الكتاب: مفتاح العلوم المؤلف: يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي أبو يعقوب (المتوفى: 626هـ) ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه: نعيم زرزور الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الثانية، 1407 هـ - 1987 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- مفتاح العلوم السكاكي الكتاب: مفتاح العلوم المؤلف: يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي أبو يعقوب (المتوفى: 626هـ) ضبطه وكتب هوامشه وعلق عليه: نعيم زرزور الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان الطبعة: الثانية، 1407 هـ - 1987 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ بسم الله الرحمن الرحيم قال الأستاذ الإمام البارع العلامة سراج الملة والدين أبو يعقوب يوسف بن أبي بكر محمد بن علي السكاكي تغمده الله برحمته ورضوانه: أحق كلام أن تلهج به الألسنة. وأن لا يطوى منشوره على توالي الأزمنة. كلام لا يفرغ إلا في قالب الصدق. ولا ينسج خبره إلا على منوال الحق. فبالحري تلقيه بالقبول إذا ورد يقرع الأسماع. وتأبيه أن يعلق بذيل مؤداه ريبة إذا حسر عن وجهه القناع. وهو مدح الله تعالى وحمده بما هو له من الممادح أزلاً وأبداً. وبما انخرط في سلكها من المحامد متجدداً. ثم الصلاة والسلام على حبيبه محمد البشير النذير. بالكتاب العربي المنير. الشاهد لصدق دعواه بكمال بلاغته. المعجز لدهماء المصاقع عن إيراد معارضته. إعجازاً أخرس شقشقة كل منطيق. وأظلم طرق المعارضة فما وضح إليها وجه طريق. حتى أعرضوا عن المعارضة بالحروف. على المقارعة بالسيوف. وعن المقاولة باللسان. على المقاتلة بالسنان. بغياً منهم وحسداً. وعناداً ولدداً. ثم على آله وأصحابه الأئمة الأعلام. وأزمة الإسلام. وبعد: فإن نوع الأدب نوع يتفاوت كثرة شعب وقلة وصعوبة فنون وسهولة وتباعد طرفين وتدانيا بحسب حظ متوليه من سائر العلوم كمالاً ونقصاناً وكفاء منزلته هنالك ارتفاعاً وانحطاطاً وقدر مجاله فيها سعة وضيقاً، ولذلك ترى المعتنين بشأنه على مراتب مختلفة فمن صاحب أدب تراه يرجع منه على نوع أو نوعين لا يستطيع أن يتخطى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 ذلك، ومن آخر تراه يرجع على ما شئت من أنواع مربوطة في مضمار اختلاف، فمن نوع لين الشكيمة سلس المقاد يكفي في اقتياده بعض قوة وأدنى تمييز، ومن آخر هو بعيد المأخذ نأي المطلب رهين الارتياد بمزيد ذكاء وفضل قوة طبع. ومن آخر كالمروز في قرن، ومن رابع لا يملك إلا بعدد متكاثرة وأوهاق متظافرة مع فضل إلهي في ضمن ممارسات كثيرة ومراجعات طويلة لاشتماله على فنون متنافية الأصول متباينة الفروع متغايرة الجنى ترى مبنى البعض على لطائف المناسبات المستخرجة بقوة القرائح والأذهان وترى مبنى البعض على التحقيق البحت وتحكيم العقل والصرف والتحرز عن شوائب الاحتمال، ومن آخر ريض لا يرتاض إلا بمشيئة خالق الخلق، وقد ضمنت كتابي هذا من أنواع الأدب دون نوع اللغة ما رأيته لا بد منه وهي عدة أنواع متآخذة فأودعته علم الصرف بتمامه وإنه لا يتم إلا بعلم الاشتقاق المتنوع على أنواعه الثلاثة وقد كشفت عنها القناع. وأوردت علم النحو بتمامه، وتمامه بعلمي المعاني والبيان، ولقد قضيت بتوفيق الله منهما الوطر، ولما كان تمام علم المعاني بعلمي الحد والاستدلال لم أر بداً من التسمح بهما، وحين كان التدرب في علمي المعاني والبيان موقوفاً على ممارسة باب النظم وباب النثر ورأيت صاحب النظم يفتقر على علمي العروض والقوافي ثنيت عنان القلم على إيرادهما وما ضمنت جميع ذلك كتابي هذا إلا بعد ما ميزت البعض عن البعض التمييز المناسب، ولخصت الكلام على حسب مقتضى المقام هنالك ومهدت لكل من ذلك أصولاً لائقة وأوردت حججاً مناسبة وقررت ما صادفت من آراء السلف قدس الله أرواحهم بقدر ما احتملت من التقرير مع الإرشاد على ضروب مباحث قلت عناية السلف بها وإيراد لطائف مفتنة ما فتق أحد بها رتق أذن، وها أنا ممل حواشي جارية مجرى الشرح للمواضع المشكلة مستكشفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 عن لطائف المباحث المهملة مطلعة على مزيد تفاصيل في أماكن تمس الحاجة إليها فاعلاً ذلك كله عسى إذا قيض في اللحد المضجع أن يدعى لي بدعوة تسمع، هذا. واعلم أن علم الأدب متى كان الحامل على الخوض فيه مجرد الوقوف على بعض الأوضاع وشيء من الاصطلاحات فهو لديك على طرف التمام. أما إذا خضت فيه لهمة تبعثك على الاحتراز عن الخطأ في العربية وسلوك جادة الصواب فيها اعترض دونك منه أنواع تلقى لأدناها عرق القربة لاسيما إذا انضم على همتك الشغف بالتلقي لمراد الله تعالى من كلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهناك يستقبلك منها ما لا يبعد أن يرجعك القهقرى وكأني بك وليس معك من هذا العلم إلا ذكر النحو واللغة قد ذهب بك الوهم على أن ما قرع سمعك هو شيء قد أفتر عنه عصبية الصناعة لا تحقق له وإلا فمن لصاحب علم الأدب بأنواع تعظم تلك العظمة لكنك إذا اطلعت على ما نحن مستودعوه كتابنا هذا مشيرين فيه على ما تجب الإشارة إليه ولن يتم لك ذلك إلا بعد أن تركب له من التأمل كل صعب وذلول علمت إذ ذاك أن صوغ الحديث ليس إلا من عين التحقيق وجوهر السداد، ولما كان حال نوعنا هذا ما سمعت ورأيت أذكياء أهل زماني الفاضلين الكاملي الفضل قد طال إلحاحهم عليّ في أن أصنف لهم مختصرا يحظيهم بأوفر حظ منه وأن يكون أسلوبه أقرب أسلوب من فهم كل ذكي صنفت هذا وضمنت لمن أتقنه أن ينفتح عليه جميع المطالب العلمية، وسميته: مفتاح العلوم وجعلت هذا الكتاب ثلاثة أقسام: القسم الأول في علم الصرف ، القسم الثاني في علم النحو، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 القسم الثالث في علمي المعاني والبيان. والذي اقتضى عندي هذا هو أن الغرض الأقدم من علم الأدب لما كان هو الاحتراز عند الخطأ في كلام العرب وأردت أن أحصل هذا الغرض وأنت تعلم أن تحصيل الممكن لك لا يتأتى بدون معرفة جهات التحصيل واستعمالها لا جرم أنا حاولنا أن نتلو عليك في أربعة الأنواع مذيلة بأنواع أخر مما لا بد من معرفته في غرضك لتقف عليه ثم الاستعمال بيدك، وإنما أغنت هذه لأن مثارات الخطأ إذا تصفحتها ثلاثة المفرد والتأليف وكون المركب مطابقاً لما يجب أن يتكلم له، وهذه الأنواع بعد علم اللغة هي المرجوع إليها في كفاية ذلك ما لم يتخط على النظم، فعلما الصرف والنحو يرجع إليهما في المفرد والتأليف، ويرجع على علمي المعاني والبيان في الأخير، ولما كان علم الصرف هو المرجوع إليه في المفرد أو فيما هو في حكم المفرد والنحو بالعكس من ذلك كما ستقف عليه وأنت تعلم أن المفرد متقدم على أن يؤلف وطباق المؤلف للمعنى متأخر عن نفس التأليف لا جرم أنا قدمنا البعض على هذا الوجه وضعا لنؤثر ترتباً استحقته طبعاً. وهذا حين أن نشرع في الكتاب فنقول وبالله التوفيق: القسم الأول علم الصرف أما: القسم الأول من الكتاب فمشتمل على ثلاثة فصول الأول: في بيان حقيقة علم الصرف والتنبيه على ما يحتاج إليه في تحقيقها. الثاني: في كيفية الوصول إليه. الثالث: في بيان كونه كافياً لما علق به من الغرض، وقبل أن نندفع على سوق هذه الفصول فلنذكر شيئاً لا بد منه في ضبط الحديث فيما نحن بصدده وهو الكشف عن معنى الكلمة وأنواعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 8 الأقرب أن يقال الكلمة هي اللفظة الموضوعة للمعنى مفردة والمراد بالإفراد أنها بمجموعها وضعت لذلك المعنى دفعة واحدة ثم إذا كان معناها مستقلاً بنفسه وغير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة مثل علم وجهل سميت اسماً وإذا اقترنت مثل علم وجهل سميت فعلاً وإذا كان معناها لا يستقل بنفسه مثل من وعن سميت حرفاً ويفسر المستقل بنفسه على سبيل التقريب والتأنيس بأنه الذي يتم الجواب به كقول القائل زيد في جوابك إذا قلت من جاء وقرأ إذا قلت ماذا فعل بخلافه إذا قال في أو على إذا قلت أين قرأ، وإذ قد ذكر هذا فلنشرع في الفصل الأول ولنشرحه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 اعلم أن الصرف هو تتبع اعتبارات الواضع في وضعه من جهة المناسبات والأقيسة ونعني بالاعتبارات وافرضها على أن تتحقق أنه أولاً جنس المعاني ثم قصد لجنس جنس منها معيناً بإزاء كل من ذلك طائفة طائفة من الحروف ثم قصد لتنويع الأجناس شيئاً ف شيئاً متصرفاً في تلك الطوائف بالتقديم والتأخير والزيادة فيها بعد أو النقصان منها مما هو كاللازم للتنويع وتكثير الأمثلة ومن التبديل لبعض تلك الحروف لغيره لعارض وهكذا عند تركيب تلك الحروف من قصد هيئة ابتداء ثم تغيرها شيئاً ف شيئاً ولعلك تستبعد هذه الاعتبارات إذ ليس طريق معرفتها عندك لكن لا يخفى عليك أن وضع اللغة ليس إلا تحصيل أشياء منتشرة تحت الضبط فإذا أمعنت فيه النظر وجدت شأن الواضع أقرب شيء من شأن المستوفي الحاذق وانك لتعلم ما يصنع في باب الضبط فيزل عنك الاستبعاً د ثم انك ستقف على جلية الأمر فيه مما يتلى عليك عن قريب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 الفصل الثاني: في كيفية الوصول على النوعين، وهما معرفة الاعتبارات الراجعة على الحروف ومعرفة الاعتبارات الراجعة على الهيئات وفيه بابان. الأول في معرفة الطريق على النوع الأول وكيفية سلوكه. الثاني في معرفة الطريق على النوع الثاني وكيفية سلوكه أيضاً ومساق الحديث فيهما لا يتم إلا بعد التنبيه على أنواع الحروف التسعة والعشرين ومخارجها. اعلم أنها عند المتقدمين تتنوع على مجهورة ومهموسة وهي عندي كذلك لكن على ما أذكره وهو أن الجهر انحصار النفس في مخرج الحرف والهمس جرى ذلك فيه والمهجورة عندي الهمزة والألف والقاف والكاف والجيم والياء والراء والنون والطاء والدال والتاء والباء والميم والواو يجمعها قولك قدك أترجم ونطايب والمهموسة ما عداها ثم إذا لم يتم الانحصار ولا الجري كما في حروف قولك لم يروعنا سميت معتدلة وما بين الشديدة والرخوة وإذا تم الانحصار كما في حروف قولك أجدك قطبت سميت شديدة وإذا تم الجري كما في الباقية من ذلك سميت رخوة ثم إذا تبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 الاعتدال ضعف تحمل الحركة أو الامتناع عنه كما في الواو والياء والألف سميت معتلة وإذا تبع تمام الانحصار حفز وضغط كما في حروف قولك قد طبخ سميت حروف القلقلة وتتنوع أيضاً على مستعلية وهي الصاد والضاد والطاء والظاء والغين والخاء والقاف وعلى منخفضة وهي ما عداها والاستعلاء أن تتصعد لسانك في الحنك الأعلى والانخفاض بخلاف ذلك فإن جعلت لسانك مطبقاً للحنك الأعلى كما في الصاد والضاد والطاء والظاء سميت مطبقة وإلا كما في سواها سميت منفتحة ومخارجها عند الأكثر ستة عشر على هذا النهج: أقصى الحلق للهمزة والألف والهاء ووسطه للعين والحاء وأدناه على اللسان للغين والخاء وأقصى اللسان وما فوقه من الحنك الأعلى مخرج القاف ومن أسفل من موضع القاف من اللسان قليلاً ومما يليه من الحنك الأعلى مخرج الكاف ومن وسطه اللسان بينه وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء ومن بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد ومن حافة اللسان من أدناها على منتهى طرف اللسان من بينها وبين ما يليها من الحنك الأعلى فما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية مخرج اللام ومن طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا العليا مخرج النون ومن مخرج النون غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً لانحرافه على اللام مخرج الراء ومما بين طرف اللسان وأصول الثنايا العليا مخرج الطاء والدال والتاء ومما بين الثنايا وطرف اللسان مخرج الصاد والزاي والسين ومما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا مخرج الظاء والذال والثاء ومن باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا مخرج الفاء ومما بين الشفتين مخرج الباء والميم والواو ومن الخياشيم مخرج النون الخفيفة ويتصور ما ذكرناه من الشكل الآتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 وعندي أن الحكم في أنواعها ومخارجها على ما يجده كل أحد مستقيم الطبع سليم الذوق إذا راجع نفسه واعتبرها كما ينبغي وإن كان بخلاف الغير لإمكان التفاوت في الآلات وإذ قد تنبهت لما ذكرنا فلنرجع على الباب الأول، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 والكلام فيه يستدعي تمهيد أصل، وهو أن اعتبار الأوضاع في الجملة مضبوطة أدخل في المناسبة من اعتبارها منتشرة وأعني بالانتشار ورودها مستأنفة في جميع ما يحتاج إليه في جانب اللفظ من الحروف والنظم والهيئة، وكذا في جانب المعنى من عدة اعتبارات تلزمه وبالضبط خلاف ذلك. وتقريره أن إيقاع القريب الحصول أسهل من البعيدة وفي اعتبارها مضبوطة تكون أقرب حصولاً لاحتياجها إذ ذاك على أقل مما تحتاج إليه على خلاف ذلك، ويظهر من هذا أن اعتبار الأوضاع الجزئية أعني بها المتناولة للمعاني الجزئية يلزم عند إمكان ضبطها أن تكون مسبوقة بأوضاع كلية لها، وقد خرج بقولي عند إمكان ضبطها ما كان في الظاهر جنسه نوعه كالحروف والأسماء المشاكلة لها من نحو إذا وأني ومتى عن أن يكون لوضعه الجزئي وضع كلي هذا على المذهب الظاهر من جمهور أصحابنا وإلا فخروج ذلك عندي ليس بحتم وإذا تمهد هذا فنقول الطريق على ذلك هو أن تبتدئ فيما يحتمل التنويع من حيث انتهى الواضع في تنويعه وهي الأوضاع الجزئية فترجع منها القهقرى في التجنيس، وهو التعميم على حيث ابتدأ منه وهو وضعه الكلي لتلك الجزئية كنحو أن تبتدئ من مثل لفظ المتباين وهو موضع التباين فترده على معنى أعم في لفظ التباين وهو المباينة من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الجانبين ثم ترد التباين على أعم وهو المباينة من جانب في لفظ باين ثم ترده على أعم وهو حصول البينونة في لفظ بان ثم ترده على أعم وهو مجرد البين، وهذا هو الذي يعنيه أصحابنا في هذا النوع بالاشتقاق ثم إذا اقتصرت في التجنيس على ما تحتمله حروف كل طائفة بنظم مخصوص كمطلق معنى البينونة فيما ضربنا من المثال للباء ثم الياء ثم النون وهو المتعارف سمي الاشتقاق الصغير وإن تجاوزت على ما احتملته من معنى أعم من ذلك كيفما انتظمت مثل الصور الست للحروف الثلاثة المختلفة من حيث النظم والأربع والعشرين للأربعة والمائة والعشرين للخمسة سمي الاشتقاق الكبير. وههنا نوع ثالث من الاشتقاق كان يسميه شيخنا الحاتمي رحمه الله الاشتقاق الأكبر، وهو أن يتجاوز على ما احتملته أخوات تلك الطائفة من الحروف نوعاً أو مخرجا وقد عرفت الأنواع والمخارج على ما نبهناك وأنه نوع لم أر أحداً من سحرة هذا الفن وقليل ما هم حام حوله على وجهه إلا هو وما كان ذلك منه تغمده الله برضوانه وكساه حلل غفرانه إلا لكونه الأول والآخر في علماء الفنون الأدبية على علوم أخر " ولا ينبئك مثل خبير ". وسلوك هذا الطريق على وجهين أصل فيما يطلب منه وملحق به. أما الأصل فهو إذا ظفرت بأمثلة ترجع معانيها الجزئية على معنى كلي لها أن تطلب فيها من الحروف قدراً تشترك هي فيه وهو يصلح للوضع الكلي على أن لا تمتنع عن تقدير زيادة أو حذف أو تبديل إن توقف مطلوبك على ذلك وعن تقدير القلب أيضاً في الاشتقاق الصغير معينا كلا من ذلك بوجه يشهد له سوى وجه الضبط فهو بمجرده لا يصلح لذلك وتلك الحروف تسمى أصولاً والمثال الذي لا يتضمن إلا إياها مجرداً وما سوى تلك الحروف زوائد والمتضمن لشيء منها م وإذا أريد أن يعبر عن الأصول عبر عن أولها في ابتداء الوضع بالفاء وعن ثانيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 بالعين وعن ثالثها باللام ثم إذا كان هناك رابع وخامس كرر لهما اللام فقيل اللام الثاني واللام الثالث وإذا أريد أن يعبر عن الزوائد عبر عنها بأنفسها إلا في المكرر والمبدل من تاء الافتعال وستعرفه هذا عند الجمهور وهو المتعارف، وإذا أريد تأدية هيئة الكلمة أديت بهذه الحروف ويسمى المنتظم منها إذ ذاك وزن الكلمة والكلام في تقرير هذا الأصل يستدعى تحرير خمسة قوانين. أحدها في أن القدر الصالح للوضع الكلي ماذا والباقية في أن الشاهد لتعيين كل من الأربعة الزيادة والحذف والبدل والقلب ماذا. أما القانون الأول فالذي عليه أصحابنا هو الثلاثة فصاعدا على خمسة خلافاً للكوفيين. أما الثلاثة فلكون البناء عليها أعدل الأبنية لا خفيفا خفيفا ولا ثقيلا ثقيلا، ولانقسامه على المراتب الثلاث وهي المبدأ والمنتهى والوسط بالسوية لكل واحد واحد لا تفاوت مع كونه صالحاً لتكثير الصور المحتاج إليه في باب التنويع صلاحاً فوق الاثنين دع الواحد ويظهر من هذا أن مطلوبية العدد فيما جنسه نوعه دون مطلوبيته فيما سوى ذلك. وأما التجاوز عنها على الأكثر فلكونه أصلح منها لتكثير الصور المحتاج إليه. وأما الاقتصار على الخمسة فليكون على قدر احتمال نقصانها زيادتها، وقد ظهر من كلامنا هذا أن الكلمات الداخلة تحت الاشتقاق عند أصحابنا البصريين إما أن تكون ثلاثية أو رباعية أو خماسية في أصل الوضع، وأما القانون الثاني وهو أن الحرف إذا دار بين أن يكونلاحاً فوق الاثنين دع الواحد ويظهر من هذا أن مطلوبية العدد فيما جنسه نوعه دون مطلوبيته فيما سوى ذلك. وأما التجاوز عنها على الأكثر فلكونه أصلح منها لتكثير الصور المحتاج إليه. وأما الاقتصار على الخمسة فليكون على قدر احتمال نقصانها زيادتها، وقد ظهر من كلامنا هذا أن الكلمات الداخلة تحت الاشتقاق عند أصحابنا البصريين إما أن تكون ثلاثية أو رباعية أو خماسية في أصل الوضع، وأما القانون الثاني وهو أن الحرف إذا دار بين أن يكون م على مثال هو فيه وبين أن يكون محذوفاً عن مثال ليس فيه فالشاهد للزيادة ماذا فوجوه وقبل أن نذكرها لابد من شيء يجب التنبيه عليه، وهو أن لا يكون توجه الحكم بالزيادة على الحرف بعد استجماع ما لابد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 منه في ذلك نادراً مثله في الخارج عن مجموع قولك اليوم تنساه إذا لم يكن مكرراً على ما افترعه الاستقراء الصحيح، وهذه الحروف يسميها أصحابنا في هذا النوع حروف الزيادة بمعنى أن حكم الزيادة يتفق لها كثيراً، ولذلك جعل شرطاً في زيادة الحرف كونه مكرراً أو من هذه الأحرف وأن لا يتغير حكم الحرف في نظيره كنحو رجيل ومسيلم، وإذ قد تنبهت لهذا فنقول: الوجه الأول هو أن يفضل عن القدر الصالح للوضع الكلي كنحو ألف قبعثري. الثاني أن يكون ثبوته في اللفظ بقدر الضرورة كهمزة الوصل في اسم واعرف وأمثالهما وستعرف مواقعها. الثالث أن يمتنع عليه الحذف كحروف المضارعة لأدائها إذا قدرت محذوفة عن الماضي على خلاف قياس وهو أن لا يكون في الأفعال الوزن الذي هو في باب الاعتبار الأصل المقدم وهو الثلاثي ألبتة مع محذور آخر وهو التجاوز عن القدر الصالح للوضع الكلي. الرابع وهو أم الوجوه أن يكون ثبوته في أقل صوراً من لاثبوته، ولا مقتضى للحذف من مقتضياته التي تقف عليها في قانونه كالحروف التي تقع فيما يصغر ويثني ويجمع من نحو مسيلم ومسلمان أو مسلمين ومسلمون أو مسلمين أو مسلمات وفي الأسماء المتصلة بالأفعال كالمصادر وأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة من نحو مرحة وراحم ومرحوم ورحيم وفي أبنية التفضيل وأسماء الأزمنة والأمكنة وأسماء الآلات من نحو أطلع ومطلع ومصداق وفي غير ذلك مما يطلع عليه المتأمل وهذه أشياء لها تفاصيل يتضمنها مواضعها من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 أما ما يقرع سمعك أن من جملة الشواهد لزيادة الحرف أن يكون له معنى على حدة ممثلاً بالتنوين وتاء التأنيث وسين الكسكسة وهاء الوقف ولام ذلك وهنالك وأولالك وأشباه لها فلولا أنه يلزم من سوق هذا الحديث إدخال الشين المعجمة الكشكشية وكاف نحو ذلك وهنالك وكزيد وباء نحو بزيد في جملة حروف الزيادة، وأنه يلزم إدخال الأسماء الجارية مجرى الحروف في الاشتقاق لكان خلقاً بالقبول. وأما القانون الثالث وهو أن الحرف إذا اتفق له أن يدور بين الحذف والزيادة فالشاهد لكونه محذوفاً ماذا؟ فنقول هو أن يلزم من الإخلال بالحذف ترك أصل تراعيه مثل أن يلزم كون المثال على أقل من ثلاثة أحرف إما بدون تأمل كنحو غد ومن بل بتخفيف الهمزة وقل وقه ولم يك أو بأدنى تأمل كنحو رمتا ورموا وقمن وقمت وقمتما وقمتم وقمت وقمتن وقمت وقمنا، ونحو رمت وعدة وحرى فإن ضمائر الفاعلين وتاءي التأنيث وياء النسب كلمات على حدة، أو باستعمال قانون الزيادة في نحو يعد ويسل " والليل إذا يسر " ولم يخش ويقلن وتدعين واغز وأقم وغاز وغازون وأعلون وإقامة واستقامة وجوار وجوير وعلى ذا فقس أو مثل أن يلزم أن لا يكون في الأسماء التي هي لمدار التنويع القطب الأعظم خماسي أصلاً نظراً على التحقير والتكسير مع كونهما مستكرهين في نحو فريزد وفرزاد وسفيرج وسفارج وجميع ما شاكل ذلك. واعلم أن الحذف ليس يخص حرفاً دون حرف إلا أنه في حرف اللين إذا تأملت مفرط. وأما القانون الرابع وهو أن الشاهد لكون الحرف بدلا عن غيره في محل التردد ماذا فالقول فيه هو أن تجده أقل وجودا منه في أمثلة اشتقاقه كهمزة أجوه وتاء تراث ونظائرهما لا مساوياً له مساواة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 مثل الدال في نهد ينهد نهودا للضاد في نهض وينهض نهوضاً بعد أن يكون في مظان الاستشهاد للكثرة بمعزل عن تلك الأمثلة. أما استعمال هذا القانون في نظيره لكن من جنس قليلها في غير موضع يلحقه بذلك الكثير وجوبا فيبرزه في معرض التهمة عزل أصحابنا أمثلة الآتي وأتى وأنيت عند إثبات مساواة مثل الواو في نحو: أتوته آتوه أتواً، للياء في: أتيته أتياً مراعياً في هذا القانون عين ما راعيته في قانون الزيادة وهو أن لا يكون توجه الحكم البدل على ذلك الحرف عزيزاً مثله في الخارج عن مجموع قولك أنجدته يوم صال زط على ما شهد له اعتبار أصحابنا وأن لا تغير الحكم في النظير هذا إذا لم تتخط موضوع الباب وهو معرفة البدل في الحروف الأصول. أما إذا تخطيته على معرفته في الزوائد فالشاهد هناك لكون الحرف بدلاً عن غيره بعد كونه من حروف البدل؛ إما ما ذكر أو فرعية متضمنة على متضمن من ذلك الغير فنحو الواو في ضويرب وضوارب بدل عن الألف ضارب أو لزوم إثبات بناء مجهول لكونه غير بدل لزومه من نحو هراق واصطبر وإدراك إذا لم تجعل الهاء بدلاً عن الهمزة ولا الطاء أو الدال عن التاء وأخوات لها، وقد ظهر من فحوى كلامنا هذا أن العامل هذا القانون مفتقر على الاستكثار من استعماله في مواضع شتى مختلفة المواد متأملا حق التأمل لنتائجه هنالك مضطر على التفطن لتفاوتها وجوباً وجوازاً مستمراً وغير مستمر ضابطاً كل ذلك واحداً فواحداً ليجذب بضبعه في مداحض الاعتبارات إذا دفع إليها ولاسيما اعتبارات كيفية وقوع البدل في النوعين فليست غير الأخذ بالأقيس فالأقيس، وأنا أورد عليك حاصل تأمل أصحابنا في هذا القانون إلا ما استصوب ظاهر الصناعة إلغاءه من نحو إبدال الميم من لام التعريف أو الهاء من تاء التأنيث في الوقف أو الأف من نون إذن والتنوين ونون التأكيد والمفتوح ما قبلها فيه وغير ذلك مما هو منخرط في هذا السلك إيرادا مرتبا في ثلاثة فصول. أحدها فيما يجب من ذلك، وثانيها فيما يجوز مستمرا، وثالثها فيما لا يستمر لأكفيك مؤنة تحصيلها من عند نفسك. أو فرعية متضمنة على متضمن من ذلك الغير فنحو الواو في ضويرب وضوارب بدل عن الألف ضارب أو لزوم إثبات بناء مجهول لكونه غير بدل لزومه من نحو هراق واصطبر وإدراك إذا لم تجعل الهاء بدلاً عن الهمزة ولا الطاء أو الدال عن التاء وأخوات لها، وقد ظهر من فحوى كلامنا هذا أن العامل هذا القانون مفتقر على الاستكثار من استعماله في مواضع شتى مختلفة المواد متأملا حق التأمل لنتائجه هنالك مضطر على التفطن لتفاوتها وجوباً وجوازاً مستمراً وغير مستمر ضابطاً كل ذلك واحداً فواحداً ليجذب بضبعه في مداحض الاعتبارات إذا دفع إليها ولاسيما اعتبارات كيفية وقوع البدل في النوعين فليست غير الأخذ بالأقيس فالأقيس، وأنا أورد عليك حاصل تأمل أصحابنا في هذا القانون إلا ما استصوب ظاهر الصناعة إلغاءه من نحو إبدال الميم من لام التعريف أو الهاء من تاء التأنيث في الوقف أو الأف من نون إذن والتنوين ونون التأكيد والمفتوح ما قبلها فيه وغير ذلك مما هو منخرط في هذا السلك إيرادا مرتبا في ثلاثة فصول. أحدها فيما يجب من ذلك، وثانيها فيما يجوز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 مستمرا، وثالثها فيما لا يستمر لأكفيك مؤنة تحصيلها من عند نفسك. الفصل الأول في؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ النتائج الواجبة وأعني بالواجب ما لا يوجد نقيضه أو يقل جداً. الواو في غير صيغة أفعل خارج الأعلام إذا سكنت قبلها ياء غير بدل عن آخر ولا للتصغير أوله إلا أن الواو طرف تبدل ياء كسيد وأيام ودلية وضيون عندي كأسامة وهي غير بدل عن آخر إذا سكنت قبل ياء في كلمة أو فيما هو في حكم كلمة تدغم في ياء كطي ومرمي ومسلمي في إضافة مسلمون على ياء المتكلم وربما أبدلت الياء واوا في الندرة كنهو ومرضو وهى لاما في الفعلى مؤنث الأفعل تبدل ياء كالدنيا إلا في القليل النزر كالقصوى وطرفا من اسم في موضع يضم ما قبل آخره تبدل ياء مكسورا ما قبله كالأدلى والقلنسى والتداني إلا كلمة هو ولاما في فعول جمع تبدل ياء مع المدة مشددة مكسور ما قبلها كعصى إلا فيما لا اعتداد به كالنحو والنجو وصدرا للكلمة إذا كانت معها أخرى فتحرك تبدل همزة كأويصل وأواصل وهي أيضا طرفا مفتوحا ما قبلها تبدل ألفا وكذا الياء كالعصا والرحا ومكسورا ما قبلها تبدل ياء كالداعي ودعى وغير طرف عينا بين كسرة قبلها وألف زائدة بعدها في مصدر فعل عينه ألف أو في جمع مفرد ساكن العين صورة صحيح اللام تبدل ياء أيضاً كإياس وحياض وديار وهي أو الياء أيتهما كانت تبدل همزة إذا وقعت طرفا بعد ألف زائدة كالدعاء والبناء وهي بعد الكسر والياء بعد الضم ساكنتين غير مشددتين تبدلان ياء وواوا كميعاد وموقن وقيل واو فقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 الياء لاما في فعلى اسما مفتوحة الفاء ساكنة العين تبدل واوا كالشروى وطرفا في فعل مضموما ما قبلها كذلك مثل قولك رموت اليد وهي مدة ثانية إذا كانت زائدة تبدل أيضاً واوا في التحقير والجمع الذي ليس على زنته واحد كضويرب وضواريب في ضيراب إن سمي به وكذلك الألف ثانية إذا كانت زائدة كضويرب وضوارب فإن لم تكن ردها التحقير على الأصل كبويب ونييبة، والألف تتبع ما قبلها ضما كان أو كسرا إذ لم تطلب لها حركة كضورب وضيراب ومفيتيح ومفاتيح وهي بعد ياء التحقير تبدل ياء ككثيب وإذا كانت عينا في فعل أبدلت همزة إذا وقعت في وزن فاعل كقائل وبائع وهي زائدة واقعة بعد ألف جمع تتوسط بين أربعة وكذا الواو الزائدة المدة أو الياء بهذا الوصف بعدها وكذا آخر المعتلين بالإطلاق أو الواوين خصوصا على خلاف فيه مما يكتنفانها كل منهما يبدل همزة وفي غير ذلك تبدل ياء مع إبدال الآخر ألفا كرسائل وعجائز وصحائف وبيائع وسيائق وأوائل وكذا قوائل عندي وخطايا وشوايا وهي أينما وقعت عينا أو لاما تكون بدلا كباب وناب والعصا والرحا وقال وباع ودعا ورمى وفي الطرف فوق الثلاثة زائدة كانت أو غير زائدة تقلب في مظان القلب ياء كحبليان وملهيان ومرميان وكيدعيان أيضاً وكيرضين فليتأمل. وأما ثالثة فترد فيها على الأصل كعصوان ورحيان وأعني بمظان القلب التثنية وجمعي السلامة واتصال الضمائر المرفوعة البارزة ونوني التأكيد. الهمزة طرفا بعد أخرى مكسورة تبدل ياء كالجائي وغير طرف ساكنة بعد متحركة تبدل مدة مناسبة لحركة المتحركة كآدم وقولك يسر أوسر وحكم الطرف في جميع ما قرع سمعك لا يتغير بتاء التأنيث إلا إذا لزمت وذلك قليل كما في نحو نهاية وعلاوة وحندوة وقمحدوة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 وقد نظم حرف التثنية في سلك هذه التاآت من قال ثنايان ومذروان. النون ساكنة قبل الباء تقلب ميما كعنبر. تاء الافتعال تبدل طاء إذ كانت الفاء مطبقا كاصطبر واطبخ واضطجع واصطلم، وإذا كانت بدل المطبق زايا أو دالا أو ذالا أبدلت دالا كازدجر وأدان واذدكر وإذا كانت تاء قلبت كل واحدة منهما على صاحبتها كأنار بالتاء والثاء. التثنية والجمع بالألف والتاء والنسبة يقلبن همزة ألف التأنيث الممدودة واوا كصحراوان وصحراوات وصحراوي. والنسبة تقلب كل ألف في الطرف أو ياء مكسور ما قبلها فيه إذا لم تحذفا واوا ألبتة كرحوي ومرموي وحبلوي وعصوي وملهوي وعموي وقضوي وكذا نونا التأكيد تقلباًن الألف في الطرف ياء. الفصل الثاني في النتائج الجائزة على استمرار الواو غير طرف بعد ياء التحقير تبدل ياء كجديل وأسيد، وكذا طرفا في نحو مدعى وهي غير مشددة إذا انضمت ضماً لازماً تبدل همزة كأجوه وأقتت، وعند المازني رحمه الله أنها مكسورة أولا في إبدالها همزة كتلك مثل أشاح وأعاء أخيه. الواو والياء غير البدل عن الهمزة فاء في باب الافتعال ثابتة تاؤه تبدل تاء كاتعد واتسر ويتعد ويتسر ومتعد ومتسر، وأنه كالواجب عند الحجازيين. الياء بعد ألف غير زائدة قبل ياء النسبة تبدل همزة كثائي في النسبة على ثاية، ونحو الياء في رضي وبادية تبدل ألفا في لغة طي فيقال رضى وباداة. الألف آخراً لغير التثنية قبل ياء الإضافة تبدل ياء في لغة هذيل قريباً من الواجب كعصيّ ورحيّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 الهمزة ساكنة لا بعد أخرى تبدل مدة مناسبة لحركة ما قبلها كراس وذيب وسول، ومفتوحة بعد ساكن تبدل ألفا عند الكوفيين كامرأة وبعد مضموم تبدل واوا كجول وبعد مكسور ياء كمبرة ومكسورة وبعد ياء التحقير ياء أيضا كأفيس وكذا مضمومة بعد مكسور تبدل ياء أيضا عند الأخفش رحمه الله كيستهزيون، وكيف كانت بعد مدة زائدة غير ألف تبدل مناسبة لها كخطية ومقروة، وها هنا إبدالات تختص بباب الإدغام كاسمع واطير وازين واثاقل وأدراءوا في استمع وتطير وتزين وتثاقل وتدراءوا فتأملها أنت. واعلم أن إبدال حروف اللين والهمزة بعضها من بعض نسميه إعلالا. الفصل الثالث في النتائج غير المستمرّة ووجه ضبطها على أن الاختصار أن نطلعك على ما وقع بدلا منه كل حرف من حروف البدل دون غيره اللهم إلا عند التعمق. الألف وقعت بدلا في غير تلك المواضع عن الياء والواو والهمزة في نحو طائي وياجل ولا هناك المرتع والمراة عندنا. وأما آل فالحق المعول فيه ما ذكره ابن جني أن الألف فيه بدل عن همزة بدل عن الهاء. والياء عن أختيها والهمزة والعين والنون والسين والثاء والباء في نحو حبلى وصيم والواجي والضفادي وأناسي والسادي والثالي والثعالي، وعن أحد حرفي التضعيف في نحو دهديت وتلعيت ومكاكي ودياجى وتقضى البازى وأمليت، ونحو تسريت ولم يتسن والتصدية باعتبار وقصيت الأظفار وديياج وديماس وديوان، ونحو قوله أيتصلت وما شاكل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 والواو عن أختيها في نحو حبلو وممضو عليه. والهمزة عن حروف اللين والهاء والعين في نحو بأز وشئمة ومؤقد وماء وأباب والهاء عن الألف والهمزة في نحو يا هناه باعتبار وهرقت والجيم عن الياء في نحو قوله: أمسجت وأمسجا. واللام عن الضاد والنون في نحو الطجع وأصيلال والنون عن الواو في صنعاني والدال عن التاء في اجدمعوا والصاد عن السين في نحو أصبغ وصلخ وصبقة وصاظع، والزاي عنها أيضا في نحو يزدل ثوبه والتاء من الواو والصاد والسين والبائي في نحو أنلج ولصت وطست والذعالت. والميم عن الواو والنون والباء في نحو فم وبنام وكثم ولولا أن الكلام في هذا الفصل وفيما قبله متطفل على الكلام في الفصل والأل إذا تأملت لما خففت فيهما كما ترى. وأما القانون الخامس، وهو أن شاهد القلب الدائر بين أن يكون مقلوبا عن غيره وأن لا يكون ماذا والذي حام حوله أصحابنا هو أن يكون أقل تصرفا كنحو قولهم ناء يناء فحسب ونأى ينأى نأيا، ونحو الجاه والحادي والآدر بمعنى الأدور والآرام بمعنى الأرآم والهاعى واللاعى والقسى والشواعى ونحو الجائي إذا لم نحمله على تخفيف الهمزة أو أن يكون الإخلال بالقلب يهدم عندك أصلا يلزمك رعايته كأشياء في غير باب المنصرف إذا لم تأخذها مقلوبة عن شيئاًء وقد كنت أبيت أن يكون أصلها أشيئاًء هذا تمام الأصل. وأما الملحق به فهو إذا لم يكن معك من الأمثلة ما يصلح لتمام ما ذكرنا أن تستخرج لأصالة الحروف وللزيادة أصولا، وكذا لوقوع البدل عن معين فتستعملها. وأما الحذف والقلب فيما نحن بصدده فكغير الواقع ندرة فلا تستخرج لهما أصولا وأن ألجئت على شيء من ذلك يوما من الدهر أمكنك أن تتفصى منه بأدنى نظر إذا أنت أتقنت ما سيقرع سمعك مما نحن له على أن تكون في استعمالك لتلك الأصول مجتهدا في أن لا تطرق لشيء لك منها على المعربة من نحو مرزنجوش الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 وباذنجانة وأسيفيذباج وإستبرق طريقا وإلا وقعت في تخبط، ووجه الاستخراج هو أن تسلك الطريق على ما عرفت سلوكا في غير موضع صادق التأمل لحروف الزيادة وقد عرفتها أين تمتنع زيادتها أو تقل فتتخذ ذلك الموضع أصلا لأصالة الحروف وأين تجب لها أو تكثر فتتخذه أصلا للزيادة وهكذا الحروف البدل وقد أحاطت بها معرفتك أيما موضع يختص بحرف معين أو يكثر ذلك فيه فتتخذه أصلا لكون ما سوى ذلك الحرف هناك بدلا منه، وأنا أذكر لك ما أورده أصحابنا من ذلك في ثلاثة فصول: أحدهما في بيان مواضع الأصالة وثانيها في بيان مواضع الزيادة، وثالثها في بيان مواضع البدل عن معين لأخلصك من ورطة الاستخراج. الفصل الأول في بيان مواضع الأصالة وهي الأول من كلمة لا تصلح لزيادة الواو فواو ورنتل أصل، وهو والحشو منها اللام فلام نحو لهذم وقلفع أصل والآخر أيضا له إلا في عبدل وزيدل وفحجل وفي هيقل وطيسل وفيشلة احتمال، وأما نحو ذلك وهنالك وأولالك فليس عندي بمنظور فيه والأول من كل اسم غير متصل بالفعل وقد نبهت عليه فيما تقدم إذا كان من بعده أربعة أصول لا يصلح للزيادة فنحو الهمزة والميم في اصطخر ومردقوش أصل، وهو الثاني من كل اسم غير متصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 بالفعل أيضاً إذا عرف في أحدهما زيادة فصاحبه لا يصلح للزيادة إلا نادراً كانقحر وا نقحل وانزهو فميم منجنيق أصل إذ عرف ثانيه زائداً بقولهم مجانيق وغير أول الكلمة لا يصلح لزيادة الهمزة والميم في الأغلب فهما في نحو ضئبيل وزئبر وجؤذر وبرأل وتكرفأ وحرمل وعظلم أصل إلا إذا كانت الهمزة طرفا بعد ألف قبلها ثلاثة أحرف فصاعداً خارجة عن احتمال الزيادة فهي زائدة كطرفاء وعاشوراء وبراكاء وبروكاء وجخادباء إلا فيما احتمل أن يكون النصف الثاني منه إذا ألفيت الألف عين النصف الأول كالضوضاء، ويسمى هذا مضاعف الرباعي والآخر من الفعل لا يصلح لزيادة النون فنون تدهقن وتشيطن أصل عند أصحابنا، والأقرب عندي على تجاوب الأصول أن هذا الأصل أكثريّ والنون فيما ذكرنا زائدة وكل واحد من المواضع الأربعة من مضاعف الرباعي لا يصلح للزيادة فليس في نحو وعوع وصيصة زيادة وكذا في نحو قوقيت. والسين لا تكون زائدة في الأسماء غير المتصلة بالأفعال كالميم في الأفعال ونحو تمندل وتمدرع وتمسكن لا اعتداد به فميم تمعدد وتمغفر واسمهر واحرنجم وأمثالها أصل ألبتة. وأما الهاء فقد كان أبو العباس المبرد رحمه الله يخرجها عن الحروف الزوائد، ولولا أني في قيد الاختصار لنصرت قوله بالجواب عما أورد عليه الإمام ابن جني رحمه الله في ذلك ولكن كيفما دارت القصة فالأصل فيها الأصالة فهاء نحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 هجرع ودرهم أصل. وأما هاء الوقف في نحو ثمه وكتابيه فبمعزل عندي عن الاعتبار أصلاً. الفصل الثاني في بيان مواضع الزيادة أول كل كلمة فيها ثلاثة أصول لا يصلح لأصالة الهمزة والياء وكذا الميم لكن في الأغلب فأوائل أصبع ويعفر ومذحج زوائد وأعني بقولي أصول أن خروجها عن حروف الزيادة يشهد لذلك أو مواضعها وكل موضع من كلمة تشتمل على ثلاثة أصول، وليست مضاعف الرباعي لا يصلح لأصالة حروف اللين إلا الأول للواو فحروف اللين في نحو كاهل وغزال والعلقي وضيغم وعثير وعوسج وخروع زوائد وكذا إذا كانت أكثر من ثلاثة لكن سوى الأول لا يصلح لأصالتها أيضا فهي في نحو عذافر وسرداح والحبركي وسميدع وغرنيق وفدوكس وفردوس والقبعثري وخزعبيل وعضرفوط زوائد وآخر كل اسم قبله قبلها ثلاثة أحرف فصاعدا أصول لا يصلح لأصالة النون في الأغلب فنون سعدان وسرحان وعثمان وغمدان وملكعان وزعفران وجندمان وعقربان زائدة وكل موضع من الكلمة للنون أو التاء يخرجها بأصالتها عن أبنية الأصول المجردة وسنذكرها في الباب الثاني من هذا الكتاب لا يصلح لأصالتها فيحكم بزيادة النون والتاء في نحو نرجس وكنهبل وترتب وتتفل مفتوحي الأول وما لا يخرجها فالأمر بالعكس في الأغلب فهما في نحو نهشل وحنزقر وصعتر، وكذا في عنتر أصلان إلا النون إذا كانت ثالثة ساكنة مثلها في عقنقل وحجنفل وشرنبث فهي في نظائرها زائدة وكذا كل موضع أو موضعين للتكرير من الكلمة كقردد ورمدد وعندد وشربب وخدب وفلزوجبن وقطع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 واقشعر ومرمريس وعصبصب إذا كانت توجد فيها ثلاثة أصول لا تصلح للأصالة. واعلم أن أصول هذين الفصلين كثيراً ما يجامع بعضها البعض وهي في ذلك إما أن لا تورث ترددا في إمضاء الحكم مثلها في نحو إصطبل حيث تقضي للام بالأصالة ثم للهمزة ونحو يستعور حيث تقضي للسين والتاء بالأصالة ثم للياء ونحو إعصار وأخريط وأدرون حيث تقضى لحروف اللين بالزيادة ثم للهمزة ونحو عقنقل حيث تقضى للنون بالزيادة ثم للمكرر ونحو خفيدد حيث تقضي للياء والمكرر بالزيادة ونحو ضميران حيث تقضى للياء والألف والنون بالزيادة فتمضي في الحكم كما ترى وإما أن تورث من حيث هي هي تردداً إما لاجتماعها على سبيل التعاند مثل أصلي التاء في ترتب وتتفل بالفتح والضم أو على سبيل الدور مثل الأصلين في نحو محبب وموظب ومكوزة ومريم وأيدع وأوتكي وحومان وما جرى مجراها فيقع عنان الحكم في يد الترجيح اللهم إلا عند الإعواز فيحام حول الخبرة إذ ذاك والقانون عندي في باب الترجيح ههنا هو اعتبار شبهة الاشتقاق ابتداء ثم من بعد اعتبار الكلي من هذه الأصول ثم إن وجد تعارض في النوعين اعتبار اللواحق، وأعني بقولي ههنا أن المنظور فيه ليس يرجع على اشتقاقين رجوع أرطى حيث يقال بعير آرط وراط وأديم مأروط ومرطى وشيطان حيث يعتزى على أصلين يلتقيان به وهما ش ط ن وش ى ط فان الترجيح في مثل هذا عند أصحابنا رحمهم الله بالتفاوت في وضوح الاشتقاق وخفائه ليس إلا، ونحن نستودع هذا الفصل من الأمثلة على اختصار ما يورثك بإذن الله تعالى كيفية التعاطي لهذا الفن جاذبا بضبعك فيما أنت من تمام تصوره بمنزلة، ثم نحيل باقتناص غايات المرام إذا رأيناها قد أعرضت لك مما فعلنا بك على صدق همتك في السعي لما يعقب ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 أما الترجيح بشبهة الاشتقاق فكالقضاء في نحو موظب ومكوزة ومحبب للواو والمكرر بالأصالة دون الميم على ارتكاب الشذوذ عما عليه قياس أخواتها من الكسر والإعلال والإدغام لما يوجد من وظ ب وك وز وح ب ب في الجملة دون م ظ ب وم ك ز وم ح ب، وأنا إذا قضيت لمريم وياجج بمفعل ويفعل ولنرتب وتتفل في اللغتين بزيادة التاء ولا مرة بفعلة ولعزويت بفعليت دون فعليل أو فعويل قضيت لهذا، وأما الترجيح بالكلي فكالقضاء بزيادة تاء ترتب وتتفل بدون اعتبار شبهة الاشتقاق، وأما الترجيح باللواحق فكالقضاء لمدين بزيادة الميم دون الياء لعوز فعيل بفتح الفاء في الأوزان وزيادة ميم مريم تؤكد بهذا وكالقضاء لمورق منه ومهدد وماجيح بزيادة الواو والمكرر دون الميم للزوم الشذوذ زيادتها وهو فتح الراء إذ ذاك وفك الإدغام مع عدم ما أوجب ارتكابه في مريم وكالقضاء لحومان بزيادة النون دون الواو لما تجد فعلان في الأوزان أكثر من فوعال ولحسان مضموم الحاء بفعلان لما تجده أكثر من فعال بالإطلاق ولرمان بعكس هذا لما تجد فعالا في باب النبات أكثر من فعلان ولحسان وحمار قبان بفعال إذا نقلا إليك مصروفين وبفعلان إذا نقلا إليك غير مصروفين ولأيدع وأولق وأوتكي بزيادة الهمزة دون الياء والواو لما تجد أفعل أكثر من فيعل وفوعل ولأمعة بزيادة المكرر لما تجد فعلة أكثر من أفعلة فاؤها وعينها من جنس واحد، وهذا يؤكد ما قدمنا في أمرة ولكلتا بزيادة الألف وإبدال التاء من الواو لعوز فعتل والحولايا بفوعالا دون فعلايا لعوزها ولما تجد فعليتا دون فعويل تتأكد فعليتية عزويت دون فعويليته، ولنقتصر على هذا القدر في التنبيه به على ما حاولنا فانه بل الأقل كاف في حق من أوتي حظا من الجلادة، فأما البليد فوحقك لا يجدي عليه التطويل وان تليت عليه التوراة والإنجيل. ع وأولق وأوتكي بزيادة الهمزة دون الياء والواو لما تجد أفعل أكثر من فيعل وفوعل ولأمعة بزيادة المكرر لما تجد فعلة أكثر من أفعلة فاؤها وعينها من جنس واحد، وهذا يؤكد ما قدمنا في أمرة ولكلتا بزيادة الألف وإبدال التاء من الواو لعوز فعتل والحولايا بفوعالا دون فعلايا لعوزها ولما تجد فعليتا دون فعويل تتأكد فعليتية عزويت دون فعويليته، ولنقتصر على هذا القدر في التنبيه به على ما حاولنا فانه بل الأقل كاف في حق من أوتي حظا من الجلادة، فأما البليد فوحقك لا يجدي عليه التطويل وان تليت عليه التوراة والإنجيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 الفصل الثالث في بيان مواضع يقع البدل فيها عن حرف معين الألف طرفا زائدة على الثلاثة أو ثالثة لكن قبلها ياء لا تكون إلا مبدلة عن ياء، وكذا إذا لم تكن قبلها ياء لكنها تمال أو صدر كلمتها واو اللهم إلا نادراً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 الباب الثاني في الطريق على معرفة الاعتبارات الراجعة على الهيئات والكلام فيه مبني على الأصل الممهد في الباب الأول من مراعاة الضبط وتجنب الانتشار. اعلم أن الطريق على هذه الاعتبارات على نحو الطريق على الاعتبارات الأول من انتزاع كلي عن جزئيات وسلوكه هو أن تعمد لاستقراء الهيئات فيما يتناوله الاشتقاق متطلباً بين متناسبتها رد البعض على البعض عن تأمل تتفتح له أكمام المناسبات المستوجبة للرعاية هناك مصروف الاجتهاد في شأن الرد على اعتبار أبلغ ما يمكن من التدريج فيه فاعلاً ذلك عن كمال التنبه لمجاريه وشواهده وما يضاد ذلك ضابطاً إياها كل الضبط في أصول تستنبطها وقوانين وكأني بك وقد ألفت فيما سبق أن أكون النائب عنك في مظان الاستقراء ومداحض التأمل تنزع ها هنا على مألوفك فاستمع لما يتلى عليك وبالله التوفيق. ولنقدم أمام الخوض فيما نحن له عدة اصطلاحات لأصحابنا رحمهم الله، عسى أن يستعان بها على شيء من الاختصار في أثناء مساق الحديث، وهي أن الاسم أو الفعل إذا لم يكن في حروفه الأصول معتلاً سمي صحيحاً وسالماً، وإذا كان بخلافه سمي معتلا، ثم إذا كان معتل الفاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 سمي مثالاً، وإذا كان معتل العين سمي أجوف وذا الثلاثة، وإذا كان معتل اللام سمي منقوصاً وذا الأربعة، وإذا كان معتل الفاء والعين أو العين واللام سمي لفيفاً مقروناً، وإذا كان معتل الفاء واللام سمي لفيفاً مفروقاً، ثم إن صحيح الثلاثي أو معتله إذا تجانس العين منه واللام سمي مضاعفاً وكذا الرباعي إذا تجانس الفاء واللام الأولى منه والعين واللام الثانية منه سمي مضاعفاً وقد تقدم هذا، والأول حقه الإدغام وهذا لا مجال فيه لذلك، وإذ قد وقفت على ذلك فلنعد على الموعود منبهين على أن الكلمة المستقرأة نوعان: نوع يشهد التأمل لتقدمه في باب الاعتبار، ونوع بخلافه والثاني هي الأفعال ومن الأسماء ما يتصل بها وقد تنبهت لها في صدر الكتاب والأول هي ما عدا ذلك وتسمى الأسماء الجوامد، ووجه التقدم والتأخر بين النوعين على ما يليق بهذا الموضع هو أن الفعل لتركب معناه ظاهر التأخر عن الجوامد وما يتصل به من الأسماء لاشك في فرعيتها عليه إلا المصدر فقط عند أصحابنا البصريين رحمهم الله، ودليل إعلال المصدر وتصحيحه باعتبار ذلك في الفعل وستقف عليه في أثناء النوع الثاني يرجح عندي مذهب الكوفيين فليتأمل المنصف وفرع المتأخر عن الشيء لابد من أن يكون متأخرا عن ذلك الشيء، ونحن على أن نراعي في إيراد النوعين حق الترتيب والله المستعان وعليه التكلان. النوع الأول وهو مشتمل على فصلين: أحدهما في هيئات المجرد من ذلك، والثاني في هيئات المزيد.؟؟؟؟؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 الفصل الأول هيئات المجرد اعلم أن الثلاثي المجرد من الأسماء بعد التزام تحريك الفاء، إما لامتناع سكونه عند بعض أصحابنا أو لأدائه على الكلفة عند آخرين وهو المختار. وأما امتناع الابتداء بالألف والواو والياء المدتين فلذواتها عندي لا لما بنى عليه مذهبه الإمام ابن جني رحمه الله: ودعوى امتناع الابتداء بالساكن فيما سواها حتما غير مدغم ومدغما ممنوعة، اللهم إلا إذا حكيت عن لسانك لكن ذلك غير مجد عليك وبعد ترك اللام للإعراب كان يحتمل اثنتي عشرة هيئة من جهة ضرب أحوال عينه الأربع، وهي السكون والحركات الثلاث في أحوال فائه الثلاث، وهي الحركات دون السكون لكن الجمع بين الكسر والضم لازم حيث كان ينبو الطبع عنه فأهمل وحمل في الدئل والوعل والرئم مضمومات فاء مكسورات عينا على كونه فرعا فيها مثله في ضرب لو سمي به مأخوذة هي من جملة زيد وأسامة، وفي الحبك بالعكس من الأول الثلاث على ما وراء الإمام ابن جنى رحمه الله: على تداخل لغتي حبك بكسرتين وحبك بضمتين فيه عادت الهيئات عشرا وهي كشح وكفل وكتف وعضد ورجل وضلع وأطل وبرد وصرد وطنب وكل واحدة منها فيما ذكرنا أصلية وفحوى الكلام تدلك بإذن الله تعالى عن قريب لكنها في غير ذلك قد يرد بعضها على البعض، أما في موضع تجتمع فيه كنحو رد فخذ وفخذ وفخذ مثلاً بفتح الفاء وكسرها مع سكون العين وبكسرهما معا على فخذ بفتح الفاء وكسر العين دون أن يكن أصولا لمكان الضبط مع عدم ما يمنع عنه وهو عدم مساواة بعضها البعض فيما تثبت له الأصالة والفرعية أو يحكم بالعكس من ذلك لمكان المناسبة وهي كون الأكثر وقوعا في الاستعمال أولى بالأصالة لا محالة وتقرير هذا ظاهر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ووجه آخر وان كان دونه في القوة وهو كون العذر في ترك ما يترك بعد تقرير تحققه على ما سواه أيسر منه إذا قلبت القضية مثله في ترك فخذ بفتح الفاء وكسر العين، وكذا كل فعل ثانيه حرف حلق على فعل بإبطال حركة العين للتخفيف أو فعل بنقلها على الفاء لذلك أيضا أو فعل بإتباع الفاء العين لتحصيل المشاكلة وكنحو رد كتب جمع كتاب بضم الفاء وسكون العين على كتب بضمتين للضبط أيضا والمناسبة من الوجهين والعلة في ترك الأصل الاستخفاف وكنحو رد قطب بضمتين على قطب بسكون العين للضبط ولأول وجهي المناسبة وان ذهب بك الوهم على شيء من إيراد الوجه الآخر معارضا فتذكر ضعفه والعلة في ترك الأصل طلب المشاكلة، وأما في غير موضع كنحو رد فعل في الجموع بكسر الفاء وسكون العين في الأجوف اليائي كبيض على فعل فيها بضم الفاء في غير ذلك كسود وزرق مثلا دون أن يؤخذ أصلين للضبط أو يعكس الحكم فيهما للمناسبة من وجهيها: أحدهما كون فعل بالضم في الجموع أكثر لوقوعها في الصحيح والأجوف الواوي، والثاني أن ترك الضم على الكسر مع الياء أقرب من ترك الكسر على الضم مع الراء مثلا ورد فعل فيها بضم الفاء وسكون العين في المضاعف كذب جمع ذباب والأجوف الواوي كعون على فعل فيها بضمتين فيما سوى ذلك ككتب وقذل للضبط والناسبة فاعتبرها، وأما الرباعي المجرد منها فهيئاته المتفق عليها خمس لعدم احتمالهن ما يحتمل سواهن من القدح في انخراطها في سلكهن أو بعدهن عن ذلك الاحتمال بعدا مكشوفا وهي جعفر وزبرج وجرشع وقلفع وحبجر وأبو الحسن الأخفش أثبت سادسة وهي جخدب بضم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الجيم وسكون الخاء وفتح الدال وهي عندي من القبول بمحل لمساواته جخدبا بضم الدال في الاعتبار فليتأمل وناهيك بوجوب قبولها إن لم ينكرها عليه من خلف في هذا المضمار الأولين والآخرين وهو شيخنا الحاتمي تغمده الله برضوانه، وأما نحو جندل وعلبط فبعدهما البعيد عن الاعتدال وهو توالي أربع حركات هو أول ما اقتضى الهرب عن أصالة هيئتهما وحملهما على جنادل وعلابط، وأما الخماسي المجرد فهيئاته المتفق عليها أربع وهي فرزدق وجحمرش وقرطعب وقذعمل. ؟؟؟ الفصل الثاني في هيئات المزيد وأما هيئات المزيد من الأبواب الثلاثة ففيها كثرة يورث حصرها سآمة فلنخص بالذكر منها عدة أمثلة لها مدخل في التفريع، والقانون في ذلك هو أن لا يكون المثال إلحاقيا وتفسير الإلحاق هو أن يزاد في الكلمة زيادة لتصير على هيئة أصلية لكلمة فوقها في عدد الحروف الأصول وتتصرف تصرفها والاستقراء المنضم على اعتبار المناسبات افترّ عن امتناع كون الألف للإلحاق حشوا والسرّ في ذلك هو أن الزيادة الإلحاقية جارية مجرى الحرف الأصلي والألف متى وقعت موقع الحرف الأصلي كباب وناب وقال ومال كانت في تقدير الحركة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ألبتة بدليل امتناع وقوعها حيث لا حركة كدعون ورمين ويدعون ويدعين ويرمين ونظائرها، فلو جوز كونها للإلحاق حشوا لاقتضى الرجوع على المهروب عنه في جندل وعلبط وأمر آخر وهو أن القيد الذي اعتبرنا وهو قولنا تتصرف تصرفها يمنع عن ذلك إذ يستحيل أن تصرف نحو كاهل وغلام تصرف الرباعي في التحقير والتكسير والألف ألف، والوجه هو الأول وجميع القيود المذكورة في تفسير الإلحاق متضمنة لفوائد جمة فلا تحرمها فكرك وإذ قد عرفت هذا فنقول من الأمثلة التي لها مدخل في التفريع أفعل بفتح الهمزة وسكون الفاء وضم العين جمعا نحو الأعصر، يفرع عليه أفعل فيها بنقل ضم العين على الفاء في المضاعف كالأشد وأفعل فيها أيضاً بإبدال ضم العين كسرة في المنقوص كالأظبى والأدلى للضبط والمناسبة. أما المضاعف فلأن الداعي معه على تسكين أحد المتجانسين وهو العين إذا قدرت متحركة في الأصل ليتوصل به على الإدغام المزيل عن اللفظ كلفة التكرار المستبشع أقرب حصولا منه مع غير المضاعف على تحريك العين إذا قدرت ساكنة في الأصل، وأما المنقوص فلأن الداعي معه على كسر العين إذا قدرت مضمومة ليتوصل به على قلب الواو في الأدلى ياء ويتخلص عن قلب الياء لو لم تكسر واواً في الأظبو مثلاً، ولن يخفى عليك فضل الياء على الواو في الخفة وهي في الجموع أولى بالطلب أقرب حصولاً منه مع غير المنقوص على ضم العين إذا قدرت مكسورة في الأصل وفعول بضم الفاء والعين كالعقود والقعود جمعاً وغير جمع يفرع عليه فعيل وفعيل بكسر العين مع ضم الفاء أو كسرها في المنقوص كحلى وعصى وعثى وعتى للضبط والمناسبة بقريب مما تقدم فانظر والجمع الذي بعد ألفه حرفان بكسر ما بعد الألف وفتح الصدر كدراهم يفرع عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 الذي ما بعد ألفه ساكن في المضاعف كدواب والذي ما بعد ألفه مفتوح مضموماً صدره أو مفتوحاً فيما آخره ألف كغيارى وحيارى لذلك أيضاً فتدبر وحم عند الضمة حول الندرة في أمثلة الجمع مع عدم لزومها مكانها لاستعمال الفتح بدلها هناك ولنقتصر وإلا فإن الشأو بطين وليس الري عن التشاف وستسمع من هذه الأبنية ما تقضي عنها الوطر. النوع الثاني وهو مشتمل على صنفين أحدهما في الأفعال والثاني في الأسماء المتصلة بها، أما الصنف الأول ففيه فصلان أحدهما في هيآت المجرد من ذلك، والثاني في هيآت المزيد. الفصل الأول في هيآت المجرد من الأفعال اعلم أن للثلاثي المجرد من الأفعال الماضية، وهو ما يكون مقترناً بزمان قبل زمانك هيآت، منها هذه الثلاث فتح الفاء واللام مع فتح العين نحو طلب أو كسرها نحو علم أو ضمها نحو شرف وتقبلها قوانين هذا الفن أصولاً ولا مانع وهي لبناء الفعل للفاعل، فإذا أريد بناؤها للمفعول كانت الهيئة حينئذ بضم الفاء وكسر العين نحو سعد، فهذه الهيئة وما سواها مما تسكن العين فيه مع فتح الفاء كنحو شد، وقال أو ضمها الخالص كنحو حب وقول وعصر في قوله: لو عصر منها البان والمسك انعصر أو المشم كسرة كنحو نعم وقيل، أو تكسر العين فيه مع كسر الفاء كنحو شهد أو تسكن لامه مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 فتح الفاء كنحو دعا أو ضمها كنحو بني في قوله بنت على الكرم لما فرعها الضبط والمناسبة على الأول الثلاث تارة بمرتبة واحدة فيما كان من ذلك مبنياً للفاعل وأخرى بمرتبتين فيما كان مبنياً للمفعول لا جرم عددنا الأصول تلك الأول لا غير المناسبة هي أن المبني للمفعول معلول المبني للفاعل معنى والمعلول متأخر عن علته فناسب رعاية هذا القدر في اللفظ وإن تعليل ترك الحركة حيث تترك أقرب من تعليل ترك السكون حيث يترك ألا تراك كيف ترى مواضع الترك في المثلين في شدد والمعتل في قول وبيع ودعو وبنى واجتماع الضم والكسر في عصر الحركة فيها كلها من الثقل على ما يحس به طبعك المستقيم فتجد التعليل لتركها على سبب الإدغام والإعلال والتخفيف وهو السكون تفادياً عن تضاعف الثقل اللازم لمراعاة الأصل فيها وهو التحريك على نحو ما سواها أقرب والعمل بالأقرب كما لا يخفى عليك أقرب، ونحن في باب الإعلال على ما عليه الإمام ابن جني من تسكين المعتل المستثقل حركته غير عارضة المتضاعف ثقله بتحريك ما قبله في هيئة كثيرة الدور حركة لا في حكم الساكن خالياً عن المانع ثم من إعلاله بعد القوة الداعي على الأول ولين عريكة الثاني لارتياضه بالأول ولا بد لك من أن تعلم أن الإعلال نوعان: أحدهما أصل وهو ما استجمع فيه القدر المذكور كنحو قول في أصل قال ودعو في أصل دعا دون قولك قول في المصدر بسكون المعتل، وأم نحو طائي وستعرف في الفصل الثالث من الكتاب أن الأصل طيء ونحو ياجل فلا اعتداد به أو قولك دعوا القوم لعروض حركته أو قولك عوض بكسر الفاء وفتح العين أو نوم بضم الفاء وفتح العين لقلة دور الهيئة أو قولك عور بمعنى أعور واجتوروا بمعنى تجاوروا لكون حركة ما قبل الواو في حكم السكون وسيوضح لك هذا خواص الأبنية أو قولك دعوا ورحياك وجواد وطويل وغيور لمانع فيه وهو أداء الإعلال على الاشتباه في مواضع لا تضبط كثرة ألا تراك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 لو أعللت لزم الحذف في دعوا ورحياك لامتناع قلب ألف الاثنين همزة ولرجعا على دعا ورحاك ولزم تحريك المد في الباقية همزة مكسورة على نحو رسائل وصحائف وعجائز لبعد حذف الأول مع أدائه على الالتباس بغير هيآتها أيضاً ولرجعت على جائد وطائل وغائر وكذا دون نحو لتخشين وستعرف السر في آخر الفصل الثالث من الكتاب وكذا دون قوى وطوى لمانع هنا أيضاً وهو عندي أداؤه في المضارع على العمل بما ترك ألبتة وهو رفع المعتل كيقاي ويطاي مثلا لامتناع السكون وهي العلة بعينها في الاحتراز عن أن يقال قويا لإدغام ههنا وارعوا في باب أفعل وكذا في استضعاف حي مع الاستغناء بيحيى عن يحيى، وعند أصحابنا رحمهم الله ما يذكر في نحو النوى والهوى من الجمع بين إعلالين ولا تنافي بين هذا وبين الأول وكذا دون العور والحول لمانع هنا أيضا وهو الإخلال بما يجب من ترك الإعلال اتباعا للمصدر الفعل والقول فيه على مذهب الكوفيين واضح وكذا دون الحيوان والجولان لمانع وهو نقض الغرض فيما أريد بتوالي حركاته من التنبيه على الحركة والاضطراب في مسماه والاستقراء يحققه والموتان من حمل النقيض على النقيض وأنه باب واسع، وله مناسبة وهي أن النقيضين غالبا يتلازمان في الخطور بالبال والشاهد له تلازم الوجدان وسيوقفك على سبب تلازمهما في ذلك علم المعاني فيشتركان فيه والخطور المعين إن لم يسلم كونه علة في الوضع المعين فلا بد من أن يسلم توقف تأثير علة ذلك الوضع عليه بدليل امتناع وقوع الوضع بدون خطور البال فيكون الخطور المعين علة لعلية تلك العلة بدليل دورانها معه وجودا وعدما فيلزم من وجود ذلك الخطور وجود معلوله لامتناع انفكاك العلة التامة عن معلولها ومعلوله علية تلك العلة وعلية الشيء وصف له وتحقق وصف الشيء المعين يستحيل بدون تحقق ذلك الشيء فيلزم من وجود ذلك الخطور المعين وجود تلك العلة المعينة فيلزم من مشاركة النقيض النقيض في الخطور مشاركته إياه، إما في علة الوضع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 أو علة علة الوضع، وعلى الاحتمالين يلزم مشاركته إياه في الوضع هذا ما يليق بهذا الأصل من التقرير ولنرجع على المقصود ونظير الحيوان والجولان والصورى وأخواتها وكذا دون نحو القود والحركة لمانع أيضا وهو آخر الوجوه وأنه قريب مما تقدم وهو نقض الغرض فيما أريد به من التنبيه على الأصل وفي مساق الحديث في هذا الفصل ما يدل على قول أصحابنا من أن الفعل أصل في الإعلال فتنبه. والنوع الثاني من الإعلال فرع على ما تقدم وهو أن يعل وإن فات شيء من المذكور كفوات تحرك ما قبل المعتل وهو الغالب على هذا النوع أو فوات ما بعد المعتل غير مدة لتفرعه على ما هو أصل في الإعلال وهو الثلاثي من الأفعال المجرد صورة ومعنى نحو قال وباع دون أقال ونحو عور وذلك نحو يخاف وأقام واستقام ومقام بالفتح ومقام بالضم أعلت مع فوات حركة ما قبل المعتل إذ الأصل فيها يخوف وأقوم واستقوم ومقوم ومقوم بسكون ما قبل المعتل كما يظهر لك بإذن الله دون أعين وأدور وأخونه وأعينة وكذا دون نحو أبيض وأسود وما انخرط في سلكها لتفرع الأول على الأسماء والثاني على باب أفعال وتمام الحديث ينبهك على شأنه، وهذا أعني التفرع على الفعل الثابت القدم في الإعلال هو الأصل عندي في دفع ماله مدخل في المنع عنه كسكون ما قبل المعتل من يخاف وأخواته اللهم إلا إذا كان المانع اكتناف الساكنين المعتل كما في نحو أعوار وأعور أيضا وفي تقوال وتسيار وتبيان وتقويم وتعيين ومعوان ومشياط ومخيط أيضا فبابه منقوص عن مفعال وهو مذهب الخليل ونحن عليه وقوال أيضا وبياع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 فإنه يحتاج في دفعه على زيادة قوة في الدافع ككون الإعلال في أصول المكتنف نظير الإقامة والاستقامة فستعرف أن الأصل إقوامة واستقوامة والمقول والمبيع من قيل وبيع ومتوارثاً أو كون التصحيح مستثقلا بين الاستثقال كما لو قيل مقوول ومبيوع أو كان المانع امتناع ما قبل المعتل عن التحريك كالألف في قاول وبايع وتقاولوا وتبايعوا فإنه يحتاج في دفعه أيضا على تقوية الدافع كنحو ما وجدت في باب قاول وبايع اسمي فاعلين من قال وباع حتى أعلا فلزم اجتماع ألفين فعدل على همزة وهي تحصيل الفرق بينهما وبين عاور وصايد مثلا اسمي فاعلين من عور وصيد وهذا المعنى قد يلتبس بمعنى التفرع فيعدان شيئاً واحداً فليتأمل أو كان المانع تحصن ما قبل المعتل بالإدغام عن التحريك كنحو ما في جوز وأيد وتجوز وتأيد وقوال وبياع أيضا فلا مدفع له وكذا إذا كان المانع المحافظة على الصورة الإلحاقية كجدول وخروع وعليب أيضا على قول أبي الحسن في جخدب بفتح الدال أو التنبيه على الأصل كما في بابي ما أقوله وهو أقول منه ونحو أغيلت المرأة واستحوذ، وهذا فصل كلام أصحابنا فيه مبسوط وسيحمد الماهر في هذا الفن ما أوردت وبالله الحول وللمتقدم الفضل. ولمضارعه ويدعى غابرا ومستقبلا، وهو ما يعتقب في أوله الزوائد الأربع، وهي الهمزة والنون والتاء والياء مقترنا بزمان الحال أو الاستقبال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 عدة هيآت والأصول منها بشهادة ما يستشهد في هذا الفن، وقد نبهت عليه غير مرة ثلاث يفعل ويفعل ويفعل بفتح الزوائد وسكون الفاء، والعين إما مكسورة نحو يعرف أو مضمومة نحو يشرف أو مفتوحة نحو يفخر، وأما اللام منه فهو متروك للإعراب نظير لام الاسم وهي للبناء للفاعل. وأما ما يضم زائده مسكن الفاء مفتوح العين بناء للمفعول كيطلب وغير ذلك مما يقع في المضاعف والمعتل كنحو يشد ويقول ويفر ويبيع ويعض وينام ويمد ويرد، فلا يخفى عليك فرعيتها. وأما الرباعي المجرد فلماضيه في البناء للفاعل هيئة واحدة ليس إلا وهي فعلل نحو دحرج العين ساكنة وما عداها مفتوح ومضارعه يفعلل بضم الزائد وفتح الفاء وسكون العين وكسر اللام الأولى. وأما البناء للمفعول فيضم الفاء ويكسر اللام الأولى في الماضي ويفتح المكسور في المضارع ولا خماسي للأفعال. عل. وأما ما يضم زائده مسكن الفاء مفتوح العين بناء للمفعول كيطلب وغير ذلك مما يقع في المضاعف والمعتل كنحو يشد ويقول ويفر ويبيع ويعض وينام ويمد ويرد، فلا يخفى عليك فرعيتها. وأما الرباعي المجرد فلماضيه في البناء للفاعل هيئة واحدة ليس إلا وهي فعلل نحو دحرج العين ساكنة وما عداها مفتوح ومضارعه يفعلل بضم الزائد وفتح الفاء وسكون العين وكسر اللام الأولى. وأما البناء للمفعول فيضم الفاء ويكسر اللام الأولى في الماضي ويفتح المكسور في المضارع ولا خماسي للأفعال. الفصل الثاني في هيئات المزيد من الأفعال أما المزيد في البابين فنحن نذكر من هيئاته الأصلية ليستعان بها في ذكر بعض الأسماء المتصلة بها دون الفرعية، إذ قلت الفائدة في ذكرها حيث عرفت ما كان المقصود من ذلك ما خلا المبني للمفعول فهو مفتقر إليه وهي أعنى الهيآت الأصلية المستوجبة للتعداد بجملتها إذا تعرضت للزيادة ومواقعها فهن على ما استقر عليه آراء الجمهور من مهارة هذا الفن إحدى وعشرون ست إلحاقيات، وهي فعلل مثل جلبب وفعيل مثل بيطر وفيعل مثل شريف وفوعل مثل جورب وفعول مثل دهور وفعلى مثل سلقى، وأما نحو تجلبب وأخواته واسحكنكك واسلنقى فان اعتبرته ازداد العدد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 ومصداق الإلحاق في الأفعال اتحاد مصدري الملحق والملحق به بعد الاتحاد في سائر التصرفات وهو السر في أن لم يذكر المضارع والمبني للمفعول ههنا لذكرنا ذلك مع الملحق به والباقية عن الإلحاق بمعزل. إحداها أفعل يفعل بسكون الفاء وفتح البواقي في الماضي وضم الزائد وسكون الفاء وكسر العين في المضارع في البناء للفاعل، وفي البناء للمفعول أفعل يفعل بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع مضموما الصدر منهما ساكنا الفاء ولتبعية الاستقراء حروف الماضي في المضارع غير همزة الوصل ونعني بها أن تكون الهمزة ساكنة. الثاني تثبت في الابتداء وتسقط في الدرج حتما إلا فيما لا اعتداد به، وكل همزة تراها في أول الأبنية الواردة عليك غير مفتوحة كذلك وغير الواو التي هي أخت الضمة إذا توسطت بين ياء أخت الكسرة وبين كسرة نحو يعد لوجوب حذف الأولى وهي همزة الوصل لما عرفت وللزوم تضاعف الثقل ثبوت الثانية وهي الواو بين ياء وكسرة وهو اجتماع الضم والكسر يمينا وشمالاً ضربة لازب ويضع وأخواته قدر فيها الكسر لثبوت حذف الواو بالنقل واستدعاء حذفها الكسر بالمناسبة، قلنا قياس مضارع أفعل يؤفعل بإثبات الهمزة، وقد ورد به الاستعمال في بعض المواضع صريحا. قال فإنه أهل لأن يؤكرما وقريبا من الصريح في قولهم يوعد بإثبات الواو وعللنا الحذف بلزوم الثقل ثبوتها في الحكاية. الثانية فعل بفتح الفاء والعين مشددة ويفعل بضم حرف المضارعة وفتح الفاء وكسر العين المشددة في البناء للفاعل، وأما للمفعول ففعل بضم الفاء وكسر العين المشددة ويفعل بفتح ما كان مكسورا. الثالثة فاعل بفتح العين ويفاعل بضم حرف المضارعة وكسر العين في البناء للفاعل وللمفعول فوعل بضم الفاء وانقلاب الألف واوا مدة وكسر العين ويفاعل بضم حرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 المضارعة وفتح العين. الرابعة تفعل يتفعل بفتح الحروف والعين مشددة في البناء للفاعل وللمفعول تفعل بضم التاء والفاء وكسر العين يتفعل بضم حرف المضارعة وفتح البواقي. الخامسة تفاعل يتفاعل بفتح الحروف في البناء للفاعل وللمفعول تفوعل بضم التاء والفاء وانقلاب الألف واوا مدة وكسر العين يتفاعل بضم حرف المضارعة وفتح البواقي. السادسة انفعل بسكون النون بعد همزة مكسورة وفتح البواقي ينفعل بسكون النون وفتح ما يكتنفانه وكسر العين في البناء للفاعل وللمفعول انفعل بضم الهمزة والفاء وسكون النون وكسر العين ينفعل بضم حرف المضارعة وسكون النون وفتح ما بقي. السابعة افتعل يفتعل وافتعل يفتعل على نحو الهيئة السابقة حركة وسكونا وفي البناءين. الثامنة استفعل بسكون الفاء والسين بعد همزة مكسورة وفتح ماعدا ذلك يستفعل بسكون السين والفاء وكسر العين وفتح ما سوى ذلك في البناء للفاعل وللمفعول استفعل بضم ما يكتنفان السين وكسر العين يستفعل بضم حرف المضارعة وفتح ما كان مكسورا. التاسعة افعوعل يفعوعل وافعوعل يفعوعل على نحو الهيئة الثامنة سواء بسواء في البناءين. العاشرة افعول يفعول وافعول يفعول كذلك. الحادية عشرة افعال بسكون الفاء بعد همزة مكسورة وتثقيل اللام بعد ألف يفعال بوضع حرف المضارعة مفتوحا موضع الهمزة وتبقية الباقي بحاله في البناء للفاعل وللمفعول افعوعل بضم الهمزة وقلب الألف واوا مدة يفعال بضم ما كان مفتوحا منه. الثانية عشرة افعل يفعل وأفعل يفعل بحذف المدة فحسب هذه هيئات مزيد الثلاثي وما بقي فهيئات مزيد الرباعي وهي ثلاث. الأولى تفعلل يتفعلل نحو تدحرج يتدحرج بسكون العين وفتح الباقي في البناء للفاعل وللمفعول تفعلل بضم التاء والفاء وسكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 العين وكسر اللام الأولى يتفعلل بضم ما كان مفتوحا منه وهو حرف المضارعة، ويجوز حذف التاء من هذا الباب ومن بابي تفاعل وتفعل في المبني للفاعل عند دخول تاء المضارعة. الثانية افعنلل نحو احرنجم يفعنلل وافعنلل يفعنلل على نحو هيئة استفعل يستفعل واستفعل يستفعل في البناءين. الثالثة افعلل نحو اقشعر بسكون الفاء بعد همزة مكسورة وفتح البواقي مع تثقيل الآخر يفعلل نحو يقشعر بوضع حرف المضارعة مفتوحا موضع الهمزة وجعل ما قبل الآخر مكسورا في البناء للفاعل وللمفعول وافعلل بضم ما يكتنفان الفاء وكسر ما قبل الآخر يفعلل بجعل حرف المضارعة مضموما وفتح ما كان مكسورا ويسمى المبنى للمفعول مجهولا. وأعلم أن القياس في افعالّ نحو احمارّ، وفي افعلل نحو اقشعر قاض بأن الأصل افعالل بفك الإدغام نحو احمادد وافعللل نحو اقشعرر لوجوه أقر بها ههنا وجود النظائر وهي افعول وافعوعل وافعنلل، وفي افعل أيضا بأن أصله افعلل وفي كونه منقوص افعال، وقولهم ارعوى رائحة من ذلك فلتشم ولحكم هذا القياس فائدة تظهر في آخر الكتاب بإذن الله تعالى وههنا أشياء استقرائية يستدعيها هذا الموضع فلنضمنها إياه وهي أن الماضي المضموم العين نحو شرف بابه لا يكون إلا لازما لم يأت فيه متعد إلا قولهم رحبتك الدار وأنه في التقدير رحبت بك وهو أحد أبنية التعجب واللازم هو ما اقتصر على الفاعل والمتعدي ما يتجاوزه وهذا الباب يسميه أصحابنا بأفعال الطبائع ولا يكون مضارعه إلا مضموم العين والماضي المكسور العين يكثر فيه الأعراض من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 العلل والأحزان وأضدادها ولا يضم العين من مضارعه ألبتة لكن في الأغلب تفتح في الصحيح وتكثر في المثال والماضي المفتوح العين إذا لم يكن عينه أو لامه حرفا حلقيا، ولا يعتبر الألف ههنا لكونها منقلبة لا محالة من إحدى أختيها لا يكون مضارعه مفتوح العين ولتوقف انفتاح ما نحن فيه على ما نبهت عليه من الشرط حمل أصحابنا فعل يفعل بالفتح فيهما على الفرعية وجعلواً الأصل الكسر لمناسبات تآخذت كحذف الواو في نحو يضع وأمثال ذلك فتأملها وما قد يأتيك بخلاف ما قرع سمعك كنحو فضل بكسر العين ويفضل بضمها وكنحو ركن يركن بالفتح فيهما وغير ذلك فعلى التداخل ولا يبعد عندي حمل أبى يأبى بالفتح فيهما لعدم نظائره على التداخل بواسطة طريق الاستغناء وهو ترك شيء لوجود آخر مكانه مثل ماضي يذر لمكان ترك وأن أفعل الغالب عليه التعدية، وهي أعني التعدية بالهمزة قياس في باب التعجب يؤخذ الفعل فينقل على باب افعال الطبائع تحصيلا للمبالغة، وينبه على هذا النقل إيجابهم فيما يشتق منه أن يكون على ثلاثة أحرف، وأن لا يكون فيه لون ولا عيب لانجذاب ذلك على المزيد، وهو باب أفعال، وأنه لا يكون مبنيا للمفعول لامتناع فعل الغير طبيعة لك، ثم بعد ذلك يعدى بالهمزة، ويقال ما أكرم على معنى شيء جعله كريما وأكرم بزيد على معنى اجعله كريما أي اعتقد كرمه والباء زائدة جارية هذه الصورة مجرى المثل ممتنعة لذلك عن أن يقال أكرما أكرموا وأكرمي أكرمن، وسيطلعك علم البيان على وجه امتناع الأمثال عن التغير ويكون للتعريض للأمر نحو أباع الجارية أي عرضها للبيع وقريب من ذلك أقبره وللسلب نحو أشكاه أي أزال شكايته ولوجود الشيء على صفة نحو أجبنه أي وجده جبانا، ولصيرورة الشيء ذا كذا نحو أجرب أي صار ذا جرب وقريب منه أحصد الزرع وللزيادة في المعنى نحو بكر وأبكر وشغلته وأشغلته وسقيته وأسقيته وأن فعل الغالب عليه التكثير نحو قطع الثياب وغلق الأبواب وجوّل وطوّف ونحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 ميز وزيل أيضا، ويكون للتعزية نحو فرحه ومن ذلك فسقه والسلب نحو جلد البعير، وأن فاعل يكون من الجانبين ضمنا نحو شارك زيد عمراً وهو الغالب عليه ثم يكون بمعنى فعل نحو سافرت وطارقت النعل، وأن تفعل يكون لمطاوعة فعل نحو كسره فتكسر وللتكليف نحو تشجع وللعمل بعد العمل في مهملة نحو تفهم وللاتخاذ نحو توسد وللاحتراز نحو تأثم وللطلب نحو تكبر أي استكبر، وأن تفاعل يكون من الجانبين صريحا نحو تشاركا ولأظهارك من نفسك ما ليس لك نحو تجاهلت وبمعنى فعل نحو تباعد أي بعد وأن انفعل بابه لازم ولا يقع إلا حيث يكون علاج وتأثير وهو الذي حملهم على أن قالوا انعدم خطأ، وأن افتعل للمطاوعة نحو غمه فاغتمّ وللاتخاذ نحو استوى وبمعنى التفاعل نحو اجتوروا وبمعنى فعل نحو اكتسب وأن استفعل يكون للسؤال إما صريحا نحو استكتب أو تقديرا نحو استقر زيد كأنه سأل بذلك نفسه وكذلك استحجر الطين كأنه سأل ذلك نفسه وكذلك استسمنت الشاة كأني سألت ذلك بصري إلا أنه التزم حذف المفعول مثله في نحو عدل في القضية، والأصل عدل الحكم فيها أي سواه وأمثال له هذا ما عندي فيه ويظهر من هذا أن النقل على الاستفعال نظير النقل على الإفعال والتفعيل في الكون من أسباب التعدية وأن افعوعل للمبالغة ولا يكون إلا لازما وأن افعول الغالب عليه اللزوم وأن افعال وافعل للألوان والعيوب ولا يكونان إلا لازمين ويدلان على المبالغة وكذا كل فعل مزيد عليه إن جاءك بمعنى فعل، وأن تفعلل يكون مطاوع فعل نحو تدحرج وقد يكون لغير ذلك وافعنلل وافعلل لا يكونان إلا لازمين. منت الشاة كأني سألت ذلك بصري إلا أنه التزم حذف المفعول مثله في نحو عدل في القضية، والأصل عدل الحكم فيها أي سواه وأمثال له هذا ما عندي فيه ويظهر من هذا أن النقل على الاستفعال نظير النقل على الإفعال والتفعيل في الكون من أسباب التعدية وأن افعوعل للمبالغة ولا يكون إلا لازما وأن افعول الغالب عليه اللزوم وأن افعال وافعل للألوان والعيوب ولا يكونان إلا لازمين ويدلان على المبالغة وكذا كل فعل مزيد عليه إن جاءك بمعنى فعل، وأن تفعلل يكون مطاوع فعل نحو تدحرج وقد يكون لغير ذلك وافعنلل وافعلل لا يكونان إلا لازمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 الصنف الثاني في هيئات الأسماء المتصلة بالأفعال وهو مشتمل على ثمانية فصول. الفصل الأول في هيئات المصادر اعلم أن هيئات المصادر في المجرد من الثلاثية كثيرة غير مضبوطة ولكن الغالب على مصدر المفتوح العين إذا كان لازما فعول نحو الركوع والسجود وعلى المكسور العين إذا كان كذلك فعل بفتح الفاء والعين وعلى مصدرها إذا كانا متعديين فعل بفتح الفاء وسكون العين، والغالب على مصدر المضموم العين فعالة نحو الأصالة ومصدر مجرد الرباعي يجيء على فعللة نحو الدحرجة وفعلال بكسر الفاء نحو الدحراج في غير المضاعف وفي المضاعف به وبالفتح نحو القلقال والقلقال ومصدر أفعل افعال بسكون الفاء بعد همزة مكسورة وثبوت العين من بعدها ألف هذا إذا لم يكن أجوف فإذا كان فعلى إفالة تعل العين لما عرفت فتلاقى الألف فيجتمع ساكنان فتحذف ومصدر فعل تفعيل وتفعلة وقد جاء على فعال بكسر الفاء وتثقيل العين ومصدر فاعل مفاعلة وفعال وقد جاء فيعال بإشباع كسرة الفاء ومصدر تفعل تفعل وقد جاء تفعال بكسر التاء والفاء وتثقيل العين ومصدر تفاعل تفاعل ومصدر انفعل وافتعل انفعال وافتعال ومصدر استفعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 استفعال في غير الأجوف وفيه استفالة فتنبه ومصدر افعوعل وافعول افعيعال وافعوال ومصدر إفعال وافعل افعيلال وافعلال ومصدر تفعلل تفعلل ومصدر افعنلل وافعلل افعنلال وافعلال وكل همزة تراها في أوائل هذه المصادر إلا مصدر افعل للوصل ولا مدخل لها من الأسماء إلا في هذه وفي عشرة سواها وهي: اسم واست وابن وابنم واثنان واثنتان وامرؤ وامرأة وايم الله وايمن الله وإذا أريدت المرة بالمصدر صيغ على فعلة بفتح الفاء وسكون العين كما يصاغ على فعلة بكسر الفاء إذا أريدت الحالة قياسا متلئبا في مجرد الثلاثي وفي ما سوى المجرد يؤنث المصدر بالتاء إن لم يكن مؤنثا نحو إكرامة ودحراجة وإلا وصف نحو إقامة واحدة ودحرجة واحدة وما يوجد في المصادر على زنة التفعال كالتجوال والفعيلى كالقتيتى فللمبالغة وتكثير الفعل واستعمال اسم المفعول في غير الثلاثي المجرد استعمال المصدر كثير مستفيض. الفصل الثاني في اسم الفاعل اسم الفاعل من الثلاثي المجرد يأتي على فاعل كضارب وكثيراً ما ينقل على فعال كضراب وفعول كضروب ومفعال كمضراب للدلالة على المبالغة وتكثير الفعل وفي ما سواه يوضع الميم مضموما موضع حرف المضارعة من الغابر المبني للفاعل ولا يغير من البناء شيء إلا في ثلاثة أبواب يتفعل ويتفاعل ويتفعلل فإن ما قبل الآخر يكسر فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 الفصل الثالث في اسم المفعول واسم المفعول في الثلاثي المجرد يأتي على مفعول كمضروب إلا في الأجوف فإنه يعلو لما عرفت فيلتقي ساكنان فيحذف الزائد منهما. سيبويه رحمه الله ولا يصنع غير ذلك في الواوي فمقول عنده مفعل بالضم وفي الياء يبدل من الضمة كسرة ليسلم الياء فمبيع عنده مفعل بالكسر وأبو الحسن يحذف الأصل ويبدل من الضمة كسرة ليقلب واو مفعول ياء تنبيها على أنه يائي، ولكل واحد مناسبات لا تخفى على من يتقن كتابنا هذا والرجحان للسببية، وفي غير الثلاثي المجرد يجعل صدر الغابر المجهول ميما فقط، وهما: أعني أسمي الفاعل والمفعول الجاريين على الغابر يدلان على الحدوث، والله أعلم. الفصل الرابع في الصفة المشبهة والصفة المشبهة تخص الثلاثيات المجردة، وهي كل صفة اشتقت منها غير اسمي الفاعل والمفعول على أية هيئة كانت بعد أن تجري عليها التثنية والجمع والتأنيث ككريم وحسن وسمح ونظائرها وهي تدل على الثبوت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 الفصل الخامس وأفعل التفضيل يخص الثلاثيات المجردة الخالية عن الألوان والعيوب المبنية للفاعل نظير فعلى التعجب وله معنيان: أحدهما إثبات زيادة الفضل للموصوف على غيره والثاني إثبات كل الفضل له. الفصل السادس واسم الزمان من الثلاثي المجرد على مفعل بسكون الفاء وفتح الباقي في المنقوص ألبتة وبكسر العين منه في المثال وفي غيره أيضا إن كان من باب يضرب وإلا فتحت وفي غير الثلاثي المجرد على لفظ اسم المفعول منه لا فرق. الفصل السابع واسم المكان كاسم الزمان وقد جاء على مفعلة قالوا مسبعة ومأسدة ومذأبة ومحياة ومفعاة للأرض المستنكرة هذه الأجناس. الفصل الثامن واسم الآلة يخص الثلاثي كالصفة المشبهة ويأتي على مفعال ومفعلة ومفعل بكسر الميم وسكون الفاء كالمفتاح والمكسحة والمسعر، وعندي أن مفعالاً هو الأصل وما سواه منقوص منه بعوض وبغير عوض كما أشير إليه فيما مضى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 ولنختم الكلام في استقراء الهيئات على هذا القدر مقتصرين على ما كشف التأمل عنه الغطاء من أن مجاري التغيير الظاهرة هي هذه الستة: أحدها حيث تكثر الحركات متوالية. الثاني حيث يجتمع الكسر والضم. الثالث حيث يتوالى الضمات والكسرات. الرابع حيث يجتمع حرفان مثلان. الخامس حيث يوجد اعتلال. السادس حيث يتفق كثرة استعمال فوق المعتاد هذه إذا انضم منها بعض على بعض أو اكتسى لزوما كان المرجع في أصالة الهيئة هو ما عرا عن ذلك من بابه. ولنبدأ ب الفصل الثالث من الكتاب حامدين الله تعالى ومصلين على النبي محمد وآله وسلم. الفصل الثالث في بيان كون هذا العلم كافيا لما علق به من الغرض وهو الاحتراز عن الخطأ في التصرفات التي لها مدخل في القياس جارية على الكلم إما مفردة كإمالتها وتفخيمها وتخفيف همزاتها واعتبار ترخيمها وبعض تكسيراتها وتحقيرها وكتثنيتها أيضاً وجمعي تصحيحها ونسبتها أو في حكم المفردة كإضافتها على النفس في نحو علمي واشتقاق ما يشتق من الأفعال وتصريف الأفعال مع الضمائر ونوني التوكيد أيضا وإجراء الوقف على ما يراد به ذلك ونحن على أن نتكلم في هذا الفصل في ثلاثة عشر نوعاً النوع الأول الإمالة وهي أن تكسي الفتحة كسرة فتخرج بين بين قولك صغر بإمالة الغين فإذا كانت بعدها ألف مالت على الياء كقولك عماد بألف ممالة، ولها أسباب، وهي أربعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 أن يكون حرف الفتحة ياء نحو سيال أوجاراً للياء على نحو شيبان أو للكسر على نحو عماد وشملال وعالم وأما على نحو شملال مثلاً أو شملال بفتح الميم أو تشديدها فلا ولا ينقض ما ذكرنا بقولهم يريد أن ينزعها وله درهمان ممالين لشذوذهما مع عدم الاعتداد بالهاء لخفائها أو لألف هي منقلبة إما عن ياء نحو ناب ورمى، إما عن مكسور نحو خاف أوهى تقلب ياء نحو دعا وملهى لقولك دعي وملهيان في المجهول والتثنية أو هي ممالة كنحو أن تقول عماداً بإمالة فتحة الدال، وقد تكون الإمالة للمشاكلة نحو ضحاها من أجل مشاكلة تلاها وأخواتها والألف المنفصلة كنحو التي في مثل عمادا في هذا الباب نظيرة المتصلة والكسرة العارضة كنحو التي في من سماحك والمقدرة كنحو التي في مثل جاد وجواد ومثل ماش في الوقف على الماشي نظيرة الأصلية والصريحة والفتحة تمنع عن الإمالة متى كان حرفها مستعلياً نحو قالع أو جارا للمستعلي على نحو عاقل أو عالق أو معاليق، وأما على نحو ضعاف وأضعاف بأن يكون المستعلي مكسورا قبل الفتحة أو ساكناً فلا عند الأكثر والراء غير المكسورة في باب المنع عن الإمالة كالمستعلي، وأما المكسورة فلا منع عندها وللإمالة شرط وهو أن لا تكون الكلمة اسماً غير مستقل كإذا أو حرفاً إلا ثلاثة يا في النداء وبلا ولا في إما لا. النوع الثاني التفخيم وهو أن تكسو الفتحة ضمة فتخرج بين بين إذا كانت بعدها ألف منقلبة عن الواو لتميل تلك الألف على الأصل كقولك الصلاة الزكاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 النوع الثالث تخفيف الهمزة وله ثلاثة أوجه الإبدال وقد تقدم، والحذف وهو أن تكون متحركة وما قبلها بعد سكونه حرفا صحيحا أو ياء أو واوا أصليتين أو مزيدتين لمعنى فتلقى حركتها عليه، وتحذف كنحو يسل والخطب، وكذا من بوك ومن بلك ونحو حيل وحوبة ونحو أبو أيوب وذورش وأطيعي مره وقاضو بيك، وقد التزم ذلك في باب يرى وأرى يرى وأن تجعل بين بين وذلك إذا حركت متحركا ما قبلها في غير مواقع الإبدال المستمر كنحو سال وسئم ولؤم وأئمة وأأنت وكثير ما توسط ألف بين الهمزتين في نحو هذه الصورة ثم تخفف الهمزة بين بين أو تحقق. النوع الرابع اعتبار الترخيم وهو النظر في كمية المحذوف في هذا الباب وكيفية إجراء المحذوف عنه بعد الحذف والأصل فيه هو أنه إحداث حذف في آخر الاسم على الوجه المناسب من غير ارتكاب فيه لخلاف أصل فيقتضي هذا أن لا تزيد في الحذف على الواحد في نحو عامر وطلحة لئلا يقع في الوسط وأن لا تقتصر على الواحد في نحو صحراء وسكران وطائفي ومسلمان ومسلمون مما يوجد في آخره زيادتان تزادان معا فتجريان مجرى الآخر له إذا أفضت النوبة على الحذف فتحذف إحداهما وتترك الأخرى فيقول لك صنيعك تقدم رجلا وتؤخر أخرى ولا في نحو عمار ومسكين ومنصور فتغلب الأقوى وهو الصحيح الأصلي المتحرك وتعجز عن الأضعف فيقول لك الحال صلت على الأسد وبلت عن النقد فيقع الحذف لا على الوجه المناسب وأن لا تجترئ على نحو قرار ومكين فيما قبل المدة فيه حرفان فقط فتفعل به ما فعلت بعمار ومسكين فتخرج به على خلاف أصل وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 صوغه على أقل من ثلاثة وأن لا تجبن عن حذف التاء من نحو ثبة على مذهب سيبويه رحمه الله في هذا الباب لأن من قرنه بتاء التأنيث هو الذي خرج به عن الأصل لأن تاء التأنيث مع الكلمة بمنزلة كلمة مع كلمة فلست تصنع بحذف التاء شيئاً مما تخطر ببالك وأن تقول في نحو ثمود وهراوة وحياة ومطواء وقاض وأعلون إذا لم تقدر المحذوف ثابتا ثمى وهراوة وحي ومطا وقاض وأعلى وان لا تتوقف في حذف آخر جزء المركب بكماله وأنت تحذف نظيره وهو تاء التأنيث. النوع الخامس التكسير وهو نقل الاسم عن دلالته على واحد بتغيير ظاهرا أو تقديرا غير تغيير مسلمون ومسلمين ومسلمات على الدلالة على أكثر من اثنين فمتى قلنا في اسم إنه مكسر فقد ادعينا هناك ثلاثة أشياء الجمعية لفظا ومعنى والنقل والتغيير وإثبات الأول بامتناع وصفه بالمفرد المذكر وبهذا يفارق اسم الجمع وإثبات النقل في نحو الأهالي وأراهط وأعاريض من جموع لا تستعمل مفرداتها وتقدير التغيير في نحو فلك وفلك وهجان وهجان فيما يلتبس فيه الجمع بالمفرد على تلفيق مناسبات نبهت على أمثالها غير مرة. واعلم أن التكسير صنفان صنف لا يختلف قبيله فيه وهو المقصود ها هنا وصنف يختلف وذكره استطراد والصنف الأول ينقسم على مستكره وغير مستكره ولهما مثال واحد وهو مثال فعالل ومتى قلت مثال كذا فلا أعني بالفاء والعين واللام هناك غير العدد وتفسير المستكره فيما نحن فيه وذكر مواقعه وكيفية اقتضائه فيها عين تفسيره ومواقعه وكيفية اقتضائه في التحقير فنذكرها هناك بإذن الله تعالى وغير المستكره تكسير الرباعي اسما كان أو صفة مجردا من تاء التأنيث أو غير مجرد والثلاثي الذي فيه زيادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 للإلحاق بالرباعي أو لغير الإلحاق وليست بمدة اسما غير صفة تقول ثعالب وسلاهب ودساكر وشهابر وجداول وأجادل، وكذا تكسير المنسوب والأعجمي من ذلك على ما يكسران عليه وهو مثال فعاللة كالأشاعثة والجواربة هذا هو القياس وأما بدون التاء فيشذ، وكذا تكسير فاعلة أو فاعلاء اسمين على ما تكسران عليه وهو فواعل ككواثب وقواصع. والصنف الثاني: ينقسم على سبعة أقسام إما أن يختلف على مثالين أو على ثلاثة أو أربعة أو ستة أو تسعة أو عشرة في الغالب أو أحد عشر. أما القسم الأول: فستة أضرب أولها فعل فعال بكسر الفاء وفتح العين غير مشبع ومشبعاً لما لحقه التاء من الثلاثي المجرد وهو وصف كعلج وكماش في علجة وكمشة. وثانيها فعل فعائل لما كان اسماً ثلاثياً مؤنثاً بالتاء فيه زيادة ثالثة مدة نحو صحف ورسائل في صحيفة ورسالة. وثالثها فعل فواعل لمؤنث فاعل وهو صفة نحو نوم وحيض وضوارب وحوائض في نائمة وضاربة وحائض. ورابعها فعال فععلى للاسم مما في آخره ألف تأنيث رابعة مقصورة أو ممدودة نحو إناث وصحارى في أنثى وصحراء ولفعلان صفة نحو غضاب وسكارى وقد حولت فععلى بفتح الفاء على فععلى بضمها في خمسة كسعلى وعجعلى وسكارى وغيارى وأسارى أيضا عندي على أنه متروك المفرد كأباطيل وأخواته. وخامسها فعال ومثال فعاليل للثلاثي فيه زيادة للإلحاق بالرباعي أو لغير الإلحاق وليست بمدة إذا لحق ذلك حرف لين رابع وكذا للرباعي إذا لحقه هذا وكذا للمجرد من الثلاثي فيه ياء النسب كسراح وقراويح وسراحين وسراديح وكراسي في سرحان وقرواح وسرداح وكرسي. وسادسها فعلى فعلاء ولكن فعلاء قليلة لفعيل بمعنى مفعول كقتلى وأسراء. والقسم الثاني أربعة أضرب: أولها فعل أفاعل فعلان لأفعل صفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 نحو حمر وحمران والأكابر في أحمر والأكبر. وثانيها فعال افعال أفعلاء لفعيل نحو جياد وأموات وأبيناء في جيد وميت وبين. وثالثها فعال فعائل فعلاء لمؤنث صفة ثلاثية فيها زيادة ثالثة مدة نحو صباح وعجائز وخلفاء في صبيحة وعجوز وخليفة. ورابعها فواعل فعلان فعلان لفاعل اسماً نحو كواهل وجنان وحجران في كاهل وجان وحاجر لمستنقع الماء. والقسم الثالث ضرب واحد فعل فعل فعال فععلى للصفة مما في آخره ألف تأنيث مقصورة أو ممدودة نحو حمر وصفر وبطاح وحرامي في حمراء والصفرى وبطحاء وحرمى. القسم الرابع ضرب واحد: أيضاً فعل فعل فعل أفعل فعال فعول لما لحقه التاء من الثلاثي المجرد وهو اسم نحو بدن وبدر وبرم وأنعم وقصاع وحجوز في بدنة وبدرة وبرمة ونعمة وقصعة وحجزة. القسم الخامس ضربان: أحدهما فعل فعل فعال فعول فعلة فعلة فعال فعلان فعلاء لفاعل صفة مذكر نحو بذل وشهد وتجار وقعود وفسقة وقضاة وتختص بالمنقوص وكفار وصحبان وشعراء في بازل وشاهد وتاجر وقاعد وفاسق وقاض وكافر وصاحب وشاعر، وقد جاء عاشر فواعل لكن شاذا متأولاً وهو فوارس والآخر فعل فعال فعول أفعال أفعلة فعلان فعلان فعلاء أفعلاء للثلاثي فيه زيادة ثالثة مدة وهو وصف نحو نذر وكرام وظروف وأشراف وأشحة وشجعان وشجعان وجبناء وأنبياء في نذير وكريم وظريف وشريف وشحيح وشجاع وجبان ونبي. القسم السادس ضرب واحد: فعل فعل أفعل فعال فعول فعلة فعلة أفعال فعلان فعلان للثلاثي المجرد اسماً أو صفة نحو سقف وورد ونمر ونصف وأفلس وأجلف وقداح وحسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وأسود وكهول وجيرة وشيخة وقردة ورطلة وأفراح وأشياخ ورئلان وضيفان وحملان وذكران، وقد وجد له اسماً حادي عشر فعلى قالوا حجلى في حجل وله صفة حادي عشر وثاني عشر فععلى وفعلاء قالوا وجاعى في وجع وسمحاء في سمح. والقسم السابع ضرب واحد أيضاً: فعل أفعل فعال فعول فعلة أفعال أفعلة فعائل فعلان فعلان أفعلاء للثلاثي فيه زيادة ثالثة مدة وهو اسم نحو كثبب وأذرع وتختص بالمؤنث وأمكن شاذ وفصال وعنوق وغلمة وأيمان وأرغفة وأفائل وغزلان وقضبان وأنصباء قي كثيب وذراع وفصيل وعناق وغلام ويمين ورغيف وأفيل وغزال وقضيب ونصيب هذا ما سمعت فإذا نقل إليك تكسير على خلاف ضبطنا هذا فعلى أنه متروك المفرد أو أنه محمول على غيره لجهة كمرضى وهلكى وموتى وجربى وحمقى وكأيامى ويتامى. واعلم أن أفعل وأفعالا وأفعلة وفعلة من أوزان التكسير للقلة كالعشرة فما دونها. النوع السادس التحقير وهو فيما سوى الجمع لوصفه بالحقارة وفي الجمع لوصفه بالقلة هذا هو الأصل وله في جميع المواضع إلا فيما نطلعك عليه بإذن الله ثلاثة أمثلة، وقد عرفت مرادي بقولي مثال كذا في نوع التكسير أحدها مثال فعيل بضم الصدر وفتح الثاني ولتحرك الثاني في التحقير لإثبات همزة الوصل فيه وياء ثالثة ساكنة تسمى ياء التحقير فيما هو على ثلاثة أحرف: كيف كانت أصولا نحو بيت أو غير أصول أعني أن فيها زائدا نحو ميت ولا مدخل في حروف ما يحقر لتاء التأنيث وكذا الزيادات للتثنية وجمعي التصحيح والنسبة كما لا مدخل لحروف الآخر من المتركبين في ذلك مثل بعليبك وحضيرموت وخميسة عشر تقول ببيت ومييت أو على أقل فيكمل ثلاثة برد ما يقدر محذوفا فيقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 جريح ودمى وكذا منيذ وسؤيل وأخيذ وكذا بني ووعيدة في حر ودم وفي مذ وسل وخذ أسماء وفي ابن وعدة وثانيها مثال فعيلل بكسر ما بعد ياء التحقير فيما هو على أربعة أحرف كيف كانت نحو جعفر ومصحف وسلم وخدب تقول جعيفر ومصيحف وسليلم وخديب بالجمع بين الساكنين ياء التحقير والمدغم ولا يجمع بينهما في الوصل إلا في نحو ما ذكرنا وكذا إذا كان بدل ياء التحقير مدة كدابة، ويسمى هذا حد اجتماع الساكنين أو على أكثر بحرف أو حرفين فصاعدا فيرد على الأربعة بالحذف لما نيف عليها وتحقير مثل هذا مستكره: أي لا يقع في الاستعمال إلا نادرا ولا يحذف أصل مع وجود زائد ولا زائد مفيد مع وجود غير مفيد ولا غير مفيد له نظير مع وجود عديم النظير ولا غير آخر من الأصول مع وجود آخر اللهم إلا بجهة مناسبة بين ذاك وبين ما يليق به الحذف تقول دحيرج في مدحرج أو متدحرج بحذف الزائد دون أصل ومطيلق ومخيرج في منطلق ومستخرج بحذف ما سوى الميم لكون الميم علامة في اسم الفاعل وتقيريض في استقراض بحذف السين لوجود تفيعيل كتجيفيف دون سفيعيل وفريزد بحذف الآخر ولك ان تحذف الدال لمناسبتها التاء. وثالثها مثال فعيليل بإشباع كسرة ما بعد ياء التحقير فيما كان على خمسة أحرف. رابعها مدة كقريطيس وقنيديل وعصيفير وفيما يستكره تحقيره أيضا عوضا مما يحذف فكثيراً ما يقال فريزيد ومطيليق فقس والألف في المحقر ثانية لضرورة التحريك ترد على أصل إن وجد لها، وذلك إذا كانت غير زائدة وإلا قلبت واوا لضمة الصدر، وثالثة طرفا وغير طرف لامتناع بقائها ألفا لوقوع ياء التحقير الساكنة قبلها لا تظهر إلا ياء وههنا اعتبارات لطيفة فتأملها فقد عرفناك الأصول. ورابعة طرفا لغير التأنيث تقلب ياء والمقتضى لزوم كسر ما بعد ياء التحقير وللتأنيث مقصورة كانت أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 ممدودة تعامل معاملة تاء التأنيث فيزول المقتضى فتبقى ألفا فيقال حبيلى وحميراء وغير طرف تقلب ياء للمقتضى إلا في بابي سكران وإجمال تفريعا للأول على حمراء والوجه ظاهر وللثاني عليها وعلى سكران معا. وخامسة تحذف ليس إلا إذا كانت مقصورة أما الممدودة للتأنيث فلا تقول في نحو حبركي وححجبي حبيرك وححيجب وفي نحو خنفساء خنيفساء ويعامل الألف والنون في نحو زعفران وعقربان معاملة ألف التأنيث الممدودة فيقال زعيفران وعقيربان. وأما ما سوى الألف كيف كان غير بدل كسوط وخيط ورأس وغير ذلك وبدلا لكن بشرط اللزوم كنحو عيد وتراث وتخمة وقائل وأدد فلا تتغير إلا الواو بعد ياء التحقير طرفا آو غير طرف فحكمها ما سبق واكثر هذه الأحكام مذكور فتذكر تقول سويط وخييط ورؤيس وعبيد وتريث وتخيمة وقويئل وأديد، وأما البدل غير اللازم فيرد يقال مويزين ومييقن ومويعد في ميزان وموقن ومتعد ومتى اجتمع عندك مع ياء التحقير ياءان فاحذف الأخيرة فقل عطي وهرية في عطاء وهراوة وأحي في أحوى على قول من يقول أسيد ويشترط في تحقير الجمع أن يطلب له اسم جمع كقويم أو جمع قلة كاجيمال أو يجمع بعد التحقير بالواو والنون في العقلاء الذكور كرجيلون وشويعرون وبالألف والتاء فيما سواهم كدريهمات وضويربات ويحترز عن جمع الكسرة لئلا يكون تحقيره كالجمع بين المتنافيين ويلزم التحقير ظهور تاء التأنيث في المؤنث السماعي إذا كان على ثلاثة أحرف كأريضة ونعيلة إلا ما شذ من نحو عريس وعريب دونما تجاوز الثلاثة كنعيق وعقيرب إلا ما شذ من نحو قديديمة ووريئة. واعلم أن التحقير لا يتناول الحروف ولا الأفعال إلا في باب ما أفعله على قول أصحابنا يقال ما أميلح ولا ما يشبه الحروف من الأسماء كالضمائر وأين ومتى ومن وما وحيث وأمس وكحسب وغير وعند ومع وغد وأول من أمس والبارحة وأيام الأسبوع ولا المصدر واسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة حال العمل وقد يحقر ذا وتا وأولا بالقصر والمد والذي والتي والذين واللاتي هكذا ذيا وتيا وأوليا وأولياء واللذيا واللتيا واللذيون واللتيات، وههنا نوع يسميه أصحابنا تحقير الترخيم وهو أن تجرد المزيد في التحقير عن الزوائد لا للضرورة كتحقيرك أزرق ومحدودبا وقرطاسا مثلا على زريق وحديب وقريطس. وحيث وأمس وكحسب وغير وعند ومع وغد وأول من أمس والبارحة وأيام الأسبوع ولا المصدر واسمي الفاعل والمفعول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 والصفة المشبهة حال العمل وقد يحقر ذا وتا وأولا بالقصر والمد والذي والتي والذين واللاتي هكذا ذيا وتيا وأوليا وأولياء واللذيا واللتيا واللذيون واللتيات، وههنا نوع يسميه أصحابنا تحقير الترخيم وهو أن تجرد المزيد في التحقير عن الزوائد لا للضرورة كتحقيرك أزرق ومحدودبا وقرطاسا مثلا على زريق وحديب وقريطس. النوع السابع التثنية وطريقها إلحاق آخر الاسم على ما هو عليه ألفا أو ياء مفتوحا ما قبلها ونونا مكسورة اللهم إلا إذا كان آخره ألفا مقصورة فإنها ترد ثالثة على الأصل واوا كان كعصوان أو ياء كرحيان وتقلب فوق الثالثة ياء لا غير. وأما الممدودة فإذا كانت للتأنيث قلبت همزتها واوا وإلا لم تقلب سواء كانت أصلية كقراء أو منقلبة عن حرف أصلي ككساء أو عن جار مجرى الأصل وهو أن يكون للإلحاق كعلباء وقد رخص في القلب، وأما سائر ما قد يقع من نحو حذف تاء التأنيث في خصيان وإليان على قول من لا يأخذهما متروكي المفرد ورد المحذوف كيديان ودميان فيسمع ولا يقاس وكما تجري التثنية في المفردات تجري في أسماء الجموع وفي المكسرات أيضا وأما نحو تأبط شرا مما يحكى فلا يثنى. النوع الثامن جمعا التصحيح والمراد بهما نحو مسلمون ومسلمين مما يلحق آخره واو مضموم ما قبلها أو ياء مكسور ما قبلها ونون مفتوحة علامة للجمع ونحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 مسلمات مما يلحق آخره ألف وتاء للجمع أيضا، والأول قياس في صفات العقلاء الذكور كنحو مسلمون وضاربون، وفي أسمائهم الأعلام مما لا تاء فيه كنحو زيدون ومحمدون فيما سوى ذلك كثبون وأوزون سماع. والثاني للمؤنث كثمرات وهندات ومسلمات وطلحات وللمذكر الذي لا تكسير له كنحو سجلات وقلما يجامع فيه المكسر كنحو بوانات وبون وحق كل واحد منهما أن يصح معه نظم المفرد فلا يتغير عن هيئته إلا في عدة مواضع ذلك التغيير قياس فيها منها نحو أعلون وأعلين، فإن الألف تحذف لملاقاتها الساكن في غير الحد خارج الوقف ونحو قاضون وقاضين فإن الياء تحذف لمثل ذلك لأن الأصل قاضيون وقاضيين فلتضاعف الثقل وهو تحرك المعتل مع اجتماع الكسر والضم في الأول وهو مع توالي الكسرات حكماً في الثاني وهي كسرة الضاد وكسرة الياء ونفس الياء لأنها أخت الكسرة يسكن المعتل بالنقل فيلاقي الساكن على الوجه المذكور فتحذف، ومنها نحو مسلمات في مسلمة فإن التاء تحذف احترازا عن الجمع بين علامتي التأنيث ومنها الهمزة من ألف التأنيث الممدودة فإنها تبدل واواً لذلك ومنها الألف المقصورة كيف كانت فإنها تبدل ياء للصورة ومنها العين من فعلة وفعلة وفعلة فإنها تفتح أو تحرك بحركة الفاء إذا كانت اسما والعين صحيحة كتمرات وسدرات وسدرات وغرفات وغرفات ويجوز التسكين في غير المفتوحة الفاء وأما نحو أخو بيضات رائح منأوب فإنما يقع في لغة هذيل. النوع التاسع النسبة وهي بيان ملابسة الشيء الشيء بطريق مخصوص إما بصوغ بناء كفعال لذي صنعة يزاولها ويديمها كعواج وثواب وبتات وكفاعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وهو لمن يلابس الشيء في الجملة كلابن وتامر ودارع. وإما بإلحاق آخر الاسم ياء مشددة مكسورا ما قبلها كيمنيّ وشاميّ وقد يزاد عوضا عن التشديد قبل الياء ألف كيمان وشآم ولهذه الياء تغييرات بعضها مضبوط وبعضها عن الضبط بمعزل فمن الأول حذف التاء كبصرى وعلامتي التثنية والجمع إذا اتفقتا في المنسوب وهما على حالهما كزيدي في زيداًن وزيدون اسمين أما إذا خرجتا عن حالهما بأن يجعل النون معتقب الإعراب فلا والقياس إذ ذاك زيداًني وزيديني والياء في زيديني من لوازم الاعتقاب لا النسبة ومن ذلك فتح ما قبل الآخر من ذي ثلاثة أحرف إذا كان مكسورا على الوجوب كنمري ودؤلي ومن ذي أكثر على الجواز كيثربي وتغلبي، ومن ذلك أن يقال فعلى ألبتة في كل فعيلة وفعولة كحنفي وشنئي وأن يقال فعلي في كل فعيلة كجهني إلا في المضاعف والأجوف من ذلك فإنه يقتصر على حذف التاء وأن يقال فعلي في فعيل وفعيلة من المنقوص وفعلي في فعيل وفعيلة منهم كغنوي وضروي وقصوي وأموي وقيل أميي وقالوا في تحية تحوى وأن يقال فعولي في فعول وفعولة منه كعدوى عند أبي العباس المبرد رحمه الله وأما سيبويه فيقول في فعولة فعلى فيفرق ومن ذلك أن تحذف الياء المتحركة من كل مثال قبل آخره باء مشددة كسيدي في سيد وما شاكل ذلك ولهذا قلنا الألف في طائي بدل عن ياء ساكنة وكمهيمي في مهيم اسم فاعل من هيمه، وأما في مهيم تصغير مهوم فيقال مهيمي على التعويض ومن ذلك أن يقلب الألف في الآخر ثالثة أو رابعة أصلية واوا لا غير، وأما رابعة غير أصلية يتقدمها سكون فلك أن تقلب وتحذف كدنيوي ودنيي ونحو دنياوي وحبلاوي وجه ثالث وإما رابعة لا يتقدمها سكون كجمزى وخامسة فصاعدا فليس إلا الحذف هذا إذا كانت مقصورة والممدودة تقلب همزتها واوا إذا كانت للتأنيث وإلا فالقياس ترك القلب فيه ولما التزم فتح ما قبل الياء في نحو العمي والقاضي والمشتري ولزم من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 ذلك انقلاب الياء ألفا كان حكمها حكم الألف المقصورة في جميع ما تقدم إلا في تفاصيل كونها رابعة فلا يقع ههنا من تلك إلا الخيرة بين القلب والحذف وإن كان الحذف هو الأحسن وقالوا في نحو المحيي محوي تارة ومحيي أخرى وكذا لما التزم أيضا فتح العين في نحو طي ولية وحية قيل طووي ولووي وحيوي وفي نحو ظبية وقنية ودمية وكذا في بنات الواو لما التزمه يونس رحمه الله. قال ظبوي وقنوي ودموي، وكان الواو في غزوي عنده بدلا من الألف ولما يلتزم الخليل وسيبويه رحمهما الله فيها قالا ظبيى وغزوى في ظبية وغزوة كما في ظبى وغزو ويقول في نحو دو وكوة دوى وكوى، ومن ذلك أن تحذف ياء النسب إن كانت في الاسم فتقول في النسبة على نحو شافعي شافعي وكذا في كراسي أيضا رجل كراسي وكأن من قال مرمي في مرمي شبه الياء بياء النسبة، ومن قال مرموي ترك التشبيه، ومن ذلك أن تهمز في نحو حماية دون علاوة فتقول حمائي وعلاوي وتخير في نحو راية وثاية وآية بين الهمز والياء والواو ومما هو عن الضبط بمعزل حال الثنائي فقد رد في البعض كأخوي وأبوي وضعوي وستهي ولم يرد في بعض نحو عدي وزني وكذا الباب إلا ما اعتل لامه نحو شية فإنك تقول فيه وشوى وجاء الأمران في البعض نحو عدي وغدوي ودمي ودموي ويدي ويدوي وحري وحرحي وابني وبنوى وقالوا اسمي وسموي وكعدي وعدوي فقلبوا وأبو الحسن الأخفش رحمه الله تعالى: يعتبر الأصل فيما يرد فيقول وشيي وحرحي بالسكون وعلى هذا في أخواتهما والخليل وسيبويه رحمهما الله يقولان بنوى وأخوى في بنت وأخت ويونس رحمه الله يقول بنتي وأختي فلا ينظم تاءهما في سلك تاء التأنيث ومما هو أبعد عن الضبط قولهم بدوي وبصري وعلوي وطائي وسهلي ودهري وأموي وثقفي وقرشي وهذلي وخراشي وخرسي وخرفي وكذا عبدري وعبقسي وعبشمي فهذه وأمثالها على اللغة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 ويشترط في المنسوب أن يكون مفردا غير جمع ولا مركب ولا مضاف فيقال في النسبة على نحو صحائف وكتب صحفي وكتابي، وأما الأنصاري والأنباري والأعرابي فإنما ساغ ذلك لجريها مجرى القبائل كأنماري وضبابي وكلابى وكمعافري ومدايني وفي النسبة على نحو معدي كرب وخمسة عشر ونحو اثني عشر أيضا فتنبه معدي وخمسي واثني أو ثنوي وفي النسبة على نحو ابن الزبير وامرىء القيس زبيرى وامرئى ينظر إذا كان المضاف إليه اسما يتناول مسمى على حياله كالزبير نسب إليه وإلا كانت النسبة على المضاف. إذا كان المضاف إليه اسما يتناول مسمى على حياله كالزبير نسب إليه وإلا كانت النسبة على المضاف. النوع العاشر إضافة الشيء على نفسه طريقها بعد استجماع شرائط الإضافة وستعرفها في النحو إلحاق آخر الكلمة ياء مخففة مفتوحة في الأصل وتسكينها للتخفيف مكسورا ما قبلها إلا فيما كان آخره ألفا كعصاي أو مستحق الإدغام فيها كمسلمي وأعلى بفتح ما قبل الياء مشددة في مسلمين وأعلين وفي أعلون أيضا وكمسلمي بكسرة ما قبل الياء المشددة في مسلمين ومسلمون أيضا ويقال لدي وإلي وعلي فاعلم. النوع الحادي عشر في اشتقاق ما يشتق من الأفعال جميع ما يشتق من الأفعال قد سبق الكلام فيها على ما يليق بها وهو قريب العهد فلا نعيده إلا مثال الأمر فإنه بعد غير مذكور فنتكلم فيه. اعلم أن طريق اشتقاقه هو أن تحذف من الغابر الزائد في أوله ونبتدئ على الثاني إن كان متحركاً وإلا فلامتناع الابتداء بالساكن إن كنت في باب أفعل رددت الهمزة الساقطة وإلا جلبت همزة وصل مضمومة في باب يفعل المضموم العين مكسورة في جميع ما عداه ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 تحذف الآخر إن كان معتلا أو تسكنه إن لم يكنه ولا مشددا وتحركه في المشدد بأي حركة شئت إذا كان ما قبله مضموما وإلا فغير الضم، ولسكون الآخر تحذف المدة قبله متى اتفقت نحو قل وبع وخف وستتحقق هذا، وههنا فائدة لابد من ذكرها وهي أن الغابر المشدد الآخر حال اشتقاق الأمر منه لا يلزم تشديده بل لك أن تفك تشديده على هيئة ما يقتضيه الباب ثم تشتق ولا يؤمر بهذا المثال إلا الفاعل المخاطب. النوع الثاني عشر تصريف الأفعال مع الضمائر ونوني التأكيد الكلام في هذا النوع يستدعي إشارة على الضمائر فلنفعل. اعلم أن الضمير عبارة عن الاسم المتضمن للإشارة على المتكلم أوعلى المخاطب أو على غيرهما بعد سبق، ذكره هذا أصله وهو: أعني الضمير ينقسم على قسمين من حيث الوضع قسم لا يسوغ الابتداء به ويسمى متصلا وقسم يسوغ فيه ذلك ويسمى منفصلا وكل واحد منهما بحسب اعتبار المراتب العرفية وراء تعرض الرفع والنصب والجر كان يحتمل ثمانية عشر صورة ستا في غير المواجهة لاعتباره مذكرا ومؤنثا واعتبار الوحدة والتثنية والجمع في كلا الجانبين وستا أخر في المواجهة بمثل ذلك وستا أخر في الحكاية لكن لما ألغى اعتبار التذكير والتأنيث في الحكاية لقلة الفائدة فيه ولم تصح التثنية والجمع فيها حقيقة فاقتصر لهما على صور تشملهما معنى ولم يفرق بين اثنين واثنتين فيما سوى ذلك حكاية عادت اثنتي عشرة لا مزيد كما ترى، ثم لما تعذر اعتبار الجر في المنفصل لمنافاته الانفصال ولم يغاير بين النصب والجر في المتصل لتآخيهما إلا في الحكاية عن نفسك تكررت الاثنتا عشرة أربع مرات لم يفت إلا صورتا الغائب والغائبة بقيتا مستكنتين، ولنذكرها بأسرها في أربع جمل لنحقق صورها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الجملة الأولى: في المنفصلة المرفوعة، وهي أنا نحن وأنت أنتما أنتم أنت أنتن وهو هما هم هي هن. الجملة الثانية: في المنفصلة المنصوبة، وهي إياي إيانا وإياك إياكما إياكم إياك إياكن وإياه إياهما إياهم إياها إياهن. الجملة الثالثة: في المتصلة المرفوعة، وهي عرفت عرفنا وعرفت عرفتما عرفتم عرفت عرفتن وعرف عرفا عرفوا عرفت عرفتا عرفن. الجملة الرابعة: في المتصلة المنصوبة وهي عرفني عرفنا وعرفك عرفكما عرفكم عرفك عرفكن وعرفه عرفهما عرفهم عرفها عرفهن، وهذه الجمل الأربع لا تتفاوت بفوات المواضع سوى المتصلة المرفوعة فإنها في الغابر تتفاوت فاسمعها، وهي أعرف نعرف وتعرف تعرفان تعرفون تعرفين تعرفان تعرفن ويعرف يعرفان يعرفون تعرف يعرفان تعرفن. واعلم أن الأفعال كلها في اتصالها بالمنصوبة لا تتفاوت هيئة. وأما في اتصالها بالمرفوعة فالعارية منها عن الإدغام وحروف العلة لا يزيد تفاوتها على ما ترى، وأما ما لا يعرى عن ذلك فما إدغامه في غير آخره كجرب ويجرب أو معتلة يبعد عن آخره كوضؤ وابيض ويوضؤ ويبيض حكمه في ذلك حكم العاري وما إدغامه في آخره كشد ويشد أو معتلة في آخره أو فيما قبله كدعا وقال ويدعو ويقول زائد التفاوت تارة بفك الإدغام وأخرى بإبدال المعتل أو حذفه والضابط هناك أصلان أحدهما في فك الإدغام وإبدال الألف ولا إبدال لغير الألف في اللفظ وهو أن الإدغام من شرطه كون المدغم فيه متحركا وأن الإعلال بالألف المعتد به فنذكر من شروطه تحرك المعتل، وهذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 الشرط يفوت في الماضي مع ثمانية من الضمائر وهي الضميران في الحكاية والخمسة في المواجهة وضمير جماعة النساء في غير المواجهة ولنسمها مسكنات الماضي فيزول الإدغام فيعود المدغم على حركته كقولك في باب فعل المفتوح العين كررت كررنا كررت كررتما كررتم كررت كررتن كررن، وفي باب فعل المكسور العين ظللت ظللنا وكذا في باب أفعل أعددت، وفي فاعل حاججت، وعلى هذا حتى إنك تقول احماررت واحمررت واقشعررت، وقد يحذف عند فك الإدغام أحد المتكررين كقولهم ظلت أو ظلت بفتح الظاء أو كسرها وكقوله أحسن به فهن إليه شموس ويزول الإعلال بالألف فيعود الأصل في الثلاثي المجرد كدعوت دعونا دعوت دعوتما دعوتم دعوت دعوتن دعون ورميت رمينا رميت رميتما رميتم رميت رميتن رمين، وفي غير الثلاثي المجرد يلزم الياء كأرضيت ورجيت وأما في الغابر فيفوت مع ضمير جماعة النساء في المواجهة وغير المواجهة فحسب ولنسمه مسكن الغابر فيزول الإدغام أيضا فيعود المدغم على حركته كقولك تعضضن ويعضضن وتقررن ويقررن وتشددن ويشددن وكذا في سائر الأبواب ويزول الإعلال بالألف ويلزم الياء هذا هو القياس كترضين ويرضين وتدعين ويدعين. وثانيهما في الحذف وهو أن من شرط ثبوت المدة ألفا كانت أو ياء أو واواً أن لا يقع بعدها ساكن غير مدغم، وهذا الشرط يفوت مع مسكنات الماضي في ماض قبل آخره مدة فتسقط المدة كقولك في قال قلت قلنا قلت قلتما قلتم قلت قلتن قلن، وفي اختار اخترت اخترنا وعلى هذا، وههنا أصل لابد من المحافظة عليه وهو أن ما قبل الألف عند سقوطها يفتح في غير الثلاثي المجرد ألبتة كاخترت وأنقذت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 وفي الثلاثي المجرد يكسر في باب فعل المكسور العين كخفت ويضم في باب المضموم العين كطلت، وأما في باب فعل المفتوح العين فيكسر إذا كانت الألف من الياء كملت ويضم إذا كانت من الواو كقلت وما قبل غير الألف عند السقوط لا يتغير كقولك في قيل بالكسر الخالص أو بالاشمام قلت ياقول وقلت بهما، وفي قول قلت بالضم ويفوت أيضا مع مسكن الغابر فيما قبل آخره مدة فتسقط ويبقى ما قبلها على حاله كتخفن ويخفن وتبعن ويبعن وتقلن ويقلن وكما كان يفوت مع تلك الثمانية شرط ثبوت الألف فيما قبل آخر الماضي فكانت تسقط كذلك يفوت شرط ثبوتها في آخره مع ثلاثة فتسقط وهي تاء التأنيث الساكنة ظاهر كما في قولك دعت ورمت وتقديرا كما في قولك دعتا ورمتا ومن العرب من لا يعتبر التقدير فيقول دعاتا ورماتا والشائع الكثير هو الأول وواو الضمير كدعوا ورموا وأما ألف الاثنين فلما لم يجز معها بقاء الألف ألفا لامتناع الإعلال معها لما نبهت عليه في باب الإعلال لا جرم تغير الحكم، وكما كان يفوت شرط ثبوت المدة فيما قبل آخر الغابر ما عرفت فكانت تسقط كذلك يفوت شرط ثبوتها فيه إذا كانت في الآخر مع اثنين فتسقط أحدهما ضمير الجمع في المواجهة وغير المواجهة كتخشون وترمون وتدعون ويخشون ويرمون ويدعون. والثاني ضمير المخاطبة كتخشين وترمين وتدعين وبيان كونها مداتا فوات الشرط إنما يظهر ببيان كون أواخر الأفعال في هذين الموضعين مدات وبيان باستعمال طريقين أحدهما طريق الإعلال. والثاني طريق التسكين بالنقل، أما طريق الإعلال فحيث يكون ما قبل آخر الفعل مفتوحا كقولك تخشين وتدعين تعل الياء فيصير تخشاين وتدعاين ثم تحذفها لفوات الشرط، وأما طريق التسكين بالنقل فحيث يكون ما قبل آخره مكسورا أو مضموما كقولك ترميون وتدعوون وكذا ترميين وتدعوين تهرب عن تضاعف الثقل، وذلك تحرك المعتل مع اجتماع الكسر والضم في نحو قولك ترميون وتدعوين فتسكن ذلك المعتل بنقل حركته على ما قبله فيصير مدة ثم تحذفها لفوات الشرط أو تحركه مع توالي الضمات في نحو تدعوون وهي ضمة ما قبل الواو وضمة الواو ونفس الواو فهي أخف الضمة أو مع توالي الكسرات في نحو ترميين وهي كسرة ما قبل الياء وكسرة الياء ونفس الياء فهي أخت الكسرة فتسكنه أيضا بنقل حركته على ما قبله وإن كان لا يظهر أثر النقل في اللفظ فيصير مدة تحذفها لفوات الشرط وحال اتصال الضمائر بمثال الأمر على نحو حال اتصالها بالغابر لا فرق إلا في شيء واحد وهو أنك بعد ألف الضمير وواوه ويائه تترك النون كقولك اضربا اضربوا اضربي. ألبتة كاخترت وأنقذت، وفي الثلاثي المجرد يكسر في باب فعل المكسور العين كخفت ويضم في باب المضموم العين كطلت، وأما في باب فعل المفتوح العين فيكسر إذا كانت الألف من الياء كملت ويضم إذا كانت من الواو كقلت وما قبل غير الألف عند السقوط لا يتغير كقولك في قيل بالكسر الخالص أو بالاشمام قلت ياقول وقلت بهما، وفي قول قلت بالضم ويفوت أيضا مع مسكن الغابر فيما قبل آخره مدة فتسقط ويبقى ما قبلها على حاله كتخفن ويخفن وتبعن ويبعن وتقلن ويقلن وكما كان يفوت مع تلك الثمانية شرط ثبوت الألف فيما قبل آخر الماضي فكانت تسقط كذلك يفوت شرط ثبوتها في آخره مع ثلاثة فتسقط وهي تاء التأنيث الساكنة ظاهر كما في قولك دعت ورمت وتقديرا كما في قولك دعتا ورمتا ومن العرب من لا يعتبر التقدير فيقول دعاتا ورماتا والشائع الكثير هو الأول وواو الضمير كدعوا ورموا وأما ألف الاثنين فلما لم يجز معها بقاء الألف ألفا لامتناع الإعلال معها لما نبهت عليه في باب الإعلال لا جرم تغير الحكم، وكما كان يفوت شرط ثبوت المدة فيما قبل آخر الغابر ما عرفت فكانت تسقط كذلك يفوت شرط ثبوتها فيه إذا كانت في الآخر مع اثنين فتسقط أحدهما ضمير الجمع في المواجهة وغير المواجهة كتخشون وترمون وتدعون ويخشون ويرمون ويدعون. والثاني ضمير المخاطبة كتخشين وترمين وتدعين وبيان كونها مداتا فوات الشرط إنما يظهر ببيان كون أواخر الأفعال في هذين الموضعين مدات وبيان باستعمال طريقين أحدهما طريق الإعلال. والثاني طريق التسكين بالنقل، أما طريق الإعلال فحيث يكون ما قبل آخر الفعل مفتوحا كقولك تخشين وتدعين تعل الياء فيصير تخشاين وتدعاين ثم تحذفها لفوات الشرط، وأما طريق التسكين بالنقل فحيث يكون ما قبل آخره مكسورا أو مضموما كقولك ترميون وتدعوون وكذا ترميين وتدعوين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 تهرب عن تضاعف الثقل، وذلك تحرك المعتل مع اجتماع الكسر والضم في نحو قولك ترميون وتدعوين فتسكن ذلك المعتل بنقل حركته على ما قبله فيصير مدة ثم تحذفها لفوات الشرط أو تحركه مع توالي الضمات في نحو تدعوون وهي ضمة ما قبل الواو وضمة الواو ونفس الواو فهي أخف الضمة أو مع توالي الكسرات في نحو ترميين وهي كسرة ما قبل الياء وكسرة الياء ونفس الياء فهي أخت الكسرة فتسكنه أيضا بنقل حركته على ما قبله وإن كان لا يظهر أثر النقل في اللفظ فيصير مدة تحذفها لفوات الشرط وحال اتصال الضمائر بمثال الأمر على نحو حال اتصالها بالغابر لا فرق إلا في شيء واحد وهو أنك بعد ألف الضمير وواوه ويائه تترك النون كقولك اضربا اضربوا اضربي. فصل ونونا التأكيد مدخلهما الغابر ومثال الأمر والثقيلة منها تفتح ما قبل نفسها إذا اتصلت بما لا ضمير في آخره كاضرب ونضرب في الحكاية وتضرب للمخاطب ويضرب وتضرب للغائب والغائبة وتستصحب مع نفسها ألفا في اتصالها بما في آخره نون جماعة النساء وتحذف النون بعد ألف الضمير وواوه ويائه نعم والواو أيضا والياء إذا لم يكن ما قبلها مفتوحا وإذا كان كذلك حركت الواو بالضم والياء بالكسر تحريكا عارضا مثل رمتا كقولك اخشون واخشين وتكون مكسورة بعد ألف الضمير والألف المستصحبة كقولك اضربان واضربنان ومفتوحة في سائر المواضع ومن شأنها أن ترد المدة المحذوفة من الآخر وإذا كانت ألفا أن تقلبها ياء لا محالة كقولك أرمين وادعون واخشين وليرضين والخفيفة لا تخالف الثقيلة في جميع ذلك إلا في وقوعها بعد الألفين فلا ثبات لها هنالك عندنا خلافا للكوفيين فهم جوزوا إثباتها ساكنة عند بعضهم مكسورة عند آخرين في الوصل. النوع الثالث عشر في إجراء الوقف على الكلم في الوقف ثلاث لغات أو أربع التضعيف كقولك عمر وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 مختص بالذي آخره صحيح غير همزة وما قبله متحرك والرفع وهو أن تروم في اسكانك الآخر قدرا من التحريك والإسكان الصريح وهو على نوعين إسكان بإشمام وهو ضم الشفتين بعد الإسكان وإنه مختص بالمرفوع وبغير إشمام والأصل في سكون الوقف أن لا يعتد به لكونه عارضا فلا يحتفل باجتماع الساكنين في نحو بكر وعمرو وغلام وكتاب ثم من العرب من يحتفل به فيحول حركة الآخر ضمة كانت أو كسرة دون الفتحة التي هي لخفتها كلا حركة ولعدم استمرار المحتفل به معها كقولهم بكرا وعمراً هذا إذا لم يكن الآخرة همزة على ما قبله إذا كان صحيحا ساكنا كنحو مررت ببكر وجاءني بكر وكذا ضربته ولم أضربه، وأما إذا كان همزة حولها أية كانت بعلة التخفيف أو تمهيد له كنحو الخبو والردو والبطو، والخبى والردى والبطى والخبا والردا والبطا على هذا الوجه إلا قوما من تميم فهم يتفادون من أن يقولوا هذا الردو ومن البطى فيفرون على الاتباع قائلين هذا الرديء ومن البطؤ، ومن العرب من يعامل ما يتحرك ما قبل همزته كالكلا بمجرد علة التخفيف معاملة ما يسكن ما قبل همزته فيقول الكلو والكلى والكلا والحجازيون في قولهم الكلا بالألف في الأحوال الثلاث وأكموا بالواو فيها وكذا في قولهم أهني بالياء عاملون بسكون الوقف معاملة سكون همزة رأس ولؤم وبئر فاعلم وللوقف وراء هذا ما يتلى عليك فاستمع وذلك قلب تاء التأنيث هاء كنحو ضاربه إلا عند بعض يقولون ضاربت وهم قليل واستدعاء هاء فيما هو على حرف واحد كنحو قه وره ونحو مجيء مه ومثل مه في مجيء م جئت ومثل م أنت على الوجوب، وأما في نحو علام وفيم وقوى الاتصال بما قبله وفيما حذف آخر المعتل من الغابر ومثال الأمر فعلى الجواز لك أن تسكن وأن تلحق الهاء وحذف التنوين إذا لم يكن ما قبله مفتوحا نحو جاءني زيد ومررت بزيد، وكذا قاض عند سيبويه وهو الأكثر أو قاضي عند الأخفش وقلبه ألفا إذا كان مفتوحا نحو رأيت وقاضيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وحكم النون الخفيفة ونون إذن حكم التنوين فقل في الوقف على هل تضربن وإذا تضربون وإذا وجواز حذف الياء في نحو القاضي ويا قاضي عند بعض مع امتناع حذفها في نحو يامري ويايعي اسما مما لا يبقى بعد الحذف لا على حرف واحد أصلي عند الجميع، وأبدل الألف على خلاف الأعرف ياء أو واواً أو همزة كحبلى بالياء في لغة قوم من بني فزارة وقيس وحبلو بالواو في لغة قوم من طي وحبلأ بالهمزة في لغة قوم، وكذا رأيت رجلا ويضربها، وقالوا أنا مرة وأنه أخرى في الوقف على أن وهو بالإسكان تارة وهوه أخرى وههنا وهاهناه وهؤلاء وهؤلاه عند القصر وأكرمتك وأكرمتكه وغلام وضربن فيمن يسكن الياء وصلا وغلامي وضربني وغلاميه وضربنيه فيمن يحرك وضربكم وضربهم وعليهم وبهم ومنه وضربه بالإسكان فيمن ألحق وصلا أو حرك وهذه فيمن قال هذهي والوقف على من الاستفهامي أن يشبع في نونه حركة المستفهم عنه كنحو منو منى منا فقط أو أن تثنى وتجمع وتؤنث أيضا على نحو المستفهم عنه كنحو منان منين منون منين منة منتان منتين منات، وكل واو أو ياء لا في الوقوف تحذف فيه بشفاعة الفاصلة كنحو الكبير المتعال " والليل إذا يسر " أو القافية كقوله وبعض القوم يخلق ثم لا يفر هذا ثم إن الوصل قد يجري مجرى الوقف مثل قوله يبازل وجناء أو عيهل وقوله تعالى " لكنا هو الله ربي " كمل القسم الأول من الكتاب والله المشكور على كماله والمسئول أن يمنح التوفيق في الباقي بحق محمد وآله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 القسم الثاني من الكتاب في علم النحو وفيه فصلان أحدهما في أن علم النحو ما هو . والثاني في ضبط ما يفتقر إليه في ذلك . الفصل الأول علم النحو ما هو اعلم أن علم النحو هو أن تنحو معرفة كيفية التركيب فيما بين الكلم لتأدية أصل المعنى مطلقا بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب وقوانين مبنية عليها ليحترز بها عن الخطأ في التركيب من حيث تلك الكيفية وأعني بكيفية التركيب تقديم بعض الكلم على بعض ورعاية ما يكون من الهيئات إذ ذاك وبالكلم نوعيها المفردة وما هي في حكمها، وقد نبهت عليها في القسم الأول من الكتاب وسيزداد ما ذكرنا وضوحا في القسم الثالث إذا شرعنا علم المعاني بإذن الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 الفصل الثاني في ضبط ما يفتقر إليه في ذلك والكلام فيه يستدعي تقديم مقدمة وهي أن تلك الهيئات التي يلزم رعايتها على تفاوت بحسب المواضع وجهة التقديم والتأخير منحصرة بشهادة الاستقراء في أنها اختلاف كلم دون كلم اختلافا لا على نهج واحد لاختلاف أشياء معهودة فيظهر من هذا الغرض في هذا الفصل إنما يحصل بضبط ثلاثة القابل والفاعل والأثر فلنضمنه ثلاثة أبواب أحدها في القابل وهو المسمى عند أصحابنا معربا وثانيها في الفاعل وهو المسمى عاملا وثالثها في الأثر وهو المسمى إعرابا ولا يذهب عليك أن المراد بالقابل ههنا هو ما كان له جهة اقتضاء للأثر من حيث المناسبة وبالفاعل هو ما دعا الواضع على ذلك الأثر أو كان معه داعية له على ذلك وإلا فالفاعل حقيقة هنا هو المتكلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الباب الأول في القابل وهو المعرب اعلم أن ليس كل كلمة معربة بل في الكلم ما يعرب وفيها ما لا يعرب ويسمى مبنيا فلا بد من تمييز البعض عن البعض ويتعين أحدهما بتعيين الآخر والمبني أقرب على الضبط فلنعينه بتعين المعرب. اعلم أن المبني قسمان قسم لا يحتاج على عده واحداً فواحداً وقسم يحتاج على ذلك والأول جعلناه أربعة عشر نوعا: أولها الحروف. وثانيها الأصوات المحكية على قول من لا يجعلها حروفا كنحو حس وبس ووى ووا وأخ وبخ ومض وغيط ونح ونخ وهيخ وايخ ونحو ظيخ وشيب وماء وغاق وخاز وباز وطاق وطق وقب ونحو هلا وعدس وهيد وهيد وهاد وحه وده وحوب وحاى وعاى وحب وحل وهدع وهس وهيخ وفاع وحج وعه وعيز وهج وهجا وجاه ونحو جوت وجى ودوه وبس وئىء وساء وسوء وقوس ونظائرهن. وثالثها أمثلة الماضي والأمر أيضا عندنا. ورابعها أسماء الأفعال كنحو رويد ويقال. رويدك وتبل وهلم وهات، والأصح فيه عندي أنه ليس باسم فعل وستعرفه، وهاء فيه لغات، وله استعمالات ودونك وعندك عمراً وحذرك بكرا وحذارك بكرا وحذارك وحيهل، وفيه لغات وبله وعليك الأمر وبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 ونحو صه ومه وهيت وهلم وهل وهيك وهيل وهيا وقدك وقطلك واليك وأمين وآمين، ونحو هيهات وفيه لغات وشتان وسرعان ووشكان وأف وأوّه، وفيه لغات، وأمثال ذلك دون حسبك فيه وكفيك على الظاهر. وخامسها المضمرات وسادسها المبهمات، وهي كل ما كان متضمنا للإشارة على غير المتكلم والمخاطب من دون شرط أن يكون سابقا في الذكر لا محالة، ثم إذا كان مدركا بالبصر أو منزلا منزلته بحيث يستغنى عن قصة كنحو ذا وتا وتى وته وذه وأولا بالقصر والمدّ، وغير ذلك سميت أسماء الإشارة وإن لم يكن مدركا بالبصر ولا منزلا منزلته بحيث لا يستغنى عن قصة كنحو الذي والتي وما ومن وذو الطائية وذا في ماذا والألف واللام في نحو الضارب أمس والعلى وما انخرط في هذا السلك سميت موصولات وتلك القصة صلة إلا المثنى منها في أكثر اللغات واللائين والذين أيضا في لغة بنى عقيل وبني كنانة. قال قائلهم: نحن اللذون صبحوا الصباحا ... يوم النخيل غارة ملحاحا وإلا أيهم كاملة الصلة عند سيبويه ومن تابعه أو على أية حال كانت عند الخليل، ووجه ترك القصة في نحو اللتيا واللتي يأتيك في علم المعاني إن شاء الله تعالى. وسابعها صدور المركبات من نحو بعلبك وحضرموت، وخمسة عشرة والحادي عشر، والحادي عشرة، ونحو ضاربة وهاشمي عندي إذا تأملت وأمثالها إلا اثني عشر على الأقرب، ونحو زيد بن عمرو وهند بنة عاصم مما يكون العلم وموصوفا بابن مضاف على العلم وابنة هي كذلك إلا أن هذا الصدر من بين صدور المركبات التزم فيه اتباعه حركة العجز، وهو المضاف هذا ما يذكر، ولي فيه نظر. وثامنها الغايات، وهي كل ما كان أصل الكلام فيه أن ينطق به مضافا ثم يختزل عنه ما يضاف إليه لفظا لانية كنحو أتيتك من قبل مثلا. وتاسعها ما يتضمن معنى حرف الاستفهام أو الجزاء ما عدا أيا أو معنى غير ذلك لكن من أعجاز المركبات كنحو أحد عشر وأخواته وكذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 حيص بيص وكفة كفة وصحرة بحرة فيمن لا يضم إليهما نحرة وبين بين ويوم يوم وصباح مساء وشغر بغر وشذر مذر وخدع مذع وحيث بيث وحاث باث لتضمن الأعجاز فيها معنى كلها معنى حرف العطف وكذا جارى بيت بيت لتضمن العجز إما معنى اللام أو معنى على عند أصحابنا، والأولى عندي أن يضمن معنى حرف غير عامل فيه كفاء العطف لسر تطلع عليه في خاتمة الكتاب بإذن الله تعالى. وعاشرها ما كان على فعال إما أمراً كنحو حذار وتراك، وأنه قياس عند سيبويه في جميع الثلاثيات المجردة وإما بمعنى المصدر المعرفة كنحو فجار للفجرة ويسار للميسرة وجماد للجمود وحماد للمحمدة ولا مساس ودعنى كفاف ولا عباب ولا إباب وبوار وبلاء وغير ذلك، وإما معدولة عن الصفة مختصة بالنداء كنحو يا رطاب ويا خباث ويا دفار ويا فجار ويا لكاع وقوله: أطوّف ما أطوف ثم آوي ... على بيت قعيدته لكاع شاذ ويا فساق ويا خضاف ويا خزاق ويا حباق أو غير مختصة به كنحو براح وكلاح وجداع وأذام وطمار وطبار ولزام وإما معدولة عن فاعلة في الأعلام كنحو حذام وقطام وبهان وسجاح وكساب وسكاب وظفار وعرار في لغة أهل الحجاز دون لغة بني تميم في غير ما كان آخره من ذلك راء إذ في الرائي لا خلاف في البناء، وحادي عشرها ما أضيف على ياء المتكلم أوعلى الجمل من أسماء الزمان كيوم فعل أو على إذ منها كيومئذ وما شاكل ذلك فيمن يبنى فيهما، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 وثاني عشرها ما نودي مفردا معرفة كنحو يا زيد، وثالث عشرها ما نُفِي ونَفْيَ جنس كنحو لا رجل، ورابع عشرها نحو يضربن من الأفعال المضارعة وليضربْنَ أو ليضرِبَنَّ مما هو يقترن بنون جماعة النساء أو نون التوكيد وههنا نوع خامس عشر وهي الجمل. والقسم الثاني من المبني إذا وإذ والآن وأمس عند غير الخليل وقط وفيه لغات وعوض بالفتح والضم وحيث بالحركات الثلاث وحوث بمعناه بالضم والفتح ولدن وأخواته جمع إلا في لغة قيس ومن وما الموصوفتان وما غير موصولة ولا موصوفة وكم الخبرية وكأين وكأي على مذهب يونس بن حبيب ومحمد بن يزيد وكيت وزيت ولهى أبوك وأخواته ووله لا أفعل ولات أوان في قوله: طلبوا صلحنا ولات أوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء فيمن ليس مجرورا عنده ولما ومذ ومنذ وعلى وعن والكاف أسماء، هذا هو الحاصل من مبنيات الكلم وما خرج منه فهو معرب وأنه نوعان: نوع من الأسماء وهو يختص بالرفع والنصب والجر ونوع من الأفعال وهو يختص بالرفع والنصب والجزم، ثم إن النوع الأسمي صنفان صنف يقبل الحركات مع التنوين ويسمى منصرفا، وصنف لا يقبلها مع التنوين ويسمى غير منصرف فلا بد من تمييز أحدهما عن الآخر، والوجه في ذلك هو أن ههنا أمورا تسعة وتسمى أسباب منع الصرف. أحدها التأنيث معنى أو لفظا بالتاء أو بما يقوم مقامه كالآخر من المؤنث الزائد على ثلاثة أحرف مثل عناق وعقرب ومثل مساجد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 ومصابيح عندي من بين المكسرات للزوم الجمع التكسيري الذي هو كذلك التأنيث بخلاف ما سوى ذلك إذا اقترن بالعلمية نحو سعاد وطلحة وعناق وعقرب ومساجد ومصابيح أسماء أعلاماً أو بالألف مقصورة كانت كحبلى أو ممدودة كصحراء وسيرد في ألف التأنيث كلام في باب العامل. وثانيها العجمة وهي كون الكلمة من غير أوضاع العربية كنحو إبراهيم وإسماعيل ونوح ولوط إذا اقترنت بالعلمية. وثالثها العدل وهو تغير الصيغة بدون تغيير معناها كتغيير نحو عامر وحاذمة في الأعلام وواحد واجد على عشرة عشرة في غيرها على عمر وحذام وعلى موحد أو أحاد على معشر أو عشار. ورابعها الجمع اللازم كنحو مساجد ومصابيح وفيه تفصيل وهو أن نحو مساجد مما بعد ألف جمعه حرفان إذا كان ثانيهما ياء حذف في الرفع والجر ونون إلا فيما لا يعتد به. وخامسها وزن الفعل المختص بالأفعال كنحو ضرب أو المنزل بمنزلته وهو الغالب كنحو أفعل. وسادسها الألف والنون الزائدتان في باب فعلان فعلى كنحو سكران أو في الأعلام كنحو مروان وعثمان. وسابعها وثامنها الوصف والتركيب الظاهر كنحو ضارب وبعلبك وقولي التركيب الظاهر احتراز عن نحو ضاربة وهاشمي على ما قدمت. وتاسعها العلمية وهي كون الاسم موضوعا لشيء بعينه لا يتعداه، وقد عد بعض النحويين عاشرا وهو ألف الإلحاق المقصورة إذا اقترنت بالعلمية وعند من لم يعد ألحقها بألف حبلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 هذه التسعة متى كان في الاسم المعرب منها الجمعية اللازمة أو ألف التأنيث مقصورة أو ممدودة أو مما سوى ذلك اثنان فصاعدا كان غير منصرف وإلا كان منصرفا ألبتة عندنا خلافا للكوفيين فهم جوزوا منعه عن الصرف للعلمية وحدها، وههنا تفصيل لابد منه وهو أن الاسم إذا كان ثلاثيا ساكن الحشو فمع الاثنين صرفه أولى وان نحو أحمر مما يمتنع من الصرف اسم جنس عند تنكيره عن العلمية إذا كنت نقلته إليها لا يصرفه سيبويه ويصرفه الأخفش وأن مصغر نحو أعشى يعامل معاملة باب جوار. ثم إن المعرب في قبوله الإعراب على وجهين: أحدهما أن يكون بحيث لا يقبله إلا بعد أن يكون غيره قد قبله. والثاني أن لا يكون كذلك، والوجه الأول من النوع الاسمي خمسة أضرب تسمى التوابع وهي صفة وعطف بيان ومعطوف بحرف وتأكيد وبدل، فالصفة هي ما يذكر بعد الشيء من الدال على بعض أحواره تخصيصا له في المنكرات وتوضيحا في المعارف وربما جاءت لمجرد الثناء والتعظيم كالصفات الجارية على القديم سبحانه وتعالى أو لما يضاد ذلك من الذم والتحقير أو للتأكيد كنحو أمس الدابر ومن شأنها إذا كانت فعلية وهي ما يكون مفهومها ثابتا للمتبوع أن تتبعه في الإفراد والتثنية والجمع والتعريف والتنكير والتأنيث والتذكير كما تتبعه في الإعراب، وإذا كانت سببية وهي ما يكون مفهومها ثابتا لما بعدها وذلك متعلق لمتبوعها أن لا تتبع إلا في الإعراب والتعريف والتنكير أو كانت يستوي فيها المذكر والمؤنث والواحد والاثنان والجمع نحو فعيل بمعنى مفعول جاريا على الموصوف ونحو فعول ونحو علامة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وهلباجة وربعة ويفعة مما يجري مؤنثا على المذكر ومن شأن متبوعها أن يكون ملفوظا به اللهم إلا عند وضوحه فيقتصر إذ ذاك على التقدير غير واجب مرة وواجبا أخرى كما في قولهم الفارس والراكب والصاحب والأورق والأطلس والأبطح والأجرع ونظائرها. وعطف البيان هو ما يذكر بعد الشيء من الدال عليه لا على بعض أحواله لكونه أعرف والمعطوف بالحرف هو ما يذكر بعد غيره بوساطة أحد هذه الحروف الواو والفاء وثم وحتى وأو وأم وأما على خلاف فيه ولا وبل ولكن على خلاف فيه أيضا وأي عندي، ومن شأن المعطوف إذا كان ضميرا متصلا مرفوعا أن يؤكد بالمنفصل وإلا لم يجز إلا لضرورة الشعر مع قبح إلا عند الفصل كنحو ضربت اليوم وزيد وإذا كان ضميرا مجرورا أن يعاد الجار في المعطوف ألبتة. والتأكيد وهو في عرف أصحابنا ينصرف على المؤكد فهو ما يعاد في الذكر بدون وساطة حرف عطف لئلا يذهب بالكلام عن ظاهره إعادة إما بلفظه كنحو رأيت وإما بأحد هذه الألفاظ وهي النفس والعين وتثنيتهما وجمعهما وكلا ومؤنثه وكل وأجمعون وما كان من لفظه كأجمع وجمعاء وجمع، ومن شأن المؤكد إذا كان ضميرا متصلا مرفوعا والتأكيد أحد لفظي النفس والعين أن يوسط بينهما ضمير منفصل مرفوع وهذا الحكم في تثنيتهما وجمعهما لا يتغير، وإذا كان متصلا منصوبا أو مجرورا أن لا يؤكد من الضمائر إلا بالمنفصل المرفوع كقولك رأيتني أنا ومررت بك أنت، وإذا كان منكرا أن لا يؤكد بكل وأجمعين إلا المحدود منه عند الكوفيين كنحو قوله: لفصل كنحو ضربت اليوم وزيد وإذا كان ضميرا مجرورا أن يعاد الجار في المعطوف ألبتة. والتأكيد وهو في عرف أصحابنا ينصرف على المؤكد فهو ما يعاد في الذكر بدون وساطة حرف عطف لئلا يذهب بالكلام عن ظاهره إعادة إما بلفظه كنحو رأيت وإما بأحد هذه الألفاظ وهي النفس والعين وتثنيتهما وجمعهما وكلا ومؤنثه وكل وأجمعون وما كان من لفظه كأجمع وجمعاء وجمع، ومن شأن المؤكد إذا كان ضميرا متصلا مرفوعا والتأكيد أحد لفظي النفس والعين أن يوسط بينهما ضمير منفصل مرفوع وهذا الحكم في تثنيتهما وجمعهما لا يتغير، وإذا كان متصلا منصوبا أو مجرورا أن لا يؤكد من الضمائر إلا بالمنفصل المرفوع كقولك رأيتني أنا ومررت بك أنت، وإذا كان منكرا أن لا يؤكد بكل وأجمعين إلا المحدود منه عند الكوفيين كنحو قوله: قد صّرت البكرة يوما أجمعا والبدل هو ما يذكر بعد الشيء من غير وساطة حرف عطف على نية استئناف التعليق به لما علق بالأول مدلولا على ذلك تارة بإعادة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 العامل وأخرى بقرائن الأحوال وهو على أربعة أقسام: بدل الكل من الكل كقوله تعالى " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم " وبدل البعض من الكل كقولك: رأيت القوم أكثرهم وبدل الاشتمال كقولك: سلب زيد ثوبه وبدل الغلط كقولك: مررت برجل حمار في كلام لا يصدر عن روية وفطانة، ووجه الحصر عندي هو أنا نقول البدل إما أن يكون عين المبدل منه أولا يكون فإن كان فهو بدل الكل من الكل، وإن لم يكن فإما أن يكون أجنبيا عنه أولا يكون فإن كان فهو بدل الغلط، وإن لم يكن فإما أن يكون بعضه فهو بدل البعض من الكل أو غير بعضه فهو المراد ببدل الإشمال وقد سقط بهذا زعم من زعم أن ههنا قسما خامسا أهمله النحويون وهو بد ل الكل من البعض كنحو نظرت على القمر فلكه، ومن شأن البدل أن يراعى فيه رتبة الحكاية والخطاب والغيبة ومن ثم امتنع بي الشريف الاجتهاد وعليك الظريف الاعتماد ولم يمتنع مررت به أو بزيد به ورأيت إياك وأن لا يلزم رعاية رتبة التعريف والتنكير خلا أنه لا يحسن إبدال النكرة من المعرفة إلا موصوفة ومن النوع الفعلي ثلاثة أضرب المعطوف بالحرف والتأكيد بإعادة اللفظ أو بغيره مما هو بمعناه بدل لفظي النفس والعين والبدل فتأمل. والثاني من وجهي المعرب من النوع الاسمي تسعة عشر ضربا ستة في الرفع واحد منها أصل في ذلك وهو أن يكون فاعلا والباقية ملحقة به وهي أن يكون مبتدأ أو خبرا له أو خبرا لأنّ وأخواتها أو خبر لا التي لنفي الجنس أو اسم ما ولا المشبهتين بليس وأحد عشر في النصب واحد منها أصل في ذلك وهو أن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 مفعولا وأنه عندي أربعة أنواع: مفعول مطلق ومفعول له ومفعول فيه ومفعول به والباقية ملحقة به وهي أن يكون متعدي إليه بوساطة حرف جر أو أن يكون منصوبا بحرف النداء أو بالواو بمعنى مع أو بالاستثناء أو حالاً أو تمييزا أو خبرا في باب كان أو اسما في باب إنّ أو منصوبا بلا التي لنفي الجنس أو خبرا لما ولا المشبهتين بليس واثنان في الجر. أحدهما أصل فيه وهو أن يكون مضافا إليه. وثانيهما كالفرع وهو أن يكون مجرورا بحرف جر، ومن النوع الفعلي ثلاثة أضرب ما ارتفع وانتصب وانجزم لغير العطف والتأكيد والبدل وتفصيل القول في هذه الضروب يستلزم تفصيل القول في الفاعل فلنضمنه بابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 الباب الثاني في الفاعل اعلم أن العامل إما أن يكون لفظا أو معنى واللفظ إما أن يكون اسما أو فعلا أو حرفا فينحصر العامل في أربعة أنواع كما ترى ومن حكم كثير من أصحابنا أن الفعل في الألفاظ أصل في العمل دون الاسم والحرف بناء منهم ذلك على أن المؤثر يلزم أن يكون أقوى من المتأثر والفعل أقوى الأنواع من حيث المناسبة لكونه أكثر فائدة لدلالته على المصدر وعلى الزمان وعندهم في تقريرهم هذا أن الاسم والحرف لا يعملان إلا بتقويهما به فيقدمون الفعل في باب العمل. ولنا في تقرير حكمهم هذا طريق غير ما حكينا عنهم فليطلب من كتابنا شرح الجمل وعسى أن نشير إليه في خاتمة الكتاب وإذ قد ساعدناهم في تقرير حكمهم هذا فلنساعدهم في البداءة به فليكن النوع الأول: اعلم أن الفعل عمله الرفع والنصب فقط. أما الرفع فلفاعله وهو ما يسند إليه مقدما عليه والإسناد هو تركيب الكلمتين أو ما جرى مجراهما على وجه يفيد السامع كنحو عرف زيد ويسمى هذا جملة فعلية أو زيد عارف أو زيد أبوه عارف ويسمى هذا جملة اسمية وإن تكرمني أكرمك وإن كان متى زرتك فهو السبب لرؤيتك فمتى لم أزرك لم أرك، ويسمى هذا جملة شرطية أو في الدار أو أمامك بمعنى حصل فيها، ويسمى هذا جملة ظرفية دون نحو عارف زيد إذا أضفت أو زيد العارف إذا وصفت فإنك لا تفيد والعلم بجميع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ذلك بديهي وهو الذي منع أن نحد الفائدة فيما نحن بصدده. والأصل فيه أن يلي الفعل فإذا قدم عليه غيره كان في نية المؤخر ومن ثمة جاز ضرب غلامه زيد وامتنع عند الجمهور سوى الإمام ابن جني ضرب غلامه وأن لا يحلو الفعل عنه ولهذا يقدر في نحو زيد ضرب ضمير وإذا احتبج على إبرازه إما لحرى الفعل على غير ما هو له في موضع يلتبس أبرز منفصلا على نحو زيد عمرو يضربه هو والزيداًن العمراً ن يضربهما هما، وإما لكونه ضمير غير واحد أو واحدة أبرز متصلا على نحو الزيداًن قاما والهندان قامتا والزيدون قاموا والهندات قمن إلا في باب نعم وبئس كما ستعرف ولهذا أيضا أعني لامتناع خلوه عن الفاعل إذا بني للمفعول أقيم المفعول به المنصوب مقام الفاعل إذا ظفر به في الكلام وإلا فالمجرور أو المفعول فيه أو المطلق على الخيرة لكن يلزم وصف المطلق والمفعول فيه إذا كان مبهما استحساناً هذا بعد الاحتراز عن المفعول الثاني في باب علمت أبداً وستحققه والثالث في باب أعلمت فإنه ليس غير ذلك وكما يرفع الفاعل الفعل ظاهرا كما رأيت يرفعه مقدرا كما في قولك زيد لمن يقول لك من جاء وتقديره قائلا ذلك وعليه قراءة من قرأ " كذلك يوحى إليك " أي ربك و " يسبح له " فيها بالغدو والآصال رجال بفتح الحاء والباء وكما في قوله: أن ذو لوثة لانا. فصل والفاعل متى كان ضمير مؤنث حقيقيا أو غير حقيقي لزم التاء في فعله كنحو هند ضربت والشمس طلعت ومتى كان مظهراً مؤنثاً لم تلزم إلا عند الحقيقي المتصل بالفعل كنحو عرفت المرأة والمؤنث غير الحقيقي هو ما يرجع على الإصطلاح فمنه ما في لفظه شيء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 يدل على تأنيثه وهو أن يكون جمعا مكسرا أو أن يكون في آخره تاء تنقلب هاء في الوقف أو ألف زائدة. إما مقصورة والوزن فعلى بضم الفاء وسكون العين أو فعلى بضم الفاء وفتح العين أو فعلى بفتح الفاء والعين. وإما ممدودة والوزن غير فعلاء وفعلاء بسكون العين والفاء غير مفتوح، ومنه ما ليس كذلك ويرجع فيه على أن يسمع في تصغيره التاء أو في صفته كنحو أريضة وأرض مبقلة وأبقلت الأرض. فصل واعلم أنه لا يلتزم في الفاعل شيء لكونه مضمرا مفسرا أو غير مفسر أو مظهرا معرفا باللام أو بالإضافة أو غير معرف بذلك في نوع من الأفعال إلا في أفعال المدح والذم وهي نعم وبئس وساء وحبذا فالتزم في نعم وهو للمدح العام أن يكون الفاعل إما مضمرا مفسرا بنكرة منصوبة موضحا باسم معرفة مرفوعة يسمى مخصوصا بالمدح، وإما مظهرا معرفا بلام الجنس أو مضافا على معرف بذلك موضحا بالمخصوص، وقد كان شيخنا الإمام الحاتمي رحمه الله يجوز في هذه اللام كونها للعهد وتحقيق القول فيه وظيفة بيانية نذكره في علم المعاني وذلك نحو نعم رجلا زيد ونعم الصاحب أو صاحب القوم زيد في المفرد المذكر وفي المؤنث نعمت امرأة هند ونعمت أو نعم الصاحبة أو صاحبة القوم هند وفي التثنية والجمع نعم رجلين أو الرجلان أخواك ونعم رجالا أو الرجال إخوتك وكذا في المؤنث، ويجوز الجمع بين المفسر والمظهر كنحو نعم الرجل رجلا أو رجلا الرجل زيد وتقديم المخصوص كقولك زيد نعم الرجل وحذفه إذا كان معلوما كقوله تعالى " نعم العبد أنه أواب " وحبذا لا يخالف نعم في جميع ذلك إلا في جواز أن يقال حبذا زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وبئس وساء في الذم جاريان في الاستعمال مجرى نعم. وأما النصب فلما يتصل به بعد الفاعل من غير التوابع له: أعني للفاعل وهو ثمانية أنواع: أحدها المفعول المطلق وهو ما يدل على مفهوم الفعل مجردا عن الزمان كنحو ضربت ضربا، ويسمى هذا مبهما وضربة وضربتين ويسمى هذا مؤقتا وضرب زيد والضرب الذي تعرف والذي ينوب منابه معنى ينتصب كنحو انتبه نباتا وقعدت جلوسا وضربت ثلاث ضربات وأنواعا من الضرب وسوطا ونحو عبد الله أظنه منطلق بمعنى أظن الظن وكما ينصبه الفعل وهو مظهر ينصبه وهو مضمر جرى فيه الإظهار كخير مقدم ومواعيد عرقوب وغضب الخيل على اللجم وأخوات لها أولم يجر كسقيا ورعيا وخيبة وجدعا وعقرا وبؤسا وبعدا وسحقا وحمدا وشكرا لا كفرا وغفرانك لا كفرانك وحنانيك ولبيك وسعديك ودواليك وحذاريك وهذاذيك سبحان الله ومعاذ الله وعمرك الله وقعدك الله ودفرا وبهرا وافة وتفة وويحك وويسك وويلك وويبك وأمثال لها. وثانيها هو المفعول له وهو علة الإقدام على الشيء مما يجتمع فيه أن يكون مصدرا وفعلا للمقدم ومقارنا للمقدم عليه كنحو أتيتك إكراما لك وتركت الشر مخافة كذا. والأصل فيه اللام فإذا لم يجتمع فيه ما ذكر التزم الأصل إلا في نحو زرتك أن تكرمني وأنك تحسن إلي. وثالثها المفعول فيه وهو الزمان الذي يوجد فيه الفعل مبهما أو مؤقتا نكرة أو معرفة كيف كان كنحو سرت يوما أو حينا أو الحين الطيب أو اليوم الذي تعرف أو المكان لكن مبهما فقط كنحو جلست مكانا أو خلفك أو يمينك، وأصل الباب في فمتى وقع الضمير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 موقعه التزم الأصل لرد الضمير على الشيء على أصله، اللهم إذا جرى مجرى المفعول به كقوله: ويوم شهدنا سليما وعأمراً وكذا متى لم يكن المكان مبهما التزم الأصل وكما ينتصب غير لازم ينتصب لازماً كنحو: سرنا ذات مرة وبكرا سحرا سحيرا وضحى وعشاء وعشية وعتمة ومساء إذا أردت سحراً بعينه وضحى يومك وعشاءه وعشيته وعتمة ليلتك ومساءها، ونحو عندي وسوى وسواء وسط الدار، ولا كلام في جواز إضمار العامل في هذا الباب وفي ما تقدمه عند دلالة الحال. ورابعها المفعول به، وهو ما يتعدى الفعل فاعله إليه ويكون واحداً كنحو عرفت واثنين إما متغايرين كنحو: أعطيت درهما، وإما غير متغايرين، وذلك في سبعة أفعال تسمى أفعال القلوب، وهي: حسبت وخلت وظننت بمعناهما وعلمت ورأيت ووجدت وزعمت إذا كن بمعنى علمت ورفع المفعولين ها هنا إذا توسطهما الفعل أو تأخر عنهما جائز ويسمى إلغاء، وواجب إذا دخل عليهما لام الابتداء أو الاستفهام أو حرف النفي، ويسمى تعليقا وذلك نحو زيد علمت منطلق أو زيد منطلق علمت وعلمت لزيد منطلق أو أزيد أخوك أو ما زيد بقائم ههنا بخلاف باب أعطيت ذكر المفعولين معاً إلا في نحو علمت أن منطلق وستقف عليه أو تركهما معاً وجواز الجمع بين ضميري الفاعل والمفعول لواحد من رتبة واحدة كنحو علمتني قاعداً ووجدتك قائماً ورآه ماشياً وقد ورد هذا في عدمت وفقدت قالوا عدمتني وفقدتني. قال جران العود: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 لقد كان لي عن ضرتين عدمتني ... وعما ألاقي منهما متزحزح وأريت مجهولا وكذا أرى وترى وما ينخرط في هذا السلك يدخلن في باب ظننت، فيقال: أريت منطلقاً وأين ترى بشراً مقيماً وبنو سليم يجعلون باب قلت في الاستفهام مثل ظننت وثلاثة وذلك في نحو أعلمت وأريت كنحو أعلم الله عمراً فاضلاً وأريته إياه خير الناس معدتين بالهمزة، والأخفش يسلك بأخواتهما هذا المسلك وفي خمسة أفعال أجريت مجراهما، وهي: أنبأت ونبأت وأخبرت وخبرت وحدثت وكما ينتصب المفعول به عن العامل مظهراً ينتصب عنه مضمراً سواء لم يلزم إضماره كقولهم لرائي الرؤيا خيراً لنا وشراً لعدونا أو خيراً وما سر ولمن قطع حديثه حديثك بإضمار رأيت وهات وقولهم كاليوم رجلاً بإضمار لم أر وأخوات لها أو لزم كنحو قولهم: أهلا وسهلا وكليهما وتمرا وكل شيء ولا شتيمة حر وهذا ولا زعاماتك وأمراً ونفسه وأهلك والليل وشأنك والجمع ورأسك والحائط وعذيرك أو عاذرك، وفي باب التحذير إياك وعمراً والأسد الأسد وما شاكل ذلك، وفي باب الاختصاص إنا معشر العرب نفعل كذا ونحن آل فلان كرماء وبك الله نرجو الفضل. قال: ويأوي على نسوة عطل ... وسعثا مراضيع مثل السععلى وكنحو قولهم فيما يضمر شريطة أن يفسر إما بلفظه ومعناه نحو ضربته أي ضربت أو بمعناه نحو مررت به أي جزته أو بلازم معناه نحو لقيت أخاه أي لابسته أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ضربت غلامه: أي أهنته أو أكرمت أخاه أي سررت، وعلى ذا فقس فيمن يترك المختار في هذه الأمثلة وهو الرفع بالابتداء لعدم الحاجة معه على الإضمار المحوج على التفسير أو نحو جزت القوم حتى جزته أو مررت به أو جزت غلامه أو نحو ضربته أو ما عمراً لقيته أو رجلا كلمته أو إذا تلقاه فأكرمه أو حيث تجده فعظمه أو نحو اضربه أو لا تضربه وإن شئت أما فاضربه أو فلا تضربه أو أمرّ الله عليه العيش وأما فجدعا له وأما عمراً فسقيا له أو نحو اللهم فارحمه فيمن يعمل بالمختار في هذه الأنواع. أما في الأول فلرعاية أن تناسب الجملة المعطوفة المعطوف عليها لعدم انقطاعها عنها، بخلاف ما لو قيل لقيت وأما عمرو فقد مررت به وإذا عمرو يكرمه فلان، فأما وإذا المفاجأة يقتطعان الكلام، وعلى الوجه كلام من حيث علم المعني لتفاوت الجملتين الفعلية والاسمية تجددا أو عدم تجدد فليتنبه. وأما في الثاني فلرعاية حق الاستفهام والنفي وكلمتي إذا وحيث لكون دخولها في الفعل أوقع. وأما في الثالث فللاحتراز عما لا تصح الجملة بعده، وهو الرفع بالابتداء غير محتملة للصدق والكذب، اللهم إلا بتأويل. وأما في الرابع فكمثل ذلك مع رعاية حق العاطف أو نحو أن تره تضربه أو هلا أو ألا أو لولا أو لوما ضربته فيمن يعمل بالواجب لامتناع هذه الحروف عن غير الأفعال. وخامسها الحال، وهي بيان كيفية وقوع الفعل كنحو جاء زيد راكباً وضربت اللص مكتوفا وجاء زيد والجيش قادم إذ معناه مقارنا بقدوم الجيش وزيد أبوك عطوفا وهو الحق بينا إذ أحق التقديرات يجيء عطوفا ويبدو بينا، ويظهر من هذا أن الأولى في نحو ضربت شديدا حمل المنصوب على الحال دون الوصف للمصدر والحال لا تكون إلا نكرة؛ فأما ذو الحال فلا يجوز تنكيره متقدما على الحال إلا إذا كان موصوفا ويجوز متأخرا ومن شأن الحال إذا كانت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 جملة اسمية أن تكون مع الواو عند الأكثر وإذا كانت فعلية والفعل مثبت ماضيا أو مضارعا أن يكون بدون الواو. وأما في المنفي فقد جاء الأمران ويلزم الماضي قد ظاهره أو مقدرة، وفي هذا الباب كلام يأتيك في علم المعاني وأمرها في جواز إضمار عاملها لازم وغير لازم على نحو أمر المفعول به. وسادسها بالتمييز، وهو رفع الإبهام في الإسناد أو في أحد طرفيه بالنص على ما يراد هناك من بين ما يحتمل كنحو طاب زيد نفسا وامتلأ الإناء ماء " وفجرنا الأرض عيونا "، والغالب عليه الإفراد لكن جمعه غير مستهجن، ومن شأنه عندنا لزوم التنكير ومن علاماته صحة اقتران من به. فصل واعلم أن ليس لهذه المنصوبات عند اجتماعها ترتيب على حد ملتزم إلا المفعولين في بابي أعطيت وعلمت فهما متى كانا ضميرين فلكونهما ضميرين في اتصالهما إذا تفاوتا حكاية وخطابا وغيبة، وهو الكثير يجب تقديم المتكلم على غيره كما يجب تأخير الغائب عن غيره وفي انفصال أحدهما وهو المختار في باب علمت يجب تأخير المنفصل كيف كان وضمير الشأن في باب علمت وما فيه استفهام كنحو علمته زيد منطلق وعلمت أيهم أخوك لا يجوز تأخيره، وتقديم هذه الأنواع الستة على الفاعل جائز إذا كان مظهرا أو مضمرا منفصلا، ولا ينفصل إلا في نحو ما ضرب إلا هو ونحو زيد عمرو يضربه هو وإلا فلا وكذا على الفعل إلا التمييز عند سيبويه لكونه عنده فاعلا في المعنى وإلا المفعول به في باب التعجب عند الجمهور. وسابعها المنصوب في باب كان كنحو كان زيد منطلقاً وأنه نوع غير نوع الحال عندنا خلافا للكوفيين من أن الحال شيء يأتي لزيادة فائدة في الكلام والمنصوب ههنا لنفس الفائدة. وأما الفرق بينهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 في أن تلك يلزمها التنكير وهذا يأتي معرفة ونكرة فلا يصلح لا لزام الكوفي لإنكاره لزوم تنكير الحال وبابه كان وصار وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات ومازال وما برح وما فتئ وما انفك وما دام وليس وكذا آض وعاد وغدا وراح وكذا جاء وقعد، وتسمى هذه الأفعال ناقصة بمعنى أنها لا تفيد مع المرفوع بدون المنصوب، ومن هذا يظهر أن مرفوعها وما كان من جنسه يجب أن يعد من الملحقات بالفاعل فتأمل، ويسمى مرفوعها اسما لها ومنصوبها خبرا لها وهذه الأفعال تتفاوت معانيها فكان للدلالة على المضي، فإذا قلت كان زيد منطلقاً كنت بمنزلة أن تقول فيما مضى زيد منطلق وأما ما تكون بمعنى حدث أو تكون زائدة كما في قوله: جياد بني أبي بكر تسامى ... على كان المسومة العراب وفي قولك ما كان أحسن فعن نصب الخبر بمعزل وأما التي فيها ضمير الشأن كنحو كان زيد منطلق فهي عندي عين الناقصة اسمها الضمير وخبرها الجملة وصار للدلالة على الانتقال على حالة، واستعمالها على وجهين: أحدهما صار غنيا، والثاني صار زيد على الغنى، وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات للدلالة على اقتران فائدة الاسم والخبر بالأوقات الخاصة التي هي الصباح والمساء والضحى واليوم والليلة أو على معنى صار. وأما أصبح وأمسى وأضحى في إفادتها معنى الدخول في أوقاتها فبمعزل عن الباب ومازال وما برح وما فتئ وما انفك لاستمرار الفعل بفاعله في زمانه ومادام توقيت للفعل، وإنما كان توقيتا لكون ما فيها مصدرية. وحاصل معناها في قولك اجلس مادام أو استمر زيد جالسا اجلس دوام جلوس زيد هي مدة دوام جلوسه دون أخواتها فهي هناك نافية وما لورودها على معنى النفي ثم ردها على الثبوت فلذلك امتنع مازال زيد إلا منطلقاً امتناع دام أو استمر زيد إلا منطلقاً وليس لنفي فائدة الاسم والخبر في الحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 وفي الاستقبال أيضا برواية الإمام أبي الحسن محمد بن عبد الله بن الوراق رحمه الله، ومعنى ما بقي معنى صار وتقديم الخبر في هذا الباب على الاسم مطلقا جائز إلا في نحو كنته أو كنت إياه وهو المختار وعلى الأفعال التي ليست في أوائلها ما دون ليس ففيه خلاف جائز أيضا وواجب أيضا إذا كان فيه معنى استفهام كنحو متى كان القتال، وههنا أفعال تتصل بهذه النواقص، وتسمى أفعال المقاربة، وهي عسى وكاد وكرب وأوشك وجعل وأخذ وطفق واتصالها بها أنها مع المرفوع بدون الخبر لا تفيد وبينهما تفاوت فخبر عسى يأتي فعلا مضارعا مع أن وخبر كاد بدونها وتصريف عسى تارة يكون على نحو رمى فيقال عسيت عسينا على عسين وأخرى على نحو لعل فيقال عساني عسانا على عساهن وكثيراً ما يجعل أن مع الفعل المضارع فاعلها فتستغني إذ ذاك عن التصريف وتتم به كلاما وهما أعني عسى وكاد قد تتقارضان ثبوت أن ولا ثبوتها، وأوشك تجري مجرى عسى في استعمالها تارة ومجرى كاد أخرى، والباقية تجري مجرى كاد، ولما كان عسى لمقاربة الأمر على سبيل الرجاء، وكاد لمقاربته على سبيل الحصول لا جرم جعلنا ثبوت أن أصلا مع عسى ولا ثبوتها مع كاد. وثامنها المجرور بحرف الجر: مررت بزيد، وانتصابه لا يظهر إلا في تابعه كما يقال: يذهبن في نجد وغوار غائرا وجواز تقديم هذا على الفاعل وعلى الفعل مطلق إلا في باب التعجب، هذا آخر الكلام في النوع الفعلي. وأما النوع الحرفي فيعمل الرفع والنصب والجر والجزم، ولا يترتب الكلام ههنا إلا بتقسيمات وهي أن الحروف ضربان أيضاً: عاملة، وغير عاملة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 والعاملة ضربان: عاملة عملا واحداً، وعاملة عملين. والعاملة عملا واحداً ضربان: عاملة في الأسماء، وعاملة في الأفعال. والعاملة في الأسماء ضربان: جارة وناصبة، والعاملة في الأفعال ضربان: جازمة وناصبة. والعاملة عملين ضربان: عاملة نصبا ثم رفعا، وعاملة رفعا ثم نصبا. فالحاصل من أقسام العاملة الستة: أحدها الجارة، وثانيها الناصبة للأسماء، وثالثها الجازمة، ورابعها الناصبة للأفعال، وخامسها الناصبة ثم الرافعة، وسادسها الرافعة ثم الناصبة. فالقسم الأول، وهي الجارة تسعة عشر وأنها لازمة للأسماء، وهي نوعان: بسائط ومركبة، فالبسائط ستة ك ل ب ت م في أحد الاستعمالين عند بعضهم، فالكاف للتشبيه كقولك الذي كزيد أخوك وتكون غير زائدة وزائدة، إما مع الرفع كما في قولك لي عليه كذا درهما أو النصب كما في قوله تعالى " ليس كمثله شيء " أو الجر كما في قوله: فصيروا مثل " كعصف مأكول " وقد تكون اسما كما في قوله: يضحكن عن كالبرد المنهم ولا تدخل على الضمائر عند النحويين سوى المبرد فإنه يجيز ذلك مستشهدا بقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 وأم أو عال كها أو أقربا ويتصل بها ما الكافة واللام للملك أو للاختصاص كقولك المال لزيد والجل للفرس وقد جاء للقسم مع التعجب في مواضع كثيرة داخلة على اسم الله تعالى، وتكون زائدة وغير زائدة مع النصب كما في قوله تعالى " ردف لكم " وقولك يالزيد فمن لا يحمله على تخفيف يا آل زيد ومع الجر كما في قوله يا بؤس للحرب، وقولهم لا أبا لك وقد أضمرت في قولهم لاه أبوك وإضمار الجار قليل، التاء للقسم مع التعجب في الأعرف ولا تدخل على اسم الله تعالى، وقد روى الأخفش ترب الكعبة، والباء للإلصاق كقولك به عيب ثم يستعمل للقسم وللاستعطاف وللاستعانة وبمعنى عن كقولك سألت به أي عنه وبمعنى في أو مع كنحو فلان بالبلد ودخلت عليه بثياب السفر لرجوعها كلها على معنى الإلصاق وتكون غير زائدة وزائدة مع الرفع كنحو بحسبك زيد ومع النصب كنحو ليس زيد بقائم ومع الجر عند بعضهم كنحو قوله: فأصبحن لا يسألنه عن بما به وقد أضمرت في قولهم: الله لأفعلن، والميم للقسم كقولك م الله لأفعلن بالكسر ولا يستعمل إلا مع اسم الله تعالى وقد حملت على أنها منقوصة يمين كما حملت ألبتة مضمومة في قولهم م الله على أنها منقوصة من أيمن لعدم وقوع الضم في الحروف البسائط والواو للقسم ولا يدخل على الضمائر والمركبة ثلاثة أنواع ثنائية وثلاثية ورباعية فالثنائية خمسة عن كي عند بعضهم في من مذ. فعن للتعدية والمجاوزة كقولك رميت السهم عن القوس ثم يستعمل بمعنى اللام كقولك لقيته كفة عن كفة أي لكفة وبمعنى على وبعد كما في قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته ... عن السن خيراً لا يزال يزيد أي على السن وقوله: ومنهل وردته عن منهل أي بعد منهل هذا على المذهب الظاهر وقد تكون اسما كما في قوله: من عن يمين الحبيبا نظرة قبل وكي للغرض في قولهم كيمه ولا تدخل إلا على ما وفي للظرفية كنحو المال في الكيس، ثم تستعمل بمعنى على كنحو قوله تعالى " ولأصلبنكم في جذوع النخل " لرجوعها على معنى الظرف ومن لابتداء الغاية، ثم تستعمل للتبعيض وللتبيين كنحو أخذت من الدراهم وعندي عشرون منها لرجوعها على معنى الابتداء وقد جاءت للقسم تارة بكسر الميم وأخرى بضمها. قالوا من ربي لأفعلن ومن وعند بعضهم أنهما منقوصتا يمين وأيمن وتكون غير زائدة وزائدة مع المنفي المرفوع والمنصوب كنحو ما جاءني من أحد وما رأيت من أحد ومع المستفهم المرفوع كنحو " هل من خالق غير الله " ومع المثبت عن الأخفش كما في قوله تعالى " يغفر لكم من ذنوبكم " ومذ لابتداء الغاية في الزمان، ولا تدخل على الضمائر وقد تكسر ميمها. والثلاثية ستة على على عدا خلا رب عند الأكثر منذ. فعلى لانتهاء الغاية، ثم يستعمل بمعنى مع كما في قوله تعالى " ولا تأكلوا أموالهم على أموالكم " وعلى للاستعلاء ويكون اسما كما في قوله: غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وفعلاً وألفها حرفاً واسماً، وكذلك ألف على تقلباًن مع الضمير ياء إلا في لغة قليلة يقول أهلها إلاه وعلاه، وعدا وخلا للاستثناء ولا تدخلان على الضمائر ويكونان فعلين ناصبين، فإذا دخلت صدرهما ما لزمتا النصب إلا في رواية ابن البناء عن الأخفش احترازا عن زيادة ما مع أمر كان أخذه مصدريا لأصل سيمهد إن شاء الله تعالى إن الغرض من وضع الحروف الاختصار والزيادة تنافيه، ولهذا متى حكمنا على حرف بزيادة لم ترد سوى أن أصل المعنى بدونه لا يختل وإلا فلا بد من أن تثبت له فائدة. ورب للتقليل والأظهر فيه عندي ما ذهب إليه الأخفش من كونه اسما لعدم لازم حرف الجر عنده وهو التعدية ولكونه في مقابلة كم فليتأمل ويختص بالنكرات، ولهذا قالوا في نحو ربه رجلا إن الضمير مجهول ونبهوا على ذلك باستلزامه التمييز ولا يتأخر عن فعله ويستلزم فيه المضي عندنا، وقوله تعالى " ربما يودّ " مؤوّل يطلعك على ذلك علم المعاني ويتصل بآخره ما كافة وملغاة مفتوحة وفيه تسع لغات أخر: رب الراء مضمومة والباء مخففة مفتوحة أو مضمومة أو مسكنة، ورب الراء مفتوحة والباء كذلك مشددة أو مخففة، وربت بالتاء مفتوحة والباء كذلك مشددة أو مخففة ويضمر بعد الواو كثيراً، وقد جاء إضماره بعد الفاء في قوله: فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع وبعد بل في قوله: بل بلد ذي صعد وأصباب ومنذ كمذ إلا المبرد يدخلها على الضمير وقد يكونان اسمين مبتدأين مرفوعا ما بعدهما على الخبرية معرفا في معناهما ابتداء الغاية لتقدير وقوعه في جواب متى منكراً دالاً على العدد في معناهما مجموع المدة لتقدير وقوعه في جواب كم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 والرباعية اثنان فحاشا حتى حاشا للاستثناء بمعنى التنزيه ويكون فعلا ناصبا، وحتى بمعنى على إلا أنه يجب أن يكون ما بعدها آخر جزء من الشيء أو ما يلاقيه وأن يكون داخلا في حكم ما قبلها وأن يكون فعلها مما ينقضي شيئاً ف شيئاً فلا يجوز دخولها على الضمائر إلا المبرد. فصل وحذف هذه الحروف ونصب الفعل إذ ذاك لمعمولها كثير وهو من بين المواضع مع إن وأن قياس، وأما تقديم معمولها عليها فممتنع ومن شأنها أن لا تنفك عن الأفعال ظاهرة أو مقدرة وأن يحذف معها الألف عن ما الاستفهامية على الأعرف نحو لمه فيمه كيمه. والقسم الثاني وهي الناصبة للأسماء ثمانية أحرف، وهي ضربان ضرب ينصب أينما وقع وهو ستة أحرف، وهي يا وأيا وهيا لنداء البعيد حقيقة كنحو يا عبد الله إذا كان بعيدا عنك أو تقديرا لتبعيدك نفسك عنه هضما كنحو يا إله الخلق أولما هو بمنزلة البعيد من نائم أوساه تحقيقا أو بالنسبة على جد الأمر الذي ينادى له كنداء الله سبحانه لنبيه بيا. وأي والهمزة لنداء القريب وقد ينظم في جملته يا ووا للندبة خاصة ولا يندب غير المعروف وكثيراً ما يلحق آخر المندوب ألف وهاء بعدها للوقف كنحو وأزيداًه واغلام عمراً هـ وا من حفر بئر زمزماه أو آخر ضفته عند يونس دون الخليل كنحو وازيد الظريفاه، هذه الستة تنصب المنادى لفظا إذا كان نكرة نحو يا رجلا أو مضافا لفظا نحو يا غلام زيد أو تقديرا فيمن يقول يا غلام غلام زيد إذا كرر المنادى في حال الإضافة ولم يُنْوَ الأفراد أو مضارعا للمضاف وهو كل اسم غير مضاف تعلق به شيء هو من تمام معناه كنحو يا ضاربا أو يا مضروبا غلامه ويا خيراً من زيد ويا ثلاثة وثلاثين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 أو تقديراً نحو يا لزيد في الاستغاثة على قول من يقول في اللام إنها حرف جر لكن فتحت مع المنادى الواقع موقع الضمير فتحها مع نفس الضمير، وكذا في يا للماء إذا تعجبت ونحو يا في الندبة ونحو يا غلام مما هو مفرد مقصود أو يا غلام غلام زيد فيمن ينوي الإفراد فانه يضم، وكذا إذا كان من الأعلام المفردة نحو يا زيد ويا هند إذا لم يكن موصوفا بابن مضاف على علم أو ابنة هي كذلك فانه عند الوصف بذلك يفتح، وأما نحو يا الغلام مما يجمع فيه بين الضم وحرف التعريف فلا يجوز إلا عند الكوفيين والألف واللام في قولهم يا ألله ليستا حرف تعريف استدلالا بانتفاء اللازم وهو قطع الهمزة على انتفاء الملزوم، وقد كان من حق الهمزة في اللهم على قولنا القطع لكن لقصور العوض عن بلوغ درجة المعوض عنه لم يقطع والضمة في هذا النوع لما استمرت بحيث لم تترك حال الاضطرار على التنوين كقوله: سلام الله يا مطر عليها بخلاف فتحة غير المنصرف أشبهت الحركة الإعرابية التي من شأنها الاستمرار في أنواعها فحملت التوابع مفردة سوى البدل ونحو زيد وعمرو من المعطوفات تارة على اللفظ وأخرى على المحل في غير المبهم، وفي المبهم أيضا وهو أي واسم الإشارة لكن ما عدا الصفة فإنها عند غير المازني لا تكون إلا بالضم أو مضافة فعلى المحل ألبتة ووصف أي لا يجوز إلا بما فيه الألف واللام أو باسم الإشارة نحو يا أيها الجل ويا أي هذا، ووصف اسم الإشارة لا يكون إلا بما فيه الألف واللام نحو يا هذا الرجل ويا هؤلاء الرجال، ومن شأن المنادى إذا أضيف على المتكلم أن يقال في الأغلب يا وفي غيره يا غلامي يا غلاما، وقالوا يا أبت ويا أمت معوضين تاء التأنيث بدليل انقلابها هاء في الوقف عن ضمير المتكلم وعاملوا ابن أمي وابن عمي في النداء تارة معاملة غلامي وأخرى معاملة ابن غلامي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 ؟ فصل واعلم أن الترخيم عندنا من خصائص المنادى لا يجوز في غيره إلا لضرورة الشعر وأن حذف حرف النداء إنما يجوز في غير أسماء الإشارة وغير ما لا يمتنع عن لام التعريف إذا لم يكن مستغاثا ولا مندوبا، ونحو أطرق كرى وحارى لا تستنكري عذيري من الشواذ وأن حذف المنادى كنحو يا بؤس لزيد وألا يا سلمي جائز. وضرب لا ينصب أينما وقع بل ينصب في موضع ولا ينصب في آخر ويجوز فيه الأمران في ثالث وهو حرفان الواو بمعنى مع وإلا في الاستثناء فان الواو إذا تقدمها فعل أو معناه ولم يحسن حملها على العطف نصبت كنحو ما صنعت وأباك وما شأنك وعمراً وإذا لم يتقدم ذلك لم تنصب نحو كيف أنت وزيد فيمن لا يؤوله على كيف تكون أنت وهم الأكثران وعلى مذهب القليل جاء أنا والسير في متلف وإذا تقدم مع حسن العطف جاز الأمران وأن افتر العطف عن الرجحان هذا كله عند من لا يقصر النصب بالواو على السماع ويسمى هذا المنصوب مفعولا معه، وإلا إذا تقدمها كلام عار عن النفي والنهي والاستفهام ويسمى موجبا وفيه المستثنى منه ويسمى تاما والموجب في الاستثناء لا يكون إلا كذلك نصبت كنحو جاءني القوم إلا وغير الموجب في هذا الباب إذا تنزل منزلة الموجب أخذ حكمه ولذلك تراهم في تثنية المستثنى قائلين ما أتاني إلا عمرو إلا أو إلا إلا عمرو بالنصب لغير المسند إليه ألبتة لتنزيل ما أتاني مع مرفوعه منزلة تركني القوم لا غير ولا يثنون الاستثناء إلا على ما ترى من التقدير فإذا لم يتم لم تنصب بل كان حكم ما بعدها في الإعراب كحكمه قبل دخول إلا كنحو ما جاءني إلا زيد وما رأيت إلا وما مررت إلا بزيد وكذا ما جاء زيد إلا راكباً فإذا تم في غير الموجب ولم يكن ما بعدها جملة مثلها في ما مررت بأحد إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 زيد خير منه ونشدتك بالله أو أقسمت عليك أو عزمت عليك إلا فعلت كذا إذ مرادهم بما قبل إلا ههنا النفي وهو ما أطلب منك جاز أن تنصب وأن تشرك المستثنى في إعراب المستثنى منه ويسمى هذا بدلا ويكون هو المختار كنحو ما جاءني أحد إلا وإلا زيد. اللهم إلا عند الانقطاع في اللغة الحجازية أو تقديم المستثنى على صفة المستثنى منه عند بعض أو تقديمه على نفس المستثنى منه عند الجمهور فالبدل يمتنع كنحو ما جاءني أحد إلا حمارا وما جاءني أحد إلا ظريف اختيار سيبويه هنا هو البدل وما جاءني إلا أحد ويراعى في البدل أن لا يكون الفاعل في المبدل منه يمتنع عمله في المبدل، ولهذا كان البدل في نحو ما جاءني من أحد إلا زيد ولا أحد عندك إلا عمرو بالرفع وفيما رأيت من أحد إلا زيد وليس زيد بشيء إلا شيئاً حقيرا بالنصب، وفي ما زيد بشيء إلا شيء حقير بالرفع. فصل واعلم أن إلا قد تستعمل بمعنى غير فتستحق إذ ذاك إعراب المتبوع مع امتناعها عنه فيعطى ما بعدها وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلم " الناس كلهم موتى إلا العالمون " كما يستعمل غير بمعنى إلا فيستحق ما بعده إعراب مع بعد إلا مع امتناعه عنه لانجراره بكونه مضافا إليه فيعطى غيرا فيكون حكمه في الإعراب حكم ما بعد إلا سواء بسواء ولا يكون إلا بمعنى غير إلا والمتبوع مذكور حطاً لدرجتها. فصل وههنا كلمات استثنائية وهي ليس ولا يكون وبله أيضا عند الأخفش وتنصب ما بعدها ألبتة وسوى وسواء ويجر ما بعدهما ألبتة ولا سيما ويرفع ما بعده تارة بوساطة أخذ ما موصولة ويجر أخرى بأخذ ما مزيدة وقد ينصب بوجه بعيد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 والقسم الثالث وهي الجازمة خمسة أحرف، وهي ضربان: ضرب يلزم المضارع، وهي أربعة لم وهي لنفي فعل تدخل على المضارع فتنفيه وتقلب معناه على المضي، وأصله عند الفراء رحمه الله لا جعلت الألف ميماً ويجوز لم أضرب، ولما وهي لنفي قد فعل تدخل على المضارع فتصنع صنيع لم مع إفادة الامتداد وأصله عند النحويين لم ما ويسكت عليه عند الدلالة دون لم فيقال خرجت ولما ولا للنهى ولام الأمر. وضرب يجري مجرى اللازم للمضارع وهو إن للشرط والجزاء تقول إن تضرب أضرب وإن ضربت ضربت وإن ضربت أضرب بالجزم تارة وأضرب بالرفع أخرى توصلا إليه ببعده عن الجازم مع فوات عمل ذلك في القريب منه ظاهرا وإن كان للضرورة، وإن في الاستعمال تظهر مرة كما ذكرت وتضمر أخرى وذلك في خمسة مواضع لدلالتها عليه وهي ما بعد الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض فيجزم الفعل فيها إذا لم يلزم شرط لإضمار وهو أن يكون المضمر من جنس المظهر تناف في الكلام أما إذا لزم كنحو لا تدن من الأسد يأكلك فلا وليس لأحد أن يظن بالنفي دلالة على الشرط في موضع لانعقاد التنافي بينهما بالجزم دائما من حيث لزوم عدم الشك النفي وثبوته الشرط ولذلك استقبحوا إن احمر البسر كان كذا وإن طلعت الشمس آنك إلا في يوم المغيم وبنوا صحة قولهم إن مات فلان كان كذا على استلزامه الشك في أي وقت عين له هذا إذا ذكر الفعل فيها لمعنى الجزاء أما إذا ذكر على سبيل التعديد من حيث الظاهر ويسمى قطعا واستئنافا أو لإثبات معناه لمنكر فيها ويسمى صفة أو لمعرف ويسمى حالاً فليس إلا الرفع والمعطوف على المجزوم أو على ما هو في موضعه بالفاء أو بالواو أو بثم من نحو إن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 تكرمني أكرمك فاخلع عليك وإن تشتمني فلأترك لك وأضربك أو ثم أضربك إن حمل على الابتداء على معنى فأنا أخلع عليك وأنا أضربك ثم أنا أضربك رفع. فصل ومن شأنه استلزام الفاء في الجزاء إذا كان أمراً أو نهيا أو ماضيا لا في معنى الاستقبال أو جملة اسمية أو محمولة على الابتداء كما سبق آنفا أو بدل الفاء إذا اللهم إلا في ضرورة الشعر مع ندرة كنحو: من يفعل الحسنات الله يشكرها ومن شأنه أن يليه الفعل لا محالة ظاهرا أو تقديرا وأن لا يتقدم عليه شيء مما في حيزه ولهذا قالوا في آتيك إن تأتني إن الجزاء محذوف وآتيك قبله كلام وارد على سبيل الأخبار وامتناعهم انجزامه منبه على ذلك قوى. والقسم الرابع وهي الناصبة للفعل أربعة عند سيبويه ومن تابعه: أحدها أن وهو يفيد معنى المصدر ويخصص المضارع بالاستقبال وأنه في الاستعمال يظهر تارة ويضمر أخرى إما واجبا وذلك بعد خمسة أشياء: لام تأكيد النفي كما في قوله تعالى " وما كان الله ليعذبهم " وفاء جواب الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض كنحو ائتني فأكرمك ولا تشتمني فأشتمك وما تأتينا فتحدثنا بمعنى ما تأتينا فكيف تحدثنا: أي لا إتيان ولا حديث كنحو: ولا ترى الضب بها ينجحر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 أي لا ضب ولا انجحار أو ما تأتينا للحديث: أي منك إتيان ولكن لا حديث وأين بيتك فأزورك وليت لي مالا فأنفق ألا تنزل فتصيب خيرا وواو الجمع كنحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن وتسمى واو الصرف: أي تصرف إعراب الثاني عن الأول وأو بمعنى إلا أو على كنحو لألزمنك أو تعطيني حقي وحتى كنحو سرت حتى أدخلها، وإما جائزا قياسيا وذلك بعد لام الغرض كنحو أتيتك لتكرمني مما إذا لم يكن هناك لا فإن كان وجب الإظهار كنحو لئلا تكرمني، أو غير قياسي وذلك فيما عداه، وأما حذفه كنحو قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه فغير ممتنع وقد جاء ترك إعمالها في قوله أن تقرآن على أسماء ويحكماً وفي قراءة مجاهد أن يتم الرضاعة. فصل ولاقتضاء أن مع المضارع الاستقبال إذا أريد الحال في موضع مما ذكر امتنع تقديره هناك ثم إذا ساغ الاستئناف والاشتراك: أعني العطف على مرفوع كان الرفع والعطف أينما ساغ استلزم حكمه وهو الاشتراك في الإعراب كيف كان فتأمل جميع ذلك، والثاني والثالث من الأربعة كي للغرض ويقال لكي وكيما ولكيما ويأتي في الشعر إظهار أن بعد ذلك. قال حميد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 فقالت أكل الناس أصبحت مانحا ... لسانك كيما أن تغر وتخدعا وقال الآخر: أردت لكيما أن تطير بقربتي ... فتتركها شنا ببيداء بلقع ولا ينصب عند الخليل كي إلا بإضمار أن. ولن وهو لنفي سيفعل وأنه لتأكيد النفي في الاستقبال وقد أشير على أنه لنفي الأبد وأصله عند الخليل لا أن فخفف وعند الفراء لا فجعل الألف نونا، ويجوز فيه لن أضرب. والرابع إذن وهو جواب وجزاء وله ثلاثة أوجه: وجه ينصب فيه ألبتة وهو إذا كان جوابا مستأنفا داخلا على مستقبل غير معتمد على مبتدأ قبله ولا شرط ولا قسم كنحو إذن أكرمك في جواب أنا آتيك، ووجه لا ينصب فيه ألبتة وهو أن يكون الفعل للحال أو معتمدا على شيء مما ذكر كنحو أنا إذ أن أراعيك وإن تكرمني إذن أرض عنك ووالله إذن لا أرمي ووجه يجوز فيه الأمران وهو أن يقع بعد واو العطف وفائه وبين الفعل وعند بعضهم أن أصله إذان وفي الكوفيين من يقول إنه اسم منون. والقسم الخامس وهو ما ينصب ثم يرفع سبعة أحرف: ستة تسمى مشبهة بالأفعال لانعقاد الشبهة بينها وبين الماضية منها خصوصا بلزوم الأسماء وانفتاح الأواخر وكونها على أكثر من حرفين يمد ذلك وهي إن بالكسر لتحقيق مضمون الجملة وأن بالفتح وقيس وتميم يقولون عن للتحقيق مع قلب مضمون الجملة على معنى ما هو في حكم المفرد وهو الحاصل من إضافة مصدر منتزع من معنى خبر تلك الجملة على اسمها كنحو قولك في بلغني أن منطلق بلغني انطلاق زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 ولتفاوت المكسور والمفتوح جملة ومفردا تفاوت مواقعهما فاختص المكسور بالابتداء وبما بعد قال وما كان منه والمفتوح بمكان الفاعل والمفعول خارج باب قال والمجرور وبما بعد لو ولولا وفتح في باب علمت بدون اللام وكسر فيه معها كنحو علمت أن فاضل وأن لفاضل وفيما سوى ذلك فتح وكسر بحسب اعتبار الجملة والمفرد ومن شأن المفتوح أن لا يصدر به ألبتة فلا يقال إن منطلق حق بل يقدم الخبر خيفة أن يدخل على المفتوح المكسور فيتوعلى حرفان لمعنى واحد مختلفان بظاهرهما محتملان اختلاف المعنى بخلاف إن منطلق مكسورتين فيورث وهم اختلافهما في المعنى ظاهرا من حيث اعتقادك بالحروف أن الغرض من وضعها الاختصار نظرا على كل واحد منها حيث ينوب عما لا يؤدي معناه إلا بطول وجمعهما على اختلافهما لمعنى واحد في الكلام بخلاف ذلك الغرض ولا ضرورة في ارتكابه وهذا ملخص كلام محصلي أصحابنا ههنا رحمهم الله تعالى. فصل وقد يأتي المفتوح بمعنى لعل، وأما المكسور بمعنى نعم فليس من الباب والثالث من الستة لكن وهو للاستدراك يتوسط بين كلامين يتغايران نفيا وإيجابا إما لفظا نحو جاءني زيد لكن عمراً لم يجي أو بالعكس، وإما معنى كنحو حضر زيد لكن عمراً غائب وعند الفراء أنه مركب. والرابع كأن وهو للتشبيه وعندهم أن الأصل في كأن الأسد إن كالأسد فقدم حرف التشبيه وفتح له المكسور. فصل وتخفف هذه الأربعة: فيبطل عملها في الاستعمال الشائع لازما المكسور اللام إذ ذاك على وجه سيتضح لك ولا تمتنع عن الدخول على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 الفعل لكن يراعى في المكسور عندنا أن يكون الفعل من باب كان أو علمت وفي المفتوح أن يكون مع فعله قد أو سوف أو أختها السين أو حرف نفي. والخامس ليت وهو للتمني. والسادس لعل وهو لتوقع مرجو أو مخوف وقد يشم معنى التمني وهما يدخلان على إن يقال ليت أن حاضرا وكذا عند الأخفش لعل أن قائم بأشبه لعل ليت وفيه لغات أخر عل وعن ولعن ولغن وعند المبرد أن أصله عل واللام لام الابتداء. فصل وتلحق أواخر هذه الستة ما كافة وملغاة إلا أن الإلغاء مع كأن وليت ولعل أكثر لقوة قربها من معنى الفعل وهو السبب في أنها تعمل في الحال وفي اتصالها بضمير الحكاية تارة يقال أنني أننا على الآخر وتارة يقال أني على الآخر ولكن يقل ليتي وأنا على الآخر دون ليت ولعل فإنه لا يقال ليتا ولعلا. فصل ويمتنع تقديم الخبر في هذا الباب على العامل ألبتة وعلى الاسم إذا لم يكن ظرفا: أعني اسما معه حرف جر ظاهرا أو تقديرا فالظرف خبرا كان أو متعلقا بالخبر لا يمتنع كنحو إن في يوم الجمعة القتال أو يوم الجمعة ونحو إن في يوم الجمعة القتال حاصل أو يوم الجمعة هذا على المذهب الظاهر، وأما حذفه فأوجب في قولهم ليت شعري وجوز عند الدلالة فيما عداه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فصل واعلم أن في المعطوف على اسم إن ولكن بعد مضي الجملة جواز الرفع وفي الصفة أيضا عند الزجاج. وأما السابع فهو لا لنفي الجنس وهو ملحق بأن إلحاق النقيض بالنقيض مع اشتراكهما في الاختصاص بالاسم وحق منصوبه إلا فيما ستعرف التنكر ألبتة والباء أيضا إذا لم يكن مضافا ولا مضارعا له ولذلك اختلف في نحو قوله: ألا رجلا جزاه الله خيرا فحمل الثنوين على ضرورة الشعر يونس، وأخرجه الخليل عن الباب بحمله إياه على ألا ترونني رجلا وأما قولهم لا أبا لك فمضاف من وجه نظرا على المعنى وغير مضاف من وجه نظرا على اللفظ فللأول أثبت الألف وللثاني جعل اسم لا ونظيره لا غلامي لك ولا ناصري لك فإذا بطل الوجه الأول بتبديل اللام بحرف لا يلائم الإضافة أو بزيادة فصل كيف كان عند سيبويه وعند يونس غير ظرف لم يبق إلا الاستعمال الآخر وهو لا أب ولا غلامين ولا ناصرين. فصل وإذا وصف المبني على نحو لا رجل ظريف جاز فتح الوصف كما ترى ونصبه ورفعه أما إذا فصلت على نحو لا رجل عندي ظريفا أو ظريف بطل البناء وحكم الوصف الزائد والمعطوف حكم المفصول وكذا حكم المكرر كنحو لا ماء ماء بارد وقد جوز فيه ترك التنوين ومن شأن المنفي في هذا الباب إذا فصل بينه وبين لا أو عرف وجوب الرفع والتكرار مع حرف النفي عند سيبوبه وإذا كرر مع حرف النفي لا لذلك جواز الرفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 فصل وقد حذف منفيه في قولهم لا عليك أي لا بأس عليك وأما مرفوع الباب: أعني الخبر فتميم تركه ألبتة وأهل الحجاز على تركه إن شئت. والقسم السادس وهو ما يرفع ثم ينصب حرفان: ما ولا للنفي في لغة أهل الحجاز شبهوهما بليس في النفي والدخول على الاسم والخبر فرفعوا بهما الاسم ونصبوا الخبر حيث لم يقدموا الخبر على الاسم ولا نقضوا النفي بالا أو بلكن ولزيادة شبه ما بليس لكونه لنفي الحال أعملوه في المنكر والمعرف ولم يعملوا لا إلا في المنكر وأدخلوا الباء في الخبر إذ نصبوا توكيدا للنفي فقالوا ما زيد بقائم دون ما بقائم زيد وكذا دون ما زيد إلا بقائم هو الأعرف وإلا فليس إدخال الباء على المرفوع بممتنع برواية الإمام عبد القاهر عن سيبويه. فصل وكثيراً ما يتبع لا هذا بالتاء الموقوف عليها عند طائفة بالتاء إجراء لها مجرى ليست وعند أخرى بالهاء إجراء لها مجرى ثمة وربة ويقصر دخوله على حين فيقال لات حين كذا بالنصب على حذف الاسم وعند الأخفش أنه لا النافي للجنس وفيه من يقول إنه فعل وهو تعسف كقول من زعم التاء من حين كالحاء منه لغة فيه. وغير العاملة وذكرها استطراد وإلا فهو وظيفة لغوية ضربان مفردة ومركبة والمفردة ضربان بسائط وغير بسائط وغير البسائط، إما ثنائية أو ثلاثية أو رباعية والمركبة ضربان ضرب يلزمه التركيب في معناه وضرب لا يلزمه ذلك فالحاصل منها ستة إذن أضرب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 أربعة من المفردة وهي بسائط ثنائية ثلاثية رباعية، واثنان من المركبة لازم التركيب غير لازم التركيب، فالضرب الأول ثلاثة عشر حرفاء اهـ ك ى ش ل ن ت س ف م وفالهمزة للاستفهام وينفع منه معان بحسب المواقع وقرائن الأحوال كالأمر في نحو ءأسلمتم والاستبطاء في نحو ألم يأن للدين آمنوا والتنبيه في نحو ألم يجدك يتيما والتحضيض في نحو ألا تقاتلون قوما والتوبيخ في نحو أكذبتم بآياتي والوعيد في ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين والتقرير في نحو أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا والتسوية في نحو أأنذرتهم أم لم تنذرهم والتعجب في نحو ألم تر على ربك كيف مد الظل وما شاكل ذلك وسيطلعك على أمثال هذه المعاني علم المعاني. ذن الله تعالى وتستعمل ظاهرة مرة كما نرى ومقدرة أخرى كنحو قوله بسبع رمين الجمر أم بثمان وتدخل على الواو والفاء وثم نحو أو كلما عاهدوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 أفمن كان على بينة، أثم إذا ما وقع وتدخل على الاسم والفعل إلا أنها بالفعل أولى من حيث إن الاستفهام لما كان طلب فهم الشيء استدعى في المطلوب وهو فهم الشيء لا حصوله وهو الجهل به لامتناع طلب الحاصل فما كان سبب الجهل به وهو كعدم الاستمرار أمكن فيه كان باستفهام أولا والفعل لتضمنه للزمان الذي هو أبدا في التجدد كذلك ومن شأن الاستفهام لكونه أهم أن يصدر به الكلام وأن لا يتقدم عليه شيء مما في حيز وللخطاب في ها بمعنى خذ إذا قيل هاء هاؤما هاؤم. والألف للعوض عن التنوين ونون التأكيد ونون إذن في الوقف وعندي أن قولهم بينا زيد قائم إذ كان كذا أو إذا أصله بين أوقات زيد قائم ثم بينا زيد قائم بالتنوين عوضا عن المضاف إليه ثم بينا بالألف بإجراء الوصل مجرى الوقف لازما، وفيه دليل على صحة مذهب الأصمعي في أن الصواب هو بيننا زيد قائم كان كذا بطرح إذ وإذا ولبيان التفجع في الندبة كما سبق ذلك كله وهي وكذا الياء والواو للإطلاق كنحو أقلى اللوم عاذل والعتابا وكقول الآخر: وإذا دارت رحى الحرب الزبون ... وسقيت الغيث أيتها الخيامو وللإنكار كنحو قولك: زيد قدماه أو يقدموه ومررت بحذاميه أو بحذاميه لمن قال زيد قدم أو يقدم ومررت بحذام منكرا لذلك عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 أو لخلاف أن يكون كذلك للتذكير نحو زيد قالا أو يقولوا إذا تذكرت المقول ومن العامي إلا أن الألف ولواو لا يحرك لهما ساكن بخلاف الياء كنحو: وكأن قدي وآلت حلفه لم تحللي في الإطلاق وكذا نحو قدي وعلى إذا تذكرت قد قام والغلام مثلا ونحو أزيدنيه في زيد بالتنوين أو زيداًنيه بزيادة ان إذا تذكرت أو أنكرت وجميع ذلك أشياء وقفية فاعلم، والهاء للدلالة على الغيبة في إياه عند الأخفش كالكاف والياء فيه للخطاب والحكاية عنده وللوقف كالشين المعجمة بعد كاف المؤنث في تميم وغير المعجمة بعده في بكر ومدار الكلام في حرفيتها: أعني الهاء والكاف والياء على بيان تعدد كونها مجرورة أو منصوبة، واللام يأتي في جواب لو ولولا لزيادة الربط غير واجب في وجواب القسم نحو والله لزيد قائم أو ليقومن أو لقد قام واجبا على الأعرف وفي الشرط يتقدمه توطئة له نحو والله لئن أكرمتني لأكرمتك غير واجب، وتسمى الموطئة للقسم وتأتي لتأكيد مضمون الجملة الاسمية نحو لزيد منطلق وتسمى لام الابتداء وهي تجامع أن على أربعة أوجه أن تدخل على اسم إن مفصولا بينه وبينها كنحو إن في الدار لزيد أو على ما يجري مجراه من الضمير المتوسط بينه وبين الخبر فصلا كان كنحو إني زيداً لهو المنطلق أو أفضل منك أو خير منك أو ينطلق أو غير فصل كنحو إن لهو منطلق أو على الخبر كنحو أن لآكل أو ليأكل وتخصص المضارع بالحال أو على متعلق الخبر إذا كان متقدما كنحو أن لطعامك آكل، ومن شأنها إذا خففت أن ولم تعمل أن تلزم فرقا بينها وبين إن النافية وتسمى إذ ذاك الفارقة نحو إن زيد لمنطلق وكذا أن كان زيد لمنطلقاً وأن ظننت لزيد منطلق وكذا عند الكوفيين نحو: إن تزينك لنفسك وإن تشينك لهيه، وعندنا أن هذا الكلام مما لا يقاس عليه وقد جامعها على وجه خامس حيث قالوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 لهنك كذا ولكذا على قول من لا يجعل الأصل والله إنك وعلى مذهب سيبويه تأتي للتعريف نحو العلام والهمزة عنده للوصل ولذلك لا نثبت فيه بخلاف الخليل فان سقوطها عنده لمجرد التخفيف لكثرة دورها والتعريف بها إما أن يكون للجنس وهو أن تقصد بها نفس الحقيقة معينا لها كنحو الدينار خير من الدرهم أو للعهد وهو أن تقصد بها الحقيقة مع قيد الوحدة أو ما ينافيها معينا لذلك كنحو جاءني الرجل أو الرجلان أو الرجال وقد ظهر من هذا أن لا وجه لاعتبار الاستغراق في تعريف الجنس إلا ما سيأتيك في علم المعاني. والنون تأتي للصرف كنحو زيد وللتنكير كنحو صه وعوضا عن المضاف إليه نحو حينئذ ومررت بكل وجئتك من قبل عندي وكذا كل غاية إذا نونت فليتأمل ونائبا مناب حرف الإطلاق في لإنشاد بني تميم كنحو أفلى اللوم عاذل والعتابن وقولي، وغالبا كنحو وقاتم الأعماق خاوي المخترقن مشتبه الأعلام، ويسمى في جميع ذلك تنوينا ويلزمه السكون إلا عند ملاقاة ساكن فإنه يكسر أو يضم حينئذ على تفصيل فيه كنحو وعذاب أركض وربما حذف كنحو قراءة من قرأ - " قل هو الله أحد الله الصمد " - وتأتي للتأكيد كما سبق ولا يؤكد به إلا الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض والقسم والشرط المؤكد حرفه بما كنحو فإما ترين ونحو إن تفعلن بدون ما لا يقع إلا في ضرورة الشعر وقالوا بجهد ما تبلغن وبعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 ما أرينك وربما تقولن ذاك وقلما تقولن ذاك وكثر ما تقولن وطرح هذه النون سائغ إلا في القسم كنحو والله ليقوم فإنه ضعيف ومن شأنه أن يحذف إذا لقي ساكنا بعده. والتاء للخطاب في أنت وأنت على مذهب الأخفش وللإيذان بأن الفاعل مؤنث في نحو جاءت هند وللفرق بين المذكر والمؤنث في الاسم كانسان ورجل وغلامة وحمارة وبرذونة وأسدة وهو قليل وللفرق بينهما في صفة المؤنث كضاربة ومضروبة وحائضة وطامثة وطالقة ونظائرها حال إرادة الحدوث. وأما قولهم حائض وطامث وطالق حال إرادة الثبوت فعند الكوفيين أنها غير مشترك فيها بين المذكر والمؤنث، وعند الخليل أنها ليست صفات بل هي أسماء فيها معنى النسب كتامر ولابن ودارع وعند سيبويه أن موصوفها غير مؤنث وهو إنسان أو شخص وللدلالة على الوحدة كتمرة وجوزة وضربة ومنعة وعلى الكثرة كقولهم البصرية والكوفية والمروانية بتأويل الأمة أو الجماعة وقولهم علامة ونسابة وراوية وفروقة وما شاكل ذلك وارد عندي على ذا وهو السبب عندي في فاة المبالغة إذا قيل فلان علامة والجهة في امتناع أن يقل في نحو علام الغيوب علامتها ولتأكيد التأنيث في المفرد كنعجة وناقة في الجماعة كحجارة وصقورة وصياقلة وللدلالة على النسب في الجماعة كالمهالبة والأشاعثة وعلى التعريف كالجواربة والموازجة وللنفي نص فيها كالفرازنة والجحاجحة. والسين للاستقبال في نحو سيضرب والوقف كما سبق والفاء للتعقيب في العطف ونحو قوله تعالى " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا " وقوله يمشي فيقعس أو يكب فيعثر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 محمول على حذف المعطوف بتقدير فحكم بمجيء البأس وبالعثور فيحكم أو على كونه من باب عرضت الناقة على الحوض والتعقيب في الجزاء لازما على ما تقدم، وفي خبر المبتدأ إذا كان المبتدأ متضمنا لمعنى الشرط بكونه موصولا أو موصوفا والصلة جملة فعلية أو ظرفية غير لازم، والأخفش رحمه الله دون سيبويه رحمه الله لا يغير هذا الحكم بدخول أن عليه لقوله تعالى " أن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم وأمثال له " والميم للتعريف في لغة أهل اليمن وعليه قوله صلى الله عليه وسلم " ليس من أمبر امصيام في أمسفر " والواو للجمع المطلق في العطف وللحال ولصرف الثاني عن إعراب الأول كما مضيا. ندي على ذا وهو السبب عندي في فاة المبالغة إذا قيل فلان علامة والجهة في امتناع أن يقل في نحو علام الغيوب علامتها ولتأكيد التأنيث في المفرد كنعجة وناقة في الجماعة كحجارة وصقورة وصياقلة وللدلالة على النسب في الجماعة كالمهالبة والأشاعثة وعلى التعريف كالجواربة والموازجة وللنفي نص فيها كالفرازنة والجحاجحة. والسين للاستقبال في نحو سيضرب والوقف كما سبق والفاء للتعقيب في العطف ونحو قوله تعالى " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا " وقوله يمشي فيقعس أو يكب فيعثر محمول على حذف المعطوف بتقدير فحكم بمجيء البأس وبالعثور فيحكم أو على كونه من باب عرضت الناقة على الحوض والتعقيب في الجزاء لازما على ما تقدم، وفي خبر المبتدأ إذا كان المبتدأ متضمنا لمعنى الشرط بكونه موصولا أو موصوفا والصلة جملة فعلية أو ظرفية غير لازم، والأخفش رحمه الله دون سيبويه رحمه الله لا يغير هذا الحكم بدخول أن عليه لقوله تعالى " أن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم وأمثال له " والميم للتعريف في لغة أهل اليمن وعليه قوله صلى الله عليه وسلم " ليس من أمبر امصيام في أمسفر " والواو للجمع المطلق في العطف وللحال ولصرف الثاني عن إعراب الأول كما مضيا. والضرب الثاني: سبعة عشر حرفاً أي إي أن إن أم أو ها هل قد الياء المشددة لا لو النون الثقيلة سف سو بل ما. فأي للتفسير في العطف عندي كنحو جاءني أخوك أي زيد ورأيت أخاك أي ومررت بأخيك أي زيد وإي للإيجاب يقول المستخبر هل كان كذا فيقول إي والله وإي لعمري ولا تستعمل إلا مع القسم كما ترى وقد تضمر واو القسم ويقال إذ ذاك أي الله بفتح الياء تارة وأخرى إي الله بتسكينها وثالثة الله بحذفها وقد يقال إي ها الله ذا بتعويض ها عن الواو. وأن تأتي مفسرة بعد فعل في معنى القول كنحو ناديته أن قم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وامرأة أن اسع وكتبت إليه أن احضر وصلة كنحو فلما أن جاء البشير وأما والله أن لو جئتني لأكرمتك ومخففة من الثقيلة كما مضى. وإن تأتي نافية بمنزلة ما كنحو أن يقوم زيد وأن زيد قائم، وقد جوز المبرد رحمه الله إعمالها عمل ليس وصلة كنحو ما أن رأيت عندنا ونحو انتظرني ما أن جلس القاضي ومخففة من الثقيلة على ما عرفت. وأم للاستفهام وطلب الجواب عن أحد ما يذكر على لعيين في العطف كنحو أزيد عندك أم عمر ولذا لا يصح في جوابها إلا زيد أو عمرو أيهما كان وتأنى ولها مدخل في معنى أي تارة وتسمى متصلة وعلامتها إفراد ما بعدها وأخرى في معنى بل وتسمى منقطعة وعلامتها كون ما بعدها جملة أو ورودها في الخبر كنحو " إنها لا بل أم شاء " وأو في الخبر للشك وفي الأمر للتخيير وهو الامتناع عن الجمع أو الإباحة وهي تجويز الجمع، وفي الاستفهام لأحد ما يذكر لا على التعيين وجوابها نعم أو لا وجميع ذلك في العطف. وها للتنبيه وأكثر ما يدخل على أسماء الإشارة للضمائر. وهل للاستفهام كالهمزة إلا فيما كان يتفرع من الاستفهام ثم، وفي الدخول على الواو والفاء وثم وعند سيبويه رحمه الله أنها بمعنى قد وأفادتها معنى الاستفهام لتقدير الهمزة على نحو ما قال أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم ويؤنس لقول سيبويه قلة تصرفها في الكلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 وقد مع الماضي لتقريبه من الحال ومع المضارع لتقلله، وفي كونها للتكثير حيناً لا نكون إلا نظيرة ربما في قوله: فأن تمس مهجور الفناء فربما ... أقام به بعد الوفود وفود ويجوز حذف فعله قال لما تزل برحاليا وكان قد والفصل بينهما بالقسم نحو قد والله أحسنت والياء المشددة كنحو هاشمي في النسبة ومن شأنها تصبير غير الصفة صفة والمعرفة نكرة إذا لم تكن لفظية مثلها في كرسي وبردى. ولا تأتي نافية في العطف لما وجب للأول كنحو جاءني زيد لا عمرو وتدخل على المضارع فتنفيه استقبالياً وتحذف منه على السعة في جواب القسم كنحو تالله تفتأ ونحو: فقلت يمين الله أبرح قاعداً وفي غير جواب القسم إذا كان من أخوات كان كنحو: تزال جبال مبرمات أعدها ونحو تنفك تسمع ما حييت بها لك حتى تكرنه، وقد نفى بها الماضي مكرراً كنحو لا صدق ولا صلى أو في معنى المكرر كنحو قوله تعالى " فلا أقتحم العقبة " لتفسير الاقتحام بفك الرقبة، والإطعام والتكرار مع الماضي ملتزم عند قوم غير ملتزم عند آخرين وأما قول الجميع لا رعاك الله في الدعاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 ووالله لا فعلت في جواب القسم فلتنزل الماضي فيهما منزلة المستقبل، وتأتي نقيضة لنعم وذلك إذ قلتها في جواب من قال جاء زيد أو هل جاء مثل لا والله وللى وذلك إذا قلتها في جواب من أدخل النفي في الكلامين وبمعنى غير كنحو أخذته بلا ذنب وغضبت من لا شيء وذهبت بلا عناد وجئت بلا شيء وصلة نحو ما جاءني زيد ولا عمرو ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ونحو فلا أقسم بمواقع النجوم ولئلا يعلم أهل الكتاب على الأقرب. ولو لنحو الشرط في الماضي على امتناع الثاني لامتناع الأول كقولك لو جاء زيد أو يجيء لأكرمته وحذف جوابها عند الدلالة سائغ وقد يجيء في معنى التمني كنحو لو تأتيني فتحدثني وزعم الفراء رحمه الله أنها تستعمل في الاستقبال كان ولمعنى الشرط فيها حكمها في استدعاء العمل وامتناع تقديم جوابها عليها حكم إن. والنون الثقيلة في التأكيد كالخفيفة فيه إلا في الحذف للساكن. وسف وسو لغتان في سوف غير مشهورتين. وبل للإضراب في العطف عن الأول موجبا أو منفيا كنحو جاءني زيد بل عمرو بإفادة مجيء عمرو وما جاءني بكر بل خالد بإفادة مجئ خالد تارة ولا مجيئة أخرى. وما لمعنى المصدر كنحو أعجبني ما صنعت أو تصنع أي صنعك، ولنفي الحال مع المضارع ومع الماضي ولنفيه مقربا من الحال ولا يقدم عليها شيء مما في حيزها ونحو قوله: إذا هي قامت حاسرا مشمعلة ... تجب الفؤاد رأسها ما تقنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 مع شذوذة يحتمل عندي أن يكون من باب النصب على شريطة التفسير وتأتي صلة إما كافة كنحو ربما قام وإنما الله إله واحد وما شاكل ذلك أو مؤكدة كنحو إما تفعل أفعل أو زائدة في الإبهام كنحو متى تزرني أزرك أو مسلطة كنحو إذ ما تخرج أخرج وحيثما تكن أكن وفيها شمة من العمل وعوضا عن المضاف إليه في بينما على نحو بيننا كما سبق وعن المضاف إليه كما سيأتيك في الضرب الخامس. والضرب الثالث سبعة أحرف أجل إن جير نعم سوف ثم بلى فأجل للتصديق في الخبر خاصة يقال أتاك فلان فنقول أجل. وإن كذلك قال: ويقلن شيب قد علا " " ك وقد كبرت فقلت إنه ولا يمتنع عندي أن تكون إن في البيت هي المشبهة والهاء اسمها لا للوقف بمعنى إنه كذلك وجير بكسر الراء وقد تفتح نظير أجل ويقال جير لأفعلن بمعنى حقا. ونعم للتصديق في الخبر ولتحقيق في الاستفهام مثبتين كانا أو منفيين وكنانة تكسر العين منها. وسوف للاستقبال كالسين وعند أصحابنا أن فيها زيادة تنفيس بناء على أن زيادة الحرف لزيادة المعنى والمراد زيادة الحرف في إحدى كلمتين ترجعان على معنى واحد وأصل كذلك ويدخل عليهما عندنا للام الابتداء. وثم في للعطف للترتيب مع التراخي زمانا أو مرتبة وقد يقال ثمت. وبلى للإيجاب لما بعد النفي مستفهما أو غير مستفهم والضرب الرابع: ستة أحرف: أما إما حتى كلا لما لكن. فأما فيها معنى الشرط فقولك أما زيد فمنطلق بمنزلة مهما يكن من شيء فزيد منطلق ولها عند سيبويه رحمه الله خاصية في تصحيح التقديم لما يمتنع تقديمه فيجوز أما هندا فإن عمر أضارب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 تجويز الخليل ومن تابعه أما يوم الجمعة فإنك منطلق بالكسر والخليل ومن تابعه رحمهم الله لا يرون ذلك فلا يصح عندهم من هذا الجنس إلا ما يصح نصبه بمعنى الفعل كالظرف فاعلم وإما عند سيبويه رحمه الله من العواطف ومعناها معنى أو لا فرق إلا أن أول كلامك مع أو على اليقين ومع إما على الشك والأظهر أنها ليست من العواطف كما ذهب إليه أبو علي الفارسي. وحتى تأتي عاطفة ومبتدأ ما بعدها كقوله وحتى الجياد ما يقدن بأرسان ومعناها وحكمها ههنا عين ما سبق فيها جارة. وكلا للردع والتنبيه. ولما بمعنى إلا في نحو أقسمت عليك لما فعلت وإن كل نفس لما عليها حافظ. ولكن للاستدراك بعد النفي في عطف المفرد كنحو ما جاءني زيد لكن عمرو، وفي عطف الجملة بعد النفي وبعد الإثبات كنحو ما جاءني زيد لكن عمرو قد جاء وجاءني زيد لكن عمرو لم يجيء، وقد أخرجها عن العواطف بعضهم لصحة دخول العاطف عليها والضرب الخامس: عدة أحرف ألا للتنبيه كها وأما كذلك وفيها استعمالات أم وهما وهم وعما وعم وهلا وألا بقلب الهاء همزة. ولولا ولوما للتحضيض وهي تختص بالفعل وسيأتيك تحقيق الكلام فيها في علم المعاني فإذا رفع اسم بعدها أو نصب كان بإضمار فعل. ولولا ولوما يكونان لامتناع الثاني لوجود الأول فيما مضى ويلتزم بعدهما الاسم مرفوعا إما على الابتداء عند أكثر أصحابنا والخبر محذوف وإما على الفاعلية والفعل مضمر عند الكوفيين وابن الأنباري منا وهو المختار عندي والضمير بعد لولا إما أن يكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 منفصلا مرفوعا كنحو لولا أنا ولولا أنت وهو القياس وإما أن يكون متصلا غير مرفوع كنحو لولاي ولولاك. وأما أما في قولهم أما أنت منطلقاً انطلقت فقريب من هذا النوع إذ أصله عند بعضهم لأن كنت منطلقاً انطلقت فحذف كان وعوض عنها ما وانفصل الضمير المتصل، وعند آخرين إن كنت بالكسر ففعل بكنت ما تقدم ثم فتحت الهمزة لأجل الاسم وهو الضمير محافظة على الصورة وقد جاء على الأصل في قولهم أفعل هذا إما لا وأما الضرب السادس فمضمونه قد تقدم في أثناء ما تلي عليك من الحروف وليكن هذا آخر الكلام في باب الحرف وأما النوع الاسمي فهو أيضا يعمل الرفع والنصب والجر والجزم، أما الرفع والنصب فلما يرتفع عن الفعل وينتصب عنه ليس إلا وأنهما لا يكونان إلا للمصدر واسمي الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وأفعل التفضيل واسم الفعل سوى نصب التمييز فهو غير مقصور على ما ذكر وهذه جملة لابد من تفصيلها فنقول: المصدر يعمل عمل فعله نقول أعجبني ضرب زيد عمراً وعمرو ولك أن تضيف في الصورتين لغير ضرورة وأن تعرف باللام للضرورة ولا يصح تقديم شيء مما في حيزه عليه كما لا يصح تقديم منصوبه على المرفوع تقديرا في الضمائر من نحو ضربتك أو إياك وهو المختار واسم الفاعل كيف كان مفردا أو مثنى أو مجموعا جمع تكسير أو تصحيح نكرة في جميع ذلك أو معرفة ظاهرا أو مقدرا مقدما أو مؤخرا يعمل عمل فعله المبني للفاعل إذا كان على أحد زماني ما يجري هو عليه وهو المضارع دون المضي أو الاستمرار عندنا وكان مع ذلك على الأعرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 معتمدا على موصوف أو مبتدأ وذي حال أو حرف نفي أو حرف استفهام ونحو قوله تعالى " وكلبهم باسط ذراعيه " وارد على سبيل حكاية الحال وقولهم الضارب عمراً أمس حكمه حكم الذي ضرب وينبه على هذا امتناعهم من نحو عمراً الضارب من تقديم المنصوب امتناعهم عن ذلك في الذي ضرب. واسم المفعول في جميع ذلك كاسم الفاعل إلا أنه يعمل عمل فعله المبني للمفعول. والصفة المشبهة معتمدة تعمل عمل فعلها كنحو زيد كريم أبواه، وأما أفعل التفضيل فلا ينصب مفعولا به ألبتة والسبب في ذلك عندي ما نبهت عليه في القسم الأول من أن بناءه من باب أفعال الطبائع، وقد عرفت أنه لا يتعدى في رفعه للمظهر دون المضمر للأكثر منع، وقد روي على الممنوع قوله صلى الله عليه وسلم " ما من أيام أحب على الله الصوم فيها من عشر ذي الحجة " بفتح أحب وقولهم ما رأيت رجلا أحسن في عينيه الكحل منه في عين زيد بنصب أحسن. وشأن اسم الفعل في باب الرفع والنصب شأن مسماه وتقديم المرفوع على الرافع في جميع ذلك ممتنع وكذا حذفه اللهم إلا عند المصدر كقوله تعالى " أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما " ولا يقال لعله مضمر إذ لو كان يضمر للزم أن يصح نحو أعجبني من هذا الأمر ظهور كله على نحو إن ظهر كله وليس يصح، ومن شأنه إذا كان ضميرا مستكناً ولا يستكن في المصدر أن يبرز ألبتة إذا جرى متضمنه على غير ما هو له سواء كان الموضع موضع التباس كنحو زيد عمرو ضاربه هو أولم يكن كنحو زيد هند ضاربها هو أو زيد الفرس راكبه هو. أما ما ينصب التمييز من غير ذلك فهو كل اسم يكون محلا للإبهام وهو ضمير كنحو ويحه رجلا ولله دره فارسا وحسبك به ناصرا وربه كريما وغير ذلك وصحة اقتران من بما ذكرنا تنفي وهم كونها أحوالا، أو مضافا ما في السماء موضع كف سحابا ولي ملء الإناء ماء ومثل الثمرة زبدا أوفيه نون جمع أو تثنية كعشرون درهما ومنوان سمنا أو تنون ظهرا كنحو عندي راقود حلا ورطل زيتا وكأي رجلا أو تقديرا كأحد عشر درهما وكم رجلا في الاستفهام وكم في الدار رجلا في الخير إذا فصلت وكذا وكذا دينارا وتقديم المنصوب هنا على الناصب ممتنع. لك كاسم الفاعل إلا أنه يعمل عمل فعله المبني للمفعول. والصفة المشبهة معتمدة تعمل عمل فعلها كنحو زيد كريم أبواه، وأما أفعل التفضيل فلا ينصب مفعولا به ألبتة والسبب في ذلك عندي ما نبهت عليه في القسم الأول من أن بناءه من باب أفعال الطبائع، وقد عرفت أنه لا يتعدى في رفعه للمظهر دون المضمر للأكثر منع، وقد روي على الممنوع قوله صلى الله عليه وسلم " ما من أيام أحب على الله الصوم فيها من عشر ذي الحجة " بفتح أحب وقولهم ما رأيت رجلا أحسن في عينيه الكحل منه في عين زيد بنصب أحسن. وشأن اسم الفعل في باب الرفع والنصب شأن مسماه وتقديم المرفوع على الرافع في جميع ذلك ممتنع وكذا حذفه اللهم إلا عند المصدر كقوله تعالى " أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما " ولا يقال لعله مضمر إذ لو كان يضمر للزم أن يصح نحو أعجبني من هذا الأمر ظهور كله على نحو إن ظهر كله وليس يصح، ومن شأنه إذا كان ضميرا مستكناً ولا يستكن في المصدر أن يبرز ألبتة إذا جرى متضمنه على غير ما هو له سواء كان الموضع موضع التباس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 كنحو زيد عمرو ضاربه هو أولم يكن كنحو زيد هند ضاربها هو أو زيد الفرس راكبه هو. أما ما ينصب التمييز من غير ذلك فهو كل اسم يكون محلا للإبهام وهو ضمير كنحو ويحه رجلا ولله دره فارسا وحسبك به ناصرا وربه كريما وغير ذلك وصحة اقتران من بما ذكرنا تنفي وهم كونها أحوالا، أو مضافا ما في السماء موضع كف سحابا ولي ملء الإناء ماء ومثل الثمرة زبدا أوفيه نون جمع أو تثنية كعشرون درهما ومنوان سمنا أو تنون ظهرا كنحو عندي راقود حلا ورطل زيتا وكأي رجلا أو تقديرا كأحد عشر درهما وكم رجلا في الاستفهام وكم في الدار رجلا في الخير إذا فصل ت وكذا وكذا دينارا وتقديم المنصوب هنا على الناصب ممتنع. واعلم أن الأسماء الناصبة للمميز تتفاوت في اقتضاء زيادة حكم له على النصب وعدم الاقتضاء فالأعداد مفردة كعشرون وثلاثون على تسعون تقتضي في المنصوب الإفراد حتما، ومركبة تقتضي فيه ذلك مع التذكير إذا كانت على نحو أحد عشر على تسعة عشر ومع التأنيث إذا كانت على نحو إحدى عشرة بكون الشين أو كسرها اثنتا عشرة أو اثنتا ثلاث عشرة على تسع عشرة ونحو قوله اثنتي عشرة أسباطا محمول على البدل ولا يجوز إضافتها على المميز، وكذا حكم كم الاستفهامية وكأي بدون من فإنها تصحبه في الأغلب، وكذا حكم عشرون والضمير والمضاف وكم الخبرية عند ال فصل بغير الظرف نظائر عشرون إلا في لزوم الإفراد للميز، والظاهر من حكم جميع ما عدا ذلك الخيرة بين الأفراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 وتركه وجواز الإضافة أيضا إذا لم يكن الناصب اسم فعل ولا من باب التفضيل من نحو هو أصلب من فلان نبعا وخير منه طبعا. وأما الجر فلما يضاف هو إليه كنحو غلام زيد وخاتم فضة وضارب عمرو وحسن الوجه. والإضافة على ضربين: لفظية وهي إضافة الصفة على فاعلها أو مفعولها، والمراد بالصفة أسماء الفاعل والمفعول والصفة المشبهة ويندرج فيها المنسوب كهاشمي وأفعل التفضيل في معنى الزيادة وهي لا تفيد زيادة فائدة على فصلها معنى لكن المطلوب ههنا التخفيف في اللفظ وهو حذف ما يحذف لها من التنوين ونوني التثنية والجمع ولذلك لم يجز عندنا نحو الضارب زيد. وأما نحو الضاربك والضارباتك فجوز لكونه بمنزلة غير المضاف لقيام الضمير في هذا الباب مقام التنوين في نحو ضاربك والنون في ضارباك وضاربوك والضارباك والضاربوك لامتناعهم عن الجمع بينه وبين ذلك وكون قوله وهم الآمرون الخير والفاعلونه شاذا لا يعمل عليه ألبتة عند غير أبي العباس وأما نحو الضارب الرجل فانما جوز تشبيها بالحسن الوجه الذي هو بمنزلة غير المضاف أيضا وهو الحسن وجهه وفي استعمال الحسن إلى بالمفعول بالرفع على البدل عن الضمير وهو قول علي بن عيسى وبالجر والنصب ووجه بالجر وبالنصب على التمييز وسبعة مع تعريفه باللام هي بأسرها سوى وجهه بالجر، وأما الحسن وجه بالجهر فهو وان كان لا يجوز عندنا من أجل وروده على خلاف مبني الإضافة فقد جوزه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 الفراء ذاهبا فيه على أنه في معنى المعرفة إذ لا يلتبس أن المراد به وجه الموصوف. ومعنوية وهي ما عداها ومن حكم أصحابنا أنها في الأمر العام تارة تكون بمعنى من كنحو خاتم فضة وعلامتها صحة إطلاق اسم المضاف إليه على المضاف الذي لا يجانسه في اللفظ بالموضع الواحد وقولي لا يجانسه احتراز عن نحو غلام غلام زيد وقولي بالموضع الواحد احتراز عن نحو غلام زيد إذا اتفق أن يكون اسم الغلام وأخرى بمعنى اللام كنحو ثوب رجل ويده ورجله وعلامتها بعد أن لا تكون بمعنى في كنحو قتلى الطف وثابت الغدر انتفاء تلك الصحة وعندي أنها لا تخرج عن النوعين ونحو قتلى الطف من بابه اللامية بطريق قوله إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة وقوله لتغني عني ذا إنائك أجمعا مما تجري فيه لإضافة بأدنى الملابسة ونحو ثابت الغدر من باب اللفظية وهذه أعني المعنوية إذا كان المضاف إليه نكرة أفادت تخصيصا وإلا فتعريفا لا محالة، ولذلك قلنا في نحو ثلاث الأثواب تعريف الثلاثة باللام مستغنى عنه إلا في نحو غير وشبه اللهم إلا إذا شهر المضاف بمغايرة المضاف إليه كقوله عز وجل " غير المغضوب عليهم " أو مماثلته ولاستلزام الإضافة بالإطلاق إفادة التخصيص أو التعريف ألبتة، اللهم إلا في الأعلام فإنها في نحو عبد الله اسما علما بمعزل عن ذلك وامتناع أن يتعرف الشيء بنفسه أو يتخصص لم يصح نحو ليث أسد وحبس منع وصح نحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 قيس قعة وزيد بطة على الظاهر، ووجه امتناع إضافة الموصوف على صفته أو الصفة على موصوفها راجع على ذلك فليتأمل وقولي على صفته وعلى موصوفها احتراز عن نحو دار الآخرة وصلاة الأولى ومسجد الجامع وجانب الغربي وبقلة الحمقاء، ونحو سحق عمامة وجرد قطيفة وأخلاق ثياب وجائبة خبر ومغربة خبر، والله أعلم. فصل وكما تكون الإضافة على الاسم تكون على الجملة الفعلية وذلك في أسماء الزمان كنحو جئتك يوم جاء زيد وآتيك إذا احمر البسر وما رأيتك مذ دخل الشتاء ومنذ قدم فلان وفي آية قال بآية يقدمون الخيل شعثا وذي يقال اذهب بذي تسلم واذهبا بذي تسلمان واذهبوا بذي تسلمون وفي حيث كنحو اجلس حيث جلس زيد وعلى الاسمية كنحو رأيتك زمن فلان أمير وإذا الخليفة فلان واجلس حيث زيد جالس. فصل ولا يجوز إضافة المضاف ثانية ولا تقديم المضاف إليه على المضاف ولا الفصل بينهما بغير الظرف ونحو قوله بين زراعي وجبهة الأسد محمول على حذف المضاف إليه من الأول ونحو قراءة من قرأ قتل أولادهم شركائهم ومخف وعده رسله لاستنادها على الثقات وكثرة نظائرها من الأشعار ومن أرادها فعليه بخصائص لإمام ابن جني محمولة عندي على حذف المضاف إليه من الأول على نحو ما سبق وإضمار المضاف مع الثاني على نحو قراءة من قرأ والله يريد الآخرة بالجر بإضمار المضاف على تقدير عرض الآخرة ونحو قول أبي داود: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 أكل امرئ تحسين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا بإضمار أيضا على تقدير وكل نار وقول العرب ما كل سوداء تمرة ولا بيضاء شحمة عند سيبويه دون الأخفش في أحد الروايتين تفاديا بذلك عن العطف بالحرف الواحد على عاملين وما ذكرت وإن كان فيه نوع من البعد فتخطئة الثقات والفصحاء أبعد. فصل ويجوز حذف المضاف وهو تركه وأجراء حقه في الإعراب على المضاف إليه كقوله تعالى " وائل القرية " وقد جاء أجراء حقه في غير الإعراب عليه أيضا قال: يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل فذكر الضمير في يصفق حيث أراد ماء بردى وقال الله تعالى " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أوهم قائلون " وحذف المضاف إليه كما سبق وحذفهما معا كنحو. وقد جعلتني من حزيمة أصبعا. واسأل البحار فانتحى للعقيق على ما قدر أبو علي الفارسي من ذا مسافة أصبع وسقيا سحابة، والله أعلم. فصل واعلم أن الأسماء في الإضافة بعد استوائها في اقتضاء الجر لمضاف إليه تتفاوت في اقتضاء زيادة حالة كالإفراد والتثنية والجمع والتعريف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 والتنكير والتأنيث والتذكير وغير ذلك وعدم انتضائها فلنذكر من ذلك. اعلم أن الأعداد من المائة والألف وما يتضاعف منهما تقتضي الإفراد في المضاف إليه ومن الثلاثة على العشرة ثمانيتها الجمع ونحو ثلثمائة على تسعمائة ليس بقياس إنما القياس قول من قال: ثلاث مئين للملوك وفى بها. لكنه متروك في الاستعمال، ثم هي مع الباء تقتضي التذكير في المضاف إليه وبدونها التأنيث، والمراد تذكير الأفراد وتأنيثها، وقد ينصب مجرور هذه الأعداد كنحو ثلاثة أثوابا ومائتان عاما. قال: إذا عاش الفتى مائتين عاما ... فقد ذهب اللذاذة والفتاء وقوله تعالى " ثلاثمائة سنين " غير مضاف مضافا على القراءتين مفتقر على التخريج، وأي يأبى الإفراد في المضاف إليه معرفة ويقبله فيه نكرة، وقولهم: أيي وأيك كان شرا فأخزاه الله بمنزلة أخزى الله الكاذب منى ومنك وهو بيني وبينك، والمعنى أيا ومنا وبيننا وأنه لا ينفك عن الإضافة وإذا سمعتهم يقولون أيا رأيت عنوا أيهم ولذا يفتقر على الذكر ألبتة افتقار أيهم، وقالوا في حرف التنبيه معه في يا أيها أنه عوض عن المضاف إليه صورة، وكم الخبرية تأبى فيه التثنية إباء ما هي كناية عنه من باب الثلاثة تارة وباب المائة أخرى، والغالب عليها استعمالها مع من كقوله تعالى " وكم من قرية " وكل تقتضي فيه الكثرة ظاهرا أو تقديرا إذا كان معرفة كنحو كل الأجزاء وكل المجموع والأصح فيه الإفراد والتثنية والجمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 وأجمع نظير كل ولا يضاف على غير المعرفة، وكلا وكلتا تقتضيان فيه التثنية والتعريف بعد التذكير والتأنيث، وقوله: إن للخير والشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل نظير قوله تعالى عز قائلا " عوان بين ذلك " وأفعل التفضيل في معنى الزيادة إذا شرط التقابل اقتضى فيه التنكير وحكم موصوفه فيه من الإفراد والتثنية والجمع كقولك هو أفضل رجل وهما أفضل رجلين وهم أفضل رجال وإلا أبى التنكير فيه والإفراد، ومن شأن أفعل التفضيل إذا كان مضافا بمعنى الزيادة لا بشرط التقابل أن يكون موصوفه في جملة المضاف إليه ولذلك نهى في إضافته هذه من نحو أن يقال يوسف أحسن إخوته بإضافة الإخوة على ضمير يوسف لمنافاتها حكم أفعل لاقتضائها أن لا يكون يوسف في الإخوة، وذو وما يتصل به من المؤنث وغيره يقتضي فيه الجنسية كنحو ذو مال وذات جمال ونحو قوله: صبحنا الخزرجية مرهفات ... أباد ذوي أرومتها ذووها معدود في الشواذ. فصل وكما اتفق في قبيل عوامل الأفعال ما قد تفرد بأحكام راجعه إليه كذلك اتفق ههنا من ذلك أفعل التفضيل فإنه متفرد بأن يكون استعماله إما معرفا باللام وإما مضافا وإما مصحوبا بمن، ويلزمه في الأول التثنية والجمع والتأنيث وفي الثالث ترك ذلك ولا يكون إلا منكرا فيه وفي الثاني الخبرة لم يخرج من هذا الحكم إلا آخر فإنه التزم فيه حذف من ولم يستوفيه ما استوى في أخواته حيث قالوا: مررت بآخرين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 وآخرين وأخرى وأخريين وأخر وأخريات وإلا دنيا في مؤنثة فإنها استعملت بغير حرف التعريف. قال العجاج: في سعي دنيا طالما قدمت رجلي أيضا. ومن ذلك هلم في لغة بني تميم فإنهم يقولون هلما هلموا هلممن، والظاهر من حكم أسماء الأفعال امتناع ذلك وعليه أهل الحجاز فيه ولذلك حيث قالوا هاتيا هاتوا هاتي هاتين اخترنا منع اسمية هات على ارتكاب نوع من الخفاء في اشتقاقه، ومن ذلك ها فإنه تلحق آخره همزة للخطاب ويصرف مع المخاطب في أحواله تصريف كاف الخطاب، والظاهر من هذا الاستعمال فيما عداه العدم. وأما الجزم فللفعل إذا أفاد فيه معنى الشرط والجزاء والأسماء التي تفيد ذلك هي من نحو من يكرمني أكرمه وأي نحو أيهم يأنني أكرمه وأنى نحو فأصبحت أنى تأتها تلتبس بها وإذا ما نحو وإذ ما تخرج أخرج وحيثما نحو حيثما تجلس أجلس وأين نحو أين تكن أكن ومتى نحو متى تركب أركب وتدخل عليهما ما لزيادة الإبهام فيقال أينما ومتى ما، وما نحو ما تصنع أصنع وتدخل عليها عند قوم ما الإبهامية فتصير ماما فتستشبع فيجعل مهما وعند آخرين تدخل على مذ وإذا في الشعر وإذما، وبسط الكلام في معاني هذه الأسماء موضعه علم المعاني، ولمعنى الشرط في إذا دون إذ حمل الرفع في نحو " إذا السماء انشقت " على نحو ما حمل في إن ذو لوثة لأنا ونظائره، ولنقتصر من النوع الاسمي على هذا القدر وإلا فإن خيط الكلام فيه مما لا يكاد ينقطع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وأما النوع المعنوي، وهو الرابع فإنه صنفان: أحدهما التزامي، وذلك أن تأخذ معنى فعل من غير الفعل لدلالة له عليه وأنه برفع إذا كان المأخوذ منه جملة ظرفية ومعتمدة على أحد الأشياء الخمسة كنحو هل في الدار أحد وما عندنا شيء وأو كصيب من السماء فيه ظلمات ولقيته عليه جبة وشيء وزيد له فرس هو الأعرف وأن لم تكن معتمدة أو لم يكن المأخوذ منه جملة ظرفية لم يصلح إلا لنصب المفعول المطلق أو ما يقوم مقامه كنحو علي لفلان ألف درهم عرفا، والله أكبر دعوة الحق: وإني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك مع الصدود لأميل ونحو هذا عبد الله حقا والحق لا الباطل وهذا زيد غير ما تقول أو المفعول فيه كنحو في الدار زيد أبدا ولك غلامي يوم الجمعة أو الحال كنحو مالك قائما وما شأنك واقفا وهذا بعلي شيخا لا ينصب إلا وهو متقدم على المعمول في الأقوى. وثانيهما ليس بالتزامي وأنه عند سيبويه يرفع لا غير وعند الأخفش من أصحابنا في مذهبه في الصفة يتخطى الرفع وكذا عند خلف الأحمر من الكوفيين في مذهبه في الفاعل والمفعول ووضع كتابنا هذا حيث أفاد الغرض الأصلي من الكلام في الصفة والفاعل والمفعول وهو معرفة إعرابها أغنى عن التعرض لغير مذهب سيبويه فنسوق الكلام بإذن الله تعالى على مذهبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 اعلم أن المعنى العامل فيما عرفته عند سيبويه ومن تابعه من الأئمة شيئاًن: أحدهما الابتداء وأنه يرفع المبتدأ والخبر ويعنون بالابتداء تجريد الاسم عن العوامل اللفظية لأجل الإسناد كنحو زيد منطلق وحسبك عمرو وهل أحد قائم ويسمى المسند إليه مبتدأ والمسند خبرا، والمراد عندهم بالعوامل اللفظية ما عملت كأن وأن وأخواتهما، ومن شأن المبتدأ إذا كان ضمير الشأن أن يجب تقديمه كنحو هو زيد منطلق وجوب تقديم الخبر إذا كان فيه معنى استفهام كنحو أين زيد أو كان ظرفا والمبتدأ نكرة غير مقدر في الدار رجل وأن يرتفع الوجوب في الجانبين فيما سوى ذلك ولا كلام في جواز الحذف لأيهما شئت عند الدلالة، ولذا يحمل قوله تعالى " فصبر جميل " على حذف المبتدأ تارة وحذف الخبر أخرى، وقد جاء حذف الخبر ملتزما في مواضع: منها قولهم ضربي قائما وأكثر شربي السويق ملتوتا وأخطب ما يكون الأمير قائما وكل رجل وضيعته، وقولهم الزيداًن باعتبار، وقولهم لولا زيد على أحد المذهبين. وثانيهما صحة وقوع الفعل المضارع موقع الاسم فإنها ترفعه كنحو زيد يضرب، وكذا يضرب الزيداًن ولا بد من تفسير الصحة بعدم الاستحالة أو القول عند خلوص الداعي بعدم الوجوب حتى يتمشى كلامهم إذا تأملته. واعلم أنه لا يجتمع عاملان لفظي ومعنوي إلا ويظهر عمل اللفظي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 ويقدر عمل المعنوي كنحو بحسبك عمرو هل من أحد قائم ولا لفظيان إلا ويظهر عمل الأقرب لا محالة عندنا كنحو ليس زيد بقائم وما جاءني من رجل وأكرمني وأكرمت زيداً، وأما الكوفيون فإنهم يظهرون في نحو أكرمني وأكرمت عمل الأول ويقولون أكرمني وأكرمت أو أكرمته زيد، وكذا إذا قدمت وأخرت يقولون أكرمت وأكرمني زيداً، وعلى هذا فقس. ولنكتف من هذا النوع بما ذكر منتقلين على الباب الثالث فقد حان أن نفعل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 الباب الثالث في الأثر وهو الإعراب اعلم أنه يتفاوت بحسب تفاوت القابل، فإذا كان آخر المعرب ألفا لم يقبل الرفع والنصب والجر إلا مقدرة، وإذا كان ياء مكسورا ما قبله لم يقبل الرفع والجر إلا مقدرين، هذا هو القياس وقد جاء في الشعر ظاهرين على سبيل الشذوذ كما جاء النصب فيه مقدرا كذلك إلا أنه دون الأول كغير القبيح، وإذا كان أعني المعرب أحد هذه الأسماء، وهي هم أب أخ حم ذو هن أيضا سادسا عند أكثر الأئمة كان الرفع والنصب والجر حال الإضافة بالواو والألف والياء على الأعرف كنحو فوه فاه فيه ذو مال ذا مال ذي مال، وإذا كان مثنى كان رفعه بالألف كنحو مسلمان ونصبه وجره بالياء كنحو مسلمين، وإذا كان أحد لفظي كلا وكلتا كان في حال الإضافة على الضمير كالمثنى، ومن العرب من يلزم الألف فيهما وفي المثنى في جميع الأحوال، وإذا كان جمعا على حد التثنية كان رفعه بالواو كنحو مسلمون وأخواه بالياء كنحو مسلمين، وإذا كان جمعا بالألف والتاء كنحو مسلمات لم يقبل النصب إلا على صورة الجر، وإذا كان غير منصرف ولم يكن مضافا ولا معرفا باللام لم يقبل الجر إلا على صورة النصب إلا في ضرورة الشعر وليس كذلك يقبح، وإذا كان المعرب مضارع لم يقبل الرفع حال اعتلال الآخر إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 مقدارا وكان جزمه بسقوط المعتل ونصبه فيما دون الألف بالتحريك إلا ما شاذ في الشعر من الثبوت هناك ومن التسكين ههنا، هذا إذا لم يكن أعني المضارع متصلا بألف الاثنين أو الاثنتين أو واو الذكور أو ياء المؤنث المخاطب، فإذا كان متصلا كان رفعه بالنون بعد الضمير وجزمه ونصبه بعدمه، وإذا كان المعرب غير جميع ذلك كان رفعه ونصبه وجره وجزمه على ما هو المعتاد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فصل في خاتمة الكتاب وإذ قد وفينا الكلام في باب الضبط لما افتقر إليه حقه مجتهدين في التجنب عن غايتي اختصار يخل وتلخيص يمل فلا علينا أن نختمه لمن أراد بما يأنس به أو لو الفطن من إملاء بعض مناسبات لما هو على التعرض له أسبق كنحو التعرض لعلة وقوع الإعراب في الكلم، وعلة كونه في الآخر لا محالة عندنا، وعلة كونه بالحركات أصلا، وعلة عدم استكنانه أصلا، وعلة كونه في الأسماء دون الأفعال أصلا، وعلة كون الصرف في الأسماء أصلا، وعلة كون البناء لغير الأسماء أصلا، وعلة كون السكون للبناء أصلا، وعلة كون الفعل في باب العمل أصلا، ونحو التعرض لكون الفاعل والمفعول والمضاف إليه مقدمة في الاعتبار، وعلة توزيع الرفع والنصب والجر عليها على ما وزعت، ونحو التعرض لعلة ما ورد على غير هذا الإضمار على ما ورد والكلام في ذلك كله مبني على تقرير مقدمتين وتحرير عشرة فصول. أما المقدمة الأولى فهي أن اعتبار أواخر الكلم ساكنة ما لم يعرف عن السكون مانع أقرب لخفة السكون بشهادة الحس وكون الخفة مطلوبة بشهادة العرف ولكون السكون أيضا أقرب حصولا لتوقفه على اعتبار واحد وهو جنسه دون الحركة لتوقفها على اعتبارين جنسها ونوعها فتأمل فهو في اللفظ اختصار، فإذا منع عنه مانع ترك على الحركة وأنه نوعان حسي وهو مجامعته لسكون آخر ألا تراك كيف تحس في نحو اضرب اضرب إذا رمت الجمع بين الباء والضاد ساكنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 بشيء من الكلفة وربما تعذر أصلا على بعض، وأما السكون الوقفي نحو بكر غلام فقد هون الخطب فيه كونه طارئا لا يلزم وعقلي وهو ردوده وأنه شيء لا نوع له كما تعلم حيث وتردد شيء ذي أنواع مطلوب مثل أن تكون الكلمة دالة على مسمى من حيث ذلك المسمى فقط، ثم تقع في التركيب وتقيد مسماها بقيد مطلوب المعلومية فيحتاج على دلالة عليه وأنت تعلم أن التركيب الساذج وهو ورود كلمة بعد أخرى لكونه مشترك الدلالة لمجيئه تارة وأخرى لمجرد التعديد لا يصلح دليلا على ذلك فيلزم حينئذ بعد الهرب عن وضع شيء مفارق للكلمة يدل على قيد غير مفارق لمعناها لخروجه عن حد التناسب مع أمر كان رعايته التصرف فيها إما بزيادة أو نقصان أو تبديل لامتناع اعتبار رابع هنا بشهادة التأمل بعد الهرب عن الجمع بين اثنين منها أو أكثر تقليلا للتصرف لكن لزوم الثقل للأول وعدم المناسبة للثاني وهو نقصان الكلمة لازدياد المعنى مانع عن ذاك وعلى امتناعه فيما إذا كان على حرف واحد مع الظفر بما هو عارض جميع ذلك وهو تبديل حالة من الأحوال الأربع الحركات والسكون لما في غير هذا التبديل وهو إذ ذاك بعد رعاية أن يقع التصرف في الكلمة ما ذكرنا وإنما يقع فيها إذا لم تبطل بالكلية ليس إلا بتبديل حرف منه بحرف أو مكان لذلك بمكان أعني القلب لا غير بشهادة الاستقراء الصحيح بعد الهرب عن الجمع بين اثنين من الخروج عن المناسبة وهو ترك الأقرب على الأبعد لا لموجب معلوم إذ الحركات أبعاض حروف المد بدليل أن حروف المد قابلة للزيادة والنقصان في باب الامتداد بشهادة الحس وكل ما كان كذلك فله طرفان بشهادة العقل ولا طرف في النقصان إلا هذه الحركات بشهادة الوجدان وكم بين الشيء كلا وبعضا في باب القرب مع امتناعه حيث كان يمتنع النقصان ومختار الآخر لهذا التبديل لكونه أقبل للتغيير لاحتماله الأحوال الأربع من غير كلفة دون الصدر ولا مدخل للوسط في الاعتبار إذ هو شيء لا يوجد كثيراً كما في نحو غد ويد ولا يتعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 كما في نحو مكرم ومستخرج ولكون التناسب بين الدليل على هذا الوجه وبين مدلوله وهو قيد مسمى الكلمة المتأخر في الاعتبار مرعيا في كونهما متأخرين وأما الثانية فهي أن الغرض الأصلي من وضع الكلم هو التركيب لامتناع وضعها إلا لفائدة وامتناع الفائدة فيها غير مركبة لامتناع استعمالها من أجل إفادتها المسميات لاستلزام الدور لتوقف إفادتها لها على العلم بكونها مختصة بها غير مستوية النسبة إليها وعلىغيرها لاستحالة ترجح أحد المتساويين على الآخر وتوقف العلم باختصاصها بها على العلم بها أنفسها ابتداء مع امتناع عد ما سبق على الفهم عند التلفظ بها مجرد القصد على مسمياتها فائدة بشهادة الوجدان، والأصل في التركيب هو نوع الخبر لكثرته وقلة ما سواه بالنسبة إليه بشهادة الاستقراء وتنزيل الأكثر منزلة الكل بحكم العرف لعدم انفكاك حقيقته عن الخبر يجعل أصلا في باب الخبر فيظهر من هذا تمام انصباب الغرض من الوضع على اعتبار الفعل، وإذا تقرر هذان المقدمتان على هذا الوجه بنينا على الأولى منهما الكلام في علة وقوع الإعراب في الكلم وعلة كونه في الآخر وعلة كونه بالحركات. وعلة عدم استكنانه لخروجه إذ ذاك عن الدلالة وعلة كونه في الأسماء دون الأفعال لظهور كون الأسماء مقتضية لذلك من جهة المناسبة لحصول كونها ومتقيدة بما يحتاج عنده في الدلالة عليه وهو معنى الفاعلية والمفعولية وكونها مضافا إليها، وعلة كون الصرف في الأسماء أصلا لتقيدها بما يقتضي الجر كفاه تقيدها بما يقتضي أخويه واستدعاء دخول الجر فيها عدم منع التنوين منها كما ستقف عليه، وعلة كون البناء لغير الأسماء وكونه على السكون أصلا لانتفاء موجب التحريك جريا على الظاهر، وعلة كون الفعل في باب العمل أصلا لظهور كونه داعيا أو كون الداعي معه على الإعراب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 لتقيد الاسم معه في نحو عرف زيد عمراً بالفاعلية والمفعولية والاسم وإن كان يتقيد معه في نحو غلام زيد بالكون مضافا إليه لا يلزم مع الفعل في قرن لقلة التقيد معه بالنسبة على الفعل، وعلى الثانية الكلام في تقديم الفاعل والمفعول والمضاف إليه في الاعتبار وتوزيع الرفع والنصب والجر عليها على ما وزعت لما أن الفعل المتقدم في الاعتبار حيث لم يقم وحده في باب الخبر بالفائدة واستتبع فاعله ومفعوله إذ هما أقرب شيئين إليه تقدم الفاعل والمفعول والمضاف إليه في الاعتبار وحيث كان الفاعل في الاعتبار أقوى لامتناع الفائدة بدونه والمفعول أضعف لكونه بخلافه والمضاف إليه بين بين لشموله إياهما وشهد الحس للضم بكونه أقوى الحركات وللفتح بكونه أضعفها وللكسر بكونه بين بين جعل الرفع للفاعل والنصب للمفعول والجر للمضاف إليه اعتبارا للتناسب. وأما الفصول فأحدها في علة بناء ما بني من الأسماء وما يتصل بالبناء من اختلافه سكونا وحركة فتحة وضمة وكسرة . وثانيها في علة امتناع ما يمنع من الصرف وما يتصل بذلك. وثالثها في علة إعراب الأسماء الستة بالحروف مضافة. ورابعها في علة إعراب المثنى والمجموع على ما هو عليه. وخامسها في علة إعراب كلا وكلتا مضافين على الضمير على ما هو عليه وسادسها في علة إعراب نحو مسلمات على ما هو عليه. وسابعها في علة إعراب ما أعرب من الأفعال ووقوع الجزم في إعرابه موقع الجر في الأسماء وكيفية تفاوته ظهورا واستكنانا وزيادة ونقصانا، وثامنها في علة عمل الحروف العاملة وكيفية اختلافها في ذلك. وتاسعها في علة عمل الأسماء غير الجر وكيفية اختلافها في ذلك. وعاشرها في علة عمل المعنى الرفع للمبتدأ والخبر والفعل المضارع، وبه نختم الكلام في هذا القسم بإذن الله تعالى. الاسم معه في نحو عرف زيد عمراً بالفاعلية والمفعولية والاسم وإن كان يتقيد معه في نحو غلام زيد بالكون مضافا إليه لا يلزم مع الفعل في قرن لقلة التقيد معه بالنسبة على الفعل، وعلى الثانية الكلام في تقديم الفاعل والمفعول والمضاف إليه في الاعتبار وتوزيع الرفع والنصب والجر عليها على ما وزعت لما أن الفعل المتقدم في الاعتبار حيث لم يقم وحده في باب الخبر بالفائدة واستتبع فاعله ومفعوله إذ هما أقرب شيئين إليه تقدم الفاعل والمفعول والمضاف إليه في الاعتبار وحيث كان الفاعل في الاعتبار أقوى لامتناع الفائدة بدونه والمفعول أضعف لكونه بخلافه والمضاف إليه بين بين لشموله إياهما وشهد الحس للضم بكونه أقوى الحركات وللفتح بكونه أضعفها وللكسر بكونه بين بين جعل الرفع للفاعل والنصب للمفعول والجر للمضاف إليه اعتبارا للتناسب. وأما الفصول فأحدها في علة بناء ما بني من الأسماء وما يتصل بالبناء من اختلافه سكونا وحركة فتحة وضمة وكسرة. وثانيها في علة امتناع ما يمنع من الصرف وما يتصل بذلك. وثالثها في علة إعراب الأسماء الستة بالحروف مضافة. ورابعها في علة إعراب المثنى والمجموع على ما هو عليه. وخامسها في علة إعراب كلا وكلتا مضافين على الضمير على ما هو عليه وسادسها في علة إعراب نحو مسلمات على ما هو عليه. وسابعها في علة إعراب ما أعرب من الأفعال ووقوع الجزم في إعرابه موقع الجر في الأسماء وكيفية تفاوته ظهورا واستكنانا وزيادة ونقصانا، وثامنها في علة عمل الحروف العاملة وكيفية اختلافها في ذلك. وتاسعها في علة عمل الأسماء غير الجر وكيفية اختلافها في ذلك. وعاشرها في علة عمل المعنى الرفع للمبتدأ والخبر والفعل المضارع، وبه نختم الكلام في هذا القسم بإذن الله تعالى. وقبل أن نشرع في هذه الفصول يجب أن يكون مقرراً عندك أن كلام الفرقتين في هذه المناسبات وارد على مساق قياس الشبه في الغالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 الفصل الأول في علة بناء ما بنى من الأسماء وما يتصل بالبناء من اختلافه سكونا وحركة فتحة وضمة وكسرة اعلم ان البناء في الأسماء تارة يكون لفوات موجب الإعراب الذي قررنا وأخرى لوجود مانع وثالثة لكلا الاعتبارين، فمن القسم الأول أسماء الأفعال ويندرج فيها فعال بمعنى الأمر والمنفصلة من الضمائر والمتصلة المرفوعة، وأما ما سوى المرفوعة بعد التزام أن يكون المجرور والمنصوب على صورة واحدة لتآخيهما في كونهما فضلتين في الكلام مع جهات آخر تجاريه، فمن القسم الثاني وكذا صدور المركبات ولك أن تدخلها في القسم الأول لعدم تقيدها بعد التركيب بما أوجب الإعراب فيها، ويندرج فيها المضاف على ياء المتكلم لقوة الاتصال بينهما من الجانبين، وكذا نوعا يضربن بنون جماعة النساء وليضربن بالنون الثقيلة أو الخفيفة، ومن الثاني الأصوات لوضعها على سبيل الحكاية المراد بها تأدية الهيئة من غير تصرف فيها والمتضمنة لمعاني الحروف غير العاملة فيها لتوخي التنبيه ببنائها على المتضمن الذي لا عمل له فينبه بذلك عليه وقد اندرج فيها أمس لتضمنه معنى لام التعريف وبيان ذلك بشيئين: أحدهما أنه معرفة ويدل على ذلك تعريفهم وصفه في قولهم أمس الدابر وأمس الأحداث، وثانيهما بأن تعرفه باللام ويدل عليه تقسيم المعارف على خمسة أنواع للإجماع وهي المضمرات والمبهمات والمضافات والأعلام والداخلة فيها اللام وسبرها بأن ليس من المضمرات والمبهمات والمضافات كما لا يخفى، ولا من الأعلام أيضاً لدخول معنى الجنس فيه وهو كل يوم سبق يومك بليلة وامتناع ذلك في الأعلام وفعال أيضاً بمعنى المصدر المعرفة والمنفي نفي الجنس لتضمنه معنى ما الإبهامية عندي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 والغايات أيضاً إذا تمت فإنها متضمنة معنى الإضافة وأنها من معاني الحروف ولا يقال يشكل بنفس لفظ الإضافة فإن المراد بمعنى الإضافة ههنا لازم معناها كلاميتها أو ميميتها، ولا تنس قولي غير العاملة فيها وههنا وهنا وثم لتضمنها لمعنى الإشارة وأسماء الإشارة لشبهها بالحروف في أنها لا تقوم بأنفسها في الدلالة على المعاني في الظاهر، وأما ما يذكر من أنها لا تلزمه المسميات والأصل في الأسماء لزومها إياها فحيث خالفتها في الحكم، فلو كانت عند تلخيص مسمياتها غير لازمة لها كما يقال لكان شيئاً ويندرج فيها الآن في قول أبي العباس المبرد رحمه الله تعالى لوضعها من أول أحوالها مع لام التعريف بخلاف ما عليه الأسماء والموصولات لشبهها بالحروف أيضا بافتقارها في تفهم المعنى المراد منها على الصلات ولك أن تدخلها في حكم صدور المركبات لذلك والنادى المضموم لنزوله منزلة الضمير لاتحادهما خطابا وتعريفا وإفرادا وفعال في الباقي مما ذكر من أنواعه لمعنى الاتحاد ولما ومذ ومنذ وعلى وعن والكاف أسماء لاتحادها بصور غلبت عليها الحرفية ومن وما الموصوفتان وما غير الموصولة والموصوفة وكم الخبرية لاتحادها بصور غلب البناء ويقرب من الاندراج في باب الاتحاد المضاف على المبني إذا لزمت إضافته إليه كان وإذا وحيث في إضافتها على الجمل ضربة لازب، وأما نحو قوله: أما ترى حيث سهيل طالعا. وقوله: حيث لي العمائم. فشاذ لا يقاس عليه أو نزلت منزلة اللازم لكثرتها كأسماء الزمان في إضافتها على الجمل أو على إذ المبني المحرك بالكسر لملاقاته الساكن وهو التنوين الذي هو عوض عن المضاف إليه وحم حول البقية على نحو ما ترى وليكن من قانونك في شيء يبقى على الأصل خارجا مما مهدته إذ أقل أنه بقي تنبيها على الأصل، وأما اختلاف البناء سكونا وحركة فلأن السكون هو الأصل وقد عرف ثم يمنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 عنه مانع فيترك على الحركة والمانع إما لزوم الجمع بين ساكنين كنحو حيث وأمس وأين ونحو اضربن واضربن لو أجريت على السكون أو الابتداء بالساكن إما لفظا أو حكماً كزيدك وغلامك لو أسكن الكافان أو عروض البناء لما هو أصل في الإعراب كنحو يا عمرو قولي لما هو أصل في الإعراب احتراز عن نحو يضربن في جماعة النساء أو مشابهة المعرب كالأفعال الماضية فإنها عند أصحابنا حركت لمشابهتها المضارع في الدخول في الشرط والجزاء ودخول قد عليها والوقوع صفة للمنكر بعد اتحادهما في الفعلية والمصير على أصل واحد، وأما اختلاف الحركة فتحة وضمة وكسرة فالاعتبارات مختلفة ههنا والكلية منها دون الجزئية هي أن الفتحة خفيفة قريبة بخفتها من السكون فيقع في الاختيار للمواضع الكثيرة الدوران المرددة ثقلا بغيرها وأن الضمة قوية فتقع في الاختيار للمواضع المعتنى بشأنها أو الممتنعة عن أختيها كالمنادى وإن الكسرة أصل تحريك الساكن فتقع في الاختيار لمواضع تعرى عما ذكر وإن كانت أصل تحريك الساكن لكونها أكثر فائدة من أختيها في أصل الاعتبار، وذلك أن اجتماع الساكنين حيث كان محوجا على التحريك وقد شهد لوقوعه الاستقراء بالكثرة وإن للأفعال منها المعلى وناهيك نوعا والأوامر من الأفعال المشددة الأواخر وما ينجزم منها بأنواع الجوازم وطالما تلى عليك للأكثر حكم الكل فتقدمت في الاعتبار وإفادة الكسرة والحال هذه بعد إتقانك أن لا مدخل للجر في الأفعال الخلاص من اجتماع الساكنين وكونها طارئة كما قرعت سمعك. لمعتنى بشأنها أو الممتنعة عن أختيها كالمنادى وإن الكسرة أصل تحريك الساكن فتقع في الاختيار لمواضع تعرى عما ذكر وإن كانت أصل تحريك الساكن لكونها أكثر فائدة من أختيها في أصل الاعتبار، وذلك أن اجتماع الساكنين حيث كان محوجا على التحريك وقد شهد لوقوعه الاستقراء بالكثرة وإن للأفعال منها المعلى وناهيك نوعا والأوامر من الأفعال المشددة الأواخر وما ينجزم منها بأنواع الجوازم وطالما تلى عليك للأكثر حكم الكل فتقدمت في الاعتبار وإفادة الكسرة والحال هذه بعد إتقانك أن لا مدخل للجر في الأفعال الخلاص من اجتماع الساكنين وكونها طارئة كما قرعت سمعك. الفصل الثاني في علة امتناع ما يمتنع من الصرف وما يتصل بذلك ونحن نسوق الكلام فيه على أن المقصود من منع الصرف إنما هو منع التنوين لا لمعارضة حرف التعريف والإضافة وأن منع الجر إنما هو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 لمنع التنوين على الوجه المذكور لارتضاعهما ضرعا واحداً وهو الاختصاص بالاسم والتناوب في نحو راقود خلا بالتنوين لامع جر الخل وراقود دخل لا بالتنوين مع جر الحل وأن تحريكه حال منع الجر للهرب عما هو أصل البناء وبالفتح لخفته المطلوبة على الخصوص هنا لا لاعتبار التآخي بينه وبين الجر وإذ قد وقفت على هذا فنقول العلة في منع الاسم عن الصرف هو تحقيق الشبه بينه وبين الفعل على وجه يستلزم الخفة وذاك أن كل فعل مما لا يتمحل في فعليته من نحو ضرب ومنع لتضمن مفهومه لا محالة شيئين الزمان والمصدر متقيدا أحدهما بالآخر كما لا يخفى فهو متصف بكونه ثانيا للغير وهو الاسم باعتبارين وكل واحد من أسباب منع الصرف ثان لغير فالتأنيث ثان للتذكير، يدلك على ذلك أنك متى ظفرت بمؤنث في كلامهم وجدته في الأمر العام مع زيادة واستقراؤك الأسماء لا سيما قبيل الصفات منها ينبئك عليه بحلافه في المذكر هذا في اللغة الشائعة فأما على لغة من يقول إنسانة ورجلة وغلامة وحمارة وأسدة فيفضل الاستقراء، ومعلوم عندك أن الزيادة إذا وجدت في شيء يطرأ عليه أمران دلالة على أحدهما كان وجودها عند المتصف بتأخر أدخل في القياس منه عند غير المتصف بذلك من حيث أن الزيادة معلوم علما قطعيا اتصافها بالتأخر عن المزيد عليه فمتى كانت مجلوبة لما له حظ في الإنصاف بالتأخر كان أقيس فوجودك الزيادة مع التأنيث دون التذكير في لغتهم المبنية على رعاية هذه المناسبات كما لا يخفى شاهد على تأخره عنه، وهذا معنى قول أصحابنا رحمهم الله تعالى لا يجوز أن ينقل الاسم بالزيادة من التأنيث على التذكير وفي كلامنا هذا ما يدلك على حكمهم أن سكران وسكرى صيغتان ليست إحداهما من الأخرى ونحو ثلاثة رجال وثلاث نسوة عن النقص إذا تأملت بمعزل وذلك أن رجالا قدمت في الاعتبار على النسوة نظرا على الأفراد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 وقد كان أنثها التكسير فأنث العدد ثم لما انتهى الأمر على اعتبار النسوة واستهجن إلغاء الفرق ومنع عن زيادة التاء الأخرى امتناع اجتماع علامتي التأنيث لزم حذف التاء وأمر آخر وهو لفظ الشيء يقع على كل مذكر ومؤنث ثم إنه لا يستعمل إلا مذكرا فلولا أن التذكير أصل لوقع التغليب للفرع ولخرج عن القياس والعجمة ثانية للغتهم العربية لطروئها عليها الطارئ على الشيء بعد المطروء عليه في بابه والعدل ثان للمعدول عنه وأمره ظاهر والجمع ثان للجنس من حيث أن الجمعية قيد للجنس ووجود الشيء من حيث هو مطلقا قبل وجوده من حيث هو مقيدا في باب الاعتبار والفعل الذي هو ثان للاسم لا بد من أن يكون وزنه المختص به ثانيا لوزن الاسم. وأما الألف والنون الزائدتان وألف الإلحاق فالأمر فيهما أبين والوصف والتركيب والعلمية أمرها على نحو أمر الجمع فمتى اجتمع في الاسم منها ما لا يقصر به عن أن يصير ثانيا باعتبارين وذلك بحصول اثنين منها أو الجمع أو ألف التأنيث وستعرف السر أشبه الفعل فيمنع منه التنوين لما ذكرنا، ولهذا ينتظر في منعه الخفيف من الأسماء خاصة كالثلاثي الساكن الحشو تقوي الشبه بازدياده مما يكسوه ذلك في اللغة الفصحى، وإذا علمت أن العلة في منع الصرف هي ما ذكرنا تنبهت للمعنى في جواز صرفه للشاعر المضطر وتنبهت أيضا للمعنى الذي لأجله شرطت منها اللائي عددنا بما شرطت وهو اكتسابها به قوة حال أو زيادة ظهور أو تحققا، ألا يرى أن المؤنث بالتاء إذا لم يكن كان للتاء من احتمال الانفصال ما لا يكون لها بعد العلمية وكم بين الشيء لازما وغير لازم، ومن هذا تتبين أن ألف التأنيث أقوى حالاً من التاء لأنها لا تنفصل عن الكلمة بحال وهو السبب عند أصحابنا رحمهم الله في أن أقيمت مقام اثنين، وأما نحو آخر عناق وعقرب فإنما سلك به مسلك التاء تفاديا مما في غير ذلك من ارتكاب خلاف قياس وهو جعل الفرع أقوى من الأصل لأنه فرع على التاء وإذا كانوا لا يسوغون التسوية بينه وبين التاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 في نحو بصرى وعناق كانوا أن لا يسوغوا تفضيله عليها في الجملة أجدر، وأما المؤنث بالمعنى نحو سعاد فلأنه إذا تعرى عن العلمية جرى مجرى مسماه وقد عرفت الحال ثم وأن الاسم الأعجمي إذا اقترنت به العلمية منقولا ومنقولا عنه كانت عجمته أدخل في التحصن منها إذا لم تكن كذلك فتكون أقوى وأظهر، ألا تراهم كيف يتصرفون في نحو ابر يسم وديباج وفرند وسخت تصرفهم في كلمهم تارة بإدخال اللام عليها أو التنوين إدخالهم إياها في نحو رجل وفرس وأخرى باشتقاقهم منها على نحو اشتقاقهم من كلمهم. قال رؤية: تكن كذلك فتكون أقوى وأظهر، ألا تراهم كيف يتصرفون في نحو ابر يسم وديباج وفرند وسخت تصرفهم في كلمهم تارة بإدخال اللام عليها أو التنوين إدخالهم إياها في نحو رجل وفرس وأخرى باشتقاقهم منها على نحو اشتقاقهم من كلمهم. قال رؤية: هل ينفعني حلف سختيت ... أو فضة أو ذهب كبريت فاشتق سختيتا من السخت اشتقاق نحرير من النحر وكم له من نظير، وأن الجمع إذا كان على الوصف المذكور كان أقوى حالاً لأنه إذ ذاك يتعين للجمعية فلا يرد على وزنة واحدة من أسماء الأجناس ولا يعامل معاملة المفرد فيصغر ويجمع ويكون جمع جمع كأكالب وأناعم ولا تستبعد لمجموع ذلك قيامه مقام اثنين، وأما نحو قولهم حضاجر فعلم لها وهو جمع حضجر في الأجناس: حضجر كأم التوأمين توكأت ... على مرفقيها مستهلة عاشر وأما سراويل فعند سيبويه كثيراً من النحويين أنه أعجمي وقع في كلام العرب فوافق بناؤه بناء ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة فأجرى مجرى ذلك وعند ناس منهم أنه جمع على سروالة قال: عليه من اللؤم سروالة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وأما نحو جوار فالأقرب عندي أن يقال بعد حمل نحو ثمان ورباع على غير الإفراد وسذوذ قول من قال يحدو ثماني مولعا بلقاحها على جميع الأقاويل مع ورودها على زنة جوار ورودا خاصا ولمثل هذا من التأثير ما لا يخفى اقتضى صرفه لكن قربه من باب مساجد منع أن يحرم امتناع الصرف ألبتة فوفق بين الاعتبارين وجعلت الصورة الواحدة لغير الصرف أن لا يلزم من عكسه تغليب الفرع على الأصل في الجملة وجعلت النصب دون أحد أخويه أن لا يفقد حصول الخفة في صورة من الصورتين بحذف الياء على طريق معبد وحمل باب أعيش عليه في القول الأعرف لاتحادهما في عدة أمور: أحدهما عدد الحروف والحركات والسكنات، وثانيها كون الثالث حرفا معتلا مزيد المعنى مفتوحا ما قبله مجامعا الساكن كدواب وأصيم، وثالثها كون الآخرياء مكسورا ما قبله كسرا لا لأجل الياء، ورابعها خروجهما على معنى التأخر بذلك خروجا ظاهرا وأن الوزن لا يظهر حاله في معناه حتى يختص بالفعل أو يجري مجرى المختص به وأن الألف والنون الزائدتين على ما ذكر تكونان ممتنعتين عن دخول تاء التأنيث عليهما فتكتسبان شبها بألفي التأنيث في نحو حمراء فيزداد حالهما في معناهما قوة وكذا ألف الإلحاق عند اقتران العلمية بها، والله الموفق للصواب: الفصل الثالث في علة إعراب الأسماء الستة بالحروف مضافة وهي إظهار الاجتناب بألطف وجه وأقربه عن أن يقوى خلاف قياس فيها، بيان ذلك أن فوه وذومال لو أعربا بترك إشباع الحركات لكانا قد بقيا على حرف واحد وكان حذف العين واللام منهما واقعاً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 في غاية خلاف القياس وأبوه وأخوه وحموها لو تركت على حرفين بإعرابها بالحركات لكان خلاف القياس في حذف الثالث منا أقوى في نحو غد ويد لكون التكميل في أسماء العقلاء أدخل في الطلب منه في غيرها، وقد مهد هذه القاعدة الإمام عبد القاهر في مقتصده فليطلب هناك، وأما هن فلكونه كناية عن أسماء الأجناس اندرج بحكم التغليب بعد تنزيل الكناية منزلة المكنى عنه بحكم العرف في أسماء العقلاء والسبب في ترك ذلك في الإفراد هو امتناع إظهاره في الأغلب بشهادة اعتبار نحو أبون أبان أبين في المنون ونحو الأبو الكريم الأبا الكريم الأبي الكريم في غير المنون. الفصل الرابع في علة إعراب المثنى والمجموع على ما هو عليه الكلام في ذلك على الوجه المستقصى مذكور في كتابنا شرح الجمل للإمام عبد القاهر رحمة الله عليه، ولكنا نورد من ذلك ههنا ما هو شرط الموضع. اعلم أن التثنية والجمع إذا أريد وضع طريقة لهما اعتبار تغيير وأن يكون ذلك في الاسم وأن يكون في آخره وأن يكون بالزيادة ولأخذ الإعراب التبديل وأن تكون واحدة بناء لجميع ذلك على المقدمة الأولى وأن تكون من حروف المد لكونها خفيفة لذواتها قريبة الوقوع لكثرة دورها إما بأنفسها أو بأبعاضها وقد مرنت لذلك بها الألسن واستأنست المسامع وألفتها الطباع ومالت إليها النفوس وأن يكون فيها دليل الإعراب محافظة عليه وحسن نظر له لامتناع المدات عن التحريك وجمعا بين الغرضين لكن استلزام المحافظة عليه في أحواله الثلاث حالتي التثنية والجمع بالمدات الثلاث الاشتراك في كل واحدة منهن المخالف للقياس أوجب إلغاءها في بعض الأحوال تقليلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 للاشتراك في الحروف وحين آل الأمر على جعل بعض الحروف مشتركا دون بعض تعينت الياء التي من شأنها استواء النسبة إلى النسبة إلى الخفة والثقل وإلى مخرجى أختيها للاشتراك الذي من شأنه استواء النسبة إلى المعنيين وانقسمت أختاها على التثنية والجمع لجهتي التقدم والتأخر ثم لما قدم الرفع في الاعتبار كونه حصة الفاعل المتقدم فيه كما سبق تعينت له ثم تعينت الياء لأخويه فيهما وأصلا للجر منهما لما بينهما وبينه من النسب ما ليس بينها وبين النصب فحصل إعراب المثنى والمجموع على ما ترى، وأما النون فالأقرب فيه أنه لما اعتبر الإعراب الذي هو للاسم بحكم الأصالة في التثنية والجمع على حدها للجهة المذكورة واستهجن إلغاؤه فيهما لمناسبات تآخذت في ذلك امتنع بحكم رعاية ذلك بناء المثنى والمجموع جمع السلامة، ولذلك اختلف في نحو ذان واللذان واللذون والذين بين أن يحكم فيها بالتثنية والجمع وبين أن لا يحكم فتنظم في سلك أبانان وعمايتان وعشرون وثلاثون وما شاكل ذلك ولم يكن الاسم يدخل بالتثنية والجمع على حدهما في باب ما لا ينصرف لم يصادفوا في ترك التنوين عذرا يعتبر فأنى به وحرك محافظة على الساكن قبله إذ كان دأبهم تحريكه لنوع من العذر كنحو غلام اكتهل وكسر بعد الألف على أصل تحريك الساكن وفتح بعد أختيها تفاديا من الجمع بينهما وبين الكسر لأصول مقررة، وحيث استمرت الحركة عليه صار بمنزلة غير التنوين فلم يحذف في الوقف ولا مع نفي الجنس ولا مع الألف واللام ولا مع النداء على الضم، وإنما بنيت الكلام على الحذف لامتناع تأخير التثنية والجمع في ذلك كله لاستلزامه تحصيل الممتنع أما في الوقف فلاستلزامه الوصل في الوقف وأما في نفي الجنس فلاستلزامه طلب الزيادة حيث لا مزيد. وأما في المعرف وهو الداخل عليه اللام أو المضموم في النداء فلاستلزامه تحصيل التثنية والجمع لامع الصحة، ألا ترى أن التثنية والجمع طريقان ليتناول الاسم بهما أكثر مما هو متناوله فيستلزم تحصيلهما بحكم الضرورة صحة تناول المزيد المنافية للاختصاص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 بما سوى المزيد الممتنع انتفاؤه مع اللام والضم فمتى أريدت التثنية والجمع والحال هذه لزم ما ذكرنا ومدار حكم أصحابنا رحمهم الله في تنكر العلم إذا ثني أو جمع على ما ذكرت فاستوضح. الفصل الخامس في علة إعراب كلا وكلتا مضافين على الضمير على ما هو عليه اختلفت الفرقتان في ذلك وتشعبت آراء أصحابنا رحمهم الله وأنا أذكر بإذن الله تعالى ما هو بالقبول أجدر بعد التنبيه على ما لا بد في ذلك منه وهو أن كل واحد من كلا وكلتا عندنا مثنى معنى مفرد لفظا فالألف فيهما غير ألف التثنية خلافا للكوفيين رحمهم الله بدليل عود الضمير إليهما تارة مثنى حملا على المعنى كقوله: كلاهما حين جد الجري بينهما قد أقلعا، وكما حكى عن بعض العرب من قوله كلاهما قائمان وكلتاهما لقيتهما وأخرى كثيراً مفردا حملا على اللفظ كقوله: كلا أخوينا ذو رحال كأنهم وقول الآخر: أكاشمره واعلم أن كلانا ... على ما ساء صاحبه حريص وقول الآخر كلا ثقلينا واثق بغنيمة، وقول الآخر كلانا يزيد بحب ليلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 وكقوله عز من قائل " كلتا الجنتين آتت أكلها " وأمثال لها وإذا ثبت لنا هذا قلنا العلة في انقلاب الألف فيهما على الياء في الجر والنصب عند الإضافة على الضمير حصول أمرين يدعوان على ذلك. أحدهما شبهها معنى ألف التثنية المنقلبة ياء في الجر والنصب. وثانيهما شبهها بلزوم الاتصال بالاسم وانجرار ذلك بعدها لألف على وعلى المنقلبة عند الضمير ولعل من يقول مررت بكلاهما ورأيت كلاهما ممن يقول قائلهم: طاروا علاهن فطر علاها أو ممن لغتهم على الأصح قوله تعالى " إن هذان لساحران ". الفصل السادس في علة إعراب نحو مسلمات على ما هو عليه وهي أن جمع المذكر لما سوّى فيه بين الجر والنصب لما تقدم أتبعه في ذلك جمع المؤنث طلبا للتناسب من حيث إنهما جمعا تصحيح وأن المؤنث فرع على المذكر كما سبق ومعلوم عندك أن اتباع الفرع الأصل في حكم مما له عرف في التناسب وأن المؤنث نقيض المذكر وقد عرفت الوجه في حمل النقيض على النقيض في القسم الأول من الكتاب. الفصل السابع في علة إعراب ما أعرب من الأفعال ووقوع الجزم في إعرابه موقع الجر في الأسماء وكيفية تفاوته ظهورا واستكنانا وزيادة ونقصانا اعلم أن علة إعراب المضارع عند أصحابنا رحمهم الله خلافا للكوفيين رحمهم الله هي مضارعته الاسم بعدد الحروف والحركات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 والسكنات كنحو يضرب وضارب وبدخول لام الابتداء عليه وبتبادر الفهم منه على الحال في نحو مررت برجل يكتب تبادره إليها من الاسم إذا قلت مررت برجل كاتب وباحتمال أمرين وقبول أن يختص، والأمران هنا الحال والاستقبال وهناك التعريف والتنكير. وأما وقوع الجزم موقع الجر فلأن إعرابه لما كان فرعا على إعراب الاسم واقتضى العرف حطه ولم يكن المجر من التعلق بالفعل ما كان لأخويه حيث انتظما في عمله دونه تعين للحط سادا الجزم مسده. وأما ظهور إعرابه فلأنه الأصل في الإعراب كما سبق. وأما استكنانه فالعلة فيه، إما الضرورة وذلك في رفعه ونصبه عند الألف كنحو يخشاك لامتناع الألف عن التحريك، وأما الاجتناب عن تضاعف الثقل وذلك في رفعه عند الواو والياء كنحو يغزو ويرمي على ما عرف في علم الصرف وقد اندرج في هذا استكنان الرفع والجر في الأسماء في نحو القاضي وأما الزيادة وذلك في رفعه بعد ألف الضمير وواوه ويائه فلما قدمنا أن الفعل المضارع لمضارعته استحق الإعراب ومعلوم أن مضارعته بلحوق هذه الضمائر إياه لا تزول وحيث كانت أعني هذه الضمائر حروفا ميتة لا تتحرك ومدات ماسا جارية لذلك مجرى النفس الساذج غير عارض لها ذلك فقصرت عن بلوغ حد النون في يضربن ولم تنته على درجة ياء الإضافة في الأسماء لا أقل فلم يثبت لها حكم جانب لم تدخل في باب المنع فبقيت له اليد الطولى في اكتساء الإعراب لكن إعرابه بغير الحرف حيث كان يغضب في الرفع والنصب حق المدات في القرار على هيآتها لوجوب اتباع المدة حركة ما قبلها وفي الجزم حقها في الثبوت لامتناع سكون ما قبل المدة جعل بالحرف تحاشيا عن ذلك، ثم لما امتنع الحرف أن يكون مدة على أصل القياس في باب الزيادة لامتناع اجتماع المدتين جعل النون لقربه منها باحتمال المدة واللين والخفاء واعتباره غنة يشهد لذلك ولاتحاد المدات بالفعل اقتضى القياس تأخيره ولحصول الصورة إذ ذاك على شكل المثنى والمجموع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 اختير الكسر للنون بعد الألف مع العمل بأصل تحريك الساكن والفتح له بعد أختيها مع الاجتناب عن الجمع بين الكسر وبينهما وحيث كان يجب اعتبار الرفع ابتداء على ما سبق عين له وأما الجزم فلما لم يكن في إعراب أصله الذي هو متطفل عليه بحكم المضارعة جعل كأن ليس بإعراب فلم يتكلف له عند فواته حرف يقوم مقامه هذا على أن حقه هو الترك فوفيه بذلك، ثم لما كان الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء وكانت لهذه الأمثلة صورة التثنية والجمع أتبعه النصب هنا إتباعه الجر هناك طلبا للتشاكل بين الأصل والفرع. وأما النقصان وذلك في جزمه عند اعتلال الآخر فمن حيث إن الحزم لما تقدم النصب في الاعتبار كما سبق آنفا لم يكن وروده إلا على المرفوع وقد عرفت أن الفعل حال اعتلال الآخر في الرفع لا يكون متحركا وإذا ورد ومن شأنه حذف الحركة ثم لا يجد حركة يحذفها حذف المعتل لما بينه وبينها من الاتحاد. الفصل الثامن في علة عمل الحروف العاملة وكيفية اختلافها في ذلك ونحن على أن نختصر الكلام فنقول أما الجارة فإنما عملت في الأسماء للزومها إياها فكل ما لزم شيئاً وهو خارج عن حقيقته أثر فيه وغيره غالبا بشهادة الاستقراء وكان عملها الجر اللازم للأسماء ليدخل وصف العمل في وصف العامل بحكم المناسبة وهو بعينه الكلام في التي تجزم المضارع وأما العذر عن حرف التعريف وحرفي الاستقبال فالأقرب هو أن الاسم لشدة احتياجه على التعريف لامتناع خروجه في الاستعمال عن التعريف والتنكير جرى حرف التعريف منه مجرى بعض أجزائه وعلى هذا حرفا الاستقبال ومدار كلام أبي سعيد السيرافي رحمه الله في هذا على ما ذكرت. وأما الناصبة للأسماء فعملت لمعنى اللزوم والنصب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 لتقويتها على إفادة معنى المفعولية قريبة من أنادي وأصحاب وأستثني ولذلك ترى الواو لا يعمل حيث يبطل لزومه بكونه عاطفا لأنه في العطف لا يلزم الاسم وكذا إلا حيث يبطل لزومه بكونه في الكلام الناقص لصحة ما طلع البدر إلا وقد ذكرت هندا وما جرى مجراه أو بكونه في التام غير الموجب على وجه البدل لتنزيل البدل والمبدل من منزلة المنحى غير المذكور ورجوع الكلام على النقصان إذ ذاك حكماً ومما ينبهك على أن حكم البدل ما ذكرنا امتناعهم عنه في الموجب امتناعهم عن النقصان فيه وأنها لمظان تأمل منك فلا تفرط وأما الناصبة للأفعال فالأصل فيها أن عند الخليل قدس الله روحه وقول الخليل يغني عن الدليل: إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام وإنما نصبت أن لمشابهتها أن معنى لاشتراكهما في رد الكلام على معنى المصدر وصورة أيضا إذا خففت وأعملت. وأما الحروف المشبهة فعملها لمشابهتها الأفعال وعندنا أنها لما كانت في العمل فرعا على الفعل وكانت في الشبه بالأفعال دون شبه ما ولا بلبيس اختير لها حطا لدرجتها أدنى مرتبتي الفعل وهي ضرب عمراً زيد ومن يظهر سبب امتناع تقديم الخبر على الاسم ألبتة وهو الترقي على أعلى مرتبتي الفعل في أدنى درجتها. وأما قولهم إن في الدار فالوجه ما اختار جار الله العلامة وارتضاه شيخنا الحاتمي تغمدها الله برضوانه أنه ليس من تقديم الخبر إذ الخبر مدلول في الدار لا نفس في الدار وتقدم ذاك غير مسلم هذا ولكنه يشكل بقولهم حيث لا يصح وقوع العامل لا يصح وقوع المعمول فيه فليتأمل. وأما علة انتظام لا النافية للجنس في سلكها وعلة عمل ما ولا المشبهتين بليس فمذكورتان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 الفصل التاسع في علة الأسماء غير الجر وكيفية اختلافها أما علة رفعها ونصبها نازلة منزلة الفعل ككون الاسم مصدرا أو اسم فاعل وهو للحال أو الاستقبال ومعتمد فإنه في الاعتماد يزداد قربا من الفعل بتنحية عن موضع الاسم المخبر عنه وهو افتتاح الكلام وعن الأخبار عنه أيضا أو اسم مفعول على نحو اسم الفاعل أو صفة مشبهة معتمدة ولذلك حيث ضعف اسم التفضيل عن ذلك رأيت حاله في العمل كيف فترت أو اسم فعل وكذا علة جزمها نازلة منزلة حرف الشرط بإفادتها معناه فالكلام فيها جلى. وأما علة نصبها في غير ذلك فالوجه فيها أنها أشبهت الفعل في حال كونه ناصبا باستدعائها التمييز فضلة في الكلام لا محالة مع امتناع أن تجره وقول أصحابنا رحمهم الله التمييز إما أن يكون عن الجملة أو عن المفرد معناه أن محل إبهامه إما أن يكون الإسناد أو أحد طرفيه لا أنه يكون فضلة في الكلام. الفصل العاشر في علة عمل المعنى الرفع للمبتدأ والخبر والفعل المضارع وهي أشبه الفعل في حال كونه رافعا، أما في حق الخبر والمبتدأ فباستدعائه هذا مسندا إليه وهذا جزءا ثانيا في الجملة، وأما في حق الفعل المضارع فبخروج المضارع معه عن المناسبة بأن لا يعتبر تقديم تحريكه بالرفع بيان ذلك أنه متى وقع الاسم في الكلام ناسب أن يجري عليه ما للاسم من الرفع أو النصب أو الجر لكن امتناع إجراء الجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 عليه يستتبع امتناع إجراء النصب بحكم التآخي فيبقى الرفع وجوب تقديمه في الاعتبار على ما عرفت. واعلم أنك إذا تلقيت ما أمليت عليك بحسن التفهم واستوضحت لطائفة بعين التأمل وجذبت بضبعك في مداحضه الاختصاريه استقامه طبع وأطلعك على رموزه للتفصي عن المضايق لطافة تمييز ثم استعرضت معاجم الأوائل في هذا الفن بعد التتبع لمآخذها والعثور على مجاريها مستطلعا طلع المقاصد في المبادى والغايات عسى أن تتمسح للملى بدعاء يستجاب وللملى بثناء يستطاب. وإذ قد أتممنا ما أردنا فلنف بما كنا وعدنا من ختم الكلام في القسم النحوي حامدين الله تعالى ومصلين على النبي عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 بسم الله الرحمن الرحيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 القسم الثالث من الكتاب في علمي المعاني والبيان وفيه مقدمة لبيان حدي العلمين والغرض فيهما وفصلان لضبط معاقدهما والكلام فيه ما. المقدمة اعلم أن المعاني هو تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي الحال ذكره وأعني بتراكيب الكلام التراكيب الصادرة عمن له فضل تمييز ومعرفة وهي تراكيب البلغاء لا الصادرة عمن سواهم لنزولها في صناعة منزلة أصوات حيوانات تصدر عن محالها بحسب ما يتفق، وأعني بخاصية التركيب ما يسبق منه على الفهم عند سماع ذلك التركيب جاريا مجرى اللازم له لكونه صادرا عن البليغ لا لنفس ذلك التركيب من حيث هو هو أو لازما له هو هو حينا وأعني بالفهم فهم ذي الفطرة السليمة مثل ما يسبق على فهمك من تركيب إن منطلق إذا سمعته عن العارف بصياغة الكلام من أن يكون مقصودا به نفي الشك أو رد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الإنكار أو من تركيب زيد منطلق من أنه يلزم مجرد القصد على الإخبار أو من نحو منطلق بترك المسند إليه من أنه يلزم أن يكون المطلوب به وجه الاختصار مع إفادة لطيفة مما يلوح بها مقامها وكذا إذا لفظ بالمسند إليه وهكذا إذا عرف أو نكر أو قيد أو أطلق أو قدم أو أخر على ما يطلعك على جميع ذلك شيئاً ف شيئاً مساق الكلام في العلمين بإذن الله تعالى. وأما علم البيان فهو معرفة إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه وبالنقصان ليحترز بالوقوف على ذلك عن الخطأ في مطابقة الكلام لتمام المراد منه وفيما ذكرنا ما ينبه على الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى وتقدس من كلامه مفتقر على هذين العلمين كل الافتقار فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل. ولما كان علم البيان شعبة من علم المعاني لا تنفصل عنه إلا بزيادة اعتبار جرى منه مجرى المركب من المفرد لا جرم آثرنا تأخيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 الفصل الأول في ضبط معاقد علم المعاني والكلام فيه اعلم أن مساق الحديث يستدعي تمهيدا وهو أن مقتضى الحال عند المتكلم يتفاوت كما ستقف غليه إذا أفضت النوبة على التعرض له من هذا الكتاب بإذن الله تعالى فتارة تقتضي ما لا يفتقر في تأديته على أزيد من دلالات وضعية وألفاظ كيف كانت ونظم لها لمجرد التأليف بينها يخرجها عن حكم النعيق وهو الذي سميناه في علم النحو أصل المعنى ونزلناه ههنا منزلة أصوات الحيوانات وأخرى تقتضي ما نفتقر في تأديته على أزيد وظاهر أن الخطأ الذي نحن بصدده لا يجامع في الأول أدنى التمييز فضلا أن يقع فيه من العاقل المتفطن وإنما مثار الخطأ هو الثاني وإن اختلج في وهمك أن الاحتراز عن الخطأ في الثاني إن لم يتوقف على علم المعاني استغنى عنه وإن توقف عليه ولا شبهة في أن الكلام فيه كلام من القبيل الثاني فيتوقف تعريفه على تعريف له سابق ويتسلسل أو يدور فاستوضح ما أجبنا به عن تعلم علم الاستدلال وعلم العروض، إذ قيل إن كان العقل أو الطبع يكفي في البابين فليستغن عن تعليمهما وإلا كان تعليمهما موقوفا على تعليم سابق والمآل إما الدور أو التسلسل وسننظم لك هذين العلمين في سلك التعرض لهما إذا حان وقته بإذن الله تعالى. وإذ قد عرفت هذا فنقول: إن التعرض لخواص تراكيب الكلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 موقوف على التعرض لتراكيبه ضرورة لكن لا يخفى عليك حال التعرض لها منتشرة فيجب المصير على إيرادها تحت الضبط بتعيين ما هو أصل لها وسابق في الاعتبار ثم حمل ما عدا شيئاً ف شيئاً على موجب المساق والسابعة في الاعتبار في كلام العرب شيئاًن الخبر والطلب المنحصر بحكم الاستقراء في الأبواب الخمسة التي يأتيك ذكرها، وما سوى ذلك نتائج امتناع إجراء الكلام على الأصل، وعساك فيما ترى أن تقتحمه عيناك لكنك إذا اجتليته أو أن كشف القناع عنه وجدت من نفسك الشأن بخلافه فلنعينهما أعني الخبر والطلب لافتتاح الكلام لما نحن له، والله المستعان. اعلم أن المعتنين بشأنهما فرقتان: فرقة تحوجهما على التعريف، وفرقة تغنيهما عن ذلك، واختيارنا قول هؤلاء. أما في الخبر فلأن كل أحد من العقلاء ممن لم يمارس الحدود والرسوم بل الصغار الذين لهما أدنى تمييز يعرفون الصادق والكاذب بدليل أنهم يصدقون أبدا في مقام التصديق ويكذبون أبدا في مقام التكذيب، فلولا أنهم عارفون للصادق والكاذب لما تأتي منهم ذلك، لكن العلم بالصادق والكاذب كما يشهد له عقلك موقوف على العلم بالخبر الصدق والخبر الكذب هذا والحدود التي تذكر كقولهم: الخبر هو الكلام المحتمل للصدق والكذب أو التصديق والتكذيب، وكقولهم هو الكلام المفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور على أمر من الأمور نفيا أو إثباتا بعد تعريفهم الكلام بأنه المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة، وكقول من قال: هو المقتضى بصريحه نسبة معلوم على معلوم بالنفي أو الإثبات ليتها صلحت للتعويل، أما ترى الحد الأول حين عرف صاحبه الصدق بأنه الخبر عن الشيء على ما هو به والكذب بأنه الخبر عن الشيء لا على ما هو به كيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 دار فخرج عن كونه معرفا، ومن ترك الصدق والكذب على التصديق والتكذيب ما زاد على أن وسع الدائرة والحد الثاني أوجب أن يكون قولنا في باب الوصف الغلام الذي لزيد أو ليس لزيد خبرا لكونه كلاما على قول صاحبه ومفيدا بصريحه إضافة أمر وهو الغلام على أمر وهو زيد بالإثبات في أحدهما والنفي في الآخر مع انتفاء كونه خبرا بدليل انتفاء لازم الخبر وهو صحة احتمال الصدق والكذب فلا نزاع في كون ذلك لازم الخبر إنما النزاع في أن يكون حدا والحال ما تقدم، وكذا قولنا أن غلام أو ليس غلاما بفتح أن كيف خرج عن أن يكون مطردا والحد الثالث حين أو جب أن لا يكون قولنا ما لا يعلم بوجه من الوجوه لا يثبت ولا ينفي خبر الامتناع أن يقال ما لا يعلم بوجه من الوجوه معلوم مع أن الكلام خبر كيف خرج عن أن يكون منعكسا مع انتفاضه بالنقضين المذكورين وهما الغلام الذي لزيد أو ليس لزيد وأن غلام أو ليس غلاما بفتح أن فتدبر، ولسؤال المعلومية وجه دفع يذكر في الحواشي، وأما في الطلب فلأن كل أحد يتمنى ويستفهم ويأمر وينهى وينادي يوجد كلا من ذلك في موضع نفسه عن علم وكل واحد من ذلك طلب مخصوص والعلم بالطلب المخصوص مسبوق بالعلم بنفس الطلب، ثم إن الخبر والطلب بعد افتراقهما بحقيقتهما يفترقان باللازم المشهور، وهو احتمال الصدق والكذب في الطلب وما نسبنا إليه لا يقصر على ما قرعنا به سمعك هنا لكنا سنفرغ في صماخيك بإذن الله تعالى أو أن التصدي لتحقيقه ما ينقش في ذهنك النقش الجلي، ولنكتف بهذا القدر من التنبيه على استغناء الخبر الطلب عن التعريف الحدي، ولنعين لمساق الحديث في كل واحد منهما قانونا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 القانون الأول فيما يتعلق بالخبر اعلم أن مرجع الخبرية واحتمال الصدق والكذب على حكم المخبر الذي بحكمه في خبره بمفهوم لمفهوم كما تجده فاعلا ذلك إذا قال هو لزيد هو ليس لزيد لا على حكم مفعول يشير إليه إشارته إذا قال الذي هو لزيد أو ليس لزيد فأوقعه صلة للموصول الذي من حقه أن يكون صلته قبل اقترانها به معلومة للمخاطب أو إذا قال إنه زيد بفتح أن فنقل الحكم بثبوت الزيدية للضمير على جعله تصورا مشارا إليه يحكم له أو به إذا قال حق إنه زيد أو قال الذي أدعيه أنه زيد، فأما السبب في كون الخبر محتملا للصدق والكذب فهو إمكان تحقق ذلك الحكم مع كل واحد منهما من حيث إنه حكم مخبر ومرجع كون الخبر مفيدا للمخاطب على استفادة المخاطب منه ذلك الحكم ويسمى هذا فائدة الخبر كقولك زيد عالم لمن ليس واقفا على ذلك أو استفادته منه أنك تعلم ذلك كقولك لمن حفظ التوراة قد حفظت التوراة ويسمى هذا لازم فائدة الخبر، والأولى بدون هذه تمتنع، وهذه بدون الأولى لا تمتنع كما هو حكم اللازم المجهول المساواة ومرجع كونه صدقا أو كذبا عند الجمهور على مطابقة ذلك الحكم للواقع أو غير مطابقته له وهو المتعارف بين الجمهور، وعليه التعويل، وعند بعض على طباق الحكم لاعتقاد المخبر أو ظنه وعلى لإطباقه لذلك سواء كان الاعتقاد أو الظن خطأ أو صوابا بناء على دعوى تبرئ المخبر عن الكذب متى ظهر خبره بخلاف الواقع واحتجاجه لها بأن لم يتكلم بخلاف الاعتقاد أو الظن لكن تكذيبنا لليهودي مثلا إذا قال الإسلام باطل وتصديقنا له إذا قال الإسلام حق بنحيان بالقلع على هذا ويستوجبان طلب تأويل لقوله تعالى " إذا جاءك المنافقون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " وهو حمل قول المنافقين على كونه مقرونا بأنه قول عن صميم القلب كما يترجم عنه إن واللام وكون الجملة اسمية في قولهم لأرباب البلاغة وسيأتيك تعرض لهذه الآية، وإذ قد عرفت أن الخبر يرجع على الحكم بمفهوم لمفهوم وهو الذي نسميه الإسناد الخبري كقولنا شيء ثابت شيء ليس ثابتا فأنت في الأول تحكم بالثبوت للشيء وفي الثاني باللاثبوت للشيء عرفت أن فنون الاعتبارات الراجعة على الخبر لا تزيد على ثلاثة: فن يرجع على حكم وفن يرجع على المحكوم وله المسند إليه وفن يرجع على المحكوم به وهو المسند. أما الاعتبار الراجع على الحكم في التركيب من حيث هو حكم من غير التعرض لكونه لغويا أو عقليا فإن ذلك وظيفة بيانية فككون التركيب تارة غير مكرر ومجردا عن لام الابتداء وإن المشبهة والقسم ولامه ونوني التأكيد كنحو زيد عارف وأخرى مكررا أو غير مجرد كنحو عرفت عرفت ولزيد عارف وأن عارف وأن لعارف ووالله لقد عرفت أولا عرفن في الإثبات وفي النفي كون التركيب غير مكرر ومقصورا على كلمة النفي مرة كنحو ليس زيد منطلقاً وما زيد منطلقاً ولا رجل عندي ومرة مكررا كنحو ليس زيد منطلقاً ليس زيد منطلقاً وغير مقصور على كلمة النفي كنحو ليس زيد بمنطلق وما إن يقوم زيد ووالله ما زيد قائما فهذه ترجع على نفس الإسناد الخبري. وأما الاعتبار الراجع على المسند إليه في التركيب من حيث هو مسند إليه من غير التعرض لكونه حقيقة أو مجازا فككونه محذوفا كقولك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 عارف وأنت تريد زيد عارف أو ثابتا معرفا من أحد المعارف وستعرفها مصحوبا بشيء من التوابع أو غير مصحوب مقرونا بفصل أو غير مقرون أو منكرا مخصوصا أو غير مخصوص مقدما على المسند أو مؤخرا عنه. وأما الاعتبار الراجع على المسند من حيث هو مسند أيضا فككونه متروكا أو غير متروك وكونه مفردا أو جملة وفي أفراده من كونه فعلا أو اسما منكرا أو معرفا مقيدا كل من ذلك بنوع قيد أو غير مقيد وفي كونه جملة من كونها اسمية أو فعلية أو شرطية أو ظرفية وكونه مقدما أو مؤخرا هذا إذا كانت الجملة الخبرية مفردة. أما إذا انتظمت مع أخرى فيقع إذ ذاك اعتبارات سوى ما ذكر فن رابع ولا يتضح الكلام في جميع ذلك اتضاحه إلا بالتعرض لمقتضى الحال فبالحريّ أن لا نتخذه ظهريا فنقول والله الموفق للصواب: لا يخفى عليك أن مقامات الكلام متفاوتة التشكر يباين مقام الشكاية ومقام التهنئة يباين مقام التعزية ومقام المدح يباين مقام الذم ومقام الترغيب يباين مقام الترهيب ومقام الجد في جميع ذلك يباين مقام الهزل، وكذا مقام الكلام ابتداء يغاير مقام الكلام بناء على الاستخبار أو الإنكار ومقام البناء على السؤال يغاير مقام البناء على الإنكار جميع ذلك معلوم لكل لبيب وكذا مقام الكلام مع الذكي يغاير مقام الكلام مع الغبي، ولكل من ذلك مقتضى غير مقتضى الآخر. ثم إذا شرعت في الكلام فلكل كلمة مع صاحبتها مقام ولكل حد ينتهي إليه الكلام مقام وارتفاع شأن الكلام في باب الحسن والقبول وانحطاطه في ذلك بحسب مصادفة الكلام لما يليق به وهو الذي نسميه مقتضى الحال، فإن كان مقتضى الحال وإطلاق الحكم فحسن الكلام تحريده عن مؤكدات الحكم. وإن كان مقتضى الحال بخلاف ذلك فحسن الكلام تحليه بشيء من ذلك بحسب المقتضى ضعفا وقوة وإن كان مقتضى الحال طي ذكر المسند إليه فحسن الكلام تركه، وإن كان المقتضى إثباته على وجه من الوجوه المذكورة فحسن الكلام وروده على الاعتبار المناسب، وكذا إن كان المقتضى ترك المسند فحسن الكلام وروده عاريا عن ذكره وإن كان المقتضى اثباته مخصصاً يشئ من التخصيصات فحسن الكلام نظمه على الوجوه المناسبة من الاعتبارات المقدم ذكرها وكذا إن كان المقتضى عند انتظام الجملة مع أخرى فصلها أو وصلها والإيجاز معها أو الإطناب أعني طي جمل عن البين ولا طيها فحسن الكلام تأليفه مطابقا لذلك وما ذكره حديث إجمالي لا بد من تفصيله فاستمع لما يتلى عليك بإذن الله، وقد ترتب الكلام ههنا كما ترى على فنون أربعة. الفن الأول في تفصيل اعتبارات الإسناد الخبري. الفن الثاني في تفصيل اعتبارات المسند إليه. الفن الثالث في تفصيل اعتبارات المسند. الفن الرابع في تفصيل اعتبارات الفصل والوصل والإيجاز والإطناب، وقبل أن نمنح هذه الفنون حقها في الذكر ننبهك على أصل لتكون على ذكر منه وهو: أن ليس من الواجب في صناعة وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها على مجرد العقل أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها في استفادة الذوق منها فكيف إذا كانت الصناعة مستندة على تحكماًت وضعية واعتبارات إلفية فلا على الدخيل في صناعة علم المعاني أن يقلد صاحبها في بعض فتاواه إن فاته الذوق هناك على أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق وكان شيخنا الحاتمي ذلك الإمام الذي لن تسمح بمثله الأدوار ما دار الفلك الدوار تغمده الله برضوانه يحيلنا بحسن كثير من مستحسنات الكلام إذا راجعناه فيها على الذوق ونحن حينئذ ممن نبغ في عدة شعب من علم الأدب وصبغ بها يده وعانى فيها وكده وكده وها هو الإمام عبد القاهر قدس الله روحه في دلائل الإعجاز كم يعيد هذا. تخبار أو الإنكار ومقام البناء على السؤال يغاير مقام البناء على الإنكار جميع ذلك معلوم لكل لبيب وكذا مقام الكلام مع الذكي يغاير مقام الكلام مع الغبي، ولكل من ذلك مقتضى غير مقتضى الآخر. ثم إذا شرعت في الكلام فلكل كلمة مع صاحبتها مقام ولكل حد ينتهي إليه الكلام مقام وارتفاع شأن الكلام في باب الحسن والقبول وانحطاطه في ذلك بحسب مصادفة الكلام لما يليق به وهو الذي نسميه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 مقتضى الحال، فإن كان مقتضى الحال وإطلاق الحكم فحسن الكلام تحريده عن مؤكدات الحكم. وإن كان مقتضى الحال بخلاف ذلك فحسن الكلام تحليه بشيء من ذلك بحسب المقتضى ضعفا وقوة وإن كان مقتضى الحال طي ذكر المسند إليه فحسن الكلام تركه، وإن كان المقتضى إثباته على وجه من الوجوه المذكورة فحسن الكلام وروده على الاعتبار المناسب، وكذا إن كان المقتضى ترك المسند فحسن الكلام وروده عاريا عن ذكره وإن كان المقتضى اثباته مخصصاً يشئ من التخصيصات فحسن الكلام نظمه على الوجوه المناسبة من الاعتبارات المقدم ذكرها وكذا إن كان المقتضى عند انتظام الجملة مع أخرى فصلها أو وصلها والإيجاز معها أو الإطناب أعني طي جمل عن البين ولا طيها فحسن الكلام تأليفه مطابقا لذلك وما ذكره حديث إجمالي لا بد من تفصيله فاستمع لما يتلى عليك بإذن الله، وقد ترتب الكلام ههنا كما ترى على فنون أربعة. الفن الأول في تفصيل اعتبارات الإسناد الخبري. الفن الثاني في تفصيل اعتبارات المسند إليه. الفن الثالث في تفصيل اعتبارات المسند. الفن الرابع في تفصيل اعتبارات الفصل والوصل والإيجاز والإطناب، وقبل أن نمنح هذه الفنون حقها في الذكر ننبهك على أصل لتكون على ذكر منه وهو: أن ليس من الواجب في صناعة وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها على مجرد العقل أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها في استفادة الذوق منها فكيف إذا كانت الصناعة مستندة على تحكماًت وضعية واعتبارات إلفية فلا على الدخيل في صناعة علم المعاني أن يقلد صاحبها في بعض فتاواه إن فاته الذوق هناك على أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق وكان شيخنا الحاتمي ذلك الإمام الذي لن تسمح بمثله الأدوار ما دار الفلك الدوار تغمده الله برضوانه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 يحيلنا بحسن كثير من مستحسنات الكلام إذا راجعناه فيها على الذوق ونحن حينئذ ممن نبغ في عدة شعب من علم الأدب وصبغ بها يده وعانى فيها وكده وكده وها هو الإمام عبد القاهر قدس الله روحه في دلائل الإعجاز كم يعيد هذا. الفن الأول من المعلوم أن حكم العقل حال إطلاق اللسان هو أن يفرغ المتكلم في قالب الإفادة ما ينطق به تحاشياً عن وصمة اللاغية فإذا اندفع في الكلام مخبراً لزم أن يكون قصده في حكمه بالمسند للمسند إليه في خبره ذاك إفادته للمخاطب متعاطياً مناطها بقدر الافتقار فإذا ألقى الجملة الخبرية على من هو خالي الذهن عما يلقى إليه ليحضر طرفاها عنده وينتقش في ذهنه استناد أحدهما على الآخر ثبوتاً أو انتفاء كفى ذلك الانتقاش حكمه ويتمكن لمصادفته إياه خالياً: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبي خياليا فتمكنا فتستغني الجملة عن مؤكدات الحكم وسمي هذا النوع من الخبر ابتدائياً وإذا ألقاها على طالب لها متحير طرفاها عنده دون الاستناد فهو منه بين بين لينقذه عن ورطة الحيرة استحسن تقوية المنقذ بإدخال اللام في الجملة أو إن كنحو لزيد عارف أو إن عارف وسمي هذا النوع من الخبر طلبياً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وإذا ألقاها على حاكم فيها بخلافه ليرده على حكم نفسه استوجب حكمه ليرجح تأكيداً بحسب ما أشرب المخالف الإنكار في اعتقاده كنحو إني صادق لمن ينكر صدقك إنكاراً وإني لصادق لمن يبالغ في إنكار صدقك ووالله إني لصادق على هذا، وإن شئت فتأمل كلام رب العزة علت كلمته " إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون قالوا ما انتم إلا بشر مثلنا وما انزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون " حيث قال أولا إنا إليكم مرسلون، وقال ثانيا إنا إليكم لمرسلون كيف يقرر ما ألقى إليك ويسمي هذا النوع من الخبر إنكارياً، وإخراج الكلام في هذه الأحوال على الوجوه المذكورة يسمى إخراج مقتضى الظاهر، وأنه في علم البيان يسمى بالتصريح كما ستقف عليه والذي أريناك إذا أعملت فيه البصيرة استوثقت من جواب أبي العباس للكندي حين سأله قائلاً إني أجد في كلام العرب حشواً يقولون عبد الله قائم ثم يقولون إن عبد الله قائم ثم يقولون إن عبد الله لقائم والمعنى واحد وذلك إن قال بل المعاني مختلفة فقولهم عبد الله قائم إخبار عن قيامه وقولهم إن عبد الله قائم جواب عن سؤال سائل، وقولهم إن عبد الله لقائم جواب عن إنكار منكر قيامه، هذا ثم إنك ترى المغلقين السحرة في هذا الفن ينفثون الكلام لا على مقتضى الظاهر كثيراً وذلك إذا أحلوا المحيط بفائدة الجملة الخبرية وبلازم فائدتها علماً محل الخالي الذهن عن ذلك لاعتبارات خطابية مرجعها تجهيله بوجوه مختلفة، وإن شئت فعليك بكلام رب العزة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 " ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون " كيف تجد صدره يصف أهل الكتاب بالعلم على سبيل التوكيد القسمي وآخره ينفيه عنهم حيث لم يعلموا بعلمهم ونظيره في النفي والإثبات " وما رميت إذ رميت " وقوله " وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم " فيسوقون الكلام على هذا مساقه على ذلك، وهكذا قد يقيمون من لا يكون سائلاً مقام من يسأل فلا يميزون في صياغة التركيب للكلام بينهما وإنما يصبون لهما في قالب واحد إذا كانوا قدموا إليه ما يلوح مثله للنفس اليقظى بحكم ذلك الخبر فيتركها مستشرفة له استشراف الطالب المتحير يتميل بين إقدام للتلويح وإحجام لعدم التصريح فيخرجون الجملة إليه مصدرة بان ويرون سلوك هذا الأسلوب في أمثال هذه المقامات من كمال البلاغة وإصابة المحز أو ما ترى بشاراً كيف سلكه في رائيته: بكرا صاحبي قبل الهجير ... إن ذاك النجاح في التبكير حين استهواه التشبه بأئمة صناعة البلاغة المهتدين بفطرتهم على تطبيق مفاصلها وهم الأعراب الخلص من كل حارش يربوع وضب تلقاه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 في بلاغته يضع الهناء مواضع النقب دون المولدين الذين قصارى أمرهم في مضمار البلاغة أو أن الاستباق إذا استفرغوا مجهودهم الاقتداء بأولئك ومن الشواهد لما نحن فيه شهادة غير مردودة رواية الأصمعي تقبيل خلف الأحمر بين عيني بشار بمحضر أبي عمرو بن العلاء حين استنشداه قصيدته هذه على ما روى من أن خلفاً قال لبشار بعد ما أنشد القصيدة لو قلت يا أبا معاذ مكان إن ذاك النجاح بكراً فالنجاح في التبكير كان أحسن، فقال إنما قلتها يعني قصيدته أعرابية وحشية فقلت أن ذاك النجاح في التبكير كما يقول الأعراب البدويون ولو قلت بكراً فالنجاح في التبكير كان هذا من كلام المولدين ولا يشبه ذلك الكلام ولا يدخل في معنى القصيدة التي قلتها فقام خلف وقبل، فهل فحوى ما جرى بين بشار وصاحبيه وهم من فحولة هذا النوع ومن المهرة المتقنين والسحرة المؤخذين الأراشحة بتحقيق ما أنت منه على ريبة وقل لي مثل بشار، وقد تعمد أن يهدر بشقشقة سكان مها في الريح من كل ما ضغ قيصوم وشيح إذا خاطب ببكرا محرضا صاحبيه على التشمير عن ساق الجد في شأن السفار أفتراه لا يتصورهما حائمين حول هل التبكير يثمر النجاح فيتجانف عن التوكيد ولا يتلقاهما بأن هيهات ونظيره: فغنها وهي لك الفداء ... أن غناء الإبل الحداء وفي التنزيل " ولا تخاطبني في الذين ظلموا أنهم مغرقون " وكذا " وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء " وكذا وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم " وكذا " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 الساعة شيء عظيم " وأمثال ذلك كثيرة وإذا صادف ما أريناك بصيرة منك ووقفت على ما سيأتيك في الفن الرابع أعنرك في باب النقد لتركيبات الجمل الخبرية في نحو أعبد ربك إن العبادة حق له واعبد ربك فالعبادة حق له واعبد ربك العبادة حق له على تفاوتها هناك واجدا من نفسك فضل الأولى على الثانية بحسب المقام ورداءة الأخيرة تارة والحكم بالعكس أخرى وكنت الحاكم الفيصل بإذن الله تعالى وكذلك قد ينزلون منزلة المنكر من لا يكون إياه إذا رأوا عليه شيئاً من ملابس الإنكار فيحوكون حبير الكلام لهما على منوال واحد كقولك لمن تصدى لمقاومة مكاوح أمامه غير متدبر مغترا بما كذبته النفس من سهولة تأنيها له أن أمامك مكاوحا لك ومن هذا الأسلوب قوله: جاء شقيق عارضا رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح ويقلبون هذه القضية مع المنكر إذا كان معه ما إذا تأمله ارتدع عن الإنكار فيقولون لمنكر الإسلام الإسلام حق وقوله جل وعلا في حق القرآن لا ريب فيه وكم من شقي مرتاب فيه وارد على ذا وهذا النوع أعني نفث الكلام لا على مقتضى الظاهر متى وقع عند النظار موقعة اشتهش الأنفس وأنق الأسماع وهز القرائح ونشط الأذهان ولأمر ما تجد أرباب البلاغة وفرسان الطراد في ميدانها الرامية في حدق البيان يستكثرون من هذا الفن في محاوراتهم وأنه في علم البيان يسمى بالكناية وله أنواع تقف عليها وجه حسنها بالتفصيل هناك بإذن الله تعالى وأن هذا الفن فن لا تلين عريكته ولا تنقاد قرونته بمجرد استقراء صور منه وتتبع مظان أخوات لها وأتعاب النفس بتكرارها واستيداع الخاطر حفظها وتحصيلها بل لا بد من ممارسات لها كثيرة ومراجعات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فيها طويلة مع فضل إلهي من سلامة فطرة واستقامة طبيعة وشدة ذكاء وصفاء قريحة وعقل وافر ومن أتقن الكلام في اعتبارات الاعتبارات وقف على اعتبارات النفي. واعلم أنك إذا حذفت في هذا الفن لصدق همتك واستفراغ جهدك فيه وبالحري أمكنك التسلق به على العثور على السبب في أنزل ربّ العزة قرآنه المجيد على هذه المناهج إن شاء الله تعالى. الفن الثاني لما تقرر أن مدار حسن الكلام وقبحه على انطباق تركيبه على مقتضى الحال وعلى لا انطباقه وجب عليك أيها الحريص على ازدياد فضلك المنتصب لاقتداح زناد عقلك المتفحص عن تفاصيل المزايا التي بها يقع التفاضل وينعقد بين البلغاء في شأنها التسابق والتناضل أن ترجع على فكرك الصائب وذهنك الثاقب وخاطرك اليقظان ولانتباهك العجيب الشان ناظرا بنور عقلك وعين بصيرتك في التصفح لمقتضيات الأحوال في إيراد المسند إليه على كيفيات مختلفة وصور متنافية حتى يتأتى بروزه عندك لكل منزلة في معرضها فهو الرهان الذي يجرب به الجياد والنضال الذي يعرف به الأيدي الشداد فتعرف أيما حال يقتضي طي ذكره وأيما حال يقتضي خلاف ذلك وأيما حال يقتضي تعرفه مضمرا أو علما أو موصولا أو اسم إشارة أو معرفا باللام أو بالإضافة وأيما حال يقتضي تعقيبه بشيء من التوابع الخمسة والفصل وأيما حال يقتضي تنكره وأيما حال يقتضي تقديمه على المسند وأيما حال يقتضي تأخيره عنه وأيما حال يقتضي تخصيصه أو إطلاقه حال التنكير وأيما حال يقتضي قصره على الخبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 أما الحالة التي تقتضي طي ذكر المسند إليه فهي إذا كان السامع مستحضرا له عارفا منك القصد إليه عند ذكر المسند والترك راجع، إما لضيق المقام، وإما للاحتراز عن العبث بناء على الظاهر، وإما لتخييل أن في تركه تعويلا على شهادة العقل وفي ذكره تعويلا على شهادة اللفظ من حيث الظاهر وكم بين الشهادتين، وإما لإيهام أن تركه تطهيرا للسان عنه أو تطهيرا له عن لسانك، وإما للقصد على عدم التصريح ليكون لك سبيل على الإنكار إن مست إليه حاجة، وإما لأن الخبر لا يصلح إلا له حقيقة كقولك خالق لما يشاء فاعل لما يريد أادعاء، وأما لأن الاستعمال وارد على تركه أو ترك نظائره كقولهم نعم الرجل زيد على قول من يرى أصل الكلام نعم الرجل هو زيد، وأما الأغراض سوى ما ذكر مناسبة في باب الاعتبار بحسب المقامات لا يهتدي على أمثالها إلا العقل السليم والطبع المستقيم وقلما ملك الحكم هناك شيء غيرهما فراجعهما في مثل: قال لي كيف أنت قلت عليل ... سهر دائم وحزن طويل كيف تجد الحكم إذ لم يقل أنا عليل وفي مثل قوله حين شكا ابن عمه فلطمه فأنشأ يقول: سريع على ابن العم يلطم وجهه ... وليس على داعي الندى بسريع حريص على الدنيا مضيع لدينه ... وليس لما في بيته بمضيع حيث لم يقل هو سريع وفي مثل قوله: سأشكر عمراً إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت إذ لم يقل هو فتى وفي مثل قوله: أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم ... دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 نجوم سماء كلما انقض كوكب ... بدا كوكب تأوي إليه كواكبه حين لم يقل هم نجوم سماء، وقوله عز قائلاً سورة أنزلناها وفرضناها إذ لم يقل هذه سورة أنزلناها، وقوله " وما أدراك ماهية نار حامية " إذ لم يقل هي نار حامية، وقوله " فصبر جميل " وقوله " طاعة معروفة " على أحد الاعتبارين فيهما وهو فأمري صبر جميل وأمركم أو الذي يطلب منكم أو طاعتكم طاعة معروفة بحسب تفسير المعروفة. وأما الحالة التي تقتضي إثباته فهي أن يكون الخبر عام النسبة على كل مسند إليه، والمراد تخصيصه بمعين كقولك زيد جاء وعمرو ذهب وخالد في الدار وقوله: الله أنجح ما طلبت به ... والبر خير حقيبة الرحل وقوله والنفس راغبة إذا رغبتها ... وإذا ترد على قليل تقنع أو يذكر احتياطا في إحضاره في ذهن السامع لقلة الاعتماد بالقرائن أو للتنبيه على غباوة السامع أو لزيادة الإيضاح والتقرير، أو لأن في ذكره تعظيما للمذكور، أو إهانة له كما يكون في بعض الأسامي والمقام مقام ذلك، أو يذكر تبركا به واستلذاذا له كما يقول الموحد الله خالق كل شيء ورازق كل حي أو لأن إصغاء السامع مطلوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 فيبسط الكلام افتراضا بسط موسى إذ قيل له " وما تلك بيمينك " وكان يتم الجواب بمجرد أن يقول عصا، ثم ذكر المسند إليه وزاد فقال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ونظيره في البسط نعبد أصناما فنظل لها عاكفين " قد بسطوا الكلام ابتهاجا منهم بعبادة الأصنام وافتخارا بمواظبتها منحرفين عن الجواب المطابق المختصر وهو أصناما، أو لأن الأصل في المسند إليه هو كونه مذكورا أو ما جرى هذا المجرى. وأما الحالة التي تقتضي تعرفه فهي إذا كان المقصود من الكلام إفادة السامع فائدة يعتد بمثلها، والسبب في ذلك هو أن فائدة الخبر لما كانت هي الحكم أو لازمه كما عرفت في أول قانون الخبر ولازم الحكم وهو أنك تعلم الحكم أيضا، ولا شبهة أن احتمال تحقق الحكم متى كان أبعد كانت الفائدة في تعريفه أقوى ومتى كان أقرب كانت أضعف، وبعد تحقق الحكم بحسب تخصيص المسند إليه والمسند كلما ازداد تخصصا ازداد الحكم بعدا، وكلما ازداد عموما ازداد الحكم قربا، وإن شئت فاعتبر حال الحكم في قولك شيء ما موجود، وفي قولك فلان بن فلان حافظ للتوراة والإنجيل يتضح لك ما ذكرت. ثم إن تخصص المسند إليه إما أن يكون لكونه أحد أقسام المعرفات فحسب وهي المضمرات الأعلام المبهمات: أعني الموصولات وأسماء الإشارة المعرفات باللام المضافات على المعارف إضافة حقيقية مع القيد المذكور في علم النحو أو لما زاد على ذلك من كونه مصحوبا بشيء من التوابع الخمسة والضمير المسمى فصلا، وإما أن يكون لا لما ذكر كما ستقف عليه، ولكل من ذلك حالة تقتضيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 وأما الحالة التي تقتضي كونه مضمرا فهي إذا كان المقام مقام حكاية كقوله: أنا الذي يجدوني في صدورهم ... لا أرتقي صدرا منها ولا أرد وقوله: أنا المرعث لا أخفي على أحد ... ذرت بي الشمس للقاصي وللداني وقوله: ونحن التاركون لما سخطنا ... ونحن الآخذون لما رضينا وقوله: ونحن بنو عم على ذاك بيننا ... زرابي فيها بغضة وتنافس ونحن كصدع العس إن يعط شاعبا ... يدعه وفيه عيبه متناحس أو مقام خطاب كقوله: يا ابن الأكارم من عدنان قد علموا ... وتالد المجد بين العم والخال أنت الذي تنزل الأيام منزلها ... وتمسك لأرض من خسف وزلزال وقوله: قد كان قبلك أقوام فجعت بهم ... خلى لنا هلكهم سمعا وأبصارا أنت الذي لم تدع سمعا ولا بصرا ... إلا شفا فأمر العيش إمرارا وقوله: وأنت الذي كلفتني دلج السرى ... وجون القطا بالجهلتين جثوم وقولها: وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمت بي من كان فيك يلوم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 وحق الخطاب أن يكون مع مخاطب معين ثم يترك على غير معين كما تقول فلان لئيم إن أكرمته أهانك وإن أحسنت إليه أساء إليك فلا تريد مخاطبا بعينه كأنك قلت إن أكرم أو أحسن إليه قصدا على أن سوء معاملته لا يختص واحداً دون واحد، وأنه في القرآن كثير يحمل قوله تعالى " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم " على العموم قصدا على تفظيع حال المجرمين وأن قد بلغت من الظهور على حيث يمتنع خفاؤها ألبتة فلا تختص رؤية راء دون راء بل كل من يتأنى منه الرؤية فله مدخل في هذا الخطاب وكذا أمثال له، أو كان المسند إليه في ذهن السامع لكونه مذكورا أو في حكم المذكور لقرائن الأحوال ويراد الإشارة إليه كنحو قوله: من البيض الوجوه بني سنان ... لو أنك تستضيء بهم أضاءوا هم حلوا من الشرف المعلى ... ومن حسب العشيرة حيث شاءوا وقوله: بيمن أبي إسحق طالت يد العلا ... وقامت قناة الدين واشتد كاهله هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والبر ساحله وقوله: أرى الصبر محمودا وعنه مذاهب ... فكيف إذا ملم يكن عنه مذهب هو المهرب المنجي لمن أحدقت به ... مكاره دهر ليس عنهن مهرب وأما الحالة التي تقتضي كونه علما فهي إذا كان المقام مقام إحضار له بعينه في ذهن السامع ابتداء بطريق يخصه كنحو زيد صديق لك وعمرو عدو لك، وفي قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 أبو مالك قاصر فقره ... على نفسه ومشيع غناه وقوله: الله يعلم ما تركت قتالهم ... حتى علواً فرسي بأشقر مزيد قال تعالى " تبت يدا أبي لهب " أو مقام تعظيم والاسم صالح لذلك كما في الكنى والألقاب المحمودة أو إهانة والاسم صالح كالأسامي المذمومة أو كناية مثل قوله " تبت يدا أبي لهب " أي يدا جهنمي أو مقام إيهام أنك تستلذ اسمه العلم أو تتبرك به أو ما شاكل ذلك مما له مدخل في الاعتبار. وأما الحالة التي تقتضي كونه موصولاً فهي متى صح إحضاره في ذهن السامع بوساطة ذكر جملة معلومة الانتساب على مشار إليه واتصل بإحضاره بهذا الوجه غرض مثل أن لا يكون لك منه أمر معلوم سواه، أو لمخاطبك فتقول الذي كان معك أمس لا أعرفه والذي كان معنا أمس رجل عالم فأعرفه أو الذين في بلاد الشرق لا أعرفهم أو لا تعرفهم أو لا نعرفهم، أو أن تستهجن التصريح بالاسم، أو أن يقصد زيادة التقرير كما في قوله عز وعلا " وراودته التي هو في بيتها عن نفسه " والعدول عن التصريح باب من البلاغة يصار إليه كثيراً وإن أروث تطويلا. يحكى عن شريح أن رجلا أقر عنده بشيء ثم رجع ينكر فقال له شريح شهد عليك ابن أخت خالتك آثر شريح التطويل ليعدل عن التصريح بنسبة الحماقة على المنكر لكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 الإنكار بعد الإقرار إدخالا للعنق في ربقة الكذب لا محالة أو للتهمة، وكذا ما يحكى عنه أن عدي بن أرطاة أتاه ومعه امرأة له من أهل الكوفة يخاصمها، فلما جلس بين يدي شريح قال عدي: أين أنت؟ قال بينك وبين الحائط قال إني امرؤ من أهل الشام قال بعيد سحيق قال وإني قدمت العراق قال خير مقدم قال وتزوجت هذه قال بالرفاء والبنين قال وأنها ولدت غلاما قال ليهنك الفارس قال وأردت أن أنقلها على داري قال المرء أحق بأهله قال قد كنت شرطت لها وكرها قال الشرط أملك قال اقض بيننا قال فعلت قال فعلى من قضيت قال على ابن أمك عدل شريح عن لفظ عليك لئلا يواجهه بالتصريح على ما يشق على المخاصم من القضاء عليه، أو أن تومئ بذلك على وجه بناء الخبر الذي تبنيه عليه فتقول الذين آمنوا لهم درجات النعيم والذين كفروا لهم دركات الجحيم. ثم يتفرع على هذا اعتبارات لطيفة ربما جعل ذريعة على التعريض بالتعظيم كقولك الذي يرافقك يستحق الإجلال والرفع والذي يفارقك يستحق الإذلال والصفع ومنه قولهم جاء بعد اللتيا واللتي، وسيأتيك في فصل الإيجاز معناه، أو بالإهانة كما إذا قلبت الخبر في الصورتين وربما جعل ذريعة على تعظيم شأن الخبر كقوله: إن الذي سمك السما بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول وربما جعل ذريعة على تحقيق الخبر كقوله: إن التي ضربت بيتا مهاجرة ... بكوفة الجند غالت ودها غول وربما جعل ذريعة على التنبيه للمخاطب على خطأ كقوله: إن الذين ترونهم إخوانكم ... يشفى غليل صدورهم أن تصرعوا أو على معنى آخر كقوله: إن الذي الوحشة في داره ... يؤنسه الرحمة في لحده وربما قصد بذلك أن يتوجه ذهن السامع على ما سيخبر به عنه منتظرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 لوروده عليه حتى يأخذ منه مكانه إذا ورد كقوله: والذي حارت البرية فيه ... حيوان مستحدث من جماد وفي هذه الاعتبارات كثرة فحم لها حول ذكائك. وأما الحالة التي تقتضي كونه اسم إشارة فهي متى صح إحضاره في ذهن السامع بوساطة الإشارة إليه حسا واتصل بذلك داع مثل أن لا يكون لك أو لسامعك طريق إليه سواها أو أن تقصد بذلك أكمل تمييز له وتعيين كقوله: هذا أبو الصقر فردا في محاسنه ... من نسل شيبان بين الضال والسلم وقوله وإذا تأمل شخص ضيف مقبل ... متسربل سربال ليل أغبر أومى على الكوماء هذا طارق ... نحرتني الأعداء إن لم تنحري وقوله: ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان عبر الحي والوتد هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحد وقوله: أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا أو أن يقصد بيان حاله في القرب والبعد والتوسط كقولك: هذا وذلك وذاك، ثم تتفرع على ما ذكر وجوه من الاعتبار مثل أن تقصد بذلك كمال العناية بتمييزه وتعيينه كقوله عز من قائل أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون " أو أن تقصد بذلك أن السامع غبي لا يتميز الشيء عنده إلا بالحس كقول الفرزدق في خطابه جريرا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 أولئك آبائي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع أو أن تقصد بقربه تحقيره واسترذاله كما قالت عائشة يا عجبا لابن عمر هذا محقرة له وهو عبد الله بن عمرو بن العاص وكما يحكيه عز وعلا عن الكفار "ماذا أراد الله بهذا مثلا " وفي موضع آخر " أهذا الذي بعث الله رسولا " وفي موضع آخر أهذا الذي يذكر آلهتكم " ومنه " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب " وكما يحكيه القائل عن امرأته: تقول ودقت نحرها بيمينها ... أبعلي هذا بالرحا المتقاعس وببعده تعظيمه كما تقول في مقام التعظيم ذلك الفاضل وأولئك الفحول، وكقوله عز وعلا " ألم ذلك الكتاب " ذهابا على بعده درجة وقولها فيما يحكيه جل وعلا " قالت فذلكن " ولم تقل فهذا ويوسف حاضر رفعا لمنزلته في الحسن واستحقاق أن يحب ويفتتن به واستبعاً دا لمحله، ومن التبعيد لقصد التعظيم قوله تعالى " وتلك الجنة التي أورثتموها " أو خلاف تعظيمه كما تقول ذلك اللعين أو ما سوى ذلك مما له انخراط في هذا السلك ولطائف هذا الفصل لا تكاد تنضبط. وأما الحالة التي تقتضي التعريف باللام فهي متى أريد بالمسند إليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 نفس الحقيقة كقولك الماء مبدأ كل حي. قال عز من قائل " وجعلنا من الماء كل شيء حي " أي جعلنا مبدأ كل شيء حي هذا الجنس هو جنس الماء يأتي في الروايات أنه جل وعلا خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء والجن من نار خلقها منه وآدم من تراب خلقه منه وكقولك الرجل أفضل من المرأة والدينار خير من الدرهم والكل أعظم من الجزء ونعم الرجل وبئس الرجل، ومن تعريف الجنس قوله: والخل كالماء يبدي لي ضمائره ... مع الصفا ويخفيها مع الكدر وقوله: الناس أرض بكل أرض ... وأنت من فوقهم سماء وقوله عز قائلا " أولئك الذين أتيناهم الكتاب والحكم والنبوة " ولقرب المسافة إذا تأملت بين أن يعرف الاسم هذا التعريف وبين أن يترك غير معرف به يعامل معرفه كثيراً معاملة غير المعرف قال: ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني فعرف اللئيم، والمعنى ولقد أمر على لئيم من اللئام ولذلك تقدر يسبني وصفا لا حالاً وله في القرآن غير نظير، أو العموم والاستغراق كقوله عز وعلا " إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " وقوله " السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " وقوله ولا يفلح الساحر حيث أتى " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 أو كان المسند إليه حصة معهودة من الحقيقة كما إذا قال لك قائل جاءني رجل من قبيلة كذا أو رجلان أو رجال فتقول له الرجل الذي جاءك أعرف أو الرجلان اللذان جاآك أو الرجال الذين جاءوك وفي التنزيل " وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة " وفي موضع آخر " كما أرسلنا على فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول " وتقرير ما ذكرنا من إفادة اللام الاستغراق أو العهد يذكر في الفن الثالث إن شاء الله تعالى. وأما الحالة التي تقتضي التعريف بالإضافة فهي متى لم يكن للمتكلم على إحضاره في ذهن السامع طريق سواها أصلا كقولك غلام زيداًن لم يكن عندك منه شيء سواه أو عندك سامعك أو طريق سواها أخضر، والمقام مقام اختصار كقوله: هواي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب مجثماني بمكة موثق أو لأن اضافته حصول مطلوب آخر مثل أن تغني عن التفصيل المتعذر أو الأولى تركه بجهة من الجهات كقوله: بنو مطر يوم اللقاء كأنهم ... أسود في غيل خفان أشبل وقوله: أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل وقوله: قومي هم قتلوا أميم أخي ... فإذا رميت يصيبني سهمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 وقوله: قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة ... وللسبع خير من ثلاث وأكثر أو مثل أن تتضمن اعتبارا لطيفا مجازيا كقوله: إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة ... سهيل أذاعت غزلها في القرائب وقوله: إذا قال قدني قال بالله حلفة ... لتغني عني إذا إنائك أجمعا أو مثل أن تتضمن نوع تعظيم باعتبار كما تقول عبدي حضر فتعظم شأنك أن لك عبدا، أو كما تقول عبد الخليفة حضر فتعظم شأن العبد، أو كما تقول عبد الخليفة عند فلان فتعظم شأن فلان، أو نوع تحقير كما تقول ولد الحجام عنده، أو غرضا من الأغراض ممكن التعلق بالإضافة، وأما الحالة التي تقتضي وصف المعرف فهي إذا كان الوصف مبينا كاشفا عنه كما إذا قلت الجسم الطويل العريض العميق محتاج على فراغ يشغله، أو قلت التقي الذي يؤمن ويصلي ويزكي على هدى من ربه فبينت بالوصف على ألطف وجه أن المتقي هو الذي يفعل الواجبات بأسرها ويجتنب الفواحش والمنكرات عن آخرها وكشفته كشفا كأنك حددته، ووجه اللطافة هو أنك ذكرت أساس الحسنات ومنصبها وهو الإيمان وعقبته بأمي العبادات البدنية والمالية المستتبعتين لسائر العبادات وهما الصلاة والزكاة فأفدت بذلك فعل الواجبات بأسرها وذكرت الناهي عن الفحشاء والمنكر وهو الصلاة فأفدت بذلك اجتناب الفواحش عن آخرها ونظيره في تنزيل الوصف منزلة الكاشف للمجري عليه قول أوس: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 الألمعي الذي يظن بك الظن ... كان كأن قد رأى وقد سمعا حكي عن الأصمعي أنه سئل عن الألمعي فأنشده ولم يزد ومما تواخى هذا قوله جل وعلا " إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا " عن أحمد بن يحيى قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر ما الهلع فقلت قد فسره الله تعالى أو مدحا له كقولك الله الخالق البارئ المصور أو كما إذا قلت المتقي الذي يؤمن ويصلي ويزكي على هدى ولم ترد إلا مدحه أو ذما له كقولك إبليس اللعين ضال مضل، أو مخصصا له زيادة تخصيص مفيدا غير فائدة الكشف أو المدح كقولك زيد التاجر عندنا أو كما قلت المتقي الذي يؤمن ويصلي على هدى وأنت تريد بالمتقي المجتنب عن المعاصي أو تأكيدا له مجردا كقولك أمس الدابر لا يعود ون ما تعلق بالوصف مطلوبا ولما ترى من طلب التمييز بالوصف وامتناع أم تميز شيئاً عن شيء بما لا تعرفه له يمكنك أن تتوصل به على أن حق الوصف كونه عند السامع معلوم التحقق للموصوف ولعلمك بأن تحقق الشيء للشيء فرع على تحققه في نفسه لا يشتبه عليك أن حق كل وصف هو أن يكون في نفسه ثابتا متحققا وأن حق كل ما تقصد ثبوته للغير أن يكون في نفسه ثابتا وعندك فما لا يكون ثابتا كذلك أو متحققا يمتنع منك جعله وصفا وكذا خبرا أيضا بحكم عكس النقيض وعسى إذا استوضحت ما أريناكه أن تجذب بضبعك في تزييف رأي من لا يرى الصفة معلومة وأن تتحقق أن محاولة إثبات الثابت في نفسه لشيء آخر يستدعي ثبوت ذلك الشيء الآخر في نفسه لا محالة ثم لعلمك أن الطلب سعى في التحصيل وأن تحصيل الحاصل ممتنع كما سيأتيك كل ذلك في قانون الطلب تعلم أن مطلوبك مثله في نحو هل رأيت كذا وفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 نحو اضرب يمتنع أن يكون ثابتا عندك ومتحققا فيمتنع أن تجعل مثله وصفا له أو خبرا ولذلك تسمعنا في مثل قوله: جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط نقول تقديره جاءوا بمذق مقول عنده هذا القول: أي يحمل المذق رائيه أن يقول لمشاهده هل رأيت الذئب قط لا يراده في خيال الرائي لون الذئب بورقته لكونه سمارا وفي مثل اضربه أو لا تضربه أنه محمول على يقال: أي يقال في حقه اضربه أولا تضربه ونفسر قراءة ابن عباس رضي الله عنه " ولقد نجينا بني اسرائيل من العذاب المهين " من فرعون على لفظ من الاستفهامي ورفع فرعون بأنه لما وصف الله تعالى العذاب بكونه مهينا بيانا لشدته وفظاعة أمره وأراد أن يصور كنهه قال من فرعون هل تعرفونه من هو في فرط عتوه وشدة شكيمته في تفرعنه ما ظنكم بعذاب يكون المعذب يه مثله ثم عرف حاله في ذلك قائلا " إنه كان عاليا من المسرفين " وسيطلع من كتابنا هذا من خدمه حق خدمته على ثمرات محتجبة في أكمام. وأما الحالة التي تقتضي تأكيده فهي إذا كان المراد أن لا يظن بك السامع في حملك ذلك تجوزا أو سهوا أو نسيانا كقولك عرفت أنا وعرفت أنت وعرف زيد أو نفسه أو عينه وربما كان القصد مجرد التقرير كما يطلعك عليه فصل اعتبار التقديم والتأخير مع الفعل أو خلاف الشمول والإحاطة كقولك عرفني الرجلان كلاهما والرجال كلهم ومنه كل رجل عارف وكل إنسان حيوان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 وأما الحالة التي تقتضي بيانه وتفسيره فهي إذا كان المراد زيادة إيضاحه بما يخصه من الاسم كقولك صديقك خالد قدم وقوله علت كلمته " لا تتخذوا الهين اثنين إنما إله واحد " من هذا القبيل شفع الهين باثنين وإله بواحد لأن لفظ إلهين يحتمل معنى الجنسية ومعنى التثنية، وكذا لفظ إله يحتمل الجنسية والوحدة والذي له الكلام مسوق هو العدد في الأول والوحدة في الثاني ففسر إلهين باثنين وإله بواحد بيانا لما هو الأصل في الغرض ومن هذا الباب من وجه قوله تعالى " وما من دابة في الأرض ولا طائر بجناحيه " ذكر في الأرض مع دابة ويطير بجناحيه مع طائر لبيان أن القصد من لفظ دابة ولفظ طائر إنما هو على الجنسين وعلى تقريرهما. وأما الحالة التي تقتضي البدل عنه فهي إذا كان المراد نية تكرير الحكم وذكر المسند إليه بعد توطئة ذكره لزيادة التقرير والإيضاح كقولك سلب زيد ثوبه وجاء القوم أكثرهم وحق عليك الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم في الأنواع الثلاثة من البدل دون الرابع فليتأمل. وأما الحالة التي تقتضي العطف فهي إذا كان المراد تفصيل المسند إليه مع اختصار كقولك جاء زيد وعمرو وخالد أو تفصيل المسند مع اختصار كقولك جاء زيد فعمرو فخالد أو ثم عمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 ثم خالد أو جاء القوم حتى خالد ولابد في حتى من التدريج كما ينبئ عنه قول من قال: ول من قال: وكنت فتى من جند ابليس فارتقى ... بي الحال حتى صار ابليس من جندي أو كان المراد رد السامع عن الخطأ في الحكم على الصواب كقولك جاءني زيد لا عمرو لمن في اعتقاده أن عمراً جاءك دون زيد أو أنهما جاآك معا وكقولك ما جاءني زيد لكن عمرو لمن في اعتقاده أن جاءك دون عمرو أو كان المراد صرف حكمك عن محكوم له على آخر كقولك جاءني زيد بل عمرو وما جاءني زيد بل عمرو أو كان المراد الشك فيه أو التشكيك كقوله جاءني زيد أو عمرو أو إما زيد وإما عمرو أو كان المراد التفسير كقولك جاءني أخوك: أي زيد على قولي، وفي العطف لا سيما العطف بالواو كلام يأتيك في الفن الرابع إن شاء الله تعالى. وإما الحالة التي تقتضي الفصل فهي إذا كان المراد تخصيصه للمسند بالمسند إليه كقولك زيد هو المنطلق زيد هو أفضل من عمرو أو خير منه هو يذهب. وأما الحالة التي تقتضي تنكيره فهي إذا كان المقام للإفراد شخصا أو نوعا كقولك جاءني رجل: أي فرد من أشخاص الرجال، وقوله تعالى " والله خلق كل دابة من ماء أي من نوع من الماء مختص بتلك الدابة أو من ماء مخصوص وهي النطفة أو كان المقام غير صالح للتعريف إما لأنك لا تعرف منه حقيقة إلا ذلك القدر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 وهو أنه رجل أو تتجاهل وترى أنك لا تعرف منه إلا جنسه كما إذا سمعت شيئاً في اعتقادك فاسدا عمن هو مفتر كذاب وأردت أن تظهر لأصحاب لك سواء اعتقادك به قلت هل لكم في حيوان على صورة إنسان يقول كيت وكيت متفاديا أن تقول في فلان فتسميه كأنك لست تعرف منه ولا أصحابك إلا تلك الصورة ولعله عندكم أشهر من الشمس وعليه ما يحكيه جل وعلا عن الكفار في حق النبي عليه الصلاة والسلام " هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد " كأن لم يكونوا يعرفون منه إلا أنه رجل ما، وباب التجاهل في البلاغة وعلى سحرها وإن شئت فانظر لفظ كأن في قول الخارجية:؟؟؟ أيا شجر الخابور مالك مورقا كأنك لم تجزع على ابن طريف ماذا ترى أو الاستخبار في قول علام الغيوب " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم " متضمنا للتوبيخ لهم على تمريضهم ورخاوة عقدهم في الإيمان ناعيا عليهم أن يتوقع من أمثالهم إن تولوا أمور الناس وتأمروا عليهم أن يفسدوا في الأرض ويقطعوا أرحامهم تناحرا في الملك وتهالكا على الدنيا ليهجم بهم التأمل في المتوقع على ما يثمر من أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم لئلا يلبسوا لمن إذا عرض لهم بذلك على سبيل النصيحة جلد النمر وأن لا تنقلب له حماليقهم، وأما لأنه لا طريق لك على تعريف الزائد على هذا القدر لسامعك، وأما لأن في تعيينه مانعا يمنعك، وأما لأنه في شأنه ارتفاعا أو انحطاطا واصل على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 حد يوهم أنه لا يمكن أن يعرف فتقول في جميع ذلك عندي رجل أو حضر رجل وقولهم شر أهرذاناب من الاعتبار الأخير وستسمع في مثل هذا التركيب أعني نحو رجل جاء وامرأة حضرت فوائد وكذا قولك في حق من يحقر مقداره في نوع من الأنواع عنده شمة قال تعالى " ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك " ومنه " إن نظن إلا ظنا " وقول ابن أبي السمط: له حاجب في كل أمر يشينه ... وليس له عن طالب العرف حاجب منه أيضا انظر إليه كيف تجد الفهم والذوق يقتضيانك كمال ارتفاع شأن حاجب الأول وكمال انحطاط حاجب الثاني. وقال تعالى " وعلى أبصارهم غشاوة " فنكر لتهويل أمرها. وقال " ولكم في القصاص حياة " على معنى ولكم في هذا الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة لمنعه عما كانوا عليه من قتل الجماعة بواحد متى اقتدروا أو نوع من الحياة وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن القتل لمكان العلم بالاقتصاص أو ما ترى إذا هم بالقتل فتذكر الاقتصاص فأورثه أن يرتدع كيف يسلم صاحبه من القتل وهو من القود فيتسبب لحياة نفسين ولمعنى طلب التعظيم والتهويل بالتنكير قال تعالى " فأذنوا بحرب من الله ورسوله " دون أن يقول بحرب الله ورسوله، ولخلاف ذلك قال " وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر " دون أن يقول ورضوان الله قصدا على إفادة وقدر يسير من رضوانه خير من ذلك كله لأن رضاه سبب كل سعادة وفلاح، وأما قوله " أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن " بالتنكير دون عذاب الرحمن بالإضافة فإما للتهويل وإما بخلافه بمعنى أخاف أن يصيبك نفيان من عذاب الرحمن. وقال " وإن يكذبوك فقد كذبت رسل " المعنى رسل: أي رسل ذو عدد كثير وأولو آيات ونذر وأهل أعمار طوال وأصحاب صبر وعزم وما أشبه ذلك. وأما الحالة التي تقتضي تقديمه على المسند فهي متى كان ذكره أهم. ثم أن كونه أهم يقع باعتبارات مختلفة، إما لأن أصله التقديم ولا مقتضى للعدول عنه وستسمع كلاما في هذا المعنى في آخر الفن الثالث إن شاء الله تعالى، وإما لأنه متضمن للاستفهام كقولك أيهم منطلق وسيقرر في القانون الثاني وإما لأنه الشأن والقصة كقولك هو زيد منطلق وعن قريب تعرف السر في التزام تقدمه وإما لأن في تقديمه تشويقا للسامع على الخبر ليتمكن في ذهنه إذا أورده كما إذا قلت صديقك فلان الفاعل الصانع رجل صدوق وهو إحدى خواص تراكيب الأخبار في باب الذي كما إذا قلت بدل قولك زيد منطلق الذي هو منطلق زيد أو بدل قولك خبر مقدمك سرني الذي هو سرني خبر مقدمك أو الذي خبره سرني مقدمك وهو السبب في التزام تأخير الخبر في هذا الباب وامتناع الأخبار عن ضمير الشأن، والمراد بالأخبار في عرف النحويين في هذا الباب هو أن تعمد على أي اسم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 شئت فتزحلقه على العجز وتصير ما عداه صلة للذي إن كانت الجملة اسمية، وأما إن كانت فعلية فله أو للألف واللام بمعناه واضعا مكان المزحلق ضميرا عائدا على الموصول مراعيا في ذلك ما أفادك علم النحو مثل أن ضمير الشأن ملتزم التقديم وأن الضمير لا ينصب مفعولا وأن الحال لا يكون معرفا وأن ربط المعنى بالمعنى إذا كان بسبب عود الضمير فلا بد منه وأنا أضرب لك أمثلة لتتحقق جميع ذلك قل في الأخبار عن ضميرك في أظن الذباب يطير في الجو فيغضب أبا زيد الذي يظن الذباب يطير في الجو فيغضب أبا زيد أنا أو الظان الذباب وعن الذباب الذي أظنه يطير في الجو فيغضب أبا زيد الذباب وعن الجو الذي أظن الذباب يطير فيغضب أبا زيد الجو وعن أبي زيد الذي أظن الذباب يطير في الجو فيغضبه أبو زيد وعن زيد الذي وعن زيد الذي أظن الذباب يطير في الجو فيغضب أباه زيد ولا تخبر في قولك هو إكرامي قادما واجب عن ضمير الشأن لئلا يلزم تأخيره الممتنع ولا عن الإكرام لئلا يلزم أعمال الضمير الذي يقع موقعه في ولا عن قادما لئلا يلزم وقوع الضمير الذي هو معرفة موقع الممتنع عن التعريف وهو الحال ولا عن الضمير في واجب لئلا يلزم من عود الضمير القائم مقامه إذا عاد على الموصول كما يجب ترك ربط الخبر بالمبتدأ، وإما لأن يتقوى استناد الخبر إليه على الظاهر كما ستعرفه في الفن الثالث، وإما لأن اسم المسند إليه يصلح للتفاؤل فتقدمه على السامع لتسره أو تسوءه مثل أن تقول سعيد بن سعيد في دار فلان وسفاك بن الجراح في دار صديقك، وإما لأن كونه متصفا بالخبر يكون هو المطلوب كما إذا قيل لك كيف الزاهد فتقول الزاهد يشرب ويطرب وإما لتوهم أنه لا يزول عن الخاطر وأنه يستلذ فهو على الذكر أقرب، وإما لأن تقديمه ينبئ عن التعظيم والمقام يقتضي ذلك وإما لأنه يفيد زيادة تخصيص كقوله: متى تهزز بني قطن تجدهم ... سيوفا في عواتقهم سيوف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 جلوس في مجالسهم رزان ... وإن ضيف ألم فهم خفوف والمراد هم خفوف وقوله: بحسبك في القوم أن يعلموا ... بأنك فيهم غني مضر مسيخ ملبخ كلحم الخوا ... ر لا أنت حلو ولا أنت مرّ وأشباه ذلك. وأما الحالة التي تقتضي تأخيره عن المسند فهي إذا اشتمل المسند على وجه من وجوه التقديم كما سترد عليك في الفن الثالث إن شاء الله تعالى. وأما الحالتان المقتضيتان لإطلاق المسند إليه أو تخصيصه حال التنكير فأنت إذا مهرت فما تقدم استغنيت عن التعريف فيهما. وأما الحالة المقتضية لقصر المسند إليه على المسند فهي أن يكون عند السامع حكم مشوب بصواب وخطأ وأنت تريد تقرير صوابه ونفي خطئه مثل أن يكون عند السامع أن متمول وجواد فتقول له زيد متمول لا جواد ليعرف أن مقصور على التمول لا يتعداه على الجود أو تقول له ما زيد إلا متمول أو إنما زيد متمول وعليه ما يحكي عز وجل في حق يوسف عن النسوة " ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم " أي أنه مقصور على الملكية لا يتخطاها على البشرية، وما يحكى عن اليهود في قوله " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 الأرض قالوا إنما نحن مصلحون " أي يقولون نحن مقصورون على الصلاح لا يتأتى منا أمر سواه. واعلم أن القصر كما يكون للمسند إليه على المسند يكون أيضا للمسند على المسند إليه ثم هو ليس مختصا بهذا البين بل له شيوع وله تفريعات، فالأولى أن نفرد للكلام في ذلك فصلا ونؤخره على تمام التعرض لما سواه في قانوننا هذا ليكون على الوقوف عليه أقرب. واعلم أن جميع ذلك هو مقتضى الظاهر ثم قد يخرج المسند إليه لا على مقتضى الظاهر فيوضع اسم الإشارة موضع الضمير وذلك إذا كملت العناية بتمييزه إما لأنه اختص بحكم بديع عجيب الشأن كقوله: كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا وإما لأنه قصد التهكم بالسامع والسخرية منه كما إذا كان فاقد البصر أو لم يكن ثم مشار إليه أصلا أو النداء على كمال بلادته بأنه لا يميز بين المحسوس بالبصر وغيره أو على كمال فطانته وبعد غور إدراكه بأن غير المحسوس بالبصر عنده كالمحسوس عند غيره أو قصد ادعاء أنه ظهر ظهور المحسوس بالبصر كقوله: تعاللت كي أشجى وما بك علة ... تريدين قتلي قد ظفرت بذلك وما شا كل ذلك ويوضع المضمر موضع المظهر كقولهم: ابتداء من غير جرى ذكر لفظا أو قرينة حال رب رجلا ونعم رجلا زيد وبئس رجلا عمرو مكان رب رجل ونعم الرجل وبئس الرجل على قول من لا يرى الأصل زيد نعم رجلا وعمرو بئس رجلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 وقولهم هو زيد عالم وهي هند مليحة مكان الشأن زيد عالم والقصة هند مليحة ليتمكن في ذهن السامع ما يعقبه وذلك أن السامع متى لم يفهم من الضمير معنى لقى منتظرا لعقبى الكلام كيف تكون فيتمكن المسموع بعده فضل تمكن في ذهنه وهو السر في التزام تقديمه. قال الله تعالى " قل هو الله أحد " وقال فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب كما يوضع المظهر موضع المضمر إذا أريد تمكين نفسه زيادة تمكين كقوله أن تسألوا الحق نعط الحق سائله وقوله عز قائلا " الله الصمد " بعد قوله " قل هو الله أحد " ونظيره خارج باب المسند إليه " وبالحق أنزلناه وبالحق نزل " وكذا " فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا " وتترك الحكاية على المظهر إذا تعلق به غرض فعل الخلفاء حيث يقولون أمير المؤمنين يرسم لك مكان أنا أرسم وهو إدخال الروعة في ضمير السامع وتربية المهابة أو تقوية داعي المأمور، وعليه قوله تعالى " فإذا عزمت فتوكل على الله " أو فعل المستعطف حيث يقول أسيرك يتضرع إليك مكان أنا أتضرع إليك ليكون أدخل في الاستعطاف وعليه قوله إلهي عبدك العاصي أتا كا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وما جرى مجرى هذا الاعتبار. واعلم أن هذا النوع: أعني نقل الكلام عن الحكاية على الغيبة لا يختص المسند إليه ولا هذا القدر بل الحكاية والخطاب والغيبة ثلاثتها ينقل كل واحد منها على الآخر ويسمى هذا النقل التفاتا عند علماء علم المعاني والعرب يستنكرون منه ويرون الكلام إذا انتقل من أسلوب على أسلوب أدخل في القبول عند السامع وأحسن تطرية لنشاطه وأملأ باستدرار إصغائه وهم أحرياء بذلك أليس قرى الأضياف سجيتهم ونحر العشار للضيف دأبهم وهجيراهم لا مزقت أيدي الأدوار لهم أديما ولا أباحت لهم حريما أفتراهم يحسنون قرى الأشباح فيخالفون فيه بين لون ولون وطعم وطعم ولا يحسنون قرى الأرواح فلا يخالفون فيه بين أسلوب وأسلوب وإيراد وإيراد فإن الكلام المفيد عند الإنسان لكن بالمعنى لا بالصورة أشهى غذاء لروحه وأطيب قرى لها. قال ربيعة بن مقروم: بانت سعاد فأمسى القلب معمودا ... وأخلفتك ابنة الحر المواعيدا فالتفت كما ترى حيث لم يقل وأخلفتني ثم قال: ما لم ألاق أمراً جزلا مواهبه ... سهل الفناء رحيب الباع محمودا وقد سمعت بقوم يحمدون فلم ... أسمع بمثلك لا حلما ولا جودا فالتفت كما ترى حيث لم يقل بمثله وقال: تذكرت والذكرى تهيجك زينبا ... وأصبح باقي وصلها قد تقضبا وحل بفلج والأباتر أهلنا ... وشطت فحلت غمرة فمثقبا فالتفت في البيتين. وقال عوف بن الأحوص: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 لهدمت الحياض فكم يغادر ... يحوض من نصائبه إزاء لخولة إذ هم مغنى وأهلي ... وأهلك ساكنون وهم رياء فالتفت في الثاني. وقال عبد الله بن غنمة: ما أن ترى السيد في نفوسهم ... كما تراه بنو كوز ومرهوب أن تسألوا نعطي الحق سائله ... والدرع محقبة والسيف مقروب فالتفت في تسألوا. وقال الحرث بن حلزة: طرق الخيال ولا كليلة مدلج ... سد كا بأرحلنا ولم يتعرج أني اهتديت لنا وكنت رجيلة ... والقوم قد قطعوا متان السجسج فالتفت في الثاني. وقال علقمة بن عبدة: طحا بك قلب الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب تكلفني ليلى وقد شط وليها ... وعادت عواد بيننا وخطوب فالتفت في البيتين. وقال أمرؤ القيس: تطاول ليلك بالأئمد ... ونام الخلي ولم ترقد وبات وباتت له ليلة ... كليلة ذي العائر الأرمد وذلك عن نبأ جاءني ... وخبرته عن أبي الأسود فالتفت في الأبيات الثلاثة، وأمثال ما ذكر أكثر من أن يضبطها القلم وهذا النوع قد يختص مواقعه بلطائف معان قلما تتضح إلا لأفراد بلغائهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 أو للحذاق المهرة في هذا الفن والعلماء النحارير، ومتى اختص موقعه بشيء من ذلك كساه فضل بهاء ورونق، وأورث السامع زيادة هزة ونشاط، ووجد عنده من القبول أرفع منزلة ومحل إن كان ممن يسمع ويعقل وقليل ما هم أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، ولأمر ما وقع التباين الخارج عن الحد بين مفسر لكلام رب العزة ومفسر وبين غواص في بحر فرائده وغواص، وكل التفات وارد في القرآن متى صرت من سامعيه عرفك ما موقعه، وإذا أحببت أن تصير من سامعيه فأصخ ثم ليتل عليك قوله تعالى " إياك نعبد وإياك نستعين " فلعلك ممن يشهد له الوجدان بحيث يغنيه عن شهادة ما سواه أليس أن المرء إذا أخذ في استحضار جنايات جان متنقلا فيها عن الإجمال على التفصيل وجد من نفسه تفاوتا في الحال بينا لا يكاد يشبه آخر حاله هناك أولها، أو ما تراك إذا كنت في حديث مع إنسان وقد حضر مجلسكما من له جنايات في حقك كيف تصنع تحول عن الجاني وجهك وتأخذ في الشكاية عنه على صاحبك تثبته الشكوى معددا جناياته واحدة فواحدة وأنت فيما بين ذلك واجد مزاجك يحمى على تزايد يحرك حالة لك غضبية تدعوك على أن تواثب ذلك الجاني وتشافهه بكل سوء وأنت لا تجيب على أن تغلب فتقطع الحديث مع الصاحب ومباثتك إياه وترجع على الجاني مشافها له بالله قل لي هل عامل أحد مثل هذه المعاملة هل يتصور معاملة أسوأ مما فعلت أما كان لك حياء يمنعك أما كانت لك مروءة تردعك عن هذا، وإذا كان الحاضر لمجلسكما ذا نعم عليك كثيرة فإذا أخذت في تعديد نعمه عند صاحبك مستحضرا لتفاصيلها أحسست من نفسك بحالة كأنها تطالبك بالإقبال على منعمك وتزين لك ذلك ولا تزال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 تتزايد ما دمت في تعديد نعمه حتى تحملك من حيث لا تدري على أن تجدك وأنت معه في الكلام تثني عليه وتدعو له وتقول بأي لسان أشكر صنائعك الروائع وبأية عبارة أحصر عوارفك الذوارف وما جرى ذلك المجرى، وإذا وعيت ما قصصته عليك وتأملت الالتفات في " إياك نعبد وإياك نستعين " بعد تلاوتك لما قبله من قوله " الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين " على الوجه الذي يجب وهو التأمل القلبي علمت ما موقعه وكيف أصاب المحز وطبق مفصل البلاغة لكونه منبها على أن العبد المنعم عليه بتلك النعم العظام الفائتة للحصر إذا قدر أنه ماثل بين يدي مولاه من حقه إذا أخذ في القراءة أن تكون قراءته على وجه يجد معها من نفسه شبه محرك على الإقبال على من يحمد صائر في أثناء القراءة على حالة شبيهة بإيجاب ذلك عند ختم الصفات مستدعية انطباقها على المنزل على ما هو عليه وإلا لم تكن قارئا، والوجه هو إذا افتتح التحميد أن يكون افتتاحه عن قلب حاضر ونفس ذاكرة يعقل فيم هو وعند من هو، فإذا انتقل من التحميد على الصفات أن يكون انتقاله محذوا به حذو الافتتاح فإنه متى افتتح على الوجه الذي عرفت مجريا على لسانه الحمد لله أفلا يجد محركا للإقبال على من يحمد من معبود عظيم الشأن حقيق بالثناء والشكر مستحق للعبادة، ثم إذا انتقل على نحو الافتتاح على قوله رب العالمين وأصفاله بكونه ربا مالكا للخلق لا يخرج شيء من ملكوته وربوبيته افترى ذلك المحرك لا يقوى، ثم إذا قال الرحمن الرحيم فوصفه بما ينيء عن كونه منعما غلى الخلق بأنواع النعم جلائلها ودقائقها مصيبا إياهم بكل معروف أفلا تتضاعف قوة ذلك المحرك عند هذا، ثم إذا آل الأمر على خاتمة هذه الصفات وهي " مالك يوم الدين " المنادية على كونه مالكا للأمر كله في العاقبة يوم الحشر للثواب والعقاب فما ظنك بذلك المحرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 أيسع ذهنك أن لا يصير على حد يوجب عليك الإقبال على مولى شأن نفسك معه منذ افتتحت التحميد ما تصورت فتستطيع أن لا تقول إياك يا من هذه صفاته نعبد ونستعين لا غيرك فلا ينطبق على المنزل على ما هو عليه، وليس ابن الحجر الكندي يبعد وهو المشهود له في شأن البلاغة والحائز لقصات السبق في درك اللطائف والمفتلذ للأناسي من عيون النكت في افتنانه في الكلام إذا التفت تلك الالتفاتات، وكان يمكنه ألا يلتفت البتة وذلك أن يسوق الكلام على الحكاية في الأبيات الثلاثة فيقول: تطاول ليلى بالأئمدونام الخلي ولم أرقدوبت وبات لنا ليلة كقول لبيد: فوقفت أسألها وكيف سؤالنا أو أن يلتفت نوعا واحداً فيقول وبت وبات لكم وذلك من نبأ جاءكم وخبرتكم عن أبي الأسود أن يكون حين قصد تهويل الخطب واستفظاعه في النبأ الموجع والخبر المفجع للواقع العات في العضد المحرق للقلب والكبد فعل ذلك منها في التفاته الأول على أن نفسه وقت ورود ذلك النبأ عليها ولهت له الثكلى فأقامها مقام المصاب الذي لا يتسلى بعض التسلي إلا بتفجع الملوك له وتحزنهم عليه وأخذ يخاطبه بتطاول ليلك تسلية أو نبه على أن نفسه لفظاعة شأن النبأ واستشعارها معه كمدا وارتماضا أبدت قلقا لا يقلقه كمد وضجرا لا يضجره مرتمض وكان من حقها أن تتثبت وتتصبر فعل الملوك وجريا على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 سننها المسلوك عند طوارق النوائب وبوارق المصائب فحين لم تفعل شككته في أنها نفسه فأقامها مقام مكروب ذي حرق قائلا له تطاول ليلك مسليا وفي التفاته الثاني على أن المتحزن تحزن تحزن صدق ولذلك لا يتفاوت الحال خاطبتك أم لم أخاطبك وفي التفاته الثالث على أن جميع ذلك إنما كان لما خصه ولم يتعداه على من سواه أو نبه في التفاته الأول على أن ذلك النبأ أطار قلبه وأبار لبه وتركه حائرا فما فطن معه لمقتضى الحال من الحكاية فجرى على لسانه ما كان ألفه من الخطاب الدائر في مجاري أمور الكبار أمراً ونهيا والإنسان إذا دهمه ما تحار له العقول وتطير له الألباب وتدهش معه الفطن لا يكاد يسلم كلامه عن أمثال ذلك وفي التفاته الثاني على أنه بعد الصدمة الأولى حين أفاق شيئاً مدركا بعض الإدراك ما وجد النفس معه فبنى الكلام على الغيبة قائلا وبات وباتت له وفي التفاته الثالث على ما سبق أونبه في التفاته الأول على أن نفسه حين لم تتثبت ولم تتبصر غاظه ذلك فأقامها مقام المستحق للعتاب قائلا له على سبيل التوبيخ والتعيير تطاول ليلك وفي الثاني على أن الحامل على الخطاب والعتاب لما كان هو الغيظ والغضب فحين سكت عنه الغضب بالعتاب الأول فإن سورة الغضب بالعتاب تنكسر ولي عنها الوجه وهو يدمدم قائلا وبات وباتت له وفي التفاته الثالث على ما تقدم وإنما ذكرت لك ما ذكرت لنقف على أن الفحول البزل لا يعترفون بالبلاغة لامرئ ولا يقيمون لكلامه وزنا ما لم يعثروا من مطاوى افتناناته على لطائف اعتبارات والتفاضل بين الكلامين قلما يقع إلا بأشباهها. واعلم أن لطائف الاعتبارات المرفوعة لك في هذا الفن من تلك المطامح النازحة من مقامك لا تثبتها حق إثباتها ما لم تمتر بصيرتك في الاستشراف لما هبا لك أطباء المجهود ولم تختلف في السعي للتنقير عنها وراءك كل حد معهود ماذا بضبعك صدق همة تبطش في متوخاك بباع بسيط أن لا تزل عن مرمى غرضك ولو مقدار فسيط مستظهرا في طماعيتك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 أن تستشعرها بنفس لك يقظى وطبع لطيف مع فهم متسارع وخاطر معوان وعقل دراك، وعلماء هذه الطبقة الناظرة بأنوار البصائر المخصوصون بالعناية الإلهية المدللون بما أوتوا من الحكمة و فصل الخطاب على أن كلام رب العزة وهو قرآنه الكريم وفرقانه العظيم لم يكتس تلك الطلاوة ولا استودع تلك الحلاوة وما أغدقت أسافله ولا أثمرت أعاليه وما كان بحيث يعلو ولا يعلى إلا لانصبابه في تلك القواليب ولوروده على تلك الأساليب. الفن الثالث للوجه الذي علمت أيها المخصوص بتلاطم أواذي فكره دون أبناء جنسه المستودع في استكشافه عن أسرار البلاغة كمال أنسه النقاب المحدث فلا يحتجب عنه شيء من بدائع النكت في مكانها المستخرج للطائف السحر البياني عن معادنها المستطلع طلع الإعجاز التنزيلي باستغراق طوقه المالك لزمام الحكم كفاء المتحدين بعجيب فهمه وغريب ذوقه فهو الطلبة وماعداه ذرائع إليه وهو المرام وما سواه أسباب للتسلق عليه أن لابد من التصفح لمقتضيات الأحوال في إيراد المسند إليه على تلك الصور والكيفيات تعلم له أيضا أن لابد من التصفح عن الأحوال المقتضية لأنواع التفاوت في المسند من كونه متروكا تارة وغير متروك أخرى ومن كونه مفردا أو جملة وفي إفراده من كونه فعلا نحو قام زيد ويقوم وسيقوم أو اسما منكرا أو معرفا من جملة المعرفات مقيدا كل من ذلك بنوع قيد نحو ضربت يوم الجمعة وزيد رجل عالم وعمرو أخوك الطويل أو غير مقيد، وفي كونه جملة من كونها إسمية أو فعلية أو شرطية أو ظرفية ومن كونه مؤخرا أو مقدما حتى يتهيأ لك أن يتسم لكل مقام بسمته وأن يجري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 على حد مقتضاء على أقوم سمته فهو المطارح الذي تران فيه قوى القرائح والمطارد الذي يمتاز فيه الجدع عن القارح. أما الحالة المقتضية لترك المسند فهي متى كان ذكر المسند إليه بحال يعرف منه المسند وتعلق بتركه غرض: إما اتباع الاستعمال كقولهم ضربي قائما وأكثر شربي السويق ملتوتا وأحطب ما يكون الأمير قائما وقولهم. كل رجل وضيعته وقولهم لولا زيد لكان كذا ونحو ذلك، وأما قصد الاختصار والاحتراز عن العبث كما إذا قلت خرجت فإذا زيد أو قلت زيد منطلق وعمرو، وقوله عز من قائل " أفأنبئكم بشر من ذلكم النار " إذا حملته على تقدير النار شر من ذلكم، وأما ضيق المقام مع قصد الاختصار والاحتراز عن العبث كنحو قوله: قالت وقد رأى اصفراري من به ... وتنهدت فأجبتها المتنهد إذا حمل على تقدير المتنهد دون هو المتنهد، وستعرف في الحالة المقتضية لكونه اسما معرفا: أي التقديرين أولى وقوله: نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف أي نحن بما عندك راضون، وإما تخيبل أن العقل عند الترك هو معرفة وأن اللفظ عند الذكر هو معرفة من حيث الظاهر وبين المعرفين نون، ولك أن تأخذ من هذا القبيل قوله عز وعلا " والله ورسوله أحق أن يرضوه " وإما أن يخرج ذكره على ما ليس بمراد كما إذا قلت في أزيد عندك أم عمرو أم عندك عمرو فانه يخرج أم عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 كونها متصلة على أنها منقطعة، وإما لاختبار السامع هل يتنبه عند قرائن الأحوال أو ما مقدرا تنبهه عندها، وإما طلب تكثير الفائدة بالمذكور من حمله عليه تارة وحمله على غيره أخرى كقوله " فصبر جميل " وقوله " طاعة معروفة " لحملها تارة على فصبر جميل أجمل وطاعة معروفة أمثل وحملها أخرى على فأمري صبر جميل وطاعتكم طاعة معروفة: أي معروفة بالقول دون الفعل. وأما الحالة المقتضية لذكره فهي أن لا يكون ذكر المسند إليه يفيد المسند بوجه ما من الوجوه كما إذا قلت ابتداء زيد عالم أو أن يكون في ذكر المسند غرض: وهو إما زيادة التقرير أو التعريض بغباوة سامعك أو استلذاذه أو قصد التعجيب من المسند إليه بذكره كما إذا قلت زيد يقاوم الأسد مع دلالة قرائن الأحوال أو تعظيمه أو إهانته أو غير ذلك مما يصلح للقصد إليه في حق المسند إليه إن كان صالحا لذلك أو بسط الكلام بذكره والمقام مقام بسط أو لأن الأصل في الخبر هو أن يذكر كما سبق أمثال ذلك في إثبات المسند إليه أو ليتعين بالذكر كونه اسما كنحو زيد عالم فيستفاد الثبوت صريحا فأصل الاسم صفة أو غير صفة الدلالة على الثبوت أو كونه فعلا كنحو زيد علم فيستفاد التجدد أو ظرفا كنحو زيد في الدار فيورث احتمال الثبوت والتجدد بحسب التقديرين وهما حاصل أو حصل سيأتيك فيه كلام ويصلح لشمول هذه الاعتبارات قولك عند المخالف: الله إلهنا، ومحمد نبينا، والإسلام ديننا، والتوحيد والعدل مذهبنا، والخلفاء الراشدون أئمتنا، والناصر لدين الله خليفتنا، والدعاء له والثناء عليه وظيفتنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وأما الحالة المقتضية لإفراد المسند فهي إذا كان فعليا ولم يكن المقصود من نفس التركيب تقوي الحكم وأعني بالمسند الفعلي ما يكون مفهومه محكوما به بالثبوت للمسند إليه أو بالانتفاء عنه كقولك: أبو زيد منطلق والكر من البر بستين وضرب أخو عمرو يشكرك بكر أن تعطه وفي الدار خالد إذ تقديره استقر أو حصل في الدار على أقوى الاحتمالين لتمام الصلة في الظرف كقولك: الذي في الدار أخوك كما يقرره أئمة النحو وتفسير تقوي الحكم يذكر في حال تقديم المسند على المسند إليه. وأما الحالة المقتضية لكونه فعلا في إذا كان المراد تخصيص المسند بأحد الأزمنة على أخصر ما يمكن مع إفادة التجدد كقوله عز وعلا " فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون " أي ويل لهم مما أسلفت أيديهم من كتبة ما لم يكن يحل لهم وويل لهم مما يكسبون بذلك بعد من أخذ الرشا، وقوله - ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون " أي فريقا كذبتموه على التمام وفرغتم من تكذيبه ما بقي منه غير مكذب وفريقا تقتلون ما تيسر لكم قتله على التمام وإنما تبذلون جهدكم أن تتموا قتله فتحوموه حول قتل محمد فأنتم بعد على القتل، وقوله " فسيكفيكهم الله " وقوله " سيقول السفهاء " وقوله " سنستدرجهم " والمراد بالزمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 الماضي ما وجد قبل زمانك الذي أنت فيه وبالمستقبل ما يترقب وجوده وبزمان الحال أجزاء من الطرفين يعقب بعضها بعضا من غير فرط مهلة وتراخ والحاكم في ذلك هو العرف لا غير. وأما الحالة المقتضية لتقييده فهي إذا كان المراد تربية الفائدة كما إذا قيدته بشيء مما يتصل به من نحو المصدر كنحو ضربت ضربا شديدا أو ظرف الزمان كنحو ضربت يوم الجمعة أو ظرف المكان كنحو ضربت أمامك أو السبب الحامل كنحو ضربت تأديبا وفررت جبنا أو المفعول به بدون حرف كنحو ضربت أو بحرف كنحو ضربت بالسوط أو ما ضربت إلا أو المفعول معه كنحو جلست والسارية أو الحال كنحو جاء راكباً أو التمييز كنحو طاب زيد نفسا أو الشرط كنحو يضرب زيد أن ضرب عمرو أو أن ضرب عمرو يضرب زيد أخرت أو قدمت فهذه كلها تقييدات للمسند وتفاصيل يزداد الحكم بها بعدا ولم أذكر الخبر في نحو كان زيد منطلقاً لأن الخبر هناك هو نفس المسند لا تقييد للمسند إنما تقييده هو كان فتأمل وقد ظهر لك من هذا أن الجملة الشرطية جملة خبرية مقيدة بقيد مخصوص محتملة في نفسها للصدق والكذب، واعلم أن للفعل ولما يتصل به من المسند إليه وغير المسند إليه اعتبارات في الترك والإثبات والإظهار والإضمار والتقديم والتأخير، وله أعني الفعل بتقييده بالقيد الشرطي على الخصوص اعتبارات أيضا يذكر جميع ذلك في آخر هذا الفن في فصل لها على حدة. واما الحالة المقتضية لترك تقييده فهي اذا منع عن تربية الفائدة مانع قريب أو بعيد وأما الحالة المقتضية لكونه اسما فهي إذا لم يكن المراد إفادة التجدد والاختصاص بأحد الأزمنة الثلاثة إفادة الفعل لأغراض تتعلق بذلك. وأما الحالة المقتضية لكونه منكرا، فهي إذا كان الخبر واردا على حكاية المنكر كما إذا أخبر عن رجل في قولك عندي رجل تصديقا لك، فقيل الذي عندك رجل أو كان المسند إليه كقولك: رجل من قبيلة كذا حاضر فإن كون المسند إليه نكرة والمسند معرفة سواء قلنا يمتنع عقلا أو يصح عقلا في كلام العرب وتحقيق الكلام فيه ليس مما يهمنا الآن، وأما ما جاء من نحو قوله: ولا يك موقف منك الوداعا وقوله: يكون مزاجها عسل وماء وبيت الكتاب أظبي كان أمك أم حمار فمحمول على منوال عرضت الناقة على الحوض، وأصل الاستعمال ولا يك موقفا منك الوداع ويكون مزاجها عسل وماء وظبيا كان أمك أم حمارا، ولا تظنن بيت الكتاب خارجا عما نحن فيه ذهابا على أن اسم كان أنما هو الضمير، والضمير معرفة فليس المراد كان أمك إنما المراد ظبي بناء على أن ارتفاعه بالفعل المفسر لا بالابتداء، ولذلك قدرنا الأصل على ما ترى وفي البيت اعتبارات سؤالا وجوابا فلا عليك أن تتأملها وإياك والتبخيت في تخطئة أحد ههنا فيخطئ ابن أخت خالتك وإن هذا النمط مسمى فيما بيننا بالقلب وهي شعبة من الإخراج لا على مقتضى الظاهر ولها شيوع في التراكيب وهي مما يورث الكلام ملاحة ولا يشجع عليها إلا كمال البلاغة تأتي في الكلام وفي الأشعار، وفي التنزيل يقولون عرضت الناقة على الحوض يريدون عرضت الحوض على الناقة. وقال القطامي كما طينت بالفدن السياعا أراد كما طينت الفدن بالسياع، وقال الشماخ: كما عصب العلباء بالعود. وقال خداش: مسند إليه وغير المسند إليه اعتبارات في الترك والإثبات والإظهار والإضمار والتقديم والتأخير، وله أعني الفعل بتقييده بالقيد الشرطي على الخصوص اعتبارات أيضا يذكر جميع ذلك في آخر هذا الفن في فصل لها على حدة. واما الحالة المقتضية لترك تقييده فهي اذا منع عن تربية الفائدة مانع قريب أو بعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 وأما الحالة المقتضية لكونه اسما فهي إذا لم يكن المراد إفادة التجدد والاختصاص بأحد الأزمنة الثلاثة إفادة الفعل لأغراض تتعلق بذلك. وأما الحالة المقتضية لكونه منكرا، فهي إذا كان الخبر واردا على حكاية المنكر كما إذا أخبر عن رجل في قولك عندي رجل تصديقا لك، فقيل الذي عندك رجل أو كان المسند إليه كقولك: رجل من قبيلة كذا حاضر فإن كون المسند إليه نكرة والمسند معرفة سواء قلنا يمتنع عقلا أو يصح عقلا في كلام العرب وتحقيق الكلام فيه ليس مما يهمنا الآن، وأما ما جاء من نحو قوله: ولا يك موقف منك الوداعا وقوله: يكون مزاجها عسل وماء وبيت الكتاب أظبي كان أمك أم حمار فمحمول على منوال عرضت الناقة على الحوض، وأصل الاستعمال ولا يك موقفا منك الوداع ويكون مزاجها عسل وماء وظبيا كان أمك أم حمارا، ولا تظنن بيت الكتاب خارجا عما نحن فيه ذهابا على أن اسم كان أنما هو الضمير، والضمير معرفة فليس المراد كان أمك إنما المراد ظبي بناء على أن ارتفاعه بالفعل المفسر لا بالابتداء، ولذلك قدرنا الأصل على ما ترى وفي البيت اعتبارات سؤالا وجوابا فلا عليك أن تتأملها وإياك والتبخيت في تخطئة أحد ههنا فيخطئ ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 أخت خالتك وإن هذا النمط مسمى فيما بيننا بالقلب وهي شعبة من الإخراج لا على مقتضى الظاهر ولها شيوع في التراكيب وهي مما يورث الكلام ملاحة ولا يشجع عليها إلا كمال البلاغة تأتي في الكلام وفي الأشعار، وفي التنزيل يقولون عرضت الناقة على الحوض يريدون عرضت الحوض على الناقة. وقال القطامي كما طينت بالفدن السياعا أراد كما طينت الفدن بالسياع، وقال الشماخ: كما عصب العلباء بالعود. وقال خداش: وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر أراد وتشقى الضياطرة الحمر بالرماح ولك أن لا تحمله على القلب بوساطة استعارة الشقاء لكسرها بالطعان، وقال رؤبة: ومهمة مغبرة أرجاؤه ... كأن لون أرضه سماؤه أراد كأن لون سمائه من غبرتها لون أرضه، وقال الآخر يمشي فيقعس أو يكب فيعثر أراد يعثر فيكب وفي التنزيل " وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا " أي جاءها بأسنا فأهلكناها على أحد الوجهين وفيه " اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون " على ما يحمل من ألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم وفيه " ثم دنى فتدلى " يحمل على تدلى فدنى أو كان المسند إليه معرفة لكن المراد بالمسند وصف غير معهود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 ولا مقصود الانحصار بالمسند إليه كما تقول زيد كاتب وعمرو شاعر، وإذا تكلمنا في تعريف المسند باللام اتضح عندك ما ذكرنا أو كان ينبئ عما تقدم في تنكير المسند إليه من ارتفاع الشأن أو انحطاطه كما قال تعالى " هدى للمتقين " مريدا بتنكيره أنه هدى لا يكتبه كنهه وكما قال " إن زلزلة الساعة شيء عظيم " وأما الحالة المقتضية للتخصيص إما بالإضافة كقولك: زيد ضارب غلام أو بالوصف كقولك: زيد رجل عالم فهي إذا كان المراد كون الفائدة أتم لما عرفت في فصل تعريف المسند إليه. وأما الحالة المقتضية لترك التخصيص فظاهرة إن كان ما سبق على ذكر منك. وأما الحالة المقتضية لكونه اسما معرفا فهي إذا كان عند السامع متشخصا بإحدى طرق التعريف معلوما له وكأني بك أسمعك تقول فالمسند إذا كان متشخصا عند السامع معلوما له استلزم لا محالة كون المسند إليه معلوما له أيضا لما قدمتم أنتم، وإذا كانا معلومين عنده فماذا يستفيد فإنا نقول يستفيد إما لازم الحكم كما ترى في قولك لمن أثنى عليك بالغيب الذي أثنى علي بالغيب أنت معرفا لأنك عالم بذلك أو الحكم كما ترى في قولك لمن تعرف أن له أخا ويعرف إنسانا يسمى أو يعرفه بحفظ التوراة أو تراه بين يديه لكن لا يعرف أن ذلك الإنسان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 هو أخوه إذا قلت له أخوك زيد أو أخوك الذي يحفظ التوراة أو أخوك هذا فقدمت الأخ أو إذا قلت زيد أخوك أو الذي يحفظ التوراة أخوك أو هذا أخوك فأخرت الأخ معرفا له في جميع ذلك أن أحدهما الآخر، ولا تقدم فيما نحن فيه ما تقدم بسلامة الأمير، لكن إذا أثنى عليك بالغيب إنسان وعلم أن الثناء نقل إليك وأنت تتصوره كالمستخبر عن حالك هل تعلم أن ذلك المثنى عليك هو، وهل تحكم على ذلك المثنى به فتقول الذي أثنى علي بالغيب أنت فنأتي بالحكم على الوجه المتصور، أو كان أثنى عليك هو وغيره وعلم أن ثناءهما نقل إليك وأنت تتصوره كالطالب إن تبين له كيف حكمك عليه وعلى ذلك الآخر فتقول له: الذي أثنى علي بالغيب فتأتي بالحكم على ما تتصوره وتفيده أنك إنما اعتبرت ثناءه دون ثناء غيره، وإذا قلت أنت الذي أثنى علي بالغيب قلته إذا كان أثنى عليك ونقل إليك الثناء بمحضره ومحضر غيره فتصورته كالطالب أن يتبين له كيف حكمك عليه فأتيت بالحكم على الوجه المطلوب، وإذا قلت أخوك زيد قلته لمن يعتقد أخا لنفسه لكن لا يعرفه على التعيين فيتصوره طالبا منك الحكم على أخيه بالتعيين، وإذا قلت زيد أخوك قلته لمن يعلم وهو كالطالب أن يعرف حكماً له وأنه معتقد أن له أخا لكن لا يعلمه على التعيين، وكذلك إذا قلت أخوك الذي يحفظ التوراة أو الذي يحفظ التوراة أخوك أو أخوك هذا أو هذا أخوك، وإذا قلت زيد المنطلق قلته لمن يطلب أن يعرف حكماً لزيد، إما باعتبار تعريف العهد إن كان المنطلق عنده معهودا، وإما باعتبار تعريف الحقيقة واستغراقها، وإذا قلت المنطلق زيد قلته للمتشخص في ذهنه المنطلق بأحد الاعتبارين وهو طالب لتعيينه في الخارج. وإذا تأملت ما تلوته عليك أعثرك على معنى قول النحويين رحمهم الله لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ إذا كانا معرفتين معا بل أيهما قدمت فهو المبتدأ، وما قد يسبق على بعض الخواطر من، أن، المنطلق دال على معنى نسبي فهو في نفسه متعين للخبرية وأن دال على الذات فهو متعين للمبدئية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 تقدم أم تأخر فلا معرج عليه فإن المنطلق لا يجعل مبتدأ إلا بمعنى الشخص الذي له الانطلاق وأنه بهذا المعنى لا يجب كونه خبرا وأن لا يوقع خبرا إلا بمعنى صاحب اسم زيد ويكون المراد من قولنا المنطلق زيد الشخص الذي له الانطلاق صاحب اسم زيد. وأما ما قد يقع من نحو قوله ثم وإن لم أنم كرى كراكا ونحو قوله لعاب الأفاعي القاتلات لعابه مما لا يستقيم معناه إلا بالتقديم والتأخير فحقه الحمل على القلب المتقدم ذكره فاعرفه. واعلم أن القول بتعريف الحقيقة باللام واستغراقها مشكل إذا قلنا بتعريف الحقيقة القصد إليها وتمييزها من حيث هي هي لزم أن يكون أسماء الأجناس معارف فإنها موضوعة لذلك وأنه قول لم يقل به أحد، ولئن التزمه ملتزم ليكذبن في امتناع نحو رجع رجعي السريعة والبطيئة وذكر ذكرى الحسنة أو القبيحة وإنما لم أقل رجوعا السريع وذكرا الحسن قصراً للمسافة في التجنب عن حديث التنوين ما هي ولئن ذهبت على أن في نحو رجل وفرس وثور اعتبار الفردية فليس فيها القصد على الحقيقة من حيث هي هي ليلزمنك المصادر من نحو ضرب وقتل وقيام وقعود ورجعي وذكرى فليس فيها ذلك بالإجماع ولزم أن يكون اللام في الرجل أو نحو الضرب لتأكيد تعريف الحقيقة إذا لم يقصد العهد وأنه قول ما قال به أحد، وإذا قلنا المراد بتعريف الحقيقة القصد إليها حال حضورها أو تقدير حضورها لم يمتر عن تعريف العهد الوارد بالتحقيق أو بالتقدير لأن تعريف العهد ليس شيئاً غير القصد على الحاضر في الذهن حقيقة أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 مجازا كقولك جاءني فقال الرجل كذا، وقولك انطلق رجل على موضع كذا والمنطلق ذو جد. قال تعالى " وليس الذكر كالأنثى " أي ليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت لها، وإذا قلنا المراد بتعريف الحقيقة هو الاستغراق لزم في اللام كونها موضوعة لغير التعريف إذا تأملت ولزم مع ذلك أن يكون الجمع بينها وبين لفظ المفرد جمعا بين المتنافيين وإن صبر في الجمع بينهما على نحو الجمع بين المفرد وبين الواو والنون في نحو المسلمون امتنع لوجوه كثيرة لا تخفى على متقني أنواع الأدب: أوتاها وجوب نحو الرجل الطوال والفرس الدهم أو صحته لا أقل على الاطراد، وكل ذلك على ما نرى فاسد، والأقرب بناء على قول بعض أئمة أصول الفقه بأن اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير، هو أن يقال المراد بتعريف الحقيقة أحد قسمي التعريف، وهو تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية: إما لأن ذلك الشيء محتاج إليه على طريق التحقيق فهو لذلك حاضر في الذهن فكأنه معهود، أو على طريق التهكم، وستعرف معنى هذا في علم البيان، وإما لأنه عظيم الخطر معقود به الهمم على أحد الطريقين فيبنى على ذلك أنه قلما ينسى فهو لذلك بمنزلة المعهود الحاضر، وإما لأنه لا يغيب عن الحس على أحد الطريقين فيبنى على ذلك حضوره وينزل منزلة المعهود، وإما لأنه جار على الألسن كثير الدور في الكلام على أحد الطريقين فيقام لذلك مقام المعهود، وإما لأن أسبابا في شأنه متآخذة أو غير ذلك مما يجري مجرى هذه الاعتبارات فيقام الحقيقة لذلك مقام المعهود ويقصد إليها بلام التعريف. ثم إن الحقيقة لكونها من حيث هي هي لا متعددة لتحققها مع التوحد ولا لا متعددة لتحققها مع التكثر وإن كانت لا تنفك في الوجود عن أحدهما صالحة للتوحد والتكثر فيكون الحكم استغراقا أو غير استغراق على مقتضى المقام، فإذا كان خطابيا مثل المؤمن غر كريم، والمنافق خب لئيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 حمل المعرف باللام مفردا كان أو جمعا على الاستغراق بعلة إيهام أن القصد على فرد دون آخر مع تحقق الحقيقة فيهما يعود على ترجيح أحد المتساويين، وإذا كان استدلاليا حمل على أقل ما يحتمل، وهو الواحد في المفرد والعدد الزائد على الاثنين بواحد في الجمع فلا يوجب في مثل حصل الدرهم إلا واحد، وفي مثل حصل الدراهم إلا ثلاثة، وستقف على هذا في نوع الاستدلال إذا انتهينا إليه بإذن الله تعالى، ومبنى كلامي هذا على أن الاثنين ليسا بجمع فأن عد العالم الواقف على هاتيك الصناعة بسوابقها ولواحقها للاثنين جمعا غير مرتضى منه. وههنا دقيقة وهي أن الاستغراق نوعان: عرفي، وغير عرفي فلا بد من رعاية ذلك، فالعرفي نحو قولنا جمع الأمير الصاغة أي جمع صاغه بلده أو أطراف مملكته فحسب لا صاغه الدنيا وغير العرفي نحو قولنا الله غفار الذنوب أي كلها، واستغراق المفرد يكون أشمل من استغراق الجمع ويتبين ذلك بأن ليس يصدق لا رجل في الدار في نفي الجنس إذا كان فيها رجل أو رجلان ويصدق لا رجال في الدار ومن هذا يعرف لطف ما يحكيه تعالى عن زكريا عليه السلام رب إني وهن العظم مني دون وهن العظام حيث توصل باختصار اللفظ على الإطناب في معناه، وإذا عرفت هذا فنقول متى قلنا زيد المنطلق زيد في المقام الخطابي لزم أن لا يكون غير زيد منطلقاً ولذلك ينهى أن يقال زيد المنطلق وعمرو بالواو ولا ينهى أن يقال زيد المنطلق لا عمرو بحرف لا ثم إذا كان الأمر في نفسه كذلك كما إذا قلت الله العالم الذات حمل على الانحصار حقيقة وإلا كما في قولك حاتم الجواد وخالد الشجاع، وقوله عز وعلا " ألم ذلك الكتاب " حمل على الانحصار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 مبالغة وتنزيلا لجود غير حاتم وشجاعة غير خالد وكون غير القرآن كتابا منزلة العدم لجهات اعتبارية. وأما الحالة المقتضية لكونه جملة فهي إذا أريد تقوى الحكم بنفس التركيب كقوله أنا عرفت وأنت عرفت وهو عرف أو زيد عرف كما سيأتيك تقرير هذا المعنى، وقولك بكر يشكرك أن تعطه أو بكر إن تعطه يشكر لما عرفت أن الجملة الشرطية ليست إلا جملة خبرية مقيدة بقيد مخصوص وكقولك خالد في الدار أو إذا كان المسند سببا وهو أن يكون مفهومه مع الحكم عليه بالثبوت لما هو مبني عليه أو بالانتفاء عنه مطلوب التعليق بغير ما هو مبني عليه تعليق إثبات له بنوع ما أو نفي عنه بنوع ما كقولك زيد أبوه انطلق أو منطلق والبر والكر منه بستين أو يكون المسند فعلا يستدعي الاستناد على ما بعده بالإثبات أو بالنفي فيطلب تعليقه على ما قبله بنوع إثبات أو نفي لكون ما بعده بسبب مما قبله نحو عمرو ضرب أخوه لا شيئاً متصلا بالفعل نحو زيد ضارب أخوه أو مضروب أو كريم لسر نطلعك عليه وما ذكرت ذلك إذا تحققت مضمونه أعثرك على وجه حكم النحويين لا بد في الجملة الواقعة خبرا من ذكر يرجع على المسند إليه لفظا أو تقديرا وأعثرك على أن الجملة بعد ضمير الشأن في نحو هو زيد منطلق أو أنه زيد منطلق مستثناة عن هذا الحكم لكونها نفس المخبر عنه وأعثرك على وجه نيابة تعريف الجنس عن الضمير في نعم الرجل زيد على قول من يرى المخصوص مبتدأ ونعم الرجل خبره ونيابة العموم عنه في مثل أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنا لا نضيع أجر من أحسن عملا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 وأما الحالة المقتضية لكون الجملة فعلية فهي إذا كان المراد التجدد كقولك زيد انطلق أو ينطلق فالفعل موضوع لإفادة التجدد ودخول الزمان الذي من شأنه التغير في مفهومه مؤذن بذلك. وأما الحالة المقتضية لكونها اسمية فهي إذا كان المراد خلاف التجدد والتغير كقولك زيد أبوه منطلق فالاسم إن دل على التجدد لم يدل عليه إلا بالعرض وما تسمع من تفاوت الجملتين الفعلية والاسمية تجددا وثبوتا هو يطلعك على أنه حين ادعى المنافقون الإيمان بقولهم آمنا بالله وباليوم الآخر جائين به جملة فعلية على معنى أحدثنا الدخول في الإيمان وأعرضنا عن الكفر ليروج ذلك عنهم كيف طبق المفصل في رد دعواهم الكاذبة قوله تعالى " وما هم بمؤمنين " حيث جئ به جملة أسمية ومع الباء، وعلى تفاوت كلام المنافقين مع المؤمنين ومع شياطينهم فيما يحكيه جل وعلا عنهم وهو وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا " آمنا وإذا خلوا على شياطينهم قالوا إنا معكم " تفاوتا على جملة فعلية وهي آمنا وعلى إسمية، ومع أن وهي إنا معكم كيف أصاب شاكلة الرمى، وعلى ان ابراهيم حين أجاب الملائكة عن قولهم له سلاما بالنصب بقوله لهم سلام بالرفع كيف كان عاملا بالذي يتلى عليك في القرآن المجيد من قوله وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها. وأما الحالة المقتضية لكونها ظرفية فهي إذا كان المراد اختصار الفعلية كقولك زيد في الدار بدل استقر فيها أو حصل فيها على أقوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الاحتمالين على ما تقدم ويظهر لك من هذا أن مرجع الجمل الأربع على ثنيتين اسمية وفعلية. وأما الحالة المقتضية لتأخير المسند فهي إذا ذكر المسند وما الحالة المقتضية لكونها شرطية فستقف عليها في موضع إليه أهم كما مضى في فن المسند إليه وإياك أن تظن بكون الحكم على المسند إليه مطلوبا استيجاب صدر الكلام له فليس هو هناك فلا تغفل. وأما الحالة المقتضية لتقديمه فهي ان يكون متضمنا للاستفهام كنحو كيف زيد وأين عمرو ومتى الجواب والقانون الثاني موضع تقريره أو أن يكون المراد تخصيصه بالمسند إليه كقوله عزّ وعلا " لكم دينكم ولي دين " وقولك لمن يقول زيد إما قائم. وإما قاعد فيردده بين القيام والقعود من غير أن يخصصه بأحدهما قائم هو، وقولهم تميمي أنا وارد على هذا وسيأتيك في هذا المعنى في فصل القصر كلام، أو أن يكون المراد التنبيه على أنه خبر لا نعت كقولها تحت رأسي سرج وعلى أبيه درع. كما مضى في فن المسند إليه وإياك أن تظن بكون الحكم على المسند إليه مطلوبا استيجاب صدر الكلام له فليس هو هناك فلا تغفل. وأما الحالة المقتضية لتقديمه فهي ان يكون متضمنا للاستفهام كنحو كيف زيد وأين عمرو ومتى الجواب والقانون الثاني موضع تقريره أو أن يكون المراد تخصيصه بالمسند إليه كقوله عزّ وعلا " لكم دينكم ولي دين " وقولك لمن يقول زيد إما قائم. وإما قاعد فيردده بين القيام والقعود من غير أن يخصصه بأحدهما قائم هو، وقولهم تميمي أنا وارد على هذا وسيأتيك في هذا المعنى في فصل القصر كلام، أو أن يكون المراد التنبيه على أنه خبر لا نعت كقولها تحت رأسي سرج وعلى أبيه درع. وقوله: له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر وقوله: لها حلق ضيق لوان وضينه ... فؤادك لم يخطر بقلبك هاجس وقوله: لكل جديد لذة غير أنني ... وجدت جديد الموت غير لذيذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 وقوله: عند الملوك مضرة ومنافع ... وأرى البرامك لا تضر وتنفع وقولها: أغر أبلج يأنم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار وقوله تعالى " ولكم في الأرض مستقر ومتاع على حين " وما شاكل ذلك فأن النعت لا يقدم على النعوت ولذلك يقال جاءني راكباً رجل وإنما يصار على هذا التنبيه لأن الظرف بتأخره عن المنكر يكون بالحمل على الوصف أولى منه بالحمل على الخبر لأمرين يتعاضدان في ذلك استدعاء المنكر في مقام الابتداء أن يوصف ليتقوى بذلك فائدة الحكم كما سبق في الفن الثاني وصلاحية الظرف أن يكون من صفاته ولذلك لا يجب تقديم الظرف على المنكر إذا كان موصوفا قال الله تعالى " وأجل مسمى عنده " وإن هذا التقديم ملتزم مع مبتدأ غير مصدر أما مع المصدر كنحو سلام عليك وويل لك فلا فرق بين ظرف له حق في التأخير عن مبتدئه ذلك قبل صيرورته مبتدأ وذلك قولك سلاما عليك بالنصب منزلا أسلم عليك مفيدا التجدد لذلك وبين ظرف ليس له ذلك أو أن يكون قلب السامع معقودا به كقولك قد هلك خصمك لمن يتوقع ذلك أو لأنه صالح للتفاؤل أو لأنه أهم عند القائل كما قلت عليه من الرحمن ما يستحقه أو كقوله. سلام الله يا مطر عليها ... وليس عليك يا مطر السلام وقوله: وليس بمغن في المودة شافع ... إذا لم يمن بين الضلوع شفيع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 أو أن يكون المراد بتقديمه نوع تشويق على ذكر المسند كقوله: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو اسحق والقمر وقوله: وكالنار الحياة فمن رماد ... أواخرها وأولها دخان وحق هذا الاعتبار تطويل الكلام في المسند وإلا لم يحسن ذلك الحسن، أو يكون المراد بالجملة إفادة التجدد دون الثبوت فيجعل المسند فعلا ويقدم ألبتة على ما يسند إليه في الدرجة الأولى وقولي في الدرجة الأولى احتراز عن نحو أنا عرفت وأنت عرفت وزيد عرف، فإن الفعل فيه يستند على ما بعده من الضمير ابتداء ثم بوساطة عود ذلك الضمير على ما قبله يستند إليه في الدرجة الثانية وإذا سلكت هذه الطريقة سلكت باعتبارين مختلفين أحدهما أن يجري الكلام على الظاهر وهو أن أنا مبتدأ وعرفت خبره، وكذلك أنت عرفت وهو عرف ولا يقدر تقديم وتأخير كما إذا قلنا زيد عارف أو زيد عرف اللهم إلا في التلفظ. وثانيهما أن يقدر أصل النظم عرفت أنا وعرفت أنت وعرف هو، ثم يقال قدم أنا وأنت وهو فنظم الكلام بالاعتبار الأول لا يفيد إلا تقوي الحكم وسبب تقويه هو أن المبتدأ لكونه مبتدأ يستدعي أن يسند إليه شيء فإذا جاء بعده ما يصلح أن يستند إليه صرفه المبتدأ على نفسه فينعقد بينهما حكم سواء كان خاليا عن ضمير المبتدأ نحو غلامك أو كان متضمنا له نحو أنا عرفت وأنت عرفت وهو عرف أو زيد عرف، ثم إذا كان متضمنا لضميره صرفه ذلك الضمير على المبتدأ ثانيا فيكتسي الحكم قوة، فإذا قلت هو يعطى الجزيل كان المرد تحقيق إعطائه الجزيل عند السامع دون تخصيص إعطاء الجزيل به وعليه قوله عز وعلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 " واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون " ليس المراد أن شيئاً سواهم لا يخلق إنما المراد تحقيق أنهم يخلقون وقوله " إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين " وقوله وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون وقوله " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " وكذلك إذا قلت أنت لا تكذب كان أقوى للحكم بنفي الكذب عن المخاطب من قولك لا تكذب من غير شبهة ومن قولك لا تكذب أنت فإن أنت هنا لتأكيد المحكوم عليه بنفي الكذب عنه بأنه هو لا غيره لا لتأكيد الحكم فتدبر وعليه قوله تعالى " والذين هم بربهم لا يشركون " وقوله لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون " وقوله " فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون " وقوله " إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون " ويقرب من قبيل أنا عرفت وأنت عرفت وهو عرف في اعتبار تقوى الحكم زيد عارف، وإنما قلت يقرب دون أن أقول نظيره، لأنه لما لم يتفاوت في الحكاية والخطاب والغيبة في أنا عارف وأنت عارف وهو عارف أشبه الخالي عن الضمير ولذلك لم يحكم على عارف بأنه جملة ولا عومل معاملتها في البناء حيث أعرب في نحو رجل عارف رجلا عارفا رجل عارف كما عرف في النحو وأتبعه في حكم الأفراد نحو زيد عارف أبوه وبالاعتبار الثاني يفيد التخصيص. قال تعالى " ومن أهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم " المراد لا يعلمهم إلا الله ولا يطلع على أسرارهم غيره لإبطانهم الكفر في سويداوات قلوبهم، وسيأتيك بيانه في فصل التقديم والتأخير ونظير قولنا أنا عرفت في اعتبار الابتداء لكن على سبيل القطع قولك زيد عرفت أو عرفته وفي اعتبار التقديم عرفت، الرفع يفيد تحقيق أنك عرفت والنصب يفيد أنك خصصت بالعرفان، وأما عرفته فأنت بالخيار إن شئت قدرت المفسر قبل المنصوب على نحو عرفت عرفته وحملته على باب التأكيد وإن شئت قدرته بعده على نحو عرفت عرفته وحملته على باب التخصيص، وأما نحو قوله " وأما ثمود فهديناهم " فيمن قرأ بالنصب فليس إلا التخصيص لامتناع أما فهدينا ثمود وأما نحو زيد عرف ورجل عرف فليسا من قبيل هو عرف في احتمال الاعتبارين على السواء بل حق المعرف حمله على وجه تقوى الحكم وحق النكر حمله على وجه التخصيص، وإنما افترق الحكم بين الصور الثلاث لأنه إذا قلنا عرف هو لم يكن هو فاعلا لما عرف في علم النحو أن ضمير الفاعل لا ينفصل إلا إذا جرى الفعل على غير ما هو له في موضع الإلباس وإذا تقدم عليها إلا صورة كنحو ما ضرب إلا هو أو معنى كنحو إنما يدافع عنك أنا إذ المعنى لا يدافع عنك إلا أنا وإذا لم يكن هو فاعلا احتمل التقديم على الفعل فإذا قلنا هو عرف كان له ذلك الاحتمال مع احتمال الابتداء لكونه في موضعه وكونه مع ذلك على شرطه في قوة الفائدة بالإخبار عنه وهو تعرفه وإذا قلنا عرف زيد كان زيد مرفوعا بعرف لقلة نظائر وأسروا النجوى الذين ظلموا وحينئذ لا يكون له احتمال التقدم على الفعل كما سبق في علم النحو فلا يكون لقولنا زيد عرف غير احتمال الابتداء اللهم إلا بذلك الوجه البعيد فلا يرتكب عند المعرف لكونه على شرط المبتدأ وإنما يرتكب عند المنكر لفوات الشرط إذ لم يمنع عن التخصيص مانع كما إذا قلت رجل جاء لصحة أن يراد الجائي رجل لا امرأة أيها السامع دون قولهم شر أهر ذاناب لامتناع أن يراد المهر الذي ناب شر لا خير، اللهم إلا إذا حملت التخصيص على وجه آخر وهو الإفراد على تقدير رجل جاء لا رجلان فإنه محمل يصار إليه كثيراً عند علماء هذا النوع وشر أهر ذا ناب لا شران لكن بهذا الوجه يكون نابيا عن مظان استعماله وإذا صرح الأئمة رحمهم الله بتخصيصه حيث تأولوه بما أهر ذاناب إلا شر، فالوجه تفظيع شأن الشر بتنكيره كما سبق فهو محزه ولما عرفت من أن بناء الفعل على المبتدأ أقوى للحكم تراهم إذا استعملوا لفظ المثل ولفظ الغير بطريق الكناية نحو مثلك لا يبخل: أي أنك لا تبخل وغيرك لا يجود بمعنى أنت تجود من غير إرادة التعريض بلفظي المثل والغير على إنسانين يقصد إليهما لا يكادون يتركون تقديمها لكونه أعون للمعنى المراد بهما إذ ذاك ويتحقق هذا في علم البيان إن شاء الله تعالى. نئذ لا يكون له احتمال التقدم على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 الفعل كما سبق في علم النحو فلا يكون لقولنا زيد عرف غير احتمال الابتداء اللهم إلا بذلك الوجه البعيد فلا يرتكب عند المعرف لكونه على شرط المبتدأ وإنما يرتكب عند المنكر لفوات الشرط إذ لم يمنع عن التخصيص مانع كما إذا قلت رجل جاء لصحة أن يراد الجائي رجل لا امرأة أيها السامع دون قولهم شر أهر ذاناب لامتناع أن يراد المهر الذي ناب شر لا خير، اللهم إلا إذا حملت التخصيص على وجه آخر وهو الإفراد على تقدير رجل جاء لا رجلان فإنه محمل يصار إليه كثيراً عند علماء هذا النوع وشر أهر ذا ناب لا شران لكن بهذا الوجه يكون نابيا عن مظان استعماله وإذا صرح الأئمة رحمهم الله بتخصيصه حيث تأولوه بما أهر ذاناب إلا شر، فالوجه تفظيع شأن الشر بتنكيره كما سبق فهو محزه ولما عرفت من أن بناء الفعل على المبتدأ أقوى للحكم تراهم إذا استعملوا لفظ المثل ولفظ الغير بطريق الكناية نحو مثلك لا يبخل: أي أنك لا تبخل وغيرك لا يجود بمعنى أنت تجود من غير إرادة التعريض بلفظي المثل والغير على إنسانين يقصد إليهما لا يكادون يتركون تقديمها لكونه أعون للمعنى المراد بهما إذ ذاك ويتحقق هذا في علم البيان إن شاء الله تعالى. فصل واعلم أن للفعل ولما يتعلق به اعتبارات مجموعها راجع على الترك والإثبات والإظهار والإضمار والتقديم والتأخير فلا بد من التكلم هناك ومن التكلم على الخصوص في تقييده: أعني الفعل بالقيود الشرطية فنقول أما الترك فلا يتوجه على فاعله كما عرف في علم النحو وإنما يتوجه على نفس الفعل أو على غير الفاعل لكنه لا يتضح اتضاحاً ظاهراً إلا في المفعول به كما ستقف عليه. أما الحالة المقتضية لترك الفعل فهي أن تغني قرائن الأحوال عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 ذكره ويكون المطلوب هو الاختصار أو اتباع الاستعمال الوارد على تركه كما إذا أردت ضرب المثل بقولهم لا حظية فلا ألية أو بقولهم لو ذات سوار لطمتني أو غير ذلك مما هو مصبوب في هذا القالب أو على ترك نظائره كما إذا قلت إن زيد جاء ولو عمرو ذهب وتلك القرائن كثيرة وأنا أضبط لك منها ههنا ما تستعين على درك ما عسى يشذ عن الضبط فأقول والله الموفق للصواب: منها أن يكون مفسراً كنحو أن ذو لوثة لأنا ولو ذات سوار لطمتني وهلا أبوك حضر وإذا السماء انشقت ونحو أزيد ذهب أو ذهب به أو ذهب أخوه ونحو وإياي فارهبون كما سبق التعرض له في علم النحو، ومنها ان يكون هناك حرف إضافة فإن حروف الإضافة لوضعها على أن يفضي بمعاني الأفعال على السماء لا تنفك عن الأفعال إلا أن دلالتها لا تتخطى الفعل المطلق فإذا أريد تقييده احتيج على دلالة أخرى ثم هي تتفاوت فتارة يكون الشروع كما إذا قلت عند الشروع في القراءة بسم الله فإنه يفيد أن المراد بسم الله اقرأ أو عند الشروع في القيام أو القعود أو أي فعل كان فإنه يفيد تارة ويكون الاقتران كقولك لمن أعرس: بالرفاء والبنين أو لمن فوض إليك أن تختار إليك الاختيار فإنه يفيد بالرفاء أعرست وإليك يفوض وتارة يكون عموم الاستعمال كنحو في الدار أو في البلد أو في كذا فإنه لا يراد إلا معنى الحصول وتارة يكون غير ذلك من مقيدات الأحوال فقس ومنها أن يكون الكلام جواباً لسؤال واقع نحو أن يسمع منك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 يكتب القرآن لي فتسال من يكتبه فتقول زيد فيكون الحال مغنية عن ذكر يكتب وعليه قوله تعالى " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله " وقوله " ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله " أو جوابا لسؤال مقدر مثل أن يقول يكتب القرآن لي زيد وعليه بيت الكتاب. ليبك يزيد ضارع. وقراءة من قرأ يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال وكذلك يوحي إليك ربك ببناء الفعل للمفعول في البيت وفي الآيتين، ومن البناء على السؤال المقدر ارتفاع المخصوص في باب نعم وبئس على أحد القولين وعسى أن نتعرض في فصل الإيجاز والأطناب لهذا الباب وإن هذا التركيب متى وقع موقعه رفع شأن الكلام في باب البلاغة على حيث يناطح السماك وموقعه أن يصل من بليغ عالم بجهات البلاغة بصير بمقتضيات الأحوال ساحر في اقتضاب الكلام ماهر في أفانين السحر على بليغ مثله مطلع من كل تركيب على حاق معناه وفصوص مستتبعاً ته فإن جوهر الكلام البليغ مثله مثل الدرة الثمينة لا ترى درجتها تعلو ولا قيمتها تغلو ولا تشترى بثمنها ولا تجرى في مساومتها على سننها ما لم يكن المستخرج لها بصيرا بشأنها والراغب فيها خبيرا بمكانها وثمن الكلام أن يوفى من أبلغ الإصغاء وأحسن الاستماع حقه وأن يتلقى من القبول له والاهتزاز بأكمل ما استحقه ولا يقع ذلك ما لم يكن السامع عالما بجهات حسن الكلام معتقدا بأن المتكلم تعمدها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 في تركيبه للكلام عن علم منه، فإن السامع إذا جهلها لم يميز بينه وبين ما دونه وربما أنكره وكذلك إذا أساء بالمتكلم اعتقاده ربما نسبة في تركيبه ذاك على الخطأ وأنزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة النازلة ومما يشهد لك بهذا ما يروى عن علي رضي الله عنه أنه كان يشيع جنازة فقال له قائل من المتوفى بلفظ اسم الفاعل سائلا عن المتوفى فلم يقل فلان بل قال الله ردا لكلامه عليه مخطئا إياه منبها له بذلك على أنه كان يجب أن يقول من المتوفى بلفظ اسم المفعول ويقال أن هذا الواقع كان أحد الأسباب التي دعته على استخراج علم النحو فأمر أبا الأسود الدؤلي بذلك فهو أول بذلك فهو أول أئمة علم النحو رضوان الله عليهم أجمعين وما فعل ذلك كرم الله وجهه إلا لأنه عرف من السائل أنه ما أورد لفظ المتوفى على الوجه الذي يكسوه جزالة في المعنى وفخامة في الإيراد وهو وجه القراءة المنسوبة إليه والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا بلفظ بناء الفعل للفاعل من إرادة معنى والذين يستوفون مدد أعمارهم وإذا عرفت هذا فنقول في التركيب الذي نحن فيه من مثل يكتب القرآن لي زيد برفع زيد مع بناء الفعل للمفعول جهات للحسن ومزايا نتلوها عليك ليكون لك ذريعة على درك ما سواها إذا شحذنا بها بصيرتك. ومنها أن الكلام متى نسج على هذا المنوال ناب مناب الجمل الثلاث إحداها يكتب القرآن لي والثانية الجملة المدلول عليها بزيد وهي من يكتبه والثالثة زيد مع الرافع المقدر وهي يكتبه زيد بخلافه إذا قيل يكتب القرآن لي زيد بلفظ المبني للفاعل ولا شبهة أن الكلام متى كان أجمع للفوائد كان أبلغ. ومنها أن الكلام متى سيق هذا المساق كان كل واحد من لفظي القرآن وزيد مقصودا إليه في الذكر غير مستغني عنه بخلافه في التركيب الآخر فإن لفظ القرآن فيه يعد فضلة والتقريب ظاهر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 ومنها أن الكلام متى سلك به هذا المسلك لم يكن أوله مطعما في ذكر الكاتب فإذا أورد السامع فائدة ذكره كانت حاله كمن تيسر له غنيمة من حيث لا يحتسب بخلافه في النظم. ومنها أن الكلام على ذلك النظم يكون كالمتناقض من حيث الظاهر لأن كون القرآن مفعولا فضلة فيه يكون مؤذنا بأن مساس الحاجة إليه دون مساس الحاجة إلى الفاعل وكونه مقدماً على الفاعل يكون مؤذنا بالاعتناء بشأنه وأن مساس الحاجة إليه فوق مساس الحاجة على ما أخر بخلافه في هذا النظم فإنه يكون سليما عن ذلك وفي هذا الوجه نظر يذكر في الحواشي، ومنها أن الكلام في التركيب الذي نحن فيه يفيد استنادا الكتبة على الفاعل إجمالا أولا وتفصيلا ثانيا وفي غيره يفيد استنادها إليه من وجه واحد فيكون هذا التركيب أبلغ ومن قبيل ما نحن بصدده وجعلواً لله شركاء الجن فلله شركاءهما مفعولا جعلواً وانتصاب الجن بفعل مضمر دل عليه السؤال المقدر وهو من جعلواً شركاء. وأما الحالة المقتضية لإثبات الفعل فاشتمال المقام على جهة من جهات الاستدعاء له والتلفظ به مما نبهت على أمثالها غير مرة. وأما الحالة المقتضية لتك مفعوله فهو القصد على التعميم والامتناع على أن يقصره السامع على ما يذكر معه دون غيره مع الاختصار وأنه أحد أنواع سحر الكلام حيث يتوصل بتقليل اللفظ على تكثير المعنى كقولهم: في باب المبالغة فلان يعطى ويمنع ويصل ويقطع ويبني ويهدم ويغني ويعدم وقوله عز قائلا والله يدعو على دار السلام أو القصد على نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم ذهابا في نحو فلان يعطي على معنى يفعل الإعطاء ويوجد هذه الحقيقة إيهاما للمبالغة بالطريق المذكور في إفادة اللام للاستغراق، وعليه قوله عز وجل " فلا تجعلواً لله أندادا وأنتم تعلمون " المعنى وأنتم من أهل العلم والمعرفة أو القصد على مجرد الاختصار لنيابة قرائن الأحوال عن ذكره كقوله عز وعلا أهذا الذي بعث الله رسولا إذ لا يلبس أن المراد أهذا الذي بعثه الله لاستدعاء الموصول الراجع إليه من الصلة، وقوله أرني أنظر إليك لاتضاح أن المراد أرني ذاتك، وقوله ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء لانصباب الكلام على إرادة يسقون مواشيهم وتذودان غنمهما ولا نسقي غنمنا حتى يصدر الرعاء مواشيهم وقوله " ولو شاء لهداكم أجمعين " لظهور أن المراد لو شاء هدايتكم لهداكم ولك أن تنظم قوله " فلا تجعلواً لله أندادا وأنتم تعلمون " في هذا السلك على تقدير وأنتم تعلمون أنه لا يماثل أو أنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت أو أنتم تعلمون أنها لا تفعل مثل أفعاله كقوله: هل نم شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء وأكثر فواصل القرآن من نحو يعلمون يعقلون يفقهون واردة على ما سمعت من الاحتمالين، وقول الشاعر: قطع ويبني ويهدم ويغني ويعدم وقوله عز قائلا والله يدعو على دار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 السلام أو القصد على نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم ذهابا في نحو فلان يعطي على معنى يفعل الإعطاء ويوجد هذه الحقيقة إيهاما للمبالغة بالطريق المذكور في إفادة اللام للاستغراق، وعليه قوله عز وجل " فلا تجعلواً لله أندادا وأنتم تعلمون " المعنى وأنتم من أهل العلم والمعرفة أو القصد على مجرد الاختصار لنيابة قرائن الأحوال عن ذكره كقوله عز وعلا أهذا الذي بعث الله رسولا إذ لا يلبس أن المراد أهذا الذي بعثه الله لاستدعاء الموصول الراجع إليه من الصلة، وقوله أرني أنظر إليك لاتضاح أن المراد أرني ذاتك، وقوله ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء لانصباب الكلام على إرادة يسقون مواشيهم وتذودان غنمهما ولا نسقي غنمنا حتى يصدر الرعاء مواشيهم وقوله " ولو شاء لهداكم أجمعين " لظهور أن المراد لو شاء هدايتكم لهداكم ولك أن تنظم قوله " فلا تجعلواً لله أندادا وأنتم تعلمون " في هذا السلك على تقدير وأنتم تعلمون أنه لا يماثل أو أنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت أو أنتم تعلمون أنها لا تفعل مثل أفعاله كقوله: هل نم شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء وأكثر فواصل القرآن من نحو يعلمون يعقلون يفقهون واردة على ما سمعت من الاحتمالين، وقول الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 إذا شاء ظلع مسجورة ... ترى حولها النبع والسأسما وقوله: فإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت ... مخافة ملوى من القد محصد وقوله: لو شئت عدت بلاد نجد عودة ... فحللت بين عقيقة وزورده أو الرعاية على الفاصلة كنحو " والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى " أو استهجان ذكره كقول عائشة رضي الله عنها ما رأيت منه ولا رأى مني: يعني العورة أو القصد على اعتبار غير ذلك من الاعتبارات المناسبة للترك. وأما الحالة المقتضية لإثباته فعراء المقام عما ذكر أو القصد على زيادة تقريره وبسط الكلام بذكره أو الرعاية على الفاصلة كقوله تعالى " والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها " وما شاكل ذلك من الجهات المعتبرة في باب الإثبات. وأما الحالة المقتضية لإضمار فاعله فهو كون المقام حكاية أو خطابا كقولك عرفت وعرفت أو كون الفاعل مسبوقا بالذكر كقولك: جاءني رجل فطلب مني كذا أو في حكم المسبوق به كنحو قوله في مطلع القصيدة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 زارت عليها للظلام رواق ... ومن النجوم قلائد ونطاق وقوله في الافتتاح: قالت ولم تقصد ليل الخنا ... مهلا فقد أبلغت أسماعي وأما الحالة المقتضية لكونه مظهرا فهي كون المقام غير ما ذكر أو كونه مستدعيا زيادة التعيين والتمييز كقولك: جاءني رجل فقال الرجل كذا أو مستدعيا للالتفات كقول الخلفاء يرسم أمير المؤمنين كذا مكان ارسم كذا. وأما اعتبار التقديم والتأخير مع الفعل فعلى ثلاثة أنواع أحدها أن يقع بين الفعل وبين ما هو فاعل له معنى كنحو أنا عرفت وأنت عرفت وهو عرف دون زيد عرف وثانيها أن يقع ينبه وبين غير ذلك كنحو عرفت ودرهما أعطيت وعمراً منطلقاً علمت وثالثها أن يقع بين ما يتصل به كنحو عرف زيد عمراً وعرف عمراً زيد وعلمت منطلقاً وعلمت منطلقاً وكسوت عمراً جبة وجبة عمراً ولكل منها حالة تقتضيه فالحالة المقتضية للنوع الأول هي أن يكون هناك وجود فعل وعالم به لكنه مخطئ في فاعله أو تفصيله وأنت تقصد أن ترده على الصواب كما تقول أنا سعيت في حاجتك أنا كفيت مهمك تريد دعوى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 الانفراد بذلك وتقريرا للاستبداد وترد بذلك على من زعم أن ذلك كان من غيرك أو غيرك فعل فيه ما فعلت ولذلك التأكيد قلت للزاعم في الوجه الأول أنا كفيت مهمك لا عمرو أو لا غيري وفي الوجه الثاني أنا كفيت مهمك وحدي وقولهم في المثل أتعلمني بضب أنا حرشته شاهد صدق على ما ذكر عند من له ذوق وليس إذا قلت سعيت في حاجتك أو سعيت أنا في حاجتك يجب أن يكون أن عند السامع وجود سعى في حاجته قد وقع خطأ منه في موجده أو تفصيله فتقصد إزالة الخطأ بل إذا قلته ابتداء مفيدا أو وجود السعي في حاجته منك غير مشوب بتجوز أو سهو أو نسيان صح ومنه ما يحكيه علت كلمته عن قوم شعيب وما أنت علينا بعزيز: أي العزيز علينا يا شعيب رهطك لا أنت لكونهم من أهل ديننا، ولذلك قال عليه السلام في جوابهم " أرهطي أعز عليكم من الله " أي من نبي الله ولو أنهم كانوا قالوا وما عززت علينا لم يصح هذا الجواب ولا طابق ولذلك ينهى أن يقال في النفي عند التقديم ما أنا سعيت في حاجتك ولا أحد سواي لاستلزام أن يكون سعى في حاجته غيرك لا أنت وأن لا يكون سعى في حاجته غيرك ولا أنت ولا ينهى أن يقال ما سعيت في حاجتك ولا أحد غيري وكذلك إذا أكدت فقلت ما سعيت أنا في حاجتك ولا أحد غيري ولذلك أيضا يستهجن أن يقال في النفي عند التقديم ما أنا رأيت أحدا من الناس لاستلزام أن يكون قد اعتقد فيك معتقد أنك رأيت كل أحد في الدنيا فنفيت أن تكون إياه ولم يستهجن أن يقال ما رأيت أحدا من الناس أو ما رأيت أنا أحدا من الناس ويحترز عن أن يقال عند التقديم ما أنا ضربت إلا لأن نقض النفي بإلا يقتضي أن تكون ضربت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وتقديمك ضميرك وإيلاؤه حرف النفي يقتضي نفي أن تكون ضربته ولا يحترز أن يقال ما ضربت إلا وما ضربت أنا إلا زيداً. وأما الحالة المقتضية للنوع الثاني أن يكون هناك من اعتقد أنك عرفت إنسانا وأصاب لكن أخطأ فاعتقد ذلك الإنسان غير زيد وأنت تقصد رده على الصواب فنقول عرفت وإذا قصدت التأكيد والتقرير قلت عرفت لا غيره ولذلك نهوا أن يقال ما ضربت ولا أحدا من الناس نهيهم أن يقال ما أنا ضربت ولا أحد غيري والنهي الواقع مقصور على الحالة المذكورة أما إذا ظن بك القائل ظنا فاسدا أنك تعتقده قد ضرب عمراً أو أنك تعتقد كون زيد مضروبا لغيره ثم قال لك مدعيا في الصورة الأولى ضربت وفي الثانية أنا ضربت فيصح منك أن تقول ما ضربت ولا أحدا من الناس أو ما أنت ضربت ولا أحد غيرك فتأمل فالفرق واضح وكذلك امتنعوا أن يقال ما ضربت ولكن أكرمته فتعقب الفعل المنفي بإثبات فعل هو ضده لأن مبني الكلام ليس على أن الخطأ وقع في الضرب فيرد على الصواب في الإكرام وإنما مبناه على أن الخطأ وقع في المضروب حين اعتقد فترده على الصواب أن تقول ولكن عمراً وكذلك إذا قلت بزيد مررت أفاد أن سامعك كان يعتقد مرورك بغير زيد فأزلت عنه الخطأ مخصصا مرورك بزيد دون غيره والتخصيص لازم للتقديم ولذلك تسمع أئمة علم المعاني في معنى " إياك نعبد وإياك نستعين " يقولون نخصك بالعبادة لا نعبد غيرك ونخصك بالاستعانة منك لا نستعين أحدا سواك، وفي معنى إن كنتم إياه تعبدون يقولون إن كنتم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 تخصونه بالعبادة وفي معنى قوله " وبالآخرة هم يوقنون " نذهب على أنه تعريض بأن الآخرة التي عليها أهل الكتاب فيما يقولون أنها لا يدخل الجنة فيها من كان هودا أو نصارى وأنها لا تمسهم النار فيها إلا أياما معدودات وأن أهل الجنة فيها لا يتلذذون في الجنة إلا بالنسيم والأرواح العبقة والسماع اللذيذ ليست بالآخرة وإيقانهم بمثلها ليس من الإيقان بالتي هي الآخرة عند الله في شيء وستعرف التعريض إن شاء الله تعالى في علم البيان، وفي قوله تعالى " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " يقولون أخرت صلة الشهادة أولا وقدمت ثانيا لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم وفي قوله تعالى " لعلى الله تحشرون " يقولون إليه على غيره وتراهم في قوله تعالى " وأرسلناك للناس رسولا " يحملون تعريف الناس على الاستغراق ويقولون المعنى لجميع الناس رسولا وهم العرب والعجم لا للعرب وحدهم دون أن يحملوه على تعريف العهد أو تعريف الجنس لئلا يلزم من الأول اختصاصه ببعض الأنس لوقوعه في مقابلة كلهم ومن الثاني اختصاصه بالأنس دون الجن ولإفادة التقديم عندهم التخصيص تراهم يفرعون على التقديم ما يفرعون على نفس التخصيص فكما إذا قيل ما ضربت أكبر أخويك فيذهبون على أنه ينبغي أن يكون ضاربا للأصغر بدليل الخطاب يذهبون أيضا إذا قيل ما ضربت على أنه ينبغي أن يكون ضاربا لإنسان سواه ولذلك يمتنعون أن يقال ما ضربت ولا أحدا من الناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 ولا يمتنعون أن يقال ما ضربت ولا أحدا من الناس وتسمعهم في قوله تعالى " لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون " يقولون قدم الظرف تعريضا بخمور الدنيا وأن المعنى هي على الخصوص لا تغتال العقول اغتيال خمور الدنيا ويقولون في قوله تعالى " ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه " يمتنع تقديم الظرف على اسم لا لأنه إذا قدم أفاد تخصيص نفي الريب بالقرآن ويرجع دليل خطاب على أن ريبا في سائر كتب الله وعلى هذا متى قلت إذا خلوت قرأت القرآن أفاد تقديم الظرف اختصاص قراءتك به ورجع على معنى لا أقرأ إلا إذا خلوت فافهم وإنما لزم التقديم استدعاء الحكم ثبوتا ونفيا حتى قامت الجملة في نحو أنا ضربت مقام ضربت ولم يضربه غيري، وفي نحو ما ضربت مقام ما ضربت وضربت غيره وفي نحو إذا خلوت قرأت القرآن مقام أقرأ القرآن إذا خلوت ولا أقرأ إذا لم أخل لما عرفت أن حالة التقديم هو أن ترى سامعك يعتقد وقوع فعل وهو مصيب في ذلك لكنه مخطئ في الفاعل أو المفعول أو غير ذلك من مقيدات الفعل وأنت تقصد رده على الصواب فإذا نفيت من كان اعتقده من الفاعل أو المفعول استدعى المقام غير ذلك فيجتمع لذلك نفيك للنفي مع الإثبات لمن سواه، وإذا أثبت غير من كان اعتقده استدعى المقام نفى من اعتقده لكونه خطأ فيجتمع إثباتك للمثبت مع النفي للمنفى ويفيد التقديم في جميع ذلك وراء ما سمعت نوع اهتمام بشأن المقدم فعلى المؤمن في نحو بسم الله إذا أراد تقدير الفعل معه أن يؤخر الفعل على نحو بسم الله أقرأ أو أكتب وكأني بك تقول فما بال " اقرأ باسم ربك " مقدم الفعل على المفعول وأن كلام الله أحق برعاية ما يجب رعايته، فالوجه فيه عندي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 أن يحمل اقرأ على معنى افعل القراءة وأوجدها على نحو ما تقدم في قولهم فلان يعطى ويمنع في أحد الوجهين غير معدى على مقروء به وأن يكون باسم ربك مفعول اقرأ الذي بعده. والحالة المقتضية للنوع الثالث هي كونه العناية بما يقدم أتم وإيراده في الذكر أهم، والعناية التامة بتقديم ما يقدم والاهتمام بشأنه نوعان: أحدهما أن يكون أصل الكلام في ذلك هو التقديم ولا يكون في مقتضى الحال ما يدعو على العدول عنه كالمبتدأ المعرف فإن أصله التقديم على الخبر نحو زيد عارف وكذى الحال المعرف فأصله التقديم على الحال، نحو جاء زيد راكباً وكالعامل فأصله التقدم على معموله نحو عرف زيد عمراً وكان زيد عارفا وأن عارف ومن زيد وغلام عمرو كالفاعل فأصله التقدم على المفعولات وما يشبهها من الحال والتمييز، نحو ضرب زيد الجاني بالسوط يوم الجمعة أمام بكر ضربا شديدا تأديبا له ممتلئا من الغضب وامتلأ الإناء ماء وكالذي يكون في حكم المبتدأ من مفعولي باب علمت نحو منطلقاً أو في حكم فاعل من مفعول باب أعطيت وكسوت، نحو أعطيت درهما وكسوت عمراً جبة فزيد عاط وعمرو مكتس فحقهما التقدم على غيرهما وكالمفعول المتعدى إليه وساطة فأصله لتقدم على المتعدى إليه بوساطة نحو ضربت الجاني بالسوط وكالتوابع فأصلها أن تذكر مع المتبوع فلا يقدم عليها غيرها نحو جاء زيد الطويل راكباً وعرفت أنا وكذا عرفت أنا وفلان وغير ذلك مما عرف له في علم النحو موضع من الكلام بوصف الأصالة بالإطلاق. وثانيهما أن تكون العناية بتقديمه والاهتمام بشأنه لكونه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 نفسه نصب عينك وأن التفات الخاطر إليه في التزايد كما تجدك إذا وارى قناع الهجر وجه من روحك في خدمته، وقيل لك ما الذي تتمنى تقول وجه الحبيب أتمنى فتقدم أو كما تجدك إذا قال أحد عرفت شركاء الله يقف شعرك فزعا وتقول لله شركاء وعليه قوله تعالى " وجعلواً لله شركاء " أو لعارض يورثه ذلك كما إذا أخذت في الحديث وتوهمت لقرائن الأحوال من أنت معه في الحديث ملتفت الخاطر على معنى ينتظر من مساقك الحديث إلمامك به فيبرز ذلك المعنى عندك في معرض أمر يتجدد في شأنه التقاضي ساعة فساعة، فكما تجد له مجالا في الذكر صالحا لا تتوقف أن تذكره مثل ما تقول لصاحبك أعجبني المسئلة العلانية من كتابك وتأخذ في كيت وذيت، وله كتاب آخر فيه مسائل فتحدث أن كتابه الآخر واقع الآن في ذهنه وهو كالمنتظر هل تورده في الذكر فتقول وأعجبني من كتابك الآخر المسئلة العلانية فتقدم المجرور على المرفوع أو كما إذا وعدت ما أنت تستبعد وقوعه فإنك حال التفات خاطرك على وقوعه من جهة تبعده ومن جهة أخرى أدخل في تبعيده تجد تفاوتا في إنكارك إياه ضعفا وقوة بالنسبة ولامتناع إنكاره بدون القصد إليه تستتبع تفاوته ذاك تفاوتا في القصد إليه والاعتناء بذكره فأنت في الأول إذا أنكرت أوجبت البلاغة أن تقول شيء حاله في البعد من الوقوع هذه أنا يكون لقد وعدت أنا وأبي وجدي هذا إن هو إلا من اختراعات المموهين وأصحاب التلبيس فتذكر المنكر بعد المرفوع في موضعه من الكلام وأن تقول في الثاني شيء حاله في البعد من الوقوع على هذه الغاية على من يروج لقد وعدت هذا أنا وأبي وجدي فتقدم المنكر على المرفوع أو كما إذا عرفت في التأخير مانعا مثل الذي في قولك رأيت الجماعة من محبيك التي نأت ثم دنت إذا قدمت من محبيك أفاد أن الجماعة المرئية جماعة من محبيك من غير شبهة وهو مرادك، وإذا أخرت أورث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 الاشتباه لاحتمال أن يكون من محبيك صلة دنت أو مثل الذي في قولك الحمد لله الذي بعث في الحق عيسى وأيد بهرون موسى إذا أخرت المجرور بطل السجع، ولهذا العارض هنا شيء يتفاوت جلاء وخفاء لطيفا وألطف والخواطر في مضمارها تتباين عن ضليع لا يشق غباره ومن ظالع لا يؤمن عثاره وليس السبق هناك بمجرد الكد بل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " ولله در أمر التنزيل وإحاطته على لطائف الاعتبارات في إيراد المعنى على أنحاء مختلفة بحسب مقتضيات الأحوال لا ترى شيئاً منها يراعى في كلام البلغاء من وجه لطيف إلا عثرت عليه مراعي فيه من ألطف وجوه وأنا ألقى إليك من القرآن عدة أمثلة مما نحن فيه لتستضيء بها فيما عسى يظلم عليك من نظائرها إذا أحببت أن تتخذها مسارح نظرك ومطارح فكرك، منها ان قال عز من قائل في سورة القصص في قصة موسى " وجاء رجل من أقصى المدينة " فذكر المجرور بعد الفاعل وهو موضعه، وقال في يس في قصة رسل عيسى عليه السلام " وجاء من أقصى المدينة " فقدم لما كان أهم يبين ذلك أنه حين اخذ في قصة الرسل اشتمل الكلام على سوء معاملة أصحاب القرية الرسل وأنهم أصروا على تكذيبهم وانهمكوا في غوايتهم مستمرين على باطلهم فكان مظنة أن يلعن السامع على مجرى العادة تلك القرية قائلا: ما أنكدها تربة وما أسوأها منبتا ويبقى مجيلا في فكره أكانت تلك المدرة بحافاتها كذلك أم كان هناك قطر دان أو قاص منبت خير منتظرا لمساق الحديث هل يلم بذكره فكان لهذا العارض مهما فكما جاء موضع له صالح ذكر بخلاف قصة موسى، ومنها أن قال في سورة المؤمنين " لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا " فذكر بعد المرفوع وما تبعه المنصوب وهو موضعه، وقال في سورة النمل " لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا " فقدم لكونه منها أهم يدلك على ذلك أن الذي قبل هذه الآية " أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون " والذي قبل الأولى (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما) فالجهة المنظور فيها هناك هي كون أنفسهم ترابا وعظاما، والجهة المنظور فيها ههنا هي كون أنفسهم وكون آبائهم ترابا لأجزاء هناك من بناهم على صورة نفسه ولا شبهة أنها أدخل عندهم في تعبيد البعث فاستلزم زيادة الاعتناء بالقصد على ذكره فصيره هذا العارض أهم، ومنها أن قال في موضع من سورة المؤمنين " فقال الملأ الذين كفروا من قومه " فذكر المجرور بعد صفة الملأ وهو موضعه كما تعرف، وفي موضع آخر منها " وقال الملأ من قومه الذين كفروا " فقدم المجرور لعارض صيره بالتقديم أولى وهو أنه لو أخر عن الوصف وأنت تعلم أن تمام الوصف بتمام ما يدخل في صلة الموصول وتمامه " وأترفناهم في الحياة الدنيا " لاحتمل أن يكرن من صلة الدنيا واشتبه الأمر في القائلين أهم من قومه أم لا، ومنها أن قال في سورة طه " أمنا برب هرون وموسى " وفي الشعراء " رب موسى وهرون " للمحافظة على الفاصلة، ولنقتصر من الأمثلة على ما ذكر، فما كان الغرض إلا مجرد التنبيه دون التتبع لنظائرها في القرآن وتفصيل القول فيها خاتمين الكلام بأن جميع ما وعت أذناك من التفاصيل في هذه الأنواع الثلاثة من فصل التقديم والتأخير هو مقتضى الظاهر فيها وقد عرفت فيما سبق أن إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر طريق للبلغاء يسلك كثيراً بتنزيل نوع مكان نوع باعتبار من الاعتبارات فليكن على ذكر منك. الاشتباه لاحتمال أن يكون من محبيك صلة دنت أو مثل الذي في قولك الحمد لله الذي بعث في الحق عيسى وأيد بهرون موسى إذا أخرت المجرور بطل السجع، ولهذا العارض هنا شيء يتفاوت جلاء وخفاء لطيفا وألطف والخواطر في مضمارها تتباين عن ضليع لا يشق غباره ومن ظالع لا يؤمن عثاره وليس السبق هناك بمجرد الكد بل الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " ولله در أمر التنزيل وإحاطته على لطائف الاعتبارات في إيراد المعنى على أنحاء مختلفة بحسب مقتضيات الأحوال لا ترى شيئاً منها يراعى في كلام البلغاء من وجه لطيف إلا عثرت عليه مراعي فيه من ألطف وجوه وأنا ألقى إليك من القرآن عدة أمثلة مما نحن فيه لتستضيء بها فيما عسى يظلم عليك من نظائرها إذا أحببت أن تتخذها مسارح نظرك ومطارح فكرك، منها ان قال عز من قائل في سورة القصص في قصة موسى " وجاء رجل من أقصى المدينة " فذكر المجرور بعد الفاعل وهو موضعه، وقال في يس في قصة رسل عيسى عليه السلام " وجاء من أقصى المدينة " فقدم لما كان أهم يبين ذلك أنه حين اخذ في قصة الرسل اشتمل الكلام على سوء معاملة أصحاب القرية الرسل وأنهم أصروا على تكذيبهم وانهمكوا في غوايتهم مستمرين على باطلهم فكان مظنة أن يلعن السامع على مجرى العادة تلك القرية قائلا: ما أنكدها تربة وما أسوأها منبتا ويبقى مجيلا في فكره أكانت تلك المدرة بحافاتها كذلك أم كان هناك قطر دان أو قاص منبت خير منتظرا لمساق الحديث هل يلم بذكره فكان لهذا العارض مهما فكما جاء موضع له صالح ذكر بخلاف قصة موسى، ومنها أن قال في سورة المؤمنين " لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا " فذكر بعد المرفوع وما تبعه المنصوب وهو موضعه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 وقال في سورة النمل " لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا " فقدم لكونه منها أهم يدلك على ذلك أن الذي قبل هذه الآية " أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون " والذي قبل الأولى (أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما) فالجهة المنظور فيها هناك هي كون أنفسهم ترابا وعظاما، والجهة المنظور فيها ههنا هي كون أنفسهم وكون آبائهم ترابا لأجزاء هناك من بناهم على صورة نفسه ولا شبهة أنها أدخل عندهم في تعبيد البعث فاستلزم زيادة الاعتناء بالقصد على ذكره فصيره هذا العارض أهم، ومنها أن قال في موضع من سورة المؤمنين " فقال الملأ الذين كفروا من قومه " فذكر المجرور بعد صفة الملأ وهو موضعه كما تعرف، وفي موضع آخر منها " وقال الملأ من قومه الذين كفروا " فقدم المجرور لعارض صيره بالتقديم أولى وهو أنه لو أخر عن الوصف وأنت تعلم أن تمام الوصف بتمام ما يدخل في صلة الموصول وتمامه " وأترفناهم في الحياة الدنيا " لاحتمل أن يكرن من صلة الدنيا واشتبه الأمر في القائلين أهم من قومه أم لا، ومنها أن قال في سورة طه " أمنا برب هرون وموسى " وفي الشعراء " رب موسى وهرون " للمحافظة على الفاصلة، ولنقتصر من الأمثلة على ما ذكر، فما كان الغرض إلا مجرد التنبيه دون التتبع لنظائرها في القرآن وتفصيل القول فيها خاتمين الكلام بأن جميع ما وعت أذناك من التفاصيل في هذه الأنواع الثلاثة من فصل التقديم والتأخير هو مقتضى الظاهر فيها وقد عرفت فيما سبق أن إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر طريق للبلغاء يسلك كثيراً بتنزيل نوع مكان نوع باعتبار من الاعتبارات فليكن على ذكر منك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 وأما الحالات المقتضية لتقييد الفعل بالشروط المختلفة كان وأن ما وإذا وإذاما ومتى ومتىما وأين وأينما وحيثما ومن وما ومهما وأي وأنى وكلو فالذي يكشف عنها القناع وقوفك على ما بين هذه الكلم من التفاصيل. أما أن فهي للشرط في الاستقبال والأصل فيها الخلو عن الجزم بوقوع الشرط كما يقول القائل: إن تكرمني أكرمك وهو لا يعلم أتكرمه أم لا، فإذا استعملت في مقام الجزم لم تخل عن نكتة وهي أما التجاهل لاستدعاء المقام إياه، وإما أن المخاطب ليس بجازم كما تقول لمن يكذبك فيما أنت تخبره أن صدقت فقل لي ماذا تعمل، وإما تنزيل المخاطب منزلة الجاهل لعدم جريه على موجب العلم كما يقول الأب لابن لا يراعي حقه افعل ما شئت إني إن لم أكن لك أبا كيف تراعي حقي ولامتناع الجزم بتحقيق المعلق بما في تحققه شبهة قلما يترك المضارع في بليغ الكلام على الماضي المؤذن بالتحقق نظرا على لفظه لغير نكتة مثل ما ترى في قوله علت كلمته " إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون " ترك يودوا على لفظ الماضي إذ لم تكن تحتمل ودادتهم لكفرهم من الشبهة ما كان يحتملها كونهم إن يثقفوهم أعداء لهم وباسطي الأيدي والألسنة إليهم للقتل والشتم. وإذا للشرط في الاستقبال قال الله تعالى " ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون " على نحو " وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون " بإدخال إذا في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 الجزاء والأصل فيها القطع بوقوع الشرط كما إذا قلت إذا طلعت الشمس فإني أفعل كذا قطعا إما تحقيقا كما في المثال المضروب أو باعتبار ما خطابي وهو النكتة في تغليب لفظ الماضي معه على المستقبل فلي الاستعمال لكون الماضي أقرب على القطع من المستقبل في الجملة نظرا على اللفظ. قال تعالى فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه " بلفظ إذا في جانب الحسنة حيث أريدت الحسنة المطلقة لا نوع منها كما في قوله تعالى " وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله " وفي قوله تعالى " ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن " لكون حصول الحسنة المطلقة مقطوعا به كثرة وقوع واتساعا ولذلك عرفت ذهابا على كونها معهودة أو تعريف جنس، والأول أفضى لحق البلاغة وبلفظ إن في جانب السيئة مع تنكير السيئة، إذ لا تقع إلا في الندرة بالنسبة على الحسنة المطلقة ولا يقع إلا شيء منها ولذلك قيل قد عددت أيام البلاء فهل عددت أيام الرخاء، ومنه " وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون " بلفظ إذا في جانب الرحمة وكأن تنكيرها وقصد النوع للنظر على لفظ الإذاقة فهو المطابق للبلاغة، وأما قوله " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا " وإن كنتم في ريب من البعث بلفظ إن مع المرتابين فإما لقصد التوبيخ على الريبة لاشتمال المقام على ما يقلعها عن أصلها وتصوير أن المقام لا يصلح إلا لمجرد الفرض للارتياب كما قد تفرض المجالات متى تعلقت بفرضها أغراض كقوله تعالى " ولو سمعوا ما استجابوا لكم " والضمير في سمعوا للأصنام ويتأبى أن يقال وإذا رتبتم، ومثله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 " أفنضرب عنكم الذكر صفحا إن كنتم قوما مسرفين " فيمن قرأ إن لقصد التوبيخ والتجهيل في ارتكاب الإسراف وتصوير أن الإسراف من العاقل في مثل هذا المقام واجب الانتفاء حقيق أن لا يكون ثبوته إلا على مجرد الفرض ومنه ما قد يقول العامل عند التقاضي بالعمالة إذا امتد التسويف وأخذ يترجم عن الحرمان إن كنت لم أعمل فقولوا اقطع الطمع فنزلهم لنوهم أن يحرموه منزلة من لا يعتقد أنه عمل فيقول مجهلا: أن اعتقد تم أني لم أعمل فقولوا ويلكم، وأما لتغيب غير المرتابين ممن خوطبوا على مرتابيهم وباب التغليب باب واسع يجري في كل فن. قال تعالى حكاية عن قوم شعيب " لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا " أدخل شعيب في لتعودن في ملتنا بحكم التغليب وإلا فما كان شعيب في ملتهم كافرا مثلهم فإن الأنبياء معصومون أن يقع منهم صغيرة فيها نوع نفرة فما بال الكفر وكذا قوله " إن عدنا في ملتهم " وقال تعالى " إلا امرأته كانت من الغابرين " وفي موضع أخر " وكانت من القانتين عدت الأنثى من الذكور بحكم التغلب. وقال تعالى " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " عد إبليس من الملائكة بحكم التغليب عد الأنثى من الذكور، ومن هذا الباب قوله تعالى " بل أنتم قوم تجهلون " بتاء الخطاب غلب جانب أنتم على جانب قوم وكذا " وما ربك بغافل عما تعملون " فيمن قرأ بتاء الخطاب أي أنت يا محمد وجميع المكلفين وغيرهم وكذا يذرؤكم في قوله تعالى " جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه " خطابا شاملا للعقلاء والأنعام مغلبا فيه المخاطبون على الغيب والعقلاء على ما لا يعقل، ومنه قولهم أبوان للأب والأم وقمران للقمر والشمس وخافقان للمغرب والمشرق. وأما قوله تعالى " وإذا مس الإنسان ضر " بلفظ إذا مع الضر فللنظر على لفظ المس وعلى تنكير الضر المفيد في المقام التوبيخي القصد على اليسير من الضر وعلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرر وللتنبيه على أن مساس قدر يسير من الضر لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به، وأما قوله " وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض " بعد قوله " وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه " اي أعرض عن شكر الله وذهب بنفسه وتكبر وتعظم فالذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير في مسه للمعرض المتكبر ويكون لفظ إذا للتنبيه على أن مثله يحق أن يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا به. وعند النحويين أن إذ في إذما مسلوب لدلالة على معناه الأصلي وهو المضي منقول بإدخال ما على الدلالة على الاستقبال. ولا فرق بين إذا وإذاما في باب الشرط من حيث المعنى إلا في الإبهام في الاستقبال. وحتى لتعميم الأوقات في المستقبل ومتى ما أعم منه. وأين لتعميم الأمكنة والأحياز. وأينما أعم. قال الله تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت. وحيثما نظير أينما. قال الله تعالى " وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " ومن لتعميم أولى العلم قال الله تعالى " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيراً وسعة " وما لتعميم الأشياء. قال الله تعالى " وما تفعلواً من خير فإن الله به عليم " ومهما أعم قال الله تعالى " وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين " ووجهه إذا قدر الأصل ماما ظاهر. وأي لتعميم ما يضاف إليه من ذوي العلم وغيرهم. وأنى لتعميم لأحوال الراجعة على الشرط كما تقول أنى تقرأ أقرأ أي على أي حال توجد القراءة من جهرها أو همسها أو غير ذلك أوجدها أنا والمطلوب بهذه المعممات ترك تفصيل على إجمال مع الاحتراز عن تطويل إما غير واف بالحصر أو ممل ألا تراك في قولك من يأتني أكرمه كيف تستغني عن التفصيل والتطويل في قولك إن يأتني زيد أكرمه وأن يأتني عمرو أكرمه وإن يأتني خالد أكرمه على عدد تعذر استيعابه مع قيام الإملال. قال الله تعالى " ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون " أي أيما مكلف أطاع الله في فرائضه ورسوله في سننه وخشي الله على ما مضى من ذنوبه واتقاه فيما يستقبل فقد فاز الفوز بحذافيرها. ب عد الأنثى من الذكور، ومن هذا الباب قوله تعالى " بل أنتم قوم تجهلون " بتاء الخطاب غلب جانب أنتم على جانب قوم وكذا " وما ربك بغافل عما تعملون " فيمن قرأ بتاء الخطاب أي أنت يا محمد وجميع المكلفين وغيرهم وكذا يذرؤكم في قوله تعالى " جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 يذرؤكم فيه " خطابا شاملا للعقلاء والأنعام مغلبا فيه المخاطبون على الغيب والعقلاء على ما لا يعقل، ومنه قولهم أبوان للأب والأم وقمران للقمر والشمس وخافقان للمغرب والمشرق. وأما قوله تعالى " وإذا مس الإنسان ضر " بلفظ إذا مع الضر فللنظر على لفظ المس وعلى تنكير الضر المفيد في المقام التوبيخي القصد على اليسير من الضر وعلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرر وللتنبيه على أن مساس قدر يسير من الضر لأمثال هؤلاء حقه أن يكون في حكم المقطوع به، وأما قوله " وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض " بعد قوله " وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه " اي أعرض عن شكر الله وذهب بنفسه وتكبر وتعظم فالذي تقتضيه البلاغة أن يكون الضمير في مسه للمعرض المتكبر ويكون لفظ إذا للتنبيه على أن مثله يحق أن يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا به. وعند النحويين أن إذ في إذما مسلوب لدلالة على معناه الأصلي وهو المضي منقول بإدخال ما على الدلالة على الاستقبال. ولا فرق بين إذا وإذاما في باب الشرط من حيث المعنى إلا في الإبهام في الاستقبال. وحتى لتعميم الأوقات في المستقبل ومتى ما أعم منه. وأين لتعميم الأمكنة والأحياز. وأينما أعم. قال الله تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت. وحيثما نظير أينما. قال الله تعالى " وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره " ومن لتعميم أولى العلم قال الله تعالى " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيراً وسعة " وما لتعميم الأشياء. قال الله تعالى " وما تفعلواً من خير فإن الله به عليم " ومهما أعم قال الله تعالى " وقالوا مهما تأتنا به من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين " ووجهه إذا قدر الأصل ماما ظاهر. وأي لتعميم ما يضاف إليه من ذوي العلم وغيرهم. وأنى لتعميم لأحوال الراجعة على الشرط كما تقول أنى تقرأ أقرأ أي على أي حال توجد القراءة من جهرها أو همسها أو غير ذلك أوجدها أنا والمطلوب بهذه المعممات ترك تفصيل على إجمال مع الاحتراز عن تطويل إما غير واف بالحصر أو ممل ألا تراك في قولك من يأتني أكرمه كيف تستغني عن التفصيل والتطويل في قولك إن يأتني زيد أكرمه وأن يأتني عمرو أكرمه وإن يأتني خالد أكرمه على عدد تعذر استيعابه مع قيام الإملال. قال الله تعالى " ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون " أي أيما مكلف أطاع الله في فرائضه ورسوله في سننه وخشي الله على ما مضى من ذنوبه واتقاه فيما يستقبل فقد فاز الفوز بحذافيرها. واعلم أن الجزاء والشرط في غير لو لما كانا تعليق حصول أمر بحصول ما ليس بحاصل استلزم ذلك في جملتيهما امتناع الثبوت فامتنع أن تكونا اسميتين أو إحداهما وكذا امتناع المضى فامتنع أن يكون الفعلان ماضيين أو أحدهما، ويظهر من هذا أن نحو إن أكرمتني أكرمتك وأن أكرمتني أكرمك وإن تكرمني أكرمتك ونحو إن تكرمني فأنت مكرم ونحو إن أكرمتني الآن فقد أكرمتك أمس مما لا موجب لكونه مضارعا معه كنون التأكيد في نحو " فأما يأتينكم مني هدى " وإما تثقفنهم في الحرب لا يصار إليه في بليغ الكلام إلا لنكتة ما مثل توخي إبراز غير الحاصل في معرض الحاصل: إما لقوة الأسباب المتآخذة في وقوعه كقولك: إن اشترينا كذا حال انعقاد الأسباب في ذلك، وإما لأن ما هو للوقوع كالواقع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 نحو قولك إن مت، وعليه " ونادى أصحاب الجنة، ونادى أصحاب الأعراف " وكذا أنا فتحنا لك لنزولها قبل فتح مكة، وفي أقوال المفسرين ههنا كثرة، وإما للتعريض كما في نحو قوله " ولئن اتبعت أهواءهم، لئن أشركت، فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات " ونظيره في كونه تعريضا قوله " ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون " المراد ومالكم لا تعبدون الذي فطركم، والمنبه عليه قوله " وإليه ترجعون " ولولا التعريض لكان المناسب وإليه أرجع وكذا " أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون إني إذا لفي ضلال مبين المراد أتتخذون من دنه آلهة إن يردكم الرحمن بضر لا تغن عنكم شفاعتهم شيئاً ولا ينقذوكم إنكم إذا لفي ضلال مبين " ولذلك قيل: إني آمنت بربكم دون بربي وأنبعه فاسمعون، ولا تعرف حسن موقع هذا التعريض إلا إذا نظرت على مقامه وهو تطلب إسماع الحق على وجه لا يورث طلبي دم المسمع مزيد غضب وهو ترك المواجهة بالتضليل والتصريح لهم بالنسبة على ارتكاب الباطل، ومن هذا الأسلوب قوله تعالى " قل لا تسئلون عما أجرمنا ولا تسئل عما تعملون " وإلا فحق النسق من حيث الظاهر قل لا تسئلون عما عملنا ولا نسأل عما تجرمون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 وكذا ما قبله " وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين " وهذا النوع من الكلام يسمى المنصف، وإما للتفاؤل وإما الإظهار الرغبة في وقوعه كما تقول إن ظفرت بحسن العاقبة فذاك، وعليه قوله تعالى " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا " وما شاكل ذلك من لطائف الاعتبارات وقولهم رحمه الله في الدعاء من هذا القبيل، ومن ههنا تتنبه لسكته يتضمنها تفاوت الشرطين في وإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ماضيا في جاءتهم الحسنة ومستقبلا في تصبهم شيئة، أو إبراز المقدر في معرض الملفوظ به لانصباب الكلام على معناه كما في قولك إن أكرمتني الآن فقد أكرمتك أمس مرادا به أن تعتد بإكرامتك إياي الآن فاعتد بإكرامي إياك أمس. وأما كلمة لو فحين كانت لتعليق ما امتنع بامتناع غيره على سبيل القطع كما تقول لو جئتني لأكرمتك معلقا لامتناع إكرامك بما امتنع من مجيء مخاطبك امتنعت جملتاها عن الثبوت ولزم أن يكونا فعليتين والفعل ماض واستلزم في مثل قوله عز اسمه: ولو ترى إذ وقفوا على النار، ولو ترى إذا المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم، ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم تنزيل المستقبل نظما له في سلك المقطوع به لصدوره عمن لا خلاف في أخباره منزلة الماضي المعلوم في قولك: لو رأيت على نحو تنزيل يود منزلة في قوله تعالى " ربما يود الذين كفروا في أحد قولي أصحابنا البصريين رحمهم الله واستلزم في مثل قولك: لو تحسن إلي لشكرت القصد بتحسن على تصوير أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 إحسانه مستمر الامتناع فيما مضى وقتا فوقتا على نحو قصد الاستمرار حالاً ف حالاً بيستهزئ في قوله عز اسمه " الله يستهزئ بهم بعد قوله قالوا أنا معكم إنما نحن مستهزءون " وبيكسبون في قوله فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون، وقوله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم وارد على هذا أي يمنع عليه السلام عنتكم باستمرار امتناعه عن طاعتكم ولك أن ترد الغرض من لفظ نرى ويود وتحسن على استحضار صورة المجرمين ناكسي الرءوس قائلين لما يقولون وصورة الظالمين موقوفين عند ربهم متقاولين بتلك المقالات واستحضار صورة ودادة الكافرين لو أسلموا واستحضار صورة منع الإحسان كما في قوله: والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه على بلد ميت فأحيينا به بعد موتها إذ قال فتثير استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية من إثارة السحاب مسخرا بين السماء والأرض متكونا في المرأى تارة عن قزع وكأنها قطع قطن مندوف ثم تتضام متقلبة بين أطوار حتى يعدن ركاما وأنه طريق للبلغاء لا يعدلون عنه إذا اقتضى المقام سلوكه، أو ما ترى تأبط شرا في قوله: ابه بعد موتها إذ قال فتثير استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية من إثارة السحاب مسخرا بين السماء والأرض متكونا في المرأى تارة عن قزع وكأنها قطع قطن مندوف ثم تتضام متقلبة بين أطوار حتى يعدن ركاما وأنه طريق للبلغاء لا يعدلون عنه إذا اقتضى المقام سلوكه، أو ما ترى تأبط شرا في قوله: بأني قد لقيت الغول تهوى ... بسهب كالصحيفة صحصحان فأضربها بلا دهش فخرت ... صريعا لليدين وللجران كيف سلك في فأضربها بلا دهش قصدا على أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بضرب الغول كأنه ببصرهم إياهم ويطلعهم على كنهها ويتطلب منهم مشاهدتها تعجيبا من جرأته على كل هول وثباته عند كل شدة وقوله سبحانه " إن مثل عيسى عند الله كمثل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 آدم خلقه من تراب " ثم قال له كن فيكون دون كن فكان من هذا القبيل واستلزم في مثل " لو أنتم تملكون " حمله على تقدير لو تملكون تملكون لفائدة التأكيد، ثم حذف الفعل الأول اختصارا لدلالة ضميره عليه المبدل بعد ذهاب الفعل من فصل ا وأمثال هذه للطائف لا تتغلغل فيها إلا أذهان الراضة من علماء المعاني، ولمبني علم المعاني على التتبع لتراكيب الكلام واحداً فواحداً كما ترى وتطلب العثور على ما لكل منها من لطائف السكت مفصلة لا تتم الإحاطة به إلا لعلام الغيوب ولا يدخل كنه بلاغة القرآن إلا تحت علمه الشامل. واعلم أن مستودعات فصول هذا الفن لا تتضح إلا باستبراء زناد خاطر وقاد ولا تنكشف أسرار جواهرها إلا لبصيرة ذي طبع نقاد ولا تضع أزمتها إلا في يدراكض في حلبتها على أنأى مدى باستفراغ طوق متفوق أفاويق استئباتها بقوة فهم ومعونة ذوق مولع من لطائف البلاغة بما يؤثرها القلوب بصفايا حباتها وتبثر عليها أفئدة مصاقع الخطباء خبايا مخبآتها متوسل بذلك أن يتأنق في وجه الإعجاز في التنزيل متنقلا ماجمله عجز المتحدين به عندك على التفصيل طامع من رب العزة والكبرياء في المثوبة الحسنى والفوز عنده يوم النشور بالذخر الأسنى. الفن الرابع مركوز في ذهنك لا تجد لرده مقالا ولا لارتكاب جحده مجالا أن ليس يمتنع بين مفهومي جملتين اتحاد بحكم التآخي وارتباط لأحدهما بالآخر مستحكم الأواخي ولا أن يباين أحدهما الآخر مباينة الأجانب لانقطاع الوشائج بينهما من كل جانب ولا أن يكونا بين لآصرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 رحم ما هنالك فيتوسط حالهما بين الأولى والثانية لذلك ومدار الفصل والوصل وهو ترك العاطف وذكره على هذه الجهات وكذا طي الجمل عن البين ولا طيها وإنها لمحك البلاغة ومنتقد البصيرة ومضمار النظار ومتفاضل الأنظار ومعيار قدر الفهم ومسبار غور الخاطر ومنجم صوابه وخطئه ومعجم جلائه وصدائه وهي التي إذا طبقت فيها المفصل شهدوا لك من البلاغة بالقدح المعلى وإن لك في إبداع وشيها اليد الطولى، وهذا فصل له فضل احتياج على تقرير واف وتحرير شاف. اعلم أن تمييز موضع العطب عن غير موضعه في الجمل كنحو أن تذكر معطوفا بعضها على بعض تارة ومتروكا العطف بينها تارة أخرى هو الأصل في هذا الفن وأنه نوعان نوع يقرب تعاطيه ونوع يبعد ذلك فيه فالقريب هو تقصد بينها بغير الواو أو بالواو بينها لكن بشرط أن يكون للمعطوف عليها محل من الإعراب والبعيد هو أن تقصد العطف بينها بالواو وليس للمعطوف عليها محل إعرابي، والسبب في أن قرب القريب وبعد البعيد هو ان العطف في باب البلاغة يعتمد معرفة أصول ثلاثة: أحدها الموضع الصالح له من حيث الوضع. وثانيها فائدته. ثالثها وجه كونه مقبولا لا مردودا، وأنت إذا أتقنت معاني الفاء وثم وحتى ولا وبل ولكن وأو وأم وأما وأي على قولي حصلت لك الثلاثة لدلالة كل منها على معنى محصل مستدع من الجمل بينا مخصوصا مشتملا على فائدته وكونه مقبولا هناك وكذلك إذا أتقنت أن الإعراب صنفان لا غير: صنف ليس يتبع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 وصنف تبع وأتقنت أن الصنف الثاني منحصر في تلك الأنواع الخمسة البدل والوصف والبيان والتأكيد واتباع الثاني الأول في الإعراب بتوسط حرف وعلمت كون المتبوع في نوع البدل في حكم المنحى والمضرب عنه بما تسمع أئمة النحو رضي الله عنهم يقولون البدل في حكم تنحية المبدل منه ويصون بتصريح بل في قسمة الغلطى وعلمت في الوصف والبيان والتأكيد أن التابع فيها هو المتبوع فالعالم في زيد العالم عندك ليس غير زيد وعمرو في أخوك عمرو عندي ليس غير أخوك ونفسه في جاء خالد نفسه ليس غير خالد ثم رجعت فتحققت أن الواو يستدعي معناه أن لا يكون معطوفه هو المعطوف عليه لامتناع أن يقال جاء زيد وزيد وأن يكون زيد الثاني هو زيد الأول حصل لك أن الصنف الأول ليس موضعا للعطف بأي حرف كان من حروف العطف لفوات شرط العطف فيه وهو تقدم المتبوع ولم يذهب عليك أن نحو جاء وزيد عرفت فعمراً وأتاني خالد وراكباً وما جرى هذا المجرى غير صحيح وأن نحو قوله عليك ورحمة الله السلام يلزم أن يكون عديم النظير وأن لا يسوغه إلا نية التقديم والتأخير. وأما نحو قوله عز سلطانه " وإياي فارهبون " فإنما ساغ لكون المعطوف عليه في حكم الملفوظ به لكونه مفسرا إذ تقديره وإياي ارهبوا فارهبوني على ما سبق التعرض لهذا القبيل في علم النحو. وأما نحو قوله " أو كلما عاهدوا " فساع ليقدم حرف الاستفهام المستدعى فعلا مدلولا على معناه بقرائن مساق الكلام وهو أكفروا بآيات الله وكلما عاهدوا وحصل لك أيضا أن الأنواع الأربعة من الصنف الثاني ليس واحد منها موضعا للعطف بالواو إما لفوات شرط العطف حكماً كما في البدل لنزول قولك سلب زيد ثوبه إذا عطفت فيه منزلة سلب وثوبه حكماً، وإما لفوات شرط معناه كما في الوصف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 والبيان والتأكيد إنما موضعه النوع الخامس. وأما نحو قوله عز اسمه " وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم " فالوجه عندي هو أن ولها كتاب معلوم حال لقرية لكونها في حكم الموصوفة نازلة منزلة وما أهلكنا قرية من القرى لا وصف وحمله على الوصف سهو لا خطأ ولا عيب في السهو للإنسان والسهو ما ينتبه صاحبه بأدنى تنبيه والخطأ ما لا ينتبه صاحبه أو يتنبه لكن بعد أتعاب وسيزداد ما ذكرت وضوحا في آخر هذا الفصل في الكلام في الحال، ثم إذا أتقنت أيضا أن كل واحد من وجوه الإعراب دال على معنى كما تشهد لذلك قوانين علم النحو حصل لك فائدة الواو وهي مشاركة المعطوف والمعطوف عليه في ذلك المعنى فيكون عندك من الأصول الثلاثة أصلان معرفة موضعه ومعرفة فائدته، وإذا عرفت أن شرط كون العطف بالواو مقبولا هو أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه جهة جامعة مثل ما ترى في نحو الشمس والقمر والسماء والأرض والجن والأنس كل إذا محدث وسنفصل الكلام في هذه الجملة بخلافه في نحو الشمس ومرارة الأرنب وسورة الإخلاص والرجل اليسرى من الضفدع ودين المجوس وألف باذنجانة كلها محدثة حصلت لك الأصول الثلاثة، وأن الأمر من القرب فيها كما ترى. وأما توسيط الواو بين جمل لا محل للمعطوف عليها من الإعراب فإنما بعد تعاطيه لكون الأصول الثلاثة في شأنه غير ممهدة لك وهو السر في أن دق مسلكه وبلغ من الغموض على حيث قصر بعض أئمة علم المعاني البلاغة على معرفة الفصل والوصل وما قصرها عليه لا لأن الأمر كذلك وإنما حاول بذلك التنبيه على مزيد عموض هذا الفن وأن أحدا لا يتجاوز هذه العقبة من البلاغة إلا إذا كان خلف سائر عقبانها خلفه. ومقبولا هو أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه جهة جامعة مثل ما ترى في نحو الشمس والقمر والسماء والأرض والجن والأنس كل إذا محدث وسنفصل الكلام في هذه الجملة بخلافه في نحو الشمس ومرارة الأرنب وسورة الإخلاص والرجل اليسرى من الضفدع ودين المجوس وألف باذنجانة كلها محدثة حصلت لك الأصول الثلاثة، وأن الأمر من القرب فيها كما ترى. وأما توسيط الواو بين جمل لا محل للمعطوف عليها من الإعراب فإنما بعد تعاطيه لكون الأصول الثلاثة في شأنه غير ممهدة لك وهو السر في أن دق مسلكه وبلغ من الغموض على حيث قصر بعض أئمة علم المعاني البلاغة على معرفة الفصل والوصل وما قصرها عليه لا لأن الأمر كذلك وإنما حاول بذلك التنبيه على مزيد عموض هذا الفن وأن أحدا لا يتجاوز هذه العقبة من البلاغة إلا إذا كان خلف سائر عقبانها خلفه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 واعلم أنك إذا تأملت ما لخصت لك في القريب التعاطي قرب هذا الثاني بحيث لا يخفى عليك بإذن الله تعالى بأدنى تنبيه وهو أن الجملة متى نزلت في كلام المتكلم منزلة الجملة العارية عن المعطوف عليها كما إذا أريد بها القطع عما أو أريد بها البدل عن سابقة عليها لك تكن موضعا لدخول الواو وكذا متى نزلت من الأولى منزلة نفسها لكمال اتصالها بها مثل ما إذا كانت موضحة لها ومبينة أو مؤكدة لها ومقررة لم تكن موضعا لدخول الواو وكذا متى لم يكن بينها وبين الأولى جهة جامعة لكمال انقطاعها عنها لم يكن أيضا موضعا لدخول الواو، وإنما يكون موضعا لدخوله إذا توسطت بين كمال الاتصال وبين كمال الانقطاع، ولكل من هذه الأنواع حالة تقتضيه، فإذا طابق ورودها تلك الأحوال وطبق المفصل هناك رقي الكلام من البلاغة عند أربابها على درجة يناطح فيها السماك فلا بد من تفصيل الكلام في تلك الحالات فتقول: أما الحالة المقتضية للقطع فهي نوعان: أحدهما أن يكون لكلام السابق حكم وأنت لا تريد أن تشركه، الثاني في ذلك فيقطع ثم أن هذا القطع يأنى أما على وجه الاحتياط وذلك إذا يوجد قبل الكلام السابق كلام غير مشتمل على مانع من العطف عليه لكن المقام مقام احتياط فيقطع لذلك، وإما على وجه الوجوب وذلك إذا كان لا يوجد. وثانيهما أن يكون الكلام السابق بفحواه كالمورد للسؤال فتنزل ذلك منزلة الواقع ويطلب بهذا الثاني وقوعه جواباً له فيقطع عن الكلام السابق لذلك وتنزيل السؤال بالفحوى منزلة الواقع لا يصار إليه لجهات لطيفة، إما لتنبيه السامع على موقعه أو لإغنائه أن يسأل أو لئلا يسمع منه شيء أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه أو للقصد على تكثير المعنى بتقليل اللفظ وهو تقدير السؤال وترك العاطف أو غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 ذلك مما ينخرط في هذا السلك ويسمى النوع الأول قطعا والثاني استئنافا. وأما الحالة المقتضية للإبدال فهي ان يكون الكلام السابق غير واف بتمام المراد وإيراده أو كغير الوافي والمقام مقام اعتناء بشأنه، إما لكونه مطلوبا في نفسه أو لكونه غريبا أو فظيعا أو عجيبا أو لطيفا أو غير ذلك مما له جهة استدعاء للاعتناء بشأنه فيعيده المتكلم بنظم أوفى منه على نية استئناف القصد على المراد ليظهر بمجموع القصدين إليه في الأول والثاني أعني المبدل منه والبدل مزيد الاعتناء بالشأن. وأما الحالة المقتضية للإيضاح والتبيين فهي ان يكون بالكلام السابق نوع خفاء والمقام مقام إزالة له. وأما الحالة المقتضية للتأكيد والتقرير فظاهرة. وأما الحالة المقتضية لكمال انقطاع ما بين الجملتين فهي أن تخلفا خبرا وطلبا مع تفصيل يعرف في الحالة المقتضية للتوسط أو إن اتفقتا خبرا فأن لا يكون بينهما ما يجمعهما عند المفكرة جمعا من جهة العقل أو الوهم أو الخيال والجامع العقلي هو أن يكون بينهما اتحاد في تصور مثل الاتحاد في المخبر عنه أو في الخبر أو في قيد من قيودهما أو تماثل هناك فإن العقل بتجريده المثلين عن التشخص في الخارج يرفع التعدد عن البين، أو يضايف كالذي بين العلة والمعلول والسبب والمسبب أو السفل والعلو والأقل والأكثر فالعقل يأبى أن لا يجتمعا في الذهن وأن العقل سلطان مطاع، والوهمي هو أن يكون بين تصوراتهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 شبه تماثل نحو ان يكون المخبر عنه في أحدهما لون بياض وفي الثانية لون صفرة فإن الوهم يحتال في أن يبرزهما في معرض المثلين وكم للوهم من حيل تروج وإلا فعليك بقوله: ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحق والقمر وقلي ما الذي سواه حسن الجمع بين الشمس وأبي إسحق والقمر هذا التحسين أو بقوله: إذا لم يكن للمرء في الخلق مطمع ... فذو التاج والسقاء والذر واحد وقد عرفت حال المثلين في شأن الجمع، أو تضاد كالسواد والبياض والهمس والجهارة والطيب والنتن والحلاوة والحموضة والملاسة والخشونة وكالتحرك والسكون والقيام والقعود والذهاب والمجيء والإقرار والإنكار والإيمان والكفر، وكالمتصفات بذلك من نحو الأسود والأبيض والمؤمن والكافر أو شبه تضاد كالذي بين نحو السماء والأرض والسهل والجبل والأول والثاني فإن الوهم ينزل المتضادين والشبيهين بهما منزلة المتضايقين فيجتهد في الجمع بينهما في الذهن ولذلك تجد الضد أقرب خطور بالبال مع الضد. والخيالي هو أن يكون بين تصورهما تقارن في الخيال سابق لأسباب مؤدية على ذلك فإن جميع ما يثبت في الخيال مما يصل إليه من الخارج يثبت فيه على نحو ما يتأدى إليه ويتكرر لديه ولذلك لما لم تكن الأسباب على وتيرة واحدة فيما بين معشر البشر اختلفت الحال في ثبوت الصور في الخيالات ترتبا ووضوحا فكم من صور تتعانق في الخيال وهي في آخر ليست تتراءى وكم صور لا تكاد تلوح في الخيال وهي في غيرة نار على علم، وإن أحببت أن تستوضح ما يلوح به إليك فحدق إليه من جايب اختبارك تلق كاتبا بتعديد قرطاس ومحبرة وقلم ونجارا بتعديد منشار وقدوم وعتلة وآخر وآخر بما يلابسون وأيا كان من أصحاب العرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 ولرسم فتلقه بذكر مسجد ومحراب وقنديل أو حمام وأزرار وسطل أو غير ذلك مما يجمعه العرف والرسم فإنهم جميعا لمصادفتهم معدوداتك على وفق الثابت في خيالهم لا يستبعدون العد ولا يقفون له موقف نكير وإذا غيرته على نحو محبرة ومنشار وقلم وقدوم ونحو مسجد وسطل وقنديل وحمام جاء الاستبداع والاستنكار وهل تشبيهات أولئك الرفقاء الأربعة البدر الطالع عليهم فيما يحكي تتلو عليك سورة غير ما تلونا أو تجلو لديك صورة غير ما جلونا. يحكى أن صاحب سلاح ملك وصواغا وصاحب بقر ومعلم صبية اتفق أن انتظمهم سلك طريق، وقد كان حمل كل منهم مركب الجد فما أورثهم انتقاب المحجة بالإظلام سوى الإغراء أن يلطموا بأيدي الرواقص حدودها وما استطاع الظلام أن لا يطئوا المسافة وقد نشر جناحه وأن يلقوا عصاهم وقد مد لهم رواقه فقابلهم بعبوس افتر عن مزيد تخبطهم وخوف ضلالهم فبيناهم في وحشة الظلماء وقد بلغ السيل الزبى ومقاساة محنتي التخبط وخوف الضلال وقد جاوز الحزام الطيبين آنسهم البدر الطالع بوجهه الكريم وأضاءت لهم أنواره كل مظلم بهيم فلم يتمالكوا أن أقبل عليه كل منهم ينظم ثناءه ويمدح سناه وثناءه ويخدمه بأكرم نتائج خاطره وإذا شبهه شبهه أفضل ما في خزانة صوره فما يشبهه السلاحي إلا بالترس المذهب يرفع عند الملك ولا يشبهه الصائغ إلا بالسبيكة من الابريز تفتر عن وجهها البوتقة ولا يشبهه البقار إلا بالجبن الأبيض يخرج من قالبه طريا ولا يشبهه المعلم إلا برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذي مروءة أو التفاوت في الإيراد لوصف الكلام فيما يحكيه الأصحاب عن الأذكياء من ذوي الحرف المختلفة كوصف الجوهري للكلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 أحسن الكلام ما ثقبته الفكرة ونظمته الفطنة وفصل جوهر معانيه في سمط ألفاظه فحملته نحور الرواة، ووصف الصبر في خير الكلام ما نقدته يد البصيرة وجلته عين الروية ووزنته معيار الفصاحة فلا ينطق فيه بزائف ولا يسمع فيه ببهرج، ووصف الصائغ خير الكلام ما أحميته بكير الفكر وسبكته بمشاعل النظر وخلصته من خبث الإطناب فبرز بروزا الإبريز مركبا في معنى وجيز، ووصف الحداد أحسن الكلام ما نصبت عليه منفاخ الروية وأشعلت فيه نار البصيرة ثم أحرجته من فحم الأفحام ورققته بفطيس الأفهام ووصف الخمار أحسن الكلام ما طبخته مراجل العلم وضمته دنان الحكمة وصفاء راووق الفهم فتشمت في المفاصل عذوبته وفي الأفكار رقته وسرت في تجاويف العقل سورته وحدته ووصف البزاز أحسن الكلام ما صدق رقم ألفاظه وحسن رسم معانيه فلم يستعجم عند نشر ولم يستبهم عند طي، ووصف الكحال أصح الكلام ما سحقته في منجار الذكاء ونخلته بحرير التمييز وكما أن الرمد قذى العين كذا الشبهة قذى البصائر فأكحل عين اللكة بميل البلاغة وأجل رمض الغفلة ببرود اليقظة، أو سلوك الطريق في وصف البليغ حين سلكه الجمال قائلا البليغ من أخذ بخطام كلامه وأناخه في مبرك المعنى ثم جعل الاختصار له عقالا والإيجاز له مجالا فلم بند عن الأذهان ولم يشذ عن الآذان أو إخبار الوراق عن حاله على ما أخبر عيشى أضيق من محبرة وجسمي أدق من مسطرة وجاهي أرق من الزجاج وحظي أخفى من شق القلم وبدني أضعف من قصبة وطعامي أمر من العفص وشرابي أشد سوادا من الحبر وسوء الحال بي ألزم من الصمغ. ولصاحب علم المعاني فضل احتياج في هذا الفن على التنبه لأنواع هذا الجامع والتيقظ لها لا سيما النوع الخيالي فإن جمعه على مجرى الألف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في استيداع الصور خزانة الخيال وأن الأسباب لكما ترى على حد تتباين في شأن الجمع بين صور وصور فمن أسباب تجمع بين صومعة وقنديل وقرآن، ومن أسباب تجمع بين دسكرة وإبريق وأقران فقل لي إذا لم يوفه حقه من التيقظ وأنه من أهل المدرأتي يستحلي كلام رب العزة مع أهل الوبر حيث يبصرهم الدلائل ناسقا ذلك النسق " أفلا ينظرون على الإبل كيف خلقت وعلى السماء كيف رفعت وعلى الجبال كيف نصبت وعلى الأرض كيف سطحت " لبعد البعير عن خياله في مقام النظر ثم لبعده في خياله عن السماء وبعد خلقه عن رفعها وكذا البواقي لكن إذا وفاه حقه بتيقظه لما عليه تقلبهم في حاجاتهم جاء الاستحلاء وذلك إذا نظر أن أهل الوبر إذا كان مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي كانت عنايتهم مصروفة لا محالة على أكثرها نفعا وهي الإبل ثم إذا كان انتفاعهم بها لا يتحصل إلا بأن ترعى وتشرب كان جل مرمى غرضهم نزول المطر وأهم مسارح النظر عندهم السماء ثم إذا كانوا مضطرين على مأوى يأويهم وعلى حصن يتحصنون فيه ولا مأوى ولا حصن إلا الجبال. طرة وجاهي أرق من الزجاج وحظي أخفى من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 شق القلم وبدني أضعف من قصبة وطعامي أمر من العفص وشرابي أشد سوادا من الحبر وسوء الحال بي ألزم من الصمغ. ولصاحب علم المعاني فضل احتياج في هذا الفن على التنبه لأنواع هذا الجامع والتيقظ لها لا سيما النوع الخيالي فإن جمعه على مجرى الألف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في استيداع الصور خزانة الخيال وأن الأسباب لكما ترى على حد تتباين في شأن الجمع بين صور وصور فمن أسباب تجمع بين صومعة وقنديل وقرآن، ومن أسباب تجمع بين دسكرة وإبريق وأقران فقل لي إذا لم يوفه حقه من التيقظ وأنه من أهل المدرأتي يستحلي كلام رب العزة مع أهل الوبر حيث يبصرهم الدلائل ناسقا ذلك النسق " أفلا ينظرون على الإبل كيف خلقت وعلى السماء كيف رفعت وعلى الجبال كيف نصبت وعلى الأرض كيف سطحت " لبعد البعير عن خياله في مقام النظر ثم لبعده في خياله عن السماء وبعد خلقه عن رفعها وكذا البواقي لكن إذا وفاه حقه بتيقظه لما عليه تقلبهم في حاجاتهم جاء الاستحلاء وذلك إذا نظر أن أهل الوبر إذا كان مطعمهم ومشربهم وملبسهم من المواشي كانت عنايتهم مصروفة لا محالة على أكثرها نفعا وهي الإبل ثم إذا كان انتفاعهم بها لا يتحصل إلا بأن ترعى وتشرب كان جل مرمى غرضهم نزول المطر وأهم مسارح النظر عندهم السماء ثم إذا كانوا مضطرين على مأوى يأويهم وعلى حصن يتحصنون فيه ولا مأوى ولا حصن إلا الجبال. لنا جبل يحتله من نجيره ... منيع يرد الطرف وهو كليل فما ظنك بالتفات خاطرهم إليها ثم إذا تعذر طول مكثهم في منزل ومن الأصحاب مواش بذاك كان عقد الهمة عندهم بالتنقل من أرض الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 على سواها من عزم الأمور، فعند نظره هذا أيرى البدوي إذا أخذ يفتش عما في خزانة الصور له لا يجد صورة الإبل حاضرة هناك أو لا يجد صورة السماء لها مقارنة أو تعوزه صورة الجبال بعدهما أو لا ننص إليه صورة الأرض تليها بعدهن لا وإنما الحضري حيث لم تتآخذ عنده تلك الأمور وما جمع خياله تلك الصور على ذلك الوجه إذا تلا الآية قبل أن يقف على ما ذكرت ظن النسق بجهله معيبا للعيب فيه. وأما الحالة المقتضية للتوسط بين كمال الانقطاع فهي إن اختلفا خبراً وطلباً أن يكون المقام مشتملاً على ما يزيل الاختلاف من تضمين الخبر معنى الطلب أو الطلب معنى الخبر ومشركا بينهما في جهات جامعة مما تليت عليك على نحو قوله تعالى " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذوي القربى واليتامى والمساكين وقولوا " إذ لا يخفى " أن قوله " لا تعبدون " مضمن معنى لا تعبدوا وقوله " إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم " وامتازوا اليوم أيها المجرمون " فإن المقام مشتمل على تضمين أن أصحاب الجنة معنى الطلب بيان ذلك أن الذي قبله من قوله " فاليوم لا تظلم نفس شيئاً " كلام وقت الحشر من غيره شبهة لوروده معطوفا بالفاء على قوله " إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون " وعام لجميع الخلق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 لعموم قوله " لا تظلم نفس شيئاً " وأن الخطاب الوارد بعده على سبيل الالتفات في قوله " ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " خطاب عام لأهل المحشر، وأن قوله " إن أصحاب الجنة اليوم في شغل قائل فاكهون " هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم " فصل تنزل على كل أفاك ليقع جوابا للسؤال الذي يقطر من قول هل أنبئكم على من تنزل الشياطين وهو إي والله نبئنا على أي مخلوق تنزل، ومن الآيات الواردة على الاستئناف قوله تعالى " قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين قال أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين " فإن الفصل في جميع ذلك بناء على أن السؤال الذي يستصحبه تصور مقام المقاولة من نحو: فماذا قال موسى فماذا قال فرعون، وكذلك قوله " قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئنا بالحق أم أنت من اللاعبين " الفصل بناء على ماذا قال وماذا قالوا، وكذلك قوله " هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ على أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف " قدر مع قوله فقالوا سلاما ماذا قال إبراهيم وقت السلام ومع قوله فقربه إليهم ماذا قال وقت التقريب ومع قوله فأوجس منهم خيفة ماذا قالوا حين رأوا منه ذلك وسلوك هذا الأسلوب في القرآن كثير، ومن أمثلة البدل قوله: أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ... وإلا فكن في السر والجهر مسلما فصل لا تقيمن عن ارحل لقصد البدل لأن المقصود من كلامه هذا كمال إظهار الكراهة لإقامته بسبب خلاف سره العلن، وقوله لا تقيمن عندنا أوفى بتأدية هذا المقصود من قوله ارحل لدلالة ذاك عليه بالتضمن مع التجرد عن التأكيد ودلالة هذا عليه بالمطابقة مع التأكيد، وكذلك قوله تعالى " بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون " فصل قالوا أئذا متنا عن قالوا مثل ما قال الأولون لقصد البدل، ولك أن تحمله على الاستئناف لما في قوله مثل ما قال الأولون من الإجمال المحرك للسامع أن يسأل ماذا قالوه، وكذلك قوله " أمدكم بما تعملون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون " الفصل فيه للبدل ويحتمل الاستئناف، وكذلك قوله " اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون " لم يعطف اتبعوا من لا يسئلكم للبدل، ومن أمثلة الإيضاح والتبيين قوله تعالى " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون " لم يعطف يخادعون على ما قبله، لكونه موضحا له ومبينا من حيث أنهم حين كانوا يوهمون بألسنتهم أنهم آمنوا وما كانوا مؤمنين بقلوبهم قد كانوا في حكم المخادعين. وقوله تعالى " فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " لم يعطف قال على فاكهون نقص 125 على قوله أيها المجرمون " متقيد بهذا الخطاب لكونه تفصيلا لما أجمله " ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " وأن التقدير إن أصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر ثم جاء في التفسير أن قوله هذا إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون يقال لهم حين يسار بهم على الجنة بتنزيل ما هو للكون منزلة الكائن، فانظر بعد تحرير معنى الآية وهو أن أصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر تئول حالهم على أسعد حال كيف اشتمل المقام فليمتازوا عنكم على الجنة وأما كونه مشركا بين المعطوف والمعطوف عليه في الذي نحن بصدده في جهات تجمعهما فغير خاف ونحو قوله تعالى " فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين يا موسى أنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك " فإن الكلام مشتمل على تضمين الطلب معنى الخبر، وذلك أن قوله: وألق عصاك معطوف على قوله أن بورك. المعنى فلما جاءها قيل بورك وقيل ألق عصاك لما عرفت في علم النحو أنّ أن هذه لا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول وإذا قيل كتبت إليه أن ارجع وناداني أن قم كان بمنزلة قلت له ارجع وقال لي قم، وأما قوله تعالى " وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات " بعد قوله " أعدت للكافرين " فيعد معطوفا على فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، وعندي أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 معطوف على قل مرادا قبل " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم " لكون إرادة القول بواسطة انصباب الكلام على معناه غير عزيزة في القرآن، من ذلك " وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا " أي وقلنا أو قائلين كلوا، ومن ذلك " وإذا استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشر عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا " أي وقلنا أنت يا موسى كلوا واشربوا، ومن ذلك " وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا " أي وقلنا أو قائلين خذوا، ومن ذلك " وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا " أي وقلنا اتخذوا، ومن ذلك " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا " أي يقولان ربنا وعليه قراءة عبد الله، ومن ذلك " ووصى إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني " على قول أصحابنا البصريين " ومن ذلك " ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا " أي ويقولون ذوقوا ومن ذلك " براءة من الله ورسوله على الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا " أي فقولوا لهم سيحوا وأمثال ذلك أكثر من أن يحصيها ههنا وكذلك عطف قوله " وبشر الصابرين إذا أصابتهم مصيبة " على قل مرادا قبل " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة " وكذا عطف وبشر المؤمنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 في صورة الصف عندي على قل مرادا قبل " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم " وذهب صاحب الكشاف على أنه معطوف على تؤمنون قبله لكونه في معنى آمنوا فتأمل جميع ذلك وكن الحاكم دوني. أو أن تتفق الجملتان خبرا والمقام على حال إشراك بينهما في جوامع ثم كلما كانت الشركة في أكثر وأظهر كان الوصل بالقبول أجدر. ولنختم الكلام في تفصيل الحالات المقتضية للقطع والاستئناف والإبدال والإيضاح والتقريب والانقطاع والتوسط بين بين بهذا القمر. ولذكر لك أمثلة لتجذب بضبعك إن عسى اعترضتك مداحض إذا أخذت تسلك الطرقات، من أمثلة القطع للاحتياط قوله: وتظن سلمى أنني أبغي بها ... بدلا أراها في الضلال تهيم لم يعطف أراها كي لا يحسب السامع العطف على أبغي دون تظن ويعد أراها في الضلال تهيم من مظنونات سلمى في حق الشاعر وليس هو بمراد إنما المراد أنه حكم الشاعر عليها بذاك وليس بمستبعد لانصباب قوله وتظن سلمى أنني أبغي بها بدلا، على إيراد فما قولك في ظنها ذلك أن يكون قد قطع أراها ليقع جوابا لهذا السؤال على سبيل الاستئناف وإياك أن ترى الفصل لأجل الوزن فما هو هناك وقوله: زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس إلاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 لم يعطف لهم إلف خيفة أن يظن العطف على أن إخوتكم قريش فيفسد معنى البيت ولك أن تقول جاء على طريق الاستئناف قوله لهم إلف وليس إلاف وذلك أنه حين أبدى إنكار زعمهم عليهم بفحوى الحال فكان مما يحرك السامعين أن يسألوا لم تنكر فصل قوله لهم إلف عما قبله ليقع جوابا للسؤال الذي هو مقتضى الحال، ومن أمثلة القطع للوجوب قوله عز من قائل " وإذا خلوا على شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون الله يستهزئ بهم " لم يعطف الله يستهزئ بهم للمانع عن العطف لكان المعطوف عليه إما جملة قالوا وإما جملة أنا معكم إنما نحن مستهزءون لكن لو عطف على إنما نحن مستهزءون لشاركه في حكمه وهو كونه من قولهم وليس هو بمراد ولو عطف على قالوا لشاركه في اختصاصه بالظرف المقدم وهو إذا خلوا على شياطينهم لما عرفت في فصل التقديم والتأخير وليس هو بمراد فإن استهزاء الله بهم وهو أن خذلهم فخلاهم وما سولت لهم أنفسهم مستدرجا إياهم من حيث لا يشعرون متصل في شأنهم لا ينقطع بكل حال خلوا على شياطينهم أم لم يخلوا إليهم، وكذا قوله تعالى " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون " قطع ألا إنهم لئلا يستلزم عطفه على إنما نحن مصلحون كونه مشاركا له في أنه من قولهم أو عطفه على قالوا كونه مختصا بالظرف اختصاص قالوا به لتقدمه عليه وهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 إذا قيل لهم لا تفسدوا فإنهم مفسدون في جميع الأحيان سواء قيل لهم لا تفسدوا أو لم يقل، وكذلك قوله " وإذا قيل لهم آمنوا كما أمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء " قطع ألا إنهم لمثل ما تقدم في الآية السابقة، ولك أن تحمل ترك العطف في الله يستهزئ بهم على الاستئناف من حيث أن حكاية المنافقين في الذي قبله لما كانت تحرك السامعين أن يسألوا ما مصير أمرهم وعقبى حالهم وكيف معاملة الله إياهم لم يكن من البلاغة أن يعرى الكلام عن الجواب فلزم المصير على الاستئناف وأن نقول في ألا إنهم هم المفسدون ترك العطف فيه للاستئناف أيضا ليطابق مقتضى الحال وذلك أن ادعاءهم الصلاح لأنفسهم على ما ادعوه مع توغلهم في الإفساد مما يشوق السامع أن يعرف ما حكم الله عليهم فكان وروده بدون الواو هو المطابق كما ترى وكذا في ألا إنهم هم السفهاء ومن أمثلة الاستئناف قوله: زعم العواذل أنني في غمرة ... صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي لم يعطف صدقوا على زعم العواذل للاستئناف وقد أصاب المحز وذلك أنه حين أبدى الشكاية عن جماعات العذال بقوله زعم العواذل أنني في غمرة فكان مما يحرك السامع عادة ليسأل هل صدقوا في ذلك أم كذبوا صار هذا السؤال مقتضى الحال فبنى عليه تاركا للعطف على ما قبله إيراد الجواب عقيب السؤال، وكذلك قوله: زعم العواذل أن ناقة جندب ... بجنوب خبت عريت وأجمت كذب العواذل لو رأين مناخنا ... بالقادسية قلن لج وذلت فصل كذب العواذل فلم بعطفه ليقع جوابا لسؤال اقتضاه الحال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 عند شكواه عن النساء العاذلات بقوله زعم العواذل أنه كان كيت وكيت وهو هل كذب العواذل في ذلك أم صدقن وكذلك قوله: أبكي على قتل العدان فإنهم ... طالت إقامتهم ببطن برام كانوا على الأعداء نار محرق ... ولقومهم حرما من الإحرام قطع كانوا للاستئناف لأنه حين أمرها بالبكاء كأنه توهمها قالت ولم أبكيهم أو كيف أبكيهم صفهم لي كيف كانوا فقال مجيبا كانوا على الأعداء، وكذلك قوله: عرفت المنزل الخالي ... عفا من بعد أحوال عفاه كل حنان ... عسوف الوبل هطال فصل عفاه كل حنان للاستئناف لأنه حين قال عفا من بعد أحوال كان مظنه أن يقال ماذا عفاه وكذلك قوله: وما عفت الرياح له محلا ... عفاه من حدا بهم وساقا حين قال في محل معفو ما عفته الرياح كان موضع سؤال وهو فما إذا وكذلك قوله: وقد غرضت من الدنيا فهل زمني ... معط حياتي لغر بعد ما غرضا جربت دهري وأهليه فما تركت ... لي التجارب في ود امرئ غرضا لم يصل جربت بالعطف على غرضت بناء على سؤال ينساق إليه معنى البيت الأول وهو لم تقول هذا ويحك وما الذي اقتضاك أن تطوي عن الحياة على هذه الغاية كشحك، وكذلك قوله عز قائلا " أولئك على هدى من ربهم " جاء مفصولا عما قبله بطريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الاستئناف كأنه قيل ما للمتقين الجامعين بين الإيمان بالغيب في ضمن إقامة الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله تعالى وبين الإيمان بالكتب المنزلة في ضمن الإيقان بالآخرة اختصوا بهدى لا يكتنه كنهه ولا يقادر قدره مقولا في حقهم هدى للمتقين الذين والذين بتنكير هدى. فأجيب بأن أولئك الموصوفين غير مستبعد ولا مستبدع أن يفوزوا دون من عداهم بالهدى عاجلا وبالفلاح آجلا، ولك أن تقدر تمام الكلام هو المتقين وتقدر السؤال، ويستأنف الذين يؤمنون بالغيب على ساقه الكلام وأنه أدخل في البلاغة لكون الاستئناف على هذا الوجه منطويا على بيان الموجب لاختصاصهم بما اختصوا به على نحو ما تقول أحسنت على زيد صديقك القديم أهل منك لما فعلت، ولك أن تخرج الآية عما نحن بصدده بأن يجعل الموصول الأول من توابع المتقين إما مجرورا بالوصف أو منصوبا بالاختصاص وتجعل الموصول الثاني مبتدأ وأولئك خبره مرادا به التعريض لمن يؤمنوا من أهل الكتاب وستعرف التعريض جاعلا الجملة برأسها من مستتبعاً ت هدى للمتقين من هذه الوجوه لاستئناف الذين يؤمنون بالغيب لجهات فتأملها، وكذلك قوله عز من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 وسوس لكونه تفسيرا له وتبيينا، ومن أمثلة التقرير والتأكيد قوله تعالى " الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين " لم يعطف لا ريب فيه على ذلك الكتاب حين كان وزانه في الآية وزان نفسه في قولك جاءني الخليفة نفسه أو وزان بيننا في قولك هو الحق بيننا، يدلك على ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 أنه حين بولغ في وصف الكتاب ببلوغه الدرجة القصيا من الكمال والوفور في شأنه تلك المبالغة حيث جعل المبتدأ لفظة ذلك وأدخل على الخبر حرف التعريف بشهادة الأصول كما سبقت كان عند السامع قبل أن يتأمل مظنة في سلك ما قد يرمى به على سبيل الجزاف من غير تحقق وإيقان فأتبعه لا ريب فيه نفيا لذلك، وقد أصيب به المحز اتباع نفسه الخليفة إزالة لما عسى يتوهم السامع أنك في قولك جاءني الخليفة متجوز أوساه وتقرير كونه حالاً مؤكدة ظاهر، وكذلك فصل هدى للمتقين لمعنى التقرير فيه للذي قبله، لأن قوله " ذلك الكتاب فيه " مسوق لوصف التنزيل بكمال كونه هاديا وقوله " هدى للمتقين " تقديره كما لا يخفى هو هدى وأن معناه نفسه هداية محضة بالغة درجة لا يكتنه كنهها، وأنه في التأكيد والتقرير لمعنى أنه كامل في الهداية كما ترى. وأما بيان أن ما قبله مسوق لما ذكر فما ترى من النظم الشاهد له حرازه قصب السبق في شأنه وهو ذلك الكتاب، ثم من تعقيبه بما ينادي على صدق الشاهد ذلك النداء البليغ وهو لا ريب فيه وأنك لتعلم أن شأن الكتب السماوية الهداية لا غير وبحسبها يتفاوت شأنهن في درجات الكمال وكذلك قوله " إن الذين كفرا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " فصل قوله لا يؤمنون لما كان مقررا لما أفاد قوله " سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم " من ترك إجابتهم على الإيمان، وكذلك فصل قوله " ختم الله على قلوبهم " لما كان بمثابة لا يؤمنون من جهة أخرى وهي أن عدم التفاوت بين الإنذار لما لم يصح إلا في حق من ليس له قلب يخلص إليه حق وسمع يدرك به حجة وبصر يثبت به عبرة وقع قوله " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " مقررا كما ترى وكذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 قوله أنا معكم إنما نحن مستهزءون لما كان المراد بأنا معكم هو إنا معكم قلوبا وكان معناه إنا نوهم أصحاب محمد الإيمان وقع قوله إنما نحن مستهزءون مقررا ولك أن تحمله على الاستئناف لانصباب أنا معكم وهو قول المنافقين لشياطينهم على أن يقول لهم شياطينهم فما بالكم أن صح أنكم معنا توافقون أصحاب محمد، وكذلك قوله " ما هذا بشرا هذا إلا ملك كريم " فصل إن هذا لكونه مؤكدا للأول في نفي البشرية ولك أن تقول الذي عليه العرف متى قيل في حق إنسان ما هذا بشرا ما هو بآدمي في حال التعظيم له والتعجب مما يشاهد منه من حسن الخلق والخلق هو أن يفهم منه أنه ملك فوقع قوله " إن هذا إلا ملك " تأكيدا للملكية ففصل، وكذلك قوله " كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا " الثاني مقرر للأول، ومن أمثلة الانقطاع للاختلاف خبرا وطلبا قوله: وقال رائدهم أرسو نزاولها ... فكل حتف امرئ يجري بمقدار وقوله: ملكته حبلى ولكنه ... ألقاه من زهد على غاربي وقال إني في الهوى كاذب ... انتقم الله من الكاذب لأنه أراد الدعاء بقوله انتقم، وكذا قولهم مات فلان رحمه الله وكذلك قولهم لا تدن من الأسد يأكلك وهل تصلح لي كذا أدفع إليك الأجرة بالرفع فيهما وغير ذلك مما هو في هذا السلك منخرط، ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 أمثلة لغير الاختلاف ما أذكره تكون في حديث ويقع في خاطرك بغتة حديث آخر لا جامع بينه وبين ما أنت فيه بوجه أو بينهما جامع غير ملتفت إليه لبعد مقامك عنه ويدعوك على ذكره داع فتورده في الذكر مفصولا مثال الأول كنت في حديث مثل كان معي فلان فقرأ ثم خطر ببالك أن صاحب حديثك جوهري ولك جوهرة لا تعرف قيمتها فتعقب كلامك أنك تقول لي جوهرة لا أعرف قيمتها هل أرينكها فتفصل، ومثال الثاني وجدت أهل مجلسك في ذكر خواتم لهم يقول واحد منهم خاتمي كذا يصفه بحسن صياغة وملاحة نقش ونفاسة فص وجودة تركيب وارتفاع قيمة، ويقول آخر وإن خاتمي هذا سيئ الصياغة كريه النقش فاسد التركيب رديء في غاية الرداءة، ويقول آخر وإن خاتمي بديع الشكل خفيف الوزن لطيف النقش ثمين الفص إلا أنه واسع لا يمسكه أصبعي وأنت كما قلت أن خاتمي ضيق تذكرت ضيق خفك وعناءك منه فلا تقول وخفي ضيق لنبوّ مقامك عن الجمع بين ذكر الخاتم وذكر الخف فتختار القطع قائلا خفي ضيق قولوا ماذا أعمل، أو تكون في حديث قد تم ومعك حديث آخر بعيد التعلق به تريد أن تذكره فتورده في الذكر مفصولا مثل ما تقول كتاب سيبويه رحمه الله والله كتاب لا نظير له في فنه ولا غنى لامرئ في أنواع العلوم عنه لا سيما في الإسلامية فإنه فيها أساس وأي أساس إن الذين رضوا بالجهل لا يدرون ما العلوم وما أساس العلوم فتفصل إن الذين رضوا بالجهل عما قبله لكون ما قبله حديثا عن كتاب سيبويه وأنه حقيق بأن يخدم وكون ما عقبته به حديثا عن الجهال وسوء ما أثمر لهم جهلهم، وقوله عز اسمه " إن الذين كفروا " سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم من هذا القبيل قطع أن الذين كفروا عما قبله لكون ما قبله حديثا عن القرآن من شأنه كيت وكيت، وكون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 " إن الذين كفروا " حديثا عن الكفار وعن تصميمهم في كفرهم والفصل لازم للانقطاع لأن الواو كما عرفت معناه الجمع فالعطف بالواو في مثله يبرز في معرض التوخي للجمع بين الضب والنون ولذلك متى قال قائل زيد منطلق ودرجات الحمل ثلاثون وكم الخليفة في غاية الطول وما أحوجني على الاستفراغ وأهل الروم نصارى وفي عين الذباب جحوظ وكان جالينوس ماهرا في الطب وختم القرآن في التراويح سنة وإن القرد لشبيه بالآدمي فعطف أخرج من زمرة العقلاء وسجل عليه بكمال السخافة أو عد مسخرة من المساخر واستطرف نسقه هذا على غاية ربما استودع دفاتر المضاحك وسفين نوادر الهذيان بخلافه إذا ترك العطف ورمى بالجمل رمى الحصا والجوز من غير طلب ائتلاف بينها فالخطب إذن يهون هونا ما، ومن هنا عابوا أبا تمام في قوله: لا والذي هو عالم أن النوى ... صبر وأن أبا الحسين كريم حيث تعاطى الجمع بين مرارة النوى وكرم أبي الحسين، ومن أمثلة التوسط ما نتلو من قوله تعالى " يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها " وقوله " إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " وغير ذلك. واعلم أن الوصل من محسناته أن تكون الجملتان متناسبتان ككونهما اسميتين ككونهما اسميتين أو فعليتين وما شاكل ذلك فإذا كان المراد من الأخبار مجرد نسبة الخبر على المخبر عنه من غير التعرض لقيد زائد كالتجدد والثبوت وغير ذلك لزم أن تراعي ذلك فتقول قام زيد وقعد عمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 أو زيد قائم وعمرو قاعد، وكذا زيد قام وعمرو قعد وأن لا تقول قام زيد وعمرو قاعد، وكذا قام زيد وعمرو قعد ولقيته وعمرو مررت به وأكرمت أباه وعمرو ضربت غلامه كما سبق في علم النحو أمثال ذلك. أما إذا أريد التجدد في إحداهما والثبوت في الأخرى كما إذا كان زيد وعمرو قاعدين، ثم قام زيد دون عمرو وجب أن تقول قام زيد وعمرو قاعد بعد وعليه قوله تعالى " سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون " المعنى سواء عليكم أحدثتم الدعوة لهم أم استمر عليكم صمتكم عن دعائهم لأنهم كانوا إذا حز بهم أمر دعوا الله دون أصنامهم كقوله " وإذا مس الناس ضر " الآية فكانت حالهم المستمرة أن يكونوا عن دعوتهم صامتين، وكذلك قوله تعالى " أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين " المعنى أجددت وأحدثت عندنا تعاطي الحق فيما نسمعه منك أم اللعب أي أحوال الصبا بعد على استمرارها عليك استبعاً دا منهم أن تكون عبادة الأصنام من الضلال وما أعظم كيد الشيطان للمقلدين حيث استدرجهم على أن قلدوا الآباء في عبادة تماثيل وتعفير جبابهم لها اعتقادا منهم في ذلك أنهم على شيء. اللهم إنا نعوذ بك من كيد الشيطان. وإذا لخصنا الكلام في الفصل والوصل على هذا الحد فبالحري أن نلحق به الكلام في الحال التي تكون جملة لمجيئها تارة مع الواو وأخرى لا معها فنقول وبالله التوفيق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 الكلام في ذلك مستدع تمهيد قاعدة وهي أن الحال نوعان: حال بالإطلاق وحال تسمى مؤكدة ولكل واحد من النوعين أصل في الكلام، ولهما معا نهج في الاستعمال واحد فأصل النوع الثاني أن يكون وصفا ثابتا نحو هو الحق بينا وزيد أبوك شفيقا وذاك حاتم سخيا جوادا وهذا خالد بطلا شجاعا، وفي التنزيل " إنا أنزلناه قرآنا عربياً " وأصل النوع الأول هو أن يكون وصفا غير ثابت من الصفات الجارية كاسم الفاعل واسم المفعول، نحو جاء زيد راكباً وسلم علي قاعداًوضربت اللص مكتوفاً وقتلته مقيداً ويمتبع ان يقال جاء زيد طويلاً أو قصيراً أو أسود أو أبيض. اللهم إلا بتأويل كما تسمع أئمة النحو يتلون عليك جميع ما ذكرت، ونهجهما في الاستعمال بأن يأتيا عاريين عن حرف النفي كما يقال هو الحق بيننا دون لا خفيا وجاء راكباً دون لا ماشيا أو ماشيا دون لا راكباً وحق النوعين أن لا يدخلهما الواو نظرا على إعرابهما الذي ليس بتبع لأن هذه الواو وإن كنا نسميها واو الحال أصلها العطف ونظرا على أن حكم الحال مع ذي الحال أبدا نظير حكم الخبر مع المخبر عنه، ألا تراك إذا ألغيت هو في قولك هو الحق بيننا بقي الحق بين وجاء في قولك جاء زيد راكباً بقي زيد راكب وضربت في قولك ضربت اللص مكتوفا بقي اللص مكتوف، وكذا الباب فتجد الحال وذا الحال خبرا ومخبرا عنه والخبر ليس موضعا لدخول الواو على ما سبق تقرير هذا الباب، والتحقيق فيه هو أن الإعراب لا ينتظم الكلمات كقولك: ضرب زيد اللص مكتوفا إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 بعد أن يكون هناك تعلق ينتظم معانيها فإذا وجدت الإعراب في موضع قد تناول شيئاً بدون الواو كان ذلك دليلا على تعلق هناك معنوي فذلك التعلق يكون مغنيا عن تكلف تعلق آخر، وإذا عرفت هذا ظهر لك أن الأصل في الجملة إذا وقعت موقع الحال أن لا يدخلها الواو لكن النظر إليها من حيث كونها جملة مفيدة مستقلة بفائدة غير متحدة بالأولى اتحادها إذا كانت مؤكدة مثلها في قولك هو الحق لا شبهة فيه، وفي قوله عز قائلا " الم ذلك الكتاب لا ريب فيه " وغير منقطعة عنها كجهات جامعة بينهما كما ترى في نحو جاء زيد تقاد الجنائب بين يديه ولقيت عمراً سيفه على كتفه يبسط العذر في أن يدخلها واو للجمع بينها وبين الأولى مثله في نحو قام زيد وقعد عمرو، وإذا تمهد هذا فنقول الضابط فيما نحن بصدده هو أن الجملة متى كانت واردة على أصل الحال وذلك أن تكون فعلية لا اسمية لأن الاسمية كما تعلم دالة على الثبوت وعلى نهجها أيضا بأن تكون مثبتة فالوجه ترك الواو جريا على موجب الحال، نحو جاءني زيد يسرع أو يتكلم أو يعدو فرسه ولذلك لا تكاد تسمع نحو جاءني زيد ويسرع ومتى لم تكن واردة على أصل الحال وذلك أن تكون اسمية في الحال غير المؤكدة فالوجه الواو نحو جاءني زيد وعمرو أمامه ورأيت وهو قاعد ما جاء بخلاف هذا إلا صور معدودة ألحقت بالنوادر وهي كلمته فوه على في ورجع عوده على بدئه وبيت الإصلاح: ى أصل الحال وذلك أن تكون اسمية في الحال غير المؤكدة فالوجه الواو نحو جاءني زيد وعمرو أمامه ورأيت وهو قاعد ما جاء بخلاف هذا إلا صور معدودة ألحقت بالنوادر وهي كلمته فوه على في ورجع عوده على بدئه وبيت الإصلاح: نصف النهار الماء غامره ... ورفيقه بالغين لا يدري الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 أو ما أنشده الشيخ أبو علي في الإغفال: ولولا جنان الليل ما آب عامر ... على جعفر سربا له لم يمزق ومتى كانت واردة على أصل الحال لكن لا على نهجها فالوجه جواز الأمرين معا نحو قولك: جعلت أمشي ما أدري أين أضع رجلي وجعلت أمشي وما أدري أين أضع رجلي: وقوله: مضوا لا يريدون الرواح وغالهم ... من الدهر أسباب حرين على قدر وقوله: ولو أن قوما لارتفاع قبيلة ... دخلوا السماء دخلتها لا أحجب وقوله: أكسبته الورق البيض أبا ... ولقد كان ولا يدعي لأب وقوله: أقادوا من دمي وتوعدوني ... وكنت وما ينهنهني الوعيد ألا أن ترك الواو أرجح والفعل الماضي منفيا ومثبتا لوروده لا على نهج الحال لا محالة، أما منفيا فلحرف النفي، وأما مثبتا فلحرف قد ظاهرا أو مقدرا ليقربه من زمانك حتى يصلح للحال منتظم في سلك المضارع المنفي لك أن تقول أخذت أجتهد ما كان يعنيني أحد وأن تقول أخذت أجتهد وما كان يعنيني أحد وكذا أتاني قد جهده السير بدون الواو أو قد جهده السير بالواو إلا أن ترك الواو في النفي وفي الإثبات أرجح، وأما الظرف فحيث احتمل أن يكون جملة فعلية وأن لا يكون بحسب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 التقديرين وتردد لذلك بين أيكون واردا على أصل الحال وغير وارد جاء الأمران فيه يقال رأيته على كتفه سيف بدون الواو تارة، ورأيته وعلى كتفه سيف بالواو أخرى هذا، ثم من عرف السبب في تقديم الحال إذا أريد إيقاعها عن النكرة مع الواو في مثل جاءني رجل وعلى كتفه سيف ولمزيد جوازه في قوله تعالى " وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم " على ما قدمت، وتنبه لوجوب الواو في نحو جاءني رجل وعلى كتفه سيف عند إرادة الحال ولوجوب تركه فيه عند إرادة الوصف لامتناع عطف الصفة على موصوفها ألبتة فتأمل وأما ليس فلما قام مع خبره مقام الفعل المنفي جاء كثيراً أتاني وليس معه غيره وأتاني ليس معه غيره، قال: إذا جرى في كفه الرشاء ... خلى القليب ليس فيه ماء إلا أن ذكر الواو أرجح ووقوعه في الكلام أدور. وأما الحالات المقتضية لطي الجمل عن الكلام إيجازا ولا طيها إطنابا فمن أحاط علماً بما قد سبق استغنى يذلك عن بسط الكلام ههنا فلنقتصر على بيان معنى الإيجاز والإطناب، وعلى إيراد عدة أمثلة في الجانبين، أما الإيجاز والأطناب فلكونهما نسبيين لا يتيسر الكلام فيهما إلا بترك التحقيق والبناء على شيء عرفي مثل جعل كلام الأوساط على مجرى متعارفهم في التأدية للمعاني فيما بينهم ولا بد من الاعتراف بذلك مقيسا عليه ولنسمه متعارف الأوساط، وأنه في باب البلاغة لا يحمد منهم ولا يذم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 فالإيجاز هو أداء المقصود من الكلام بأقل من عبارات متعارف الأوساط والإطناب هو أداؤه بأكثر من عباراتهم سواء كانت القلة أو الكثرة راجعة على الجمل أو على غير الجمل هذا، وقد تليت عليك فيما سبق طرق الاختصار والتطويل فلئن فهمتها لتعرفن الوجازة متفاوتة بين وجيز وأوجز بمراتب لا تكاد تنحصر والإطناب كذلك، وعرفت من ذلك معنى قول القائل في وصف البلغاء: يرمون بالخطب الطوال وتارة ... وحي الملاحظ خيفة الرقباء وذكرت أيضا للاختصار والتطويل مقامات قد أرشدت بها على مناسباتها فما صادف من ذلك موقعه جد وإلا ذم وسمي الإيجاز إذ ذاك عيا وتقصيرا والإطناب إكثارا وتطويلا، والعلم في الإيجاز قوله علت كلمته " في القصاص حياة " وإصابته المحز بفضله على ما كان عند أوجز كلام في هذا المعنى وذلك قولهم القتل أنفى للقتل، ومن الإيجاز قوله تعالى " هدى للمتقين " ذهابا على أن المعنى هدى للضالين الصائرين على التقوى بعد الضلال لما أن الهدى أي الهداية إنما تكون للضال لا للمهتدي ووجه حسنه قصد المجاز المستفيض نوعه وهو وصف الشيء بما يئول إليه والتوصل به على تصدير أولى الزهراوين بذكر أولياء الله وقولهم فغشيهم من اليم ما غشيهم أظهر من أن يخفى حاله في الوجازة نظرا على ما ناب عنه وكذا قوله " ولا ينبئك مثل خبير " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 وانظر على الفاء التي تسمى فاء فصيحة في قوله تعالى " فتوبوا على بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم " كيف أفادت فامتثلتم فتاب عليكم " وفي قوله " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت " مفيدة فضرب فانفجرت وتأمل قوله " فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى " أليس يفيد فضربوه فحيى فقلنا كذلك يحيي الله الموتى وقدر صاحب الكشاف رحمه الله قوله " ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله " نظرا على الواو في وقالا، ولقد أتينا داود وسليمان علما فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا الحمد لله، ويحتمل عندي أنه أخبر تعالى عما صنع بهما وأخبر عما قالا كأنه قال نحن فعلنا إيتاء العلم وهما فعلا الحمد تفويضا استفادة ترتب الحمد على إيتاء العلم على فهم السامع مثله في فم يدعوك بدل قم فإنه يدعوك وإنه فن من البلاغة لطيف المسلك ومن أمثلة الاختصار قوله تعالى " فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا " بطي أبحت لكم الغنائم لدلالة فاء التسبيب في فكلوا، وقوله " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم " بطي إن افتخرتم يقتلهم فلم تقتلوهم أنتم فعدوا عن الافتخار لدلالة الفاء في فلم وكذا قوله " فإنما هر زجرة واحدة فإذا هم ينظرون " إذ المعنى إذا كان ذلك فما هي إلا زجرة واحدة وكذا قوله " فالله هو الولي " تقديره إن أرادوا وليا بحق فالله هو الولي بالحق ولا ولي سواه " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 وكذا قوله " يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون " أصله فإن لم يتأت أن تخلصوا العبادة لي في أرض فإياي في غيرها اعبدوا فاعبدون أي فأخلصوها لي في غيرها فحذف الشرط وعوض عنه تقديم المفعول مع إرادة الاختصاص بالتقديم وقوله " كلا فاذهبا بآياتنا " أي ارتدع عن خوف قتلهم فاذهبا أي فاذهب أنت وأخوك لدلالة كلا على المطوي، وقوله إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " أصله إذ يلقون أقلامهم ينظرون ليعلموا أيهم يكفل مريم لدلالة أيهم على ذلك بوساطة علم النحو وقوله " ليحق الحق ويبطل الباطل المراد ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ما فعل " وكذا قوله " ولنجعله آية للناس " أصل الكلام ولنجعله آية للناس فعلنا ما فعلنا وكذا قوله " ليدخل الله في رحمته " أي لأجل الإدخال في الرحمة كان الكف ومنع التعذيب وقوله " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " إذا لم يفسر الحمل بمنع الأمانة والغدر، وأريد التفسير الثاني وهم تحمل التكليف كان أصل الكلام وحملها الإنسان ثم خان به منبها عليه بقوله " إنه كان ظلوما جهولا " الذي هو توبيخ للإنسان على ما هو عليه من الظلم والجهل في الغالب وقوله " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا " تتمته ذهبت نفسك عليهم حسرة فحذفت لدلالة فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " أو تتمته كمن هداه الله فحذفت لدلالة فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء " وقول العرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 جاء بعد اللتيا والتي بترك صلة الموصول إيثارا للإيجاز تنبيها على أن المشار إليها باللتيا والتي وهي المحنة والشدائد بلغت من شدتها وفظاعة شأنها مبلغا يبهت الواصف معها حتى لا يحير ببنت شفة، ومن الإيجاز قوله عز قائلاً " قل أتنبئونا لله بما لا يعلم " أي بما لا ثبوت له ولا علم الله متعلق به نفيا للملزوم وهو المنبأ به بنفي لازمه وهو وجوب كونه معلوما للعالم الذات لو كان له ثبوت بأي اعتبار كان وقوله " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم " أصله لن يتوبوا فلن يكون قبول توبة فأوثر الإيجاز ذهابا على انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم وهو قبول التوبة الواجب في حكمته تعالى وتقدس وقوله " بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا " أي شركاء لا ثبوت لها أصلا ولا أنزل الله بإشراكها حجة أي تلك وإنزال الحجة كلاهما منتف في أسلوب قولهله لن يتوبوا فلن يكون قبول توبة فأوثر الإيجاز ذهابا على انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم وهو قبول التوبة الواجب في حكمته تعالى وتقدس وقوله " بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا " أي شركاء لا ثبوت لها أصلا ولا أنزل الله بإشراكها حجة أي تلك وإنزال الحجة كلاهما منتف في أسلوب قوله على لا حب لا يهتدي بمناره أي لا منار له ولا اهتداء به، وقوله ولا ترى الضب بها ينحجر أي لا ضب ولا انجحار نفيا للأصل والفرع، ومنه " وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم " إذ المراد لا ذاك ولا علمك به أي كلاهما غير ثابت وكذا " ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع " أي لا شفاعة ولا طاعة، ومن الإيجاز قوله " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا " أصل الكلام خلطوا عملا صالحا بسيء وآخر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 سيئاً بصالح، لأن الخلط يستدعي مخلوطاً ومخلوطاً به: أي تارةً أطاعوا وأحبطوا الطاعة بكيرة وأخرى عصوا وتداركوا المعصية بالتوبة، وقوله " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " أصله قل لهم قولي لك أن ينتهوا يغفر لهم وكذا قوله " قل للذين كفروا سيغلبون فيمن قرأ بياء الغيبة " ومن أمثلة الإطناب قوله " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون " ترك إيجازه وهو أن في ترجح وقوع أي ممكن كان على لا وقوعه لآيات للعقلاء لكونه كلاما لا مع الإنس فحسب بل مع الثقلين ولا مع قرن دون قرن بل مع القرون كلهم قرنا فقرنا على انقراض الدنيا وإن فيهم لمن يعرف ويقدر من مرتكبي التقصير في باب النظر والعلم بالصانع من طوائف الغواة، فقل لي أي مقام لكلام أدعى لترك إيجازه على الإطناب من هذا؟ وقوله " قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم " وأوثر الإطناب فيه على إيجازه وهو آمنا بالله وبجميع كتبه لما كان بمسمع من أهل الكتاب فيهم من لا يؤمن بالتوراة وبالقرآن وهم النصارى القائلون ليست اليهود على شيء وفيهم من لا يؤمن بالإنجيل وبالقرآن وهم اليهود وكل منهم مدع للإيمان بجميع ما أنزل الله تقريعا لأهل الكتاب وليبتهج المؤمنون بما نالوا من كرامة الاهتداء ووقع الإيجاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 عن طباق المقام بمراحل، وقوله " واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون " لم يؤثر إيجازه وهو واتقوا يوما لا خلاص عن العقاب فيه لكل من جاء مذنبا إذ كان كلاما مع الأمة لنقش صورة ذلك اليوم في ضمائرهم وفي الأمة الجاهل والعالم والمعترف والجاحد والمسترشد والمعاند والفهم والبليد لئلا يختص المطلوب منهم بفهم أحد دون أحد وأن لا يكون بحيث يناسب قوة سامع دون سامع أو يخلص على ضمير بعض دون بعض، وقوله " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به " لو أريد اختصاره لما انخرط في الذكر يؤمنون به إذ ليس أحد من مصدقي حملة العرش يرتاب في إيمانهم، ووجه حسن ذكره إظهار شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه، وقوله " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " ولو أوثر اختصاره فقوله والله يعلم أنك لرسوله فضل في البين من حيث أن مساق الآية لتكذيب المنافقين في دعوى الإخلاص في الشهادة لترك ولكن إيهام رد التكذيب على نفس الشهادة لو لم يكن بهذا الفضل أبى الاختصار، وما يحكيه عن موسى عليه السلام " هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى " جوابا عن قوله " وما تلك بيمينك " وكذا ما يحكيه " نعبد أصناما فنظل لها عاكفين " في الجواب عن قول إبراهيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 " ما تعبدون " من باب الإطناب إذ لو أريد الإيجاز لكفى عصاي وأصناما، وقد سبق وجه الإطناب فيهما، ومما يعد من الإطناب وهو في موقعه قول الخضر لموسى عليه السلام في الكرة الثانية ألم أقل لك بزيادة لك لاقتضاء المقام مزيد تقرير لما قد كان قدم له من إنك لن تستطيع معي صبرا، وكذا قول موسى عليه السلام " رب اشرح لي صدري " بزيادة لي لاكتساء الكلام معها من تأكيد الطلب لانشراح الصدر ما لا يكون بدونه، ألا تراك إذا قلت اشرح لي أفاد أن شيئاً ما عندك تطلب شرحه فكنت مجملا فإذا قلت صدري عدت مفصلا عدت وإن كان الطلب وقت الإرسال الذي هو مقام مزيد احتياج على انشراح الصدر لما تؤذن به الرسالة من تلقي المكاره وضروب الشدائد، وقوله تعالى " ألم نشرح لك صدرك " وارد على هذا التوخي ومزيد التقرير، وقول البلغاء في الجواب مثل لا وأصلحك الله بزيادة الواو خلافا لما عليه كلام الأوساط من الإطناب في موقع ولك أن تعد باب نعم ويئس موضوعا على الإطناب إذ لو أريد الاختصار لكفى نعم زيد وبئس عمرو وأن تجعل الحكمة في ذلك توخي تقرير المدح والذم لاقتضائهما مزيد التقرير لكونهما للمدح العام والذم العام الشائعين في كل خصلة محمودة ومذمومة المستبعد تحققهما وهو أن يشيع كون المحمود محمودا في خصال الحمد وكون المذموم مذموما في خلافها وتجعل وجه التقرير الجمع بين طرفي الإجمال والتفصيل ألا تراك إذا قلت نعم الرجل مريدا باللام الجنس دون العهد كيف توجه المدح على زيد أولا على سبيل الإجمال لكونه من أفراد ذلك الجنس وإذا قلت نعم رجلا فأضمرته من غير ذكر له سابق وفسرته باسم جنسه ثم إذا قلت زيد كيف توجهه إليه ثانيا على سبيل التفصيل وأن هذا الباب متضمن للطائف فيه من الإطناب الواقع في موقعه ما ترى وفيه تقدير السؤال وبناء المخصوص عليه يقدر بعد نعم الرجل أو نعم رجلا من هو ويبني عليه زيد: أي هو زيد وقد عرفت فيما سبق لطف هذا النوع وفيه اختصار من جهة وهو ترك المبتدأ في الجواب، ولا يخفى حسن موقعه ولو لم يكن فيه شيء سوى أنه يبرز الكلام في معرض الاعتدال نظرا على إطنابه من وجه وعلى اختصاره من آخر أوإيهامه الجمع بين المتنافيين مثله في جمعه بين الإجمال والتفصيل فمبنى السحر الكلامي الذي يقرع سمعك على أمثال ذلك لكفى، وقد أطلعناك على كيفية التعرض بجهات الحسن ففتش عنها تر الباب مشحونا بجهات وكنت المرجوع إليه في اختيار المختار من أقوال النحويين في الباب كقول من يرى المخصوص مبتدأ والفعل مع الذي يليه خبرا مقدما وقول من يرى المخصوص خبرا لمبتدأ محذوف على ما رأيت وقول من لا يرى اللام في الفاعل إلا للجنس وقول من لا يأبى كونها لتعريف العهد. لما عليه كلام الأوساط من الإطناب في موقع ولك أن تعد باب نعم ويئس موضوعا على الإطناب إذ لو أريد الاختصار لكفى نعم زيد وبئس عمرو وأن تجعل الحكمة في ذلك توخي تقرير المدح والذم لاقتضائهما مزيد التقرير لكونهما للمدح العام والذم العام الشائعين في كل خصلة محمودة ومذمومة المستبعد تحققهما وهو أن يشيع كون المحمود محمودا في خصال الحمد وكون المذموم مذموما في خلافها وتجعل وجه التقرير الجمع بين طرفي الإجمال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 والتفصيل ألا تراك إذا قلت نعم الرجل مريدا باللام الجنس دون العهد كيف توجه المدح على زيد أولا على سبيل الإجمال لكونه من أفراد ذلك الجنس وإذا قلت نعم رجلا فأضمرته من غير ذكر له سابق وفسرته باسم جنسه ثم إذا قلت زيد كيف توجهه إليه ثانيا على سبيل التفصيل وأن هذا الباب متضمن للطائف فيه من الإطناب الواقع في موقعه ما ترى وفيه تقدير السؤال وبناء المخصوص عليه يقدر بعد نعم الرجل أو نعم رجلا من هو ويبني عليه زيد: أي هو زيد وقد عرفت فيما سبق لطف هذا النوع وفيه اختصار من جهة وهو ترك المبتدأ في الجواب، ولا يخفى حسن موقعه ولو لم يكن فيه شيء سوى أنه يبرز الكلام في معرض الاعتدال نظرا على إطنابه من وجه وعلى اختصاره من آخر أوإيهامه الجمع بين المتنافيين مثله في جمعه بين الإجمال والتفصيل فمبنى السحر الكلامي الذي يقرع سمعك على أمثال ذلك لكفى، وقد أطلعناك على كيفية التعرض بجهات الحسن ففتش عنها تر الباب مشحونا بجهات وكنت المرجوع إليه في اختيار المختار من أقوال النحويين في الباب كقول من يرى المخصوص مبتدأ والفعل مع الذي يليه خبرا مقدما وقول من يرى المخصوص خبرا لمبتدأ محذوف على ما رأيت وقول من لا يرى اللام في الفاعل إلا للجنس وقول من لا يأبى كونها لتعريف العهد. واعلم أن باب التمييز كله سواء كان عن مفرد أو عن جملة باب مزال عن أصله لتوخي الإجمال والتفصيل، ألا تراك تجد الأمثلة الواردة من نحو عندي منوان سمنا وعشرون درهما وملء الإناء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 عسلا وطاب زيد نفسا وطار عمرو فرحا وامتلأ الإناء ماء منادية على أن الأصل عندي سمن منوان ودراهم عشرون وعسل ملء الإناء وطاب نفس زيد وطير الفرح عمراً وملأ الماء الإناء، ولمصادفة الإجمال والتفصيل الموقع فيما يحكيه جل وعلا عن زكريا عليه الصلاة والسلام من قوله " واشتعل الرأس شيبا " في مقام المباثة وحين التلقي لتوابع انقراض الشباب ترى ما ترى من مزيد الحسن وفي هذه الجملة وفيما قبلها من " رب إني وهن العظم مني " لطائف وأية كلمة في القرآن فضلا عن جملة فضلا عما تجاوز لا يحتوي على لطائف ولأمر ما تلي على من كانوا النهاية في فصاحة البشر وبلاغة أهل الوبر منهم والمدر " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله " فما أحاروا ببنت شفة ولا صدروا هنالك عن موصوف ولا صفة، على أنهم كانوا الحراص على التسابق في رهان المفاخر، والمتهالكين على ركوب الشطط في امتهان المفاخر، تأبى لهم العصبية أن لا يرد عضب مفاخرهم كهاما، وأن لا يعد صيب ممطراته جهاما، والكلام في تلك اللطائف مفتقر على أخذ أصل معنى الكلام ومرتبته الأولى، ثم النظر في التفاوت بين ذلك وبين ما عليه نظم القرآن وفي كم درجة يتصل أحد الطرفين بالآخر، فنقول: لا شبهة أن أصل معنى الكلام ومرتبته الأولى يا ربي قد شخت فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس المتعرض لهما، ثم تركت هذه المرتبة لتوخي مزيد التقرير على تفصيلها في ضعف بدني وشاب رأسي، ثم تركت هذه المرتبة الثانية لاشتمالها على التصريح على ثالثة أبلغ وهي الكناية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 في وهنت عظام بدني لما ستعرف أن الكناية أبلغ من التصريح، ثم لقصد مرتبته رابعة أبلغ في التقرير بنيت الكناية على المبتدأ فحصل أنا وهنت عظام بدني ثم لقصد خامسة أبلغ أدخلت إن على المبتدأ فحصل إني وهنت عظام بدني، ثم لطلب تقرير أن الواهن هي عظام بدنه قصدت مرتبة سادسة وفي سلوك طريقي الإجمال والتفصيل فحصل أني وهنت العظام من بدني، والذي سبق في تقرير معنى الإجمال والتفصيل في " رب اشرح لي صدري " ينبه عليه ههنا، ثم لطلب مزيد اختصاص العظام به قصدت مرتبة سابعة وهي ترك توسيط البدن فحصل إني وهنت العظام مني، ثم لطلب شمول الوهن العظام فردا فردا قصدت مرتبة ثامنة، وهي ترك جمع العظم على الإفراد لصحة حصول وهن المجموع بالبعض دون كل فرد فرد فحصل ما ترى وهو الذي في الآية " إني وهن العظم مني " وهكذا تركت الحقيقة في شاب رأسي على أبلغ وهي الاستعارة فسيأتيك أن الاستعارة أبلغ من الحقيقة فحصل اشتعل شيب رأسي، ثم تركت على أبلغ وهي اشتعل رأسي شيبا، وكونها أبلغ من جهات إحداها إسناد الاشتعال على الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس إذ وزان اشتعل شيب رأسي واشتعل رأسي شيبا وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي نارا والفرق نير، وثانيتها الإجمال والتفصيل في طريق التمييز، وثالثتها تنكير شيبا لإفادة المبالغة، ثم ترك اشتعل رأسي شيبا لتوخي مزيد التقرير على اشتعل الرأس مني شيبا على نحو: وهن العظم مني ثم ترك لفظ مني لقرينة عطف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 واشتعل الرأس على وهن العظم مني لمزية مزيد التقرير وهي إيهام حوالة تأدية مفهومه على العقل دون اللفظ. واعلم أن الذي فتق أكمام هذه الجهات عن أزاهير القبول في القلوب هو أن مقدمة هاتين الجملتين وهي رب اختصرت ذلك الاختصار بأن حذفت كلمة النداء وهي يا وحذفت كلمة المضاف إليه وهي ياء المتكلم واقتصر من مجموع الكلمات على كلمة واحدة فحسب وهي المنادى والمقدمة للكلام كما لا يخفى على من له قدم صدق في نهج البلاغة نازلة منزلة الأساس للبناء فكما أن البناء الحاذق لا يرمى الأساس إلا بقدر ما يقدر من البناء عليه كذلك البليغ يصنع بمبدأ كلامه فمتى رأيته اختصر المبدأ فقد آذنك باختصار ما يورد، ثم إن الاختصار لكونه من الأمور النسبية يرجع في بيان دعواه على ما سبق تارة وعلى كون المقام خليقا بأبسط مما ذكر أخرى، والذي نحن بصدده من القبيل الثاني إذ هو كلام في معنى انقراض الشباب وإلمام المشيب، وهل معنى أحق أن يمتري القائل فيه أفاويق المجهود ويستغرق في الإنباء عنه كل حد معهود من انقراض أيام ما أصدق من يقول فيها: وقد تعوضت عن كل بمشبهه ... فما وجدت لأيام الصبا عوضا ومن إلمام المشيب المعيب المر الطلوع الأمر المغيب: تعيب الغانيات علي شيبي ... ومن لي أن أمتع بالمعيب اللهم زدنا اطلاعا على لطائف قرآنك الكريم، وغوصا على لآلئ فرقانك العظيم، ووفقنا لابتغاء مرضاتك في طلوع المشيب المر، واختم بالخبر في مغيبة الأمر فإنه لا يكون إلا ما تشاء بيدك الأمر كله. وليكن هذا آخر الكلام في الفن الرابع، ولنعد على ال فصل الموعود وهو الكلام في معنى القصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 فصل في بيان القصر اعلم أن القصر كما يجري بين المبتدأ والخبر فيقصر المبتدأ تارة على الخبر والخبر على المبتدأ أخرى، يجري بين الفعل والفاعل والمفعول وبين الفاعل والمفعول وبين المفعولين وبين الحال وذي الحال وبين كل طرفين، وأنت إذا أتقنته في موضع ملكت الحكم في الباقي ويكفيك مجرد التنبيه هناك وحاصل معنى القصر راجع على تخصيص الموصوف عند السامع بوصف دون ثان كقولك: زيد شاعر لا منجم لمن يعتقده شاعرا ومنجما أو قولك زيد قائم لا قاعد لمن يتوهم على أحد الوصفين من غير ترجيح، ويسمى هذا قصر إفراد بمعنى أنه يزيل شركة الثاني أو بوصف مكان آخر كقولك لمن يعتقد منجما لا شاعرا: ما زيد منجم بل شاعر أو زيد شاعر لا منجم ويسمى هذا قصر قلب بمعنى أن المتكلم يقلب فيه حكم السامع، أو على تخصيص الوصف بموصوف قصر أفراد كقولك ما شاعر إلا زيد لمن يعتقد شاعرا لكن يدعى شاعرا آخر أو قولك ما قائم إلا زيد لمن يعتقد قائمين أو أكثر في جهة من الجهات معينة أو قصر قلب كقولك: ما شاعر إلا زيد لمن يعتقد أن شاعرا في قبيلة معينة أو طرف معين لكنه يقول ما زيد هناك بشاعر. وللقصر طرق أربعة أحدها طريق العطف كما تقول في قصر الموصوف على الصفة إفرادا أو قلباً بحسب مقام السامع زيد شاعر لا منجم وما زيد منجم بل شاعر وفي قصر الصفة على الموصوف بالاعتبارين ما عمرو شاعر بل زيد أو زيد شاعر لا عمرو أولا غير بتقدير لا غير زيد إلا أنك تترك الإضافة لدلالة الحال وتبني غيرا بالضم على بناء الغايات أو ليس غيرا وليس إلا بتقدير ليس شاعر غير المذكور أو إلا المذكور فتجعل النفي عاما ليتناول كل شاعر يعتقد ممن عدا زيداً. والفرق بين قصر الموصوف على الصفة وقصر الصفة على الموصوف واضح، فإن الموصوف في الأول لا يمتنع أن يشاركه غيره في الوصف ويمتنع في الثاني وأن الوصف في الثاني يمتنع أن يكون لغير الموصوف ولا يمتنع في الأول. وثانيها النفي والاستثناء كما تقول في قصر الموصوف على الصفة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 إفرادا أو قلباً ليس زيد إلا شاعرا أو ما زيد إلا شاعرا وإن زيد إلا شاعرا وما زيد إلا قائم أو ما زيد إلا يقوم، ومن الوارد في التنزيل على قصر الإفراد قوله تعالى " وما محمد إلا رسول " فمعناه محمد مقصور على الرسالة لا يتجاوزها على البعد عن الهلاك نزل المخاطبون لاستعظامهم أن لا يبقى لهم منزل المبعدين لهلاكه وهو من إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر وقوله تعالى " إن حسابهم الأعلى ربي " فمعناه حسابهم مقصور على الاتصاف بعلى ربي لا يتجاوزه على أن يتصف بعلي وقوله وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير فمعناه أنا مقصور على النذارة لا أتخطاها على طرد المؤمنين وقوله تعالى " وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون " فالمراد لستم في دعواكم للرسالة بين الصدق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 وبين الكذب كما يكون ظاهر حال المدعي إذا ادعى بل أنتم عندنا مقصورون على الكذب لا تتجاوزنه على حق كما تدعونه وما معكم من الرحمن منزل في شأن رسالتكم، ومن الوارد على قصر القلب قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله لأنه قاله في مقام اشتمل على معنى أنك يا عيسى لم تقل للناس ما أمرتك لأني أمرتك أن تدعو الناس على أن يعبدوني ثم إنك دعوتهم على أن يعبدوا من هو دوني ألا ترى على ما قبله وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، وفي قصر الصفة على الموصوف إفرادا ما شاعر إلا زيد أو ما جاء إلا زيد لمن يرى الشعر لزيد ولعمرو أو المجيء لهما، وقلباً ما شاعر إلا زيد ما جاء إلا زيد لمن يرى أن ليس بشاعر وأن ليس بجاء، وتحقيق وجه القصر في الأول هو أنك بعد علمك أن أنفس الذوات يمتنع نفيها وإنما تنفي صفاتها وتحقيق ذلك يطلب من علوم أخر متى قلت ما زيد توجه النفي على الوصف وحين لا نزاع في طوله ولا قصره ولا سواده ولا بياضه وما شاكل ذلك وإنما النزاع في كونه شاعرا أو منجما تناولهما النفي فإذا قلت إلا شاعر جاء القصر، وتحقيق وجه القصر في الثاني هو أنك متى أدخلت النفي على الوصف المسلم ثبوته وهو وصف الشعر وقلت ما شاعر أو ما مكن شاعر أو لا شاعر توجه بحكم العقل على ثبوته للمدعي له أن عاما كقولك في الدنيا شعراء وفي قبيلة كذا شعراء وإن خاصا كقولك: زيد وعمرو شاعران فتناول النفي ثبوته لذلك فمتى قلت إلا زيد أفاد القصر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 وثالثها استعمال إنما كما تقول في قصر الموصوف على الصفة قصر إفراد إنما زيد جاء إنما زيد يجيء لمن يردده بين المجيء والذهاب من غير ترجيح لأحدهما، أو قصر قلب لما يقول زيد ذاهب لا جاء، وفي تخصيص الصفة بالموصوف إفرادا إنما يجيء زيد لمن يردد المجيء بين زيد وعمرو أو يراه منهما وقلباً لمن يقول لا يجيء زيد ويضيف إليه الذهاب. والسبب في إفادة إنما معنى القصر هو تضمينه معنى ما وإلا ولذلك تسمع المفسرين لقوله تعالى " إنما حرم عليكم الميتة والدم " بالنصب يقولون معناه ما حرم عليكم إلا الميتة والدم وهو المطابق لقراءة الرفع المقتضية لانحصار التحريم على الميتة والدم بسبب أن ما في قراءة الرفع يكون موصولا صلته حرم عليكم واقعاً اسما لإن ويكون المعنى أن المحرم عليكم الميتة وقد سبق أن قولنا المنطلق زيد وزيد المنطلق كلاهما يقتضي انحصار الانطلاق على زيد وترى أئمة النحو يقولون إنما تأتي إثباتا لما يذكر بعدها ونفيا لما سواه ويذكرون لذلك وجها لطيفا يسند على علي بن عيسى الربعي وأنه كان من أكابر أئمة النحو ببغداد وهو أن كلمة أن لما كانت لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه ثم اتصلت بها ما المؤكد لا النافية على ما يظنه من لا وقوف له بعلم النحو ضاعف تأكيدها فناسب أن يضمن معنى القصر لأن قصر الصفة على الموصوف وبالعكس ليس إلا تأكيدا للحكم على تأكيد الأتراك متى قلت لمخاطب يردد المجيء الواقع بين زيد وعمرو زيد جاء لا عمرو إثباتا ثانيا للمجيء لزيد صريحا وقولك لا عمرو كيف يكون قولك زيد جاء إثباتا ثانيا للمجيء لزيد ضمنا ومما ينبه على أنه متضمن معنى ما وإلا صحة انفصال الضمير معه كقولك: إنما يضرب أنا مثله في ما يضرب إلا أنا، قال الفرزدق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 أنا الذائذ الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي كما قال غيره: قد علمت سلمى وجارتها ... ما قطر الفارس إلا أنا ورابعها التقديم كما تقول في قصر الوصوف على الصفة تميمي أنا قصر إفراد لمن يرددك بين قيس وتميم، أو قصر قلب لمن ينفيك عن تميم ويلحقك بقيس وكذا قائم هو أو قاعد هو بالاعتبارين بحسب المقام في قصر الصفة على الموصوف إفرادا أنا كفيت مهمك بمعنى وحدي لمن يعتقد أنك وكفيتماه مهمه، وقلباً أنا كفيت مهمك بمعنى لا غيري لمن يعتقد كافي مهمه غيرك وكذا ضربت أو ما ضربت بالاعتبارين على ما تضمن ذلك فصل التقديم، وهذه الطرق تتفق من وجه وهو أن المخاطبة معها يلزم أن يكون حاكما حكماً مشوبا بصواب وخطأ وأنت تطلب بها تحقيق صوابه ونفي خطئه تحقق في قصر القلب كون الموصوف على أحد الوصفين أو كون الوصف لأحد الموصوفين وهو صوابه وتنفي تعيين حكمه وهو خطؤه وتحقق في قصر الإفراد حكمه في بعض وهو صوابه وتنفيه عن البعض وهو خطؤه ويختلف من وجوه فالطرق الأول الثلاث دلالتها على التخيص بوساطة الوضع وجزم العقل ودلالة التقديم عليه بوساطة الفحوى وحكم الذوق، والطريق الأول الأصل فيه التعرض للمثبت وللمنفي بالنص كما ترى في قولك زيد شاعر لا منجم في قصر الموصوف على الصفة وزيد شاعر لا عمرو في قصر الصفة على الموصوف لا تترك النص البتة إلا حيث يورث تطويلا ويكون المقام اختصاريا كما إذا قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 المخاطب زيد يعلم الاشتقاق والصرف والنحو والعروض وعلم القافية وعلم المعاني وعلم البيان فتقول زيد يعلم الاشتقاق لا غير أو ليس غير أو ليس إلا أو كما إذا قال زيد يعلم النحو وعمرو وبكر وخالد وفلان وفلان فتقول زيد يعلم النحو لا غير، والطرق الأخيرة الأصل فيها النص مما يثبت دون ما ينفي كما ترى في قولك ما أنا لا تميمي وإنما أنا تميمي وتميمي أنا في قصر الموصوف على الصفة وفي قصر الصفة على الموصوف ما يجيء إلا زيد وإنما يجيء وهو يجيء، والطريق الأول لا يجامع الثاني فلا يصح ما زيد إلا قائم لا قاعد ولا ما يقوم إلا زيد لا عمرو، والسبب في ذلك هو أن لا العاطفة من شرط منفيها أن لا يكون منفياً قبلها بغيرها من كلمات النفي نحو: جاءني زيد لا عمرو، ونحو زيد قائم لا قاعد أو متحرك لا ساكن أو موجود لا معدوم ويمتنع تحقق شرطها هذا في منفيها إذا قلت ما يقوم إلا زيد لا عمرو وما زيد إلا قائم لا قاعد والذي سبق في تحقيق وجه القصر في النفي والاستثناء يكشف لك الغطاء ويجامع الطريقين الأخيرين فيقال إنما أنا تميمي لا قيسي وتميمي أنا لا قيسي وإنما يأتيني زيد لا عمرو وهو يأتيني لا عمرو، وجه صحة مجامعة لا العاطفة إنما مع امتناع مجامعتها ما وإلا عين وجه صحة أن يقال امتنع عن المجيء زيد لا عمرو مع امتناع أن يقال ما جاء زيد لا عمرو وهو كون معنى النفي في إنما وفي قولك امتنع عن المجيء ضمنا لا صريحا لكن إذا جامعت لا العاطفة إنما جامعتها بشرط وهو أن لا يكون الوصف بعد إنما مما له في نفسه اختصاص بالموصوف المذكور كقوله عز اسمه " إنما يستجيب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 الذين يسمعون " فإن كل عاقل يعلم أنه لا يكون استجابة إلا ممن يسمع ويعقل وقوله " إنما أنت منذر من يخشاها " فلا يخفى على أحد ممن به مسكة أن الإنذار إنما يكون إنذاراً ويكون له تأثير إذا كان مع من يؤمن بالله وبالبعث والقيامة وأهوالها ويخشى عقابها، وقولهم إنما يعجل من يخشى الفوت فمركوز في العقول أن من لم يخش الفوت لم يعجل، وإذا كان له اختصاص لم يصح فيه استعمال لا العاطفة فلا تقل إنما يعجل من يخشى الفوت لا من يأمنه، وطريق النفي والاستثناء يسلك مع مخاطب تعتقد فيه أنه مخطئ وتراه يصر كما إذا رفع لكم شبح من بعيد لم تقل ما ذاك إلا زيد لصاحبك إلا وهو يتوهمه غير زيد ويصر على إنكار أن يكون إياه وما قال الكفار للرسل إن أنتم إلا بشر مثلنا إلا والرسل عندهم في معرض المنتفي عن البشرية والمنسلخ عنه حكمها بناء على جهلهم أن الرسول يمتنع أن يكون بشراً أو ما تسمع في موضع آخر كيف تجد ما يحكى عنهم هناك يرشح بما يتلوث به صماخك من تقرير جهلهم هذا، وهو " ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون " وما أعجب شأن المشركين ما رضوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بشراً ورضوا للإله أن يكون حجرا. وأما قول الرسل لهم إن نحن إلا بشر مثلكم فمن باب المجاراة وإرخاء العنان مع الخصم ليعثر حيث يراد تبكيته كما قد يقول من يخالفك فيما ادعيت أنك من شأنك كيت وكيت فأنت تقول نعم إن من شأني كيت وكيت والحق في يدك هناك ولكن كيف يقدح في دعواي هاتيك، وعلى هذا ما من موضع يأتي فيه النفي والاستثناء إلا والمخاطب عند المتكلم مرتكب للخطأ مع إصرار إما تحقيقا إذا أخرج الكلام على مقتضى الظاهر وإما تقديرا إذا أخرج لا على مقتضى الظاهر كقوله تعالى " وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير " لما كان النبي عليه الصلاة والسلام شديد الحرص على هداية الخلق وما كان متمناه شيئاً سوى أن يرجعوا عن الكفر فيملكوا زمام السعادة عاجلا وآجلا، ومتى رآهم لم يؤمنوا تداخله عليه الصلاة والسلام من الوجد والكآبة ما كاد يبخع له حتى قيل له " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا " ويتساقط عليه الصلاة والسلام حسرات على توليهم وإعراضهم عن الحق، وما كانت شفقته عليهم تدعه يلقي حبلهم على غار بهم ليهيموا في أودية الضلال بل كانت تدعوه عليه الصلاة والسلام أن يرجع على تزيين الإيمان لهم عودة على بدئه عسى أن يسمعوا ويعوا راكباً في ذلك كل صعب وذلول أبرز لذلك في معرض من ظن أنه يملك غرس الإيمان في قلوبهم مع إصرارهم على الكفر فقيل له لست هناك " إن أنت إلا نذير " وقوله عز وعلا " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون " مصبوب في هذا القالب. وطريق إنما يسلك مع مخاطب في مقام لا يصر على خطئه أو يجب عليه أن لا يصر على خطئه لا تقول إنما زيد يجيء أو إنما يجيء زيد إلا والسامع متلق كلامك بالقبول وكذا لا تقول " إنما الله إله واحد " ألا ويجب على السامع أن يتلقاه بالقبول، والأصل في إنما أن تستعمل في حكم لا يعوزك تحقيقه إما لأنه في نفس الأمر جلي أو لأنك تدعيه جليا فمن الأول قوله تعالى " إنما أنت منذر من يخشاها " وقوله " إنما يستجيب الذين يسمعون " وقوله " إنما يعجل من يخشى الفوت، وقولك للرجل الذي ترققه على أخيه وتنبهه للذي يجب عليه من صلة الرحم ومن حسن التحفي إنما هو أخوك ولصاحب الشرك " إنما الله إله واحد، ومن الثاني قول الشاعر: وكيت فأنت تقول نعم إن من شأني كيت وكيت والحق في يدك هناك ولكن كيف يقدح في دعواي هاتيك، وعلى هذا ما من موضع يأتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 فيه النفي والاستثناء إلا والمخاطب عند المتكلم مرتكب للخطأ مع إصرار إما تحقيقا إذا أخرج الكلام على مقتضى الظاهر وإما تقديرا إذا أخرج لا على مقتضى الظاهر كقوله تعالى " وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير " لما كان النبي عليه الصلاة والسلام شديد الحرص على هداية الخلق وما كان متمناه شيئاً سوى أن يرجعوا عن الكفر فيملكوا زمام السعادة عاجلا وآجلا، ومتى رآهم لم يؤمنوا تداخله عليه الصلاة والسلام من الوجد والكآبة ما كاد يبخع له حتى قيل له " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا " ويتساقط عليه الصلاة والسلام حسرات على توليهم وإعراضهم عن الحق، وما كانت شفقته عليهم تدعه يلقي حبلهم على غار بهم ليهيموا في أودية الضلال بل كانت تدعوه عليه الصلاة والسلام أن يرجع على تزيين الإيمان لهم عودة على بدئه عسى أن يسمعوا ويعوا راكباً في ذلك كل صعب وذلول أبرز لذلك في معرض من ظن أنه يملك غرس الإيمان في قلوبهم مع إصرارهم على الكفر فقيل له لست هناك " إن أنت إلا نذير " وقوله عز وعلا " قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون " مصبوب في هذا القالب. وطريق إنما يسلك مع مخاطب في مقام لا يصر على خطئه أو يجب عليه أن لا يصر على خطئه لا تقول إنما زيد يجيء أو إنما يجيء زيد إلا والسامع متلق كلامك بالقبول وكذا لا تقول " إنما الله إله واحد " ألا ويجب على السامع أن يتلقاه بالقبول، والأصل في إنما أن تستعمل في حكم لا يعوزك تحقيقه إما لأنه في نفس الأمر جلي أو لأنك تدعيه جليا فمن الأول قوله تعالى " إنما أنت منذر من يخشاها " وقوله " إنما يستجيب الذين يسمعون " وقوله " إنما يعجل من يخشى الفوت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 وقولك للرجل الذي ترققه على أخيه وتنبهه للذي يجب عليه من صلة الرحم ومن حسن التحفي إنما هو أخوك ولصاحب الشرك " إنما الله إله واحد، ومن الثاني قول الشاعر: إنما مصعب شهاب من الله ... تجلت عن وجهه الظلماء ادعى أن كون مصعب كما ذكر جلي وأنه عادة الشعراء يدعون الجلاء في كل ما يمدحون به ممدوحيهم ألا يرى على قوله: وتعذلني أفناء سعد عليهم ... وما قلت إلا بالتي علمت سعد وعلى قوله: لا أدعي لأب العلاء فضيلة ... حتى يسلمها إليه عداه وعلى قوله: فيا من لديه أن كل امرئ له ... نظير وإن حاز الفضائل هل له وما يحكى عن اليهود في قوله عز وعلا " وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما محن مصلحون " ادعوا على مجرى عاداتهم في الكذب وأن كونهم مصلحين أمر ظاهر مكشوف لا سترة به، ولذلك أكد الأمر جل وعلا في تكذيبهم حيث قال " ألا أنهم هم المفسدون " وجاء بالجملة إسمية ومعرفة الخبر باللام، وموسطة الفصل، ومؤكدة بأن، ومصدرة بحرف التنبيه. وإذ قد ذكرنا القصر فيما بين المسند والمسند إليه بالطرق التي سمعت فقد حان أن نذكره فيما بين غيرهما كالفاعل والمفعول وكالمفعولين، وكذي الحال والحال، ونحن نذكره في ذلك بطريق النفي والاستثناء، وطريق إنما دون ما سواهما فلهما هناك عدة اعتبارات تراعى فلا بد من تلاوتها عليك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 اعلم أنك إذا أردت قصر الفاعل على المفعول قلت: ما ضرب زيد إلا عمراً على معنى لم يضرب غير عمرو، وإذا أردت قصر المفعول على الفاعل قلت ما ضرب عمراً إلا زيد على معنى لم يضربه غير زيد، والفرق بين المعنيين واضح وهو أن عمراً في الأول لا يمتنع أن يكون مضروب غير زيد ويمتنع في الثاني وأن في الثاني لا يمتنع أن يكون ضاربا غير عمرو ويمتنع في الأول، ولك أن تقول في الأول ما ضرب إلا عمراً زيد، وفي الثاني ما ضرب إلا زيد عمراً فتقدم وتؤخر إلا أن هذا التقديم والتأخير لما استلزم قصر الصفة قبل تمامها على الموصوف قل دوره في الاستعمال لأن الصفة المقصورة على عمرو في قولنا ما ضر زيد إلا عمراً هي ضرب زيد لا الضرب مطلقا، والصفة المقصورة على زيد في قولنا: ما ضرب عمراً إلا زيد هي الضرب لعمرو، وإذا أردت قصر أحد المفعولين على الآخر في نحو كسوت جبة. قلت في قصر زيد على الجبة ما كسوت إلا جبة أو ما كسوت إلا جبة وفي قصر الجبة على زيد ما كسوت جبة إلا أو ما كسوت إلا جبة وفي نحو ظننت منطلقاً تقول في قصر زيد على الانطلاق ما ظننت إلا منطلقاً وما ظننت إلا منطلقاً وفي قصر الانطلاق على زيد ما ظننت منطلقاً إلا وما ظننت إلا منطلقاً، وإذا أردت قصر ذي الحال على الحال قلت ما جاء زيد إلا راكباً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 أو ما جاء إلا راكباً زيد وفي قصر الحال على ذي الحال ما جاء راكباً إلا زيد أو ما جاء إلا زيد راكباً والأصل في جميع ذلك هو أن إلا في الكلام الناس تستلزم ثلاثة أشياء أحدها المستثنى منه لكون إلا للإخراج واستدعاء الإخراج مخرجا منه. وثانيها العموم في المستثنى منه لعدم المخصص وامتناع ترجيح أحد المتساويين ولذلك ترانا في علم النحو نقول تأنيث الضمير في كانت في قراءة أبي جعفر المدني إن كانت إلا صيحة بالرفع وفي ترى المبني للمفعول في قراءة الحسن فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم برفع مساكنهم، وفي بقيت في بيت ذي الرمة وما بقيت إلا الضلوع الجراشع للنظر على ظاهر اللفظ، والأصل التذكير لاقتضاء المقام معنى شيء من الأشياء. وثالثها مناسبة المستثنى منه للمستثنى في جنسه ووصفه، وأعني بصفته كونه فاعلا أو مفعولا أو ذا حال أو حالاً أو ما يرى كيف يقدر المستثنى منه في نحو ما جاءني إلا زيد مناسبا له في الجنس والوصف الذي ذكرت نحو ما جاءني أحد إلا زيد وفي ما رأيت إلا نحو ما رأيت أحدا إلا وفي ما جاء زيد إلا راكباً نحو ما جاء زيد كائنا على حال من الأحوال إلا راكباً، وهذه المستلزمات توجب جميع تلك الأحكام، بيان ذلك أنك إذا قلت ما ضرب إلاعمرا لزم أن يقدر قبل إلا مستثنى منه ليصح الإخراج منه ولزم أن يقدر عاما لعدم المخصص ولزم أن يقدر مناسبا للمستثنى الذي هو عمرو في جنسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 ووصفه، وحينئذ يمتنع أن يكون صورة الكلام إلا هكذا ما ضرب زيد أحدا إلا عمراً واستلزم هذا الكلام قصر الفاعل على عمرو المفعول ضروري، وكذا إذا قلت ما ضرب إلا زيد، وإذا قلت ما ضرب عمراً إلا زيد لزم تقدير مستثنى منه من جنس المستثنى وبوصف العموم وبوصف المستثنى وحينئذ يكون صورة الكلام هكذا ما ضرب عمراً أحد إلا زيد، ويلزم ضرورة قصر المفعول على زيد الفاعل، وإذا قلت ما كسوت إلا جبة كان التقدير ما كسوت ملبسا إلا جبة فيكون زيد مقصوراً على الجبة لا يتعها على ملبس آخر، وإذا قلت ما كسوت جبة إلا كان التقدير ما كسوت جبة أحدا إلا فتكون الجبة مقصورة على زيد لا تتعداه على من عداه وإذا قلت ما جاء راكباً إلا زيد كان التقدير ما جاء راكباً أحد إلا زيد، وإذا قلت ما جاء زيد إلا راكباً كان التقدير ما جاء زيد كائنا على حال من الأحوال إلا راكباً، وإذا قلت ما اخترت رفيقا إلا منكم كان التقدير ما اخترت رفيقا من جماعة من الجماعات إلا منكم، وإذا قلت ما اخترت منكم إلا رفيقا كان التقدير ما اخترت منكم أحدا متصفا بأي وصف كان إلا رفيقا، وكذا إذا قلت ما اخترت إلا رفيقا منكم بدل أن تقول ما اخترت إلا منكم رفيقا لم يعر عن فرق، وهذا يطلعك على الفرق بين ما قال الشاعر: لو خير المنبر فرسانه ... ما اختار إلا منكم فارسا وبين ما إذا قلت ما اختار إلا فارسا منكم. وإذا عرفت هذا في النفي والاستثناء فاعرفه بعينه في إنما لا تصنع شيئاً غير ما أذكره لك وامض في الحكم غير مدافع، نزل القيد الأخير من الكلام الواقع بعد إنما منزلة المستثنى فقدر نحو: إنما يضرب زيد تقدير ما يضرب إلا زيد ونحو إنما يضرب زيد عمراً يوم الجمعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 تقدير ما يضرب زيد عمراً إلا يوم الجمعة، ونحو إنما يضرب زيد عمراً يوم الجمعة في السوق تقدير ما يضرب زيد عمراً يوم الجمعة إلا في السوق، وكذلك إذا قلت: إنما زيد يضرب فقدره تقدير ما زيد إلا يضرب ولا تجوز معه من التقديم والتأخير ما جوزته مع ما وإلا، ولا تقسه في ذلك عليه فذاك أصل في باب القصر، وهذا كالفرع عليه، والتقديم والتأخير هناك غير ملبس وهنا مؤد على الإلباس، وكذلك قدر إنما هذا لك تقدير ما هذا إلا لك وإنما لك هذا تقدير مالك إلا هذا حتى إذا أردت الجمع إنما وطريق العطف فقل إنما هذا لك لا لغيرك وإنما لك هذا لاذاك إنما يأخذ زيد لا عمرو وإنما زيد يأخذ لا يعطي، ومن هذا يعثر على الفرق بين " إنما يخشى الله من عباده العلماء " وبين إنما يخشى العلماء من عباده الله بتقديم المرفوع على المنصوب فالأول يقتضي انحصار خشية الله على العلماء، والثاني يقتضي انحصار خشية العلماء على الله. واعلم أن حكم غير حكم إلا في إفادة القصرين وامتناع مجامعة لا العاطفة تقول ما جاءني غير زيد إما إفرادا لمن يقول جاء زيد مع آخر، وإما قلباً لمن يقول ما جاء زيد وإنما جاء مكانه إنسان آخر ولا تقول ما جاءني غير زيد لا عمرو. واعلم أني مهدت لك في هذا العلم قواعد متى بنيت عليها أعجب كل شاهد بناؤها، واعترف لك بكمال الحذق في صناعة البلاغة أبناؤها، ونهجت لك مناهج متى سلكنها أخذت بك عن المجهل المتعسف على سواء السبيل، وصرفتك عن الآجن المطروق على النمير الذي هو شفاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 الغليل، ونصبت لك أعلاماً متى انتحيتها أعثرتك على ضوال منشودة، وحشدت منها ما ليست عند أحد بمحشودة، ومثلت لك أمثلة متى حذوت عليها أمنت العثار في مظان الزلل وأبت أن تتصرف فيما تثنى إليه عنانك يد الخطل، ثم إذا كنت ممن ملك الذوق على الطبع وتصفحت كلام رب العزة أطلعتك على ما يوردك هناك موارد الهزة، وكشفت لنور بصيرتك عن وجه إعجازه القناع، وفصلت لك ما أجمله إيثار أولئك المصاقع على معارضته القراع، فإن ملاك الأمر في علم المعاني هو الذوق السليم والطبع المستقيم، فمن لم يرزقهما فعليه بعلوم أخر، وإلا لم يحظ بطائل مما تقدم وما تأخر: إذا لم تكن للمرء عين صحيحة ... فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر هذا وإن الخبر كثيراً ما يخرج لا على مقتضى الظاهر ويكون المراد به الطلب فسيذكر ذلك في آخر القانون الثاني بإذن الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 القانون الثاني من علم المعاني وهو قانون الطلب. قد سبق أن حقيقة الطلب حقيقة معلومة مستغنية عن التحديد فلا تتكلم هناك وإنما تتكلم في مقدمة يسند عليها المقام من بيان ما لابد للطلب ومن تنوعه والتنبيه على أبوابه في الكلام وكيفية توليدها لما سوى أصلها، وهي أن لا ارتياب في أن الطلب من غير تصور إجمالا أو تفصيلا لا يصح وأنه يستدعي مطلوبا لا محالة ويستدعي فيما هو مطلوبه أن لا يكون حاصلا وقت الطلب وليكن هذا المعنى عندك فسنفرع عليه. والطلب إذا تأملت نوعان: نوع لا يستدعي في مطلوبه إمكان الحصول، وقولنا لا يستدعي أن يمكن أعم من قولنا يستدعي أن لا يمكن، ونوع يستدعي فيه إمكان الحصول، والمطلوب بالنظر على أن لا واسطة بين الثبوت والانتفاء يستلزم الحضارة في قسمين: حصول ثبوت متصور وحصول انتقاء متصور وبالنظر على كون الحصول ذهنياً وخارجياً سيستلزم انقساما على أربعة أقسام: حصولين في الذهن وحصولين في الخارج، ثم إذ لم يرد الحصول في الذهن على التصور والتصديق لم يتجاوز أقسام المطلوب ستة: حصول تصور أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 تصديق في الذهن، وحصول انتفاء تصور أو تصديق فيه، وحصول ثبوت تصور أو انتفائه في الخارج، وطلب حصول التصور في الذهن لا يرجع إلا على تفصيل مجمل أو تفصيل مفصل بالنسبة، ووجه ذلك أن الإنسان إذا صح منه الطلب بأن أدرك بالإجمال لشيء ما أو بالتفصيل بالنسبة على شيء ما ثم طلب حصولا لذلك في الذهن وامتنع طلب الحاصل توجه على غير حاصل وهو تفصيل المجمل أو تفصيل المفصل بالنسبة. أما النوع الأول من الطلب فهو التمني أو ما ترى كيف تقول: ليت جاءني فتطلب كون غير الواقع فيما مضى واقعاً فيه مع حكم العقل بامتناعه أو كيف تقول: ليت الشباب يعود فتطلب عودة الشباب مع جزمك بأنه لا يعود أو كيف تقول: ليت يأتيني أوليتك تحدثني فتطلب إتيان زيد أو حديث صاحبك في حال لا تتوقعهما ولا لك طماعية في وقوعهما إذ لو توقعت أو طمعت لاستعملت لعل أو عسى، أما الاستفهام والأمر والنهي والنداء فمن النوع الثاني والاستفهام لطلب حصول في الذهن والمطلوب حصوله في الذهن إما أن يكون حكماً بشيء على شيء أو لا يكون، والأول هو التصديق ويمتنع انفكاكه من تصور الطرفين، والثاني هو التصور ولا يمتنع انفكاكه من التصديق، ثم المحكوم به إما أن يكون نفس الثبوت أو الانتفاء كما تقول الانطلاق ثابت أو متحقق أو موجود كيف شئت أو ما الانطلاق ثابتا فتحكم على الانطلاق بالثبوت أو الانتفاء بالإطلاق أو ثبوت كذا أو انتفاء كذا بالتقييد كما تقول: الانطلاق قريب أو ليس بقريب فتحكم على الانطلاق أو بثبوت القرب له أو بانتفائه عنه لا مزيد للتصديق على هذين النوعين، والنوع الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 لا يحتمل الطلب إلا في التصديق والمسند إليه لكون المسند فيه نفس الثبوت والانتفاء مستغنيا عن الطلب، والثاني يحتمله في التصديق وطرفيه. وأما الأمر والنهي والنداء فلطلب الحصول في الخارج. إما حصول انتفاء متصور كقولك في النهي للمتحرك لا تتحرك فإنك تطلب بهذا الكلام انتفاء الحركة في الخارج، وإما حصول ثبوته كقولك في الأمر قم وفي النداء يا زيد فإنك تطلب بهذين الكلامين حصول قيام صاحبك وإقباله عليك في الخارج، والفرق بين الطلب في الاستفهام وبين الطلب في الأمر والنهي والنداء واضح فإنك في الاستفهام تطلب ما هو في الخارج ليحصل في ذهنك نقش له مطابق وفيما سواه تنقش في ذهنك، ثم تطلب أن يحصل له في الخارج مطابق فنقش الذهن في الأول تابع وفي الثاني متبوع، وتوفيه هذه المعاني حقها تستدعي مجالا غير مجالنا هذا فلنكتف بالإشارة إليها ومجرد التنبيه عليها، وإذ قد عثرت على ما رفع لك فبالحري أن تبين كيف يتفرع عن هذه الأبواب الخمسة التمني والاستفهام والأمر والنهي. والنداء ما يتفرع على سبيل الجملة إذ لا بد منه. ثم الفصول الآتية في علم البيان لتلاوتها عليك ما تترقب من التفصيل هنالك ضمناه فنقول: متى امتنع إجراء هذه الأبواب على الأصل تولد منها ما ناسب المقام كما إذا قلت لمن همك ليتك تحدثني، امتنع إجراء التمني والحال ما ذكر على أصله فتطلب الحديث من صاحبك غير مطموع في حصوله وولد بمعونة قرينة الحال معنى السؤال أو كما إذا قلت هل لي من شفيع في مقام لا يسع إمكان التصديق بوجود الشفيع امتنع إجراء الاستفهام على أصله وولد بمعونة قرائن الأحوال معنى التمني، وكذا إذا قلت لو يأتيني زيد فيحدثني بالنصب طالبا لحصول الوقوع فيما يفيد لو من تقدير غير الواقع واقعاً ولد التمني وسبب توليد لعل معنى التمني في قولهم لعلي سأحج فأزورك بالنصب هو بعد المرجو عن الحصول أو كما إذا قلت لمن تراه لا ينزل ألا تنزل فتصيب خبرا امتنع أن يكون المطلوب بالاستفهام التصديق بحال نزول صاحبك لكونه حاصلا ويوجه بمعونة قرينة الحال على نحو ألا تحب النزول مع محبتنا إياه وولد معنى العرض كما إذا قلت لمن تراه يؤذي الأب أتفعل هذا امتنع توجه الاستفهام على فعل الأذى لعلمك بحاله، وتوجه على ما لا تعلم مما يلابسه من نحو أتستحسن، وولد الإنكار والزجر أو كما إذا قلت لمن يهجو أباه مع حكمك بأن هجو الأب ليس شيئاً غير هجو النفس هل تهجو إلا نفسك أو غير نفسك امتنع منك إجراء الاستفهام على ظاهره لاستدعائه أن يكون الهجو احتمل عندك توجها على غيره، وتولد منه بمعونة القرينة الإنكار والتوبيخ أو كما إذا قلت لمن يسيء الأدب ألم أؤدب فلانا امتنع أن تطلب العلم بتأديبك فلانا وهو حاصل، وتولد منه الوعيد والزجر أو كما إذا قلت لمن بعثت على مهم وأنت تراه عندك. أما ذهبت بعد امتنع الذهاب عن توجه الاستفهام إليه لكونه معلوم الحال واستدعى شيئاً مجهول الحال مما يلابس الذهاب مثل: أما يتيسر لك الذهاب، وتولد منه الاستبطاء والتحضيض، أو كما إذا قلت لمن يتصلف وأنت تعرفه، ألا أعرفك امتنعت معرفتك به عن الاستفهام وتوجه على مثل أتظنني لا أعرفك، وتولد الإنكار والتعجب والتعجيب، أو كما إذا قلت لمن جاءك أجئتني امتنع المجيء عن الاستفهام، وولد بمعونة القرينة التقرير، أو كما إذا قلت لمن يدعي أمراً ليس في وسعه افعله امتنع أن يكون المطلوب بالأمر حصول ذلك الأمر في الخارج بحكمك عليه بامتناعه، وتوجه على مطلوب ممكن الحصول مثل بيان عجزه، وتولد التعجيز والتحدي، أو كما إذا قلت لعبد شتم مولاه وأنك أدبته حق التأديب أو أوعدته على ذلك أبلغ إيعاد اشتم مولاك، امتنع أن يكون المراد الأمر بالشتم والحال ما ذكر، وتوجه بمعونة قرينة الحال على نحو أعرف لا زم الشتم وتولد منه التهديد، أو كما إذا قلت لعبد لا يمتثل أمرك لا تمتثل أمري امتنع طلب ترك الامتثال لكونه حاصلا، وتوجه على غير حاصل مثل لا تكترث لأمري ولا تبال به، وتولد منه التهديد، أو كما إذا قلت لمن أقبل عليك يتظلم يا مظلوم امتنع توجيه النداء على طلب الإقبال لحصوله، وتوجه على غير حاصل مثل زيادة الشكوى بمعونة قرينة الحال، وتولد منه الإغراء ولنقتصر فمن لم يستضئ بمصباح لم يستضئ بإصباح ناقلين الكلام على التصفح لأبواب الطلب. معنى التمني، وكذا إذا قلت لو يأتيني زيد فيحدثني بالنصب طالبا لحصول الوقوع فيما يفيد لو من تقدير غير الواقع واقعاً ولد التمني وسبب توليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 لعل معنى التمني في قولهم لعلي سأحج فأزورك بالنصب هو بعد المرجو عن الحصول أو كما إذا قلت لمن تراه لا ينزل ألا تنزل فتصيب خبرا امتنع أن يكون المطلوب بالاستفهام التصديق بحال نزول صاحبك لكونه حاصلا ويوجه بمعونة قرينة الحال على نحو ألا تحب النزول مع محبتنا إياه وولد معنى العرض كما إذا قلت لمن تراه يؤذي الأب أتفعل هذا امتنع توجه الاستفهام على فعل الأذى لعلمك بحاله، وتوجه على ما لا تعلم مما يلابسه من نحو أتستحسن، وولد الإنكار والزجر أو كما إذا قلت لمن يهجو أباه مع حكمك بأن هجو الأب ليس شيئاً غير هجو النفس هل تهجو إلا نفسك أو غير نفسك امتنع منك إجراء الاستفهام على ظاهره لاستدعائه أن يكون الهجو احتمل عندك توجها على غيره، وتولد منه بمعونة القرينة الإنكار والتوبيخ أو كما إذا قلت لمن يسيء الأدب ألم أؤدب فلانا امتنع أن تطلب العلم بتأديبك فلانا وهو حاصل، وتولد منه الوعيد والزجر أو كما إذا قلت لمن بعثت على مهم وأنت تراه عندك. أما ذهبت بعد امتنع الذهاب عن توجه الاستفهام إليه لكونه معلوم الحال واستدعى شيئاً مجهول الحال مما يلابس الذهاب مثل: أما يتيسر لك الذهاب، وتولد منه الاستبطاء والتحضيض، أو كما إذا قلت لمن يتصلف وأنت تعرفه، ألا أعرفك امتنعت معرفتك به عن الاستفهام وتوجه على مثل أتظنني لا أعرفك، وتولد الإنكار والتعجب والتعجيب، أو كما إذا قلت لمن جاءك أجئتني امتنع المجيء عن الاستفهام، وولد بمعونة القرينة التقرير، أو كما إذا قلت لمن يدعي أمراً ليس في وسعه افعله امتنع أن يكون المطلوب بالأمر حصول ذلك الأمر في الخارج بحكمك عليه بامتناعه، وتوجه على مطلوب ممكن الحصول مثل بيان عجزه، وتولد التعجيز والتحدي، أو كما إذا قلت لعبد شتم مولاه وأنك أدبته حق التأديب أو أوعدته على ذلك أبلغ إيعاد اشتم مولاك، امتنع أن يكون المراد الأمر بالشتم والحال ما ذكر، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 وتوجه بمعونة قرينة الحال على نحو أعرف لا زم الشتم وتولد منه التهديد، أو كما إذا قلت لعبد لا يمتثل أمرك لا تمتثل أمري امتنع طلب ترك الامتثال لكونه حاصلا، وتوجه على غير حاصل مثل لا تكترث لأمري ولا تبال به، وتولد منه التهديد، أو كما إذا قلت لمن أقبل عليك يتظلم يا مظلوم امتنع توجيه النداء على طلب الإقبال لحصوله، وتوجه على غير حاصل مثل زيادة الشكوى بمعونة قرينة الحال، وتولد منه الإغراء ولنقتصر فمن لم يستضئ بمصباح لم يستضئ بإصباح ناقلين الكلام على التصفح لأبواب الطلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 الباب الأول في التمني اعلم أن الكلمة الموضوعة للتمني هي ليت وحدها، وأما لو وهل في إفادتهما معنى التمني، فالوجه ما سبق وكأن الحروف المسماة بحروف التنديم والتحضيض وهي: هلا وألا ولولا ولوما مأخوذة منهما مركبة مع لا وما المزيدتين مطلوبا بالتزام التركيب التنبيه على إلزام هل ولو معنى التمني، فإذا قيل هلا أكرمت أو ألا بقلب الهاء همزة أو لولا أو لوما فكأن المعنى ليتك أكرمت متولداً منه معنى التنديم، وإذا قيل هلا تكرم أو لولا فكأن المعنى ليتك تكرمه متولداً من معنى السؤال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 الباب الثاني في الاستفهام للاستفهام كلمات موضوعة، وهي: الهمزة وأم وهل ومامن وأي وكم وكيف وأين وأنى ومتى وأيان بفتح الهمزة وبكسرها، وهذه اللغة أعني كسر همزتها تقوي إباء أن يكون أصلها أي أو إن وهذه الكلمات ثلاثة أنواع: أحدها يختص طلب حصول التصور، وثانيها يختص طلب حصول التصديق، وثالثها لا يختص، وقد نبهت فيما سبق أن طلب التصور مرجعه على تفصيل المجمل أو على تفصيل المفصل بالنسبة. وإذا تأملت التصديق وجدته راجعا على تفصيل المجمل أيضا، وهو طلب تعين الثبوت أو الانتفاء في مقام التردد، والهمزة من النوع الأخير تقول في طلب التصديق بها أحصل الانطلاق وأزيد منطلق وفي طلب التصور بها في طرف المسند إليه أدبس في الإناء أم عسل، وفي طريف المسند أفي الخابية دبسك أم في الزق. فأنت في الأول تطلب تفصيل المسند إليه، وهو المظروف، وفي الثاني تطلب تفضيل المسند، وهو الظرف. وهل من النوع الثاني لا تطلب به إلا التصديق كقولك هل حصل الانطلاق وهل زيد منطلق، ولاختصاصه بالتصديق امتنع أن يقال هل عندك عمرو أم بشر باتصال أم دون أم عندك بشر بانقطاعها وقبح هل رجل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 عرف وهل عرفت دون هل عرفته ولم يقبح أرجل عرف وأ عرفت لما سبق أن التقديم يستدعي حصول التصديق بنفس الفعل فبينه وبين هل تدافع، وإذا استحضرت ما سبق من التفاصيل في صور التقديم عساك أن تهتدي لما طويت ذكره أنا، ولا بد لهل من أن يخصص الفعل المضارع بالاستقبال فلا يصح أن يقال هل تضرب وهو أخوك على نحو أتضرب وهو أخوك في أن يكون الضرب واقعاً في الحال ولكون هل لطلب الحكم بالثبوت أو الانتفاء، وقد نبهت فيما قبل على أن الإثبات والنفي لا يتوجهان على الذوات، وإنما يتوجهان على الصفات ولاستدعائه التخصيص بالاستقبال لما يحتمل ذلك. وأنت تعلم أن احتمال لاستقبال إنما يكون لصفات الذوات لا لأنفس الذوات لأن الذوات من حيث هي هي ذوات فيما مضى، وفي الحال وفي الاستقبال استلزم ذلك مزيد اختصاص لهل دون الهمزة بما يكون كونه زمانياً أظهر كالأفعال، ولذلك كان قوله عز وجل " فهل أنتم شاكرون " أدخل في الأنباء عن طلب الشكر من قولنا: فهل تشكرون، أو فهل أنتم تشكرون، أو أفأنتم شاكرون لما أن هل تشكرون مفيد للتجدد، وهل أنتم تشكرون كذلك وأفأنتم شاكرون وإن كان ينبئ عن عدم التجدد لكنه دون فهل أنتم شاكرن لما ثبت أن هل أدعى للفعل من الهمزة فترك الفعل معه يكون أدخل في الأنباء عن استدعاء المقام عدم التجدد ولكون هل ادعى للفعل من الهمزة لا يحسن هل زيد منطلق إلا من كما البليغ ما لا يحسن نظير قوله ليبك يزيد ضارع لخصومه من كل أحد على ما سبق في موضعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 والخطب مع الهمزة في نحو أزيد منطلق أهون. وأما ما ومن وأي وكم وأين وكيف وأنى ومتى وأيان، فمن النوع الأول من طلب حصول التصور على تفصيل بينهن لا بد من إيقافك عليه ليصح منك تطبيقها في الكلام على ما يستجوب فنقول، أما ما فللسؤال عن الجنس تقول ما عندك بمعنى أي أجناس الأشياء عندك وجوابه إنسان أو فرس أو كتاب أو طعام، وكذلك تقول ما الكلمة وما الاسم وما الفعل وما الحرف وما الكلام وفي التنزيل فما خطبكم بمعنى أي أجناس الخطوب خطبكم وفيه ما تعبدون من بعدي أي أي من في الوجود تؤثرونه في العبادة أو عن الوصف تقول ما زيد وما عمرو، وجوابه الكريم أو الفاضل وما شاكل ذلك، ولكون ما للسؤال عن الجنس وللسؤال عن الوصف وقع بين فرعون وبين موسى ما وقع لأن فرعون حين كان جاهلا بالله معتقدا أن لا موجود مستقلا بنفسه سوى أجناس الأجسام اعتقاد كل جاهل لا نظر له، ثم سمع موسى قال أنا رسول رب العالمين سأل بما عن الجنس سؤال مثله فقال وما رب العالمين كأنه قال أي أجناس الأجسام هو وحين كان موسى عالما بالله أجاب عن الوصف تنبيها على النظر المؤدي على العلم بحقيقته الممتازة عن حقائق الممكنات فلما لم يتطابق السؤال والجواب عند فرعون الجاهل عجب من حوله من جماعة الجهلة، فقال لهم ألا تستمعون، ثم استهزأ بموسى وجننه فقال " إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " وحين لم يرهم موسى يفطنون لما نبههم عليه في الكرتين من فساد مسألتهم الحمقاء واستماع جوابه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 الحكيم غلظ في الثالثة، فقال " رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون " ويحتمل أن يكون فرعون قد سأل بما عن الوصف لكون رب العالمين عنده مشتركا بين نفسه وبين من دعاه إليه موسى في قوله " أنا رسول رب العالمين " لجهله وفرط عتوه وتسويل نفسه الشيطانية له ذلك الضلال الشنيع من ادعاء الربوبية وارتكاب أن يقول أنا ربكم الأعلى ونفخ الشيطان في خيشومه أولئك بتسليم البهائم له إياها وإذعانهم له بذلك وتلقيبهم إياه برب العالمين وشهرته فيما بينهم بذلك على درجات دعت السحرة إذ عرفوا الحق وخروا سجدا لله وقالوا آمنا برب العالمين على أن يعقبوه بقولهم رب موسى وهارون نفيا لاتهامهم أن يعنوا فرعون، وأن يكون ذلك السؤال من فرعون على طماعية أن يجري موسى في جوابه على نهج حاضريه لو كانوا المسئولين في وجهه بدله فيجعله المخلص لجهله بحال موسى وعدم اطلاعه على علو شأنه إذ كان ذلك المقام أول اجتماعه بموسى بدليل ما جرى فيه من قوله " أولو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين " فحين سمع المخلص لم يمكنه تعجب وعجب واستهزأ وجنن وتفيهق بما تفيهق من لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين " وأما من فللسؤال عن الجنس من ذوي العلم تقول من جبريل بمعنى أبشر هو أم ملك أم جني وكذا من إبليس ومن فلان، ومنه قوله تعالى حكاية عن فرعون " فمن ربكما يا موسى " أراد من مالككما ومدبر أمركما أملك هو أم جني أم بشر منكرا لأن يكون لهما رب سواه لادعائه الربوبية لنفسه ذاهبا في سؤاله هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 على معنى ألكما رب سواي؟ فأجاب موسى بقوله " ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى " كأنه قال نعم لنا رب سواك وهو الصانع الذي إذا سلكت الطريق الذي بين بإيجاده لما أوجد وتقديره إياه على ما قدر واتبعت فيه الخريت الماهر وهو العقل الهادي عن الضلال لزمك الاعتراف بكونه ربا وأن لا رب سواه وأن العبادة له مني ومنك ومن الخلق أجمع حق لا مدفع له. وأما أي فللسؤال عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما يقول القائل عندي ثياب فتقول أي الثياب هي؟ فتطلب منه وصفا يميزها عندك عما يشاركها في الثوبية. قال تعالى حكاية عن سليمان " أيكم يأتيني بعرشها " أي الإنسي أم الجني، وقال حكاية عن الكفار " أي الفريقين خير مقاما " أي أنحن أم أصحاب محمد. وأما كم فللسؤال عن العدد إذا قلت كم درهما لك وكم رجلا رأيت فكأنك قلت أعشرون أم ثلاثون أم كذا وتقول كم درهمك وكم مالك أي كم دانقا وكم دينارا وكم ثوبك: أي كم شبرا وكم ذراعا وكم زيد ماكث: أي كم يوما أو كم شهرا وكم رأيتك: أي كم مرة وكم سرت: أي كم فرسخا أو كم يوما قال عز وجل " قال قائل منهم كم لبثتم " أي كم يوما أو كم ساعة. وقال " كم لبثتم في الأرض عدد سنين " وقال تعالى " سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة " ومنه قول الفرزدق: عما يميز أحد المتشاركين في أمر يعمهما يقول القائل عندي ثياب فتقول أي الثياب هي؟ فتطلب منه وصفا يميزها عندك عما يشاركها في الثوبية. قال تعالى حكاية عن سليمان " أيكم يأتيني بعرشها " أي الإنسي أم الجني، وقال حكاية عن الكفار " أي الفريقين خير مقاما " أي أنحن أم أصحاب محمد. وأما كم فللسؤال عن العدد إذا قلت كم درهما لك وكم رجلا رأيت فكأنك قلت أعشرون أم ثلاثون أم كذا وتقول كم درهمك وكم مالك أي كم دانقا وكم دينارا وكم ثوبك: أي كم شبرا وكم ذراعا وكم زيد ماكث: أي كم يوما أو كم شهرا وكم رأيتك: أي كم مرة وكم سرت: أي كم فرسخا أو كم يوما قال عز وجل " قال قائل منهم كم لبثتم " أي كم يوما أو كم ساعة. وقال " كم لبثتم في الأرض عدد سنين " وقال تعالى " سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة " ومنه قول الفرزدق: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 كم عمة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت علي عشاري فيمن روى بنصب المميز. وأما كيف فللسؤال عن الحال إذا قيل كيف زيد فجوابه صحيح أو سقيم أو مشغول أو فارغ أو شبح أو جذلان ينتظم الأحوال كلها. وأما أين فللسؤال عن المكان إذا قيل أين زيد فجوابه في الدار أو في المسجد أو في السوق ينتظم الأماكن كلها. وأما أنى فتستعمل تارة بمعنى كيف. قال تعالى " فأتوا حرثكم أنى شئتم " أي كيف شئتم، وأخرى بمعنى من أين قال تعالى " أنى لك هذا " أي من أين. وأما متى وأيان فهما للسؤال عن الزمان إذا قيل متى جئت أو أيان جئت، قيل يوم الجمعة أو يوم الخميس أو شهر كذا أو سنة كذا، وعن علي بن عيسى الربعي رحمه الله عليه أمام أئمة بغداد في علم النحو أن أيان تستعمل في مواضع التفخيم كقوله عز قائلاً " يسأل أيان يوم القيامة. يسألون أيان يوم الدين ". واعلم ان هذه الكلمات كثيراً ما يتولد منها أمثال ما سبق من المعاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 بمعونة قرائن الأحوال فيقال ما هذا ومن هذا لمجرد الاستخفاف والتحقير ومالي للتعجب. قال تعالى حكاية عن سليمان " مالي لا أرى الهدهد " وأي رجل هو للتعجب وأيما رجل وكم دعوتك للاستبطاء وكم تدعوني للإنكار وكم أحلم للتهديد وكيف تؤذي أباك للإنكار والتعجب والتوبيخ، وعليه قوله تعالى " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم " بمعنى التعجب، ووجه تحقيق ذلك هو أن الكفار في حين صدور الكفر منهم لا بد من أن يكونوا على إحدى الحالين إما عالمين بالله وإما جاهلين به فلا ثالثة فإذا قيل لهم كيف تكفرون بالله وقد علمت أن كيف للسؤال عن الحال وللكفر مزيد اختصاص بالعلم بالصانع وبالجهل به انساق على ذلك فأفاد أفي حال العلم بالله تكفرون أم في حال الجهل به ثم إذا قيد كيف تكفرون بالله بقوله " وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم " وصار المعنى كيف تكفرون بالله والحال حال علم بهذه القصة، وهي إن كنتم أمواتا فصرتم أحياء وسيكون كذا وكذا صير الكفر أبعد شيء عن العاقل فصار وجوده منه مظنة التعجب، ووجه بعده هو أن هذه الحالة تأبى أن لا يكون للعاقل علم بأن له صانعا قادرا عالما حيا سميعا بصيرا موحوداً غنيا في جميع ذلك عن سواه، قديما غير جسم ولا عرض، حكيما خالقا منعما مكلفا، مرسلا للرسل باعثا مثيبا معاقبا، وعلمه بأن له هذا الصانع يأبى أن يكفر، وصدور الفعل عن القادر مع الصارف القوي مظنة تعجب وتعجيب وإنكارا وتوبيخ فصح أن يكون قوله تعالى " كيف تكفرون " على آخر الآية تعجبا وتعجيبا وإنكارا وتوبيخا، وكذلك يقال أين مغيثك للتوبيخ والتقريع والإنكار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 حال تذليل المخاطب. قال تعالى " أين شركائي الذين كنتم تزعمون " توبيخا للمخاطبين وتقريعا لهم لكونه سؤالا في وقت الحاجة على الإغاثة عمن كان يدعى له أنه يغيث، وقال " فأين تذهبون " للتنبيه على الضلال ويقال أنى تعتمد على خائن للتعجب والتعجيب والإنكار، قال الله تعالى " فأنى تؤفكون " إنكارا وتوبيخا، وقال " أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين " استبعاً دا لذكراه، ويقال متى قلت هذا للجحد والإنكار ومتى تصلح شأني للاستبطاء وقد عرفت الطريق فراجع نفسك وإذا سلكتها فاسلكها عن كمال التيقظ لما لقنت فلا تجوز بعد ما عرفت أن التقديم يستدعي العلم بحال نفس الفعل وقوعا أو غير وقوع أضربت سائلا عن حال وقوع الضرب ولا أأنت ضربت بنية التقديم ولا ترض أضربت أم غيره وأأنت ضربت أم غيرك وإن أردت بالاستفهام التقرير فاحذ على مثال الإثبات فقل حال تقرير الفعل أضربت أو أتضرب وقل حال تقرير أنه الضارب دون عمرو أأنت ضربت كما قال تعالى " أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم " أو أن مضروبه أضربت وإن أردت به الإنكار فانسجه على منوال النفي فقل في إنكار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 نفس الضرب أضربت أو قل أأو قل أضربت أم عمراً فإنك إذا أنكرت من يردد الضرب بينهما تولد منه إنكار الضرب على وجه برهاني، ومنه قوله تعالى " قل آلذكرين حرم أم الأنثيين " وفي إنكار أنه الضارب أأنت ضربت وفي إنكار أن مضروبه أضربت كما قال تعالى " قل أغير الله أتخذ وليا " وقال " أغير الله تدعون " ومنه أيضا قوله تعالى أبشرا منا واحداً نتبعه " فتذكر ولا تغفل عن التفاوت بين الإنكار للتوبيخ على معنى لم كان أو لم يكون كقولك أعصيت ربك أو أتعصي ربك وبين الإنكار للتكذيب على معنى لم يكن أو لا يكون كقوله تعالى " أفأصفاكم ربكم بالبنين " وقوله " أصطفى البنات على البنين " وقوله " أنلزمكموها " وإياك أن يزل عن خاطرك التفصيل الذي سبق في نحو أنا ضربت وأنت ضربت وهو ضرب من احتمال الابتداء واحتمال التقديم وتفاوت المعنى في الوجهين فلا تحمل نحو قوله تعالى " آلله أذن لكم " على التقديم فليس المراد أن الإذن ينكر من الله دون غيره ولكن احمله على الابتداء مرادا منه تقوية حكم الإنكار، وانظم في هذا السلك قوله تعالى " أفأنت تكره الناس " وقوله تعالى " أفأنت تسمع الصم أو تهدى العمى " وقوله " أهم يقسمون رحمة ربك " وما جرى مجراه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 وإذ قد عرفت أن هذه الكلمات للاستفهام وعرفت أن الاستفهام طلب وليس بخفي أن الطلب إنما يكون لما يهمك ويعنيك شأنه لا لما وجوده وعدمه عندك بمنزلة، وقد سبق أن كون الشيء مهما جهة مستدعية لتقديمه في الكلام فلا يعجبك لزوم كلمات الاستفهام صدر الكلام ووجوب التقديم في نحو كيف زيد وأين عمرو ومتى الجواب وما شاكل ذلك. عجبك لزوم كلمات الاستفهام صدر الكلام ووجوب التقديم في نحو كيف زيد وأين عمرو ومتى الجواب وما شاكل ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 ؟؟؟؟؟ الباب الثالث في الأمر للأمر حرف واحد وهو اللام الجازم في قولك ليفعل وصيغ مخصوصة سبق الكلام في ضبطها في علم الصرف وعدة أسماء ذكرت في علم النحو والأمر في لغة العرب عبارة عن استعمالها أني استعمال نحو لينزل وانزل ونزال وصه على سبيل الاستعلاء. وأما أن هذه الصور والتي هي من قبيلها هل هي موضوعة لتستعمل على سبيل الاستعلاء أم فالأظهر أنها موضوعة لذلك وهي حقيقة فيه لتبادر الفهم عند استماع نحو قم وليقم زيد على جانب الأمر وتوقف ما سواه من الدعاء والالتماس والندب والإباحة والتهديد على اعتبار القرائن وإطباق أئمة اللغة على إضافتهم نحو قم وليقم على الأمر بقولهم صيغة الأمر ومثال الأمر ولام الأمر دون أن يقولوا صيغة الإباحة ولام الإباحة مثلا يمد ذلك لك، وتحقيق معنى الحقيقة والمجاز موضعه في علم البيان فتذكر هناك إن شاء الله تعالى، ولا شبهة في أن طلب المتصور على سبيل الاستعلاء يورث إيجاد الإتيان به على المطلوب منه ثم إذا كان الاستعلاء ممن هو أعلى رتبة من المأمور استتبع إيجابه وجوب الفعل بحسب جهات مختلفة وإلا لم يستتبعه فإذا صادفت هذه أصل الاستعمال بالشرط المذكور أفادت الوجوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 وإلا لم تفد غير الطلب ثم إنها حينئذ تولد بحسب قرائن الأحوال ما ناسب المقام إن استعملت على سبيل التضرع كقولنا اللهم اغفر وارحم ولدت الدعاء، وإن استعملت على سبيل التلطف كقول كل أحد لمن يساويه في المرتبة افعل بدون الاستعلاء ولدت السؤال والالتماس كيف عبرت عنه، وإن استعملت في مقام الأذن كقولك جالس الحسن أو ابن سيرين لمن يستأذن في ذلك بلسانه أو بلسان حاله ولدت الإباحة، وإن استعملت في مقام تسخط المأمور به ولدت التهديد على ما تقدم الكلام في أمثال ذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 الباب الرابع في النهي للنهي حرف واحد وهو لا الجازم في قولك لا تفعل والنهي محذو به حذو الأمر في أن أصل استعمال لا تفعل أن يكون على سبيل الاستعلاء بالشرط المذكور فإن صادف ذلك أفاد الوجوب وإلا أفاد طلب الترك فحسب، ثم إن استعمل على سبيل التضرع كقول المبتهل على الله لا تكلني على نفسي سمي دعاء، وإن استعمل في حق المساوي الرتبة لا على سبيل الاستعلاء سمي التماسا، وإن استعمل في حق المستأذن سمي إباحة، وإن استعمل في مقام تسخط الترك سمي تهديدا، والأمر والنهي حقهما الفور والتراخي يوقف على قرائن الأحوال لكونهما للطلب ولكون الطلب في استدعاء تعجيل المطلوب أظهر منه في عدم الاستدعاء له عند الإنصاف والنظر على حال المطلوب بأخويهما وهما الاستفهام والنداء منبه على ذلك صالح، ومما ينبه على ذلك تبادر الفهم إذا أمر المولى عبده بالقيام ثم أمره قبل أن يقوم بأن يضطجع وينام حتى المساء على أن المولى غير الأمر دون تقدير الجمع بينهما في الأمر وإرادة التراخي للقيام، وكذا استحسان العقلاء عند أمر المولى عبده بالقيام أو القعود أو عند نهيه إياه إذا لم يتبادر على ذلك ذمه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 وأما الكلام في أن الأمر أصل في المرة أم في الاستمرار وأن النهي أصل في الاستمرار أم في المرة كما هو مذهب البعض فالوجه هو أن ينظر إن كان الطلب بهما راجعا على قطع الواقع كقولك في الأمر للساكن تحرك، وفي النهي للمتحرك لا تتحرك، فالأشبه المرة وإن كان الطلب بهما راجعا على اتصال الواقع كقولك في الأمر للمتحرك تحرك ولا تظنن هذا طلبا للحاصل فإن الطلب حال وقوعه يتوجه على الاستقبال كما نبهت عليه في صدر القانون ولا وجود في الاستقبال قبل صيرورته حالا، وقولك في النهي للمتحرك لا تسكن فالأشبه الاستمرار. واعلم أن هذه الأبواب الأربعة: التمني والاستفهام والأمر والنهي تشترك في الإعانة على تقدير الشرط بعدها، كقولك في التمني ليت لي مالا أنفقه على معنى إن أرزقه أنفقه وقولك في الاستفهام أين بيتك أزرك على معنى إن تعرفنيه أو إن أعرفه أزرك. وأما العرض: كقولك ألا تنزل تصب خيرا على معنى إن تنزل تصب خيرا فليس بابا على حدة وإنما هو من مولدات الاستفهام كما عرفت وقولك في الأمر أكرمني أكرمك قال تعالى " فهب لي من لدنك وليا يرثني " بالجزم. وأما قراءة الرفع فالأولى حملها على الاستئناف دون الوصف لئلا يلزم منه أنه لم يوهب من وصف لهلاك يحيى قبل زكريا. وقال تعالى " قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم " ومنهم من يضمر لام الأمر مع يقيموا إلا أن إضمار الجازم نظير إضمار الجار فانظر، وقولك في النهي لا تشتم يكن خيرا لك على معنى إن لا تشتم يكن خيرا لك، وتقدير الشرط لقرائن الأحوال غير ممتنع قال تعالى " فلم تقتلوهم ولكن الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 قتلهم " على تقدير إن افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم، وقال تعالى " فالله هو الولي " على تقدير إن أرادوا وليا بحق فالله هو الولي بالحق لا ولي سواه، وأمثال ذلك في القرآن كثيرة، وكذا تقدير الجزاء لها كذلك. قال تعالى " قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم " وترك الجزاء وهو " ألستم ظالمين " لذكر الظلم عقيبه في قوله " إن الله لا يهدي القوم الظالمين " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 الباب الخامس في النداء ما يتعلق بالنداء من حروفه وتفصيل الكلام في معانيها سبق التعرض لذلك في علم النحو فلا نتكلم فيه ولكن ههنا نوع من الكلام صورته صورة النداء وليس بنداء فننبه عليه وتلك الصورة هي قولهم أما أنا فافعل كذا أيها الرجل ونحن نفعل كذا أيها القوم واللهم اغفر لنا أيتها العصابة، يراد بهذا النوع من الكلام الاختصاص على معنى أنا أفعل كذا متخصصا بذلك من بين الرجال ونحن نفعل كذا متخصصين من بين الأقوام واللهم اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب. واعلم أن الطلب كثيراً ما يخرج لا على مقتضى الظاهر وكذلك الخبر فيذكر أحدهما في موضع الآخر ولا يصار على ذلك إلا لتوخي نكت قلما يتفطن لها من لا يرجع على دربة في نوعنا هذا ولا يعض فيه بضرس قاطع والكلام بذلك متى صادف متممات البلاغة افتر لك عن السحر الحلال بما شئت ومن المتممات ما قد سبق لي أن نظم الكلام إذا استحسن من بليغ لا يمتنع أن لا يستحسن مثله من غير البليغ وإن اتحد المقام إذ لا شبهة في صحة اختلاف النظم مقبولا وغير مقبول عند اختلاف المقام فلا بد لحسن الكلام من انطباق له على ما لأجله يساق ومن صاحب له عراف بجهات الحسن لا يتخطاها وإلا لم يمتنع حمل الكلام منه على غيرها ويتعرى عن الحسن لذهاب كسوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ولا بد مع ذلك من إذن لافتنانات البلاغة مصوغة فما الآفة العظمى والبلية الكبرى لتلك الافتنانات إلا من أصمخة هي لغيرها مخلوقة إذا اتصل بذويها كلام لا ترى به الدر الثمين مسخه جهلهم مسخا يفوقه قيمة المشخلب، ولأمر ما تجد القرآن متفاوت القدر ارتفاعا وانحطاطا بين العلماء في نوعنا هذا وبين الجهلة والجهات المحسنة لاستعمال الخبر في موضع الطلب تكثر تارة تكون قصد التفاؤل بالوقوع كما إذا قيل ذلك في مقام الدعاء أعاذك الله من الشبهة وعصمك من الحيرة ووفقك للتقوى ليتفاءل بلفظ المضي على عدها من الأمور الحاصلة التي حقها الأخبار عنها بأفعال ماضية وأنه نوع مستحسن الاعتبار وقل لي إذا حسن اعتبار ما هو أبعد كإباء الكتاب في حق المخدرات لفظ حراستها وما هو أبعد وأبعد كإباء أهل الظرف إهداء السفرجل على الأحبة لاشتمال اسمه إذا سمي بالعربية على حروف سفرجل فما ظنك بالقريب وهل خلع هارون على كاتبه إذ سأله عن شيء فقال لا وأيد الله أمير المؤمنين إلا لأنه لم يسمع ما عليه الأغبياء فيما بينهم من لا أيدك الله بترك الواو، أو غير هارون حين خرج على ناحية لمطالعة عمارتها وقد تراءت له في طريقه أشجر من بعيد فسأل عنها كاتبا يصحبه فقال الكاتب شجرة الوفاق تفاديا عن لفظ الخلاف فكساه، أفترى ذلك لغير ما نحن فيه؟ أو هل حين غضب الداعي على شاعره أبى مقاتل الضرير حين افتتح: موعد أحبابك للفرقة غد أغضبه شيء غير معنى التفاؤل حتى قال له موعد أحبابك يا أعمى ولك المثل السوء وأمر بإخراجه، وهل تسمية العرب الفلاة مفازة والعطشان ناهلاً واللديغ سليماً وما شاكل ذلك إلا من باب التفاؤل، فالمفازة هي المنجاة والناهل هو الريان والسليم هو ذو السلامة وتارة لإظهار الحرص في وقوعه، فالطالب متى تبالغ حرصه فيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 يطلب ربما انتقشت في الخيال صورته لكثرة ما يناجي به نفسه فيخيل إليه غير الحاصل حاصلاً حتى إذا حكم الحس بخلافه غلطه تارة واستخرج له محملا أخرى، وعليه قول شيخ المعرة. ما سرت إلا وطيف منك يصطحبني ... سرى أمامك وتأويبا على أثري يقول لكثرة ما ناجيت نفسي بك انتقشت في خيالي فأعدك بين يدي مغلطا للبصر بعلة الظلام إذا لم يدركك ليلا أمامي واعدك خلفي إذا لم يتيسر لي تغليطه حين لا يدركك بين يدي تارة لقصد الكناية كقول العبد لمولى إذا حول عنه الوجه ينظر المولى على ساعة ووجه حسنه إما نفس الكناية إن شئت، وإما الاحتراز عن صورة الأمر وإما هما، وتارة لحمل المخاطب على المذكور أبلغ حمل بألطف وجه كما إذا سمعت من لا تحب أن ينسب على الكذب يقول لك تأتيني غدا أو لا تأتيني، وتارة مناسبات أخر فتأملها ففيها كثرة، وما من آية من آي القرآن واردة على هذا الأسلوب إلا مدارها على شيء من هذه النكت. قال تعالى " وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله " في موضع لا تعبدوا " وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون إلا دماءكم " في موضع لا تسفكوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 " يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله " في موضع آمنوا وجاهدوا، فانظر. ومن هذا القبيل قول كل من يقول من البلغاء في الدعاء رحمه الله أو يرحمه، ومن الجهات المحسنة لإيراد الطلب في مقام الخبر إظهار معنى الرضا بوقوع الداخل تحت لفظ الطلب إظهارا على درجة كأن المرضى مطلوب. قال كثير: أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة فذكر لفظ الأمر بالإساءة ثم عطف عليه بلفظ أو الأمر بضد الإساءة تنبيها بذلك على أن ليس المراد بالأمر الإيجاب المانع عن الترك لكن المراد هو الإباحة التي تنافي تخير المخاطب بين أن يفعل وان لا يفعل فاعلا كل ذلك لتوخي إظهار مزيد الرضى بأي ما اختارت في حقه من الإساءة أو الإحسان أو توخي إظهار نفى أن يتفاوت جوابه بتفاوته وقوعا وعدم وقوع كما يقول صم أو لا تصم فإني لا أترك الصيام توهم من تخاطب انك تطلب منه أن يصوم وينظر في حالك أو لا يصوم وينظر ليتبين ثباتك على الصيام صام هو أم لم يصم، وعليه قوله تعالى " استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " وكذا قوله " أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبل منكم " وما شاكل من ذلك من لطائف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 الاعتبارات والأمر في باب التعجب من نحو أكرم بزيد على قول من يقول إنه بمعنى الخبر آخذا همزته من قبيل ذي كذا جاعلا الباء زائدة مثلها في كفى بالله منخرط في هذا السلك، ولهذا النوع أعني إخراج الكلام لا على مقتضى الظاهر أساليب متفننة إذ ما من مقتضى كلام ظاهري ألا ولهذا النوع مدخل فيه بجهة من جهات البلاغة على ما تنبه على ذلك منذ اعتنينا بشأن هذه الصناعة وترشد إليه تارة بالتصريح وتارات بالفحوى، ولكل من تلك الأساليب عرق في البلاغة يتشرب من أفانين سحرها ولا كأسلوب الحكيم فيها وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب كما قال: أنت تشتكي عندي مزاولة القرى ... وقد رأت الضيفان ينحون منزلي فقلت كأني ما سمعت كلامها ... هم الضيف جدي في قراهم وعجلي أو السائل بغير ما يتطلب كما قال تعالى " يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج " قالوا في السؤال ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط، ثم يتزايد قليلا قليلا حتى يمتلئ ويستوي ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ فأجيبوا بما ترى، وكما قال يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل " سألوا عن بيان ما ينفقون فأجيبوا ببيان المصرف، ينزل سؤال السائل منزلة سؤال غير سؤاله لتوخي التنبيه له بألطف وجه على تعديه عن موضع سؤال هو أليق بحاله أن يسأل عنه أو أهم له إذا تأمل، وأن هذا الأسلوب الحكيم لربما صادف المقام فحرك من نشاط السامع ما سلبه حكم الوقور وأبرزه في معرض المسحور، وهل ألان شكيمة الحجاج لذلك الخارجي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 وسل سخيمته حتى آثر أن يحسن على أن يسيء غير أن سحره بهذا الأسلوب إذ توعده الحجاج بالقيد في قوله لأحملنك على الأدهم فقال متغابياً مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب مبرزا وعيده في معرض الوعد متوصلاً أن يريه بألطف وجه أن أمراً مثله في مسند الإمرة المطاعة خليق بأن يصفد لا أن يصفد أن يعد لا أن يوعد. وليكن هذا آخر كلامنا الآن في علم المعاني منتقلين عنه على علم البيان بتوفيق الله تعالى وعونه حتى إذا قضينا الوطر من إيرادنا منه لما نحن له استأنفنا الأخذ في التعرض للعلمين لتتميم المراد منهما بحسب المقامات إن شاء الله تعالى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 الفصل الثاني في علم البيان والخوض فيه يستدعي تمهيد قاعدة وهي أن محاولة إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه والنقصان بالدلالات الوضعية غير ممكن فإنك إذا أردت تشبيه الخد بالورد في الحمرة مثلا وقلت خد يشبه الورد امتنع أن يكون كلام مؤد لهذا المعنى بالدلالات الوضعية أكمل منه في الوضوح أو أنقص فإنك إذا أقمت مقام كل كلمة منها ما يرادفها فالسامع إن كان عالما بكونها موضوعة لتلك المفهومات كان فهمه منها كفهمه من تلك من غير تفاوت في الوضوح وإلا لم يفهم شيئاً أصلا وإنما يمكن ذلك في الدلالات العقلية مثل أن يكون لشيء تعلق بآخر ولثان ولثالث فإذا أريد التوصل بواحد منها على المتعلق به فمتى تفاوتت تلك الثلاثة في وضوح التعلق وخفائه صح في طريق إفادته الوضوح والخفاء، وإذا عرفت هذا عرفت أن صاحب علم البيان له فضل احتياج على التعرض لأنواع دلالات الكلم فنقول: لا شبهة في أن اللفظة متى كانت موضوعة لمفهوم أمكن أن تدل عليه من غير زيادة ولا نقصان بحكم الوضع، وتسمى هذه دلالة المطابقة ودلالة وضعية ومتى كان لمفهومها ذلك ولنسمه أصلياً تعلق بمفهوم آخر أمكن أن تدل عليه بوساطة ذلك التعلق بحكم العقل سواء كان ذلك المفهوم الآخر داخلاً في مفهومها الأصلي كالسقف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 مثلا في مفهوم البيت ويسمى هذا دلالة التضمن ودلالة عقلية أيضا أو خارجا عنه كالحائط عن مفهوم السقف وتسمى هذه دلالة الالتزام ودلالة عقلية أيضاً ولا يحب في ذلك التعلق أن يكون مما يثبته العقل بل إن كان مما يثبته اعتقاد المخاطب إما لعرف أو لغير عرف أمكن المتكلم أن يطمع من مخاطبه ذلك في صحة أن ينتقل ذهنه من المفهوم الأصلي على الآخر بواسطة ذلك التعلق بينهما في اعتقاده، وإذا عرفت أن إيراد المعنى الواحد على صور مختلفة لا يتأتى إلا في الدلالات العقلية وهي الانتقال من معنى على معنى بسبب علاقة بينهما كلزوم أحدهما الآخر بوجه من الوجوه ظهر لك أن علم البيان مرجعه اعتبار الملازمات بين المعاني، ثم إذا عرفت أن اللزوم إذا تصور بين الشيئين فإما أن يكون من الجانبين كالذي بين الأمام والخلف بحكم العقل أو بين طول القامة وبين طول النجاد بحكم الاعتقاد أو من جانب واحد كالذي بين العلم والحياة بحكم العقل أو بين الأسد والجراءة بحكم الاعتقاد ظهر لك أن مرجع علم البيان اعتبار هاتين الجهتين جهة الانتقال من ملزوم على لازم وجهة الانتقال من لازم على ملزوم ولا يربك بظاهره الانتقال من أحد لازمي الشيء على الآخر مثل ما إذا انتقل من بياض الثلج على البرودة فمرجعه ما ذكر ينتقل من البياض على الثلج ثم من الثلج على البرودة فتأمل، وإذا ظهر لك أن مرجع علم البيان هاتان الجهتان علمت انصباب علم البيان على التعرض للمجاز والكناية فإن المجاز ينتقل فيه من الملزوم على اللازم كما تقول رعينا غيثا، والمراد لازمه وهو النبت، وقد سبق أن اللزوم لا يجب أن يكون عقلياً بل إن كان اعتقادياً إما لعرف أو لغير عرف صح البناء عليه. وأما نحو قولك أمطرت السماء نباتا: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 أي غيثا من المجازات المنتقل فيها عن اللازم على الملزوم فمنخرط في سلك رعينا الغيث وفصل ترجيح المجاز على الحقيقة والكناية على التصريح إذا انتهينا إليه يطلعك على كيفية انخراطه في سلكه بإذن الله تعالى، والمطلوب بهذا التكلف هو الضبط فاعلم وأن الكناية ينتقل فيها من اللازم على الملزوم كما تقول فلان طويل النجاد، والمراد طول القامة الذي هو ملزوم طول النجاد فلا يصار على جعل النجاد طويلا أو قصيرا إلا لكون القامة طويلة أو قصيرة فلا علينا أن نتخذهما أصلين وإذ لا يخفى أن طريق الانتقال من الملزوم على اللازم طريق واضح بنفسه ووضوح طريق الانتقال من اللازم على الملزوم إنما هو بالغير وهو العلم بكون اللازم مساويا للملزوم أو أخص منه فلا عتب في تأخير الكناية لكونها بالنظر على هذه الجهة نازلة من المجاز منزلة المركب من المفرد، ثم إن من المجاز أعني الاستعارة من حيث أنها من فروع التشبيه كما ستقف عليه لا تتحقق بمجرد حصول الانتقال من الملزوم على اللازم بل لا بد فيها من تقدمة تشبيه شيء بذلك الملزوم في لازم له تستدعي تقديم التعرض للتشبيه فلا بد من أن نأخذه أصلاً ثالثا ونقدمه فهو الذي إذا مهرت فيه ملكت زمام التدرب في فنون السحر البياني. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 الأصل الأول من علم البيان في الكلام في التشبيه لا يخفى عليك أن التشبيه مستدع طرفين مشبهاً ومشبهاً به واشتراكاً بينهما من وجه وافتراقا من آخر مثل أن يشتركا في الحقيقة ويختلفا في الصفة أو بالعكس. فالأول كالإنسانين إذا اختلفا صفة طولا وقصرا، والثاني كالطويلين إذا اختلفا حقيقة إنساناً وفرساً وإلا فأنت خبير بأن ارتفاع الاختلاف من جميع الوجوه حتى التعين يأبى التعدد فيبطل التشبيه لأن تشبيه الشيء لا يكون إلا وصفا له بمشاركته المشبه به في أمر والشيء لا يتصف بنفسه كما أن عدم الاشتراك بين الشيئين في وجه من الوجوه يمنعك محاولة التشبيه بينهما لرجوعه على طلب الوصف حيث لا وصف وأن التشبيه لا يصار إليه إلا لغرض وأن حاله تتفاوت بين القرب والبعد وبين القبول والرد، هذا القدر المجمل لا يحوج على دقيق نظر إنما المحوج هو تفصيل الكلام في مضمونه وهو طرفا التشبيه ووجه التشبيه والغرض في التشبيه وأحوال التشبيه ككونه قريباً أو غريباً مقبولاً أو مردوداً فظهر من هذا أن لا بد من النظر في هذه المطالب الأربعة فلننوعه أربعة أنواع. النوع الأول النظر في طرفي التشبيه المشبه. والمشبه به إما أن يكونا مستندين على الحس كالخد عند التشبيه بالورد في المبصرات وكالأطيط عند التشبيه بصوت الفراريج في المسموعات وكالنكهة عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 التشبيه بالعنبر في المشمومات وكالريق عند التشبيه بالخمر في المذوقات وكالجلد الناعم عند التشبيه بالحرير في الملموسات. وأما ما يستند على الخيال كالشقيق عند التشبيه بأعلام ياقوت منشرة على رماح من الزبرجد فهو في قرن الحسيات ملزوز تقليلا للاعتبار وتسهيلا على المتعاطي، وإما أن يكونا مستندين على العقل كالعلم إذا شبه بالحياة، وإما أن يكون المشبه معقولا والمشبه به محسوسا كالعدل إذا شبه بالقسطاس وكالمنية إذا شبهت بالسبع وكحال من الأحوال إذا شبهت بناطق أو بالعكس من ذلك كالعطر إذا شبه بخلق كريم. وأما الوهميات المحضة كما إذا قدرنا صورة وهمية محضة مع المنية مثلا ثم شبهناها بالمخلب أو بالناب المحققين، فقلنا افترست المنية فلانا بشيء هو لها شبيه بالمخلب أو بشيء هو لها شبيه بالناب أو مع الحال ثم شبهناها باللسان، فقلنا نطقت الحال بشيء هو لها شبيه باللسان فملحقة بالعقليات، وكذا الوجدانيات كاللذة والألم والشبع والجوع فاعرفه. النوع الثاني النظر في وجه التشبيه. لما انحصر التشبيه بين أن يكون الاشتراك بالحقيقة والافتراق بالصفة تارة مثل جسمين أبيض وأسود وكذا مثل أنف ومرسن فهما مشتركان في الحقيقة وهو العضو المعلوم، وإنما يفترقان باتصاف أحدهما بالاختصاص بالإنسان واتصاف الآخر بالاختصاص بالمرسونات وما جرى مجراهما من نحو شفة وجحفلة ورجل وحافر وبين أن يكون الاشتراك بالصفة تارة والافتراق بالحقيقة أخرى مثل طويلين جسم وخط والوصف حين انحصر بين أن يكون مستندا على الحس كالكيفيات الجسمانية مثل الاتصاف بما يدرك بالبصر من الألوان والأشكال والمقادير والحركات، وما يتصل بها من الحسن والقبح وغير ذلك أو بما يدرك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 بالسمع من الأصوات الضعيفة أو القوية أو التي بين بين أو بما يدرك بالذوق من أنواع الطعوم أو بما يدرك بالشم من أنواع الروائح أو بما يدرك باللمس من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والخشونة والملاسة واللين والصلابة ومن الخفة والثقل، وما ينضاف إليها وبين أن يكون مستندا على العقل والعقلي أيضا لما انحصر بين حقيقي كالكيفيات النفسانية مثل الاتصاف بالذكاء والتيقظ والمعرفة والعلم والقدرة والكرم والسخاء والحلم والغضب وما جرى مجراها من الغرائز والأخلاق وبين اعتباري ونسبي كاتصاف الشيء بكونه مطلوب الوجود أو العدم عند النفس أو بكونه مطموعا فيه أو بعيدا عن الطمع أو بشيء تصوري وهمي محض ومن المعلوم عندك أن الحقائق منقسمة على بسائط وذوات أجزاء مختلفة وأن في الصفات ما مرجعها أمر واحد وما مرجعها أكثر ظهر لك مما ذكر أن وجه التشبيه يحتمل أن يتفاوت فنقول وبالله التوفيق: وجه التشبيه إما أن يكون أمراً واحداً أو غير واحد وغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 الواحد إما أن يكون في حكم الواحد لكونه إما حقيقة ملتئمة، وإما أوصافا مقصودا من مجموعها على هيئة واحدة أو لا يكون في حكم الواحد فهذه أقسام ثلاثة. أما الأول فإما أن يكون حسيا أو عقليا ولا بد للحسي من أن يكون طرفاه حسيين لامتناع إدراك الحس من غير المحسوس جهة دون العقلي فإنه يعم أنواع الطرفين الأربعة المذكورة لصحة إدراك العقل من المحسوس جهة ولذلك تسمع علماء هذا الفن رضوان الله عليهم أجمعين يقولون التشبيه بالوجه العقلي أعم من التشبيه بالوجه الحسي فالحسي كالخد إذا شبه بالورد في الحمرة وكالصوت الضعيف إذا شبه بالهمس في الخفاء وكالنكهة إذا شبهت بالعنبر في طيب الرائحة وكالريق إذا شبه بالخمر في لذة الطعم على زعم القوم وكالجلد الناعم إذا شبه بالحرير في لين المس. وههنا نكتة لا بد من التنبيه لها وهي أن التحقيق في وجه الشبه يأبى أن يكون غير عقلي وذلك أنه متى كان حسيا وقد عرفت أنه يجب أن يكون موحوداً في الطرفين وكل موجود فله تعين فوجه الشبه مع المشبه متعين فيمتنع أن يكون هو بعينه موحوداً مع المشبه به لامتناع حصول المحسوس المعين ههنا مع كونه بعينه هناك بحكم ضرورة العقل وبحكم التنبيه على امتناعه إن شئت وهو استلزامه إذا عدمت حمرة الخد دون حمرة الورد أو بالعكس كون الحمرة معدومة موجودة معا وهكذا في أخواتها بل يكون مثله مع المشبه به لكن المثلين لا يكونان شيئاً واحداً ووجه الشبه بين الطرفين كما عرفت واحد فيلزم أن يكون أمراً كليا مأخوذا من المثلين بتجريدهما عن التعين لكن ما هذا شأنه فهو عقلي ويمتنع أن يقال فالمراد بوجه الشبه حصول المثلين في الطرفين فإن المثلين متشابهان فمعهما وجه تشبيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 فإن كان عقليا كان المرجع في وجه الشبه العقل في المآل، وإن كان حسيا استلزم أن يكون مع المثلين مثلان آخران وكان الكلام فيهما كالكلام فيما سواهما ويلزم التسلسل وتمام التحقيق موضعه علوم أخر، والعقلي كوجود الشيء العديم النفع إذا شبه بعدمه في العراء عن الفائدة أو كالعلم إذا شبه بالحياة في كونهما جهتي إدراك فيما طرفاه معقولان وكالرجل إذا شبه بالأسد في الجراءة وكأصحاب النبي عليه السلام ورضي الله عنهم إذا شبهوا بالنجوم في مطلق الاهتداء بذلك فيما طرفاه محسوسان وكالعلم إذا شبه بالنور في الهداية أو كالعدل إذا شبه بالقسطاس في تحصيل ما بين الزيادة والنقصان فيما المشبه معقول والمشبه به محسوس وكالعطر إذا شبه بخلق كريم في استطابة النفس إياهما أو كالنجوم إذا شبهت بالسنن في عدم الخفاء فيما المشبه محسوس والمشبه به معقول وفي أكثر هذه الأمثلة في معنى وحدتها تسامح فاعرف. وأما القسم الثاني وهو أن يكون وجه التشبيه غير واحد لكنه في حكم الواحد فهو على نوعين إما أن يكون مستندا على الحس كسقط النار إذا شبه بعين الديك في الهيئة الحاصلة من الحمرة والشكل الكري والمقدار المخصوص وكالثريا إذا شبهت بعنقود الكرم المنور في الهيئة الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرة الصغار المقادير في المرأى على كيفية مخصوصة على مقدار مخصوص وكالشاة الجبلي إذا شبه بحمار أبتر مشقوق الشفة والحوافر نابت على رأسه شجرتا غضا وكالشمس إذا شبهتها بالمرآة في كف الأشل في الهيئة الحاصلة التي تؤديها من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة وشبه تموج الإشراق أو إذا شبهتها بالبوتقة فيها ذهب ذائب كما قال: مثلة في معنى وحدتها تسامح فاعرف. وأما القسم الثاني وهو أن يكون وجه التشبيه غير واحد لكنه في حكم الواحد فهو على نوعين إما أن يكون مستندا على الحس كسقط النار إذا شبه بعين الديك في الهيئة الحاصلة من الحمرة والشكل الكري والمقدار المخصوص وكالثريا إذا شبهت بعنقود الكرم المنور في الهيئة الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرة الصغار المقادير في المرأى على كيفية مخصوصة على مقدار مخصوص وكالشاة الجبلي إذا شبه بحمار أبتر مشقوق الشفة والحوافر نابت على رأسه شجرتا غضا وكالشمس إذا شبهتها بالمرآة في كف الأشل في الهيئة الحاصلة التي تؤديها من الاستدارة مع الإشراق والحركة السريعة المتصلة وشبه تموج الإشراق أو إذا شبهتها بالبوتقة فيها ذهب ذائب كما قال: والشمس من مشرقها قد بدت ... مشرقة ليس لها حاجب كأنها بوتقة أحميت ... يجول فيها ذهب ذائب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 في الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع صفاء اللون واتصال الحركة وشبه مراوحة المتحرك بين انبساط وانقباض، وذلك لأن البوتقة إذا أحميت وذاب فيها الذهب وأخذ يتحرك فيها بجملته من غير غليان متشكلا بشكل البوتقة في الاستدارة تلك الحركة العجيبة كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب البوتقة لما في طبعه من النعومة ثم يبدو له فيرجع على الانقباض لما بين أجزائه من كمال التلاحم وقوة الاتصال والبوتقة في ضمن ذلك متحركة تبعاً مؤدية مع الذهب الذائب فيها الهيئة المذكورة فإن الشمس إذا أحد الإنسان النظر إليها ليتبين جرمها وجدها مؤدية للهيئتين، وكوجه الشبه في قوله: كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه فليس المراد من التشبيه تشبيه النقع بالليل ثم تشبيه السيوف بالكواكب إنما المراد تشبيه الهيئة الحاصلة من النقع الأسود والسيوف البيض متفرقات فيه بالهيئة الحاصلة من الليل المظلم والكواكب المشرقة في جوانب منه، وفي قوله: وكأن أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزرق فليس المراد تشبيه النجوم بالدرر ثم تشبيه السماء بالبساط الأزرق إنما المراد تشبيه الهيئة الحاصلة من النجوم البيض المتلألئة في جوانب من أديم السماء الملقية قناعها عن الزرقة الصافية بالهيئة الحاصلة المستطرفة من درر منثورة على بساط أزرق دون شيء آخر مناسب للدرر في الحسن والقيمة، وفي قوله: كأنما المريخ والمشتري ... قدامه في شامخ الرفعه منصرف بالليل عن دعوة ... قد أسرجت قدامه شمعه فالمراد تشبيه الهيئة الحاصلة من المريخ والمشتري قدامه بالهيئة الحاصلة من المنصرف عن الدعوة مسرج الشمع من دونه وتسمى أمثال ما ذكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 من الأبيات تشبيه المركب بالمركب والمذكور قبلها تشبيه المفرد بالمفرد، وهذا فن له فضل احتاج على سلامة الطبع وصفاء القريحة فليس الحاكم في تمييز البابين إذا التبس أحدهما بالآخر سوى ذلك، ومن تشبيه المفرد بالمفرد قوله: كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العناب والحشف البالي وإما أن يكون مستنداً على العقل كما إذا شبهت أعمال الكفرة بالسراب في المنظر المطمع مع المخبر المؤيس وكما إذا شبهت الحسناء من منبت السوء بخضراء الدمن في حسن المنظر المنضم على سوء المخبر والتعري عن إثمار خير أو الجماعة المتناسبة في الخصال الممتنعة لذلك عن تعيين فاضل بينهم ومفضول بالحلقة المفرغة الممتنعة عن تعيين بعضه طرفاً وبعضه وسطاً. وأما القسم الثالث وهو أن لا يكون وجه التشبيه أمراً واحداً ولا منزلا منزلة الواحد فهو على أقسام ثلاثة أن يكون تلك الأمور حسية أو عقلية أو البعض حسياً والبعض عقلياً، فالأول كما إذا شبهت فاكهة بأخرى في لون وطعم ورائحة. والثاني إذا شبهت بعض الطيور بالغراب في حدة النظر وكمال الحذر وإخفاء السفاد. والثالث كما إذا شبهت إنسانا بالشمس في حسن الطلعة ونباهة الشأن وعلو الرتبة. واعلم أنه ليس بملتزم فيما بين أصحاب علم البيان أن يتكلفوا التصريح بوجه التشبيه على ما هو به بل قد يذكرون على سبيل التسامح ما إذا أمعنت فيه النظر لم تجده إلا شيئاً مستتبعاً لما يكون وجه التشبيه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 المآل فلا بد من التنبيه عليه من ذلك قولهم في الألفاظ ذا وجدوها لا تثقل على اللسان ولا تكده بتنافر حروفها أو تكرارها ولا تكون غريبة وحشية تستكره لكونها غير مألوفة ولا مما تشتبه معانيها وتستغلق فيصعب الوقوف عليها وتشمئز عنها النفس هي كالعسل في الحلاوة وكالماء في السلاسة وكالنسيم في الرقة، وقولهم في الحجة المطلوب بها قلع الشبهة متى صادفوها معلومة الأجزاء يقينية التأليف قطعية الاستلزام هي كالشمس في الظهور فيذكرون الحلاوة والسلاسة والرقة والظهور لوجه الشبه على أن وجه الشبه في المآل هناك شيء غيرها، وذلك لازم الحلاوة وهو ميل الطبع إليها ومحبة النفس ورودها عليها ولازم السلاسة والرقة وهو إفادة النفس نشاطا والإهداء على الصدر انشراحا وعلى القلب روحا فشأن النفس مع الألفاظ الموصوفة بتلك الصفات كشأنها مع العسل الشهي الذي يلذ طعمه فتهش النفس له ويميل الطبع إليه ويحب وروده عليه أو كشأنها مع الماء الذي ينساغ في الحلق وينحدر فيه أجلب انحدار للراحة ومع النسيم الذي يسري في البدن فيتخلل المسالك اللطيفة منه فيفيدان النفس نشاطا ويهديان على الصدر انشراحا وعلى القلب روحا ولازم الظهور وهو إزالة الحجاب فشأن البصيرة مع الشبهة كشأن البصر مع الظلمة في كونهما معها كالمحجوبين وانقلاب حالهما على خلاف ذلك مع الحجة إذا بهرت والشمس إذا ظهرت وتسامحهم هذا لا يقع إلا حيث يكون التشبيه في وصف اعتباري كالذي نحن فيه. وأقول يشبه أن يكون تركهم التحقيق في وجه التشبيه على ما سبق التنبيه عليه من تسامحهم هذا، وقد جاريناهم نحن في ذلك كما ترى. واعلم أن حق وجه التشبيه شموله الطرفين فإذا صادفه صح وإلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 فسد كما إذا جعلت وجه التشبيه في قولهم: النحو في الكلام كالملح في الطعام الصلاح باستعمالهما، والفساد بإهمالهما صح لشمول هذا المعنى المشبه والمشبه به فالملح إن استعمل في الطعام صلح الطعام وإلا فسد والنحو كذلك إذا استعمل في الكلام نحو عرف زيد عمراً برفع الفاعل ونصب المفعول صلح الكلام وصار منتفعا به في تفهم المراد منه وإذا لم يستعمل فيه فلم يرفع الفاعل ولم ينصب المفعول فسد لخروجه عن الانتفاع به وإذا جعلت وجه التشبيه ما قد يذهب إليه ذوو التعنت من أن الكثير من الملح يفسد الطعام والقليل يصلحه فالنحو كذلك فسد لخروجه إذ ذاك عن شمول الطرفين على الاختصاص بالمشبه به، فإن التقليل أو التكثير إنما يتصور في الملح بأن يجعل القدر المصلح منه للطعام مضاعفاً مثلا، أما في النحو فلا لامتناع جعل رفع الفاعل أو نصب المفعول مضاعفاً هذا وربما أمكن تصحيح قول المتعنتين ولكنه ليس مما يهمنا الآن. النوع الثالث: النظر في الغرض من التشبيه. الغرض من التشبيه في الأغلب يكون عائدا على المشبه ثم قد يعود على المشبه به، فإذا كان عائداً إلى المشبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 فإما أن يكون لبيان حاله كما إذا قيل لك ما لون عمامتك قلت كلون هذه وأشرت على عمامة لديك، وإما أن يكون لبيان مقدار حاله كما إذا قلت هو في سواده كحلك الغراب، وإما أن يكون لبيان إمكان وجوده كما إذا رمت تفضيل واحد على الجنس على حد يوهم إخراجه عن البشرية على نوع أشرف وأنه في الظاهر كما ترى أمر كالممتنع فتتبعه التشبيه لبيان إمكانه قائلا حاله كحال المسك الذي هو بعض دم الغزال وليس يعد في الدماء ما اكتسب من الفضيلة الموجبة إخراجه على نوع أشرف من الدم. وإما أن يكون لتقوية شأنه في نفس السامع وزيادة تقرير له عنده كما إذا كنت مع صاحبك في تقرير أنه لا يحصل من سعيه على طائل، ثم أخذت ترقم على الماء وقلت هل أفاد رقمي على الماء نقشاما أنك في سعيك هذا كرقمي على الماء فإنك تجد لتمثيلك هذا من التقرير ما لا يخفى، وإما أن يكون لإبرازه على السامع في معرض التزيين أو التشويه أو الاستطراف وما شاكل ذلك كما إذا شبهت وجها أسود بمقلة الظبي إفراغا له في قالب الحسن ابتغاء تزيينه أو كما إذا شبهت وجها مجدورا بسلحة جامدة، وقد نقرتها الديكة إظهارا له في صورة أشوه إرادة ازدياد القبح والتنفير أو كما إذا شبهت الفحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب نقلا له عن صحة الوقوع على امتناعه عادة ليستطرف وللاستطراف وجه آخر وهو أن يكون المشبه به نادر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 الحضور في الذهن، إما في نفس الأمر كالذي نحن فيه، فإذا أحضر استطرف استطراف النوادر عند مشاهدتها واستلذ استلذاذها لجدتها فلكل جديد لذة، وإما مع حضور المشبه في أوان الحديث فيه مثل حضور النار والكبريت مع حديث البنفسج والرياض كما في قوله: ولازوردية تزهو بزرقتها ... بين الرياض على حمر اليواقيت كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريت فإن صورة اتصال النار بأطراف الكبريت ليست مما يمكن أن يقال أنها نادرة الحضور في الذهن ندرة صورة بحر من المسك موجه الذهب، وإنما النادر حضورها مع حديث البنفسج فإذا أحضر إحضارا مع الشبه استطرف لمشاهدة عناق بين صورتين لا تتراءى ناراهما، وهل الحكاية المعروفة في حديث حسد جرير لعدي بن الرقاع إلا لعين ما نحن فيه. يحكى أن جريرا قال أنشدني عدي عرف الديار توهما فاعتادها فلما بلغ على قوله تزجى أغن كأن إبرة روقه رحمته، وقلت قد وقع ما عساه يقول وهو أعرابي جلف جاف فلما قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 قلم أصاب من الدواة مدادها ... استحالت الرحمة حسدا. وأما الغرض العائد على المشبه به فمرجعه على إيهام كونه أتم من المشبه في وجه التشبيه كقوله: وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح فإنه تعمد إيهام أن وجه الخليفة في الوضوح أتم من الصباح وكقوله: وكأن النجوم بين دجاها ... سنن لاح بينهن ابتداع فإنه حين رأى ذوي الصياغة للمعاني شبهوا الهدى والشريعة والسنن وكل ما هو علم بالنور لجعل صاحبها في حكم من يمشي في نور الشمس فيهتدي على الطريق المعبد فلا يتعسف فيعثر تارة على عدو قتال ويتردى أخرى في مهواة مهلكة وشبهوا الضلالة والبدعة وكل ما هو جهل بالظلمة لجعل صاحبها في حكم من يخبط في الظلماء فلا يهتدي على الطريق فلا يزال بين عثور وبين ترد قصد في تشبيه هذا تفضيل السنن في الوضوح على النجوم وتنزيل البدع في الإظلام فوق الدياجي، وكقوله: ولقد ذكرتك والظلام كأنه ... يوم النوى وفؤاد من لم يعشق فإنه أيضا حين رأى الأوقات التي تحدث فيها المكاره وصفت بالسواد كقولهم: اسود النهار في عيني وأظلمت الدنيا علي جعل يوم النوى كأنه أعرف وأشهر بالسواد من الظلام فشبهه به ثم عطف عليه فؤاد من لم يعشق تطرفا فإن الغزل يدعى القسوة من لا يعرف العشق والقلب القاسي يوصف بشدة السواد فنظمه في سلكه وكقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 كأن انتصار البدر من تحت غيمه ... نجاء من البأساء بعد وقوع فإنه لما رأى العادة جارية أن يشبه المتخلص من البأساء بالبدر الذي ينحسر عند الغمام قلب التشبيه ليرى أن صورة النجاء من البأساء لكونها مطلوبة فوق كل مطلوب أعرف عند الإنسان من صورة انتضاء البدر من تحت غيمه فشبه هذه بتلك، وكقوله: وأرض كأخلاق الكرام قطعتها ... وقد كحل الليل السماك فأبصرا فإنه لما رأى استمرار وصف الأخلاق بالضيق وبالسعة تعمد تشبيه الأرض الواسعة بخلق الكريم ادعاء أنه في تأدية معنى السعة أكمل من الأرض المتباعدة الأطراف ومن الأمثلة ما يحكيه جل وعلا عن مستحلي الربا من قولهم إنما البيع مثل الربوا في مقام إنما الربا مثل البيع لأن الكلام في الربا لا في البيع ذهابا منهم على جعل الربا في باب الحل أقوى حالاً وأعرف من البيع ومن الأمثلة ما قال تعالى " أفمن يخلق كمن لا يخلق " لمزيد التوبيخ فيه دون أن يقول أفمن لا يخلق كمن يخلق مع اقتضاء المقام بظاهره إياه لكونه إلزاما للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيها بالله تعالى فقد جعلواً غير الخالق مثل الخالق. وعندي أن الذي تقتضيه البلاغة القرآنية هو أن يكون المراد بمن لا يخلق الحي العالم القادر من الخلق لا الأصنام وأن يكون الإنكار موجها على توهم تشبيه الحي العالم القادر من الخلق به تعالى ونقدس عن ذلك علواً كبيراً تعريضا به عن أبلغ الإنكار لتشبيه ما ليس بحي عالم قادر به تعالى ويكون قول - هـ " أفلا تذكرون " تنبيه وتوبيخ على مكان التعريض، وقوله عز وجل " أرأيت من اتخذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 إلهه هواه " بدل أرأيت من اتخذ هواه إلهه مصبوب في هذا القالب فأحسن التأمل تر التقديم قد أصاب شاكلة الرمي، وإنما جعلنا الغرض العائد على المشبه به هو ما ذكرنا لأن المشبه به حقه أن يكون أعرف بجهة التشبيه من المشبه وأخص بها وأقوى حالاً معها وإلا لم يصح أن يذكر لبيان مقدار المشبه ولا لبيان إمكان وجوده ولا لزيادة تقريره على الوجه الذي تقدم ولا لإبرازه في معرض التزيين كالوجه الأسود إذا أشبهته بمقلة الظبي محاولا لنقل استحسان سوادها على سواد الوجه أو معرض التشويه كالوجه المجدور إذا شبهته بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة أراد نقل مزيد استقباحها ونفرتها على جدري الوجه لامتناع تعريف المجهول بالمجهول وتقرير الشيء بما يساويه التقرير الأبلغ أو معرض الاستطراف كالفحم فيه جمر موقد إذا شبهته ببحر من المسك موجه الذهب نقلا لامتناع وقوعه على الواقع ليستطرف أو للوجه الآخر على ما تقدم لمثل ما ذكر، وربما كان الغرض العائد على المشبه به بيان كونه أهم عند المشبه كما إذا أشير لك على وجه كالقمر في الإشراق والاستدارة وقيل هذا الوجه يشبه ماذا؟ فقلت الرغيف إظهارا لاهتمامك بشأن الرغيف لا غير وهذا الغرض يسمى إظهار المطلوب ولا يحسن المصير إليه إلا في مقام الطمع في تسني المطلوب كما يحكى عن الصاحب رحمه الله أن قاضي سجستان دخل عليه فوجده الصاحب متفننا فأخذ يمدحه حتى قال وعالم يعرف بالسجزي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 وأشار للندماء أن ينظموا على أسلوبه ففعلواً واحداً بعد واحد على أن انتهت النوبة على شريف في البين فقال أشهى على النفس من الخبز فأمر الصاحب أن يقدم له مائدة وأما إذا تساوى الطرفان المشبه والمشبه به في جهة التشبيه فالأحسن ترك التشبيه على التشابه ليكون كل واحد من الطرفين مشبهاً ومشبهاً به تفاديا من ترجيح أحد المتساويين، ويظهر من هذا أن التشبيه إذا وقع في باب التشابه صح فيه العكس بخلافه فيما عداه وكان حكم المشبه به إذ ذاك غير ما تلي عليك فصح أن يقال لون هذه العمامة كلون تلك وأن يقال لون تلك كلون هذه وأن يقال بدا الصبح كغرة الفرس وبدت غرة الفرس كالصبح متى كان المراد بالشبه وقوع منير في مظلم وحصول بياض في سواد مع كون البياض قليلاً بالإضافة على السواد وأن يقال الشمس كالمرآة المجلوة أو كالدينار الخارج من السكة كما قال وكأن الشمس النيرة دينار جلته حائد الضرب وأن يقال المرآة المجلوة أو الدينار الخارج من السكة كالشمس متى كان القصد من التشبيه على مجرد مستدير يتلألأ متضمن في اللون لكون وجه التشبيه في جميع ذلك غير مختص بأحد الطرفين زيادة اختصاص. واعلم أن التشبيه متى كان وجهه وصفا غير حقيقي وكان منتزعا من عدة أمور خص باسم التمثيل كالذي في قوله: اصبر على مضض الحسو ... د فإن صبرك قاتله فالنار تأكل نفسها ... إن لم تجد ما تأكله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 فإن تشبيه الحسود المتروك مقاولته بالنار التي لا تمد بالحطب فيسرع فيها الفناء ليس إلا في أمر متوهم له وهو ما تتوهم إذا لم تأخذ معه في المقاولة مع علمك بتطلبه إياها عسى أن يتوصل بها على نفثة مصدور من قيامه إذ ذاك مقام أن تمنعه ما يمد حياته ليسرع فيه الهلاك وأنه كما ترى منتزع من عدة أمور، وكالذي في قوله: وإن من أدبته في الصبا ... كالعود يسقي الماء في غرسه حتى تراه مورقا ناضرا ... بعد الذي أبصرت من يبسه فإن تشبيه المؤدب في صباه بالعود المسقي أو أن الغرس المونق بأوراقه ونضرته ليس إلا فيما يلازم كونه مهذب الأخلاق مرضي السيرة حميد الفعال لتأدية المطلوب بسبب التأديب المصادف وقته من تمام الميل إليه وكمال استحسان حاله وأنه كما ترى أمر تصوري لا صفة حقيقية وهو مع ذلك منتزع من عدة أمور كالذي من قوله عز من قائل " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون " فإن وجه تشبيه المنافقين بالذين شبهوا بهم في الآية هو رفع الطمع على تسني مطلوب بسبب مباشرة أسبابه القريبة مع تعقب الحرمان والخيبة لانقلاب الأسباب وأنه أمر توهمي كما ترى منتزع من أمور جمة وكالذي في قوله تعالى أيضا " أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت " وأصل النظم أو كمثل ذوي صيب فحذف ذوي لدلالة يجعلون أصابعهم في آذانهم عليه وحذف مثل لما دل عليه عطفه على قوله كمثل الذي استوقد نارا إذ لا يخفى أن التشبيه ليس بين مثل المستوقدين وهو صفتهم العجيبة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 الشأن وبين ذوات ذوي الصيب إنما التشبيه بين صفة أولئك وبين صفة هؤلاء ونظيره قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري على الله فأوقع التشبيه بين كون الحواريين أنصار الله وبين قول عيسى على الحواريين من أنصاري على الله، وإنما المراد كونوا أنصار الله مثل كون الحواريين أنصاره وقت قول عيسى من أنصاري على أن ما مصدري مستعمل ما قال استعمال مقدم الحاج ثم نظير المذكور في حذف المضاف والمضاف إليه قول القائل: أسأل البحار فأنتحي للعقيق وقول الآخر: وقد جعلتني من خزيمة أصبعاً على ما قدر الشيخ أبو علي الفارسي رحمه الله من أسأل سقياً سحابه ومن ذا مسافة إصبع، وحذف المضافات من الكلام عند الدلالة سائغ من ذلك قوله تعالى " فكان قاب قوسين أو أدنى " تقديره فكان مقدار مسافة قرب جبريل عليه السلام مثل قاب قوسين، وإن قوله أو كصيب من السماء على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 الآخر تمثيل لما أن وجه التشبيه بينهم وبين المنافقين هو أنهم في المقام المطمع في حصول المطالب ونجح المآرب لا يحظون إلا بضد المطموع فيه من مجرد مقاساة الأهوال وأنه كما ترى مما نحن بصدده وكذا الذي في قوله عز وجل " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً " فإن وجه التشبيه بين أحبار اليهود الذين كلفوا العمل بما في التوراة ثم لم يعملوا بذلك وبين الحمار الحامل للأسفار هو حرمان الانتفاع بما هو أبلغ شيء بالانتفاع به مع الكد والتعب في استصحابه وليس بمشتبه كونه عائداً على التوهم ومركبا من عدة معان، والذي نحن بصدده من الوصف غير الحقيقي أحوج منظور على التأمل الصادق من ذي بصيرة نافذة وروية ثاقبة لالتباسه في كثير من المواضع بالعقلي الحقيقي لا سيما المعاني التي ينتزع منها فربما انتزع من ثلاثة فأورث الخطأ لوجوب انتزاعه من أكثر نحو قوله: كما أبرقت قوما عطاشا غمامة ... فلما رأوها أقشعت وتجلت إذا أخذت تنتزع وجه التمثيل من قوله: كما أبرقت قوما عطاشا غمامة، فحسب نزلت عن غرض الشاعر من تشبيهه بمراحل فإن مغزاه أن يصل ابتداء مطمعاً بانتهاء مؤيس وذلك يوجب انتزاع وجه التشبيه من مجموع البيت، ثم إن التشبيه التمثيلي متى فشا استعماله على سبيل الاستعارة لا غير سمي مثلا ولورود الأمثال على سبيل الاستعارة لا تغير، وسيأتيك الكلام في الاستعارة بإذن الله تعالى. النوع الرابع النظر في أحوال التشبيه من كونه قريباً أو غريباً مقبولاً أو مردوداً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 والكلام في ذلك يستدعي تقديم أصول وأن أذكر لك ما يرشدك على كيفية سلوك الطريق هناك بتوفيق الله تعالى معدداً عدة منها لتكون لك عدة في درك ما عسى تأخذ في طلبه. منها أن إدراك الشيء مجملا أسهل من إدراكه مفصلا. ومنها أن حضور صورة شيء تتكرر على الحس أقرب من حضور صورة شيء يقل وروده على الحس وحال هذين الأصلين واضح. ومنها أن الشيء مع ما يناسبه أقرب حضورا منه مع ما لا يناسبه فالحمام مع السطل أقرب حضورا منه مع السخل وقد سبق تقريره في باب الفصل والوصل. ومنها أن استحضار الأمر الواحد أيسر من استحضار غير الواحد وحاله أيضا مكشوف. ومنها أن ميل النفس على الحسيات أتم منه على العقليات وأعني بالحسيات ما تجرده منها بناء على امتناع النفس من إدراك الجزئيات على ما نبهت عليه وزيادة ميلها إليها دون غيرها من العقليات لزيادة تعلقها بها بسبب تجريدها إياها بقوة العقل ونظمها لها في سلك ما عداها ولزيادة إلفها بها أيضا لكثرة تأديها إليها من أجل كثرة طرقه وهي الحواس المختلفة المؤدية لها، وأما ما يقال من أن إلف النفس مع الحسيات أتم منه مع العقليات لتقدم إدراك الحس على إدراك العقل فبعد تقرير أن إدراك النفس إنما يكون للمجردات وأن مدرك النفس غير مدرك الحس شيء كما ترى عن إفادة المطلوب بمعزل وعن تحقيق المقصود بألف منزل. ومنها أن النفس لما تعرف أقبل منها لما لا تعرف لمحبتها العلم طبعاً. ومنها أن تجدد صورة عندها أحب إليها وألذ عندها من مشاهدة معاد وأنه من القبول بحيث يغني أن يستعان فيه بتلاوة أكره من معاد ولكل جديد لذة، ولعمري إن التوفيق بين حكم الإلف وبين حكم التكرير أحوج شيء على التأمل فليفعل لأن الإلف مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 الشيء لا يتحصل إلا بتكرره على النفس ولو كان التكرار يورث الكراهة لكان المألوف أكره شيء عند النفس وامتنع إذ ذاك نزعها على مألوف والوجدان يكذب ذلك، وإذ قد تقدم إليك ما ذكرناه فنقول من أسباب قرب التشبيه وكونه نازل الدرجة أن يكون وجهه أمراً واحداً كالسواد في قولك هندي كالفحم أو البياض في قولك شهد كالثلج أو أن يكون المشبه به مناسبا للمشبه كما إذا شبهت الجرة الصغيرة بالكوز أو الجزرة الضخمة المستطيلة بالفجل أو العنبة الكبيرة السوداء بالإجاصة أو أن يكون المشبه به غالب الحضور في خزانة الصور بجهة من الجهات كما إذا شبهت الشعر الأسود بالليل أو الوجه الجميل بالبدر أو المحبوب بالروح، ومن أسباب بعده وغرابته أن يكون وجه التشبيه أمورا كثيرة كما في تشبيه سقط النار بعين الديك أو تشبيه الثريا بعنقود الكرم المنور، أو تشبيه نحو قوله: كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ... وأسيافنا ليل تهوى كواكبه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 أو أن يكون المشبه به بعيد التشبيه عن المشبه كالخنفساء عن الإنسان قبل تشبيه أحدهما بالآخر في اللجاج أو البنفسج عن النار والكبريت قبل تصور التشبيه بين الطرفين أو أن يكون المشبه به نادر الحضور في الذهن لكونه شيئاً وهميا كما في قوله ومسنونة زرق كأنياب أغوال ... أو مركبا خياليا كما في قوله: وكأن محمر الشقيق إذا تصوب أو تصعد أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد أو مركبا عقليا كما في قوله عز قائلا " إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس " وكلما كان التركيب خياليا كان أو عقليا من أمور أكثر كان حاله في البعد والغرابة أقوى، وأما كون التشبيه مقبولا فالأصل فيه هو أن يكون الشبه صحيحا وقد تقدم معنى الصحة وأن يكون كاملا في تحصيل ما علق به من الغرض وأن يكون سليما عن الابتذال مثل أن يكون المشبه به محسوسا أعرف شيء بأمر لون مخصوص أو شكل أو مقدار أو غير ذلك إذا كان الغرض من التشبيه بيان حال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 المشبه من جهة ذلك الأمر أو بيان مقداره على ما هو عليه فالنفس على الأعرف عندها أميل وله متى صادفته أقبل لا سيما فيما إلفها به أكمل لكن يجب في الثاني كون المشبه به مع ما ذكر على حد مقدار المشبه في وجه التشبيه لا أزيد ولا أنقص وكلما كان أدخل في السلامة كان الزيادة أو النقصان كان أدخل في القبول أو مثل أن يكون المشبه به أتم محسوس في أمر حسي هو وجه الشبه إذا قصد تنزيل المشبه الناقص منزلة الكامل أو قصد زيادة تقرير المشبه عند السامع لمثل ما تقدم أو مثل أن يكون المشبه به مسلم الحكم معروفه فيما يقصد من وجه التشبيه إذا كان الغرض من التشبيه بيان إمكان الوجود أو محاولة التزيين أو التشويه فقبول النفس لما تعرف فوق قبولها لما لا تعرف أو مثل أن يكون المشبه به في التشبيه الاستطرافي نادر الحضور في الذهن لبعده عن التصور أو نادر الحضور فيه مع المشبه لبعد نسبته إليه فالنفس تتسارع على قبول نادر يطلع عليها لما تتصور لديه من لذة التجدد وتتمثل من تعريه عن كراهة معاد هذا وإنك متى تفطنت لأسباب قرب التشبيه وتقارب مسلكه وكذا لأسباب انخراطه من القبول في سلكه تفطنت لأسباب بعده وغرابته ولأسباب رده لرداءته، ولن يذهب عليك أن مقرب التشبيه متى كان أقوى كان التشبيه أقرب وكذا مبعده متى كان أقوى كان أغرب وجرى لذلك في شأن قبوله ورده على نحو مجراه في شأن قربه وبعده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 واعلم أن ليس من الواجب في التشبيه ذكر كلمة التشبيه بل إذا قلت زيد أسد واكتفيت بذكر الطرفين عد تشبيها مثله إذا قلت كأن الأسد اللهم إلا في كونه أبلغ ولا ذكر المشبه لفظا، بل إذا كان محذوفا مثله إذا قلت أسد وأي أسد جاعلا المشبه به خبرا مفتقرا على المبتدأ كفى لقصر المسافة بين الملفوظ به في الكلام والمحذوف من بشرائطه في قوة الإفادة وإنما الواجب في التشبيه إذا ترك المشبه أن لا يكون مضروبا عنه صفحا مثله إذا قلت عندي أسد أو رأيت أسدا ونظرت على أسد فإنه لا يعد تشبيها وسيأتيك بيان حاله وإنما عد نحو زيد أسد وقرينه المحذوف المبتدأ تشبيها لأنك حين أوقعت أسدا وهو مفرد غير جملة خبرا لزيد استدعى أن يكون هو إياه مثله في زيد منطلق في أن الذي هو زيد بعينه منطلق وإلا كان زيد أسد مجرد تعديد نحو خيل فرس لا إسنادا لكن العقل يأبى أن يكون الذي هو إنسان هو بعينه أسدا فيلزم لامتناع جعل اسم الجنس وصفا للإنسان حتى يصح إسناده على المبتدأ المصير على التشبيه بحذف كلمته قصدا على المبالغة، وإذا عرفت أن وجود طرفي التشبيه يمنع عن حمل الكلام على غير التشبيه عرفت أن فقد كلمة تشبيه لا تؤثر إلا في الظاهر وعرفت أن نحو رأيت بفلان أسدا ولقيني منه أسد وهو أسد في صورة إنسان وإذا نظرت إليه لم تر إلا أسدا وإن رأيته عرفت جبهة الأسد ولئن لقيته ليلقينك منه الأسد وإذا أردت أسدا فعليك بفلان وإنما هو أسد وليس هو آدميا بل هو أسد كل ذلك تشبيهات لا فرق إلا في شأن المبالغة، فالخيط الأبيض والخيط الأسود في قوله عز وجل قائلا " حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط السود " يعدان من باب التشبيه حيث بينا بقوله " من الفجر " ولولا ذلك لكانا من باب الاستعارة. والحاصل من مراتب التشبيه ثمان: إحداها ذكر أركانه الأربعة وهي المشبه والمشبه به وكلمة التشبيه، ووجه التشبيه كقولك زيد كالأسد في الشجاعة ولا قوة لهذه المرتبة. وثانيتها ترك المشبه كقولك كالأسد في الشجاعة وهي كالأولى في عدم القوة. وثالثتها ترك كلمة التشبيه كقولك زيد أسد في الشجاعة وفيها نوع قوة. ورابعتها ترك المشبه وكلمة التشبيه كقولك أسد في الشجاعة في موضع الخبر عن زيد وهي كالثالثة في القوة وخامستها ترك وجه التشبيه كقولك زيد كالأسد، وهي أيضا قوية لعموم وجه التشبيه وسادستها ترك المشبه، ووجه التشبيه كقولك كالأسد في موضع الخبر عن زيد وحكمها كحكم الخامسة. وسابعتها ترك كلمة التشبيه، ووجه الشبه كقولك زيد أسد وهي أقوى الكل، وثامنتها إفراد المشبه به في الذكر كقولك أسد في الخبر عن زيد وهي كالسابعة. موضع الخبر عن زيد وهي كالثالثة في القوة وخامستها ترك وجه التشبيه كقولك زيد كالأسد، وهي أيضا قوية لعموم وجه التشبيه وسادستها ترك المشبه، ووجه التشبيه كقولك كالأسد في موضع الخبر عن زيد وحكمها كحكم الخامسة. وسابعتها ترك كلمة التشبيه، ووجه الشبه كقولك زيد أسد وهي أقوى الكل، وثامنتها إفراد المشبه به في الذكر كقولك أسد في الخبر عن زيد وهي كالسابعة. واعلم أن الشبه قد ينتزع من نفس التضاد نظرا على اشتراك الضدين فيه من حيث اتصاف كل واحد منهما بمضادة صاحبه ثم ينزل منزلة شبه التناسب بواسطة تمليح أو تهكم فيقال للجبان ما أشبهه بالأسد وللبخيل إنه حاتم ثان، والله المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 ؟؟ الأصل الثاني من علم البيان في المجاز ويتضمن التعرض للحقيقة. والكلام في ذلك مفتقر على تقديم التعرض لوجه دلالات الكلم على مفهوماتها ولمعنى الوضع والواضع. من المعلوم أن دلالة اللفظ على مسمى دون مسمى مع مع استواء نسبته إليهما يمتنع فيلزم الاختصاص بأحدهما ضرورة والاختصاص لكونه أمراً ممكنا يستدعي في تحققه مؤثرا مخصصا وذلك المخصص بحكم التقسيم أما الذات أو غيرها، وغيرها أما الله تعالى وتقدس أو غيره، ثم إن في السلف من يحكي عنه اختيار الأول، وفيها من اختار الثاني وفيهم من اختار الثالث وأطبق المتأخرون على فساد الرأي الأول، ولعمري أنه فاسد فإن دلالة اللفظ على مسمى لو كانت لذاته كدلالته على اللافظ وأنك لتعلم أن ما بالذات لا يزول بالغير لكان يمتنع نقله على المجاز، وكذا على جعله علما ولو كانت دلالته ذاتية لكان ينجب امتناع أن لا تدلنا على معاني الهندية كلماتها وجوب امتناع أن لا تدل على اللافظ لامتناع انفكاك الدليل عن المدلول ولكان يمتنع اشتراك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 اللفظ بين متنافيين كالناهل للعطشان وللريان على ما تسمعه من الأصحاب لا مني لما تقدم لي أن تذكرت وكالجون للأسود والأبيض وكالقرء للحيض والطهر وأمثالها لاستلزامه ثبوت المعنى مع انتفائه متى قلت هو ناهل أو جون ووجوه فساده أظهر من أن تخفى وأكثر من أن تحصى مادام محمولا على الظاهر ولكن الذي يدور في خلدي أنه رمز وكأنه تنبيه على ما عليه أئمة علمي الاشتقاق والتصريف أن للحروف في أنفسها خواص بها تختلف كالجهر والهمس والشدة والرخاوة والتوسط بينهما وغير ذلك مستدعية في حق المحيط بها علما أن لا يسوي بينها وإذا أخذ في تعيين شيء منها لمعنى أن لا يهمل التناسب بينهما قضاء لحق الحكمة مثل ما ترى في الفصل بالفاء الذي هو حرف رخو لكسر الشيء من غير أن يبين، والقصم بالقاف الذي هو حرف شديد لكسر الشيء حتى يبين، وفي الثلم بالميم الذي هو حرف خفيف ما يبنى لخلل في الجدار والثلب بالباء الذي هو حرف شديد للخلل في العرض. وفي الزفير بالفاء لصوت الحمار والزئير بالهمز الذي هو شديد لصوت الأسد وما شاكل ذلك وأن للتركيب كالفعلان والفعلى بتحريك العين منهما مثل النزوان والحيدي وفعل مثل شرف وغير ذلك خواص أيضا فيلزم فيها ما يلزم في الحروف، وفي ذلك نوع تأثير لا نفس الكلم في اختصاصها بالمعاني هذا والحق بعد إما التوقيف والإلهام قولا بأن المخصص هو تعالى، وإما الوضع والإصطلاح قولا بإسناد التخصيص على العقلاء والمرجع بالآخرة فيهما أمر واحد وهو الوضع لكن الواضع إما الله عز وجل وإما غيره والوضع عبارة عن تعيين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 اللفظة بإزاء معنى بنفسها وقولي بنفسها احتراز عن المجاز إذا عينته بإزاء ما أردته بقرينة فإن ذلك التعيين لا يسمى وضعا، وإذا عرفت أن دلالة الكلمة على المعنى موقوفة على الوضع وأن الوضع تعيين الكلمة بإزاء معنى بنفسها وعندك علم أن دلالة معنى على معنى غير ممتنعة عرفت صحة أن تستعمل الكلمة مطلوبا بها نفسها تارة معناها الذي هي موضوعة له ومطلوبا بها أخرى معنى معناها بمعونة قرينة ومبنى كون الكلمة حقيقة ومجازا على ذا، فالحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع كاستعمال الأسد في الهيكل المخصوص فلفظ الأسد موضوع له بالتحقيق ولا تأويل فيه وإنما ذكرت هذا القيد ليحترز به عن الاستعارة ففي الاستعارة تعد الكلمة مشتملة فيما هي موضوعة له على أصح القولين ولا نسميها حقيقة بل نسميها مجازا لغويا لبناء دعوى المستعار موضوعا للمستعار له على ضرب من التأويل كما ستحيط بجميع ذلك علما في موضوعه إن شاء الله تعالى، ولك أن تقول الحقيقة هي الكلمة المستعملة فيما تدل عليه بنفسها دلالة ظاهرة كاستعمال الأسد في الهيكل المخصوص أو القرء في أن لا يتجاوز الطهر والحيض غير مجموع بينهما فهذا يدل عليه بنفسه ما دام منتسبا على الوضعين. أما إذا خصصته بواحد إما صريحا مثل أن تقول القرء بمعنى الطهر، وأما استلزاماً مثل أن تقول القرء لا بمعنى الحيض فإنه حينئذ ينتصب دليلا دالا بنفسه على الطهر بالتعيين كما كان الواضع عينه بازائه بنفسه وإنه لمظنة فضل تأمل منك فاحتط، وقولي دلاله ظاهرة احتراز عن الاستعارة وستعرف وجه الاحتراز في باب الاستعارة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 ولك أن تقول الحقيقة هي الكلمة المستعملة في معناها بالتحقيق والحقيقة تنقسم عند العلماء على لغوية وشرعية وعرفية والسبب في انقسامها هذا هو ما عرفت أن اللفظة تمتنع أن تدل على مسمى من غير وضع فمتى رأيتها دالة لم تشك في أن لها وضعا وأن لوضعها صاحبا فالحقيقة لدلالتها على المعنى تستدعي صاحب وضع قطعا فمتى تعين عندك نسبت الحقيقة إليه، فقلت لغوية إن كان صاحب وضعها واضع اللغة وقلت شرعية إن كان صاحب وضعها الشارع ومتى لم يتعين قلت عرفية وهذا المأخذ يعرفك أن انقسام الحقيقة على أكثر مما هي منقسمة إليه غير ممتنع في نفس الأمر. رعية وعرفية والسبب في انقسامها هذا هو ما عرفت أن اللفظة تمتنع أن تدل على مسمى من غير وضع فمتى رأيتها دالة لم تشك في أن لها وضعا وأن لوضعها صاحبا فالحقيقة لدلالتها على المعنى تستدعي صاحب وضع قطعا فمتى تعين عندك نسبت الحقيقة إليه، فقلت لغوية إن كان صاحب وضعها واضع اللغة وقلت شرعية إن كان صاحب وضعها الشارع ومتى لم يتعين قلت عرفية وهذا المأخذ يعرفك أن انقسام الحقيقة على أكثر مما هي منقسمة إليه غير ممتنع في نفس الأمر. وأما المجاز فهو الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير بالنسبة على نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع، وقولي بالتحقيق احتراز أن لا تخرج الاستعارة التي هي من باب المجاز نظرا على دعوى استعمالها فيما هي موضوعة له، وقولي استعمالا في الغير بالنسبة على نوع حقيقتها احتراز عما إذا اتفق كونها مستعملة فيما تكون موضوعة له بالنسبة على نوع حقيقتها كما إذا استعمل صاحب اللغة لفظ الغائط مجازا فيما يفضل عن الإنسان من منهضم متناولاته أو كما إذا استعار صاحب الحقيقة الشرعية الصلاة للدعاء أو صاحب العرف الدابة للحمار، والمراد بنوع حقيقتها اللغوية إن كانت إياها أو الشرعية أو العرفية أية كانت، وقولي مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع احتراز عن الكناية فإن الكناية كما ستعرف تستعمل فيراد بها المكنى عنه فتقع مستعملة في غير ما هي موضوعة له مع أنا لا نسميها مجازا لعرائها عن هذا القيد، ولك أن تقول المجاز هو الكلمة المستعملة في غير ما تدل عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 بنفسها دلالة ظاهرة استعمالاً في الغير بالنسبة على نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة ما تدل عليه بنفسها في ذلك النوع، ولك أن تقول المجاز هو الكلمة المستعملة في معنى معناها بالتحقيق استعمالا في ذلك بالنسبة على نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع. واعلم أنا لا نقول في عرفنا استعملت الكلمة فيما تدل عليه أو في غير ما تدل عليه حتى يكون الغرض الأصلي طلب دلالتها على المستعمل فيه، ومن حق الكلمة في الحقيقة التي ليست بكناية أن تستغني في الدلالة على المراد منها بنفسها عن الغير لتعينها له بجهة الوضع، وأما ما يظن بالمشترك من الاحتياج على القرينة في دلالته على ما هو معناه فقد عرفت أن منشأ هذا الظن عدم تحصيل معنى المشترك الدائر بين وضعين وحق الكلمة في المجازات لا تستغني عن الغير في الدلالة على ما يراد منها ليعينها له ذلك الغير، وسميت الحقيقة حقيقة لمكان التناسب وهو أن الحقيقة إما فعيل بمعنى مفعول من حققت الشيء أحقه إذا أثبته، فمعناها المثبت والكلمة متى استعملت فيما كانت موضوعة له دالة عليه بنفسها كانت مثبتة في موضعها الأصلي، وإما فعيل بمعنى فاعل من حق الشيء يحق إذا وجب فمعناها الواجب وهو الثابت والكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له ثابتة في موضعها الأصلي واجب لها ذلك، وأما التاء فهو عندي للتأنيث في الوجهين لتقدير لفظ الحقيقة قبل التسمية صفة مؤنث غير مجراه على الموصوف وهو الكلمة، وكذا المجاز سمي مجازا لجهة التناسب لأن المجاز نفعل من جاز المكان يجوزه إذا تعداه والكلمة إذا استعملت في غير ما هي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 موضوع له وهو ما تدل عليه بنفسها فقد تعدت موضعها الأصلي واعتبار التناسب في التسمية مزلة إقدام ربما شاهدت فيها من الزلل ما تعجبت فإياك والتسوية بين تسمية إنسان له حمرة بأحمر وبين وصفه بأحمر أن تزل. فإن اعتبار المعنى في التسمية لترجيح الاسم على غيره حال تخصيصه بالمسمى، واعتبار المعنى في الوصف لصحة إطلاقه عليه فأين أحدهما عن الآخر وإن كثيراً سووا ثم سمعونا نقول الله عز اسمه سمي الله لكونه محار عقول اشتقاقا من كذا أو لكونه معبودا اشتقاقا من كذا فظنونا أسأنا فأخذوا يرمون والمرمى حيث باتوا وظنوا إله الخلق غفرا. وتحد الحقيقة والمجاز عند أصحابنا في هذا النوع بغير ما ذكرت يحدون الحقيقة هكذا كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع وقوعا لا تستند فيه على غيره. وإنما يقولون واضع بالتنكير دون للتعريف ليعم واضع اللغة وغيره من أصحاب الأوضاع المتأخرة عن وضع اللغة والضمير في فيه يعود على الوقوع وفي غيره يعود على الوضع وإنما يذكرون هذا القيد تقريرا للمعنى الأول مثل أن يقولوا كل كلمة أريد بها ما وقعت له في وضع واضع لا ما وقعت له في غير وضع واضع، والذي تقع له الكلمة في غير الوضع هو ما تتناوله عقلا بواسطة الوضع كما إذا وقعت للعشرة مثلا في الوضع فإنها تكون واقعة لخمسة وخمسة إلا أنها في وقوعها لخمسة وخمسة تستند على غير الوضع وهو العقل، ويحدون المجاز هكذا كل كلمة أريد بها غير ما وقعت له في وضع واضع لملاحظة بين الثاني والأول فتأمل قولي وقولهم. واعلم أن الكلمة حال وضعها اللغوي لما عرفت من أن الحقيقة ترجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 على إثبات الكلمة في موضعها وأن المجاز يرجع على إخراج الكلمة عن موضعها حقها أن لا تسمى حقيقة ولا مجازا كالجسم حال الحدوث لا يسمى ساكنا ولا متحركا. وأما حال الوضعين الأخيرين فحقها كذلك لكن في الأول بالإطلاق وفي الأخيرين بتقييد الحقيقة بنوعها مثل أن يقال لا تكون حقيقة شرعية ولا مجازها ولا تكون حقيقة عرفية ولا مجازها وإن كان الإطلاق قد يحتمل، وإذ قد تقدم إليك ما أحاطت به معرفتك فبالحري أن نشمر الذيل لتخليص أوابد ما عند السلف وتخليصه مما يقع من المشو في البين وأن نسوقه إليك مرتباً ترتيباً يقيد فوائدهم مقررا تقريرا يميط اللثام عن وجوه فرائدهم فاعلين ذلك لنطلعك على كنه ما أجروا إليه، ونعثرك على شأو ما قد أناخوا لديه، منبهين في أثناء المساق على ما يرونه وما نحن نراه، فإذا استناخا من كمال تأملك في بحبوحة ذراه آثرت عن استطلاع طلعتهما أيا شئت، والله أعلم. اعلم أن المجاز عند السلف من علماء هذا الفن قسمان: لغوي، وهو ما تقدم، ويسمى مجازا في المفرد، وعقلي وسيأتيك تعريفه، ويسمى مجازا في الجملة، واللغوي قسمان: قسم يرجع على معنى الكلمة، وقسم يرجع على حكم لها في الكلام، والراجع على معنى الكلمة قسمان: خال عن الفائدة ومتضمن لها، والمتضمن للفائدة قسمان: خال من المبالغة في التشبيه ومتضمن لها، وأنه يسمى الاستعارة، ولها انقسامات فهذه فصول خمسة مجاز لغوي راجع على المعنى خال عن الفائدة. مجاز لغوي معنوي مفيد خال عن المبالغة في التشبيه استعارة. مجاز لغوي راجع على حكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 الكلمة. مجاز عقلي، ويتلوه الكلام في الحقيقة العقلية، وأنا أسوق إليك هذه الفصول بعون الله تعالى، وهو المستعان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 الفصل الأول المجاز اللغوي الراجع على معنى الكلمة غير المفيد هو أن تكون الكلمة موضوعة لحقيقة من الحقائق مع قيد فتستعملها لتلك الحقيقة لا مع ذلك القيد بمعونة القرينة، مثل أن تستعمل المرسن وأنه موضوع لمعنى الأنف مع قيد أن يكون أنف مرسون استعمال الأنف من غير زيادة قيد بمعونة القرائن كقول العجاج: وفاحما ومرسنا مسرجا يعني أنفا يبرق كالسراج أو مثل المشفر، وهو موضوع للشفة مع قيد أن تكون شفة بعير استعمال الشفة فتقول فلان غليظ المشفر في ضمن قرينة دالة على أن المراد هو الشفة لا غير أو مثل أن تستعمل الحافر وأنه موضوع للرجل مع قيد أن تكون رجل فرس أو حمار استعمال الرجل بالإطلاق اعتماداً على دلالة القرائن على ذلك، سمي هذا القبيل مجازا لتعديه عن مكانه الأصلي، ومعنوياً لتعلقه بالمعنى لا بالحكم الذي سيأتيك، ولغويا لاختصاصه بمكانه الأصلي بحكم الوضع، وغير مفيد لقيامه مقام أحد المترادفين من نحو: ليث وأسد وحبس ومنع عند المصير على المراد منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 الفصل الثاني المجاز اللغوي الراجع على المعنى المفيد الخالي عن المبالغة في التشبيه هو أن تعدي الكلمة عن مفهومها الأصلي بمعونة القرينة على غيره لملاحظة بينهما، ونوع تعلق نحو أن تراد النعمة باليد، وهي موضوعة للجارحة المخصوصة لتعلق النعمة بها من حيث أنها تصدر عن اليد، ومنها تصل على المقصود بها، وكذا إذا أردت القوة أو القدرة بها لأن القدرة أكثر ما يظهر سلطانها في اليد، وبها يكون البطش والضرب والقطع والأخذ والدفع والوضع والرفع، وغير ذلك من الأفاعيل التي تخبر فضل إخبار عن وجود القدرة وتنبئ عن مكانها أتم إنباء ولذلك تجدهم لا يريدون باليد شيئاً لا ملابسة بينه وبين هذه الجارحة ونحو أن تراد المزادة بالرواية، وهي في الأصل اسم للبعير الذي يحملها للعلاقة الحاصلة بينها وبينه بسبب حمله إياها وأن يراد البعير بالحنض، وهو متاع البيت بنحو من الجهة المذكورة، ونحو أن يراد الرجل بالعين إذا كان ربيئة من حيث أن العين لما كانت المقصودة في كون الرجل ربيئة صارت كأنها الشخص كله، ونحو أن يراد النبت بالغيث كما يقولون رعينا غيثا لكون الغيث سببا، ونحو أو يراد الغيث بالسماء لكونه من جهتها يقولون أصابتنا السماء أي الغيث، ونحو أن يراد الغيث بالنبات كقولك: أمطرت السماء نباتا لكون الغيث سببا فيه أو بالسنام كقول من قال أسنمة الآبال في سحابه، ومن هذا تعرف وجه تفسير من فسر إنزال أزواج الأنعام في قوله تعالى " وأنزل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 لكم من الأنعام ثمانية أزواج " بإنزال الماء لا سيما إذا نظر على ما ورد من أن كل ماء في الأرض فهو من السماء ينزله جل وعلا منها على الصخرة ثم يقسمه وقيل هذا معنى قوله " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض " ومما نحن فيه قوله " وينزل لكم من السماء رزقا " أي مطرا هو سبب الرزق وقوله " وفي السماء رزقكم " ومما ينخرط في هذا السلك هداه الله أي ألطف به وأضله الله أي خذله بمنع ألطافه لكونها في حقه عبثا وقوله عز سلطانه " فإن لم تفعلواً ولن تفعلواً فاتقوا النار التي " أي العناد المستلزم للنار، وقوله " إنما يأكلون في بطونهم ناراً " لاستلزام أموال اليتامى إياها، وقول القائل: يأكلن كل ليلة أكافا أي علفا بثمن أكاف للتعلق بين ذلك العلف وبين الأكاف، وقولهم أكل فلان الدم أي الدية للتعلق بينهما. ومن أمثلة المجاز قوله تعالى " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله " استعملت قرأت مكان أردت القراءة لكون القراءة مسببة عن إرادتها استعمالا مجازيا بقرينة الفاء في فاستعذ والسنة المستفيضة بتقديم الاستعاذة، ولا تلتفت على من يؤخر الاستعاذة فذلك لضيق العطن، وقوله " ونادى نوح ربه " في موضع أراد نداء به بقرينة فقال رب، وقوله " وكم من قرية أهلكناها " في موضع أردنا هلاكها بقرينة " فجاءها بأسنا والبأس الإهلاك، وقوله " وحرام على قرية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 أهلكناها " في موضع أردنا هلاكها بقرينة " أنهم لا يرجعون " أي عن معاصيهم للخذلان، ومنه " ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون " أي أردنا إهلاكها، إذ معنى الآية كل قرية أردنا إهلاكها لم يؤمن أحد منهم أفهؤلاء يؤمنون. وما أدل نظم الكلام على الوعيد بالإهلاك. أما ترى الإنكار في أفهم يؤمنون لا يقع في المحز إلا بتقدير ونحن على أن نهلكهم، وإنما حملت الامتناع عما ذكرت على ضيق العطن لأنه متى جرى فيما هو أبعد جريا مستفيضا يكاد يريك من إذا تكلم بخلافه كمن صلى لغير قبلة، أليس كل أحد يقول للحفار ضيق فم الركية، وعليه فقس والتضييق كما يشهد له عقلك الراجح هو التغيير من السعة على الضيق ولا سعة هناك إنما الذي هناك هو مجرد تجويز أن الحفار التوسعة فينزل مجوز مراده منزلة الواقع ثم يأمره بتغييره على الضيق، أما يجب أن يكون في الأقرب أجرى وأجرى وأمثال ذلك مما تعدى الكلمة بمعونة القرينة عن معناها الأصلي على غيره لتعلق بينهما بوجه قويا كان أو ضعيفاً واضحاً أو خفياً، وللتعلق بين الصارف عن فعل الشيء وبين الداعي على تركه يحتمل عندي أن يكون منعك في قوله علت كلمته " ما منعك أن لا تسجد " مرادا به ما دعاك على أن لا تسجد وأن يكون لا غير قرينة للمجاز، ونظيره ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعن " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 ومن أمثلة المجاز المستثنى منه في باب الاستثناء، وتحقيق الكلام في ذلك مفتقر على التعرض للتناقض وسينشعب من علم المعاني شعبة تثمر المصير على ماله، وعليه فالرأي أن تؤخر الكلام في الاستثناء على الفراغ عن تلك الشعبة وهي شعبة علم الاستدلال وتسميته مجازا لغويا ومعنويا لما تقدم ومفيدا لتضمنه شبه شاهد لتحقق ما أنت تريد به وسيأتيك تقرير هذا المعنى في الأصل الثالث بإذن الله تعالى، وأما معنى كونه خالياً عن المبالغة في التشبيه فموضحة الفصل الذي يليه. الفراغ عن تلك الشعبة وهي شعبة علم الاستدلال وتسميته مجازا لغويا ومعنويا لما تقدم ومفيدا لتضمنه شبه شاهد لتحقق ما أنت تريد به وسيأتيك تقرير هذا المعنى في الأصل الثالث بإذن الله تعالى، وأما معنى كونه خالياً عن المبالغة في التشبيه فموضحة الفصل الذي يليه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 الفصل الثالث في الاستعارة هي أن تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الطرف الآخر مدعيا دخول المشبه في جنس المشبه به دالا على ذلك بإثباتك للمشبه ما يخص المشبه به كما تقول في الحمام أسد وأنت تريد به الشجاع مدعياً أنه من جنس الأسود فتثبت للشجاع ما يخص المشبه به وهو اسم جنسه مع سد طريق التشبيه بإفراده في الذكر أو كما تقول إن المنية أنشبت أظفارها وأنت تريد بالمنية السبع بادعاء السبعية لها وإنكار أن تكون شيئاً غير سبع فتثبت لها ما يخص المشبه به وهو الأظفار، وسمي هذا النوع من المجاز استعارة لمكان التناسب بينه وبين معنى الاستعارة وذلك أنا متى ادعينا في المشبه كونه داخلا في حقيقة المشبه به فرادا من أفرادها برز فيما صادف من جانب المشبه به سواء كان اسم جنسه وحقيقته أو لازما من لوازمها في معرض نفس المشبه به نظرا على ظاهر الحال من الدعوى فالشجاع حال دعوى كونه فردا من أفراد حقيقة الأسد يكتسي اسم الأسد اكتساء الهيكل المخصوص إياه نظرا على الدعوى والمنية حال دعوى كونها داخلة في حقيقة السبع إذا أثبت لها مخلب أو ناب ظهرت مع ذلك ظهور نفس السبع معه في أنه كذلك ينبغي، وكذلك الصورة المتوهمة على شكل المخلب أو الناب مع المنية المدعى أنها سبع تبرز في تسميها باسم المخلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 بروز الصورة المتحققة المسماة باسم المخلب من غير فرق نظرا على الدعوى، وهذا شأن العارية فإن المستعير يبرز معها في معرض المستعار منه لا يتفاوتان إلا في أن أحدهما إذا فتش عنها مالك والآخر ليس كذلك، وهاهنا سؤال وجواب تسمعها في فصل الاستعارة بالكناية، ويسمى المشبه به سواء كان هو المذكور أو المتروك مستعارا منه واسمه مستعارا والمشبه به مستعارا له والذي قرع سمعك من أن الاستعارة تعتمد إدخال المستعار له في جنس المستعار منه هو السر في امتناع دخول الاستعارة في الإعلام اللهم إلا إذا تضمنت نوع وصفية لسبب خارج تضمن اسم حاتم الجود وما در البخل وما جرى مجراهما. وأما عد هذا النوع لغويا فعلى أحد القولين وهو المنصور كما ستقف عليه، وكان شيخنا الحاتمي تغمده الله برضوانه أحد ناصريه، فإن لهم فيه قولين أحدهما أنه لغوي نظرا على استعمال الأسد في غير ما هو له عند التحقيق فإنا وإن ادعينا للشجاع الأسدية فلا نتجاوز حديث الشجاعة حتى ندعى للرجل صورة الأسد وهيئته وعبالة عنقه ومخالبه وأنيابه وماله من سائر ذلك من الصفات البادية لحواس الأبصار، ولئن كانت الشجاعة من أخص أوصاف الأسد وأمكنها لكن اللغة لم تضع الاسم لها وحدها بل لها في مثل تلك الجنة وتلك الصورة والهيئة وهاتيك الأنياب والمخالب على غير ذلك من الصور الخاصة في جوارحه جمع ولو كانت وضعته لتلك الشجاعة التي تعرفها لكان صفة لا اسما ولكان استعماله فيما كان على غاية قوة البطش ونهاية جراءة المقدم من جهة التحقيق لا من جهة التشبيه، ولما ضرب بعرق في الاستعارة إذ ذاك ألبتة ولا نقلب المطلوب بنصب القرائن وهو منع الكلمة عن حملها على ما هي موضوعة له على إيجاب حملها موضوعة له. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وثانيهما أنه ليس بلغوي بل عقلي نظراً على الدعوى فإن كونه لغويا يستدعي كون الكلمة مستعملة في غير ما هي موضوعة له ويمتنع مع ادعاء الأسدية للرجل وأنه داخل في جنس الأسود فرد من أفراد حقيقة الأسد، وكذا مع ادعاء كون الصبيح الكامل الصباحة أنه شمس وأنه قمر وليس ألبتة شيئاً غيرهما أن يكون إطلاق اسم الأسد على ذلك عن اعتراف بأنه رجل أو إطلاق اسم الشمس أو القمر على هذا عن اعتراف بأنه آدمي لقدح ذلك في الدعوى وقل لي مع اعتراف بأنه آدمي غير شمس وغير قمر في الحقيقة أنى يكون موضع تعجب قوله: قامت تظللني من الشمس ... نفس أعز عليّ من نفسي قامت تظللني ومن عجب ... شمس تظللني من الشمس أو موضع نهي عن التعجب قوله: لا تعجبوا من بلي غلالته ... قد زر أزراره على القمر وقوله: ترى الثياب من الكتان يلمحها ... نور من البدر أحيانا فيبليها فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ... والبدر في كل وقت طالع فيها ومع الإصرار على دعوى أنه أسد وأنه شمس وأنه قمر يمتنع أن يقال لم تستعمل كلمة فيما هي موضوعة له، ومدار ترديد الإمام عبد القاهر قدس الله روحه لهذا النوع بين اللغوي تارة وبين العقلي أخرى على هذين الوجهين جزاء الله أفضل الجزاء فهو الذي لا يزال ينور القلوب في مستودعات لطائف نظره لا يألو تعليماً وإرشاداً لكنك إذا وقفت على وجه التوفيق بين إصرار المستعير على ادعائه الأسدية للرجل، وبين نصبه في ضمن الكلام قرينة دالة على أنه ليس الهيكل المخصوص مصدقة عنده كشف لك الغطاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 اعلم أن وجه التوفيق هو أن تبنى دعوى الأسدية للرجل على ادعاء أن أفراد جنس الأسد قسمان بطريق التأويل متعارف، وهو الذي له غاية جرأة المقدم ونهاية قوة البطش مع الصورة المخصوصة وغير متعارف وهو الذي له تلك الجراءة وتلك القوة لا مع تلك الصورة، بل مع صورة أخرى على نحو ما ارتكب المتنبي هذا الادعاء في عد نفسه وجماعته من جنس الجن، وعد جماله من جنس الطير حين قال: نحن قوم ملجن في زي ناس ... فوق طير لها شخوص الجمال مستشهدا لدعواك هاتيك بالمحيلات العرفية والتأويلات المناسبة من نحو حكمهم إذا رأوا أسدا هرب عن ذئب أنه ليس بأسد، وإذا رأوا إنساناً لا يقاومه أحد أنه ليس بإنسان، وإنما هو أسد أو هو أسد في صورة إنسان وإن تخصص تصديق القرينة بنفيها المتعارف الذي يسبق على الفهم ليتعين ما أنت تستعمل الأسد فيه ومن البناء على هذا التنويع قوله: تحية بينهم ضرب وجيع ... وقولهم عتابك السيف وقوله عز وعلا " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " على ما ستسمع هذه الآية في فصل المستثنى منه إن شاء الله، ومنه قوله: وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 والاستعارة لبناء الدعوى فيها على التأويل تفارق الدعوى الباطلة، فإن صاحبها يتبرأ عن التأويل وتفارق الكذب بنصب القرينة المانعة عن إجراء الكلام على ظاهره، فإن الكذاب لا ينصب دليلا على خلاف زعمه، وأنى ينصب وهو لترويج ما يقول راكب كل صعب وذلول، وإذ قد عرفت ما كان يتعلق ببيان وصف الاستعارة ووجه تسميتها استعارة وتقرير استنادها على اللغة ومفارقتها للدعوى الباطلة والكذب، فاعلم أن الاستعارة تنقسم على مصرح بها ومكني عنها، والمراد بالأول هو أن يكون الطرف المذكور من طرفي التشبيه هو المشبه به، والمراد بالثاني أن يكون الطرف المذكور هو المشبه، والمصرح بها تنقسم على تحقيقية وتخييلية، والمراد بالتحقيقية أن يكون المشبه المتروك شيئاً متحققاً إما حسياً وإما عقلياً، والمراد بالتخييلية أن يكون المشبه المتروك شيئاً وهمياً محضاً لا تحقق له إلا في مجرد الوهم، ثم تقسم كل واحدة منهما على قطعية وهي أن يكون المشبه المتروك متعين الحمل على ما له تحقق حسي أو عقلي، أو على ما لا تحقق له البتة إلا في الوهم وعلى احتمالية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 وهي أن يكون المشبه المتروك صالح الحمل تارة على ما له تحقق، وأخرى على ما لا تحقق له فهذه أقسام أربعة الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع الاستعارة المصرح بها التخييلية مع القطع الاستعارة المصرح بها مع الاحتمال للتحقيق والتخييل الاستعارة بالكناية. ثم إن الاستعارة، ربما قسمت على أصلية وتبعية، والمراد بالأصلية أن يكون معنى التشبيه داخلا في المستعار دخولا أوليا، والمراد بالتبعية أن لا يكون داخلا دخولا أوليا، وربما لحقها التجريد فسميت مجردة أو الترشيح فسميت مرشحة فيجب أن نتكلم في هذه الانقسامات وهي ثمانية: القسم الأول: في الاستعارة المصرح بها التحقيقية مع القطع هي إذا وجدت وصفا مشتركا بين ملزومين مختلفين في الحقيقة هو في أحدهما أقوى منه في الآخر وأنت تريد إلحاق الأضعف بالأقوى على وجه التسوية بينهما أن تدعى ملزوم الأضعف من جنس ملزوم الأقوى بإطلاق اسمه عليه وسد طريق التشبيه بإفراده في الذكر توصلا بذلك على المطلوب لوجوب تساوي اللوازم عند تساوي ملزوماتها فاعلا ذلك في ضمن قرينة مانعة عن حمل المفرد بالذكر على ما يسبق منه على الفهم كي لا يحمل عليه فيبطل الغرض التشبيهي بانيا دعواك على التأويل المذكور ليمكن التوفيق بين دلالة الإفراد بالذكر وبين دلالة القرينة المتمانعتين ولتمتاز دعواك عن الدعوى الباطلة. مثال ذلك أن يكون عندك شجاع وأنت تريد أن تلحق جراءته وقوته بجراءة الأسد وقوته فتدعي الأسدية له بإطلاق اسمه عليه مفردا له في الذكر فتقول رأيت أسدا كيلا يعد جراءته وقوته دون جراءة الأسد وقوته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 مع نصب قرينة مانعة عن إرادة الهيكل المخصوص به كيرمي أو يتكلم في الحمام، أو أن يكون عندك وجه جميل وأنت تريد أن تلحق وضوحه وإشراقه وملاحة استدارته بما للبدر فتدعيه بدرا بإطلاق اسمه عليه مع إفراده في الذكر قائلا نظرت على بدر يبتسم، أو أن يكون عندك عالم وأنت تريد إلحاق كثرة فوائده بعد ما جرت العادة على تشبيه فوائد العلماء بالفرائد بكثرة فرائد البحر فتدعيه بحرا سالكا في ذلك المسلك المعهود، أو أن تريد إلحاق عدل عادل في إباء التفاوت بالميزان أو بالقسطاس في ذلك فتدخله في جنس الميزان أو القسطاس قائلا ميزان أميرنا أو قسطاسه لا يقبل التفاوت، ومن الأمثلة استعارة اسم أحد الضدين أو النقيضين للآخر بواسطة انتزاع شبه التضاد وإلحاقه بشبه التناسب بطريق التهكم أو التمليح على ما سبق في باب التشبيه، ثم ادعاء أحدهما من جنس الآخر والإفراد بالذكر ونصب القرينة كقولك إن فلانا تواترت عليه البشارات بقتله ونهب أمواله وسبي أولاده، ويخص هذا النوع باسم الاستعارة التهكمية أو التمليحية. واعلم أن قرينة الاستعارة ربما كانت معنى واحداً كالذي رأيت في الأمثلة المذكورة وربما كانت معاني مربوطا بعضها ببعض كما في قوله: وصاعقة من نصله تنكفي بها ... على أرؤس الأقران خمس سحائب انظر حين أراد استعارة السحائب لا نأمل يمين الممدوح تفريعا على ما جرت به العادة من تشبيه الجواد بالبحر الفياض تارة وبالسحاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 الهطال أخرى ماذا صنع ذكر أن هناك صاعقة ثم قال من نصله فبين أن تلك الصاعقة من نصل سيفه ثم قال على أرؤس الأقران ثم قال خمس فذكر العدد الذي هو عدد جميع أنامل اليد فجعل ذلك كله قرينة لما أراد من استعارة السحائب للأنامل. ومن الأمثلة استعارة وصف إحدى صورتين منتزعتين من أمور لوصف الأخرى مثل أن تجد إنسانا استفتى مسألة فيهم تارة بإطلاق اللسان ليجيب ولا يهم أخرى فتأخذ صورة تردده هذا فتشبهها بصورة تردد إنسان قام ليذهب في أمر فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخر أخرى ثم تدخل صورة المشبه في جنس صورة المشبه به روما للمبالغة في التشبيه فتكسوها وصف المشبه به من غير تغيير فيه بوجه من الوجوه على سبيل الاستعارة قائلا أراك آيها المفتي تقدم رجلا وتؤخر أخرى، وهذا نسميه التمثيل على سبيل الاستعارة ولكون الأمثال كلها تمثيلات على سبيل الاستعارة لا يجد التغيير إليها سبيلا فاعلم. القسم الثاني: في الاستعارة المصرح بها التخييلية مع القطع هي أن تسمى باسم صورة متحققة صورة عندك وهمية محضة تقدرها مشابهة لها مفردا في الذكر في ضمن قرينته مانعة عن حمل الاسم على ما يسبق منه على الفهم من كون مسماه شيئاً متحققا، وذلك مثل أن تشبه المنية بالسبع في اغتيال النفوس وانتزاع أرواحها بالقهر والغلبة من غير تفرقة بين نفاع وضرار ولا رقة لمرحوم ومساس بقيا على ذي فضيلة تشبيها بليغا حتى كأنها سبع من السباع فيأخذ الوهم في تصويرها وفي صورة السبع واختراع ما يلازم صورته ويتم بها شكله من ضروب هيئات وفنون جوارح وأعضاء وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتيال السبع للنفوس بها وتمام افتراسه للفرائس بها من الأنياب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 والمخالب، ثم تطلق على مخترعات الوهم عندك أسامي المتحققة على سبيل الإفراد بالذكر وأن تضيفها على المنية قائلا مخالب المنية أو أنياب المنية الشبيهة بالسبع ليكون إضافتها إليها قرينة مانعة من إجرائها على ما يسبق على الفهم منها من تحقق مسمياتها، أو مثل أن تشبه الحال إذا وجدتها دالة على أمر من الأمور بالإنسان الذي يتكلم فيعمل الوهم في الاختراع للحال ما قوام كلام المتكلم به، وهو تصوير صورة اللسان ثم تطلق عليه اسم اللسان المتحقق وتضيفه على الحال قائلا لسان الحال الشبيه بالمتكلم ناطق بكذا أو مثل أن تشبه حكماً من الأحكام إذا صادفته واقعاً بمشيئة امرئ وتابعا لرأيه كيف شاء بالناقة المنقادة التابعة لمستتبعها كيف أراد فتثبت له في الوهم ما قوام ظهور انقياد الناقة به واتباعها المستتبع وهو صورة الزمام فتطلق عليها اسم الزمام المتحقق قائلا زمام الحكم الشبيه بالناقة في اتباع المستتبع في يد فلان. القسم الثالث: في الاستعارة المصرح بها المحتملة للتحقيق والتخييل هي كما ذكرنا أن يكون المشبه المتروك صالح الحمل على ما له تحقق من وجه وعلى ما لا تحقق له من وجه آخر، ونظيره قول زهير: صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرى أفراس الصبا ورواحله أراد أن يبين أنه أمسك عما كان يرتكب أوان الصبا وقمع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 النفس عن التلبس بذاك معرضا الإعراض الكلي عن المعاودة لسلوك سبيل الغي وركوب مراكب الجهل فقال: وعرى أفراس الصبا ورواحله أي ما بقيت آلة من آلاتها المحتاج إليها في الركوب والارتكاب قائمة كأيما نوع فرضت من الأنواع حرقة أو غيرها متى وطنت النفس على اجتنابه ورفع القلب رأسا عن دق بابه وقطع العزم عن معاودة ارتكابه فيقل العناية بحفظ ما قوام ذلك النوع به من الآلات والأدوات فترى يد التعطيل تستولي عليها فتهلك وتضيع شيئاً ف شيئاً حتى لا تكاد تجد في أدنى مدة أثرا منها ولا عثيرا فبقيت لذلك معراة لا آلة ولا أداة، فحق قوله أفراس الصبا ورواحله أن يعد استعارة تخييلية لما يسبق على الفهم ويتبادر على الخاطر من تنزيل أفراس الصبا ورواحله منزلة أنياب المنية ومخالبها، وإن كان يحتمل احتمالا بالتكلف أن تجعل الأفراس والرواحل عبارة عن دواعي النفوس وشهواتها والقوى الحاصلة لها في استيفاء اللذات أو عن الأسباب التي قلما تتآخذ في اتباع الغي وجر أذيال البطالة إلا أوان الصبا، وكذلك علت كلمته " فأذاقها الله لباس الجوع " الظاهر من اللباس عند أصحابنا الحمل على التخييل وإن كان يحتمل عندي أن يحمل على التحقيق، وهو أن يستعار لما يلبسه الإنسان عند جوعه من انتقاع اللون ورثاثة الهيئة. القسم الرابع: في الاستعارة بالكناية هي كما عرفت أن تذكر المشبه وتريد به المشبه به دالا على ذلك بنصب قرينة تنصبها، وهي أن تنسب إلهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 بالسبع، أو مثل أن تقول لسان الحال ناطق بكذا تاركا لذكر المشبه به وهو قولك الشبيه بالمتكلم، أو تقول زمام الحكم في يد فلان بترك ذكر المشبه به وقد ظهر أن الاستعارة بالكناية لا تنفك عن الاستعارة التخييلية، هذا ما عليه مساق كلام الأصحاب، وستقف إذا انتهينا على آخر هذا الفصل على تفصيل ههنا وكأني بك لما قدمت أن الاستعارة تستدعي ادعاء أن المستعار له من جنس المستعار منه دعوى إصرار وادعاء أنه كذلك مع الإصرار يأبى الاعتراف بحقيقته والاستعارة بالكناية مبناها على ذكر المشبه باسم جنسه والاعتراف بحقيقة الشيء أكمل من التنويه باسم جنسه يهجس في ضميرك أن الجمع بين الإنكار البليغ وبين الاعتراف الكامل أنى يتسنى فالوجه في ذلك هو أنا نفعل ها هنا باسم المشبه ما نفعل في الاستعارة بالتصريح بمسمى المشبه كما أنا ندعي هناك الشجاع مسمى للفظ الأسد بارتكاب تأويل على ما اسبق حتى يتهيأ التفصي عن التناقض في الجمع بين ادعاء الأسدية وبين نصب القرينة المانعة عن إرادة الهيكل المخصوص ندعي ههنا اسم المنية اسما للسبع مرادفا له بارتكاب تأويل، وهو أن المنية تدخل في جنس السباع لأجل المبالغة في التشبيه بالطريق المعهود ثم نذهب على سبيل التخييل على أن الواضع كيف يصح منه أن يضع اسمين لحقيقة واحدة، وأن لا يكونا مترادفين فيتهيأ لنا بهذا الطريق دعوى السبعية للمنية مع التصريح بلفظ المنية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 القسم الخامس: في الاستعارة الأصلية هي أن يكون المستعار اسم جنس كرجل وأسد وكقيام وقعود، ووجه كونها أصلية هو ما عرفت أن الاستعارة مبناها على تشبيه المستعار له بالمستعار منه وقد تقدم في باب التشبيه أن التشبيه ليس إلا وصفا للمشبه بكونه مشاركا للمشبه به في وجه، والأصل في الموصوفية هي الحقائق مثل ما تقول جسم أبيض أو بياض صاف وجسم طويل أو طول مفرط وإنما قلت الأصل في الموصوفية هي الحقائق ولم أقل لا يعقل الوصف إلا للحقيقة قصرا للمسافة حيث يقولون في نحو شجاع باسل وجواد فياض وعالم نحرير إن باسلا وصف لشجاع وفياضا وصف لجواد ونحريرا وصف لعالم. القسم السادس: في الاستعارة التبعية هي ما تقع في غير أسماء الأجناس كالأفعال والصفات المشتقة منها وكالحروف بناء على دعوى أن الاستعارة تعتمد التشبيه والتشبيه يعتمد كون المشبه موصوفا والأفعال والصفات المشتقة منها والحروف عن أن توصف بمعزل فهذه كلها عن احتمال الاستعارة في أنفسها بمعزل وإنما المحتمل لها في الأفعال والصفات المشتقة منها مصادرها وفي الحروف متعلقات، معانيها فتقع الاستعارة هناك ثم تسري فيها وأعني بمتعلقات معاني الحروف ما يعبر عنها عند تفسيرها مثل قولنا من معناها ابتداء الغاية على معناها انتهاء الغاية، وكي معناها الغرض فابتداء الغاية وانتهاء الغاية والغرض ليست معانيها إذ لو كانت هي معانيها والابتداء والانتهاء والغرض أسماء لكانت هي أيضا أسماء لأن الكلمة إذا سميت اسما سميت لمعنى الاسمية لها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 وإنما هي متعلقات معانيها: أي إذا أفادت هذه الحروف معاني رجعت على هذه بنوع استلزام فلا تستعير الفعل إلا بعد استعارة مصدره فلا تقول نطقت الحال بدل دلت إلا بعد تقرير استعارة نطق الناطق لدلالة الحال على الوجه الذي عرفت من إدخال دلالة الحال في جنس نطق الناطق لقصد المبالغ في التشبيه وإلحاق إيضاح دلالة الحال للمعنى بإيضاح نطق الناطق له، وكذا إذا قلت الحال ناطقة بكذا بدل دالة على كذا وكذا، قوله عز سلطانه " فبشرهم بعذاب أليم " في الاستعارة التهكمية بدل فأنذرهم، وقول قوم شعيب " إنك لأنت الحليم الرشيد " بدل السفيه الغوي لقرائن أحوالهم ومما نحن فيه قولهم للشمس جونة لشدة ضوئها، والجون الأسود وللغراب أعور لحدة بصره وعلى هذا لا تستعير الحرف إلا بعد تقدير الاستعارة في متعلق معناه، فإذا أردت استعارة لعل لغير معناها قدرت الاستعارة في معنى الترجي، ثم استعملت هناك لعل مثل أن تبنى على أصول العدل ذاهبا على أن الصانع حكيم تعالى ونقدس أن يكون في أفعاله عبث بل كل ذلك حكمة وصواب مفعول لغرض صحيح ما خلق الإنسان إلا لغرض الإحسان، وحين ركب فيه الشهوة الحاملة على فعل ما يجب تركه والنفرة الحاملة على ترك ما يجب فعله وأودع عقله المضادة لحكميهما حتى تنازعته أيدي الدواعي والصوارف فوقفت به حيث الحيرة لا متقدم له عنه ولا متأخر تحمله الحيرة على ما لا يورثه إلا العناء إذا اتبع العقل وقع من النفس المشتهية النافرة في عناء، وإذا اتبع النفس وقع من العقل الناهي الآمر في عناء لا مخلص هناك مما أوقعه في ورطة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 تلك الحيرة سفها ولا عبثا " تعالى عن ذلك علواً كبيراً " وإنما فعل ذلك لغرض الإحسان وهو التكليف ليتمكن من اكتساب ما لا يحسن فعله في حقه ابتداء من التعظيم العظيم مع الدوام في ضمن التمتيع من أنواع المشتهيات بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال أحد مخلصة أن يشوبها منغص ما فيكتسبه إن شاء لا بالقسر، ولذلك وضع زمام الاختيار في يده ممكنا إياه من فعل الطاعة والمعصية مريدا منه أن يختار ما يثمر له تلك السعادة الأبدية مزيحا في ذلك جميع علله فتشبه حال المكلف الممكن من فعل الطاعة والمعصية مع الإرادة منه أن يطيع باختياره بحال المرتجى المخير بين أن يفعل وأن لا يفعل، ثم تستعير لجانب المشبه لعل جاعلا قرينة الاستعارة علم العالم بالذات الذي لا يخفى عليه خافية يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون قائلا خلق الله الخلق لعلهم يعبدون أو لعلهم يتقون، وعليه قول رب العزة علام الغيوب " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " ونظائره، وإذا أردت استعارة لام الغرض قدرت الاستعارة في معنى الغرض ثم استعملت لام الغرض هناك مثل أن يكون عندك ترتب وجود أمر على أمر من غير أن يكون الثاني مطلوبا بالأول ويكون الأول غرضا فيه فتشبهه بترتب وجود بين أمرين مطلوب بالأول منهما الثاني ثم تستعير للترتب المشبه كلمة الترتيب المشبه به في ضمن قرينة مانعة عن حملها على ما هي موضوعة له فتقول إذا رأيت عاقلا قد أحسن على إنسان ثم آذاه ذلك أنه قد أحسن إليه ليؤذيه ومن ذلك قوله علت كلمته " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 وقد ظهر مما نحن فيه أن ربما في قوله " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " حقها أن تعد من باب الاستعارة التهكمية وأن تعد تبعية على قول سيبويه في رب وأصلية على قول الأخفش رحمهما الله وقد سبق ذكر هذا الاختلاف في علم النحو. الاختلاف في علم النحو. واعلم أن مدار قرينة الاستعارة التبعية في الأفعال وما يتصل بها على نسبتها على الفاعل كقولك نطقت الحال أو على المفعول الأول كقول ابن المعتز: قتل البخل وأحيا السماح أو على الثاني المنصوب كقول الآخر: صبحنا الخزرجية مرهفات وكقول الآخر: نقريهم لهذميات، أو على المجرور كقوله: علت كلمته " فبشرهم بعذاب أليم " أو على الجميع كقوله: تقرى الرياح رياض الحزن مزهرة ... إذا سرى النوم في الأجفان إيقاظا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 هذا ما أمكن من تلخيص كلام الأصحاب في هذا الفصل، ولو أنهم جعلواً قسم الاستعارة التبعية من قسم الاستعارة بالكناية بأن قلبوا فجعلواً في قولهم نطقت الحال بكذا الحال التي ذكرها عندهم قرينة الاستعارة بالتصريح استعارة بالكناية عن المتكلم بوساطة المبالغة في التشبيه على مقتضى المقام وجعلواً نسبة النطق إليه قرينة الاستعارة كما نراهم في قوله وإذا المنية أنشبت أظفارها يجعلون المنية استعارة بالكناية عن السبع ويجعلون إثبات الأظفار لها قرينة الاستعارة، وهكذا لو جعلواً البخل استعارة بالكناية عن حي أبطلت حياته بسيف أو غير سيف فالتحق بالعدم وجعلواً نسبة القتل إليه قرينة، ولو جعلواً أيضا اللهذميات استعارة بالكناية عن المطعومات اللطيفة الشهية على سبيل التهكم وجعلواً نسبة لفظ القرى إليها قرينة الاستعارة لكان أقرب على الضبط فتدبره وإذ قد عرفت ما ذكرت فلا بأس أن أحكي لك ما عند السلف في تعريف الاستعارة حدها عند بعضهم تعليق العبارة على غير ما وضعت له في أصل اللغة على جهة النقل للإنابة، وعند الأكثر جعل الشيء الشيء لأجل المبالغة في التشبيه كقولك: رأيت أسدا في الحمام وجعل الشيء للشيء لأجل المبالغة في التشبيه كقولك لسان الحال وزمام الحكم ولا أزيد على الحكاية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 القسم السابع والقسم الثامن: في تجريد الاستعارة وترشيحها. اعلم أن الاستعارة في نحو عندي أسد إذا لم تعقب بصفات أو تفريع كلام لا تكون مجردة ولا مرشحة وإنما يلحقها التجريد أو الترشيح إذا عقبت بذلك، ثم إن الضابط هناك أصل واحد وهو أنك قد عرفت أن الاستعارة لا بد لها من مستعار له ومستعار منه فمتى عقبت بصفات ملائمة للمستعار له أو تفريع كلام ملائم له سميت مجردة ومتى عقبت بصفات أو تفريع كلام ملائم للمستعار منه سميت مرشحة مثالها في التجريد أن تقول ساورت أسدا شاكي السلاح طويل القناة صقيل العضب وجاورت بحرا ما أكثر علومه وما أجمعه للحقائق وما أوقفه على الدقائق ومثالها في الترشيح ان تقول ساورت أسدا هصورا عظيم اللبدتين وافي البراثن منكر الزئير وجاورت بحرا زاخرا لا يزال يتلاطم أمواجه ولا يغيض فيضه ولا يدرك قعره ولا أعني بالصفات الصفات النحوية بل الوصف المعنوي كيف كان، ومبني الترشيح على تناسي التشبيه وصرف النفس عن توهمه حتى لا تبالي أن تبنى على علو القدر وسمو المنزلة بناءك على العلو المكاني والسمو كما فعل أبو تمام إذ قال: ويصعد حتى يظن الجهو ... ل بأن له حاجة في السماء وابن الرومي إذ قال: أعلم الناس بالنجوم بنو نو ... بخت علما لم يأتهم بالحساب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 بل بأن يشاهدوا السماء سموا ... بترق في المكرمات الصعاب مبلغ لم يكن ليبلغه الطا ... لب إلا بتلكم الأسباب وكما قال أيضا: يا آل نوبخت لا عدمتكم ... ولا تبدلت بعدكم بدلا إن صح علم النجوم كان لكم ... حقا إذا ما سواكم انتحلا كم عالم فيكم وليس بأن قا ... س ولكن بأن رقى فعلا أعلاكم في السماء مجدكم ... فلستم تجهلون ما جهلا شافتهم البدر بالسؤال عن الأمر على أن بلغتم زحلا وتلزم المستعار له ما يلزم المستعار منه من التعجب أو غير التعجب مما لا يليق إلا بالمستعار منه كما فعل من قال: قامت تظللني ومن عجب ... شمس تظللني من الشمس ومن قال: لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زر أزراره على القمر ومن قال: أتتني الشمس زائرة ... ولم تك تبرح الفلكا ومن قال: ولم أر قبلي من مشى البدر نحوه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 أو ما ترى هؤلاء فيما فعلواً كيف نبذوا أمر التشبيه وراء ظهورهم وكيف نسوا حديث الاستعارة كأن لم تخطر منهم على بال ولا رأوها ولا طيف خيال وإذا كانوا مع التشبيه والاعتراف بالأصل يسوغون أن لا يبنوا إلا على الفرع ويقولون: هي الشمس مسكنها في السماء ... فعز الفؤاد عزاء جميلا فلن تستطيع إليها الصعود ... ولن تستطيع إليك النزولا أو يقولون: وعد البدر بالزيارة ليلا ... فإذا ما وفى قضيت نذوري قلت يا سيدي ولم تؤثر اللي " " ل على طلعة الصباح المنير قال لي لا أحب تغيير رسمي ... هكذا الرسم في طلوع البدور أو يقولون: قلت زوري فأرسلت ... أنا آتيك سحره قلت فالليل كان أخ " " فى وأدنى مسره فأجابت بحجة ... زادت القلب حسره أنا شمس وإنما ... تطلع الشمس بكره فهم على تسويغ ذلك مع جحد الأصل في الاستعارة أقرب. وإذ قد عرفت أقسام الاستعارة فاعلم أن الاستعارة لها شروط في الحسن إن صادفتها حسنت وإلا عريت عن الحسن، وربما اكتسبت قبحا وتلك الشروط رعاية جهات حسن التشبيه التي سبق ذكرها في الأصل الأول بين المستعار له والمستعار منه بالتصريح التحقيقية والاستعارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 بالكناية وأن لا تشمها في كلامك من جانب اللفظ رائحة من التشبيه ولذلك نوصي في الاستعارة بالتصريح أن يكون الشبه بين المستعار له والمستعار منه جليا بنفسه أو معروفا سائرا بين الأقوام وإلا خرجت الاستعارة عن كونها استعارة ودخلت في باب التعمية والألغاز كما إذا قلت رأيت عودا مسقيا أوان الغرس وأردت إنسانا مؤدبا في صباه أو قلت رأيت إبلا مائة لا تجد فيها راحلة وأردت الناس، وأما حسن الاستعارة التخييلية فبحسب حسن الاستعارة بالكناية متى كانت تابعة لها كما في قولك فلان بين أنياب المنية ومخالبها ثم إذا انضم إليها المشاكلة كما في قوله عز اسمه " يد الله فوق أيديهم " كانت أحسن وأحسن وقلما تحسن الحسن البليغ غير تابعة لها ولذلك استهجنت في قول الطائي: لا تسقني ماء الملام فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي ولما أن الاستعارة مبناها على التشبيه تتنوع على خمسة أنواع تنوع التشبيه إليها. استعارة محسوس لمحسوس بوجه حسي أو بوجه عقلي واستعارة معقول لمعقول واستعارة محسوس لمعقول واستعارة معقول لمحسوس، فمن النوع الأول قوله عز اسمه " واشتغل ارأس شيبا " فالمستعار منه هو النار والمستعار له هو الشيب والجامع بينهما هو الانبساط ولكنه في النار أقوى فالطرفان حسيان ووجه الشبه حسي، ومن الثاني قوله عز اسمه " إذا أرسلنا عليهم الريح العقيم " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 فالمستعار له الريح والمستعار منه المرء والجامع المنع من ظهور النتيجة والأثر فالطرفان حسيان ووجه الشبه عقلي وكذلك قوله تعالى " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار " فالمستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل والمستعار منه ظهور المسلوخ من جلدته فالطرفان حسيان والجامع هو ما يعقل من ترتب أحدهما على الآخر وكذلك قوله " فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس " فالمستعار له الأرض المزخرفة المتزينة والمستعار منه النبات وهما حسيان والجامع الهلاك وهو أمر معقول وكذلك قوله حصيدا خامدين فاصل الخمود للنار، ومن الثالث قوله عز اسمه " من بعثنا من مرقدنا " فالرقاد مستعار للموت وهما أمران معقولان والجامع عدم ظهور الأفعال، وقوله وقدمنا على ما عملوا " فالقدوم وهو مجيء المسافر بعد مدة مستعار للأخذ في الجزاء بعد الإمهال وهما أمران معقولان والجامع وقوع المدة في البين وقوله " سنفرغ لكم أيها الثقلان " فالفراغ وهو الخلاص عن المهام والله عز سلطانه لا يشغله شأن عن شأن وقع مستعارا للأخذ في الجزاء وحده وذلك أمر عقلي والطرفان عقليان، وقوله " تكاد تميز من الغيظ " وكذا، قوله سمعوا لها تغيظا وزفيرا فالغيظ والتغيظ مستعاران من الحالة الوجدانية التي تدعو على الانتقام للحالة المتوهمة من نار الله أعاذنا الله منها برحمته وفضله وقوله " ولما سكت عن موسى الغضب " فالمستعار منه هو إمساك اللسان عن الكلام وأنه أمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 معقول والمستعار له تفاوت الغضب عن اشتداده على السكون، وأنه أيضا أمر وجداني عقلي، والجامع هو أن الإنسان مع الغضب إذا اشتد وجد حالة للغضب كأنها تغريه وإذا سكن وجده كأنه قد أمسك عن الإغراء، ومن الرابع قوله عز اسمه " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه " فأصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام، ثم استعبر القذف لإيراد الحق على الباطل، والدمغ لإذهاب الباطل فالمستعار منه حسي والمستعار له عقلي، وقوله مستهم البأساء والضراء فأصل المساس في الأجسام ثم وقع مستعارا لمقاساة الشدة، وقوله " وضربت عليهم الذلة " فالمستعار منه ضرب الخيمة أو ما شاكلها، وأنه أمر حسي، والمستعار له التثبيت وأنه أمر عقلي، وكذا قوله " وزلزلوا " حتى يقول الرسول " فأصل الزلزال التحريك العنيف، ثم وقع مستعار لشدة ما نالهم، وقوله " فاصدع بما تؤمر فالصدع وهو كسر الزجاجة ببذل الإمكان وأنه أمر حسي مستعار لتبليغ الرسالة ببذل الإمكان وأنه أمر عقلي، وقوله " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا " فأصل الخوض في الماء ثم وقع مستعارا لذكر الآيات، وكل خوض ذمه الله في القرآن فهو من هذا القبيل، وقوله " ألم تر أنهم في كل واد يهيمون " فالوادي مستعار للأمر والهيمان الاشتغال به على سبيل التحير، فالمستعار منه في هذه الأمثلة حسي والمستعار له عقلي، ومن الخامس قوله عز اسمه " إنا لما طغى الماء حملناكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 في الجارية " فالمستعار منه التكبر وهو عقلي والمستعار له كثرة الماء وهو حسي، والجامع الاستعلاء المفرط، وقوله " بريح صرصر عاتية " فالعتو ههنا مستعار استعارة الطغيان في المثال الأول وقوله " فنبذوه وراء ظهورهم " فالنبذ وراء الظهر وهو أن تلقي الشيء خلفك أمر حسي، ثم وقع مستعارا للتعرض للغفلة وأنه أمر عقلي والجامع الزوال عن المشاهدة وقوله " فأحيينا به بلدة ميتا " فالإحياء أمر عقلي، ثم وقع مستعاراً لإظهار النبات والأشجار والثمار وأنه أمر حسي، وكذلك قوله " فأنشرنا به بلدة ميتا أي أحيينا. واعلم أن الكلام في جميع ما ذكر من الأمثلة في الأنواع الخمسة قول الأصحاب ولعل لي في البعض نظرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 الفصل الرابع من فصول المجاز في المجاز اللغوي الراجع على حكم الكلمة في الكلام هو عند السلف رحمهم الله أن تكون الكلمة منقولة عن حكم لها أصلي على غيره كما في قوله علت كلمته " وجاء ربك " فالأصل وجاء أمر ربك، فالحكم الأصلي في الكلام لقوله ربك هو الجر وأما الرفع فمجاز، وفي قوله " واسئل القرية " والأصل واسئل أهل القرية فالحكم الأصلي للقرية في الكلام هو الجر والنصب مجاز، وفي قوله " ليس كمثله شيء " فالأصل ليس مثله شيء بنصب مثله والجر مجاز، ومدار هذا النوع على حرف واحد وهو أن تكتسي الكلمة حركة لأجل حذف كلمة لا بد من معناها أو لأجل إثبات كلمة مستغنى عنها استغناء واضحا كالكاف في قوله عز اسمه ليس كمثله أو الباء في نحو بحسبك أن تفعل كذا ونحو " كفى بالله " دون الباء في نحو ليس زيد بمنطلق أو ما زيد بقائم ورأيي في هذا النوع أن يعد ملحقا بالمجاز ومشبهاً به لما بينهما من الشبه وهو اشتراكهما في التعدي عن الأصل على غير أصل لا أن يعد مجازا وبسبب هذا لم أذكر الحد شاملا له ولكن العهدة في ذلك على السلف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 الفصل الخامس في المجاز العقلي المجاز العقلي هو الكلام المفاد به خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه لضرب من التأويل إفادة للخلاف لا بوساطة وضع كقولك أنبت الربيع القبل وشفى الطبيب المريض وكسا الخليفة الكعبة وهزم الأمير الجند وبنى الوزير القصر وإنما قلت خلاف ما عند المتكلم من الحكم فيه دون أن أقول خلاف ما عند العقل لئلا يمتنع طرده بما إذا قال الدهري عن اعتقاد جهل أو جاهل غيره أنبت الربيع البقل رائيا إنبات البقل من الربيع فإنه لا يسمى كلامه ذلك مجازا وإن كان بخلاف العقل في نفس الأمر ولذلك لا تراهم يحملون نحو: أشاب الصغير وأفنى الكبي " " ر كر الغداة ومر العشي على المجاز ما لم يعلموا أو يغلب في ظنهم أن قائله ما قاله عن اعتقاد أو ما تراهم كيف استدلوا لقول أبي النجم: قد أصبحت أم الخيار تدعى ... علي ذنبا كله لم أصنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 من أن رأت رأسي كرأس الأصلع ... ميز عنه قنزعا عن قنزع جذب الليالي أبطئي أو أسرعي حين نسب انحسار الشعر عن الرأس على الزمان قائلا ميز عنه قنزعا عن قنزع جذب الليالي لكونه مجازا بما أتبعه من قوله: أفناه قيل الله للشمس اطلعي ... حتى إذا واراك أفق فارجعي الشاهد لنزاهته أن يريد حمل كلامه السابق على الظاهر ولئلا يمتنع عكسه بمثل كسا الخليفة الكعبة وهزم الأمير الجند فليس في العقل امتناع أن يكسو الخليفة نفسه الكعبة ولا امتناع أن يهزم الأمير وحده الجند ولا يقدح ذلك في كونهما من المجاز العقلي وإنما قلي لضرب من التأويل ليحترز به عن الكذب فإنه لا يسمى مجازا مع كونه كلاما مفيداً خلاف ما عند المتكلم وإنما قلت إفادة للخلاف لا بواسطة وضع ليحترز به عن المجاز اللغوي في صورة وهي إذا ادعى أن أنبت موضوع لاستعماله في القادر المختار أو وضع لذلك فإن المجاز حينئذ يسمى لغويا وضعيا لا عقليا، وإنما قلت بوساطة وضع على التنكير دون أو أقول الوضع ليشمل وضع اللغة إن ادعى ووضع غيرها إن ارتكب ولأجل هذه الصورة لا ترى علماء هذا الفن يحكمون على نحو أنبت الربيع البقل بكونه مجازا عقليا إلا بعد بيان أن صيغ الأفعال في معنى نسبتها على الفاعل ليست تدل على معنى سوى صدورها عن شيء ما فأما أن ذلك الشيء قادر أم غير قادر فليس بداخل في مفهوماتها وضعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 ويبينون ذلك بوجوه: منها أن وضعها لاستعمالها في القادر قيد ما نقل عن أحد من رواة اللغة وترك ذكر القيد دليل في العرف على الإطلاق وحكم العقل بأن لا بد لها من مؤثر قادر إن لم يجعل دليلا في ترك تقييدها بذلك في الوضع لعدم الحاجة من أجل شهادة العقل فلا أقل من أن لا يجعل دليلا في التقييد لا سيما والعقل يجوز في أحيا وأشاب وأنبت وأمثالها صدورها عن القادر بوساطة مؤثر لا يكون موصوفا بالقدرة. ومنها فعل في قولهم فعل الربيع النور لو كان موضوعا لاستعماله في القادر، ومن المعلوم أن التفاوت بين الفعل ومصدره لا يكون إلا بمجرد الاقتران بالزمان لكان يلزم أن يكون قولنا فعل النار في كذا وكذا وفعل الماء في كذا وكذا وفعل الدواء الفلاني كذا مجازا معلوما لكل أحد لكن ادعاء ذلك عن الإنصاف بمعزل. ومنها أن نحو خلق وأحيا وأشاب وأنبت لو كانت موضوعة لاستعمالها في القادر بناء على حكم العقل بأنها لا توجد إلا باختيار مختار لكان نحو شغل الحيز وقبل العرض ونافى الضد موضوعة لاستعمالها في غير القادر بناء على حكم العقل بأن شغل الحيز وقبول العرض ومنافاة الضد ليست بالاختيار ودعوى كونها موضوعة لذلك دعوى غير مسموعة من السلف، ويسمى هذا النوع مجازا لتعدي الحكم فيه عن مكانه الأصلي فالحكم في أنبت الربيع البقل بكون الإنبات فعلا للربيع مكانه الأصلي عند العقل كونه فعلا لله عز وجل وفي هزم الأمير الجند بكون هزم الجند فعلا للأمير مكانه الأصلي عند العقلاء كونه فعلا لعسكر الأمير، ويسمى عقليا لا لغويا لعدم رجوعه على الوضع وكثيراً ما يسمى حكميا لتعلقه بالحكم كما ترى ومجازا في الإثبات أيضا لتعلقه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 بالإثبات وليس من واجبات هذا المجاز أن يكون مكان الحكم الأصلي فيه معلوما بنفس العقل كما في أنبت الربيع البقل، بل إن استعان في علمه بذلك بأمر غير الوضع كما في هزم الأمير الجند وكسا الخليفة الكعبة جاز ولم يخرجه عن كونه عقليا لكن الأليق إطلاق اسم العقلي على الأول واسم الحكمي والإثباتي على الثاني. واعلم أن هذا المجاز لرجوعه على الحكم واستدعاء الحكم محكوما به ومحكوما له واحتمال كل واحد منهما الحقيقة الوضعية والمجاز الوضعي لا يزال يتردد بين أربع صور لا مزيد عليهن إما أن يكون المحكوم به والمحكوم له حقيقتين وضعيتين، وإما أن يكونا مجازين وضعيين، وإما أن يكون المحكوم به حقيقة وضعية والمحكوم له مجازا وضعيا، وإما بالعكس من هذا، مثال الأولى قولك أنبت الربيع البقل وشفى الطبيب المريض وكسا الخليفة الكعبة وهزم الأمير الجند، فالمحكوم له وهو الربيع والطبيب والخليفة والأمير كل منها حقيقة وضعية مستعملة في مكانها الوضعي، والمحكوم به وهو إنبات البقل وشفاء المريض وكسوة الكعبة وهزم الجند كل من ذلك حقيقة أيضا وضعية مستعملة في مكانها الوضعي لا مجازا لا في مجرد الحكم كما ترى، ومثال الثانية قولك أحيا الأرض شباب الزمان، وسر الكعبة البحر الفياض المحكوم له وهو شباب الزمان والبحر الفياض مجازان وضعيان، والمحكوم به وهو إحياء الأرض ومسرة الكعبة مجازان أيضا وضعيان ونفس الحكم في المثالين مجاز عقلي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 ومثال الثالثة أنبت البقل شباب الزمان وكسا الكعبة البحر الفياض، ومثال الرابعة أحيا الربيع الأرض وسر الخليفة الكعبة. واعلم أن المجاز الحكمي كثير الوقوع في كلام رب العزة. قال عز من قائل " فما ربحت تجارتهم " وقال " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً " وقال " فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً " وقال " تؤتى أكلها كل حين " وقال " حتى تضع الحرب أوزارها " وقال " وأخرجت الأرض أثقالها " بإسناد الأفعال في هذه كلها على غير ما هي لها عند العقل كما ترى زائلا الحكم العقلي فيها عن مكانه الأصلي إذ مكانه الاصلي إسناد الربح على أصحاب التجارة وإسناد زيادة الإيمان على العلم بالآيات، وإسناد إيتاء أكل الشجرة على خالقها، وإسناد وضع أوزار الحرب على أصحاب الحرب، وإسناد إخراج أثقال الأرض على خالق الأرض، ولا يختلجن في ذهنك بعد أن اتضح لك كون المجاز فرع أصل تحقق مجاز أيا كان بدون حقيقة يكون متعديا عنها لامتناع تحقق فرع من غير أصل فلا تجوز في نحو سرتني رؤيتك ونحو أقدمني بلدك حق لي على فلان، ونحوه: وصيرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل ونحو: يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 أن لا يكون لكل من هذه الأفعال فاعل في التقدير إذا أنت أسندت الفعل إليه وجدت الحكم واقعاً في مكانه الأصلي عند العقل ولكن حكم العقل فيها فأيما شيء ارتضى بصحة استنادها فهو ذاك فإذا ارتضى في سرتني رؤيتك صحة استناد السرور على من رزقك رؤيته وأباحها لك وهو الله عز وجل فقل أصل الكلام سرني الله وقت رؤيتك كما تقول في أنبت الربيع البقل أصل الحكم أنبت الله البقل وقت الربيع وفي شفى الطبيب المريض أصل الحكم شفى الله المريض عند علاج الطبيب وإذا ارتضى في أقدمني بلدك حق لي على فلان صحة استناد أقدمني على نفسك على معنى أقدمني نفسي لأجل حق لي على فلان أي قدمت لذلك كما تصرح بذلك فتقول حملتني نفسي على الطاعة أي أطعت. وحاصله يرجع على معنى أقدمني قدرتي على القدوم والداعي إليه الخالص فالفعل في وجوده لا يحتاج إلا على قادر ذي داع له إليه خالص ونظيره محبتك جاءت بي إليك الأصل جاءت بي نفسي إليك لمحبتك أي جئت لمحبتك ووجد المجيء إليك من نفسي لمحبتك وإياك والظن بأقدمني بلدك حق لي على فلان وبمحبتك جاءت بي إليك كونهما حقيقيتين فالفعلان فيهما مسندان كما ترى على مجرد الداعي والعقل لا يقبل الداعي فاعلا، وإنما يقبله محركا للفاعل أعني للمتصف بالقدرة، وتمام تحقيق هذا المعنى يستدعي نوعا من العلوم غير نوع علم البيان فليقتنع بهذا القدر، وإذا ارتضى في: وصيرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل صحة استناد صير على الله تعالى على معنى أهلكني الله ابتلاء بسبب اتباعي هواك وإذا ارتضى في: يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 صحة استناد يزيد على الله عز وجل على معنى يزيدك الله حسنا في وجهه لما أودعه من دقائق الحسن والجمال بكمال قدرته متى تأملت وتأنقت فقل فاعل أقدمني ذلك وفاعل صيرني ويزيد هذا. وأما الحقيقة العقلية وتسمى حكمية أيضا وإثباتية فهي الكلام المفاد به ما عند المتكلم من الحكم فيه كقولك أنبت الله البقل وشفى الله المريض وكسا خدم الخليفة الكعبة وهزم عسكر الأمير الجند وبنى عملة الوزير القصر، وإنما قلت ما عند المتكلم من الحكم فيه دون أن أقول ما في العقل من الحكم فيه ليتناول كلام الدهري إذا قال أنبت الربيع البقل رائيا إنبات البقل من الربيع، وكلام الجاهل إذا قال شفى الطبيب المريض رائيا شفاء المريض من الطبيب حيث عدا منهما حقيقتين مع كونهما غير مفيدين لما في العقل من الحكم فيهما ومن أراد تصحيحه ذاهبا فيه على أن يعني عقل المتكلم استتبع هنات، ومن حق هذا المجاز الحكمي أن يكون فيه للمسند إليه المذكور نوع تعلق وشبه بالمسند إليه المتروك فإنه لا يرتكب إلا لذلك مثل ما يرى للربيع في أنبت الربيع البقل من نوع شبه بالفاعل المختار من دوران الإنبات معه وجودا وعدما نظرا على عدم الإنبات بدونه وقت الشتاء ووجوده مع مجيئه دوران الفعل مع اختيار القادر وجودا وعدما، ومثل ما ترى أيضا للدواء في شفي الدواء المريض من دوران الشفاء مع تناوله وجودا وعدما، وما ترى للخليفة في كسا الخليفة البيت من دوران كسوة البيت مع أمره وجودا وعدما، فإن لم يكن هذا الشبه بين المذكور والمتروك كما لو قلت أنبت الربيع البقل وشفى الدواء المريض نسبت على ما تكره ولما تسمع من علماء هذا الفن كثيراً في المجاز العقلي أنه يكون مجازا في الإثبات ربما أوهم اختصاصه بالخبر فلا تخصصه به، وقل في مثل ما إذا قلنا إني بعد ما اقتنعت باليسير من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 الدنيا وطبت نفسا عن زخارفها ومحوت وساوس الفضول عن دفتر الخاطر وليس يهمني الآن غير التلافي لما فرط فليفعل الدهر ما شاء وليختلف الأصول اختلافها فلينبت الربيع ما أحب وليثمر الأشجار أيا اشتهت ولينضج الخريف ما أدرك فلست أبالي أن هذه الأوامر بأسرها من باب المجاز الحكمي، وإذا تأملت المجاز العقلي وجدت الحاصل منه يرجع على إيقاع نسبة في غير موضعها عند الموقع لا بد من حيث اللغة لضرب من التأويل مثل النسبة بين إنبات البقل والربيع في الخبر والأمر والنهي والاستفهام وبين الوزير وبناء القصر في ذلك، هذا كله تقرير للكلام في هذا الفصل بحسب رأي الأصحاب من تقسيم المجاز على لغوي وعقلي وإلا فالذي عندي هو نظم هذا النوع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 في سلك الاستعارة بالكناية بجعل الربيع استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقي بوساطة المبالغة في التشبيه على ما عليه مبني الاستعارة كما عرفت وجعل نسبة الإنبات إليه قرينة الاستعارة وبجعل الأمير المدبر لأسباب هزيمة العدو استعارة بالكناية عن الجند الهازم وجعل نسبة الهزم إليه قرينة للاستعارة وإنني بناء على قولي هذا ههنا، وقولي ذلك في فصل الاستعارة التبعية، وقولي في المجاز الراجع عند الأصحاب على حكم للكلمة على ما سبق أجعل المجاز كله لغويا، وينقسم عندي هكذا على مفيد وغير مفيد والمفيد على استعارة وغير استعارة والاستعارة على مصرح بها ومكني عنها والمصرح بها على تحقيقية وتخييلية والمكنى عنها على ما قرينتها أمر مقدر وهمي كالأنياب في قولك أنياب المنية وكنطقت في قولك نطقت الحال بكذا أو أمر محقق كالإنبات في قولك أنبت الربيع البقل وكالهزم في قولك هزم الأمير الجند والتحقيقية والتخييلية كلتاهما على قطعية واحتمالية للتحقيق والتخييل بتحصيل أقسام ثلاثة من ذلك تحقيقية بالقطع تخييلية بالقطع تحقيقية أو تخييلية بالاحتمال. واعلم أن حد الحقيقة الحكمية والمجاز الحكمي عند أصحابنا رحمهم الله غير ما ذكرت حد الحقيقة الحكمية عندهم كل جملة وضعتها على أن الحكم المفاد بها على ما هو عليه في العقل وواقع موقعه وحد المجاز الحكمي كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في العقل لضرب من التأول، وإذا قد عرفت ما ذكرت وما ذكروا فاختر أيهما شئت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 الأصل الثالث من علم البيان في الكناية الكناية هي ترك التصريح بذكر الشيء على ما ذكر ما يلزمه لينتقل من المذكور على المتروك كما نقول فلان طويل النجاد لينتقل منه على ما هو ملزوم وهو طول القامة وكما تقول فلانة نئوم الضحى لينتقل منه على ما هو ملزومه وهو كونها مخدومة غير محتاجة على السعي بنفسها في إصلاح المهمات وذلك أن وقت الضحى وقت سعي نساء العرب في أمر المعاش وكفاية أسبابه وتحصيل ما يحتاج إليه في تهيئة المتناولات وتدبير إصلاحها فلا تنام فيه من نسائهم إلا من تكون لها خدم ينوبون عنها في السعي لذلك لما وسمي هذا النوع كناية لما فيه من إخفاء وجه التصريح ودلالة كني على ذلك لأن ك ن ى كيفما تركبت دارت مع تأدية معنى الخفاء من ذلك كنى عن الشيء يكنى إذ لم يصرح به ومنه الكنى وهو أبو فلان وابن فلان وأم فلان وبنت فلان سميت كنى لما فيها من إخفاء وجه التصريح بأسمائهم الأعلام ومن ذلك نكى في العدو ينكي إذا أوصل إليه مضار من حيث لا يشعر بها ومنه نكايات الزمان لجوائحها الملمة على بنية من حيث لا يشعرون ومن ذلك الكين للحمة المستبطتة في فلهم المرأة لخفائها ومن ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 مقلوب الكين قلب الكل لإخفاء الناس إياه واحترازهم أن يصرحوا بلفظه فضلا أن يرتكبوا معناه جهارا، ثم إن الكناية تتفاوت على تعريض وتلويح ورمز وإيماء وإشارة ومساق الحديث يحسر لك اللثام عن ذلك، والفرق بين المجاز والكناية يظهر من وجهين أحدهما أن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة بلفظها فلا يتمنع في قولك فلان طويل النجاد أن تريد طول نجاده من غير ارتكاب تأويل مع إرادة طول قامته وفي قولك فلانة نئومة الضحى أن تريد أنها تنام ضحى لا عن تأويل يرتكب في ذلك مع إرادة كونها مخدومة مرفهة والمجاز ينافي ذلك فلا يصح في نحو رعينا الغيث أن تريد معنى الغيث وفي نحو قولك في الحمام أسد أن تريد معنى الأسد من غير تأويل وأنى والمجاز ملزوم قرينة معاندة لإرادة الحقيقة كما عرفت وملزوم معاند الشيء معاند لذلك الشيء. والثاني أن مبنى الكناية على الانتقال من اللازم على الملزوم ومبنى المجاز على الانتقال من الملزوم على اللازم كما سنعود على هذا المعنى عند ترجيح الكناية على التصريح. وإذ قد سمعت أن الكناية ينتقل فيها من اللازم على الملزوم فاسمع أن المطلوب بالكناية لا يخرج عن أقسام ثلاثة: أحدها طلب نفس الموصوف. وثانيها طلب نفس الصفة. وثالثها تخصيص الصفة بالموصوف والمراد بالوصف هاهنا كالجود في الجواد والكرم في الكريم والشجاعة في الشجاع وما جرى مجراها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 القسم الأول: في الكناية المطلوب بها نفس الموصوف الكناية في هذا القسم تقرب تارة وتبعد أخرى فالقرينة هي أن يتفق في صفة من الصفات اختصاص بموصوف معين عارض فتذكرها متوصلا بها على ذلك الموصوف مثل أن تقول جاء المضياف وتريد لعارض اختصاص للمضياف بزيد والبعيدة هي أن تتكلف اختصاصها بأن تضم على لازم آخر وآخر فتلفق مجموعا وصفيا مانعا عن دخول كل ماعدا مقصودك فيه مثل أن تقول في الكناية عن الإنسان حي مستوي القامة عريض الأظفار. القسم الثاني: في الكناية المطلوب بها نفس الصفة أن الكناية في هذا القسم أيضا تقرب تارة وتبعد أخرى، فالقريبة هي أن تنتقل على مطلوبك من أقرب لوازمه إليه مثل أن تقول فلان طويل نجاده أو طويل النجاد متوصلا به على طول قامته أو مثل أن تقول فلان كثير أضيافه أو كثير الأضياف متوصلا به على أنه مضياف. واعلم أن بين قولنا طويل نجاده وقولنا طويل النجاد فرقا وهو أن الأول كناية ساذجة والثاني كناية مشتملة على تصريح فتأمل واستعن في درك ما قلت بالبحث عن تذكير الوصف في نحو فلانة حسن وجهها وعن تأنيث فلانة حسنة الوجه وباستحضار ما تقدم لي في " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر " في باب التشبيه وأن هذا النوع القريب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 تارة يكون واضحا كما في المثالين المذكورين وتارة خفيا كما في قولهم عريض القفا كناية عن الأبله وفي قولهم عريض الوسادة كناية عن هذه الكناية، وأما البعيدة فهي أن تنتقل على مطلوبك من لازم بعيد بوساطة لوازم متسلسلة مثل أن تقول كثير الرماد فتنتقل من كثرة الرماد على كثرة الجمر ومن كثرة الجمر على كثرة إحراق الحطب تحت القدور ومن كثرة إحراق الحطب على كثرة الطبائخ ومن كثرة الطبائخ على كثرة الأكلة ومن كثرة الأكلة على كثرة الضيفان ثم من كثرة الضيفان على أنه مضياف فانظر بين الكناية، وبين المطلوب بها كم ترى من لوازم أو مثل أن تقول جبان الكلب أو مهزول الفصيل متوصلا بذلك على كونه مضيافا كما قال: وما يك في من عيب فإني ... جبان الكلب مهزول الفصيل فإن جبن الكلب عن الهرير في وجه من يدنو من دار من هو بمرصد لأن يغشى دونها مع كون الهرير له والنباح في وجه من لا يعرف أمراً طبيعيا له مركوزا في جبلته مشعر باستمرار تأديب له لامتناع تغير الطبيعة وتفاوت الجبلة بموجب لا يقوى واستمرار تأديبه أن لا ينبح مشعر باستمرار موجب نباحه وهو اتصال مشاهدته وجوها إثر وجوه واتصال مشاهدته لتلك مشعر بكون ساحته مقصد أدان وأقاص وكونه كذلك مشعر بكمال شهرة صاحب الساحة بحسن قرى الأضياف فانظر لزوم جبن الكلب للمضيافية كيف تجده بوساطة عدة لوازم، وكذلك هزال الفصيل يلزم فقد الأم وفقدها مع كمال عناية العرب بالنوق لا سيما بالمثليات منها لقوام أكثر مجاري أمورهم بالإبل يلزم كمال قوة الداعي على نحرها وإذ لا داعي على نحر المثليات أقوى من صرفها على الطبائخ ومن صرف الطبائخ على قرى الأضياف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 فهزال الفصيل كما ترى يلزم المضيافية بعدة وسائط، ومن هذا النوع أيضا قول نصيب: لعبد العزيز على قومه ... وغيرهم منن ظاهره فبابك أسهل أبوابهم ... ودارك مأهولة عامره وكلبك آنس بالزائري " " ن من الأم بالابنة الدائره فإنه حين أراد أن يكنى عن وفور إحسان عبد العزيز على الخاص والعام واتصال أياديه لدى القريب والبعيد جعل كلبه آنسا بالزائرين ذلك الأنس فدل بمعنى أنسه ذلك بالزائرين على أنهم عنده معارف فالكلب لا يأنس إلا بمن يعرف ودل بمعنى كونهم معارف عنده على اتصال مشاهدته إياهم ليلا ونهارا ودل بمعنى ذلك على لزومهم سدة عبد العزيز ودل بمعنى لزومهم سدته على تسني مباغيهم هنالك تسنيا بالاتصال لا ينقطع، ثم دل بمعنى ذلك على ما أراد فانظر كيف لوح مع بعد المسافة بين أنس الكلب بالزائرين وبين إحسان عبد العزيز الوافر، ونظير قول نصيب مع زيادة لطف قول الآخر: تراه إذا ما أبصر الضيف مقبلا ... يكلمه من حبه وهو أعجم ومنه قول ابن هرمة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 لا أمتع العوذ بالفصال ... ولا أبتاع إلا قريبة الأجل دل بقوله لا أمتع العوذ بالفصال على أنه لا يبقى لها فصالها فتنتفع بها من جهة استئناسها بها وحصول الفرح الطبيعي لها في مشاهدتها إياها وما تستملح من حركاتها لديها ويحتمل أن يريد لا أبقى العوذ بسبب فصالها نظرا لها فتسلم عن النحر فتنتفع بالفصال من هذه الجهة ودل بمعنى أنه لا يبقيها على أنه ينحرها ودل بمعنى نحرها على أنه يصرفها على قرى الضيفان، وكذا دل بقوله قريبة الأجل على أنها لا تلبث عنده حية ودل بذلك على أنه ينحرها، ثم دل بنحرها على معنى أضيف. القسم الثالث: في الكناية المطلوب بها تخصيص الصفة بالموصوف هي أيضا تتفاوت في اللطف فتارة تكون لطيفة وأخرى ألطف وأنا أورد عدة أمثلة منها قول زياد الأعجم وهو لطيف: إن السماحة والمروءة والندى ... في قبة ضربت على ابن الحشرج فإنه حين أراد أن لا يصرح بتخصيص السماحة والمروءة والندى بابن الحشرج فيقول السماحة لابن الحشرج والمروءة له والندى له فإن الطريق على تخصيص الصفة بالموصوف. لتصريح إما الإضافة أو معناها وإما الإسناد أو معناه فالإضافة كقولك سماحة ابن الحشرج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 أو سماحته مظهرا كان المضاف إليه أو مضمرا أو معناها كقولك السماحة لابن الحشرج أو السماحة له والإسناد كقولك سمح ابن الحشرج أو حصل السماحة ومعناه كقولك ابن الحشرج سمح بتقدير ضمير ابن الحشرج في سمح العائد إليه كما هو أعنى تخصيص الصفة بالموصوف مصرح به في جميع ما تقدم من الأمثلة أو ما ترى الوصف المكنى عنه وهو طول القامة بقولك طويل النجاد كيف تجده مضافا على ضمير موصوفه في قولك زيد طويل نجاده وهو الهاء في نجاده العائد على زيد المطلوب تخصيص طول القامة به أو مسندا على ضمير موصوفه في قولك طويل النجاد وهو الضمير في طويل العائد على الموصوف أو الوصف المكنى عنه وهو وفور الإحسان بأنس الكلب بالزوار كيف تجده مضافا على ضمير موصوفه وهو عبد العزيز المخاطب المطلوب تخصيص وفور الإحسان به أو الوصف المكنى عنه وهو المضيافية بلا إمتاع العوذ بالفصال وابتياع قريبة الأجل كيف تجده مسندا على ضمير موصوفه وهو ضمير الحكاية الراجع على ابن هرمة المطلوب تخصيص المضيافية به ماذا صنع جمع السماحة والمروءة والندى في قبة تنبيها بذلك أن محلها محل ذو قبة محاولا بذلك اختصاصها بابن الحشرج ثم لما رأى غرضه ما كان يتم بذلك لوجود ذوي قباب في الدنيا كثيرين جعل القبة مضروبة على ابن الحشرج حتى تم غرضه ومنها قولهم المجد بين ثوبيه والكرم بين برديه، وقد يظن هذا من قسم زيد طويل نجاده وليس بذلك فطويل نجاده بإسناد الطويل على النجاد تصريح بإثبات الطول للنجاد وطول النجاد كما تعرف قائم مقام طول القامة فإذا صرح من بعد بإثبات النجاد لزيد بالإضافة كان ذلك تصريحا بإثبات الطول لزيد فتأمل. ومنها قوله وهو ألطف: والمجد يدعو أن يدوم لجيده ... عقد مساعي ابن العميد نظامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 انظر حين أراد أن يثبت المجد لابن العميد لا على سبيل التصريح ماذا صنع أثبت لابن العميد مساعي وجعلها نظام عقد وبين أن مناط ذلك العقد هو جيد المجد فنبه بذلك على اعتناء ابن العميد بتزيين المجد، ونبه بتزيينه إياه على اعتنائه بشأنه أعني بشأن المجد وعلى محبته له ونبه بذلك على أنه ماجد ولم يقنعه ذلك حتى جعل المجد المعرف تعريف الجنس داعيا أن يدوم ذلك العقد لجيده فنبه بذلك على طلب حقيقة المجد ودوام بقاء ابن العميد ونبه بذلك على أن تزيينه والاعتناء بشأنه مقصوران على ابن العميد حتى أحكم بتخصيص المجد بابن العميد وأكده أبلغ تأكيد. وحاصله أن الشاعر جعل المجد متزينا في المآل بابن العميد وجعل تزيينه به تخصيصا له به على نحو ما يقال تزينت الوزارة بفلان إذا حصلت له. ومنها قول الشنفرى الأزدي وصف امرأة بالعفة: يبيت بمنجاة عن اللوم بيتها ... إذا ما بيوت بالملامة حلت فإنه حين أراد أن يبين عفافها وبراءة ساحتها عن التهمة وكمال نجاتها عن أن تلام بنوع من الفجور على سبيل الكناية قصد على نفس النجوة عن اللوم، ثم لما رآها غير مختصة بتلك العفيفة لوجود عفائف من الدنيا كثيرة نسبها على بيت يحيط بها تخصيصا للنجاة عن اللوم بها فقال: يبيت بمنجاة عن اللوم بيتها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 ولم يقل يظل قصدا على زمان له مزيد اختصاص بالفواحش وهو الليل وقول ابن هانئ فما جاز جود ولا حل دونه ... ولكن يصير الجود حيث يصير فإنه أراد أن يجمع الجود لا على سبيل التصريح ويثبته للممدوح لا على سبيل التصريح أيضا فعمد على نفس الجود فنفى أن يكون متوزعا يقوم منه جزء بهذا وجزء بذاك فنكر الجود قصدا على فرد من أفراد الحقيقة ونفى أن يجوز ممدوحه فقال فما جازه جود بالتنكير كما نرى تنبيها بذلك على أن لو جازه لكان قائما بمحل هناك لامتناع قيامه بنفسه، ثم لمثل هذا قال ولا حل دونه كناية بذلك عن عدم توزعه وتقسمه ثم خصصه من بعد بجهة تلك الجهة لممدوحه بعد أن عرفه باللام الاستغراقية فقال ولكن يصير الجود حيث يصير كناية عن ثبوته له، ومنه قولهم مجلس فلان مظنة الجود والكرم، وقد يظن أن ههنا قسما رابعا، وهو أن يكون المطلوب بالكناية الوصف والتخصيص معا مثل ما يقال يكثر الرماد في ساحة عمرو في الكناية عن أن عمراً مضياف فليس بذاك إذ ليس ما ذكر بكناية واحدة بل هما كنايتان وانتقال من لازمين على ملزومين أحد اللازمين كثرة الرماد والثاني تقييدها وهو قولك في ساحة عمرو. واعلم أن الكناية في القسم الثاني والثالث تارة تكون مسوقة لأجل الموصوف المذكور كما تقول فلان يصلي ويزكي وتتوصل بذلك على أنه مؤمن وفلان يلبس الغيار وتريد أنه يهودي وكالأمثلة المذكورة، وتارة تكون مسوقة لأجل موصوف غير مذكور كما تقول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 في عرض من يؤذي المؤمنين المؤمن هو الذي يصلي ويزكي ولا يؤذي أخاه المسلم وتتوصل بذلك على نفي الإيمان عن المؤذي وكقوله علت كلمته في عرض المنافقين " هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب " إذا فسر الغيب بالغيبة بمعنى يؤمنون مع الغيبة عن حضرة النبي أو عن جماعة المسلمين على معنى هدى للذين يؤمنون عن إخلاص لا الذين يؤمنون عن نفاق، وإذ قد وعيت ما أملى عليك فنقول: متى كانت الكناية عرضية على ما عرفت كان إطلاق اسم التعريض عليها مناسبا وإذا لم تكن كذلك نظر فإن كانت ذات مسافة بينها وبين المكنى عنه متباعدة لتوسط لوازم كما في كثير الرماد وأشباهه كان إطلاق اسم التلويح عليها مناسبا، لأن التلويح هو أن تشير على غيرك عن بعد وإن كانت ذات مسافة قريبة مع نوع من الخفاء كنحو عريض القفا وعريض الوسادة كان إطلاق اسم الرمز عليها منسبا لأن الرمز هو أن تشير على قريب منك على سبيل الخفية. قال: رمزت إلي مخافة من بعلها ... من غيرها أن تبدي هناك كلامها وإن كانت لا مع نوع الخفاء كقول أبي تمام: أبين فما يزرن سوى كريم ... وحسبك أن يزرن أبا سعيد فإنه في إفادة أن أبا سعيد كريم غير خاف كان إطلاق اسم الإيماء والإشارة عليها مناسبا وكقول البحتري: أو ما رأيت المجد ألقى رحله ... في آل طلحة ثم لم يتحول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 فإنه في إفادة أن آل طلحة أماجد ظاهر، وكقول الآخر: إذا الله لم يسق إلا الكرام ... فسقى وجوه بني حنبل وسقى ديارهم باكرا ... من الغيث في الزمن الممحل فإنه في إفادة كرم بني حنبل كما ترى، وكقول الآخر: متى تخلو تميم من كريم ... ومسلمة بن عمرو من تميم فإنه في إفادة كرم مسلمة من الجميع، وأما قوله: سألت الندى والجود مالي أراكما ... تبذلتما ذلا بعز مؤيد وما بال ركن المجد أمسى مهدما ... فقال أصبنا بابن يحيى محمد فقلت فهلا متما عند موته ... فقد كنتما عبديه في كل مشهد فقالا أقمنا كي نعزى بفقده ... مسافة يوم ثم نتلوه في غد في إفادة جود ابن يحيى ومجده فعلى ما ترى من الظهور. واعلم أن التعريض تارة يكون على سبيل الكناية وأخرى على سبيل المجاز، فإذا قلت آذيتني فستعرف وأردت المخاطب إنسانا آخر معتمدا على قرائن الأحوال كان من القبيل الأول وإن لم ترد إلا غير المخاطب كان من القبيل الثاني فتأمل، وعلى هذا فقس وفرع إن شئت فقد نبهتك. واعلم أن أرباب البلاغة وأصحاب الصياغة للمعاني مطبقون على أن المجاز أبلغ من الحقيقة وأن الاستعارة أقوى من التصريح بالتشبيه وأن الكناية أوقع من الإفصاح بالذكر والسبب في أن المجاز أبلغ من الحقيقة هو ما عرفت أن مبنى المجاز على الانتقال من الملزوم على اللازم فأنت في قولك رعينا الغيث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 ذاكرا الملزوم النبت مريدا به لازمه بمنزلة مدعي الشيء ببينه فإن وجود الملزوم شاهد لوجود اللازم لامتناع انفكاك الملزوم عن اللازم لأداء انفكاكه عنه على كون الشيء ملزوما غير ملزوم باعتبار واحد، وفي قولك رعينا النبت مدعى للشيء لا ببينه وكم بين ادعاء الشيء ببينه وبين ادعائه لا بها، والسبب في أن الاستعارة أقوى من التصريح بالتشبيه أمران: أحدهما أن في التصريح بالتشبيه اعترافا بكون المشبه به أكمل من المشبه في وجه الشبه على ما قررت في باب التشبيه. والثاني في ترك التصريح بالتشبيه على الاستعارة التي هي مجاز مخصوص الفائدة التي سمعت في المجاز آنفا من دعوى الشيء ببينه، والسبب في أن الكناية عن الشيء أوقع من الإفصاح بذكره نظير ما تقدم في المجاز بل عينه، يبين ذلك أن مبنى الكناية كما عرفت على الانتقال من اللازم على ملزوم معين ومعلوم عندك أن الانتقال من اللازم على ملزوم معين يعتمد مساواته إياه لكنهما عند التساوي يكونان متلازمين فيصير الانتقال من اللازم إلى الملزوم إذ ذاك بمنزلة الانتقال من الملزوم على اللازم فيصير حال الكناية كحال المجاز في كون الشيء معها مدعى ببينة ومع إفصاح بالذكر مدعى لا ببينه، وبهذا الطريق ينخرط نحو أمطرت السماء نباتا في سلك نحو رعينا الغيث فافهم، هذا ما أمكن من تقرير كلام السلف رحمهم الله في هذين الأصلين، ومن ترتيب الأنواع فيهما وتذييلها بما كان يليق بها وتطبيق البعض منها بالبعض وتوفية كل من ذلك حقه على موجب مقتضى الصناعة وسيحمد ما أوردت ذوو البصائر، وإني أوصيهم إن أورثهم كلامي نوع استمالة وفاتهم ذلك في كلام السلف إذا تصفحوه أن لا يتخذوا ذلك مغمزا للسلف أو فضلا لي عليهم فغير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 مستبدع في أيما نوع فرد أن ينزل عن أصحابه ما هو أشبه بذلك النوع في بعض الأصول أو الفروع أو التطبيق للبعض بالبعض متى كانوا المخترعين له وإنما يستبدع ذلك ممن زجى عمره راتعا في مائدتهم تلك، ثم لم يقو أن يتنبه وعلماء هذا الفن وقليل ما هم كانوا في اختراعه واستخراج أصوله وتمهيد قواعدها وأحكام أبوابها وفصولها والنظر في تفاريعها واستقراء أمثلتها اللائقة بها وتلقطها من حيث يجب نلقطها وأتعاب الخاطر في التفتيش والتنقير عن ملاقطها وكد النفس والروح في ركوب المسالك المتوعرة على الظفر بها مع تشعب هذا النوع على شعب بعضها أدق من البعض وتفننها أفانين بعضها أغمض من بعض كما عسى أن يقرع سمعك طرف من ذاك فعلواً ما وفت به القوة البشرية إذ ذاك، ثم وقع عند فتورها منهم ما هو لازم الفتور. وأما بعد فإن خلاصة الأصلين هي أن الكلمة لا تفيد ألبتة إلا بالوضع أو الاستلزام بوساطة الوضع، وإذا استعملت فإما أن يراد معناها وحده أو غير معناها وحده أو معناها وغير معناها معا. فالأول هو الحقيقة في المفرد وهي تستغني في الإفادة بالنفس عن الغير. والثاني هو المجاز في المفرد وأنه مفتقر على نصب دلالة مانعة عن إرادة معنى الكلمة. والثالث هو الكناية ولا بد من دلالة حال والحقيقة في المفرد والكنابة تشتركان في كونهما حقيقيتين ويفترقان في التصريح وعدم التصريح، وغير معناها في المجاز إما أن يقدر قائما مقام معناها بوساطة المبالغة في التشبيه أو لا يقدر والأول هو الاستعارة والثاني هو المجاز المرسل والمذكور في الاستعارة إما أن يكون هو المشبه به أو المشبه والأول هو الاستعارة بالتصريح والثاني هو الاستعارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 بالكناية، وقريننها أن يثبت للمشبه أو ينسب إليه ما هو مختص بالمشبه به، والمشبه به المذكور في الاستعارة بالتصريح إما أن يكون مشبهه المتروك شيئاً له تحقق أو شيئاً لا تحقق له والأول والاستعارة التحقيقية والثاني التخييلية. والكلمة إذا أسندت فإسنادها بحسب رأي الأصحاب دون رأينا إما أن يكون على وفق عقلك وعلمك أو لا يكون والأول هو الحقيقة في الجملة والثاني هو المجاز فيها، ثم إن الحقيقة في الجملة إما أن تكون مقرونة بإفادة مستلزم أو لا تكون والأولى داخلة في الكناية والثانية داخلة في التصريح. ي التخييلية. والكلمة إذا أسندت فإسنادها بحسب رأي الأصحاب دون رأينا إما أن يكون على وفق عقلك وعلمك أو لا يكون والأول هو الحقيقة في الجملة والثاني هو المجاز فيها، ثم إن الحقيقة في الجملة إما أن تكون مقرونة بإفادة مستلزم أو لا تكون والأولى داخلة في الكناية والثانية داخلة في التصريح. وإذ قد عرفنا الحقيقة في المفرد وفي الجملة، وعرفنا فيهما التصريح والكناية، وعرفنا المجاز في المفرد وفي الجملة، وعرفنا تنوع الكناية على تعريض وتلويح ورمز وإيماء وإشارة، وعرفنا تنوع المجاز على مرسل مفيد وغير مفيد وعلى استعارة مصرح بها ومكني عنها، وعرفنا ما يتصل بذلك من التحقيقية والتخيلية والقطعية والاحتمالية ومن الأصلية والتبعية على رأي الأصحاب دون رأينا على ما تقدم والمجردة والمرشحة، وحصل لنا العلم بتفاوت التشبيه في باب المبالغة على الضعف والقوة، وعلى كونه تشبيها مرسلا وكونه تمثيلا ساذجا وكونه تمثيلا بالاستعارة وكونه مثلا، وقضينا الوطر عن كمال الاطلاع على هذه المقاصد، فنقول: البلاغة هي بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حدا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها، ولها أعني البلاغة طرفان أعلى وأسفل متباينان تباينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 لا يتراءى له ناراهما وبينهما مراتب تكاد تفوت الحصر متفاوتة، فمن الأسفل تبتدئ البلاغة وهو القدر الذي إذا نقص منه شيء التحق ذلك الكلام بما شبهناه به في صدر الكتاب من أصوات الحيوانات ثم تأخذ في التزايد متصاعدة على أن تبلغ حد الإعجاز وهو الطرف الأعلى وما يقرب منه. واعلم أن شأن الإعجاز عجيب يدرك ولا يمكن وصفه كاستقامة الوزن يدرك ولا يمكن وصفها وكالملاحة، ومدرك الإعجاز عندي هو الذوق ليس إلا، وطريق اكتساب الذوق طول خدمة هذين العلمين، نعم للبلاغة وجوه ملتثمة ربما تيسرت إماطة اللثام عنها لتجلي عليك. أما نفس وجه الإعجاز فلا. وأما الفصاحة فهي قسمان: راجع على المعنى، وهو خلوص الكلام عن التعقيد وراجع على اللفظ، وهو أن تكون الكلمة عربية أصلية وعلامة ذلك أن تكون على ألسنة الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم أدور واستعمالهم لها أكثر لا مما أحدثها المولدون ولا مما أخطأت فيه العامة وأن تكون أجرى على قوانين اللغة وأن تكون سليمة عن التنافر، والمراد بتعقيد الكلام هو أن يعثر صاحبه فكرك في متصرفه ويشيك طريقك على المعنى ويوعر مذهبك نحوه حتى يقسم فكرك ويشعب ظنك على أن لا تدري من أين تتوصل وبأي طريق معناه يتحصل كقول الفرزدق: وما مثله في الناس إلا مملكا ... أبو أمه حي أبوه يقاربه وكقول أبي تمام: ثانيه في كبد السماء ولم يكن ... كائنين ثان إذا هما في الغار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وغير المعقد هو ان يفتح صاحبه لفكرتك الطريق المستوي ويمهده وإن كان في معاطف نصب عليه المنار وأوقد الأنوار حتى تسلكه سلوك المتبين لوجهته وتقطعه قطع الوثائق بالنجح في طيته. وإذ قد وقفت على البلاغة وعثرت على الفصاحة المعنوية واللفظية فأنا أذكر على سبيل الأنموذج آية آكشف لك فيها عن وجوه البلاغة والفصاحتين ما عسى يسترها عنك، ثم إن ساعدك الذوق أدركت منها ما قد أدرك من تحدوا بها وهي قوله علمت كلمته " وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين " والنظر في هذه الآية من أربع جهات: من جهة علم البيان، ومن جهة علم المعاني وهما مرجعا البلاغة ومن جهة الفصاحة ومن جهة الفصاحة اللفظية. أما النظر فيها من جهة علم البيان وهو النظر فيما فيها من المجاز والاستعارة والكناية وما يتصل بها فنقول: إنه عز سلطانه لما أراد أن يبين معنى أردنا أن نرد ما انفجر من الأرض على بطنها فارتد، وأن نقطع طوفان السماء فانقطع، وأن نغيض الماء النازل من السماء فغاض، وأن نقضي أمر نوح وهو إنجاز ما كنا وعدنا من إغراق قومه فقضى، وأن نسوي السفينة على الجودي فاستوت، وأبقينا الظلمة غرقى بنى الكلام على تشبيه المراد بالمأمور الذي لا يتأنى منه لكمال هيبته العصيان وتشبيه تكوين المراد بالأمر الجزم النافذ في تكون المقصود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 تصويرا لاقتداره العظيم، وإن السموات والأرض وهذه الأجرام العظام تابعة لإرادته إيجادا وإعداما ولمشيئته فيها تغييرا وتبديلا كأنهما عقلاء مميزون وقد عرفوه حق معرفته وأحاطوا علما بوجوب الانقياد لأمره والإذعان لحكمه وتحتم بذل المجهود عليهم في تحصيل مراده وتصوروا مزيد اقتداره فعظمت مهابته في نفوسهم وضربت سرادقها في أفنية ضمائرهم، فكما يلوح لهم إشارته كان المشار إليه مقدماً، وكما يرد عليهم أمره كان المأمور به متمما لا تلقي لإشارته بغير الإمضاء والانقياد ولا لأمره بغير الإذعان والامتثال، ثم بنى على تشبيه هذا نظم الكلام فقال جل وعلا، قيل على سبيل المجاز عن الإرادة الواقع بسببها قول القائل وجعل قرينة المجاز الخطاب للجماد وهو يا أرض ويا سماء ثم قال كما ترى يا أرض ويا سماء مخاطبا لهما على سبيل الاستعارة للشبه المذكور ثم استعار لغؤور الماء في الأرض البلع الذي هو إعمال الجاذبة في المطعوم للشبه بينهما وهو الذهاب على مقر خفي، ثم استعار الماء للغذاء استعارة بالكناية تشبيها له بالغذاء لتقوي الأرض بالماء في الإنبات للزروع والأشجار تقوي الآكل بالطعام وجعل قرينة الاستعارة لفظة ابلعي لكونها موضوعة للاستعمال في الغذاء دون الماء، ثم أمر على سبيل الاستعارة للشبه المقدم ذكره وخاطب في الأمر ترشحا لاستعارة النداء، ثم قال ماءك بإضافة الماء على الأرض على سبيل المجاز تشبيها لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك واختار ضمير الخطاب لأجل الترشيح، ثم اختار لاحتباس المطر الإقلاع الذي هو ترك الفاعل الفعل للشبه بينهما في عدم ما كان، ثم أمر على سبيل الاستعارة وخاطب في الأمر قائلاً أقلعي لمثل ما تقدم في أبلعي ثم قال " وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي " وقيل بعد افلم يصرح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 بمن غاض الماء ولا بمن قضي الأمر وسوى السفينة وقال بعدا كما لم يصرح بقائل يا أرض ويا سماء في صدر الآية سلوكا في كل واحد من ذلك لسبيل الكناية أن تلك الأمور العظام لا تتأنى إلا من ذي قدرة لا يكتنه قهار لا يغالب فلا مجال لذهاب الوهم على أن يكون غيره جلت عظمته قائل يا أرض ويا سماء ولا غائض مثل ما غاض ولا قاضي مثل ذلك الأمر الهائل أو أن تكون تسوية السفينة وإقرارها بتسوية غيره وإقراره، ثم ختم الكلام بالتعريض تنبيها لسالكي مسلكهم في تكذيب الرسل ظلما لأنفسهم لا غير ختم إظهار لمكان السخط ولجهة استحقاقهم إياه وأن قيمة الطوفان وتلك الصورة الهائلة ما كانت إلا لظلمهم. وأما النظر فيها من حيث علم المعاني وهو النظر في فائدة كل كلمة منها وجهة كل تقديم وتأخير فيما بين جملها ذلك أنه اختير يا دون أخواتها لكونها أكثر في الاستعمال وأنها دالة على بعد المنادي الذي يستدعيه مقام إظهار العظمة وإبداء شأن العزة والجبروت وهو تبعيد المنادي المؤذن بالتهاون به ولم يقل يا أرض بالكسر لإمداد التهاون ولم يقل يا أيتها الأرض لقصد الاختصار مع الاحتراز عم في أيتها من تكلف التنبيه غير المناسب بالمقام، واختير لفظ الأرض دون سائر أسمائها لكونه أخف وأدور، واختير لفظ السماء لمثل ما تقدم في الأرض مع قصد المطابقة وستعرفها، واختير لفظ ابلعي على ابتلعي لكونه أخصر ولمجيء خط التجانس بينه وبين اقلعي أوفر، وقيل ماؤك بالإفراد دون الجمع لما كان في الجمع من صورة الاستكثار المتأبى عنها مقام إظهار الكبرياء والجبروت وهو الوجه في إفراد الأرض والسماء وإنما لم يقل ابلعي بدون المفعول أن لا يستلزم تركه ما ليس بمراد من تعميم الابتلاع للجبال والتلال والبحار وساكنات الماء بأسرهن نظرا على مقام ورود الأمر الذي هو مقام عظمة وكبرياء، ثم إذا بين المراد اختصر الكلام من أقلعي احترازا عن الحشو المستغنى عنه وهو الوجه في أن لم يقل، قيل يا أرض ابلعي ماءك فبلعت ويا سماء أقلعي فأقلعت، واختير غيض على غيض لكونه أخصر، وقيل الماء دون أن يقال ماء طوفان السماء، وكذا الأمر دون أن يقال أمر نوح وهو إنجاز ما كان الله وعد نوحا من إهلاك قومه لقصد الاختصار والاستغناء بحرف التعريف عن ذلك ولم يقل سويت على الجودي بمعنى أقرت على نحو قيل وغيض وقضى في البناء للمفعول اعتبار البناء الفعل للفاعل مع السفينة في قوله " وهي تجري بهم في موج " مع قصد الاختصار في اللفظ، ثم قيل بعدا للقوم دون أن يقال ليبعد القوم طلبا للتأكيد مع الاختصار وهو نزول بعدا منزلة ليبعدوا بعدا مع فائدة أخرى وهو استعمال اللام بعد بعدا الدال على معنى أن البعد حق لهم، ثم أطلق الظلم ليتناول كل نوع حتى يدخل فيه ظلمهم أنفسهم لزيادة التنبيه على فظاعة سوء اختيارهم في تكذيب الرسل هذا من حيث النظر على تركيب الكلم. وأما من حيث النظر على ترتيب الجمل فذاك أنه قد قدم النداء على الأمر، فقيل يا أرض ابلعي ويا سماء أقلعي دون أن يقال ابلعي يا أرض وأقلعي يا سماء جريا على مقتضى اللازم فيمن كان مأمورا حقيقة من تقديم التنبيه ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادي قصدا بذلك لمعنى الترشيح، ثم قدم أمر الأرض على أمر السماء وابتدئ به لابتداء الطوفان منها ونزولها لذلك في القصة منزلة الأصل، والأصل بالتقديم أولى ثم أتبعهما قوله وغيض الماء لاتصاله بقصة الماء وأخذه بحجزتها، ألا ترى أصل الكلام " قيل يا أرض ابلعي ماءك " فبلعت ماءها " ويا سماء أقلعي " عن إرسال الماء فأقلعت عن إرساله " وغيض الماء " النازل من السماء فغاض، ثم أتبعه ما هو المقصود من القصة، وهو قوله " وقضي الأمر " أي أنجز الموعود من إهلاك الكفرة وإنجاء نوح ومن معه في السفينة ثم أتبعه حديث السفينة، وهو قوله " واستوت على الجودي " ثم ختمت القصة بما ختمت، هذا كله نظر في الآية من جانبي البلاغة. أرض لقصد الاختصار مع الاحتراز عم في أيتها من تكلف التنبيه غير المناسب بالمقام، واختير لفظ الأرض دون سائر أسمائها لكونه أخف وأدور، واختير لفظ السماء لمثل ما تقدم في الأرض مع قصد المطابقة وستعرفها، واختير لفظ ابلعي على ابتلعي لكونه أخصر ولمجيء خط التجانس بينه وبين اقلعي أوفر، وقيل ماؤك بالإفراد دون الجمع لما كان في الجمع من صورة الاستكثار المتأبى عنها مقام إظهار الكبرياء والجبروت وهو الوجه في إفراد الأرض والسماء وإنما لم يقل ابلعي بدون المفعول أن لا يستلزم تركه ما ليس بمراد من تعميم الابتلاع للجبال والتلال والبحار وساكنات الماء بأسرهن نظرا على مقام ورود الأمر الذي هو مقام عظمة وكبرياء، ثم إذا بين المراد اختصر الكلام من أقلعي احترازا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 عن الحشو المستغنى عنه وهو الوجه في أن لم يقل، قيل يا أرض ابلعي ماءك فبلعت ويا سماء أقلعي فأقلعت، واختير غيض على غيض لكونه أخصر، وقيل الماء دون أن يقال ماء طوفان السماء، وكذا الأمر دون أن يقال أمر نوح وهو إنجاز ما كان الله وعد نوحا من إهلاك قومه لقصد الاختصار والاستغناء بحرف التعريف عن ذلك ولم يقل سويت على الجودي بمعنى أقرت على نحو قيل وغيض وقضى في البناء للمفعول اعتبار البناء الفعل للفاعل مع السفينة في قوله " وهي تجري بهم في موج " مع قصد الاختصار في اللفظ، ثم قيل بعدا للقوم دون أن يقال ليبعد القوم طلبا للتأكيد مع الاختصار وهو نزول بعدا منزلة ليبعدوا بعدا مع فائدة أخرى وهو استعمال اللام بعد بعدا الدال على معنى أن البعد حق لهم، ثم أطلق الظلم ليتناول كل نوع حتى يدخل فيه ظلمهم أنفسهم لزيادة التنبيه على فظاعة سوء اختيارهم في تكذيب الرسل هذا من حيث النظر على تركيب الكلم. وأما من حيث النظر على ترتيب الجمل فذاك أنه قد قدم النداء على الأمر، فقيل يا أرض ابلعي ويا سماء أقلعي دون أن يقال ابلعي يا أرض وأقلعي يا سماء جريا على مقتضى اللازم فيمن كان مأمورا حقيقة من تقديم التنبيه ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادي قصدا بذلك لمعنى الترشيح، ثم قدم أمر الأرض على أمر السماء وابتدئ به لابتداء الطوفان منها ونزولها لذلك في القصة منزلة الأصل، والأصل بالتقديم أولى ثم أتبعهما قوله وغيض الماء لاتصاله بقصة الماء وأخذه بحجزتها، ألا ترى أصل الكلام " قيل يا أرض ابلعي ماءك " فبلعت ماءها " ويا سماء أقلعي " عن إرسال الماء فأقلعت عن إرساله " وغيض الماء " النازل من السماء فغاض، ثم أتبعه ما هو المقصود من القصة، وهو قوله " وقضي الأمر " أي أنجز الموعود من إهلاك الكفرة وإنجاء نوح ومن معه في السفينة ثم أتبعه حديث السفينة، وهو قوله " واستوت على الجودي " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 ثم ختمت القصة بما ختمت، هذا كله نظر في الآية من جانبي البلاغة. وأما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوية فهي كما ترى نظم للمعاني لطيف وتأدية لها ملخصة مبينة لا تعقيد يعثر الفكرة في طلب المراد ولا التواء يشيك الطريق على المرتاد بل إذا جربت نفسك عند استماعها وجدت ألفاظها تسابق معانيها ومعانيها تسابق ألفاظها، فما من لفظة في تركيب الآية ونظمها تسبق على أذنك إلا ومعناها أسبق على قلبك. وأما النظر فيها من جانب الفصاحة اللفظية فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة، جارية على قوانين اللغة سليمة عن التنافر، بعيدة عن البشاعة عذبة على العذبات، سليسة على الإسلاسات، كل منها كالماء في السلاسة، وكالعسل في الحلاوة، وكالنسيم في الرقة. ولله در شأن التنزيل لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لا تسع الحصر ولا تظنن الآية مقصورة على ما ذكرت، فلعل ما تركت أكثر مما ذكرت لأن المقصود لم يكن إلا مجرد الإرشاد لكيفية اجتناء ثمرات علمي المعاني والبيان، وأن لا علم في باب التفسير بعد علم الأصول أقرأ منهما على المرء لمراد الله تعالى من كلامه، ولا أعون على تعاطي تأويل مشتبهاته، ولا أنفع في درك لطائف نكته وأسراره ولا أكشف للقناع عن وجه إعجازه هو الذي يوفي كلام رب العزة من البلاغة حقه ويصون له في مظان التأويل ماءه ورونقه، ولكم آية من آيات القرآن تراها قد ضيمت حقها واستلبت ماءها ورونقها إن وقعت على من ليسوا من أهل هذا العلم فأخذوا بها في مآخذ مردودة وحملوها على محامل غير مقصودة، وهم لا يدرون، ولا يدرون أنهم يدرون، فتلك الآي من مآخذهم في عويل ومن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 محاملهم على ويل طويل " وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " ثم مع ما لهذا العلم من الشرف الظاهر والفضل الباهر لا ترى علما لقي من الضيم ما لقي ولا مني من سوم الخسف بما مني، أين الذي مهد له قواعد ورتب له شواهد وبين له حدودا يرجع إليها وعين له رسوما يعرج عليها، ووضع له أصولا وقوانين، وجمع له حججا وبراهين، وشمر لضبط متفرقاته ذيله، واستنهض في استخلاصها من الأيدي رجله وخيله، علم تراه أيادي سبا، فجزء حوته الدبور، وجزء حوته الصبا. انظر باب التحديد فإنه جزء منه في أيدي من هو، انظر باب الاستدلال فإنه جزء منه في أيدي من هو بل تصفح معظم أبواب أصول الفقه من أي علم هي ومن يتولاها، وتأمل في مودعات من مباني الإيمان ما ترى من تمناها سوى الذي تمناها، وعد ولكن الله جلت حكمته إذ وفق في تحريك القلم فيه عسى أن يعطى القوس باريها بحول منه عز سلطانه وقوته، فما الحول والقوة إلا به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وإذ قد تقرر أن البلاغة بمرجعيها، وأن الفصاحة بنوعيها مما يكسو الكلام حلة التزيين ويرقيه أعلى درجات التحسين، فها هنا وجوه مخصوصة كثيراً ما يصار إليها لقصد تحسين الكلام، فلا علينا أن نشير على الأعرف منها، وهي قسمان: قسم يرجع على المعنى وقسم يرجع على اللفظ، فمن القسم الأول: المطابقة، وهي أن تجمع بين متضادين كقوله: أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمر وقوله علت كلمته " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء " وقوله " فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيراً " وقوله " وتحسبهم أيقاظا وهم رقود " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 ومنه المقابلة، وهي أن تجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وبين ضديهما. ثم إذا شرطت هنا شرطا شرطت هناك ضده كقوله عز وعلا فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى " لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق جعل ضده، وهو التعسير مشتركا بين أضداد تلك، وهي المنع والاستغناء والتكذيب. ومنه المشاكلة وهي أن تذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته كقوله. قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصا وقوله " صبغة الله " وقوله " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " وقوله ومكروا ومكر الله وقوله " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك " وقوله " يد الله مغلولة، بل يداه مبسوطتان " وقوله " وجزاء سيئة سيئة مثلها " ومنه مراعاة النظير، وهي عبارة عن الجمع بين المتشابهات كقوله: وحرف كنون تحت راء ولم يكن ... بدال يؤم الرسم غير النقط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 ومنه المزاوجة، وهي أن تزاوج بين معنيين في الشرط والجزاء كقوله: إذا ما نهى الناهي فلج بي الهوى ... أصاخ على الواشي فلج به الهجر ومنه اللف والنشر، وهي أن تلف بين شيئين في الذكر ثم تتبعهما كلاما مشتملا على متعلق بواحد وبآخر من غير تعيين ثقة بأن السامع يرد كلا منهما على ما هو له كقوله عز وعلا " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ". ومنه الجمع، وهو أن تخل شيئين فصاعدا في نوع واحد كقوله: إن الفراغ والشباب والجده ... مفسدة للمرء أي مفسده وقوله عز وعلا " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " ومنه التفريق، وهو أن تقصد على شيئين من نوع فتوقع بينهما تباينا كقوله: ما نوال الغمام وقت ربع ... كنوال الأمير وقت سخاء فنوال الأمير بدرة عين ... ونوار الغمام قطرة ماء ومنه التقسيم، وهو أن تذكر شيئاً ذا جزأين أو أكثر ثم تضيف على كل واحد من أجزائه ما هو له عندك كقوله: أديبان في بلخ لا يأكلان ... إذا صحبا المرء غير الكبد فهذا طويل كظل القناة ... وهذا قصير كظل الوتد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 ومنه الجمع مع التفريق، وهو أن تدخل شيئين في معنى واحد وتفرق جهتي الإدخال كقوله: قد اسود كالمسك صدغا ... وقد طاب كالمسك خلقا فإنه شبه الصدغ والخلق بالمسك ثم فرق بين وجهي المشابهة كما ترى. ومنه الجمع مع التقسيم، وهو أن تجمع أمورا كثيرة تحت حكم ثم تقسم أو تقسم ثم تجمع مثال الأول قول المتنبي: الدهر معتذر والسيف منتظر ... وأرضهم لك مصطاف ومرتبع للسبي ما نكحوا والقتل ما ولدوا ... والنهب ما جمعوا والنار ما زرعوا فإنه جمع في البيت الأول أرض العدو وما فيها في كونها خالصة للممدوح وقسم في الثاني، ومثال الثاني قول حسان رضي الله عنه: قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا سجية تلك منهم غير محدثة ... أن الخلائق فاعلم شرها البدع فإنه قسم في البيت الأول حيث ذكر ضرهم للأعداء ونفعهم للأولياء ثم جمع في الثاني فقال سجية تلك. ومنه الجمع مع التفريق والتقسيم، كما إذا قلت: فكالنار ضوءا وكالنار حرا ... محيا حبيبي وحرقة بالي فذلك من ضوءه في اختيال ... وهذا لحرقته في اختلال ولك أن تلحق بهذا القبيل قوله عز سلطانه " يوم يأت لا تكلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار " الآية " وأما الذين سعدوا ففي الجنة " ومنه الإيهام، وهو أن يكون للفظ استعمالان قريب وبعيد فيذكر لإيهام القريب في الحال على أن يظهر ان المراد به البعيد كقوله: حملناهم طرا على الدهم بعد ما ... خلعنا عليهم بالطعان ملابسا أراد بالحمل على الدهم تقييد العدا فأوهم إركابهم الخيل الدهم كما ترى، وقوله سبحانه " الرحمن على العرش استوى " وقوله " والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه وأكثر المتشابهات من هذا القبيل. ومنه تأكيد المدح بما يشبه الذم كقوله: هو البدر إلا أنه البحر زاخرا ... سوى أنه الضرغام لكنه الوبل ومنه التوجيه، وهو إيراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين كقول من قال للأعور ليت عينيه سواء، وللمتشابهات من القرآن مدخل في هذا النوع باعتبار. ومنه سوق المعلوم مساق غيره ولا أحب تسميته بالتجاهل كقوله: أذاك أم نمش بالوشي أكرعه ... أذاك أم خاضب بالسبي مرتعه وقولها: أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على ابن طريف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 وقوله سبحانه وتعالى " وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين " ومنه الاعتراض: ويسمى الحشو، وهو أن تدرج في الكلام ما يتم المعنى بدونه كقول طرفة: فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمى فأدرج غير مفسدها، وكما قال النابغة: لعمري وما عمري علي بهين ... لقد نطقت بطلا على الأقارع فأدرج وما عمري علي بهين وكما قال ابن المعتز: إن يحيى لا يزال يحيى صديقي ... وخليلي من دون هذه الأنام فأدرج لا زال يحيى وكما قال عز قائلا " فإن لم تفعلواً ولن تفعلواً فاتقوا النار " فقوله ولن تفعلواً اعتراض، وكما قال " فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم " فقوله وإنه لقسم لو تعلمون عظيم اعتراض وقوله لو تعلمون اعتراض في اعتراض. ومنه الاستتباع، وهو المدح بشيء على وجه يستتبع مدحا آخر كقوله: نهبت من الأعمار ما لم حويته ... لهنئت الدنيا بأنك خالد ألا تراه كيف مدحه بالشجاعة على وجه استتبع مدحه بكمال السخاء وجلال القدر من وجه آخر ويوضح لك ما ذكرت إذا قسته على قولك نهبت من الأعمار ما لو اجتمع لك لبقيت مخلدا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 ومنه الالتفات، وقد سبق ذكره في علم المعاني. ومنه تقليل اللفظ ولا تقليله مثل: يا وهيا وغاض وغيض إذا صادفا الموقع ويتفرع عليهما الإيجاز في الكلام والإطناب فيه، وقد سبقا في الذكر. ومن القسم الثاني التجنيس، وهو تشابه الكلمتين في اللفظ والمعتبر منه في باب الاستحسان عدة أنواع: أحدها التجنيس التام، وهو أن لا يتفاوت في اللفظ كقولك: رحبة رحبة. وثانيها التجنيس الناقص، وهو ان يختلفا في الهيئة دون الصورة كقولك البرد يمنع البرد وكقولك: البدعة شرك الشرك وكقولك الجهول إما مفرط أو مفرط، والمشدد في هذا الباب يقام مقام المخفف نظرا على الصورة فاعلم. وثالثها التجنيس المذيل، وهو ان يختلفا بزيادة حرف كقولك: مالي كمالي وجدي جهدي وكاس كاسب. ورابعها التجنيس المضارع أو المطرف، وهو ان يختلفا بحرف أو حرفين مع تقارب المخرج كقولك في الحرف الواحد دامس وطامس وحصب وحسب وكثب وكثم وفي الحرفين كقولهم ما خصصتني وإنما خسستني. وخامسها التجنيس اللاحق، وهو ان يختلفا لا مع التقارب كقولك سعيد بعيد كاتب كاذب عابد عائب والمختلفان في اللاحق إذا اتفقا كتبه كقولك عائب عابث سمي تجنيس تصحيف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 والمتجانسان إذا وردا على نحو قولهم من طلب وجدّ وجد أو قولهم من قرع بابا ولج ولج أو على نحو المؤمنون هينون لينون وجئتك من سبأ بنبأ أو على نحو قولهم: النبيذ بغير النغم غم وبغير الدسم سم سمي ذلك مزدوجا ومكررا ومرددا، وها هنا نوع آخر يسمى تجنيسا مشوشا وهو مثل قولك بلاغة وبراعة، وإذا وقع أحد المتجانسين في التام مركبا ولم يكن مخالفا في الخط كقوله: إذا ملك لم يكن ذاهبه ... فدعه فدولته ذاهبه سمي متشابها، وإن كان مخالفا في الخط كقوله: كلكم قد أخذ الجام ولا جام لنا ... ما الذي ضر مدير الجام لو جاملنا سمي مفروقا، ومما يلحق بالتجنيس نظير قوله عز وجل قال " إني لعملكم من القالين، وجنا الجنتين دان " وكثير ما يلحق بالتجنيس الكلمتان الراجعتان على أصل واحد في الاشتقاق مثل ما في قوله عز اسمه فأقم وجهك للدين القيم، وقوله " فروح وريحان " ومن جهات الحسن رد العجز على الصدر، وهو أن يكون إحدى الكلمتين المتكررتين أو المتجانستين أو الملحقتين بالتجانس في آخر البيت والأخرى قبلها في أحد المواضع الخمسة من البيت وهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 صدر المصراع الأول وحشوه وآخره وصدر المصراع الثاني وحشوه كما إذا قلت: مشتهر في علمه وحلمه ... وزهده وعهده مشتهر في علمه مشتهر وحلمه ... وزهده وعهده مشتهر في علمه وحلمه وزهده ... مشتهر وعهده مشتهر في علمه وحلمه وزهده ... وعهده مشتهر مشتهر والأحسن في هذا النوع أن لا يرجع الصدر والعجز على التكرار، ومن جهات الحسن القلب كقولك حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه وأنه يسمى مقلوب الكل أو كقوله: اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا وأنه يسمى مقلوب البعض، وإذا وقع أحد المقلوبين قلب الكل في أول البيت والثاني في آخره سمي مقلوبا مجنحا، وإذا وقع قلب الكل في كلمتين أو أكثر شعرا أو غير شعر كقولك كيل مليك وخان إذا ناخ وقوله: أس أرملا إذا عرا ... وارع إذ المرء أسا مقلوبا مستويا، ومن جهات الحسن الإسجاع وهي في النثر كما في القوافي في الشعر، ومن جهاته الفواصل القرآنية والكلام في ذلك ظاهر، ومن جهات الحسن الترصيع وهو أن تكون الألفاظ مستوية الأوزان متفقة الأعجاز أو متقاربتها كقوله عز اسمه " أن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم " وقوله " إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم " وكقوله " وآتيناهما الكتاب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 المستبين وهديناهما الصراط المستقيم " وأصل الحسن في جميع ذلك أن تكون الألفاظ توابع للمعاني لا أن تكون المعاني لها توابع: أعني أن لا تكون متكلفة. ويورد الأصحاب ها هنا أنواعا مثل كون الحروف منقوطة أو غير منقوطة أو البعض منقوطا والبعض غير منقوط بالسوية فلك أن تستخرج من هذا القبيل ما شئت وتلقب كلا من ذلك بما أحببت. وإذ قد تحققت أن علم المعاني والبيان هو معرفة خواص تراكيب الكلام ومعرفة صياغات المعاني ليتوصل بها على توفية مقامات الكلام حقها بحسب ما يفي به قوة ذكائك وعند علم مقام عندك أن الاستدلال بالنسبة على سائر مقامات الكلام جزء واحد من جملتها وشعبة فردة من دوحتها علمت أن تتبع تراكيب الكلام الاستدلالي ومعرفة خوصها مما يلزم صاحب علم المعاني والبيان وحين انتصبنا لإفادته لزمنا أن لا نضن بشيء هو من جملته وأن نستمد الله التوفيق في تكملته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 بسم الله الرحمن الرحيم الكلام على تكملة علم المعاني وهي تتبع خوص تراكيب الكلام في الاستدلال ولولا إكمال الحاجة على هذا الجزء من علم المعاني وعظم الانتفاع به لما اقتضانا الرأي أن نرخي عنان القلم فيه علما منا بأن من أتقن أصلا واحداً من علم البيان كأصل التشبيه أو الكناية أو الاستعارة ووقف على كيفية مساقه لتحصيل المطلوب به أطلعه ذلك على كيفية نظم الدليل وكأني بكلامي هذا وأين أنت عن تحققه أعالج من تصديقك به ويقينك لديه بابا مقفلا لا يهجس في ضميرك سوى هاجس دبيبه فعل النفس اليقظي إذا أحست بنبأ من وراء حجاب، لكنا إذا أطلعناك على مقصود الأصحاب من هذا الجزء على التدريج مقررين لما عندنا من الآراء في مظان الاختلاف بين المتقدمين منهم والمتأخرين رجعنا في هذه المقالة بإذن الله تعالى محققين ورفعنا إذ ذاك الحجاب الذي يواري عنك اليقين. اعلم أن الكلام في الاستدلال يستدعي تقديم الكلام في الحد لافتقار الاستدلال كما ستقف عليه على معرفة أجزائه ومعرفة ما بينها من الملازمات والمعاندات، والذي يرشد على ذلك هو الحد فلا غنى لصاحب الاستدلال عن أن يكون صاحب الحد، ونحن على أن نورد ذلك في فصلين أحدهما في ذكر الحد وما يتصل به، وثانيهما في ذكر الاستدلال وما يتصل به. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 الفصل الأول من تكملة علم المعاني في الحد وما يتصل به الحد عندنا دون جماعة من ذوي التحصيل عبارة عن تعريف الشيء بأجزائه أو بلوازمه أو بما يتركب منهما تعريفا جامعا مانعا، ونعني بالجامع كونه متناولا لجميع أفراده إن كانت له أفراد وبالمانع كونه آبيا دخول غيره فيه فإن كان ذلك الشيء حقيقة من الحقائق مثل حقيقة الحيوان والإنسان والفرس وقع تعريفا للحقيقة وإن لم يكن مثل العنقاء أو مثل المرسن وقع تفصيلا للفظ الدال عليه بالإجمال وكثيراً ما نغير العبارة، فنقول: الحد هو وصف الشيء وصفا مساويا، ونعني بالمساواة أن ليس فيه زيادة تخرج فردا من أفراد الموصوف ولا نقصان يدخل فيه غيره، فشأن الوصف هذا يكثر الموصوف بقلته ويقلله بكثرته ولذلك يلزمه الطرد والعكس، فامتناع الطرد علامة النقصان وامتناع العكس علامة الزيادة وصحتهما معا علامة المساواة، والعبرة بزيادة الوصف ونقصانه الزيادة في المعنى والنقصان فيه لا تكثير الألفاظ وتقليلها في التعبير عن مفهوم واحد، وهاهنا عدة اصطلاحات لذوي التحصيل لا بأس بالوقوف عليها، وهي أن الحقيقة إذا عرفت بجميع أجزائها سمي حدا تاما وهو أتم التعريفات، وإذا عرفت ببعض أجزائها سمي حدا ناقصا، وإذا عرفت بلوازمها سمي رسما ناقصا، وإذا عرفت بما يتركب من أجزاء ولوازم سمي رسما تاما، ويظهر من هذا الشيء متى كان بسيطا امتنع تعريفه بالحد ولم يمتنع تعريفه بالرسم، ولذلك يعد الرسم أعم كما يعد الحد أتم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 ولما كان المقصود من الحد هو التعريف لزم فيما يقدح في ذلك أن يحترز عنه فيحترز عن تعريف الشيء بنفسه مثل قول من يقول في تعريف الزمان هو مدة الحركة والمدة هي الزمان وعن تعريفه بما لا يعرف إلا به مثل قول من يقول في تعريف الخبر هو الكلام المحتمل للصدق والكذب، ثم يعرف الصدق بأنه الخبر المطابق وعن تعريفه بما هو أخفى مثل قول من يقول في تعريف الصوت: هو كيفية تحدث من تموج الهواء المنضغط بين قارع ومقروع انضغاطا بعنف، وعن تعريفه بما يساويه مثل قول من يقول في تعريف السواد: هو ما يضاد البياض، وهاهنا عقدة وهي أنا نعلم علما قطعيا أن تعريف المجهول بالمجهول ممتنع وأن لا بد من كون المعرف معلوما قبل المعرف، وذلك يستلزم امتناع طلب التعريف واكتساب شيء به يبين ذلك أن المذكور في الحد إما أن يكون نفس المحدود أو شيئاً غيره إما داخلا في نفس المحدود أو خارجا عنه أو متركبا من داخل وخارج، فإن كان نفس المحدود لزم تعريف المجهول بالمجهول ولزم كون الشيء المعلوم قبل أن يكون معلوما وفي ذلك كونه معلوما مجهولا معا من حيث هو هو، وإن كان شيئاً غيره فذلك بأي اعتبار فرض من الاعتبارات الثلاث إما أن يكون له اختصاص بنفس المحدود أو لا يكون فإن لم يكن لزم من طلب التعريف به لذلك المحدود دون ما سواه طلب ترجيح أحد المتساويين وأنه محال وإن كان فذلك الاختصاص إن لم يكن معلوما للمخاطب لزم ما لزم في غير المختص وإن فرض معلوما للمخاطب، ولا شبهة في أن الاختصاص نسبة لأحد طرفيه على ثانيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 متأخرة عنهما من حيث هما هما نازلة منزلة التركيب بين أجزاء استدعى كونه معلوما كون طرفيه معلومين من قبل ولزوم الدور، إذ لا يكون علم بالمحدود ما لم يسبق علم بالحد المختص به ولا يكون علم بالمختص به ما لم يكن علم باختصاص له به ولا يكون علم باختصاص له به ما لم يسبق علم بطرفي الاختصاص لكن أحد طرفيه هو نفس المحدود، وحل هذه العقدة هو أن المراد بالتعريف أحد أمرين إما تفصيل أجزاء المحدود وإما الإشارة إليه بذكر معنى يلزمه من غير دعوى فيكون مثل الحاد في مقام التفصيل لجميع أجزاء المحدود مثل من يعمد على جواهر في خزانة الصور للمخاطب فينظمها قلادة بمرأى منه ولا يزيد وفي مقام الإشارة باللازم داخلا كان ذلك اللازم أو خارجا أو متركبا منهما مثل من يعمد على صورة هناك فيضع أصبعه عليها فحسب وهو السبب في أنا نقول الحد لا يمنع إذ منعه إذا تأملت ما ذكرت جار مجرى أن تقول لمن بنى عندك بناء لا أسلم، أما النقض فلازم لأن الحاد متى رجع على حد آخر يقدح في سلامة الحد المذكور قام ذلك منه مقام الهدم والنقض لما قد كان بنى فاعرفه، وفي الحد والرسم تفاصيل طوينا ذكرها حيث علمناها تمجها أذناك. الفصل الثاني من تكملة علم المعاني في الاستدلال وهو اكتساب إثبات الخبر للمبتدأ أو نفيه عنه بوساطة تركيب جمل، وقولي بوساطة تركيب جمل تنبيه على ما عليه أصحاب هذا النوع من إباء أن يسموا الجملة الواحدة حجة واستدلالا مع اكتساب إثبات ونفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 بوساطتها مما يلزم من إندراج حكم البعض في حكم الكل كاستلزام كل إنسان حيوان بعض الأناسي حيوان لا محالة، ومن الانعكاس على بعض الخبر في الثبوت كاستلزام كل إنسان حيوان أن بعض الحيوان إنسان وعلى كله في النفي العنادي كاستلزام لا إنسان بحجر أن لا حجر بإنسان وغير العنادي أيضا عندنا، وسنقرره مثل لا إنسان بضحاك بالفعل، ومن نفي النقيض كاستلزام كل إنسان حيوان أن ما ليس بحيوان ليس أنسان وستسمع لهذه المعاني تفاصيل بإذن الله، وإذ قد نبهناك على ذلك فنقول: اعلم أن الخبر متى لم يكن معلوم الثبوت للمبتدأ بالبديهة كما في نحو الإنسان حيوان أو معلوم الانتفاء عنه بالبديهة كما في نحو الإنسان ليس بفرس بل كان بين بين نحو قولنا العالم حادث فإن الحدوث ليس بديهي الثبوت للعالم ولا بديهي الانتفاء عنه وأردنا العلم أو الظن لزم المصير على ثالث يشهد لذلك، لكن من المعلوم أن ذلك الثالث ما لم يكن ذا خبر عن الطرفين: أعني ذا نسبة إليهما لم يصح أن يشهد في البين نفيا أو إثباتا وإذا شهد لم يفد العلم أو الظن ما لم تكن شهادته واجبة القبول أو راجحته، فيظهر من هذا أن لا بد في الاستدلال للمطلوب من جملتين لا أنقص إحداهما لنسبة الثالث على المبتدأ مثل قولنا العالم قرين حادث والثانية لنسبته على الخبر مثل قولنا وكل قرين حادث حادث، وإما الزيادة عليهما فمتى كان الثالث بين الانتساب على الطرفين فلا أي فلا تجب الزيادة، أما إذا لم يكن بينه انقلب انتسابه ذلك مطلوبا وعادت الحالة الأولى جذعة في الافتقار على ثالث، ولزم جملتان هناك متصفتان بنوع من البعد عن المطلوب الأصلي، وهذا معنى قول أصحابنا في هذا النوع إن الاستدلال مفتقر على جملتين قرينتين لا أزيد ولا أنقص، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 ويظهر أيضا أن لا بد للجملتين من تركيب له خاصية في إيجاب قبول الشهادة أو ترجيحه، وهو أن يكون ردها أو التوقف عندها بالنظر على وجه التركيب موقوفا على الجمع بين النقيضين، وإذا عرفت هذا فاعلم أن جملتي الاستدلال تارة تكونان خبريتين معا وتارة تكونان شرطيتين معا وتارة تختلفان خبرا وشرطا، وأنا أذكر جميع ذلك بتوفيق الله تعالى في ثلاثة فصول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 الفصل الأول في الاستدلال الذي جملتاه خبريتان وإنما قدمت الخبرية على الشرطية لما سبق في علم المعاني أن الجملة الشرطية جملة خبرية مخصوصة والمخصوص متأخر عن المطلق. اعلم أن تركيب الجملتين في الاستدلال لرجوع أجزائها على ثلاثة من بينها يتكرر واحد وهي مبتدأ المطلوب وخبر المطلوب، والثالث المتكرر لا يزيد على أربع صور في الوضع: إحداها أن يتكرر الثالث خبر المبتدأ المطلوب ومبتدأ لخبره. وثانيتها أن يتكرر خبر الجزئي المطلوب. وثالثتها أن يتكرر مبتدأ لهما ورابعتها أن يتكرر مبتدأ المطلوب وخبر لخبره وتسمى الجملة التي فيها مبتدأ المطلوب السابقة تسمية لها بحكم المبتدأ أو بحكم ورودها سابقة على صاحبتها في وضع الدليل في الغالب كما سترى والتي فيها خبر المطلوب اللاحقة تسمية لها بحكم الخبر وبحكم ورودها لاحقة للأولى في وضع الدليل والجمل المستعملة في الاستدلال لا تخرج عن أقسام أربعة. إما أن تكون مثبتة أو لا تكون وهي المنفية، وكل واحدة منهما. إما أن تكون كلية كقولنا في الإثبات كل اسم كلمة، وفي النفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 لا فعل بحرف أولا تكون وهي البعضية كقولنا في الإثبات بعض الكلم اسم وفي النفي لا كل اسم أو بعض الكلم ليس باسم وتسمى هذه الجمل مستعملات لاستعمالها في الاستدلال وبناء الدلائل عليها. وأما البعضية المتناولة للمعين كقولنا هذا الإنسان شجاع أو زيد شجاع أو غلام عمرو شجاع ولنسمها معينة فقلما يصار إليها في الدلائل فلا ندخلها في المستعملات ولكنا لا نحظر عليك المصير إليها إن انتفعت بها. وأما الجملة التي لا تكون مبينة الحال في الكل وخلافه مثل قولنا المؤمن غر كريم سميت مهملة ولاحتمالها الكل وخلافه إن استعملت لم تستعمل إلا في المتيقن وهو البعض ولطلب اليقين في الاستدلال لا تترك الحقيقة فيه على المجاز ولا التصريح على الكناية فاعرف، وتأليف الجملتين الواقع في كل صورة من الأربع لا يزيد على ستة عشر ضربا لوقوع السابقة إحدى الجمل الأربع ووقوع اللاحقة مع السابقة كيف كانت إحدى أربعها أيضا ولهذه الصور الأربع ترتب فالصورة التي يجعل الثالث فيها خبر المبتدأ المطلوب ثم مبتدأ لخبره تقدم لكونها أقرب من الطبع كما ستقف على ذلك إذا استطلعت طلعها كلها لموافقتها إياها في الوضع الأول من وضعي جملتها والصورة التي وضعها جعل الثالث فيها مبتدأ لمبتدأ المطلوب ثم مبتدأ لخبره تؤخر عن الثانية وتجعل ثالثة لموافقتها الأولى في الوضع الأخير من وضعي جملتها والصورة التي يجعل الثالث فيها مبتدأ لمبتدأ المطلوب ثم خبرا لخبره تؤخر عن الثانية والثالثة لمخالفتها الأولى في وضعي جملتها وهذه الصور الأربع تشترك في أنه لا يتركب في أية كانت دليل من سابقة ولاحقة بعضيتين ولا منفيتين في درجة واحدة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 ولا سابقة منفية ولاحقة بعضية كما سنطلعك عليه إذا اكتسبت قدرا من الألف. وإذ قد عرفت ذلك فنقول: أما الصورة الأولى فإنها تستشهد في المطالب الأربعة وهي الإثبات الكلي والإثبات البعضي والنفي والكلي والنفي البعضي وتشهد لذلك شهادة بينة، لما أنه يجعل الثالث لازما لكل مبتدأ المطلوب أو لبعضه ثم يجعل خبر المطلوب لازما لكل الثالث فيحصل منه ثبوت خبر المطلوب لمبتدئه حصولا جليا لما أن لازم لازم الشيء لازم لذلك الشيء وإلا لزم القدح في أحد اللزومين: إما لزوم خبر المطلوب للثالث، وإما لزوم الثالث لمبتدأ المطلوب ويلزم الجمع بين النقيضين أو يجعل خبر المطلوب معاندا لكل الثالث فيحصل منه نفي خبرالمطلوب عن مبتدئه لما أن معاند لازم الشيء معاند لذلك الشيء وإلا لزم القدح إما في لزام الملازم وإما في عناد المعاند ويلزم الجمع بين النقيضين وتركيب الدليل في هذه لا يزيد على أربعة أضرب: أحدها سابقة مثبتة كلية ولاحقة مثلها، والحاصل ثبوت كلي كقولنا كل جسم مؤلف وكل مؤلف ممكن يلزم منه كل جسم ممكن. وثانيها سابقة مثبتة بعضية ولاحقة مثبتة كلية، والحاصل ثبوت بعضي كقولنا بعض الموحوداً ت إنسان وكل إنسان حيوان يلزم منه بعض الموحوداً ت حيوان. وثالثها سابقة مثبتة كلية ولاحقة منفية كلية، والحاصل نفي كلي كقولنا كل جسم مؤلف ولا مؤلف بقديم يلزم منه لا جسم بقديم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 ورابعها سابقة مثبتة بعضية ولاحقة منفية كلية والحاصل بعضي كقولنا بعض الحيوانات فرس ولا فرس بإنسان يلزم منه بعض الحيوانات ليس بإنسان، وإنما لزم في هذه الصورة كون السابقة مثبتة لأنها متى كانت منفية لم يلزم من ثبوت خبر المطلوب للثالث ثبوته لمبتدأ المطلوب لانتفاء الثالث عن المبتدأ واحتمال ما ثبت للثالث أن لا يتجاوزه كقولنا لا إنسان بفرس وكل فرص صهال ولم يلزم نفيه أيضا لاحتمال أن يكون ما ثبت للثالث أعم كقولنا لا إنسان بفرس وكل فرس حيوان وإنما لزم كون اللاحقة كلية لأنها متى كانت بعضية لم يلزم من ثبوت خبر المطلوب لبعض الثالث ثبوته لمبتدأ المطلوب لاحتمال أن يكون البعض اللازم لمبتدأ المطلوب غير البعض الملزوم لخبره مثل قولنا كل إنسان حيوان وبعض الحيوان فرس لا يلزم منه ثبوت الفرسية للإنسان أو غير المعاند لخبره مثل قولنا كل جسم محدث وبعض المحدثات ليس بفرس لا يلزم منه نفي الفرسية عن الأجسام وما عرفت من وجوب كون السابقة مثبتة وكون اللاحقة كلية هو الذي قصر ضروب بالغات هذه الصورة على أربعة، أسقط ثبوت السابقة ثمانية وكلية اللاحقة أربعة، وأما الصورة الثانية وهي أن يجعل الثالث خبرا لكل واحد من جزأي المطلوب فلا تستشهد لثبوت مبتدأ لاحقتها لمبتدأ سابقتها ألبتة لصحة انتفاء أحد الشيئين عن الآخر مع اشتراكهما في لازم واحد كانتفاء الفرسية عن الإنسان مع الاشتراك في الحيوانية، وإنما تستشهد لنفي مبتدأ لاحقتها وهو خبر المطلوب عن مبتدأ سابقتها وهو مبتدأ المطلوب، وذلك بأن يجعل الثالث لازما لأحد المبتدأين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 ومعاندا للآخر كليا المبتدأ في اللاحقة ألبت فإنه سواء لازم هذا وعاند ذاك أو عاند هذا ولازم ذاك فرق بينهما محالة متى كان كليا ويلزم الانتفاء وإلا لزم القدح إما في اللزام أو في العناد ويلزم الجمع بين النقيضين ثم النفي في كونه كليا أو بعضا يكون بحسب مبتدأ السابقة وتركيب الدليل في هذه الصورة لا يزيد على أربعة أضرب: أحدها سابقة مثبتة كلية، والحاصل فيهما نفي كلي مثال الأول كل جسم متحيز ولا عرض بمتحيز يلزم لا جسم بعرض ومثال الثاني لا عرض بمتحيز وكل جسم متحيز يلزم لا عرض بجسم. وثالثها سابقة مثبتة بعضية ولاحقة منفية كلية. ورابعها سابقة منفية بعضية ولاحقة مثبتة كلية، والحاصل فيهما نفي بعضي، مثال الأول بعض الموحوداً ت حيوان وليس شيء من الحجر بحيوان يلزم بعض الموحوداً ت ليس بحجر، ومثال الثاني كل لا موجود حيوان وكل فرس حيوان يلزم لا كل موجود فرس وإنما لزم في هذه الصورة كون اللاحقة كلية لأنها متى كانت بعضية احتملت في البعض اللازم ولم يلزم من رد شهادتها محذور ووجوب اختلاف السابقة واللاحقة نفيا وإثباتا ووجوب كون اللاحقة كلية هما اللذان صيرا ضروب بالغات هذه الصورة أربعة، عطل الأول ثمانية وعطل الثاني أربعة. وهاهنا دقيقة لا بد من أن ننبهك عليها وهي أن اختلاف السابقة واللاحقة نفيا وإثباتا ربما كان في نفس النفي والإثبات فيمتنع حينئذ اتفاقهما في أن يكونا منفيتين أو مثبتتين معا وربما كان في خصوص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 النفي أو خصوص الإثبات مثل أن يكون النفي في إحداهما ضروريا وفي الأخرى غير ضروري أو أن يكون الإثبات كذلك فلا يمتنع اتفاقهما في نفس النفي أو نفس الإثبات. وأما الصورة الثالثة وهو يجعل الثالث مبتدأ لكل واحد من جزأي المطلوب فلصحة عناد الشيء الواحد للمتوفقين كالحجرية للناطقية والإنسانية وللمتباينين كالحجرية للإنسانية والفرسية لا تصلح أن تستشهد بجعل الثالث معاندا لهما لا للإثبات ولا للنفي لكن يجعل إما ملزوما لكل واحد منهما فتشهد لاجتماعهما وإلا لزم القدح في كونه ملزوما ويلزم الجمع بين النقيضين. وإما ملزوما لأحدهما معاندا للآخر فتشهد لافتراقهما وإلا لزم القدح في كونه ملزوما معاندا ويلزم الجمع بين النقيضين لكن لاحتمال أن يكون اللازم أعم من الملزوم لا تثبت ولا تنفي إلا بقدر ما ينعكس الملزوم على اللازم وهو بعض أفراد اللازم ويلتزم جعله أعني جعل الثالث ملزوما في السابقة ألبتة وكليا إما في الجملتين، وإما في إحداهما لأن السابقة بتقدير كونها منفية مباينا مبتدؤها للخبر كما في قولنا لا إنسان من الأناسي بفرس إذا أثبتنا بعدها للإنسان لازما احتمل أن يكون أعم مثل قولنا: وكل إنسان حيوان فلم يلزم أن ينفي عن جميع الأفراس ولا عن بعضها الحيوانية بخلافه إذ أثبتنا أولا ونفينا ثانيا فقلنا كل إنسان حيوان ولا إنسان من الأناسي بفرس فإنه يلزم أن ينفي عن بعض الحيوان الفرسية وهذا كاف في التنبيه، وإنما لزم فيها أن لا تعرى عن كلية لأن السابقة واللاحقة متى كانتا بعضيتين احتمل البعضان التغاير ولم يلزم اتحاد المبتدأين فلا يتحقق لخبريهما اجتماع وتركيب الدليل في هذه الصورة لا يزيد على ستة أضرب: أحدها سابقة مثبتة كلية ولاحقة مثلها. وثانيها سابقة مثبتة بعضية ولاحقة مثبتة كلية. وثالثها سابقة مثبتة كلية ولاحقة مثبتة بعضية، والحاصل في هذه الثلاثة ثبوت بعضي مثال الأول كل إنسان حيوان وكل إنسان ناطق يلزم بعض الحيوان الناطق ومثال الثاني بعض الناس قصير وكل إنسان ضحاك يلزم بعض القصار ضحاك ومثال الثالث كل إنسان حيوان وبعض الناس كاتب يلزم بعض الحيوان كاتب. ورابعها سابقة مثبتة كلية ولاحقة منفية كلية. وخامسها سابقة مثبتة بعضية ولاحقة منفية كلية. وسادسها سابقة مثبتة كلية ولاحقة منفية بعضية، والحاصل في هذه الثلاثة نفي بعض مثال الرابع كل إنسان حيوان ولا إنسان بفرس يلزم بعض الحيوان ليس بفرس ومثال الخامس بعض الحيوان أبيض ولا حيوان بحجر يلزم بعض الأبيض ليس بحجر ومثال السادس كل إنسان ناطق وبعض الناس ليس بكاتب يلزم بعض الناطق ليس بكاتب والسبب في أن كانت ضروب تأليفات هذه الصورة ستة هو أن وجوب كون السابقة مثبتة أهمل ثمانية والتزام أن لا تعرى عن كلية أهمل اثنين. وأما الصورة الرابعة فيجعل الثالث فيها لازما في اللاحقة كلية أو بعضية كيف كانت لمبتداها الذي هو خبر المطلوب فيصير بعضه مستلزما لخبر المطلوب استلزاما بحكم الانعكاس ويجعل كله في السابقة ليشمل البعض المستلزم لخبر المطلوب ملزوما لخبرها الذي هو مبتدأ المطلوب فيصير مستلزما لبعض مبتدأ المطلوب وهو القدر الذي يصح انعكاسه عليه ويجمع بين جزأي المطلوب في الضربين جمعا بعضيا وإلا لزم القدح في أحد الاستلزامين ويلزم الجمع بين النقيضين مثال الأول كل إنسان حيوان وكل ناطق إنسان يلزم منه بعض الحيوان ناطق ومثال الضرب الثاني كل إنسان ناطق وبعض السود إنسان يلزم منه بعض الناطق أسود أو يجعل الثالث في اللاحقة معاندا لكل مبتدأها فينعقد العناد بينهما كليا من الجانبين ويجعل كله أو بعضه كيف كان ملزوما لخبر السابقة فيصير مستلزما لبعض الخبر الذي هو مبتدأ المطلوب ومعاندا لكل خبر المطلوب ويفرق بين الخبرين تفريقا بعضيا وإلا لزم القدح في كونه مستلزما معاندا ويلزم الجمع بين النقيضين مثال الضرب الأول منهما كل إنسان حيوان ولا شيء من الأفراس بإنسان يلزم منه لا كل حيوان فرس ومثال الضرب الثاني منهما بعض الحيوانات أبيض ولا شيء من الحجر بحيوان يلزم منه لأكل أبيض حجر أو يجعل الثالث لازما في اللاحقة كلية مستلزما بعضه لكل مبتدئها ويجعل مباينا في السابقة كليا فيصير مباينا لكل مبتدأ المطلوب مستلزما لكل خبره ويفرق بينهما تفريقا كليا وإلا لزم القدح في كونه مباينا مستلزما ويلزم الجمع بين النقيضين والذي صير ضروب هذه الصورة الستة عشر على خمسة التفصيل المذكور وهو كلية السابقة مثبتة في الإثبات وكليتها منفية في النفي مع كلية اللاحقة وكلية اللاحقة منفية والسابقة كيف كانت. تعرى عن كلية لأن السابقة واللاحقة متى كانتا بعضيتين احتمل البعضان التغاير ولم يلزم اتحاد المبتدأين فلا يتحقق لخبريهما اجتماع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 وتركيب الدليل في هذه الصورة لا يزيد على ستة أضرب: أحدها سابقة مثبتة كلية ولاحقة مثلها. وثانيها سابقة مثبتة بعضية ولاحقة مثبتة كلية. وثالثها سابقة مثبتة كلية ولاحقة مثبتة بعضية، والحاصل في هذه الثلاثة ثبوت بعضي مثال الأول كل إنسان حيوان وكل إنسان ناطق يلزم بعض الحيوان الناطق ومثال الثاني بعض الناس قصير وكل إنسان ضحاك يلزم بعض القصار ضحاك ومثال الثالث كل إنسان حيوان وبعض الناس كاتب يلزم بعض الحيوان كاتب. ورابعها سابقة مثبتة كلية ولاحقة منفية كلية. وخامسها سابقة مثبتة بعضية ولاحقة منفية كلية. وسادسها سابقة مثبتة كلية ولاحقة منفية بعضية، والحاصل في هذه الثلاثة نفي بعض مثال الرابع كل إنسان حيوان ولا إنسان بفرس يلزم بعض الحيوان ليس بفرس ومثال الخامس بعض الحيوان أبيض ولا حيوان بحجر يلزم بعض الأبيض ليس بحجر ومثال السادس كل إنسان ناطق وبعض الناس ليس بكاتب يلزم بعض الناطق ليس بكاتب والسبب في أن كانت ضروب تأليفات هذه الصورة ستة هو أن وجوب كون السابقة مثبتة أهمل ثمانية والتزام أن لا تعرى عن كلية أهمل اثنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 وأما الصورة الرابعة فيجعل الثالث فيها لازما في اللاحقة كلية أو بعضية كيف كانت لمبتداها الذي هو خبر المطلوب فيصير بعضه مستلزما لخبر المطلوب استلزاما بحكم الانعكاس ويجعل كله في السابقة ليشمل البعض المستلزم لخبر المطلوب ملزوما لخبرها الذي هو مبتدأ المطلوب فيصير مستلزما لبعض مبتدأ المطلوب وهو القدر الذي يصح انعكاسه عليه ويجمع بين جزأي المطلوب في الضربين جمعا بعضيا وإلا لزم القدح في أحد الاستلزامين ويلزم الجمع بين النقيضين مثال الأول كل إنسان حيوان وكل ناطق إنسان يلزم منه بعض الحيوان ناطق ومثال الضرب الثاني كل إنسان ناطق وبعض السود إنسان يلزم منه بعض الناطق أسود أو يجعل الثالث في اللاحقة معاندا لكل مبتدأها فينعقد العناد بينهما كليا من الجانبين ويجعل كله أو بعضه كيف كان ملزوما لخبر السابقة فيصير مستلزما لبعض الخبر الذي هو مبتدأ المطلوب ومعاندا لكل خبر المطلوب ويفرق بين الخبرين تفريقا بعضيا وإلا لزم القدح في كونه مستلزما معاندا ويلزم الجمع بين النقيضين مثال الضرب الأول منهما كل إنسان حيوان ولا شيء من الأفراس بإنسان يلزم منه لا كل حيوان فرس ومثال الضرب الثاني منهما بعض الحيوانات أبيض ولا شيء من الحجر بحيوان يلزم منه لأكل أبيض حجر أو يجعل الثالث لازما في اللاحقة كلية مستلزما بعضه لكل مبتدئها ويجعل مباينا في السابقة كليا فيصير مباينا لكل مبتدأ المطلوب مستلزما لكل خبره ويفرق بينهما تفريقا كليا وإلا لزم القدح في كونه مباينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 مستلزما ويلزم الجمع بين النقيضين والذي صير ضروب هذه الصورة الستة عشر على خمسة التفصيل المذكور وهو كلية السابقة مثبتة في الإثبات وكليتها منفية في النفي مع كلية اللاحقة وكلية اللاحقة منفية والسابقة كيف كانت. واعلم أن خلاصة هذه الصور الأربع وضروب تأليفاتها التسعة عشر راجعة على حرف واحد وهو أن المبتدأ متى لم يكن معلوما من نفسه مجامعته للخبر فيثبت أو مفارقته له فينفي يطلب ثالث بينهما يجمعهما أو يفرقهما، ثم الحاكم في جمع الثالث أو تفريقه أحكام أصلين: أحدهما أن لزوم الشيء لكل آخر أو بعضه ينعكس بعضيا وأن عناد الشيء لكل آخر ينعكس كليا فملزوم اللازم مستلزم لبعض أفراد اللازم بالقطع استلزاما من الجانبين استواء وانعكاسا. وثانيهما المستلزم لا ينفك عن المستلزم فإن كان المستلزم ثبوت شيئين اجتمعا وإن كان ثبوت واحد وانتفاء آخر تفرقا. فأنت متى وجدت الثالث متحدا: إما لكونه كلا في السابقة واللاحقة بنيت على الكل الجمع والتفريق، وإما لكونه بعضا مندرجا في الكل متحدا به بنيت على البعض الجمع والتفريق. وأنا أوضح لك هذا في الصور الأربع: أما في الصورة الأولى فيجعل الثالث لازما لمبتدأ المطلوب كله أو بعضه، ويصير بعضه: أعني بعض الثالث مستلزما لذلك الكل أو البعض بطريق الانعكاس، ثم يجعل كله: أعني كل الثالث ليتحد البعض المستلزم لكل المبتدأ أو لبعضه مستلزما لخبر المطلوب بطريق الاستواء فيصير البعض المتحد به مع استلزامه للمبتدأ مستلزما للخبر ويجمع بينهما كليا في أحد الضربين أو بعضيا في الآخر أو معاندا لخبر المطلوب كليا في ضرب وبعضيا في ضرب. وأما في الصورة الثانية فالثالث يجعل إما لازما للمبتدأ كله أو بعضه ويصير بعض أفراده مستلزما للمبتدأ الكلي أو البعضي بطريق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 الانعكاس، ثم يجعل كل الثالث لطلب الاتحاد معاندا للخبر فتفرق في أحد الضربين كليا وفي الآخر بعضيا، وإما معاندا للمبتدأ كله أو بعضه ثم يجعل كله لأجل الاتحاد مستلزما للخبر كله فيفرق أيضا كليا في أحد الضربين وبعضيا في الآخر. وأما في الصورة الثالثة فيجعل الثالث كله أو بعضه ملزوما لمبتدأ المطلوب ويصير مستلزما لبعض أفراده بطريق الاستواء ثم يجعل كله أو بعضه مع الكلي وكله ألبتة مع البعضي لطلب الاتحاد: إما ملزوم لخبر المطلوب فيجمع في الأضرب الثلاثة بعضيا، وإما معاندا فيفرق في الأضرب الثلاثة بعضيا. وأما في الصورة الرابعة فيجعل الثالث كله ملزوما لمبتدأ المطلوب ويصير مستلزما لبعض أفراده بطريق الاستواء ثم يجعل لازما لكل خبر المطلوب أو لبعضه ويصير بعض أفراده المتحد لكل المستلزم لبعض أفراد المبتدأ مستلزما لذلك الخبر فيجمع بينهما في الضربين بعضيا أو يجعل الثالث كله أو بعضه ملزوما لمبتدأ المطلوب ويصير ذلك الكل أو ذلك البعض مستلزما لبعض أفراد المبتدأ ثم يجعل معاندا لكل خبر المطلوب طلبا للاتحاد فيفرق في الضربين بعضيا أو يجعل الثالث معاندا لكل مبتدأ المطلوب ثم يجعل لازما لكل خبر المطلوب ويصير بعض أفراده مستلزما كل الخبر ويتحد البعض المستلزم بالكل المعاند فيفرق كليا، ويظهر من هذا أن الدليل يمتنع تركيبه من سابقة ولاحقة بعضيتين لاحتمال عدم الاتحاد، ومن متفقين في درجة النفي على ما سبق التنبيه عليه لعدم استلزامهما الجمع والتفريق لاحتمال انتفاء الشيء الواحد عن متوافقين وعن متباينين، ومن سابقة منفية ولاحقة بعضية لعدم استلزام الجمع والتفريق. ولما ترى من مبنى معرفة صحة الدليل على العلم بالحكمين النقيضين، ومن افتقاره على معرفة انعكاس الجمل لزمنا أن نورد في حل عقدهما الموربة وفك قيودهما المكربة فصلين: أحدهما لتتبع قيود التناقض، وثانيهما لتتبع الانعكاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 الفصل الأول في الكلام في الحكمين النقيضين الحكماًن النقيضان هما اللذان لا يصح اجتماعهما معا ولا ارتفاعهما معا بخلاف المتضادين، فالمتضادان لا يصح اجتماعهما ولكن يصح ارتفاعهما، ولذلك ترى الأصحاب يحدون التناقض بين الجملتين بأنه اختلافهما بالنفي والإثبات اختلافا يلزم منه لذاته كون إحداهما صادقا والأخرى كاذبة مثل هذا حيوان، هذا ليس بحيوان، وقولهم لذاته احتراز عن مثل هذا إنسان هذا ليس بناطق لكونه غير مسمى فيما بينهم بالتناقض لعذرهم وعسى أن يعثر عليه، ونذكر للتناقض شروطا، وهي عندي أكثر مما تذكر وإلا فأقل، ومساق كلامي هذا يطلعك عل معنى ذلك. أحدها أن لا تختلف الجملتان في المبتدأ حقيقة اختلافهما في نحو العين تبصر: أي الجارحة المخصوصة العين لا تبصر: أي عين الماء. وثانيها أن لا تختلفا فيه جزاءا أو جملة اختلافهما في نحو عين زيد سوداء: أي حدقتها، عين زيد ليست بسوداء: أي جملتها. وثالثها أن لا تختلفا فيه شرطا اختلافهما في نحو الأسود جامع للبصر: أي ما دام أسود، الأسود ليس بجامع للبصر: إن زال كونه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 أسود لأن قولنا الأسود جامع للبصر: معناه الشيء الذي له السواد: ورابعها أن لا تختلفا فيه أيضا اختلافهما في نحو الأب حاضر: أي أبو زيد، الأب ليس بحاضر. أي أبو عمرو. وخامسها أن لا تختلفا فيه هوية اختلافهما في نحو بعض الناس كاتب: أي هذا، بعض الناس ليس بكاتب: أي ذاك، وينوب عندي عن هذه الخمسة حرف واحد، وهو اتحاد المبتدأ وأنه أحوط إذا تأملت. وسادسها أن لا تختلفا في الخبر معنى اختلافهما في نحو زيد مختار إذا أردت اسم الفاعل زيد ليس بمختار إذا أردت اسم المفعول. وسابعها أن لا تختلفا فيه قوة وفعلا اختلافهما في نحو الخمر في الدن مسكر: أي بالقوة: الخمر فيه ليس بمسكر: أي بالفعل. وثامنها أن لا تختلفا فيه إضافة اختلافهما في نحو العشرة نصف: أي نصف العشرين، العشرة ليست بنصف: أي نصف الثلاثين. وتاسعها أن لا تختلفا فيه نسبة على المكان اختلافهما في نحو زيد كاتب: أي في المسجد زيد ليس بكاتب: أي في السوق. وعاشرها أن لا تختلفا فيه نسبة على الزمان اختلافهما في نحو زيد كتب: أي أمس، زيد ما كتب: أي غدا. ومن اتحاد المبتدأ واتحاد الخبر يطلع على معنى قولي أقل مما يذكر ولما ترى من توقف التناقض من أمس، وينوب عن هذه الخمسة أيضا ما هو أجمع للغرض وهو اتحاد الخبر وما ذكرت على اتحاد المحكوم له، وهو المثبت له أو المنفي عنه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 وعلى اتحاد المحكوم به، وهو المتثبت أو المنفي ليتحد مورد الحكم في الإثبات والنفي حتى يتعين فيه أحدهما لعدم الواسطة بين الثبوت والانتفاء لا يخفى عليك حال أصناف الجمل التي سبق ذكرها، وهي صنف المهملات، وصنف المعنيات، وصنف الكليات، وصنف البعضيات في باب التناقض من أن البعضيات لا سبيل على تناقضها لتعذر إزالة اختلافهما بالهوية مع كونها بعضيات: أعني غير معنيات، وأما المعينات والكليات فلها سبيل على التناقض للطريق الميسر على تحصيل اتحاد المحكوم له فيها وتحصيل اتحاد المحكوم به. أما اتحاد المحكوم له في المعينات فلا خفاء، وأما اتحاده في الكليات فالطريق على تحصيله وضع اللاكل في مقابلة الكل كقولنا: كل إنسان كاتب لا كل إنسان كاتب، وإن شئت بعض الناس ليس بكاتب أو إنسان ما ليس بكاتب لا تتفاوت ثلاثتها في معنى اللاكل إذا تأملت، ووجه حصول الاتحاد بذلك هو أن قولنا: كل إنسان كاتب معناه كل واحد واحد من الأناسي لا الكل المجتمع وقولنا إنسان كاتب معناه كل واحد ما من غير اشتراط الانفراد فهو داخل في كل واحد واحد وأنه أحدم، آحاد الأناسي. وأما تحصيل الاتحاد في المحكوم به فالطريق إليه فيما سوى الزمان النص عليه كقولنا: زيد كاتب للتورية بالقلم الفلاني بالقرطاس الفلاني للغرض الفلاني وما شاكل ذلك من القيود الفادحة في التناقض بسبب التفاوت فيها، ومن هذا يطلع على معنى قولي شروط التناقض أكثر مما يذكر، وأما الزمان فبتقدير تعذر الطريق على تعيين جزء من أجزائه يصنع نظير ما سبق بوضع الدوام في أحد الجانبين مرادا به كل واحد واحد من أجزاء الزمان بالاعتبار المذكور واللادوام في الجانب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 الآخر مرادا به بعض الأجزاء بالاعتبار المذكور من إلغاء اشتراط الانفراد، وهذا تلخيص كلام الأصحاب. ولا بأس أن نضع ها هنا لوحا ينقش فيه ما تمس الحاجة إليه وما ذكرت وإن كان كافيا في معرفة نقائض الجمل لكن لقلة عهدك بما يتلى عليك لا استبداع أن يكون لتعيين كل منها أثر لديك لكن لامتناع تعيين النقيض بدون الطرف الآخر يظهر منه أن ذكر أنواع الجمل لازم. فنقول وبالله التوفيق الجملة: إما أن تكون مثبتة أو منفية، وكيف كان إما أن تكون مطلقة أو مقيدة، ومرجع التقييد في الجمل الاستدلالية على الدوام واللادوام والضرورة واللضرورة فلا بد من النظر في أولاً ثم من النظر في تقيد الجمل بها ثانياً لكن الدوام واللدوام أمرهما جليّ، اعلم أن الجملة لا بد من أن تكون إما مثبتة أو منفية وكيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 كانت فلا بد أن تكون إما واجبة وإما غير واجبة، وتحصل من هذا أصناف ثلاثة: ثبوت واجب، انتفاء واجب، ثبوت وانتفاء غير واجب، والأول هو الوجوب والثاني هو الامتناع والثالث هو الإمكان الخاص المتناول نوعا واحداً وهذا الإيراد يسمى طبقة، ولك أن تورد التقسيم على غير هذا الوجه فتقول: الثبوت إما أن يكون واجبا أو لا يكون، وتسمى لا وجوب الثبوت إمكانا ثم تنوعه نوعين: وجوب عدم وهو الامتناع، ولا وجوبه وهو الجواز وهذا الإيراد طبقة أخرى، أو تقول العدم إما أن يكون واجبا أولا يكون، وتسمى لا وجوب العدم إمكانا، ثم تنوعه على وجوب الوجود وعلى جواز الوجود فيكون الإمكان عاما شاملا لنوعين وهذا الإيراد طبقة ثالثة وهذا الطبقات ومقابلاتها فيما بينهما من التلازم والتآخذ ما لا يخفى والمناهج هناك لسالكيها معرضة ولكن لقلة اعتيادك أن تسلكها ووهي الأسباب بينك وبين أن تملكها نرى الرأي أن لا نقتصر على اتضاح أمرها وأن نختصر الكلام في الإفصاح بذكرها وها هو ذا يقرع في صماخيك هذه الطبقات في باب اللزوم قسمان: قسم لزومه من الجانبين فهو متلازم متعاكس، وقسم لزومه من أحد الجانبين. والقسم الأول أنواع ثلاثة: أحدها واجب أن يوجد ممتنع أن لا يوجد ليس بالممكن العام أن لا يوجد وكذلك مقابلات هذه وهي ليس بواجب أن يوجد ليس بممتنع أن لا يوجد ممكن عاما أن لا يوجد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 وثانيها واجب أن يوجد ممتنع أن يوجد ليس بالممكن العام أن يوجد، وكذا مقابلاتها وهي ليس بواجب أن لا يوجد ليس بممتنع أن يوجد ممكن عاما أن يوجد، وثالثها من الممكن الخاص وينعكس مبينه على مشوشه وذلك يمكن أن يكون يمكن أن لا يكون ومقابلاهما. والقسم الثاني أنواع ثلاثة: أحدها واجب أن يوجد يلزمه قولنا ليس بواجب أن لا يوجد وليس بممتنع أن يوجد، ويمكن عاما أن يوجد ويلزمه أيضا نفي الإمكان الخاص مبينا ومشوشا وتفسير المبين والمشوش يأتيك عن قريب وذلك قولنا ليس بممكن خاص أن يوجد ليس بممكن خاص أن لا يوجد. وثالثها من الممكن الخاص قولنا ممكن أن يكون وأن لا يكون يلزمه ليس بواجب أن يكون ليس بواجب أن لا يكون ليس بممتنع أن يكون ليس أن لا يكون ممكن عاما أن يكون ممكن عاما أن لا يكون، وأيما عاقل فهم ما تلونا لم يجبن أن نصف الواجب لذاته ممكنا وإنما أقول هذا القول لبعض الدخلاء في هذه الصناعة حيث يجبون ويبنون أسؤلة على ما يبنون ونحن على أن نسوق الكلام على قسيمة الوجوب أو الإمكان العام فنتكلم في الوجوب ونسميه الضرورة، ثم نتكلم في الإمكان العام ونسميه اللاضرورة. الكلام في الضرورة لها اعتباران: أحدهما أن تكون سابقة وهو الوجوب بالذات، أو بالعلة المتقدم على الوجوب المترتب عليه عقلا وما بينهما أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 تكون لاحقة وهو امتناع العدم في أن تحقق الوجود وهذه الثانية يقال لها ضرورة بشرط وجود الخبر، ويقال في مثاله الإنسان بالضرورة كاتب مادام كاتبا وقلما يصار إليها في الدلائل والأولى تجعل قسمين: ضرورة مطلقة وضرورة متعلق بشرط، ويراد بالضرورة المطلقة أن تكون حقيقة المبتدأ ممتنعة الانفكاك عن ذلك الخبر مطلقا كقولنا: واجب الوجود لذاته موجود فكون واجب الوجود لذاته موحوداً ضروري له مطلقا أو باعتبار وجوده كقولنا: الجسم قابل للعرض فقبول العرض ضرورة للجسم باعتبار وجوده لا بالإطلاق، اللهم إلا إذا جعلت الوجود غير زائد على الماهية كما هو الراجح عندنا، فحينئذ تكون الضرورة المطلقة راجعة على الضرورة بالذات وما سواها راجعة على الضرورة بالعرض ويراد المتعلقة بالشرط أن تكون حقيقة المبتدأ لأجل اتصافها بصفة غير منفكة عن ذلك الخبر كقولنا المتحرك بالضرورة متغير فإنه حقيقة المبتدأ هي موصوف المتحرك وهو الشيء الذي له التحرك وضرورة تغير ذلك الموصوف إنما هو بشرط اتصافه: أي ما دام متحركا وهذه الضرورة العرضية ضرورة بحسب الوصف أو لأجل حصولها في وقت من أوقات وجودها مضبوط كوقت الكسوف للشمس أو لغيرها مما ينكسف من الكواكب أو غير مضبوط كوقت التنفس للإنسان أو لغيره مما له رئة أو كوقت السعال لمن به ذات الجنب وهذه الضرورة العرضية ضرورة بحسب الوقت فيصل من أقسام الضرورة أربعة ثلاثة سابقي وواحد لاحقي، والثلاثة السابقية واحد منها ذاتي واثنان عرضيان: أحدهما وصفي والآخر وقتي وهي عند الأصحاب هكذا ضرورة مطلقة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 ضرورة بحسب الوصف ضرورة بحسب الوقت ضرورة بشرط وجود الخبر. الكلام في الإمكان المسمى باللاضرورة ونحن نذكر حاصل ما فيه عند الأصحاب على اختلاف آرائهم فنقول: الإمكان ينقسم على أربعة أقسام: عام وخاص وأخص وأخص الأخص، فالعام هو ما بنفي ضرورة واحدة فحسب، إما ضرورة العدم وإما ضرورة الوجود فينفي المتصف به صالحا لضرورة الوجود لما هو أو لضرورة العدم لما هو والخاص هو ما ينفي الضرورتين فينفي المتصف به صالحا لضرورة من الضرورات لكن من قبيل السبغة دون قبيل اللاحقة وأخص الأخص هو ما ينفي ضرورات القبيلتين جمع فلا ينفي المتصف به صالحا لا لضرورة سابقة ولا لضرورة لاحقة لكن في أخص الأخص كلام فبعضهم يحققه في الحال وفي الاستقبال وبعضهم يأباه في الحال دون الاستقبال، وبعضهم يأبى تحققه أصلا وهو الأشبه لاستتباعه في الحال ضرورة الوجود أو العدم اللاحقة، وفي الاستقبال ضرورة العدم اللاحقة فتأمله فإني أرى عالما من الناس يتعجبون من هذا القول وأنا أتعجب من تعجبهم ويوردون في إبطال هذا القول حججا يكفي في إبطالها مجرد تلخيص محل النزاع، وأما إثباته في الاستقبال فلا وجه له عندي سوى تخصيص الضرورة اللاحقة بالوجود دون العدم بوساطة العناية لا غير تشبثا فيها بأن الضرورة اللاحقة متى ذكرت ذكرت مع الوجود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وإذ قرع سمعك ما تلونا عليك لزم أن نتكلم في إطلاق الجمل وفي تقييدها بما سبق ذكره ثم نتكلم في النقائض وقبل أن نشرع في ذلك ننبهك على أصل كلي وهو مزلة أقدام في هذا الفن لا بد من التنبه له وهو أن اعتبار كلمة النفي جزءا من المدخول عليه مغاير لاعتبارها غير جزء منه ولذلك يمتنع اللاموجود أسود والمعدوم هو لا أسود وقد تقدم تحقيق هذا في علم المعاني في فصل وصف المعرف ويسمى هذا إثباتا مشوشا ولا يمتنع ليس الموجود أسود والمعدوم ليس أسود ويسمى هذا نفيا مبنيا، وأن اعتبار إثبات نفي الشيء للشيء مغاير لاعتبار نفي إثبات الشيء عن الشيء ولذلك يمتنع المعدوم هو أسود في الإثبات المشوش ويصح ليس المعدوم أسود في النفي المبين، وإذا عرفت الإثبات المشوش والنفي المبين فقس عليهما الإثبات المبين والنفي المشوش وكما تصورت في النفي ما ذكرت فتصوره بعينه في جانب الإمكان والضرورة والدوام واللادوام. بينما إذا جعلت أجزاء المبتدأ والخبر، وبينما إذا جعلت جهات الحكم الجملة في الإثبات أو النفي مستجمعا لتمام تصوره مثابة رويتك ثم من بعد التنبيه نقول: المبتدأ كليا كان أو بعضيا إذا أثبت له الخبر كقولنا: كل إنسان ناطق أو بعض الناس فصيح أو نفى عنه كقولنا: لا إنسان بعالم غيب أو لا كل فصيح بشاعر من غير بيان أنه مشروط أو لا مشروط وأنه دائم أو لا دائم وأنه ضروري أولا ضروري سميت الجملة مطلقة عامة، ومن الناس من يزعم أن الجملة لا تصدق إلا مع الدوام، ولو صدق في زعمه لامتنع قولنا بعض الأجسام ساكن لكن إما دائما وأما غير دائم ولا يمتنع وله وجه دفع، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 ومن الناس من يزعم أن الجملة لا تصدق كلية إلا مع الضرورة لكن جزم العقل بأن حكم أفراد النوع يصح أن لا يختلف يستلزم إذا صحت اللاضرورة في فرد من أفراد النوع أن تصح في الكل وأنك تعرف معنى الكل ما هو كل وهو فرد فرد لا الكل المجتمع المصحح للتفاوت بين حالي انفراد الأفراد واجتماعها، ومن الناس من يزعم أن النفي الكلي يستلزم شرط الوصف يعني أنه قيل لا أبيض بجامع للبصر ومعناه ما عرفت لا شيء مما له البياض أفاد ما دام أبيض فعلى زعمه تسمى الجملة مطلقة عرفية لما في العرف من إضافة الحكم على الوصف، والحاصل من المطلق الحقيقي هو ما ترى نوع واحد هذا في باب الإطلاق، وإذا لا شرطنا وعندنا ذات وصفة وقيدنا وعندنا دوام ولا دوام وضرورة ولا ضرورة حصل من ذلك أنواع كثيرة ولكنا نذكر من ذلك ما أنت مفتقر إليه في الحال وإذا أتقنته صار لك عمدة في الباقي فنقول في نوع اعتبار الشرط والتقييد بالدوام واللادوام الجملة التي يبين فيها الخبر في الثبوت أو الانتفاء يدوم للمبتدأ بدوام ذاته من غير التعرض للوصف تسمى وجودية دائمة ويلزم فيها إذا كانت للذات صفة تحتمل اللادوام أن تخرج دوام الخبر على لا دوامه، والجملة التي يبين فيها أن الخبر يدوم للمبتدأ بدوام وصفه من غير التعرض للذات تسمى عرفية عامة، والجملة التي يبين فيها أن الخبر لا يدوم للمبتدأ بدوام ذاته تسمى وجودية لا دائمة ويلزم فيها إذا كانت للذات صفة دائمة أن لا تخرج لا دوام الخبر على الدوام، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 والجملة التي يبين فيها أن الخبر يدوم للمبتدأ بدوام وصفه لا بدوام ذاته تسمى عرفية خاصة لوقوعها في مقابلة العرفية العامة، فهذه أنواع أربعة من المقيدات بالدوام واللادوام مع اعتبار شرط ونقول في نوع اعتبار الشرط والتقييد بالضرورة واللاضرورة: الجملة التي يبين فيها أن الخبر ضروري للمبتدأ ما دامت ذاته موجودة تسمى ضرورية مطلقة ولا فرق بينها وبين الوجودية الدائمة إلا اعتبار معنى الضرورة فأعرفه. والجملة التي يبين فيها أن الخبر ضروري للمبتدأ ما دام موصوفا من غير التعرض لزيادة تسمى الضرورية بشرط الوصف ولها عموم من عدة جهات فنأملها والجملة التي يبين أن الخبر ضروري للمبتدأ ما دام موصوفا مع زيادة لا مادامت ذاته موجودة تسمى المشروطة الخاصة. والجملة التي يبين فيها أن الخبر ضروري للمبتدأ في وقت معين من أوقات وجوده تسمى وقتية مضبوطة. والجملة التي يبين فيها أن الخبر ضروري للمبتدأ لا في وقت معين تسمى وقتية غير مضبوطة، فهذه أنواع خمسة من المقيدات بالضرورة مع اعتبار شرط وقد كان يمكن اعتبار الضرورة لا مقيدة بحيث كانت نوعا سادسا مندرجة فيه الضرورات الخمس المتقيدة فتركناه ولكن يصار إليه حينا. وأما اللاضرورة فحيث عرفت أنا قلنا إن كان عام وخاص وأخص وأخص الأخص عرفت أنه إذا قلنا إمكان من غير التعرض لقيد من هذه القيود كان اعتبارا له خامسا أعم من الأربعة، فالجملة إذا قيدت بالإمكان المطلق أفادت الشياع في أنواع الإمكان الأربعة ولا تحسبنها مطلقة عامة فتلك لا نتعرض بنفي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 الضرورة وهذه تتعرض لنفيها ثم إذا قيدتها بعام وبخاص وبأخص الأخص وهو الإمكان الاستقبالي على ما عرفناك حصلت من مجموع ذلك خمسة أنواع للجمل كما ترى وإذ قد حصلنا من الجمل القدر المحتاج إليه لزم أن نفي بالوعد في تحقيق النقائض فنقول: أما البعضيان فقد عرفت أن لا سبيل على تناقضهما لتعذر الطريق على اتحاد المحكوم له فيهما باحتمال تغابر هو بين المبتدأين، وأما الكليتان فصحة اجتماعهما في الكذب لاحتمال اختصاص الصدق بغيرهما وهو اللاكل تسد الطريق على تناقضهما، وأما المطلقتان العامتان فلا سبيل على تناقضهما لتعذر الطريق على اتحاد المحكوم به فيهما لاحتمالهما للادوام المصير لهما على البعض من الزمان المتعذر الاتحاد باحتمال تغاير هو بين البعضين فحال المطلقتين العامتين من جانب الخبر كحال البعضيتين من جانب المبتدأ فحيث عرفت أن البعضية لا يناقضها إلا الكلية فاعرف أن المطلقة العامة لا يناقضها إلا الدائمة ومن هذا يتحقق أن قول من يقول بصحة تناقض المطلقتين مفتقر على تأويل ولعل المراد المطلقات اللفظية المستتبعة للدوام معنى كقولنا كل إنسان حيوان أو ناطق أو ضحاك وما شاكل ذلك، وأما الوجودية الدائمة وهي كقولنا كل جسم ما دام موجود الذات قابل للعرض فنقيضتها اللادائمة المحتملة للمخالف الدائم وهو المنتفي في جملة الأوقات وللموافق اللادائم وهو المنتفي لا في جملتها، وأما العرفية العامة وهي قولنا كل إنسان حيوان ما دام إنسانا فحين قيد ثبوت الخبر بدوام الوصف وأطلق في جانب حقيقة المبتدأ وقد عرفت أن إطلاق الخبر في حق المطلق له في حكم اللادائم فقد حصل الدوام مع الوصف واللادوام مع الذوات فيلزم في النقض إما نفي الخبر مع الوصف أو اللادوام مع الذات فيلزم في البعض إما نفي الخبر عن حقيقة المبتدأ على الدوام أو نفيه عن الوصف لا على الدوام، وأما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 الوجودية اللادائمة وهي مثل قولنا كل أبيض مفرق للبصر لا مادام موحوداً فحين أثبت فيها الخبر بقيد لا دوام الوجود وإطلاقه فيما عداه لزم في نقيضتها إما النفي أو الإثبات الدائم، وأما العرفية الخاصة وهي كقولنا كل أبيض مفرق للبصر لا مادام موحوداً بل مادام أبيض فحين أثبت فيها الخبر بقيد لا دوام الوجود ودوام الصفة لزم في نقيضتها إما النفي الدائم أو الإثبات الدائم أو النفي المقيد وهو في بعض أوقات البياض أي أوقات صفة المبتدأ، وأما الضرورية المطلقة فنقيضتها اللاضرورية وهي الممكنة العامة. وأما الضرورية المشروطة بوصف المبتدأ وهي كقولنا كل أبيض بالضرورة مفرق للبصر مادام أبيض فحين أثبت فيها الخبر بإطلاقه في حق المبتدأ أو تقييده بالضرورة وبدوام الوصف لزم في نقيضتها إما النفي الدائم أو الإثبات الدائم الخالي عن الضرورة أو النفي في بعض أوقات الوصف. وأما الضرورية المشروطة الخاصة وهي كقولنا: كل كل أبيض مفرق للبصر بالضرورة ما دام أبيض لا مادام موجود الذات فحين أثبت فيها الخبر بقيد الضرورة وقيد دوام الوصف وقيد لا دوام الذات لزم في نقيضتها إما النفي الدائم أو جواز حصوله مع عدم الوصف أو جواز لا حصوله مع تحقيق الوصف. وأما الوقتية المضبوطة فنقيضتها رفع الضرورة في ذلك الوقت، وأما غير المضبوطة فنقيضتها رفع الضرورة في جميع الأوقات. وأما الممكنة المطلقة وهي كقولنا: كل مؤمن صادق لا بالضرورة فحين أثبت فيها الخبر مطلقا من جهة الدوام مقيدا باللاضرورية لزم في نقيضتها إما النفي الدائم وإما الإثبات بالضرورة ثم إن احتمل التقييد باللاضرورة الإطلاق: أعني دوام اللاضرورة ولا دوامها لزم في نقيضتها دوام اللاضرورة. وأما الممكنة العامة فنقيضتها الضرورية المطلقة كما تقدمت معها لكون التناقض من الجانبي وأما الممكنة الخاصة فنقيضتها رفع الإمكان الخاص إما بالوجوب والامتناع، وأما الممكنتان الباقيتان فأمرهما ظاهر والله الهادي. الوصف. وأما الضرورية المشروطة الخاصة وهي كقولنا: كل كل أبيض مفرق للبصر بالضرورة ما دام أبيض لا مادام موجود الذات فحين أثبت فيها الخبر بقيد الضرورة وقيد دوام الوصف وقيد لا دوام الذات لزم في نقيضتها إما النفي الدائم أو جواز حصوله مع عدم الوصف أو جواز لا حصوله مع تحقيق الوصف. وأما الوقتية المضبوطة فنقيضتها رفع الضرورة في ذلك الوقت، وأما غير المضبوطة فنقيضتها رفع الضرورة في جميع الأوقات. وأما الممكنة المطلقة وهي كقولنا: كل مؤمن صادق لا بالضرورة فحين أثبت فيها الخبر مطلقا من جهة الدوام مقيدا باللاضرورية لزم في نقيضتها إما النفي الدائم وإما الإثبات بالضرورة ثم إن احتمل التقييد باللاضرورة الإطلاق: أعني دوام اللاضرورة ولا دوامها لزم في نقيضتها دوام اللاضرورة. وأما الممكنة العامة فنقيضتها الضرورية المطلقة كما تقدمت معها لكون التناقض من الجانبي وأما الممكنة الخاصة فنقيضتها رفع الإمكان الخاص إما بالوجوب والامتناع، وأما الممكنتان الباقيتان فأمرهما ظاهر والله الهادي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 الفصل الثاني في العكس وأنه قسمان: عكس نظير وعكس نقيض القسم الأول في عكس النظير هو في الخبر أعني الخبر المطلق دون الشرط الذي هو خبر مخصوص عبارة عن تصيير خبر المبتدأ مبتدأ والمبتدأ خبرا مع تبقية الإثبات أو النفي بحاله والصدق والكذب بحاله دون الكم كما ستعرف لما عرفت أن لا غنى لصاحب الاستدلال عن معرفة مظان الانعكاس ومعرفة كيفية وقوعه فيها كليا أو بعضيا لزمنا أن نتكلم في عكوس الجمل المذكور لكن الكلام هناك حيث نراه لا يستغني عن تقديم الكلام في مسندي الأصحاب لزمنا أن نطلعك عليهما أحدهما طريق الافتراض وله وجهان: أحدهما فرض البعض كلا لأفراده، وثانيهما هو المقصود هنا وحاصله تعيين بعض من كل قد حكم عليه بحكم وجعل ملزوما للازم ليتوصل بتعيينه على بيان أن كل ملزوم لازم لا بد من أن يكون لازما لبعض أفراد لازمه ذلك مثل أن تريد أن الإنسان الذي هو ملزوم الحيوان لابد من أن يكون لازما لبعض أفراد الحيوان فتقصده فتقول هذا الحاضر إنسان وأنه كما يصدق عليه أنه إنسان يصدق عليه أنه بعض الحيوان وأنه يمتنع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 أن يكون إنسانا وأن لا يكون بعض الحيوان فظهر أن الإنسان لا بد من أن يلزم بعض الحيوان وثانيهما طريق الخلف وحاصله إثبات حقيقة المطلوب ببطلان نقيضه مثل أن يقول إن لم يصدق بعض الحيوان إنسان صدق نقيضه لا شيء من الحيوان بإنسان ويستلزم لا إنسان حيوان وأنه باطل هذا، وعسى أن يكون لنا على حديث الخلف في آخر التكملة عود. وقبل أن نشرع فيما نحن له فاعلم أن المتأخرين قد خالفوا المتقدمين في عدة مواضع من هذا الباب كما ستقف عليها وخطئوهم وكل من يأتي يرى رأي المتأخرين وعندي أن المتقدمين ما أخطئوا هناك، وأنا أذكر ها هنا كلاما كليا ليكون مقدمة لما نحن له فأقول وبالله التوفيق: كل أحد لا يخفى عليه معنى قولنا مع قوله مع ما تراهم يقولون الوجود والعدم لا يجتمعان معا ولا يرتفعان معا ويقولون الملزوم بوصف كونه ملزوما لا يعقل إلا مع اللازم ويقولون إذا انتفى اللازم انتفى معه الملزوم ويقولون اعتبار الذات مع الصفة يغاير اعتبار الذات لا مع الصفة، هذا كله لبيان أن معنى مع العلوم فلا نتخذه محل نزاع ثم نقول ولا يخفى أن معنى مع في تحققه سواء فرض في الذهن أو في الخارج مفتقر على طرفين لا محالة وإذا تحقق امتنع اختصاصه بأحدهما دون الآخر لكن متى صدق على شيء أنه مع آخر تصورا أو غير تصور كيف شئت استلزم لأن يصدق على ذلك الآخر بأنه مع ذلك الشيء بذلك الاعتبار وإذا لزم أن يكون المع حاصلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 حين ما لا يكون حاصلا، وإذا عرفت أن المع عند تحققه أمر كما ينتسب على أحد طرفيه ينتسب على الآخر من غير تفاوت ظهر أن أي اعتبار قدر للمع الحاصل من إطلاق أو لا إطلاق ومن دوام أو لا دوام ومن ضرورة أو لا ضرورة امتنع أن يختص ذلك بأحد الطرفين دون صاحبه الواقع طرفا له ثانيا. فإن كان هذا مع ذاك في التصور أو في الخارج كان ذاك مع هذا في ذلك التصور أو في ذلك الخارج وإلا لزم المحذور المذكور وهو أن يكون المع حاصلا حين ما لا يكون لامتناع اختصاصه بأحدهما وإذا كان هذا مع ذاك دائما كان ذاك مع هذا في أوقات دوامه وإلا كان المع في وقت من الأوقات مع أن لا يكون فيه وإذا كان هذا مع ذاك على سبيل الضرورة بمعنى لا ينفك عنه البتة كان ذاك مع هذا على سبيل الضرورة والأصح انفكاكه عنه فيكون المع حاصلا مع أن لا يكون حاصلا، وإذا تصورت ما ذكرت في المع فتصوره بعينه في اللامع من أنه متى لم يكن هذا مع ذاك وإلا كان المع حين لا يكون فإذا صدق هذا الإنسان ليس بكاتب: أي معنى الكاتب ليس مع هذا الإنسان صدق لا محالة أن هذا الإنسان ليس مع معنى الكاتب وإلا كان المع حاصلا حيث ليس هو بحاصل وكما تصورت اللامعية بين هذا الإنسان وبين الكاتب واجبة التحقق من الجانبين فأنت إذا نقلتها عن البعض على الكل مثل لا إنسان من الناس بكاتب في هذه الساعة فتصورها: أعني هذه اللامعية كذلك واجبة التحقق من الجانبين للوجه المقرر كما تصورتها بين الإنسان وبين الكاتب وإذا أقمت مقام الكاتب الضاحك أو غيره مما شئت وقلت هذا الإنسان ليس بضاحك بالإطلاق فتصور اللمعية بينهما من الجانبين بإطلاق على موجب ما شهد له عقلك مما نبهت عليه، وإذا أتقنت ما قرع سمعك فقل لي إذا صدق عندك اللاإنسان من الناس بضاحك في وقت ما فلا تقطع أن ما يتصور من معنى الضاحك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 يجب ألا يكون مع إنسان من الأناسي في وقت ما وقع قطعك بأن الضاحك يجب أن لا يكون مع إنسان من الأناسي في وقت أفلا تقطع بأن كل إنسان يحتمل أن لا يكون مع الضاحك في وقت ما، ما أظنك يشتبه عليك شيء من ذلك بل لا بد من أن يكون عندك أظهر من الشمس إن صدق ان الضاحك ليس مع الإنسان يستلزم صدق ان الإنسان ليس مع الضاحك وقد ظهر بين بياننا هذا أن سلب الضاحك عن الإنسان يستلزم سلب الإنسان عن الضاحك من غير شبهة. فإن قلت: وكلامك هذا مستدع أن لا يتفاوت جهة المع واللامع في العكس، ونراها تتفاوت عند المتأخرين أليسوا على أن إثبات الإنسانية مع عدم الضاحكية في قولك لا إنسان بضاحك يصح وأن إثبات الضاحكية مع عدم الإنسانية في قولك لا ضاحك بإنسان يمتنع لاستلزامه عندهم نفي الإنسان مع إثباته لكون الكلام مفروضا في الخاص المفارق، وأليسوا على أن الجهة في قولك الضاحك إنسان جهة وجوب معلومة بضرورة العقل، وفي قولك الإنسان ضاحك جهة إمكان عام لا يعلم العقل منه إلا ذلك القدر، ولذلك يمتنع أن يعرف أن في الوجود ضاحكا مع الشك في وجود الضاحك، وأليسوا على أنك تصدق إذا قلت الإنسان يمكن أن يكون ضاحكا بالإمكان الخاص، وتكذب إن قلت الضاحك يمكن ان يكون إنسانا بالإمكان الخاص. قلت للمتقدمين ان يقولوا هذه تغليطات من حق المتأمل المتفطن أن لا يلتبس عليه وجه الصواب فيها، بيان وجه التغليط في الصورة الأولى هو أنك إذا قلت لا إنسان بضاحك في معنى إثبات الإنسان ونفي الضاحك إما أن يكون نفي الضاحك مع اعتبار كونه خاصا للإنسان أولا فإن كان الثاني كان دعوى امتناع لا ضاحك بإنسان كاذبة عند كل عاقل متفطن بلا ريبة، وإن كان الأول كان في قولنا لا إنسان بضاحك عند تلخيص الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 معنى الضاحك نازلا منزله لا إنسان بإنسان ضاحك ويكون حاصل معنى الكلام في الوجود إنسان لا إنسان ضاحك مستفادا منه عقلا في الوجود إنسان بوصف الإطلاق لا إنسان ضاحك بالتقييد ودعوى امتناع عكس هذا دعوى غير محصل لأنه متى صح ان يقال في الوجود إنسان بوصف الإطلاق لا إنسان يوصف بوصف الإطلاق، وبيان وجه التغليط في الصورة الثانية هو أن إذا قلنا الجهة في الأصل والعكس لا تتغير كان المراد أن الجهة متى اتصفت عند العقل بوجوب أو امتناع أو ضرورة في موضع أصلا كان ذلك الموضع أو عكسا أفاد اتصافها في أيهما كان عنده شيء من ذلك اتصافها به في صاحبه مستويان في العلم باشتراكهما في تلك الجهة فإذا علم العقل أن كل ضاحك يجب أن يكون إنسانا أفاده ذلك العلم أن إنسانا ما بحسب تقدير الضاحك في القضية السالفة إن ذهنيا وإن خارجيا يجب أن يكون ضاحكا يتبين ذلك أن العقل إنما يوجب كون الضاحك إنسانا من حيث اعتبار كونه خاصا يكون مفهومه مفهوما مجموعا من صفة مخصوصة وموصوف مخصوص وتحقق المجموع بدون ما هو جزء له ممتنع فيوجب مع الضاحك متى فرض تحقق له ذهني أو خارجي تحققا لإنسان ذهنيا أو خارجيا ومتى فرض العقل للضاحك تحققا كيف كان أفاده ذلك أن إنسانا ما يجب أن يكون ضاحكا إن من جزاء المتحقق باعتبار كونه جزءا من المتحقق يستلزم في تحققه ذلك امتناع الانفكاك عن الجزء لكونه مأخوذا معه في اعتبار التحقق وإنسان ما جزء من الضاحك المفروض تحققه فيجب امتناع تحققه بدون ما يقوم المجموع الذي هو مفهوم الضاحك المتركب من الصفة والموصوف لكونه مأخوذا مع الضاحك في تحققه: أعني تحقق الضاحك فالجهة كما ترى تتحد عند العقل في قضيتين وكل ضاحك إنسان بالوجوب إنسان ما أو بعض الأناسي ضاحك بالوجوب، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 وبيان وجه التغليط في الصورة الثالثة هو أنا متى قلنا بعض الأناسي ضاحك بالإمكان الخاص لم يكن المعنى أن الضاحك لا يجب لإنسان عند فرض وجود ضحك في الدنيا مثلا كالقائم حيث لا يجب لإنسان عند فرض وجود قيام في الدنيا، وإنما المعنى أن الضاحك لا يجب لإنسان بشرط أن لا يفرض وجود للضحك كما لا يفرض له عدم، أما إذا فرض وجود له وجب الضاحك للإنسان لا محالة، وكيف لا يجب والكلام مفروض في أن الضحك خاص بالإنسان، وقولنا أن ضاحكا إنسان لا يرد إلا على فرض وجود الضحك، فالجهتان لا تختلفان إلا لاختلاف فرضي الضحك بالحاصل أن قولنا بعض الأناسي ضاحك بالإمكان الخاص ليس عكسه أن ضاحكا إنسان فإن الضاحك ههنا غير الضاحك هناك فالضاحك هناك غير مأخوذ باعتبار الثبوت له والضاحك هاهنا مأخوذ باعتبار الثبوت له فتأمل ما ذكرت فالمقام ملبس ولأمر ما جرى فيه ما جرى إذ قرع عليه المتأخرون فدونوا ما دونوا وما قصروا في تطبيق التفريعات قدس الله أرواحهم، ولكن الأصل فيه ما فيه وقد سمينا نحن هذا الملبس متعارفا عاميا ويظهر من هذا أن إثبات عكس المنفية البعضية ليس بذلك الممتنع كما يدعيه القوم وإنما أطنبت مع أن عادتي الاختصار لا سيما والأقل من القليل مما ذكرت كان يكفي فإنك في مقامك هذا لا كما تراك من جمعي المتقدمين والمتأخرين بين أطواد وأطواد، وإذ قد ذكرنا ما ذكرنا فلنرجع على المقصود: أما المطلقات العامة فالمثبتة الكلية منها مثل قولنا كل اسم كلمة تنعكس بعضية وبيان انعكاسها إما بالافتراض وهو أنه يمكن الإشارة على واحد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 من آحاد هذا الكل محكوما عليه بالاسمية إما دائما أو في وقت ما وإلا فلا يكون من آحاد هذا الكل ونحن نتكلم في واحد من آحاده فذلك الواحد وافرضه لفظ رجل فلفظ رجل بعينه اسم وهو بعينه كلمة فالاسم كلمة والكلمة اسم فيصدق بعض الكلم اسم وهو المطلوب وأما بالخلف وهو أن كل واحد من الأسماء إذا كان كلمة صدق قولنا بعض الكلم اسم والأصدق نقيضه وهو لا شيء من الكلم ما دام كلمة باسم فيلزم لا شيء من الأسماء بكلمة بوساطة ما قررنا في المقدمة وقد كان كل اسم كلمة هذا خلف، وأما جعل انعكاسها بعضيا فلاحتمال كون الخبر أعم، وأما المثبتة البعضية فتنعكس بعضية ويبين انعكاسها منها بالافتراض أو بالخلف فالافتراض هو أن تقول بعض الأسماء كلمة وذلك البعض رجل بحكم الفرض والتعيين فهو اسم وكلمة وكلمة واسم فبعض الكلم اسم والخلف هو أن تقول بعض الأسماء كلمة فبعض الكلم اسم وإلا فلا شيء من الكلم ما دامت كلمة باسم بحكم النقيض ولا شيء من الأسماء بكلمة بحكم العكس بالطريق المذكور وقد كان بعض الأسماء كلمة هذا خلف، وأما جهة كونهما مطلقتين فعند المتقدمين لا تتغير وعند المتأخرين تتغير على الإمكان العام وعمدتهم في ذلك هو أنهم يقولون المثبتة الضرورية كقولنا كل متحرك جسم بالضرورة لا يجب أن يكون عكسها مطلقا عاما كقولنا بعض الأجسام متحرك بالإطلاق، وإنما يجب أن يكون ممكنا عاما كقولك بعض الأجسام متحرك وبالإمكان العام والممكن العام لا يجب أن يكون موحوداً ثم بعد هذا يقولون فإذا لم يجب في عكس الضرورية الإطلاق، فأولى أن لا يجب في المطلقة العامة فإن أقوى درجات المطلقة العامة هي أن تكون ضرورية لاحتمال المطلق العام إياها ثم إذا كان نفس الضروري لا يجب أن يكون عكسه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 مطلقا عاما، فالقول بأن عكس المطلق العام يجب أن يكون عكسه مطلقا عاما خطأ، لكنا نقول قولكم يصدق كل متحرك جسم بالضرورة ولا يصدق بعض الأجسام متحرك بالضرورة لا يلزم منه أنه إذا لم يصدق بالضرورة أن لا يصدق بغير الضرورة، ونحن إذا بينا صدقه بغير الضرورة ثبت ما نقول من أن المثبتة الكلية إذا صدقت لزم أن يصدق عكسها. نعم يبقى أن يقال بالضرورة تتغير على الاستدلال، لكنا نقول المطلوب من الضرورة في القضايا هو العلم فإذا حصل العلم كان النزاع فيما وراء ذلك نزاعا لا تضايق فيه وبيان صدقها بغير الضرورة هو أنا نقول إذا صدق كل متحرك جسم فصدقه سواء قدر في الذهن أو في الخارج أو فيهما معا لا يصح إلا بأن يكون الجسم مع المتحرك بذلك التقدير وإذا كان الجسم مع المتحرك لزم في بعض المتحرك أن يكون مع الجسم بذلك التقدير وإلا لزم أن يكون المع حاصلا حين لا يكون حاصلا لما سبق من التقرير ومن تحقيق أن مثل قول القائل كل متحرك جسم بالضرورة ويصدق ويكذب بعض الأجسام متحرك بالضرورة قول من باب التغليط وبناء على المتعارف العامي، وأما المنفية الكلية منها فعند المتقدمين تنعكس، وترى جماعة يبنون انعكاسها بتكلف فيقولون: إذا صدق بالإطلاق لا إنسان بكاتب صدق لا كاتب بإنسان بالإطلاق والأصدق نقيضه وهو بعض الكتبة دائما إنسان فذلك البعض كاتب وإنسان دائما وإنسان دائما وكاتب وقد كان لا إنسان بكاتب وهذا خلف، وعند المتأخرين دعوى انعكاسها غير صحيحة أصلا لقولهم يصدق بالإطلاق لا إنسان بضاحك ويكذب بهذا الإطلاق لا ضاحك بإنسان وعندهم أيضا أن الخلف غير مستقيم لما أن قيد الدوام في قولهم بعض الكتبة دائما إنسان ينصرف على الإنسان ويبقى الكاتب مطلقا كما أنه مطلق في الأصل وهو الإنسان بكاتب ولا تناقض بين المطلقتين، وعندهم إذا انعكست لا بد من انقلاب الإطلاق العام على الإمكان العام، ويقولون الإطلاق العام في الإثبات أقوى حالاً من الإمكان العام فيه، ثم إن الضرورية التي هي أقوى في الإثبات من المطلقة العامة فيه تنقلب في الانعكاس عندهم على الإمكان تارة فيرون فيما دون الضرورية بقاءها في الانعكاس على الإطلاق العام خطأ، وأما نحن فعل صحة انعكاسها وعلى أن قدح المتأخرين في الخلف صحيح دون قدحهم في الدعوى، وعندنا أن الجهة لا تتغير ويخيل بيان صحة الدعوى ودفع قدحهم فيها وأن الجهة لا تتغير على المقدمة المذكورة، وأما سائر ما حكينا عنهم فستقف على ما عندنا هنالك شيئاً فشيئاً. مة واسم فبعض الكلم اسم والخلف هو أن تقول بعض الأسماء كلمة فبعض الكلم اسم وإلا فلا شيء من الكلم ما دامت كلمة باسم بحكم النقيض ولا شيء من الأسماء بكلمة بحكم العكس بالطريق المذكور وقد كان بعض الأسماء كلمة هذا خلف، وأما جهة كونهما مطلقتين فعند المتقدمين لا تتغير وعند المتأخرين تتغير على الإمكان العام وعمدتهم في ذلك هو أنهم يقولون المثبتة الضرورية كقولنا كل متحرك جسم بالضرورة لا يجب أن يكون عكسها مطلقا عاما كقولنا بعض الأجسام متحرك بالإطلاق، وإنما يجب أن يكون ممكنا عاما كقولك بعض الأجسام متحرك وبالإمكان العام والممكن العام لا يجب أن يكون موحوداً ثم بعد هذا يقولون فإذا لم يجب في عكس الضرورية الإطلاق، فأولى أن لا يجب في المطلقة العامة فإن أقوى درجات المطلقة العامة هي أن تكون ضرورية لاحتمال المطلق العام إياها ثم إذا كان نفس الضروري لا يجب أن يكون عكسه مطلقا عاما، فالقول بأن عكس المطلق العام يجب أن يكون عكسه مطلقا عاما خطأ، لكنا نقول قولكم يصدق كل متحرك جسم بالضرورة ولا يصدق بعض الأجسام متحرك بالضرورة لا يلزم منه أنه إذا لم يصدق بالضرورة أن لا يصدق بغير الضرورة، ونحن إذا بينا صدقه بغير الضرورة ثبت ما نقول من أن المثبتة الكلية إذا صدقت لزم أن يصدق عكسها. نعم يبقى أن يقال بالضرورة تتغير على الاستدلال، لكنا نقول المطلوب من الضرورة في القضايا هو العلم فإذا حصل العلم كان النزاع فيما وراء ذلك نزاعا لا تضايق فيه وبيان صدقها بغير الضرورة هو أنا نقول إذا صدق كل متحرك جسم فصدقه سواء قدر في الذهن أو في الخارج أو فيهما معا لا يصح إلا بأن يكون الجسم مع المتحرك بذلك التقدير وإذا كان الجسم مع المتحرك لزم في بعض المتحرك أن يكون مع الجسم بذلك التقدير وإلا لزم أن يكون المع حاصلا حين لا يكون حاصلا لما سبق من التقرير ومن تحقيق أن مثل قول القائل كل متحرك جسم بالضرورة ويصدق ويكذب بعض الأجسام متحرك بالضرورة قول من باب التغليط وبناء على المتعارف العامي، وأما المنفية الكلية منها فعند المتقدمين تنعكس، وترى جماعة يبنون انعكاسها بتكلف فيقولون: إذا صدق بالإطلاق لا إنسان بكاتب صدق لا كاتب بإنسان بالإطلاق والأصدق نقيضه وهو بعض الكتبة دائما إنسان فذلك البعض كاتب وإنسان دائما وإنسان دائما وكاتب وقد كان لا إنسان بكاتب وهذا خلف، وعند المتأخرين دعوى انعكاسها غير صحيحة أصلا لقولهم يصدق بالإطلاق لا إنسان بضاحك ويكذب بهذا الإطلاق لا ضاحك بإنسان وعندهم أيضا أن الخلف غير مستقيم لما أن قيد الدوام في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 قولهم بعض الكتبة دائما إنسان ينصرف على الإنسان ويبقى الكاتب مطلقا كما أنه مطلق في الأصل وهو الإنسان بكاتب ولا تناقض بين المطلقتين، وعندهم إذا انعكست لا بد من انقلاب الإطلاق العام على الإمكان العام، ويقولون الإطلاق العام في الإثبات أقوى حالاً من الإمكان العام فيه، ثم إن الضرورية التي هي أقوى في الإثبات من المطلقة العامة فيه تنقلب في الانعكاس عندهم على الإمكان تارة فيرون فيما دون الضرورية بقاءها في الانعكاس على الإطلاق العام خطأ، وأما نحن فعل صحة انعكاسها وعلى أن قدح المتأخرين في الخلف صحيح دون قدحهم في الدعوى، وعندنا أن الجهة لا تتغير ويخيل بيان صحة الدعوى ودفع قدحهم فيها وأن الجهة لا تتغير على المقدمة المذكورة، وأما سائر ما حكينا عنهم فستقف على ما عندنا هنالك شيئاً فشيئاً. وأما الوجوديات الدائمة فالمثبتة الكلية منها تنعكس كنفسها بالافتراض يقال إذا صدق كل جسم ما دام موحوداً قابل للعرض أمكن أن يعين واحد من ذلك الكل فذلك الواحد جسم وقابل للعرض ما دام موحوداً وهو بعينه قابل للعرض مادام موحوداً وجسم بالخلف يقال إذا صدق كل جسم مادام موحوداً قابل للعرض صدق بعض القابل للعرض مادام موحوداً جسم وإلا صدق نقيضه وهو لاشيء من القابل للعرض بجسم وتنعكس بوساطة المقدمة السابقة لا شيء من الأجسام بقابل للعرض، وقد كان كل جسم قابل للعرض وإذا انعكست انعكست بعضية لاحتمال كون الخبر أعم والمثبتة البعضية منها تنعكس كنفسها بالطريقين وبعضية للاحتمال المذكور، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وأما المنفية الكلية منها فتنعكس كلية وكنفسها بحكم الخلف، وهي أنه إذا صدق لا شيء من الأجسام مادام موحوداً عرض صدق لا شيء من الأعراض مادام موحوداً جسم وإلا صدق نقيضه وهو بعض الأعراض جسم ويلزم بحكم الافتراض بعض الأجسام عرض، وقد كان لا شيء من الأجسام بعرض هذا خلف، وأما الوجوديات اللادائمة فأمرها على نحو ما ذكر. وأما العرفيات المطلقة فالمثبتة الكلية منها وكذا البعضية تنعكسان بالافتراض أو بالخلف بعضيتين لاعتبار احتمال أن يكون الخبر أعم، ثم عند المتأخرين مطلقتين عامتين لا مطلقتين عرفيتين بناء منهم لذلك على المتعارف العامي من أنه يصح أن يكون ثبوت شيء لآخر لازما كثبوت الجسم للمتحرك في قولنا كل متحرك جسم وأن لا يكون ثبوت ذلك الآخر لذلك الشيء لازما كثبوت المتحرك للجسم في قولنا بعض الأجسام متحرك ورأينا انعكاسهما مطلقتين عرفيتين بناء على ما قدمنا وأما المنفية الكلية منها فتنعكس كلية وكنفسها عرفية مطلقة ويبين ذلك بطريق الخلف وهو أنه إذا صدق لا فعل بحرف مادام فعلا لزم أن يصدق لا حرف بفعل مادام حرفا وإلا صدف نقيضه وهو بعض الحروف فعل وإذا كان بعض الحروف فعلا لزم منه بعض الأفعال حرف، وقد كان لا شيء من الأفعال بحرف ويبين اللزوم تارة بطريق الافتراض مثل أن يفرض أن ذلك البعض هو لفظة من فتكون بعينها حرفا وفعلا وتكون هي بعينها فعلا وحرفا فيكون ما هو فعل حرفا وتارة بطريق الانعكاس وهو أنه إذا صدق بعض الحروف فعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 صدق بعض الأفعال حرف على ما سبق من انعكاس البعضية بعضية، ولكن يلزمك في هذا الثاني أن يكون تصحيحك لعكس المثبتة البعضية بغير الخلف لئلا يلزم الدور، وقد منع عن صحة انعكاسها بوجوه منها إن قيل إن قولنا كل إنسان يمكن بالإمكان الخاص أن يكون كاتبا قضية صادقة وكل ما يمكن بالإمكان الخاص أن يكون يمكن أيضا أن لا يكون فأذن كل إنسان يمكن بالإمكان الخاص أن لا يكون كاتبا وكل ما يمكن في وقت يمكن في كل وقت وإلا لزم الانتقال من الإمكان الذاتي على الامتناع الذاتي وهو محال فإذن كل إنسان يمكن أن يكون دائما لا كاتبا وكل ممكن بأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال وليفرض صدق قولنا دائما لا إنسان من الناس بكاتب فهذه سالبة دائمة غير ممتنعة مع أن عكسها وهو قولنا لا كاتب واحد بإنسان كاذب فعلمنا أن هذه السالبة لا تنعكس والجواب عندي هو أن ادعاء الكذب لقولنا لا كاتب واحد بإنسان غير صحيح مع الفرض المقدم ذكره وذلك أن كذبه إن كان لم يكن إلا لأن الكتابة لا تنفك عن الإنسان إلا أن دعوى لا انفكاكها عنه، إما أن يكون في الوجود أو في التصور أو فيهما معا لكن ادعاء كذبه في الوجود الخارجي إنما يصح عند فرض وجود كاتب إنسان، لكن صحة فرض وجود الكاتب الإنسان الذي هو عين وجود الإنسان الكاتب مع صحة الفرض المقدم محال فادعاء كذبه في الوجود لا يصح وادعاء كذبه في التصور لا يصح أيضا لأن قولنا دائما لا إنسان من الأناسي بكاتب إن أريد الدوام المتناول لأوقات التصور والوجود استلزم الفرض المقدم فرض تصور الإنسان لا مع الكتابة في جميع أوقات التصور فادعاء كذبه إنما يثبت إذا صح تصور الكاتب للإنسان الذي هو عين تصور الإنسان الكاتب لكن صحة فرض ذلك مع صحة الفرض المقدم محال فادعاء كذبه في التصور لا يصح وإن خصص الدوام بأوقات الوجود الخارجي دون أوقات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 التصور فادعاء كذبه في الوجود لم يصح للفرض المقدم وادعاء كذبه في التصور لم يصح لعدم اتحاد مورد انفكاك الإنسان عن الكاتب ولا انفكاك الكاتب عن الإنسان وإذا كان ادعاء كذبه في الوجود الخارجي لا يصح وفي التصور لا يصح كان ادعاؤه فيهما لا يصح أيضا. ومنها إن قيل ما حاصله هو أن من المحتمل أن يكون سلب للشيء عن الشيء دائما ممكنا ولا يكون سلب الآخر عن الأول ممكنا وجوابه عندي أنه راجع على التقرير الأول ودفعه بما تقدم. ومنها إن قيل صحة انعكاسها دائمة يقدح في حقية ما اختاره المتأخرون من أن عكس المثبتة الضرورية يجب أن يكون ممكنة عامة، وذلك أنه إذا ثبت أن عكس المنفية الدائمة منفية دائمة قدح في حقية ما ذكر وهو أنه يقال إذا صدق بالضرورة كل إنسان حيوان صدق بالإطلاق العام بعض الحيوان إنسان وإلا فدائما لا شيء من الحيوان بإنسان فينعكس دائما لا أحد من الناس بحيوان وقد كان قوله بالضرورة كل إنسان حيوان هذا خلف. وجوابه أنا نمنع أن الحق هو ما اختاره المتأخرون بناء على المقدمة السابقة وسنزيده إيضاحا عند عكس الضرورة. وأما العرفيات الخاصة فالمثبتة الكلية منها تنعكس بعضية وكنفسها فإذا صدق كل كاتب متحرك لا دائما بل مادان كاتبا صدق بعض المتحرك كاتب لا دائما بل مادام متحركا وإلا صدق نقيضه وهو دائما لا شيء من المتحرك بكاتب وتنعكس دائما لا شيء من الكاتب بمتحرك وقد كان كل كاتب متحرك وكذلك البعضية منها تنعكس بعضية بحكم الخلف. وأما المنفية الكلية منها كقولنا لا شيء من الأبيض بأسود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 لا دائما بل مادام أبيض فتنعكس كلية بدلالة الخلف أولا وكنفسها عرفية خاصة لا عرفية عامة بحكم الخلف أيضا ثانيا، وذلك أنا إذا جعلنا العكس دائما لزم أن يكون عكس عكسها وهو الأصل دائما لأن عكس الدائم دائم بعد ما كان الأصل لا دائما وهو الخلف الثاني، وقيل الصواب أنها تنعكس عرفية عامة واستدل لذلك بأنه يصدق لا شيء من الكاتب بساكن لا دائما بل مادام كاتبا ولا يصدق لا شيء من الساكن بكاتب لا دائما بل مادام ساكنا فإن بعض ما هو ساكن سلب عنه الكاتب مادام موحوداً وهو الأرض وأنه عندي غير متجه، لأنا إذا قلنا لا شيء من الساكن بكاتب لا دائما، بل مادام ساكنا كان معناه لا شيء من الساكن بكاتب لا لدوام وجوده بل لدوام وصفه ويكون الغرض من ذلك هو أنهما إن تصاحبا في الدوام فلا تضف الحكم على الذات ولكن على الوصف أضفه وحديث الأرض ليس شيئاً غير الذي نحن فيه فإنا إذا نفينا الكتابة عن الأرض لا ننفيها عنها لكونها موجودة بل لاعتقاده أن السكون لازم لها ولذلك إذا سلبنا عن نفوسنا هذا الاعتقاد وتوهمنا الأرض كاتبة لم تأب كونها كاتبة مع كونها موجودة فما ذكر من أن قولنا لا شيء من الساكن بكاتب لا دائما بل مادام ساكنا قول كاذب ليس بكاذب. وأما الضروريات المطلقة فالمثبتة الكلية منها تنعكس بالاتفاق لكن بعضية لاحتمال عموم الخبر وكنفسها ضرورية مطلقة عند المتقدمين لأنه متى صدق أن بالضرورة كل كاتب إنسان لزم أن يصدق أن بالضرورة بعض الأناسي كاتب لأنه متى كان كل كاتب إنسان لزم أن يكون كاتب واحد إنسانا وليفرض أنه زيد فزيد بعينه كاتب وهو بعينه إنسان من الأناسي فكونه إنسانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 إن استحال أن لا يكون كاتبا لزم أنه بالضرورة أن بعض الأناسي وإن لم يستحل أن لا يكون لزم أن بعض الكاتبين لا بالضرورة إنسان، وقد كان أن بالضرورة كل كاتب إنسان ويلزم الخلف، والمتأخرون أبوا كونها ضرورية وقالوا نعم إن بالضرورة كل كاتب إنسان ولا نعلم أن بالضرورة بعض الناس كاتب بناء على المتعارف العامي، ثم اختلفوا من بعد فذهب بعضهم على انعكاسها مطلقة عامة محتجا بأنه إذا صدق أن بالضرورة كل كاتب إنسان يلزم أن يصدق بعض الناس بالإطلاق والأصدق نقيضه لا إنسان دائما بكاتب ويصدق عكسه لا كاتب بإنسان وقد كان كل كاتب إنسان هذا خلف وذهب بعضهم على انعكاسها ممكنة عامة محتجا بأن عكس الضروري قد يكون ضروريا مثل بالضرورة كل إنسان ناطق وبالضرورة كل ناطق إنسان وقد يكون ممكنا خاصا مثل بالضرورة كل ضاحك إنسان وبالإمكان كل إنسان ضاحك والقدر المشترك بين الضروري والممكن الخاص إنما هو الممكن العام لا المطلق العام وعلى هذا الرأي الأخير أكثر المتأخرين ونحن على رأي المتقدمين. وأما المنفية الكلية منها فتنعكس كلية وكنفسها، فإذا كان بالضرورة لا إنسان بفرس كان بالضرورة لا فرس بإنسان وأنه مستغن عن نصب الدلالة عليه، فإن قولنا بالضرورة لا إنسان بفرس معناه أن الفرسية والإنسانية يستحيل اجتماعهما لذاتيهما فكما أن بالضرورة لا إنسان بفرس كذلك بالضرورة لا فرس بإنسان، ثم إن شئت الدلالة قلت إن لم يصدق بالضرورة لا فرس بإنسان صدق نقيضه وهو بالإمكان العام بعض الأفراس إنسان، وكل ما بالإمكان العام لا يلزم من فرض وجوده على بعض التقديرات محال فليفرض بعض الأفراس إنسان ويلزم الخلف الطرق التي عرفت. وأما الضروريات بشرط وصف المبتدأ فالمثبتة الكلية منه تنعكس بعضية لكن ممكنة عامة على رأي أكثر المتأخرين للوجه المذكور والرأي عندي انعكاسها ضرورة بالطريق المسلوك في الضرورية المطلقة. وأما المنفية الكلية منها فتنعكس كلية وكنفسها وإلا لزم أن يصدق نقيضها وهو إما الإثبات الدائم أو في بعض الأوقات وأيا كان اجتمع الخبر مع الوصف في وقته ولا يكون النفي ضروريا في جميع أوقات الوصف وكان المفروض ضروريته في جميع أوقاته هذا خلف. وأما الضروريات المشروطة بشرط اللادوام فالمثبتة الكلية منها تنعكس بالاتفاق، وعى رأي أكثر المتأخرين ممكنة عامة، وعلى رأينا ضرورية. وأما المنفية الكلية منه فتنعكس كلية ثم عند المتأخرين مطلقة للحجة التي حكيت عنهم في انعكاس العرفية الخاصة عرفية عامة ونحن إذ دفعنا حجتهم تلك نقول تنعكس كنفسها والضروريتان الوقتيتان أمرهما في الانعكاس في الإثبات وفي النفي على نحو أخواتهما في الضرورة. وأما الممكنات فليس يجب لها في النفي عند المتأخرين عكس لما رأوا أن الشيء قد يصح نفيه عن آخر بالإطلاق ولا يصح نفي ذلك الآخر عن ذلك الشيء بالإطلاق مثل نفي الضاحك عن الإنسان في قولك بالإطلاق لا إنسان بضاحك فإنه يصدق ولا يصح نفي الإنسان عن الضاحك بالإطلاق مثل لا ضاحك بإنسان فإنه يكذب عندهم على ما سبق، وأما في الإثبات فيجب لها عندهم عكس لكن لاحتمال عندهم أن يكون الثبوت بين الشيئين بالإمكان من جانب مثل الجسم متحرك بالإمكان وبالضرورة من جانب آخر مثل المتحرك جسم بالضرورة لا يجعل عكسها ممكنا خاصا بل يجعل عاما ليشمل نوعي الثبوت وإذا صدق الإمكان المطلق ولابد عندهم من أن يكون عاما لأن الأصل وهو بالإمكان كل إنسان صادق أو بعض الناس صادق بأي إمكان شئت يلزم أن يكون عكسه وهو بعض الصادقين إنسان بالإمكان العام وإلا لزم أنه ليس بممكن أن يكون صادق واحد إنسانا ويلزم بالضرورة لا إنسان بصادق، وقد كان كل إنسان صادق أو بعض الناس صادق وهذا خلف وأن جميع ذلك كما ترى على المتعارف العامي، وقد عرفت ما عندنا فيه، ولما تقدم أن العكس يلزم فيه رعاية النفي والإثبات لا يستعملون لفظ العكس حيث لا مراعي ذلك فلا يقولون في مثل بالإمكان الخاص يمكن أن لا يكون كل إنسان كاتبا عكسه بعض الكاتبين إنسان بالإمكان العام كما يقولون في مثل بالإمكان الخاص يمكن أن يكون كل إنسان كاتبا عكسه بعض الكاتبين إنسان بالإمكان العام وقد ظهر أن تفاوت الحمل في العكس إذا وقع لا يقع في الكم وذلك في المثبتة الكلية فحسب. ن، ثم إن شئت الدلالة قلت إن لم يصدق بالضرورة لا فرس بإنسان صدق نقيضه وهو بالإمكان العام بعض الأفراس إنسان، وكل ما بالإمكان العام لا يلزم من فرض وجوده على بعض التقديرات محال فليفرض بعض الأفراس إنسان ويلزم الخلف الطرق التي عرفت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 وأما الضروريات بشرط وصف المبتدأ فالمثبتة الكلية منه تنعكس بعضية لكن ممكنة عامة على رأي أكثر المتأخرين للوجه المذكور والرأي عندي انعكاسها ضرورة بالطريق المسلوك في الضرورية المطلقة. وأما المنفية الكلية منها فتنعكس كلية وكنفسها وإلا لزم أن يصدق نقيضها وهو إما الإثبات الدائم أو في بعض الأوقات وأيا كان اجتمع الخبر مع الوصف في وقته ولا يكون النفي ضروريا في جميع أوقات الوصف وكان المفروض ضروريته في جميع أوقاته هذا خلف. وأما الضروريات المشروطة بشرط اللادوام فالمثبتة الكلية منها تنعكس بالاتفاق، وعى رأي أكثر المتأخرين ممكنة عامة، وعلى رأينا ضرورية. وأما المنفية الكلية منه فتنعكس كلية ثم عند المتأخرين مطلقة للحجة التي حكيت عنهم في انعكاس العرفية الخاصة عرفية عامة ونحن إذ دفعنا حجتهم تلك نقول تنعكس كنفسها والضروريتان الوقتيتان أمرهما في الانعكاس في الإثبات وفي النفي على نحو أخواتهما في الضرورة. وأما الممكنات فليس يجب لها في النفي عند المتأخرين عكس لما رأوا أن الشيء قد يصح نفيه عن آخر بالإطلاق ولا يصح نفي ذلك الآخر عن ذلك الشيء بالإطلاق مثل نفي الضاحك عن الإنسان في قولك بالإطلاق لا إنسان بضاحك فإنه يصدق ولا يصح نفي الإنسان عن الضاحك بالإطلاق مثل لا ضاحك بإنسان فإنه يكذب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 عندهم على ما سبق، وأما في الإثبات فيجب لها عندهم عكس لكن لاحتمال عندهم أن يكون الثبوت بين الشيئين بالإمكان من جانب مثل الجسم متحرك بالإمكان وبالضرورة من جانب آخر مثل المتحرك جسم بالضرورة لا يجعل عكسها ممكنا خاصا بل يجعل عاما ليشمل نوعي الثبوت وإذا صدق الإمكان المطلق ولابد عندهم من أن يكون عاما لأن الأصل وهو بالإمكان كل إنسان صادق أو بعض الناس صادق بأي إمكان شئت يلزم أن يكون عكسه وهو بعض الصادقين إنسان بالإمكان العام وإلا لزم أنه ليس بممكن أن يكون صادق واحد إنسانا ويلزم بالضرورة لا إنسان بصادق، وقد كان كل إنسان صادق أو بعض الناس صادق وهذا خلف وأن جميع ذلك كما ترى على المتعارف العامي، وقد عرفت ما عندنا فيه، ولما تقدم أن العكس يلزم فيه رعاية النفي والإثبات لا يستعملون لفظ العكس حيث لا مراعي ذلك فلا يقولون في مثل بالإمكان الخاص يمكن أن لا يكون كل إنسان كاتبا عكسه بعض الكاتبين إنسان بالإمكان العام كما يقولون في مثل بالإمكان الخاص يمكن أن يكون كل إنسان كاتبا عكسه بعض الكاتبين إنسان بالإمكان العام وقد ظهر أن تفاوت الحمل في العكس إذا وقع لا يقع في الكم وذلك في المثبتة الكلية فحسب. القسم الثاني في عكس النقيض وهو عند الأصحاب في النوع الخبري أعني غير الشرط عبارة عن جعل نقيض الخبر مبتدأ ونقيض المبتدأ خبرا مثل أن تقول في قولك كل إنسان حيوان كل لا حيوان إنسان، وفي قولك بعض الناس كاتب بعض ما ليس بكاتب بإنسان، وفي قولك لا إنسان بفرس بعض ما ليس بفرس ليس هو إنسان وحاصله عندي يرجع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 على نفي الملزوم بنفي لازمه في عكس المثبت وعلى إثبات اللازم بثبوت ملزومه في عكس المنفي فتأمل واستعن فيه إن شئت بما قدمت لك في فصل ترجيح الكناية على الإفصاح بالذكر من كيفية الانتقال من اللازم على الملزوم ولا نشترط ههنا ما شرطنا في عكس النظير من أن لا يخالف الأصل واٌثبات أو النفي ولنبتدئ بعكس ونقيض المطلقة العامة في المشهور أن لها عكس نقيض من جنسها وأن ذلك يتبين بالخلف فيقال إذا صدق كل مؤمن صادق صدق كل من ليس بصادق ليس بمؤمن أي بعض من ليس بصادق مؤمن فينعكس بعض المؤمنين ليس بصادق وقد كان كل مؤمن صادق هذا خلف لكن حيث عرفت أن لا تناقض بين المطلقتين لم يخف عليك أن لا خلف ولكن إذا بين بالمقدمة المذكورة صح ويظهر لك من هذا أنك إذا اعتبرت الدوام في أحد الجانبين أمكنك بيان عكس النقيض بالخلف فمتى صدق كل مؤمن صادق صدق لا محالة كل صادق صدق لا محالة كل صادق دائما لا مؤمن بصفة الدوام وإنما قلنا بصفة الدوام لأنه إن صح ولو في وقت واحد لزم خلف وحاصله عندي هو أن اللازم متى انتفى على الدوام انتفى الملزوم على الدوام. وأما الضرورية المطلقة فهي تنعكس كنفسها لأن اللازم بالضرورة متى انتفى انتفى بالضرورة الملزوم ويندرج في ذلك سائر الضروريات. وأما الممكنات فمتى جعلت الإمكان جزءا من الخبر انعكست لأنها حينئذ تلتحق بالضرورية لكون الإمكان لكل ممكن ضروريا له وحيث كشفت لك القناع ونبهتك على ذلك بما أوردت عرفت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 أن التعرض للزيادة على المذكور تكرار محض والتكرار وظيفة المستفيد لا المفيد، وإذا قد تلونا عليك في فصلي التناقض والانعكاس ما تلونا لم يخف عليك إذا استحضرت مضمونهما أن سابقة الدليل ولاحقته متى جعلتا مطلقتين امتنع أن تدل اللهم إلا في باب الإمكان، وأنهما إذا اختلفتا في الأحوال من الدوام واللادوام والضرورة واللاضرورة وامتزجتا في الدليل لزم اختلاف حال الحاصل منه فوجب أن ننبهك في عدة امتزاجات على كيفية تعرض الاعتبارات لحال الحاصل، ثم نشرع بعد الفصلين المودعين في تركيب الدليل من شرطتين معا وشرطية إحداهما دون الأخرى لكن الكلام في ذلك يستدعي مزيد ضبط لما تقدم فنقول: إن الدليل في الصورة الأولى في ضرورياتها الأربعة مستبد بالنفس لا يحتاج على موضح لكمال اتضاحه لرجوعه في الإثبات على أن لازم لازم الشيء لازم لذلك بواسطة، وفي النفي على أن معاند لازم الشيء معاند لذلك الشيء بواسطة، وأما في الثانية والثالثة والرابعة فمتى افتقر على معونة في الإيضاح أوضحناه، إما بما قدمنا ذكره في تلخيص الخلاصة وإما بما عليه الأصحاب من الرد على الأولى تارة بوساطة العكس وأخرى بوساطة الافتراض وهو تقدير البعض كلا لأفراده على ما سبق وثالثة بهما، وأما بالخلف، أما الرد فكما إذا كان الدليل من الضرب الأول من الثانية مثل كل منصرف معرب ولا شيء من المبني بمعرب فلا شيء من المنصرف بمبني فتنعكس اللاحقة فيرتد على الضرب الثالث من الأولى ويحصل الحاصل بعينه وهذا العمل يعرف بذي عكس واحد العكس يجري في ضمن الدليل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 وأما الخلف فمثل أن تقول إن لم يصدق لا شيء من المنصرف بمبنى صدق نقيضه وهو بعض المنصرف مبني وتضم إليه اللاحقة فيتركب دليل من الضرب الرابع من الأول هكذا بعض المنصرف مبني ولا شيء من المبنيات بمعرب فيحصل لا كل منصرف معرب، وقد كان كل منصرف معرب وذلك أن تعكس النقيض فتقول بعض المبني منصرف وتضم إليه السابقة لاحقة فيتركب دليل من الضرب الثاني من الأول هكذا بعض المبني منصرف، وكل منصرف معرب فيحصل بعض المبنيات معرب وقد كان لا شيء من المبني بمعرب أو كما إذا كان الدليل من الضرب الثاني من الثانية مثل لا شيء من المبنيات بمعرب وكل منصرف معرب فلا شيء من المبنيات بمنصرف فتعكس السابقة ثم تصير لاحقة فيتركب دليل من الضرب الثالث من الأول هكذا كل منصرف معرب ولا شيء من المعربات بمبني فيحصل لا شيء من المنصرف بمبني، ثم تعكس الحاصل فيحصل لا شيء من المبنيات بمنصرف ويعرف هذا العمل بذي العكسين بعكس يجري في ضمن الدليل وعكس يجري في الحاصل منه وإن شئت الخلف بالطريقين. قلت فإن كذب لا شيء من المبنيات بمنصرف صدق نقيضه وهو بعض المبنيات منصرف وعندنا كل منصرف معرب فيحصل منهما بعض المبنيات بمعرب فيحصل بعض المنصرف ليس بمعرب وقد كان كل منصرف معرب، وأما الافتراض فكما إذا كان الدليل من الضرب الرابع من الثانية مثل بعض الكلم ليس بمعرب وكل منصرف معرب فبعض الكلم ليس بمنصرف فتفرض البعض المبني من الكلم نوعا وقدره الغايات واجعله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 كلا فقل لا شيء من الغايات بمعرب ثم اعمل ذي العكسين فقل كل منصرف معرب ولا شيء من المعرب بغاية يحصل لا شيء من المنصرفات بغاية، ثم اعكس الحاصل يحصل لا شيء من الغايات بمنصرف وهو عين معنى بعض الكلم ليس بمنصرف وإنما يصار على الافتراض لامتناع اللاحق في الصورة الأولى بعضية على ما عرفت، وأما الخلف فهو إن كذب لا شيء من الغايات بمنصرف صدق بعض الغايات منصرف ويضم إليه وكل منصرف معرب فيحصل بعض الغايات معرب وقد كان لا شيء من الغايات بمعرب، ولك أن توجه الخلف بالطريق العكسي على ما تقرر وهو أن تعكس النقيض فنقول بعض المنصرف غاية وعندنا لا شيء من الغايات بمعرب فيحصل منه بعض المنصرف ليس بمعرب وقد كان كل منصرف معرب أو كما إذا كان الدليل من الضرب الأول من الثالثة مثل كل حرف كلمة وكل حرف مبني فبعض الكلم مبني فتعكس السابقة ويرتد الدليل على الضرب الثاني من الأول أو تسلك الخلف قائلا إن لم يصدق بعض الكلم مبني صدق لا شيء من الكلم بمبني وقد كان معنا كل حرف كلمة ولا شيء من الكلم بمبني فيحصل لا شيء من الحروف بمبني وقد كان كل حرف مبني أو تسلكه بالطريق العكسي، وكما إذا كان الدليل من الضرب الثالث من الثالثة مثل كل اسم كلمة أو بعض الأسماء معرب فبعض الكلم معرب فتعكس اللاحقة وتجعلها سابقة فتقول بعض المعربات اسم وكل اسم كلمة فبعض المعربات كلمة، ثم تعكس الحاصل فيحصل بعض الكلم معرب أو تسلك الخلف فتقول وإلا فلا شيء من الكلم بمعرب وتضم إليه سابقة الدليل سابقة فيحصل من ذلك لا شيء من الأسماء بمعرب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 وعندنا بعض الأسماء معرب أو تقول بعض العكس لنقيض الحاصل فلا معرب بكلمة وتضم إليه لاحقة الدليل سابقة فيحصل من ذلك بعض الأسماء ليس بكلمة وعندنا كل اسم كلمة، أو كما إذا كان من الضرب الخامس من الثالثة مثل بعض الأفعال وارد على خمسة أحرف ولا شيء من الأفعال بخماسي فلا كل وارد على خمسة أحرف خماسي فترد على الرابع من الأولى بعكس السابقة مثل بعض الوارد على خمسة أحرف فعل ولا شيء من الأفعال بخماسي فلا وارد على خمسة أحرف خماسي أو على الثالث من الأولى بالعكس مع الافتراض مثل كل وارد على بناء تفوعل فعل وإلا شيء من الأفعال بحماسي فلا شيء من الوارد على تفوعل خماسي وهو عين معنى فلا كل وارد على خمسة أحرف خماسي أو تبين الخلف بطريقيه مثل أن لم يصدق لا كل وارد على خمسة أحرف خماسي صدق كل وارد على خمسة أحرف خماسي، وعندنا بعض الأفعال وارد على خمسة أحرف فتجعل سابقة ويتركب الدليل هكذا بعض الأفعال وارد على خمسة أحرف وكل وارد على خمسة أحرف خماسي فيحصل بعض الأفعال خماسي وقد كان لا شيء من الأفعال بخماسي والطريق الآخر معلوم أو كما كان الدليل من الضرب الأول من الرابعة مثل كل اسم كلمة وكل موصول اسم فبعض الكلام موصول فتجعل السابقة لاحقة فتقول: كل موصول اسم وكل اسم كلمة فيحصل كل موصول كلمة، ثم تعكس الحاصل فيحصل بعض الكلام موصول وإن شئت الخلف قلت وإلا فلا شيء من الكلم موصول وتجعله لاحقة لسابقة الدليل المتقدم فتقول: كل اسم كلمة ولا شيء من الكلم بموصول فيحصل لا شيء من الأسماء بموصول، وعندنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 بحكم العكس لسابقة الدليل المتقدم بعض الأسماء موصول فالخلف لازم، وكذا إذا كان من ضربها الخامس مثل لا شيء من الكلم بمهمل وكل فعل كلمة فلا شيء من المهمل بفعل تقول: كل فعل كلمة ولا شيء من الكلم بمهمل فلا شيء من الأفعال بمهمل فلا شيء من المهمل بفعل وخلفه أن تقول وإلا فبعض المهمل فعل وتجعله سابقة لقولك: كل فعل كلمة فتقول بعض المهملات فعل وكل فعل كلمة فبعض المهملات كلمة، وعندنا بحكم العكس لسابقة الدليل المتقدم لا شيء من المهملات بكلمة هذا خلف، وكذا إذا كان من ضربها الثاني مثل كل اسم دال على معنى وبعض الألفاظ اسم فبعض الدال على المعنى لفظ تقول بعض الألفاظ اسم وكل اسم دال على معنى فيحصل بعض الألفاظ دال على معنى ثم تعكس الحاصل فيحصل بعض الدال على المعنى لفظ وخلفه على ما عرفناك تقول وإلا فلا شيء من الدال على المعنى بلفظ وتجعله لاحقة لقولك كل اسم دال على المعنى فيحصل لا شيء من الأسماء بلفظ ثم تقول، وعندنا بحكم العكس للاحقة أصل الدليل بعض الأسماء لفظ ويلزم الخلف، وكذا إذا كان من ضربها الثالث مثل كل منصرف معرب ولا شيء من الأفعال بمنصرف فلا كل معرب فعل تعكس الجملتين وأنه من قبيل ذي عكس واحد لبقاء السابقة سابقة واللاحقة لاحقة فتقول بعض المعرب منصرف لا شيء من المنصرف بفعل فيحصل لا كل معرب فعل وقد عرفناك الطرق فاسلكها بنفسك ومتى أتقنت ما ذكر أمكنك تحصيل المطالب بطرق معلومة مضبوطة الأسماء وقد انضم على ذلك ما اخترنا نحن في عكوس الجمل من بقاء جهاتها محفوظة على ما سبق تقرير ذلك ونحن نسوق الكلام على الآخر على أقرب الوجوه في الضبط أمكن ولكن في البين واقع يورث تشويشا فلابد من تداركه وهو أن بين المتقدمين والمتأخرين في الامتزاجات تفاوتا في الحكم يقدح في ضبط الكلام في مواضع ويشوش الأمر على المتعاطين فالرأي أن نطلعك على السبب في وقوع التفاوت ثم نصرح لك بما نحن فاعلوه هناك من اختيار الأقرب على الضبط والعمل بالأليق. ض الألفاظ اسم فبعض الدال على المعنى لفظ تقول بعض الألفاظ اسم وكل اسم دال على معنى فيحصل بعض الألفاظ دال على معنى ثم تعكس الحاصل فيحصل بعض الدال على المعنى لفظ وخلفه على ما عرفناك تقول وإلا فلا شيء من الدال على المعنى بلفظ وتجعله لاحقة لقولك كل اسم دال على المعنى فيحصل لا شيء من الأسماء بلفظ ثم تقول، وعندنا بحكم العكس للاحقة أصل الدليل بعض الأسماء لفظ ويلزم الخلف، وكذا إذا كان من ضربها الثالث مثل كل منصرف معرب ولا شيء من الأفعال بمنصرف فلا كل معرب فعل تعكس الجملتين وأنه من قبيل ذي عكس واحد لبقاء السابقة سابقة واللاحقة لاحقة فتقول بعض المعرب منصرف لا شيء من المنصرف بفعل فيحصل لا كل معرب فعل وقد عرفناك الطرق فاسلكها بنفسك ومتى أتقنت ما ذكر أمكنك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 تحصيل المطالب بطرق معلومة مضبوطة الأسماء وقد انضم على ذلك ما اخترنا نحن في عكوس الجمل من بقاء جهاتها محفوظة على ما سبق تقرير ذلك ونحن نسوق الكلام على الآخر على أقرب الوجوه في الضبط أمكن ولكن في البين واقع يورث تشويشا فلابد من تداركه وهو أن بين المتقدمين والمتأخرين في الامتزاجات تفاوتا في الحكم يقدح في ضبط الكلام في مواضع ويشوش الأمر على المتعاطين فالرأي أن نطلعك على السبب في وقوع التفاوت ثم نصرح لك بما نحن فاعلوه هناك من اختيار الأقرب على الضبط والعمل بالأليق. اعلم أن التفاوت بين رأي المتقدمين ورأي المتأخرين حيث وقع وقع، لأن المتقدمين لأجل تطلب الضبط اختاروا في الحاصل من الدليل أقل ما يلزم منه أعني أعم الاحتمالين ولعمري ما فاتهم فائت، ولقد حصلوا على قانون مضبوط وهو جعل الحاصل تابعا لأعم جملتي الاستدلال إلا فيما كان اللازم من الدليل في الظهور مساويا لأقل ما يلزم منه وما ركبوا في اختيارهم لما اختاروه نوع بدعة كيف وإن مبنى الدليل كما عرفت على استفادة اليقين منه والتشبث بأقل ما يلزم في باب اكتساب اليقين مما له قدم صدق في ذلك، وأما المتأخرون فقد بنوا رأيهم على ما يلزم من الدليل ألبتة من غير محاباة وغير التفات على مطلوب آخر في البين، ونحن على أن نوفق بين الرأيين فنأخذ أقل ما يلزم من الدليل ابتداء، ثم ننظر في الزيادة المحتملة إن وجدناها لازمة أخذناها أجزاء. وهذا حين أن نشرع في الامتزاجات ذاكرين منها عدة أمثلة ليستعان بها فيما سواها. أما الصورة الأولى فإذا ركبت الدليل فيها من سابقة دائمة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 486 ولاحقة مطلقة عامة مثل ما إذا قلت كل إنسان مادام موجود الذات ضحاك أي له قوة الضحك وكل ضحاك ضاحك بالفعل بالإطلاق، كان الحاصل مطلقا بالاتفاق وهو كل إنسان ضاحك بالفعل وإذا قلبت فجعلت السابقة مطلقة عامة واللاحقة دائمة مثل ما إذا قلت كل إنسان ضاحك بالفعل بالإطلاق، وكل ضاحك بالفعل مادام موجود الذات ضحاك أطلقنا الحاصل ابتداء، ثم ننظر فنرى في اللاحقة الخبر لكونه مقيدا بدوام وجود الذات راجعا على تقييد ذات وجود الموصوف بالدوام دام له الوصف أو لم يدم فننقل الحاصل عن الإطلاق على الدوام أجزاء ونقول اللازم إنسان مادام موجود الذات ضحاك وكلما عرفت هذا في الدائمة يجب أن تعرفه في الضرورية المطلقة بأن تجعل الحاصل مطلقا إذا ركبت الدليل من سابقة ضرورية مطلقة ولاحقة عامة مطلقة مثل قولك الله عز اسمه حي بالضرورة وكل حي مدرك للمدرك بالإطلاق فالله عز اسمه مدرك للمدرك بالإطلاق وإذا قلبت فقلت مثلا الإنسان ضاحك بالفعل بالإطلاق والضاحك بالفعل ضحاك بالضرورة حصل الإطلاق أولا والضرورة ثانيا بالطريق المذكور وإذا ركبته فيها من سابقة ضرورية مطلقة ولاحقة عرفية مثل ما إذا قلت كل جسم بالضرورة متحيز وكل متحيز مادام متحيزا كائن في جهة فلكون اللازم منه وهو الضرورة في الحاصل مساويا في الظهور لأقل ما يلزم وهو الدوام جعلنا الحاصل ضروريا من غير تدريج ويمتنع تركيبه فيها من السابقة الضرورية المطلقة واللاحقة العرفية الخاصة لامتناع اجتماعهما في الصدق فتأمل، وإنما أوصيك لتحريك بعض الأصحاب قلمه هنا بنوع من الاعتراض، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 487 وكذا يمتنع تركيبه فيها من سابقة دائمة ولاحقة عرفية خاصة لمثل ذلك وإذا ركبته فيها من سابقة ممكنة ولاحقة ضرورية مثل ما إذا قلت كل إنسان متحرك بالإمكان وكل متحرك جسم بالضرورة حكمنا بالتدريج قائلين ابتداء كل إنسان جسم بالإمكان ثم بالضرورة ثانيا وإذا ركبته فيها من سابقة مطلقة ولاحقة ممكنة عامة أو بالقلب وهو من سابقة ممكنة عامة ولاحقة مطلقة فقلت كل عاقل مفكر بالإطلاق وكل مفكر واصل على الحق بالإمكان العام أو قلت كل مسيء نادم بالإمكان العام وكل نادم تائب بالإطلاق كان الحاصل أعم الاحتمالين وهو الإمكان العام لاحتمال الإطلاق الضرورية، وأما الصورة الثانية فحال الامتزاجات فيها على رأينا في بقاء الجهات محفوظة في العكس على نحو حالها في الصورة الأولى من غير تفاوت لارتدادها إليها بوساطة عكس اللاحقة في ضربيها الأول والثالث من غير زيادة عمل وبواسطة عكس السابقة وجعلها لاحقة ثم عكس الحاصل في ضربها الثاني بوساطة الافتراض والعكس في السابقة وجعلها لاحقة ثم عكس الحاصل في ضربها الرابع وحين عرفت أن هذه الصورة لا تصلح إلا للنفي وقد نبهت على أن النفي إما أن يكون نفيا للإثبات كالضرورة، وكالدوام أو نفيا لخصوصية في النفي لمثل ذلك عرفت لا محالة أن تركيب الدليل فيها من منفيتين معا أو من مثبتين معاً إذا اختلفتا في الخصوصية لم يكن ممتنعا والصورة الثالثة أيضا لارتدادها على الأولى بعكس السابقة في ضروبها الأربعة الأول والثاني والرابع والخامس وبالافتراض في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 488 اللاحقة في ضربها الثالث أو عمل العكسين وبالافتراض في اللاحقة لا غير في ضربها. السادس واعمل في الصورة الرابعة في ردها على الأولى بالطرق التي علمت فإنا ما اجتهدنا في حفظ الجهات في باب العكس إلا لهذا المقام والمتأخرون ما وقعوا في التطويلات وتدوينهم لما دونوا من الأسفار إلا لعدولهم في العكس عن حفظ الجهة، وأول حامل حملهم فيما أرى على العدول عنه المتعارف العامي، ثم سائر ما حكينا عنهم في مواضع، وأن هذا النوع نوع متى اضطرب شيء منه استتبع اضطراب أشياء فاعلم. وحاصل الأمر أنك حين عرفت أن العكس حافظ للجهة، وأن الحاصل من الصور الثلاث الثانية، والثالثة، والرابعة يمكن تحصيله منهن على نحو تحصيله من الأولى من غير تفاوت بالطرق المذكورة وهي الافتراض والعكس والعكسان فمتى أتقنت حال الامتزاجات في الصورة الأولى أغناك ذلك فيما عداها بسلوك الطرق المعلومة عن استئناف تأمل في الحاصل من امتزاجاتهن، وليكن هذا آخر كلامنا في هذا الفصل. علمت فإنا ما اجتهدنا في حفظ الجهات في باب العكس إلا لهذا المقام والمتأخرون ما وقعوا في التطويلات وتدوينهم لما دونوا من الأسفار إلا لعدولهم في العكس عن حفظ الجهة، وأول حامل حملهم فيما أرى على العدول عنه المتعارف العامي، ثم سائر ما حكينا عنهم في مواضع، وأن هذا النوع نوع متى اضطرب شيء منه استتبع اضطراب أشياء فاعلم. وحاصل الأمر أنك حين عرفت أن العكس حافظ للجهة، وأن الحاصل من الصور الثلاث الثانية، والثالثة، والرابعة يمكن تحصيله منهن على نحو تحصيله من الأولى من غير تفاوت بالطرق المذكورة وهي الافتراض والعكس والعكسان فمتى أتقنت حال الامتزاجات في الصورة الأولى أغناك ذلك فيما عداها بسلوك الطرق المعلومة عن استئناف تأمل في الحاصل من امتزاجاتهن، وليكن هذا آخر كلامنا في هذا الفصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 489 الفصل الثاني في الاستدلال الذي جملتاه شرطيتان إنك بعد أن وقفت على خواص تركيب الاستدلالات في الفصل السابق مع أصولها المحتاج إليها وفروعها اللائقة بها لا نراك تفتقر في هذا الفصل إلا مجرد الوقوف على الأحوال في الشرط من الإثبات والنفي والتقييد بالكل والبعض والإهمال ومن التناقض والانعكاس فحري بنا إن نوفقك على ذلك فنقول وبالله التوفيق: أما الشرط فقد وقفت على كلماته في علم النحو وعلى تحقيقه في علم المعني فلا نعيد ذلك ولكن الأصحاب ألحقوا بكلمات الشرط كلما وإن كانت أصول النحو تأبى ذلك لما تقرر أن كلمات الشرط حقها أن تجزم، وليس هو من الجزم في شيء، وإنما هو كل الشمول قد دخل على ما المصدرية المؤدية معنى الظرف على نحو أتيتك مقدم الحاج وانتصب في قولك كلما أكرمتني أكرمتك لإضافته على الظرف مفيدا معنى كل وقت إكرامك إياي أكرمك، واصطلحوا في كلمة الترديد، وهي إما على تسميتها كلمة شرط، وليس من الشرط في شيء وإنما حاصله ترديد المبتدأ قبل دخول العوامل وبعده بين خبرين أو أكثر كقولك زيد إما قائم وإما قاعد وإما وإما وإن إما قائم وإما قاعد وكائن زيد إما قائما وإما قاعدا وأظن إما قائما وإما قاعدا، وكقولك زيد إما أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 490 يكون قائما وإما أن يكون قاعدا، إذ أصل الكلام بوساطة أصول النحو وعلم المعاني حال زيد إما كونه قائما وإما كونه قاعدا: أي حاله إما القيام وإما القعود وكقولك إما أن يكون زيد قائما وإما أن يكون قاعدا، إذ أصل الكلام الواقع إما زيد قائما وإما كونه قاعدا: أي الواقع إما قيام زيد وإما قعوده أو ترديد الخبر بين المخبر عنهما أو أكثر كقولك جاءني إما فلان وإما فلان. وجعلواً الشرط قسمين شرط انفصال، وهو ما أدى بإما على نحو هذا الاسم إما أن يكون معربا، وإما أن يكون مبنيا. وشرط اتصال، وهو ما عداه، والأصحاب حين سبقونا على التعرض لهذا الجزء من علم المعاني أعني علم الاستدلال ونراهم ما آلوا فيه جهدا آثرنا أن نتبعهم في ذلك مسامحين قضاء لحق الفضل لهم: فلو قبل مبكاها بكيت صبابة ... بسعدى شفيت النفس قبل التندم ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا ... بكاها فقلت الفضل للمتقدم اعلم أن الإثبات في الشرط هو كون الاتصال والانفصال قائما فالاتصال كقولك إن أكرمتني أكرمتك وإن لم تهني لم أهنك وإن أكرمتني لم أهنك وإن لم تهني أكرمتك، والانفصال كقولك إما أن يقوم زيد وإما أن يقوم عمرو وإما أن لا يقوم زيد وإما أن لا يقوم عمرو أو إما أن يقوم زيد وإما أن لا يقوم عمرو وإما أن لا يقوم زيد وما أن يقوم عمرو. وأما النفي فيه فهو سلب الاتصال أو الانفصال كقولك ليس إن أكرمتني أهنك أو ليس إما أن يقوم زيد وإما أن يقوم عمرو، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 491 والإثبات الكلي في الشرط وهو عموم الاتصال كقولنا: كلما أكرمتني أكرمتك أو دائما إن أكرمتني أكرمتك، أو عموم الانفصال كقولك دائما إما أن يكون زيد كاتبا وإما أن يكون قارئا، والنفي الكلي فيهما هو عموم الاتصال أو الانفصال على وجه يسد الطريق على تحققهما كقولك ليس ألبتة إذا أساء زيد عفوت عنه وليس ألبتة إما أن تأتيني وإما أن آتيك، والإثبات البعضي فيهما بخلاف الكلي كقولك: قد يكون إذا جاء زيد جاء عمرو وقد يكون زيد إما كاتبا وإما قارئا، والنفي البعضي ليس كلما وليس دائما، والإهمال هو إطلاق الحكم بالاتصال أو الانفصال من غير تعرض للزيادة كقولك إن قام زيد قام عمرو وإما أن يقوم زيد وإما أن يقوم عمرو وليس إذا كان كذا كان كذا، وليس إما أن يكون كذا وإما أن يكون كذا وأما أمر التناقض فيه فعلى نحو ما سبق يوضع في مقابلة كلما كان ليس كلما كان وفي مقابلة دائما إما وإما ليس دائما أما وإما وفي مقابلة ليس ألبتة في المتصل وفي المنفصل قد يكون. وأما العكس فله في الشرط المتصل وجه، وهو جعل الجزاء شرطا والشرط جزاء دون المنفصل وحكم العكس على ما سبق المثبت الكلي أو البعضي مثبت بعضي والمنفي الكلي منفي كلي. واعلم أن تركيب الشرط يتفاوت فتارة يكون من خبريتين نحو متى كانت الكلمة استعارة كانت مجازا مخصوصا، وتارة من خبرية وشرطية إما متصلة نحو إن أريد بالكلمة الحقيقة فمتى استعملت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 492 لم تحتج على قرينة، وإما منفصلة نحو إن أريد بالكلمة الحقيقة، فأما أن تكون حقيقة بالتصريح، وإما أن تكون كناية، وتارة من شرطية متصلة وخبرية، نحو: إن كان متى كانت الاستعارة على سبيل الكناية لزمتها استعارة تخييلية كان بين هاتين الاستعارتين مزيد تعلق، وتارة من شرطية منفصلة وخبرية نحو: إما أن تكون هذه الكلمة: إما استعارة أصلية أو استعارة تبعية، وإما أن لا تكون استعارة أصلا، وتارة من شرطيتين متصلتين نحو: إن كان متى كانت الكلمة مجازا كانت مسبوقة بحقيقة لم تكن مجازا أو منفصلتين نحو: إما أن يكون هذا المستعمل: إما حقيقة بالتصريح، وإما كناية، وإما أن يكون إما مجازا مرسلا، وإما استعارة، وتارة تكون من متصلة ومنفصلة نحو: إن كان كلما كانت الكلمة مستعملة في معناها فهي حقيقة، فإما أن تكون الكلمة حقيقة، وإما أن لا تكون مستعملة في معناها، وتارة من منفصلة ومتصلة نحو إما أن تكون أن الاستعارة إما أن تكون لغوية، وإما أن تكون عقلية، وإما أن تكون متى كانت الاستعارة لم تكن إلا لغوية، وإما أن تكون عقلية، وإما أن تكون متى كانت الاستعارة لم تكن إلا لغوية، وتارة تكون من شرطيات نحو إن كان الناطق لازما مساويا للإنسان صح إن كان متى كان كلما كان هذا إنسانا فهو ناطق كان كلما كان ناطقا فهو إنسان فيكون متى كان كلما لم يكن أن يكون إنسانا لم يكن أن يكون ناطقا كان كلما لم يكن أن يكون ناطقا لم يكن أن يكون إنسانا فهذه عشرون جملة خبرية صارت جملة واحدة شرطية. واعلم أن الاتصال يسمى حقيقيا متى كان بحيث يلزم من تحقق الشرط تحقق الجزاء نحو إن كانت اللفظية موضوعة للمعنى فهي كلمة وإن كان كلمة فهي موضوعة للمعنى فهي وإن كانت كلمة فهي موضوعة للمعنى أو إن كانت اسما فهي كلمة أو إن لم تكن اسما ويسمى غير حقيقي متى لم تكن كذلك كما إذا قلت: إن كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 493 الاسم علما فهو مرتجل كحمدان وعمراً ن وغطفان، وإن كان العلم مرتجلا فهو غير قياسي كموظب ومكوزة ومحبب وحياة. وأما الانفصال، فالحقيقي: هو ما يراد به المنع عن الجمع وعن الخلوّ معا كقولك كل اسم فإما أن يكون معربا وإما أن يكون مبنيا فلا شيء من الأسماء يجمع عليه الإعراب والبناء معا أو يسلبان عنه معا. وغير حقيقي: هو ما يراد به المنع عن الجمع فحسب كقولك لمن يقول في ضمير إنه منفصل مجرور: الضمير إما أن يكون منفصلا، وإما أن يكون مجرورا تريد أن الانفصال والانجرار لا يجتمعان للضمير لا أنهما لا يرتفعان عنه، كيف والمتصل المرفوع أو المنصوب في البين، أو ما يراد به المنع عن الخلو كقولك لهذا القائل الضمير إما أن لا يكون منفصلا وإما أن لا يكون مجرورا تريد أنه لا يخلو عنهما معا، أعني عدم كونه منفصلا، وعدم كونه مجرورا لأنه بتقدير خلوه عن عدمهما معا يستلزم اتصافه بوجودهما معا لامتناع الواسطة بين وجود الشيء وعدمه فيكون منفصلا مجرورا معا، ثم في كلام العرب تراكيب للحمل في غير الشرط، إذا تأملتها وجدتها تنوب مناب الشرطيات كقولك: لا يتوب المؤمن عن الخطيئة ويدخل النار ينوب بواو الصرف هذا عن الشرطي المتصل مناب إن تاب المؤمن عن الخطيئة لم يدخل، ومن المنفصل مناب إما أن لا يتوب وإما أن يدخل النار، وكقولك لا أخليك أو تؤدي إلي الحق بالنصب ينوب هذا عن الشرطي المتصل مناب إن لم أخلك أديت إلي الحق، ومن المنفصل مناب إما أن لا تكون تخلية وإما أن يكون أداء وكقولك إن شئت ليس يتوب المؤمن عن الخطيئة إلا ويدخل الجنة وفي أمثال هذه التراكيب كثرة، فمن أحب الاطلاع عليها فليخدم علم النحو وما سبق من علم المعاني، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 494 والقانون في الشرطيات المتصلة أن تنزل الشرط منزلة المبتدأ والجزاء منزلة الخبر ثم تركيب الدليل منها على نحو ما سبق من الصور الأربع مراعيا للشروط المذكورة المصيرة للضروب الستة عشر في كل من الأربع على ما عرفت من الأربعة والأربعة والستة والخمسة. وأما الشرطيات المنفصلة فليست إلا خبريات على ما عرفناك من الأصل في إما لا فرق إلا أن في الخبريات في النفي أو الإثبات تعين الخبر للمبتدأ والمنفصلة لا تعينه وإنما تجعله أحد ما تعدد إما فتركب الدليل منها على نحو تركيبه من الخبريات، ووضع الدليل: إما أن يكون من شرطيتين متصلتين أو منفصلتين، أو من سابقة متصلة ولاحقة منفصلة أو بالعكس فهذه أقسام أربعة، ونحن نورد من كل واحد منها مثالا في كل واحدة من الصور في ضرب واحد ليقاس عليه سائر الضروب، نقول في الأولى من القسم الأول كلما كانت الكلمة مستعملة في معناها كانت حقيقة بالتصريح، وكلما كانت حقيقة بالتصريح كانت في الاستعمال مستغنية عن قرينة فيحصل كلما كانت مستعملة في معناها كانت في الاستعمال مستغنية عن قرينة. ومن القسم الثاني دائما كل مزيد: إما أن يكون م للإلحاق، وإما أن يكون م لغير الإلحاق، ودائما كل مزيد للإلحاق: إما أن يكون ملحقا بالرباعي، وإما أن يكون ملحقا بالخماسي، ودائما كل مزيد لغير الإلحاق: إما أن يكون مزيد ثلاثي وإما مزيد رباعي وإما مزيد خماسي فيحصل دائما كل مزيد: إما ملحق بالرباعي، وإما ملحق بالخماسي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 495 وإما غير ملحق: إما مزيد ثلاثي، وإما مزيد رباعي، وإما مزيد خماسي. ومن القسم الثالث كلما كانت اللفظة دالة على معنى مستقل بنفسه غير مقترن بزمان كانت اسما، ودائما كل اسم إما أن يكون معربا، وإما أن يكون مبنيا فيحصل دائما كل لفظة دالة على معنى مستقل بنفسه غير مقترن بزمان: إما أن تكون معربة، وإما أن تكون مبنية. ومن القسم الرابع دائما إما أن يكون المعرب اسما وإما أن يكون فعلا مضارعا وكلما كان المعرب اسما كان في الإعراب أصلا، وكلما كان مضارعا كان في الإعراب متطفلا فيحصل: إما أن يكون المعرب أصلا في الإعراب. وإما أن يكون متطفلا فيه، ونقول في الثانية من القسم الأول كلما كانت الكلمة كناية مستعملة في معناها ومعنى معناها، وليس البتة إذا كانت الكلمة مجازا ان تكون مستعملة في معناها ومعنى معناها فيحصل ليس البتة إذا كانت كناية أن تكون مجازا. ومن القسم الثاني كل مجاز إما أن يكون لغويا وإما ان يكون عقليا وليس البتة شيء من الألفاظ المهملة إما لغويا وإما عقليا فيحصل دائما لا مجاز بمهمل. ومن القسم الثالث كلما كانت الكلمة حرفا كانت مبنية وليس البتة شيء إما منصرف وإما غير منصرف مبنيا فليس البتة كلمة هي حرف إما منصرفا وإما غير منصرف. ومن القسم الرابع دائما كل فعل إما ماض وإما مضارع وإما أمر، وليس البتة شيء إذا كان حرفا أن يكون ماضيا أو مضارعا أو أمراً فليس البتة فعل بحرف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 496 وفي الثالثة من القسم الأول كلما كانت الكلمة مستعملة في غير معناها كانت مفتقرة على قرينة وكلما كانت الكلمة مستعملة في غير معناها كانت مجازا فيحصل قد يكون إذا كانت الكلمة مفتقرة على قرينة أن تكون مجازا. ومن القسم الثاني دائما كل كلمة إما أن تكون حقيقة وإما ان تكون مجازا وكل كلمة دائما إما أن تكون اسما وإما فعلا وإما حرفا يحصل: إما الحقيقة وإما المجاز قد يكون إما اسما وإما فعلا وإما حرفا. ومن القسم الثالث كلما كانت الكلمة خماسية كانت اسما، والكلمات الخماسية دائما إما على وزن قرطعب وإما على وزن جحمرش وإما على وزن سفرجل وإما على وزن قذعمل. والاسم قد يكون إما على وإما على وإما على وإما على. ومن القسم الرابع دائما كل كلمة ملحقة أما ثلاثية وإما رباعية وكلما كانت الكلمة ملحقة كانت مزيدة فأما الثلاثيات وأما الرباعيات قد تكون مزيدة، وفي الرابعة من القسم الأول كلما كانت الكلمة استعارة كانت مفتقرة على نصب دلالة وكلما كانت الكلمة مستعملة لغير معناها روما للمبالغة في التشبيه كانت استعارة فيحصل قد تكون إذا كانت الكلمة مفتقرة على نصب دلالة أن تكون مستعملة لغير معناها، ومن القسم الثاني دائما كل حقيقة من الكلم إما أن تكون تصريحا وإما أن تكون كناية ودائما أما الكلمة المستعملة في معناها وحده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 497 وإما المستعملة في معناها ومعنى معناها تكون حقيقة فيحصل قد يكون إما التصريح وإما الكناية إما استعمالا للكلمة في معناها وحده وإما في معناها ومعنى معناها. ومن القسم الثالث كلما كان الاسم ممتنعا عن الصرف فهو في ضرورة الشعر يصرف ودائما كلما كان إما جمعا ليس على زنته واحد وإما مؤنثا بالألف فهو ممتنع عن الصرف فيحصل قد يكون ما يصرف في ضرورة الشعر إما أن يكون جمعا ليس على زنة واحد وإما أن يكون مؤنثا بالألف. ومن القسم الرابع دائما كل مبني إما لازم البناء وإما عارض البناء وكلما دخل الاسم في الغايات كان مبنيا فيحصل قد يكون بعض ما بناؤه لازم أو بناؤه عارض داخلا في الغايات. وممتنع عن الصرف فيحصل قد يكون ما يصرف في ضرورة الشعر إما أن يكون جمعا ليس على زنة واحد وإما أن يكون مؤنثا بالألف. ومن القسم الرابع دائما كل مبني إما لازم البناء وإما عارض البناء وكلما دخل الاسم في الغايات كان مبنيا فيحصل قد يكون بعض ما بناؤه لازم أو بناؤه عارض داخلا في الغايات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 498 ال فصل الثالث من تكملة علم المعاني في الاستدلال الذي إحدى جملتيه شرطية والأخرى خبرية تركيب الدليل في هذا الفصل في كل صورة من الصور الأربع لا يزيد على أربعة أقسام: وهي أن تكون السابقة خبرية واللاحقة إما متصلة وإما منفصلة، وأن تكون اللاحقة خبرية والسابقة إما متصلة وإما منفصلة، وقد عرفت جميع ذلك فاعتبر التركيبات بنفسك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 499 وإذ قد نجز الموعود في الفصول الثلاثة من فن الاستدلال فلولا أن للأصحاب فصولا سواها يتكلمون فيها كفصل القياسات المركبة، وفصل القياسات الاستثنائية، وفصل قياس الخلف، وفصل عكس القياس، وفصل قياس الدور وغير ذلك لختمنا الكلام في هذا الفن مؤثرين أن لا ننظمها في سلك الإيراد لرجوعها إما على مجرد إصطلاح وإما على فائدة قلما تخفى على ذي فطنة يتقن ما قد سبق ذكره، ولكنا نقفو أثرهم اعتناء بإيضاح ماتوخوه مع التنبيه على ما هنالك من وجوه الضبط عندنا فنقول: تركيب القياسات عبارة عن تركيب دليل فيه تركيب دليل إما لسابقته وإما للاحقته وإما لكلتيهما وقس على هذا وأنا أذكر مثالا واحداً وهو قولنا في دليل فيه دليل سابقته كل جسم قرين كون في جهة معينة وكل كون حادث فكل جسم قرين حادث وكل قرين حادث حادث فكل جسم حادث وتركيب القياسات عندهم ينقسم على موصول وهو أن يكون الدليل المودع في الدليل قد وصل بذكر سابقته ولاحقته، والحاصل منهما في المثال المذكور. وعلى مفصول وهو أن يكون قد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 500 فصل عنه ذكر الحاصل من جملتيه كما إذا قلت كل جسم قرين كون في جهة معينة وكل كون في جهة معينة حادث وكل قرين حادث حادث وكل جسم حادث ولك أن تجعل الوصل عبارة عن أن يوصل الدليل بالتصريح بجميع ما لابد منه في استلزامه للمطلوب والفصل عبارة عن ترك شيء إذا علم موقعه فنقول في قولك هذا مساو لذلك وذاك مساو لذلك فهذا مساو لذلك إنه مفصول، وفي قولك هذا مساو لذاك وذاك مساو لذلك وكل لمساو لشيء مساو لذلك الشيء فهذا مساو لذلك أنه موصول وأن تقول في قولك إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود وإن كان النهار موحوداً فالأعشى يبصر والشمس طالعة فالأعشى يبصر أنه مفصول وفي قولك والشمس طالعة فالنهار موجود فالأعشى يبصر أنه موصول. والقياس الاستثنائي عبارة عن الاستدلال بثبوت الملزوم على ثبوت لازمه وبنفي اللازم على انتفاء ملزومه دون مقابليهما إلا فيما كان اللازم مساويا لكن ذلك لا يكون عن قوة النظم مثال الاستدلال بثبوت الملزوم على ثبوت اللازم إن كان هذا إنسانا فهو حيوان لكنه انسان فيحصل هو حيوان ومثال الاستدلال بنفي اللازم على انتفاء ملزومه إن كان إنسانا فهو حيوان لكنه ليس بحيوان فيحصل ليس هو بإنسان وهو من الدلالات الواضحة المستلزم تكذيبها الجمع بين النقيضين استلزاما ظاهرا، ولك تنزل الأول منهما منزلة الضرب الثاني من الصورة الأولى لأن قولنا إن كان هذا إنسانا فهو حيوان في قوة كل إنسان حيوان فتجعله لاحقة وتجعل قولك لكنه إنسان وهو في قوة هو إنسان سابقة وتركب الدليل هكذا هو إنسان وكل إنسان حيوان فيحصل هو حيوان وأن تنزل الثاني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 501 منزلة الضرب الرابع من الصورة الثانية ناظما قولك لكنه ليس بحيوان في سلك ليس هو بحيوان مركبا للدليل هكذا هو ليس بحيوان وكل إنسان حيوان محصلا منه ليس هو بإنسان وأما مقابلاهما فلا ينتظمهما على ما سلكنا من الطريق ضرب من ضروب الصور فتأمل. وأما قياس الخلف فقد تكرر عليك غير مرة كونه دليلا مركبا من نقيض الحاصل من الدليل المذكور ومن إحدى جملتيه لبيان بطلان النقيض بوساطة أن الدليل متى صح تركيبه وصدقت جملتاه لزمه الحق واللازم ههنا منتف فيلزم انتفاء الملزوم وإذ لا شبهة في صحة التركيب، وفي صدق إحدى الجملتين فالمتعين للكذب إذن هي الجملة الأخرى وهي النقيض توصلا بذلك كله على إثبات حقية الحاصل من الدليل المذكور سابقا، والخلف إذا نظم في سلك القياسات المركبة نظم لذلك ونسميه قياس الخلف إما لأنه قياس يسوق على حاصل رديء وهو خلاف الحق فالخلف هو الكلام الرديء يقال سكت ألفا ونطق خلفا وإما لأنه قياس كأنه يأتي من وراء من ينكر حاصل الدليل السابق ويترك حمله بنفس الدليل فالخلف هو الوراء أيضا بناء على أن الإنسان متى اتصف بالإنكار لشيء وصف بأنه حول ظهره إليه وكذا إذا ترك العمل به وأبى قبوله قيل نبذه وراء ظهره وعليه قوله علت كلمته " فنبذوه وراء ظهورهم " أي تركوا العمل به وربما جرى على ألسن الدخلاء في هذا الفن بضم الخاء وقد جرت العادة على تسمية خلف الخلف رد الخلف على المستقيم. وخلف الخلف هو أن تركب قياسا من نقيض الحاصل من الخلف، ومن إحدى جملتي الدليل السابق على خلف الخلف وتحصل منه المطلوب الأصلي، وقد أغنت عبارتي خلف الخلف مع كمال إيضاحها لمراد الأصحاب من رد الخلف على المستقيم عن تطويلات تمس الحاجة إليها بدون هذه العبارة، وأما عكس القياس فنظير الخلف من وجه وذلك أنه يؤخذ فيه مقابل حاصل الدليل إما بالتناقض مثل ما إذا كان كل كذا كذا فيوضع موضعه لا كل كذا كذا، وإما بالتضاد مثل ما إذا كان كل كذا كذا فيوضع موضعه لا شيء من كذا كذا ويضم إليه إحدى جملتي الدليل ليحصل مقابلة الجملة الأخرى احتيالا لمنع القياس، وأما قياس الدور فهو أن يأخذ عكس إحدى جملتي الدليل ليحصل مقابلة الجملة الأخرى احتيالا لمنع القياس، وأما قياس الدور فهو أن يأخذ عكس إحدى جملتي الدليل مع الحاصل من الدليل فيركب منهما دليل مثبت للجملة الأخرى، ويصار على هذا في الجدل احتيالا عندما تكون إحدى جملتي الدليل غير بينة فيغير المطلوب عن صورته اللفظية ليتوهم شيئاً آخر ويقرن به عكس الجملة الأخرى من غير تغير الكمية مثل قولنا كل إنسان متفكر وكل متفكر ضحاك فكل إنسان ضحاك، وقولنا كل إنسان ضحاك وكل ضحاك متفكر فكل إنسان متفكر وقولنا كل متفكر إنسان وكل إنسان ضحاك فكل متفكر ضحاك لكن هذا الاحتيال إنما يتمشى إذا كانت الأجزاء متعاكسة متساوية كما في المثال المضروب والذي ضربته من المثال يبين معنى تسميته قياس الدور فانظر. العادة على تسمية خلف الخلف رد الخلف على المستقيم. وخلف الخلف هو أن تركب قياسا من نقيض الحاصل من الخلف، ومن إحدى جملتي الدليل السابق على خلف الخلف وتحصل منه المطلوب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 502 الأصلي، وقد أغنت عبارتي خلف الخلف مع كمال إيضاحها لمراد الأصحاب من رد الخلف على المستقيم عن تطويلات تمس الحاجة إليها بدون هذه العبارة، وأما عكس القياس فنظير الخلف من وجه وذلك أنه يؤخذ فيه مقابل حاصل الدليل إما بالتناقض مثل ما إذا كان كل كذا كذا فيوضع موضعه لا كل كذا كذا، وإما بالتضاد مثل ما إذا كان كل كذا كذا فيوضع موضعه لا شيء من كذا كذا ويضم إليه إحدى جملتي الدليل ليحصل مقابلة الجملة الأخرى احتيالا لمنع القياس، وأما قياس الدور فهو أن يأخذ عكس إحدى جملتي الدليل ليحصل مقابلة الجملة الأخرى احتيالا لمنع القياس، وأما قياس الدور فهو أن يأخذ عكس إحدى جملتي الدليل مع الحاصل من الدليل فيركب منهما دليل مثبت للجملة الأخرى، ويصار على هذا في الجدل احتيالا عندما تكون إحدى جملتي الدليل غير بينة فيغير المطلوب عن صورته اللفظية ليتوهم شيئاً آخر ويقرن به عكس الجملة الأخرى من غير تغير الكمية مثل قولنا كل إنسان متفكر وكل متفكر ضحاك فكل إنسان ضحاك، وقولنا كل إنسان ضحاك وكل ضحاك متفكر فكل إنسان متفكر وقولنا كل متفكر إنسان وكل إنسان ضحاك فكل متفكر ضحاك لكن هذا الاحتيال إنما يتمشى إذا كانت الأجزاء متعاكسة متساوية كما في المثال المضروب والذي ضربته من المثال يبين معنى تسميته قياس الدور فانظر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 503 فصل وإذ قد عثرت على القياسات ومجاريها وأحوالها وأن هنا أمورا شبيهة بالقياس فلا حرج أن نشير إليها إشارة خفيفة. منها التقسيم والسبر، وذلك أن تجعل المبتدأ ملزوم أحد خبرين أو أخبار تحصرها ليتعين واحد من ذلك المجموع عند النفي لما عداه كما تقول زيد إما في الدار أو في المسجد أو في السوق لكنه ليس في السوق ولا في المسجد فإذن هو في الدار وأن هذا النوع متى صح حصره وصدق نفيه أفاد اليقين. ومنها الاستقراء، وهو انتزاع حكم كلي عن جزئيات وأنه إذا تيسرت الإحاطة بجميع الجزئيات حتى لا يشذ عنها واحد أفاد اليقين، ومن للمستقري بذلك؟. ومنها التمثيل، وهو تعدية الحكم عن جزئي على آخر لمشابهة بينهما وأنه أيضا مما لا يفيد اليقين إلا إذا علم بالقطع أن وجه الشبه هو علة الحكم ولكن تسكب فيه العبرات. فصل وهذا أوان أن نثني عنان القلم على تحقيق ما عساك تنتظر منذ افتتحنا الكلام في هذه التكملة أن نحققه أو عل صبرك قد عيل له وهو أن صاحب التشبيه أو الكناية أو الاستعارة كيف يسلك في شأن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 504 متوخاة مسلك صاحب الاستدلال وأنى يعشو أحدهما على نار الآخر والجد وتحقيق المرام مئنة هذا والهزل وتلفيق الكلام مظنة هذا فنقول وبالله الحول والقوة: أليس قد تلى عليك صور الاستدلال أربع لا مزيد عليهن وأن الأولى هي التي تستبد بالنفس وأن ما عداها تستمد منها بالارتداد إليها فقل لي إن كانت التلاوة أفادت شيئاً هل هو غير المصير على ضروب أربعة بل على اثنين محصولهما إذا أنت وفيت النظر على المطلوب حقه إلزام شيء يستلزم شيئاً فيتوصل بذاك على الإثبات أو يعاند شيئاً فيتوصل بذلك على النفي ما أظنك أن صدق الظن يجول في ضميرك حائل سواه ثم إذا كان حاصل الاستدلال عند رفع الحجب هو ما أنت تشاهد بنور البصيرة فوحقك إذا شبهت قائلا خدها وردة تصنع شيئاً سوى أن تلزم الخد ما تعرفه يستلزم الحمرة الصافية فيتوصل بذلك على وصف الخد بها أو هل إذا كنيت قائلا فلان جم الرماد تثبت شيئاً غير أن تثبت لفلان كثرة الرماد المستتبعة للقرى توصلا بذلك على اتصاف فلان بالمضيافية عند سامعك أو هل إذا استعرت قائلا في الحمام أسد تريد أن تبرز من هو في الحمام في معرض من سداه ولحمته شدة البطش وجراءة المقدم مع كمال الهيبة فاعلا ذلك ليتسم فلان بهاتيك السمات أو هل تسلك إذا رمت سلب ما تقدم خدها باذنجانة سوداء أو قلت قدر فلان بيضاء أو قلت في الحمام فراشة مسلكا غير إلزام المعاند بدل المستلزم ليتخذ ذريعة على السلب هنالك أرأيت والحال هذا أن ألقي إليك زمام الحكم أتجدك لا تستحي أن تحكم بغير ما حكمنا نحن أو تهجس في ضميرك أني يعشو صاحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 505 التشبيه أو الكناية أو الاستعارة على نار المستدل ما أبعد التمييز بمجرده أن يسوغ ذلك فضلا أن يسوغه العقل الكامل والله المستعان، هذا وكم ترى المستدل يتفنن فيسلك تارة طريق التصريح فيتمم الدلالة وأخرى طريق الكناية إذا مهر مثل ما تقول للخصم أن صدق ما قلت استلزم كذا واللازم منتف ولا تزيد فتقول وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم فلزم منه كذب قولك، وهل فصل القياسات ووصلها يشم غير هذا، وأما بعد فللمحصلين فيما نحن بصدده أشياء تسلك فيما بينهم فلنورد طرفا منها لمجرد التنبيه على نوعها من ذلك أن تعريف الدليل ممتنع لأن العلم يتركب الدليل إن كان بالضرورة امتنع تعريفه وإن كان بالدليل لزم إما الدور وإما التسلسل وها باطلان ولا شيء سوى الضرورة والاستدلال، فيجاب عنه بأنا لا نعرف تركيب الدليل، وإنما ننبه عليه من له في ظننا استعداد التنبه فإن لم ينتبه محوناه عن دفتر المخاطبين ولا شبهة في تفاوت النفوس لإدراك العلوم، ومن ذلك أن الاكتساب بالدليل ممتنع فإن إفادته للعلم إن كانت بالضرورة لزم منه الاشتراك في العلم، فالدليل اشتراك العلم بما يفيد واللازم كما هو غير خاف منتف فيجاب عن ذلك بأنه تشكيك فيما يعلم كل أحد بالضرورة أن ليس كل علم ضروريا فيعترض عليه بأن تصحيح ذلك في حيز التعارض لكونه مشككا أيضا في إحدى الضرورات المتآلف عنها السؤال. فيجاب عن الاعتراض بأن التعارض، إن كان أورثكم شكا في ضرورات سؤالكم فالاعتراض مقدوح فيه فلا يستحق الجواب، وإن كان لم يورث فهو اعتراف منكم بكون ضرورتنا قائمة فلا حاجة بنا على الجواب، فيقدح في الجواب بأن التعارض إذا أورث الجزء: 1 ¦ الصفحة: 506 تشكيكا لنا أوجب مثله لكم فيصار في دفع القدح على أنه تمسك منكم بالدليل وأنه تناقض، وإنما أخرت هذا ولك أن تقدمه ليقرع سمعك ما قد سبقه، ومن ذلك أن الاكتساب بالدليل إن قيل به لزم في كل من هو عاقل جمال أو حمال أو نظيرهما إذا نظروا أن يحصل لهم من العلوم العقلية ما قد تفرد به الأفراد لكون النظر في نفسه ممكنا وإلا لزم الجبر وكون أجزاء الدليل في ذهن كل أحد لامتناع القول باكتسابها على ما سبق في باب الحد وكون صحة تركيب الدليل وفساده غير مكتسبين تفاديا عن المحذورين الدور والتسلسل وكون الصادر علما مستغنيا عن الاكتساب للتفادي عن المحذورين، ثم إن هذا اللازم معلوم الانتفاء لكل منصف ذي بصيرة فيقال إن سلم لكم ما ذكرتموه في توجيه ما ألزمتم فهو ألزم لكما فيما إذا كانت العلوم عن آخرها مبرأة عن الاكتساب وهذا النوع الذي قد أردنا التنبيه عليه هو فوائد لئن أخذنا بك في شعبها وأنها لربما ضربت بعروقها على علوم لست من عالمها لتهيمن في أودية الحيرة خاسرا أكثر مما كنت قد ربحت فالرأي الرصين الترك عن آخرها، ولنتكلم في فصل كنا أخرناه لهذا الموضع وهو بيان حال المستثنى منه في كونه حقيقة أو مجازا فنقول: أن أصحابنا في علم النحو حيث يصفون الاستثناء بأنه إخراج الشيء عن حكم دخل فيه غيره ويعنون أن ذلك الإخراج يكون بكلمات مخصوصة يعينونها وإنك لتعلم أن إخراج ما ليس بداخل غير صحيح فيظهر لك من هذا أن حق المستثنى عندهم كونه داخلا في حكم المستثنى منه وأن قولهم لفلان علي عشرة دراهم إلا واحداً يستدعي دخول الواحد في حكم العشرة قبل إلا لكن دخول الواحد في حكم العشرة متى قدر من قبل المتكلم ناقض آخر الكلام أوله كما يشهد له الحال، وقد سبق الكلام في التناقض فيلزم تقديره من قبل السامع وأن يكون استعمال المتكلم لعشرة مجازا في التسعة وأن يكون إلا واحداً قرينة المجاز ويفرع على اعتبار الدخول كون الاستثناء متصلا مثل جاءني إخوتك إلا الأكبر أو قومك إلا منهم أصلا دون كونه منقطعا مثل جاءني القوم إلا حمارا وكون كون دخول المستثنى في حكم المستثنى منه واجبا مثل ما سبق أصلا دون مالا يكون واجبا مثل قولك اضرب قوما إلا عمراً إذ لا يخفى أن دخول عمرو في حكم الضرب لا يجب وجوب دخول الواحد في العشرة أو الأكبر أو زيد في إخوتك وقومك ويفرع على اعتبار المجاز كون كون المستثنى أقل من المستثنى منه الباقي بعد الاستثناء مثل الأمثلة المذكورة أصلا نحو لفلان عليّ عشرة إلا تسعة لكون الدخول الذي هو سبب الاستثناء مراعي في الأول وكون الدخول المراعي مع الوجوب أظهر منه عند عدم الوجوب في الثاني وكون تنزيل الأكثر منزلة الكل الذي هو الطريق على المجاز فيما نحن فيه أدخل في المناسبة من تنزيل الأقل منزلة الكل في الثالث. وأما المصير على فروع هذه الأصول عند البلغاء، فمن باب الإخراج لا على مقتضى الظاهر بتنزيلها منزلة أصولها بوساطة جهة البلاغة. قال تعالى " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " ما لهم به من علم إلا اتباع الظن " بناء على التغليب فيهما. وقال تعالى " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلي سليم " بتقدير حذف المضاف، وهو إلا سلامة من أتى الله مدلولا عليه بقرائن الكلام منزلة السلامة المضافة منزلة المال والبنين بطريق قولهم عتاب فلان السيف وأنيسه الأصداء، وقوله: وأعتبوا بالصيلم ولك أن تحمل قوله " يوم لا ينفع مال ولا بنون " على معنى لا ينفع شيء ما حمل قولك لاينفع زيد ولا عمرو على معنى لا ينفع إنسان ما ويكون من منصوب المحل. وقال القائل: ذا النوع الذي قد أردنا التنبيه عليه هو فوائد لئن أخذنا بك في شعبها وأنها لربما ضربت بعروقها على علوم لست من عالمها لتهيمن في أودية الحيرة خاسرا أكثر مما كنت قد ربحت فالرأي الرصين الترك عن آخرها، ولنتكلم في فصل كنا أخرناه لهذا الموضع وهو بيان حال المستثنى منه في كونه حقيقة أو مجازا فنقول: أن أصحابنا في علم النحو حيث يصفون الاستثناء بأنه إخراج الشيء عن حكم دخل فيه غيره ويعنون أن ذلك الإخراج يكون بكلمات مخصوصة يعينونها وإنك لتعلم أن إخراج ما ليس بداخل غير صحيح فيظهر لك من هذا أن حق المستثنى عندهم كونه داخلا في حكم المستثنى منه وأن قولهم لفلان علي عشرة دراهم إلا واحداً يستدعي دخول الواحد في حكم العشرة قبل إلا لكن دخول الواحد في حكم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 507 العشرة متى قدر من قبل المتكلم ناقض آخر الكلام أوله كما يشهد له الحال، وقد سبق الكلام في التناقض فيلزم تقديره من قبل السامع وأن يكون استعمال المتكلم لعشرة مجازا في التسعة وأن يكون إلا واحداً قرينة المجاز ويفرع على اعتبار الدخول كون الاستثناء متصلا مثل جاءني إخوتك إلا الأكبر أو قومك إلا منهم أصلا دون كونه منقطعا مثل جاءني القوم إلا حمارا وكون كون دخول المستثنى في حكم المستثنى منه واجبا مثل ما سبق أصلا دون مالا يكون واجبا مثل قولك اضرب قوما إلا عمراً إذ لا يخفى أن دخول عمرو في حكم الضرب لا يجب وجوب دخول الواحد في العشرة أو الأكبر أو زيد في إخوتك وقومك ويفرع على اعتبار المجاز كون كون المستثنى أقل من المستثنى منه الباقي بعد الاستثناء مثل الأمثلة المذكورة أصلا نحو لفلان عليّ عشرة إلا تسعة لكون الدخول الذي هو سبب الاستثناء مراعي في الأول وكون الدخول المراعي مع الوجوب أظهر منه عند عدم الوجوب في الثاني وكون تنزيل الأكثر منزلة الكل الذي هو الطريق على المجاز فيما نحن فيه أدخل في المناسبة من تنزيل الأقل منزلة الكل في الثالث. وأما المصير على فروع هذه الأصول عند البلغاء، فمن باب الإخراج لا على مقتضى الظاهر بتنزيلها منزلة أصولها بوساطة جهة البلاغة. قال تعالى " وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس " ما لهم به من علم إلا اتباع الظن " بناء على التغليب فيهما. وقال تعالى " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلي سليم " بتقدير حذف المضاف، وهو إلا سلامة من أتى الله مدلولا عليه بقرائن الكلام منزلة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 508 السلامة المضافة منزلة المال والبنين بطريق قولهم عتاب فلان السيف وأنيسه الأصداء، وقوله: وأعتبوا بالصيلم ولك أن تحمل قوله " يوم لا ينفع مال ولا بنون " على معنى لا ينفع شيء ما حمل قولك لاينفع زيد ولا عمرو على معنى لا ينفع إنسان ما ويكون من منصوب المحل. وقال القائل: وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس على معنى أنيسها اليعافير، والعيس: أي أنيسها ليسوا إلا إياها. وقال: وقفت فيها أصيلا لا أسائلها ... أعيت جوابا وبالربع من أحد لا أوادي. أراد إن كان الآدي يعد أحدا فلا أحد فيه بها إلا هو، وكذا في الفرعين الآخرين فتأملهما فقد اطلعت على جهات البلاغات فلا تقل اضرب قوما إلا عمراً وإلا لإظهار كمال الإبقاء على عمرو، فإن المبقي على الشيء ينزل البعيد من احتمال ضرره منزلة أقربها، أو لوجه آخر مناسب مستلزم لإيجاب الدخول في باب البلاغة، ولا تنس قولي في باب البلاغة، وكذا لا تقل لفلان عليّ ألف إلا تسعمائة وتسعة وتسعين إلا إذا أردت تنزل ذلك الواحد منزلة الألف لجهة من الجهات الخطابية وقد عرفتها ولامتناع كون الشيء غير نفسه لا تصحح استثناء الكل من الكل فلا تقل لفلان عليّ ثلاثة دراهم إلا ثلاثة، ولكن أردف الثاني ما يخرجه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 509 عن المساواة فقل إن شئت لفلان عليّ ثلاثة دراهم إلا ثلاثة إلا اثنين إلا أربعة إلا واحداً فليلزم درهمان لنزول على ثلاثة إلا ثلاثة إلا اثنين منزلة لفلان على أربعة لوقوع الاثنين في درجة الإثبات لكونهما مستثنيين عن ثلاثة هي في درجة النفي لكونها في محل الاستثناء عن ثلاثة مثبتة وإن كان تحقيق استثنائها عندك موقوفا على تبين مقدار خروجها عن المساواة للمستثنى منه ولزوم الاثنين من قولك عليّ أربعة إلا أربعة إلا واحداً بالطريق المذكور في إثبات الأربعة ولفلان على ثلاثة إلا ثلاثة إلا ثلاثة إلا ثلاثة إلا واحداً فليلزم الثلاثة لوجوب الواحد الواقع في درجة الإثبات، ووجوب واحد آخر من الثلاثة الثالثة عن الواحد وآخر ثالث من الثلاثة الخامسة عنه، وهي الثلاثة الأولى ولفلان عليّ ثلاثة دراهم إلا ثلاثة إلا واحداً إلا اثنين إلا ثلاثة إلا اثنين، فليلزم واحد لإسقاط الاثنين الآخرين من الثلاثة التي فيها الواقعة في درجة الإثبات وإخراج الواحد الباقي منها بعد الإسقاط من الاثنين قبله الساقطين وإسقاط الواحد الباقي منهما من الواحد قبله المجتمع من الواحد للباقي من الثلاثة الأولى المسقط عنها الاثنان الباقيان من الثلاثة المسقطة المخرج عنها الواحد بالإثبات ولفلان عليّ عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إالخمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحد إلا اثنين إلا ثلاثة إلا أربعة إالخمسة إلا ستة إلا سبعة إلا ثمانية إلا تسعة فيلزم واحد، لأنك إذا قلت عليّ عشرة إلا تسعة لزم واحد ثم قلت إلا ثمانية صار اللازم تسعة ثم إذا قلت إلا سبعة بقي اللازم اثنين ثم إذا قلت إلا ستة صار اللازم ثمانية ثم إذا قلت إالخمسة بقي اللازم ثلاثة ثم إذا قلت إلا أربعة صار اللازم سبعة ثم إذا قلت إلا ثلاثة بقي اللازم أربعة ثم إذا قلت إلا اثنين صار اللازم ستة ثم إذا قلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 510 واحداً بقي اللازم خمسة ثم إذا قلت إلا اثنين صار اللازم سبعة ثم إذا قلت إلا ثلاثة بقي اللازم أربعة ثم إذا قلت إلا أربعة صار اللازم ثمانية ثم إذا قلت إالخمسة بقي اللازم ثلاثة ثم إذا قلت إلا ستة صار اللازم تسعة ثم إذا قلت إلا سبعة بقي اللازم اثنين ثم إذا قلت إلا ثمانية صار اللازم عشرة ثم إذا قلت إلا تسعة بقي اللازم واحداً هذا. ثم إذا فرقت بين إلا للاستثناء وبينها للوصف بمعنى غير مثل ما إذا قلت لفلان عليّ ثلاثة دراهم إلا اثنان بالرفع لزمت الثلاثة وإذا قلت ما عليّ لفلان ثلاثة دراهم إلا اثنان احتمل من حيث أصول النحو أن لا يلزمه شيء إذا حمل الرفع على الوصف، واحتمل أن يلزمه اثنان إذا حمل الرفع على البدل، وعلى هذا فقس تستخرج ما شئت من فتاوى ذات لطف ودقة بإذن الله تعالى. فصل وإذ قد أفضى بنا القلم على هذا الحد من علمي المعاني والبيان، وما أظنك يشتبه عليك وأنك منذ وفقنا لتحريك القلم فيهما لتشاهد ما تشاهد أنا ما سطرنا ما سطرنا إلا وجل الغرض توخى إيقاظك مما أنت فيه من رقدة غباك عن ضروب افتتنانات في النسج لحبير الكلام على منوال الفصاحة وإبداع وشيه بتصاوير عن كمال التأنق في ذلك أشدادا والجاما، عسى إن استيقظت أن يضرب لك بسهم، حيث ينص الإعجاز للبصيرة تليله، ويقص على المذاق دقيقه وجليله، فتنخرط في سلك المنقول عنهم في حق كلام رب العزة: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، وإنه يعلو وما يعلى، وما هو بكلام البشر فتستغني بذلك عن قرع باب الاستدلال، وأن لا تتجاذبك أيدي الاحتمالات في وجه الإعجاز، فلنقص عليك ما عليه المتحرفون عن هذا المقام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 511 اعلم أن قارعي باب الاستدلال بعد الاتفاق على أنه معجز مختلفون في وجه الإعجاز، فمنهم من يقول وجه الإعجاز هو أنه عز سلطانه صرف المتحدين لمعارضة القرآن عن الإتيان بمثله بمشيئته لا أنها لم تكن مقدورا عليها فيما بينهم في نفس الأمر، لكن لازم هذا القول كون المصروفين عن الإتيان بالمعارضة على التعجب من تعذر المعارضة لا من نظم القرآن مثله إذا قال لك مدع شيئاً حجتي في دعواي هذا أني أضع الساعة يدي على نحري ويتعذر ذلك عليك ووجدت حجته صادقة فإن التعجب في ذلك يكون منصرفا على تعذر وضع يدك على النحر لا على وضع المدعي يده على نحره واللازم كما ليس بخفي منتف، ومنهم من يقول وجه إعجاز القرآن وروده على أسلوب مبتدأ مباين لأساليب كلامهم في خطبهم وأشعارهم، لا سيما في مطالع السور ومقاطع الآي مثل يؤمنون يعملون، لكن ابتداء أسلوب لو كان يستلزم تعذر الإتيان بالمثل لاستلزم ابتداء أسلوب الخطبة أو الشعر إذ لا شبهة في أنهما مبتدآت تعذر الإتيان بالمثل واللازم كما ترى منتف، ومنهم من يقول وجه إعجازه سلامته عن التناقض لكنه يستلزم كون كل كلام إذا سلم من التناقض وبلغ مقدار سورة من السور أن يعد معارضة واللازم بالإجماع منتف، ومنهم من يقول وجه الإعجاز الاشتمال على الغيوب لكنه يستلزم قصر التحدي على السور المشتملة على الغيوب دون ما سواها واللازم بالإجماع أيضا منتف، فهذه أقوال أربعة يخمسها ما يجده أصحاب الذوق من أن وجه الإعجاز هو أمر من جنس البلاغة والفصاحة، ولا طريق لك على هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 512 الخامس إلا طول خدمة هذين العلمين بعد فضل إلهي من هبة يهبها بحكمته من يشاء، وهي النفس المستعدة لذلك، فكل ميسر لما خلق له، ولا استبعاً د في إنكار هذا الوجه ممن ليس معه ما يطلع عليه، فلكم سحبنا الذيل في إنكاره ثم ضممنا الذيل ما إن ننكره، فله الشكر على جزيل ما أولى، وله الحمد في الآخرة والأولى. فصل هذا وحين نرى الجهل قد أعمى جماعات عن علو شأن التنزيل حتى تعكسوا في ضلالات اعتقدوها لجهلهم مطاعن قامت على صحتها الأدلة، فما ديدن الجهال إلا كذلك يقيمون ما نص لديه الجهل تليله مقام ما قص عليه العقل دليله، فلئن لم يحرك هاهنا القلم ليقفن المبتغى بين منزلي حصول وفوات، وكأني بمقامي هذا أسمعه ينشدني: فإيه أبا الشداد إن وراءنا ... أحاديث تروى بعدنا في المعاشر يدعوني بذلك على تتمة الغرض من علمي المعاني والبيان في تحصيل ما قد اعترض مطلوبا كما ترى فها نحن لدعوته مجيبين بإملاء ما يستمليه المقام في فنين يذكر في أحدهما ما يتعلق بالنظم توخيا لتكميل علم الأدب وهو اتباع علم المنثور علم المنظوم وتفصيلا لشبه يتمسك بها من جهته ثم يذكر في الثاني دفع المطاعن فاعلين ذلك تحقيقا لظن نظنه أنك منا طامع في أن نسوق إليك الكلام على هذا الوجه، وإن أحببت سبب الظن فاضح أليس متى جاء دافع وهي مفصلة عندك كان أجلب لثلج الصدر منك إذا جاء وهي مجملة، وهل إذا فضل المتكلم العالم بمداخل الفلسفة ومخارجها على المتكلم الجاهل بذلك فضل عليه بغير هذا لا أسئ بك الظن، فأعدك عن تحقق ذلك على ريبة فقل لي وقد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 513 ألفت أن أكون المتطلب لك من المقامين أفضلهما، وشبه الجهلة فيما نحن بصدده مختلفة، فمن عائدة على علم الصرف، ومن عائدة على علم النحو، ومن عائدة على علم المعاني والبيان ومرجع ذلك كله على علم المنثور، وقد ضمن إطلاعك كتابنا هذا على تفاصيل الكلام هناك، ومن عائدة على علم المنظوم وهو علم الشعر، ونحن على الآن ما قضضنا عن التعرض له الخيام، أفلا يورثنا ذا أن نظنك تنزع على المألوف وأنك بتلك الطماعية موصوف، وهذا أوان أن نسوق إليك الحديث. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 514 بسم الله الرحمن الرحيم الفن الأول من تتمة الغرض من علم المعاني وهو الكلام في الشعر وفيه ثلاثة فصول: أحدها في بيان المراد من الشعر ، والثاني فيما يخصه لكونه شعرا وهو الكلام في الوزن، وثالثها فيما يتبع ذلك على أقرب القولين فيه كما نطلعك على ذلك وهو الكلام في القافية. الفصل الأول في بيان المراد من الشعر قيل الشعر عبارة عن كلام موزون مقفى وألغى بعضهم لفظ المقفى وقال: إن التقفية وهي القصد على القافية ورعايتها ذلك تلزم الشعر لكونه شعرا، بل لأمر عارض ككونه مصرعا أو قطعة أو قصيدة أو لاقتراح مقترح وإلا فليس للتقفية معنى غير انتهاء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 515 الموزون، وأنه أمر لابد منه جار من الموزون مجرى كونه مسموعا ومؤلفا وغير ذلك فحقه ترك التعرض ولق صدق. ومن اعتبر المقفى قال: الموزون قد يقع وصفا للكلام إذا سلم عن عيبي قصور وتطويل فلابد من ذكر التقفية تفرقة، لكن وصف الكلام بالوزن للغرض المذكور لا يطلق، وأقام بعضهم مقام الكلام اللفظ الدال على المعنى ولابد على المعنى ولابد لمن يتكلم بأصول النحو من ذلك مع زيادة، وهي أن تكون الدلالة بوساطة الوضع على ما يذكر في حد الكلمة وإلا لزم إذا قلت مثلا: ألا أن رأى الأشعري أبي الحسن ... ومتبعيه في القبيح وفي الحسن وإن كان منسوبا على الجهل عن قلى ... لرأي حقيق بالتأمل فاعلمن أن لا يعد البيت الأول شعرا لكونه غير كلام بأصول النحو مع كونه شعرا من غير شبهة ولا الثاني وحده. ثم اختلف فيه فعند جماعة أن لابد فيه من أن يكون وزنه لتعمد صاحبه إياه، والمراد بتعمد الوزن هو أن يقصد الوزن ابتداء ثم يتكلم مراعيا جانبه لا أن يقصد المتكلم المعنى وتأديته بكلمات لائقة من حيث الفصاحة في تركيب لتلك الكلمات توجيه البلاغة، فيستتبع ذلك كون الكلام موزونا، أو أن يقصد المعنى ويتكلم بحكم العادة على مجرى كلام الأوساط فيتفق أن يأتي موزونا، وعند آخرين أن ذاك ليس بواجب لكن يلزمه أن يعد كل لافظ في الدنيا شاعرا إذ ما من لافظ إن تتبعت إلا وجدت في ألفاظه ما يكون على الوزن، أو ما ترى إذا قيل لباذنجاني بكم تبع ألف باذنجانة فقال أبيعها بعشرة عدليات كيف تجد القولين على الوزن، أو إذا قيل لنجار هل تم ذاك الكرسي فقال نعم فرغت منه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 516 يوم الجمعة كيف تجد الأول في الأوزان والثاني أيضا، وعلى هذا إذا قيل لجماعة من جاءكم يوم الأحد فقالوا زيد بن عمرو بن أسد، وتسمية كل لافظ شاعرا مما لا يرتكبه عاقل عنده إنصاف، فالصحيح هو الرأي الأول. لا يقال فيلزم أن يجوز فيمن قال قصيدة أو قطعة أن لا يسمى شاعراً بناء على تجويز أن لا يكون تعمد ذلك وامتناعه ظاهر فالجواب هو أن العقل يصحح الاتفاق في القليل دون الكثير وإلا فسد عليك الإسلام في مواضع فلا تمار، والمروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال " من قال ثلاثة أبيات فهو شاعر " شاهد صدق لما ذكرنا لإفادته أنه يمتنع تجويز عدم التعمد بالأبيات الثلاثة فلابد من كونها شعرا ومن كون قائلها شاعرا من تعمد دون قائل الأقل، فاشعر إذن هو القول الموزون وزنا عن تعمد، وأرى أن شيخنا الحاتمي، ذلك الإمام في أنواع من الغرر الذي لم يسمع بمثله في الأولين ولن يسمع به في الآخرين، كساه الله حلل الرضوان، وأسكنه حلل الروح والريحان، كان يرى هذا الرأي، والرأي الأول حقه إذا سمي شعرا أن يسمى مجازا لمشابهته الشعر في الوزن، ومذهب الإمام أبي إسحاق الزجاج في الشعر هو أن لابد من أن يكون الوزن من الأوزان التي عليها أشعار العرب وإلا فلا يكون شعرا ولا أدري أحدا تبعه في مذهبه هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 517 ال فصل الثاني في تتبع الأوزان اعلم أن النوع الباحث عن هذا القبيل يسمى علم العروض، وما أهم السلف فيه إلا تتبع الأوزان التي عليها أشعار العرب، فلا يظنن أحد الفضول عندهم في الباب من ضم زيادة على ما حصروه ليست في كلام العرب فضلا على الإمام الخليل بن أحمد، ذلك البحر الزاخر مخترع هذا النوع، وعلى أئمة المغترفين منه من العلماء المتقدمين به في ذلك رضوان الله عليهم أجمعين، وإلا فمن أنبأ لهم لم يكونوا يرون الزيادة على التي حصروها من حيث الوزن مستقيمة والزيادة عليها تنادى بأرفع صوت: لقد وجدت مكان القول ذا سعة ... فإن وجدت لسانا قائلا فقل لا للطبع المستقيم أن يزيد عليها شيئاً، ولا حاكم في هذه الصناعة إلا استقامة الطبع وتفاوت الطباع في شأنها معلوم، وهي المعلم الأول المستغنى عن التعلم، فاعرف وإياك إن نقل إليك وزن منسوب على العرب لا تراه في الحصر أن تعد فواته قصورا في المخترع فلعله تعمد إهماله لجهة من الجهات أو أي نقيصه في أن يفوته شيء هو في زاوية من زوايا النقل لا زوايا العقل، على أنه إن عد قصورا كان العيب فيه لمقدمي عهده حيث لم يهيئوا لأمام مثله ما يتم له المطلوب من مجرد نقل الرواة ومجرد الاستظهار بذلك، اللهم صبرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 518 فصل وإذ قد وقفت على هذا فاعلم أن أوزان أشعار العرب بوساطة الاستقراء لمختلفاتها ترجع عند الخليل بن أحمد رحمه الله بحكم المناسبات المعتبرة على وجهها في الضبط والتجنب عن الانتشار على خمسة عشر أصلا يسميها بحورا وتلك البحور ترجع على خمس دوائر تنتظم حركات وسكنات معدودة انتظاما فتضبط في حروف تنظم تسمى تلك الضوابط أصول الأفاعيل، وهي ثمانية في اللفظ اثنان منها خماسيان فعولن فاعلن، وستة سباعية مفاعيلن فاعلاتن مستفعلن مفاعلتن متفاعلن مفعولات إلا أن اعتبارها على مقتضى الصناعة يصيرها عشرة بضم اثنتان إليهما وهما مس تفع لن بقطع تفع عن طرفيه في موضعين وفاع لاتن بقطع فاع عما بعده في موضع، ومساق الحديث يطلعك على ذلك بإذن الله تعالى، وتركيبات هذه الأفاعيل تصور من خمسة أنواع أو أربعة: أحدها حرفان ثانيهما ساكن وأنه يسمى سببا خفيفا. وثانيها حرفان متحركان يعقبهما ساكن وأنه يسمى وتدا مجموعا. وثالثها حرفان متحركان يتوسطهما ساكن وأنه يسمى وتدا مفروقا. ورابعها ثلاثة أحرف متحركات على التوالي يعقبهن ساكن وأنه يسمى فاصلة صغرى، وخامسها متحركان لا يعقبهما ساكن كالنصف. الأول من الفاصلة الصغرى وأنه يسمى سببا ثقيلا، ولذلك كثيراً ما يقال فيها إنها مركبة من سببين ثقيل وخفيف، فيعد فعولن مركبا من وتد مجموع وسبب خفيف بعده وفاعلن بالعكس ويعد مفاعيلن مركبا من وتد مجموع قبل سببين خفيفين وفاعلاتن منه بينهما ومستفعلن منه بعدهما، ومفاعلتن منه ومن فاصلة صغرى بعده ومتفاعلن بالعكس ويعد مفعولات من وتد مفروق بعد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 519 سببين خفيفين ومس تفع لن في الخفيف وفي المجتث منه بينهما وفاع لاتن في المضارع منه قبلهما، ثم يقع في تعريفات الأفاعيل ما يجمع أربعة أحرف متحركات على التوالي يعقبهن ساكن، فذاك يسمى فاصلة كبرى وقد يذهب فيه على أنها مركبة من سبب ثقيل ووتد مجموع، لكن الوقوف على الصناعة يأباه، وعسى أن تهتدي بذلك في أثناء ما يتلى عليك، ولن يقف على لطائف ما اعتبره الإمام الخليل بن أحمد قدس الله روحه في هذا النوع إلا ذو طبع سليم، وهو ماهر في استخراج علم الصرف، ولتلك الدوائر الخمس أسام وترتيب في الإيراد، فدائرة تسمى مختلفة لاختلاف ما فيها من الضابط خماسيا وسباعيا ويفتتح بذكرها وهي هذه: الميم علامة المتحرك والألف علامة الساكن يتم أصل البيت بدورها أربع مرات وأنها تتضمن من البحور المستقرأة ثلاثة أساميها: طويل مديد بسيط ويصدر فيها بالطويل ويتلوه الباقيان على ترتيب الدائرة، ومبدأ الطويل منها حيث ينظم للضبط فعولن مفاعيلن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 520 ومبدأ المديد من حيث ينظم للضبط فاعلاتن فاعلن، ومبدأ البسيط من حيث ينظم مستفعلن فاعلن، ودائرة تسمى مؤتلفة ويثنى بها وهي هذه: تتم أصل البيت بدورها ست مرات وأنه تتضمن بحرين: يسمى أحدها الوافر ويفتتح به فيها وضابطه مفاعلتن ويتلوه الثاني ويسمى الكامل وضابطه متفاعلن وسميت مؤتلفة لعدم الاختلاف في ضابطي البحرين. ودائرة تسمى مجتلبة ويثلث بها وهي هذه: تتم أصل البيت بست دورات وأنها تتضمن ثلاثة أبحر أساميها: هزج، رجز، رمل، ويبدأ بالهزج فيها من حيث ينظم مفاعلتن ويثنى بالرجز من حيث ينظم مستفعلن ويثلث بالرمل من حيث ينظم فاعلاتن على مقتضى ترتيب الدائرة وسميت مجتلبة لاجتلابها الأجزاء من الدائرة الأولى. ودائرة تسمى مشتبهة ومساق الحديث يطلعك على معنى اشتباهها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 521 تذكر رابعة، وهي هذه: تتم أصل البيت بدورتين وأنها تتضمن ستة أبحر أساميها سريع منسرح خفيف مضارع مقتضب ويقدم السريع فيها ويتلوه البواقي على الترتيب ومبدأ السريع منها من حيث ينظم مستفعلن مستفعلن مفعولات، ومبدأ المنسرح من حيث ينظم مستفعلن مفعولات مستفعلن ومبدأ الخفيف من حيث ينظم فاعلاتن مس تفع لن فاعلاتن بقطع تفع عن طرفيها وأن اشتبه بمستفعلن المتصل لفظا، ومبدأ المضارع من حيث ينظم مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن بقطع فاع عما بعدها وإن اشتبه بفاعلاتن المتصل لفظا، ومبدأ المقتضب من حيث ينظم مفعولات مستفعلن ومبدأ المجتث من حيث ينظم مس تفع لن فاعلاتن فاعلاتن بقطع تفع عن الطرفين. ودائرة نختم بها تسمى منفردة فيها بحر واحد يسمى المتقارب تتم أصل البيت بثماني دورات وهي هذه: وضابطه فعولن. ونحن إذا فرغنا عن الكلام في هذا الفن نذكر الحاصل على ترتيب الدوائر على ما رتبت عليه وعلى الابتداء فيها من البحور ربما ابتداء به الجزء: 1 ¦ الصفحة: 522 إن شاء الله إلا أن هذا الفن لكثرة ما اخترع فيه من الالقاب وأنشئ فيه من الأوضاع يتصور الكلام فيه من جنس التكلم بلغة مخترعة فلابد من الإيقاف على مخترعاته أولا ثم من المتكلم به ثانيا. اعلم أن ما يوزن من الشعر بأصول الأفاعيل وفروعها التي ستأتيك تسمى أجزاء الشعر وأتم عدد أجزاء البيت ثمانية مثل: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بيم الدخول فحومل وأنه يسمى مثمنا وخط العروض هو ما ترى يثبت الملفوظ به ويفك المدغم ولا يثبت ما لا يدخل في اللفظ وينزل على ستة ويسمى مسدسا وعلى أربعة ويسمى مربعا وعلى ثلاثة ويسمى مثلثا وعلى اثنين عند الخليل ومن تابعه وأنه يسمى مثنى وعلى واحد عند أبي إسحق الزجاج فيوحد، وقد روى بيت على خمسة أجزاء جاء نادر فخمس ولم يأت مسبع، ثم إن الأجزاء تنصف في المثمن والمسدس والمربع نصفين ويسميان مصراعي البيت ثم الجزأ الأول من المصراع الأول يسمى صدرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 523 والآخر منه عروضا والأول من المصراع الثاني ابتداء، والآخر منه ضربا وعجزا، وما عدا ما ذكر في المثمن والمسدس يسمى حشوا ولا حشو للمربع. وأما المثلث فمنهم من ينزله منزلة المصراع الأول في تسمية أجزائه فيسمى أولها صدرا وثانيها حشوا وثالثها عروضا. ومنهم من ينزله منزلة المصراع الثاني فيسمى الأول ابتداء والثالث ضربا، وكذا المثنى في تسمية جزأيه ولا حشو له وقياس الموحد أن يختلف في تسميته عروضا وضربا بحسب الرأيين والمسدس متى كان أصله التثمين سمي مجزوا لذهاب جزء من كل واحد من مصراعيه وما ربعوا المثمن على الأقرب في ظاهر الصناعة كما ستقف عليه، وأما المربع والمثلث والمثنى فراجعة على المسدسات فالمربع مسمى بالمجزوء والمثلث بالمشطور لذهاب شطره والمثنى بالمنهوك للإجحاف به، وقياس الموحد أن يسمى مشطور المنهوك، هذا وأن أصول الأفاعيل قد سبق ذكرها، فأما فروعها المغيرة عنها فمدار تغييراتها على أقسام ثلاثة إسكان المتحرك ونقصان في الحروف وزيادة فيهن، ثم إنها قد تجتمع تارة على جزء واحد ولا تجتمع عليه أخرى وها أنا مورد جميع ذلك في الذكر بإذن الله تعالى يسكن تاء متفاعلن، ويسمى إضمارا وينقل على مستفعلن ولام مفاعلتن ويسمى عصبا وينقل على مفاعيلن وينزل الفاصلة إذ ذاك منزلة سببين خفيفين وتاء مفعولات ويسمى وقفا وينقل على مفعولان ويسقط الساكن الثاني نحو فعلن في فاعلن وفعلاتن في فاعلاتن المتصل دون فاع لاتن المنقطع ومتفعلن في مستفعلن منقولا على مفاعلن ويسمى خبنا والساكن الرابع السببي ويسمى طيا نحو مستعلن في مستفعلن وينقل على متفعلن والساكن الخامس السببي ويسمى قبضا نحو فعول في فعولن أو مفاعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 524 في مفاعيلن والساكن السابع نحو مفاعيل في مفاعيلن ويسمى كفا ويفتقد أحد متحركي الوتد المجموع نحو فاعاتن في فاعلاتن ويسمى تشعيثا وفيه كلام يأتيك في باب الخفيف ويسقط ساكن السبب ويسكن متحركه نحو فعول بسكون اللام وفاعلات منقولا على فاعلان، ويسمى قصرا ويسقط ساكن الوتد المجموع ويسكن ثاني متحركيه نحو مستفعل منقولا على مفعولن ومتفاعل منقولا على فعلاتن ويسمى قطفا ويجمع بين الإضمار في متفاعلن وبين إسقاط المسكن فينقل على مفاعلن ويسمى وقصا وبين العصب في مفاعلتن وبين إسقاط المسكن منقولا على مفاعلن، ويسمى عقلا، وبين الإضمار وبين الطي في متفاعلن فينقل على مفتعلن ويسمى خزلا بالخاء المعجمة، وبين العصب والكف في مفاعلتن فينقل على مفاعيل ويسمى نقصا، وبين الوقف والكف في مفعولات فينقل على مفعولن ويسمى كسفابالسين غير المعجمة عن شيخنا الخاتمي رحمه الله، ويجمع بين الخبن والطي في مستفعلن فينقل على فعلتن ويسمى خبلا وبين الخبن والكف في مستفعلن وفاعلاتن منقولين على مفاعل وفعلات ويسمى شكلا ويسقط السبب الخفيف من الآخر نحو فعو ومفاعي منقولين على فعل بسكون اللام وعلى فعولن ويسمى حذفا والوتد المجموع منه ويسمى المسقوط منه أحذ نحو مستف ومتفا منقولين على فعلن بسكون العين وفعلن بتحركها والوتد المفروق منه ويسمى المسقوط منه أصلم نحو مفعو منقولا على فعلن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 525 ويجمع بين العصب والحذف في مفاعلتن ويسمى قطفا وينقل على فعولن، ويجمع بين الحذف والقطع نحو فع بسكون العين في فعولن ويسمى المفعول به هذا أبتر ويزاد آخرا حرف ساكن إما على سبب خفيف نحو أن يقال في فاعلاتن بعد الزيادة فاعليان وتسمى هذه الزيادة تسبيعا وإما على وتد مجموع وتسمى إزالة نحو أن يقال في مستفعلن مستفعلات أو سبب خفيف نحو مستفعلاتن ويسمى ترفيلا. وهاهنا نوع من النقصان يسمى الخرم، ونوع من الزيادة يسمى الخزم، بالخرم إسقاط المتحرك الأول من الوتد المجموع في الجزء الصدري لعذر يتفق واضح، وربما وقع في الجزء الابتدائي، وأنه عندي رذل لا أورده في الاعتبار فاعلم. وللمخروم ألقاب بحسب اعتبارات عارضة يسمى في الخماسي أثلم إذا خرما سالما: أي من غير زيادة تغيير، وأثرم إذا خرم، وهو مقبوض، ويسمى في السباعي ذي الفاصلة وهو مفاعلتن أعضب إذا خرم سالما، وأقصم إذا خرم وهو معصوب، وأجم إذا خرم وهو معقول، وأعقص إذا خرم وهو منقوص، ويسمى في غير ذي الفاصلة وهو مفاعيلن أخرم إذا خرم سالما وأشتر إذا خرم وهو مقبوض وأحذ إذا أخرم وهو مكفوف، وأما الخزم بالزاي فهو زيادة في أول البيت يعتد بها في المعنى ولا يعتد بها في اللفظ، وأنا لا أعذر في هذه الزيادة إلا إذا كانت مستقلة بنفسها فاضلة بتمامها عن التقطيع: أعني كلمة حدة غير محتاج أي جزء منها تقطيع البيت. وربما وقع في أول المصراع الثاني، وأنه عندي في الرداءة كالخرم فيه، وهذه التغييرات تنقسم قسمين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 526 فمنها ما يبنى عليه البيت فيلزم وأنه سمي علة سواء كان بالزيادة أو بالنقصان. ومنها ما ليس كذلك فيسمى زحافا ثم إذا كان زحاف زيادة نظر، فإن كان حيث قبل متحركه ساكن سببي كما إذا جاء فاعلاتن فاعلاتن هكذا فاعلاتن فعلاتن سمي صدرا، وقيل أنه معاقبة لما قبله، وإذا جاء على فاعلات فاعلاتن سمي عجزا. وقيل أنه معاقبة لما بعده، وإذا جاء على نحو فاعلاتن فعلات فاعلاتن سمي ذا الطرفين. والمعاقبة بين الحرفين أن لا يجوز سقوطهما معا وإن جاز ثبوتهما معا. والمراقبة بينهما أن لا يجوز سقوطهما معا ولا ثبوتهما معا كياء مفاعيلن ونونه في المضارع فإنه لا يأتي إلا مقبوضا أو مكفوفا. وإذ قد عرفت ذلك فاعرف أن ما يسلم من العلة بالنقصان مع جواز أن لا يسلم يسمى صحيحا، والسالم من العلة بالزيادة بالشرط المذكور يسمى معرى، والسالم من الزحاف غير الخرم والخزم بالشرط المذكور يخص باسم السالم، والسالم من الخرم بالشرط المذكور يسمى موفورا، وما يسلم من الخرم أسميه أنا مجردا، وما يسلم من المعاقبة يسمى بريا. وإذ قد فرغنا عن ذلك فلنقل على المقصود الأصلي من تفصيل الكلام في كل بحر من البحور الخمسة عشر. باب الطويل أصل الطويل فعولن مفاعيلن أربع مرات، وله في غير المصرع عروض واحدة مقبوضة وثلاثة أضرب. والمصرع: هو ما يعتمد فيه اتباع العروض الضرب في وزنه ورويه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 527 اللهم إلا حيث يجري التشعيث، وستعرف الروي في فصل علم القافية. وحكم التصريع في جميع البحور، وهو ما عرفت فلا نعيده ثانيا. الضرب الأول صحيح سالم والثاني مقبوض كالعروض. والثالث محذوف، بيت الضرب الأول: أبا منذر كانت غرورا صحيفتي ... ولم أعطكم في الطوع مالي ولا عرضي تقطيعه: أبامن فعولن ذرنركانت مفعيلن غرورن فعولن صحيفتي مفاعلن ولم أع فعولن طكمفططو مفاعيلن عمالي فعولن ولاعرضي مفاعيلن الصدر موفور سالم والعروض مقبوضة والضرب صحيح سالم وأجزاء الحشوين سالمة، بيت الضرب الثاني: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود تقطيعه: ستبدي فعولن لكلأيا مفاعيلن مماكن فعولن تجاهلن مفاعلن ويأتي فعولن كبلأخبا مفاعيلن رمنلم فعولن تزودي مفاعلن كلاهما مقبوض، بيت الضرب الثالث: أقيموا بني النعمان عنا صدوركم ... وإلا تقيموا صاغرين الرءوسا تقطيعه: فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن فعولن مفاعيلن فعولن فعولن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 528 ويلزم هذا الضرب الثالث عند الخليل والأخفش كون القافية مردفة بالمد، وستعرف ذلك. وقد روى الأخفش ضربا رابعا مفاعل منقولا فعولن. واعلم أن للأخفش روايات في الأعاريض والضروب رأيت تركها أولى فاعلم، زحافه يجري القبض في كل فعولن إلا في الواقع ضربا، ويجري القبض والكف في كل مفاعيلن إلا في الواقع ضربا. وعن أبي إسحق رحمه الله أن فعولن السابق على الضرب الثالث قلما يجيء سالما، ولقد صدق والسبب في ذلك هو أنه إذا صح اتفق الجزآن في الربع الأخير من البيت ووضع الدائرة على اختلاف في جزأيها فيختار قبضة توصلا على تحصيل اختلاف بينهما، ويجري الثلم والترم في فعولن الصدري وبين ياء مفاعيلن ونونه معاقبة، بيت المقبوض: أتطلب من أسود بيشة دونه ... أبو مطر وعامر وأبو سعد تقطيعه: أتطل فعول بمناسو ومفاعلن دبيش فعل تدونهو مفاعلن أبوم فعول طرنوعا مفاعلن مرنو فعول أبو سعدى مفاعيلن، بيت الأثلم المكفوف: شاقتك أحداج سليمى بعاقل ... فعيناك للبين تجودان بالدمع شاقت فعلن كأحداج مفاعيل سليمى فعولن بعاقلن مفاعلن فعينا فعولن كالمبين مفاعيل تجودا فعولن نبدد معي مفاعيلن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 529 بيت الأثرم: هاجك ربع دارس الرسم باللوى ... لأسماء عفي آيه المور والقطر تقطيعه: هاج فعل كر بعندا مفاعيلن رسر الرس فعولن مبللوى مفاعلن لأسما فعولن أعففاء مفاعيلن يهلمو فعولن رو القطر ومفاعيلن. باب المديد أصل المديد فاعلاتن فاعلن أربع مرات، وهو في الاستعمال مجزو وله ثلاث أعاريض وستة أضرب العروض الأولى سالمة، ولها ضرب واحد سالم. والعروض. الثانية محذوفة، ولها ثلاثة أضرب أولها مقصور والثاني محذوف والثالث أبتر والعروض الثالثة محذوفة مخبونة، ولها ضربان أولهما محذوف مخبون وثانيهما أبتر، بيت الضرب الأول: يالبكرا انشروا لي كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار تقطيعه: يالبكرن فاعلاتن انشروا فاعلن ليكليبن فاعلاتن يالبكرن فاعلاتن أين أي فاعلن نلفرار فاعلاتن، الأجزاء الستة سالمة، بيت الضرب الثاني: لا يغرن أمراً عيشه ... كل عيش صائر للزوال تقطيعه: فاعلاتن فاعلن فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 530 بيت الضرب الثالث: اعلموا أني لكم حافظا ... شاهدا ما كنت أو غائبا ضربه غائبا فاعلن، بيت الضرب الرابع: إنما ألذ لفاء ياقوتة ... أخرجت من كيس دهقان ضربه قاني فعلن، بيت الضرب الخامس: للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه تقطيعه: للفتاعق فاعلاتن لن يعي فاعلن شبه فعلن حيث تهدي فاعلاتن ساقهو فاعلن قدمه فعلن، بيت الضرب السادس: رب نار بت أرمقها ... تقضم الهندي والغارا تقطيعه: رببنارن فاعلاتن بتتأر فاعلن مقها فعلن تقضملهن فاعلاتن دييول فاعلن غارا فعلن، ويلزم هذا الضرب السادس والضرب الرابع قبله كون القافية مردفة بالمد عند الخليل رحمه الله، وعن الكسائي حمل هذين الضربين الخامس والسادس على البسيط بإلقاء مستفعلن من الصدر وتقطيع أحدهما بفاعلن مستفعلن فعلن والآخر بفاعلن مستفعلن فعلن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 531 لكن الافتتاح بترك الأصل لا لضرورة موجبة كالخرم أو الخزم غير مناسب فليتأمل فيه. زحافه يجري الخبن في كل فاعلن إلا في الواقع عروضا وضربا، ويجري في كل فاعلاتن الخبن، وكذا الكف والشكل إلا في الضرب فإنهما لا يجريان فيه وبين نون فاعلاتن وألف فاعلن وفاعلاتن بعدها معاقبة، وأما فاعلان فبعضهم لا يجيز خبنه وبعضهم يجيزه مستشهدا بقوله: كنت أخشى صرف تلك النوى ... فرماني سهمها فأصاب بيت المخبون: ومتى مايع منك كلاما ... يتكلم فيجبك بعقل جميع أجزائه مخبونة، بيت المكفوف: لن يزال قومنا مخصبين ... صالحين ما تقوا واستقاموا تقطيعه: فاعلات فاعلن فاعلات فاعلات فاعلن فاعلاتن، بيت المشكول: لمن الديار غيرهن ... كل داني المزن جون الرباب تقطيعه: لمندد فعلات يارغي فاعلن رهنن فعلات كلدانل فاعلاتن مزنجو فاعلن نرربابي فعلاتن، بيت الطرفين: ليت شعري هل لنا ذات يوم ... بجنوب فارع من تلاقي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 532 تقطيعه: فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فعلات فاعلن فاعلاتن. باب البسيط أصل البسيط مستفعلن فاعلن أربع مرات وهو يستعمل تارة مثمنا وأخرى مجزوا مسدسا وله في المثمن عروض واحدة مخبونة، ولها ضربان أولهما مخبون وثانيهما مقطوع وفي المسدس عروضان العروض الأولى سالمة ولها ثلاثة أضرب أولها مذال وثانيها معرى وثالثها مقطوع والعروض الثانية مقطوعة ولها واحد مقطوع وهذا البيت الأخير المقطوع العروض والضرب يسمى مخلعا، وعن الخليل أن العروض المقطوعة لا تجامع غير الضرب المقطوع والكسائي يروي خلاف ذلك وهو شعر لامرئ القيس: عيناك دمعهما سال ... كان شأنيهما أو شال وللأسود بن يعفر: ونحن قوم لنا رماح ... وثروة من موال وصميم وفي قصيدة عبيد بن الأبرص وهي أفقر من أهله ملحوب كثير من هذا القبيل، وهذه القصيدة عندي من عجائب الدنيا في اختلافها في الوزن والأولى فيها أن تلحق بالخطب كما هو رأي كثير من الفضلاء، بيت الضرب الأول من المثمن: يا حار لا أرمين منكم بداهية ... لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 533 تقطيعه: ياحارلا مستفعلن أرمين فاعلن منكبدا مستفعلن هيتن فعلن لم يلقها مستفعلن سوقتن فاعلن قبيلولا مستفعلن ملكو فعلن، بيت الضرب الثاني منه: قد أشهد الغارة الشعواء تحملني ... جرداء معروقة اللحيين سرحوب الضرب: حوبو فعلن، والخليل والأخفش رحمهما الله يريان الردف في القافية هاهنا وابن هانئ في قوله: لا تبك ليلى ولا تطرب على هند ... واشرب على الورد من حمراء كالورد ما رأي ذلك، وقد روى الفراء ضربا ثالثا على خلاف أصول الصناعة وهو فعل ساكن العين واللام كأنه أحذ مذال، بيت الضرب الأول من مسدسه: إنا ذممنا على ما خيلت ... سعد بن زيد وعمرو من تميم تقطيعه: إننا ذم مستفعلن ناعلا فاعلن ماخييلت مستفعلن سعدبنزى مستفعلن دنوعم فاعلن رنمنتميم مستفعلان، بيت الضرب الثاني منه: ماذا وقوفي على ربع عفا ... مخلولق دارس مستعجم تقطيعه: مستفعلن فاعلن مستفعلن مرتين، بيت الضرب الثالث منه: سيروا معا إنما ميعادكم ... يوم الثلاثاء بطن الوادي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 534 الضرب نلوادى مفعولن ويلزمه الردف عند الخليل رحمه الله، بيت المخلع: ما هيج الشوق من أطلال ... أضحت قفارا كوحي الواحي تقطيعه: مستفعلن فاعلن مفعولن مرتين، زحافه يجري في كل مستفعلن ومستفعلان الخبن والطي والخبل، وعن الخليل أن الخبل لا يجري في عروض المجزو ويجري في كل فاعلن ومفعولن الخبن، بيت المخبون: لقد خلت حقب صروفها عجب ... فأحدثت غيرا وأعقبت دولا تقطيعه: مفاعلن فعلن مفاعلن فعلن مرتين، بيت المطوي: ارتحلوا غدوة فانطلقوا بكرا ... في زمر منهم يتبعها زمر الأجزاء الأربعة مطوية، بيت المخبول: وزعموا أنهم لقيهم رجل ... فأخذواماله وضربوا عنقه تقطيعه فعلن فاعلن فعلن فعلن مرتين، بيت المخبون المذال من المسدس: قد جاءكم أنكم يوماً إذا ... ما ذقتم الموت سوف تبعثون الضرب فتبعثون مفاعلان، بيت المطوي الذال منه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 535 يا صاح قد أخلقت أسماء ما كانت ... تمنيك من حسن وصال الضرب حسن وصال مفتعلان، بيت المخبول المذال منه: هذا مقامي قريبا من أخي ... كل امرئ قائم مع أخيه الضرب مع أخيه فعلتان، بيت المخلع مخبونا: أصبحت والشيب قد علاني ... يدعو حثيثا على الخضاب تقطيعه: مستفعلن فاعلن فعولن مرتين، وفعولن هنا في العروض لما أشبه عروض المتقارب من مسدسه حذفه من قال: إن شواء ونشوة ... وخبب البازل الأمون تقطيعه: انتشوا مفتعلن أنوش فاعلن وتن فعل وخببل فعلتن بازلل فاعلن أموني فعولن وأنه شاذ لا يقاس عليه. باب الوافر أصل الوافر مفاعلتن ست مرات وأنه يسدس على الأصل تارة ويربع مجزوا أخرى، ولمسدسه عروض واحدة مقطوفة ولها ضرب واحد مثلها، ولمربعه عروض واحدة سالمة ولها ضربان: أولهما سالم وثانيهما معصوب، بيت ضرب المسدس: لنا غنم نسوقها غزار ... كأن قرون جلتها العصي تقطيعه: لناغنم مفاعلتن نسوقها مفاعلتن غزارن فعولن كائن قرو مفاعلتن نجللتهل مفاعلتن عصييو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 536 فعولن، بيت الضرب الأول من مربعه نسوقها مفاعلتن غزارن فعولن كائن قرو مفاعلتن نجللتهل مفاعلتن، بيت الضرب الأول من المربع: لقد علمت ربيعة أن ... حبلك واهن خلق تقطيعه: مفاعلتن أربع مرات، بيت الضرب الثاني منه: أعاتبها وآمرها ... فتغضبني وتعصيني الضرب وتعصيني مفاعيلن، وقد ذكر ههنا ضرب ثالث مقطوف وهو: بكيت وما يرد ... لك البكاء على حزين كما ذكرت عروض ثانية مقطوفة في قوله: عبيدة أنت همي ... وأنت الدهر ذكرى زحافه يجري في كل مفاعلتن العصب والعقل والنقص إلا في الواقع ضربا وعن الخليل أن العقل لا يجري في عروض المربع ويختلف في الصدر بين كونه أعصب وأقصم وأعقص وأجم وبين ياء المعصوب ونونه معاقبة، بيت المعصوب: إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزه على ما تستطيع تقطيعه: إذالمتس مفاعيلن تطعشيأن مفاعيلن فدعهو فعولن وجاوزهو مفاعيلن علىماتس مفاعيلن تطيعو فعولن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 537 بيت المعقول: منازل لعزتنا قفار ... كأنما رسومها سطور تقطيعه: مفاعلن مفاعلن فعولن مرتين، بيت المنقوص: لسلامة دار بحفير ... كباقي الخلق الرسم قفار تقطيعه: مفاعيل مفاعيل فعولن مرتين، بيت الأعصب: إن نزل الشتاء بدار قوم ... تجنب جار بيتهم الشتاء الصدر اننزلش مفتعلن، بيت الأقصم: ما قالوا لنا سددا ولكن ... تفاقم أمرهم فأتوا بهجر الصدر ما قالوا مفعولن، بيت الأعقص: لولا ملك رءوف رحيم ... تداركني برحمته هلكت الصدر لولام مفعول، بيت الأجم: أنت خير من ركب المطايا ... وأكرمهم أخا وأبا وأما الصدر أنتخي فاعلن. باب الكامل أصل الكامل متفاعلن ست مرات وأنه يسدس على الأصل تارة ويربع مجزوّا أخرى، وله في مسدسه عروضان: الأولى سالمة ولها ثلاثة أضرب سالم ومقطوع وأحذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 538 مضمر، وقد أثبت غير الخليل والأخفش ضربا رابعا أحذ وحق هذا الضرب أن ثبت تقديمه على الثالث ي هو أحذ مضمر فاعرفه فلا أذكر له بيتا، والعروض الثانية حذاء، ولها ضربان: أولهما أحذ وثانيهما أحذ مضمر وله في مربعه عروض واحدة سالمة ولها أربعة أضرب: مرفل ومذال ومعرى ومقطوع، بيت الضرب الأول من مسدسه: وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي تقطيعه: متفاعلن ستا، بيت الضرب الثاني منه: وإذا دعونك عمهن فإنه ... نسب يزيدك عندهن خبالإ الضرب نخبا لا فعلاتن وحق هذا الضرب عند الخليل والاخفش لونه مردفا كما تراه بيت الضرب الثالث منه: لمن الديار برا تين فعاقل ... درست وغير آيها القطر الضرب قطر وفعلن، بيت الضرب الرابع منه: لمن الديار عفا مرابعها ... هطل أجش وبارح ترب تقطيعه: متفاعلن متفاعلن فعلن مرتين، بيت الضرب الخامس منه: ولأنت أشجع من أسامة إذ ... دعيت نزال ولج في الذعر العروض متأذ فعلن، والضرب ذعرى فعلن، بيت الأول من مربعه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 539 ولقد سبقتهم إليّ ... فلم نزعت وأنت آخر الجزء الرابع الذي هو الضرب متفاعلاتن، بيت الضرب الثاني منه: جدث يكون مقامه ... أبدا بمختلف الرياح الجزء الرابع الضرب متفاعلان، بيت الضرب الثالث منه: وإذا افتقرت فلا تكن ... متخشعا وتجمل أجزاؤه الأربعة سالمة، بيت الضرب الرابع منه: وإذا هم ذكروا الإساءة أكثروا الحسنات ضربه فعلاتن، زحافه يجري في كل متفاعلن ومتفاعلاتن ومتفاعلان الإضمار والوقص والخزل ويجري في فعلاتن الإضمار وبين سين المضمر وفائه معاقبة، بيت المضمر: إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري وأحمي سائري ويحتمي تقطيعه: مفاعلن ستا، بيت المخزول: منزلة صم صداها وعفت ... أرسمها إن سئلت لم تجب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 540 تقطيعه: مفتعلن ستا وإنما يحكم لهذه الأبيات الثلاثة بكونها مزاحف الكامل إذا وجدت معها في القطعة أو القصيدة متفاعلن، بيت المضمر المرفل: وغررتني وزعمت أن ... ك لابن في الصيف تامر ضربه مستفعلاتن، بيت الموقوص المرفل: ولقد شهدت وفاتهم ... ونقلنهم على المقابر ضربه مفاعلاتن، بيت المضمر المذال: وإذا اغتبطت أو ابتأست ... حمدت رب العالمين ضربه مستفعلان، بيت الموقوص المذال: كتب الشقاء عليهما ... فهما له ميسران ضربه مفاعلان، بيت المخزول المذال: وأجب أخاك إذا دعا ... ك معالنا غير مخاف ضربه مفتعلان، بيت المضمر المقطوع من المسدس: وإذا افتقرت على الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال وبيته من المربع: وأبو الحليس ورب كع ... بة فارغ مشغول ضربه البيتين مفعولن، ولقد خمس الوافر من قال: لمن الصبي بجانب الصحرا ... ء ملقى غير ذي مهد وجعل الجزء الخامس أحذ مضمرا وهو من الشواذ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 541 باب الهزج أصل الهزج مفاعيلن ست مرات وأنه في الاستعمال مجزوّ مربع وله عروض سالمة وضربان: أولهما سالم، وثانيهما محذوف بيت الضرب الأول: عفا من آل ليلى السه ... ب فالأملاح فالغمر تقطيعه: مفاعيلن أربعا، بيت الضرب الثاني منه: وما ظهري لباغي الضي ... م بالظهر الذلول ضربه ذلولي فعولن، زحافه يجري القبض والكف في كل مفاعيلن إلا في الواقع ضربا ويجري الكف فيما كان عروضا دون القبض. وعن الأخفش رحمه الله جواز قبضها، وفي بعض الروايات عن الخليل أيضا ويجري في مفاعيلن الصدري الخرم والخرب والشتر وبين ياء مفاعيلن ونونه معاقبة، بيت المقبوض: فقلت لا تخف شيئاً ... فما عليك من بأس تقطيعه: فقلت لا مفاعلن تخفشيأن مفاعيلن فما على مفاعلن كمنبأسي مفاعيلن، بيت المكوف: فهذان يذودان ... وذا من كثب يرمي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 542 تقطيعه: فهذان مفاعيل يذودان مفاعيل وذا منك مفاعيل ثبنيرمي مفاعيلن، بيت الأخرم: أدوا ما استعاروه ... كذاك العيش عاريه صدره أددومس مفعولن، بيت الأخرب لو كان أبو موسى ... أميرا ما رضيناه صدره لو كان مفعول، بيت الأشتر: في الذين قد ماتوا ... وفيما جمعوا عبره صدره فللذي فاعلن. باب الرجز أصل الرجز مستفعلن ستا، وهو في الاستعمال يسدس تارة على الأصل ويربع مجزوا أخرى ويثلث مشطورا ثالثة على غير قول الخليل كان الشعر عند الخليل هو ما له مصراعان وعروض وضرب، ولعل الحق في يده لما في العرف من إجراء لفظ البيت على الشعر وامتناع إجرائه على المصراع ويثنى منهوكا رابعه على قول الخليل ومن تابعه دون الأخفش ويوحد مشطور منهوك على قول الزجاج وحده ولمسدسه عروض واحدة سالمة، وضربان سالم ومقطوع ولمربعه عروض وضروب سالمان وعروض مشطورة سالمة وهي ضربه، وعروض مثناه كذلك، بيت الضرب الأول من مسدسه: دار لسلمى إذ سليمى جارة ... قفر ترى آياتها مثل الزبر أجزاؤه ستة وسالمة، بيت الضرب الثاني منه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 543 القلب منها مستريح سالم ... والقلب مني جاهد مجهود ضربه مجهود مفعولن يلزم هذا الضرب عند الخليل والأخفش كون القافية مردفة بالمد بيت المربع قد هاج قلبي منزل ... من أم عمرو مقفر أجزاؤه أربعة وسالمة. بيت المثلث: ما هاج أحزانا ... وشجوا قد شجا أجزاؤه ثلاثة مع السلامة، بيت المثنى: يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع أقود وطفاء الزمع ... كأنها شاة صدع وقد أورد المشطور والمنهوك مقطوعين لمقطوع المشطور قوله: يا صاحبي رحلي ... أقلا عذلي بسكون الذال، ولمقطوع المنهوك قوله ويل أم سعد سعدا وستستمع فيهما كلاما. بيت الموحد: قالت حبل ومن أخواتها ماذا الخجل ... هذا الرجل لما احتفل أهدى بصل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 544 والمثلث عند الخليل والمثنى عند الأخفش والموحد عند الجميع سوى أبي إسحاق من قبيل الإسجاع لا من قبيل الأشعار والكلام في الجانبين نفيا وإثباتا متقارب زحافه يجري في كل مستفعلن الخبن والطي والخبل ويجري في مفعولن الخبن، بيت المخبون: بكف خالد وأطعما وط ... الما وطالما وطالما سقى تقطيعه: مفاعلن ستا، بيت المطوى: ما ولدت والدة من ولد ... أكرم من عبد مناف حسبا تقطيعه: مفتعلن ستا. بيت المخبول: وثقل منع خير طلب ... وعجل منع خير تؤد تقطيعه: فعلتن ستا. بيت المقطوع المخبون: لا خير فيمن كف عناشره ... إن كان لا يرجى ليوم خيره الضرب فعولن والأجزاء الباقية مستفعلن. باب الرمل أصل الرمل فاعلاتن ست مرات وأنه يسدس على الأصل تارة ويربع مجزوا أخرى ولمسدسه عروض واحدة محذوفة وثلاثة أضرب: أولها سالم، وثانيهما مقصور، وثالثها محذوف، ولمربعه عروض واحدة عند الخليل وأتباعه، وثلاثة أضرب أحدها مسبع، وثانيها، معرى وثالثها محذوف، وتأتي عروض ثانية وضرب لها أذكرهما عقيب ذكر ما قدمت، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 545 بيت الضرب الأول من مسدسه: أبلغ النعمان عني مالكا ... أنه قد طال حبسي وانتظار تقطيعه أبلغننع فاعلاتن مانعنني فاعلاتن مألكن فاعلن أننهوقد فاعلاتن طال حبسي فاعلاتن وانتظاري فاعلاتن، بيت الضرب الثاني منه: مثل سحق البرد عفى بعدك ال ... قطر مغناه وتأويب الشمال تقطيعه: مثلسحقل فاعلاتن بر عففا فاعلاتن بعد كل فاعلن قطرمغنا فاعلاتن، وهو وتأوي فاعلاتن بشمال فاعلان، بيت الضرب الثالث منه: قالت الخنساء لما جئتها ... شاب بعدي رأس هذا واشتهب تقطيعه: فاعلاتن فاعلاتن فاعل مرتين، وأما قول المتنبي: إنما بدر بن عمار سحاب ... هطل فيه ثواب وعقاب فاستعمال محدث ظاهرا، بيت الضرب الأول من مربعه: يا خليلي أربعا ... واستخبرا رسما بعسفان تقطيعه: ياخليلي فاعلاتن يربعاوس فاعلاتن تخبرارس فاعلاتن من بعسفان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 546 فاعلييان، بيت الضرب الثاني منه: مقفرات دارسات ... مثل آيات الزبور تقطيعه: فاعلاتن أربعا، بيت الضرب الثالث منه: ما لما قرت به العي ... نان من هذا ثمن تقطيعه: مالماقر فاعلاتن رتبهلعي فاعلاتن نان منها فاعلاتن ذا ثمن فاعلن، وأما العروض الثانية وضربها فمحذوفان، وذلك قوله: بؤسا للحرب التي ... غادرت قومي سدى تقطيعه: بؤسا للحر فاعلاتن بللتي فاعلن غادرتقو فاعلاتن ميسدا فاعلن، وقبله: يا لبكر لا تنوا ... ليس ذا حين وفى دارت الحرب رحا ... فادفعوها برحى ثم قوله بؤسا للحرب هذا قول أبي إسحاق في هذا الوزن ولم يذكره الخليل أصلا، وأما البهرامي فقد عده من مربع المديد وتبعه جار الله فالقول الأول إذا تأملت مبنى على أنه مجزو أصله والقول الثاني مبني على أنه مشطور أصله فكن الحاكم بينهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 547 زحافه يجري الخبن في كل فاعلاتن وفاعلن وفي فاعلان وفاعليان ويجري في كل فاعلاتن إلا فيما كان واقعاً في الضرب الكف والشكل وبين نون فاعلاتن وألف أي جزء كان بعدها معاقبة. بيت المخبون: وإذا غاية مجد رفعت ... نهض الصلت إليها فحواها تقطيعه: وإذاغا فعلاتن يتمجدن فعلاتن رفعت فعلن نهضصصل فعلاتن تأليها فعلاتن فحواها فعلاتن، بيت المكفوف: ليس كل من أراد حاجة ... ثم جد في طلابها قضاها تقطيعه: ليسكل فاعلات منأراد فاعلات حاجتن فاعلن ثمجدد فاعلات فيطلاب فاعلاتها هاقضاها، فاعلاتن بيت المشكول: إن سعدا بطل ممارس ... صابر محتسب لما أصابه تقطيعه: فاعلاتن فعلات فاعلن فاعلاتن فعلاتن، بيت المقصور المجنون: أصبحت كسرى وأمسى قيصر ... مغلقا من دونه باب حديد تقطيعه: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فعليات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 548 باب السريع أصله مستتعلن مستفعلن مفعولات وأنه في الاستعمال يسدس على الاصل تارة ة ويثلث مشطورا أخرى ولمسدسه عروضان أولاهما مطوية مكسوفة، ولها ثلاثة أضرب: أحدها مطوى موقوف وثانيها مطوى مكسوف، وثالثها أصلم والعروض الثانية مخبولة مكسوفة ولها ضرب واحد مثلها وعروض مثلثة المشطور وهي ضربها موقوفة أو مكسوفة. بيت الضرب الأول من مسدسه: أزمان سلمى لا يرى مثلها الر ... راءون في شام ولا في عراق تقطيعه: أزمانسل مستفعلن ما لا يرى مستفعلن مثلهاالر فاعلن راد أو نفي مستفعلن شامنولا مستفعلن فيعراق فاعلان، بيت الضرب الثاني منه: هاج الهوى رسم بذات الغضى ... مخلولق مستعجم محول تقطيعه: مستفعلن مستفعلن فاعلن مرتين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 549 بيت الضرب الثالث منه: قالت ولم تقصد لقيل الخنا ... مهلا فقد أبلغت أسماعي عروضه فاعلن وضربه فعلن بسكون العين، بيت الضرب الرابع منه: النشر مسك والوجوه دنا ... نير وأطراف الأكف عنم عروضه هدنا فعلن وضربه فعنم كذلك، وقد أورد لهذه العروض ضرب ثان أصلم وهو قوله: يا أيها الزاري على عمر ... قد قلت فيه غير ما تعلم بسكون الميم والأخفش والزجاج متى اتصل كلامهما بهذين الضربين لا يشبعان ضبط الخليل ولا أعذرهما في ذلك، بيت المشطور الموقوف العروض: ينضخن في حافاتها بالأبوال تقطيعه: مستفعلن مستفعلن مفعولان، بيت المشطور المكسوف العروض: يا صاحبي رحلي ... أقلا عذلي تقطيعه: مستفعلن مستفعلن مفعولن، وإنما لا يحمل هذا عندنا على مشطور الرجز المقطوع العروض لأن حمله على ذلك يستدعي إسقاط حرف مع إسقاط حركة وحمله على هذا يستدعي إسقاط حرف فحسب لكون الحركة ساقطة بحكم كون حرفها موقوفا عليه: أي لكون حركة التاء من مفعولات ساقطة في الاستعمال سقوطا لا ظهور لها إلا في الدائرة فتأمله وأحذ على ما سمعت متى اعترضك موضع صالح الحمل على وجهين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 550 زحافه يجري في كل مستفعلن الخبن والطي والخبل وفي مفعولات ومفعولن الخبن، بيت المخبون: أرد من الأمور ما ينبغي ... وما تطيقه وما يستقيم تقطيعه: أردمنل مفاعل أمورما مفاعلن ينبغي فاعلن وماتطي مفاعلن قهووما مفاعلن يستقيم فاعلان، بيت المطوى: قال لها وهو بها عالم ... ويحك أمثال طريقي قليل تقطيعه: قال لها مفتعلن وهو بها مفتعلن عالمن فاعلن ويحكأم مفتعلن ثالطري مفتعلن قيقليل فاعلان، بيت المخبول: وبلد قطعه عامر ... وجمل حسره في الطريق تقطيعه: وبلدن فعلتن قطعهو فعلتن عامرن فاعلن وجملن فعلتن حسرهو فعلتن فططريق فاعلان، مزاحف المشطور في عروضه الأولى: قد عرضت أروى بقول أفناد تقطيعه: قدعرضت مفتعلن أروابقو مستفعلن لأفناد فعولان، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 551 وفي عروضه الثانية: وبلدة بعيدة النياط تقطيعه: مفاعلن مفاعلن فعولن: باب المنسرح أصل المنسرح مستفعلن مفعولات مستفعلن مرتين، وهو في الاستعمال مسدس ومنهوك ولمسدسه عروض سالمة وضرب مطوى، وقد وجد له ضرب ثان مقطوع، والمنهوك إما موقوف وإما مكسوف، والعروض فيه هو الضرب، بيت المسدس المطوى الضرب: إن ابن زيد لا زال مستعملا ... للخير يفشي في مصره العرفا تقطيعه: إننبزي مستفعلن دنلازال مفعولات مستعملن مستفعلن للخيريف مستفعلن شيفيمصر مفعولات هلعرفا مفتعلن، بيت المسدس المقطوع الضرب ذاك: وقد أذعر الوحوش بصلت ... الخد رحب لبانه مجفر ضربه هو مجفر مفعول، بيت المنهوك الموقوف: صبرا بني عبد الدار تقطيعه: مستفعلن مفعولان، بيت المنهوك المكسوف ويل أم سعد سعدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 552 تقطيعه: مستفعلن مفعولن وليس يحمل على منهوك الرجز بالقطع كما لا يحمل مشطور السريع على مشطور الرجز لكن لا لما سبق بل إلحاقا لمفعولان بمفعولات زحافه يجري في كل مستفعلين ومفعولات الخبن والطي والخبل إلافي مستفعلين الواقعة بعد مفعولات فالخبل فيها غير جار ويجري الخبن لا غير في مفعولات ومفعولن، بيت المخبون: منازل عفاهن بذي الأرا " " ك كل وابل مسبل هطل تقطيعه: منازلن مفاعلن عفاهن مفاعيل بذالأرا مفاعلن ككللوا مفاعلن بلنمسب مفاعيل لنهطلي مفتعلن، بيت المطوى: إن سميرا أرى عشيرته ... قد حدبوا دونه وقد أنفوا تقطيعه: مفتعلن فاعلات مفتعلن مرتين. بيت المخبول: وبلد متشابه سمته ... قطعه رجل على جمله تقطيعه: وبلدن فعلتن متشاب فعلات هنسمته مستفعلن قطعه فعلتن رجلنع فعلات لاجمله مفتعلن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 553 بيت الخبن في مفعولات يامنز بسولان تقطيعه: مستفعلن فعولان، بيت الخبن في مفعولن هل بالديار إنس تقطيعه: مستفعلن فعولن. باب الخفيف أصل الخفيف فاعلاتن مس تفع لن فاعلاتن مرتين، وهو في الاستعمال مسدس على الأصل ومربع مجزو، ولمسدسه عروضان العروض الأولى سالمة ولها ضربان سالم ومحذوف والعروض الثانية محذوفة ولها ضرب مثلها، ولمربعه عروض سالمة وضربان سالم ومقصور مخبون، بيت الضرب الأول من مسدسه: حل أهلي ما بين درني فبادو ... لي وحلت علوية بالسخال تقطيعه: حللأهلي فاعلاتن مابيندر مس تفع لن فبادو فاعلاتن لاوحلت فاعلاتن علويتن مس تفع لن بالسخالي فاعلاتن، بيت الضرب الثاني منه: ليت شعري هل ثم هل آتينهم ... أم يحولن من بعد ذاك الردا تقطيعه: ليت شعري فاعلاتن هلثممهل مس تفع لن آتينهم فاعلاتن أميحولن فاعلاتن منبعدذا مس تفع لن كرردا فاعلن، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 554 بيت الضرب الثالث منه: إن قدرنا يوما على عامر ... ننتصف منه أو ندعه لكم تقطيعه: إنقدرنا فاعلاتن يومنعلا مس تفع لن عامرن فاعلن ننتصف من فاعلاتن أوندع مس تفع لن هولكم فاعلن، بيت الضرب الأول من مربعه: ليت شعري ماذا ترى ... أم عمرو في أمرنا تقطيعه: فاعلاتن مس تفع لن مرتين، بيت الضرب الثاني: كل خطب إن لم تكو ... نوا غضبتم يسير تقطيعه: فاعلاتن مس تفع فاعلاتن فعولن، ويلزم هذا الضرب عند الخليل الردف، وقد رأى بعض أصحاب هذه الصناعة في فعولن هذه حملها على خبن مس وكسف تفع من مس تفع لن مخطئا حامليه على الخبن والقصر يستلزم في علم القافية كون الروي من الوتد الذي هو الآن لام فعولن وكون وصل الروى من السبب وهو نونه، ولازم نظير لهذا المستلزم فإن الروي والوصل يكونان من جزء واحد: أي سبب أو وتد. لكن هذا الرأي يستلزم كسف الوتد في غير آخر الجزء، ولا نظير لهذا المستلزم أيضا، وإن شئت فتأمل زحافات فاع لاتن في المضارع كيف تجد فاع ممتنعا عن الكسف. وأما امتناع حمل فعولن هذه على القطع فظاهر لفقد الوتد المجموع إذا تأملت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 555 زحافه تجري في كل فاعلاتن ومس تفع لن الخبن والكف والشكل إلا فيما كان ضربا فالكف والشكل لا يجريان فيه ويجري في فاعلن الخبن وفي فاعلاتن الضربية التشعيث وكذا في العروضية لكن عند التصريع لا غير وبين نون فاعلاتن وسين مستفعلن وألف فاعلاتن أو فاعلن بعدها معاقبة، وكذا بين نون فاعلاتن وألف فاعلاتن المتصاحبتين، والأصحاب اختلفوا في كيفية وقوع التشعيث فمنهم من يسقط أول متحركي الوتد وبقدر المشعث فالاتن ثم ينقله على مفعولن ومسنده التشبيه بالخرم، ومنهم من يسقط ثاني متحركيه ذهابا على أنه أقرب على الآخر والآخر محل الحوادث ويقدر المشعث فاعاتن ثم ينقله، ومنهم من يسقط ساكن الوتد ويسكن ثاني متحركيه ويقدر المشعث فاعلتن بسكون اللام ثم ينقله ومسنده التشبيه بالقطع الواقع فيه أجزاء، ومنهم من يسقط الساكن قبله بالخبن ويسكن أول الوتد المشعث فعلاتن بسكون العين ثم ينقله، ولك أن تجعل مسنده التشبيه بالإضمار بعد أن تشبه فعلا من فعلاتن بالفاصلة، بيت المخبون: وفؤادي كعهده بسليمى ... بهوى لم يزل ولم يتغير تقطيعه: وفؤادي فعلاتن كعهده مفاعلن بسليمى فعلاتن بهونلم فعلاتن يزلولم مفاعلن يتغير فعلاتن، بيت المكفوف: يا عمير ما تظهر من هواك ... أم تجن يستكثر حين يبدو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 556 تقطيعه: ياعمير فاعلات ماتظهر مستفعل منهواك فاعلات أوتجن فاعلات يستكثر مستفعل حينبدو فاعلاتن، بيت المشكول والمشعث: إن قومي جحا جحة كرام ... متقادم مجدهم أخيار تقطيعه: إننقومي فاعلاتن جحاجح م فا ع ل تنكرامو فاعلاتن متقاد فعلات منمجدهم مستفعلن أخيارو مفعولن، بيت الخبن في فاعلن عروضا وضربا: بينما هن بالأراك معا ... إذ أنى راكب على جمله تقطيعه: بينما هن فاعلاتن نبلأرام فاعلن كمعن فعلن إذ أنارا فاعلاتن كبنعلا فاعلن جمله فاعلن. باب المضارع أصله مسدس هكذا مفاعيلن فاعلاتن مفاعلن مرتين ثم استعمل مجزوا مربعا سالم العروض والضرب وعلى المراقبة بين ياء مفاعيلن ونونه، بيته: دعاني على سعاد ... دواعي هوى سعاد تقطيعه: مفاعيل فاعلاتن مرتين. زحافه يجري في فاعلاتن العروضي الكف كقوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 557 وقد رأيت الرجال ... فما أرى مثل عمرو تقطيعه: مفاعلن فاعلات مفاعلن فاعلات، ولما عرفت أن الخبن يستدعي في الساكن كونه سببيا تعرف أن لا مجال للخبن في فاعلاتن ولا للشكل، ويجري في مفاعيل في الصدر الخرم وفي مفاعلن فيه الشتر، بيت الأخرم: قلنا لهم وقالوا ... وكل له مقال تقطيعه: مفعول فاعلاتن مفاعيل فاعلاتن، بيت الأشتر: سوف أهدي لسلمى ... ثناء على ثناء تقطيعه: فاعلن فاعلاتن مفاعيل فاعلاتن: باب المقتضب أصله مسدس هكذا مفعولات مستفعلن مستفعلن مرتين ثم استعمل مجزوا مربعا مطوي العروض والضرب وعلى المراقبة بين خبن مفعولات وطية، بيته: يقولون لا بعدوا ... وهم يدفنونهم تقطيعه: مفاعيل مفتعلن مرتين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 558 وزحافه من وجه أحد جانبي المراقبة في مفعولات. أما خبنه كما ترى، وأما طيه كقوله: أعرضت فلاح لها ... عارضان كالبرد إذ تقطيعه فاعلا متفعلن مرتين: باب المجتث أصله مسدس هكذا مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن مرتين ثم استعمل مجزوا مربعا وسالم العروض، والضرب كقوله: البطن منه خميص ... والوجه مثل الهلال تقطيعه: مستفعلن فاعلاتن مرتين. زحافه يجري في كل مستفعلن وفاعلاتن الخبن والكف والشكل إلا فاعلاتن الضربي فلا يجري فيه الكف والشكل ولكن يجري فيه التشعيث عند بعضهم وبين سين مستفعلن ونونه معاقبة ولا مجال فيه للطي والخبل لما تعرف، بيت الخبن: ولو علقت بسلمى ... علمت أن ستموت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 559 تقطيعه: م فاع لن فعلاتن مرتين، بيت المكفوف: ما كان عطاؤهن ... إلا عدة ضمارا تقطيعه: مس تفع ل فاعلات مس تفع ل فاعلاتن، بيت المشكول: أولئك خير قوم ... إذا ذكر الخيار تقطيعه: م فا ع ل فاعلاتن مرتين، بيت المشعث: لم لا يعي ما أقول ... ذا السيد المأمول ضربه مفعولن: باب المتقارب أصله فعولن ثمانيا وهو في الاستعمال يثمن على الأصل تارة ويسدس مجزوا أخرى ولثمنه عروض واحدة سالمة ولها أربعة أضرب سالم ومقصور ومحذوف وأبتر ولمسدسه عروض واحدة محذوفة وضربان أحدهما محذوف والآخر أبتر، بيت الضرب الأول من مثمنه: فأما تميم تميم بن مر ... فألفاهم القوم روبي نياما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 560 أجزاؤه الثمانية سالمة، بيت الضرب الثاني منه: ويأوي على نسوة بائسات ... وشعث مراضيع مثل السعال ضربه فعول ويلزم هذا الضرب الردف، بيت الضرب الثالث منه: اروي من الشعر شعرا عويصا ... ينسى الرواة الذي قد رووا ضربه فعل، بيت الضرب الرابع منه: خليلي عوجا على دار رسم دار ... خلت من سليمى ومن ميه ضربه فع أو فل كيف شئت، وقد أجاز الخليل في عروض البيت السالم الضرب الحذف والقصر وأبت ذلك جماعة، وشاهده في الحذف قوله: لبست أناسا فأفنيتهم ... وكان الإله هو المستأسيا وشاهده في القصر قوله: فرمنا القصاص وكان القصاص ... عدلا وحقا على المسلمينا وغير الخليل يروي البيت فكان القصاص، ومن الشواهد له في القصر قوله: ولولا خداش أخذت دوا ... ب سعد ولم أعطه ما عليها ويروي أخذت جمالات سعد، بيت الضرب الأول من مسدسه: أمن منة أقفرت ... لسلمى بذات الغضى العروض والضرب كلاهما فعل، بيت الضرب الثاني منه: تعفف ولا تبئس ... فما يقض يأتيكا ضربه: فع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 561 نقص؟؟ جمالات ... سعد ولم نعطه ما عليها صدره فعلن، بيت الأثرم: قلت سدادا لمن جاء يسري ... فأحسنت قولا وأحسنت رأيا صدره فعل. فصل ولما تسمع من وقوع الخرم والخزم في الأشعار يلزمك في باب التقطيع متى أخذت فيه إذا لم يستقم لك على الأوزان التي وعيتها أن تعتبره بالنقصان الخزمي في الصدر في الابتداء تارة وبالزيادة الخزمية أخرى والخزم يكون بحرف واحداً فصاعدا على أربعة بحكم الاستقراء فإن استقام فذاك وإلا فإما أن لا يكون شعرا أصلا أو أن يكون وزنا خارجا عن الاستقراء. فصل وهذه الأوزان هي التي عليها مدار أشعار العرب بحكم الاستقراء لا تجد لهم وزنا يشذ عنها اللهم إلا نادرا وأكثر الاستقراآت كذلك لا تخلو عن شذوذ شيء منها ولعل جميعها ثم لا تجد ذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 562 النادر بحرا كان أو عروضا أو ضربا أو زحافا إلا معلوم التفرع على المستقري أو ما ترى المتداني وهو فاعلن ثماني مرات كقولنا: زارني زورة طيفها في الكرى ... فاعتراني لمن زارني ما اعترى كيف تجده ظاهر التفرع على المتقارب في دائرته وكذا ما يتبعه من الزحافات كالخبن في قوله: أشجاك تشتت شعب هواك ... فأنت له أرق وصب وكالقطع في قوله: أن الدنيا قد عزتنا ... واستهوتنا واستلهتنا على قول من يعده شعرا، ومن يسدس مثمنه متداني في قوله: قف على دراسات الدمن ... بين أطلاها فأبكين وغير ذلك مما ترى المتأخرين قد تعاطوها وسموها بأسام مفتقرين هدى الخليل إذا أنت طالعتها لم تخف عليك المداخل والمخارج هنالك ثم إذا مددت لطبعك استقامة طبع وخدمت أنواعا أخر اطلعت على أن هذا النوع أعني علم العروض نوع إذا أنت رددته على الاختصار احتمله وإذا أنت حاولت الإطناب فيه امتد وكاد أن لا يقف عند غاية لقبوله من التصرف فيه نقصانا وزيادة ما شاء الطبع المستقيم. فإذ قد تلونا عليك ما اقتضانا الرأي تلاوته منه فحري أن نفي بما سبق به الوعد من الكلام في ترتيب الدوائر وترتيب البحور فيهن المستقرأة على النسق المذكور. اعلم أن مبنى فروع الأصول في هذه الصناعة، ولواحق الجزء: 1 ¦ الصفحة: 563 سوابقها على النقصان لا على الزيادة وإن شئت أن تتحقق ذلك فعليك بفروع الأصول كالمجزو والمشطور والمنهوك والموحد، ثم كالمضمر والمعضوب والموقوف، وكالمخبون والمطوي والمقبوض والمكفوف، وكالمشعث والمكسوف، وكالمقصور والمقطوع، وكالمخبول والمشكول، وكالمحذوف والمقطوف والأحذ والأصلم والأبتر. وإن اعترضك المذال والمسبغ والمرفل، فانظر أين تجد ذلك إن وجدته لا يجري إلا حيث يكون جزءا ساقطا فهو جار مجرى التعويض فلا تعده زيادة وإذا تحققت ذلك فنقول: تعين النقصان للفرع يستتبع تعين الأصالة للكمال وللأصل حق التقدم على الفرع فبحكم هذه الاعتبارات ناسب في هذا النوع تقديم الأكمل فالأكمل فروعيت تلك المناسبة، فلزم تقديم الدائرة المختلفة على ما سواها لكون بحورها أتم بحور عدد حروف لاشتمال كل بحر منها على ثمانية وأربعين حرفا، ولزم تأخير الدائرة المنفردة عن الكل لكون بحرها أنقص البحور عدد حروف لاشتماله على أربعين حرفا، ولزم توسط الدوائر الثلاث الباقية لاشتمال كل بحر من بحورهن على اثنين وأربعين حرفا، ثم لزم تقديم المؤتلفة منهن على أختيها لكون كل واحد من بحريها أتم من بحور أختيها عدد حركات لاشتمال كل واحد منهما على ثلاثين حركة، واشتمال كل واحد من أولئك على أربع وعشرين والسكون في هذا النوع معدود في جانب العدم فلا يوضع في مقابلة الحركة فاعرفه، ثم ناسب إيلاء المجتلبة المؤتلفة لمزيد التناسب بينهما في أن كل واحدة منهما تتم أصل البيت بست دورات فترتيب الدوائر على ما ترى المختلفة ثم المؤتلفة ثم المجتلبة ثم المشتبهة ثم المنفردة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 564 وأما تقديم ما يقدم من البحور في الدوائر فالطويل نظرا على أركان الأفاعيل المبدوء بها وأعني بالأركان الأسباب والأوتاد والفواصل يقدم على أخويه لكون ركنه الأول وهو فعو أتم من ركني أخويه وهما فاومس والهزج أيضا يقدم على أخويه لذلك، وأما الكامل فإنما يؤخر عن الوافر لأن صحة إضماره يبرزه في معرض ماركنه الأول سبب خفيف حكماً وصحة إجراء الخبن عليه منبه على ذلك، وكذا امتناعه عن الخرم امتناع ما أوله سبب خفيف على الرأي الصواب ولا يقف على هذا إلا النحوي المتقن حيث لا يبنى على السكون الضمير في غلامك أو التصريفي الماهر حيث لا يجوز الإلحاق بالألف في حشو الكلمة أو صاحب الطبع المستقيم في باب الاستدلال أو غيره ممن يفهم باب قولنا امتنع كذا لأدائه على الممتنع حكماً، وقولي على الرأي الصواب احتراز عن رأى من يجوز الخرم في مخبون مستفعلن مستشهدا بقوله: هل جديد على الأيام من باق ... أم هل لما لا يقيه الله من واق وأما تقديم السريع فلأن دائرته تضمنت وتدا مفروقا بخلاف سائر الدوائر وارتكاب المخالف لا يصار إليه إلا لعذر وأنه في السريع أكمل منه في غيره لأن أركان السريع ممتنع أن تؤلف على وجه من الوجوه تأليفا يخرج الوتد المفروق عن كونه مفروقا على كونه مجموعا أو سببا خفيفا بخلاف ما سواه فتأمله فيلزم تقديم السريع، وأما استدعاء المضارع فيها للتقدم بجهة ركنه الأول أتم فضعف للزوم النقصان له في الأجزاء حين لا يستعمل إلا مجزوا مراقبا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 565 فصل وإذ قد وفينا بما كنا وعدنا فحري أن نختم الكلام في علم العروض بهذه الخاتمة، وهي ما أقوله من أن لك أن تتخذ الوافر أصلا وتفرع عليه جميع البحور على ما أذكره وهو أن تقدر أصل الوافر مثمنا منبها على ذلك بنحو قول امرئ القيس: خيال هاج لي شجنا ... فبت مكابدا حزنا عميد القلب مرتهنا ... بذكر اللهو والطرب وتلحق مسدسه في غير المسمط بالمجزو مربعه بالمشطور على خلاف ظاهر الصناعة، ثم تستخرج منه الكامل مثمنا وتلحق مسدسه بالمجزو مربعه بالمشطور، ثم تستخرج من معضوب الوافر الهزج مثمنا وتجعله دائرة وتستخرج منها الرجز والرمل مثمنين، ثم تستخرج من مثمن الهزج والطويل بوساطة حذف جزء لن من آخر مثل مفاعي مفاعيلن والمتقارب بحذف الأجزاء الثمانية وتجعل الطويل دائرة، وتستخرج منها المديد والبسيط وبحرا ثالثا تزعمه مهجورا نصفه مفعولات ومفعول مفعولات مفعول، ثم تجعله أصلم فيبقى عندك مفعولات مفعولف عو لا تمف وهو بحر المقتضب فتدبره فتكون الدائرة المشتبهة، وتستخرج منها بحورها وإن شئت استخرجت البحر الثالث هكذا مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن وأنه بحر مستعمل وإن كان الخليل أهمله، يحكى عن امرئ القيس أشعارا بها الوزن منها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 566 ألا يا عين فابكي ... على فقدي لملكي وإتلافي لمالي ... بلا حرف وجهد تخطيت بلادا وضيعت قلابا وقد كنت قديما أخا عز ومجد ثم خرمته أولا وحذفته آخرا فيبقى عندك فاعيلنف عولنمفا عيلنفعو، ثم تديره دائرة فتكون عين الدائرة المشتبهة، وهذا الطابق أليق بالصناعة لاشتماله على وتد مفروق واحد وهو لنف من فاعيلنف دون الطريق الأول فتأمله. وإنما ذكرت الأول لكون التصرف هناك في موضع فحسب وهو جعله أصلم لا غير. فصل وتقدر من أبيات المهجور إن شئت: إن المرء في أكثر الأحوال مرتاع ... ليت المرء لم يدخل الدنيا فما ارتاع إن العيش عيش الصبا إذ ليس عقل ... ينهى المرء عما إليه المرء نزاع مكسوف العروض موقوف الضرب عند ترك التصريع، ومن أبياته: ما للمرء في عيشه من راحة ... أنى والليالي تريه ما ترى أصلم العروض والضرب وإن شئت قدرته من الثاني بوساطة الخرم والحذف وليكن هذا آخر كلامنا في هذا الفصل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 567 ال فصل الثالث في الكلام في القافية وما يتصل بذلك اختلفوا في القافية، فهي عند الخليل من آخر حرف في البيت على أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن مثل تابامن: أقلي اللوم عاذل والعتابا، وعند الأخفش آخر كلمة في البيت مثل العتابا بكمالها، وعند أبي علي قطرب وأبي العباس ثعلب الروي وستعرفه، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 568 وعن بعضهم أن القافية هي البيت، وعن بعضهم هي القصيدة وحق هذا القول أن يكون من باب إطلاق اسم اللازم على الملزوم وباب تسمية المجموع بالبعض كقولهم: كلمة الحويذرة لقصيدته، وقول كل أحد كلمة الشهادة لمجموع أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وقوله علت كلمته " كبرت كلمة تخرج من أفواههم " والمراد بالكلمة مجموع كلامهم " اتخذ الله ولدا " وقوله " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين " والمراد بالكلمة " إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون " وقوله " وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا " والمراد بالكلمة " أنهم أصحاب النار " وإلا لزم أن لا يصح قافية البيت أو قافية القصيدة لاستلزامه إضافة الشيء على نفسه وتسمى قافية لمكان التناسب وهو أنها تتبع نظم البيت مأخوذة من قفوت أثره إذا اتبعته والميل من هذه الأقوال إلى قوله على الخليل لوقوفه على أنواع علوم الأدب نقلا وتصرفا واستخراجا واختراعا ورعاية في جميع ذلك لما يجب رعايته أشد حد ما شق فيه أحد غباره. اللهم قدس روحه وارحم السلف كلهم واكسو الجميع حلل الرضوان، واجمعنا وإياهم في دار الثواب. وإذ قد اخترنا رأي الخليل في القافية وأنها على رأيه لابد من اشتمالها على ساكنين كما ترى فيستلزم لذلك خمسة أنواع: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 569 أحدها أن يكون ساكناها مجتمعين ويسمى المترادف أو يكون بينهما حرف واحد متحرك ويسمى المتواتر أو حرفان متحركان ويسمى المتدارك أو ثلاثة أحرف متحركات ويسمى المتراكب أو أربعة ويسمى المتكاوس ولا مزيد على الأربعة، وكلامنا هاهنا مبني على عناية أذكرها في آخر الفصل، وللمترادف سبعة عشر موقعا فاعلان في فاعلاتن إذا قصر وفي مفعولات إذا طوى ووقف ومستفعلان مذالا لا غير ومضمرا مذالا ومفاعلان مخبونا مذالا وموقوصا مذالا ومفتعلان مطويا مذالا ومخذولا مذالا وفعلتان متفاعلان وفاعلييان وفعلييان وفعلان ومفعولان وفعولان مقصور مفاعيلن في الضرب الرابع للطويل عند الأخفش ومخبونا موقوفا في غير ذلك وفعول، وللمتواتر أحد وعشرون موقعا مفاعيلن وفاعلاتن وفعلاتن ومفعول مقطوعا لا غير ومضمرا مقطوعا ومكسوفا ومشعثا وفعولن سالما ومحذوفا ومخبونا مقطوعا ومقطوفا ومخبونا مكسوفا أو مخبونا مقصورا وفعلن مقطوعا وأبتر وأحذ مضمرا وأصلم وفل وفي نحو فعولن فل وتن في متفاعلاتن وفروعه الثلاثة مستفعلاتن ومفاعلاتن ومفتعلاتن، وللمتدارك أحد عشر متفاعلن ومستفعلن سالما ومضمرا ومفاعلن مخبونا ومقبوضا وموقوصا ومعقولا وفاعلن سالما ومحذوفا وفعل في نحو فعولن فعل وفل في نحو فعول فل على قول من يجوز قبض فعولن قبل فل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 570 وللمتراكب ثمانية مفاعلتن ومفتعلن مطويا ومخذولا وفعلن للساكن قبله مخبونا لا غير ومخبونا محذوفاً وأحذ ومخبولا مكسوفا وفعل في نحو فعول فعل وللمتكاوس موقع واحد فعلتن للساكن قبله فهذه ثمانية وخمسون موقعا لأنواع القافية الخمسة وعساك إذا فتشت عنها أن تعثر على مزيد، ثم إن القافية لاشتمالها على حرف الروي تتنوع باعتبار الروي وباعتبار ما قبله وباعتبار ما بعده أما تنوعها باعتبار الروي فهي كونها إما مقيدة أو مطلقة، وأما تنوعها باعتبار ما قبل الروي فهي كونها إما مردفة أو مؤسسة أو مجردة، وأما تنوعها باعتبار ما بعد الروي ولا يلحقها هذا الاعتبار إلا في إطلاقها، فهي كونها إما موصولة من غير خروج أو مع خروج، والمراد بالروي الحرف الآخر من حروف القافية إلا ما كان تنوينا أو بدلا من التنوين أو كان حرفا إشباعيا مجلو بالبيان الحركة مثل المنزلا المنزلو المنزلي أو قائما مقام الإشباعي في كونه مجلوب البيان الحركة، وهو الهاء مثل كتابيه حسابيه أو مشابها للحرف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 571 الإشباعي كألف ضمير الاثنين، وكواو ضمير الجماعة مضموما ما قبلها وكياء ضمير المؤنث مكسورا ما قبلها مثل لم يضربا لم يضربوا لم تضربي ويلحق الألف في مثل أنتما وضربتما ومنكما والواو في مثل أنتمو ضربتمو ومنكمو منهمو بألف ضربا وواو ضربوا أو كان مشابها للقائم مقام الإشباعي كهاء التأنيث وهاء الضمير متحركا ما قبلهما دون الساكنة مثل طلحة وحمزة ومثل غلامه وضربه، فإن كل واحد من ذلك يسمى وصلا لا رويا وكثيراً ما تجري الألف والواو والياء الأصول مثل سري ويسرو ويسرى، والهاء الاصلي مثل أشبه أعمه مجرى الحروف الإشباعية والقائمة، مقامها، وذلك أثناء القصائد على سبيل التوسع، والمراد بالقافية المقيدة ما كان رويها ساكنا مثل: وقاتم الأعماق خاوي المخترق. وحركة ما قبل الروي المقيد يسمى توجيها، وبالقافية المطلقة ما كان رويها متحركا مثل. قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي: وحركة الروي تسمى مجرى، والمراد بالقافية المردفة ما كان قبل رويها ألفا مثل عمادا أو واوا أو ياء مدتين مثل عمود عميد أو غير مدتين مل قول قيل وتسمى كل من هذه الحروف ردفا، وحركة ما قبل الردف حذوا والردف بالألف لا يجامعه الردف بغيرها بخلاف الواو والياء فإن الجمع بينهما غير معيب والردف بالواو والياء المدتين لا يجامعه الردف بالواو والياء غير المدتين، والمراد بالقافية المؤسسة ما كان قبل رويها بحرف واحد ألف والروي وتلك الألف من كلمة واحدة مثل عامدا، أما إذا كانتا في كلمتين كنت بالخيار إن شئت ألحقت ذلك بالتأسيس، وإن شئت لم تلحقه اللهم إلا إذا نزلنا منزلة كلمة واحدة للوجوه المعلومة في ذلك في علم النحو فيكون الحكم للتأسيس، وتسمى هذه الألف التأسيس والفتحة قبلها رسا والحرف المتوسط بين هذه الألف وبين الروي تسمى هذه الألف وبين الروي تسمى الدخيل وحركته إشباعا، والمراد بالقافية المجردة ما لم يكن قبل رويها ردف ولا تأسيس، والمراد بالقافية الموصولة من غير خروج ما كان بعد رويها حرف واحد مما يسمى وصلا مثل منزلا منزلو منزله بالهاء الساكنة المتحرك ما قبلها، وبالقافية الموصولة مع الخروج ما كان بعد رويها هاء متحركة مع حرف إشباعي مثل منزلها منزلو منزلهي، وذلك الحرف يسمى خروجا، وحركة هاء الوصل نفاذا فهذه أنواع تسعة للقافية غير ما تقدمت. المجرد مثل منزل والمردف مثل عماد عمود عميد، ومثل قول قيل والمؤسس مثل عامد ثلاثيها مع التقييد وهو أن لا تجري الأواخر، ثم هذه الثلاثة مع الوصل بلا خروج، وذلك بأن تجري الأواخر بأن تحركها ملحقا إما ألفا أو واوا أو ياء مدتين أو هاء ساكنة مثل منزلا منزلو منزلي منزله منزله منزله في المجرد ومثل عمادا عمادو عمادي عماده في المردف، وعلى هذا أخواته في الردف كالعمود والعميد وكالقول والقيل، ومثل عامدا عامدو عامدي عامده في المؤسس، ثم هذه الثلاثة موصولة مع الخروج مثل منزلها منزلهو منزلهي في المجرد وعمادها، وكذلك الأخوات عمودها عميدها قولها قيلها وعمادهو وعمادهي في المردف، ومثل عامدها أو عامدهو أو عامدهي في المؤسس ولابد فيما ذكرنا أن القافية كذا من أن يكون محمولا على قافية الأشعار في المشهور وإلا لم يصح تسمية القافية قافية في مثل قولي: ما دون الساكنة مثل طلحة وحمزة ومثل غلامه وضربه، فإن كل واحد من ذلك يسمى وصلا لا رويا وكثيراً ما تجري الألف والواو والياء الأصول مثل سري ويسرو ويسرى، والهاء الاصلي مثل أشبه أعمه مجرى الحروف الإشباعية والقائمة، مقامها، وذلك أثناء القصائد على سبيل التوسع، والمراد بالقافية المقيدة ما كان رويها ساكنا مثل: وقاتم الأعماق خاوي المخترق. وحركة ما قبل الروي المقيد يسمى توجيها، وبالقافية المطلقة ما كان رويها متحركا مثل. قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلي: وحركة الروي تسمى مجرى، والمراد بالقافية المردفة ما كان قبل رويها ألفا مثل عمادا أو واوا أو ياء مدتين مثل عمود عميد أو غير مدتين مل قول قيل وتسمى كل من هذه الحروف ردفا، وحركة ما قبل الردف حذوا والردف بالألف لا يجامعه الردف بغيرها بخلاف الواو والياء فإن الجمع بينهما غير معيب والردف بالواو والياء المدتين لا يجامعه الردف بالواو والياء غير المدتين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 572 والمراد بالقافية المؤسسة ما كان قبل رويها بحرف واحد ألف والروي وتلك الألف من كلمة واحدة مثل عامدا، أما إذا كانتا في كلمتين كنت بالخيار إن شئت ألحقت ذلك بالتأسيس، وإن شئت لم تلحقه اللهم إلا إذا نزلنا منزلة كلمة واحدة للوجوه المعلومة في ذلك في علم النحو فيكون الحكم للتأسيس، وتسمى هذه الألف التأسيس والفتحة قبلها رسا والحرف المتوسط بين هذه الألف وبين الروي تسمى هذه الألف وبين الروي تسمى الدخيل وحركته إشباعا، والمراد بالقافية المجردة ما لم يكن قبل رويها ردف ولا تأسيس، والمراد بالقافية الموصولة من غير خروج ما كان بعد رويها حرف واحد مما يسمى وصلا مثل منزلا منزلو منزله بالهاء الساكنة المتحرك ما قبلها، وبالقافية الموصولة مع الخروج ما كان بعد رويها هاء متحركة مع حرف إشباعي مثل منزلها منزلو منزلهي، وذلك الحرف يسمى خروجا، وحركة هاء الوصل نفاذا فهذه أنواع تسعة للقافية غير ما تقدمت. المجرد مثل منزل والمردف مثل عماد عمود عميد، ومثل قول قيل والمؤسس مثل عامد ثلاثيها مع التقييد وهو أن لا تجري الأواخر، ثم هذه الثلاثة مع الوصل بلا خروج، وذلك بأن تجري الأواخر بأن تحركها ملحقا إما ألفا أو واوا أو ياء مدتين أو هاء ساكنة مثل منزلا منزلو منزلي منزله منزله منزله في المجرد ومثل عمادا عمادو عمادي عماده في المردف، وعلى هذا أخواته في الردف كالعمود والعميد وكالقول والقيل، ومثل عامدا عامدو عامدي عامده في المؤسس، ثم هذه الثلاثة موصولة مع الخروج مثل منزلها منزلهو منزلهي في المجرد وعمادها، وكذلك الأخوات عمودها عميدها قولها قيلها وعمادهو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 573 وعمادهي في المردف، ومثل عامدها أو عامدهو أو عامدهي في المؤسس ولابد فيما ذكرنا أن القافية كذا من أن يكون محمولا على قافية الأشعار في المشهور وإلا لم يصح تسمية القافية قافية في مثل قولي: حتام تنكر قدري أيها الزمن ... بغيا وتوغر صدري أيها الزمن أما يهمك شيء غير غدرك بي ... ماذا استفدت بغدري أيها الزمن قل لي على كم أرى الأحداث ترشقني ... قد عيل صبري أتدري أيها الزمن أرى بدورا لأقوام طلعن لهم ... إلا طلوع لبدري أيها الزمن فصل وإذا وقفت على ما تلى عليك فاعلم أن الشعر لما كان المطلوب به الوزن، وقد كان مرجع الوزن على رعاية التناسب في الصوت، ومن المعلوم أن الأمور بخواتيمها ناسب لذلك رعاية مزيد التناسب في القوافي التي هي خوانيم أبيات القصيدة أو القطعة فعيب تحريك الروي المقيد أو هاء الوصل الساكنة متى أخل بالوزن مثل: وقانم الأعماق خاوي المخترقن ومثل تنفش الخيل ما لا تغزلهو وسمي الأول غلوا. والثاني تعديا وعيب اختلاف الوصل وسمي مثل منزلو مع منزلي إقواء ومثل منزلا مع منزلي إصرافا وهو أعيب وصحة اجتماع الواو والياء في الردف دون الألف والواو أو الياء تنبهك على ذلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 574 وعيب اختلاف التوجه مثل حرم بضم الراء مع حرم أو حرم بغير ضمها عند التقييد، وفي الأصحاب من لا يعده عيبا لكثرة وروده في الشعر والأقرب عده عيبا، وكذلك عيب اختلاف الإشباع مثل كامل بكسر الميم مع تكامل أو تكامل بغير كسرها وكذلك عيب الاختلاف بالتجريد والردف مثل تعصه مع توصه أو التأسيس مثل منزل مع منازل وبالردف بالمد وغير المد مثل قول بضم القاف مع قول بفتحها وهو اختلاف الحذو وجمعت هذه العيوب تحت اسم السناد، ثم عيب أيضا اختلاف الرويين مثل كرب بالباء مع كرم بالميم أو كرخ بالخاء وسمي هذا العيب في المتقاربي المتأخرين كالباء والميم اكتفاء وفي المتباعديهما كالياء والخاء إجازة بالراء والزاي وهو أعيب لكون التفاوت ها هنا أكبر. ومن العيوب الإيطاء وهو إعادة الكلمة التي فيها الروي إعادة بلفظها ومعناها في القصيدة نحو رجل رجل فإنه إيطاء بالاتفاق دون نحو رجل الرجل، ففي الأصحاب من لا يعده إيطاء لقوة اتصال حرف التعريف بما يدخل فيه ونزول المعرف لذلك منزلة المغاير للمنكر وعيب الإيطاء بتقارب المسافة بين كلمتي الإيطاء أما إذا طالت القصيدة وتباعدت المسافة بين الكلمتين فقلما يعاب لاسيما إذا استعملت إحدى كلمتي الإيطاء في فن من المعاني وأخراهما في فن آخر هذه العيوب ظاهرة الرجوع على القافية على ما ترى. وفي العيوب عيب يسمى نفادا، وهو تغيير العروض تغييرا غير ومعتاد في موضعه مثل قوله: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 575 جزى الله عبسا عبس بن بغيض ... جزاء الكلاب العاويات وقد فعل أو مثل قوله: أفبعد مقتل مالك بن زهير ... ترجو النساء عواقب الأطهار لك أن تنظمه في سلك عروض القافية نظرا على محل العروض محل صالح للقافية بوساطة التصريع. وأما التضمين المعدود في العيوب، وهو تعلق معنى آخر البيت بأول البيت الذي يليه على نحو قوله: وسائل تميما بنا والرباب ... وسائل هوازن عنا إذاما لقيناهم كيف نعلو لهم ... ببيض تفلق بيضا وهاما فعلقه على القافية على ما ترى، وكما أن النقصان في رعاية التناسب على ما رأيت عد عيبا عدت الزيادة في رعايته فضيلة، وكذا التزام الدخيل حرفا معينا عد فضيلة وسمي كل واحد منهما إعناتا ولزوم ما لا يلزم. واعلم أن لك في كثير من عيوب القافية أن تكسوها بهذا الطريق ما يبرزها في معرض الحسن مثل أن تشرع في اختلاف التوجيه فتضم ثم تكسر ثم تفتح أو أي وضع شئت غير ما ذكرت ثم تراعى ذلك الوضع على آخر القصيدة، أو في اختلاف الإشباع أو غيرهما كما فعل الخليل قدس الله روحه بالتضمين حيث التزمه فانظر كيف ملح ذلك: يا ذا الذي في الحب يلحى أما ... والله لو حملت منه كما حملت من حب رخيم لما ... لمت على الحب فدعني وما أطلب أني لست أدري بما ... أحببت إلا أنني بينما أنا بباب القصر في بعض ما ... أطلب من قصرهم إذ رمى شبه غزال بسهام فما ... أخطأ سهماه ولكنما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 576 عيناه سهمان له كلما ... أراد قتلي بهما سلما وكما اتفق التزامه في اختلاف الوصل في القطعة التي يرويها الأصمعي عن أعرابي بالبادية كان يصلي ويقول، وهي: أتنعم أولاد المجوس وقد عصوا ... وتترك شيخا من سراة تميم فإن تكسني ربي قميصا وجبة ... أصلي صلاتي كلها وأصوم وإن دام لي العيش يا رب هكذا ... تركت صلاة الخمس غير ملوم أما تستحي يا رب قد قمت قائما ... أناجيك عريانا وأنت كريم فانصف كيف كسر شوكة العيب، ولنكتف بهذا القدر من فصول من النظم منتقلين عنها على الفن الثاني وأنه خاتمة مفتاح العلوم في إرشاد الضلال بدفع ما يطعنون به في كلام رب العزة علت كلمته من جهات جهالاتهم، ونحن نقدم كلاما يكشف لك عن ضلالهم في مطاعنهم على سبيل الإطلاق ثم نتبعه الكلام المفصل بعون الله تعالى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 577 نقول لهؤلاء وإنا لنعرف مرمى غرضهم فيما يريشون من النبال يمنون ما دون نيله خرط القتاد بل ضرب أسداد على أسداد " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " قدروا معشر الضلال إذ عشش الجهل في نفوسكم وباض وفرخ الباطل في ضمائركم وعميتم أبصارا وبصائر فما اهتديتم تقديرا باطلا أن محمدا عليه السلام ما كان نبيا وقدروا أن القرآن كلامه أفعميتم أن تدركوا ضوء النهار بين أيديكم ان قد كان أفصح العرب وأملكهم لزمام الفصاحة والبلاغة غير مدافع ولا منازع وكلام مثله حر أن يجل عن الانتقاد فضلا أن يحدو لثامه عن الزيف لدى النقاد فالقرآن الذي زعمتموه كلامه أما كان يقتضي بالبيت أن يكون أحرى كلامه على الاستقامة لفظا وإعرابا وفصاحة وبلاغة وسلامة عن كل مغمز وحقيقا بأن يكتب على الحدق بذوب الذهب فإذ قد جهلتم حقه هناك أما اقتضى لا أقل أن يلين شكيمتكم ليخلص منكم كفافا لا عليه ولا له ثم قدروا حيث أعماكم الخذلان وأمطاكم ظهر السفه أنه ما كان أفصح العرب وأنه كآحاد الأوساط قد تعمد ترويج كلامه، أما كان لكم في أنه مروج والعياذ بالله وازع يزعكم أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 578 تجازفوا فالمروج كما لا يخفى وإن صادف الشمل سكرى تدير عليهم الغباوة كؤوسها وجثثا تغرز في سنة من الغفلة رءوسها يحتاط فيما يتعمد رواجه عليهم لا يألوا فيه تهذيبا وتنقيحا فكيف إذا صادفه مشتملا على إيقاظ متفطنين لا يبارون قوة ذكائه وإصابة حدس وحدة ألمعية وصدق فراسة يخبرون عن الغائب بقوة ذكائهم كأن قد شاهدوه يصف لهم الحدس الصائب حال الورد قبل أن يردوه ويثبتون أبعد شيء بحدة ألمعيتهم كأن ليس ببعيد وينظم لهم المجهول صدق فراستهم في سلك المعروف منذ زمان مديد كما يحكى أن سليمان بن عبد الملك أتى بأسارى من الروم وكان الفرزدق حاضرا فأمره سليمان بضرب واحد واحد منهم فاستعفى فما أعفى وقد أشير على سيف غير صالح للضرب ليستعمله فقال الفرزدق بل أضرب بسيف أبي رغوان مجاشع: يعني سيفه وكأنه قال لا يستعمل ذلك السيف إلا ظالم أو ابن ظالم ثم ضرب بسيفه الرومي واتفق أن نبا السيف فضحك سليمان ومن حوله فقال الفرزدق: أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم ... خليفة الله يستسقى به المطر لم تنب سيفي من رعب ولا دهش ... عن الأسير ولكن أخر القدر ولن يقدم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمامة الذكر ثم أغمد سيفه وهو يقول: ما إن يعاب سيد إذا صبا ولا يعاب صارم إذا نبا ولا يعاب شاعر إذا كبا ثم جلس يقول كأني بابن المراغة قد هجاني فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 579 بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم وقام وانصرف وحضر جرير فخبر ولم ينشد الشعر فأنشأ يقول: بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم فأعجب سليمان ما شاهد ثم قال يا أمير المؤمنين كأني بابن القبر قد أجابني فقال: ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم ثم أخبر الفرزدق بالهجو دون ما عداه فقال مجيبا: كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط التمائم ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم وهل ضربة الرومي جاعلة لكم ... أبا عن كليب أو أخا مثل دار وما يحكى أن ذا الرمة استفرد جريرا في قصيدته التي مستهلها: نبت عيناك عن طلل بحزوى ... عفته الريح وامتنح القطارا فأرفده عدة أبيات لها، وهي هذه: يعد الناسبون على تميم بيوت المجد أربعة كبارا يعدون الرباب وآل بكر وعمراً ثم حنظلة الخيارا ويذهب بينها المرئي لغوا كما ألغيت في الدية الحوارا فضمنها القصيدة، وهي اثنتان وخمسون قافية ثم مر به الفرزدق فاستنشهده إياها فأخذ ينشدها والفرزدق يستمع لا يزيد على الاستماع حتى بلغ هذه الأبيات الثلاثة استعادها منه الفرزدق مرتين ثم قال له والله علكهن من هو أرشد لحيين منك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 580 وما يحكى أن عمر بن لحاء أنشد جريرا شعرا فقال ما هذا شعر شعرك هذا شعر حنظلي ولا تسل عن فطانتهم المنتبهة على الزمزمة اللطيفة وحدة نظرهم الدراكة للمحة الضعيفة كما يترجم عن ذلك الروايات عنهم المشهورة، يروى أن فزاريا ونمريا تسايرا فقال الفزاري للنميري غض لجام فرسك فقال إنها مكيوتة وإنما أراد الفزاري ما قيل في بني نمير: فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا وإنما عني النميري ما قيل في بني فزارة لا تأمن فزاريا ياخلوت به ... على قلوصك وأبكتها بأسيار وأن واحداً من بني نمير وهو شريك النميري لقي رجلا من تميم فقال له التميمي يعجبني من الجوارح البازي، قال شريك وخاصة ما يصيد القطا، أراد التميمى بقوله البازي: أنا البازي المطل على نمير ... أتيح من السماء له انصبابا وعني شريك بذكر القطا قول الطرماح: تميم بطرق اللؤم أهدي من القطا ... ولو سلكت سبل المكارم ضلت وأن معاوية قال للأحنف ما الشيء الملفف في البجاد فقال السخينة وإنما أراد معاوية قول القائل: إذا ما مات ميت من تميم ... فسرك أن يعيش فجيء بزاد بخبز أو بتمر أو بسمن ... أو الشيء الملفف في البجاد تراه يطوف في الآفاق حرصا ... ليأكل رأس لقمان بن عاد وكان الأحنف من تميم، وإنما أراد الأحنف بالسخينة وهي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 581 حساء يؤكل عند غلاء السعر وكانت قوم معاوية تقتصر عليه رماهم بالبخل. وأن رجلا من بني محارب دخل على عبد الله بن يزيد الهلالي فقال عبد الله ما لقينا البارحة من شيوخ محارب ما تركونا ننام، وأراد قول الأخطل: تكش بلا شيء شيوخ محارب ... وما خلتها تريش ولا تبري ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت ... فدل عليها صوتها حية البحر فقال أصلحك الله أضلوا البارحة برقعا فكانوا في طلبه، أراد قول القائل: لكل هلالي من اللؤم برقع ... ولابن يزيد برقع وجلال وأن رجلا وقف على الحسن بن الحسن البصري رحمهما الله فقال أعتمر أخرج أبادر فقال كذبوا عليك ما كان ذلك فإن السائل أراد أعثمان أخرج أباذر، وأن الحسن بن وهب نهض ذات ليلة من مجلس ابن الزيات فقال سحير أي بت بخير فقال له ابن الزيات بنية: أي بت به، وما ظنك بكياسة جيل قد بلغت من الدهاء نساؤهم على حد نقدهن للكلام ما يحكى أنشدت واحدة وكانت الخنساء: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما فقالت أى فخر يكون في أن له ولعشيرته ولمن ينضوي إليهم من الجفان ما نهايتها في العدد عشر وكذا من السيوف ألا أستعمل جمع الكثرة الجفان والسيوف وأي فخر في أن تكون جفنة وقت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 582 الضحوة وهو وقت تناول الطعام غراء لامعة كجفان البائع أما يشبه أن قد جعل نفسه وعشيرته بائعي عدة جفنات ثم أنى يصلح للمبالغة في التمدح بالشجاعة وأنه في مقامها يقطرن دما كان يجب أن يتركها على أن يسلن أو يفضن أو ما شاكل ذلك، وقد اجتمع راوية جرير، وراوية كثير، وراوية نصيب وأخذ يتعصب كل واحد لصاحبه ويجمع له في البلاغة قصب الرهان فحكموا واحدة وكانت السيدة سكينة فقالت لراوية جرير. أليس صاحبك القائل: طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام وأي ساعة أولى بالزيارة من الطروق، قبح الله صاحبك وقبح شعره ثم قالت لراوية كثير أليس صاحبك الذي يقول: يقر بعيني ما يقر بعينها ... وأحسن شيء ما به العين قرت وليس شيء أقر لعيونهن من النكاح فيحب صاحبك أن ينكح قبح الله صاحبك وقبح شعره ثم قالت لراوية جميل أليس صاحبك الذي يقول: فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... وأن طلابيها لما فات من عقلي فما أرى لصاحبك هوى إنما طلب عقله قبح الله صاحبك وقبح شعره، ثم قالت لراوية نصيب أليس صاحبك الذي يقول: أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فيا ويح نفسي من يهيم بها بعدي أما كان لصاحبك الديوث هم إلا هم من يهيم بها قبح الله صاحبك وقبح شعره ألا قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 583 أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي خلة بعدي وفي الحكايات كثرة والمقصود مجرد التنبيه وليس الري عن ارتشاف هذا وإن ارتكبتم حيث انتهيتم من السفه ويبس الثرى بينكم وبين نظر العقل على هذه الغاية أن قد احتاط لكن لم يجد عليه كان الفضل للبهائم عليكم حيث ترون أضل الخلق عن الاستقامة في الكلام إذا اتفق أن يعاود كلامه مرة بعد أخرى لا يعدم أن يتنبه لاختلاله فيتداركه ثم لا نرون أن تنزلوا لا أقل تلاوة النبي عليه الصلاة والسلام للقرآن نيفا وعشرين سنة منزلة معاودة جهول لكلامه فتنظموا القرآن في سلك كلام متدارك الخطأ فتمسكوا عن هذيانكم ثم إذ مسخكم الجهل هذا المسخ وبرقع عيونكم على هذا الحد وملك العمى بصائركم وأبصاركم على ما نرى فقدروا ما شئتم قدروا إن لم يكن نبيا وقدروا إن كان نازل الدرجة في الفصاحة والبلاغة وقدروا إن لم يكن يتكلم إلا أخطأ وقدروا أنه ما كان له من التمييز ما لو زحى عمره على خطأ لا يشتبه عليكم أنتم لما تنبه لذلك الخطأ ولكن قولوا في هذه الواحدة وقد ختمنا الكلام معكم إذ لا فائدة أو قد بلغتم من العمى على حيث لم تقدروا أن يتبين لكم إن عاش مدة مديدة بين أولياء وأعداء في زمان أهله من سبق ذكرهم فقدرتموه لم يكن له ولي فينبه فعل الأولياء إبقاء عليه أن ينسب على نقيصة ولا عدو فينص عليه تليله من جانب المغمز وضعا منه فعل الأعداء فيتداركه من بعده بتغيير سبحان الحكيم الذي يسع حكمته أن يخلق في صور الأناسي بهائم أمثال الطامعين أن يطعنوا في القرآن ثم الذي يقضي منه العجب أنك إذا تأملت هؤلاء وجدت أكثرهم لا في العير ولا في النفير ولا يعرفون قبيلا من دبير أين هم عن تصحيح نقل اللغة أين هم عن علم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 584 الاشتقاق أين هم عن علم التصريف أين هم عن علم النحو أين هم عن علم المعاني أين هم عن علم البيان أين هم عن باب النثر أين هم عن باب النظم ما عرفوا أن الشعر ما هو ما عرفوا أن الوزن ما هو ما عرفوا ما السجع ما القافية ما الفاصلة أبعد شيء عن نقد الكلام جماعتهم لا يدرون ما خطأ الكلام وما صوابه ما فصيحه وما أفصحه ما بليغه وما أبلغه ما مقبوله وما مردوده وأين هم عن سائر الأنواع إذا جئتهم من علم الاستدلال وجدت فضلاءهم غاغة ما تعلك إلا أليفاظا وإذا جئتهم من علم الأصول وجدت علماءهم مقلدة ما حظوا إلا بشم روائح وإذا جئتهم من نوع الحكمة وجدت أئمتهم حيوانات ما تلحس إلا فضلات الفلسفة وهلم جرا من آخر وآخر لا إتقان لحجة ولا تقرير لشبهة ولا عثور على دقيقة ولا اطلاع على شيء من أسرار ثم ها هم قد أولا كم سودوا من صفحات القراطيس بفنون هذيانات ولربما ابتليت بحيوان من أشياعهم يمد عنقه مد اللص المصلوب وينفخ خياشيمه شبه الكير المستعاد ويطيل لسانه كالكلب عند التثاؤب آخذا في تلك الهذيانات الملوثة لصماخ المستمع ما أحلم إله الخلق لا إله إلا أنت تعاليت عما يقول الظالمون علواً كبيرا، هذا لبيان ضلالهم على سبيل الإطلاق فيما يوردون من المطاعن في القرآن، ولقد حان أن نشرع في الكلام المفصل فنقول وبالله التوفيق إن هؤلاء ربما طعنوا في القرآن من حيث اللفظ قائلين فيه مقاليد جمع إقليد وهو معرب كليد وفيه إستبرق وهو معرب إسطبر وفيه سجل وأصله سنك كل فأنى يصح أن يكون فيه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 585 هذه المعربات، ويقال قرآن عربي مبين فنقول قدروا لجهلكم بطرق الاشتقاق وأصول علم الصرف أن لا مجال لشيء مما ذكرتم في علم العربية أفجهلتم نوع التغليب فما أدخلتموها في جملة كلم العرب من باب إدخال الأنثى في الذكور وإبليس في الملائكة على ما سبق وربما طعنوا فيه من حيث الإعراب قائلين فيه إن هذان لساحران. وصوابه أن هذين لوقوعه اسما لأن وفيه إن الذين آمنوا والذين آمنوا والذين هادوا والصائبون وصوابه والصائبين لكونه معطوفا على اسم أن قبل مضي الجملة، وفيه لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة وصوابه والمقيمون لكون المعطوف عليه مرفوعا لا غير وفيه قواريرا قوارير وسلاسلا وأغلالا وصوابهما قوارير وسلاسل غير منونين لامتناعهما عن الصرف، وهذه وأمثالها مما يقال فيها لصاحبها سمعت شيئاً وغابت عنك أشياء أخدم علم النحو يطلعك على استقامة جميع ذلك وربما طعنوا فيه من جهة المعنى بأنحاء مختلفة: منها أنهم يقولون أنتم تدعون أن القرآن معجز بنظمه وأن نظمه غير مقدور للبشر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 586 وتعتقدون أن الجن والإنس لئن اجتمعوا على أن يأتوا بثلاث آيات لا يقدرون على ذلك وتحتجون لذلك بأن أهل زمان النبي كانوا الغاية في الفصاحة والبلاغة ثم تحدوا تارة بعشر سور وأخرى بواحدة بالإطلاق وفي السور إنا أعطيناك فلو أنهم قدروا على مقدارها وهي ثلاث آيات لكانوا بالمتحدى به وقرآنكم يكذبكم في ذلك ويشهد أن نظم الآيات الثلاث بل الثلاثون بل الأكثر لا يعوز الفصيح فصلاً أن يعوذ الأفصح ولو كان وحده فضلا إذا ظاهره الإنس والجن فإما دعواكم باطلة وإما شهادة قرآنكم كاذبة ووجه شهادته لما ذكرنا أن في قرآنكم حكاية عن موسى وأخي هرون هو أفصح مني لسانا ثم فيه حكاية عن موسى قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري على قوله إنك كنت بنا بصيرا وهذه إحدى عشرة آية فإذا قدر فصيح واحد على نظم إحدى عشرة آية في موضع واحد أفلا يكون الأفصح أقدر وإن كان واحداً على أكثر فكيف إذا ظاهره في ذلك الإنس والجن فيقال لهم متى صح أن ينزل ما تقوله على لسان صاحبك من معنى على لسان نسق مخصوص إذا سمعه قال كنت أريد أن أقول هكذا وما كان يتيسر لي منزلة قوله المقول اندفع الطعن، على أن القول المنصور عندنا في المتحدى به إما سورة من الطوال وإما عشر من الأوساط، ومنها أنهم يقولون أنا نرى المعنى يعاد في قرآنكم في مواضع إعادة على تفاوت في النظم بين حكاية وخطاب وغيبة وزيادة ونقصان وتبديل كلمات فإن كان النظم الأول حسنا لزم في الثاني الذي يضاد الأول بنوع من الزيادة أو النقصان أو غير ذلك أن يكون دونه في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 587 الحسن، وفي الثالث الذي يضاد الأولين بنوع مضادة أن يكون أدون وقرآنكم مشحون بأمثال ما ذكر فكيف يصح أن يدعى في مثله أن كله معجز والإعجاز يستدعي كونه في غاية الحسن لا أن يكون دونها بمراتب، من ذلك ما ترى في سورة آل عمراً ن كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب وفي سورة الأنفال " كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب " وبعده كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين فنقول لهم الذي ذكرتموه من لزوم التفاوت في الحسن يسلم لكم إذا فرض ذلك التفاوت في المقام الواحد لامتناع انطباق المتضادين على شيء واحد أما إذا تعدد المقام فلا لاحتمال المقامات وصحة انطباق كل واحد على مقامه، ونحن نبين لكم انطباق ما أوردتموه من السور الثلاث على مقاماتها بإذن الله تعالى ليكون ذلك للمتدبر مثالا فيما سواه يحتذيه ومنارا ينتحيه فنقول كان أصل الكلام يقتضي أن يقال إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم منا شيئاً وألئك هم وقود النار كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذناهم بذنوبهم ونحن شديد والعقاب لأن الله تعالى يخبر عن نفسه والأخبار عن النفس كذا يكون، وكذلك كان يقتضي أن يقال في سورة الأنفال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 588 المنزلة عقيب هذه السورة سورة آل عمراً ن كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآياتنا فأخذناهم بذنوبهم أننا أقوياء شديد والعقاب ذلك بأننا لم نكن مغيري نعمة أنعمناها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأننا سميعون عليمون كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون لكن تركت الحكاية في لفظ منا على لفظ الغيبة في من الله تعالى على سبيل التغليظ وزيادة تقبيح الحال ثم تركت الغيبة في كذبوا بآيات الله على الحكاية في لفظ بآياتنا تطبيقا لجميع ذلك على قوله " إن الذين كفروا " متروك المفعول، وذلك أنه حين ترك المفعول احتمل الغيبة وهو أن يكون المراد إن الذين كفروا بالله على سبيل إظهار التعظيم في لفظ الغيبة كما تقول الخلفاء يشير الخليفة على كذا ويشير أمير المؤمنين واحتمل أيضا الحكاية لأن أصل الكلام يقتضيها وأن تكون بلفظ الجماعة لإظهار التعظيم أيضا ويكون المراد كفروا بآياتنا فلما احتمل الوجهين طبق عليهما من بعد ذلك ولما كان لفظة الله مع لفظة الكفر حال إرادة التغليظ آثر قيل بعد قوله كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله دون أن يقال منا وحين أوثرت الغيبة هاهنا تعينت الحكاية في كذبوا بآياتنا ثم لما وفي الكلام حقه في الاعتبارين رجع على الغيبة فقيل فأخذهم الله دون أن يقال فأخذناهم لما كان في لفظة الله ها هنا من زيادة المطابقة لموضعه ألا ترى أنه لو قيل فأخذناهم لكان تابعا لقوله كذبوا بآياتنا وكان ظاهر الكلام أن الآخذ هو المكذب بآياته وحيث قيل فأخذهم الله تبع قوله كفروا بآيات الله فصار ظاهر الكلام أن الآخذ هو المكفور به ففي الأول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 589 المأخوذ وصفه مكذب بآيات الله، وفي الثاني وصفه كافر بالله ولا شبهة أن الثاني آكد، ثم قيل " فأخذهم الله بذنوبهم " وأريد تذييل الكلام طبق على لفظة الله فقيل " والله شديد العقاب " وأما قوله في سورة الأنفال " كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله " فلم يقل بآياتنا إذ لم يكن قبله ما يحتمل الحكاية مثل احتمال ما نحن فيه لها، ألا ترى أنه ليس هناك إلا قوله " ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا " ويكون الملائكة يضربون وجوههم كلاما مستأنفا مبنيا على سؤال مقدر كأنه قيل ماذا يكون حينئذ، فقيل الملائكة يضربون فلا يحتمل على هذا التقدير إلا الغيبة وهو " ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا به " وإنما يحتمل الحكاية على التقدير الآخر في أحد الوجهين فلا يخفي ضعفه فلضعف احتمال الحكاية تركت وبني الكلام على الغيبة، وأما اختيار لفظة كفروا على لفظ كذبوا فلأن الآية وهي " كدأب آل فرعون " لما أعيدت دلت إعادتها على أن المراد التأكيد لبيان قبح حالهم فكان التصريح بالكفر أوقع، ولما صرح بالكفر بعد التأكيد بالإعادة لا جرم أكد الكلام بعد ذلك فقيل " إن الله قوي شديد العقاب " وأما قوله تعالى ثالثا " كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم " فتركت الحكاية للوجه المذكور في كفروا بآيات الله، وأما اختيار لفظة كذبوا على كفروا فلأن هذه الآية لما بنيت على قوله " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 590 وكان المعنى ذلك العذاب أو ذلك العقاب كان بسبب أن غيروا الإيمان على الكفر فغير الله الحكم بل كانوا كفارا قبل بعثة الرسل وبعدهم وإنما كان تغير حالهم أنهم كانوا قبل بعث الرسل كفارا فحسب وبعد بعثة الرسل صاروا كفارا مكذبين فبناء هذه الآية على قوله " ذلك بأن الله لم يك مغيرا " اقتضى لفظة كذبوا بآيات ربهم، وما اختيار لفظ الرب على الله فلأنه صريح في معنى النعمة فلما غيروا بتضاعف الكفر وهو التكذيب اقتضى التصريح بما يفيد زيادة التشنيع، وأما الحكاية في فأهلكناهم فللتفنن في الكلام ولئلا يخلو عما هو أصل الكلام. ومنها أنهم يقولون أدنى درجات كون الكلام معجزا أن لا يكون معيبا وقرآنكم معيب فأنى يكون صالحا للإعجاز، ويقولون في الآيات المتشابهة قدروا أنها تستحسن فيما بين البلغاء لمجازاتها واستعاراتها وتلويحاتها وإيماآتها وغير ذلك وكن جهاتها في الحسن هناك إذا استتبعت مضادة المطلوب بتنزيله إغواء الخلق بدل الإرشاد أفلا يكون هذا عيبا واستتباعها للإغواء ظاهر وذلك أنكم تقولون أن القرآن كلام مع الثقلين وتعلمون أن فيهم المحق والمبطل والذكي والغبي فيقولوا إذا سمع المجسم " الرحمن على العرش استوى " أليس يتخذه عكازة يعتمد عليها في باطله فينقلب الإرشاد المطلوب به معونة في الغواية ومددا للضلال ونصرة للباطل، وكذا غير المجسم إذا صادف ما يوافق بظاهره باطله فيقال لمثل هذا القائل حبك الشيء يعمي ويصم، أليس إذا أخذ المجسم يستدل به لمذهبه، فقيل له لعل الله كذب يقول: كيف يجوز أن يكذب الله تعالى فيقال لحاجة من الحاجات تدعوه على الكذب فيقول: كيف تجوز الحاجة على الله تعالى فيقال له، أليس الله بجسم عندك وهل من جسم لا حاجة له فيتنبه لخطئه ويعود ألطف إرشاد وأبلغ هداية كما ترى هذا في حق المبطل. وأما المحق فمتى سمعه دعاه على النظر فأخذ في اكتساب المثوبة بنظره ثم إذا لم يف نظره دعاه على العلماء فيتسبب ذلك لفوائد لا تعد ولا تحد. ومنها أنهم يقولون لا شبهة في أن التكرار شيء معيب خلا عن الفائدة وفي القرآن من التكرار ما شئت ويعدون قصة فرعون ونظائرها ونحو " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وويل يومئذ للمكذبين " وغير ذلك مما ينخرط في هذا السلك فيقال لهم: أما إعادة المعنى بصياغات مختلفة فما أجهلكم في عدها تكرارا وعدها من عيوب الكلام: أليس يتخذه عكازة يعتمد عليها في باطله فينقلب الإرشاد المطلوب به معونة في الغواية ومددا للضلال ونصرة للباطل، وكذا غير المجسم إذا صادف ما يوافق بظاهره باطله فيقال لمثل هذا القائل حبك الشيء يعمي ويصم، أليس إذا أخذ المجسم يستدل به لمذهبه، فقيل له لعل الله كذب يقول: كيف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 591 يجوز أن يكذب الله تعالى فيقال لحاجة من الحاجات تدعوه على الكذب فيقول: كيف تجوز الحاجة على الله تعالى فيقال له، أليس الله بجسم عندك وهل من جسم لا حاجة له فيتنبه لخطئه ويعود ألطف إرشاد وأبلغ هداية كما ترى هذا في حق المبطل. وأما المحق فمتى سمعه دعاه على النظر فأخذ في اكتساب المثوبة بنظره ثم إذا لم يف نظره دعاه على العلماء فيتسبب ذلك لفوائد لا تعد ولا تحد. ومنها أنهم يقولون لا شبهة في أن التكرار شيء معيب خلا عن الفائدة وفي القرآن من التكرار ما شئت ويعدون قصة فرعون ونظائرها ونحو " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وويل يومئذ للمكذبين " وغير ذلك مما ينخرط في هذا السلك فيقال لهم: أما إعادة المعنى بصياغات مختلفة فما أجهلكم في عدها تكرارا وعدها من عيوب الكلام: إذا محاسني اللاتي أدل بها ... كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر أليس لو لم يكن في إعادة القصة فائدة سوى تبكيت الخصم لو قال عند التحدي لعجزه قد سبق إلي صوغها الممكن فلا مجال للكلام فيها ثانيا لكفت، وأما نحو " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وويل يومئذ للمكذبين " فمذهوب به مذهب رديف يعاد في القصيدة مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 592 كل بيت أو مذهب ترجيع القصيدة يعاد بعينه مع عدة أبيات أو ترجيع الأذكار وعائب الرديف أو الترجيع. إما دخيل في صناعة تفنين الكلام ما وقف بعد على لطائف أفانينه، وإما متعنت ذو مكابرة، ومنها أنهم يقولون: إن قرآنكم ينادي بأن ليس من عند الله وأنتم تدعون أنه من عند الله ونداه بأن ليس من عند الله من وجوه، منها أن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً وفيه من الاختلافات ما يربى على اثني عشر ألفا كما تسمع أصحاب القراآت ينقلونها إليك وهل عدد مثله لا يكثر ومبنى هذا الطعن جهلهم بالمراد من الاختلاف وذلك أن المراد به هو التفاوت في مراتب البلاغة التي سبق ذكرها في علم البيان عند تحديد البلاغة فإنك إذا استقريت ما ينسب على كل واحد من البلغاء أشعارا كانت أو خطبا أو رسائل لم تكد تجد قصيدة من المطلع على المقطع أو خطبة أو رسالة على درجة واحدة في علو الشأن فضلا أن تجد مجموع المنسوب على تلك الدرجة بل لا بد يختلف، فمن بعض فوق سماك السماء علوا، ومن بعض تحت سمك الأرض نزولا فيها ما ذلك على من به طرف بخاف وقل لي والحال ما قرئ من الروايات عن النبي عليه السلام صلوات الله وسلامه عليه " إن القرآن نزل على سبعة أحرف كلها شاف كاف، فاقرءوا كيف شئتم " هل من عاقل يذهب وهمه على نفي اختلاف القراآت لا سيما إذا انضم على ذلك ما يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال " سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وقد كان النبي عليه السلام أقرأنيها فأتيت به النبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 593 عليه السلام فأخبرت فقال له اقرأ فقرأ تلك القراءة، فقال النبي عليه السلام: هكذا نزلت، ثم قال لي اقرأ فقرأت فقال هكذا نزلت، ثم قال لي إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف " وأثوب محمل يحمل عليه قوله عليه السلام " على سبعة أحرف " ما حام حوله الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الهمذاني قدس الله روحه من أن المراد بسبعة الأحرف سبعة أنحاء من الاعتبار متفرقة في القرآن وحق تلك الأنحاء عندي أن ترد على اللفظ والمعنى دون صورة الكتابة لما أن النبي عليه السلام كان أميا ما عرف الكتابة ولا صور الكلم فيتأتى منه اعتبار صورتها راجعا على إثبات كلمة وإسقاطها وأنه نوعان: أحدهما أن لا يتفاوت المعنى مثل وما عملت أيديهم في موضع وما عملته لاستدعاء الموصول الراجع. وثانيهما أن يتفاوت مثل قراءة بعض أن الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي، وإما أن يكون راجعا على تغيير نفس الكلمة وأنه ثلاثة أنواع: أحدها أن يتغير الكلمتان، والمعنى واحد مثل ويأمرون الناس بالبخل وبالبخل برأس أخيه وبرأس وفنطرة على ميسرة وميسرة ومثل إن كانت الأزقية واحدة في موضع الأصيحة. وثانيها أن تتغير الكلمتان ويتضاد المعنى مثل إن الساعة آتية أكاد أخفيها بضم الهمزة بمعنى أكتمها وأخفيها بفتح الهمزة بمعنى أظهرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 594 وثالثها أن تتغير الكلمتان ويختلف المعنى مثل كالصوف المنفوش في موضع كالعهن المنفوش وطلع منضود في موضع طلح، وأما أن يكون راجعا على أمر عارض للفظ وأنه نوعان أحدهما الموضع مثل وجاءت سكرة الحق بالموت في موضع سكرة الموت بالحق. وثانيهما الإعراب مثل إن ترن أنا أقل وأنا أقل وهن أطهر لكم وأطهر لكم. ومنها أن قرآنكم يكذب بعضه بعضا لاشتماله على كثير من التناقض فإن صدق لزم كذبه وإن كذب لزم كذبه والكذب على الله محال قائلين بين قوله " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه أنس ولا جان " وقوله " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " وبين قوله " فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون " وقوله " فلنسئن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين تناقض ولو عرفوا شروط التناقض على ما سبقت تلاوتها عليك لما قالوا ذلك أليس من شروط التناقض اتحاد الزمان واتحاد المكان واتحاد الغرض وغير ذلك مما عرفت، ومن لهم باتحاد ذلك فيما أوردوا بعد أن عرف أن مقدار يوم القيامة خمسون ألف سنة على ما أخبر تعالى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 595 في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وعرف بالأخبار أن يوم القيامة مشتمل على مقامات مختلفة فإذا احتمل أن يكون السؤال في وقت من أوقات يوم القيامة ولا يكون في آخر أو في مقام من مقاماته ولا يكون في آخر أو بقيد من القيود كالتوبيخ أو التقرير أو غير ذلك مرة وبغير ذلك القيد أخرى فكيف يتحقق التناقض ويقولون بين قوله " لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد " وقوله " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " وقوله " هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " وقوله يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها " وبين قوله " هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون تناقض ويقولون بين قوله " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " وبين قوله " فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " تناقض، والجواب ما قد سبق ويقولون قوله " ليس لهم طعام إلا من ضريع يناقض قوله " ولا طعام إلا من غسلين جهلا منهم أن أصحاب النار أعاذنا الله منها طوائف مختلفون في العذاب فمن طائفة عذابهم إطعام الضريع لا غير ومن طائفة عذابهم إطعام الغسلين وحده ويقولون قوله " لابثين فيها أحقابا " يناقض قوله " خالدين فيها أبدا " لكون الأحقاب جمع قلة نهايته العشرة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 596 وكون مفرده وهو الحقب ثمانين سنة ورجوع نهاية الأحقاب على ثمانمائة سنة فيقال لهم أليس إذا لم يقدر فحسب مع قوله لابثين فيها أحقابا يرتفع التناقض فمن أنبأكم بتقديره ويقولون قوله " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " يناقض قوله الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة. والجواب أن التناقض إنما يلزم إذا قيل فله عشر أمثالها فحسب، ويقولون بين قوله " خلق السموات والأرض وما بينها في ستة أيام " وبين قوله " أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى على السماء وهي دخان فقال لها وللأرض أئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين " تناقض لكون عدد أيام خلق السموات والأرض وما بينهما في الأول ستة وفي الثاني ثمانية لجهلهم بالمراد من قوله " في أربعة أيام وذلك يومان مأخوذان من اليومين الأولين على ما يقال خرجنا من البلد فوصلنا على موضع كذا في يومين فذهبنا ووصلنا على المقصد في أربعة أيام مراد بالأربعة يومان مضافان على اليومين الأولين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 597 ويقولون الريح العاصفة لا تكون رخاء، ثم ريح سليمان موصوفة بهما في قرآنكم وذلك من التناقض ولا يدرون أن المراد بالرخاء نفي ما يلزم العصف عادة من التشويش ويقولون الثعبان ما يعظم من الحيات والجان ما يخف منها من غير عظم فقوله في عصا موسى مرة هي ثعبان ومرة كأنها جان من التناقض ولا يدرون أن المراد بتشبيهها بالجان مجرد الخفة ويقولون وصف القرآن بالإنزال والتنزيل من التناقض ولا يدرون أن وصفه بالإنزال إنما هو من اللوح على السماء الدنيا وبالتنزيل من السماء الدنيا على النبي عليه السلام. واعلم أن جهلهم في هذا الفن جهد لا حد له وهو السبب في استكثارهم من إيراد هذا الفن في القرآن وقد نبهت على مواقع خطئهم فتتبعها أنت، ومنها أنهم يقولون قوله " ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " كذب محض ومن ذا الذي يرضى لكلام فيه عيب الكذب أن ينسب على الله تعالى عن الكذب علواً كبيراً فإن أمره للملائكة بالسجود لآدم لم يكن بعد خلقنا وتصويرنا يقولون ذلك لجهلهم بأن المراد بقوله " خلقناكم ثم صورناكم " هو خلقنا أباكم آدم وصورناه. ومنها أنهم يقولون أنتم في دعواكم أن القرآن كلام الله قد علمهم محمدا على أحد أمرين أما أن الله تعالى جاهل لا يعلم ما الشعر وأما أن الدعوى باطلة وذلك في قرآنكم وما علمناه الشعر وأنه يستدعي أن لا يكون فيما علمه شعر ثم إن في القرآن من جميع البحور شعرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 598 فيه من بحر الطويل من صحيحه من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وزنه فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن ومن مجزوه " منها خلقناكم وفيها نعيدكم " وزنه فعلن مفاعيلن فعولن مفاعلن، ومن بحر المديد واصنع الفلك بأعيننا وزنه فاعلاتن فعلن فعلن، ومن بحر البسيط ليقضي الله أمراً كان مفعولا وزنه مفاعلن فاعلن مستفعلن فعلن، ومن بحر الوافر ويخزهم وينصركم عليه ويشف صدور قوم مؤمنين وزنه مفاعلتن فعولن مفاعلتن مفاعيلن فعولن، ومن بحر الكامل " والله يهدي من يشاء على صراط مستقيم " وزنه مستفعلن مستفعلن متفاعلن مستفعلان، ومن بحر الهزج من مجزوه تالله لقد آثرك الله علينا " وزنه مفعولن مفاعيلن فعولن ونظيره ألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ومن بحر الرجز دانية عليه ظلالها وذللت قطوفها تذليلا وزنه مفتعلن مفاعلن مفاعلن مفاعلن مفاعلن مفعولن ومن بحر الرمل وجفان كالجواب وقدور راسيات ووزنه فعلاتن فاعلاتن فعلاتن فاعلاتن ونظيره " ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك " ومن بحر السريع قال فما خطبك يا سامري وزنه مفتعلن مفتعلن فاعلن ونظيره نقذف بالحق على الباطل ومنه أو كالذي مر على قرية، ومن بحر المنسرح " إنا خلقنا الإنسان من نطفة " وزنه مستفعلن مفعولات مستفعلن ومن بحر الخفيف أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم " وزنه فعلاتن مفاعلن فعلاتن فعلاتن مفاعلن فاعلاتن ومنه لا يكادون يفقهون حديثا، وكذا قال يا قوم هؤلاء بناتي ومن بحر المضارع من مجزوه يوم التناد يوم تولون مدبرين وزنه مفعول فاعلات مفاعيل فاعلاتن، ومن بحر المقتضب " في قلوبهم مرض " وزنه فاعلات مفتعلن ومن بحر المجتث مطوعين من المؤمنين في الصدقات وزنه مستفعلن فعلاتن مفاعلن فعلاتن ومن بحر المتقارب وأملي لهم أن كيدي متين وزنه فعولن فعولن فعولن فعلون فيقال لهم من قبل أن ننظر فيما أوردوه هل حرفوا بزيادة أو نقصان حركة أو حرف أم لا ومن قبل أن ننظر هل راعوا أحكام علم العروض في الأعاريض والضروب التي سبق ذكرها أم لا ومن قبل أن ننظر هل عملوا بالمنصور من المذهبين في معنى الشعر على ما سبق أم لا يا سبحان الله قدروا جميع ذلك أشعارا أليس يصح بحكم التغليب أن لا يلتفت على ما أوردتموه لقلته ويجري لذلك القرآن مجرى الخالي عن الشعر فيقال بناء على مقتضى البلاغة وما علمناه الشعر وعلى هذا المحمل كيف يلزم شيء مما ذكرتم. وإذ قد وفق الله جلت أياديه حتى انتهى الكلام على هذا الحد فلنؤثر ختم الكلام حامدين الله ومصلين على الأخيار. بحمد الله وتوفيقه تم طبع كتاب " مفتاح العلوم " تأليف أبي يعقوب يوسف السكاكيلان، ومن بحر الهزج من مجزوه تالله لقد آثرك الله علينا " وزنه مفعولن مفاعيلن فعولن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 599 ونظيره ألقوه على وجه أبي يأت بصيرا ومن بحر الرجز دانية عليه ظلالها وذللت قطوفها تذليلا وزنه مفتعلن مفاعلن مفاعلن مفاعلن مفاعلن مفعولن ومن بحر الرمل وجفان كالجواب وقدور راسيات ووزنه فعلاتن فاعلاتن فعلاتن فاعلاتن ونظيره " ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك " ومن بحر السريع قال فما خطبك يا سامري وزنه مفتعلن مفتعلن فاعلن ونظيره نقذف بالحق على الباطل ومنه أو كالذي مر على قرية، ومن بحر المنسرح " إنا خلقنا الإنسان من نطفة " وزنه مستفعلن مفعولات مستفعلن ومن بحر الخفيف أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم " وزنه فعلاتن مفاعلن فعلاتن فعلاتن مفاعلن فاعلاتن ومنه لا يكادون يفقهون حديثا، وكذا قال يا قوم هؤلاء بناتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 600 ومن بحر المضارع من مجزوه يوم التناد يوم تولون مدبرين وزنه مفعول فاعلات مفاعيل فاعلاتن، ومن بحر المقتضب " في قلوبهم مرض " وزنه فاعلات مفتعلن ومن بحر المجتث مطوعين من المؤمنين في الصدقات وزنه مستفعلن فعلاتن مفاعلن فعلاتن ومن بحر المتقارب وأملي لهم أن كيدي متين وزنه فعولن فعولن فعولن فعلون فيقال لهم من قبل أن ننظر فيما أوردوه هل حرفوا بزيادة أو نقصان حركة أو حرف أم لا ومن قبل أن ننظر هل راعوا أحكام علم العروض في الأعاريض والضروب التي سبق ذكرها أم لا ومن قبل أن ننظر هل عملوا بالمنصور من المذهبين في معنى الشعر على ما سبق أم لا يا سبحان الله قدروا جميع ذلك أشعارا أليس يصح بحكم التغليب أن لا يلتفت على ما أوردتموه لقلته ويجري لذلك القرآن مجرى الخالي عن الشعر فيقال بناء على مقتضى البلاغة وما علمناه الشعر وعلى هذا المحمل كيف يلزم شيء مما ذكرتم. وإذ قد وفق الله جلت أياديه حتى انتهى الكلام على هذا الحد فلنؤثر ختم الكلام حامدين الله ومصلين على الأخيار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 601 بحمد الله وتوفيقه تم طبع كتاب " مفتاح العلوم " تأليف أبي يعقوب يوسف السكاكي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 602