الكتاب: كتاب الأربعين المرتبة على طبقات الأربعين المؤلف: شَرَفُ الدِّيْنِ، عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُفَرِّجِ بنِ حَاتِمِ بنِ حَسَنِ بنِ جَعْفَرٍ المَقْدِسِيُّ (المتوفى: 611هـ) المحقق: محمد سالم بن محمد بن جمعان العبادي الناشر: أضواء السلف الطبعة: الأولى عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: يا باغي الخير أقبل ---------- الأربعون على الطبقات لعلي بن المفضل المقدسي المقدسي، علي بن المفضل الكتاب: كتاب الأربعين المرتبة على طبقات الأربعين المؤلف: شَرَفُ الدِّيْنِ، عَلِيُّ بنُ المُفَضَّلِ بنِ عَلِيِّ بنِ مُفَرِّجِ بنِ حَاتِمِ بنِ حَسَنِ بنِ جَعْفَرٍ المَقْدِسِيُّ (المتوفى: 611هـ) المحقق: محمد سالم بن محمد بن جمعان العبادي الناشر: أضواء السلف الطبعة: الأولى عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: يا باغي الخير أقبل كتاب الأربعين المرتبة على طبقات الأربعين للإمام الحافظ شرف الدين أبي الحسن علي بن المفضل بن علي المقدسي ثم الإسكندراني المالكي المتوفى سنة (611 هـ) دراسة وتحقيق محمد سالم بن محمد بن جمعان العبادي أضواء السلف الطبعة الأولى أصل هذا الكتاب رسالة تقدم بها المحقق لنيل درجة الماجستير من جامعة أم القرى بإشراف الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر 1413 هـ - 1414 هـ أربعون حديثاً عن أربعين حافظاً كتاب الأربعين المرتبة على طبقات الأربعين تأليف شيخنا وسيدنا الشيخ، الفقه الإمام، العالم، الحافظ، النبيه، شرف الدين، ناصر السنة، قامع البدعة، بقية السلف، عمدة الخلف، أبي الحسن علي بن القاضي الوجيه الأنجب أبي المكارم المفضل بن علي بن مفرج بن حاتم المقدسي المالكي أمده الله، ونفعنا به برحمته، ونفع المسلمين برحمة رب العالمين. رواية شيخنا أبي العباس أحمد بن شجاع بن ضرغام القرشي عنه، سماع عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي السعدي عفا الله عنه بمنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر يا رب أخبرنا شيخنا الشيخ الإمام العالم الحافظ، شيخ الإسلام، ناصر السنة، قامع البدعة، الفقيه، النبيه، شرف الدين، أبو الحسن علي بن القاضي الوجيه الأنجب، أبي المكارم، المفضل بن علي المقدسي أيده الله بقراءتي عليه بمحروسة القاهرة بالمدرسة الصاحبية عمرها الله تعالى. قال: الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والعزة التي لا ترام، المقدم حمده أمام كل كلام، الذي لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله وآله خير الأنام، وعلى آله وصحبه الكرام، وسائر أهل الإسلام، صلاةً متصلة الدوام، مدى الليالي والأيام. أما بعد: فهذه أربعون حديثاً مخرجة من حديث أربعين حافظاً، من حفاظ الإسلام المتقدمين، وأئمة الشريعة الماضين، الذين انتدبوا للتحديث والرواية، واشتهروا بالعلم والدراية، وعنوا بالتعديل والتجريح، واشتغلوا بالتسقيم والتصحيح، مرتبة على عشر طبقات، من كل عصر أربعة من الحفاظ الثقات، يكون العصر الثاني قد تنزل في طبقة من أخذ عن العصر الأول، والعصر الثالث في طبقة من أخذ عن الثاني، ثم كذلك على التوالي والتداني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 وابتدأت بعصر التابعين دون من تقدمهم من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، لأنه لابد لكل تابعي إذا كان الحديث مسنداً أن يصله بصحابي إما بالسماع منه، أو بالأخذ عمن أخذ عنه، ولذلك لم أتعرض أيضاً لعصر شيوخي الذين رويت عنهم، لأنه لا يكون أيضاً متصلاً إلا بذكر واحدٍ منهم. فالمعنى المشار إليه في الطبقة العليا موجود بعينه في الطبقة الدنيا، وهو أنهما من ضرورة اتصاله والسلامة من إرساله. وانتهيت بالعصر العاشر إلى عصر الخطيب أبي بكر، وابن ماكولا أبي نصر، والبيهقي، وابن عبد البر، فإنني وإن لم أدرك أصحابهم، فقد أدركت بسني أضرابهم، واتصلت روايتي بمن يروي عن رجل عن رجالهم، فكأنه قد سمع منهم أو سمع من أمثالهم. وجعلت تبويب الكتاب على حسب الطبقات، وترتيب الدرجات، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 وذكرت عقيب حديث كل واحد منهم رحمهم الله ورضي عنهم ما تيسر ذكره من فضائله وآثاره، وحكاياته وأخباره، وعلى وجه الإيجاز والاختصار، دون التطويل والإكثار، والله تعالى ينفعنا به ومن سمعه ونظر فيه ويوفقنا لما يرضيه وجميع المسلمين بكرمه، آمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 الطبقة الأولى [1-الزهري] أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ابن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة، القرشي الزهري، المديني، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة. سمع من الصحابة رضي الله عنهم: أنس بن مالك، وسهل بن سعد، والسائب بن يزيد، وعبد الله بن ثعلبة، ومحمود بن الربيع، وسنينا أبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 جميلة، وأبا الطفيل عامر بن وائلة، ورأى ابن عمر، وسمع من التابعين خلقاً يطول ذكرهم، منهم: عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة، واسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعطاء بن يزيد، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج وسالمٌ، وحمزة وعبد الله، وعبيد الله بنو عبد الله بن عمر، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعمرو بن دينار، وصالح بن كيسان، ومنصور بن المعتمر، ومالك بن أنسٍ، ومعمر بن راشدٍ، وسفيان بن عيينة، وعقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة، ومحمد ابن الوليد الزبيدي، والليث بن سعدٍ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئبٍ، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وبكير بن الأشج، وعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم. توفي في السابع عشر من شهر رمضان سنة أربعٍ وعشرين ومائة بالشام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 قال الواقدي: وهو ابن سبعين سنة، وقال ابن بكير، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السلفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 قال: أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمود الثقفي قال: أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران السكري قال: حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، قال: حدثنا سعدان بن نصر، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، سمع أنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 ابن مالك يقول: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين -وكن أمهاتي يحثثني على خدمته. فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم دارنا، فحلبنا له من شاة لنا داجن، فشيب له من ماء بئر في الدار، وأبو بكر عن شماله وأعرابي عن يمينه، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم وعمر ناحية، فقال له عمر: أعط أبا بكر. فناول الأعرابي، وقال: ((الأيمن فالأيمن)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 متفق عليه من حديث الزهري، أخرجه البخاري ومسلم جميعاً من حديث مالك عنه، فرواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عنه، ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عنه، وانفرد البخاري برواية شعيب عن الزهري فرواها عن أبي اليمان عنه، وبرواية يونس عن الزهري، فرواها عن عبدان عن ابن المبارك عنه، وانفرد مسلمٌ برواية ابن عيينة هذه التي أوردناه بها، فرواها عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعمرو بن محمد الناقد، وزهير بن حرب، ومحمد بن عبد الله نميرٍ.. .... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 عن ابن عيينة، ووقع إلينا عالياً جداً كأن شيخنا سمعه من صاحب البخاري في رواية يونس، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أخبرنا أحمد بن محمد الأصبهاني، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار البغدادي الصيرفي قال: أخبرنا علي بن أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 الفالي، أخبرنا أحمد بن إسحاق النهاوندي، قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي، قال: حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: أخبرنا الوليد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 عن سعيد أن هشام بن عبد الملك سأل الزهري أن يملي على بعض ولده شيئاً من الحديث، فدعا بكاتب وأملى عليه أربع مائة حديث، فخرج الزهري من عند هشام، فقال: أين أنتم يا أصحاب الحديث؟ فحدثهم بتلك الأربع مائة (حديث) ، ثم لقي هشاماً بعد شهر أو نحوه، فقال للزهري: إن ذلك الكتاب قد ضاع. قال: لا عليك. فدعا بكاتبٍ فأملاها عليه، ثم قابل بالكتاب الأول فما غادر حرفاً واحداً. قال الرامهرمزي: وحدثني عبد الرحمن بن محمد المازني، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 حدثنا هارون الفروي. قال: حدثنا أبي (موسى بن عبد الله بن أبي علقمة) ، قال: ((سمعت مالكاً يقول: قد رويت عن ابن شهاب أربعين حديثاً في مجلس، ثم شككت في إسناد حديث فجئته أستثبته، فضجر علي وقال: ما هكذا كنا)) . أخبرنا أبو محمد العثماني، أخبرنا محمد بن منصور الحضرمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وجعفر بن إسماعيل الأنصاري، قالا: أخبرنا أحمد بن سعيد بن نفيس، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، حدثنا أبو أحمد بن المفسر، حدثنا أحمد بن علي، حدثنا ابن عباد حدثنا سفيان، عن الهذلي، قال: ((جالسنا الحسن وابن سيرين، ما رأينا مثل الزهري)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 [2- عمرو بن دينار] أبو محمد عمرو بن دينار الجمحي مولاهم المكي الأثرم مولى ابن باذان ويقال باذام، وكان من أبناء الفرس من اليمن. سمع من الصحابة: ابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وابن الزبير، وأبا شريح. ومن التابعين: جابر بن زيد، وطاووساً، وسعيد بن جبير، والزهري. روى عنه: أيوب، وشعبة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد وروى عنه مالك حديثاً وحكاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 توفي سنة خمس وعشرين ومائة، وقيل سنة ست وعشرين، وكان أسن من الزهري، وكان يقول: ((قد جاوزت السبعين)) . وقال الذهلي: حدثنا علي بن عبد الله -يعني: ابن المديني- قال: سمعت سفيان قيل له: كم مات عمرو بن دينار؟ قال: في أول سنة خمس وعشرين ومائة، وهو ابن ثمانين سنة)) . أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة، أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمود، حدثنا علي بن محمد بن بشران، حدثنا إسماعيل بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 محمد بن إسماعيل الصفار، حدثنا سعدان بن نصر بن منصور البزاز، حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: لما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} ، قال: ((أعوذ بوجهك)) {أو من تحت أرجلكم} ، قال: ((أعوذ بوجهك)) ، {أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعضٍ} قال: ((هاتان أهون أو أيسر)) . انفرد البخاري بحديث ابن عيينة هذا عن عمرو. فرواه عن علي بن المديني عنه. وانفرد به أيضاً من حديث حماد بن زيد، فرواه عن أبي النعمان عنه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 وعن قتيبة عنه، ووقع لنا عالياً بإسناد الحديث الذي قبله. أنبأنا أحمد بن أبي أحمد الحافظ، قال: كتب إلي عيسى بن أبي ذر الهروي عن أبيه، قال: أنبأنا حمد بن عبد الله الأصبهاني، عن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، حدثنا أبو هارون الخراز محمد بن خالد، حدثنا علي بن سليمان البلخي، قال: قال ابن عيينة: قلت لمسعر: من أثبت من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 أدركت؟ قال: ما رأيت أثبت من عمرو بن دينار، والقاسم بن عبد الرحمن. قال ابن أبي حاتم: وحدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا علي ابن المديني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: قال لي شعبة: لم أر مثل عمرو بن دينار، ولا الحكم ولا قتادة يعني في التثبت)) . قال ابن أبي حاتم: وحدثنا محمد بن سعيد المقري الرازي. قال: سمعت عبد الرحمن بن الحكم يذكره عن ابن عيينة، حدثنا عمرو بن دينار ((وكان ثقة، ثقة، ثقة، وحديثٌ أسمعه من عمرو أحب إلي من عشرين من غيره)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 قال: وحدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي -يعني ابن المديني-، سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: عمرو بن دينار أثبت عندي من قتادة، قال صالح: فذكرت ذلك لأبي فقال مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 [3- قتادة السدوسي] أبو الخطاب قتادة بن دعامة بن عزيز بن الحارث بن سدوس، وقيل: دعامة بن عكابة بن عزيز بن كريم بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة السدوسي، البصري، وكان أعمى. سمع من الصحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن سرجس، وأبا الطفيل. ومن التابعين: أبا عثمان النهدي، وسعيد بن المسيب، والحسن بن أبي الحسن، وعكرمة وغيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 روى عنه: التيمي، ومسعر، وشعبة، وابن أبي عروبة والدستوائي وعمرو بن الحارث، وأبو عوانة. مولده سنة إحدى وستين، ووفاته سنة سبع عشرة ومائة بواسط في الطاعون بعد موت الحسن بسبع سنين، وهو ابن ست وخمسين سنة. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني، وأبو القاسم عبد الرحمن بن خلف بن نصرون التميمي، وأبو محمد عبد الله بن عطاف ابن ثعبان الغساني، وغيرهم. قالوا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي قال: أخبرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن المفسر الدمشقي إملاء، حدثنا أبو سليمان حويت بن أحمد بن أبي حكيم القرشي بدمشق، حدثنا أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخي، حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس بن مالك. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: ((إني أمرت أن أقرأ عليك القرآن)) . قال: وسميت لك؟ قال: ((نعم)) ، قال: وذكرت هناك؟ قال: فجعل يبكي قال: فزعموا أنه قرأ عليه {لم يكن} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 متفق عليه من حديث شعبة، عن قتادة، أخرجه البخاري ومسلمٌ جميعاً عن بندار عن غندر عنه. وأخرجه مسلمٌ أيضاً عن أبي موسى عن غندر، وقد أخرجه البخاري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 أيضاً من حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، فرواه عن: ابن المنادي، عن روح بن عبادة، عن سعيد، ووقع إلينا حديث ابن المنادي عالياً جداً. أخبرناه أبو طاهر السلفي، أخبرنا عبد الرحمن بن عمر التيمي، والحسين بن الحسين الهاشمي، ومحمد بن عبد الملك الأسدي، ومحمد بن عبد الكريم الخشيشي، والمبارك بن عبد الجبار الصيرفي، قالوا: أخبرنا أبو علي بن شاذان، أخبرنا أبو عمرو بن السماك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 أخبرنا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب: ((إن الله أمرني أن أقرئك القرآن - أو أقرا عليك القرآن)) . قال: آلله سماني لك؟ قال: ((وقد ذكرت عند رب العالمين)) فذرفت عيناه، فوافقنا البخاري في شيخه بعينه إلا أن البخاري سماه أحمد، والمعروف أن اسمه محمد، وقيل: إن البخاري وهم فيه، وقيل: هما أخوان، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فيكون ابن السماك في درجة البخاري، ويكون ابن شاذان في درجة أصحابه، وكأن شيخنا السلفي -رحمه الله- بينه وبين البخاري رجلان، وهذا ما يعز وجوده في هذا الزمان. أخبرنا أبو طاهر إسماعيل بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني، وأحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، واللفظ له، قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف الأنماطي، أخبرنا أبو الحسين محمد بن حمود بن الدليل الصواف، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد الواسطي ببيت المقدس، أخبرنا أبو حفص عمر بن علي العتكي، أخبرنا أحمد بن عمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 الدمشقي، أخبرنا إبراهيم بن سعيد الجوهري. وأخبرنا أبو طاهر الأصبهاني، أخبرنا أبو الحسين الصيرفي، أخبرنا علي بن أحمد المؤدب، أخبرنا ابن خربان، أخبرنا ابن خلاد، حدثنا ابن الجنيد واللفظ لحديثه قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثني يونس بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 محمد، حدثنا أبو هلال عن غالب عن بكر بن عبد الله قال: من سره أن ينظر إلى أحفظ رجلٍ أدركناه وأحرى أن يؤدي الحديث كما سمعه فلينظر إلى قتادة)) . قال ابن خلاد: وحدثنا عبد الله بن محمد بن البغوي، قال: حدثنا الصعق بن حزن، حدثنا زيد أبو عبد الواحد.. .. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 سمعت سعيد بن المسيب يقول: ((ما أتاني عراقي أحفظ من قتادة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 [4- أبو إسحاق السبيعي] أبو إسحاق عمرو بن عبد الله بن أبي شعيرة السبيعي الهمداني الكوفي، رأى علي بن أبي طالب، والمغيرة بن شعبة، وأسامة بن زيد، وسمع من الصحابة: ابن عمر، وابن عباس، وعدي بن حاتم، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، ورافع بن خديج، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الله بن الزبير، والنعمان بن بشير، وجابر بن سمرة، وأبا جحيفة، وعبد الله بن يزيد الخطمي، وحارثة بن وهب، وعمرو بن حريث، وعمار بن رؤيبة، وسليمان بن صرد، وآخرين من الصحابة، والتابعين يطول ذكرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 روى عنه: منصور، والأعمش، وشعبة، والثوري، ومسعر، وابناه يونس، ويوسف، وابن ابنه إسرائيل بن [يونس] ، وابن ابنه يوسف بن إسحاق، وسفيان بن عيينة، وزهير بن معاوية، وغيرهم. ولد في سنتين من إمارة عثمان، وتوفي سنة ست وعشرين، وقيل سنة سبع وعشرين، وقيل سنة ثمان وعشرين، وقيل: سنة تسع وعشرين ومائة، وهو ابن مائة سنة، أو نحوها. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني، بقراءتي عليه غير مرة، أخبرنا أبو الحسن مكي بن منصور بن محمد بن علان الكرجي بأصبهان، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 الحيري بنيسابور، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي الأصم، حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى المروزي ببغداد، حدثنا سفيان ابن عيينة عن أبي إسحاق سمع البراء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخد مضجعه: ((اللهم إليك أسلمت نفسي، وإليك وجهت وجهي، وإليك فوضت أمري، وإليك ألجأت ظهري، رغبةً ورهبةً، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك أو بنبيك الذي أرسلت، فإن مات مات على الفطرة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 متفق [عليه] من حديث أبي إسحاق، عن البراء، أخرجاه من حديث شعبة وأبي الأحوص عنه، فرواه محمد عالياً عن سعيد بن الربيع، ومحمد بن عرعرة، وآدم بن أبي إياس عنه، ورواه مسلم عن أبي موسى وبندار عن غندر عن شعبة، وكأن شيخنا سمعه ممن سمعه من مسلم، وأما حديث أبي الأحوص فرواه البخاري عن مسددٍ، ورواه مسلمٌ عن يحيى بن يحيى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 جميعاً عنه. أنبأنا أبو طاهر السلفي قال: كتب إلي أبو مكتوم الهروي، عن أبيه، قال: أنبأنا أبو علي الأصبهاني بالري عن أبي محمد بن أبي حاتم الرازي قال: سمعت أبي يقول: أبو إسحاق السبيعي ثقة، وهو أحفظ من أبي إسحاق الشيباني: ويشبه بالزهري في كثرة الرواية، والسعة في الرجال، قال أبي: وحدثنا مقاتل بن محمد قال: سمعت أبا داود الطيالسي يقول: قال رجل لشعبة: سمع أبو إسحاق بن مجاهد؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 قال: وما كان يصنع هو بمجاهدٍ؟ هو أحسن حديثاً من مجاهد ومن الحسن، وابن سيرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 الطبقة الثانية [5- مالك بن أنس] أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، وهو النجم في العلم، وأمير المؤمنين في الحديث، إمام دار الهجرة رضي الله عنه، من ذي أصبح من حمير، حليف عثمان بن عبيد الله أخي طلحة بن عبيد الله التيمي. سمع خلقاً من التابعين وغيرهم يطول ذكرهم، منهم: ابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبو حازم بن دينار، ويحيى بن سعيد ونافع مولى ابن عمر، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وعبد الله بن دينار، وعمرو بن دينار، وصالح بن كيسان، وهشام بن عروة، وعبد الرحمن بن القاسم، وأبو الزناد، وأيوب السختياني، وآخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 روى عنه: [أ] من شيوخه: الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن. ويزيد بن الهاد، وغيرهم. [ب] ومن أقرانه: الثوري وشعبة، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وهشيم، وغيرهم. [ج] وممن يقرب من طبقتهم ابن المبارك، ووكيع، وابن مهدي، ويحيى القطان، وممن دونهم ما لا يحصى، جمع أبو بكر الخطيب ((الرواة عن مالك)) فبلغوا ألفاً أو نحوها، وجمعهم قبله الدارقطني، وأبو قاسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 الحضرمي الطحان، ولو لم يسمع منه آلافٌ لما بقيت رواية ألف. [د] ومن أصحابه المشهورين من الفقهاء الأعلام وأئمة الإسلام: أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وأبو محمد عبد الله بن وهب المصري، وأبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي، وأبو عمرو أشهب بن عبد العزيز التنوخي، وأبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري، وأبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون المدني، وأبو العباس الوليد بن مسلم الدمشقي، وأبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، وأبو محمد يحيى بن يحيى ابن كثير بن وسلاس المصمودي الليثي مولاهم الأندلسي، وأبو زكريا يحيى بن يحيى بن عبد الرحمن التميمي النيسابوري، وجماعة يكثرون. ولد في خلافة سليمان بن عبد الملك. وكانت خلافته في النصف من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 جمادى الآخرة، سنة ست وتسعين، وتوفي في يوم الجمعة العاشر من صفر سنة تسع وسبعين ومائة بالمدينة، وهو في عشر التسعين وحمل به في البطن ثلاث سنين. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني، وأبو القاسم عبد الرحمن بن خلف بن أبي نصر التميمي، وأبو محمد عبد الله بن عطاف بن الحسن الأزدي، وغيرهم، قالوا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي إسحاق الرازي، أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن سلمة الفهمي، أخبرنا أبو بكر عتيق بن موسى بن هارون الأزدي، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 ابن عبد العزيز التجيبي، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي، حدثنا مالك بن أنس عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) . أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر الكناني في كتابه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفرج بن عبد الله القرطبي، أخبرنا أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث الصفار، حدثنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 الليثي حدثني عم أبي، عبيد [الله] بن يحيى بن يحيى، عن أبيه عن مالكٍ بمثله. متفقٌ عليه من حديث أبي حازم سلمة بن دينار التمار الزاهد القاضي الأعرج مولى الأسود بن سفيان القرشي المخزومي المديني. أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك، كما أخرجناه، وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى النيسابوري، عن عبد العزيز بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أبي حازم، وعن قتيبة، عن يعقوب، وعن زهير، عن ابن مهدي، عن سفيان كلهم عن أبي حازم. فهذا أعلى ما يقع لمالك رحمه الله، فأما أعلى ما وقع إلينا من حديث مالك فمن رواية أبي حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي عنه وهو آخر من حدث في الدنيا عن مالك، وفيه مقال فلذلك أخرناه. وهو ما أخبرناه أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ بقراءتي عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي في كتابه. ح وأخبرتنا شهدة ابنة أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري في كتابها قالت: أخبرنا ابن طلح هذا قراءة عليه، أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد بن مهدي الفارسي، حدثنا أبو عبد الله الحسين ابن إسماعيل المحاملي، حدثنا أحمد بن إسماعيل السهمي، حدثنا مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 فتطعمه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فأطعمته، ثم جلست تفلي رأسه، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استيقظ وهو يضحك قالت: فقلت: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناسٌ من أمتي عرضوا علي غزاةً في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكاً على الأسرة -أو مثل الملوك على الأسرة)) ، تشك أيهما قال- قالت: فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم وضع رأسه صلى الله عليه وسلم فنام، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناسٌ من أمتي عرضوا علي غزاةً في سبيل.. ... )) كما قال في الأول، قالت: فقلت: ادع الله عز وجل أن يجعلني منهم. قالت: ((أنت من الأولين)) ، فركبت أم حرام بنت ملحان البحر زمن معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت. رواه مالكٌ في ((موطئه)) عن أبي نجيح إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، عن عمه أخي أبيه لأمه أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه البخاري ومسلمٌ في ((صحيحيهما)) من حديثه، فأما البخاري فرواه عن: عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 أويس، وأما مسلمٌ فرواه عن يحيى بن يحيى ثلاثتهم عن مالك. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أبي الفضل الديباجي، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن منصور الحضرمي، وأبو الفضل جعفر بن إسماعيل الأنصاري قالا: أخبرنا أحمد بن سعيد بن نفيس، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الجوهري أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي الأصبغ، حدثنا هاشم بن مرثد، حدثنا إبراهيم بن المنذر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الحزامي، حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن أبي الزبير، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 قال الجوهري: وحدثنا ابن أبي الأصبغ، حدثنا ابن جناد، حدثنا مصعب الزبيري قال: قال سفيان بن عيينة: نرى أنه مالك بن أنس. وأخبرنا أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني وأحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني، واللفظ له، أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف ابن المسلم الأنماطي أخبرنا أبو الحسين محمد بن حمود بن عمر الصواف، أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد الواسطي البزاز، أخبرنا أبو حفص عمر بن علي العتكي الخطيب، حدثنا محمد بن إسحاق البغدادي حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان بن عيينة، حدثنا ابن جريج، حدثنا أبو الزبير، حدثنا أبو صالح عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يلتمسون عالماً فلا يجدون عالماً أعلم من عالم المدينة)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 أخبرنا أبو طاهر السلفي أخبرنا إسماعيل بن عبد الجبار الماكي أخبرنا الخليل بن عبد الله القزويني، حدثنا علي بن أحمد بن صالح، حدثنا محمد بن صالح الطبري، حدثنا محمد بن زنبور ومحمد بن ميمون، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة. قال الخليل: وحدثنا أحمد بن محمد الزاهد، حدثنا أحمد بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 ابن الشرقي، حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، حدثنا ابن عيينة. قال الخليل: وحدثنا علي بن محمد الرازي، حدثنا أحمد بن خالد الحروري، حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان بن عيينة، فذكر بإسناده نحوه. قال سفيان بن عيينة: كا نسمع أهل المدينة يقولون: إنه مالك بن أنس. قال أبو حفص العتكي: أقول - والله أعلم بقولي: إن مالك بن أنس ممن انتهى هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم إليه واجتمع كل معناه عليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 والذي قاله أبو حفص قد تقدمه جماعة من الأئمة قبله، فوافقوا قوله، وذلك ما لا يخفى ظهوره، ولا يستتر مشهوره، والذين ذكر فيهم ذلك لم يبلغوا رتبة مالك في الرحلة إليهم والاعتماد عليهم كسعيد بن المسيب مع تعلقه من العلم والدين بأقوى سبب فلذا أشبه بالتأويل من غيره، كالعمري الزاهد ومن يجري مجراه في فضله وخيره، فأما الرحلة من الآفاق والشهرة بالإمامة على الإطلاق، فلم يكن لواحد منهم سوى مالك، وكفاه ذلك. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا عبد الله الثقفي يقول: سمعت أبا صادق الصيدلاني يقول: سمعت أبا العباس الأصم يقول: سمعت الربيع يقول: سمعت الشافعي يقول: ((إذا وجدت لمالك حديثاً صحيحاً، فشد يديك به، فإنه حجة)) . وسمعت أبا طاهر يقول: سمعت أبا الفتح الماكي، يقول: سمعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 أبا يعلى الخليلي يقول: سمعت أحمد بن محمد الزاهد بنيسابور يقول: سمعت عبد الملك بن عدي الجرجاني يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ((مالك أستاذي، وإذا جاء الأثر فمالكٌ هو النجم)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 [6- عبيد الله بن عمر القرشي] أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي المديني. سمع القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن مسلم بن شهاب، ونافعاً مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعمر بن نافع، ومحمد بن المنكدر، وسعيداً المقبري، وخبيب بن عبد الرحمن، ومحمد بن يحيى بن حبان، وسمياً مولى أبي بكر. روى عنه: ابن جريج، والثوري، وشعبة، والحمادان، والدراوردي وهشيم، وابن المبارك، ويحيى القطان، وأنس بن عياض، وأبو خالد الأحمر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 وعبدة بن سليمان، وأبو أسامة، ومعتمر بن سليمان، وبشر بن المفضل، وعبد الله بن نمير. قال الهيثم بن عدي: توفي سنة سبع وأربعين ومائة. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد التغلبي، أخبرنا أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الدمشقي، حدثني عمرو بن أبي زرعة، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا شعيب بن إسحاق، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع: أن عبد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قال الشيخ أيده الله: متفق عليه من حديث عبيد الله، أخرجه البخاري عن مسدد، وأخرجه مسلمٌ عن أبي موسى، عن يحيى القطان عنه. وعندنا بهذا الإسناد نسخةٌ كاملة منها: حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل)) . وقد أخبرناه عالياً أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو عبد الله الثقفي، حدثنا علي ابن محمد بن خلف البغدادي، حدثنا أبو بكر الشافعي، حدثنا موسى بن سهل، أخبرنا إسحاق الأزرق، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل)) هذا لفظ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 إسحاق، وقال شعيبٌ: عن نافع أن عبد الله بن عمر أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. صحيح من حديث نافع، أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، وأخرجه مسلم عن: يحيى بن يحيى، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن رمح، عن الليث بن سعد، جميعاً عن نافع. فهذا من أعلى حديث عبيد الله، وأعلى شيخ له القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، فإنه يروي عنه نفسه، ويروي مالكٌ وأقرانه عن ولده عبد الرحمن ابن القاسم عنه. وقد وقع إلينا حديث عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة، وهو في العدد مساوٍ لروايته عن نافع عن ابن عمر وهو أقدم إسناداً منه. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني بقراءتي عليه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي، أخبرنا أبو الحسن علي بن ربيعة بن علي التميمي، حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 النيسابوري، أخبرنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر النسوي قراءة عليه، وأنا أسمع في شهر رمضان سنة تسع وتسعين ومائتين، أخبرنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، حدثنا عبيد الله، حدثنا القاسم، عن عائشة أن رجلاً طلق امرأته ثلاثاً فتزوجت زوجاً فطلقها قبل أن يمسها، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحل للأول؟ قال: ((لا حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قال: قال الشيخ أيده الله: متفقٌ عليه من حديث أبي سعيد يحيى بن سعيد ابن فروخ القطان، أخرجه البخاري عن: محمد بن بشار بندار، وأخرجه مسلمٌ عن أبي موسى محمد بن المثنى كليهما عنه، فوافقنا مسلماً في شيخه بعينه. أنبأنا أحمد بن محمد السلفي، أخبرنا أبو مكتوم الهروي في كتابه عن أبيه، أنبأنا حمد بن عبد الله الأصبهاني، عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا محمد ابن إبراهيم، حدثنا عمرو بن علي، يعني الصيرفي قال: ذكرت ليحيى ابن سعيد قول عبد الرحمن بن مهدي: إن مالكاً في نافع أثبت من عبيد الله. فغضب وقال: أهو أثبت من عبيد الله؟ قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، قال: سألت أحمد بن حنبل عن مالك، وعبيد الله بن عمر، وأيوب، أيهم أثبت في نافع؟ فقال: عبيد الله أثبتهم، وأحفظهم، وأكثرهم رواية. قال: وحدثنا علي بن الحسن الهسنجاني قال: سمعت أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 صالح يقول: عبيد الله بن عمر أحب إلي من مالك في حديث نافع. قال: وأخبرنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إلي، حدثنا عثمان بن سعيد قال: قلت ليحيى بن معين: مالكٌ أحب إليك في نافع، أو عبيد الله؟ قال: كلاهما. ولم يفضل. أخبرنا أبو طاهر السلفي قراءةً عليه قال: قرأت على أبي مسعود السوذرجاني، أخبركم أبو الحسن بن ماشاذه، حدثنا أبو عمرو بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 حكيم حدثنا عبد الله بن محمد بن مرداس، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، حدثنا ابن عيينة، قال: قدم علينا عبيد الله بن عمر، وذلك منذ زمان، فرأى أصحاب الحديث، ورأى رغبتهم فقال: شنتم العلم، وأذهبتم نوره، ولو أدركني عمر وإياكم لأوجعنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 [7- سفيان الثوري] أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن منقذ بن نصر بن الحكم بن الحارث بن مالك بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أدبن طابخة بن إلياس بن مضر الثوري، الكوفي، الفقه، سمع: أبا إسحاق السبيعي، وأبا إسحاق الشيباني، وإسماعيل بن أبي خالد، وحميداً الطويل، ومنصوراً، والأعمش، وعمرو بن مرة، وسلمة بن كهيل، وأبا صخرة. روى عنه: ابن جريج، وشعبة، والأوزاعي، وحماد بن سلمة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وفضيل بن عياض، ومعاوية بن صالح، وابن عجلان، ومالك بن أنس، وابن عيينة، ويحيى القطان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، ووكيع ابن الجراح، وخلاد بن يحيى، وقبيصة بن عقبة، ومحمد بن كثير ومحمد ابن يوسف الفريابي. ولد في خلافة سليمان بن عبد الملك وفيها ولد مالك رحمهما الله كما تقدم. وقال الواقدي: ولد سنة سبع وتسعين وهو يحقق ما ذكرناه. وقدم بخارى وهو ابن ثمان عشرة سنة، وخرج من الكوفة سنة أربع وخمسين ومائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 وتوفي بالبصرة في دار عبد الرحمن بن مهدي في شعبان سنة إحدى وستين ومائة وهو ابن أربع وستين سنة. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي، أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمد الثقفي، حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن جعفر اليزدي إملاء، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، حدثا أحمد بن عصام، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طعام الواحد يكفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة: وطعام الأربعة يكفي الثمانية)) . قال الشيخ أيده الله: انفرد به مسلمٌ، فرواه عن أبي موسى عن ابن مهدي، عن سفيان الثوري. أنبأنا أبو طاهر الأصبهاني، قال: كتب إلي أبو مكتوم الهروي، قال: أنبأنا أبي قال: أنبانا أحمد بن عبد الله المعدل بالري، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، أخبرنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ((لم يكن أحد أعلم بحديث منصور من سفيان الثوري)) ، قال: وسمعت يحيى يقول: ((سفيان أمر المؤمنين في الحديث)) ، وسمعته يقول: ((لم يكن أحدٌ أعلم بحديث أبي إسحاق من الثوري،، ولم يكن أحدٌ أعلم بحديث الأعمش من الثوري)) . قرأ على أبي طاهر السلفي وأنا أسمع قال: أملى علي أبو البركات محمد بن عبد الله بن الوكيل الواسطي المقرئ ببغداد، وقرأت عليه أيضاً، أخبرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 القاضي أبو العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي المقرئ، حدثنا أبو علي الحسين بن محمد بن حبش الدينوري المقرئ، وحدثنا الحسن بن علي بن زيد البزاز، سمعت أبا موسى محمد بن المثنى يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ((ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفاً من شعبة، ولا أعقل من مالك بن أنس، ولا أصح للأمة من عبد الله بن المبارك)) . أخبرنا أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الرحمن العثماني وأحمد بن محمد الأصبهاني واللفظ له، أخبرنا علي بن المشرف الأنماطي أخبرنا محمد بن حمود الصوف، أخبرنا أبو بكر الواسطي، أخبرنا أبو حفص العتكي، أخبرني محمد بن إبراهيم الزوزاني، حدثنا أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 زهير التستري، حدثنا أحمد بن سنان القطان، سمعت عبد الرحمن بن مهدي قال: لما حدثنا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان، عن عمرو بن عطية، عن سلمان قال: ((إذا حك أحدكم جسده فلا يمسحه بالبزاق فإنه ليس بطهور)) . قلتك هذا عن حماد، عن ربعي، عن سلمان قال: من يقول؟ قلت: حدثنا حماد بن سلمة قال: أمضه. قلت: حدثنا شعبة، عن حماد، عن ربعي، عن سلمان. قال: أمضه. قلت: حدثنا هشام الدستوائي، عن حماد، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 عن ربعي قال هشام قلت: هشام. فأطرق ساعة، ثم رفع رأسه فقال: حدثنا حماد بن أبي سليمان، عن عمرو بن عطية، عن سلمان. قال عبد الرحمن: فكنت زماناً أحمل الخطأ على سفيان حتى نظرت في كتاب كان عند غندر عن شعبة، عن حماد، عن ربعي، قال شعبة: وقال حماد مرة: عن عمرو بن عطية عن سلمان. فعلمت أن سفيان كان إذا حفظ الشيء لم يبال من خالفه. أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو الحسن الصيرفي، أخبرنا أبو الحسن الفالي، أخبرنا أبو عبد الله النهاوندي، أخبرنا أبو محمد الرامهرمزي، حدثنا الحسن بن علي السراج، حدثنا جعفر الصائغ، حدثنا أبو معاوية الفلاس، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 حدثنا وكيعٌ، سمعت سفيان يقول: ((لا أعلم شيئاً من الأعمال أفضل من طلب العلم والحديث لمن حسنت فيه نيته)) . قال الرامهرمزي: وحدثني عبد الرحمن بن محمد المازني، حدثنا هارون ابن إسحاق الهمداني، حدثنا محمد بن عبد الوهاب القناد سمعت سفيان الثوري يقول: ((لو علمت أن أحداً يطلب الحديث لله لصرت إليه في بيته فحدثته)) . كتب إلي أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر الكناني أن أبا عبد الله محمد ابن الفرج بن عبد الله القرطبي أنبأهم، أخبرنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 جهور المرشاني في كتابه، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الأجري إجازة بمكة سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، حدثنا أبو بكر عبد الله ابن محمد بن عبد الحميد، حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا يحيى ابن أيوب، حدثنا أبو عيسى الحواري قال: لما قدم سفيان الثوري رملة أو بيت المقدس أرسل إليه إبراهيم بن أدهم أن تعال حدثنا، فقيل له: يا أبا إسحاق سفيان يبعث إليه بمثل هذا! قال: إنما أردت أنظر كيف تواضعه. قال: فجاءهم سفيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 [8- شعبة بن الحجاج] أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الواسطي، ثم البصري، مولى عبدة، مولى يزيد بن المهلب العتكي الأزدي. روى عن الحسن البصري، وأبي إسحاق الهمداني، وإسماعيل بن أبي خالد، وسعيد المقبري، وداود بن فراهيج، والعلاء بن بدر، وعاصم بن عمرو، وطلحة بن مصرف، ومعاوية بن قرة، ومحمد بن المنكدر، وقتادة ومنصور، والأعمش، وأيوب. روى عنه: الثوري، ومحمد بن إسحاق، وإبراهيم بن سعد، وابن المبارك، ويحيى القطان، والنضر بن شميل، وعثمان بن جبلة بن أبي رواد، وربيبه محمد بن جعفر الملقب غندر، وآدم بن أبي إياس العسقلاني، وعلي بن الجعد الجوهري، وآخرون. ولد سنة ثلاث وثمانين، ومات بالبصرة سنة ستين ومائة، وهو ابن سبع وسبعين سنة، وكان أكبر من الثوري بعشر سنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن خلف بن أبي نصر التيمي، وأبو محمد عبد الله بن عطاف بن ثعبان الغساني وغيرهم قالوا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي، أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسباوري، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن حيوية النيسابوري، أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر بن أعين البغدادي، حدثا عمرو بن مرزوق، أخبرنا شعبة، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكبر الكبائر الإشراك بالله عز وجل وقتل النفس وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 قال الشيخ أيده الله: متفقٌ عليه من حديث شعبة، أخرجه البخاري ومسلم جميعاً عن محمد بن الوليد البسري، عن محمد بن جعفر غندر عنه. وأخرجه أيضاً مسلمٌ عن يحيى بن حبيب عن خالد بن الحارث عنه، وقال البخاري أيضاً: قال عمرو -يعني ابن مرزوق- عن شعبة، فذكر نحوه. ووقع لنا عالياً من الوجه الذي أشار البخاري إليه. أخبرنا إسماعيل بن أبي الفضل العثماني، وأحمد بن أبي أحمد الأصبهاني واللفظ له، قال: أخبرنا علي بن أبي الفضل المصري، أخبرنا محمد بن حمود بن الدليل، أخبرنا محمد بن أحمد الواسطي، أخبرنا عمر بن علي الخطيب، أخبرني محمد بن محمد بن الهيثم البصري، قال: سمعت محمد بن زنجويه الأصبهاني يقول: سمعت عباد بن موسى القرشي، يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: ((شعبة أمير المؤمنين في الحديث)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أخبرنا أبو الحسن الفالي أخبرنا أحمد بن إسحاق النهاوندي، أخبرنا أبو محمد الرامهرمزي، حدثنا الحسن بن المثنى، والحسين بهان -ويقال بيهان- قالا: حدثنا محمد بن سعيد بن غالب العطار، حدثنا نصر بن حماد، قال: كنا بباب شعبة نتذاكر الحديث فقلت: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عقبة بن عامر، قال: كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتناوب رعاية الإبل، فرحت ذات يوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحوله أصحابه، فسمعته يقول: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل المسجد فصلى ركعتين واستغفر الله غفر الله له)) . قال: فما ملكت نفسي أن قلت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 بخٍ بخٍ. قال: فجذبني رجلٌ من خلفي فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا ابن عامر، الذي قال قبل أن تجيء أحسن. قلت: ما قال فداك أبي وأمي؟ قال: قال: ((من شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فتحت له ثمانية أبوابٍ من الجنة من أيها شاء دخل)) . قال: فسمعني شعبة، فخرج إلي فلطمني لطمة، ثم دخل، ثم خرج فقال: ماله يبكي؟ فقال عبد الله بن إدريس: لقد أسأت إليه. فقال: أما تسمع ما يحدث عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر، وأنا قلت لأبي إسحاق: أسمع عبد الله بن عطاء من عقبة بن عامر؟ قال: لا، وغضب، وكان مسعر بن كدام حاضراً فقلت: ماله؟ ليصححن لي هذا الحديث أو لأسقطن حديثه. فقال مسعر: عبد الله بن عطاء بمكة، فرحلت إليه لم أرد الحج، إنما أردت الحديث، قلقيت عبد الله بن عطاء، فسألته، فقال: سعد بن إبراهيم حدثني. فقال مالك بن أنس: سعد بن إبراهيم بالمدينة لم يحج العام. فدخلت المدينة، فلقيت سعد بن إبراهيم، فقال: الحديث من عندكم، زياد بن مخراق حدثني، فقلت: أي شيء هذا الحديث؟ بينا هو كوفي صار مكياً، صار مدنياً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 صار بصرياً، فدخلت البصرة، فلقيت زياد بن مخراق فسألته فقال: ليس هذا من بابتك. قلت: بلى. قال: لا تريده. قلت: أريده. قال: شهر بن حوشب حدثني عن أبي ركانة، عن عقبة بن عامر. قال: فلما ذكر لي شهراً قلت: دمر علي هذا الحديث، لو صح لي هذا الحديث كان أحب إلي من أهلي ومالي، ومن الدنيا كلها. أنبأنا أحمد بن محمد، أنبأنا عيسى بن عبد، أنبأني أبي، أنبأنا أحمد بن عبد الله، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن محمد، حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي يعني ابن المديني، قال: سمعت بهز بن أسد، قال: حدثني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 عبد الله بن المبارك، حدثني معمر أن قتادة كان يسأل شعبة عن حديثه، قال عبد الرحمن: ذكره أبي، حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري، حدثنا أبو قتيبة، سلم بن قتيبة، قال: ((قدمت الكوفة فأتيت سفيان الثوري فقال لي: من أين أنت؟ فقلت: من أهل البصرة، قال: ما فعل أستاذنا شعبة)) . قال: حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا علي بن المديني، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: ((ليس أحدٌ أحب إلي من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وكان أعلم بالرجال)) . قال: وحدثنا أبي، قال: سمعت أبا الوليد، قال: سمعت حماد بن زيد يقول: إذا خالفني شعبة في شيء تركته، لأنه كان يكرر ما أبالي من خالفني إذا وافقني شعبة، لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 قال: وحدثنا أبي، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي يقول: لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق، وكان يجيء إلى الرجل فيقول: لا تحدث ولا استعديت عليك بالسلطان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 الطبقة الثالثة [9- عبد الله بن المبارك] أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي مولاهم المروزي. سمع يحيى بن سعيد الأنصاري، وحميداً الطويل، وهشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، وسليمان الأعمش، والسفيانين، والحمادين، ومالكاً وابن جريج وشعبة، والأوزاعي، ومعمراً، والليث، ومسعراً، وهشام بن حسان، ويونس بن يزيد، وكان يكتب عمن دونه إلى أن مات، ومات قبل ابن عيينة بكثير. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وأبو إسحاق الفزاري، ويحيى بن آدم، وسلمة بن سليمان، وابن مهدي، ويحيى القطان، وبقية بن الوليد، ومسلم ابن إبراهيم، ومعاذ بن أسد، وعبدان، ومحمد بن مقاتل، وأحمد بن محمد مردويه، وسعيد بن سليمان، ومحمود بن غيلان، وعلي بن الحسن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 شقيق، وعبد العزيز بن أبي رزمة، وسويد بن نصر، والحسن بن عيسى بن ماسرجس، والحسين بن الحسن المروزي، وآخرون من أهل مصر والشام، وغيرهما. وأنه كان يحج سنة، ويغزو سنة، وله من الكرامات ما لا يحصى. ولد بمرو سنة ثمان عشر ومائة، وتوفي بهيت منصرفاً من الغزو سنة إحدى وثمانين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن بري بن عبد الجبار المقدسي بقراءتي عليه، أخبرنا أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني بمصر، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله التجيبي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 القاسم الأنماطي، أخبرنا أبو القاسم الأنماطي، أخبرنا أبو العباس أحمد ابن الحسن بن إسحاق الوكيل، حدثنا أحمد بن موسى المكي، حدثنا عبد الله ابن محمد بن أسماء، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 قال الشيخ أيده الله: متفق عليه من حديث أبي سعيد يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني، ومداره عليه، رواه عنه ما لا يحصى من الأئمة وأعلام الأمة كمالك، والثوري، وابن عيينة، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وعمرو بن الحارث، ويحيى بن أيوب، والأوزاعي، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز الدراوردي، وأبي ضمرة أنس بن عياض، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وعبد الوهاب الثقفي، ويزيد بن هارون، ومحمد بن فضيل، وجعفر بن عون، وأبي إسحاق الفزاري، وأبي خالد الأحمر، وعبد الله بن نمير، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، وعباد بن العوام، وغيرهم. وخرجه مصنفو الصحاح في كتبهم من طرق، وانفرد مسلم بحديث ابن المبارك هذا دون البخاري، فرواه عن أبي كريب محمد بن العلاء بن كريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 الهمداني الكوفي عنه، وبدأنا به في هذه الترجمة لاستحباب جماعة من العلماء البدء به في كل كتاب وباب، أو لأن ابن المبارك ساوى فيه شيوخه في يحيى بن سعيد، وعندنا من حديث ابن المبارك ما هو أقرب منا إليه إسناداً، ومن حديثه ما هو أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فمن أعلى ما وقع لنا إليه، ما أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمد الأصبهاني، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا أبو عبد الرحمن المروزي، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجلٌ آتاه الله حكمةً فهو يقضي بها ويعلمها قومه)) . قال الشيخ أيده الله: متفقٌ عليه من حديث أبي عبد الله قيس بن أبي حازم البجلي الأحمسي الكوفي، واسم أبي حازم: عبد عوف بن الحارث، وقيل: عوف بن عبد الحارث، أخرجه البخاري عن الحميدي، عن ابن عيينة، وعن ابن المثنى، عن يحيى القطان، وعن شهاب بن عباد، عن إبراهيم بن حميد، وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، وعن محمد ابن عبد الله بن نمير، عن أبيه ومحمد بن بشر، ستتهم عن قيس. ومن أقرب ما وقع إلينا منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد البغدادي بقراءتي عليه، أخبرنا أبو النجم بدر بن عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 الشيحي قراءة عليه، وأنا أسمع بمدينة السلام، أخبرنا الشريف أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون الهاشمي، أخبرنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد بن حبابة البزاز، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا جدي أحمد بن منيع، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير قال: ((قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحكم)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 قال الشيخ أيده الله: أخرج أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني في ((سننه)) عن أبي جعفر أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي عن ابن المبارك كما أخرجناه فوافقناه فيه أنبأنا ابن أبي أحمد عن ابن أبي ذر، عن أبيه (عبد الأنصاري) ، عن ابن أبي حاتم، قال: حدثنا محمد بن حمويه بن الحسن، قال: سمعت أبا طالب أحمد بن حميد، قال: سمعت أحمد بن محمد بن حنبل يقول: لم يكن في زمان ابن المبارك أحدٌ أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن وإلى مصر والشام والبصرة والكوفة، وكان من رواة العلم، وكان أهل ذاك، كتب عن الكبار والصغار، وكتب عن عبد الرحمن بن مهدي، وأبي إسحاق الفزاري، وجمع أمراً عظيماً، قال ابن أبي حاتم: وحدثني أبي، قال: حدثنا إسحاق بن محمد بن إبراهيم المروزي قال: نعي ابن المبارك إلى سفيان بن عيينة فقال: ((رحمه الله فقد كان فقيهاً، عالماً، عابداً، زاهداً، سخياً، شجاعاً، شاعراً)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وحدثني أبي قال: حدثنا المسيب بن واضح قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: ((ابن المبارك إمام المسلمين)) . قال: وأخبرني أبي قال: سمعت ابن الطباع يحدث عن عبد الرحمن بن مهدي قال: الأئمة أربعة: سفيان الثوري، ومالك بن أنس، وحماد بن زيد، وابن المبارك. قال ابن أبي حاتم: وحدثنا أبو نشيط محمد بن هارون البغدادي، قال: سمعت نعيم بن حماد قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أيهما أفضل عندك عبد الله بن المبارك أو سفيان الثوري؟ فقال: ابن المبارك. فقلت: إن الناس يخالفونك. فقال: ((إن الناس لم يجربوا، ما رأيت مثل ابن المبارك)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 قال ابن أبي حاتم: وحدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: حدثني محمد بن حسان السمتي قال: حدثني أبو عثمان الكلبي، قال: قال لي الأوزاعي: أرأيت عبد الله بن المبارك؟ قلت: لا. قال: لو رأيته لقرت عينك. قال: وأخبرنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلينا حدثنا محمد بن عبد العزيز يعني ابن أبي رزمة قال: سمعت أبي قال: قال لي شعبة: عرفت ابن المبارك؟ قلت: نعم. قال: ما قدم علينا من ناحية مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 قال: وحدثنا محمد قال: حدثنا نوح بن حييب قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثني ابن المبارك، وكان نسيج وحده. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني الحافظ، أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد البرداني الحافظ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد الآبنوسي، أخبرنا علي بن عمر الحافظ الدارقطني، حدثنا محمد بن أحمد بن صالح، قال: سمعت عمي زهير بن صالح، سمعت أبي صالح بن أحمد، قال: سمعت أبي أحمد بن حنبل يقول: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى. أخبرنا أحمد بن محمد السلفي، أخبرنا محمد بن الحسن الكرجي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أخبرنا عبيد الله بن أبي الفتح إذناً حدثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا عبد الله بن خبيق عن شيخ له قال: قيل لابن المبارك: إلى كم تكتب الحديث؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أسمعها بعد. أخبرنا أحمد بن محمد السلفي، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أخبرنا علي بن أحمد الفالي، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن خربان، حدثنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد، حدثنا علي بن محمد بن الحسن الفارسي، حدثنا محمد بن هارون الموصلي، حدثنا عبيد بن جناد، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 عرضت لابن المبارك فقلت: أمل علي. فقال: أقرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: اقرأ. فقرأت عشراً. فقال: هل علمت ما اختلف الناس فيه من الوقوف والابتداء؟ قلت: أبصر الناس بالوقف والابتداء. فقال: {مدهامتان} قلت: آية. قال: فالألفاظ؟ قلت: عبقري، وعباقري، ورفرف، ورفارف، وسرق وسرق، قال: فالحديث سمعته من أحد غيري؟ قلت: نعم. قال: فحدثني. قال: فحدثته في المناسك بأحاديث، قال لي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 أحسنت. ثم قال: أخرج ألواحك. فأخرجت، ثم قال لي: من أين أنت؟ قلت: من بغداد. قال: قم. قلت: هل رأيت إلا خيراً؟ قال: قم. قلت: امرأة الآخر طالق ثلاثاً إن قمت أو تمل علي وتفتيني وتغنيني أقولها أربعاً، قال: اكتب: أيها القارئ الذي لبس الصوف ... وأمسى يعد في الزهاد الزم الشعر والتواضع فيه ... ليس بغداذ منزل العباد إن بغداد للملوك محل ... ومناخ للقارئ الصياد قلت: من الناس؟ قال: العلماء. قلت: من الملوك؟ قال: الزهاد. قلت: من الغوغاء؟ قال: هرثمة، وخزيمة بن خازم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 قلت: من السفلة؟ قال: من باع دينه بدنيا غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 [10- يحيى بن سعيد القطان] أبو سعيد يحيى بن سعيد بن فروخ البصري القطان قال علي بن المديني: إنه مولى تميم، وقال يحيى بن معين عنه: ليس لأحد علي عقد ولاء. سمع هشام بن عروة، وحميداً الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبيد الله بن عمر، وشعبة، والثوري، ومالك بن أنس، وسعيد بن أبي عروبة، وابن جريج، والأعمش، وعبد الملك بن أبي سليمان. روى عنه: ابن مهدي، وأبو الوليد، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومسدد، ومحمد [بن] المثنى، ومحمد بن بشار، وأبو خيثمة، وأبو بكر بن أبي شيبة. قال عمرو بن علي: سمعته يقول: ولدت سنة عشرين ومائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 قال: ومات أول سنة ثمان وتسعين ومائة، وقال غيره: في صفر، وقال عبد الله بن أبي الأسود: مات سنة ثمان وتسعين ومائة قبل عبد الرحمن ابن مهدي بأربعة أشهر. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني الحافظ بقراءتي عليه، وأبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي الخطيب في كتابه، قالا: أخبرنا أبو الخطاب نصر بن أحمد بن البطر البغدادي القارئ بمدينة السلام، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه البزاز، قال أبو طاهر في حديثه: قال: قرئ على إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 الصفار، وقال أبو الفضل: أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا عبد الرحمن ابن محمد بن منصور الحارثي، حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا ثورٌ، عن خالد، عن أبي أمامة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفعت المائدة قال: ((الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغناً عنه ربنا)) . قال الشيخ أيده الله: صحيحٌ من حديث أبي خالد ثور بن يزيد الكلاعي الحمصي، عن أبي عبد الله خالد بن معدان الكلاعي الشامي، عن أبي أمامة الصدي بن عجلان بن وهب بن عمرو الباهلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من قيس عيلان، وعداده في أهل حمص، توفي سنة ست وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. انفرد به البخاري دون مسلم فرواه في ((صحيحه)) عن أبي نعيم، عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 سفيان، وهو الثوري، عن ثور، ورواه أيضاً فيه عالياً عن أبي عاصم، عن ثور، وأخرجه الترمذي في ((جامعه)) عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد، عن ثور كما أوردناه، فوافقناه في حديث يحيى. وثور بن يزيد هذا شامي، وثور بن زيد مديني يروي عن سالم أبي الغيث، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وعكرمة. يروي عنه مالك بن أنس، وسليمان بن بلال، والدراوردي، ومحمد بن إسحاق، وعصر الثورين متقارب أدركا التابعين، توفي المديني سنة خمسٍ وثلاثين ومائة، وتوفي الشامي سنة خمسين ومائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فهذا من أعلى ما وقع لنا إلى يحيى بن سعيد، فأما أعلى ما وقع له إلى النبي صلى الله عليه وسلم فما أخرجه البخاري في ((صحيحه)) من حديثه عن حميد، عن أنس، وهما حديثان أحدهما قول أنس: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن أبي الربيع،.. .. الحديث بطوله. والثاني قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بقصعة فيها طعام،.. .. الحديث أيضاً بطوله. أخرجهما عن مسدد عنه، وانفرد بهما من حديثه دون مسلم. وقد أخبرنا بـ ((صحيح البخاري)) أبو عبيد نعمة بن زيادة الله بن خلف الغفاري، بقراءتي وقراءة غيري عليه وأنا أسمع إلا ما بقي علي من آخره، فأجازه لي. قال: أخبرنا أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي قراءةً عليه بمكة سنة سبع وسبعين وأربعمائة. وأخبرنا بجميعه -أيضاً- أبو طاهر السلفي قراءة عليه، وأنا أسمع من أوله إلى آخره، أخبرنا أبو مكتوم الهروي في كتابه، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 داود البلخي، وأبو الهيثم محمد بن المكي بن زراع الكشميهني، قالوا: أخبرنا محمد بن يوسف الفربري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري. حدثنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني، قال: كتب إلي أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي عن أبيه قال: أنبأنا أبو علي حمد بن عبد الله الأصبهاني المعدل بالري، قال: أجاز لي أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي، حدثنا أبي أبو حاتم، حدثنا معاوية بن صالح بن أبي عبيد الله الدمشقي، قال: قلت ليحيى بن معين: من أثبت شيوخ البصريين؟ قال: يحيى بن سعيد، مع جماعةٍ سماهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 قال أبي: وسألت علي بن المديني، من أوثق أصحاب الثوري؟ قال: يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيعٌ، وأبو نعيم. قال عبد الرحمن: وأخبرنا يعقوب فيما كتب إلي: حدثنا عثمان، قال: سألت يحيى بن معين عن أصحاب سفيان فقلت: يحيى أحب إليك في سفيان أو عبد الرحمن بن مهدي؟ فقال: يحيى. قال: وسمعت أبي وأبا زرعة يقولون: يحيى ثقةٌ حافظ، قال عبد الرحمن: ذكر أبي، حدثنا عبد الرحمن بن عمر رسته قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: اختلفوا يوماً عند شعبة فقالوا: اجعل بيننا وبينك حكماً؟ فقال: قد رضيت بالأحول -يعني يحيى بن سعيد القطان- فما برحنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 حتى جاء يحيى فتحاكموا إليه، فقضى على شعبة، فقال شعبة: ومن يطيق نقدك أو من له مثل نقدك يا أحول؟ قال عبد الرحمن: وحدثنا أبو عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: يحيى بن سعيد القطان إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. قال: وحدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، قال: قال أبي: يحيى بن سعيد أثبت من هؤلاء يعني: من وكيع، وعبد الرحمن بن مهدي، ويزيد بن هارون، وأبي نعيم. وقد روى يحيى عن خمسين شيخاً ممن روى عنه سفيان، قلت: كان يكثر عن سفيان. قال: إنما كان يتتبع ما لم يكن سمعه فيكتبه. قال: وأخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: قال أبي: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 ما رأينا مثل يحيى بن سعيد في هذا الشأن، يعني الحديث، هو كان صاحب هذا الشأن، فقلت له: ولا هشيم؟ قال: هشيمٌ شيخٌ، وما رأينا مثل يحيى، وجعل يرفع أمره جداً، قال: وحدثنا محمد بن حمويه بن الحسن قال: سمعت أبا طالب قال: قال أحمد بن حنبل: ما رأيت أثبت في الحديث من يحيى بن سعيد، ولم يكن في زمان يحيى القطان مثله، كان تعلم من شعبة. آخر الجزء الأول، ولله الحمد، يتلوه أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 [11- عبد الرحمن بن مهدي] أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم البصري. سمع: الثوري، وشعبة، ومالكاً، وابن المبارك، والمسعودي، وخالد ابن أبي عثمان، وعمر بن ذر، وعبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر، ومعرف ابن واصل، وإسرائيل، وزائدة، والحمادين. روى عنه: إسحاق بن راهويه، وعلي بن المديني، وعبد الله بن محمد المسندي، وصدقة بن الفضل، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن المثنى أبو موسى الزمن، وعمرو بن علي، وعمرو بن عباس، وآخرون. ولد سنة أربع وثلاثين ومائة، وقيل: سنة خمس وثلاثين وهو الأكثر والأشهر، وقيل: سنة ست وثلاثين في المحرم، ومات سنة ثمان وتسعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 ومائة في جمادى الآخرة، بعد يحيى القطان بأربعة أشهر، وبينه وبين سفيان بن عيينة ثمانية أيام، ومات ابن عيينة غرة رجب. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني قال: أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد المحمودي، حدثنا أبو علي الحسين بن عبد الرحمن بن محمد بن عبدان التاجر بنيسابور، حدثنا محمد بن يعقوب ابن يوسف الأصم، حدثنا هارون بن سليمان الأصبهاني، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن موسى بن علي بن رباح اللخمي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت عقبة بن عامر يقول: ((ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يصلى فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تغيب الشمس إلى الغروب حتى تغرب)) . قال الشيخ أيده الله: هكذا في الأصل: ((تغيب)) وهو تصحيف وصوابه: ((تضيف)) ومعناه تميل، ومنه اشتق اسم الضيف لميله إلى المضيف وهو المميل له إليه. وهو حديثٌ صحيحٌ انفرد به مسلمٌ، فرواه عن يحيى بن يحيى عن ابن وهب، عن موسى. أخبرنا أحمد بن محمد الأصبهاني، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار البغدادي، أخبرنا علي بن أحمد الفالي، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن خربان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 أخبرنا الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد، حدثنا موسى بن زكريا أبو عمران، حدثنا أبو عمر الباهلي قال: كنا عند عبد الرحمن بن مهدي، فقام إليه خراساني، فقال: يا أبا سعيد! حديثٌ رواه الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ضحك قرقرةً فليعد الوضوء والصلاة)) فقال عبد الرحمن: هذا لم يروه إلا حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: من أين قلت؟ قال: إذا أتيت الصراف بدينار فقال لك: هو بهرج، تقدر أن تقول له: من أين قلت؟! قلت: ففسره لنا. فقال: إن هذا الحديث لم يروه إلا حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية، عن النبي صلى الله عليه وسلم. فسمعه هشام بن حسان من حفصة، وكان في الدار معها، فحدث بها هشامٌ الحسن، فحدث به الحسن فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 قال: فمن أين سمعها الزهري؟ قال: كان سليمان بن أرقم يختلف إلى الحسن وإلى الزهري فسمعه [من] الحسن، فذاكر به الزهري، فقال الزهري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. قال ابن خلاد: أخبرني أبي أن القاسم بن نصر المخرمي حدثهم قال: سمعت علي بن المديني يقول: قدمت الكوفة، فعنيت بحديث الأعمش فجمعته، فلما قدمت البصرة لقيت عبد الرحمن، فسلمت عليه فقال: هات يا علي ما عندك، فقلت: ما أحد يفيدني عن الأعمش شيئاً، قال: فغضب، فقال: هذا كلام أهل العلم!؟ ومن يضبط العلم ومن يحيط به. مثلك يتكلم بهذا؟! معك شيء تكتب فيه؟ قلت: نعم. قال: اكتب. قلت: ذاكرني فلعله عندي. قال: اكتب، لست أملي عليك إلا ما ليس عندك. قال: فأملى علي ثلاثين حديثاً لم أسمع منها حديثاً، ثم قال: لا تعد. قلت: لا أعود. قال علي: فلما كان بعد سنة جاء سليمان إلى الباب فقال: امض بنا إلى عبد الرحمن حتى أفضحه اليوم في المناسك. قال علي: وكان سليمان من أعلم أصحابنا بالحج. قال: فذهبنا فدخلنا عليه فسلمنا وجلسنا بين يديه فقال: هاتا ما عندكما. وأظنك يا سليمان صاحب الخطبة. قال: نعم، ما أحد يفيدنا في الحج شيئاً. فأقبل عليه بمثل ما أقبل علي، ثم قال: يا سليمان، ما تقول في رجل قضى المناسك كلها إلا الطواف بالبيت فوقع على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 أهله؟ فاندفع سليمان فروى: يتفرقان حيث اجتمعا، ويجتمعان حيث تفرقا. قال: ارو متى يجتمعان ومتى يتفرقان؟ قال: فسكت سليمان، فقال: اكتب. وأقبل يلقي عليه المسائل ويملي عليه، حتى كتبنا ثلاثين مسألة في كل مسألة يروي الحديث والحديثين ويقول: سألت مالكاً وسفيان، وعبيد الله بن الحسن، ثم قال له: اكتب ولا تعد ثانياً تقول ما قلت. فقمنا وخرجنا. قال: فأقبل علي سليمان فقال: أيش خرج علينا من صلب مهدي هذا؟ كأنه كان قاعداً معهم، سمعت مالكاً وسفيان وعبيد الله. أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو الفتح الماكي، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، قال: كتب إلي أبو أحمد الغطريفي من جرجان أن الحسن بن سفيان النسوي أخبرهم، حدثنا أبو الدرداء المروزي، حدثنا أحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 الحسن الترمذي، قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: كيف تعرف الصواب من الكذب؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون. وروى غيره ((المحموم)) . قال الخليلي: وأخبرنا محمد بن الحسن بن الفتح الصوفي، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا إسماعيل، قال: سمعت علي بن المديني يقول: أعلم الناس بالحديث ابن مهدي. وفي رواية أخرى عن ابن المديني أنه قال: لو حلفت بين الركن والمقام أني لم أر أعلم من ابن مهدي لصدقت. سمعت أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني يقول: سمعت إسماعيل بن عبد الجبار بن ماك القزويني يقول: سمعت الخليل بن عبد الله بن الخليل الحافظ يقول: سمعت عبد الواحد بن محمد بن ماك يقول: سمعت علي ابن مهرويه يقول: سمعت أحمد بن زهير بن حرب يقول: سمعت يحيى بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 معين يقول: ((سمع عبد الرحمن بن مهدي من سفيان الثوري سنة اثنين وخمسين، وسنة ثلاث وسنة أربع، وسنة خمس، وسنة ست، ثم إن سفيان كان لم يحج سنين، فحج سنة تسع وخمسين، فصحبه عبد الرحمن، ثم رجع إلى البصرة سنة ستين، فمات في دار عبد الرحمن)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 [12- عبد الله بن وهب] أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم الفهري المصري مولى ابن زمانة. متفقٌ على تقديمه في أصحاب مالك بن أنس، والليث بن سعد، فليس أحدٌ من أصحاب مالك أقدم سماعاً من مالك منه ولا أجل منه. سمع ابن جريج ومالكاً والثوري والليث بن سعد ويونس بن يزيد وعمرو ابن الحارث وأبا هانئ [حميد] بن هانئ وأبا صخر [حميد] بن زياد وسعيد بن أبي أيوب. روى عنه: الليث بن سعد، ويحيى بن بكير، وأبو صالح كاتب الليث، وأصبغ بن الفرج، وأحمد بن صالح، وأحمد بن عيسى، وأحمد بن أخيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 عبد الرحمن بن وهب، وسعيد بن أبي مريم، وسعيد بن عفير، وعثمان بن صالح، ويحيى بن سليمان. ويقال: إن مالكاً روى عنه، فقال: عن الثقة عنده. ولد سنة أربع وعشرين ومائة، وفيها مات الزهري، وتوفي سنة سبع وتسعين ومائة. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة، أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمود، حدثنا أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يعقوب بن يوسف، حدثنا بحر بن نصر بن سابق، قال: قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمع، أخبرك عمرو بن الحارث ويونس بن يزيد وابن سمعان، أن ابن شهاب أخبرهم قال: حدثني أنس بن مالك أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب)) . وبإسناده قال: قرئ على عبد الله بن وهب، وأنا أسمع: أخبرك عياض بن عبد الله القرشي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس فيما دون خمس أواقٍ من الورق صدقةٌ، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ من التمر صدقةٌ، وليس فيما دون خمس ذودٍ من الإبل صدقةٌ)) . وبإسناده حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غيروا هذا بشيءٍ واجتنبوا السواد)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 قال الشيخ أحسن الله عقباه: فهذه ثلاثة أحاديث بإسناد واحد إلى ابن وهب، وهي صحاحٌ كلها، انفرد بها مسلم بن الحجاج من حديثه دون محمد بن إسماعيل، فرواها عن هارون بن سعيد الأيلي عنه، وهي من أعلى ما يوجد في زماننا لأمثالنا، وبالله التوفيق. أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو الفتح الماكي، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، حدثنا جدي، وعلي بن عمر الفقيه، ومحمد بن سليمان، والقاسم بن علقمة، وصالح بن عيسى قالوا: حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: حدثني عمي، قال: كنت عند مالك بن أنس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 فسئل عن تخليل الأصابع؟ فلم ير ذلك، فتركت حتى خف المجلس، فقلنا: إن عندنا في ذلك سنة، فقال: وما هي؟ فقلت: حدثنا الليث بن سعد، وعمرو ابن الحارث، وابن لهيعة عن ابن عشانة، عن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا توضأت خلل أصابع رجليك)) فرأيته بعد ذلك يسأل عنه فيأمر بتخليل الأصابع، وقال لي: ما سمعت بهذا الحديث قط إلا الآن. أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو الحسين ابن الطيوري، قال: أنبأنا أبو عبد الله الصوري، قال: أنبأنا عبد الرحمن بن عمر المالكي، أنبأنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 أبو عمر محمد بن يوسف الكندي، حدثنا كهمش بن معمر، حدثنا أحمد ابن عمرو بن السرح، قال: قيل لسفيان بن عيينة: مات ابن وهب. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أصيب المسلمون به عامةً، وأصبت به خاصة. قرأت على أبي طاهر السلفي عن أبي غالب الكرخي، قال: أنبأنا محمد ابن علي الصوري، عن عبد الرحمن بن عمر، حدثا محمد بن يوسف، حدثنا أبو ركامة أحمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن مسلمة المرادي، قال: سمعت ابن القاسم يقول: ((لو قد مات ابن عيينة، لضربت إلى ابن وهب أكباد الإبل، ما دون أحدٌ العلم تدوينه)) . أنبأنا ابن أبي أحمد، قال: أنبأنا ابن أبي ذر، قال: أنبأنا أبي، قال: أنبأنا حمد بن عبد الله قال: أجاز لي ابن أبي حاتم قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرني هارون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 الزهري، قال: كان الناس يختلفون بالمدينة في الشيء، عن مالك فينتظرون قدوم ابن وهب حتى يسألوه. قال ابن أبي حاتم: وحدثنا محمد بن حمويه، قال: سمعت أبا طالب قال: قال أحمد بن حنبل: ((عبد الله بن وهب صحيح الحديث، يفصل السماع من العرض، والحديث من الحديث، ما أصح حديثه وأثبته)) . قال: وحدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت أحمد بن صالح يقول: حدث ابن وهب بمائة ألف حديث، ما رأيت حجازياً ولا شامياً، ولا مصرياً أكثر حديثاً من ابن وهب، عندنا منه سبعون ألف حديث، قال: وسمعت أبا زرعة يقول: نظرت في نحو مائتي ألف حديث من حديث ابن وهب بمصر وفي غير مصر، فلا أعلم أني رأيت له حديثاً لا أصل له، وهو ثقة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 الطبقة الرابعة [13- الشافعي] أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي المكي. أحد أئمة الإسلام في الفقه والحديث، وأشدهم بحثاً عن صحيح السنن واستعمالها في أبوابها، وهو أقدم هذه الطبقة موتاً، وأقربهم من الطبقة التي قبله لانفراده عن المذكورين معه بلقاء مالك والسماع منه، ولمساواته المذكورين قبله في ذلك، ولمساواته للطبقتين في ابن عيينة، ولم يطل العمر به حتى يرغب المتقدمون من أصحاب الحديث في حديثه كالبخاري ومسلم، فإنهما لم يدركاه، وأدركا من هو أعلى سنداً منه، ومن هو في عداد شيوخه، لأن أعلى من عنده مالك بن أنس، وقد أدركنا من أصحابه جمعاً كثيراً وسفيان بن عيينة، وكان بين وفاته ووفاة الشافعي ست سنين، وقد أدركا من أصحابه أكثرهما، أدركا من أصحاب مالك لتأخر وفاته عن وفاة مالك، وقد أخرج له أبو داود السجستاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 في ((سننه)) ، وأبو عيسى الترمذي في ((جامعه)) ، ما هو من شرط كتابيهما، وهما من أئمة هذا العلم، وكتبه تدل على معرفته بهذا الشأن أعني علم الحديث، فقد تكلم على الرجال بالتصحيح والتسقيم بما يحقق ما ذكرناه، ولم يزل العلماء الماضون يقولون: أصحاب الحديث مالك، والشافعي، وأحمد، وأصحاب الرأي: أبو حنيفة، وأهل الكوفة، ومن ظن بالشافعي قصوراً في هذا الفن لم يعرف الشافعي حق معرفته، وكيف يكون ذلك كذلك وإنما بنى مذهبه على تقديم الحديث على الرأي، والبحث عن صحيحه وسقيمه، والكلام على رجاله، حتى لقد روينا عنه بالإسناد أنه قال لأصحابه: إذا وجدتم حديثاً صحيحاً مكياً، أو مدنياً، أو عراقياً، أو شامياً، أو مصرياً على خلاف مذهبي فخذوا به ودعوا مذهبي. وهو القائل لمن سأله عن حديث صحيح: أتأخذ به يا أبا عبد الله؟ فقال: متى صح الحديث ولم آخذ به فاشهدوا أن عقلي قد اختل. ونقل عنه أنه كان إذا قيل له مثل هذا القول أيضاً فيما صح من الأخبار: أتقول به؟ يقول: إي والله، أقول به على الرأس والعين. وقد صنف وأملى، وحدث وروى، وأماليه تشهد بنظره في الأسانيد ومعرفة الرجال، وهل زاد على أصحاب الحديث المحققين بنقله إلا البحث عن معاني الأخبار وأجرى الفروع على الأصول، وتلك فضيلةٌ زائدةٌ وفائدةٌ على الشريعة عائدةٌ، بل هي ثمرة النظر في السقيم والصحيح والتعديل والتجريح، وقد شاركه في ذلك أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمهما الله وإن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 كان الشافعي فوقه في فقه الأحاديث واستنباط المعاني منها، (وهو فيها) شيخه ومعلمه، وقد سبقهما إلى مثل ذلك جماعةٌ من الأئمة كمالك والثوري والأوزاعي وغيرهم، رحمة الله عليهم أجمعين. ولد الشافعي بغزة من بلام الشام، ونشأ بمكة وتفقه بالحجاز والعراق، وكان مولده في صفر سنة خمسين ومائة، وفيها مات أبو حنيفة رحمهما الله تعالى، وتوفي بمصر في آخر يوم [من] رجب سنة أربع ومائتين. روى عن: مالك، وإبراهيم بن سعد، وسفيان بن عيينة، وإسماعيل بن علية، ومسلم بن خالد، وعمه محمد بن علي بن شافع، وعبد الله بن المؤمل، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، والحميدي، وعبد الله بن عبد الحكم، وابنه محمد، وأبو ثور، والزعفراني، وحرملة، وابن السرح، والبويطي، والمزني، والربيعان، وعمرو بن سواد، ويونس بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 عبد الأعلى، وأبو الوليد الجارودي، وبحر بن نصر، وأحمد بن أخي ابن وهب، وهارون بن سعيد، وأحمد بن سنان، وآخرون. وقد روى عنه: أحمد بن حنبل في ((مسنده)) أحاديث كثيرة، وروى أيضاً عن سليمان بن داود الهاشمي عنه، وأخرج له ابن خزيمة، وابن أبي حاتم، وناهيك بهما. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمود الثقفي بأصبهان، وأخبرنا الشريف أبو الفتوح محمد بن الحسن بن إسماعيل الحسيني في كتابه، قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن أبي داود الفارسي بمصر. قالا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء، حدثنا أبو الفوارس أحمد بن محمد بن الحسين الصابوني إملاء، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بلالاً ينادي بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتومٍ)) . وأخبرنا أحمد، أخبرنا القاسم، وأخبرنا محمد في كتابه، أخبرنا محمد قالا: أخبرنا ابن نظيف، حدثنا أبو الفوارس، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، عن مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ على كل حر وعبدٍ ذكرٍ وأنثى من المسلمين)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 قال الشيخ أطال الله بقاه وأحسن عقباه: متفق عليهما من حديث مالك، أخرجهما مسلم جميعاً عن يحيى بن يحيى النيسابوري عنه. وأخرج البخاري الحديث الأول عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، والحديث الثاني عن عبد الله بن يوسف التنيسي عنه، وأخرجه مسلم أيضاً عن القعنبي، وقتيبة عن مالك. حدثنا الإمام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي من لفظه بسؤالي، حدثنا الإمام إلكيا أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ببغداد من لفظه، أخبرنا إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، أخبرنا والدي الإمام أبو محمد عبد الله بن يوسف الجويني، أخبرنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المتبايعان كل واحدٍ منهما على صاحبه بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 قال الشيخ أمده الله بمعونته: أخرجه مسلمٌ من حديث جماعة عن عبيد الله بن عمر العمري، عن نافع. قال لنا السلفي: وهذا الإسناد مستحسنٌ بسبب ما اجتمع فيه من الفقهاء الأئمة بعضهم على بعض. قال السلفي: وقد وقع لي عالياً من حديث الأصم إلا أن هذه الرواية مع نزولها أجود لما ذكرته. قال السلفي: وقد أجاز لي لاحق بن محمد التميمي وغيره، وعن أبي بكر الحيري شيخ شيخ الإمام أبي المعالي. أخبرنا السلفي قراءةً عليه، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسين الحنائي بدمشق، أخبرنا أبو القاسم يحيى بن الحسين بن موسى العطار في كتابه، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الأزهر بن نجم، حدثني أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن إبراهيم بن جابر التنيسي، حدثنا أبو علي الحسن بن بدرٍ التنيسي، حدثنا أبو الطيب أحمد بن إبراهيم، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: ((كان الشافعي إذا ثبت عنده الخبر قلده)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 قال ابن بدر: وحدثني علي الوراق، قال: حدثني المزني، قال: ((ما رأيت أحداً يعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبه إعظام الشافعي)) . قال ابن بدر: وحدثني أبو الطيب، قال: حدثني الربيع، قال: ((كان الشافعي يمر على الصبيان فيسلم عليهم اتباعاً للحديث، ورأيت الشافعي أوتي بماءٍ يشرب فشرب قائماً اتباعاً لحديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشرب قائماً)) . أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا محمد بن مرزوق الزعفراني، أخبرنا أبو بكر الخطيب، أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا عبد الله بن عدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الحافظ، حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني حدثنا صالح بن أحمد ابن حنبل، سمعت أبي يقول: ((سمعت ((الموطأ)) من محمد بن إدريس الشافعي لأني رأيته فيه ثبتاً، وقد سمعته من جماعة قبله)) . قال الخطيب: وحدثنا محمد بن أحمد بن رزق، حدثنا عبد الله بن جعفر ابن شاذان، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: ((لولا الشافعي ما عرفنا فقه الحديث)) . قال الخطيب: وأخبرنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري، حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثنا الحربي، قال: سألت أحمد بن حنبل عن الشافعي فقال: ((حديثٌ صحيحٌ ورأي صحيح)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 قال الخطيب: وأخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن بندار، حدثنا أحمد بن روح، حدثنا الزعفراني قال: ((كنت مع يحيى بن معين في جنازة، فقال له رجل: يا أبا زكريا ما تقول في الشافعي؟ قال: دع هذا عنك، لو كان الكذب مطلقاً كانت مروءته تمنعه من أن يكذب)) . قال الخطيب: وأخبرنا أبو سعد الماليني، حدثنا عبد الله بن عدي، قال: سمعت يحيى بن زكريا يقول: سمعت هاشم بن مرثد الطبراني يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: ((الشافعي صدوق لا بأس به)) . قال الخطيب: وأخبرنا رضوان بن محمد بن الحسن الدينوري قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن جعفر الغنوي بالري يقول: سمعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 الزبير بن عبد الواحد يقول: سمعت عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني بمصر يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: ((ما عند الشافعي حديثٌ غلط فيه)) . قال الخطيب: وأخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي أخبرنا علي بن عبد العزيز، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، قال: سمعت أبي يقول: ((محمد بن إدريس الشافعي صدوق)) . قال الخطيب: وأخبرنا محمد بن علي بن أحمد المقرئ، أخبرنا محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 ابن جعفر التميمي بالكوفة، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن حاتم بن إدريس البلخي، حدثنا نصر بن المكي، حدثنا ابن عبد الحكم قال: ((ما رأينا مثل الشافعي، كان أصحاب الحديث ونقاده يجيئون إليه فيعرضون عليه، فربما أعل نقد النقاد منهم، ويوقفهم على غوامض من علل الحديث لم يقفوا عليها، فيقومون وهم متعجبون منه، ويأتيه أصحاب الفقه المخالفون والموافقون فلا يقومون إلا وهم مذعنون له بالحذق والديانة، ويجيئه أصحاب الأدب فيقرؤون عليه الشعر فيفسره، ولقد كان يحفظ عشرة آلاف بيت شعر من أشعار هذيل بإعرابها وغريبها ومعانيها، وكان من أحفظ الناس للتاريخ، وكان يعينه على ذلك شيئان: وفور عقل، وصحة دين، وكان ملاك أمره إخلاص العمل لله عز وجل)) . قال الخطيب: وقد نقل عن الشافعي مع ضبطه للحديث كلامٌ في أحوال الرواة يدل على بصره بهذا الشأن وتبحره فيه ومعرفته به، فمن ذلك قوله: ((الرواية عن حرام بن عثمان حرام)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 وذكر داود بن قيس الفراء، وأفلح بن أحمد الأنصاري، فرفع بهما في الثقة والأمانة. وسئل عن أسامة بن زيد الليثي ومحمد بن أبي حميد، فقال: لا بأس بهما. وغمض على ليث بن أبي سليم، وقال: من يحدث عن أبي جابر البياضي بيض الله عينه. وسئل عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فحكى من أمره ما يوجب ضعفه وترك الاحتجاج بحديثه. وقال: ((إرسال الزهري عندنا ليس بشيءٍ، وذلك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم)) . قال الخطيب: ولو اجتهد المتقن الحافظ وتحرى البصير الناقد أن يصف هؤلاء المذكورين آنفاً على قدر أحوالهم وتنزيلهم في الرواية منازلهم لما عدى ما ذكر الشافعي من أمرهم، وهذا يدل على علمٍ وافرٍ ومعرفةٍ ثاقبةٍ، وبصيرةٍ نافذة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 [14- أحمد بن حنبل] أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب ابن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الشيباني المروزي الأصل البغدادي المنشأ. قدمت به أمه من مرو إلى بغداد حاملاً به فولدته ببغداد ونشأ بها، وسمع الحديث من شيوخها، ثم رحل إلى الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، والشام، والجزيرة وكتب عن علماء عصره وسمع: سفيان بن عيينة، وإسماعيل بن علية، وهشيم بن بشير، وأبا سلمة الخزاعي، وعثمان بن عمر بن فارس، وأبا النضر هاشم بن القاسم، ويزيد بن هارون، ومحمد بن أبي عدي، ومحمد بن جعفر غندر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 ويحيى القطان، وابن مهدي، وبشر بن المفضل، ومحمد بن بكر البرساني، وأبا داود الطيالسي، وروح بن عبادة، ووكيعاً، وأبا معاوية، وعبد الله بن نمير، وأبا أسامة، ويحيى بن سليم الطائفي، ومحمد بن إدريس الشافعي، وإبراهيم بن سعد، وعبد الرزاق بن همام، وأبا قرة، والوليد بن مسلم، وأبا مسهر، وأبا اليمان، وعلي بن عياش، وبشر بن شعيب بن أبي حمزة، وآخرين يطول ذكرهم. وقد روى عنه جماعةٌ من شيوخه الذي سميناهم. وروى عنه أيضاً: ابناه صالح وعبد الله، وابن عمه حنبل بن إسحاق، والحسن بن الصباح البزار، ومحمد بن إسحاق الصغاني، وعباس بن محمد الدوري، ومحمد بن عبيد الله المنادي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وأبو زرعة، وأبو حاتم الرازيان، وأبو داود السجستاني، وأبو بكر الأثرم، وأبو بكر المروذي، ويعقوب بن شيبة، وأبو بكر بن أبي خيثمة، وأبو زرعة الدمشقي، وإبراهيم الحربي، وموسى بن هارون، وبقي بن مخلد الأندلسي، وعبد الله بن محمد البغوي، وآخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال لي أبي: ((ولدت سنة أربع وستين ومائة)) ، قال: ((وسعت من علي بن هاشم بن البريد سنة تسع وسبعين في أول سنة طلبت الحديث. ثم عدت إلى المجلس الآخر وقد مات، وهي السنة التي مات فيها مالك بن أنس)) . وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال أبي: ((أول سماعي من هشيم سنة تسع وسبعين، وكان ابن المبارك قدم هذه السنة، وهي آخر قدمة قدمها، وذهبت إلى مجلسه فقالوا: قد خرج إلى طرسوس، وتوفي سنة إحدى وثمانين)) . وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا الفضل بن زياد قال: توفي أبو عبد الله يعني أحمد بن حنبل يوم الجمعة ضحوة اثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين وقد أتى له سبع وسبعون سنة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وقال نصر بن القاسم الفرائضي: مات أحمد بن حنبل يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين. وقال عبد الوهاب الوراق: ((ما بلغنا أنه كان للمسلمين جمعٌ أكثر منهم على جنازة أحمد إلا جنازة في بني إسرائيل)) . وقال غيره: حزر من حضرها من الرجال ثمان مائة ألف رجل، ومن النساء ستين ألف امرأة، وصلى عليه محمد بن عبد الله بن طاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وقال الوركاني جار أحمد بن حنبل: أسلم يوم مات أحمد عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ قراءة عليه، أخبرنا أبو نصر محمد بن الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي بها بقراءتي عليه، أخبرنا أبو طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري. وأخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن الحسين السبيعي بقراءتي عليه بفسطاط مصر، أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسن بن عبد الله التنيسي في كتابه، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسين بن سعدون الموصلي بتنيس، قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل المروزي سنة ثمان وعشرين ومائتين، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل شرابٍ أسكر حرامٌ)) . وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد، أنبأنا محمد بن عبد الله، أخبرنا محمد بن الحسين، أخبرنا أحمد بن إبراهيم، أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثا مالك بن أنس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع، فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 ((كل شرابٍ أسكر حرامٌ)) . قال الشيخ مده الله بتوفيقه: متفق عليه من حديث مالك وابن عيينة، أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف بن مالك، وعن ابن المديني، عن ابن عيينة. وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن مالك وابن عيينة، وأخرجاه أيضاً من طرق. فهذا أعلى ما يقع به لنا حديث أحمد بن حنبل من حيث العدد منا إليه، وأما أعلى ما يقع به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 ما أخبرنا أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البغدادي في كتابه في آخرين، قالوا: أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد الشيباني، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي بن محمد التميمي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن حميد، عن أنس قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، فدنا من المدينة قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 ((إن بالمدينة لقوماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم فيه)) قالوا: يا رسول الله! وهم بالمدينة؟! قال: ((وهم بالمدينة، حبسهم العذر)) . أخبرناه عالياً أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو عبد الله الثقفي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي إملاء بنيسابور، أخبرنا أبو طاهر محمد ابن الحسن البزاز، حدثنا إبراهيم بن عبد الله السعدي، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حميدٌ عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من تبوك قال: ((إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم من سيرٍ ولا قطعتم من وادٍ إلا كانوا معكم فيه)) قالوا: يا رسول الله! وهم بالمدينة؟ قال: ((نعم، حبسهم العذر)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 وأخبرناه السلفي عالياً أيضاً، أخبرنا محمد بن الحسن الكرجي، أخبرنا أحمد بن عبد الله المحاملي، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي، حدثنا عبد الله بن محمد بن مضر الثقفي، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميدٌ، عن أنس قال: لما رجعنا من غزوة تبوك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بالمدينة لأقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم فيه)) ، قالوا: يا رسول الله! وهم مقيمون بالمدينة؟! قال: ((نعم، حسبهم العذر)) . قال الشيخ أيده الله: انفرد به البخاري دون مسلم، فرواه عن أحمد بن محمد، عن عبد الله بن المبارك، عن حميد. وقع لنا بهذين الإسنادين عالياً جداً، كان شيخنا سمعه ممن سمعه من صاحب عبد الله بن أحمد بن حنبل وهو من جلة الأحاديث السباعية لشيخنا السلفي بشرط الصحيح. أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي طاهر الدمشقي، أخبرنا أبو الحسن علي بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 أحمد الغساني، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، أخبرنا حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، حدثنا الوليد بن بكر الأندلسي، حدثنا علي بن أحمد بن الخطيب الهاشمي، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد ابن عبد الله بن صالح العجلي، حدثني أبي، قال: أحمد بن محمد بن حنبل يكنى أبا عبد الله سدوسي من أنفسهم، مروزي من أهل خراسان، ولد ببغداد ونشأ بها، ثقة، ثبت في الحديث نزه النفس، فقيهٌ في الحديث، متبعٌ يتبع الآثار، صاحب سنة وخير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 قال الخطيب: وأخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا إدريس بن عبد الكريم المقري، قال: ((رأيت علماءنا مثل الهيثم بن خارجة، ومصعب الزبيري، ويحيى بن معين، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن أبي شيبة، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، وعلي بن المديني، وعبد الله بن عمر القواريري، وأبي خيثمة زهير بن حرب، وأبي معمر القطيعي، ومحمد بن جعفر الوركاني، وأحمد بن محمد بن أيوب صاحب المغازي، ومحمد بن بكار بن الريان، وعمرو بن محمد الناقد، ويحيى بن أيوب المقابري العابد، وسريج بن يونس، وخلف بن هشام البزار، وأبي الربيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 الزهراني، فيمن لا أحصيهم من أهل العلم والفقه يعظمون أحمد بن حنبل، ويجلونه، ويوقرونه، ويبجلونه، ويقصدونه بالسلام عليه)) . قال الخطيب: وأخبرنا أبو عبد الله الحسن بن شجاع بن الحسين الصوفي أخبرني عمر بن جعفر الختلي، حدثنا يعقوب بن يوسف المطوعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه أبو عبد الرحمن سمعت قتيبة يقول: ((لولا الثوري لمات الورع، ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين)) . قلت لقتيبة: تضم أحمداً إلى أحد التابعين؟ فقال: إلى كبار التابعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 قال الخطيب: وأخبرنا البرقاني، أخبرني محمد بن العباس الخزاز، حدثنا عبد الملك بن محمد بن زياد النيسابوري، قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول: ((أنا أقول: سعيد بن المسيب في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه، وأحمد بن حنبل في زمانه)) . قال الخطيب: وحدثني أبو القاسم الأزهري، حدثنا علي بن عمر هو الدارقطني الحافظ، حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا أبو بكر المروذي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 قال: سمعت خضراً بطرسوس، يقول: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: سمعت يحيى بن آدم يقول: ((أحمد بن حنبل إمامنا)) . قال الخطيب: وأخبرنا البرمكي والأزجي قالا: أخبرنا علي بن عبد العزيز حدثنا ابن أبي حاتم، حدثنا أحمد بن سلمة النيسابوري، قال: سمعت قتيبة يقول: ((أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه إماماً للدنيا)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 قال الخطيب: وأخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي، قال: سمعت أبا سعيد عمرو بن محمد بن منصور قال: سمعت محمد بن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، يقول: سمعت أبي يقول: ((أحمد بن حنبل حجةٌ بين الله وبين عبيده في أرضه)) . (قال الخطيب) : أخبرنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا محمد بن أحمد ابن البراء، قال: سمعت علي بن المديني يقول: ((أحمد بن حنبل سيدنا)) . قال الخطيب: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج، حدثنا محمد بن يعقوب الأصم، قال: سمعت أبا بكر الخوارزمي ببيت المقدس يقول: سمعت حرملة بن يحيى يقول: سمعت الشافعي يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 ((خرجت من بغداد وما خلفت بها أحداً أتقى، ولا أورع، ولا أفقه، أظنه قال: ولا أعلم - من أحمد بن حنبل)) . قال الخطيب: أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي، قال: سمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم بن الفضل يقول: سمعت أحمد بن سلمة يقول: سمعت أحمد بن سعيد الدارمي يقول: ((ما رأيت أسود الرأس أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أعلم بفقهه، ومعانيه من أبي عبد الله أحمد بن حنبل)) . قال الخطيب: أخبرنا إبراهيم بن عمر الفقيه، حدثنا عبيد الله بن محمد العكبري، حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء، قال: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: ((كان أحمد ابن حنبل يحفظ ألف ألف حديث، فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 قال الخطيب: أخبرنا أبو نعيم، حدثنا الطبراني، حدثنا محمد بن الحسين الأنماطي، قال: ((كنا في مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة زهير بن حرب وجماعةٌ من كبار العلماء فجعلوا يثنون على أحمد بن حنبل ويذكرون فضائله. فقال رجل: لا تكثروا بعض هذا القول، فقال يحيى بن معين: وكثرة الثناء على أحمد بن حنبل تستنكر؟! لو جلسنا مجلسنا بالثناء عليه ما ذكرنا فضائله بكمالها)) . أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي علي المكي بها، أخبرنا أبو الفتح عبد الملك ابن أبي القاسم الهروي، أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن أبي معاذ الأنصاري، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 حدثنا محمد بن أحمد الجارودي إملاء، قال: سمعت أبا الصخر محمد بن مالك الفغري بمرو قال: سمعت صعصعة بن الحسين الرقي قال: سمعت أبا شعيب الحراني يقول: سمعت علي بن المديني يقول: قال لي سيدي أحمد ابن حنبل: ((لا تحدث إلا من كتاب)) . قال أبو إسماعيل: وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن الحسين بن محمد بن حاتم، حدثنا زنجويه بن محمد اللباد، قال: سمعت أبا عمرو أحمد بن المبارك المستملي يقول: قال محمد بن يحيى الذهلي: ((قد جعلت أحمد بن حنبل إماماً فيما بيني وبين الله)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 قال أبو إسماعيل: أخبرنا محمد بن أحمد الجارودي قال: قال القطيعي: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي قال: سمعت الشافعي يقول: أنتم أعلم بالحديث منا، إذا صح الحديث فقولوا لنا حتى نذهب إليه. قال: وأخبرنا الجارودي، أخبرنا أبو إسحاق القراب، أخبرنا أبو يحيى الساجي، حدثني إسماعيل بن شجاع البغدادي، حدثنا الفضل بن زياد، عن أبي طالب قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ((ما رأيت أتبع للأثر من الشافعي)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 [15- علي ابن المديني] أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي، مولاهم البصري، وأصله من المدينة، يعرف بابن المديني. أحد أئمة هذا الشأن، المشهورين بجودة النقد، وحسن التصنيف، والبحث عن أحوال الرجال وعلل الحديث. سمع: حماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، ومروان بن معاوية الفزاري، ومعن بن عيسى، وجرير بن عبد الحميد، ووهب بن جرير بن حازم، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، ومسلم ابن إبراهيم، وأبا عاصم، وزيد بن الحباب، ويعقوب بن إبراهيم بن سعد، وعبيد الله بن موسى، ويزيد بن زريعٍ، ويزيد بن هارون، وجعفر ابن سليمان. سمع منه: محمد بن إسماعيل البخاري فأكثر، وكتب عنه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وروى عنه ابنه عبد الله بن علي، وأبو الحسن علي بن غالب السكسكي، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن البراء، وأبو العلاء محمد بن أحمد الوكيعي، وآخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 توفي بالعسكر يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي القعدة، سنة أربع وثلاثين ومائتين، قاله البخاري. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني بقراءتي عليه، وأبو عبد الله محمد بن علي بن سلام الروحاني قراءة عليه، وأنا أسمع، قالا: أخبرنا أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي، حدثنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع الفقيه الشافعي المعروف بابن المفسر، حدثنا أبو الحسن علي بن غالب بن سلام السكسكي في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين ومائتين، حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح المديني، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثني عليها بخير، فقال: ((وجبت)) . ومر عليه بجنازة فأثنى عليها بشر، فقال: ((وجبت)) . فقيل: لم يا رسول الله قلت لهذه: وجبت ولهذه: وجبت.! قال: ((شهادة القوم، المؤمنون شهداء الله في الأرض)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 قال الشيخ أدام الله تأييده: متفقٌ عليه من حديث أبي إسماعيل حماد بن زيد بن درهم الأزدي البصري، مولى آل جرير بن حازم الجهضمي، أخرجه البخاري عن سليمان بن حرب، وأخرجه مسلمٌ عن أبي الربيع الزهراني كليهما عنه. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الأصبهاني الحافظ، أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد البرداني الحافظ، أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن أحمد بن سليمان، أخبرنا أبو سعد الماليني، حدثنا أبو أحمد الجرجاني، حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، وعلي بن أحمد ابن مروان، ومحمد بن خالد بن يزيد البردعي، قالوا: حدثنا أبو رفاعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 عبد الله بن محمد العدوي، حدثنا إبراهيم بن بشار، قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: حدثني علي بن المديني، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار وذكر حديثاً، ثم قال سفيان: تلومونني على حب علي؟ والله لقد كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلم مني. أخبرنا أحمد بن محمد الأصبهاني، أخبرنا أحمد بن محمد البرداني، أخبرنا محمد بن عبد الملك بن بشران، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن، حدثنا أبو عيسى حمزة بن الحسين بن عمر السمسار، حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن حبيب، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد قال: ((كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبيت مالاً ولا يقبله، فقال رجل: يا أبا محمد سماعاً من عمرو؟ قال: لا تفسده، ابن جريج عن عمرو بن دينار، قال: سماعاً من ابن جريج؟ قال: ويحك، لا تفسده. قال: سماعاً من ابن جريج، قال أبو عاصم النبيل: عن ابن جريج. قال: سماعاً من أبي عاصم؟ قال: حدثنيه علي المديني، عن أبي عاصم، عن ابن جريج عن عمرو. أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أحمد بن محمد بن سليمان، أخبرنا أحمد بن محمد الماليني، أخبرنا عبد الله بن عدي، قال: سمعت الحسن بن الحسين البخاري، يقول: سمعت إبراهيم بن معقلٍ، يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: ((ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني)) . سمعت أبا طاهر السلفي الحافظ يقول: سمعت أبا الفتح أحمد بن عبد الله ابن أحمد الأديب السوذرجاني يقول: سمعت أبا بكر محمد بن علي المقرئ الجوزداني يقول: سمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم بن جعفر الخزاعي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 المقرئ، يقول: سمعت الحصين بن إبراهيم القطان بنيسابور يقول: سمعت أبا الفضل جعفر بن درستويه، يقول: سمعت علي بن المديني، يقول: مر بي حديثٌ فاحتاج بعض الحروف، فجعلت أتفكر أزيد فيه الحرف أم لا؟ فسمعت هاتفاً يقول: {يا أيها آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} فتركت الحرف. أنبأنا أحمد بن محمد، عن أبي مكتوم، أخبرنا أبي إجازة، عن أحمد بن عبد الله المعدل، قال: أجاز لي ابن أبي حاتم، قال: سمعت أبي يقول: ((كان علي بن المديني علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل، وكان أحمد بن حنبل لا يسميه إنما يكنيه أبا الحسن تبجيلاً له، وما سمعته سماه قط)) . قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت يحيى ابن معين، وقال له إنسان: علي بن المديني، فقال يحيى: ((علي من أهل الصدق)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني قراءةً عليه في شعبان سنة اثنين وستين وخمس مائة، أخبرنا أبو الحسن علي بن المشرف بن المسلم الأنماطي بقراءتي عليه في جمادى الأولى سنة ثمان وخمس مائة، أخبرني أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله الحبال بقراءتي عليه في جمادى الأولى سنة إحدى وستين وأربع مائة، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد البزاز المعروف بابن النحاس في المحرم سنة سبع وأربع مائة، أخبرنا أبو محمد دعلج بن أحمد بن دعلج السجستاني، قدم علينا في المحرم سنة سبع وثلاثين وثلاث مائة، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن البراء في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين ومائتين، حدثنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح المديني قراءةً عليه قال: نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة: فلأهل المدينة: ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب ويكنى أبا بكر، مات سنة أربع وعشرين ومائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 ولأهل مكة: عمرو بن دينار مولى جمح، ويكنى أبا محمد، مات سنة ست وعشرين ومائة. ولأهل البصرة: قتادة بن دعامة السدوسي، وكنيته أبو الخطاب، مات سنة سبع عشرة ومائة، ويحيى بن أبي كثير، ويكنى أبا نصر، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة باليمامة. ولأهل الكوفة: أبو إسحاق، واسمه عمرو بن عبد الله بن عبدود، مات سنة تسع وعشرين ومائة، وسليمان بن مهران، مولى بني كاهل من بني أسد، ويكنى أبا محمد، مات سنة ثمان وأربعين ومائة، وكان جميلاً بولده في أرض الحرب. ثم صار علم هؤلاء الستة إلى أصحاب الأصناف ممن صنف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 فمن أهل المدينة: مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي، وعداده في بني تيم الله، ومات في سنة تسع وسبعين ومائة، وسمع من: ابن شهاب، ومحمد ابن إسحاق بن يسار مولى بني مخرمة ويكنى أبا بكر، مات سنة اثنتين وخمسين، سمع من ابن شهاب والأعمش. ومن أهل مكة: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، مولى لقريش، ويكنى أبا الوليد، مات سنة إحدى وخمسين ومائة، وسفيان بن عيينة بن ميمون، مولى محمد بن مزاحم أخي الضحاك بن مزاحم الهلالي، ويكنى أبا محمد، مات سنة ثمان وتسعين ومائة. سفيان لقي ابن شهاب، وعمرو بن دينار، وأبا إسحاق، والأعمش. ومن أهل البصرة: (سعيد بن أبي عروبة) ، مولى بني عدي بن يشكر، وهو سعيد بن مهران، ويكنى أبا النضر، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة، وحماد بن سلمة أحسبه مولى لبني سليم، ويكنى أبا سلمة، مات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 سنة ثمان وستين ومائة، وأبو عوانة، واسمه الوضاح، مولى يزيد بن عطاء الواسطي، مات سنة خمس وسبعين ومائة، وشعبة بن الحجاج، أبو بسطام مولى الأشاقر، مات سنة ستين ومائة، ومعمر بن راشد، ويكنى أبا عروة مولى بحدان ومات باليمن سنة أربع وخمسين ومائة، سمع: من ابن شهاب، وعمرو بن دينار، وقتادة، ومن يحيى بن أبي كثير، ومن أبي إسحاق. ومن أهل الكوفة: سفيان بن سعيد الثوري ويكنى أبا عبد الله، ومات سنة إحدى وستين ومائة. ومن أهل الشام: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ويكنى أبا عمرو، مات سنة إحدى وخمسين ومائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 ومن أهل واسط هشيم بن بشير، مولى بني سليم، ويكنى أبا معاوية، مات سنة ثلاث وثمانين ومائة. ثم انتهى علم هؤلاء الثلاثة من أهل البصرة وعلم الاثني عشر إلى ستة: إلى يحيى بن سعيد القطان، ويكنى أبا سعيد، وهو مولى لبني تميم، ومات سنة ثمان وسبعين ومائة في صفر، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ويكنى أبا سعيد، مولى لهمدان، مات سنة اثنتين وثمانين ومائة، ووكيع بن الجراح بن مليح ابن عدي بن فرس، ويكنى أبا سفيان، ومات سنة سبع وتسعين ومائة. ثم صار علم هؤلاء إلى ثلاثة: إلى عبد الله بن المبارك، وهو حنظلي، ويكنى أبا عبد الرحمن، ومات سنة إحدى وثمانين بهيت، وعبد الرحمن بن مهدي الأسدي، ويكنى أبا سعيد، مات سنة ثمان وتسعين ومائة، ويحيى بن آدم، ويكنى أبا زكريا، وهو مولى خالد بن عبد الله بن أسيد بالظن مني، مات سنة ثلاث ومائتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 [16- يحيى بن معين] أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن البغداذي، إمام هذا الشأن في التعديل والتجريح ومعرفة السقيم والصحيح. سمع: سفيان بن عيينة، وهشام بن يوسف، وعبد الله الثقفي، وابن أبي (زائدة) ، وغندر، وجرير بن حازم، وعبد الله بن صالح، وأبا مسهر، ووهب بن جرير بن حازم، وحجاج بن محمد، وعبد الرزاق بن همام، ومروان ابن معاوية، وخلقاً يطول ذكرهم. روى عنه عبد الله بن محمد المسندي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج النيسابوري، وأبو داود السجستاني، وأبو بكر المروزي، ومحمد بن إبراهيم بن زياد الرازي، وآخرون. قال البخاري: مات بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وحمل على أعواد النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 أخبرنا أبو طاهر إسماعيل بن مكي بن إسماعيل الزهري الفقيه، وأحمد ابن محمد بن أحمد الأصبهاني الحافظ بقراءتي عليهما، قالا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي قراءة عليه، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي بمصر، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع الفقيه الشافعي المعروف بابن المفسر بالمعافرا، حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن سعيد المروزي القاضي، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا مروان بن معاوية، عن حميد عن أنس أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لها فقال: ((انظري أي السكك شئت فاجلسي حتى آتيك)) قال: فأتاها فقضى حاجتها. قال الشيخ أيده الله: انفرد بن مسلمٌ من حديث ثابت عن أنس، فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، وقال فيه: إن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة، فقال: ((يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك)) ، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو عبد الله إسماعيل بن الحسن المقرئ العلوي، أخبرنا الحسين بن أحمد الأصبهاني بمكة، أخبرنا محمد بن يوسف الجرجاني، حدثنا عبد الملك بن محمد بن عدي، حدثنا عباس بن محمد الدوري، قال: ((رأيت أحمد بن حنبل بين يدي يحيى بن معين وهو يسأله ويقول: يا أبا زكريا ما تقول في فلان، ما تقول في فلان)) . سمعت أبا طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني يقول: سمعت أبا الحسن علي ابن عبد الله النيسابوري يقول: سمعت أبا حفص عمر بن أحمد بن مسروق الصيدلاني الزاهد بنيسابور يقول: سمعت أبا العباس البالوي يقول: سمعت أبا بكر الأشقر يقول: سمعت محمد بن إسماعيل المكي يقول: ((مات يحيى ابن معين بالمدينة، وحمل على سرير النبي صلى الله عليه وسلم)) . قال إبراهيم بن المنذر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 ((فرأى رجلٌ في المنام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مجتمعين، فقيل له: ما لكم مجتمعون؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((جئت لهذا الرجل أصلي عليه، فإنه كان يذب الكذب عن حديثي)) . قرأت على أبي عبد الله محمد بن أبي القاسم الحاكم، عن أبي عبد الله محمد بن أبي العباس الرازي، عن أبيه. وأنبأنا أبو طاهر السلفي وأبو محمد العثماني قالا: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن أحمد بن إبراهيم الرازي بالإسكندرية قراءة عليه عن أبيه أبي العباس الفقيه أن أبا الحسن محمد بن المغلس بن جعفر البزاز أخبرهم بمصر، أخبرنا أبو محمد الحسن بن رشيق العسكري المعدل، حدثنا أبو عبد الله محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن ماهان التشتري شيخ حافظ، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن زهير بن حرب يقول: سمعت أبي يقول: كان هاهنا في جيراني رجلٌ يكنى أبا نصر زاهد، رجلٌ له فضل وعبادة، وكان الناس يأتونه من جميع الجانبين، وكان يحيى بن معين يصلي في المسجد الذي هو فيه، وكان إذا صلى يحيى بن معين جلس وحوله الناس، وأصحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 الحديث يسألونه عن الرجال، قال: فكان يقول: فلان كذاب، وفلان لا يكتب عنه حديثه، وفلان من الشياطين الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يخرج في آخر الزمان شياطين من البحر فتحدث الناس)) . قال: وكان سمع كلامه أبو نصر الزاهد فيقع في يحيى بن معين، ويدعو عليه، ويقول: يا قوم هؤلاء القوم الذين يقع فيهم يحيى بن معين نحن نستسقي بذكرهم، وهؤلاء يقعون فيهم. قال: فبسط لسانه في يحيى بن معين وتكلم فيه، قال: وكان أبو نصر يخرج إلى باب خراسان إلى الصحراء فيتعبد، قال: فخرج يوماً يحيى بن معين إلى الصحراء ومعه جماعة من أصحاب الحديث ومعهم شيءٌ من الطعام فأكلوا، فيما هم كذلك في بعض البساتين، إذ مر بهم جمالٌ على رأسه بطيخ قال: فقال بعضهم: بكم؟ قال: بكذا وكذا. قال: فاشتراه منه فأكلوا منه، قال: ثم تلهوا. قال: ويحيى جالسٌ يتبسم، قال: فنظر إليهم من حيث لا يرونه فقال: يا قوم هؤلاء هذه أفعالهم فعل العيارين، ويقعون في الصالحين وأهل الخير؟! قال: فلما أن دخل ذكر ذلك في مجلسه فعل يحيى وأصحابه، فبلغ ذلك يحيى فاغتم، قال: فلما كان ذات يوم جاء أبو نصر إلى جدي يعني أبا خيثمة، قال: فرحب به جدي وتواضع له ثم قال: يا أبا نصر لم جئت؟ قال: لي إليك حاجة تبلغ معي، قال: ثم إنه جاء إلى خلف ابن هشام البزار، قال: فرحب بهما فقال له: تبلغ معنا في حاجة، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 فجاء بهما إلى يحيى بن معين قال: فقال: إنكما من أقران يحيى فاسألاه أن يجعلني في حل مما كنت أوذيه، قال: فقال يحيى: أنت في حل من كل شيء قلته. قال: فإذا قلت ذلك فأحدثك بما رأيت البارحة، رأيت فيما يرى النائم النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه جالسٌ بالمدينة في المقصورة فدخلت فقيل لي: ذاك النبي صلى الله عليه وسلم جالس في المحراب، فجئت إليه فإذا به جالسٌ وحده وأنت قائمٌ على رأسه في يدك مذبةٌ تذب عنه، يعني يحيى بن معين، فلما رأيته نظرت أنت إلي فقلت: يا رسول الله هذا يؤذيني. فنظر إلي النبي صلى الله عليه وسلم شبه المغضب فقال لي: مالك وليحيى؟ إياك ويحيى. فانتبهت فزعاً، فسألت بعض هؤلاء المعبرين فقال لي: ويحك!! هذا الرجل الذي رأيت عليه هذه الرؤيا وهو يذب عن رسول الله الأذى والكذب، قال: فبكى يحيى بن معين، قال: فلما أن كان بعد ذلك بمدة وجه الخليفة إلى الفقهاء والعلماء والمحدثين ببدرة بدرة قال: فأتى يحيى ببدرة فأبى أن يقبلها، وكان يحيى فقيراً قليل ذات اليد، قال: فقال الرجل: فإن لم تقبل تؤذ. قال يحيى للرجل: لي إليك حاجة، قال: ما هي؟ قال: أنا تأخذه إلى منزلك حتى أنظر فيه، فجاء إلى أبي نصر فأخبره بما كان قال: فبكى أبو نصر، قال: أما أنه لو كان وجه إلي لعلي كنت أقبله، فرحمك، فنعم الرجل أنت، ثم قال له يحيى: أشر علي فإني أخاف إن لم أقبل أوذ؟ قال: فقال له: إن كنت لا تريد أن تقبل فاخرج في هذه الليلة فإنه قد دنا الحج، وقل لأهلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 يعمون عليك خروجك يوماً ويومين، فإنهم إذا أخبروهم بعد ذلك لم يوجهوا خلفك، فإلى أن تذهب وتحج وترجع فرجٌ كبيرٌ، قال: فخرج يحيى من ليلته إلى الحج، فذهب فحج، فلما أن دخل المدينة اعتل بالمدينة فقال لأهل القافلة: اصبروا علي، فلعلي أموت فأدفن في المدينة، قال: فلم يأت عليه أيامٌ حتى مات فغسل وكفن وحملوه على نعش النبي صلى الله عليه وسلم ودفنوه بالبقيع، وكان المنادي ينادي عليه: هذا يحيى بن معين الذي كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب. قال: وذلك في سنتي ثلاث وثلاثين ومائتين أو أربع وثلاثين ومائتين، رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 الطبقة الخامسة [17- البخاري] أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن الأحنف الجعفي مولاهم البخاري. صاحب ((التاريخ)) و ((الصحيح)) ، والرجوع إليه في التعديل والتجريح. رحل في طلب العلم إلى الأمصار، وبالغ في الجمع والإكثار، وكتب الحديث عن علماء عصره، ومن كان في مصره وغيره مصره: بخراسان، والجبال، والعراق، والحجاز، ومصر، والشام. سمع جماعة ممن أدرك متأخري التابعين، وبذلك علا على المذكورين معه في هذه الطبقة أجمعين، فكان أولها، وقارب الطبقة المذكورة قبلها. سمع: مكي بن إبراهيم البلخي، وأبا عاصم النبيل، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وعصام بن خالد الحمصي، وكلهم أدرك متأخري التابعين. وسمع أيضاً: عبيد الله بن موسى العبسي، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبا نعيم الفضل بن دكين، وأبا غسان مالك بن إسماعيل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 وسليمان بن حرب، وأبا سلمة التبوذكي، وعفان بن مسلم، وعارم بن الفضل، وأبا الوليد الطيالسي، وأبا معمر المنقري، والقعني، والحميدي، وإسماعيل بن أبي أويس، وأبا اليمان، وعبد القدوس بن الحجاج، وحجاج بن منهال، ومحمد بن كثير، وخالد بن مخلد، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وشيوخه ربما زادوا على الألف. روى عنه أستاذه عبد الله بن محمد المسندي، وشيخه محمد بن سلام البيكندي، وإسحاق بن أحمد بن خلف الحافظ، وهو أمتن منه، وأبو حاتم الرازي، وأبو عيسى الترمذي، وأحمد بن سيار المروزي، ومحمد بن إسحاق ابن خزيمة، ومحمد بن إسحاق السراج، ومسلم بن الحجاج، ومحمد بن سليمان بن فارس، وأحمد بن هارون البرديجي، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، وعبد الله بن محمد بن ناجية، وقاسم بن زكريا المطرز، محمد بن محمد الباغندي، ويحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن هارون الحضرمي، وأبو بكر محمد بن أحمد بن دلويه الدقاق، وأبو محمد ابن الشرقي، وآخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 وروى عنه ((الجامع)) : مهيب بن سليم، ومنصور بن محمد وإبراهيم ابن معقل النسفي، ومحمد بن يوسف الفربري وهو آخرهم. آخر من حدث عنه من الثقات: الحسين بن إسماعيل القاضي المحاملي ببغداد. مولده يوم الجمعة بعد الصلاة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة. وتوفي ليلة السبت وهي ليلة عيد الفطر عند صلاة العشاء، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر مستهل شوال سنة ست وخمسين ومائتين، وعمره اثنتان وستون سنة إلا ثلاثة عشر يوماً. أخبرنا أبو عبيد نعمة بن (زيادة الله) بن خلف الغفاري قراءة عليه بالإسكندرية، أخبرنا أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي قراءةً عليه بمكة. ح وأخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني قراءةً عليه بالإسكندرية أيضاً، أخبرنا أبو مكتوم الهروي في كتابه، أخبرنا أبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 ح وأخبرنا أبو سعد عبد الواحد بن علي بن حمويه الجويني بقراءتي عليه بمكة، أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر بن محمد الشحامي بنيسابور عم شيخ الشيوخ، أخبرنا أبو سهل محمد بن أحمد بن عبيد الله الحفصي. وأخبرنا أبو عبد الله حامد بن محمد بن حامد الأصبهاني بقراءتي عليه بمكة أيضاً، أخبرنا أبو شكر أحمد بن أحمد الصيدلاني قراءة عليه، وأنا حاضر، أنبأنا أبو الخير محمد بن موسى بن عبد الله المروزي، المعروف بابن أبي عمران. وأخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي بن ثابت الخزرجي قراءة عليه بالناصرية، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال السعيدي قراءة عليه. وأخبرنا أبو المعالي منجب بن عبد الله المرشدي بفسطاط مصر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 وأخبرنا أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني قالا: أخبرتنا كريمة ابنة أحمد المروزية بمكة، قالوا: أخبرنا أبو الهيثم محمد بن المكي الكشميهني، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا مكي بن إبراهيم، حدثنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)) . قال الشيخ أيده الله بتوفيقه: صحيحٌ ثابتٌ من حديث أبي السكن مكي بن إبراهيم بن فرقد بن بشير التميمي البلخي، ويقال: ابن بشير بن فرقد، عن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع الأسلمي، ويقال: سلمة بن عمرو بن الأكوع، انفرد به البخاري دون مسلم فرواه في ((صحيحه)) هكذا عنه، وهو من أعلى أحاديثه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 فأما أعلى ما وقع لنا إليه فمنه: ما أخبرنا أبو طاهر السلفي قراءة عليه وأنا أسمع سنة ستين وخمس مائة وبعد ذلك ما لا أحصي عدداً، وبقراءتي عليه أيضاً، أخبرنا أبو الخطاب نصر بن أحمد بن البطر البغداذي بها سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة، وتوفي سنة أربع، وكان مولده سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البيع، حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد المحاملي إملاء، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد المديني حدثني أبي يحيى، عن ابن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن جابر بن عبد الله أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين راح قافلاً إلى المدينة وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 يقول: ((آيبون تائبون إن شاء الله عائدون، لربنا حامدون، أعوذ بالله من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال)) . قال الشيخ أسعده الله: رواته بعد البخاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلهم مدنيون، أما إبراهيم فقد صرح البخاري بنسبته إليها في إسناد الحديث، وكذلك ذكره أيضاً في ((تاريخه)) ، وقال: ((سمع أباه عن ابن إسحاق)) ، وأما ابن إسحاق: هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم، مدني مشهور بالمغازي، قبله بعض الأئمة، وكان مالك يضعفه جداً، وأما ابن قتادة فهو عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، الأنصاري المديني، يكنى أبا عمرو، ثقة معروف، مات سنة ثمان وعشرين ومائة، روى عن جابر بن عبد الله صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وغيره. وجابر تعداده في المدنيين أيضاً. وقد روى نحو هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر، وعبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 ابن عباس، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، بألفاظ مختلفة تماماً ومختصراً، ورويناه عنهم من أوجه لا يتسع الآن ذكرها. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني وأخوه أبو الطاهر إسماعيل، وأبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني واللفظ له، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن الوليد بن سعد الأنصاري، أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسن ابن بندار، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ الجرجاني قال: ((سمعت عدة مشائخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث وقلبوا متونها وأسانيدها، فجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ودفعوا إلى عشرة أنفس لكل واحد عشرة أحاديث، فأمروهم إذا حضوا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وأخذوا الوعد للمجلس من جماعة من أصحاب الحديث الغرباء من أهل خراسان وغيرها، ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجلٌ من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 ثم سأله عن آخر، فقال: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحداً بعد واحد، ثم حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول: لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: الرجل فهم، ومن كان منهم غير فهم يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم، ثم انتدب رجلٌ آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه، وسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، وسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فلم يزل يلقي عليه واحداً بعد واحد حتى فرغ من عشرته، والبخاري يقول: لا أعرفه. ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على ((لا أعرفه)) . فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: أما حديثك الأول فهو كذا، وحديثك الثاني فهو كذا، والثالث والرابع على الولاية حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، وفعل بالآخرين مثل ذلك، ورد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها، وأسانيدها إلى متونها، فأقر له الناس بالحفظ والعلم)) . قال ابن عدي: وكان ابن صاعد إذا ذكر البخاري يقول: ((الكبش النطاح)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن العثماني قراءةً عليه، قال: قرأت على أبي محمد عبد الله بن محمد بن محمد بن علي الباهلي، وأجاز لي والده أبو عبد الله محمد قالا: حدثنا أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني، قال: أخبرونا عن أبي ذر عبد بن أحمد الهروي، قال: سمعت أبا بكر الجوزقي، قال: سمعت أبا حامد بن الشرقي، أو غيره -الشك من أبي ذر- قال: ((رأيت مسلم بن الحجاج بين يدي محمد بن إسماعيل البخاري كالصبي بين يدي معلمه)) . سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا سعيد أحمد بن حمد بن القاسم الأردستاني وآخرين بأصبهان قالوا: سمعنا أبا عثمان سعيد بن أحمد بن نعيم النيسابوري يقول: سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد بن مخلد العدل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 المخلدي يقول: سمعت أبا حامد أحمد بن حمدون الأعمشي، يقول: سمعت مسلم بن الحجاج يقول لمحمد بن إسماعيل البخاري: ((لا يبغضك إلا حاسدٌ، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك)) . وأخبرنا غير واحد من شيوخنا إجازة قالوا: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن ابن محمد البغدادي، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثنا عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، قال: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول: ((لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء)) . سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الفتح الماكي يقول: سمعت أبا يعلى الخليل يقول: سمعت أحمد بن أبي مسلم الحافظ يقول: حدثت عن محمد بن الأزهر السجزي قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 ((كنت بالبصرة في مجلس سليمان بن حرب، والبخاري جالسٌ لا يكتب، فقلت لبعضهم: مال أبي عبد الله لا يكتب؟ فقال: يرجع إلى بخارى فيكتب من حفظه)) . قال الخليلي: وأخبرني عبد الواحد بن بكر الصوفي قال: حدثنا عبد الله ابن عدي الجرجاني، حدثنا محمد بن أحمد القومسي، قال: سمعت محمد بن حمدويه، يقول: سمعت البخاري يقول: ((أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأعرف مائتي ألف حديث غير صحيح)) . قال الخليلي: وسمعت أحمد بن أبي مسلم الحافظ، وعبد الواحد بن بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 الصوفي قالا: سمعنا ابن عدي الحافظ قال: سمعت الحسن بن الحسين يقول: سمعت إبراهيم بن معقل يقول: سمعت البخاري يقول: ((ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وقد تركت من الصحاح يعني خوفاً من التطويل)) . قال الخليلي: وسمعت عبد الرحمن بن محمد بن فضالة الحافظ يقول: سمعت أبا أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الكرابيسي الحافظ يقول: ((رحم الله الإمام محمد بن إسماعيل، فإنه الذي ألف الأصول، وبين للناس، وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه، كمسلم بن الحجاج فرق كتابه في كتبه، وتجلد فيه حق الجلادة، حيث لم ينسبه إلى قائله، ولعل من ينظر في تصانيفه لا يقع فيها ما يزيد إلا ما يسهل على من يعد عداً، ومنهم من أخذ كتابه، فنقله بعينه إلى نفسه كأبي زرعة، وأبي حاتم، فإن عاند الحق معاندٌ فيما ذكرت، فليس يخفى صورة ذلك على ذوي الألباب)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 أخبرنا غير واحد من شيوخنا إجازة، عن أبي منصور بن رزيق، عن أبي بكر الخطيب، قال: أخبرونا عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري الحاكم قال: سمعت أبا الطيب محمد بن أحمد المذكر يقول: سمعت أبا بكر محمد ابن إسحاق يعني ابن خزيمة يقول: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 [18- مسلم بن الحجاج] أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري صاحب ((المسند الصحيح)) ، وأحد أئمة حفاظ الحديث. سمع بخراسان، ورجل إلى العراق، والحجاز، والشام، ومصر. سمع يحيى بن يحيى النيسابوري، وقتيبة بن سعيد البلخي، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، ومسلم بن إبراهيم، وأبا بكر، وعثمان ابني أبي شيبة، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن المثنى أبا موسى، وخلقاً يطول ذكرهم. روى عنه: إبراهيم بن محمد بن سفيان المروزي الزاهد، وأبو محمد أحمد ابن علي بن الحسين بن المغيرة بن عبد الرحمن القلانسي، ولا يروى كتابه إلا من طريقهما. وروى عنه أيضاً مكي بن عبدان، وأبو حامد بن الشرقي، ويحيى بن محمد ابن صاعد، ومحمد بن مخلد وآخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 توفي عشية يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لخمس بقين من رجب، سنة إحدى وستين ومائتين. أخبرنا أبو طاهر بن محمد [بن] أحمد السلفي، أخبرنا أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد المقرئ الحداد بأصبهان، أخبرنا أبو الحسن علي ابن محمد بن محمد بن عثمان الطرازي في كتابه، أخبرنا أبو حامد أحمد بن علي بن حسنويه المقرئ، قال: حدثنا مسلم بن الحجاج الحافظ النيسابوري، حدثنا محمد بن عباد، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 بعث معاذاً وأبا موسى الأشعري إلى اليمن فقال: ((بشرا ويسرا، وعلما ولا تنفرا)) وأراه قال: ((وتطاوعا)) ، فلما ولي أبو موسى قال: يا رسول الله، إن لهم شراباً من العسل يطبخ حتى يعقد والمزر من الشعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أسكر عن الصلاة فهو حرامٌ)) . فلما قدما اليمن نزلا بيتين فتناظرا قيام الليل، فقال أبو موسى: أنا أقوم أول الليل وأنام آخره، وقال معاذ: أنا أنام أول الليل، وأقوم آخره، واحتسب نومي كما احتسب قومي. قال: وجاء معاذٌ وعند أبي موسى رجلٌ، فقال: ما هذا؟ فقال: هذا كان كافراً فأسلم ثم ارتد، فقال معاذ: لا أنزل أو لا أجلس حتى يقتل، قال: فقتل. أخبرنا أبو عبد الله الجزري، أخبرنا أبو الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار الكناني، أخبرنا جدي أبو العلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 صاعد، أخبرنا الأستاذ أبو الحسن الطرازي، فذكر بإسناده نحوه. قال الشيخ أحسن الله عقباه: انفرد مسلمٌ بإخراج رواية عمرو بن دينار هذه هكذا من هذا الوجه، والحديث في ((الصحيحين)) من رواية سعيد بن أبي بردة بطرق عدة، اتفقا منها على رواية شعبة وحده، فهذا من أعلى ما يقع لنا من حديث مسلم منا إليه. فأما أعلى ما يقع له منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمنه: ما أخبرنا أبو محمد سعيد بن الحسين بن محمد الهاشمي بقراءتي عليه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن محمد النيسابوري بها، أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي، أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي، حدثا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ابن سفيان المروزي، حدثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، حدثنا زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل، يعني ابن علية، عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثاً كثيراً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعمد علي كذباً فليتبوأ مقعده من النار)) . قال الشيخ أيده الله: أخرجه مسلمٌ هكذا في مقدمة كتابه، وقد أغفله أبو مسعود الدمشقي، في ترجمته ابن علية، عن عبد العزيز من كتاب ((الأطراف)) سمعت أبا طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني يقول: سمعت أبا الفتح إسماعيل بن عبد الجبار بن ماك القزويني يقول: سمعت أبا يعلى الخليل بن عبد الله بن الخليل الحافظ يقول: مسلم بن الحجاج القشيري صاحب ((الصحيح)) هو أشهر من أن تذكر فضائله، مات في حد الكهولة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 سمع منه أبو حاتم مع جلالته حين قدم الري، وابنه عبد الرحمن، وابن صاعد ببغداد وأقرانه، وبنيسابور أبو حامد الشرقي. وروى عنه ابن خزيمة أحاديث، و ((صحيحه)) بنيسابور، ما أدركنا من يرويه عالياً، وكان عند الحاكم أبي عبد الله عن رجلين عنه، ومات بعد الستين. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا سهل غانم بن أحمد بن محمد ابن الحداد الأصبهاني ببغداد، يقول: سمعت أبا بكر أحمد بن الفضل بن محمد الباطرقاني الحافظ، يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة الحافظ يقول: سمعت أبا علي الحسين بن علي النيسابوري، وما رأيت أحفظ منه، قال: ((ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم بن الحجاج)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 أخبرنا غير واحد من شيوخنا إجازة قالوا: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد البغدادي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي، حدثنا أبو الفضل محمد ابن إبراهيم، سمعت أحمد بن سلمة يقول: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم الرازيين يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشائخ عصرنا. قال الخطيب: وأخبرني ابن يعقوب، أخبرنا ابن نعيم، قال: سمعت الحسين ابن محمد الماسرجسي، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: ((صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاث مائة ألف حديث مسموعة)) . قال الخطيب: وحدثني أبو القاسم السوذرجاني، قال: سمعت محمد بن إسحاق بن مندة يقول: سمعت محمد بن يعقوب الأخرم يقول: وذكر كلاماً معناه: قل ما يفوت البخاري ومسلماً شيء مما يثبت من الحديث. آخر الجزء الثاني من الأصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 [19- أبو داود السجستاني] أبو داود سليمان ابن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني صاحب كتاب ((السنن)) . سمع القعنبي، وأبا الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب، وأبا سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي، وأحمد بن يونس اليربوعي، وهشام بن عمار، وقتيبة بن سعيد، وأبا الجماهر التنوخي، وأبا الطاهر بن السرح، وآخرين من أهل خراسان، والعراق، والشام، ومصر، وتلمذ لأحمد بن حبل، ويحيى بن معين، وأخذ عنهما علم الحديث، وعلق عنه أحمد بن حنبل حديثاً واحداً، وأثبته بخطه في دفتر، وأفاده لابن أبي سمينة أبي جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 وحدث عنه غير واحد من أقرانه: كأبي عبد الرحمن النسوي، وأبي عيسى الترمذي، وأبي بشر الدولابي، وآخرون من المتأخرين: كأبي سعيد بن الأعرابي، وأبي علي اللؤلؤي، وأبي بكر بن داسة، وأبي الحسن بن العبد، وقد حدث عنه هؤلاء الأربعة بكتابة في ((السنن) ، وكذلك وراق أبي عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي أيضاً. وروى عنه: عبدان الجواليقي قاضي الأهواز، وأحمد بن سلمان النجاد الفقيه الحنبلي، وأبو بكر الصولي الأديب، وغيرهم. مولده سنة اثنتين ومائتين، ووفاته بالبصرة لأربع عشرة ليلة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وصلى عليه عباس بن عبد الواحد الهاشمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم السلفي قراءة سنة ستين وخمس مائة، أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمود الثقفي بأصبهان سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، أخبرنا أبو عبد [الله] الحسين بن الحسن بن محمد الغضائري ببغداد سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا يحيى، عن عبد الملك، عن عطاء، عن جابر قال: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 الناس: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات، كبر، ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ دون القراءة الأولى، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ القراءة الثالثة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحواً مما كان، ثم رفع رأسه وانحدر للسجود فسجد سجدتين، ثم قام فركع ثلاث ركعات قبل أن يسجد ليس فيها ركعة إلا التي قبلها أطول منها، إلا أن يكون ركوعه نحواً من قيامه، ثم تأخر في صلاته فتأخرت الصفوف معه، ثم تقدم فقام مقامه وتقدمت الصفوف معه، فقضى بعض الصلاة وقد طلعت الشمس، فقال: ((يا أيها الناس، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت بشرٍ، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي)) . قال الشيخ أيده الله: صحيحٌ من حديث عبد الملك بن أبي سليمان، انفرد به مسلمٌ دون البخاري فرواه أتم من هذا عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه عبد الله بن نمير، عن عبد الملك. فهذا من أعلى ما يقع لنا إلى أبي داود، فأما أعلى ما يقع له إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمنه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 ما أخبرنا الإمام أبو الطاهر إسماعيل بن مكي بن إسماعيل الزهري بقراءتي عليه، أخبرنا أبو بكر محمد بن الوليد بن محمد العمري بقراءتي عليه، أخبرنا أبو علي علي بن أحمد بن علي التستري بالبصرة، أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثنا زهير بن معاوية، حدثنا أبو الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 ((لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يعسر فتذبحوا جذعةً من الضأن)) . أخبرناه عالياً أبو الفتح عبيد الله بن محمد بن عبيد الله الخاني في كتابه، أنبأنا أبو طاهر جعفر بن محمد بن الفضل العباداني، أخبرنا أبو عمر الهاشمي بمثله. قال الشيخ أيده الله: انفرد به مسلمٌ فرواه عن أحمد بن عبد الله بن يونس، عن أبي خيثمة زهير بن معاوية. أخبرنا أبو طاهر السلفي بقراءتي عليه، أخبرنا القاضي أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الروياني بالري، أخبرنا أبو نصر محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أحمد بن سليمان البلخي بغزنة، أخبرنا أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي، أخبرني أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد صاحب ثعلب، قال: قال إبراهيم الحربي: لما صنف أبو داود هذا الكتاب، يعني كتاب ((السنن)) ، ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 وسمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا المحاسن الروياني قاضي قضاة طبرستان يقول: سمعت أبا نصر البلخي بغزنة يقول: سمعت أبا سليمان الخطابي يقول: سمعت أبا سعيد بن الأعرابي، ونحن نسمع منه هذا الكتاب، يعني كتاب ((السنن)) لأبي داود، وأشار إلى النسخة وهي بين يديه، فقال: لو أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله، ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتةً. وأخبرنا أبو طاهرٍ، أخبرنا أبو المحاسن، أخبرنا أبو نصر، أخبرنا أبو سلمان، حدثني عبد الله بن محمد المسكي، حدثني أبو بكر بن جابر خادم أبي داود، قال: كنت معه ببغداد، فصلينا المغرب إذ قرع الباب، ففتحه، فإذا خادمٌ يقول: هذا الأمير أبو محمد الموفق يستأذن، فدخلت إلى أبي داود فأخبرته بمكانه، فأذن له فدخل وقعد، ثم أقبل عليه أبو داود فقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟! فقال: خلال ثلاث، قال: وما هي؟! قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطناً ليرحل إليك طلبة العلم من أقطار الأرض، فتعمر بك، فإنها قد خربت وانقطع عنها الناس بما جرى عليها من محن الزنج. فقال: هذه واحدة، هات الثانية. قال: وتروي لأولادي كتاب ((السنن)) ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 فقال: نعم، هات الثالثة. قال: وتفرد لهم مجلساً للرواية، فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة! فقال: أما هذه فلا سبيل إليها، لأن الناس شريفهم ووضيعهم في العلم سواء. قال ابن جابر: وكانوا يحضرون بعد ذلك ويقعدون في كم حيري ويضرب بينهم وبين الناس ستر فيسمعون مع العامة. أخبرنا أبو طاهر، أخبرنا أبو الفضل محمد بن علي المقدسي بهمذان، أخبرنا أبو القاسم عبد الله بن طاهر التميمي الفقيه قدم علينا الري حاجاً، أخبرنا علي بن محمد بن نصر الدينوري، حدثنا القاضي أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد المالكي، حدثنا أبو القاسم الحسن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 محمد بن أحمد، حدثني أبو بكر محمد بن إسحاق، حدثنا الصولي، قال: سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى الساجي يقول: ((كتاب الله عز وجل أصل الإسلام، وكتاب السنن لأبي داود عهد الإسلام)) . أخبرنا أبو طاهر، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله بن الأبنوسي ببغداد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ، حدثني أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم القارئ الدينوري بلفظه، قال: سمعت أبا الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الفرضي قال: سمعت أبا بكر بن داسة يقول: سمعت أبا داود يقول: ((كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مائة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب، يعني كتاب السنن، جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لديه من ذلك أربعة أحاديث أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الأعمال بالنيات)) والثاني: قوله: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) (والثالث قوله) : ((لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه)) . الرابع قوله: ((الحلال بينٌ والحرام بينٌ، وبين ذلك أمورٌ مشتبهاتٌ)) الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 وسمعت أبا طاهر السلفي، يقول: سمعت أبا الفضل المقدسي يقول: حكى أبو عبد الله بن مندة الحافظ الأصبهاني: أن شرط أبي داود والنسوي إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث واتصال الإسناد من غير قطعٍ ولا إرسال. وأخبرنا أحمد بن محمد الأصبهاني بقراءتي عليه، أخبرنا محمد بن طاهر المقدسي بهمذان، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الشيرازي بنيسابور، أخبرنا الحاكم أبو عبد الله في كتابه، قال: سمعت الزبير بن عبيد الله بن موسى التوزي يقول: سمعت أبا عبد الله بن مخلد، يقول: ((كان أبو داود سليمان بن الأشعث يفي بمذاكرة مائة ألف حديث، ولما صنف كتاب السنن، وقرأه على الناس صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه، وأقر له أهل زمانه بالحفظ والتقدم فيه)) . وقرأت على أبي طاهر السلفي، عن أبي مكتوم الهروي قال: أنبأنا أبي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 قال: أجاز لي حمد بن عبد الله الأصبهاني بالري، قال: أجاز لي عبد الرحمن ابن أبي حاتم، قال: سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر الأزدي أبو داود السجستاني، روى عن عبد الله بن مسلمة القعنبي، وموسى بن إسماعيل التبوذكي، ومحمد بن كثير العبدي، وأحمد بن حنبل، ومسدد بن مسرهد، رأيته ببغداد وجاء إلى أبي مسلماً وهو ثقة. أخبرنا أبو طاهر، أخبرنا محمد بن طاهر، أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن مندة العبدي بأصبهان قال أبي، أبو عبد الله الحافظ: ((الذين أخرجوا الصحيح، وميزوا الثابت من المعلول والخطأ من الصواب أربعة: أبو عبد الله البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري، وبعدهما: أبو داود السجستاني، وأبو عبد الرحمن النيسابوري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 قرأت على أبي طاهر السلفي، قال: قرأت على أبي الحسن علي بن الحسن ابن الحسين الطائي بدمشق، عن أبي علي الحسن بن إبراهيم المقرئ الأهوازي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت (أبا بكر محمد) بن بكر (ابن) عبد الرزاق المعروف بابن داسة يقول: كنت يوماً سائراً إلى الأبلة، لألقى أبا داود السجستاني. فجعلت طريقي على سهل بن عبد الله، فلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 دخلت إليه رأى معي المحبرة، فقال لي: تكتب الحديث؟ فقلت: نعم. قال: وتمضي إلى ابن أبي داود وتسمع منه؟ قلت: نعم، قال: هب أنك أبو داود السجستاني وكتبت ما كتب، وجمعت ما جمع، وعشت كما عاش وصارت الرحلة إليك كما الرحلة إلى أبي داود، لا ينفعك شيءٌ من ذلك أو تعمل به. قال أبو بكر بن داسة: فجرح قلبي كلام الشيخ وتألم سري فجئت أبا داود وأنا منكسر، فقال: مالك؟ فقلت له: آذى سري هذا الأعجمي، أعني سهلاً، وذكرت ما جرى لي معه. فقال أبو داود: قم بنا إليه. فجاء معي، فلما رآه سهلٌ، قام له قائماً، وكان سهلٌ لا يقوم لأحد، وقبله وأجلسه إلى جنبه وتخلى له من بعض مقعده، وتذاكرا، فقال له أبو داود فيما جرى بينهما: حديثٌ كتبته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعياني. فقال له سهل: ما هو؟ فقال له أبو داود: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل مولودٍ يولد على فطرة الإسلام، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه)) . فقال له سهلٌ: نعم، معنى قوله: ((كل مولود يولد على فطرة الإسلام)) يعني: على خلقة الإسلام، ومعنى قوله: ((فأبواه يهودانه)) يعني يحسنان له اليهودية والنصرانية والمجوسية، ويحملانه إلى بيوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 عبادتهم، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت داعياً وليس إلي من الهداية شيءٌ، وخلق إبليس مزيناً، وليس ليس له من الضلالة شيء)) . قال: فانكب أبو داود فباس رأس سهلٍ. قال أبو علي: قال لي أبي: قلت لابن داسة: كنت تخرج إلى أبي داود إلى الأبلة؟ فقال لي: أقمت أربع سنين أخرج إليه في كل يوم وأمر وأجيء. قال لي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 أبي: وكان ابن داسة له بستانٌ حسنٌ، وكان ربما يقعد في البستان عمداً لأصحاب الحديث حتى إذا جئنا إليه إلى البستان أطعمنا شيئاً، وقدم لنا من الثمر الذي في البستان في كل حين ما حضر. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ بقراءتي عليه، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن زنجويه، المفتي بزنجان، أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن شبيب الشيرازي بنيسابور، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ، قال: سمعت الخليل بن أحمد القاضي يقول سمعت أبا محمد أحمد بن محمد بن الليث، قاضي بلدنا يقول: جاء سهل بن عبد الله التستري إلى أبي داود السجستاني فقيل: يا أبا داود هذا سهل بن عبد الله جاءك زائراً، قال: فرحب به وأجلسه، فقال له سهل: يا أبا داود لي إليك حاجة. قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وما هي؟ قال: حتى تقول: قد قبضتها مع الإمكان. قال: قد قبضتها مع الإمكان. قال: أخرج إلي لسانك الذي حدثت به أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله. قال: فأخرج إليه لسانه فقبله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 [20- أبو عيسى الترمذي] أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي الحافظ، وأصله من مرو، انتقل جده منها أيام الليث بن شياد. سمع قتيبة بن سعيد، وسفيان بن وكيع، وأحمد بن منيع، وسعيد بن يعقوب، والحسن بن قزعة، وحميد بن مسعدة، وأبا كريب محمد بن العلاء، وعلي بن خشرم، ومحمد بن موسى الحرشي البصري، والفضل بن الصباح البغدادي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ومحمد بن المثنى أبا موسى الزمن، ومحمد بن بشار بندار، وهناد بن السري، ونصر بن علي الجهضمي، وعبد بن حميد الكشي، ومحمد بن يحيى النيسابوري، وأحمد بن الحسن الترمذي، ومحمود بن غيلان، وأحمد بن عبدة الضبي، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، وآخرين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وكتابه ((الجامع)) من أحسن ما صنف لما احتوى عليه من الفقه والحديث، والكلام على المعاني والرجال، واختلاف العلماء، ومعرفة من في الباب من الصحابة، وجمعه لأشتات كثيرة من المقاصد في معرفة الصحيح والحسن والغريب والموصول والمقطوع، وأمثلة ذلك، وبيان وجه الصواب فيها. روى عنه كتابه أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، وأبو سعيد الهيثم بن كليب بن سريج بن معقل الشاشي. وحديثه عزيز، وذكر غير واحد من علماء الحديث بالأندلس أنه كان ضريراً وقيل إنه كان أكمه، وكانت وفاته بعد سنة ثمانين ومائتين. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني، أخبرنا أبو الفتح أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الزكي المقرئ بأصبهان سنة تسعين وأربع مائة، أخبرنا أبو إبراهيم إسماعيل بن ينال المروزي في كتابه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما رجل يرعى غنماً له إذ جاءه الذئب فأخذ شاةً فجاء صاحبها فانتزعها منه فقال الذئب: كيف تصنع بها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري؟)) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فآمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر)) . قال أبو سلمة: وما هما في القوم يومئذ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 قال الشيخ أيده الله: فهذا من أعلى ما وقع لنا إلى أبي عيسى ورواته ثقات كلهم. وقوله: ((من لها يوم السبع)) قال ابن الأعرابي: السبع الموضع الذي عنده المحشر يوم القيامة، أراد من لها يوم القيامة، يعني أن أهلها يتركونها لاشتغالهم بأنفسهم لما هم فيه من الشدائد والأهوال المتقدمة على القيامة فيخلون بينها وبين السبع فلا يرعاها غيري، أي لا تمتنع علي. وذكر أبو موسى الأصبهاني الحافظ ولي منه إجازة أن أبا عامر العبدري، أملاه عليه بضم الباء بعد ما روى له بالإسناد عن علي ابن المديني أنه قال: سمعت أبا عبيدة معمر بن المثنى يقول: يوم السبع عيدٌ كان لهم في الجاهلية أي يشتغلون بعيدهم ولهوهم وليس بالسبع الذي يأكل الناس. قال أبو موسى: وكان أبو عامر من العلم والإتقان بمكان، وبخط بعضهم: بفتح الباء، وليس بشيء، ورواه محمد بن عمرو وفسره بأنه يوم القيامة، من لها يوم القيامة، وقال أهل المعرفة: من ضم الباء غلط. ولعمري لقد وجدتها في أصلي مضبوطاً كذلك بلغتي السبع بضم الباء ولا يكون له معنى سوى الأسد. فأما أعلى ما يقع لأبي عيسى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمنه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ما أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد الأنصاري قراءة عليه، أخبرنا أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البلخي بمكة -شرفها الله تعالى- أخبرنا أبو القاسم أحمد بن محمد بن عبد الله الخليلي، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد الخزاعي، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي حدثنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي، حدثنا حماد بن زيد، عن عاصم الأحول عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 عبد الله بن سرجس قال: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في ناس من أصحابه، فدرت هكذا من خلفه، فعرف الذي أريد، فألقى الرداء عن ظهره فرأيت موضع الخاتم على كتفه مثل الجمع حولها خيلان كأنها الثآليل، فرجعت حتى استقبلته فقلت: غفر الله لك يا رسول الله. فقال: ((ولك)) فقال القوم: استغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم ولكم. ثم تلا هذه الآية: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} )) . قال الشيخ أيده الله: أخرجه مسلمٌ عن أبي كامل، عن حماد بن زيد وفيه زيادة وانفرد بجميع ترجمة عبد الله بن سرجس دون البخاري. ومعنى قوله: ((مثل الجمع)) يعي مثل جمع الكف وهو أن يجمع الأصابع ويضمها، يقال: ضربه يجمع كفه. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الفتح إسماعيل بن عبد الجبار الماكي يقول: سمعت أبا يعلى الخليل بن عبد الله الخليلي، يقول: محمد بن عيسى بن سورة بن شداد الحافظ ثقةٌ متفقٌ عليه، له كتابٌ في السنن، وكلامٌ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 في الجرح والتعديل، روى عنه ابن محبوب والأجلاء بمرو، وسمعنا سننه من بعض المراوزة عن ابن محبوب عنه، سمع قتيبة، وبالعراق عارماً والقعنبي وغيرهم، مشهورٌ بالأمانة والعلم، مات بعد الثمانين ومائتين، رحمة الله عليه. سمعت أبا طاهر السلفي الحافظ يقول: سمعت أبا نصر المؤتمن بن أحمد ابن علي الساجي الحافظ ببغداد يقول: سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد بن أبي معاذ الحافظ بهراة يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي أحسن كتاب صنف في الإسلام، وأقربه مأخذاً لاهتداء المرء إلى ما يريده سريعاً بلا مشقة، وكلامه على فقه الحديث الذي يورده فيه، هذا أو معناه، فإني علقته من حفظي لا من تعليقي عن المؤتمن. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني قراءةً عليه، أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي، إذناً مشافهة بمدينة السلام، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الحريري، حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن شعبة السنجي، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، أخبرنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الترمذي الحافظ، قال: ((ما كان في كتابي من ذكر العلل في الأحاديث والرجال والتاريخ فهو ما استخرجته من كتاب ((التاريخ)) وأكثر ذلك ما ناظرت به محمد بن إسماعيل، ومنه ما ناظرت به عبد الله بن عبد الرحمن وأبا زرعة، وأكثر ذلك عن محمد، وأقل شيء فيه عن عبد الله وأبي زرعة، ولم أر بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد كبير أحدٍ أعلم من محمد بن إسماعيل)) . أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن علي المكي بها وغير واحد قالوا: أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن سهل الهروي قراءةً عليه، أخبرنا أبو الفتح عبيد الله بن علي بن ياسين الدهان وآخران، قالوا: أخبرنا أبو محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 عبد الجبار بن محمد الجراحي، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي قال: قال لنا أبو عيسى الترمذي: ((قد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا فيما سوى ذلك من العلم، ذكر عن شعبة أنه ضعف أبا الزبير المكي، وعبد الملك بن أبي سليمان، وحكيم بن جبير، وترك الرواية عنهم، ثم حدث شعبة عمن هو دون هؤلاء في الحفظ والعدالة: حدث عن جابر الجعفي، وإبراهيم بن مسلم الهجري، ومحمد بن عبيد الله العرزمي، وغير واحد ممن يضعفونه في الحديث، وقد كان شعبة حدث عن عبد الملك بن أبي سلميان ثم تركه، وقد ثبت غير واحد من الأئمة أبا الزبير، وحدثوا عنه، وعن عبد الملك بن أبي سليمان، وحكيم بن جبير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الطبقة السادسة [21- ابن خزيمة النيسابوري] أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري إمام الأئمة. سمع: إسحاق بن راهويه، وأحمد بن منيع، وأحمد بن عبدة الضبي، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن المثنى (أبا موسى) الزمن، ويحيى بن حبيب بن عربي، وعتبة بن عبد الله اليحمدي، وبشر بن معاذ، وعبد الجبار بن العلاء، ونصر بن علي الجهضمي، ومحمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن زياد، ويونس بن عبد الأعلى، وعلي بن حجر. روى عنه: محمد بن صالح بن هانئ، والحسين بن محمد الدارمي، وأبو سعيد بن أبي عثمان، والحسن بن سفيان، وأبو زكريا العنبري، وأبو حامد ابن الشرقي، وأحمد بن إسحاق الصبغي، ومحمد بن أبي زكريا الهمداني وآخر من حدث عنه بنيسابور ابن ابنه أبو بكر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 توفي سنة إحدى وعشرة وثلاث مائة بنيسابور. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني الحافظ قراءةً عليه، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة الأصبهاني الحافظ بها بقراءتي عليه، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي ثم النيسابوري بها قراءة عليه، أخبرنا أبو طاهر محمد ابن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي قراءةً عليه من أصل كتابه فأقر به، وقال: نعم في شوال سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، أخبرنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا بندار، حدثنا يحيى -يعني ابن سعيد- عن حسين المعلم عن ابن بريدة، عن بشير بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 كعب، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، أنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء بذنبي وأبوء لك بنعمتك، فاغفر ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها موقناً بعدما يصبح فمات من ليلته كان من أهل الجنة، ومن قالها حين يمسي موقناً بها كان من أهل الجنة)) . قال الشيخ أدام الله علوه: انفرد به البخاري فرواه عن أبي معمر، عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 عبد الوارث، وعن مسدد، عن يزيد بن زريع كليهما عن حسين المعلم كما أخرجناه. فهذا من أعلى ما وقع لنا من صحيح حديثه، فأما أعلى ما وقع له فمنه: ما أخبرنا ابن سلفة، أخبرنا ابن مندة، أخبرنا المغربي، أخبرنا ابن خزيمة، حدثنا جدي حدثنا نصر بن علي، أخبرنا زياد بن الربيع، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((ما أعرف اليوم شيئاً كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقيل له: فأين الصلاة؟!! قال: أو لم تصنعوا في الصلاة ما قد علمتم)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 قال الشيخ أسعده الله: نصر، وزياد، وأبو عمران ثقات كلهم، ومن غريب حديثه وأعلاه ما أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو الفتح الماكي، أخبرنا أبو يعلى الخليلي، حدثنا أحمد بن محمد الزاهد بنيسابور، وحدثنا أبو حامد أحمد بن محمد الشرقي، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا عبد الجبار بن العلاء، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مررت فرأيت مع بناتك رجلاً فقال: ((لعله أخوهن ابن أبي هالة)) . قال أبو بكر: هذا حديثٌ غريبٌ قرأ علينا عبد الجبار في آخر حديث عمرو ابن دينار. قال الخليلي: لم يروه عن عبد الجبار غير ابن خزيمة. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت إسماعيل بن عبد الجبار القزويني بها، يقول: سمعت الخليل بن عبد الله الحافظ يقول: سمعت حمد بن عبد الله المعدل يقول: سمعت عبيد الله بن خالد الأصبهاني يقول: سئل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبي بكر بن خزيمة فقال: ويحكم!! هو يسئل عنا، ولا نسئل عنه، هو إمامٌ يقتدى به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 قال الخليلي: وحدثني بعضهم عن أبي أحمد الحافظ، قال: سمعت من سمع الربيع بن سليمان يقول: استفدنا من هذا الفتى الشعراني أبي بكر أكثر مما استفاد منا، يعني ابن خزيمة. سمعت أبا يوسف محمد بن يوسف البغدادي يقول: سمعت محمد بن أبي منصور الفارسي يقول: سمعت عبد الله بن أحمد السمرقندي، يقول: سمعت أحمد بن علي الشيرازي يقول: سمعت الحاكم أبا عبد الله النيسابوري يقول: سمعت أبا بكر محمد بن علي الفقيه الشاشي يقول: سمعت أبا بكر الصيرفي، يقول: سمعت أبا العباس بن سريج يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 وذكر أبا بكر محمد بن إسحاق فقال: يخرج النكت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنقاش. قال الحاكم أبو عبد الله: وسمعت أبا أحمد الحافظ، سمعت الحاكم أبا الحسن السنجاني يقول: نظرت في مسألة الحج لمحمد بن إسحاق بن خزيمة فتيقنت أنه علمٌ لا نحسنه نحن. قال الحاكم: وسمعت أبا سعيد بن أبي بكر بن أبي عثمان يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق وسئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تحاجت الجنة والنار فقالت الجنة: يدخلني الضعفاء)) . فقيل لمحمد بن إسحاق: من الضعيف؟ قال: الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة، يعني في اليوم عشرين مرة إلى خمسين مرة. قال الحاكم: قرأت بخط أبي عمرو المستملي ووفاته قبل (أبي بكر) بنيف وثلاثين سنة، قال: سألت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام الدهر ضيقت عليه جهنم)) قال: ينبغي أن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 هاهنا معنى عليه. عنه، فلا يدخل جهنم لأن من ازدد لله عملاً وطاعة ازداد به عند الله عز وجل رفعةً وليه كرامة وإليه قربة. قال الحاكم: وسمعت أبا زكريا العنبري يقول: سمعت محمد بن إسحاق يقول: ليس لأحد مع النبي صلى الله عليه وسلم قولٌ إذا صح الخبر عنه، ثم قال ابن خزيمة: سمعت أبا هشام الرفاعي يقول: سمعت يحيى بن آدم يقول: لا يحتاج مع قول النبي صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد، وإنما كان يقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر ليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو عليها. قال الحاكم: فضائل هذا الإمام -يعني ابن خزيمة- مجموعةٌ عندي في أوراق كثيرة، وهي أشهرٌ وأكثر من أن يحتملها هذا الموضع، ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتاباً سوى المسائل، والمسائل المصنفة أكثر من مائة جزء، فإن فقه حديث بريرة ثلاثة أجزاء، ومسألة الحج خمسة أجزاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 قال الشيخ أطال الله بقاءه، قال لنا أبو يوسف، قال لنا محمد بن أبي منصور: وقد كتب إلينا أحمد بن علي الشيرازي بإجازة جميع حديثه. وأخبرنا بما أوردناه عنه عبد الله بن أحمد السمرقندي الحافظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 [22- ابن جرير الطبري] أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري الآملي. أحد العلماء الحفاظ، وله مذهبٌ مختاره في الفروع وأصحابٌ ينتحلون مذهبه منهم: القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري المعروف بابن طرار، وأبو الطيب أحمد بن سليمان الجريري -بالجيم- نسبة إليه وهو الحريري -بالحاء أيضاً- كان بمصر، ولابن جرير التصانيف الواسعة المشهورة في التفسير، والحديث والتاريخ. روى عن جماعة كثيرة يكثر عددهم، منهم: أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني، ومحمد بن عوف الطائي، ومحمد بن مسلم الرازي، ومحمد بن يزيد الرفاعي، ومحمد بن أبي منصور الآملي، ومحمد بن عمار الأسدي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 ومحمد بن علي بن الحسين بن شقيق، وموسى بن سهل الرملي، وأبو السائب سلم بن جنادة، وتميم بن المنتصر، والفضل بن الصباح، وخلاد بن أسلم، وعبد الله بن أحمد بن شبويه، وعلي بن سهل الرملي. توفي في شوال سنة عشر وثلاث مائة، وقيل توفي في سنة تسع وثلاث مائة. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني بقراءتي عليه ببغداد، أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي بقراءتي عليه ببغداد، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي، أخبرنا أبو الحسن علي بن خفيف ابن عبد الله الدقاق، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري من لفظه، حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة، حدثنا ابن فضيل، قال ابن جرير: وحدثنا تميم بن المنتصر، ومجاهد بن موسى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 قال تميم: أخبرنا يزيد، وقال مجاهد: حدثنا يزيد بن هارون. قال ابن جرير: وحدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا مروان بن معاوية ويزيد بن هارون جميعاً، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير ابن عبد الله قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: ((إنكم راؤون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)) ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب} )) ولفظ الحديث لحديث مجاهد. قال يزيد: من كذب بهذا الحديث فهو بريءٌ من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، حلف غير مرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 قال أبو جعفر: ((صدق يزيد، وقال الحق)) . قال الشيخ أسعده الله بتقواه: متفقٌ عليه، أخرجه البخاري عن الحميدي، عن مروان، وعن مسدد، عن يحيى القطان، وعن ابن راهوية، عن جرير، وعن عمرو بن عون، عن خالد، وهشيم. ورواه مسلمٌ عن زهير، عن مروان، وعن أبي بكر، عن ابن نمير، وأبي أسامة، ووكيع كلهم عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد رواه البخاري عن عبدة بن عبد الله، عن حسين الجعفي، عن زائدة عن بيان بن بشر، عن قيسٍ، عن جرير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الفتح الماكي يقول: سمعت أبا يعلى الخليلي يقول: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري أشهر من أن يذكر، جامعٌ في العلوم إمام. سمع بالري: محمد بن حميد، وأقرانه، وبالعراق: أحمد بن عبدة الضبي، ونصر بن علي الجهضمي، وارتحل إلى الشام ومصر، ولا تعد شيوخه، مات سنة تسع وثلاث مائة. سمع منه الأئمة، والذين أكثروا عنه: علي بن موسى الدقيقي الحلواني، روى عنه ((التاريخ)) ، و ((التفسير)) ، ومخلد بن جعفر الباقرحي، روى عنه كتاب ((الذيل)) ، والباقون رواه عنه اليسير، وآخر من روى عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 ببغداد ابن المظفر الحافظ، وقد كتب إلي وشيخٌ آخر بعد الثمانين، روى عنه جزءاً صغيراً. وأخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو الحسين الصيرفي، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، أخبرنا أبو الحسن علي بن خفيف الدقاق، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري من لفظه قال: الحمد لله مفلح الحق وناصره، ومدحض الباطل وماحقه، الذي اختار لنفسه الإسلام ديناً، فأمر به وحاطه وتوكل بحفظه، وضمن إظهاره على الدين كله ولو كره المشركون. ثم اصطفى رسلاً من خلقه ابتعثهم بالدعاء إليه، وأمرهم بالقيام به، والصبر على ما أنابهم من جهلة خلقه، وامتحنهم من المحن بصنوف، وابتلاهم من البلاء بضروب تكريماً لهم غير تذليل، وتشريفاً لهم غير تخسير، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، فكان أرفعهم عنده درجة، أجدهم مضياً لأمره مع شدة المحنة، وأقربهم إليه زلفة أحسنهم نفاذاً لما أرسله به مع عظم البلية، فلم يخل جل ثناؤه أحداً من مكرمي رسله ومقربي أوليائه من محنته في عاجله دون آجله ليستوجب بصبره عليها من ربه من الكرامة ما أعد له، ومن المنزلة ما كتبه له، ثم جعل جل ذكره علماء أمة نبينا صلى الله عليه وسلم من أفضل علماء الأمم التي خلت قبلها فيما كان قسم لهم من المنازل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 والدرجات والمناقب والمكرمات قسماً وأجزلهم فيه حظاً ونصيباً مع ابتلاء الله سبحانه أفاضلها بمنافقيها، وامتحانه خيارها بشرارها، ورفعائها بسفهائها ووضعائها، فلم يكن يثنيهم ما كانوا به منهم يبتلون، ولا كان يضرهم ما كانوا (في الله) منهم يلقون عن النصيحة لله في عباده وبلاده أيام حياتهم، بل كانوا بعلمهم على جهلهم يعودون، وبحلمهم لسفههم يتعمدون، وبفضلهم على نقصهم يأخذون، بل كان لا يرضى كثيرٌ منهم ما أزلفه لنفسه عند الله من فضل ذلك أيام حياته، وادخر منه من كريم الذخاير لديه قبل مماته حتى يبقى لمن بعده آثاراً على الأيام باقية، ولهم إلى الرشاد هادية، جزاهم الله عن أمة نبيهم صلى الله عليه وسلم أفضل ما جازى عالمٌ أمة عنها، وحباهم من الثواب أجزل ثواب، وجعلنا ممن قسم له من صالح ما قسم لهم، وألحقنا بمنازلهم، وكرمنا بحبهم، ومعرفة حقوقهم، وأعاذنا والمسلمين جميعاً من مرديات الأهواء، مضلات الآراء، إنه سميع الدعاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 [23- ابن صاعد البغدادي] أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد البغدادي مولى بني هاشم. سمع إسحاق بن شاهين أبا بشر، والحسن بن علي بن عفان، ومحمد بن الحسين الحنيني، وعبد الله بن يوسف الجبيري، ومحمد بن إسماعيل البخاري، والربيع بن سليمان المرادي، وإبراهيم بن مرزوق، وبكار بن قتيبة، ومحمد بن سليمان بن حبيب المصيصي لويناً، ومحمد بن الحسن بن سعيد الأصبهاني أبا جعفر، ومحمد بن عبيد بن المستورد أبا سيار، ومحمد ابن أحمد بن السكن صاحب الطعام، والعلاء بن سالم، وإبراهيم بن منقذ الخولاني، والحسن بن أحمد الحراني أبا مسلم، ومحمد بن هارون أبا نشيط، وإسحاق بن حاتم العلاف، ويحيى بن المغيرة أبا سلمة المخزومي، ومحمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ، وعبد الجبار بن العلاء، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وأبا سعيد الأشج، وأحمد بن المقدام العجلي أبا الأشعث، وإسحاق بن يسار، وعمر بن يوسف الجوهري، وحفص بن عمر الرواسي، وإسماعيل بن أبي الحارث، وخلاد بن أسلم، وزيد بن أخزم، وعباد بن الوليد أبا بدر الغبري، وداود بن محمد الأنطاكي، وآخرين يطول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 ذكرهم ببغداد، والبصرة، والكوفة، ونصيبين، ومكة، والمدينة، ومصر، وطرسوس. روى عنه أبو الحسن الدارقطني، وأبو الطيب بن المنتاب، وأبو حفص الكتاني، وأبو جعفر بن حيويه، وأبو بكر بن زنبور، وأبو طاهر المخلص، وأبو محمد بن أبي شريح، وآخرون، توفي في ذي القعدة سنة ثمان عشرة وثلاث مائة. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني، وأبو الحسن علي بن مهران بن علي المهراني بقراءتي عليهما، قالا: أخبرنا أبو علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 كتائب بن علي بن أحمد الفارقي قراءةً عليه، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن سعدون الموصلي بمصر، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني الحافظ، حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا يحيى بن سليمان بن نضلة الخزاعي بالمدينة، حدثنا سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو وهو مولى المطلب، قال: سمعت أنس ابن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 قال ابن صاعد: وحدثنا محمد بن زنبور المكي، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، قال حدثنا عمرو بن أبي عمرو أنه سمع أنس بن مالك يقول: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم: وكنت أسمعه يكثر أن يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال)) . قال الشيخ أعزه الله بطاعته: انفرد به البخاري فرواه عن خالد بن مخلد القطواني، عن سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو، وهو مولى المطلب ابن عبد الله بن حنطب. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الفتح الماكي، يقول: سمعت أبا يعلى الخليلي يقول: كان يقال: أئمةٌ ثلاثةٌ في زمان واحد: ابن أبي داود ببغداذ، وابن خزيمة بنيسابور، وابن أبي حاتم بالري. قال الخليلي: ورابعهم ببغداذ أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد مولى بني هاشم، ثقة إمام، يفوق في الحفظ أهل زمانه، ارتحل إلى مصر والشام والحجاز، والعراق، منهم من يقدمه في الحفظ على أقرانه، منهم أبو الحسن الدارقطني الحافظ. ومات ابن صاعد سنة ثمان عشرة وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 [24- ابن أبي حاتم الرازي] أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، محمد بن إدريس الرازي الحنظلي. الإمام ابن الإمام، جمع العلم والورع، وهو صاحب ((الجرح والتعديل)) ، ولم يكن حنظلي النسب، وإنما قيل له: الحنظلي لأنه كان يسكن درب حنظلة بالري. سمع: أباه، وأبا زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، وعنهما أخذ أكثر علمه. وسمع صالح بن أحمد بن حنبل، وأحمد بن سنان الواسطي، وحماد بن الحسن بن عنبسة، والعباس بن محمد الدوري، ومحمد بن حمويه، وعلي بن الحسين بن الجنيد، وأبا حامد بن الشرقي وآخرين. وكتب إليه بالإجازة: عبد الله بن أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي خيثمة، وغيرهما. روى عنه: أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البردعي، وأبو علي حمد بن عبد الله الرازي المعدل، وعلي بن عمر الفقيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 ولد سنة أربعين ومائتين، وتوفي سنة سبع وعشرين وثلاث مائة. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي، وأبو الحسن علي بن مهران بن علي بن مهران القرميسيني بقراءتي عليهما، قالا: أخبرنا أبو علي كتائب بن علي بن أحمد الفارقي قراءة عليه سنة اثنتي عشرة وخمس مائة، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسن بن محمد بن سعدون الموصلي بمصر سنة سبع وأربعين وأربع مائة بانتقاء أبي عبد الله الصوري الحافظ، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البزاز قراءةً عليه، وأنا أسمع بانتقاء أبي الفتح الأزدي الحافظ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، حدثنا علي بن المنذر الطريقي، حدثنا ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 قال أبو عبد الله الصوري: هذا حديثٌ صحيحٌ من حديث أبي سعيد يحيى ابن سعيد بن قيس بن قهد الأنصاري القاضي، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، انفرد البخاري بإخراجه، فأخرجه عن محمد ابن سلام، عن محمد بن فضيل كما أخرجناه. وليس ليحيى بن سعيد، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة في ((الصحيح)) غيره. قال الشيخ أيده الله: ومن عالي حديث ابن أبي حاتم ما أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو إبراهيم الخليل بن عبد الجبار بن عبد الله التميمي بقزوين، أخبرنا أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم الرازي سنة اثنتين وأربعين وأربع مائة، أخبرنا أبو علي حمد بن عبد الله الأصبهاني بالري، حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أبي حاتم الحنظلي، حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: جاء رجلٌ يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قال: ((أصليت)) ؟ قال: لا. قال: ((فصل ركعتين)) . قال الشيخ أيده الله: متفقٌ عليه من حديث عمرو بن دينار، أخرجاه من رواية حماد بن زيد عنه. ووقع لنا عالياً من حديثه أعلى من حديث ابن عيينة الذي قدمناه. أخبرنا أحمد بن محمد السلفي، أخبرنا القاسم بن الفضل الثقفي، أخبرنا هلال بن محمد بن جعفر الحفار ببغداد، حدثنا الحسين بن يحيى بن عياش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 المتوثي، حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، حدثنا حماد بن زيد عن عمرو ابن دينار عن جابر بن عبد الله أن رجلاً جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقال له: ((أصليت يا فلان)) ؟ قال: لا. قال: ((قم فاركع)) . قال الشيخ أمده [الله] بمعونته: أخرجه البخاري عن أبي النعمان عارم، وأخرجه مسلمٌ عن أبي الربيع الزهراني جميعاً عن حماد بن زيد. سمعت أبا طاهر السلفي رضي الله عنه يقول: سمعت أبا الفتح الماكي يقول: سمعت أبا يعلى الخليلي يقول: ((أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي أخذ علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، والحديث الصحيح من السقيم، وله من التصانيف ما هو أشهر من أن يوصف في الفقه والتواريخ واختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، وكان زاهداً يعد من الأبدال)) . ولد سنة أربعين ومائتين، ومات سنة سبع وعشرين وثلاث مائة، ويقال: إن السنة بالري ختمت به، وأمر بدفن الأصول من كتب أبي زرعة وأبي حاتم، ووقف من الكتب تصانيفه، وكان وصيه ابن الدرستيني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 قال الخليل: سمعت أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ يحكي عن علي ابن الحسين الدرستيني القاضي: ((أنا أبا حاتم الرازي كان يعرف اسم الله الأعظم، فظهر بابنه عبد الرحمن علةٌ، فاجتهد أن لا يدعوا بذلك الاسم، وأنه قال: لا أسأل بذلك الاسم شيئاً من الدنيا، وإنما أسأل به ما في الآخرة، فلما اشتدت بعبد الرحمن العلة، غلب عليه الحزن حتى دعا الله تعالى بذلك الاسم، فشفاه الله، فرأى أبو حاتم في نومه أنه قيل له: استجيب دعاك، ولكن لا يعقب ابنك، لأنك دعوت بالاسم للدنيا، فكان عبد الرحمن مع زوجته سبعين سنة، فلم يرزق ولداً، وقيل: إنه ما مسها. وكانت امرأته في الصلاح مثله)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 الطبقة السابعة [25- حمزة الكناني] أبو القاسم حمزة بن محمد بن علي بن محمد بن العباس الكناني المصري. أحد حفاظ الحديث المشهورين وأئمته المبرزين، الذين ذكر الحاكم أبو عبد الله النيسابوري الحافظ في كتابه الموسوم بـ ((معرفة علوم الحديث)) أنه أحد الأربعة المشار إليهم بالحفظ في زمانه. سمع أبا عبد الرحمن أحمد بن علي بن شعيب النسوي، وأبا يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، وأبا عبد الله محمد بن داود بن عثمان بن سعيد بن أسلم الصدفي، وعبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد العسكري، وعمران بن موسى بن حميد الطبيب، ومحمد بن إسماعيل البغداذي، ومحمد بن سعيد ابن عثمان بن عبد السلام السراج، وسعيد بن عثمان الحراني، وأبا بكر أحمد بن محمد بن نافع، والحسن بن أحمد بن سليمان، وعبد السلام بن سهل السكوني، وآخرين. روى عنه: أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، وأبو محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي، وأبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة الأصبهاني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 وأبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بابن القابسي، الفقيه المالكي، وأبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن يحيى القرطبي العطار، وأبو محمد عبد الرحمن بن عمر النحاس التجيبي البزاز، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن مرزوق الأنماطي، وآخرون. وآخر من حدث عنه في الدنيا شرقاً وغرباً، أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحراني الصواف المعروف بابن حمصة بمجلس واحد يعرف بـ ((مجلس السجلات)) وبـ ((مجلس البطاقة)) لقضية جرت له في إملاء الحديث المتضمن لهذين اللفظين، سنذكرهما في آخر الفصل -إن شاء الله تعالى-، ولم يكن عند ابن حمصة عن حمزة، ولا عن غيره سوى هذا المجلس، وهو آخر ما أملاه حمزة في سلخ شهر ربيع الأول، سنة سبع وخمسين وثلاث مائة، وفيها مات في ذي الحجة، وكان مولده سنة خمس وسبعين ومائتين في شبعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 مولد ابن حمصة سنة ثلاث وأربعين وثلاث مائة، ومات في رجب سنة إحدى وأربعين وأربع مائة. وحدث به عن ابن حمصة جماعة كبيرة، وممن سمعه منه: أبو رجاء الشيرازي، وأبو النجيب الأرموي و (أبو عبد الله) الرازي، وآخرون. ووقع لنا هذا المجلس عالياً جداً من رواية أبي الحسن علي بن الحسين بن أيوب البغدادي، وأبي صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني، وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي عنه، رواه لنا عنهم جماعةٌ كبيرةٌ. أخبرنا أبو الحسن علي بن هبة الله بن عبد الصمد الصوري، وأبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الرحبي، وأبو القاسم هبة الله بن علي بن غالب الأزدي وغيرهم، قالوا: أخبرنا أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني. وأخبرنا أبو محمد عبد الله، وأبو الطاهر إسماعيل ابنا عبد الرحمن بن يحيى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 العثمانيان، وأبو محمد عبد الله بن عطاف بن ثعبان الغساني، وغير واحد، قالوا: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي، قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحراني الصواف، حدثنا أبو القاسم حمزة بن محمد بن علي بن العباس الكناني الحافظ إملاءً، حدثنا سعيد بن عثمان الحراني، حدثنا مخلد بن مالك، حدثنا حفص بن ميسرة، عن صديق بن موسى، وإسماعيل بن رافع، وأبي الفضل الكوفي، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان يوم القيامة أعطى الله تعالى الرجل من أمة محمدٍ اليهودي والنصراني يقول عز وجل: افد بهذا نفسك)) . قال حمزة: وهذا حديثٌ حسنٌ لا أعلم أحداً رواه غير حفص بن ميسرة، ولا رواه عن حفص غير مخلد بن مالك، والله أعلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 هذا ما قاله حمزة، وقد أخرج الحديث مسلم بن الحجاج في ((صحيحه)) من حديث طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، عن أبي بردة بنحو اللفظ الذي أوردناه به، فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن طلحة. أخبرنا أبو الحسن الصوري، وأبو عبد الله الرحبي، وأبو القاسم الأزدي، وغيرهم قالوا: أخبرنا أبو صادق المديني. وأخبرنا أبو محمد عبد الله، وأبو طاهر إسماعيل العثمانيان، وأبو محمد عبد الله ابن عطاف الغساني، وغير واحد، قالوا: أخبرنا أبو عبد الله الرازي، قالا: أخبرنا أبو الحسن الحراني، حدثا حمزة بن محمد الحافظ إملاء، أخبرنا عمران بن موسى بن حميد الطبيب، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني الليث ابن سعد، عن عامر بن يحيى المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي أنه قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يصاح برجلٍ من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعةٌ وتسعون سجلاً، كل سجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 منها مد البصر ثم يقول الله تبارك وتعالى له: أتنكر من هذا شيئاً؟ فيقول: لا يا رب. فيقول عز وجل: ألك عذرٌ أو حسنةٌ؟ فيهاب الرجل فيقول: لا، يا رب، فيقول عز وجل: بلى، إن لك عندنا حسنات، وإنه لا ظلم عليك. فتخرج له بطاقةً فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقول: يا رب! ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فيقول عز وجل: إنك لا تظلم. قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفةٍ، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة)) . قال: ولا أعلمه روى هذا الحديث غير الليث بن سعد وهو من أحسن الحديث. قال الشيخ أبو الحسن الحراني: لما أملى حمزة هذا الحديث، صاح غريبٌ في الحلقة صيحةً فاضت نفسه معها، وأنا ممن حضر جنازته، وصلى عليه، رحمه الله. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني، قال: أخبرنا أبو صادق المديني، وأبو عبد الله الرازي، قالا: أخبرنا أبو الحسن الحراني بالحديث والحكاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 قال الشيخ أيده الله: قد أملى هذا الحديث أبو عمران موسى بن عيسى ابن أبي حاج الفاسي الفقيه بالقيروان، واسم أي حاج يحج، فرواه عن أبي الحسن القابسي الفقيه، وأبي زيد القرطبي العطار، عن حمزة. أخبرنا أبو محمد العثماني، وأبو طاهر الأصبهاني، قالا: أخبرنا أبو جعفر الجارودي، أخبرنا أبو الفتح الشاشي، أخبرنا محمد بن معاذ التميمي، قال: حدثنا أبو عمران. وأخبرنا أبو طاهر أيضاً، أخبرنا أبو صادق، وأبو عبد الله بقراءتي عليهما، وأبو الحسن علي بن الحسين بن أيوب البغدادي في كتابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 وأخبرني أبي عنه. وأخبرنا أبو محمد، وأبو الطاهر العثمانيان، وأبو محمد الغساني وأبو القاسم عبد الرحمن بن خلف التميمي، وأبو طالب أحمد بن المسلم التنوخي، وأبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الصقلي، وغيرهم، قالوا: أخبرنا أبو عبد الله الرازي. وأخبرنا أبو عبد الله الرحبي، وأبو الحسن الصوري، وأبو القاسم الأزدي وغيرهم، قالوا: أخبرنا أبو صادق المديني، قالوا جميعاً: أخبرنا أبو الحسن الحراني، حدثنا حمزة بن محمد الحافظ إملاءً، أخبرنا محمد بن عون الكوفي حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثني أخي محمد، قال: قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 علي بن الفضيل، لأبيه: ((يا أبت ما أحلى كلام أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم!! قال: يا بني، وتدري لم حلا؟ قال: لا. قال: لأنهم أرادوا به الله تبارك وتعالى)) . أخبرنا أبو طاهر السلفي بقراءتي عليه، قال: كتب إلي أبو الفضل محمد بن عمر بن عبد العزيز البخاري، قال: سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد بن القاسم السمرقندي الحافظ بنيسابور يقول: سمعت أبا العباس جعفر بن محمد المستغفر النسفي الحافظ يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن إسحاق ابن محمد بن يحيى بن مندة الأصبهاني الحافظ، يقول: سمعت أبا القاسم حمزة ابن محمد بن علي الكناني الحافظ بمصر، يقول: كنت أكتب الحديث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 فأصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم ولا أسلم، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال لي: أما تختم الصلاة علي في كتابك؟ قال: فما كتبت بعد ذلك إلا صليت عليه وسلمت، صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. ومما يشبه هذه الحكاية ما أخبرنا أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود الأنصاري في كتابه، وأخبرنا عنه أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب القرطبي قراءةً عليه، أخبرنا القاضي أبو علي حسين بن محمد الصدفي مكاتبة بخطه، قال: سمعت أبا الفضل أحمد بن الحسن يقول: سمعت أبا علي الحسن بن علي القطان، يقول: كتب لي أبو الطاهر المخلص ((أجزاء)) بخطه، فرأيت فيها ((إذا جاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، قال: صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 كثيراً كثيراً كثيراً، قال: فسألته عن ذلك، وقلت له: لم تكتب هكذا؟! فقال: كنت في حداثتي أكتب الحديث، وكنت إذا جاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لا أصلي عليه، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فأقبلت إليه فسلمت عليه فأدار وجهه عني، ثم درت إليه من الجانب الآخر، فأدار وجهه ثانية عني، فاستقبلته ثالثة فقلت: يا نبي الله! لم تدير وجهك عني؟ فقال: لأنك إذا ذكرتني لا تصل علي. قال أبو طاهر: فمن ذلك الوقت لا أذكره إلا كتبت صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً كثيراً كثيراً. وأخبرنا أبو القاسم في كتابه، وأخبرنا عنه عبد الوهاب قراءةً عليه، أخبرنا أبو بكر الناقد، أخبرنا أبو محمد البغداذي، أخبرنا أبو بكر بن ثابت، حدثنا بشرى بن عبد الله الرومي، قال: سمعت الحسين بن عبيد العسكري يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن دارم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 الدارمي، قال: كنت أكتب في تخريجي للحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم تسليماً، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه أخذ شيئاً مما أكتبه، فقال: هذا جيد. قال الشيخ أطال الله بقاؤه وأحسن عقباه: أبو محمد البغدادي هذا هو جعفر بن أحمد السراج، وقد أجاز لي أبو العلاء محمد بن جعفر بن عقيل البصري وغيره ممن له منه إجازة. أخبرنا أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال القرطبي في كتابه إلي من قرطبة، قال: أخبرنا أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن خلف ابن أبي تليد الشاطبي في كتابه إلي من شاطبة، قال: سمعت أبا عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ يقول: سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن أسد يقول: سمعت حمزة بن محمد الكناني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 يقول: خرجت حديثاً واحداً عن النبي صلى الله عليه وسلم من مائتي طريق، أو نحو مائتي طريق، شك أبو محمد، قال: فداخلني من ذلك من الفرح غير قليل، وأعجبت بذلك، قال: فرأيت ليلةً من الليالي يحيى بن معين في المنام فقلت له: يا أبا زكريا، خرجت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم من مائتي طريق. قال: فسكت عني ساعةً، ثم قال: أخشى أن تدخل هذه تحت {ألهاكم التكاثر} )) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 [26- أبو الحسن الدارقطني] أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود الدارقطني البغدادي الحافظ المقدم والناقد المعظم. شهرته تغني عن الإطالة، وتدل على محله من الجلالة. سمع: أبا القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، وأبا محمد يحيى بن محمد بن صاعد الهاشمي، وأبا بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري، وأبا بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني، وأبا عبد الله محمد بن القاسم بن زكريا البخاري، وأبا عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد القزاز، وأبا عبد الله الحسين بن إسماعيل بن محمد المحاملي، [و] القاضي أبا العباس أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير الذهلي، وابنه أبا طاهر محمد بن أحمد قاضي مصر، وأبا جعفر محمد [بن] هارون الحضرمي، وأبا حفص عمر بن محمد بن شعيب الصابوني، وأبا العباس أحمد بن محمد بن يوسف ابن مسعدة الفزاري، وأبا الحسن أحمد بن إبراهيم بن حبيب الزراد، وأبا بكر أحمد بن محمد بن موسى بن أبي حامد، وأبا القاسم عبد الوهاب بن عيسى ابن أبي حية، وأبا علي محمد بن سليمان المالكي، وأبا جعفر محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 يحيى بن [هارون] ، وأبا هاشم عبد الغافر بن سلام الحمصي، والقاضي أبا يعقوب إسحاق بن محمد [بن] أحمد بن يزيد الحلبي وأبا بكر يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول، وأبا بكر أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الملحمي، وأبا الحسن علي بن عبد الله بن مبشرٍ الواسطي، وآخرين لا يحصون كثرة. وروى عنه أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي الحافظ، وأبو طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري الزاهد، وأبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن سعدون الموصلي، وأبو الحسن محمد بن أحمد بن جعفر بن العدل المعروف بابن زوج الحرة، والشريفان أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن المأمون، وأبو الحسين محمد بن علي المهتدي بالله الهاشميان، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو بكر بن البقال، والحاكم أبو عبد الله، وأبو سعد الإسماعيلي ابن الإمام أبي بكر، وكان قد رحل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 بأولاده إليه، وأبو مسعود الدمشقي صاحب ((التعليق)) ، وأبو عبد الرحمن السلمي الصوفي وآخرون. مولده سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، وقيل: يوم الأربعاء الثاني من ذي القعدة. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني الحافظ يعرف بسلفة قراءةً عليه، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي الحافظ، ويعرف بأبي بقراءتي عليه بالكوفة، حدثنا عبد الله بن الحسين بن عثمان الهمداني ببغداذ، حدثنا علي بن عمر الحافظ الدارقطني، حدثنا أبو العباس الفضل بن أحمد بن منصور الزبيدي المقرئ، حدثنا عبد الأعلى بن حماد، حدثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وهيبٌ، عن أيوب عن أبي قلابة، عن أنس ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي أم سليمٍ فيقيل عندها، وكان كثير العرق، فكانت تأخذه فتجعله في القوارير، وكانت تقول: هو أطيب رائحة من المسك، وكان يصلي على الخمرة)) . قال الشيخ أيده الله: انفرد به مسلمٌ، فرواه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عفان، عن وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن أم سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها فيقيل عندها فتبسط له نطعاً، وكان كثير العرق، فكانت تجمع عرقه فتجعله في الطيب والقوارير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما هذا)) ؟ قالت: عرقك أدوف به طيبي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 قال أبو مسعود الدمشقي في ((الأطراف)) : ((ورواه غير عفان، عن وهيب، فلم يقل: عن أم سليم، وكذلك أوردناه أيضاً من حديث عبد الأعلى بن حماد، عن وهيب، فيكون على هذا من مسند أنس، وعلى ما أخرجه مسلمٌ من مسند أم سليم)) وقد أوردناه في ترجمة ابن صاعد حديثاً من رواية الدارقطي عنه من طريقين، ثم وقع لنا من حديث الدراقطني عن غيره وهو: ما أخبرناه أبو محمد عبد الله بن أبي الفضل الأموي، وأبو الحسن علي ابن الفرج المهراني بقراءتي عليهما، قالا: أخبرنا أبو علي كتايب بن علي الفارقي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسين الموصلي، أخبرنا أبو الحسن علي ابن عمر بن أحمد بن مهدي الحافظ الدارقطني قراءةً عليه، وأنا أسمع، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا صالح بن مالك الخوارزمي، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، أخبرني عمرو بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 عمرو، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم الحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال)) . قال محمد بن الحسين الموصلي: قال لنا أبو الحسن الدارقطني: هذا حديثٌ صحيحٌ، وعبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي سلمة، وعمه الماجشون بن أبي سلمة، واسم الماجشون يعقوب، وهو والد يوسف، وعبد العزيز ابني يعقوب، واسم أبي سلمة ميمون، مولى المنكدر، وعبد الله بن أبي سلمة والد عبد العزيز، روى عن ابن عمر وعن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وعن عامر بن سعد، وعن نافع مولى أبي قتادة، وغيرهم. حدث عنه من الرفعاء: يحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن عجلان، وعمر بن حسين، وغيرهم. ولابنه عبد العزيز ابنان حدثا جميعاً، أحدهما عبد الملك بن عبد العزيز وهو الفقيه المفتي من رفقاء أصحاب مالك بن أنس، وهو أستاذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 أحمد بن المعدل، والآخر يوسف بن عبد العزيز، يروي عن أبيه، لا أعلم حدث عنه غير الزبير بن بكار. وأما عبد العزيز بن يعقوب فيروي عن محمد بن المنكدر، حدث عنه: أحمد [بن] محمد بن حنبل، ومحمود بن خراش، وسريج بن يونس، والزعفراني، وعبد العزيز هذا يكنى أبا الأصبغ، وأخوه يوسف بن يعقوب، يروي عن محمد بن المنكدر وصالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف، ومحمد بن مسلم الزهري، وأبيه يعقوب بن أبي سلمة، وأما أبوهما يعقوب بن أبي سلمة فلقبه الماجشون يقال: إنما لقب ذلك لحمرة وجهه. يروي عن: ابن عمر، وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وغيرهما. سمعت أبا طاهر السلفي الحافظ يقول: سمعت أبا الفضل محمد بن طاهر ابن علي المقدسي الحافظ، سمعت أبا الحسين يحيى بن الحسين العلوي بالري، يقول: سمعت أبا عبد الله الصوري الحافظ، يقول: سمعت عبد الغني ابن سعيد الحافظ المصري يقول: ((أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: علي بن المديني في زمانه، وموسى بن هارون في زمانه، وعلي بن عمر في زمانه)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 وأخبرنا أبو طاهر السلفي، قال: أخبرنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العتيقي، قال: بلغني عن شيخنا عبد الغني الحافظ، فذكر مثل ذلك. قال أبو الفضل المقدسي: وكان رحمه الله في زمانه بمنزلة يحيى بن معين في زمانه، أخذ عنه حفاظ عصره معرفة الحديث، وسألوه عن الرجال، ودونوا ذلك عنه، فممن دون كلامه في الرجال وسأله عنهم من الحفاظ: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وأبو بكر البرقاني، وأبو عبد الرحمن السلمي، وحمزة بن يوسف الجرجاني، وأبو نعيم الأصبهاني هؤلاء من الغرباء، وأما أهل بلده فلا نعلم أحداً أخذ هذا العلم إلا عنه، وكان عبد الغني بن سعيد يقول في تصانيفه: قال في ذلك شيخنا علي بن عمر، وسمعت علي بن عمر يقول ذلك. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت محمد بن طاهر المقدسي يقول: سمعت أبا الحسين يحيى بن الحسين العلوي بالري، يقول: سمعت القاضي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري الفقيه، يقول: ((رأيت الحاكم أبا عبد الله النيسابوري بين يدي أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني يسأله عن أشياء، فلما خرجنا من عنده قال: ما رأيت مثله)) . قال محمد بن طاهر: وقال الحاكم أبو عبد الله فيما أخبرنا به عنه أبو بكر أحمد بن علي الأديب بحق إجازته منه: أبو الحسن علي بن عمر الحافظ الدارقطني رضي الله عنه صار واحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماماً في القراء والنحويين، أول ما دخلت بغداد كان يحضر المجالس وسنه دون الثلاثين، وكان أحد الحفاظ، ثم صحبني في رحلتي الثانية، وقد زاد على ما كنت شاهدته، فحج شيخنا أبو عبد الله بن أبي ذهل سنة ثلاث وخمسين، وانصرف، وكان يصف حفظه وتفرده بالتقدم، حتى استكثرته في وصفه إلى أن حججت سنة تسع وستين، فانصرفت إلى بغداذ، فأقمت بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 زيادة على أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا بالليالي، فصادفته فوق ما كان وصف الشيخ أبو عبد الله، وسألته عن العلل والشيوخ، ودونت عنه أجوبته عن ((سؤالاتي)) ، وقد سمعها مني أصحابي، سمع أبا القاسم ابن بنت منيع وأقرانه بالعراقين، ثم دخل الشام ومصر على كبر السن وحج واستفاد وأفاد، وله مصنفاتٌ كثيرةٌ مفيدةٌ يطول ذكرها. قال الحاكم: ورد علينا كتاب شيخنا أبي عبد الرحمن السلمي سلمه [الله] من مدينة السلام، يذكر بخط يده وفاة الشيخ الحافظ أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني رضي الله عنه يوم الخميس لثمان خلون من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، ورد علي الكتاب غداة يوم الاثنين السابع عشر من المحرم [من] سنة ست وثمانين، وقد قعدت للإملاء فكثر الدعاء والبكاء، ثم أمليت عنه حديثاً، وذكرت بعده تاريخ وفاته من خط أبي عبد الرحمن، ثم شهدت بالله أنه لم يخلف رب العالمين على أديم الأرض مثله في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين، وكذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 في حديث أصحابه المنتجبين والأئمة من التابعين وأتباع التابعين رضي الله عنهم أجمعين. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الفضل المقدسي يقول: سمعت يحيى بن الحسين العلوي بالري، يقول: (سمعت أبا الحسن العتيقي) يقول: بلغني عن رجاء بن عيسى المصري ((أنه سأل الدارقطني يوماً، رأى الشيخ مثل نفسه؟ فامتنع من جوابه وقال: قال الله عز وجل: {فلا تزكوا أنفسكم} ، فألح عليه، فقال: إن كان في فن واحد فقد رأيت من هو أفضل مني، وإن كان من اجتمع فيه ما اجتمع في فلا)) . أخبرنا بها عالياً أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو الحسين الصيرفي، قال: أخبرنا العتيقي فذكرها. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا علي أحمد بن محمد بن أحمد البرادني الحافظ البغداذي بها يقول: سمعت القاضي أبا الحسين محمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 علي المهتدي بالله يقول: ((لما شهد الحسن الدارقطني عابه الناس وأصحاب الحديث وقالوا: نحن نقبل قولك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدك، رضيت لنفسك بالشهادة؟! فترك الشهادة، وكان قد شهد عند ابن معروف)) . أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو الحسين الصيرفي، أخبرنا أبو الحسن العتيقي قال: توفي أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ يوم الأربعاء الثاني من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، مولده سنة خمس وثلاث مائة، وما رأينا مثله)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 [27- أبو أحمد ابن عدي أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ. إمامٌ كبيرٌ من أئمة المحدثين، وهو مصنف كتاب ((الكامل في معرفة الضعفاء والمتروكين)) . سمع: أبا القاسم البغوي، وأبا محمد بن صاعد، وأبا يعلى الموصلي، وأبا حامد بن الشرقي، وإسحاق بن إبراهيم المنجنيقي، ومحمد بن سليمان الباغندي، وعبدان الأهوازي، ويوسف بن عاصم الرازي، وعلي بن سعيد بن بشير، وحامد بن محمد بن شعيب، ومحمد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 الحسين بن حفص، ومحمد بن حفص بن يزيد، وعلي بن أحمد بن مروان، ومحمد بن أحمد بن حماد، والحسين بن محمد بن الضحاك بن عمرو بن أبي عاصم النبيل، وسعيد بن عثمان الحراني، وعلي بن أحمد بن بسطام، وجعفر ابن أحمد بن محمد بن الصباح، وأحمد بن محمد بن عبيد بن فياض، والقاسم بن زكريا، وعلي بن إبراهيم بن الهيثم، وأحمد بن موسى بن زنجويه، والحسن بن أحمد بن منصور سجادة، وأحمد بن داود بن أبي صالح الحراني، وعلان، والجنيدي، والساجي وآخرين. وفي شيوخه كثرة، وفي رحلته اتساع، مات قبل السبعين وثلاث مائة. روى عنه: أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل ابن عبد الله بن إبراهيم الماليني، وأبو عمرو محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الرزجاهي، وأبو العباس أحمد بن الحسن بن بندار الرازي، وأبو محمد عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن منير المنيزي الجرجاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن سلفة الأصبهاني بقراءتي عليه، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن الحسين بن زكريا الطريثيثي، أخبرنا أبي أبو الحسن علي، أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الهروي الماليني، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، حدثنا الفضل بن عبد الله بن سليمان، حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا شاذان، حدثا شعبة عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من جاء الجمعة فليغتسل)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 قال الشيخ أيده الله: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، ثابتٌ متفقٌ عليه من حديث أبي عبد الله نافع بن سرجس العدوي المديني مولى أبي عبد الرحمن عبد الله بن أمير المؤمنين الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. أخرجه البخاري من حديث أبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي المديني عنه، فرواه عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك. وأخرجه مسلمٌ من حديث أبي الحارث الليث بن سعد الفهمي المصري عنه، فرواه عن يحيى بن يحيى، وقتيبة بن سعيد ومحمد بن رمح، عن الليث. وقد وقع لنا حديث ابن عدي أعلى من هذا من طريقين، أحدهما: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 ما أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو عبد الله الثقفي، أخبرنا أبو عمرو الرزجاهي، حدثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، أخبرنا القاسم هو ابن زكريا المطرز، حدثنا أبو مصعب، حدثني ابن أبي علي ((اللهبي) ، عن محمد بن المنكدر أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم اليوم في المضمار وغداً السباق، والسبق الجنة، والغاية النار، بالعفو تنجون، وبالرحمة تدخلون، وبأعمالكم تقتسمون)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 والطريقة الثانية ما قرأت على أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني عن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة النعال، أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الماليني الهروي، أخبرنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ، حدثنا محمد بن خالد بن يزيد الراسبي، حدثنا أبو ميسرة أحمد بن عبد الله بن ميسرة الحراني، حدثنا سليمان بن داود الرقي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يغلق الرهن)) . يعني لك غنمه، وعليك غرمه. وعن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن بسرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((توضؤوا مما أنضجت النار)) . قال أبو أحمد: أحمد بن عبد الله بن ميسرة الحراني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 كان بهمذان، حدث عن الثقات بالمناكير، يحدث عن من لا يعرف، ويسرق حديث الناس)) . قال أبو أحمد: ((وسليمان لا يعرف، فالحديث الأول أسهل حالاً من الحديث الثاني، والثاني إسناده غير محفوظ، ومتنه بهذا السند منكرٌ، ولا يعرف عن الزهري إلا من هذا الطريق، والأول رواه عن الزهري جماعة مرسلاً وموصولاً)) . وقد كان أبو حازم العبدوي الحافظ يحدث عن أبي سعد الماليني الحافظ، ويدلس به. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: كان أبو حازم إذا حدث عن أبي سعد، قال: أخبرنا أحمد بن حفص الحديثي، ينسبه إلى جده الأعلى، ويعني بالحديثي كثرة طلبه للحديث. وقد ذكر هذه الفائدة عن شيخنا السلفي شيخه أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتابه الموسوم بكتاب: ((الأنساب المتفقه في الخط، المتماثلة في النقط والضبط)) ، فقال في باب الحديثي والحديثي: سمعت أبا طاهر الأصبهاني، وكان من أهل الصنعة يقول: كان أبو حازم العبدوي الحافظ يدلس إذا روى عن أبي سعد الماليني، فيقول: حدثنا أحمد بن حفص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 الحديثي، قال أبو طاهر: لأن أحمد بن عبد الله بن الخليل بن حفص الماليني من قرية من قرى هراة، وكان من الجوالين في زمانه. سمعت أبا إسحاق الحبال بمصر يقول: توفي ليلة الثلاثاء السابع عشر من شوال سنة اثنتي عشرة وأربع مائة، كذا قال ابن الخليل بن حفص، وإنما هو: ابن حفص بن الخليل كما تقدم. قال لنا السلفي: فارقت ابن طاهر، وهو يصنف في هذا الكتاب، لم يفرغ منه بعد. وقد أجاز لنا غير واحد من شيوخنا ممن سمع من ابن طاهر وممن أجاز له، ومن حمله من له منه إجازة ممن أجاز لي أبو القاسم ذاكر بن كامل بن أبي غالب البغدادي الخفاف، سمعت أبا طاهر السلفي، سمعت محمد بن طاهر المقدسي يقول: لا خلاف نجده أنا أبا أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني إمام هذا النوع أعني الجرح والتعديل، وأن كتابه المرجع في هذا الشأن. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الفتح الماكي يقول: سمعت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 أبا يعلى الخليل يقول: ((أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ الجرجاني عديم النظير حفظاً وجلالة)) . سألت عبد الله بن محمد القاضي الحافظ قال: كان ابن عدي أحفظ أم ابن قانع؟ فقال: ويحك زر قميص ابن عدي أحفظ من عبد الباقي. قال الخليلي: وسمعت أحمد بن أبي مسلم الفارسي الحافظ يقول: لم أر مثل أبي أحمد بن عدي الجرجاني، فكيف فوقه في الحفظ، وكان قد لقي أبا القاسم الطبراني، وأبا أحمد الكرابيسي، والحفاظ، وقال لي: كان حفظ هؤلاء تكلفاً، وكان أبو أحمد حفظه طبعاً، ارتحل إلى العراقين، والحجاز، والشام، ومصر، و ((معجمه)) زاد على ألف شيخ ممن لقيهم. لقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 بالبصرة: أبا خليفة ومن هو أقدم موتاً منه، (ومن مصر) أصحاب أسد بن موسى، وابن عفير. سمع منه الكبار من أقرانه، وله تصنيف في الضعفاء ما صنف أحدٌ مثله. وروى ((حديث الجعفريات)) ، عن محمد بن محمد بن أبي الأشعث المصري. سمع منه ابن عقدة الكوفي، وقال له: ما أتى أحدٌ مثلك من أهل المشرق. يعني ما أتى بلدنا. مات ابن عدي قبل السبعين. سمعت أبا محمد عبد الله وأبا الطاهر إسماعيل بن عبد الرحيم بن أبي إلياس، وأبا طاهر أحمد بن محمد بن سلفة بقراءتي عليهم واللفظ له يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي يقول: سمعت أبا محمد عبد الله بن الوليد بن سعد الأنصاري، يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن الحسن بن بندار الرازي، يقول: سمعت أبا أحمد عبد الله بن عدي الحافظ الجرجاني يقول: سمعت عبدان يقول: لم تسمع ((نسخة غندر)) عن شعبة، كل ما عندي عن شعبة على وجهه بتمامه غير أربعة أنفس: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وخلف بن سالم، وعمرو بن العباس الأهوازي رابع القوم. وسمعت عبدان يقول: سمعت عمرو بن العباس يقول: كتبت عن غندر حديثه كله إلا حديثه عن سعيد بن أبي عروبة، فإن عبد الرحمن بن مهدي نهاني أن أسمع منه حديث ابن أبي عروبة، وقال: إن غندر سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 قال ابن عدي: فحكيت هذه الحكاية لابن مكرم بالبصرة فقال لي: كيف يكون هذا وقد سمعت عمرو بن علي يقول: سمعت غندر يقول: ما أتيت شعبة حتى فرغت من ابن أبي عروبة. قال: وسمعت عبدان يقول: قلت للميموني بالبصرة، وقد مات عمرو ابن العباس: عندك يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن الدجال أعور من عينه اليمنى)) ، الحديث. فقال لي: نعم، حدثناه محمد بن عمرو بن جبلة، عن عمرو بن العباس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 ومحمد بن عمرو هذا قد مات قبل عمرو بن العباس، فلم أر صاحب حديث مثل المعمري قط، قال عبدان: وألقيت هذا الحديث على المعمري بعد موت عمرو بن العباس، وعلمت أنه لم يسمع منه. عبدان هذا هو عبد الله بن أحمد بن موسى الجواليقي قاضي الأهواز. والمعمري اسمه: الحسن بن علي بن شبيب يكنى أبا علي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 [28- أبو بكر الإسماعيلي] أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس بن مرداس الإسماعيلي، الجرجاني. الإمام في الفقه والحديث، والمصنف على كتابي البخاري ومسلم. أول سماعه سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وهو ابن ست سنين، وتوفي بعد سنة سبعين وثلاث مائة. سمع أباه أبا إسحق إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني، وأدرك جده إسماعيل. وسمع أيضاً أبا القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، وأبا محمد يحيى بن محمد بن صاعد، وأبا يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، وأبا بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث، وهو ابن أبي داود السجستاني، وأبا عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وأبا العباس أحمد بن سهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 الأشناني، وأبا حامد أحمد بن محمد بن الشرقي النيسابوري، وأبا العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني الكوفي المعروف بابن عقدة، وأبا العباس أحمد بن عيسى بن السكين البلدي، وأبا عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حكيم الأصبهاني مولى بني هاشم، وأبا جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الملقب مطيناً، وأبا بكر محمد بن يحيى بن سليمان المروزي، وأبا جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي، وأبا حنيفة محمد بن حنيفة بن ماهان الواسطي، وأبا جعفر محمد بن الحسين بن حفص الأشناني، وأبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، وأبا بكر محمد بن هارون بن حميد بن المجدر، وأبا إسحاق إبراهيم بن يوسف بن خالد الهسنجاني، وأبا عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي نفطويه، وأبا يعقوب إسحاق بن خالويه بن عبد الرحمن البابسيري وبهلول بن إسحاق بن بهلول الأنباري، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 وأبا بكر جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض الفريابي، وأبا العباس الحسن بن سفيان الشيباني النسوي، وأبا محمد الحسن بن علي بن سليمان القطان يعرف بابن علويه، وعبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي عبدان الجواليقي، وعبد الله بن محمد بن ناجية مولى بني هاشم، وعبد الله بن زيدان البلخي، وعبد الله بن حمدان بن وهب الدينوري، وأبا خليفة الفضل بن الحباب الجمحي، ومسبح بن حاتم العكلي، وأبا حاتم مكي بن عبدان النيسابوري، ويوسف بن عاصم الرازي، ويوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد القاضي، وآخرين يطول ذكرهم. روى عنه: أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني الخوارزمي الحافظ، وأبو سعيد محمد بن علي بن عمرو بن مهدي الأصبهاني النقاش الحافظ. ووقع لنا حديثه من طريقهما عالياً، ومن طريق غيرهما أيضاً. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني قراءةً عليه، أخبرنا أبو المعالي ثابت بن بندار بن إبراهيم المقرئ ببغداد، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الإسماعيلي الحافظ، حدثنا أبو يعلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي، حدثنا غسان بن الربيع أبو محمد الكوفي، عن ثابت بن يزيد، عن هشام، وابن عون: وعاصم الأحول، وسليمان التيمي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، ((إن رجلاً قال: يا رسول الله، أيصلي أحدنا في الثوب الواحد؟ قال: أو كلكم يجد ثوبين)) وبعضهم يقول: ((أو كلكم له ثوبان)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 قال الشيخ أيده الله: متفقٌ عليه من حديث أبي بكر محمد بن سيرين، أخرجاه جميعاً من رواية أيوب بن أبي تميمة السختياني عنه. وأبو تميمة اسمه: كيسان. فأما البخاري فرواه عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد. وأما مسلم فرواه عن عمرو الناقد، وزهير بن حرب كليهما عن إسماعيل ابن علية، جميعاً عن أيوب. أخبرنا أبو طاهر أيضاً قراءةً عليه، أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الغفار ابن أحمد بن أشته الأصبهاني بها، (أخبرنا) أبو سعيد محمد بن علي بن عمرو بن مهدي النقاش الحافظ في صفر سنة أربع عشرة وأربع مائة، أخبرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن المتوكل، حدثنا المعتمر، وشعيب بن إسحاق، قالا: حدثنا ابن عون، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلال بينٌ والحرامٌ بينٌ، وبين ذلك أمورٌ مشتبهةٌ.. ..)) الحديث. قال الشيخ أيده الله: أخرجاه من طرق عدة من حديث أبي عمرو عامر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 شراحيل الشعبي، فأما حديث ابن عون لهذا عنه فانفرد به البخاري فرواه عن محمد بن المثنى، عن ابن أبي عدي عنه. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت ثابت بن بندار المقرئ، يقول: سمعت أبا بكر البرقاني يقول: سمعت أبا بكر الإسماعيلي يقول: أريت جدي إسماعيل ابن العباس من كتبه كتاباً بخطه فيه ((أمال)) ، فقلت له: أليس هذا خطك؟ قال: فقال لي: اقرأه علي، فذهبت أقول: حدثك فلانٌ شيخه الذي حدثه. فقال: لا تقرأ هكذا، اقرأ ما في الكتاب، قال: حدثنا، فقلت لوالدي رحمه الله: ما يضرني أن أقرأ عليه فأسمي شيخه، فيكون لي فائدة؟ فقال له: فقال: كيف غابت عني هذه الكتب؟ أين كانت هذه الكتب؟ فقرأت عليه بلا تسمية شيخه، قال البرقاني وبنص الإسماعيلي في كتابه. وقال أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في كتابه المقدم ذكره في باب الإسماعيلي، والإسماعيلي: أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس ابن مرداس الإمام الإسماعيلي، كان شيخنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة بن أبي بكر الإسماعيلي يكتب: ابن مرداس السليمي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 سمعت أبا طاهر أحمد بن محمد بن محمد السلفي يقول: سمعت أبا الفتح إسماعيل بن عبد الجبار الماكي، يقول: سمعت أبا يعلى الخليل بن عبد الله القزويني الحافظ يقول: أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي كبير المحل في العلم، كان يعرف هذا الشأن، وله تصانيف كثيرة فيه وفي الفقه كثير. سمع محمد بن عثمان بن أبي شيبة، والحضرمي وإسماعيل بن المزني الكوفي صاحب أبي نعيم، وأقرانهم من العراقيين، فهو من المكثرين في الحديث، ثم سمع من بعدهم بخراسان والري، صنف على كتاب مسلم والبخاري، وله في الأبواب والغرائب تصانيف كثيرةٌ، كتب إلي على يد جعفر بن محمد الصائغ القزويني، ومات بعد السبعين وثلاث مائة. سمعت أبا طاهر أحمد بن محمد الحافظ يقول: سمعت أبا المعالي ثابت ابن بندار المقرئ يقول: سمعت أبا بكر الإسماعيلي في كتاب ((المدخل إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 معرفة الصحيح)) من تأليفه يقول: نظرت في الكتاب الجامع الذي ألفه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله، وكتب إلي بإجازة روايته لي محمد بن يوسف الفربري راوي هذا الكتاب عنه بخطه، فرأيته كتاباً جامعاً، كما سماه لكثير من السنن الصحيحة، ودالاً على جمل من المعاني الحسنة المستنبطة التي لا يكمل لمثلها إلا من جمع مع معرفة الحديث ونقلته، والعلم بالروايات وعللها عالماً بالفقه واللغة وتمكناً منها كلها، ويتحرى فيها، ولم تطب نفسي بالاقتصار منه على الإجازة والكتابة وعرض لي أن أروض نفسي بقفو أثره، واحتذاء مثاله في إخراج نحو ما أخرجه من سماع رجاء أن يحصل لي به فضل معرفة، وجمع منتشر من حديثي يقرب علي وعلى من أراد مثلي تناوله، ولما سنح لي الشروع فيما ذكرته، قدمت استخارة الله تعالى عليه، وسألته التوفيق لي والإرشاد والعصمة، وأن ينفعني وغيري به. فأخبرنا بجميع ((المدخل)) شيخنا أبو طاهر قراءةً عليه سوى يسير من أثنائه سبقني به القارئ، فهو لي منه إجازة، وذلك سماعه من ثابت، عن البرقاني، عن مصنفه، وقد سمع أيضاً من ثابت جميع كتاب ((الصحيح المخرج على كتاب البخاري)) للإسماعيلي بهذا الإسناد، وسمعنا منه شيئاً منه، وأجاز لنا روايته عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 الطبقة الثامنة [29- أبو عبد الله الحاكم] الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم ابن الحاكم الضبي الطهماني، النيسابوري، المعروف بابن البيع. الحافظ، المصنف في علم الحديث عدة تصانيف لم يسبق إليها، والمخصوص من جودة الترتيب لما لم يوفق لغيره عليها. سمع بنيسابور: أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني الأصم، وأبا عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني الأخرم، وأبا عبد الله محمد ابن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار وآخرين. وبمرو: أبا العباس محمد بن أحمد المحبوبي، وأبا العباس القاسم بن القاسم السياري، وأبا علي الحسين بن محمد الصغاني. وببغداذ: أبا عمرو عثمان بن أحمد بن السماك، وأبا بكر أحمد بن سلمان النجاد، وأبا محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وبمكة: أبا محمد الفاكهي، وأبا إسحاق بن فراس، وأبا يحيى حفيد أبي عبد الرحمن المقرئ. وبالكوفة: أبا جعفر محمد بن علي بن دحيم، وعلي بن محمد بن عقبة الشيبانيين. وببخارى: أحمد بن سهل الفقيه، وخلف بن محمد الخيام. وبنسا: محمد بن عبد الله الجوهري. وبالري: إسماعيل بن محمد الصياد. وبهمذان: أبا محمد بن حمدان الجلاب، ولا يمكن حصر شيوخه لكثرتهم. انتخب على المشائخ خمسين سنة، وقرأ القرآن على الصرام، وابن الإمام بنيسابور، وبالعراق على أبي علي بن النقار الكوفي، وأبي عيسى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 البغداذي، والفقه على علي بن أبي هريرة، وأبي الوليد حسان بن محمد القرشي، وأبي سهل محمد بن سليمان الحنفي، وذاكر أبا بكر الجعابي، وأبا جعفر الهمداني، وأبا علي الحافظ، وكان يقبل عليه من بين أقرانه. سمع منه من المشايخ: أحمد بن أبي عثمان الحيري الزاهد ابن الزاهد، والإمام أبو بكر القفال الشاشي، وأبو أحمد بن مطرف، والسيد أبو محمد العلوي وأبو عبد الله العصمي، وأبو أحمد بن شعيب، وأبو إسحاق إبراهيم ابن محمد المزكيان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 ومن شيوخ العراق ابن أبي دارم، وابن المظفر، والدارقطني. وصحب مشايخ التصوف: أبا عمرو بن نجيد، وأبا الحسن البوشنجي، وأبا سعيد أحمد بن يعقوب الثقفي، وأبا نصر الصفار، وأبا القاسم الرازي. وبالعراق: جعفر بن نصير وأقرانه. وبالحجاز: أبا عمرو الزجاجي، وجعفر بن إبراهيم الحذاء، وكان يكثر الاختلاف إلى الشيخ أبي عثمان المغربي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 ولد سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة. وتوفي سنة خمس وأربع مائة، وقيل سنة ثلاث، والأول أصح. روى عنه جمعٌ كثير، منهم: أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد الهروي الحافظ، وغيره، وآخر من حدث عنه أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي الأديب. أخبرنا أبو الغنائم المطهر بن خلف بن عبد الكريم النيسابوري الشحامي بقراءتي عليه، أخبرنا جدي أبو المظفر عبد الكريم ابن خلف بن طاهر بن محمد، وعمه أبو بكر وجيه بن طاهر ابن محمد، وابن أخيه أبو منصور عبد الخالق بن زاهر [بن] طاهر الشحاميون، وأبو حفص عمر بن أحمد بن منصور الصفار، وأبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 الفراوي، وآخرون، قالوا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي. قال وجيه: وأخبرنا أيضاً أبو بكر يعقوب الصيرفي، قالا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحاكم الضبي الحافظ. وأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي تمام البغداذي الصوفي، أخبرنا أبو الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد بن أبي سعيد الميهني الصوفي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الأديب، أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا علي بن حمشاذ العدل، حدثنا أبو المثنى العنبري وزياد بن الخليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 التستري، قالا: حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد ابن سيرين قال: ((سئل أنس: أقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح قبل الركوع أو بعده؟ قال: بعد الركوع يسيراً)) . قال الحاكم: اتفق البخاري ومسلم على إخراجه في الصحيح، فرواه البخاري عن مسدد، ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن إسماعيل بن علية عن أيوب. كتب إلي أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الحافظ قال: قرأت بخط أبي الحسن علي بن سليمان اليمني ما ذكر أنه وقع إليه عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 أبي حازم عمر بن أحمد بن إبراهيم العبدوي الحافظ قال: الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحاكم الحافظ إمام أهل الحديث في عصره. مولده صبيحة يوم الاثنين الثالث من شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، سمعته يقول: شربت ماء زمزم، وسألت الله تعالى أن يرزقني حسن التصنيف، فوقع من تصانيفه المسموعة في أيدي الناس ما يبلغ ألفاً وخمس مائة جزء، منها: ((الصحيحان)) ، و ((العلل)) ، و ((الأمال)) ، و ((فوائد الشيخ)) ، و ((فوائد الخراسانيين)) ، و ((أمالي العشيات)) ، و ((التلخيص)) ، و ((الأبواب)) ، و ((تراجم الشيوخ)) . فأما الكتب التي تفرد بإخراجها: فـ ((معرفة علوم الحديث)) و ((تاريخ علماء أهل نيسابور)) ، وكتاب ((مزكي الأخبار)) ، و ((المدخل إلى علم الصحيح)) ، وكتاب ((الإكليل)) ، وفي ((دلائل النبوة)) ، و ((المستدرك على الصحيحين)) ، و ((وما انفرد بإخراجه كل واحد من الإمامين)) ، و ((فضائل الشافعي)) ، و ((تراجم المسند على شرط الصحيحين)) وغير ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 أملى بما وراء النهر سنة خمس وخمسين، وبالعراق سنة سبع وستين، ولازمه ابن المظفر والدارقطني، وأملى ببغداذ والري مدة من حفظه. سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: إن كان رجلٌ يقعد مكاني فهو أبو عبد الله. وسمعت مشايخنا يقولون: كان الشيخ أبو بكر بن إسحاق، وأبا الوليد يرجعان إلى أبي عبد الله في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث وصحيحه وسقيمه. قال: وسمعت السلمي يقول: كتبت على ظهر ((جزء من حديث أبي الحسين الحجاجي الحافظ)) ، فأخذ القلم وضرب على الحائط، وقال: أيش أحفظ أنا؟ أبو عبد الله بن البياع أحفظ مني، وأنا لم أر من الحفاظ إلا أبا علي الحافظ، وابن عقدة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 وسمعته يقول: سألت الدارقطني: أيهما أحفظ ابن مندة أو ابن البيع؟ فقال: ابن البيع أتقن حفظاً. قال أبو حازم: أقمت عند الشيخ أبي عبد الله العصمي قريباً من ثلاث سنين، ولم أر في جملة مشايخنا أتقن منه ولا أكثر تنقيراً، فكان إذا أشكل عليه شيء أمرني أن أكتب إلى الحاكم أبي عبد الله، فإذا ورد جواب كتابه حكم به وقطع بقوله. قال أبو حازم: وليس يمكن حصر شيوخه -يعني الحاكم- فإن ((معجمه)) على شيوخه يقرب من ألفي رجل. قال أبو القاسم الدمشقي الحافظ: وأخبرنا الشيخ أبو الحسن عبد الغافر ابن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي في كتابه، قال: محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم بن أبو عبد الله الحافظ، روى عن ألف رجل أو أكثر من أهل الحديث، ولد في شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 وثلاث مائة، وأخذ في التصنيف سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة، وتوفي في صفر يوم الثلاثاء الثالث من سنة خمس وأربع مائة. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الحسن الصيرفي يقول: سمعت أبا الحسن العتيقي يقول: توفي أبو عبد الله بن البيع بنيسابور سنة خمس وأربع مائة. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الفتح الماكي يقول: سمعت أبا يعلى الخليلي يقول: الحاكم أبو عبد الله [محمد بن عبد الله] بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي، الطهماني، عالمٌ، عارفٌ، واسع العلم، ذو تصانيف كثيرة، ولم أر أوفى منه، ولد إلى العراق والحجاز رحلتان، ارتحل إليها سنة ثمان وستين في الرحلة الثانية، وذاكر الحفاظ والشيوخ، وكتب عنهم أيضاً، وناظر الدارقطني فرضيه، وهو ثقةٌ واسع العلم، بلغت تصانيفه الكتب الطوال والأبواب، وجمع الشيوخ المكثرين والمقلين قريباً من خمس مائة جزء، ويستقصي في ذلك، يؤلف الغث والسمين، ثم يتكلم عليه فيبين ذلك، توفي سنة ثلاث وأربع مائة. سألني في اليوم الثاني لما دخلت عليه، ويقرأ عليه في ((فوائد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 العراقيين)) : سفيان الثوري عن أبي سلمة، عن الزهري، عن سهل بن سعد، حديث الاستئذان فقال: من أبو سلمة هذا؟ فقلت من وقته: هو المغيرة بن سلمة السراج. فقال لي: وكيف يروي المغيرة عن الزهري؟ فبقيت ثم قال: قد أمهلتك أسبوعاً حتى تتفكر فيه. فمن ليلته تفكرت في أصحاب الزهري مراراً حتى بقيت فيه أكرر التفكير، فلما وقعت إلى أصحاب الجزيرة من أصحابه تذكرت محمد بن أبي حفصة فإذا كنيته أبو سلمة، فلما أصبحت حضرت مجلسه، ولم أذكر شيئاً حتى قرأت عليه مما انتخبت قريباً من مائة حديث، قال: هل تفكرت فيما جرى؟ فقلت: نعم، هو محمد بن أبي حفصة، فتعجب، وقال لي: نظرت في ((حديث سفيان)) لأبي عمرو البحيري؟ قلت: والله ما لقيت أبا عمرو ولا رأيته، فذكرت له ما أممت في ذلك، فتحير، وأثنى علي، ثم كنت أسأله، فقال لي: إذا ذاكرت اليوم في باب لابد من المطالعة لكبر سني، فرأيته في كل ما ألقي عليه بحراً لا يعجزه عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وقال لي: اعلم بأن خراسان وما وراء النهر لكل بلدة تاريخ صنفه عالمٌ منها، ووجدت بنيسابور مع كثرة العلماء بها والحفاظ لم يصنفوا فيه شيئاً، فدعاني ذلك إلى أن صنفت ((تاريخ النيسابوريين)) فتأملته، ولم يسبقه إلى ذلك أحد، وصنف لأبي علي بن سيمجور كتاباً في أيام النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه ومسنداته وأحاديثه وسماه: ((الإكليل)) ، لم أر أحداً رتب ذلك الترتيب، وكنت أسأله عن الضعفاء الذين نشأوا بعد الثلاث مائة بنيسابور وغيرها من شيوخ خراسان، فكان يبين من غير محاباة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 [30- عبد الغني الأزدي] أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر الأزدي المعدل الحافظ. سمع: أبا طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله الذهلي قاضي مصر، وأبا بكر يوسف بن القاسم بن يوسف الميانجي قاضي دمشق، وأبا محمد الحسن بن رشيق العسكري المعدل، وأبا الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ، وأبا الحسن طاهر بن محمد بن سهلويه النيسابوري، وأبا الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه النيسابوري، وأبا القاسم حمزة بن محمد بن علي الكناني الحافظ، وأبا أحمد عبد الله بن محمد بن المفسر الدمشقي الفقيه الشافعي، وأبا عمرو عثمان بن محمد السمرقندي، وأبا محمد عبد الله بن جعفر ابن الورد البغدادي، وأبا علي الحسن بن [الخضر] الأسيوطي، وأبا بكر محمد بن علي النقاش، وأبا الحسن أحمد بن بهزاد بن مهران الفارسي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 وأبا يعقوب يوسف بن المبارك، وأحمد بن إبراهيم بن جامع، وعبد الله بن أحمد ابن ثوتال، وأبا القاسم الحسن بن عبد الله القرشي، وأبا الحسن علي بن جعفر الفريابي، وأبا عبد الله موسى بن جعفر الدورقي وآخرين. مولده سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة، وتوفي سنة تسع وأربع مائة. روى عنه: أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري الحافظ، وأبو الحسن أحمد بن محمد بن منصور العتيقي، وأبو عبد الله محمد بن سلامة ابن جعفر القضاعي قاضي مصر، وأبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري الحافظ، وأبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله التجيبي الحبال وآخرون. وكانت لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري الحافظ الأندلسي منه إجازة، وروى عن عبد الغني أيضاً ابن ابنته أبو الحسن علي بن الحسين بن بقاء الهمداني، وحدث عنه ببعض ما سمع منه. أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي بن هاشم الأزدي قراءة، وأبو الفضل هبة الله بن الحسن بن عبد السلام المصري إذناً مشافهة، قالا: أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الأنصاري، أخبرنا أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 ابن نصر البخاري الحافظ، أخبرنا أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد الأزدي الحافظ، حدثنا أبو حفص عمر بن محمد العطار، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن دنوقا، حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا بشر بن المفضل، عن غالب القطان، عن بكر، عن أنس قال: ((كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا أراد أحدنا أن يسجد على الأرض بسط ثوبه، فسجد عليه)) . قال عبد الغني: هو غالب بن أبي غيلان، وهو غالب بن خطاف، قال لي علي بن عمرك خطاف بالفتح هو الصواب. قال الشيخ أحسن الله عقباه، هذا حديثٌ صحيحٌ ثابتٌ متفقٌ عليه من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 حديث بشر بن المفضل، أخرجه البخاري عن مسدد عنه، وعن أبي الوليد عنه. وأخرجه مسلمٌ عن يحيى بن يحيى عنه. ورواه البخاري أيضاً من حديث غير بشر بن غالب، وأخرجه عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن خالد بن عبد الرحمن عن غالب القطان. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الفضل محمد بن طاهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 المقدسي الحافظ بهمذان يقول: ((سألت الإمام أبا القاسم سعد بن علي الزنجاني الحافظ بمكة، وما رأيت مثله قلت له: أربعة من الحفاظ تعاصروا أيهم أحفظ؟ فقال: من؟ قلت: الدارقطني ببغداذ، وعبد الغني بمصر، وأبو عبد الله بن مندة بأصبهان، وأبو عبد الله الحاكم بنيسابور، فسكت فألححت عليه، فقال: أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل، وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب، أما أبو عبد الله بن مندة فأكثرهم حديثاً مع معرفة تامة، وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفاً)) . وسمعت أبا طاهر يقول: سمعت أبا الفضل يقول: ((قرأت يوماً على أبي إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال الحافظ بمصر فقلت على العادة: ورضي الله عن الشيخ الحافظ، فقال: لا تقل الحافظ، إنما الحافظ الدارقطني وعبد الغني)) . أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، وأبو محمد عبد لله ابن عبد الرحمن بن يحيى العثماني بقراءتي عليهما، قال أبو طاهر: أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسن بن السراج البغدادي بها سنة أربع وتسعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 وأربع مائة، وقال أبو محمد: أخبرني أبو الحسن علي بن المشرف بن المسلم الأنماطي سنة سبع وخمس مائة قالا: أخبرنا أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد البخاري الحافظ، حدثنا أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ، قال: سمعت أبا الحسن علي بن عمر الحافظ يقول: سمعت أبا محمد الحسن بن أحمد ابن صالح السبيعي يقول: ((قدم علينا حلب الوزير أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات، فتلقاه أهل البلد وكنت فيهم، فقيل له: إني من أصحاب الحديث، فقال لي: تعرف إسناداً جمع فيه أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل واحد منهم يروي عن صاحبه؟ فقلت: نعم، وذكرت له حديث السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى عن عبد الله بن السعدي، عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في العمالة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 فقال لي: صدقت، وعرف لي ذلك، وصارت لي به منزلة عنده. قال عبد الغني: ثم تتبعت مثل ذلك مما لم يذكره السبيعي فوجدت حديثاً يرويه نعيم بن همار، عن المقدام بن معدي كرب، عن أبي أيوب، عن عوف بن مالك في الأمر بالطاعة والوصاة بكتاب الله عز وجل. ووجدت أيضاً حديثاً آخر اجتمع فيه أربع نسوة كلهم قد رأين رسول الله وكل واحدة منهن روت عن صاحبتها روى ذلك الزهري عن عروة بن الزبير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 عن زينب بنت أبي سلمة، عن حبيبة بنت أم حبيبة، عن أمها أم حبيبة، عن زينب بنت جحش في فتح ردم يأجوج ومأجوج، اجتمع في هذا الحديث زوجان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهما أم حبيبة وزينب بنت جحش، وربيبتان من ربائب النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما زينب بنت أم سلمة وهي بنت أبي سلمة عبد لله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 عبد الأسد المخزومي، والأخرى حبيبة بنت أم حبيبة، وهي بنت عبيد الله بن جحش الذي تنصر بأرض الحبشة. قال عبد الغني: ومما اجتمع فيه أربعةٌ رأوا رسول لله صلى الله عليه وسلم وكل واحد منهم ولد صاحبه وهم: أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق لأبي قحافة رضي الله عنهم أجمعين. أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو الحسين الصيرفي، أخبرنا أبو عبد الله الصوري، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ، قال: نظرت في كتاب ((المدخل)) الذي صنفه الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري مع أبي سعيد عمر بن محمد بن محمد السجزي وإذا فيه أغلاطٌ وتصحيفاتٌ أعظمت أن تكون غابت عنه، وأكبرت جوازها عليه، وجوزت أن يكون ذلك جرى من ناقل الكتاب له، أو حامله عنه، مع أنه لا يعرى بشرٌ من السهو والغلط، فاستخرت الله جل وعلا وجردت ذلك وبينته وأوضحته واستشهدت عليه بأقاويل العلماء مجتهداً في تصحيحه متوخياً إظهار الصواب فيه، ولما وصل كتابي هذا إلى أبي عبد الله الحاكم أجابني بالشكر عليه وذكر أنه أملاه على الناس وضمن كتابه إلي الاعتراف بالفائدة، وأنه لا يذكرها إلا عنى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 وأن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم، حدثنا العباس بن محمد الدوري، قال: سمعت أبا عبيد يقول: ((من شكر العلم أن تستفيد الشيء فإذا ذكر لك قلت: خفي علي كذا وكذا، ولم يكن لي علمٌ حتى أفادني فلانٌ فيه كذا وكذا، فهذا شكر العلم)) . سمعت أبا طاهر الأصبهاني يقول: سمعت أبا الفضل المقدسي الحافظ ببغداذ يقول: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال الحافظ بمصر يقول: سمعت أبا محمد عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ يقول: ((رجلان نبيلان لحقهما لقبان قبيحان: عبد الله بن محمد الضعيف، وإنما كان ضعيفاً في بدنه، قوياً في حديثه، ومعاوية بن عبد الكريم الضال، وإنما ضل في طريق مكة)) . وسمعت أبا طاهر يقول: سمعت أبا الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن علي الصوري يقول: ((ما رأيت عيناي بعد عبد الغني بن سعيد المصري أحفظ من أبي محمد الخلال البغداذي)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 سمعت أحمد بن محمد السلفي يقول: سمعت المبارك بن عبد الجبار الصيرفي يقول: ((لما رجع أبو بكر الخطيب الحافظ إلى بغداد سألته: هل رأيت أحداً يفهم الحديث؟ قال: إلا شاباً يقال له جعفر بن الحكاك. ثم قال لي السلفي: إنما أخذ هذا من قول الدارقطني لما سئل عند عوده إلى بغداذ: هل رأيت أحداً يفهم الحديث؟ قال: لا، إلا شاباً بمصر يقال له عبد الغني بن سعيد كأنه شعلة نار. وقول الدارقطني هذا عندي عن شيخنا السلفي في موضع آخر بإسناده، ولا يحضرني الآن إذ لم أجده في سماعاته ولا في سماعي منه بالإجازة فأخرجته على الإجازة عنه، وهو ما أنبأنا أبو طاهر السلفي، قال: أنبأنا أبو الحسين الصيرفي، قال: أخبرنا أبو عبد الله الصوري قال: قال لي أبو بكر البرقاني: سألت الدارقطني بعد قدومه من مصر: هل رأيت في طول طريقك من يفهم شيئاً من العلم؟ فقال لي: ما رأيت في طريقي أحداً إلا شاباً بمصر يقال له عبد الغني كأنه شعلة نار. وجعل يفخم أمره ويرفع ذكره)) . قال السلفي: وقد أجاز لي أبو غالب، قال: أجاز لي البرقاني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وأنبأنا أبو طاهر قال: أنبأنا أبو الحسين قال: أخبرنا الصوري، قال: قال لي عبد الغني بن سعيد: ابتدأت كتاب ((المؤتلف والمختلف)) وقدم علينا أبو الحسن الدارقطني فأخذت عنه أشياء كثيرة منه، فلما فرغت من تصنيفه سألني أن أقرأه عليه ليسمعه مني، فقلت: عنك أخذت أكثره. فقال لي: لا تقل هكذا، فإنك أخذته عني متفرقاً، وقد أوردته فيه مجموعاً، وفيه أشياء كثيرةٌ أخذتها من شيوخك. فقرأته عليه، أو كما قال. قال الصوري: وقال لي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن أبي يزيد الأزدي، قال لي أبي: خرجنا يوماً مع أبي الحسن الدارقطني من عند أبي جعفر مسلم الحسيني، فلقينا عبد الغني بن سعيد، فسلم على أبي الحسن ووقفا ساعةً يتحدثان، ثم انصرف عبد الغني فالتفت إلينا أبو الحسن، فقال: يا صحبنا! ما التقيت من مرة مع شابكم هذه فانصرفت عنه إلا بفائدة، أو كما قال. قال الصوري: وقال لي أبو الفتح منصور بن علي الطرسوسي، وكان شيخاً صالحاً: لما أراد أبو الحسن الدارقطني الخروج من عندنا من مصر خرجنا معه نودعه، فلما ودعناه بكينا، فقال لنا: لم تبكون؟ فقلنا: نبكي لم فقدناه من علمك، وعدمناه من فوائدك، فقال: تقولون هذا وعندكم عبد الغني بن سعيد، وفيه الخلف. أو كما قال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 قال الصوري: قال لي عبد الغني بن سعيد: ولدت لليلتين بقيتا من ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وثلاث مائة، وتوفي في صفر من سنة تسع وأربع مائة. آخر الجزء الثالث من الأصل. والحمد لله رب العالمين، وصلواته على سيدنا محمد نبيه وآله وصحبه أجمعين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 [31- أبو عبد الله ابن منده] أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي الأصبهاني الحافظ، واسم منده فيما قيل إبراهيم. نبيهٌ، ثبتٌ، جليلٌ في الجمع بين الرواية والدراية، وسعة الرحلة وكثيرة المشايخ والسماعات، والتواليف، والتخاريج، والكلام على الأحاديث. روى عن أبيه عن جده. وروى عنه أولاده، وعن أولاده أحفاده، واتصلت رواية بعضهم عن بعض ولم يتفق مثل ذلك إلا في أبيات قليلة. سمع بأصبهان من جماعة كبيرة، ثم رحل فسمع بالحجاز، وخراسان، ومدن العراق، والشام، ومصر، وكثيراً ما كنت أسمع شيخنا الحافظ أبو طاهر السلفي، يقول: كان أبو عبد الله بن منده يقول: طفت الشرق والغرب مرتين، فما رأيت مثل القاضي أبي أحمد العسال في الإتقان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 قال السلفي: وإنما انتهت رحلته إلى مصر فجعلها من المغرب. وفي شيوخه كثرة، منهم: أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني الأخرم، وأبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني الأصم، وأبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي، وأبو القاسم حمزة بن محمد ابن علي الكناني، وأبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الدبيلي، وأبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمر المديني، وإسماعيل بن يعقوب البغداذي، وخيثمة بن سليمان الطرابلسي، وعبد الرحمن بن يحيى بن منده، ومحمد بن عيسى الرازي، ومحمد بن عمر ابن حفص الأصبهاني، وعلي بن العباس الغزي، ومحمد بن الحسين بن الحسن بن القطان، وأحمد بن سليمان بن أيوب، وعبدوس بن الحسين، والحسن بن يوسف الطرائفي، وأحمد بن إسحاق بن أيوب، وعلي بن محمد ابن نصر، وعمر بن محمد بن سليمان العطار، والحسن بن محمد بن النضر، وأحمد بن القاسم بن معروف، ومحمد بن أحمد بن منصور الطوسي، وعلي ابن عيسى بن عبدويه الرازي، وأبو الفضل العباس بن أحمد بن حمدان المديني، وأبو عثمان عمرو ب عبد الله البصري، وعبد الله بن إبراهيم بن الصباح، وعبد الله بن جعفر البغداذي -وهو ابن الورد-، وجعفر بن محمد العلوي، وجماعةٌ يطول ذكرهم ويشق حصرهم، وكفاه أنه قال: كتبت عن أربعة من مشايخي أربعة آلاف جزء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 وقد تقدم قول سعد الزنجاني: أنه أكثر الأربعة المذكورين معه في السؤال حديثاً مع معرفة تامة. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني بقراءتي عليه، قال: أخبرنا الشيخ الإمام أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني الحافظ إملاءً بانتخابي عليه ببغداذ، وتخريجي من أصوله في شوال سنة ثمان وتسعين وأربع مائة، أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبي، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن الوليد البسري، قال: حدثنا غندر محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، حدثني عبيد الله بن أبي بكر قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، ثم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور. أو قال: شهادة الزور)) . قال شعبة: وأكبر ظني أنه قال: ((شهادة الزور)) . قال الحافظ السلفي: رواه جماعةٌ جمةٌ عن شعبة، واتفق عليه الإمامان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري، فأخرجه البخاري في الأدب، ومسلم في الإيمان، جميعاً عن محمد بن الوليد هذا. قال الشيخ أعزه الله بتقواه: ومن مستحسن حديث أبي عبد الله بن منده ما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني، وأبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، قالا: أخبرنا أبو بكر يحيى بن إبراهيم ابن شبل الإسكندري بها، زاد أبو طاهر: وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن عمر السمرقندي ببغداذ، وأبو الحسين يحيى بن تمام بن علي الرملي بدمشق، وغيرهم، قالوا: أخبرنا أبو عثمان محمد بن أحمد بن ورقاء الأصبهاني بالقدس، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ بأصبهان، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرازي، حدثنا محمد بن فارس أبو عبد الله البلخي، حدثنا حاتمٌ الأصم، عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 شقيق البلخي، عن إبراهيم بن أدهم، عن مالك بن دينار، عن أبي مسلم الخولاني، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، ثم كان الاثنان أحب إليكم من الواحد لم تبلغوا الاستقامة)) . قال الشيخ أدام الله جزلته: هذا هو اللفظ المشهور، وهو رواية الجماعة. وقال أبو محمد بن السمرقندي في حديثه: كالحناير -بالراء- والحنيرة: (القوس) التي لا وتر عليها. وقال الأزدي: إلا كما سمعت، كذلك حكى لنا شيخنا السلفي عنه. وقال السلفي عقب ذلك: هذا حديثٌ حسن من رواية هؤلاء العباد العباد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 الأعلام بين علماء الزهاد ليس منهم أحد إلا يستسقى بذكره، ويستقى بقبره، فحاتم وسفيان وإبراهيم ثلاثتهم بلخيون، أما حاتم فيكنى: أبا عبد الرحمن، وهو حاتم بن عنوان، ويقال: ابن يوسف، ويقال: حاتم بن عنوان بن يوسف. روى عن سعيد بن عبد الله الماهاني، الراوي عن إبراهيم بن طهمان، وغيره، حدث عنه عبد الله بن سهل الرازي، وأحمد بن خضرويه البلخي وآخرون. توفي في سنة سبع وثلاثين ومائتين. وأما شقيق فهو: ابن إبراهيم الأزدي، كنيته أبو علي، يروي عن عباد بن كثير، وأبي هاشم الأبلي وغيرهما، ويروي عنه: أبو صالح مسلم بن عبد الرحمن، وأبو علي الحسين بن داود البلخيان وغيرهما. قال أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب ((الطبقات)) : ((أظنه أول من تكلم في علوم الأحوال بخراسان. قال: وكان حسن الجري على سبيل التوكل، حسن الكلام فيه)) . وأما إبراهيم فهو: ابن أدهم بن منصور، يكنى أبا إسحاق، اختار الدين على الدنيا، والفقر على الغنى، وآثر الزهد والورع، وحج وصحب سفيان بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 سعيد الثوري، والفضيل بن عياض، ونظرائهما، وكان يتردد في مدن الشام، ويأكل من عمل يده، وبها توفي، يروي عنه بقية بن الوليد الحمصي، وآخرون، وقد روى هذا الحديث عن مالك بن دينار. ومالك تابعي بصري، يروي عن أنس بن مالك: والحسن بن أبي الحسن البصري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وآخرين. ويروي عنه: أبان بن يزيد العطار، والسري بن يحيى أبو الهيثم، وجعفر بن سليمان الضبعي، وآخرون، أخرج له البخاري استشهاداً، وقال علي بن المديني: له نحو من أربعين حديثاً، مات سنة تسع وعشرين ومائة. قال السلفي: وقد زرت قبره بالبصرة، وهو ممن يقرن بثابت البناني، وفرقد السبخي ونظرائهما من زهاد البصرة، وأبو مسلم الخولاني، فأشبه عبد الله بن ثوب، ويقال: ابن عوف بن مشكم، زاهد أهل الشام، وقارئهم، أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره، ووفد في خلافة الصديق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 ويروي عنه أبو إدريس الخولاني، وأبو العالية الرياحي، وأبو قلابة، وآخرون، وقد أخرج له مسلم بن الحجاج في ((صحيحه)) . والفاروق، فزهده أكثر من أن يذكر أو يخفى فينكر. والله تعالى مكرم وجهه ويقدس روحه. قال الشيخ أيده الله: ومن هذا القبيل، وهو أبلغ في التسلسل منها ما أخبرنا أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني الصوفي، أخبرنا أحمد بن علي بن محمد الأسواري الصوفي بأصبهان، أخبرنا علي بن شجاع بن علي المصقلي الصوفي في كتابه، أخبرنا أحمد بن منصور المذكر، حدثنا أحمد بن عثمان اليزيدي الصوفي، قال: حضرت مجلس الجنيد ببغداذ، فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 حدثنا السري ابن المغلس السقطي، حدثنا معروفٌ الكرخي، حدثنا معبد بن عبد العزيز العابد، عن الحسن البصري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((طلب الحق فريضةٌ)) . قال لنا السلفي: هذا حديثٌ غريب المتن، عزيز الإسناد، حسنٌ من رواية الصوفية الزهاد خلفاً عن سلف هلم إلى شيخنا أحمد بن علي الأسواري الصوفي، وما كتبته هكذا إلا عنه. قال شيخنا السلفي: وسمعت أبا الرجاء بشار بن أحمد بن محمد القصار، وآخرين بأصبهان، قالوا: سمعنا أبا حفص عمر بن أحمد بن عمر السمسار الشيخ الثقة يقول: سمعت أبا نعيم الحافظ، وسئل عن أبي عبد الله ابن منده الحافظ، فقال: كان جبلاً من الجبال. قال السلفي: وابن منده من الحفاظ الذين كتب عنه أبو نعيم بأصبهان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 سمعت أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ يقول: سمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ بأصبهان يقول: سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ بنيسابور، يقول: سمعت أبا العباس المستغفري الحافظ، يقول: سمعت أبا عبد الله بن منده الحافظ الأصبهاني يقول: إذا وجدت في إسنادٍ زاهداً، فاغسل يديك من ذلك الإسناد. قال الشيخ أيده الله: بلغني أن أبا عبد الله بن منده قال: لما دخلت مصر لقيت حمزة بن محمد الحافظ، فأكرمني وخرجت من عنده، فأمر لي بركوب دابته فركبتها وسرت بها في مصر فجعل الناس ينظرون إلي ويقولون: هذا ركب دابة حمزة، وصار وجوههم يقصدونني بالزيارة ويستعظمون هذا الأمر. قد طلبت هذه الحكاية لأخرجها بإسنادها فلم أجدها، فعلقتها من حفظي على المعنى بغير إسناد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 [32- أبو مسعود الدمشقي] أبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الكندي الدمشقي الحافظ. مصنف ((التعليق)) على أسانيد أحاديث ((الصحيحين)) ، إمام مشهور. سمع: أبا جعفر محمد بن عبد الله بن خلاد، وأبا حامد أحمد بن محمد بن بالويه، وأبا أحمد الحافظ، وجماعة من أصحاب البغوي، وأبي يعلى، وابن أبي حاتم الرازي، ومحمد بن إسحاق السراج، والحسن بن سفيان. روى عنه حمزة الدقاق الحافظ، وأبو القاسم الطبري اللالكائي. وقد ذكره أبو بكر الخطيب في كتاب ((تاريخ بغداد)) ، فقال ما هذا نصه: ((إبراهيم بن محمد بن عبيد، أبو مسعود الدمشقي الحافظ، سافر الكثير، وسمع وكتب ببغداذ والكوفة والبصرة وواسط والأهواز وأصبهان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 وبلاد خراسان، فسمع ببغداذ من أصحاب أبي شعيب الحراني، ومحمد بن يحيى المروزي، ويوسف بن يعقوب القاضي، وجعفر الفريابي، وبالكوفة من أصحاب أبي جعفر المطين، وأبي حصين الوادعي، وبالبصرة من أصحاب أبي خليفة الجمحي، وبواسط من أبي محمد بن السقاء، وبالأهواز بن أحمد بن عبدان الشيرازي وأقرانه، وبأصبهان من أبي بكر ابن المقرئ ونحوه، وبخراسان من أصحاب الحسن بن سفيان، وأبي بكر بن خزيمة، ومحمد بن إسحاق السراج، وأمثالهم، ثم استوطن بغداذ بأخرة، وكان له عناية بصحيحي البخاري ومسلم، وعمل تعليقة ((أطراف الكتابين)) ، ولم يرو من الحديث إلا شيئاً يسيراً على سبيل التذكرة. حدثنا عنه أبو القاسم الطبرى، وكان صدوقاً، ديناً، ورعاً، فهماً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 توفي ببغداد، وصلى عليه أبو حامد الإسفراييني، وكان وصيه، ودفن في مقبرة جامع المنصور. حدثنا أحمد بن محمد العتيقي، قال: مات أبو مسعود الدمشقي في إحدى وأربع مائة. قرأت على أبي طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني أخبركم أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد الأكفاني بدمشق قراءةً عليه، وأنت تسمع فأقر به أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ فيما أذن لنا فيه، أخبرنا أبو طاهر حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق الحافظ بقراءتي عليه، عن أبي مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي الحافظ فيما رواه عنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 من ((رسالته التي أجاب بها أبا الحسن الدارقطني الحافظ عن الأحاديث التي غلط فيها مسلم بن الحجاج)) قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصحب الملائكة رفقةً فيها جرسٌ)) . قال الشيخ أدام الله كفايته: حديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم بن الحجاج من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، فرواه عن زهير، عن جرير عنه، وزاد في آخره: ((أو كلب)) . أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني، أنبأنا أبو بكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 الخطيب، أخبرنا حمزة بن محمد الدقاق قال: قال أبو مسعود الدمشقي، قال أبو الحسن الدارقطني: أخرج مسلمٌ من حديث غندر عن شعبة، عن قتادة عن زرارة، عن سعد بن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع الأجراس، قال: وليس هذا عند شعبة، إنما هو سعيد هكذا كتبه بخطه وبيض بين سعد والنبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو مسعود: ((وهذا حديثٌ لم يخرجه مسلمٌ أصلاً بحال، وقد أخرج هذا الباب في كتاب اللباس، وأخرج حديث سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تصحب الملائكة رفقةً فيها كلبٌ ولا جرسٌ)) ، وأخرج في عقبه حديث العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الجرس مزامير الشياطين)) ، وأخرج في عقبه حديث أبي بشير الأنصاري: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((لا يبقين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 في رقبة بعيرٍ قلادةٌ من وتر إلا قطعت)) . هذا جميع ما خرج في هذا الباب، ولم يخرج حديث قتادة عن زرارة بحال لا في هذا الموضع ولا في غيره. قال أبو مسعود: وهذا حديثٌ اختلف فيه على قتادة، فرواه محمد بن بكر، وخالد بن الحارث، وغندر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد، عن عائشة، وتابع الجماعة: سعيد بن بشير، عن قتادة في إسناده مثله، ورواه الأنصاري عن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة، عن أبي هريرة، ورواه هشام الدستوائي، عن قتادة، عن زرارة، عن أبي هريرة، تابع فيه الأنصاري، عن سعيد، وقفه العقدي عن هشام، وأسنده عبد الصمد، عن هشام. قال الشيخ أمده الله بتوفيقه: قال لنا الحافظ السلفي، يحتمل أن هذا الحديث يعني حديث غندر، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة، عن سعد بن هشام، عن النبي صلى الله عليه وسلم كان في كتاب مسلم فأسقطه مثل ما فعل في غيره، وإلى هذا أشار الدارقطني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 والعذر عنه أن يقال: ((سعيدٌ)) قد يتصحف ((لشعبة)) من حيث الكتابة، خصوصاً وقد اشتركا في قتادة، وروى غندر عنهما جميعاً، ولعله كان في كتاب مسلم القديم الذي كتبه عن شيخه مشكلاً غير مشكول، فذهب عليه حالة نقله إلى تخريجه، إذ الغالب على غندر الرواية عن شعبة، فحين نظر -رحمه الله- إلى الاختلاف الذي فيه على قتادة أسقطه من ((صحيحه)) ثم لم ينعم النظر فيه مرة أخرى، كما فعل في غيره من الأحاديث المنقحة، فبقي مشكولاً على حاله، والحق مع الدارقطني رحمه الله، إذ حكى ما رأى، والله أعلم. قال الشيخ أيده الله: انتهى كلام السلفي، ولا نظن بالدارقطني بعد أن قال هكذا كتبه ((بخطه)) يعني مسلماً إلا وقد وقفت عليه كذلك، وتحقق أنه خطه، اللهم إلا أن يكون رآه في النسخة القديمة التي أسقط منها ما أسقط، ولم يتأمل الجديدة التي ليس هو الآن فيها، كما ذكر أبو مسعود، فلا يصح النقد عليه فيما تنبه لعلته فأسقطه، والله أعلم. وقد تقدم قول الخطيب أبي بكر أن أبا مسعود لم يحدث إلا بشيء يسير. وأخرج عنه في ((تاريخ بغداد)) حديثاً رواه عن أبي القاسم اللالكائي الحافظ عه فقال: حدثنا هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري -يعني اللالكائي- أخبرنا إبراهيم بن محمد بن (عبيد) الحافظ، أبو مسعود، أخبرنا عبد الله بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 محمد بن عثمان المزني الواسطي بها، حدثنا أبو العباس الوليد بن بنان الواسطي المقري، حدثنا النضر بن سلمة، حدثنا عبد الله بن عمر العمري، عن عبد الله بن عمر، عن أخيه يحيى بن عمر، قال: حدثنا أخي عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى وادي محسر حرك راحلته وقال: ((عليكم بحصى الحذف)) . ورواه أبو بكر الخطيب عالياً عن القاضي أبي العلاء محمد بن علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 الواسطي، عن عبد الله بن محمد المزني، وهو ابن السقا الحافظ إلا أنه قال: عبد الله بن عمرو الفهري. وقد أجاز لنا أبو طاهر السلفي، وغيره، قالوا: أجاز لنا أبو غالب محمد بن الحسن الكرجي، قال: أجاز لنا القاضي أبو العلاء الواسطي. سمعت أبا طاهر السلفي، يقول: سمعت أبا الفتح الماكي يقول: سمعت أبا يعلى الخليلي يقول: أبو الحسن علي بن عمر بن مهدي الدارقطني، عالمٌ متقنٌ، غايةٌ في الحفظ، وفي، رضيه العلماء كلهم. سمع البغوي، وابن أبي داود وابن صاعد، ثم تنزل إلى شيوخ بعدهم، مات سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، واختتم به الشيوخ في هذا الشأن ببغداذ، وكان بها حفاظ، وماتوا في حد الكهولة: أبو مسعود الدمشقي، والحسين بن أحمد بن بكير، وأبو الفتح ابن أبي الفوارس البغدايان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 الطبقة التاسعة [33- أبو بكر البرقاني] أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي، الفقيه، الحافظ، المعروف بالبرقاني، ساكن بغداذ، ويقال فيه البرقاني، والبرقاني بكسر الباء وفتحها. سمع أبا بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني، وأبا علي محمد بن أحمد بن الحسن المعروف بابن الصواف، وأبا القاسم عبد الله بن إبراهيم الآبندوني، وأبا بكر أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن حباب الخوارزمي، وأبا العباس محمد بن أحمد بن حمدان، وأبا بكر أحمد بن جعفر بن حمدان، وآخرين. روى عنه: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، وأبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا البغداذيان الحافظان، وأبو المعالي ثابت بن بندار بن إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 المقرئ. وكانت لأبي غالب محمد بن الحسن بن أحمد الكرجي منه إجازة، سمع بها منه شيخنا السلفي عنه، وقد أجاز أبو غالب لشيخنا السلفي ولغيره من شيوخنا بجميع رواياته. وكان مولد البرقاني في سنة ست وثلاثين وثلاث مائة، ومات في شهر رجب سنة خمس وعشرين وأربع مائة. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ، أخبرنا أبو المعالي ثابت بن بندار بن إبراهيم المقرئ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني، أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، حدثنا أبو حاتم مكي بن عبدان النيسابوري بها، حدثنا عمار بن رجاء، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، وحماد، عن الأعمش، عن أبي وائل عن حذيفة، قال: قال عمر: أيكم يحفظ ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقال حذيفة: أنا، قال: ((نعم. فتنة الرجل في أهله، وماله، وولده، وجاره، يكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)) . قلت: لست عن هذا أسألك، ولكن عن الفتنة التي قبل الساعة تموج كموج البحر. فقال: يا أمير المؤمنين! إن بينك وبينها باباً مغلقاً. قال: قال عمر: أيفتح أم يكسر؟ قال: بل يكسر. قال: إذاً لا يغلق. قال أبو وائل: فقلنا لمسروق: سل حذيفة، فسأله، فقال: عمر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 قال الشيخ أمده الله بتوفيقه: متفقٌ عليه من حديث أبي محمد سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم الكوفي الأعمش، أخرجه البخاري ومسلم جميعاً من حديث جرير بن حازم عنه. فرواه البخاري عن قتيبة بن سعيد، عن جرير، ورواه مسلمٌ عن عثمان ابن أبي شيبة، عن جرير. وأخرجاه أيضاً من طرق عدة إلى الأعمش، انفرد كل واحد منهما بها عن صاحبه، وانفرد البخاري عن مسلم برواية شعبة هذه التي أخرجناها، فرواها عن بندار، عن ابن أبي عدي، وعن بشر بن خالد، عن غندر كليهما عن شعبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 أخبرنا أبو طاهر السلفي بقراءتي عليه، أخبرنا الشريف أبو علي محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن العباس بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن أمير المؤمنين المهدي، أخبرنا والدي أبو الفضل محمد بن عبد العزيز، أخبرنا الشيخ الفاضل الفقيه الحافظ المتدين أبو بكر أحمد بن محمد بن محمود بن غالب الخوارزمي المعروف بالبرقاني، وكان ينزل بين السورين من مدينة السلام، ومات في رجب، من سنة خمس وعشرين وأربع مائة، أخبرنا أبو الحسن الكراعي، حدثنا عبد الله بن محمود، حدثنا محمد بن عبد الله، عن أبي روح، قال: سمعت الفضيل بن عياض، يقول: من طلب أخاً بلا عيب بقي بلا أخ. أخبرنا أبو طاهر السلفي، أخبرنا أبو غالب الكرجي، عن أبي بكر البرقاني الحافظ، قال: قلت لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ -رحمنا الله وإياه-: عنبسة بن سعيد بن العاص، عن أبي هريرة، فقال: هذا جليس الحجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وهو عم أبي إسماعيل بن أمية. قلت: فعنبسة بن سعيد بن كثير، فقال: هو ابن أبي العنبس، كوفي يعتبر به. قلت: فعنبسة بن سعيد القطان، قال: هو أخو أبي الربيع السمان، بصري متروك. قلت: فعنبسة بن سعيد يحدث عنه ابن المبارك وحكام، فقال: هذا من أهل الرأي يحتج به. قلت: فعنبسة بن سعيد الأموي، فقال: هذا أخو يحيى، ومحمد، وعبد الله، وعبيد، وأبان، كلهم ثقات. أخبرنا أبو محمد عبد بن عبد الرحمن بن يحيى العثماني قراءةً عليه، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي العلاء السلمي في كتابه. وأخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني -إن لم يكن سماعاً فإجازةً- أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي العلاء السلمي بدمشق، حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ من لفظه، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الفقيه -يعني البرقاني- قال: سألت أبا بكر الإسماعيلي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 عمن قرأ إسناد الحديث على الشيخ، ثم قال: فذكر الحديث: هل يجوز له أن يحدث بجميع الحديث؟ فقال لي: البيان أولى، ولكن إذا عرف الحديث والقارئ ذلك الحديث، فأرجو أن يجوز ذلك، والبيان أولى أن يقول كما هو. (أنبأنا أبو طاهر السلفي، قال: أنبأنا أبو غالب الكرجي قال: أنبأنا أبو بكر البرقاني) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 [34- أبو نعيم الأصبهاني] أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران، الأصبهاني الحافظ، سبط محمد بن يوسف البناء الزاهد، شهرته تغني عن التعريف به. سمع أبا بكر أحمد بن يوسف بن خلاد النصيبي، وأبا علي محمد بن أحمد بن الحسن بن الصواف، وأبا بكر أحمد بن جعفر بن حمدان، وأبا أحمد [محمد] بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الحافظ، وأبا إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة، وأبا بكر عبد الله بن يحيى بن معاوية الطلحي، وأبا حفص الفاروق بن عبد الكبير الخطابي، وأبا القاسم سليمان بن أحمد ابن أيوب الطبراني، وأبا بحر محمد بن الحسن بن كوثر البربهاري، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 وأبا القاسم عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحيم بن زكريا البغداذي، ومحمد بن علي بن حبيش العوفي الناقد صاحب الجنيد، وقهد بن إبراهيم بن قهد المعدل، وأبا محمد عبد الله بن جعفر بن فارس، وأبا عمرو محمد بن أحمد بن حمدان، وأبا حامد أحمد بن محمد بن جبلة وعلي بن أحمد بن أبي غسان، وأبا بكر محمد بن عمر بن سلم الجعابي والقاضي أبا أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال، وحبيب بن الحسن القزاز، وأبا أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، وأبا محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الوراق المعروف بأبي الشيخ الحافظ، وآخرين يطول ذكرهم. مولده سنة ست وثلاثين وثلاث مائة، وتوفي سنة ثلاثين وأربع مائة، بعد أن بلغ أربعاً وتسعين سنة. وقد جمع شيخنا السلفي أخباره، وذكر من روى له عنه، وهم نحو من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 ثمانين رجلاً، أقدمهم الرئيس أبو عبد الله الثقفي، وآخرهم أبو علي الحداد وطبقته، وكانت له منه إجازة بجميع روايته. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن بن مهرة المقرئ الحداد بأصبهان، حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أحمد بن يوسف، حدثنا الحارث بن محمد، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 حدثنا حميدٌ، عن أنس قال: كانت ناقةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء، وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق ذلك على المسلمين، فقالوا: سبقت العضباء يا رسول الله! فلما رأى ما في وجوههم قال: ((إن حقاً على الله أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه)) . قال أبو نعيم: هذا حديثٌ ثابتٌ صحيحٌ متفقٌ عليه، رواه عبد الله بن المبارك، وبشر بن المفضل، والمعتمر، وأبو خالد الأحمر وزهير، والفزاري في آخرين، عن (حميد) . قال الشيخ أمده الله بمعونته: لم يعن أبو نعيم بقوله المشار إليه ((متفق عليه)) اتفاق البخاري ومسلم رحمة الله عليهما على إخراجه في كتابيهما، وإنما أراد به سلامة رجاله من الخلل وعدم الطعن فيه بعلةٍ من العلل فيما يظهر لي والله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 أعلم، وإلا فهو مما انفرد به البخاري عن مسلم، رواه عن عبد الله بن محمد، عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن حميد، فكأن شيخنا سمع من أصحاب البخاري، ورواه أيضاً عن مالك بن إسماعيل، عن زهير بن معاوية، وعن محمد غير منسوب، عن مروان بن معاوية الفزاري، وأبي خالد الأحمر ثلاثتهم عن حميد. أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الحافظ، قال: كتب في كتابه إلي أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر الفارسي، قال: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران سبط محمد ابن يوسف البناء الصوفي، الشيخ الإمام أبو نعيم الحافظ، واحد عصره في فضله وجمعه ومعرفته صنف التصانيف المشهورة، مثل: ((حلية الأولياء وطبقة الأصفياء)) وغير ذلك من الكتب الكثيرة في أنواع علوم الحديث والحقائق، وشاع ذكره في الآفاق واستفاد الناس من تصانيفه لحسنها، وبلغني أنه ولد في رجب سنة ست وثلاثين وثلاث مائة، وأنه توفي يوم الاثنين الحادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربع مائة، ودفن من يومه بعد صلاة الظهر، وبلغ أربعاً وتسعين سنة. قال أبو القاسم الحافظ: وسمعت من يحكي عن أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، قال: لم ألق من شيوخي أحفظ من أبي نعيم الحافظ، وأبي حازم العبدوي الأعرج. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: كان أبو نعيم من الفصحاء، فقيل له: من أين لك هذا الفصاحة؟ فقال: تعلمتها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقوال أصحابه رضي الله عنهم. قال السلفي في كتابه المترجم بـ ((حلية الأولياء وطبقة الأصفياء)) : لم يصنف مثله، سمعناه على أبي المظفر القاساني عنه سوى يسيراً فاتني من أثنائه، ولي منه إجازةٌ، وكذلك ما ألفه في ((تاريخ أصبهان)) كتابٌ في معناه مفيدٌ، وسوى ذلك. ومن تصفح تصانيفه رأى ما يعجبه في كل فن. ومما لأبي نعيم فيه فخرٌ ورفيع ذكر وقدر ما أورده الإمام أبو الحسن الدارقطني الحافظ، وناهيك به عالماً حبراً، وعلماً صدراً في انتقائه على أبي علي كوشيار بن لياليزور بن الحسين الجيلي، ورواه عنه أبو الفرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 الطناجيري، وهو من أقران أبي نعيم، وإن كان أبو نعيم أعلى إسناداً منه. وأما الدارقطني فشيخه ويروي عنه في تواليفه كثيراً، وقد توفي قبل أبي نعيم بخمسة وأربعين عاماً، إذ قد توفي أبو نعيم سنة ثلاثين وأربع مائة والدارقطني سنة خمس وثمانين وثلاث مائة. وهو ما حدثناه أبو طاهر السلفي من لفظه، قال: أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين بن السراج اللغوي ببغداذ قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ابن ثابت البغداذي أخبرنا أبو الفرج الحسين بن علي الطناجيري، قال: أخبرنا أبو علي كوشيار [بن لياليزور] بن الحسين بن عيسى بن مهدي الجيلي بانتقاء أبي الحسن الدارقطني الحافظ، حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني بجرجان، حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا عبيد الله بن محمد العمري، حدثنا إسماعيل بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 أويس، عن رجل -قال أبو نعيم: وقد خفي علي اسمه- عن موسى بن جعفر ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه علي، عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 ((من سب الأنبياء قتل، ومن سب أصحابي جلد)) . قال أبو بكر الخطيب: ((أظن أبا نعيم حدث كوشيار بهذا الحديث من حفظه على هذا الوجه، فهو محفوظ عن ابن أبي أويس عن موسى بن جعفر نفسه ليس بينهما أحد، وسمعناه على الصواب من أبي نعيم ومن غيره)) . قال السلفي: وأنبأنا جماعة من شيوخنا قالوا: أنبأنا أبو نعيم بالحديث. وقد روى أبو نعيم عن كوشيار كما روى هو عنه، وروى عن أبي نعيم أيضاً: أبو سعيد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الأنصاري الماليني الحافظ، وقد توفي قبله بثمانية عشر عاماً بمصر سنة اثنتي عشرة وأربع مائة في شوال، وكان من الثقات، وأحد شيوخه بمصر الحسن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 رشيق العسكري، وبجرجان: أبو أحمد بن عدي، وأبو بكر الإسماعيلي، وببغداذ ابن ماسي، وابن مالك القطيعي، وآخرون، وبأصبهان أبو الشيخ، وبنيسابور ابن نجيد. وله أمالٍ مفيدة، وأنفق في طلب العلم جملة كبيرة. قال: وقد سمعت أبا الحسين بن الطيوري ببغداذ يقول: سمعت عبد العزيز بن علي الأزجي الحافظ، يقول: أخذت من أبي سعد الماليني أجرة النسخ والمقابلة في دفعة واحدة خمسين ديناراً. وآخر من حدث عنه ابن طلحة النعالي ببغداذ بـ ((جزء)) سمعه أبي علية، واستجاز له منه رحمه الله، أو ممن كان يفتخر في [بلده] بكتابة أبي نعيم عنه حديثاً واحداً القاضي أبو بكر محمد بن شباشي الرازي، فإنه حدث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 بحديث، ثم قال: كتب عني الشيخ الإمام أبو نعيم الحافظ هذا الحديث، وقد كان أبو عبد الله القضاعي قاضي مصر، وتوفي سنة أربع وخمسين وأربع مائة بعد أبي نعيم بأربع وعشرين سنة، يروي عن أبي رجاء هبة الله بن محمد ابن علي الشيرازي الحافظ عنه، ويقول فيما يرويه عن أبي رجاء: حدثني هبة الله بن أبي غسان الفارسي. قال السلفي: ومن شيوخ أبي نعيم الأصبهانيين العوالي عبد الله بن جعفر ابن فارس وأحمد بن جعفر بن معبد، وعبد الله بن الحسين بن بندار، وأبو عبد الله الكسائي، ومحمد بن معمر بن ناصح، ونظراؤهم، ومن الحفاظ الذين رآهم بأصبهان وقد كتب عنهم من أهلها والقادمين إليها: أبو إسحاق بن حمزة، وأبو أحمد العسال، وأبو القاسم الطبراني، وأبو بكر الجعابي البغداذي، وأبو محمد بن حيان أبو الشيخ، وأبو بكر بن المقرئ، وأبو عبد الله بن منده، ومن جملة الحفاظ الذين رآهم وروى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 عنهم من غير أهل أصبهان والقادمين إليها: أبو الحسين بن المظفر، وأبو الحسن الدارقطني البغداذيان، وأبو محمد ابن السقا الواسطي، وأبو بكر المفيد الجرجرائي، والحاكمان أبو أحمد الكرابيسي، وأبو عبد الله ابن البيع النيسابوريان، وآخرون من شيوخه المسندين ببغداذ: أبو بكر بن الهيثم الأنباري، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن مخلد الجوهري المعروف بابن المحرم، وأحمد بن مسلم الختلي، وأبو بكر أحمد بن السندي الحداد، وأبو بكر [بن] خلاد النصيبي، وعبد الرحمن بن العباس المخلص، وأبو علي بن الصواف، وأبو بحر بن كوثر وحبيب القزاز، وابن حبيش، وأبو محمد بن كيسان النحوي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 ونظراؤهم، وبالبصرة أبو محمد الجابري، وأحمد بن القاسم ابن الريان المصري، وفاروق الخطابي، وقهد بن إبراهيم بن قهد المعدل، ويوسف بن يعقوب النجيرمي وأقرانهم، وبالكوفة ابن أبي العزائم الراوي عن ابن أبي غرزة، وزيد بن أبي بلال المقرئ، وأبو بكر الطلحي، وإبراهيم بن أحمد بن أبي حصين الوادعي، وبمكة أبو بكر الآجري، ومحمد ابن بدر الأمير، وأحمد بن إبراهيم الكندي، ومحمد بن إسحاق القاضي بالأهواز، وسهل بن عبد الله التستري الصغير بتستر، وبنيسابور أبو عمرو ابن حمدان الحيري، وأبو إسحاق المزكي، وبجرجان: أبو أحمد الغطريفي، وآخرون من كثرتهم لا يعدون، اختصرنا على هؤلاء المشاهير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 الذين ذكرناهم ومن غيرهم أفردناهم لعلو إسنادهم، وما نقل من رشادهم في الرواية وسدادهم. وممن أجاز لي من شيوخ الشام والعراق وخراسان وغيرها خيثمة بن سليمان القرشي، كاتبه من طرابلس، وأبو الحسن أحمد بن زكريا المقدسي، وأبو إسحاق الخلنجي جميعاً من المقدس، وأحمد بن عبد الرحيم القيسراني من الرملة، وأبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد من دمشق، وكذلك أحمد بن سليمان الرحبي من الرحبة، وأبو العباس الأصم من نيسابور، وكذلك أبو علي الحافظ، ومن شيوخ بغداذ أحمد بن كامل، وعبد الباقي بن قانع ودعلج، وأبو عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 اللغوي غلام ثعلب، وأبو بكر النقاش المقرئ، وابن درستويه الفارسي، وأبو سهل بن زياد القطان النحويان، وأبو بكر الشافعي، وجعفر الخلدي، ومن شيوخ البصرة: محمد بن بكر بن داسة ومن غيره ابن شوذب الواسطي، وأبو بكر ابن محمويه العسكري، وأبو بكر ابن السني الدينوري وزمرة، فهم كثرة. قال السلفي: وممن أجاز لي وله من أبي نعيم إجازةً أبو العباس أحمد بن محمد بن بشرويه الحافظ بأصبهان، وأبو غالب محمد بن الحسن بن أحمد الكرجي ببغداد وغيرهما، قال السلفي وأبو نعيم يروي عن محمد بن خشنام بن سعيد الراوي عن سلمة بن شبيب، وأبي الحسن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 اللنباني الكبير الراوي عن ابن أبي الدنيا، وأحمد بن محمد بن مسقلة الراوي عن أبي عثمان الخياط، ويروي عنه ابنه أبو نعيم، وأبو سعيد النقاش، وأبو بكر محمد بن أبي علي الهمداني وغيرهم من شيوخ أصبهان ورواتها. وقد روى عن أبي نعيم: أبو بكر الخطيب ببغداذ والشام، وأبو عبد الله محمد بن الحسن البكري بأمل طبرستان، وبنجير بن عبد الغفار المعروف بالبصري بهمذان، وأبو يوسف عبد السلام بن محمد القاضي بقزوين، وسرخاب الرازي وأبو بكر محمد بن شباشي القاضي، جميعاً بالري، وأبو عهد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 الموصلي بنيسابور وأبو الحسن الواحدي بها بالإجازة، وأبو علي الوخشي ببلخ، وأبو النجيب الأرموي بتنيس وديار مصر، وأبو رجاء الشيرازي بمصر، وأبو بكر السمنطاري بصقلية، وأبو عمرو ابن الضابط السفاقسي بالأندلس، وآخرون. وروى عنه من أقرانه أبو سعد الماليني، ونوح بن نصر الفرغاني وغيرهما، وقد روى أبو عبد الرحمن السلمي، وهو من شيوخه في كتاب ((طبقات الصوفية)) عن عبد الواحد بن أحمد الهاشمي عنه، وأبو عبد الرحمن، فقد توفي سنة اثنتي عشرة وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 قال السلفي: سمعت أبا بكر أحمد بن محمد بن مردويه الحافظ يقول: كان أبو نعيم في عصره مرحولاً إليه ولم يكن في أفق من الآفاق أسند منه ولا أحفظ، وكان حفاظ الدنيا من طلبة الحديث قد اجتمعوا عنده، وكان في كل يوم نوبة واحد منهم يقرأ ما يريد إلى قرب الظهر، فإذا قام يذهب إلى داره ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزءٌ لطيفٌ، وكان لا يضجر، ولم يكن له غداءٌ سوى التصنيف، أو الرواية والقراءة عليه سوى يوم الإملاء. قال السلفي: وسمعت أبا الحسن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني ببغداذ يقول: سمعت أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ يقول: كان أبو نعيم الحافظ يعقد مجلس الإملاء في كل يوم خميس وحضرته مدة مقامي بأصبهان. قال السلفي: وسمعت أبا العلاء محمد بن عبد الجبار بن محمد الفرساني يقول: حضرت في صغري مع أبي مجلس أبي بكر بن أبي علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 الحافظ المعدل، فلما فرغ من إملائه قال واحدٌ من القوم: من أراد أن يحضر إملاء أبي نعيم فليقم، وكان أبو نعيم في ذلك الوقت مهجوراً بسبب المذهب، وكان بين الحنابلة والأشعرية تعصبٌ زائدٌ يؤدي إلى فتنة، وقال: وقيل: وصراع طويل، فقام إليه أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد يقتل. وأخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الحافظ في كتابه قال: ذكر الشيخ أبو عبد الله محمد الأصبهاني، عمن أدرك من شيوخ أصبهان: أن السلطان محمود بن سبكتكين لما استولى على أصبهان ولى عليها والياً من قبله ورحل عنها، فوثب أهل أصبهان به، فقتلوه، فرجع محمود إليها، وأمنهم حتى اطمأنوا، ثم قصدهم يوم الجمعة في الجامع، فقتل منهم مقتلةً عظيمة، وكانوا قبل ذلك قد منعوا أبا نعيم الحافظ من الجلوس في الجامع، فسلم مما جرى عليهم، وكان يعد ذلك من كرامة أبي نعيم رحمه الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وقد روى الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي المعروف بابن أبي حائط نزيل دمشق، عن الفقيه أبي الحسن علي بن عبيد الله بن حبيش الصوري بها، عن أبي بكر عتيق بن علي بن داود السمنطاري الصقلي الرجل الصالح الزاهد السائح مصنف كتاب ((دليل القاصدين)) وغيره، حديثاً حدثه به عند دخوله إلى صور، وقد وقع لنا حديث السمنطاري هذا من طرق عدة عالية إليه، وإن كان إسناده في نفسه نازلاً منها، ما أخبرنا أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن عبد العزيز البرقي، أخبرنا أبو حفص عمر بن يوسف بن محمد القيسي المعروف بابن الحذاء، أخبرنا أبو بكر عتيق بن علي بن داود السمنطاري، أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ بأصبهان، حدثنا أبو بكر أحمد بن يوسف بن خلاد النصيبي، حدثنا محمد بن غالب بن حرب التمتام، حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الذي تفوته صلاة العصر كأنما أوتر أهله وماله)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 أنبأنا به غير واحد من شيوخنا، عن أبي علي الحداد وغيره، عن أبي نعيم، وكانت لأبي حفص بن الحذاء إجازة من أبي بكر السمنطاري، وشيخنا عبد الوهاب وغيره، ممن جاز لنا إجازة من أبي الحذاء، وكان ابن الحذاء أيضاً من الصلحاء. قال الشيخ أيده الله: قال لي الفقيه عد الوهاب: إنه كان ينفق على أبي الحسن اللخمي صاحب ((التبصرة)) معونةً له على العلم، وإن قائلاً قال لأبي الحسن: إن أبا حفص ممن يلتحق بالسلف الصالح. فقال: ما أنصفته، بل هو من السلف الصالح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 [35- أبو ذر الهروي] أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الهروي، الحافظ نزيل مكة -شرفها الله تعالى-. من علماء هذا الشأن والمصنفين فيه، والراحلين لأجله إلى الأقطار الكثيرة، والمرحول إليهم بسببه. وغفير: بالغين المعجمة في نسبه، ولم يذكره ابن ماكولا في بابه من كتابه. سمع أبا الحسن علي بن عمر بن أحمد الدارقطني الحافظ، وأبا بكر أحمد ابن إبراهيم بن شاذان البزاز، وأبا حفص عمر بن أحمد بن شاهين المروروذي ببغداذ، وأبا بكر أحمد بن عبدان الشيرازي بالأهواز، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 وأبا الفضل محمد بن عبد الله بن خميرويه، وأبا حامد أحمد بن عبد الله بن إبراهيم السرخسي بهراة، وأبا إسحاق إبراهيم بن أحمد بن داود المستملي ببلخ، وأبا محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي بسرخس، وأبا الهيثم محمد بن المكي بن زراع الكشميهني بكشميهن، وأبا الطيب محمد ابن الحسين بن جعفر بن الفضل التيملي، وأبا عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين الجعفي بالكوفة، وأبا محمد عبد الله بن أحمد بن المنتقل المقرئ، وأبا إسحاق إبراهيم بن داود بن شبويه الماوردي، وأبا بكر هلال بن محمد الفقيه، وعلي بن أحمد بن عبد الرحمن القرشي بالبصرة، وعبد الوهاب بن الحسن بن الوليد الكلابي بدمشق، وعلي بن محمد بن أحمد بن يعقوب الفارسي بالري، وآخرين ببلدان شتى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 سمع منه أكثر الرحالين في زمانه لانتصابه للسماع منه بالحرم الشريف، وكان مالكي المذهب، روى عنه أكثر فقهاء المالكية الذين حجوا في زمانه. وممن حدث عنه: أبو عمران موسى بن عيسى بن أبي حاج الفاسي الفقيه المالكي، وجرت له معه قصةٌ سنذكرها في آخر الفصل إن شاء الله تعالى، روى عنه أيضاً أبو الطاهر إسماعيل [بن خلف] بن سعيد بن عمران الأنصاري النحوي، وكان لما قصده للسماع منه بمكة غائباً بسراة بني شبابة فأشيع موته، ثم لم يصح ذلك، وعاد إلى مكة فسمع منه أبو الطاهر النحوي المذكور، ومدحه بقصيدة أسندناها أبو محمد العثماني عن أبي الفضل جعفر ولد قائلها عنه، وروى عنه أيضاً القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 سعيد الباجي، وأبو محمد عبد الله بن سعيد الشنتجاني بالأندلس، وأبو محمد عبد الله بن الوليد بن سعد الأنصاري الأندلسي بمصر، وأبو محمد عبد الحق بن هارون السهمي بصقلية وآخرون. وسمع منه: ابنه أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي، وروى لنا عنه جماعةٌ من شيوخنا، وروى لنا شيخنا أبو طاهر السلفي بإجازته عن أبي الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف البغداذي، عن أبي ذر بسماعه منه وإجازته عنه، وروى لنا السلفي أيضاً عن أبي بكر أحمد بن علي الطريثيثي بسماعه منه عدة أحاديث، وعن أبي شاكر أحمد بن علي العثماني بسماعه منه أيضاً، حديثاً واحداً بسماعهما من أبي ذر، وسمعنا من السلفي أيضاً جميع كتاب ((الجامع الصحيح)) للبخاري بإجازته عن أبي مكتوم، عن أبيه، عن أبي محمد الحموي، وأبي إسحاق المستملي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 وأبي الهيثم الكشميهني، عن الفربري، عنه. وقد كان شيخنا أبو عبيد نعمة بن زيادة الله الغفاري سمع هذا الكتاب بمكة من أبي مكتوم، وسمعت عليه بعضه، وقرأت بعضه، وأجاز لي ما بقي علي من آخره، وآخر من حدث عن أبي مكتوم (أبو الحسن) علي بن حميد بن عمار الأنصاري، سمع منه كتاب ((الجامع)) للبخاري، وأجاز له ما سمعه من كتب أبيه، ولي من ابن حميد إجازة، وقد قرأت جميع ((صحيح البخاري)) ، على شيخنا أبي طالب صالح بن إسماعيل بن سند الزنادي، وهو سماعه من أبي بكر محمد بن الوليد بن محمد الفهري الطرطوشي، عن القاضي أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، عن أبي ذر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 وقرأته أيضاً بكماله على شيخنا أبي القاسم مخلوف بن علي بن عبد الحق القروي، بروايته عن أبي الحجاج يوسف بن عبد العزيز بن ناذر اللخمي، عن أبي الحسن علي بن سليمان النقاش، عن أبي ذر. وبروايته أيضاً عن أبي التوفيق مسعود بن سعيدٍ الأندلسي بمكة عن عيسى ابن أبي ذر، عن أبيه. ولأبي ذر تواليف عدة في فن الحديث يطول ذكرها، وقد كان أبو عمر بن عبد البر يروي عنه بالإجازة، وسمع من أبي الوليد الباجي عنه أيضاً، وكانت لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن غلبون الخولاني الأندلسي إجازة من أبي [ذر] ، وآخر من حدث عن ابن غلبون أبو عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون الأنصاري بالإجازة. قرأت بخط شيخنا أبي طاهر السلفي ونقلت منه، قال: كتب إلي أبو علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الحسين بن محمد بن حيون الصدفي من الأندلس أن أبا العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري أجاز لهم، قال: سألت أبا ذر عبد بن أحمد الهروي عن مولده فقال: في سنة خمس وخمسين أو ست وخمسين وثلاث مائة، أو ذر شك. قال: وتوفي رحمه الله في عقب شوال سنة أربع وثلاثين وأربع مائة. أخبرنا أبو عبيد نعمة بن زيادة الله بن خلف الغفاري قراءةً عليه سنة ثمان وخمسين وخمس مائة، أخبرنا أبو مكتوم عيسى بن أبي ذر الهروي قراءةً عليه بمكة سنة سبع وتسعين وأربع مائة، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن داود البلخي وأبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي، وأبو الهيثم محمد بن المكي بن زراع الكشميهني قالوا: أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن يوسف الفربري، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص التيمي يقول: سمعت عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 ابن الخطاب رضي الله عنه على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) . أخبرنا أبو طاهر السلفي قراءةً عليه، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي الحافظ بقراءتي عليه بالكوفة سنة ثمان وتسعين وأربع مائة، قال: قرأت على كريمة بنت أحمد بن محمد المروزي بمكة، أخبركم أبو الهيثم محمد بن المكي الكشميهني بمرو. وأخبرنا أبو المعالي منجب بن عبد الله المرشدي، أخبرنا أبو صادق مرشد ابن يحيى المديني. وأخبرنا أبو القاسم هبة الله بن علي الأنصاري، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن بركات السعيدي، قالا: أخبرتنا كريمة، قالت: أخبرنا أبو الهيثم، أخبرنا محمد ابن يوسف الفربري بمثله. قال الشيخ أمده الله بتوفيقه: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ متفقٌ عليه من حديث أبي سعيد يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري القاضي، ومداره عليه، ولا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من روايته عن أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي يحيى علقمة بن وقاص الليثي، عن أمير المؤمنين الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم رواه عن يحيى بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 سعيد العدد العديد الجمع الكثير، والجم الغفير من علماء الأمة، وأعلام الأئمة يطول ذكرهم، ولا يمكن في هذا الموضع حصرهم، وهو مما يعنى أصحاب الحديث بجمع طرقه إليه -رحمة الله عليه- وأما رواية أبي محمد سفيان بن عيينة الهلالي هذه عنه، فبدأ بها البخاري في أول ((صحيحه)) وجعلها كالخطبة له، فرواها هكذا عن أبي بكر عبد الله بن الزبير الحميدي عنه. وأخرجها مسلمٌ في الجهاد: عن أبي عبد الله محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، عنه. وكنت قد بدأت بهذا الحديث في أول ترجمة ابن المبارك لما روي عن جماعة من العلماء في استحسان البداءة به، ثم أتبعته بحديثين من روايته أحدهما من أعلى ما وقع لي إليه، والثاني من أعلى ما وقع له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان هناك كالمقدمة لما بعده، وأفردته هاهنا في هذه الترجمة ليكون أصلاً مختصاً بها، وأخرجته من الطريق التي ابتدأ بها البخاري كتابه لإخراجي إياه من كتابه إذ كان قد وقع لي بكماله عالياً من طريق أبي ذر كما بينته فيما تقدم، والله أعلم. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن سلفة الحافظ، ونقلته من خطه قال: أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن غفير الهروي نزيل مكة، حافظٌ كبيرٌ مشهورٌ كتب عنه الكبار، قرأنا على أبي بكر الطريثيثي عنه أحاديث، ولما وصلنا إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 منى سنة سبع وتسعين ذكر لنا أن ولده عيسى حاج. فقال لي الحافظ الإمام محمد بن منصور السمعاني: هل لك في أن نقصده ونقرأ عليه شيئاً؟ فقلت: نصبر الآن حتى نسمع منه بمكة، ونشتغل هاهنا بما هو أهم من المناسك. فقال: صواب، فمضى هو مع النفر الأول إلى سروات، وكان يسكنها فبقيت حسرة لقياه في قلوبنا ولما رجعت إلى مدينة السلام ذكر أبو نصر محمود بن الفضل الأصبهاني أنه استجاز له منه، ونقل لي نسخة الإجازة، وكان شيخنا مسناً اجتمع المغاربة وأنفذوا إليه في تلك السنة فقدم مكة، فروى لهم عن أبيه كتاب ((الجامع)) للبخاري وغير ذلك. وأخبرنا الشرف أبو شاكر العثماني، عن أبي ذر بشيءٍ يسير بمكة، وأخرج لي شيخنا الخليل بن عبد الجبار القراء بقزوين كتاب ((الدعوات)) جمع أبي ذر، فنظرت فيه، ثم وقعت لي بالإسكندرية نسخةٌ بهذا الكتاب وفيه سماع عيسى عن أبيه، هذا آخر ما ذكره السلفي، وقد وقعت لي هذه النسخة وهي إجازةٌ لي من السلفي وابن حميد، عن أبي مكتوم، عن أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 ووقع لنا أيضاً من تواليف أبي ذر كتبٌ كثيرة، ومن سماعاته أيضاً ولله المنة. كتب إلي أبو القاسم خلف بن عبد الملك القرطبي الحافظ من الأندلس قال: قرأت بخط أبي علي الغساني، أخبرني أبو القاسم أحمد بن سليمان بن خلف بن سعيد الباجي، أخبرني أبي رضي الله عنه أن الفقيه أبا عمران الفاسي، مضى إلى مكة، وكان قرأ على أبي ذر شيئاً فوافق أبا ذر في السراة موضع سكناه فقال لخازن كتبه: اخرج إلي من كتبه كتاب كذا أو كذا انتسخه ما دام هو غير حاضر، فإذا حضر قرأته عليه، فقال الخازن: أما أنا فلا أجترئ على مثل هذا، ولكن هذه المفاتيح إن شئت أنت فخذها وافعل ذلك، فأخذها الفقيه أبو عمران، وفتح وأخرج ما أراد. فسمع الشيخ أبو ذر بالسراة الأمر فركب، وطرق إلى مكة، وأخذ كتبه وأقسم ألا يحدثه، فلقد أخبرت أن أبا عمران كان بعد ذلك إذا حدث عن أبي ذر شيئاً مما كان حدثه قبل يوري عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 اسمه، ويقول: أخبرني أبو عيسى، وذلك أن أبا ذكر كانت تكنيه العرب بأبي عيسى، لأنه كان له ابن يسمى عيسى والعرب إنما تكني الرجل باسم ابنه. أنبأنا أبو الحسن علي بن عتيق بن موسى القرطبي، قال: أنبأنا أبو بكر عبد العزيز بن خلف بن مدير الأزدي، قال: أنبأنا أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي في كتاب ((اختصار فرق الفقهاء)) من تأليفه في ذكر القاضي أبي بكر ابن الطيب: لقد أخبرني الشيخ أبو ذر، وكان يميل إلى مذهبه فسأله: من أين لك هذا؟ فقال لي: كنت ماشياً ببغداذ مع الحافظ أبي الحسن الدارقطني إمام الحديث في وقته، فلقينا القاضي أبا بكر فالتزمه الحافظ أبو الحسن وقبل وجهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 وعينيه، فلما فارقناه قلنا له: من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك؟! فقال: هذا إمام المسلمين، والذاب عن الدين، هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب. قال أبو ذر: فمن ذلك الوقت تكررت عليه مع أني كل بلد دخلته من بلاد خراسان وغيرها لا يشار فيها إلى أحد من أهل السنة إلا إلى من كان على مذهبه وطريقه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 [36- أبو عبد الله الصوري] أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن رحيم الصوري الحافظ. سمع بمصر، والشام، والعراق. فممن سمع منه بمصر: أبو محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي الحافظ، وأبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد البزاز المعروف بابن النحاس، وولده أبو العباس إسماعيل بن عبد الرحمن، وأبو القاسم يحيى ابن علي الحضرمي الطحان، وأبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الماليني، والقاضي أبو الحسن الخصيب بن عبد الله الخصيبي. وممن سمع منه بالشام: أبو الحسين محمد بن أحمد بن جميعٍ الغساني، وآخرون. ثم سمع بالعراق جماعةً منهم: أبو الحسن محمد بن محمد بن مخلد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 البزاز، وأبو القاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران السكري، وأبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد بن الفضل الأزجي الوراق، وأبو بكر بن أحمد بن محمد بن غالب البرقاني، وأبو علي الحسن ين أحمد بن إبراهيم بن شاذان البزاز، وجماعة يطول ذكرهم. وقد خرج لأبي طاهر محمد بن الحسين بن سعدون المصولي ((فوائد)) أسمعها بمصر، وسمعنا بعضها من أبي محمد العثماني، وأبي الحسن المهراني بسماعها من كتائب بن علي الفارقي، عن ابن سعدون، وقد سمع أبو عبد الله الصوري أيضاً: من أبي محمد جناح بن يزيد المحاربي، وأبي بكر أحمد بن محمد بن الصقر المقرئ، وأبي محمد عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الله الأموي، وأبي أسامة محمد بن أحمد بن محمد بن القاسم المقرئ، وأبي عبد الله الحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن زهير القيسي وأبي محمد عبد الله بن يوسف التنيسي، وأبي العباس أحمد بن الحسين بن جعفر بن هارون العكار، وأبي طاهر عبد الغفار بن محمد بن جعفر، وأبي علي الحسن بن شهاب بن الحسن الفقيه، وأبي بكر محمد بن عبد الله بن إسحاق بن الحسين بن إبراهيم بن جابر القاضي، وأبي العباس أحمد بن علي بن الحسين بن حجاج الطحان. روى عنه: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، والقاضي أبو الوليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 سليمان بن خلف الباجي، وأبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون المعدل، وأبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، وآخرون، وكانت لأبي غالب محمد بن الحسن الكرجي منه إجازةٌ، وقد أجاز لغير واحدٍ ممن أجاز لنا منهم السلفي. توفي أبو عبد الله الصوري في جمادى الآخرة، سنة إحدى وأربعين وأربع مائة بعدما جاوز الستين. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد السلفي الأصبهاني بقراءتي عليه، أخبرنا أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي بقراءتي عليه ببغداذ [أخبرنا] أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري الحافظ، قال: قرأت على أبي محمد عبد الغني بن سعيد بن علي الأزدي الحافظ، حدثنا يعقوب بن المبارك، حدثنا محمد بن عبد الله بن حمزة الزبيري بمكة، حدثني أبي، حدثني عبد الله بن محمد بن زاذان مديني، عن هشام، عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) . قال الشيخ أدام الله تأييده: متفقٌ عليه من حديث أبي المنذر هشام بن عروة ابن الزبير بن العوام الأسدي، رواه عنه مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وعباد ابن عباد، وأبو معاوية، ووكيع، وأبو أسامة، وعبد الله بن إدريس، وعبد الله بن نمير، وعبدة بن سليمان، وسفيان بن عيينة، ويحيى القطان، وعمر بن علي المقدمي، وشعبة بن الحجاج. فأما البخاري فانفرد بحديث مالك، فرواه عن إسماعيل بن أبي أويس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 عنه، وأما مسلم فرواه من حديث الجماعة المذكورين من طرقٍ يطول ذكرها، وقد روياه جميعاً من حديث أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل المدني المعروف بيتيم عروة، عن عروة. فأخرجه البخاري عن سعيد بن تليد عن ابن وهب عن أبي شريح عبد الرحمن بن شريح عنه، وأخرجه مسلمٌ عن حرملة، عن ابن وهب. وفي حديث أبي الأسود قال: فحدثت عائشة بذلك فأعظمت ذلك وأنكرته، قالت: أحدثك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ حتى إذا كان قابل قالت له: إن ابن عمرو قد قدم فالقه، ثم فاتحه حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم. قال: فلقيته فساءلته فذكره لي نحو ما حدثني به في مرته الأولى. قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قد صدق، أراه لم يزد فيه شيئاً ولم ينقص. أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي نصر البغداذي في آخرين إجازة، قالوا: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد القزاز ببغداذ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغداذي في ((تاريخ بغداذ)) من تصنيفه، قال محمد بن علي بن عبد الله بن محمد أبو عبد الله الصوري: قدم علينا في سنة ثمان عشرة وأربع مائة، فسمع من أبي الحسن بن مخلد، ومن بعده، وأقام ببغداذ يكتب الحديث، وكان من أحسن الناس كلاماً عليه، وأكثرهم كتباً له، وأتمهم معرفة به، وما قدم علينا من الغرباء الذين لقيهم أفهم منه بعلم الحديث، وكان [دقيق الخط] صحيح النقل، وحدثني أنه كان يكتب في وجه ورقة من أثمان الكاغد الخراساني ثمانين سطراً، وكان مع كثرة طلب وكتبه صعب المذهب فيما يسمعه، ربما كرر قراءة الحديث الواحد على شيخه مرات، وكان يسرد الصوم، ولا يفطر إلا يومي العيدين وأيام التشريق، وحدثني إنه لم يكن سمع الحديث في صغره، وإما طلبه بنفسه على حال الكبر، وكتب عن أبي الحسين ابن جميع بصيدا، وهو أسند شيوخه، [ثم] صحب عبد الغني بن سعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 المصري، فكتب عنه وعمن بعده من المصريين وغيرهم، وذكر لي أيضاً أن عبد الغني بن سعيد كتب عنه أشياء في تصانيفه وصرح باسمه في بعضها، وقال في بعضها: حدثني الورد بن علي كناية عنه، وكان صدوقاً كتبت عنه وكتب عني شيئاً كثيراً ولم يزل ببغداذ حتى توفي بها في يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وأربع مائة، ودفن من الغد في مقبرة جامع المدينة، وحضرت الصلاة عليه، وكان قد نيف عن الستين سنة. سمعت أبا طاهرٍ السلفي يقول: كتب أبو عبد الله الصوري ((صحيح البخاري)) في سبعة أطباق من الورق البغدادي، لم يكن له سوى عين واحدة، وذكر القاضي أبو الوليد الباجي فيما أجازه لنا ابن مؤمن، عن ابن مدير، عنه في كتاب ((اختصار فرق الفقهاء)) من تأليفه قال: حدثني أبو عبد الله عمر بن علي الوراق، وكان من أهل الثقة والإتقان، أنه شاهد أبا عبد الله محمد بن علي الصوري، وكان فيه حسن خلق ومزاح وضحك لم يكن وراءه إلا الدين والخير، ولكنه كان شيئاً جبل عليه، ولم يكن بالخارق في ذلك للعادة، ولا الخارج عن السمت، فقرأ يوماً جزء حديث علي أبي العباس الرازي، وعن له أمر أضحكه، فضحك، وكان بالحضرة جماعةٌ من أهل بلدنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 فأنكروا عليه ضحكه، وقالوا: إن مثل هذا لا يصلح ولا يليق بعلمك ونصابك وتقدمك وحفظك أن تقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ننزه عن الضحك في حال قراءتك له، وشيوخ بلدنا لا يرضون هذا، ولا يستجيزونه، وأكثروا من ذكر شيوخ بلدهم حتى احفظوه [؟] فقال لهم: ما في بلدكم شيخٌ إلا يجب أن يقعد بين يدي ويقتدي بي فإن ضحكت ضحك، وإن أمسكت أمسك، ودليل ذلك أني قد صرت معكم على غير موعد، انظروا أي حديث شئتم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، اقرؤوا إسناده لأقرأ عليكم متنه أو اقرؤوا إن شئتم متنه أخبركم بإسناده. قال القاضي أبو الوليد: ثم لقيت بعد ذلك أبا عبد الله الصوري ولازمته ببغداذ ثلاثة أعوام ما رأيته قط يتعرض لفتوى، ولا يعد نفسه من الفقهاء. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا الحسين بن الطيوري [يقول:] كتبت عن جماعة أكثر من أن يحصوا فما رأيت فيهم أحفظ من أبي عبد الله الصوري، وكان يكتب بفرد عين ما لا يحسن أحدٌ من الحافظ أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 يقرأه مع ضبط في كتابه، وكان متفنناً يعرف من كل علم، وقوله حجة (أخذ عنه) شيوخه، وعنه أخذ أبو بكر علم الحديث. أنشدنا أبو طاهر السلفي قال: أنشدنا أبو الحسين الصيرفي، قال: أنشدنا أبو عبد الله الصوري لنفسه: قل لمن عاند الحديث وأضحى ... عائباً أهله ومن يدعيه أبعلم تقول هذا؟ أبن لي ... أم بجهلٍ؟ فالجهل خلق السفيه أيعاب الذين هم حفظوا الدين ... من الترهات والتمويه وإلى قولهم وما قد رووه ... راجعٌ كل عالمٍ وفقيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 الطبعة العاشرة [37-أبو بكر الخطيب البغدادي] أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي الخطيب الحافظ. إمام هذا الشأن ومصنف ((تاريخ بغداذ)) وغيره من المصنفات الحسان. سمع ببغداذ: أبا الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه البزاز، وهو أول شيخ سمع منه، وأبا الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، وأخاه أبا القاسم عبد الملك بن محمد، وأبا علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، وأبا محمد الحسن بن أحمد بن الحسن بن الخلال الحافظ، وأبا القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الحرفي، وأبا سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الماليني الحافظ، وأبا الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هارون بن الصلت الأهوازي، وأبا بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني الحافظ، وأبا الحسن أحمد بن محمد بن أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 ابن حماد الواعظ المعروف بابن المتيم مولى بني هاشم، وأبا الحسن محمد ابن الحسين بن الفضل القطان، وأبا القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الأزهري، وأبا القاسم عبد العزيز بن علي الأزجي الوراق، وأبا الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن منصور العتيقي، وبعكبرا: أبا حفص عمر بن أحمد بن أبي عمرو البزاز، وبأصبهان: أبا نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق المهراني الحافظ، وأبا سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسنويه الأصبهاني، وأبا القاسم عبد الله بن أحمد السوذرجاني المؤذن، وبالبصرة: أبا عمر القاسم ابن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وأبا محمد الحسن بن علي بن أحمد بن بشار السابوري، وأبا الحسن علي بن أحمد بن محمد بن بكران الفوي، وأبا القاسم علي بن القاسم بن الحسن الشاهد، وبالبدوان: أبا الحسن علي بن أحمد بن هارون المعدل، وآخرين يطول ذكرهم. وكتب إليه بالإجازة جماعةٌ كثيرةٌ من آفاق كثيرة. مولده سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة اثنين وتسعين وثلاث مائة، ووفاته سنة [ثلاث] وستين وأربع مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي قراءةً عليه، وأنا أسمع في شهر رجب سنة اثنين وستين وخمس مائة، أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن منصور بن محمد الحضرمي قراءةً عليه، وأنا أسمع سنة ثلاث وخمس مائة حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ بصور سنة سبع وخمسين وأربع مائة، أخبرنا محمد بن الحسين القطان، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا أبو بكر الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا صالح بن صالح بن حي الهمداني، وكان خيراً من ابنيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 علي والحسن، وكان علي خيرهما -يريد من الآخر- قال: جاء رجل إلى الشعبي وأنا عنده فقال: يا أبا عمرو، إن ناساً عندنا يقولون: إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته. قال الشعبي: حدثني أبو بردة بن أبي موسى، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: الرجل من أهل الكتاب كان مؤمناً قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم فله أجران، ورجلٌ كانت له جاريةٌ، فعلمها، فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران، وعبدٌ أطاع الله وأدى حق سيده فله أجران)) . خذها بغير شيء، فلقد كان الرجل يرحل في أدنى منها إلى المدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 قال الشيخ أيده [الله] : متفقٌ عليه من حديث ابن عيينة، عن صالح بن صالح، رواه البخاري عن علي بن المديني، ومسلمٌ عن ابن أبي عمر جميعاً عن ابن عيينة، وأخرجاه أيضاً من حديث جماعة عن صالح. أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي طاهر الأنصاري بقراءتي عليه، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الغساني بدمشق، حدثنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب لفظاً، أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي، حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن الحسن النيازكي، أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن الجليل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 البزاز، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، أخبرني سالمٌ، عن ابن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته: فالإمام راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها، والخادم في مال سيده)) ، سمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والرجل راعٍ في مال أبيه)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 قال الخطيب رحمه الله: ذكر لي عبد العزيز بن محمد النخشبي أن المستغفري أحد شيوخ أهل العلم بنخشب حدثهم بعض حديث هذا الرجل أحمد بن محمد بن الجليل فقال فيه: ابن الجليل وضبط عنه نسبه كذلك بالجيم، قال: وأبو نصر ابن النيازكي. ثقةٌ توفي قبل سنة ثمانين وثلاث مائة. أنبأناه عالياً أبو طاهر السلفي، أنبأنا أبو غالب الكرجي، أنبأنا أبو العلاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 الواسطي فذكره، وكان شيخنا السلفي يروي كتاب ((الأدب)) للبخاري سماعاً عن أبي غالب هذا عن أبي العلاء الواسطي، عن أبي نصر النيازكي، عن ابن الجليل عنه، سمعت إسناده منه في ((فهرسته)) وضبطه لي بخطه بالجيم، وكتب بخطه في حاشية نسختي. وهذا الحديث قد أخرجه البخاري في كتاب العتق من ((صحيحه)) هكذا عن أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، وأخرجه أيضاً عن بشر بن محمد، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري. وأخرجه مسلم عن حرملة، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري. سمعت أبا طاهر السلفي يقول: سمعت أبا القاسم محمود بن يوسف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 البرزندي بثغر تفليس، يقول: سمعت أبا إسحاق الشيرازي ببغداد يقول: أبو بكر الخطيب في معرفة علم الحديث منظرٌ بالدارقطني ونظرائه. وسمعت السلفي يقول: سمعت أبا نصر المؤتمن بن أحمد بن علي الحافظ الساجي ببغداذ يقول: ما أخرجت بغداذ بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب. وسمعت السلفي يقول: سمعت المؤتمن يقول: كان أبو بكر الخطيب الحافظ يقول: من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس. ويشبه هذا القول ما سمعت السلفي، سمعت أبا ياسر محمد بن عبد الله ابن كادش السلمي ببغداذ يقول: سمعت القاضي أبا يعلى محمد بن الحسين ابن خلف الفراء الحنبلي، يقول: عبد الله بن المقفع الكاتب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 من صنف فقد استهدف، فإن أحسن فقد استعطف، وإن أساء فقد استقذف. أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي الحافظ في كتابه، أخبرنا الشيخ الأمين أبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفاني، حدثنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الكتاني الحافظ قال: وردت كتب جماعة من بغداذ إلى دمشق كل واحد يذكر في كتابه أن الإمام الحافظ أبا بكر أحمد ابن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي رحمه الله توفي يوم الاثنين ضحى نهار السابع من ذي الحجة سنة ثلاث وستين وأربع مائة، وحمل يوم الثلاثاء إلى الجانب الغربي، ودفن بالقرب من قبر أحمد بن حنبل، عند قبر بشر بن الحارث رحمهم الله، وكان آخر من حمل جنازته الفقيه الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، وأنه كان معه مائتا دينار فتصدق بها في علته فانتهى فراغها بموته، وكان رحمه الله يذكر أنه ولد يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة من سنة اثنتين وتسعين وثلاث مائة، وأنه أسمع الحديث وهو ابن عشرين سنة، وكتب عنه شيخه أبو القاسم الأزهري عبيد الله بن أحمد بن عثمان في سنة اثنتي عشرة، وكتب عنه شيخه أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني الخوارزمي الحافظ في سنة تسع عشرة وأربع مائة، وكان قد علق الفقه عن القاضي أبي الطيب طاهر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 عبد الله الطبري، وأبي نصر بن الصباغ، وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري رحمه الله. قال أبو القاسم الحافظ الدمشقي: زادنا أبو محمد الأكفاني: وكان قد رحل إلى نيسابور وأصبهان والبصرة وغيرها، وكان مكثراً من الحديث، ثقة ضابطاً حافظاً متقناً متحرزاً مصنفاً، رحمه الله ورضي عنه. وأخبرنا أبو القاسم الدمشقي الحافظ أيضاً في كتابه قال: قرأت بخط الشيخ الأمين أبي الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون الباقلاني ببغداذ سنة ثلاث وستين وأربع مائة: مات أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب الحافظ ضحوة نهار يوم الاثنين، ودفن يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة بباب حرب إلى جنب بشر بن الحارث، وصلي عليه في جامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 المنصور القاضي أبو الحسين محمد بن علي ابن المهتدي بالله، وتصدق بجميع ماله، وهو مائتا دينار، وفرق ذلك على أصحاب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه، وأوصى أن يتصدق بجميع ما يخلفه من ثياب وغيرها، ووقف جميع كتبه على المسلمين، وأخرجت جنازته من حجرة تلي المدرسة النظامية من نهر معلى، وتبعه الفقهاء والخلق العظيم، وحملت الجنازة وعبر بها الجسر، وحملت إلى جامع المنصور، وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبرت الجنازة في الكرخ ومعها الخلق العظيم، وكان اجتماع الناس في جامع المنصور، وحضر جميع الفقهاء وأهل العلم، ونقيب النقباء، وتبع الجنازة خلقٌ عظيمٌ إلى باب حرب، وختم على القبر ختماتٌ رضي الله عنه وغفر له، وألحقه بعباده الصالحين، فلقد انتهى إليه علم الحديث وحفظه، له ست وخمسون مصنفاً في علم الحديث، فمنها: ((تاريخ بغداد)) مائة وستة أجزاء، ولد سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 وأنبأنا أبو القاسم الدمشقي الحافظ، أنبأنا أبو الفرج الأرمنازي، حدثنا أبو الفرج الإسفراييني، قال: كان الشيخ أبو بكر الخطيب معنا في طريق الحج فكان يختم في كل يوم ختمة إلى قرب الغياب، قراءة بترتيل، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون: حدثنا، فيحدثهم، أو كما قال، [وقال] أبو الفرج أيضاً: قال أبو القاسم مكي بن عبد السلام المقدسي: كنت نائماً في منزل الشيخ أبي الحسن ابن الزعفراني ببغداذ ليلة الأحد الثاني عشرة من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربع مائة، فرأيت في المنام عند السحر كأنا اجتمعنا عند الشيخ الإمام أبي بكر الخطيب في منزله بباب المراتب لقراءة ((التاريخ)) على العادة، فكأن الشيخ الإمام أبا بكر جالسٌ والشيخ الفقيه أبو الفتح نصر بن إبراهيم عن يمينه، وعن يمين الفقيه نصر رجل جالس لم أعرفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 فسألت عنه، فقلت: من هذا الرجل الذي لم تجر عادته بالحضور معنا؟ فقيل لي: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاء ليستمع ((التاريخ)) . (فقلت في نفسي) : هذه جلالةٌ للشيخ أبي بكر إذ يحضر النبي صلى الله عليه وسلم مجلسه، وقلت في نفسي: وهذا أيضاً رد لقول من يعيب ((التاريخ)) ويذكر أن فيه تحاملاً على أقوام، وشغلني التفكر في هذا على النهوض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله عن أشياء كنت قد قلت في نفسي أسأله عنها، فانتبهت في الحال ولم أكلمه صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 [38- أبو بكر البيهقي] أبو بكر أحمد بن الحسن بن علي بن عبد الله بن موسى النيسابوري البيهقي الحافظ، المصنف في علم الحديث والفقه والأصول، والجمع بين المعقول والمنقول. سمع بنيسابور: الحاكم أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن نعيم الضبي النيسابوري الحافظ، وأبا بكر أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي الحيري، وأبا سعيد محمد بن الفضل بن شاذان الصيرفي، وأبا طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي الفقيه، والأستاذ أبا بكر محمد بن الحسن بن فورك، وأبا عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي، وأبا محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني. وببغداذ: أبا القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله الحرفي، وأبا الحسين بن علي محمد بن عبد الله بن بشران السكري، وأبا الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 وبالكوفة: أبا القاسم زيد بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي هاشم العلوي، (وأبا) القاسم نذير بن الحسين بن جناح المحاربي، وأبا القاسم عبد الواحد بن محمد بن إسحاق النجار المقرئ، وسمع أيضاً من أبي سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن الخليل الماليني الحافظ، ولا أدري أين سمع منه هل بالعراق أم بخراسان. مولده في شبعان سنة أربع وثمانين وثلاث مائة، ووفاته في جمادى الأول سنة ثمان وخمسين وأربع مائة. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني الحافظ بقراءتي عليه، أخبرنا أبو منصور أحمد بن نصر الخوجاني المذكور بالمراغة في المحرم سنة ثلاث وخمس مائة، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي بنيسابور، أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل، أخبرنا إسماعيل بن محمد النحوي، حدثنا سعدان بن نصر، حدثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ثم يؤمر بأربعٍ: اكتب رزقه، وعمله، وأجله، وشقي هو أم سعيدٌ، والذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبق الكتاب عليه فيختم له بعمل أهل الجنة فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ فيسبق الكتاب عليه فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها)) . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 قال أبو طاهر الحافظ: وأنبأنا به عالياً أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد بن قيداس البغدادي عن أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الله المعدل بإسناده المقدم. قال الشيخ أمده الله بمعونته: هذا حديثٌ صحيحٌ متفقٌ عليه من حديث الأعمش، رواه عنه شعبة، وأبو الأحوص، وحفص بن غياث، ووكيع، وجرير، ومعاذ بن معاذ، وعيسى بن يونس، وأبو معاوية. وأخرجه البخاري ومسلم من حديثهم في ((الصحيحين)) مجتمعين ومتفردين. فأما رواية أبي معاوية محمد بن خازم الضرير هذه التي أوردناها فانفرد بها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 مسلم من حديثه مقروناً بغيره، فرواها عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه، وعن وكيع، ورواها الأنصاري عن ابن نمير، عن أبيه، وأبي معاوية ووكيع كلهم عن الأعمش. أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي الحافظ في كتابه، قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن أحمد بن حبيب العامري ببغداذ يقول: سمعت من يحكي عن الإمام أبي المعالي الجويني أنه قال: ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منةٌ إلا أحمد البيهقي، فإن له على الشافعي منةٌ لتصانيفه في نصرة مذهبه وأقاويله، أو كما قال. أنبأنا أبو القاسم الدمشقي وقال: كتب إلي أبو الحسن الفارسي، قال: أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى أبي بكر البيهقي، الإمام الحافظ الفقيه الأصولي الدين الورع، واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله الحافظ، والمكثرين عنه، ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 الزائد عليه في أنواع العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه إلى أن نشأ وتفقه وبرع فيه، وشرع في الأصول، ورحل إلى العراق، والجبال، والحجاز، ثم اشتغل بالتصنيف، وألف من الكتب ما لعله يبلغ قريباً من ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد. جمع في تصانيفه بين علم الحديث والفقه، وبيان علل الحديث والصحيح والسقيم، وذكر وجوه الجمع بين الأحاديث، ثم بيان الفقه والأصول، وشرح ما يتعلق بالعربية، استدعى منه الأئمة في عصره الانتقال إلى نيسابور من الناحية لسماع كتاب ((المعرفة)) وغير ذلك من تصانيفه، فعاد إلى نيسابور سنة إحدى وأربعين وأربع مائة، وعقدوا له المجلس لقراءة كتاب ((المعرفة)) ، وحضره الأئمة والفقهاء، وأكثروا الثناء عليه، والدعاء له في ذلك لبراعته ومعرفته وإفادته، وكان رحمه الله على سيرة العلماء قانعاً من الدنيا باليسير، متجملاً في زهده وورعه، وبقي كذلك إلى أن توفي رحمه الله بنيسابور يوم السبت العاشر من جمادى الأول سنة ثمان وخمسين وأربع مائة، وحمل إلى خسروجرد. وأنبأنا أبو القاسم، قال: أنبأني الشيخ أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب، أخبرنا الإمام شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن أحمد بن الحسن البيهقي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 حدثنا والدي الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين، قال: حين ابتدأت تصنيف هذا الكتاب -يعني كتاب ((معرفة السنن والآثار)) - وفرغت من تهذيب أجزاء منه سمعت الفقيه أبا محمد أحمد بن [أبي] علي، وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم قراءةً لكتاب الله عز وجل، وأصدقهم لهجة، يقول: رأيت الشافعي في المنام وبيده أجزاءٌ من هذا الكتاب وهو يقول: قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء، أو قال: قرأتها، ورآه يعتد بذلك. قال: وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني يعرف بعمر بن محمد في منامه الشافعي رحمه الله قاعداً على سرير في مسجد الجامع بخسروجرد، وهو يقول: قد استفدت اليوم من كتاب الفقيه أحمد أحاديث كذا وكذا. قال: وأخبرنا والدي قال: وسمعت الفقيه أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، يقول: سمعت الفقيه أبا بكر محمد بن عبد العزيز المروزي الحبوجردي يقول: رأيت في المنام كأن تابوتاً علا في السماء يعلوه نورٌ، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا تصنيفات أحمد البيهقي. قال شيخ القضاة: وسمعت أنا هذه الحكايات الثلاثة أيضاً من الفقيه أبي محمد، ومن عمر بن محمد، ومن الحسن بن أحمد السمرقندي جميعاً لفظاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 [39- أبو عمر ابن عبد البر] أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ. إمام في الحديث والفقه، لم يرحل عن الأندلس، لكن سمع بها أكابر أهلها والقادمين عليها. ومن شيوخه: أبو القاسم خلف بن القاسم بن أسود الحافظ، وعبد الوارث ابن سفيان بن جبرون، وعبد الله بن محمد بن أسد، وأبو عمر أحمد بن محمد بن الجسور، وأحمد بن عبد الله الباجي، وأبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث، وعبد الله بن محمد بن الفرضي، وأحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي، وآخرون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 وكتب إليه عبد الغني بن سعيد، وأبو محمد بن النحاس، وأبو الفتح سيبخت، وأبو القاسم السقطي المكي، وأحمد بن نصر الداودي، وأبو ذر الهروي، وغيرهم من مصر ومكة وغيرهما. مولده سنة ثمان وستين وثلاث مائة، وتوفي سنة ثلاث وستين وأربع مائة. وسمع بنفسه قبل الأربع مائة بمدة جماعة من: أصحاب قاسم بن أصبغ. وقد قيل: إن مولده سنة اثنتين وستين وثلاث مائة، ووفاته سنة ستين وأربع مائة، والأول أصح. له التواليف الحسان التي لا مثل لها ككتاب ((التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)) وهو سبعون جزءاً من أصله، وككتاب ((الاستذكار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 لمذاهب علماء الأمصار)) في شرح ((الموطأ)) ، وكتاب ((الاستيعاب في أسماء الصحابة)) ، وكتاب ((جامع بيان العلم)) ، وكتاب ((التقصي لما في الموطأ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم)) ، وكتاب ((التجريد)) ، و ((المدخل إلى علم القراءات والتجويد)) ، وكتاب ((الكافي في الفقه على مذهب أهل المدينة)) ، وكتاب ((اختلاف أصحاب مالك واختلاف رواياتهم عنه)) ، وكتاب ((بهجة المجالس وأنفس المجالس)) ، وعدة تصانيفه أحد وثلاثون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 تصنيفاً، وكان يرى الاجتهاد، ويميل إلى رأي الشافعي، وذكر أنه كان في ابتدائه ظاهرياً، ثم رجع إلى القول بالقياس، وأن ابن حزم كان في ابتدائه شافعياً، ثم انتقل إلى القول بالظاهر. آخر من روى عن أبي عمر: أبو الحسن علي بن عبد الله بن موهب الجذامي، وكان له منه إجازةٌ، وروى لنا عنه جماعة. ومن قدماء أصحابه أبو بحر سفيان بن العاص وأبو محمد عبد الرحمن بن عتاب، وأبو عمران موسى بن أبي تليد، وكل هؤلاء قد أجاز لنا أصحابهم. أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني، أخبرنا أبو عمران موسى بن عبد الرحمن بن أبي تليد الشاطبي في كتابه. وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن جعفر القيسي في كتابه، أخبرنا أبو بحر سفيان بن العاص بن سفيان الأسدي، قالا: أخبرنا أبو عمر يوسف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 ابن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري الحافظ، قال: حدثني أبو عمر أحمد ابن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي مولى لهم، عن أبي عمر أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن، وأحمد بن سعيد بن حزم عن عبيد الله بن يحيى بن يحيى. وأخبرنا أبو الطيب عبد المنعم بن يحيى بن خلف الحميري، قراءةً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 عليه، أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن رضا القرطبي، وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفرج بن الطلاع. وأخبرنا عالياً أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر الكناني في كتابه، أخبرنا ابن الطلاع، أخبرنا القاضي أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث، حدثنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى الليثي، حدثنا عمر بن عبيد الله بن يحيى بن يحيى، حدثني أبي، عن مالك بن أنس، عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم ومدهم)) يعني أهل المدينة. قال الشيخ أمده الله بمعونته، متفقٌ عليه، أخرجه البخاري عن عبد الله بن سلمة القعنبي، وعن عبد الله بن يوسف التنيسي، وأخرجه مسلم عن قتيبة بن سعيد البلخي، ثلاثتهم عن مالك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 سمعت أبا طاهر السلفي يقول: ذكر أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري في رسالته في ((فضل الأندلس وعلمائها وما صنف بها من كتب)) ، وهذه الرسالة إجازةٌ لشيخنا السلفي من أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني، عن ابن حزم، وهي إجازةٌ لنا من السلفي، ومن جماعة سواه، عن شريح عنه، قال: كتاب ((التمهيد)) لصاحبنا أبي عمر بن عبد البر، وهو الآن بعد في هذه الحياة لم يبلغ سن الشيخوخة، كتابٌ لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه؟ وكتابه في الصحابة ليس لأحد من المتقدمين مثله على كثرة ما صنفوا فيه، له تواليف لا مثل لها في جميع معانيها. قال السلفي: وحسبك بأبي محمد مثنياً، وكان من أقرانه، وجرى بينهما مناظرات ومناقرات ومع ذلك يروي عنه بالإجازة، وتوفي سنة ست وخمسين وأربع مائة، قبل موت أبي عمر أزيد من ست سنين، وكان من نوادر الدهر وعلماء ذلك العصر في فنون شتى، وأنواع مختلفة المعنى، هذا ما ذكر لنا السلفي، وقد كان أبو عمر مشهوراً بالصلاح التام، والتدين العام، وإجابة الدعوات، وظهور الكرامات، وعندنا قطعةٌ صالحةٌ من حديثه، سمعناها من السلفي بإجازته عن ابن أبي تليد بسماعه منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 وقبره إلى شاطبة يزار ويتبرك به، رحمه الله ورضي عنه. ومن فوائده ما حدثنا أبو طاهر الأصبهاني إملاء، أخبرنا أبو عمران الشاطبي كتابة، أخبرنا أبو عمر النمري، أخبرنا محمد بن إبراهيم، حدثنا سعيد بن أحمد بن عبدويه، وأحمد بن مطرف، قالا: حدثنا سعيد بن عثمان، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا سفيان بن عيينة، عن معمر، قال: إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة، وأما التشديد فيحسنه كل أحد. كتب إلي أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود الأنصاري الحافظ المعروف بابن بشكوال، قال: سمعت القاضي أبا عبد الله محمد بن أحمد بن الحاج رحمه الله يقول: سمعت أبا علي الغساني، يقول: سمعت أبا عمر بن عبد البر، يقول: لم يكن أحدٌ ببلدنا مثل أبي محمد قاسم بن محمد، وأبي عمر أحمد بن خالد الجباب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 قال أبو علي: وأنا أقول إن شاء الله: إن أبا عمر لم يكن بدونهما، ولا متخلفاً عنهما. قال أبو علي: وأبو عمر شيخنا رحمه الله ابن النمر بن قاسط في ربيعة من أهل قرطبة بها طلب وتفقه، ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم الفقيه الإشبيلي، وكتب بين يديه، ولزم أبا الوليد بن الفرضي الحافظ، وعنه أخذ كثيراً من علم الحديث، ودأب أبو عمر في طلب العلم وافتن فيه، وبرع براعةً فاق بها من تقدمه من رجال الأندلس، وألف في ((الموطأ)) كتباً مفيدة، منها كتاب ((التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد)) ، ورتبه على أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم، وهو كتاب لم يتقدمه أحدٌ إلى مثله، وهو سبعون جزءاً. قال أبو محمد بن حزم: لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه. ثم صنع كتاب ((الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار)) شرح فيه ((الموطأ)) على وجهه، ونسق أبوابه، وجمع في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 أسماء الصحابة كتاباً جليلاً مفيداً سماه كتاب ((الاستيعاب في أسماء الصحابة)) رضي الله عنهم، وله كتاب ((جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله)) ، وغير ذلك من تواليفه، وكان موفقاً في التأليف، معاناً عليه ونفع الله بتواليفه، وكان مع تقدمه في علم الأثر، وبصره بالفقه ومعاني الحديث، له بسطةٌ كبيرةٌ في علم النسب والخبر. جلى عن وطنه ومنشئه قرطبة، فكان في الغرب مدة، ثم تحول إلى شرق الأندلس، وسكن منه دانية، وبلنسية، وشاطبة، وبها توفي رحمه الله في آخر ربيع الآخر، ودفن يوم الجمعة لصلاة العصر من سنة ثلاث وستين وأربع مائة، وصلى عليه صاحبنا أبو الحسن طاهر بن مفوز المعافري. قال أبو علي: وسمعت طاهر بن مفوز يقول: سمعت أبا عمر يقول: ولدت يوم الجمعة والإمام يخطب لخمس بقين من ربيع الآخر سنة ثمان وستين، وهو اليوم التاسع والعشرين من نونبر، قال أبو طاهر: أرانيه الشيخ بخط أبيه عبد الله بن محمد رحمه الله. وكتب إلي أبو القاسم خلفٌ أيضاً قال: قرأت بخط صاحبنا أبي الوليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 الدباغ، قال: سمعت القاضي أبا علي بن سكرة، يقول: سمعت القاضي أبا الوليد الباجي يقول: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البر في الحديث. قال خلف: وكتب إلي أبو بكر بن فتحون بخطه قال: سمعت أبا علي بن سكرة يقول: سمعت القاضي أبا الوليد الباجي وقد جرى ذكر أبي عمر بن عبد البر عنده، فقال: أبو عمر أحفظ أهل المغرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 [40- أبو نصر بن ماكولا] الأمير أبو نصر علي بن الوزير العادل أبي القاسم هبة الله بن علي بن حفص بن ماكولا البغدادي الحافظ. سمع أبا بكر أحمد بن محمد بن غالب البرقاني الحافظ، وأبا سعد المظفر ابن الحسن الهمداني، وأبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، وأبا عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي قاضي مصر، والشريف أبا إبراهيم أحمد بن القاسم بن الميمون بن حمزة الحسيني، وأبا الحسين محمود بن حمود بن عمر بن الدليل الصواف، وأبا الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي، وآخرين بالعراق والشام ومصر. ورحل في طلب الحديث وبلغ النهاية في الحفظ والدراية وكتب وسمع وألف وجمع، وله كتاب ((الإكمال في المؤتلف والمختلف)) ، وهو أعلى كتاب ألف في فنه، رواه عنه أبو بكر محمد بن طرخان بن يلتكين ابن بجكم التركي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 وكانت لأبي الحسن الفراء الموصلي من ابن ماكولا إجازةٌ. وعنه رواه شيخنا السلفي بالإجازة، وآخر من حدث عنه فيما أعلم أبو الفضل بن ناصر، فإنه أجاز له في سنة ثمان وستين وأربع مائة، وأسمع عنه بهذه الإجازة كتابه هذا. سمعه منه أبو محمد بن الطباخ ولنا منه إجازةٌ، وكان أبو نصر بن ماكولا قد استجاز لابن ناصر جماعةً من الشيوخ العوالي المشهورين في الآفاق، وله أيضاً كتاب ((مفاخرة القلم والدينار)) ، وكان شيخنا أبو محمد العثماني يرويه عن أبي الحجاج يوسف بن علي القضاعي الأندي، عن أبي بكر محمد بن طرخان التركي عنه. قال العثماني: وأظن أن لي إجازةً من ابن طرخان. أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي بن عبد الله البغدادي الحافظ من كتابه، أخبرنا أبو الفضل محمد بن أبي منصور الفارسي الحافظ، أخبرنا الأمير أبو نصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 علي بن هبة الله بن علي بن جعفر البغداذي الحافظ فيما أذن لنا فيه، أخبرنا أبو سعد المظفر بن الحسن الهمذاني سبط ابن لال الحافظ، أخبرنا جدي أبو بكر أحمد بن علي بن لال الهمذاني الحافظ. وأنبأنا عالياً أبو طاهر السلفي قال: كتب إلي أبو الفرج عبدوس ابن عبد الله بن عبدوس الهمذاني أن أبا بكر بن لال الحافظ أنبأنهم حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ قراءةً عليه، أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي بن الشاه، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم البغدادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 بأنطاكية، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن بحير الحميري بمصر، حدثنا خالد بن نجيح حدثنا سفيان الثوري، عن ابن جريج، عن فافاه، عن الأعمش. وأخبرنا عالياً أبو عمر الغفاري، أخبرنا أبو مكتوم الهروي، أخبرنا أبي، أخبرنا عبد الله بن أحمد السرخسي وإبراهيم بن أحمد البلخي، ومحمد بن الهيثم الكشميهني، قالوا: حدثنا محمد بن يوسف الفربري، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن الأعمش. وأخبرنا أعلى من هذا أبو محمد العثماني، أخبرنا أبو عبد الله الرازي، أخبرنا أبو القاسم الفارسي، حدثنا أبو الطاهر الذهلي، بانتقاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 الدارقطني، حدثنا أبو أحمد محمد بن عبدوس بن كامل، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا)) . قال الأمير أبو نصر: قال أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي الحافظ: فافاه هذا هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير، قاله الأمير. ولعله قال هذا على الظن لما رأى روايته عن الأعمش، وإلا فقد روينا في حديث السقيفة الذي يرويه عمر ابن عثمان بين عيسى الآجري، عن أبيه، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن عبيد الله بن عمر بن حفص، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أن إسماعيل بن أبي زياد هو إسماعيل بن مسلم مولى السكون، وهو فافاه الذي يروي عنه ابن جريج، وهو إسماعيل الكندي الذي يحدث عنه بقية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 فدل هذا أن الأول الذي روى عنه ابن جريج هو هذا، إذ قد بين في هذا الحديث، ولم يبين في ذلك أنه أبو معاوية، وإنما قال أحمد بن عبد الرحمن إنه أبو معاوية لروايته عن الأعمش، والله أعلم. قال الشيخ أيده الله: هذا حديثٌ صحيحٌ ثابتٌ من حديث أبي محمد سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم الأعمش، انفرد به البخاري في ((صحيحه)) دون مسلم، فرواه في الجنائز عن آدم بن أبي إياس، وفي الرقاق عن علي بن الجعد، عن شعبة عنه. فشيخنا أبو محمد العثماني من حيث العدد بمنزلة شيخ شيخ شيخ ابن لال شيخ شيخ الأمير، وشيخنا السلفي فيه من طريق ابن لال بمنزلة الأمير، وكأني أخذته عنه. وقد قرأت علي السلفي بهذه الإجازة عدة أحاديث من أعلى ما قرأته عليه من عبدوس، قال: أنبأنا ابن لال، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي بمكة، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، حدثنا سفيان ابن عيينة، حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بسرفٍ أو قريباً منه حضت فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ((مالك؟ أنفست؟)) قلت: نعم. قال: ((إن هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم، فاقض ما يقضي الحاج إلا الطواف بالبيت)) . قالت: وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقرة أو ذبح. قال الشيخ أطال الله بقاءه، وأحسن عقباه: متفقٌ عليه من حديث أبي محمد سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي نزيل مكة، أخرجه البخاري، عن ابن المديني، وعن مسدد، وعن قتيبة، وأخرجه مسلمٌ عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد، وزهير بن حرب، ستتهم عن ابن عيينة. وقد وقع لنا حديث الأمير أبي نصر بالسماع على السماع متصلاً من غير إجازة، وفيه ما يستحسن من رواية الأقران بعضهم عن بعض. وهو ما أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني الحافظ، أخبرنا أبو الغنائم أبي بن علي بن ميمون النرسي الحافظ بالكوفة، أخبرنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 أبو نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر العجلي الحافظ، قدم علينا ولم أسمع منه غيره، حدثني أبو بكر أحمد بن مهدي، حدثنا أبو حازم العبدوي، حدثنا أبو عمرو بن مطر، حدثنا إبراهيم بن يوسف الهسنجاني، حدثنا أبو الفضل صاحب أحمد بن حنبل، حدثنا زهير بن حرب، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا علي بن المديني، حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 يأخذن من رؤوسهن حتى تكون كالوفرة)) . قال شيخنا السلفي: سألت أبا الغنائم بن النرسي عن أبي بكر الخطيب، فقال: جبلٌ لا يسأل عن مثله، ما رأينا مثله، وما سألته عن شيء قط فيجيب في الحال، إلا يرجع إلى كتابه، ثم يجيب، فقتل: حديثه عن الحميدي أنه قال: [ما] سألت الخطيب عن شيء فأجابني في الحال، وكان أبو نصر بن ماكولا بخلافه، فقال: ومن يسوي بينهما، الخطيب مقتدى، قد صنف وخرج على الحفاظ، وانتهت به السنن واحتيج إليه، ولعمري إن ابن ماكولا كان فاضلاً إلا أنه شاب. أخبرنا أبو القاسم علي بن الحس بن هبة الله الدمشقي الحافظ في كتابه، قال: قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخضر السلمي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 بدمشق عن أبي نصر علي بن هبة الله بن علي بن جعفر الحافظ، المعروف بابن ماكولا، قال: إن أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي: كان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفةً وإتقاناً وحفظاً وضبطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفنناً في علله، وأسانيده، وخبرة برواته وناقليه، (وعلماء تصحيحه) ، وغريبه وفرده ومنكره، وسقيمه ومطروحه، ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني من يجري مجراه، ولا قام بعده منهم بهذا الشأن سواه، وقد استفدنا كثيراً من هذا اليسير الذي نحسنه به وعنه، وتعلمنا شطراً من هذا القليل الذي نعرفه بتنبيهه ومنه، فجزاه الله تعالى عنا الخير ولقاه الحسنى، وغفر لنا وله ولجميع مشائخنا وأئمتنا ولجميع المسلمين. آخر كتاب الأربعين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين وصحبه الأكرمين، وسلم تسليماً كثيراً كثيراً كثيراً، وشرف وكرم وعظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 كتبها بيده الفانية لنفسه الخاطئة عبد الله بن عيار بن أبي العز الطنجي نفعه الله بها، وغفر له ولوالديه ولمشائخه ولجميع المسلمين، وفرغ من نسخها بالمدرسة المالكية بمصر مدرسة ابن المنصور حرسها الله لسبعة عشر يومٍ خلون من المحرم سنة ثمان وست مائة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539