الكتاب: رسالة الإمام أبي بكر البيهقي إلى الإمام أبي محمد الجويني المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ) المحقق: أبو عبيد الله فراس بن خليل مشعل الناشر: دار البشائر الإسلامية الطبعة: الأولى 1428 هـ - 2007 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: يا باغي الخير أقبل ---------- رسالة البيهقي للجويني البيهقي، أبو بكر الكتاب: رسالة الإمام أبي بكر البيهقي إلى الإمام أبي محمد الجويني المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ) المحقق: أبو عبيد الله فراس بن خليل مشعل الناشر: دار البشائر الإسلامية الطبعة: الأولى 1428 هـ - 2007 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: يا باغي الخير أقبل رسالة الإمام أبي بكر البيهقي 458 هـ إلى الإمام أبي محمد الجويني 434 هـ تحوي مسائل في علم الحديث وغيره برواية ولده شيخ القضاة أبي علي إسماعيل البيهقي نفذها إليه مستدركا فيها عليه في تصنيف شرع فيه سماه المحيط استدراكا فيما يتعلق بعلم الحديث وغيره اعتنى بها أبو عبيد الله فراس بن خليل مشعل دار البشائر الإسلامية الطبعة الأولى 1428 هـ - 2007 م بسم الله الرحمن الرحيم [وبه العون والتوفيق] أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو بكر، محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب البغدادي. قال: حدثنا الإمام شيخ القضاة، أبو علي، إسماعيل بن أحمد البيهقي. قال: حدثنا الإمام والدي، أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي. قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 سلام الله ورحمته على الشيخ الإمام، وإني أحمد إليه الله الذي لا إله إلا هو، وحده لا شريك له، وأصلي على رسوله محمد، وعلى آله، أما بعد -عصمنا الله تعالى بطاعته، وأكرمنا بالاعتصام بسنة خيرته من بريته، صلى الله عليه وسلم، وأعاننا على الاقتداء بالسلف الصالحين من أمته، وعافانا في ديننا ودنيانا، وكفانا كل هول دون الجنة، بفضله ورحمته، إنه واسع المغفرة والرحمة، وبه التوفيق والعصمة-: فقلبي للشيخ -أدام الله عصمته- وادٍ، وبأيامه معتد، ولساني له بالخير ذاكر، ولله تعالى على حسن توفيقه إياه شاكر، والله -جل ثناؤه- يزيده توفيقاً وتأييداً وتسديداً. وقد علم الشيخ -أدام الله توفيقه- اشتغالي بالحديث، واجتهادي في طلبه. [و] معظم مقصودي منه في الابتداء: التمييز بين ما يصح الاحتجاج به من الأخبار، وبين ما لا يصح، حين رأيت المحدثين من أصحابنا يرسلونها في المسائل على ما يحضرهم من ألفاظها، من غير تمييز منهم بين صحيحها وسقيمها. ثم إذا احتج عليهم بعض مخالفيهم بحديث يشق عليهم تأويله، أخذوا في تعليله، بما وجدوه في كتب المتقدمين من أصحابنا تقليداً. ولو عرفوه معرفتهم، لميزوا صحيح ما يوافق أقوالهم من سقيمه، ولأمسكوا عن كثير مما يحتجون به، وإن كان يطابق آراءهم، ولاقتدوا في ترك الاحتجاج برواية الضعفاء والمجهولين بإمامهم فشرطه فيمن يقبل خبره عند من يعتني بمعرفته- مشهور، وهو بشرحه في كتاب ((الرسالة)) مسطور، وما ورد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 من الأخبار بضعف رواته أو انقطاع إسناده كثير، والعلم به على من جاهد فيه سهل يسير. وقد احتج في ترك الاحتجاج [برواية] المجهولين، بما: 1- أخبرنا أبو عبد الله، محمد بن عبد الله، الحافظ، قال: حدثنا أبو العباس، محمد بن يعقوب، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا الشافعي، قال: أخبرنا سفيان، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وحدثوا عني، ولا تكذبوا علي)) . قال الشافعي: ((أحاط العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر أحداً بحالٍ أن يكذب على بني إسرائيل، ولا على غيرهم، فإذا أباح الحديث عن بني إسرائيل، فليس أن يقبلوا الحديث الكذب على بني إسرائيل.. .. .. لأنه يروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الحديث: 1 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 ((من حدث بحديثٍ وهو يراه كذباً، فهو أحد الكاذبين)) . وإنما أباح قبول ذلك عمن حدث به ممن يجهل صدقه وكذبه)) . قال: ((وإذا فرق بين الحديث عنه، والحديث عن بني إسرائيل، فقال: ((حدثوا عني، ولا تكذبوا علي)) . فالعلم -إن شاء الله- يحيط: أن الكذب الذي نهاهم عنه: هو الكذب الخفي، وذلك: الحديث عمن لا يعرف صدقه)) . ثم حكى الشافعي [مذهبه في ذلك، و] في رد حديث الضعفاء عن: ابنٍ [لابن] عمر، وعن عروة بن الزبير، وسعد بن إبراهيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وحكاه في ((كتاب العمرى)) عن: عطاء بن أبي رباح، وطاوس، وابن سيرين، وإبراهيم النخعي. ثم قال: ((وما لقيت، ولا علمت أحداً من أهل العلم بالحديث، يخالف هذا المذهب)) . قال الشيخ الفقيه أحمد -رحمه الله-: وإنما يخالفه بعض من لا يعد من أهل الحديث، فيرى (قبول رواية المجهولين، ما لم يعلم ما يوجب رد خبرهم) . وقد قال الشافعي -رحمه الله- في أول ((كتاب الطهارة)) -حين ذكر ما تكون به الطهارة من الماء، واعتمد فيه على ظاهر القرآن-: ((وقد روي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث -يوافق ظاهر القرآن- في إسناده من لا أعرفه)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 ثم ذكر حديثه عن مالك، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن سلمة، عن المغيرة بن أبي بردة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، في البحر. وعسى لم يخطر ببال فقيه من فقهاء عصرنا ريب في صحة هذا الحديث، وإمامه يقول: ((في إسناده من لا أعرفه)) ! وإنما قال ذلك: - لاختلافٍ وقع في اسم المغيرة بن أبي بردة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 - ثم في وصله بذكر أبي هريرة. مع إيداع مالك بن أنس إياه كتابه ((الموطأ)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ومشهور فيما بين الحفاظ، أنه لم يودعه رواية من يرغب عنه، إلا رواية: عبد الكريم أبي أمية، وعطاء الخراساني، فقد رغب عنهما غيره. وتوقف الشافعي في (إيجاب الغسل من غسل الميت) . واعتذر: ((بأن بعض الحفاظ أدخل بين أبي صالح، وبين أبي هريرة: إسحاق -مولى زائدة-، وأنه لا يعرفه، ولعله أن يكون ثقة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وتوقف في إثبات (الوقت الثاني لصلاة المغرب) ، مع أحاديث صحاح رويت فيه بعد إمامة جبريل -عليه السلام- بالنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حين لم يثبت عنده من عدالة رواتها ما يوجب قبول خيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 وكأنه وقع لمحمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله- بعده ما وقع له؛ حتى لم يخرج شيئاً من تلك الأحاديث في ((كتابه)) . ووقف مسلم بن الحجاج -رحمه الله- على ما يوجب قبول خبرهم، ووثق بحفظ من رفع المختلف في رفعه منها، فقبله، وأخرجها في ((الصحيح)) ، وهي: حديث أبي موسى، وبريدة، وعبد الله بن عمرو. واحتج الشافعي -رحمه الله- في كتاب ((أحكام القرآن)) برواية عائشة في أن (زوج بريرة كان عبداً) . وإن بعض من تكلم معه قال له: هل تروون عن غير عائشة أنه كان عبداً؟ قال الشافعي: ((هي المعتقة، وهي أعلم به من غيرها! وقد روي من وجهين، قد ثبَّتَّ أنت ما هو أضعف منهما، ونحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 فذكر: - حديث عكرمة، عن ابن عباس. - وحديث القاسم العمري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: ((أن زوج بريرة كان عبداً)) . و (حديث عكرمة) عن ابن عباس قد أخرجه البخاري في ((الصحيح)) . إلا أن عكرمة مختلفٌ في عدالته. -كان مالك بن أنس -رحمنا الله وإياه- لا يرضاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 - وتكلم فيه: سعيد بن المسيب، وعطاء، وجماعة من أهل العلم بالحديث. - ولذلك ترك مسلم بن الحجاج الاحتجاج بروايته في ((كتابه)) . و (القاسم العمري) : ضعيف عندهم. فقال الشافعي لخصمه: ((نحن إنما نثبت ما هو أقوى منهما)) . وقال في أثرين ذكرهما في ((كتاب الحدود)) : ((وهاتان الروايتان، وإن لم تخالفانا، غير معروفتين، ونحن نرجو أن لا نكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر من لا يثبت خبره بمعرفته عنده)) . وله من هذا أشياء كثيرة، يكتفي بأقل من هذا من سلك سبيل النصفة. فهذا مذهبه في قبول الأخبار، وهو مذهب القدماء من أهل الآثار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 قال الفقيه -رضي الله عنه-: وكنت أسمع رغبة الشيخ -أدام الله أيامه- في سماع الحديث، والنظر في كتب أهله، فأسكن إليه، وأشكر الله تعالى عليه، وأقول في نفسي، ثم فيما بين الناس: قد جاء الله -عز وجل- بمن يرغب في الحديث، ويرغب فيه من بين الفقهاء، ويميز فيما يرويه ويحتج به الصحيح من السقيم من جملة العلماء. وأرجو من الله تعالى: أن يحيي [به] سنة إمامنا المطلبي في قبول الآثار، حيث أماتها أكثر فقهاء الأمصار، بعد من مضى من الأئمة الكبار، الذين جمعوا بين نوعي علم الفقه والأخبار. ثم لم يرض بعضهم بالجهل به، حتى رأيته حمل [على] العالم به بالوقوع فيه، والإزراء به، والضحك منه، وهو مع هذا يعظم صاحب مذهبه ويجله، ويزعم: أنه لا يفارق في منصوصاته قوله! ثم يدع في كيفية قبول الحديث ورده طريقته، ولا يسلك فيها سيرته؛ لقلة معرفته بما عرف، وكثرة غفلته عما عليه وقف. هلا نظر في كتبه، ثم اعتبر باحتياطه في انتقاده لرواة خبره، واعتماد فيمن اشتبه عليه حاله على رواية غيره؟! فيرى سلوك مذهبه -مع دلالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 العقل والسمع- واجباً على كل من انتصب للفتيا: - فإما أن يجتهد في تعلمه - أو يسكت عن الوقوع فيمن يعلمه. فلا يجتمع عليه وزران، حيث فاته الأجران! والله المستعان، وعليه التكلان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 ثم إن بعض أصحاب الشيخ -أدام الله عزه- وقع إلى هذه الناحية، فعرض علي أجزاء ثلاثة مما أملاه من كتابه المسمى بـ: ((المحيط)) ، فسررت به، ورجوت أن يكون الأمر فيما يورده من الأخبار على طريقة من مضى من الأئمة الكبار، لائقاً بما خص به من علم الأصل والفرع، موافقاً لما ميز به من فضل العلم والورع، فإذا أول حديث وقع عليه بصري: الحديث المرفوع في (النهي عن الاغتسال بالماء المشمس) ! فقلت -في نفسي-: يورده، ثم يضعفه، أو يضجع القول فيه. فرأيته قد أملى: ((والخبر فيه: ما روى مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة)) ! فقلت: هلا قال: - روي عن عائشة؟ - أو: روي عن ابن وهب، عن مالك؟ - أو: روي عن إسماعيل بن عمر الكوفي، عن ابن وهب، عن مالك؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 - أو: روى خالد بن إسماعيل، أو وهب بن وهب أبو البختري، عن هشام بن عروة؟ - أو: روى عمرو بن محمد الأعسم، عن فليح، عن الزهري، عن عروة؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 ليكون الحديث مضافاً إلى من يليق به مثل هذه الرواية، ولا يكون شاهداً على مالك بن أنس بما أظنه يبرأ إلى الله تعالى من روايته، ظناً مقروناً بعلم. [والله أعلم] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 ثم إني رأيته -أدام الله عصمته-: أوَّل (حديث التسمية) ، وضعف ما روي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في تأويله، بحديث شهد به على الأعمش أنه رواه عن شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: فيمن توضأ وسمى، وفيمن توضأ ولم يسم. وهذا حديث تفرد به يحيى بن هاشم السمسار، عن الأعمش. ولا يشك حديثي في ضعفه. - ورواه أيضاً عبد الله بن حكيم، أبو بكر الداهري، عن عاصم بن محمد، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً. وأبو بكر الداهري: ضعيف، لا يحتج بخبره. - وروي من وجه آخر مجهول، عن أبي هريرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 ولا يثبت. وحديث التسمية قد روي من أوجهٍ، ما وجه من وجوهها إلا وهو أمثل إسناداً من أسانيد ما روي في مقابلته، ومع ذاك فأحمد بن حنبل -رحمه الله- يقول: ((لا أعلم فيه حديثاً ثابتاً)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 فقلت -في نفسي-: قد شرك الشيخ -حرس الله مهجته- القوم فيما أحدثوا من المساهلة في رواية الأحاديث. وحسبته سلك هذه الطريقة فيما حكي لي عنه من مسحه وجهه بيديه في قنوت صلاة الصبح؛ وأحسن الظن برواية من روى: (مسح الوجه باليدين بعد الدعاء) ، مع ما: 2- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا أبو بكر الجراحي، قال حدثنا [يحيى بن] ساسويه، حدثنا عبد الكريم السكري، قال: حدثنا وهب بن زمعة، قال: أخبرني علي الباشاني، قال: ((سألت عبد الله بن المبارك: عن الذي إذا دعا مسح وجهه. فلم أجد [له ثبتاً] )) . الحديث: 2 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 قال علي: ((ولم أره يفعل ذلك)) . قال علي: ((وكان عبد الله يقنت بعد الركوع في الوتر، وكان يرفع يديه في القنوت)) . 3- وأخبرنا أبو علي الروذباري، أخبرنا أبو بكر بن داسه، قال: قال أبو داود السجستاني: ((روي هذا الحديث من غير وجه، عن محمد بن كعب، كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضاً)) . يريد به: حديث عبد الله بن يعقوب، عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((.. .. سلوا الله ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، فإذا فرغتم؛ فامسحوا بها وجوهكم)) . الحديث: 3 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 وروي ذلك من أوجه أخر، كلها أضعف من رواية من رواها عن ابن عباس. وكان أحمد بن حنبل ينكرها. وحكي عنه أنه قال: ((في الصلاة لا، ولا بأس به في غير الصلاة)) . قال الفقيه: وهذا لما في استعماله في الصلاة من إدخال عمل عليها لم يثبت به أثر. وقد يدعو في آخر تشهده، ولا يرفع يديه، ولا يمسحهما بوجهه، إذ لم يرد بهما أثر؛ فكذا في دعاء القنوت، يرفع يديه؛ لورود الأثر به، ولا يمسح بهما وجهه؛ إذا لم يثبت فيه أثر. وبالله التوفيق! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 وعندي: أن (من سلك من الفقهاء هذه الطريقة في المساهلة، أنكر عليه قوله) . مع كثرة ما روي من الأحاديث في خلافه. وإذ كان هذا اختياره، فسبيله -أدام الله توفيقه-: يملي في مثل هذه الأحاديث: ((روي عن فلان، ولا يقول: ((روى فلان)) ؛ لئلا يكون شاهداً على فلان بروايته من غير ثبتٍ. وهو إن فعل ذلك وجد لفعله متبعاً؛ فقد: 4- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا الوليد الفقيه، يقول: ((لما سمع أبو عثمان الحيري من أبي جعفر بن حمدان كتابه ((المخرج على كتاب مسلم)) ، كان يديم النظر فيه، فكان إذا جلس للذكر: - يقول في بعض ما يذكر من الحديث: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. - ويقول في بعضه: روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فنظرنا، فإذا إنه قد حفظ ما في الكتاب، حتى ميز بين صحيح الأخبار وسقيمها)) . فأبو عثمان الحيري -رحمنا الله وإياه- يحتاط -هذا النوع من الحديث: 4 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الاحتياط- فيما يدير من الأخبار في المواعظ، وفي فضائل الأعمال، فالذي يديرها في الفرض والندب، ويحتج بها في الحرام والحلال، أولى بالاحتياط وأحوج إليه. وبالله التوفيق! قال الفقيه: وقد رأيت بعض من أوردت عليه شيئاً من هذه الطريقة، (فزع في ردها إلى اختلاف الحفاظ في تصحيح الأخبار وتضعيفها) . ولو عرف حقيقة اختلافهم، لعلم أن لا فرج له في الاحتجاج به، كما لا فرج لمن خالفنا في أصول الديانات، في الاحتجاج علينا باختلافنا في المجتهدات. واختلاف الحفاظ في ذلك لا يوجب رد الجميع، ولا قبول الجميع. وكان من سبيله أن يعلم أن الأحاديث المروية على ثلاثة أنواع: - نوع اتفق أهل العلم به على صحته. - ونوع اتفقوا على ضعفه. - ونوع اختلفوا في ثبوته، فبعضهم يضعف بعض رواته: لجرح ظهر له، وخفي على غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 أو لم يظهر له من عدالته ما يوجب قبول خبره، وقد ظهر لغيره. أو عرف منه معنىً يوجب عنده رد خبره، وذلك المعنى لا يوجبه عند غيره. أو عرف أحدهما علة حديث ظهر بها: انقطاعه، أو انقطاع بعض ألفاظه، أو إدراج لفظ من ألفاظ من رواه في متنه، أو دخول إسناد حديث في إسناد [حديث] غيره، خفيت تلك العلة على غيره. فإذا علم هذا، وعرف معنى رد من رد منهم خبراً، أو قبول من قبله منهم؛ هداه الوقوف عليه، والمعرفة به، إلى اختيار أصح القولين -إن شاء الله-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 قال الفقيه -رحمه الله-: وكنت -أدام الله عز الشيخ- أنظر في كتب بعض أصحابنا، وحكايات من حكي منهم عن الشافعي -رضي الله عنه- نصاً، وأبصر اختلافهم في بعضها، فيضيق قلبي بالاختلاف، مع كراهية الحكاية من غير ثبت، فحملني ذلك على نقل ((مبسوط ما اختصره المزني -رحمه الله- على ترتيب ((المختصر)) . ثم نظرت في كتاب: ((التقريب)) ، وكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 ((جمع الجوامع)) ، و ((عيون المسائل)) ، وغيرها فلم أر أحداً منهم فيما حكاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 أوثق من صاحب ((التقريب)) -رحمنا الله وإياه-، وهو في النصف الأول من كتابه أكثر حكايةً لألفاظ الشافعي -رحمه الله- منه في النصف الآخر، وقد غفل في النصفين جميعاً -مع اجتماع الكتب له أو أكثرها، وذهاب بعضها في عصرنا- عن حكاية ألفاظ، لا بد لنا من معرفتها: - لئلا نجترئ على تخطئة المزني في بعض ما نخطئه فيه، وهو عنه بريء. - ولنتخلص بها عن كثير من تخريجات أصحابنا. (ومثال ذلك) : من الأجزاء التي رأيتها من كتاب ((المحيط)) -من أوله إلى ((مسألة التفريق)) -: أن أكثر أصحابنا، والشيخ -أدام الله عزه- معهم، يوركون الذنب (في تسمية البحر بالمالح) أبا إبراهيم المزني. ويزعمون: (أنها لم توجد للشافعي -رحمه الله-) ! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 قد سمى الشافعي -رحمه الله- البحر مالحاً في كتابين: - قال الشافعي في ((أمالي الحج)) -في مسألة كون المحروم في صيد البحر كالحلال-: ((والبحر: الماء: العذب والمالح؛ قال الله –تعالى-: {هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابه وهذا ملحٌ أجاجٌ} )) . - وقال في كتاب ((المناسك الكبير)) . ((في الآية دليلٌ أن البحر: العذب والمالح)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وذكر الشيخ -أبقاه الله-: بناء الشيخ الإمام أبي بكر -رحمه الله- أحد قولي الشافعي في (أكل الجلد المدبوغ) على ما بنى عليه. ثم ذكر الشيخ -حفظه الله- تصحيح القول: (بمنع الأكل) من عند نفسه، بإيراد حجته! وقد نص الشافعي في: ((القديم)) ، وفي رواية حرملة، على ما هداه إليه خاطره المتين: قال الزعفراني: قال أبو عبد الله الشافعي -في كلام ذكره-: ((يحل أن يتوضأ في جلدها، إذا دبغ [فطهر] ، وذلك الذي أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه، فأبحناه كما أباحه، ونهينا عن أكله بجملة أنه من ميتة، ولم نرخص في غير ما رخص فيه خاصة)) . ثم قال: ((وليس ما حل لنا الاستماع ببعضه بخبر، بالذي يبيح لنا ما نهينا عنه من ذلك الشيء بعينه بخبر. ألا ترى أنا لا نعلم اختلافاً في أنه يحل شراء الحمر والهر والاستمتاع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 بها، ولا نبيح أكلها؟! وإنما نبيح ما أبيح، ونحظر ما حظر)) . وقال في رواية حرملة: ((يحل الاستمتاع به بالحديث، ولا يحل أكله بأصل أنه من ميتة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 ورأيته -أدام الله عصمته-: اختار في (تحلية الدابة بالفضة) جوازها. وأظنه علم قول الشافعي -رحمه الله- في كتاب ((مختصر البويطي)) ، والربيع، ورواية موسى بن أبي الجارود -رحمهم الله-، حيث قال: ((وإن اتخذ رجل أو امرأة آنية من فضة أو ذهب، أو ضببا به آنية، أو ركباه على مشجب أو سرج؛ فعليهما الزكاة، وكذلك اللجم، والركب)) . هذا مع قوله -في روايتهم-: ((لا زكاة في الحلي المباح)) . وحيث لم يخص به الذهب بعينه، فالظاهر: أنه أراد به كليهما جميعاً. وإن كانت الكناية بالتذكير يحتمل أن تكون راجعة إلى الذهب دون الفضة؛ كما قال الله -عز وجل-: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} . فالظاهر عند أكثر أهل العلم: أنه أراد به كليهما معاً، وإن كانت الكناية بالتأنيث يحتمل أن تكون راجعة إلى الفضة دون الذهب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 وقد علم الشيخ -أبقاه الله-: ورود التحريم في [استعمال] الأواني المتخذة من الذهب والفضة عامة، ثم ورود الإباحة في تحلية النساء بهما، وتختم الرجال بالفضة خاصة، ووقف على اختلاف الصدر الأول -رضي الله عنهم- في حلية السيوف، واحتجاج كل فريق منهم لقوله بخبر. فنحن وإن رجحنا قول من قال بإباحتها بنوع من وجوه الترجيحات، ثم حظرنا تحلية السقف والسرير وسائر الآلات، ولم نقسها على التختم بالفضة، ولا على حلية السيوف؛ فتصحيح إباحة تحلية الدابة بالفضة من غير ورود أثر صحيح مما يشق ويتعذر، وهو -أدام الله توفيقه- أهل أن يجتهد ويتخير. وما استدل به من الخبر بأن: ((أبا سفيان أهدى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيراً برته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 من فضة)) . فغير مشتهر. وهو إن كان، فلا دلالة في فعل أبي سفيان، إذ لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تركها ثم ركبه، أو أركبه غيره. وإنما الحديث المشهور عندنا: ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: ((أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هديه جملاً لأبي جهل، في أنفه برة فضة؛ ليغيظ به المشركين)) . 5- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: قال: حدثنا أبو العباس، محمد بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق.. .. الحديث. وكان علي بن المديني يقول: ((كنت أرى هذا من صحيح حديث ابن إسحاق؛ فإذا هو قد دلسه: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني من لا أتهم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس. فإذا الحديث مضطرب)) . الحديث: 5 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 6- أخبرنا بهذه الحكاية محمد بن عبد الله الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن صالح الهاشمي، قال: حدثنا أبو جعفر المستعيني: حدثنا عبد الله بن علي المديني، قال: حدثني أبي، فذكرها. وقد روي الحديث عن جرير بن حازم، عن ابن أبي نجيح. الحديث: 6 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. وليس بالقوي. 7- وقد أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل، قال: أخبرنا أبو عبد الله الصفار: حدثنا أحمد بن محمد البرتي القاضي: حدثنا محمد بن المنهال: حدثنا يزيد بن زريع: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد عن ابن عباس: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدى جملاً لأبي جهل يوم الحديبية كان استلبه يوم بدر، وفي أنفه برةٌ من ذهب)) . وكذلك رواه أبو داود السجستاني في كتاب ((السنن)) ، عن محمد بن المنهال: ((برة من ذهب)) : 8- أخبرنا أبو علي الروذباري: أخبرنا أبو بكر بن داسة: حدثنا أبو داود. الحديث: 7 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فذكره، وقال: ((عام الحديبية)) ، ولم يذكر قصة بدر. وقد أجمعنا على منع تحلية الدابة بالذهب، ولم ندع ظاهر الكتاب بإيجاب الزكاة فيه، وعده إذا لم يخرجها من الكنوز، بهذا الخبر. وكذلك لا ندعه في الفضة. وليس في الخبر -إن ثبت في الفضة- صريح دلالة في المسألة. وبالله التوفيق والعصمة! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وقد حكي لي عن الشيخ -أدام الله عزه-: أنه اختار: (جواز المكتوبة على الراحلة الواقفة، إذا تمكن من الإتيان بشرائطها) . مع ما في النزول للمكتوبة في غير شدة الخوف من الأخبار والآثار الثابتة، وعدم ثبوت ما روي في مقابلتها دون الشرائط التي اعتبرها! وقد قال الشافعي في ((الإملاء)) : ((ولا يصلي المسافر المكتوبة بحال أبداً إلا حالاً واحداً: إلا نازلاً في الأرض، أو على ما هو ثابت على الأرض، لا يزول بنفسه، مثل: البساط، والسرير، والسفينة في البحر. ولا يصلي على محملٍ موقوف -لأنه على ما يزول [بنفسه] من ذوات الأرواح- مريضاً كان أو صحيحاً، لا رخصة له حتى ينزل عن البعير)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 ورأيت في الفصول التي أملاها في الأصول -من هذه الأجزاء- حكايةً عن بعض أصحاب الحديث: أنه اشترط في قبول الأخبار: (أن يروي عدلان، عن عدلين، [عن عدلين] ، حتى يتصل مثنىً مثنىً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ولم يذكر قائله! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 والذي عندنا من مذهب كثير من الحفاظ، وعليه يدل مذهب الإمامين: أبي عبد الله البخاري، وأبي الحسين النيسابوري: - أنهما إنما يشترطان أن يكون للصحابي الذي يروي الحديث راويان فأكثر؛ ليخرج بذلك عن حد الجهالة، وهكذا من دونه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 - ثم إن انفرد أحد الراويين عنه بحديث، وانفرد الآخر بحديث آخر، أو بحكاية، أو جرى له [ذكر] في حديث آخر، قبل. - وإنما التوقف في رواية صحابي أو تابعي لا يكون له إلا راوٍ واحدٌ: - كصفوان بن عسال، لم يرو عنه من الثقات إلا: زر بن حبيش. - وكعروة بن مضرس، وهو صحابي، لم يرو عنه من الثقات إلا: عامر الشعبي. - وكالصبي بن معبد، وهو تابعي، لم يرو عنه من الثقات إلا: أبو وائل شقيق بن سلمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 وآخر غلط فيه بعض الرواة، فقال: عن الأوزاعي، عن عبدة، عن مسروق، عن الصبي. وإنما الصحيح: عن الأوزاعي، عن عبدة، عن شقيق، قال: اختلفت أنا ومسروق إلى الصبي. وعلى هذا وهذا [عند كثير من أصحاب الأصول] حجة، إذا كان الراوي عنه ثقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ورأيت في هذا الفصل قوله في (المراسيل) : ((إنها ترجيحات لا تقوم الحجة بها، سوى (مرسل سعيد بن المسيب)) ) . والشيخ -أدام الله عزه- تبع في إطلاق هذه اللفظة صاحب ((التلخيص)) . ولو نظر في رسالتي: ((القديمة)) ، و ((الجديدة)) للشافعي -رحمه الله-، وأبصر شرطه في قبول المراسيل، وتذكر المسائل التي بناها على مراسيل غيره حين اقترن بها الشرط، ولم يجد فيها ما هو أقوى منها -وهو أدام الله توفيقه أعلم بتلك المسائل مني-؛ لقال بسوى مرسل سعيد بن المسيب، ومن كان في مثل حاله من كبار التابعين؛ ليكون قوله موافقاً لجملة قول الشافعي في ((الرسالتين)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 ونص قوله في كتاب ((الرهن الصغير)) حين قيل له: كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعاً، ولم تقبلوه عن غيره؟ قال: ((لا نحفظ أن ابن المسيب روى منقطعاً، إلا وجدنا ما يدل على تسديده، ولا أثره عن أحد فيما عرفنا عنه، إلا عن ثقة معروف، فمن كان بمثل حاله، قبلنا منقطعه)) . وإنما ترك الشافعي مراسيل من بعد كبار التابعين: كالزهري، ومكحول، والنخعي، ومن في طبقتهم، ورجع به قول بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اختلفوا. وترك من مراسيل كبار التابعين: - ما لم يقترن به ما يشده من الأسباب التي ذكرها في كتاب ((الرسالة)) . - أو وجد من الحجج ما هو أقوى منها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 - وليس الحسن بن أبي الحسن البصري، ومحمد بن سيرين بدون كثير منهم، وإن كان بعضهم أقوى مرسلاً منهما، أو من أحدهما. وقد قال الشافعي -رحمه الله- (بمرسل الحسن) حين اقترن به ما أكده: قال الشافعي في كتاب ((أحكام القرآن)) ، في باب ((النكاح بالشهود)) : - روي عن الحسن بن أبي الحسن: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدلٍ)) .)) . - ثم قال: ((وهذا، وإن كان منقطعاً دون النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن أكثر أهل العلم يقول به. ويقول: ((الفرق بين النكاح والسفاح: الشهود)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 ((وهو ثابت عن ابن عباس وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -)) . فأكد مرسله: - بقول من انضم إليه من الصحابة -رضي الله عنهم-. - وبأن أكثر أهل العلم يقول به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 كما أكد (مرسل ابن المسيب) في (النهي عن بيع اللحم بالحيوان) : الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 - بقول الصديق -رضي الله عنه-. - وبأنه روي من أوجه أخر مرسلاً. ثم قال: ((وإرسال ابن المسيب عندنا حسن)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 وقال (بمرسل الحسن) في كتاب ((الصرف)) ، في النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، فيكون له زيادته، وعليه نقصانه: - فقال: ((ومن باع طعاماً بكيل، فصدقه المشتري بكيله، فلا يجوز)) . - قال: ((وإنما لم أجز هذا؛ لما وصفت من حديث الحسن، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)) . ثم أكده بما ذكره من المعنى. وقال (بمرسل طاوس اليماني) في كتاب: ((الزكاة)) ، و ((الحج)) ، و ((الهبة)) ، وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وبمرسل: عروة بن الزبير، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وسليمان بن يسار، وابن سيرين، وغيرهم من كبار التابعين، في مواضع من كتبه، حين اقترن به ما أكده، ولم يجد ما هو أقوى منه. وترك عليهم من مراسيلهم ما لم يجد معه ما يؤكده، أو وجد ما هو أقوى منه؛ كما لم يقل: - بمرسل سعيد بن المسيب حيث روى عنه -بإسناد صحيح-: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر مدين من حنطةٍ)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 - ولا بمرسله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا بأس بالتولية في الطعام قبل أن يستوفي، ولا بأس بالشرك في الطعام قبل أن يستوفي)) . - ولا بمرسله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((دية كل ذي عهد [في عهده] ألف دينار)) . - ولا بمرسله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 ((من ضرب أباه، فاقتلوه)) . - ولا بسائر ما روي عنه من مراسيله التي لم يقترن بها من الأسباب -التي ذكرها الشافعي في ((الرسالتين)) جميعاً- ما يشدها، أو وجد في معارضتها ما هو أقوى منها. وإذا كان الأمر على هذا؛ فتخصيص مرسل ابن المسيب بالقبول دون من كان في مثل حاله من كبار التابعين، على أصل الشافعي، لا معنى له، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ورأيته نقل فيما أملاه عن كتاب ((اختلاف مالك والشافعي)) في ترجيح قول الأئمة على قول غيرهم من الصحابة: ((أن الشافعي عدهم فيه أربعة)) . وفي النسخة المسموعة عندنا: ((أنه عدهم في ((الكتاب)) ثلاثة)) . ثم في ((الرسالة القديمة)) ذكرهم في موضعين؛ فعدهم: - في أحد الموضعين ثلاثة. - وفي الموضع الآخر أربعة. وصاحب ((التلخيص)) غفل عن الموضع الذي عدهم فيه من كتاب ((القديم)) أربعة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 هذا، وقد طالت الرسالة، وعساه تأخذه الملالة من قراءتها، فقطعتها، واقتصرت على ما أودعتها. ولولا: - رغبة أكثر البشر في إظهار شيء مما عندهم من العلم للناس على العموم، ثم لإمامٍ مثله على الخصوص. - وورود الأثر بها عن عمر وابن عمر -رضي الله عنهما- في قصة النخلة. - ثم ما عرفته من رغبة الشيخ -أدام الله توفيقه- في علم الحديث وميله إلى أهله. - ثم حرصي على أن يكون رواية ما يرويه، وحكاية ما يحكيه في كتبه، لائقةً بسائر علومه. لما صدعته بها مع كثرة أوراده في ليله ونهاره. والاعتماد على كثير فضله، وكمال عقله، في حمله الأمر فيها على أجمله، فهو أهل ذلك فيها ومستحقه. والله يؤيده ويوفقه، وعن جميع [المكاره] في الدنيا والآخرة يقيه ويحفظه! والسلام عليه ورحمة الله وبركاته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ولعل الشيخ -أدام الله توفيقه- يحفظ ما: 9- حدثنا أبو الحسين، محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل القطان ببغداد، قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثنا أبو نعيم وآدم، قالا: حدثنا المسعودي، قال: حدثني مسلم البطين، عن عمرو بن ميمون، قال: اختلفت إلى عبد الله بن مسعود -قال آدم: سنة- ما سمعته يحدث فيها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. إلا أنه حدث بحديثٍ يوماً، فجرى على لسانه: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) . فعلاه كربٌ، حتى رأيت العرق يتحدر عليه! ثم قال: ((إن شاء الله: إما فوق ذا، وإما قريب من ذا، وإما دون ذا)) . الحديث: 9 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 فهذا طريق من علم ما في الرواية من غير ثبتٍ من الشدة. 10- وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا جعفر، [محمد بن] صالح بن هانئ يقول: سمعت أبا سعيد، محمد بن شاذان يقول: [سمعت] أبا قدامة يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ((احفظ: لا يجوز أن يكون الرجل إماماً: حتى يعلم ما يصح مما لا يصح، وحتى لا يحتج بكل شيء، وحتى يعلم مخارج العلم)) . 11- وأخبرنا أبو سعد الصوفي، قال: أخبرنا أبو أحمد بن عدي، قال: حدثنا عبد الوهاب بن أبي عصمة العكبري، قال: حدثنا أحمد بن [أبي] يحيى، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل -غير مرة- يقول: ((لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب؛ فإنها مناكير، وعامتها عن الضعفاء)) . الحديث: 10 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 قال الفقيه -رحمه الله-: وإنما رخص في كتبها من رخص فيها؛ ليعرف طريقها، فلا يحتج بها، لا ليقلدها، فيتخذها ديناً. وفي الأحاديث الصحاح غنية عن الغرائب لمن عرفها، وتأمل فيها، واستنبط معانيها، وساعده حسن التوفيق على الاقتصار عليها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 وقد حكى الشيخ أدام الله عزه في مسألة التسمية عن بعض الحفاظ : أنه سمعه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيمن نسي التسمية على الطعام ثم تذكرها: أنه يقرأ سورة الإخلاص. فتقوم مقام التسمية على أول الطعام فقلت: يا ليته نسي هذا، وحفظ ما 12- أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وغيره قالوا: حدثنا أبو العباس هو الأصم قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، حدثنا روح قال: حدثنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن بديل، عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي، عن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم، عن عائشة: الحديث: 12 ¦ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل في ستة من أصحابه، فجاء أعرابي [جائع] فأكله بلقمتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما إنه لو ذكر اسم [الله] لكفاكم، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله، فإن نسي أن يسمي في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره)) . وفي غير هذه الرواية: ((بسم الله أوله وآخره)) . وروي ذلك في قصة أخرى، أو في هذه القصة بزيادة كلمة ونقصان أخرى، عن أمية بن مخشي، عن النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وإن كان ذلك الحافظ حفظهما معاً، كان الأحسن به والأنفع له ديناً ودنيا، والأقرب إلى ما حكي عن الشافعي رحمه الله في المسألة، الأولى أن يروي له حديث عائشة وأمية بن مخشي، ليكون اعتماده على حديثين أخرجهما أبو داود في كتاب ((السنن)) . وما توفيقي وتوفيق غيري إلا بالله، عليه توكلت، وهو حسبي ونعم الوكيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 تمت الرسالة بحمد الله ومنه، وصلواته على سيد المرسلين محمد وآله وصحبه [وأزواجه] وسلم تسليماً كثيراً. [نفذ هذه الرسالة إلى الإمام أبي محمد الجويني رحمه الله في صفر سنة تسع وعشرين وأربع مئة، حين بلغه أجزاء ثلاثة من تصنيف أملاه سماه ((المحيط)) فاستدرك الشيخ منها هذا القدر] فلما وصل إليه هذه الرسالة وقرئت عليه قال: هكذا يكون العلم. وترك تمام التصنيف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105