الحديث حجة؛ فإن رواته محتج بهم في الصحيح، وهم أشهر من أن يسأل عن توثيقهم، وقد حسّنه إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري، والترمذي بعده، وذكره أبو داود ولم يضعّفه، فهو حسن عنده، واحتج به الإمام أحمد، وأبو عبيد. وقد تقدم شاهده من حديث رافع بن خديج في قصة الذي زرع في أرض ظهير بن رافع، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الأرض أن يأخذوا الزرع، ويردوا عليه نفقته، وقال فيه لأصحاب الأرض: "خذوا زرعكم"2   1 9/266 مع عون المعبود. 2 نص الحديث كما رواه أبو داود في "سننه" 9/263 مع عون المعبود بعد سياق سنده قال: حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا أبو جعفر الخطمي قال: "بعثني عمي أنا وغلاماً له إلى سعيد بن المسيب قال: فقلنا له: شيء بلغنا عنك في المزرعة، قال: كان ابن عمر لا يرى بها بأساً حتى بلغه عن رافع بن خديج، فأتاه فأخبره رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حارثة فرأى زرعاً في أرض ظهير، فقال: ما أحسن زرع ظهير، قالوا: ليس لظهير، قال: أليس أرض ظهير؟ قالوا: بلى. ولكنه زرع فلان، قال فخذوا زرعكم وردوا عليه النفقة، قال رافع: فأخذنا زرعنا، ورددنا إليه النفقة، قال سعيد: أفقر أخاك أو أكره بالدراهم" وقد سكت عنه أبو داود وتبعه المنذري. "مختصر السنن" 5/63 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 697 فجعله زرعاً لهم؛ لأنه تولد من منفعة أرضهم، فتولده في الأرض كتولد الجنين في بطن أمه، ولو غصب رجل فحلا فأنزاه على ناقته أو رمكته1 لكان الولد لصاحب الأنثى دون صاحب الفحل؛ لأنه إنما يكون حيواناً من حرثها، ومني الأب لما لم يكن له قيمة أهدره الشارع؛ لأن عسب الفحل لا يقابل بالعوض، ولما كان البذر مالا متقوماً رد على صاحبه قيمته ولم يذهب عليه باطلا، وجعل الزرع لمن يكون في أرضه كما يكون الولد لمن يكون في بطن أمه، ورمكته، وناقته، فهذا محض القياس لو لم يأت فيه حديث، فمثل هذا الحديث الحسن الذي له شاهد من السنة على مثله، وقد تأيد بالقياس الصحيح من حجج الشريعة، وبالله التوفيق" ا?. وقول ابن القيم "رواة الحديث محتج بهم في الصحيح، وهم أشهر من أن يسأل عن توثيقهم" شيء، وما في الحديث من علل سبق ذكرها بسبب الإرسال، أو الانقطاع، أو التدليس شيء آخر، على أنه لا يسلم لابن القيم قوله بأن جميع رواة الحديث محتج بهم ... الخ. فهذا شريك، فإنه   1 الرمكة: بفتحتين الأنثى من البراذي مختار الصحاح/257. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 698 متكلم فيه من جهة سوء حفظه كما هو معروف، وقد تكرر هذا في هذه الرسالة في أكثر من موضع، وإذا رجع إلى ترجمة شريك في مواضعها من كتب الرجال عرف بأن البخاري لم يحتج به، وإنما أخرج له تعليقاً، وأما مسلم فإنه أخرج له متابعة. وأبو إسحاق لا يحتج بما يرويه من غير نظر، وتثبت فهو من المشهورين بالتدليس والاختلاط، وقد دلس هنا كما بيّن فيما مضى. وقول ابن القيم: "وقد حسنه إمام المحدثين أبو عبد الله البخاري والترمذي بعده"، وقول صاحب "بذل المجهود"1 بعد نقله لكلام الخطابي: "قلت لما حسّن الترمذي الحديث، وكذا نقل عن البخاري تحسينه، فتضعيفه غير سديد" فقد عرفت ما في تحسين البخاري للحديث؛ لثبوت ضعف سنده، ويرى ابن حجر2 أن البخاري وصف الحديث بالحسن؛ لكونه اعتضد برواية عقبة بن الأصم، عن عطاء، عن رافع فقال بعد أن ذكر الحديث، ونقل حكم البخاري عليه: "وتفرد شريك بمثل هذا الأصل عن أبي إسحاق مع كثرة الرواة، عن أبي إسحاق مما يوجب التوقف عن الاحتجاج به؛ لكونه اعتضد بما رواه الترمذي أيضاً من طريق عقبة بن الأصم، عن عطاء، عن رافع -رضي الله عنه- فوصفه بالحسن لهذا".   1 15/71. 2 النكت على ابن الصلاح والعراقي ورقة 108. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 699 ثالثاً: من صحّحه صحح الحديث أحمد شاكر لا باعتباره هو، إنما باعتبار متابعة قيس ابن الربيع لشريك عن أبي إسحاق، فقال في "تعليقه على كتاب الخراج"1 ليحيى بن آدم: "وضعّفه الخطابي بأن شريكاً تفرد به، وهو يهم في روايته، ولكن قد تابعه قيس بن الربيع2، كما رواه المؤلف (يعني يحيى بن آدم) عقيب هذا، وقيس يضعّف من قبل حفظه وليس في عدالتهما مطعن، فاتفاقهما على روايته عن أبي إسحاق يدل على صحته" ا?. ونقول لأحمد شاكر: لا يصحح الحديث بكل هذه السرعة، وهذه السهولة، فإنه على فرض التسليم بأن اتفاق شريك وقيس عن أبي إسحاق يدل على صحته.   1 /94. 2 قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، تقدمت ترجمته في الحديث الثاني، وقد قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/128: "صدوق تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به، من السابعة، مات سنة بضع وستين أي ومئة/ روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه". وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 8/391 "ميزان الاعتدال" 3/393، "المغني في الضعفاء" 2/526، "الجرح والتعديل" 3/2/96، "التاريخ الكبير" 4/1/156، "التاريخ الصغير" 2/170، 172، 174، "الضعفاء الصغير" للبخاري/95، "الضعفاء والمتروكين" للنسائي/89. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 700 فالحديث يوجد فيه عقبات فيما بعد شريك وقيس في أبي إسحاق وفي عطاء، وقد مضى الكلام عليها، ومن أجل هذه العقبات لم يحسّن البيهقي الحديث، فضلا عن تصحيحه مع أنه روى هذه المتابعة من طريق يحيى بن آدم، وتكلم عليها ولم يرها شيئاً؛ لتدليس أبي إسحاق، وهو بعدهما، وقد روى عن عطاء بالعنعنة، ولما نقله عن الشافعي من أن عطاء لم يلق رافع بن خديج، وفيما يلي ننقل ما قاله البيهقي قال1: "الحديث الأول ينفرد به شريك بن عبد الله وقيس بن الربيع، وقيس ابن الربيع ضعيف عند أهل العلم بالحديث، وشريك بن عبد الله مختلف فيه، كان يحيى بن سعيد القطان لا يروي عنه، ويضعّف حديثه جداً، ثم هو مرسل قال الشافعي في "كتاب البويطي": "الحديث منقطع؛ لأنه لم يلق عطاء رافعا". بعد هذا نقل البيهقي كلام ابن عدي كله، ثم قال: "أبو إسحاق كان يدلس، وأهل العلم بالحديث يقولن: عطاء عن رافع منقطع". ثم نقل كلام الخطابي. ا?. وحتى يرد أحمد شاكر على الخطابي ومن معه تضعيف الحديث، فإنه أدخلنا في مشكلة، وهي أن عطاء في سند الحديث يظنه الخطابي عطاء ابن أبي رباح، بينما الذي يترجح لدى أحمد شاكر أنه عطاء بن صهيب مولى رافع بن خديج.   1 السنن الكبرى 6/136. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 701 وفيما يلي ما ذكره أحمد شاكر في هذا الصدد، قال1: "ويظهر من كلام الخطابي وغيره أنهم يضعّفون الحديث بأن عطاء لم يسمع من رافع، وأنهم ظنوا أنه عطاء بن أبي رباح، والذي يترجح لدي أنه عطاء بن صهيب أبو النجاشي الأنصاري مولى رافع، وقد صحبه ست سنين، ولم أجد فيما وقع إلي من رواياته التصريح بأنه ابن أبي رباح إلا في "نصب الراية"2 نقلاً عن "الأموال" لأبي عبيد، ولعله ظن من الزيلعي أيضاً، وإلا فكيف حسنه البخاري والترمذي لو كان عندهما من رواية ابن أبي رباح وهي منقطعة غير موصولة، وقد عهدنا في رواة الحديث أنهم لا ينسبون الراوي في أكثر أحوالهم إذا كان يمت إلى من يروي عنه بسبب، كما يطلقون نافعاً عن ابن عمر، وعكرمة، عن ابن عباس. والله أعلم" ا?. وملخص كلام أحمد شاكر هذا هو: أن الخطابي وغيره ممن ضعّف الحديث ظنوا أن عطاء في السند هو ابن أبي رباح، وبناء على هذا الظن كان تضعيفهم للحديث؛ لأن عطاء بن أبي رباح لم يسمع من رافع بن خديج. أن أحمد شاكر لم يجد التصريح فيما وقع إليه من روايات الحديث بأن عطاء هذا هو ابن أبي رباح إلا في "نصب الراية" نقلا عن "الأموال" لأبي عبيد، ولعل هذا التصريح –أيضاً- ظن من الزيلعي، وأن عطاء في "الأموال" غير منسوب.   1 في تعليقه على كتاب الخراج ليحيى بن آدم/94. 2 4/171. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 702 قوى أحمد شاكر ما ترجح لديه من أن عطاء في السند هو ابن صهيب، وليس ابن أبي رباح بأن البخاري والترمذي حسّن الحديث، ولو كان عندهما هذا الحديث من رواية ابن أبي رباح لم يحسّناه؛ لأن روايته منقطعة غير موصولة. ما عهدناه في رواة الحديث أنهم لا ينسبون الراوي في أكثر أحوالهم، إذا كان يمت إلى من يروي عنه بسبب، فلما كان عطاء هنا غير منسوب، وعلى حدّ قول أحمد شاكر ولا في رواية من روايات الحديث، وحتى الذي نقله الزيلعي عن "الأموال" ظن منه، فليكن عطاء هذا هو ابن صهيب. ذلك ملخص كلام أحمد شاكر. ويبدو أن الذي ترجح لديه غير راجح، فمن غير المسلّم أن كل الذين ضعّفوا الحديث من أجل الانقطاع بين عطاء ورافع ظنوا أن عطاء هذا هو ابن أبي رباح، ومشوا على هذا الظن، ولم يتنبه له أحد منهم، مع أن فيهم أساطين العلم، وحذاق الحديث، ومهرته كالشافعي، وموسى بن هارون الحمال، والبيهقي، وابن عدي. وهذا الذي ذكره عن الزيلعي وأنه لعله ظن منه، ليس كما قال فإن التصريح الذي نقله الزيلعي موجود في كتاب "الأموال"1، ولو رجع أحمد شاكر إلى كتاب "الأموال" لوجده، ولرأى أن نقل الزيلعي على الحقيقة وليس على الظن.   1 /287 بتعليق محمد حامد الفقي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 703 والواقع أن التصريح بأنه ابن أبي رباح حصل في غير كتاب "الأموال" جاء عند الطحاوي في "مشكل الآثار"1، وعند ابن عدي في "الكامل"2، وعند البيهقي في "السنن الكبرى"3 نقلا عن ابن عدي، وعند الطبراني في "المعجم الكبير"4. وإذا كان ذلك ما عهدناه في رواة الحديث وهو أنهم لا ينسبون الراوي في أكثر أحوالهم إذا كان يمت إلى من يروي عنه بسبب، فإن عطاء بن أبي رباح أيضاً لما كان مشهوراً ومعروفاً بدون النسبة، حتى أن من يسمع اسم عطاء أول ما يتبادر إلى ذهنه أنه ابن أبي رباح ما احتاج إلى نسبة، بل أن من شهرة عطاء التي غلبت على غيره ممن اسمه كاسمه احتاج هذا الغير إلى تعريف ونسبة، وإلا ظن أنه عطاء بن أبي رباح. والخلاصة: لو كان عطاء في السند هو عطاء بن صهيب كما زعم أحمد شاكر لما تعب العلماء في تقدير انقطاع بينه وبين رافع بن خديج. ومما يبعد القول بأنه عطاء بن صهيب، أن عطاء بن صهيب هذا لم يقع له رواية عن مولاه في "جامع الترمذي"؛ لأنك لا تجد ابن حجر في "تهذيب   1 3/280. 2 3 قسم 1 صفحة 155. 3 6/136. 4 4/339. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 704 التهذيب"1، أو في "تقريب التهذيب"2 يرمز له بذلك، وكذلك المزي في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف". ويزيد الأمر وضوحاً هو أن المزي3 عندما ذكر الحديث إنما ذكره من مرويات عطاء بن أبي رباح، هكذا بالتصريح عن رافع بن خديج وعقبه مباشرة ذكر عطاء بن صهيب ومروياته عن رافع بن خديج، وليس فيها هذا الحديث مما يدل على أن المزي أيضاً يعتقد بأنه ابن أبي رباح لا ابن صهيب. والخلاصة: أن هذا الحديث ضعيف بهذا الإسناد لما ذكر فيه من العلل، ويمكن أن يكون متنه مقبولا للمتابعات والشواهد التي جاءت، والتي مر بعضها.   1 7/208 وانظر: تهذيب الكمال 5 ورقة 468. 2 2/22 وقد قال فيه عطاء بن صهيب الأنصاري أبو النجاشي -بنون وجيم خفيفة، وبعد الألف معجمة- ثقة، من الرابعة، روى له البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجة. 3 تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 3/152. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 705 الحديث الثّاني والعشرون: باب ما جاء في الغال ما يصنع به من كتاب الحدود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4/61 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 707 حدّثنا محمد بن عمرو، ثنا عبد العزيز بن محمد، عن صالح بن محمد ابن زائدة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن عمر1 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من وجدتموه غل2 في سبيل الله فأحرقوا متاعه". قال صالح: فدخلت على "مسلمة"3 ومعه "سالم بن عبد الله"4   1 عمر بن الخطاب بن نفيل -بنون وفاء، مصغراً- ابن عبد العزى، بن رياح –بتحتانية- ابن عبد الله بن قرط -بضم القاف- ابن رزاح -براء ثم زاي خفيفة- ابن عدي بن كعب القرشي، العدوي، أمير المؤمنين، مشهور، جم المناقب، استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وولي الخلافة عشر سنين ونصفا، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/54 وانظر "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 2/518. 2 من الغلول وهو الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة. يقال: غل في المغنم يغل غلولا فهو غال. وكل من خان في شيء خفية فقد غل. وسميت غلولا؛ لأن الأيدي فيها مغلولة أي: ممنوعة مجعول فيها غل، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه. ويقال لها جامعة أيضاً. وأحاديث الغلول في الغنيمة كثيرة" ا?. "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/380. 3 مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الأموي، الأمير، مقبول، من السادسة، مات سنة عشرين أي ومئة أو بعدها، روى له أبو داود "تقريب التهذيب" 2/248 وانظر "الأعلام" للزركلي 8/122. 4 سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو عمر أو أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً، عابداً فاضلا، كان يشبه بأبيه في الهدي والسمت، من كبار الثالثة، مات في آخر سنة ست أي مئة على الصحيح، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/280. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 709 فوجد رجلا قد غل فحدّث سالم بهذا الحديث، فأمر به فأحرق متاعه فوجد في متاعه مصحف، فقال سالم: بع هذا1 وتصدق بثمنه. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. وسألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث. قال محمد: وقد روى في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال، ولم يأمر فيه بحرق متاعه، وقال: هذا حديث غريب. هل هذا الحديث من مسند عمر، أو ابن عمر؟ ذكر هذا الحديث ابن عساكر في كتابه "الأشراف على معرفة الأطراف" في مسند ابن عمر، مع أنه من مسند عمر بشهادة الحفاظ، ويمكن أن يكون هذا تأثراً منه بما وقع في بعض نسخ الترمذي من   1 انظر: كتاب المصاحف لابن أبي داود 2/165 فقد روى فيه عن سالم بن عبد الله ذمه لبيع المصاحف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 710 الاقتصار على ابن عمر دون ذكر عمر في السند، وهذا لا اعتماد عليه كما لا يخفى؛ لأن العلماء مافتئوا يوصون بالتحقق من نسخ الترمذي، وقد تبعه المزي –بعد أن تبعه بذكر الحديث في مسند ابن عمر1- فنبه على وهمه، ثم أورده في مسند عمر2 على الصواب، وقد ظن من لم يتأمل كلام المزي إلى آخره أنه وهم هو أيضاً فاعترض عليه، وقد دافع ابن حجر عن المزي، فقال: "حديث إذا وجدتم الرجل قد غلّ فأحرقوا متاعه ... إلى آخره" اعترض عليه ابن عبد الهادي، ومغلطاي بأنه من مسند عمر" لا من "مسند أبيه3 وقرأت بخط ابن كثير بعد أن صوّب كلام ابن عبد الهادي: العجب من الحافظين ابن عساكر والمزي كيف ذكراه في مسند ابن عمر، ولم يذكراه في مسند عمر فأخطآ هنا وهناك. قلت: قد نبه المزي على وهم ابن عساكر في ذكره إياه في مسند ابن عمر، وأورده في مسند عمر في ترجمة سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر فلا اعتراض على المزي أصلاً"، وزاد على ذلك أنه وقع في الترمذي في بعض نسخه كما وقع عند أبي داود من زيادة عمر في السند4، فالعجب ممن اعترض عليه من قبل أن يتأمل كلامه إلى آخره؛   1 تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 5/355. 2 المصدر السابق 8/57. 3 الضمير يرجع إلى سالم وأبوه عبد الله بن عمر. 4 قال العراقي في "شرح سنن الترمذي" 3 ورقة 182 وجه/أ: "هكذا هو في عامة نسخ أبي داود أنه من حديث عمر، وكذا في أصل سماعنا من الترمذي، وبعض نسخ الترمذي أنه من حديث ابن عمر دون ذكر عمر، وهكذا أورده ابن عساكر في الأطراف في مسند ابن عمر، وتبعه المزي على ذلك، ونبه على اختلاف رواية الترمذي. والله أعلم ... ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 711 فإنه تبع ابن عساكر أولاً، فظنوا أنه اقتصر على ذلك، لكنه تعقب كلامه كما ذكرت". تخريج الحديث أخرج هذا الحديث سوى الترمذي: أحمد في "مسنده"1 بلفظ: "من وجدتم في متاعه غلولا فأحرقوه"2، قال: "وأحسبه قال: واضربوه". أبو داود في "سننه"3 بزيادة "واضربوه".= على جهة الجزم من غير شك، ورواه من وجه آخر عن صالح بن محمد بن زائدة المذكور موقوفاً على سالم بن عبد الله، وقد صحح وقفه عليه.   1 1/22 وبتحقيق أحمد شاكر 1/218 رقم الحديث (144) . 2 قال الساعاتي في "بلوغ الأماني شرح فتح الرباني" 14/93: "أي أحرقوا متاعه كما صرّح بذلك في رواية لأبي داود" ا?. 3 3/92. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 712 الدارمي في "سننه"1 بلفظ: "من وجدتموه غلّ فاضربوه، وأحرقوا متاعه" بدون القصة. سعيد بن منصور في "سننه"2. ابن أبي شيبة في "مصنفه"3. الأثرم في "سننه"4. ابن عدي في "الكامل"5 بلفظ: "من وجدتموه قد غلّ فاضربوه، وأحرقوا متاعه" بالقصة. الحاكم في "المستدرك"6 وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. البهقي في "السنن الكبرى"7. كلهم من طريق صالح بن محمد بن زائدة مرفوعاً، ما عدا الطريق الأخرى عند أبي داود.   1 2/149. 2 القسم الثاني من المجلد الثالث/291. 3 عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" 2/92. 4 قاله ابن قدامة في "المغني" 10/533. 5 3 قسم 1 صفحة 181 في ترجمة صالح بن محمد بن زائدة. 6 2/127-128 . 7 9/102-103 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 713 الكلام على بعض رواة الحديث هذا الحديث يدور –كما يقول ابن عبد البر1 وعبد الحق الأشبيلي2- على صالح بن محمد وهو صالح بن محمد بن زائدة المدني، أبو واقد الليثي الصغير. روى عن: أنس، وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر. وروى عنه: الدراوردي، وأبو إسحاق الفزاري، وعبد الله بن دينار وهو أكبر منه. عدّله بعضهم –كأحمد، والذهبي- بأدنى عبارات التعديل، فقال عبد الله بن أحمد عن أبيه3: "ما أرى به بأساً". وقال الذهبي في "المغني في الضعفاء"4: "صويلح"، وقال في "ميزان الاعتدال"5: "مقارب الحال". وهذا يعني أن حديثه صالح للاعتبار. وجرحه الآخرون بين جرح خفيف، وشديد بما يأتي:   1 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 2/21 وانظر "أحكام القرآن" للقرطبي 4/259. 2 مختصر الأحكام الكبرى مصور ورقة 265. 3 انظر: الجرح والتعديل 2/1/412 وميزان الاعتدال 2/299 وتهذيب التهذيب 4/401. 4 1/305. 5 2/299. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 714 أنه ليس بالقوي: وصفه بهذا أبو داود1، والنسائي2، والعجلي3، وأبو أحمد الحكم4. وهذه العبارة من أسهل عبارات الجرح، وهي تعني أن حديثه يكتب للاعتبار والمتابعات. أنه ضعيف: وصفه بهذا ابن معين5، وابن المديني6، وأبو زرعة7 وأبو حاتم8، والدارقطني9، والواقدي10. وصاحب هذه المرتبة يكتب حديثه للاعتبار، ولا يحتج بما انفرد به. أنه منكر الحديث: قال البخاري11: والحكم أنه يرد حديثه.   1 انظر: تهذيب التهذيب 4/401. 2 الضعفاء والمتروكين/57. 3 انظر: تهذيب التهذيب 4/401. 4 انظر: المصدر السابق الجزء والصفحة. 5 التاريخ 2/205. 6 تهذيب التهذيب 4/401. 7 الضعفاء والكذابون والمتروكون انظر تهذيب الكمال 4 ورقة 301. 8 الضعفاء والكذابون والمتروكون انظر تهذيب الكمال 4 ورقة 301. 9 انظر: تهذيب التهذيب 4/401. 10 انظر المصدر السابق 4/401-402. 11 التاريخ الكبير 2/2/291، والتاريخ الصغير 2/103، والضعفاء الصغير/59 وهنا فيما نقله الترمذي عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 715 قال أحمد شاكر في "الباعث الحثيث"1: "وكذا قوله: "منكر الحديث"، فإنه يريد به الكذابين، ففي الميزان2 للذهبي: "نقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه: منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه" ا?. ويفهم من كلام السخاوي في "فتح المغيث"3 أن هذه العبارة تعني عند البخاري أنه يريد بها من فحش خطؤه، وهو الضعيف جداً، وذلك أن السخاوي لما وضع "منكر الحديث" في المرتبة الخامسة من مراتب الجرح، وهي مرتبة ضعيف قال بعد ذلك: "لكن قال البخاري: "كل من قلت فيه: "منكر الحديث" –يعني الذي أدرج في الخامسة- لا يحتج به"، وفي لفظ: "لا تحل الرواية عنه". وصنيع شيخنا "يعني ابن حجر" يشعر بالمشي عليه حيث قال4: "فقولهم: متروك، أو ساقط، أو فاحش الغلط، أو منكر الحديث أشد من قولهم "ضعيف"، أو "ليس بالقوي"، أو "فيه مقال". ولكن يساعد كونها من التي بعدها "يعني من مرتبة ضعيف التي هي بعد مرتبة ضعيف جداً على حسب ذكره للمراتب، حيث   1 /106. 2 1/6 في ترجمة أبان بن جبلة الكوفي وانظر: "ترجمة سليمان بن داود اليمامي" 2/202. 3 1/346. 4 نزهة النظر شرح نخبة الفكر/71. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 716 بدأ بالنسبة لعبارات الجرح من الأسوأ إلى الأسهل" قول الشارح (العراقي) في تخريجه الأكبر للأحياء: "وكثيراً ما يطلقون المنكر على الراوي لكونه روى حديثاً واحداً". ونحوه قول الذهبي في ترجمة عبد الله بن معاوية الزبيري من "الميزان"1: "قولهم: "منكر الحديث" لا يعنون به أن كل ما رواه منكر، بل إذا روى الرجل جملة وبعض ذلك مناكير فهو منكر الحديث" ا?. فذكر السخاوي أن صنيع شيخه ابن حجر يشعر بالمشي على اصطلاح البخاري حين قال: "منكر الحديث" أشد من قولهم "ضعيف"، ومعني هذا أنه يكون في مرتبة أنزل من مرتبة ضعيف بمرتبة، وهي مرتبة ضعيف جداً، وقد اعتذر السخاوي عن وضعه في هذه المرتبة إلى المرتبة التي وضعه فيها، وهي مرتبة ضعيف بما أورده عن العراقي والذهبي. وسواء قلنا: إن هذه العبارة تعني عند البخاري أنه يريد بها الكذاب أو الضعيف جداً، فإن الحكم بالنسبة لمن أطلقت عليه هذه العبارة واحد لا يختلف، وهو الذي صدّرناه، إلا أن حديث الكذاب يوصف بأنه موضوع ومختلق، والحال أنه لم يثبت كذب هذا الراوي أو حتى مجرد اتهامه بالكذب، وكل ما نقل فيه من عبارات الجرح إنما   1 رجعت إلى نسخة "الميزان" التي بين يدي في ترجمة هذا الراوي 2/507 فلم أجد هذا الكلام الذي نقله السخاوي، ولعله في نسخة أخرى أكمل من هذه التي بين أيدينا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 717 هي دون ذلك، وبعضها مما يقرب من أدنى عبارات التعديل كما سبق، بل بعضهم عدّله بأدنى عبارات التعديل كالإمام أحمد، والذهبي كما تقدم. وإذا عرف اصطلاح البخاري في هذه العبارة "منكر الحديث" فإن عدّ السخاوي لها في مرتبة ضعيف إنما هو جار على اصطلاح الجمهور –باستثناء أحمد1-، فليجعل عليه قول ابن أبي حاتم2 عن أبيه في هذا الراوي: "ليس بقوي، تركه سليمان بن حرب3، وكان صاحب غزو منكر الحديث". وقول الساجي4 فيه: "منكر الحديث فيه ضعف". والذي أشعر به من وصف هذا الراوي بمنكر الحديث، أنه لا يعدو في هذا ما قاله الذهبي: "إذا روى الرجل جملة وبعض ذلك مناكير فهو منكر الحديث".   1 فإن له اصطلاحاً خاصاً، قال ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"/437 في ترجمة محمد بن إبراهيم التيمي: "قلت: المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له". وقال أيضاً في ترجمة بريد بن عبد الله/392: "أحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة" ا?. وانظر: "الرفع والتكميل" 93، 94 و"توضيح الأفكار" 2/6. 2 الجرح والتعديل 2/1/412. 3 جاء في "المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان 1/426 ما يفيد روايته عنه أخيراً. 4 تهذيب التهذيب 4/402. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 718 وقد عبّر عن ذلك ابن عدي حيث قال1: "بعض أحاديثه مستقيمة، وبعضها فيها إنكار" ا?. والحاصل أن هذا الرجل يدور بين الترك فلا يعتبر به ولا يستشهد به لقول البخاري السابق؛ ولقول ابن حبان2: "كان ممن يقلب الأخبار والأسانيد، ولا يعلم، ويسند المراسيل، ولا يفهم، فلما كثر ذلك في حديثه وفحش استحق الترك" ا?. وبين أن يعتبر به ويستشهد به. والذي أميل إليه من الحكم بعد هذا الاستعراض أنه ضعيف يكتب حديثه للاعتبار، ولا يحتج به إذا انفرد. وهذا –في نظري- هو القول الوسط فيه، وهو قول الأكثرية وفيهم المعتدل كالدارقطني، والمتشدد كابن معين، وأبي حاتم. وبعد فهذا الحكم هو ما حكم به ابن حجر في "تقريب التهذيب"، حيث قال3: "صالح بن محمد بن زائدة المدني أبو واقد الليثي الصغير ضعيف4، من الخامسة، مات بعد الأربعين أي ومئة، روى له أبو داود،   1 الكامل 3 قسم 1 صفحة 182. 2 المجروحون 1/367. 3 1/362. 4 وعلى هذا الحكم مشى في "فتح الباري" 6/187 بمناسبة ذكره لحديث صالح هذا فقال: "صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء" وكذا مشى في "التلخيص الحبير" 2/113 بمناسبة ذكره لحديثه أيضاً حيث قال: "وصالح ضعيف". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 719 والترمذي، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجة". وهو ما جنح إليه ابن عدي في "الكامل"1 بقوله: "بعض أحاديثه مستقيمة، وبعضها فيها إنكار، وليس له من الحديث إلا القليل، وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم" ا?. وقد قال العجلي2: "يكتب حديثه وليس بالقوي". ما قاله الأئمة عن هذا الحديث هذا الحديث ضعّفه جماعة من العلماء قديماً وحديثاً، وكان البخاري من أشدّهم حملا على هذا الحديث، وقد تعرّض له في أكثر من مناسبة فذكره في "التاريخ الكبير والصغير"، وأشار إليه في "صحيحه"، وذكره فيما نقله الترمذي عنه هنا وفي "العلل": "قال الترمذي في "العلل"3: "سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فضعّفه، وقال: قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث خلاف هذا حديث أبي هريرة4 في قصة مدعم.   1 3 قسم 1 صفحة 182 وانظر: أسماء الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ورقة 77-78. 2 تهذيب التهذيب 4/401. 3 انظر شرح الترمذي للعراقي 3 ورقة 182 وجه/أولم أعثر عليه في "العلل الكبير" أما "الصغير" فإنه لا يوجد فيه. 4 أخرجه البخاري في "صحيحه" 7/487-488 مع "فتح الباري" ومسلم في "صحيحه" 12/128 بشرح النووي، وانظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 1/23 ونصه من صحيح البخاري: عن أبي هريرة "رضي الله عنه" قال: "افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهبا ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل، والمتاع، والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له: "مدعم" أهداه له أحد بني الضباب، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس: هنيئاً له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى. "والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً"، فجاء رجل –حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم- بشراك أو شراكين فقال: هذا شيء كنت أصبته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شراك أو شراكان من نار". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 720 وحديث زيد بن خالد1 أن رجلا غلّ خرزات، وذكر أحاديث فلم يذكر في شيء منها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يحرق متاع من غلّ إلى آخر كلامه. وقال البخاري2: "عامة أصحابنا يحتجون بهذا الحديث في إحراق   1 أخرجه أبو داود في "سننه" 7/278-379 مع عون المعبود ونصه: عن زيد بن خالد الجهني "أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "صلوا على صاحبكم" فتغيّرت وجوه الناس لذلك، فقال: "إن صاحبكم غلّ في سبيل الله" ففتشنا متاعه، فوجدنا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين". 2 انظر: "مختصر سنن أبي داود" للمنذري 4/40 و"السنن الكبرى" 9/103 و"شرح سنن الترمذي" 3 ورقة 182 وجه/أو"عمدة القارئ" 7/110 و"تهذيب التهذيب" 4/401 و"التلخيص الحبير" 2/113 و"فتح الباري" 6/187 وأشار إلى أن البخاري قاله في "التاريخ" هكذا من غير تعيين ولم أره في "التاريخ الكبير" ولا الصغير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 721 رحل الغال، وهو حديث باطل ليس له أصل، وراويه صالح هذا لا يعتد عليه" ا?. وقال هنا فيما حكاه الترمذي عنه، وقد سأله عن هذا الحديث؟: "إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث، وقد روى في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغال، ولم يأمر فيه بحرق متاعه، وقال: هذا حديث غريب" ا?. وقال في "التاريخ الكبير"1: "صالح بن محمد بن زائدة أبو واقد الليثي المدني تركه سليمان بن حرب منكر الحديث، يروي عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر رفعه: "من غلّ فأحرقوا متاعه"، وقال ابن عباس، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغلول2: ولم يحرق".   1 2/2/292. 2 أخرجه مسلم وغيره ونصه من "صحيح مسلم" 2/127 بشرح النووي: "عن عبد الله بن عباس "رضي الله عنهما" قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: "لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. قال: فخرجت فناديت ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 722 وقال في "التاريخ الصغير"1 وقد ذكر فيه صالح بن محمد راوي هذا الحديث في فصل من مات من الأربعين إلى الخمسين ومئة: "تركه سليمان بن حرب منكر الحديث، روى عن سالم عن أبيه عن عمر رفعه: "من غلّ فأحرقوا متاعه" لا يتابع عليه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الغال: "صلوا على صاحبكم" 2، لم يحرق متاعه" ا?. وأشار في "صحيحه" إلى تضعيفه، وأورد ما يخالفه، فقال3 في باب القليل من الغلول من كتاب الجهاد: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرّق متاعه، وهذا أصحّ" ا?. قال ابن حجر: قوله: "ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرّق متاعه" يعني في حديثه4 الذي ساقه في الباب في قصة الذي غلّ العباءة. (قال) وقوله: "وهذا أصحّ" أشار إلى تضعيف ما روي عن عبد الله بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال، والإشارة بقوله: "هذا" إلى الحديث الذي ساقه" ا?.   1 2/103. 2 طرف من حديث أبي هريرة الذي مضى في قصة مدعم. 3 صحيح البخاري 6/187 مع فتح الباري. 4 ونصه: كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجل يقال له "كركره" فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هو في النار"، فذهبوا ينظرون إليه، فوجدوا عباءة قد غلها". قال أبو عبد الله: "قال ابن سلام: "كركرة يعني بفتح الكاف" ا?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 723 وقد ضعّف الترمذي هذا الحديث تبعاً لشيخه البخاري من أجل تفرد صالح بن محمد بن زائدة به، وهو ضعيف، وعبّر عن ذلك بقوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه". وقال الدارقطني1: "أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد، قال: وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ا?. وقال في "العلل"2 وقد سئل عن هذا الحديث: "يرويه أبو واقد الليثي صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم، عن أبيه، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو واقد هذا ضعيف، والمحفوظ أن سالماً أمر بهذا ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكره عن أبيه، ولا عن عمر" ا?. وقال النووي في "شرح صحيح مسلم"3: "قال الجمهور: وهذا حديث ضعيف؛ لأنه مما انفرد به صالح بن محمد عن سالم، وهو ضعيف" ا?. وقال ابن عبد البر4: "وفي هذا الحديث5 أيضاً دليل على أن الغال   1 انظر: "مختصر سنن أبي داود" 4/40 و"مختصر العلل المتناهية" للذهبي ورقة/46 و"التلخيص الحبير" 2/113. 2 المجلد الأول ورقة/64. 3 12/317. 4 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 2/21. 5 إشارة إلى حديث أبي هريرة الذي مضى في قصة مدعم وقد أخرجه مالك أيضاً في الموطأ 3/31 مع شرح الزرقاني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 724 لا يجب عليه حرق متاعه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق رحل الذي أخذ الشملة ولا متاعه، ولا احرق متاع صاحب الخرزات، ولو كان حرق متاعه واجباً لفعله صلى الله عليه وسلم حينئذ، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث. وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من غلّ فاحرقوا متاعه واضربوه" رواه أسد ابن موسى وغيره، عن الدراوردي، عن صالح بن محمد بن زائدة، عن سالم، عن ابن عمر، وقال بعض رواة هذا الحديث فيه: "فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه" وهو حديث يدور على صالح بن محمد بن زائدة، وهو ضعيف لا يحتج به. وممن قال: يحرق رحل الغال ومتاعه مكحول، وسعيد بن عبد العزيز، وحجة من ذهب إلى هذا القول حديث صالح المذكور، وهو عندنا حديث لا يجب به انتهاك حرمة، ولا إنفاذ حكم مع ما يعارضه من الآثار التي هي أقوى منه. فأما رواية من روى: "فاضربوا عنقه وأحرقوا متاعه" فإنه يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" الحديث1 وهو ينفي القتل في الغلول.   1 أخرجه البخاري في "صحيحه" 12/201 مع فتح الباري. ومسلم في "صحيحه" 11/164 بشرح النووي وتكملته من صحيح البخاري: "النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة". وهو من حديث عبد الله بن مسعود "رضي الله عنه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 725 وروى أبو الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على الخائن، ولا على المنتهب، ولا على المختلس قطع" 1. وهذا أيضاً يعارض حديث صالح بن محمد بن زائدة وهو أقوى من جهة الإسناد، والغال: خائن في اللغة والشريعة. وقال الطحاوي2: لو صحّ حديث صالح المذكور احتمل أن يكون حين كانت العقوبات في الأموال، كما قال في مانع الزكاة: "إنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات الله". وكما روى أبو هريرة في ضالة الإبل المكتومة: "فيها عزماتها، ومثلها معها". وكما روى عبد الله بن عمرو بن العاص في الثمر المعلق غرامة مثليه، وجلدات نكال. وهذا كله منسوخ3.   1 أخرجه الترمذي في سننه 5/8-9 مع تحفة الأحوذي وغيره وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم" ا?. 2 انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 12/317 و"أحكام القرآن" للقرطبي 4/259 و"فتح الباري" 6/187 وقد بحثت عنه في "معاني الآثار" و"مشكل الآثار" فلم أعثر عليه فيهما. 3 انظر: شرح علل الترمذي لابن رجب/52 فقد قال: "وذكر الطحاوي الإجماع على ترك العمل بحديث تحريق الغال إلا عن مكحول. والطحاوي أكثر الناس دعوى لترك العمل بأحاديث كثيرة". وانظر: التلخيص الحبير 2/113 ومرقاة المفاتيح 7/187. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 726 قال أبو عمر: "الذي ذهب إليه مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، ومن تابعهم في هذه المسألة أولى1 من جهة النظر وصحيح الأثر، والله أعلم2" ا?. وقال البيهقي في "السنن الكبرى"3: "وأما الحديث الذي أخبرنا ... فساقه، فهذا ضعيف". وقال القرطبي4: "وفي هذا الحديث5 دليل على أن الغال لا يحرق متاعه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحرق متاع الرجل الذي أخذ الشملة، ولا أحرق متاع صاحب الخرزات الذي ترك الصلاة عليه، ولو كان حرق متاعه واجباً لفعله صلى الله عليه وسلم، ولو فعله لنقل ذلك في الحديث.   1 الذي ذهبوا إليه في حكم الغال كما بينه ابن عبد البر في كلام له قبل ذلك أنه يعاقب بالتعزير ولا يحرق متاعه. 2 وانظر: "أحكام القرآن" للقرطبي 4/259 و"مختصر الأحكام الكبرى" للأشبيلي ورقة 265 و"تهذيب سنن أبي داود" 4/39 مع مختصر وشرح سنن أبي داود. 3 9/102-103 . 4 أحكام القرآن 4/259. 5 إشارة إلى حديث أبي هريرة الذي مضى في قصة مدعم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 727 وأما ما روى عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وجدتم الرجل قد غلّّ فأحرقوا متاعه واضربوه" فرواه أبو داود، والترمذي من حديث صالح بن محمد بن زائدة، وهو ضعيف لا يحتج به" ا?. وقال عبد الحق الأشبيلي1: " ... وهذا حديث يدور على صالح بن محمد، وهو منكر الحديث ضعيف لا يحتج به ضعّفه البخاري وغيره". وقال ابن حجر في "فتح الباري"2: "والأمر بحرق رحل الغال أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء"، ثم ساقه بالقصة. وقال في "التلخيص الحبير"3: "قوله: وقال الشافعي: "لو صحّ الحديث قلت: به "قال الرافعي: "يريد أنه لم يظهر له صحته" قال: "وبتقدير الصحة يحمل على أنه كان في ابتداء الأمر ثم نسخ". قلت (القائل ابن حجر) : "لم يصح فلا حاجة إلى الحمل، وقد أشار البخاري في الصحيح إلى أنه ليس   1 مختصر الأحكام الكبرى ورقة 265. 2 6/187. 3 2/113. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 728 بصحيح، وأورد ما يخالفه، ثم إن الحمل المذكور مما ينازع فيه؛ لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال" ا?. وقال أحمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد بن حنبل1: "إسناده ضعيف". وقال الألباني في "ضعيف الجامع الصغير"2: "ضعيف". النتيجة إن المتتبع لأقوال العلماء في هذا الحديث، والمتمعن فيها يجدهم مطبقين على تضعيف هذا الحديث؛ لضعف راويه "صالح بن محمد بن زائدة"؛ ولمعارضته للأحاديث الصحيحة التي لم يذكر فيها حرق رحل الغال، بل قال البخاري: "هو حديث باطل ليس له أصل"، وقال الدارقطني: "لا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإذا عرف أن هذا الحديث مما انفرد به صالح المذكور، فإنه يمكن الجزم بأنه من مناكيره قال الداقطني: "أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد وهذا حديث لم يتابع عليه". وقد أورده الذهبي في "ميزان الاعتدال3" من مناكيره إلا أنه سمى   1 1/218 رقم الحديث (144) . 2 1/240. 3 2/300. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 729 في القصة "سليمان بن عبد الملك1" بدل "مسلمة بن عبد الملك2". ومما يؤيّد ما ذهب إليه البخاري والدارقطني من أن هذا الحديث لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه اختلف فيه على صالح ابن محمد: "فرواه الدراوردي عنه، عن سالم، عن ابن عمر، عن عمر مرفوعاً". وخالفه أبو إسحاق الفزاري فرواه عن صالح بن محمد قال: "غزونا مع الوليد بن هشام3، ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر،   1 سليمان بن عبد الملك بن مروان أبو أيوب الخليفة الأموي (54-99?) ولد في دمشق وولي الخلافة يوم وفاة أخيه الوليد "سنة 96?"، وكان بالرملة فلم يتخلف عن مبايعته أحد فأطلق الأسرى، وأخلى السجون، وعفا عن المجرمين، وأحسن إلى الناس، وكان عاقلا فصيحاً، طموحاً إلى الفتح جهز جيشاً كبيراً، وسيّره في السفن بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك لحصار القسطنطينية، وفي عهده فتحت جرجان وطبرستان، وكانتا في أيدي الترك، وتوفي في دابق ( ... ) وكانت عاصمته دمشق ومدة خلافته سنتان وثمانية أشهر إلا أياماً". "الأعلام" للزركلي 3/192-193. 2 فأنت تلاحظ هذا الاختلاف في صاحب القصة مرة يذكر "مسلمة بن عبد الملك"، ومرة "سليمان بن عبد الملك"، ومرة "الوليد بن هشام" كما سيأتي، وتلاحظ أيضاً في متن الحديث مرة يذكر "التحريق" فقط، ومرة يذكر معه "الضرب"، ومرة يذكر مع ذلك "المنع من السهم"، وإلا بلغ من ذلك كله أنه ذكر في بعض ألفاظ الحديث "ضرب العنق"، وكل هذا لا شك اضطراب وشذوذ، عما هو صحيح. وانظر: التمهيد 2/21. 3 أي المعيطي كما في تهذيب الكمال 4 ورقة 301 قال ابن حجر في تقريب التهذيب 2/336: ثقة، من السادسة، روى له مسلم والأربعة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 730 وعمر بن عبد العزيز1 فغلّ رجل منا متاعاً، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق، وطيف به، ولم يعطه سهمه". رواه أبو داود2 وقال: "هذا أصح الحديثين رواه غير واحد أن الوليد بن هشام حرّق رحل زياد بن سعد، وكان قد غلّ وضربه". قال ابن حجر في "النكت الظراف"3: "رواية سعيد النفيلي موصولة، ورواية محبوب مقطوعة ليس فيها أن سالماً حدّث به عن أبيه عن جده ولا عن أبيه فقط، ولهذا قال أبو داود: "هذا أصحّ الحديثين"، يعني المقطوع فحينئذ الشذوذ من الدراوردي4؛ لأن   1 عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده، فعد من الخلفاء الراشدين، من الرابعة، مات في رجب سنة إحدى ومئة وله أربعون سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/59-60. 2 سنن أبي داود 7/383 مع عون المعبود. 3 5/355 مع تحفة الأشراف بمعرفة الطراف. 4 هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني، مولاهم المدني، صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله بن عمر منكر من الثامنة، مات سنة ست أو سبع وثمانين أي ومئة، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/512 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 6/354 و"ميزان الاعتدال" 2/633 و"المغني في الضعفاء" 2/399 و"هدي الساري مقدمة فتح الباري"/420 و"الجرح والتعديل" 2/2/395 و"التاريخ الكبير" 3/2/25 و"التاريخ الصغير" 2/236 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/276. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 731 الفزاري1 أثبت منه". فتبين أنه موقوف على الوليد بن هشام من فعله، كما قال أبو داود: "رواه غير واحد أن الوليد بن هشام حرّق رحل زياد بن سعد، وكان قد غلّ وضربه". قال العراقي في "شرح سنن الترمذي"2: حديث عمر ضعيف من ثلاثة أوجه: أحدها: ضعيف لرواية صالح بن محمد أبي واقد الليثي، فقد اتفقوا على ضعفه. والثاني: أن الصحيح فيه وقفه على الوليد بن هشام كما قال أبو داود. الثالث: مخالفته لأحاديث الثقات. وقال ابن حجر في "فتح الباري"3: "ثم ساقه (يعني أبا داود) من   1 الفزاري هو: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة ابن حفص بن حذيفة الفزاري الإمام أبو إسحاق، ثقة حافظ، له تصانيف، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين أي ومئة، وقيل بعدها، روى الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/41 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 1/151 و"تذكرة الحفاظ" 1/273 و"الجرح والتعديل" 1/1/128 و"التاريخ الكبير" 1/1/321 و"الطبقات" لخليفة ابن خياط/317 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/384. 2 3 ورقة 182 وجه/أ. 3 6/187. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 732 وجه آخر عن سالم موقوفاً. قال أبو داود: "هذا أصحّ". وقال في "التلخيص الحبير"1: "وصحح أبو داود وقفه". وقول ابن حجر: "ثم ساقه من وجه آخر عن سالم موقوفاً" (قلت) لعل الوليد بن هشام فعل به ذلك بفتوى من سالم بن عبد الله، حيث كان معه، ويؤيد هذا أن الدارقطني قال في "العلل"2: "والمحفوظ أن سالماً أمر بهذا، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ذكره عن أبيه، ولا عن عمر" ا?. وعبّر بقوله: "والمحظوظ" إشارة إلى أن هذا هو الصواب، وإما رفعه فهو خطأ وغلط، وكونه فتوى من سالم مما فيه مجال للرأي، وأنه اجتهد فأداه اجتهاده إلى هذا، وإذا كان هذا اجتهاداً فهو خاطئ؛ لأنه لا اجتهاد مع النص، والمجتهد يخطئ ويصيب. هذا وقد روى أبو داود هذا الحديث في "سننه" من طريق آخر فقال3: حدثنا محمد بن عوف، حدثنا موسى بن أيوب قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حرّقوا متاع الغال وضربوه". قال أبو داود: وزاد فيه علي بن بحر عن الوليد، ولم أسمعه منه "ومنعوه سهمه". قال أبو داود: وحدثنا به الوليد بن عتبة، وعبد الوهاب بن نجدة   1 2/113. 2 المجلد الأول ورقة 64. 3 سنن أبي داود 3/92. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 733 قال: حدثنا الوليد، عن زهير بن محمد، عن عمرو بن شعيب قوله، ولم يذكر عبد الوهاب بن نجدة الحوطي: منع سهمه، وهذا الحديث له علة ذكرها ابن القيم في "تهذيب سنن أبي داود"، فقال1: "وعلة هذا الحديث أنه من رواية زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب، وزهير ضعيف". قال البيهقي2: وزهير هذا يقال: هو مجهول، وليس بالمكي3، وقد   1 تهذيب سنن أبي داود 7/384 مع عون المعبود. 2 السنن الكبرى 9/12 فقد عقّد البيهقي بابا عنونه بقوله: "باب لا يقطع من غلّ في الغنيمة ولا يحرق متاعه، ومن قال يحرق" ومما جاء فيه قوله: "وقد مضى في الباب قبله حديث عبد الله بن عمرو في كركرة، ولم يذكر في شيء من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتحريق متاع الغال، وفي ذلك دليل على ضعف ما أخبرنا، ثم ساق حديث عمرو بن شعيب مرفوعاً وموقوفاً، بعده أورد ما نقله ابن القيم عنه، وقد حاول ابن التركماني أن يثبت أن زهيراً هذا هو المكي ولكن بدون دليل يعتمد عليه، ويصار إليه". 3 قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 3/350: "زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب وعنه الوليد بن مسلم، قال البيهقي في حديث زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في حرق رحل الغال هو الخراساني، نزيل مكة، قال: ويقال: إنه غيره وأنه مجهول ... ". ويؤيد أنه غير الخراساني ما جاء في تهذيب التهذيب 3/349 عن أحمد بن حنبل وذلك في ترجمة الخراساني: "قال البخاري قال أحمد: كان زهير الذي روى عنه أهل الشام زهيراً آخر" ومعلوم أن الراوي عن زهير بن محمد الذي هنا الوليد ابن مسلم وهو من أهل الشام، وعلى فرض أن زهيراً المذكور في الحديث، هو زهير بن محمد الخراساني، فإن ابن حجر قال في تقريب التهذيب 1/264: "رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعّف بسببها" ثم نقل كلام أحمد السابق، وفي تهذيب التهذيب في ترجمة الخراساني 3/349 "قال البخاري: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير. وقال أبو حاتم: وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق؛ لسوء حفظه فما حدّث به من حفظه ففيه أغاليط، وما حدّث من كتبه فهو صالح، وقال العجلي: لا بأس به وهذه الأحاديث التي يرويها أهل الشام عنه ليست تعجبني" فأنت تلاحظ أنه لم يستثن شيء من أحاديثه في رواية أهل الشام عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 734 رواه أيضاً مرسلاً. ورجح ابن حجر أنه موقوف على عمرو بن شعيب، فقال في "فتح الباري"1: "قلت: وجاء من غير طريق صالح بن محمد، أخرجه أبو داود أيضاً من طريق زهير بن محمد موقوفاً عليه، وهو الراجح". وبالرغم من ضعف هذه الأحاديث التي فيها الأمر بتحريق متاع الغال وضربه، فقد جمع بعض العلماء بينها وبين ما يعارضها من الأحاديث الصحيحة التي ليس فيها الأمر بذلك، بأن أوكل ذلك الأمر إلى مصلحة الحاكم واجتهاده. فقال ابن القيم2: "إن هذا –يعني الأمر بتحريق متاع الغال وضربه- من باب التعزير والعقوبات المالية الراجعة إلى اجتهاد الأئمة بحسب المصلحة".   1 6/187. 2 زاد المعاد 2/66. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 735 وقال سيّد سابق في "فقه السنة"1 بعد أن أورد حديث عمر وحديث عمرو بن شعيب، وأشار إلى الأحاديث الأخرى "ففهم من هذا أن للحاكم أن يتصرف حسب ما يرى من المصلحة، فإن كانت المصلحة تقتضي التحريق والضرب حرّق، وإن كانت المصحة غير ذلك فعل ما فيه المصلحة".   1 11/178. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 736 الحديث الثّالث والعشرون: باب ما جاء في ثواب الشهداء من كتاب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4/175-176 سنن الترمذيبتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 737 حدّثنا يحيى بن طلحة الكوفي: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حميد، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القتل في سبيل الله يكفّر كل خطيئة، فقال جبرائيل إلا الدين1 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الدين". وفي الباب عن كعب بن عجرة، وجابر، وأبي هريرة، وأبي قتادة. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: وحديث أنس2 حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي بكر إلا من حديث هذا الشيخ. وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه، وقال: "أرى أنه أراد حديث حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد" 3.   1 بفتح الدال. 2 أدخل المصنف هذا الحديث في كتابه "العلل الكبير" ورقة (50) ، ونقل بعض كلامه هذا عليه. 3 أخرجه البخاري في "صحيحه" 6/14-15 مع "فتح الباري" بإسناده إلى حميد قال: سمعت أنس بن مالك "رضي الله عنه" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا، وما فيها إلا الشهيد؛ لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا، فيقتل مرة أخرى"، وأخرجه الترمذي في "سننه" 5/273 مع "تحفة الأحوذي"، وأخرجه مسلم في "صحيحه" 13/23 بشرح النووي من طريق أبي خالد الأحمر، عن شعبة، عن قتادة وحميد كلاهما، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: "ما من نفس تموت لها عند الله خير، يسرها أنها ترجع إلى الدنيا، وأن لها الدنيا وما فيها، إلا الشهيد فإنه يتمنى أن يرجع، فيقتل في الدنيا؛ لما يرى من فضل الشهادة". وأخرجه الترمذي في "سننه" 5/304 مع "تحفة الأحوذي" بإسناده عن قتادة فقط قال: حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا غير الشهيد، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا. يقول: حتى أقتل عشر مرات في سبيل الله، مما يرى مما أعطاه الله من الكرامة". وفي الباب عن عبادة بن الصامت، وابن أبي عميرة ذكرهما السيوطي في "الدر المنثور" 2/98 عند تفسير قوله تعالى: {َلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} الآية رقم 169 من سورة آل عمران. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 739 تخريج الحديث رغم ما بذلت من جهد، لم أقف على أحد أخرجه سوى الترمذي، فيكون من إفراده. حكم هذا الحديث ضعّف الترمذي حديث أنس هذا؛ لتفرد يحيى بن طلحة به، عن أبي بكر بن عياش1، ويحيى هذا هو ابن طلحة بن أبي كثير اليربوعي، أبو زكريا الكوفي.   1 تقدمت ترجمته في الحديث الثالث عشر، وقد قال فيه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/399: "ثقة، عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة ... ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 740 روى عن: قيس بن الربيع، وشريك بن عبد الله، وابن عيينة، وغيرهم. وروى عنه: الهيثم بن خلف، وابن أبي الدنيا، وأبو بكر بن علي المروزي، وآخرون1. قال فيه النسائي2: "ليس بشيء"، وذكره ابن حبان في "الثقات"3، وقال: "كان يغرب عن ابن نعيم وغيره". واكتفى الذهبي في "المغني في الضعفاء"4 بنقل ما قاله النسائي، وقال في "الكاشف"5: "وثقه ابن حبان". وأما في "ميزان الاعتدال"6 فإنه أبدى رأيه فيه كما سيأتي، كما ساق له حديثاً من منكراته. هذا وقد كذّبه علي بن الجنيد، ولكن لم يُقَرَّ على ذلك، فقال الذهبي في ترجمة يحيى من "ميزان الاعتدال"7: "صويلح الحديث، وقد   1 تهذيب التهذيب 11/234 وانظر: "تهذيب الكمال" 8 ورقة 752. 2 الضعفاء والمتروكون للنسائي/307. 3 انظر: "تهذيب التهذيب" 11/234 4 2/738. 5 3/259. 6 4/387. 7 4/387. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 741 وثق، أفحش علي بن الجنيد، فقال: كذب وزور". وكأنه يشير بقوله: "وثق" إلى تضعيف توثيق ابن حبان. وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"1: "وكذبه علي بن الحسين ابن الجنيد، وخطأه الصغاني". هذا والذي اختاره ابن حجر في الحكم على هذا الرجل أنه: "لين الحديث"، فقال في "تقرب التهذيب"2: "يحيى بن طلحة ... ليّن الحديث من العاشرة، روى له الترمذي". والجدير بالذكر أن ابن أبي حاتم أورده في كتابه "الجرح والتعديل"3، وسكت عنه فلم ينقل فيه جرحاً أو تعديلا، ومثل هذا يورده ابن أبي حاتم –كما تقدم- رجاء أن يقف فيه على جرح أو تعديل، فيضيفه إليه كما نبّه على ذلك في آخر مقدمة4 كتابه المذكور. والترمذي في جانب ما قام به من مهمة تتعلق بدرجة هذا الحديث، فإنه رجع فيه إلى شيخه البخاري مستفسراً عنه، ومتحققاً منه، إلا أنه أجابه بأنه لا يعرفه، ولما كان سند هذا الحديث سند حديث آخر يعرفه   1 11/234. 2 2/350 وانظر: "الخلاصة" للخزرجي/424. 3 4/2/160. 4 1/1/38. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 742 البخاري، قال له: أظن أن يحيى بن طلحة أراد أن يحدث حديث حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس أحد من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد" فأخطأ، ووهم وحدّث بهذا الحديث: "لقتل يكفر كل خطيئة ... " وإذا عرف ذلك فإن متن هذا الحديث صحيح من غير هذه الطريق التي ساقها الترمذي؛ إذ أخرجه مسلم1، وغيره كالبيهقي في "السنن الكبرى"2 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ: "القتل في سبيل الله يكفّر كل شيء إلا الدين". وفي لفظ عنه أيضاً: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين". أخرجه مسلم في "صحيحه"3، وأحمد في "مسنده"4، والحاكم في "المستدرك"5، ولهذا شواهد في بعضها. إن هذا الاستثناء أوحى إليه به كما في حديث أبي قتادة وهو صحيح، وستأتي هذه الشواهد فيما بعد إن شاء الله تعالى.   1 صحيح مسلم 13/30 بشرح النووي. 2 9/25. 3 13/30 بشرح النووي. 4 2/220 وبتحقيق أحمد شاكر 12/13 رقم الحديث (7051) وقد قال عنه أحمد شاكر: "إسناده صحيح" ا?. 5 2/119. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 743 تخريج الأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله: "وفي الباب" وهي تصلح شواهد لحديث عبد الله بن عمرو المتقدم الذي أخرجه مسلم وغيره: حديث كعب بن عجرة: قال عنه المباركفوري في "تحفة الأحوذي"1: "فلينظر من أخرجه". وبعد طول بحث وجدت الهيثمي في "مجمع الزوائد" ذكر حديثاً عن كعب بن عجرة، يشترك مع حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في ثواب الشهيد؛ إذ ليس فيه الاستثناء بالدين، فلعله هو الذي يريده الترمذي. قال الهيثمي2: عن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً: "ما تقولن في رجل قتل في سبيل الله؟ قالوا الجنة، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجنة إن شاء الله، قال: فما تقولون في رجل مات؟ فقام رجلان ذوا عدل فقالا: لا نعلم إلا خيراً. قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الجنة إن شاء الله، فما تقولون في رجل مات؟ فقام رجلان ذوا عدل فقالا: لا نعلم خيراً فقالوا: النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مذنب، والله غفور رحيم" قال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه إسحاق بن إبراهيم بن نسطاس وهو ضعيف"3 ا?.   1 5/272. 2 مجمع الزوائد 5/295. 3 انظر في مصادر ترجمته: ميزان الاعتدال 1/178 والمغني في الضعفاء 1/68 والمجروحين 1/134 والضعفاء الصغير للبخاري/18 والضعفاء والمتروكين للنسائي/18 والجرح والتعديل 1/1/206 والتاريخ الكبير 1/1/308 ولسان الميزان 1/346. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 744 حديث جابر: أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"1 فقال: "حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عبيد الله، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت إن جاهدت في سبيل الله بنفسي ومالي حتى أقتل؛ صابراً محتسباً مقبلا غير مدبر أأدخل الجنة؟ قال نعم. فلما ولي دعاه، فقال: إلا أن يكون عليك دين ليس له عندك وفاء". قال صاحب "بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني"2: "لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وفي إسناده من لا أعرفه..". وهكذا قال: "وفي إسناده من لا أعرفه" مع أن كل رجاله معروفون فشيخ أحمد هو: "زكريا بن عدي بن زريق بن إسماعيل، ويقال ابن عدي بن الصلت بن بسطام التيمي أبو يحيى الكوفي، نزيل بغداد، روى عن: أبي إسحاق الفزاري، وابن المبارك، وعبيد الله بن عمرو الرقي، وغيرهم،   1 3/352 وأخرجه أيضاً بإسنادين آخرين من طريق شريك، عن ابن عقيل 3/325، 352 وبإسناد آخر أيضاً من طريق زهير بن محمد عنه 3/373 قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 4/127 "رواه أحمد والبزار، وإسناد أحمد حسن" ا?. وانظر كشف الأستار عن زوائد البزار 2/117 فقد رواه البزار من طريق زهير بن محمد، وقال عقبه: "لا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد" ا?. 2 14/32. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 745 وروى عنه: إسحاق بن راهويه، والبخاري في غير الجامع، وعبد الله بن أبي شيبة، وآخرون"1. والناظر في ترجمته في "تهذيب التهذيب"2 يجد ثناء العلماء عليه، وتوثيقهم له. قال المنذر بن شاذان: "ما رأيت أحفظ منه جاءه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين فقالا له: أخرج إلينا كتاب عبيد الله ابن عمرو، فقال ما تصنعون بالكتاب؟! خذوا حتى أملي عليكم كله، وكان يحدّث عن عدة من أصحاب الأعمش، فيميز ألفاظهم" ا?. إلى غير ذلك مما تراه في ترجمته. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "زكريا بن عدي بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى، نزيل بغداد، وهو أخو يوسف، ثقة جليل، يحفظ، من كبار العاشرة مات سنة إحدى عشرة، أو اثنتي عشرة ومئتين، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود في القدر، وباقي أصحاب السنن" ا?. وعبيد الله الذي في السند هو: عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي، مولاهم أبو وهب الجزري، الرقي.   1 تهذيب التهذيب 3/331. 2 3/331-332 . 3 1/261. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 746 روى عن: عبد الله بن محمد بن عقيل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، وغيرهم. وروى عنه: زكريا بن عدي، وأخوه يوسف، وبقية بن الوليد، وآخرون1. قال علي بن معبد2: "قيل لعبيد الله بن عمرو: بلغني أن عندك من حديث ابن عقيل كثيراً لم تحدّث عنه، لِمَ هل ألقيته؟ قال: لأن ألقيه أحب إلي من أن يلقيني الله، قال: وزعم أنه سمع بعض ذلك الكتاب مع رجل لم يثق به". وقال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "ثقة فقيه، ربما وهم، من الثالثة، مات سنة ثمانين أي ومئة عن ثمانين إلا سنة، روى له الجماعة". وأخيراً عبد الله بن محمد بن عقيل ما أظنه ليخفى، وقد مضت ترجمته بتوسع في الحديث الخامس، قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب"4: عبد الله بن محمد بن عقيل، ابن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني، أمه زينب بنت علي، صدوق، في حديثه لين، ويقال تغير   1 تهذيب التهذيب 7/42. 2 تهذيب التهذيب 7/42. 3 1/537. 4 1/447-448 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 747 بآخره، من الرابعة، مات بعد الأربعين أي ومئة، روى له البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة. فتبيّن بذلك تعجل وقصور صاحب الفتح الرباني في بحثه. حديث أبي هريرة "رضي الله عنه": رواه أحمد في "مسنده"1 من طريق عياض بن عبد الله بن أبي سرح عن أبي هريرة قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس فذكر الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال عند الله، فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله وأنا صابر محتسب، مقبلا غير مدبر، كفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم قال: فكيف قلت؟ قال: فردّ عليه القول كما قال، قال: نعم. قال: فكيف قلت؟ قال: فردّ عليه القول أيضاً، قال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، مقبلا غير مدبر، كفر الله عني خطاياي؟ قال: نعم إلا الدين فإن جبريل عليه السلام سارني بذلك" ... قال أحمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد بن حنبل2: "إسناده صحيح، وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"3. وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح" ولكن وقع متنه فيه مختصراً بحذف تكرار السؤال   1 2/308، 330. 2 15/214 عند الحديث رقم (8061) . 3 4/128. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 748 والجواب، وأنا أرجح أن هذا خطأ من ناسخ، أو طابع" ا?. وأخرجه النسائي في "سننه" بنحو هذا السياق من طريق سعيد المقبري، عن أبي هريرة "رضي الله عنه" وسيشير إليه الترمذي في الكلام على حديث أبي قتادة الآتي: حديث أبي قتادة: أخرجه: مسلم في "صحيحه"1، والترمذي في "سننه"2، والنسائي في "سننه"3 مختصراً، وأحمد في "مسنده"4. وهو كما في الترمذي: حدثنا قتيبة: حدثنا الليث عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله ابن أبي قتادة، عن أبيه أنه سمعه يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه قام فيهم فذكر لههم أن الجهاد في سبيل الله، والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل، فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله يكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أيكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين، فإن جبرائيل قال لي ذلك".   1 13/28 بشرح النووي. 2 5/369 مع تحفة الأحوذي. 3 6/34-35 . 4 5/303-304 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 749 قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، روى بعضهم هذا الحديث عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا1. وروى يحيى بن سعيد الأنصاري2، وغير واحد3 نحو هذا عن سعيد المقبري، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة"4.   1 أخرجه النسائي في "سننه" 6/33-34. 2 أخرجه مسلم في "صحيحه" 13/28 بشرح النووي ومالك في "الموطأ" 3/36 بشرح الزرقاني والنسائي في "سننه" 6/34 وأحمد في "مسنده" 5/308 والبيهقي في "السنن الكبرى" 9/25. 3 مثل محمد بن قيس أخرجه مسلم في "صحيحه" 13/28 بشرح النووي والنسائي في "سننه" 6/34 ومثل ابن أبي ذئب أخرجه الدارمي في "سننه" 2/126 ومثل مالك كما رواه بعض رواة الموطأ عنه انظر شرح الزرقاني 3/36. 4 قال ابن أبي حاتم في "علل الحديث" 1/327: "سألت أبي عن حديث رواه أبو عاصم عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت إن قاتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، مقبلا غير مدبر، كفّر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم، ثم سكت ساعة، فقال: أين السائل آنفاً؟ قال: نعم إلا الدين سارني به جبريل آنفاً". قال أبي: "هذا وهم، وإنما هو كما يرويه الليث عن سعيد المقبري، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أيضاً 1/343: "سألت أبي عن حديث رواه عبد الرحمن الدشتكي، عن أبي جعفر الرازي، عن ليث بن أبي سليمان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، وغيره قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: رجل قاتل في سبيل الله محتسباً حتى قتل في الجنة هو؟ قال: نعم في الجنة. فلما قفى دعاه، فقال: أتاني جبريل، فقال: إن لم يكن عليه دين". فسمعت أبي يقول: هذا خطأ إنما هو على ما يرويه ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن قيس، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ا?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 750 قال ابن عبد البر1: على حديث أبي قتادة هذا: "فيه أن الخطايا تكفر بالأعمال الصالحة مع الاحتساب والنية، وأن أعمال البر المقبولة لا تكفر من الذنوب إلا ما بين العبد وبين ربه، فأما التبعات فلا بد فيها من القصاص، قال: وهذا في دين ترك له وفاء، ولم يوص به، أو قدر على الأداء فلم يؤدّ، أو أنه في غير حق أو سرف، ومات ولم يوفه. أما من أدان في حق واجب لفاقة وعسر ومات ولم يترك وفاء فلا يحبس عن الجنة؛ لأن على السلطان فرضاً أن يؤدي عنه دينه من الصدقات، أو سهم الغارمين، أو الفيء، وقد قيل: إن تشديده صلى الله عليه وسلم في الدين كان قبل الفتوح" ا?. وقال النووي في "شرح صحيح مسلم"2: "قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن تكفير خطاياه إن قتل، "نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، ثم أعاده، فقال إلا الدين، فإن جبريل قال لي ذلك".   1 انظر: شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/36-37. 2 13/29. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 751 فيه هذه الفضيلة العظيمة للمجاهد، وهي تكفير خطاياه كلها إلا حقوق الآدميين، وإنما يكون تكفيرها بهذه الشروط المذكورة، وهو أن يقتل صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر. وفيه أن الأعمال لا تنفع إلا بالنية والإخلاص لله تعالى. قوله صلى الله عليه وسلم "مقبل غير مدبر" لعله احتراز ممن يقبل في وقت، ويدبر في وقت، والمحتسب هو المخلص لله تعالى؛ فإن قاتل لعصبية، أو لغنيمة، أو لصيت، أو نحو ذلك فليس له هذا الثواب ولا غيره. وأما قوله صلى الله عليه وسلم "إلا الدين" ففيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد، والشهادة، وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى. وأما قوله صلى الله عليه وسلم "نعم" ثم قال بعد ذلك "إلا الدين" فمحمول على أنه أوحى إليه به في الحال؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم " إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك. والله أعلم" ا?. وقال القرطبي في كتابه: "الجامع لأحكام القرآن"1 عند قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} 2 فيه ثمان مسائل، ثم قال: السادسة: هذه الآية تدل على عظيم ثواب القتل في سبيل الله، والشهادة فيه، حتى أنه يكفر الذنوب كما قال صلى الله عليه وسلم: "القتل في سبيل الله   1 4/272. 2 آل عمران: 169. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 752 يكفر كل شيء إلا الدين، كذلك قال لي جبريل عليه السلام آنفاً". قال علماؤنا: ذكر الدين تنبيه على ما في معناه من الحقوق المتعلقة بالذمم، كالغصب، وأخذ المال بالباطل، وقتل العمد وجراحه، وغير ذلك من التبعات؛ فإن كل هذا أولى إلا يغفر بالجهاد من الدين فإنه أشد، والقصاص في هذا كله بالحسنات والسيئات، حسبما وردت به السنة الثابتة" ا?. وقال ابن حجر1: "ويستفاد منه أن الشهادة لا تكفّر التبعات، وهي –أي التبعات- لا تمنع درجة الشهادة، وليس للشهادة معنى إلا أن تثبت لمن حصلت له ثواباً مخصوصاً، ويكرمه كرامة زائدة وقد بيّن الحديث أنه يكفّر عنه ما عدا التبعات، فإن كان له عمل صالح كفرت الشهادة سيئاته غير التبعات، ونفعه عمله الصالح في موازنة ما عليه من التبعات، ويبقى له درجة الشهادة خالصة، فإن لم يكن له عمل صالح فهو تحت المشيئة" ا?. وقال ابن الزملكاني2: "فيه تنبيه على أن حقوق الآدميين لا تكفر؛ لكونها مبنية على المشاحة والتضييق، ويمكن أن يقال: هذا محمول على الدين الذي هو خطيئة، وهو ما استدانه صاحبه   1 فتح الباري 10/193 وانظر: "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" 3/37 و"فيض القدير" 4/533. 2 انظر: "شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك" 3/37. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 753 على وجه لا يجوز له فعله، بأن أخذه بحيلة، أو غصبه فثبت في ذمته البدل، أو أدان غير عازم على الوفاء؛ لأنه استثنى ذلك من الخطايا، والأصل في الاستثناء أن يكون للجنس، ويكون الدين المأذون فيه مسكوتاً عنه في هذا الاستثناء، فلا يلزم المؤاخذة به لما بلطف الله بعبده من استيهابه له، وتعويض صاحبه من فضل الله، فإن قيل ما تقول فيمن مات وهو عاجز عن الوفاء، ولو وجد وفاء وفى؟ قلت: إن كان المال الذي لزم ذمته إنما لزمها بطريق لا يجوز تعاطي مثله، كغصب أو إتلاف مقصود، فلا تبرأ الذمة من ذلك إلا بوصوله إلى من وجب له، أو بإبرائه منه ولا تسقطه التوبة، وإنما تنفع التوبة في إسقاط العقوبة الأخروية فيما يختص بحق الله تعالى؛ لمخالفته، إلا لما نهى عنه الله، وإن كان المال لزمه بطريق سائغ، وهو عازم على الوفاء، ولم يقدر فهذا ليس بصاحب ذنب حتى يتوب عنه، ويرضى له الخير في العقبى ما دام على هذا الحال" ا?. قال الزرقاني1 ناقل ذلك عنه: "وهو نفيس، وقد سبقه إلى معناه أبو عمر كما رأيته" ا?. قال الزرقاني2 قوله: "كذلك قال لي جبريل" وفي رواية عند أبي عمر: "إلا الدين" فإنه مأخوذ كما زعم جبريل"، أي قال من إطلاق   1 شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 3/37. 2 المصدر السابق، الجزء والصفحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 754 الزعم على القول بالحق. قال ابن عبد البر فيه ليل على أن من الوحي ما يتلى، وما لا يتلى، وما هو قرآن، وما ليس بقرآن. وقد قيل في قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَة} 1 أن القرآن الآيات والحكمة السنة، وكل من الله إلا ما قام عليه الدليل، فإنه لا ينطق عن الهوى" ا?. ومما جاء معارضاً لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وما في معناه كحديث أبي قتادة، مما يفيد أن القتل يكفر جميع حقوق الله عزّ وجلّ، حديث ابن مسعود الذي أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره"2، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"3 من طريق الطبراني. وفيما يلي أسوقه من رواية ابن جرير الطبري: قال ابن جرير: حدثنا تميم بن المنتصر قال: ثنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القتل في سبيل الله يكفّر الذنوب كلها   1 الأحزاب: 34. 2 22/56 عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} الآية. الأحزاب: 72. 3 4/201 عند ترجمة زاذان وانظر: مجمع الزوائد 5/292-293 والجامع الصغير للسيوطي 4/533 وقد رمز لحسنه بعد أن عزاه للطبراني، وأبي نعيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 755 –أو قال- يكفّر كل شيء إلا الأمانة، يؤتى بصاحب الأمانة، فيقال أدّ أمانتك، فيقول: أي رب وقد ذهبت الدنيا؟ ثلاثاً، فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية فيذهب به إليها فيهوي بها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها، فيحملها فيضعها على عاتقه، فيصعد بها إلى شفير جهنم، حتى إذا رأى أنه قد خرج، زلت فهوى في أثرها أبد الآبدين". قال: والأمانة في الصلاة، والأمانة في الصوم، والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع. فلقيت1 البراء فقلت: ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله؟ فقال: صدق. قال شريك: وثنى عياش العامري عن زاذان عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، ولم يذكر الأمانة في الصلاة وفي كل شيء. قال ابن كثير2: إسناده جيد، ولم يخرجوه. قال الزرقاني3: "وهذا يعارضه حديث الباب (يعني حديث أبي قتادة) الظاهر في أنه يكفّر جميع حقوق الله منها الصلاة، والصوم، إلا أنه   1 الضمير لزاذان فهو الذي قال ذلك كما بينته الروايات الأخرى التي عند غير ابن جرير، وزاذان هو أبو عمر الكندي، والبزار، ويكنى أبا عبد الله أيضاً، صدوق يرسل، وفيه شيعية، من الثانية، مات سنة اثنتين وثمانين، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الربعة. "تقريب التهذيب" 1/256. 2 التفسير 3/547 عند تفسير قوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} الآية. الأحزاب: 72. 3 شرح موطأ مالك 3/37. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 756 يحمل على أنه مطلق استشهاد، وحديث أبي قتادة مقيد بأنه صابر محتسب، مقبل غير مدبر" ا?. والذي يبدو لي أنه لا يمكن أن يعارض حديث ابن مسعود هذا الأحاديث الصحيحة، كحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، مما سبق ذكره، فقد اختلف في حديث ابن مسعود على عبد الله بن السائب1 في رفعه، وفي وقفه: فرواه عنه الأعمش مرفوعاً وموقوفاً2، حيث فيه عن الأعمش. ورواه عنه سفيان، فوقفه على ابن مسعود3. ثم مع هذا الاختلاف لا يبقى لقوله "القتل في سبيل الله يكفّر الذنوب كلها" فائدة بعد الاستثناء؛ لأن الأمانة تشمل حقوق الله وحقوق الآدميين، فجميع هذه الحقوق يطلق عليه أمانة، فلذلك تجد في تفسير ابن مسعود الأمانة، أنه فسّرها بحقوق الله وبحقوق الآدميين، وهذا ما يأباه ما   1 عبد الله بن السائب الكندي أو الشيباني الكوفي، ثقة، من السادسة، روى له مسلم، والنسائي. "تقريب التهذيب" 1/418. 2 أخرجه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، ومسدد، وعبد الله بن حميد، وأحمد، وابن المنذر، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" 4/201 في ترجمة زاذان انظر: الترغيب والترهيب 4/7-8 والمطالب الغالية 3/320 والدر المنثور 2/175. 3 أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره انظر: تفسير ابن كثير 1/547 عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء: 58. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 757 في الأحاديث الصحيحة كحديث ابن عمرو بن العاص وغيره، التي جعلت المؤاخذة مقصورة على حقوق الآدميين، أما حقوق الله فإنها معفو عنها. ويؤيد ما ذكرته من كون الأمانة تشمل الحقين حق الله وحق الناس، هو أن بن كثير1 ساق حديث ابن مسعود هذا عند قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ، مستدلا به على أنه يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عزّ وجلّ على عباده؛ من الصلاة، والزكاة، والصيام، وغير ذلك. ومن حقوق العباد بعضهم على بعض؛ كالودائع وغير ذلك. فلا يبعد في نظري بناء على ما سبق –أن يكون المراد بقوله "إلا الأمانة" حقوق الآدميين، حتى يتفق مع قوله: "القتل في سبيل الله ... "، ولعل ما في الرواية الأخرى التي أوردها ابن جرير والتي تابع فيها عياش العامري عبد الله بن السائب، عن زاذان إلا أنه لم يذكر تفسير ابن مسعود للأمانة، يساعد على المراد الذي ذكرته. والله أعلم. وقريب مما قلته عن حديث ابن مسعود من ناحية المعنى يقال عن الحديث الآخر، الذي لفظه: "شهيد البر يغفر له كل ذنب إلا الدين، والأمانة، وشهيد البحر يغفر له كل ذنب، والدين، والأمانة".   1 التفسير 1/547. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 758 قال الألباني1: "ضعيف رواه أبو نعيم في "الحلية" 8/51 وابن النجار 10/167/2 عن نجدة ابن المبارك: ثنا حسن المرهبي، عن طالوت، عن إبراهيم بن أدهم عن هشام بن حسان، عن يزيد الرقاشي، عن بعض عمات النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً. قلت –القائل الألباني-: وهذا سند ضعيف نجدة هذا قال الحافظ: "مقبول"، ويزيد الرقاشي زاهد، ضعيف. والحديث أورده السيوطي في "الجامع الصغير" من رواية أبي نعيم فقط، وتعقبه المناوي بقوله: "وقضية صنيع المصنف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة، وإلا لما عدل عنه، والأمر بخلافه، فقد عزاه في "الفردوس" وغيره إلى ابن ماجة من حديث أنس مرفوعاً. قال ابن حجر: وسنده ضعيف، وقال جدنا الأعلى الإمام الزين العراقي: وفيه يزيد الرقاشي ضعيف". قلت –القائل الألباني-: وما تعقب به السيوطي لا وجه له، بل هو ذهول عن أن السيوطي قد ساق حديث ابن ماجه، عن أنس عقب هذا الحديث مباشرة، وهو حديث طويل، هذا الحديث قطعة منه، وسنده أشد ضعفاً من هذا، وهو الحديث الآتي: "شهيد البحر مثل شهيد البر، والمائت في البحر كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله، وأن الله عزّ وجلّ وكّل ملك الموت بقبض الأرواح إلا شهيد البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين، ولشهيد البحر الذنوب والدين".   1 سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 2/222-223. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 759 موضوع بهذا التمام رواه ابن ماجه رقم (2778) والطبراني في المعجم الكبير (ق 25/1/ مجموع 6) ، عن قيس بن محمد الكندي: ثنا عفير بن معدان الشامي، عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: فذكره. قلت –القائل الألباني-: وهذا إسناد ضعيف جداً، بل الغالب أنه موضوع على سليم بن عامر الثقة، فإن في متن الحديث من المبالغة ما لا نعرفه في الأحاديث الصحيحة، وآفته عندي عفير هذا؛ فإنه متهم قال أبو حاتم: يكثر عن سليم عن أبي أمامة بما لا أصل له. قلت –القائل الألباني-: وهذا منه. والحديث عزاه السيوطي في "الجامع" لابن ماجه، والطبراني في "الكبير"، وذكر المناوي أن الطبراني رواه عن الكندي أيضاً، ثم قال: قال الزين العراقي، وعفير بن معدان: ضعيف جداً. واعلم أن هذا الحديث، والذي قبله مخالف لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين". أخرجه مسلم، وغيره من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما" ا?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 760 الحديث الرابع والعشرون: باب ما جاء في الصف والتعبئة عند القتال من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث الرابع والعشرون: باب ما جاء في الصف والتعبئة عند القتال من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4/194-195 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 761 حدّثنا محمد بن حميد الرازي، حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عبد الرحمن بن عوف قال: "عبأنا1 رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر2 ليلا" وفي الباب عن أبي أيوب. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه، وقال: محمد بن   1 قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 3/168: "يقال: عبأت الجيش عبأ، وعبأتهم تعبئة وتعبيئاً، وقد يترك الهمزة فيقال: عبيتهم تعبية: أي رتبتهم في مواضعهم، وهيأتهم للحرب". 2 بدر بالفتح ثم السكون: ماء مشهور بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء، وهو إلى المدينة أقرب، يقال: هو منها على ثمانية وعشرين فرسخاً، وبينه وبين الجار، وهو ساحل البحر ليلة، به كانت الوقعة المشهورة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة. "مراصد الإطلاع 1/170" و"تاج العروس 10/140". وقال الشيخ محمد أحمد با شميل في كتابه "غزوة بدر الكبرى"/15: "تقع بدر جنوب غرب المدينة، والمسافة بينها وبين المدينة بطرق القوافل التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم حوالي 160 ميلا، أما المسافة اليوم بين مكة وبدر بطرق السيارات فهي 343 كيلومتراً، والمسافة بين المدينة وبدر بهذا الطريق فهي 153 كيلومتراً، أما المسافة بين بدر وساحل البحر الأحمر الواقع غربيها، فهي حوالي 30 كيلومتراً". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 763 إسحاق سمع من عكرمة. وحين رأيته كان حسن الرأي في محمد بن حميد الرازي، ثم ضعّفه بعد. تخريج الحديث رغم ما بذلته من جهد، فإنني لم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا الإسناد سوى الترمذي. حكم هذا الحديث ضعّف الترمذي هذا الحديث من هذا الوجه، وذكر أنه سأل عنه شيخه البخاري فلم يعرفه، وجعل –كما في العلل الكبير1، حيث أدخل الترمذي الحديث فيه يتعجب منه. ولما سأله عن محمد بن إسحاق هل سمع من عكرمة؟ أجابه بقوله: نعم أحرفا2. قال ابن حجر3: "قلت: قد أخرجه (يعني هذا الحديث) البزار من وجه آخر، عن ابن إسحاق فأدخل بينه وبين عكرمة ثور بن يزيد" ا?. فقد بينت رواية البزار هذه واسطة بين ابن إسحاق وعكرمة،   1 ورقة 51. 2 المصدر السابق الورقة عينها. 3 النكت الظراف على الأطراف 7/212 مع تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 764 هي ثور بن يزيد، مما يفيد أن ابن إسحاق لم يسمع هذا الحديث من عكرمة، وما يتبقى بعد ذلك هو النظر في سند البزار، وقد بحثت عن الحديث في مسند البزار الذي يوجد منه أجزاء "مايكروفلم" في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، إلا أنني لم أجد فيها مسند ابن عوف. الكلام على حديث أبي أيوب الأنصاري حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه الذي أشار إليه الترمذي في قوله: وفي الباب أخرجه أحمد في "مسنده"1 فقال: حدثنا عتاب بن زياد، ثنا عبد الله، أنا عبد الله بن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب أن أسلم أبا عمران التجيبي، حدثه أنه سمع أبا أيوب الأنصاري يقول: "صففنا يوم بدر فندرت منا نادرة أمام الصف فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: معي معي". ورواه عن موسى بن داود عن ابن لهيعة به إلا أنه قال: "فبدرت منا بادرة". والحديث أورده ابن كثير في "تاريخه"2 وقال: "تفرد به أحمد وهذا إسناد حسن".   1 5/420. 2 3/271. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 765 وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"1 معزواً لأحمد، وأعله بابن لهيعة حيث قال: "في إسناده ابن لهيعة وفيه ضعف ... ، ثم قال: "والصحيح أن أبا أيوب لم يشهد بدراً". قلت: وعبد الله بن لهيعة وإن كان خلط وساء حفظه بعد احتراق كتبه، إلا أن الحديث -كما يبدو من سنده الأول- وقع من رواية ابن المبارك، وهو صحيح الحديث عنه؛ لأنه سمع منه قديماً كما نبه على ذلك العلماء الذين سأذكر طرفاً من أقوالهم، ويلاحظ أن الهيثمي لم يتنبه لذلك، فأعله بابن لهيعة كما سبق. قال الفلاس2: "من كتب عنه (يعني ابن لهيعة) قبل احتراق كتبه مثل ابن المبارك، والمقرئ، فسماعه أصح، وقال نعيم بن حماد3 "سمعت ابن مهدي يقول: لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن الهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه، وذكر ابن حجر4 عن عبد الغني بن سعيد أنه قال: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح، ابن المبارك، وابن وهب، والمقرئ، وقال: وذكر الساجي وغيره مثله.   1 5/326. 2 ميزان الاعتدال 2/477. 3 تهذيب التهذيب 5/375. 4 المصدر السابق 5/377-378. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 766 وقال ابن حبان1: "كان أصحابنا يقولون: إن سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة عبد الله بن وهب، وابن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله ابن مسلمة القعنبي، فسماعهم صحيح، ومن سمع منه بعد احتراق كتبه فسماعه ليس بشيء. وكان ابن لهيعة من الكتابين للحديث، والجماعين للعلم، والرحالين فيه". وقال ابن سعد2: "كان ضعيفاً وعنده حديث كثير، ومن سمع منه في أول أمره أحسن حالا في روايته ممن سمع منه بآخره، وأما أهل مصر فيذكرون أنه لم يختلط، ولم يزل أول أمره وآخره واحد". وفي "المغني"3 للذهبي: "وقال بعض الناس: ما روى عنه مثل ابن وهب وابن المبارك، فهو أجود وأقوى". وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"4: "عبد الله بن لهيعة -بفتح اللام وكسر الهاء- ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي، صدوق، من السابعة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك، وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة أربع وسبعين أي ومئة، وقد ناف على الثمانين، روى له مسلم، وأبو داود والترمذي، وابن ماجه".   1 المجروحون 2/11. 2 الطبقات الكبرى 7/516. 3 1/352. 4 1/444. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 767 وقول الهيثمي: "والصحيح أن أبا أيوب لم يشهد بدراً" مشعر بأن أبا أيوب مختلف في شهوده بدراً، وأن الصحيح عدم شهوده لها، وهو قول عجيب وغريب، يدل على وهم الهيثمي، ومن تبعه كالشوكاني في "نيل الأوطار"1، إذ اكتفى بنقل كلام الهيثمي هذا من غير أن يعقب عليه بشيء، بينا كان الواجب يقتضيه التنبه لذلك، ومن ثم التنبيه عليه إذ لا مرية في حضور أبي أيوب بدراً. ومن يطالع الكتب التي ترجمته أو تناولته، فإن أول ما يصادفه فيها التنصيص على شهوده بدراً، وقد كان حضر المشاهد كلها، ولزم الجهاد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وداوم الغزو، ولم يتخلف عن غزاة للمسلمين إلا هو في أخرى إلا عاماً واحداً، كما ورد. وقد ساق ابن سعد2 بسنده إلى محمد بن عمر3 أنه قال: "شهد أبو أيوب   1 7/256. 2 الطبقات الكبرى 3/485. 3 هو الواقدي تقدمت ترجمته في الحديث الثاني عشر، وقد قال عنه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 1/348: "الواقدي هو محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم، أبو عبد الله المدني، الحافظ البحر. لم أسق ترجمته هذا لاتفاقهم على ترك حديثه، وهو من أوعية العلم لكنه لا يتقن الحديث، وهو رأس في المغازي والسير، يروي عن كل ضرب. مات سنة سبع ومائتين، حمل عن ابن عجلان وابن جريج ومعمر وهذه الطبقة. ولى قضاء بغداد، وكان له رئاسة وجلالة وصورة عظيمة. عاش ثمانياً وسبعين سنة رحمه الله وسامحه" ا?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 768 الأنصاري بدراً ثم لم يتخلف عن غزوة للمسلمين إلا هو في أخرى إلا عاماً واحداً، فإنه استعمل على الجيش رجل شاب، فقعد ذلك العام، فجعل بعد ذلك العام يتلهف ويقول: "ما على من استعمل علي، وما على من استعمل علي، وما على من استعمل علي. قال فمرض وعلى الجيش يزيد بن معاوية، فأتاه يعوده، فقال: حاجتك قال: نعم حاجتي إذا أنا مت فاركب بي، ثم سغ بي في أرض العدو ما وجدت مساغاً، فإذا لم تجد مساغاً فادفني، ثم ارجع، فلما مات ركب به، ثم سار به في أرض العدو ما وجد مساغاً، ثم دفنه ثم رجع. قال: وكان أبو أيوب رحمة الله عليه يقول: قال الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} 1، ولا أجدني إلا خفيفاً وثقيلاً". قال ابن حجر في "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة"2 بعد نقله: "ورواه أبو إسحاق الفزاري، عن هشام، عن محمد وسمى الشاب عبد الملك ابن مروان" ا?. هذا وقد أورده ابن سعد ضمن طبقات البدريين من الأنصار، فكان على رأس من ذكره ممن شهد بدراً من بني النجار، ومما قاله3 في ترجمته: "وشهد   1 التوبة: 41. 2 1/405 وانظر: المستدرك للحاكم 3/458. 3 الطبقات الكبرى 3/484. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 769 أبو أيوب بدراً واحداً، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ا?. وسرد ابن إسحاق1 اسمه ضمن أسماء أهل بدر، وذكره البخاري في كتاب "الكنى"2 من "تاريخه الكبير" فقال: "أبو أيوب الأنصاري اسمه خالد بن زيد الخزرجي من بني مالك بن النجار شهد بدراً" ا?. نعم لم يذكره في "الجامع الصحيح" في باب تسمية من سمى من أهل بدر، الذي وضعه على حروف المعجم؛ لأنه خاص بمن جاء في "الجامع" التنصيص على شهوده بدراً. قال ابن حجر3: "قوله باب تسمية من سمى من أهل بدر في "الجامع" أي: دون من لم يسم فيه، ودون من لم يذكر فيه أصلا، والمراد بالجامع هذا الكتاب يعني صحيح البخاري، والمراد بمن سمى من جاء ذكره فيه برواية عنه أو عن غيره، بأنه شهدها لا بمجرد ذكره دون التنصيص على أنه شهدها، وبهذا يجاب عن ترك إيراده مثل أبي عبيدة بن الجراح فإنه شهدها باتفاق، وذكر في الكتاب في عدة مواضع، إلا أنه لم يقع فيه التنصيص على أنه شهد بدراً" ا?.   1 انظر: السيرة النبوية لابن هشام 1/701. 2 9/89. 3 فتح الباري 7/327. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 770 فإذا كان أبو أيوب ذكر في الكتاب، علمنا السبب في عدم إيراده هنا، وهو أنه لم يقع فيه التنصيص على أنه شهد بدراً، وأنه جاء التنصيص عليه في غيره. قال ابن حجر بعد أن بيّن جملة من ذكر البخاري من أهل بدر هنا وهم أربعة وأربعون رجلا قال: "وقد سبق البخاري إلى ترتيب أهل بدر على حروف المعجم، وهو أضبط لاستيعاب أسمائهم، ولكنه اقتصر على ما وقع عنده منهم، واستوعبهم الحافظ ضياء الدين المقدسي في "كتاب الإحكام"، وبيّن اختلاف أهل السير في بعضهم، وهو اختلاف غير فاحش، وأورد ابن سيد الناس أسماؤهم في "عيون الأثر"1، لكن على القبائل –كما صنع ابن إسحاق وغيره- واستوعب ما وقع له من ذلك، فزادوا –على ثلاثمائة وثلاثة عشر- خمسين رجلا، قال: "وسبب الزيادة الاختلاف في بعض الأسماء". قلت (القائل ابن حجر) : "ولولا خشية التطويل لسردت أسماءهم مفصلا، مبيناً للراجح لكن في هذه الإشارة كفاية. والله المستعان" ا?. قلت: فرحم الله ابن حجر ليته سرد لنا أسماء أهل بدر على النحو الذي ذكر، فإنه لا شك مهم ومفيد خاصة منه. وكتاب "الإحكام" الذي أشار إليه ابن حجر للحافظ ضياء   1 1/272-284 وذكر أبا أيوب في صفحة 277 ولم يورد فيه خلافاً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 771 المقدسي قد كان مادة ابن كثير في "البداية" في سرد أسماء أهل بدر؛ إذ استقاهم منه، فكان فيما قاله1 ابن كثير في فصل قبل البدء في سردهم: "وهذه تسمية من شهد بدراً من المسلمين مرتبين على حروف المعجم، وذلك من كتاب "الإحكام" الكبير" للحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، وغيره بعد البداءة باسم رئيسهم، وفخرهم، وسيد ولد آدم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ا?. ثم بدأ بمن اسمه على حرف الألف، وذكر أبا أيوب فيمن اسمه على حرف الخاء، ولم يشر ولو من بعيد إلى أي اختلاف فيه، مع أننا علمنا من كلام ابن حجر السابق أن كتاب "الإحكام" الذي استقى منه ابن كثير أهل بدر قد بيّن فيه الحافظ ضياء الدين المقدسي اختلاف أهل السير في بعضهم، فالذي يبدو أنه لو كان فيه اختلاف، لأورده ابن كثير، ثم تعقبه كعادته، أو أنه اعتمد الراجح، أو أنه لم يعبأ به؛ لأنه كما قال ابن حجر في وصف هذا الاختلاف في هذا البعض: وهو اختلاف غير فاحش أي يسير. والأول هو الأقرب؛ إذ لو كان فيه اختلاف، لبينه ابن كثير، ولبينه أهل السير قبله كابن إسحاق. هذا وممن نص على حضوره بدراً ابن عبد البر في   1 البداية والنهاية 3/314. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 772 "الاستيعاب"1، وفي "اختصار المغازي والسير"2، والنووي في "تهذيب الأسماء واللغات"3، والخطيب في "تاريخ بغداد"4، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"5، وابن الجوزي في "كتابه تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير"6، وكتابه "المدهش"7، وابن حجر في "تهذيب التهذيب"8، وفي "تقريب التهذيب"9، وفي "الإصابة"10. وأعتقد أننا لو استقرينا المؤلفات التي تعرضت لأبي أيوب -رضي الله عنه- لطال بنا المجال، وما أوردته فيه غنية وكفاية إن شاء الله تعالى؛ إذ يقطع بما يفيد شهوده بدراً، وعده في البدريين، وإن ما جعله الهيثمي صحيحاً ليس بصحيح.   1 1/403. 2 /135. 3 الجزء الثاني من القسم الأول/177. 4 1/153. 5 2/288. 6 /427. 7 /122. 8 3/91 وانظر: تهذيب الكمال 2 ورقة 178. 9 1/213. 10 1/405. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 773 هذا ومما جاء في "الإصابة" قوله: "شهد العقبة وبدراً وما بعدها إلى أن قال: وشهد الفتوح، وداوم الغزو، واستخلفه علي على المدينة لما خرج إلى العراق، ثم لحق به بعد، وشهد معه قتال الخوارج. قال ذلك الحكم ابن عيينة" ا?. فرجل كهذا يبلغ به هذا الحرص على حضور المعارك، هل يظن به أن يتخلف عن معركة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما بدر أول معركة في الإسلام، وتوصف بأنها من المعارك الفاصلة. ومن هذا الرجل؟ إنه أبو أيوب الذي احتضن رسول الله في قلبه، وبيته، والذي يظهر من النظر في سيرته، أنه كان قوي الشكيمة، كثير الشهود للمعارك، محباً للسفر والترحال، فقد سافر في طلب العلم إلى مصر من أجل حديث واحد حتى إنه مات في الغزو. وإذا كان أنس "رضي الله عنه" فيما رواه عمر بن شبة، ومحمد بن سعد1 يغضب، ويقول وهو غلام لمن قال له: أشهدت بدراً؟ لا أم لك، وأين أغيب عن بدر" ا?. فهل يرضى أبو أيوب أن يتخلف عن بدر، وإذا كان تخلف عنها   1 انظر: البداية والنهاية 3/315 وفي آخره يقول ابن كثير: قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيبه (1 ورقة 62) ، هكذا قال الأنصاري (يعني محمد بن عبد الله الأنصاري الذي روى عنه ابن شبة، وابن سعد شهود أنس بدراً) ولم يذكر ذلك أحد من أصحاب المغازي. وانظر: تهذيب التهذيب 1/377. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 774 فأين تخلف؟ وما هو عذره في ذلك؟ وأين هذا الاختلاف في شهوده بدراً؟ هذا ما لم يذكره الهيثمي. إن من اليسير أن ننفي شيئاً ما ولكن ما هو الدليل على نفيه؟ وإذا كان الهيثمي لم يقدم دليلا على نفي شهود أبي أيوب بدراً، فما هو الجواب؟ أنه الوهم، والوهم فقط، بدليل أن الهيثمي نفسه ذكره في موضع آخر من كتابه فيمن حضر بدراً، وذكر له حديثاً يفيد خروجه إلى بدر. فقال في غزوة بدر من "مجمع الزوائد"1: "قد حضر بدراً جماعة فمنهم من ذكرت ذلك في مناقبه بإسناده، وأذكره هنا بغير سند وأنبه عليه" ثم سردهم، وفيهم أبو أيوب، ولم يشر إلى أي خلاف فيه. وأما الحديث وهو في قصة مطولة متضمناً الحديث الذي معنا، فهو عن أبي أيوب الأنصاري2 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة: إني أخبرت ونحن بالمدينة عن عير أبي سفيان أنها مقبلة، فهل لكم أن نخرج قبل هذا العير، لعل الله يغنمناها؟ قلنا نعم فخرج، وخرجنا معه، فلما سرنا يوماً أو يومين، قال لنا ما ترون في القوم، فإنهم أخبروا بمخرجكم، فقلنا لا والله مالنا طاقة بقتال العدو، ولكن أردنا العير، ثم قال ما ترون في القوم؟ فقلنا   1 6/95. 2 مجمع الزوائد 6/73-74. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 775 مثل ذلك، فقال المقداد بن عمرو: إذاً لا نقول لك يا رسول الله، كما قال قوم موسى لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون. قال: فتمنينا معشر الأنصار. أنا قلنا: كما قال المقداد، أحب إلينا من أن يكون لنا مال عظيم فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله صلى الله عليه وسلم {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} 1 ثم أنزل الله عزّ وجلّ {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} 2 وقال: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} 3 والشوكة القوم، وغير ذات الشوكة العير، فلما وعد الله إحدى الطائفتين، إما القوم، وإما العير طابت أنفسنا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ينظر ما قبل القوم،   1 الأنفال: 5، 6. 2 الأنفال: 12. 3 الأنفال: 7. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 776 تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 1. رواه الطبراني وإسناده حسن. ا?.   1 الأنفال: 67. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 778 الحديث الخامس والعشرون: باب ما جاء في الألوية من كتاب الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 4/195-196 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 779 حدثنا أبو كريب، ومحمد بن عمر بن الوليد الكندي، ومحمد بن رافع قالوا: حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك1، عن عمار –هو الدهني-، عن أبي الزبير، عن جابر2"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواؤه3 أبيض".   1 شريك هو ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبو عبد الله تقدمت ترجمته في أكثر من موضع، وهو كما قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 1/351: "صدوق يخطئ كثيراً". 2 جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام: (بمهملة وراء) الأنصاري، ثم السلمي: بفتحتين، صحابي ابن صحابي، غزا تسع عشرة غزوة، ومات بالمدينة، بعد السبعين، وهو ابن أربع وتسعين، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/122 وانظر: "الإصابة" 1/213. 3 الراية واللواء: قيل أنهما مترادفان لا فرق بينهما، وقيل بينهما فرق بأن الراية: العلم الصغير، واللواء: العلم الكبير. قال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/279: "اللواء: الراية ولا يمسكها إلا صاحب الجيش" ا?. وقال ابن حجر في "فتح الباري" 6/126: "اللواء: (بكسر اللام والمد) هي الراية ويسمى أيضاً العلم، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش، ثم صارت تحمل على رأسه. وقال أبو بكر بن العربي: "عارضة الأحوذي" 7/ 177 اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح، ويلوى عليه، والراية ما يعقد فيه، ويترك حتى تصفقه الرياح. وقيل: اللواء دون الراية. وقيل اللواء العلم الضخم، والعلم علامة لحمل الأمير يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب. وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم بالألوية، وأورد حديث جابر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواءه أبيض" ثم ترجم للرايات، وأورد حديث البراء: "إن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء مربعة من نمرة" وحديث ابن عباس "كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض" ا?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 781 كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى ابن آدم، عن شريك. وسألت محمداً عن هذا الحديث؟. فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم، عن شريك. وقال: حدثنا غير واحد، عن شريك، عن عمار، عن أبي الزبير، عن جابر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة، وعليه عمامة سوداء" 1.   1 أخرجه مسلم في "صحيحه" (المناسك 9/132 بشرح النووي) عن علي بن حكيم الأودي عن شريك به، والنسائي في "سننه" (الزينة 8/211) عن الفضل بن دكين عن شريك به. وأخرجه المصنف في اللباس من "سننه" (5/410 مع تحفة الأحوذي) وفي "الشمائل المحمدية"/55-56 ولكن من طريق حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر، وكذا أخرجه أبو داود في "سننه" (11/128 مع عون المعبود) والنسائي في "سننه" (الزينة 8/211) وابن ماجة في "سننه" (2/1186 رقم الحديث 3585) وابن عبد البر في "التمهيد" 6/172. وأخرجه مسلم في "صحيحه" (المناسك 9/132 بشرح النووي) ، عن يحيى ابن يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد، عن معاوية بن عمار الدهني، عن أبي الزبير، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام" وأخرجه النسائي في "سننه" (الزينة 8/211) من طريق قتيبة به. قال الذهبي في "ميزان الاعتدال " 4/137 في ترجمة معاوية ابن عمار: "قلت فمن أفراده –إن كان قد رواه مسلم- عن أبي الزبير، عن جابر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء" ا?. وقال ابن حجر في ترجمته من "تهذيب التهذيب" 10/214: "له في صحيح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 782 ...........................................................................................................   صحيح مسلم والنسائي حديث واحد متابعة في دخوله صلى الله عليه وسلم مكة بغير إحرام". قال الذهبي في ترجمة أبي الزبير من "ميزان الاعتدال" 4/37: "معاوية بن عمار –وليس بذلك- عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام" أخرجه مسلم. وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضع فيها أبو الزبير السماع عن جابر، وهي من غير طريق الليث عنه ففي القلب منها شيء" ا?. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 2/207: "محمد بن مسلم ابن تدرس (بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء) الأسدي مولاهم "أبو الزبير" المكي، صدوق إلا أنه يدلس، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين أي ومئة، روى له الجماعة" ا?. وذكره في المرتبة الثالثة من "طبقات المدلسين"/11 فقال: "محمد بن مسلم ابن تدرس المكي أبو الزبير من التابعين، مشهور بالتدليس، ووهم الحاكم في كتاب "علوم الحديث" فقال في "مسنده" "وفيه رجال غير معروفين بالتدليس"، وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس" ا?. وقال العلائي في "جامع التحصيل" 2/197 مشهور بالتدليس قال سعيد بن أبي مريم (الجمحي بالولاء أبو محمد المصري ثقة، ثبت، فقيه، من كبار العاشرة، مات سنة أربع وعشرين أي ومئتين، روى له الجماعة "تقريب التهذيب" 1/293) ثنا ليث بن سعد (ابن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري، ثقة ثبت، فقيه إمام مشهور، من السابعة، مات في شعبان سنة خمس وسبعين أي ومئة، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/138) قال: "جئت أبا الزبير فدفع إلي كتابين، فانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو أني عاودته فسألته أسمع هذا كله من جابر؟ قال: فسألته؟ فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حدثت عنه، فقلت له اعلم لي على ما سمعت منه، فاعلم لي على هذا الذي عندي". قال العلائي: "ولهذا توقف جماعة من الأئمة عن الاحتجاج بما لم يروه الليث، عن أبي الزبير عن جابر" ا?. وانظر: "تهذيب التهذيب" 9/443 و"الكامل" 4/صفحة 68 في ترجمة أبي الزبير. وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 4/37: "وأما أبو محمد ابن حزم فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه: "عن جابر" ونحوه؛ لأنه عندهم ممن يدلس، فإذا قال: -سمعت وأخبرنا- احتج به، ويحتج به ابن حزم إذا قال: "عن" مما رواه عنه الليث ابن سعد خاصة، وذلك لأن سعيد بن أبي مريم قال ... فساق القصة التي ساقها العلائي، وانظر: "المغني في الضعفاء" له 2/632. وقد أخرج البخاري لأبي الزبير عن جابر ولكن مقروناً بغيره، وفي هذا إشارة ودلالة على أنه لم يعتمده وحده إذا عنعن عن جابر، كما حصل من مسلم قال ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"/442، وقد أورده فيه؛ لأنه من رجال البخاري الذين طعن فيهم. قال في الدفاع عنه: "أحد التابعين مشهور وثقه الجمهور، وضعّفه بعضهم لكثرة التدليس وغيره، ولم يرو له البخاري سوى حديث واحد في البيوع قرنه بعطاء عن جابر، وعلق له عدة أحاديث، واحتج به مسلم والباقون" ا?. قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" عن أبي الزبير: 4/37: "وهو من أئمة العلم اعتمده مسلم، وروى له البخاري متابعة" ا?. انظر: صحيح البخاري 4/387 مع فتح الباري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 783 قال محمد: والحديث هو هذا. والدهن بطن من بجيلة، وعمار الدهني هو: عمار بن معاوية الدهني، ويكنى أبا معاوية، وهو كوفي، ثقة عند أهل الحديث1.   1 عمار بن معاوية الدهني (بضم أوله وسكون الهاء بعدها نون) أبو معاوية البجلي، الكوفي، صدوق، يتشيع من الخامسة، روى له مسلم، وأهل السنن الأربعة "تقريب التهذيب" 2/48 وانظر في ترجمته: "تهذيب التهذيب" 7/406 و"ميزان الاعتدال" 3/170. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 784 تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: أبو داود في "سننه"1. وسكت عليه، واقتصر المنذري في "مختصر السنن"2 على نقل كلام الترمذي. النسائي في "سننه"3. ابن ماجة في "سننه"4. بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح ولواؤه ابيض". ابن حبّان في "صحيحه"5. بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عام فتح مكة ولواؤه أبيض". الحاكم في "المستدرك"6 وقال: "هذا حديث صحيح على شرط   1 3/45. 2 3/406. 3 5/200. 4 2/941 رقم الحديث (2817) . 5 انظر: "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان"/416. 6 2/104. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 785 مسلم، ولم يخرجاه"، وأقرّه الذهبي. البيهقي في "السنن الكبرى"1. ابن عبد البر في "التمهيد"2. بلفظ: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء، ولواؤه أبيض". حكم هذا الحديث تفرد يحيى بن آدم بهذا الحديث، وخالف فيه بقية أصحاب شريك، فقد رواه غير واحد –كما قال البخاري- عن شريك بلفظ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة، وعليه عمامة سوداء"، لذا حكم البخاري بأن الحديث المحفوظ هو هذا، وأما حديث يحيى بن آدم فليس بمحفوظ أي شاذ. ويحيى بن آدم يقبل تفرده؛ لأنه ثقة ولكن إذا خالف الجماعة كما هو هنا فلا يقبل؛ فإن تخطئة الفرد أقرب من تخطئة الجميع، وكأن يحيى بن آدم عرف بشيء من المخالفة؛ لأننا نجد ابن أبي شيبة يقول فيه كما في "تهذيب التهذيب"3: "ثقة، صدوق، ثبت، حجة   1 6/362. 2 6/173. 3 11/175 قال ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/341 يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، أبو زكريا مولى بني أمية، ثقة حافظ، فاضل من كبار التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين، روى له الجماعة. وانظر في مصادر ترجمته. "تذكرة الحفاظ" 1/359-360 و"الجرح والتعديل" 4/2/128 و"التاريخ الكبير" 4/2/261-262 و"التاريخ الصغير" 2/298 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/172 و"تهذيب الأسماء واللغات" الجزء الثاني من القسم الأول/150. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 786 ما لم يخالف من هو فوقه؛ مثل وكيع" ا?. هذا وورد في لواء النبي صلى الله عليه وسلم وكونه أبيض أكثر من حديث، فقد أخرج: الترمذي في "سننه"1. وابن ماجة في "سننه"2. والحاكم في "المستدرك"3. والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"4. كلهم من طريق يزيد بن حيان، عن أبي مجلز لاحق بن حميد، عن ابن عباس "رضي الله عنهما" قال: "كانت راية النبي صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض". قال الترمذي عقب تخريجه: "هذا حديث غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس" ا?.   1 5/328-329 مع "تحفة الأحوذي". 2 2/941 رقم الحديث (2818) . 3 2/105. 4 14/332 في ترجمة يزيد بن حيان. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 787 وقال المنذري1: "وأخرج البخاري هذا الحديث في "تاريخه الكبير"2 من رواية يزيد هذا مقتصرا على الراية" ا?. قال ابن حجر في "تقريب التهذيب"3: "يزيد بن حيان النبطي (بفتح النون والموحدة) البلخي نزيل المدائن أخو مقاتل، صدوق يخطئ، من السابعة، روى له أبو داود في "القدر"، والترمذي وابن ماجة". أما أبو مجلز (بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي) فهو: لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري، مشهور بكنيته، ثقة من كبار الثالثة، مات سنة ست، وقيل تسع ومئة، وقيل قبل ذلك، روى له الجماعة4. وقد ذكر ابن حجر الحديث في "فتح الباري"5، ووهم في عزوه لأبي داود والنسائي؛ لأنهما لم يخرجاه6. وقال ابن حجر عقب ذلك: "ومثله لابن   1 مختصر سنن أبي داود 3/406 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 2 4/2/325. 3 11/322 وانظر في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب 11/321 ميزان الاعتدال 4/421 المغني في الضعفاء 2/748 الجرح والتعديل 4/2/256 المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان 3/103، 189. 4 تقريب التهذيب 2/341. 5 6/126. 6 عزاه المزي في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" 5/266 للترمذي وابن ماجة فقط، وانظر: مختصر سنن أبي داود 3/406 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود، ونيل الأوطار 7/250. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 788 عدي من حديث أبي هريرة، ولأبي يعلى من حديث بريدة" ا?. وسيأتي إن شاء الله تعالى حديث أبي هريرة من رواية أبي الشيخ ابن حيان، كما سيأتي حديث بريدة. وأورد الحديث السيوطي في "الجامع الصغير"1، وعزاه لابن ماجة والحاكم كما رمز لضعفه. قال المناوي2: "ولم يصححه الحاكم وزاد الذهبي فيه: أن فيه يزيد بن حيان وهو أخو مقاتل، وهو مجهول الحال. وقال البخاري: عنده غلط ظاهر، وساقه ابن عدي3 من مناكير يزيد بن حيان، عن عبيد الله4 إلى أن قال: ورواه الطبراني باللفظ المذكور من هذا الوجه، وزاد مكتوب عليه: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ا?.   1 5/170 مع "فيض القدير". 2 فيض القدير 5/170. 3 الكامل 2 قسم 1 صفحة 186. 4 هكذا جاء في "فيض القدير"، وهو خطأ صوابه: "وساقه ابن عدي من مناكير حيان ابن عبيد الله"؛ فإن ابن عدي ساقه كذلك، أما يزيد بن حيان فإنه –كما طهر لي- لم يورده في الكامل، وقد روى ابن عدي الحديث عن أبي يعلى الموصلي، وكذا رواه أبو الشيخ ابن حيان في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه"/143، ومن طريق أبي الشيخ رواه البغوي في "شرح السنة" 10/403 ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" 2/7 عن عبد الله بن أحمد بن حنبل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 789 ولم يقل الذهبي ذلك، وإنما قال1: "قلت: يزيد ضعيف" ا?. وحتى لو قال الذهبي ذلك فلا يسلّم؛ لأن يزيد بن حيان معروف. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"2: "وعن ابن عباس قال: "كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض، مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله" –قلت: رواه الترمذي، وابن ماجة خلا الكتابة عليه- رواه الطبراني في "الأوسط" وفيه حيان بن عبيد الله. قال الذهبي: "بيض له ابن أبي حاتم، فهو مجهول" ا?. وقد تعقبه حبيب الرحمن الأعظمي في "تحقيقه" للمطالب العالية لابن حجر فقال3: "الذي قال فيه ابن أبي حاتم أنه مجهول غير هذا4، قد قال في هذا5: إنه صدوق" ا?.   1 تلخيص المستدرك 2/105 مع المستدرك. 2 5/321. 3 2/151. 4 قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 1/2/246: "حيان بن عبيد الله المروزي خرج من مرو ليالي الفتنة، روي عن ... سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو مجهول" ا?. وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/623: "حيان بن عبد الله أو ابن عبيد الله المروزي، ذكره ابن أبي حاتم وبيض. مجهول" ا?. انظر: لسان الميزان 2/369 ولا يخفى أن ابن أبي حاتم لم يبض له، بل قال فيه عن أبيه هو مجهول، كما سبق. 5 الجرح والتعديل 1/2/246. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 790 وعندي أنه كان ينبغي أن يكون التعقيب على هذه الصورة الآتية:- "الذي بيض له ابن أبي حاتم غير هذا –على أنه لم يبيض له، كما هو موضح في الهامش- وقد قال في هذا أنه صدوق؛ لأن كلمة فهو مجهول من الذهبي، وإلا كيف يقال عن ابن أبي حاتم أنه بيض له، ثم يقال: إنه قال فيه: إنه مجهول". وإذا تقرر ذلك فإن الذي قال: إنه مجهول ابن حزم، نقل ذلك عنه ابن حجر في "لسان الميزان"1 في ترجمة حيان بن عبيد الله هذا، ولكن ابن حجر تعقبه ولم يتركه فقال: "وقال ابن حزم مجهول فلم يصب" ا?. وروى أبو يعلى في "مسنده"2، والطبراني في "الكبير"3 من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: "كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء، ولواؤه أبيض". قال الهيثمي "مجمع الزوائد"4 بعد أن أورد هذا الحديث: "فيه حيان بن عبيد الله ... ، وبقية رجال أبي يعلى ثقات".   1 2/370. 2 3 ورقة 239، وانظر: "فتح الباري" 6/126 ورواه عن أبي يعلى ابن عدي في الكامل 2 قسم 1 صفحة 186 في ترجمة حيان بن عبيد الله وأبو الشيخ ابن حيان في "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم/143. 3 2/7. 4 5/321. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 791 كما رواه الذهبي مع الذي قبله وهو حديث ابن عباس، ولكن دون الزيادة في ترجمة حيان بن عبيد الله من "ميزان الاعتدال"1، فقال: "حيان ابن عبيد الله أبو زهير شيخ بصري عن أبي مجلز. قال البخاري2: ذكر الصلت منه الاختلاط. روى عنه مسلم وموسى التبوذكي. وقال إبراهيم ابن الحجاج السامي: حدثنا حيان بن عبيد الله أبو زهير العدوي، حدثنا أبو مجلز عن ابن عباس، وحدثنا ابن بريدة عن أبيه: "أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء، ولواؤه أبيض، وذكره ابن عدي في الضعفاء". وصفوة القول: أن حديث ابن عباس حديث حسن، فقد تابع يزيد ابن حيان على روايته، عن أبي مجلز حيان بن عبيد الله، وشاهده حديث عبد الله بن بريدة، وحديث أبي هريرة الذي رواه أبو الشيخ ابن حبان؛ فإنه بعد أن روى حديث ابن عباس وحديث ابن بريدة، روى حديث أبي هريرة إلا أنه أحال به عليه بقوله "مثله ولم يذكره فقال: حدثنا أحمد بن زنجويه المخرمي، ثنا محمد بن أبي السري العسقلاني ثنا ابن وهب، ثنا محمد بن أبي حميد الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. كما روى أبو الشيخ ابن حيان3 الحديث عن عائشة وابن عمر   1 1/623. 2 التاريخ الكبير انظر 2/1/85. 3 أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه/143. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 792 وابن عباس من طريق آخر، فقال: حدثنا إسحاق بن أحمد الفارسي، ثنا سعيد بن عنبة، ثنا ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة أظنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، وكانت رايته سوداء من مرط1 لعائشة مُرَحَّل".2 حدثني عبد الله بن يحيى بن حاتم حدثني أبي، عن أبيه، عن المعلى بن هلال، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن سول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عقد لواء عقده أبيض، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا محمد بن عمر بن حفص، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا سعد عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: "كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض ورايته سوداء".   1 المرط: الكساء من صوف أو خز أو حرير. انظر: مختار الصحاح/621، والنهاية في غريب الحديث والأثر 4/319. 2 أي نقش عليه تصاوير رحال الإبل. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 2/210. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 793 الحديث السّادس والعشرون: باب ما ذكر من الشرب بنفسين من كتاب الأشربة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4/303 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق: إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 795 حدثنا علي بن خشرم: حدثنا عيسى بن يونس، عن رشدين بن كريب، عن أبيه1، عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب يتنفس مرتين". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين ابن كريب. قال: وسألت عبد الله بن عبد الرحمن2 عن رشدين بن كريب، قلت: هو أقوى أم محمد بن كريب؟ قال: ما أقربهما! ورشدين بن كريب أرجحهما "عندي". وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا؟ فقال: محمد بن كريب أرجح من رشدين بن كريب. والقول "عندي" ما قال أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن، رشدين ابن كريب أرجح وأكبر، وقد أدرك ابن عباس ورآه، وهما أخوان، وعندهما مناكير.   1 كريب بالتصغير وهو كريب بن أبي مسلم الهاشمي، مولاهم المدني، أبو رشدين مولى ابن عباس، ثقة من الثالثة، مات سنة ثمان وتسعين، روى له الجماعة. (تقريب التهذيب 2/134) . 2 هو الدارمي الحافظ صاحب المسند تقدم التعريف به. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 797 تخريج الحديث أخرجه المصنف في "الشمائل المحمدية"1. وابن ماجة في "سننه"2. وابن عدي في "الكامل"3. كلهم من طريق رشدين بن كريب، عن أبيه، عن أبي عباس. التعريف ببعض رجال السند هذا الحديث يدور على رشدين4 بن كريب، فإنه تفرد به على ما ذكر الترمذي، وهو رشدين بن كريب بن أبي مسلم الهاشمي، مولاهم أبو كريب المدني. رأى ابن عمر، وذكر الترمذي هنا أنه أدرك ابن عباس ورآه. روى عن: أبيه، وعلي بن عبد الله ابن عباس. وروى عنه: عيسى بن يونس، ومروان بن معاوية، ومحمد بن فضيل. ضعّفه ابن المديني، وابن نمير، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي والدارقطني، وابن معين.   1 /108. 2 2/1131 رقم الحديث (3417) . 3 2 قسم (2) صفحة (96) . 4 بكسر الراء وسكون المعجمة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 798 وقال الجوزجاني: "لا يقوى حديثه". وقال البخاري: "منكر الحديث"، ومرة قال فيه وفي أخيه محمد: "فيهما نظر"، ومرة قال: "عنده مناكير". وقال ابن حبان: "كثير المناكير يروى عن أبيه أشياء ليس تشبه حديث الأثبات عنه، والغالب عليه الوهم والخطأ، حتى خرج عن حدِّ الاحتجاج به" ا?. وقصارى القول: أن هذا الراوي ضعيف عند جماعة العلماء، وعلى هذا مشى ابن حجر في "تقريب التهذيب" حيث قال1: "ضعيف، من السادسة، روى له الترمذي، وابن ماجه". أما ابن عدي فإنه لم يخرج عن هذا الرأي حين ذكر أن رشدين على ضعفه يكتب حديثه، ويختبر، ويعتبر به، فأحاديثه مع ضعفها مقاربة لأحاديث غيره. وابن عدي مع اعترافه بأن لرشدين أحاديث منكرة إلا أنه لم ير فيها حديثاً منكراً جداً قال2:   1 تقريب التهذيب 1/251. 2 الكامل 2 قسم 2 صفحة 97. وانظر في ذلك كله: "تهذيب التهذيب" 3/279 و"الجرح والتعديل" 1/2/512 و"ميزان الاعتدال" 2/51 و"المغني في الضعفاء" 1/232 و"الخلاصة" للحزرجي 117-118 و"التاريخ الكبير" 1/1/217 و1/2/337 و"التاريخ الصغير" 2/60 و"المجروحون" 1/302-303 و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي/41 و"المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان 3/44، 66 و"شرح علل الترمذي" لابن رجب/515 و"أسماء الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي ورقة 56. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 799 "ولرشدين غير ما ذكرت وليس بالكثير، وأحاديثه مقاربة لم أر فيها حديثاً منكراً جداً، وهو على ضعفه يكتب حديثه" ا?. هذا ولما كان رشدين أخاً لمحمد بن كريب1، وكلاهما ضعيف عند أئمة الحديث والنقد، فإن هذا لا شك باعث للسؤال عنهما، هل هما في منزلة واحدة من الضعف؟ أو متفاوتان فيه؟ فإن الضعف يشتد ويخف. والذي يخطر لي أن الترمذي في سؤاله عنهما كلاً من الدارمي والبخاري، إنما يريد أن يستوثق مما عنده، حتى إذا رأى جواب الدارمي التقى مع ما هو مستقر لديه، لم يتأخر بأن أعلن موافقته للدرامي في ترجيح رشدين على أخيه محمد، وتقديمه عليه. فالترمذي لم يكن خافياً عليه أنهما غير متساويين في   1 محمد بن كريب مولى ابن عباس، ضعيف، من السادسة، مات بعد الخمسين أي ومئة، روى له ابن ماجه. "تقريب التهذيب" 2/203. وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 9/420 و"ميزان الاعتدال" 4/22 و"المغني في الضعفاء" 2/627 و"الخلاصة" للخزرجي/357 و"الجرح والتعديل" 4/1/68 و"التاريخ الكبير" 1/1/217 و"التاريخ الصغير" 2/60 و"المعرفة والتاريخ" ليعقوب بن سفيان 3/66 و"أسماء الضعفاء والمتروكين" لابن الجوزي ورقة 161. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 800 الضعف، بدليل أنه قال في السؤال أيهما أقوى، وبدليل أنه رجّح ما رجّح شيخه الدارمي، وإنما كل ما في الأمر كما سبق أنه يريد أن يتأكد من موقفه؛ فلذلك ألقى السؤال على البخاري، وعلى الدرامي، ولم يكتف بسؤال واحد منهما. وأما البخاري فإنه رأى ترجيح محمد على رشدين، وتقديمه عليه. وهذا الترجيح لمحمد أو رشدين فإنه نسبي، وفائدته تظهر عند التعارض، فيما إذا تعارض حديث لرشدين مع حديث لمحمد. وقد وقع نحو سؤال الترمذي هذا من ابن أبي حاتم لأبيه، وأبي زرعة ومن الأثرم للإمام أحمد، وكانت النتيجة أن أحمد لم يرجح أحدهما على الآخر، وجعلهما في مرتبة واحدة من غير مفاضلة بينهما، حيث اعتبرهما في مستوى واحد من الضعف. وأما الأولان أبو حاتم وأبو زرعة فإنهما رأيا محمداً كأنه أقرب وأرجح. وعلى هذا يكون ما عندهما وافق ما عند البخاري. قال ابن أبي حاتم1: "سمعت أبي وأبا زرعة وذكرا محمد بن كريب ورشدين بن كريب؟ فقالا: هما أخوان قلت: أيهما أحب إليكما؟ قالا: ما أقربهما، ثم قالا: محمد كأنه اقرب" ا?. وهكذا رأينا جانب البخاري تدعم وتقوي وأنه لم ير هذا الرأي وحده، بل معه أبو حاتم وأبو زرعة.   1 الجرح والتعديل 4/1/68 في ترجمة محمد بن كريب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 801 أما رأي أحمد فإنه يمثل موقفاً ثالثاً من حيث إنه لم يرجح بينهما. قال الأثرم1: "قلت لأحمد بن حنبل: "رشدين ومحمد أخوان؟ فقال: "نعم"، فقلت: أيهما أحب إليك؟ قال: "كلاهما عندي منكر الحديث" ا?. مرتبة هذا الحديث حكم الترمذي على هذا الحديث بالضعف، وهو كذلك؛ لتفرد رشدين بن كريب به، وهو ضعيف، كما سبق وأن عرفت. وهذا الحكم يتفق مع قول الترمذي "غريب" كما في بعض النسخ، ولا يتفق مع قوله "حسن غريب" كما في بعض النسخ الأخرى، ومنها نسخة نقل منها العيني في "عمدة القارئ"2، وقد ذكر الحديث. والذي يترجح لي أن الترمذي اقتصر في حكمه على هذا الحديث على كلمة "غريب"، وأنه لم يقل "حسن غريب" للأمور الآتية: أن الوصف ب"حسن غريب" يعطيه الترمذي للحديث الحسن لذاته، كما هو معروف من اصطلاحه، وهذا الحديث ضعيف؛   1 تهذيب الكمال 3 ورقة 209 في ترجمة رشدين بن كريب. 2 10/120. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 802 لضعف رشدين بن كريب في قول الجميع، وقد تفرد به. أن الوصف بكلمة "غريب" فقط من غير كلمة "حسن" هو على ما في نسخة المزي، كما في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف"1. أن الترمذي في تفسير سورة الطور روى حديثاً لرشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس، وهو من الأحاديث التي سوف تأتي معنا فاقتصر في الحكم عليه على كلمة "غريب"، ولم يقرنها بكلمة "حسن". وهذا الحديث عدا أنه ضعيف، فإنه معارض للحديث الصحيح الذي رواه مسلم2، وأبو داود3، والترمذي4 عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثاً، ويقول: "هو أروى، وأمرأ، وأبرأ". هذا لفظ مسلم، وفي رواية أبي داود: "أهنأ" بدل قوله "أروى". وهذا التعارض أمكن إزالته باحتمال ذكره ابن حجر في "فتح الباري"5 حيث قال:   1 5/203. 2 صحيح مسلم بشرح النووي 13/198-199. 3 سنن أبي داود مع عون المعبود 10/193. 4 سنن الترمذي 6/7 مع تحفة الأحوذي. 5 10/92. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 803 "وأخرج الترمذي بسند ضعيف عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس مرتين" وهذا ليس نصاً في الاقتصار على المرتين، بل يحتمل أن يراد به التنفس في أثناء الشرب، فيكون قد شرب ثلاث مرات، وسكت عن التنفس الأخير؛ لكونه من ضرورة الواقع" ا?. والحديث أورده السيوطي في "الجامع الصغير"1 ورمز لضعفه.   1 5/145 مع فيض القدير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 804 الحديث السّابع والعشرون: باب ما جاء في صفة أبواب الجنة من كتاب صفة الجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4/684-685 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 805 حدّثنا الفضل بن الصباح البغدادي: أخبرنا معن بن عيسى القزاز، عن خالد بن أبي بكر، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه1 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "باب أمتي الذين يدخلون منه الجنة، عرضه مسيرة الراكب المجوِّد ثلاثاً، ثم إنهم ليضغطون عليه حتى تكاد مناكبهم تزول". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب. وسألت محمداً عن هذا الحديث؟ فلم يعرفه وقال: لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم بن عبد الله. تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: أبو يعلى في "مسنده"2. ابن الجوزي في "العلل المتناهية"3 بإسناده إلى الترمذي.   1 عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن، ولد بعد المبعث بيسير، واستصغر يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة، وكان من أشد الناس إتباعاً للأثر، مات سنة ثلاث وسبعين في آخرها، أو أول التي تليها، روى له الجماعة. تقريب التهذيب 1/435 وانظر: الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 2/347. 2 5 ورقة 510. 3 2 ورقة 175. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 807 البيهقي في "البعث والنشور"1. أبو نعيم في "صفة الجنة"2. المزي في "تهذيب الكمال"3 من طريق أبي نعيم نحوه، ولفظه "الباب الذي يدخل منه أهل الجنة مسيرة الراكب المشحوذ ثلاثاً، والباقي مثله". وأورده ابن كثير في "النهاية"4 من طريق يعقوب بن سفيان، عن الفضل بن الصباح، واكتفى بنقل كلام الترمذي عليه. درجة هذا الحديث ضعّف الترمذي هذا الحديث، وذكر أنه سأل البخاري عنه إلا أنه لم يعرفه هذا، ولما كان البخاري عالماً بالرجال وأحوالهم، وفي سند هذا الحديث خالد بن أبي بكر فإنه قال له: "لخالد بن أبي بكر مناكير عن سالم ابن عبد الله". والبخاري بجوابه هذا، كأنه يقول من غير جزم ولا تأكيد: يحتمل أن يكون هذا الحديث من مناكير خالد المذكور. ولا شك أن البخاري بكلامه هذا عن خالد بن أبي بكر وضع تنبيهاً على هذا الحديث، فجزاه الله خيراً.   1 1 ورقة 50. 2 ورقة 124. 3 2 ورقة 176 في ترجمة خالد بن أبي بكر. 4 2/228. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 808 وهكذا نجد البخاري أجاب عن الحديث مع أنه لم يعرفه بكل لباقة وبراعة، ودقة، وحيطة، وأمانة. وإذا كان ذلك موقف البخاري من هذا الحديث، حيث إنه خشي أن يكون من مناكيره عن سالم، فإن بعضهم انطلاقاً من موقف البخاري هذا أعلّ الحديث بخالد المذكور، وجعله من مناكيره هكذا على جهة الجزم، مع أن موقف البخاري كما لا حظنا ليس فيه جزم، غاية ما فيه احتمال أن يكون من مناكير خالد. يؤيد هذا توقف البخاري فيه وعدم معرفته له، كما صرّح بهذا للترمذي، على أنه يمكن أن يستفاد الجزم من عدم معرفة البخاري له، ومن تفرد خالد به وهو ضعيف، حيث لا متابع له ولا شاهد. ولو لم يفصح البخاري بأن له مناكير، والتي يبدو أنها حصلت بسبب ضعفه، فإنه على رأي بعض العلماء أن الضعيف إذا تفرد فحديثه منكر. هذا وما جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه من حديث أبي هريرة، كما سيأتي غنية وكفاية. وبعد فلنفصح عن ذلك البعض الذي أبهم، فنقول: قد أخرج الحديث ابن الجوزي في "العلل المتناهية"، كما سبقت الإشارة إليه، وأكتفي بنقل كلام الترمذي عليه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 809 وتبعه على ذلك الذهبي فأورده في "مختصر العلل"1. وقال عقبه: "أخرجه الترمذي من حديث خالد بن أبي بكر منكر الحديث، عن سالم ابن عبد الله، عن أبيه" ا?. كما ذكر الحديث في "ميزان الاعتدال" في ترجمة خالد هذا فقال2: "ومن مناكيره ثم ساقه، ولكن قال: "الباب الذي يدخل منه أهل الجنة ... ، وقد أعله المناوي جد صاحب "فيض القدير" بخالد المذكور، وقال3: له مناكير". كما أورده السيوطي في "الجامع الصغير"4، ورمز لضعفه، وأقره المناوي صاحب "فيض القدير" بما نقله من كلام الترمذي عليه، وتعليل جده له بخالد. ويعرف خالد بن أبي بكر: بالعمري؛ لأنه يصل في نسبه إلى عمر بن الخطاب؛ إذ هو: خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني. روى عن: جده عبيد الله، وعن عمّي أبيه حمزة، وسالم.   1 ورقة 82. 2 ميزان الاعتدال 1/628. 3 انظر فيض القدير 3/192. 4 3/192 مع فيض القدير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 810 روى عنه: ابنه عبد الله، ومعن بن عيسى القزاز، وزيد بن الحباب1. ولقد كان لقول البخاري في خالد بن أبي بكر الذي نقله الترمذي عنه، هنا صدي في كتب التراجم إذ اعتمده الذهبي في ترجمة هذا الراوي، من "ميزان الاعتدال"2، و"المغني في الضعفاء"3، كما أورده ابن حجر في ترجمته من "تهذيب التهذيب"4. كما أورد ابن حجر في "تهذيب التهذيب"، ومن قبله الذهبي في كتابيه المذكورين سابقاً قول أبي حاتم5 فيه، وهو: "يكتب حديثه". وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"6 أيضاً: "وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن أبي عاصم مات سنة (162) . قلت، (القائل ابن حجر) : "وكذا أرخه ابن سعد، وابن حبان، وزاد يخطئ، وزاد ابن سعد كان كثير الحديث والرواية" ا?.   1 تهذيب التهذيب 3/81. 2 1/628. 3 1/201. 4 3/81. 5 الجرح والتعديل 1/2/323. 6 3/81-82 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 811 ولقد لخص ابن حجر في "تقريب التهذيب"1 القول في هذا الراوي حيث قال: فيه لين من السابعة، مات سنة اثنتين وستين. أي ومئة، روى له الترمذي، ويبدو أن هذا الراوي لم يخرج له من أصحاب الكتب الستة غير الترمذي؛ لذلك فإننا لا نجد عند الذهبي، وابن حجر الرمز له بسوى الترمذي، هذا وقد ورد في صفة أبواب الجنة، وسعة أبوابها الحديث الآتي عن أبي هريرة "رضي الله عنه" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده أن ما بين المصراعين2 من مصاريع الجنة، كما بين مكة وحمير3، أو كما بين مكة وبصري4 ") . رواه البخاري في صحيحه5.   1 1/211. 2 المصراعان: بكسر الميم جانباً الباب قال في تاج العروس 5/413: "المصرعان: بابان منصوبان ينضمان جميعاً مدخلهما في الوسط منهما، واشتقاقهما من الصرعين، وهما طرفا النهار". 3 حمير (بالكسر ثم السكون وفتح الياء) اسم القبيلة: موضع نزلوا به غربي صنعاء. "مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع" 1/428. 4 بصرى: (بالضم) والقصر في موضعين إحداهما: بالشام، وهي التي وصل إليها النبي صلى الله عليه وسلم للتجارة، وهي المشهورة عند العرب. قال: هي قصبة كورة حوران، والأخرى: من قرى بغداد قرب عكبراء، ذكرها ابن الحجاج في شعره مع آوانا. "المصدر السابق" 1/201. 5 8/396 مع فتح الباري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 812 ورواه مسلم في "صحيحه"1، وأحمد في "مسنده"2 إلا أنهما قالا: "لكما بين مكة وهجر3، أو كما بين مكة وبصرى".   1 3/69 بشرح النووي. 2 2/436. 3 هجر: (بفتح أوله وثانيه) : مدينة هي قاعدة البحرين، وربما قيل الهجر (بالألف واللام) وقيل: ناحية البحرين كلها هجر. قال: وهو الصواب قيل: قصبتها الصفا وبينها وبين اليمامة عشرة أيام، وقيل: الهجر بلد باليمن بينه وبين عثر يوم وليلة من جهة اليمن، وقيل: إن هجر التي ينسب إليها القلال قرية كانت من قرى المدينة، تعمل بها وخربت. "مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع" 3/1452. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 813 الحديث الثامن والعشرون: باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة من أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث الثّامن والعشرون: باب الأخذ بالسنة واجتناب البدعة من أبواب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 5/46 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 815 حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري البصري: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبيه، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: قال أنس بن مالك: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد، فافعل، ثم قال لي: يا بني وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحياني، ومن أحياني كان معي في الجنة" وفي الحديث قصة طويلة. كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ومحمد ابن عبد الله الأنصاري ثقة، وأبوه ثقة، وعلي بن زيد صدوق إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره، قال: وسمعت محمد بن بشار، يقول: قال أبو الوليد: قال شعبة حديثا على بن زيد وكان رفاعاً. ولا نعرف لسعيد بن المسيب عن أنس رواية إلا هذا الحديث بطوله. وقد روى عباد بن ميسرة المنقري هذا الحديث، عن علي بن زيد، عن أنس، ولم يذكر فيه عن سعيد بن المسيب. قال أبو عيسى: وذاكرت به محمد بن إسماعيل، فلم يعرفه، ولم يعرف لسعيد ابن المسيب، عن أنس هذا الحديث ولا غيره. ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين، ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين مات سنة خمس وتسعين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 817 تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: البيهقي1 وقد اقتصر على الجملة الثانية. الكلام على هذا الحديث هذا الحديث –كما يظهر من سنده- يرويه سعيد بن المسيب2، عن أنس بن مالك3، وقد صرّح الترمذي أنه لا يعرف لسعيد، عن أنس إلا هذا الحديث4.   1 انظر: مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة/8. 2 تقدم التعريف به في الحديث الثاني عشر. 3 تقدمت ترجمة هذا الصحابي الجليل في الحديث الأول. 4 رغم ما بذلت من جهد رجاء أن أقف على حديث آخر لسعيد عن أنس، إلا أنني لم أظفر بذلك، وتصريح الترمذي ذلك بأنه لا يعرف لسعيد عن أنس رواية إلا هذا الحديث، واضح، وقد نقل العلائي في "جامع التحصيل" 2/407 نسخة محققة؛ لنيل درجة الماجستير من جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة كلام الترمذي هذا مبتوراً، نقله هكذا "لا نعرف له عن أنس حديثاً" بدون الاستثناء، والمدهش في الأمر أن المحقق الذي بيّن محل هذا الكلام من سنن الترمذي لم يشر إلى ذلك النقص، مما يدل على أنه لم يتنبه لكلام الترمذي، وحتى أتحقق مما ذكره العلائي، فإنني رجعت إلى نسخة جامع التحصيل التي طبعت مؤخراً في العراق، وقد سبق الإشارة إليها في الحديث الثالث، إلا أني وجدت نقل العلائي واحداً لا فرق بينه، كما أني لاحظت أن محقق الكتاب لم يعلق عليه بشيء، مما يدل على أنه لم يقف على كلام الترمذي، فلذلك كله جرى التنبيه وبالمناسبة، فإن ابن أبي حاتم لما ذكر سعيد بن المسيب في كتابه "المراسيل" لم يتعرض لرواية سعيد عن أنس البتة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 818 والذي يبدو من تحسين الترمذي لهذا الحديث –وقد حسنه حسناً لذاته- أنه يذهب إلى سماع سعيد من أنس؛ لأن من شرط الحديث الحسن لذاته الاتصال بين رواته. وقد أشار الترمذي في أعقاب كلامه على الحديث إلى إمكان سماع سعيد من أنس فقال: "ومات أنس بن مالك سنة ثلاث وتسعين، ومات سعيد بن المسيب بعده بسنتين مات سنة خمس وتسعين" ا?. قال المباركفوري1 صاحب "تحفة الأحوذي" معلقاً على هذا الكلام: "مقصود الترمذي بهذا أن المعاصرة بين أنس وبين سعيد ابن المسيب ثابتة، فيمكن سماعه منه" ا?. وكأن الترمذي بما مهد به من توثيق الطريق التي يروى فيها سعيد، عن أنس أراد أن يقوي رأيه، وما ذهب إليه من سماع ابن المسيب من أنس. وفي نظري أن الذي ألجأ إلى هذا التمهيد –وهو كما نلاحظ فيه عرض للأدلة على ما درج عليه علماؤنا في معالجة الأمور معالجة منطقية معقولة ومريحة-، هو كون الترمذي أحسن بانفراد تلك الطريق، فلعله يجيب بذلك عما عسى يوجه إليه، لو لم يلجأ إلى ذلك من انفراد الطريق وضعفها.   1 تحفة الأحوذي 7/446. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 819 ومهما يكن من أمر فلقد كان ذلك اتجاه الترمذي في هذه المسألة واجتهاده فيها، وهذا لا يمنع من إبداء مناقشات حول ما تبناه مما يؤثر في قبوله، والأخذ به، أو عدمه. فمن أولى النقاط التي تذكر بهذا الصدد مما له قيمة موقف البخاري من هذا الحديث، كما حكاه الترمذي عنه –فقد صرّح الترمذي أنه ذاكر بهذا الحديث شيخه البخاري فلم يعرفه، كما لم يعرف لسعيد بن المسيب عن أنس هذا الحديث ولا غيره. فموقف كهذا لا يمكن إمراره من غير الاستفادة منه، والتأكيد به على نفي سماع سعيد من أنس؛ إذ عدم معرفة البخاري رواية لسعيد عن أنس مطلقاً، يعطي مؤشراً على عدم وجودها، فالإمام البخاري معروف بغزارة علمه، وسعة إطلاعه. ولا شك أن موقف البخاري بعد حجة إمام محاولة إثبات رواية لسعيد عن أنس بطريق واحدة، هذه الطريق فيها ما فيها، كما سوف نعرف. وفي نظري أن هذا –أي ضعف الطريق- كفيل وحده بنقض إثبات تلك الرواية. ومن المعتمد أن المزي حين نبه في "تهذيب الكمال"1 إلى أن سعيد روى، عن أنس من طريق ضعيف يقصد هذه الطريق.   1 3 ورقة 254. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 820 وضعف هذه الطريق إنما أتى من قبل علي بن زيد المعروف بابن جدعان1، وهو –كما قال الذهبي في "ميزان الاعتدال"2-: "اختلفوا فيه" ا?. فقوى أمره بعضهم كالجريري، ومنصور بن زاذان، وحماد بن سلمة، وتكلم فيه الأكثرون. قال الجريري3: "أصحّ فقهاء البصرة عمياناً ثلاثة: قتادة، وعلي بن زيد، وأشعث الحداني". وقال منصور بن زاذان4:"قلت لعلي بن زيد لما مات الحسن: اجلس موضعه". وقال موسى بن إسماعيل5:"قلت لحماد بن سلمة: زعم وهيب أن علي بن زيد كان لا يحفظ، قال: ومن أين كان وهيب يقدر على مجالسة علي؟ إنما كان يجالسه وجوه الناس". وقد احتج به الترمذي فحسّن حديثه، كما هنا، وقال فيه "صدوق"   1 بضم الجيم وإسكان الدال المهملة أبو الحسن القرشي، التيمي البصري، أحد علماء التابعين. روى عن سعيد بن المسيب، وأبي عثمان النهدي، وابن المنكدر، وطائفة. وروى عنه: قتادة ومات قبله، والحمادان، والسفيانان، وشعبة، وآخرون. 2 3/127. 3 ميزان الاعتدال 3/127. 4 تذكرة الحفاظ 1/141. 5 ميزان الاعتدال 3/127. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 821 وأثنى عليه الذهبي في تذكرة الحفاظ1، فقال فيه: "علي بن زيد بن جدعان الإمام ... ، عالم البصرة ... ، ولد أعمى، وهو من أوعية العلم، وفيه تشيع" ا?. وقال في "المغني في الضعفاء"2: "صالح الحديث". وبالنظر فيما يأتي يتضح لنا أن الأرجح فيه أنه ضعيف، يصلح حديثه في المتابعات. قال المباركفوري3 بعد أن نقل قول الترمذي ذلك: "وضعّفه غيره واحد من أئمة الحديث". وقال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات"4: "وهو ضعيف عند المحدثين" ا?. وممن ضعّفه أحمد5، وابن معين6، والنسائي7، وابن عيينة8،   1 1/140. 2 2/447. 3 تحفة الأحوذي 7/446. 4 1/344. 5 تهذيب التهذيب 7/322، 323. 6 تهذيب التهذيب 7/322، 323. 7 تهذيب التهذيب 7/322، 323. 8 ميزان الاعتدال 3/127. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 822 وابن سعد1، وتركه يحيى بن سعيد القطان2 وبضعفه جزم ابن حجر في "تقريب التهذيب"3 فقال: "علي بن زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري، أصله حجازي، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جده، ضعيف، من الرابعة مات سنة إحدى وثلاثين أي ومائة وقيل قبلها، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة". وليعلم أن مسلماً لم يحتج به، وإنما روى له مقروناً بغيره، كما هو مذكور في "تهذيب التهذيب"4. قال الذهبي "في تذكرة الحفاظ"5: "قلت: لم يحتج به الشيخان، لكن قرنه مسلم بغيره" ا?. هذا وقال أبو حاتم6: "ليس بقوي يكتب حديثه، ولا يحتج به". وقال الحاكم أبو أحمد7: "ليس بالمتين عندهم".   1 الطبقات الكبرى 7/252. 2 تهذيب التهذيب 7/322، 323. 3 تقريب التهذيب 2/37. 4 7/324. 5 1/140. 6 الجرح والتعديل 3/1/187. 7 الأسامي والكنى ورقة 77، وانظر: تهذيب التهذيب 7/323. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 823 وقال الدارقطني1: "أنا أقف فيه لا يزال عندي فيه لين". وقد جاء بيان سبب ضعفه، وأنه من قبل حفظه. قال ابن خزيمة2: "لا أحتج به لسوء حفظه". ومما يدل على سوء حفظه ما قاله سليمان بن حرب3، عن حماد ابن زيد "ثنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث". وفي رواية: "كان يحدثنا اليوم بالحديث، ثم يحدثنا غداً، فكأنه ليس ذلك". وقال أبو زرعة4: "ليس بقوي يهم ويخطئ". وقال ابن حبّان5: "كان شيخاً جليلاً، وكان يهم في الأخبار، ويخطئ في الآثار حتى كثر ذلك في أخباره، وتبين فيها المناكير التي يرويها عن المشاهير، فاستحق ترك الاحتجاج به" ا?. ومن خطئه في الآثار ما نقله الترمذي هنا بسنده، عن شعبة بن الحجاج أنه قال: "حدثنا علي بن زيد، وكان رفاعا" يعني أنه كان يخطئ، فيرفع الحديث الموقوف كثيراً، كما جاء وصفه بأنه اختلط في آخر عمره.   1 انظر: تهذيب التهذيب الجزء والصفحة. 2 تهذيب التهذيب 7/323. 3 المصدر السابق الجزء والصفحة. 4 انظر: المصدر السابق الجزء والصفحة، والجرح والتعديل 3/1/187. 5 المجروحون 2/103. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 824 أما ابن عدي فإنه قال1: "لم أر أحداً من البصريين، وغيرهم امتنع من الرواية عنه، وكان يغلو في التشيع، ومع ضعفه يكتب حديثه". هذا وإن مما يدل على ضعف هذه الطريق هذا الاختلاف على علي ابن زيد بن جدعان الذي أشار إليه الترمذي، فقد ذكر أن عباد بن ميسرة المنقري2، روى هذا الحديث عن علي بن زيد عن أنس، ولم يذكر فيه عن سعيد بن المسيب على أنه ليس في رواية عبد الله بن المثنى الأنصاري3، عن زيد ما يجزم بسماع ابن المسيب من أنس؛ إذ الصيغة التي يروي بها ابن المسيب؛ عن أنس وهي (قال أنس) محتملة، ولا يخفى   1 الكامل 3 قسم 3 ص126. 2 عباد بن ميسرة المنقري البصري المعلم، لين الحديث عابد، من السابعة، روى له النسائي، وأبو داود، وابن ماجه في التفسير. "تقريب التهذيب" 1/394. وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 5/107، ميزان الاعتدال 2/378، المغني في الضعفاء 1/327، ديوان الضعفاء والمتروكين 1/161، الجرح والتعديل 3/1/86-87، التاريخ الكبير 3/2/38-39، الضعفاء والمتروكين للنسائي/75، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال/187. 3 عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، أبو المثنى البصري، صدوق كثير الغلط، من السادسة، روى له البخاري، والترمذي، وابن ماجه. "تقريب التهذيب" 1/445 وانظر في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب 5/387، هدي الساري مقدمة فتح الباري/416، المغني قي الضعفاء 1/352، الجرح والتعديل 2/2/177، التاريخ الكبير 3/1/208، خلاصة تذهيب تهذيب الكمال/212. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 825 أن مجيئها هنا على هذا النحو يعطي دليلا على عدم سماع ابن المسيب من أنس بهذا الحديث الوحيد، يضاف إلى ما سبق من تقرير ضعف هذه الطريق. والله أعلم ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 826 الحديث التّاسع والعشرون: باب ما جاء أن العطاس في الصلاة من الشيطان من كتاب الأدب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 5/87-88 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 827 حدّثنا علي بن حجر أخبرنا شريك عن أبي اليقظان، عن عدي –وهو ابن ثابت-، عن أبيه، عن جده رفعه قال: "العطاس، والنعاس، والتثاؤب في الصلاة، والحيض، والقيء، والرعاف، من الشيطان". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك، عن أبي اليقظان. وسألت محمد بن إسماعيل عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده قلت له: ما اسم جد عدي؟ قال: لا أدري. وذكر عن يحيى بن معين قال: "اسمه دينار"1. تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: ابن ماجه في "سننه"2 قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا الفضل ابن دكين عن شريك بلفظ: "البزاق، والمخاط، والحيض، والنعاس في الصلاة من الشيطان".   1 سبق هذا السؤال والجواب في الحديث الرابع؛ لأن سنده هو سند هذا الحديث إلا أنه هناك قال: "وذكرت لمحمد (يعني البخاري) قول يحيى بن معين اسمه دينار، فلم يعبأ به". 2 1/311 رقم الحديث (969) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 829 قال في "الزوائد"1: "في إسناده أبو اليقظان، واسمه عثمان بن عمير أجمعوا على ضعفه". وقد أورده السيوطي في "الجامع الصغير"2، وأشار في تخريجه إلى الترمذي فقط عن دينار، وقد استدركه عليه المناوي3 من رواية ابن ماجة فقال: "ومدار الحديث على شريك، وفيه مقال معروف، وظاهر صنيع المصنف (يعني السيوطي) أن الترمذي تفرد به عن الستة، وليس كذلك، بل رواه ابن ماجة أيضاً عن دينار المذكور" ا?. هكذا قال السيوطي، والمناوي "عن دينار" مع أنه ليس في رواية الترمذي، وابن ماجة التصريح باسم جد عدي دينار، أو غيره. وقد قال المناوي4 قبل ذلك: "أخرجه الترمذي في الاستئذان" من حديث عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده يرفعه. وجده قيل اسمه دينار5، وقيل: هو دينار   1 انظر تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على سنن ابن ماجة. 2 4/381 مع فيض القدير. 3 فيض القدير 4/381. 4 فيض القدير 4/381. 5 قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 3/217: "دينار جد عدي بن ثابت الأنصاري قاله يحيى بن معين، وقيل اسم جده قيس، وقيل عبد الله بن يزيد الخطمي، والصحيح أن الخطمي جده لأمه، قلت: قد أشبعت القول فيه في ترجمة عدي ابن ثابت، فلا حاجة إلى تكراره" هكذا قال وصوابه ترجمة ثابت "تهذيب التهذيب" 2/19 وما بعدها. وقال في "تقريب التهذيب" 1/237: "دينار قيل: هو جد عدي بن ثابت ولا يصح/ روى له أبو داود والترمذي وابن ماجة". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 830 القراظ1 (بظاء معجمة) الخزاعي المدني، تابعي، كثير الإرسال" ا?. الطبراني في "المعجم الكبير"، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"2: "وعن أبي اليقظان3، عن أبيه، عن جده يرفع الحديث قال: "العطاس، والنعاس، والرعاف، والحيض، والقيء، والتثاؤب في الصلاة من الشيطان" رواه الطبراني في الكبير. وأبو اليقظان ضعيف جداً" ا?.   1 قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 1/237: "دينار أبو عبد الله القراظ: (بظاء معجمة) الخزاعي مولاهم المدني، ثقة، يرسل من الثالثة، روى له مسلم، والنسائي". 2 2/86. 3 هنا سقط وهو (عن عدي بن ثابت) كما يدل عليه سند الترمذي، وابن ماجة. وأودّ أن ألفت نظر القارئ إلى نقطة مهمة، وهي ذكر الهيثمي لهذا الحديث مع كونه في الأصول التي التزم الهيثمي أن يخرج الزائد عليها، وقد أمعنت النظر في هذا فتحصل لدي جواب يمكن أن يكون صحيحاً؛ وهو أن الهيثمي لعله نقل هذا السند الناقص من الطبراني؛ ظاناً أن قوله "عن جده" فيه هو جد أبي اليقظان، وعلى هذا الاعتبار يكون أخرجه لاختلاف الصحابي فيهما. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 831 درجة هذا الحديث سند هذا الحديث باستثناء شيخ الترمذي قد سبق في الحديث الرابع حديث المستحاضة، وهو سند ضعيف للآتي:- لتفرد شريك بن عبد الله به، عن أبي اليقظان، وهو شريك بن عبد الله النخعي، الكوفي، القاضي، بواسط، ثم الكوفة، أبو عبد الله صدوق يخطئ كثيراً، وتغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلا فاضلا، عابداً شديداً على أهل البدع، من الثامنة، مات سنة سبع أو ثمان وسبعين أي ومئة، روى له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأهل السنن الأربعة1. وتفرده مع هذه الحالة لا يقبل ولا يحتج به. لضعف أبي اليقظان، واسمه عثمان بن عمير، وهذا بالإضافة إلى تدليسه، وقد عنعنه، واختلاطه، وغلوه في التشيع. لجهالة والد عدي. لجهالة جد عدي. وقد بحثت هذه الأمور هناك بحثاً وافياً من جميع الجوانب، فليرجع إليها من شاء. وقد قلت هناك: إن واحداً من هذه الأمور كاف في تضعيف الحديث، كيف وقد اجتمعت فيه كلها؟   1 تقريب التهذيب 1/351. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 832 وقد اكتفى الهيثمي في "مجمع الزوائد"1 بواحدة منها، حين قال: "رواه الطبراني في "الكبير" وأبو اليقظان ضعيف جداً" ا?. وكذا فعل المناوي في "فيض القدير"2 فذكر واحدة أخرى منها حيث قال: "ومدار الحديث على شريك، وفيه مقال معروف" ا?. والترمذي قد حكم بقوله "غريب" بتضعيفه، كما بيّن بقوله: "لا نعرفه إلا من حديث شريك عن أبي اليقظان"، أي أنه مما تفرد به شريك عن أبي اليقظان. قال الألباني في تعليقه على هذا الحديث من "مشكاة المصابيح"3: "وقال الترمذي: حديث غريب أي ضعيف، وفيه علتان: جهالة ثابت هذا، وضعف الراوي عن أبيه، وهو شريك بن عبد الله القاضي" ا?. هكذا قال، وضعّف الراوي عن أبيه، وهو شريك بن عبد الله ... ، وهو خطأ صوابه، وضعّف الراوي عن أبي اليقظان، وهو شريك؛ لأن شريكاً هو الراوي عن أبي اليقظان، وقد قال: وفيه علتان. مع أن فيه أربع علل كما هو مبين، وقد ذكر ضعف الراوي عن أبي اليقظان وهو شريك مع أنه لو ذكر ضعف أبي اليقظان لكان أولى، لأن ضعفه أشد من ضعف شريك.   1 2/86. 2 4/381. 3 1/316. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 833 ولا أدري –وقد أشار إلى جهالة والد عدي- لماذا لم يشر إلى جهالة جد عدي، مع أنه في تعليقه على حديث المستحاضة من "مشكاة المصابيح"، قال: "قد قيل في اسمه (يعني في اسم جد عدي) أقوال خمسة، وليس فيها شيء تطمئن النفس إليه" ا?. وسبق أن نقلته عند الكلام على الحديث الرابع، فلعله اكتفى بما ذكره هناك، وإن كان يحسن منه الإشارة إليه هنا. ولا يخفى أن فضيلة الشيخ/ محمد ناصر الدين الألباني عالم فاضل ومحدث كبير، وقد بيّن عذره في تعليقه على مشكاة المصابيح في أكثر من مؤلف له، بأنه كان تعليقاً سريعاً اقتضته ظروف خاصة لم تمكنه من إتقانه، واستقصاء طرق الحديث كما هي عادته، وقد نمى إلى مسامعي من مصدر موثوق به أنه بصدد إعادة هذا التعليق بشكل أكمل وأجود. كلام العلماء في هذا الحديث قال ابن عبد البر في "الاستيعاب في أسماء الأصحاب"1: "دينار الأنصاري انفرد بالرواية عنه ابنه ثابت بن دينار، وهو جد عدي بن ثابت، حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في "المستحاضة" يضعفونه، وله حديث آخر في "القيء، والعطاس، والنعاس، والتثاؤب من الشيطان" ولا يصح إسناده".   1 1/476. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 834 وقال ابن حجر في "فتح الباري"1: "سنده ضعيف". وأورده السيوطي في "الجامع الصغير"2، ورمز لضعفه وأقره المناوي. وما جاء في هذا الحديث من أن الله يكره العطاس في الصلاة، يعارضه الحديث الصحيح الذي فيه محبة الله عزّ وجلّ للعطاس مطلقاً في الصلاة وخارجها، فقد روى البخاري3 وغيره4، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً قال: "إن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم فحمد الله فحق عل كل مسلم سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان فليرده ما استطاع، فإذا قال: هاء ضحك منه الشيطان" لفظ البخاري. وقد جمع بعض العلماء بين هذين الحديثين، فخص الحديث الصحيح بالضعيف. قال ابن حجر في "فتح الباري"5 عند حديث أبي هريرة المذكور: "وقد ورد ما يخص بعض أحوال العاطسين، فأخرج الترمذي من طريق أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده رفعه، فساق   1 10/607. 2 4/381 مع فيض القدير. 3 صحيح البخاري 10/607 مع فتح الباري. 4 كأبي داود والترمذي والنسائي. 5 10/607. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 835 شطره الأول، ثم قال: وسنده ضعيف، وله شاهد عن ابن مسعود في "الطبراني"، لكن لم يذكر النعاس، وهو موقوف، وسنده ضعيف أيضاً1   1 هذا الشاهد الذي أشار إليه ابن حجر قد ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/86 فقال: وعن عبد الله بن مسعود قال: "التثاؤب، والعطاس في الصلاة من الشيطان" قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون". ولا منافاة بين قول ابن حجر "سنده ضعيف"، وقول الهيثمي "رجاله موثقون"؛ لأنه قد يكون رجاله موثقين على رأي من وثقهم، وسنده ضعيفاً؛ لانقطاع أو تدليس أو نحو ذلك، وقلت على رأي من وثقهم؛ لأن قوله "رجاله موثقون" مشعر بأن رجاله مختلف فيهم بين علماء الجرح والتعديل، بأن يكون البعض وثقهم، والبعض الآخر تكلم فيهم، وهذا قد يفيد بأن يكون من ضعّف هذا الأثر رجّح جانب تضعيف رجاله، وفي رأيي أن هذا الشاهد لا يقوى على إنقاذ حديث تالف متهالك، كحديث جد عدي مشتمل على عدة آفات. وقد قال الهيثمي عقب ذلك: "ويأتي عن ابن مسعود أثر في النعاس في الصلاة في سورة آل عمران عن شاء الله تعالى" وقد وفى بوعده فقال 6/328 "وعن عبد الله –يعني ابن مسعود- قال: "النعاس أمنة عند القتال من الله عزّ وجلّ، والنعاس في الصلاة من الشيطان" رواه الطبراني، وفيه قيس بن الربيع وثّقه شعبة وغيره، وضعّفه جماعة. وعزاه ابن حجر في "المطالب العالية" 3/315 لمسدد. وقد روى هذا الأثر ابن أبي شيبة في "مصنفه" 5/311 عن أبي بكر بن عياش عن عامر –هو الشعبي- عن زر قال: عبد الله: "النعاس عند القتل أمنة من الله، وعند الصلاة من الشيطان، وتلا هذه الآية: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} وأخرجه ابن جرير في "تفسيره" بأسانيد متعددة منها ما رواه 4/141 عن ابن بشار فقال: حدثنا ابن بشار قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان عن عاصم عن أبي رزين، قال: قال عبد الله: "النعاس في القتال أمنة، والنعاس في الصلاة من الشيطان". وأثر ابن جرير هذا أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" عن أبي سعيد الأشج، قال: حدثنا أبو نعيم، ووكيع عن سفيان به. انظر: تفسير ابن كثير 1/437. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 836 ثم قال: "قال شيخنا –يعني العراقي- في "شرح الترمذي": لا يعرض هذا –يعني حديث عدي بن ثابت- حديث أبي هريرة في محبة العطاس وكراهة التثاؤب؛ لكونه مقيداً بحال الصلاة، فقد يتسبب الشيطان في حصول العطاس للمصلي؛ ليشغله عن صلاته. وقد يقال: إن العطاس إنما لم يوصف بكونه مكروهاً في الصلاة؛ لأنه لا يمكن رده بخلاف التثاؤب؛ ولذلك جاء في التثاؤب: "فليرده ما استطاع"، ولم يأت ذلك في العطاس" ا?. وقال ملا علي القارئ في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"1: "والظاهر أن الجمع بين الحديثين، بأن يحمل محبة الله تعالى العطاس مطلقاً على خارج الصلاة، وكراهته مطلقا في داخل الصلاة؛ لأنه في الصلاة لا يخلو عن اشتغال بال به، وهذا الجمع كان متعيناً لو كان الحديثان مطلقين، فكيف مع التقييد بها في هذا الحديث؟ " ا?. وقيل "المراد من العطاس كثرته فلا ينافيه الخبر السابق إن الله يحب   1 3/15. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 837 العطاس؛ لأن محله في العطاس المعتدل، وهو الذي لا يبلغ الثلاث على التوالي، بدليل أنه يسن تشميته حينئذ بعافاك الله، وشفاك، الدال على أن ذلك مرض"1 ا?. ويقال: على جمع هؤلاء العلماء الأفاضل أنه كان من الأولى عدم إجرائه؛ لأن الحديث الضعيف لا يخصص الحديث الصحيح، فأرى أنه لا تقوم بهذا الجمع حجة على التخصيص؛ لضعف الحديث المخصص هذا مع العلم بوجود حديث ضعيف يزيل هذا التخصص، ويثبت ما نص عليه الحديث الصحيح من أن العطاس يحبه الله على إطلاقه بدون تخصيص. فقد أخرج ابن أبي شيبة2 عن أبي هريرة: "إن الله يكره التثاؤب، ويحب العطاس في الصلاة". قال ابن حجر3: "وهذا يعرض حديث عدي، وفي سنده ضعف أيضاً وهو موقوف. والله أعلم" ا?. ويلاحظ أن ابن حجر ذكر هذا الأثر، والكلام عليه الذي ختم به هذه المسألة تلو نقله لكلام شيخه العراقي. وبدل أن يسقط السيوطي حديث جد عدي، وأثر ابن أبي شيبة؛ لأنهما ضعيفان تعارضا، ويأخذ بمقتضى الحديث الصحيح، فإنه جمع   1 انظر: "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" 3/14 و"تحفة الأحوذي" 8/23. 2 المصنف 2/428. 3 فتح الباري 10/607. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 838 بينهما. قال صاحب فيض القدير1: "وأجاب المؤلف –يعني السيوطي- في "فتاويه": بأن المقام مقامان مقام إطلاق، ومقام نسبي: أما مقام الإطلاق: فإن التثاؤب والعطاس في الصلاة كلاهما من الشيطان، وعليه يحمل حديث الترمذي هذا. وأما المقام النسبي: فإذا وقعا في الصلاة مع كونها من الشيطان؛ فالعطاس في الصلاة أحب إلى الله من التثاؤب فيها، والتثاؤب فيها أكره إليه من العطاس فيها، وعليه يحمل أثر ابن أبي شيبة، فهو راجع إلى تفاوت رتب بعض المكروه على بعض" ا?.   1 4/381. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 839 الحديث الثلاثون: باب عرضت علي ذنوب أمتي من كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله علسه وسلم ... الحديث الثّلاثون: باب عرضت علي ذنوب أمتي من كتاب فضائل القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 5/178-179 سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 841 حدّثنا عبد الوهاب الورّاق البغدادي: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز، عن ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة1 يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي، فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن، أو آية أوتيها رجل ثم نسيها". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه، واستغربه. قال محمد: ولا أعرف للمطلب بن عبد الله بن حنطب سماعاً من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا قوله: "حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم. وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نعرف للمطلب سماعاً من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله: وأنكر على بن المديني، أن يكون المطلب سمع من أنس. تخريج الحديث أخرج الحديث بالإضافة إلى الترمذي:   1 القذاة: واحدة القذى وهو: ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك. "النهاية في غريب الحديث والأثر" 4/30. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 843 أبو داود في "سننه"1، وسكت عنه. ابن خزيمة في "صحيحه"2. البيهقي في "السنن الكبرى"3، وفي "شعب الإيمان"4 بإسناده إلى أبي داود. أبو يعلى في "مسنده"5. البزار في "مسنده"6. البغوي في "شرح السنة"7 بإسناده إلى أبي داود. ابن الجوزي في "العلل المتناهية"8 بإسناده إلى الدارقطني. هذا وقد ذكر صاحب "تحفة الأحوذي"9 أن ابن ماجة أخرجه، وهو وهم منه، فإنه لم يخرجه، فقد جهدت في البحث عنه في "سنن ابن ماجه" فلم أجده، وكذا لم أر أحداً ممن اعتنى بتخريج الأحاديث عزاه إلى ابن ماجه.   1 2/128. 2 2/271. 3 2/440. 4 1 قسم 2 ورقة 293. 5 4 ورقة 389. 6 عزاه إليه ابن كثير في "فضائل القرآن"/41. 7 2/364. 8 ورقة 31. 9 8/234. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 844 ولعل صاحب تحفة الأحوذي تبع في ذلك المنذري في "الترغيب والترهيب"1، حيث نسبه إلى تخريج ابن ماجه. أما في مختصر "سنن أبي داود"2 فإنه اقتصر في عزوه على الترمذي. هذا وأورد الحديث النووي في كتابه "التبيان في آداب حملة القرآن3"، وفي "الأذكار"4، وقال: تكلم الترمذي فيه. وكذا أورده السيوطي في "الجامع الصغير"5، ورمز لضعفه. حكم هذا الحديث ضعّف الترمذي هذا الحديث، وقال: إنه ذاكر به شيخه محمد بن إسماعيل البخاري فلم يعرفه، واستغربه. وقول الترمذي: "لا نعرفه إلا من هذا الوجه" عبر فيه عن معرفته هو، فقد روى من وجه آخر عن ابن جريج رواه حجاج بن محمد عنه، ولم يسم المطلب ولا غيره، أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي في   1 1/251. 2 1/259 مع شرح وتهذيب سنن أبي داود. 3 /36. 4 /89. 5 4/313 مع فيض القدير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 845 "فضائل القرآن"1 قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج قال: حدثت عن أنس بن مالك، فذكره إلا أنه قال: حتى "القذاة والبعرة"2، وقال "أكبر" بدل أعظم. وهو حديث كما لا يخفى سنده منقطع، وفي آخره قال أبو عبيد: قال ابن جريج: وحدثت عن سلمان الفارسي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكبر ذنب توافى به أمتي يوم القيامة سورة من كتاب الله، كانت مع أحدهم فنسيها". وهذا عدا أنه معلق؛ لأن أبا عبيد لم يدرك ابن جريج، وسنده منقطع أيضاً. وفي "تهذيب التهذيب"3: "قال الأثرم عن أحمد: إذا قال ابن جريج4: قال فلان، وقال فلان؛ وأخبرت: جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني، وسمعت، فحسبك به". وحجاج المذكور هو: "حجاج بن محمد المصيصي5 الأعور أبو محمد، مولى سليمان بن مجالد، مولى أبي جعفر المنصور العباسي، ترمذي   1 133 نسخة محققة؛ لنيل درجة الماجستير من جامعة الملك عبد العزيز بمكة. 2 البعرة: واحدة البعر وهو روث الجمال. 3 6/404 وانظر: شرح علل الترمذي لابن رجب/229. 4 هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي، تقدمت ترجمته في الحديث الثاني عشر وقد قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 1/520 ثقة، فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل، من السادسة ... 5 بكسر ميم وشدة صاد مهملة أولى ويقال: بفتح ميم وخفة صاد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 846 الأصل، سكن بغداد، ثم تحول إلى المصيصة". قال ابن سعد1: تحول إلى المصيصة، ثم قدم بغداد في حاجة له، فمات بها ... روى عن: ابن جريج، والليث، وشعبة، وجماعة. روى عنه: أحمد، ويحيى بن معين، والذهلي، وخلق2. وثقه علي بن المديني، والنسائي3، وابن سعد4، ومسلم، والعجلي وابن قانع، ومسلم بن قاسم5، وذكره ابن حبان في "الثقات"6، وترجمه الذهبي في "تذكرة الحفاظ"7 فقال: "الحافظ أحد الأثبات". وقال في "ميزان الاعتدال"8، وقد أورده فيه؛ لأنه خلط كما يظهر: "حجاج بن محمد المصيصي الأعور أحد الثقات". وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"9: "ثقة ثبت، لكنه اختلط   1 الطبقات الكبرى 7/333. 2 تهذيب التهذيب 2/205. 3 المصدر السابق الجزء والصفحة. 4 الطبقات الكبرى 7/333. 5 تهذيب التهذيب 2/206. 6 انظر: "المصدر السابق" الجزء والصفحة. 7 1/345. 8 1/464. 9 1/154. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 847 في آخر عمره1 لما قدم بغداد قبل موته، من التاسعة، مات بغداد سنة ست ومئتين، روى له الجماعة". يبدو أنه من أجل الاختلاف كان أحد من طعن فيه من رجال البخاري، لكن بين ابن حجر في دفاعه عنه في "مقدمة فتح الباري"2 أنه لم يسمع منه أحد بعد اختلاطه، فقال: "حجاج بن محمد الأعور المصيصي أحد الأثبات، أجمعوا على توثيقه، وذكره أبو العرب الصقلي في "الضعفاء" بسبب أنه تغير في آخر عمره، واختلط، لكن ما ضره الاختلاط، فإن إبراهيم الحربي حكى أن يحيى بن معين منع ابنه أن يُدخل عليه بعد اختلاطه أحداً، روى له الجماعة" ا?. ولا شك أنه كان أحفظ وأثبت من عبد المجيد بن أبي رواد، وغيره في ابن جريج. قال أحمد3: "ما كان أضبطه، وأصح حديثه، وأشد تعهده للحروف ورفع أمره جداً".   1 جاء في كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد/351 رواية ابنه عبد الله: "قلت لأبي: كان حجاج بن محمد اختلط؟ قال: نعم كان اختلط بآخره في آخر عمره" ا?. 2 /395. 3 انظر الجرح والتعديل 1/2/166 و"تذكرة الحفاظ" 1/345 و"تهذيب التهذيب" 2/205. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 848 وقال ابن معين1: قال لي المعلي الرازي: "قد رأيت أصحاب ابن جريج بالبصرة ما رأيت فيهم أثبت من حجاج بن محمد. قال يحيى: وكنت أتعجب منه، فلما تبينت ذلك، إذا هو كما قال: كان أثبتهم في ابن جريج". وقال أبو داود2: بلغني أن ابن معين كتب عنه نحواً من خمسين ألف حديث. وقد تابع حجاجاً في رواية هذا الحديث عن ابن جريج عبد الرزّاق3، فلم يسم أحداً كذلك4. وأما عبد المجيد فهو عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد5 الأزدي، مولى المهلب أبو عبد الحميد المكي. روى عن: ابن جريج، ومعمر، وابن نابل، وغيرهم. وروى عنه: الشافعي، وأحمد، والحميدي وغيرهم6.   1 شرح علل الترمذي لابن رجب/349 و"تهذيب التهذيب" 2/205. 2 انظر تذكرة الحفاظ 1/345 و"تاريخ بغداد" 8/237. 3 عبد الرزاق بن همام بن نافع، الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني ثقة حافظ مصنف، شهير، عمي في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع، من التاسعة، مات سنة إحدى عشرة أي ومئتين، وله خمس وثمانون، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/505. 4 أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 3/361. 5 بفتح الراء وتشديد الواو "تقريب التهذيب" 1/517. 6 تهذيب التهذيب 6/381. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 849 متكلّم فيه من حفظه، ووصف بأنه يخطئ، وأنه مرجئ، وأنه كثير الحديث. قال أحمد1: "ثقة، وكان فيه غلو في الإرجاء، وكان يقول: هؤلاء الشكاك". وعلى أن المروزي قال2: "وكان أبو عبد الله يحث عن المرجئ إذا لم يكن داعية ولا مخاصماً" ا?. فإننا نجد أبا داود يصفه بأنه كان داعية فيه، قال أبو داود3: "ثقة، وكان مرجئاً داعية في الإرجاء، وما فسد عبد العزيز حتى نشأ ابنه، وأهل خراسان لا يحدثون عنه" ا?. وقال ابن معين4: "وكان يعلن بالإرجاء". وقد وثقه ابن معين5، والنسائي6، وقال النسائي في موضع آخر7: "ليس به باس". وعن يحيى: كان عبد المجيد أصلح كتب ابن علية، عن ابن جريج فقيل ليحيى: كان عبد المجيد بهذا المحل؟ فقال: كان عالماً بكتب ابن   1 تهذيب التهذيب 6/381. 2 المصدر السابق 6/382 وشرح علل الترمذي لابن رجب/86. 3 المصدر السابق 6/382. 4 المصدر السابق 6/381. 5 التاريخ 2/299. 6 تهذيب التهذيب 6/382. 7 المصدر السابق الجزء والصفحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 850 جريج، إلا أنه لم يكن يبذل نفسه للحديث. هكذا جاء هذا النص في "ميزان الاعتدال"1، عن ابن معين بغير ذكر الإسناد إليه، وورد في "الجرح والتعديل"2، عن ابن أبي حاتم بإسناده إلى ابن معين، وهو نحو من ذلك؛ إذ جاء على الصورة الآتية: "نا عبد الرحمن قال قرئ على العباس بن محمد الدوري، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: "ابن علية عرض كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود فأصلحها له. فقلت ليحيى: ما كنت أظن أن عبد المجيد هكذا، قال يحيى: كان أعلم الناس بحديث ابن جريج، ولكن لم يكن يبذل نفسه للحديث" ا?. فيمكن أن يكون الذهبي عبر عن هذا النص بما ذكره، وهو يفيد أن ابن أبي رواد كان عالماً بكتب ابن جريج، وأنه أعلم بحديثه فيها. ومعنى هذا أنه إذا حدث منها ضبط أما إذا حدث من حفظه، فإنه لم يضبط كما هو حاصل هنا كما سيأتي. قال الساجي3: روى أحاديث عن ابن جريج لم يتابع عليها. وفي نظري أن ما جاء من ثناء لعبد المجيد، وأنه ثبت، أو أثبت الناس في ابن جريج يحمل على ما إذا حدّث من كتبه؛ لكونه كان أعلم الناس بها كما قال يحيى.   1 1/648. 2 3/1/64. 3 تهذيب التهذيب 6/382. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 851 قال الدارقطني في "العلل"1: "كل أثبت الناس في ابن جريج". قال أبو أحمد بن عدي2 وقد روى له أحاديث: "كلها غير محفوظة على أنه ثبت في حديث ابن جريج، وله عن غير ابن جريج، وعامة ما أنكر عليه الإرجاء". وهذا الحميدي يتكلم فيه، وقد روى عنه، قال البخاري3: كان يرى الإرجاء وكان الحميدي يتكلم فيه. وقال أبو حاتم4: "ليس بالقوى يكتب حديثه، كان الحميدي يتكلم فيه". وقال الدارقطني5: "لا يحتج به يعتبر به". وقال العقيلي6: "ضعفّه محمد بن يحيى". وقال ابن سعد7: "كان كثير الحديث مرجئاً ضعيفاً". وقال أبو أحمد الحاكم8: "ليس بالمتين عندهم".   1 انظر: تهذيب التهذيب الجزء والصفحة. 2 الكامل 3 قسم 3 صفحة 234. 3 التاريخ الكبير 3/2/112 والضعفاء الصغير/78. 4 الجرح والتعديل 3/1/65. 5 تهذيب التهذيب 6/382. 6 الضعفاء 12 ورقة 261. 7 الطبقات الكبرى 5/500. 8 تهذيب التهذيب 6/382. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 852 وقال الساجي: "روى عن مالك حديثاً منكراً عن زيد ابن أسلم، عن عطاء ابن يسار، عن أبي سعيد: "الأعمال بالنيات". وقال ابن عبد البر1: "روى عن مالك أحاديث أخطأ فيها، أشهرها خطأ حديث الأعمال". وقال الخليل2: "ثقة لكنه أخطأ في أحاديث". وقال ابن حبان3: "منكر الحديث جداً يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير، فاستحق الترك" ا?. وقد تعقب ابن حجر ابن حبان بالرد، كما سيأتي في "تقريب التهذيب". وأورده الذهبي في "المغني في الضعفاء"4 فاكتفى بنقل بعض آراء العلماء فيه، وذكره في "ميزان الاعتدال"5 فقال: "صدوق مرجئ كأبيه"، ونقل عن البخاري أنه قال: "في حديثه بعض الاختلاف، ولا يعرف له خمسة أحاديث صحاح".   1 تهذيب التهذيب 6/382. 2 المصدر السابق 6/383. 3 المجروحون 2/160. 4 2/403. 5 1/648. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 853 والذي استقر عليه رأى ابن حجر أنه صدوق يخطئ، فقال في "تقريب التهذيب"1: "صدوق يخطئ، وكان مرجئاً، أفرط ابن حبان فقال متروك، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين، روى له مسلم، والأربعة". وفي هامش "الخلاصة"2 للخزرجي: "روى له مسلم مقروناً بغيره". فعلى هذا مسلم لم يعتمده، ولم يحتج به منفرداً، وهذا ما يتمشى مع ما ورد في ترجمته. وأما ما قاله المعلق على "المغني في الضعفاء"3 للذهبي بعد نقله كلام ابن حجر السابق: "الأولى أنه ثقة أخطأ في أحاديث، فقد وثقه الأكثرون، واحتجوا به". فإنه في نظري ليس كذلك، وإن الأولى ما قاله ابن حجر فقد حكم فيه حكماً وسطاً يجمع شتات ما قيل فيه، وهذا واضح من النظر في ترجمته. والله أعلم. قال المنذري في "مختصر سنن أبي داود"4 بعد أن نقل كلام الترمذي على الحديث: "وفي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي، وثقه يحيى بن معين، وتكلم فيه غير واحد".   1 1/517. 2 /243. 3 2/403. 4 1/259 مع "شرح وتهذيب سنن أبي داود". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 854 وقال في "الترغيب والترهيب"1 بعد نقل كلام الترمذي أيضاً: "ومع هذا ففي إسناده عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وفي توثيقه خلاف". ومما يدل على أن هذا الحديث أخطأ فيه عبد المجيد، ولم يضبطه، هذا الاختلاف عليه الذي حكاه المزي في "تحفة الأشراف"2، فقال: "وتابعه (يعني عبد الوهاب الوراق البغدادي شيخ الترمذي في هذا الحديث) أيوب بن محمد الوزان عن عبد المجيد، وخالفهما محمد بن يزيد الآدمي، فرواه عن عبد المجيد، عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس"3 وهؤلاء الرواة الثلاثة عن عبد المجيد كلهم ثقات، نقل كل منهم حسب ما سمع منه.   1 1/251. 2 1/408. 3 أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" 1/198 عن علي بن إسحاق ابن الوزير الأصبهاني، ووقع فيه بدل "الآدمي" "الاذكى" وهو تحريف، وهو بلفظ حديث عبد الوهاب الوراق البغدادي، وقد قال الطبراني عقب تخريجه: "لم يروه عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس إلا عبد المجيد، تفرد به محمد ابن يزيد عن عبد المجيد، ورواه غير محمد، عن ابن جريج، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أنس" ا?. وعن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم الأصبهاني في كتاب "ذكر أخبار أصبهان" 2/11-12. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 855 قال ابن حجر في ترجمة عبد الوهاب من "تهذيب التهذيب"1: "عبد الوهاب بن عبد الحكم بن نافع أبو الحسن الوراق البغدادي –ويقال له ابن الحكم-، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة خمسين أي ومئتين، وقيل بعدها، روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي". وقال في ترجمته الوزان2: "أيوب بن محمد بن زياد الوزان أبو محمد الرقي، مولى ابن عباس، ثقة من العاشرة، ذكر الشيرازي: أنه هو الذي يلقب بالقلب، وقيل: هما واحد، مات سنة تسع وأربعين أي ومئتين، روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه". وقال في ترجمة الآدمي3: "محمد بن يزيد الآدمي أبو جعفر الخراز (بمعجمة ثم مهملة وآخره زاي) البغدادي، ثقة عابد، من صغار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين أي ومئتين، روى له النسائي، فالاختلاف منه وليس منهم؛ إذ لم يكن متثبتاً فيه، فحدث به مرة على هذا الوجه، ومرة على الوجه الآخر". وقال ابن حجر4 معقباً على ابن خزيمة إخراجه له في "صحيحه" عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق به. وغفل ابن خزيمة   1 1/528. 2 1/91. 3 تقريب التهذيب 2/220. 4 النكت الظراف على الأطراف 1/407. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 856 عن علته، فأخرجه في المساجد من صحيحه، عن عبد الوهاب بن الحكم الوراق به1. قال الألباني في "تعليقه على مشكاة المصابيح"2: "قلت: وعلته الانقطاع في موضعين، وقد بينته في "ضعيف السنن" (لم يطبع) رقم 71"3، وقال في "تعليقه على صحيح ابن خزيمة"4: "قلت: إسناده ضعيف فيه علتان بينتهما في "ضعيف أبي داود" ا?. فلعل الألباني يريد بالموضع الأول: الانقطاع بين ابن جريج والمطلب ابن عبد الله بن حنطب. وبالموضع الثاني: الانقطاع بين المطلب بن عبد الله بن حنطب وأنس. وأما العلة الأولى وهي الانقطاع بين ابن جريج والمطلب؛ فإن ابن جريج من المشهورين بالتدليس5، وقد رواه هنا بالعنعنة عن المطلب ولا   1 هكذا قال هنا أما في "بلوغ المرام"/64 (وانظر سبل السلام 1/157) فإنه أورد الحديث وذكر تصحيح ابن خزيمة له، ولم يتعقبه بشيء، وقال في "فتح الباري" 9/86 بعد أن أورده من رواية أبي داود والترمذي "في إسناده ضعيف". 2 1/224. 3 وقد قال قبل هذا: "وضعفه (يعني الترمذي) تبعاً للبخاري بقوله: حديث غريب ... الخ". 4 2/271. 5 ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة من طبقات المدلسين/10، وهي من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 857 تقبل عنعنته والحالة هذه، ما لم يصرح بالتحديث أو السماع، قد دل على هذه العلة ما ذكره الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية في علم الرواية"؛ إذ روى في باب "ذكر شيء من أخبار بعض المدلسين" بسنده إلى ابن المديني، فقال1: أخبرنا علي بن محمد بن الحسن الحربي قال: أنا عبد الله ابن عثمان الصفار، قال: أنا محمد بن عمران بن موسى الصيرفي، قال: ثنا عبد الله على بن المديني قال: سألت أبي عن حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد". قال: ابن جريج لم يسمع من المطلب بن عبد الله بن حنطب، كان يأخذ أحاديثه عن ابن أبي يحيى"2 ا?. وقال ابن الجوزي في "العلل المتناهية"3: "قال الدارقطني: قد روى عن ابن جريج، عن أنس، والأول أشبه بالصواب، والحديث غير ثابت؛ لأن ابن جريج لم يسمع من المطلب شيئاً. يقال: كان يدلسه عن ابن ميسرة، وغيره من الضعفاء".   1 الكفاية في علم الرواية/511. 2 هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي تقدمت ترجمته في الحديث الثالث، وقد قال فيه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 1/42: "متروك". 3 1 ورقة 31. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 858 وفي "تهذيب التهذيب"1: "قال الدارقطني: تجنب تدليس ابن جريج؛ فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح مثل إبراهيم ابن أبي يحيى، وموسى2 ابن عبيدة وغيرهما". وقال الذهبي في "مختصر العلل المتناهية"3: "حديث عرضت علي ... رواه ابن أبي رواد، عن ابن جريج، عن المطلب ابن حنطب، عن أنس، ولم يسمعه ابن جريج من المطلب". هذا عن العلة الأولى. أما العلة الثانية وهي الانقطاع بين المطلب بن عبد الله بن حنطب4 وأنس، فقد دل عليها وعلى العلة الأولى أيضاً رواية حجاج بن   1 6/405. 2 موسى بن عبيدة (بضم أوله) ابن نشيط (بفتح النون وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة) الربذي (بفتح الراء والموحدة ثم معجمة) أبو عبد العزيز المدني، ضعيف ولاسيما في عبد الله بن دينار، وكان عابداً، من صغار السادسة، مات سنة ثلاث وخمسين أي ومائة، روى له الترمذي، وابن ماجه. "تقريب التهذيب" 2/286. 3 ورقة 8. 4 المطّلب (بتشديد الطاء) ابن عبد الله ابن عبد المطلب بن حنطب (بفتح الحاء المهملة وإسكان النون وفتح الطاء المهملة) ابن الحارث المخزومي، صدوق، كثير التدليس والإرسال، من الرابعة، روى له أهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 2/254 وانظر في مصادر ترجمته: "تهذيب التهذيب" 10/178 "ميزان الاعتدال" 4/129 "تهذيب الأسماء واللغات" 2/98 "الجرح والتعديل" 4/1/359 "المعرفة والتاريخ ليعقوب ابن سفيان" 1/223، 246، 374 "المراسيل" لابن أبي حاتم/209. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 859 محمد عن ابن جريج حين قال: "حدثت عن أنس"، ودل عليها كلام الأئمة الذين نقل الترمذي ما نصوا عليه بشأن سماع المطلب من أنس. فقد نقل البخاري قوله: لا أعرف للمطلب بن عبد الله بن حنطب سماعاً من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إلا قوله: "حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم 1. ونقل عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي قوله: "لا نعرف للمطلب سماعاً من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس". هذا، وحتى لو رجع الحديث إلى حديث عبد المجيد عن ابن جريج، عن الزهري، عن أنس الذي رواه محمد بن يزيد الآدمي كما سبق فإنه منقطع؛ لأن ابن جريج لم يسمع من الزهري. قال قريش بن أنس2 عن ابن جريج: لم أسمع من الزهري شيئاً، إنما أعطاني جزءاً فكتبه وأجاز له. وقال عثمان الدارمي3، عن إسماعيل بن داود، عن ابن معين: ليس بشيء في الزهري. والخلاصة: أن هذا الحديث ضعيف بجميع أسانيده. والله أعلم.   1 قال البخاري في "تاريخه" 4/2/7: "سمع عمر" قال ابن حجر "تهذيب التهذيب": "لكن تعقبه الخطيب بأن الصواب ابن عمر، ثم ساق حديثه عن ابن عمر في الوتر بركعة". وانظر: تعليق أحمد محمد شاكر على "الرسالة" للشافعي/97-103 مهم. 2 تهذيب التهذيب 6/405. 3 المصدر السابق 6/404. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 860 الحديث الحادي والثلاثون: باب ومن سورة التوية من أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث الحادي والثلاثون: باب ومن سورة التوبة من أبوب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. سنن الترمذي بتحقيق وتعليق إبراهيم بن عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 861 حدّثنا عبد بن حميد أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان1 قال: "لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} 2 قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: "أنزلت في الذهب والفضة، لو علمنا أي المال خير، فنتخذه؟ فقال: "أفضله: لسان ذاكر وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه".   1 ثوبان الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وسلم، صحبه ولازمه، ونزل بعده الشام، ومات بحمص سنة أربع وخمسين، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 1/120 وانظر "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 1/204. 2 التوبة: 34. قال الراغب الأصفهاني: "قوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} أي: يدخرونها. والكنز: جعل المال بعضه على بعض، وحفظه، وأصله من كنزت التمر في الوعاء، وزمن الكناز وقت ما يكنز فيه التمر، وناقة كناز مكتنزة اللحم" "المفردات في غريب القرآن"/442. وقال ابن الأثير: "الكنز في الأصل: المال المدفون تحت الأرض، فإذا أخرج منه الواجب عليه لم يبق كنزاً، وإن كان مكنوزاً، وهو حكم شرعي تجوز فيه عن الأصل". (النهاية في غريب الحديث والأثر 4/203) وانظر: "تاج العروس 15/304" وما بعدها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 863 كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث حسن. سألت محمد بن إسماعيل فقلت له: سالم بن أبي الجعد سمع من ثوبان؟ قال: لا. قلت له: من سمع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمع من جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وذكر غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. تخريج الحديث أخرج هذا الحديث ابن ماجة، وأحمد، وابن جرير، وأبو نعيم من غير وجه، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان. وأخرجه ابن جرير، وغيره من غير وجه أيضاً، عن سالم مرسلاً. فأخرجه بالإضافة إلى الترمذي: أحمد في "مسنده"1 وفي "الزهد"2، وابن جرير في "تفسيره"3. كلاهما من طريق إسرائيل، عن منصو، ر عن سالم، عن ثوبان به. وأخرجه: ابن جرير في "تفسيره"4، وأبو نعيم في "حلية   1 5/278. 2 /26. 3 10/119. 4 10/119-120 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 864 الأولياء"1 من طريق جرير، عن منصور، عن سالم، عن ثوبان قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير نسير ونحن معه، إذ قال المهاجرون: "لو نعلم أي المال خير إذ أنزل في الذهب والفضة ما أنزل؟ فقال عمر "رضي الله عنه": "إن شئتم سألت لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا: "أجل". "فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعته أوضع على قعود لي، فقال: "يا رسول الله إن المهاجرين لما نزل في الذهب والفضة ما نزل، قالوا: "لو علمنا الآن أي المال خير، إذ أنزل في الذهب والفضة ما أنزل"؟ فقال: "ليتخذ أحدكم لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على إيمانه". قال أبو نعيم عقبه: "رواه أبو الأحوص، وإسرائيل عن منصور مثله" ا?. وأخرجه: ابن ماجة في "سننه"2، وأحمد في "مسنده"3، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"4. بإسناده إلى أحمد بن حنبل، من طريق عبد الله ابن عمر بن مرة، عن أبيه، عن سالم، عن ثوبان قال: "لما نزل في الفضة والذهب ما نزل قالوا: "فأي المال نتخذ"؟ قال عمر: "فأنا أعلم لكم ذلك"، فأوضع على بعيره، فأدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا في أثره فقال: "يا رسول   1 1/182. 2 1/596 رقم الحديث (1856) . 3 5/282. 4 1/182. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 865 الله أي المال نتخذ"؟ فقال: "ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على أمر الآخرة". هذا لفظ ابن ماجة قال في الزوائد1: "روى الترمذي في التفسير المرفوع منه دون قول عمر" ا?. وأخرجه: ابن جرير في "تفسيره"2، من طريق مؤمل بن إسماعيل قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن الأعمش. وعمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد مرسلاً قال: "لما نزلت {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تبا للذهب، تبا للفضة"، يقول لها ثلاثاً، قال: "فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فأي المال نتخذه"؟ فقال عمر: "أنا أعلم لكم ذلك"، فقال: "يا رسول الله إن أصحابك قد شق عليهم، وقالوا: "فأي المال نتخذه"؟ فقال: "لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وزوجة تعين أحدكم على دينه". وقد أحال ابن جرير بالمرفوع السابق من طريق إسرائيل على هذا بقوله: "مثله"، ولم يذكره. ابن أبي حاتم في "تفسيره"3، وابن جرير في "تفسيره"4، من   1 انظر تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على سنن ابن ماجة. 2 10/119. 3 مصور 4 ورقة 83. 4 10/119. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 866 طريق عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: "لما نزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قال المهاجرون: "وأي المال نتخذه؟ فقال عمر: "أسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه، قال: "فأدركته على بعير فقلت: "يا رسول الله إن المهاجرين قالوا: "فأي المال نتخذه؟ فقال رسول الله: "لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه". التعريف برجال السند عبد: بغير إضافة، ابن حميد بن نصر الكسي، (بمهملة) أبو محمد، قيل اسمه عبد الحميد، وبذلك جزم ابن حبّان، وغير واحد، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة تسع وأربعين. أي ومئتين، روى له البخاري تعليقاً، ومسلم والترمذي1. عبيد الله بن موسى: تقدمت ترجمته في الحديث العاشر. إسرائيل: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي: تقدمت ترجمته في الحديث الثاني. منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبو عثاب (بمثلثة ثقيلة ثم   1 تقريب التهذيب 1/229. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 867 موحدة) الكوفي، ثقة ثبت، وكان لا يدلس من طبقة الأعمش، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة، روى له الجماعة1. سالم بن أبي الجعد رافع الأشجعي، مولاهم الكوفي. روى عن: جابر، وأنس، وأبي أمامة، وغيرهم. وروى عنه: عمرو بن مرة، ومنصور ابن المعتمر، وقتادة، وغيرهم2. قال ابن معين3، وأبو زرعة4، والنسائي5: "ثقة". وقال ابن سعد6: "كان ثقة كثير الحديث". وقال العجلي7: "ثقة تابعي". وقال إبراهيم الحربي8: "مجمع على ثقته". قلت: وهو مع ثقته وصف بعدة صفات؛ وصف بالتدليس، وكثرة الإرسال، وأنه لم يسمع من ثوبان، فلنبحث هذا في المباحث الآتية:   1 تقريب التهذيب 2/276-277. 2 تهذيب التهذيب 3/432. 3 انظر: الجرح والتعديل 2/1/181 و"تهذيب التهذيب" 3/432. 4 الجرح والتعديل 2/1/181. 5 تهذيب التهذيب 3/432. 6 الطبقات الكبرى 6/291. 7 ترتيب ثقات العجلي للهيثمي ورقة 18، وانظر: تهذيب التهذيب 3/433. 8 المصدر السابق الجزء والصفحة، وانظر في مصادر ترجمته: "الطبقات" لخليفة بن خياط/156 و"تاريخ خليفة بن خياط"/320. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 868 المبحث الأول: في تدليسه ذكر الذهبي سالم بن أبي الجعد في "ميزان الاعتدال"1، ووصفه بالتدليس فقال: "سالم بن أبي الجعد من ثقات التابعين، لكنه يدلس ويرسل" ا?. وبناء على ذلك أورده البرهان الحلبي، وابن حجر في المدلسين. قال البرهان الحلبي في "التبيين في أسماء المدلسين"2: "سالم بن أبي الجعد قال الذهبي في "ميزانه" ... ، ثم نقل كلامه السابق. وقال ابن حجر –وقد ذكره في الطبقة الثانية3 من طبقات المدلسين، وهي: "من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح؛ لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة"-: "سالم بن أبي الجعد الكوفي، ثقة مشهور، من التابعين، ذكره الذهبي في "الميزان"، بذلك روى له الجماعة" ا?. والذي يبدو أن الذهبي انفرد بهذا القول الذي لم يعزه لأحد، أو يذكر مصدره، أو يبين من أين نقله، وهو وإن كان في موضع الثقة لكن يبقى قوله هذا محل بحث ونظر؛ نظراً لهذه القرون المتطاولة بينه وبين سالم ابن أبي الجعد.   1 2/109. 2 /8. 3 /7. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 869 صحيح أن الحاكم قال1: "وأكثر المحدثين تدليساً أهل الكوفة". إلا أن هذا لا يكون مدعاة لإلصاق تهمة التدليس بسالم من أجل أنه منهم، ما لم ينص على تدليسه بالذات، وما جاء من التنصيص على تدليسه غير مكتمل وواف، كما عرفنا. والله أعلم. وقد اجتهدت في البحث في سبيل العثور على سلف أو سند لكلام الذهبي السابق، ولكن للأسف لم أقف على شيء من ذلك، ولا يخفى أن ابن حجر جعل تدليس سالم بن أبي الجعد نادراً. المبحث الثاني: في إرساله اتفق كل من الذهبي، والعلائي، وابن حجر على أنه يرسل ويرسل كثيراً خاصة عن كبار الصحابة، وفيما يلي ما ذكروه في هذا المجال: قال الذهبي في "ميزان الاعتدال"2: "سالم بن أبي الجعد من ثقات التابعين، لكنه يدلس ويرسل" ا?. وقال في "المغني في الضعفاء"3: "سالم بن   1 معرفة علوم الحديث للحاكم/111 وانظر: "تدريب الراوي"/146. 2 2/109. 3 1/250. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 870 أبي الجعد من ثقات التابعين، لكنه يرسل ... " ا?. وقال العلائي في "جامع التحصيل في أحكام المراسيل"1: "سالم بن أبي الجعد الكوفي مشهور كثير الإرسال، عن كبار الصحابة كعمر، وعلي، وعائشة، وابن مسعود، وغيرهم رضي الله عنهم" ا?. وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"2: "ثقة، وكان يرسل كثيراً، من الثالثة، مات سنة سبع أو ثمان وتسعين، وقيل مائة، أو بعد ذلك، ولم يثبت أنه جاوز المائة، روى له الجماعة". ولا يغيب عن البال أن ابن أبي حاتم أورده في كتابه "المراسيل"3، ونقل فيه أقوال أهل العلم فيمن أرسل عنهم، وقد ذكرت طرفاً من ذلك هنا. المبحث الثالث: في سماعه من ثوبان لما كان سماع سالم بن أبي الجعد من ثوبان معمّى على الترمذي لا يدري سمع منه أم لا؟ جعله محور سؤاله لشيخه البخاري، وقد أجابه شيخه بالنفي، وهو عدم سماع سالم من ثوبان، حينئذ رغب الترمذي في معرفة من سمع سالم منهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتطلع إلى حصرهم –فسالم روى عن الصحابة وقد سمع من بعضهم، ولم يسمع من بعضهم الآخر، فأرسل عنهم-، وتلبية لهذه الرغبة أخذ شيخه البخاري يعدد له من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من سمع سالم منهم، فذكر جماعة من ضمنهم جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك.   1 2/392. 2 1/279. 3 /79. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 871 وهذا الذي نقله الترمذي عن شيخه هنا قد حكاه عنه في "العلل". قال العلائي1: "وحكى الترمذي في "العلل" عن البخاري أنه قال: "سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي أمامة، ولا ثوبان. وسمع من جابر وأنس ابن مالك" ا?. ولم يكن البخاري وحده في هذا النفي نفي سماع سالم من ثوبان، بل شاركه فيه شيخه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، والرازي. ففي "ميزان الاعتدال"2 قال أحمد: "لم يسمع من ثوبان ولم يلقه" ا?. وفي "جامع التحصيل"3: "قال أبو حاتم: "لم يدرك ثوبان" ا?. وإذا كان البخاري اكتفى بنفي السماع من غير أن يتعرض لبيان الواسطة بينهما، فإن أحمد، وأبا حاتم لم يكتفيا بذلك، فاتفق قولهما على "معدان بن أبي طلحة"، وأنه هو الواسطة بينهما. قال ابن أبي حاتم في "المراسيل"4: "حدثنا محمد بن يحيى قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: "سالم ابن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان، بينهما "معدان بن أبي طلحة"، ونقل عن أبيه أنه قال: "سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان شيئاً، يدخل بينهما "معدان".   1 جامع التحصيل في أحكام المراسيل 2/392. 2 2/109 وانظر: "المغني في الضعفاء" 1/250. 3 2/392 وانظر: "تهذيب التهذيب" 3/434. 4 /79-80 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 872 وقال أيضاً: "سمعت أبي يقول: "سالم بن أبي الجعد ... لم يدرك ثوبان وبينه وبين ثوبان "معدان"، وكان سالم وقع إلى الشام". الكلام عن الواسطة الاسم الذي تردد وذكر على أنه واسطة هو: "معدان بن أبي طلحة" ويقال: ابن طلحة الكناني اليعمري1 الشامي. روى عن: عمر بن الخطاب، وأبي الدرداء، وثوبان. وروى عنه: سالم بن أبي الجعد، والسائب ابن حبيش، والوليد بن هشام المعيطي. قال ابن معين: أهل الشام يقولون: "ابن طلحة"، وقتادة، وهؤلاء يقولون: "ابن أبي طلحة"، وأهل الشام أثبت فيه". وقال ابن سعد والعجلي: "ثقة". وذكره ابن حبان في "الثقات". قلت (القائل ابن حجر) : "ذكره ابن سعد2، ومسلم3، وخليفة4 في الطبقة الأولى من أهل الشام"5 ا?.   1 بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة "تقريب التهذيب" 2/263. 2 الطبقات الكبرى 7/444. 3 طبقات رواة المحدثين لمسلم/95. 4 الطبقات/308. 5 تهذيب التهذيب 10/228.ر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 873 وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب"1: "شامي، ثقة، من الثانية، روى له مسلم، وأهل السنن الأربعة". ولا أفهم من ذكر هذه الواسطة (معدان بن أبي طلحة) في كلام أحمد وأبي حاتم أكثر من التأكيد بها على نفي السماع، واللقي بين سالم وثوبان، وكونه يدخل بينهما كما قال أبو حاتم؛ لأن معدان كان تلميذاً لثوبان، وشيخاً لسالم، وقد وجد سالم يروي عن ثوبان بواسطة معدان، فمن الغالب أن سالماً تلقى مرويات ثوبان من طريقه، ومع هذا، ومع أن معدان ثقة قال الذهبي2: "سمعت أحمد بن حنبل، وذكر أحاديث سالم ابن أبي الجعد عن ثوبان فقال: "لم يسمع سالم من ثوبان، ولم يلقه، بينهما معدان بن أبي طلحة، وليست هذه الأحاديث بصحاح". وشيبه بما معنا ما جاء في "فتح المغيث"3 قوله: "وكذا قيل في حميد الطويل4 أنه لم يسمع من أنس إلا اليسير، وجل حديثه إنما هو عن   1 2/263 وانظر في مصادر ترجمته: "التاريخ الكبير" 4/2/38 "الجرح والتعديل" 4/1/404 "الطبقات" لخليفة بن خياط/308 "اللباب في تهذيب الأنساب" 3/414. 2 الجرح والتعديل 2/1/181 و"تهذيب التهذيب" 3/432. 3 1/175. 4 حميد بن أبي حميد الطويل، أبو عبيدة البصري، اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، ثقة مدلس، وعابه زائدة لدخوله في شيء من أمر الأمراء، من الخامسة، مات سنة اثنتين، ويقال ثلاث وأربعين أي ومئة، وهو قائم يصلي، وله خمس وسبعون، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/202. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 874 ثابت1 عنه، ولكنه يدلسه. فقال العلائي رداً على من قال: أنه لا يحتج من حديث حميد إلا بما صرّح فيه" قد تبين الواسطة فيها، وهو ثقة محتج به" ا?. وهنا يقال: قد تبين الواسطة فيها، وهو ثقة محتج به، فكيف يقول أحمد وقد ذكر أحاديث سالم بن أبي الجعد عن ثوبان: "وليست هذه الأحاديث بصحاح"، وهو ممن نص على هذه الواسطة، اللهم إلا أن يقال أراد بقوله: "بينهما معدان بن أبي طلحة" التأكيد على الانقطاع الحاصل بين سالم وثوبان. ولا شك أن الترمذي في حكمه على هذا الحديث بالحسن، نظر إلى الانقطاع الواقع بين سالم وثوبان الذي نقله عن شيخه من غير الثقات إلى الواسطة بينهما، فإن مطلق الوصف بالحسن عند الترمذي يعطيه لمثل هذا الحديث الذي فيه انقطاع، وروي من غير وجه نحوه، وهو يريد بإطلاق وصف "حسن" أنه حسن لغيره؛ لشواهده التي سوف نورد بعضها إن شاء الله تعالى فيما يأتي.   1 هو ثابت بن أسلم البناني (بضم الموحدة ونونين مخففين) أبو محمد البصري ثقة، عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين أي ومائة، وله ست وثمانون، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/115. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 875 وقد أورد المنذري الحديث في "الترغيب والترهيب"1 في باب الترغيب في النكاح سيما بذات الولود ونقل كلام الترمذي على الحديث وأقره عليه. قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"2 المسمى "المغني عن الأسفار في الإسفار": "حديث: "ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة مؤمنة تعينه على آخرته" أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجة واللفظ له من حديث3 وفيه انقطاع. بعض الشواهد للحديث للحديث شاهد من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، أخرجه: أبو داود في "سننه"4، وسكت عليه، وتبعه المنذري. ابن أبي شيبة في "مسنده"5. ابن أبي حاتم في "تفسيره"6.   1 3/71-72. 2 2/31. 3 يظهر فيه سقط وهو قوله من حديث ثوبان، كما يدل عليه ما فيه نسخة الإحياء عند الزبيدي مع إتحاف السادة المتقين 5/313. 4 5/81 مع عون المعبود قال النووي في المجموع 6/13 رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم. 5 عزاه إليه الشوكاني في "فتح القدير" 2/357. 6 مصور 4 ورقة 83. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 876 أبو يعلى في "مسنده"1. البزار في "مسنده"2. ابن مردويه3. الحاكم في "المستدرك"4 وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". البيهقي في "السنن الكبرى"5. الجصاص في "أحكام القرآن"6. وها أنا أورده من رواية ابن أبي حاتم في "تفسيره" عند قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ   1 3 ورقة 248. 2 عزاه إليه ابن حجر في "المطالب العالية" 3/340. 3 عزاه إليه الشوكاني في "فتح القدير" 2/357. 4 2/333. 5 4/83. 6 3/131. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 877 وَالْفِضَّةَ} الآية. قال: حدثنا أبي: ثنا حميد بن مالك، ثنا يحيى بن يعلى المحاربي، ثنا أبي، ثنا غيلان بن جامع المحاربي، عن عثمان أبي اليقظان، عن جعفر بن إياس، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} كبر ذلك على المسلمين، قالوا ما يستطيع أحد منا لولده مالا يبقى بعده، فقال عمر: أنا أفرج عنكم، فانطلق عمر، واتبعه ثوبان، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إنه قد كبر على أصحابك هذه الآية، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث في أموال تبقى بعدكم، قال: فكبر عمر، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء المرأة الصالحة التي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته" ا?. وعثمان أبو اليقظان هو عثمان بن عمير، وقد مضت ترجمته في الحديث الرابع. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"1: "رواه أبو يعلي، وفيه عثمان بن عمير، وهو ضعيف" ا?. أما الذهبي في "تلخيص المستدرك"2، فلم يعرفه، فقال: "عثمان لا أعرفه3، والخبر عجيب" ا?. هذا ولم يذكر عثمان عند بعض المخرجين للحديث، كأبي داود،   1 7/30. 2 2/333 مع المستدرك. 3 يمكن أن يعتذر للذهبي في هذا بأن عثمان بن عمير أبا اليقظان لم يذكر في المستدرك على الصواب، بل حرّف إلى عثمان بن القطان الخزاعي، فمن هنا قال الذهبي: لا أعرفه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 878 والجصاص. وللحديث شاهد أيضاً عن أحد الصحابة، أخرجه أحمد في "مسنده"1 من طريق محمد بن جعفر (غندر) ، ثنا شعبة، حدثني سلم2 قال: سمعت عبد الله بن أبي الهذيل3، قال: حدثني صاحب لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تباً للذهب والفضة، قال: فحدثني صاحبي أنه انطلق مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال يا رسول الله قولك تباً للذهب والفضة. ماذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لساناً ذاكراً، وقلباً شاكراً، وزوجة تعين على الآخرة". والذي يبدو لي من وصف هذا الصحابي من انطلاقه مع عمر أنه ثوبان؛ لأنه هو الذي انطلق مع عمر، كما عبرت عنه ألفاظ الحديث فيما مضى، فيكون هذا شاهداً أو متابعة على القول، بأنه لا فرق بينهما، وأن الأمر فيهما سهل. قال ابن حجر في "تخريج أحاديث الكشاف"4: "وفي الباب عن علي، أخرجه عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي حصين، عن أبي الضحى،   1 5/366. 2 الذي في المسند سالم، وهو خطأ، وسلم هو ابن عطية الفقيمي (بالفاء والقاف مصغراً) الكوفي، ليّن الحديث، من السادسة، روى له النسائي. "تقريب التهذيب" 1/314. 3 عبد الله بن أبي الهذيل الكوفي أبو المغيرة، ثقة، من الثانية، مات في ولاية خالد القسرى على العراق، روى له الترمذي، والنسائي، والبخاري في جزء القراءة، ومسلم. "المصدر السابق" 1/458. 4 2/209. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 879 عن جده ابن سبرة عنه. وعن بريدة أخرجه ابن مردويه من رواية الحكم بن ظهير، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه ". وللحديث شاهدان على الجملة الأخيرة رواهما ابن ماجه في "سننه"1 فقال: حدثنا هشام بن عمار: ثنا صدقة بن خالد، ثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها، وماله". قال في الزوائد2: في إسناده علي بن يزيد قال البخاري: منكر الحديث، وعثمان بن أبي العاتكة مختلف فيه، والحديث رواه النسائي من حديث أبي هريرة، وسكت عليه، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر" ا?. وقال: "حدثنا هشام بن عمار، ثنا عيسى بن يونس، ثنا عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الدنيا متاع، وليس من متاع شيء أفضل من المرأة الصالحة" ا?.   1 1/596 رقم الحديث (1857) . 2 انظر تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على سنن ابن ماجة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 880 الحديث الثاني والثلاثون: باب ومن سورة "ص" أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 5/368-369 سنن الترمذي بتحقيق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 881 حدّثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هانئ أبو هانئ السكري، حدثنا جهضم بن عبد الله، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي أنه حدثه عن مالك بن يخامر السكسكي، عن معاذ بن جبل1 قال: "احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعاً، فثوب2 بالصلاة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجوز3 في صلاته، فلما سلم دعا بصوته فقال لنا: "على مصافكم كما أنتم، ثم انفتل4 إلينا، فقال: أما أني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، أني قمت من الليل، فتوضأت، فصليت ما قدر لي، فنعست في صلاتي، فاستثقلت، فإذا أنا   1 معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، أبو عبد الرحمن، من أعيان الصحابة، شهد بدراً وما بعدها، وكان إليه المنتهى في العلم بالأحكام والقرآن، مات بالشام سنة ثمان عشرة، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/255 وانظر "الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 3/426. 2 من التثويب والمراد به هنا إقامة الصلاة، قال ابن الأثير: "والأصل في التثويب: أن يجيء الرجل مستصرخاً فيلوح بثوبه؛ ليرى ويشتهر، فسمي الدعاء تثويباً لذلك، وكل داع مثوب. وقيل: إنما سمي تثويباً من ثاب يثوب إذا رجع، فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة، وأن المؤذن إذا قال "حي على الصلاة" فقد دعاهم إليها، وإذا قال بعدها "الصلاة خير من النوم" فقد رجع إلى كلام، معناه المبادرة إليها" "النهاية في غريب الحديث والأثر" 1/226. 3 أي خفف فيها واقتصر على خلاف عادته. 4 أي توجه إلينا وأقبل علينا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 883 بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد قلت: رب لبيك. قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب، قالها ثلاثاً. قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي، قد وجدت برد أنامله بين ثوبي، فتجلى1 لي كل شيء، وعرفت، فقال: يا محمد قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات قال: ما هن؟ قلت: مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في المكروهات قال: ثم فيم؟ قلت إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام. قال سل قلت: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي، وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم، فتوفني غير مفتون، وأسالك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها حق فادرسوها، ثم تعلموها". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث؟ فقال: هذا صحيح. وقال: هذا أصحّ من حديث الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثنا خالد بن اللجلاج حدثني عبد الرحمن بن العائش الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وهذا غير محفوظ.   1 أي ظهر وانكشف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 884 هكذا ذكر الوليد في حديثه عن عبد الرحمن بن عائش، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى بشر بن بكر، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر هذا الحديث، بهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن عائش، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصحّ. وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم. حكم هذا الحديث هذا الحديث يعرف بحديث المنام، وقد أفرده الحافظ ابن رجب بمؤلف نفيس اسماه "اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى". أشار في مقدمته1 إلى أن في إسناد هذا الحديث اختلافاً، وأن له طرقاً متعددة، وفي بعضها زيادة، وفي بعضها نقصاناً، ثم أحال على كتابه "شرح الترمذي"، حيث ذكر أن فيه عامة أسانيده وبعض ألفاظه المختلفة. وممن تعرّض لهذا الحديث وبسط الكلام على إسناده الدارقطني في "العلل"2، وابن حجر الذي لخّص كلام الدارقطني، وزاده بسطاً، فاستوفى في ترجمة عبد الرحمن بن عائش من كتابه "الإصابة في تمييز أسماء   1 /3. 2 المجلد الثاني ورقة 41-42. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 885 الصحابة"1 وجوه الاختلاف في هذا الحديث. والحقيقة أن ابن عائش المذكور في السند هو محور هذا الحديث، وهو: عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، ويقال السكسكي الشامي مختلف في صحبته، وفي إسناد حديثه. قال البخاري2: "له حديث واحد إلا أنهم مضطربون فيه" يعني هذا الحديث. وقال ابن عبد البر3: "يختلفون في حديثه". وقال المزي في "تهذيب الكمال"4: "روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي في أحسن صورة"، وقيل عنه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل عنه، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل غير ذلك". وقد كان هذا الاختلاف على ابن عائش مانعاً من صحة صحبته عند ابن عبد البر، فذكر في ترجمته من "الاستيعاب في أسماء الأصحاب"5، –وتبعه ابن الأثير في "أسد   1 2/405 وما بعدها. 2 الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 2/405. 3 الاستيعاب في أسماء الأصحاب 2/417. 4 6 ورقة 399. 5 2/417. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 886 الغابة"1- أنه لا تصح له صحبة؛ لأن حديثه مضطرب". وعدّه في الصحابة جماعة أورد بعضهم ابن حجر في "الإصابة"2 فقال: "وذكره في الصحابة، محمد بن سعد3، والبخاري، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو الحسن بن سميع، وأبو القاسم البغوي4، وأبو زرعة الحراني، وغيرهم" ا?. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"5: "وصحح صحبته ابن حبّان تبعاً للبخاري" ا?6. وقال ابن السكن7: "يقال له صحبة". وأنكر أبو حاتم صحبته، وعده تابعياً، كما خطأ من قال له صحبة، فقال8: "ليست له صحبة أخطأ من قال له صحبة، هو عندي تابعي". وجهله أبو زرعة الرازي فقال9: "ليس معروف".   1 3/304. 2 2/405. 3 الطبقات الكبرى 7/438. 4 في الأصل واو زائدة بين القاسم والبغوي حذفتها. 5 6/205. 6 الثقات 3/255. 7 الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 2/405. 8 الجرح والتعديل 2/2/262. 9 المصدر السابق الجزء والقسم والصفحة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 887 وبهذين القولين قول أبي حاتم، وأبي زرعة يمكن أن ندرك السبب الذي من أجله أورد الذهبي في كتابه "ميزان الاعتدال"1 ابن عائش حيث اقتصر في ترجمته عليهما، ولم يتعقب ابن حجر في "لسان الميزان" الذهبي. وعما وقع في حديثه من التصريح بسماعه قال ابن عبد البر: "ولم يقل في حديثه "سمعت" النبي صلى الله عليه وسلم إلا الوليد بن مسلم". كذا قال بعد أن أورد ما أخرجه ابن خزيمة2، والدارمي3، والبغوي وابن السكن، وأبو نعيم من طرق إلى الوليد4 قال: حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر5، عن خالد بن اللجلاج6،   1 2/571. 2 كتاب التوحيد/215. 3 سنن الدارمي 2/51. 4 الوليد بن مسلم، القرشي مولاهم، أبو العباس الدمشقي، تقدمت ترجمته في الحديث الثالث، وقد قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/336: "ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع، أو أول سنة خمس وتسعين أي ومئة، روى له الجماعة". 5 عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي أبو عتبة الشامي، الدارمي، ثقة، من السابعة، مات سنة بضع وخمسين أي ومئة، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/502. 6 خالد بن اللجلاج العامري أبو إبراهيم حمصي، وقيل دمشقي، صدوق، فقيه، من الثانية، قال البخاري: سمع عمر، أخطأ من عده في الصحابة، روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي. "المصدر السابق" 1/218 وانظر: "التاريخ الكبير" 1/2/156. واللجلاج بفتح فسكون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 888 عن عبد الرحمن ابن عائش الحضرمي أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رأيت ربي في أحسن صورة، فقال لي: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ... " الحديث. قال الترمذي: "هكذا قال الوليد في روايته "سمعت" ورواه بشر بن بكر1 عن ابن جابر، فقال في روايته: عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا أصحّ، وعبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أشار البخاري -فيما حكاه الترمذي عنه– إلى حديث الوليد هذا وقال بعد أن رجح عليه حديث معاذ بن جبل: "وهذا غير محفوظ". أي كونه من مسند عبد الرحمن بن عائش، وإنما المحفوظ والصواب عن عبد الرحمن بن عائش، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل. وقال ابن خزيمة2: "قول الوليد في هذا الخبر: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم؛ لأن عبد الرحمن بن عائش لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذه القصة، وإنما رواه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحسبه أيضاً سمعه من الصحابي".   1 بشر بن بكر التنيسي أبو عبد الله البجلي، دمشقي الأصل، ثقة يغرب، من التاسعة، مات سنة خمس ومائتين، وقيل سنة مائتين/ روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. "تقريب التهذيب" 1/98. 2 كتاب التوحيد/216. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 889 ثم استدل على ذلك بما أخرجه هو والترمذي هنا من رواية يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده أبي سلام، عن عبد الرحمن بن عائش عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل. وهكذا أنكر الترمذي وابن خزيمة سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ابن حجر الذي ذكره في القسم الأول من "الإصابة"1 يقوي سماعه، فيما بَيَّن بما ساقه من متابعات أن الوليد لم ينفرد بذلك، وأن غيره قد صرّح بسماعه أيضاً. وفي ظني أن ابن حجر حين قال في "تقريب التهذيب"2: "يقال له صحبة" تبنى قول ابن السكن، وهو كما يبدو قول ليس فيه جزم، وهذا بخلاف صنيعه هنا. قال ابن حجر3: قلت: لم ينفرد الوليد بن مسلم بالتصريح المذكور، بل تابعه الوليد بن مزيد4 البيروتي، وحماد بن مالك الأشجعي، وعمارة بن بشير5، وغيرهم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر.   1 2/405. 2 1/486. 3 الإصابة في تمييز أسماء الصحابة 2/405. 4 الذي في "الإصابة" يزيد وهو خطأ. 5 الذي في "الإصابة" بشر وهو خطأ، وكذا على ما هو خطأ في "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" 4/382. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 890 فأما الوليد بن مزيد1 فأخرجه الحاكم2، وابن منده، والبيهقي3 من طريق العباس بن الوليد4، عن أبيه، حدثنا ابن جابر والأوزاعي5 قالا: حدثنا خالد بن اللجلاج، سمعت عبد الرحمن بن عائش يقول: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث". وهذه متابعة قوية للوليد بن مسلم، لكن المحفوظ من الأوزاعي   1 الوليد بن مزيد، (بفتح الميم وسكون الزاي وفتح التحتانية) العذري (بضم المهملة وسكون المعجمة) أبو العباس البيروتي، (بفتح الموحدة وسكون التحتانية وضم الراء وسكون الواو ثم مثناة) ثقة ثبت، قال النسائي: كان لا يخطئ ولا يدلس، من الثامنة مات سنة ثلاث وثمانين أي ومئة. روى له أبو داود، والنسائي. "تقريب التهذيب" 2/335. 2 المستدرك 1/520. 3 الأسماء والصفات/298 وأخرجه أيضاً ابن جرير في تفسيره 7/247 عند تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض} وانظر تفسير ابن جرير بتحقيق محمود محمد شاكر 11/477 "رقم 13461". 4 العباس بن الوليد بن مزيد العذري، البيروتي، صدوق عابد، من الحادية عشرة، مات سنة تسع وستين أي ومئتين، وله مئة سنة، روى له أبو داود، والترمذي. "تقريب التهذيب" 1/399. 5 هو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي، أبو عمرو الفقيه، ثقة جليل، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 1/493. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 891 ما رواه عيسى بن يونس1، والمعافى بن عمران2 كلاهما، عن الأوزاعي، عن ابن جابر أخرجه ابن السكن من رواية عيسى بن يونس، وقال في سياقه: سمعت خالد اللجلاج، عن عبد الرحمن بن عائش سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما حماد بن مالك3 فأخرجه البغوي وابن خزيمة من طريقه، قال: حدثنا ابن جابر قال: بينا نحن عند مكحول4، إذ مر به خالد بن   1 تقدمت ترجمته في الحديث الثاني وهو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (بفتح المهملة وكسر الموحدة) أخو إسرائيل، كوفي نزل الشام مرابطاً، ثقة مأمون، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين أي ومئة، وقيل سنة إحدى وتسعين، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 2/103. 2 المعافى بن عمران الأزدي الفهمي أبو مسعود الموصلي، ثقة، عابد فقيه، من كبار التاسعة، مات سنة خمس وثمانين أي ومئة، وقيل سنة ست، روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي. "المصدر السابق" 2/258. 3 حماد بن مالك بن بسطام أبو مالك الدمشقي الأشجعي، من أهل حرستا، روى عن سعيد بن عبد العزيز، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإسماعيل بن عبد الرحمن بن نفيع، وسعيد بن بشر. قال ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي، سمعت أبي يقول ذلك، وقال: سمعت أبي يقول: أخرج أحاديث مقدار أربعين حديثاً عن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر، فأخبر أبا مسهر بذلك، فأنكرها، وقال: هو لم يدرك ابن جابر، قال ابن أبي حاتم: سئل أبي عن حماد بن مالك بن بسطام، فقال: "شيخ" "الجرح والتعديل" 1/2/149. 4 مكحول الشامي أبو عبد الله ثقة كثير الإرسال، مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومئة، روى له مسلم، وأهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 2/273. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 892 اللجلاج فقال له مكحول: يا أبا إبراهيم1 حدثنا2، فقال: نعم. سمعت عبد الرحمن بن عائش يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفي آخره قال: مكحول: ما رأيت أحداً أعلم بهذا الحديث من هذا الرجل. وأما رواية عمارة بن بشير3 فأخرجها الدارقطني في كتاب الرؤية4 من طريقه، حدثنا عبد الرحمن بن جابر، عن أبي سلام5 أنه سمع عبد الرحمن بن عائش يقول في هذا الحديث: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر بعضه. وقد تطرق ابن حجر هنا إلى الاختلاف الواقع على خالد ابن اللجلاج فبينه، ورجح رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر فقال: روى هذا الحديث يزيد بن يزيد بن جابر6 أخو عبد الرحمن، عن خالد   1 الذي في "الإصابة" يا أبا عائش وهو خطأ، والتصويب من مصادر ترجمته "تقريب التهذيب" 1/218 وغيره. 2 هذه الكلمة زدتها من علل الحديث لابن أبي حاتم 1/20 وهي كما لا يخفى يقتضيها السياق. 3 عمارة (بضم أوله والتخفيف) ابن بشير الشامي مقبول من التاسعة/ روى له النسائي. "تقريب التهذيب" 2/49 وفي "الإصابة" عمار بن بشر وهو خطأ. 4 2 ورقة 133. 5 ستأتي ترجمته إن شاء الله تعالى قريباً. 6 يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي، ثقة فقيه، من السادسة، مات سنة أربع وثلاثين أي ومئة، وقيل قبل ذلك، روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه. "تقريب التهذيب" 2/372. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 893 فخالف أخاه. أخرجه أحمد1 من طريق زهير بن محمد عنه من خالد عنه، عن خالد، عن عبد الرحمن بن عائش، عن رجل من الصحابة فزاد فيه رجلا، ولكن رواية زهير بن محمد2 عن الشاميين ضعيفة، كما قال البخاري وغيره، وهذا منها. وقال أبو قلابة3 عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس أخرجه الترمذي4، وأبو يعلى5 من طريق هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أبي قلابة. وقد ذكر أحمد بن حنبل أن قتادة أخطأ فيه6.   1 مسند الإمام أحمد بن حنبل 4/66، 5/378. 2 تقدمت ترجمته في الحديث الخامس. 3 أبو قلابة (بكسر القاف وتخفيف اللام) هو عبد الله بن زيد بن عمرو، أو عامر الجرمي (بفتح الجيم وسكون الراء) البصري، ثقة فاضل، كثير الإرسال. قال العجلي في نصب يسير: من الثالثة مات بالشام هارباً من القضاء، سنة أربع ومئة، وقيل بعدها، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/417. 4 وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه". 5 وأخرجه أيضاً ابن خزيمة في كتاب التوحيد/217. 6 قال ابن أبي حاتم في "علل الحديث" 1/20 "سألت أبي عن حديث رواه، معاذ بن هشام عن أبيه، عن قتادة، عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم رأيت ربي عزّ وجلّ وذكر الحديث في إسباغ الوضوء ونحوه". قال أبي: هذا رواه الوليد بن مسلم وصدقة عن ابن جابر قال: كنا مع مكحول فمر به خالد بن اللجلاج فقال مكحول: يا أبا إبراهيم حدثنا فقال: حدثني ابن عائش الحضرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم (كذا قال رواه الوليد بن مسلم وصدقة) . قال أبي: وهذا أشبه وقتادة يقال: لم يسمع من أبي قلابة إلا أحرفاً؛ فإنه وقع إليه كتاب من كتب أبي قلابة فلم يميزوا بين عبد الرحمن بن عائش وبين ابن عباس. ا?. وانظر المراسيل لابن أبي حاتم/172 وتهذيب التهذيب 8/355 والاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/417 والعلل للدارقطني المجلد الثاني ورقة 41 ومختصر العلل المتناهية ورقة 3. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 894 وقال أبو زرعة الدمشقي: قلت لأحمد: ابن جابر يحدث عن خالد فذكره، ويحدث به قتادة عن أبي قلابة فذكره. فقال: القول ما قال ابن جابر1. رواه أيوب2 عن أبي قلابة مرسلاً3، لم يذكر قوته أحد، أخرجه   1 انظر تهذيب الكمال/6 ورقة 399 وتحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 4/383. 2 أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني: (بفتح المهملة بعدها معجمة ثم مثناة ثم تحتانية وبعد الألف نون) أبو بكر البصري، تقدمت ترجمته في الحديث الخامس عشر، وهو ثقة ثبت، حجة من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة وله خمس وستون، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/89. 3 أي عن ابن عباس فقد أفاد العلائي في "الجامع التحصيل" 2/487 أن رواية أبي قلابة عن ابن عباس الظاهر فيها الإرسال، وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 5/225 في ترجمة أبي قلابة: "وروى عن ابن عباس وابن عمر، وقيل لم يسمع منهما، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 2/425 في ترجمته أيضاً: "إمام مشهور من علماء التابعين ثقة في نفسه إلا أنه يدلس عمن لحقهم، وعمن لم يلحقهم، وكان له صحف يحدث منها، ويدلس" ذكره ابن حجر في الطبقة الأولى من "طبقات المدلسين" وهي من لم يوصف بالتدليس إلا نادراً، فقال/4: "عبد الله بن زيد الجرمي أبو قلابة التابعي الشهير مشهور بكنيته، وصفه بذلك الذهبي والعلائي" ولعل هذا هو الذي جعل أحمد شاكر ينفي عنه التدليس، فقال في تعليقه على مسند الإمام أحمد بن حنبل 12/134 عنه الحديث رقم (7148) : "وأبو قلابة لم يعرف بتدليس". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 895 الترمذي، وأحمد1. وكذا أرسله بكر بن عبد الله المزني2، عن أبي قلابة، أخرجه الدارقطني3. ورواه سعيد بن بشير4 عن قتادة عن أبي قلابة، فخالف الجميع. قال عن أبي أسماء5، عن   1 بتحقيق أحمد شاكر رقم الحديث (3484) وقال: (إسناده صحيح) . 2 بكر بن عبد الله المزني أبو عبد الله البصري، ثقة ثبت جليل، من الثالثة، مات سنة ست ومئة، روى له الجماعة. "تقريب التهذيب" 1/106. 3 كتاب الرؤية 2 ورقة 141. 4 سعيد بن بشير الأزدي مولاهم أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي، أصله من البصرة أو واسط، ضعيف من الثامنة، مات سنة ثمان، أو تسع وستين أي ومئة، روى له أهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 1/292. 5 عمرو بن مرثد أبو أسماء الرحبي الدمشقي، ويقال اسمه عبد الله، ثقة، من الثالثة، مات في خلافة عبد الملك، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 2/78. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 896 ثوبان1. وهي رواية أخطأ فيها سعيد بن بشير. وأشد منها خطأ رواية أخرجها أبو بكر النيسابوري في "الزيادات" من طريق يوسف ابن عطية، عن قتادة، عن أنس، أخرجها الدارقطني2 ويوسف3 متروك. قال ابن حجر: ويستفاد من مجموع ما ذكرت قوة رواية عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بإتقانها؛ ولأنه لم يختلف عليه فيها. وأما رواية أبي سلام4 فاختلف عليه. وروى حماد بن مالك كما تقدم، كرواية عبد الرحمن بن يزيد5،   1 تقدمت ترجمته رضي الله عنه في الحديث الذي قبل هذا. 2 كتاب الرؤية 2 ورقة 141، وأخرجها ابن حبان في "المجروحين" 3/135 في ترجمة يوسف بن عطية. 3 يوسف بن عطية بن ثابت الصفار البصري أبو سهل، متروك، من الثامنة، روى له ابن ماجه في التفسير. "تقريب التهذيب" 2/381. 4 ممطور الأسود الحبشي أبو سلام -بتشديد اللام- ثقة يرسل، من الثالثة، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة. "المصدر السابق" 2/273. 5 هكذا جاء هذا الكلام في "الإصابة" ولم يتضح لي وما تقدم هو أن عمارة بن بشير روى نحو رواية حماد بن مالك قال: حدثنا ابن جابر بينا نحن عند مكحول إذ مر به خالد بن اللجلاج فقال له مكحول: يا أبا إبراهيم حدثنا فقال: نعم سمعت عبد الرحمن بن عائش يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه كلام مكحول الذي سبق نقله وزاد أي عمارة بن بشير في روايته "وذكر ابن جابر عن أبي سلام أنه سمع عبد الرحمن بن عائش يقول في هذا الحديث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر بعضه". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 897 وخالفه زيد بن سلام1 فرواه عن جده أبي سلام، عن عبد الرحمن بن عائش عن مالك بن يخامر2 عن معاذ. قال الترمذي: صحيح، وقال أبو عمر3: هو الصحيح عندهم، قاله البخاري وغيره. وقد ذكره مطولا، وفيه قصة هكذا رواه جهضم4 بن عبد الله اليماني عن يحيى ابن أبي كثير5 عن زيد.   1 زيد بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي -بالمهملة والموحدة والمعجمة- ثقة، من السادسة، روى له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأهل السنن الأربعة. "تقريب التهذيب" 1/275. 2 مالك بن يخامر (بفتح التحتانية والمعجمة وكسر الميم) الحمصي، صاحب معاذ مخضرم، ويقال له صحبة، روى له البخاري، وأهل السنن الأربعة. "المصدر السابق" 2/227. "وانظر الإصابة في تمييز أسماء الصحابة" 3/338 ووقع في الأصل "مالك بن عامر" وهو خطأ. 3 الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2/417. 4 جهضم بن عبد الله بن أبي الطفيل القيسي، مولاهم اليماني، وأصله من خراسان، صدوق يكثر عن المجاهيل، من الثامنة، روى له الترمذي، وابن ماجه. "تقريب التهذيب" 1/135. 5 يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم أبو نصر اليماني، ثقة ثبت، لكنه يدلس ويرسل، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وقيل قبل ذلك، روى له الجماعة. "المصدر السابق" 2/356. وفي "ميزان الاعتدال" 4/402 قال يحيى القطان: "مرسلات يحيى بن أبي كثير شبه الريح" قال الذهبي: "قلت هو في نفسه عدل حافظ، من نظراء الزهري، وروايته عن زيد بن سلام منقطعة؛ لأنها من كتاب وقع له". وفي المراسيل "لابن أبي حاتم/241 قال: سمعت أبي يقول: يحيى ابن أبي كثير لم يسمع من زيد ابن سلام شيئاً، قال أبي: وقد سمع منه. قال أبو حاتم: حدثنا أبو توبة عن معاوية يعني ابن سلام- قال: قال يحيى بن أبي كثير: قد كان أبوك يجيئنا فنسمع منه". وفي "جامع التحصيل" 2/736 قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: يحيى ابن أبي كثير سمع من زيد بن سلام؟ قال: ما أشهد. وفي "تهذيب التهذيب" 3/415 في ترجمة زيد بن سلام "قال معاوية أخذ مني ابن أبي كثير كتب أخي زيد، وقال ابن معين: لم يلقه". ذكره ابن حجر في طبقات المدلسين في الثانية منها؛ وهي من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى، فقال/8 يحيى بن أبي كثير من صغار التابعين حافظ مشهور، كثير الإرسال، ويقال: لم يصح له سماع من صحابي ووصفه النسائي بالتدليس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 898 أخرجه أحمد1، وابن   1 مسند الإمام أحمد بن حنبل 5/243 ومن طريقه رواه المزي في "تهذيب الكمال" قال الألباني في تعليقه على "مشكاة المصابيح" 1/226 بعد أن ذكر صاحب المشكاة جماعة ممن أخرجه: "ورواه أحمد أيضاً في "مسنده" وسنده صحيح (كذا قال مع ما قيل في رواية ابن أبي كثير من زيد بن سلام كما سبق) ، لكن وقع فيه "حتى استيقظت" بدل "حتى استثقلت"، فلا أدري أي اللفظين هو الصواب، والأقرب الأول فقد قال البيهقي في "الأسماء والصفات" ص20 طبع الهند بعد أن ذكر حديث ابن عائش وما فيه من الاختلاف "وقد روي من أوجه آخر كلها ضعيف، وأحسن طريق فيه رواية جهضم بن عبد الله –يعني حديث معاذ هذا- ثم رواية موسى بن خلف"، وفيها ما دل على أن ذلك كان في النوم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 899 خزيمة1 والروياني، والترمذي، والدارقطني2، وابن عدي، وغيرهم. وخالفهم3 موسى بن خلف4 فقال: عن يحيى، عن زيد، عن جده، عن أبي عبد الرحمن السكسكي، عن مالك بن يخامر، عن معاذ. أخرجه الدارقطني5 وابن عدي6 ونقل عن أحمد أنه قال: "هذه الطريق أصحها"7. قلت: -القائل ابن حجر- فإن كان الأمر كذلك، فإنما روى هذا   1 كتاب التوحيد/218-219. 2 كتاب الرؤية 2 ورقة 129-130-131. 3 هكذا وقع في "الإصابة" فلعله وخالفه. 4 موسى بن خلف العمّي (بتشديد الميم) أبو خلف البصري، صدوق عابد، له أوهام، من السابعة، روى له البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي. "تقريب التهذيب" 2/282 وانظر في مصادر ترجمته: تهذيب التهذيب10/341 والمغني في الضعفاء 2/683 والمجروحين 2/240 والجرح والتعديل 4/1/140 والتاريخ الكبير 4/1/282. 5 كتاب الرؤية 2 ورقة 131. 6 الكامل 4 صفحة 220. 7 انظر تهذيب الكمال 6 ورقة 399 وتحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 4/383 وتهذيب التهذيب 6/204 وعلل الحديث لابن أبي حاتم 1/20. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 900 الحديث عن مالك بن يخامر أبو عبد الرحمن السكسكي، لا عبد الرحمن ابن عائش، ويكون للحديث سندان: ابن جابر، عن خالد، عن عبد الرحمن بن عائش. ويحيى، عن زيد، عن أبي سلام، عن أبي عبد الرحمن، عن مالك، عن معاذ. ويقوى ذلك اختلاف السياق بين الروايتين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 901 الحديث الثالث والثلاثون: باب ومن سورة الطور من أبواب التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 5/392-393 سنن الترمذي بتحقيق إبراهيم عطوة عوض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 903 حدثنا أبو هشام الرفاعي: أخبرنا ابن فضيل، عن رشدين بن كريب، عن أبيه، عن ابن عباس -ضي الله عنهما-، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إدبار1 النجوم، الركعتان قبل الفجر، وأدبار السجود2، الركعتان بعد المغرب". كلام الترمذي على هذا الحديث قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه من حديث محمد ابن الفضيل، عن رشدين بن كريب. سألت محمد بن إسماعيل عن محمد ورشدين ابني كريب أيهما أوثق؟ فقال: ما أقربهما، ومحمد عندي أرجح. وسألت عبد الله بن عبد الرحمن عن هذا؟ فقال: ما أقربهما ورشدين بن كريب أرجحهما عندي.   1 بكسر الهمزة وفتحها من قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} الطور: 48، 49. انظر: المفردات في غريب القرآن/164 وفتح القدير 5/81، 103. 2 بفتح الهمزة وكسرها قراءتان متواترتان في قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} ق: 39، 40. تحفة الأحوذي 9/162 وانظر: تفسير ابن جرير الطبري 26/182-183 والمفردات في غريب القرآن/164 وفتح القدير 5/81 قال في القاموس المحيط 2/26: الدبر بالضم وبضمتين: نقيض القبل، والدبر من كل شيء: عقبه ومؤخره، وأدبار النجوم: تواليها، وأدبار السجود: أواخر الصلوات. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 905 قال: والقول ما قال أبو محمد، ورشدين أرجح من محمد، وأقدمه وقد أدرك رشدين ابن عباس، ورآه. تخريج الحديث أخرج الحديث سوى الترمذي: ابن أبي حاتم في "تفسيره"1 وفيه أن ابن عباس بات ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين خفيفتين قبل الفجر، ثم توجه إلى صلاة الفجر فقال لابن عباس: " ... الحديث. قال ابن كثير2 تعقيباً على رواية ابن أبي حاتم هذه: "وحديث ابن عباس رضي الله عنهما-، وأنه بات في بيت خالته ميمونة -رضي الله عنها-، وصلى تلك الليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشر ركعة ثابت في الصحيحين وغيرهما، فأما هذه الزيادة فغريبة لا تعرف إلا من هذا الوجه، ورشدين بن كريب ضعيف، ولعله من كلام ابن عباس "رضي الله عنهما" موقوفاً عليه. والله أعلم". ابن عدي في "الكامل"3. ابن جرير الطبري في "تفسيره"4، وفيه الاقتصار على الجملة   1 انظر تفسير ابن كثير 4/246. 2 المصدر السابق الجزء والصفحة. 3 2 قسم 2 صفحة 97. 4 26/112. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 906 الثانية منه: "يا ابن عباس: ركعتان بعد المغرب أدبار السجود". الحاكم في "المستدرك"1، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". وقد تعقبه الذهبي بقوله: "قلت: رشدين ضعفه أبو زرعة، والدارقطني". ابن مردويه2. أخرجه هؤلاء من طريق محمد بن الفضيل، عن رشدين بن كريب عن أبيه، عن ابن عباس "رضي الله عنهما". درجة هذا الحديث ضعّف الترمذي هذا الحديث، وهو كذلك بهذا الإسناد؛ لأن رشدين بن كريب ضعيف، وقد مضت ترجمته في الحديث السادس والعشرين، ونقلت هناك ما قاله أئمة أهل النقد فيه، كما تعرضت لسؤال الترمذي وجواب الدارمي والبخاري عليه، حيث أعاده هنا، لكن للحديث شواهد سوف أذكرها إن شاء الله تعالى؛ تقوية وترتفع به إلى درجة الحسن لغيره. وأما محمد بن الفضيل الذي انفرد بهذا الحديث، عن رشدين بن   1 1/32. 2 عزاه إليه السيوطي في "الدر المنثور" 6/110. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 907 كريب فهو: "محمد بن فضيل بن غزوان1 بن جرير الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي. روى عن: أبيه، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعاصم الأحول، وخلق كثير. روى عنه: الثوري وهو أكبر منه، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وآخرون2. احتج به الجماعة وقد رمى بالتشيع في كلام أحمد3، وأبي داود4، وابن سعد والعجلي5، وابن حبان6، والدارقطني7، ويعقوب بن سفيان8؛ لذلك لم يحتج به بعضهم. قال ابن سعد9: "كان ثقة صدوقاً، كثير الحديث، متشيعاً، وبعضهم لا يحتج به" ا?. قال ابن حجر في "هدي الساري مقدمة فتح الباري"10 حيث   1 بفتح المعجمة وسكون الزاي "تقريب التهذيب" 2/200. 2 تهذيب التهذيب 9/405. 3 انظر المصدر السابق الجزء والصفحة. 4 انظر المصدر السابق 9/406. 5 انظر المصدر السابق الجزء والصفحة. 6 انظر المصدر السابق الجزء والصفحة. 7 انظر المصدر السابق الجزء والصفحة. 8 المعرفة والتاريخ 3/412. 9 الطبقات الكبرى 6/389. 10 /441. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 908 أورده فيه؛ لأنه أحد من طعن فيه من رجال البخاري: "إنما توقف فيه من توقف لتشيعه، وقد قال أحمد بن علي الأبار: حدثنا أبو هشام1 سمعت ابن فضيل يقول: "رحم الله عثمان، ولا رحم الله من لا يترحم عليه" قال: "ورأيت عليه آثار أهل السنة والجماعة رحمه الله" احتج به الجماعة" ا?. فالرجل ما أخذ عليه إلا تشيعه، وقد وثقه جماعة، وقال فيه أبو حاتم2: "شيخ"، وقال أبو زرعة3: "صدوق من أهل العلم"، وقال النسائي4: "ليس به بأس". والذي قاله الذهبي في "ميزان الاعتدال"5: "كوفي، صدوق، مشهور".   1 أبو هشام هذا هو شيخ الترمذي في هذا الحديث، قال عنه ابن حجر في "تقريب التهذيب" 2/219: محمد بن يزيد بن محمد ابن كثير العجلي، أبو هشام الرفاعي، الكوفي قاضي المدائن، ليس بالقوي، من صغار العاشرة، وذكره ابن عدي في شيوخ البخاري، وجزم الخطيب بأن البخاري روى عنه، لكن قد قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه، مات سنة ثمان وأربعين أي ومئتين، روى له مسلم، وأبو داود، وابن ماجه. وقد تقدمت ترجمته في الحديث الخامس عشر. 2 الجرح والتعديل 4/1/58. 3 المصدر السابق الجزء والقسم والصفحة. 4 تهذيب التهذيب 9/406. 5 4/9-10 . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 909 وقال في "المغني في الضعفاء"1: "ثقة مشهور، لكنه شيعي". وأورده في "تذكرة الحفاظ2" وقال عنه: "محمد بن فضيل بن غزوان المحدث، الحافظ، أبو عبد الرحمن الكوفي، مصنف "كتاب الزهد"، و"كتاب الدعاء"، وغير ذلك ... وكان من علماء هذا الشأن وثقه يحيى ابن معين، وقال أحمد: "حسن الحديث شيعي". قلت: (القائل الذهبي) : كان متوالياً فقط" ا?. هذا والذي اختاره ابن حجر من الحكم فيه "صدوق"، فقال في "تقريب التهذيب"3: "صدوق عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين أي ومئة، روى له الجماعة". شواهد للحديث قول الترمذي: لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه ... وقول ابن كثير: "فأما هذه الزيادة فغريبة لا تعرف إلا من هذا الوجه"، عبر فيه كل واحد منهما عن معرفته، وإلا فالحديث جاء من غير هذا الوجه مرفوعاً، مما يصلح أن يكون شاهداً لحديث ابن عباس هذا.   1 2/624. 2 1/315. 3 2/200-201 وانظر في مصادر ترجمته: "التاريخ الكبير" 1/1/207-208 و"التاريخ الصغير" 2/276 و"الطبقات" لخليفة بن خياط/171. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 910 قال السيوطي في "الدر المنثور"1: "وأخرج مسدد في "مسنده" وابن المنذر، وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إدبار النجوم، وأدبار السجود فقال: "أدبار السجود: ركعتان بعد المغرب، وإدبار النجوم: الركعتان قبل الغداة". وذكره ابن حجر في "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية"2، وعزاه لمسدد، وسكت عنه. وما نحتاجه في هذا الحديث هو الوقوف على سنده؛ ليكون الحكم عليه بما يليق به3، كما أن للحديث شواهد موقوفة على بعض الصحابة -رضي الله عنه- وعلى بعض التابعين، أخرجها عنهم ابن جرير الطبري في تفسيره4، وأخرجها غيره. ومثل هذه لا تكون إلا توقيفية فإنه لا مجال للرأي فيها. قال ابن حجر في "فتح الباري"5 عقب إيراده لحديث ابن عباس من رواية الطبري: "وإسناده ضعيف لكن روى ابن المنذر من طريق أبي   1 6/110. 2 3/377. 3 وقفت فيما بعد على سند هذا الحديث عند مسدد، وذلك بواسطة "المطالب العالية لمسنده" (1) ورقة (523) فألفيته سنداً ضعيفاً؛ لأجل الحارث الأعور، وأبي إسحاق الواقع أنه سبق الكلام عن هذين الراويين بما فيه الكفاية والغنية، فلا داعي لإعادته هنا. 4 26/112 وما بعدها. 5 8/598. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 911 تميم الجيشاني1 قال: "قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} هي الركعتان بعد المغرب". وأخرجه الطبري من طرق عن علي، وعن أبي هريرة، وغيرهما مثله. وأخرج ابن النذر عن عمر مثله. وأخرج الطبري2 من طريق كريب بن يزيد أنه كان إذا صلى الركعتين بعد الفجر، والركعتين بعد3 المغرب قرأ أدبار النجوم وأدبار السجود، أي بهما" ا?. قال السيوطي في "الدر المنثور"4: "وأخرج ابن المنذر، ومحمد بن نصر في "الصلاة" عن عمر بن الخطاب في قوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قال: "ركعتان بعد المغرب {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} قال ركعتان قبل الفجر   1 هو عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم: (بمهملتين) أبو تميم الجيشاني (بجيم وياء ساكنة بعدها معجمة) مشهور بكنيته المصري، ثقة، مخضرم من الثانية، مات سنة سبع وسبعين، روى له مسلم، وأبو داود في "القدر" والنسائي، والترمذي، وابن ماجة. "تقريب التهذيب" 2/444. 2 تفسير ابن جرير الطبري 26/181. 3 هكذا جاءت في الفتح صوابها "قبل" كما في تفسير ابن جرير الطبري. 4 6/110. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 912 وقال أيضاً1: "وأخرج ابن مردويه عن أبي هري رة "رضي الله عنه" قال: "حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات تطوعاً، منها أربع في كتاب الله: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قال: الركعتين بعد المغرب".   1 الدر المنثور 6/110. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 913 الخاتمة بعد/ فهذا هي مجموع الأحاديث التي جرى عليها سؤال الترمذي لشيخه البخاري، والتي شاء الله عزّ وجلّ أن تكون موضوع رسالتي، ومحل دراستي، وقد بلغت ثلاثة ثلاثين حديثاً، تم تجميعها –ولأول مرة فيما أعلم- من "جامع الترمذي" بعد أن كانت متفرقة فيه، وهي وإن بدت قليلة في الكم، فإنها كبيرة وغزيرة في الكيف، ولقد كان العمل فيها –علم الله سبحانه وتعالى- عسيراً وشاقاً أخذ مني الكثير من الجهد والوقت، مما أترك للقارئ الكريم أن يلمس مدى ما بذلته من خلال قراءته لبحوث هذه الرسالة، ويكفي –كمصداق على ما قلت- أن نعلم أنها في "علل الحديث" أدق علم وأعصوه، الذي لا يجيده إلا الأفذاذ من العلماء الحفاظ ذوي الفهم الثاقب، والنظر الفاحص. كما نتصور أن الترمذي إمام وناقد معتبر لا يسأل ويحاور إلا في المهم المجدي من المسائل، والقضايا، أو فيما عسر عليه التوصل إلى البت في أمره مما هو مغلق، أو شكل، أو خاف عليه، وأنه يتوجه بأسئلة تلك إلى شيخه البخاري الذي هو إمام وناقد أعظم منه. وثمة ناحية مهمة تستحق التنويه والإشادة هي مدى ما كان يتمتع به الترمذي من استقلال، وقوة شخصية. فالترمذي الذي راجع شيخه البخاري، وناظره، واستفاد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 917 منه لم يكن مقلداً له بل وافقه، وخالفه، واجتهد في المسائل على ضوء ما ظهر له منها، مما يبرز ثقله في الميدان الحديثي والعلمي. ولا شك أن هذه الناحية سببت لي حرجاً كبيراً، وتهيباً عظيماً في التوسط بين إمامين من كبار أئمة النقد والتعليل، يرى أحدهما الرأي ويخالفه الآخر، فيثبت ما يقابله. ومعنى هذا أنني أزج بنفسي في الفصل بين حكمين، وأقحمها في الحكم بين فارسين، وهذه وظيفة شاغرة ومرتبة يعز وجودها لاسيما في هذا العصر، إلا إن مما خفف من هذا التهيب، وقلل منه هو إيماني العميق بنبل مقصد الرجلين البخاري والترمذي، وسمو غايتهما، وتجردهما للعلم، وعدم ادعائهما العصمة والإحاطة، فمن هنا بعد الاستعانة بالله عزّ وجلّ حاولت جاهداً بما توفر لي من مصادر العلم التقريب بين وجهات النظر قدر الإمكان، فإذا لم يكن بد من الترجيح فإني رجعت القول الصائب بدليله. ويتضح هذا جلياً في الحديث الثاني؛ إذ يرى الترمذي اختلاف الروايات فيه موجباً لاضطرابه، فيقوم بعرض الاضطراب- وذلك في سبيل البحث عن حل له ومخرج منه على الدارمي والبخاري، إلا أن الدارمي على جلالة قدره توقف ولم يقض فيه بشيء، فلم يبد رأيه في الموضوع، ولم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 918 يفصل فيه بشيء لا بترجيح ولا غيره. وأما البخاري فكان موقفه من الاضطراب مبدئياً يشبه تماماً موقف الدارمي، أقر بالاضطراب، ولم يحكم فيه بشيء، ثم أداه اجتهاده إلى غير ذلك، فاختار إحدى الروايات، وأودعها كتابه "الجامع الصحيح". يبقى بعد ذلك الترمذي فإنه –بما توفر لديه من أدلة- خالف شيخه، وخالف اجتهاده، فرأى ترجيح رواية غير تلك التي رجحها شيخه. كما يتضح ذلك جلياً في الحديث السادس والعشرون وقد ناظر الترمذي شيخه البخاري في ترجيح بعض الرواة الضعفاء على بعض، مما تظهر فائدته عند التعارض، فقد كان رأي البخاري أن رشدين بن كريب أرجح من أخيه محمد، وكان رأي الترمذي بالعكس، وهو أن محمداً أرجح من رشدين. إلى غير ذلك مما تجده في أحاديث هذه الرسالة. ... ولا يخفى أنني أوليت تلك الناحية في الإمام الترمذي جل اهتمامي، وحرصت على إبرازها سواء عند الكلام على الأحاديث التي اقتضتها، أو في ترجمة الترمذي حيث ركزت على هذه الناحية فيه، ووجهت نظر القارئ إليها. هذا ولما كان موضوع هذه الرسالة –كما أسلفت- في علل الحديث فقد دعاني ذلك إلى تخصيص كلمة تحدثت فيها عن أهمية علم علل الحديث، ومنزلته من علوم الحديث، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 919 وسجلت فيها خلاصة دراستي عن العلة، والحديث المعل، ومواطن العلة، وأنواعها، وكيفية إدراكها، والطرق الموصلة إليها مما أرشد إليه النقاد، وأهم الكتب المؤلفة في علل الحديث مع ذكر مؤلفيها ووفياتهم. وقد هدفت من وراء تلك الكلمة: أن تكون تذكرة لي وعوناً للقارئ في تفهّم بحوث هذه الرسالة، ومتابعتها بنحو جيد ومرضٍ. أن نكون على صلة من هذا العلم العظيم، وعلى ذكرى بما كان عليه سلفنا الصالح من تحري وتدقيق، وتنقير في مجال تصحيح السنة، وتضعيفها، مع ما بذلوه من جهود هائلة، وحرص بالغ، وعناية فائقة، في هذا المضمار. وما هذا الذي قام به الترمذي تجاه الأحاديث التي معنا إلا مظهراً من مظاهر حفظ السنة، وصيانتها، والذود عن حياضها. كانت مناسبة لي أوردت فيها بعض المعلومات الجديدة، ونبهت فيها على بعض الأخطاء، كما ناقشت بعض الناس في أمور مفتقرة إلى نقاش، وحققت أشياء بحاجة إلى تحقيق. هذا وأما بالنسبة لسؤالات الترمذي وأجوبة البخاري عليها، فإنني بعد أن أشرت في المقدمة إلى مسلك ومنطق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 920 وأسلوب كل من البخاري والترمذي فيها، وصدى ما تضمنته في شتى المصادر، قمت ببيان أثر هذه السؤالات والأجوبة في الفكر الحديثي، وتجلية النقاط التي جاءت هذه السؤالات والأجوبة بتوضيحها، من إيضاح قيمة بعض الرواة جرحاً وتعديلا، وإيضاح قيمة بعض الأسانيد من حيث الوصل والقطع، أو الرفع والوقف، أو الاتصال والإرسال، وإيضاح قيمة بعض الأحاديث من حيث الصحة أو الضعف. ولا يمنع هذا في أن البخاري أخطأ في بعض الأشياء، كما في الحديث الخامس عشر، والتاسع عشر. كما أنني قمت بذكر المؤلفات على هذا الأسلوب، وهو نقل المعلومات التي تتعلق بنقد الرواة والمرويات من الشيوخ، فأوردت منها عدداً لا يستهان به أكثره مخطوط، ونزر منه مطبوع، وقد بينت عند ذكر كل مؤلف منها مادة النقد التي يحويها، سواء كانت في نقد الرجال، أو الأحاديث، أو فيهما معاً، كما حاولت أن أعطي معلومات وافية عنه تعين على تصوره والاهتداء إليه، وذلك من ناحية التنصيص على نسخة الوحيدة، أو نسخة المتعددة، ومن ناحية ذكر مكان أو أماكن وجوده، وذكر الرقم الخاص به في المكتبة المحفوظ بها وعدد أوراقه وهل هو كامل أو ناقص، ومحل النقص، وبيان ما طبع أو صور، أو حقق في رسالة علمية عالية، وبيان ما وقفت عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 921 من ذلك. أما ما كان مفقوداً فقد أشرت إليه. ولم يفتني أن أترجم بتراجم متوسطة لأصحاب تلك المؤلفات من التلاميذ، والشيوخ؛ نظراً لكونهم من الأئمة المحققين، والنقاد الكبار، واعتمدت عليهم رسالتي في جل بحوثها. وفي التمهيد الذي عملته قبل إيراد تلك المؤلفات تمنيت لو تقوم دراسة واعية وجادة لتلك المؤلفات تجري مقارنة بينها، وتثبت نتائجها؛ وليكن محلها رسالة علمية عالية. كما حبذت لو صرفت الجهود ليتميز هذا النمط من التأليف في جميع الفنون؛ لما في ذلك من النفع والمصلحة. وفيما يتصل بسؤالات الترمذي للبخاري فقد عملت ترجمة موجزة للبخاري، حيث طبقت شهرته الآفاق، فأغنت عن الإطالة فيها، وأخرى للترمذي حافلة استقيتها من أكثر من أربعين مصدراً ومرجعاً، جاءت في أغلبها ترجمة الترمذي مقتضبة، ليقف القارئ عن كثب على حياة صاحبها، الذي يعتبر بحق أحد دعاة السنة النبوية، الذين أوقفوا حياتهم على إحيائها، وأفنوا أعمارهم من أجلها. والواقع أنه كان بالإمكان الاكتفاء بما كتبه عن الترمذي كل من المباركفوري في "مقدمة كتابه تحفة الأحوذي"، وأحمد شاكر في "مقدمة جامع الترمذي"، ونور الدين عتر في رسالته الجزء: 2 ¦ الصفحة: 922 "الإمام الترمذي"، لولا ما ذكرت آنفاً ولولا إضافة معلومات توصلت إليها، وأخطاء نبهت عنها، وأمور مختلف فيها من حياة الترمذي، فصلتها وأدليت فيها بدلوي، وعلى قدر جهد المقل، ولولا صفحات مشرقة في حياة الترمذي لاسيما تلك التي تتصل بشيخه البخاري، وتتحدث عن عمق ما بينهما من صلة وعلاقة قوية، وتظهر مدى الترابط والتلاحم والتجاوب الذي حصل بينهما، وقد ركزت على هذه الناحية تركيزاً شديداً، وأفضت فيها، وأوليتها كامل عنايتي. فالترمذي –وهذا من خصائصه وما يمتاز به- كان طلعة من الرجال، سآلا عن الأحاديث، وعللها، والرجال وأحوالهم، كتلة من النشاط والحيوية، والعمل الجاد الدؤوب في سبيل العلم، ولتضلع من الحديث يتنقل بين كبار العلماء، وجهابذة النقاد يباحثهم، ويناظرهم بفكر وقاد، وذكاء نادر في خفي المسائل العلمية، ودقيق المشكلات الحديثية، حتى حظي بسبب ذلك بالإعظام والإكرام من شيوخه، واستطاع بقيمة ما ذاكر به أن ينتزع تلك الشهادة القيمة من شيخه البخاري، وهي قوله له: "ما انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي". وهذا بلا شك يبرز لنا قيمة سؤلات الترمذي، وأهميتها، والحق يقال: أن الترمذي أبان بهذه السؤالات عن تعمقه، ودقته، وبعد نظره. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 923 والترمذي الذي أتيح له أن يتتلمذ على العديد من العلماء والمحدثين البارعين، اشتهر وعرف بين القاصي والداني بأنه تلميذ البخاري وهو الذي نشر علمه، وأظهر فضله، يصرح بتفوق شيخه البخاري، وتقدمه على سائر أئمة عصره في معنى هذه العلوم الحديثية المهمة والدقيقة، وهي علم العلل، والتاريخ، ومعرفة الأسانيد، فقال: "ولم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل، والتاريخ، ومعرفة الأسانيد، كثيراً أحد علم من محمد بن إسماعيل رحمه الله". وناهيك بهذه الشهادة التي تبرز قيمة أجوبة البخاري؛ لكونها أتت نتيجة مراس، وتجربة، ومعرفة، وخبرة بتلك العلوم، فالترمذي قد دار على الشيوخ وخبرهم، وميز ما بينهم، كما أنه شارك، وتصدى بالتأليف في هذه العلوم؛ إذ له كتاب العلل الكبير، والعلل الصغير، وكتاب التاريخ، وأحسبه في تاريخ الرجال، وجرحهم، وتعديلهم. ولا ريب أن البخاري كان أبصر وأعلم، وأفقه في علم علل الحديث ومرجعاً فيه لكبار علماء عصره، كما يتضح هذا من سيرته. وعن أحاديث الرسالة وما تناولته فيها من دراسة وبحث، فإنني عزوتها إلى محالها من مصادرها المعتمدة، ما عدا قليلاً منها، بحثت عنها فلم أقف عليها لغير الترمذي، وقد تطلب مني ما التزمته من الاستقصاء في تخريجها، أن أجري خلف كل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 924 حديث منها في شتى الكتب والأجزاء، سواء كانت مطبوعة أو مخطوطة، وعلى مختلف فنونها من حديث، وتفسير، وأحكام، وغير ذلك. وقد كان لهذا فائدة كبرى في الوقوف على طرق أخرى رويت بها بعض الأحاديث، ساعدت في دفع بعض الأوهام، وتصحيح بعض الأخطاء، والكشف عن بعض العلل. بعد ذلك قمت بفحص الأحاديث، وسبر أحوال رواتها، فأوضحت ما فيها من علل، وما وجه إليها من انتقاد، نص عليه البخاري، أو الترمذي، أو غيرهما من الأئمة الحفاظ، أو توصلت إليه من خلال بحثي ودراستي للأحاديث وطرقها. وقد أردفت ذلك بما أجيب به عن تلك العلل، أو عن بعضها، ثم نظرت فيه تأييداً، أو رداً على ضوء الأدلة، كما ناقشت في ثبوت بعض العلل، أو محلها مدعما موقفي بالحجة والبرهان. وفيما يتعلق بالرواة فقد عرَّفت بأحوال الرواة الذين عليهم مدار البحث جرحاً وتعديلا، فنقلت فيهم –بعد تتبع أحوالهم من شتى كتب الرجال؛ إذ لم اقتصر على تقريب التهذيب إلا في التعريف ببعض الرواة- وأقوال النقاد المعتبرين، لاسيما تلك التي نقلها الترمذي عن البخاري، وبعد دراستها وفحصها، وفقت أو رجحت بين الأقوال المتعارضة في نقدهم، حسب ما ظهر لي قوته، وفي نطاق قواعد علماء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 925 الجرح والتعديل. يأتي بعد ذلك الحكم على الأحاديث، وهو الغاية التي يسعى إليها الدارس من وراء دراسته للحديث، وما سرت عليه هو أنني قبل الحكم عليها أنظر في حكم الترمذي إن كان له حكم عليها؛ لأنه في بعض الأحاديث سكت فلم يحكم بشيء، فإن كان صواباً أقررته، وإلا فإني أبين درجة الحديث التي يستحقها، متبعاً قواعد أهل الفن في نقد الحديث، ومستعيناً بذكر الشواهد، والمتابعات، وكلمات الأئمة النقّاد المعاصرين والمحققين. أما الأحاديث التي سكت عنها فحكمت عليها –بعد دراستها- حسب ما ظهر لي من حالها، وقد أجبت عن التعارض الناشئ بين بعض الأحاديث وبين ما أوردته من أحاديث معارضة لها، بعد أن بينت وجه التعارض بينهما، ثم حكمت عليها بما تقتضيه تلك الإجابة صحة أو ضعفاً. وبالنسبة للأحاديث التي أشار إليها الترمذي بقوله "وفي الباب"، وهي أحاديث يرمز إليها الترمذي بأسماء الصحابة يصلح ذكرها في الباب، فقد أوردت معظمها، ولم يفتني إلا القليل منها، وخرجتها، وتكلمت عليها بقدر ما تدعو إليه الحاجة، ويتطلبه المقام. حيث إن بعضها يمكن اعتباره شاهداً، كما زدت أحاديث في الباب لم يشر إليها الترمذي، وهي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 926 تصلح أن تكون شواهد ومتابعات. أما ما اعترضني من مشكلات، ووقف أمامي من عقبات، فقد نبهت عليه في المقدمة، وفصلت القول فيه فلا داعي لذكره مرة ثانية. وفي الختام أسأل الله عزّ جلّ أن يجعلنا ممن يريد بعمله وجهه والدار الآخرة، وألا يجعلنا نريد بعملنا هذا حظاً من حظوظ الدنيا. اللهم اجعلها مطية إلى الآخرة، وسبباً في رضاك عنا، وانفع بها اللهم من شئت. إسماعيل/.. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 927 مصادر ومراجع ... ثبت المصادر والمراجع المصادر المطبوعة ابن الأثير الجزري: أبو السعادات مبارك بن محمد بن عبد الكريم (ت606?) : جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم 11 جزءا، تحقيق محمد حامد الفقي، طبعة أولى، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1368-1373? وقد رجعت إلى الطبعة الجديدة: 13 جزءا تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، نشر وتوزيع مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان سوريا-1383?. النهاية في غريب الحديث والأثر، خمس مجلدات، طبعة أولى، دار إحياء الكتب العربية، مصر-1383?. ابن الأثير الجزري: عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم (630?) اللباب في تهذيب الأنساب، ثلاثة أجزاء، بالأوفست، نشر مكتبة المثنى بغداد –بدون تاريخ- الكامل في التاريخ، 9 مجلدات، طبعة ثانية، دار الكتاب العربي، بيروت- 1387?. أسد الغابة في معرفة الصحابة، خمس مجلدات، مصور عن طبعة المطبعة الوهبية- 1280? (لم يذكر مكان الطبع) . أحمد بن حنبل (ت240?) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 961 المسند، ثلاث نسخ: نسخة غير محققة في ست مجلدات، نشر المكتب الإسلامي ودار صادر. ونسخة بتحقيق أحمد محمد شاكر، لم تكمل، طبعة ثالثة، صدر منها 15 جزءا، دار المعارف بالقاهرة، 1368-1375?. ونسخة الساعاتي المسماة: الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني 24 جزءا، طبعة أولى، مطبعة الإخوان المسلمين وغيرها. ولا يخفى أنني إذا أطلقت العزو إلى المسند، فأعني النسخة الأولى وإذا رجعت إلى غيرها فإنني أشير إليها. كتاب العلل ومعرفة الرجال، صدر منه الجزء الأول، من نشريات كلية الإلهيات بجامعة أنقرة- 1963م تحقيق الدكتور/ طلعت قوج ييكيت، والدكتور إسماعيل جراح أوغلى. كتاب الزهد، نشر دار الكتب العلمية، بيروت. الأزدي: عبد الغني بن سعيد (ت409?) . المؤتلف والمختلف في أسماء نقلة الحديث، طبعة أولى، الهند- 1377?. مشتبه الأسماء والنسبة (طبع مع كتاب المؤتلف والمختلف) . الأزرقي: أبو الوليد محمد بن عبد الله (ت نحو 250?) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 962 تاريخ مكة، جزءان في مجلد، تحقيق رشدي الصالح ملحس، طبعة ثانية مطابع دار الثقافة، مكة- 1385?. الباجوري: إبراهيم (ت1277?) . المواهب اللدنية حاشية على الشمائل الترمذية، طبع مطبعة الاستقامة بمصر. البحراني: عبد الغني بن أحمد بن محمد بن علي الشافعي. قرة العين في ضبط أسماء رجال الصحيحين، البخاري: محمد بن إسماعيل (ت256?) : الجامع الصحيح، تسعة أجزاء في 3 مجلدات، نشر مكتبة الجمهورية العربية القاهرة-بدون تاريخ. التاريخ الكبير، أربعة أجزاء في 8 مجلدات، مصور عن الطبعة الأولى، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد الدكن، الهند- 1358-1362?. كتاب الكنى، مصور عن الطبعة الأولى، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند. التاريخ الصغير، جزءان، طبعة أولى، مطبعة الحضارة العربية، مصر 1397?. الضعفاء الصغير، طبعة أولى، مطبعة الحضارة العربية، مصر-1396?. ابن بشكوال: أبو القاسم خلف بن عبد الملك (ت578?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 963 الصلة في تاريخ أئمة الأندلس، وعلمائهم، ومحدثيهم، وفقهائهم وأدبائهم. جزءان، نشر السيد عزت العطار الحسيني مؤسس ومدير مكتب نشر الثقافة الإسلامية القاهرة-1374?. البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود (ت516?) : شرح السنة، صدر منه 13 جزءا طبعة أولى، تحقيق شعيب الأناؤوط ومحمد زهير الشاويش المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، بيروت- 1390-1399?. البطليوسي: عبد الله بن محمد بن السيد (ت521?) : الاقتضاب في شرح أدب الكتاب، دار الجليل، بيروت- 1973م. البلقيني: أبو حفص عمر بن رسلان (ت805?) : محاسن الاصطلاح، تحقيق الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) مطبعة دار الكتب، القاهرة 1974م. البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت458?) : السنن الكبرى، عشرة أجزاء، طبعة أولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد الدكن، الهند- 1344-1356?. معرفة السنن والآثار، صدر منه الجزء الأول فقط، تحقيق السيد أحمد صقر 1389? (لم يذكر المطبعة ومحل الطبع) الأسماء والصفات، مطبعة السعادة، مصر- 1358?. بيان خطأ من أخطأ على الشافعي، أطروحة ماجستير قدمت إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 964 الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سنة 1398? مطبوعة على آلة الاستنسل. ابن التركماني: علي بن عثمان (ت750?) : الجوهر النقي في الرد على البيهقي (بهامش السنن الكبرى للبيهقي –مر-) الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة (ت279?) : الشمائل المحمدية، طبعة ثانية، مؤسسة الزعبي للطباعة والنشر، حمص 1396?. ابن تغري بردي: أبو المحاسن يوسف الأتابكي (ت874?) : النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، 15 جزءا، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب، مطابع كوستاتوماس وشركاه، القاهرة- 1383?. ابن تيمية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام (ت728?) : الفتاوى، 37 مجلداً، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد العاصمي النجدي طبعة أولى، مطابع الرياض، الرياض- 1381?. ابن تيمية: أبو البركات مجد الدين عبد السلام بن عبد الله (ت652?) : منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار (مع نيل الأوطار الآتي) . ابن الجارود: أبو محمد عبد الله بن علي (ت307?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 965 المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مطبعة الفجالة الجديدة، القاهرة- 1382? بعناية عبد الله هاشم اليماني المدني. الجصاص: أبو بكر أحمد بن علي (ت370?) : أحكام القرآن، ثلاثة أجزاء، المطبعة البهية المصرية، 1347?. ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت597?) : كتاب الموضوعات، ثلاث أجزاء، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، طبعة أولى، مطبعة المجد، القاهرة 1386?-1388?. الوفا بأحوال المصطفى، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار الكتب الحديثة، القاهرة- 1386?. تقويم اللسان، تحقيق الدكتور عبد العزيز مطر، طبعة أولى، دار المعرفة، القاهرة 1966م. المدهش، دار الجيل، بيروت- 1977م. تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير، طبعة أولى، المطبعة النموذجية، القاهرة- 1975م. التحقيق في اختلاف الحديث، الجزء الأول، تحقيق محمد حامد الفقي طبعة أولى، مطبعة السنة المحمدية القاهرة- 1373?. الجوهري: أبو نصر إسماعيل بن حماد (ت393?) : الصحاح، ستة أجزاء، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، طبعة أولى، مطبعة دار الكتاب العربي، مصر- 1286-1377?. ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 966 تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل، مصورة عن الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند- 1371? نشر دار الكتب العلمية، بيروت. الجرح والتعديل، أربعة أجزاء في 8 مجلدات، كل جزء مقسم إلى قسمين، قسم أول وقسم ثاني، مصور عن الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند من سنة 1371-1373? نشر دار الكتب العلمية بيروت. علل الحديث، جزءان، مصور عن الطبعة الأولى، نشر مكتبة المثنى بغداد. المراسيل، طبعة أولى، مؤسسة الرسالة، بيروت- 1397? بعناية شكر الله بن نعمة الله قوجاني. كما رجعت إلى الطبعة القديمة بعناية صبحي جاسم السامرائي، نشر مكتبة المثنى، بغداد-1386?. آداب الشافعي ومناقبه، دار الكتب العلمية، بيروت. حاجي خليفة: مصطفى بن عبد الله المعروف بكاتب جلبي (ت1068?) : كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، مجلدان، طبعة ثالثة أعادت طبعه بالأوفست المكتبة الإسلامية والجعفري تبريزي- طهران- 1378?. الحازمي: أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان (ت584?) : شروط الأئمة الخمسة (طبع مع شروط الأئمة الستة للمقدسي الآتي) الجزء: 2 ¦ الصفحة: 967 الحاكم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع النيسابوري (ت405?) . المستدرك على الصحيحين، 4 أجزاء، نشر مكتبة ومطابع النصر الحديثة الرياض. معرفة علوم الحديث، طبعة ثانية، نشر المكتبة العلمية بالمدينة النبوية- 1397? تحقيق الدكتور معظم حسين. ابن حبان: أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي (ت354?) : الثقات، الجزء الثالث، طبعة أولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية. حيدرآباد الدكن، الهند- 1393?. المجروحون من المحدثين والضعفاء والمتروكين، ثلاثة أجزاء، تحقيق محمود إبراهيم زايد، طبعة أولى مطبعة الحضارة العربية، مصر- 1396?. ابن حجر العسقلاني: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني (ت852?) : فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 13 جزءا، المطبعة السلفية، القاهرة 1380?. هدي الساري مقدمة فتح الباري، المطبعة السلفية، القاهرة- 1380?. الإصابة في تمييز أسماء الصحابة، أربعة أجزاء، بالأوفست، عن الطبعة الأولى مطبعة السعادة، القاهرة 1328? نشر مكتبة المثنى، بغداد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 968 تهذيب التهذيب، 12 جزءا، صورة من الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد الدكن، الهند- 1325-1327? نشر دار صادر، بيروت. تقريب التهذيب، جزءان، مطابع دار الكتاب العربي، مصر- بدون تاريخ. لسان الميزان، سبعة أجزاء، صورة من الطبعة الأولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية حيدرآباد الدكن، الهند- 1329-1331? منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت- 1390?. التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، أربعة أجزاء في مجلدين شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة- 1384?. الدراية في تخريج أحاديث الهداية، جزءان في مجلد، مطبعة الفجالة الجديدة، القاهرة- 1384?. المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، أربعة أجزاء، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الكويت. تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، نسخة بالآلة الكاتبة عن نسخة المطبعة المحمودية التجارية بمصر. نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (طبع مع شرحه الآتي) . نزهة النظر شرح نخبة الفكر، مطبعة البيان، بيروت (لم يذكر سنة الطبع) . الجزء: 2 ¦ الصفحة: 969 القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد، طبعة أولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد الدكن، الهند- 1319?. تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، أربعة أجزاء، تحقيق على محمد البجاوي، دار القومية العربية للطباعة، القاهرة- 1383-1386?. الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، بذيل الكشاف للزمخشري، أربعة أجزاء، طبعة ثانية، مطبعة الاستقامة، القاهرة- 1373? بعناية مصطفى حسين أحمد. النكت الظراف على الأطراف (طبع مع تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي الآتي) . بلوغ المرام من أدلة الأحكام، شرح عبد العزيز سيد الأهل، مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني، القاهرة (لم يذكر سنة الطبع) . ابن حجر الهيثمي: أبو العباس أحمد بن محمد (ت974?) : الزواجر عن اقتراب الكبائر، جزءان، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت لم يذكر سنة الطبع- ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد (ت456?) : المحلى، عشرة أجزاء، تحقيق أحمد محمد شاكر، طبعة أولى، مطبعة النهضة، مصر- 1352?. جوامع السيرة، تحقيق الدكتور إحسان عباس، والدكتور ناصر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 970 الدين الأسد، دار المعارف، مصر- بدون ذكر سنة الطبع- الحلبي: برهان الدين علي بن إبراهيم (ت1044?) : التبيين في أسماء المدلسين، تصحيح محمد راغب الطباخ، طبعة أولى المطبعة العلمية، حلب- 1350?. الاغتباط بمن رمى بالاختلاط (طبع مع التبيين في أسماء المدلسين) . الحميدي: أبو بكر عبد الله بن الزبير (ت219?) : المسند، جزءان، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، طبعة أولى، مطبعة لجنة نشر العلوم الإسلامية، حيدرآباد الدكن، الهند- 1382?. الحميدي: أبو عبد الله محمد بن فتوح الأندلسي (ت488?) : جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، تحقيق محمد بن تاويت الطخي، طبعة أولى، مطبعة السعادة، مصر-1372?. أبو الشيخ ابن حيان الأصفهاني: عبد الله بن محمد بن جعفر (ت369?) : أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه، تحقيق أحمد محمد مرسي، طبعة ثانية، مطبعة السعادة، القاهرة- 1391?. الخزرجي: صفي الدين أحمد بن عبد الله (ت923?) : خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، طبعة ثانية، نشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب- 1391?. ابن خزيمة: أبو بكر محمد بن إسحاق (ت311?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 971 الصحيح، صدر منه أربعة أجزاء، طبعة أولى، مطابع دار القلم، بيروت 1390-1399?. كتاب التوحيد ومعرفة صفات الرب عزّ وجلّ، مطبعة دار الشرق للطباعة القاهرة- 1387? تحقيق محمد خليل الهراس. الخطابي: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم (ت388?) : معالم السنن (طبع مع مختصر سنن أبي داود الآتي) . الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت463?) : تاريخ بغداد، 14 مجلداً نشر دار الكتاب العربي، بيروت. الكفاية في علم الرواية، طبعة أولى، مطبعة السعادة، مصر –بدون تاريخ- ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت681?) : وفيات الأعيان، 8 مجلدات، مطبعة الغريب، بيروت –بدون تاريخ- تحقيق الدكتور إحسان عباس. خليفة بن خياط (ت240?) : الطبقات، طبعة أولى، مطبعة العاني، بغداد –1387? تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري. التاريخ، طبعة ثانية، مطبعة محمد هاشم الكتبي- 1397? تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري. ابن خير الأشبيلي: أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الأموي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 972 (ت575?) : فهرست ما رواه عن شيوخه، طبعة ثانية، منشورات المكتب التجاري ببيروت ومكتبة المثنى ببغداد ومؤسسة الخانجي بالقاهرة- 1382?. الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر البغدادي (ت385?) : السنن، أربعة أجزاء في مجلدين، وبذيله التعليق المغني على الدارقطني لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة- 1386?. التتبع، دراسة وتحقيق أطروحة ماجستير قدمت إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سنة 1399? مطبوعة على آلة الاستنسل. الدارمي: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن (ت255?) : السنن، جزءان في مجلد، تحقيق وتخريج السيد عبد الله هاشم يماني، شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة-1386?. أبو داود السجستاني: سليمان بن الأشعث (ت275?) : السنن، أربعة أجزاء، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، طبعة ثانية مطبعة السعادة، القاهرة- 1369?. مسائل الإمام أحمد، طبعة ثانية، نشر محمد أمين دمج، بيروت. أبو داود الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود (ت204?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 973 المسند، طبعة أولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد الدكن، الهند- 1321?. ورجعت أيضاً إلى منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود للساعاتي جزءان في مجلد، طبعة أولى، المطبعة المنبرية، القاهرة- 1372?. الدميري: محمد بن موسى (ت808?) : حياة الحيوان، جزءان، طبعة رابعة، طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر- 1389?. الدولابي: أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد (ت320?) : الكنى والأسماء، جزءان، طبعة أولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد الدكن، الهند- 1322?. ابن الديبع الشيباني: عبد الرحمن بن علي (ت944?) : تيسير الوصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة أجزاء في مجلدين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر- 1353?. الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت748?) : تذكرة الحفاظ، أربعة أجزاء في مجلدين، صورة من الطبعة الأولى، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند- 1377? نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، أربعة أجزاء، تحقيق على محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 974 البجاوي طبعة أولى، دار إحياء الكتب العربية، مصر- 1382? المغني في الضعفاء، جزءان، تحقيق نور الدين عتر، طبعة أولى، مطبعة البلاغة، حلب- 1391?. مشتبه الأسماء والنسبة، جزءان، تحقيق علي محمد البجاوي، طبعة أولى دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1962م. ديوان الضعفاء والمتروكين وخلق من المجهولين وثقات فيهم لين، تحقيق الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، مطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة- 1393? سير أعلام النبلاء، صدر منه ثلاثة أجزاء، تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد دار المعارف، مصر- 1956م. الكشاف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، ثلاثة أجزاء، تحقيق عزت علي عطية وموسى محمد علي الموشي، طبعة أولى، دار النصر للطباعة، القاهرة- 1392?. دول الإسلام، جزءان، طبعة ثانية، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد الدكن، الهند- 1364?. تجريد أسماء الصحابة، جزءان، طبعة أولى، مطبعة دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد الدكن، الهند- 1315?. العبر في خبر من غبر، خمسة أجزاء، تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1960-1966م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 975 تلخيص المستدرك (طبع مع المستدرك –مر-) . الكبائر، المكتبة الثقافية، بيروت. جزء من تكلم فيه وهو موثق أو صالح الحديث، مجلدان دراسة وتحقيق أطروحة ماجستير قدمت إلى جامعة الإمام محمد بن سعود سنة 1399? مطبوعة على آلة الاستنسل. الرازي: محمد بن أبي بكر (ت666?) : مختار الصحاح طبعة أولى، نشر الكتاب العربي، بيروت- 1967م. الراغب الأصفهاني: أبو القاسم الحسين بن محمد (ت502?) : المفردات في غريب القرآن، طبعة أخيرة، تحقيق محمد سيد كيلاني شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر- 1381?. ابن رجب: زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي (ت785?) شرح علل الترمذي، تحقيق صبحي جاسم الحميد، مطبعة العاني، بغداد. اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى، تعليق منير الدمشقي، إدارة الطباعة المنبرية، مصر- بدون ذكر سنة الطبع. ابن رشد: أبو الوليد محمد بن أحمد الأندلسي (ت595?) : بداية المجتهد ونهاية المقتصد، جزءان، طبعة أولى، نشر مكتبة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 976 الكليات الأزهرية، القاهرة- 1386?. الزبيدي: محمد مرتضى الحسيني (ت1205?) : تاج العروس من جواهر القاموس صدر منه 17 جزءاً ضمن سلسلة التراث العربي التي تصدّرها وزارة الإرشاد والأنباء في الكويت، حققه عدة محققين، مطبعة حكومة الكويت، من سنة 1385? إلى سنة 1397? وقد اعتمدت في باقي الكتاب على نسخة منشورات دار مكتبة الحياة في بيروت عشرة أجزاء. إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين، عشرة أجزاء دار الفكر، بيروت. الزرقاني: محمد بن عبد الباقي المالكي (ت1122?) : شرح موطأ الإمام مالك، أربعة أجزاء، نشر عبد الحميد أحمد حنفي، مصر. الزمخشري: جاد الله أبو القاسم محمود بن عمر (ت538?) : أساس البلاغة، تحقيق الأستاذ عبد الرحيم محمود، طبعة أولى بالأوفست مطبعة أولاد أورفاند، القاهرة-1372?. الزيلعي: أبو محمد جمال الدين بن يوسف الحنفي (ت762?) : نصب الراية لأحاديث الهداية، طبعة ثانية، نشر المكتبة الإسلامية 1393?. السبكي: تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي (ت771?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 977 طبقات الشافعية الكبرى، ستة أجزاء أعيد طبعه بالاوفست، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت. السخاوي: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن (ت902?) : فتح المغيث شرح ألفية الحديث، ثلاثة أجزاء، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان طبعة ثانية، مطبعة العاصمة، القاهرة-1388?. الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، مطبعة الترقي، 1349?. التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، صدر منه ثلاثة أجزاء، تحقيق محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1376-1377?. المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، تحقيق عبد الله محمد الصديق وعبد الوهاب عبد اللطيف، دار الأدب العربي للطباعة، القاهرة-1375?. ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع البصري (ت230?) : الطبقات الكبرى، 8 مجلدات، نشر دار صادر بيروت-1388?. سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني (ت227?) : السنن، طبع منه جزءان، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مطبعة علمي بريس (ماليكاؤن) 1387?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 978 ابن سليمان الفاسي: محمد بن محمد جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد، جزءان، مطبعة دار التأليف مصر-1381? بعناية السيد عبد الله هاشم اليماني المدني. السمعاني: أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي (ت562?) : الأنساب، طبع منه أجزاء ستة بتحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ثم طبع منه ثلاثة أجزاء، طبعة أولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند، 1384-1398? وقد اعتمدت في بقية الكتاب على الطبعة الحجرية. التعبير في المعجم الكبير، جزءان، تحقيق منيرة ناجي سالم، مطبعة الإرشاد، بغداد-1395?. السندي: أبو تراب رشد الله شاه. كشف الأستار عن رجال معاني الآثار، دار الإشاعة، الهند-1349?. ابن السني: أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق (ت364?) : عمل اليوم والليلة، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، مكتبة الكليات الأزهرية القاهرة 1390?. السيوطي: جلال الدين عبد الكريم بن أبي بكر (ت911?) : تدريب الراوي شرح تقريب النووي، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف طبعة أولى، مكتبة القاهرة مصر-1379?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 979 الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير (طبع مع فيض القدير للمناوي الآتي) . تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، ثلاثة أجزاء، طبع ونشر عبد الحميد أحمد حنفي، القاهرة-1353?. طبقات الحفاظ، تحقيق علي محمد عمر، طبعة أولى، مطبعة الاستقلال الكبرى، القاهرة-1393?. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، ستة أجزاء، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة، مطبعة دار التأليف، مصر-1371?. مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة، مع مجموعة الرسائل المنيرية، مجلدان نشر محمد أمين دمج، بيروت-1970م. لب اللباب في تحرير الأنساب، أعادت طبعه بالاوفست مكتبة المثنى بغداد. زهر الربى على المجتبى (بهامش سنن النسائي الآتية) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، جزءان، تحقيق محمد ابن الفضل إبراهيم، طبعة أولى، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة-1384?. الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس المطلبي (ت204?) : الأم، ثمانية أجزاء في 4 مجلدات، تصحيح محمد زهر النجار، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 980 طبعة ثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت-1393?. الرسالة، تحقيق أحمد محمد شاكر، نشر أنجال مصطفي البابي الحلبي، القاهرة-1358?. المسند (مع الأم) ورجعت إلى المسند أيضاً بترتيب الساعاتي المسمى بدائع المنن في جمع وترتيب مسند الشافعي والسنن، جزءان، طبعة أولى، دار الأنوار للطباعة والنشر، مصر-1369?. الشبلي: محمد بن عبد الله (ت769) : آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان، تحقيق عبد الله محمد الصديق، طبع في باكستان. الشوكاني: محمد بن علي (ت1250?) : نيل الأوطار، ثمانية أجزاء في 4 مجلدات، طبعة أخيرة، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة-1372?. الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، طبعة ثانية، بيروت-1392?. فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، خمسة أجزاء، طبعة ثانية، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده مصر-1383?. تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 981 طبعة رابعة، شركة مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده مصر-1393?. ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم العبسي (ت235?) : المصنف، صدر منه خمسة أجزاء، بعناية عبد الخالق أفغاني، طبعة أولى، المطبعة العزيزية ومطبعة العلوم الشرقية، حيدرآباد الدكن، الهند-1386-1390?. الصقلي: أبو حفص عمر بن خلف (ت501?) . تثقيف اللسان وتلقيح الجنان، تحقيق الدكتور عبد العزيز مطر، مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر، القاهرة-1386?. ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري (ت643) : علوم الحديث، المسمى بمقدمة ابن الصلاح، تحقيق الدكتور نور الدين عتر، مطبعة الأصيل، حلب-1386?. صلاح الدين الصفدي: خليل بن أيبك بن عبد الله (ت764) : نكت الهيمان في نكت العميان، الطبعة الجمالية، مصر-1329?. الوافي بالوفيات، أربعة أجزاء، تحقيق هلمت ريتر، طبعة ثانية، فيسباون دار النشر فرانز شتاينر-1381?. الصنعاني: محمد بن إسماعيل المعروف بالأمير (ت1182?) : توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، جزءان، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، طبعة أولى مطبعة السعادة، القاهرة-1366?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 982 سبل السلام، أربعة أجزاء في مجلدين، المكتبة التجارية الكبرى، مصر. طاش كبري زاده: أحمد بن مصطفى (ت962?) : مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، أربعة أجزاء، تحقيق كامل كامل بكري وعبد الوهاب أبي النور، طبعة أولى، دار الكتب الحديثية القاهرة: بدون سنة طبع. الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت360?) : المعجم الكبير، صدر منه ستة أجزاء، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، طبعة أولى، الدار العربية للطباعة، بغداد، من سنة 1978م إلى سنة 1399? مع ملاحظة أن السادس طبع على مطبعة الوطن العربي (لم يذكر مكان الطبع) . المعجم الصغير، جزءان في مجلد، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان دار النصر للطباعة، القاهرة-1388?. الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير (ت310?) : جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 30جزءا في 12 مجلداً، طبعة ثانية، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر-1373?. ورجعت إلى النسخة المحققة بتحقيق محمود محمد شاكر، صدر منها 13 جزءا، دار المعارف بمصر-1958م. تاريخ الرسل والملوك، 10 مجلدات، تحقيق محمد أبو الفضل 1960-1969م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 983 إبراهيم دار المعارف بمصر، الطحاوي: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامه (ت321?) : شرح معاني الآثار، جزءان، المكتبة الرحيمية، ديوبند، الهند. مشكل الآثار، أربعة أجزاء في مجلدين، طبعة أولى، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية حيدرآباد الدكن، الهند-1333?. ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النمري القرطبي (ت463?) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، صدر منه سبعة أجزاء، تحقيق الأستاذين مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، وغيرهما، طبعة أولى، المطبعة الملكية وغيرها الرباط-1387?. الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار، وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار، جزءان، تحقيق الأستاذ علي النجدي ناصف، مطابع الأهرام التجارية القاهرة-1393?. الاستيعاب في معرفة الصحاب (بهامش الإصابة) . الدرر في اختصار المغازي والسير، تحقيق الدكتور شوقي ضيف، مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر، مصر-1386?. ابن عبد الحق: صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي (ت739?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 984 مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، ثلاثة أجزاء، تحقيق علي محمد البجاوي، طبعة أولى، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة-1373-1374?. عبد الرزاق بن همام بن نافع أبو بكر الصنعاني (ت211?) : المصنف، 11 جزءا، تحقيق وتخريج وتعليق حبيب الرحمن الأعظمي طبعة أولى، مطابع دار القلم، بيروت من 1390-1392?. أبو بكر عبد الله بن أبي داود (ت316?) : كتاب المصاحف، طبعة أولى، المطبعة الرحمانية، مصر 1355? بعناية الدكتور آثرجفري. أبو عبيد: القاسم بن سلام (ت226?) : كتاب الموال، تحقيق محمد حامد الفقي، مطبعة محمد عبد اللطيف حجازي، القاهرة-1353?. فضائل القرآن، دراسة وتحقيق أطروحة ماجستير قدمت إلى كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز في مكة المكرمة مطبوعة على آلة الاستنسل. العجلوني: إسماعيل بن محمد (ت1102?) : كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس جزءان، تعليق أحمد القلاش مطبعة الفنون، حلب، بدون تاريخ- الجزء: 2 ¦ الصفحة: 985 العراقي: زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين (ت806?) . التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، طبعة أولى، مطبعة العاصمة، القاهرة-1389?. التبصرة والتذكرة، ثلاثة أجزاء، المطبعة الجديدة، فاس-1354? المغني عن حمل الإسفار في الأسفار في تخريج ما في الأحياء من الأخبار (بذيل الإحياء سيأتي) . ابن العراقي: أحمد بن عبد الرحيم (ت826?) : المستفاد من مبهمات المتن والإسناد، تعليق الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، طبعة أولى، مطابع الرياض، الرياض (بدون ذكر سنة الطبع) . ابن العربي: أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الأشبيلي (ت543?) : عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ثلاثة عشر جزءا، مطبعة الصاوي مصر-بدون سنة الطبع- أحكام القرآن، أربعة أجزاء، تحقيق علي محمد البجاوي، طبعة ثانية عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة-1387?. ابن عراق: أبو الحسن علي بن محمد الكناني (ت963?) : تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة، جزءان في مجلد تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 986 محمد الصديق، طبعة أولى مطبعة عاطف، مصر بدون تاريخ. العلائي: صلاح الدين خليل بن كيكلدي (ت761?) : جامع التحصيل في أحكام المراسيل، مجلدان، دراسة وتحقيق عمر حسن فلاته، أطروحة ماجستير قدمت إلى كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز في مكة المكرمة سنة 1391? مطبوعة على آلة الاستنسل. ونسخة أخرى من جامع التحصيل في أحكام المراسيل، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، طبعة أولى، الدار العربية للطباعة، بغداد-1398?. ابن عجلان: محمد علي (ت1057?) : الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية، سبعة أجزاء في 3 مجلدات، طبعة أولى، مطبعة السعادة ومطبعة المعاهد، مصر-1351?. ابن العماد: أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي (ت1089?) : شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ثمانية أجزاء، عنيت بنشره مكتبة القدسي، القاهرة-1350?. ابن عميرة العنبي: أحمد بن يحيى (ت599?) : بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، مطابع سجل العرب، القاهرة-1967م- العيني: أبو محمد محمد بن أحمد (ت855?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 987 عمدة القارئ لشرح صحيح البخاري، 11جزءا، طبعة أولى، دار الطباعة العامرة، استنبول 1308?. الغزالي: أبو حامد محمد بن أحمد (ت505?) : إحياء علوم الدين، خمسة أجزاء، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. الفارسي: علي بن بلبان بن عبد الله علاء الدين (ت739?) : الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان صدر منه ثلاثة أجزاء، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، طبعة أولى، مطبعة المجد، القاهرة-1390?. الفاسي: محمد بن أحمد تقي الدين المكي (ت832?) : العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين –ثمانية أجزاء، تحقيق محمد حامد الفقي، وغيره، مطبعة السنة المحمدية القاهرة-1378-1388?. الفتني: محمد طاهر الصديقي الهندي (ت986?) : المغنين طبعة أولى، نشر دار نشر الكتب الإسلامية، لاهور-1393?. أبو الفداء: إسماعيل بن علي بن محمود (ت732?) : المختصر في أخبار البشر، أربعة أجزاء في مجلدين، المطبعة الحسينية المصرية، القاهرة-1325?. الفسوي: أبو يوسف يعقوب بن سفيان (ت277?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 988 المعرفة والتاريخ 3 مجلدات، تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري، مطبعة الإرشاد، بغداد-1394?. الفيروز آبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب (ت817?) : القاموس المحيط، أربعة أجزاء، المطبعة الحسينية، مصر-1332?. الفيومي: أحمد بن محمد بن علي (ت770?) : المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، طبعة ثانية، المطبعة الكبرى الأميرية، مصر-1324?. ابن قدامة المقدسي: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد (ت620?) : المغني، 12 جزءا، منشورات المكتبة السلفية بالمدينة المنورة ومكتبة المؤيد بالطائف. القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر (ت671?) : الجامع لأحكام القرآن، عشرون جزءا، أعادت طبعه بالأوفست دار إحياء التراث العربي، بيروت-1967م على الطبعة الثانية المصرية سنة 1372?. القسطلاني: شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب (ت923?) : إرشاد الساري شرح صحيح البخاري، عشرة أجزاء، طبعة سادسة، المطبعة الكبرى الأميرية، القاهرة-1305?. ابن القيسراني: أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي (ت507?) : الجمع بين رجال الصحيحين، جزءان، طبعة أولى، مطبعة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 989 مجلس دائرة المعارف النظامية حيدرأباد الدكن، الهند-1323?. شروط الأئمة الستة، مطبعة مكتبة القدسي، القاهرة-1357?. ابن قيم الجوزية: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ت751?) : زاد المعاد في هدي خير العباد، أربعة أجزاء في مجلدين، طبعة ثانية، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر- 1369?. إعلام الموقعين عن رب العالمين، أربعة أجزاء، تحقيق عبد الرحمن الوكيل مطبعة المدني، القاهرة-1389?. ابن كثير: عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي. ت774?) : البداية، 14 جزءاً في 7 مجلدات، طبعة ثانية، مكتبة المعارف بيروت-1974م. النهاية، جزءان طبعة أولى، تحقيق إسماعيل الأنصاري، مطابع مؤسسة النور الرياض-1388?. اختصار علوم الحديث، طبعة ثالثة، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر-1377?. تفسير القرآن العظيم، أربعة أجزاء، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف طبعة أولى، مطبعة الفجالة الجديدة، القاهرة-1384?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 990 فضائل القرآن، في آخر التفسير المذكور. شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته وخصائصه وفضائله تحقيق مصطفى عبد الواحد، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة-1386?. الكرماني: محمد بن يوسف بن علي بن سعيد (ت786?) : الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري، 25 جزءا في 12 مجلداً، طبعة أولى، المطبعة البهية المصرية، القاهرة-1356?. ابن الكيال: بركات بن أحمد بن محمد (ت929?) : الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات، أطروحة ماجستير قدمت إلى كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة سنة 1398? مطبوعة على الاستنسل. ابن ماجه: أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني (ت275?) : السنن، جزءان، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر-1372?. - مقدمة السنن ابن ماكولا: أبو نصر علي بن هبة الله (ت475?) : الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب، صدر منه ستة أجزاء بتحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي طبعة أولى، مطبعة جلس دائرة المعارف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 991 العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند 1381?، ثم صدر جزء سابع بتعليق نايف العباس، نشر محمد أمين دمج، بيروت. مالك بن أنس الأصبحي أبو عبد الله إمام دار هجرة (ت179?) : الموطأ، (مع شرح الزرقاني الذي مر) . المحب الطبري: أبو العباس أحمد بن عبد الله (ت694?) : القرى لقاصد أم القرى، طبعة ثانية، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر-1390?. المزي: أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف (742?) : تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، صدر منه تسعة أجزاء، تصحيح وتعليق عبد الصمد شرف الدين، طبعة أولى، المطبعة القيمة، الهند، من 1384 إلى 1397?. المزني: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل (ت264?) : المختصر (طبع مع الأم-مر) . مسلم بن الحجاج القشيري أبو الحسين (ت261?) : الصحيح، (مع شرح النووي الآتي) - مقدمة الصحيح. طبقات رواة الحديث، طبع بهامش كتاب بلوغ الأدب في معرفة بطون أنساب العرب، مطبعة الفتح الوطنية، جدة-بدون ذكر سنة الطبع- ابن معين: يحيى (ت233?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 992 التاريخ، من رواية تلميذه عباس الدوري، دراسة وتحقيق أحمد محمد نور سيف أطروحة دكتوراه قدمت إلى جامعة الأزهر بمصر. ملا علي قارئ (ت1194?) : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، خمسة أجزاء، مطبعة أصح المطابع بمباي. جمع الوسائل في شرح الشمائل، طبعة أولى، المطبعة الأدبية، 1317?. المناوي: محمد عبد الرؤوف (ت1003?) : فيض القدير شرح الجامع الصغير، ستة أجزاء، طبعة ثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت-1391?. شرح الشمائل المحمدية للترمذي (بهامش جمع الوسائل لملا علي قارئ-مر) . المنذري: عبد العظيم بن عبد القوي (ت656?) : مختصر سنن أبي داود، طبع مع معالم السنن للخطابي وتهذيب السنن لابن القيم، ثمانية أجزاء، تحقيق أحمد محمد شاكر ومحمد حامد الفقي مطبعة أنصار السنة المحمدية، مصر، 1366-1369?. الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، أربعة أجزاء، تعليق محمد خليل هراس، دار الاتحاد العربي للطباعة، مصر-1390?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 993 ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري 0ت711?) : لسان العرب عشرون جزءا، طبعة أولى، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة-1300?. النابلسي: عبد الغني بن إسماعيل 0ت1143?) : ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث، أربعة أجزاء في مجلدين دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت. النابلسي: أبو عبد الله محمد بن عبد القادر بن عثمان (ت797?) : مختصر طبقات الحنابلة، تعليق أحمد عبيد، مطبعة الاعتدال، دمشق 1350?. ابن النديم: محمد بن إسحاق (ت385?) : الفهرست، مطبعة الاستقامة، القاهرة-بدون ذكر سنة الطبع. النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب (ت303?) : السنن، ثمانية أجزاء في 4 مجلدات، مع شرح السيوطي (زهر الربى) وحاشية السندي. الضعفاء والمتروكون، (طبع مع الضعفاء الصغير للبخاري –مر-) . أبو نعيم الأصبهاني: أحمد بن عبد الله (ت430?) : حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، عشرة أجزاء، طبعة ثانية، نشر دار الكتاب. ذكر أخبار أصبهان، جزءان، مطبعة بريك، ليدن-1934م. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 994 النووي: أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف (ت676?) : المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، 18 جزءا في 9 مجلدات، المطبعة المصرية، مصر. المجموع شرح المهذب، 20 جزءا، تحقيق محمد نجيب المطيعي، دار التراث العربي للطباعة، القاهرة، 1971-1977م. التقريب في علم الحديث، (طبع مع تدريب الراوي –مر-) . تهذيب الأسماء واللغات، أربعة أجزاء في مجلدين، شركة علاء الدين للطباعة والتجليد، بيروت. الأذكار، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، مطبعة الملاح، دمشق-1391?. التبيان في آداب حملة القرآن، مطبعة جانبية، نشر دار الفكر. ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (ت218?) : السيرة النبوية، مجلدان، تحقيق مصطفى السقا ورفقاؤه، طبعة ثانية، شركة مكتبة وطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر-1375? الهيثمي: أبو بكر نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان (ت807?) : مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، عشرة أجزاء في 5 مجلدات، طبعة ثانية نشر دار الكتاب، بيروت-1967م. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، تحقيق محمد عبد الرزاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 995 حمزة المطبعة السلفية، القاهرة-بدون ذكر تاريخ الطبع- كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة، جزءان، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، طبعة أولى، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت-1399?. اليافعي: أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان (ت768?) : مرآة الجنان وعبرة اليقظان، أربعة أجزاء، طبعة ثانية، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت-1390?. ياقوت: أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (ت622?) : معجم البلدان، خمسة أجزاء، دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر. معجم الأدباء، عشرون جزءا، الطبعة الأخيرة، مطبوعات دار المأمون-1355?. يحيى بن آدم القرشي (ت203?) : كتاب الخراج، تحقيق أحمد محمد شاكر، المطبعة السلفية، القاهرة-1347?. ابن أبي يعلى: محمد بن الحسين بن محمد الفراء (ت526?) : طبقات الحنابلة، جزءان، تصحيح محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية القاهرة-بدون ذكر سنة الطبع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 996 المراجع الحديثة الأعظمي: حبيب الرحمن تحقيق المطالب العالية (انظر: المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر) . الأعظمي: محمد مصطفى تحقيق وتعليق وتخريج أحاديث صحيح ابن خزيمة (انظر صحيح ابن خزيمة) . أكرم ضياء العمري موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، طبعة أولى، مطبعة محمد هاشم الكتبي، دمشق-1395?. الألباني: محمد ناصر الدين فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية، المنتخب من كتب الحديث مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق-1390?. سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، صدر منها مجلدان من منشورات المكتب الإسلامي، دمشق-1392?. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، صدر منها مجلدان، المجلد الأول طبعة ثالثة 1392? والمجلد الثاني، طبعة أولى 1399? كلاهما من مطبوعات المكتب الإسلامي للطباعة والنشر دمشق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 997 ضعيف الجامع الصغير، 4 مجلدات، المكتب الإسلامي، بيروت-1392?. دفاع عن الحديث النبوي والسيرة، المطبعة العمومية، دمشق (بدون تاريخ) . تعليق على صحيح ابن خزيمة. (انظر: صحيح ابن خزيمة) . با شميل: محمد أحمد غزوة بدر الكبرى، طبعة أولى-1382?. بروكلمان: كارل تاريخ الأدب العربي، الجزء الثالث، ترجمة عبد الحليم النجار، طبعة ثانية، مطابع دار المعارف، مصر-1969م. البغدادي: إسماعيل باشا (ت1920م) : هدية العارفين: أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، طبعة ثالثة أعادت طبعه بالأوفست المكتبة الإسلامية والجعفري تبريزي، طهران 1387?. الجزائري: طاهر بن صالح بن أحمد (1338?) : توجيه النظر إلى أصول الأثر من منشورات المكتبة العلمية بالمدينة النبوية. الحسيني عبد المجيد هاشم: الإمام البخاري محدثاً وفقيهاً الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة بدون التاريخ- الجزء: 2 ¦ الصفحة: 998 خان: محمد صديق حسن (ت1307?) : التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول، تعليق الدكتور عبد الحكيم شرف الدين، طبعة ثانية، المطبعة الهندية العربية بمباي-1382?. الخولى: محمد عبد العزيز (ت1349?) : مفتاح السنة أو تاريخ فنون الحديث، طبعة أولى، مطبعة المنار، مصر،1339?. الزركلي: خير الدين الأعلام، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء، 12 مجلداً، طبعة ثالثة بالأوفست، بيروت-1389-1390?. أبو زهو: محمد محمد الحديث والمحدثون أو عناية الأمة الإسلامية بالسنة النبوية، طبعة أولى، مطبعة مصر، مصر-1378?. الساعاتي: أحمد بن عبد الرحمن البنا بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني (طبع مع الفتح الرباني انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل) السامرائي: صبحي بن جاسم بن حميد تعليق على شرح علل الترمذي (انظر: شرح علل الترمذي لابن رجب) . السبكي: محمود بن محمد خطاب (1352?) : الجزء: 2 ¦ الصفحة: 999 المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود، صدر منه عشرة أجزاء، نشر المكتبة الإسلامية، مصر-1394?. سزكين: فؤاد تاريخ التراث العربي، جزءان، مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر-1977-1978م. المهاونفوري: خليل أحمد بذل المجهود في حل سنن أبي داود، 20 جزءا، مطبعة ندوة العلماء لكهنؤ-1392?. سيد سابق فقه السنة، 14 جزءا، دار البيان، الكويت-1388-1391?. شاكر: أحمد محمد الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير، طبع مع اختصار علوم الحديث –مر- تحقيق وشرح جامع الترمذي، صدر منه جزءان، طبعة أولى مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة-1356?. تحقيق وشرح المسند (انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل) . تحقيق كتاب الخراج (انظر: كتاب الخراج ليحيى بن آدم) . تحقيق المحلى (انظر: المحلى لابن حزم) . أبو شهبة: محمد بن محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1000 أعلام المحدثين، طبعة أولى، مطابع دار الكتاب العربي، مصر-1381?. صبحي الصالح علوم الحديث ومصطلحه، طبعة سادسة، مطابع دار العلم للملايين بيروت-1391?. الصباغ: محمد لطفي الحديث النبوي مصطلحه بلاغته كتبه، طبعة ثالثة، مطبوعات المكتب الإسلامي، دمشق-1397?. عبد الباقي: محمد فؤاد اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، ثلاثة أجزاء، عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر (بدون تاريخ) . تعليق على سنن ابن ماجه (انظر: سنن ابن ماجه) . عتر: نور الدين بن محمد الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين، طبعة أولى، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، مصر-1390?. هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخاصة، كلية الشريعة جامعة دمشق، دمشق-1395?. تعليق على المغني في الضعفاء (انظر: المغني في الضعفاء للذهبي) العش: يوسف فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية –التاريخ- وملحقاته- الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1001 مطبعة دمشق، دمشق، 1366?. الخطيب البغدادي مؤرخ بغداد ومحدثها، نشر المكتبة العربية، دمشق-1945م. العظيم آبادي: محمد شمس الحق الصديقي عون المعبود شرح سنن أبي داود، 14 جزءا، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، طبعة ثانية، مطابع المجد، القاهرة، 1388-1389?. أبو غدة: عبد الفتاح تعليق على كتاب قواعد في علوم الحديث للتهاوني، طبعة ثالثة، مطابع دار القلم، بيروت-1392?. غربال: محمد شفيق الموسوعة العربية الموسعة، مطبعة دار القلم، القاهرة-1965م الغماري: عبد العزيز بن محمد بن الصديق إتحاف ذوي الفضائل المشتهرة بما وقع من الزيادة في نظم المتناثرة على الأزهار المتناثرة، طبع مع الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة للسيوطي –مر- الفقي: محمد حامد تعليق على المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم لمجد الدين أبي البركات عبد السلام بن تيمية-طبعة أولى، المطبعة الرحمانية ومطبعة حجازي، مصر، 1350-1351?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1002 فؤاد السيد: فهرس المخطوطات المصور، التاريخ، الجزء الأول، دار الرياض للطبع والنشر، القاهرة-1954م. القاسمي: محمد جمال الدين (ت1332?) : قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، تحقيق وتعليق محمد بهجة البيطار، طبعة ثانية، دار إحياء الكتب العربية، مصر-1380?. القرضاوي: يوسف فقه الزكاة، جزءان، طبعة ثالثة، مؤسسة الرسالة، دمشق-1397?. الكاندهلوي: محمد زكريا تعليق على كتاب ((الكواكب الدري على جامع الترمذي)) لرشيد أحمد الكنكوهي الكتاني: محمد بن جعفر (ت1345?) الرسالة المستطرفة لبيان كتب السنة المشرفة، بعناية محمد المنتصر الكتاني، طبعة ثالثة، مطبعة دار الفكر، دمشق-1383?. نظم المتناثر في الحديث المتواتر، نشر دار المعارف، حلب-بدون ذكر سنة الطبع- كحالة: عمر رضا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1003 معجم المؤلفين، 15 جزءا، نشر مكتبة الثنى ودار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، (بدون تاريخ) . لطفي عبد البديع: فهرست المخطوطات المصورة، التاريخ، الجزء الثاني، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة-1956م. اللكنوي: محمد عبد الحي (ت1304?) : الرفع والتكميل في الجرح والتعديل، تحقيق وتعليق عبد الفتاح أبو غدة مطبعة الأصيل، حلب 1383?. المباركفوري: محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم (ت1353?) : تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، عشرة أجزاء، طبعة ثانية، مطبعة المدني وغيرها، القاهرة-1384?. مقدمة تحفة الحوذي، جزءان في مجلد، مطبعة الفجالة الجديدة، القاهرة. المتقي الهندي: علي بن حسام الدين بن عبد الملك (ت975?) : كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، 22 جزءا، طبعة ثانية، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند، 1364-1395?. محمد أديب صالح: لمحات في أصول الحديث، طبعة ثالثة، مطبوعات المكتب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1004 الإسلامي، بيروت 1399?. محمد عجاج الخطيب: أصول الحديث علومه ومصطلحه، طبعة أولى، دار الفكر الحديث، لبنان 1386?. المعلمي: مقدمة تحقيق كتاب موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي، جزءان في مجلد، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، الهند- 1378-1379?. تعليق على كتاب الجرح والتعديل (انظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم) . الهراس: محمد خليل تعليق على الترغيب والترهيب (انظر: الترغيب والترهيب للمنذري) . تعليق على كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام، طبعة أولى، دار الشرق للطباعة، القاهرة-1388? يماني: السيد عبد الله هاشم تعليق على كتاب الدراية (انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر) . فهرس المكتبة الأزهرية، 6 مجلدات، طبعة ثانية، مطبعة الأزهر، القاهرة-1371?. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1005 فهرس مخطوطات دار الكتب المصرية، ثلاثة أقسام، تصنيف فؤاد السيد مطبعة دار الكتب، القاهرة-1380-1383. استدراك: لقد سقطت من قائمة المصادر والمراجع بعض المصادر والمراجع مثل: إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون للبغداي، وسد الأرب من علوم الإسناد والأدب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1006 المخطوطات الآجري: أبو عبيد محمد بن علي بن عثمان (أدرك أوائل القرن الرابع الهجري) : سؤالات أبي عبيد الآجري لأبي داود السجستاني، الأجزاء الثالث والرابع والخامس مصورة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، الثالث في مجلد عن الأصل المحفوظ في مكتبة كوبريلي بتركيا تحت رقم (292) ويقع في 30 ورقة ومنه صورة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم (249) في مجلد أيضاً. والرابع والخامس في مجلد عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الوطنية بباريس تحت رقم (2085) ويقع في 68 ورقة. أبو أحمد الحاكم: محمد بن محمد بن أحمد النيسابوري (ت378?) : الأسامي والكنى، نسخة (مايكروفلم) في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم (7) مصورة عن الأصل المحفوظ في المكتبة الأزهرية بالقاهرة وهي ناقصة وتقع في 355 ورقة الأجزاء 3-18. الأشبيلي: عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله: الأحكام الوسطى، نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1007 بالمدينة المنورة تحت رقم (315) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق. البرقاني: أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد (ت425?) : سؤالات البرقاني للدارقطني، نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (1102) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث ضمن مجموعة رقم 624/12 تقع في 13 ورقة. بقي بن مخلد أبو عبد الرحمن القرطبي (ت276?) : جزء فيه عدة ما لكل واحد من الصحابة من الحديث، أي في مسنده، نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (127) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق. البيهقي: أحمد بن الحسين بن علي (ت458?) : البعث والنشور، مجلدان، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري مصورة من معهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة وهي ناقصة من أولها. دلائل النبوة، المجلد الثالث، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، مصورة من تركيا. شعب الإيمان، 9 مجلدات، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، مصورة من تركيا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1008 الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت279?) : العلل الكبير أو المفرد، بترتيب الفقيه القاضي أبي طالب، نسخة (مايكروفلم) في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (بدون) عن النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة أحمد الثالث رقم (530) تقع في 77 ورقة. ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت597?) : العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في مجلدين تحت رقم (273-274) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة رامبور بالهند تقع في 348 ورقة. كما اطلعت على نسخة أخرى في المكتبة العامة بالجامعة تحت رقم (802) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الآصفية (المكتبة الشرقية للمخطوطات) في حيدرآباد الدكن بالهند تحت رقم (116) حديث تقع في 335 ورقة. أسماء الضعفاء والمتروكين، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري مصورة من معهد إحياء المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية بالقاهرة. التحقيق في أحاديث الخلاف، عدد الأوراق 263 في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (377-378) مصورة عن الأصل المحفوظ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1009 ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (ت327?) : تفسير القرآن الكريم، جزء 3، 4 في 8 مجلدات، عدد الأوراق 435 نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (279-286) مصورة عن الأصل المحفوظ في المكتبة المحمودية بالمدينة النبوية. ابن حجر: أحمد بن علي (ت852?) : النكت على كتاب ابن الصلاح وألفية العراقي، عدد الأوراق 181 نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية رقم (386) مصورة عن النسخة الخطية بباكستان. الحلبي: علي برهان الدين (ت1044?) . الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث، نسخة خطية بيد الشيخ حماد بن محمد الأنصاري في مكتبته. الدارقطني: أبو الحسن علي بن عمر (ت1385?) : العلل الواردة في الأحاديث النبوية، نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية في (7) مجلدات من رقم (227-233) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب المصرية بالقاهرة تحت رقم (394) تقع في 934 ورقة. ومنه صورة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري تماماً كالتي في الجامعة. الضعفاء والمتروكون، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1010 الأنصاري مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق. النصوص الواردة في رؤية الباري، مجلدان، نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (738-739) مصورة عن الأصل المحفوظ في الاسكوريال. الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت748?) : سير أعلام النبلاء، 10 مجلدات، عدد الأوراق 2888 نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (341-350) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث باستنبول. مختصر العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية رقم (660) مصورة عن الأصل المحفوظ في المكتبة الأزهرية بالقاهرة تقع في 84 ورقة ومنه صورة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري تماماً كالتي في الجامعة كما اطلعت على نسخة أخرى في المكتبة العامة بالجامعة تحت رقم (664) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة الجامعة العثمانية في حيدرآباد الدكن بالهند تحت رقم (204) تقع في 85 ورقة. الرواة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد، نسخة خطية بيد الشيخ حماد بن محمد الأنصاري في مكتبته. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1011 ابن زبر: محمد بن عبد الله (ت379?) : الوفيات، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري مصورة عن الأصل المحفوظ في المتحف البريطاني. أبو زرعة الرازي: عبيد الله بن عبد الكريم (ت264?) : كتاب الضعفاء والكذابين والمتروكين من أصحاب الحديث، يقع في (7) صفحات ضمن كتاب سؤالات البرذعي لأبي زرعة وأبي حاتم حول الضعفاء والكذابين والمتروكين في الحديث، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري مصورة من معهد إحياء المخطوطات العربية بالقاهرة عن الأصل المحفوظ في مكتبة كوبريلي بتركيا تحت رقم 40/3. السلمي: أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين (ت412?) : سؤالات السلمي للدارقطني، نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (1102) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث رقم 624/16 تقع في 16 ورقة. ابن سيد الناس: محمد بن محمد أبو الفتح اليعمري (ت734?) : شرح سنن الترمذي، مخطوط مع شرح سنن الترمذي للعراقي الآتي. السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت911?) : مرقاة الصعود شرح سنن أبي داود، نسخة (مايكروفلم) في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم عام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1012 (322) مصورة عن الأصل المحفوظ في المكتبة السعيدية بحيدرآباد. قوت المغتذي على جامع الترمذي، مخطوط في مكتبة عارف حكمت بالمدينة النبوية. تذكرة المؤتسي بمن حدث ونسي، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق. ابن شاهين: عمر بن أحمد (ت385?) : تاريخ أسماء الثقات ممن نقل عنهم العلم، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة جامع صنعاء. ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد النمري القرطبي (ت463?) : المقتنى في الكنى، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق. ابن عدي: أبو أحمد عبد الله الجرجاني (ت365?) : الكامل في ضعفاء الرجال، أربع مجلدات كل مجلد مقسم إلى قسمين ماعدا الرابع، والمجلد الثالث مقسم إلى ثلاثة أقسام، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري، مصورة عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1013 الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث. العراقي: زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين (ت806?) : شرح سنن الترمذي، مخطوط في المكتبة المحمودية بالمدينة النبوية تحت رقم (118، 537، 858) وصورة منه في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية. العقيلي: أبو جعفر محمد بن عمرو (ت322?) : الضعفاء، 3 مجلدات، عدد الأوراق 235 نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (276-278) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق. المزي: أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف (ت742?) : تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تسع مجلدات، نسخة في مكتبة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق. مسلم بن الحجاج: (261?) الكنى والأسماء، نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (165) مصورة عن الأصل المحفوظ في دار الكتب الظاهرية بدمشق. الهيثمي: أبو الحسن نور الدين على بن أبي بكر الشافعي (ت807?) : ترتيب كتاب الثقات للعجلي عدد الأوراق 69 نسخة في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1014 المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (67) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة شهيد باستنبول. أبو يعلى الموصلي: أحمد بن علي بن المثنى (ت307?) : المسند، 6 مجلدات، عدد الأوراق 348 نسخة في المكتبة العامة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (301-306) مصورة عن الأصل المحفوظ في مكتبة استنبول. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 1015