الكتاب: رسالة فيمن يدعي أن من ذرية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه حمزة الخلف المؤلف: إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر، برهان الدين، أبو إسحاق الحلبي القبيباتي الشافعيّ الناجي (المتوفى: 900هـ) المحقق: د. جمال عزون الناشر: دار التوحيد [ضمن مجموع فيه أربعة أجزاء حديثية] الطبعة: الأولى 1429 هـ - 2008 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: يا باغي الخير أقبل ---------- رسالة فيمن يدعي أن من ذرية العباس حمزة الخلف للناجي النَّاجي الكتاب: رسالة فيمن يدعي أن من ذرية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه حمزة الخلف المؤلف: إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر، برهان الدين، أبو إسحاق الحلبي القبيباتي الشافعيّ الناجي (المتوفى: 900هـ) المحقق: د. جمال عزون الناشر: دار التوحيد [ضمن مجموع فيه أربعة أجزاء حديثية] الطبعة: الأولى 1429 هـ - 2008 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: يا باغي الخير أقبل التعليق الرشيق في التختم بالعقيق تأليف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن محمود الشهير بالناجي 900 هـ -[رسالة فيمن يدعي أن من ذرية العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه حمزة الخلف]- تأليف: برهان الدين إبراهيم بن محمد بن محمود الشهير بالناجي 900 هـ جزء فيه مجلس من حديث الإمام أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن العطار الشافعي 724 هـ تخريج الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي جزء فيه مجلس من رواية أبي العباس أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير بن عبد الله بن صالح بن أسامة الذهلي قرأها وعلق عليها د. جمال عزون دار التوحيد الطبعة الأولى 1429 هـ - 2008 م بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين. مسألة في جماعة يدعون أنهم شرفاء ويقولون: إنهم من ذرية حمزة الخلف بن العباس، فهل ثبت أن من أولاد العباس أو أولاد أولاده أحداً اسمه حمزة الخلف أم لا؟ أفتوني مأجورين. الجواب: اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. الحمد لله الذي جعل بعضنا لبعض فتنة، ونسأله التوفيق لاطراح الهوى واتباع الكتاب والسنة. ليس هذا السؤال بالخافي كلا ولا بالهين، إذ قد علم بيقين أنه كان لسيدنا السيد المعظم العباس عم نبينا خير الناس صلى الله عليه وسلم وصنوا أبيه رضوان الله عليه عشرة بنين، وأنه لم يكن فيهم بل ولا في أعقابهم -وهم مسمون في كتب هذا الفن مذكورون- أحدٌ اسمه حمزة الخلف، هذا الطير الغريب المقحم المسؤول عنه، ولا وجود له بالكلية باتفاق علماء هذا الفن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 ولا يعرف لمدعيه فيه سلفٌ، ولا يقدر أحدٌ أن ينقله عن عالم أو كتاب معتمدين، بل ولا سمع به في غير زماننا الذي كثر فيه الجهل وقل فيه العلم. ولا يظن أن الجهل يبلغ بصاحبه إلى مثل هذا، {وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيمٌ} ، و ((لو يعطى الناس بدعواهم)) الحديث وفيه: ((البينة على المدعي)) وفي حديث اللعان المشهور: ((البينة أو حد في ظهرك)) . فمدعي هذا الأمر المحال يلزمه إقامة البينة والبرهنة عليه، وإلا قوبل وترتب عليه ما يستحقه، وهيهات أن يزاد في شيء متفق عليه أو ينقص منه، {فماذا بعد الحق إلا الضلال} . وقد قال القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: ((إن الله أعاننا على الكذابين بالنسيان)) . وقال سفيان الثوري: ((ما ستر الله أحداً يكذب في الحديث)) . وقال أيضاً: ((لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 التاريخ)) أو كما قال. وقال حسان بن زيد: ((لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ)) . وقيل لابن المبارك: ((هذه الأحاديث المصنوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة)) . {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} . وروى مسلم في مقدمة ((صحيحه)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم)) . ورواه أحمد بن حنبل في ((مسنده)) وعنده: ((سيكون في أمتي دجالون كذابون يأتونكم ببدع من الحديث)) وذكر باقيه بنحوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وفي مسلم أيضاً: ((كفى بالمرء كذباً -وعند أبي داود إثماً- أن يحدث بكل ما سمع)) . والكذب: هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ولو كان سهواً فضلاً عن التعمد. ومن أصر على هذه الدعوى الباطلة بعد تعريف العلماء له ببطلانها صار متعمداً آثماً فاسقاً مجروحاً، وأي سماء تظل، وأي أرض تقل، من تكلم في شيء بغير علم فضل وأضل، وزل وأزل، ولا شك أن ذلك حرامٌ ولو وافق الصواب باتفاق، كالحكم والإفتاء والتعبد بلا علم فضلاً عن هذا الكذب البين العجاب، والافتراء المختلق على النسب الشريف الذي تروح على بعضه الرقاب! قال الله تعالى: {ليحملوا أوزارهم كاملةً يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علمٍ ألا ساء ما يزرون} . وقال تعالى: {فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر} . وقال تعالى: {وفوق كل ذي علمٍ عليمٌ} . وهذه الأمة المحمدية لا تجتمع على ضلالة، غير أن الجاهل إذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 لزم غلطه واتبع هواه ذهبت دنياه وآخرته، واستفاد مقت الله وسخطه. وذكر أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب ((عيوب النفس)) عن مضر القارئ قال: ((لنحت الجبال بالأظافير أهون من مخالفة الهوى إذا تمكن في النفس)) . وفي ((مسند الإمام أحمد)) وغيره من حديث أبي الدرداء مرفوعاً: ((إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه فصدقوا، وإذا سمعتم برجل تغير عن خلقه فلا تصدقوا فإنه يرجع إلى ما طبع عليه)) . وفي حديث أسماء بنت عميس الذي رواه الترمذي وغيره: ((بئس العبد عبدٌ يختل الدنيا بالدين، بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات، بئس العبد عبدٌ طمعٌ يقوده، بئس العبد عبدٌ هوى يضله، بئس العبد عبدٌ رغبٌ يذله)) . وبالجملة فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والله الموفق القائل، جل جلاله، وصدق مقاله: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم} . وهو القائل أيضاً: {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 وروى الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)) . وروى الترمذي أيضاً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((العباس مني وأنا منه)) . وروى أيضاً عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: ((يا أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه)) . فمن ألحق بسيدنا العباس رضي الله عنه ولداً ليس منه أصلاً فقد دخل في هذا والعياذ بالله. وقال البخاري في ((صحيحه)) : باب من أحب أن لا يسب نسبه، ثم ذكر الحديث المشهور المتفق عليه أن شاعر الإسلام حسان بن ثابت استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين من قريش فقال له: ((كيف بنسبي فيهم؟ قال: لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين)) . وإذا كان نفي الانتساب ولو إلى عبد أسود أو ادعاؤه من أكبر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 الكبائر لما يترتب عليه من الأحكام، فما الظن بذلك إذا كان إلى النبي أشرف الأشراف الكرام، فإنه يزيد على ما قبله بالتقديم بالشرف في قسمة الفيء ونحوه، وفي الإمامة الكبرى والصغرى، والكفاءة في النكاح، وتحريم الزكاة وشبهها من الأشياء الواجبة. واستحقاق الفيء والغنيمة والقرن في الصلاة عليه به صلى الله عليه وسلم تبعاً، وغير ذلك مما هو مشهور، محررٌ مقررٌ في محله مذكور. وقال الشيخ محيي الدين النووي في أول إملائه على حديث: ((الأعمال بالنيات)) -بعد أن ساق النسب المشهور المجمع عليه إلى عدنان ثم منه إلى آدم من سياق ابن إسحاق في أول السيرة-: ((ذهب كثيرون من العلماء إلى جواز رفع الأنساب إلى آدم في الأنبياء وغيرهم وذكره وهو الأظهر)) . قال: ((ويترتب عليه فوائد لتعرف العرب من غيرهم وقريشٌ من غيرها، ففي الشرع أحكام كثيرة مبنية على ذلك كالكفارة والتقديم في قسمة الفيء، وفي إمامة الصلاة وغير ذلك، ويتعلق بمعرفة نسب غير العرب مقاصد معلومةٌ)) . انتهى كلامه. فمن لم يقطع بنفي هذا اللقيط الملحق عن النسب الهاشمي الزكي المستبين، وأصر على ذلك بعد التعريف والتبين ترتب عليه ما يستحقه. وأنا أشهد بالله ولله بل وكل ناقد أن هذه الدعوى باطلةٌ كالشمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 بيقين، وأن العباس لم يلد ولداً اسمه حمزة الخلف أبداً، ولا في أولاد أولاده أحدٌ اسمه حمزة بل هو مختلق دعي زنيم ملصق كما قال حسان بن ثابت رضوان الله عليه: وأنت زنيمٌ نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد وقال غيره: حمارٌ في الكتابة يدعيها ... كدعوى آل حربٍ من زياد وا إسلاماه، وا دنياه، وا مصيبتاه! وقد كان عرض لزوجتي في العشر الآخر من شهر رمضان عارضٌ في عينها، فنامت نهاراً وأنا قاعدٌ ألحق بهذه الفتيا القديمة كلام النووي وما بعده إلى هنا، فرأت في منامها كأني أنا وهي في براز من الأرض لا سقف له ولا جدار، فمر عليها رجلٌ وقع في قلبها أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجهاً إلى جهة القبلة يمشي مترسلاً، فأرادت أن تبادر فتقوم إليه وتسلم عليه. فقيل لها من خلفها: ((اصبري هذا ابن عباس جاء)) . فمكثت لتسلم عليه ثم تتبع المصطفى وإذا بسيدنا ابن عباس قد أقبل من جهة الغرب قاصدنا يهرول مبيضاً متبسماً تبدو أسنانه، فأيقظتها للصلاة وأنا لا أشعر برؤياها قبل أن تسلم عليهما، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 واستيقظت وقد سكنت عينها. وإنما ضمنتها هذه الجملة ذبا عن سيدنا أبي الخلفاء أن يلحق بذريته الشرفاء -كثرهم الله وزكاهم ورضي عنهم- من هو مقحمٌ دخيلٌ فيهم وليس منهم، رجاء حصول بركته في الدارين بحول الله ومشيئته. قال كعب الأحبار: ((ليس أحدٌ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا وله شفاعةٌ يوم القيامة)) . ذكره القاضي عياض في ((الشفا)) . ويلٌ لمن شفعاؤه خصماؤه، والزيف في القيامة يكشف. ومعلومٌ أن الخلفاء العباسيين من عقب علي بن عبد الله بن العباس الذي كان يدعى السجاد، وكان يسكن الشراة -بفتح الشين المعجمة- وهي بالشام من أرض البلقاء، ونزل أيضاً دمشق وله بها دارٌ، مات سنة ثماني عشرة أو سبع عشرة ومائة من الهجرة. وجميع ما ذكرته -بحمد الله- أوضح من فلق الصبح وضوء الشمس، لا خلاف فيه عند أئمة هذا الفن ولا لبس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وبعد هذه الفتيا جاءني المستفتي بشيء مكتوب في نسبة ذرية هذا الولد المنسوب إلى العباس نفسه المدعى المكذوب الذي لا وجود له، وسألني أن أكتب عليه شيئاً مستقلاً غير هذه الفتيا، فوجدت النسب المذكور عامياً طرقياً ملفقًا مفتعلاً متناقضاً ضحكة، فضمنته مقاصد هذه الفتيا، وذكرت فيه أشياء أخر ونقضته من أوله إلى آخره، وكشف زيف مفتعله الدجال الحمار الطرقي التعيس المعثر الضال المضل، وبينت جميع ما اشتمل عليه من اللحن والتصحيف، والغلط والتحريف، والافتراء والخطأ، والمجازفة والهذيان، والركاكة والتناقض، وقلة الصناعة واللباقة، وتوليد أولاد لم يخلقوا أبداً، واختراع أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وعدم العلم بالصحابة والتاريخ وغير ذلك مما لا يخفى على ناقد، فيتعين الوقوف عليه، واستفادته والارتحال إليه. حرره وحبره داخل البيت في ليلة حارة مع الاستعجال وتقسم البال: خادم السنة النبوية وناصرها شيخنا الشيخ إبراهيم بن محمد بن محمود الحلبي الأصل الدمشقي الشافعي الملقب بالناجي كان الله له الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 في الدارين وحقق له هذا اللقب، وجمع له ولأهله ومحبيه بين السعادة الدنيوية والأخروية، بجاه مخدومه ونبيه ووليه محمد سيد الكونين المرسل إلى الجن والإنس والعجم والعرب. فرغ من نقله إبراهيم بن عثمان بن محمد غفر الله له ولوالديه وللمسلمين والمسلمات في نهار السبت المبارك في عاشر يوم في شوال سنة ثمان وسبعين وثمانمائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29