الكتاب: الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة المؤلف: محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التِّلمساني المعروف بالبُرِّي (المتوفى: بعد 645هـ) نقحها وعلق عليها: د محمد التونجي، الأستاذ بجامعة حلب الناشر: دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع - الرياض الطبعة: الأولى، 1403 هـ - 1983 م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] ---------- الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة محمد البري الكتاب: الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة المؤلف: محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التِّلمساني المعروف بالبُرِّي (المتوفى: بعد 645هـ) نقحها وعلق عليها: د محمد التونجي، الأستاذ بجامعة حلب الناشر: دار الرفاعي للنشر والطباعة والتوزيع - الرياض الطبعة: الأولى، 1403 هـ - 1983 م عدد الأجزاء: 2   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف ... وتكادُ أن تقترف ما يُردها من المآثم لما ترى من إباحة العقل المحظور فيه ليلا ونهارا، وُمعاطاة ... في الدُّور في السواق جهازا. فجمعت جزءا كبير النفع، صغير الجرم. وعلمت أن ... ما كنتم ... العلم يبوء كاتمة بموبقات الإثم، لقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار: " مَن بَخل عن علم يعلمه فكتمه ألجم بيوم القيامة بلجام من نار. وما ينفع من العلم لا يحلُّ منعهُ. وما كلُّ علم ينبغي ... يحب ظهوره وجمعه ". وتمَّ الجزء بِمَنُورْقَةَ وكمل، وبه طالبه ابتهج وعليه اشتمل ... لنفسي، ليكثر بها في وحشة الأسر أنسى. والزمت نفسي حمد الله وشكره، " ورفعتُ " بجلاله ذكره، على ما يسَّر فيه من ذكر مناقب أحرزها خيرته من عباده الصَّفوة .... فيما يرضي بها والقدوة، المظهرون دينه بنفوس بذلت جهدها في جهد أعدائه " المفضَّلين " في أرضه وسمائه ولم أقدر على تفصُّح ما ألَّفتُ لأصلح ما وقع فيه م غلظ " لما كان " يشغلني عنه في الأسر من ذل وامتحان، فلوا أتيت فيه خطابة قُسًّ وبيان " ... " بن صُوحان لأخرس رعبه عن وضع كلمة مع أخرى لساني وأحال عن .... فلمَّا منَّ الله تعالى بفكِّ أسرى من يد العدوِّ، وصرت بعد الخوف " بهُدوٍّ " على يدي رئيس قرشيٍّ همام، أكرم به للمآثر من إمام، يحكمُ بالعدل ... يقظان للحقِّ " ... " غير نائم، ولا يخاف في الله لائم، وهو النَّقابُ الحبر .... أبو عثمان سعيد بن الوزير الأجَلِّ، الأروع، الأزهد، الأتقى، المقدس، المرحوم، .... عمر بن حكم، حرس الله به " مَنُرْقةَ " وحماها، وضاعف ببركته فيها الخيرات وأنماها، " بِرّاً ". ظاهرا ونور عدله في آفاقها زاهرا: " هو " الهُمامُ الأوحدُ الأسعدُ ... سعيدٌ الزاكي العُلا الأمجدُ " ليس " له في مَجْدِه مُشْبِهٌ ... إذْ طابَ منه الفرعُ والمحتِدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 " يؤمُّهُ خيرُ الورى منهمُ ... خيرُ الهُداةِ المُجتَبَي أحمدُ " لا " كأبي عثمانَ في مَنْسَبٍ ... به أحاطَ الفخرُ والسؤدَدُ " سامٍ " رشيدُ القولِ ذو هِمَّةٍ ... على السَّماكينِ لها مَقْعَدُ في يدِهِ اليُمنى مَنالُ المُنَى ... وفي اليسار واليُسْرُ والأَسعُدُ لقد خلا المأمونُ من حاسدٍ ... ومثلُهُ في فضلهِ يُحسَدُ " صحَّحتُ " مختبرا، ما علقت لنفسي منه، فوجدت فيه مواضع للنَّقد غير محكمة .... ، إذ متن غذ ذاك ربَّ خاطر مُقسَّم، حالف الخبال، وعقل عقل فأفسد الخيال .... عدوانه، ولا أفهم ما نقما .... .... بهيمة غررا، واتَّسقت آيات أخباره، سورا. وزدت فيها زيادات حبَّرته، وللناظر كالرَّوض أظهرته. فجاء بها رائق المعاني، محكم الرَّصف والماني، إذا تصفَّحه الأريب اللَّحن اتخذه " قريرا "، وان له على فتح ما استغلق من نسب عدنانيٍّ ظهيرا، إذ جمع ما كان في جاهلية وإسلام .... عن هداة أعلام، من عبد المطلب أبي حارث حامل لواء الفخر، شيبة " الحمد ذي " السُّؤدد والمجد، أعظم بعبد المطلب الذي أوتي ذكرانا وإناثنا، طاب خيمهم " في " المشارق والمغارب، المبارك زرعهم، ورفع في العالم العُلويِّ والسُّفليِّ ذكرهم .... إلى الله بإذنه الشاهد، البشير، النذير. وذكرت أمهات رسول الله صلى الله عليه " وسلم " .... النَّجار عن السَّفاح، من عبد الله أبيه إلى مضر المطهَّر بالإسلام، المبقى بعد ... الدائمة والأحلام. وذكرت من ولد من آبائه وإخوتهم قبائل اشتركوا معه .... منه بالقرابة والسَّبب. ففيهم هداة من الصحابة مشهورون، ونجباء في " الجاهلية " مذكرون، لا يجهل قدرهم، ولا يغيض فخرهم، ذكرا شافيا، قطع فيه أل .... الإعراض. فالمعرض عنه شُعوبيٌّ يبغض العرب لشقائه، والله معرض عنه يوم .... منه بعون الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 الله المراد، وتسَّير عرفانه المستجاد، وحسن تلاوة فعندئذ سما .... أن أهديه إلى جلال الرئيس السيد، الهمام، الأوحد، الأمجد، أبي عثمان المذكور .... وأدام لنصر الدين الحنيفيِّ أيامه الذي جَلَّى أجياد العلم بعدما ألفت العرور كلِّ مجعجع وبطل. من بذَّ الملوك عدله وسماحه، وجلَّ في مرضاته ..... خيرُ مليكٍ مَلكَ المكْرُماتْ ... كما زَكا نفساً وقدراً و " ذاتْ " أعرقَ في المجدِ لهُ مَحتِدٌ ... سَمتْ مَعاليهِ على النيِّراتْ أعظِمْ به من قُرشيٍ رِضىٍ ... له كما لاحتْ ذُكاءٌ " هباتْ " ربَّ ذَكاءٍ كم جَلا مُشْكلاً ... وكم به أوضحَ مِن " مُبْهماتْ " وذو يمينٍ عزُّها قائمٌ ... إذْ شأنُها المحمودُ بذلُ " الصَّلاتْ " في لَثْمِها العَوزُ بنَيلِ المُنَى ... والعملُ الهادي إلى " الصَّالحاتْ " أعلى بهِ اللهُ مَثارَ الهُدى ... وَخَّصهُ بالفضل " والمأْثُراتْ " ومحرز المناقب الشريفة والفضائل، المنعم لعفاته بعميم النائل، مربي .... ، الفائز بالعزَّين من مجد القلم والعامل، والمعرق في المكارم القرشية، المحابي بالمعارف .... مظهر السُّن والفرض، ومن أقرض الله أحسن القرض، ذو العقل السديد ............. عنانه، ويبهر بيانه .... وشكره، وعطَّل عنبر الشجر في مجالس الأمراء ذكره. مقامه الكريم مؤهَّل لنشر العلم والقريحة، ملأت أحاديثه الحسنة المطربة الآفاق، حتى استقرَّت في أمِّ القرى. حفظه الله من الغير ووقاه، ولحياطة هذه الجزيرة وفتح أختيها أبقاه، وأورثه أرض العدوَّ بهما وديارهم، ومحا بعواليه النافذة وقواضبه الماضية آجالهم وآثارهم، وأمدَّه بمعنونته ونصره، وأجرى المقادير مطيعة عالي أمره: هوَ الهُمامُ الأمجدُ أبْن الهُمامْ ... عن شِرعةِ الدينِ غَدا خَيرَ حامْ القُرشِيُّ المُجْتَبي للعُلى ... إذ قَومُه الصَّيدُ السَّراةُ الكِرامْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 فخرُهم بالمصطفى أحمدٍ ... المرْسَلِ المختارِ خيرِ الأنامْ مَن قادَ بالمعْجِزِ مِن قَولهِ ... إلى رضى اللهِ ودارِ السلامْ صلَّى عليهِ اللهُ ما أَشرقَتْ ... زُهْرٌ، وما انْهلَّتْ عَزاليُّ الغَمام فأَيُ فخرٍ قد سَما في السَّما ... واتِ العُلى! فَنَيلُهُ لا يُرامْ هذا الذي يُعْزَى سعيدٌ له ... أَعنى الرئيسَ الأوْحَدِيَّ الهُمامْ مَن عَزْمُه أَوضحَ سُبْلَ الهُدَى ... تَمْحَقُ بالنُّورِ دَآدي الظّلامْ بالعدلِ في الحُكمِ بدا مُغْرَماً ... إنْ غَيرُهُ بالجَور أبدى الغَرامْ نورُ التُّقى من قلبهِ مُشرِقٌ ... إذ لم يُدنَّس باكتسابِ الأَثامْ ما رُئيفي الأملاكِ مثْلٌ لهُ ... في كلِّ ما يَفعلْهُ لا يُذامْ على الذي يَرضَى به ربُّه ... له مساءاً وصباحاً مُقامْ ومَجدُه مِن قِدَمٍ راسخٍ ... حيث تَبدَّى زَمزَمٌ والمَقَامْ يَمنْحُ إحساناً ليَبْقَى لهُ ... ذُخراً ليومٍ جلَّ فيهِ القِيامْ يَبْهَرُ أربابَ النُّهى لفظُهُ ... بَعْجِزٍ من نَثرِهِ أو نظامْ أفهامُنا تَنْبو عن إدراكهِ ... عَجزاً، كما يَنْبو الحُسامُ الكَهامُ وخطُّهُ الباهِرُ دَأباً له ... بأَبدعِ الحُسنِ أَشَدُّ التِئامْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 عَدْلٌ رِضيً في الحُكمِ بَرٌّ له ... بطاعةِ اللهِ اَجلٌّ اعتصامْ حَوى سَدادَ الرأيِ في مَوطِنٍ ... بسعدِه أرجاؤه لا تُضامْ للهِ ثَغرٌ حاطَةُ سَعدُهُ ... وجأشُ قلبٍ يَقِظٍ لا يَينامْ يَفْعَلُ في يوم الوغي بأسُه ... أضعافَ ما يَفْغلُ جيشٌ لُهامْ أَرْوعُ يُحْبي الرَّوعَ أعداؤهُ ... وعزمة تَجْلو الخطوبَ العظامْ فدامَ مَحْميَّ الحِمَى ظافراً ... وللعِدى لا زالَ دَأباً سِمامْ ومثله أيده الله من بالقبول وصله، ولاستحسانه والاشتمال كما هو أهله أهَّله. إذ حلَّ عند من علم، مذ نشأ، مقداره وحقَّه. وجعل إلى تشييد معالمه الكريمة تقدُّمه وسبقه، ونشر ما طواه من غلبت شهوات الدنيا على عقله. ولم يشغل نفسه باستماع آي رشده ونقله، فإنه يروق العيون اطَّلاعه، ويستحسن غاية الاستحسان استماعه، ينتفع به الناشئ والشَّادي، ويزدان به النادي، ويقول بفضله الحاضر والبادي، وكيف لا يكون ذلك كذلك وفيه ذكر أبرار، ذكرهم يرضي الرحمن، ويرغم الشيطان؟ بهم قام دين الله وظهر، وانتشر في الآفاق واشتهر، أزكياء عدول، ما لهم عن الحقِّ عدول. فهو بحمد الله تأليف صحَّت من الصحائح آثاره، وطابت بالانتخاب من كتب التواريخ أخباره، وما اطَّلع على ما حواه من فقيه سنِّي لحن، أو عارف أديب، أريب فطن، بان له صحة ما أقول، والحق لا تنكره العقول: للهِ دَرُّ مُنصفٍ الحسدْ! ... فهْوَ مُبيرٌ للأُجورِ والجسدْ والحقُّ خيرُ مَنْهَج يُتَّبعُ ... به الإلهُ الدَّرجاتِ يرفعُ والكذب المكروهُ شَرُّ خَلَّةْ ... تولي الذي بها يَدينُ ذِلَّهْ وهانَ في الناسِ امرؤ كذابُ ... كأنَّهُ ما بيْنَهُم ذُبابُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 وصاحبُ الحقِّ عزيزٌ مُكرَمُ ... في كلِّ نادٍ قَدرُه يُعظَّمُ يا ربَّنا ارْزقْنا لهُ اتِّباعا ... واجعل لنا بفضلهِ انتفاعا وهذا التأليف أهل لخزانة هذا السيَّد الرئيس الأرضي، أعزَّ الله به الدِّين وأعلاه، وخير ما أولي عباده الصالحين أولاه، فإنه رضي اله عنه، جلب إليها من العلوم الينِّية والمعارف التاريخية والأدبية أعلاقا، وفتح منها بتصحيحه وتنقيحه أغلاقا، تعجز عمَّا حوته المدرسة النظامية ببغداد، وتنيل في الدارين المأمول لمن بمعارفها لاذ. ولم أر ملكا سنيا سواه إلى محلِّه يهدي، لمَّا منحه الله السُّلوك على الطريق الأهدى. يدأب ليله ونهاره في سنَّة يحيها، ومكرمة يعليها. ولا يزال بين يديه الكريمتين كتاب علم نافع يصلح خلله، وينشر بالرَّقم الرائق حلله، ويوضح ما أشكل منه بنقده الصحيح، وعرفانه المنتخب الصَّريح. لا يشغله عنه، رضي الله عنه، إلا نظر صالح عضد بالاجتهاد لحياطة هذا الثَّغر بأعمِّ الاستعداد، وقاه الله بحمايته وحاطه، وقرن الأمن به وناطه. والحمد لله الذي أنعم بالإيواء إلى العالي الكريم مقامه ونفع صنفنا بالمفيدين من عرفانه وإنعامه. وأبقى الله مقامه محروسا، هامي الجدا نعمة على الأولياء، نقمة على العدى بمنِّه: أياربِّ حُطْ مَغْناهُ بالْحِفظِ والسَّعدِ ... وسوَّغهُ من نُعماكَ أفضلَ ما تُسْدي فما زالَ دأباً في رضاكَ بجدةِّ ... يقومُ مقامَ الصالحينَ أُلي الرُّشدِ ونِلنا به أمناً ويُمناً وأنعُماً بها ... نحنُ يا ذا العرشِ في عيشةٍ رغْدِ وذاك بتوفيقٍ له منكَ قادَه ... إلى ما بهِ تَرضى من الشكرِ والحمدِ وجمعت هذا التأليف، وانتخبته، وانتقيته، وهذَّبته من: موطَّأ مالك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 وصحيحي البخاري ومسلم، ومسند الترمذيِّ وكتاب الشمائل له، وكتاب سنن النسائي، والمنتقي لابن الجارود، وتاريخ الطبري وسنن أبي داود، وكتاب الاستيعاب لابن عبد البر، وكتابي التقصِّي والإنباه له، والسِّير لابن إسحاق، وكتاب الأسامي والكنى لمسلم بن الحجاج، وكتاب رياضة المتعلمين لأبي نعيم الأصبهاني، وكتاب الشريعة للآجرِّي، وكتاب صفِّين لأبي منذر هشام بن محمد الكلبي وكتاب الأمثال له، وطبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب النوادر لأبي علي البغدادي، وكتاب العقد لابن عبد ربه، وكتاب منتخب نقائض جرير والفرزدق للنَّجيرمي، وكتاب أشعار الهذليين. وسميته كتاب " الجوهرة في نسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه العشرة " ووشَّحته بتنبيهات على رجال الحديث، وتعريف بهم من غير لبس ولا إشكال، ومعرَّى بالبحث عن إغفال، فجلَّ جمعه، وبورك وضعه، ونظم متفرقا من الأخبار والآثار، محررة من التطويل والإكثار. والله يجعله ابتغاء وجهه الكريم، وينفع به يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم. وقد آن أن أشرع في سياق النسب الكريم؛ نسب خاتم الأنبياء فإنه سابق إلى الفضل العميم، والمشرع الرَّواء، ثم اتبعه بعد نسب الصحابة العشرة الكرام الأبرار، المسمَّين للجنة، المصطفين الأخيار. ومن الله أسأل الإعانة على ما فيه شرعت، بعد ما ألفت مفترقة وجمعت، فإنه المعين الولَِي الكفيل، وه حسبي ونعم الوكيل. يا ربِّ يسِّر عليَّ فيه ... بالمصطفى أحمدَ الوجيهِ خَيرِ الأنامِ الرشيدِ قولاً ... أَعجزَ لُدَّاً بلا شبيهِ بدأتهُ في أجلِّ شهرٍ ... يُسدِي أجوراً لصائميهِ فمَن تَلا منه في نَدِيِّ ... جلَّ به عندَ سامعيهِ ونالَ حسنَ الثوابِ بَرٌّ ... لرفعةِ الذكرِ يَقْتنيهِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 أحببْ بما حازَ من بَيانٍ ... وما منَ الحُكم حلَّ فيهِ فانظرْ إليهِ بعينِ عزٍّ ... واشْدُدْ عليهِ يَدَيْ نَبيهِ وكُن به يا أخي ضَنينا ... خوف ضياعٍ على سَفيهِ وقلت أيضا ناظما لما تضمَّنه هذا الكتاب: هذا كتابٌ فيه آثارُ ... أَسندَها بالنَّقْلِ أَخبارُ صحَّتْ عن المختارِ مُختارةً ... وكلُّ ما يحويهِ مُختارُ وفيهِ أخبارٌ زَكا خُبْرُها ... ما شانَها في السَّردِ إكثارُ جمعتُها من كتُبٍ جَمَّةٍ ... فهْيَ لدى السُّدفةِ أنوارُ تُحْيي قلوباً بعد موتٍ كما ... تُحْيي مواتَ الأرضِ أمطارُ يا قارئاً فيهِ اسألِ اللهَ لي ... مَغفرةً، فاللهُ غَفَّارُ واجعلْهُ إنْ مُلِّكتهُ مانعاً ... عنكَ إذا بُرِّزت النارُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 ذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم للآباء الكرام، أولي المكارم والمأثرات، والأمهات العقائل المحصنات. وذكر من اشترك معه النسب من القبائل، وذكر البطون منهم والأفخاذ والفصائل، وذكر من آمن به، وصحبهم من أبنائهم السّعداء، ومن اشتهر منهم بإيمان أو منقبة في الجاهلية الجهلاء، وذكر من قتله منهم على استهزائه وكفره في غزوات أيَّده الله فيها بنصره. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدِّ بن عدنان. إلى هنا هو النسب الصحيح الذي لا اختلاف فيه بين العلماء بالأنساب. وإلى عدنان كان يعدُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى ابن الكلبيِّ عن ابن صالح عن ابن عباس، قال: كان البنيُّ عليه السلام، إذا انتهى في النسب إلى عدنان أمسك، ثم يقول: " كذب النسابون ".. وقالت عائشة رضي الله عنها: " ما وجدنا من يعرف ما وراء عدنان ولا ما وراء قحطان إلا تخرُّصا ". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " إنما ننتسب إلى عدنان، وما بعد ذلك لا أدري ما هو ". وقال ابن جريح عن القاسم بن أبي بزَّة عن عكرمة: " أضلَّت نزار نسبتها من عدنان ". ابن جريح هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح. وجريح مولى لآل خالد ابن أسيد بن أبي العيص بن أمَّية. وولد ابن جريح سنة ثمانين عام الجحاف؛ سيل كان مكة، ومات سنة خمسين ومئة. وكان ثقة عدلا، روى عنه الأئمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 والقاسم بن أبي بزَّة نسب إلى جده. واسم أبيه نافع، وجده أبو برة اسمه يسار. والقاسم هو جدُّ البزِّي القارئ الآخذ القراءة بإسناد عن ابن كثير أحد القراء السبعة. واسم البزِّي: أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن بزِّة، ويكنى البزَِّي: أبا الحسن. وتوفي بمكة بعد سنة أربعين ومئتين. وكان مقرئ أهل مكة ومؤذنهم. وجده أبو بزِّة يسار الذي يعرف به البزِّي هو مولى عبد الله ابن السائب بن صيفي. أسلم على يديه فارسي من همذان. والسائب، أبو مولاه: هو السائب بن أبي السائب المخزوميِّ، وهو شريك رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم أبي السائب: صيفي بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وقال محمد بن أحمد بن حميد القرشي العدوي: لا أعلم أحد من الشعراء بلغ في شعره عدنان إلا لبيد بن ربيعة وعباس بن مرداس السلمَّي. قال لبيد: فإنْ لم تجدْ من دونِ عدنانَ والداً ... ودون مَعَدٍّ فلتَرُعْكَ القبائلُ وقال عباس بن مرداس: وعَكُّ بنُ عدنانَ الذين تَلعَّبوا ... بغسَّانَ حتَّى " طُرِّدُوا " كلَّ مَطْرَدِ وقال أبو الأسود يتيم عروة: " سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وكان أعلم قريش بأشعارهم وأنسابهم، يقول: ما وجدنا يعلم ما وراء معدِّ ابن عدنان في شعر شاعر ولا علم عالم ". وروى ابن لهيعة عن أبي الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يقول: " ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء معدِّ بن عدنان ". ابن لهيعة: اسمه عبد الله بن لهيعة بن عقبة بن لهيعة الحضرمُّي، ويكنى، أبا عبد الرحمن، وكان ضعيفا في الحديث. ومات بمصر سنة أربع وسبعين ومئة. واسم أبي الأسود يتيم عروة: محمد بن عبد الرحمن بن الأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي. وقيل له يتيم عروة لأنه كان في حجره. لمالك عنه أربعة أحاديث مسندة، وهو من شيوخه. وجدُّه الأسود بن نوفل بن خويلد، كان من مهاجرة الحبشة، وأمه فُرَيعَة بنت عليِّ بن نوفل بن عبد مناف بن قصيٍّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 ونوفل بن خويلد بن أسد: هو ابن العدويِّة؛ عديِّ خزاعة. وهو الذي قرن أبا بكر الصدِّيق وطلحة بن عبيد الله، حين أسلما، في حبل، فكانا يسمَّيان " القرينين " لذلك. وكان من شياطين قريش، قتله علي بن أبي طالب يوم بدر. قال هذا ابن إسحاق في السيرة. وقال ابن قتيبة في كتاب " المعارف " له: " كان لطلحة بن عبيد الله أخوان: عثمان بن عبيد الله ومالك بن عبيد الله. فأما عثمان فكان له قدر في الجاهلية. وأدرك الإسلام، فأخذ طلحة وأبا بكر، فقرنهما بحبل، ولذلك سمِّيا القرينين ". وقال بعض الزبيريين في رجل من ولد طلحة، ولده أبو بكر: يا طَلْحَ يابْنَ القَرينينِ اللذين هُما ... معَ النبيِّ أذَلاً كلِّ جَبَّارِ هذا المسمَّى بفعل الخير نافلةً ... دونَ الأنام وهذا صاحبُ الغارِ وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في كتاب الصحابة: " عثمان بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله، أسلم وهاجر وصحب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا أحفظ له رواية ". وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة الذي روى عنه أبو الأسود يتيم عروة، روى عنه ابن الشهاب الزُّهري في الموطأ ما نصُّه: " مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأنَّ عمر بن الخطاب غدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمر على " الشِّفاء " أمِّ سليمان، فقال لها: لم أر سليمان في الصبح! فقالت: إنه بات يصلِّي، فغلبته عيناه. فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحبُّ إليَّ من أن أقوم ليلة ". وأبوه سليمان بن أبي حثمة: هاجر صغيرا مع أمه " الشِّفاء ". وكان من فضلاء المسلمين وصالحيهم. استعمله عمر على السوق، وجمع عليه وعلى أبيَّ بن كعب الناس ليصلِّيا بهم في شهر رمضان. والحديث بذلك في الموطأ، وهو معدود الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 في كبار التابعين. وأبو حثمة ممن اشتهر بكنيته، وهو أبو حثمة بن حذيفة بن غانم بن عبد الله بن عويج بن عديِّ بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، زوج الشِّفام أمِّ سليمان ابنه، وأخو أبي جهم بن حذيفة صاحب " الخميصة "، وحديثها مشهور. " أسلم عام الفتح "، وكذلك من جلَّة مشيخة قريش، عالما بالنسب، وعُمرِّ .... قتل يوم الحرة .... والشِّفاء هي بنت عبد الله بن عبد شمس بن خالد بن " صداد ". ويقال أن ضرار بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عديِّ بن كعب القرشية العدويَّة من المبايعات. قال احمد بن صالح المصري: " اسمها ليلى، وغلب عليها الشفاء، أمُّها فاطمة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، أخت حزن بن أبي وهب، جدُّ سعيد بن المسيَّب بن حزن، وأخت هبيرة ابن أبي وهب زوج أمِّ هانئ بنت أبي طالب. وهي بنت خال أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. أسلمت الشفاء قبل الهجرة، فهي من المهاجرات الأول. وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهنَّ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها، ويقيل عندها في بيتها. وكانت قد اتخذت له فراشا وإزارا ينام فيه. فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منها مروان. وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علِّمي حفصة رقية النَّملة كما علَّمتها الكتاب ". وأقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة دارا، فنزلتها مع ابنها سليمان. وكان عمر يقدمِّها في الرأي، ويرضاها، ويفضِّلها، وربما ولاها شيئا من أمر السوق. روى عنها ابنا ابنها سليمان: أبو بكر وعثمان. قال المؤلف غفر الله له: هذا بحث يفيد معرفة برواة الآثار وعلما، ويزيد من نظر في هذا الشأن نباهة وفهما، بليغا موجزا، جامعا لسبل الخير، محرزا. من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 طالعة أهل السنَّة دان به، وتعلَّق بالمتين سببه. والله الولُّي المعين، وبتوفيقه مناهج الرُّشد تبين. وأرجع إلى ما كنت بسبيله. قال أبو العباس محمد بن إبراهيم السرَّاج: حدثنا عبيد الله بن سعد الزُّبيريُّ، قال: نا أحمد بن محمد، قال: سمعت الشافعيَّ يقول: اسم عبد المطلب شيبة بن هاشم، وهاشم اسمه عمرو بن عبد مناف، وعبد مناف اسمه المغيرة بن قصيٍّ، وقصيٌّ اسمه زيد بن كلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤي. قال: سمعت الشافعيُّ يقول: أبو طالب اسمه عبد مناف بن عبد المطلب. عبد مناف بن قصي ويكنى أبا عبد شمس، فولد عبد مناف هاشما، والمطلب، ونوفل، وعبد شمس. وأمُّهم ما عدا نوفلا عاتكة بنت مرَّة بن هلال بن فالح بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة. وأمُّ نوفل وافدة بنت عمرو المازنيَّة، من مازن بن منصور بن عكرمة. فإما هاشم فلم يعقب من ولده غير عبد المطلب. وليس في الأرض هاشميٌّ إلا من ولد عبد المطلب، ويأتي ذكره بعد هذا. وقال شاعر من قريش، أو من بعض العرب يمدح هاشما: عَمرُو الذي هَشَم الثَّريدَ لقومهِ ... قومٍ بمكةَ مُسْنِتينَ عِجافِ سُنَّتْ إليهِ الرِّحلتانِ كلاهُما ... سَفَرُ الشتاءِ ورِحلةُ الأصيافِ وهلك هاشم بغزَّة من أرض الشام تاجرا. والمقدَّم من قريش " بنو هاشم " وهي فصيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعشيرته الأقربون، وآله الذين تحرم عليهم الصدقة. قال أهل العلم في تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحلُّ الصدقة لمحمد ولا لآل محمد " قال: هم بنو هاشم؛ آل العباس، وآل أبي طالب، وبنو أبي لهب، وبنو الحارث بن عبد المطلب، وآل عليٍّ، وآل عقيل، وآل جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 وقيل: بنو عبد المطَّلب فصيلته، وبنو هاشم فخذه، وعبد مناف بطنه، وقريش عمارته، وبنو كنانة قبيلته، ومضر شعبه. حدَّث محمد بن وضاَّح قال: نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا محمد بن مصعب، نا الأوزاعيُّ عن أبي عمَّار، عن واثلة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كناية قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ". وقال الأمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاريُّ: نا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقيُّ قال: نا الوليد بن مسلم وشعيب بن إسحاق قالا: نا الأوزاعيُّ قال: نا شدَّاد أبو عمار قال: نا واثلة بن الأسفع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى هاشما من قريش، واصطفاني من بني هاشم ". قال محمد بن عبد الله بن سنجر: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: نا الحسن ابن جعفر قال: نا أبو الصَّبهاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أهل بيتي مثل سفينة نوح؛ من ركب فيها نجا، ومن تخلَّف هلك ". وروى حمَّاد بن زيد عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله اختار العرب، ثم اختار منهم النَّضر بن كنانة، ثم اختار قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم ". وعن سفيان الثوريِّ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق الخلق، فجعلني في خير خلقه، وجعلهم أفراقا، فجعلني من خير فرقة، وجعلهم قبائل، فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتا، فجعلني في خير بيت، فأنا خيركم بيتا وخيركم نسبا ". وقال صلى الله عليه وسلم: " كلُّ سبب نسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ". وأما المطَّلب بن عبد مناف فكان يقال له " الفيض " لسماحه. وفيه قيل: " والفيض مطَّلب أبي الأضياف ". وهلك المطلب ب " ردمان " من اليمن فقال رجل من العرب يبكيه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 قَد ظَمئ الحجيجُ بعدَ المطَّلبْ بعدَ الجِفانِ والشرابِ المُنْثِعِبْ ليتَ قُريشاً بعدَهُ على نُصُبْ ومن ولده: عبيدة، والطفيل، والحصين. بنو الحارث بن المطَّلب شهدوا بدرا، وهم من المهاجرين الأولين. واستشهد عبيدة يوم بدر، قطع رجله عتبة بن ربيعة، فمات بالصَّفراء. ومن ولده مسطح بن أثاثة، واسمه عوف بن أثاثة بن عبَّاد بن المطلب. ومسطح مهاجري بدري، وهو من أصحاب الأفك. وأمه: بنت خالة أبي بكر الصديق، وأبوها أبو رهم بن المطَّلب. وأمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعيد بن تيم، أخت أمِّ الخير أمِّ أبي بكر رضي الله عنه. ومنهم ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب. وكان من أشدَّاء قريش. وخبره حين صرعه النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في بعض شعابها مشهور، وذلك قبل الهجرة. ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه. وكان إسلامه قبل فتح خيبر. وقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال الكتيبة من خيبر خمسين وسقا وروى عن النبيِّ عليه السلام. وكان لركانة ابنان: يزيد وطلحة فأما يزيد فكانت له صحبة ورواية. وروى عنه أبو جعفر محمد بن علي. وأما طلحة فولد زيد بن طلحة، وفي الموطأ عنه ما نصُّه: مالكعن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي، عن زيد بن طلحة بن ركانة، يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لكلِّ دين خلق، وخلق الإسلام الحياء ". قال الحافظ أبو عمر بن عبد البرِّ في كتاب " التقصِّي " له: هكذا الحديث في الموطأ عند الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 أكثر الرواة عن مالك. وقد أسنده بعض الرواة عن مالك. وقد ذكره في التمهيد. وأخو ركانة عُجَير بن عبد يزيد. كان ممَّن بعثه عمر فيمن أقام أعلام الحرم. وكان من مشايخ قريش وجلَّتهم. وقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتيبة من خيبر ثلاثين وسقا. وابن أخيه السائب بن عبيد بن عبد يزيد أسر يوم بدر فافتدى. ثم أسلم فقيل له " هلاَّ " أسلمت قبل أن تفتدي؟ فقال: ما كنت لأحرم المؤمنين طمعا لهم فيَّ. وابنه شافع بن السائب: إليه ينتسب الشافعي الأمام. فيقال فيه: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع. وجدُّ السائب عبد يزيد بن هاشم بن المطلب: وهو أبو ركانة. كان يقال له: " المحض لا قذى فيه "، لأنه ولده هاشما " ن "؛ هاشم بن المطلب أبوه، وهاشم بن عبد مناف أبو أمِّه، واسمها " الشفاء ". فالشافعي صريح المجد لأب وأم. وولد سنة خمسين ومئة، في السنة التي مات فيها أبو حنيفة في خلافة أبي جعفر المنصور. وتوفي بمصر سنة أربع ومئتين في خلافة المأمون. ونشأ بمكة مسقط رأسه، ورحل في طلب العلم منها إلى مالك إمام الهجرة، وقرأ عليه، وهو ابن أربع عشرة سنة، رضي الله عنه. ومن " بني " المطلب بن عبد مناف أيضا قيس بن مخرمة بن المطلب: أبو محمد، ويقال: أبو السائب، ولد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل. روي عنه أنه قال: كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لدة. وكان أحد المؤلَّفة قلوبهم، وممَّن حسن إسلامه منهم. ولم يبلِّغه رسول الله صلى الله عليه وسلم مئة من الإبل من غنائم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 حنين. وروى عنه ابنه المطلب بن عبد الله روى عنه محمد بن إسحاق في السيرة عن أبيه، عن جده قيس بن مخرمة الحديث المتقدم: " ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، فنحن لدان ". وخرَّج التَّرمذي الحديث بلفظه سواء عن محمد بن بشّار العبدي عن وهب بن جرير عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن المطلب، عن أبيه، عن جده، ولم يذكر فيه " فنحن لدان ". وكانت لقيس بن مخرمة بن المطلب بنت تسمى زينب قد صلَّت القبلتين " جميعا " مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مولاة السُّدِّي المفسِّر، أعتقت أباه. روى " أسباط " بن نصر عن السُّدي عن أبيه قال: كاتبتني زينب بنت قيس بن مخرمة من بني المطَّلب بن عبد مناف على عشرة آلاف فتركت لي ألفا. وكانت قد صلَّت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. السُّدِّي إسماعيل بنُ عبد الرحمن: سمع من أنس بن مالك، ورأى الحسين بن علي. وثَّقة شعبة " وسفيان " الثَّوريُّ ويحيى بن سعيد القطَّان وقيل له: " السدِّي " لأنه كان يبيع الخمر في سدَّة المسجد با .... وأما نوفل بن عبد مناف فمن ولده: مطعم بن عديِّ بن نوفل. وهو الذي أجاز النبي عليه السلام حين رجع من الطائف من دعاء ثقيف بعد موت أبي طالب. ذكر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف مريدا مكة مَّر به بعض أهل مكة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل أنت مبلِّغ عني رسالة أرسلك بها؟ " قال: نعم. قال: " إئت الأخنس بن شريف، فقيل له: يقول محمد: " هل أنت مجيري حتى أبلِّغ رسالات ربي؟ ". قال: فأتاه، فقال له ذلك. فقال الأخنس: إنَّ الحليف لا يجير على الصَّريح. قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره. قال: " تعود؟ " قال: نعم. قال: " إئت سهيل بن عمرو فقل له: أن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 أبلِّغ رسالات ربي؟ ". فأتاه، فقال له ذلك. قال: فقال: إن بني عامر لا تجير على بني كعب. قال: فرجع إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخبره. قال: " تعود؟ " قال: " إئت المطعم بن عديٍّ فقل له: إن محمدا يقول لك: هل أنت مجيري حتى أبلِّغ رسالات ربي؟ ". قال: نعم فليدخل. قال: فرجع الرجل إليه فأخبره. وأصبح المطعم بن عديّ قد لبس سلاحه وهو بنوه وبنو أخيه. فدخلوا المسجد، فلما رآه أبو جهل قال: أمجير أم متابع؟ قال: بل مجير. قال: أجرنا من أجرت. فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، فأقام بها. ولم يشهد المطعم بدرا مع المشركين لأنه مات بمكة مشركا في صفر قبل بدر بسبعة أشهر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنه جبير حين قفل من غزوة بدر إلى المدينة، وأتاه جبير يكلمه في أسارى بدر من مكة وهو على شركه: " لو أن أباك كان حيا، أو لو أن المطعم بن عدي كان حيا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له " جزاء ليده التي كانت له عنده حين أجاره. وكان المطعم من أشراف قريش، وممن قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم وبني المطلب بمكة، وخبرها مشهور. وابنه جُبيرُ بنُ مُطعِم: من مسلمة الفتح، وحسن إسلامه، وكان نسَّابة وتوفي بالمدينة سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة تسع وخمسين في خلافة معاوية. وهو من المؤلفة قلوبهم، وممَّن حسن إسلامه منهم، ويكنى أبا محمد. ويقال: إن أول من لبس بالمدينة طيلسانا جبير بن مطعم ويروى عن ابنه محمد ونافع الحديث. روى ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأكلمه في أسارى بدر فوافقته وهو يصلي بأصحابه المغرب أو العشاء. فسمعته وهويقرأ، وقد خرج صوته من المسجد:) إنَّ عذابَ ربِّكَ لواقعٌ مالَه من دافع (. قال: فكأنما صدع قلبي. وبعض أصحاب الزُّهري يقول في هذا الخبر: فسمعته يقرأ:) خُلقوا من غير شئ أم هُمُ الخالقون أم خَلقوا السماواتِ والأرضَ بل لا يُقِنونَ (. فكاد قلبي يطير. فلمَّا فرغ من صلاته كلَّمته في أسارى بدر، فقال: " لو كان الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم لشفَّعناه ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 وفي الموطأ: مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطُّور في المغرب. وابنه نافعُ بن جُبير: كان ذا كبر، وجلس في حلقة العلا بن عبد الرحمن الحرفي، وهو يقرئ المسلمين، فلما فرغ قال: أتدرون لم جلست إليكم؟ قالوا: جلست لتسمع؟. قال: لا، ولكنِّي أردت أن أتواضع لله بالجلوس إليكم ...... إنَّ اللعينَ أبوكَ فارْمِ عِظامَهُ ... إنْ ترمِ ترمِ مُخَلَّجاً مَجْنونا يُمسي خَميصَ البطنِ من عملِ التُّقى ... ويظلُّ من عملِ الخبيثِ بَطِينا أما قول عبد الرحمن بن حسان: " إنَّ اللعين أبوك فارم عظامه "، فروي عن عائشة، من طرق ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، أنها قالت لمروان إذ قال في أخيها عبد الرحمن ما قال: " أمَّا أنت يا مروان فأشهد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك، وأنت في صلبه. وقال أبو بكر أحمد بن زهير أبي خيثمة: نا موسى بن إسماعيل، نا عبد الواحد بن زياد، نا عثمان بن حكيم، قال: نا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي، عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل عليكم رجل لعين ". وكنت قد تركت عمرا يلبس عليه ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل، فدخل الحكم بم أبي العاصي. وابنه مروانُ بنُ الحكم: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 ثماني سنين. وكان من الفقهاء، وكان كاتب عثمان رضي الله عنه، ومن أجله حوصر عثمان. وكان مع عائشة يوم الجمل. وولي المدينة مرَّتين لمعاوية، ثم بويع بالخلافة سنة أربع وستين؛ بايعه أهل الشام بالجابية. وقتل الضحاك بن قيس الفهريَّ بمرج راهط. وكان من أصحاب ابن الزبير. بايعه، ودعا له. وكان يوم المرج حيث قتل الضحاك للنِّصف من ذي الحجَّة سنة أربع وستين، وكانت ولاية مروان عشرة أشهر، ومات بالشام سنة خمس وستين، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وهو يعدُّ فيمن قتله النساء. وأمُّه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أميَّة بن محدِّث بن جمل بن شقٍّ ابن رقبة بن مجدج بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن مالك بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة بن إلياس بن مضر. وكانت زرقاء، ولذلك يقال لمروان: " ابن الزرقاء ". وابنه عبدُ الملك من الفقهاء وأهل الحزم والدهاء، ويلقَّب " رشح الحجر " لبخله، ويكنى " أبا ذبَّان " لبخره. وكان معاوية جعله مكان زيد بن ثابت على ديوان المدينة، وهو ابن ستَّ عشرة سنة وجعله أبوه الخليفة من بعده. وتوفي عبد الملك بدمشق سنة ستٍّ وثمانين. وولي الخلافة من ولده أربعة: الوليد وسليمان ويزيد - وهو ابن عاتكة بنت يزيد بن معاوية - وهشام، وولي وسطا بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز بن مروان رضي الله عنه. وتوفي بدير سمعان من أرض حمص سنة إحدى ومئة، وهو ابن تسع وثلاثين سنة. ومن ولده هشام بن عبد الملك بن مروان عبدُ الرحمنِ بنُ " مُعاوية " بن هشامٍ الداخلُ إلى الأندلس، وهو أبو الخلفاء بها. وكان يقال له " صفر قريش ". ويكنى " أبا المُطرِّف ". واحتلَّ بالمنكب بعد انفصاله عن الشام غُرِّةٌ ربيع الأولى سنة ثمان وثلاثين ومئة. ودخل قرطبة ظاهرا فاشيا أمره بالأندلس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 وثبت له به البيعة يوم الأضحى، ووافق ذلك يوم الجمعة من سنة ثمان وثلاثين ومئة، وهو ابن ستٍّ وعشرين سنة. وتوفي يوم الثُّلاثاء لستٍّ بقين لربيع الأول سنة اثنتين وسبعين مئة. وكان ملكه اثنتين وثلاثين سنة وخمسة أشهر. وكان مولده بدير حنينا من عمل دمشق، سنة ثلاث وعشرة مئة. ومن ولد يزيد " بن " عبد الملك بعد عمر بن عبد العزيز الوليدُ بن يزيد. وولي الخلافة بعد عمِّه هشام. وكان مناجا زنديقا سفيها. وقصته في المصحف مشهورة حين رشقه بالسِّهام لمَّا استفتح فيه، فخرج له) واسْتَفْتحوا وخابَ كلُّ جَبَّارٍ عَنِيد (فغضب، ونصبه هدفا للسهام. وقال، وهو يرشقه: أتوعد كلِّ جبارٍ عنيدٍ ... فهأنذاكَ جبَّارٌ عنيدُ إذا ما جئتَ ربَّكَ يومَ حشرٍ ... فقل: يا ربِّ مزَّقني الوليدُ فرؤي رأسه بعد ثلاثة أيام في موضع المصحف موضوعا بعد ما حزَّ، انتقم الله منه لكتابه الكريم. وقتله ابن عمِّه يزيدُ بنُ الوليد الملقب بالناقص، وكان فاضلا. وكانت ولايته من مقتل الوليد خمسة أشهر. ويقال: أنه مذكور في الكتب المتقدمة بحسن السيرة والعدل، وفي بعضها: يا مبذِّر الكنوز، يا سجَّادا في الأسحار، كانت ولايتك رحمة ووفاتك فتنة، أخذوك فصلبوك. وكان مروان بن محمد بن مروان بن الحكم آخر ملوك بني أمية، الذي قامت عليه " المسوَّدة " بنو العباس لمَّا ولي الخلافة نبش قبر يزيد الناقص، واستخرجه وصلبه. ولقِّب يزيد بالناقص لأنه نقص الجند أعطياتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 ومن بني العاصي بن أمية خالد وعمرو وسعيد وأبان والحكم، بنو سعيد أبي أحيحة بن العاصي. وهؤلاء الخمسة من الصحابة مشاهير. وعمر وخالد منهم إسلامهما قديم، وهاجرا الهجرتين جميعا إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة، وأما سعيد فاستشهد في الطائف، وكان إسلامه قبل فتح مكة بيسير. وأما أبان فكان إسلامه بين الحديبية وخيب. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين؛ برَّها وبحرها، ثم عزل العلاء بن الحضرميِّ عنها، وأمَّره على بعض سراياه. وهو الذي أجار عثمان بن عفان حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش عام الحديبية، وحمله على فرس حتى دخل مكة، وقال له: أقبلْ وأَدبِر ولا تخفْ أحداً ... بنو سعيدٍ أعزَّةُ الحَرَمِ واستشهد عمر وخالد وأبان في فتوح الشام رضي الله عنهم. وأما الحكم خامسهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمه، وسمَّاه " عبد الله ". لأبي أحيحة ثمانية قدِّمت خمسة منهم للإسلام والصُّحبة. والثلاثة الباقون ماتوا كفارا، وهم: أحيحة والعاصي و " عبيدة ". فأما أحيحة وبه كان يكنى سعيد ابن العاصي بن أمية أبوهم، فقتل يوم الفجار. وأما العاصي وعبيدة فقتلا يوم بدر كافرين. قتل عليُّ بن أبي طالب العاصي، وقتل عبيدة الزبير بن العوّام، وسعيد بن العاصي، قتيل عليٍّ، أحد أجواد الإسلام، وكان فصيحا شريفا وفيه يقول الفرزدق حين ولاه معاوية المدينة في قصيدة: ترى الغُرَّ الجحاجحَ من قريشٍ ... إذا ما الأمرُ في الحَدَثانِ عالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 قياماً ينظرونَ إلى سعيدٍ ... كأنَّهمُ يرونَ " به " هَلالا وكان يقال له " عكة العسل ". ولد عام الهجرة وقيل: سنة إحدى. واستعمله عثمان على الكوفة، وغزا بالناس طبرستان فافتتحها، وافتتح أيضا جرجان في زمن عثمان، وكان أيَّدا. يقال: أنه ضرب بجرجان رجل على حبل عاتقه فأخرج السيف من مرفقه. ولما قتل عثمان لزم سعيد بن العاصي هذا بيته، واعتزل أيام الجمل وصفين، ولم يشهد شيئا من تلك الحروب. فلما أجتمع الناس على معاوية استوسق له الأمر ولاّه المدينة، وعزله وولاها مروان. وكان يعاقب بينه وبين مروان بن الحكم في أعمال المدينة. وقال سفيان بن عيينة: كان سعيد بن العاصي كريما، إذ سأله سائل فلم يكن عنده ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه إلى أيام يسره. وكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو غلام، جبَّة فبها سميَّت الثياب السعيدية .... وهو أوَّل من خش الأبل في العظم. والخش: جعل الخشاش في أنف البعير. وتوفي سنة تسع وخمسين في خلافة معاوية. وابنه عمر بن سعيد الأشدق: هو الذي قتله عبد الملك بن مروان بيده. وكان مفوَّها بليغا. وقال له معاوية، وهو صغير: " إلى من اوصى بك أبوك؟ " فقال: " أوصى إليَّ ولم يوص بي ". ومن ولد عمرو الأشدق إسماعيل بن أمية بن عمرو وكان يروي عنه الحديث ومات سنة أربعين ومئة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 ومن ولده أيضا إسحاق ويحيى ابنا سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي أبو أمية، روى عن أبيه يحيى. وروى عنه روح بن عبادة. وكنية عمرو الأشدق " أبو أمية ". وهو الذي قال له عبد الملك بن مروان: " أمكرا وأنت في الحديد؟ "، حين جعل الجامعة في عنقه، والقصة مشهورة. ومن بني أبي العيص بن أمية عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، ويكنى " أبا عبد الرحمن "، وقيل أبو محمد. وهو من خيار مسلمة الفتح. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي خلافة أبي بكر. ومات هو وأبو بكر في وقت لم يعلم واحد منهما بموت الآخر. وقال الواقدي: " ماتا في يوم واحد " وكذلك يقول ولد عتّاب. وأخوه خالد بن أسيد لأبويه: أسلم يوم فتح مكة. وكان فيه تيه شديد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم زده تيها "، فإن ذلك في ولد إليه اليوم .... " وكان لعتّاب بن أسيد ابن اسمه عبد الرحمن، وكان يقال له " يعسوب قريش ". شبِّه بيعسوب النحل، وهو أميرها. وشهد الجمل مع عائشة، فقتل. فاحتملت عقاب كفَّه فأصيبت ذلك اليوم باليمامة فعرفت بخاتمه. ومن بني حرب بن أمية أبو سفيان صخر بن حرب، وابناه يزيد ومعاوية. قتل ابنه " حنظلة " يوم بدر كافرا؛ قتله زيد بن حارثة، وقيل اشترك في قتله حمزة وعليٌّ وزيد. وكان يزيد أفضل بني أبي سفيان؛ كان يقال له " يزيد الخير " أسلم يوم فتح مكة، وأعطاه من غنائم حنين مئة بعير. واستعمله أبو بكر الصديق وأوصاه، وخرج يشيِّعه راجلا. مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر الصديق بعث جيوشا إلى الشام، فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان، وكان أمير ربع من الأرباع. فزعموا أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 يزيد قال لأبي بكر الصديق: " إما أن تركب وإمَّا أن أنزل ". فقال أبو بكر: " ما أنت بنازل وما أنا براكب. أني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله ". ثم قال له: " إنك ستجد أقواما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا، إنهم حبسوا أنفسهم له. وستجد قوما فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشَّعر، فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف. وإني موصيك بعشر: لا تقتلنَّ امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما، ولا تقطعنَّ شجرا مثمرا، ولا تخربنَّ عامرا، ولا تعقرنَّ شاة ولا بعير إلا لمأكلة، ولا تحرقنَّ نخلا ولا تغرِّقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبن " مات يزيد في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، ولا عقب له وقال الوليد ابن مسلم: مات يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة، بعد أن افتتح قيساريَّة. وأما معاوية بن أبي سفيان فأسلم عام الفتح، هو وأبوه من المؤلفة قلوبهم، ومن الطبقة الأولى في قسم غنائم حنين. وكتب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم. ويكنى أبا " عبد الرحمن "، وولي الشام لعمر وعثمان عشرين سنة. وولي الخلافة سنة أربعين، ومكث خليفة عشرين سنة إلا شهرا. وتوفي بدمشق سنة ستين، وهو ابن اثنتين وثمانين سنة. وقال ابن اسحاق: مات وله ثمان وسبعون سنة. وشهد أبو سفيان حصار الطائف مع النبيِّ عليه السلام، ورمي بسهم بها ففقأ عينه، وفقئت عينه الأخرى يوم اليرموك. واستعمله النبيُّ صلى الله عليه وسلم على نجران، فمات عليه السلام، وهو وال عليها. ولما أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى ابنيه يزيد ومعاوية من غنائم حنين ما أعطاهم قال له أبو سفيان: " والله إنك لكريم، فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ولقد سالمتك فنعم المسالم كنت، جزاك الله خيرا ". وكان من أشراف قريش في الجاهلية، وكان تاجرا يجهز التجار بماله وأمواله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 قريش إلى الشام وغيرها من أرض الأعاجم. وربما خرج أحيانا بنفسه وكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب. وكانت لا يحبسها إلا رئيس. وولد قبل الفيل بعشر سنين، وأمُّه صفية بنت حزن الهلالية. وتوفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين فيما قال الواقديُّ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقال المدائني: توفي سنة أربع وثلاثين، وصلى عليه عثمان. وروى عنه عبد الله بن عباس قصة هرقل حديثا حسنا. ومن بني أبي عمرو بن أمية عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية. واسم أبي عمرو ذكوان. وكان أبو عمرو ..... ويسَّمى ذكوان، فاستلحقه أمية وكناه " أبا عمرو "، فخلف على امرأة أمية، وهي آمنة بنت أبان أمُّ الأعياص. وقال ابن الكلبي: كان أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام، فأقام بها عشر سنين، فوقع على أمة للخمر يهودية من أهل صفُّوريَّة، يقال لها " تُرْنا "، وكان لها زوج من أهل صفُّوريَّة يهودي، فولدت له ذكوان، فادَّعاه أمية، واستلحقه، وكناه أبا عمرو، ثم قدم به مكة. ولذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعقبة يوم أمر بقتله عند الفراغ من بدر، إذ قال عقبة: يامحمد، أتقتلني من بين أسارى قريش صبرا، " حنَّ قدح ليس منها، إنما أنت يهودي من أهل صفُّوريَّة ". روي أن عقبة قال له عند قتله: " يا محمد من للصبية؟ " فقال: " النار ". وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " كنت بمكة بين شر جارين: بين عقبة بن أبي معيط وبين أبي لهب ". وهو الذي طرح سلى الجزور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. ذكر ذلك مسلم في صحيحه فقال: نا محمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 ابن المثنى وابن بشار، واللفظ لابن مثنى، قالا: نا محمد بن جعفر قال: نا شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد، حوله ناس من قريش إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلي جزور فقذفه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يرفع رأسه " فجاءت فاطمة فأخَّرته عن ظهره، ودعت على من صنع ذلك. فقال: " اللهم عليك الملأ من قريش: أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف؛ شعبة الشاك ". قال: فلقد رأيت قتلوا يوم بدر، فالقوا في بئر، غير أن أمية أو أبيّا تقطَّعت أوصاله، فلم يلق في البئر. قال المؤلف غفر الله له: الصحيح الذي لا شكَّ فيه أن أمية بن خلف هو الذي تقطَّعت أوصاله لما رواه ابن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه، إلا ما كان من أمية بن خلف، فإنه أنتفخ في درعه، فملأها. فذهبوا يحركوه فتزايل لحمه، فأقرُّوه، وألقوا عليه ما غيَّبه من التراب والحجارة. وأما أبُّي بن خلف فإنه مات من خدش رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بالحربة يوم أحد في الطريق مع كفار قريش، حين رجعوا إلى مكة من أحد. وقال أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجستانُّي في السُّنن: نا عمرو بن عثمان ومحمود بن خالد وحسين بن عبد الرحمن، قالوا: حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي، قال: نا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّميمِّي، عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاصي قلت: أخبرني بأشدّ شيء صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: نعم، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي المعيط، فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم فخنقه به خنقا شديدا. فقال: فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه، ودفعه عن رسول الله، وقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبيِّنات من ربكم؟. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب بضرب عنق عدو الله اللعين عقبة بن أبي معيط صبرا بعد أخذه أسيرا يوم بدر. وقيل: ضرب عنقه عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاريُّ الأوسيُّ، وهو حميُّ الدَّبر. وروى حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن عامر الشَّعبَّي قال: لمَّا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط عدوِّ الله قال: تقتلني يا محمد من بين قريش؟ قال: " نعم ". ثم أقبل على أصحابه فقال: " أتدرون ما صنع هذا بي؟ جاء وأنا ساجد خلف المقام، فوضع رجله على عنقي، وجعل يقمرها، فما رفعها حتى ظننت أنَّ عينيَّ ستندران " أو قال: تسقطان "، ثم جاء مرة أخرى بسلي شاة فألقاه على رأسي، وأنا ساجد خلف المقام. فجاءت فاطمة فغسلته عن رأسي ". وعمُّ عقبة مسافر بن أبي عمرو بن أمية: كان من أشراف قريش. وإنما كان بنو عبد مناف أهل بيت واحد شرف بعضهم لبعض شرف، وفضل بعضهم لبعض فضل. وهو القائل يفتخر: ورثنا المجدَ عن آبا ... ئنا فنما بنا صُعُدا ألم نسق الحجيجَ ونن ... حُر الدَّلاَّقة الرُّفّدا ونلقَى عند تصريف ال ... منايا شدَّدا رُفُدا؟ وكان لعقبة من الولد: عمارة، وخالد، والوليد. وهم من مسلمة الفتح. وأمُّ كلثوم، وهي التي هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية من مكة إلى المدينة على قدميها ماشية. فخرج أخواها: عمارة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 والوليد ابنا عقبة بن أبي معيط، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسألانه أن يردَّها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية، فلم يفعل " أبى الله ذلك ". ولما قدمت المدينة تزوِّجها زيد بن حارثة، فقتل عنها يوم مؤتة فتزوجها الزبير بن العوَّام. فولدت له زينب، ثم طلَّقها، فتزوجها عبد الرحمن بن عوف. فولدت له إبراهيم وحميدا. ومات عنها فتزوَّجهتا عمرو بن العاصي فمكثت عنده شهرا وماتت. وهي من المهاجرات المبايعات. وفي شأنها أنزل الله تعالى " يا أيُّها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتَحِنوهُنَّ، اللهُ أعلمُ بإيمانهنَّ ... (إلى آخر الآية. وهي وأخواها الوليد شقيقها أخو عثمان لأمِّه أمُّهم أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وعمارة الذي يروى عنه. وخالد بن عقبة: كان من سروات قريش، وليست له رواية، فيما يعلم، ولا خبر نادر إلا أنَّ له أخبارا في يوم الدار. منها قول أزهر بن سيخان في خالد هذا، معرِّضا بذكره في أبيات قالها، منها: يَلومونَني أنْ جُلتُ في الدارِ حاسراً ... وقد فرَّ منها خالدٌ، وهْوَ دارعُ وهو المذكور في كتاب " الجامع " من " الموَّطأ " في حديث: " لا يتناجى اثنان دون واحد " ونصُّ الحديث: مالك عن عبد الله بن دينار، قال: كنت أنا وعبد الله بن عمر عند دار خالد بن عقبة التي بالسوق. فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع عبيد الله غيرى وغير الرجل الذي يريد أن يناجيه. فدعا عبد الله بن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة، فقال لي وللرَّجل الذي دعا: " استأخرا شيئا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتناجى اثنان دون واحد ". وإلى خالد هذا ينسب المعيطيُّون. وشهد جنازة الحسن بن علي من بين جميع بني أمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 وأمَّا الوليد بن عقبة، فكان يكنى " أبا وهب ". ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن أنَّ قوله عزَّ وجل) إنْ جاءكُم فاسقٌ بنبإ ... (نزلت في الوليد بن عقبة. وذلك أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدَّقا إلى بني المصطلق، فأخبر عنه إنَّهم ارتدُّوا، وأبوا من أداء الصَّدقة، وذلك انهم خرجوا إليه فهابهم، ولم يعرف ما عندهم. فانصرف عنهم، وأخبر النبيَّ عليه السلام أنهم منعوه الصدقة. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، وأمره أنْ يتثبَّت فيهم. فأخبروه أنهم متمسِّكون بالإسلام. ونزلت:) يا أيُّها الذينَ آمنوا إن جاءكُم فاسقٌ بنبإ فتثبَّتوا (على قراءة حمزة والكسائيَّ. وذكر يحيى بن معين عن إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن هلال الورَّاق، عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى) إن جاءكم فاسقٌ بنبإ (قال: نزلت في الوليد ابن أبي معيط. ووقع بينه وبين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه كلام فقال الوليد: " لأنا أرزُّ للكتيبة، وأضرب لهامة البطل المشيح منك ". فأنزل الله تعالى:) أَفمن كانَ مؤمناً كمن كانَ فاسقاً (. وولاه عثمان الكوفة، وعزل منها سعد بن أبي وقّاص. فلما قدم الوليد على سعد قال له سعد: " ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك؟ ". فقال: " لا تجزعنَّ أبا إسحاق، فإنما الملك تغدَّاه قوم. ويتعشَّاه آخرون ". فقال سعد: " أراكم والله ستجعلونها ملكا ". وله أخبار فيها نكارة شناعة، تقطع على سوء حاله وقبح أفعاله غفر الله لنا وله. فلقد كان من رجال قريش طرفا وحلما وشجاعة وأدبا. وكان من الشعراء الطبوعين. وكان الأصمعيُّ وأبو عبيدة وابن الكلبيِّ وغيرهم يقولون: كان الوليد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 ابن عقبة فاسقا، شرِّيب خمر. وكان شاعرا كريما. ذكر عمر بن شبَّة قال: نا هارون بن معروف قال: نا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب قال: صلى الوليد ابن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات، ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم؟ فقال عبد الله بن مسعود: " ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم ". قال: ونا محمد بن حميد عن الأجلح، عن الشعبيِّ في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه فقال الحطيئة: شهدَ الحطيئةُ يومَ يَلقى ربِّه ... أنَّ الوليدَ أحقُ بالعُذْرِ نادى وقد تمَّتْ صلاتُهُمُ: ... أَأَزيدكم؟ سُكراً وما يدري فأبَوا أبا وهْبٍ ولو أذِنوا ... لَقَرنتَ بينَ الشَّفْعِ والوَتْرِ كَفُّوا عِنانَكَ إذ جَريْتَ، ولو ... تركوا عنانكَ لم تزلْ تجري وقال أيضا: تَكلَّمَ في الصلاةِ وزادَ فيها ... علانيةً، وجاهرَ بالنِّفاقِ ومجَّ الخمرَ في سُننِ المصلَّى ... ونادى والجميعُ إلى افتراقِ أزِيدكُمُ على أنْ تَحْمَدوني ... فما لكُمُ وماليَ من خَلاقِ وخبر صلاتهم وهو سكران، وقوله: " أزيدكم؟ " بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من نقل أهل الحديث والأخبار. وقال مصعب: كان الوليد بن عقبة من رجال قريش وشعرائها. وكان له خلق ومروءة. استعمله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 عثمان على الكوفة إذ عزل عنها سعدا، فحمدوه وقتا، ثم رفعوا عليه، فعزله عنهم، وولى سعيد بن العاصي. فقال بعض شعرائهم: فررتُ من الوليد إلى سعيدٍ ... كأهل الحِجْرِ إذ جَزعوا فباروا يَلينا من قريشٍ كلَّ عامٍ ... أميرٌ مُحْدَث أو مُستشارُ لنا نارٌ نُخوَّفُها فَنَخشى ... وليس لهم فلا يخشَوْنَ نارُ وقصة الشهادة عليه بشرب الخمر ما رواه عبد العزيز بن المختار وسعيد بن أبي عروبة، عن عبد الله بن الدَّاناج، عن حضين بن المنذر ابن ساسان أنه ركب إلى عثمان فأخبره بقصة الوليد، وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه بشرب الخمر، وأنه صلى الغداة بالكوفة أربعا، ثم قال: أزيدكم؟. ثم قال أحدهما: رأيته يشربها. وقال الآخر: رأيته يتقيَّؤها. فقال عثمان رحمه الله: أنه لم يتقياها حتى شربها. فقال لعلي: أقم عليه الحدَّ. فقال عليٌّ لابن أخيه عبد الله بن جعفر: أقم عليه الحدَّ. فأخذ السَّوط وجلده، وعثمان يعدُّ حتى بلغ أربعين. فقال علي: أمسك، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنَّة. وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عن الباقر أبي جعفر بن علي زين العابدين رضي الله عنهما قال: جلد عليٌّ رضي الله عنه الوليد بن عقبة في الخمر أربعين بسوط له طرفان، فأضاف الجلد إلى علٍّ، لأنه أمر به على الوجه الذي تقدَّم في الخبر قبله. هكذا ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البرَّ خبر جلد الوليد في كتاب الصحابة. وذكر مسلم في صحيحه، فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعليُّ بن حجر، قالوا: نا إسماعيل، وهو ابن عليَّة عن ابن أبي عروبة عن عبد الله الدَّاناج، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظليُّ، واللفظ له، قال: أنا يحيى بن حمَّاد قال: نا عبد العزيز بن المختار، عن عبد الله بن فيروز مولى ابن عامر الدَّاناج، قال: نا حضين بن المنذر أبو ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان أتى بالوليد قد صلَّى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟. فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر. وشهد آخر أنه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 رآه يتقيأ. فقال عثمان: أنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا عليُّ قم فاجلده. فقال: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولَّ حارَّها من تولَّى قارَّها. فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده. فجلده، وعليٌّ يعدُّ حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك. ثم قال: جلد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنَّة، وهذا أحبُّ أليَّ. لم يرو الوليد رواية يحتاج فيها إليه. وكان إذ ولي الكوفة ابتنى بها دارا. ثم لما عزل عنها وحدَّ لم يزل بالمدينة حتى بويع علي، فخرج إلى الرَّقَّة، فنزلها، واعتزل عليا ومعاوية، ومات بها، وبالرقة قبره في ضيعة له، وولده بالرقة وبالكوفة، منهم: محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة، كان يقال له: " ذو الشامة "، ويرمى بالزندقة. وكان معاوية لا يرضى الوليد، وهو الذي حرَّضه على قتال عليٍّ رحمه الله؛ فربَّ حريص محروم. وهو القائل لمعاوية يحرِّضه ويغريه بعليٍّ رضي الله عنه. واللهِ ما هندٌ بأمِّك إن مضى النْ ... َهارُ ولم يَثْأرْ بعثمانَ ثائرُ أيقتلُ عبدُ القوم سيِّد أهلهِ ... ولم يقتلوهُ ليتَ أمَّك عاقِرُ وهو القائل أيضا: ألا مَن لليلٍ لا تَغورُ كواكبُهْ ... إذ لاحَ نجمٌ غارَ نجمٌ يُراقبُهْ بني هاشمٍ رُدُّوا سلاحَ ابنِ أختكمْ ... ولا تَنْهبوهُ لا تحلُّ مَناهبُهْ بني هاشمٍ لا تُعجِلونا فإنَّهُ ... سَواءٌ علينا قاتِلوهُ وسالبُه وإنا وإيّاكمْ وما كان منكمُ ... كصَدعِ الصَّفا لا يَرأبُ الصدعَ شاعبُهْ بني هاشمٍ كيفَ التَّعاهُدُ بيننا ... وعند عليٍّ سيفُهُ وجَرائبُهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 لعَمُركَ ما أنسى ابنَ أَروى وقتلهُ ... وهلْ يَنْسينَّ الماءَ ما عاشَ شاربه؟ همُ قَتلوهُ كي يكونوا مكانَهُ ... كما فَعلتْ يوماً بكسرى مَرازبُهْ فأجابه الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب بثلاثة أبيات يحاشي ويجلُّ عثمان أن يوصف بما ذكر في البيت الأوسط منها. نفعنا الله بحبِّه وحبِّ الشيخين قبله، وحبِّ الأمام الرضي بعده، ورضي عنهم آمين. وأمَّا أمية الأصغر بن عبد شمس: فيقال لولده " العبلات "، لأن أمَّهم عبلة. منهم: الثريَّا بنت عليِّ بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر، التي كان يشبِّب بها عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة. وهو القائل فيها من أبيات: ليتَ شعري هل أقولنْ لركبٍ ... بفلاةٍ وهمْ لدينا هجوعُ: طال ما عَرستُمُ فاستقلوا ... حانَ من نجمِ الثريَّا طلوعُ وفيها يقول، متخَّير من قصيدة: قالَ لي صاحبي ليعلمَ ما بي: ... أتحبُّ القَتولَ أختَ الربابِ؟ قلتُ: وجدي بها كوجدِكَ بالما ... ءِ إذا ما مُنعتَ بَرْدَ الشَّرابِ مَن رسولي إلى الثريَّا فإني ... ضقتُ ذَرعاً بهجرِها والكتابِ أَبرزوها مثلَ المهاةِ تَهادى ... بينَ خَمسٍ كواعبِ أَتْرابِ وهْيَ مكنونةٌ تَحيَّرَ منها ... في أديمِ الخدَّينِ ماءُ الشبابِ نلتُ ما كنتُ أشتهي يا عذولي ... حينَ قبَّلتُ ثغرها في النِّقابِ فاقتُليهِ قتلاً سريعاً مُريحاً ... لا تكوني عليهِ سَوطَ عذابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وكانت الثريَّا موصوفة بالجمال، فتزوَّجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهريُّ، فنقلها إلى مصر. فقال عمر يضرب لها المثل بالكوكبين: أيُّها المُنِكحُ الثريّا سُهيلاً عَمْرَكَ اللهُ كيفَ يَلتقيان! هيَ شاميَّةً إذا ما استقلّت وُسهيلٌ إذا استقلَّ يَمانِ وأمَّا حبيب بن عبد شمس فمن ولده عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب وهو خال عثمان وأخو أمِّه، ويعد في الصحابة، وكان مضعَّفا. وابنه عبد الله بن عامر من الأجواد، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتى به وهو صغير. وقيل: لما أتى به إليه صلى الله عليه وسلم قال لبني عبد شمس: " هذا أشبه بنا منكم "، ثم تفل في فيه فازدرده، فقال: " أرجو أن يكون مسقيَّا ". فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، لا يعالج أرضا إلا ظهر له الماء. وقال صالح بن الوجيه وخليفة بن خياط: وفي سنة تسع وعشرين عزل عثمان أبو موسى الأشعريَّ عن البصرة، وعثمان بن أبي العاصي عن فارس، وجمع ذلك كلَّه لعبد الله بن عامر بن كريز. قال صالح: وهو ابن أربع وعشرين سنة. ولم يختلفوا أنه أفتتح أطراف فارس كلَّها وعامَّة خراسان وأصبهان وحلوان وكرمان. وهو الذي شقَّ نهر البصرة. ولم يزل واليا لعثمان على البصرة إلى أن قتل عثمان، وكان ابن عمَّته. ثم عقد له معاوية على البصرة، ثم عزله عنها، وكان أحد الأجواد. وأوصى إلى عبد الله بن الزُّبير، ومات قبله بيسير وفيه يقول زياد الأعجم: أخٌ لكَ لا تراهُ الدهرَ إلا ... على العلاَّتِ بسَّاماً جَوادا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 سألناهُ الجزيلَ فما تَلكَّا ... وأعطى فوقَ مُنْيَتنا وزادا وأحسن ثم أحسنَ ثم عُدنا ... فأحسنَ ثمَّ عدتُ له فعادا مراراً ما رجَعتُ إليه إلا ... تبسَّم ضاحكاً وثَنى الوِسادا ومن موالي أروى بنت كريز أمِّ عثمان بن عفان طويس، الذي يضرب به المثل بشؤمه اسمه عبد الملك، ويكنى أبا عبد النعيم. ورؤي طويس يرمي بالجمار يشكر من عبق. فقيل له: ما هذا؟ فقال: كانت للشيطان عندي يد، فأحببت أن أكافئه عليها. ومن موالي عبد الله بن عامر بن كريز خالد بن مهران الحذَّاء، ويكنى أبا المنازل، ولم يكن بحذَّاء. قال فهد بن جبان: لم يحذ خالد قطُّ، وإنما كان يتكلم فيقول: أحذ على هذا الحديث، فلقِّب الحذاء. وتوفي سنة إحدى وأربعين ومئة. ومن ولد حبيب بن عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب: يكنى أبا سعد. وأسلم يوم فتح مكة، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه مسلم: حدَّثنا شيبان بن فرُّوخ قال: نا جرير بن حازم قال: نا الحسن قال: نا عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ". غزا عبد الرحمن خراسان في زمن عثمان، وهو الذي افتتح سجستان وكابل. قال خليفة: في سنة اثنتين وأربعين وجَّه عبد الله بن عامر عبد الرحمن بن سمرة إلى سجستان، فخرج إليها، ومعه في تلك الغزاة الحسن بن أبي الحسن والمهلَّب ابن أبي صفرة وقطريُّ بن الفجاءة. فافتتح كورة من كور سجستان. وقد كان ولاَّه ابن عامر سجستان سنة ثلاث وثلاثين، ثم رجع إلى البصرة فسكنها. وإليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 سكَّة ابن سمرة بالبصرة. وتوفي سنة إحدى وخمسين، وروى عنه الحسن وغيره. وأخوه عمر بن سمرة: قطع النبيُّ صلى الله عليه وسلم يده في سرقة. ولما قطعت قال: الحمد لله الذي طهِّرني منك. وأما عبد العزَّى بن عبد شمس: فمن ولده أبو العاصي بن الربيع بن عبد العزَّى زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. واسمه لقيط، وقيل: هشيم، وقيل: مهشم، والأكثر لقيط. وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يحمد صهره ويثني عليه فيه خيرا. وكان يعرف بجرو البطحاء، وبنته أمامة من زينب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّها، وربما حملها على عنقه في الصلاة. وحديث صلاته بها مشهور في الصحاح. وتزوَّجها علي رضي الله عنه بعد فاطمة. فلما قتل علي رضي الله عنه، وآمت منه تزوجها المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب، أمره عليٌّ بذلك في الثلاثة الأيام التي عاش فيها بعدما ضربه ابن ملجم مخافة أن يتزوجها معاوية. فولدت للمغيرة يحيى، وبه كان يكنى. وهلكت عنده. وولد للمغيرة من غير أمامة: عبد الملك وعبد الواحد وسعيد وعبد الرحمن، ولا عقب لأبي العاصي من الذكور. وتوفي أبو العاصي بن الربيع في خلافة أبي بكر في ذي الحجَّة من سنة اثنتي عشرة. وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة؛ فهو ابن خالة زينب زوجه. وكان تزوَّجها وهو مشرك. فقالت له قريش كلُّها: طلقها، ونزوِّجك بنت سعيد بن العاصي، فأبى. فلذلك كان يحمد النبيُّ عليه السلام صهره. وأسر يوم بدر، فمنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلقه بغير فداء. وهاجرت زينب وتركته على شركه. فلم يزل مقيما على الشِّرك حتى كان قبيل الفتح، وخرج بتجارة إلى الشام، ومعه أموال من أموال قريش. فلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 انصرف قافلا في جماعة عير لقيته سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأميرهم زيد بن حارثة. فأخذوا ما في تلك العير من الأنفال، وأسروا ناسا منهم. وأفلت أبو العاصي هربا، وأقبل من الليل حتى دخل على زينب، فاستجار بها، فأجارته. وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوارها وأقسم بعد صلاة الصبح للناس بأنه: " ما علم بما صنعت حتى سمعت منه ما سمعتم ". وقال: إنه يجير على المسلمين أدناهم. وأوصى ابنته أن تكرم مثواه، وأن لا يخلص إليها، فإنها لا تحل له. وكلَّم عليه السلام أهل السرية فيما أصابوا له من الأموال فردُّوها عن طيب نفس. فسار بها إلى مكة، وأدَّى إلى كلِّ من أبضع معه من قريش ماله، لم يفقدوا منه شيئا. فشكروا وفاءه وكرمه. وأسلم جهارا بين أيديهم. ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما، وحسن إسلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 وأما ربيعة بن عبد شمس: فمن ولده أبو حذيفة بن عُتبة بن ربيعة. واسم أبي حُذيفة مهشم، وقيل هُشيم، وقيل: هاشم. وهو مهاجريُّ بدري، من فضلاء الصحابة. واستشهد يوم اليمامة. وهاجر الهجرتين، صلىالقبلتين. وكان إسلامه قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وكان رجلاً طوالاً، حسن الوجه، أحول أثعل. والأثعل: الذي له سن زائدة، تدخل من أجلها الأخرى. وموله سالم مولي أبي حذيفة وهو سالم بن معقل، وكان من فضلاء الموالي، ومن خيار الصحابة وكبارهم، ويكنى أبا عبد الله. وكان أبو حذيفة قد تبنَّاه، فكان ينسب إليه حتى نزلت: " أدعوهم لآبائهم ". وكان من القراء. ذكر أحمدُ بنُ زُهير بن حرب، وهو ابن أبي خيثمة، قال: نا أبي، نا جرير عن الأعمش عن أبي وائل، عن مسروق بن الأجدع، قال: كنا عند عبد الله بن عمرو فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خُذوا القرآنَ من أربعةٍ: من ابن أمِّ عبد، فبدأ به، ومن أبيِّ بن كعب، ومن سالم مولي أبي حذيفة، ومن معاذ بن جبل. واستشهد سالمٌ يوم اليمامة مع مولاه أبي حذيفة. وجد رأس أحدهما عند رجل الآخر رضي الله عنهما. وولد لأبي حذيفة بأرض الحبشة ابنه محمدٌ. ولما استشهد أبو حذيفة كفل ابنه محمداً عثمان، ولم يزا في نفقته. فلما حُصر عثمانُ كان محمدُ بن أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 حذيفة أحد من أعان عليه، وحرَّض أهل مصر حتى ساروا إليه، وهو معهم. فلما قُتل عثمان هرب محمدٌ إلى الشام، فوجده رشدين مولي معاوية فقتله. وأبو أبي حذيفة عتبة بن ربيعة، وأخوه الوليد بن عتبة، وعمُّه شيبةُ بن ربيعة من أصحاب قليب بدر. وأخت أبي حذيفة هندُ بنتُ عُتبة: أمُّ معاوية، أسلمت يوم الفتح، بعدما أسلم زوجُها ابو سفيان بنُ حربٍ، فأقرَّهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على نكاحها. ولما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح البيعة عل النساء، ومن الشرط فيها) ألاّ يسرِقْنَ، ولا يزنين (، قالت له هند بنتُ عتبة: " وهل تزني الحرةُ أو تسرقُ يا رسول الله؟ ". فلّما قال:) ولا يقتلن أولادهنَّ (قالت: " قد ربَّيناهم صغاراً، وقتلتهم أنت ببدر كباراً "، أو نحو هذا من القول. وشكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ زوجها أبا سُفيان لا يُعطيها من الطعام ما يكفيها وولدَها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خُذي من ماله بالمعروف ما يكفيكِ أنتِ وولدُكِ ". وتوفيتْ هندُ بنتُ عتبة في خلافة عمر بن الخطاب في اليوم الذي مات فيه أبو قُحافة والدُ أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه. وكانت امرأةً فيها ذُكرة، لها نفسٌ وأنفةٌ. شهدت أحداً كافرةً مع زوجها أبي سُفيان. وكانت تقول يوم أحد: نحن بناتُ طارقْ ... نمشي على النمارقْ إنْ تُقبلوا نُعانقْ ... أو تُدبروا نفارقْ فِراقَ غيرِ وامِقْ قال الزُّبيرُ: سمعتُ يحيى بن عبد الله الهُديريَّ، وقد ذُكر قول هندٍ: " نحن بناتُ طارق "، فقال: أرادت: نحن بناتُ النَّجم، من قوله عزَّ وجلَّ:) والسِّماء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 والطارق، وما أدراك ما الطارق، النجم الثاقب (. تقول: نحن بنات النجم. وبَقرت عن كبدِ حمزة يومَ أحدٍ، فلا كتها، فلم تستطع أن تُسيغها فلفظتْها وقالت: شَفَيتُ من حمزةَ نفسي بأُحُدْ حينَ بَقَرتُ بطنَهُ عنِ الكَبِدْ أَذهبَ عنّي ذاكُ ما كنتُ أجِدْ مِن لَذْعةِ الحُزْنِ الشَّديدِ المتَّقِدْ وجَعلت، في ذلك اليوم هي والنِّسوةُ التي معها يُمثِّلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَجد عن الآذان والأنف حتى اتَّخذت من آذان الرجال وأُنُفهم خدماً وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقِرطها وحشياً غلام جبير بن مُطعمٍ. وأخوهما أبو هاشم بنُ عُتبة: من مُسلمة الفتح. واسمه شيبةُ على اختلاف في اسمه. وكان فاضلاً. وكان أبو هريرة إذا ذكر ابا هاشم قال: " ذلك الرجلُ الصالحُ ". سكن الشام، وتوفي بها. وروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. حدَّث أبو بكر بنُ أبي شيبة قال: نا أبو معاوية عن الأعمش، عن شقيق، قال: دخل معاوية على خاله أبي هاشم بن عتبة يعودُهُ فبكى. فقال له معاوية: ما يُبكيك يا خال؟ أوجعٌ تجده أم حرصٌ على الدنيا؟ قال: كلٌّ لا، ولكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فقال: " يا أبا هاشمٍ، إنَّها لعلَّك تُدركُك أموالٌ يُؤتاها أقوامٌ، فإنما يكفيك من الدنيا خادِمٌ ومركبٌ في سبيل الله "، وأُراني قد جَمعْتُ. وانقرض عقِبُ عتبة بن ربيعة إلا ولد المغيرة بن عِمران بن عاصم بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 الوليد بن عتبة بن ربيعة، فإنهم كانوا بالشام. وأختهم فاطمة بنت عتبة بن ربيعة: خالةُ معاوية. روت عنها أمُّ محمد بن عجلان المُحدِّث، وهي مولاتُها. قصي بن كلاب اسمُ قصيٍّ زيدٌ، ويُكنى " أبا المُغبرة "، ويُدعى مُجمِّعاً. قال الشاعر لولد قصيٍّ: أبوكم قصيٌّ كان يُدعى مُجمِّعاً ... به جَمعَ اللهُ القبائل من فِهْرِ ويُروى: قصيٌّ لَعَمري كان يُدعى مُجمِّعاً ودُعي مُجمِّعاً لأنه جمع قبائل قريش إلى الحرم، وكانوا متفرقين في كنانة حين أخرج خُزاعة عن مكَّة، وكانوا وُلاتها بعد جُرْهُمٍ. وكان قصيٌّ صاهر مَلكهم حُليلَ بن حُبْشِيَّة بن سلول، كانت عنده حُبَّي بنتُ حُليل، وأعطى مفاتيح الكعبة لأبي غُبشانَ، فباعها من قُصيٍّ بزقِّ خمرٍ وحُلَّةٍ ودراهم. فلذلك تضربُ به العرب المثل فتقول: " أخسر صفقةً من أبي غُبشانَ ". قال الشاعر: أبو عُبشان أظلمُ من قصيٍّ ... وأظلمُ من بني فِهرٍ خُزاعَهْ فلا تَلْحَوا قُصيَّاً في شِراهُ ... ولوموا شيخَكمْ إذْ كانَ باعَهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وأُمُّ قُصيٍّ وزهرة ابني كلابٍ فاطمة بنتُ سعد بن سيلٍ؛ احد الجدرة من خثعمة الأسد من اليمن. وكانوا خلفاء في بني الدُّئِل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. قال ابن هشام: يقال خثعمة الأسد، وجِعثمةُ الأسد. وهو جِعثمة بن يشكر بن مُبشِّر بن صعب بن دهمان بن نصر بن زهران بن كعب بن الحارث ابن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأَزِد بن الغوث نبتِ بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. واسم سبأ عبدُ شمس. وإنما سُمي سبأ لأنه أول من سبأ في العرب، ابن يشجُب بن يعرب بن قحطان. والجَدَرَةُ: هم بنو عامر بن عمرو بن خزيمة بن جِعثِمة. وكان أبوهم عامرٌ بني جداراً للكعبة ايام جُرْهم، لأنه كان صِهرهم فسمي " الجادِرَ "، وقيل لولدِهِ " الجَدَرة ". ونُعمُ بنتُ كِلابٍ: وهي شقيقةُ قُصيٍّ وزُهرة؛ أمُّ سعدٍ وسُعيد، ابني سهم ابن عمرو بن هُصيص بن كعب. وأخوهم لأمهم رِزاحُ بنُ ربيعة بن حرام ابن عُذرة، من قُضاعة. وهو الذي نصر قُصياً على خزاعة وبني بكر بن عبد مناة ابن كنانة حتى أخرجهم من مكة. وكان قُصيٌّ استنصرهُ، فأتاه فيمن تبعه من قُضاعة في حاجِّ العرب. وهو القائل في إجابته قصياً: لما أتى من قصيٍّ رسولٌ ... فقال الرسول أجيبوا الخليلا نهضنا إليه نقود الجياد ... ونطرح عنا الملول الثقيلا وهذان البيتان من قصيدةٍ له. وقال قصي: أنا ابنُ العاصمينَ بنِي لؤيٍّ ... بمكةَ منزلي وبِها رَبِيتُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 إلى البطحاءِ قد علمتْ مَعدٌّ ... ومَرْوتِها رَضيتُ بِها رَضيتُ فلستُ لغالبٍ إن لم تَأثَّلْ ... بها أولادُ قَيذَرَ والنَّبيتُ رِزاحٌ ناصري وبهِ أُسامي ... فلستُ أخافُ ضَمياً ما حَييتُ وكان ربيعة بن حرامٍ أبو رزاحٍ قدم مكة، وزُهرةُ بن كلابٍ يومئذٍ رجلٌ، وقصيٌّ فطيمٌ. فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل؛ أمَّهما. فاحتملها إلى بلاده، فحملت قُصياً معها، وأقام بمكة زُهرة. فولدت لربيعة رزاحاً. فلما بلغ قُصيٌّ، وصار رجلاً أتى إلى مكة، فأقام بها حتى ملك أمرها، وبلغ شرفُه فيها ما لم يبلغه أحدٌ من آبائه. كانت له الحجابةُ والسِّقايةُ والرِّفادةُ والنَّدوة واللِّواء. فحاز شرف مكة كلَّه. وكان أول بني كعب بن لؤي أصاب مُلكاً أطاع له به قومُه، واتَّخذ لنفسه دار الندوة، ففيها كانت قريشٍ تقضي أمورها، وجعل بابها إلى مسجد الكعبة. وكان أمره في قريشٍ كالديِّن المتَّبع ومن بعد موته. وولد قُصيٌّ عبد منافٍ، وقد تقدَّم ذكره، وعبد العُزَّى، وعبد الدار، وعبداً. وأمُّهم حُبَّي بنت حُليل بن حُبْشيَّة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعيِّ. وعمرو هو لُحيٌّ، وهو أبو خُزاعة. فمن بني أسد بن عبد العُزى: عبد الله ويزيد ووهب بنو زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد. وهم من الصحابة، وأمهم قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة زوج النبي عليه السلام. وأبوهم زمعةُ من أصحاب القليب، وجدهم الأسود من المستهزئين الذين كُفيهُم النبيُّ عليه السلام. وروي أنَّ جبريل رمى في وجهه بورقة فعمي. وكان عبدُ الله من أشراف قريش، وكان يأذنُ على النبي عليه السلام بعد في أهل المدينة. روى عنه أبو بكرٍ بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حديث: " مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس ". وروى عنه عُروةُ بن الزُّبير حديث ضرب المرأة، والضحكة مع الضَّرطة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 وكانت تحته زينب بنت أبي ... أم بنيه .............. توفي بها سنة مئتين، وكان ضعيفاً في الحديث. وقال عنه أبو الفتح محمد بن الحسين الأزديُّ الموصليُّ الحافظ: وكان قاضي الرقة، استقضاه الرشيد، وكان كذاباً متروك الحديث، لا تجاوز اللهُ عنه. ولما مات بلغ ابن مهدي موتهُ قال: الحمدُ لله الذي أراح الناس منه. وكان يطير الحمام للرشيد فقال له يوماً: أتحفظ في الحمام شيئاً؟ فقال حدثني ... عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيرها، فقال: اخرج عني لولا أنك من قريش لعزلتك. وأما يزيد بن زمعة فهو الذي أهوى بالسيف لزينب، فألقت ذا بطنها. وقد ذكرنا قصتها معه قبلُ .... وأسلم هبارٌ بعد الفتح وحسن إسلامه. ومن بني اسد: خديجةُ بنت خُويلد بن أسدٍ زوجُ النبي عليه السلام، والزُبير بنُ العوام بن خُويلد، وحكيمُ بنُ خُويلد، ويكنى أبا خالد. وكان حكيمٌ من أشراف قريش، وُلد في الكعبة، وذلك أن أمَّه دخلت الكعبة في نسوة من قريش، وهي حاملٌ فضربها المخاضُ، فأتيتْ بنطع فولدت حكيماً عليه. وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، وفرَّ يوم بدر. وكان إذا اجتهد في اليمن قال: " لا، والذي نجَّاني يوم بدر ". وقال حكيمٌ: " ولدتُ قبل الفيل بثلاث عشرة سنةً، وأنا أعقِلُ حين أراد عبدُ المطَّلب أن يذبح ابنه عبد الله، حين وقع نذره، وذلك قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين ". وكان يفعل المعروف في الجاهلية، ويُعتق الرقاب تحنُّثاً. وسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أسلم فقال: " أسلمت على ما أسلفتَ من خيرٍ ". وكان من خيار المؤلفة قلوبُهم. أسلم يوم الفتح هو وبنوه: هشامٌ وعبدُ الله وخالدٌ ويحيى: وله ولبنيه صحبةٌ ورواية. وعاش مئة وعشرين سنةً. وكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 فاضلاً تقياً سرياً جَواداً. واعتق موت النبي عليه السلام مئة مملوك في يوم واحد، وفي أعناقهم أطواق الفضة. وشهد حكيم مع أبيه الفِجار الأول والثاني. وفي الفجار الثاني قُتل أبوه حِزامٌ. وباع حكيمٌ دارا له من معاوية بستين ألف دينار. فقيل له: " غبنك معاوية! " فقال: " والله ما أخذتُها في الجاهلية إلا بزق خمر، أُشهدكم أنها في سبيل الله. فانظروا أيُّنا المغبونُ؟ ". ومات حكيمٌ بالمدينة سنة أربع وخمسين. وهشامٌ: من بنيه، كان من فضلاء الصحابة وخيارهم، ممَّن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ذكر مالك أن عمر بن الخطاب كان " يقول " إذا بلغه أمرٌ ينكره: " أما ما بقيتُ أنا وهشام بن حكيم فلا يكون ذلك ". قال ابن وهب: وسمعتُ مالكاً يقول: كان هشام بن حكيم كالسائح لم يتخذ أهلاً ولا ولداً. وحديث عمر مع هشام بن حكيم حين سمعه عمر يقرأ سورة " الفرقان " ذكره مالكٌ في موطَّئه في كتاب الصلاة. ونصُّه: مالكٌ عن ابن شهابٍ عن عروة بن الزُّبير عن الرحمن بن عبدٍ القاريِّ أنه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حِزامٍ يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه. ثم أمهلتُه حتى انصرف، ثم لبَّبتُه بردائه، فجئتُ به رسول الله فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله، إني سمعتُ هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله: " أرسله ". ثم قال: " اقرأ ". فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هكذا أُنزلت ". ثم قال لي::اقرأ ". فقرأتها فقال: " هكذا أُنزلت: إنَّ هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسَّر منه ". ومن بني أسدٍ فاطمة بنتُ أبي حُبيش بن المطَّلب بن أسد بن عبد العزَّى ابن قُصي، وكانت تُستحاضُ. روى عنها عروة بن الزبير، وسمع منها حديثها في الاستحاضة، وهو في الموطأ عن عُروة عن عائشة، ونصُّه: مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي عليه السلام أنها قالت: قالت فاطمةُ بنت أبي حُبيش: يا رسول الله، إني لا أطهر فأدعُ الصلاة! فقال لها رسول الله: " إنما ذلك عِرقٌ وليس بالحيضة. فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرُها فاغسلي الدم عنكِ وصلِّي ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وأخوها السائبُ بنُ أبي حُبيش: له صحبة. وهو معدود في أهل المدينة روى عنه سليمان بن يسار وغيره. ومن بني أسد ورقةُ بن نَوفلِ بن أسد. وهو ابنُ عمِّ خديجةَ، وأدراكَ مبعثَ النبيِّ عليه السلام، وقد عُميَ. ولقيهُ ورقةُ، وهو يطوف بالبيت فسأله ورقةُ عن ما رأى صلى الله عليه وسلم وما سمع. فقبَّل يأفوخَه، وبشَّرة بالنبِّوة. وخبرُ ورقةَ أشهرُ من أن يذكر. وأخواه: عدي وصفوان ابنا نوفل. فأما عدي فهو من مُسلمة الفتح، وعملَ لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان على حضر موت. وأمُّه آمنةُ بنت جابر بن سفيان ... ذكر ذلك الزبير. وأما صفوان ..... وكان من أشراف قريش، وهو الذي قال فيه عمر: " ذاك رجل لا أعلم فيه عيبا، وما أحدٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وأنا أقدرُ أن أعيبه ". وقيل إنه قاله في ابنة عبد اللهِ بن السائب، وكان شريفاً أيضا، وسيطا في قومه. " وكانت عند " المغيرة بن أبي العاصي عمِّ عثمان بن عفان. فولدت له معاوية بن المغيرة. وهي جدة عائشة بنت معاوية بن المغيرة، أم عبد الملك بن " مروان " وبسرة هذه من المبايعات. ورَوى عنها من الصحابة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط، وروى عنها مروان بن الحكم و) سعيد بن المسيَّب (. ومنهم الحَولاء بنت تُوضيت بن حبيب بن أسد بن عبد العزى بن قصي. هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكانت كثيرة (العبادة. وفيها جاء الحديث أنها كانت لا تنام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يسأم " حتى تسأموا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 وقُتل من كفار بني أسد يوم بدر: زمعة بن الأسود بن المطَّلب بن أسد. اشترك في قتلة حمزةُ وعلي بن أبي طالب وثابت بن الجذع الأنصاري السلمي. واسمُ الجَذَع ثعلبةُ. وأخوهُ عقيل بن الأسود بن المطلب، قتله حمزة وعلي، اشتركا فيه. وأبُو البَخْتري العاصي بن هشام. ويقال: ابن هاشم بن الحارث ابن أسد قتله المجذَّر بن ذّياد البلويُّ. وكان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة. وقال النبيُّ عليه السلام يوم بدر: " مَن لقي أبا البختريِّ فلا يقتلْهُ " فجهد المجذَّرُ على أخذه أسيراً، فلم يقدر عليه إلا يكون مع زميله. فأبى المجذر ذلك، وقال لم يأمر رسول الله بترك قتل أحدٍ إلا لكَ وحدك. فقاتل دون زميله فقتله المجذر. وابنه الأسود بنُ أبي البختري: أسلم يوم الفتح، وصحب النبي عليه السلام. وكان من رجال قريش وفي ابنه سعيد بن الأسود قالت امرأة: ألا ليتَني اَشْري وشاحي ودُملجى ... بنظرةِ عَينٍ من سعيد بن أسود ومن بني عبد الدَّار بن قُصيّ مُصعبُ بنُ عُمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار: وهو من المهاجرين الأولين. شهد بدراً، وقُتل يوم أُحد شهيداً. قال أبو محمد بنُ الجارُودِفي كتاب) المنتقى (له: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: نا معاوية الضريرُ قال: نا الأعمشُ عن شقيق، عن خَباب بن الأرت فال: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجَبَ أجرنا على الله. فمنَا من مضى لم يأكل من أجره شيئاً؛ منهم: مُصعب بن عُمير، قُتل يوم أحدٍ، فلم يوجَد لهث شيء يكفَّن به إلا نَمِرَةُ. فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رحلاه، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسَهُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ضَعوها ممَّا يلي رأسَهُ، واجعلوا على رجليهِ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 الأذخُر ". ومنا من أينعت له ثمرتُهُ فهو يَهدِ بُها. وأخواهُ أبو الروم وأبو عزيز ابنا عُمير. فأما أبو الروم، فكان قديم الإسلام بمكة. وذكر ابنُ إسحاقَ أنه هاجر إلى أرض الحبشة. وقال أبو الزِّناد: لم يهاجر إليها. وشهدَ أحداً وقُتل يومَ اليرموك شهيداً. وهو ممِّن اشتهر بكنيته. " له صحبة " وسماع من النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه نُبْيهُ بن وهب. يعدُّ في أهل المدينة ... ومنهم سُوَيبط بن سعد بن حُرَيْملةَ بن مالك بن عُمَيلةَ بن السَّبَّاق بن عبد الدار. هاجر الهجرتين، وشهد بدراً. وكان مزَّاحا يُفرط في الدُّعابة. وقصتُه مع نُعيمان بن عمرو الأنصاريَّ النجَّاريَّ مشهورة حين سافرا مع أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. وكان نُعيمان أيضا مزَّاحا. وله أخبار مُستطرفة مُضحكة، ذكرها مُسندة أحمد بنُ حنبل والزبير بن بكَّار وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزْمٍ الأنصاريُّ النجَّاريُّ. ومنهم برةُ بنت عامر بن الحارث بن السبّاق بن عبد الدار بن قصي. وهي بنت عم بَعكك والد أبي السنابل. وكانت تحت أبي إسرائيل الأنصاريَّ، فولدَتْ له إسرائيل بن أبي إسرائيل. وكانت من المهاجرات. ومنهم عثمانُ بنُ طلحة بن أبي طلحة. واسم أبي طلحة عبدُ الله بنُ عبد العُزى بن عثمان بن عبد الدار بن قُصي. قُتل أبوهُ طلحةُ وعمه عثمان ابنا أبي طلحة جميعا يومَ أحدِ كافرين. قَتل حمزةُ عثمان وقَتل عليٌّ طلحة مُبارزة. وقُتل لعثمان ابن طلحة إخوة أربعةٌ أيضا يوم أحدٍ كفاراً، وهم: مُسافع، والجُلاس، والحارث، وكِلاب بنو طلحة. قَتل مُسافعاً والجُلاس عاصم بن أبي الأفلح حمِيُّ الدَّبْر. وقتل كلاباً والحارث قُزمانُ حليفُ بني ظفرٍ. وقيل: كلاباً عبدُ الرحمن بن عوف. وقال ابنُ عبدِ البر في كتاب الصحابة: قَتل كلابا الزبير. وكانت هجرة عثمان بن طلحة في هُدنة الحديبية مع خالد بن الوليد. فلقيا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 عَمرو بن العاصي مُقبلاً من عند النَّجاشي يريد الهجرة. فاصطحبوا جميعا حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. فقال رسول الله حين رآهم: " رمتْكم مكةُ بأفلاذِ كبِدها " يقول: إنهم وجوهُ مكةَ، فأسلموا. ثم شهد عثمان بن طلحة فتح مكة، فدفع رسول الله مفتاح الكعبة إليه وإلى ابن عمِّه شيْبة بن عثمان بن أبي طلحة، وكان من مُسلمة الفتح. وقيل: بل أسلم بحُنين. وقال لهما عليه السلام: " خذوها، يا بني أبي طلحة، خالدةً تالدةً إلى يوم القيامة، لا ينزعها منك إلا ظالم ". فبنو أبي طلحة هم الذين يَلُونَ سِدانةَ الكعبة دون بني عبد الدار. ثم نزل عثمان بن طلحة المدينة فأقام بها إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم انتقل إلى مكة، فسكنها حتى مات بها في أول خلافة معاويةَ سنة اثنتين وأربعين. وقيل إنه قُتل يومَ أجنادين. وابنُ عمه شيبة بن عثمان: هو جدُّ بني شيبةَ حَجَبةِ الكعبة إلى اليوم. وتوفى في آخر خلافة معاوية سنة تسعٍ وخمسين. وقيل: بل تُوفي في أيام يزيد. وهو من فضلاء المؤلفة قلوبهم. وابنته صفيةُ بنتُ شيبةَ: يُروى عنها الحديث؛ روى عنها ميمون بن مِهْران الجزريُّ وعُبيدُ اللهِ بن أبي ثور والحسن بن مسلم وإبراهيم بن مُهاجر. وروت هي عن ... فمِمَّا روى عنها الحسن بن مسلم ما ذكره ابن الجارود في " الملتقى " فقال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن الدَّوقيُّ وإسماعيل بن أبي الحارث قالا: نا يحيى، وهو ابن أبي بُكير عن إبراهيم بن طَهمان قال: حدثني بُديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنتِ شيبةَ عن أم سَلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المتوفي عنها زوجُها لا تلبسُ المعصفر من الثياب، ولا الممشَّقة، ولا الحَلْيَ، ولا تختضبُ، ولا تكتحلُ ". قال: وحدثني بُديل أن الحسن بن مسلم قال: لم أرَهم يَرَونَ بالصبرِ باساً. وممَّن رَوى عنها إبراهيم بن مَهاجر ما ذَكره أبن الجارود أيضا في المنتقى، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 فقال: حدثنا محمد بن يحيى قال: نا عبيد الله بن موسى قال: نا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة قالت: سألت امرأة من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم عن الحائض إذا أرادت أن تغتسل من المحيض. قال: " خُذي ماءكَِ وسدْركِ ثم اغتسلي، فأَنقي، ثم صُبَّى على رأسكِ حتى تبلغَ شؤونَ الرأس. ثم خذي فِرصة ًمُمسكة ". قالت: كيف أصنع؟ فسكت، ثم قالت: كيف أصنع؟. فسكت. فقالت عائشةُ: " خذي فِرصةً مُمسًكة فتتبَّعي بها أثر الدم ". ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع، فما أنكر عليها. خرَّج مسلمّ هذا الحديث من طرق، عن منصور بن صفية، عن أمه، عن عائشة. وعن إبراهيم بن المهاجر، عن صفية، عن عائشة. وفي آخر حديث ابن المهاجرة فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار. ولم يكن يمنعهنَّ الحياء أن يتفقَّهنَ في الدين. المرأة التي سألت النبَّي عليه السلام عن غسل المحيض أسماءُ بنتُ شكل الأنصارية. ... وكان لصفية أخوان: " مُصعب " وجُبير ابنا شيبةَ. فأما مصعب فروى عنها عن عائشة قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداةً وعليه مِرْط مُرحَّل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسينُ فدخل معهُ، ثم جاءت فاطمةُ فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: " إنما يريدُ اللهُ ليذهبَ عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً ". وأما أخوها جُبير فولد عبدَ الحميد بن جُبير، رَوى من عمته صفية. مسلم: نا يحيى بن حبيب الحارثي قال: نا خالد بن الحارث قال: ناقرة قال: نا عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: حدَّثتْنا صفيةُ بنتُ شيبةَ قالت: قالت عائشة: قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 رسول الله: " يرجعُ الناس بأجرينِ وأرجع بأجرِ الحديث ". خرَّجه مسلم في كتاب " الحج ". وقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عبد الدار يوم بدرٍ صبراً النَّضر بن الحارث بن علقمةَ بن كَلدة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قُصيٍّ. أمر بقتلهِ عليَّ بن أبي طالب بالصفراء. وكان النضر عدُّو الله من شياطين قريش، وممَّن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصِب له العداوة. وكان قد قدم الحيرة، وتعلَّم بها أحاديث ملوك الفرس، وأحاديث رُستم وإسفنديار. فكان إذا جلس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مجلساً فذكَّر فيه بالله عز وجل، قام ثم قال: أنا والله يا معشر قريش، أحسن حديثاً منه، أحدِّثكم أحسن من حديثه. ... ثم يقول: بماذا محمد أحسنُ حديثاً مني؟ وهو الذي قال: سأنزل مثل ما أنزلَ اللهُ. وكان ابنُ عباس يقول: نزل فيه ثماني آيات من القرآن. قال الله تعالى:) إذا تُتلى عليه آياتُنا قال: أساطيرُ الأوَّليْنَ (. وكلُّ ما ذكر في القرآن من الأساطير. وأخوهُ النُّضيرُ بنُ الحارث: كان من المهاجرين الأولين. وقيل: بل كان من مُسلمةِ الفتح، والأولُ أكثرُ وأصحُّ. ويكنى أبا الحارث. وأبوهُ الحارث بن علقمةَ يُعرف بالرَّ " هين " ومن ولِده محمدُ بن المرتفع بن النُّضير بن الحارث. يروى عنه ابن جُريج ... وبنت النَّضر المذكور قُتيلةُ: كانت تحت عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبدِ شمس بن عبد مَناف. فوَلدت له علياً والوليد محمداً والحكَمَ. وهي جدةُ الثُّريَّا لأبيها عليِّ بن عبد الله بن الحارث. والثريا هي التي كان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 يشبب بها عمرُ بن أبي ربيعة. وقد تقدَّم ذكرها قبلُ. وأسلمت قُتيلةُ يوم الفتح. وكانت شاعرةً مُحسنةً وهي القائلةُ القصيدة المشهورة تبكي أباها، وبعثتْ بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من جيد الشعر وأحكمه: يا راكباً إنَّ الأُثَيلَ مَظِنَّةٌ ... من صبحِ خامسةٍ وأنتَ مُوفَّقُ أَبْلغْ بها مَيْتاً بأنَّ تَحيةً ... ما إنْ تزالُ بها النجائِبُ تخْفِقُ منى إليكَ وعبرةً مسفوحةً ... جادتْ بواكفِها وأُخرى تَخْنُقُ هل يَسمعني النَّضرُ إنْ ناديتُهُ ... أم كيف يسمعُ ميَّتٌ لا يَنطقُ أمحمد يا خيرَ ضِنْء كريمةٍ ... في قومها والفَحلُ فَحلٌ مُعزِق ما كان ضرَّك لو مَنَنْتَ وربما ... مَنَّ الفتى وهْوَ المَغِيْطُ المُحْنَقُ أوْ كنت قابلَ فِديةٍ فليُفْتدَنْ ... بأعزِّ ما يعلو بهِ ما يُنْفَقُ فالنَّضْرُ أقربُ مَن أسرتَ قرابةً ... وأَحقُهم إن كانَ عِتقٌ يُعتقُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 ظلَت سيوفُ بني أبيهِ تَنوشُهُ ... للهِ أرْحامٌ هناكَ تشقَّقُ فلما بلغ قولها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى أَخضلت الدموعُ لحيتَهُ وقال: " لو بلغني شعرُها قبل أن أقتُلَه لعفوتُ عنه ". ذكر هذا الخبر عبدُ الله بن إدريس في حديثهِ، وذكره الزُّبير وقال: فرقَّ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دَمعت عيناهُ، وقال: " يا أبا بكر لو سمعتُ شعرها ما قتلتُ أباها ". ومن بني عبدِ بن قُصي طُليب بن عُمير بن وهب بن أبي كَبير بن عبد. وأمُّه أَروى بنتُ عبد المطلب، وهو من المهاجرين الأولين. شهد بدراً، وقُتل يوم أَجناديْن شهيداً. وقيل: استشهد يومَ اليرموك. كلاب بن مرّة ووَلد كلاب قصياً. وقد ذكرتُه وذكرت ولدهُ وزهرةَ. زهرة بن كلاب: وهوَ أخو قُصيٍّ لأمه وأبيه. وقُصي وزهرة هما الصَّريحان من قريش، لأنهما ولدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أبيه وأمه. فمن بني زهرةَ سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ومَخْرمةُ بن نوفل وهو من مسلمة الفتح، وعاش مئة وخمس عشرة سنة وكُفَّ بصره، ويكنى أبا المِسْوَر وقيل يكنى أبا صفوان الأكثر والأشهر. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا صفوان ". وهو مخرمة بن نوفل بن أُهيب بن عبد مناف بن زهرة. وجدُّه أُهيب عمُّ آمنة أمَّ النبي عليه السلام، أخو أبيها وهب بن عبد مناف. ومخرمة ابن عم سعد بن أبي وقاص لحَّاً. وابنه المِسْوَر بن مخرمة: قُبض النبي عليه السلام وهو ابن ثماني سنين، قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 ذلك ابن قُتيبة. وكان المسور فقيها من أهل الفضل والدين. يروى عن عمر وخاله عبد الرحمن بن عوف وسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ عنه. ومما حفظ عنه أنه سمع النبيَّ عليه السلام يقول: " إنَّ بني هشام بن المُغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليَّ بن أبي طالب، فلا آذنُ، ثم لا آذنُ ". روى الحديث مُسلم من طُرق بسنده إلى أبي مُليكة عن المسور. وقال المسور في أتمَّ سياق هذا الحديث: إنه سمع النبيَّ عليه السلام يخطب في شأن فاطمة ابنته، وهو مُحتلم يومئذ. وهذا يرد قول ابن قتيبة في سنِّ المسور حين قُبض النبي صلى الله عليه وسلم. وكان قال: إن يزيد بن معاوية يشرب الخمرَ فبلغه ذلكَ. فكتب إلى أمير المدينة فجلده الحدَّ. فقال: أيشرَبُها صرفا يَفُتُّ ختامَها ... أبو خالدٍ، ويُجلَدُ الحدَّ مِسْورُ؟ وماتَ سنة أربعٍ وستين وكان مع ابن الزبير بمكة حين حوصر، فأصابه حجر فمات. ووَلد المسور عبد الرحمن وأمُّه بنت شُرحبيل بن حسنة، وحَسنةُ أمهُ، وهي مولاةُ مَعمر بن حبيب بن وهب بن حُذاقة بن جُمحَ. وأبوهُاسْمه عبد الله بن المُطاع بن عمروا من كندة. وقال ابن هشام هو شُرحبيل بن عبد الله، أحدُ بني الغوث بن مُرِّ أخي تميم بن مُرّ. وكنيةُ شُرحبيل أبو عبد الله، وهو حليف بني زهرة، وكان من مهاجرة الحبشة، ومن المعدودين في وجوه قريش. وكان أميراً على ربع من أرباع الشام لأبي بكرٍ وعمر. وتُوفي بطاعون عَمَواسَ سنة ثمانِ عشرةَ، وهو ابنُ سبع وسبعين سنة. ووَلد عبدُ الرحمن بن المسور أبا بكر بن عبد الرحمن، وكان شاعرا. وهو القائل: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 بينما نحن من بَلاكِثَ بالقا ... عِ سِراعاً والعِيسُ تَهوى هَويَّا خَطرتْ خَطرةٌ على القلبِ من ذِك ... راك وَهناً فما استطعتُ مُضِيَّا قلتُ: لبَّيكِ إذ دعاني لكِ الشو ... ق وللحادِيَيْنِ كُرّا المَطيَّا ومن مولد عبد الرحمن بن المسور ابنُ ابنه عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن، ويُعرف بالمِسْوَري. خرج عنه مسلم والترمذي. وأخوهُ أبو جعفر عبد الرحمن ابن جعفر، وابنُ عمهما عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن " بن " المسور. روى عنه مسلم مشافهةً عن سُفيان بن عُيينةَ عن عَمرو بن ذيقار، عن جابر بن عبد الله الأنصاري حديث قتل كعب بن الأشرف. ومن بني زُهرةَ المُطَّلبُ وطُليب، ابنا أَزهر بن عبد عوف، وهما من الصحابة. وكانا جميعاً من مهاجرة الحبشة. وكانت هجرةُ المطَّلب مع امرأته رملةَ بنت أبي عَوف بن صُبَيرةَ السَّهميَّة. ووَلدت له هناك عبد الله بن المطَّلب بأرض الحبشة. وأزهر أبوهما عمُّ عبد الرحمن بن عَوف من الصحابة، وكان أحد الذين نصبوا " أعلام الحرم. وقد بعثهم عمر بن الخطاب، وهم أربعة: مخرمةُ بن نوفلٍ والد المسور، وأزهرُ المذكور، وسعيدُ بن يربوع المخزومي الملقَّب بالصُّرْم، وحُويطب بن عبد العُزى من بني عامر بم لؤي. وابنُه عبد الرحمن بن أزهر، ويُكنى أبا جُبير. شَهد مع رسول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 عليه وسلم حُنيناً. روى عنه أبو سلمةَ بن عبد الرحمن الفقيه ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيميُّ، وأروى الناس عنه لبن شهلب الزُّهريُّ. ومنهم الأسود بن يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرةَ. وهو ابن خال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقرب أخى أمه آمنة بنت وهب. وكان الأسودُ من المستهزئين. وإليه يُنسب المقدادُ لأنه كان تبنَّاهُ. وابنهُ عبد الرحمن من خيار المسلمين، يُعدل بالصحابة وليس منهم. وروى الزهريُّ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بعض أزواجه فإذا بامرأةٍ حسنة النغمة. فقال: " من هذه؟ " قالت: إحدى خالاتك. فقال: " إنَّ خالاتي بهذه البلدةِ لَغرائبُ؛ أيُّ خالاتي هيَ؟ ". قالت: خالدة بنت الأسود بن عبد يغوثَ. فقال النبي عليه السلام. وهو الذي أشارَ جبريل عليه السلام إلى بطنه، والنبيُّ عليه السلام واقف معه في الكعبة. فاستسقى بطنُهُ فمات حَبَناً. وأخوه الأرقم بن عبد يغوث: عمُّ خالدةَ هذه. هو والدُ عبد الله بن الأرقم من مسلمة الفتح، وحسُن إسلامه. وكتب للنبيِّ عليه السلام ولأبي بكر. واستكتبَهُ أيضا عمر، واستعمله على بيت المال. وقال خليفةُ بن خياط: لم يزل عبد الله بن الأرقم على بيت المال خلافة عمر كلها وسنين من خلافة عثمان حتى استعفاه من ذلك، فأعفاهُ. وذكر محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استكتب عبد الله بن الأرقم، فكان يجيب عنهالملوك. وبلغ من أمانته عنده أنه كان يأمره أن يكتب إلى بعض الملوك فيكتب، ويأمر، أن يُطِّنه ويختمه، وما يقرؤه لأمانته عنده. وروى ابن القاسم عن مالك قال: بلغني أنه ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال: " من يُجيبُ عني؟ " فقال عبد الله بن الأرقم: أنا. فأجاب عنه، وأتى به إليه، فأعجبه وأنفذه. وكان عمر حاضراً، فأعجبه ذلك من عبد الله بن الأرقم. فلم يزل في نفسه يقول: أصاب ما أراد رسول الله صلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 الله عليه وسلم. فلما ولي عمر استعمله على بيت المال. وروى سفيان بن عُيينة عن عمرو بن دينار أنَّ عثمان ثلاثمئة ألف درهم، فأبى عبد الله أن يأخذها. وروى أشهب عن مالك أن عمر بن الخطاب كان يقول: ما رأيت أحداً أخشى للهِ من عبد الله بن الأرقم. ومنهم ابن شهاب الزُّهريُّ: واسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهرة، ويُكنى أبا بكر. وكان أبو جدِّه عبد الله بن شهاب شَهد مع المشركين بدرا، وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحدٍ لَئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيَقْتُلُنَّهُ أو ليُفتلُنَّ دونه. وهم: عبد الله بن شهاب، وأُبُّى بن خلف، وابن قَميئة، وعُتبة بن أبي وقاص، وكان أبوه مسلم بن عبيد الله مع الزبير. ولم يزل الزُّهريُّ مع عبد الملك بن مروان ثم مع هشام بن عبد الملك. وكان يزيد بن عبد الملك استقصاه. وتوفي في شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومئة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، ودثفن على قارعة الطريق بماله ليمرَّ مارٌ فيدعو له. والموضع الذي دفن فيه آخر عمل الحجاز وأول عمل فلسطين، وبه ضيعته. وأخوه عبد الله بن مسلم كان أسنَّ من الزهري، ويكنى أبا محمد. وقد لقي ابن عمر وروى عنه وعن غيره، ومات قبل الزهري. وابنه محمد الذي مان يكنى به، روى عن عمه كثيراً، وروى عنه يعقوب بن إبراهيم بن سعد الساعدي، ولقي كبار التابعين، وروى عنهم، وحمل من السنة كثيرا، وروى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 عنه الأئمة: مالك والليث بن سعد وسفيان بن عُيينة ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب القرشُّي العامريُّ. وكان مهيبا صارماً. ابن وهب: سمعت مناديا ينادي بالمدينة: لا يُفتى الناس إلا مالك وابن ذئب. وممن روى عنه من الثقات الأثبات: أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج، ومعمر بن راشد أبو عروة وصالح بن كيسان وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أبو إسحاق ومحمد بن الوليد الزُّبيدي أبو الهثذيل وموسى بن عقبة صاحب المغازي. وروى مالك عن موسى بن عقبة في الموطأ وأبو يزيد يونس بن يزيد الأيليُّ وأبو عمرو عبد الرحمن بن عمروا الأوزاعي وأبو إسحاق إسماعيل بن مسلم وأبو بشر شُعيب بن أبي حمزة مولى بني أمية وغيرهم ممن لايتَّهم فيما روى عنه. ومن طالع كتب هذا الشأن رأي فيها مسطوراً ما ذكرت. وروى أن عمرو بن دينار قال: أيُّ شيءٍ عند الزهري؟ أنا لقيت ابن عمر ولم يلقه، ولقيت ابن عباس ولم يلقه. فقدم الزهريُّ مكة فقال عمرو: احملوني إليه، وقد أقعِدَ، فحُمل إليه. فلم يأت إلى أصحابه إلا بعد ليلٍ فقالوا له: كيف رأيت؟. فقال: والله ما رأيت مثل هذا القرشيُّ قط. وقال عمر بن عبد العزيز: لا أعلم من الزُّهري. فقال له صخر بن جويرية: ولا الحسن؟. قال: ما رأيت أعلم من الزُّهري. مُرَّةُ بن كعب: ووَلد مرةُ بن كعب كلابا أبا قصي وزُهرة، وقد مضى ذكرهم، وتيماً ويقظة. فأمُّ كلاب وتيم ابنى مُرة بن كعب هند بنت سُرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة. وأمُ يقظة أخيهما امرأة من بارق الأسد بن الغوث. ويقظة هو أبو مخزوم. فمن تيم: أبو بكر الصدِّيق، وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما، وعبيد الله ابن معمر بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مُرة، وهو ابن عمِّ طلحة، يجتمعان في عثمان بن عمرو. وكان عبيد الله من صغار الصحابة، واستشهد بإصطخر مع عبد الله بن عامر بن كُريز. وأبوه معمر من الصحابة أيضا، أسلم يوم الفتح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 وابنه عمر بن عبيد الله: أحد الأجواد الأنجاد، وهو الذي قتل أبا فديك الحروريَّ. ومدحه العجَّاجُ بأرجوزية التي يقول فيها: لقد سَما ابنُ مَعمرِ حينَ اعْتمرْ وله مناقب صالحة. وكان يلي الولايات، وشهد مع عبد الرحمن بن سمرة فتح كابُل، وهو صاحب الثغرة باب، قاتل عليها حتى أصبح. وكان ممن عمر ابن عبيد الله حين مات ستين سنة، ومات بموضع يقال له " ضمير " على خمسة عشر ميلاً من دمشق كمداً على أبن أخيه عمر بن موسى. وكلن خرج مع ابن الأشعث، فأخذه الحجَّاج فضرب عنقه صبراً. فقال الفرزدق يرثى عمر: يأيها الناس لا تبكوا على أحدٍ ... بعد الذي يضمر وافق القدرا وهو مولى أبي النَّظر سالم شيخ مالك. وأخوه عثمان بن عبيد الله، قتله شبيب بن يزيد بن نُعيم الشَّيباني الخارجي الحروري. وروى عن أبيه عبيد الله عروة بن الزبير ومحمد بن سيرين. ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أُعطي أهل الرِّفقَ إلا نَفعهم، ولا منعوه إلا ضرَّهم ". وهو القائل لمعاوية: إذا أنتَ لم تُرخِ الإِزارَ تَكرمُّا ... على الكلمة العوراء من كلِّ جانب فمن ذا الذي نرجو لحقْنِ دمائنا ... ومن ذا الذي نرجو لحملِ النَّوائب ومنهم المنكدر وربيعة ابنا عبد الله بن الهُدير بن عبد العزَّى بن عامر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 الحارث بن حارثة بن سعد بن تَيم، هكذا نسبهما ابن الكلبي. وزاد مصعب الزبيدي وابن أبي خيثمة والدارقطني بين الهُدير وعبد العزَّى مُحرراً. وروى المنكدر وربيعة عن عُمَر، وفي الموطأ عن السائب بن يزيد أنه رأى عُمَر بن الخطاب يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر. وفيه عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهُدير أنه تعشَّى مع عمر بن الخطاب ثم صلى ولم يتوضأ. ووَلد المنكدر محمداً وأبا بكر وعمر، وكانوا فقهاء عُباداً، وأفقهم محمد، ومات سنة ثلاثين ومئةٍ. سمع جابراً وأنساً. وروى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جُريج والثَّوريُّ ومالك. ولمالك عنه في موطَّئه خمسة أحاديث أحدهم مرسل. ومن موالي المنكدر الماجشون بن أبي سلمةَ، واسم الماجشون يعقوب. ونثسب إليه ولده وبنو عمهم، واسم أبيه أبي سلمة ميمون من أهل اصبهان. وكان يعقوب الماجشون فقهياً، وابنه يوسف بن يعقوب كذلك وكان للماجشون أخ يقال له عبد الله بن أبي سلمة. قال ابن وهب: قال مالك: كان عبد الله بن أبي سلمة من القُراء. وابنه عبد العزيز بن عبد الله، ويُكنى أبا عبد الله. توفي ببغداد في خلافة المهدي، وصلى عليه المهدي، ودُفن في مقابر قريش، وذلك سنة أربع وستين ومئة. ومن تيم عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بنأبي مُليكة بن عبد الله ابن جُدعان. واسم أبي مُليكة زهير. وفُقد أبو مُليكة في الجاهلية فلم يرجع. وتوفي عبد الله بن أبي مُليكة سنة سبع عشرة ومئة. وروى عن عائشة كثيرا، وخرَّج عنه الأئمة في الصحاح. وكان له أخٌ يقال له أبو بكر بن عبيد الله، رُوى عنه الحديث. وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر هو المليكي، روى عن عمِّه ابن أبي مُليكة عن عائشة حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرَّجه الترمذي. وابن عمَّه لحّاً عليُّ بن زيد بن عبد الله بن أبي مُليكة الأعمى. سمع أنساً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وأبا عثمان النَّهديَّ وسعيد بن المسيَّب. وروى عنه الثَّوري وشُعبة. ويكنى أبا الحسن. وكان من فقهاء البصرة، ومات بموضع يقال له سَبالةُ من بلاد ضبَّة، ولا عقبَ له. وابنُ ابنِ عمهما يعقوب بن زيد بن طلحة بن عبد الله بن أبي مُليكة أبو عرفة. روى عن سعيد المغبُريِّ. وروى عنه مالك وهشام بن سعد. لمالك عنه في الموطأ حديث واحد غير موصول. ومن موالي تيم بن مُرَّة أبو عبيدة مَعمر بن المثنى، وكان عالماً بالغريب وأخبار العرب وأيامها. وكان مع معرفته ربما لم يقم البيت إذا أنشده ... وكان يَبغِضُ العرب. وألف في مثالبها كتباً، وكان يرى رأي الخوارج. ومات سنة عشر ومئتين وإحدى عشرة.. ووَلد يَقظةُ مخزوماً. فمن بني مخزوم أمُّ سَلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبيد الله بن عمر بن مخزوم زوج النبيِّ عليه السلام. وأبو سَلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكانت تحته أمَّ سلمة قبل النبي عليه السلام. ويأتي ذكره بعد هذا، عند ذكر أمِّ سلمة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم خالد بن الوليد بن المغيرة سيف الله، ويكنى أبا سليمان. أسلم في هُدنة الحديبية. وعَزَماتُه يوم مؤتة وفي الردَّة وبدء فتوح العراق وجميع فتوح الشام أكثر من أن تحصى، إذ كان له فيها الغَناء العظيم الحفيل والبلاء الحسن الجميل. وتوفي بحمص سنة إحدى وعشرين حتف أنفه، وعُمُرهُ بضعٌ وأربعون سنة. وكان له بالشام من الولد عدد كثير بادَ أكثرهم بالطاعون. وأشهر ولده: المهاجر وعبد الرحمن. وكان المهاجر محباً في علي، وشهد معه الجمل وصفين، ورُوي عنه الحديث. وكان لعبد الرحمن فضل وهدي وكرم، إلا أنه كان مُنحرفا عن علي وبني هاشم مُخالفةً لأخيه المهاجر. وشهد صفين مع معاوية. وله رواية عن النبي عليه السلام ليس ... له فيها بسماعٍ منه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 الطبري: نا سفيان بن وكيع، نا زيد بن الحُباب عن عبد الرحمن بن بابَيْهِ، عن أبي هِزان، عن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أنه احْتَجم في رأسه، وبين كتفيه، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أهراقَ منه هذه الدماءَ فلا يَضرُّه ألا يتداوى بشيء ". وقصة موت عبد الرحمن في الاستيعاب مُسْتَوعَبة. ومنهم سلامة بن هشام بن المغيرة. وكان قديم الإسلام من مهاجرة الحبشة، ومن خيار الصحابة وفضلائهم. واحتبس عن الهجرة، وعُذب في الله عز وجل، فلم يشهد بدراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له وللمستضعفين في صلاته، كعيَّاش بن أبي ربيعة بن المغيرة والوليد بن المغيرة أخى خالد بن الوليد حتى أنقذهم الله. واستشهد سلامة يوم مَرج الصُّفَّر سنة أربع عشرة. وأخوه الحارث بن هشام أسلم يوم الفتح، وهو من المؤلفة قلوبهم، وكان من خيار مُسلمة الفتح، وفرَّ يوم بدر. وفي فراره يقول حسان بن ثابت من قصيدة: إنْ كنت كاذبةَ الذي حدَّثتِني ... فَنَجوتِ مَنجى الحارث بن هشام تركَ الأحبةَ أن يقاتِلَ دونهم ... ونجا برأسِ طِمرَّةٍ ولجامش فأجابه الحارث: اللهُ أعلمُ ما تركتُ قتالَهم ... حتى رمَوا مُهري بأَشقَرَ مُزْبِدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 وعرفتُ أني إن أقاتل واحدا ... أُقتل ولا فصددتُ عنهم والأحبةُ فيهم ... طمعاً لهم بعقاب يوم مُفيد وانتقل الحارث بأهله وولده في خلافة أبي بكر إلى الشام، وشهد موقعة أجنادين ومرجِ الصُّفَّر. واستشهد يوم اليرموك سنة خمس عشرة، هذا قول عليِّ بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف. وقال غيره: لم يزل بالشام مجاهداً حتى مات في طاعون عَمَواس سنة ثمان عشرة. وفي الحارث بن هشام يقول الشاعر: أحسِبتَ أنَّ أباكَ يومَ ... في المجد كان الحارث بن هشام أولى قريش بالمكارم كلَّها ... في الجاهلية كان والإسلام وروى الحارث بن هشام عن النبي عليه السلام ما ذكره مالك في الموطأ ونصُّه: مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قالت عائشة: ولقد رأيت عليه في يوم لشديد البرد وأنَّ جبينه ليتفصَّد عرقا. وابنه عبد الرحمن: كان حين قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 عشر سنين. وقالت فيه عائشة: لأن أكون قعدتُ في منزلي عن مَسيري إلى البصرة أحبُّ إليَّ من أن يكون لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم عَشَرة من الوَلد، كلُّهم مثلُ عبد الرحمن بن الحارث. وشهد الجمل مع عائشة رضي الله عنها، وكان شريفاً سخياً. وتوفي في خلافة معاويةَ بالمدينة. وزوجُه فاختَةُ بنت عِنَبَةَ بن سُهيل بن عمرو العامريِّ، وجدُّها سُهيل هو صاحبُ عقد الحديبية مع النبي عليه السلام. وهي أمُّ ابنه الفقيه أبي بكر ابن عبد الرحمن أحد الفقهاء السبعة، واسمُه كنيتُهُ، وأمُّ إخوته: عُمر وعثمان وعكرمة وخالد ومحمد، وكلُّهم أشقاؤه. وكان أبو بكر يسمى " راهب قريش "، لفضله وكثرة صلاته. واستُصغر يوم الجمل فرُدَّ هو وعروة بن الزبير. ووُلد في خلافة عمر. ومات فُجاءةً سنة أربع وتسعين، وهي ستة الفقهاء. وعبد الرحمن أبوهُ وفاختةُ أمُّه، هما " الشريدان ". سمَّاهما بذلك عمر بن الخطاب، لأنهما قدِما عليه من الشام. وقد استُشهد أبواهما، ولم يبقَ لهما أهل. فقال: زَوِّجوا الشريد الشريدةَ. وأَقطع لهما عمر بالمدينة خِطَّةً، وأوسع لهما. فقيل له: أكثرت لهما؛ فقال: عسى ينشرُ اللهُ منهما. فنَشر اللهُ منهما ولداً كثيراً؛ رجالاً ونساءً. ومحمدٌ من إخوة الفقيه أبي بكر ... روى ابن شهاب. ذكر ذلك مُسلم في الصحيح. فقال حدَّثنا الحسنُ بن عليِّ الحلوانُّي وأبو بكر بن النَّضروعبد ابن حُميد قال: عبد ... حدثني، وقال الآخران: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال: نا أبي عن صالح، عن أبن شهاب قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنَّ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أرسل أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاطمةَ بنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجعٌ معي في مِرْطي، فأَذِنَ لها، فقالت: يا رسولَ الله إنَّ أزواجك أَرسلنني إليك يَسألْنَك العدل في ابنة أبي قحافةَ. وأنا ساكتة الحديث بطولهِ ... الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 ومن مخزوم عكرمة بن أبي جهل بن هشام بن المغيرة، وهو ابن أخي الحارث وسلامة المذكورين آنفاً. ولم يُسْلم من بني هشام بن المغيرة غيرهما، وكانوا خمسةً. والباقون ماتوا كفاراً، وهم ثلاثة، أحدُهم أبو جهل والد عكرمة واسمه عمرو. وكان يُكنى أبا الحكم فكناهُ النبي عليه السلام أبا جهل. وكان من أشدِّ المشركين عداوةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قُتل يوم بدر كافراً، ضربه مُعاد بن عمرو بن الجموح، فقطع رجله، وضرب ابنه عكرمة يد معاذٍ فطرحها. ثم ضربه مُعوَّودُ بن عفراء حتى أَثبته، ثم تركه وبه رمق. ثم ذففَّ عليه عبد الله بن مسعودٍ الهذلُّي، واحتزَّ رأسه حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُلتمس في القتلى. والعاصي بن هشام الثاني قُتل يوم بدر كافراً، قتله عمر بن الخطاب، وهو خاله أخو أمِّه. وخالد بن هشام الثالث أُسر يوم بدر، وفُدي ومات كافرا. وابن أخيهم هشام بن العاصي بن هشام هو الذي جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فكشف عن ظهره، ووضع يده على خاتم النبوَّة. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فأزالها. ثم ضرب في صدره ثلاثا وقال: " اللهمَّ أذهب عنه الغل والحسد " ثلاثا. فكان الأَوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن يحيى بن هشام بن العاصي يقول: نحن أقلُّ اصحابنا حسدا. وولى الأوقص هذا قضاء مكة فما رُئَي مثله في العفاف والنبل. فبينما هو ذات ليلة نائم في عِلِّية مرَّ به سكران يتغنَّى ويلحن في غنائه، فقال: يا هذا، شربت حراما، وأيقظت نياماً، وغنَّيت خطأ، خذه عني. فأصلحه عليه. وقال الأوقص: قالت لي أمي: يا بنيَّ قد خُلقت خِلقةً لا تصلح معها لمجامعة الفتيان في بيوت القيان، فعليك بالدين، فإن الله يرفع به الخسيسة، ويضع به النقيصة، فنفعني الله بقولها. وكان عكرمة بن أبي جهل من خيار مُسلمة الفتح، وكان فارساً مشهوراً، هرب حين الفتح إلى اليمن، فلحقت به امرأتُه أمُّ حكيم بنت عمِّه الحارث بن هشام، فأتت به النبي صلى الله عليه وسلم. فلما رآه قال: " مرحباً بالراكب المهاجر " وكان مجتهداً في قتال المشركين، صحيح الإسلام، طاهر القلب. استُشهد بأجنادين، وقيل: بمرج الصُّفَّر. وذكر الزبير بن بكار، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 حدَّثني عمي عن جدِّه عبد الله بن مُصعب، قال: استُشهد باليرموك الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وسُهيل بن عمرو، وأتوا بماء وهم صرعى، فتدافعوهُ؛ كلما دفع إلى رجل منهم قال: اسق فلاناً، حتى ماتوا ولم يشربوه. ولما أسلم عكرمة شكا قولهم: عكرمة بن أبي جهل، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا عكرمة بن أبي جهل، وقال: " لا تؤذوا الأحياء بسبب الأموات ". وفي أبي جهل عدوِّ الله يقول حسان: الناسُ كنَّوهُ أبا حَكمٍ ... واللهُ كنّاهُ أبا جَهلِ أَبقتْ رِئاستُهُ لأسْرتِهِ ... لُؤمَ الفروعِ ودقَّة الأصل وقال رجل من بني مخزوم للأحوص بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح الأنصاري كلاماً ليؤذيَهُ: أتعرف الذي يقول: ذهبتْ قريشٌ بالمكارمِ كلِّها ... واللؤمُ تحت عمائمِ الأنصار؟ فقال الأحوص: أعرف الذي يقول: الناسُ كنَّوهُ أبا حكمٍ.. " البيتين ". والبيت الذي ذكر المخزوميُّ للأحوص بن محمد هو من قصيدة للأخطل التَّغلبِّي النصرانِّي أبعده اللهُ، هجا فيها الأنصار، أمره بذلك يزيد بن معاوية، إذا كان عَتب على قوم منهم، وكان أمر قبل ذلك بهجائهم كعب بن جُعيل التَّغلبِّي، فأبى عليه، ودلَّه على الأخطل، والدالُّ على الشيءِ كفاعله. وهذه أحقر مثالب يزيد ومآثمه، وأيسر الموبقة جرائمه، أو ليس هو المتمثِّل بقول عبد الله بن الزِّبَعري السَّهميِّ في يوم أحدٍ: ليتَ أشياخي ببدرٍ شَهِدوا ... جزَعَ الخزرجِ من وَقْعِ الأسَلْ! الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 وأما نازلة سِبط الرسول الحسين فهي التي ألبستْهُ أبرادَ الشَّين، وقصَّرتْ مدته، وجعلت اليأس من شفاعة جدِّه عُدَّته، وقد كان البرُّ الحليم أبوه معاوية أوصاه به عند موته خيراً، وأن لا يُنِيلهُ - ولو جنى عليه - ضرراً ولاضيراً، فما قبل الوصية، بل عكس منها القضية، وعدل عن الحق إلى الباطل ظالماً، وكان للأعداء أهل البيت المطهَّر من الرجس مسالماً، غضباً للدنيا لا للدِّين، فعال الآثمين المعتدين، ونستعيذ بالله من الخذلان، ونسأله الفوز من عذابه في الدارين بالأمان. ومن بني مخزوم عيَّاش بن أبي ربيعة: واسم أبي ربيعة عمرو بن المُغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، يُكنى أبا عبد الله. وهو أخو عبد الله بن أبي ربيعة لأمِّه وأبيه. وعبد الله بن أبي ربيعة هو أبو عمر الشاعر وعبد الرحمن وإبراهيم والحارث القُباع عامل ابن الزُّبير على البصرة. وأهل البصرة سمَّوه القُباع، وكان فاضلاً. وولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن أبي ربيعة الجَنَد ومخاليفها. فلم يزل والياً عليها حتى قُتل عمر. وأسلم يوم الفتح، وكان من أحسن قريش وجهاً. وهو الذي بعثَتْهُ قريش مع عمرو بن العاصي إلى النَّجاشيِّ في مُطالبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا عنده بأرض الحبشة. يُعَدُّ في أهل المدينة، ومَخرجُ حديثه عنهم. حدَّث أبو بكر أحمدُ بن زهير أبي خيثَمة: نا محمد بن عبَّادٍ المكَّيُّ، نا حاتم بن إسماعيل عن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزوميِّ، عن أبيه، عن جدِّه عبد الله بن أبي ربيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما جزاءُ القرض الحمد والوفاء ". ويقولون إنه لم يرو عنه غيرُ ابنه إبراهيم. وكان اسمه في الجاهلية بجيراً، فسماه رسول اللهصلى الله عليه وسلم عبد الله. ويكنى أبا عبد الرحمن. وفيه يقول عبد الله بن الزِّبعري السَّهميُّ: بجيرُ بن ذي الرُّمحين قرَّب مَجْلسي ... وراحَ علينا فضلُهُ غيرَ عاتِمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 وعياش وعبد الله ابنا ربيعة أخوا أبي جهل والحارث لأمِّهما وابنا عمِّه. أمُّهم أمُّ الجُلاس أسماء بنت مُخرِّبة بن جندل بن أُبير بن نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مُرِّ بن أدِّ بن طابخةَ بن الياس بن مُضر. وابنه عبد الله بن عياَّش: وُلد بأرض الحبشة، وحَفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه وروى عن عمر وغيره، وكان من القُراء. وروى عنه ابناه عبد العزيز والحارث ونافع مولى ابن عمر وابن ابنه عبد الرحمن بن الحارث أبو الحرث. روى عن عمر بن شُعيب وزيد بن علي، وروى عنه الثوريُّ وسليمان بن بلال، ذكر ذلك مُسلم في كتاب الكُنى له. وقال غير مسلم إنه روى عن عمِّه عبد العزيز بن عبد الله بن عياشٍ. وابن ابنه أبو هاشم المغيرةُ بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش: كان من أصحاب مالك. ومات بعد بعد مالك بسبع سنين ... قال الزبير بن بكار: كان المغيرة بن عبد الرحمن فقيه أهل المدينة بعد مالك بن أنس. وعرض عليه هارون الرشيد قضاء المدينة وجائزةً أربعة آلاف دينار فامتنع، فأبى أمير المؤمنين إلا أن يُلزمه " القضاء ". فقال: والله يا أمير المؤمنين لأن يخنقني الشيطانُ أحبُّ إليَّ من أن أليَ القضاء. فقال الرشيد: ما بعد هذا غاية. وأعفاهُ من القضاء، وأجازه بألفي دينار. " ومات " المغيرة سنة ست وثمانين ومئة. ووقع من البخاري ومسلم قلب في نسب المغيرة فقالا فيه: المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث بن عياش ..... وأسلم عياش قديما قبل دخول النبي عليه السلام دار الأرقم. وهاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته أسماء بنت خاله أخي أمِّه سَلَمةَ بن مُخرِّبة، وهي أمُّ ابنه عبد الله. ثم هاجر إلى المدينة مع عمر بن الخطاب، فقدم عليه أخواه لأمِّه: أبو جهل والحارث ابنا هشام، فذكرا له أن أمَّه حلفت ألاّ يدخل رأسها دُهن، ولا تستظلَّ حتى تراه. فرجع معهما، فأوثقاه رباطاً، فحبساه بمكة حتى خلَّصهم الله. وأستشهد يوم اليرموك. وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبريُّ: مات عياش بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 أبي ربيعة بمكة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تزال هذه الأمةُ بخير ما عظَّموا هذه الحُرمةَ حقَّ تعظيمها " يعني الكعبة والحَرَم " فإذا ضيَّعوها هَلكوا ". روى عنه نافع مولى ابن عمر مُرسَلاً، وروى عنه ابنُه سماعاً منه. ومن بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم هاشم بن أبي حُذيفةَ بن المُغيرة: وكان من مُهاجرة الحبشة في قول ابن إسحاق. وأخواه حذيفة وهشام ابنا أبي حذيفة، وذلك فيما قال ابن هشام: قتل حذيفة سعد بن أبي وقاص، وقتل هشاماً صُهيب بن سنان. ومن بني مخزوم شمَّاس بن عثمان بن " الشريد بن " سُويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم. واسمه عثمان، وشماس لقب غلبه. وإنما سُمّشي شماساً، لأن شماساً من الشمامسة قدِم مكة في الجاهلية، وكان جميلاً، فعجب الناس من جمالهِ ... بشماس أحسن منه. فأتى بابن أخته عثمان بن عثمان فسمِّي شماساً يومئذ. واسم أمِّ شماس صفية بنت ربيعة، وهي عمةُ هندٍ أمِّ معاوية. وشهد " بدراً وقتل يوم أحد " وبات ليلة إلا أنه لم يأكل ولم يشرب ومات عند أمِّ سلمة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن يردَّ إلى أحد فيدفن هناك. ولم يصلِّ عليه رسول " الله صلى الله عليه وسلم، ولم يغسله، بعد أن مكث يوماً وليلة، لم يأكل ولم يشرب. ومن بني مخزوم أيضاً حَزْنُ بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم. وهو أبو السائب والمسيَّب وحكيم وأبي مَعبد وعبد الرحمن، وكلُّهم صحابة. وحزن من المهاجرين ومن أشراف قريش، وهو جدُّ سعيد بن المسيب الفقيه. وروى حزن والمسيب ابنه عن النبي عليه السلام. ولم يرو عنه بقيةُ ولده شيئاً وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحزن بن أبي وهب: " ما أسمك؟ ". قال: حزن. فقال له صلى الله عليه وسلم: " أنت سهل ". فقال: إنما السهولة للحمار. فقال له النبيُّ: " أنت حزن! ". قال سعيد بن المسيَّب: فما زالت تلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 الحزونةُ تعرف فينا حتى اليوم وفي ولدهِ حزونة وسوء خُلُقٍ معروف ذلك منهم، لا يكاد يُعدم منهم. وأسلم ابنه حكيم عام الفتح، وقُتل يوم اليمامة شهيداً مع أخيه عبد الرحمن أبيه حزن. وأمُّ حكيم بن حزن فاطمةُ بنتُ السائب بن عثويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم. وأمُّ المسيَّب بن حزن وأخوته عبد الرحمن والسائب وأبي معبد أمُّ الحارث بنت سعيد بن أبي قيس بن عبدوُدِّ بن نصر بن مالك بن حِسْلِ بن عامر بن لؤي. قال مصعب الزُّبيريُّ. وشهد المسيِّبُ بيعة الرِّضوان. وخرَّج البخاري ومسلم أن سعيد بن المسيَّب شهد الشجرة مع أبيه، ووَهِما في ذلك. قال الدارقُطني: أصحاب المغازي ينكرون ذلك. قال المؤلف أصلحه الله: الدليل على ما قاله الدارقطنيُّ أن سعيداً وُلد في صدر خلافة عمر، ويأتي ذكرُ ذلك بعد. ولا خلاف أن المسيَّب ممن بايع تحت الشجرة. وابنه سعيد بن المسيَّب: من كبار التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، ويُكنى أبا محمد بابنه محمد، وكان نسَّابةً، وسعيد أيضاً كان نسابة. حَّث محمد بن عبد السلام الخُشني قال: نا نصر بن علي الجَهضميُّ قال: نا الأصمعي قال: نا إسحاق بن يحيى بن طلحة قال: جئت سعيد بن المسيَّب، فسلَّمت عليه فردَّ عليَّ فقلت له: أنا ابن يحيى بن طلحة. فضمَّني إليه وقال: ائتِ محمداً ابني، فإنَّ عنده ما عندي، إنما هي شعوب وقبائل وعمائر وبطون وأفخاذ وفصائل. قال المؤلف وفقه الله لما يُرضيه، ومنحه خير ما يقضيه: نصر بن علي الجَهضَميُّ الذي روى عنه الخشنيُّ محمد بن عبد السلام الأندلسيُّ. روى عنه مسلم في صحيحه كثيراً. وخرَّج عنه الترِّمذي وغيره من الأئمة. ويُكنى أبا عمرو. وروى مسلم أيضاً عن ابنه عليَّ بن نصر. وأكثرُ روايته عن أبيه نصر. وهو من أشياخه الذين أكثر الرواية عنهم. ومات نصر بن علي وابنه علي بن نصر المذكوران في سنةٍ واحدة؛ سنة خمسين ومئتين. مات منها أبوهُ في ربيع الآخر، ومات هو منها لأيامٍ بقين من شعبان، ونَسبهما إلى جَهضم بن مالك بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 فَهم بن دوس بن عُدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث. ودَوس: رهط أبي هُريرة عبد الرحمن بن صخر. ومن دوس الطُّفيل بن عمرو، وذو النُّور رضي الله عنهما الأصمعيُّ: هو عبد الملك بن قُريب من باهلة، وإسحاق بن يحيى الذي روى عنه الأصمعي هو إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عُبيد الله القرشيُّ التَّيميُّ، وجدُّه طلحة أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. وروى إسحاق بن يحيى أيضاً عن المسيَّب بن رافع الكاهليِّ الأسديِّ؛ أسد خُزيمة. وروى المسيب عن البراء بن عازب الأنصاري الحارثيِّ الخزرجيِّ من بني حارثة بن الحارث بن الخزرج. ووُلد سعيد بن المسيب لسنتين مضتا من خلافة عمر. وتوفي بالمدينة. قال يحيى بن سعيد: سنة إحدى واثنتين وتسعين. وقال الواقدي: سنة أربع وتسعين، وهي سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها منهم. وقال المدائنيُّ ويحيى بن مَعين: سنة خمس ومئة. وقال ابن عمر، رضي الله عنه، لرجل سأله عن مسألةٍ: ائتِ ذلك فاسأله، - يعني سعيداً - ثم ارجع إليَّ وأخبرني. ففعل ذلك ثم أخبره فقال: ألم أُخبرك أنهُ أحد العلماء؟. وقال عبد الله بن عمر لأصحابه: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لَسَرَّهُ. وقال الزُّهريُّ: أخذ سعيد علمه عن زيد بن ثابت، وجالس ابن عباس وابن عمر وسعد بن أبي وقاص، ودخل على زوجي النبي صلى الله عليه وسلم؛ عائشة وأمِّ سلمة وغيرهما، وسمع عثمان وعلياً وصُهيباً. وجُلُّ روايته المسندة عن أبي هريرة، وكان زوج ابنته. وكان يقال: ليس أحد أعلم بكلِّ ما قَضَى به عمر وعثمان منه وكان يقال له: رواية عمر. وقال القاسم بن محمد: هو سيدنا وأعلمنا. وقال قتادةُ: ما جمعت علم الحسن إلى علم أحدٍ من العلماء إلا وجدت له عليه فضلاً، غير أنه كان أَشكل عليه شيء كتب إلى سعيد بن المسيَّب يسأله. وكان سعيد أفقه أهل الحجاز وأَعبر الناس لرؤيا وقال له رجل: رأيت كأني أخذت عبد الملك بن مروان، فأَضجعته إلى الأرض، ثم بطحتُه، فوتَدْتُ في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 ظهره أربعة أوتاد. فقال: ما أنت رأيتها، ولكن رآها ابن الزبير. ولئن صدَقت رؤياهُ قتله عبد الملك بن مروان، وخرج من صلبه أربعة كلهم يكون خليفة. وقال له آخر: رأيتني أبول في يدي. فقال تحتك ذات مُحرم، فنظر فإذا امرأته بينهُ وبينها رضاع. وكان جابر بن الأسود أمير المدينة لابن الزبير. فدعا سعيدا إلى البيعة لابن الزبير، فأبى فضربه ستين سوطاً. وضربه أيضاً هشام بن إسماعيل ستين سوطاً، وطاف به المدينة في تبَّان من شعرٍ، وذلك أنه دعاه إلى البيعة للوليد وسليمان بالعهد فلم يفعل. ومن بني مخزوم المطَّلب بن عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم: كان من التابعين، رُوي عنه الحديث. وعمُّه المطلب بن حَنطب: كان من أُسارى بدر، وأُطلق بغير فداء. ومولى المطلب بن عبد الله عمرو بن أبي عمرو بن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أني بن مالك. ومن بني مخزوم هُبيرةُ بن أبي وهب: وهو أخو حزن بن أبي وهب، وزوج أم هانيء بنت أبي طالب. وأبوهما أبو وهب: خال أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان من سَرَواتِ قريش، شريفا. وهو الذي أخذ حجراً من الكعبة حين اجتمعت قريش لِهدمها، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه. فقال: يا معشر قريش، لا تُدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيِّباً، لا تدخلوا فيه مَهْرَ بغيٍّ، ولا بيع رباً، ولا مَظلمة أحد من الناس. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكيُّ أنه حُدِّث عن عبيد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجُمحيِّ أنه رأى ابناً لجعدة بن هُبيرة بن أبي وهب يطوف بالبيت. فسأل عنه فقيل: هذا ابن لجعدة بن هُبيرة. فقال عبد الله بن صفوان عند ذلك: جدّث هذا، يعني أبا وهب، الذي أخذ حجراً من الكعبة حين اجتمعت قريش لِهدمها، فوثب من يده حتى رجَعَ إلى موضعه، فقال الكلام المتقدِّم قبلُ. وله يقول شاعر من العرب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 لو بأبي وهب أنختُ مطيَّتي ... غَدت من نَداه رحلُها غيرُ خائب أُبيِّضُ من فَرعيْ لؤيَّ بن غالبٍ ... إذا خُلِّصتْ أنسابُها في الذوائب أَبي لأخذ الضَّيم يرتاح للنِّدا ... تَوسَّط جَدَّاهُ فُروعَ الأطايب وكان هبيرة بن أبي وهب شاعراً من رجال قريش هرب يوم فتح مكة إلى اليمن، ومات بها كافراً. وقال حين بلغه إسلام أمِّ هانيء واسمها هند، وهو بنجران القصيدة التي أولها: أشاقتْكَ هندّ أم نآكَ سُؤالها ... كذاك النَّوى أسبابها وانفتالُها وقد أرَّقت في رأس حصن ممنَّعٍ ... بنجران يسري بعد ليلٍ خيالُها لئن كنت قد تابعت دين محمد ... وعطَّفت الأرحامُ منك حبالُها فكوني على أعلى سحيقٍ بهضبةٍ ... مُمنَّعةٍ لا تُستطاعُ قِلالُها وفيها: وإني لحَامٍ من وراء عشيرتي ... إذغ كان من تحت العوالي مجالُها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وصارت بأيدي القوم بيض كأنها ... مخاريقُ ولدانٍ تنوشُ ضِلالُها وفيها: وإنَّ كلام المرء في غير كُنههِ ... لكالنَّبل تهوى ليس فيها نِصالُها وابنه جعدة بن هُبيرة: مذكور في الصحابة، ولاَّهُ خاله عليُّ بن أبي طالب على خرسان، وكان فقيهاً ووَلدت أمُّ هانئ بنت أبي طالب لهبيرة من البنين أربعةً، وهم: جعدةُ، وعَمرو، وبه كان يُكنى، وهانيء، ويوسف. ذكر هذا الزبير بن بكَّار. قال الزبير: وجعدةُ بن هُبيرة هو الذي يقول: أبي من بني مخزومٍ انْ كنت سائلاً ... ومن هاشمٍ أمِّي لخيرِ قَبيلِ فمن ذا الذي يَبأى عليَّ بخالهِ ... وخالي عليٌّ ذو الهدى وعَقيلظ رَوى عن جعدةَ مُجاهد بن جبر أبو الحجاج. ومن مخزوم الأرقم بن أبي الأرقم: واسم الرقم عبد مناف بن أسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، يُكنى أبا عبد الله. كان من المهاجرين الأولين، قديم الإسلام. قيل إنه كان سُبُعَ الإسلام؛ سابع سبعة. وقيل أسلم بعد عشرة أنفُس، وذكره ابن عقبة وابن إسحاق فيمن شهد بدراً. وفي دار الأرقم بن أبي الأرقم هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مستخفياً من قريش بمكة، يدعو الناس فيها إلى الإسلام في أول الإسلام، حتى خرج عنها. وكانت دارُة بمكة على الصَّفا. فاسلم فيها جماعة كبيرة. وهو صاحبُ حلف الفضول. روى عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. وذكر سعيد بن أبي مَريم قال: نا عطَّاف ابن خالد قال: حدثني عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن جدَّه الرقم، وكان بَدرياً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره عند الصَّفا، حتى تكاملوا أربعين رجلاً مُستلئمين. وكان آخرهم إسلاما عمر بن الخطاب. فلما كانوا أربعين خرجوا. وكانت وفاته - فيما ذكر أبو العباس محمد بن إسحاق السَّرَّاج - قال: سمعت أحمد بن عبد الله بن عثمان بن الأرقم بن أبي الأرقم يقول: سمعت أبي ومشائخنا يقولون: تُوفي الرقم سنة خمس وخمسين بالمدينة، وهو ابن بضع وثمانين سنة. وكان قد أوصى أن يُصلى عليه سعد بن أبي وقاص، وكان في قصره بالعقيق. فقال مروان: أيُحبس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل غائب؟ فأبى عبيد الله بن الرقم ذلك على مروان. وقامت بنو مخزوم معه، ووقع بينهم كلام ثم جاء سعد فصلى عليه. وذكر ابن أبي خيثمة أبا الأرقم أباه فيمن أسلم، وروى من بني مخزوم، وغلط في ذلك، والله أعلمُ. ولم يُسلم أبوه فيما عُلم. وِن صحَّ هذا فممكن أن يكون أبوه أبو الأرقم مات يوم مات أبو بكر الصديق. وتوفي الرقم سنة خمس وخمسين. وعلى هذا يصحُّ قول أبي بكر بن أبي خثيمة أنَّ له صحبةً وروايةً. وغلط أيضا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازيُّ وابنه عبد الرحمن فجعلا الأرقم بن أبي الأرقم هذا والد عبد الله بن الأرقم الزهري. والأرقم والد عبد الله: هو ابن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة. والأرقم بن أبي الأرقم مخزومي كبير، أسلم في داره كبارُ الصحابة في ابتداء الإسلام، والله الموفق للصَّواب. ومن بني مخزوم فاطمة بنت أبي الأسود ... " قال فيها رسول الله ": " ولو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ... ومنهم الفاكه بن المُغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. وكان زوج هند بنت عُتبة أمِّ معاوية قبل أبي سفيان بن حرب، وله معها خبر مشهور أَذكره: قيل: كان الفاكه بن المغيرة المخزومي أحد فتيان قريش، وكان قد تزوج هنداً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 بنت عتبة. وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس فيه عن غير إذن. فقال يوماً في ذلك البيت، وهند معه. ثم خرج الفاكه عنها وتركها نائمةً، فجاء بعض من كان يغشى البيت، فلما وجدها نائمةً ولى عنها. واستقبله الفاكه بن المغيرة، فدخل على هندٍ وأَنبهها، وقال: من هذا الخارج من عندك؟ قالت: والله ما انتبهت حتى أنبهتني، وما رأيت أحداَ فقال: الحقي بأبيك. وخاض الناس في أمرهم. فقال لها أبوها: يا بُنيَّة، أَنبئيني بشأنك. فإن كان الرجل صادقاً دسست إليه من يقتله، فينقطع عنك العار. وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهَّان اليمن. قالت: والله يا أبت إنه لكاذب. فخرج عتبة فقال: إنك رميت ابنتي بأمر عظيم. فإمَّا أن تُبيِّن ما قلت، وإما أن تحاكمني إلى بعض كهان اليمن. قال: ذلك لك. فخرج الفاكهُ في جماعة من رجالٍ ونسوة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من رجال ونسوة من بني عبد مناف. فلما شارفوا بلاد الكاهن تغير وجه هند، وكسف لونها. فقال أبوها: يا بنية، ألا كان هذا قبل أن يشتهر خروجنا في الناس؟! قالت له: والله يا أبت، ما ذلك لمكروه أجدُ قبلي. ولكنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب، ولعله أن يسمني بميسمٍ يبقى على ألسنة العرب. قال أبوها: صدقت ولكني سأَخبُرُه لك. فصفر بفرسه. فلما أدلى عَمَد إلى حبِّة بُرٍ فأدخلها في إحليله، ثم أَوكى عليها، وسار. فلما نزلوا على الكاهن أكرمهم ونَحر لهم. فقال له عتبة: إنا أتيناك في أمر، وقد خَبأتُ لك خبيئةً أخبرك بها. فقل: ما هي؟ قال: ثمرة في كمرة. قال أريد أبين من هذا. قال: حبة برٍّ في إحليل مُهرٍ. قال: صدقت فانظر في أمر هؤلاء النِّسوة. فجعل يمسح على رأس كلِّ واحدة منهن، ويقول: قومي لشأنك. حتى إذا بلغ إلى هند مَسح يده على رأسها وقال: قومي غير رسحاء ولا زانيةٍ، وستلدين مَلِكا يقال له معاوية. فلما خرجت أخذ الفاكه بيدها، فنثرت يدها من يده وقالت: والله لأحرصنَّ أن يكون ذلك الولد من غيرك. فتزوجها بعده أبو سفيان، فولدت معاوية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 وقُتل الفاكه كافراً، وهو قافل من تجارة كان خرج فيها إلى اليمن مع نفر من قريش، منهم: عفان بن أبي العاصي، وابنه عثمان، وعوف بن عبد عوف، وابنه عبد الرحمن بن عوف. قُتل الفاكه بأرض بني جذيمة، وأُخذ ماله. وقُتل مع الفاكه عوف والد عبد الرحمن وأُخذ ماله أيضا، وقَتَل عبد الرحمن قاتل أبيه خالد بن هشام من بني جَذيمة، ونجا عفان بن العصي وابنه عثمان. والخبر بذلك مُستوفي في سيرة ابن إسحاق عِقب فتح مكة حين أصاب خالد بن الوليد بني جذيمة من كنانة بالغُميْصاء وأنكر عليه عبد الرحمن بن عوف قتْل من قَتل منهم. وابنه قيس بن الفاكه: كان من المُجاهرين بالظلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. وقُتل قيس يوم بدرٍ كافراً، قتله حمزة وقيل علي رضي الله عنهما. ومن موالي مخزوم: مجاهد بن " جبر " أبو الحجاج: مولى قيس بن السائب بن عُويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم. قال قيس بن السائب: نزلت) وعلى الذين يطيقونهُ فدية طعامُ مسكينٍ (فأفطروا " وأطعموا " مسكيناً. وكان عبد الله بن كثير يقول: مجاهد مولى عبد الله بن السائب بن أبي السائب. ذكرت ذلك في أول الكتاب. وكان مجاهد من كبار أصحاب ابن عباس مقرَّباً مفسِّراً، وكان أعلم من طاووس ... وقال مجاهد: كان ابن عمر يأخذ لي الركاب ... إذا ركبت. ومات بمكة وهو ساجد سنة ثلاث ومئة، وابنُ ثلاثٍ وثمانين. وابنه عبد الوهاب بن مجاهد كان متروك الحديث ... قاله المَوْصليُّ. كعب بن لؤي وكان كعب مؤمناً بالله عزَّ وجل، وهو أول من قال: أما بعدُ، وأول مَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 أشعر البُدن، وأول من سمَّى العروبة الجمعة. وكان خطيباً فصيحاً. وولد كعب مُرَّة، وقد تقدم ذكره وذكر ولده، وهو المقدم حقيقا. وكذلك أقدم كل أب من آباء رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمود نسبه على إخوته، وعَديِّا وهُصيصاً. فأُّ مرة وعديٍّ وهُصيص وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر. فمن بني عدي: عمر بن الخطاب، وسعيد بن زيد، ونُعيم بن عبد الله بن أسد بن عوف بن عبيد بن عَويج بن عدي بن كعب. ونُعيم: هو النحَّام، لأن النبي عليه السلام قال: " دخلتُ الجنةَ فسمعتُ نَحِمةً من نُعيم فيها ". والنَّحمة: السَّعلة. وقيل: النَّحمة والنحنحة الممدود آخرها، فسمي بذلك " النَّحام ". وكان نُعيم قديم الإسلام. يقال: إنه أسلم بعد عشرة أنفس قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان يكتم إسلامه. ومنعه قومه لشرفه فيهم من الهجرة، لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي ويمونهم. فقالوا: أقم عندنا على أيُّ دين شئت، وأقم في ربعك واكفنا ما أنت كافٍ من أراملنا. فوالله لا يتعرض لك أحدٌ إلا ذهبت أنفسنا جميعاً دونك. وكانت هجرة نُعيم عام خيبر. وقيل: بل هاجر أيام الحديبية. وقال الواقديُّ ذلك وزاد: وشهد مع النبي عليه السلام ما بعد ذلك من المشاهد. وقُتل يوم اليرموك شهيداً في رجب سنة خمس عشرة. ومنهم مُطيع بن الأسود بن حارقة بن نضلة بن عوف بن عبيد بن عويج بن عديِّ بن عديِّ بن كعب. مات مطيع بالمدينة في خلافة عثمان رضي الله عنه. ورَوى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكره مسلم. فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا عليٌّ بن مُسهر ووكيع عن زكرياء عن الشعبيِّ قال: لأخبرني عبد الله بن مطيع عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول يوم فتح مكة: " لا يقتلُ قرشيٌّ صبراً بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة ". وقال: نا أبن نُمير قال: نا أبي قال: نا زكرياءُ بهذا الإسناد وزاد، قال: ولم يكن أسلم أحدٌ من عُصاة قريش غير مُطيع، كان اسمه العاصي، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُطيعاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 وابنه عبد الله بن مطيع: من جلَّة قريش شجاعة وجلداً وقُتل مع ابن الزبير. وكان على قريش أميراً يوم الحَرَّة. ذكر ذلك الواقديُّ: فلما هُزم أهل الحرة هرب ولحق بمكة. فلما حصر الحجاج ابن الزبير جعل عبد الله بن مطيع يقاتل ويقول: أنا الذي فَررتُ يوم الحَرَّة ... والحرُّ لا يفرُّ إلا مَرَّه لأجْزِينَّ كرَّةً بِفرَّه وأمر عبد اله بن مطيع في الحرة مشهورٌ. وورد في صحيح مسلم منه ما نصُّه: مسلم: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبريُّ قال: نا عاصم، وهو ابن محمد بن زيد عن زيد بن محمد، عن نافع قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مُطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادةً. فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من خلع يداً من طاعةٍ لقِيَ الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة لا حُجَّة له. ومن مات وليس في عنقهِ بيعة مات مِيتة جاهلية ". وكان على الأنصار يوم الحرَّة أميراً عبد الله بن حنظلة الغسيل بن أبي عامر عبد عمرو الراهب بل الفاسق بن صَفيَِ بن نعمان بن مالك بن أمة بن ضُبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس أخي الخزرج. وحنظلةُ أبوه: هو " غسيل الملائكة "، استشهد يوم أُحد. وتُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن حنظلة ابن سبع سنين، وروى عنه. وقال أبو عمر بن البرِّ: أحاديثه عندي مُرسلة. وقُتل يوم الحرَّة سنة ثلاث وستين. وكانت الأنصار قد بايعته يومئذ، وكان مقدماً فيهم، خيِّراً فاضلاً. ومما يحقق بيعة الأنصار له يوم الحرَّة ما ذكره مُسلم فقال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنا المخزومي قال: وهيب قال: نا عمرو بن يحيى عن عبَّاد بن تميم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 عن عبد الله بن زيد، قال: أتاه آت فقال: هذاك ابن حنظلة، يبايع الناس. فقال: على ماذا؟ قال: على الموت. قال: لا أبايع على هذا أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال المؤلف غفر الله له ورحمه: عبد الله بن زيد الذي أتاه الآتي عن ابن حنظلة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب بن عمرو بن عوف بن مَبذول بن عمرو بن غَنم بن مازن بن النَّجار. واسم النَّجار تيم الله بن ثَعلبة بن عمرو بن الخزرج، أخي الأوس من بني مازن بن النجار: شهد أحداً ولم يشهد بدراً. وهو المشترك في قتل مُسيلمة. وعَبَّاد بن تميم الراوي عن عبد الله بن: هو ابن أخيه تميم بن زيد بن عاصم. وعمرو بن يحيى الراوي عن عبّادٍ: هو عمرو بن يحيى المازنيُّ شيخ مالك، روى عنه مالك في الموطأ أربعة أحاديث، أحدها مُرسل. وعبد اله بن زيد جدُّ عمرو بن يحيى لأمِّه، وهو روى عنه حديث صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموطأ وغيره. وهو عمرو بن يحيى بن عُمارة بن أبي حسن. ولجدِّه عُمارة صحبة ورواية. وأبو جدِّه عمارة أبو حسن كان عَقبيَّاً بدريا. واسم أبي حسن تميم بن عمرو من مازن بن النجار. وقيل: اسمُه كُنيتُه ولا اسم له غير ذلك. وقُتل عبد الله ابن زيد يوم الحرَّة رضي الله عنه ولا رَحَم قاتله. وولد هُصيص عَمراً. فولد عمرو سهما وجمح. فمن سهم خُنيس بن حُذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم. وكانت تحته حفصة بنت عمر قبل النبي عليه السلام. وأخواه عبد الله وقيس. وكانت في عبد الله دُعابة. وكلهم من المهاجرين الأولين. وشهد خُنيس وعبد الله بدراً. ولم يذكر ابن إسحاق عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 الله في البدريين، وذكر خُنيساً، وروى محمد بن عمرو بن علقمة عن عمر بن الحكم بن ثوبان أنَّ أبا سعيد الخُدري قال: كان عبد الله بن حذافة بت قيس السَّهميُّ من أصحاب بدرٍ، وكانت فيه دُعابة. وكان عبد الله رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى بكتابه، يدعوه إلى الإسلام. فمزَّق كسرى الكتاب فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مزَّق الله ملكه ". وقال: " إذا مات كسرى فلا كسرى بعده ". قال الواقدي: فسُلط على كسرى ابنه سِيرَويْه، فقتله ليلة الثلاثاء لعشرٍ مضين من جمادي سنة سبعٍ. وعبد الله بن حُذافة هذا هو القائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " سَلُوني عمَّا شِئتم ": من أبي يا رسول الله؟ قال: " أبوك حُذافةُ بن قيس ". فقالت أمُّه: ما سمعت بابن أعقَّ منك! أأَمنت أن تكون أمُّك فارقت ما يفارق نساء الجاهلية، فتفضحها على أعين الناس؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به. ومن دُعابة أبي حُذافة عبد الله بن حذافة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّره على سرية، فامرهم أن يجمعوا حطباً ويُقدوا ناراً. فلما أوقدوها أمرهم بالتَّقحم فيها، فأبوا. فقال لهم: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعتي؟ وقال: " من أطاع أميري فقد أطاعني ". فقالوا: ما آمنَّا بالله واتَّبعنا رسوله إلا لننجو من النار. فصوَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلهم، وقال: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، قال الله: لا تُقتلوا أنفسكم " وهو حديث صحيح الإسناد مشهور. روى عنه من المدنيين مسعود بن الحكم وأبو سلمة وسليمان بن يسار. وروى عنه من الكوفيين أبو وائل. ومن حديثه ما رواه الزُّهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أنَّ عبد الله بن حذافة صلى فجهر بصلاته. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ناج ربِّك بقراءتك يابن حذافة، ولا تُسمعني، وأَسمِع ربك ". ومات في خلافة عثمان. قال ابن لهيعة: توفي عبد الله بن حذافة السَّهمي بمصر، ودُفن في مقبرتها رضي الله عنه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 ومن بني سَهم هشام بن العاصي بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم وهو أخو عمرو بن العاصي لأبيه. وكان هشام قديم الإسلام بمكة، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم قدم مكة حين بلغهُ مُهاجرُ النبيِّ عليه السلام إلى المدينة، فحبسه أبوه وقومه بمكة حتى قدم بعد الخندق على النبيِّ عليه السلام المدينة، وكان أصغر سناً من أخيه عمرو. وكان خيِّرا فاضلا. وسُئل عمرو بن العاصي: من أفضل أنت أ، أخوك هشام؟ فقال: أحدِّثكم عني وعنه: أمُّه بنت هشام بن المغيرة، وأمي سبيَّة. وكان أحبَّ إلى أبيه مني، وتعرفون فراسة الوالد في ولده. واستبقنا إلى الله فسبقني، أمسك عليَّ السِّترة حتى تطهَّرت وتحنَّطت، ثم أمسكت عليه حتى فعل مثل ذلك. ثم عرضنا أنفسنا على الله فَقبله وتركني. واستشهد هشام بن العاصي بالشام يوم أجنادين في خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة. وروى ابن المبارك عن أهل الشام أنه استشهد يوم اليرموك. وقال الواقديُّ: حدثنا عبد الملك بن وهب عن جعفر بن يَعيش، عن الزُّهريِّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتبة قال: حدثني من حضر هشام بن العاصي ضرب رجلاً من بني غسان فأبدى سحرهُ. فكرَّت غسان على هشام فضربوه بأسيافهم حتى قتلوه، فلقد وطئته الخيل حتى كرَّ عليه عمرو، فجمع لحمه فدفنه. وأخوه عمرو بن العاصي: أسلم في هدنة الحُديبية هو وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، كما تقدم قبل. والصحيح أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً في صفر سنة ثمانٍ قبل الفتح بستة أشهر، ومعه خالد وعثمان المذكوران، ذكر ذلك الواقديُّ وغيره. وأمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على سريَّة بعثها إلى ذات السلاسل من بلاد قُضاعة، فكتب إلى النبي عليه السلام من تلك الغزاة يستمدُّهّ، فأَمدَّه بجيش من مئتي فارس من المهاجرين والأنصار أهل الشرف فيهم أبو بكر وعمر، وأمَّر عليهم أبا عبيدة، وعهد إليه النبي عليه السلام: " إذا قدمت على عمرو فتطاوعا ولا تختلفا ". فلما بلغ أبو عبيدة عمراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 سلَّم إليه الإمرة حين خالفه عمرو، وصلَّى خلفه في الجيش كلِّه، وكانوا خمسمئة. وولَّى رسول اللهُ صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاصي على عُمان فلم يزل عليها حتى قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أحد أُمراء الأجناد بالشام. وعمل لعمر وعثمان. ولما قُت عثمان سار إلى معاوية باستجلاب معاوية له، وشهد صفين معه. وكان منه بصفِّين في التحكيم ما هو عند أهل العلم بأيام الناس معلوم. ثم ولاه مصر، فلم يزل عليها إلى أن مات بها أميراً عليها سنة ثلاث وأربعين. وكان له يوم مات تسعون سنةً، ودُفن بالمُقطَّم من ناحية الفج. وصلى عليه ابنه عبد الله، ثم رجع فصلى بالناس صلاة العيد. وأمُّه النابغة بنت حرملة: سبيَّة من جلاَّن بن عنزة بن أسد بن ربيعة ابن نزار وكان من فرسان قريش وأبطالهم في الجاهلية، مذكورا بذلك فيهم. وكان شاعراً حسن الشعر. حُفظ عنه منه الكثير في مشاهد شتَّى. ومن شعره في أبيات له يخاطب بها عُمارة بن الوليد بن المغيرة عند النجاشي: إذا المرء لم يترك طعاماً يحبُّهُ ... ولم يَنه قلباً غوياً حيثُ يمَّما قضى وطراً منه وغادر سُبَّةً ... إذا ذُكرت أمثالها تملأُ الفما وخبره مع عُمارة بأرض الحبشة مشهور؛ إذ سعى عمرو بعُمارة إلى النجَّاشيِّ أنه يخلفه إلى أهله، فأَمر به النجاشيُّ فسُحر، فهام مع الوحش وكان عمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 بن العاصي أحد الدُّهاة في أمور الدنيا المقدَّمين في الرأي والميز والدَّهاء. وكان عمر إذا استضعف رجلاً في رأيه وعقله قال: أشهد أنَّ خالقك وخالق عمرو واحد؛ يريد خالق الأضداد. ولما حضرته الوفاة قال: اللهمَّ إنك أمرتني فلم أَأتَمر، وزجرتني فلم أنزجر. ووضع يده في موضع الغُلِّ فقال: اللهمِّ لا قويَّ فأنتصر، ولا بريَْ فأعتذر، ولا مُستكبر، لا إله إلا أنت. فلم يزل يردِّدُها حتى مات. وحدَّث أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطَّحاويُّ عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن إسحاق المزني صاحب الشافعي قال: سمعت الشافعيَّ يقول: دخل ابنُ عباس على عمرو بن العاصي في مرضه، فسلم عليه وقال: كيف أصبحت يا أبا عبد الله؟ قال: أصبحت وقد أصلحت من دنياي كثيراً، وأفسدت من ديني كثيراً. فلو كان الذي أصلحت هو الذي أفسدت، والذي أفسدت هو الذي أصلحتُ لفزتُ. ولو كان ينفعني أنْ اطلب طلبتُ. والذي يُنجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمنخنق بين السماء والأرض لا أرقى بيدين، ولا أهبط برجلين. فعِظْني بعظة ٍ أنتفعُ بها يا بْن أخي. فقال له ابنُ عباس: هَيهات يا أبا عبد الله، صار ابنُ أخيك أخاك، ولا تشاء أن تبكي إلا بكيت، كيف يؤمر برحيل من هو مقيم؟ فقال عمرو على حينها: من حين ابن بضع وثمانين تُقنِّطني من رحمة ربي. اللهمَّ إنَّ ابن عباس يُقنِّطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى. فقال ابنُ عباس: هيهات يا أبا عبد الله، أخذت جديداً وتُعطى خَلَقاً. فقال عمرو: مالي ولك يا بن عباسٍ!، ما أُرسل كلمةً إلا أرسلت نقيضتها؟. وابنه عبد الله بن عمرو بن العاصي: كان يُكنى أبا محمد، وهو الأشهرُ. أمُّه رَيطةُ بنت مُنبِّه بن الحجاج السَّهميَّة. ولم يَعلُهُ أبوه في السنِّ إلا باثنتَي عشرة سنةً. وُلد لعمرو عبد الله وهو ابن اثنتي عشرة سنةً. أسلم قبل أبيه، وكان فاضلاً، حافظاً، عالماً، قرأ الكتب. واستأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في أن يكتب حديثه، فأذِنَ له. قال: يا رسول الله، أأكتبُ كلَّ ما أسمع منك في الرضى والغضب؟ قال: " نعم، فإني لا أقول إلا حقاً ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 وقال أبو نُعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني الحافظ في كتاب " رياضة المتعلمين " ووَلد عبد الله محمداً، فولد محمد شُعيباً، وولد شُعيب عمرو بن شعيب، وكان سرياً ربما قسم في المجلس الواحد من صدقة جدِّه خمسين ألفاً، وحُمل عنه الحديث. وفي الموطأ: مالك عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم اسق عبادَك وبهيمتَك، وانشر رحمتَك، وأَحْي بلدَك الميِّت. ولعمرو بن شعيب في صحيح مسلم عن أنس بن مالك حديث: " ما رأيتُ أحداً كان أرحمَ بالعباد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وقال مسلم في كتاب الكُنى: أبو إبراهيم عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي، روى عن أبيه وطاووس وابن المسيَّب. وروى عنه الزُّهريُّ وداود بن أبي هندٍ. وقال أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد بن الحسين الأزديُّ المَوصلُّي الحافظ في كتاب الضعفاء والمتروكين له: عمرو بن شُعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال أيوب السجستانيُّ: كنت إذا أتيتُ مجلس عمرو بن شُعيب غَطيتُ رأسي حياءً من الناس. قال أبو الفتح: وسمعت عدةً من أهل العلم بالحديث يذكرون أن عمرو بن شعيب، فيما رواه عن سعيد بن المسيَّب وغيره، فهو صدوق. وما رواه عن أبيه عن جدِّه فهي صحيفة يتوارثها آلُ عمرو بن العصي. فما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيجب التوقف فيه. وكان لعمرو بن العصي ابنٌ اسمه محمد. والعاصي بن وائل أبو هشام وعمرو من المستهزئين الذين كُفيهم النبي عليه السلام. وفيه أنزل الله تعالى:) إنَّ شانِئَك هو الأبترُ (. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 ومنهم أبو وداعةَ: واسمه الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم، وابنه المطلب بن أبي وداعة. وهما من مسلمة الفتح. أُسر أبوه وداعة يوم بدر فافتداه ابنه المطلب. ومن بني سهم عبد الله بن الزِّبعري بن قيس بن سعد بن سهم الشاعر أمُّه عاتكة بنت عبد الله بن عمرو بن وهب بن حذافة بن جُمح. وكان من أشدِّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحاب بلسانه ونفسه. وكان من أشعر الناس وأطبعهم. ويقولون: إنه أشعر قريش قاطبة. قال محمد بن سلام: كان بمكة شعراء، فأبرعهم شعراً عبد الله بن الزِّبعري ثم أسلم عبد الله عام الفتح بعد أن هرب يوم الفتح إلى نجران، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم، وحُسن إسلامُه. واعتذر إلى النبي عليه السلام، فقبل عذره. ثم شهد ما بعد الفتح من المشاهد. ومن قوله بعد إسلامه للنبي صلى الله عليه وسلم معتذراً: يا رسول المليك إنَّ لساني ... راتق ما فتقتُ إذ أنا بُورُ إذ أجاري الشيطانَ في سَننِ الغيْ ... يِ ومَن مال ميلَةُ مَثبورُ يشهدُ السمع والفؤاد بما قُل ... ت، ونفْسي الشَّهيد وهي الخبير أنَّ ما جئتنا به حقُّ صدقٍ ... ساطعٌ نورُهُ مُضيءٌ مُنيرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 جئتنا باليقين والصدق والبر ... رِ وفي الصِّدق واليقين السُّرور أذهبَ الله ضلَّةَ الجهل عنَّا ... وأتانا الرخاء والميسُورُ وقال أيضا يمدح النبيِّ عليه السلام، ويعتذر إليه: منع الرقاد بلابل وهموم ... والليل مُعتلج الرِّواق بَهيم ممَّا أتاني أنَّ أحمد لامني ... فيه فبتُّ كأنَّني مَحموم يا خير من حَملت على أوصالها ... عَيرانةٌ سُرُحُ اليدين غَشوم إني لمعتذر إليك من الذي ... أَسديتُ إذ أنل في الضَّلال أَهيم أيام تأمُرني بأغوى خُطَّةٍ ... سَهمٌ وتأمُرني بها مَخْزومُ وأمدُّ أسباب الرَّدى ويقودني ... أمر الغواة وأمرُهم مشؤومُ فاليوم آمنَ بالنبيِّ محمدٍ ... قلبي، ومُخطيءُ هذه محرومُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 مضتِ العداوةُ وانقضتْ أسبابُها ... وأتتْ أواصرُ بيننا وحُلومُ فاغفر فدَّى لك والديَ كلاهُما ... وارحم فإنك راحم مَرحومُ وعليكَ من سِمةِ المليك علامةٌ ... نورُ أَغرُّ وخاتمٌ مختومُ أعطاك بعد محبةٍ برهانَه ... شَرفاً وبرهانُ الإله عظيمُ وقُتل من المشركين من بني سَهم يوم بدرٍ مُنبِّه بن الحجاج بن عامر بن حُذيفة بن سعد بن سَهم قتله أبو اليَسَر كعبُ بن عمرو أخو بني سَلمة. وابنه العاصي بن مُنبِّه بن الحجاج، قتله عليُّ بن أبي طالب، فيما قال ابن هشام. ونُبيه بن الحجاج أخو مُنبِّه قتله حمزة بن عبد المطلب وسعد بن أبي وقاص اشتركا فيه فيما قال ابن هشام. ومنبِّه نُبيه ابنا الحجاج من المُطعمين. ومن بني جُمح عثمان بن مَظعون وإخوته: قُدامةُ وعبد الله والسائب شَقائقه. والسائب بن عثمان بن مظعون وهم من خيار الصحابة. إسلامهم قديم، وهاجروا الهجرتين، وشهدوا بدراً، وهم أخوال أم المؤمنين حفصةَ وأخيها عبد الله ابني عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم. فأما عثمان بن مظعونٍ فيُكنى أبا السائب بابنه السائب. وأمُّه وأمُّ إخوته قدامة وعبد الله والسائب سُخليةُ بنت العَنْبَس بن أُهبان بن حذافة بن جُمح. قال ابن إسحاق: أسلم عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاج الهجرتين وشهد بدراً. وقال ابن إسحاق وسالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله بن مَعمر: كان عثمان بن مظعون أول رجل مات بالمدينة من المهاجرين، بعدما رجع من بدر. وقيل: إنه مات على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة بعد شُهوده الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 بدراً. فلما غُسل وكفِّن قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه. فلما دُفن قال: " نعمَ السَّلف هوَ لنا عثمانُ بن مظعون ". ولما توفيِّ إبراهيم بن النبي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إلحق بالسلف الصالح عثمان بن مظعون ". ورُوي عنه عليه السلام أنه قال ذلك حين تُوفيت زينب ابنته، قال: " إلحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون ". وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره بحجر، وكان يزوره. وذكر الواقديُّ عن ابن أبي سَبرة عن عاصم بن عبيد الله، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: كان أول من دُفن ببقيع الغرقد عثمان بن مظعون، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجراً عند رأيه وقال: " هذا قبرُ فَرَطِنا ". وكان عابداً مجتهداً من فضلاء الصحابة، وقد كان هو وعليُّ بن أبي طالب وأبو ذرٍّ همُّوا أن يختصُوا ويتبتَّلوا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقالسعد بن أبي وقاص: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتُّل، ولو أَذن له، لاختَصينا. وروت عنه عائشة بنت قدامة بن مظعون عن أبيها، عن أخيه عثمان بن مظعون أنه قال: يا رسول الله، إنه تشُقُّ علينا الغُربة في المغازي، أفتأذن لي يا رسول الله في الخصاء فأَختصي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا، ولكن عليك يا بن مظعون بالصِّيام فإنه مُجفرٌ ". وكانت تحت عثمان بن مظعون خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص بن مُرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بُهثة بن سُليم بن منصور السُّلميَّة ثم الذَّكوانية. وهي أمُّ شريك التي وهبت نفيها للنبي عليه السلام في قول بعضهم. وكانت امرأة فاضلةً صالحةً. ويقال فيها: " خُويلةُ " بالتصغير. روى عنها سعد بن أبي وقاص في التعوُّذ بكلمات الله عند النزول في السفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 مسلم: حدثنا هارون بن معروف وأبو الطاهر كلاهما عن أبي وهب، واللفظ لهارون قالا: نا عبد الله بن وهب قال: أنا عمرو، وهو ابن الحارث أنَّ يزيد بن أبي حبيب والحارث بن يعقوب حدّثاه عن يعقوب بن عبد الله بن الأشجِّ، عن بُسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص، عن خولة بنت حكيم السُّليمة أنَّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا نزلَ أحدُكم منزلا فليقل: أعوذُ بكلمات اله التامَّات من شرِّ ما خَلق، فإنه لا يضرُّه شيء حتى يرتحل منه ". قال يعقوب وقال القعقاع بن حكيم عن ذكوان أبي صالح، عن أبي هُريرة قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة؟ قال: " أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات اله التامّات من شرِّ ما خلق لم تَضِرْكَ ". وروى عن خولة هذه جماعة من التابعين مشاهير. منهم: سعيد بن المسيَّب وعمر بن عبد العزيز ومحمد بن يحيى بن حبان المازنيُّ الأنصاري من بني مازن بن النجَّار. وهي التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مُحاصر أهل الطائف إذ سألته إن فتح الله عليه الطائف حَلْيَ بادية بنت غيلان أو حلي الفارعة بنت عقيل، وكانتا من أحلى نساء ثقيف: " وإن كان لم يُؤذن لي في ثقيف يا خولة ". فذكرت ذلك لعمر الحديث، وهو مشهور. وأمَّا قُدامةُ بن مظعونٍ: فكانت تحته صفية بنت الخطاب أخت عمر. وشهد، بعدما شهد بدراً، سائر المشاهد. واستعمله عمر بن الخطاب على البحرين، ثم عزله، وولى عثمان بن أبي العاصي. وكان سبب عزله أنه شرب الخمر بالبحرين، فسكر، وشهد عليه بذلك الجارود سيِّد عبد القيس وأبو هريرة. فأمر عمر بقُدامة فجُلد، فغاضب عمر قدامة وهجره. ثم اصطلحا بعد في قُفول عمر من حجَّةٍ حجَّها، وقدامة معه، لرؤيا رآها عمر حين نزل بالسُّقيا في تلك الحجَّة، رضي الله عنهما. وقال عبد الرزاق بن همَّام: نا ابن جُريج قال: سمعت أيوب ين أبي تميمة قال: لم يحدَّ في الخمر أحد من أهل بدرٍ إلا قدامة بن مظعون. وتُوفي قدامة سنة ستٍّ وثلاثين، وهو ابن ثمان وستين. ومن ولد قدامة بن مظعون عبد الملك بن قدامة: روى عن عبد اله بن دينار، وروى عنه ابن أبي أُويْس قال البخاريُّ في حديثه: تعرف وتنكر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 وأمَّا عبد الله بن مظعون، فقال الواقديُّ: توفي سنة ثلاثين، وهو ابن ستين سنة. ولاتُحفظ لأحد من بني مظعون رواية إلا لقدامة. وأمّا السائب بن مظعون: فلم يذكره موسى بن عقبة ولا ابن إسحاق في البدريين، وذكره هشام بن محمد بن السائب الكلبيُّ وغيره في المهاجرين البدريين. وأمَّا السائب بن عثمان بن مظعون: فشهد بدراً والمشاهد كلَّها. وقُتل، رضي الله عنه، وهو ابن بضع وثلاثين سنة يوم اليمامة شهيداً. ومن بني جُمح أيضا صفوان بن أُمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جُمح: يكنى أبا وهب. وقيل: يُكنى أبا أمية، وهما كُنيتان له مشهورتان. وفي الموطأ لمالك عن " ابن " شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لصفوان بن أمية: " انزل أبا وهب ". وذكر ابن إسحاق " عن أبي " جعفر محمد بن علي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لصفوان بن أمية: " يا أبا أمية ". وقُتل أبو أمية بن خلف ببدرٍ وهو من المطعمين. قال ابن إسحاق وحدثني عبد الواحد بن أبي عونٍ " عن " سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف قال لي أمية بن خلف: وأنا بينه وبين ... قال المؤلف وفقه الله: يعني يوم بدر، بعدما استَلبَ عبد الرحمن أدراعاً وهو يحملها، ومرَّ بأمية وابنه علي. ودعاه أمية بما اتفقا عليه بمكة من الاسم، وأمرَهُ بطرح الأدراع، وأن يأخذه أسيرا مع ابنه، فهو خير له منها: يا عبد الإله، من الرجل منكم المًعلم بريشة نعامة في صدره؟ قال قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل. قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي، وكان هو الذي يعذِّب بلالاً بمكة على ترك الإسلام، فيُخرجه إلى رمضاء مكة إذا حَميتِ الشمسُ، فيُضجعهُ على ظهره، ثم يأمر بالصخرة العظيمة، فتُوضع على صدره ثم يقول: لا تزال هكذا أو تُفارق دين محمد فيقول بلال: أحدٌ أحدٌ. قال: قلتُ: أي بلال، بأسيريَّ! قال: لا نجوت إن نجا. قال: قلت: أتسمع يا بن السوداء؟ قال: لا نجوتُ إن نجا. قال: ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 إن نجا. فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المَسَكة، وأنا أذب عنه. قال: فأجلف رجل السيف فضرب " رجل " ابنه، فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط. قال: فقلت: انج بنفسك، ولا نجاء به، فوالله " مارُعْتَنى " عنك شيئا. قال: فهَبَرُوهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما. قال: فكان عبد الرحمن يقول: يرحمُ الله بلالاً، هبت أدراعي وفجعني بأسيريَّ. قال ابن هشام: قتل أميةَ بن خلف معاذ بن عَفراء وخارجةُ بن زيد وخُبيب بن إسافٍ، اشتركوا فيه. وقال ابنُ إسحاق: قَتل ابنهُ عليَّ بن أمية عمَّار بن ياسرٍ. وهرب صفوان بن أمية يوم الفتح، وفي ذلك يقول خَناس بن قيس البلويُّ يخاطب امرأته فيما ذكر ابن إسحاق وغيره. إنك لو شهدت يوم الخَندمه إذ فرَّ صفوانٌ وفرَّ عكرمه واستقبلتْنا بالسيوف المُسلمه يَقطعن كلَّ ساعدٍ وجُمجمَه ضرباً فلا تَسمع إلا غَمغمه لهم نبيبٌ خَلفنا وهمهمه لم تَنطقي في اللمِ أدنى كَلمَه ثم رجع صفوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشهد معه حُنيناً والطائف، وهو كافرٌ وامرأته مسلمة، وهي فاختةُ بنت الوليد بن المغيرة أخت خالد بن الوليد. أسلمت يوم الفتح قبل صفوان بشهرٍ قاله داود بن الحُصين شيخ مالك، وأقرَّا على نكاحهما. وكان عُمير بن وهب قد اسْتأمن لصفوان رسول الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الله صلى الله عليه وسلم حين هرب يوم الفتح وذهب إليه، وهو يريد أن يركب البحر برداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ببرده، فانصرف معه، فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وناداه في جماعة الناس: يا محمد، إنَّ هذا وهب بن عُمير يزعم أنك أمَّنتني على أسير شهرين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَنزِلْ أبا وهب ". فقال: لا، حتى تُبين لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَنزِل، فلك تسييرُ أربعة أشهر ". وخرج معه إلى حُنين، فاستعاره رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحاً، فقال: طوعاً أو كرها؟ فقال: " بل طوعا عاريَّةً مضمونةً "، فأَعاره. وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأكثر. فقال صفوان: أَشهد بالله ما طابت بهذا نفس إلا نفس نبيٍّ فأَسلم وأقام بمكة. ثم إنه قيل له: من لم يهاجر هلك، ولا إسلام لمن لا هجرة له. فقدم المدينة مُهاجراً، فنزل على العباس بن عبد المطلب، وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا هجرة بعد الفتح ". ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصرف إلى مكة، فانصرف إليها، فأقام بها حتى مات. وفي الموطأ في كتاب الحدود: مالك عن ابن شهاب، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان أنَّ صفوان بن أمية قيل له: إنه من لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن أمية المدينة فنام في المسجد، وتوسَّد رداءه. فجاء سارق فأخذ رداءه. فأَخذ صفوان السارق، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُقطع يده. فقال صفوان: إني لم أُرِدْ هذا يا رسول الله، هو عليه صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فهل لا قبل أن تأتيني به؟ ". وكان صفوان بن أمية أحد أشراف قريش في الجاهلية. وكان جواداً مُطعماً. وكان يقال له: " سدادُ البطحاء ". وهو أحد المؤلفة قلوبهم، وممَّن حسُن إسلامه منهم. وكان أفصح قريش لساناً. ويقال إنه لم يجتمع لقومٍ أن يكون مهم مُطعمون خمسة إلا لعمرو بن عبد الله بن صفوان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 بن امية بن خلف. أطعم خلف وأمية وصفوان وعبد الله وعمرو. ولم يكن في العرب غيرهم إلا قيس بن سعد بن عبادة بن دُليم في الأنصار، فإن هؤلاء الأربعة مُطعمون. وقال معاوية يوماً: من يُطعم بمكة من قريش؟ فقالوا: عمرو بن عبد الله عن صفوان. فقال: بخ، تلك نار لا تطفأ! وقُتل ابنه عبد الله بن صفوان مع ابن الزبير، وذلك أنه كان عدوّاً لبني أمية، وكان أعرج. وتوفي صفوان بن أمية بمكة سنة اثنتين وأربعين في خلافة معاوية. روى عنه ابنه عبد اله بن صفوان وطاووس وغيرهم. ومن بنات أمية بن خلف التَّوءمة: ولدت مع أختها التوءمة في بطن. فسميت تلك باسمٍ، وسميت هذه " التوءمة ". وهي مولاةُ صالح بن أبي صالح مولى التوءمة، وهي أعتقت أبا صالح. واسم أبي صالح يسار. روى صالح عن أبي هريرة. وبقى حتى توفي سنة خمس وعشرين ومئة. والورقاء ... ومنهم عُمير بن وهب بن خلف بن وهب بن حُذافة بن جُمح، وهو ابنُ عم صفوان بن أمية لحَّاً. ويُكنى أبا أمية. وكان له قدر وشرف في قريش. وشهد بدراً كافراً. وهو القائل لقريش يومئذ في الأنصار: إني لأرى وجوهاً كوجوه الحيَّات، لا يموتُنَّ ظماءً أو يَقتلون أعدادهم. فلا تَعرضوا لهم بهذه الوجوه التي كأنها المصابيح. فقالوا له: دع هذا عنك. ثم حرَّش بين القوم. وكان أول من رمى بنفسه على فرسه بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنشأ الحرب. وكان من أبطال قريش، وشيطاناً من شياطينها. وهو اذي مشى حول عسكر النبي صلى الله عليه وسلم ليحزُر عدده يوم بدر. وأُسر ابنه وهب بن عُمير يومئذ. ثم قدم عُمير المدينة، يريد افتك برسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جرى بينه وبين صفوان بن أمية في شأنه، فأسلم وحسُن إسلامه، وأطلق له ابنه عُميرا بغير فداء، والخبر بذلك مسطور في السِّير. وهو أحد الأربعة الذين أمدَّ بهم عمر بن الخطاب عمرو بن العاصي بمصر، وهم: الزبير بن العوام، وعُمير ابن وهب الجُمحي، وخارجة بن حُذافة، وبُسر بن أرطأة. وقيل: المقداد موضع بُسر وهو والد وهب بن عُمير، وإسلامه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 كان قبله بيسير. وكلاهما أسلم عقب بدر. وعُمير هو الذي أطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءَه إذ جاء يطلب الأمان لصفوان بن أمية، ومات ابنه وهب بالشام مُجاهداً رحمه الله. ومنهم أبو مَحذُورة: واختُلف في اسمه على أن اسم أبي مَحذُورة أوس. وهؤلاء أعلم بطريق أنساب قريش. وهو أوس بن مِعير بن لَوذان بن سعد بن جُمح. هكذا نسبه ابن مَعين. وقال غيره: أوس بن مِعير بن لَودان بن ربيعة بن عُريج بن سعد بن جُمح. وقال الطبريُّ وغيره: كان لأبي محذورة أخٌ لأبيه اسمه أنيس قُتل يوم بدراً كافراً. وأمُّهما امرأة من خُزاعة ولا عَقب لهما. وأسلم مُنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين. وكان أبو محذورة مؤذَِن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة أمره بالأذان، فَأعجبه صوته، فأمر أن يوتى به. فأسلم يومئذٍ، وأمره بالأذان بها. فلم يزل يؤذِّن بها هو وولدُهُ، ثم عبد الله بن مُحيريز ابن عمِّه وولده، فلما انقطع ولد ابن مُحريز صار الذان بها إلى ولد ربيعة بن سعد بن جُميح. وأبو محذورة وابن مُحيريز من ولد لَوذان بن سعد بن جُمح. قال الزبير: أبو محذورة أحسن الناس أذاناً وأنداهم صوتاً. وقال له عمر يوماً، وسمعه يؤذن: كدت أن تنشق مُر يطاؤك. قال: وأنشدني عمي مصعب لبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة: أما وربِّ الكعبة المستره وما تلا محمد من سوره والنَّغمات من أب محذوره لأفعلنَّ فِعلةً مَذكوره الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 المُريطاءُ: ما بين الصدر إلى العانة من البطن قال أبو عمرو: والمريطاءُ تمدُّ وتُقصر. وقال خلف الأحمر: حظُّه القصر. وكان خلف الأحمر عالماً بالغريب، شاعراً جيد الشعر كثيره، لم يكن في نُظرائه أحد يقول مثل شعره. وقال الأصمعي: كان خلف الأحمر مولى أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري، وأعتقه وأعتق أبويه، وكانا فَرغانيَّين. وقال ابن مُحيريز: رأيت أبا محذورة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله شَعرةٌ، فقلت: ياعمِّ، ألا تأخذ من شعرك؟ قال: ما كنت لآخذ شعراً مسح رسول الله عليه، ودعا بالبركة. وتوفي أبو محذورة بمكة سنة تسعٍ وخمسين. وعبد الله بن مُحيريز ابن عم أبي محذورة، ومن كبار التابعين، مشهور شريف من أشراف قريش من بني جُمح، سكن الشام. وكانت له ثمَّ جلالةٌ في الدين والعلم، يروي عن عُبادة بن الصامت وأبي سعيد الخُدري وأبي محذور ومعاوية. روى عنه الزُّهريُّ، ومكحول، ومحمد بن يحيى بن حَبَّان. وذكر ضَمرةُ بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله عن رجاء بن أبي سلمة أبي المقدام، عن رجاء بن حياة الكنديِّ قال: كنا في مجلس ابن مُحيريز إذ أتانا ابن عمر، فلما خرج قال ابن محيريز: إني لأعُدُّ بقاءه أماناً لأهل الأرض. قال رجاءٌ: وأنا والله كنت أعدُّ بقاء ابن مُحيريز أماناً لأهل الأرض. ومات ابن مُحيريز وابن المسيَّب في ولاية يزيد بن عبد الملك، وكانت ولاية الوليد من سنة ستٍ وثمانين إلى سنة ست وتسعين. وقال بان قُتيبة: كنية رجاء بن حياة أبو المقدام، ويقال أبو نصر. وقال جرير بن حازم الجهضميُّ الأزديُّ مولى حمَّاد بن زيد: رأيت رجاء بن حياة ورأسه أحمرُ، ولحيته بيضاء. ومات سنة اثنتي عشرة ومئة. وحَّث أبو بكر أحمد بن زُهير أبي خَيثمة عن الهيثم بن خارجة البغدادي أبي أحمد عن محمد بن حِمير، عن أبي إسماعيل إبراهيم بن أبي عَبلة الشامي، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 عن رجاء بن حياة قال: كان أهلُ المدينة يرون عبد الله بن عمر فيهم إماماً، وإنا نرى ابن محيريز فينا إماماً. ومن بني جُمح أبو عزة عمرو بن عبد الله بن عثمان بن وأُهيب بن حذافة بن جُمح: كان من أُسارى بدر، وكان شاعراً، وكان محتاجاً ذا بناتٍ. فكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، لقد عرفت مالي من مالٍ، وإني لذو حاجةٍ وذو عيال فامنُن عليَّ. فمنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ عليه ألا يُظاهر عليه أحداً. فقال أبو عزة في ذلك يمتدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر فضله في قومه: مَن مبلغ عني الرسول محمداً ... بأنك حق والمليكُ حميدُ؟ وأنت امرؤ تدعو إلى الحق والهدى ... عليك من الله العظيم شهيداُ وأنت امرؤ قد بُؤتَ فينا مَباءةً ... لها درجات سَهلة وصعودُ فإنك من حاربته لمحاربٌ ... شقيٌّ، ومن سالمته، لسعيدُ لؤي بن غالب ووَلد لؤيُّ بن غالب كعباً، وقد مضى ذكره، وعامراً، وسامَةَ، وعوفاً. فأمُّ كعب وعامر وسامة بني لؤيٍّ ماويَّة بنت كعب بن القين بن جَسر بن شَيع الله. ويقال: جسر بن سُبع الله من قُضاعة. وقيل: امُّ عامرٍ مخشيَّةُ بنت شيبان ابن محارب بن فهر. وقيل: ليلى بنت شيبان. ولم يذكر ابن إسحاق اسم أمِّ عوف بن لؤي. وهؤلاء المشاهير من ولد لؤي في ابن إسحاق. وقال ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 هشام: ومن بنيه الحرث بن لؤي، وهم جُشم بن الحرث في هِزَّان من ربيعة. قال جرير: بني جُشم لستُم لهِزَّان فانتموا ... لأعلى الرَّوابي من لؤيِّ بن غالب ولا تنكحوا في آل ضَورٍ نساءكم ... ولا في شكَيسٍ بئس مثوى الغرائب وسعدُ بن لؤي: وانتسب والده في شيبان بن ثعلبة بن عُكابة بن مصعب بن علي بن بكر بن وائل، من ربيعة. وقيل: إن سعد بن لؤي هو أبو ولد بُنانة رهط أبي محمد ثابت بن أسلم البُناني، ونُسب ولده إليها ... وسمع ثابت البُناني ابن عمر وأنس بن مالك وابن الزبير. وروى عنه شُعبةث وحمَّاد بن زيد وحماد بن سلمة. وخثزيمة بن لؤي، وخزيمة وبنوه وهم عائذة في سيبان بن ثعلبة أيضا. وعائذة امرأة من اليمن، وهي أمُّ بني عُبيد بن خزيمة بن لؤي. فأما عامر بن لؤي فمن بنيه السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ودّ ابن نضر بن مالك بن حِسل بن عامر بن لؤي: ومات مهاجراً بأرض الحبشة. وكانت تحته سودة بنت زَمعة، فَخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده. وسَليط وأبو خاطب وسهيل بنو عمرو وإخوته. فأما سليط فكان من المهاجرين الأولين، ممَّن شهد الهجرتين. وذكره موسى بن عُقبة فيمن شهد بدراً، ولم يذكره غيره في البدريين. وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هَوذة بن علي الحنفي، وإلى ثُمامة بن أُثال الحنفيِّ، وهما ربييا اليمامة، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وذلك في سنة ستٍّ أو سبع. وأما خاطب فذكره أبن إسحاق في المهاجرين إلى أرض الحبشة. وأما سُهيل بن عمرو فكان من أسرى بدرٍ، وعلى يديه كان صلح الحُديبية. وأسلم يوم الفتح، فحسن إسلامه. وقُتل يوم اليرموك شهيداً. وقيل: مات في طاعون عَمَواس، والأول أشهر. وكان خطيباً فصيحاً عاقلاً شريفاً، من خيار مُسلمة الفتح، رضي الله عنه. وابنه عبد الله بن سهيل بن عمرو: أسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية في قول ابن إسحاق ومحمد بن عمر. ثم رجع إلى مكة فأخذه أبوه فأوثقه عنده، وفَتنه في دينه. ثم خرج مع أبيه سُهيل بن عمرو إلى بدرٍ. وكان يكتمُ أباه إسلامهُ. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً انحاز من المشركين، وهرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسلماً، وشهد معه بدراً والمشاهد كلَّها. وكان من فضلاء الصحابة. وكان أحد الشهود في صلح الحديبية. وهو أسنُّ من أخيه أبي جندل. وعبد الله أخذ الأمان لأبيه سهيل يوم الفتح. واستشهد عبد الله يوم اليمام، وهو ابن ثمان وثلاثين سنةً، ويكنى أبا سُهيل. وأخوه أبو جندل بن سهيل: أسلم بمكة، فطرحه أبوه في حَديده. فلما كان يوم الحديبية جاء يوسف في الحديد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبوه سهيل قد كتب في كتاب الصلح: أن من جاءك منا تردُّه علينا. فخلاَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك أفلت بعد ذلك أبو جندل، فلحق بأبي بصير عُتبة بن أسد الثقفيِّ. وكان معه في سبعين رجلاً من المسلمين بالعيص من ناحية " ذي المروة " يقطعون على من مرَّ بهم من عِير قريش وتجارتهم، وكانت طريق قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله بأرحامها إلا آواهم، فلا حاجة لهم بهم. فضمَّهم إليه صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 وقال أبو جندلٍ، وهو مع أبي بصير: أبلغ قريشاً عن أبي جندل ... أنَّا بذي المروة بالسَّاحل في معشر تخفقُ أيمانهم ... بالبيض فيها والقنا الذَّابل ولم يشهد أبو جندل شيئاً من المشاهد قبل الفتح. قال موسى بن عقبة: لم يزل أبو جندل بن سهيل وأبوه مجاهدين بالشام حتى ماتا، يعني في خلافة عمر. ومن بني عامر بن لؤي عبد الله بن مَخرمة بن عبد العُزَّى بن أبي قيس بن عبد ودِّ بن نصْر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لؤي، يكنى أبا محمد في قول الواقدي. أمه نَهيك بنت صفوان من بني مالك بن كنانة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين فَروة بن عمرو بن وَدفة بن عبيد ابن عامر بن بياضة البياضيِّ الأنصاريِّ الخزرجي. وشهد فروة هذا بيعة العَقبة مع السبعين، ثم شهد بدراً وسائر المشاهد. وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يَجْهرْ بعضُكمْ على بعض القرآن " رواه مالك عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التَّيميِّ، عم أبي حازم التَّمَّار، عن البياضيِّ، ولم يسمِّه في الموطأ في هذا الحديث. وكان محمد بن وضاح وإبراهيم بن مُزَين يقولان: إنما سكت مالك عن اسمه لأنه كان ممَّن أعان على قتل عثمان، ولا وجه لما ذكراه من ذلك، ولم يكن لقائل هذا علم بما كان من الأنصار يوم الدار. ولم يُختلف في اسم البياضي: وبياضةُ في الأنصار هو بياضة بن عامر بن زُريق بن عبد حارثة بن مالك بن عَضب بن جُشم بن الخزرج أخى الأوس. واسم أبي حازم التَّمَّار: دينار، وهو مولى الأنصار. وقيل: اسمُه يسار، مولى قيس بن سعد بن عُبادة. وقيل: هو مولى أبي رُهم كلثوم بن حُصين الغِفاريِّ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 وكان عبد الله بن مخرمة العامري من المهاجرين الأولين، وشهد بدراً وسائر امشاهد. وقال الواقديُّ: هاجر عبد الله بن مخرمة العامريُّ الهجرتين جميعاً. واستشهد يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة، وهو ابن احدى وأربعين سنة. رُوى عنه أنه دعا الله عزَّ وجلَّ ألا يُميته حتى يرى في كلِّ مفصل منه ضربةً في سبيل الله. فضُرب يوم اليمامة في مفاصله، واستشهد. وكان فاضلاً عابداً. وقال عبد الله بن عمر: أتيتُ على عبد الله بن مخرمة صريعا يوم اليمامة، فوقفت عليه فقال: يا عبد الله بن عمر، هل أفطر الصائم؟ قلت: نعم. قال: فاجعل في هذا المجنِّ ماءً لعلِّي أُفطر عليه. قال: فأَتيت الحوض وهو مملوء دماً، فضربته بحجفةٍ معي، ثم اغترفت فيه، فأتيتهُ به، فوجدتهُ قد قضى. ومن ولدهِ أبو نَوفل عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة. قال مُسلم في الكُنى له: روى عن عبد الملك بن نوفل سُفيان بن عُيينةَ قال: وروى أبوه نوفل بن مُساحق عن سعيد بن زيد، وروى عن نوفل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. قال المؤلف أصلحه الله: سعيد بن زيد الراوي عنه نوفل بن مُساحق أحد العشرة الكرام رضي الله عنهم. وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل ابن عم عمر بن الخطاب بن نُفيل رضي الله عنهما. وعبد الملك بن نوفل: يُعرف بالمُساحقي، نُسب إلى جدِّه مُساحق بن عبد الله. ويروى عن أبيه، عن سعيد بن زيد وعن كَيسان أبي سعيد المقْبُريِّ، عن هاشم بن عتبة المرقال الزهريِّ. ومن بني عامر حُويطب بن عبد العُزَّى بن أبي قيس بن عبد وُدِّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وهو من مُسلمة الفتح. وعاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام. وكان من صُلحاء المؤلفة قلوبُهم. وهو عمُّ عبد الله بن مخرمة: وعمُّ حُويطب عمرو بن عبد ودٍّ قتيل علي يوم الخندق. وقال له مروان بن الحكم يوماً تأخَّر إسلامُك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث؟؟! فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 له حُويطب: والله لقد أردت الإسلام مراراً، فكان أبوك يُثبِّطني، ويسفِّه رَأيي، ويقول لي: تترك دينك ودين آبائك لدين محدثٍ؟ فكأنما ألقم مروان حجراً. ثم قال له: أما بلغك ما لقي عثمان من أبيك حين أسلم من المكروه والأذى؟. فازداد مروان غماً ولم يُحر جواباً. وتوفي حُويطب سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية. وابنه أبو سفيان بن حُويطب: أسلم أيضا يوم الفتح، وقُتل يوم الجمل. ومنهم عبد الله بن أم كلثوم الأعمى: وأمُّه، أمُّ مكتوم، اسمُها عاتكة بنت عبد الله بن عنكثةَ بن عامر بن مخزوم، وقيل: اسمه عمرو. وقال محمد بن سعد كاتب الواقديِّ: أما أهل المدينة فيقولون: اسمه عبد الله، وأما أهل العراق فيقولون: اسمه عمرو. ثم جمعوا على أنه ابن قيس بن زائدة بن الأصمِّ. والأصمُّ: هو جندب بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر ابن لؤي. وهو ابن خال خديجة بنت خويلد، أخي أمِّها، وهو قديم الإسلام. وقدم المدينة مع مُعصب بن عُمير قبل النبيِّ عليه السلام. وقال الواقديُّ: قدمها بعد بدرس بيسير. وكان يؤذِّن للنبيِّ عليه السلام مع بلال. مالك عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ بلالاً ينادي بليل: فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أمِّ مكتوم ". وشهد فتح القادسية. وكان معه اللواء يومئذ. قال أنس بن مالك: رأيت يوم القادسية عبد الله بن أمَّ مكتوم الأعمى، وعليه درع يجُرُّ أطرافها، وبيده راية سوداء. فقيل له: أليس قد أَنزل اللهُ عُذرك؟ قال: بلى، ولكني أُكثِّرُ المسلمين بنفسي. ورُويَ أنه قال: فكيف بسوادي في سبيل الله؟. وقُتل شهيداً بالقادسية. وقال الواقديُّ: رجع ابن أمِّ مكتوم من القادسية إلى المدينة فمات، ولم يُسمع له بذكر بعد عمر بن الخطاب. واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرةَ مرةً في غزواته. وفي شأنه نزلت:) عبس وتولَّى (. الترمذي: حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأمويُّ: حدَّثني أبي قال: هذا ما عَرضنا على هشام بن عُروة عن أبيه، عن عائشة قالت: أنزلَ) عبس وتولى (في ابن أمِّ مكتومٍ الأعمى، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني. وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرض عنه ويُقبل على الآخر، ويقول: " أترى بما أقول بأساً؟ ". فيقول: لا. ففي هذا أُنزل. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وروى بعضهم هذا الحديث عن هشام بن عُروة، عن أبيه، قال: أُنزل) عبس وتولى ( الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 في ابن أمِّ مكتوم، ولم يذكر فيه شيئاً عن عائشة. قال المؤلف، وفَّقه الله لطاعته: وكذلك وقع في الموطَّأ عن عروة، ولم يذكرهُ عن عائشة. مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: أُنزلت) عبس وتولى (في عبد الله بن أمِّ مكتوم، جاء إلى رسول الله، فجعل يقول: يا محمد، استَدْنِني. وعند النبيِّ صلى الله عليه وسلم رجل من عظماء المسلمين. فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعرض عنه، ويُقبل على الآخر، ويقول: " يا أبا فلان، هل ترى فيما أقولُ بأساً؟ "، فيقول: لا ... لا أرى بما تقول بأساً. فنزلت) عبس وتولى أن جاءه الأعمى (. ومنهم أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذيب: واسم أبي ذيب هشام بن شُعبة. وكان أبو ذيب أتى قيصر فسُعى به، فحبسه حتى مات في حبسه. ومحمد بن عبد الرحمن من الفقهاء المُفتين. روى عن الزهريِّ ونافعز وروى عنه الثوريُّ ويحيى بن سعيد القَطَّان. وسأل أبو جعفر المنصور مالكاً: من بقي في المدينة من المَشيخة؟ فقال: يا أمير المؤمنين، ابن أبي ذيبٍ وابن سلمة وابن أبي سبرة. وابن أبي سلمة الذي ذكر مالك هو عبد اله عبد العزيز بن عبيد الله ابن أبي سلمة الماجَشون، ومات ببغداد سنة ستين ومئة، ودُفن في مقابر قريش. هكذا ذكر الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازيُّ في " طبقات الفقهاء ". ومات ابن أبي ذيب بالكوفة. قال أحمد بن حنبل: مات سنة تسع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 وخمسين ومئة. وهو ابن سبعٍ وسبعين سنةً. وقال ابن أبي فُديك: مات سنة ثمان وخمسين ومئة. ومنهم أبو سَبرة بن أبي رُهم بن عبد العُزَّى بن أبي قيس بن عبد وُدَّ بن نصر بن مَلد بن حسل بن عامر بن لؤي: هاجر الهجرتين جميعاً، وكانت معه في الهجرة الثانية في قول ابن إسحاق والواقديِّ امرأته أمُّ كلثوم بنت سُهيل بن عمرو. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سَلمة بن سلامة بن وقش بن زُغبة بن زعُوراء بن عبد الأشهل بن الحرث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس أخى الخزرج. وشهد سلمة العقبة مع السبعين، ثم شهد بدراً. وهو القائل للأعرابي الذي لقي النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهو بِعرق الظُّبية سائراً إلى بدر، وقال له: إن كنت رسول الله فأخبرني عمَّا في بطن ناقتي هذه. لا تسأل رسول الله، وأقبل عليَّ فأنا أُخبرك بذلك..نزوت عليها، ففي بطنك منها نغلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَه فَحَشتَ على الرجل ". ثم أعرض عن سلمة. ورضي اله عن سلمة فإنه من البدريين الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم لعمر بن الخطاب لمَّا قال في شأن حاطب بن أبي بلتعة اللخميِّ ما قال: " وما يُدريك يا عمر؟ لعلَّ الله اطَّلع على أصحاب بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم ". وشهد أبو سبرة بن أبي رُهم بدراً وأحداً والمشاهد كلَّها مع النبي عليه السلام. وامُّه بَرَّة بنت عبد المطلب، فهو أخو أبي سلمة بن عبد الأسد لأمِّه. وتثفي ابو سبرة في خلافة عثمان رضي الله عنهما. ومن ولده الفقيه أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة. وكان يُفتى بالمدينة مع مالك. وولى القضاء لأبي جعفر. وولي قضاء موسى الهادي بن المهدي، وهو وليُّ عهد فلما مات استُقضيَ أبو يوسف مكانه. وقال أبو بكر: قال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 لي ابن جُريج: اكتب لي أحاديث من أحاديثك جياداً. فكتبتُ له ألف حديث، ودفعتها إليه، ما قراها عليَّ، ولا قرأتُها عليه. ومات أبو بكر سنة اثنتين وستين ومئة، وهو ابن ستين سنةً. ومن بني عامر بن لؤي عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحرث بن حبيب بن جِزيمة بن حسل بن عامر بن لؤي، يُكنى أبا يحيى. قال ابن الكلبي في نسبه: حبيب بن جَزيمة بالتخفيف. وقال محمد بن حبيب: وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتدَّ مشركاً، وصار إلى قريش بمكة، فقال لهم: إني كنت أَصرف محمداً حيث أريد، كان يُملي عليَّ: عزيز حكيم، فأقول: أو عليم حكيم؟ فيقول: " نعم، كلٌّ صواب ". وأمر النبيُّ عليه السلام بقتله يوم الفتح ففرَّ إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة، فَغَيَّبه عنده، واستأمن له عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأنَّ أهل مكة، فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً، ثم قال: " نعم ". فلما انصرف عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما صمتُّ إلا ليقوم إليه أحدٌ فيضرب عنقه ". فقال رجل من الأنصار: فهلاَّ أومأت إليَّ يا رسول الله؟ فقال: " إن النبيَّ لا ينبغي أن تكون له خائنةُ الأعين ". وحسُن إسلامُه بعد ذلك، ولم يُر منه شيء يُنكر عليه. وهو أحد النُّجباء العقلاء الكرماء من قريش. ثم ولاَّه عثمان بعد ذلك مصر سنة خمس وعشرين. وافتتح إفريقيَّة سنة سبع وعشرين. وكان فارس بني عامر بن لؤي. ولم يبايع لعليٍّ ولا لمعاوية. وكانت وفاته قبل اجتماع الناس على معاوية، فارّاً من الفتنة بعسقلان سنة ستٍ وثلاثين، دعا ربَّه فقال: اللهمَ اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح. فقبض الله روحه حين سلَّم من صلاة الصبح. ذكر ذلك يزيد بن أبي حبيب وغيره. وولدُهّ عِياض بن عبد الله خرَّج عنه مالك ومسلم وغيرهما. وكان من جلّة التابعين. ونصُّ ما عنه في الموطأ: مالك عن يزيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله ابن أبي سرح العامريِّ أنه سمع أبا سعيد الخُدريَّ يقول: كنا نُخرجُ زكاة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 الفطر صاعاً من طعامٍ أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقِطٍ أو صاعاً من زبيب، وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج هذا الحديث مسلم عن يحيى بن يحيى التَّميمي، عن مالك بلفظه، ولم يَذكر فيه: وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. وابنه زيدُ بن عِياض: روى عن أبي سعيد الخُدريِّ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أليس شهادةُ المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قال: " بلى ". قال: " فذلك من نقصان عقلها ". خرَّج هذا الحديث البخاريُّ، ورواه عن زيد بن عياض محمد بن جعفر.. ومنهم بُسرُ بن أَرطأة بن أبي أرطأة عُويمر بن عمران بن الحُليس بن يسار بن نزار بن مَعيص بن عامر بن لؤي، يكنى أبا عبد الرحمن. قُبض النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو صغير. واستعمله معاوية على اليمن أيام صفِّين، وكان عليها عُبيد الله بن العباس لعلي. فهرب عُبيد اله حين أحسَّ ببُسر، ونزلها بسر فقضى فيها القضية الشَّنعاء، بذبحه صَبيِّين صغيرين لعبيد الله بن عباس، ويأتي ذكرهما بعد عند ذكر آل أبي طالب، وهناك أذكر من خبر بسر ما يجب. ومنهم عمرو بن عبد وُدِّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وكان من أبطال مشركي قريش. قتله عليُّ بن أبي طالب يوم الخندق مُبارزة. وقال لمَّا قتله: نصر الحجارةَ من سَفاهةِ رأيهِ ... ونَصرتُ دين محمدٍ بضرابِ وصَددْتُ حين تركتهُ متجدِّلاً ... كالجِذع بين دَكادِكٍ وروابِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 وعففت عن أثوابه ولو انَّني ... كنت المقطَّر بذَّني أثوابي ولا تحسبنَّ الله خاذل دينه ... ونبيِّه يا معشر الأَحزاب وأمَّا أسامة بن لؤي: فخرج إلى عُمان، وكان بها. ويزعمون أنَّ عامر بن لؤي أخرجه، وذلك أنه كان بينهما شيءٌ. ففقأ سامة عين عامر، فأخافه عامر، فخرج إلى عُمان. فيزعمون أن سامة بن لؤي بينا هو يسير على ناقته إذ وضعت رأسها ترتع. فأخذت حيةً بمشرفها فهصرتها حتى وقعت الناقة لِششقِّها، ثم نهشت سامة فقتلته، فقال سامة حين أحسَّ بالموت، فيما يزعمون، من قصيدةٍ: بلِّغا عامراً وكعباً رسولاً ... أنَّ نفسي إليهما مُشتاقه إن تكن في عُمان داري فإني ... غالبيٌّ خرجت من غير فاقه ربَّ كأس هرقت يا بن لؤيٍّ ... حذر الموت، لم تكن مُهراقه رُمت دفع الحتوف يا بن لؤيٍّ ... ما لمن رام ذاك بالحتف طاقه قال ابن هشام: وبلغني أن بعض ولده أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتسب إلى سامة بن لؤي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آلشاعر؟ ". فقال له بعض أصحابه: كانَّك يا رسول الله أردت قوله: ربَّ كأسٍ هَرقت يا بن لؤيٍّ ... حذرَ الموت، لم تكن مُهراقَه قال: " أجل ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 ومن موالي بني عامر بن لؤي هلال بن علي بن سامة بن أبي ميمونة. ومن قال فيه: هلال بن " سامة " نسبه إلى جده. وكذلك من قال فيه: هلال بن أبي ميمونة نسبه إلى جدّه. لمالكٍ عته في الموطأ حديث واحد اختصره من حديثه الطويل عن عطاء بن ... عن عُمر بن الحكم في الجارية. ... يعرفون أيضاً بأمهم ناجيةً بنت جُرم بن ربَّان من قضاعة. ويقال للرجل منهم: " ناجي ". منهم أبو المتوكل عليُّ بن داود الناجي وأبو الصديق بكر بن عمر الناجي: وكلاهما من التابعين. روى أبو المتوكل عن ابن عباس وأبي سعيد الخُدري، وروى عنه الوليد بن محمد الموقَّريُّ. وكانت ناجية بنت جُرم بن ربَّان تحت سامة بن لؤي. فولدت له غالب بن سامة. ثم هلك عنها فخلف عليها الحارث بن سامة ابنه. ومن بني سامة بن لؤي أبو أحمد عَريرة البرند. وأمَّا عوف بن لؤي: فشاع نسبه في ذُبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان بن مُضر إذ آخاه ثَعلبة بن سعد بد ذبيان حين أُبطيء به بأرض غطفان وهو في ركب قريش. فانطلق من كان معه من قومه. فأتاه ثعلبة بن سعد، وهو أخوه في نسب بني ذبيان، ثعلبة بن سعد ابن ذبيان، وعوف بن سعد بن ذبيان، فزوَّجه والتاطه وآخاه. فولد عوف بن لؤي حقاً، وبالإِخاء عوف بن سعد مُرَّة بن عوف: وإليه ينتسب المُرِّبون من غطفان. منهم الحارث بن عوف بن سنانٍ، أبو أسماء. وهو صاحب الحمالة في حرب داحس. وكان الحارث أحد رؤساء المشركين يوم الأحزاب، ثم أسلم بعد ذلك، فحسُن إسلامُه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 ومنهم الحُصين بن الحمام. وهو القائل حين انتمى إلى قريش، وأكذب نفسه في انتمائه إلى غطفان: ندمت على قول مضى كنت قلته ... تبيَّنت فيه أنه قول كاذب فليت لساني كان نصفين منهما ... بكيم ونصف عند مجرى الكواكب أبونا كنانيٌّ بمكة قبره ... بمعتلج البطحاء بين الأَخاشب لنا الرُّبع من بيت الحرام وراثةً ... وربع البطحاء عند دار ابن حاطب يعني أن بني لؤي كانوا أربعةً: كعب، وعامر، وسامة، وعوف. قال أبو حاتم الرازيُّ: ومن ولد الحصين بن الحمام أبو ثفال ثُمامة بن وائل بن حصين بن حمام الشاعر. وقال مسلم: روى عن رباح بن عبد الرحمن، وروى عنه عبدُ العزيز بن محمد وعبدُ الله بن جعفر. ونسبه مسلم إلى جدِّه فقال: أبو ثفال المرِّيُّ ثمامة بن الحُصين الشاعر. ومنهم هرم بن سنان بن أبي حارثة: الجواد الذي كان يمدحه زهير بن أبي سُلمى. وفيه يقول من كلمة له: إنَّ البخيل ملوم حيث كان ولا ... كِنَّ الجواد على علاَّته هرم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 وأخوه خارجة بن سنان: بقير غطفان، استُخرج من بطن أمه بعدما هلكت. وهاشم بن حَرملة: وهو الذي يقول فيه عامر الخصفيُّ بن قيس بن عيلان: أحيا أباه هاشم بن حرمله يومَ الهباءات ويوم اليعمله ترى الملوك عندهُ مُغربله يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له وقال الكُميت بن زيد فيه من قصيدةٍ له كبيرةٍ شهيرةٍ: وهاشمُ مُرَّة المُفنى ملوكً ... بلا ذنبٍ إليه ومُذنِبينا ومنهم الحارث بن ظالم الذي يقال فيه: أمنع من الحارث. وهو القائل حين هرب النعمان بن المنذر، ولحق بقريشٍ: فما قومي بثعلبة بن سعدٍ ... ولا بفزارةَ الشُّعُر الرِّقابا وقومي، إن سألت، بنو لؤيٍّ ... بمكة علَّموا مُضر الضِّرابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 سَفِهنا باتِّباع بني بغيض ... وترك الأقربين لنا انتسبابا سفاهة مُخلف لمَّا تروَّى ... هراق الماء واتَّبع السَّرابا ومنهم أرطأة بن سُهيَّة، وشبيب بن البرصاء، وابن ميَّادة الشاعر وعثمان بن حَيَّان، وكان خاصَّاً ببني أمية، وولى المدينة في أيام أبي جعفر. وله يقول بن ميَّادة: أمرتك يا رياحُ بأمر حَزمٍ ... فقلت: هشيمةٌ من آل نَجدِ نهيتُك عن رجالٍ من قريشٍ ... على محبوكة الأصلاب جُردِ وقصة أبيه عثمان بن حيَّان مع ابن أبي عتيق وسَلامة الزرقاء حين وَلي المدينة وحرَّم الغناء بها مشهور. ومنهم مُسلم بن عُقبة: صاحب الحرَّة، أبعده الله. وعقيل بن عُلَّفة: وكان عقيل من الغيرة والأنفة على ما ليس عليه أخذ علم من أشراف العرب. وخطب إليه عبدُ الملك بن مروان ابنته على أحد بنيه. وكانت لعقيل إليه حاجات فقال له: أمَّا إذا كنت فاعلاً فجنِّبني هُجناءك. وخطب إليه ابنتهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزوميُّ، وهو خال هشام بن عبد الملك، وكان والي المدينة، وكان أبيض شديد البياض، وهو الذي هجاه العَرجيُّ، فردَّه عقيل وقال: رددت صحيفة القرشيِّ لمَّا ... أبت أعراقهُ إلا احمرارا وعقيل هو القائل من غَيرته: إني وإنْ سِيق إليَّ المَهرُ أَلفٌ وعُبدانٌ وذودٌ عَشرُ أَحبُّ أصهاري إليَّ القبرُ وبنو مُرَّة بن عوف كان لهم صيت وذكر في غطفان وقيس كلِّها، فأقاموا على نسبهم في غطفان. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو كنت مُدَّعياً حياً من العرب، أو ملحِقَهم بنا لادَّعيت بني مُرَّة بن عوف. إنا لنعرف منهم الأشباه مع ما نعرف من موقع ذلك الرجل حيثُ وقع. وبنو مرة يقولون: إذا ذُكر لهم هذا النسب لا نُنكرُهُ ولا نَجحده، وإنه لأحب النسب إلينا. وفي بني مُرَّة بن عوف كان البَسل قاله ابن إسحاق. والبسلُ فيما يزعمون: ثمانية أشهر حُرم لهم في كل سنة من بين العرب. قد عَرفت ذلك لهم العربُ، لا يُنكرونه ولا يدفعونه، يسيرون به إلى أيَّ بلاد العرب شاؤوا، ولا يخافون منهم شيئاً. قال زهير بن أبي سُلمى يعني بني مُرَّة: تأمَّل فإنْ تُقو المروراةُ منهم ... وداراتُها لا يُقو منهم إذاً نخلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 بلاد بها نادمتُهُمْ وألِفْتهم ... فإنْ تُقويا منهم فإنَّهمُ بَسْلُ غالب بن فهر: وولد غالب لؤياً، وقد مضى ذكره، وتيماً. ويقال لولده: بنو الأَدْرم، وهم أعراب قريش ليس بمكة منهم أحدٌ. وفيهم يقول الشاعر: إنَّ بني الأدرم ليسوا من أحد ولا توفَّاهم قريش في العَدَدْ وأمُّ لؤي وتيم ابني غالب سلمى بنت كعب بن عمرو الخزاعيِّ. فمن بني تيم بن غالب عبد الله بن خطل: وهو الذي أمر بقتل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، وهو متعلق بأستار الكعبة. وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلماً. فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُصدِّقاً، وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولَّى له يخدمه، وكان مسلماً. فنزل منزلاً، وأمر المولى أن يذبح له تيساً، فيصنع له طعاماً، فنام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً، فعدا عليه فقتله، ثم ارتدَّ مشركاً. وكانت له قَينتان: فَرْتَنى وصاحبتها، وكانتا تُغنِّيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأمر بقتلهما معه. فقُتلت إحداهما، وهربت الأخرى حتى استؤمن لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدُ، فأَمَّنها. ثم بقيت حتى أوطأها رجلُ من الناس فرساً في في زمن عمر بن الخطاب، فقتلها. وفي كتاب الحج من الموطأ في شأن ابن خطل ما نصُّه: مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح، وعلى رأسه المِغْفَر فلما نزعه جاء رجلُ فقال له: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتلوه ". قال مالك: قال ابن شهاب: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ مُحرماً. وقتل عبد الله بن خطلٍ سعيد بن حُريث المخزومي وأبو برزة الأسلميُّ، اشتركا في دمهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 فهر بن مالك: قال مصعب بن عبد الله الزبيريُّ: كلُّ من لم ينتسب إلى فهر فليس بقرشيٍّ. وقال عليٌّ بن كيسان: فهر هو أبو قريش. ومن لم يكن من ولد فهر فليس بقُرشي. وهذا أصحُّ الأقاويل في النسبة لا في المعنى الذي من أجله سُميت قريش قريشاً. والدليل على صحة هذا القول أنَّا لا نعلم اليوم قرشياً في شيءٍ من كتب أهل النسب ينتسب إلى أبٍ فوق فهرٍ، فهو دون لقاء فهرٍ. ولذلك قال مصعب وابن كيسان والزبير بن بكارٍ، وهم أعلم الناس بهذا الشأن، وأوثقُ من ينسبُ علم ذلك إليه: إنَّ فهر بن مالك جِماعُ قريش كلِّها بأَسرها. وقال آخرون: أهل قريش النَّضر بن كنانة. وحجَّتهم في ذلك حديث الأشعث بن قيس الكِنديِّ: قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة، فقلتُ: ألستم منا يا رسول الله؟ فقال: " لا، نحنُ بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أُمَّنا ولا ننتفي من أبينا ". ذكر هذا أبو عمر بن عبد البرِّ في الإنباه. وذكر أبو نعيم الحافظ في الرياضة عن الأشعث بن قيس قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من كندة لا يَروني أفضلهم. قال فقلت: يا رسول الله إنا نَزعم أنك منا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " نحن بنو النَّضر ابن كنانة، لا نقفو أمَّنا ولا ننتفي من أبينا ". قال أشعث: والله لا أسمع أحداً نفى قريشاً من النَّضر بن كنانة إلا جَلدته. وكلُّهم مجتهد مصيب إن شاء اللهُ. ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الأئمة من قريش ". وقال صلى الله عليه وسلم: " قَدَِموا قريشاً ولا تَقَدَّمُوها ". وقال عليه السلام، لما قَتل الحارث بن كَلَدة: " لا يُقتل قُرشيُّ صبراً بعد هذا اليوم ". يريد أنه لا يكفر قرشيٌّ بعد هذا اليوم فيُقتل صبراً. وعن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: " قريش الجُؤجؤ والعرب الجَناحان. والجؤجؤ لا ينهض إلا بالجناحين ". وروى الحسن عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الأحنف بن قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قريش رؤوس الناس، ليس أحدٌ منهم يدخل من باب إلا دخل منه طائفة من الناس. وقريشٌ: قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين سبق لهم الفضل من الله. قال الله عزَّ وجلَّ:) وإنه لَذِكرٌ لك ولقومِكَ (. ويقال: قريش عمارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنانةُ قبيلته، وعبدُ مناف بطنه. وكانت قريش تدْعي النضر بن كنانة. وكانوا متفرقين في بني كنانة، فجمعهم قصي بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر من كل أوب إلى البيت، فسُمُّوا قريشاً، والتقرُّش: التجمُّع. قال أبو عبد الله أحمد بن محمد العدويُّ القشيُّ: التجمُّع: أصح ما فيه عندنا. وقال غيره: الدليل على ذلك قولُ أبي جلدة اليَشْكُريَّ: إخوة قرَّشُوا الذُّنوب علبنا ... في حديثٍ من عهدِنا وقديم ولذلك سُمي قصيُّ بن كلاب مُجمِّعاً. قال حبيبُ بن أوسٍ الطائي يرثى بعض الأشراف: غَدوا في زوايا نَعشهِ وكأنما ... قريشٌ قريشٌ يوم مات مُجمِّع يريد بمجمِّع قصياً، وهو بني المشعر الحرام. وكان يُسرجُ عليه أيام الحج، فسماه الله عزَّ وجل مشعراً، وأمر بالوقوف عنده. قال الله تعالى:) فاذكروا الله عند المشعر الحرام (. وإنما جَمعَ قصيٌّ إلى مكة بني فهر بن مالك. فجدُّ قريشٍ كلِّها فهرُ بن مالك. فما دونهُ قريش، وما فوقه عرب مثلُ كنانةَ وأسدٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وغيرها من قبائل مُضر. وأما قبائل قريش فإنما تنتهي إلى فهر بن مالك، لا تجاوزه. وكانت قريش تسمى " آل الله " و " جيران الله " و " سكان حرم الله ". وفي ذلك يقول المطلب بن هاشم: نحنُ آلُ في ذمَّته ... لم يزل ذاك على عهدٍ قِدم إنَّ للبيت لَرَباً مانعاً ... من يُرِدْهُ بآثامٍ يُخْتَرَم لم تَزل لله فينا حُرمةٌ ... يدفعُ اللهُ بها عنا النِّقم واستعمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه نافع بن عبد الحرث الخزاعيَّ عل مكة، وفيهم سادة قريش. فخرج نافع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستخلف مولاه عبد الرحمن بن أبزي. فقال له عمر: استخلف على آل الله مولاك. فعزلهُ، وولى خالد بن العاصي بن هشام بن المغيرة المخزومي. وكان نافع بن عبد الحرث من فضلاء الصحابة. قيل: إنه أسلم يوم الفتح، وأقام بمكة ولم يهاجر. روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن وغيرُه. ومولاه عبدُ الرحمن بن أَبْزَي أدرك النبيَّ عليه السلام، وصلى خلفه. وأكثرُ روايته عن عمر وأُبَيِّ بن كعب. وقال فيه عمر بن الخطاب: عبدُ الرحمن بن أَبزَي ممن رفعه الله بالقرآن. روى عنه ابناه: سعيد وعبد الله ومحمد بن أبي المُجالد. قال أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبيُّ: تسميةُ من انتهى إليه الشرف من قريش في الجاهلية، فوصلهُ بالإسلام عشرةُ رهطٍ من عشرة أَبطُنٍ، وهم: هاشم، وأمية، ونوفل، وعبد الدار، وأسد، وتيم، ومخزوم، وعديٌّ، وجُمح، وسهم. فكان من هاشم العباسُ بن عبد المطلب يسقي الحجاج في الجاهلية. وبقي ذلك له في الإسلام. ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب كانت عنده " العُقاب "؛ راية قريش. وإذا كانت عند رجل أخرجَها إذا حَميت الحربُ. فإن اجتمعت قريش على أحدٍ أعطوهُ العُقاب، وإن لم يجتمعوا على أحدٍ رأسوا صاحبها وقدَّموه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ومن بني نوفل الحارث بن عامر: وكانت إليه الرِّفادة، وهي ما كانت تُخرجُه من أموالها، وتُرفدُ به مُنقطعي الحاجِّ. ومن بني عبد الدار عثمان بن طلحة: كان إليه اللواء والسِّدانة مع الحجابة. ويقال: والندوةُ أيضاً في بني عبد الدار. ومن بني يزيد بن زمعة بن الأسود: وكانت إليه المشورة، وذلك أن رؤساء قريش لم يكونوا يُجمعون على أمرٍ حتى يعرضوه عليه، فإن وافقه ومالأهم عليه، وإلا تَخَيَّروا، وكانوا له أعواناً. واستشهد مع رسول الله بالطائف. ومن بني تيم أبو بكر الصديق: وكانت إليه الأشناقُ في الجاهلية، وهي الدِّيات والمضغْرمُ. فكان إذا احتمل شيئاً يسأل فيه قُريشاً صدَّقوه وأمضوا حمالة من نهض معهن وإن حملها غيره خذلوه. ومن بني مخزوم خالد بن الوليد: وكانت إليه القُبَّةُ والأَعنَّةُ. فأما القبةُ فإنهم كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يُجهِّزون به الجيش. وأما الأعنَّة فإنه كان يكون على خيل قريش في الحرب. ومن بني عديٍّ عمر بن الخطاب: وكانت إليه السِّفارةُ في الجاهلية، وكانت إذا وقعت بين قريش وغيرهم مُنازعةٌ بعثوه سفيراً، وإن نافَرهم حيٌّ لمفاخرةٍ بعثوهُ مُنافراً ورَضُوا بهِ. ومن بني جُمح صفوان بن أمية: وكانت إليه الأيسار، وهي الأزلام. كان لا يُسبق بأمرٍ عامٍ حتى يكون هو الذي يجري تيسيره على يديه. ومن بني سهم الحارث بن قيس: وكانت إليه الحكومةُ والأموالُ المُحجَّرة، التي سمَّوها لآلتهم. فهذه مكارم قريش التي كانت في الجاهلية، وهي: السِّقاية، والعمارة، والعُقاب، والرِّفادة، والسِّدانة، والحجابة، والنَّدوة، واللواء، والمشُورة، والأشناق، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 والقُبَّة، والسِّفارة، والأيسار، والحكومة، والأموال المحجَّرة. إلى هؤلاء العشرة من هذه البطون العشرة على حال ما كانت في أوَّليَّتهم يتوارثون ذلك كابراً عن كابر، فقام الإسلام فوصل ذلك لهم، وكذلك كل شرف من شرف الجاهلية، أدركه الإسلام. وكانت سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وحُلوانُ النفر في بني هاشم. فأما السقاية فمعروفةٌ. وأما العمارة فهو ألا يتكلم أحد في المسجد الحرام بهُجر ولا رَفث، ولا يُرفع فيه صوت، كان العباس ينهاهم عن ذلك. وأما حُلوان النَّفر فإن العرب لم تكن تملِّكُ عليها في الجاهلية أحداً، فإذا كانت حرب أقرعوا بين أهل الرياسة. فمن خرجت عليه القرعةُ أحضروه صغيراً كان أو كبيراً. فلما الفِجَار أقرعوأ بين بني هاشمٍ " فخرج سهمُ العباس وهو صغير فأجلسوه على التُّرس. قال المؤلف، وفَّقه الله لإِرشاد، وتولاَّه بما تولَّى به الصالحين من عباده. المسلمون من العَشرة الذين ذكرهم ابنُ الكلبي هشام، وانتهى إليهم الشرف في قريش ثمانية: العباسُ بن عبد المطلب الهاشميُّ، وأبو سفيان بن حرب الأُمويُّ، وعثمان بن طلحة العبدريُّ، ويزيد بن زمعة الأسدي، وأبو بكر الصدِّيق التَّيميُّ، وخالد بن الوليد المخزوميُّ، وعمر بن الخطاب العَدَويُّ، وصفوان بن أمية الجمحيُّ. والاثنان الباقيان ماتا مشركين، وهما: الحرثُ بن عامر بن نوفل بن عبد مناف النَّوفليُّ. والثاني الحرث بن قيس بن عديِّ بن سهمٍ السَّهميُّ. فأما الحرث بن عامر النَّوفليُّ فهو من أهل قليب بدر، قتله خُبيب بن إساف الخزرجيُّ. وأما الحرثُ بن قيس بن عدي السهميُّ فكان أحد المستهزئين الذين جعلوا القرآن عِضين، وهو الذي يقال له ابن الغيلطة، وهي أمُّه وإليها يُنسب ولدُها. فيقال لهم الغياطل، وهي من بني كنانة. وأبوه قيس بن عدي، وهو جدُّ عبد الله بن الزِّبعري الأقرب. كان في زمانه من أجلِّ قريش رجلاً، وهو الذي جمع الأحلاف على بني عبد مناف. والأحلف: عدي ومخروم وسهم وجُمح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 وبنو الحرث بن قيس تسعةٌ، منهم ثمانية مسلمون، وهم: تميمٌ وبشرٌ وسعيدٌ وعبد الله ومَعمر وأبو قيس والسائب والحارث. والتاسع الحجاج بن الحرث، أُسر يوم بدر ومات كافراً. وهاجر الثمانية كلُّهم إلى أرض الحبشةِ. ولم يذكر ابن إسحاق أحداً منهم في من شهد بدراً. واستشهد تميم يوم أجنادين، وقُتل عبد الله منهم يوم الطائف شهيداً. والسائب جُرح يوم الطائف، واستشهد يوم فحل بالشام. وقيل إنَّ السائب استُشهد مع أخيه عبد الله بالطائف، كذا قال الزبير بن بكار وطائفةُ. وقد قيل: إن عبد الله قُتل باليمامة شهيداً مع أخيه أبى قيس بن الحرث، فالله أعلمُ. ويقال لعبد الله بن الحارث هذا " المُبْرِق "، لبيت قاله في قصيدة، هو: إذا أنا لم أُبرِق فلا يَسَعنَّني ... من الأرض برٌّ ذو فضاءِ ولا بحر وفيها يقول: وتلكم قريشٌ تجحدُ الله ربَّها ... كما جحدت عادٌ ومَدينُ والحِجْرُ وقال أبو إسماعيل محمد بن عبد الله الأزديُّ البصريُّ في كتاب فتوح الشام له: استُشهد سعيد بن الحرث والحارث بن الحرث يوم فَحلٍ. ومن مناقب قريش ما ذكر مسلم في الصحيح فقال: حدَّثنا محمد بن رافع قال: نا عبد الرزاق قال: نا معمر عن همَّام بن مُنبِّه قال: هذا ما حدَّثنا أبو هُريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الناسُ تَبعٌ لقريش في هذا الشأن؛ مُسلمُهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم ". قال مسلم: وحدثني يحيى بن حبيب الحارثيُّ قال: نا روح، قال: نا ابن جُريج، قال حدثني أبو الزُّبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " الناس تبَعٌ لقريش في الخير والشر ". وقال أيضاً: حدَّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: نا عاصم بن محمدٍ عن أبيه قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان ". وخرَّج البخاريُّ هذا الحديث بسنده ولفظه. وقال البخاري: حدّثنا أبو اليمان: نا شُعيب عن الزهري قال: كان محمد بن جُبير بن مُطعم يُحدِّث أنه بلغ معاوية - وهو عنده في وفدٍ من قريش - أن عبد الله بن عمر يحدّث أنه سيكون ملك من قحطان. فغضب، فقام، فأثني على الله بما هو أهلُه ثم قال: أما بعدُ، فإنه بلغني أن رجالاً منكم يحدِّثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تُؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن هذا الأمر في قريش لا يُعاديهم أحد إلا كبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين ". وولد فهر غالباً وقد مضى ذِكره، والحارث، ومُحارباً وأمُّهم ليلى بنت سعد بن هُذيل بن مُدركة. قال ابن هشام: وجَندلةُ بنت فهر: وهي امُّ يربوع ابن حنظلة، وأمُّها أمُّ الحارث ومحارب. وفيها يقول جرير بن عطية الخطفيُّ الكُليبيُّ اليربوعيُّ من آخر قصيدة طويلة، يفخر فيها ويناقض الفرزدق: إني إلى جبلي تَميم مَعقلي ... ومَحلُّ بيتي في اليفاع الأطولِ أحلامنا تزن الجبال رزانة ... ويفوق جاهلنا فَعال الجُهَّل وإذا غَضبتُ رمى ورائي بالحصى ... أبناء جَندلةٍ كخيرِ الجندلِ وأمُّ فهر جندلةُ بنت الحارث بن مِضاضٍ الجُرْهُميِّ، وليس بابن مِضاضٍ الأكبر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 فمن بني الحارث بن فهر: أبو عبيدة بن الجراح الأمين رضي الله عنه، وسهل، وسهيل، وصفوان، بنو بيضاء: وهي أمُّهم غَلبت على اسمهم فنُسبوا إليها. واسمها دعد بنت جدم بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر. وأبوهم وهب بن ربيعة بن هلال بن أُهيب بن ضبَّة بن الحرث بن فهر. وشهد سُهيل وصفوان بدراً. واستشهد صفوان يومئذ، قتله طُعيمة بن عدي النَّوفليُّ أخو المُطعم وعمُّ جُبير. فأما سهل فماتا بالمدينة، وصلى عليهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المسجد. مسلم: حدثني هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع، واللفظ لابن رافع قالا: نا ابن أبي فديك: أرنا الضحاك يعني ابن عثمان عن أبي النَّضر، عن أبي سَلمة بن عبد الرحمن أن عائشة لما توفِّي سعد بن أبي وقاص قالت: ادخلوا به المسجد حتى أُصلي عليه. فأُنكر ذلك عليها. فقالت: والله لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنَيْ بيضاء في المسجد: سُهيل وأخيه. وقالت عائشة في الحديث الذي قبل هذا، ورواية عنها عَبَّادُ بن عبد الله بن الزُّبير: ما أسرع الناس أن يعيبوا مالا علم لهم به! عابوا علينا أن يُمرَّ بجنازة في المسجد، وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سُهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد، واخرج الحديث مالك في الموطأ عن عائشة وذكرت سُهيلاً وحده. وابنا عمِّهما لحَّا عمرو بن أبي سرح بن ربيعة ووهب بن أبي سرح: كانا من مُهاجرة الحبشة. وشهدا جميعاً بدراً. هكذا قال موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق: عمرو بن أبي سرح. وكذلك قال هشام بن محمد الكلبي. وقال الطبريُّ عن الواقديُّ وأبي مَعشر: هو مَعمر بن أبي سرح. وقالا شهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلَّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات بالمدينة سنة ثلاثين في خلافة عثمان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 ومنهم عياض بن زهير بن أبي شدَّاد بن ربيعة بن هلال بن وهيب بن ضبَّة بن الحرث بن فهر: يكنى أبا سعد، وكان من مهاجرة الحبشة، وشهد بدراً. ذكره إبراهيم بن سعد ابن إسحاق في البدريين، وذكره ابن عقبة وخليفة والواقديُّ في البدريين. وتوفي بالشام سنة ثلاثين. وهو معروف في الفتوحات بالشام. وابن أخيه عياض بن غنم بن زهير: أسلم قبل الحديبية، وشهدها فيما ذكر الواقديُّ. وكان ربيب أبي عبيدة بن الجراح؛ ابن امرأته. ولما مات أبو عبيدة استخلف عياض بن غنم على الشام، فأقره عمر. وقال: ما أنا بمبدِّل أميراً أمره أبو عبيدة. ثم توفي عياض، فأمر عمر مكانه سعيد بن عامر بن حِذيم الجُمحيَّ. وعياض بن غنم افتتح عامة بلاد الجزيرة والرَّقَّة وصالحه وجوه أهلها، وهو أول من أجاز الدرب إلى الروم، فيما ذكر الزُّبير. وكان شريفاً في قومه. وقد ذكره ابن الرُّقَيَّات فيمن ذكر من أشراف قريش، فقال: وعياض وما عياض بن غنمٍ ... كان من خير من أَجَنَّ النساءُ ومات عياض بن غنم بالشام سنة عشرين، وهو ابن ستين سنةً. وقال ابن المدينيِّ: عياض بن غنم كان أحد الولاة باليرموك. ومن بني مُحارب بن فهر ضرار بن الخطاب بن مرداس بن كبير بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر: كان أبوه الخطَّاب بن مرداس رئيس بني فهر في زمانه. وكان يأخذ المِرباع لقومه. وكان ضرار بن الخطاب يوم الفجار على بني محارب بن فهر. وكان من فرسان قريش وشجعانهم وشعرائهم المطبوعين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 المجوِّدين. وهو أحد الذين وثبوا الخندق. قال الزُّبير بن بكار: وكانت قريش تقدِّمه على ابن الزِّبعري، لأنه أقلُّ سقطاً منه، وأحسن صنعةً. وهو القائل يستعطف النبيَّ عليه السلام يوم الفتح حين قال سعد بن عبادة: اليوم يوم المَلحمَة: يانبيَّ الهُدى إليك لَجا حي ... يُ قريش، ولات حين لجاء حين ضاقت عليهم سعة الأر ... ض وعاداهمُ إله السماء والتقت حَلقتا البِطان على القو ... مِ ونُودوا بالصَّيلم الصَّلعاء إنَّ سعداً يريد قاصمة الظَّه ... ر بأهل الحُجون والبطحاءِ خَزرجيٌّ لو يستطيع من الغي ... ظِ رَمانا بالنَّسر والعوَّاءِ وغرُ الصَّدر لا يَهمُّ بشيءٍ ... غير سفك الدِّما وسبي النساءِ قد تَلظَّى على البطاحِ وجاءت ... عنه هند بالسَّوءةِ السَّوآءِ إذ ينادي بذلِّ حيِّ قريشٍ ... وابنُ حربٍ بذا من الشُّهداءِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 فأخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الراية من يد سعد بن عبادة، وجعلها في يد ابنه قيس بن سعد لئلاَّ يجد في نفسه سعد شيئاً. وقيل: إنه أعطى الزُّبير الراية إذ نزعها من سعدٍ. وقيل: إنه أمر علياً فأخذ الراية، فذهب بها حتى دخل مكة، فغرزها عند الركن. وقال ضرارُ بن الخطاب يوماً لأبي بكرٍ الصديق: نحن كنا لقريش خيراً منكم، أدخلناهمُ الجنة، وأوردتُموهمُ النارَ. واختلف الأوس والخزرج فيمن كان أشجع يوم أحدٍ، فمرَّ بهم ضرار بن الخطاب، فقالوا: هذا شَهدها، وهو عالمٌ بها. فبعثوا إليه فتىً منهم، فسأله عن ذلك فقال: لا أدري ما أوسُكم من خزرجكم، ولكني زوَّجت يوم أحدٍ منكم أحد عشر رجلاً من الحر العين. ومنهم عقبة بن نافع بن عبد القيس الفهري: وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تصحُّ له صحبة. وكان أبن خالة عمرو بن العاصي. ولاَّه عمرو بن العاصي إفريقية، وهو على مصر. وهو اختطَّ القيروان، وافتتح عامَّة بلاد البربر. وقُتل عقبة بن نافع سنة ثلاث وستين، بعد أن غزا السوس الأقصى. قتله كَسيلة بن لمزم الأورنبي. وكان كسيلة نصرانياً، ثم قُتل كسيلة في ذلك العام أو في العام الذي يليه. قتله زُهير بن قيس البَلويُّ. ويقال: إن عقبة بن نافع كان مستجاب الدعوة. ومنهم الضحاك بن قيس بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة بن واثِلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر: يكنى أبا أُنيس. وقيل: أبو عبد الرحمن، قاله خليفة بن خياط. والأولُ قولُ الواقديِّ، ولا يصحُّ سماعه من النبي عليه السلام. قيل: إنه وُلد قبل وفاة رسول الله عليه السلام بسبع سنين أو نحوها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 وكان على شُرطة معاوية، ثم صار عاملاً له على الكوفة بعد زياد، وولاه عليها معاوية سنة ثلاثٍ وخمسين، وعزله سنة سبع وخمسين. وولى مكانه عبد الرحمن بن أمُّ الحكم، وضمَّه إلى الشام. فكان معه حتى مات معاوية، فصلى عليه، وقام بخلافته حتى قدم يزيد بن معاوية. فكان معه إلى أن مات يزيدُ، ومات بعده ابنه معاوية بن يزيد. ووثب مروان بن الحكم على بعض الشام، فبُويع له. وبايع الضحاك بن قيس أكثر أهل الشام لابن الزُّبير، ودعا له فاقتتلوا، فقُتل الضحاك بن قيس، وذلك بمرج راهط. وكان يوم المرج للنصف من ذي الحجة سنة أربع وستين. روى عنه الحسن البصري، وتميم بن طرفة، وميمون بن مهران، وسماك بن حرب. فحديث الحسن عنه في الفتن، وحديث تميم عنه في ذمِّ الرياء وإخلاص العمل لله. وأخته فاطمة بنت قيس: يقال إنها كانت أكبر منه بعشر سنين، وهي من المهاجرات الأوَل. وكانت ذات جمال وعقل وكمال. وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى عند قتل عمر بن الخطاب، وخطبوا خطبتهم المأثور. وقال الزُّبير: وكانت امرأةً نجوداً. والنَّجود: النبيلة. وكانت عند أبي عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم. وقيل: أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن المغيرة، فطلقها باليمن، وكان في البعث الذي سار فيه عليٌّ أميراً علىاليمن. وقال مالك: إنه طَلَّقها البتَّة، وهو غائب بالشام. ذكر ذلك عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن والحديث مشهور، ونصُّه في الموطأ: مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طَلَّقها البتَّة، وهو غائب بالشام. فأرسل إليها وكيلُه بشعير فسخطتْهُ. فقال: والله ملك علينا من شيء. فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له: فقال: " ليس لك عليه نفَقةٌ ". وأمرها أن تعتدَّ في بيت أمِّ شريكٍ. ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 قال: " تلك امراة يغشاها أصحابي، اعتدى عند عبد الله ابن أمِّ مكتوم، فأنه رجلٌ أعمى، تَضعين ثيابك. فإذا حللتِ فآذنيني ". فلما حَللت ذكرتُ له: إن معوية بن أبي سفيان وأبا جَهم بن هشام خطباني. فقال رسول الله صلى عليه وسلم: " أما أبو جهمٍ فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصُعلوك لا مال له. انكحي أسامة بن زيد ". قالت: فكرهتُهُ. ثم قال: " انكحي أسامة بن زيد ". فنكحتُهُ، فجعل الله في ذلك خيراً، واغتبطتُ به. وأبو عمرو بن حفص المخزوميُّ زوج فاطمة بنت قيس هذه، المطلِّقُ لها، هو الذي كلَّم عمر بن الخطاب، وواجهه في عزله خالد بن الوليد عن حروب الشام. ذكر النَّسائيُّ قال: نا إبراهيم بن يعقوب الجَوْزَجانيُّ: نا وهب بن زمعة قال: نا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن يزيد قال: سمعتُ الحارث بن يزيد يحدِّث عن عليِّ بن رَباح، عن ناشرة بن سُميٍّ اليَزَنَيِّ قال: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول يوم الجابية في حديث ذكره: وأعتذِرُ إليكم من خالد بن الوليد، فإني أمرته أن يحبس هذا المال علىضعَفة المهاجرين فأعطاه ذا البأس واليسار وذا الشَّرف. فنزعته وأثبتُّ أبا عبيدة بن الجَّراح. فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: والله لقد نزعت غلاماً أو عاملاً استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغَمدت سيفاً سلَّهُ الله ووضعت لواء نصبَه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد قطعت الرحِم، وحسدت ابن العمِّ. فقال عمر: أما إنك قريب القرابة، حديث السن، تغضبٌ لابن عمِّك. قال إبراهيم بن يعقوب: سألت أبا هشامٍ المخزوميَّ، وكان علاَّمةً بأسمائهم عن اسم أبي عمرو هذا. فقال: اسمه أحمد. وذكر البخاريُّ هذا الخبر في التاريخ عن عبدان عن ابن المبارك باسنادٍ نحوه. وأخرجه فيمن لا يعرف اسمه من الكنى المجرَّدة عن الأسماء. قال المؤلف، غفر الله لهُ، وبلَّغه من رضاه أملهُ: وهب بن زَمعة الذي روى عنه إبراهيم بن يعقوب الجَوْزَجَانيُّ شيخ النسائي. قال مسلم عنه في الكنى: هو أبو عبد الله وهب بن زمعة التميمي المروزيُّ، سمع عبد الله بن المبارك. وقال في سعيد بن يزيد أبي شجاع الذي روى عنه ابن المبارك إنه روى عن خالد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 أبي عمران والحارث بن يزيد. وهو الراوي عن عليَّ بن رباح. وقال مسلم: أبو موسى عليُّ بن رباح اللخميُّ سمع أبا هُريرة وعمرو بن العاصي وعقبة بن عامر روى عنه ابنُه موسى. قال القاضي أبو الوليد هشام بن أحمد الكنانيُّ الوَقشيُّ رحمه الله: أدخل البخاريُّ عليَّ بن رَباح هذا في باب عَليّ " مُكبَّراً ".. ويقال عُليٌّ، والصحيح على. والأشهرُ في اسمه عُلي " مُصغراً ".وقيل: كان يغضب منه ويقول: لا أجعلُ من قال عُليٌّ في حِلٍّ. وهكذا ذكرهُ الدارقطني مصغراً وكان يُلقَّب به، ويخرج على من سماه عُلياً بالتصغير. وكان اسمه علياً. وابنه موسى بن علي: وكان أيضاً يجدُ إذا قيل له: ابن عُليٍّ، بالتصغير. قال الليث بن سعدٍ: سمعت موسى بن علي يقول: من قال لي موسى بن عُلي لم أجعله في حلٍّ. وروى موسى عن أبيه عن عقبة بن عامر وأبي هُريرة. وروى عن موسى ابن مهدي ووكيع وأبو نُعيم. ومن قريش أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشيُّ: المصريُّ الفقيه. تفقَّه بمالك والليث بن سعد وعبد العزيز بن أبي حازم وابن دينار والمغيرة. وصنَّف الموطَّأ الكبير والموطَّأ الصغير. قال ابن وهب: ولدتُ سنة خمس وعشرين ومئة، وطلبتُ العلم، وأنا ابن سبع عشرة سنةً، وأدركت من أصحاب ابن شهاب أكثر من عشرين رجلاً، ورحلتُ إلى مالك سنة ثمان وأربعين ومئة. قال أبو الطاهر بن السرح: سمع ابن وهب من مالك قبل عبد الرحمن بن القاسم ببضع عشرة سنةً، لم يزل يسمعُ منه من سنةِ ثمان وأربعين ومئة إلى سنة تسع وسبعين ومئة. وقال أبو الطاهر: وكان مالك ... إليه في المسائل إلى عبد الله بن وهب المعنيِّ، ولم يكن يفعل هذا بغيره. وتوفي ابنُ وهب يوم ... مالك بن النَّضر: وولد مالك بن النَّضر فهراً، وقد مضى ذكرُه. ولم يذكر ابن إسحاق لمالك بن النَّضر غير فهرٍ وحده ولداً. النّضر بن كنانة: وولد النضر مالكاً أبا فهرٍ كما ذكرتُ، والصَّلت بن النضر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 فيما قال أبو عمرو المدنيُّ. وأمُّهما بنت سعد بن ظرب العَدوانيِّ. قيل: اسمها هند. وقال ابن إسحاق: أمُّ مالك بن النضر عاتكةُ بنت عَدوان بن عمرو بن قيس بن غَيلان. وفي الصلت يقولُ كُثيرِّ بن عبد الرحمن. وهو كثيِّرُ عزَّة، من قصيدة: أليس أبي بالصَّلت أم ليس إخوتي ... بكلِّ هجان من بني النَّضر أزهرا؟ رأيتُ ثياب العصب مُختلط السَّدى ... بنا وبهم والحضرميَّ المخصَّرا فإن لم تكونوا من بني النَّضر فاترُكوا ... أراكاً بأذناب الفوائج أخضرا إذا ما قطعنا من قريش قرابةً ... فأيُّ قسيٍّ تحفِزُ النَّيل ميسرا وإنَّ التي قد سُمتني فأبيتُها ... إذا سُمتَها يوماً قبيضةَ أنكرا والذين يُعزونَ إلى الصَّلت بن النضر منخُزاعة: بنو مُليح بن عمرو، ورهط كثيرِّ وميسرةُ المذكور هو ابن أمِّ حيدرةَ من خُزاعة. يقول: إذا قطعنا قرابتنا من قريش فبمن نستعين على عدوِّنا؟. وضرب القسيِّ مثلاً لأنها تحفزُ النَّبل، وتُعينها على الذَّهاب. وقبيضة بن ذُؤيب الخزاعيُّ. وأمُّ النَّضر: برَّة بنت مُرَّ أخت تميم بن مُرِّ. قال جرير بن عطية الكُليبيُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 اليربوعيُّ يمدح هشام بن عبد الملك بن مروان، ويذكر أمَّ النَّضر، لأنها ولدت قريشاً. وهذه الأبيات مُتحيزة من كلمةٍ له: وأنت إذا نظرت إلى هشامٍ ... عرفت نجار مُنتخبٍ كريم إذا بعض السنين تعرَّقتنا ... كفى الأيتام فقد أبىاليتيم أمير المؤمنين على صراطٍ ... إذا اعوجَّ الموارد مُستقيم لك المُتخيِّران أبا وخلاً ... فأكرم بالخُؤولة والعموم فيا بن المُطعمين إذا شتونا ... ويا بن الذائدين عن الحريم سمابك خالد وبنو هشامٍ ... إلى العلياء في الحسب الجسيم وتنزل من أُمية حيث تُلقى ... شُؤون الرأس مجتمع الصَّميم فما الأمُّ التي ولدت قريشاً ... بمُقرفة النِّجار ولا عقيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 وما فحل بأنجب من أبيكم ... ولا خالٌ بأكرم من تميم يَعني برَّة بنت مُرٍّ أخت تميم بن مُرٍّ أمَّ النَّضر. كنانة بن خُزيمة: فولد كنانةُ النَّضر المذكور آنفاً، ومالكاً، وعبدَ مناة، ومِلكان. ويقال لبني كنانة، وقريش فيهم، بنو عليٍّ، لأن عليٍّ بن مسعود الأزديَّ تزوج أمَّ كنانة، فنسبتهم العرب إلى علي، وذلك موجود في أشعارها. قال أمية بن أبي الصلت في القصيدة التي يرثي بها من أُصيب من قريش يوم بدر: لله درُّ بني عل ... يٍّ؛ أيِّم منهم وناكح إن لم يُغيروا غارةً ... شعواء تُحجِر كلَّ نابح وأما بنو ملكان بن كنانة: فلهم بقية. وليس لهم شرفٌ بارعٌ. وأما مالك بن كنانة: فمن بنيه فُقيم وفراس. وبنو فقيم هم نسأةُ الشهور، وهم أشراف كنانة. وفقُيم: هو ابن عديِّ بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن مالك بن كنانة. ومن بني فُقيم القَلَمَّسُ: وهو حذيفة بن عبد بن فُقيم. وكان أول من نسأ الشهور على العرب، فأحلَّت منها ما أحلَّ، وحرَّمت منها ما حرَّم. وكانت العرب إذا فرغت من حجِّها اجتمعت إليه أعني القلمَّس، فحرَّم الأشهر الأربعة، وهي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجَّة، والمحرَّم. فإذا أراد أن يُحلَّ منها شيئاً أحل المحرَّم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فأحلوه، وحرَّم مكانه صفراً فحرَّموه، لِيُواطيء عدَّة الأشهر الحُرُم. فإذا أرادوا الصدر قام فيهم، فقال: اللهمَّ إني قد أحللت لهم أحد الصفرين؛ الصَّفر الأول، ونسأت الآخر للعام المُقبل. فقال في ذلك عُمير بن قيس جذل الطِّعان، أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة يفخر بالنَّساة على العرب: لقد علمتْ مَعدٌّ أنَّ قومي ... كرام الناس إن لهم كِراما فأيَّ الناس فاتونا بوترٍ ... وأيُّ الناس لم نُعلك لِجاما ألسنا الناسئين على مَعّدٍّ ... شهور الحِلِّ نَجعلها حَراما ثم قام بعد القَلمَّس، وهو حُذيفة على ذلك ابنه عبَّادُ بن حُذيفة: حتى كان آخر بنيه، وعليه قام الإسلامُ، أبو ثُمامة جُنادة بن عوف بن أميَّة بن قَلع بن عباد بن حذيفة. ومن بني فراس جذل الطَّعان المذكور وربيعة بن مُكدم: وهما من فرسان العرب، جاهليان. وبنو فراسٍ أشجع أهل بيت في العرب. وفيهم قال عليُّ بن أبي طالب لأهل الكوفة: وددتُ والله أن لي بمئة ألف منكم ثلاثمئة من بني فراس بن غنم بن ثعلبة. ومنهم الفراسيُّ: ويقال: فراس، وهو من بني فراس بن مالك بن كنانة. حديثه عند أهل مصر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إن كنت لابدَّ سائلاً فسل الصالحين ". وله حديث آخر مثل حديث أبي هُريرة في البحر: " هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ ميتتُهُ ".كلاهما يرويه الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة، عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مَخشي، عن ابن الفراسيِّ، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم يُعدُّ في أهل مصر، ومَخرج حديثه عنهم. وأمَّا عبد مناة بن كنانة: فولد بكراً، عامراً، ومُرَّة. فولد بكر ليثاً، والدُّئل، وضمرة. فمن بني سعد بن ليث: خالد، وغافل، وعامر، وإياس؛ بنو البُكير بن عبد ياليل بن قاشب بن غيرة بن سعد بن ليث. وهم بدريَّون أسلموا قديماً، وهاجروا وهم حُلفاء بني عديِّ بن كعب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ومنهم أبو الطُّفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عُمير بن حُميس بن جُديِّ بن سعد بن ليث، ولد عام أحدٍ، وأدرك من حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم ثماني سنين. نزل الكوفة، وصحب علياً رضي الله عنه في مشاهد كلَّها، فلما قُتل علي انصرف إلى مكة، فاقام بها حتى سنة مئة، وهو آخر من مات ممَّن رأى النبيَّ عليه السلام. روى حماد بن زيد عن سعيدٍ الجُريريِّ، عن أبى الطُّفيل قال: ما على وجه الأرض اليوم رجل رأى النبيَّ عليه السلام غيري. وروى إسماعيل بن إسحاق القاضي عن عليِّ بن المدينيِّ عن سُليم بن أخضر، عن الجُريريِّ سمعه يقول: كنت أطوف بالبيت مع أبى الطُّفيل، فيحدِّثني وأحدِّثُه. فقال لي: ما بَقي على وجهِ الأرض عين تطرف رأى النبيَّ عليه السلام غيري. قال علي: ومات بمكة. وكان أبو الطُّفيل شاعراً مُحسناً. وهو القائلُ: أيدعونني شيخاً وقد عشتُ حِقْبةً ... وهنَّ من الأَزواج نحوي نوازعُ وما شاب رأسي من سنين تتابعت ... عليَّ، ولكن شَيَّبتْني الوقائع وهذا من جيد الشعر. وذكره ابن أبي خيثمة في شعراء الصحابة. وكان فاضلاً، عاقلاً، حاضر الجواب. وكان يتشيَّع في علي رضي الله عنه، ويُفضله ويثني على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ويترحَّم على عثمان رضي الله عنه. ودخل أبو الطُّفيل يوماً على معاوية. فقال له: كيف وجدُك علي خليلك أبى الحسن؟ قال: كوجْدِ أمِّ موسى على موسى، وأشكو إلى الله التَّقصير. وقال معاويةُ يوماً: كنت فيمن حضر قتل عثمان؟ قال: لا، ولكني كنت فيمن حضره. قال فما منعك من تصرهِ؟ قال: وأنت ما منعك من نصره إذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 تربصت به ريب المنون، وكنت في أهل الشام، وكلُّهم تابع لك فيما تريد؟ فقال معاوية: أو ما ترى طلبي بدمه نُصرةً له؟ قال: بلى، ولكنك كما قال القائل: لأُلقينَّك بعد الموت تندُبني ... وفي حياتي ما زوَّدتني زادي ومنهم أبو الأسقع واثلة بن الأسقع بن عبد العُزى بن عبد ياليل بن ناشب بن غِيرة بن سعد بن ليثٍ. أسلم، والنبيُّ عليه السلام، يتجهز إلى تبوك. ويقال: إنه خدم النبيَّ عليه السلام ثلاث سنين. وكان من أهل الصُّفَّة، نزل البصرة، وله دار بها، ثم سكن الشام. وكان منزله على ثلاث فراسخ من دمشق بقريةٍ يقال لها " البلاط ". وشهد المغازي بدمشق وحمص. ثم تحوَّل إلى بيت المقدس، ومات بها، وهو الن مئة سنة. وقيل توفي في دمشق في آخر خلافة عبد الملك سنة خمس أو ست وثمانين، وهو أبن ثمانٍ وتسعين سنة. روى عنه الشاميون: مكحول وعبد الله بن عامر اليحصبيُّ، أحد القراء السبعة. وشَدَّاد أبو عمار: وهو شدّاد بن عبد اله، ويروى شداد أيضاً عن أبي أُمامة الباهليُّ: وروى عنه الأوزاعيُّ وعكرمةُ بن عمار. ومن بني عتوارة بن عامر بن ليث شَدَّادُ بن الهادي. قال مسلم بن الحجاج: يقال: اسم الهادي أسامةُ بن عمرو بن عبد الله بن بشر بن عتوارة بن عامر بن ليث. وقيل لأسامة أبيه الهادي، لأنه كان يوقد النار ليلاً لمن سلك الطريق. وكانت عند شدادٍ سلمى بنتُ عُميس، أخت أسماء بنت عُميس. فولدت له عبد الله بن شداد. وكان فقيهاً محدِّثاً. وهو ابن خالة عبد بن عباس وخالد بن الوليد وعبد الله بن جعفر الطيار ومحمد بن أبي بكر الصديق ويحيى بن علي بن أبي طالب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وكان شدّاد سلفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر الصديق وللعباس بن عبد المطلب. وسكن المدينة، وتحوَّل إلى الكوفة، وداره بالمدينة معروفة. من حديثه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صَلاتي العشاء. وهو حاملٌ أحدَ ابني ابنته: الحسن أو الحسين، الحديث. روى عنه ابنُه عبد الله بن شداد وابن أبي عمار. وهو أبو عمر عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم. وسمع عمارُ بن أبي عمار أيضاً أبا قتادة الحرث بن ربعي السَّلميَّ الأنصاريَّ، وأبا هُريرة وابن عباس، روى عنه عوف الأعرابيُّ وشعبة ويونس. ومن بني جُندع بن ليث عُمير بن قَتادة بن سعد بن عامر بن جُندع: سكن مكة. له صحبةٌ ورواية؛ روى عنه أبو داود في كتابه السُّنن. فقال: حدثنا إبراهيم بم يعقوب الجَوْزَجانيُّ قال: نا معاذ بن هانيء قال " نا جندب بن سوادٍ قال: نا يحيى بن أبي كثير عن عبد الحميد بن سنان، عن عُبيد بن عُمير عن أبيه أنه حَدثه، وكانت له صحبةٌ، أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر فقال: " هنَّ تسع: الشركُ بالله، والِّحرُ، وقتلُ النفس التي حرَّم الله، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مال اليتيم، والتَّواني يوم الزحف، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلالُ البيت الحرام قِبلتِكم أحياءً وأمواتاً ". ولم يرو عنه غيرُ ابنه عُبيد بن عُمير من كبار التابعين. وكان قاضي أهل مكة، ويُكنى أبا عاصم. وهو أولُ من قصَّ بمكة ومات بها سنة ثمانٍ وستين. وسمع عُبيدٌ أيضاً عمر بن الخطاب وعائشة وعبد الله بن عمرو بن العاصي. وروى عنه عطاء بن أبي رباح ومُجاهد. وقال البخاريُّ: إنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وذكره مسلم بن الحجاج فيمن وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 وابنه أبو هاشم عبد الله بن عُبيد بن عُمير: روى عن ابن عُمر وأبيه. ومات سنة ثلاث عشرة ومئة. وروى عنه الزهريُّ والضحاك بن عثمان. وولد عبد الله بن عُبيد بن عُمير محمداً: وكان ضعيفاً في الحديث. مسلم: حدثني عبد الرحمن بن بشر العبدي قال: سمعت يحيى ين سعيد القطان ذُكر عنده محمد بن عبد الله بن عُبيد بن عُمير الليثي، فضعَّفه جداً. فقيل ليحيى: أضعف من يعقوب بن عطاء؟ قال: نعم. ثم قال: ما كنت أرى أحداً يروي عن محمد بن عبد الله بن عُبيد بن عُمير. ومنهم أمية بن الأسكر الجُندعي: حجازيٌّ أدرك الإسلام، وهو شيخ كبير، وكان شريفاً في قومه، وكان له ابنان ففرَّا منه. وكان أحدهما يسمى كلاباً، فبكاهما بأشعارٍ له، وكان شاعراً، فردَّهما عليه عمر بن الخطاب، وحلف عليهما ألا بفارقاه أبداً حتى يموت. خبره مشهور صحيح، رواه الزهريُّ وهشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزُّبير. ومن بني جُندع بن ليث عطاء بن يزيد الليثيُّ: يُعدُّ من كبار التابعين. سمع أبا أيوب وأبا سعيد الخُدريَّ وأبا هُريرة. روى عنه الزهريُّ وسُهيل بن أبي صالح. وخرَّج عنه مالك والبخاريُّ ومسلم وغيرهم. روى عنه مالك في الموطأ جملة أحاديث، منها في كتاب الصلاة حديثين، وفي كتاب الجامع حديثين، كلُّها عن ابن شهاب عنه. فأما الحديثان اللذان في كتاب الصلاة فأحدهما حديث: " إذا سمعتُم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذِّن " عن أبي سعيد الخُدريِّ. والثاني حديثُ الرجل الذي سارَّ رسول اله صلى الله عليه وسلم في قتل رجلٍ من المنافقين عن عبيد الله بن عديِّ بن الخيار النَّوفليِّ القرشيِّ. وأما الحديثان اللذان في كتاب الجامع، فأحدهما في المهاجرة عن أبي أيوب الأنصاريِّ، والثاني في التعفُّف عن المسألة عن أبي سعيد الخُدريِّ. وأما روايته عن أبي هُريرة فذكر مسلم: حدثني عبد الحميد بن بَيان الواسطيُّ قال: نا خالدُ بن عبد الله عن سُهيل، عن أبي عُبيد المَدحجيِّ قال مسلم: أبو عبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هُريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سَبَّح الله في دُبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 وحمِدَ الله ثلاثاً وثلاثين، وكبَّر اللهَ فتلك تسعة وتسعون - قال: - تمام المئة: لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ، وهو على كل شيء قدير، غُفرت خطاياهُ، وإن كانت مثل زبد البحر. وروى مالك هذا الحديث موقوفاً على أبي هُريرة في آخر كتاب الصلاة من الموطأ، عن أبي عُبيد مولى سليمان بن عبد الملك عن عطاءٍ، عن أبي هُريرة. ويُكنى عطاءً أبا محمد. وتوفي سنة سبع ومئة، وهو ابنُ اثنتين وثمانين سنة. ومن مولى بني جُندع بن ليث سعيد بن أبي سعيد المقبرُي: واسم أبي سعيد كيسان. وكان كاتباً لرجل من بني جُندع بن ليث. فأدَّى كتابته، فعتق. وكان منزله عند المقابر، فقيل له المقبُري لذلك. وأكثر رواية أبي سعيد عن أبي هُريرة، وروى أيضاً عن عمر، وتوفي سنة مئة في خلافة عمر بن عبد العزيز. وقيل: تُوفي بالمدينة في خلافة سليمان بن عبد الملك. وكان سعيد من سكان المدينة، وبها كانت وفاته في خلافة هشام سنة ثلاث وعشرين ومئة. وأكثر روايته عن أبيه ولمالك عن سعيد في الموطأ خمسة أحاديث، أحدها موقوف ........ ومن بني عامر بن ليث أبو واقد الليثي: واسمه الحرث بن عوف، وقيل: عوف بن الحرث، وقيل: الحرث بن مالك. قيل إنه شهد بدراً، وكان قديم الإسلام. وقيل: إنه كان معه لواء بني ليثٍ وضمرة ابني بكر بن عبد مناة بن كِنانةَ يوم الفتح. وقيل: إنه من مُسلمة الفتح، والأول أصح وأكثر. وكان يُعدُّ في أهل المدينة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورُوي عنه. مالك عن ضمرة بن سعيد المازنيِّ عن عبد الله بن عُتبة بن مسعود أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقدٍ الليثيَّ ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفِطر. فقال: كان يقرأ بقاف والقرآن المجيد، واقتربت الساعةُ، وانشق القمر. وأخرج مُسلم هذا الحديث عن يحيى بن يحيى التَّميميَّ عن مالك مثل ما نصَّه في الموطأ. وجاورَ أبو واقدٍ بمكة، ومات بها، ودفن في مقبرة المهاجرين سنة ثمانٍ وستين. وهو ابنُ خمسٍ وسبعين سنة، وقيل: ابن خمسٍ وثمانين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ومن بني عامر بن الليث الصَّعب بن جَثامة بن قيس: وكان ينزل ودَّان من أرض الحجاز. روى عنه عبد الله بن عباس حديث الحمار الوحشي. مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، عن الصَّعب بن جثامة الليثي أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياَ، وهو بالأيواء أبو بودان، فردَّه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال: " إنا لم نَرْدُدْهُ عليك إلا أنَّا حُرُم ". وروى عنه أيضاً شُريحُ بن عُبيد الحضرميُّ. ومات الصعب بن جثامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وأخوه مُحلِّم بن جَثامة: قاتل عامر بن الأضبط الأشجعي، وخبرهما مشهور في صحيح مسلم وغيره. ومن بني يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث فَضالةُ بن عُمير بن الملوَّح. وهو الذي أراد قتل النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو يطوف بالبيت عام الفتح. فلما دنا منه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فضالةُ؟ " قال: نعم، فضالةُ يا رسول الله. قال: " ماذا كنت تحدِّث نفسك؟ " قال: لا شيءَ، كنت أذكر الله. قال: فضحك النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: " استغفر الله "، ثم وضع يده على صدره، فسكن قلبُه. فكان فضالةُ يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحبُ إليَّ منه. قال فضالةُ: فرجعت إلى أهلي، فمررتُ بامرأة، كنت أتحدَّث إليها فقالت: هلمَّ إلي الحديث. فقلت: لا وانبعث فضالةُ يقول: قالت: هلمَّ إلي الحديث. فقلت: لا ... يأبى عليكِ الله والإسلامُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 لو ما رأيت محمداً وقبيله ... بالفتح يوم تكسَّرُ الأصنامُ لرأيت دين الله أصبح بيِّناً ... والشِّرك غشَّى وجَههُ الإظلامُ ويعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث: هو الشَّدَّاخ. وقيل له الشدّاخ لأنه كان الذي أصلح بين قصيٍّ وخُزاعة وبني بكر بن عبد مناة بن كنانة، إذ كانوا فوَّضوا إليه الحكم بينهم، ورضُوا به حكماً. فحكم بأن قصياً أولى بالكعبة ومكة منهم، وأنَّ كلَّ دمٍ أصابه قصي من خزاعة وبني بكر يشدخُه تحت قدميه، وأنَّ ما أصابت خُزاعة من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدِّيةٌ مُؤدَّاة. فسمِّي يعمر بن عوف يومئذ الشدّاخ لما شدخ من الدماء، ووضع منها. ومن بني يعمر بن ليث مَعدان بن أبي طلحة اليعمريُّ: من التابعين وروى عن ثوبان مولى النبي عليه السلام. مسلم: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى ... بن سعيد: حدثنا شعبةُ: حدثني قتادة عن سالم بن أبي الجعد، عن مَعدان بن أبي طلحة اليَعمريِّ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صلى على جنازةٍ فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيرطان، القيراطُ مثلُ أحدٍ ". مسلم: حدثنا أبو غسَّان المسمَعُّي ومحمد بن مُثنَّى وابن بشار، وألفاظُهم متقاربة قالوا: نا معاد بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة، عن سالم بن أبي الجَعد، عن مَعدان بن أبي طلحة اليعمريِّ، عن ثوبان أن نبَّي الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني لبعُقر حَوضي أذودُ الناس لأهل اليمن، أضربُ بعصاي حتى يَرفضَّ عليهم "، فسئل عن عَرضه فقال: " من مَقامي إلى عُمان "، وسُئل عن شرابه فقال: " أشدُّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، يُبعث فيه ميزابان يُمِدَّانه من الجنة؛ أحدهما من الذهب والآخر من وَرِقٍ ". ومن بني الشدّاخ ابن دَأب: وهو عيسى بن يزيد بن بكر بن دَأبٍ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 ويكنى أبا الوليد. وله عقب بالبصرة. وأخوه يحيى بن يزيد. وكان أبوهما أيضاً عالماً بأخبار العرب وأشعارها. وكان شاعراً أيضاً. والأغلبُ على آل دأب الأخبار. ومن بني ليثٍ علقمةُ بن وقّاص: وُلد على عهد النبي عليه السلامُ، فيما ذكر الواقدي. ويدل على ذلك روايته عن عمر بن الخطاب: وهو من كبار التابعين. وتوفي في خلافة عبد الملك بن مروان بالمدينةز وله دار بها في بني ليث، وخرّضج عنه الأئمة. وابنُ ابنه أبو عبد الله محمد بن عمرو بن علقمة: من شيوخ مالكٍ له عنه حديث واحدٌ مُسند في كتاب الجامع. مالك عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه، عن بلال بن الحرث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظنُّه أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له رضوانهُ إلى يوم يلقاهُ، وان الرجل ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله ما كان يظُنُّ أن تبلُغ ما بلغت، يكتب الله له بها سَخطه إلى يوم يلقاهُ. وتوفي محمد بن عمرو بالمدينة، وكان من ساكنيها سنة أربع وأربعين ومئة في خلافة أبي جعفر المنصور، وكان كثير الحديث. ومن بني يعمر ليث قباث بن أشيم بن عامر بن الملوَّح الكنانيُّ: سكن دمشق. وذكر البخاريُّ قال: حدثنا عبد الله بن يوسف: نا الوليد بن مسلم: نا ثور، عن يونس بن سيف، عن عبد الرحمن بن زياد، عن قباث بن أشيم الليثيِّ قال ك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاةُ رجلين يَؤُمُّهما أحدهما أزكى عند الله من صلاة ثمانية، وصلاة ثمانية يؤمُّهم أحدُهم، أزكى عند الله من صلاة مئة تَترى ". ذكره البخاري في التاريخ. وفي جامع التِّرمذيِّ في باب ميلاد النبيِّ عليه السلام: وسأل عثمان بن عفان قباث بن أشيم أخا بني يعمر ابن ليثٍ: أأنتَ أكبرُ أم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبرُ مني، وأنا أقدمُ منه في الميلاد. وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، ووقفت بي أمي على الموضع. قال: ورأيت خذق الطير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 أخضر مُحيلا. وعن غير الترمذي: ووقفت بي أمي على روث الفيل وأنا أعقلُه. ذكر ذلك ابن عبد البر في كتاب " الصحابة ". وقال: إنَّ السائل لقباثٍ عبدُ الملك بن مروان. ومن بني ليثٍ هشام بن صُبابة: أخو مقيس بن صُبابة، قُتل في غزوة ذي قرد مسلما. وذلك في سنة ستٍ من الهجرة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت وهو يُرى أنه من العدوِّ فقتله خطأ. وأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقتل أخيه مقيس يوم الفتح. قال أبن إسحاق: وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لقتل الأنصاريِّ الذي كان قتل أخاه خطأ، ورُجوعه إلى مكة مشركاً. قتله نُميلةُ بن عبد الله من عامر بن ليث، رجل من قومه، فقالت أخت مِقيس في مقتله: لَعمري لقد أخزى نُميلةُ رهطهُ ... وفجَّع أضْيافَ الشتاء بمقيس ومن بني ليث عُروةُ بن أُذَينة: روى عنه مالك في الموطأ ما أسرُدهُ هنا. مالك عن عروة بن أذينة الليثيِّ أنه قال: خرجتُ مع جدَّة لي عليها مشيٌ إلي بيت الله. حتى إذا كنا ببعض الطريق عجزت، فأرسلت مولى لأهلها يسأل عبد الله بن عمر، فخرجت معه. فسأل عبد الله بن عمر فقال له عبدُ الله بن عمر: مُرها فلتركب، ثم لتمش من حيثُ عجزت. وكان عروةُ شاعراً مجيداً في الغزل، مُبرِّزاً فيهز وهو القائل: يا ديارَ الحيِّ بالأجمه ... لم تُبيِّن أيُّها كَلِمَه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الشعرُ له، وهو وضع لحنه. وهو القائل: قالت، وأبثثتها وَجدي فَبُحتُ به: ... قد كنت عندي تحبُّ السِّتر، فاستتر ألست تُبصر حولي؟ فقلتُ لها: ... غطَّي هواك وما ألقي على بصري ووقفت عليه امرأة فقالت: أنت الذي يقال فيه الرجل الصالحُ، وأنت تقول: إذا وجدتُ أُوار الحبِّ في كبدي ... عَمدتُ نحو سقاء القوم أبتَردُ هذا بَردتُ ببرد الماء ظاهرهُ ... فمن لنارٍ على الأحشاء تتَّقدُ؟ والله ما قال هذا صالح ... ومنهم أنس بن عياض. الليثُّي المدنُّي: سمع أبا حازم وربيعة الرأي وجعفر بن محمدٍ. وكان يُكنى أبا ضمرة. خَرَّج عنه البُخاريُّ ومسلم وغيرهما كثيراً. ومنهم أبو النصر هاشم بن القاسم الليثي: سمع شعبة وجريراً وأبا جعفر الرازي. ومن موالي بني ليث أبو عبد الرحمن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعيم القارئ المديني مولى جعونَة بن شعوب الليثي: حليف حمزة بن عبد المطلب. أصله من أصبهان. وتوفي بالمدينة سنة تسع وستين ومئة. وقال نافع: قرأت على سبعين من التابعين. ومن موالي بني ليث أبو حازم سلمةُ بن دينار: القاصُّ الحكيم الزاهدُ. وكان يقصُ في مسجد المدينة.. عن سُهيل بن سعد الساعدي. وتوفى في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 خلافة أبي جعفر المنصور سنة أربعين ومئة. وهو أحد أشياخ مالك. وابنه عبد العزيز بن أبي حازم: يكنى أبا تمام. ومات ... وأصل أبي حازم من فارس، وحضر عند سليمان عند سليمان بن عبد الملك مجلسا ..... ومن الدئل بن بكر، أخى ليث بن بكر نوفل بن معاوية بن عمرو، وأحد بني نفاثة بن عديِّ بن الدُّئل. وكان أبوه معاوية على الدُّئل في الفجار الأول. وعُمِّر نوفل في الجاهلية ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة. أسلم بعد الخندق، وحجَّ مع أبي بكر الصديق سنة تسع. وحجَّ مع النبي عليه السلام سنة عشر حجَّة الوداع. وسكن المدينة، ولم ينزل بها حتى توفي زمن زيد بن معاوية. روي عن النبي صلى الله عيه وسلم أحاديث وروي عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن وهشام عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود وعراك بن مالك. ومنهم أبو أناس: وهو ابن زنيم الدُّؤلي، وزنيم جده. وهو من أشراف كنانه. وكان أبو أناس شاعرا. وهو القائل يتعذر إلى صلى الله عيه وسلم صلى الله عليه وسلم، ممَّا قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعيُّ حين صبَّحُوهم بالوتير، وأنه هاجا النبيَّ عليه السلام، من قصيدة: أنت الذي تُهدّى مَعَدٌّ بأمرهِ ... بلِ اللهُ يَهْديهمْ وقالَ لكَ: اشْهد وما حَملتَ من ناقةٍ فوقَ رحِلها ... أَبَرَّ وأَوفى ذمَّةً من محمدِ أَحَثَّ على خيرٍ وأَوسعَ نائلاً ... إذ راحَ كالسَّيف الصَّقيل المهنَّدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 وأكسى لبُرْدِ الخال قبلَ اجتدائهِ ... وأعطى لرأسِ السابقِ المُتجرِّد تَعلَّمْ رسول الله أنِّك مُدرِكي ... وأنَّ وعيداً منكَ كَالأَخذِ باليدِ ونَبَّئوا رسولَ الله أنِّي هَجوتُهُ ... فلا حَملتْ سَوطي إليَّ إذاً يدِي وقال أبن إسحاق في السيرة: إنَّ قائل هذه القصيد هو أنس بن زنيم، وعمُّ أبي أناس سارية بن زنيم هو الذي قال فيه عمر بن الخطاب: يا سارية الجبل. وهو يخطب، والخبر مشهور. وابنه أنس بن أبي أناس: كان شاعرا: وهو القائل لأخيه أُسيد، وكان أيضا شاعرا، حين تزوج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة، فأعطاها ألف ألف درهم أبياتا يبلغها عبد الله بن الزبير بمكة: أَبلغَ أميرَ المؤمنينَ رسالةً ... من ناصحٍ لكَ لا يُريدُ وَداعا بُضْعُ الفتاةِ بألفِ ألفٍ كاملٍ ... وتَبيتُ ساداتُ الجنودِ جٍياعا لو لأبي حفصٍ أقولُ مقالتي ... وأقُصُّ شأنَ حديثهِمْ لارتْاعا ومن بني الدُّئل ربيعة بن عباد الدُّؤلي: روي عن ابن المنكدر وأبو الزِّناد وزيد بن أسلم وغيرهم. يُعدُّ في أهل المدينة، وعُمِّر عمرا طويلا. ويقال: ربيعة بن عباد، والصواب عندهم بالكسر. من حديث أبي الزناد عن ربيعة بن عباد أنه رأى النبيِّ صلى الله عيه وسلم بذي المجاز، وهو يقول:) يا أيها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 الناسُ لا إله إلا الله تُفلحوا (. ووراءه رجل أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابئ، إنه صائب كذاَّب. فسألت عنه فقالوا: هذا عمّه أبو لهب. قال ربيعة: وأنا يومئذ أزفر القرب لأهلي. ومنهم أبو الأسود الدَّولي: وأسمه ظالم بن عمرو. وكان عاقلاً، حازمأً، بخيلا. وهو أول من وضع العربية. وكان شاعراً مجيداً. وشهد صفين مع علي، وولي البصرة لأبن العباس. وفلج بالبصرة، ومات بها وقد أسن. وابنه أبو حرب: يروى عنه حديث. وكان أبو الأسود، رحمه الله، مَّمن صحب علياً رضي الله عنه. وكان من المتخفَّفين بمحبته ومحبه والده. وفي ذلك يقول: يقولٍ الأرذلونَ بنو قُشيرٍ: ... طَوالَ الدهرِ ما تَنسى عليا ً أحبُّ محمداً حباً شديداً وعباساً وَحمزةَ والوَصيَّا بنو عمِّ النبي وأقربوهُ ... أحَبٌّ الناسِ كلِّهِمُ إليَّا أحبَّهمُ بحبَّ الله حتى ... أجىء إذا بٌعثْتُ على هَوَيَّا هوى أعْطيتُهُ منذ استدارت ... رحى الإسلاِم لم يَعدِلْ سويَّاً فأن يكُ حبٌّهمْ رُشداً أُصبْهُ ... ولست بمخطىء إن كانَ غَيَّا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 وكان نازلاً في بني قشير بالبصرة، وكانوا عثمانية. فكانوا يرجمونه بالليل لمحبته لعلىَّ وولده. فإذا أصبح وذكر رجمهم قالوا: الله يرجمك. فيقول لهم: تكذبون. لو رجمني الله لأصابني، وأنتم ترجمون ولا تصيبون. وفي الكامل أنه كان يقول لهم: كذبتم والله، لو كان الله يرميني ما أخطأني. وكان تقش خاتمه يا غالبي حسبُكَ من غالب ... إرحمْ علي بن أبي طالب يلوموني أنْ بعتُ بالرُّخص منزلي ... ولم يعلموا جاَراً هناكَ بنغِّصُ فقلت لهم: بعضَ الملام فإنَّما ... بجيرتها تَعلو الديارُ وتَرخُصُ ودخل أبو الأسود على عبيد اله بن زياد، وقد أسنَّ. فقال له عبيد الله يهزأ به يا أبا الأسود: أخنى الشباب الذي أفنيتُ جدَّته ... كرُّ الجديدين من آتٍ ومُنطلق ومن بني ضَمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة عمرو بن أُمية بن خُويلد بن عبد الله بن إياس بن عبيد بن ناشرة بن كعب الضَّمريُّ: وهو وأبوه من الصحابة، وصحبةُ عمرو، أشهر. وكان من رجال العرب نجدة وجرأة. وشهد بدراً وأُحداً مع المشركين، ثم أسلم حين انصرف المشركون من أُحد، وشهد بئر معونة، وهي أول مشهدٍ له مع المسلمين. فأسرهُ عامر بن الطُّفيل يومئذ، وقال له: انه كان على أميِّ نسمة، فاذهب فأنت حرٌّ عنها. وجزَّ ناصيته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه في أموره. بعثه عليه السلام إلى أبي سفيان بن حرب بهدية إلى مكة. وقال الواقديَّ: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة الست النَّجاشيِّ بكتاب يدعوه إلى الإسلام. فأسلم النجاشي، وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله. وهو معدود في أهل الحجاز. روى عنه أبناه: جعفر بن عمرو بن أمية وعبد الله بن عمرو بن أمية وابن أخيه الزِّبرقان بن عبد الله بن أمية. ومنهم جعيل بن سراقة: وهو من خيار الصحابة. وقال فيه قائل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للنبي عليه السلام: يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مئةً مئةً الإبل، وتركت جعيل بن سراقة الضَّمريَّ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض، كلهم مثل عيينة والأقرع، ولكنَّي تأَّلفتهما ليسلما، ووكل تجعيل بن سراقة إلى إسلامه ". ومن بني غفار بن مليلٍ بن ضمرة أبو ذر جندب بن جنادة: واختلف في اسمه اختلافاً كثيراً. والصحيح جندب، وهو قديم الإسلام، أربعةً، فكان خامسهم. وله في إسلامه خبر حسن. وروي من حديث ابن العباس عنه، ومن حديث عبد الله بن الصَّامت عنه. فأما حديث ابن عباس فهو صحيح مسلم وفي سُنن أبي داود. وأما حديث عبد الله بن الصامت، وهو ابنُ أخي أبي ذرٍّ، ويُكنى أبا نصر، فذكره مسلم في صحيحه. وحدَّث الليث بن سعدٍ عن يزيد بن أبي حُبيب قال: قدم أبو ذرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة، فأسلم ثم رجع إلى قومه، فكان يسخر بآلتهم. ثم إنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رآه وَهم في اسمه فقال: " أَأنت أبونملة؟ ". فقال: أنا أبو ذر. قال: " نعم، أبو ذر ". وكان رضي الله عنه من الزهَّاد. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيه: " ما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء من ذي لهجةٍ أصدق من أبي ذَرٍّ ". الخضراء: السماء. والغبراء: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الأرض. وقال رسول الله عليه السلام: " أبو ذر في أمتي على زُهد عيسى ابن مريم ". وقال علي رضي الله عنه: وعى أبو عِلماً عَجَز الناس عنه، ثم أوكى عليه فلم يُخرج شيئاً منه. وتوفي رضي الله عنه بالرَّبذة مُسيراً إليها بأمر عثمان سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين، وليس له عقب. وصلى عليه عبدُ الله بن مسعود، وجد جنازتهُ على قارعة الطريق، وهو سائر في ركب من العراق إلى المدينة. وقال ابن قُتيبة في " المعارف ": حدثني أبو الخطاب قال: حدثنا أبو عتَّاب سهل بن حمَّادٍ قال: حدثنا عمرو بن ثابت عن أبي 'سحاق عن حنش بن المُعتمر قال: جئت وأبو ذرٍّ آخذ بحلقه باب الكعبة، وهو يقول: أنا أبو ذرٍّ الغِفاريُّ من لم يعرفني فأنا جُندب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل أهل بيتي مثل: سفينة نوح؛ من ركبها نجا ". وفي غِفار قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما ذكره مسلم في مسنده الصحيح وغيرُهُ. مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقُتيبة وابنُ حُجر قال يحيى بن يحيى: نا، وقال الآخرون: نا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار أنه سمع بن عُمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غِفار غفر اللهُ له، أسلم سالمَها الله، وعُصيَّةُ عصت الله ورسوله ". مُسلم عن عبد الله بن الصَّامت عن أبي ذرٍّ قال: لي رسول الله عليه السلام: " إئتِ قومك فقل: 'نّض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أسلمُ سلمَها اللهُ، وغِفار غفر اللهُ لها ". مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أسلمُ سالمها اللهُ، وغفارُ غفر اللهُ لها، أما إني لم أقلها بل قالها الله عزَّ وجل ". مسلم عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 خُفاف بن أيماء الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة: " اللهمَّ العنْ لِحْيانَ ورِعلاً وذَكوان وعُصيَّةَ عصوا الله ورسوله، غفار غفر الله لها، وأسلم سالمَها الله ". ولم يشهد أبو ذر بدراً ولا الخندق، لأنه حين أسلم بمكة رجع إلى قومه، فأقام حتى مضت هذه المشاهُ، ثم قدم المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخوه أُنيسُ بن جُنادة: أسلم معه قديماً. وأسلمت أمُّهما وصدَّقت. واسمها رملة بنت الوقيعة من بني غفار. " وكان " أُنيس شاعراً.. ومن بني غفارٍ خُفاف بن إيماء بن رَخَضَةَ بن خُربَّة الغفاري: أسلم إيماء أبوه قريباً من الحديبية، وشهد خُفاف الحديبية. وكان إمام بني غفار وخطيبهم. وتُوفي في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة، يُعدُّ في المدنيين. روى عنه عبد الله بن الحرث وحنظلة بن علي الأسهميُّ. ويقال: إن لخفاف هذا ولأبيه إيماء ولجدِّه رحضَة صُحبة. كلُّهم صحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وكانوا ينزلقون عيقة من بلاد غفارٍ، ويأتون المدينة كثيراً. ومنهم أبو بصرة حُميل بن بصرة بن وقاص بن حبيب بن غفار: له ولابنه بصرة صحبة. وهما معدودان فيمن نزل مصر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحديثُ مالك في الموطأ عن يزيد ين الهادي، عن محمد بن إبراهيم التَّيمي، عن أبي هُريرة قال: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاريَّ فقال: من أين أقبلت؟: فقلت: من الطُّور. فقال: لو أدركتُك قبل إن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تعملُ المطيُّ إلا إلى ثلاثة مساجد.. الحديث. لا يوجد هكذا إلا في الموطأ لبصرة بن أبي بصرة. وإنما الحديث لأبي هُريرة. فلقيت أبا بصرة، يعني أباه، هكذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي هُريرة. وكذلك رواهُ سعيد بن المسيَّب وسعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هُريرة، كلُّهم بقول فيه: فلقيت أبا بصرة وأظنُّ الوهم جاء فيه من قبل يزيد ين الهادي، والله أعلمُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 ومنهم أبو مسلم أُهبان بن صيفي الغفاريُّ: له صحبة. وقال البخاري: وُهبان بالواو. وهو من ولد حرام بن غفار. نزل البصرة، واتَّخذ بها داراً، وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا كانتِ الفتنةُ فاتَّخذ سيفاً من خشبٍ ". ولم يقاتل مع علي لهذا الحديث. ولما حضره الموتُ قال: كفِّنوني في ثوبين. قالت ابنته عُديسةُ: فزدنا ثالثاً قميصاً، ودفناه. فأصبح ذلك القميصُ على المشجب موضوعاً ". روى خَبره هذا ثقات، منهم: محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري، ومُعتمر بن سليمان عن المعلَّى بن جابر قال: حدثني عديسةُ بنةُ وُهبان الغفاري بذلك كله. ومنهم جهْجاةُ بن سعيد الغفاري: وكان من فقراء المهاجرين، أجيراً لعمر بم الخطاب. وهو الذي تنازع مع سنان بن وَبرة الجهني في غزوة بني المصطلق على الماء، فازدحما حتى اقتتلا، فصاح جهجاة: يا للمهاجرين. وصاح سنان: يا للأنصار. والخبر المشهور. ومنهم أبو رُهم كلثوم بن الحُصين بن عتبة بن خلف: وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة. قال أبو اليقظان: وفي غفار رهط يقال لهم بنو النار، رجل ليست ماء بدرٍ إليه. ومن بني ضمرة البرّاض بن قيس: وهو الذي يقال فيه: أَفتك من البرّاض، وهو الذي فتك بعُروة الرحَّال بن عُتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن. وكان ذلك الذي هيَّج حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة وبين قيس عَيلان. وقتل البرّاض عروة الرحَّال في أحد الأشهر الحرم. وقال البرّاض في ذلك: وداهيةٍ تهمُّ الناس قَبلي ... شَدَدتُ لها بني بكر ضلوعي هدمتُ بها بيوتَ بني كلابٍ ... وأرضعتُ المواليَ بالضَّروعِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 رفعتُ له بذي طَلاَّل كفِّي فخرَّ يميدُ كالجِذع الصَّريع ومنهم مَخشيُّ بن عمرو: وهو الذي عاقد النبيَّ عليه السلام على بني ضمرة في غزوة ودَّان. وهي أول غزوة غزاها بنفسه صلى الله عليه وسلم في صفر على رأسِ اثني عشر شهراً من مقدمة المدينة. وكان مَخشيُّ سيد بني ضمرة في زمانه. وأما عامر بن عبد مناة بن كنانة: فولد جذيمة بن عامر، والنسبُ إليه جَذميّ. وبنو جذيمة هم الذين قتلهم خالد بن الوليد بالغُميصاء إثر فتح مكة، وكانوا أسلموا. ولم يقبل خالد قولهم وإقرارهم بالإسلام. فبعث إليهم رسول صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب فودى لهم جميع قتلاهم، وردَّ إليهم ما أخذ لهم. وقال علي: انظروا إن فقدتم عقالاً أدَّيته إليكم، فبهذا أمرني رسول الله. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، فقال: " اللهمَّ إني أبرأُ إليك من صُنع خالد ". وأما مُرةُ بن عبد مناة بن كنانة، فولد مُدلج بن مرة. فمن بني مُدلج، وهم القافةُ: سُراقة بن مالك بن جُشعم بن مالك بن عمرو بن مالك بن تيم بن مُدلج: يُكنى أبا سفيان. وهو الذي اتبع النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة، ليَردَّه على قريش. وكانت قريش جعلت لمن ردَّه عليهم مئة ناقة. فلما أدرك سراقةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرُبَ منه غاصت قوائم فرسه في الأرض، وسقط عنه. ثم انتزع يديه من الأرض، وتبعهما دُخان كالإعصار. فقال: أنظروني أكلمكم، فوا لله لا أريبكم ولا أدل عليكم ولئن لقيتُ أحداً يطلبُك يا محمد لأردَّنَّه عنك. فقد علمتُ أنك مَمنوع ممَّن أرادك. وإن شئت فخذ سهماً من كنانتي، فإذا مررت ببني فلان فادفعهُ إليهم، وخذُ من غنمي ما شئت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا حاجة لنا في غنمك ". وقيل: إنه قال للنبي عليه السلام.. فخُذ سهماً، فإنك ستمرُّ على إبلي بمكان كذا وكذا، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 فخذ منها حاجتك ... عليه السلامُ: " لا حاجة لنا في إبلك ". فقال: يا محمد، اكتب لي كتاباً يكون علامةً بيني وبينك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن فُهيرة: " اكتب ". قال: فكتب له عامر كتاباً في قطعة أدمٍ أو في عَظم أو في رقعةٍ. فأخذ الكتاب ورجع إلى قريش، ولم يذكر شيئاً ممَّا كان. ذكر البخاريُّ أن كاتب الكتاب لسراقة عامر بن فُهيرة. وقال ابن إسحاق: كتبه أبو بكر الصديقُ رضي الله عنه. قال سراقة: حتى إذا كان فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفَرغ من حُنين والطائف خرجتُ ومعي الكتاب لألقاه. فلقيته بالجِعرانةِ قال: فدخلتُ في كتيبة الأنصار. قال فجعلوا يقرعُونني بالرماح، ويقولون: إليكَ إليك، ماذا تريد؟ قال: فدنوتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على ناقته، والله لكأني أنظرُ إلى ساقه في غرزه كأنها جُمارة. قال فرفعت يدي بالكتاب ثم قلت: يا رسول الله، هذا كتابك، أنا سُراقة بن جُعشم. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يومُ وفاءٍ وبرِ، أدْنُهْ ". فدنوت منه، وأسلمتُ. ثم تذكرتُ شيئاً أسألُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فما أذكره، إلا أني قلت: يا رسول الله الضالَّة من الإبل تغشى حياضي، وقد ملأتُها لإبلي، هل من أجرٍ في أن أسقيها؟ قال: " نعم، في كلِّ ذات كبدٍ حرَّي أجر ". قال: ثم رجعتُ إلى قومي، فسُقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقني. وفي صحيح مسلم عن البَراءِ بن عازب وأبيه حديثُ الهجرة " مع " أبي بكر الصديق، قصةُ سُراقةَ حين اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أبو بكر: فارتحلنا بعد ما زالت الشمس، واتَّبعنا سراقة بن مالك. قال: ونحن في جَدَدٍ من الأرض. فقلت: يا رسول الله أُتينا. فقال: " لا تحزن إن الله معنا ". فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فارْتَطمت فرسه إلى بطنها ... فقال: إني قد علمتُ أنكما قد دَعوتما عليَّ، فادعوا لي، فاللهُ لكما أن أردَّ عنكما الطَّلب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فدعا الله، فنجا، فرجع، لا يلقى أحداً إلا قال: قد كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحداً إلا ردَّه. قال: ووفى لنا. وسراقةُ هو القائل لأبي جهل بن هشام حين رَجَعَ من اتِّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وكان شاعراً مجيداً أبا حكمٍ والله لو كنت شاهداً ... لأمر جوادي إذ تَسوخُ قوائمُه علمت ولم تَشْكَك بأنَّ محمداً ... رسول ببُرهانٍ فَمَن ذا يُقاومُه؟ عليك بكفِّ القوم عنه فإنني ... أرى أمره يوماً سَتبدو مَعالمه بأمر يودُّ الناسُ فيه بأسرهم ... بأن جميع الناس طُرأً يُسالمُه وسراقةُ هو الذي تبدَّى إبليس على صورته لما أجمعت قريش المسير إلى بدر. وذكرت الذي بينها وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة. فكان ذلك يَثنيهم. فقال لهم إبليس، وهم يظنونه سُراقة: أنا لكم حارٌ من أنْ تأتيكم كنانةُ بشيء تكرهونه. فخرجوا سراعاً فلما التقى الجمعان ببدرٍ، ورأى إبليس جنود الله من الملائكة قد نزلت للنصر والإمداد نكص على عقبيه، وقال للمشركين: " إني بريء منكم، إني أرى مالا ترون ". قال أبن إسحاق: وعُمير بن وهب الجُمحيُّ والحرث بن هشام المخزوميُّ: قد ذُكر لي أحدهما هو الذي رأى إبليس يوم بدر، قد نكص على عقبيه: فقال: أين أي سُراق؟ ومثل عدوِّ الله، فذهب. فأنزل اللهُ تبارك وتعالى:) وإذ زينَّ لهُم الشيطانُ أعمالهم وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جارٌ لكم (فذكر استدراج إبليس إياهم، يستشهدُ بسراقة من مالك بن جُعشُم لهم، لأنهم كانوا يرونه في كل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 منزلٍ في صورة سُراقة، لا يُنكرونه. حتى إذا كان يوم بدرٍ، والتقى الجمعان نكص على عقبيه فأوردهم ثم أسلمهم. قال ابن هشام: نكص: رجع. قال أوسُ بن حجر أحدُ بني أُسيد بن عمرو بن تميم: نكَصتُم على أعقابكم يوم جئتم ... تُرجُّون إقفال الخميس العرمرم وروى الحسن البصريُّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسراقةَ بن مالك: " كيف بكَ إذا لبستَ سِواري كسرى؟ فلما أُتي عمر بسواري كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة فألبسه إياهما. وكان سُراقة رجلاً أزبَّ؛ كثير شعر الساعدين. وقال له: ارفع يديك فقل: اللهُ أكبرُ، الحمدُ لله الذي سلبهما كسرى بن هُرمز الذي كان يقول: أنا ربُّ الناس، وألبسهما سراقةَ بن مالك بن جُعشم أعرابيٌّ من بني مُدلج، ورفع بها عُمر صوته. وكان سراقةُ من أشراف مُدلج، يعدُّ في أهل المدينة. وكان قُدَيداً. ويقال: إنه سكن مكة. روى عنه من الصحابة ابن عباس وجابر. وروى عنه من التابعين سعيدُ بن المسيَّب وابنه محمد بن سراقة. ذكر عبدُ الرزاق عن ابن عُيينة، عن وائل بن داود، عن الزهري، عن محمد بن سراقة، عن أبيه سراقة بن مالك أنه جاء إلى النبي عليه السلام، فقال: يا رسول الله، أرأيت الضالَّةَ تردُ على حوض إبلي، ألي أجرٌ إن سقيتُها؟ فقال: في الكبد الحرَّي أجر. مات سراقةُ سنة أربع وعشرين في صدر خلافة عثمان. وقيل إنه مات بعد عثمان. ومن بني مُدلج وقاص بن مُحرِّز: استشهد يوم ذي قَردٍ حين أغار عيينةُ ابن حصنٍ على لقاح النبي عليه السلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 ومن كنانة أبو ليث بن العلاء الكناني: سمع روح بن عُبادة. ومنهم حيَّان بن هلال الكناني أبو حبيب: سمع شعبة وحماد بن سلمة. ومن موالي كنانةَ أبو معبد عبدُ الله بن كثير الكناني الداريُّ الفطَّار: وهو قارئ أهل مكة، من أبناء فارس. وكان من الطبقة الثانية من التابعين. ألقى من الصحابة عبد الله بن السائب المخزومي، وقرأ عليه وعلى مجاهد بن جبر وقرأ على دِرباس مولى ابن عباس، وتوفي بمكة سنة عشرين ومئة. خُزيمة بن مُدركة: وولد خُزيمة كنانة، وقد تقدَّم ذكره، وأسداً، والهَون وهو أبو القارة، والقارةُ هم رماةُ الحدقِ. وفيهم قيل: " قد أنصف القارة من راماها ". وقال شاعر هم: دعونا قارةً لا تُنفِرونا ... فنُجفِل مثل إجفال الظَّليم والظليمُ: ذكر النعام. وفي القارة من الصحابة: مسعود بن ربيعة بن عمرو بن عبد العُزَّى ابن حمالة بن غالب بن مُحلِّم بن عايذة بن سُبيع بن الهَون بن خُزيمة: شهد بدراً، واستُشهد يوم خيبر، قال ابن ماكولاء: هو أَيثعُ بن الهَون؟. وقال ابن دريد: ييثعُ، وهو مأخوذ من ثاع - يثيعُ إذا اتَّسع. ومن القارة عبد الرحمن بن عبد القارئ: وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له منه سَماع، ولا لهُ عنه روايةٌ. وقال الواقدي: هو صحابي ........... فلما دخل عليه قال له: بلغني أنك ذو بديهةٍ، فقل في هذه الجارية؛ لجارية الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قائمة على رأسه. فقال جرير: مالي أن أقول فيها حتى أتأملها، ومالي أن أتأمل جارية الأمير. قال: بلى، فتأمَّلها واسألها. فقال لها: مل اسمك يا جاريةُ؟ فأمسكت. فقال لها الحجاجُ: خبرَّيه يا لخناء. فقالت: أمامةُ. فقال جرير: ودِّع أمامةَ حان منك رحيلُ ... إنَّ الوَداع لمن تحبُّ قليلُ مثلُ الكثيب تمايلت أعطافُهُ ... فالريحُ تَجبُرُ متنَهُ وتَهيلُ هذي القلوبُ صوادياً تَيَّمتِها ... وارى الشفاء وما إليه سَبيلُ فقال الحجاجُ: قد جعل اللهُ لكَ السبيل إليها، خذْها هي لم. فضرب بيدهِ إلى يدها، فتمنَّعت عنه. فقال: إنْ كان طِبَّكُم الدَّلالُ فإنهُ ... حسنٌ دلالُكِ يا أُمامُ جَميلُ فاستُضحك الحجاجُ، وأمرَ بتجهيزها معه إلى اليمامة. وخُبِّرت أنها كانت أهل الرَّيَّ، وكان إخوتُها أحراراً، فاتبعوهُ فأعطوهُ حتى بلَّغوه عشرين ألفاً. فلم بفعل. وفي ذلك يقول: إذا عَرضوا عشرين ألفاً تعرَّضت ... لأمِّ حكيمٍ حاجةٌ هي ماهيا لقد زدت أهل الريِّ عندي محبةً ... وحبَّبتِ أضعافاً إليَّ المواليا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 فأولدها بلالاً وحكيماً ونوحاً. ويقال إنَّ الحِمَّانيَّ قاولَ بلالاً ذات يوم، فيما كان بينهما من الشرِّ. فقال يا بن أمِّ حكيم. فقال له بلال: ما تذكر من ابنه دهقان، أخيذةِ أماحٍ، وعطيةُ مالك ليست كأمك التي بالمُّروت تغدو على إثر ضانها، كأنما عَقِباها حوافر حمار فقال له الحِمُّانيُّ. أنا أعلم بأمِّك، إنما عتب عليها الحجاجُ في أمرٍ اللهُ أعلمُ به. فحلف أن يدفعها إلى ألأم العرب، فلما رأى أباك لم يَشْكُكْ. قال أبو عبيدة: حجَّ الفرزدق، فعاهد الله بين الباب والمقام أن لا يهجوَ أحداً، وأنْ يقيِّد نفسه، حتى يجمع القرآن قالت رَيداء بنتُ جرير: فمرَّ بنا الفرزدق حاجاً، وهو مُعادل النَّوار بنت أعين بن ضُبيعة امرأته، حتى نزل بلُقاط، ونحن بها، فأندى له جرير، ثم أتاه فاعتذر إليه من هجائه البعيث، وقال: فعل وفعل. ثم أنشده جرير، والنوار خلفه في فُسيطيط صغير. فقالت: قاتلهُ الله، ما أرقَّ منسبته وأشدَّ هجاءه! فقال لها الفرزدق: أترين هذا؟ أما إني لن أموت حتى أُبتلى بمهاجاته. فلما قدِمَ الفرزدق البصرة قيَّد نفسه، وقال توبةً من الشعر: ألم تَرَني عاهدتُ ربي وإنني ... لَبينَ رِتاجٍ قائماً ومقام على قسمٍ لا أَشْتِمُ الدهرَ مُسلماً ... ولا خارجاً من فيَّ سوء كلامِ " وأمضى " كذلك مدةً، ثم بلغه فحشُ جريرٍ بنساء مجا شع، فأحفظه ذلك ففضَّ قيده، وقال - وهو مُتخيَّرٌ من قصيدة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 ألا استَهزَأتْ مني هُنيدةُ أن رأتْ ... أسيراً يُداني خَطوَهُ حَلَقُ الحجْلِ لَعَمري لَئِن قيَّدتُ نفسي لطالما ... سَعَيتُ وأوضعتُ المطيَّةَ في الجهلِ فإن يكُ قَيدي كان نَذراً نَذرته ... فما بيَ عن أحسابِ قوميَ من شُغلِ أنا الضامنُ الراعي عليهم وإنما ... يُدافعُ عن أحسابهم أنا أو مِثلي ولو ضاعَ ما قالوا: ارْعَ منَّا، وجدتَهُمْ ... شِداداً على العالي من الحَسيِ الجزلِ فمهما أعِشْ لا يُضْمنوني ولا أَضَعْ ... لهمْ حَسَباً ما حرَّكت قَدمي نَعلي ولستُ إذا ثارَ الغبارُ على امرئ ... غداةَ الرِّهانِ بالبطيءِ ولا الوَغْلِ ولكنْ تُرى لي غايةُ المجد سابقاً ... إذا الخيلُ قادتها الجيادُ مع الفَحْلِ وإني لَمِن قومٍ يكونُ غسول هم ... قِرَي فأرةِ الداريِّ تُضْرَب في الغَسلِ فَما وجدَ الشافونَ مثلَ دِمائنا ... شِفاءٌ ولا الساقونَ من عسلِ النَّحلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 ولجرير في الفرزدق من قصيدة طويلة: يُوصِّل حَبليه إذا جنَّ ليلُهُ ... ليرقى إلى جاراتهِ بالسلالم أتيتَ حدودَ اللهِ مُذ أنت يافعٌ ... وشِبتَ فما نهاكَ شيبُ اللهازمِ تَتَبَّعُ في الماخور كلَّ مُريبةٍ ... ولستَ بأهلِ المُحْصَناتِ الكرائمِ تَدَلَّيتَ تزنى من ثمانين قامةً ... وقصَّرت عن باعِ العُلا والمكارمِ عيَّره بقوله: هُما دلَّتاني من ثمانين قامةً ... كما انقضَّ بازٍ أقثَمُ الريشِ كاسِرُه ثم قال جرير: فإنكَ لا مُوفٍ بجارٍ أجرتَهُ ... ولا مُستَعفٌّ عن خَبيث المطاعِمِ هو الرِّجسُ يا أهل المدينة فاحذروا ... مَداخلَ رِجسٍ بالخبائث عالمِ لقد كان إخراجُ الفرزدقِ عنكمُ ... طَهوراً لما بين المصلَّى وواقمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 وقال جرير، وكان اشترى مولىً من بني حنيفةَ من أهل اليمامة، يقال له: زيدُ بن النَّجار، جاريةً فأبغضته، وجعلت دمعتها لا ترقأُ على زيد: تُكلِّفني معيشةُ آل زيدٍ ... ومن لي بالمراقَّق والصِّنابُ وقالت: لا تضمَّ كضمِّ زيدٍ ... وما ضَمِّي وليس معي شبابي فأجابه الفرزدق فإن تَفرُكْكَ عِلجةُ آل زيدٍ ... ويُعْوزُكَ المُرقَّقُ والصِّنابُ فقِدْ ماً كان عيشُ أبيك مراً ... يعيشُ بما تعيشُ بهِ الكلابُ ولجرير في الغزل، وأحسنَ: إن العيون التي في طرفها مَرضٌ ... قَتَلْننا ثم لم يُحيينَ قَتْلانا يصرعْنَ ذا اللبِّ حتى لا حراكَ به ... وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ أركانا ومن بني غُدافة بن يربوع بن حَنظلة وكيعُ بن حسان بن قيس بن أبي سودٍ: قاتل قتيبةَ بن مسلم الباهليِّ في خرسان في خلافة سليمان بن عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 الملك. ولجدِّه أبي سودٍ بن وكيع صحبةٌ ورواية. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في اليمين الفاجرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اليمينُ التي يقطع الرجلُ بها مالَ أخيه تُعقم الرحم ". رواه عبد الرزاق عن معمرٍ عن رجلٍ من بني تميم، عن أبي سودٍ. وكان وكيعٌ من سادات تميم وأبطالها، وكانت فيه أعرابيةٌ وغفلةٌ يُخدع بها. خاصم إلى إياس رجلٌ رجلاً في دين، وهو قاضي بالبصرة، وطلب منه البيِّنة، فلم يأته بمَقنع. فقيل للمُطالب: استجر وكيع بن أبي سُود حتى يشهدَ لكَ، فإن إياساً لا يجتريءُ على ردِّ شهادتك. فقال وكيعٌ: واللهِ لأَشْهدنَّ لك، فإن ردَّ شهادتي لأعمِّمنَّه السيف. فلما طَلع وكيعٌ فهم إياس فأقعده إلى جانبهِ، ثم سأله عن حاجته، فقال: جئتُ شاهداً. فقال له: يا أبا المطرف، أتشهدُ كما تفعل الموالي والعجمُ وأنت تجلُّ عن هذا؟ فقال: إذاً والله لا أشهدُ. فقيل لوكيع بعدُ: إنما خَدعك. فقال: أولى لابن اللَّخناء. ومنهم حارثةُ بن بدرٍ الغُدافيُّ: وكان رجل بني تميم في وقته، فارساً شاعراً، وكان غَلب على زيادٍ، وكان الشراب قد غلب عليه. فقيل لزياد: إن هذا قد غَلب عليك، وهو مستهترٌ بالشراب. فقال زياد: كيف باطِّراح رجل هو يُسايرني منذ دخلتُ العراق، ولم يصكُك ركابي ركاباهُ، ولا تَقدَّمني. فنظرتُ إلى قفاه، ولا تأخَّر عنَّي. فَلَويتُ عنقي إليه، ولا أخذَ عليَّ الشمس في شتاء قطُّ، ولا الرَّوح في صيفٍ قطُّ، ولا سألته عن علمٍ إلا ظننتُه لم يُحسن غيره. فلما مات زياد جفاهُ عُبيد الله، فقال له حارثةُ: أيها الأميرُ، ما هذا الجفاءُ مع معرفتك بالحال عند أبي المغيرة؟ فقال له عبيد الله: إنَّ أبا المغيرة قد كان برعَ برُوعا لا يَلحقهُ معه عيبٌ وأنا حَدَث، وإنما أنسب إلى من يَغلبُ عليَّ، وأنت رجل تُديم الشراب فمتى قرَّبتُك فظهرت رائحة الشراب منك لم آمن أن يُظنَّ بي، فدعِ الشراب، وكُن أول داخل عليَّ، وآخر خارج عني. فقال له حارثةُ: أنا لا أدعهُ لمن يملك ضَرِّي ونفعي، أفأدعُه للحال عندك؟ قال: فاختر من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 عملي ما شئت. قال: تولِّيني " رام هُرمز " فإنها أرض عذاةٌ و " سُرَّق "، فإنَّ فيها شراباً وُصف لي، إياها. فلما خرج شيَّعة الناس. فقال أنسُ بن أُنيس الدُّؤلي: أحارِ بنَ بدرٍ قد وَلِيتَ إمارة ... فكن جُرَذاً فيها تَخونُ وتَسرقُ ولا تَحقِرَنْ يا حارِ شيئاً وجدتهُ ... فحظُّكَ من مُلك العراقين سُرَّقُ وباه تميماً بالغنى إنَّ للغنّى ... لساناً به المرءُ الهيوبةُ ينطقُ فإنَّ جميع الناس إمَّا مكذِّبٌ ... يقولُ بما يهوى، وإما مُصدِّقُ يقولونَ أقوالاً ولا يعلمونَها ... ولو قيل: هاتُوا حقِّقوا، لم يُحَقِّقُوا ومن بني يربوع أبو قُرَّة عِسلُ بن سُفيان اليربوعيُّ: روى عن عطاءٍ، وروى عنه شُعبةُ وحمَّاد بن زيد. ومن بني رياح بن يربوع عَتَّابُ بن وَرقاء: وهو أحدُ أجواد العرب، ويكنى أبا ورقاء. ووَليَ إصبهان في فتنة الزُّبير. ووجَّهه الحجاجُ على جيش أهل الكوفة في قتال الأزارقة، فَبيَّتهُ شبيب الخارجيَّ، فتفرَّق عنه جيشه، فقُتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 ومنهم مَطُر بن ناجية: الذي غَلب على الكوفة أيام ابن الأشعث. والحرثُ ابن يزيد: صاحب الحسين بن علي. ومَعقِلُ بن قَيسٍ: صاحبُ علي بن أبي طالب، وهو الذي يقول فيه جرير: ومنَّا فتى الفتيان والبأس معقل ... ومنا الذي لاقى بدجلةَ مَعقلا وسحيم بن وثيل الشاعر. وقَعنَب بن أمِّ صاحبٍ الشاعر، وهو القائلُ: صُمٌّ إذا سَمعوا خيراً ذُكرت به ... وإنْ ذُكرتُ بسوءٍ عندهُم أَذنوا وابو الهندي الشاعر: وهو عبد المؤمن بن عبد القُدُّس بن شَبَثِ بن ربعيٍّ الرياحيُّ. وشَهدَ جدُّهُ شبث مع عليٍّ رضي الله عنه الجمل وصفِّينَ ثم فارقه حين التَّحكيم، وصار مع المحكمةِ، قال هذا المبِّردُ. وقال مسلم: أبو عبد القدوس شبثُ بن ربعي الحنظلُّي عن عليٍّ روى عنه محمدُ بن كعب. وقال الأزهريُّ الموصليُّ الحافظ: شبث بن ربعي فيه نظر، هو أوَّلُ من حرَّر الحرورية. وكان أبو الهندي قد غَلب عليه الشراب على كرم منصبه وشرف أسرته، حتى كادَ يُبطلهُ. وكان عجيب الجواب، فجلس غليه رجلٌ مرةً، وكان أبوه صُلب في خِرابةٍ. والخِرابةُ: سَرَقُ الإبل خاصَّةً. فاقبل يُعرِّض لأبي الهنديِّ بالشراب، فلما أكثر عليه قال أبو الهندي: أحدهم يرى القَذاةَ في عين أخيه، ولا يرى الجِذع في إست أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 ومرَّ نصرُ بن سيار الليثيُّ بأبي الهندي، وهو يميل سُكراً. فقال: أفسدت شرفك. فقال أبو الهندي: لو لم أُفسد شرفي لم تكن أنت والي خراسان. وحجَّ به نصرُ بن سيار مرةً، فلما وردَ الحَرم قال له نصر: إنك بفناء بيت الله، ومحلَّ حَرمهِ، فدعْ ليَ الشراب. فوضعه بين يديه، وأقبل يشرب ويبكي ويقول: رضيعُ مُدامٍ فارق الرَّوح روحه ... فظلَّ عليها مُستهلَّ المدامع أَديرا عليَّ الكأس إنِّي فقدتُها ... كما فقد المفطومُ درَّ المراضع وكان يشربُ مع قيس بن أبي الوليد الكنانيِّ. وكان أبو الوليد ناسكاً، فاستعدي عليه وعلى ابنه فهربا منه. وقال أبو الهنديِّ قُل للسَّريِّ أبي قَيسٍ: أتُوعد ... ودارنا أصبحت من داركم صَدَدا؟ أبا الوليد أَمَا والله لو عَملت ... فيك الشَّمولُ لمَا حَرَّمتَها أبدا ولا نسيتَ حُميَّاها ولذتَها ... ولاعدلت بها مالاً ولا وَلدا ومن موالي رياح أبو العالية رُفيع بن مهران الرِّياحيُّ البصري: مولى امرأةٍ من بني رياح، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل على أبي بكر، وصلى خلف عمر. وتُوفي سنة ثلاث وتسعين. وذُكر الحسنُ لأبي العالية فقال: رجلٌ مسلمٌ يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، وأدركنا الخير، وتعلَّمنا قبل أن يولد الحسنُ. ومن بني العَنبر بن يربوع سَجاحِ بنت أوس: كذا قال أبو عبيد في كتاب النَّسب له، وقال ابن قُتيبة في " المعارف "، والمبرد في " الكامل ": هي من بني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 حرام بن يربوع. ولم يَذكر أبو عبيد في بني يربوع بن حنظلة حَرَاماً. وسَجاجِ هي التي تنبأت، وهي صاحبةُ مُسليمة الكذاب. وتُكنى أمَّ صادر. وأسلمت بعد قتله. وقال ابنُ الكلبي: قُتلت مع مُسيلمة، ولم تُسلم. وفيها يقول عُطاردُ بن حاجب بن زُرارة: أَضحتْ نبيَّيُنا أُنثى تُطيفُ بها ... وأصبحت أنبياءُ الناس ذُكرانا وكان مُؤذنها زهير بن عمرو من بني سليط بن يربوع. ويقال: إن شَبَثَ ابن ربعيٍّ الرياحيَّ أذَّن لها أيضاً ومن بني سَليط بن يربوع المُساور بن رِئاب: وكان أحد الأجواد. وفيه يقول أعشى بني أبي ربيعة: لا تُجاوز إلى فتىً تَعتفيه ... حين تَلقى المساور بن رِئابِ ومن بني سَليط الزُّبير بن علي وعُبيد الله بن بشير بن الماخور: وكانا من رؤوس الخوارج. وقُتل ابن الماخُور يوم " سُلَّى وسُلِّبرَي ". وفي قتله يقول بعض أصحاب المهلَّب: ويوم سُلِّى وسُلَّبرى أحاط بهم ... منا صواعقُ لا تُبقي ولا تَذَرُ حتى تركنا عبيد الله مُنجدلاً ... كما تجدَّلَ مالَ مُنقعرُ ومن بني الفُضيل بن عياض بن مسعودٍ أبو علي: سمع منصوراً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 والأعمش وغيرهما. ووُلد بأبيورد من خراسان، وقدم الكوفة، وهو كبيرٌ، فسمع بها الحديث ممن ذُكر. ثم تعبد وانتقل إلى مكة، فنزلها إلى أن ماتبها سنة سبعٍ وثمانين ومئة. ومن بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تَميم البراجم: وهم خمسُ قبائل: عمرو، والظَّليم، وكُلفَة، وقيس، وغالب.. بنو حنظلة لصُلبه. والبراجم: أصابع اليد سُمُّوا بها. وفي البُراجم من الصحابة خارجةُ بن الصَّليت البُرْجُميُّ: يعدُّ في الكوفيين. روى عنه الشَّعبيُّ. ومنهم عُمير بن ضابيء البرجميُّ: وهو الذي دخل على الحجاج بن يوسف حين ولى العراق، وحشَرَ الناس إلى المهلب بن أبي صفرة لحرب ألأزارقة. وهو شيخ يرعش كِبراً. فقال: أيها الأمير إني من الضعف على ما ترى. ولي ابنٌ هو أقوى على الأسفار مني، فتقبَّله بدلاً مني. فقال الحجاج: نفعل أيها الشيخ. فلما ولَّى قال له قائلٌ: أتدري من هذا أيها الأمير؟ قال: لا. قال: هذا عُمير بن ضابىء البرجميُّ الذي يقول أبوه: هَممتُ ولم أفعل وكدتُ وليتني ... تركتُ على عثمان تَبكى حلانلُهْ ودخل هذا الشيخ على عثمان مقتولاً، فوطىء بطنه، فكسَر ضلعين من أضلاعه. فقال: ردُّوهُ. فلما رُدَّ قال له الحجاجُ: أيها الشيخُ، هلا بعثتَ إلى أمير المؤمنين عثمان بدلاً يوم الدار؟ إن في قتلك أيها الشيخُ لصلاحاً للمسلمين، يا حارسيَّ اضربا عنقه. فجعل الرجلُ يَضيقُ عليه أمرُهُ، فيرحل ويأمرُ وليَّه أن يَلحَقهُ بزاده. ففي ذلك يقول عبد الله بن الزُّبير الأسَديُّ؛ أسدُ خُزيمة: تجبَّرْ فإمَّا أن تزور ابن ضابيءٍ ... عُميراً، وإما أن تَزور المُهلَّبا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 هُما خطَّتا خَسفٍ نجاؤك منهما ... ركوبُك حولياُ من الثلج أَشهبا فما إن أرى الحجاجَ يرفع سيفهُ ... عن القتل، حتى يترك الطفل أشهبا وكان من قصة عُمير بن ضابيءِ بن الحرث البُرْجُميِّ، أن أباهُ ضابيءَ بن الحرث وجب عليه حبسٌ عند عثمان وأدب. وذلك أنه كان استعار من قومٍ كلباً، فأعاروه إياه، ثم طلبوه منه. وكان فحَّاشاً، فرمى أمَّهم به، فقال في بعض كلامه: وأمَّكُمُ لا تتركوها وكلبَكُمْ ... فإن عقوق الوالداتِ كبيرُ فاضطغن على عثمان ما فعل به. فلما دُعي ليؤدَّب شَكَّ سكِّيناً في ساقه ليقتل بها عثمان، فعثر عليه، فأَحسنَ أدبه. ففي ذلك يقول: وقائلةٍ إن مات في السجن ضابيءٌ ... لَنعم الفتى تَخلو به وتُواصلُه وقائلةٍ لا يَبْعدنْ ذلك الفتى ... ولا تَبعدنْ أخلاقُه وشمائلُه وقائلةٍ لا يُبعِدِ الله ضابئاً ... إذا الخصمُ لم يوجَدْ له من يُقاولُه هممتُ ولم أفعلْ وكديُ وليتي ... تكتُ على عثمانَ تبكي حلائلُه ولضابيء: وما عاجلاتُ الطير تُدنى من الفتى ... نجاحاً ولا عَن رَيثهِنَّ يَخيبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 وربَّ أمورٍ لا تَضيرُك ضيرةً ... وللقلبِ من مَخْشاتهنَّ وجيبُ ولا خيرَ فيمَن لا يوطِّنُ نفسهُ ... على نائباتِ الدهر حين تَنوبُ ومن بني ربيعة بن حنظلة بن مالك، وهو أخو البَراجِمِ عُروة بن أُديَّة، ومِرداس بن أُديَّة: وأُديَّة جدة لهما من محارب نُسِبا. إليها. ويقال: بل كانت ظئراً لهما. وهما ابنا حُدَير أحدُ بني ربيعة بن حنظلة. وسيفُ عروةَ أول سيف سُلَّ من سيوف الخوارج، وذلك أنه أقبل على الأشعث، فقال: ما هذه الدَّنية يا أشعث؟ وما هذا التحكيم؟ أشرطٌ أوثقُ من شرطِ الله؟ ثم شهر عليه السيف والأشعث موَلٍّ، فضرب به عجزُ البغلة. فشبَّت البغلةُ، فنفرت اليمانيةُ، وكانوا جلَّ أصحاب علي رحمه الله. فلما رأى ذلك الأحنفُ قصد هو وجارية بن قُدامة ومسعود بن فَدَكيِّ بن أعبُد وشبت بن ربعيٍّ الرياحيِّ إلى الأشعث. فسألوه الصفح ففعل. وكان عروة بن أُديَّة نجا من حرب النّهروان، فلم يزل باقياً مدةً من خلافة معاوية، ثم أي به زيادٌ ومعه مولىً له، فسأله عن أبي بكر وعمر فقال: خيراً. ثم سأله فقال: ما تقول في أمير المؤمنين عثمان رحمهُ اللهُ وأبي التراب؟ فتولى عثمان ستَ سنين من خلافتهِ، ثم شهد عليه بالكفر. وفَعل في أمر عليٍّ عليه السلامُ مثل ذلك، إلى أن حكَّم، ثم شهد عليه بالكفر. ثم سأله عن معاويةَ فسبَّهُ سبّاً قبيحاً، ثم سأله عن نفسهِ، فقال: أوَّلُك لزنيةٍ وآخرُك لِدعوة، وأنت بعدُ عاص لربك. فأمر به فضُربت عنقُه. ثم دعا مَولاهُ فقال: صفْ لي أموره، فقال: أُطْنِبُ أم أَختصر؟ قال: بل اختصر. قال: ما أتيتُهُ بطعامٍ بنهارٍ قطُّ، ولا فرشتُ له فراشاً بليلٍ قطُّ. قال المؤلف، وفقه الله: وهذا الشقيُّ البائس، وإن كان صائمَ النهار قائم اليل فقد أَحبط اللهُ عملهُ بتكفير الخليفتين الراشدَين المهْدِيَّين، رضي الله عنهما، وخروجه عن الجماعة، وسلِّه السيف " في الطر " يق الخاسرِ. وهو حقاً ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيأتي قومٌ يقرؤون القرآن، لا يُجاوزُ تَراقيَهُم، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 أو يعدو تراقيهم، يَمرقون من الإسلام، كما يَمرُقُ السهمُ من الرميَّة لا يعودون في الإسلام، حتى يعود السهمُ على فُوقهِ، طوبى لمن قَتَلهم أو قتلوهُ " روى هذا الحديث أبو أُمامةَ صُديُّ بن عجلان الباهليُّ صاحبُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ورواهُ عن أبي أُمامة أبو غالب حَزَوَّرُ. وروى عن أبي غالب سفيان بن عُيينةَ وحماد بن زيد، كذا قال مُسلم في الكنى، وقال غيرُه: وروى عن غالب أزهرُ بن صالح هذا الحديث في كتاب الشريعة للآجُريِّ. وروى سفيانُ بن عُيينة عن معمر ابن طاووس، عن أبيه قال: ذُكر لابن عباس الخوارج، وما يُصيبهم عند قراءة القرآن، فقال: يؤمنون بمُحكمه، ويَضلُّون عند مُتشابههِ وقرأ:) وما يعلم تأويلهُ إلا الهُ والراسخون في العلم يقولون: آمنَّا بهِ، كلٌّ من عند ربِّنا (. وروى سفيان أيضاً عن عبد اله بن أبي يزيد قال: سمعتُ ابن عباس، وذُكر الخوارجُ، فقال: حيارى سُكارى ليسُوا بيهود ولا نصارى. وروى أن علياً رضي الله عنه تُليَ بحضرته، " قُل: نُنبِّئكُم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا، وهم يَحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً ". فقال علي: أهلُ حَروراءَ منهم. وروى بُكيرُ بن عبد الله بن الأشجِّ عن بسر بن سعيدٍ عن عُبيد الله بن أبي رافع مولى أم سلمة أن الحرورية لما خرجوا، وهم مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قالوا: لا حكم إلا لله. فقال عليٌّ: أجلْ كلمةُ حقٍّ أُريد بها باطل. وكان أبو بلال مرداس بن حُدير أخو عروة مجتهداً كثير الصواب في لفظه، وكان قد شَهد صفِّين مع علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنكر التحكيم، كما أنكرهُ أخوه عروةُ، وشهد النهر، ونجا. وكان ابن زياد حبَسهُ. فلما خَرج من حبسهِ خَرج عليه في أربعين رجلاً، فوجَّه إليهم ابنُ زياد أسلم بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 زُرعة الكلابيَّ في ألفين، فهزموهُ فلما وردَ علي ابن زيادٍ غضب عليه غضباً شديداً، وقال: ويلك، أتمضي في ألفين فتهزم لحملةٍ من أربعين؟ وكان أسلم يقول: لأنْ يذُمَّني ابن زياد حياً، أحبُّ إليَّ من أن يمدحني ميِّتاً. وكان إذا خرج إلى السوق أو مرَّ بصبيانٍ صاحوا به: أبو بلال وراءك. حتى شكا ذلك إلى ابن زيادٍ لهم الناس، فاختار عباد بن أخضر، ولس بابن أخضر هو عبادة بن علقمة المازنيُّ التميميُّ. وكان أخضر زوج أمَّه، فغلب عليه، فوجَّهه في أربعة آلاف فنهد لهم فقاتلهم عباد يوم الجمعة حتى حان وقت صلاة الجمعة، فنادهم أبو بلال: ياقوم، هذا وقت الصلاة فوادعونا حتى نصلي وتصلوا. قال: ذلك لك. فرمى القوم أجمعون بأسلحتهم، وعمدوا للصلاة. وأسرع عباد، ومن معه، والحرورية مبطئون، فهم بين الراكع ساجد وقائم في للصلاة وقاعد حتى مال عليهم عباد ومن معه. فقتلوهم جميعاً، وأتى برأس أبي بلال، فلما فرغ من أولئك الجماعة أقبل بهم فصلبت رؤوسهم وفيهم داود بن شبث وكان ناسكاً. وفي قتل أبي بلال يقول عمران بن حطَّان السَّدوسي، وكان من قعد الخوارج شاعرا ًمجيداً: لقد زادَ الحياةَ إلىَّ بُغْضهاً ... وحباً للخروجِ أبو بلال أُحاذِرُ أن أموتَ على فراشي ... وأرجو الموت تحت ذُرا العوالي فمن يك همُّه الدنيا فإني ... لها واللهِ ربِّ البَيتِ قال وفيه يقولُ من أبياتٍ: أنكرتُ بعدكَ ما قد كنتُ أَعرفُه ... ما الناسُ بعدكَ يا مرداسُ بالناسَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 ومن بني ربيعة بن مالك بن حنظلة الحَنتفُ بن السجف بن سعد بن عوف بن زهير بن مالك: كان يُكنى أبا عبد الله، وكان دَيِّناً شريفاً. وكانت له منزلةٌ من عُبيد الله بن زياد. ولما وقعت فتنةُ ابن الزبير سار حُبيشُ بن دَلجةَ القَينيُّ من قُضاعة إلى المدينة يريد قتال ابن الزُّبير، فعقد الحرثُ بن عبد الله المخزوميُّ القُباع، وهو أمير البصرة، للحنتف لواءً، فسار في سبعمئةٍ، وخرج إليهم حُبيش من المدينة، فلقيهُم بالرَّبذة. فقتل الحنتف حُبيشاً وعبيد الله بن الحكم أخا مروان بن الحكم، وانهزم الحجاجُ بن يُوسف، وأبوه يومئذٍ. وقال توسعةُ في ذلك: ونجَّى يوسف الثقفيَّ ركضٌ ... دراك بعدما سقطَ اللواءُ ولو أدركتهُ لقضينَ نَحباً ... به ولكلِّ مُخطئةٍ وِقاءُ ثم سار الحنتف نحو الشام، حتى إذا كان بوادي القُرى سُمَّ في طعامه، فمات هناك. وبنو ربيعة بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مُر لصلبه حُبيش ورزام وكعبٌ: يقال لهم الخِشاب. وفيهم يقول جرير من قصيدةٍ طويلة: أثعلبةَ الفوارِس أم رِياحاً ... عَدلتَ بهم طُهيَّةَ والخشابا وأمُّ حبيش بن ربيعة أخي رزامٍ وكعبٍ حُطَّى على مثال حُبلى، وبها يُعرف بنوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 ومن موالي بني يربوع بن مالك بن حنظلة أبو عثمان عمرو بن عبيد بن باب البصريُّ: رأس المعتزلة. اعتزل الحسن وأصحاب له، فسُموا المعتزلة. وكان مجتهداً في العبادة. ومات عمرو في طريق مكة، ودُفن بِمَران على ليلتين من مكة، على طريق البصرة، وصلى عليه سليمانُ بنُ عبد الله بن عباسٍ، ورثاهُ أبو جعفرٍ المنصورُ، فقال: صلى الإلهُ عليك من مُتوسِّدٍ ... قبراً مررتُ بهِ على مَرَّان قبراً تَضمَّنَ مؤمناً مُتحنِّفاً ... صدق الإله ودانَ بالعِرفانِ فلو أنَّ هذا الدهرَ أَبقى صالحاً ... أبقى لنا حياً أبا عُثمانِ ...... ومن بني حنظلة بن مالكٍ أبو القاسم الأصبَغُ بن نُباتَةَ الحنظليُّ ... ومن بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة أخي حنظلة بن مالك عَلقمة بن عَبدةَ الفحلُ الشاعر، وأخوهُ شأسٌ. والرَّبايعُ ثلاثةٌ: ربيعة الكبرى ابنُ مالك بن زيد مناة المذكور: وهو ربيعة الجوع، وهو عمُّ ربيعة الأوسطُ. والأوسطُ هو ربيعةُ بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة. والأصغرُ هو ربيعة بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة. وكلُّ واحدٍ منهم عمُّ صاحبهِ. ومن مالي ربيعة الجوع حَمَّادُ بن سَلَمةَ بن دينارٍ: وهو ابنُ أختِ حُميد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الطويل، وأمُّه مولاةُ خُزاعة. مات بالبصرة سنةَ سبع وستين ومئة. وحمادٌ من جِلَّة المحدّثين. وأمَّا عمرو بن تَميم فولَد أسيِّداً، بطنٌ، والعنبر، بطن وهو خُضَّم. والهجيمَ، بطن. والحرث الحَبط، بطن، وابن ابنه مارزن بن مالك بن عمرو بن تميم، بطنٌ. وقليباً، بطن، والنسب إليه معروف. فمن بني أُسيِّد، والنسب إليه أُسديٌّ بالتخفيف، وإذا سُمَّيت شدَّدت. حنظلةُ بن الربيع بن صيفيٍّ: الكاتب من الصحابة. وهو ابن أخي أكثم بن صيفي، حكيم العرب. وأدرك أكثمُ بن صيفي مُبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابنُ مئةٍ وتسعين سنةً. وكان يوصي قومه بإتيان النبي عليه السلام، ولم يُسلم. وكان قد كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجاوبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسُرَّ بجوابه. ويُكنى حنظلةُ أبا ربعي، وهو من بطن بني أسيِّد، يقال لهم بنو شُريف، وبنو أسيِّد من أشراف بني تميم. قال أبو نافع بن الأسود التميميُّ يفخر بقومه: قومي أسيِّدُ إن سألتَ ومَنصبي ... ولقد علمتَ مَعادنَ الأحسابِ وحنظلةُ أحد الذين كتبوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُعرف بالكاتب. شهد القادسية، وهو ممَّن تخلَّف عن علي في قتال أهل البصرة يوم الجمل. جلُّ حديثه عند أهل الكوفة. ولما تُوفي رحمه الله جزِعت عليه امرأته فنَهيْنَها جاراتها، وقُلن: إنَّ هذا يُحبط أجركِ. فقالت: تعجبت دعدُ لمحزونةٍ ... تبكي على ذي شَيبةٍ شاحبِ إن تسأليني اليوم ما شفَّني ... أُخبركِ قولاً ليس بالكاذبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 إن سوادَ العينِ أَودي به ... حزنٌ على حَنظلةَ الكاتبِ ومات حنظلة في إمارة معاوية بن أبي سفيان، ولا عقبَ له. ومن بني أسيِّد هند وهالة: ابنا أبي هالة، وكانا رَبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأدركا الإسلام فأسلما. وأبو هالة اسمه زُرارةُ بن النَّباش بن وَقدان بن حبيب بن صُرَدِ بن سلامة بن جِروةَ بن أسيِّد بن عمرو بن تميم. وقُتل هندُ بن أبي هالة يومَ الجمل مع علي رضي الله عنه. وقُتل ابنُه هندُ بن هندٍ مع مصعب بن الزُّبير أيام المختار. وقيل: مات بالبصرة في الطاعون الجارف، فازدحم الناس على جنازته، وتركوا جَنائزهم، وقالوا: ابنُ ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونادت امرأة: واهنداهُ بن هنداهُ. فمال الناسُ إليه. وكان هند بن أبي هالة وصَّافاً فصيحاً. وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن وأتقن. وقد شرح أبو عبيد القاسم بن سلاَّمٍ وابنُ قتيبةَ وصفه ذلك لما فيه من الفصاحة وفوائد اللغة. وروى عنه أهلُ البصرة حديثاً واحداً، ذكره أبو عمر بن عبد البرِّ في كتاب الصحابة. فقال: حدَّثنا خلفُ بن قاسم أبو القاسم الحافظ قال: نا سعيد بنُ السَّكن قال: حدثني محمد بن جُبير بن عيسى الواسطيُّ بمصر قال: نا السَّريُّ بن يحيى عن مالك بن دينارٍ قال: حدثني هندُ بن خَديج زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: مرَّ النبي عليه السلام بالحكم أبي مروان بن الحكم قال: فجعل يَغمزُهُ. فالتفتَ إليه النبيُّ عليه السلام فقال: اللهمَّ اجعل به وزعاً. فرجف مكانه. والوزعُ الارتعاش. ومن بني أُسَيِّد حُرَيثُ بن السَّائِب الأسيديُّ: سمع الحسن. روى عنه ابن المبارك والنَّضرُ بن شُميل ومسلم بن إبراهيم. ومن بني العنبر بن عمرو بن تميم عامرُ بن عبد الله العنبريُّ: العابد، ويُكنى أبا عبد الله. وهو عامرُ بن عبد قيس من ولشد كعب بن جُندب. كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً، ولم يره. وهو من كبار التابعين، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 وكان خيِّراً فاضلاً. ورآه عثمانُ يوماً في دِهليزه، فرأى شيخاً ثطَّاً أَشغى في عباءة. فأَنكر مكانه، ولم يعرفْهُ. فقال: يا أعرابيُّ، أين ربُّك؟ قال: بالمرصاد. وسيَّره عبد الله بن عامرٍ إلى الشام بأمر عثمان. فمات هناك، ولا عقبَ له. ومنهم أبو بشرٍ الوليد بن مسلم العنبريُّ: " روى " عن خُبيب بن عبد الله وعن أبان مولى عثمان بن " عفان، وروى " عنه خالدٌ الحذّاء ومنصور. ومنهم أبو عبد الله سَوَّارُ بن عبد الله العنبريُّ: قاضي البصرة لأبي جعفر المنصور، وأقام قاضياً بها سبع عشرة سنةً، ووَلى صلاة البصرة مرتين. ومات وهو أميرها سنة ستٍّ وخمسين ومئة. وأبوهُ أبو السوَّار عبد الله بن قُدامة بن عَثرة من ولد كعب بن العنبر. روى عن أبي بَرزةَ الأسلميِّ. وروى عنه تَوبةُ العنبريُّ. ووَلى أيضاً قضاء البصرة مثل ابنهِ سوَّار. وابو السوَّار معدود في الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، قاله مسلم. وولى عبدُ الله بن سَوَّار القضاء بعد أبيه. ووليَ القضاء ابنُ ابنه أيضاً وهو سوَّار بن عبد الله. فَوَلوا القضاء أربعةً في نَسقٍ. وخرَّج عن سوار الأخير التِّرمذسُّ. وكان سوار أبو عبد الله فقيهاً، عدلاً، صالحاً. رُوي أن رجلاً من الأعراب تقدَّم إلى سوارٍ في أمر فلم يصادف عنده ما يجبُ، فاجتهد، فلم يظفر بحاجته، قال: فقال الأعرابيُّ، وكانت في يده عصاً: رأيتُ رؤيا ثم عبَّرتُها ... وكنت للأحلام عبَّارا بأنَّني أخبطُ في ليلتي ... كلباً، فكان الكلبُ سوَّارا ثم أنحى على سوَّار بالعصا، قال: فما عاتبهُ سوَّار بشيءٍ. ومات رجلٌ بالبصرة، كان لأبي جعفر المنصور عليه مال. وكانت عليه ديون للناس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 فكتب المنصور إلى سوَّار: بلغني أن فلاناً تُوفي، فانظر في تَركته، فاستوف منها مالنا قِبَلَهُ، واقسم ما بقي من الغرماء. فكتب إليه سوَّار: وصلني كتابُ أمير المؤمنين، وعلمتُ ما تضمَّنه، وإني قدَّمت كتاب الله على كتابه. وإنما أميرُ المؤمنين غريم من الغرماء، يَسعُهُ ما يسعُهُم. فكتب إليه المنصورُ: ملأتُ بك الأرض عدلاً يا سوَّارُ. ومنهم عبيد الله بن الحسن بن الحُصين القاضي: وهو ابن عمِّ سوَّار. وكان عبيد الله أحد الأدباء الفقهاء الصُّلحاء. وذكر ابن عائشة أن عبيد الله بن الحسن شهد عندَه رجلٌ من بني نَهشَلٍ على أمرٍ أحسبه دَيناً. فقال له: أتروي قول الأسود بن يَعفُر: نام الخليُّ فما أُحسُّ رُقادي؟ فقال له الرجل: لا. فردَّ شهادته، وقال: لو كان في هذا خيرٌ لروي شرف أهله. ومات عبيد الله بن الحسن سنة ثمانٍ وستين ومئة. ومنهم طلحة العنبريُّ أبو خلف: سمع الشعبيَّ، روى عنه موسى بن إسماعيل. ومنهم أبو هبيرة عبد الوارث بن سعيد العنبري، ويُعرف بالتنُّوري. سمع أيوب وإسحاق بن سُويد، روى عنه الثوريُّ وابنه عبد الصمد. وروى مسلم عن ابن ابنه عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث. ولم يكن عبدُ الوارث بن سعيد من أَنفس بني العنبر، وإنما كان مَولى لهم، ومَولى القوم منهم. وتُوفي بالبصرة في المحرَّم سنةَ ثمانين ومئة. ومنهم أبو عبد الله مَندَل بن علي العنبريُّ: الكوفي المحدِّث. روى عن ابن جريج عن إبراهيم بن مَيسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه قال: أبصر النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً وقد جلسن فاتكأ على يدهِ اليسرى. فقال: هذه جِلسةُ المغضوب عليهم. وماتَ مندل سنة ستٍ وسبعين ومئة. وأخوهُ حِبَّانُ بن علي: من حَملةِ الحديث. وروى مَندل وحِبَّان ابنا علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 عن يونس بن يزيد، عن عُقيل، عن أبن شِهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباسٍ قال: خيرُ الأصحاب الأربعة. ومنهم مُعاذ بن معاذٍ أبو المثنَّى العنبريُّ: وكان من جِلَّة المحدِّثين.. وتُوفي سنة ستٍ وتسعين.. وبنو العنبر الصَّميمُ من ولد إسماعيل شهد لهم بذلك النبيُّ عليه السلام. يُروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشةَ رضي الله عنها، وقد كانت نذَرت أن تُعتق قوماً من ولد إسماعيل فسُبيَ قومٌ من بني العنبر: " إنْ سرَّكِ أن تُعتق الصميم من ولد إسماعيل فأَعتقي هؤلاء ". وبنو العنبر يقال لهم خُضَّم. وفيهم يقول طريف بن تميم العنبريُّ في الجاهلية: حَولي أُسيِّدُ والهُجَيمُ ومازنٌ ... وإذا حللتُ فَحولَ بَيتي خُضَّمُ وقال أبو عبيدة مَعمر بن المثنى: والعنبرُ يسمَّى خُضَّم. وأولُ قصيدة طريف: أوَ كُلَّما وَردتْ عكاظَ قبيلةٌ ... بعثوا إليَّ عَريفَهم يَتوسَّمُ فتوَسَّمُوني إنَّني أناذاكمُ ... شاكٍ سِلاحي في الحوادثِ مُعْلَمُ تَحتي الأَغرَّ وفوقَ جِلدي نَثْرةٌ ... زَغْفٌ تَردُّ السيفَ وهْوَ مُثَلَّمُ نثرة: درع. والزغف: الواسعةُ، وقيل: اللينةُ. ومن العنبر بنو دُغَةَ بنت مغنج التي يقال فيها: " أحمقُ من دُغَةَ "؛ ودُغةُ: أبوها، هو ربيعةُ بن عِجْل بن لُجَيم، تزوَّجها عمرو بن جُندب بن العنبر فَوَلدت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 له. فبنوهُ يقال لهم: بنو دُغةَ. ولها أخبارٌ طربفة مُضحكة في الحمق. منها أنها لما أخذها الطَّلْقُ لم تدرِ ما في بطنها، فخرجت إلى البراز للتبرُّز، فوضعتْ ذا بطنها، ثم انصرفتْ إلى حاضنتِها، فقالت: يا هنتاهُ، هل يفتح الجَعْرُ " فاهُ "؟ قالت: نعم، ويَدعو أباهُ. وانصرفت الحاضنة فأتت بالمولود. وقال ابنُ عبد ربه في العقد: إنَّ دُغةَ من إياد بن نزار. وأمُّ العنبر والهُجيم وأسيِّد بني عمرو بن تميم أمُّ خارجة بنت سعد بن قُرادٍ من " بَجيلةَ ". ومنهم أبو الهُذيل زُفَرُ بن الهُذيل: صاحبُ الرأي. وكان قد سمع الحديث وغلبَهُ الرأيُ، ومات بالبصرة. وكان أبوهُ الهُذيل على إصبهانَ. ... ومنهم عبد الرحمن ... من كبار حَمَلة الحديث. روى عن مالك وغيره من الجلَّة الثقات. ومات سنةَ ثمانٍ وتسعين ومئة، وهو ابنُ ثلاثٍ وستين سنةً، ويُكنى أبا سعيد. ومنهم عباس بن عبد العظيم العنبريُّ: صاحب ابن معين. ومنهم بني الهُجيم بن عَمرو بن تميم، ويقال لبني الهُجيم " الحِبالُ " أبو تميمة الهُجَيميُّ: واسمه طريفُ بن مُجالدٍ، ذكره العُقيليُّ في الصحابة، وروى عنه حديثاً لا يصحُّ إسنادُهُ. ولا يُعرف في الصحابة أبو تميمةَ، والصحيحُ أنه تابعيٌّ بصْريٌّ، يروى عن أبي هُريرةَ وأبي موسى. وروى عنه قتادةُ وبكر بن عبد الله المُزَينُّي. قال: نا أبو حاتمٍ قال: قال أبو تميمة، وأَسرتْه الترك: ألا ليتَ شعري هل أبيتنَّ ليلةً ... وِسادي كفٌّ في السِّوارِ خضيبُ وبينَ بني سَلَّى وهَمدانَ مَجلسٌ ... على نأيهِ منِّى إليَّ حَبيبُ كرامُ المساعي يأمنُ الجارُ فيهمُ ....... الخطابِ مُصيبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وقال عمرو بن علي: كان أبو تميمةَ رجلاً من العرب، فباعه عمُّه، فأغلظتْ له مولاتُهُ. فقال لها: وَيحكِ إني رجلٌ من العرب. فلما جاء زوجها قالت له: ألا ترى ما يقول طريف؟ فسأله، فأخبره، فقال خذه هذه الناقة .... النفقة، فالحق بقومكَ. فقال: واللهِ لا ألحقُ بقومٍ باعوني أبداً. فكان ولاؤُهُ لبني الهُجيم حتى ماتَ. ومنهم أبو جُدَي الهُجَيميُّ: واسمُه سُليم بن جابر، وقيل: جابر بن سُليم، وهو الأصحُّ. له صحبةٌ وسماعٌ من النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو رَجاءٍ العُطارديُّ وأبو تميمة الهُجَيميُّ وعَقيل بن طلحة وغيرهم. وعِدادُهُ في أهلِ البصرة، وحديثه عندهم. ومن بني الحرث بن عمرو بن تميم، والحرثُ هو الحَبِطُ. وقيل له الحبطُ، لأنه أكل طعاماً فَحَبِط به. والنسبُ إليه حَبَطَي، بفتح الباء. ويقال لوَلدِه الحَبشطاتُ عبَّاد بن الحُصين الحَبَطُّي: وكان من فرسان العرب، مقدَّماً في تميم. ووَلى شُرطةَ البصرة أيام ابن الزُّبير. وكان مع مُصعب أيام المختار. وأبلى يوم أبي فُدَيكٍ الخارجيّ ما لم يُبلِهِ أحداً يُعدَلُ بألف فارس حتى رأيت عباداً. وكان ابنه جَهْضمُ، وبه كان يُكنى، مع ابن الأشعث، فقتله الحجاجُ. ومن بني مازن بن مالك بن عمرو بن تميم أبو عمرو بن العلاء بن عمَّار بن عبد الله بن الحُصين بن الحرث بن جُلهم بن خُزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم: وجدُّه عمار يَروي عن علي رضي الله عنه. فممَّا روى عنه ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في كتاب الصحابة عند ذكر عليٍّ وسياق فضائله. قال أبو عمر: حدثنا سعيد بن نصر قال: نا قاسمُ بن أَصبغ قال: نا محمد بن عبد السلام الخشني قال: نا أبو الفضل العباسُ بن محمد الرياشيُّ قال: نا أبو عاصمٍ الضحاكُ بن مَخْلدٍ عن مُعاذِ بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء عن أبيه، عن جدِّه قال: سمعت عليَّ بن أبي طالب يقول: ما أصَبْتُ من فِيكم إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 هذه القارة أهداها لي الدِّهقانُ. ثم نزلَ إلى بيت المال ففرَّقَ كلَّ ما فيه، ثم جعل يقول: أفلح مَن كانتْ لهُ قَوْصَرَّهْ يأكلُ منها كلَّ يومٍ مرَّهْ وأمُّ أبي عمرو عائشة بنت عبد الرحمن بن ربيعة بن بكر من بني حنيفة. ولحق من الصحابة أنسَ بن مالك وغيره ممَّن تأخَّر موتُه من شباب الصحابة، لكن لا تحفظُ له عن أحدٍ منهم رواية. وهو من القُرَّاء السَّبعة، قرأَ على جماعةٍ من التابعين، منهم مُجاهد وَسعيد بن جُبير وعِكرمةُ بن خالد وعبد الله بن كثير وعطاءُ بن رَباح وحُميدُ بن قيس الأعرجُ وأبو جعفر يزيدُ بن القعقاع وشيبةُ بن نِصاح ويزيدُ بن رومان والحسن بن أبي الحسن البَصري ويحيى بن يعمر. وأخذ قراءتهُ عنه أبو محمدٍ يحيى بن المبارك العَدَويُّ المعروف باليزيديِّ. وقيل له اليزيديُّ لصحبته يزيد بن منصور الحمْيريَّ خال المهديِّ. وروى عن اليزيديِّ قراءة أبي عمرو: أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صُهْبانَ الدُّوريُّ الأزديُّ. والدُّور موضع ببغداد. وأبو سُعيب صالح بن زياد بن عبد الله بن إسماعيل الرُّسْتُبيُّ السُّوسيُّ. وكان أبو عمرو ابن العلاء عالماً باللغة والنحو والشعر وأيام العرب إماماً في ذلك من أهل السُّنة، رحمهُ الله. واسمُه زُبانُ، وقيل: العُريانُ، وقيل: اسمُه كنيته. ونوفي بالكوفةِ سنة أربع وخمسين ومئة. واخوهُ أبو سفيان بن العلاء، واسمُه كنيته أيضاً. ولهمت أخٌ ثالث اسمُه مُعاذ. وفي أبي عمرو يقول الفرزدق: ما زلتُ أفتحُ أبواباً وأُغلقها ... حتى أتيتُ أبا عمرو بن عمَّار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 ومنهم عَبَّاد بن أَخضر المازِنيُّ: وأخضر زوجُ أمِّه. وهو عبَّاد أمِّهز وهو عبَّادُ بن علقمةَ، قاتلُ أبي بلال مِرداس الخارجيِّ وأصحابه، وقد مضى ذكرُ ذلك وجيزاً مُختصراً مُفيداً. ومنهم مالك بن الرَّيب: الشاعرُ، وكان منَ الفُتَّاكِ، وأهدرَ عثمانُ دَمه. وهو القائل في قصيدة رثى بها نفسه حين نهشتْهُ الحيةُ وهو طريدٌ: يقولون: لا تَبعَدْ وهمْ يدفُنونني ... وأينَ مكانُ البعدِ إلا مكانيا؟ ومنهم قطريُّ بن الفُجاءة: صاحبُ الأزراقة، وهو من كابية بن حُرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. وكان يُكنى أبا نعامة. وخرج زمنَ مُصعب بن الزُّبير، فبقيَ " أبعده اللهَ " عشرين سنةً يقاتل، ويُسلَّم عليه بالخلافة. كذا قال ابنُ قُتيبة في " المعارف ". وللمهلَّب بن أبي صُفرةَ معه وقائع كثيرةٌ، حتى اختلف كلمةُ الخوارج على قَطريٍّ، وصار مع عَبْدِ ربِّه الصغير مولى بني قيس بن ثعلبةَ بن عُكابةَ بن صَعب بن علي بن بكر بن وائل من الخوارج ... وهلال بن أَحْوز: .... " له " ... : لو يستطعْنَ إذا ضافتكَ مُجحِفَةُ ... وقَّيْنَكَ الموت بالآباء والوَلدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 ومن بني الجِرْماز بن عمرو بن تميمٍ أبو منصور المثنى بن عوف الجِرْمازي ... ووَلد الحرثُ بن تميم شَقِرة: واسمُه معاويةُ بنُ الحرث بن تميم. وقيل: إنَّ الحرث نفسَه هو شَقرة ببيتٍ قالهُ، هو: وقد اجملُ الرمح الأصمَّ كُعوبَهُ ... به من دماء القوم كالشَّقِراتِ والشَّقراتُ: شقائقُ النعمان، واحدتُها شَقِرة. فمن بني شقرة أسامة بن أَخدري السَّقَريُّ: له صحبةٌ، ونزل البصرة. وهو عمُّ بشير بن ميمون، وروى عنه. ومنهم المسيَّب بن شريكٍ: الفقيهُ. هكذا قال فيه أبو عمر احمد بن محمد ابن عبد ربه في كتاب " العقد " وقال مسلم في " الكنى " له: أبو سعيد المسيَّب بن شريك التميميُّ الكوفيُّ، متروكُ الحديث. ومن بني تميم صبيغُ بن عسل: الذي كان يُسأل عن متشابه القرآن. رُوي عن سليمان بن يَسار أن رجلاً من بني تميم يقال له صبيغ. فقال عمر: وأنا عبد الله عمر. ثم أهوى إليه، فجعل يضربه بتلك العراجين. فما زال يضربهُ حتى شجَّه، فجعل الدمُ يسيل على وجهه. فقال: حسبُك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب الذي كنت أجد في رأسي. وعن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد قال: أتى ناسُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنا لقينا رجلاً يُسأل عن تأويل القرآن، فقال: اللهمَّ أمكنِّي منه. قال: فبينا عمر ذات يوم يغدِّي الناس إذ جاءه وعليه ثيابُ " و " عمامة فتغدَّى، حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين،) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 والذارياتِ ذَرواْ، فالحاملات وقراً (. فقال عمرُ: أأنتَ هو؟ فقام إليه فحسَرَ عن ذراعيه، فلم يزل يجلِدُه بالدرَّة حتى سقطت عِمامته. فقال: والذي نفسُ عمرَ بيدهِ لو وجدتُك محلوقاً لضربتُ رأسك. أَلبسوهُ ثيابه، واحملوهُ على ... تقدَّموا به بلادَه، وليقم خطيباً، ثم ليقل: إنَّ صَبيغاً طلب العلمَ فأخطأهُ، فلم يزل وضيعاً في قدره ... وأمَّا الغوث بن مُرٍّ: فكان يلي الإجازة للناس بالحج من عَرفة، وولدهُ من بعدهِ. وكان يقال له ولولدهِ " صُوفة ". وإنما وَلي ذلك الغَوث بن مُر أن أمَّه كانت امرأةً من جُرهم، وكانت لا تلد. فنذرت لله إن هي وَلدت رجلاً أن تصدَّق به على الكعبة عبداً لها، يخدمُها، ويقوم عليها، فولدت الغوث. وكان يقومُ على الكعبة في الدهر الأول مع أخواله من جُرهم، فوَليَ الإجازة بالناس من عرفةَ لمكانه الذي كان به من الكعبة، وولده من بعدِه، حتى انقرضوا. فقال مُرُّ بن أُودٍّ لوفاءِ نذْرِ امرأتهِ أمِّ الغوث: إني جَعلتُ ربِّ مِن بَنيَّه ... رَبِيطةً بمكةَ العليَّه فبارِكَنَّ لي بها أليَّه ... واجعلْهُ لي من صالحِ البَرِيَّه وورث الإجازة بعد صوفةَ آلُ صفوان بن الحرثِ بن شحنة بن عُطارد بن عَوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مُرّ. وقد تقدَّم ذكرُ ذلك مُستوعَباً وجيزاً. وقال ابن قُتيبةَ في " المعارف ": صارت صوفةُ في اليمن. فمن الغوث بن مُر شُرحبيل بن حسنةَ: قال ابن هشام: هو شُرحبيل بن عبد الله أحدُ بني الغوث بن مُر أخي تميم بن مُر. وقال غيرُه شُرحبيلُ بن عبد الله بن المطاع بن عمرو، من كندةَ، حليف لبني زهرةَ، يُكنى أبا عبد الله، ونُسب إلى أمه حَسنة. وقال ابن إسحاق: أمُّه حسنة، امرأةٌ عُدوليَّة وولاؤها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 لمعمر بن حبيب بن وهب بن حُذافة بن جمح. وقال الزُّبير بن بكار: حسنةُ التي يُنسبُ إليها شُرحبيلُ بن عبد الله بن المطاع، تَبنَّته، وليس بابن لها. وكانت مَولاةً لمعمر بن حبيب. وقال أبو عمر بن عبد البرِّ كان شُرحبيل بن حسنة من مُهاجرة الحبشة، معدوداً في وجوه قريش، وكان أميراً على ربُع من أرباع الشام لعمر بن الخطاب. وتوفي في طاعون عَمَواس سنة ثمانَ عشرةن وهو ابنُ سبعٍ وستين سنة. وأخوه عبد الرحمن بن حسنة: له صحبةٌ. ولم يرو عن عبد الرحمن غيرُ زيد بن وهب الجهَني. وكان لشرحبيل ابنان: عبدُ الرحمن وربيعة، وهما المذكوران في حديث أبي ذر في مصر وأهلها. مسلم عن أبي بَصرة عن أبي ذَر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم ستفتحون مصر، وهي أرضٌ يُسمى فيها القيراط. فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمَّةً ورحماً " أو قال: " ذمة وصهراً ... ". ومن وَلده بكر بن مُضر: المحدِّث، وهو من الثقات. قال فيه أحمد بن إبراهيم بن أبي خالدٍ الطبيب في كتاب " التعريف بصحيح التاريخ " من تاليفه: هو أبو عبد الملك بكر بن مضَرَ المصريُّ من ولد شُرحبيل بن حسنة المَذْحجيُّ. ومات سنة أربع وسبعين ومئة. وقال فيه مسلم في الكنى: أبو محمدٍ، ويقال: أبو عبد الملك بكرُ بن مضَرَ بن محمد بن حكيم بن سلمان. سمع جعفر بن ربيعة، روى عنه ابنُ أبي مريم وقتيبةُ. قال المؤلف، غفر الله له: فممَّا روى قتيبةُ عن بكر بن مضر، هو قتيبة بن سعيد الثقفيُّ ما ذكره التِّرمذيُّ في جامعه. فقال: نا قتيبة، نا بكر بن مضر عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خبَّاب، عن أبي سعد الخدريَّ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه ويسلم يقول: " إذا رأى الرؤيا يحبُّها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدِّث بما رأى. وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ بالله من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنه لا تضُّرة ". قال: وفي باب عن أبي قتادة قال: وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وابن الهاد: أسمه يزيد بن عبد الله بن أسامه بن هاد المدني، وهو ثقة. وروى عنه مالك والناس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 وقال المؤلف، وفقه الله: نسب شرحبيل بن اسحاق إلى كندة. ونسبه ابن أبي خالد إلى المذحج، وكندة فخذ من مذحج، وجماع مذحج مالك بن أدَد. وكل من لم ينتسب إلى مالك فليس بمذحجي. وهو مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ. واختلف في معنى مذحج، فقيل: هي أم مالك نسِبَ إليها ولدها، وقيل: بل هي أكمة حمراء، ولد عليها مالك، فعرف بها ولده. وقيل: بل اجتمعوا إلى أكمة باليمين، والأكمة تسمَّى مذحجاً. فقالوا: تعالوا نجعل مذحجاً أمّاً فتمذحجوا. وأمَّا عمير بن إلياس بن مضر: فهو قمعه أخو مدركة وطابخة، وهو أبو خزاعة. قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحرث التَّيمي أن أبا صالح السَّمان حدَّثه انه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن جون الخزاعيَّ: " يا أكثمُ، رأيت عمرو بن لُحَيِّ بن قمعة بن خندق يجر قصبة في النار، فما رأيت رجلاً أشبه برجل منك به، ولا به منك ". فقال أكثم: عسى أن يضرَّني شبهه يا نبي الله. قال: " لا، انك مؤمن وهو كافر وإنه أول من غيرَّ دين إسماعيل فنصب الأوثان، وبحر البحيرة، وسيَّب السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي ". وحدث أبو بكر بن أبي شيبة: نا محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عُرضت علي النار فرأيت فيها عمرو بن لحيَّ بن قمعه بن خندف يجرُّ قصبة في النار، وهو أول من غير عهد إبراهيم فسَّيب السُّيَّب، وبحَّر البحائر، وحمى الحامي، ونصب الأوثان. وأشبه من رأيت به أكثم بن أبي الجون " فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني لي شبهه؟ قال: لا، إنك مسلم وهو كافر ". وأما بني إلياس، وهم: مدركة، وطابخة وقمعة، وخندف: وأسمها ليلى بنت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 عمرو بن الحاف بنت قضاعة. وخندفُ جِذم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم أشراف مضر. وحديث إلياس وبنيه وامرأته مشهور في كتب التَّواريخ. ذكر ابنُ إسحاق أن مدركة وطابخة كانا في إبلٍ لهما يرعيانها، فاقتنصا صيداً، فقعدا عليه يطبخانه. وعدت عاديةٌ على إبلهما. فقال عامر، وهو مدركةُ، لعمرو، وهو طابخةُ: أتدرك الإبل أم تطبخُ هذا الصَّيد؟ فلحق عامرٌ بالإبل، فجاء بها. فلما راحا على أبيهما، وحدَّثاهُ قال لعامر: أنت مُدركة، وقال لعمرو: وأنت طابخةُ. والخبزُ عند أهل العلم بالنَّسب في هذه القصة أطولُ من هذا، وأحسن سياقةً. واتى به ابن إسحاق مُختصراً. قال ابن إسحاق ومصعب الزُّبيريُّ: خُزاعةُ في مضر، وهم من ولد قمعة بن الياس بن مضر. وقال ابنُ إسحاق: خزاعة هو كعب بن عمرو بن لُحي بن قَمعةَ بن خندف. وقد ذكر أن ولد الياس بن مضر ينتسبون إلى أمِّهم خندف. ورُوي عن أبي حَصينٍ الوادعيِّ عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عَمرو بن لُحَيِّ بن قَمعةَ بن خِندفَ هو أبو خُزاعةَ. هذا قولُ نُسَّاب مضر وخُزاعةُ تأبى هذا، وتقول: نحن بنو عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرىء القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث، وخندفُ أمُّنا. ذكر هذا أبو عبيدة معمر بن المثنى وابن الكلبي. فعلى قول ابن إسحاق ومُصعب: خزاعة مُضريَّةٌ في عدنان، وعلى قول أبي عبيدة وابن الكلبيِّ: خزاعةُ قحطانيَّة في اليمن. وإنما سُميت خُزاعة، لأنهم تخزَّعوا من ولدِ عمرو بن عامرٍ، أي فارقوهم حين أقبلُوا من اليمن، يريدون الشام. فنزلوا بمرِّ الظَّهران بجنبات الحَرم، ووَلوُا حجابةَ البيت دَهراً. وخزاعةُ عَيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم حُلفاؤه، لأنهم حُلفاءُ بنس هاشم، ولنزول خزاعة في الحرم ومُجاورَتِهمْ قريشاً. قال ابن عباس: نزل القرآنُ بلغة الكَعَبيْنِ؛ كعب بن لؤي وكعب بن عمرو بن لُحَي. وقد أَدخلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في كتاب القضيَّة عامَ الحُديبية. وأَدخلت قريش بني بكر بن مناة معهم، فوقعت حرب بين خزاعة وبين بني بكر. فأعان مشركو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 قريش حلفاءهم بني بكر، ونقضوا بذلك العهد، فكان ذلك سبب فتح مكة لنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم حافءَه. وقال عليه السلام، حين قدم عليه عَمرو بن سالم مُستنصراً، وقد عرض له عنانٌ من السماء: " أنَّ هذه السحابة لتستهلُّ بنصر بني كعب ". وأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلةً لم يُعطها أحداً من الناس؛ أَن جعلهم مهاجرين بأرضهم، وكتب لهم بذلك كتاباً. فقال يفخرُ بذلك نُجَيدُ بن عمران في أبيات له يوم فتح مكة، وحُقَّ له أن يَفخر: وقد أنشأ اللهُ السحابَ بنصرنا ... رُكامَ سحاب الهَيدَبِ المتراكبِ وهجرتُنا في أرضنا عندنا بها ... أَنني من مُمْلٍ وكاتبِ ومن أَجانا حَلَّتْ بمكةَ حُرمةٌ ... لِندرِكَ ثأراً بالسيوف القواضبِ وهذه بطونُ خزاعة: كعب ومُليْحٌ وعديٌّ وسَعدٌ بنو عمرو بن ربيعةَ بن حارثةَ بن عمرو بن عامر، وربيعةُ بنُ حارثة هو لُحَي. وأَفصى بتُ حارثة أخو لُحيٍّ، يقال لولده أيضاً: خزاعةُ. وهم أسلمُ ومَلْكان ومالك بنو أَفصى لأنهم تخزَّعوا من بني مازن بن الأزد في إقبالهم معَهم من اليمن، ثم تفرقوا في البلاد. والاْنخراعُ: التقاعسُ والتخلُّفُ. قال محمدُ بن عبدة بن سليمان النسابة: افترقَت خُزاعةُ على أربعة شعوب؛ فالشعب الأول: ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، إلا بيتين من ربيعةَ بن حارثة، وهم بنو جفنةَ الذين بالشام في غسَّان. والشعبُ الثاني: أَسلمُ بن أَفصى. والشعب الثالث: مَلكان بن أفصى. والشعب الرابع: مالك بن أفصى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 فمن بني كعب بن عمرو بن ربيعة: غاضِرةُ بن حُبْشيَّة بن سلول بن كعب، وهو بطن، وكُليب بن حبشيَّةَ بطن، وقُمير بن حبشيَّة بطن، وحِزام بن عَمرو بن حبشيَّة بطن، وحُليلُ بن حبشيَّة بطن. فمن بني غاضرة عِمران بن حُصين بن عبيد بن خلف بن عبد نَهْم بن سالم بن غاضرة بن حُبشيَّة بن سلول بن كعب الخزاعيُّ الكعبيُّ: يكنى أبا نُجيدٍ بابنهِ نُجيد بن عمران. أسلم أبو هُريرةَ وعمرانُ بن حُصين عامَ خيبر. وقال خليفة بن خَياطٍ: استقضى عبدُ الله بن عامر عمران بن حُصين على البصرة، ثم استعفاهُ فأَعفاهُ. وكان عمران بن حُصين من فُضلاء الصحابة وفُقهائهم. يقول أهل البصرة: إنه كان يرى الحفظَة، وكانت تُكلِّمهُ، حتى اكتوى. وقال محمد بن سيرين: أفضلُ من نزل البصرةَ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين وأبو بكرةَ. سكن عمرانُ البصرة ومات بها سنة اثنتين وخمسين في خلافة معاوية. رَوى عنه جماعةٌ من تابعي أهل البصرة والكوفة. ومنهم سعيدُ بن سارية: ولى شرطة علي بن أبي طالب. ومنهم أبو جُمعة: جدُّ كُثيرِّ عزة لأبيه. ومن بني كليب بن حُبشيَّة مُعتِّب بن عوف بن عامر بن الفضل بن عفيف بن كُليب بن حُبشيَّة: شهد بدراً. وهو من خلفاء بني مخزوم، وهو الذي يقال له مُعتِّب بن حمراءَ، وكان يُدعى عَيْهامة. ويقال للناقة، إذا طال عنقُها، عَيْهامة. ومنهم خِراشُ بن أُميَّة: وهو الذي بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش بمكة حين صدُّوهُ عن البيت في عُمرة الحديبية، وحمله على بعيرٍ له، يقال له الثعلب، ليُبلِّغَ أشرافهم عنه ما جاء له فَعَقروا به جملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله، فمنعتْهُ الأحابيشُ، فخلَّوا سبيلهُ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وخراش هو قاتل أبن الأثْوغِ الهُذْلي في الغد من يوم فتح مكة. وقال سعيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 بن المسيَّب: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنَعَ خِراشُ بن أمية بابن الأثوغ قال: " إن خراشاً لقتَّال " يعيبُه بذلك. ومن بني قُمير بن حُبشيَّة ذُؤيبُ بن حَلحَلة: ويقال: ذؤيبُ بن حبيب بن حلحلة بن عمرو بن كُليب بن أَصرم بن عبد الله بن قُمير بن حُبشيَّة. كان ذؤيب هذا صاحب بُدن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان يبعث معه الهَدْيَ، ويأمره إن عَطب منه شيءٌ قبل محلِّه أن يَنْحره، ويخلي بين الناس وبينه. روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن سنان بن سلمة، عن ابن عباس أن ذُؤيباً أبا قُبيصةَ حدَّثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبدن، ثم يقول: " إن عطب منها شيء قبل مَحلِّه فخشيتَ عليهِ مَوتاً، فانْحرْها، ثم اغمس نعلها في دمِها، ثم اضرب به صفحتها، ول تَطعَمْها أنت، ولا أحد من أهل رُفقتك ". شهد ذؤيب الفتح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسكن قُديداً، وله دارٌ بالمدينة، وعاش إلى زمن معاوية. وابنه قبيصةُ بن ذؤيب: ولد في أول سنةٍ من الهجرة. وقيل: ولد عام الفتح. يكنى أبا إسحاقَ، قيل: أبا سعيدٍ. روى عن أبى الدَّرداء وأبى هُريرة وزيد بن ثابتٍ وجماعةٍ من الصحابة. روى عنه الزهريُّ ورجاءُ بن حيوةَ ومكحول. وكان ابنُ شهاب إذا ذكر قبيص بن ذؤيب قال: كان من علماء هذه الأمة. توفي سنةَ ستٍ وثمانين، وله ست وثمانون ...... وذكرهُ في الطبقات، وقال: كان مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال زمن عمر بن الخطاب. وهو من جلَّة تابعي أهل المدينة وعلمائها، ويُكنى أبا محمد. روى عن عُمر وغيره من كبار الصحابة. وروى عنه عُروةُ بن الزُّبير وحُميدُ بن عبد الرحمن. وتوفي سنة إحدى وثمانين، وهو ابن ثمان وسبعين سنةً بالمدينة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 وأخوه عبد الله بن عبد: من ولده عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ، من شيوخ مالكٍ. روى عنه في كتاب " الأَقضية " ما نصُّه: مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القارسِّ، عن أبيه أنه قال: قَدم على عُمر بن الخطاب رجلٌ من قبل أبي موسى الأَشعري، فسأله عن الناس فأَخبرهُ، فقال له عمر بن الخطاب: هل مِن مُغرِّبةِ خبرٍ؟ فقال: نعم، رجلٌ كفر بعد إسلامه. قال: فما فعلتُم به؟ قال: قرَّبناه فضربنا عنقه. فقال عمر: أفلا حَبستموه ثلاثاً وأطعمتموهُ كلَّ يوم رغيفاً واسْتَتَبْتُموهُ، لعلَّه يتوبُ ويراجع أمرَ الله؟ ثم قال عمر: اللهمَّ إني لم أَحضُر، ولم آمُرْ، ولم أرض إذ بَلغَني. وابنه يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد الله: خرَّجَ مسلم عن واحدٍ عنه في صحيحه كثيراً. وأما أسدُ بن خُزيمة: فولد دُودانَ وكاهلاً وحُلمة وغيرهم. وأمُّهم أَودةُ بنت زيد أختُ نهدٍ وجُهينة ابنا زيد بن ليث بن سودِ بن أسلم بن الحافِ بن قُضاعةَ. فمن بني غَنم بن دُودانَ زينبُ بنتُ جحشٍ: زوجُ النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بنتُ عمَّته أُميمة. وإخوتُها عبدُ الله، وهو المجدَّعُ في الله. وأبو أحمدَ، وكان أعمى، وعُبيد الله، وأختاها: " حَمْنةُ " وحبيبةُ. فأما أبو أحمد الأعمى: واسمُه عبدٌ فكان هو وأخوهُ عبدُ الله من المهاجرين الأولين. وكان يمشي مكة أسفلها وأعلاها بلا قائدٍ. وكان شاعراً مُجيداً، وهو القائل، يذكر هجرة بني أَسدِ بن خُزيمةَ من قومهِ إلى تبارك وتعالى، وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم، و، ويعابَهم في ذلك حين دُعوا إلى الهجرة: لو حَلفتْ بين الصَّفا أمُّ أحمدٍ ... ومَروتِها باللهِ برَّت يَمينُها لنحنُ الأُلى كنَّا بها ثم لم نزلْ ... بمكةَ حتَّى عادَ غَثَاً سَمنُها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 بِها خَيَّمتْ غَنمُ بنُ دُودانَ وابْتَنتْ ... وما إنْ غدتْ غَنمٌ وخفَّ قَطينُها إلى اللهِ تَغدو بينَ مَثْنى وواحدٍ ... ودْنُ رسولِ اللهِ بالحقِّ دِينُها وله وفي ذلك مُتَخيَّرٌ من قصيدة: إلى اللهِ وجهي والرسولِ ومَن يَقُمْ ... إلى اللهِ يوماً وجههُ لا يُخيَّبُ فكم قد تَركنا من حبيبٍ مُناصِحٍ ... وناصحةٍ تَبكي بدمعٍ وتَندُبُ تَرى أنَّ وِتْراً نَأْيُنا عن بلادِها ... ونحن نرى أنَّ الرَّغائبَ نَطلُبُ دَعوتُ بني غَنمٍ لحقنِ دمائهم ... وللحقِّ لمَّا لاحَ للناسِ مِلْحَبُ أجابوا بحمدِ اللهِ لمَّا دعاهُمُ ... إلى الحقِّ داعٍ والنَّجاحِ فأَوْعَبُوا ورِعنا إلى قولِ النبيِّ محمدٍ ... فطابَ أُلاتُ الحقِّ منَّا وطُبَّبُوا نَمتُّ بأرحامٍ إليهمْ قَريبةٍ ... ولا قُرْبَ للأَرحامِ ما لم تُقرَّبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 واستُشهد عبدُ الله بن جحشٍ يومَ أُحدٍ. وأما عُبيدُ الله بن جَحشٍ: فهو الذي تنصَّر بأرض الحبشة، وماتَ بها نصرانياً. وأما أختُها حَمنَةُ بنت جَحشٍ: فهي من المهاجرات، ومن أصحاب الإفكِ. وكانت تحت مُصعب بن عُمير العبدري، فقُتل عنها يومَ أُحدٍ، وتزوَّجها بعدهُ طلحةُ بنُ عبيد الله، وهي أمُّ ولده محمد السَّجاد المقتول مع عائشةَ يوم الجمل. وأما أختُها حَبيبةُ بنت جحش: ويقال: أمُّ حَبيبة، وهو المشهورُ. فهي أيضاً من المهاجرات، وكانت تُستحاضُ، هذا هو الصحيح، ووَهِمَ مالك رحمهُ الله في الموطَّأ في قوله: زينبُ بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت تُستحاضُ. ولم تكن زينب قطُ تُستحاضُ ولا كلنت تحتَ عبد الرحمن بن عوف، وإنما كانت تحت زيد بن حارثة، ثم بعده، تحتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي كانت عند عبد الرحمن بن عوف هي أمُّ حبيبة بنتُ جحش، روى ذلك هشامُ بن عروة عن أبيه، عن زينب بنت أبي سَلمة أن أمَّ حبيبة بنت جحش، وذكر الحديث. وكذلك رواه يحيى بن سعيد عن عَمرة، عن زينب بنت أبي سلمة أن أمَّ حبيبة. وروى الزُّهريُّ حديثهما مُسنداً عن عروة، عن عائشة أن أمَّ حبيبة بنت جحش امرأة عبد الرحمن بن عوف سألت النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وخرَّجَه ابن الجارود في " المنتقى " عن عروة عن عائشة، قال الجاروديُّ: حدَّثنا محمد بن يحيى قال: نا عبدُ الله بن يوسُف الدِّمشقي قال: نا بكرُ بن مضر قال: نا جعفر بن ربيعة عن عراك، عن عروة، عن عائشة قالت: إنَّ أمَّ حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم الدَّمَ، فقال لها: " امكُثي قَدر ما كانت تَحبِسُكِ حَيْضَتُك، ثم اغتسلي ". قالت: وكانت تغتسلُ عند كلِّ صلاةٍ. وهذا الحديث بعَينه خرَّجه مسلم كما نصَّه ابنُ الجارود سواءً عن عروة، عن عائشة. ومن بني غنم بن دُودان عُكاشة بن مَحْصن بن حُدْثان بن قيس بن مُرَّةَ ابن كبير بن غنم بن دُودان بن أسَدِ بن خزيمة: يكنى أبا محصنٍ، وهو قديمُ الإسلام، شَهد بدراً، وكان من فضلاء الصحابة، وأبلى يوم بدرٍ بلاء حسناً، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 حتى تقطَّع سيفُه في يده. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جِذلاً من حطب، فقال: " قاتل بهذا أبا عكاشة ". فلما أخذهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزَّه، فعاد سيفاً في يدهِ، طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة. فقاتل به حتى فتح اللهُ على المسلمين. وكان ذلك السيف يسمى العون، لم يزل معه يَشهد به المشاهد الشجاعة، شديد البأس على المشركين. ولما أغار عُيَينةُ بن حصن الفِزاريُّ على لِقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمون في آثارهم، وهي غَزوة ذي قَرَدٍ، فأدركَ عكاشةُ أوْباراً وابنه عَمرو بن أَوبار، وهما على بعيرٍ واحد، فانتظمهما بالرمح فقتلهما. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " منَّا خيرُ فارس في العرب ". قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: " عكاشة بن محصنٍ ". فقال ضِرار بن الأزور الأسدي: ذلك رجلٌ منا يا رسول الله. قال: " ليس منكم، ولكنه منَّا للحِلف ". وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمعه يقول: " يدخلُ الجنةَ سبعون ألفاً من أمَّتي على صورة القمر ليلة البدر ". فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم. قال: " اللهمَّ احعله منهم ". فقام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم. قال " سبقكَ عُكاشةُ وبردتِ الدعوةُ ". وروى حمَّاد بن سلمة عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عُرضتْ عليَّ الأمَمُ بالموسمِ، فراثَت عليَّ أمتي. ثم رأيتهم فأعجبني كثرتُهم؛ قد ملؤوا السهل والجبل، فقال: " محمدُ، أرضيتَ؟ ". قلت: " نعم ياربِّ ". قال: " فإنَّ لك مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنةَ بلا حساب، هم الذين لا يسْتَرقون، ولا يَكْتوون، ولا يتطيَّرون، وعلى ربهم يتوكلون ". فقال عُكاشةُ بن مِحصَن: ادعُ الله ان يجعلني منهم. فدَعَا لهُ. فقام رجلٌ أخر فقال: يا رسول الله ادعُ اللهَ أن يجعلني منهم، فقال سبقك بها عكاشة ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 وقال البخاريُّ: حدثنا مُعاذ بن أسد قال: نا عبد الله، قال: نا يونسُ عن الزهريِّ قال: حدثني سعيدُ بن المسيَّب أن أبا هُريرة حدَّثه قال: نا سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يدخلُ الجنة من أمتي زمرةٌ هم سبعون ألفاً تُضيء وجوهُهم إضاءةَ القمر ليلة البدر ". قال أبو هُريرة: فقام عُكاشةُ بن مِحصَن الأسديُّ يرفع نَمِرةً عليه. فقال: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم. فقال: " اللهمَّ اجعلهُ منهم ". ثم قام رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله ادعُ الله أن يجعلني منهم. قال: " سبقك بها عكاشةُ ". قال بعض أهل العلم: إن ذلك الرجل كان منافقاً، فأجابه بمعاريض من القول. وكان صلى الله عليه وسلم لا يكادُ يمنعُ شيئاً من يسأله إذا قَدرَ عليه. وكان عكاشةُ من أجمل الرجال. روى عنه من الصحابة أبو هُريرة وابنُ عباس. وتُوفي في خلافة أبي بكر الصديق يوم بُزاحة في الرِّدة. قتله طُليحةُ بن خُويلدٍ الأسديُّ، وقَتل معه ثابتَ بن أقرمَ البلوي حليف الأوس في يومٍ واحد سنة إحدى عشرة من الهجرة. واْشتركَ طُليحة وأخوهُ في قتلهما جميعاً. وكان طليحةُ تنبَّأ في بني أسدٍ، وكان معه عُيينة بن حصنٍ في بني فَزارةَ، ثم أسلم بعدُ، فحسُن إسلامه. وقال له عمر بن الخطاب بعد ما أسلم: لا أُحبُّك بعد قتلك الرجلين الصالحين، يعني عُكاشة وثابتاً. فقال: يا أمير المؤمنين أَكرمَهُما اللهُ بيدي، ولم يُهِنِّي بأيديهما. وأبلى طُليحةُ في فتوح العراق بلاءً حسناً، وكان له فيها غَناء عظيم. حدَّث بقيُّ بن مَخْلدٍ قال: نا أبو بكر بن أبي شيبةَ قال: نا ابن عُيينة عن عبد الملك بن عُمير قال: كتب عمرُ إلى النعمان بن مُقرِّن: استشِر واستعِن في حَربك بطُليحة وعمر وبن معد يكرب، ولا تُولِّهما من الأمرِ شيئاً، فإن كلَّ صانع هو أعلمُ بصناعته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 وأبو سنان بن محصنٍ: أخو عكاشة، وابنه سنانُ بن أبي سنان ممَّن شهد بدراً. وأسلم أبي سنان وهب على اختلاف في اسمهِ، والأشهرُ وهب. وروى وكيعٌ عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن الشعبي قال: أولُ من بايع بيعة الرِّضوان أبو سنانٍ الأسديُّ. وحدَّث سفيان بن عُيينة عن إسماعيل، عن الشعبيِّ قال: أولُ الناس بايع يوم الحديبية أبو سنان انتهى إلى النبي عليه السلامُ تحت الشجرة وقد دعا الناس إلى البيعة، فقال: يامحمدُ، ابسط يدك أبايعْك. قال: " علامَ تُبايع؟ " قال: أبايعُ على ما في نفسك. وقيل: إنَّ ابنه سناناً بايع بيعة الرضوان، والأكثرُ الأشهرُ أبو سنان. وأختُهما أمُّ قيس بنتُ محصنٍ: من المهاجرات الأُول. وبايعت النبيَّ عليه السلام. روى عنها من الصحابة وابِصةُ بن مَعبدٍ، وروى عنها من التابعين عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعودٍ. مالك عن ابن شهاب، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة بن مسعود، عن أمِّ قيس بنت مِحصنٍ أنها أتت بابن لها صغيرٍ، لم يأكل الطعامَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجْرهِن فبالَ على ثوبهِ. فدعا رسولُ الله بماء فنضخهُ، ولم يغسلْهُ. مسلم: حدَّثني حَرملةُ بن يحيى قال: نا ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد أنَّ ابن شهابٍ اخبره قال: نا عُبيدُ الله بن عبد اله بن عُتيبة بن مسعود أن أمَّ قيس بنت مِحْصنٍ، وكانت من المهاجرات الأُول اللائي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أخت عُكَّاشةَ بن محصن أخي بني أسد بن خزيمة قال: أخبرتني أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها، لم يبلغْ أن يأكل الطعام، وقد أعلقت عليه من العُذرة. قال يونسُ: أَعلقت: غَمرت فهي تخافُ أن تكون به عُذرة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " على مَه تَدْغرون أولادكم بهذا العِلاق؟ عليكم بهذا العودِ الهندي ". يعني به الكُسْتَ، فإن فيه سبعة أَشْفيةٍ، منها ذاتُ الجنب. قال عُبيدُ الله: وأخبرتني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 أن ابنها ذاك بالَ في حجرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه على بولهِ، ولم يَغسلهُ غسلاً. ومن بني غنم بن دُودان مُحرزُ بنُ نَضلةَ بن عبد الله بن مُرَّةَ بن كَبير بن غَنم بن دُودان شهد بدراً، وكان فارساً، ويقال له الأخرمُ وقُميراً، استُشهد في حين غارة عُيينة بن حصنٍ الفزاريِّ على لِقاحِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غطفان. وكان أول من نَذرَ بهم سَلَمةُ بن الأكوع الأسلميُّ، وأول من لحقهم مُحرِزٌ هذا على فرسٍ لمحمود بن مَسلمةَ الشهليِّ الأوسيِّ أخي محمد بن مَسلمة. ومحمود هو الذي مات بشدْخ الرَّحَى في غزوة خَيبر. فقال لهم مُحرزٌ: قِفُوا معشر اللَّكيعة حتى يلحق بكم مَن وراءكم من المهاجرين والأنصار. فحمل عليه رجلٌ منهم فقتله رحمةُ الله عليه. وقال ابنُ عبد البر في كتاب " الصحابة " في باب الأخرم من حرف الألف: قتل محرزاً عبد الرحمن بن عُيينة بن حصنٍ. ولم يُقتل من المسلمين غيره على ما قال ابن إسحاق. وقال ابن هشام: وقُتل يومئذ من المسلمين مع مُحرزٍ وَقاصُ بن مُجَزِّز المُدْلجيُّ فيما ذكر غيرُ واحدٍ من أهل العلم. وقال مسلم: إنَّ الذي أغار على اللَّقاح عبد الرحمن الفزاريُّ: قال ابو عمر بن عبد البرِّ: هو عبد الرحمن بن عُيينة بن حصن. وقال غيره: ولا يَبعد ان يكون عبد الرحمن بن عُيينة كان في مقدمة أبيه، فأسرع الغارةَ على اللقاح، ثم لحقه أبوهُ. فيصحُّ ما رواه ابنُ إسحاق ومسلم. وقَتل أبو قَتادة الحرث بن ربعي السَّلميُّ الخزرجيُّ، وهو فارسُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، حبيب بن عُيينة بن حِصن. وكان بنو غَنم بن دُودان أهل إسلام. قد أَوْعَبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرةً رجالهم ونساؤُهم. منهم من ذكرنا قبلُ، ومنهم شجاع بن وهب بن ربيعة، وأخوه عقبةُ بن وهب، ويزيد بن رُقَيش بن رِئاب ابن عمِّ عبد الله بن جحش بن رئاب. وربيعة بنُ أكثم بن سَخْبَرةَ، ومحمد بن عبد الله بن جحشٍ. وجميعُهم بدريون رضي الله عنهم. ومنهم: عمرو بن محصنٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 أخو عُكَّاشةَ، شهد أُحُداً، ولم يشهد بدراً. وكلُّ من ذكر من بني غَنم بن دودان كانوا حلفاء بني أسدٍ. وفي بني دودان يقول امرؤ القيس لقتل بني أسدٍ أباه: قُولا لدُودانَ عبيدَ العصا ... ما غَرَّكمْ بالأسد الباسلِ؟ قد قَرَّتِ العَينانِ من مالكٍ ... ومن بني عمرو ومن كاهلِ ومن بني غَنم بِن دُودان إذْ ... نقذفُ أعلاهُمْ على السافلِ نَطعنُهمْ سُلكي ومَخْلوجةً ... لفتكَ لأَميْنِ على نابلِ ومن بني ثَعلبة دُودان عمرو بن شأس بن عُبيد بن ثعلبة بن رُؤيبة بن مالك بن الحارث بن سعد بن ثعلبة بن دُودان: له صحبةٌ ورواية. وهو ممن شهد الحديبية، وممَّن شُهر بالبأس والنجدة. وكان شاعراً مطبوعاً، يُعدُّ في أهلِ الحجاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 وهو أبو عرارٍ، وكان عِرارٌ أسودَ من أمةٍ سوداء، وكان نجيباً، وكان أبوهُ يحبه. وكانت امرأته أمُّ حسان تُؤذي عِراراً، وتُعيِّره به. فقال يعاتب امرأته من قصيدةٍ: أرادتْ عِراراً بالهوانِ ومَن يُردْ ... عِراراً، لَعَمري بالهوانِ، فقد ظَلمْ فإن كنتِ مني أو تريدينَ صُحبتي ... فكوني له كالسَّمنِ رَبَّبهُ الأدَمْ وإنَّ عراراً إن يكنْ غيرَ واضحٍ ... فإني أحبُّ الجَون ذا المنكِب العَمَمْ يُروى عَراراً بالفتح، وعِراراً بالكسر. فالعرار بالفتح: شجر. والعرار بالكسر: صِياحُ الظَّليم. وخبرُ عِرار مع عبد الملك بن مروانَ حين بعثه إليه الحجاجُ رسولاً صحيح مشهور. وعمرو بن شأسٍ هو القائل: إذا نحنُ أَدْلَجنا وأنتَ أمامنا ... كفى لمطايانا بوجهِكَ هاديا أليسَ يزيدُ العِيسَ خِفَّةَ أذرُع ... وإن كنَّ حَسرى أن تكونَ أمامِيا وقال أبو عمرو الشيبانيُّ: جَهدَ عمرو بن شأس أن يُصلح بين ابنه وبين امرأتهِ فلم يُمكنه ذلك، فطلَّقها، ثم نَدم ولامَ نفسَه، فقال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 تَذكَّر ذكرى أمِّ حسَّانَ فاقْشَعرْ ... على دُبرٍ لمَّا تبيَّن ما ائْتَمرْ تذكرتُها وهناً وقد حالَ دونَها ... رِعانٌ وقِيعانٌ بها الماءُ والشجر فكنتُ كذاتِ البَوِّ لمَّا تَذكَّرتْ ... لها رُبَعاً حنَّتْ لمعهدِهِ سَحَرْ ومن حديث عمرو بن شأس ما حدَّث أبو بكرٍ أحمدُ بن زهير أبي خَيثَمةَ: نا أبي، نا يعقوب بن إبراهيم بن سَعدٍ، نا أبي عن ابن إسحاق، عن أبان بن صالحٍ، عن الفَضْل بن معقل بن سنان، عن عبد الله بن دينار، عن عمرو بن شأسٍ قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " قد آذيْتَني ". فقلت: ما أحبُّ أن أؤذِيَك. فقال: " مَن آذى علياً فقد آذاني ". وذكر الطبريُّ هذا الحديث في ذيل المذَّل له، وقال فيه: إنَّ عمراً كان مع عليٍّ في بَعثٍ، فرأى منه بعض الجفاء، فلما قدِم عليَ من البَعث شكاهُ عَمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له مثل ما في حديث ابن أبي خَيثَمة. ومن بني عَمرو بن أسد خُريمُ بن فاتك: وهو خُريم بن الأخرم بن شدَّاد ابن عمرو بن الفاتك بن القُليب بن عمرو بن أسد بن خزيمةَ. أبوه الأخرم، يقال له فاتك. وقيل: إن فاتكاً هو ابنُ الأخرم، ويكنى خُريم أبا يحيى. وقيل: أبا أيمن، بابنه أيمن، قال ذلك البخاريُّ. وأخوهُ سَبْرةُ بن فاتك: قيل: إنهما شهدأ بدرا. ولم يذكرهما ابن إسحاق في البدريين، وذكرهما غيرُه. وكان خُريم شاعراً، وابنُه أيمن بن خُريم كذلك. وأسلم أيمنُ يوم الفتح، وهو غلامٌ يفاع. وروى عن أبيه وعمَّه. وقال الدارَقُطنيُّ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 قد روى أيمنُ بن خُريم عن النبي عليه السلامُ. أما أنا فما وجدتُ له روايةً إلا عن أبيه وعمه. وحدَّث محمدُ بن حازم أبو معاوية الضريرُ السُّلميُّ مَولى لهم عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشعبيِّ، قال: أريل مَروان إلى أيمن بن خُريم: ألا تتَّبعُنا على ما نحن فيه؟ فقال: إن أبي وعمي شهدا بدراً، وإنهما عَهدا إليَّ ألا أقاتل رجلاً يَشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمداً رسولُ الله. فإن جئتني ببراءةٍ من النار فأنا معك. فقال: لا حاجةَ لنا في معونتك. فخرج وهو يقول: ولستُ بقاتلٍ رجلاً يصلِّي ... على سُلطانِ آخرَ من قُريشِ لهُ سلطانُهُ وعليَّ إثمي ... معاذَ الله من سَفَهٍ وَطيشِ وطلب مروان من أيمن الاتباع حين خروجه إلى مرج راهطٍ حيث قُتل الضحاك ابن قيس الفهريُّ. وكان أيمن أبرص، وكان مع بني مروان يُسامرهم ويُؤاكلهم. ذكر ذلك ابن قتيبة في " المعارف ". وقال: أيمن بن خريم، وأحسن فيما قال وأجاد: إذا المرءُ وفَّى الأربعين ولم يكن ... له دونَ ما يأتي حياءٌ ولا سِتْرُ فدعْهُ ولا تَنْبِسْ عليه الذي ارتأى ... وإن جدَّ أسباب الحياة له العُمْرُ ومن بني غاضرة بن مالك بن ثعلب بن دودان زرُّ بن حبيش بن حباشة: يكنى أبا مريم، أدرك الجاهلية، ولم يرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم. وهو من جلَّة التابعين، ومن كبار أصحاب ابن مسعود. أدرك أبا بكر وعمر، وروى عن عمر وعلي. روى عنه الشعبيُّ وإبراهيم النخعيُّ، وكان عالماً بالقرآن، قارئاً فاضلاً. قرأ على عثمان وابن مسعود. وهو من رجال عاصم بن بهدله؛ أحد القراء السَّبعة. وتوفي سنة ثلاث وثمانين، وهو ابن مئة وعشرين وكان أسنَّ من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 أبي وائل. روى أبو بكر بن عيَّاش عن عاصم بن أبي النجود. واسم أبي النجود عبد. وبهدلة أمُّ عاصم. قال: كان زر أكبر من أبي وائل، فكانا إذا جلسا جميعاً لم يحدِّث أبو وائل مع زر. وقال إسماعيل بن أبي خالدٍ: رأيت زرَّ بن حبيش تختلج لحياه من الكبر، وهو يقول: أنا ابن عشرين ومئة سنةٍ. يعدُّ في الكوفيين. ومات زرُّ بدير الجماجم. وكان أعرب الناس، كان عبد الله بن مسعودٍ يسأله عن العربية. ومن بني أسد، غير منسوب إلى بطنٍ، وهو من أنفُسهم شقيق بن سلمة: أبو وائلٍ، صاحب ابن مسعودٍ. أدرك الجاهلية، قال: بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأنا شاب ابن عشر حججٍ، أرعى إبلاً لأهلي. وقال: أتانا مُصدِّق النبيِّ عليه الصلاة والسلام، وأنا غلام يومئذ. فكان يأخذ الصدقة من كلِّ خمسين ناقةً ناقةً وأتيته بكبش فقلت: خذ من هذا صدقته، فقال: " ليس في هذا صدقة ". وروى ابن معاوية الضرير عن الأعمش قال: قال لي شقيق بن سلمة: يا سليمان، لو رأيتني، ونحن هرَّاب من خالد بن الوليد يوم بزاخة، فوقعت عن البعير، فكانت عنقي تندقُّ. ولو مت يومئذٍ كانت النار. قال: وكنت يومئذ ابن إحدى وعشرين سنةً. قال المؤلف عفا الله عنه، وآتاه رحمةً من لدُنُه: كان يجب أن يكون أبو وائل ابن أربع وثلاثين سنةً يوم بزاخة على قوله إنه كان ابن عشر سنين حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهمَّ إلا أن يريد بالبعث الهجرة، فحينئذ يصحُّ كونه يوم بزاخة ابن إحدى وعشرين سنةً. وممَّا يؤيد أنه أراد بالبعث الهجرة رواية هُشيمٍ عن مغيرة، عنه أنه قال: أتانا مصدَِق النبي عليه السلام وأنا غلام يومئذ. ولو كان عند البعث ابن عشرٍ لم يكن عند أخذ النبي الصدقة غلاماً. وكانت أمُّ أبي وائلٍ نصرانيةً، وكان له خصُّ يكون فيه هو وفرسه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 فكان إذا غزا نقضه، وإذا رجع أعاده. وروى حماد بن زيدٍ عن عاصم بن أبي النُّجود قال: أدركت أقواماً يتَّخذون هذا الليل جملاً، إن كانوا ليشربون نبيذ الجرَّ، ويلبسون المعصفر، ولا يرون بذلك بأساً. منهم أبو وائل وزرُّ بن حبيش. ومات أبو وائل زمنَ الحجاج بعد " الجماجم ". ومات زِرٌّ قبلهُ. وقال الحافظ أبو نُعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهانيُّ في كتاب رياضة المتعلمين له: حدثنا أبو عليِّ بن الصوَّاف: نا محمد بن عثمان بن أبي شَيبة: نا إسماعيل بن بهرام: نا أبو بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النُّجود قال: كان أبو وائلٍ عثمانياً، وكان زرُّ بن حُبيش عِلوياً، وكان مُصلاّهما في مسجد واحدٍ، ما رأيتُ واحداً منهما قطُّ يكلِّم صاحبه في شيء، فما هو عليه حتى ماتا. وكان أبو وائل معظِّماً لزرٍّ. قال المؤلف أعزَّه الله بتقواه، وأعانه على العمل الصالح الذي يرفعه، وقوَّاه: أبو عليِّ بنُ الصوَّاف: الذي روى عنه الحافظ أبو نُعيم اسمُه محمدُ بن أحمد بن الحسن، وروى عن ثقات، منهم محمدُ بن عثمان بن أبي شيبة المذكور في هذا الحديث. ويوسف القاضي: وهو يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم ابن عم القاضي أبي إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل ابن حماد. وحماد بن زيد بن درهم: جدُّهما من أئمة المحدِّثينَّ الحفَّاظ المكثرين من الحديث. وهو مَولى جرير بن حازم الجَهْضَميِّ الأزديِّ. وتُوفي أبو إسماعيل حماد يوم الجمعة في شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومئة، سنة مات مالكُ بن أنس، وصلى عليه إسحاقُ بن سُليمان الهاشميُّ، وهو يومئذٍ والي البصرة لهارون الرشيد. وأخوه سعيدُ بن زيد: أبو الحسن، قد رُويَ عنه، ومات قبل حمَّاد. وروى يوسف القاضي عن: نصر بن عليٍّ الجَهْضَميِّ، وأبي الربيع سليمان بن داود الزهرانيِّ، ومُسدَّد بن مُسَرْهَدٍ، ومحمد بن أبي بكر المقدَّمي. وهؤلاء من شيوخ مُسلم. ويروى أيضاً يوسف القاضي عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 الطيالسيَّ، وعن سليمان بن حربٍ الواشجيِّ الأزديِّ من أنفُسهم، ويكنى أبا أيوب ويروى مُسلم عن رجل، عن أبي الوليد الطيالسيِّ، وعن رجل عن سليمان بن حرب. ويروى البخاريُّ عن سليمان بن حرب بن حرب مُشافهةً. ومات أبو الوليد الطيالسي بالبصرة سنة سبع وعشرين ومئتين، وهو ابن أربعٍ وثمانين سنةً. وولى سليمانُ ابن حرب قضاء مكة. وكان يوسف القاضي من قضاة المعتضد. وكان أيضاً هو وابنه محمد بن يوسف من قضاة المكتفي بالله عليِّ بن أحمد المعتضد بن طلحة الموفَّق بن جعفر المتوكِّل بن أبي إسحاق المعتصم محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهديِّ بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن عليِّ بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. وكان ابنه أبو عمر محمد بن يوسف: حاجب ابن عمِّ أبيه إسماعيل بن إسحاق القاضي. وكان ذا وقارٍ وهيئةٍ حسنةٍ وأبَّهة. وكان يُضرب بسمته المثلُ في بغداد. وابنه أبو الحسين عمرُ بن محمد بن يوسف: ناظر ابا بكر الصَّيرفيَّ فقيه أصحاب الشافعيِّ. وله كتابٌ في الردِّ على مَن أنكر إجماع أهل المدينة. وكان يقال ببغداد إسماعيل بحاجبهِ، وأبو الحسين بأبيه، وأبو عُمر بنفسه. فكان المدحُ في الجميع راجعاً إلى أبي عمر. وابنُه أبو نصر يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف القاضي: كان فقيهاً فاضلاً. وهو آخر من ولي القضاء في بغداد من ولد حمّضاد بن زيد في أيام المتَّقى إبراهيم بن أحمد. وولى يوسف وبنوه القضاء للمعتضد والمكتفي والمقتدر والقاهر والراضي والمتَّقي. وولى أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق القضاء للمعتضد بالله، وابن عمِّه يوسف بن يعقوب كذلك. وكان إسماعيل مالكيَّ المذهب جليلاً محدِّثاً فقسهاً. روى عن عليِّ بن المديني ومُسدَّدٍ وأشياخ ابن عمَّه يوسف. وكان يقول: أفخر على الناس برجلين بالبصرة: أحمدُ بن المعدَّلِ يُعلمني الفقه، وعليُّ بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الدينيِّ يعلمني الحديث. وعليُّ من الثَّقات، روى عنه الأئمة. وأبوه عبد الله بن جعفر روى عنه الأئمةُ. وأبوه عبد الله بن جعفر يضعِّف في الحديث، ضعَّفه يحيى بن معين وغيره، كذا قال التِّرمذيُّ. وكان إسماعيل ممَّن جمع القرآن والحديث، وآثار العلماء، والفقه والكلام والمعرفة بعلم اللسان. وكان من نُظراء أبي العباس محمد بن يزيد المبرَّد في علم كتاب سيبويه. وكان المبرَّديقول: لولا أنه مشتغلٌ برياسة العلم والقضاء لذهب برياستنا في النحو والدب. وردَّ على المخالفين من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة. وحُمل من البصرة إلى بغداد، وولى القضاء، ومات سنة اثنتين وثمانين ومئتين ببغداد في خلافة المعتضد. وروى أيضا ابو عليِّ بن الصوّاف سيخ أبينُعيم الحافظ عن أبي جعفر ابن محمد الفِريابي، وهو من شيوخ أبي بكر ألآجُريِّ. وكان من الثِّقات المحدِّثين المشاهير. وممَّن روى الفِريابيُّ عنه قُتيبةُ بن سعيد، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وإسحاق بن راهويهِ، وعُبيد الله بن عمر القواريريُّ وسُويد بن سعيد، وعبيدُ الله بن مُعاذٍ العنبريُّ، وعبد الأعلى بن حمَّاد، والحسن بن عليٍّ الحَلوانيُّ، وإسحاق بن موسى الأنصاريُّ، وابو كامل فُضيلُ بن حسين الجَحدريُّ وابو مسعود أحمد بن الفرات، ومِنجاب بن الحرث، وأبو كُريب محمدُ بن العلاء الهمدانيُّ، ومحمدُ بن عبيد بن حِسَابٍ، وابو موسى محمدُ بن المثنى الزَّمِنُ العَنَزيُّ، ومحمدُ بن أبي عمر المكِّي، وحِبَّانُ بن موسى، ووهب بن بقيَّة الواسطيُّ. وهؤلاء كلُّهم من شيوخ مسلم. وخرّضج البخاريُّ عنهم كثيراً. وروى الفِريابيُّ أيضاً عن محمد بن إسماعيل البخاريِّ الإمام. قال المؤلف وفَّقه الله: وأمَّا محمدُ بن يوسف الفِريابيُّ فطبقته في الرواية أعلى من طبقة جعغر بن محمد الفِريابيِّ المذكور آنفاً. وأشياخ محمد بن يوسف الفِريابيَّ سفيان الثَّوريُّ. ولزمه كثيراً، وجلُّ حديث سفيان واختيار فقهه عنه وروى عن غيره من الأئمة. وروى عن عَبَّادِ بن كثير، وعبَّاد يروي عن أبي الزِّناد. قال الحافظ أبو نعيم في الرِّياضة: نا سليمان بن أحمد عمْرو بن ثورٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 الجُذاميُّ، نا محمدُ بن يوسف الفِريابيُّ، نا عبَّاد بن كثير عن أبي الزِّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تَواضعوا لمن تَعَلَّمون منه، وتواضعوا لمن تُعلِّمون ولا تكونوا جبابرة العلماء "، زاد حجَّاج بن نُصيرٍ عن عبَّادٍ: " فيغلبَ جهلُكم علمَكم " هو الفَساطيطيُّ. روى عن شُعبة وهشام الدَّسْتَوانيَّ، وهو متروك الحديث، وعبادُ بن كَثير ثقة. وسليمان بن أحمد الذي روى عنه أو نعيمٍ الحافظ يروي عن إسحاق بن إبراهيم الحنظليِّ؛ شيخ مسلم، وهو ابنُ راهَويه، وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل ويوسف بن يعقوب القاضي وغيرهم من الثِّقات. قال المؤلف شرح الله صدره، ويسَّر أمره، وجعل صالح العمل فقره ذُخره: هذه فوائد مُفترقة في كتب هذا العلم جمعتها، وفي غاية الوضوح نيِّرة أطلعْتُها، تُفيد من تَصفَّحها من الفقهاء النُّبهاء ما يَعيه جَنانُه، ويُبرزُه لدى المحاضرة مُحرَّراً مُحبَّراً لسانه، لا تمجُّها عند سماعها الآذانُ، ولا يَملُّها من له بالآثار عِرفان. والله يجعلنا ممَّن عَمل بما عَلم، ووُقيَ مما يخالف أمْرهُ وعُصم آمين. .... وسماكُ بن خرشة النصاريُّ، وليس بأبي دجانة، على عمر في وفود أهل الكوفة بالأحماس، فانتسبوا له سِماك وسماك وسماكٌ. فقال: بارك الله فيكم، اللهم اسمُك بهم الإسلام وأيدِّ بهم ومنهم وابصة بن معبد بن عبيد الأسديُّ، ويكنى أبا شدَّاد، ويقال: أبا فِرصافة. سكن الكوفة ثم تحوَّل إلى الرقة، ومات بها. له صُحبة ورواية، روى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه أمَرَ رجلاً يصلي خلف الصفِّ وحده أن يُعيد الصلاة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 ومنهم زياد بن حُدير أبو المغيرة: ويقال أبو عبد الرحمن. سمع عمر وعلياً. روى عنه الشعبيُّ وإبراهيم بن مهاجر وحفص بن حميدٍ. ومن بني قُعين بن الحرث بن ثعلبة بن دُودان بن أسدٍ قبيصَة بن بُرمة: وهو من الصحابة، خرَّج عنه البزَّار. قال البزَّارُ: حدثنا محمدُ بن رزق الله الكَلوذانيُّ قال: نا عليُّ بن أبي هاشم قال: نا أبو عمر نُصيرُ بن عُمر بن يزيد بن قبيصة بن بُرمة قال: سمعت يزيد بن قبيصة أنه سمع قبيصة بن بُرمة الأسديُّ يقول: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول. " إنَّ أهل المعروف في الدنيا هم أهلُ المعروف في الآخرة. وإنَّ أهلَ المنكر في الدنيا هم أهلُ المنكر في الآخرة ". وخرَّج هذا الحديث أبو أحمد الحاكم. قال: أبو أحمدُ يعني ابن يوسف السلميَّ قال: نا عليُّ بن أبي هاشم قال: نا أبو عمر نُصيرُ بن عمر بن يزيد بن قبيصة بن برمة يحدِّث أنه قبيصة بن برمة الأسدي يقول: كنتُ عند النبي عليه السلام جالساً فسمعته يقول، فذكرهُ ............. ومن موالي بني أسدٍ أبو أحمد الزُّبيريُّ، واسمه محمدُ بن عبد الله بن الزبير، خرَّج عنه البخاريُّ، " وتُوفي " سنة ثلاثٍ ومئتين. ومن مواليهم أبو دُلامة الشاعر واسمُه زَندُ بن الجَون، وكان خاصاً بأبي جعفر المنصور وولده، وله معهم نوادرُ مُستظرفة. ومن بني خُجوان بن فقعس بن عمرو بن قُعين طُليحُة بن خُوَيلدٍ. الأسديُّ قاتل عكاشة بن مِحصنٍ، وقد تقدَّم ذكره. ومن بني الصَّيداء بن عمرو بن قُعين الصامت بن الأفقم الذي قتل ربيعة بن مالك أبا لبيد بن ربيعة الشاعر يوم ذي عَلق. وفي بني الصيداء يقول الشاعر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 يا بني الصَّيداءِ رُدُّوا فرسي ... إنُّما يُفعلُ هذا بالَّدليلْ ومن بني قُعين ذؤابُ بن رَبيعَة الذي َقتل عُتَيبةَ بن الحرث بن شهابً اليربوعَّي. ومنهم: بشر بن أبي خازم الشاعر، وعبيد بن الأبرص. ومن بني غاضرة بن ملك بن ثعلبة بن دودان الحساس بن هند الذي ينسب إليه عبد بني الحساس. وكان جيد الشعر جداً، وهو القائلُ، وأحسنَ: أَشعارُ عبدِ بنى الحسحاسِ قُمنَ لهُ ... عند الفَخار مَقامَ الأصلِ والوَرِقِ إن كنتُ عبداً فنفسي حرةٌ كَرَماً ... أو أسودَ اللونِ إني أبيضُ الخُلُقِ وكان عبدُ بنى الحسحاس يرتضخُ لُكنةً. فلما أنشد عمر بن الخطاب: عُميرةَ ودِّعْ إن تجهَّزتَ غاديا ... كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهيا فقال عمرُ، رحمه الله: لو قدَّمتَ الإسلام على الشيب لأَجزتُك قال: ما سعرتُ، يريد: ما شعرت. ومن بني كاهل بن أسدٍ علباء بن الحرث: الذي يقول فيه امرؤ القيس: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وأفلتهُنَّ عِلباءٌ جريضاً ... ولو أدركنهُ صَفرَ الوطابُ وفي بني كاهلٍ يقول امرؤ القيس: واللهِ لا يذهبُ شَيخي باطِلا حتى أُبِيرَ مالكاً وكاهِلا القاتِلين الملكَ الحُلاحِلا خيرَ معدٍّ حَسباً ونائِلا .... ومن مالي بني كاهل سليمان بن مِهرانَ: أبو محمدٍ الأعمشُ، وكان يوم قُتل الحسين، وذلك يوم عاشوراءَ سنة إحدى وستين. وكان من جملة حَملة الحديث. وأما حُلمةُ بن أسدٍ: فأفناهمُ امرؤ القيس بن حُجر أخذاً بثأر أبيه. ومن بني أسدٍ ثم من بني والبةَ بن الحارث أخي قُعين بن الحارث عليُّ بن ربيعة الأسديُّ الوالبيُّ: أبو المغيرة. سمع علياً وابن عمر. روى. عنه سعيد بن عُبيد وسَلمة بن كُهيل وأبو إسحاق السَّبيعي ومنصور بن المُعتمر. خرَّج عنه مسلم والتِّرمذيُّ وغيرهم. وعن علي بن ربيعة في الشريعة للآجُرِّيِّ، عن علي رضي الله عنه ما أنصُّه الآن: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 الآجُرِّيُّ: حدثنا أبو محمدٍ يحيى بن محمد بن صاعدٍ قال: نا يوسف بن موسى القَطَّانُ قال: نا جَريرٌ عن منصور بن المعتمر عن عليِّ بن ربيعةَ الأسديِّ قال: رأيت عليَّ بن أبي طالب أُتِيَ بدابَّةٍ، فوضع رِجلَهُ في الرِّكاب فقال: بسم الله. فلما اسْتَوى عليها قال: الحمدُ لله. ثم قال:) سبحانَ الذي سخَّر لنا هذا، وما كنَّا لهُ مُقْرِنينَ، وإنَّا إلى ربِّنا لَمنقلبون (، ثم كبَّر ثلاثاً، وحمِدَ ثلاثاً ثم قال: لا إله إلا أنتَ، سبحانك إني قد ظلمتُ نفسي فاغفرْ لي ذنبي، إنه لا يغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ. ثم استُضحك، فقلتُ: ممَّ استُضحكتَ؟ فقال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً مثل ما قلتُ ثم استُضحك، فقلتُ: ممَّ استُضحكت يا رسول الله؟ قال: يَعجبُ ربُّنا عزَّ وجلَّ من قَول عبده: " سبحانك إني قد ظلمتُ نفسي، فاغفر لي ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ". وخرَّج هذا الحديث التِّرمذيُّ عن علي بن ربيعة عن علي بن أبي طالب. ومن موالى والبة بن الحرث سعيدُ بن جُبير: أبو عبد الله، وكان من خيار التابعين، روى عن ابن عباس وابن عمر، وكان أسود. وكتب لعبد الله بن عُتبة بن مسعود، ثم كتب لأبي بردة بن أبي موسى وهو على القضاء. وقال خُصيف: وكان أعلمهم بالطلاق سعيد بن المسيَّب، وأعلمهم بالحج عطاء وأعلمهم بالحلال والحرام طاووس، وأعلمهم بالتفسير مُجاهد، واجمعَهم لذلك كلِّه سعيد بن جُبير. وكان أبن عباس رضي الله عنه إذا أتاه أهل الكوفة يسألونه يقول: يسألونني وفيهم ابن أمِّ دَهماء، يعن سعيداً. وخرَّج سعيد مع عبد الرحمن بن الأشعث. فلما " قُتل عبدُ الرحمن " أمر الحجاجُ به، فأخذه خالد بن عبد الله القسريُّ، فبعث به إلى الحجاج. وكان خالد والي الوليد بن عبد الملك على مكة. وحدثنا أبو ألصَّهباء قال: قال الحجاجُ لسعيد بن جُبير: اختر أيَّ قِتْلةٍ شئتَ. فقال له: بل اختر أنت لنفسك ... القصاصَ أمامك. وقتله الحجاجُ سنةَ أربع وتسعين، وهو ابن تسعٍ وأربعين سنة. وكان له ابنان: عبد الله وعبد الملك ابنا سعيدٍ، يُروى عنهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 ومن بني أسد ... إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة الأسدي. سمع ابن المنكدر وأيوب ومالك بن دينارٍ وابن عَون، روى عنه شعبةُ وإسحاق. ومنهم أبو عمر حفصُ بن سليمان. مُدركةُ بن إلياس: فَوَلد مُدركة خُزيمة، وقد تقدَّم ذكره، وهُزيلاً. وأمهما امرأة من قُضاعةَ. كذا قال ابن إسحاق، وذكرهما غيرُه وسمَّاها ونسبها، فقال: هي سلمى بنتُ سودِ بن أسلم بن الجاف بن قُضاعة. وفي هُذيل بطون منها: صَاهلِةُ بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هُذيل، ولِحْيانُ بن هُذيل. فمن صاهلةَ عبد الله بن مسعود بن غافل " بالغين المنقوط والفاء " بن حبيب بن شمخ بن فار بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بت تميم بن سعد بن هُذيل بن مُدركة أبو عبد الرحمن، حليف بني زهرة. وكان أبوه مسعود بن غافل قد حالف في الجاهلية عبد الله بن الحرث بن زهرة. وأمُّه أمُّ عَبدٍ بنت عبد وُد، هُذلية من فخذ أبيه، وأمُّها زُهرية، قيل بنت الحرث بن زهرة. وكان إسلامه قديماً في أول الإسلام. وهو من القُراء وممَّن جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وهاجر الهجرتين، وصلى القبلتين، وشهد بدراً والحديبية. وشهد له النبيُّ عليه السلام بالجنة، وكان يُعرف في الصحابة بصاحب السِّواد والسِّواك. والسِّوادُ: السِّرارُ. وكان يَلجُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويُلبسه نعليه، ويمشي أمامهُ ومعه، ويَستُره إذا اغتسل، ويوقظُهُ إذا نام. وقال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " إذنُك عليَّ أن ترفعَ الحجابَ، وأن تسمعَ سِوادي حتى أَنهاك ". أخرج هذا الحديث مسلم في الصحيح المسند له. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رضيتُ لأمتي ما رضيَ لها ابنُ أمِّ عبدٍ ". وقال عليٌّ رضي الله عنه: أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود أن يصعد شجرةً، فيأتيَهُ بشيء منه. فنظر أصحابُه إلى خُموشهِ ساقَييه، فضحكوا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " ما يُضحكِكُم؟ لَرِجلا عبدِ الله في الميزان أثقلُ من أُحُدٍ ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 وقال أبو عمر بنُ عبد البَرِّ: نا سعيد بن نصر؛ نا قاسم بن إصبغ، نا ابن وضَّاح، نا ابنُ أبي النبيَّ عليه السلامُ أتى بين أبي بكر وعمر وعبد الله يصلي، فافتتح بالنِّساء. فقال عليه السلام: " من أحبَّ أن يقرأ القرآن غضاً كما أُنزل فليقرأهُ على قراءةِ ابن أمِّ عبدٍ "، ثمَّ قعد يسألُ. فجعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: " سَلْ تُعطَهُ ". فقال فيما سأل: " اللهمَّ، إني أسألك إيماناً لا يرتدُّ، ونعيماً لا ينفَدُ، ومرافقةَ محمدٍ في أعلى جنة الخلد ". فأتى عمرُ عبد الله يُبشِّره، فوجد أبا بكرٍ خارجاً قد سبقه، فقال: إن فعلت لقد كنت سَبَّاقاً للخير. وكان، رحمه اللهُ، قصيراً نحيفاً يكادُ طِوال الرجال يُوازونه جلوساً، وهو قائم. وكان لا يُغير شَيبَةُ. وبعثه عمرُ بن الخطاب إلى الكوفة مع عمار بن ياسر، وكتب إليهم: إني قد بعثتُ إليكم بعمار بن ياسر أميراً، وبعبد اللهِ بن مسعودٍ مُعلما ووزيراً. وهما من النُّجباء من أهل بدرٍ فاقتَدُوا بهما، واسمعوا من قولهما. وقد آثرتُكم بعبد الله على نفسي. وقال فيه عمر: كُنيف مُلئ علماً. ومسح النبيُّ عليه السلامُ برأسه، وقال: " يرحمُك اللهُ، فإنك غُليِّمٌ مُعلَّمٌ "، وذلك في أول إسلامه. وروى عليُّ بن المدينيِّ قال: نا سُفيان قال: نا جامعُ بن أبي راشدٍ سمع حذيفة يحلف بالله: ما أعلمُ أحداً أشبه دّلاً ولا هدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من حين يخرجُ من بيته إلى أن يرجع إليه من عبد الله بن مسعودٍ. ولقد عَلم المحفوظون من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنه من أقربهم وسيلةً إلى الله يوم القيامة. وقال بعض أصحاب ابن مسعود: ما سمعتُ ابن مسعود يقول في عثمان سُبَّةً قطُّ: وسمعته يقول: لئن قتلوهُ لا يَستخلفوا بعده مثله. وأمُّ عبد: أمُّ عبد الله، وقد يُنسب إليها، وكانت من المهاجرات. روى عنها ابنها عبدُ الله بنُ مسعود أنها قالت: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَنَتَ في أوَّل الوتر، قبل الركوع. وروى وكيعٌ عن سفيان عن أبي إسحاق عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 مُصعب بن سعد قال: فرض عمر بن الخطاب لنساء المهاجرات في ألفين منهنَّ أمُّ عبد. ولما مات ابنُ مسعود نُعي إلى أبي الدرداء فقال: ما ترك بعده مثلهُ. ومات رضي الله عنه سنة ثلاثين، ودُفن بالبقيع، وصلَّى عليه عثمان. وقيل: بل صلى عليه عمار. وقيل: بل صلى عليه الزُّبير. ودُفن ليلاً بإيصاله ذلك إليه، ولم يُعلم عثمان بدفنه، فعاتب الزُّبير على ذلك. وكان يوم توفي ابن بضع وستين سنةً. وعن جابر بن زيد عن ابن عباسٍ قال: آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين الزُّبير وبين ابن مسعود. ولد عبد الله بن مسعود عبد الرحمن: وبه كان يُكنى. وعتبةُ وأبو عبيدة، واسمه عامر. فأما عبد الرحمن بن عبد الله فولد القاسم بن عبد الرحمن، وكان على قضاء الكوفة. ومعن بن عبد الرحمن فولد معن القاسم، وكان على قضاء الكوفة. ولم يرتزق شيئاً حتى مات. وكان عالماً بالفقه والحديث والشعر والنسب وأيام الناس، وكان يقال له شَعْبيَّ زمانه. وأما عُتبةُ بن عبد الله فلهُ عقب، منهم: أبو عُميس عتببُ بنُ عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود. ومات ببغداد، وأخوهُ عبد الرحمن المسعوديُّ: اختلط في آخر عُمُره، ومات ببغداد، وهو المسعوديُّ الأكبر. فأما الأصغر فهو عبدُ الله بن عبد الملك بن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعودٍ، ويكنى أبا عبد الرحمن، وجدُّه أبو عبيدة روى عن أبيه، وروى عنه أبو إسحاق السَّبيعيُّ وعمرو ابن .......... عتبةُ بن مسعودٍ: أبو عبد الله، أخو عبد الله بن مسعود لأبيه وأمِّه. وكان قديم الإسلام. ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، وهاجر مع أخيه إلى أرض الحبشة، الهجرة الثانية، ثم قدم المدينة فشهد أُحداً وما بعدها من المشاهد. وقال ابن عيينة: سمعت ابن شهاب يقول: ما كان عبدُ الله بأقدم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 صحبةً من أخيه عتبة بن مسعود، ولكن عتبةُ مات قبلَهُ. ولما مات عتبةُ بن مسعود بكي عليه أخوهُ عبد الله، فقيل له: أتبكي؟ قال: نعم أخي في النسب، وصاحبي مع رسول الله، وأحبُّ الناس إليَّ، إلا ما كان مِن عمر بن الخطاب. ومات عتبة بن مسعود بالمدينة، وصلى عليه عمر بن الخطاب، وكان ذلك في خلافة عمر، قاله المسعوديُّ. وابنُه عبد الله بن عتبة: يكنى أبا عبد الرحمن، فنزل الكوفة، وتوفي بها في خلافة عبد الملك بن مروان، وكان كثير الحديث والفُتْيا فقهياً، وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده على رأسه، ودعا لهُ. حدَّث محمدُ بن خلف بن وكيع قال: قال: نا محمد بن عبد الله الخصوميُّ قال: أخبرني حمزة وفضل ابنا عون بن عبد الله بن عتبة عن جدَّتهما وكانت أمَّ ولد عبد الله بن عتبة. قالت: قلت لسيِّدي عبد الله بن عتبة: أيّ شيء تَذكر من النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: أذكر أني غلام خماسي أو سداسيٌّ أجلسني النبيُّ عليه السلام في حَجْرهِ، ومسح على وجهي، ودعا لي ولذريَّتي بالبركة. استعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وروى عنه ابنُه حمزة بن عبد الله بن عُتبة قال: أذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأسي. هو والد عبيد الله وعون وحمزة، وعبيد الله منهم شيخُ ابن شهاب فقيه مدينيٌّ من الفقهاء السبعة. وروى عن عبد الله بن عتبة ابنه عبيد الله وحميد بن عبد الرحمن ومحمد بن سيرين وعبد الله بن مَعْبدٍ الزِّمَّانيُّ: وكان عبيد الله ابنُه عالماً شاعراً. وعُوتب في قول الشعر فقال: لابدَّ للمصدور من أن يَنْفِثَ. وكان الزهريُّ يقوم له إذا خرج. فلما ظن أنه قد استنفدَ ما عنده لم يقُم. فقال: إنك في العَزَار فقُم. العَزار: الأرض الصلبةُ. وسُئل عِراكُ بن مالك: من أَفقهُ من رأيت؟ قال: أَعلمُهُم سعيد بن المسيَّب، وأَغْزرُهم في الحديث عُروةُ، ولا تشاء أن تُفجِّر من عبيد الله بحراً إلا فَجَّرتَه. وقال الزهريُّ: سمعت من العلم شيئاً كثيراً فظننتُ أني قد اكتفيت حتى لقِيتُ عبد اله بن عبد الله بن عُتبة، فإذا كأن ليس في يديَّ شيء. وقال الزهريُّ: أدركتُ أربعة بحور، فذكر عُبيد الله مقدَّماً. وقال عمر بن عبد العزيز: لأَنْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 يكون لي مجلس من عُبيد الله أحبَّ إليَّ من الدنيا. وخرَّج عنه الأئمة. وأخوهُ عون بن عبد الله بن عتبة: كان زاهداً عالماً، وكان في أول أمره يقول بالإِرجاءِ، ثم رجع عن ذلك فقال: وأولُ ما نُفارقُ غيرَ شَكٍّ ... نفارقُ ما يقولُ المُرجِئونا وقالوا: مؤمنٌ دمُهُ حَلالُ ... وقد حَرُمَتْ دِماءُ المؤمنينا وقالوا: مُؤمنٌ من أهل جَورٍ ... وليس المؤمنونَ بِجَائرينا وكان ذا منزلةٍ من عمر بن عبد العزيز، وهو خليفةٌ. وله يقول جرير بن عطَّية الخَطَفي: يأيُّها القارئ المُرْخي عِمامَتهُ ... هذا زمانُكَ إني قد مَضى زَمَني أبْلِغْ خليفَتَنا إن كنتَ لاقيَهُ ... أني لَدى الباب كالمَصْفودِ في قَرَنِ وروى عَون بن عبد الله عن عبد الله بن عمر. التِّرمذي: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدَّورقيُّ: نا إسماعيل بن إبراهيم، نا الحجاجُ بن أبي عثمان بن الزُّبير عن عون بن عبد الله عن عمر قال: بينما نحن نُصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجلٌ من القوم: اللهُ أكبرُ كبيراً واحمدُ للهِ كثيراً، وسُبحان الله بُكرةً وأصيلاً. فقال رسول الله صلى الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 عليه وسلم: " مَنِ القائلُ كذا وكذا؟ " فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله. قال: " عجبتُ لها، فُتحتْ أبوابُ السماءِ لها! ". قال ابنُ عمر: ما تركتهنَّ منذ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو عيسى: هذا حديث حسنٌ صحيح غريب من هذا الوجه. وحجاجُ بن أبي عثمان: هو حجاجُ بن مَيسرة الصوَّاف، ويُكنى أبا الصَّلت. وهو ثقةٌ عند أهل الحديث. وروى عونٌ أيضاً عن أبيه، عن ابن مسعود. مسلم: حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدقيُّ قال: نا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحرث عن سعيد بن أبي هلال، عن عون بن عبد الله، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: كان بين إسلامنا وبين أن عاتَبَنا الله بهذه الآية:) ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبُهم لذكر الله (إلا أربع سنين. ومن هُذيل ٍ ثم من بني صُبح بن كاهل بن الحرث بن سعد بن هُذيل أبو بكرٍ الهذليُّ الفقيه. ومن هُذيل سنان بن سَلمةَ بن المحبَّق الهُذليُّ، يُكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: أبا حَبترٍ.. روى وكيعُ بن الجرَّاح عن أبيه. عنه أنه قال: وُلدت يوم حربٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، فسمَّاني عليه السلامُ " سناناً ". وقد قيل: إنه لما وُلد قال أبوه سلمة بن المحبَّق: لسنان. أُقاتلُ به في سبيل الله أحبُّ إليَّ منهُ، فسماه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سِناناً. ورُوي عنه أنه قال: ولدتُ في يوم حربٍ كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فذهب بي أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنَّكني وتفل في فيَّ، ودعا لي، وسمَّاني سناناً. وكان من الشجعان البطال الفرسان. ولاَّهُ زياد بن أبيه غزوَ الهند بعد قتل راشد بن عمرو الجُريريِّ، وذلك سنة خمسين في وسط خلافة معاوية، قاله خليفةُ بن خياط. ولسنان بن سلمة خبرٌ عجيب في غزو الهند وتوفي في آخر أيام الحجاج. ومن هُذيل ثم من بني صاهلة بطن عبد الله بن مسعود أبو ذؤيب الهذليٌّ الشاعر وكان مسلماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرهُ. ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 خلاف أنه باهليٌّ إسلاميٌّ. واسمُه خُويلدُ بن خالد بن مُحرِّث بن زُبيد بن مخروم بن صاهلةَ بن كاهل بن الحرث بن تميم بن سعد بن هُذيل. وذكر الهرماسُ بن صَعصعة الهُذليُّ عن أبيه أن أبا ذَؤيب الشاعر حدَّثه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل، فاستشعرت حزناً، وبتُّ بأطولِ ليلة لا ينجاب دَيْجورُها، ولا يطلع نورُها. فظَلْتُ أقاسي طولها، حتى إذا كان قُرب السَّحر أَغفيتُ. فهتف بي هاتف، وهو يقول: خَطبٌ جليلٌ أناخَ بالإسلامِ ... بين النَّخيلِ ومَعْقِدِ الآطامِ قُبضَ النبيُّ محمدٌ فعيونُنا ... تُذْري الدموعَ عليهِ بالتَّسْجامِ قال أبة ذؤيب: فوثبتُ من نومي فزِعاً، فنظرتُ إلى السماء فلم أرَ إلا سعد الذابح، فتفاءلت به ذبحاً يقع في العرب. وعلمتُ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قُبض أو هو ميِّت من علَّتهِ. فركبتُ ناقتي وسِرتُ. فلما أصبحت طلبت شيئاً أزجرُ به، فعنَّ لي شَيهم، يعني القنفذُ، وقد قبض على صِلِّ يعني الحيةَ، فهي تلتوي عليه، والشَّيهمُ يقضُمها حتى أكلها، فزجرت ذلك، فقلتُ: شَيهم شيء مهم، والتواء الصِّلِّ والتواء الناس عن الحقِّ على القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أوَّلت أكلَ الشَّيهم إياها غَلبةَ القائم بعده على الأمر. فَحَثثتُ ناقتي، حتى إذا كنتُ بالغابة زجرتُ الطائر، فأخبرني بوفاتهِ، ونَعب غراب سانح فنطق بمثل ذلك، فتعوذتُ بالله من شرِّ ما عنَّ لي في طريقي، وقدِمْتُ المدينة، ولها ضجيجٌ بالبكاء كضجيج الحاجِّ إذا أهلُّوا بالإحرام. فقلتُ: مهْ. قالوا: قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئتُ إلى المسجد، فوجدته خالياً، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاصبتُ بابَه مُرْتجاً، وقيل: هو مُسجًّى، وقد خلا به أهلُه. فقلتُ: أين الناسُ؟ فقيل: في سقيفة بني ساعدة، صاروا إلى الأنصار. فجئتُ إلى السقيفة، فأصبت أبا بكرٍ وأبا عبيدة بن الجراح وسالماً وجماعةً من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 قريش، ورأيت الأنصار فيهم سعدُ بن عبادة، وفيهم شعراؤهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك وملأ منهم. فأويتُ إلى قريش. وتكلمت الأنصار، فأطالوا الخطاب، وأكثروا الصواب. وتكلم أبو بكر رضي الله عنه، فلله درُّه من رجلٍ لا يطيل الكلام، ويعلمُ مواضع فصل الخصام. والله لقد تكلمَ بكلامٍ ما يسمعُهُ سامعُ إلا انقاد له ومال إليه. ثم تكلم عمر بعدهُ بدون كلامه. ومدَّ يده فبايعه وبايعوه، ورجع أبو بكرٍ ورجعتُ معه. قال أبو ذؤيب: فشهدتُ الصلاة على النبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم، وشهدت دفنَه صلى الله عليه وسلم. ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي النبيَّ عليه السلامُ: لمَّا رأبت الناسَ في عَسَلانِهِمْ ... ما بينَ مَلحودٍ لهُ ومُصرَّحِ مُتبادرينَ لشرجَع بأكفِّهمْ ... نُصِّ الرِّقابَ لفقدِ أبيضَ أَرْوَحِ فهناكَ صِرتُ إلى الهموم ومَن يَبتْ ... جارَ الهموم يَبِيتٌ غيرَ مُروَّحِ كَسَفتْ لمصرعهِ النجومُ وبدرُها ... وترعرعتْ آطامُ بطنِ الأَبطحِ وتزعزعتْ أجيالُ يَثربَ كلُّها ... ونخيلُها بحلول خَطْبٍ مُفْرِحِ ولقد زجرتُ الطيرَ قبل وفاتِهِ ... بمُصابهِ، وزَجرتُ سعدَ الأُذْبُحِ قال: ثم انصرف أبو ذؤيب إلى باديته، فأقام بها، وتوفي في خلافة عثمان بن عفان بطريق مكة قريباً منها. ودفنه ابن الزُّبير. وقيلَ: غَزا أبو ذؤيب مع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 عبد الله بن الزُّبير إفريقيَّة ومدحه. وقيل: إنه ماتَ في غزوة إفريقية بمصر، مُنصرفاً بالفتح مع ابن الزبير، ونفذَ بالفتح وحدَه. وقيل: إن أبا ذؤيب مات غازياً بأرض الروم ودُفن هناك، وإنه لا يعلمُ لأحدٍ من المسلمين قبر وراء قبره وكان قد ندبه إلى الجهاد، فلم يزل مجاهداً حتى مات بأرض الروم، ودفنهُ هناك ابنُه أبو عُبيد. وعند موتِه قال له: أبا عُبيدٍ رُفع الكتابُ ... واقتربَ الموعدُ والحسابُ قال محمدُ بن سلاّم: قال أبو عمرو: وسُئل حسانُ بن ثابت: من أشعر الناسِ؟ فقال: حيّاً أم رجلاً؟ قالوا: حياً. قال: هُذيل أشعرُ الناس حياً. قال ابن سلام: وأقولُ: إن أشعر هُذيل أبو ذؤيب. قال عمر بن شَبةَ: يُقدَّم أبو ذؤيب على جميع شعراء هُذيل بقصيدته العينية التي يرثى فيها بنيه. وقال الأصمعيُّ: أبرعُ بيتٍ قالته العربُ بيتُ أبي ذؤيب: والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتها ... وإذا تُردُّ إلى قليلٍ تَقنعُ وهذا البيت من شعره المفضَّل الذي يرثى فيه بنيه، وكانوا خمسةً أُصيبوا في يومٍ واحد، وفيه حكمُ وشواهد، أوَّلُه حيث يقول: أمِنَ المنُونِ ورَيبهِ تَتوجَّعُ ... والدهرُ ليس بمُعتِبٍ مَن يَجْزَعُ وفي هذه القصيدة يقول: أَودَى بنيَّ فأَعقَبوني حَسرةً ... بعدَ الرُّقادِ وعبرةَ ما تُقلِعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 فالعينُ بعدهمُ كأنَّ حِداقَها ... سُلمتْ بشَوكٍ فهْيَ عُورٌ تَدمعُ سبَقوا هَوَيَّ وأعْنَقوا لهواهمُ ... فتُخُرِّموا، ولكلِّ جَنبٍ مَصْرَعُ فَغَبرتُ بعدهمُ لعيشٍ ناصبٍ ... وإخالُ أني لاحقٌ مُستقْبِعُ ولقد حَرصتُ بأن أُدافعَ عنهمُ ... فإذا المنيةُ أَقبلتْ لا تُدافَعُ وإذا المنيةُ أَنشبتْ أظفارها ... ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لا تنفعُ وتجلُّدي للشامتينَ أُريهمُ ... أني لرَيبِ الدَّهرِ لا أتضعضَعُ حتى كأني للحوادث مَرْوةٌ ... بصفا المشقَّرِ كلَّ يومٍ تُقرَعُ ومن شعر أبي ذؤيب، رحمه الله، في النسيب، وأَحسنَ: يل بيتَ دَهماءَ الذي أتجنَّبُ ... ذهبَ الشبابُ وحبُّها لا يذهبُ مالي أحنُّ إذا جِمالُكِ قُرِّبتْ ... وأصدُّ عنكِ وأنتِ مني اقربُ للهِ دَرُّكِ هل رأيتِ مُعوَّلاً ... لمكلَّفٍ أم هلْ لِوُدِّكِ مَطلبُ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 تدعوا الحمامةُ شجوَها فَتَهيجني ... ويروحُ عازبُ شوقيَ المتأوِّبُ وأرى البلادَ إذا سَكنتِ بغيرها ... جَدْباً، وإنْ كانتْ تُطَلُّ وتخْصَبُ ويَحلُّ أهلي بالمكان فلا أَرى ... طرفي بغيركِ مَرةً يَتَقلَّبُ وأُصانعُ الواشينَ فيك تَجمُّلاً ... وهُمُ عليَّ ذَوو ضَغائنَ ذُوَّبُ وتَهيجُ ساريةُ الرِّياحِ مِنَ ارْضِكمْ ... فأَرى الجنابَ لها يحَلُّ ويجْنَبُ وأرى العدوَّ يحبُّكمْ فأحبُّهُ ... إن كانَ يُنسَبُ منكِ أَوْ لا يُنسَبُ ومِن هُذيل أبو خِراش الشاعر: واسمُه خُويلدُ بنُ مُرَّةَ القِرْديُّ. وقِرْدٌ اسمُه عُميرُ بنُ مُعاويةَ بن تميم بن سعد بن هُذيل. مات في زمن عمر بن الخطاب من نَهشِ حية. وله في ذلك خبرٌ عجيبٌ يأتي بعدُ. وكان ممَّن يَعدو على قدميه فيسبق الخيلَ. وكان في الجاهلية من فُتاك العرب، ثم أسلمَ فحسنَ إسلامُه. وهو القائلُ في الجاهلية في عَدْوِهِ: رَفَوني وقالوا: ياخُويلدُ لا تُرَعْ ... فقلتُ، وأنكرتُ الوجوه: هُمُ هُمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 فعاديتُ شيئاً والدَّريسُ كأنَّ ... يُزَعزعهُ وِردٌ من المُومِ مُرْدِمُ تَذكُّرَ ما أينَ المفرُّ وإنَّني ... بغَرزِ الذي يُنجي من الموتِ مُعْصِمُ أُوايلُ بالدِّ الذَّليقِ وحثَّني ... لدَى المتنِ مَشْبوحُ الذِّراعينِ خَلجَمُ تقول ابنتي، لمَّا رأتني عشيةً: ... سلمتَ وما إنْ كِدْتَ بالأمس تَسلمُ ولولا دِراكُ الشدِّ آضَتْ حَليلَتي ... تخيَّرُ من خُطَّابها وهيَ أُيِّمُ وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يأكلْنَ جُثَّتي ... وكيدَ خِراشٌ يومَ ذلك يَيْتِمُ وكان جميلُ بن معمر الجمحيُّ قد قَتل أخاهُ زُهيراً المعروف بالعَجْوة يوم فتح مكة مُسلماً، قاله محمدُ بن يزيد. وقيل: كان زهير ابن عمِّه، قاله أبو عبيدة. ذكر ابنُ هشام قال: حدثني أبو عبيدةَ قال: أُسر زهيرُ بن العجوةِ الهُذليُّ يوم حُنينٍ وكُتِفَ. فرآه جميلُ بن معمر فقال: أأنتَ الماشي لنا بالمغائظ؟ فضرب عنقه. فقال أبو خِراش الهذليُّ يرثيه، وكان ابن عمِّه. قال محمدُ بن يزيد: وكان جميلُ يومئذٍ مأسوراً، وجميلٌ يومئذٍ مُسلم. ففي ذلك يقول أبو خِراشٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 فجَّعَ أضيافي جميلُ بن معمر ... بذي فَجَرٍ تأوى إليه الأراملُ طويلُ نجادِ السَّيف ليس بحَيْدرٍ ... إذا اهتزًّ واسترختْ عليه المحامِلُ إلى بيتهِ يأوي الغريبُ إذا شَتا ومُهتَلِكُ ... بالي الدَّريسينِ عائلُ تَكادُ يداهُ تُسْلمانِ رِداءهُ ... من الجودِ لمَّا اسْتَقبلتْهُ الشمائلُ فأُقِسمُ لو لاقيتهُ غير مُوثَقٍ ... لآبَكَ بالجِزع الضِّباعُ النواهلُ وإنَّكَ لوْ واجهتهُ أو لَقييتَهُ ... فنازَلْتَهُ أو كنت ممَّن يُنازِلُ لكنتَ جميلٌ أسوأَ الناس صَرعةً ... ولكنَّ أقران الظُّهورِ مَقاتِلُ فليسَ كعهدِ الدارِ يا أُمَّ مالكٍ ... ولكن أحاطت بالرقابِ السلاسلُ وعادَ الفتى كالكهل ليس بقائلٍ سوى الحِّق شيئاً فاستراح العواذلُ قوله: أحاطت بالرقاب السلاسلُ: يقول جاء الإسلامُ فمَنَع من طَلب الأوتار الجزء: 1 ¦ الصفحة: 236 إلا بحقِّها. وممِّا يُستَحْسنُ لأبي خِراشٍ الهُذَليِّ، وهو أحدُ حكماء العرب، قولُه يرثى أخاهُ عَروة: لعمري لقد راعت أُميمة طلعتي ... وإنَّ ثَوائي عندها لقليلُ تقول: أراهُ بعد عروة لاهياً ... وذلك رُزءٌ لو علمت جليلُ فلا تَحسِبي أني تناسَيتُ عهدَهُ ... ولكنَّ صَبري ياأُميمَ جميلُ ألم تَعلمي أنْ قد تفرَّق قبلَنا ... خَليلا صفاء: مالكُ وعَقيلُ أبي الصبرُ أني لا يزالُ يُهيجُني ... مَبيت لنا فيما خَلا ومَقِيلُ وأَني إذا ما الصبحُ آنستُ ضوءه ... يُعاوِدُني قِطعٌ عليَّ ثَقيلُ قال أبو الحسن عليُّ بن سليمان الأخفش: مالك وعقيل اللذان ذكرهما نَدْمانا جَذيمة الأَبرش. وقصتُهما مع جذيمة مشهورة، وهما عَنى مُتمِّمُ بن نُويرةَ في آخر أشعاره التي رثى بها مالكاً أخاهُ، حيث يقول: وكنّا كندْمانَيْ جَذيمةَ حِقبةً ... من الدهر حتى قيل: لن يَتَصدَّ " عا " الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 وقال أبو خراش يرثى أخاه عُروة،، أَبدع في ذلك: حَمِدتُ إلهي بعد عُروة إذ نجا خِراشٌ، وبعضُ الشرِّ أهونُ من بعضِ فوالله لا أنسى قتيلاً رُزِئتُهُ ... بجانب قُوسَي ما مشيتُ على الأرض بلى إنَّها تعفو الكلومُ وإنَّما ... تُوكِّلَ بالأَدنى وإنْ جلَّ ما يمضي ولم أدرِ مَن أَلقى عليه رداءه ... على أنه قد سُلَّ عن ماجدٍ مَحضِ قصة نهش الحية لأبي خِراش: حدَّث أبو بكر محمدُ بن الحسن بن دريدٍ قال: نا عبد ارحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال: أسلم أبو خراش فحسُن إسلامه، ثم أتاه نفر من أهل اليمن، قدموا حُجاجاً، والماءُ منهم غير بعيد. فقال: يا بني عمِّ ما أمسى عندنا ماءٌ، ولكن هذه بُرمة وشاة، فرِدوا الماء، وكلوا شاتكم، ثم دَعوا بُرمتنا وقِربَتَنا على الماء حتى نأخذها. فقالوا: لا والله ما نحنُ بسائرين في ليلتنا هذه، وما نحن ببارحين حيث أمسينا. فلما رأى ذلك أبو خراش أخذ قِربته، وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استسقى. ثم أقبل صادراً، فنهشتهُ حيةٌ قبل أن يصل إليهم. فأقبل مسرعاً حتى أعطاهم الماء وقال: اطبخوا شاتكم وكلوا. ولم يُعْلمْهُم ما أصابه. فباتوا على شاتهم يأكلون حتى أصبحوا، وأصبح أبو خراش في الموت، فلم يبرحوا حتى دفنوهُ. وقال وهو يموتُ في شعرٍ له: لقد أَهلكتِ حيةَ بطنِ وادٍ ... على الإخوانِ ساقاً ذاتَ فَضل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 فما تركتْ عَدوّاً بين بُصري ... إلى صنعاءَ يطلبهُ بذَخْلِ فبلغ خبرُه عمر بن الخطاب، فغضبَ غضباً شديداً، وقال: لولا أن تكون سُبَّةً لأمرتُ أن لا يُضاف يمانٍ أبداً، ولكتبتُ يذلك إلى الآفاق. ثم كتب إلى عامله باليمن أن يأخذ النفرَ الذين نزلوا على أبي خِراشٍ الهُذليِّ، فيُغْرِمَهُم ديتَهُ، ويؤدِّبَهم بعد ذلك بعقوبةٍ يمَسُّهم جزاءً لِفِعلهم. ومن هُذيل أبو كبير: واسمُهُ عامرُ بن الحِلس أحدُ بني سعد بن هُذيل، ثم أحدُ بني حُريْث، وهو جاهلي. ومن قوله مختار من قصيدة أَولُها: أزُهير هَل عن شَيبةٍ منَ معدلِ ... أم لا سبيلَ إلى الشباب الأولِ أمْ لا سبيل إلى الشبابِ، وذكرُهُ ... أَشهى إليَّ من الرَّحيقِ السلسلِ ذهبَ الشبابُ وفات مني ما مضى ... ونَضا زُهيرَ كريهتي وتَبَطُّلي وصَحوتُ عن ذكرِ الغواني وانتَهى ... عُمُري وأنكرْنَ الغداةَ تَقتُّلي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 ومنها: ولقد سَرَيتُ على الظلامِ بِمغشمٍ ... جَلدٍ من الفتيانِ غيرِ مُهَبَّلِ ممَّن حَملنَ به وهنَّ عواقدٌ ... حُبُكَ النِّطاقِ فشبَّ غيرِ مُثقَّلِ حَملتْ به في ليلةٍ مَزْؤودةٍ ... كَرْهاً، وعَقدُ نطاقِها لم يُحْلَلِ فأتت به حُوشَ الفؤادِ مُبَطَّناً ... سُهُداً إذا ما نام ليلُ الهَوْجَلِ ومُبرَّأ من كلِّ غُبَّرِ حَيْضةٍ ... وفَسادِ مُرضعةٍ وداء مُعْضِلِ وإذا نَظرتَ إلى أسِرَّة وجههِ ... بَرقتْ كبرقِ العارضِ المُتَهلِّلِ صَعبُ الكريهةِ لا يُرامُ جَنابُهُ ... ماضي العزيمةِ كالحسامِ المِفْصَلِ يحمي الصِّحابَ إذا تكونُ عظيمةٌ ... وإذا همُ نزلوا فمأوى العُيَّلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 ومنهم خُويلد بن مِطْحَل: أحد بني سهم بن معاوية بن تميم بن سعد بن هُذيل. وكان سيِّد هذيل. وابنُه مَعقلُ بن خُويلد من بعده، فأَطلقهم لهُ، فقال: إمَّا صَرمتِ جديدَ الحبا ... لِ منَّا، وغيَّركِ الآشِبُ فيارُبَّ حَيْرى جُماديةٍ ... تنزَّلَ فيها ندًى ساكبُ ملكتُ سُراها إلى صُبْحها ... بشعثٍ، كأنهمُ حاصِبُ لهُم عَدْوةٌ كانقصافِ الأَتِيْ ... يِ مَدَّ به الكَدِرُ اللاحِبُ وسودِ الوُجوهِ جِعادِ اللَّحى ... ومِثْلُهمُ يَرْهبُ الراهبُ أَتيتُ بأبنائكمْ منهمُ ... وليس معي منكمُ صاحبُ وإني كما قالَ مُمْلي الكتا ... بِ في الرقِّ إذ خطَّهُ الكاتبُ يَرى الحاضرُ الشاهدُ المطمئنُّ ... من الأمرِ ما لا يرى الغائبُ ومن هذيل ثم من بني سهم بن معاوية بن تميم؛ رهط خُويلد بن مِطْحل أبو صخر الهذلي الشاعر: واسمه عبد الله بن سلمٍ السَّهميُّ، وهو من شعراء الدولة الأموية، وكان معتصباً لهم. وسجنه عبد الله بن الزبير حتى قُتل. فأطلقهُ عبد الملك بن مروان واحسن إليه. وهو القائلُ القصيدة التي أوَّلُها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 لِلَيلى بذات الجيش دارٌ عرفتُها ... وأخرى بذات البينِ آياتُها سَطرُ ومنهم حُذيفة بن أنسٍ: أحد بني عامر الحرث بن تميم بن سعد بن هُذيل. وهو القائل يفخر بالشجاعة من قصيدةٍ: نَشأنا بني حربٍ تَربَّتْ صغارُنا ... إذا هيَ تُمرَى بالسواعدِ دَرَّتِ ونحملُ في الأبطالِ بِيضاً صوارماً ... إذا هيَ صابَتْ بالطَّوائف تَرَّتِ وهل نحنُ إلا أهلُ دارٍ مُقيمةٍ ... بنعمانَ مَن عادتْ من الناسِ ضَرَّتِ وله أيضاً يفخر بالشجاعة من قصيدةٍ: وكنَّا أُناساً أَنْطقَتْنا سيوفُنا ... لنا في لقاءِ الموتِ جَدٌ وكوكبُ بنو الحربِ أُرْضِعْنا بها مُقْمطِرَّةً ... فمَنْ يُلْقَ منَّا يُلقَ سِيدٌ مُدرَّبُ فُرافِرةٌ أظفارُهُ مثلُ نابهِ ... فإنْ تُشْوِ نابٌ منهُ لا يُشْوِ مِخْلبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 وله البيتُ المشهورُ من قصيدةٍ: أخو الحربِ إنْ عضَّتْ به الحربُ عضَّها ... وإنْ سمَّرتْ عن ساقِها الحربُ شَمَّرا ومنهم المُنتخِّل: واسمه مالك بن عمرو بن سُويد بن حَنَش بن خُناعةَ ابن عاريَّة بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان بن هُذيل بن مُدركة. وقال حسان بن ثابت عنه: إنه أشعرُ هُذيل. ومن شعر المتنخِّل يرثى أخاهُ عُويْمراً، ويكنى أخا مالكٍ: لَعَمرُكَ ما إنْ أبو مالكٍ ... بوانٍ، ولا بضعيفٍ قُواهْ ولا بالألدِّ لهُ نازعٌ ... يُغادي أخاهُ إذا ما نَهاهْ ولكنَّه هيِّنٌ ليِّنٌ ... كعاليةِ الرُّمح عَرْدٌ نَساهْ إذا سُدْتَهُ سُدتَ مِطواعةً ... ومَهما وَكلتَ إليهِ كفاهْ ألا مَن ينادي أبا مالكٍ: ... أفي أمرِنا هو أم في سِواهْ؟ أبو مالكٍ قاصِرٌ فَقرَهُ ... على نفسهِ ومُشِيعٌ غِناهْ ومن هذيلٍ أمية بن أبي عائذٍ: وهو القائلُ من قصيدةٍ طويلة يصف الخيال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 خيالٌ لزينبَ قد هاجَ لي ... نُكاساً منَ الحبِّ بعدَ انْدمالِ تَسدَّى مع الليل تِمثالُها ... دُنُوَّ الضَّبابِ إلينا بِطَلٍّ زلالِ فباتَ يُسائِلُنا في المنامِ ... فأَحببْ إلينا بذاكَ السُّؤالِ يُثَنِّي التحيةَ بعدَ السَّلا ... مِ ثمَّ يُغَدِّي بعضمٍّ وخالِ إلى اللهِ أشكو الذي قد أرى ... منَ النائباتِ بعافٍ وعالِ وإطلالَ هذا الزمانِ الذي ... تَبدَّلَ بالناسِ حالاً بحالِ ومنهم ساعدة بن جُؤَيَّةَ: أحدُ بني كعب بن كاهل بن الحرث بن تميم ابن سعد بن هُذيل، وكان جاهلياً. وله من قصيدةٍ طويلة يصف الرماح: فَتعاورُوا ضرباً وأُشرِعَ بينهمْ ... أَسلاتُ ما ضاعَ القُيونُ ورَكَّبُوا من كلِّ أظمأَ عاتِرٍ لا شانَهُ ... قِصَرٌ، ولا راشَ الكعوبَ مُعلَّبُ خَرِقٌ منَ الخطِّيِّ أُغمضَ حدُّهُ ... مثل الشهابِ، رفعْتَهُ، يَتلهَّبُ ممَّا يُترَّصُ في الثِّقافِ يَزِينُهُ ... أَخْذى كخافيةِ العُقابِ مُجرَّبُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 لذَّ بِهَرِّ الكفِّ يَعسِلُ مَتنُهُ ... فيه كما عَسلَ الطريقَ الثَّعلبُ ومنهم البُرَيق: واسمه عِياض بن خُويلد الخُناعيُّ. وخُناعةُ: هو ابن سعد بن هُذيل. وكان عمر أرسل البُريق في جُملة مَن أرسَل لاستفتاح مصر. ومن قوله: رَفعتُ بني حواءَ إذ مالَ عَرشُهمْ ... وذلك منى في صريمٍ مُضلَّلُ جَزَتْني بنو لِحْيانَ حَقنَ دمائهمْ ... جزاءَ سِنمَّارٍ بما كان يفعلُ وكان من حديث سِنمَّار، فيما يحكيه العلماء أنه كان بنَّاء مُجيداً، وهو من الروم. فبنى الخورنق الذي بظهر الكوفة للنعمان بن امرئ القيس. فلما نظر إليه النعمانُ كره أن يعمل مثله لغيره، فألقاه من أعلى الخورنق، فخرَّ ميتاً. وفيه يقول القائل: جَزَتْنا بنو سعدٍ لحسنِ فَعالِنا ... جزاءَ سِنمَّارٍ، وما كان ذا ذنبِ قال هذا أبو عبيدٍ في الأمثال. ومن هذيل أبو قِلابَةَ: وهو القائلُ في آخر قصيدةٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 إنَّ الرشادَ وإنَّ الغَيَّ في قَرنٍ ... بكلِّ ذلك يأتيك الجديدان لا تأمننَّ وإنْ أصبحتَ في حَرَمٍ ... إنَّ المنايا بِجَنْبَيْ كلِّ إنسانِ ولا تقولونْ لشيء: سوف أفعلُهُ ... حتى تَبيَّنَ ما يَمْنى لكَ الماني ومنهم أبو العيال: وكان مسلماً. ومن قوله يرثى أبن عمٍّ له قُتل بالروم زمنَ معاويةَ من قصيدةٍ طويلةٍ: ذكرتُ أخي فعاوَدَني ... صُداعُ الرأسِ والوصبُ كما يعتادُ ذاتَ البَوْقِ ... وبعد سُلُوِّها الطربُ فدمعُ العينِ من بُرَحا ... ءِ ما في القلبِ يَنسكبُ على عبد بنِ زُهرةَ طُو ... لَ هذا الليلِ أكتئبُ أخٌ لي دونَ مَن لي ... من بني عمٍّ ولو قَرُبوا طَوى مَن كان ذا نَسبٍ ... إليَّ وزادَهُ نَسَبُ أبو الأيتامِ والأَضْيا ... فِ ساعةَ لا يعدُّ أبُ لهُ في كلِّ ما رفع ال ... فَتى من صالحٍ سببُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 وقال أبو العيال، وكان حُصر ببلادِ الروم، فكتب إلى معاوية كتاباً نظمه شعراً. فقرأ على الناس: مَن أبي العيال أخي هذيل فاعرفوا ... قولي، ولا تَتَجَمْجَموا ما أُرسِلُ أَبلغْ معاويةَ بن صَخر آيةً ... يَهوى إليكَ بها البريدُ المُعْجَلُ والمرءَ عمراً فاتهِ بصحيفةٍ ... أَزرَى بنا في قَسمهِ إذ يعدِلُ وإلى ألى الأحلامِ حيثُ لقيتَهُمْ ... حيثُ البقيةُ والكتابُ المُنْزَلُ إنا لقينا بعدكُم بديارنا ... من جانَبَ الأمراجَ يوماً نُسألُ أمراً تضيقُ به الصدورُ ودونَهُ ... مُهَجُ النفوسِ وليس عنه مَعدِلُ في كلِّ مُعتركٍ يُرى منّا فتى ... يَهوى كعزلاءِ المَزَادةِ تُزْغِلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 أو سيِّدٌ كهلٌ تَمورُ دماؤهُ ... أو جانحٌ في صدرِ رْمحٍ يَسْعُلُ وتجرَّدتْ حربٌ يكونُ حِلابُها ... عَلَقاً ويَمْرِيها الغَوِيُّ المُبْطِلُ فتَرى النِّبالَ تَعيرُ في أقطارِنا ... شُمُساً كأنَّ نِصالَهُنَّ السُّنْبُلُ وترى الرماحَ كأنما هي بَيْنَنا ... أَشطانُ بئرٍ يُوغِلون ونُوغِلْ ومن هذيل قِرد: وكان مشهورا بالزِّنى والعهارة. وفيه كانت العربُ تقول: " أَزنى من قِرْد ". قال الشاعر: تُعير بني هذيل داءَ قِرْدٍ ... وهمْ كانوا بذاك الداءِ أولى فأَرْخوا سِترَ عارِكمُ عليكمْ ... فإنكم بذاكَ العارِ أخْزَى واسمُ قردٍ عُميرُ بن معاوية بن تميم بن سعد بن هذيل. ومن بني لِحْيانَ بن هذيل أبو عزة الهُذَليُّ: واسمُه يسار بن عبد. وقيل: ابن عبد الله. وقيل: ابن عمرو ... روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد اللهُ قبضَ روح عبدٍ بأرضٍ جعل له إليها حاجةً ". ومن بني لحيان النفَر الغادرون مع عَضل والقارة بأصحاب الرَّجيع الستة: مَرْثَد بن أبي مَرْثَد الغَنَويِّ، وهو أمير الستة، وخُبيب بن عديٍّ، وعاصم بن ثابت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 بن أبي الأفلح، وهما من بني عمرو بن عوفٍ من الأوس، وزيد بن الدَّثنة من بني بياضة بن عامر من الخزرج، وخالد بن البُكير الليثي، حليف بني عدي بن كعب بن لؤي، وعبد الله بن طارق حليف بني ظَفر من الأوس. والخبرُ بذلك صحيح مشهور. وقال حسان بن ثابت يهجو بني لحيان من هُذيل لغَدرهم بأصحاب الرجيع: إنْ سرَّك الغَدرُ صِرفاً لا مِزاجَ له ... فَأْتِ الرَّجيعَ فسلْ عن دارِ لِحيانِ قومٌ تَواصَوا بأَكل الجارِ بينهُمُ ... فالكلبُ والقردُ والإنسانُ مِثلانِ لو يَنطقُ التَّيسُ يوماً قامَ يَخطُبُهمْ ... وكان ذا شَرفٍ فيهمْ وذا شانِ وقال حسان أيضا يهجو هذيلاً: سَألتْ هذيل رسول اللهِ فاحشةً ... ضلَّتْ هذيلٌ بما سَاْلتْ ولم تُصِبِ سالوا رسولهُمُ ما ليس مُعْطِيَهُمْ ... حتى المماتِ، وكانوا سُبَّةَ العربِ ولن تَرى لهُذيلٍ داعياً أبداً ... يدعو لمكْرُمةٍ عن منزلِ الحَسَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 لقد أرادو خِلالَ الفُحشِ وَيحهُمُ ... وأن يُحلُّوا حَراماً كان في الكتُبِ وكانوا سألوا رسول الله أن يُبيح لهم الزِّنى. وقال أيضاً يهجوهم: لَعَمري لقد شانَتْ هُذيلَ بنَ مُدركٍ ... أحاديثُ كانت في خُبيبٍ وعاصمِ أحاديثُ لِحْيان صَلُوا بِقبيحها ... ولحيان جَرَّامونَ شرَّ الجرائمِ وهمُ غَدروا يوم الرَّجيعِ وأَسلمتْ ... أمانَتُهم ذا عِفَّةٍ ومَكارم رسولَ رسولِ اللهِ غَدراً ولم تكنْ ... هُذيلٌ تَوَقَّى مُنكَراتِ المَحارمِ قُبيَّلةٌ ليس الوفاءَ بهمِّهمْ ... وإنْ ظُلموا لم يدفَعوا كفَّ ظالمِ مَحلُّهمُ دارُ البَوارِ ورأيُهمْ ... إذا نابَهُمْ أمرٌ كرأيِ البَهائمِ ومن بني لحيان أسامةُ بن عمير: من أنفُس هذيل. له صحبة ورواية. وهو والد أبي المليح الهُذليِّ، واسم أبي المليح عامرُ بن أسامةَ. ويقال: زيد بن أُسامة. ولم يرو عن أسامة غيرُ ابنه أبي المليح من حديثه عن النبي عليه السلام الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 في سفر حُنين: فأصبنا مطر لم يَبُلَّ أسافل نعالنا. فنادى مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلُّوا في رحالكم. ومن هُذيل حمل بن مالك بن النابغة: وهو المذكور في حديث المرأتين اللتين اقتتلتا من هذيل. مسلم عن أبي هُريرة فال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمَت إحداهما الأخرى بحجر فقتلها وما في بطنها. فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دية جَنينها غُرةٌ عبداً ووليدةً. وقضى بدية المرأة على عاقلتها. وورثها ولدها ومن معهم. فقال حملُ بن النابغة الهذليُّ: يا رسول الله، كيف أغْرِم من لا شَرب ولا أكل ولا نطق ولا استهلَّ؟ فمثل ذلك بطَلَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما هذا من إخوانِ الكهَّان من أجل سجعهِ الذي سجع ". واسمُ إحدى المرأتين اللتين اقتتلتا من هذيل مُليكة بنت عُويمر، والأخرى أم غُطيف، روى ذلك عكرمة عن ابن عباس. ومن هُذيل أبو سَبرة سالم بن سَلَمة: روى عن عبد الله بن عمرو، وروى عنه عبد الله بن بُريدة، وجعله خليفةُ بن خيَّاطٍ في الطبقة الأولى ممَّن حُفظ عنه الحديث من أهل البصرة بعد الصحابة. ورفع نسبة فقال: ومن هذيل ابن مُدركة بن الياس بن مُضر أبو سبرة واسمه سالمُ بن سلمة بن نوفل بن عبد العُزَّى بن أبي نصر بن جُهينة بن مطرود بن مازن بن عمرو بن الحرث بن تميم بن سعد بن هُذيل بن مدركة. وقال مسلم: أبو سبرة سالم بن سَبرة، ووَهِم في ذلك. واتَّفق البخاريُّ وابنُ أبي حاتم على أنه أبو سبرة سالم بن سلمة كما قال خليفة بن خياط. ومن هذيل أبو عبد الله مُسلم بن جُندب الهذليُّ: القاصُّ، أحدُ أشياخ نافع بن أبي نُعيم المدني في القراءة. وأخذ مسلم القراءة عن أبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن أبي ربيعة عن أبيِّ بن كعبٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 الياس بن مُضر: أمُّه الرَّبابُ بنت حيدرة بن مَعدِّ بن عدنان. وفي سيرة ابن إسحاق: أمُّه سودة بنت عكِّ بن عدنان. وذكر الواقديُّ أنه كان يَسمع في صُلبه تَلبية النبي عليه السلامُ بالحج. وذكر الزبير بن بكَّار أن إلياس أول من أهدى البدنَ إلى البيت. قيل في اسمه الياسُ ضدُّ الرجاء، وعليه اكثر النُّسَّاب. واستشهدوا بقول قُصيِّ بن كلاب: إني لدى الحربِ رَخِيُّ اللَّببِ أُمَّهَتي خِندِفُ واليأسُ أبي وقال أبو بكر بن الأنباري: هو إلياس المذكور في القرآن. وإلياس الذي ذكر الله في القرآن قال ابن قُتيبةَ في " المعارف " وقاله غيره: هو من سبط يوشع بن نون، بعثه الله إلى أهل بعلبكَّ، وكانوا يعبدون صنماً يقال له " بعل " وفيه قال الله:) أتدعون بعلاً وتَذَرونَ أحسنَ الخالقين؟ (. قال المؤلف، وفقه الله: ويوشعُ بن نون هو ابنُ أفْراييم بن يوسف بن يعقوب، وهو فتى موسى وقال الفقيهُ الكاتب المحدِّث أبو عبد الله محمدُ بن أبي الخصال في قصيدته الكبيرة التي سمَّاها بمنهاج المناقب ومعراج الحسب الثاقب: إن إلياس بن مُضر هو المذكور في القرآن. ونصُّ ذكر إلياس في القصيدة: وإلياسُ مأوى الناس في كل أزمةٍ ... ومَهربهُم في كلِّ خوفٍ ومَرهَبِ وحين دَعَوا بعْلاً ضَلالاً وجُرأة ... على ربِّهم فاسْتَعْتبوا كلَّ مَعتَبِ وجاءهُم بالركنِ بعدَ هلاكهِ ... وقد كان في صَدْعٍ من الأرضِ أَنكَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 وحَجَّ وأهدى البُدْنَ أوَّل مَشعِرٍ ... لها، وفُروض الحج لم تَتَرتَّبِ ولم يقل ما قال رحمه اله إلا عن معرفة ونظر في كتب التواريخ. وقد ذكر ما ذكر الزبير بن البكار أن إلياس أول من أهدى البُدن الى البيت. وقد أجاد فيما نظمه في هذه القصيدة من مناقب وانساب حررها وحبرها، نفعه الله بها، وجعلها له ليوم الفزع الأكبر وامنا آمين. وولد إلياس مُدركة وولده عامر، وقد تقدم ذكره، وطابخةَ واسمه عمرو، وقمعة واسمه عمير. فولدت طابخةُ أُداً، وعَمراً، وعبد مناة، ومُراً. فولد أُدٌّ ضبَّة، وهي جمرة من جمرات العرب. وولد ضبة سعداً، وسعيدا، وباسلا. فأما باسل فهو ابو الَّديلم. وقُتل سعيد ولا عقب له. قال المفضل بن محمد الضبي الراوية: إن ضبة بم أُدَّ كان له ابنان: سَعيد وسُعيد، فخرجا في طلب ابل لهما، فرجع سعد ولم يرجع سعيد. فكان ضبة كلما رأى شخصا مقبلا قال: " أسعد أم سعيد؟ ". فذهبت كلمته هذه مثلاً. قال: ثم ان ضبة بينما هو يسير، ومعه الحرث بن كعب، في الشهر الحرام إذ اتيا على مكان. فقال الحرث لضبة: أترى هذا الموضع؟ فإني لقيت فيه فتى، وأخذت منه هذا السيف. فإذا هي صفة سُعيدٍ ابنه. فقال له أرني السيف أنظر إليه. فناوله، فعرفه ضبة. فقال عندها: " إن الحديث ذو شجونٍ ". فذهبت كلمته الثانية مثلا. ثم ضرب به الحرث حتى قتله. قال: فلامه الناس في ذلك، وقالوا: أتقتل في الشهر الحرام! فقال: " سبق السيف العذَلَ ". فذهبت هذه الثالثة مثلا. قال: وفيه يقول الفرزدقُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 فلا تأمنَنّ َالحربَ إنَّ اسْتِعارَها ... كضبَّةَ إذ قال: الحديثُ شُجُونُ وضبة كلها ترجع الى سعد بن ضبة. وفي سعد بطون كثيرة. والشرف منها في كعب بن بحالة. وهو بيت ضبة كلها؛ منهم: ضرار بن عَمرو، وهو القائل: " مَن سرَّرهُ بنوهُ ساءته نفسه ". وولد له ثلاثة عشر ذكرا. ومن بني المنذر بن ضرار بن عمرو هذا أبو شُبرمة عبد الله بن شُبرمة: ولد سنة اثنتين وسبعين من الهجرة. وهو كوفي، تفقه بالشعبي، وروى عنه وعن أبي زُرعةَ هرمُ بن عمرو بن جرير البجليِّ. ومات سنة أربع وأربعين ومئة. قال حماد بن زيدٍ: ما رأيت كوفيا أفقه من ابن شُبْرمةَ. وقان قاضياً لأبي جعفر على سواد الكوفة، وكان شاعرا، حسن الخلق جواداً ربما كسا حتى يبيت في ثيابه. وله ابنا أخ يقال لهما: عمارة ويزيد ابنا القعقاع بن شُبرمة، وقد روي عنهما. وكان ابن شبرمة يقول لابنه: يابني لا تُمكن السفلة من نفسك، فإن أجرأَ الناس على السباع أكثرهم لها مُعاينةً. وفي ضبة من الصحابة سلمان بن عامر بن أوس بن حجر بن عمرو بن الحرث بن تميم بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة بن أُدٍّ: سكن البصرة، وكان له دار بمقربة من الجامع بها. وله رواية عنالنبي عليه السلام. روى عنه محمد بن سيرين والَّبابُ بنت صُليع بنت أخى سلمان بن عامر. البخاري عن محمد بن سيرين قال: حدثنا سلمان بن عامر الضبي قال: " سمعتُ ....... مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دَما، وأميطوا عنه الأذى ". وعتّاب بن شُمَير: روى عنه ابنه مُجمِّعُ بن عتاب. قال ابن ابي خَيثمة: وقد روى عن النبي عليه السلام من بني ضبة عتّابُ بن شُمير. روى أبو نُعيم ويحيى الحِمَّانُّي قالا: نا عبد الصمد بن جابر بن ربيعة الضبي قال: نا مجمَّعُ بن عتاب بن شُمير عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير، ولي إخوة فإذهب اليهم، لعلهم يُسْلمونَ، فآتيكَ بهم فقال النبي عليه السلام: " إن هم أسلموا فهو خيرٌ لهم، وإن أبوا فإن الإسلام واسع عريض ". ويقال: إنه لم يرو عن النبي عليه السلام من ضبة غير عتَّاب بن شمير وسلمان بن عامر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 ومن ضبة ثم من بني صُباح عبد الله بن زيد بن صفوان بن صُباح الصُّباحيُّ. وصُباح: هو ابن ظريف بن زيد بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وسماه عبد الله، ولم يرو عنه شيئاً. ونسبه ابن الكلبي ومحمد بن حبيب. وقال وسيم بن عمرو بن ضرار: شهد يوم الجمل مع عائشة. ذكر ذلك الطبري في تايخه الكبير عن المفضَّل بن محمد الضَّبيَّ الراوية عن عدي بن أبي عدي، عن أبي رجاء العُطاردي قال: إني لأنظر إلى رجل يوم الجمل، وهو يقلب سيفاً بيده كأنه مِخراقٌ، وهو يقول: نحن بنو ضبةَ أصحابُ الجملْ ننازلُ الموتَ إذا الموتُ نَزَلْ والموتُ أَشهى عندنا من العسلْ نَنْعى ابنَ عفانَ بأَطرافِ الأَسَلْ ردُّوا علينا شيخَنا ثمَّ بَخَلْ قال المفضل: الرجل هو وسيم بن عمرو بن ضرار الضبي. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قُتل يوم الجمل مع عائشة من بني ضبة ألف ومئة رجل ما منهم من يتحرك من مكانه. ومنهم عُميرُ بن الأَهْلب: قتل يوم الجمل مع عائشة ذكره الطبري أيضاً في تريخه فقال: حدثنا بن محمد قال: نا رَوْحُ بن عبادة قال: نا عوف عن أبي رجاء قال: رأيت رجلاً قد اصطُلمتْ أذنُه. قلت: خِلقةٌ أم شيء أصابك؟ قال: أحدثك بينا أنا أمشي بين القتلى يوم الجمل، فإذا رجل يفحص برجله وهو يقول: لقد أَوْرَدَتْنا حَومةُ الموتِ أمُّنا ... فلم ننصرفْ إلا ونحن رِواء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 أطعنا قريشاً ضِلَّةْ مِن حُلومِنا ... ونُصرُتنا أهلَ الحجازِ عَناءُ قال: قلت: يا عبد الله، قل: لا إله إلا الله. قال: ادنُ مني ولقِّنِّي، فإن في أُذني وقرٌ. قال: فدنوت منه، فقال لي: مَم أنت؟ قلت: رجل من أهل الكوفة. قال: فوثَب عليَّ فاصطلم أذني كما ترى. ثم قال: إذا لقيت أمك فأخبرها أن عمير بن الأهلب فعل بك هذا. عباسُ بن محمد الذي روى عنه الطبري هذا الخبر مُشافهةً هو أبو الفضل الدُّوريُّ صاحب ابن معينٍ: قال النسائي: هو ثقة. وقال أبو حاتم: هو صَدوق. ورَوحٌ الذي روى عنه عباس الدوري هو روح بن عبادة القيسي أبو محمد، روى عن الأئمة: مالكٍ والثوري وشعْبةَ. وروى أيضاً عن سعيد بن أبي عروبة وابن جُريج. وعوفٌ الذي روى عنه رَوح هو أبو سهل عوف بن أبي جميلة الأَعرابي. سمع الحسن وابن سيرين وأبا رجاءٍ. روى عنه حمادُ بن سلمة وشعبة ويحيى القطان وأبو رجاء الذي روى عنه عوف الأعرابي هو العطاردي التميميُّ. ويأني ذكره بعد هذا في تميم إن شاء الله. ويروي ايضا عباس الدوري عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المُقرىءِ وأبي زكرياء يحيى بن أبي بُكير القاضي قاضي كَرْمانَ وغيرهم من الثقاتِ. وخرَّج عن عباس الدوري الترمذي كثيراً. وخرَّج ابنُ الجارود عنه حديثاً واحداً عن قُرادٍ أبي نوح في باب الخُلْع من)) المنتقى ((، رحم الله جميعهم ونفعهم ونفعنا بما صنَّفوهُ. ومن ضبة ربيعة بم مَقْروم. وهو القائل في قصيدةٍ: ودعَوا: نزالِ، فكنتُ أول نازلٍ ... وعلامَ أركبهُ إذا لم أنزِلِ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 ومن ضبة شِظاظ: وفيه جرى مثل العرب " ألصُّ من شِظاظ ". وكان مشهوراً باللصوصوية. ومن ضبة عاصم بن خليفة بن معقل: قاتلُ بَسطامَ بن قيس الشيباني. وبسطام: هو فارس بكر بن وائل وابنُ سيِّدها. وقُتل بالحسنِ، وهو حبل رملٍ. وأسلم عاصم بن خليفة أيام عثمان بن عفان، فكان يقف ببابه، فيستأذن، فيقول: عاصم بن خليفة قاتلُ بسطام بن قيس بالباب. وكان سببُ قتله بسطام أن بسطام بن قيس أغار على بني ضبةَّ، وكان معه حازٍ يحزو له. قال أبو احسن الأخفش: حاز: زاجر. فقال بسطام إني سمعت في النوم قائلاً: الدلوُ تأتي الغَرَبَ المَزِلَّةْ فقال الحازمي: أفلا قلت: ثم تعود بادِناً مُبتلَّهْ قال: ما قلت: فاكتسح إبلهم، فتناوا واتبعوه. ونظرت أمُّ عاصمٍ إليه وهو يقع حديدةً له أي يحدُّها. والمِقَعةُ: المِطرقةُ. فقالت: ما تصنعُ بهذهِ؟ وكان عاصم منغوصاً. فقال: أقتلُ بها بسطام بن قيس، فنهرتْه وقالت له: اسْتُ أمِّك أضيق من ذلك. فنظر إلى فرسٍ لعمِّه موثقةٍ إلى شجرةٍ، فاغزوراها، أي ركبها عُرْياً، ثن أقبل بها الريح. فنظر بِسطامٌ إلى الخيل وقد لحقته. فجعل يطعن الإبلَ في أعجازها. فصاحت به بنو ضبة: ما هذا السَّفهُ يا بسطام؟ دعها، إما لنا وإما لك. فانحطَّ عليه عاصم، فطعنه، فرمى به على ألاءةٍ، وهي شجرة ليست بعظيمة. وكان بِسطامُ نَصرانياً، وكان قتُله بعدَ مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 فأراد أخوه الرجوع إلى القوم، فصاح بسطامُ: أنا حنيفٌ إن رَجعتَ. ففي ذلك يقول ابنُ غَنوةَ الضَّبيُّ، وكان نازلاً فب بني شيبان، فخرَّ الألاءة، ولم يوسَّد، كأنه جبينه سيف صَقيل. ولما قُتل بسطام بن قيس لم يبت في بكر بن وائل بيت إلا هُجم أي هُدم. ومن ولد ضرار بن عمرو الضبي زيد الفوارس: وهو زيد بن الحصين بن ضرار. وإياه أراد الفرزدق في قصيدة له طويلة، يناقض فيها جريراً: زيدُ الفوارس وابنُ زيدٍ منهمُ ... وأبو قَبيصةَ والرئيسُ الأوَّلُ كامل أبو قبيصة هو ضرار بن عمرو جدُّ زيد الفوارس. والرئيس الأول هو مُحَلَّمُ ابن سويد الضبي، ربَعَ ضبة وتميماً والِّرباب. ومن ضبة حُبيشُ بن دُلَف: أحد العظيمي الفداءِ من العرب. أُسر يوم القَرنين، ففدى نفسه بأربعمئة بعير وبغيهب فحل إبل. وأسر حُبيش عمرو إبن الحرث بن أبي شَميرٍ الغسَّانيَّ، فجزَّ ناصيته، واشترط عليه أن يبعث إليه في كل سنة بحباء حتى يموت. وإياه يعنى الفرزدق أيضاً في القصيدة التي ذكر فيها زيد الفوارس: يابنَ المَراغةِ أينَ خالُكَ؟ إنني ... خالى حُبيشٌ ذو الفَعالِ الأطولُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 خالى الذى اغتصبُ الملوكَ نفوسَهم ... وإليهِ كان حِباءُ جفنةَ يُنقَلُ قال المؤلف، وفقه الله: قوله: " وإليه كان حباءُ جفنةَ ينقل " يعني ما اشترط عمرو بن الحرث بن أبي شمر لحبيش على نفسه حين أطلقه. وهو من آل جفنة. وجفنة: هو ابن حارثة بن عمرو ومُزَيْقَيا بن عامر، وهو ماءُ السماء، وحارثةُ: أبو جفنة أبو خزاعة وأخو ثعلبة العنقاء أو الأنصار. وأبوه الحرث بن أبي شمر: هو الحرث الأعرج. وكان خير ملوك الغسانيين، وأيمنهم طائراً، وأبعدهم مُغاراً، وأشدهم مغارا، وأشدهم مكيدة. وأُمهُ مارية ذات القرطَين: وهي مارية بنت ظالم بن وهب بن الحرث بن معاوية الكندي، وإياها غنى حسان بقوله: أولادُ جفنةَ حولَ قبر أبيهمُ ... قبرِ ابن ماريةَ الكريم المفْضلِ وأخت مارية هند الهنود: امرأة حجر آكل المُرار الكندي وهو حجر بن عمرو بن الحرث بن معاوية بن ثور بن مُرتِّع بن معوية بن ثور بن عُفير. وكِندةُهم ولد ثور بن عُفير بن الحرث بن مرة بن أُد بن زيد بن يَشجُب بن عَريب ابن زيد بن كهْلان بن سبأ. وحُجرُ بن آكل المُرار هو جدُّ جدِّ امرىءِ القيس الشاعر. وهو امرؤُ القيس بن حجر بن عمرو بن الحرث بن حجر آكل المرار بن عمرو. وفي عمود هذا النسب اختلاف بين النسَّاب في زيادة أسماء ونقصها. وفي الحرث بن أبي شَمر الأعرج. يقول علقمة بن عبدة، وقد أتاه في أُسارىمن تميم، وفي أخيه شأس بن عبدة، فأطلقهم له: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 إلى الحارث الوهَّاب أعلمتُ ناقتي ... لِكلْكلِها والقُصرَبَيْنِ وَجِيبُ وفي كلِّ حيٍّ قد خَبطتَ بنعمةٍ ... فحقَّ لشأسٍ منْ نَداكَ ذَنوبُ فقال الحرث: نعم وأذْنَبَةٌ. وفي ابنه عمرو يقول النابغة حين صار إليه، وفارق النعمان بن المنذر: عليَّ لعمرٍو نعمةٌ بعد نعمةٍ ... لوالدهِ ليست بذاتِ عقاربِ وحَليمةُ بنت الحرث الأعرجي: هي التي فيها جرى المثل: " ما يومَ حليمة بيسرٍّ ". وملك آل جفنة من غسان الشام ستمئة سنة إلى أن جاء الإسلام وعدة ملوكهم سبعة وثلاثون ملكاً. ومن ضبة سلمة بن هَزالٍ الضبي أبو حَبروسٍ: سمع سعد الإسكاف. روى عنه مسلم بن إبراهيم ويحيى بن يحيى. ومنهم أبو معاذ عُتبةُ بن حُميدٍ الضبيُّ: روى عن يحيى بن يزيد وأبي بشر. روى عنه أبو خيثمة وأبو معاوية وابن عيينة. ومنهم المُغيرةُ بن مِقْسمٍ الضبِّي: مولى لهم. روى عن أبيه وإبراهيم النخعي. وروى أبوه مقسم عن النعمان بن بشير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 ومنهم جرير بن عبد الحميد الضَّبي: روى البخارى ومسلم عن رجل عنه كثيراً. وتوفي سنة ثمانٍ وثمانين ومئة، وهو ابن اثنين وثمانين سنة. ومن موالى بني ضبة يونس بن حبيب: وكان صاحب غريب ونحو، وكان النحو أغلب عليه. ومات سنة اثنين وثمانين، وهو ابن ثمان وثمانين. وولد عمرو بن أُدٍّ بن طابخة أوسأ وعثمان، وهما مُزينةُ: نُسا إلى أمها مُزيةَ بنت كلب بن وبرة، وإليها يُنسب كل مُزيني. غلب عليهم اسم أمهم مزية. وفي مزينة كثير من الصحابة مباركون. ويروى أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مزينة أربعمئةٍ منهم: قُرَّةُ بن إياسٍ جد إياس بن معاوية بن قُرة، وبلال بن الحرث. قال ابو عبد البر أبو عمر في كتاب " الإنباه ": حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: نا قاسم بن أصبغ، قال: نا أحمد بن زهير، قال: نا عمرو بن مرزوق، قال: نا شعبة عن أبي بشر عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مزينةُ وأسلمُ وجهينة وغِفار خيرٌ من بني تميم وأسدٍ وغطفان ومن بني عامر بن صعصعة ". وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: نا قاسم بن أصبغ قال: نا محمد بن عبد السلام الخُشنى قال: نا محمد بن بشار قال: نا غُنْدر عن شعبة، عن سعد ابن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسلمُ وغِفارٌ ومُزينةُ ". أو قال: " مَن كانَ من جهينة خيرٌ من بني تميم ومن بني عامر بن صعصعة ومن الحليفين: أسدٍ وغَطَفانَ ". قال أبو عمرَ: هذان الحديثان من حديث شعبة لا مَطْعَنَ لأحدٍ فيهما من جهة النقل. قال المؤلف، أصلحه الله: خرَّجهما مسلم عن شعبة في صحيحه. وفي مزينة من الصحابة بنو مُقرِّن، وهم سبعة. روى منهم عن النبي عليه السلام خمسةٌ: النعمان وسويد ومعقل وسنان وعقي. ومما يُصحح أنهم كانوا سبعة إخوة ما ذكره مسلم فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله ابن نمير " واللفظ لأبي بكر " قالا: نا ابن ادريس عن حصين. عن هلال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 ابن يساف قال: عَجِلَ شيخ فلطم خادماً له فقال له سويد بن مُقرِّن: عجز عليك إلا حُرُّ وجهها. لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن مالنا إلا خادم، فلطمها أصغرُنا. فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها. وروى مسلم هذا الحديث من طرق. وروى عن سويد بن مقرن ابنه معاوية بن سويد وهلال بن يساف وأبو شعبة العراقي مولى سويد. وعِدادُ أبي شعبة العراقي في أهل الحجاز مذكور فيمن لا يعرف اسمه. ويكنى سويدٌ أبا عدي، وقيل يكنى أبا عمرو. وكان النعمان بن مقرِّن من فضلاء الصحابة وخيارهم، فتح نهاوند لعمر، وقتل يومئذ، وكان أمير الجيش. وقبره هناك بموضع يقال له الإسفيذهانُ، وقبر طليحة بن خويلد، وقبر عمرو بن معد يكرب، وقبور جماعة من المسلمين. وقيل إنَّ عمرو بن معد يكرب شهد فتح نهاوند، وقاتل يومئذ حتى كان الفتح، وأثبتته الجراحات، فحُمل فمات بقريةٍ من قرى نهاوند يقال لها " رَوْذه ". فقال بعض شعرائهم: لقد غادرَ الركبانُ يومَ تَحملوا ... برَوذةَ شخصاً لا جَباناً ولا غُمْرا فقُلْ لزُبيدٍ بل لمذْحِجَ كلِّها: ... رُزِيتم أبا ثَورٍ قَريعَكُمُ عَمْرا ومعقِلُ بنُ المُقرِّن: هو أبو عمرة المزنيُّ. كذا قال ابن قتيبة في " المعارف "، وقال ابنُ عبد البر في " كتاب الصحابة ": يُكنى أبا عمرو. وكان مسكن معقل واخوته الكوفة. ويكنى عقيل من إخوة النعمان أبا حكيم. قال الواقدي: وممن نزل الكوفة من الصحابة عقيل بن مثقرِّن أبو حكيم. وقال البخاري: عقيل بن مقرن أبو الحكيم. وكان النعمان بن مقرِّن صاحب لواء مزينة يوم الفتح. وكان رضي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 عنه أول صريع بنهاوند. وكانت وقعت نهاوند سنة أحدى وعشرين. واستشهد يوم جمعة، وكان اللواء بيده. ولما جاء نعيه عمر الخطاب رضي الله عنه خرج فنعاه للناس على المنبر، ووضع يده على رأسه يبكي. وقال يحيى بن معين: نا غُندَر عن شعبة، عن حُصين قال: قال عبد الله بن مسعود: إن للإٌيمان بيوتاً، وللنفاق بيوتاً. وإن بيت بني مقرن من بيوت الإيمان. روى عن النعمان بن مقرن من الصحابة معقل بن يسار وطائفة من التابعين. ومن مزينة عمرو بن عوف بن زيد بن مُليحةَ، ملحة بن عمرو ابن بكر بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر. وكان أحد البكَّائين الذين قال الله فيهم:) تَولَّوا وأَعينُهم تفيضُ من الدمع ألاَّ يَجدوا ما يُنْفقون (. له منزل بالمدينة. ولا يعلم حيٌ من العرب لهم مجلس بالمدينة غير مُزينةَ. ذكر البخاري عن اسماعيل بن أبي أويس عن كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عوف المزني، عن أبيه، عن جده قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين قدِم المدينة، فصلى نحو بيت المقدس سبعة عشر شهراً. سكن المدينة ومات بها في آخر خلافة معاوية. يكنى أبا عبد الله، كنَّاه الواقدي. مخرج حديثه عن ولده وهم ضعفاء عند أهل الحديث. ومنهم قرَّةُ بن إياس بن رئاب: جد إلياس بن معاوية بن قرة الحكيم الزَّكِن، قاضي البصرة. ويقال له قرةُ بن الأغَر. حدَّث أبو بكر بن أبي شيبة: نا شبابةُ بن سوَّار عن شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حلبَ وصَرَّ. وقرةُ هذا قتلة الأزارقة في زمن معاوية بن أبي سفيان. وكان مع ابنه معاوية في عسكرٍ فيه نحوٌ من عشرين ألفاً. بعثه معاوية وعلى العسكر عبد الرحمن بن عُتَيس بن كُرَيز القرشي العَبشمي. وهو ابن خال عثمان، فقتل عبد الرحمن، فقتله رأسُ الأزارقة نافع بن الأزرق، وقتل معه قُرةُ. وقتل يومئذ معاوية ابنه قاتل أبيه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 وسئل معاوية بن قرة عن ابنه إياس: كيف ابنك؟ فقال نِعمَ الابنُ؛ كفانى أمر دُنياي، وفرَّغني لآخرتي. وروى معاوية بن قرة عن أبيه وأنس وعبد الله بن مُغَّفل. وروى عنه قتادة وشعبة. ويكنى إياس أبا وائلة. وكان صادق الظن، لطيفاً في الأمور، وكان لأمِّ ولدٍ. وله عقبٌ بالبصرة وغيرها. وروى إياس عن أبيه وعن أنس بن مالك. وروى عنه ابن عجلان وحمَّاد بن سلمة وشعبة أيضاً. ومنهم عبد الله بن هلال: والد علقمة وبكر ابني عبد الله المزني، وهو أحد البكائين الذين نزلت فيهم: " ولا على الذينَ إذا ما أتوكَ لتحملهم قُلتَ: لا أجدُ ... وكانوا ستة نفر؛ أحدهم عبد الله هذا، والآخر عمرو بن عوف المزني وقد تقدم ذكره بعد بني مقرنٍ، وعُلبةُ بن زيد الحارثي الأنصاري، وسالم ابن عمير الأنصاري من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، وهرم بن عبد الله بني واقف بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس، وعمرو بن عَثمةَ بن عدي الأنصاري من بني سلمة. وروى عن عبد الله بن هلال المزني ابنه علقمة سماعاً منه، وابن بريدة. وأما ابنه بكر فلم يرو عنه لصغره، وسمع ابن عمرو وأنساً. وروى عنه حًميد الطويل ومحمد بن سيف. وكانت أمُ بكر موسرة. وكان بكر حسن اللباس جداً. وروى معتمر بن سليمان عن أبيه أنَّ بكر ابن عبد الله كانت قيمة كسوته أربعة آلاف درهم. وقال غيره: اشترى بكر طيلساناً بأربع مئة درهم فأراد الخياط ليقطعه، فذهب ليذُرَّ عليه تراباً لموضع القطع، فقال له بكر: لا تعجل. وأمر بكافور، فسحق ثم ذرَّهُ عليه. وما سنة ثمانٍ ومئة. وحضر الحسن جنازته. قال المبارك فضالة: كنا في جنازة بكر بن عبد الله المزني ومعنا الحسن، فازدحموا على السرير، فقال الحسن: على علمه ازدحموا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 وكان بكر من جلَّة أهل البصرة، وكان يقال: الحسن شيخاها وبكر فتلها. ومنهم بلال بن الحرث بن عُصْم بن سعيد بن مرة: وهو الذي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم معادن القبلة. أسلم سنة خمس من الهجرة مع وفد مزينة الوافدين على النبي صلى الله عليه وسلم، وسكن موضعا يعرف بالأشعر وراء المدينة، ويكنى أبا عبد الرحمن. وكان أحد من يحمل ألوية مُزينة يوم الفتح. توفي سنة ستين في آخر خلافة معاوية وهو ابن ثمانين سنة. روى عنه ابنه الحرث بن بلال وعلقمة بن وقاص الليثي. وابنه حسان بن بلال: أول من أحدث الإرجاء بالبصرة. ومنهم عبد الله بن مُغفَّل: ويكنى أبا عبد الرحمن. وقيل: أبو سعيد. سكن المدينة، ثم تحول إلى البصرة، وابْتنى بها داراً قريب المسجد الجامع. وتوفي بالبصرة سنة ستين، وأوصى أن يصلي عليه أبو بَرزةَ الأسلمي، وكان ممن بايع بيعة الرَّضوان، آخذاً بغصن من اغصان الشجرة التي بويع رسول الله تحتها، يُظلةُ بها. وروى عنه جماعة من التابعين بالكوفة والبصرة. أروى الناس عنه الحسن قال الحسن: كان عبد الله بن مغفل أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر، يفقهون الناس. وكان من نقباء أصحابه. وكان له سبعة أولادٍ. ومنهم معقلُ بن يسار: ويكنى أبا عبد الله. وكان له عقب بالبصرة. وهو فجَّ فوهَّة نهر معقَل، وكان زياد حفره، فتيمن به لصحبته، فأمره ففجره، فنسب إليه. وإليه ينسب الرُّطبُ المعقلي. وتوفي في آخر خلافة معاوية. ومن مواليه حبيب المعلِّمُ: وهو حبيب بن زيد. كذا قال ابن قتيبة. وقال مسلم: أبو محمد حبيب بن أبي قريبةَ العلم. سمع ابن سيرين وعطاء. روى عنه حمّاد بن سلمة وحماد بن زيد. ومنهم عائذُ بن عمرو بن هلال المزني، يكنى أبا هريرة. كان ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة. وكان من صالحي الصحابة. سكن البصرة، وابتنى بها داراً. وقال له الدعيُّ عُبيد الله بن زياد، قبَّحه الله وابعده: إنك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 لمن حثالة أصحاب محمد. فقال عائذٌ: وهل في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حثالة؟. كذا قال ابن قتيبة. وفي صحيح مسلم عن الحسن أن عائذ بن عمرو، وكان " من أصحاب النبي " صلى الله عليه وسلم. دخل على عبيد الله إبن زياد فقال: أىْ بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول: " إنَّ شّرَّ الرِّعاءِ الحطمةُ ". فإياك أن تكون منهم. فقال له: إجلس، أنت من نُخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم. سكن عائذ البصرة، وابتنى بها داراً. وتوفي في أيام يزيد بن معاوية. روى عنه الحسن ومعاوية بن قرة. ومنهم شُريحُ بن ضَمرةَ المزَنيُّ: وهو أول من قدم بصدقة مزينة على النبي صلى الله عليه وسلم. ومن مزينة عبد الله بن سَرجسَ المُزَني: له صحبة. وهو بصري. روىعنه عاصم الأحول وقتادة. خرجَّ مسلم عنه أحاديث، منها في كتاب الصلاة: " يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعاً " ومنها في كتاب المناقب بسندٍ من ثلاث طرق عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه خبزاً ولحماً، أو قال: ثريداً. قال: فقلت له: آستغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولك، ثم تلا هذه الآية:..) واستغفر لذنبك وللمؤمنين وللمؤمنات.. (. قال: ثم درتُ خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ... ومنهم بُجيرُ بن زُهير وأخوه كعب بن زهير: وهما من الصحابة. وقدِم كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة سنة تسعٍ، فأنشده قصيدته المشهورة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 فبانت سعادُ فقلبي اليومَ مَتبولُ ... مُتيَّمٌ عندَها لم يُجزَ مكبولُ وما سعادٌ غداةَ البَينِ إذْ برزتْ ... إلا أَغنُّ غضيضُ الطرفِ مكحولُ تَجلو عوارضَ ذي ظَلْمٍ إذا ابتَسمتْ ... كأنه مَنْهلٌ بالرَّاح معلولُ ومنها في مدح النبي عليه السلام: نُبِّئت أن رسولَ الله أوعدني ... والعفوُ عند رسول اللهِ مأمولُ مَهلاً هداكَ الذي أعطاك نافلةَ ال ... قرآنِ فيه مواعيدٌ وتفصيلُ لا تَأخنِّي بأقوالِ الوُشاةِ ولم ... أُذنبْ، ولو كثرتْ فيَّ الأقاويلُ إنَّ الرسولَ لنورٌ يُستضاء به ... مُهندٌ من سيوفِ اللهِ مَسلولُ في عصبةٍ من قريش قالَ قائلهم ... ببطنِ مكةَ، لما أسلموا: زُولوا زالوا، فما زال أنكاسٌ ولا كُشُفٌ ... عند اللقاءِ ولا ميلٌ مَعازيلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 وله يمدح الأنصار: مَنْ سرَّهُ كرمُ الحياةِ فلا يزلْ ... في مِقْنبٍ من صالحى الأنصارِ المكرِهينَ السمهريَّ بأَذرعِ ... كسوالفِ الهِنديِّ غَيرِ قِصارِ والناظرينَ بأعينٍ مُحمَّةٍ ... كالجَمرِ غيرِ كَليلةِ الأبصارِ والبائعين نفوسهم لنبيِّهم ... للموتِ يومَ تَعانقٍ وكِرارِ يَتطهَّرون يرونهُ نُسكاً لهم ... بدماءِ مَن عَلِقوا من الكُفارِ ومنها: قومٌ إذا خَوتِ النجومُ فإنهم ... للطارقينَ النازلينَ مَقارِ وكان بجيرٌ شاعراً. وكان كعب وبجير قد خرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما بلغا أبرقَ العزَّافِ قال كعب لبجير: إلق هذا الرجل، وأنا مقيم لك. فقدم بجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع منه وأسلم وبلغ كعباً، فقال أبياتاً أولها: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 مَن مبلغٌ عني بُحيراً رسالةً ... فهل لك فيما قلتَ بالخيفِ هلْ لَكا؟ سَقاكَ بها المأمونُ كأساً رويةً ... فأنْهلك المأمونُ منها وعَلَّكا وخالفت أسبابَ الهُدى واتَّبعتَهُ ... على أيِّ شيءٍ وِيْبَ غيركَ دَلَّكا على خُلقٍ لم تُلفِ أُماً ولا أبا ... عليهِ ولم تُدركْ عليهِ أخاً لكا فقال رسول الله صلى الله عيه وسلم، لما سمع " سقاك بها المأمونُ ": " صدق، وإنه لكَذوبٌ، أنا المأمونُ ". ولما سمع " على خلقٍ لم تُلفِ أماُ ولا أباً عليه " قال: " أجل، لم يلف أمِّه ولا أباه عليه ". ثم لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنصرفهُ من الطائف كتب بُحيرٌ إلى كعب: إن كانت لك في نفسك حاجةٌ فاقدمْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقتل أحداً جاء تائباً، وذلك أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه لقولٍ بلغه عنه، وبعث إليه: مَم مبلغٌ كعباً فهل لك في التي ... تلومُ عليها باطلاً وهي أحزمُ إلى الله، لا العُزَّى ولا اللآتِ وحدهُ ... فتَنجو إذا كان النجاءُ وتَسلمُ لدي يوم لا ينجو وليس بمُفلتٍ ... من النارِ إلا طاهرُ القلبِ مُسلمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 فَدينُ زهيرٍ وهوَ لا شيءَ دينُهُ ... ودينُ أبي سُلمى عليَّ مُحرَّمُ وقال بجيرٌ يذكر حُنيناً والطائف من كلمةٍ له: كانتْ عُلالةُ يوم بَطينِ حُنينكمْ ... وغداةَ أوطاسٍ ويومَ الأبرقِ جَمعتْ هوازنُ جَمعها فتبددَّوا ... كالطيرِ تنجو من قَطامٍ أزرقِ لم يمنعوا منا مُقاماً واحداً ... إلا جدارهمُ وبطنِ الخندق ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا ... فاستحصنوا منا ببابٍ مُغلق وقال بُجيرٌ أيضا في يوم حُنين: لولا الإله وعبدهُ ولَّيتمُ ... حينَ أستخفَ الُّعبُ كلَّ جَبانِ بالجَزْع يومَ حَبالنا أقرانُنا ... وسوابحٌ يكبونَ للأذقانِ من بين ساعٍ ثوبُهُ في كفِّه ... ومُقَطَّرٍ بسنابكٍ ولَبانِ والله اكرمنا وأظهرَ ديننا ... وأعزنا بعبادةِ الرَّحمان واللهُ أهلكهمْ وفرَّ قَ جَمعهُمْ ... وأذلَّهم بعبادةِ الشيطانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 إذ قام عمُّ نبيكمووليُّهُ ... يَدعو: أيا لكتيبة الإيمانِ أينَ الذينَ همُ أجابوا ربَّهم ... يومَ العُريض وبيعةِ الرضوانِ وكان كعب بن زهير شاعراً مُجوداً كثير الشعر مُقدِّماً في طبقته هو وأخوه بحير، وكعب أشعرهما، وأبوهما زهير فوقهما، وهو أحد المبرِّزين الفحول من الشعراء. وهو زهير بن أبي سلمى: واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح بن قُرطْ بن الحرث بن مازم بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن لاطم بن عثمان بن مزينة بن طابخة بن إلياس بن مضر. وقال خلف الأحمر لولا قصائد لزهير ما فضلته على ابنه كعبٍ. ولكعب ابن شاعر اسمه عقبة: ولقبه المضرِّب، لأنه شبَّب بأمرأةٍ، فضربه أخوها بالسيف ضرباتٍ كثيرة فلم يمت. ومما يستجاد لكعب بن زهير قوله: لو كنتُ اعجبُ من شيءٍ لأعجبني ... سعيُ الفتى وهو مخبوءٌ لهُ القدرُ يسعى الفتى لأمور ليس يدركها ... فالنفسُ واحدةٌ والهمُ منتشرُ والمرءُ ما عاش ممدودٌ لهُ أملٌ ... لا ينتهى العين حتى ينتهى الأثرُ ومما يستجاد له أيضاً: إنْ كنتَ لا ترهبُ ذَمى لما ... تعرفُ من صفحى عن الجاهل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 فاخشى سكوتي إننى منصتٌ ... فيك لمسموعِ خنا القائلِ فالسامعُ الذَّمِّ شريكٌ له ... ومُطعمُ المأكول كالآكلِ مقالةُ السوءِ إلى أهلها ... أسرع من مُنحدرٍ سائلِ ومن دعا الناسَ إلى ذَمِّهِ ... ذموهُ بالحقِّ وبالباطلِ وله من قصيدة أبدع فيها يفخر بخندِفَ على قيس، ويمدح أوسا وعثمان، ابنا مُزينة، قومَه: متى أدعُ أوسٍ وعثمان تأتيني ... مَساعيرُ حربٍ كلُّهمْ سادةٌ دُعُمْ همُ الأُسدُ عند البأس والحشدُ في القرى ... وهم عند عقدِ الجبارِ موفونَ بالذِّمَمْ ومن مزينة عَنمة والد ابرهيم بن عنمة المُزنيني: له صحبة. روى عنه ابنه إبراهيم ومحمد بن الحرث التيمي. وسكن غنمة مصر، وهو مذكور فيمن سكنها من الصحابة. واما عبد مناة بن أُد بن طابخة بن إلياس، فقال لولده " الرباب " وهم أربعة عدي، وثورأطحل. وأطحل جبل نسب إليه ثور، وعوف وهو عُكل، وتيم. إنما قيل لهم " الرباب " لأنهم غمسوا أيديهم في الرُّبِّ حين تحالفوا. وقال بعضهم: إنما سموا الرِّباب لأنهم إذ تحالفوا جمعوا قِداحاً، من كل قبيلة قِدحٌ، وجعلوها في قطعة من أدمٍ، وتسمى تلك القطعة الرِّبة، فسموا بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 " الرباب ". ومنهم من يجعل ضبة بن أدٍّ في الرباب. فمن عديَّ بن عبد مناة أبو رفاعة العدويُّ: واسمه عبد الله بن الحرث، وقيل تميم بن أُسيد، وكان من فضلاء الصحابة. روى عنه الشيخان: مسلم والبخاري. وروى عنه من التابعين حُميدبن هلال وصلةُ بن أشيمَ. فمما روى عنه حُميد بن هلال ما ذكره الحافظ أبو نعيم الإصبهاني في " الرياضة " له، فقال: نا أبو بكر بن خَلاد، قال نا الحرث بن أبي أسامة، نا أبو النضر، نا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال، عن أبي رفاعة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يخطب فقلت: رجل غريب جاء، يسأل عن دينه، ولا يدري ما دينه. قال: فأقبل إلي النبي صلى الله عليه وسلم، وترك خطبته، ثم أُتي بكرسي خِلتُ قوائمه حديدا، قال فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جعل يعلمني مما علمه الله. ثم أتى خطبته فأتم آخرها. حُميد بن هلال: الراوي عن أبي رفاعة وأنس وغيرهما. عدوي أيضا من بني عديِّ بن عبد مناة. روى عنه أيوب وابن عون. ومنهم أبو قتادة العدويُّ: يعد في التابعين، بل هو من كبارهم. روى عن عمر وعبادة بن قُرصْ، ويقال: ابن قرطٍ الليثي. روى عنه حميد بن هلال ومؤرق بن مشمرج العجليُّ. وأسم أبي قتادة تميم بن نذير. ومنهم ذو الرُّمَّة الشاعر: واسمه غيلان بن عقبة، واخوه هشام، وأوفى. وكان هشام أيضا شاعرا. " وهو " القائل في أخويه غيلان وأوفى، وماتا قبله: تَعزَّيتُ عن أَوفى بغيلانَ بعدَهُ ... عزاءً، وجفنُ العين بالماءِ مُتْرعُ ولم تُنسني أوفى المصيباتِ بعده ... ولكنَّ نكءَ القَرح بالقرح أوجعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 ومن ثور بن عبد مناة، وهو ثور أطحل أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري. وُلد في خلافة سليمان بن عبد الملك سنة ست وتسعين، وقيل سنة سبع. ومات بالبصرة متواريا من السلطان، ودُفن عشاءً. قال الشاعر: تَحرَّزَ سفيانٌ وفرَّ بدينهِ ... وأمسى شريكٌ مُرصداً للدراهمِ شريكٌ المذكور في هذا البيت: هو أبو عبد الله شريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي الكوفي. وُلد ببخارى سنة خمس وتسعين، ومات بالكوفة سنة سبع وسبعين ومئة. وولي القضاء بالكوفة ثم بالأهواز. قال سفيان بن عينة: ما تركت بالكوفة أحضر جوابا من شريك بن عبد الله. وروى شريك عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله البيعي، ومنصور بن المُعتمر الُّلمي، قال ذلك مسلم في كتاب " الكنى ". ومن حضور جواب شريك: قال له عيسى بن موسى: يا أبا عبد الله، إن في كتاب الله آية ليس لك ولا لقومك فيها شيء. قال: وما هي؟ قال: " وإنه لذكر لك ولقومك ". قال: وليس لي أيضا ولا لقومي في قوله عز وجل: " وكذَّ به قَومُك وهو الحقُ " شيءٌ. وقيل لشريك: ما تقول فيمن أراد أن يقنت في الصبح بعد الركوع، فقنت قبل الركوع؟ قال: هذا أراد أن يخطىء فأصاب. وكان شريك عدلا في قضائه، كبير الصواب رحمه الله. وسفيان كوفي قال سفيان بن عُيينةَ: ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري. وقال ابن أبي ذيب: ما رأيت أحدا من يشبه الثوري. وقال عبد الله بن المبارك: لا نعلم على وجه الأرض أعلم من سفيان. وقال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد القطان فقلت: أيُّما أحب إليك، رأي مالك أو رأي سفيان؟ فقال: سفيان لا نشك في هذا. ثم قال يحيى: وسفيان فوق مالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 في كل شيءٍ. ودخل سفيان على المهدي، ولم يسلم عليه بالخلافة ..... يقال له عيسى بن موسى: أتكلم أمير المؤمنين بمثل هذا الكلام، وأنت رجل من ثور حقير ذليل؟ لعن الله ثورا وما ولد. فقال له سفيان: من أطاع الله من آل ثورخير ممن عصى الله من قومك. وكان سفيان يقول ..... اتخذوا سلما إلى الدنيا. فقالوا: ندخل على سلطان نُفرِّرج عن مكروبٍ، ونكلم في محبوس. وكان يقول: إذا لم تصل إلى حقك إلا بالخصومة والسلطان فدعه لما ترجو من سلام دينك. ونقل عنه الفقه أبو اسحاق إبراهيم بن محمد الفزاريُّ، وعبد الله بن المبارك، وغسان بن عبيد ووكيع، ومحمد بن يوسف الفِريابُّي، ومحمد بن عند الوهاب القَنَّادُ، وغيرهم من الثقات. وقال يحيى بن معين: سفيان الثوري حافظ أهل الكوفة. وقال عبد الله بن محمد بن المغيرة: مرض سفيان الثوري مرضةً، فندم الناس عليه. فلما أفاق ازدحموا عليه، فحدثهم بخمسة وعشرين ألف حديث ظاهر. وسُئل يحيى بن معين: مَن كان الحفاظُ من أصحاب سليمان بن مِهران؟ فقال: سفيان الثوري وشعبة ومحمد بن خازم، وهو أبو معاوية الضرير، وأبو بكر بن عباش. قيل له: فشريكٌ؟ فقال: ليس مقام شريك مقام هؤلاء. على أن شريكا قد سمع من الأعمش، وهو ثقة. وقال أحمد بن حنبل: كان الحفظ لسفيان بالكوفة، ولمالك بالمدينة، ولليث بمصر، والأوزاعي بالشام. وذكر أن كتب الأوزاعي احترقت، فما حدَّث بعد احتراق كتبه إلا من حفظه. وسئل بعض الفقهاء عن الثوري وأبي حنيفة، فقال: الثوري أعلم بما كان وأبو حنيفة أعلم بما يكون. قال الواقدي: مات سفيان سنة إحدى وستيم ومئة، وهو تابن أربع وستين سنة. وأخبرني أنه وُلد سنة سبع وتسعين. ولم يُعقب سفيان؛ كان له ابن فمات قبله، فجعل كل شيء لأخته وولدها، ولم يُورث أخاه المبارك بن سعيد شيئا. وتوفي أخوه أبو عبد الرحمن المبارك بن سعيد بالكوفة سنة ثمانين ومئة. روى عن أبيه، وروى عنه ابن المبارك، وأبو النَّضر، ويحيى بن يحيى. وأبوهما أبو سفيان سعيد بن مسروق: روى عن عكرمة، ومنذر بن يعلي الثوري، والشعبي. وروى عنه ابنه سفيان، وشعبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 ومن ثور الربيع بن خثيم أبو يزيد: من أصحاب ابن مسعود، وروى عنه. وروى عن الربيع الشعبي والنَّخعي وكتن زاهدا من خيار كبار التابعين. يقال إنه كان في بني ثور ثلاثون رجلا، ليس منهم رجل دون الربيع بن مخثم، وهم بالكوفة ليس بالبصرة منهم أحد. وكان عبد الله بن مسعود رأى الربيع ابن خُثيم يقول:) .. وبَشِّرِ المُخبتينَ (لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسرَّه. ومن عُكْل، وهم بنو عوف بن مناة بن أُد. حضنتهم عُكل، وهي أمةٌلا مرأةٍ من حمير، يقال لها: بنت اللحية فنسبوا اليها. النَّمِر بن تَوْلب بن زهير بن أقيش بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة يقال إنه ورد على النبي عليه السلام مسلما ومدحه بشعر أوله: إنَّا أتيناكَ وقد طال الَّفرْ نقودُ خيلا ضُمَّراً فيها ضَررْ نُطْعمُها اللحم إذا عزَّ الشجرْ وفيها يقول: يا قومُ إني رجاٌ عندي خَبَرْ لله من آياتهِ هذا القَمرْ والشمس والشِّعرى وآياتٌ أُخرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276 وروى قرة بن خالد السدوسي وسعيد الجريري عن أبي العلاء بن الشِّخير قال: كنابالّضبذةِ، فجاء أعرابي بكتف أو صحيفة فقال: اقرؤوا ما فيها. فإذا فيها: " هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني زهير بن أقيش إنكم 'ن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأديتم خُمسَ ما غنتم إلى النبي عليه السلام فأنتم آمنون بأمان الله عز وجل ". قلنا: سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: نعم. قلنا: حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يُذهبن وغَرَ الصدرِ ". قال الجريريُّ: وحضرَ الصَّدرِ: قلنا: أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ألا أراكم تتَّهموني؟. فأخذ الصحيفة ومضى. فسألنا عنه، فقيل: هذا النمر بن تولب. قال الأصمعي: كان النمرُ بن تولب العُكبيُّ أحد المخضرمين من الشعراء. وكان أبو عمرو بن العلاء يسميه الكيِّس. وقال أبو عبيدة: النمر بن تولب عكلي، وكان شاعر الرِّباب في الجاهلية، ولم يمدح أحداً، ولا هجا. وأدرك الإسلام وهو كبير. وهو القائل عن غير أبي عبيدة: لا تغضبنَّ على امرىء في مالهِ ... وعلى كرائم صُلبِ مالكِ فاغْضَبِ ومتى تُصبْكَ خَصاصةٌ فارجُ الغنى ... وإلى الذين يُعطى الرغائبَ فارغبِ ومن بني عوف بن عبد مناة أكثل بن شَمَّاخ: قاله ابن الكلبي، وقال: شهد الجسر مع أبي عبيدة، وأسر مَردانشاه، وضرب عنقه وشهد القادسية، وله فيها آثار محمودة وقال: كان علي بن أبي طالب، إذا نظر إليه، قال: من أحب أن ينظر إلى الصبيح فلينظر إلى إكثل بن شمَّاخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 277 ومن بني تيم بن عبد مناة عصمة بن أُبير: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام قومه من تيم بن عبد مناة. نسبه ابن الكلبي فقال: عصمة بن أُبير ابن زيد بن عبد الله بن صريم بن وائلة بن تيم الرِّباب. وكان ممن شهد قتل سجاح في ايام أبي بكر، وكان على عبد مناة يومئذ عمر بن لجأ: الشاعر الذي كان يُهاجي جريراً. وأما مُرُّ بن أُدِّ بن طابخةَ فولد تميماً والغوث. وولد تميم ثلاثة أولادٍ: زيد مناة، وعمراً، والحرث. ومن هؤلاء الثلاثة تفرَّعت قبائل تميم وأفخاذها. ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بني تميم، وأثنى عليهم. ذكر ذلك في صحيحه فقال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا جرير عن مغيرة عن الحرث، عن أبي زُرعة قال: قال أبو هريرة: لا أزال أحب بني تميم من ثلاث سمعتهنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هم أشدُّ أمتي على الدجَّال ". قال: وجاءت صدقاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هذه صدقاتُ قومنا ". قال: وكانت سبيئة منهم عند عائشة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَعتقيها، فإنها من ولد اسماعيل ". وخرَّج البخاري حديث مسلم هذا بنصه عن محمد بن سلام عن جرير بن عبد الحميد، عن عُمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة عن أبي هريرة. وروى عن ابن عباس قال: مات تميم بم مرٍّ وأسدُ بن خزيمة وضبة بن أد على الإسلام فلا تذكروهم إلا بما يذكر به المسلمون. روى هذا الحديث الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقُطني عن القاضي المحامليِّ عن عبد الله بن شبيب قال: نا إبراهيم بن يحيى قال: حدثني أبي عن عبد الملك بن عبد العزيز، عن ابيه، عن أبن عباس. فولد زيد مناة سعداً: وفيه العدد، وسعد هو الفِرزُ. وفيه المثل المضروبُ: " كما تفرقتْ مِعزى الفِرْز ". ومالك بن زيد مناة. فمن بني سعد بن زيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 278 مناة ثم من مِنْقَر بن بن عبيد بن الحرث، والحرثُ هو مقاعسُ بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة، قيس بن عاصم بن سنان بن خالد بن منقر: يكنى أبا علي، وهي أشهر كُناه. قدِم في وفد تيم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في سنة تسع. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " هذا شبيهُ أهلِ الوبرِ ". وكان عاقلا، حليما مشهورا بالحلم. قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ قال: من قيس بن عاصم المنقري. رأيته قاعدا بفناء داره مُحتبياً بحمائل سيفه، يحدث قومه حتى أُتى برجل مكتوف وآخر مقتول. فقيل له: هذا ابن أخيك، قد قتل أبنك. قال: فوالله ما حلَّ حبوته، ولا قطع كلامه. فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه فقال: يأبن أخي بئس ما فعلت، أَثمتَ بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك. ثم قال لابن له آخر: قم يا بني، وارِ أخاكَ، وحُلَّ كتاف ابن عمِّك، وسُق إلى أمِّه مئة ناقة دية أبنها، فإنها غريبة. وكان قيس بن عاصم قد حَّم على نفسه الخمر في الجاهلية لأمور مُنكرة فعلها في سكره، فقال فيها: رأيت الخمر صالحةً وفيها ... خِصالٌ تُفسدُ الرجلَ الحليما فلا والله أشربُها حياتي ... ولا أعود لها أبداً نديما فإنَّ الخمر تَفضحُ شاربيها ... وتُجنيهم بها الأمرَ العظيما ومن جيد قوله: إني امروٌ لا يَعترى خُلُقي ... دَنسٌ يفنِّدُهُ ولا أَفْنُ مِن مِنْقرٍ في بيت مَكرمةٍ ... والغُصْنُ يَنْبتُ حولَهُ الغُصْنُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 279 خُطباءُ حين يقولُ قائلُهُمْ ... بيضُ الوجوهِ أَعِفَّةٌ لُسْنُ لا يَفْطُنونَ لعيبِ جارِهُمُ ... وهُمُ لحُسنِ جُوارهِ فُطْنُ ومن جيد قوله يخاطب امرأته: أيابْنةَ عبدِ اللهِ وابنةَ مالكٍ ... ويا بْنةَ ذِي الجدَّينِ والفَرسِ الوَرْدِ إذا ما صنعتِ الزادَ فالتمسي لهُ ... أكيلاً، فإني لستُ آكُلُه وحدي قَصيّاً كريماً أو قريباً، فإنني ... أخافُ مَذَمّاتِ الأحاديثِ من بعدي وإني لَعبدُ الضيفِ ما دام ثاوياً ... وما مِن خِلالي غيرَها شِيمةُ العبدِ غيرها: استثناء مقدم. روى عن قيس بن عاصم الأحنف والحسن وخليفة ابن حصن وابنه حكيم بن قيس. وروى النضر بن شميل عن شعبة، عن قتادة، عن مُطرف بن عبد الله بن الشخير، عن حكيم بن قيس بن عاصم، عن أبيه أنه أوصى عند موته فقال: إذا مت فلا تنوحوا عليَّ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه. قال النضر بن شميل: وقال عبدة بن الطبيب يرثيه: عليك سلامُ اللهِ قيسَ بنَ عاصمٍ ... ورحمتُهُ ما شاءَ أن يَتَرحَّما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 280 تحيةَ مَن أوليتَهُ منكَ نِعمةً ... إذا زارَ عن شحطٍ بلادَك سَلَّما فما كان قيسٌ هُلْكُهُ هُلْكُ واحدٍ ... ولكنه بُنيانُ قومٍ تَهدَّما ومن بني مُرَّة بن عُبيد أخي مِنقَر بن عُبيد الأحنف بن قيس: واسمه الضحاك بن قيس في رواية. وقال أبو اليظان: هو صخر بن قيس بن معاوية ابن حصن بن عُبادة بن النزَّال بن مرة بن عُبيد. ورهطه بنو مرة بن عُبيد الذين بعثوا بصدقات أموالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عِكْراش بن ذُؤيب، يكنى الأحنف أبا بحر. وأتى رسول النبي صلى الله عليه وسلم بني تميم، يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوا. فقال الأحنف: إنه ليدعوكم إلى مكارم الأخلاق، وينهاكم عن ملائمها، فأسلموا. وأسلم الأحنف، ولم يَفِد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان زمن عمر وفَدَ إليه، وشهد مع علي صِفيِّن، ولم يشهد الجمل مع أحد من الفريقين. وحدَّث أبو بكر بن أبي خيثمة قال: نا موسى بن اسماعيل قال: نا حماد بن سلمة عن عليَّ زيد عن الأحنف بن قيس قال: بينا أنا أطوف بالبيت في زمن عثمان إذ جاء رجل من بني ليثٍ فأخذ بيدي. فقال ألا أبشِّرك؟ فقلت: بلى. قال: هل تذكر إذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومك بني سعدٍ، فجعلت عليهم الإسلام، وأدعوهم إليه؟. فقلت أنت: إنه ليدعوكم إلى خيرٍ، وما حسَّن إلا حسناً. فبلَّغتُ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفرْ للأحنف ". قال الأحنف: هذا من أرجا عملي عندي. كان الأحنف بن قيس أحد الجَّلةِ الحلماء الدُّهاةِ، الحكماء العقلاء. يعدُّ في كبار التابعين بالبصرة. وذهبت إحدى عينيه يوم الحَرَّة وذكر الطبري في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 281 تاريخه الكبير في أخبار صفين قال: لمَّا قدِمت عائشة البصرة أرسلت إلى الأحنف بن قيس، فأبى أن يأتيها. ثم أرسلت إليه، فأتاها، فقالت: ويحك يا أحنفُ! بم تعتذر إلى الله من تركك جهاد قتلة أمير المؤمنين عثمان؟ أمن قلة عددٍ، أو أنك لا تطاع في العشيرة؟. قال: يا أمَّ المؤمنين ما كَبِرتِ السِّنُّ، ولا طال العهدُ. وإن عهدي بك عام أول تقولين فيه، وتنالين منه. قالت: ويحك يا أحنف، إنهم ماصُوهُ مَوْصَ الإناء، ثم قتلوهُ. قال: يا أم المؤمنين، إني آخذُ بأمركِ وأنتِ راضيةٌ، وأدعه وأنت ساخطةٌ. ووُلد الأحنف ملتزق الأليتين حتى شُقَّ، وكان أعورَ. وأُرسل في بعثٍ إلى خراسان، فبيَّتهم العدوُّ ليلاً. فكان الأحنف أول من ركب، وهو يقول: إنَّ على كلِّ رئيسٍ حقَا أن يَخْضِبَ الصعدةَ أو تَنْدقّا ثم حمل عليهم، فقتل صاحب الطبل، وانهزم القوم، ومضوا في آثارهم حتى فتحوا مَرْوَ الرَّوذِ في خلافة عثمان رضي الله عنه. وعُمِّر الأحنف إلى زمن مُصعب بن الزبير، وخرج معه إلى الكوفة لقتال المختار، فمات بها سنة سبع وستين، ومشى مصعب في جنازته بغير رداء، راجلا بين يدى نعشه. وقال: هذا أُسيِّدُ أهل العراق. ودُفن بقرب قبر زيادٍ بالكوفة بموضع يقال له الثويَّة. وفي الثَّويَّة يقول حارثة بن بدر الغُدانيُّ يرثي زياد بن أبيه، ويكنى زياد أبا المغيرة: صلى الإلهُ على قبرٍ وطهَّرهُ ... عند الثَّويَّةِ يَسْفي فوقَهُ المُورُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 282 أبا المغيرةِ والدُّنيا مُفَجِّعةٌ ... وإنَّ من غَرَّتِ الدنيا لمغرورُ قد كانَ عندكَ للمعروفِ مَعرِفةٌ ... وكان عندَك للنَّكراءِ تنكَيرُ وكنتَ تُغشَى وتُعطي المالَ من سَعةٍ ... إنْ كان بيتُكَ أضحى وهوَ مَجْهُورُ الناسُ بعدَكَ قد خفَّتْ حلومُهمُ ... كأنما نَفختْ فيها الأعاصيرُ ودخل الأحنف على معاوية بن أبي سفيان، وعليه مِدْرَعةُ صوفٍ وشِملةٌ. فلما مثل بين يديه اقتحمه عينة، فأقبل عليه، وقال: مَهْ. فقال الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين، أهلُ البصرة عددٌ يسيرٌ، وعظمٌ كسيرٌ مع تتابعٍ من المحول، واتصال من الذُّحول. والمُكثرُ منها قد أطرق، والمقبل قد أملقَ، وبُلغ منه المُخَنَّق. فإنَّ رأى أمير المؤمنين أن يُنعشَ الفقيرَ، ويجبُرَ الكسير، ويسهِّل العسير، ويصفح عن الذحول، ويداوي المحول، ويأمر بالعطاء، ليكشف البلاءَ، ويُزيلَ اللأواءَ. وإن السيد من يَعمُّ ولا يخصُّ، ويدعو الجَهَلى، ولا يدعو النَّقَرى. إنْ أُحسن إليه شَكر، وإن أُسيء إليه غفر. ثم يكون من وراء ذلك لرعيته عماداً، يدفع عنهم الملمَّات، ويكشف عنهم المعضلات. فقال له معاوية: هَلُمنا يا أبا بحر، ثم تلا:) ولَتَعرِفنَّهم في لَحْنِ القَولِ (. وابنه بحر الذي كان يكنى به كان مضعوفا. وقال لزبراء جارية أبيه: يافاعلةُ. فقالت: لو كنت كما تقول أتيت أباك بمثلك. وقيل له: ما منعك أن تجري على بعض أخلاق أبيك؟ فقال: الكسل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 283 وليس الأحنف عقب. وكان يقال: ليس لبني تميم حظ؛ سيدهم بالكوفة محمد بن عُمير بن عُطارِد بن حاجب بن زُرارة، ولا عقب له، وسيدهم بالبصرة الأحنف ولا عقب له. وصعصعةُ بن معاوية: عمُ الأحنف، قد اختُلف في صحبته. والذي صحَّ من روايته إنما هو عن عائشة وعن أبي ذر الغِفاريِّ. روى عنه الأحنف والحسن البصريُّ وابنه عبدُ ربِّه بن صعصعة. سيِّد بني تميم في خلافة معاوية، وفرسُه الطُّرَّة اشتراها بتسعين ألفِ درهمٍ. ومن بني مرة رهط الأحنف الأسود بن سريع بن خُمير بن عُبادة بن النَّزال بن مُرَّة: غزا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم. يُكنى أبا عبد الله، نزل البصرة، وكان قاصّاً محْبِساً. هو أول من قصَّ في مسجد البصرة. روى عنه الحسن وعبد الرحمن بن أبي بَكْرة. وروى الحسن عن الأسود بن سريع قال: غَزَوتُ مع النبيِّ عليه السلام أربع غزواتٍ، فأفضى بهم القتل، إلى أن قتلوا الذُرِّيَّة. فقال بعضهم: يا رسول الله، إنهم أولاد المشركين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوَ ليسَ خياركم أولادُ المشركين؟ ما من مولود يولد إلا على فطرة الأسلام، فأبواه يُهوِّدانهِ ويُنصِّرانهِ ويُمجِّسانهِ ". ومنهم عِكراشُ بن ذُؤيبٍ: قَدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقات قومه بني مُرَّة. فقال له: " مَن أنت؟ ". قال: أنا عِكراشُ بن ذؤيب. فقال له: ارفع في النَّسب. فقال ابن حُرْقوص بن جَعدة بن عمرو بن النزّال بن مرَّة بن عُبيد. وهذه صدقاتُ بني مُرَّة بن عُبيد. قال فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوُسمتْ بِمِيسَم الصدق، وضُمَّتْ إلى إبل الصدقة. ويُكنى عكراش أبا الصَّهباء. وسكن البصرة، وكان شهد الجمل مع عائشة، فضُرب ضربة على أنفه، فعاش بعدها سنة، والضَّربةُ به. وكان له من الولد: عبد الله وعبيد الله وعبد السلام. ولعبيد الله العقب بالبصرة. ومن بني مِنْقَر بن عُبيد رهط قيس بن عاصم: عمرو بن الأهتم. والأهتم: أبوه اسمه سنان بن خالد بن سميٍّ. ويقال: سنان بن سميِّ بن سنان بن خالد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 284 ابن مِنقر بن عُبيد بن الحرث. وهو مُقاعسُ بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناةَ بن تميم. يقال: إنَّ قيس بن عاصم ضربه بقوس، فَهَتَم فاه، فسمي الأهتم. قال ابو اليقظان: أمُّ عمرو بن الأهتم بنت فَدَكِّي بن أعبُدَ. ويكنى عمرو بن الأهتم أبا ربْعي. قدم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وافدا في وجوه قومه من بني تميم فأسلم، وذلك في سنة تسع من الهجرة. وكان فيمن قَدِمَ معه الزِّبرِقانُ بن بدر وقيس بن عاصم. ففخر الزِّبرِقان، فقال: يا رسول الله، أنا سيد تميم والمطاع فيهم، والمُجاب منهم، آخذ لهم بحقوقهم، وأمنعهم من الظلم، وهذا يعلم ذلك. يعني عمرو بن الأهتم. فقال عمرو: إنه لشديد العارضة، مانع لجانبه، مطاع في أدْنَيْهِ. فقال الزبرقان: والله لقد كذب يا رسول الله، وما منعه من أن يتكلم إلا الحسد. فقال عمرو: أنا أحسدك!، فوالله إنه للئيم الخال، حديث المال، أحمق الوالد، مُبَّغَضٌ في العشيرة. والله ما كذبت في الأولى، ولقد صدقت في الثانية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ من البيان لسحراً ". وكان خطيبا جميلا يدعى " المُكحَّلَ " لجماله، بليغا، شاعرا، محسنا. يقال: إن شعره كان حُللاً مُنشَّرة، وكان شريفا في قومه. وهو القائل لقيس بن عاصم حين أزرى به عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: إنه غلام حدث خلَّفناهُ في ركابنا. والخبر مشهور. ظَللتُ مُفترشَ العلياءِ تَشْتِمُني ... عند الرسولِ فلم تَصدقْ ولم تُصِبِ إنْ تُبغضُونا فإنَّ الرومَ أصلكُمُ ... والرومُ لا تَملِكُ البغضاءَ للعَربِ فإنَّ سُؤدَدَنا عَودٌ وسُؤدَدُكمْ ... مُؤخَّرٌ عند أصلِ العَجْبِ والذَّنَبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 285 وله، وأحسن فيه: ذَريني فإنَّ البخلَ يا أمَّ هَيْثمٍ ... لصالح أخلاقِ الرجالِ سَروقُ ذَريني وحظي في هوايَ فإنَّني ... على الحسبِ العالي الرفيع شَفوقُ ومُستنبحٍ بعد الهُدُوِّ أجَرتُهُ ... وقد حانَ مِن ساري الشتاءِ طُروقُ فقلتُ له: أهلاً وسهلاً ومَرحباً ... فهذا مَبِيتٌ صالحٌ وغَبوقُ أضَفتُ ولم أفحُش عليه ولم أقلْ ... لأحرمَهُ إنَّ الفِناءَ يضيقُ لَعَمْرُكَ ما ضاقتْ بلادٌ بأهلها ... ولكنَّ أخلاقَ الرجالِ تَضيقُ ومن ولده صفوان بن عبد الله بن عمرو الأهتم: أبو خالد. وكان ولي رياسة بني تميم أيام مسعود بن عمرو العَتكيِّ الأزديِّ، وكان خطيبا. وشهد الحسن وصيَّته، فأوصى بمئة ألف وعشرين ألف درهم، وقال أعددتها لِعَظًّ الزمان، وجفوة السلطان، ومباهاة العشيرة. فقال الحسن: خلَّفتها لمن لا يَحمدُك، وتَقْدحُ على من لا يَعذِرُك. ومات بالبصرة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 286 وابنه خالد بن صفوان: عُمِّر الى ان حادث أبا العباس عبد الله بن محمد السفّاح. وكان لسِنا، خطيبا، بخيلا، مِطلاقا. ومن ولِد عمرو بن الأهتم شُبيب بن شّيْبة بن عبد الله بن عمرو بن الأهتم: الخطيب. وهو ابن عم خالد بن صفوان لَحّاً. ورُوي عنه الحديث. قال مسلم في الكنى: أبو مَعمر شبيب بن شَيبة المِنْقريُّ سمع عطاء بن أبي رباح، ومعاوية بن قُرة. روى عنه أبو سلمة، ومسلم، ويحيى بن يحيى. قال المؤلف، وفَّقه الله: وروى أيضا شبيب بن شيبة عن الحسن البصريِّ. وروى عنه أيضا أبو معاوية محمد بن خازم الضرير ومسلم الراوي عن شبيب، ولم ينسبه مسلم. هو أبو عمرو مسلم بن إبراهيم الأزديُّ: سمع شعبة وأباناً العطار ووُهَيب بن خالد. وساق أبو نُعيم الحافظ رواية أبي معاوية الضرير. ومسلم بن إبراهيم المذكور عن شبيب بن شيبة في كتاب " الرياضة ". قال أبو نُعيم الحافظ الاصفهانيُّ: حدَّثنا سليمان بن أحمد: نا أحمد بن عمرو القِطرانيُّ: نا أبو الربيع الزَّهرانيُّ: نا أبو معاوية الضرير: نا شبيب بن شيبة المِنقريُّ عن الحسن، عن عمران بن حُصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: " كم تعبد اليوم إلهاً؟ ". قال: سبعة؛ ستةٌ في الأرض وواحد في السماء. فقال: " يا حُصين إنك إن أسلمت علَّمتُك كلمتين تنفعانك ". فلما أسلم أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، علِّمني الكلمتين. قال: " قل: اللهمَّ الهمني رُشدي، وأعِذْني من شرِّ نفسي ". وقال أبو نُعيم: نا فاروق بن عبد الكريم: نا أبو مسلم الكَشِّيُّ: نا مسلم بن إبراهيم: نا شبيب بن شيبة قال: سمعت عطاء بن أبي رباح في مسجد الحرام يحدِّث عن أبي سعيد الخُدريِّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أنزل الله من داء إلا أنزل معه دواء، عَلِمَه من عَلمه، وجَهِلَهُ من جَهله ". قال المؤلف، غفر الله له: ولشبيب بن شيبة قصة مع أبي جعفر المنصور في أيام بني أمية رأيت إيرادها لحسنها في لفظ وجيز. قال شبيب بن شيبة الأهتمي: حججت عام هلك فيه هشام، وولي الوليد بن يزيد، وذلك سنة خمس وعشرين ومئة. فبينا أنا مُرِيحٌ ناحية من المسجد إذ طلع بعض أبواب المسجد فتى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 287 أسمر، رقيق الشعر، مُوفَّر الِّلمَّة، خفيف اللحية، رحب الجبهة، أقنى بيِّن القنا، كأن عينيه لسانان ناطقان، يخلط أبَّهةَ الأملاك بزيِّ النسَّاك، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، يُعرف الشرف في تواضعه، واللبُّ في مشيته. فما ملكت نفسي أن نهضت في أثره، سائلا عن خبره. وسبقني فتحرَّم بالطَّواف. فلما سبع قصد للمقام فركع، وأنا أرعاه ببصري ثم نهض منصرفا. فكأن عينا أصابته، فكبا كبوة دَميتْ لها إصبعه، فقعد لها القُرفصاء. فدنوت منه متوجعا لما ناله، متصلا به أمسح رجله من غبار التُّراب، فلم يمتنع عليَّ، ثم شققت حاشية ثوبي، فعصبت بها إصبعه. وما يُنكر ذلك، ولا يدفعه. ثم نهض متوكئا عليَّ، فأنقَدْت له أماشيه، حتى أتى دارا بأعلى مكة. فابتدره رجلان تكاد صدورهما تنفرج من هيبته، ففتحا له الباب، واجتذبني. فدخلت بدخوله فخلَّى يدي، وأقبل على القبلة فصلى ركعتين أوجز فيهما في تمام. ثم استوى في صدر مجلسه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلَّى على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أتمَّ صلاة وأطيبها. ثم قال: لم يَخفَ عليَّ مكانك منذ اليوم، ولا فعلك بي. فمن تكون يرحمك الله؟ قلت: شبيب بن شيبة التَّميُّمي. قال: الأهتميُّ؟ قلت: نعم. قال: فرحَّب وقرَّب ووصف قومي بأبين بيان، وأفصح لسان. فقلت له: أنا أجِلُّك " أصلحك الله " عن المسألة، وأحبُّ المعرفة. فتبسَّم وقال: لطف اهل العراق، وأنا عبد الله ابن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس. فقلت: بأبي أنت وأمي، ما اشبهك بنسبك، وأدلَّك على منصبك! ولقد سبق الى قلبي من محبَّتك مالا أبلغه بوصفي لك. قال: فاحمد الله يا أخا بني تميم، فإنا قوم إنما يُسعد الله بِّحبنا من أحبَّه، ويشقى ببغضنا من أبغضه. ولن يصل الإيمان إلى قلب إحدكم حتى يحب الله ورسوله. ومهما ضَعُفنا عن جزائه قويَ اللهُ على أدائه. فقلت له: أنت توصف بالعلم، وأنا ممَّن حملته، وأيام الموسم ضيقة، وشُغل أهل مكة كثيرٌ. وفي نفسي أشياء أُحبُّ أن أسأل عنها؛ أفتأذن فيها جُعلتُ فداك؟ قال: نحن من أكثرالناس مستوحشون، وأرجو أن تكون للسرِّ موضعا، وللأمانة راعيا. فإن كنت كما رجوت فافعل. قال: فقدّمت من وثاق القول والأيمان ما سكن إليه. فتلا قول الله تعالى:) قُل أيُّ شيء أكبرُ شهادةً قلِ اللهُ شهيدٌ بَيني وبينكم (. ثم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 288 قال: سَلْ عمَّ بدا لك. قلت: ما ترى في أمير الموسم؟ وكان عليه يوسف بن محمد ابن يوسف الثقفيّ، خال الوليد. فتنفس الصعداء وقال: أعن الصلاة خلفه تسألني أم كرهت أن يتأمر على آل الله من ليس منهم؟ قلت: عن كلا الأمرين. قال: إن هذا عند الله لعظيم. فأما الصلاة ففرض لله تعبد به خلقه، فأدِّ ما فرض الله عليك في كلِّ وقت ومع كل أحد وعلى كل حال. فإن الذي ندبك لحج بيته، وحضور جُمُعاتهِ وأعياده، لم يخبرك في كتابه أنه لا يقبل منك نسكا إلا مع أكمل المؤمنين إيمانا، رحمة منه لك. ولو فعل ذلك ضاق الأمر عليك. فاسمح يُسمح لك. قال: ثم داركت في السؤال عليه، فما احتجت أن أسأل عن أمر دين أحدا بعده. ثم قلت: يزعم أهل العلم أنه ستكون لكم دولة. قال: لا شك فيها، تطلع طلوع الشمس، وتظهر ظهورها. فنسأل الله تعالى خيرها، ونعوذ به من شرها، فخذ بحظ لسانك ويدك منها إن أدركتها. قلت: أوَ يتخلف عنها أحد من العرب، وأنتم سادتها؟ قال: نعم، قوم يأبون إلا وفاء لمن اصطنعهم، وبأبى إلا طلبا بحقنا، فنُنصر ويُخذلون، كما نُصر بأولنا أولهم، ويخذل بمخالفتنا من خالف منهم. قال: فاسترجعت. قال: سهل عليك الأمر، سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا. وليس ما يكون منهم بحاجز لنا عن صلة أرحامهم، وحفظ أعقابهم، وتجديد الصنيعة عندهم. قلت: كيف تسلم لهم قلوبهم، وقد قاتلوكم مع عدوكم؟ قال: نحن قوم حبب الينا الوفاء، وإن كان علينا، وبغض إلينا الغدر، وإن كان لنا. وإنما يشدُّ علينا منهم الأقل، فإما أنصار دولتنا، ونقباء شيعتنا، وأمراء جيوشنا فهم ومواليهم منا، ومولى القوم من أنفسهم. فإذا وضعت الحرب اوزارها صفحنا بالمحسن عن المسيء، ووهبنا للرجل قومه. ومن اتصل بأسبابه فتذهب النايرة، وتخبو الفتنة، وتطمئن القلوب. ها صفحنا بالمحسن عن المسيء، ووهبنا للرجل قومه. ومن اتصل بأسبابه فتذهب النايرة، وتخبو الفتنة، وتطمئن القلوب. قلت: ويقال: إنه يُبتلى بكم مَن أخلص لكم المحبة. قال: قد رُوي أن البلاء أسرع إلى مُحِّبنا من الماء إلى قراره. قلت: لم أرد هذا. قال: فمه. قلت: تقعون بالولي، وتخطئون العدو. قال: من يسعد بنا من الأولياء أكثر، ومن يسلم لنا من الأعداء أقل وأيسر. وأنما نحن بشر، وأكثرنا أُذنٌ، ولا يعلم الغيب إلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 289 الله. وربما استترت عنا الأمورفنقع بمن لا نريد، وإنَّ لنا لأحسابا، يأسو الله بها ما نكلم، ويرم بها ما نثلم، ونستغفر الله مما لا نعلم. وما أنكرت من أن يكون الأمر على ما بلغك، ومع الوليُّ التعززُ والإدلال والثقة والاسترسال، ومع العدو التحرز والاحتيال والتدلل والاغتيال. ولربما ملَّ المدلل، وأخل المسترسل، وتجانب المتقرب، ومع المِقَة تكون الثقة. وعلى أن العاقبة لنا على عدونا، وهي لولينا. وإنك لسؤول يا أخا بني تميم قلت: إني أخاف أن لا أراك بعد اليوم. قال: إني أرجو أن أراك وتراني كما تُحبُّ عن قريب إن شاء الله. قلت: عجَّل الله ذلك. قال: آمين. وتبسم وقال: لا بأس عليك، ما أعاذك الله من ثلاثٍ. قلت: وما هي؟ قال: قدْحٌ في الدين، أو هَتكٌ للملك، أو تُهمةٌ في حُرمةٍ. ثم قال: احفظ عني ما أقول لك: اصدق وإن ضرَّك الصدق. وانصح وإن باعدك النصح. ولا تجالس عدوَّنا وإن أحظيناه، فإنه مخذول، ولا تخذل ولينا فإنه منصور. واصحبنا بترك المماكرة. وتواضع إذا رفعوك. وصِلْ إذا قطعوك. ولا تستخفَّ فَيمقتوك. ولا تبدأ حتى يبدؤوك. ولا تختطب الأعمال، ولا تتعرض للأهوال. وأنا رائح من عشِّيتي هذه، فهل من حاجة؟ فنهضت لوداعه، فودعته ثم قلت له: أتُوقِّت لظهور الأمر وقتا؟ قال: الله المقدِّر المُوقِّت. إذا قامت النَّوحتان باشام، فهما آخر العلامات. قلت وما هما؟ قال: موت هشام العامَ، وموت محمد بن علي المستهلَّ من ذي القعدة. وعليه تخلَّفت وما بلغت حتى أنضيتُ. قلت: فهل أوصى؟ قال: نعم، إلى أخي إبراهيم. قال: فلما خرجت فإذا مولى له يتبعني حتى عرف منزلى، ثم أتى بكسوة من كسوته. فقال: يأمرك أبو جعفر أن تصلي في هذه. قال: وافترقنا، فوالله ما رأيته إلا وحرسيّان قابضان عليَّ، يُدنياني منه في جماعة من قومي، لأبايعه فلما نظر إليَّ قال: خَلَّيا عمَّن صحَّت مَودتُه، وتقَّدمت حرمته، وأُخذت قبل اليوم ببيعته. قال: فأكبر الناس ذلك من قوله، ووجدته على أول عهده. ثم قال لي: أين كنت عنِّي أيام أخي أبي العباس؟ فذهبت أعتذر. قال: أمسكْ، فإنَّ لكل شيء وقتا لا يعدوه، ولن يفوتك إن شاء الله حظُّ مودتك وحق مشايعتك. فاختر بين رزقٍ يتبَعُكَ أو عمل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 290 يرفعك. قلت: أنا حافظ لوصيتك. قال: وأنا لها أحفظ، إنما نهيتك أن تخطب الأعمال، ولم أنهك عن قبولها. قلت: الرزق مع قرب أمير المؤمنين أحب إلي وأعفى إن شاء الله. قال: هل زدت في عيالك بعدي شيئا؟ وقد كان يسألني عنهم، فذكرتهم له، فعجبتُ من حفظهِ. قلت: الفَرسُ والخادم. قال: قد الحقنا عيالك بعيالنا، وخادمك بخادمنا، وفرسك بخيلنا. ولو وسعني لحملت لك على بيت المال، وقد ضممتك إلى المهدي، وأنا موصيك به، فإنه أفرعُ لك مني. ومن بني مرة بن عبيد؛ إخوة منقرٍ: سلامة بن جندل الشاعر، والسليك بن السُّلكة أحد فُتَّاك العرب، ويقال له الرِّئبالُ لأنه كان يغير وحده. ومنهم عبد الله بن صُفار الذي تنسب إليه الُّفريةُ، وعبد الله بن إباض الذي تنسب إليه الإباضية. ومن بني مقاعس، واسمه الحرثُ، وهو جد منقر ومُرَّ خُليفٌ الذي تنسب إليه الفالوذجة الخُليفية. وهو خليف بن عقبة، ويكنى أبا بكر، كناه بذلك محمد بن سيرين، وكان من أصحابه. وكان من أظرف أهل البصرة وله بها عَقب. وفي سعد بن زيد مناة أيضا بطون منها: بَهدلة، وعطارد، وقريع، وهم إخوة، بنو عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. فمن بني بهدلة الزِّبرقانُ: واسمه حصين بن بدر بن خلف بن بهدلة. وكان يقال له: " قمرُ نجدٍ ". وهو من الصحابة، ويكنى أبا عباس بابنه، وأبا شذرة ببنته. وعقبة بالبادية كثير. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه. وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب بالصدقة الى أبي بكر، وهي سبعمئة بعيرٍ. ومنهم الإُحيمر بن خلف بن بهدلة: عم الزبرقان، صاحب بُردي مُحرِّقٍ الذي قيل فيه: أيا بْنةَ عبد الله وابنةَ مالكِ ... ويا بنةَ ذي البُردينِ والفَرسِ الوردِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 291 قال أبو عبيدة فسي كتاب " التاج ": أشرفُ بيتٍ في مضر " غير مُدافع " في الجاهلية بيت بهدلة بن عوف بن عد بن زيد مناة بن تميم. قال المنذر بن ماء السماء ذات يوم، وعنده وجوه العرب ووفود القبائل. ودعا ببُردَيْ محرِّق فقال: ليلبس هذين البردين أكرم العرب نسبا، وأشرفهم حسبا، وأعزهم قبيلة. فأحجم الناس، فقام الأحيمر بن خلف بن بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة. فقال: أنا لها. فأتزَر بأحدهما، وارتدى بالآخر. فقال له المنذر: ما حجتك فيما ادعيت؟ قال: الشرف من نزار كلها في مضر، ثم في تميم، ثم في كعب، ثم في بهدلة. قال له النعمان: هذا أنت في أصلك، فكيف أنت في عشيرتك؟ قال: أنا أبو عشرة، وخالُ عشرة. قال: فهذا أنت في عشيرتك فكيف أنت في نفسك؟ فقال: شاهد العين شاهدي. ثم قام ووضع قدمه في الأرض، فقال: من أزالها فله مئة من الإبل. فلم يقم إليه أحد، ولا تعاطى ذلك. ففيه يقول الفرزدق: فَما تمَّ من سعيدٍ ولا آلِ مالكٍ ... غلامٌ إذا ما قيلَ لم يتَبَهدلِِ لهم وهبَ النعمانُ بُردَيْ مُحرِّقٍ ... بمجدِ معدٍ والعديد المحصَّلِ قال المؤلف، غفر الله له: مُحرِّقٌ الذي لبس الأُحيمر بُرديهِ: هو الحرث ابن عمرو بن عدي بن نصر. وفي آله يقول الأسود بن يَعفُرَ: ماذا أُمِّل بعد آل مُحرِّقٍ ... تركوا منازلهم وبعدَ إيادِ؟ وأبن اخيه عمرو بن هندٍ: نُسب إلى أمه، وكان أيضا يدعى محرِّقا، لما يذكر بعد من أمره مع بني دارمٍ. وأبوه المنذر بن امرىء القيس بن عمرو بن عديِّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 292 ابن نصر اللخميُّ. وعمرو بن عدي هو ابن أخت جَذيمة الأبرش الملك بالحيرة. وجَذيمةُ هو ابن ملك بن فهم بن عم بن دوس بن عُدثان الأزديُّ، صاحب الزَّبَّاء، وقتل الزباءَ عمرو بن عدي، أخذ بثأر خاله جذيمة. وأعانه على ذلك قصير بن سعد بدهائه ومكره. وهو الذي قيل فيه: " لأمرٍ ما جدع قَصيرٌ أنفه ". وعمرو بن هند هو مُضرِّرط الحجارة. وأبوه المنذر بن أمرىء القيس. أمه ماء السماء. وقيل: " لقبت " بماء السماء لجمالها. وأبوها عوف بن جشم من النَّمر ابن قاسط بن أفصى بن دُعميِّ بن جَديلةَ بن أسد بن ربيعة بن نزار: وهو الذي ببردي مُحرِّق في الخبر المتقدم. وعم عمرو بن هند النعمان بن امرىء القيس: هو النعمان الأكبر، وكان أعور وهو بنى الخورنق، وانخلع عن ملكه، ولبس الأمساح وساح في الأرض. وهو الذي ذكره عدي بن زيد فقال: وتَبَيَّنْ، ربَّ الخورنقِ، إذْ أش ... رفَ يوما وللهدى تفكيرُ سَرَّةُ حالهُ وكثرةُ ما يَمْ ... لكُ والبحرُ مُعرضا والسديرُ فارْعَوى قلبُهُ وقال: فما غِبْ ... طةُ حيٍّ إلى المماتِ يصيرُ وخبره مشهور وسمي عمرو بن هند محرقا لأنه أحرق من بني دارمٍ ثمانية وتسعين رجلا، وأكملهم وئة برجل من البراجم وبأمرأة نَهشَليَّة. ولذلك قيل: إن الشقي وافد البراجم. وكان رجل من بني دارمٍ قتل ابنه خطأ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 293 وأمه هندة بنت الحرث بن عمرو الكندي. والحرث هو آكل المُرار. ولدت للمنذر بن أمرىء القيس عَمرا مُحرِّقا، وقابوسا قينة العروس، وكان فيه لينٌ. والمنذر بن المنذر: وهو أبو النعمان بن المنذر ممدوح النابغة وصاحب المتجرد. قتله كسرى أبرويزُ بسباط المدائن. أمر به فأُلي تحت أرجل الفيلة، فتوطأته حتى مات. قال سلامة بن جندل المقاعسي يذكر أبرويزَ: هو المُدخلُ النعمانَ بيتاً، سَماؤهُ ... نحورُ الفُيول بعد بيتٍ مُسَرْدَقِ وهو صاحب الغريين. وكان له يومان؛ يوم بؤسى ويوم نعمٍ. وقتل عبيد بن الأبرص الأسدي الشاعر يوم بؤسه. وهو قاتل عدي بن زيد العبادي الشاعر، ويكنى أبا قابوس. وبنته الحُرَقةُ: واسمها بنت النعمان. عُمِّرت إلى أن ولي المغيرةبن شعبة الكوفة. وكانت مترهبةً، نصرانيةً. وخطبها المغيرة في ديرها، فردته أحسن رد بكلام بليغ. قال أبو العباس محمد بن يزيد المبَّردُ: كان المغيرة بن شعبة، هو والي الكوفة، صار إلى دير هند بنت النعمان بن المنذر، وهي فيه عمياء مترهبةٌ. فاستأذن عليها، فقيل لها: أمير هذه المدرة بالباب. فقالت: قولوا له: أمن أولاد جَبَلة بن الأيهم أنت؟ قال: لا. قالت: فمن ولد المنذر بن ماء السماء؟ قال: لا. قالت: فمن أنت؟ قال: المغيرة بن شعبة الثقفي، قالت: فما حاجتك؟ قال: جئت خاطبا. قالت: لو جئتني لجمالٍ أو لمالٍ لأطلبتك، ولكنك أردت أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 294 تتشرف في محافل العرب فتقول: نكحت ابنة النعمان بن المنذر. وإلا فأي خير في اجتماع أعور وعمياء؟ فبعث إليها: كيف أمركم؟ قالت: سأختصر لك الجواب، أمسينا عشاء، وليس في الأرض عربي إلا وهو يرغب إلينا ويرهبنا، ثم أصبحنا وليس في الأرض عربي إلا ونحن نرغب إليه ونرهبه. قال: فما كان أبوك يقول في ثقيف؟ قالت اختصم إليه ونرهبه. قال: فما كان أبوك يقول في ثقيف؟ قتالت: اختصم إليه رجلان منهم، أحدهما ينميها إلى إيادٍ، والآخر إلى بكر بن هوازن، فقضى بها للإياديِّ وقال: إنَّ ثقيفا لم تكن هَوازِنا ولم تنايبْ عامراً ومازنا يريد عامر بن صعصعة ومازن بن منصور. فقال المغيرةُ: أما نحن فمن بكر بن هوازن فليقل أبوك ما شاء. ومن بني عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة أبو رجاء العطارديُّ: واسمه عمران بن تَيم، وقيل: عمران بن مِلحان. وقيل عمران بن عبد الله أدرك الجاهلية، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع منه. أسلم بعد المبعث وقيل: ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة. وقال أبو عمرو بن العلاء: قلت لأأبي رجاء العطارديِّ: ما تذكر؟ قال: قتلُ بسطام بن قيس على الحسن، والحسن: حَبلُ رملٍ. وأنشد أبو رجاء العطاردي لابن غنمة في بسطام ابن قيس بن مسعود الشيباني: وخرَّ على الألاءة لم يُوسَّدْ ... كأنَّ جبينه سيفٌ صَقيلُ قال الأصمعي: قتل بسطام بن قيس قبل الإسلام بقليل. وقيل إن قتل بسطام بن قيس كان بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. يُعدُّ أبو رجاء في كبار التابعين، عُظمُ روايته عن عمر وعلي وابن عباس وسمرة، وكان ثقة. روى أيوب الَّسختيانُّي وجماعة. وكان أبو رجاء يقول: بُعث النبي صلى الله عليه السلام، وأنا أرعى الإبل على أهلي، وأريش وأبري: فلما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 295 سمعنا بخروجه لحقنا بمسيلمة. وكانت له عباة، وعُمِّر عُمرا طويلا. مات سنة خمس ومئة في أول خلافة هشام بن عبد الملك، وهو ابن مئة وثمان وعشرين سنة وذكر الهيثم بن عدي عن أبي بكر بن عياش قال: اجتمع في جنازة أبي رجاء العطارديِّ الحسن البصري والفرزدق. فقال الفرزدق للحسن: يا أبا سعيد، يقول الناس: اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وشرهم. قال: لست بخيرهم ولست بشرهم، ولكن ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. ثم انصرف الفرزدق فقال: ألم ترَ أن الناسَ ماتَ كبيرهم ... وقد كانَ قبل البعثِ محمدِ ولم تُغنِ عنهُ عيشُ سبعينَ حجةً ... وستينَ لمَا بانَ غيرَ مُوَسَّدِ إلى حُفرةٍ غبراءَ يُكْرهُ ورِدُها ... سِوى أنها مثوى وضيعٍ وسِّيدِ ولو كان طولُ العمر يُخلِدُ واحداً ... ويدفعُ عنه عيبَ عُمرٍ عَمرَّدِ لكان الذي راحوا به يَحملونَهُ ... مُقيماً، ولكن ليس حَيٌّ بِمُخلَدِ تَروحُ وتغدو والحتوفُ أمامنا ... يضعن لنا حتفَ الرَّدى كل مَرصدِ وقد قال لي: ماذا تُعدُّ لما ترى ... فقيهٌ إذا ما قال غيرُ مُفنَّد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 296 ِفقالُ له: أعددتُ للبعثِ والذي أرادَ بهِ أني شهيدٌ بأحمدِ وأنْ لا إلهٌ غيرُ ربي هو الذي ... يُميتُ ويُحيي يومَ بعثٍ ومَوعدِ فهذا الذي أعددتُ لا شيءَ غيرُهُ ... وأن قلتَ لي أكثرْ من الخيرِ وازْدَدِ فقالَ: لقد أعصمتَ بالخيرِ كلِّهِ ... تمسَّكْ بهذا يا فرزدق تُرشَدِ وحدَّث جرير بن حازم قال: سمعت أبا رجاء العطاردي قال: سمعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونحن في مال لنا، فخرجنا هُرابا. قال: فمررت بقوم ظبي، فأخذتها وبللتها. قال: وطلبت في غِرارةٍ لنا فوجدت كفَّ شعير، فدققته بين حجرين، ثم ألقيته في قدر، ثم ودَجْتُ بعيرا لنا، فطبخته، فأكلت أطيب طعامٍ أكلته في الجاهلية. قلت: يا أبا رجاء، ما طعمُ الدم؟ قال: حلوٌ. وروي أن أبا رجاء أتته امرأة في جوف الليل، وقد جاوز المئة ببضع فقالت: يا أبا رجاء، إن لطارق الليل حقا، إن بني فلان خرجوا إلى سفوانَ، وتركوا شيئا من متاعهم. فانتقل، وأخذ الكتب فأدَّاها ورجع إلى البصرة، وصلى بأصحابه الفجر، وهي مسيرة ليلةٍ للأبل. ومن بني شجنة بن عطارد صفوان بن جناب بن شجنة بن عطارد: وكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة، ثم بنوه من بعده، حتى كان آخرهم كرب بن صفوان. وهو الذي قام عليه الإسلام. وفي ذلك يقول أوس بن مغراء السعديُّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 297 لا يبرحُ الناسُ ما حجوا معرَّ فهمْ ... حتى يقال: أجيروا آل صفوانا متا تطلعُ الشمسُ إلا عندَ أولنا ... ولا تغيَّبُ إلا عند أُخرانا وقال الفرزدق مناقضا الجرير من قصيدة طويلة: إذا هبطَ المُحصَّبُ من مِنى ... عشيةَ يوم النحرِ من حيثُ عرَّفوا ترى الناسَ ما سِرنا يسيرونَ خلفنا ... وإنْ نحن إومأنا إلى الناسِ وقَّفوا وعدد ابيات هذه القصيدة مئة وثلاثة عشر بيتا. ولها خبر ذكره إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري في منتخب النقائض للنَّجيرمي. وفي هذه القصيدة البيت الذي استشهد به الزَّجاجيُّ في " الجمل " في باب الفعل المحمول على المعنى، وهو: وعظُّ زمانٍ يا بْنَ مروانَ لم يدعْ ... من المالِ إلا مُسحَتٌ أو مُجلَّفُ روى الكسائي مُسحتاً بالنصب، وهو المستأصل. والمجلَّفُ: شبيهٌ به. ومن رفع مسحتاً حمله على المعنى، لأنه إذا قال: لم يدعْ فكأنه لم يبقِ. قال أبو عبيدة: وسمعت رواية الفرزدق يروى " لم يَدعْ من المال ". وقال لم يَدِعْ: لم يَتَّدعْ: من الدَّعةِ. أي لم يثبتُ ولم يستقر. ومن بني قريع بن عوف، وهو أخو عطارد وبهدلة الأضبط بن قُريع بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 298 عوفٍ: وكان رأس تميما في الجاهلية في بعض حروبهم. وهو المتقيِّل في القبائل. فلما لم يُحمدهم رجع إلى قومه وقال: بكلِ وادٍ بنو سعدٍ. وله حكم في شعره. وهو القائل في قصيدة مشهورة: لكلِّ همٍّ من الهمومِ سَعهْ ... والمُسْيُ والصُبحُ لا فاحَ معهُ الفلاح: البغاء ومنهم بنو أنف الناقة منهم شمَّاسُ بن لأيْ: الذي مدحه الحطيئة. وفيه يقول من قصيدة: وإن التي نكتبها عن معاشرِ ... عِضابٍ عليَّ أنْ صَددتُ كما صَدُّوا أتتْ آل شَّماسِ بن لأي وإنما ... أتتهمْ بها الأحلامُ والحسبُ العِدُّ وإنَّ الشقيَّ مَن تُعادى رماحهمْ ... وذو الجَدِّ من لانوا إليه ومن وَدَّوا يسوسونَ أحلاماً بعيداً أناتُها ... وإن غَضوا جتءَ الحفيظةُ والجِدُّ أقلُّ عليهم لا أبا لأبيكمُ ... منَ اللومِ أو سُدوا المكانَ الذي سَّدوا أولئك قومٌ إنْ بنوا أحسنوا البُنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقَدوا شَدُّوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 299 وإن كانتِ النَّعماءُ فيهم جضزَوا بها ... وإن أنعموا لا كدَّروها ولا كدُّوا وفيها: فمن مُبلغٌ لأْياً بأنْ قد سعى لكم ... إلى السورةِ لا يساوى عِنانهُ جرى حين جارى لا يساوى عِنانهُ ... عنانٌ ولا يثنى أجاريَّةُ الجَهدُ رأى مجد أقوام أُضيع فحثَّهم ... على مجدهمْ لمَّا رأى أنه المجد وله ايضا يمدح آل شماس بن لأىٍ من قصيدة: سيرى أُمام فإن الأكثرين حصًى ... والأكرمين إذا ما يُنسبونَ أبا قومٌ هم الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ ... ومن يساوى بأنفِ الناقةِ الدَّنيا؟ قومٌ إذا عقدوا عقداً لجارهمُ ... شدوا العِناجَ وشدوا فوقهُ الكربا قومٌ يبيتُ قرير العين جارُهمُ ... إذا لوى بقوى أطنابهمْ طُنُبا وله أيضا يمدح بني قريع، من قصيدةٍ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 300 فلا وأبيكَ ما ظلمتْ قُريعٌ ... بأن يبنوا المكارم حيثُ شاؤوا وإنى قد عَلقت بحبل قومٍ ... أعانهم على الحسبِ الثَّراءُ إذا نَزلَ الشتاءُ بجارِ قومٍ ... تجنَّبَ جارَ بيتهمُ الشتاءُ همُ تالقومُ الذين إذا ألمَّتْ ... من الأيامِ مُظلمةٌ أضاؤوا ومن بني أنف الناقة أوس بن مغراء. ومن بني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم المستوغر بن ربيعة ابن كعب بن سعد: عُمِّر ثلاث مئةٍ وثلاثين سنةً، وأدرك الإسلام. وهو القائل في طول عمره: ولقد سئمت من الحياةِ وطولها ... وعُمِرتُ من عددِ السنين مِئينا مئةٌ حَدتْها بعدها مئتانِ لى ... وازددتُ من عدد الشهورِ سنينا هل ما بقيَ إلا كما قد فاتنا ... يومٌ يمرُ وليلةٍ تحدونا وهو القائل حين هدم رُضى في الإسلام، وكانت بيتاً تعظِّمه بنو أبيه ربيعة بن كعب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 301 ولقد شددتُ على رضاءٍ شَدَّةً ... فتركتها قَفراً بقاعٍ أشحما واسم المستوغر عمرو. وكان أطول مضر عُمراً. وبنو ربيعة بن كعب بن سعد، وبنو الأعرج بن كعب بن سعد يقال لهم الأجاربُ. وفيهم يقول أحمرُ بن جندل: ذودوا قليل تُلحقُ الجلاببُ ... تَلحقُنا حمَّانُ والأجاربُ وقيل لهم الأجارب لأنهم كانوا يَعوُّون الناس بكثرة شرِّهم. فمن الأجارب حارثةُ بن قدامة: صاحب شرطة علي بن أبي طالب، وعمرو بن جُرموز: قاتل الزبير بن العوام. والنسب إلى الأعرج بن كعب أعرجي نسبٌ معروف. وحِمّان: هو عبد العزى بن كعب ... ومن بني سعد بن زيد مناة بن تميم ثم بني صَريم الصَّريمي الملقب عبسَ الطِّعان: وكان من الابطال. ترجَّل يوم هزم أصحاب قَطري " عبد العزيز بن عبد " الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية، فقاتل حتى قُتل رحمه الله. ومنهم من سيأتي ذكره بعد مقتل عليٍّ رضي الله عنه. وحرام بن كعب بن سعد: من بني حرام. والحرام بالراء وفتح الحاء والمهملة. ومن بني الأعرج بن كعب بن سعد بن زيد مناة أسلعُ بن شَرِيك الأعرجي: " كان صاحب " رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب راحلته. نزل البصرة. روى عنه زريق المالكي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 302 ومن بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم داررمُ بن مالك بن حنظلةَ: وبنوه بطون. ويربوعٌ: وبنوه بطون. وهو يربوع بن حنظلة، عم دارم. ومن بني مالك بن حنظلة صُدَيٌ ويربوعٌ وزيد: وهم بنو العَدويَّة. نُسبوا إلى امهم، وبها يُعرفون. وأبوهم مالك بن حنظلة. وأخوتهم أبو سودِ بن مالك، وعوف بن مالك، وخُشيش بن مالك. أمهم طُهيَّة وبها يُعرفون. ويقال لبني طهية وبني العدوية " الجمارُ ". منهم: أبو البلاد الطُّهويُّ. ومن طُهية بنو شيطانٍ: بطنٌ فيهم فوارس. " قال الشاعر ": فوارسُ لا يملُّون المنايا ... إذا دارت رَحى الحربِ الزَّبونِ فولد دارمٌ: عبد الله بطنٌ، ومُجاشعا بطن، ونَهشلا بطن، والعنبر بطن. وولد يربوع: ثعلبة بطن، وغدافة بطن، ورياحا بطن، وحراما بطن، وسليطا بطن، والعنبر بطن. فمن بني عبد الله بن دارم عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس بن زيد ابن عبد الله بن دارم: وهو من أشراف وجوه تميم. وبقوس أبيه حاجب يُضرب المثل حين رهنها عند كسرى، وخبرُها مشهور. ومات حاجب والقوس عند كسرى. فارتحل عطارد بن حاجب إليه يطلب قوس أبيه، فردها عليه، وكساه حلةً. فلما وفد إلى النبي عليه السلام في بني تميم سنة تسع، وكان سيدا في قومه أهدى الحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقبلها، فباعها بأربعة آلاف درهم من رجل من اليهود. ولهذه الحلة خبر ذكره مسلم في صحيحه فقال: حدثنا شيبا بن فرُّوخ قال: نا جرير بن حازم قال: نا نافع عن أبن عمر قال: رأى عمر عطارد التميمي يُقيم بالسوق حلةً سِيراءَ. وكان رجلا يغشى الملوك، ويصيب منهم. فقال عمر: يا رسول الله، إني رأيت عطارد يقيم في السوق حلة سيراء. فلو اشتريتها فلبستها لوفود العرب إذا قدموا عليك، وأظنه قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 303 ولبستها يوم الجمعة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما يلبس الحرير في الدنيا من لا خلاق له في الآخرة ". فلما كان بعد ذلك أُتي رسول الله عليه السلام بحللٍ سيراءَ. فبعث إلى عمر بحلة، وبعث إلى أسامة بن زيد بحلة، واعطى علي بن أبي طالب حلة وقال: " شَققها خمرا بين نسائك ". قال: فجاء عمر بحلته يجعلها، فقال: يا رسول الله بعثت إلى بهذه، وقد قلت بالأمس في حلة عطارد ما قلت! فقال: " أما إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، ولكن بعثت بها إليك لتُصيبَ بها ". وأما أسامة فراح في حلته فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرا عرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكر ما صنع فقال: يا رسول الله، ما تنظر إلي؟ فأنت بعثت بها إلي! فقال: " إني لم أبعث إليك لتلبسها ولكن بعثتها إليك لتشققها خمرا بين نسائك ". وابن ابنه محمد بن عمير بم عطارد: كان شريفا. وله يقول الشاعر: علمَ القبائلُ من معدّ وغيرها ... أن الجوادَ محمدُ بن عُطاردِ وذكرت بنو دارم يوما بحضرة عبد الملك، فقالوا: قومٌ لهم حظ. فقال عبد الملك: تقولون ذلك وقد مضى منهم لقيط بن زرارة، ولا عقب له. ومضى محمد ابن عمير بن عطارد، ولا عقب له. والله لا تنسى العرب هؤلاء الثلاثة أبدا. وجلس الحجاج يوما، ومعه جماعة على المائدة، منهم محمد بن عمير بن عطارد ابن حاجب بن زرارة، وحجار بن الحرِّ بن بجير العِجْليُّ، فأقبل في وسط الطعام على محمد بن عمير. فقال: يا محمد، أيدعوك قتيبة بن مسلم إلى نُصرتي يوم رُسْتَقْباذَ فتقول: هذا أمر لا ناقة لي فيه ولا جمل؟ لا جعل الله لك فيه ناقة ولا جملا. يا حرسيُّ خذ بيدهِ، جَرِّد سيفك، فاضرب عنقه. فنظر إلى حجار وهو يبتسم، فدخلته العصبية. وكان مكان حجار من ربيعة كمكان محمد بن عمير من مضر. وأتى الخبازُ بفُرنيةٍ، فقال: اجعلها مما يلي محمدا، فإن اللبن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 304 يُعجبه. ياحرسي شمْ سيفك وانصرف. شِم سيفك: من الأضداد. يقال: شِمتَ السيف: إذا أغمدته وإذا سللته. وشمت البرق إذا نظرت إليه من أى ناحية يأتي. ومن شمت السيف: بمعنى سللته. قول النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى أُحد للرجل الذي أصاب كُلاَّبَ سيفهِ ذنبُ فرسٍ، حين ذبَّ به، فاستله: " شم سيفك، فإني أرى السيوف ستسل اليوم ". وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل ولا يعتاف. ومن شمتُ السيف: بمعنى أغمدته، كقول الفرزدق: بأيدي رجالٍ لم يشيموا سيوفهم ... ولم تكثرِ القتلى بها حين سُلَّتِ وهذا البيت طريف عند أصحاب المعاني تأويله لم يشيموا ولم يغمدوا. ولم تكثر القتلى أى لم يُغمدوا سيوفهم إلا وقد كثرت القتلى حين سلت. وكان محمد بن عمير حظيا عند بني مروان، وخاصا ببشر بن مروان. قال أبو عبيدة: قدم الأخطل على بشر الكوفة، فوجد عنده محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة. فقال محمد للأخطل: إن الأمير سيسألك عن الفرزدق وجرير، فانظر ما أنت قائل، فقد عرفت قرابتنا. وأم عبد الله ومجاشع ابني دارم الحلال بنت ظالم بن ذبيان التغلبي. فسأل بشر الأخطل عنهما، فقال: الفرزدق أشعر العرب. فقال جرير يهجو الفرزدق والأخطل ومحمد بن عمير بن عطارد في قصيدة طويلة أولها: لمن الديارُ ببُرقةِ الروحانِ ... إذ لا نبيعُ زماننا بزمانِ ومنها في ذكر محمد بن عمير وعمه لبيد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 305 لا يَخفينَ عليكَ أنَّ محمداً ... من نسلِ كلِّ ضِفِنَّةٍ مشبطانِ إنْ عند بني أُسيدةَ عزَّنا ... فانقلْ مناكبَ يَذبُلٍ وأبانِ إنا لنعرفُ ما أبوكَ لدارمٍ ... فالحقُ بأصليكَ من بنى دُهمانِ ألقوا السلاح إليَّ آلَ عطاردٍ ... وتعاظموا ضرطاً على الدكان قال المدائني: حَبقَ لبيد بن عطارد بن حاجب بن زرارة عند زياد، فأمر له بعشرة آلاف درهم. فعيَّره جرير بذلك. زمنها في ذكر الأخطل وتغلب. واسم الأخطل غِياثٌ بن غويث بن الصَّلت: تَلقى الكرام إذا خُطبنَ عزالياً ... والتغلبيَّةُ مهرُها فَلسانِ والتغلبيُّ مُغلبٌ قعدتْ بهِ ... مَسعاتُهُ عبدٌ بكلِّ مَكانِ قَبحَ الإله من الصَّليب إلهُهُ واللابسينَ بَرانسَ الرُّهبانِ والذابحينَ إذا تقابَ فِصحُهمْ ... شُهبَ الجُنوبِ ركيكةةَ الأثمانِ من كلِّ ساجي الَّرفِ أعصَلَ نابُهُ ... في كلِّ قائمةٍ لهُ طِلقانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 306 تَغشى الملائكةُ الكرامُ وفاتَنا ... والتَّغلبيُّ جنازةُ الشيطانِ والتغلبيُّ كتابهُ بِشمالهِ ... وكتابُنا بأكفِّنا الأيمانِ أيُّصدقون بمارَ سرجسَ وابنه ... ويكذِّبونَ بمُنْزَلِ الفُرقانِ؟ ما في ديارِ مُقام تغلبَ مَسجدٌ ... وترى مكاسِرَ حَنْتمٍ ودنانِ ليس ابنُ عابدةِ الصليب بمنتَهٍ ... حتى يذوقَ بكأسِ مَن عادانى تركَ الهُذيلَ قيس منكمُ ... قَتلى تُقبِّحُ روحَها الملكانِ هزُّوا الرماحَ فأشرِعتْ لظهورهمْ ... هزَّ الرياح عواليَ المُرَّانِ فتركتمُ جَزرَ السباع وفَلُّكُمْ ... يتساقطونَ تساقُط الحَمْنانِ يا عبدَ خِندفَ لا تزال مُعبَّداً ... فاقعدْ بدارِ مَذَلَّةٍ وهوانِ ولقد سبقتُ فما ورائي لاحقٌ ... بداءاً وخُلِّيَ في الجَراءِ عِنانى فالحقْ بِحلفكَ في قُضاعةَ إنما ... قيسٌ عليك وخِندِفٌ أخوانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 307 أحْموا عليكَ فما تجوزُ بِمهلٍ ... ما بين مصرَ إلى قصورِ عُمانِ وزرارة بن عُدس: جد عطارد، وهو القائل المثل: " يا بعضى دع بعضاً "، وذلك أن ابنته كانت عند سويد بن ربيعة الميمي. ولها منه تسعة بنين. وإنَّ سويداً قتل ابنا لعمرو بن هند الملك صغيرا، ثم هرب، فلم يقدر عليه ابن هند. فأرسل إلى زرارة فقال: ائتني بولده من ابنتك. فجاء بهم، فأمر عمرو ابن هند بقتلهم. فتعلقوا بجدهم زرارة، فقال: " يابعضي دع بعضاً " فذهبت مثلا. وكان يقال لعبد الله ومجاشع ابنى دارم " اللباب ". وبيت دارم بنو زرارة، وهم عشرة، منهم: حاجب، وعلقمة، ومعبد، ولقيط، وابن عمهم عمرو عُدُس. من ولده: هلال بن وكيع بن بشر بن عمرو: قتل يوم الجمل مع عائشة. ومنهم مسكين الدارمي الشاعر هو مسكين بن عامر بن أنيف بن شُريح بن عمرو. قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قتل لقيط بن زرارة يوم شعب جبلة، وأُسر حاجب أخوه؛ أسره ذو الرقيبة، وأُسر سنان بن أبي حارثة المرِّيُ؛ أسره عروة الرحال، فجزَّ ناصيته.. فلم يُثبهُ أُسر عمرو بن عُدس؛ أسره.. ابن المنفق فجزَّ ناصيته، وخلاَّهُ طعماً في المكافأة، فلم يفعل. وقُتل مالك بن ربعي ابن جندل بن نهشل، ومنقذ بن طريف الأسديُّ. فقال جرير: كأنك لم تشهدْ لقيطاً وحاجباًوعمرو بن إذ دعوا: يال دارمِ ويوم الصفا كنتم عبيدا لعامرٍوبالحَزنِ أصبحتم عبيدَ اللهازمِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 308 يعني بالحزن: يوم الوقيط، وقال جرير أيضا: ويومَ الِّعبِ قد تركوا لقيطا ... كأنَّ عليه خَملةَ أرجوانِ وكُبِّل حاجبٌ بسهامَ حولا ... فحكَّم ذا الرُّقيبةَ وهو عانِ وكانت تحت لقيط بن زرارة القَذورُ بنت قيس بن خالد الشيباني: من ربيعة. وهي أخت بسطام بن قيس: فلما قتل تزوجها بعده رجل من قومها، فقال لها يوما: أنا أجمل أم لقيطٌ؟ فقالت: " ماء ولا كصًراءَ ".. أي أنت جميل ولست مثله. والقذور أول من تمثلت بهاذا المثل. قال المفضل: وصًرًاءُ: ركيَّةٌ لم يكن عندهم ماءٌ أعذبَ من مائها. وفيها يقول ضرار السعدي: إني وتهيامى بزينب كالذي ... يطالب من أحواضِ صرَّاءَ مَشرَبا ومن أمثال العرب: " مرعى ولا كالسَّعْدانِ " وهو لأمرأة من طيء، كان تزوجها امرؤ القيس بن حجر الكندي، وكان مُفَّركاً. فقال لها: أين أنا من زوجك الأول؟ فقالت: " مَرعى ولا كالسعدانِ ". أي إنك وإن كنت رضىً فلست كفلان. قال أبو عبيدٍ: السعدانُ: نبي تعتلفه الإبل، وهو من أفضل مراعيها. فإذا رأوا علفا دونه قالوا هذه المقالة. ومن ولد علقمة بن زرارة يزيد بن شيبان بن علقمة: وله خبر طريف مع الرجل المهري، ذكره أبو علي البغدادي القالي في الأمالي. قال أبو علي: حدثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 309 أبو بكر رحمه الله قال: حدثنا أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: قال أبو زرارة بَجالُ ابن حاجب العلقمي من ولد علقمة بن زرارة: خرج يزيد بن شيبان بن علقمة حاجَّا، فراى شارفَ البلدَ شيخا يحُّفه ركبٌ على إبل عتاقٍ بزحال ميسٍ مُلبسةٍ أدما. قال: فعدلتُ فسلمت عليهم، وبدأتُ به وقلت: من الرجل؟ ومن القوم؟ فأرَمَّ القومُ ينظرون إلى الشيخ هيبة له. فقال الشيخ: رجل من مهرة بن حيدان بن عمرو بن الحاف بن قُضاعة. فقلت: حياكم الله، وانصرفت. فقال الشيخ: قف أيها الرجل، نسبتنا فأنتسبنا لك، ثم انصرفت ولم تُكلمنا. قال أبو بكر: وروى الَّكنُ بن سعيد عن محمد بن عباد: شاممتنا مشامَّة الذِّيب الغنمَ، ثم انصرفت. قلت: ما أنكرت سوءاً، ولكني طننتكم من عشيرتي فأناسبك فانتسبتم نسبا لا أعرفه، ولا أراه يعرفني. قال: فأمال الشيخ لثامه، حَسرَ عمامته وقال: لعمري لئن كنت من جِذْمٍ من أجذام العرب لأعرفنك. قلت: فإني من أكرم أجذامها. قال: فإن العرب بنيت على أربعة أركان: مُضر، وربيعة، واليمن، وقُضاعة. فمن أيهم أنت؟ قلت: من مُضر. قال: أمن الأرجاءِ أم من الفرسان؟ فعلمت أن الأرجاء خِندِفٌ، وأن الفرسان قيسٌ. قلت: من الأرجاء. قال: فأنت إذا من خندف؟ قلت: أجل. قال: فمن الأرنبة أم من الجُمجمة؟. فعلمت أن الأرنبة مُدركة، وأن الجمجمة طابخة. فقلت: من الجمجمة. قال: فأنت إذاً من طابخة؟ قلت: أجل. قال: أفمن الصميم أم من الوشيظ؟ فعلمت أم الصميم تميم وأن الوشيظ الِّباب. قلت: من الصميم. قال: فأنت إذا من تميم. قلت: أجل. قال: إفمن الأكرمين أم من الأحلمين أم من الأقلين؟ فعلمت أن الأكرمين زيد مناة، وأن الأحلمين عمرو بن تميم، وأن الأقلين الحرث بن تميم. قلت: من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 310 الأكرمين. قال: فأنت إذا من زيد مناة؟ قلت: أجل. قال: فمن الجدود أم من البحور أم من الثِّماد؟ فعلمت أن الجدود مالك وأن البحور سعد، وأن الثماد بنو القيس بن زيد بن مناة. قلت: من الجدود. قال: فإنت إذا من بني مالك؟ قلت: أجل. قال: أفمن الذرى أم من الأرداف؟ فعلمت أن الذرى حنظلة، وأن الأرداف ربيعة ومعاوية، وهما الكُردوسانِ قلت: من الذرى. قال: فأنت إذا من بني حنظلة. قلت: أجل. قال: أفمن البدور أم من الفرسان أم من الجارثيم؟ فعلمت أن البدور مالك، وأن الفرسان يربوع، وأن الجارثيم البراجم. قلت: من البدور. قال: فأنت إذا من بني مالك بن حنظلة. قلت: أجل. قال: أفمن الأرنبة أم من القف؟ فعلمت أن الأرنبة دارم، وأن اللحيين طهية والعدوية، وأن القفا ربيعة بن حنظلة. قلت: من الأرنبة. قال: فأنت إذا من دارم؟ قلت: أجل. قال: أمن اللباب أم من الهضاب، أم من الشهاب؟ فعلمت أن اللباب عبد الله، وأن الهضاب مجاشع، وأن الشهاب نهشل. قلت: من اللباب. قال: فأنت إذا من بني عبد الله؟ قلت: أجل. قال: أفمن البيت أم من الزوافر؟ فعلمت أن البيت بنو زرارة، وأن الزوافر الأحلاف. قلت: من البيت. قال: فأنت إذا من بني زرارة؟ قلت: أجل. قال: فإن زرارة ولد عشرة: حاجيا، ولقيطا، وعلقمة، ومعبدا، وخزيمة، ولبيدا، وأبا الحرث، وعمرا، وعبد مناة، ومالكا. فمن أيهم أنت؟ قلت من بني علقمة. قال: فإن علقمة ولد شيبان، لم يلد غيره. فتزوج شيبان ثلاث نسوة مهدد بنت حُمران بن بشر بن عمرو بن مرثدٍ، فولدت له يزيد. وتزوج عكرشة بنت حاجب بن زرارة بن عُدس، فولدت له المأمور، وتزوج عمرَة بنت بِشْر بن عمرو بن عُدْس، فولدت له المُقعد، فلأيهن أنت؟ قلت: لمهدد. قال: يابن أخي، ما افترقت فرقتان بعد مدركة إلا كنت في أفضلهما حتى زاحمك أخواك، فإنهما أن تلدنى أمهما أحب إلي من أن تلدني أُمك. يابن أخي أتُراني عرفتك؟ قلت: إي وأبيك، أيُّ معرفة؟! ومن بني مجاشع بن دارم صعصعة بن ناجية بن عقال بن محمد بن سفيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 311 ابن مجاشع بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وهو من الصحابة. وهو جد الفرزدق الشاعر: واسم الفرزدق هَمَّامُ بن غالب بن صعصعة. وكان صعصعة من أشراف بني تميم ووجوه بني مجاشع. وكان في الجاهلية يفتد الموؤدات. قيل إنه افتدى مئة موءودة. ففخر بذلك الفرزدق في قوله: وجدىِّ الذي منع الوائدات وأحيا الوئيدَ فلم يُوءَدِ روى عنه طفيل بن عمرو وابنه عقال بن صعصعة والحسن البصري، إلا أنه قال: حدثني صعصعة عم الفرزدق، وهو جده. وكان الفرزدق من فحول الشعراء في الإسلام، وروى الحديث. قال مسلم في " الكنى ": أبو فراس الفرزذق الشاعر، سمع ابن عمر وأبا هريرة. روى عنه مروان الأصغر وابن أبي نجيح وابنه لبطة. وروى عن ابنه أبي سهل لبطةَ سفيان بن عُيينةَ. ومنهم أعينُ بن ضُبيعةَ بن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع: هو الولد النوارِ بنت أعين زوج الفرزدق، التي يقول فيها حين طلقها. ندمتُ نَدامةَ الكُسعي لمَّ ... غدتْ منى مُطلَّقةً نوارُ وكانت جنَّتي فخرجتُ منها ... كآدم حينَ أخرجه منها الِّرارُ وأعين هو الذى عقر الجمل الذي كانت عليه عائشةُ أم المؤمنين رضي الله عنها. قاله ابن عبد البر في " الاستيعاب ". وقال الطبري: عقرَ الجمل بُحير بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 312 دُلجة الضَّبيُّ من أهل الكوفة. وكان اسم جمل عائشة " عكر ". وقَتل أعين أهل البصرة: قال الطبري في تاريخه الكبير في خبر يوم الجمل: جاء أعينُ بنُ ضُبيعة المجاشعيُّ حتى اطَّلع في الهودج. فقالت عائشة: إليك لعنك الله. فقال: والله ما أرى إلا حُميراءَ. فقالت: هتَك الله سِترك، وقطع يدك، وأبدى عورتك. فقُتل بالبصرة وصُلب وقُطعت يدهُ، ورُمي به عُريانا في خربة من خرب الأزد. ومنهم عياضُ بن حمار بن أبي حمار بن ناجية بن عقال: وأبو حمارٍ جد عياض، أخو الفرزدق. سكن عياض البصرة، وروى عنه مُطرِّف ويزيد ابنا عبد الله بن الشخير والحسن وأبو التيَّاح. وكان صديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم قديما. وكان إذا قدم مكة لا يطوف إلا في ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان من الجلَّة الذين لا يطوفون إلا في ثوبِ أحمسي. ومنهم الأقرع بن حابس بن عقال الذي قال فيه العباس بن مرداس للنبي عليه السلام حين قسم غنائم حُنين من أبياتٍ: أتجعلُ نَهْبى نهبَ العُبي ... دِ بين عيينة والأقرعِ وحابسٌ: والد الأقرع، عم صعصعة جد الفرزدق: ومنهم الحُتاتُ بن يزدي ين علقمة بن جُوى بن سفيان بن مجاشع: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين الحُتات هذا وبين معاوية بن أبي سفيان. فمات الحُتات عند معاوية، وهو خليفةٌ، فورثه بهذه الأُخوَّة. فقال الفرزدق، وهو شاب، لمعاوية: أبوكَ وعمى يا مُعاويَ أورثا ... تُراثا فَيحتازُ التُراثَ أقاربهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 313 فما بال ميراثِ الحُتاتِ أكلتَهُ ... وميراثُ صخرٍ جامدٌ لك ذائبُهْ ومن بني مجاشع البعيثُ الشاعر: واسمه خداش بن بشير بن أبي خالد بن بيبةَ بن قُرط بن سفيان. والاصبغُ بن نباتة: صاحب علي رضي الله عنه. ومن بني نَهشل بن دارمٍ عبَّادُ بن مسعودٍ: الذي قال فيه الحطيئة: هضمَّتْ بدارِ ضرارٍ ثمَّ قلتُ لها: ... لا بل عليكِ بعبادِ بن مسعودِ عليكِ دارَ رَحيبِ الباعِ ذى شَرفٍ ... ألقيتْ إليه تميمٌ بالمقاليدِ ومنهم خازمً بن خُزيمةً النَّهْشليُّ: وهو من صخر بن نَهشل، وكان لأمِّ ولدٍ، ويكنى أبا خُزيمة. وولي خراسان، ثم وليَ عُمانَ، ومات ببغداد فعُزيَ عنه أبو جعفر. وابنه خزيمة بن خازم، يكنى أبا العباس، وولىَ الولايات. وابنه إبراهيم ابن خازم: قتله الوليد بن طريفٍ الشاري. ومنهم الأسود بن يَعفُر الشاعر: جاهلي. وهو القائل من قصيدة: ماذا أُؤمِّل بعد آلِ مُحرِّقٍ ... تركوا منازلهم وبعدَ إيادِ أرض الخورنق والسديرِ وبارقٍ ... والقصر ذي الشُّرفاتِ من سِنْدادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 314 نَزلوا بأنْقرةٍ يسيلُ عليهمُ ... ماءُ الفرات يجيءُ من أطوادِ أرضٌ تَخيِّرها لطيب مَقيلها ... كعبُ بنُ مامةَ وابنُ أمِّ دُؤادِ جَرت الرياحُ على مَحلِّ ديارهمْ ... فكأنهم كانوا على مِيعادِ ولقد غَنُوا فيها بأنعمِ عيشةٍ ... في ظلِّ مُلكٍ ثابتِ الأوتادِ فإذا النَّعيمُ وكلُّ ما يُلهَى بهِ ... يوماً يصير إلى بلىً ونَفادِ وقال رجل من بني نَهشل بن دارم يمدح قومه: إنَّ نَهشَلٍ لا ندَّعى لأَبٍ ... عنهُ ولا هوَ بالأبناءِ يَشْرينا إنْ تُبْتَدرْ غايةٌ يوماً لمكرُمةٍ ... تلقَ السَّوابقَ منَّ والمُصَلِّينا وليسَ يَهلِكُ منَّا سيدٌ أبداً ... إلا افْتَلَيْنا غُلاماً سيِّداً فينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 315 إنا لَمشن معشرٍ أَفْنى أوائلَهمْ قيلُ الكماةِ: ألا أين المحامونا؟ لو كان في الألف منّا واحدٌ فَدعَوا ... مَن عاطفٌ؟ خالهُم إياهُ يَعْنونا إنا لنُرخِصُ يوم الرَّوع أنفسَنا ... ولو نُسامُ بها في الأمرِ أُغْلينا إذا الكماةُ تَنحَّوا أن ينالهُمُ ... حدُّ الطُّباتِ وَصَلْناها بأيدينا من قال: إنا بنو نهشل، جعل " بنو " خبر " إنَّ ". ومَن قال: " بني "، فإنما جعل الخبر على الاختصاص وهذا مدحٌ. ومثله: " نحن بني ضبة أصحابُ الجملْ ". ومن بني فُقيم بن دارم أبو غاَضرةَ الفُقميُّ: واسمه عُروة، له صحبة ورواية. حديثه عن النبي عليه السلام: " دِينُ اللهِ يُسر ". ومن بني فُقيم أبو سريةَ سُهيلُ بن خَليفةَ بن عبدةَ: سمع قيسَ بن عاصم. روى عنه ابنه عبدُ الملك. ومنهم الحسنُ بن عَمرو الفُقيميَّ التميمي: روى عنه سفيان الثوري وإبراهيم النخعي. قال: إذا قيل: ... أنتَ. فقل: لاإله إلا اللهُ. ومنهم فضيلُ الفقيمي: روى عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كبرٍ ". خرجَّ الحديث مسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 316 ومنهم أبو العشراء أسامة بن مالك بن قهطم: وهو من التابعين، روى عن أبيه، وروى أبوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن بني أبان بن دارم سورة بن أبجر: كان فارسا، وولي خراسان. وذو الخرق بن شريح الشاعر. ومن بني ثعلبة بن يربوع ثم من بني عرين بن ثعلبة واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بم مالك بن زيد مناة بن تميم: كان حليفا للخطَّاب بن نفيل، أسلم قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين بشر بن البراء ابن معرور. وهو الذي قتل عمرو بن الحضرمي أخا العلاء في أول يوم من رجب. وكان في البعث الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى نخلة. وأهل السريَّة ثمانية رهط من المهاجرين ولم يكن فيهم من الأنصار أحد، وهم: عبد الله بن جحش الأسديُّ أمير السرية، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة العبشمُّي القريشيُّ، وعكاشة بن محصن الأسديُّ، وعتبة بن غزوان من بني مازن بن منصور أخى سليم بن منصور، وسعد بن أبي وقاص الزهريُّ، وعامر بن ربيعة من عنز ابن وائل، وواقد المذكور، وخالد بن البكير اللَّيثي، وسهيل بن بيضاء الفهري. وفي واقد قال أبو بكر الصديق الأبيات التي ردَّ فيها على قريش حين استعظموا سفك الدَّم والسَّبي في الشهر الحرام، فيما قال ابن اسحاق. وقال ابن هشام: هي لعبد الله بن جحش.: تَعدُّونَ قتلاً في الحرام عظيمةً ... وأعظمُ منهُ لو يَرى الرشدَ راشِدُ صُدودُكمُ عمّا يقولُ محمدٌ ... وكفرٌ بهِ واللهُ راءٍ وشاهدُ وإخراجُكمْ من مسجد اللهِ أهلَهُ ... لأَنْ لا يُرى في البيتِ للهِ ساجدُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 317 فإنَّا وإنْ عَيَّرتُمونا بقتلهِ ... وأَرجفَ بالإسلامِ باغٍ وحاسدُ سَقَينا من ابن الحضرميِّ رماحَنا ... بِنَخلةَ لما أَوقدَ الحربَ واقِدُ دَماً وابنُ عبد الله عثمانُ بَينَنا ... ينازعُهُ غُلٌّ من القِدِّ عانِدُ شهد واقد بن عبد الله بدرا وأحدا والمشاهد كلَّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. ومن عرين بن ثعلبة ابن الكلحبة الشاعر الشجاع: واسمه جرير بن هبيرة. والكلحبة أمُّه، وهي امرأة من جرم، قاله أبو عبيد. وقال غيره: الكلحبة: السراج. وابن الكلحبة هو القائل من قصيدة: فقلتُ لكأسٍ: أَلجميها فإنما ... حللتُ الكثيبَ من زَرودَ لأَفزَعا يقول: لأغيث. وكأس: اسم جارية، وإنما أمرها بإلجام فرسه ليغيث. والفزع هنا: الاستنجاد والاستصراخ. ومنه قول النبي عليه السلام للأنصار: " إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلُّون عند الطمع ". وقال جرير يهجو بني عرين ابن ثعلبة بن يربوع: عَرينٌ من عُرينةَ ليس ممَّا ... بَرِئتُ إلى عُرينةَ من عَرينِ والنسب إلى " عرين " عريني. وكثير من الناس يقول فيه: عرني. وعرينة من بجيلة، وهو عرينة بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار بن ياراش. بن عمرو بن الغوث. ومن عرينة النفر الذي أغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخبرهم صحيح مشهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 318 ومن بني ثعلبة بن يربوع متمِّم بن نويرة: وهو من الصحابة. وأخوه مالك، قتل في الردة في خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه. وقتل مالكا ضرار بن الأزور الأسديُّ. أمره بذلك خالد بن الوليد. ورثاه متمِّم أخوه بقصائد كثيرة. قال أبو العباس المبرَّد: حدثني العباس بن الفرج الرِّياشيُّ عن محمد بن عبد الله الأنصاري في إسناد ذكره. قال: صلَّى متمِّم بن نويرة مع أبي بكر الصديق رحمه الله الفجر في عقب قتل أخيه. وكان أخوه خرج مع خالد مرجعة من اليمامة، يظهر الإسلام. فظنَّ به خالد غير ذلك، فأمر ضرار بن الأزور الأسدي فقتله. وكان مالك من أرداف الملوك، ومن متقدِّمي فرسان بني يربوع. فلما صلى أبو بكر رحمه الله قام متمم بحذائه فاتّكأ على سية قوسه. ثم قال: نِعمَ القتيلُ إذا الرياحُ تَناوحتْ ... خلفَ البيوتِ، قَتلتَ يابنَ الأزور ولَنعمَ حشوُ الدرعِ كنتَ أدابراً ... ولنعم مأوى الطارقِ المُتنوِّرِ أَدَعوتَهُ باللهِ ثم غَدَرتَهُ ... لوْ هُوْ دَعاكَ بذمَّةٍ لم يَغْدُرِ وأومأ إلى أبو بكر، فقال: والله ما دعوته ولا غدرته. ثم أتمَّ شعره فقال: لا يمسِكُ الفحشاءَ تحت ثيابهِ ... حُلوٌ شمائلُهُ، عفيفُ المِئْزَرِ ثم اتّكأ وانحطَّ على سية قوسه، وكان أعور دميما. فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء، فقام إليه عمر بن الخطاب، رحمه الله فقال: لوددت أنك رثيت زيدا أخي، بمثل ما رثيت به مالكا أخاك. فقال: يا أبا حفص، والله لو علمت أن أخي صار بحيث صار أخوك ما رثيته. فقال عمر: ماعزَّاني أحد عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 319 أخي بمثل تعزيتك. ولمتمِّم يرثي أخاه مالكا من قصيدة: وكنا كندمانَيْ جَذِيمةَ حِقْبةً ... منَ الدهرِ قيلَ: لن يَتَصدَّعا فلما تَفرَّقْنا كأنى ومالكاً ... لطولِ اجتماعٍ لم نَبتْ ليلةً مَعا فعِشْنا بخيرٍ في الحياةِ وقَبلنا ... أصابَ المنايا رَهْطَ كِسرى وتُبَّعا فإنْ تكنِ الأيامُ فَرَّقْنَ بينَنا ... فقد بان محموداً أخى حين ودَّعا وله يرثيه: لقد لامَنى عند القبورِ على البُكا ... خَليلى لِتَذرافِ الدموعِ السَّوافكِ وقال: أتبكي كلَّ قبرٍ رأيتَهُ ... لقبرٍ ثَوى بينَ اللَّوى والدَّكادكِ فقلت له: إنَّ الأسى يبعثُ الأسى ... فدعْني؛ فهذا كلُّهُ قبرُ مالكِ وكان مالك بن نويرة من أرداف الملوك. وفي تصديق ذلك يقول جرير من قصيدة يفخر ببني يربوع: منهمْ عُتيبةُ والمُحِلُّ وقَعنبٌ ... والحَنْتفانِ ومنهمُ الرِّدفانِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 320 فأحد الردفين مالك بن نويرة اليربوعي، والردف الآخر من بني رياح بن يربوع. وهو عتَّاب بن هرمي بن رياح وبنوه من بعده. وللرِّدافة موضعان، أحدهما أن يردفه الملك على دابَّته في صيد أو نزهة أو ما أشبه ذلك من مواضع الأنس. والوجه الآخر أنبل، وهو أن يخلف الملك إذا قام عن مجلس الحكم، فينظر بين الناس بعده. وفيه جرى المثل: " فتى ولا كمالك " ذكر ذلك علُّي بن سليمان الأخفش وغيره. ومن بني ثعلبة بن يربوع عتيبة بن الحرث بن شهاب: وهو جاهلي، وكان يقال له: صيَّاد الفوارس لشجاعته، والمحلُّ بن قدامة، وقعنب بن عصمة، والحنتف والحرث ابنا أوس، وهما الحنتفان. ومن بني كليب بن يربوع جرير بن عطيَّة الخطفي: واسم الخطفي حذيفة ابن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. وكان من فحولة شعراء الإسلام. ويكنى أبا حزرة بابنته. وأمُّها خالدة بنت سعيد بن أوس بن معاوية من بني كليب بن يربوع، وهي أمُّ حزرة. ولما توفيت رثاها في أول قصيدة مشهورة له طويلة، وناقض الفرزدق في بقيِّتها. وتخيَّرت من الرثاء ما يستحسن، وهو: لولا الحياءُ لهاجني استِعْبارُ ... ولزرتُ قبرَكِ والحبيبُ يزارُ فسَقى صدى جَدَثٍ ببُرقةَ ضاحكٌ ... هَزِمٌ أَجَشُّ ودِيمةٌ مِدْرارُ صلى الملائكةُ الذينَ تُخُيِّروا ... والصالحونَ عليك والأبرارُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 321 نِعمَ القرينُ كُسيتِ أجملَ منظرٍ ... ومع الجمالِ سكينةٌ ووقارُ كانت مُكارِمَةَ العشيرةِ ولم يكنْ ... يَخْشى غوائلَ أمِّ حَزرةَ جارُ والريحُ طيبةٌ إذا استعرضتُها ... والعِرضُ لا دنسٌ ولا خَوَّارُ كانت إذا هجرَ الحَليلُ فراشَها ... خُزِنَ الحديثُ وعفَّتِ الأَسرارُ وَلَّهتِ قَلبيَ إذْ عَلتْني كَبرةٌ ... وذَوو التمائمِ من بنيكِ صِغارُ لا يَلبثُ القُرَناءُ أن يَتَفرَّقوا ... ليلٌ يَكُرُّ عليهمُ ونَهارُ وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير: أول امرأة تزوجها جرير خالدة، وهي أمُّ حزرة، وزكرياء، والصُّنابح، والتِّيجان. ولها من البنات: مفدَّاة، وأمُّ غيلان، وأمُّ غالب، وكرامة. ثم تزوَّج بعدها أمامة بنت عمرو بن حرام الكليبيَّة، فولدت له: عكرمة، وموسى، وموفية، وجدلة، وريداء، وجعادة. ثم تزوَّج بعدها أمُّ حكيم، فولدت له: بلالا، ونوحا، وأمُّ سعد. فنبه من ولده جميعا بلال ونوح. قال المؤلف، وفَّقه الله: أمُّ حكيم من العجم، من أهل الرَّي. وهبها له الحجاج. ثم تزوَّجها بعد، كما قال عمارة بن عقيل، وهي جدَّة أبيه. وذكر أن جريرا في أول دخوله العراق دخل على الحكم بن أبي أيوب بن أبي عقيل الثقفيِّ. وهو ابن عمِّ الحجاج وعامله على البصرة. وفي ذلك يقول جرير: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 322 أَقبلْنَ من ثَهْلانَ أو وادي خِيَمْ على قِلاصٍ مثلِ خيطانِ السَّلَمْ إذا قَطعْنا علماً بعدَ عَلَمْ حتى أَنَخْناها إلى بابِ الحَكمْ خليفةِ الحجاجِ غيرِ المتَّهمْ في ضئضئِ المجدِ وبحبوحِ الكرمْ فكتب إليه الحكم بعد أن باطنه الحجاج في ذلك، وذلك في أول سنيه، إنه قدم عليَّ أعرابيٌّ باقعة لم أر مثله. فكتب إليه أن يحمله معه سنة. هذا على قول من قال: ولد عام الهجرة. ويقال: أتي به النبي عليه السلام، ودعا له. وكان له فقه وعلم. وكان على خاتم عبد الملك بن مروان. وقال الشعبيُّ: كان قبيصة من أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت. ومن بني حزام بن عمرو بن حبشية بن سلول بن كعب سليمان بن صرد ابن الجون بن أبي الجون بن منقذ بن ربيعة بن أصرم، يكنى أبا مطرِّف. كان خيِّرا فاضلا، له دين وعبادة. كان اسمه في الجاهلية يسارا، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أسلم، سليمان. سكن الكوفة وابتنى بها دارا في خزاعة، وكان نزوله بها في أول ما نزلها المسلمون. وكانت له سن عالية وشرف في قومه وشهد مع عليّ صفين. وكان فيمن كتب إلى الحسين بن علي عليهما السلام، يسأله القدوم إلى الكوفة. فلما قدمها ترك القتال معه، فلما قتل الحسين ندم هو والمسيَّب بن الفزاريُّ وجميع من حوله، إذ لم يقاتلوا معه. ثم قالوا: مالنا توبة ممَّا فعلنا إلا أن نقتل أنفسنا في الطلب بدمه. فخرجوا، فعسكروا بالنخيلة، وذلك في مستهلِّ ربيع الآخر سنة خمس وستين، وولَّوا أمرهم سليمان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 323 ابن صرد، وسمَّوه أمير التَّوَّابين. ثم ساروا إلى عبيد الله بن زياد، فلقوا مقدِّمته في أربعة آلاف، عليها شرحبيل بن ذي الكلاع. فاقتتلوا فقتل سليمان بن صرد والمسيَّب بن نجبة بموضع يقال له عين الوردة. وحمل رأسه ورأس المسيَّب بن نجبة إلى مروان بن الحكم أدهم بن محرز الباهليُّ. وكان سليمان يوم قتل ابن ثلاث وتسعين سنة. وهو من المقلِّين في الرِّواية عن النبي عليه السلام. وممَّا روى عنه ما حدَّث به أبو بكر بن أبي شيبة: نا حفص بن غياث عن الأعمش، عن عديِّ بن ثابت، عن سليمان بن صرد أن رجلين تلاحيا، فاشتدَّ غضب أحدهما فقال النبيُّ عليه السلام: " إني لأَعرف كلمة لو قالها سكن غضبه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ". ومنهم أكثم بن الجون أبي الجون بن منفذ عم سليمان بن صرد: أكثم وصرد أخوان. وهو الذي شبَّهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرو بن لحيٍّ في حديث أبي هريرة المتقدِّم. وروي عن أكثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغز مع قومك تحسن خلفك وتكرم على رفقائك " وقد روي في الحديث: " اغز مع عيرِ قومك ". ومنهم أمُّ معبد: واسمها عاتكة بنت خالد بن منقذ بن ربيعة بنت عم أكثم ابن الجوان. ويقال: هي عاتكة بنت خالد بن خليف. وقال ابن هشام: أمُّ معبد بنت كعب امرأة من بني كعب من خزاعة. ونسبها الأول أشهر وأعرف. وهي التي نزل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمتها حين خرج من مكة إلى المدينة مهاجرا، وذلك الموضع يدعى اليوم بخيمة أمُّ معبد. وروى حديث نزول النبيِّ في خيمتها أبو عبيد القاسم بن سلاَّم، وشرح أبو عبيد غريبه، ورواه أيضا أبو جعفر العقيلي بسنده عن أخيها حبيش بن خالد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه قاسم بن اصبغ أبو محمد البيَّانيُّ في رحلته إلى المشرق بقديد بسند آخره حبيش بن خالد. ورواية ابن وضَّاح له بالمشرق. وروى الحديث أيضا زوجها أبو معبد بمعنى حديث أخيها. والألفاظ متقاربة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 324 وأبو معبد هذا مذكور في الصحابة، وتوفي قبل موت النبي عليه السلام. وكان يسكن قديدا، قاله البخاري وغيره. وفي نزول النبي صلى الله عليه وسلم على أمِّ معبد أصبح صوت بمكة عاليا، يسمعون الصوت ولا يدرون من صاحبه: جزى اللهُ ربُّ الناس خيرَ جَزائهِ ... رَفيقَينِ حلاَّ خَيمتَيْ أمِّ مَعْبدِ هُما نَزلاها بالهُدى واهتدتْ بهِ ... فقدْ فازَ مَن أَمسى رفيقَ مُحمدِ فيا لَقُصيٍّ مازَوى اللهُ عنكمُ ... بهِ من فَعَالٍ لا تُجارَى وسُؤدَدِ لِيَهنِئْ بني كعبٍ مَقامُ فتاتِهِمْ ... ومَقْعدُها للمؤمنينَ بِمَرصَدِ سَلُوا أُختَكُمْ عن شاتِها وإنائِها ... فإنكمُ إنْ تَسأَلوا الشاةَ تَشْهدِ فلما بلغ حسان بن ثابت الأنصاريَّ، جعل يجاوب الهاتف، وهو يقول: لقد خابَ قومٌ غابَ عنهم نَبيُّهمْ ... وقُدِّسَ مَن يَسْرى إليهم ويَغْتدى تَرحَّلَ عن قَومٍ فَضلَّتْ عقولُهم ... وحلَّ على قَومٍ بنُورٍ مُجدَّدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 325 هَداهُمْ بهِ بعد الضَّلالةِ ربُّهمْ ... وأرشدهم، مَن يَتْبعِ الحقَّ يُرْشَدِ لقد نَزلتْ منهُ على أَهلِ يَثربٍ ... رِكابُ هُدىً حلَّتْ عليهم بأَسْعُدِ نَبيٌّ يرى مالا يَرى الناسُ حَولَهُ ... ويَتْلو كتابَ الله في كلِّ مسجدِ لِيَهْنئ أبا بكرٍ سَعادةُ جَدِّهِ ... بِصُحبتهِ مَن يُسْعِدِ اللهُ يُسْعَدِ ومن بني ضاطر بن حبشيَّة بن سلول بن كعب طلحة بن عبيد الله بن كريز من التابعين. روي عنه الحديث؛ روى عنه مالك في " جامع الحج " من الوطأ حديثين؛ أحدهما عن إبراهيم بن أبي علبة، عن طلحة. والثاني عن زياد ابن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي عنه. وذكر مالك حديث زياد عن طلحة في الدُّعاء من آخر " كتاب الصلاة "، كما ذكره في " جامع الحج " بلفظه سواء. ومنهم قرة بن إياس الشاعر: وكان ابنه يحيى بن قرة سيد قومه. وابن الحدَّادية الشاعر: واسمه قيس بن عمرو. وأمَّا حليل بن حبشية: فكانت ابنته حبَّى عند قصي بن كلاب. وهي أمُّ بنيه. وابنه المحترش بن حليل: باع مفتاح الكعبة من قصي بن كلاب. وهلال بن حليل. ومن بني حليل كرز بن علقمة: وهو الذي قفَّى أثر النبي عليه السلام حين دخل الغار، وهو أعاد معالم الحرم في زمان معاوية إلى اليوم. ومن بني كعب غير منسوب إلى بطن أبو شريح الكعبيُّ: واسمه خويلد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 326 ابن عمرو بن صخر العزَّي. ورويت له أسماء، وأصحُّها خويلد بن عمرو. وأسلم قبل الفتح. وكان بيده أحد ألوية بني كعب من خزاعة يوم فتح مكة، وعداده من أهل الحجاز. روى عنه عطاء بن يزيد الليثيُّ، وأبو سعيد المقبري، وسفيان بن أبي العوجاء. وقال الواقديُّ: كان أبو شريح الخزاعيُّ من عقلاء أهل المدينة. وروى أبو سعيد المقبريُّ عن أبى شريح الخزاعيِّ قال: لمَّا قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبد الله بن الزبير جئته فقلت له: ياهذا، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة. فلما كان الغد من الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه، وهو مشرك. فقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: " يأيها الناس، إن الله حرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة، فلا يحلُّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما، ولا يعضد فيها شجرا، لم تحلل لأحد كان قبلي، ولا تحلُّ لأحد يكون بعدي، ولم تحلل لي إلا غضبا على أهلها، إلا ثمَّ قد رجعت كحرمتها بالأمس. فليبلِّغ الشاهد منكم الغائب، فمن قال لكم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل فيها فقولوا إنَّ الله قد أحلَّها لرسوله، ولم يحللها لكم يامعشر خزاعة. ارفعوا أيديكم عن القتل، فقد كثر القتل إن نفع. لقد قتلتم قتيلا لأدينَّه. فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين؛ إن شاؤوا فدم قاتله، وإن شاؤوا فعقله ". ثم ودا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتله خزاعة. فقال عمرو لأبي شريح: انصرف أيها الشيخ، فنحن أعلم بحرمتها منك. إنها لا تمنع سافك دم، ولا مانع جزية. قال أبو شريح: إني كنت شاهدا وكنت غائبا. وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا. وقد أبلغتك فأنت وشأنك. ومن بني كعب عمرو بن الحمق بن كاهن بن حبيب: هاجر إلى النبيِّ عليه السلام بعد الحديبية وقيل: أسلم عام حجة الوداع، والأول أصحُّ. وصحب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 327 النبيَّ عليه السلام، وحفظ عنه أحاديث. وسكن الشام، ثم انتقل إلى الكوفة فسكنها. روى عنه جبير بن نفير ورفاعة بن شداد وغيرهما. وكان ممَّن سار إلى عثمان، هو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا. ثم صار من شيعة علي رحمه الله، وشهد معه مشاهده كلَّها: الجمل وصفين والنهروان. وأعان حجر ابن عدي، ثم هرب من زياد إلى الموصل، ودخل غارا، فنهشته حية فقتلته. فبعث إلى الغار في طلبه فوجد ميِّتا. فأخذ عامل الموصل رأسه، وحمله إلى زياد. فبعث به زياد إلى معاوية. وكان أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد وكانت وفاة عمرو بن الحمق سنة خمسين. ومن بني كعب مطرود بن كعب الخزاعيُّ: الذي رثى بني عبد مناف: هاشما والمطَّلب وعبد شمس ونوفلا بالقصيدة الطويلة التائيَّة المسطورة في السِّير. ومن قوله يبكِّي عبد المطلب وبني عبد مناف، وأحسن: يأيُّها الرجلُ المحوِّلُ رَحلَهُ ... هّلاَّ سألتَ عن آلِ عبدِ مَنافِ هَبَلتْكَ أمُّك لو حَللتَ بدارهمْ ... ضَمِنوكَ من جُرمٍ ومِن إقْرافِ المُنْعمِينَ إذا النجومُ تَغيَّرتْ ... والظاعنينَ لرِحلةِ الإيلافِ والمُطْعِمينَ إذا الرِّياحُ تناوَحتْ ... حتى تَغيبَ الشمسُ في الرَّجَّافِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 328 إمَّا هَلكْتَ أبا الفَعال فما جَرى ... من فَوقِ مِثْلِكَ عقدُ ذاتِ نِطافِ إلا أَبيكَ أخي المكارمِ وحدَهُ ... والفَيضِ مُطّلب أبي الأضيافِ ومنهم الحصين بن نضلة: كان سيد أهل تهامة، ومات قبل الإسلام. والحرث بن أسد: صحب النبيَّ عليه السلام. ومن بني مليح بن عمرو بن لحي عمرو بن سالم بن كلثوم: حجازي، روى حديثه المكيّون حيث خرج مستنصرا من مكة إلى المدينة، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فأنشده رجزا أوله: لا هُمَّ إنى ناشدٌ مُحمَّدا ... حلف أبينا وأبيهِ الأَ تْلدا إنَّ قريشاً أخلفتْك الموعدا ... ونَقَضوا ميثاقَك المؤكَّدا وجعلوا لي في كَداءٍ رَصدا ... وزَعَموا أنْ لستَ تَدعو أحدا وهمْ أَذلُّ وأقلُّ عَدَدا ... همْ بَيَّتونا بالوتيرِ هُجَّدا وقَتَلونا ركَّعاً وسُجَّدا ... ووالداً كنّا وكنتَ الوَلَدا ثُمَّتَ أَسلمْنا ولم نَنْزعْ يدا ... فانصرْ هداك اللهُ نَصراً أَيِّدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 329 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نصرت ياعمرو بن سالم ". وروي أنه قال: " لا نصرني الله إن لم أنصركم ". وقد روي من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب بالأسياف ". ثم تجهَّز رسول الله عليه السلام لفتح مكة ناصرا لخزاعة كما جاء في السِّير وكتب المغازي. ومنهم عبد الله بن خلف: وكان كاتبا لعمر بن الخطاب على ديوان الكوفة والبصرة، وقتل مع عائشة يوم الجمل. وأخوه سليمان بن خلف: كان مع علي عليه السلام يوم الجمل فقتل. وابنه طلحة بن عبد الله بن خلف: الذي يقال له " طلحة الطلحات ". كان أجود العرب في الإسلام. وولي سجستان ومات بها. وفيه يقول عبد الله بن قيس الرقيَّات: رحم اللهُ أَعظمُناً دَفَنوها ... بسجَستانَ طَلحة الطَّلَحاتِ وحميد الطويل: الذي يروي عب أنس مولاه. وقال ابن قتيبة في " المعارف ": حميد الطويل هو حميد بن طرخان، مولى طلحة الطَّلحات الخزاعيِّ، ويكنى أبا عبيد. ومات سنة اثنين وأربعين ومئة. وقال مسلم في " الكنى " له: أبو عبيدة حميد بن تيرويه الطويل سمع أنس بن مالك والحسن. روى عنه حمَّاد بن سلمة وابن المبارك. قال المؤلف عفا الله عنه: وهو من شيوخ مالك. وقال ابن قتيبة: رزين جدُّ طاهر ذي اليمينين مولى عبد الله بن خلف. ومنهم كثيِّر عزَّة الشاعر: وهو كثيِّر بن عبد الرحمن. وبنو مليح من خزاعة ينتسبون إلى الصَّلت بن النَّضر بن كنانة. فلذلك قال كثيّر: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 330 اْليس أني بالصَّلتِ أم ليس إخوتي ... بكلِّ هِجانٍ من بني النَّضر أَزْهَرا وقد مضى الشعر الذي هذا البيت منه، وتفسير من ذكر كثيِّر فيه قبل عند ذكر النَّضر بن كنانة وولده. وكانن كثيِّر حسن الشعر، ذا أنفة وكبر، وكان ضئيلا. ويروي أن كثيرا دخل الملك بن مروان رحمه الله فقال: أأنت كثيِّر؟ قال: نعم. قال: " أن تسمع بالمعيديِّ خير من أن تراه ". قال: يا أمير المؤمنين، كلٌّ عند محلِّه رحب الفناء، شامخ البناء، عالي السَّناء. ثم أنشأ يقول: ترى الرجلَ النحيف فتّزْدَريه ... وفي أثوابهِ أسدٌ هَصورُ ويُعجبُك الطَّريرُ إذا تراهُ ... فيُخلفُ ظنُّك الرجلُ الطَّريرُ بغاثُ الطيرِ أطولُها رقاباً ... ولم تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقورُ خَشاشُ الطَّير أكثرُها فراخاً ... وأمُّ الصقر مِقْلاةٌ نَزورُ ضعافُ الأُسْد أكثرُها زَئيراً ... وأَصرمُها اللواتي لا تَزيرُ وقد عظمُ البعيرُ بغيرِ لبٍّ ... فلم يَسْتغنِ بالعِظَم البعيرُ يُنَوَّخُ ثم يُضرب بالهراوي ... فلا عُرفٌ لديهِ ولا نَكيرُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 331 يُقوِّدُهُ الصَّبيُّ بكل أرضٍ ... وينْحرهُ على التُرْب الصغيرُ فما عِظَمُ الرِّجالِ لهم بزينٍ ... ولكنْ زينُهمْ كرَمٌ وخِيرُ وكان كثير يشبِّب بعزَّة كثيرا. وهو القائل فيها من قصيدة: هنيئاً مريئاً غيرَ داءٍ مُخامِرٍ ... لعزَّةَ من أَعراضِنا ما استحلَّتِ ومنها: وكنتُ كذي رِجلينِ؛ رجلٍ صحيحةٍ ... ورِجلٍ رمى فيها الزمانُ فشَلَّتِ ورأته عزَّة في طريق، وهي في هودجها، وهو راكب جملا، وكانت مهاجرة له. فلما التقيا أومأت إلى الجمل بيدها وقالت: حياك الله ياجمل. فقال كثير: حيَّتك عزةُ بعد الهجرِ وانصرفتْ ... فحيِّ مَن حيَّاكَ ياجَملُ ليتَ التحيةَ كانتْ لي فأشكرَها ... مكانَ يا جملاً حيِّيتَ يا رَجلُ ومن بني عدي بن عمرو بن لحي بديل بن ورقاء: وبنوه: نافع وعبد الله وعبد الرحمن وسلمة. وكلُّهم لهم صحبة. وكان بديل سيد خزاعة. وقتل ابنه نافع يوم بئر معونة، وقال فيه عبد الله بن رواحة: رحمَ اللهُ نافعَ بن بُديلٍ ... رحمةَ المُبْتغي ثوابَ الجهادِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 332 صابرٌ صادقُ اللقاءِ إذا ما ... أكثرَ القَومُ قال قَولَ السَّدادِ قال ابن الكلبي: عبد الله وعبد الرحمن، ابنا بديل، كانا رسولي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وشهدا جميعا صفين مع علي. وقال الطبريُّ وغيره: أسلم عبد الله يوم الفتح، وشهد حنينا والطائف وتبوك. وكان له قدر وجلالة. قتل هو وأخوه عبد الرحمن بصفين، وكان يومئذ على رجَّالة علي رضي الله عنه. وقال الشعبيُّ: كان عبد الله بن بديل في صفين عليه درعان وسيفان، وكان يضرب أهل الشام ويقول: لم يبقَ إلا الصَّبرُ والتوكُّلْ ثم التمشيِّ في الرَّعيل الأوَّلْ مشيَ الجمالِ في حياضِ المنهلْ واللهُ يَقضي مايَشا ويَفعَلْ وأسلم بديل بمرِّ الظَّهران ليلة الفتح. روت عنه حبيبة بنت شيرين جدة عيسى بن مسعود بن الجكم الزُّرقي. روى عنه أيضا ابنه سلمة بن بديل أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتب له كتابا. وذكر البخاري عن سعيد بن يحيى ابن سعيد الأموي عن أبيه، عن ابن اسحاق قال: حدثني إبراهيم بن أبي عبلة عن ابن بديل بن ورقاء عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يحبس السَّبايا والأموال بالجعرانة حتى يقدم عليه ففعل. ومن بني عدي الحيسمان بن عبد عمرو: الذي جاء بقتل أهل بدر إلى مكة، وأسلم بعد ذلك. وقيل: الحيسمان بن ................ صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاث مرات في أول الناس، وفي وسطهم وفي آخرهم، أمره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شجاعا راميا محسنا وصنع في غزوة ذي قرد مالا يصنعه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 333 جيش برميه. واستنقذ اللِّقاح وحده، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا طرح الفزاريون وتركوا خوفا من رميه سهمين؛ سهم الراجل وسهم الفارس، جمعهما له. وقال فيه صلى الله عليه وسلم في تلك الغزاة: " كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجَّالتنا سلمة ". وأردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على ناقته العضباء حين رجع إلى المدينة من اتِّباع الفزاريين ذكر هذا كلَّه مسلم في صحيحه. روى عنه جماعة من تابعي أهل المدينة، وكان خيِّرا فاضلا. قال ابن اسحاق: سمعت أن سلمة بن الأكوع: هو الذي كلَّمه الذَّئب. قال سلمة: رأيت الذئب قد أخذ ظبيا فطلبته حتى نزعته منه. فقال: ويحك، مالي ولك؟ عمدت إلى رزق رزقنيه الله ليس من مالك تنتزعه مني. فقلت: أيا هذا لعجب! ذئب يتكلم! فقال الذئب: أعجب من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم في أصول النَّحل يدعوكم إلى عبادة الله وتأبون إلا عبادة الأوثان. قال: فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، والله أعلم أي ذلك كان. قال ابن اسحاق: وفيما تزعم طيئ أن رافع بن عميرة الطائيَّ هو الذي كلَّمه الذئب، وهو في ضأن له يرعاها. وكان لصا في الجاهلية، فدعاه الذئب إلى اللحوق برسول الله صلى الله عليه وسلم. ولطيئ شعر في ذلك، زعموا أن رافع بن عميرة قاله في كلام الذئب إياه وهو: رَعَيتُ الضَّأنَ أَحميها بكلبي ... من الضَّبَّ الخّفِيِّ وكلِّ ذِيبِ سَعيتُ إليهِ قد شمَّرتُ ثَوبي ... على الساقَينِ قاعِدةَ الرَّكيبِ فألفيتُ النبيَّ يقولُ قَولاً ... صَدوقاً ليسَ بالقَولِ الكَذوبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 334 فبشَّرني بدِينِ الحقِّ حتى ... تَبيَّنَتِ الشَّريتةُ للمُنِيبِ وأَبصرتُ الضِّياءَ يضئُ حَولي ... أمامي إنْ سَعَيتُ ومِن جَنوبي ولرافع خبر في صحبته أبا بكر الصدِّيق في غزوة ذات السلاسل. وكانت وفاة رافع هذا سنة ثلاث وعشرين. روى عنه طارق بن شهاب والشعبي. وروي أنَّ رافع بن عميرة قطع ما بين الكوفة ودمشق في خمس ليال بخالد بن الوليد بمعرفته بالمفاوز. وقال الواقدي: مكلِّم الذئب أهبان بن أوس الأسلميُّ: وأسلم أهبان، ويكنى أبا عقبة، وكان من أصحاب الشجرة في الحديبية. ابتنى دارا بالكوفة في أسلم، ومات بها في صدر أيام معاوية والمغيرة بن شعبة يومئذ أمير لمعاوية عليها. وقال ابن قتيبة في " المعارف ": أهبان بن الأكوع أخو سلمة ابن الأكوع مكلِّم الذئب. وغلط ابن قتيبة في ذلك، وأصاب الواقدي. وعمِّر سلمة بن الأكوع عمرا طويلا. روى عنه ابنه إياس بن الأكوع ومولاه يزيد بن أبي عبيد. وروى عنه يزيد بن خصيفة. وقال يزيد بن أبي عبيد: قلت لسلمة بن الأكوع: على أيِّ شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت. قال يزيد: وسمعت سلمة بن الأكوع يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، وخرجت فيما بعث البعوث سبع غزوات. وقال عنه ابنه إياس: ما كذب أبي قطُّ. وروى إياس بن سلمة عن أبيه قال: بينا نحن قائلون نادى مناد: يأيها الناس، البيعة البيعة، فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو تحت شجرة، فبايعناه. فذلك قوله تعالى:) لقد رضيّ اللهُ عنِ المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرةِ ( وتوفي سلمة بالمدينة سنة أربع وسبعين، وهو ابن ثمانين سنة، وهو معدود في أهلها. وتوفي ابنه إياس بن سلمة، ويكنى أبا بكر سنة عشرة ومئة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 335 بالمدينة، وهو ابن سبع وسبعين سنة. وعمُّ سلمة عامر بن الأكوع: استشهد يوم خيبر، رجع عليه سيفه حين قاتل " مرحبا اليهوديَّ "، فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه. وفي الحديث طول، وفي تفضيل عامر بالشهادة قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه. قال: فأتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله، بطل عمل عامر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال ذلك؟ ". قال قلت: ناس من أصحابك. قال: " كذب من قال ذلك، بل له أجره مرَّتين ". وفي حديث آخر: " كذب من قاله، إن له لأجرين ". وجمع بين أصبعيه: " إنه لجاهد مجاهد. قلَّ عربيٌّ مشى بها مثله " وفي حديث آخر: " كذبوا، مات جاهدا مجاهدا، فله أجره مرتين "، وأشار بأصبعيه. وهذه الأحاديث في صحيح مسلم. ومنهم حمزة بن عمرو الأسلميُّ: وهو من الصحابة الذين سألوه وسمعوا منه. مسلم: حدَّثنا قتيبة سعيد: نا ليث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: سأل حمزة بن عمرو الأسلميُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر فقال: " إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر ". وروى مالك هذا الحديث عن هشام بن عروة، عن أبيه، ولم يذكر عائشة رضي الله عنها. ويكنى حمزة هذا أبا صالح، وقيل: يكنى أبا محمد. وهو حجازي، روى عنه أهل المدينة. وروى عن حمزة ابنه محمد، وروى عن محمد بن حمزة أبو الزناد. ومنهم هزَّال بن ذباب بن يزيد بن كليب ... رأى النبيُّ عليه السلام فخذه مكشوفة، فقال: " غطِّ فخذك، فإن الفخذ عورة ". ومنهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي: واسم أبي حدرة سلامة بن عمير. وقيل: عبد بن عمير، من ولد هوازن بن أسلم بن أفضي. وهو وأبوه من الصحابة، وصحبة عبد الله معروفة مشهورة. وذكره ابن أبي خيثمة وغيره فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وذكره مسلم في " كتاب طبقات الفقهاء " في أهل المدينة من الصحابة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 336 وأول مشاهد عبد الله بن أبي حدرد الحديبية ثم خبير وما بعدها. ومما روى ما ذكر ابن الجارود في المنتقي فقال: نا أبو سعيد الأشجُّ قال: نا المحاربيُّ قال: نا محمد بن اسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن ابن أبى حدرد الأسلميِّ عن أبيه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، وفي تلك السرية أبو قتادة الأنصاريُّ ومحلِّم بن جثامة بن قيس، وأنا فيهم. بينا نحن إذ مرَّ بنا عامر بن الأضبط الأشجعيُّ، فسلَّم علينا بتحية الإسلام، فأمسكنا عنه. ثم حمل عليه محلِّم بن جثامة فقتله، وسلبه بعيرا له ووطبا من لبن كان معه. فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل فينا القرآن:) يأيها الذين آمنوا إذا ضَربتم في سبيل الله فتَثَبَّتوا .... (إلى آخر الآية. قال المؤلف، وفَّقه الله: جاء نصُّ الكلمة من الآية في هذا الحديث) فتثبتوا (من التثبُّت، على قراءة حمزة والكسائي. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم) فتبيَّنوا (من التبيُّن. وقال غفر الله له: أبو سعيد الأشجُّ الذي روى عنه ابن الجارود هذا الحديث هو عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا سعيد، خرَّج عنه البخاريُّ ومسلم والتِّرمذيُّ. روى عن عقبة بن خالد وعبد الله بن ادريس وعبد السلام بن حرب. وقال مسلم في " الكنى ": أبو الأشجُّ الكنديُّ سمع أبا خالد الأحمر وعبد بنسليمان. وقال النسائيُّ: هو صدوق. وقال أبو حاتم: كوفيٌّ ثقة صدوق. وكانت وفاة عبد الله بن أبي حدرد سنة إحدى وسبعين، وهو يومئذ ابن إحدى وثمانين سنة، قال ذلك الواقدي. ومنهم ناجيةُ بن جندَب بن عمير بن يعمر بن عمرو بن واثلة بن سهم بن مازن بن أسلم بن أفصى. وهو معدود في أهل المدينة. قال ابن عفير: ناجية كان اسمه ذكوان، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية، إذ جنا من قريش. وقال ابن اسحاق: هو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 337 وسلم، وهو الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية. وزعم لي بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول: أنا الذي نزلت في البير بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله أعلم أيّ ذلك كان. قال: وزعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها، وناجية في القليب يميح على الناس. فقلت: يا أيّها المائحُ دَلْوي دونَكا ... إني رأيتُ الناسَ يَحْمدونَكا يُثْنون خيراً ويُمجِّدونكا وقال ناجية، وهو في القليب يميح على الناس: قد عَلمتْ جاريةٌ يمانِيَة أَني أنا المائحُ واسمى ناجِيَةْ وروى عن ناجية عروة بن الزبير أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع بما عطب من الهذي؟ الحديث نحو حديث ذؤيب أبي قبيصة الخزاعيِّ المتقدِّم. ومن بني ملكان بن أفصى، ثم من بني غبشان بن سليم بن ملكان ذو الشِّماليْنِ عُبيدُ بن عبد عمرو بن نضلة؛ شهد بدرا، وكان حليفا لبني زهرة. ومنهم نافع بن عبد الحرث بن حمالة بن عمير الخزاعيُّ: له صحبة ورواية. استعمله عمر بن الخطاب على مكة ثم عزله لمَّا استخلف مولاه عبد الرحمن بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 338 أبزي بدلا منه، وصار إلى ذكرت قصته مع عمر مستوفاة قبل هذا عند ذكر فهر بن مالك، فلذلك اقتضبتها هنا. ومنهم الحرثُ بن الطُلاطلة بن عمرو بن الحرث بن عبد عمرو بن ملكان ابن أفصى: وكان أحد المستهزئين الذين كفيهم النبي عليه السلام اشار جبريل عليه السلام إلى رأسه فامتخض قيحا فقتله. ومن بني مالك بن أفصى هند وأسماء، ابنا حارثة بن هند بن عبد الله بن غياث بن سعد بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى. وكنية أسماء منهما أبو محمد. وهما من أهل الصُّفُّة. قال أبو هريرة: ما كنت أرى أن أسماء وهندا، ابني حارثة، إلا خادمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم من طول ملازمتهما بابه وخدمتهما إياه. وشهد هند وأسماء بيعة الرضوان مع إخوة لهما ستة، وهم: خراش، وذؤيب، وفضالة، ومالك، وحمران. ولم يشهدا إخوة في عددهم غيرهم. ولزم منهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم اثنان: أسماء وهند. ومات هند بن حارث بالمدينة في خلافة معاوية، وابنه يحيى بن هند روى عنه عبد الرحمن بن حرملة الأسلميُّ. ومنهم سليمان بن كثير: من نقباء بني العباس، قتله أبو مسلم بخرسان. ومن أسلم نيارُ بن مُكرم الأسلميُّ: ورواية. وهو أحد الذين دفنوا عثمان. روى عنه ابنه عبد الله بن نيار، وروى ابنه أيضا عن عروة بن الزبير عن عائشة حديث الرجل الذي أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم بحرة الوبرة حين خرج إلى بدر. خرَّج الحديث مسلم عن زهير بن حرب عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك، وعن أبي الطاهر بن السَّرح، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن الفضيل بن أبي عبد الله، عن عبد الله بن دينار. ولم يرو عن مالك هذا الحديث في الموطأ يحيى بن يحيى الأندلسيُّ، ورواه عنه فيه معن بن عيسى وشهيد بن عفيد وعبد الله بن يوسف خاصة دون غيرهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 339 ومنهم أبو صالح حمزة بن مالك بن حمزة بن سفيان بن فروة الأسلميُّ ..... روى عنه أبي، وسمع منه بالمدينة وكنت معه بها فلم يقص لي السماع منه روى عن عمه سفيان. مضر بن نزار ومضر شعب الرسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا خلاف بين العلماء أن الصَّريح من ولد إسماعيل مضر وربيعة ابنا نزار بن معدِّ بن عدنان. وكان على دين إسماعيل عليه السلام. وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله أختار من العرب هذا الحيَّ بن مضر. وقال أبن أبي خيثمة: نا ابن الاصبهاني: نا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسيُّ عن المثنى بن الصباح، عن عطاء، عن ابن عباس قال: فال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اختلف الناس فالعدل في مضر ". وذكره ابن سنجر في مسنده قال: نا محمد بن سعيد الاصبهانيُّ بإسناده مثله. وقال ابن أبي الخصال في قصيدته منهاج المناقب: وقال رسولُ الله: مهما اختلفتُمُ ... ولم تَعرفوا قَصد السبيل المُلجَّبِ ففي مُضرٍ جُرثومةُ الحقِّ فاعمدوا ... إلى مُضرٍ تُلْفوهُ ولم يَتَنقَّبِ وروي عن النبيِّ عليه السلام أنه سمع رجلاً ينشد: إني امرؤُ حِمْيريٌّ حين تَنْسُبني ... لا من ربيعةَ آبائي ولا مُضَرا فقال: " ذلك أبعد له من الله ورسوله ". وقال عليه السلام، وسئل عن مضرا فقال: " كنانة جمجمتها، وفيها العينان، وأسد لسانها، وتميم كاهلها ". وسأل زياد دغفلا عن العرب فقال: الجاهلية ليمن، والإسلام لمضر، والفتنة لربيعة. قال: فأخبرني عن مضر فقال: فاخِرْ بكنانة، وكاثر بتميم، وحارب بقيس، ففيها الفرسان والنجوم. فأمَّا أسد ففيها ذل ونكر. وقال الأبرش الكلبي لخالد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 340 صفوان: هلمَّ أفاخرك، وهما عند هشام بن عبد الملك. قال له خالد: قل. فقال الأبرش: لنا ربع البيت يريد الركن اليماني، ومنا حاتم طيِّئ، ومنا المهلب بن أبي صفرة. قال خالد بن صفوان: منا النبيُّ المرسل، وفينا الكتاب المنزل، ولنا الخليفة المؤمَّل. قال الأبرش: لا فاخرت مضر يا بعدك. وولد مضر إلياس، وقد مضى ذكره وذكر من ولد. والنَّاس بن مضر وهو عيلان. وولد عيلان قيسا. هذا قول أكثر النسَّابين للعرب. قال الزبير بن بكار: ولد مضر إلياس بن مضر والناس بم مضر. فأما الناس فهو أبو قيس بن عيلان بن مضر، ولد قيسا، فهو قيس بن عيلان بن مضر، وقيس بن الناس بن مضر، لأن الناس كان يقال له عيلان. قال الزبير: وقد قيل: إن عيلان كان حاضنا لقيس، فنسب إليه كما نسب غير واحد إلى الحضان. منهم سعد حضنه هذيم فنسب إليه. وذكر جماعة كذلك. قال المؤلف، وفقه الله: سعدُ بن هُذَيم: هو سعد بن ليث بن سود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. قال أبو عمر بن عبد البر في " الإنباء ": أكثر الناس على أن قيسا هو ابن عيلان بن مضر، وأن الناس هو عيلان، وهو ابن مضر لصلبه، وعلى ذلك جمهور أهل العلم بالنسب. ويشهد لذلك قول زهير بن أبي سلمى: إذا ابتدرتْ قيسُ بن عيلانَ غايةً ... من المجدِ من يَسْبقْ إليها يُسبَّق وهذا كثير في أشعارهم، وليس قول من قال إن الشاعر اضطرَّ إلى هذا بشيء. ومن إلياس بن مضر وهم خِندِفُ، والناس بن مضر وهم قيسٌ، تفرَّعت وتشعَّبت مضر كلها. ولا خلاف في أن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار ولد ثلاث رجالٍ: عمرو بن قيس وخصفة بن قيسٍ، أمُّهم عاتكةُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 341 بنت قضاعة. إلا أن الكلبي قال في موضع خصفة بن قيس عكرمة بن قيس، وقال، خصفةُ أمُّ عكرمة. غلب على بنيها اسمها فنسنوا إليها فقالوا: عكرمة ابن خصفة، كما قيل في خندف. وهي امرأةً على ما تقدَّم من ذكرها. فولد عمرو ابن قيس بن عيلان بن مضر عدوان وفهماً، أمُّهما جديلةُ بنتً مُرٍّ أختُ تميم بن مر. وقيل: جديلةُ بنت مُدركة بن إلياس بن مضر وإليها نسب بنو ابنيها وهي جديلةُ قيسٍ، والنسب إليها جد لي. فمن عدوان، وإنما قيل له عدوانُ لأنه عدا على أخيه فهم فقتله عامر بن الظَّرب: حكمُ العرب بعكاظ وغيره، وهو صاحبُ الحكم في الخُنثى مع جاريته سُخيلة. وأبو سيَّارة الذي كان يفيض بالناس. وعدوانُ أنزلوا ثقيفاً الطائف، وكانت كثيرة السادة فتفرقوا ببغي بعضهم على بعض. وفي عدوان وعامر وأبي سيارة يقول ذو الإصبع العدوانيُّ: عَذيرَ الحيَّ من عَدْوا ... نَ كانوا حيَّةَ الأرضِ بَغَى بعضُهمُ بعضاً ... فلم يُرْعِ على بعضِ ومنهمْ كانتِ السادا ... تُ والموفونَ بالقَرضِ ومنهم مَن يُجيز النا ... سَ بالسنَّةِ والفَرضِ ومنهم حَكمٌ يَقْضى ... فلا يُنقضُ ما يَقْضى قوله: " ومنهم من يجيز الناسَ "، فالإفاضة من المزدلفة كانت في عدوان، يتوارثون ذلك كابراً عن كابر، حتى كان آخرهم الذي قام عليه الإسلامُ أبو سيَّارة عُميلةُ بن الأعزل. ففيه يقولُ شاعرٌ من العرب: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 342 نحنُ دَفعْنا عن أبي سيارهْ ... وعن مواليه بنى فَزَارَهُ حتى أجارَ سالماً حمارَهْ ... مُستقبِلَ القِبْلةِ يدعو جارَهْ ومن بنى فهم أبو ثورٍ الفهمي: له صحبةٌ. لا يُعرف اسمُه ولا اسمُ أبيه. حديثُه عند أهل مُضرّ يرويه ابنُ لهيعة عن يزيد بن عمرٍو وعنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُتي بثوٍب من معافر فقالأبو سفيان: لعن اللهُ هذا الثوب ولعن من عمله. فقال النبي عليه السلام: " لا تَلعنْهم فإنهم منى وأنا منهم ". ومنهم تأبط شراً: واسمُه ثابت بن جابر، وكان يُغيرُ وحده على رجليه. وكان أشدَّ العرب عدواً. وهو القائل في تأبُّطه الغول على زعمه: تقول سُليمى لجاراتهما ... أرى ثابتاً حَيْدَراً حَوْقَلا لها الويلُ ما وَجدتْ ثابتاً ... ألفَّ اليدينِ ولا زُمَّلا ولا رَعِشَ الساقِ عند الجِراءِ ... إذا بادرَ الحَمْلةُ الهَيْضَلا تَفوتُ الجيادَ بتقرِبها ... وتكسو هَوادِيَها القسطلا وأذهمَ قد جبَّ جِلبابُه ... كما اجتابتِ الكاعبُ الخَيعَلا إلى أنْ حَدا الصُّبحُ أثناءهُ ... ومزَّق جلبابَهُ الأَلْيَلا على شَيمِ نارٍ تَنَوَّرتُها ... فبتُّ لها مُدْبراً مُقْبِلا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 343 وأصبحتِ الغولُ لى جارةً ... فيا جارتا أنتِ ما أهْوَلا! وطالبتُها بُضْعَها فالتوَتْ ... بوجهِ تَهوَّلَ فاستَغْوَلا عَظاءةُ قَفرٍ لها حُلَّتا ... نِ من وَرَقِ الطَّلح لم تُغُزَلا فمن سالَ أينَ ثَوتْ جارتى ... فإنَّ لها با للَّوى مَنزِلا وكنتُ إذا ما هَمَمْتُ اعتزمْتُ ... وأحر إذا قلتُ أنْ أفعلا ومن موالى فَهم الليثُ بن سعد أبو الحرث: الضري المحدَّث الفقيهُ العَدُلُ. أدرك من أشياخ مالكٍ كثيراً وروى عن الأئمة. وابنه شُعيب بن الليث: وخرَّج مسلم في الصحيح عن عبد الملك بن شعيب ابن الليث، عن أبيه، عن جده كثيراً. وكان الليث جواداً بماله. ويقال إن دخله في كل سنة كان خمسة آلاف دينار، وكان يفرِّقُها في الصلات، ويقوي بها طلبة العلم. وقال منصورُ بن عمار الواعظُ: أتيتُ الليث بن سعد فأعطاني ألف دينار، وقال: صُن عشرة ليلةً خلت من شعبان سنة خمسٍ وسبعين ومئة. وولد سعدُ بن قيس يعصر بن سعد، وقيل: أعصر بن سعد، وغطفان بن سعد. فولد يَعصُرُ غنيّاً وباهلة. وباهلة بنت صعب بن سعد العشيرة أختُ بجيلة من مذحج. ولدت لمعن بن أعصُر بنيه، وهو أبو باهلة. ونسب ولدٌ معنٍ إلى أمهم باهلة. وقيل أن باهلة ولدت سعد بن مالك بن يعصر بن مالك بن يعصر. فغلبت عليهم، ونُسبوا إليها. وولد أعصُرُ مُنبِّه بن أَعصُر وهم الطُّفاوة. أمهم، وإليها يُنسبون. وقيل: الطُّغاوةُ ثعلبةُ وعامر ومعاوية إخوة غني وباهلة، وكلُّهم بنو أعصر. فمن غنى أبو مَرْثد كَنازُ بن حضٍّ، ويقال: كناز بن حُصين بن يربوع بن طريف بن خرشة بن عُبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جلاَّن بن غنم بن غنيِّ بن يعصر بن سعد بن قيس. وفي نسبه اختلافٌ تركته. وقيل: اسمُ أبي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 344 مرثدٍ حضُّ بن كناز، والأول أشهر وأكثر. وهو حليفُ حمزة بن عبد المطلب وكان قربه. وآخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أبي مرثد وبين عُبادة بن الصَّامت السالميِّ الخزرجيِّ. وابنُه مَرثدُ بن أبي مرثدٍ حليفُ حمزة أيضاً، وهما من المها جرين، وشهدا جميعاً بدراً، قاله ابنُ اسحاق. وقال الواقديُّ: فيمن شهد بدراً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم أبو مَرثدٍ كناز بن الحُصين الغنويُّ وابنه مرثدبن أبي مرثدٍ حليفا حمزة بن عبد المطلب، من غني. واستشهد مرثد يوم الرجيع في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وشهد أبو مرثد سائر المشاهد مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم. ومات سنة اثنتى عشرة في خلافة أبي بكر وهو ابنُ ستٍّ وستين سنةً. وكان فيما قيل رجلاً طوالاً كثير الشعر. وصحب الرسول عليه السلام ابو مرثدٍ وابنه مرثد وابن أبنه اُنيس بن مرثدٍ. وشهد أُنيسُ بن مرثدٍ هذا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحُنيناً، وكان عين النبي صلى الله عليه وسلم فيزوة حُنين بأَوطاس. ويقال إنه الذي قال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هُريرة وزيد بن خالدٍ الجُهنيُّ: " واغدُ يا أُنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجُمها ". وروي أنه أُنيس بن الضحاك الأسلميُّ. ومات أُنيسٌ في ربيع الأول سنة عشرين. روى عنه الحكم بن مسعود حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة وقيل إنه كان بين أنيس وبين أبيه مرثد إحدى وعشرون سنة. ومن غني قطبة بن العلاء بن المنهال أبو سفيان: سمع أباه وسفيان الثوريَّ. ومنهم طُفَيلُ الخيل، وقد ربع غنيا. وأبو طُفيل الغَنَوي الشاعر. وأما معن بن أعصر، وهو أبو باهلة فولد قتيبة بن معن، ووائل بن معن، وأوْدَ بن معن، وأبا عُلَيْم بن معن، ولجاوة بقيَّة. فمن بني قتيبة بن معن أبو أمامة الباهلي: واسمه صُديُّ بن عجلان. ولم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 345 يعلم في اسمه اختلاف. وجعله بعضهم من بني سهم بن غَنْم بن قُتيبة، وخالفه غيره في ذلك. سكن أبو أمامة الباهليُّ مصر، ثم انتقل منها فسكن حمص، ومات بها. وكان ممَّن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر. وروى عنه جماعة من التابعين، منهم: سليم بن عامر الخبائريُّ، والقاسم أبو عبد الرحمن، وأبو غالب حزوَّرُ، وشرحبيل بن مسلم، ومحمد بن زياد. وأكثر حديثه عند الشاميين. وتوفي سنة إحدى وثمانين، وقيل سنة ستٍّ وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. وكان يصفِّر لحيته. وشهد مع عليٍّ صفين، قال سفيان بن عُيينةَ: كان أبو أمامة الباهلي آخر من بقي بالشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: قد قبي بالشام بعده عبد الله بن بسر المازني، من مازن بن منصور أخي سليم وهَوازِنَ ابني منصور. مات سنة ثمان وثمانين. ومن بني سعد بن غَنم بن ثعلبة بن قتيبة بن معن بن أصر بنو أصمع رهط الأصمعي: وهو عبد الملك بن قُريب بن علي بن أصمع بن مظهَّر بن رياح بن عبد شمس بن أعيا بن سعد. وكان أبوه قد رأى الحسن وجالسه. وجدُّه عليُّ بن أصمع، وعاصم الجحدريُّ، وناجية بن مُخٍّ كان الحجَّاج وكَّلهم بتتبُّع المصاحف، وأمرهم أن يقطعوا كلَّ مصحف وجدوه مخالفا لمصحف عثمان رضي الله عنه، ويعطوا صاحبه ستين درهما. روى ذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ. قال: وفي ذلك يقول الشاعر: وإلا رسومَ الدار قَفْراً كأنها ... كتابٌ محاهُ الباهليُّ بنُ أَصمعا وكان الأصمعيُّ صاحب رواية غريب وشعر ونوادر اعراب وفكاهات وملحٍ يسامر بها الملوك والأشراف. وكان شديد التَّوخِّي لتفسير القرآن وحديث النبيِّ عليه السلام. لا يعلم أنه كان يرفع إلا أحاديث يسيرة، وصدوقا في غير ذلك من حديثه صاحب سنة واستقامة. ويكنى أبا سعيد، وولد سنة ثلاث وعشرين ومئة، وعمِّر نيِّفا وتسعين سنة وله عقب. وقال مسلم في الكنى: أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عليِّ بن الأصمع بن مطهَّر بن رياح الباهليُّ، سمع ابن عون ومسعرا وسليمان بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 346 المغيرة. وقال الموصليُّ الحافظ: كان الأصمعيُّ ضعيفا في الحديث. وقال في أبيه قريب: كان منكر الحديث. ومن بني وائل بن معن سلمان بن ربيعة الباهليُّ: كذا قال ابن قتيبة في " المعارف ". وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب ": سلمان بن ربيعة الباهليُّ أحد بني قتيبة بن معن، كوفيٌّ ذكره العقيليُّ في الصاحبة. وقال أبو حاتم الرازيُّ: له صحبة، وهو عندي كما قالا. كان عمر بن الخطاب قد قاضيا بالكوفة قبل شريح. فلما ولي سعد الولاية الثانية الكوفة استقضاه أيضا. قال أبو وائل: اختلفت إلى سلمان بن ربيعة حين قدم على قضاء الكوفة أربعين صباحا، لا أجد عنده فيها خصما. وكان يلي الخيل لعمر، فكان يقال له سلمان الخيل. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنَّى: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سلمان بن ربيعة الباهلي، وهو بإرمينية، يأمره أن يفضِّل أصحاب الخيل العراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء، فعرض الخيل، فمرَّ به فرس عمرو بم معد يكرب فقال له سلمان: فرسك هذا مقرف. فغضب عمرو فقال: هجين عرف هجينا مثله. فوثب إليه قيس بن مكشوح فتوعَّده. فقال عمرو هذه الأبيات: أتُوعدُني كأنك ذو رُعينٍ ... بأفضلِ عِيشةٍ أو ذو نُواسِ وكائِنْ كان قبلكَ من نَعيمٍ ... ومُلكٍ ثابتٍ في الناسِ رَاسِ قديمٍ عَهدُه من عَهدِ عادٍ ... عظيمٍ قاهرِ الجبروتِ قاسِ فأمسي أهلُه بادوا وأمسى ... يُحوَّلُ من أُناسٍ في أُناسِ وكان سلمان الأمير في غزاة بَلَنْجُرَ. ذكر ابن أبي شيبة قال: نا أبو بكر بن عياش. عن عاصم، عن أبي وائل قال: غزونا مع سلمان بن ربيعة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 347 بلنجر، فحرَّج علينا أن نحمل على دوابِّ الغنيمة، ورخَّص لنا في الغربال والحبل والمنخل. قال: وحدثنا ابن ادريس أنه سمع أباه وعمَّه يذكران قالا: قال سلمان: قتلت بسيفي هذا مئة مستلئم، كلهم يعبد غير الله، ماقتلت منهم رجلا صبرا. وقتل سلمان بن ربيعة ببلنجر من بلاد أرمينية في زمن عثمان، وكان عمر قد بعثه إليها سنة ثمان وعشرين، وقيل: سنة ثلاثين، وقيل: سنة إحدى وثلاثين. روى عنه عديُّ بن عديٍّ الكنديُّ أبو فروة والبراء بن قيس السَّكونيُّ وأبو وائل شفيق بن سلمة. وأخوه عبد الرحمن بن ربيعة: أدرك النبيَّعليه السلام بسنِّه ولم يسمع منه ولا روى. وكان أسنَّ من أخيه سلمان، وكان يعرف بذي النور، وقال الشَّعبي: لما وجه عمر سعدا على القادسية جعل على قضاء الناس عبد الرحمن بن ربيعة الباهليَّ ذا النور، وجعل إليه الأقباض وقسمة الفيء. وقتل ذو النور هذا ببلنجر في خلافة عثمان بعد ثماني سنين مضين منها. ومن بني وائل، ثم من بني هلال قتيبة بن مسلم، ويكنى أبا حفص. وهو قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن أسيد بن زيد بن قضاعي من بني هلال ابن عمرو. وكان مسلم بن عمرو عظيم القدر عند يزيد بن معاوية، ويكنى أبا صالح. وفيه يقول الشاعر: إذا ماقريش خَلا مُلكُها ... فإن الخلافةَ في باهلَةْ لربِّ الحَرونِ أبي صالحٍ ... وما تلكَ بالسُّنَّة العادِلهْ والحرون فرسه. فولد مسلم بشارا وقتيبة وولد كثيرا. فأما بشار فكان أكبرهم، وهو صاحب نهر بشار. وكان سيِّد ولد مسلم حتى فسق عليه قتيبة. ولبشار عقب. وأما قتيبة بن مسلم فكان على خراسان عاملا للحجاج، ومن قبل ذلك على الرَّي. ثم خلع سليمان بن عبد الملك فقتل بفرغاتة سنة سبع وتسعين، وهو ابن خمس وأربعين سنة، قتله وكيع بن أبي سود التميميُّ في خلافة سليمان ابن عبد الملك. وفي قتله يقول الفرزدق من قصيدة طويلة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 348 وأَلقيتَ من كفَّيك حبلَ جماعةٍ ... وطاعةَ مَهْديٍّ شديدِ النَّقائمِ فإن تكُ قيسٌ في قُتيبةَ أُغضِبتْ ... فلا عَطستْ إلا بأجدعَ راغمِ وهل كانِ إلا باهلياً مُجدَّعاً ... طَغى فسقيناهُ بكأسِ ابن خازِمِ هو عبد الله بن خازم السُّلميُّ، ويكنى أبا صالح، وأمه سوداء يقال لها عجلى، وكان أشجع الناس، ولي خرسان عشر سنين، ثم ثار به أهلها فقاتلوه، فقتله وكيع بن الدَّورقيَّة السَّعديُّ التَّميميُّ. وكان قتيبة ولي خرسان ثلاث عشرة سنة، فافتتح خوارزم وسمرقند وبخارى. وقد كانوا كفروا. وولد قتيبة كثير منهم سلم بن قتيبة: ولي البصرة مرتين؛ مرة لابن هُبيرة ومرة لأبي جعفر، وكان سيد قومه. ومات بالرَّي. وكنيته أبو قتيبة. وولد سلم جماعة منهم سعيد بن سلم: وولي أرمينية والموصل والسِّند وطبرستان وسجستان والجزيرة. وولده كثير. وكان من الأجواد. ومدح وهجي، ولم يكن أهلا للهجاء لكرم سجيته وطهارة طويَّته. والشاعر ربَّما مدح على الأدنى من الأغراض، وهجا على اليسير من الإغراض، فيبقى ذكرهما في الأعقاب مدى الأحقاب. والعاقل من وقى عرضه شاعر دي لَسَن بصلة وقول حسن. وقد أوصى بوقاية العرض خاتم الأنبياء، المختصُّ بالمقام المحمود واللواء الذي رفع الله ذكره ومكانه، وأولاه حبَّه. وحشا بعد الشقِّ حكما وعلما قبله. قال أمير المؤمنين الرشيد يوما لسعيد بن سَلْم: يا سعيد، من بيت قيس في الجاهلية؟ قال: يا أمير المؤمنين، بنو فَزارة. قال: فمن بيتهم في الإسلام؟ قال: يا أمير المؤمنين، الشريف من شرَّفتموه. قال: صدقت أنت وقومك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 349 وحدَّث عليُّ بن القاسم بن عليِّ بن سليمان الهاشميُّ قال: حدثني رجل من أهل مكة قال: رأيت في منامي سعيد بن سلم في حياته في نعمته وكثرة عدد ولده وحسن مذهبه وكمال مروءته. فقلت في نفسي: ما أجلَّ ما أعطيه سعيد بن سلم! فقال لي قائل: وما ذخر الله له في الآخرة أكثر. وكان سعيد في رأس كلَّ سنة من سنيه منذ ولي الولايات إلى أن مات يعتق نسمة، ويتصدَّق بعشرة آلاف درهم. قال سعيد بن سلم: عرض لي أعرابي فمدحني فبلَّغ فقال: ألا قلْ لساري الليل: لا تَخشَ ضَلَّةً ... سعيدُ بن سلمٍ ضوءُ كلِّ بلادِ لنا سيِّدٌ أَربى على كلِّ سَيدٍ ... جَوادٌ حَناً في وجهِ كلِّ سَوادِ قال: فأخَّرت: عن بِرِّة قليلا، فهاجني فبلَّغ فقال: لكلِّ أخا مَدحٍ ثوابٌ عَلمتُهُ ... وليس لمدْح الباهليِّ ثَوابُ مَدحتُ ابنَ سَلمٍ والمديحُ مَهزَّةٌ ... فكانَ كصفْوانٍ عليهِ تُرابُ وقال أبو الشَّمقمق: واسمه مروان بن محمد، وكان خبيث اللسان، يهجو سعيد بن مسلم: هَيهاتَ تَضرِب في حديدٍ باردٍ ... إن كنتَ تطمعُ في نَوالِ سَعيدِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 350 تاللِهِ لو مَلك البحوَر بأسرها ... وأَنساهُ َسلمٌ في َزمانِ مُدودِ َيبْغيهِ منها َشربهً لطَهورهِ ... لأبي، وقال: تَيمَّمَنْ بصَعيدِ وقال فيه وفي مالك بن عليَّ الخزاعي قال لي الناسُ: زَرْ سعيَد بن سَلمٍ ... قلتُ للناسِ: لا أَزورُ سَعيدا ولنعمَ الفتَى سعيدٌ ولكنْ ... مالكٌ أكرَمُ البريَّة عوداً قال سعيد: لوددت أنه لم يكن ذكرني مع مالك، وأخذ مني أمنيَّته. وأنشد المازنيُّ النحويُّ أبو عثمان بكر بن محمد في باهلة: ترى الباهليَّ على خُبزه ... إذا رامَهُ آكِلٌ آكِلَهْ وأنشد رجل من عبد القيس: أبا هل ينْبحُني كلبُكُمْ ... وأسْدُكمُ ككلاب العربْ ولو قيلَ للكلبِ: ياباهليُّ ... عَوى الكلبُ من لؤِم هذا النَّسبْ وقال أحمد بن يوسف الكاتب لولد سعيد بن سلم: أبَني سعيد إنكم من مَعشرٍ ... لايَعرفون كرامةَ الأضيافِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 351 قومٌ لباهلةَ بن َيعصرَ إنْ همُ ... نُسِبوا حسِبْتَهمُ لعبدِ َمنافِ قَرنوا الغَداءَ إلى العَشاءِ وقَرَّبوا ... زاداً، لعَمرُ أبيكَ ليس بكافِ وكأننَّي لمَّا حَططتُ إليهمُ ... رَحلى نزلتُ بأبْرقِ العَرَّافِ وقال عبد الصَّمد بن المعذَّل يرثى سعيد بن مسلم كم يتيمٍ جَبَرْتَه بعد يُتْيمِ ... وفقيرٍ نَعشْتَهُ بعدَ عُدْمِ كلَّما عضتِ الحوادثُ نادى: ... رضيَ اللهُ عن سَعيدِ بن سَلْمِ وحدَّث عليُّ بن قاسم بن عليِّ بن سليمان بن عليِّ بن عبد الله بن عباس ابن عبد المطلب قال: حججنا مع أبي جَزْءِ بن عمرو بن سعيد، وكنا في ذراه، وهو إذ ذاك بهيٌّ وضيء. فجلسنا في المسجد الحرام إلى قوم من بني الحرث ابن كعب، لم نر أفصح منهم، فرأوا هيبة أبي جَزْء وإعظامنا إياه مع جَمالهِ. فقال قائل منهم. أمن أهل بيت الخليفة أنت؟ قال: لا، ولكن رجل من العرب. قال: ممَّن الرجل؟ قال: رجل من مضر. قال: أعرض ثوب الملبس. قال: من أيِّها عافاك الله؟ قال: رجل من قيس. قال: أين يراد بك .... قال: رجل من بني سعد. قال: اللهم غفرا، من أيها عافاك الله؟ رجل من بني يعصر. قال: ومن أيها؟ قال: رجل من باهلة. قال: قم عنا. قال أبو قِلابة: فأقبلت على الحارثي فقلت: أتعرف من هذا؟ قال: ذكر أنه باهليٌّ قال: قلت: هذا أميرُ بن أميرِ بن أمير بن أمير بن أمير. قال: حتى عددت خمسة. ثم قلت هذا أبو جَزْء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 352 أمير، ابن عمرو وكان أميرا، ابن سعيد وكان أميرا، ابن سلم وكان أميرا، ابن قتيبة وكان أميرا. فقال الحارثي: الأمير أعظم أم الخليفة؟ قلت: بل الخليفة. قال: فالخليفة أعظم أم النبيُّ؟ قال: قلت بل النبيُّ. قال: فوالله لو عَددْتَ له في النبوَّة أضعاف ماعددت له في الإمرة، ثم كان من باهلة ماعبأ الله به شيئا. قال: فكادت نفس أبي جزء تخرج. فقلت انهض بنا فإن هؤلاء أسوأ الناس أدبا. وروي أن أعرابيا لقي رجلا من الحاج فقال له: ممَّن الرجل؟ قال: باهلي. قال: أعيذُك بالله من ذاك. قال: 'ي والله وإني مع ذلك مولى لهم. فأقبل الأعرابيُّ يقبِّل يديه، ويتمسَّح به. فقال الرجل: لم تفعل هذا؟ قال: لأني أثق بالله أنه لم يَبْتِلك بهذا في الُّدنيا إلا وأنت من أهل الجنة. ومن بني وائل سَحبانُ البليغ: وكان خطيبا فصيحا، فضرب به المثل. قال الشاعر في ضيف نزل به: أتانا ولم يَعدْ لهُ سحبانُ وائلٍ ... بَياناً وعِلماً بالذي هو قائلُ فما زالَ عنه اللَّقمُ حتى كأنه، ... من العِيِّ لما أ، تَكلَّمَ، باقِلُ وابنه عجلان بن سحبان الذي يقول في طلحة الطَّلحات: منكَ العطاء فأَعطِني ... وعليَّ مدحُك في المشاهِدْ ومن باهلة الهِرْماسُ بن زياد: يكنى أبا حُدير، سكن البصرة، وطال عمره. روى عنه عكرمة بن عمار قال: حدثني الهرماس بن زياد الباهليُّ قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 353 أبصرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا صبيٌّ قد أردفني أبي وراءه على جمل. ورأيته يخطب على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنِّى. قال: ومددت يدي إلى النبي عليه السلام وأنا غلام ليبايعني، لفم يبايعني. ومن الطُفاوة أبو المنذر محمد بن عبد الرحمن الطفاويُّ: سمع أيوب السَّختيانيَّ وهشام بن عُروة والأعمش. ومن بني أوْدِ بن معن أمُّ الأحنف بن قيس: واسمها حُبَّى بنت عمرو بن ثعلبة. وفي مَذْحج أودُ بن صعب بن سعد العشيرة بن مالك بن أدَد. ومالك هو مَدحج، وإنما سمِّي سعد العشيرة لأنه لم يمت حتى ركب معه من ولده وولد ولده ثلاثمئة رجل. ومن أودِ مَذْحج عمرو بن ميمون الأوديُّ: أبو عبد الله، من كبار التابعين الكوفيين. أدرك النبيَّ عليه السلام، وكان مسلما في عهده، وأدَّى الصدقة إليه. قال عمرو بن ميمون: علينا معاد الشام، فلزمته. فما فارقته حتى دفنته، ثم صحبت ابن مسعود. ويروى أنَّ عمرو بن ميمون حجَّ ستِّين بين حجَّة وعمرة. ومات سنة خمس وسبعين. وسمع أيضا من عمر، وروى عنه أبو اسحاق عمرو السَّبيعيُّ وغيره. ومن أود مذحج أيضا أبو محمد عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأوديُّ: سمع أباه ومالك بن أنس وغيرهما من أئمة الحديث. وهو الذي سمع مالكا يقول في ابن اسحاق إنه دجَّال من الدَّجاجلة. وروى أبوه أبو عبد الله إدريس عن أبيه يزيد وعلقمة بن مَرْثد. روى عنه ابنه عبد الله والثَّوريُّ وجرير ابن حازم الأزديُّ. وروى جدُّه أبو داود يزيد بن عبد الرحمن عن علي وأبي هُريرة. روى عنه ابناه إدريس وداود. وأمَّا أبو عُلَيم بن معن بن أعصر فكان لبنيه عدد بالجزيرة منهم بكر بن معاوية صاحب ديوان الجند. وكان من قوّاده ابني جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 354 ومن باهلة غير منسوب إلى بطن منها سُويد بن حُجَير الباهليُّ أبو قَزَعة: سمع الحسن وأبا نَضرة. وأمَّا غطفان بن سعد بن قيس بن غيلا ن فولد ريثا، وولد ريث أشجع وبغيضا، فولد بغيض ذبيان وعبسا وأنمارا. فمن بني أشجع بن ريث مَعْقِلُ بن سنان الأشجعيُّ: شهد الفتح من النبي صلى الله عليه وسلم، وبقي إلى يوم الحرة فقتله مسلم بن عقبة يومئذ، وتولى قتله نوفل بن مساحق لأنه سمعه قديما يذكر يزيد بن معاويه بشرب الخمر، ويطن عليه، فحقد ذلك عليه. وقال فيه يومئذ بعض أشجع من أبيات: ألاتِلكم الأنصار تبكى سراتها ... وأشجع تبكى معقل بن سنان ومنهم عوفُ بن مالك بن أبى عوف بن مالك بن أبى عوف الأشجعي، يكنى أبا عبد الرحمن. ويقال: أبا عمرو. وأول مشاهدهِ خيبرُ، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح. سكن الشام، وعمر، ومات في خلافة عبد الملك. ومنهم سعد بن طارق بن أشيم أبو مالكٍ الأشجعي من التابعين. ولأبيه طارق صحبة ورواية. خرج عنه مسلم فقال: حدثنا سعيد بن أزهر الواسطيُّ قال: نا أبو مالك الأشجعيُّ عن أبيه، قال: كان الرجل إذا أسلم عملَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: " اللهمَّ اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني ". مسلم: عن أبي مالك، عن أبيه أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأتاه رجل فقال: يارسول الله، كيف أقول حين أسأل ربِّي؟ قال: " اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك ". وروى عن أبي مالك الأشجعيُّ وشعبة ومروان الفزاريُّ وعبد الواحد بن زياد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 355 ومنهم نَوفل بن فَروةَ الأشجعيُّ: له صحبة، ونزل الكوفة. ولم يرو عنه غير بنيه فروة وعبد الرحمن وسحيم. خرج مسلم عن فروة ابنه، عن عائشة في صحيحه. مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى واسحاق بن إبراهيم " واللفظ ليحيى " قالا: أخبرنا جرير عن منصور، عن هلال، عن فروة بن نوفل الأشجعيِّ قالت: سألت عائشة عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به الله قالت: كان يقول: " اللهم إنِّي أعوذ بك من شرِّ ما عملت ومن شرِّ ما أعمل ". ومنهم نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعيُّ: أسلم في الخندق، وهو الذي خذَّل المشركين وبني قُريظة حتى صرف الله المشركين بعد أن أرسل عليهم ريحا وجنودا لم تر، وخبره بذلك في السرِّ عجيب. سكن نعيم المدينة، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه. روى عنه ابنه سليم بن نعيم. ومن أشجع نصر بن دُهْمانَ: وكان من المعمَّرين. عاش مئتي سنة. وولد ذبيان فزارة وسعدا. فمن بني لأي بن شَمْخ بن فزارة سَمُرةُ بن جُنْدَب بن هلال الفزاري: يكنى أبا عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله. وقيل أبو سليمان، وقيل يكنى أبا سعيد. سكن البصرة، وكان زياد يستخلفه عليها ستة أشهر، وعلى الكوفة ستة أشهر. فلما مات زياد استخلفه على البصرة، فأقرَّه معاوية عليها عاما أو نحوه، ثم عزله. وكان شديدا على الحرورية. كان إذا أُتَي بواحد منهم قتله ولم يُقِلْهُ، ويقول: شرُّ قتلى تحت أديم السماء يكفِّرون المسلمين ويسفكون الدِّماء. فالحرورية ومن قاربهم في مذهبهم يطعنون عليه وينالون منه. وكان الحسن وابن سيرين وفضلاء أهل البصرة يُثنون عليه، ويحملون عنه. وقال ابن سيرين: في رسالة سمرة إلى بنيه علم كثير. وقال الحسن: تذاكر سمرة وعمران بن حصين فذكر سمرة أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سّكْتَتين؛ سكتة إذا كبَّر، وسكتة إذا فرع من قراءة " ولا الضالِّين ". فأنكر ذلك عليه عمران بن حصين، فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أبيِّ بن كعب. فكان في جواب أبيٍّ أن سمرة قد صدق وحفظ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 356 حدَّث أحمد بن زهير: نا أحمد بن حنبل: نا عبد الصَّمد: نا أبو هلال: نا عبد الله بن صبيح، عن محمد بن سيرين قال: كان سمرة ما علمت عظيم الأمانة، صدوق الحديث، يحب الإسلام وأهله. وحدَّث محمد بن أبي عدي " واسم أبي عدي إبراهيم " قال: أجبرني حسين المعلِّم عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت سمرة بن جندب يقول: قد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما. فكنت أحفظ عنه، وما يمنعني من القول إلا أنَّ هاهنا رجالا أسنّ مني. ولقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة " ماتت " في نفاسها، فقام عليها للصلاة وسَطَها. روى عنه الحسن والشعبي وعليُّ بن ربيعة الوالبيُّ الأسديُّ ابو المغيرة وقدامة ابن وَبْرةَ. وقال الواقديُّ. سَمُرةُ بن جندب الفَزاريُّ حليف للأنصار، يكنى أبا سعيد. قال ابن هشام: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد سَمُرةَ بن جندب الفزاريَّ ورافع بن خديج أحد بني حارثة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ردَّهما. فقيل له: يا رسول الله، إنَّ رافعا رامٍ، فأجازه. فلما أجاز رافعا قيل له: يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا، فأجازه. وكان سمرة من الحفَّاظ المكثرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت وفاته بالبصرة سنة ثمان وخمسين. سقط في قدر مملوءة ماء حارَّا، كان يتعالج بالقعود عليها من كُزاز شديد أصابه. فسقط في القدر الحار، فمات. كان ذلك تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة، وثالث معهما: " آخركم .... موتا في النار ". ومن بني ثعلبة بن عديِّ بن فزارة عُيينةُ بن حصن بن حذيفة بن بدر: كان اسمه حذيفة، فأصابته لَقْوهٌ فجحظت عيناه، فسُمَي عُيينة، ويكنى أبا مالك. وجدُّه حذيفة بن بدر سيِّد غطفان. وكان يقال له: ربَّ مَعَدً. وكذلك ابنه حِصن، قاد أسدا ووغطفان. وقتل بنو عبس حذيفة، وقتل بنو عُقيل حِصنا. وعُيينةُ هو الذي أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فكان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 357 من أجلها غزوة ذي قَرَد. وكان من المؤلَّفة قلوبهم. أسلم بعد الفتح، وقيل قبل الفتح. وشهد الفتح مسلما، وارتدَّ حين ارتدَّت العرب، ولحق بطليحة بنن خويلد الأسديِّ حين تنبَّأ وآمن به. فلما هُزم طليحة وهرب أخذ خالد بن الوليد عُيينة بن حصن، فبعث به إلى أبي بكر في وثاق، فقدم به المدينة فجعل غلمان المدينة ... بالجريد ويضربونه ويقولون: أيْ عدوَّ الله، كفرت بعد إيمانك. فيقول: والله ما كنت آمنت. ولما كلمه أبو بكر رجع إلى الإسلام، فقبل منه، وكتب له أمانا، وكان من الأعراب الجفاة ذكر ... حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيم قال: جاء عُيينة بن حصن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة. فقال: من هذه؟ وذلك قبل أن ينزل الحجاب. قال: " هذه عائشة ". قال: أفلا أنزل لك عن أمُّ البنين وتنكحها؟ فغضبت عائشة وقالت: من هذا؟ قال: " هذا أحمق مُطاع "، يعني في قومه. وفي غير هذه الرواية في هذا الخبر أنه دخل النبيِّ صلى الله عليه وسلم بغير إذن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وأين الإذن؟ ". فقال: ما استأذنت على أحد من مُضر. وكانت عائشة مع النبيِّ عليه السلام جالسة. فقال: من هذه الحميراء؟ فقال: " هذا أحمق مُطاع "، وهو على ما ترى سيِّد قومه. وكان عيينة يُعدُّ في الجاهلية من الجرّارين، يقود عشر آلاف. وتزوَّج عثمان ابنته فدخل عليه يوما فأغلظ له. فقال له عثمان: لو كان عمر ما أقدمت عليه بهذا. فقال: إن عمر أعطانا فأغنانا وأخشانا فأتقانا. وقال ابن قتيبة في " المعارف " إنَّ عُيينة دخل على عثمان في خلافته، فقال له: يابن عفَّان، سِرْ فينا بسيرة عمر بن الخطاب، فإنه أعطانا فأغنانا وأخشانا فأتقانا. فقال له عثمان: أما والله على ذلك ما كنت بالراضي بسيرة عمر، هل لك إلى العشاء؟ قال: إني صائم. قال: أمُواصل أنت؟ قال: وما الوصال؟ قال: تصوم يومك وليلتك ويومك حتى تُمسيَ. قال: لا ولكنِّي وجدت صيام الليل أيسر عليَّ من صيام النَّهار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 358 وعُيينة هو الذي أغار على سوق عُكاظ، فهو الفِجار الثاني. وله عقب. وعَمِيَ في آخر خلافة عثمان. وروى أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي وائل قال: سمعت عُيينة بن حِصن يقول لعبد الله: أنا ابن الأشياخ الشُّمِّ. فقال له عبد الله: ذلك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فسكت. وكان له ابن أخ له دين وفضل، وهو الحرُّ بن قيس بن حصن. قال سفيان بن عُيينة عن الزهريِّ: كان جلساء عمر بن الخطاب أهل القرآن شبابا وكهولا. قال: فجاء عيينة الفزاريُّ، وكان له ابن أخ من جلساء عمر، يقال له: الحرُّ بن قيس. فقال لابن أخيه: ألا تدخلني على هذا الرجل؟ قال: إني أخاف أن تتكلم بكلام لايَنْبغي. فقال: لا أفعل، فأدخله على عمر. فقال: يابن الخطاب، والله ما تقسم بالعدل، ولا تعطي الجزل. قال: فغضب عمر غضبا شديدا، حتى همَّ أن يُوقِعَ به. فقال ابن أخيه: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله يقول في كتابه:) خذِ العفوَ وأْمر بالعُرف وأَعرض عن الجاهلين (، وإنَّ هذا من الجاهلين. قال: فخلَّي عنه عمر. وكان وقافا عند كتاب الله، هكذا ذكر هذا الخبر الحافظ ابن عبد البرِّ في الاستيعاب. وقال البخاري: حدثنا اسماعيل قال: حدثني ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب قال: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس قال: قدم عُيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، فنزل على ابن أخيه الحرِّ بن قيس، وكان من النَّفر الذين يُدْنيهم عمر. وكان القُراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولا أو شبابا. فقال عيينة لابن أخيه: يابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير، فتستأذن لي عليه؟ فقال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس: فاستأذن لعيينة. فلما دخل قال: يابن الخطاب، والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى همَّ بأن يقع به. فقال الحرُّ: يا أمير المؤمنين إن الله قال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم:) خذِ العفوَ، وأمر بالعُرف، وأَعرِض عن الجاهلينّ (فوالله ما تجاوزها عمر حين تلاها عليه. وكان وقَّافا عند كتاب الله. والحرُّ بن قيس هذا هو الذي تمارى مع ابن عباس في صاحب موسى. فقال الجزء: 1 ¦ الصفحة: 359 ابن عباس: هو الخضر. فمرَّ بهما أبيُّ بن كعب الأنصاري.. الحديث، ذكره مسلم. ومن بني عديِّ بن فزارة عمر بن هُبيرة الفزاريُّ: وجدُّه من قبل أمِّه كعب ابن حسان بن شهاب رأس بني عديٍّ في زمانه، أعمى عديَّ الرِّباب. وفي منزله اختلفت الرِّباب. وولي عمر بن هبيرة العراقين ليزيد بن عبد الملك ستَّ سنين. وكان يكنى أبا المثنَّى. وفيه يقول الفرزدق ليزيد: أميرَ المؤمنينَ وأنت والٍ ... شَفيقٌ لستَ بالوالي الحريصِ أَأَطعمتَ العراقَ ورافديهِ ... فَزارياً أحذَّيدِ القميصِ؟ تفهَّقَ بالعراقِ أبو المثنَّى ... وعلَّم قومَهُ أكلَ الخبيصِ ولم يكُ قبلَها راعي مَخاضٍ ... ليأمنَهُ على وَرِكيْ قلوصِ وكانت بنو فزارة ترمَي بغَشَيان الإبل، ولذلك قال ابن دارة: لا تأمننَّ فَزارياً خَلَوثَ بهِ ... على قَلوصِكَ واكتُبْها بأَسيارِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 360 فلما عُزل ابن هبيرة حبسة خالد بن عبد الله القَسْريُّ قال الفرزدقُ: لَعَمري لئن نابَتْ فَزارة نوبةً ... لَمِن حَدَثِ الأيام تحبِسُها قَسْرُ لقد حبسَ القَسريُّ في سجنِ واسطٍ ... فتًى شَيْظمياً لا يُنَهنِهُه الزَّجرُ فتًى لم تُربِّيهِ النَّصارى ولم يكن ... غِذًى له لحمُ الخنازيرِ والخمرُ وقال الفرزدق لابن هُبيرة حين نُقبَ له السجن. فسار تحت الأرض هو وابنه حتى نفذ بطنها: لمَّا رأيتَ الأرضَ قد سُدَّ ظهرُها ... فلم يَبقَ إلا بطنُها لكَ مَخْرَجا دَعَوتَ الذي ناداهُ يونُسُ بعدَما ... ثَوى في ثلاثٍ مُظْلماتٍ ففرَّجا فأَصبحتَ تحت الأرضِ قد سِرتَ سَيْرةً ... وما سارَ سارٍ مثلَها حينَ أَدْلجا خرجتَ ولم يَمنُنْ عليك طَلاقةً ... سِوى رَبِذِ التقريب من نَسْل أعْوَجا فقال ابن هبيرة: ما رأيت أشرف من الفرزدق هجاني أسيرا ومدحني أسيرا. وابنه يزيد بن عمر بن هبيرة: ولي العراقين لمروان بن محمد خمس سنين. وكان شريفا كريما جميل المرأة، عظيم الخطر، وكان أبو جعفر المنصور حصر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 361 يزيد بواسط شهورا، ثم أمنه. وافتتح البلد صلحا، وذلك في أيام أخيه أبي العباس. وكان يزيد يركب إليه في أهل بيته. فكان أبو جعفر يقول: لا يَعِز مُلْكٌ هذا فيه، ثم قتله بعد الأمان العظيم الذي عقد له. ومن بني مازن بن فزارة هرممُ بن قطبة بن سيَّار الذي تحاكم إليه للمنافرة علقمة بن عُلاثة وعامر بن الطفيل الجعفريان. فقال: أنتما يا بْنَيْ جعفر كَركْبتَيِ البعير تقفان معا. ولم يُنفِّر واحد منهما على صاحبه. ومن مازن فزارة زُميل بن أبرد: وهو قاتل ابن دارة، أحد بني عبد الله بن غطفان حين هجاه وهجا فزارة. قال الزبير بن بَّكار: وهو سالم بن دارة. وكان اسم دارة مُسافع. فقال الزبير: أخبرني محمد بن الضحاك عن أبيه قال مسافع أبو سالم لزميل بعد أن أمن: ويحكَ يا زُميلُ، لم قتلت سالما؟ فقال: أحرقني بالهجاء. قال: أنت أشعر الناس حيث تقول: أجارتنا ....... ومن يكُ رهناً للحوادثِ يَغلَقِ ومن بني ظالم بن فزارة نَعامةُ الذي كان يُحمَّقُ، واسمه بَيْهَسُ وهو القائل الكلمات الأربع التي ذهبت كلها أمثالا: أولها: " لكنْ على بَلدَح قوم عَجْفَى ". والثانية: " لكن بالأَثَلاثِ لحم لا يظلَّل ". والثالثة: " الثكْلُ أرأمُها ولداً ". والرابعة: " لو خُيِّرتُ لاخْتَرتُ ". ولهذه الكلمات خبر مشهور ذكره أبو عبيد في الأمثال عن المفضَّل الضبِّي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 362 ومن مازن فزارة منظور بن زبَّان بن سيَّار بن عمرو بن جابر بن عقيل بن هلال بن سُمَيِّ بن مازن بن فزارة. وكانت مُليكةُ بنت سنان بن حارثة المُرِّي أخت هرم بن سنان تحت أبيه زبَّان بن سيار، فتزوَّجها بعده ابنه منظور، فولدت له خولة بنت كنظور وهاشم بن منظور. فتزوَّج الحسن بن علي بن أبي طالب خولة، فولدت له حَسنَ بن حسن، ثم خلف عليها بعده محمد بن طلحة بن عبيد الله، فجاءت بإبراهيم بم محمد، وهو الأعرج. وكانت لمنظور بنت أخرى كانت تحت عبد الله بن الزبير، وهي التي يقول فيها الفرزدق حين نشزت عليه النَّوارُ زوجُه. فهربت إلى مكة مستجيرة بابن الزبير، وهو يومئذ خليفة: أمَّا البنونَ فلم تُقْبلْ شَفاعتُهُمْ ... وشُفِّعتْ بنتُ منظورِ بن زَبَّانا ليس الشفيعُ الذي يأتيكَ مُؤتَزراً ... مثلَ الشفيع الذي يأتيكَ عُريانا ومن فزارة أبو اسحاق إبراهيم بن محمد بن الحرث بن أسماء بن خارجة الفزاري: وكان خيِّرا فاضلا. سمع الأوزاعيَّ والثوريَّ، وروى عنه الوليد بن مُسلم وأبو أسامة وغيرهما. ومات بالمصِّيصة سنة ثمان وثمانين ومئة. وأبو جدِّه أسماء بن خارجة أبو حسَّان: سمع عليا، وروى عنه عليُّ بن ربيعة. ومنهم الربيع بن ضَبُعٍ الفزاريُّ: وكان من المعمَّرين. ذكروا أن الربيع ابن ضبع الفزاريَّ قدم الشام على معاوية بن ابي سفيان، فدخل عليه بعض ولده زعموا أنه من حَفَدتهِ، فقال له معاوية: اقعد ياشيخ. فقال له: وكيف يقعد من جدُّه بالباب؟ قال له معاوية: فأنت إذا من ولد الربيع بن ضبع الفزاريِّ؟ قال: أجل. فأمره بالدخول. فلما دخل عليه، واطمأن به مجلسه سأله معاوية عن سنِّه وحاله فأنشد هذه الأبيات: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 363 هأَنذا آمُلُ الحياةَ وقد ... أَدركَ سنِّي ومَولدي حُجْرا أبا امرىءِ القيس قد سمعتَ به ... هَيهاتَ هيهاتَ طال ذا عُمُرا أصبحتُ لا أَحملُ السلاحَ ولا ... أَملِكُ رأسَ البعير إن نَفَرا والذِّيبَ أخشاهُ إن مررتُ به ... وحدى، وأخشى الرِّياحَ والمطرا مِن بعدِ ماقُوَّةٍ أُسَرُّ بها ... أصبحتُ شَيخاً أُعالِجُ الكِبَرا وقال أيضا في طول عمره: إذا كان الشتاءُ فأَدفِئوني ... فإنَّ الشيخَ يَهْدِمُه الشِّتاءُ فأَمَّا حينَ يذهَبُ كلُّ قُرٍّ ... فسِرْ بالٌ رقيقٌ أو رداءُ إذا عاش الفَتى مئتينِ عاماً ... فقد ذهبَ المَسرَّةُ والفَناءُ ومنهم عبد الله بن مُسْعدةَ بم مسعود بم قيس الفزاري: يعرف بصاحب الجيوش، لأنه كان أميرا عليها في غزوة الروم لمعاوية. روى عنه عثمان بن أبي سليمان، يعدُّ في الشاميِّين. وفيه يقول بعض أصحاب معاوية: أَقِمْ يابْنَ مَسعودٍ فتاةً صَليبةً ... كما كان سفيانُ بن عَوفٍ يُقيمُها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 364 وسفيان بن عوف المذكور غامديٌّ أزدي. وهو الذي ذكره علي رضي الله عنه في خطبته، حين خطب الناس بالنُّخيلة من العراق على ربوة فقال فيه: " هذا أخو غامد قد وردت خيلُه الأنبار ". وتأتي الخطبة بكمالها بعد في خطب عليٍّ عليه السلام والرضوان. وأعطى معاوية سفيان بن عوف عهدهُ على بعض الجيوش، ثم قال له: كيف تصنع بعهدي؟ قال: أجعلُهُ إماما ما صاحب الحزْمَ، فإذا فارق الحزم تركته، ثم أجتهدُ رأيي. فقال له معاوية: مثلك يُولَّى. ومن بني عمرو بن سعد بن ذبيان بَسبَسُ بن عمرو بن ثعلبة بن خَرَشة ابن عمرو بن سعد بن ذبيان الذِّبياني ثمَّ الأنصاريُّ، حليف لبني طريف بن الخزرج، ويقال: بسَبس بن بِشرٍ. شهد بدرا، وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عديِّ بن أبي الزَّغباء ليعْلَما عِيرَ أبي سفيان بن حرب. ولبسبس هذا يقول الراجز: أَقِمْ لنا صُدورَها يابَسْبَسُ ليس بذي الطَّلْحِ لها مُعَرسُ ليس بذي الطَّلْحِ لها مُعَرسُ ولا بصحراءِ عُميرٍ مَحْبِسُ إنَّ مطايا القوم لا تُحبَّسُ فحمْلُها على الطريق أكْيَسُ قد نَصرَ اللهُ وفرَّ الأَخْنَسُ ومن بني ثعلبة بن سعد بن ذبيان شمَّاخ ومُزَرِّد ابنا ضِرار، وكانا شاعرين. ومن بني غَيطِ بن مُرَّةَ بن عوف بن سعد بن ذبيان النابغة الذبياني: واسمه زياد بن معاوية بن جابر بن ضباب بن جابر بن يربوع بن غيط بن مُرَةَ. وهرمُ ابن سنان الجواد. وأخواه خارجة بن سنان وعوف بن سنان، وابن أخيهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 365 الحارث بن عوف صاحب الحمالة في حرب دابس. وقد تقدَّم ذكر غيرهم من بني مُرة بن عوف عند ذكر عوف بن لؤي بن غالب بن فهر. عبس بن بغيض فمن عبس بن بغيض ثم من بني قُطيعة بن عبس حُذيفةُ بن اليَمان: واليمانُ لقبه، واسمه حُسَيل. ويقال: حِسلُ بن جابر عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحرث بن مازن بن قُطيعة بن عبس القُطعيُّ العبسيُّ. وحذيفة صاحب بن صاحب. ولم يشهد أبوه بدرا. مسلم: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا أبو أسامة عن الوليد بن جميع قال: نا أبو الطفيل قال: نا حُذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدرا إلا أنِّي خرجت أنا وأبي حُسَيْل قال: فأخذنا كفار قريش فقالوا: إنكم تريدون محمدا. فقلنا: ما نريده، مانريد إلا المدينة. فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفنَّ إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر. فقال: انصرفا نَفِي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم. وقتل اليمان يوم أحد شهيدا هو وثابت بن وَقَش الأشهليُّ الأوسيُّ، وكانا شيخين كبيرين. أما ثابت فقتله المشركون، وأما اليمان فقتله المسلمون خطأ، وهم يظنون من المشركين. فرآهم حذيفة فقال: أبي أبي. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَديَةُ، فتصدَّق حذيفة بديته على المسلمين. وكان حذيفة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، وتوفي في آخر خلافة عثمان رضي الله عنهما. ومن بني قُطيعة بن عبس الحطيئة الشاعر: والحطيئة القصير، واسمه جَرْوُلُ ابن أُوَيْس بن جُوَيَّة بن مخزوم بن مالك بن قُطيعة بن عبس، وكنيته أبو مُليكة. وهو القائل في الزبرقان بن بدر حين انصرف من جواره إلى شَمّاس بن لأي من بني أنف الناقة، من قصيدة: مَن يفعل الخيرَ لا يعدمْ جَوازيَهُ ... لايذهبُ العُرفُ بين اللهِ والناسِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 366 دعِ المكارمِ لا ترحلْ لبغْيتِها ... واقعدْ، فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسي فاستعدى عليه الزبرقان عمر بن الخطاب فرفعه إليه، فاستنشده. فقال عمر لحسَّان بن ثابت: أتُراهُ هجاهُ؟ قال: نعم، وسلح عليه. فحبسه عمر، فقال الحطيئة، وهو في السجن: ماذا تقولُ لأفراخٍ بذي مَرَخٍ ... حمرِ الحواصلِ لا ماءٌ ولا شجرُ؟ ألقيتَ كاسبِهم في قَعر مُظلمةٍ ... فاغفرْ عليك سلامُ الله يا عمرُ أنتَ الإمامُ الذي مِن بعدِ صاحبهِ ... ألقتْ إليكَ مَقاليدَ النُّهي البَشَرُ ما آثروكَ بها إذ قدَّموك لها ... لكنْ لأنفسهم كانتْ بها الأُثرُ فأطلقه عمر، وأخذ عليه عهدا ألا يهجو أحد. وقيل: أنه اشترى منه أغراض المسلمين بأربعين ألفا. وذكر أبو عُبيدة أن الطيئة نقه من مرض له فقال: لكلِّ جديدٍ لذةٌ غير أنني ... وجدْتُ جديد الموتِ غيرَ لذيذِ وذُكر أنه خرج يوما وهو ناقه ضجر، وهو يقول: أبتْ شَفَتايَ اليومَ إلا تكلماً ... بسوءٍ فما أَدري لمن أنا قائلُهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 367 فمشى قليلا، ثم اطَّلع في ماء فقال: أرى ثَمَّ وجهاً شَوَّهَ اللهُ خَلقَهُ ... فقُبِّح من وجهٍ وقُبِّحَ حاملُهْ وقال لأمِّه: تَنَحَّيْ فاجلسي مني بعيداً ... أراحَ اللهُ منكِ العالمينا أَغِربالاً إذا استُودِعتِ سِرّاً ... وكانوناً على المتحدِّثينا حياتُك ما عَلمتُ حياةَ سَوءٍ ... ومَوْتُكِ قد يَسرُّ الصالحينا وقال لها أيضا: جزاكِ اللهُ خيراً من عجوزٍ ... ولقّاكِ العُقوقَ من البنينِ لقد مُلِّكتِ أمرَ بنيك حتى ... تركتِهم أدقَّ من الطحينِ فإن تُخْليْ وأمرَكِ لا تَصولي ... بمُشتدٍّ قُواهُ ولا مَتينِ لساني مِبردٌ لا عيبَ فيهِ ... ودَرُّكِ دَرُّ جاذبةٍ دَهينِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 368 ومنهم عنترة الفوارس: وهو عنترة بن شداد بن معاوية. ويقال: عنترة بن معاوية بن شدَّاد بن قراد بن مخزوم بن ربيعة بن مالك بن قُطيعة بن عبس، وكان شاعر مُجيدا، وفارسا مِحْربا، مقداما شريف الهمَّة، عفيف الإزار. ويقال: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنشد قولهُ: ولقد أبِيتُ على الطَّوى وأَظلُّهُ ... حتى أنالَبه كريمَ المأكلِ فاستحسنه. ومن بني قُطيعة بن عبس زُهيرُ بن جَذيمة، وولدُه قيس بن زهير، وورقاءُ، وغيرهما. وقيس بن زهير صاحب حرب داحس. ومن ولد قيس المُساورُ بن أبي هند بن قيس بن زهير الشاعر. ومن عبس عُروةُ بن الوَرد: وهو عروة الصعاليك، وكان فارسا شاعرا. ومنهم الربيعُ بن زياد: وهو ربيع الحِفَاظ. وأخوه عُمارة الوهَّاب، وأنس الفوارس. وكان يقال لَّهم " الكَمَلةُ ". وكان الربيع بن زياد سريعا. كان يؤاكل النعمان بن المنذر. ودخل لبيد بن ربيعة يوما على النعمان، والربيع يتغدَّى معه فحسده فقال لبيد للنعمان: يا واهبَ الخيرِ الكثيرِ من سَعَهْ ... إليك جاوزْنا بلاداً مُسْبِعَهْ نحن بنو أمِّ البنين الأربعَهْ ... ونحن خييرُ عامرِ بن صَعْصعَهْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 369 الضاربونَ الهامَ تحت الخَيضَعَهْ ... مَهلاٍ أبيتَ اللعنَ لا تأكلْ معَهْ إن اسْتَهُ مِن بَرَصٍ مُلمَّعهْ ... وإنه يولِجُ فيها إصبعَهْ يُدْخلُها حتى يُوارِي أَشْجعَهْ ... كأنه يطلبُ شيئاً ضَيَّعَهْ وكانت العرب تَطيَّرُ من الأرض الأبرص. وقال الربيع: أبيت اللعن إنه كاذب فقال النعمان: شَرِّدْ بِرَحلكَ عني حيثُ شئتَ ولا ومن بني عبس صِلةُ بن زُفَر أبو العلاء، قاله مسلم. وقال خليفة: يكنى صلة أبا بكر. روى عن عمَّار وحذيفة وعبد الله. روى عنه شقيق أبو وائل. قاله البخاريُّ. وروى عنه أيضا أبو اسحاق السَّبيعيُّ وغيره من التابعين. وتوفي صلة سنة اثنين وسبعين، قاله خليفةُ وغيره. وعبسٌ أخوال الوليد وسليمان ابني عبد الملك بن مروان. أمُّهما ولاَّدةُ بنت الحرث بن جَزْءِ بن الحرث العبسيُّ. ومنهم عبد الرحمن بن هلال العبسيُّ: روى عنه جرير بن عبد الله ..... ومن مَوالي عبس الإمام أبو بكر عبد الله وأخواه أبو الحسن عثمان وقاسم بنو محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان. ولأبي بكر الإمام منهم: مُصنَّفٌ ومُسنَّد. وأخوه عثمان ثقة إلا أنه روى أحاديث، لا يتابع عليها عن الثقات، فكُلِّم فيه من أجل هذا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 370 وكان لعثمان ابن اسمه محمد، روي عنه الحديث. روى عن أبيه وعمِّه وعن مِنْجاب بن الحرث، وعَون بن سلاّم، وهاشم بن محمد، ومحمد بن اسحاق السَّمُري من ولد سًمُرةَ بن جُندب، وغيرهم من الثقات. وخرَّج مسلم عن أبي بكر وعثمان أبني شيبة في صحيحه كثيرا. وأما أخواهما قاسم فكان ضعيفا في الحديث، عنده مناكيرُ، قاله الموصليُّ الحافظ. وجدُّهم أبو شيبة إبراهيم: سكن واسط، وكان قاضيها. قال البخاريُّ: هو مُتروك، سكتوا عنه. وقال ابن معين: هو ضعيف. ومن أنمار بن بغيض أخي ذبيان وعبس فاطمة بنت الخَرشَب الأنماريَّة: هي أمُّ الربيع وعُمارة وأنس بني زياد. وأما خَصفة بن قيس بن غَيلان فولد عكرمة ومحاربا. ومن بني محارب الخُضْر، وهم بنو مالك بن طريف بن خلف بن مُحارب بن خصفة، منهم عامر الرامي أخو الخُضر. ويقال: عامر الرام، وهو من الصحابة، وكان شاعرا. ومنهم الحكَمُ بن مَنيع الشاعر، ونُقَيعُ بن صفار الشاعر: الذي كان يُهاجي الأخطلَ. وولد عِكرمةُ منصورا، فولد منصور سُليم بن منصور وهَوازن بن منصور ومازن بن منصور. ومن بطون سُليم بَهْزُ بن امرىء القيس بن بُهْثة بن سُليم، وذكوان بن ثعلبة بن بُهثة، والشريد بن رياح بن يَقَظةَ بن عُصيَّة بن خفاف بن امرىء القيس بن بُهثة. ومن بَهز الحجاج بن عِلاطٍ: وهو من الصحابة، وهو الذي خَدع قريشا حين افتتح لاسول الله صلى الله عليه وسلم بكَتْم إسلامه منهم حتى أخذ ماله من تجار مكة، وأخذ ما كان له من مال عند امرأته أمِّ شيبة بنت أبي طلحة بن عبد العُزَّي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي. وكان له منها مِعْرضُ بن الحجَّاج، وحديثه مشهور. وابنه نصر بن حجاج: كان جميل الصورة، وهو الذي سمع عمر بن الخطاب المرأة ليلا تقول فيه: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 371 ألا سبيلَ إلى خمرٍ فأشربُها ... أم هل سبيلٌ إلى نصرِ بن حجَّاجِ؟ فقال: أمَّا ما كان عمر حيا فلا. فلما أصبح عمر غرَّبه عن المدينة فكتب نصر إلى عمر: لَعَمري لئن سَيَّرْتَني وحَرَمْتَني ... ولم آتِ ذَنباً إنَّ ذاكَ حَرَامُ وما ليَ ذنبٌ غير ظنٍّ ظَنَنتَهُ ... وفي بعضِ تصديق الظُّنونِ أَثامُ أأنْ غنَّتِ الذَّلفاءُ صوتاً بخفْيةٍ ... وبعضُ أَمانيِّ النِّساءِ حَرامُ ظّننتَ بيَ الظنَّ الذي لو أَتَيتُهُ ... لما كانَ لي في الصالحْينَ مَقامُ ويَمنعُني ممَّا تَمنَّتْ حَفِيظتي ... وآباءُ صِدقٍ سالفونَ كِرامُ ويمنعُها ممَّا تَمنَّتْ صلاتُها ... وبيتٌ لها في قَومِها وصِيامُ فهاتانِ حالانا فهل أنتَ راجِعي؟ ... فقد جَبَّ منَّا غاربٌ وسَنامُ ومن بني بُهثة بن سليم عباس بن مرداس بن أبي عامر بن حارثة بن عبد ابن عباس بن رفاعة بن الحرث بن بُهثة بن سُليم، يكنى أبا الفضل، وقيل أبا الهيثم. وكان أبوه مرداس شريكا ومُصافيا لحرب بن أمية، وقتلتهما جميعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 372 الجنُّ. وكان عباس بن مرداس من الؤلَّفة قلوبهم، وممَّن حسُن إسلامه منهم. ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم من سًبْي حنين مئة من الإبل، ونَقصَ طائفة من المئة، منهم عباس بن مرداس جعل عباس يقول، إذ لم يُبلِّغ بالأقرع بن حابس وعيينة بن حصن: أتجعلُ نهبي ونهب العُبيْ ... دِييْنِ: عُيينةَ والأَقرعِ؟ فما كان حصنٌ ولا حابسٌ ... يفوقانِ مرداسَ في المجْمعِ وما كنتُ دونَ امرىءٍ منهما ... ومَن تَضعِ اليومَ لا يرفَعِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اذهبوا فاقطعوا عني لسانه ". فأعطوه حتى رضي. وكان شاعرا محسنا مشهورا بذلك. وروي أنَّ عبد الملك بن مروان قال يوما، وقد ذكر الشعراء في الشجاعة، فقال: أشجع الناس في الشعر عباس بن مرداس حيث يقول: أقاتلُ في الكتيبةِ لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سِواها وله في يوم حنين أشعار حسان ذكر كثيرا منها ابن اسحاق. فمنها قوله: يا خاتمَ النُّبآءِ إنك مُرسَلٌ ... بالحقِّ كلُّ هدى السبيل هُداكا إنَّ الإلهَ بني عليكَ محبةً ... في خَلقهِ ومحمّداً سَمَّاكا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 373 ثمَّ الذينَ وفَوا بما عاهَدتَهُمْ ... [لقد] بَعثتَ عليهمُ الضَّحَّاكا رجلٌ به ذَربُ السلاح كأنهُ ... لمَّا تكنَّفَهُ العدوُّ يَراكا يَغْشى ذَوي النسبِ الغريب وإنما ... يَبغى رضى الرحمنِ ثم رِضاكا أُنبيكَ أني قد رأيتُ مَكرَّهُ ... تحتَ العجاجةِ يَدْمَغُ الإشراكا طَوراً يُعانقُ باليدينِ وتارةً ... يَفرِى الجماجِمَ صارِماً بتَّاكا وبَنو سُليمٍ مُعْنِقونَ أَمامَهُ ... ضَرباً وطعناً في العدوِّ دِراكا يمشُون تحت لوائهِ وكأنَّهمْ ... أُسدُ العَرينِ أَردْنَ ثَمَّ عِراكا لا يرتجونَ منَ الغريب قَرابةً ... إلا لطاعةِ ربِّهم وهَواكا هذى مشاهدُنا التي كانت لنا ... مَعروفةً ووليُّنا مَوْلاكا ومنها بعض كلمة حسنة قالها يُخوِّفُ هَوازن: أَبلِغْ هَوازنَ أَعلاها وأَسفلَها ... منِّي رسالةَ نصحٍ فيهِ تِبْيانُ: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 374 إني أظنُّ رسولَ الله صابِحكُمْ ... جيشاً له في فضاء الأرضِ أركانُ مِنهُم سُليمٌ أخوكمْ غيرُ تارِككُمْ ... والمسلمون عبادُ اللهِ غَسَّانُ وفي عصابتهِ اليُمنى بنو أسدٍ ... والأَجْرَبانِ بنو عبسٍ وذِبيانُ وقيل: إنه كان لأبيه مرداس وثن يعبدُه، وهو حَجر يقال له " ضِمار " فلما احتُضِرَ مرداس قال للعباس: أي بُني، اعبُدْ ضِماراً فإنه ينفعُك ويضرُّك. فبينا عباس يوما عند ضمار إذ سمع من جَوف ضمار مناديا يقول: قُل للقبائل من سُليمٍ كلِّها: ... أَودَي ضِمارُ وعاشَ أهلُ المسجدِ إنَّ الذي ورِثَ النبوءةَ والهُدى ... بعدَ ابنِ مَريمَ من قريشٍ مُهْتَدِ أَودَى ضِمارُ وكان يُعبَدُ مرةً ... قبلَ الكِتابِ إلى النَّبيِّ محمَّدِ فحرَّق عباس ضمارا ولحق بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم. وكان عباس ممَّن حرَّم الخمر على نفسه في الجاهلية، وكان ينزل البادية بناحية البصرة. روى عنه ابنه كنانة بن عبَّاس. ومن بني امرىء القيس بن بُهثة بن سُليم عمرو بن عَبسة بن عامر بن خالد ابن غاضرة بن عتاب بن القيس بن بهثة، يكنى أبا فجيح. ويقال: أبا شعيب أسلم قديما في أول الإسلام. وروي عنه من وجوه أنه قال: ألقي في روعي أن عبادة الأوثان باطل، فسمعني رجل وأنا أتكلَّم بذلك. فقال: ياعمرو بذلك. فقال: ياعمرو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 375 إنَّ بمكة رجلا يقول كما تقول. قال: فأقبلت إلى مكة أوَّل ما بُعث النبيُّ عليه السلام، وهو مُستخف. فقيل لي: إنك لا تقدر عليه إلا بالليل حين يطوف. فقمت بين يدي الكعبة، فما شعرت إلا بصوته يُهلِّل. فخرجتُ إليه فقلت: من أنت؟ قال: " أنا نبيُّ الله ". فقلت: وما نبيُّ الله؟ فقال: " رسول الله ". قلت: وبماذا أرسلك؟ قال: " بأن يُعبد الله، لا يُشرك به شيء، وتُكسر الأوثان، وتُحقنُ الدماء ". قلت: ومن معك على هذا؟ قال: " حُرٌّ وعبد "، يعني أبا بكر وبلالا. فقلت: ابسط يدك أبايعك. فبايعته على الإسلام. قال: فلقد رأيتني وأنا ربع الإسلام. ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق بقومه. فلما هاجر النبيُّ عليه السلام إلى المدينة ارتحل إليه وأتاه. فقال: أتعرفني؟ قال: " نعم، أنت الرجل الذي أتيتنا بمكة فقلت لي كذا وقلت لي كذا ". يُعدُّ عمرو بن عَبَسة في الشاميين. روى عنه من الصحابة أبو أمامة الباهليُّ، وروى عنه من كبار التابعين بالشام شرحبيل بن السِّمْط، وسليم بن عامر، وضَمْرة بن حبيب وغيرهم. ومن بني الحرث بن بهثة بن سليم عُتبة بن فرقد: له صحبة ورواية. وكان أمير لعمر بن الخطاب على بعض فتوحات العراق. وروى سليمان التَّيميُّ عن أبي عثمان النَّهدي قال: جاءنا كتاب عمر ونحن مع عتية بن فرقد، وينسبونه: عتبة بن يربوع بن حبيب بن مالك بن فرقد نب أسعد بن رفاعة ابن الحرث بن بهثة بن سليم. وروى شعبة عن حصين، عن امرأة عتبة بن فرقد أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوتين. وأمُّ عتبة آمنة بنت عمرو بن علقمة بن المطلب بن عبد مناف. ومن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة صفوان بن المعطَّل بن ربيضة بن خزاعي ابن محارب نب مُرَّة بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة، يكنى أبا عمرو. قيل إنه أسلم قبل المُرَيْسيع وشهد المريسيع. وقال الواقديُّ: شهد صفوان بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 376 المعطَّل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق والمشاهد كلَّها بعدها. وكان مع كُرْز بن جابر الفِهْريِّ في طلب العُرَنيِّين الذي أغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: كان يكون على ساقة النبي صلى الله عليه وسلم. قال سلمة عن ابن اسحاق: قُتل صفوان بن المعطَّل في غزاة أرمينية شهيدا، وأميرهم يومئذ عثمان بن أبي العاصي سنة تسع عشرة في خلافة عمر. ويقال: إنه غزا الروم في خلافة معاوية فاندقَّت ساقه. فلم يزل يُطاعن حتى مات، وذلك سنة ثمان وخمسين، وهو ابن بضع وستِّين. وقيل: مات سنة تسع وخمسين في خلافة معاوية. وله دار بالبصرة في سكَّة المِرْبد. وذكر أبو اسماعيل محمد بن عبد الله الأزدي البصريُّ مؤلف " فتوح الشام " أن صفوان بن المعطَّل شهد فتوح الشام، وأبلى فيها. وكان رضي الله عنه جيِّرا فاضلا تقيا شجاعا بطلا. وهو الذي قال فيه أهل الإفك ما قالوا مع عائشة، فبوّأهما الله ممَّا قالوا. ومن ذكوان أبو الأعور السُّلميُّ: واسمه عمرو بن سفيان بن قانف بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان، يُعدُّ في الصحابة. وقال أبو حاتم الرازي: لا تَصحُّ له صحبة ولا رواية. شهد حُنَينا كافرا، ثم أسلم بعدُ هو ومالك بن عوف النَّصريُّ. وحدَّث بقصة هزيمة هوازن بحنين، ثم كان هو وعمرو بن العاصي مع معاوية بصفين، وكانا أشدَّ من عنده على عليٍّ رضي الله عنه. وكان علي رحمه الله يذكره في القنوت في صلاة الغداة، يقول: " اللهمَّ عليك به " مع قوم يدعو عليهم في قُنوته. ومن بني الشَّريد بن رياح بن ثعلبة بن عصيَّة بن خفاف بن امرىء القيس ابن بهثة بن سليم خُفاف بن نَدْبةَ الشاعر: وندبة أمُّه، وكانت سوداء. وهو خفاف بن عُمير بن الشَّريد، وهو ابن عمِّ خنساء. وكان خفاف أسود حالكا. قال أبو عبيدة: هو أحد أغربة العرب. وقال الأصمعيُّ: شهد خفاف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 377 حُنينا. وقال غيره: شهد فتح مكة ومعه لواء بني سليم مع النبيِّ عليه السلام، وكان فارسا شجاعا. ولما قتلت غطفان ابن عمِّه معاوية بن عمرو بن الشَّريد قال خُفاف: قتلني الله إن رمت حتى أثأر به. فحمل على مالك بن حمار، وهو سيد بني شِمْخ بن فزارة فطعنه فقتله، وقال: إنْ تكُ خَيلي قد أصيبَ صَميمُها ... فعمداً على عيني تَيمَّمتُ مالكا وقفتُ له عَلْوَى وقد خامَ صحبتي ... لأبنيَ مجداً أو لأثأرَ هالكا أقولُ، والرمحُ يأطِرُ مَتْنَهُ: ... تَأمَّل خُفافاً إنني أنا ذلكا ومنهم الخنساء بنت عمرو بن الشريد الشاعرة. وأبلغت في رثاء أخَوَيها: صخر ومعاوية، وأتت بالسِّحر. وأجمع أهل العلم بالشعر أنه لم تكن امرأة قطُّ قبلها ولا بعدها أشعر منها. وكانت تُنشِد رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرها فيعجبُهُ ويقول: " هِيهِ ياخُناسُ "، ويوميء بيده صلى الله عليه وسلم. فمن قولها في صخر أخيها: أَعينيَّ جُودا ولا تَجمُدا ... ألا تبكيانِ لصخرِ النّدى؟ ألا تَبكيانِ الجرىءَ الجميلَ ... ألا تبكيانِ الفتى السَّيِّدا؟ طويلُ النجادِ عظيمُ الرَّمادِ ... سَادَ عشيرتَهُ أَمْردا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 378 ومن قولها فيه: ألا ياصخرُ إن أبكيتَ عيني ... لقد أَضْحكتني دهراً طويلا بكيتُكَ في نساءٍ مُعْموِلاتٍ ... وكنتُ أحقَّ مَن أَبدى العَوِيلا دفعتُ بك الجليلَ وأنت حيٌّ ... فَمَن ذا يدفعُ الخَطْبَ الجليلا؟ إذا قَبُحَ البكاءُ على قتيلٍ ... رأيتُ بكاءكَ الحسنَ الجميلا ومن قولها فيه من أبيات: أشمّث أبلجُ تَأتمُّ الهُداةُ به ... كأنه علمٌ في رأسهِ نارُ وكان لها بنون أربعة، حضورا حرب القادسية، وهي معهم، واستُشهدوا في ذلك اليوم وحديثُها معهم في ذلك اليوم مشهور، تَبيَّنَ فيه فضلُها وفضلُهم، رحمهم الله. ومن ولد الخنساء أبو شجرة السلميُّ ... ومن سليم عُتبة بن النُّدَر: وهو عتبة بن عبد السلمي، له صحبة. وكان اسمه عَتَلة، فغيَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه، وسمَّاهُ عتبة. روى محمد ابن القاسم الطاهري عن يحيى بن عُتبة بن عبد، عن أبيه، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " ماسْمُك؟ " قلت: عتلة. قال: " أنت عتبة " وقال أحمد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 379 ابن حنبل وأحمد بن أبي خَيثمة بأسناد عن صفوان بن عمرو قال: كان اسم عتبة بن عبد نُشْبةَ فسمَّاه رسول الله عليه السلام عتبة، ويكنى أبا الوليد. وتوفي سنة سبع وثمانين في أيام الوليد بن عبد الملك، وهو ابن أربع وتسعين سنة. يُعدُّ في الشاميين. روى عنه جماعة من تابعي أهل الشام منهم خالد ابن مَعدان وكثير بن مرة وراشد بن سعد وعلي بن رباح المصري وغيرهم. وقال الواقدي: عتبة بن عبد السلمي آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ومن بني سليم من أنفسهم أبو جميلة سُنَيِّن: أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وخرج معه عام الفتح. يُعدُّ في أهل الحجاز. روى عنه ابن شهاب. ومنهم نُبَيشة بن حبيب: قاتل ربيعة بن مكدَّم وعبد الله بن خازم صاحب خراسان. هوازن بن منصور وفي هوازن بطون، منها: نصر وجشم ابنا معاوية بن بكر بن هوازن. وعامر ومُرةُ ابنا ضعضعة بن معاوية بن بكر وقيسي بن مُنبِّه بن بكر. فمن بني نصر بن بكر مالك بن عوف النَّصري: قائد هوازن يوم حنين. ثم أسلم، فحسُن إسلامه، وردَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله وماله، وأعطاه مئة من الإبل. ومنهم أوس بن الحدثان النَّصريُّ: وله صحبة. واختلف في صحبة ابنه مالك ابن أوس بن الحدثان. روى إبراهيم بن طَهْمان عن أبي الزبير، عن ابن كعب ابن مالك، عن أبيه أنه حدَّثه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التَّشريق وناديا ألاّ يدخل الجنة إلا مُؤمنٌ، وأيامُ مِنًى أيامُ أكل وشرب. وروى ابنه مالك بن أوس عن عمر وسائر العَشَرة، وعن العباس. روى عنه الزُّهريُّ ومحمد بن المنكَدر وعكرمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 380 ومن بني جشم شدّاد بن عارض الجُشميُّ: وهو من الصحابة. وهو القائل في مسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لثقيف: لا تَنصُروا اللاتِ إنَّ اللهَ مُهلكُها ... وكيف يُنصرُ مَن هو ليسَ يَنتصرُ؟ إن الرسولَ متى ينزلْ بلادكمُ ... يَضعنْ، وليس بها من أهلها بَشَرُ ومنهم أبو الأحوص الجشميُّ: صاحب عبد الله بن مسعود، واسمه عوف، وأبوه مالك بن نضلة، من الصحابة. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. أبو داود: حدثا أحمد بن حنبل قال: نا عبدة قال: نا أبو الزَّعراء عن أبي الأحوص، عن أبيه مالك بن نضلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأيدي ثلاثة؛ فيد الله العليا، ويد المعطى التي تليها، ويد السائل السُّفلى، ولا تعجز عن نفسك ". وروي السَّبيعيُّ عن أبي الأحوص، عن أبيه قال: دخلت على النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال لي: أرأيت إبلك ألست تنتجها مسلَّمة آذانُها؟ فتقول: هذه بحر، وتقطع جلودها فتقول: هذه صرم، فتحرِّمُها عليك وعلى أهلك ". قال: نعم. قال: " فإنَّ ما أتاك الله حل، وساعد الله أسد، وموسى الله أحد ".وروي عن أبي الأحوص الحسن وأبو إسحاق السَّبيعيُّ وعطاء بن السائب. وقتل أبا الأحوص الخوارج أصحاب قطري. ومن بني جشم دريد بن الصِّمَّة: وكان من فرسان الجاهلية وشعرانها. وأدرك يوم حنين شيخا هرما، فلم يسلم؛ غلبت عليه الشَّقوة. قال أبو عبيدة معمر بن المثَّنى التَّيميُّ؛ مولى لهم: عاش دريد دهرا حتى خرف، وذهب بصره، وأدرك الإسلام فلم يسلم حتى شهد يوم حنين مع المشركين، وعلى الناس يومئذ مالك بن عوف النَّصريُّ. فقال دريد: مالي أسمع ثغاء الشاة ورغاء الإبل وبكاء الصِّبيان؟ فقال له مالك: حشرت مع الناس أموالهم وحرمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 381 فقال دريد: راعى ضأن والله. أما والله ما شيئا. والله لئن كانت لك ما ينفعك إلا رجل بسلاحه، ولئن كانت عليه لتُسبينَّ حُرمُك ونساؤك. فكره أن يكون لدريد فيها ذكر، فخالفه وقد علم ما قال دريد. فلما هزم الله المشركين سبى المسلمون ذراعيَّهم، وأخذوا أموالهم، ولحق دريدا على المسلمين رجل من بني سليم وهو ربيعة بن رُفيع بن أهبان بن ثعلبة بن يعقوب بن سمّال بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم، وهو في شجار له على بعير، فظن أن امرأة فأناح به، فإذا شيخ أعمى، فسأله دريد: من أنت؟ فأخبره، ثم ضربه، فلم يصنع سيفه شيئا. فقال له دريد: بئس ما سلَّحتك أمُّك. ثم قال دريد: خذ سيفي من مؤخرة الرَّحل فاضربني به، وأخفضعن الدماغ، وارفع عن العظام، فإني هكذا كنت أقتل الرجال. وإذ أتيت أهلك فاخبرهم أنك قتلت دريد بن الصَّمة. قال السلميُّ: فأخذت سيفه، فضربته، فلما خَرَّ عن الشجار تكشف، فإذا ربلتاه وروانفه وبادُّه أعرى من اللحم من كثرة ركوب الخيل. الرَّبلتان: واحدتها ربلةُ، وهي اللحمة الغليظة في أصل الفخذ. والرَّوانف: ما سال من الألية على الفخذ. والبادُّ: باطن الفخذ، والجميع بوادٌّ. قال الرجل: فلما وصلت أهلي أخبرتهم. فقال أمي: يا بُنيَّ أما إنَّ دريدا أعتق أمَّهات لك ثلاثاً. وولد عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان هلالا ونميرا وسواءة وربيعة أبن عامر بنو صعصعة، وهم أفخاذ من بطن. فمن بني هلال بن عامر ميمونة بنت الحارث بن حزن زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأختارها لأبيها وأمِّها لبابة الكبرى وهي أمُّ الفضل زوج العباس بن عبد المطلب، ولبابة الصغرى: أمُّ خالد بن الوليد، وزينب بنت خزيمة: أمُّ المساكين زوج النبي صلى الله عليه وسلم. وقبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شدّاد، ويكنى أبا بشر: نزل البصرة، وروي عنه أبو عثمان النَّهديُّ وكنانة بن نعيم العَدويُّ وأبو قلابة وابنه قطن بن قبيصة. روي كنانة بن نعيم عن قبيصة بن مخارق قال: تحمَّلتُ بحمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " نُؤدِّيَهاً عنك بِخرجها إذ جاءَ نعَمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 382 الصَّدقة ". قال: ثم قال: إِنَّ المسألة حُرِّمَت إلا في إحدى ثلاث: رجل تحمَّل بحمالة فحلَّت له المسألة حتى يؤدِّيها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة " اجتاحت ماله، فحلَّت له الصدقة حتى يصيب قواما من عيش - أو قال سدادا من عيش - ورجل أصابته " فاقة حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجا من قومه. فحلَّت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش، أو قواما من عيش، ثم يمسك، وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت. وذكر المبرد في الكامل أن قبيصة بن المخارق هذا إلى ما صار لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمه وبسط له رداءة وقال: " مرحبا بخالي " فقال: يا رسول الله، دقَّ عظمى، وقلَّ مالي، وهنت على أهلي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أبكيت بما ذكرت ملائكة السماء ". وابن ابنه محمد بن حرب بن قبيصة: كان من أقعد الناس، ولي شرطة البصرة سبع مرات. وكان على شرطة جعفر بن سليمان بالمدينة، وكان كثيرا للأدب عزيزه. ومنم حميد بن ثور بن الشاعر، ومسعر بن كدام الفقيه المحدِّث: وهو من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة، ويكنى أبا سلمة. وتوفي في الكوفة سنة اثنتين وخمسين ومئة. وكان يقول: من ابغضني فجعله الله محدِّثا .... ومن موالي عبد الله بن هلال بن سفيان بن عُيينة بن أبي عمران بن محمد: وكان جدُّه أبو عمران من عُمّال خالد بن عبد الله القسريِّ. فلما عزل خالد عن العراق، وولي يوسف بن عمر طلب عمال خالد فهرب منه إلى مكة، فنزلها. وكان سفيان من أئمة المحدِّثين الحفَّاظ. روى عن الزهريِّ وأبي الزهير المكِّي وعمرو بن دينار وحميد بن تيرويه الطويل وزيد بن أسلم وأيوب السَّختياني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 383 ومحمد بن المنكدر وأبي الزِّناد وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاريِّ وعبد الرحمن بن القاسم ويزيد بن حصيفة وسهيل بن أبي صالح وعبد الملك بن أبجر وعبد الملك بن عمير وإبراهيم بن ميسرة وزياد بن علاقة ومسعر بن كدام ومنصور بن المعتمر والعلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ومُطرِّف بن طريف الحارثيِّ وغيرهم. وكان سفيان كثيرا ما يقول بمكة على أجياد وغيره في آخر عمره لما ذهب الأشياخ من أهل الحديث والفقه، وبقي: ذهب الرجالُ فسُدْتْ غير مُسوَّدِ ... ومن الشَّقاءِ تفرُّدي بالسُّؤددِ سمع ذلك منه عليٌّ بن خشرم وبشر بن الحرث الحافي. وكان سفيان يقول: اسلكوا سبيل الحقِّ، ولا تستوحشوا من قلَّة أهله. وروي عنه أنه قال: إن أفضل الناس منزلة عند الله يوم القيامة من كان بين الله وبين خلقه، وهم الأنبياء والعلماء وأئمة العدل. وقال سفيان: كيف يختار من لا يدري كيف الخيارُ له؟ جاء في الحديث: لو وزن عقل آدم بعقول ولده لرجح بعقولهم. وكان في اختياره من الضَّعف ما تعلمون. وقال سفيان للفضيل بن عياض: يا أبا عليّ، لقد اشتد تعجُّبي. قال فضيل مِمَّاذا؟ من جرأة الملائكة وردِّهم على ربِّهم حين يقول:) إني جاعل في الأرض خليفز. قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها (. فقال له الفضيل: وما تعجبك من ذلك؟ هو أنطقهم. وعاد سفيان ابنا لأبي سفيان بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء. فلهي عن سؤال العليل، وأقبل على أبيه. فقال: كيف تجدك من علَّته؟. وولد سفيان سنة سبع ومئة، ومات يوم السبت آخر يوم من جمادى الآخرة، سنة ثمان وتسعين ومئة بمكة، شرَّفها الله. ومن بني نمير بن عامر شريك بن حباشة الذي دخل الجنة في حياته في أيام عمر بن الخطاب، وهو صاحب الورقتين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 384 ومنهم قرة بن دعموص بن ربيعة بن عوف النميري، بصري استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان قدم عليه مع قيس بن عاصم، والحرث بن شريح، وروى وروي عنه. ومنهم معاوية بن سبرة بن الحصين النُّميريُّ، أبو العبيدين: سمع ابن مسعود. روي عنه عبد الله بن أبي الذهيل. ومنهم هَمَّام بن قبيصة والراعي الشاعر، واسمه عبيد بن حصين. وهو الذي قال فيه جرير: فغُضِّ الطرفَ إنك من نُميرٍ ... فلا كعباً بغتَ ولا كلابا وأول هذه القصيدة: أقلِّى اللومَ عاذلَ والعِتابا ... وقُولي إن أصبتُ: لقد أصابا وفيها يقول: أتلتمسُ السبابَ بنو نُميرٍ ... فقدْ وأبيهمْ لاقَوا سِبابا فلا صلَّى المليك على نُميرٍ ... ولا سَقى قلوبُهمُ السَّحابا ولو وُزنتْ حلومُ بني نميرٍ ... على الميزان ما وُزنتْ ذُبابا أنا البارزي المطلُّ على نميرٍ ... أُتيحَ منَ السماءِ لها انصبابا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 385 إذا عَلقتْ مخالبُه بِقرنٍ ... أصابَ القلبَ أو هَتَك الحِجابا وعدد أبيات هذه القصيدة مئة وثمانية أبيات. ومنهم أبو حَيَّةَ النُّميري: وهو الذي اعترته اللَّوثةُ من الحبِّ. ومن قوله: رمتْنى وسِترُ الله بَيني وبَهينا ... عشيةَ أَرْامِ الكِناسِ رَميمُ إلا ربَّ يومٍ لو رمتْني رميتْها ... ولكنَّ عَهدي بالنِّصالِ قديمُ وله من أبيات: إذا هنَّ ساقطْنَ الحديثَ كأنه ... سِقاطُ حصى المرجانِ في سِلكِ ناظمِ رَمينَ فاقصدْنَ القلوب وبلم تجد ... دماً مائراً إلا جوىً في الحيازمِ واسم أبي حيَّةَ الهيثمُ بن ربيع. وكان صاحب الفرزدق، وروي عنه. ومن بني سواءة بن عامر أبو جحيفة السُّوائيُّ: واسمه وهب بن عبد الله: ويقال: وهب الله بن عبد الله. ويقال: وهب بن الخير. نزل الكوفة، وابتنى بها دارا، وكان من صغار الصحابة. ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو لم يبلغ الحلم، ولكنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي عنه، وخرَّج عنه مسلم والترمذي. مسلم: نا أحمد بن يونس قال: نا زهير قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 386 نا أبو إسحاق، ونا يحيى بن يحيى، قال: نا أبو خيثمة عن أبي إسحاق وعن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه منة بيضاء، ووضع زهير بعض أصابعه على عنفقته. فيل له: مثل من أنت يومئذ؟ قال: أبري النيل وأريشا. قال: وحدثنا وأصل بن عبد الأعلى قال: نا محمد بن فضيل عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب كان الحسن بن علي يشبهه. الترمذيُّ: حدثنا محمود بن غيلان: قال عبد الرزاق: نا سفيان الثوريُّ عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بريق ساقيه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما أنا فلا آكلُ متكئاً ". وروي أسد بن موسى بن علي بن ثابت الجزري عن الوليد بن عمر بن ساج، عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أكلت ثريدة بلحم، وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أتجشَّأ. فقال: " أكفف أو احبس عليك جشائك أبا جحيفة، فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ". قال: فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا. كان إذا تعشى لا يتغدَّى. وإذا تغدى لا يتعشى. ومنهم سمرة بن عمرو بن جندب بن حجير بن رباب بن سواءة: أبو جابر ابن سمرة. روي معه ابنه جابر حديثا واحدا ليس له غيره عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " يكون بعدي اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش "، ولم يروا عنه غيره. وابنه جابر بن سمرة صاحب، وله في الصحيحين وغيرهما أحاديث، رضي الله عنهما. ومن ولد جابر بن أبو السائب سلم بن جنادة بن سلم بن خالد بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 387 جابر بن سمرة. سمع وكين بن الجرَّاح، ووهب سعد بن أبي وقاص لجابر بن سمرة لغلامين من أبناء الكاسرة، أحدهما في ذيمة أبو عليِّ بن جذيمة الذي يروي عنه. والآخر أبو زهير وهو جدُّه عبد المطلب بن زياد بن أبي زهير، فاعتقهما جابر. وكنية عليِّ بن بذيمة أبو عبد الله، ويعرف بالجزري. روى عن سعيد بن جبير وعكرمة. وروى عنه الثوريُّ والأعمش وشريك. ومنهم عبيد الله بن معية السُّوائي: كان قد أدرك الجاهلية، وروى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسكن الطائف. له حديث واحد، رواه عنه سعيد ابن المسيَّب وإبراهيم بن ميسرة. ومنهم قبيصة بن عقبة السُّوائي: أبو عامر: سمع سفيان الثوريُّ وإسرائيل. وولد ربيعة بن عامر: كلاب بن ربيعة، وكعب بن ربيعة، وعامر بن ربيعة، وكليب بن ربيعة. وليس لكليب عقب. وأمهم مجد بن تيم بن غالب ابن فهر بن مالك بن النَّضْر: وهي التي جعلت ابن عامر حمسا، وفي كلاب وكعب شرف عامر بن صعصعة وعددهم، وإياهم عني جرير بقوله: فغضِّ الطرفَ إنك من نميرٍ ... فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا فولد كلاب جعفرا، ورؤاسا، وهم: حميس وضب بنو معاوية الضباب، وأبا بكر، وعمرا واسمه عبيد، والوحيد. فولد جعفر بن كلاب الأحوص، ومالكا، وخالدا، وعتبة. وكان الأحوص يكنى أبا شريح، وكان على بني عامر يوم جبلة. ومن ولده عقلمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر، وكان من المؤلفة قلوبهم. وكان سيدا في قومه حليما غافلا. وهو الذي نافر عامر بن الطُّفيل إلى هرم بن قطبة. وقد تقدم ذكر منافرتهما عند ذكر قطبة. وولد مالك بن جعفر عامرا أبا براء ملاعب الأسنة، وربيعة المقترين، وعبيدة الوضاح، والطفيل فارس قرزل، ومعاوية معوِّد الحكماء. أمُّهم أمُّ البنين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 388 بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قال لبيد: نحن بنو أمِّ البنينَ الأربعَةْ قال ابن الكلبيِّ: هم خمسة، فجعلهم للقافية أربعة. وقال أبو بكر بن الأنباري: لا يصحُّ لشاعر أن يقول في خمسة أربعة من أجل القافية، كما لا يقول في أربعة خمسة، لأن عين الكذب. وإنما قال هذا لبيد بين يدي النعمان بن المنذر، وهو غلام حدث. وقد كان أبوه ربيعة قد مات، وحضر معه أعمامه الأربعة: طفيل، وعامر، وعبيدة ومعاوية بنو مالك بن جعفر بن كلاب، فاسقط أباه لأنه لم يشهد، وكان ميتا قبل ذلك. وولد ربيعة بن مالك بن جعفر لبيدا الشاعر: ويكنى أبا عقيل، وهو من الصحابة، ومن فحول الشعراء، ومن الأجواد. وقال، لما أسلم: الحمدُ لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى أكتسيتُ من الإسلامِ سِربالا وهو القائل: ما عاتبَ المرءَ الكريمَ كنفسهِ ... والمرءُ يُصلحه القرينُ المصالحُ ولم يقل منذ أسلم غير هذين. وقال له عمر رضي الله عنه: أنشدنا من شعرك. فقال: يا أمير المؤمنين، ما كنت لأجمع البقرة وآل عمران، وأنشدك الشعر. فجَّل في عين عمر، وزاده في عطائه خمسمئة، وكان عطاؤه ألفين. وكان لبيد شريفا في الجاهلية والإسلام، ونذر ألا تهبَّ الصَّبا إلا نحر وأطعم، حتى تنقضي. فهبت في الإسلام، وهو بالكوفة مقتر مملق. فعلم ذلك الوليد بن عقبة ابن معيط، وهو والدي الكوفة لعثمان، وكان أخاه لأمه. فخطب الناس، فقتال: " إنكم قد عرفتم نذر أبي عقيل، وما وكد على نفسه. فأعينوا أخاكم ". قم نزل، فبعث به بمئة ناقة، وبعث الناس، فقضى نذره. ففي ذلك تقول ابنه لبيد، مجاوبة عن أبيها، تمدح الوليد: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 389 إذا هبَّتْ رياحُ أبي عَقيلِ ... دعَونا عند هبَّتها الوليدا أغرَّ الوجه أووعَ شيظمياً ... أعانَ على مروءتهِ لبيدا ومات لبيد في وسط خلافة معاوية، وهو ابن مئة وأربعين سنة. وأخو لبيد لأمه أربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر: عدُّو الله، هو الذي أصابته الصاعقة بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ابن عمه عامر ابن الطفيل. ورثاه لبيد بقصائد منها: ذهبَ الذينَ يُعايشُ في أكنافهم ... وبقيتُ في خَلْفِ كجلدِ الأَجربِ يتحدَّثون مخافةً ومَلاذةً ... ويُعابُ قائلُهم وإن لم يَشْغبِ يا أربدَ الخيرِ الكريمَ جُدودُهُ ... غادرتَني أمشي بقرَنٍ أَعضبِ إن الرزيَّة لا رزيَّةَ مثلُها ... فِقدانُ كلِّ أخٍ كضوءِ الكوكبِ وولد الطفيل بن مالك بن جعفر عامر بن الطفيل: عدوَّ الله، وكان شاعرا. وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أربد مضمرين الفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم. فجعل يسأله سؤال الأحمق المغتال الفخور، ورسول الله يقول: " لا أجيبك في شيء مما سألت حتى تؤمن بالله ورسوله. فلما يئس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 390 منه عامر قال: يا ممد، والله لأملأنَّها عليك خيلا ورجالا. فلما ولَّيا قال رسول الله: " اللَّهم أكفني عامر بن الطفيل وأربد بن قيس ". فخرجا جميعا ووفدهم راجعين إلى بلادهم. فلما كان ببعض الطريق بعث الله على عامر غدة في عنقه، فقتله الله في بيت امرأة من سلول. فجعل يقول: يا بني عامرا، غدا كغدة البعير، وموتا في بين سلولية! ووصل أربدا إلى بلده، فأصابه ما ذكرت آنفا. وأخوه عقيل بن الطٌّفيل: فيه قالت أمه المثل " أبنك من دمَّي عقبيك ". وهي امرأة من القين، تزوجها الطفيل، فولدت له عقيلا، فتبنَّته كبشة بنت عروة بن جعفر بن كلاب.. فعرم على أمه يوما فضربته. فجاءتها كبشة فمنعتها وقالت: ابني. فقالت القينية: ابنك من دمَّي عقيبك. وأما أبو براء عامر بن مالك ملاعب الأسنة، وهو عمُّ عامر بن الطفيل فهو الذي أجاز أصحاب بئر معونة، فأخفره فيهم ابن أخيه عامر بن الطفيل: بني أمِّ البنينَ ألم يرعْكمْ ... وأنتمْ من ذَوائبِ أهل نجدِ؟ تَهكُمُ عامرٍ بأبي بَراءٍ ... ليُخفرَهُ وما خطأُ كعَمْدِ أَبلغْ ربيعةَ ذا المساعي ... فما أَحدثْتَ في الحَدَثانِ بعدي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 391 أبوكَ أبو الحروب أبو براءٍ ... وجدُّك ماجدٌ حَكَمُ بن سعدِ قال ابن هشام: حكم بن سعد من القين بن جسر، وأمُّ البنين بنت عمرو ابن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. قال ابن إسحاق: فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح فوقع في فخذه، فأشواه، ووقع عن فرسه. فقال: هذا عمل أبي براء، أن متُّ فدمي لعمي فلا يتبعن به. وإن أَعش فسأرى رأيي فيما أُتي إليَّ. ومن بني مالك بن جعفر من غير أم المؤمنين سلمى بن مالك وابنه جبَّار بن سُلمى: وهو الذي قال: إنَّ ممَّا دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلا من أصحاب بير معونة بين كتفيه، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره. فسمعته يقول: فزت والله. فقلت في نفسي: فاز لعمر الله! ومن بني رؤاس بن كلاب عمرو بن مالك بن قيس بن بجيد بن رؤاس. واسم الرؤاس الحرث بن كلاب. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم مع أبيه مالك بن قيس فأسلما. ومنهم وكيع بن الجرّاح المحدِّث: ويكنى أبا سفيان. سمع هشام بن عروة والأعمش. روى عنه يحيى بن آدم وأحمد بن حنبل وعليُّ بن المديني. وكان الجراح أبوه على بيت مال المهدي شريك محمد بن عليِّ بن مُقدَّم. وتوفي وكيع في طريق مكة بفيد سنة سبع وتسعين ومئة. وابنه سفيان بن وكيع، خرَّج عنه الترمذي كثيرا وغيره. وقال الموصلي الحافظ: سفيان بن وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن فرس أبو محمد، فيه لين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 392 ومنهم العلاء بن مبارك الرؤاسيُّ الكوفيُّ أبو محمد: سمع حفص بن غياث. ومن بني ضبابا بن كلاب ذو الجوشن الضِّبابيُّ: وكان شاعرا. وابنه شمر بن ذي الجوشن من قتلة الحسين رضي الله عنه. وأخو الضِّباب عمرو بن معاوية بن كلاب: من مولده مؤلة. والنسب إليه مؤلي. وهو مؤلة بن كنيف بن حمل بن خالد بن عمرو بن معاوية بن كلاب. له وفادة على النبي عليه السلام ورواية عنه. ومن بني عمرو بن كلاب، وهو عمُّ الضِّباب يزيد بن عمرو بن الصَّعق: الذي قال له ابن علفاء الهجيميُّ يرد عليه في هجائه بني تميم: فإنك مِن هجاءَ بني تميمٍ ... كمُزدادِ الغرام إلى الغرام هم تركوكَ أسلحَ من حُبارَي رأت صقراً ... رأت صقراً وأَشردَ من نَعامِ وأخوه زرعة بن عمرو بن الصَّعق الذي يقول له النابغة الذبيباني: أعلمتَ يومَ عكاظَ حين لقيتَني ... تحت العجاج فما شَققْتَ غُباري ومن بني أبي بكر بن كلاب وبنوه يقال لهم القرطاء الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب الكلابيُّ: استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني سليم، وأمره أن يورث امرأة أشيم الضِّبابي من دية زوجها. وكان أشيم قتل خطأ. مالك عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب نشد الناس بمنى: من كان عنده علم من الدية أن يخبرني. فقام الضحاك بن سفيان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 393 الكلابيُّ فقال: كتب إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: أورث أشيم الضبابي من دية زوجها. فقال له عمر: ادخل الخباء حتى آتيك. فلما نزل عمر بن الخطاب أخبره الضحاك، فقضى بذلك عمر. قال ابن شهاب: وكان قتل أشيم خطأ. وكان الضحاك يعدُّ بمئة فارس. أخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بني سليم. وكانت بنو سليم في تسعمئة، فوفاهم صلى الله عليه وسلم بالضاحك ألفا. وذكر الزبير بن بكار بسند أن الضاحك بن سفيان الكلابيَّ كان سياف رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على رأسه، متوحشا بسيفه. وإياه عني العباس بن مرداس في قوله: نُبايعُ بين الأخَشَبين وإنما ... يدَ الله بين الأخشبين نبايعُ عشيةَ ضحاك بن سفيانَ مُعتصٍ ... بسيفِ رسول الله والموتُ واقعُ ومن بني أبي بكر بن كلاب النواس بن سمعان بن خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب: معدود في الشاميين. يقال أن أباه سمعان وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وزوَّجته ابنته. فلما دخلت على النبي عليه السلام تعوَّذت منه، فتركها، وهي الكلابية. وللنواس صحبة. خرَّج عنه مسلم حديث الدّجّال حديثا حسنا وروى عن النواس جُبير بن نُفير وبشير بن عبيد الله وجماعة. ومن بني كلاب ربيعة بن ربيعة زُفر بن الحرث والمحلِّق بن حنتم بن شداد، الذي قال فيه الأعشى: وبات على النَّار النَّدى والمحلِّقُ ومن بني الوحيد بن كلاب أمُّ البنين بنت حرام الوحيديَّة: كانت تحت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 394 عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فولدت له العباس وجعفرا وعبد الله. وولد كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة عقيلا والحريش وقشيرا وجعدة وعبد الله. فمن بني المنتفق بن عامر بن عقيل أبو رزين العُقيليُّ: واسمه لقيط بن عامر ابن صبرة بن عبد الله بن المنتفق، وهو من الصحابة، وعداده في أهل الطائف. ومنهم محمد بن عبد الله بن علاثة العقيليُّ: أبو اليسير، سمع العلاء بن عبد الله وهشام بن حسان وعليَّ بن بذيمة. روي عنه وكيع والأُويسيُّ وحرميُّ ابن حفص. ومنهم إبراهيم بن أبي عبلة أبو إسماعيل: سمع ابن عمر عبد الله بن أم حرام وأنس بن مالك وأبا أمامة ووائلة بن الأسقع. روى عنه مالك وابن المبارك وغيرهما. واسم أبي عبلة شمر بن يقضان المرتجل. توفي سنة إحدى وخمسين ومئة. لمالك عنه حديث واحد مرسل عند جماعة رواة الموطَّأ. ومن بني عقيل قيس بن معاذ: وهو المجنون صاحب ليلى، وكان الأصمعي يقول: لم يكن مجنونا، وإنما كانت به لوثة كلوثة أبي حَيَّةَ وهو القائل في ليلى: ولم أرَ ليلى بعد موقف ساعةٍ ... ببطنِ مِنًى ترمى جمار المحصَّبِ وتُبدى الحصى منها إذا قَذفتْ بهِ ... من البُردِ أطرافٌ البنانِ المخضَّب فأصبحتُ من ليلى الغداةَ كناطرٍ ... مع الصبح في أعقابِ نجمٍ مُغرِّبِ ألا إنما غادرتِ يا أم مالكٍ ... صدًى أينما تذهبْ به الريحُ يذهبِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 395 وفيها يقول: وهذا البيت من أعجب ما قيل في النحافة ..... ومنن قول قيس أيضا: وأَخرجُ من بين البيوت لعلنى ... أحدِّث عنكِ النفسَ في السرِّ خاليا وإني لأَسْتَغشي وما بي نعسَةٌ ... لعل خَيالاً منكِ يلقىَ خيالا أشَواقاً ولمّا يمضِ لي غيرُ ليلةٍ ... رُويْدَ الهوى حتى يُغِبَّ لياليا هذا من أحسن الكلام وأوضحه معنى. ويستحسن لذي الرملة قوله: أحبُّ المكانَ قفرَ من أجل أنَّني ... به أتعنَّى باسمِها غيرُ مُعجَمِ ومن بني خفاجة بن عمرو بن عقيل صاحب ليلى الأخيلية. وأخيل الذي تنسب إليه ليلى وهو ابن عبادة بن عقيل. ومن قوله توبة في ليلى من قصيدة: ولو أنَّ ليلى الأَخْيلية سلَّمتْ ... عليَّ، وفَوقي تُربةٌ وصفائحُ لسلَّمتُ تسليمَ البشاشةِ أو زَقا ... إليها صدًى من جانبِ القبر صائحُ ويقال: إنها مرَّت مع زوجها، وهي في هودجها على قبر توبة فأمرها أن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 396 تسلم عليه فأبت. فعزم عليها فقالت: السلام عليك يا توبة. فخرج طائر من القبر يشبه البوم، فضرب صدرها، فوقعت على هودجها ميتة. وكانت ليلى من فحول الشعراء، وعمرت حتى عجَّزت. أو لا تراها حضّت في رثاها عثمان على الطب بدمه. وأنشدت الحجاج، وهو والي العراق. وخبرها معها مشهور. وقالت ليلى ترثي توبة بن الحُميِّر، حين قُتل: أعَيني ألا فأبكى على ابن حُميِّر ... بدمعٍ كفيض الجدول المتفجِّر كأنَّ فتى الفتيانِ توبةَ لم يُنَخْ ... بنجدٍ، ولم يَطْلع مع المتْغوِّرَ ولميَقْدعِ الخصمَ الألدَّ ويملأَ ال ... جفانَ سَديفاً يومَ نكباءَ صَرصرٍ ألا رُبَّ مكروه دَفعتَ وخائفٍ ... أجبتَ ومعروفٍ لديكَ ومُنكَرِ فيا تَوب للَمَوْلى ويا توبَ للنَّدى ... ويا توب للمُسْتنبِحِ المتَنَوِّرِ ومن بني عقيل بن عبد الله بن شفيق العقيليُّ: من التابعين. روى عن عائشة أنها كانت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لحف نسائه. ومنهم يزيد بن بيان العقيليُّ: سمع أبا الرِّجال. روى عنه الحسين بن منصور وإسحاق بن منصور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 397 ومنهم أبو سلمة المنهال بن بحر العُقيليُّ: سمع حماد بن سلمة ومسلمة بنت عقلمة. ومن بني عقيل عويمر بن أبي عدي بن ربيعة بن عاد بن عقيل: شاعر فارس.. دعا عنترة بن شداد العبسي إلى المبارزة، وقال له: ابرز إليَّ أيها العبد. ومن بني عقيل يزيد بن الصَّقيل العُقيليُّ: وكان يسرق الإبل. ثم تاب وقتل في سبيل الله. وهو القائل لما تاب: ألا قُل لأرباب المخائضِ: أهمِلوا ... فقد تابَ عمَّا تعلمونَ يزيدُ وإنَّ امرَأَ ينجو من النار بعدَما ... تَزوَّد من أعمالها لسعيدُ إذا ما المنايا أخطأتْكَ وصادفتْ ... حَمِيمَكَ فاعلمْ أنها ستعوذُ ومن بني الحريش بن كعب عبد الله بن الشخِّير: وهو من الصحابة، وابناه: مُطرِّف ويزيد من كبائر التابعين. ويقال: أنه كان ينوَّر لعبد الله في سوطه. ومات عمر ومُطرِّف ابن عشرين سنة، كأنه كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله عقب بالبصرة، ويكنى أبا عبد الله. ومات في خلافة عبد الملك بن مروان. وابنه عبد الله بن مطرِّف: روى عن أبي برزة، وروى عن قتادة وحميد بن هلال. ومات أخوه يزيد، ويكنى أبا العلاء، سنة إحدى عشر ومئة. ومنم زرارة بن أوفي العامريُّ الحوشيُّ: من أهل البصرة، وولي القضاء بها. وكان من خيار التابعين، ومن العاملين العالمين الخاشعين. روي عنه أنه صلى الصبح فقرأ:) يا أيها المدَّثِّر (. فلما بلغ:) فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير (خَرَّ مغشيا عليه، فحمل إلى أهله، فمات من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 398 ساعته. وروى زرارة عن أبي هريرة وتميم الداري وعبد الله بن سلام وعمران ابن حصين وسعد بن هشام. وروى عنه عوف الأعرابيُّ وقتادة وغيرهما. مسلم: حدثني أبو غسان المسمعيُّ قال: نا معاذ يعني ابن هشام قال: نا أبي عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين أن رجلا عضَّ ذراع رجل فجذبه فسقطت ثنيَّته. فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأبطله، وقال: " أردت أن تأكل لحمه ". مسلم: حدثنا محمد بن عبيد الغُبريُّ: نا غوافة، عن قتادة، عن زرارة ابن أوفي، عن سعد بن هشام، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ". سعد بن هشام الراوي عن عائشة وروى عنه زرارة كان من كبار التبعين. وهو سعد بن هشام بن عامر بن أمية بن الحسحاس بن مالك بن غُنم ابن عدي بن النجار الأنصاريُّ البخاريُّ. وأبوه هشام وجدُّه عامر من الصحابة. وكان أبوه يسمَّى في الجاهلية شهابا. فغيَّر النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه هشاما. واستشهد جدُّه عامر يوم أحد. ولا تُحفظ له رواية عن النبي عليه السلام. وفيه قالت عائشة حين دخل عليها سعد بن هشام حفيده مع حكيم بن أفلح: نعم المرء كان عامر. ومن بني قُشير بن كعب بَهزُ بن حكيم بن معاوية بن جيدة. ولحيدة جدِّه صحبة وطال عمره، أدرك الجاهلية وأدرك إمارة بشر بن مروان على الكوفة. وبهز ثقة في الحديث، وكان من خيار الناس. ومن قُشير سوادة بن حنظلة القُشيريُّ: روى عن سمرة بن جندب حديث: " لا يغرَّنَّكم من سحوركم أذان بلال "، خرَّجه مسلم. وروى عن سوادة ابنه عبد الله وشعبة. وروى عن ابنه عبد الله إسماعيل بن عُليَّة وحماد بن زيد وأبو الرباب. ومنهم ذو الرُّقيبة: وكان من المعمَّرين، وهو مالك بن سلمة الذي أسر حاجب بن زُرارة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 399 ومنهم مُطرِّف بن مالك القُشيري: شهد فتح " تُسْتر ". روى عنه أبو عثمان النَّهدي وزرارة بن أوفي. ومنهم أبو يونس حاتم بن أبي صغيرة القشيري: روى عن سماك بن حرب وعمرو بن دينار. روى عنه شعبة ويحيى القطان. ومنهم شداد بن عمران القُشيريُّ: أبو روبة، روى عنه جامع بن مطر. ومنهم القتَّال الشاعر واسمه عبيد بن المضرحيِّ: وقيل له الكلابيُّ، لأن أمه من كلاب، فنسب إلى أخواله. وكلاب عمُّ قشير. وهو القائل: أنا ابنُ الأكرمين بني قُشيرٍ ... وأخوالي الكرامُ بنو كلابِ يُعرِّض للطِّعان إذا التقينا ... وجوهاً لا تعرَّضُ للسِّباب ومن بني جعدة بن كعب أبو ليلى النابغة الشاعر: واسمه قيس بن عبد الله ابن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة. وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنشده القصيدة التي أوَّلها: تذكَّرتُ والذكرى تهيجُ على الفتى ... ومن حاجة المحزون أن يتذكرا ندامايَ عند المنذرِ بن مُحرِّقٍ ... أرى اليومَ منه ظاهرَ الأرض مُقفِرا وفيها: وتُنكر يومَ الرَّوع ألوانَ خيلنا ... من الطعن حتى نحسِبَ الجَونَ أشقرا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 400 وليس بمعروفٍ لنا أن نردَّها ... صِحاحاً ولا مُستنكراً أن تُعقًرا وفيها: أتيتُ رسول الله إذ جاء بالهدى ... ويتلو كتاباً كالمجرَّةِ ثَيِّرا أقيم على التقوى وأرضى بفعلها ... وكنتُ من النار المخُوفة أحذَرا وفيها ما أتى فيه حديثٌ مُسند ذكره الإمام الحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد ابن أحمد بن محمد بن إبراهيم السَّلفي الأصبهانيُّ في السُّداسيات له. قال أبو الطاهر: أخبرنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعديُّ بمصر قال: نا عُبيد الله بن محمد بن يطَّة العُكبري بها، قال: نا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغويُّ، قال: نا داود بن رشيد، قال: نا يعلى بن الأشدق، قال: سمعت النابغة يقول: أنشدتُ صلى الله عليه وسلم: بلغْنا السواءَ مجدُنا وجدودُنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مَظْهرا فقال: " أين المظْهرُ أبا ليلى؟ " فقلت: الجنةُ. فقال: " أجل، إن شاء الله ". ثم قلت: ولا خيرَ في حِلمٍ إذا لم تكن له ... بوادرُ تحمي صفَوهُ أن يُكدَّرا ولا خيرَ في جهلٍ إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أَوردَ الأمرَ أَصدرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أجدتَ لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 401 مرتين ". وفي رواية عبد الله بن جراد لهذا الخبر قال: فنظرت إليه كأن فاهُ البَردَ المتَهلَّلَ يتلأْلأُ ويَبْرق ما سقطت له سِن، ولا نغِلْت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أجدت لا يَفضُضِ الله فاك ". وعاش النابغة بدعوة النبي عليه السلام حتى أتت عليه مئة سنة واثنتي عشرة سنة. فقال في ذلك: أتتْ مئةً لعام وُلدتُ فيه ... وعشرٌ بعد ذلك واثنتانِ وقد أبقتْ صروفُ الدهر مني ... كما أَبقت من الركن اليماني ألا زَعمتْ بنو سعدٍ بأني ... ، وما كذَبوا، كبير السنِّ فانِ وذكر عمر بن شبَّة عن أشياخه أن النابغة الجعدي عُمر مئة وثمانين سنة. وقال غيره: أدرك المنذر بن محرِّق، ونادمه، وكان أسنَّ من النابغة الذيباني. والدليل على ذلك أن الذِّبيانيَّ كان مع النعمان بن المنذر وأبي قابوس. وكان المنذر بن محرِّق قبل النعمان وهو جدُّه. ومات النابغة الذيباني في الجاهلية. وكان الجعديُّ طويل البقاء في الجاهلية والإسلام. وكان يرد على الخلفاء؛ ورد على عمر ثم عثمان، وبقي إلى أيام ابن الزبير، ومدحه بمكة. فقال له ابن الزبير: يا أبا ليلى، الشعرُ أهون وسائلك عندنا. ولك في مال الله تعالى حقّانِ: حقٌّ لرؤيتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لشركتك أهل الإسلام في فيئهم. وكان يذكر في الجاهلية دين إبراهيم والحنيفية، ويصوم، ويستغفر فيما ذكروا. وقال في الجاهلية كلمتَه التي أولها: المحدُ لله لا شريكَ له ... من لم يقلهْا فنفسَهُ ظَلما. وفيها ضروب من دلائل التوحيد والإقرار بالبعث والجزاء والنار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 402 وولد عبد الله بن كعب بن ربيعة العَجْلان. فمن بني العجلان تميم بم مُقْبل الشاعر. وأما عامر بن ربيعة بن عامر فولد بكَّاء بن عامر وعمرو بن عامر، واسم البكاء ربيعة وكان أحمق، وله خبر في مستظرف سُمِّي به " البكاء ". ذكره حمزة بن الحسن الأصبهاني في كتاب " أفعَلَ " من تأليفه. فمن بني البكاء بِشر بن معاوية البكَّائيُّ: قدم مع أبيه معاوية بن ثور وافدين على النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح برأس بشر، ودعا له. وفي ذلك يقول ابنه محمد: وأبي الذي مَسح الرسولُ برأسهِ ... ودعا له بالخيرِ والبركاتِ ومنهم عقيةُ بن وهْبٍ البكَّائيُّ: أبو نُعيم. روى عنه ابنه وهب وابن عُيينة. ومنهم خَرقاءُ صاحبة ذي الرُّمة التي كان يشبِّب بها. ومنهم زياد بن عبد الله البكائي: الذي روى السيرة عن ابن إسحاق، وخرَّج عنه مسلم في الصحيح. وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومئة. ومن بني عامر بن ربيعة حبَّةُ وسَواءٌ: ابنا خالد. حديثهما عند الأعمش عن سلاَّم أبي شُرحبيل قال: سمعت حبَّة وسواء ابني خالد يقولام: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعمل عملا، فأعنَّاهُ عليه. فلما فرغ دعا لنا، وقال: " لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسُكما، فإن الإنسان تلدُه أمه أحمر ليس عليه قشر، ثم يعطيه الله ويرزقُه ". ومن بني عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة خالد وحَرملةُ ابنا هَوذة بن ربيعة بن عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وهما من المؤلفة قلوبهم. وربيعة جدُّهما أبو أبيهما هوذة، كان يدعى أنف الناقة. وليس بنوه الذين مدحهم الحطيئة؛ أولئك بنو قرَيع من تميم. وقد مضى ذكرهم. وولد خالد بن هوذة العدَّاء بن خالد: أسلم بعد حُنين، وحسُن إسلامه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 403 وهو القائل: قاتلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين. فلم يُظهرنا الله، ولم ينصرنا. من حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدَّث به الأصمعي قال: نا عثمان الشحَّام عن أبي رجاء العُطارديُِ عن العداء بن خالد قال: ألا أرئك كتابا كتبه لي رسول اللهصلى الله عليه وسلم، فإذا فيه مكتوب: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدا أو أمة شكَّ عثمان بياعة المسلم أو بيع المسلم المسلمَ لا داء ولا غائلة ولا خَبْثة " قال الأصمعي: سألت سعيد ابن أبي عَروبة عن الغائلة قال: الإباق والسرقة والزنا. وسألته عن الخَبثة، فقال: بيعُ أهل عهد المسلمين. وأما مُرَّةُ بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة فبنوه ينسبون إلى أمهم سَلول، وبها يُعرفون. وقال الزبير بن بكار: سَلولُ بنة شيبان بن ذهْلِ بن ثعلبة. ولدت بني مُرة بن صعصعة أخي عامر بن صعصعة قال: وأمُّ سلول من بني يَشْكر. وبنو سَلول رهطُ أبي مريم السلوليِّ، واسمه مالك بن ربيعة، وهو والد يزيد بن أبي مريم، بصري له صحبة. قال عليُّ بن المدينيِّ: له عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو عشرة أحاديث. ومن بني سلول قَرَدة بن نُفاثة السلوليُّ: كان شاعرا، وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة من بني سلول، فأمَّره عليهم بعد أن أسلم وأسلموا. فأنشأ يقول: بانَ الشبابُ فلم أحفِلْ به بالا ... وأقبلَ الشيبُ والإسلام إقبالا وقد أُروِّي نديمن من مُشعشعَةٍ ... وقد أُقلِّب أوراكاً وأكفالا الحمدُ لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى اكتسَيتُ من الإسلام سِرُبالا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 404 وقد قيل: إن البيت قوله: الحمد لله إذ لم يأتني أجاي للبيد، قاله أبو عبيدة وقال قردة أيضا: لا أسمعُ الصوت حتى أستديرَ له ... وحال بالسمع دون المنظرِ البصرُ وكنت أمشي على الساقينِ مُعتدلاً ... فصرتُ أمشي على ماُ تنبِتُ الشجرُ إذا أقوم عجنتُ الأرضَ متكئاً ... على البراجم حتى يذهبَ النَّفَرُ ومنهم بَشير بن نَهيك أبو الشَّعثاء السلولُّي: سمع أبا هريرة، وروى عنه النضْر بن أنس. سعد بن بكر بن هَوازن بن منصور، منهم ضِمامُ بن ثعلبة: وافد بني سعد بن بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه صحيح مشهور في دعائم الإسلام، أخرجه مسلم وغيره. روي عن ابن عباس وأبي هريرة وأنس بن مالك وطلحة، ولم يسمِّه طلحة. وطُرفه كلُّها صحاح. ومنهم حَليمة بنت أبي ذؤيب. وأبو ذؤيب هو عبد الله بن الحارث بن شَجْنة جابر بن رزام بن ناصرة بن قُصيَّة بن نصر بن سعد بن بكر بن هَوازن. وهي أمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته، حتى أكملت رضاعه. ورأت له بُرهانا وعلما جليلا. واسم أبيه الذي رضعه الحرث بن عبد العُزَّى بن رفاعة بن مِلاَّنَ بن ناصِرةَ بن قُصيَّة بن نصر بن سعد. روى زيدُ بن أسلم عن عطاء بن يَسار قال: جاءت حليمة بنة عبد الله أمُّ النبي عليه السلام من الرضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، فقام إليها، وبسط لها رداءه فجلست عليه. روت عن النبي عليه السلام، وروى عنها عبد الله بن جعفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 405 وبنتُها الشَّيماء: أخت النبي عليه السلام من الرضاعة. واسمها خذامةُ، وقيل: حُذامة. كانت في سبي هوازن، فجعل المسلمون يسيرون بها سيرا عنيفا. فكانت تقول: ارفقوا بي، فإني أخت صاحبكم. فلما رأت النبيَّصلى الله عليه وسلم أخبرته من هي. فسألها: " ما علامة ذلك؟ " قالت: عضَّة عضضتَنيِها في ظهري، وأنا مُتَورِّكتُك. فعرف النبي العلامة. فرحَّب بها، وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، كما فعل بحليمة أمِّها. ودمعت عيناه. وقال لها: " إن أحببتِ فأقيمي عندي مُكْرمة مُحَبَّة، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتُك ". فقالت: بل أرجع إلى قومي. فأسلمت، وأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أعبُد وجارية، وأعطاها نَعَما وشاء. ومن سعد بن بكر بن هوازن عَطيةُ بن عُروة السَّعدي: يُكنى أبا محمد. وقيل: عطيةُ بن عامر، والأول أكثر. روى عنه أهل اليمن والشام، وهو جدُّ عروة ابن محمد بن عطية. حدَّث محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: نا بشر بن بكر الحنبلي الدمشقي؛ نا عبد الرحمن بن حاتم عن عروة بن محمد بن عطية قال: حدثني أبي أن أباه أخبره قال: قدمت ...... " قال رسول الله .... " " فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ". وذكر أن عروة بن عطية كان أميرا لمروان بن محمد، وهو الذي قتل أبا حمزة الخارجيَّ، وقتل طالب الحق الأعور القائم باليمن. ومن بني بكر بن هوازن أبو وجْزةَ يزيدُ بن عُبيد السعدي: وكان شاعرا مُجيدا، كثير العلم فيمن حمل الحديث مثله في الشعر. وتوفي بالمدينة سنة ثلاثين ومئة. قَسِيُّ بن مُنبِّه بن بكر بن هوازن. وقسي هو ثقيف. وقيل: إن ثقيفا هو قسيُّ بن النَّبيت بن منبِّه بن منصور بن يَقدُم بن أقصى بن دَعْميِّ بن إياد بن معدِّ بن عدنان. قال أمية بن أبي الصَّلت الثقفي: فإمَّا تسألي عني لبَيْني ... وعن نسبي أُخبِّرْكِ اليقينا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 406 فإمَّا للنَّبيتِ أبي قَسِيٍّ ... لمنصور بن يَقدُمَ الأقْدَمِينا وقال أيضا: قَومي إيادٌ لو أَنَّهمْ أَمَمُ ... أَوْلَوْ أَقاموا فتُهْزَل النَّعمُ قومٌ لهمْ ساحةُ العراقِ إذا ... ساروا جميعاً والقطُّ والقلم وأنشد الحجاج هذين البيتين بين يدي عبد الملك بن مروان، فقال الحجاج: معاذ الله يا أمير المؤمنين نحن من قيس، ثابتة أصولنا، باسقة فروعنا، يعرف ذلك قومنا. وقد قال شاعرنا: وإنَّا معشرٌ من جِذْم قيسٍ ... فنِسْبتُنا ونسبتُهم سَواءُ همُ آباؤنا وبنوا علينا ... كما بُنيتْ على الأرضِ السماءُ وقيل: إن ثقيفا من بقايا ثمود. وكان الحجاج يُنكر هذا ويتلو: " وثمودا فما أبقى ". وأصحُّ شيء في ثقيف من جهة الإسناد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قاله فهو الحقُّ، وما حدَّث يحيى بن مَعِين قال: نا هشام بن يوسف ابن مَعْمر عن ابن خُثَيم، عن أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في غزوة تبوك وهو بالحجر فقال: " يأيها الناسُ لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح، فكانت ترد الناقةُ عليهم من هذا الفج، فتشْرب من مائهم، ويحلبُون من لبنها مثل الذي كانت تشربه من مائهم يوم ورودها، وتصدُر من هذا الفجِّ. فعَتَوا عن أمر ربِّهم، فعقرها. فوعدهم الله ثلاثة أيام، وكان وعدا غير مكذوب. فأخذتْهم الصيحة، فأهلك الله من تحت السماء في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 407 مشارق الأرض ومغاربها، إلا رجلا كان في حرم الله، فمنعه حرمُ الله ". قالوا: يا رسول الله، ومن هو؟ قال: " أبو رغال ". قالوا: ومن أبو رغال؟ قال: " هو أبو ثقيف ". ومن حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الطائف مرَّ بقبر أبي رغال فقال: " هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف. كان إذ أهلك الله قوم صالح في الحرم فمنعه الله، فلما خرج من الحرم رماه الله بقارعة، وآية ذلك أنه دُفن معه عمودٌ من ذهب ". فايتذر المسلمون قبره فنبشوه، واستخرجوا العمود منه. وقال حسان بن ثابت في ثقيف: إذا الثقفيُّ فاخرَكمْ فقولوا: ... هَلمَّ نعدُّ أمرَ أبي رِغالِ أبوكمْ أخبثُ الأحياءِ قِدْماً ... وأنتم مُشْبِهوهُ على مثالِ ومن زعم أن ثقيفا من إياد زَعم أنهم خلفاء قيس. وإنما صار حلفُ ثقيف إلى قيس، لأن أم قسيِّ بن مُنبِّه هي ابنةُ عامر بن الظَّرب العَدْواني. فكانت قيس أخوالهم، فحالفوهم، لأن دارهم مع دارهم. وكانت ثقيف قد نزلت دارا لم ينزل أحد من العرب أفضل منها، وحَمَوها في الجاهلية ممن رامها من جميع العرب. وممن قال إن ثقيفا حُلفاء قيس ابن إسحاق وغيره. والذي عليه أكثر جماعة أهل العلم بالنسب أن ثقيفا في قيس، وأن ثقيفا هو قَسيُّ بن مُنبِّه بن بكر بن هَوازن. فمن ثقيف عُروةُ بن مسعود بن مُعتٍّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عَوف بن ثقيف، أبو مسعود، وقيل: أبو يعفور. أسلم حين انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصار الطائف. أدركه قبل أن يصل إلى المدينة، وحسُن إسلامه. وكان محببَّا مُطاعا في ثقيف، وقتلوه حين دعاهمْ إلى الإسلام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 408 فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ مَثلَه في قومه كمثل صاحب ياسين في قومه ". وشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيسى بن مريم عليه السلام في حديث الإسراء. ومن بني عروة بن مسعود أبو مليح وعاصم .... وأما عاصمُ بن عُروة فولد يعقوب، وهو من التابعين. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاصي حديث " يخرج الدجَّال في أمتي فيمكث أربعين ". وهو حديث طويل خرَّجه مسلم. وكان لعروة أخ شقيق اسمه الأسودُ بن مسعود: مات مشركا. وابنه قاربُ بن الأسود: هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضي دين أبيه الأسود من مال الطاغية. فقال له عليه السلام: " إن الأسود مات مشركا ". فقال قارب: لكن تصل مسلما ذا قرابة يعني نفسه إنما الدَّين عليَّ، وأنا الذي أطلب به. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان فقضى دين الأسود من مال الطاغية. ومنهم عثمان بن أبي العاصي بن بشر بن دُهمان: وهو أحد وفد ثقيف، وكان حسن الإسلام راغبا في التفقُه في الدِّين. وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثقيف، وكان من أحدثهم سنا. وروى مُطرِّفُ بن عبد الله بن الشخِّير عن عثمان بن أبي العاصي، قال: كان آخر ماعهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني على ثقيف أن قال: " يا عثمان، تجاوز في الصلاة، واقدر الناس بأضعفهم، فأن فيهم الكبير والصغير وذا الحاجة ". ويكنى أبا عبد الله، ومات في خلافة معاوية، وكان ممَّن سكن البصرة. روى عنه أهلها وأهل المدينة أيضا. وعثمان بن أبي العاصي كان سبب امْتِساكِ ثقيف في حين ردة العرب عن الردة، لأنه قال لهم حين همُّوا بالرِّدة: يا معشر ثقيف، كنتم آخر الناس إسلاما، فلا تكونوا أول الناس ردة. وهو القائل: الناكح مُغْترس، فلينظر أين يضع غَرْسَه، فإنَّ عرق السَّوء لا بدَّ ينزع ولو بعد حين. وأمُّه أمُّ عثمان، واسمها فاطمة بنت عبد الله: روى عنها ابنها عثمان أنها شهدت ولادة آمنة بنت وهْب أمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحضرتْها حين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 409 وضعته، كان ذلك ليلا. قالت: فما شيء أنظر من البيت إلا نور ... ومن ولده أبو صفوان عثمان بن عمرو بن صفوان بن عبد الله بن عثمان ابن أبي العاصي: سمع سفيان الثوريَّ. ومنهم عبد يالِيل بن عمرو بن عُمير بن عوف بن عُقدة بن غيرة بن عوف ابن عوف بن ثقيف. وعمرو بن عمير: أبوه، هو عظيم القريتين، وسيد ثقيف. يكنى أبا مسعود. والقريتان مكة والطائف. وفيه الوليد بن المغيرة أنزل الله تعالى: " وقالوا: لولا نُزِّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم ". وهو وأخوه مسعود وحبيب هم الذين عَمد إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة وأتى الطائف قبل الهجرة رغبة في إسلامهم، وأن يمنعوه حتى يظهر ما أرسل به. فردُّوا عليه أقبح ردٍّ، وأغرَوا به سفهاءهم. والخبرُ بذلك مُستوفي في السِّير. وأسلم عبد يالِيل، وهو أحد وفد ثقيف. ومنهم أبو مِحْجنٍ الشاعر الشجاع، وهو من الصحابة. واسمه مالك بن حبيب بن عمرو بن عُمير. وقيل: عبد الله بن حبيب، وقيل: اسمه كُنْيتُه. وجدُّه الأقرب أبو أبيه عمرو بن عُمير هو عظيم القريتين المذكور آنفا. وكان أبو محجن من الشجعان الأبطال في الجاهلية والإسلام، ومن الفرسان البُهْم. وكان شاعرا مطبوعا كريما، إلا أنه كان مُنهمكا في الشرب، لا يكاد يُقلع عنه، ولا يردعُه حدٌّ ولا لومُ لائم. وخبره مع سعد بن أبي وقاص في حرب القادسية مشهور. ومنهم الشريدُ بن سُويد الثقفي: وهو من الصحابة. روى عنه ابنه عمرو ابن الشريد ويعقوب بن عاصم .... ومن ثقيف المغيرةُ بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن مُعتِّب. وأبوه شعبة ابن أخي عروة بن مسعود. شهد المغيرة بيعة الرضوان، وشهد اليمامة، وفتوح يسار وأبو محمد بن سيرين من سَبْي مَيْسان. وشهد نهاوند، وكان على ميسرة النعمان بن مقِّرن. وهو أول من وضع ديوان البصرة. ويقال إنه أحصن ثمانين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 410 امرأة. ويكنى أبا عبد الله، ومات بالكوفة وهو أميرها سنة خمسين. وقال حين حضرته الوفاة: اللهمَّ هذه يميني بايعت بها نبيَّك، وجاهدت بها في سبيلك. وولده عُروةُ بن المغيرة: يكنى أبا يَعْفور، وكان خيِّرأ. وروى عن أبيه المغيرة حديث المسح على الخُفَّين، وهو حديث صحيح مشهور. ومنهم أبو عُبيدِ بن مسعود بن عَمرو بن عُمير: وهو ابن عمِّ أبي مِحْجن لحّا، لا تَعلمُ له رواية عن النبي عليه السلام. قُتل في أول خلافة عمر هو وابنه جَبْر بن عُبيد يوم الجِسر، وهو صاحب يوم الجسر المعروف بجسر أبي عُبيد. وهو والدُ صفية بنت أبي عبيد والمختار بن أبي عبيد. واستُشهد أبو عبيد يوم الجسر في آخر شهر رمضان من سنة ثلاث عشرة. واستُشهد معه يومئذ من المسلمين ألف وثمانمئة بين قتيل وغريق، رحمهم الله. وقد قيل إن الفيل بَرك يومئذ على أبي عُبيد فقتله بعد نكاية كانت منه في المشركين. وقيل إن أبا عبيد ضرب مِشفَرَ الفيل، وضرب أبو مِحْجن عُرقوبه. وأوصى أبو عُبيد إلى عمر بن الخطاب، ورثاه أبو مِحْجن. ووُلد ابنه المختار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان غير مختار. وولاَّه عبد الله بن الزبير الكوفة، فخلع ابن الزبير، ودعا لمحمد بن الحنفية. وكان المختار لا يُوقف له مَذْهب؛ كان خارجيا، ثم صار زُبيريا، ثم صار رافضيا في ظاهره وإليه تُنسب الكَيْسانية من الرافضة، وهم أصحابه. وكان لقبُ المختار كَيسان. وكان يدَّعى أنه يُلهم ضربا من السجع لأمور تكون، ثم يحتال فيوقعها. فيقول للناس: هذا من عند الله. فمن ذلك قوله ذات يوم: لتنزلَنَّ من السماء نارٌ دَهماء، فلتحرقنَّ دارَ أسماء. فذُكر ذلك لأسماء بن خارجة، فقالت: أقد سَجع لي أبو إسحاق؟ هو والله مُحرِقُ داري، فتركته والدارَ وهرب من الكوفة. ومن سجعه: إني أجدُ في محكم الكتاب وفي اليقين والصواب أن الله مؤيِّدُكم بملائكة غضاب تأتي في صُورَ الحمام دمن السحاب. وقصةُ مكيدته بهذه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 411 الحمام مشهورة ذكرها المبرِّ في " الكامل ". وحصر مصعب بن الزبير المختار في قصره بالكوفة، ثم قُتل، قتلهُ صرَّاف بن يزيد الحنفيُّ. وكانت بنت سمرة بن جُندب عند المختار، وله منها ابنان: إسحاق ومحمد، وله من غيرها بنون، وأعقب بالكوفة كثيرا. وكانت أيضا تحته بنت النعمان بن بشير، وهي التي قتلها المصعب، لأنها لم تتبرَّأ من المختار، كما تبرّأت بنت سمُرةَ منه. وفي ذلك يقول عمر بن أبي ربيعة: إنَّ من أكبر الكبائر عندي ... قتلَ حسناء غادةٍ عُطبولِ قُتلتْ باطلاً على غيرِ ذنبٍ ... إنَّ للهِ درَّها من قَتيلِ كُتب القتلُ والقتالُ علينا ... وعلى الغانياتِ جَرُّ الذيولِ ومنهم أبو بَصير عُتبةُ بن أسِيد بن جارية بن أسيد بن عبد الله بن سلمة ابن عبد الله بن غيرة بن عَوف بن قَسِي: وهو ثقيف، حليفُ بني زهرة من قريش بعد صلح الحديبية بمكة. وقدِم المدينة، فأرسلت قريش في طلبه رجلين: أحدهما من بني عامر بن لؤي. والآخر: مَولى لهم. فدفعه النبيُّ عليه السلام إلى الرجلين للعهد الذي كان في عقد الصلح. فخرجا حتى بلغا به " ذا الحُليفة ". فقَتل أبو بَصير العامريَّ بها، وهرب المولى حتى قدِم المدينة. فقال النبي عليه السلام حين رأى المولى: " لقد عاد هذا ذُعراً ". وانتهى أبو بصير إلى النبي عليه السلام، فقال: يا رسول الله، قد والله وفت ذمَّتك فرددتَني إليهم، وأنجاني الله منهم. فقال النبي عليه السلام: " ويلُ أُمهِ مِسعَرُ حربٍ، لو كان له أحد ". وفي رواية: " لو كان معه رجال ". فلما سمع ذلك علم أنه سيردُّ إلى قريش، فخرج حتى أتى سِيفَ البحر بالعِيص. وأفلت أبو جندل بن سُهيل بن عمرو من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 412 حبس أبيه بمكة، فلحق به. وخبرُهما بالعيص مشهور قد ذكرتُه قبلُ عند ذكر سُهيل والِد أبي جند في بني عامر بن لؤي من قريش. ومات أبو بصير بالعيص، وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث إليه وإلى أبي جندل ليقدما عليه ومَن معهما من المسلمين بيده " فقرأه أبو جندل وأبو بصير مريض، فمات، فدفنه " أبو بصير مكانه، وصلى عليه، وبنى على قبره مسجداً. ومنهم غَيلان بن سَلمة أبو شُرحبيلَ الثقفيُّ: أسلم مع أهل الطائف، وكان عنده عشرُ نسوةٍ،. فأَمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخيَّر منهن أربعاً. وهو غيلانُ بن سَلمة بن مُعتِّب، ابنُ عمِّ عروةَ بن مسعودٍ بن مُعتِّب. وكان أحدَ وجوهِ ثقيفٍ ومقدَّميهم. وفد على كسرى، وخبرُه معه عجيب مشهور. وكان شاعراً مُسناً. وابنتُه باديةُ بنت غَيلانَ: هي التي نعتَها الحنَّث " هِيتٌ " لمولاهُ عبد الله بن أبي أميَّةَ في بيت أمِّ سَلمةَ أختِه زوج النبي عليه السلام. فقال: إنْ فتح الله عليكم الطائف غداً فإني أدلُّك على بنتِ غيلانَ، فإنها تُقْبِل بأربعٍ، وتُدبرُ بثمان. فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: " لا يدخل هؤلاء عليكنَّ ". وتوفي غَيلانُ في آخر خلافة عمر. وأمُّه سُبيعةُ بنت عبد شمس. وابنه شُرحبيل بن غيلان: أحدُ وفِد ثقيف، وكان من وجوههم، وله صحبة، ولأبيه غيلانَ أيضاً صحبة. وزاد له القاضي..أبو الوليد الباجي، رحمه اله، ابناً على طريق الغَلط، وذلك أنه قال في كتاب " السَّنن والسُّنن " له، قال: المعذَّلُ بن غَيلانَ بن سَلمة الثقفي وأنشد له: ولستُ بميَّال إلى جانب الغِنى ... إذا كانتِ العَلياءُ في جانب الفَقْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 413 وإني لصبَّارٌ على ما يَنوبُني ... وحسبُك أَنَّ الله أَثنى على الصَّبْرِ وهذان البيتان إنَّما هما للمعذَّل بن غيلانَ بن الحكم الرَّبَعي، وقد ذكرتُه. ومن بني غَيلانَ عمرو بن غيلانَ: وحديثه عند أهل الشام، ليس بالقَوي. وكان يُكنى أبا عبد الله بابنه. وكان عبد الله ابنه من كبار رجال معاوية، ولاهُ البصرةَ بعد موت زيادٍ حين عزَل سمُرةَ بن جُندبَب عنها. فأقامَ أميرَها ستةَ أشهر، ثم عزله، وولاَّها عُبيدَ بن زياد. فلم يزل واليها حتى ماتَ، فأقرَّه يزيد. ومن بنيه نافعُ بن غيلانَ: استُشهد مع خالد بن الوليد بدومةِ الجندل، فجزِع عليه أخوهُ جزعاً شديداً، ورثاهُ بأبياتٍ كثيرة منها قولُه: ما بالُ عيني لا تُغمِّضُ ساعةً ... إلا اعْترتني عَبرة تَغشاني يا نافعٌ مَن للفوارس أحجمت ... عن شدَّةٍ مَذكورةٍ وطِعانِ لو أستطيع جعلتُ مني نافعاً ... بين اللهاةِ وبينَ عَقدِ لساني وبنتُه حُكيمةُ بنت غَيلانَ: كانت تحت يعلى بن مُرَّةَ بن وهْب بن جابر الثقفي، روت عنه. واسمُ أم يعلى سيابة. فرما نُسب إليها، فقيل يعلى بن سَيابة، يُكنى أبا المرزام. " وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم الحديبية وخيبرَ والفتح وحُنيناً والطائف. روى عنه ابنه عبد الله بن يعلى والمُنْهال بن عمرو وغيرهما. يعدُّ في الكوفيين. ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي بن الحكم بن أبي عَقيل بن مسعود بن عامر بن مُعتِّب بن مالك بن كعب: من الأحلاف. يجتمع مع عروة بن مسعود في معتِّب بن مالك. وأخبارُه أشهرُ من أن تُذكر. وولاَّهُ عبد الملك بن مروان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 414 الحجازَ ثلاثَ سنينَ بعد قتل عبد الله بن الزبير، فكان يصلي بالموسم كلَّ سنة. وصلَّى وراءه عبد الله بن عمر منها موسماً، ثم ولاهُ العراق، وهو ابنُ ثلاثٍ وثلاثين سنةً، فوليَها عشرين سنة، وأصلحها، وذلَّل أهلها. وروى أبو اليَمان عن جرير بن عثمانَ، عن عبد الرحمن بن مَيسرةَ، عن أبي عَذَبة الحَضْرميِّ قال: قدمتُ على عمر بن الخطاب رابعَ أربعةٍ من أهل الشام، ونحن حجاج. فبينا نحن عنده أتاهُ خبرٌ من أهل العراقِ بأنهم قد حَصَبوا إمامَهم، فخرج إلى الصلاة ثم قال: مَن هاهنا من أهل الشامِ؟ فقمتُ أنا وأصحابي فقال: يا أهل الشام تجهزَّوا لأهل العراق، فإن الشيطان قد باضَ فيهم وفرَّخ. ثم قال: اللهمَّ إنهم قد لَبَسوا عليَّ فالبَس عليهم. اللهم عجِّل لهم الغلامَ الثقفيَّ الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية، لا يقبل من مُحسنِهم، ولا يتجاوز عن مُسيئهم. وكان الحجاجُ أخفشَ دقيقَ الصوت. وأولُ ولايةٍ وَلَيها الحجاجُ تَبالةَ. فلما رآها احتقرها، وانصرف. فقيل في المثل: " أهونُ من تَبالةَ على الحجاج ". وهَلك بواسطَ فدُفن بها، وعُفِّيَ قبرُه، وأُجرىَ عليه الماءُ. وكانت وفاتُه سنة خمسٍ وتسعينَ، وهو ابن ثلاثٍ وخمسين. وكان الحجاجُ يُسمَّى كُليباُ في صغره، وكان يعلم الصبيان في الطائف. فقيل فيه: أيُكنى كليبٌ زمانَ الهُزالِ ... وتعليمَه سورةَ الكوثرِ؟ رغيف له فُلكةٌ ما تُرى ... وآخرُ كالقمر الأزهرِ يعني القائل أن خبز المعلمين مختلِف. وأبوهُ يوسُف أيضاً كان معلماً ... ومنهم يوسُف بن عمر بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل: ابن عمر الحجاج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 415 ابن يوسف، يجمعه وإياه الحكَمُ بن أبي عقيل، وكان يُكنى أبا عبد الله. ووليَ اليمن لهشامٍ، ثم ولاَّهُ العراق ومُحاسبة خالد بن عبد الله القسري وعُمَّالهِ، فعذبهم. فمات خالدٌ في عذابه، ومات بلال بن أبي بُردةَ في عذابه. فلما قُتل الوليد بن يزيدَ هربَ فلُحق بالشام، فأُخذ بالشام وحُبس، ثم قُتل في الحبس. وكان يزيدُ بن خالد بن عبد الله فيمن قتلَه بأبيه. وكان له عقب بالشام. ومنهم قُتيبة بن سَعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي أبو رجاء. وهو من جلَّة المحدِّثين الحُفاظ الثقات الفضلاء. رَوى عن مالكٍ والليث وسفيانَ ابن عُيينةَ وعمَّه أبي محمد الوسيم بن جميل بن طريف وعبد العزيز بن محمد الدَّرواورْي ويحيى بن زكرياء بن ابي زائدة الهمْداني وجعفر بن سُليمانَ الضُّبعي وجرير بن حازم الجهضمي وبكر بن مُضرَ المدْحجي وحفص بن غياث النَّخعيِّ وأبي الأحوص سلام بن سُليم وحمَّاد بن زيد والوضاحِ بن أبي عَوانةَ ويعقوبَ بن عبد الرحمن القاريِّ وغيرهم. وروى عنه الأئمة: البخاريُّ ومسلم والترمذيُّ وأبو داود والنَّسائيُّ. وعُمِّر عُمراً طويلاً، وانتُفع به، جدَّد الله عليه رحمته ورِضوانه. ومن ثقيف الأخنس بن شريف بن عمرو بن وهب حليف بني زهرة. وكان شريفاً فيهم، مطاعاً فيما يقول. وهو ردَّ بني زهرة عن حضور بدرٍ، فلم يشهد زهريٌّ مع المشركين وقعة بدر. وكان يصيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرد عليه بمكة. وفيه أنزل الله تعالى:) ولاتُطعْ كلَّ حلاَّف مَهين، همَّازٍ مشَّاءٍ بنميمٍ، منَّاعٍ للخير، مُعتدٍ أثيم، عُتُلٍّ بعد ذلك زَنيمٍ (. ولم يقل) زنيمٍ (لعيب في نسبه؛ إن الله تعالى لا يعيب أحداً بنسب، ولكن حقَّق الله تعالى بذلك نعْتَه ليُعرف. والزنيم: الدخيل في القوم، وليس منهم. قال الخطيم التميميُّ في الجاهلية: زَنيمٌ تداعاه الرجالُ زيادة ... كما زيدَ في عَرض الأديمِ الأكارعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 416 وفيه قيلَ: قد نضَّرَ الله وفرَّ الأخنسُ وابنه المغيرة بن الأخنس: كان من خيار المسلمين، وقُتل يوم الدار قبل قتل عثمان، رضي الله عنهما. ومن ولد المغيرة يعقوب بن عُتبة بن المغيرة: روى عنه ابن إسحاق صاحبُ السيرة. ومنهم أبو محمد عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري: روى عن أيُّوب السَّختياني وغيره من جلَّة المحدِّثين. وخرج مسلم عن رجل عنه في صحيحه كثيراً. ومات سنة أربع وتسعين ومئة. وفي ابنه عبد المجيد كان يتغزل محمد بن مُناذِر الشاعر، ورثاه بقصيدة طويلة، وهي من حُلو المراثي وحَسَن التأبين. وكان ابن مُناذرٍ فَهِماً مُقدماً، وشاعراً مفْلقاً، وخطيباً مِصقعاً .... قوة كلام العرب بروايته وأدبه وحلاوة كلام المحدثين بعصره ومُشاهدته. ومن موالي ثقيف عبد الله بن أبي نُجيح: واسم أبي نُجيح يسار. وكان عبد الله مفتي مكة بعد عطاء. ومات أبو نجيح سنة تسعٍ ومئة، ومات عبد الله ابنه سنة اثنتين وثلاثين ومئة. مازن بن منصور: أخو هوازن وسُليم. فمن بني مازن بن منصور عُتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نُسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن المنصور: حليف بني نوفل بن عبد منافٍ. يُكنى أبا عبد الله. كان إسلامه بعد ستة رجال؛ فهو سابعُ سبعة في إسلامه. وقد قال ذلك في خطبته المشهورة بالبصرة: لقد رأيتُني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالنا طعامٌ إلا روق السَّمُر، حتى قرِحتْ أشداقُنا. فالتقطت بُردةً، فشققتها بيني وبين سعد بن مالكٍ، فاتَّزرت ببعضها واتزر ببعضها. فما أصبح منا اليوم واحدٌ إلا وهو أمير على مصرٍ من الأمصار. وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً عند الناس صغيراً. وإنها لم تكن نُبوءة إلا تناسختْ حتى تكونَ عاقبتُها مُلكاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 417 وعتبة بن غزوان اختطَّ البصرة، وهو أولُ من نزلها من المسلمين. وأمر مِحْجنَ ابن الأدرع، فخطَّ مسجدَ البصرو الأعظم. وهاجر إلى أرض الحبشة، وهو ابن أربعين سنةً، ثم قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بمكة. وأقام معه حتى هاجر إلى المدينة مع المقداد بن عمرو، ثم شهد بدراً والمشاهد كلَّها. ومات في خلافة عمر، وهو ابن سبع وخمسين سنةً. ومنهم عبد الله بن بُسْر المازني: من مازن بن منصور في قيس. يُكْنى أبا بُسْر، وقيل: يُكنى أبا صفوان. مات بالشام سنة ثمان وثمانين، وهو ابن أربع وتسعين سنةً. وهو آخر من مات بالشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى عنه الشاميُّون: خالد بن مَعْدان ويزيد بن حُمير وسُليم بن عامر وراشد بن سَعدٍ وأبو الزَّاهرية ولقمان بن عامر ومحمد بن زيادٍ، فقال إنه ممَّن صلى القبلتين. وأخته الصمَّاء بنت بسر: واسمها " بُهَيَّة "، قال ذلك محمد بن القاسم الطاهريُّ. ويقال: بُهَيمة، بزيادة ميم، ذكره الدارَقُطني. رَوت عن النبي عليه السلام أنه نهى عن صيام السبت إلا في فريضة. انقضى ذكر ولدِ مضر جملةً وتفصيلاً والحمد لله كما يجب لجلاله بُكرةً وأصيلاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 418 نزار بن مًعدّ بن عدنان ولد نِزار بن مَعَدٍّ مضر وربيعةَ وإياداً وأنماراً. وأكثر أهل العلم بالنسب يقولون: إن أنمارا هو أبو بَجيلة وخَثعم لحق بأرض اليمن، فانتمى بنوه على جهلٍ منهم إلى أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث بن النَّبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. وعمرو بن الغوث أخو الأزد بن الغوث. وقال ابن عباس وجُبير بن مطْعِم: إن خثعم وبَجيلة ابنا أنمار بن نزار، وهو قول اسحاق ومُصعب الزبيري. واحتجَّ من قال ذلك بقول جرير بن عبد الله البجليِّ، وكان سيِّد بَجِيلة يخاطب الأقرع بن حابسٍ وعُيينة بن حصنٍ من مضرَ بن نزارٍ. ابْنَيْ نزار بن انصُرا أخاكما ... إنَّ أبي وجدتُه أباكما لا تخذلا اليومَ أخا والاكُما وقال بنسبتهم إلى اليمن جماعة من أهل العلم بالنسب، منهم ابنُ الكلبي. واحتجَّ من قال بهذا القول بما روى فروة بن مُسَيكٍ القُطيفيُّ المُراديُّ عن النبي عليه السلام. قال فروة: قلتُ يا رسول الله، أقاتل مَنْ أدْبَر من 188 قومي بمن أقبل منهم، وأقاتلُ أهل سبأ؟ قال: " نعم ". قال قلت: يا رسول الله، أخبرني عن سبأ ما هو؟ أرجلٌ أم مرأة أم أرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس بأرض ولا امرأةٍ، ولكنه رجلٌ وَلد عشرةً من العرب، تيامَن منهم ستة، وتشاءم منم أربعة. فأما الذين تشاءموا فلخمٌ وجذامُ وغسانُ وعاملةُ. وأما الذين تيامنوا فالأزدُ وحِمْير والأشعريون ومَذحِجُ وأنمارٌ ". فقال رجل: يا رسول الله أيُّ أنمار؟ قال عليه السلام: " التي فيها بَجيلة وخَثْعم ". وخثعم اسمه " أفتل "، سُمِّي باسم جَمَلٍ له، يقال له خثعم. وبجيلة نُسبوا الى أمهم بجيلة بنت مصعب بن سعدِ العشيرة. وأبوهم عبقر بن أنمار بن إراشٍ. وقد تقدَّم ذكر مضر وبنيه. وأما ربيعة بن نزار فإن العرب وجميع أهل العلم بالنسب أجمعوا على أن اللباب والصريح من ولد اسماعيل بن ابراهيم صلى عليهما ربيعة ومضر ابنا نزار بن معدِّ بن عدنان لا خلاف في ذلك. ويقال لربيعة ربيعة الفرس، ولمضر مضر الحمرا، ولإياد إياد العصا، ولأنمار أنمار الحمار. والخبرُ في تسميتهما بذلك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 419 يطول لاختلاف الحكاية عنه، فلم أوردْه، إذ لا فائدة في إيراده مُهمّة. وقصتهم مع أفعى نجرانَ مشهورة. فولد ربيعةُ بن نزار ضُبيعة بن رَبيعة، وفيهم كان بيتُ ربيعة وشرفها. منهم شِيحةُ بن عبد الله بن قيس: أبو حِبَرَة، وكان من أصحاب علي، وسمع منه. روى عنه المثنَّى بن سعيد، ومات بالبصرة هَرَماً، ولم يُعْقِب. ومنهم أبو جَمرة: صاحبُ ابن عباسٍ، واسمه نصرُ بن عمران بن عصام. روى عنه شعبة وحماد بن زيد. ومات بالبصرة، وأعقب بها. وقال مسلم في صحيحه: مات أبو جمرة بسرخس. والأول قول ابن قُتيبة، وأبوه عمران بن عصامٍ ذكَّره بعضُ أهل هذا الشأن في الصحابة. ومنهم مَن لم يُصحِّح له صحبةً. وكان قاصَّاً بالبصرة، روى عنه أبو جمرة وقتادة وأبو التيَّأح وغيرهم أكثر روايته عن عِمران بن حُصين. ومنهم المتلمِّس: واسمه جرير بن عبد المسيح، صاحبُ طرفة بن العبد الذي يقول: أوْدَى الذي علِق الصحيفة منهما ... ونجا حِذارَ حبائه المتلمِّسُ وهو القائل: ألقى الصحيفةَ كي يخفِّفَ رَحلَهُ ... والزادَ حتى نعلَهُ ألقاها وقصةُ المتلمِّس وطرفة مع عمرو بن هند مضرِّطِ الحجارة مشهورةٌ ذكرها ابنُ قتيبة في آخر كتاب " المعارف " مختصرةٌ، وذكرها في كتاب " الشعراء " بكمالها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 420 ومنهم الحارث بن عبد الله الأضجم: وكان سيد ضُبيعة في الجاهلية، وحكم ربيعة في دهره. وله يقول الشاعر: قَلوصُ الظلامةِ من وائلٍ ... تُردُّ إلى الحارث الأضجم وكان يُقال لضُبيعة بن ربيعة " ضُبيعة أضجم " بالحرث الأضجم هذا، وهو لقبهم. قال حاجب بن زُرارة لما قَتَل أخاه علقمة بنو ضُبيعة بن قيس بن ثعلبة. فقَتَل به حاجبٌ أشْيم بن شراحيل القيسيِّ الضُّبَعيِّ: فإن تَقْتلوا منا كريماً فإنَّنا ... أبأْنا به مأوَى الصعاليك أشْيَما قَتلْنا به خيرَ الضُّبيعاتِ كلِّها ... ضُبيعةَ قيسٍ لا ضُبيعة أضجما وكان يُقال لأشْيمَ مأوى الصعاليك. ومنهم المسيِّب بن عَلَس الشاعر، والمُرقِّشانِ الأكبر والأصغر؛ الأكبر عمُّ الأصغر والمرقش الأصغر عمُّ طرفة بن العبد بن سفيان. وولد ربيعةُ أسداً، ومنه تشعَّبت قبائل ربيعة. فوَلد أسدٌ عَنَزة، واسمه عامرٌ. وسُمِّيَ عَنَزَة لأنه قَتل رجلاً بعنزة، وجَديلة. فوَلَد عنزة ولدان يَقدُمَ ويَذكُرَ. فمنهما تفرَّقَت عَنزة. فمن يَذكرَ بن عَنَزَة كِدامُ بن جَبَّان من بني هُمَيم: كان من خيار التابعين من أصحاب عليِّ بن أبي طالب. وعبدُ الرحمن بن حسان: من بني هُميم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 421 أيضاً وكان من خيار أصحاب علي رضي الله عنه. ويذكر هو الذي قال فيه بِشر بن أبي خازم لابنته عند موته: فرجِّي الخَيْر وانتظري إيابي ... إذا ما القارظ العَنَزيُّ آبا وخبره في القَرظ واشتيار العسل مشهور، وهو القارظ الأكبر. وفيه وفى القارظ الأصغر يقول أبو ذؤيب الهذلي: وحتى يؤوب القارظانِ كِلاهما ... ويُنشَرَ في القتلى كُليبٌ لوائلِ واسمُ القارظ الأصغر، وهو أيضاً من عنزة، ... وقال ابن قُتيبة: هو أبو رُهْمٍ، ولم يذكر له أباً. ومن بني يَقدُمَ بن عنزة رشيدُ بن بغيضٍ الشاعر، وعِمران بن عصامٍ الذي قتله الحجاج. ومن عنزة ضبة بن محِصَنٍ العنزي: وهو من كبار التابعين. روى عنه الحسن البصري، وروى هو عن أمِّ سلمة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها. مسلم: حدثني أبو غسَّان المِسْمعيُّ ومحمد بن بشارٍ، واللفظ لأبي غسان قال: نا معاذٌ، وهو ابن هشام الدَّسْتوانيُّ قال: حدثني أبي عن قتادة عن الحسن، عن ضبَّة بن مِحْصن العنزيِّ، عن أم سَلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يُستعملُ عليكم أمراء، فتَعرِفون وتُنكرون. فمن كرِه فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رَضيَ وتابع ". قالوا يا رسول الله، ألا نُقاتلهم؟. قال: " لا، ما صلَّوا ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 422 وعن ضبة بن مِحْصنٍ العنزي قال: كان علينا أبو موسى الأشعري أميراً بالبصرة من قبل عمر. فكان إذا خطب يوم الجمعة فحمد الله، وأثنى عليه، وصلى على النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنشأ يدعو لعمر ويترك أبا بكرٍ. فكنت أعترضه في الخطبة، وأقول له أين أنت من صاحبه بفضله عليه؟ ففعلت ذلك جُمَعاً فكتب إلى عمر يشكوني. فأمر عمر أن أُحمل إليه على البريد. فلما بلغت المدينة قرعتُ على عمر الباب، فقال: مَن هذا؟ فقلت: ضبةُ بن مِحْصن. فقال: لا مرحباً ولا أهلاً. فقلت يا أمير المؤمنين، أمَّا المرْحَبُ فمن الله، وأما الأهل فلا أهل ولا مال، فما الذي أحل لك إشخاصي من مِصْري؟ قال: ما شَجر بينك وبين عاملي. فقلتُ: يا أمير المؤمنين إنه كان إذا خطب يوم الجمعة فحمِد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم أنشأ يدعو لك، ويترك أبا بكر. فكنت أقول له: أين أنت من صاحبه تُفضِّله عليه فاندفع عمر باكياً، قال: هل أنت غافرٌ لي يرحمُك الله؟ فقلت: غفر الله لك يا أمير المؤمنين. ثم قال: والله لَليلة من ليالي أبي بكر، ويومٌ من أيامه خيرٌ من عمر وآل عمر. ثمَّ أحسن صلتي وردَّني مُكرَّماً. وكتب إلى أبي موسى الأشعري يلومه. ومن عنزة أبو موسى محمد بن المثنى العنزيُّ: الزَّمِنُ. سمع ابن أبي عدي وغُنْدَراً. روى عنه البخاري ومسلم والترمذيُّ والنسائي وأبو داود والطبري. اسم ابن أبي عدي محمد، واسم أبيه أبي عديٍّ ابراهيم. واسم غُندرٍ محمد بن جعفر مولى هُذيل. وتوفي سنة أربع وتسعين ومئة. ومن موالي عنزة عمار بن شدّاد: وكان أيوب السختياني مولى بني عمار بن شداد. فأيوب مولى موالٍ. وهو أيوب بن أبي تميمة: واسم أبي تميمة كيسان، وكان يُكنى أبا بكرٍ. رأى أنس بن مالك، وروى عنه مالك وابن عُيينة وابن عُلية وغيرهم من الجِلَّة. وروى أيوب عن الحسن وعكرمة وغيرهما من التابعين. قال الحسن: أيوب سيد شباب أهل البصرة. وقال هشام بن عروة: ما رأيت بالبصرة مثل ذلك السَّختياني. قال شعبة: أيوب سيد الفقهاء. وكان يبيع جلود السختيان. وأما جديلة فمن وله عبد القيس بن أفْصَى بن دُعُمِيِّ بن جديلة بن أسدٍ، وهِنْبُ بن أفصى. ومن ولد عبد القيس أفْصى ولُكير. فوَلد أفصى شَنّاً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 423 فمن شنِّ بن أفْصى بن عبد القيس رئابُ بن زيد بن عمرو بن جابر بن ضُبَيب: كان ممَّن وحَّد الله في الجاهلية. وسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم وفْد عبد القيس. وكان يُسقى قبرُ كلِّ من مات من ولده، وفي ذلك يقول الحُجير بن عبد الله: ومنَّا الذي بالغيث يُعرَف نسلُه ... إذا مات منهم ميِّتٌ جِيدَ بالقطْرِ رِئابٌ وأنَّى للبريَّةِ كلِّها ... بمثل رئابٍ حين يخطِرُ بالسُّمْرِ وقال ابن قتيبة: هو رئاب بن البراء، وكان على دين عيسى. وسمعوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي: خيرُ أهل الأرض ثلاثة: رئابٌ الشَّينيُّ، وبَحيرا الراهبُ، وآخر لم يأتِ بعد؛ يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وكان لا يموتُ أحدٌ من وِلدِ رئاب إلا رأوا على قبر طشَّاً. ومن لُكيز بن أفصى أخي شَنٍّ الممزَّق الشاعر: وهو شأس بن نهار الذي يقول: فإنْ كنتُ مأكولاً فكن خيرَ آكلٍ ... وإلا فأدْرِكني ولمَّا أُمزَّقِ ومنهم حُطَيمُ بن جَبَلَة: ويقالُ حُكيم. أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ويُعلم له سماعٌ منه ولا رواية. وهو من أصحاب علي رضي الله عنه. وقُتل قبل وقعة الجمل بأيامٍ بالبصرة قبل قدوم علي رضي الله عنه، وذلك أنه لما بلغه ما فعل ابن الزبير وأصحابه بعثمان بن حُنيف قال: لستُ أخاه إن لم أنصُرْه. فخرج في سبعمئةٍ من عبد القيس، فقاتلهم حتى أخرجهم من القصر. ثم كرُّوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 424 عليه فقاتل حتى قُطعت رجله، فأخذها، ثم زحف إلى الذي قطعها. فلم يزل يضربه بها حتى قتله. وقال: يانفسُ لن تُراعِي ... إنْ قُطعتْ كُراعي إنَّ معي ذراعي قال أبو عبيدة: وليس يُعرف في جاهلية ولا إسلام مَن فعل مثل فعله. ويقال: إنه لما قَتل الذي قطع رجله توسَّده. ثم كان إذا مرَّ عليه ممَّن شهِد القتال فسأله: من قطع رِِجلَكَ يا حكيمُ؟ فيقول وسادي هذا. ومنهم الجارود العبديُّ: وهو سيد عبد القيس، واسمه بشر بن عمروٍ. ويقال: الجارود بن المعلَّى بن حَنَشٍ. قدِم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسعٍ في جماعةٍ من عبد القيس، فأسلم وحسُن إسلامه. وابنه المنذر بن جارود: ولي اصطخر لعليِّ بن أبي طالب. وابنه الحكم بن المنذر: سيد عبد القيس. وقد قيل: يا حَكَم بن المنذر بن الجارودْ ... سُرادقُ المجدِ عليكَ ممدودْ أنتَ الجوادُ بنُ الجوادِ المحمودْ ... نبتَّ في الجود وفي بيت الجودْ والعودُ قد ينبُتُ في أصل العودْ ومن عصر بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن وديعة بن لُكيز الأشجع العَصَريُّ: واسمه منذر بن عائذ، وكان سيِّد قومه، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد عبد القيس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أشجُّ، إنَّ فيك خصلتان يحبُّهما الله ورسوله ". قلت: وما هما؟ قال: " الحلم والأناة ". ورُوي: " الحلم والحياء ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 425 وعَصَرُ بن عَوفٍ: أخو جَذيمة بن عوف رهطِ الجارود. ومن عَصَرٍ خُليد بن حسَّان العَصَريُّ: أبو حسان. روى عن الحسن، وروى عنه خازم بن خُزيمة. ومنهم خُليد بن عبد الله العَصَري أبو سليمان. روى عن أبي الدَّرداء. ومن عَصَر أيضاً عَمرو بن مَرحوم: الذي كان المتلمِّس يمدحه. ومن بطون لُكيزٍ: الدِّيل وعِجل ومحارب بنو وديعة بن لكير. فمن بني الدِّيل سُحيم بن عبد الله بن الحارث: كان أحد السبعة الذين عبروا دجلة مع سعد بن أبي وقاص. ومن بني محارب عبد الله بن هَمّام بن امرئ القيس: وفد على النبي عليه السلام. ومن بني عجل صَعصعةُ بن صُوحان، وزيد بن صوحان، وشِيحان بن صوحان. وكانوا خطباء فضلاء من خيار أصحاب علي رضي الله عنه. شهدوا الجمل معه. وقتل زيدٌ وشيحانُ يومئذ. وكان صعصعة أخطبَهُم، وكان فصيحاً لسِناً بليغاً ديّناً فاضلاً. ومن بطون لُكيز السَّحْتَنُ: ذكر عليُّ بن عمر عن ابن الكلبي قال: السحتُن هو جُشم بن عوف بن جذيمة بن عوف بن بكر بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لُكيز. وقال: إنما سُمِّي السحتن لأنه أسر أسرى فسحْنَتَهم. والسحتنة: الدمج. فمن السَّحْتَن فيما قال مسلم في الطبقة الثالثة من تابعي أهل البصرة أبو الوضيء السَّحتنيُّ: واسمه عبّاد بن مُسيبٍ، سمع علياً وأبا برزة. روى عنه جميل بن مُرَّة وعباد بن عباد المهلبيُّ. وفي الأدب لابن قتيبة في باب " ما يغير من أسماء الناس ": وهو فلان الستنيُّ: منسوب إلى " سحتن " قبيلة " أو أبٍ " أو بلدٍ. كذا قال، وتحقيقه ما ذُكر قبلُ إن شاء الله. " ومنهم صُحار " العَبْديُّ: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 426 أخطب الناس وأبْي َنهم وكان أحمر أزرق. وقال له معاوية: يا أزرقُ. قال: البازي أزرق. قال: يا أحمر. قال: ذهبٌ أحمر. وكان عثمانياً، وكانت عبدُ القيس تتشيَّع، فخالفها. وهو جدُّ جعفر بن زيد. وكان فاضلاً، خيِّراً، عابداً. وقد روى صُحارٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثين أو ثلاثة. ومنهم هرمُ بن حيَّان العبديُّ: وكان من صغار الصحابة، وكان من العبّاد، وشهد فتوح العراق مع عثمان بن أبي العاصي وغيره. وبنو حُطمة بن محارب بن عمرو بن وديعة بن لُكيز إليهم تُنسب الدروع الحُطمية. ومن عبد القيس مصقلة بن رَقبة: ومان من أخطب الناس زمن الحجاج وابنه رقبة بن مصقلة: من حملة الحديث، خرج عنه البخاريُّ، وكان أيضاً خطيباً. ومن عبد القيس محمد بن بشَّار بن عثمان بن داود بُندار العبديُّ: ويكنى أبا بكر. سمع غُندراً ووكيعاً، روى عنه البخاريُّ ومسلم والترمذي وأبو دؤاد والنسائي والطبري، وهو من أهل البصرة. وولد هِنبُ بن أفْصى قاسط بن هنب، وولد قاسط النَّمر بن قاسط ووائل بن قاسطٍ. فولد النمر بن قاسطٍ أوس بن مناة بن النمر وتيم الله بن النمر. فمن بني أوس بن مناة على قول ابن عبد ربِّه في كتاب " العقد " صُهيب بن سنان بن مالك: صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، كان أصابه سِباء في الرُّوم، ثم وافوا به المَوسم فاشتراه عبد الله بن جُدْعان، فأعتقه. وقد كان النعمان بن المنذر استعمل أباه سنان بن مالكٍ على الأُبُلَّة. وقال ابن عبد البرِّ في " الاستيعاب ": هو من بني زيد مناة بن النمر بن قاسط. وولدُ صُهيب يقولون إنه هرب من الروم بمال كثير، حين عَقَل وبلغ، فقدِم مكة، فخالف عبد الله بن جُدْعان حتى هلك. وكان صهيب قديم الإسلام، أسلم مع عمار بن ياسر في يوم واحد. وهاجر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 427 مع علي إلى المدينة للنِّصف من ربيع الاول، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقُباء لم يَرِمْ بعد، ذكر هذا الواقديُّ. وقال موسى بن عقبة عن ابن شهاب: وممَّن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من النَّمر بن قاسط صُهيب ابن سنان. ولما هاجر إلى المدينة قالت له قريش: لا تَفْجعنا بنفسِك ومالك. فردَّ إليهم ماله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " رَبح البيعُ أبا يحيى ". وأنزل الله في أمره: " ومن الناس مَن يَشْري نفسه ابتغاءَ مَرضاةِ الله ". وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " صُهيب سابق الروم، وسلمانُ سابق فارسَ، وبلال سابقُ الحبشة ". وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحبَّ صُهيباً حبَّ الوالدة ولدَها ". وفضائل صهيب وسلمان وبلال وعمار وخباب والمقداد وأبي ذرٍّ لا يحيط بها كتاب. وكان من فضله وورعه حسَن الخُلق مداعِباً. رُوي عنه أنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بقُباء، وبين أيديهم رُطبٌ وتمرٌ، وأنا أرمدُ. فأكلت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتأكل التمر على عينِك؟ ". فقلت: يا رسول الله، آكل في شقِّ عيني الصحيحة. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. وأوصى إليه عمر بالصلاة بجماعة المسلمين حتى يتفق أهل الشورى. استخلفه على ذلك ثلاثاً، وهذا ممَّا اجتمع عليه لأهل السِّير والعلم بالخير. ومات صهيب بالمدينة سنة ثمان وثلاثين في شوالٍ، وهو ابن سبعين سنةً. وقيل: ابن ثلاث وسبعين، ودُفع بالبقيع. روى عنه من الصحابة عبد الله بن عمر، ومن التابعين كعب الأحبار وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأسلمْ مولى عمر، يعدُّ في المدنيين. وحُمران بن أبان: مولى عثمان بن عفان ابنُ عم صهيب. لحقه السِّباء من عين تمر في خلافة أبي بكر الصديق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 428 ومن النمر بن قاسط عمرو بن تغلب: وهو من الصحابة يعدُّ في أهل البصرة. روى عنه الحسين بن أبي الحسين قال: لقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة ما أحبُّ أنَّ لي بها حُمرَ النعم؛ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ فأعطى قوماً ومنع قوماً، وقال: " إنا نعطي قوماً نخشى هَلَعَهُم وجزعهم، ونكل أقواماً .... ". وإنما سُمِّي الضَّحيان لأنه كان يجلس لهم في وقت الضحى، فيقضي بينهم، وقد رَبَع ربيعة أربعين سنةً. وأخوه عوف بن سعدٍ: من ولده ابن القرِّيَّة البليغ. واسمه أيوب بن زيد. والرِّيَّةُ: الحوصلة وكان خرج مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فقتله الحجاج. ومنهم ابن الكيِّس: النسّابة، وهو عبيد بن مالك بن شراحيل بن الكيِّس. وولد وائل تغلب وعنزاً وبكراً. فمن بطون تغلب جُشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب. منهم عمرو بن كلثوم بن مالك بن عتّاب بن زُهير بن جُشم. وكُليب وائل: وهو كليب بن ربيعة بن الحرث بن زُهير بن جُشم. وكان في دهره سيد ربيعة. ومن أجل كليب كانت حرب البسوس. وكان كليب رمى ناقةً للبسوس؛ خالة جسَّاس بن مُرة الشيباني، فانتظم ضرعها. فركب جساسٌ ومعه عمرو بن الحرث ابن ذُهل إلى كليب فطعناهُ، واحتزا رأسه. فهاجت الحرب بين بكر وتغلب أربعين سنةً. وكانت لهم خمسةُ أيام مشهورة. ومهلهل بن ربيعة أخو كليب القيِّم فيها: يوم عُنيزة: وهو يومٌ تكافؤوا فيه، ويوم واردات: وكان لتغلب على بكر. ويوم الحنو وكان لبكر على تغلب. ويوم القُصيْبات: وكان لتغلب على بكر، فقتلوا بكراً أثخن القتل، وفيه قُتل همام بن مُرة أخو جساسٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 429 ويوم تلاحق اللِّمم: ولم يكُ بعد هذا اليوم يومٌ مذكور، وإنما كان بينهم تغاوُرٌ. ولم يُقتل جساس إلى أن انقضى ما بينهم. وفي كليبٍ يقول مهلهلٌ أخوه يرثيه. وكان كليب إذا جلس لم يُرفع بحضرته صوتٌ، ولم ينتسب بفنائه إنسان: ذهب الخيار من المعاشر كلِّهمْ ... واسْتبَّ بعدك يا كليبُ المجلسُ ومن بني جُشم بن بكرٍ القطاميُّ الشاعر: واسمه عُمير بن شُيَيْم. ومن بني عديِّ بن معاوية بن غنم بن تغلب الأخنس بن شهاب: وهو فارس العصا. ومن بني الفَدَوكس بن عمرو بن الحرث بن جشم الأخطل الشاعر النصرانيَّ. ومنهم قَبيصة بن دالق: له هجرة. قتله شَبيبٌ الحَروريُّ، وكان جواداً شريفاً. فقال شبيبٌ حين قتله: هذا أعظم أهل الكوفة جَفنةً. فقال له أصحابُه: تُطْري المناقين؟ فقال: إنْ كان منافقاً في دينه فقد كان شريفاً في دنياه. ومن بني حُرْقة بن ثعلبة بن بكر بن حُبيِّب الهُذيل بن هُبيرة: وهو الذي تقول فيه بُهيسةُ بنت الجراح البَهْرانيِّ: إذا ما مَعشرٌ شربوا مُداماً ... فلا شَربتْ قُضاعةُ غير بولِ فإما أن تقودوا الخيل شُعثاً ... وإما أن تَدينوا للهُذَيْلِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 430 وتَتَّخذوه كالنُّعمانِ ربَّا ... وتُعطوه خراج بني الدُّمَيْلِِ هو الدُّميلُ بن لُجيم. ومن الأوس بن تغلب كعبُ بن جُعيلٍ الذي يقول فيه جرير: وسُمِّيت كعباً بشرِّ العظام ... وكان أبوك يُسمَّى الجُعَلْ وكان محلُّك من وائل ... مكان القُراد من آستِ الجَمَل والأراقم من تغلب: جُشَمٌ ومالك، وعمرو وثعلبةُ ومعاوية والحارث، بنو بكر ابن حُبيِّب بن عمرو بن غنم بن تغلب. وإنما سُمُّوا الأراقم لأن عيونهم شُبِّهت بعيون الأراقم. وفي الأراقم. وفي الأراقم يقول مُهلهل بن ربيعة أخو كليب وائل: أعززْ على تغلب بما لَقيتْ ... أختُ بني الأكرمين من جُشَمِ أنكَحَها فقدُها الأراقم في ... جَنْبٍ، وكان الحِباءُ من أَدَمِ لوْ بأبانَينِ جاء يخطبُها ... زُمِّل ما أنفُ خاطبٍ بدَم وجَنبٌ: بطن من مَذحج، منهم حُصين بن جُندب الجنبيُّ الفقيهُ أبو ظبيان. سمع عماراً وعلياً. روى عنه الأعمش وابنه قابوس. وقد تقدَّم ذكرهما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 431 ومن جنب معاوية بن الخَيْر بن عمرو بن معاوية: صاحب لواء مذحج. وهو الذي أجار مُهلهل بن ربيعة على بكر وائل. فتزوَّج ابنة المهلهلٍ. وفي ذلك قال مهلهلٌ الأبيات المتقدمة. وقوله: خِباء من أدم يعني أن معاوية الجنْبيَّ ساق إليها في مهرها قُبَّةً من أدمٍ. ومن تغلب بنو كنانة بن تَيم بن أسامة. ويقال: قريش تغلب. منهم إياس ابن عِتبان بن عمرو بن معاوية قاتلُ عُمير بن الحُمام السَلميُّ. ومن عَنْز بن وائل قال أبو عُبيدة: وعدد العَنْزيين في الأرض قليل عامر بن ربيعة: حليف آل الخطاب. أسلم قديماً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد كلِّها. ويكنى أبا عبد الله. ومات في آخر خلافة عثمان. وابنه عبد الله بن عامر الأكبر: صحب النبيَّ عليه السلام، واستشهد يوم الطائف. وتوفي عامر بن ربيعة سنة ثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاث وثلاثين، وقيل: سنة خمس وثلاثين بعد قتل عثمان بأيام. وابنه عبد الله بن عامر الأصغر: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابنُ أربع سنين أو خمس سنين، وعَقَل عنه. وتُوفي سنة ثمانين، ويكنى أبا محمد. وأمُّه وأمُّ أخيه عبد الله الأكبر ليلى بنت أبي حَثْمة العدويِّ القرشيِّ، والد سُليمان بن أبي حثْمة وزوج الشِّفاء. وقد تقدَّم ذكر أبي حثمة والشفاء في أول هذا الكتاب. وروى الليث بن سعدٍ عن محمد بن عجلان عن زياد مولى لعبد الله بن عامر بن ربيعة، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم في دارنا، وكنت ألعب. فقالت أمي: يا عبد الله، تعال أُعطِكَ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أردتِ أن تعطيَهُ؟ " قالت: " أردتُ أن أعطيَهُ تمراً. قال: " أمّا إنكِ لو لم تفعلي كُتبتْ عليكِ كذْبة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 432 القبائل من بكر بن وائل: يَشْكُرُ بن بكر بن وائل، وعِجل وحنيفة ابنا لُجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل هند أختُ تميم بن مُر. ويقال لها أمُّ القبائل. فمن ثم من بني غُبر بن غنم بن حُبيِّب بن كعب بن يشكر، وقيل: إن غُبر هو ابن يشكر عبَّاد بن شُرحبيل اليشكري الغُبريَّ: له صحبةٌ. روى عنه جعفر بن وحشيّة قصةً ليس له غيرها أنه قال: دخلتُ حائطاً فأخذتُ سُنبلاً ففركته، فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي، وأتيتُ النبيَّ عليه السلام فذكرت ذلك له فدعاه وردَّ عليَّ ثوبي. ومن بني يشكر جعفر بن إياسٍ: أبو بشرٍ، وهو ابنُ أبي وحشيَّة، سمع سعيد ابن جُبير وعبَّاد بن شراحيل: روى عنه الأعمش وشعبة. ومنهم الحارث بن حِلِّزة الشاعر. ومنهم سُويدُ بن أبي كاهل الشاعر، وعُبيدة بن هلالٍ صاحب قطريٍّ، وشهاب بن مذعور بن حلِّزة، وكان من علماء الناس. ومنهم شاذ بن فياض اليشكري: أبو عبيدة. سمع حماد بن سَلَمة وأبا عَوانة، قاله مسلم، وذكره البخاري في باب " ميلالٍ " وقال إنه اسمه، وشاذ لقبه. وأما عجل فكان فيه نُوك. قال أبو عبيدة: أرسل ابنٌ لعجل بن لُجيم فَرساً في حلْبةٍ، فجاء سابقاً، فقال لأبيه: يا أبت، كيف ترى أن أسمِّيَهُ؟ فقال افقأ عينَه وسمِّه الأعور. فقيل فيه: رمتْني بنو عجْلٍ بداءِ أبيهمُ ... وأيُّ عباد الله أنْوكُ من عجلِ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 433 أليس أبوكمْ عارَ عين جوادهِ ... فأصبحتِ الأمثال تضربُ في الجهلِ؟ فمن بني سعد بن عجل فراتُ بن حيَّان: حليف بني سهمٍ من قريش، هاجر إلى النبي عليه السلام، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فرات بن حيَّان العَجَلي إلى ثمامة بن أثالٍ في قتل مسلمة وقتاله. ورُويَ عن قتادة أنه قال: هاجر من بكر بن وائلٍ أربعةٌ؛ رجلان من بني سَدوسٍ اسودُ بن عبد الله من أهل اليمامة، وبشيرُ بن الخصاصيَّة. وعمرو بن تغلب من النَّمر بن قاسطٍ، وفراتُ بن حيان من بني عجلٍ. وكان فرات أهدى الناس بالطريق، وأعرفهم بها. فكان يخرج في عِيرات قريشٍ إلى الشام. وله يقول حسان: فإن تلقَ في تطوافِنا والتماسِنا ... فرات بن حيانٍ يكنْ رهنَ هالكِ وكانت له صحبةٌ ورواية. رَوى عنه حارثة بن مُضرِّب وحنظلة بن الربيع. سفيان الثوري عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضرِّب، عن فرات بن حيَّان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وكان عيناً لأبي سفيان. فمرَّ بحليف له من الأنصار، فقال: إني مسلم. فقال الأنصاري: يا رسول الله، إنه يقول إنه مسلم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن فيكم رجالاً نَكِلْهم إلى إيمانهم، منهم فراتُ بن حيان ". وقال ابن قتيبة في " المعارف ": قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنين حين أعطى المؤلفة قلوبهم: " إنَّ من الناس ناساً نَكلْهم إلى إيمانهم منهم فراتُ بن حيان ". ومن بني سعد بن عجلٍ حنظلة بن ثعلبة بن سيار: كان سيد بني عجل يوم ذي قار. ومنهم إدريسُ بن مَعقِلٍ: جدُّ أبي دُلفٍ القاسم بن عيسى. ومنهم الأغلب الراجز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 434 ومن بني ربيعة بن عجلٍ أبجرُ بن جابر بن شَريك، وفد على عمر بن الخطاب. ومنهم أبو الهَزْهاز نصرُ بن زياد العجليُّ: سمع الضحاك بن مُزاحم. روى عنه عَرعرة بن البِرندِ. ومنهم عِكرمةُ بن عمَّار العجليُّ: روى عن إياس بن سَلمة.. وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وغيرهما من جلة التابعين. ومات سنة سبع وخمسين ومئة. ومن بني حنيفة بن لُجيم، ثم من بني الدُّول بن حنيفة ثُمامة بن أُثالٍ: وهو من الصحابة، وكان حسن الإسلام. وحديث إسلامه صحيح مشهور. وكان من أشراف حنيفة. ومنهم قتادة بن مَسلمة بن عُبيد بن ثعلبة بن يربوع " بنُ " ثعلبة بن الدول ابن حنيفة: وكان سيداً شريفاً. وهَوذَةُ ابن علي: وكان سيداً، وهو ذو التاج. ومن بني عَديِّ ابن حنيفة مُسيلمة بن حبيب الكذَّاب: ويُكنى أبا ثُمامة. وأُمُّ عجلٍ وحنيفة ابني لُجيم يقال لها حَذام. وفيها يقول لُجيم: إذا قالت حذام فصدِّقوها ... فإن القول ما قالت حذام ومن بنيّ عدي بن حنيفة الفُرافِصة بن عُمير الحنفيُّ: صحب عثمان، روى عنه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. مالك: عن يحيى بن سعدٍ وربيعة ابن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد ان الفرافصة بن عمير الحنفيَّ قال: ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان إياها في الصُّبح من كثرة ما كان يردِّدها. مالك: عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد انه قال: أخبرني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 435 الفرافضة بن عُمير الحنفيُّ أنه رأى عثمان بن عفان بالعرج يغطِّى وجهه، وهو حرم. ومن حنيفة طلق بن علي أبو علي الحنفيُّ اليماميُّ: له صحبة. ومن حنيفة سعاد بن الوليد الحنفيُّ أبو زُميل: سمع ابن عباس وعكرمة بن عمار وسلمة.. ومنهم أبو كردوس عليُّ كردوس الحنفيُّ: سمع ابنُ عُمر، وروى عنه عكرمة بن عمار. ومنهم أبو هيثم طلحةُ بن الأعلم الحنفيُّ: روى عن الشعبيِّ، وروى عنه الثَّوريُّ ومروان بن معاوية. ومن بني عدي بن حنيفة نجدة بن عامر: الحروريُّ الحنفيُّ، وهو الذي كتب إلى ابن عباس يسأله في مسائل من أمر الدِّين، فجاوبه ابن عباس بالجلاء في ذلك. مسلم: حدثنا ابن أبي عُمر: نا سفيان عن إسماعيل بن أميَّةً، عن سعيد المقبُريِّ، عن زيد بن هُرمز قال: كتب نجدةُ بن عامر الحروريُّ إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يقسم لهما، وعن قتل الولدان، وعن اليتم متى ينقطع عنه اليُتم؟ وعن ذوي القربى من هم؟ فقال ليزيد: اكتب إليه، " و " لولا يقع في أحموقة ما كتب إليه. اكتب: أنك كتبت تسألني عن المرأة. والعبد يحضران المغنم هل يقسم لهما شيء؟ وأنه ليس لهما شيء إلا أن يحذيا. وكتب تسألني عن قتل الولدان، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتلهم، فلا تقتلهم إلا أن تعلم منهم ما علم صاحب موسى من الغلام الذي قتله. وكتب تسألني عن اليتيم، متى ينقطع عنه اسم اليتيم، فإنه لا ينقطع عنه اسم اليتيم حتى يبلغ ويونس منه رشد. وكتبت تسألني عن ذوي القربى من هم؟ وأنا زعمنا أنَّا هم، فأبى ذلك علينا قومنا. ومن بين الدُّول من حنيفة محمد بن عُبيد الحنفيُّ: الدُّولي، أبو قتادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 436 ويقال: أبو عبد الله. روى عن عبد الله بن عمرو، وروى عنه قتادةُ وعكرمةُ بن عمار. ومن بين الدول بن حنيفة نافع بن الأزرق: الذي تُنسب إليه الأزارقهُ. وقتل مع فريقه المارق الضالِّ المضلِّ في زمن معاوية. قتله سلامة الباهليُّ. وقال: لما قتلتُه، وكنتُ على برذون ورد، إذا برجل على فرس، وأنا واقف في خُمس قيس ينادي: يا صاحب الورد، هلمَّ إلى المبارزة. فوقفتُ في خُمس بني تميم، فإذا هو يعرضها عليَّ. وجعلتُ أنتقل من خمس إلى خمس، وليس يزايلني. فصرت إلى رحلي، ثم رجعت فرآني. فدعا إلى المبارزة. فلما أكثر خرجتُ إليه. فاختلفا ضربتين، فضربته فصرعته. فنزلت لسلبه وأخذ رأسه، فإذا امرأة قد رأتني حين قتلت نافعاً، فخرجت لتثأر به. ومن شيبان بن ثعلبة بن عكابة جساس بن مرَّة بن ذهل بن شيبان قاتل كليب وائل. وقيس بن مسعود بن قيس بن خالدٍ: وهو ذو الجدَّين، وابنه بسطام بن قيس: فارس بني شيبان في الجاهلية، وقد ربَع الدُّهلين واللهازم اثنتي عشر مِرباعا. ومنهم سيدهم هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود بن عامر بن المزْدلِف عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان الذي أجار عيال النعمان بن المنذر، وماله على كسرى، وبسببه كانت وقعة ذي قار التي قال فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " هذا يوم انتصف فيه العرب من العجم، وبي نُصروا ". وولد المُزدلف عمرو بن أبي ربيعة قيس بن عمرو وحارثة بن عمرو. فمن بني قيس بن عمرو أعشى بن أبي ربيعة: واسمه عبد الله بن خارجة. ويقال له أعشى بني أُمامة. وحارثة: أخو قيس، هو ذو التاج. كان على بكر ابن وائل يوم أوارة يوم قاتلوا المنذر بن ماء السماء. وأمُّهما أُمامة بنت كِسر من بني تغلب، بها يُعرفون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 437 وولد عمرو المزدلف عامرا: وهو الخضيب، وإنما سُمِّي الخضيب لكثرة سماحه وجوده. وهو جدُّ جدِّ هانئ بن قبيصة. ومن شيبان: مَصقلة بن هُبيرة: وكان سيدا شريفا. وكان مع علي بن أبي طالب، ثم هرب إلى معاوية، فهدم علي داره، وولاه معاوية طبرستان، فمات بها. وله عقب بالكوفة ودار بالبصرة، ويُكنى أبا قابوس. وفيه يقول الفرزدق: وبيتُ أبي قابوسَ مَصقلَةَ الذي ... بَنى بَيت مجدٍ أسُّه غير زائلِ وحدَّث العُتبيُّ قال: مرض معاوية، رحمه الله، فأرجف به مصقلة بن هُبيرة فحمله زياد إلى معاوية، وكتب إليه: إن مَصقلة بن هُبيرة يجتمع إليه مُرَّاق من أهل العراق، ويُرجفون بأمير المؤمنين، وقد حملته إلى أمير المؤمنين ليرى فيه رأيه. فوصل مصقلة ومعاوية قد برأ. فلما دخل عليه أخذه بيده وقال: يا مصقلة: أبقى الحوادثُ من خلي ... لك مثل جَنديلةِ المَراجِمْ قد رَامني الأعداءُ قب ... لك فامتنعتُ من المظالمْ صُلبا إذا خارَ الرجا ... ل أبلَّ مُمتنعَ الشكائمْ ثم جذبه فسقط. فقال مُصقلة: يا أمير المؤمنين قد أبقى الله منك بطشا، وحلما راجحا، وكلأ ومرعى لوليِّك، وسُمَّا ناقعا لعدوِّك. ولقد كانت الجاهلية فكان أبوك سيدا، وأصبح المسلمون اليوم وأنت أميرهم. فوصله معاوية وردَّه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 438 فسُئل عن معاوية فقال: زعمتم أنه قد كبِر وضعُف. والله لقد جذبني جذبة كاد يكسر مني عضوا، وغمز يدي غمزة كاد يحطمها. وفي مصقلة يقول الأخطل: دعِ المعمِّر لا تسألْ بمصرعهِ ... واسأل بمصقلةَ البَكريِّ ما فَعلا بمتْلفٍ ومُفيدٍ لا يَمُنُّ ولا ... يعنِّف النفس فيما فَاته عَذَلا بهِ ربيعةُ لا تنفطُّ صالحةً ... ما دافع اللهُ عن حَوْبائهِ الأجَلا ومنهم عوف بن مُحلِّم: الذي يقال له: لا حُرَّ بوادي عوف. والمثنى بن حارثة: الذي كان يُغير على سواد العراق في خلافة أبي بكر، وكان من الأبطال. وتزوج امرأته سلمى بعد موت سعد بن أبي وقاص. وهي القائلة " وهي مع سعد جالسة في قصره بالعراق، وهو شاك، ورأت قتال المسلمين بالقادسية مع الفرس ": القوم أقران، ولا مُثنَّى لهم. فلطمها سعد غِيرةً. ومن بني ذهل بن شيبان الحرثُ بن رُوَيم. كان هو وابنه يزيد من أصحاب علي رضي الله عنه. وكان ابنه يزيد على الري لمصعب بن الزبير. فحاصره الزبير بن علي السَّليطيُّ الخارجيُّ بها. فلما طال عليه الحصارُ خرج إيه وكان الظفر لخوارج. ونادى يومئذ يزيد ابنه خدشا، ففرّ عنه وعن أمه لطيفة. وكان أمير المؤمنين علي رحمه الله دخل الحرث بن رويم يعود ابنه يزيد ..... ومنهم الحَوْفَزان بن شَرِيك بن عمرو: وكان أعرج، واسمه الحرث، وأخوه مَطر بن شريك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 439 ومن ولده معن بن زائدةَ بن عبد الله بن زائدة بن مُضر: الجوادُ الشجاعُ. وابن أخيه يزيد بن مَزيد بن زائدة، وكان معن أجود العرب. كان يقال: حدَّث عن معن ولا حرج. ومنهم الضحاكُ بن مَخْلد: أبو عاصم النبيل الشيباني، سمع ابن جريح والثوريَّ وشعبة، ومات سنة اثنتي عشرة ومئتين. ومنهم عثمانُ بن مطر الشيباني: سمع ثابتا ومعمرا، وروى عنه سليمان ويحيى وعلي بن أبي هاشم. ومنهم عليُّ بن مسهر الشيباني، روى عن الأعمش، وروى عمه مِنجاب بن الحرث التميميُّ وسويد بن سعيد. وروى مسلم عن واحد، عنه كثيرا. ومنهم الضحاك بن قيس الشاريُّ الخارجيُّ. ومنهم شبيب بن نُعَيم الحروريُّ: يُكنَّى أبا الصحاري. وغزالة: امرأة شبيب، هي التي طلبت الحجاج، وهو منهزم. قال الشاعر في الحجاج: أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ ... فَتْخَاءُ تَنفِر من صفيرِ الصافرِ وأمُّ شبيب جَهيزَة: وهي التي جرى فيها المثل، فقيل: أحمق من جَهِيزَة ... وذكر محمد بن جرير الطبري رحمه الله في تاريخه في آخر أخبار شبيب الخارجي أن أباه يزيد بن نُعَيم كان ممَّن دخل في جند عمرو بن ربيعة إذ بُعث به وبمن معه إلىالوليد بن عقبة. ومنهم الغضبان بن القَبَعْثري: صاحب الحجاج. وفي بني ذُهل بن شيبان بن ثعلبة بنو اللقيطة. وفيه يقول بعض بلعنبر: لو كنتُ من مازنٍ لم تَسْتَبح إبلي ... بنو اللقيطة مِن ذُهلِ بن شَيبانا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 440 إذاً لقامَ بنصري معشرٌ خُشُنٌ ... عند الحفيظة إنْ ذو لَوثةٍ لنا قومٌ إذا الشرُّ أبدى ناجذيه لهمْ ... قاموا إليه زرافاتٍ ووُحدانا لا يسألونَ أخاهُمْ حين يندُبُهمْ ... في النائباتِ على ما قالَ بُرهانا ومن بني ذُهل بن ثعلبة بن عُكابة الحارث بن وَعْلَة: وكان سيدا شريفا ومن ولده أبو ساسان حُضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة: صاحب راية ربيعة في صفين مع علي بن أبي طالب. وله يقول علي: لِمَن رايةٌ سوداءُ يخفقُ ظلُّها ... إذا قيل قدِّمها حُضَينُ تَقدَّما ومنهم القعقاع بن شور بن النعمان. وكان شريفا. وفيه يقول القائل. وكنتُ جليسَ قَعقاع بن شَورٍ ... ولا يَشقب بقعقاعٍ جليسُ ضحوكُ السنِّ إن أمَروا بخير ... وعند الشرِّ مِطراقٌ عَبوسُ ومنهم ذَعفل بن حنظلة: العلامة، وكان أعلم أهل زمانه بالنَّسَب. وهؤلاء من بني ذهل بن ثعلبة بن عُكابة. أمُّهم رَقَاشِ: وإليها يُنسبون. ولذلك قيل: الحارث بن وعلة الرُّقاشيُّ جدُّ حُضَين بن المنذر بن الحارث المذكور آنفا. وسمع حُضَين عثمان وعليا والمهاجرين قُنفُذٍ التَّمِيميَّ الجُدعانيَّ. وروى عنه الحسن وعبد الله الداناج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 441 ومن بني رقاش حِطَّانُ بن عبد الله الرقاشيُّ: من كبار التابعين. روى عنه الحسن البصريُّ. مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميميُّ قال: أنا هشيم عن منصور، عن الحسن، عن حطان بن عبد الله الرقاشيُّ عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني، خذوا عني. فقد جعل الله لهنَّ سبيلا، البِكر بالبكر، جلد مئة، ونفي سنة، والثَيِّبَ بالثيِّبِ جلد مئة والرجم ". ومنهم يزيد بن أبان الرقاشيُّ: روى عن أنس بن مالك، وروى عنه الربيع بن صبيح. ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل بشير بن الخصاصية: والخصاصية أمُّه. وهو بشير بن معبد السَّدوسيُّ، وكان اسمه في الجاهلية " زحما "، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرا. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صالحة. وامرأته جهدمة حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم مجْزَأة بن ثَور السَّدوسيُّ: أبو الوليد. روى عنه عمر، وروى عنه عبد الرحمن بن أبي بكرة. وابن أخيه سُويد بنن مَنْجوفٍ: أبو المنهال، رأى علينا. روى عنه المسيِّب ابن رافع. ومنهم أبو الخطَّاب قَتادةُ بن دِعامةَ بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن عمرو ابن حرث بن سدوس بن الأعصى الأكمة. وهو من صغار التابعين روى عن أنس. ولد سنة ستين، ومات سنة سبع عشر ومئة. وقال معمر: لم أر أفقه من الزهريِّ وقتادة وحمَّاد. وروي عن قتادة أنه قال: أقمت عند سعيد بن المسيِّب ثمانية أيام، فقال لي في اليوم الثامن: ارتحل يا أعمى فقد انزفتنى. ومنهم أبو مِجْلزٍ لاحقُ حُميدٍ السدوسيُّ: وهو من التابعين. سمع ابن عمر وابن عباس وأنسا. روى عن قتادة وسليمان والتَّميميُّ. وقال قرة بن خالد: كان أبو مجلز على بيت المال وعلى ضرب السكة لبعض ولد عبد الملك بن مروان. وكان ينزل خراسان، وأعقب بها. وتوفي في خلافة عمر بن عبد العزيز قبل وفاة الحسن البصري. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 442 ومنهم مُحارب بن دِثار: وهو من التابعين، وولي قضاء الكوفة لخالد بن عبد الله القسري. وتوفي في ولاية خالد الكوفة. ومنهم قُرَّةُ بن خالد السَّدوسيُّ: سمع الحسن وابن سيرين. روى عنه يحيى القطَّانُ وابن مهدي ووكيع. ومنهم أبو النعمان محمد بن الفضل السَّدوسيُّ: ولقبه عارم، وكان بعيدا من العرامة فاضلا ثقة ثبتا. سمع حمَّاد بن سلمة وحماد بم زيد وابن المبارك ووهيبا. وتوفي بالبصرة سنة أربع وعشرين ومئتين. ومنهم محمدُ بن عقبةَ السدوسي البصريُّ أبو عبد الله: سمع جرير بن عبد الحميد وسفيان بن عُيينة. وولد قيس بن ثعلبة: ضبيعة بن قيس وتيم بن قيس. فمن بني ضُبيعةَ: مُرَّةُ بن عُباد بن ضبيعة والحارثُ بن عُباد بن ضبيعة. وكان على جماعة بكر بن وائل يوم " قصة ". فأسر مهلهل بن ربيعة التغلبيَّ، وهو لا يعرفه، فخلَّى سبيله. وأخوه جُرير بن عُباد: من بنيه قتادة بن ملخان الجُريريُّ: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. تفرَّد بالواية عنه عبد الملك. يُعدُّ في البصريين. ومنهم سعيد بن إياس الجريريُّ: أبو مسعود صاحب أبي نضرة. وأبو نضرة اسمه المنذر بن مالك صاحب أبي سعيد الخُدري، وهو من العوقة؛ بطن من عبد القيس، يُنسبون إلى عوف بن عمرو بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس. ومن بكر بن وائل الربيعُ بن أَنسٍ: من أهل البصرة. لقي ابن عمر وجابرتا وأنس بن مالك. روى عنه الربيع بن مُسلم وعبد الله بن المبارك. وهرب من الحجاج، فأتى مرو فسكن القرية منها، ثم طلب بخراسان حين ظهرت دولةُ ولد العباس، فتغيَّب. فتخلَّص إليه عبد الله بن المبارك، وهو مستخف. فسمع منه أربعين حديثا فكان عبد الله يقول: ما يسُرُّني بها كذا وكذا لشيء سمَّاه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 443 ومن بني ضُبيعة الأعشى: أعشى بكر، واسمه ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن سعد بن ضبيعة، وهو من فحول الشعراء. وله قصيدة يمدح فيها النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهي من أبدع ما قيل من الشعر. أوَّلُها: ألم تَغتمضْ عيناكَ ليلةَ أرمدا ... وبتَّ كما باتَ السليمُ مُسهَّدا وفيها يصف ناقته، ويدخل إلى مدح النبيِّ عليه السلام: وفيها إذا ما هَجَّرتْ عَجْرفيَّةٌ ... إذا خِلتَ حِرباءَ الظَّهيرةِ أَصْيدا وآليتُ لا أَرثى لها من كَلالةٍ ... ولا من حَفًى حتى تلاقى محمَّداً متى ما تُناخي عند بابِ ابن هاشمٍ ... تُراحي وتلقي من فواضله ندى نبياً يرى مالا تَرونَ، وذكرُهُ ... أغارَ، لَعَمري، في البلاد وأَنجدا له صدَقاتٌ ما تُغِبُّ ونائلٌ ... وليس عطاءُ اليوم ما نعَهُ غدا أجِدَّك لم تَسمعْ وَصاةَ محمدٍ ... نبيِّ الإلهِ حين أوصى وأَشهدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 444 إذا أنت لم ترحلْ بزادٍ من التُّقى ... ولاقَيت بعد الموتِ من قد تزوَّدا ندمت على ألاَّ تكون كمثلهِ ... فتُرصِدَ للموت الذي كان أرصَدا وكان أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه القصيدة ليُسْلَم. فلما كان قريباً من مَكة اعترضَه بعض المشركين من قريش مُستفهماً عن مَقصَدِه، فأخبره عنه. فقال له: يا أبا بصير، إنه يُحرِّم الزنا والخمر. فقال: أما الزنا فأمرٌ لا أرَبَ لي فيه. وأما الخمرُ فأذهبُ فأتروَّى منها عامي هذا، ثم أعودُ من قابلٍ. فرجع فمات في عامه ذلك، ولم يعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومن بني تَيم اللات بن ثعلبة عُبيدُ الله زياد بن ظبيان: وهو أحد ملوك فُتاك العرب. وهو قاتلُ مصب بن الزبير. وقال له مالكُ بن مِسْمع في كلامٍ جرى بينه وبينه: أكثرَ اللهُ في العشيرةِ مثلكَ. فقال: لقد سألت ربَّك شَططاً. ومن بني اللات بن ثعلبةَ على ما قال يعقوب بن إسحاق بن السكِّيت ذات النِّحْيين: واسمها خولةُ، وبها كانت تُضرب المثلَ العربُ: فتقول: أشغلُ من ذات النحيين. وهي صاحبةُ خَوَّأت بن جُبير الأنصاري الأوسي أخبي عبد الله بن جُبير أمير الرماة في أحد، واستُشهد يومئذٍ، وخَوَّاتُ القائلُ في شأنه معها من أبياتٍ: فشدَّت على النِّحيين كفَّي شحيحةٍ ... على سَمينِها والفتكُ من فَعَلاتي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 445 وقال أبو عُبيدٍ البكريُّ في " معجم ما استعجم ": ذاتُ النحيين امرأة من هُذيل. ومن موالي تيم اللات بن ثعلبة النعمانُ بن ثابت بن زُوطَي بن ماه: وُلأد سنة ثمانين، ومات سنة خمسين ومئة، وهو ابن سبعين سنة. وأدرك، وهو يعقل، ولقي أربعة من الصحابة: أنسَ بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى وأبا الطفيل عامر بن واثلةَ وسهلَ بن سعد الساعدي، ولم يأخذ عن واحدٍ منهم. وأبو حنيفة إمامُ أصحاب القياس. قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيتَ أبا حنيفة؟ قال: نعم رأيتُ رجلاً لو كلمك في هذه..ورَوى حرملةُ عن الشافعي قال: من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أرادَ الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان. وروى حرملةُ أيضاً سمعتُ الشافعي يقول: من أراد أن يتبحَّر في الفقه فهو عيالٌ على أبي حنيفةَ. وأخذ عنه مذهبهُ خلق كثير، وأجلُّهم ابنه حماد وأبو يعقوب..وولي القضاء حمادُ بن أبي حنيفة وابنه إسماعيل بن حماد. ومن بني قيس بن ثعلبة بن عكابةَ بن صعب بن عليِّ بن بكر بن وائل الصَّعِقُ بن حَزْن: أبو عبد الله. روى عن مطر الوراق وعلي بن الحكم وفيل بن عَرادة. روى عنه زيد بن حُباب وعارم وسليمان بن حرب وشيبان بن فرُّوخٍ. وقال الدارقطنيُّ: الصعقُ ومطر ليسا بالقَويَّين. ومنهم أبو غسان مالك بن مِسْمع بن شيبان بن شَهاب، وإليه تُنسب المسامِعَةُ. وكان سيدَ بكر بن وائلٍ في الإسلام. وهو ولِد ربيعةَ الجحْدر الذي فَدى شَعرَه يوم تَحلاق اللِّمم بأكرهِ فارس يطلع. وكان مِسمع أبو مالك أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وقُتل بالبحرين، ويكنى أبا سيار. وهو أبو المسامعة. وكان مالك ابنه أنْبةَ الناس. وقال رجل لعبد الملك: لو غضب مالك لغضب معه مئة ألف لا يسألونَه فيما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 446 غَضب. فقال عبد الملك: هذا، وأبيك، السؤددُ. ولم يل شيئاً قطُّ. وهلك في أول خلافة عبد الملك بن مروان بالبصرة. وعقبُهُ كثير. وفيه يقول الفرزدقُ من قصيدة يرثي فيها ابنه: وقد مات بسطامُ بن قيسِ بن خالد ... ومات أبو غسانَ شيخُ اللهازمِ واللهازمُ: عَنَزةُ بن أسد بن ربيعة، وعِجل بن لُجيم، وتيمُ الله، وقيس، وذُهل بنو ثعلبة بن عُكابة. ثم تَلهزمت حَنيفةُ بن لُجيم، فصارت معهم. والذهلان: شيبان وذهل ابنا ثعلبةَ بن عكابة. ومن بني قيس بن ثعلبة على ما قال ابن قتيبة في " المعارف " باقلٌ: الذي يُضرب المثلُ بعيِّه، وكان اشترى عنزاً بأحد عشرَ درهماً. فقالوا له: بكم اشتريت العنزَ؟ ففتح كفَّيه، وفرقَ أصابعه، وأخرج لسانه، يريد أحد عشر دِرهماً. فلما عيَّروه قال: يلومون في حمقهِ باقلاً ... كأن الحماقةَ لم تُخلقِ فلا تُكثروا العذلَ في عيِّه ... فَلَلْعيُّ أجلُ بالأمْوَقِ خروجُ اللسان وفتحُ البنانِ ... أحبُّ إلينا من المنطقِ ومنهم هَبنَّقةُ القيسيُّ: المجنون، واسمُه يزيد بن ثَرْوان، وكُنيتُه أبو نافع، وكان يُحسن إلى أبله السِّمان، ويُسئ إلى المهازل. فسئل عن ذلك فقال: إنما أُكرمُ من أكرمَ الله، وأُهينُ مَن أهان وشرَد بعيرٌ لهبنَّقةَ، فجعل بَعيرين لمن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 447 جاءَ به. فقيل له: أتجعل بعيرين في بعير؟ فقال: إنكم لا تدرون فرحةَ من وجد ضالَّتَهُ. وافترس الذئب له شاةً، فذهب بها. فقال له رجل: أُخلصُها من الذئب وآخذها؟ فقال له: إذا فعلت ذلك فأنتَ والذئبُ سواء. ومن بني قيس بن ثعلبةَ الخِرنقُ بنت هِفَّانَ: وهي القائلةُ: لا يَبْعدَنْ قومي الذينَ همُ ... سُمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْرِ النازلين بكلِّ مُعتركٍ ... والطيبون مَعاقدَ الأُزْر ومن بني شَيبان بن ثعلبةَ بن عُكابة بن صعْب بن عليِِِّ بن بكر بن وائل أبو عمرو الشيباني: واسمُه سعدُ بن إياسٍ. وكان من أصحاب ابن مسعودٍ وأدركَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره. قال: أَذْكر أني سمعتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أرعى إبلاً لأهلي بكاظمةَ، فقيل: خرجَ نبيٌ بتهامةَ، وقال: انتهى شبابي يوم القادسية أربعين سنة. وتُوفي سنة خمس وتسعين، وهو ابن مئة وعشرين سنةً. روى عنه جماعةٌ من الكوفيين. ومن بني شيبانَ الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني: وُلد سنة اربع وستين ومئة، ومات في رجبٍ يوم الجمعة سنةَ إحدى وأربعين ومئتين. وقال قتيبة بن سعيد: لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثَّوريِّ ومالك والأوزاعيِّ والليث بن سعدٍ لكان هو المقدَّم. وقال أبو ثَور: أحمد بن حنبل أعلمُ وأفقَهُ من الثوريِّ. وأصلُ أحمدَ مروزيٌ، ولد ببغدادَ، وسَمع شَريكاً وهُشيماً وغيرَهما. وروى عنه محمد بن يحيى الدُّهليُّ والبخاري ومسلم وأبو داودَ مُشافهةً. وابنه عبد الله بن أحمد بن حنبل: رُوي عنه الحديث، ورَوى عن أبيهِ ونُظرائه كثيراً. ومن موالي بني شيبانَ أبو عبد محمد بن الحسن: صاحبُ أبي حنيفةَ. حضر مجلسَه سنتين، ثم تفقَّه على ابنه. وصنف الكتب الكثيرة، ونشر علم أبي حنيفةَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 448 قال الشافعي رحمه الله: حملتُ من علم محمدٍ وقِرَ بعيرٍ. وقال الشافعيُّ: ما رأيتُ أحداً يسأل عن مسألة فيها نظر إلا تَثبتُّ في وجهه الكراهيةَ إلا محمد بن الحسن. ورَوى الربيع بن سُليمانَ: كتب الشافعيُّ إلى محمد بن الحسن، وقد طلب منه كتبه لينسخها فأخَّرها عنه. فكتب إليه: قولوا لمن لم تَرعين مَن ...... العلمُ ينهى أهلَه أن يمنعوه أهلَه لعله يَبذلُهُ لأهله لعلَّهُ فأقفل الكتب إليه من وقتهِ. وكان محمد بن الحسن جميلاً، حسنَ النسبة والدِّين. وولاه هارون قضاء الرقة، ثم عزله، وأخرجه إلى الري، فمات بالري ... ومن مالك بن صعب بن علي بن بكر بنو زِمَّانَ. منهم الفِنْدُ الزّمَّانيُّ: واسمُه شَهل بن شَيبان. والفند: القطعة من الحبل. وهو القائل من قصيدة: صَفَحنا عن بني ذُهلٍ ... قلنا: القومُ إخوانُ عسى الأيامُ أن يُرجِعنَ ... قوماً كالذي كانوا ومن مازن بن صعب بن عليِّ بن بكر أبو عثمان بكر بن محمد المازني: البصريُّ، شيخُ أبي العباس المبرَّد، وكان جليلاً فاضلاً. وكان سببَ غناهُ بيتٌ من الشعر غنَّته جارية بين يدي الواثق، وهو: أظلومُ إنَّ مصابَكُم رجلاً ... أهدى السلامَ تحيةً ظُلمُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 449 وشَخَّصه الواثق من أجله من البصرة لما اعتُرضت الجاريةُ في إعرابه بين يدي الواثق، وكانت على الصَّواب، لأنها أخذته عن المازنيَّ كما ذكرت. والقصةُ بكاملها ذكرها الحريريُّ في " درة الغوّاص " من تأليفه. ومن بني سَدوسٍ بن شيبانَ بن ذهل بن ثعلبةَ بن عُكابةَ عمران بن حِطَّانَ الشاريُّ الخارجيُّ، وكان من القعَد، قَعَد الصُّفرية، شاعراً مجيداً. لم يكن في الخوارج أشعر منه، عالماً بأيام العرب وأخبارها وقديراً على الكلام، يقول ما شاء من نظمٍ ونثرٍ. وهو عمران بن حطانَ بن ظَبْيانَ بن سعد بن معاوية بن الحرث ابن سدوس بن شَيبان بن ذُهلِ. وسَدوسُ بن شيبانَ: كانت له رِدافةُ آكل المُرار. وكان لهُ عشرةٌ من الوَلد منهم: الحارِثُ بن سَدوس: كان له واحد وعشرون ذكراً. قال الشاعر: فلو شاءَ رَبي كان أيرُ أبيكمُ ... طويلاً كأيرِ الحارث بن سَدوسِ وكان الحجاجُ يطلب عمرانَ بن حِطانَ ليقتلَهُ لأنه يحضُّ الخوارجَ بشعره على الخروجِ لسفك دماء المسلمين. ولما ظفر الحجاجُ به قال: اضربوا عنقَ ابن الفاجرة. فقال عمران: بئسَ ما أدَّبك أهلُكَ يا حجاجُ، أكنتَ أمِنتَ أن أُجيبك بمثل ما لَقيتَني به؟ أبعدَ الموت منزلةٌ أصانعُك عليها؟ فأَطرق الحجاجُ استحياءً، وقال: خلُّوا عنه، فخرج إلى أصحابه. فقالوا: ما أطلقكَ إلا اللهُ، فارجعْ إلى حربِه معنا. فقال: هَيهاتَ غلَّ يداً مُطلقُها، واسترقَّ رقبةً مُطلقُها. ثم قال: أأُقاتل الحجَّاجَ عن سُلطانهِ ... بيدٍ تُقرُّ بأنَّها مَولاتهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 450 إني إذا لأخو الدناءة والذي ... عفَّتْ على عرْفانِه جَهَلاتُهُ ماذا أقولُ إذا وقفتُ موازياً ... في الصفِّ واحتجَّتْ له فَعَلاتُهُ وتدَّثَ الأكفاءُ أنَّ صنائعاً ... غُرستْ لديَّ فحنْظلتْ نَخَلاتُهُ وكان عمران بن حطانَ ينتقل في القبائل، فكان إذا نزل في حي انتسبَ نسباً يقربُ منه، فنزل عند رَوح بن زنباع الخُزاميِّ. وكان رَوح يَقْري الأضيافَ، وكان مسامراً لعبد الملم بن مروان أثيراً عنده، وانتمى له إلى الأزد. وقصته معه مشهورة حين فطن عبد الملك، وأمره أن يأتيهُ به، فهرب وخلَّف في منزل روحٍ رُقعةً فيها شعرٌ، حَوى قضيتَه معه. ثم ارتحل حتى نزل بزُفرَ بن الحارث الكلابيِّ؛ أحدِ بني عمرو بن كلاب بن عامر. فانتسب له أوزاعياً، ثم عَلم أمرَهُ، فاحتمل، وخلَّف في منزله رُقعةً مثل ما فعل مع رَوحٍ. فلم يزل ينتقلُ حتى أتى قوماً من الأَزد، فلم يزل فيهم حتى مات. وفي ذلك يقول: نَزل بحمدِ الله في خيرِ مَنزلٍ ... نُسرُّ بما فيه من الأَمْن والخَفَرْ نزلنا بقومٍ يجمعُ اللهُ شملهم ... وليس لهم عودٌ سوى المجدِ يُعتصَرْ من الأزدِ إن الأزدَ أكرمُ معشرٍ ... يمانيةٌ طابوا إذا نسب البشر وأصبحت فيهمْ آمناً لا كمعشرٍ ... أتوني فقالوا: من ربيعة أو مضر أم الحيُّ قحطانُ وتلكُمْ سَفاهةٌ ... كما قالَ لي رَوحٌ وصاحبُه زُفَرْ؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 451 وما منهما إلا يُسر بنسبةٍ ... تُقربني منه، وإنْ كان ذا نفَفَرْ فنحنُ بنو الإسلام والله واحدٌ ... وأَولى عبادِ الله بالله من شَكَرْ ومن ربيعةَ أبو الجوزاء الرَّبعيُّ: وهو أوسُ بن خالدٍ، وقال: جاوزتُ ابن عباس في داره اثنتي عشرةَ سنةً ما في القرآن آية إلا وقد سألته عنها. وسمع عائشةَ، روى عنه بُديل بن مَيسرة وعَمرو بن مالك. وخرج ابن الأشعث، فقُتل أيام الجماجم سنةَ ثلاثٍ وثمانين. ومن ربيعةَ ثم من بني شِحنةَ من ضُبيع خارجةُ بن مُصعب أبو الحجاج: روى عن داود بن أبي هندٍ وابن أبي عَروبة. وروى عنه عثمان بن عُمرَ ووَكيع. وكان خارجةُ من أفقهِ أهل خاسان وأرضاهم عندهم وأعقبَ بخراسان. وكان أبوه مصعبُ بن خارجةَ مع عليّ بن أبي طالب. ومن ربيعة ثم ضُبيعة يزيدُ بن حُميد الضُّبعيُّ: أبو التَّياح، سمع أنس ابن مالك. روى عنه الجُريريُّ وشُعبة، وكان من فقهاء البصرة، ومات بها ولم يُعقب، قال ابن قُتيبة. وقال مسلم في الصحيح: مات أبو التياح بسَرخَسَ. ومن ضُبيعةَ بن ربيعةَ نوح بن مخلد: له صحبةٌ، وهو جدُّ أبي حمزةَ الضُّبَعي. روى عنه أبو حمزة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: " ممَّن أنتَ؟ " قال: من ضَبيعة بن ربيعة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيرُ ربيعةُ عبدُ القيس ثم أخي الذي أنا منهم ". آخر نسب ربيعة. أياد بن نزار وهو أيادٌ الأكبر بن مَعدِّ بن عدنان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 452 فمن إياد أبو دُؤاد جارية بن الحجاج الإياديُّ من بني زهر بن إياد. وأبو دؤاد هو القائل: وفُتُوٍّ حَسَنٍ أَوجُهُهمْ ... من إياد بن نزارِ بن مَعَدْ وإخوة زُهر بن ايادٍ: دُعمي ونمارة وثعلبة. فولد نمارة الطمَّاح، ولبنيه يقول عمرو بن كُلثوم التَّغلبيُّ: ألا أبلغْ بني الطمَّاح عنا ... ودُعْميَاً، فكيف وجدْتُمونا؟ ومن دُعمي لقيطُ بن معبد الشاعر: قال ابن الأعرابي: هو لقيط بن معبد بن خارجة بن معبد بن حُطيط بن غَوثان بن الهَون بن وائلة بن الطَّمثان ابن عوذ مناة بن يقدم بن أفضى بن دُعمي. وقال عليُّ بن صالح: هو لقيط بن حيَّة. وهو القائل القصيدة البديعة المحكمة على قافية العين، يحذَّر فيها قومه إياداً كسرى وجنوده، ويصف لهم الاستعداد للحرب بأبلغ وصفٍ، وأول القصيدة: يا دار عَمرة من محتلِّها الجَرَعا ... هاجت ليَ الهمَّ والأحزان والجَزَعا تامَتْ فؤادي بذاتِ الجِزع خَرْعبةٌ ... مرَّتْ تُريدُ بذاتِ العَذْبةِ البِيعَا جرَّت لمِا بيننا حبلَ الشَّموسِ فلا ... يأساً مُبيناً نَرى منها ولا طَمعا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 453 ومن إياد قسُّ بن ساعدة الإياديُّ: خطيب العرب وحكيمها، وعُمِّر ثلاثمئة سنة، وزاد عليها سنين. وقيل إنه أدرك رأس الحَواريين " شَمعون الصَّفا ". وكان مُوحِّداً لله عزَّ وجلَّ في الجاهلية. ورآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بسوق عكاظ يخطب الناس قبل أن يُبعث. وهو القائل في ذلك اليوم الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب: في الذاهبينَ الأوّلي ... ن من القرون لنا بصائرْ لمّا رأيتُ موارداً ... للموت ليس لها مصادرْ ورأيتُ قومي نحوها ... يمضي الأكابرُ والأصاغرْ لا يَرجعُ الماضي ولا ... يبقَى من الباقين غابِرْ أَيقنتُ أني لا مَحا ... لةَ حيث صار القومُ صائرْ وقال محمدُ بن حبيب: زعموا أن قساً أولُ من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من توكَّأ على عصاً، وأول من قال: " أما بعدُ " من العرب. وعثمرِّ ثمانين ومئة سنةً. وقيل: إن أول من قال: " أما بعدُ " كعب بن لؤي، وقد تقدَّم ذلك. ومن إياد كعب بن مامة الإياديُّ: وكان أحد أجواد العرب. وكان سافر ورفيقه رجلٌ من النمر بن قاسطٍ، فقلَّ عليهما الماء، فتصافنا. والتصافنُ: أن يُطرح في الماء حجر، ثمَّ يُصبُّ فيه من الماء ما يَغمرُه لئلا يتغابنوا. فجعل النَّمريُّ يشرب نصيبه. فإذا أخذ كعب نصيبه قال: اسق أخاك النَّمريَّ، فيؤثره. حتى جُهد كعب، ورُفِّعت له أعلام الماء. فقيل له: رشدْ ولا ورود، فمات عطشاً. ففي ذلك يقول أبو دؤاد الإياديُّ: أَوفَى على الماءِ كعبٌ ثم قيل له: ... رِدْ كعبُ إنك وَرَّادٌ. فما وَرَدا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 454 فضُرب به المثلُ. وقال جرير في كلمته التي يمدح فيها عمر بن عبد العزيز: يعودُ الفضلُ منك على قريشٍ ... وتَفرِجُ عنهم الكُرَبَ الشِّدادا وقد أمَّنتَ وحشَهمُ برفقٍ ... ويُعْيِي الناسَ وحشُكَ إنْ يُصادا وتَبنى المجدَ يا عمر بن ليلى ... وتَكفى المجمل السَّنةَ الجَمادا وتَدعو اللهَ مُجتهداً ليرضَى ... وتَذكرُ في رعيَّتكَ المَعَادا وما كعبُ بنُ مامةَ وابنُ سُعدى ... بأجودَ منكَ يا عمرُ الجوادا ابن سُعدى: هو أوس بن حارثة بن لأْمٍ الطائيُّ، وكان سيِّداً مُقدَّماً. ومن بني زُهر بن إياد أبو عبد الله أحمد بن دُؤادٍ: القاضي، وكان قاضيَ قُضاة أبي إسحاق المعتصم محمد بن هارون الرشيد. وقضى أيضاً لابنه أبي جعفر هارون الواثق. وكان ابن أبي دؤاد من العَدلية القائلين بخلق القرآن، يراهُ ديناً يقتلُ عليه من خالفه. وامتحن على القول بقوله في خلق القرآن خلقُ كثير في أيام المعتصم والواثق. منهم الإمام الرِّضي أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حَنبل بن هلال الشَّيبانيُّ: من بني شيبان، من ربيعة، من أنفسهم. وضربه المعتصم بمحضر ابن أبي دُؤاد بعدما خَصم ابن أبي دؤاد وأفحمه، كما صنع عبد العزيز بن يحيى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 455 الكنانيُّ صاحبُ الشافعيُّ واضعُ " الحَيدة " مع بشر المريسيَّ بمجلس المأمون عبد الله بن الرشيد. وفي أيام المأمون قيل بخلق القرآن، وقال به، وامتحن أيضاً عليه. إلا أنه كان حليماً، إذ أبان له وضوح حجَّة انقاد إليها، وإن كان يخالفها. وكان بشر رجل سوء. قال الأزدي الموصليُّ الحافظ في، " كتاب الضعفاء المتروكين " له: بشر بن غياث المريسيُّ صاحب رأي لا يقبل له قول، كان كافراً بقوله: القرآن مخلوق. وقال أبو خالد يزيد بن هارون الواسطيُّ: حرَّضت أهل بغداد على قتل بشر المريسيُّ غير مرِّة. ويزيد بن هارون من جلَّة المحدَّثين. يروى عن إسماعيل بن أبي خالد، وحُميد الطويل، وإبراهيم بن سعد الزهريِّ ومالكٍ. ورى عنه أبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى التميميُّ وأبو خيثمة زهير بن حرب بن وعمر بن محمد الناقد. وكان زيد مولي لبني سليم. وُلد سنة ثمان عشرة ومئة، ومات بواسط سنة ستٍ ومئتين بخلافة المأمون. وممَّن امتحن ابن أبي داود على القول بخلق القرآن أبا يعقوب يوسف بن يحيى البويطيَّ: من أصحاب الشافعيُّ. وكان حمل من مصر إلى بغداد، ومات في السِّجن، والقيدُ في رجليه، سنة أحدى وثلاثين ومئتين في خلافة الواثق. وقال أبو يحيى زكرياءُ بن يحيى الساجيُّ البصريُّ في كتابة: كان أبو يعقوب البُويطيُّ إذا سمع المؤذن وهو في السجن يوم الجمعة اغتسل ولبس ثيابه ومشى حتى يَبلُغ باب السجن،، فيقول له السجان: أين تريدُ؟ فيقول: أُجيب داعي الله! فيقول: ارجع عافاك الله. فيقول أبو يعقوب: اللهمَّ إنك تعلم أني قد أجبت داعيك فمنعوني. وقال الشافعيُّ: ليس أحدُ أحقَّ بمجلسي من يوسف بن يحيى، وليس من أصحابي أعلم منه. ورُوي عنه قال: أبو يعقوب لساني. وقال الربيعُ بن سليمان المؤذِّنُ المُراديُّ: كان البُويطيُّ أبداً يحرِّك شفتيه بذكر الله تعالى، وما رأيتُ أحداً أنزع لحجةٍ من كتاب الله تعالى من أبي يعقوب البُويطيِّ. وممَّن امتحن ابن أبي دؤاد أيضاً أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصريَّ: حُمل من مصر إلى بغداد، ولم يُجب ما طُلب منه. وانتهت إليه الرياسةُ بمصر. ومات بعد نيِّفٍ وستين ومئتين. وكان فقيهاً محدِّثاً. روى عن ابن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 456 وهبٍ وشُعيب بن اللَّيث بن سعد. قال النَّسائي: هو صدوق لا بأس به. وقال ابن أبي حاتم: روى عنه أبي، وكتبتُ عنه. وهو صدوق ثقة. وأبوه عبد الله بن الحكم: كان أعلم أصحاب مالك بمختلف قوله، وأفضت إليه الرياسة بعد أشهب. ويقال إنه دفع إلى الشافعي ألف دينار من ماله، ومن تاجر موسر ألف دينار، ومن رجلين آخرين ألف دينار. وكان الشافعيُّ مُحِبّاً في مصر. فقال شوقاً إليها: لقد أصبحت نفسي تَتوقُ إلى مصر ... ومن دونها قطْعُ المهامةِ والقَفرِ فواللهِ ما أَدري أللفَوزِ بالغنى ... أُساق إليها أَم أُساقُ إلى قبري؟ فساقه الله إليهما جميعاً، صبَّ عليه عبد الله بن عبد الحكيم الدنيا صبّاً. وكان يقرأ عليه، ثم انتقل عن مذهبه بعد موته إلى مذهب مالكٍ رحمه الله. ووُلد عبدُ الله بن عبد الحكيم سنة خمسين ومئة، وتوفي سنة أربع عشرة ومئتين. وأولاده ثلاثة: محمد، وقد تقدَّم ذكره، وسعد وعبد الرحمن. وخرَّج ابن الجارود عن محمد وسعد في " المنتقى "، وخرج الطبريُّ عن عبد الرحمن في تاريخه الكبير. ولعبد الرحمن تأليف جليل في أخبار مصر وفتحها. قال خليفةُ بن خياط: وفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين قَتل الواثق أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي النيسابوريَّ المحدِّث، ضرب الواثق عنقه بيده لما امتنع عن القول بخلق القرآن، وشركه في قتله بعض مواليه، وصُلب مع بابَك لم يزل مصلوباً إلى أيام المتوكل رحمه الله. وفي هذه السنة اشتد الواثق في المحنة على القول بخلق القرآن، ووَلى قيها أحمد بن سعيد بن سَلم الفداء، ومعه خاقان خادم الرشيد، وجعفر الحذَّاء فامتحنوا أسرى المسلمين. فمن قال بخلق القرآن فُوديَ، ومن امتنع تُرك في أيدي الروم. فأجابوا كلُّهم إلى خلق القرآن، وكانوا ألفين وتسعمئة وخمسين ونحواً من مئة مُراهق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 457 خليفة بن خياط المذكور هو من المحدّثين، وله كتاب في التاريخ حسن ذكره مُسلم في الكنى فقال: أبو عمرو خليفة بن خياط بن خليفة العصفري يقال له: شباب. سمع يزيد بن زريع وغُندرا. وقال في جده: أبو هُبيرة خليفة بن خياط جدُّ شباب بن خياط. سمع عمرو بن شعيب. روى عنه وكيع وعمرو بن منصور. وقال أبو بكر محمد بن الحسين اللاّجُريُّ في كتاب " الشريعة " من تأليفه: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القَزوينيُّ قال: نا أحمد بن الممتنع ابن عبد الله القرشيُّ التَّيميُّ قال: نا أبو الفضل صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور الهاشميُّ. وكان من وجوه بني هاشم وأهل الجلالة والسنِّ منهم قال: حضرت المُهتدي بالله أمير المؤمنين رحمةُ الله عليه. وقد جلس ينظر في أمور المسلمين في دار العامة، فنظرت إلى قصص الناس تُقرأ عليه من أولها إلى آخرها. فيأمر بالتوقيع فيها وإنشاء الكتب لأصحابها وتُختم وتُدفع إلى صاحبها بين يديه. فسرَّني ذلك، وجعلتُ أنظر غليه، ففطنَ ونظر إلي، فغضضت عنه حتى كان ذلك مني ومنه مراراً ثلاثةً؛ إذا نظر إليَّ غضضتُ، وإذا اشتغل نظرتُ. فقال لي: يا صالح. قلت: لبيك يا أمير المؤمنين. وقمتُ قائماً. فقال: في نفسك منّا شيء تحبُّ أن تقوله؟ أو قال: تريد أن تقوله؟ قلتُ: نعم يا سيدي يا أمير المؤمنين. قال: عُدْ إلى موضعك. فعدت، وعاد في النظر، حتى إذا قام قال للحاجب: لا يبرح صالح. فانصرف الناس، ثم أذِن لي وقد همَّتني نفسي. فدخلتُ عليه، فدعوتُ له، فقال لي: اجلِس، فجلست، فقال: يا صالحُ تقول لي ما دار في نفسك أو أقول أنا ما دار في نفسي أنه دار في نفسك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما تَعزمُ عليه وما تأمرُ به. فقال: أقول أنا كأني بك وقد استحسنت ما رأيت منا! فقلت: أيُّ خليفةٍ خليفتنا إن لم يكن يقول: القرآن مخلوق. فورد على قلبي أمر عظيم، وهمَّتني نفسي ثم قلتُ: يا نفس هل تموتين إلا مرةً، وهل تموتين قبل أجلك، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 458 وهل يجوز الكذب في جدٍّ أو هزل؟ فقلتُ: يا أمير المؤمنين، ما دار في نفسي إلا ما قلت. فأطرق مليّاً ثم قال: وَيْحَكَن اسمع مني ما أقول، فوالله لتسمعنَّ الحقَّ. فسُرِّي عني وقلت: يا سيدي ومن أولى بقول الحقِّ منك وأنت خليفة ربِّ العالمين وابن عمِّ سيد المرسلين من الأولين والآخرين.؟ فقال لي: مازلت أقول: إن القرآن مخلوق صدراً من خلافة الواثق حتى أَقدم علينا أحمد بن أبي دًؤاد شيخاً من أهل " آذنة " فأدخل الشيخ على الواثق مقيَّداً، وهو جميل الوجه، تامُّ القامة، حسنُ الشيَّبة. فرأيت الواثق قد استَحيا منه ورقَّ له. فما زال يُدينه ويقرِّبه حتى قرُب منه. فسلَّم الشيخ فأحسن السلام. ودعا فأَبلغ وأَوجز. فقال له الواثق: اجلس، ثم قال له: يا شيخ ناظر ابن أبي دُؤاد على ما يُناظرك عليه. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ابن أبي دُؤاد يَقِلُّ ويصبو ويضعُف المناظرة. فغضب الواثق، وعاد مكان الرقَّة له غضباً عليه. فقال: أبو عبد الله بن أبي دُؤاد يقلُّ ويصبو ويضعف عن مناظرتك أنت؟ فقال الشيخ هوِّن عليك يا أمير المؤمنين ما بك وأْذَن لي في مناظرته. فقال الواثق: ما دعوتك إلا للمناظرة. فقال الشيخ: يا أحمد إلى مَ دعوت الناس ودعوتني إليه؟ قال: إلى أن تقول: إن القرآن مخلوق، لأن كل شيء دون الله مخلوق. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تحفظَ عليَّ وعليه ما يقول. قال: أَفعلُ. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك؛ هذه واجبةٌ داخلة في عقد الدِّين، فلا يكون الدِّين كاملاً حتى يُقال فيه ما قلت؟ قال: نعم. قال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله عز وجل إلى عباده هل سَتر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أمره الله عز وجل في دينه؟ قال: لا. قال الشيخ: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه؟ فسكت فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال: يا أمير المؤمنين واحدة. فقال الواثق: واحدة. فقال الشيخ: يا أحمد، فاخبرني عن الله عز وجل حين أنزل القرآن على رسوله فقال:) اليومَ أكملتُ لكم دينكم وأَتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً (أكان الله عز وجل الصادق في إكماله دينه أم أنت الصادقُ في نقصانه فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه بمقالتك هذه " فسكت ابن أبي دُؤاد. فقال الشيخ: أجب يا أحمد. فلم يُجبه. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين اثنتان. فقال الواثق: اثنتان. فقال الشيخ: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه: عَلِمها رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 459 أو جهلها؟ قال ابن أبي دؤاد: علمها. قال الشيخ: فدعا الناس إليها؟ فسكت ابن أبي دؤاد. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين ثلاث. فقال الواثق: ثلاث. قال الشيخ: يا أحمد فاتَّسع لرسول الله إذ عَلِمها كما زعمت ولم يُطالب أمتهُ؟ قال: نعم. قال الشيخ: واتَّسع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهم؟ فقال ابن أبي دؤاد: نعم. فأَعرض الشيخ عنه، وأقبل على الواثق فقال: يا أمير المؤمنين قد قدَّمتُ القول إنَّ أحمد يَقلُّ ويصبو ويضعف في المناظرة يا أمير المؤمنين إن لم يَّتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما اتَّسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فلا وسَّع الله على من لم يَّتسع له ما اتَّسع لهم من ذلك. فقال الواثق: نعم إن لم يَّتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فلا وسع الله علينا، اقطعوا قيد الشيخ. فلما قُطع ضرب الشيخُ بيده إلى القيد ليأخذه فجاذبه الحدّاد عليه. فقال الواثق: دع الشيخ ليأخذه. فأخذه الشيخ فوضعه في كمِّه. فقال الواثق: لمَ جاذبت الحدّاد عليه؟ فقال الشيخ: لأني نويت أن أتقدَّم إلى من أُوصِّي إليه إذا ما متُّ أن أجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله عز وجل يوم القيامة وأقول: يا ربِّ سل عبدك هذا لمَ قيدني وروَّع أهلي وولدي وإخواني بلا حقٍّ أَوجب ذلك عليَّ، وبكى الشيخ وبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله في حلٍّ وسعةٍ ممَّا قاله. فقال الشيخ: والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتُك في حِلٍّ وسعةٍ من أول يومٍ إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كنت رجلاً من أهله. فقال الواثق: لي إليك حاجةٌ؟ فقال الشيخ: إن كانت ممكنة. فقال الواثق: تُقيم قِبَلنا فننتفعُ بك، ينتفعُ فتيانُنا. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إنَّ ردَّك إياي إلى الموضع الذي أَخرجني منه الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك أَصير إلى أهلي وولدي فاَكفُّ دعاءهُم عليك، فقد خلَّفتهم على ذلك. فقال له الواثق: فتقَّبل منا صِلةً تستعين بها على دهرك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين لا تَحلُّ لي، أنا عنها غني وذو مِرَّق سَوي. قال: فسل حاجتك. فقال: أو تقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: تُخلِّي سبيلي إلى الثَّغر الساعة، وتأذنُ لي. قال: قد أذنت لك. فسلَّم عليه الشيخ وخرج. قال صالح: قال المهتدي بالله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 460 أمير المؤمنين رحمة الله عليه ورضوانه: فرجعت عن هذه المقالة منذ ذلك اليوم. وأظنُّ الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت. يا أحمد فاتَّسع لرسول الله إذ عَلِمها كما زعمت ولم يُطالب أمتهُ؟ قال: نعم. قال الشيخ: واتَّسع لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنهم؟ فقال ابن أبي دؤاد: نعم. فأَعرض الشيخ عنه، وأقبل على الواثق فقال: يا أمير المؤمنين قد قدَّمتُ القول إنَّ أحمد يَقلُّ ويصبو ويضعف في المناظرة يا أمير المؤمنين إن لم يَّتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما اتَّسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فلا وسَّع الله على من لم يَّتسع له ما اتَّسع لهم من ذلك. فقال الواثق: نعم إن لم يَّتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فلا وسع الله علينا، اقطعوا قيد الشيخ. فلما قُطع ضرب الشيخُ بيده إلى القيد ليأخذه فجاذبه الحدّاد عليه. فقال الواثق: دع الشيخ ليأخذه. فأخذه الشيخ فوضعه في كمِّه. فقال الواثق: لمَ جاذبت الحدّاد عليه؟ فقال الشيخ: لأني نويت أن أتقدَّم إلى من أُوصِّي إليه إذا ما متُّ أن أجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم عند الله عز وجل يوم القيامة وأقول: يا ربِّ سل عبدك هذا لمَ قيدني وروَّع أهلي وولدي وإخواني بلا حقٍّ أَوجب ذلك عليَّ، وبكى الشيخ وبكى الواثق وبكينا. ثم سأله الواثق أن يجعله في حلٍّ وسعةٍ ممَّا قاله. فقال الشيخ: والله يا أمير المؤمنين لقد جعلتُك في حِلٍّ وسعةٍ من أول يومٍ إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كنت رجلاً من أهله. فقال الواثق: لي إليك حاجةٌ؟ فقال الشيخ: إن كانت ممكنة. فقال الواثق: تُقيم قِبَلنا فننتفعُ بك، ينتفعُ فتيانُنا. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين إنَّ ردَّك إياي إلى الموضع الذي أَخرجني منه الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك أَصير إلى أهلي وولدي فاَكفُّ دعاءهُم عليك، فقد خلَّفتهم على ذلك. فقال له الواثق: فتقَّبل منا صِلةً تستعين بها على دهرك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين لا تَحلُّ لي، أنا عنها غني وذو مِرَّق سَوي. قال: فسل حاجتك. فقال: أو تقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: تُخلِّي سبيلي إلى الثَّغر الساعة، وتأذنُ لي. قال: قد أذنت لك. فسلَّم عليه الشيخ وخرج. قال صالح: قال المهتدي بالله أمير المؤمنين رحمة الله عليه ورضوانه: فرجعت عن هذه المقالة منذ ذلك اليوم. وأظنُّ الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت. هـ الظالم أنفع لك من مقامي عليك، وأخبرك بما في ذلك أَصير إلى أهلي وولدي فاَكفُّ دعاءهُم عليك، فقد خلَّفتهم على ذلك. فقال له الواثق: فتقَّبل منا صِلةً تستعين بها على دهرك. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين لا تَحلُّ لي، أنا عنها غني وذو مِرَّق سَوي. قال: فسل حاجتك. فقال: أو تقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم. قال: تُخلِّي سبيلي إلى الثَّغر الساعة، وتأذنُ لي. قال: قد أذنت لك. فسلَّم عليه الشيخ وخرج. قال صالح: قال المهتدي بالله أمير المؤمنين رحمة الله عليه ورضوانه: فرجعت عن هذه المقالة منذ ذلك اليوم. وأظنُّ الواثق بالله كان رجع عنها من ذلك الوقت. قال المؤلف، أغناه الله من فضله، وأظلَّه يوم حشره في ظلِّه: وهذه طرائف من كلام السَّلف رضوان الله عليهم في الرد على القائلين بخلق القرآن، الحايدين بضلالتهم وحيرتهم عن سبل الإيمان، انتقيتها من كتاب " الشريعة " نفع الله به مؤلفه، إذ أبدع فيما صنَّفه. وكان رحمه الله إماما حافظاً سنياً، جليلاً في أعين نظرائه سنيَّاً. قال الأجرِّيُّ: حدّثنا أبو عبد الله جعفر بن إدريس القزويني قال: نا حمُّويه بن يونس إمام مسجد قزوين قال: نا جعفر بن محمد الرَّاسيُّ من رأس العين قال: نا عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعدٍ قال: أخبرني معاوية بن صالح عن عليِّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله عزَّ وجل:) قرآناً عربياً غير ذي عوج (قال: غير مخلوق. قال حمُّويه بن يونس: بلغ أحمد بن حنبل هذا الحديث، فكتب إلى جعفر بن محمد بن فضيل يكتب إليه بإجازته، فكتب إليه بإجازته. فسرَّ أحمد بهذا الحديث، وقال: كيف فاتني عن عبد الله بن صالح هذا الحديث؟ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاريُّ قال: نا العُمريُّ قال: سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: القرآن كلام الله، وكلام الله من الله، وليس من الله شيء مخلوق. وحدَّثنا عمر بن أيوب السَّقطيُّ قال: نا الحسن بن الصبَّاح البزَّاز قال: نا سُريجُ بن النعمانُ قال: نا عبد الله بن نافع قال: كان مالك بن أنس رحمه الله يقول: القرآن كلام الله ويستفظع قول من يقول: القرآن مخلوق. قال مالك: يُوجعُ ضرباً، ويحبس حتى يموت. وحدَّثنا عمر بن أيوب السَّقطيُّ قال: نا الحسن بن الصبَّاح قال: نا إبراهيم بن زياد قال: سألت عبد الرحمن بن مهدي فقلتُ: ما تقول فيمن يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: لو أني على سلطان لقُمتُ على الجسر، فكان لا يمرُّ بي رجل إلا سألته، فإذا قال: القرآن مخلوق ضربت عنقهُ وألقيته في الماء. حدَّثنا أبو القاسم عبدُ الله بن محمد بن عبد العزيز البغويُّ قال: نا حنبل بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 461 إسحاق قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل، وسأله يعقوب الدَّوْرقيُّ عمَّن قال: القرآن مخلوق. فقال: من زعم أنَّ علم الله وأسماءه مخلوقة فقد كفر. يقول الله عز وجل ") فمن حاجَّكَ فيه من بعد ما جاءك من العلم (أفليس هو القرآن؟. فمن زعم أن علم الله وأسماءه وصفاته مخلوقة فقد كفر، لا أشكُّ في ذلك إذا اعتقدت ذلك وكان رأيه ومذهبه وكان ديناً يتديَّن به كان عندنا كافراً. أخبرنا أبو بكر محمد بن هارون العسكري الفقيه قال: نا محمد بن يوسف الطبَّاع قال: سمعت رجلاً يسأل أحمد بن حنبل فقال: يا أبا عبد اله أُصلِّي خلف من يشرب المسكر؟ قال: فأُصلي خلف من يقول: القرآن مخلوق؟ قال: سبحان الله أنهاك عن مسلم وتسألني عن كافر؟ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن صالح البخاريُّ قال: نا عثمان بن أبي شيبة قال: نا جرير عن ليث بن أبي سُليم عن سلمة بن كُهيل عن أبي الزعراء عبد الله بن هانئ قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: القرآن كلام الله عز وجل فلا تَصرفوه على آرائكم. نا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البَغَويُّ قال: نا داود بن رشيد قال: نا أبو حفص البَارُ عن منصور عن هلال بن يساف عن فروة بن نوفل قال: أخذ خَبَّاب بن الأرتِّ فقال: يا هناه تقرَّب إلى الله عز وجلَّ بما استطعت، وإنك لست تتقرَّب إليه بشيءٍ أحبَّ إليه من كلامه. قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعيَّ يقول: القرآنُ كلام الله غير مخلوق. ومن قال: هو مخلوق، فهو كافر. وقيل لابن عُيينة: إن بشراً المريسيَّ يزعم أن القرآن مخلوق، فقال: كذب. قال الله عزَّ وجل:) ألا له الخلقُ والأمرُ (. فالخَلق خَلْقُ الله والأمرُ " أمر " القرآن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 462 حدثنا عليُّ بن حسنويه القطان قال: نا محمد بن إسحاق الصاغانيُّ قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلاَّمٍ يقول: القرآن مخلوق فقد افترى على الله، وقال على عزَّ وجل ما لم تقله اليهود ولا النصارى. حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار قال: نا أبو دؤاد السَّجستاني قال: سمعت إسحاق بن راهويه وهنَّاد بن السَّرِّ وعبد الأعلى بن حماد وعبيد الله بن عمر وحكيم بن سيف الرِّقِّيَّ وأيُّوب بن محمد وسَوَّار بن عبد الله والربيع بن سليمان صاحب الشافعيِّ وعبد الوهَّاب بن عبد الحكم ومحمد بن الصبَّاح وعثمان بن أبي شيبة ومحمد بن بكار بن الريَّان وأحمد بن حوَّاس الحنفيَّ ووهب بن بقيَّة ومن لا أحصينهم من علمائنا. كلُّ هؤلاء سمعتهم يقولون: القرآن كلامُ الله ليس بمخلوق. وبعضهم قال: غيرُ مخلوق. وقال أبو دؤاد: ورأيت أحمد بن حنبل يلَّم عليه رجلٌ من أهل بغداد ممَّن وقف، فيما بلغني، فقال له: أغرب لا أراك تجيء إلى بابي، في كلام غليظ، ولم يردَّ عليه السلام. وقال له: ما أحْوجَك إلى أن يُصْنع بك ما صُنع بصبيغ. ودخل بيته وردَّ الباب. وحدَّثنا ابن مخلد قال: نا أبو داوُد قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: من قال: لا أقول: القرآن غير مخلوق فهو جهميٌّز وقال أبو داود: وسمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: هؤلاء الذين يقولون: القرآن كلام الله، ويسكتون شرُّ من هؤلاء. يعني ممَّن قال القرآن مخلوق. قال أبو داود: وسألت أحمد بن صالح عمَّن قال: القرآن كلامُ الله، ولا يقول: غير مخلوق. فقال: هذا شاك والشاكُّ كافر. وقال ابن أبي بزَّة: من قال: القرآن مخلوق أو وقف، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق، أو شيء من هذا فهو على غير دين الله ودين رسوله حتى يموت. ابن أبي بَزَّة هدا: هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بَزَّة يَسار القارئ المكِّيُّ المؤذِّنُ، مولى بني مخزوم. روى القراءة هو وقُنبُل عن أبن كثير بإسنادٍ، وقد تقدَّم ذكره مُستوعباً في أول صفحٍ من هذا الكتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 463 مَعَدُّ بن عَدنانَ ولد معدُّ بن عدنان نزار بن معدَّ. وقد مضى ذكره وذكر ولده ومن ولدوا. وإياد بن معدُّ، وقد ذكرته عند ذكر ابن أخيه إياد بن نزار وقضاعة بن معدٍّ وقنص بن معد. فأما قُضاعةُ فكان بكر بن معدٍّ الذي به يكنى. وذكر أبو نعيم الأصبهانيُّ في " الرياضة " بسند عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قضاعةُ بن معدٍّ، وكان به يكنى ". وذكر أبو عُمر بنُ عبد البرِّ هذا الحديث في الإنباه عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قضاعةُ بن معد كان بكر ولده وأكبرهم، وبه كان يُكنى ". ثم قال: وليس دون هشام بن عُروة من يُحتجُّ به في هذا الحديث. وروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وجبير بن مطعم أن قضاعة هو ابن معدٍّ. وهو قول مصعب بن عبد الله الزُّبيريِّ وابن أخيه الزُّبير بن بكار وأبي محمد عبد الملك بن هشام البصريِّ. وممِّا احتجَّ به من قال هذه المقالة قول زهير بن أبي سلمى: إذا لَقِِحتْ حربٌ عَوانٌ مُضرَّةٌ ... ضَروسٌ، تهرُّ الناسَ أنيابهُا عُصْلُ قُضاعيةٌ أو أختُها مُضريَّةٌ ... يُحرَّقُ في حافاتِها الحطبُ الجزْلُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 464 وقال غيره: قُضاعةُ العُنصر من لا لَها ... أبٌ به تُعرفُ إلا مَعَدْ وقال لبيد: فلا تَسألينا واسألي عن بلائنا ... إياداً وكلباً من معدٍّ ووائلا ولا خلاف أنَّ كلباً في قضاعة. وقال عبد الملك بن حبيب السُلميُّ الأندلسيُّ: سمعتُ محمد بن سلام البصريَّ النسَّابة يقول: العرب ثلاث جراثيم: نزارٌ واليمنُ وقضاعةُ. قلت: فنزارٌ أكثر أم اليمن؟ فقال: ما شاءت قضاعة، إن تمعددت فنزار أكثر. وإن تيمَّنت فاليمن أكثر. قلت: فما هم عندك؟ قال: معدٍّية لاشك فيها. وقال ابن إسحاق: قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب ابن قحطان، وكذلك قالت اليمن وقضاعة. وقال ابن الكلبيِّ: قضاعة بن مالك بن عمرو بن مُرَّة بن زيد بن مالك بن حمير، ثم خلف عليها بعد مالك مَعد. فولدت له قضاعة على فراش مالك. وقد كانت العرب تنسُبُ الرجل إلى زوج أمِّه؛ ألا ترى أنها قالت في بني كنانة: بنو علي، وذلك أن أمَّ كنانة كانت تحت عليِّ بن مسعود الأزديِّ. فنسبتُهم العرب إلى علي. وذلك موجود في أشعارها. والذين نُسبوا إلى حواصِّهم من القبائل كثير. وقال محمد بن حبيب: وإنما فسد نسب قضاعة في الحرب التي كانت بالشام أيام حميد بن حُريث الكلبيِّ وعمير بن الحُباب السُّلميِّ، وذلك أن خالد بن يزيد بن معاوية قال لأخواله من كلب، وكان مطاعاً فيهم، وهم سادةُ قضاعة: أطيعوني وخالفوا اليمن وانتسبوا إليها. فإنكم تُذلون بذلك بني مروان، ومن انحطَّ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 465 في أهوائهم من قيس وغيرها. فأطاعه بعضهم، وعصاه آخرون. فكان بعضهم يقول: حالفنا اليمن، وبعضهم يقول: بل نحن منهم. وكان أول من انتسب من قضاعة إلى مالك بن حمير الأفلح بن يعقوب حيث يقول: يأيُّها الدّاعي ادْعُنا وأَبش ... وكن قضاعياً ولا تَنزَّر نحن بنو الشيخ الهجان الزهر ... قضاعة بن مالك بن حمير النسب المعروف غير المنكر وللأعشى بن ثعلبة، وقيل: إنها لبعض الكلبين، يعاتب قضاعة في تحوُّلهم إلى اليمن: أَزَنَّيْتُمْ عجوزَكُمُ وكانتْ ... عجوزاً لا يثشقُّ لها غُبارُ عجوزٌ لو دَنا منها يمان ... للاقى مثل ما لاقى يسارُ قال المؤلف، وفَّقه الله: هو يسار الكواعب: وكان من حديثه ذكر أبو عبيد وغيره أنه كان عبداً لبعض العرب، ولمولاه بنات. فجعل يتعرَّض لهنَّ، ويريدهنَّ على أنفسهنَّ فقلن له: يا يسارُ، اشرب من ألبان هذه العشار، وكُل من لحم الحُوار، ولا تتعرض لبنات الأحرار. فلما أكثر عليهن واعدنه ليلاً، فاتاهن وقد أعددن له موسى. فلما خلا بهنَّ قبضن عليه، فجببن مذاكيره. فصار مثلاً لكلِّ من جنى على نفسه، وتعدَّى طوره. وفيه يقول الفرزدق لجرير: فهل أنتَ إن ماتت أتانُك راكبٌ ... إلى آل بسطام بن قيس بخاطب؟ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 466 وإني لأخشى إن خَطبت إليهمُ ... عليك الذي لاقى يسارُ الكواعبِ وقال أعشى بني ثعلبة يخاطب قضاعة: أبلغ قضاعة في القرطاس أنَّهمُ ... لولا خلائفُ دين الله ما عَتَقوا قالت قضاعةُ: إنا من ذوي يضمنٍ ... والله يعلمُ ما برَّوا وما صدقوا قد ادَّعوا والداً ما مسَّ أُمَّهمُ ... قد يعلمون ولكن ذلك الفرق ما ضرَّ شيخُ نزار أن يفارقَهُ ... من لا يَزينُ إذا أَبناؤهُ اتَّسقوا معدُّ شيخٌ بنَى للمجد قُبَّتَهُ ... فالمجدُ منه ومن أبنائه خُلقُ لو جاهلوا الناس بذَّت جاهليَّتهمُ ... أو سابقوا الناس عن أحسابهم سبقوا الوارثين نبيَّ الله سُنَّتَهُ ... في دينه وعليهم نُزِّل الورق ذكر بطون قضاعة ولد قضاعة الحاف بن قضاعة. وولد الحاف رجلين: عمران بن الحاف وعمرو بن الحاف، هذا ما لم يختلف فيه. ومنهما تشعبت بطون قضاعة كلها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 467 فمن بطون عمران بن الحاف بن قضاعة كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. فمن كلب دحية بن خليفة بن فروة الكلبيُّ: وكان حسن الوجه. وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبِّه دحية الكلبيَّ بجبريل عليه السلام، وهو من كبار الصحابة. ولم يشهد بدراً وشهد أحداً وما بعدها من المشاهد. وبقي إلى خلافة معاوية. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر في هُدنة الحديبية. فآمن به قيصر، وأبت بطارقتُهُ أن تؤمن. فأخبر بذلك دحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ثبَّت اللهُ مُلكَهُ ". ومن أشراف كلب امرؤ القيس بن الأصبغ بن ثعلبة بن ضَمْضم من بني عبد الله بن كلب بن وَبرة: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملاً على كلب، في حين إرساله عمَّالهُ، فارتدَّ بعضهم، وثبت امرؤ القيس على دينيه. وامرؤ القيس هذا هو خال أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، لأنَّ أمه تُماضر بنت الأصبغ بن ثعلبة. وكان الأصبغ زعيم قومه ورئيسهم. ومن أشرافهم الفرافصةُ بن الأحوص بن عمرو بن ثعلبة. وهو الذي تزوَّج عثمان ابنته نائلة بنت الفرافصة. ومنهم زُهير بن جناب بن هُبل بن عبد بن كنانة. ومن كلب محمد بن السائب بن بشر الكلبيُّ: ويُكنى أبا النضر، وكان جدُّه بشر بن عمرو. وبنوه: السائب وعبيد الرحمن شهدوا الجمل وصفِّين مع علي بن أبي طالب. وقُتل السائب مع مصعب بن الزُّبير. وشهد محمد بن السائب الجماجم مع ابن الأشعث. وكان نسَّاباً عالماً بالتفسير، وتوفي بالكوفة سنة ستٍّ وأربعين ومئة. وابنه أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب: كان أعلم الناس بالأنساب. ومنهم ميسون بنت بَحدل أمُّ يزيد بن معاوية بن أبي سفيان. وهي القائلة: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 468 لَلبسُ عباءةٍ وتَقرَّ عيني ... أحبُّ إلىَّ من لبسِ الشُّفوف قالت هذا البيت إلى أبيات أُخر في معاوية لمَّا أسنَّ، وحصرتها أيضاً المقاصير والتنعُّيم في المأكل والملبس. وكانت نشأت بالبادية في بيوت الشعر ولُبس العباء ومدِّ البصر في مسارح الإبل والبقر والغنم، فحنَّت إلى مسقط رأسها لكرم نفسها. ومن القين بن جسر بن شيع اللات بن أسد بن وبرة أخي كلب بن بروة عمرو بن الحكم القُضاعيُّ ثم القينيُّ: بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاملاً على بني القين. فلما ارتدَّ من ارتدَّ من عُمَّال قضاعة كان عمرو بن الحكم وامرؤ القيس بن الصبغ الكلبيُّ المذكور قبل ممَّن ثبت على دينه. ومنهم مالك وعقيل ابنا فارج نديما جذيمة. وإياهما عني أبو خِراشٍ بقوله: ألم تعلمي أن قد تفرَّق بيننا ... خليلا صفاء: مالك وعَقيلُ ومن أشراف القين دعج بن كُنيف: وهو الذي أسر سنان بن أبي حارثة المرِّيِّ والد هرمٍ الجواد. ومن خُشين بن النَّمرة بن وبرة أخي كلب بن وبرة وهو عمُّ تنوخ أبو ثعلبة الخُشني: وهو ممَّن غلبت عليه كنيته. واختلف في اسمه واسم أبيه اختلافاً كثيرا، ولم يختلفوا في صحبته ونسبته إلى خُشين، وكان ممَّن بايع تحت الشجرة. ومات في خلافة معاوية. وقيل: مات سنة خمس وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان. وقال ابن الكلبي: أبو ثعلبة بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرِّضوان، وضرب له بسهمٍ يوم خيبر. وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه فأسلموا ومن حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 469 الموطأ. مالك عن ابن شهاب، عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " أكل كلِّ ذي نابٍ من السَّبع حرام ". ومن تنوخ بن قيم بن النَّمر بن وبرة أُذينةُ: وهو الذي يقول فيه الأعشى: أزال أذينةُ عن مُلكه ... وأخرج عن حصنه ذايَزَنْ ومن بني التَّيم بن النمرة بن وبرة، ثم من بني مَشجعة بن الغوث معاوية بن حُجير: الذي يقال له ابن قارب وهو الذي قتل داود بن هبولة السَّليحيَّ، وكان مَلِكاً. ومن جرم بن ربَّان بن حُلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة سلمة بن قيس الجرْميُّ: له صحبة، وهو والد عمرو بن سلمة الذي كان يؤمُّ قومهن وهو بن سبع سنين أو ثمان، وعليه بردة. كان إذا سجد بدت منها عورته. فقالت امرأة من الحيِّ غطُّوا عنا اسْتَ قاريكم، ذكره البخاريُّ. ويكنى عمرو بن سلمة أبا يزيد. وكان يؤمُّ قومه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه كان أقرأهم للقرآن؛ أخذه عن قومه، وعمَّن كان يمرُّ به. وقيل إنه قدم مع أبيه على النبي عليه السلام، ولم يُختلف في قدوم أبيه. نزل عمرو البصرة، وروى عنه أبو قِلابة وعاصم الأحول وأبو الزُّبير المكي وأيوب السَّختيانيُّ. ومن جرم شهاب بن المجنون: جدُّ عاصم بن كُليب. ولشهاب وأبيه صحبة. ومنهم أسماء بن رياب الجرمي: وهو الذي خاصم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض بني عامر بن صعصعةَ. وهو القائل: وإني أخو جرم كما قد علمتمُ ... إذا اجتمعت عند النبيِّ المجامعُ فإن انتمُ لم تَقْنعوا بقضائهِ ... فإني بما قال النبيُّ لقانعُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 470 ومن جرم عصام بن شُهير بن الحرث: وكان شاعراً شديداً. وله يقول النابغة: فإني لا ألومُكَ في دخولٍ ... ولكنْ ما وراءك يا عصامُ وله قيل: نفسُ عصامٍ سوَّدت عِصاما ... وعلَّمته الكرَّ والإقداما وجعلتْهُ مَلكاً هُماماً ومن بني قدامة بن جرم كنَّارُ بن صريم: الذي كان يهاجي عمرو بن معد يكرب. ووعلة بن عبد الله بن الحرث: الذي قتل الحرث بن عبد المدان. وفي التابعين من جرم أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرميُّ: روى عن أنس بن مالك. وكان ديوانه بالشام. ومات سنة أربع ومئة. وقال أيوب السجستانيُّ: كان أبو قِلابة يحثُّني على الاحتراف، ويقول: إن الغنى من العافية. ورَبَّان: بالراء والد جَرم هو عِلاف. وإلى عِلاف تُنسب الرجالُ العلافية قال الشاعر: وَكُورٌ عِلافيٌّ وقِطْعٌ ونُمْرقُ ومن بطون عمران بن الحاف مهرةُ. قال ابن الكلبي: هو مُهرةُ بن حيدان ابن عمران بن الحاف بن قُضاعة. وتزيد بن حيدان: أخو مَهرة. وإليه تُنسب الثياب التَّزيدية. وقال غيره: إنَّ مهرة في جُرهم. وروى قائل هذا أن عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه سأل رجلاً: ممَّن أنت؟ فقال: من مهرة. فقال رضي الله عنه: " واذكر أخا عادٍ إذ أَنذرَ قومَه بالأحقاف ". ورَوَوا أن قبر هود في مهرة. وقيل: بل مَهرةُ هو حيدان بن معدِّ بن عدنان أخو إياد وقضاعة وقُنُص ونزار. هذا قول من زعم أنَّ لمعدٍّ بنين عدداً. وإلى مهرة تُنسب الإبل المهريَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 471 ومن مهرة كُرز: الذي سار إلى معد يكرب بن جبلة الكنديِّ. وهو الذي يقول: تقولُ بُنيَّتي، لمَّا رأتني ... أكرُّ عليهمُ وأذُ بّث وَحدي لَعمرُك إنْ وَنَيتَ اليومَ عنهمْ ... لتَنْقَلِبنَّ مصروعاً لخدِّ ومنهم مهرة زهير بن القرضم بن " الجعيل " المهريَُ: وفد على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأسلم فكان يُكرمُه لبُعد مسافته. وكتب له كتاباً، وردَّه إلى قومه. هكذا ذكره الطبريُّ: زهير بن قرضم. وقال محمد بن حبيب: هو دُهير بن الفرض بن الجُعيل، فالله أعلمُ. ومن بطون عمران بن الحاف سليح: وهو عمرو بن حلوان بن عمران، هكذا ذكر ابنُ عبد ربِّه في " العقد ". وقال ابن الكلبي: سليخ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. فمن بني سعد بن سليح الضَّماعجة الذين كانوا ملوك الشام قبل غسان. بطون عمرو بن الحاف بن قضاعة: بلي بن عمرو بن الحاف، وبهراء بن عمرو بن الحاف، وخولان بن عمرو بن الحاف، ونهد بن زيد بن سود بن أسلم عمرو بن الحاف، وجُهينة بن زيد بن سود بن أسلم، وعذرة بن سعد بن زيد بن سود بن أسلُم. وأسلُم هذا بضم اللام، وكذا رواه أهل النسب دون اختلاف. والذي في خزاعة أسلمُ بن أفضى بفتح اللام. وقيل إن عذرة هو عذرة بن سعد هُذيم بن ليث بن سود بن أسلم. فمن بلى كعب بن عجرة البلويُّ: حليف للأنصار. وفيه نزلت:) ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نُسكٍ (. مالك عن عبد الكريم بن مالك الجزري، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 472 وسلم محرماً فأذاه القمل في رأسه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق. وقال: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك بشاة. وابن ابنه سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجرة: روى عنه مالك في الموطأ في آخر كتاب الطلاق عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة حديث الفُريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدريِّ، حين تُوفي زوجها. ووهم في اسمه يحيى بن يحيى الأندلسيُ. فقال مالك عن سعيد بن إسحاق، والصواب سعد، وكذلك رواه جميع رواة الموطأ عن مالك رحم الله جميعهم. ومنهم أبو بردة هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم البلويُّ حليف بني حارثة بن الحرث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس: شهد العقبة وبدراً وسائر المشاهد. وهو خال البراء بن عازب، ولا عقب له، ومات في خلافة معاوية. روى عنه البراء بن عازب وجماعة من التابعين. وهو الذي ضحَّى قبل النبيِّ، فأمره أن يُعيد نُسُكاً. مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى فال: أنا هُشيم عن داود، عن الشعبيِّ، عن البراء بن عازب أن خاله أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبيُّ. فقال: يا رسول الله إنَّ هذا يوم اللحم فيه مفروم، وإني عجَّلتُ نَسيكتي لأطعم أهلي وجيراني. فقال رسول الله: " أَعِدْ نسُكاً ". فقال: يا رسول الله إن عندي عناق لبن هي خير من شاتَيْ لحم. فقال: " هيَ خيرُ نسيكَتيكَ، ولا تُجزئ جَذَعَةً عن أحدٍ بعدَك ". وحدثنا محمد بن مُثنى وابنُ بشار، واللفظ لابن مُثنى، قالا: نا محمد بن جعفر، قال: نا شُعبة عن زُبيد الياميِّ، عن الشعبيِّ، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله: " إنَّ أولَ ما نبدأ به في يومنا هذا نُصلِّي، ثم نرجع فننحر. فمن فعل ذلك فقد أصاب سُنَّتنا، ومن ذبح فإنما هو لحمٌ قدَّمه لأهله، ليس من النُّسُك في شيء ". وكان أبو بردة بن نيار قد ذَبح، فقال: عندي جذعةٌ خبرٌ من مُسنَّةٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 473 فقال: " اذبحْها، ولن تُجزئ عن أحدٍ بعدك ". وأورد مسلم هذا الحديث عن الشعبيِّ، عن البراء من طرُقٍ. وعن أبي جُحيفة عن البراء عن طريق واحد. وروى مالك، رحمه الله، حديث أبي بردة هذا في الموطأن وحديثُ مسلم أَتمُّ. ومات في صدر خلافة معاوية. ومنهم المُجذَّر بن ذياد بن عمرو البلويُّ: حليفُ بني سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج. واسمُ المجذَّر عبد الله. وقيل له المجذر، لأنه كان مجذَّر الخلق. وهو الغليظ، شهد بدراً، وقتل أبا البختريِّ العاصي بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصيٍّ يومئذ. وقال حين قاتله: بشِّرْ بِيُتْمٍ من أبيهِ البختري ... أو بشِّرنْ بمثلها منِّي بني أنا الذي أزعمُ أَصلي من بَلى ... أضرِبُ بالهنديِّ حتى يَنْثني واستشهد المجذَّر يوم أُحد. ومنه سواد بن غزيَّة بن أُهيب: حليف بني عديِّ بن النجَّار من الأنصار. شهد بدراً طعنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بمخصرة ثم أعطاه إياها، وقال: " استفِدْ عَدْلاً منه " صلى الله عليه. وذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قِدح يعدِّل به القوم. فمرَّ بسواد بن غَزيَّة حليف بني عديِّ بن النجار قال، وهو مُستنثل من الصف، قال ابن هشام: مُستنصل من الصف. فطعن في بطنه بالقدح وقال: " استو يا سواد ". فقال: يا رسول الله أَوْجَعْتني وقد بعثك الله بالحق فأَقِدْني. قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: " استقِدْ ". قال: فاعتنقه فقبَّل بطنه. فقال: " ما حَملكَ على هذا يا سَوادُ؟ ". فقال: يا رسول الله حضر ما ترى، فأَردتُ أن يمونَ آخر العهد بك أن يمسَّ جِلدي جلدك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيرٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 474 وسواد بن غزية كان عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر، فأتاه بتمر جَنيب، وأخذ منه صاعاً بصاعين من الجمع. فنهاه عن ذلك وقال: " بع الجمْع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جَنيباً ". روى الحديث مالك ومسلم، ولم يسمِّيا سواداً وسماه غيرُهما. ومن بلي النُّعمان بن عصر بن الربيع بن الحارث بن أُديم البلويُّ: وقيل: هو النعمان بن عصر بن عبيد بن وائلة بن جارية، حليف للأنصار لبني معاوية بن مالك بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس. شهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلَّها، وقُتل يوم اليمامة شهيداً. ومنهم سهل بن رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن غنم بن سري بن سلمة بن أُنيف: حليف الأوس. وهو صاحب الصاع الذي لمزهُ المنافقون. والشهر أنه أبو عقيل البلوي. واسمه جَثجاث سماه قتادة. وقال ابن إسحاق: أبو عقيل صاحب الصاع أخو بني أُنيف حليف بني عمرو بن عوف، أتى بصاع أبي عقيل. ورُوي عن ابن عباس وغيره في قوله) الذين يلمزون المطَّوِّعين من المؤمنين في الصدقات، والذين لا يجدون إلا جُهدهم (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضَّ على الصدقة يوماً، فأتى عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله؛ أربعة آلاف درهم أو أربع مئة دينار. وأتى عاصم بن عدي بمئة وسق وتمر، فلمزهُما المنافقون، وقالوا: هذا رياء. فنزلت:) يلمزون المطَّوِّعين من المؤمنين في الصدقات، والذين لا يجدون إلا جُهدهم ". أبو عقيل جاء بصاع تمر فقال: مالي غيرُ صاعين، نقلتُ فيهما الماء على ظهري. حَبستُ أحدهما لعيلي، وجئتُ بالآخر. فقال المنافقون: إنَّ الله لغنيٌّ عن صاع هذا. ومن بَلي، ثم من العَجلان بن ضُبيعة ثابت بن أَقْرم بن ثعلبة بن عدي ابن العجلان بن ضُبيعة، وعبد الله بن سلمة بن مالك بن الحارث بن عدي بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 475 العجلان، وزيد بن أسلم بن ثعلبة بن عدي بن العجلان، وربعيُّ بن رافع بن زيد بن حارثة بن عدي بن العجلان، ومعن بن عديٍّ بن الجدِّ بن العجلان بن ضُبيعة. وهؤلاء كلُّهم شهدوا بدراً. وهم خلفاء بني عمرو بن عوف من الأوس. وعاصم بن عديٍّ: أخو معن بن عدي، ردَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى بدرٍ من الطريق قيل: من الرَّوحاء لشيء بلغه عن أهل مسجد الضِّرار. وضرب له بسهمه مع أصحاب بدرٍ، وشهد ما بعد بدرٍ من المشاهد. وقيل: بل كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد استخلفه حين خرج إلى بدر على قباء وأهل العالية، وضرب له بسهمه، فكان كمن شهدها. وهو صاحب عُويمر العجلانيِّ. وهو عويمر بن أبيض الأنصاريُّ الذي قال له: سل لي يا عاصم عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث اللِّعان. وهو والدُ أبي البدّاح بن عاصم بن عدي. وتوفي عاصم سنة خمسٍ وأربعين، وهو ابن عشرين ومئة سنة. ومن بني العجلان من بلي شريك بن سحناء: وهي أمُّه. وهو شريك بن عبدة بن مغيب بن الجدِّ بن العجلان صاحب اللِّعان. وهو أخو البراء بن مالك لأمه. قيل: إنه شهد مع أبيه أُحداً. وهو الذي قذفه هلال بن أمية الواقفي بامراته. فقيل: إنه أولُ من لاعن في الإسلام، قاله هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن انس بن مالك. خرَّج الحديث مسلم. ومن بهراء بن عمرو بن الحاف المقداد بن عمرو البهرانيُّ: وإنما قيل له المقداد بن الأسود، لن السود بن عبد يغوث بن وهب الزهري كان تبناه، فنُسب إليه، وقد يُنسب أيضا إلى كندة. وذلك أن كندة سَبَتْه في الجاهلية، فأَقام فيهم وهو من نجباء الصحابة، قديم الإسلام. وهاجر وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد. وهو حليف بني زُهرة. وكان فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقال فيه للنبيِّ عليه السلام المقالة التي سُرَّ بها، وشهدت بفضله، وطيبت نفوس المسلمين على لقاء عدوِّهم. وكانت تحته ضُباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي عليه السلام. فولدت له عبد الله وكريمة. وقُتل عبد الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 476 يوم الجمل مع عائشة رضي الله عنها. ولضباعة عن النبي عليه السلام أحاديث روى عنها الأعرج وعروة بن الزبير. وروي من حديث ابن بُريدة عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أمرني ربي بحبِّ أربعة، وأخبرني أنه يحبُّهم: عليٌّ وأبو ذرٍّ والمقدادُ وسلمان. ويكنى المقدادُ أبا سعيد، ومات بالجرف، فحُمل على رقاب الرجال حتى دُفن بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين، وهو ابنُ سبعين سنة أو نحوها. ومن خولان بن عمرو أخى بهراء وبلي أبو مسلم الخَولانيُّ: العابد أدرك الجاهلية، وأسلم قبل وفاة النبيِّ عليه السلام ولم يره. وقدم المدينة حين قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر، فهو معدود في كبار التابعين. وله كرامات وفضائل. روى عنه ابن إدريس الخَولانيُّ وجماعة من تابعي أهل الشام، وهو الذي قذفه الأسود بن قيس العَنَسيُّ الكذاب في النار، فخرج منها ولم تضرَّه. واسمُ أبي مُسلم عبدُ الله بن ثُوب. ومنهم أبو إدريسَ الخَولانيُّ: واسمهُ عائذُ الله بنُ عبد الله بن عمرو. وولد عام حنين. يُعدُّ في كبار التابعين، وكان قاضيا بدمشق بعد فضالة بن عُبيد لمعاوية وابنه إلى خلافة عبد الملك بن مروان سمع أبا الدَّرداء وعُبادة بن الصامت وعبد الله بن مسعود وحُذيفة بن اليمان. واختلف ي سماعه من معاذ بن جَبل. والصحيحُ أنه أدركه وسمع منه وروى عنه. ومن الرواة عن ابنُ شهاب وربيعةُ بن يزيد وبشرُ بن عبيد الله وغيرهم. ومن بني نهد بن زيد بن سُود بن أُسلمُ بن عمرو بن الحاف بن قُضاعة أبو عثمانَ النَّهديُّ: واسمه عبد الرحمن بن مُلِّ بن عمرو بن عديٍّز أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأدَّى إليه صدقات، ولم يره. وغزا في عهد عمر القادسية وجلولاء وتُستر. وهو معدود في كبار التابعين في البصرة. وروى عن عمر وابن مسعود وأبي موسى. وروى مُعتمر بن سُليمان قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا عثمان النَّهديَّ يقول: أدركت الجاهلية فما سمعت صوت صنج ولا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 477 برْبط ولا مزمار أحسن من صوت أبي موسى في القرآن. وإن كان ليُصلِّي بنا صلاة الصبح فنودُّ لو قرأ البقرة من حسن صوته. ومنهم أبو حُذيفةَ موسى بن مَسعودٍ النَّهديُّ: سمع الثوريُّ وعِكرمة بن عمار. وكان ربيبب الثَّوريِّ، ومات بالبصرة سنة عشرين ومئتين. ومن نهد الصَّقْعبُّ: وهو جُشَم بن عمرو بن سعد. وكان سيد نهد في زمانه، وكان قصيرا أسود دميما، وكان من حكماء العرب. وكان النعمان قد سمع شرفه فأتاه. فلما نظر إليه نبتْ عينُه عنه فقال: " تسمعُ بالمُعيديِّ خيرٌ من أن تراه ". فقال: أبيتَ اللعنَ إن الرجال ليست بمسُوكٍ يستقي فيها الماءُ. وإنما المرءُ بأصغريه؛ قلبه ولسانه، إنْ نطقَ نطق ببيان، وإن صال بجنان. قال: صدقت. ثم قال له: كيف علمك بالأمور؟ قال: أنقُضُ منها المفتول وأُبرمُ منها المسحول، وأُجيلُها حتى تجول، وليس لها بصاحب من لم ينظر في العواقب. وقال له النعمانُ: ما الدَّاءُ العياء؟ قال: جارُ السوء الذي إذا ناولته بهتك، وإذا غبت عن سبعك. ومن جُهينة بن زيد أخى نهدٍ عُقبةُ بن عامر الجُهَنيُّ: من مشاهير الصحابة، وروى عنه، منهم: جابرٌ وابنُ عباس وأبو أُمامةَ. وسكن مصر، وكان والياً عليها، وابتنى بها دارا، ومات في آخر خلافة معاوية. ويُكني أبا حمّاد. وأما الرُواةُ عنه من التابعين فكثير. كان يُكثر الرَّمي لما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيه. ومات وترك خمسين قوسا بجعابها ونبالها. وشهد صِفِّين مع معاوية. وكان يخضبُ بالسواد. ومن جُهينة بشيرُ بن عَقربةَ الجُهنيُّ: ويُكنى أبا اليمان، ويُعرف بالفلسطيني. له صحبةٌ. استشهد أبوه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومات هو بعد خمسٍ وثمانين من الهجرة.. عبد الملك قال لبشير بن عقربة يوم قُتل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 478 عمرُو بن سعيد بن العاصي: يا أبا اليمان قد احتجنا إلى كلامك، فقُم فتكلم. فقال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: " مَن قامَ مقامَ رياء وسُمعة رأى اللهَ به وسمع ". ومن جُهينة عديُّ بن أبي الزغباء: واسمُ أبي الزغباء سنانُ بن سُبيع بن ثعلبة بن ربيعة الجهني حليف بني مالك بن النجار. شهد بدرا وأُحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب وهو الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا مع بسبس بن عمرو يتجسَّسان له عير أبي سُفيان في قصة بدر. ومنهم عمرو بن مُرَّةَ بن عبس بن مالك: أحدُ بني غَطفانَ بن قيس جهينة يكنى أبا مريم. أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: آمنتُ بكل ما جئت به من حلال وحرام، وإن أرغم ذلك كثيرا من الأقوام، وفي حديث طويل. كان إسلامه قديما، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثر المشاهد، ومات في خلافة معاوية. ومن حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أيما والٍ أو قاضٍ أغلق بابه دون ذَوي الحاجة والخلَّة والمسكنة أغلق اللهُ أبواب السماء دون حاجته وخَلَّتهِ ومَسكنته " روى عنه جماعةٌ منهم: القاسمُ بن مُخَيمرةَ وعثمانُ بن طلحةَ. ومن بني غطفانَ بن قيس بن جُهينةَ سُويد بن عَمرو بن جَذيمةَ بن سَبرةَ بن خَديج بن مالك بن ثعلبة بن رِفاعةَ نصر بن مالك بن غطفان بن قيس بن جهينةَ، وكان شريفا. ومن جُهينة الحُرَقة: وهم بنو حُميس بن عامر بن مودعة بن جُهينَة. منهم الرجل الذي سأله عمر: ما اسمك؟ وحديثه مع عمر في الموطأ. ونص الحديث: مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال لرجل: ما اسمك؟ فقال: جَمرة. قال ابن مَن؟ فقال: ابن شهاب. قال: ممَّن؟ قال: من الحُرقة. قال: أيم مسكنك؟ قال: بحرَّة النار. قال: بأيُّها؟ قال: بذات لظى. قال عمر: أدرِك أهلك فقد احترقوا. قال: فكان كما قال عمر بن الخطاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 479 ومن موالي الحُرَقة العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب: وهو من شيوخ مالك. وكانت له سنٌّ. وبقي إلى أول خلافة أبي جعفر. وقال مالك: كانت عند العلاء صحيفة يحدِّث بما فيها، فربَّما أراد الرجل أن يكتب بعضها فيقول له: إما أن تأخذها جميعا، وأما أن تدعها جميعا. وصحيفته بالمدينة جميعا. ومن جُهينة عبد الله بن بدر الجُهينيُّ: كان اسمه عبد العُزَّى، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. وهو أحد الذين حملوا ألوية جُهينة يوم الفتح. يكنى أبا بُعجَة بابنه بعجة. ولم يرو عنه غير ابنه بعجة. وروى بعجة أيضا عن أبي هريرة خرَّج عنه مسلم. وروى عن بعجة يحيى با أبي كثير أبو حازم سلمة بن دينار. ومات قبل القاسم بن محمد. وابنه معاوية بن بعجة روى عنه عبد العزيز بن محمد الدَّراورديُّ. ومن جُهينة أبو عبد الرحمن زيد بن خالد الجُّهنيُّ. وكان من خيار الصحابة. شهد الحديبية. وروى عنه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وعبد الله بن قيس بن مَخرَمة وغيرهما. وله في الموطأ أحاديث منها في كتاب الصلاة في صلاة النبيِّ عليه السلام في الوتر عن عبد الله بن قيس بن مخرمة عنه حديث: لأرمَقَنَّ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها أيضا في كتاب الصلاة في الاستمطار بالنجوم حديث نصُّه: مالك عن صالح بن كيسان، عن عبيد الله عن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن زيد بن خالد الجُهنيُّ أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل. فلما انصرف أقبل على الناس فقال: " أتدرون ماذا قال ربُّكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي. فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمة فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب. وأما من قال: مُطِرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن الكوكب ". ومن جهينة عبد الله بن أنيس بن أسعد بن حرام الجُهنيُّ: حليف لبني نابي بن عمرو بن سواد من بني سلمة. شهد العقبة مع السَّبهين، وشهد بدرا وأحدا وما بعدهما من المشاهد. روى عنه من الصحابة أبو أمامة وجابر بن عبد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 480 الله. وروى عنه من التابعين بسر بن سعيد وبنوه: عطية وعمرو وضمرة وعبد الله. وهو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر. وقال: يا رسول الله إني شاسع الدار، فمرني بليلة أنزل لها. فقال: " انزل ليلة ثلاثٍ وعشرين ". وتُعرف تلك الليلة بليلة الجُهنيِّ وليلة الأعرابي. ويكنى أبا يحيى. وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عصاً وقال: هي آية بيني وبينك يوم القيامة " إنَّ أقلَّ الناس المتخصِّرون يومئذ " فقرنها عبد الله بن أنيس مع سيفه. فلما حضرته الوفاة أمر أن تجعل معه في قبره. وكان منزله بأعراف على بريد من المدينة. وتوفي سنة أربع وخمسين. وقال ابن الكلبي: هو من ولد البَرْك بن وبرة أخي كلب بن وبرة. والبرك دخل في جُهينة. وقال مسلم في الكنى: أبو يحيى عبد الله بن أنيس الجهنيُّ له صحبة. ومنهم سنان بن وبرة الجهنيُّ حليف الأوس. غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة المُريسيع. وكان شعارهم يومئذ: يا منصور أمِت أمِتْ. وهو الذي تنازع مع جهجاه الغفاري يومئذ حين ازدحما على الماء حتى اقتتلا. فصرخ الجهنيُّ: يا معشر الأنصار. وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين. فغضب عبد الله بن أُبي وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرِجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ. والخبر بذلك مشهور في السِّير وغيرها. ومنهم أبو معبد عبد الله بن عُكيم: اختلف في سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم. وهو القائل: جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض جُهينة قبل وفاته بشهر ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، يعدُّ في الكوفيين. روى عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى وهلال الوزان. ومنهم سبرة بن معبد الجُهنيُّ: وكان يُكنى ابا ثُرية " بضم الثاء، وهو الصواب " سكن المدينة، وله بها دار. ثم انتقل في آخر أيامه إلى المروة، وهو والد الربيع بن سبرة. روى عن الربيع جماعة أجلُّهم ابن شهاب حديثه في نكاح المتعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرَّمها بعد أن أَذن فيها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 481 ومن ولد الربيع بن سبرة حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة: أبوه قد روى عن أبيه. وروى عنه إبراهيم بن المنذر. وفي التابعين من جُهينة زيد بن وهب الجهني: أبو سليمان. سمع علياً وابن سعود وأبا ذرٍ. روى عنه العمش وحمّاد بن أبي سُليم. ومنهم الأُسيفع: الذي كان يسبق الحاجَّ. وهو الذي قال فيه عمر بن الخطاب. أما بعدُ أيها الناس، فإن الأُسيفع أسيفع جُهينة رضي من دينه وأمانته بأن يقال له: سبق الحاجَّ. ألا وإنَّ قد ادان مُعرضاً، فأصبح قد دين به، فمن كان له عليه دَين فليأتنا بالغداة نقسم ماله بينهم، وإياكم والدَّين فإنَّ أوله همٌ وآخره حرب. وفي المحدثين من جُهينة عبد الله بن صالح: كاتب الليث بن سعد. ومات بمصر سنة ثلاثٍ وعشرين ومئتين. ومن عذرة بن سعد أخي نهد وجُهينة بني زيد بن سُود أسلم خالد بن عُرفطة بن صُعير: ابن أخي ثعلبة بن صُعير، ذكره أبو عمر بن عبد البر في الصحابة، وولاه سعد بن أبي وقاص ميمنة الناس يوم القادسية. وسكن خالد ابن عُرفطة الكوفة، ومات بها سنة إحدى وستين، وهي السنة التي قُتل فيها الحسين رضي الله عنه وولده عمر بن عبد العزيز. وروى عنه أبو عثمان النَّهديُّ ومسلم مولاه وعبد الله بن يسارٍ. وعمُّه ثعلبة بن صُعير: من الصحابة. وكان حليفاً لبني زهرة. روى عنه عبد الرحمن بن كعب بن مالك وابنه عبد الله بن ثعلبة. ولابنه عبد الله أيضا صحبة. قال مسلم في " الكنى ": أبو محمد عبد الله بن ثعلبة بن صُعير العُذريُّ حليف بني زُهرة، له صحبة، ولد قبل الهجرة بأربع سنين، وتُوفي سنة تسع وثمانين، وهو ابن ثلاثٍ وثمانين. روى عنه ابن شهاب وعبد الحميد بن جعفر. ومنهم رزاح بن ربيعة: أخو قصيٍّ لأمِّه. وهو الذي أعان قُصياً حتى غلب على البيت. ومنهم عروة بن حزام: صاحب عفراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 482 ومنهم جميل بن عبد الله بن معمر بن نَهيك: صاحب بُثينة. ومن عُذارة خُرافة: وهو الذي يقال فيه: حديث خُرافة. قال ابن قتيبة في " المعارف ": حدَّثني ابو سفيان الغنويُّ قالك نا سعيد بن عبد الله السُّلمي قال: حدثني سعيد بن أبي سارة عن ثابت عن أنس بن مالك أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: " إن أصدق الأحاديث حديث خرافة ". وكان رجلاً من بني عذرة سبته الجنُّ. فكان يكون معهم فإذا استرقوا السَّمع أخبروه فيُخبر به أهل الأرض، فيجدونه كما قال. ومن بني عذرة هُدبة بن خشرم بن كرز: العذريُّ الشاعر، وكان قتل زيادة بن زيد العذريَّ، وأقرَّ على نفسه بالقتل بين يدي معاوية. وكان لزيادة ولد صغير، فأمر معاوية بحبس هدبة حتى يكبر ولد زيادة، فإن شاء أن يأخذ بوتر أبيه أخذ، وإن شاء أن يقبل منه الدِّية قبل. فحُبس بالمدينة حتى أدرك ابن زيادة، فأبى أن يقبل الدية، وقتله بأبيه. ويقال: إنه عرض على ابن زيادة عشر ديات فأبى إلا القَوَدَ. وكان ممَّن عرض عليه الديات الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر، وسعيد بن العاصي، ومروان بن الحكم، وسائر الأقوام من قريش والأنصار. وكان من المتجلِّدين عند القتل. ولمَّا قُدِّم للقتل نظر إلى امرأته فدخلته غيرة، وقد كان جُدع في حربٍ، فقال: فغن يكُ أَنفي بانَ منه جمالُهُ ... فما حَسَبي في الصالحين بأَجدعا فلا تنكحي إن فرَّق الدهرُ بيننا ... أَغمَّ القَفا والوجهِ ليس بأَنزعا فقالت: قفوا عنه ساعةً، ثم مضت واصطلمت أنفها وأتته وقالت: أهذا فعلُ من له إلى الرجال حاجةٌ؟ فقال: الآن طاب الموت. ثم أقبل على أبويه فقال: أَبْلياني اليومَ صبراً منكُما ... إنَّ حزْناً مِنكُما اليومَ أشَرْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 483 ما أظنُّ الموتَ إلا هيّناُ ... إنَّ بعدَ الموتِ دارُ المستقرْ ومن قوله، وهو في السجن: طربتَ وكنتَ أحياناً طروبُ ... وكيفَ وقد تَعلاَّكَ المشيبُ؟ يُجدُّ النأيُ ذِكرَكَ في فؤادي ... إذا ذَهلتْ عن النأي القلوبُ يؤرِّقني اكتئابُ أبي نُميرٍ ... وقلبي من كآبتهِ كئيبُ فقلتُ له: هداك اللهُ خيراً ... وخيرُ القولِ ذو اللبِّ المصيبُ عسى الكربُ الذي أَمسيتُ فيه ... يكون وراءهَ فرحٌ قريبُ ومن موالي قُضاعة عبد العزيز بن محمد الدَّراورديُّ: واصله من دراورد؛ قريةٍ بخراسان. وقال بعضهمك هو منسوب إلى " درابجرد " من فارس على غير قياسٍ، والقياس داربي أو جردي. ولكن وُلد بالمدينة ونشأ بها وتُوفي فيها سنة سبعٍ وثمانين ومئة. وأما قنص بن معد بن معد بن عدنان فهلكت بقيَّتهم فيما تزعم نُساب معدٍّ. وكان منهم النعمان بن المنذر. وقال الزهريُّ ابن شهاب: إن النعمان بن المنذر كان من ولد قُنُص بن معدٍّن وكان منهم. ورُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين أُتي بسيف النعمان بن المنذر دعا جُبير بن مُطعم بن عديّ بن نوفل بن عبد مناف بن قُصيٍّ. وكان جُبير أنسب قريشٍ لقريشٍ وللعرب قاطبةً. وكان يقول: إنما أخذت النسب من أبي بكرٍ الصديق رضي الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 484 عنه. ثم قال: ممَّن كان يا جُبير النعمان بن المنذر؟ قال: كان من أشلاء قُنُص ابن مَعدٍَ. وسائر العرب يزعمون أن النعمان كان رجلاً من لضخمٍ من ولد ربيعة بن نصر والله أعلمُ بالصحيح من ذلك. قال المؤلف، أعزَّه الله بطاعته، ولا حمَّله فوق استطاعته: قد وَفَيت بما اشترطْت من ذكر جدود رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد المطلب إلى عدنان وإخوتهم ومن ولدوا، وما به من المآثر في الجاهلية والإسلام انْفَردوا، وبيَّنت ذلك كما يجب أحسن البيان بمنتقى المعارف المُسْتجادة. وسُقْتُه بليغاً موجزاً مُفيداً غاية الإفادة. وها أنا أذكرُ سير رسول الله صلى الله عليه وسلم المصطفى المختار من مولده إلى وفاته ذِكراً يُفصحُ عن أصحِّ الآثار، ويُعربُ عن أغرب الأخبار. ثم أُتبعُهُ نسَبَ العشرة الهادين المُهتدين؛ سُرُج الدين وأئمة المتَّقين. نفَعَ اللهُ به، وعليه أعانَ، وهو الرحمنُ المستعانُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 485 1 1 - بسم الله الرحمن الرحيم عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لعبد المطَّلب من الولد لصُلبه عشرة من الذكور، ومن الإناث ست بنات. الذكور: عبد الله ابن عبد المطلب أبو النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والزبير، وأبو طالب واسمه عبد مناف، وحمزة، والعباس، وضرار، والمثقوَّم، وأبو لهب واسمه عبد العزى، والغيداق، واسمه حَجْل، وسُمَّي غيداقا لكثرة سماحه وخيره، والحارث وهو أكبر ولد عبد المطلب، وبه كان يُكنى. الإناث: عاتكة بنت عبد المطلب، وأُميمة، والبيضاء وهي أُمُّ حكيم وبَرَّة وصفيَّة، وأروى. وأمُّ عبد المطلب: سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن عديِّ بن النجّار. واسم النجّار تيم الله ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج أخي الأوس. والأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مُزَيقِيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد ابن الغوث بن ثَبِت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يعرب بن يَشجُب ابن قحطان. وأمُّ الأوس والخزرج: عُذرية، واسمها قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد ابن زيد بن ليث بن سُود بن أسلُم بن الحاف بن قُضاعة. ولذلك قيل للأوس والخزرج: بنو قَليَة. قال النعمان بن بشر الأنصاريُّ يمدح الأوس والخزرج: بَهاليلُ من أبناءِ قَيلةَ لم يجدْ ... عليهم خليطٌ في مُخالطةٍ عَتْبا مساميحُ أبطالٌ يُراحون للنَّدى ... يَرَون عليهمْ فعلَ آبائهمْ نَحْبا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 5 وأمُّ سلمى: أُمُّ عبد المطلب عُميرة بنت صخر بن الحرث بن ثعلبة بن مازن ابن النجار. وكان لعبد المطلب من الأخوة لأبيه: أسد بن هاشم: وهو أبو فاطمة أمُّ عليَّ رضي الله عنه، وأبو صيفي بن هاشم، وفَضلة بن هاشم. ومن الأخوات لأبيه: الشِّفاء وخالدة وضعيفة وحيَّة. فأما الشفاء منهنَّ فتزوَّجها عبد المطلب بن عبد مناف فولدت له عبد يزيد الذي كان يُقال له المَحْضُ لا قذى فيه. وهو أبو رُكانة الشديد، وقد تقدَّم ذكر ركانة وأبيه كما يجب في أول الكتاب. وتزوج هاشم سلمى بنت عمرو ببلدها يثرب، فولدت له عبد المطلب ورقيَّة. وكانت قبل هاشم عند أُحَيْحَة بن الجُلاح، فولدت له عمرو بن أحيحة. فهو أخو عبد المطلب لأمِّه. وهلك هاشم بالشام، وعبد المطلب صبي صغير عند أمه بالمدينة. فلما شبَّ جاء عبد المطلب لأمه، وأراد أخذَهُ منها ليحمله إلى مكة، فمنعته من حمله. فلم يزل بها المطلب حتى دفعته إليه فذهب به، وأردفه خلفه، وحمله إلى مكة. فلما دخل مكة قالت قريش: هذا عبد المطلب. فقال المطلب: ويحكم إنه ابن هاشم أخي، قدِمتُ به من يثرب. فلزمه هذا الاسم، واسمه شَيبَةُ. أمهات بني عبد المطلب وبناته أمُّ عبد الله والد النبي عليه السلام، وأبي طالب، وجميع النساء غير صفية. فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يَقَظَة بن مُرَّة بن كعب ابن لؤي بن غالب بن فهر. وأمُّ حمزة والمُقوَّم والحَجْل وصفية: هالة بنت أُهَيب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي. وأُمَُ العباس وضرار: نُتَيلة بنت جَناب بن كُليب بن مالك بن عمرو بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 6 عامر بن زيد مناة بن عامر بن سعد بن الخزرج بن تيم اللات بن النَّمِر بن قاسط بن هِنْب بن أفضى بن دُعميِّ بن جديلة بن أسيد بن ربيعة بن نزار، هكذا نسبها ابن إسحاق، ونسبها أبو عبيدة كما يأتي بعد. وأمُّ الحرث بن عبد المطلب: سمراء بنت جُندب بن جُحير بن رئاب بن سُواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة. وأُمُّ أبي لهب: لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حُبيشة بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي. ذكر عمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم منهم اثنان: حمزة والعباس. فوجب تقديمهم للذِّكر. حمزة بن عبد المطلب: أسلم رضي الله عنه قبل عمر، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار الأرقم المخزوميِّ عند الصَّفا قبل كمال المسلمين أربعين رجلا بها. وغنما أُكملوا أربعين بعمر رضي الله عنه. وكان سبب إسلام حمزة أَنفة وغضبا لما نال أبو جهل عدوّ الله من النبي عليه السلام من السبِّ والأذى عند الصَّفا. أخبرت حمزة بذلك مولاة عبد الله بن جُدعان، وقد رجع من قنصه متوشحا قوسه. وكان صاحب قَنص. ورفع قوسه فضربه بها فشجَّه شَجَّة مُنكرة. وقال: أتشتمه! فأنا على دينه أقول ما يقول، فردَّ عليَّ ذلك إن استطعت، وتمَّ رضي الله عنه على إسلامه لما أراد الله به من كرامته. وهاجر حمزة إلى المدينة قبل هجرة النبي عليه السلام، وشهد بدرا، وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرَّضاع. وكان حمزة أسنَّ منه، بينهما سنتان، أرضعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وحمزة وأبا سلمة بن عبد الأسد " ثُوَيبَة " مولاة أبي لهب. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكرم ثُويبة، وكانت تدخل على خديجة بعد أن تزوج خديجة. فكانت خديجة تكرمها. وأعتقها أبو لهب بعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. فكان عليه السلام يبعث إليها من المدينة بصِلة وكسوة حتى ماتت بعد فتح خيبر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 7 وحمزة سيد الشهداء استشهد يوم أحد، قتله " وحشي " غلام جُبير بن مُطعم. ويكنّى وحشي أبا وسمة. وأسلم وحشي بعد فتح مكة والطائف. وكان يخاف أن يُقتل إن ظُفر به. فقال له رجل: ويحك أن محمدا لا يقتل أحدا من الناس دخل في دينه، فقدِم المدينة فلم يَرُعْ رسول الله صلى عليه وسلم إلا وهو قائم على رأسه يستشهد شهادة الحق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَوَحشيُّ ". قال نعم يا رسول الله. فقال " اقعد فحدِّثني كيف قتلت حمزة ". فقال وحشي: فلما فرغت من حديثي قال لي: " ويحك غيِّب عني وجهك، فلا أريَنَّك ". قال: فكنت أتنكَّب رسول الله حيث كان لئلا يراني، حتى قبضه الله صلى الله عليه وسلم، وأستُخلف أبو بكر. فلما خرج المسلمون إلى مُسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجتُ معهم وأخذتُ حربتي التي قتلتُ بها حمزة. فلما التقى الناس رأيتُ مسيلمة قائما، في يده السيف، وما أعرفهُ فتهيأتُ له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يريده. فهززتُ حربتي، حتى إذا رضيتُ منها دفعتُها عليه فوقعتْ فيه. وشدَّ عليه الأنصاريُّ فضربه بالسيف، فربُّك أعلم أيُّنا قتله. فإن كنت قتلت حمزة فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن كنت قتلت مسيلمة فقد قتلت شرَّ الناس. ودُفن حمزة رضي الله عنه بأُحُد حيث قُتل في بُرده لم يُغسل. قال ابن عباس: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسُجِّي ببُرده، ثم صلى عليه فكبَّر سبع تكبيرات ثن أُتي بالقتلى يوضعون إلى حمزة، فيُصلِّي عليهم وعليه معهم حتَّى صلَّى عليه ثِنتين وسبعين صلاة. وكان قد مثل به المشركون، فوقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال " ما وقفتُ موقفا قطُّ أَغيظَ عليَّ من هذا، لن أُصاب بمثلك أبدا ". وجاءت أخته شقيقته صفية لتنظر إليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوَّام ابنها أن يأمرها بالرجوع. فقال لها الزبير يا أمَّاه إِنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يأمرك بالرجوع. فقالت: يا بُنَيَّ، ما أردت إلا أن أراه فأترحَّم عليه، وأسترجع. فقد بلغني أنَّه قد مُثِّل بأخي، وذلك في الله قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك. لأحتسبنَّ ولأصبرنَّ إن شاء الله. فأخبر الزبير بذلك النبيَّ عليه السلام. فقال: خلِّ سبيلها. فأتته، فنظرت إليه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 8 فصلَّت عليه واستغفرت له. وقال عليه السلام: " لولا أن تحزن صفية لتركته حتى يُحشر من حواصل الطير وبطون السباع ". وقال صلى الله عليه وسلم: " جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السماوات السبع حمزة ابن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ". وقال عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي يبكي حمزة بن عبد المطلب: بكتْ عيني وحُقَّ لها بُكاها ... وما يُغني البكاء ولا العويلُ على أسدِ الإلاهِ غداةَ قالوا ... أحمزةُ ذاكُمُ الرجلُ القتيلُ أصيبَ المسلمونَ به جميعا ... هناكَ وقد أُصيبَ به الرسولُ أبا يَعلى لكَ الأركانُ هُدَّتْ ... وأنت الماجدُ البَرُّ الوَصولُ عليك سلامُ ربِّك في جنانٍ ... مخالطُها نعيمُ لا يزولُ وقال حسان بن ثابت يُبكي حمزة بن عبد المطلب من قصيدة: ولقد هَدِدتُ لِفَقدِ حمزةَ هَدَّةً ... ظلَّتْ بناتُ الجَوفِ منها تُرعَدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 9 ولو أنَّهُ فُجِعتْ حَراء بمثلهِ ... لرأيتَ راسِيَ صخرِها يتبدَّدُ قَرْمٌ تمكَّنَ في ذؤابةِ هاشمٍ ... حيثُ النبوَّةُ والنَّدى والسَّؤدَدُ والعاقرُ الكومَ الجلادُ إذا غَدَتْ ... ريحٌ يكادُ الماء منها يجمدُ والتاركُ القِرنَ الكَمِيَّ مُجدَّلاً ... يوم الكريهة والقنَا تتقصَّد وتراه يرفُلُ في الحديد كأنه ... ذو لِبدةٍ شُثْنُ البَراثِنِ أربَدُ عمُّ النبيِّ محمدٍ وصفيُّهُ ... وردَ الحِمامَ فطابَ ذاكَ الموردُ وأتى المنيةَ مُعْلَماً في أسرةٍ ... صَدقوا النبيَّ ومنهمُ المستَشهدُ وأُمُّ حمزة: هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زُهرة بنت عمِّ آمنة بنت وهب ابن عبد مناف أمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت لحمزة كُنيتان: أبو يعلى وأبو عُمارة. وأم عُمارة امرأة من بني النجار من الأنصار. ولم يُعقب، وكان له من البنات أمُّ أبيها واسمها أُمامة، وأُمُّ الفضل. فأمَّا أُمُّ أبيها فأُمُّها زينب بنت عُميس الخثعمية، وكانت تحت عمر بن أبي سلمة المخزوميِّ ربيب النبي عليه السلام. وأما أمُّ الفضل فروى عنها عبد الله ابن شدّاد قالت: تُفي مولى لنا وترك ابنة وأختا. فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطى الابنة النِّصف وأعطى الأخت النصف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 10 العباس بن عبد المطلب: كان أسنَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين وقيل: ثلاث سنين. وأمُّه امرأة من النَّمِرِ بن قاسط، وهي نُثيلة بنت جناب بن حبيب بن مالك بن عمرو بن عامر الضَّحيان الأصغر بن زيد مناة ابن عامر الضَّحيان الأكبر بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النَّمر بن قاسط. هكذا نسبها أبو عبيدة معمر بن المثنَّى، قال: وهي أول عربية كست البيت الحرام الحرير والدِّيباج وأصناف الكسوة؛ وذلك أن العباس ضلَّ وهو صبي، فنذرَتْ إن وجدَتْهُ أن تكسو البيت الحرام فوجدته وفعلت. وكان رئيسا في الجاهلية، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية. فالسقاية معروفة، وأما العمارة فإنه كان لا يدع أحدا يستبُّ في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هُجرا، يحملهم على عمارته في الخير، لا يستطيعون لذلك امتناعا منه لأنه كان ملأ قريش قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك، فكانوا أعوانا عليه، وسلَّموا ذلك إليه. وكان أنصر الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي طالب. وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة مع الأنصار السَّبعين ليشُدَّ العقد للنبيَّ عليه السلام عليهم، وهو على شركه. وأسلم العباس قبل فتح خيبر، وقيل: أسلم قبل بدر إذ ذكر بعض من ألَّف في المغازي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُسِر يوم بدر: يا رسول الله إني مسلم، وإني أُخرِجتُ كَرها. فقال: " الله أعلم بإسلامك، وأما ظاهر أمرك فعلينا ". وكان مقيما بمكة من أجل السقاية أذن له النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك. وكان يسُرُّه ما يفتح الله على المسلمين، ويكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان المسلمون يتقوُّنَ به، ولكن يكتم إسلامه، وفي حديث الحجاج بن عِلاط السُّلَمِيِّ ثم البَهْزي أنه كان مسلما في قصته مع قريش حين خدعهم بعد فتح خيبر، وحديثه بذلك صحيح من رواية ثابت البنانيِّ وغيره عن أنس. وقد مضى ذكره في بَهْزٍ من سُلَيم. وأُسر العباس يوم بدر ففدى نفسه وفدى نوفلا وعقيلا ابني أخويه الحارث وأبي طالب. والذي أسر العباس أبو اليَسَر كعب بن عمرو السُّلميُّ من بني سَلٍمة بن الخزرج. وكان أبو اليَسَر رجلا قصيرا مجموعا، والعباس رجل طويل ضخم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد أعانك عليه مَلَكٌ كريم ". وقال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 11 رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لقي منكم العباس فلا يقتله فإنَّ قريشا أخرجته إلى بدر كرها ". ولما شُدَّ وثاقه مع الأسرى بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ساهرا تلك الليلة ولم ينم. فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا رسول الله؟ قال: " أسهر لأنين العباس ". فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لي لا أسمع أنين العباس؟ فقال الرجل: أنا أرخيت من وثاقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فافعل ذلك بالأسرى كلِّهم ". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظِّم العباس ويجله ويقول " هذا عمي وصنوِ أبي ". وقال عليه السلام " هذا عمي العباس أجود قريش كفا وأوصلها ". ووجَّهه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلى أهل مكة فأبطأ عليه، فقال: " ردُّوا عليَّ أبي، أما والله لئن فعلت به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود لأضرمنَّها عليهم نارا ". وكان عمر وعثمان رضي الله عنهما، إذا لقيا العباس بن عبد المطلب وهما راكبان نزلا، ويقولن: عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال خُرَيم بن أوس بن حارثة الطائي ويُكنَّى أبا نجاء: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُنصرفه من تبوك، فسمعت العباس عمَّه يقول: يا رسول الله إني أريد أن أمدحك، فقال له النبي عليه السلام: " قُل لا يُفضض الله فاك "، فأنشأ يقول: مِن قَبلها طِبتَ في الظِّلالِ وفى ... مُستَودعٍ حيثُ يُخصفُ الورقُ ثمَّ هبطتَ البلادَ لا بَشَرٌ ... أنتَ لا مُضغةٌ ولا عَلَقُ بل نُطفة تركب السفينَ وقد ... ألجمَ نَسراً وأَهلَهُ الغرقُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 12 تُنقَلُ من صالبٍ إلى رَحمٍ ... إذا مضى عالمٌ بدا طَبقُ حتى احُتَوى بيتُكَ المُهَيمِنُ مِن ... خِندِفَ علياء تَحتَها النُّطُقُ فنحنُ في ذلك الضياء وفي الن ... ور وسُبْلِ الرَّشَادِ نَخْتَرِقُ وقال ابن شهاب: كان أصحاب النبيِّ عليه السلام يعرفون للعباس فضله، ويقدِّمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه. وقال غيره: كان العباس جميلا أبيضا بضَّا ذا ضفيرتين معتدل القامة. وقيل: بل كان طُوالا. وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر قال: أردنا أن نكسو العباس حين أُسر يوم بدر فما أصبنا قميصا يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أُبي. وذُكر في صحيح التاريخ أن العباس كان جوادا مطعما. وهو من المطعمين يوم بدر. وكان وصولا للرحم، ذا رأي حسن ودعوة مرجوَّة. واستسقى به عمر زمن الرَّمادة وذلك سنة سبع عشرة. وكان كعب الأحبار قال له: يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل كانوا إذا قُحطوا استسقوا بعصبة الأنبياء. قال: فخرج عمر وخرج معه العباس وقال: اللهم إنا نتقرب إليك بعمِّ نبيِّك. ونستشفع به. فاحفظ فيه نبيَّك، كما حفظت الغلامين لصلاح أبيهما، وأتيناك مستغفرين ومستشفعين. ثم أقبل على الناس فقال: استغفروا ربَّكم إنه كان غفَّارا، يُرسل السَّماء عليكم مِدرارا. ثم قام العباس وعيناه تنضحان، فطال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 13 عمر ثم قال: اللهم إنه لم ينزل من السماء بلاء إلا بذنب، ولن يُكشف إلا بتوبة، وقد توجَّه بي القوم إليك لمكاني من نبيِّك، وإنَّك لا تُهمل الضَّالَّة ولا تدع الكسير بدار مضيعة. فقد ضرع الصغير، وفَرِق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السِّرَّ وأخفى. اللهمَّ أغِثْهُم بغيثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا. فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون. اللهمَّ شفِّعنا في أنفسنا وأهلنا. اللهمَّ إِنَّا شفعاء عمَّن لا ينطق من بهائمنا وإنعامنا. اللهم اسقنا سقيا وادعا نافعا طَبَقا سَحَا عاما. قال: فأرخت السماء غزالَيها. فجاءت بأمثال الجبال حتى استوت الحفرُ بالآكام، وأخصبت الأرض، معاش الناس. فقال عمر: هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه. وفي رواية أخرى: فنشأت طُريرة من سحاب. فقال الناس: تَرونَ تَرونَ، حتى تلاءمت واسْتَتَبَّتْ، ومسَّت فيها ريح ثم هرَّت ودرَّت. فوالله ما برحوا حتى اعتلقوا الحذاء، وقلَّصوا المآزر. وطفق الناس يمسحون بأركان العباس ويقولون: هنيئا لك ساقي الحرمين. وقال حسان بن ثابت: سألَ الإمامُ وقد تَتابع جَدبُنا ... فسُقي الغَمامُ بغرَّة العباسِ عمِّ النبيِّ وصِنوِ والدهِ الذي ... ورِثَ الفَخارَ بذَاك دون الناسِ أحيا المليكُ به البلادّ فأصبحتْ ... مُخضَرَّة الأجنابِ بعدَ الياسِ وقال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب: بعمِّي سَقَى اللهُ الحجازَ وأهلَهُ ... عشيَّةَ يستقي بشيْبتِهِ عُمَرُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 14 توجَّه بالعباس في الجدبِ راغبا ... فما كرَّ حتى جاء بالدَّيمةِ المطرُ ومن فضائله رضي الله عنه الترمذي: حدثنا قتيبة، نا أبو عَوانَةَ عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء: حدثني عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا وأنا عنده، فقال: " ما أغضبك؟ ". قال: يا رسول الله، ما لنا ولقريش، إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا لقونا بغير ذلك؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ وجهه، ثم قال: " والذي نفسي بيده، لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبَّكم لله ولرسوله، ثم قال: " يا أيها الناس من آذى عمِّي فقد آذاني، فإنَّما عمُّ الرجل صنو أبيه "، قال: هذا حديث حسن. الترمذي: نا القاسم بن دينار الكوفي: نا عبيد الله عن إسرائيل، عن عبد العلي، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العباس مني وأنا منه ". ومات العباس رضي الله عنه قبل موت عثمان بسنتين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وقيل: ابن تسع وثمانين لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب. وقيل: بل من رمضان سنة اثنين وثلاثين، وصلى عليه عثمان ودُفن بالبقيع. وقال خليفة بن خياط: كانت وفاة العباس سنة ثلاث وثلاثين، ودخل قبره ابنه عبد الله بن عباس. ومن موالي العباس: عُبيد بن حُنين: روى عن ابن عباس حديث: كنت أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حديث طويل، خرَّجه مسلم، وروى عن عبيد بن حنين يحيى بن سعيد الأنصاريُّ وهو قال فيه: مولى العباس. وفي الموطأ في كتاب " الصلاة " عن عبيد بن حنين مولى آل زيد بن الخطاب عن أبي هريرة حديث الرجل الذي سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ:) قل هو الله أحد (. وولد العباس الفضل الرَّدْفَ، وبه كان يُكنى، وعبد الله الحَبْر، وعُبيد الله الجواد، وقُثَم الشهيد بسمرقند، وعبد الرحمن، ومعبدا. وأُمُّهُم أمُّ الفضل لُبابة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 15 الكبرى الهلالية من بني عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة. كُنيت بالفضل ابنها. وهي لُبابة بنت الحارث بن حَزْن أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم لأبيها وأمِّها. ويقال: أنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة. فكان النبي عليه السلام يزورها ويقيل عنها. وروت عنه أحاديث كثيرة. وكانت من المُنجِبات، ولدت للعباس ستة رجالا لم تلد امرأة مثلهم. وفي أم الفضل هذه يقول عبد الله بن يزيد الهلالي: ما ولدتْ نجيبةٌ من فحلِ بجَبلٍ نعلمُهُ وسهلِ كَستَّةٍ من بطن أمِّ الفضلِ أكرِمْ بها من كهلةٍ وكهلِ عمِّ النبيِّ المصطفى ذي الفضلِ وخاتمِ الرُّسْلِ وخَيرِ الرسْلِ الفضل بن عباس: سُمِّي الفضل الرَّدف لأنه كان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع، ونصُّ ذلك في الموطأ كتاب " الحج ". مالك عن بن شهاب، عن سليمان بن شهاب، عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءته امرأة من خَثعم تستفتيه. فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشقِّ الآخر. فقالت: يا رسول الله إنَّ فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: " نعم "، وذلك في حجَّة الوداع. ويكنَّى الفضل أبا عبد الله. وقيل: يكنى أبا محمد. غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنينا، وشهد معه حجة الوداع، وشهد غسله صلى الله عليه وسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 16 وهو الذي كان يصُبُّ على عليٍّ يومئذ، وكان أجمل الناس وجها. وأختُلف في وقت وفاة الفضل. فقيل: أصيب يوم أجنادين في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وقيل: بل يوم مُرج الصُّفَّر، وكلا الوقيعتين كانتا سنة ثلاث عشرة. وقد قيل: مات الفضل في طاعون عَمَواس بالشام سنة ثمان عشرة. وقد قيل: إنه قتل يوم اليرموك سنة خمس عشرة في خلافة عمر. ولم يترك ولدا إلا أمَّ كلثوم، تزوجها الحسن بن علي، ثم فارقها. فتزوجها أبو موسى الأشعريُّ. روى عنه أخوه عبد الله بن عباس وأبو هريرة. عبد الله بن عباس أبو العباس: ولد، رضي الله عنه، بالشِّعب قبل خروج بني هاشم منه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين. ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضع له الوضوء، فقال: " اللهم فقِّهه "، وضرب بيده في صدره. وفي حديث آخر: " اللهمَّ فقَّهه بالدِّين وعلِّمه التَّأويل ". وفي آخر " اللهمَّ علِّمه الحكمة وتأويل القرآن ". وفي آخر " اللهمَّ بارك فيه وانشر منه، واجعله من عبادك الصالحين ". وهي أحاديث كلها صحاح. وقال مجاهد عن ابن عباس: رأيت جبريل عند النبي عليه السلام مرتين. ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين. وقال ابن مسعود: نِعمَ ترجمان القرآن ابن عباس، لو أدرك .... ما عاشره منا رجل. وقال مجاهد: ما سمعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس، إلا أن يقول قائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، فإذا تكلم قلت: أفصح الناس، وإذا تحدث قلت: أعلم الناس. وقال يزيد بن الأصمِّ: خرج معاوية حاجَّا معه ابن عباس. فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممَّن يطلب العلم. وحدَّث يحيى بن معين قال: نا الحجاج بن محمد عن ابن جُريح، عن عطاء قال: كان ناس يأتون ابن عباس في الشِّعر والأنساب، وناس يأتون لأيام العرب ووقائعها، وناس يأتون للعلم والفقه. فما منهم صف إلا يُقبل عليهم بما شاؤوا. وقال رضي الله عنه: تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قد ناهزت الاحتلام. وفي الموطأ مالك: عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس أنه قال: أقبلتُ راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، فمررت بين يدي بعض الجزء: 2 ¦ الصفحة: 17 الصفَّ. فنزلت فأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصفِّ، فلم يُنكر ذلك على أحد. قال المؤلف، وفقه الله: كان ذلك، في حجَّة الوداع، وبين موته عليه السلام وصلاته للناس بمنى ثلاثة أشهر وأربعة أيام. وروى الزَّهريُّ عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا غلام ألا أُعلِّمك كلمات ينفعك الله بهنَّ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك. تعرَّف إليه في الرَّخاء، يعرفك في الشدَّة. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. جفَّ القلم بما هو كائن، فلو اجتمع الخلق على أن يعطوك شيئا لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه. فاعمل لله بالرضى في اليقين. واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا ". قال أبو عمرو بن العلاء: نظر الحطيئة إلى ابن عباس في مجلس عمر بن الخطاب غالبا عليه، فقال: من هذا الذي برع الناس بعلمه، ونزل عنهم بسنِّه؟ قالوا عبد الله بن عباس. وفيه يقول حسان بن ثابت: إذا ما بنُ عباسٍ بدا لك وجهُهُ ... رأيتَ له في كلِّ أحولِهِ فَضْلا إذا قالَ لمْ يترك مقالا لقائلٍ ... بمنتظِماتٍ لا تَرى بينها فَضْلا كفى وشَفى ما في النفوسِ فَلَم يَدَعْ ... لذي إرْبةٍ في القَولِ جِدّاً ولا هَزلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 18 سَموتَ إلى العُليا بغير مشقَّةٍ ... فنلتَ ذُراها لا دَنيّاً ولا وَغْلا خُلقتَ حليفاً للمروءةِ والنَّدى ... بَليجاً ولم تُخْلَقْ جباناً ولا جِبْلا ويُروى أن معاوية نظر إلى ابن عباس يوما فأتبعه بصره، وقال متمثِّلا: إذا قال لم يترك مقالا لقائل ... مُصيبٍ ولم يَثْنِ اللسانَ على هُجْر يُصرِّف بالقولِ اللسانَ إذا انتحى ... وينظر في أعطافهِ نَظرَ الصَّقْرِ وروي أنَّ عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحيَّ مرَّ يوما بدار عبد الله بن عباس بمكة، فرأى فيها جماعة من طالبي الفقه. ومرَّ بدار عبيد الله بن عباس فرأى فيها جماعة ينتابونها للطعام، فدخل على ابن الزبير فقال: أصبحتَ والله كما قال القائل: فإن تُصبك من الأيام قارعةٌ ... لم أبكِ منكَ على دُنيا ولا دينِ قال: وما ذاك يا أعرج؟ هذان ابنا العباس، أحدهما يفقِّه الناس، والآخر يُطعم الناس، فما أبقيا لك مكرمة. فدعا عبد الله بن مُطيع وقال له: انطلق لإلى ابني عباس فقل لهما: يقول لكما أمير المؤمنين اخرجا عني، أنتما ومن انضوى إليكما من أهل العراق، وإلا فعلت وفعلت. فقال عبد الله بن عباس: قل لابن الزبير، والله ما يأتينا من الناس إلا رجل يطلب فقها ورجل يطلب فضلا، فأيَّ هذيم تمنع؟ وكان بالحضرة أبو الطفيل عامر بن واثلة الكنائي، فجعل يقول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 19 لا دَرَّ دَرُّ الليالي كيف تُضحكنا ... منها خطوبٌ أعاجيبٍ وتُبكينا ما مِثلُ ما تُحْدِثُ الأيامُ من غِيَرٍ ... في ابنِ الزبير عن الدنيا يُسلِّينا كنا نَجيء ابن عباس فيُقْبِسنا ... فِقْهاً ويُكسِبُنا أجراً ويَهدينا ولا يزال عُبيدُ الله مُتْرعَةً ... جِفانُهُ مُطعِماً ضَيفا ومسكينا فالبِرُّ والدينُ والدنيا بدارهما ... نَنالُ منه الذي نَبغي إذا شِينا إن النبيَّ هو النوُ الذي كُشطتْ ... به عمايةُ ماضِينا وباقينا ورهطُهُ عِصمةٌ في ديننا ولهمْ ... فضلٌ علينا وحقٌ واجبٌ فينا ففيمَ تمنعُنا منهمْ وتَمنعهمْ ... منا وتُوذيهمُ فينا وتُوذينا؟ فلستَ فاعلمْ بأولاهُمْ به رَحِما ... يا بْنَ الزُّبير ولا أولى به دِينا لن يؤتيَ الله إنساناً ببغضتهمْ ... في الدين عزّاً ولا في الأرض تمكينا وقال فيه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: عبد الله فتى الكُهول، وله لسان سؤول، وقلب عقول. وقال طاووس: أدركتُ نحو خمسمئة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا ذاكروا ابن عباس فخالفوه لم يزل يُقرُّهم حتى ينتهوا إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 20 قوله. وقال له العباس: يا بُنيَّ، إني أرى هذا الرجل " يعني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " يختصُّك ويستشيرك دون من ترى من أبناء الصحابة من المهاجرين والأنصار، وإني موصيك بثلاث وفي رواية احفظ عني ثلاثا: لا تُفشينَّ له سِرّاً، ولا يُجربنَّ عليك كذبا، ولا تُغتابنَّ عنده أحدا. قال: فقال: يا أبه كلُّ واحدة منها خير من ألف. فقال: كلُّ واحدة منها خير من عشرة آلاف. وكان عمر، رضي الله عنه، يحبُّه ويدينه ويقربُّه ويشاوره مع جلَّ الصحابة. وقال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس أبن عباس باطلا قُطُّ. وما سمعت فتوى أشبه بالسنَّةِ من فتواه. وكان أصحابه يسمونه البحر والحبر. وقال أبو الزنَّاد عن عبيد الله: ما رأيت أحدا كان أعلم بالسنَّة، ولا أجلد رأيا، ولا أثقب نظرا من ابن عباس. ولقد كان عمر يُعدُّه للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين. وعمى، رضى الله عنه، في آخر عمره. روي عنه أنه رأى رجلا مع النبي عليه السلام، فلم يعرفه. فسأل النبيَّ عليه السلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرأيته؟ ". قال: نعم. قال: " ذلك جبريل، أما إنك ستفقد بصرك ". فكان كما قال رسول الله عليه السلام. وهو القائل في ذلك في ما روي عنه من وجوه: إن يأخِذ اللهُ من عينيَّة نورَهما ... ففي فؤادي وقلبي منها نورُ قلبي ذكيٌّ وعقلي غيرُ ذي دَخَلٍ ... وفي فمي صارمٌ كالسيف مأثورُ وهو القائل أيضا حين أسنَّ: ما زلتُ أرمُقُ حبلَ الدهر منتظراً ... حتى بَليتُ وحبلُ الدهرِ ممدودُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 21 أقدِّمُ العُودَ قُدَّامي وأتبعُهُ ... وكنتُ حيناً وما يَمشي بيَ العُودُ وتوفي، رضي الله عنه، بالطائف في أيام عبد الله بن الزيبر سنة ثمان وستين، وهو أبن سبعين سنة، وقيل: أبن إحدى وسبعين سنة. وصلَّى عليه محمد أبن الحنفيّة، وكبَّر عليه أربعا، وقال: اليوم مات ربَّانيُّ هذه الأمة. وضرب على قبره فسطاطا. وقال أبو الزبير: مات أبن عباس بالطائف، فجاء طائر أبيض، فدخل في نعشه حين حُمل، فما رُئي خارجا منه. وقيل: إنه بصره بالتأويل. وشهد أبن عباس مع عليّ، رضي الله عنها الجمل وصفِّين والنهروان. وشهدها معه الحسن والحسين ومحمد بنوه، وعبد الله وقثم ابنا العباس، وعبد الله ومحمد وعون بنو جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. وولد عبد الله بن عباس عليا، وهو أجلُّ ولده قدرا، وأشهرهم وأعظمهم. وعباسا وبه كان يكنى عبد الله. ومحمدا. والفضل. وعبد الرحمن. وعبيد الله ولبابة. وأمُّهم زرعة بنت مشرح. كنديَّة. وليس لمحمد. والفضل. وعبيد الله أعقاب. وأما عليُّ بن عبد الله فكان من أعبد الناس وأجملهم وأكثرهم صلاة. كان يصلي كلَّ يوم وليلة ألف ركعة. وقيل: كان له خمسمئة أصل من زيتون، يصلي في كلِّ يوم لكلِّ أصل ركعتين. وولد في الليلة التي قتل فيها علي بن أبي طالب، ذكر ذلك الواقديُّ، وهو الأشهر. وفي الكامل قال أبو العباس: ويروي عن على بن أبي طالب عليه السلام أنه افتقد عبد الله بن العباس رحمه الله في وقت صلاة الظهيرة، فقلا لأصحابه، ما بال أبي العباس لم يحضُر؟ فقالوا: ولد له مولود. فلما صلي عليٌّ قال: امضوا بنا إليه. فاتاه فهنَّأ فقال: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب. ما سَّميتَهُ؟ قال: أيجوز لي أن أسمِّيهُ حتى تُسمِّيهُ؟ فأمر به فأخرج إليه، فأخذه وحنَّكهُ ودعا لهُ، ثم ردَّه إليه، وقال: خُذ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 22 إليك أبا الأملاك، قد سَّميته عليا، وكنَّيته أبا الحسن. فلما قام معاوية قال لأبن عباس: ليس لك أسمه وكنيته، وقد كنَّيته أبا محمد، فجرت عليه. وقال فيه مسلم في كتاب " الكُنى ": أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله عليٌّ بن عباس بن عبد المطلب. روى عنه ابنه محمد والزُّهريُّ. وكان عليٌّ سيدا شريفا بليغا، وكان يقال له السَّجَّاد، ويُدعى ذا الثفنات. وقد ذكره دعبل بن عليُّ الخزاعيُّ في قصيدته التي رثى بها آل علي بن أبي طالب رضي الله عنهم في بيت منها. ومن القصيدة مُتخيَّر، قوله: مدارسُ آياتٍ عفَتْ من تِلاوةٍ ... ومنزِلُ وحي مُقفِرُ العَرَصاتِ لآلِ رسول الله بالخيفِ من مِنى ... وبالبيتِ والتعريف والجَمَراتِ ديارُ عليٍّ والحسينِ وعفرٍ ... وحمزةَ والسجَّادِ ذي الثَفِناتِ قفا نسألِ الدارَ التي خفَّ أهلها ... متَى عهدُها بالصَّوم والصلواتِ؟ وأين الأُلى شطَّت بهمْ غُربةُ ألنَّوى ... أفانينَ الآفاقِ مُفتَرِقاتِ نفوسٌ لدي النَّهرينِ من بطنِ كربلا ... مُعرَّسُهم منها مطَى الفَلَواتِ بِنفسي كرامٌ من كهولٍ وفتيةٍ ... لفكَّ عُناةٍ أو لحملِ دِياتِي أآل رسولِ الله خُمْسٌ بطونُهم ... وآلُ زيادٍ غُلَّظُ القَصَراتِ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 23 أرى فيأهم في غيرهم متقسِّماً ... وأيديَهم من فيئهمْ صَفِراتِ؟ إذا وُتروا مَدُّوا إلى واتريهمُ ... أكفّاً عنِ الأوتار مُنّقبضاتِ أحبُّ قَصِيَّ الدارِ من أجل حبِّهم وأهجُرُ فيهمْ أُسْرتي وثقاتي وضربه الوليد بن عبد الملك بن مروان بالسِّياط مرتين؛ إحداهما في تزويجه لُبابة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وكانت قبل عليّ عند عبد الملك بن مروان. فعضَّ تفاحة ثم رمى إليها، وكان أبخر. فدعت بسكين. فقال: ما تصنعين؟ فقالت: أُميطُ عنها الأذى. ففارقها فتزوَّجها عليُّ بن عبد الله، فضربه الوليد وقال: إنما تتزوَّج نساء الخلفاء لتضع منهم، كما فعل مروان بن الحكم حين تزوَّج أمَّ خالد بن يزيد بن معاوية ليضع منعا فقال علي: إنما أردت الخروج من هذه البلدة وأنا ابن عمِّها فتزوجتها لأكون لها محرما. وأما ضربه إياه في المرة الثانية فلأنه كان يرى أن الخلافة في ولده، وطيف به على بعير ووجهه ممَّا يلي ذَنَب البعير، وصائح يصيح عليه: هذا عليٌّ بن عبد الله الكذاب. وما كذب بل صدق وبرَّ، ومن ضربَهُ ظَلَم وفَجَر. قال الذي رآه مضروبا على حمار: فأتيته فقُلتُ له: ما هذا الذي نسبوه إليك من الكذب؟ قال: بلغهم أني أقول: إن هذا الأمر سيكون في ولدي، والله ليكوننَّ فيهم حتى يملكهم عبيدهم الصغار العيون العراض الوجوه، الذي كأنَّ وجوههم المجانُّ المطارقة. وقال عليُّ بن عبيد الله بن العباس في شأن يوم الحَرَّة يفخر: أبي العباسُ قَرْمُ بني قُصَيٍّ ... وأخوالي الملوكُ بنو وَليعَة همُ مَنعوا ذِماريَ يوم جاءتْ ... كتائبُ مُسرِفٍ وبنو اللكيعَهْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 24 أراد بيَ التي لا عزَّ فيها ... فحالت دونَهُ أيدٍ مَنيعه قوله: بنو وليعة هم أخواله من الكِندة، وأمه زُرعة بنت مِشرح الكندية، ثم أحد بني وليعة، وقد تقدم ذكرها وذكر بنيها قبل. وقوله: كتائب مُسرف، يعني مُسلم بن عقبة المرِّيَّ صاحب الحرَّة، وأهل الحجاز يسمونها مُسيرفا وكان أراد أهل المدينة جميعا على أن يبايعوا يزيد بن معاوية، على أن كلَّ واحد منهم عبدٌ قِنٌ له إلاَّ إلا عليَّ بن الحسين. فقال حُصين بن نُمير السَّكونيُّ من كِندة: ولا يبايع ابن أختنا عليَّ عبد الله إلا ما يبايع عليه عليُّ ابن الحسين، على أنه ابن عمِّ أمير المؤمنين وإلا فالحرب بيننا. فأُعفيَ عليُّ بن عبد الله، وقُبِل منه ما أراد، فقال هذا الشعر لذلك. وقوله بني اللَّكيعة فهي اللئيمة. ويقال في النداء للَّئيم: يا لُكع، وللأنثى: يا لَكَاع، لأنه موضع معرفة. كما يُقال: يا فُستقُ ويا خُبثُ، فإن لم تُرد أن تعد له عن جهته قلت للرجل: يا لُكعُ، وللأنثى يا لْكعاء. وهذا موضع لا تقع فيه النكرة. وقد جاء في الحديث، والأصل ما ذكرت لك " لا تقوم الساعة حتى يلي الناس لُكع بن لُكع ". فهذا كناية عن اللئيم بن اللئيم، وهذا بمنزلة عُمر ينصرف في النكرة ولا ينصرف في المعرفة. ولُكاع يُبنى على الكسر. وقد اضطرَّ الحطيئة فذكر لكاعِ في غير النداء. وقال يهجو امرأته: أطوِّفُ ما أطوِّفُ ثم آوي ... إلى بيتٍ قعيدته لَكاعِ وكان عبد الملك بن مروان يكرم عليَّا ويُقدِّمه. قال علي بن عبد الله: سايرتُ يوما عبد الملك، فما جاوزنا إلا يسيرا حتى لقيه الحجاج قادما عليه. فلما رآه ترجَّل ومشى بين يديه. فحثَّ عبد الملك فأسرع الحجاج، فزاد عبد الملك فهرول الحجاج. فقلت لعبد الملك: أَبِكَ مَوجدة على هذا؟ قال: لا، ولكنه رفع من نفسه، فأحببتُ أن أغُضَّ منه. وحضر عليٌّ عبد الملك وقد أُهديت له من خراسان جارية وفَصٌّ وسيف فقال: يا أبا محمد، إن حاضر الهدية شريك فيها، فاختر من الثلاثة واحدا. فاختار الجارية وكانت تُسمَّى سُعدى، وهي من سبي الصُّغد من رهط عُجيف بن عَنبة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 25 فأولدها سليمان بن علي وصالح بن علي. وكانت فيها رُتَّة، فكانت معروفة في ولد سليمان وولد صالح. ودخل عليُّ بن عبد الله على هشام بن عبد الملك، وهو شيخ كبير ومعه ابنا ابنه الخليفتان أبو جعفر وأبو العباس. فأوسع له على سريره، وسأله عن حاجته فقال: ثلاثون ألف درهم، عليَّ دين. فأمر بقضائها. وقال: وتستوصي بابنيَّ هذين خيرا، ففعل وشكره. فقال: وصلتك رحم. فلما ولَّى علي قال الخليفة لأصحابه: إن هذا الشيخ قد اختلَّ وأسنَّ وخَلط، فصار يقول: إن هذا الأمر سيُنقل إلى ولده. فسمعه فقال: والله ليكوننَّ ذلك وَلَيَملكنَّ هذان. ومات عليٌّ بالسَّراة سنة ثمان عشرة ومئة. وهو ابن ثمانين سنة، قاله الواقدي وقال غيره: تُوفي سنة تسع عشرة ومئة. وولد عليُّ بن عبد الله بن عباس محمداً: أمُّه العالية بنت عبيد الله بن عباس، وأُمُّها عائشة بنت عبد الله ابن عبد المَدَان الحارثيِّ، وداود وعيسى لأمِّ ولد، وسليمان وصالحا لأمِّ ولد تُسمى سُعدى وإسماعيل وعبد الصَّمد لأُمِّ ولد، وعبد الله، وعبد الله، وعبد الله ثلاثة. وأحد هؤلاء العبادلة، اُمُّه أُمُّ أبيها بنت عبد الله بن جعفر وأمُّها ليلى بنت مسعود بن خالد النَّهشلي. والثاني أُمُّه بربرية اسمها هنَّادة، وهو الذي خالف على أبي جعفر فأرسل إليه أبو جعفر أبا مسلم، ثم حبسه أبو جعفر في بيت جُعل أساسه مِلحا، ثم أطلق عليه الماء ليلا، فسقط عليه البيت فمات. فأما محمد بن علي فكان من أجمل الناس وأعظمهم قدرا. وكان بينه وبين أبيه أربع عشرة سنة. وكان عليٌّ يخضب بالسواد ومحمد بالحمرة. فيظن من لا يعرفهما أن محمدا هو علي. ومات سنة اثنتين وعشرين ومئة، وفيها ولد المهديُّ. ويقال: مات سنة خمس وعشرين ومئة بالسَّراة من أرض الشام، وهو ابن ستين سنة، وخلفاء ولد العباس من ولده أبي جعفر فإن العباس لم يُعقِب وكان محمد يُنهى أن يتزوج في بني الحارث بن كعب، كان ينهاه عن ذلك خلفاء بني أمية لأنهم كانوا يرون في الحدثان أن صاحب الرايات السود الخارجة من خراسان من بني هاشم ثم من بني العباس أمُّه من بني الحارث بن كعب، فلما قام عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 26 بن عبد العزيز جاءه فقال: يا أمير المؤمنين إني مُنعت أن أتزوَّج ابنة خالي من بني الحارث بن كعب. فقال عمر: تزوَّج رحمك الله من أحببت. فتزوجها، فأولدها أبا العباس أمير المؤمنين. وكان لأخوة محمد بن على ولأعقابهم شرف وصيت وولايات حين صارت لهم الدَّولة. وولد محمد بن علي بن إبراهيم الذي يُدعى الإمام، وإليه أوصى أبوه محمد، ومات بالشام مسموما. وعبد الله أبا العباس وعبد الله أبا جعفر وموسى ويحيى. فأما أبو العباس عبد الله بن محمد: ويُعرف بالسَّفَّاح فأمُّه رَيطة بنت عبيد بن عبد الله بن عبد المدان بن الديَّان وعبد المدان واسمه عمرو بن الديَّان. والديَّان: اسمه يزيد بن قَطَن بن زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة ابن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن نصر بن الأزد بن الغوث الحارثية الأزدية. وبنو الحارث بن كعب من أشراف الأزد. وجدُّ ريطة عبد الله ابن عبد المدان. قال الطبريُّ: إنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد بني الحارث بن كعب، فقال له: " مَن أنتَ؟ " فقال: أنا عبد الحَجَر. فقال: " أَنتَ عبد الله " فأسلم. وكانت ابنته عائشة عند عبيد الله بن العباس. ويأتي ذكرها عند ذكره. وهي التي قتل باليمن ولديها منه بُسر بن أرطأة. وفي الديَّان من بني الحارث بن كعب يقول الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف: ولقد صحَبتُ الناسَ ثم خَبرتُهم ... فوجدتُ أكرمَهمْ بني الديَّانِ قومُ إذا نزل الغريبُ بدارهمْ ... تركوهُ ربَّ صَواهلٍ وقِيانِ لا يَنكُتون الأرضَ عند سؤالهمْ ... لتلمُّسِ العلاَّتِ بالعِيدانِ بل يَبسُطونَ وجوهَهمْ فَترى لها ... عند السؤالِ كأحسنِ الألوانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 27 وإذا تَعصَّوا بالصوارِم والقَنا ... سَدُّوا شعاعَ الشمسِ بالمُرَّانِ هذه الأبيات منسوبة لقائلها من تاريخ بغداد الكبير للخطيب الحافظ أبي بكر أحمد بن عليِّ بن ثابت بن أحمد بن مهديِّ رضي الله عنه. وقال حسان بن ثابت في بني عبد المدان: وقد كنا نقول إذا رأينا ... أخا جسم يهولُ وذا بَيانِ كأنا أيها المُعطَى بَيانا ... وجسما من بني عبدِ المدانِ وبويع أبو العباس ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الأول بالكوفة سنة اثنتين وثلاثين ومئة في بني أوْد فخذٍ من مَذححج في دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم، دخل عليه وعلى أخيه أبي جعفر الدار المذكورة أبو سلمة حفص بن سليمان الخلَّلُ، وكانا فيها مُختفيين، فقال: أيكما عبد الله؟ فقال أبو جعفر كلانا عبد الله. فقال أبو سلمة: أيُّكم ابن الحارثية؟ فقال أبو العباس أنا. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وبايعه. فلما أصبح أمره فركب. ثم حمله حتى صلى بالناس الجمعة في مسجد الكوفة الأعظم. وبويع في ذلك اليوم بيعة العامة، فأقام في خلافته أربع سنين وتسعة أشهر، وتوفي بالأنبار في ذي الحجة سنة ستٍّ وثلاثين ومئة. ويقال إنه ولي العهد وهو ابن ثمان وعشرين سنة. وقال المسعودي: عُمِّر ثلاثا وثلاثين سنة، وكانت بنته ريطة عند المهديِّ. وأما عبد الله بن محمد أبو جعفر المنصور فأمه بربريَّة اسمها سلاَّمة، ومولده بالسَّراة في ذي الحجة سنة خمس وتسعين. وكانت خلافته اثنين وعشرين سنة إلا شهرا. وبويع له بالأنبار يوم مات أبو العباس أخوه، وكان أبو جعفر غائبا، وولي ذلك والإرسال به في الوجوه عيسى بن علي عمُّه. فلقيتْ أبا جعفر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 28 بيعته في الطريق، ومضى أبو جعفر حتى قَدِم الكوفة، وصلى بالناس وخطبهم، ثم شَخَصَ حتى قدم الأنبار، وقدم أبو مسلم عليه فقتله بروميَّة المدائن. وولي أبو جعفر الخلافة، وهو ابن اثنتين وأربعين سنة. وكان سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صُفرة، ضربه بالسِّياط. فلما ولي الخلافة وظفر به صلبه. وخرج أبو جعفر حاجّا سنة أربعين ومئة، وكان أحرم من الحيرة. وقد كان قبل خروجه أمر بمسجد الكعبة أن يُوسَّع في سنة تسع وثلاثين، وكانت تلك السنة تُدعى " عام الخصب " فوسِّع. ولما قضى أبو جعفر حجَّه صَدَرَ إلى المدينة فأقام فيها ما شاء الله، ثم توجَّه إلى الشام، حتى صلَّى في بيت المقدس، ثم انصرف إلى الرقة، ثم سلك الفرات حتى نزال المدينة الهاشمية بالكوفة، ثم حضر الموسم سنة أربع وأربعين ومئة، ثمَّ تحوَّل إلى بغداد سنة خمس وأربعين ومئة، وسمَّاها الزَّوراء، ويقال لها أيضا مدينة السلام. وذكر أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب الحافظ في تاريخه الكبير حُسْن بناء أبي جعفر لها، وغرابته وإتقانه، وأبدع في وصفها كلَّ الإبداع. وأتمَّ أبو جعفر بناءها. واتّخذها منزلا سنة ستٍّ وأربعين ومئة، فلم يلبث أبو جعفر بعد أن حلَّ بغداد إلا يسيرا حتى خرج محمد بن عبيد الله بن حسن بن حسن بالمدينة، فلما بلغه خروجه انحدر إلى الكوفة مسرعا، فوجَّه الجيوش إلى المدينة عليهم عيسى بن موسى وعلى مقدَّمته حُمَيد بن قَحطبة، فقُتل محمد بن عبد الله في شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومئة. وكان أخوه إبراهيم بن عبد الله خرج إلى البصرة في أول يوم في شهر رمضان. فلما انتهى إليه قَتْلُ أخيه خرج متوجِّها إلى الكوفة، وأقبل عيسى بن موسى فالتقوا بباخَمْرا من أرض الكوفة، فقُتل إبراهيم وأصحابه في سنة خمس وأربعين ومئة. وخرج أبو جعفر يريد الحجَّ سنة ثمان وخمسين ومئة، فمات لستٍّ خلون من ذي الحجة على بئر ميمون، وقد بلغ من السن ثلاثا وستين سنة وشهورا. وبئر ميمون بأعلى مكة، حفرها ميمون بن الحضرمي أخو العلاء ابن الحضرميّ في الجاهلية، فنُسبت إليه. وصلى عليه إبراهيم بن يحيى بن عليّ. وقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 29 الهيثم: صلى عليه عيسى بن موسى بن محمد بن علي. وكان لإبراهيم الإمام وموسى ويحيى بن محمد بن علي أخوة أبي العباس وأبي جعفر بنون وَلُوا الولايات، ولهم أعقاب، إلا إبراهيم بن يحيى فإنه لم يُعقب. وحجَّ بالناس سنة هلك عمُّه أبو جعفر. ولد لأبو جعفر المهديَّ: واسمه محمد، وجعفرا. وأمهما أُمُّ موسى بنت منصور الحميريَّة، وصالحا أمُّه أمة، يُقال أنها بنت ملك الضُّغد. وسليمان وعيسى ويعقوب أمُّهم فاطمة بنت محمد ومن ولد طلحة بن عبيد الله، والقاسم وعبد العزيز والعباس. فأما جعفر بن أبي جعفر فولي الموصل لأبي جعفر، ومات ببغداد، فولد جعفر إبراهيم بن عفر وزبيدة وهي أمُّ جعفر أمُّها سلسبيل أمُّ ولد. وجعفر بن جعفر وعبيد الله وعيسى بن جعفر وصالح بن جعفر ولُبابة بنت جعفر. فأما إبراهيم فلا عقب له. وأما زبيدة فتزوجها هارون الرشيد، فولدت له محمدا الأمين المخلوع. وأما لُبابة فكانت عند موسى بن المهديّ. وأما عيسى بن جعفر فولي البصرة وكورها وفارس والأهواز واليمامة والسِّند. ومات بدير بين بغداد وحلوان، وكان يُكنى أبا موسى. وله عقب باقٍ، وللآخرين من ولد جعفر. وأعقب الباقون من ولد أبي جعفر، وولوا الولايات، وصلَّوا بالناس بالموسم. وكان أبو جعفر فقيها فصيحا خطيبا، مقبوض اليد عن العطاء إلا في الواجب. وكان يُدعى أبا الدَّوانيق، لأنه كان أول من استخرجها، وكان يقبل المواعظ من نُسَّاك العلماء، ويصبر على الجفاء منهم. وأمْرهُ مع ابن أبي ذيب الفقيه حين دخل عليه مع مالك مشهور. وقد ذَكرتُ من أخبار الحبر عبد الله بن عباس وأخبار ولده وما يستملي لصحة آثاره وأخباره ولا يُملُّ، ويُعظِّم للشرف الهاشمي العبَّاسيِّ ويُجَلُّ. ومن موالي عبد الله بن عباس عكرمة، ومات ابن عباس وعكرمة عبد فباعه عليُّ ابن عبد الله بن عباس من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فأتى عكرمة عليا فقال: ما خير لك بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار. فاستقال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 30 خالدا فأقاله وأعتقه. وكان يكنى أبا عبد الله. قال يزيد بن هارون: قَدِم عكرمة البصرة، فأتاه أيوب وسليمان التَّيمي ويونس. فبينما هو يحدِّثهم سمع صوت غناء، فقال عكرمة: اسكتوا فنسمع. ثم قال: قاتله الله لقد أجاد. وقال: ما أجود ما غنَّى! فأمَّا سليمان ويونس فلم يعودا إليه، وعاد إليه أيوب. قال يزيد: وأحسن أيوب. وأصل عكرمة من " بربر ". عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب: يكنى أبا محمد، ورأى النبيِّ صلى الله عليه السلام، وسمع منه وحفظ عنه. وكان أصغر سنا من أخيه عبد الله ن عبد عباس. يقال: كان يبنهما في المولد سنة.. استعمله عليُّ بن أبي طالب على اليمين وأمَّره على الموسم، فحجَّ بالناس سنة ست وثلاثين وسنة سبع وثلاثين. فلما كان سنة ثمان وثلاثين بعثه أيضا مع الموسم. وبعث معاوية في ذلك العام يزيد بن شجرة الرُّهاويَّ ليقيم الحجَّ، فاجتمعا وسأل كلُّ واحد منها صاحبه أن يسلِّم له فأبي. واصطلحا على أن يُصلِّي بالناس شيبة بن عثمان. وقتل بسر بن أرطأة العامريُّ القرشيُّ لعبيد الله بن عباس ابنين صغيرين، وهما عبد الرحمن وقثم حين بعثة معاوية إلى اليمين، وهرب عبيد الله عنها. ذكر أبن الأنباري عن أبيه، عن أحمد بن عبيد، عن هشام بن محمد، عن أبي منحف قال: لمَّا توجَّه بسر بن أرطأة إلى اليمين أخبر عبيد الله بن العباس بذلك، وهو عامل لعلي عليها، فهرب، ودخل بسر اليمين. فأتي بابني عبيد الله بن العباس، وهما صغيران، فذبحهما. فنا أمّها عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان من ذلك أمر عظيم. فأنشأت تقول: ها مَن أحسَّ بَنيَّيَّ اللذِين هُما ... كالدرَّتينِ تَشظَّى عنهما الصدفُ ها مَن أحسَّ بَنيَّيَّ اللذِين هُما ... سَمعي وعقلي، فقلبي اليومَ مُخْتَطَفُ حُدِّثْتُ بُسراً وما صدَّقتُ ما زعموا ... مِن قِيلهمْ ومن الإثم الذي اقْترفوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 31 أنحى عليَّ ودجَّي ابنيَّ مُرهفةً ... مَشحوذةً، وكذاك الإثمُ يُقْترفُ ثم وسوست فكانت تقف في الموسم تنشد هذا الشعر، وتهيم على وجهها. ودخل عبيد الله ن عباس على معاوية بعد قتل عليُّ رضي الله عنه في مجلس الإمارة وعنده بسر بن أرطأة فقال له عبيد الله: أأنت قاتل الصبيَّين؟ قال: نعم فمه. فقال عبيد الله: ألا سيف؟ فناوله بسر سيفه! فأهوى بيده ليأخذه فنزل معاوية على سريره، وقبض على السيف، وقال لبسر: ويلك، أين ذهب بعقلك؟ لقد خرفت تعتمد إلى رجل موتور تناوله سيفا؟! والله لأمسكه لبدأ بي قبلك. فقال عبيد الله: ذلك والله أردت. فتبسَّم معاوية، وأخذه بيده وأجلسه معه على سريره، وباسطه وأجازه وقضى حوائجة. وكان بسر من الأبطال الطغاة، وشهد مع معاوية صفين. وهو أحد الذين بعثهم عمر بن الخطاب مددا إلى عمرو بن العاصي لفتح مصر على اختلاف في ذلك. فمن ذكره فيهم فقال: كانوا أربعة: الزبير وعمير بن وهب وخارجة بن حذافة وبسر بن أرطأة. ومنهم من يجعل بدل بسر المقداد، وعليه أكثر الرواة، وهو أول بالصَّواب إن شاء الله. ولم يتخلفوا أن المقداد شهد فتح مصر. وكان بسر سفاكا للدماء، جريئا على المحظور. قال أبو الحسن الدارقطنيُّ: بسر بن أرطأة له صحبة، ولم تكن له استقامة بعد النبي عليه السلام. وكان يحيى بن ... يقول: لا تصح له صحبة. وكان يقول فيه: رجل سوء. وحدث بقي بن مخلد قال: نا زيد بن الحباب قال: حدَّثنى موسى بن عبيد قال: نا يزيد بن عبد الرحمن بن أبى سلامة عن أبى الرَّباب وصاحب له أنهما سمعا أبا ذرٍ يتعوَّذ في صلاةٍ صلاها، أطال قيامها وركوعها وسجودها، قال: فسألناه: ممَّ تعوَّذتَ؟ وفيم دعوتَ؟ قال: تعوَّذتُ بالله من يوم البلاء ويوم العورة. فقلنا: وما ذاكَ؟ فقال: أمَّا يومُ البلاء فتلتقي مئتان من المسلمين، فيقتل بعضهم بعضاً: وأما يوم العورة فإن نساء من المسلمات يسيبن فيكشف عن سوقهن، فأيَّتُهنَّ كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها. فدعوت الله ألاَّ يدركني الزمان، ولعلكما تدركانه. قال: فقتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 32 عثمان، ثم أرسل معاوية بسر بن أرطأة إلى اليمن، فسبى نساء مسلماتٍ فأقمن في السوق. وقال أبو عمر والشيباني: لما وجَّه معاوية بسر بن أرطأة لقتل شيعة علي رضي الله عنه قام إليه معن بن يزيد بن الأخنس السلمي وزيادة بن الأشهب الجعديُّ فقالا: يا أمير المؤمنين نسألك بالله والرَّحم أن تجعل لبسر على قيس سلطاناً فيقتل قيساً بما قتلت بنو سليم من بنى فهرٍ وكنانة يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة. فقال معاوية: يا بسر لا إمرة لك على قيس. فسار حتى أتى المدينة بعدما أتى اليمن وقتل بها ابني عبيد الله بن العباس. ففرَّ أهل المدينة ودخلوا الحرَّة حرة بنى سليم. وفي هذه الخرْجَة التي ذكر أبو عمرو الشيبانِّي أغار بسر بن أرطأة على همدان وقتل وسبى نساءهم، فكنَّ أول مسلماتٍ سبين في الإسلام، وقتل أحياء من بنى سعدٍ. وذكر أن معاوية أرسل بعد تحكيم الحكمين بسر بن أرطأة في جيش، فساروا من الشام حتى قدموا المدينة، وعامل المدينة يومئذ لعليٍّ أبو أيوب الأنصاريُّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرَّ أبو أيُّوب ولحق بعلي، ودخل بسر المدينة، فصعد منبرها وقال: أين شيخي الذي عهدته هنا بالأمس؟ يعني عثمان ثم قال: يا أهل المدينة، والله لولا ما عَهِد إليَّ معاوية ما تركت محتلما إلا قتلته. ثم أمر أهل المدينة بالبيعة لمعاوية، وأرسل إلى بني سلمة فقال: ما لكم عندي أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله. فانطلق حتى جاء أمَّ سلمة زوج النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال لها: ماذا ترَين؟ فإني خشيتُ أن أُقتل، وهذه بيعة ضلالة. فقالت: أرى أن تبايع وقد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع، فأتى جابر بُسرا فبايع لمعاوية. وهدم بسرا دورا في المدينة. ثم انطلق حتى أتى مكة وبها أبو موسى. فخافه أبو موسى على نفسه أن يقتله فهرب. فقيل ذلك لبسر فقال: ما كنت أقتله وقد خلع عليَّا ولم يطلبه. ويُعدُّ بسر بن أرطأة في الشاميين، وأتى اليمن، وله دار بالبصرة. ومات بالمدينة وقيل: بل مات بالشام بقية أيام معاوية. وخرِف في آخر عمره. وكان عبيد الله بن عباس أحد أجواد الإسلام. وكان يقال: من أراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 33 الجمال والفقه والسخاء فليأت دار العباس؛ الجمال للفضل، والفقه لعبد الله، والسخاء لعبيد الله. ومات عبيد الله بن العباس فيما قال خليفة بن خياط وأحمد بن محمد بن أيوب سنة ثمان وخمسين، وهو الأصح على اختلاف في ذلك. وابن ابنه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس الهاشمي: كان متروك الحديث. قُثَمْ بن عبَّاس: قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب: كنت أنا وعبيد الله وقثم ابنا العباس نلعب، فمرَّ بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " ارفعوا لي هذا " يعني قُثم. فرُفع إليه فأردفه خلفه، وجعلني بين يديه، ودعا لنا. وروي عن عليٍّ وعبد الله بن عباس أنهما كانا يقولان: آخر الناس عهدا بالنبي صلى الله عليه وسلم قُثم بن العباس، ويُنكران ما ادَّعاه المغيرة بن شعبة من ذلك. وكان قُثم من المشبَّهين برسول الله صلى الله عليه وسلم. وولاَّه عليٍّ رضي الله عنه مكة بعدما عزل أبا قتادة الأنصاريَّ، فلم يزل واليا عليها حتى قُتل علي. هذا قول خليفة بن خياط. وقال الزبير بن بكَّار: استعمل عليُّ بن أبي طالب قُثم بن العباس على المدينة، واستُشهد بسمرقند، وكان خرج إليها مع سعيد بن عثمان بن عفان زمن معاوية. وكان جوادا. وفيه يقول داود بن سَلم: عتقتِ من حَلِّي ومن رِحلتي ... يا ناقَ إن أدْنَيْتِنِي من قُثَمْ إنَّكِ إن أدنَيتِ منه غَداً ... حالفني اليُسْرُ وماتَ العَدَمْ في كفِّه بحرٌ وفي وجههِ ... بدرٌ وفي العرْنَين منهُ شَمَم أصمُّ عن قِيلِ الخنَا سمعُهُ ... وما عنِ الخيرِ به مِن صَمَمْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 34 لم يدرِ ما لا وبَلى قَد دَرى ... فعَافها واعتَاضَ منها نَعَمْ عبد الرحمن بن عباس: وُلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقُتل بأفريقية شهيدا هو وأخوه معبد بن العباس في زمن عثمان بن عفان مع عبد الله بن سعد بن أبي سَرح. وهو قول مصعب وغيره. ويقال: إنه ما رُئِيت قبور أشدُّ تباعدا بعضها من بعض من قبور بني العباس بن عبد المطلب، ولدتهم أمُّ الفضل في دار واحدة، استُشهد الفضل بأجنادين، وتوفي عبد الله بالطائف، وعبيد الله باليمن، وقُثم بسمرقند. هؤلاء الستَّة من أمِّ الفضل، وأختهم أمُّ حبيب شقيقتهم. وولد العباس من غير أمِّ الفضل: تمَّام وكثير والحرث وعون. وأمُّ تمام وشقيقه كثير أمُّ ولد، ورويَّة تُسمى " سبأ ". وروى تمام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا تدخلوا عليَّ قُلْحاً، اسْتاكوا ". من حديث منصور بن المعتمر عن أبي علي الصَّيقل، عن جعفر بن تمَّام بن العباس بن عبد المطلب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أصغر أولاد العباس تمام، وكان من أشدِّ الناس بطشا، وله عقب. وكان العباس يحمله صغيرا ويقول: تمُّوا بتمَّام فصاروا عَشرةْ يا ربِّ فاجعلهمْ كرامً بَرَرَةْ واجعل لهُمْ ذِكراً وانْمِ الثَّمَرةْ ومات كثير بن عباس بينبُعْ من الذُّبحة. وروى كثير عن أخيه عبد الله الحبر عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صلاة الخسوف أنه صلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات. خرَّج الحديث مسلم. وولد معبد بن العباس عبد الله بن معبد. وروى عن ابن عباس، وروى عنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 35 ابنه إبراهيم بن عبد الله. مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب قال: نا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني سليمان بن سُحيم عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس عن أبيه، عن عبد الله بن عباس، قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه. فقال: " ألا هل بلَّغت؟ " ثلاث مرات " إنه لم يبق من مُبشِّرات النبوَّة إلا الرؤيا يراها العبد الصالح أو تُرى له. وإنِّي نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا. فأما الركوع فعظِّموا فيه الرَّب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمَنٌ أن يُستجاب لكم ". وأمُّ الحرث بن عباس امرأة من هُذيل، وله عقب. ومن ولده السَّريٌّ بن عبد الله: وليَ اليمامة، ولم يشتهر لعون بن العباس خبر يُذكر. انقضى ذكر حمزة بن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب وولده رضي الله عنهم الزبير بن عبد المطلب: كان من رجالات قريش في الجاهلية. وولده عبد الله بن الزبير، وأمه عاتكة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بنت خال عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عقب له. قُتل يوم أجنادين شهيدا في خلافة أبي بكر. وكان النبي عليه السلام يقول له: " ابن عمي وحبِّي ". ومنهم من يروي أنه كان يقول له: " ابن أمي ". ولا نحفظ له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روت اختاه ضُباعة وأمُّ الحكم ابنتا الزبير بن عبد المطلب. وكانت ضُباعة تحت المقداد بن عمرو. وأمُّ الحكم تحت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. ويأتي ذكر أمِّ الحكم عند ذكر ربيعة إن شاء الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 36 أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب كان أبو طالب شديد الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناصرا له يغضب له يغضب له ويحوطه. وهو القائل فيه عليه السلام من قصيدة طويلة: وأبيضَ يَسْتَسقَى الغمامُ بوجههِ ... ثِمالَ اليتامى عِصمةٌ للأراملِ يلوذُ به الهُلاَكُ من آلِ هشامٍ ... فهم عندَه في نعمةٍ وفواضلِ كذبتمْ وبيتِ الله نُبْزَى محمداً ... ولمَّا نُطاعنْ دونَه وتُناضلِ ونُسلمُهُ حتى نُصرِّعَ حولَهُ ... ونَذهبَ عن أبنائنا والحلائلِ وفي الأثر أن أهل المدينة أقطحوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فشكوا إليه ذلك، فصعد رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستقى، فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل العوالي يشكون من الغرق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهمَّ حوالينا ولا علينا ". فانجاب السحاب عن المدينة، فصار حواليها كالإكليل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسرَّه ". فقال بعض أصحابه: كأنك يا رسول الله أردت قوله: وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه ... ثِمالَ اليتامى عصمةٌ للأراملِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 37 قال: " أجل ". ولأبي طالب من قصيدة أثنى فيها على النبي عليه السلام: إذا اجتمعتْ يوماً قريشٌ لِمِعْجَز ... فعبدُ منافٍ سرُّها وصميمُها إنْ حُصِّلت أشرافٌ عبدِ منافِها ... ففي هاشم أشرافُها وقديمُها وقال من قصيدة، مدح فيها النبيَّ عليه السلام، وتوعَّد قريشا حين كتبوا صحيفة القطيعة. ألا أبلغا عني على ذاتِ بَينِنا ... لُؤيَّا وخُصّا من لؤيِّ بني كعب ألم تَعلموا أنَّا وجَدْنا محمداً ... نبياً كموسى خطَّ في أولِ الكتْبِ وأنَّ عليه في العبادِ محبَّةً ... ولا خيرِ ممَّن خصَّةُ اللهُ بالحبِّ وآخُر القصيدة: أليس أبونا هاشمٌ شَدَّ أزرَهُ ... وأوصى بَنيهِ بالطَّعانِ وبالضَّرْبِ ولسنا نَملُّ الحربَ حَتى تَملَّنا ... ولا نَتشكَّى ما ينوبُ من النَّكْبِ ولكنَّنا أهلُ الحفائظِ والنُّهى ... إذ طار أرواحُ من الرعبِ وولد أبو طالب طالبا، وبه كان يُكنى، وهو أكبر ولده، وعقيلا وجعفرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 38 وعليا وأمَّ هانئ، واسمها هند، وقيل فاختة وجُمانة. وكان طالب أكبر من عقيل بعشر سنين، وعقيل أكبر من جعفر بعشر سنين، وجعفر أكبر من عليٍّ بعشر سنين. وأمُّهم فاطمة بنت أسد بن عبد مناف بنت عمّ أبي طالب. وقال الزبير: وهي أول هاشمية ولدت لهاشميٍّ وأسلمت، وهاجرت إلى الله ورسوله. وماتت في المدينة في حياة النبيِّ عليه السلام، وشهد دفنها صلى الله عليه وسلم. وروى عطاء بن أبي رباح: عن ابن عباس قال: لما ماتت فاطمة أمُّ عليٍّ بن أبي طالب ألبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه واضطجع معها في قبرها. فقالوا: ما رأيناك صنعت ما صنعت بهذه! فقال: " إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرَّ بي منها، إنما ألبستها قميصي لتُكسى من حُلل الجنة، واضطجعت معها ليُهوَّن عليها ". وهلك أبو طالب مشركا بعد غزوة بدر. وقيل: إنه ذهب فلم يرجع، ولم يُدر له موضع ولا خبر، وهو أحد الذين تاهوا في الأرض. وكان مُحبَّا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله فيه مدائح. وكان خرج إلى بدر كرها، وجرى بينه وبين قريش حين خرجوا إلى بدر محاورة فقالوا: والله يا بني هاشم لقد عرفنا، وإن خرجتم معنا، أنَّ هواكم مع محمد. فرجع طالب إلى مكة مع من رجع، وهم بنو زُهرة مع الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثَّقفي، وكان حليفا لهم ومُطاعا فيهم. ولم يكن بقي من قريش بطن إلا وقد نفر منهم ناس إلا عديُّ بن كعب وبنو زهرة، فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد. وقال طالب حين رجع من غزوة بدر: لا هُمَّ إمَّا يَغزُوَنَّ طالبْ في عصبةٍ مخالفٍ محاربْ في مقنب من هذه المقانبْ فليكنِ المسلوبَ غيرَ السالبْ وليكنِ المغلوبَ غيرَ الغالبْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 39 وقال من قصيدة ثناء على النبي عليه السلام، وبكى فيها أصحاب قليب بدر: فمنا إنْ جَنينَا في قريش عظيمةً ... سِوى أنْ حَمَينا خيرَ مَن وطئ التُّربا أخا ثقةٍ في النائبات مُرزَّءاً ... كريماً نثاهُ لا بخيلاً ولا ذَرْبا وأما عقيل بن أبي طالب: فكان نسَّابة، ويكنى أبا يزيد. وأُسر يوم بدر ففداه العباس بأربعة آلاف درهم فيما ذكره أبو اليقظان. وورث عقيل وطالب أبا طالب ولم يرثه عليٌّ ولا جعفر، لأنهما كانا مسلمين. قال عليُّ: فلذلك تركنا نصيبنا من الشِّعب. وأسلم عقيل قبل الحديبية. وشهد غزوة مؤتة. وكانت له طنفسة تُطرح في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليها، ويجتمع إليه في علم النسب وأيام العرب، وذكرها مالك في الموطأ في وقت الجمعة. وكان أسرع الناس جوابا، وأحضرهم مراجعة في القول، وأبلغهم في ذلك. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا يزيد، إني أحبُّك حبَّين: حبا لقرابتك مني، وحبا لما كنت أعلم من حبِّ عمي إياك ". وانصرف عن على في خلافته إلى معاوية مغاضبا له إذ سأله قضاء دَينه وكان مالا كبيرا. فقال: إنما أنت رجل من المسلمين، ولا أحمل على بيت مالهم دَينَك. فلما وفد على معاوية برَّه ووصله بمال عظيم، وقضى دَينه. وقال يوما بحضرته: هذا أبو يزيد، لولا علمه أني خير له من أخيه ما أقام معنا وتركه. فقال عقيل: أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي. وقد آثرت دنياي. وأسأل الله خاتمة خير. وكانت له دار بالمدينة واسعة كثيرة الأهل. ومات، بعد ما عَمِيَ، في آخر خلافة معاوية. وكان له من الولد اثنا عشر ذكرا، وخرج منهم تسعة مع الحسين رضي الله عنه، فقُتلوا معه. منهم: مُسلم بن عقيل وكان أشجعهم، وهو الذي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 40 قدَّمه الحسين عليه السلام إلى الكوفة، فقتله الدَّعيُّ ابن زياد صبرا. وفيهم قيل: عينِ جودي بعَبرةٍ وعويل ... واندُبي إن نَدبتِ آل الرسولِ سبعةُ كلُّهم لصلب عليٍّ ... قد أُصيبوا وتسعةٌ لعقيلِ فأما جعفر بن أبي طالب: فأسلم قديما في أول الإسلام، وهاجر إلى أرض الحبشة، ومعه امرأته أسماء بنت عُميس الخثعميَّة، فولدت له بها عبد لله ومحمدا وعونا. وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الحبشة يوم فتح خيبر فعانقه النبي صلى الله عليه وسلم وسُرَّ بقدومه، وقال: " ما أدري بأيَّ الأمرين أنا أُسرُّ: بقدوم جعفر أم بفتح خيبر؟ ". وقال عليه السلام له: " أشبهت خَلقي وخُلقي ". خرَّج هذا الحديث البخاريُّ والترمذيُّ. واختطَّ له وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب المدينة. وقال أبو هريرة: ما ركب الكور ولا احتذى النَّعال ولا وطئ التُّراب أحد بعد وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر. أخرج هذا الحديث التّرمذيُّ. وكان يكنى أبا عبد الله. وعبد الله ابنه أول مولود في الإسلام بأرض الحبشة. وكان أجود العرب، وأخباره في الجود كثيرة. وكان لا يرى بسماع الغناء بأسا. وحفظ عن وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه. مسلم: حدَّثنا يحيى ابن يحيى التميميُّ وعبد الله بن عون الهلاليُّ قال: رأيت وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل القثَّاء بالرُّطب. وتوفي بالمدينة سنة ثمانين، وهو ابن تسعين سنة، وصلى عليه أبان بن عثمان، وهو يومئذ أمير المدينة لعبد الملك بن مروان. وأما محمد بن جعفر فكان يكنى أبا القاسم، واستُشهد بتُسْتَر. وحلق وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ورأس أخويه حين جاء نعيُّ أبيهم جعفر سنة ثمان ودعا لهم. وقال: " أنا وليُّهم في الدنيا والآخرة ". وقال: " أما محمد فشبيه عمِّنا أبي طالب ". وهو الذي تزوَّج أمَّ كلثوم بنت عليٍّ بعد عمر رضي الله عنه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 41 وأما عون بن جعفر: فقُتل بتُسْتر أيضا، قال هذا ابن قتيبة. قال مسلم: أبو جعفر عبد الله بن المِسوَر بن عون بن جعفر بن أبي طالب روى عنه عمرو بن مُروة. وقال الموصليُّ الحافظ: عبد الله بن المُسوّر بن أبي طالب الهاشميُّ أبو جعفر متروك ذاهب الحديث، جريء على ما لا يحلُّ له من المحظور. وقال عنه وهبةُ بن مصْقلة العبديُّ إنه كان يضع أحاديث كلام ليست من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم. والعقب من ولد عبد الله بن جعفر لعليٍّ ومعاوية وإسحاق وإسماعيل. وكان معاوية من ولد عبد الله بن جعفر ضدَّ أبيه ... ومن ولده عبد الله بن معاوية: وهو أشهر ولده، وطلب الخلافة فظفر بأصبهان وبعض فارس فقتله أبو مسلم. وكان شاعرا مطبوعا مُجيدا. وهو القائل يعاتب بعض إخوانه المداهنين في الودِّ: رأيتُ فُضيلاً كان شيئا مُلفَّفاً ... فكشَّفه التَّمحيصُ حتى بَدا لِيَا أأنتَ أخي ما لَم تكُن لِيَ حاجةٌ ... فإن عرضتْ أيقنتُ أنْ لا أخا لِيا فلا زادَ مض بَيني وبينك بعد ما ... بَلوتك في الحاجاتِ ألا تَمادِيا فلستُ براءٍ عيبَ ذي الودِّ كلِّهِ ... ولا بعضَ ما فيه إذا كنتُ راضِيا فعينُ الرِّضا عن كلِّ عيب كليلةٌ ... ولكنَّ عينَ السُّخط تُبدي المساويا كلانا غتيٌ عن أخيهِ حياتَهُ ... ونحنُ إذا مِتْنا أشدُّ تَغانيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 42 الملفَّف: المغطَّى. والتمحيص: الاختبار. قال تعالى:) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الذِينَ آمَنُواْ ويَمْحَقَ الكَافِرِينَ (. وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر أيضا: أنَّى يكونُ أخاً أوْ ذا محافظةٍ ... مَن كنتَ في غَيبهِ مُستشعراً وَجَلا إذ تغيَّب لم تَبرحْ تظنُّ بهِ ... سُوءاً وتسألُ عمَّا قال أو فَعلا وهذا من جيّد الشعر. واستشهد جعفر رضي الله عنه يوم مؤته، وقُطعت يداه، فأبدله الله بهما جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء منها. وأما عليٌّ فيأتي ذكره بعد في الخلفاء الأربعة. وأما أمُّ هانئ: فكانت تحت هُبَيرة بن أبي وهب المخزوميُّ، كما ذكرت قبل. وأسلمت عام الفتح. وحديث ركعات الضُّحى عليها مداره. مالك: عن أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله أن أبا مُرة مولى عقيل بن أبي طالب أخبره أنه سمع أمّ هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، وفاطمة ابنته تستره بثوب قالت: فسلَّمت. فقال: " من هذه؟ " فقلت: أمُّ هانئ بنت أبي طالب. فقال: " مرحبا بأمُّ هانئ ". فلما فرغ من غسله قام فصلَّى ثماني ركعات مُلتحفا في ثوب واحد، ثم انصرف. فقلت: يا رسول الله زعم ابن أمِّي عَلي أنه قاتلٌ رجلا أجرته فلان ابن هبيرة. فقال وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أجرنا مَن أجَرتِ يا أمُّ هانئ ". قالت أمّ هانئ: وهذا ضحى. الذي أجارت أمُّ هانئ هو ابنها جَعْدَة بن هُبيرة. وخرَّج مسلم هذا الحديث من طرق عن أمِّ هانئ، وأحد طرفيه عن يحيى بن يحيى التَّميميَّ، عن مالك كما في الموطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 43 ضرار بن عبد المطلب: مات ضرار قبل الإسلام، ولا عقب له، وكان يقول الشعر. المقوَّم بن عبد المطلب: ولم يدرك الإسلام، ولا عقب له. أبو لهب: عبد العزَّى بن عبد المطلب، ويكنى أبا عتبة، وكان أحول. وكانت دار النبي عليه السلام بمكة بين دار أبي لهب ودار عقبة بن أبي المعيط، فكان صلى الله عليه وسلم بين شرِّ جارين، وروى عنه أنه قال ذلك. وقيل له أبو لهب لجماله. وأصابته العدسة فمات بمكة بعد وقعة بدر بيسير. وولد له: عتبة وعتيبة ومعتِّب، وبنات أمُّهم أمُّ جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب. وهي أخت أبي سفيان بن حرب عمة معاوية. فأما عتبة فكان رسول الله زوَّجه رقية ابنته. فأمره أبو لهب أن يطلقها ففعل. ودعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال " اللهم سلِّط عليه كلبا من كلابك "، فأكله الأسد في أسفاره، والقصة مشهورة. وكان يكنى أبا واسع، وله عقب كثير من بنين وبنات منهم: الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب الشاعر. وهو القائل: وأنا الأخضرُ مَن يعرفُني ... أخضَرَ الجِلدةِ في بيتِ العَربْ مَن يساجِلْنِي يساجلْ ماجداً ... يملأ الدلوَ إلى عَقدِ الكَرَبْ وابنه عبد الله بن الفضل: من شيوخ مالك، وله عنه في الموطأ حديث واحد مسند صحيح. مالك: عن عبد الله بن الفضل، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن عبيد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الأيِّم أحق بنفسها من وليِّها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 44 وأما معتِّب: فأسلم، وشهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وله عقب كثير. وأما عتيبة: فتزوَّج أم كلثوم بنت النبي، وفارقها قبل أن يدخل بها. وأسلم يوم الفتح مع أخيه معتَّب. الغيداق بن عبد المطلب: وهو حجل ولا عقب له. الحارث بن عبد المطلب: هو أكبر ولد عبد المطلب، وشهد معه حفر زمزم، وبه كان يكنى. وولد له أبو سفيان بن الحارث، ونوفل بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وعبد شمس بن الحارث، وأروى بنت الحارث. فأما أبو سفيان بن الحارث: فكان أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة؛ أرضعته معه حليمة أياما. واسمه المغيرة، وقيل: اسمه كنيته. وكان يألف رسول الله، فلما بعث عاداه وهجاه. ثم أسلم عام الفتح، وحسن إسلامه. وشهد أبو سفيان حنينا، وثبت فيمن ثبت مع النبي عليه الصلاة والسلام يومئذ من أهل بيته. وله قال حسان بن ثابت معارضا: ألا أبلغْ أبا سفيانَ عنِّي ... مُغَلغلةً فقد برِح الخفاء هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه ... وعندَ الله في ذَاك الجَزاء أتَهجوهُ ولستَ لهُ بكفء ... فشرُّكما لخيرِكُما الفِداء فإنَّ أبي ووالدَه وعرِضي ... لِعرْضِ محمدٍ منكمْ وِقاء الجزء: 2 ¦ الصفحة: 45 وقال النبي عليه السلام في أبي سفيان هذا: " أرجو أن يكون خلفا من حمزة ". وقال فيه أيضا: " أبو سفيان سيد فتيان أهل الجنة ". ويقال: إنه لما أسلم ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه حتى مات. وكان أبو سفيان من الشعراء المطبوعين. وأنشد النبيَّ صلى الله عليه وسلم قوله في إسلامه واعتذاره ممَّا سلف منه: لعَمرُك إني يومَ أحملُ رايةً ... لتغلبَ خَيلُ اللاتِ خيلَ محمدِ لَكا لمُدْلجِ الحَيْرانِ أظلم ليلُهُ ... فهذا أواني حين أُهدَى فأهتدي هَدانيَ هادٍ غيرُ نفسي ودلَّني ... على الله مَن طرَّدْتُه كلَّ مُطْرَدِ أصُدُّ وأَنْأَى جاهداً عن محمدٍ ... وأُدْعَى وإن لم أنتَسِبْ مِن محمدِ قال ابن إسحاق: لما أنشد أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن طرَّدتَهُ كلَّ مُطردِ " ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: " أأنتَ طرَّدتَني كل مطردِ؟ ". وأبو سفيان بن الحارث القائل أيضا: لقد علمتْ قريشٌ غيرَ فخرِ ... بأنَّا نحنُ أجودهُمْ حِصانا وأكثرهُمْ دروعاً سابغاتٍ ... وأمضاهُمْ إذا طَعنوا سِنانا وأدفعُهم لدى الضَّرَّاء عنهمْ ... وأبْينُهم إذا نطقوا لسانا وكانت وفاته سنة عشرين بالمدينة، ودفن بالبقيع، ولم يبق له عقب. قال الجزء: 2 ¦ الصفحة: 46 هذا ابن قتيبة. وقال غيره مثل قوله في الوفاة، إلا أنه قال: ودُفن في دار عقيل بن أبي طالب، وصلى عليه عمر بن الخطاب. ولما حضرته الوفاة قال لأهله: لا تبكوا عليَّ، فإني لم أتنظَّف بخطيئة منذ أسلمتُ. وأما نوفل بن الحارث: فكان أسنَّ من أسلم من بني هاشم. كان أسنَّ من حمزة والعباس ومن جميع إخوته. وأُسر يوم بدر ففداه العباس، وأسلم وهاجر أيام الخندق. وتوفي بالمدينة في داره سنة خمس عشرة، وصلى عليه عمر رضي الله عنه، بعد أن مشى معه إلى البقيع، ووقف على قبره حتى دُفن، رحمه الله، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين العباس بن عبد المطلب، وكانا شريكين في الجاهلية، متفاوضين في المال، متحابِّين. وأعان نوفل يوم حنين رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة آلاف رمح. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كأني أنظر إلى رماحك يا أبا الحارث تقصف أصلاب المشركين ". وكان لنوفل عقِب كثير منهم: المغيرة بن نوفل: وكان قاضيا بالمدينة في خلافة عثمان، ولم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ستَّ سنين، وشهد مع علي عليه السلام صِفِّين. ومن ولد المغيرة يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل المدنيُّ. وكان متروك الحديث. ومن ولد نوفل عبد الله بن الحارث بن نوفل: وهو الملقب بَبَّه. وولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحنّكه ودعا له. وهو الذي اصطلح عليه أهل البصرة عند موت يزيد بن معاوية، فبايعوه، حتى يتفق الناس على إمام. وروى عن عمر وعلي وعثمان والعباس وأمِّ هانئ. وتوفي أبوه الحارث في البصرة في آخر خلافة عثمان. وأسلم حين أسلم أبوه نوفل. وكان الحارث رجلا حين أسلم أبوه نوفل. ولُقِّب عبد الله بِبَبَّه لأنَّ أمَّه كانت تُرقصه صغيرا وتقول: لأُنكحنَّ بَبَّةْ ... جارية خِدبَّهْ مُكرَمةً مُحبَّهْ ... تَخدُمُ بيتَ الكعبَهْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 47 وكان له ابنان: محمد وعبد الله. وأما محمد بن عبد الله فروى عنه ابن شهاب في كتاب " الحج " من الموطأ. وأما عبد الله بن عبد الله بن الحارث فروى عنه عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن ابن عباس حديث الوباء الواقع بالشام. خرَّجه مالك في كتاب " الجامع " من الموطأ، وخرجه البخاري ومسلم عن مالك. ومن موالي عبد الله بن الحارث مِقسم: ويكنى أبا القاسم. وإنما قيل له مولى ابن عباس للزومه إياه. وانقطاعه إليه، وروايته عنه. وقد روى مِقسم عن أمِّ سَلَمَة سماعا منها. وأما عبد شمس بن الحارث بن عبد المطلب: فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. ومات بالصَّفراء في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قميصه وقال: " أدركتهُ السعادة ". ذكره مصعب وغيره. وأما ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب: فكانت له صحبة. وقال النبيُّ: " نِعم الرجل ربيعة لو قَصَّر من شَعره وشَمَّر من ثوبه ". وكان شريك عثمان في التجارة. ولربيعة بنون وبنات. فمن بنيه: العباس بن ربيعة: وكان له قدر، وأقطعه عثمان دارا بالبصرة. وأعطاه مئة ألف درهم. وشهد صفِّين مع علي، وكانت تحته أمُّفراس بنت حسان بن ثابت، فولدت له أولادا. وعقُبُه كثير. ومن بنيه عبد المطلب بن ربيعة: أمُّه أمُّ الحكم بنت الزبير بن عبد المطلب كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا ... روى عنه عبد الله بن الحارث بن نوفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ضُباعة بنت الزبير، انتهش عندها كتفا ثم صلى ولم يتوضأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 48 ومن بنيه محمد بن ربيعة بن الحارث ... انقضى ذكر عمومة النبي عليه السلام وأعقابهم كما يجب والحمد لله كثيرا على ما يسَّر من ذلك عمَّاتُهُ صلى الله عليه وسلم أما عاتكة بنت عبد المطلب: فكانت عند أبي أميَّة بن المغيرة المخزوميّ، فولدت له عبد الله بن أبي أميَّة وزهيرا والمهاجَر، وهم إخوة أمّ سلمة لأبيها. وأما أميمة بنت عبد المطلب: فكانت عند جحش بن رئاب الأسديِّ. وهي أمُّ زينب بنت جحش وأمُّ إخوتها عبد الله وأبي أحمد الأعمى وعبيد الله المتنصِّر بأرض الحبشة. وأما البيضاء بنت عبد المطلب: فكانت عند كُريز بن ربيعة بن حبيب ابن عبد شمس، فولدت له أروى، وهي أمُّ عثمان بن عفان وأمُّ الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط. وكانت البيضاء تُكنّى أمَّ حكيم. وكان يقال لها: قبة الديباج لجمالها. وأما برَّة بنت عبد المطلب: فكانت عند عبد الأسد بن هلال المخزوميَّ، فولدت له أبا سلمة بن عبد الأسد الذي كانت أمُّ سلمة عنده قبل أن تكون عند النبيِّ. ثم خلف عليها أبو رُهم بن عبد العُزّى من بني عامر بن لؤي. فولدت له أبا سَبرة بن أبي رُهم. وقد ذكرتُ أبا سَبرة هذا في بني عامر بن لؤي من قريش، وأنه من المهاجرين البدريين. وذكرتُ وفاته رضي الله عنه. أما صفية بنت عبد المطلب: فكانت عند الحارث بن حرب بن أميَّة، ثم خلف عليها العوَّام بن خويلد، وهي أمُّ الزُّبير. وأسلمت صفيّة وتوفيت في خلافة عمر سنة عشرين، ولها ثلاث وسبعون سنة، ودُفنت بالبقيع. وأما أروى بنت عبد المطلب: فهي أمُّ طُليب بن عمير بن وهب بن أبي كبير بن عبد بن قصيٍّ. كانت تحت عُمير بن وهب، فولدت له طُليبا. واختُلف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 49 في أروى؛ فذكر بعضهم أنها أسلمت، وكذلك ذُكر عن عاتكة أنها أسلمت. وقيل: لم تُسلم. وعاتكة هي صاحبة الرؤيا في شأن بدر. قالت: رأيت راكبا أخذ صخرة من أبي قُبيس، فرمى بها الرُّكن، فتفلَّقت الصخرة. فما بقيت دار من قريش إلا دخلتها منها كسرة، غير دور بني زهرة. ولم يُختلف في إسلام صفية. وقال ابن إسحاق وطائفة معه: ولم يُسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم غير صفية. عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لم يكن له ولد غير رسول الله ذكر ولا أنثى. أم رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أمُّه فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي. وأمُّه آمنة: بنت عبد العُزَّى بن عثمان عبد الدار بن قصي. وأمُّ برة: أمُّ حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي. وأمُّ أمِّ حبيب بنت أسد بن عبد العزَّى بن قُصي. وأمُّ أمِّ حبيب برةُ بنت عوف بن عبيد ابن عويج بن عديِّ بن كعب بن لؤي. وأما أمُّ وهب جدِّ النبيِّ فهي عاتكة بنت الأوقص بن مُرة بن هلال بن فالج بن ذكوانّ بن ثعلبة بن بُهثة بن سُليم بن منصور بن عكرمة. فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف ولد آدم حسبا وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمِّه صلى الله عليه وسلم. وتزوَّج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة عند الفراغ من فدائه بالإبل لنذر أبيه الذي كان نذر حين نازعته قريش في الجزء: 2 ¦ الصفحة: 50 حفر زمزم. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " أنا ابن الذَّبيحين ". وهذه حجة من جعل الذبيح إسماعيل. وقال أسد بن الفرات قاضي أفريقية في إمرة إبراهيم بن الأغلب: سمعت محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة يقول: اختلف أهل التفسير، فقال بعضهم: إسحاق هو الذي أُمر إبراهيم بذبحه. وقال بعضهم: إسماعيل هو، فكان أصحَّ القولين عندنا أنه إسماعيل، لأن الله يقول في كتابه:) فبشَّرناه بإسحاق ومِن وَراءِ إسحاقَ يَعقوب (. فكيف يختبر في ذبحه، وقد أعلمه أنه سيولد لإسحاق يعقوب؟ وإنما الاختبار فيما لم يعلم غافية أمره. ولما فرغ عبد الله بن عبد المطلب من وفاة نذره انصرف آخذا بيد ابنه عبد الله حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بم مرة بن كعب بن لؤي، وهو يومئذ سيد بني زهرة سناً وشرفاً، فزوجه ابنته آمنة بنت وهب، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا. فزعموا أنه دخل عليها حين املكها مكانه، فوقع عليها، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم. ومات عبد الله بن عبد المطلب أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمُّهُ حمل به، سار إلى المدينة ليزول أخوال أبيه من بني النجار، فمات بالمدينة، وقبره بها في دار من دور عدِّي بن النجار. وقال ابن شهاب: كان عبد المطلب بعث ابنه عبد الله إلى يثرب يمتار له تمرا منها، فمات بها وهو شاب عن أخواله بن النجار، ولم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. وولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل بعد قدوم أصحاب الفيل بشهر، وقيل بأربعين يوما، وقيلا: بخمسين يوما. وولد مختونا مسرورا، يعني مقطوع السُّرَّة. هذه رواية وردت. وروي عكرمةُ عن أبن عباس أن عبد المطلب ختن النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم سابعه، وجعل له مأدبة وسماه محمداً. وذكر أن آمنة أمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحدِّث أنها أنبئت حين حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة فإذا وقع إلى الأرض فقولي: " أُعيذُه بالواحد من شرِّ كل حاسد، ثم سمِّيه محمدا ". ورأت حين حملت أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام. وقالت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 51 آمنة: " حملت به، فوالله ما رأيت من حمل قطُّ كان أخف ولادة أيسر منه. ووقع حين ولدته، وإنه لواضع يديه بالأرض، رافع رأسه إلى السماء، رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ولما وضعته أمُّه صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى جدِّه عبد المطلب: إنه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه. فأتاه فنظر إليه، وحدَّثته بما رأت حين حملت به، وما قيل له وما أمرت أن تُسِّميه. فأخذه عبد المطلب، فدخل به الكعبة، فقام يدعوا الله ويتشكَّر له ما أعطاه، ثمَّ خرج به إلى أمِّة، فدفعه إليها. وأرضعته رسول الله صلى الله عليه وسلم حليمة بنت أبي ذؤيب السَّعديَّةُ من بني سعد أبن بكر بن هوزان بن منصور، ورأت بها في طريقها من الأتان عجبا وفي حاضرها من البركات ما أخصب به محلُّها، وتعَّجب منه قومها. وكان يشبُّ شبابا لا يشبُّه الغلمان. فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا. ثم ردَّته حليمة على أمِّه، وهي أحرص شيء على مكثه فيهم، لما كانوا يرون من بركته. فكلَّمت أمَّه فيه وقالت له: لو تركت بنيِّي عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة. فلم تنزل بها حتى رجعت بهز وبعد مقدمتها من به بأشهر كان أمر شقِّ بطنه خلف بيوت حليمة، أخبرها بذلك ابنها. والخبر مشهور فردّته حليمة إلى أمه. وروي عن خالد بن معدان الكلاعيِّ أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: " نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى. ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام. واسترضعت في نبي سعد بن بكر، فبينما أنا مع الخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا إذ أتانى رجلان عليهما الثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجا، فأخذاني فشقّا بطني، ثم استخرجا قلبي، فشقّا فاستخرجا منه علقة سوداء، فطرحاها ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه - قال: - ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشره من أمته. فوزنني بهم فوزنتهم. ثم قال: زنة بألف من أمَّته، فوزنني بهم فوزنتهم. فقال: دعه عنك، فلو وزنته بأمَّته لوزنها ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 52 وكان صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من نبي إلا وقد رعى غنما ". قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: " وأنا ". وكان عليه السلام يقول لأصحابه " أنا أعربكم؛ أنا قرشي، واسترضعت في بني سعد بن بكر ". وفي حديث آخر أنه قال صلى الله عليه وسلم: " أنا أفصح العرب بيد أنا من قريش، واسترضعت في بني سعد بن بكر ". وتوفيت آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبن ستِّ سنين بالأبواء بين مكة والمدينة. وكانت أمُّه أخرجته معه إلى أخوال أبيه بني النجار بالمدينة، تزورهم هي فتوفيت وهو معها، فردّته حاضنته أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورثها عن أبيه. وهي أمُّ أسامة بن زيد بن حارثة، وابنها أيمن بن عبيد الحبشيُّ الذي تكنى به، استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فكفله بعد أمُّه جدُّه عبد المطَّلب، وكان مع أمِّه وجدِّه في كلاءة الله تعالى وحفظه، ينبته الله نباتا حسنا لما يرد به من كرامته. وكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظلِّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي، وهو غلام جفر، حتى يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخِّروهُ عنه، فيقول عبد المطلب، إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني، فوالله إن له لشأنا. ثم يجلسه معه عليه، يمسح ظهره بيده، ويسرّه ما يراه يصنع. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين هلك جدُّه عبد المطلب. وعمي عبد المطلب في آخر عمره، وأوصى بالنبيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب. فصار في حجر عمِّه أبي طالب حتى بلغ خمسة عشر سنة. وكاب أبو طالب يحبُّه، ثم انفرد بنفسه. وكان مائلا إلى عمِّه أبي طالب لوجاهته في بني هشام، وكان مع ذلك شقيق أبيه. وخرج النبيِّ صلى الله عليه وسلم مه عمِّه أبو طالب في تجارة إلى الشام سنة ثلاث عشر من الفيل، فرآه بحيرا الراهب فقال: احتفظوا به فإنه نبي. وشهد صلى الله عليه وسلم حرب الفجار، وهو أبن عشرين سنة. وخرج إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد، وهو أبن خمس وعشرين سنة، فرآه نسطور الراهب، وقد أضلته غمامة فقال: هذا نبي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 53 وتزوج خديجة بنت خويلد بشهرين وخمسة وعشرين يوما في عقب صفر. وكانت خديجة يوم تزوجها بنت أربعين سنة. وشهد صلى الله عليه وسلم بنيان الكعبة، وتراضت قريش بحكمة في الحجر وهو أبن خمس وثلاثين سنة. ولما بلغ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وكافَّةً للناس يوم الاثنين في شهر رمضان. وقيل: بل بُعث يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول فأسرَّ أمره ثلاث سنين أو نحوها. حدَّث أحمد بن زهير قال: نا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند، عن الشِّعبي قال: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين، فوُكِّل به إسرافيل عليه السلام ثلاث سنين، ثم وُكِّل به جبريل. وأعلن بالدعاء بعد ذلك إلى الله، وسفّه أحلام قومه وضلَّلهم، وعاب أصنامهم، فقالوا قومه قتلَه فأجاره عمُّه أبو طالب، ولم يزل في جواره، إلى أن توفي في النِّصف من شوال سنة عشرين من المبعث. وحصرت قريش النبيَّ صلّى الله عليه وسلم وأهل بيته بني هاشم، ومعهم بنو المطَّلب في الشِّعب بعد المبعث بستِّ سنين. فمكثوا في ذلك الجدار ثلاث سنين، وخرجوا منه في أول سنة خمسين من عام الفيل. وتوفي أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام. وروى مَعمرٌ عن عن الزُّهريّ عن سعيد بن المُسيَّب، عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية فقال: يا عمِّ قل لا إله إلا الله، كلمة أحاجُّ لك بها عند الله. فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أميّة: يا أبا طالب، أترغب عن ملة المطلب؟ فقال النبي عليه السلام: لأستغفِرَنَّ لك ما لم أُنهَ عتك. فنزلت:) ما كان للنبيِّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى (. إلى آخر الآية. ونزلت) إنك لا تهدي مَن أحببتَ ولكنَّ الله يهدي من يشاء (. وقال مسدَّد بن مُسَرهد في مسنده: حدَّثنا سفيان قال: حدثني أبو إسحاق عن يحيى بن ناجية بن كعب، عن عليٍّ رضي الله عنه قال: قلتُ للنبيِّ صلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 54 الله عليه وسلم: إنَّ عمَّك الشيخ الضالَّ قد مات فمن يُواريه؟ قال: " اذهب فوارِ أباك، ثم لا تُحدِثنَّ حدثا حتى تأتيني ". فذهبت فواريته ثم جئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي. مسلم عن عبد الله بن الحارث قال: سمعت العباس يقول: قلت: يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك فهل ينفعه ذلك؟ قال: " نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضَحضَاح ". مسلم عن أبي سعيد الخدريِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر عند عمُّه أبو طالب فقال: " لعلَّه تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيُجعل في ضَحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه ". مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أهون أهل النار عذابا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه ". ولما توفي أبو طالب وتوفيت خديجة بعده بأيام يسيرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة، وطلب منهم المنعَة، فأقام عندهم شهرا، ولم يجد فيهم خيرا. ثم رجع إلى مكة في جوار المُطعِم بن عديّ. قيل: كان ذلك سنة إحدى وخمسين من الفيل. وفيها قَدِمَ عليه جنٌّ نصيبينَ بعد ثلاثة أشهر فأسلموا. وأُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس بعد سنة ونصف من حين رجوعه إلى مكة من الطائف، كذا في " الإستيعاب ". وقيل: إن الإسراء كان قبل موت أبي طالب وخديجة قال ابن إسحاق وغيره. ودخل صلّى الله عليه وسلم المدينة مُهاجرا يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، ونزل على أبي قيس كلثوم بن الهِدْم بن امرئ القيس أحد بني عمرو ابن عوف، فأقام عنده أربعة أيام، وخرج من بني عمرو بن عوف منتقلا إلى المدينة، فأدركته الجمعة في بني سالم، فصلاَّها في بطن الوادي، ثم احتل المدينة فنزل على أبي أيوب خالد بن زيد بن كُليب الأنصاريّ النجاري، فلم يزل عنده حتى بُني مسجده ومساكنه، ثم انتقل إليها، وذلك في السنة الأولى من هجرته. وقيل: إنه نزل في بني عمرو بن عوف من يوم الاثنين إلى يوم الجمعة، ثم خرج من عندهم غداة يوم الجمعة على راحلته معه الناس حتى مرّ ببني سالم بن عوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 55 لوقت الجمعة، فجمع بهم. وهي أول جمعة جمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. وكانت خطبته في هذه الجمعة الخطبة التي ذكرها الطبريُّ في تاريخه الكبير. الطبريُّ: حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: نا ابن وهب قال " حدثني سعيد بن عبد الرحمن الجُمحيُّ أنه بلغه أن خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول جمعة صلاّها بالمدينة في بني سالم بن عوف: " الحمد لله أحمَدهُ وأستعينُهُ، وأستغفره وأستهديه وأؤمن به ولا أكفُرُه، وأشهد أن لا إلى إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترة من الرًُسل وقِلَّة من العلم وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنوِّ الساعة، وقُرب الأجل. مَن يُطِع الله ورسوله فقد رَشَد، ومَن يَعصِهِما فقد غوى وفرط وضلَّ ضلالا بعيدا. أوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به المسلمُ المسلمَ أن يحضَّه على الآخرة، أو أن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة، ولا أفضل من ذلك ذكرا. وإن تقوى الله لِمَن عَمِل به على وجل ومخافة من ربِّه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة. ومَن يُصلح بينه وبين الله من أمره في السِّر والعلانية لا ينوي بذلك إلا وجه الله يكُن له ذِكراً في عاجل أمره، وذُخرا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدَّم وما كان من سوى ذلك، يَودُّ أن لو بينه وبينه أمدا بعيدا. ويُحذِّركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد، والذي صَدَقَ قَولُه ونَجَز وعدَهُ، ولا خُلْفَ لذلك فإنه يقول عزَّ وجلَّ: ما يُبَدَّل القول لديَّ وما أنا بظلاَّم للعبيد، فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السِّر والعلانية، فإن من يتَّق الله يُكَفِّر عنه سيئاته، ويُعْظِم له أجرا. ومن يَتَّق الله فقد فاز فوزا عظيما، وإنَّ تقوى الله يوقي مَقْتَه، ويؤمن عقوبته ويوقي سخطَه، وإنَّ تقوى الله يُبيِّض الوجوه، ويُرضي الربَّ، ويرفعه الدرجة. خُذوا بِحظِّكم ولا تُفرطوا في جنب الله فقد علمكم الله كتابه ونَهَجَ لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه، وجاهدوا في سبيل الله حقَّ جهاده، هو اجتباكم وسمَّاكم المسلمين من قَبلْ ليَهلِك من هَلَكَ عن بيِّنة ويَحيَا من حَي عن بيِّنة، ولا قوة إلا بالله. فأكثروا ذكر الله، واعملوا لِما بعد اليوم، فإنه من يُصلح ما بينه وبين الله يكفيه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأنَّ الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 56 يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه. الله أكبر ولا قوة إلا بالله العليِّ العظيم ". ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا صلى الجمعة لا يحرِّك راحلة، يقول: " دعوها فإنها مأمورة ". فمشت حتى بركت في موضع مسجده الذي أنزله الله به في بني النجار، وكان مربدا لغلامين يتيمين من بني النجار " سهل وسهيل " ابني عمرو، وكانا في حجر معاذ بن عفراْ. فنزل عشية الجمعة، ومن مقدمته المدينة أرِّخ التاريخ في زمن عمر رضي الله عنه. ولم يغز رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السنة، وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد ذلك بخمسة أشهر. وبعث حمزة عمَّه في جمادى الأولى في السنة الثانية، فكان أول من غزا النبي في سبيل الله، وأول من عقدت له راية في الإسلام. خرج في ثلاثين راكبا من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، إلى سيف البحر، فلقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثمائة من قريش، فحجز بينهم مجدُّي بن عمرو، وكان موادعاً للفريقين. ثمَّ بعث عبيدة بن الحارث بن عبد المطلِّب ابن عبد مناف في خمسين راكبا، يعارض عيرا لقريش، فلقوا جمعا كثيرا، فتراموا بالنَّبل، ولم تكن بينهم مسايفة. ثم بعث عبد الله بن جحش في سنة اثنتين إلى نخلة في آخر جمادى الآخرة، وفيها قتل ابن الحضرمي عمرو لليلة بقيت من جمادى الآخرة. وفي السنة الثانية من الهجرة صرف الله تعالى ذكره قبلة المسلمين من الشام إلى الكعبة في شعبان. الطبري: حدّثنا ابن حُمَيد قال: نا سَلَمَةُ عن ابن إسحاق قال: صُرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. وحُدِّثتُ عن ابن سعد عن الواقديِّ مثل ذلك، وقال: صُرفت القبلة في الظُّهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان. قال الطبري: وفي هذه السنة فُرض، فيما ذُكِر، صوم شهر رمضان، قيل: إنه فُرض في شعبان منها. وفيها، أُمِر الناس بإخراج زكاة الفطر. وقيل: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل افطر بيوم أو يومين، وأمرهم بذلك. وفيها، فيما ذُكر، حُمِلَت العنزة له إلى المُصلَّى، فصلى إليها وكانت للزبير ابن العوَّام، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 57 كان النجاشيُّ وهبها له، فكانت تُحمل بين يديه في الأعياد، وهي اليوم، فيما بَلَغَني عند المؤذِّنين. وكانت بعوثه وسراياه خمسا وثلاثين بين بعث وسَريَّة. وكانت غزواته بنفسه صلى الله عليه وسلم ستا وعشرين غزوة. هذا أكثر ما قيل في ذلك. وكانت أشرف غزواته وأعظمها حرمة عند الله وعند رسوله والمسلمين غزوة بدر الكبرى، حيث قتل الله صناديد قريش، وأظهر دينه من يومئذ. وكانت بدر في السنة الثانية من الهجرة لسبع عشرة من رمضان، وليس يعدلها في الفضل إلا غزوة الحُديبية، حيث كانت بيعة الرِّضوان. وكان أمر بني قُينَقاع وقَتْلُ كعب بن الأشرف بين بدر ولأُحُد. وكانت غزوة أحد في النصف من شوال سنة ثلاث يوم السبت. وغزوة بني النَّضير في ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة. وغزوة ذات الرِّقاع في جمادى الأولى من هذه السنة، وفيها كانت صلاة الخوف. وغزوة الخندق في شوَّال من السنة الخامسة. وغزوة بني قُريظة. وقتلُ أبي رافع سَلاَّم بن أُبَي الحقيق اليهودي بعد أمر قريظة. وغزوة بني لِحيَان من هُذيل في جُمادى الأولى من السنة السادسة. وغزوة قَرَدٍ بعدها بِليال قلائل. وغزوة بني المُصطَلِق في شعبان من هذه السنة، وفيها كان حديث الإفك، وفيها قال عبد الله بن أُبَي: لئِن رجعنا إلى المدينة ليُخرَجَنَّ الأعَزُّ منها الأذلُّ. وعمرة الحديبية في ذي القعدة من هذه السنة. وغزوة خيبر في آخر المحرَّم، ولم يبق من السنة السادسة إلا شهر وأيام. وعمرة القضاء، ويقال لها أيضا عمرة القِصاص في ذي القعدة من السنة السابعة، وفيها تزوج ميمونة بنت الحارث. وكان بَعثُ مُؤتَة في جُمادى الآخرة من سنة ثمان، وأمَّر على الجيش زيد ابن حارثة مولاه. وقال: " إن أُصيب فعلى الناس جعفر بن أبي طالب، فإن قُتِل فعبد الله بن رواحة ". فقُتِلوا جميعا رضي الله عنهم. وغزوة فتح مكة سنة ثمان في شهر رمضان لعشرين بقين منه. وكانت غزوة حُنَين للوقيعة بهوازن في أول شوال من السنة الثامنة، وشهدها في اثني عشر ألفا من المسلمين؛ عشرة آلاف دخل بهم مكة، وألفين من مُسلمة الفتح. وكانت هوازن في أربعين ألفا قائدهم مالك بن عوف النَّصريُّ من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن. وكانت غزوة الطائف إثر غزوة حُنين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 58 وأقام الحجَّ للناس في سنة ثمان عُتَّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية: وهو أول أمير أقام الحجُّ في الإسلام. وحجَّ المشركون على مشاعرهم، وكان عتاب شابا خيِّرا فاضلا ورعا. وآخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك غزاها في الحرّ الشديد. وفيها افتُخح المنافقون واعتذروا، فلم يقبل الله عذرهم، وتاب الله فيها على الثلاثة الذين خُلِّفوا؛ وهم: كعب بن مالك السَّلميُّ الخزرجيُّ من بني سَلَمَة بن سعد، وهلال بن أميَّة الواقفيُّ الأوسيُّ، ومُرارة بن الربيع العَمريُّ من بني عمرو بن عوف الأوسي رضي الله عنهم. وكانت غزوة تبوك في رجب سنة تسع. وفي سنة تسع حجَّ أبو بكر الصدّيق بالناس، وأنزلت سورة براءة بعد ما سار أبو بكر فبعث النبيُّ عليه السلام عليّا رضي الله عنه في إثره، فقرأها على الناس في تلك الحجَّة، وأعطى لكلِّ ذي عهد عهده إلى مُدَّته. أزواجه صلى الله عليه وسلم وتزوج الرسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً كثيراً من النساء، خص بذلك دون أمه بجمع أكثر من أربع، وأحل له منهن ما شاء. فالمجتمع عليه من زوجه إحدى عشرة امرأة. وهن: خديجةُ بنتُ خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيِّ بن كلاب بن مُرّة ابن كعب بن لؤي. وأُمُّها فاطمة بنت زائدة بن الأصمِّ. والأصمِّ اسم جُندَب ابن رواحة بن حَجَر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي. وكانت خديجة أبي هالة زُرارة بن تَبَّاش بن عَدي بن حبيب بن صُرَد بن سلامة بن جروة بت أسيَّد بن عمرو بن تميم التميميُّ. فولدت له هند بن أبي هالة، وهالة بن أبي هالة، وقد تقدَّم ذكرها في بني تميم. ثم خلف عليها بعد أبي هالة عتيق بن عائذ ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم. ثم خَلَفَ عليها بعد عتيق المخزومي رسول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 59 صلى الله عليه وسلم. ولم يَنكِح عليها امرأة حتى ماتت، وربَّى ابنها هنداً وهالة. وكان هند يقول أنا أكرم الناس أبا وأما وأخا وأختا، أبي رسول الله، وأمي خديجة، وأختي فاطمة، وأخي القاسم. وخديجة أول مؤمن بالله من الرجال والنساء، قال الزهريُّ وقتادة وابن إسحاق. وروى هشام بن عروة عن أبيه قال: أوّل من آمن بالنبيِّ عليه السلام من الرجال والنساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وكانت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وزير صدق عندما بُعث فكان لا يسمع من المشركين شيئا يكرهه من ردٍّ عليه وتكذيب له، إلاَّ فرَّج الله بها عنه، تثبِّته وتُصدِّقه وتُخفِّف عنه وتُهوِّن عليه ما يلقى من قومه. واختارها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لما أراد بها من كرامته. وروي من وجوه صحاح أن النبيّض صلى الله عليه وسلم قال: " يا خديجة هذا جبريل يُقرئك من ربك السلام ". فقالت خديجة: الله السلام ومنه السلام وعلى جبريل السلام. وبشَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله ببيت من قصب لا صَخَبَ فيه ولا نَصَب. والقصبُ: اللؤلؤ المجوَّف، قاله ابن هشام. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد "، روى هذا الحديث أبو هريرة، وروى هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: ما غرتُ على امرأة ما غرتُ على خديجة، وما بي أن أكون أدركتها، ولكنَّ ذلك لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، وإن كان ليذبح الشاة فيتتبَّع به صدائق خديجة يُهديها لهنَّ. وروى الشعبيُّ عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكرها فيُحسن الثناء عليها. فذكرها يوم من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزا؟ فقد أبدلك الله خيرا منها، فغضِبَ حتّى اهتزَّ مُقدَّمُ شعره من الغضب، ثم قال: " لا والله ما أبدلني خيرا منها؛ آمنت إذ كفر الناس، وصدقتني وكذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني أولاد النساء ". قالت عائشة: فقلتُ في نفسي: لا أذكرها بسُبَّة أبدا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 60 وولده عليه السلام كلُّهم من خديجة إلا إبراهيم، فإنه من مارية القِبطيَّة. ولدت له أربع بنات لا خلاف في ذلك، وأكبرهنَّ زينب بلا خلاف ورقيَّة وأمُّ كلثوم وفاطمة، رضي الله عن جميعهنَّ. وكُلُّهُنَّ أدركن الإسلام، فأسلمن وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم. وولدت له من الذكور القاسم، وبه كان يُكنى، والطاهر والطيِّب، كذا قال ابن إسحاق. وقال مصعب الزُّبيريُّ: ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم، وبه كان يُكنى، وعبد الله وهو الطيِّب، والطاهر لأنه وُلِدَ بعد الوحي. وتوفيت خديجة وهي بنت خمس وستين سنة في شهر رمضان، ودُفِنت بالحَجُون، ذكر ذلك محمد بن عمر الواقديُّ وغيره. ولم تمت خديجة رضي الله عنها إلا بعد الإسراء، وبعد أن صلت الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم سَودة بنتُ زَمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ودِّ بن نصر بن مالك ابن حِسْل بن عامر بن لؤي. وأمُّها الشَّموس بنت قيس بن زيد بن عمرو بن لبيد من بني عديِّ بن النجَّار. وزيدُ جدُّ الشَّموس أخو سلمى بنت عمرو أمِّ عبد المطلب. وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند السَّكران بن عمرو أخي سُهيل بن عمرو، فخلف عليها بعده، تزوَّجها في قول الزّهريُّ قبل عائشة بمكة في سنة عشر من النبوّة. ولمَّا أسنَّت أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاقها. فقالت له: لا تُطلِّقني، وأنت في حِلٍّ من شأني، فإنما أُريد أن أُحشر في أزواجك، وإني قد وهبتُ يومي لعائشة، وإني لا أريد ما يريد النساء. فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها مع سائر من توفي منهنَّ من أزواجه. وروى عروة بن الزبير عن عائشة قالت: ما من الناس أحبُّ إليَّ أن أكون في مِسلاخه من سودة بنت زمعة إلا أن بها حِدَّة. قال ابن أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 61 خيثمة: توُفِّيَت سودة بنت زمعة في آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ثم عائشة بنت أبي بكر الصديق، وأمُّها وأمُّ شقيقها عبد الرحمن أمُّ رومان، يقال بفتح الراء وضمِّها. واسمها زينب بنت عبد دهمان من بني فراس بن غَنِم ابن مالك بن كنانة، كذا قال ابن هشام في نسبها. وتُوفِّيَت أمُّ رومان سنة ستٍّ من الهجرة في ذي الحجة، قاله الواقديُّ. فنزل النبيُّ عليه السلام في قبرها، واستغفر لها وقال: " اللهمَّ لم يخف عليك ما لقيت أمَّ رومان فيك وفي رسولك ". وروي عنه عليه السلام أنه قال: " مَن سرَّه أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أمِّ رومان ". وكانت قبل أبي بكر قبل الإسلام، فولدت له الطُّفيل. ثم توفي عن أمِّ رومان ثم خلف عليها أبو بكر بعده. فالطفيل أخو عائشة وعبد الرحمن لأمهما. ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غير عائشة. وكان صلى الله عليه وسلم قد أُري عائشة في المنام في سَرَقةٍ من حرير متوفَّى خديجة. فقال: " إن يكن هذا من عند الله يُمضِه ". فتزوجها في شوَّال على ما ذكر الزبير بن بكار قبل الهجرة بثلاث سنين، وأعرس بها بالمدينة في شوال. وكانت تُحبُّ أن يدخل النِّساء من أهلها في شوَّال على أزواجهنَّ. وقال الطبري: حدثنا ابن وكيع قال: نا عن إسماعيل بن أميَّة، عن عبد الله بن عروة، وعن عروة، عن عائشة قالت: " تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبَنى بها في شوَّال. فأيُّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أحظى عنده مني؟ ". وكانت عائشة تستحب أن تُدخِل نساءها في شوال. وقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بها في شوال يوم الأربعاء في منزل أبي بكر بالسُّنح. وتُفي عنها صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة، وكان مكثُها معها تسع سنين. وروت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا كثيرا. وكان مسروق إذا حدَّثت عن عائشة يقول: حدَّثتني الصادقة ابنة الصِّديق والبريئة المبرَّأة بكذا وكذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 62 وقال عمرو بن العاصي: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال " عائشة ". قلت: فمن الرجال؟ قال " أبوها ". رواه أبو عثمان النَّهديُّ عن عمرو بن العاصي. وقال عليه السلام: " فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام "، رواه أبو موسى الأشعريُّ وأنس. وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا جبريل يقرأ عليكِ السلام ". قالت: وعليه السلام ورحمة الله، ترى ما لا أرى! تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال مسروق: رأيت مشيخة أصحاب محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض. وقال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا في العامة. وقال عروة بن الزبير: ما رأيت أحد أعلم بفقه ولا بطبٍّ ولا بشعر من عائشة. وقال الزهريُّ: لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. ونزل صدر سورة النور ببراءتها حين قالوا فيها أهل الإفك ما قالوا، فإنه يُتلى إلى يوم القيامة لكرامتها على الله. وفيها يقول حسان بن ثابت: حَصانٌ رَزانٌ ما تُزَنُّ برِيبةٍ ... وتصبح غَرثى من لحوم الغَوافِل عَقيلةُ أصلٍ من لؤيِّ بن غالبٍ ... كرامِ المساعي مجدُهم غيرُ زائلِ مُهذَّبةٌ قد طيَّب اللهُ خِيمَها ... وطهَّرها من كلِّ بَغْيٍ وباطلِ وفضائلها رضي الله عنها أكثر من أن تُحصى. وتوفيت سنة ثمان وخمسين للهجرة في آخر خلافة معاوية، وقد قاربت السبعين، وذلك ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان. وأمرت أن تُدفن ليلا، فدُفنت بعد الوتر بالبقيع. وصلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 63 عليها أبو هريرة، ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعبد الرحمن بن أبي بكر. ذكر ذلك صالح بن الوجيه وجماعة من أهل السِّير. ومن موالي عائشة مَرجانة: وهي أمُّ علقمة بن أبي علقمة أحد شيوخ مالك. واسم أبيه أبي علقمة بلال، وهو مولى عائشة أيضا. وقيل: هو مولى مصعب بن عبد الرحمن. ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب: وأمُّها زينب بنت مظعون أخت عثمان وعبيد الله وقُدامة والسائب بني مظعون الجمحي. وكانت حفصة من المهاجرات، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت خُنَيس بن حُذافة السِّهمي. فلما تأيَّمت ذكرها عمر لأبي بكر وعرضها عليه، فلم يُرجع إليه أبو بكر كلمة. فغضب من ذلك عمر، فعرضها على عثمان حين ماتت رُقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عثمان: ما أريد أن أتزوج اليوم. فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكا إليه عثمان، وأخبره بعرضه حفصة عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هو خير من حفصة ". ثم خطبها إلى عمر، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقي أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب فقال: لا تجِدنَّ عليَّ في نفسك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذكر حفصة، فلم أكن لأُفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لتوَّجتها. وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة ثلاث. وطلَّقها رسول الله تطليقة لأنها أفشت سرَّه، ثم ارتجعها. وذلك أن جبريل عليه السلام قال له: راجع حفصة، فإنها صوَّامة قوَّامة، وأنها زوجتك في الجنة. وروى موسى بن علي ابن رباح عن أبيه، عن عقبة بن عامر قال: طلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر، فبلغ ذلك عمر، فحثا على رأسه التراب وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعد هذا. فنزل جبريل من الغد على النبي عليه السلام وقال: إنَّ الله يأمرك أن تُرتجع حفصة بنت عمر رحمة لعمر. وقال عبد الله بن عباس: سألت عمر بن الخطاب، بعدما هِبتُهُ سنة، عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عائشة وحفصة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 64 وأوصى عمر بعد موته إلى حفصة، أوصت حفصة إلى عبد الله بن عمر بما أوصى إليها عمر بصدقة تصدَّقت بها بمال وقفته بالغابة. وتوفيت في جمادى سنة إحدى وأربعين، كذا قال أبو معشر. وقال غيره: تُوفيت حفصة سنة خمس وأربعين. ثم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة الهلالية العامرية لم يختلفوا في نسبها كانت تُدعى أمَّ المساكين في الجاهلية. وكانت تحت عبد الله بن جحش قُتل عنها يوم أحد. قال ذلك ابن شهاب. وقال أبو الحسن عليُّ بن عبد العزيز الجُرجانيُّ النسَّابة: كانت زينب بنت خزيمة عند طُفيل بن الحارث بن عبد المطَّلب، ثم خلف عليها أخوه عُبيدة بن الحارث قال: وكانت زينب بنت خُزيمة أخت ميمونة بنت الحارث لأمها. وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث. ولم تلبث عنده إلا بسيرا شهرين أو ثلاثة. وتوفيت في حياته. ثم أمُّ سَلَمَة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظَة ابن مُرَّة بن كعب بن لؤي، وأبوها أبو أمية اسمه حُذيفة، وكان يقال له زاد الراكب لأنه كان إذا سافر في ركب ينفق من ماله على كلِّ من فيه يجعل زادهم عليه. وكان أخوتها لأبيها خمسة: زهير والمهاجر وعبد الله وعامر ومسعود. فأما زهير بن أبي أمية فكان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبت قريش بينهم وبين أهل الشِّعب بني هاشم وبني المطَّلب. وكان من المؤلفة قلوبهم. أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم حُنين مئة بعير. وأما المهاجر بن أبي أمية فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن عبد كُلال الحميريِّ ملك اليمن. وأما عبد الله بن أبي أمية فكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو الذي قال: لن نؤمن حتى تُفجِّر لنا من الأرض ينبوعا، إلى: أو يكون لك بيت من زخرف.. الآية. ثم خرج إلى النبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 65 صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فلقيه في الطريق بين السُّقيا والعَرْج، وهو يريد مكة، فتلقَّاه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة. فسأل أخته أم سَلَمَة أن تشفع له عند رسول الله فشفَّعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. وأسلم وحسُن إسلامه، وشهِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة مسلما وشهد حُنينا والطائف. ورُمي يوم الطائف بسهم فقتله يومئذ. وأم زهير والمهاجر وعبد الله بن أمية المزكورين عاتكة بنت عبد المطلب. وأما عامر بن أبي أُمية فأسلم عام الفتح، ولا تُحفظ له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عن أمِّ سَلَمَة وروى عنه سعيد بن المُسيَّب. وأما مسعود بن أمية فكان من أهل القليب ببدر. وقتله مبارزة يوم بدر عليُّ بن أبي طالب، فيما قال ابن هشام. وأمُّ أمِّ سَلَمَة عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن خزيمة بن علقمة بن فراس. وكانت أمُّ سلمة، واسمها هند، تحت أبي سلمة بن عبد الأسد المخزوميِّ، فولدت له سلمة وعمرو وأمَّ كلثوم وزينب. واسم أبي سلمة عبد الله، وأمَّه برَّة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أخوه من الرَّضاع. وأبو سلمة ممّن هاجر الهجرتين، وشهد بدرا، ومات من جرح أصابه يوم أُحد، اندمل، ثم انتقض عليه. وكان موته منه بالمدينة لثلاث مضين من جمادى الآخرة سنة أربع بعد أُحد بسبعة أشهر. وخَلَفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّ سلمة بعده وكفل ابنيها وبناتها. قال عمر بن أبي سلمة: كنت في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصَّحفة، فقال لي: " يا غُلام سَمِّ الله، وكُل بيمينك وكُل ممَّا يليك ". أخرج هذا الحديث مسلم بن أبي شيبة وابن أبي عمر، مسندا إلى عمر بن أبي سلمة. وتوفي عمر بن أبي سلمة، ويُكنى أبا حفص سنة ثلاث وثمانين في خلافة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 66 عبد الملك بن مروان، وحفظ عن النبي عليه السلام وروى عنه التي قالت فيها أمُّ حبيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إنّا قد تحدَّثنا أنك ناكح دُرَّة بنت أبي سلمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أَعَلى أمِّ سلمة؟ لو أني لم أنكح أمَّ سلمة لم تحِلَّ لي، إن أباها أخي من الرضاعة ". وولدت أمُّ سلمة زينب بنت أبي سلمة بأرض الحبشة، وقدِمَت بها. وكان اسمها برَّة، فسمَّاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم زينب، وحفظت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ويُروى أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم. وهو يغتسل، فنضح في وجهها. قالوا: فلم يزل ماء الشباب حتى كبرت وعجّزت. وكانت من أفقه من نساء زمانها. وبقين حتى شهدت وقعة الحرَّة، وقُتل لها فيها ابنان من عبد الله بن زمعة بن الأسود الأسدي. أحدهما يزيد، وذلك أنه أُتي به مُسرف أسيرا، فقال له: بايع على أنك خَوَل لأمير المؤمنين، يعني يزيد يحكم في دمِل ومالِك. فقال: أبايعك على الكتاب والسُّنة، وإني ابن عم أمير المؤمنين، يحكم في دمي وأهلي ومالي. وكان صديقا ليزيد وصفيّاً له. فلما قال ذلك قال مُسرف: اضربوا عنقه. فوثب مروان فضمَّه إليه لما كان يعرف بينه وبين يزيد. فقال مروان: نعم يبايع على من أحببت. فقال مسلم: والله لا أُقيلُهُ أبدا. وقال: إن تنحَّى عنه مروان، وإلا فاقتلوهما معا. فتركه مروان وضُربت رقبة يزيد بن عبد الله بن زمعة. وأما الآخر فجلس في بيته وكفَّ يده، فدُخل عليه فقُتل مظلوما. وأما سلمة بن أبي سلمة فكان أسنَّ من أخيه عمر، وعاش إلى خلافة عبد الملك بن مروان، ولا تُحفظ له رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو الذي عقد للنبيِّ عليه السلام علة أمِّه أمِّ سلمة. فلما زوَّجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمامة بنت حمزة بن عبد المطلب أقبل على أصحابه فقال: " تَرُوني كافأته ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 67 وتوفيت أمُّ سلمة سنة تسع وخمسين في شهر رمضان أو شوال. وقيل: أنها توفيت سنة ستين في أول خلافة معاوية ... وصلى عليها أبو هريرة ودُفنت بالبقيع، ودخل ابناها ابناها عُمر وسلمة وابن أخيها عبد الله بن عبد الله بن أبي أميَّة وعبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن عبد المطلب بن أسد. وهي آخر أجزاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم موتا. ومن موالي أمِّ سلمة خَيرةُ أم الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يَسار مولى الأنصار. وكانت أمُّه ربما غابت فيبكي، فتُعطيه أمُّ سلمة ثديها تُعلِّله به إلى أن تجيء أمُّه. فدرَّ عليه ثديها فشربه. فيروون أن تلك الحكمة والفصاحة من بركة ذلك. ونشأ الحسن بِوادي القُرى. وروى الأصمعيّ عن حماد بن زيد وحماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان قال: ... عن قتادة أن أمَّ الحسن كانت مولاة أمِّ سلمة. وقال أبو اليقظان: يسار أبو الحسن البصري من سبي ميسان. وروى الأصمعيُّ عن أبيه قال: ما رأيت أعرض زندا من الحسن، وكان عرضه شبرا. وكان يُشَبَّه برؤية بن العجاج في فصاحة لهجته وعربيَّته. وكان مولده لسنتين بقيتا من خلافة عمر. وروي أن أمَّ سلمة أخرجته إلى عمر فقال: اللهمَّ فقِّهه في الدين وحبِّبه إلى الناس. وسئل أنس بن مالك عن مسألة فقال: سلوا مولانا الحسن، فإنه سمع وسمعنا، فحفظ ونسينا. ومات سنة عشر ومئة. ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما. وقيل ليونس بن عُبيد: أتعرف أحدا يعمل بعمل الحسن؟ فقال: والله ما أعرف أحدا يقول بقوله، فكيف يعمل عمله؟ ثم وصفه فقال: كان إذا أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه، وإذا جلس فكأنه أسيرٌ أُمِرَ بضرب عنقه، وإذا ذُكرت النار فكأنها لم تُخلَق إلا له. ثم زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبيرة بن مرة بن كبير بن غثم بن داودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. وأمها أميمة بنت عبدر المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلاف أنها كانت قبله تحت زيد بن حارثة الكلبيِّ. وكان زيد يقال له زيد بن محمد؛ تبنَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم والده حارثة إلى مكة في فدائه، فخيَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم في المكث معه أو السير مع أبيه. فاختار المقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الله من كرامته بالإسلام. وكان حكيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 68 ابن حزام بن خويلد قدم من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة، وهو صبي صغير، فدخلت عليه عمَّته خديجة بنت خويلد، وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، فخيَّرها في الرقيق فاختارت زيدا فأخذته، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم عندها فاستوهبه منها فوهبته له، فتبنَّاه بعدما أعتقه. ولما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بعدما طلقها زيد، وانقضت عدَّتها تكلم في ذلك المنافقون، وقالوا: حرَّم محمد نساء الولد، وتزوج امرأة ابنه. فأنزل الله عزَّ وجل) ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيين (. وقال) ادعوهم لآبائهم هو أقسط لكم عند الله. فإن لم تعلموا آباءهم فأخوانكم في الدِّين ومواليكم (. فنسب إلى أبيه، ودعي من يومئذ زيد بن حارثة. وهو كلبي، وكلب فخذ من قضاعة. وكان يقال لزيد: حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولابنه أسامة: الحبُّ بن الحبِّ. ولم يذكر الله تعالى أحدا باسمه في القرآن، ما عدا الأنبياء، غير زيد في قوله) فلمَّا قضى زيدٌ منها وَطراً زوَّجناكها (. وقوله تعالى:) وإذ تقول للذي أنعم اللهُ عليه وانعمتَ عليه (يعني زيدا أنعم الله عليه بالإسلام وأنعم عليه النبيُّ عليه السلام بالعتق. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنت أخونا ومولانا "، ذكر هذا الخبر البخاري في حديث الحديبية. واستشهد زيد في مؤته. وتوفي أسامة سنة أربع وخمسين. روى عنه أبو عثمان النَّهديُّ وعروة وعبيد الله بن عبد الله وجماعة. وابنه محمد بن أسامة روى عنه. وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش في سنة خمس من الهجرة¸ قاله قتادة، وقال أبو عبيدة: تزوجها سنة ثلاث. وكانت زينب رضي الله ذات دين وورع وصدقة. ذكر مسلم بن الحجاج قال: نا محمود بن غيلان قال: نا الفضل بن موسى السِّنانيُّ قال: نا يحيى بن طلحة عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 69 وسلم: " أسرعكنَّ لحاقا بي أطولكنَّ يدا ". قالت: فكانت أطولنا يدا زينب، لأنها كانت تعمل بيديها وتتصدَّق. وكانت لها حُسن منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحَّ أنها أول نسائه لحاقا به. وروي من وجوه عن عائشة أنها قالت: كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت امرأة قطٌّ خيرا في الدِّين من زينب أتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرَّحم وأعظم صدقة. وعن عبد الله بن شدَّاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب: " إنَّ زينب بنت جحش جحش أوَّاهة ". فقال رجل: أي رسول الله، ما الأوَّاه؟ قال: " الخاشع المتضرِّع، وإنَّ إبراهيم لحليم أوَّاه منيب ". وكانت تفخر على نساء النبيِّ عليه السلام، وتقول: إنَّ آبائكنَّ أنكحوكنَّ، وإنَّ الله أنكحني إيَّاه من فوق سبع سماوات. وتوفيت في خلافة عمر سنة عشرين، وفيها افتتحت مصر. وقيل: بل توفيت سنة إحدى وعشرين، وفيها افتتحت الإسكندرية. ثم أمُّ حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. واسمها رملة، وهي من المهاجرات من أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله ابن جحش، وهو أبو ابنتها حبيبة، وبها كانت تكنى. فتنصَّر عبيد الله ومات نصرانيا بأرض الحبشة. وهو القائل بها للمسلمين: فقَّحنا وصأصأتم، أي: أبصرنا الدين وعميتم عنه. قيل: الصأصأة أن لا يقدر الجرو أن يفتح عينه عندما تلده الكلبة. فإذا فتح عينيه قيل: فقَّح. وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، وهي بأرض الحبشة، وأصدقها عنه النجاشيُّ أربعمئة دينار. وولي عقد نكاحها عند النجاشيّ خالد بن سعيد بن العاصي. وقيل عثمان بن عفان رضي الله عنه. وتزوَّجها سنة ستٍّ، وبنى بها سنة سبع. بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحبيل بن حسنة فجاءه بها. وقيل لأبي سفيان، وهو يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن محمدا قد نكح ابنتك. فقال: ذاك الفحل لا يُقدعُ أنفه. ودخل عليها بيتها، رضي الله عنها، أبوها أبو سفيان قبل فتح مكة حين بَعَثته قريش ليشدَّ العقد لمَّا صنعوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 70 بخُزاعة ما صنعوا. فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه. فقال: يل بُنيَّة، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحبَّ أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: والله يا بُنيَّة لقد أصابك شرٌّ. وبنتها حبيبة: روت عنها زينب بنت أمِّ سلمة عن أمِّها أمِّ حبيبة: روى سفيان بن عُيينة عن الزهريُّ، عن عروة، عن زينب بنت أمِّ سلمة، عن حبيبة بنت أمِّ حبيبة، عن أمِّ حبيبة، عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم محمرّاً وجهه وهو يقول " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وعقد تسعين أو مئة ". قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم، إذا كثُر الخبث ". قال سفيان: أحفظ عن الزهريُّ في هذا الحديث أربع نسوة تروي كلُّ واحدة منهنَّ عن الأخرى، كلُّهنَّ رأين النبيَّ عليه السلام، ثنتين من أزواجه: أمُّ حبيبة وزينب بنت جحش، وثنتين ربيبتيه: زينب بنت أمِّ سلمة وحبيبة بنت أمِّ حبيبة. وتوفيت أمُّ حبيبة في خلافة أخيها معاوية سنة أربع وأربعين. وأمُّها صفيّة بنت أبي العاصي عمّة عثمان بن عفان رضي الله عنه. ثم جويرة بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك بن جذيمة، وجذيمة هو المصطلق بن سعد بن عمرو بن لُحي. وعمرو بن لُحي هو أبو خزاعة، وهي من سبي بني المصطلق. قالت عائشة: كانت جويرة عليها حلاوة وملاحة، لا يكاد يراها أحد إلا وقعت بنفسه. قالت: فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه على كتابتها. قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب الحجرة. فكرهتها، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت. فقالت: يا رسول الله جويرة بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من الأمر ما لم يخفَ عليك. فوقعت في السَّهم لثابت بن قيس، أو لابن عمٍّ له. فكاتبته على نفسي، وجئتك أستعينك. فقال لها: " هل لك في خير من ذلك؟ " قالت: ما هو يا رسول الله؟ قال: " أقضي كتابتك وأتزوَّجك ". قالت: نعم. قال: " قد فعلت ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 71 وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّج جويرة بنت الحارث. فقال الناس: صهر رسول الله! فأرسلوا ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق. قالت عائشة: فلا نعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها. وروى الليث عن عقيل، عن ابن شهاب قال: سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرة بنت الحارث بن أبي ضرار أحد بني المصطلق يوم المريسيع، فحجبها وقسم لها. وكان اسمها بَرَّة، فغيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها وسمَّاها جويرة. هكذا رواه شُعبة ومسعر وابن عُيينة عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كُريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس. مسلم: حدثنا عمرو الناقد وابن أبي عمر، واللفظ لعمرو، قالا: نا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كُريب، عن عباس قال: كانت جُويرة اسمها برَّة، فحوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرة. وكره أن يقال: خرج من عند برَّة. وحفظت عن النبي عليه السلام وروت عنه. وأسلم أخوها عبد الله بن الحارث، وهو مذكور في الصحابة. وكانت قبل النبي عليه السلام تحت مُسافع بن صفوان المصطلقيِّ. وتوفيت سنة ستٍّ وخمسين. وأختها عمرة بنت الحارث بن أبي ضرار. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " الدنيا خضرة حلوة "، الحديث. ثم ميمونة بنت الحارث بن حَزن بن بُجير بن الهزم بن رؤيبة بن عبد الله ابن هلال بن عامر بن ضعضعة الهلاليَّة العامرية. وهي خالة عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد. وأخواتها لأبيها وأمِّها لُبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب، ولُبابة الصغرى زوج الوليد بن المغيرة أمُّ خالد سيف الدولة. وعصماء كانت تحت أُبَيِّ بن خلف الجمحيّ، فولدت له أبا أُبيّ وغيره، وعزَّة كانت تحت زياد بن عبد الله بن مالك الهلاليِّ. وأخوات ميمونة لأمِّها: أسماء بنت عُميس، كانت تحت جعفر بن أبي طالب. ثم خلف عليها أبو بكر الصدِّيق، ثم خلف عليها علي بن أبي طالب، ولكلِّهم ولدت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 72 وسلمى بنت عُميس: أخت أسماء، وكانت تحت حمزة بن عبد المطَّلب، ثم خلف عليها بعده شدَّاد بن الهادي، فولدت له عبد العزيز وغيره. وزينب بنت خزيمة أخت ميمونة لأمِّها. وأمُّهنَّ كلُّهنَّ هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة من حِمير. وهي العجوز التي قيل فيها: أكرم الناس أصهارا. وكان اسم ميمونة بَرَّة، فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة. خرَّج الحديث مسلم. تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم بمكة في عمرة القضاء. وابتنى بها حلالا بِسَرِف. وقيل: أنَّه تزوَّجها حلالا، وهو الصحيح. وكانت قبل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عند أبي رُهم بن عبد العزى من بني عامر بن لؤي. وفي سَرِف دُفنت، حيث ابتنى بها صلى الله عليه وسلم، وهو موضع قريب من مكة. وَصَّت عند موتها أن تُدفن فيه، رضي الله عنها. وكانت وفاتها سنة ثمان وثلاثين، ذكر ذلك في " المعارف " ابن قتيبة. وقال غيره: توفيت بسرِف سنة إحدى وخمسين، وصلى عليها ابن عباس، ودخل قبرها هو ويزيد بن الأشمِّ وعبد الله بن شدّاد بن الهادي، وهم بنو أخواتها. ومن موالي ميمونة رضي الله عنها يسار والد عطاء بن يسار. ووُلد ليسار عطاء وسليمان ومسلم وعبد الملك وعبد الله، كلُّهم فقهاء، ويكنى عطاء أبا محمد، ومات سنة ثلاث ومئة. وهو ابن أربع وثمانين سنة. ثم صفيَّةُ بنتُ حُيَيِّ بن أخطب اليهودي. وقتل أبوها عدوُّ الله حيي صبرا مع بني قريظة، وكذلك عمها أبو ياسر بن أخطب. وهي من سبي خيبر. وكانت تحت كنانة أبي الربيع أبي الحقيق مع أبي النَّضير. وكان شاعرا، وقتل يوم خيبر بعدما عذبه الزُّبير عل جحده الكنز دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة. فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة وروى عبد العزيز بن صهيب وغيره عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا جمع سبي خيبر، جاءه دحية فقال: أعطني جارية من السَّبي. فقال: " أذهب فخذ جارية ". فأخذ صفية بنت حيي. فقيل: يا رسول الله إنها سيدة قريظة ما تصلح إلا لك. فقال لي النبي عليه السلام: " خذ جارية من السبي غيرها ". وقال ابن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 73 شهاب: كانت ممَّا أفاء الله عليه، فحجبها وأولم عليها وقسم لها. وكانت أحد أمهات المؤمنين. وقال غيره: استصفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصارت في سهمه ثم اعتقها، وجعل عتقها صداقها، ويختلفون في ذلك. وهو خصوص عند أكثر الفقهاء له صلى الله عليه وسلم، إذ كان حكمه في النساء مخالفا لحكم أُمَّته. وأعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفيه بخيبر أو ببعض الطريق. وكانت التي جمَّلتها ومشَّطتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلحت من أمرها أمُّ سليم بنت ملحان أُمُّ أنس بن مالك. فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبَّة له، وبات أبو أيوب خالد بن زيد أخو بني النجار متوشِّحا سيفه يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطيف بالقبِّة حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأى مكانه قال: " مالك يا أبا " أيوب "؟. قال: يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللَّهم احفظْ أبا أيوب كما بات يحفظني ". ويروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على صفية وهي تبكي. فقال لها: " ما يُبكيكِ؟ ". قالت: بلغني أن عائشة وحفص تنالان مني، وتقولان: نحن خير من صفية، نحن بنات عمّ رسول الله وأزواجه. قال: " ألا قلتِ لهنَّ: كيف تكنَّ خيرا مني وأبي هارون وعميِّ موسى وزوجي محمد؟ " رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكانت صفية حليمة عاقلة فاضلة. وتوفيت سنة ست وخمسين. فهؤلاء أزواجه اللواتي لم يختلف فيهنَّ، وهنَّ إحدى عشر امرأة، ومنهنَّ ست من قريش وأربع من سادات العرب وواحدة من بني إسرائيل من ولد هارون. توفي في حياته منهن اثنتان: خديجة بنت خويلد بن أسد بمكة وزينب بنت خزيمة بالمدينة. وتزوج غير هؤلاء، ولم يدخل بهنَّ. منهن: أسماء بنت النعمان بن الجون بن شراحيل الكندية التي استعاذت منه فقال لها: " قد عذت بمعاذ ". وفي رواية: " الحقي بأهلك ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 74 قال ابن الجارود في " المنتقي ": حدَّثنا محمد بن عوف بن سفيان الطائي قال: نا دحيم قال: نا الوليد قال: نا الأوزاعيُّ قال: سألت الزُّهريَّ: أيُّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استعاذت منه؟ فقال: أخبرني عروة بن الزُّبير عن عائشة أن بنت الجون لمَّا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم: " عذت بعظيم، الحقي بأهلك " قال الزهريُّ: الحقي بأهلك تطليقه. محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصُّي الذي روى عنه ابن الجارود هذا الحديث. سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال: صدوق. روى عنه هو وأبو زرعة. ودحيم اسمه عبد الرحمن بن إبراهيم، والوليد الذي روى عنه دحيم هو الوليد بن مسلم. ومنهنَّ فُتيلَة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس: تزوَّجها سنة عشر، وتُوفي قبل أن يدخل بها صلى الله عليه وسلم. وقال أبو اليقظان: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني مُرَّة بن عوف بن سعد بن ذيبان إلى أبيها فقال له: إنَّ بها برصا، وهو كاذب. فرجع فوجد فيها برصا. وهي أمُّ شبيب بن البرصاء. وأبوه الحارث ابن عوف المُرَّي صاحب الحمالة بين عبس وذبيان في حرب داحس والغبراء. وعرض عليه صلى الله عليه وسلم رجل ابنته وَوَصَفَهَا، ثم قال له الرجل: وأزيدك يا رسول الله إنها لم تمرض قطُّ. فقال: " ما لهذه عند الله من خير ". وفي رواية " لا خير في بدن لا يسقم "، فطلَّقها ولم يَبْنِ بها. قال أبو اليقظان: اسم هذه المرأة عَمْرَة: وهي من القُرَطاء، وهم من آل بكر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة. ومنهنَّ أمُّ شَريك خولة بنت حكيم السُّلميَّة: وهي التي وهبت نفسها للنبي في قول بعضهم. وقد تقدَّم ذكرها مع زوجها عثمان بن مظعون في بني جُمح من قريش. وقيل إنها أمُّ شَريك القرشية العامرية، واسمها غزيةُ بنت دُودَان. وقيل: إنها أمُّ شريك الأزدية، والاختلاف فيها كثير، والله الموفق للصواب. وكان له من السَّراري صلى الله عليه وسلم اثنتان، إحداهما مارية القبطية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 75 أهداها له المقوقس ملك مصر والأسكندرية، وأهدى معها أختها سيرين. وخَصِياً يُقال له مابُور. فوهب صلى الله عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن، فهو ابن خالة إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان عبد الرحمن بن حسان شاعرا. وأمسك عليه السلام مارية، فولدت له إبراهيم، وكانت مرضعته أمُّ بَردَة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش من بني النجار وعمها عمرو بن زيد جدُّ عبد المطلب لأمِّه سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد ابن خداش، وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجَعْد بن عوف بن مبذول ابن عمرو بن غَنْم بن مازن بن النجار، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرت أبا رافع، فبَشَّر النَّبي، فوهبت له مملوكا. ولما مات قال النبي عليه السلام: " إنَّ له مرضعة في الجنة، ولو بقي لكان صِدِّيقا نبيا، ولو بقي لأعتقتُ كلَّ قبطي ". وروى عبد الله بن وهب عن عبد الله بن لهيعة، عن عمر مولى غْفرَة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الله الله في أهل الذِّمة، أهل المدرة السوداء، السُّحم الجِعاد، فإن لهم نسبا وصهرا ". قال عمر: مولى غُفرة نَسَبَهُم أن أُمَّ إسماعيل النبيِّ منهم وصهرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسرَّرَ فيهم. مسلم: نا زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نُمير. واللفظ لزهير قالا: نا إسماعيل، وهو ابن عُلية عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أنَس بن مالك قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان إبراهيم مُسترضعا له في عوالي المدينة. فكان ينطلق، ونحن معه فيدخل البيت، وإنه ليُدَخِّن، وكان ظِئرُهُ فينا، فيأخذ فيقبِّله، ثم يرجع. قال عمرو: فلما توفيَ إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين يُكْملان رضاعة في الجنة ". وتوفيت مارية في خلافة عمر بن الخطاب وذلك في المحرَّم من سنة ستَّ عشرة وكان عمر يحشر الناس بنفسه لشهود جنازتها، وصلى عليها عمر، ودفنت بالبقيع. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 76 وأما مابور فإنه كان ابن عم مارية، وكان يهتم بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: " اذهب فاضرب عنقه ". فأتاه علي فإذا هو في ركيٍّ يتبرَّد فيها. فقال له علي: اخرج. فناوله يده، فأخرجه، فإذا هو مجبوب ليس له ذكر. فكفَّ عنه علي، ثم أتى النبيَّ عليه السلام فقال: يارسول الله: والله إنه لمجبوب. وروى الأعمش هذا الحديث فقال فيه: قال علي: يارسول الله أكون كالسِّكَّة المحماة، أو الشاهد يرى مالا يرى الغائب. فقال: بل الشاهد يرى مالايرى الغائب والثانية ريحانة بنت شمعون بن زيد بن قنافة: كذا نسبها ابن عبد البر في الاستيعاب.. إحدى نساء بني قريظة، اصطفاها لنفسه من نسائهم حين سباهنَّ، وكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وهي في ملكه. وذكرها ابن إسحاق وسمَّاها فقال: هي ريحانة بنت عمرو بن خنافة. وقال غيره: كانت وفاتها قبل وفاة النبي عليه السلام سنة عشر، مرجعه من حجَّة الوداع. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليها أن يتزوَّجها ويضرب عليها الحجاب. فقالت: يارسول الله، بل تتركني في ملكك، فهو أخفُّ عليَّ وعليك، فتركها وقد كانت حين سباها قد تعصَّت بالإسلام، وأبت إلا اليهودية. فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجد في نفسه لذلك من أمرها. فبينما هو مع أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال: " إنَّ هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة ". فجاءه فقال: يارسول الله قد أسلمت ريحانة. فسره ذلك من أمرها. وأبوها أبو ريحانة شمعون، وبها كني. وهو حليف الأنصار، ويقال له: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو مشهور بكنيته، وله صحبة وسماع ورواية. وكان من الفضلاء الزاهدين في الدنيا. نزل الشام، وروى عنه الشاميون. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 77 خدمه صلى الله عليه وسلم أميمةُ: كانت مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عنها جبير بن نفير الحضرمُّي حديثها عند أهل الشام. بركة بنت ثعلبة: بن عمرو بن حصن بن مالك بن سلمة بن عمرو بن النعمان وهي أمُّ أيمن غلبت عليها كُنيتُها بابنها أيمن بن عبيد كما تقدّم قبل، وهي بعد أمُّ أسامة بن زيد، تزوجها زيد بن حارثة بعد عبيد الحبشي، فولدت له أسامة. ويقال لها أمُّ الظِّباء. هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة وإلى المدينة جميعا. وقال الواقديُّ: كانت أمُّ أيمن اسمها بركة، وكانت لعبد الله بن عبد المطلب وصارت للنَّبي صلى الله عليه وسلم ميراثا، وهي أمُّ أسامة بن زيد. خولةُ: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، جدَّة حفص بن سعيد. يروى حديثها حفصّ هذا عن أمه عنها في تفسير قول الله عز وجل:) والضُّحى والليل إذا سَجى، ما ودَّعك ربُّك وما قَلى (. وليس إسناد حديثها في ذلك مما يحتجُّ به. رَزينةُ: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديثها عنه صلى الله عليه وسلم في فضل يوم عاشوراء، رواه أهل البصرة. ميمونةُ بنت أبي عَنبسة: مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، روت عنه في الدعاء. ميمونة بنت سعدٍ: مولاته أيضا عليه السلام. روى عنها أبو يزيد الضَّبيُّ أيوب بن خالد حديثا مرفوعا في قُبلة الصائم وعتق ولد الزِّنى، وهو حديث ليس بالقوي. ميومنة أخرى: من خدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثها عن أهل الشام في فضل بيت المقدس، وإنَّ أشدَّ عذاب القبر في الغيبة والبول. روى عنها زياد بن أبي سودة والقاسم بن عبد الرحمن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 78 مارية: خادم النبي صلى الله عليه وسلم جدة المثَّنى بن صالح بن مِهران مولى عمرو بن حُريث، لها حديث واحد من حديث أهل الكوفة، رواه أبو بكر ابن عياش عن المثنَّى بن مِهران، عن جدَّته ماريا قالت: صافحتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أرَ كفا ألين من كفِّه صلى الله عليه وسلم. مارية: من خدمه عليه السلام أيضا، وتُكنى أمَّ الرباب. حديثها عند أهل البصرة أنها تطأطأت للنبي عليه السلام، حتى صعد حائط ليلة فرَّ من المشركين والشكُّ فيها أهي التي قبلها أم لا؟. سلمى: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاته. وكانت قبلُ مولاة صفية بنت عبد المطلب. وزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع مولاه فولدت له عبد الله بن أبي رافع. وكانت قابلة إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقابلت بني فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي التي غسلت فاطمة حين ماتت مع علي وأسماء بنت عُميس رضي الله عنهم. وشهدت سلمى هذه خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصَّى بالهرِّ، وقال: " إن امرأة عُذَّبت في هرِّة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض " مواليه صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة: وابنه أسامة وبه كان يكنى، وقد مضى ذكرهما. ثَوبانُ: كان يكنى أبا عبد الله، وهو من أهل السراة. وذكروا أنه من حِمير أصابه سِباء فاشتراه النبيُّ وأعتقه. ولم يزل معه حتى قُبض، ثم تحوَّل إلى الشام، ونزل حمص وله بها دار صدقة. ومات سنة أربع وخمسين في خلافة معاوية. شُقران: ورثه النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أبيه، وكان من الفُرس، فأعتقه بعد بدر، وأوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته. وكان فيمن حضر غسْل النبي صلى الله عليه وسلم لما مات. وقيل: كان عبدا لعبد الرحمن بن عوف، فوهبه للنبي عليه السلام. وهو حبشي واسمه صالح بن عدي. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 79 أبو رافع: اسمه أسلم، وقيل: اسمه إبراهيم، قاله ابن معين. وقيل: اسمه هُرمز، وكان قبطيا. والأشهر الأصحُّ في اسمه أسلم، وكذلك سماه النبي عليه السلام في عقد عِتقِه. وكان للعبَّاس فوهبه للنبيَّ صلى الله عليه وسلم. فلما أسلم العباس بشَّر أبو رافع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه فأعتقه. وقيل: كان لأبي أُحيحة سعيد بن العاصي، فورثه عنه بنوه، وهم ثمانية، وقد قيل: عشرة، فأعتقوه كلُّهم إلا واحد منهم يقال إنه خالد بن سعيد بن العاصي تمسَّك بنصيبه منه. فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في عتق نصيبه منه فأبى. وطلبه منه بيعا وهبة فأبى. قال: فأنت على حقِّك منه. ثم وهب نصيبه بعد ذلك للنبي عليه السلام فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فبول الهبه. فكان أبو رافع يقول: أنى مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وابنه البهيُّ اسمه رافع. وأخو البهيِّ عبيد الله بن أبي رافع، كان كاتبا وخازنا لعلي رضي الله عنه. وحديثه عنه أثبت الحديث. وكان عبد الله أخوهما شريفا جوادا. وأعقب أبو رافع بالمدينة وغيرها أشرافا. وروى عن أبي رافع ابناه عبيد الله وعبد الله والحسن وعطاء بن يسار. وكان إسلامه قبل بدر بمكة، ولم يشهد بدرا، وشهد ما بعدها من المشاهد. وقال الواقديُّ: مات أبو رافع بالمدينة قبل قتل عثمان بيسير. وقيل: مات في خلافة علي رضي الله عنه. أبو بكرة: اسمه نُفيع بن مسروح. وقيل: نُفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي، طبيب العرب وحكيمها في زمنه. وأمُّ أبي بكرة سُميَّة جارية الحارث ابن كَلَدَة، وهي أمُّ زياد بن أبيه. وكان أبو بكرة يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأبى أن ينتسب. وكان قد نزل يوم الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو معدود في مواليه، رحمه الله ورضي عنه. قال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: أملى عَلَي هَوذَة بن خليفة البكراويّ نسبة إلى أبي بكرة. فلما بلغ إلى أبي بكرة قُلت: ابنُ مَن؟ قال: دَعْ لا تَزِدْهُ. وكان أبو بكرة يقول: أنا من إخوانكم في الدين، وأنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أبى الناس إلا أن يُنسبوني فأنا نُفَيع بن مسروح. وكان من فضلاء الصحابة، وهو الذي شهد على المغيرة بن شُعبة، فبتَّ الشهادة وجلده عمر حدَّ القذف إذ لم تتمَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 80 الشهادة. ثم قال له: تُبْ تُقْبَل شهادتك. فقال: إنما تَستَتيبُنى لتقبل شهادتي؟ قال أجل. قال: لا جرم لا أشهد بين اثنين أبدا ما بقيت في الدنيا. وكان مثل النَّصل من العبادة حتى مات. وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناهُ بأبي بكرة لأنه تعلَّق ببكرة من حصن الطائف. فنزل إليه صلى الله عليه وسلم. وكان أولاده أشرافا بالبصرة بالولايات والعلم. وتوفِّي بالبصرة سنة إحدى " وقيل: سنة اثنين " وخمسين، وأوصى أن يصلِّي عليه أبو برزة الأسلميُّ، فصلى عليه. قال الحسن البصريُّ: لم ينزل البصرة من الصحابة، ممن سكنها، أفضل من عمران بن حصين وأبي بكرة. أبو الحمراء: مولى النبي عليه السلام. قيل: اسمه هلال بن الحارث. وقيل: هلال بن ظفر. حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يمرُّ ببيت فاطمة وعلي رضى الله عنهما فيقول: " السلام عليكم أهل البيت. إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهِّرَكم تطهيرا ". سلمان الفارسيُّ: كان من قرية يقال لها " حي " من أصبهان، ويكنى أبا عبد الله. وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ يقول: أنا سلمان ابن الإسلام من بني آدم. وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان سلمان يطلب دين الله، ويتبع من يرجو ذلك عنده، فدان بالنَّصرانية وغيرها. وصبر في ذلك على مشقَّات نالته، وذلك كلُّه مذكورا في خبر إسلامه. وحديث ابن عباس عنه في إسلامه طويل، ذكره ابن إسحاق في السيرة عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاريِّ عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس. ولما أسلم قال المهاجرون: سلمان منَّا، وقالت الأنصار: سلمان منا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سلمان منا أهل البيت ". وأول مشاهده الخندق، ولم يفته بعد ذلك مشهد مع النبي عليه السلام، وهو أشار بحفر الخندق. فلما رآه أبو سفيان قال: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدُها. وهو من المعمَّرين وصاحب الكتابين يعني الإنجيل والقرآن، ومن الذين أوتوا العلم. وروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوه انه قال: " لو كان الدِّين في الثريَّا لناله سلمان ". وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لسمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتري، عن عليٍّ أنه سئل عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 81 سلمان فقال: عَلمَ العلم الأول والآخر، بحرٌ لا يُنزف، هو منا أهل البيت. وفي رواية زاذان أبي عمر عن علي قال: سلمان الفارسيُّ مثل لقمان الحكيم. ثم ذكر مثل خبر أبي البَخْتريِّ. وقال كعب الأحبار: سلمان حُشي علما وحكمة. وهو من الأربعة الذين أمر الله النبيَّ عليه السلام بحبِّهم، وقد ذكرت الحديث عند ذكر المقداد في بَهْراء من قُضاعة. مسلم: نا محمد بن حاتم: نا حمادُ بن سلمة عن ثابت، عن معاوية بن قرة، عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف من عنق عدوِّ الله مآخذها. فقال أبو بكر: تقولون هذا لشيخ قريش وسيِّدهم! وأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: " يا أبا بكر لئن كنت أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربك " فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أأغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك. وكان سلمان رضي الله عنه خيِّرا فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا. وروي عن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدَّق به، ويأكل من عمل يده. وكان له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها. وذكر أنه كان يعمل الخوص بيده فيعيش منه، وهو أمير على المدائن، ولاه عمرُ رضي الله عنه عليها. وقيل له: لم تعمل هذا وأنت أمير ولك رزق يجري عليك؟ فقال: إنى أحبُّ أن آكل من عمل يدي. وذكر أنه تعلمَّ الخوص بالمدينة من الأنصار، وهو عند بعض مواليه من اليهود. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي الدرداء. وتوفي سلمان في آخر سنة من خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين. وقال الشعبيُّ: توفي سلمان في علِّيَّة لأبي قرة الكندي بالمدائن. وروى عنه من الصحابة ابن عمر وابن عباس وأنس وأبو الطفيل. يعدُّ من الكوفيين. هشام: روى عنه أبو الزبير المكيُّ حديث: " إن امرأتي لا تمنع يد لامسٍ ". ذكره محمد بن جرير الطبريُّ أبو جعفر فقال: نا الحارث بن محمد بن أبي أسامة قال: نا محمد بن سعد: نا سلمان بن عبد الله الرَّقِّي قال: نا محمد ابن أيوب الرقيُّ عن سفيان، عن عبد الكريم، عن ابن الزبير، عن هشام مولى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 82 رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاء رجل إلى النبيِّ عليه السلام فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس. قال: " طلِّقها ". قال: إنها تعجبني. قال: " فاستمتع بها ". واقدٌ: مولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، روي عنه زاذانُ عن النبيِّ عليه السلام: " من أطاع الله فقد ذكره وإن قلَّت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن ". زاذان الراوي عن واقد هو أبو عمر. روى عن علي وعبد الله، روى عنه هلال بن يساف وعثمان بن عمير البجلي، ويقال: عثمان بن قيس. أبو صفية: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من المهاجرين. روى سعيد بن عامر عن يونس بن أنه سمعه يقول لأمه: ماذا رأيت أبا صفية يصنع؟ قالت: رأيت أبا صفية، وكان من المهاجرين من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم يسبِّح بالنَّوى. سفينة: اسمه مِهرانُ، وقيل: رباح، وقيل: سنَّة. أعتقته أمُّ سلمة زوجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، واشترطت عليه خدمة النبيِّ حياته. وسماه النبيُّ صلى الله عليه وسلم سفينة لأنه رآه يحمل متاعا كثيرا، فقال له: " احمل فإنما أنت سفينة ". قال سفينة: فلو حملت منذ يومئذ وقْر بعير ما ثقُل عليَّ. وما أنا بمخبر أحدا اسمي، ولا أريد غير هذا الاسم الذي سَّماني به النبيُّ عليه السلام. وكان سفينة من مُولَّدي الأعراب، وقيل: هو من أبناء فارس. وتوفي زمن الحجَّاج. روى عنه الحسن ومحمد بن المنكدر وأبو ريحانة. قال ابن الجارود في " المنتقي ": حدَّثنا أبو يحيى محمد بن سعيد العطار قال: نا إسماعيل بن عُليةَ قال: نا أبو ريحانة عن سفينة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسلُ بالضَّباع ويتوضَّأ بالمدِّ. وخرَّج هذا الحديث مسلم عن أبي كامل الجحدريِّ وعمرو بن علي، عن بشر بن المفضَّل، عن أبي ريحانة، عن سفينة. وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعليِّ بن حجر، عن إسماعيل ابن عُليةَ، عن أبي ريحانة، عن سفينة. أبو يحيى محمد بن سعيد بن غالب الضَّرير العطارُ شيخ ابن الجارود، خرَّج عنه في الطهارة والصلاة، وغير موضع عن أبي أسامة وابن عُليةَ وابن عُيينة. قال أبو بكر أحمد بن ثابت الخطيبُ في تاريخه: هو ثقة. وقال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وهو صدوق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 83 وكان لسفينة ابنٌ سمعه عمر بن كُثير بن أفلح يحدّث أنه سمع أمُّ سلمة زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجزني في مصيبتي وأخلف له خيرا منها ". قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... أبو كبشة سُليم: من مولِّدي مكة. وقيل: من مولِّدي دوس ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعتقه. وتوفي سنة ثلاث عشرة في اليوم الذي استُخلف فيه عمر بن الخطاب. وقيل: توفي سنة ثلاث وعشرين في العام الذي وُلد فيه عُروة بن الزبير. أَنسَة: يُكنى أبا مسروح، من مولَّدي السَّراة. كان يأذن على النبيّ عليه السلام إذا جلس. وذكره موسى بن عُقبة عن ابن شهاب فيمن شهِد بدرا. وقال الواقدي: رأيتُ أهل العلم يُثبتون يشهدون أنه شهِد أُحدا. ومات في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. رَباحٌ الأسود: كان أيضا يأذن على النبيِّ عليه السلام، وهو الذي طلب منه عمر الاستئذان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في المشربة حين اعتزل نساءه. أبو سلاَّم الهاشميُّ: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه. له صحبة، ذكره خليفة في تسمية الصحابة من موالي بني هاشم. قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا محمد بن بشر: نا مسعرٌ: حدثني أبو عقيل عن سابق بن ناجية، عن أبي سلاّم خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من عبد يقول حين يمسي ويُصبح ثلاث مرات: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا إلا كان حقا على الله أن يُرضيه يوم القيامة ". أبو عُبيد: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم. له صحبة ورواية. الترمذي: حدثنا محمد بن بشار: نا مسلم بن إبراهيم: نا أبانُ بن يزيد عن قَتادة، عن شهر بن حَوشَب، عن أبي عُبيد قال: طبخت للنبي صلى الله عليه وسلم قِدرا، وكان يعجبه الذراع، فناولته الذراع، ثم قال: " ناولني الذراع ". فناولته. ثم قال: " ناولني الذراع ". فقلتُ يا رسول الله، وكم للشاة من ذراع؟ فقال: " والذي نفسي بيده لو سكتَّ لناولتني الذراع ما دعوتْ ". ومن مواليه عليه السلام نافع: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة مستكبر ولا زانٍ ولا منَّان بعمله ". روى عنه خالد بن أبي ... إياد: أبو السَّمح خادم رسول الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 84 صلى الله عليه وسلم ومولاه، وله عنه رواية. روى عنه مُحِلُّ بن خليفة في بول الجارية والغلام. ولا يُدرى أين مات. يسار: كان نوبيّاً أصابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فأعتقه. وهو الذي قتله العرنيُّون الذين أغاروا على لقاح النبي عليه السلام، وقطعوا يده ورجله، وغرسوا الشَّوك في عينه حتى مات، وانطلقوا بالسَّرج، فأُدخل المدينة ميِّتا. أبو ضُميرة: كان ممَّا أفاء الله على رسوله، وكان من العرب، فأعتقه عليه السلام، وكتب له النبيُّ صلى الله عليه وسلم كتابا يُوصِّي به وبأهل بيته، وبقي في يد ولده. ومن ولده حسين بن عبد الله بن ضُمَيرة بن أبي ضُميرة، قدم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور على المهدي، فوضعه على عينيه ووصله بثلثمائة دينار. واسم أبي ضُميرة روحُ بن سَندَرٍ وقال البخاريُّ: اسم أبي ضُميرة سعد بن حمير من آل سعد من حمير من آل ذي يَزَن. ومَخْرَجُ حديثه عن ولده، وهو إسناد لا تقوم به حِجَّة. وعِداده مع ولده في أهل المدينة. وابنه ضُميرةُ: وبه كان يُكنى، وهو أيضا مولى رسول الله صلى الله عليه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 85 وسلم. يُعدُّ في أهل المدينة، وهو جدُّ حسين المذكور آنفا. وذكر ابن وهب قال: أخبرني ابن أبي ذيب عن حسين بن عبد الله بن ضُميرة، عن أبيه، عن جدِّه ضُميرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بأمِّ ضُميرة وهي تبكي. فقال: " ما يُبكيك؟ أجائعة أنت أم عارية؟ " قالت: يا رسول الله فرِّق بيني وبين ابني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يُفرَّق بين والدة وولدها ". ثم أرسل إلى الذي عنده ضُميرة، فابتاعه منه. مِدْعَم: وهبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعةٌ بن زيد الجذاميُّ، وأصيب حين افتح رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي القرى، أصابه سهم غَرْبُ فقتله، فقال الناس: هنيئا له الجنة. فقال النبي عليه السلام: " كلا، والذي نفسي بيده إن الشَّملة التي أصابها يوم خبير من المغانم لم تُصبْها المقاسم لتشتغل عليه نارا ". فضالة: من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل الشام، وبها مات. أبو مُويْهبة: كان من مولَّدي مُزينة، فاشتراه عليه السلام، فأعتقه. وهو الذي انطلق به البقيع وقال: إني أُمرتُ أن أستغفر لهم. النُّبيهُ: روي بضمِّ النون وفتح الباء، وبفتح النون وكسر الباء. وروي بغير ألف ولا لام كان من مولَّدي السَّراة فاشتراه رسول الله وأعتقه. أبو عَسيب: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، له صحبة ورواية. أسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين: أحدهما في الحمَّى والطاعون، روى عنه مسلم بن عبيد أبو نُضيرة. وقال القاسم بن حمزة: رأيت أبا عَسيبٍ خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب رأسه ولحيته. واسم أبي عَسيب أحمر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 86 أبو سلمى: راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: اسمه حريث. من حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول: " بخْ بخْ كلمات ما أثقلهنَّ في الميزان "، الحديث. يعدُّ أبو سلمى هذا في الشاميين، لأن حديثه هذا شامي. روى عنه أبو سلام الأسود الحبشيُّ قال: رأيته في مسجد الكوفة. وبعضهم يعدُّه في الكوفيين لما ذكر أبو الأسود. وقال ابن أبي خيثمة: استبَّ مَوْلَيانِ للنبيِّ عليه السلام، فقال أحدهما لصاحبه: يا نَبَطيُّ. وقال الآخر: يا حبشيُّ. فقال لهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " لا تقولا هذا فإنما أنتما رجلان من آل محمد " صلى الله عليه وسلم. وقال عليه السلام: " حليف القوم منهم، وابن أخت القوم منهم، ومولى القوم منهم ". خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومراكبه وسلاحه كان فرس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد السَّكب. والمُرتِجز: فرس صلى الله عليه وسلم الذي اشتراه من الأعرابيِّ وشهد له خزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين. وسمي المرتجز لحسن صهيله. وكان له فرس يقال له لزاز وفرس يقال له الظَّربُ. وفرس يقال له الوَردُ. ومنها السَّكبُ واليعبوب. وكانت البغلة التي أهداها له المقوقِسُ يقال لها دُلْدل، وبقيت إلى زمن معاوية. وكان له حمار يقال له يَغفور. وكان له من النوق: القَصْواء والجَرْعاء والعَضْباء. وكانت لقاحه التي أغار عليها عُيينةُ بن حِصن بالغابة عشرين لقْحة. وكان يقال لسيفه ذا الفقار، بفتح الفاء، وهو الذي يضرب فقارَ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 87 الظهر ووهبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان اسم قضيبه الممسوق. وكان اسم درعه ذات الفضول. ومات صلى الله عليه وسلم وهي مرهونة عند يهودي في شعير لقُوتهِ، ففداها أبو بكر الصديق رضي الله عنه. كُتَّابه صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأُبَي بن كعب القارئ الأنصاريُّ الخزرجيُّ، وزيد بن ثابت الأنصاريُّ أيضا وكان فارِضا حَاسِبا لَقِنا فَطِنا، وخالد ابن سعيد بن العاصي بن أميَّة، وعبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث الزُّهريُّ، وحنظلة بن الربيع بن صَيفي ابن أخي أكثم بن صيفي وهو أُسدي تميمي، ومعاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أميَّة، وشُرحبيل بن حسنة، وأبانُ بن سعيد بن العاصي بن أميَّة، ومُعَيقب بن أبي فاطمة الدَّوسيُّ، وعبد الله بن أبي سَرَح العامريُّ ثم ارتدَّمشرما، ثم أسلم أيام الفتح، وحسُن إسلامه. وهو استفتح أفريقية أيام عثمان وكان أخاه من الرَّضاعة. ولم يظهر منه بعد إسلامه شيء يُنكر عليه. وكان يخدمه ويأذن عليه أنَس بن مالك الأنصاريُّ الخزرجيُّ، وربما أذِنَ عليه غيره من مواليه. وكان قيس بن سعد بن عُبادة الأنصاريُّ الساعديُّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان صاحب الشرطة من الأمير. البخاري: حدثنا محمد بن خالد: نا الأنصاريُّ محمد قال: حدثني أبي عن ثُمامة، عن أنَس أن قيس بن سعد بن عُبادة كان يكون بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشُّرَط من الأمير. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 88 شمائله الكريمة وفضائله العميمة صلى الله عليه وسلم مالك: عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنَس بن مالك أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالأدَم، ولا بالجعد القَطَط ولا بالسَّبِط. بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين. وتوفاه الله صلى الله عليه وسلم على رأس ستين سنة، وليس في رأسه لحيته عشرون شعرة بيضاء صلى الله عليه وسلم. مسلم: حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن مثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شُعبة عن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سَمُرَة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم، أشكل العين، منهوش العَقِبين، قال: قلتُ لسِمَاك: ما ضليع الفم؟ قال: عظيم الفم. قلت؛ وما أشكل العين؟ قال: طويل شقِّ العين. قال: قلت: ما منهوش العَقِب؟ قال: قليل لحم العَقِب. وخرَّج هذا الحديث التَّرمذيُّ عن أبي موسى بن محمد بن المثنى وحده بإسناده ولفظه. مالك: عن ابن شهاب، عن محمد بن جُبير بن مُطعم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: " لي خمسة أسماء، أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب ". هكذا روى مالك هذا الحديث عن محمد بن جُبير، ولم يقل فيه عن أبيه. وأكثر رواة الموطأ وصلُوهُ. وأخرجه التِّرمذيُّ عن سعيد بن عبد الرحمن المخزوميُّ، وغير واحد عن سفيان، عن الزُّهريُّ، عن محمد بن جبير بن مُطعم عن أبيه. وقد تقدم سياق هذا الحديث، والكلام عليه في أول الكتاب عند ذكر محمد بن جبير بن مطعم النَّوفلي من بني نوفل بن عبد مناف بن قُصَي. مسلم: حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين أحدهما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 89 أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه. مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فُضِّلتُ على الأنبياء بستٍّ؛ أُعطيتُ جوامع الكلم، ونُصِرت بالرُّعب، وأُحِلَّت لي الغنائم، وجُعِلَت لي الأرض مسجدا وظهورا، وأُرسِلتُ إلى الأرض كافة، وخُتِمَ بي النَّبيُّون ". مسلم: حدثنا أحمد بن حنبل، وزهير بن حرب جميعا، واللفظ لأحمد، قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا عبد العزيز، عن أنس، قال: لمَّا قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أنسا غلام كيِّس فليخدمك قال: فخدمته في السَّفر والحضر، والله ما قال لي شيء صنعته: لِمَ صنعت هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنعه لِمَ لَمْ تصنع هذا هكذا؟. مسلم: عن أَنَس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللَّون، كأنَّ عرفهُ اللؤلؤ، وإذا مشى تكفَّأ وما مَسِستُ ديباجة ولا حرير ألين من كفّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شَممتُ مِسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسلم: عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقا. مالك: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس وضوءا فلم يجدوه، فأُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء في إناء فوضع رسول الله في ذلك الإناء يده ثم أَمَرَ الناس يتوضَّؤون منه. قال أنس: فرأيت الناس ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضَّؤوا من عند آخرهم. وخرَّج هذا الحديث مسلم عن أبي الطاهر أحمد بن وهب، عن مالك. مسلم: عن أنس بن مالك أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ بالزَّوراء. قال: والزَّوْرَاء بالمدينة عند السُوقِ، والمسجد فيما ثَمَّة، دَعَا بقدح فيه ماء فوضع كفَّة فيه، فجعل ينبعُ بين أصابعهِ فتوضأ جميع أصحابه. قال: قلت: كم كانوا يا أبا حمزة؟ قال: كانوا زهاء الثلاثمائة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سيدُ ولدِ آدم يوم القيامةَ، وأولُ مَنْ ينشقُ عنْهُ القبرُ، وأول شافع، وأول مُشَفَّعٍ (. خَرَّج هذا الحديث مُسلم عن أبي هريرةَ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 90 مسلم: حدثنا عمرو بن مُحَمِّدٍ الناقد. قال: نا سُفيان بن عُيَيْنة، عَنْ أبي الزِّناد، عن الأعرج، عَن الأعرج، عَن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: " مثلى ومَثلُ الأنبياء كمثل رجلٍ بنى بنياناً فأحسنه وأجمله، فجعل الناس يُطيفون به يقولون: ما رأينا بنيانا أحسن من هذه اللبنة! فكنتُ أنا تلك اللبنَةَ ". مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَثَلي ومثل الأنبياء مِنْ قبلي كَمَثل رجل بني بنيانا فأحسنهُ وأجملهُ إلا موضع لَبِنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلا وُضِعت هذه اللَّبِنة؟ قال: فأنا اللَّبِنة، وأنا خاتم النَّبيين ". مسلم: عن جابر بن سَمُرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعرف حجرا بمكة كان يُسلِّم عليَّ قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن ". الترمذي: حدثنا هناد بن السِّرِّي: حدثنا عَبثرُ بن القاسم بن أشعث يعني ابن سوَّار، عن أبي إسحاق، عن جابر بن سَمُرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحِيَان، وعليه حُلة حمراء. فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو أحسن عندي من القمر. مسلم: حدثنا محمد بن مثنى وابن بشار، قالا: نا محمد بن جعفر، قال: سمعت البراء يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مربوعا بعيد ما بين المنكبين، عظيم الجُّمَّة إلى شحمة أُذنيه، عليه حُلة حمراء ما رأيت شيئا قطٌّ أحسن منه. مسلم عن عائشة، قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قطٌّ بيده، ولا امرأة، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قطٌّ فينتقم من صاحبه إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله فينتقم لله. وكان كلامه كخرزات النَّظم، وربما كرَّر الكلمة ثلاث مرات حتى يحفظها السامع. الترمذي: عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلج الثنِيَّتين، إذا تكلَّم رُئي كأن النور يخرج من بين ثناياه. وكان أجود الناس، وأشجع الناس. وكان أجود ما يكون في رمضان. وما سُئل شيئا قطٌّ فقال: لا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 91 مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا وكيع، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: كان بالمدينة فزع فاستعار النبيُّ صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة، يقال له: مندوب فركبه فقال: ما رأينا من فَزَع وإن وجدناه لبحرا. وقال أبو عبيد في غريب الحديث له: حدَّثنا أبو النصر عن أبي إسحاق، عن حارثة ابن مُضرب، عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال: كنا إذا احمرَّ البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدوِّ منه. والدَّليل الواضح على ما قاله عليُّ رضي الله عنه ثبوته عليه السلام في يَومَي أُحُد وحُنَين مع نفر يسير من أهل الحفاظ. مسلم: حدثنا أحمد بن جناب المُصِّيصيُّ، قال: نا عيسى بن يونس، عن زكرياء، عن أبي إسحاق، قال: جاء رجل إلى البراء فقال: كنتُم وُلِّيتُم يوم حُنين يا أبا عُمارة قال: أشهد على نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم ما ولِّي، ولكنه انطلق أخِفَّاء من الناس، وحُسَّرٌ إلى هذا الحي من هوازن، وهم قوم رماة، فرموهم برشيق من نبل، كأنَّها رِجلٌ من جراد فانكشفوا، فأقبل القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته، فنز واستنصر، وهو يقول: " أنا النبيُّ لا كذِبْ أنا ابن عبد المطَّلب اللهم أنزل نصرَك ". قال البراء: كنا والله إذا احمرِّ البأسُ نَتَّقي به. وإنَّ الشجاع منَّا للذي يُحاذى به، يعني النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وأدركه صلى الله عليه وسلم أُبيٌّ بن خلف الجمحيُّ بالشِّعب من أُحد بعد الهزيمة، وقد استند فيه صلى الله عليه وسلم مع رهط من المسلمين، وهو يقول: أين يا محمد؟ لا نجوتُ إن نجوتَ. فأحدق به من كان معه من أصحابه وقالوا: يا رسول الله، يعطف عليه بعضنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه ". فلما دنا تناول عليه السلام الحربة من الحارث بن الصِّمَّة. قال ابن إسحاق: يقول بعض الصحابة فيما ذُكر لي: فلما أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفض بنا انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشَّعراء عن ظهر البعير إذا انتفض بها. ثم استقبله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 92 فطعنه في عُنقه طعنة تدأدأ منها عن فرسه مرارا. قال ابن هشام الشَّعراء ذباب له لدغ. فلما رجع عدوَّ الله آب إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير، فاحتقن الدم فقال: قتلني والله محمد،. قالوا له: ذهب والله فؤادك، والله إنَّ بك بأس. قال: إنه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق عليَّ لقتلني. فمات عدوَّ الله بِسَرِف، وهم قافلون به إلى مكة. وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان والله كما وصفه شاعره حسان بن ثابت: متى يَبدُ في الدَّاجي البَهيم جبينُهُ ... يَلُحْ مثلَ مصباحِ الدُّجى المتوقِّدِ فمن كانَ أو مَن قد يكونُ كأحمدٍ ... نظام لحقٍّ أم نَكالُ لِمُلحِدِ وسُئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خُلُقُهُ القرآن، من قوله تعالى) خذِ العفوَ وأَمُرْ بالعُرف وأعرِض عن الجاهلين (. وأثنى عليه في آية أخرى، فقال تعالى) وإنك لَعَلى خلقٍ عظيم (. وكان صلى الله عليه وسلم رحيم القلب، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء، محزونا من غير عبوس، متواضعا من غير مذلة، بسَّاما من غير ضحك، ولم يغضب قطُّ إلا لله. وكان صلى الله عليه وسلم كثير الحياء. مسلم: حدثنا زهير بن حرب ومحمد بن مثنى وأحمد بن سنان. قال زهير: نا عبد الرحمن بن مهديَّ عن شعبة، عن قتادة قال: سمعت عبد الله بن أبي عُتبة يقول: سمعت أبا سعيد الخُدريَّ يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياء من العذراء في خدرها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 93 وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه. وقال ابن عباس رضي الله عنه: ما خلق الله نفسا هي أكرم عليه من نفس محمد صلى الله عليه وسلم، وما أقسم بحياة أحد غيره. قال الله تعالى:) لعَمرُك إنهم لفي سَكرتهم يَعمهون (. وكان مجلسه مع أصحابه مجلس سكون ووقار، لا تُؤبن فيه الحُرَم، يُفيض معهم فيما أفاضوا فيه من أمر الدنيا ما لم يكن إثما أو قطيعة رحم. يخصف النَّعل ويُرقِّع الثوب، ويركب الحمار، ويُردف العبد، ويطحن مع الخادم إذا أعيت. وكان يقبل الهدية، ويثيب عليها، ويجيب دعوة المملوك. وكان يقول " لو دُعيتُ إلى ذراع لأجبت، ولو أُهدي إليَّ كُراع لقبلت ". لا يذمُّ طعاما؛ إن أحبّه أكله، وإن كرهه تركه. إذا رضي تهلَّل وجهه وتبسَّم، وإذا غضب أعرض وأشاح. وإذا أشار أشار بكفِّه كلِّها، وإذا تعجَّب قلبها. يركب مرة فرسا، ومرة بغلة، ومرة حمارا، ومرة يمشي حافيا راجلا، بلا رداء، بلا عمامة، بلا قَلُنسوة. يقول ناعِته: لم أرَ قبله مثله صلى الله عليه وسلم، نفعنا الله بمحبته، وحشرنا في زمرته، ولا خالف بنا عن ملَّته آمين آمين، والحمد لله رب العالمين. ذكر حجة الوداع وخبر وفاته صلى الله عليه وسلم لم يحجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة غير حجة الوداع، وذلك في سنة عشر من الهجرة. وحديثها يدور على الباقر أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن جابر بن عبد الله. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، وقد أُذِّن في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجٌّ العام، فنزل المدينة بشر كثير، كلُّهم يلتمس أن يأتمَّ برسول الله، ويفعل ما يفعل. فأتمَّ الناس به في مناسك الحج، وخطبهم بعرفة خطبته المشهورة، وفي ذلك اليوم أنزل الله تعالى:) اليومَ أكملتُ لكم دينكمْ، وأتممتُ عليكم نعمتي، ورضيتُ لكم الإسلامَ ديناً (. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 94 وبدء برسول الله مرضه الذي مات منه يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشر في بيت ميمونة. ثم انتقل حين اشتدَّ وجعه إلى بيت عائشة. وكان صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين، وقَدِمَ المدينة يوم الاثنين، وقُبِضَ يوم الاثنين ضحىً، في مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة باثنتي عشر ليلة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشر من الهجرة، ودُفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس. وقيل: دُفن ليلة الأربعاء صلى الله عليه وسلم. وقالت عائشة رضي الله عنها: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري، وفي بيتي، وفي يومي، لم أظلم فيه أحدا. وتولّى غسله عليُّ ابن أبي طالب والعباس وأسامة بن زيد وشُقران مَولَيا النبيِّ عليه السلام. قال ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عبَّاد، عن عائشة قالت: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا: والله ما ندري! نجرّد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرِّد موتانا، أو نغسِّله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره. ثم كلَّمهم مُكلَّم من ناحية البيت، لا يدرون من هو: " اغسلوه في ثوبه ". فغسلوه وعليه قميصه، ويدلكونه والقميص دون أيديهم. قال: وكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. فلما فُرغ من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم كُفِّن في ثلاثة أثواب، ثوبين صحاريَّين، وبُرد حِبرة، أُدرج فيه إدراجا. كما حدثني جعفر بن محمد عن أبيه، عن جدِّه عليِّ بن الحسين والزهريّ، عن عل] بن حسين. الترمذي: حدثنا أبو عمار الحسن بن حُريث وقتيبة بن سعيد وغير واحد قالوا: نا سفيان بن عُيينة عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف الستارة يوم الاثنين، فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، والناس خلف أبي بكر فأشار إلى الناس أن اثبتوا، وأبو بكر يؤمُّهم وألقى السَّجف وتوفي في آخر ذلك اليوم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 95 الترمذي: عن عائشة أن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فوضع فمه بين عينيه، ووضع يده على ساعديه وقال: وانبِيَّاه، واصَفِيَّاه، واخَليلاه. الترمذي: حدثنا نصر بن علي: نا عبد الله بن الزبير: شيخ باهلي قديم نصري قال: نا ثابت البنانيُّ عن أنس بن مالك: لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرب الموت ما وجد فقالت فاطمة: واكرباه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا كرب على أبيك بعد اليوم، إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة ". الترمذيُّ: عن عائشة قالت: لا أغبط أحدا بهون موت بعد الذي رأيت من شدَّة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم. الترمذي: عن عائشة قالت: لما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته. قال: " ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يجب أن يُدفن فيه "، ادفنوه في موضع فراشه. ونزل في قبره صلى الله عليه وسلم العباس عمُّه وعليٌّ معه وقُثَم بن العباس والفضل بن العباس. ويقال: كان أوس بن خوليٍّ وأسامة بن زيد معهم. وكان آخرهم خروجا من القبر قُثَم بن العباس؛ كان آخر الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح. وذكر ابن إسحاق قال: حدثتني فاطمة بنت محمد بن عروة، عن عائشة قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا المساحي من جوف الليل، ليلة الأربعاء. الترمذي: عن أنس قال: لمَّا كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كلَّ شيء. فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كلَّ شيء، وما نفضنا أيدينا من التُّراب. وإنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا. وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنا فرط لأمَّتي، لن يُصابوا بمثلي ". وقال صلى الله عليه وسلم ليُعزَّ المسلمين في مصابهم: " المصيبة بي ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 96 مالك: عن يحيى بن سعيد أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجري. فقصصت رؤياي على أبي بكر الصديق. قالت: فلما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودُفن في بيتها قال لها أبو بكر الصديق: هذا أحد أقمارك وهو خيرها. وهذا الحديث من مراسل يحيى بن سعيد. وقال حسان بن ثابت من قصيدة طويلة يرثي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: بِطيبةَ رسمٌ للرسولِ ومَعْهَدُ ... مُبينٌ وقد تعفو الرسومُ وتَهْمدُ ولا تَمْتَحي الآثارُ من دارِ حُرمةٍ ... بها منبرُ الهادي الذي كان يصعدُ وواضحُ آثارٌ وباقي مَعالمٍ ... وربْعٌ له فيه مُصلَّى مسجدُ بها حُجُراتٌ كان ينزلُ وَسْطها ... من الله نُورٌ يُستضاء ويُوقَدُ مَعارفُ لم تَطمُسْ على العهد آيُها ... أتاها البلى فالآي فيها مجددُ عرفتُ بها رسمَ الرسولِ وعَهدَهُ ... وقبراً به واراهُ في التُّرب مُلْحَدُ فبوركتَ يا قبرَ الرسولِ وبوركتْ ... بلادُ ثوى فيها الرشيدُ المُسدَّدُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 97 وهل عَدلتْ يوماً رزيَّةُ هالكٍ ... رزيةَ يومٍ ماتَ فيه محمدُ تقطَّعَ فيه منزلُ الوحي عنهُمْ ... وقد كان ذا نورٍ يغُورُ ويُنْجِدُ يَدلُّ على الرحمن مَن يقتدي بهِ ... ويُنفِذُ من هولِ الخزايا ويُرشِدُ إمامٌ لهمْ يهديهمُ الحقَّ جاهداً ... مُعلِّمُ صِدقٍ إن يُطيعوهُ يُسعَدُوا وما فقد الماضونَ مثلَ محمدٍ ... ولا مثلُهُ حتى القيامةِ يُفقَدُ وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي النبيَّ عليه السلام من قصيدة: ما بال عينِكَ لا تَنامُ كأنها ... كُحلتْ مآقيها بكُحْلِ الأرمدِ جَزَعاً على المَهْدِيِّ أصبحَ ثاوياً ... يا خَيرَ مَن وطئ الحصَى لا تَبعَدِ وجهي يَقِيكَ التُّرْبَ لعهفاً ليتني ... غُيِّبتُ قَبلكَ في بَقيع الغَرقدِ بأبي وأمي مَن شهدتُ وفاتَهُ ... في يوم الاثنينِ النبيُّ المُهْتدي فظللتُ بعد وفاتِهِ مُتبلِّدا ... مُتلدِّداً يا ليتني لم أُولِد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 98 يا بِكرَ آمنةَ المباركِ بِكرُها ... ولدتْهُ مُحْصَنةً بسعْدِ الأسعُدِ نوراً أضاء على البرية كُلِّها ... مَن يُهدَ للنُّورِ المباركِ يَهتدِ واللهِ أسمعُ ما بقيتُ بهالكٍ ... إلا بكيتُ على النبيِّ محمدِ يا ويحَ أنصار النبيِّ ورَهطهِ ... بَعد المُغَيَّبِ في سَواء المَلْحُدِ ضاقتْ بالأنصارِ البلادُ فأصبحتْ ... سُوداً وجوهُهمْ كلونِ الإثمدِ ولقد وَلدْناهُ وفينا قبرُهُ ... وفضولَ نِعمتهِ بنا لم نجْحَدِ صلى الإلهُ ومَن يَحفُّ بعرشهِ ... والطيِّبونَ على المباركِ أحمدِ وقال كعب بن مالك الأنصاريُّ السَّلَميُّ الخَزرَجيُّ يرثيه صلى الله عليه وسلم: ونائحةٍ حرَّى تَحرَّقُ بالبُكا ... وتَلطِمُ منها خدَّها والمُقلَّدا على هالكٍ بعد النبيِّ ومَوتهِ ... ولو عَقلتْ لم تَبكِ السَّمواتِ وُقْعَدا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 99 وأعظمِهمْ حقاً على كلِّ مسلمٍ ... وأعظمِهمْ في الناسِ كلِّهمُ يَدا إذ كان منه القَولُ كان مُوفَّقاً ... وإن كان وحْياً كان نوراً مُجدَّدا لقد أورثتْ أخلاقُه المجدَ والتُّقى ... فلن تَلْقَهُ إلا رشيداً ومُرشِداً وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطَّلب يرثيه صلى الله عليه وسلم: أرِقتُ فباتَ لَيلى لا يزولُ ... وليلُ أخي المصيبةِ فيه طُولُ وأسعدني البكاء وذاكَ فيما ... أُصيبَ المسلمون به قَليلُ وقد عظُمت مصيبتُنا وجلَّتْ ... عشيَّةَ قيلَ: قد قُبضَ الرسولُ وأصبحَ أرضُنا ممَّا عَراها ... تَكادُ بنا جوانبُها تَزولُ فقدْنا الوحْيَ والتنزيل فيما ... يَروحُ به ويَغدو جَبرئيلُ وذاكَ أحقُّ ما سالتْ عليهِ ... نفوسُ الناس أوْ كرَبتْ تَسيلُ نبيٌّ كان يَجلو الشكَّ عنا ... بما يُوحَى إليه وما يقولُ ويَهدينا فلا نَخشَى ضَلالاً ... علينا والرَّسولُ هو الدليلُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 100 يُخبِّرنا بظهرِ الغَيبِ عمَّا يكونَ فلا يجورُ ولا يحولُ فلم أرَ مثلَهُ في الناس حياً ... وليسَ له منَ الموتَى عَديلُ أفاطمَ إنْ جزِعتِ فذاكَ عذرٌ ... وإن لم تجزعي فهُوَ السبيلُ وقولي في أبيكِ ولا تَمَلِّي ... وهل يَجزيْ بفضل أبيكِ قيلُ؟ فقبرُ أبيكِ سيِّدُ كلَّ قبرٍ ... وفيهِ سيِّدُ الناس الرسولُ ويروى أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع المهاجرون والأنصار إلى رحالهم، ورجعت فاطمة رضي الله عنها إلى بيتها اجتمع إليها نساؤها فقالت: إغبرَّ آفاقُ السماء وكُوِّرتْ ... شمسُ النهار وأظلمَ العَصْرانِ فالأرضُ من بعد النبيِّ كئيبةٌ ... أسفاً عليهِ كثيرةٌ الرَّجَفانِ فلْيبْكهِ الطَّودُ المعظَّمُ جَوُّهُ ... والبيتُ ذو الأستارِ والأركانِ يا خاتِمَ الرسْلِ المبارك قبرُهُ ... صلَّى عليكَ مُنزِّلُ الفُرقانِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 101 وقالت صفيةُ بنت عبد المطلب، ترثيه صلى الله عليه وسلم: إن يوماً أتَى عليكَ ليومٌ ... كوَّرتْ شمسُهُ وكان مُضِيّا جَلَّ يومٌ أصبحتَ فيه ثقيلاً ... لا تردُّ الجوابَ منكَ إليَّا خُلُقاً عالياً وديناً كريماً ... وصِراطاً يَهدي إليهِ سَويّا وسِراجاً يجلو الظلامَ مُنيراً ... ونبياً مُسدَّداً عَربيّاً حازماً عازماً كريماً حليماً ... عائذاً بالنوَّال بَرّاً تَقِياً فعليك السلامُ منَّا ومِن رَبْكَ ... بالرَّوجِ بُكرةً وعَشيّا ويُروى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو مُسجَّى، فكشف عنه الثوب وقال: بأبي أنت وأمِّي طِبتَ حيّاً وميِّتا، وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من الأنبياء من النبوءة. فعظمت عن الصِّفة وجللتَ عن البكاء، وخصصتَ حتى صرتَ مَسلاة، وعممت حتى صرنا فيك سوى. ولولا أن موتك كان اختيارا لجُدنا لموتك بالنفوس، ولولا أنك نهيتَ عن البكاء لأنفدنا عليك ماء الشؤون. فأما ما لا نستطيع دفعه عنا فكمد وحزن يحالفان ولا يبرحان. اللَّهمَّ فأبلغه عنا السلام. اذكرنا يا محمد عند ربك، واجعلنا من بالك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 102 نسب العشيرة الكرام ولحاقهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في عمود نسبه من قريش الخلفاء الأربعة منهم: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 103 أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن أبي قحافة. واسم قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مُرَّة بن كعب، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مُرَّة ستة آباء. وكذلك أبو بكر بينه وبين مُرَّة ستة آباء. فهو في قُعدد النَّسب، مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو تيميٌّ ينتسب إلى تيم بن مُرَّة. وكان اسم أبي بكر في الجاهلية عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. وهو أول من آمن بالنبيِّ عليه السلام من الرجال، وأول من صلَّى معه في قول طائفة من أهل العلم بالسِّير والخبر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أحدا عرضتُ عليه الإسلام إلا كانت له فيه كبوة غير أبي بكر، فإنه لم يتلعثم ". وسَمِّي صدِّيقا لتصديقه النبيِّ صلى الله عليه وسلم في خبر الإسراء وسُمِّي عتيقا لجماله وعتاقة وجهه، وقيل: لعتقه من النار. قالت عائشة رضي الله عنها: إني لفي بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالفناء وبيني وبينه السِّتر إذ أقبل أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سرَّه أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا ". وإنَّ اسمه الذي سمَّاه به أهله لعبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو. وروى مالك عن سالم أبي النَّضر عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدريِّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ من أمَّن الناس عليَّ في صحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتَّخذت أبا بكر خليلا لا تَبقَيَنَّ في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر "، وروي هذا الحديث عن مالك في غير الموطأ، ولم يقع فيه من رواية يحيى الأندلسيِّ، ولا من رواية رواة الموطأ كلِّهم. وخرجه مسلم بزيادة. في أوَّله عن مالك. مسلم: حدثني عبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد، قال: نا معن، قال: نا مالك عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر، فقال: " عبد خيَّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا، وبين ما عنده فاختار ما عنده ". فبكى أبو بكر وبكى، وقال: فديناك بآبائنا وأمَّهاتنا. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو المُخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا به، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنَّ من أمَّن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تَبقَيَنَّ في المسجد خوخة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 105 إلا خوخة أبي بكر ". وقال علي بن أبي طالب: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، هذان سيِّدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النَّبيين والمرسلين. يا علي، لا تخبرهما ". روى هذا الحديث الترمذي عن عليَّ، ورواه أيضا عن أنس، وعن عبد خيرٍ قال: سمعت عليا يقول: خير هذه الأمة بعد نبيِّها أبو بكر وعمر. وعن الحكم بن حجل: قال علي رضي الله عنه: لا يفضِّلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جَلَدْتُهُ حدَّ المفتري. مسلم: حدثنا محمد بن أبي عمر المكيُّ: قال: نا مروان يعني ابن معاوية الفزاريَّ عن يزيد وهو ابن كيسان عن أبي حازم الأشجعيِّ عن أبي هريره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم صائما؟ " قال أبو بكر: أنا. قال: " فمن تبع اليوم منكم جنازة؟ " قال أبو بكر: أنا. قال: " فمن أطعم اليوم مسكينا؟ " قال أبو بكر: أنا. قال: " فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ". مالك: عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرّحمن بن عوف، عن أبي هريره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أنفق زوجين في سبيل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 106 الله نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير؛ فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة؛ ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد؛ ومن كان من أهل الصَّدقة دُعي من باب الصَّدقة؛ ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الرَّيَّان. فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، ما على من يُدعى من هذه الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من هذه الأبواب كلَّها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم ". وقالت أسماء بنت أبي بكر الصديق: كان المشركون قعودا في المسجد الحرام، فتذاكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يقول في آلهتهم، فقاموا إليه، وكانوا إذا سألوه عن شيء صدَّقهم، فقالوا: ألست تقول في آلهتنا كذا وكذا؟ قال: " بلى "، فتشبَّثوا به بأجمعهم، فأتى الصَّريخ على أبي بكر، فقيل له: أدرك صاحبك فخرج أبو بكر حتى دخل المسجد، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس مجتمعون عليه. فقال: ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول: ربَّي الله، وقد جاءكم بالبيِّنات من ربَّكم؟. قالوا: فَلَهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلوا على أبي بكر يضربونه. قالت: فرجع إلينا لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه، وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وكان علي رضي الله عنه يقول: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر، وثلَّث عمر، ثم خبطتنا فتنة يعفو الله فيها عمَّن يشاء. وعن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: ولينا أبو بكر، فخير خليفة أرحمه بنا، وأخشاه علينا. وقال مسروق: حبُّ أبي بكر وعمر، ومعرفة فضلهما من السنَّة. وعن ابن أبي مُليكة، قال: قال رجل لأبي بكر: يا خليفة الله، لست بخليفة الله، ولكن أنا خليفة رسول الله، وأنا راضٍ بذلك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " في كلام البقرة والذئب آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثَمَّ علما بما كانا عليه من اليقين والإيمان ". وقال الواقديُّ: حدثنا عاصم بن عمر، عن سهيل بن أبي صالح، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التَّميميِّ، عن أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن، عن أبي أروى الدَّوسيِّ، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلع أبو بكر وعمر، فقال: " الحمد لله الذي أيَّدني بكما ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 107 أبو أروى الدَّوسيُّ لا يعرف إلا بكنيته، وهو حجازي. وكان ينزل ذا الحُليفة. روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وأبو واقد صالح بن محمد ابن زائدة اللثيُّ المدنيُّ، ومات أبو أروى في خلافة معاوية، وكان عثمانيا. وأبو بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار قال الله تعالى) ثانيَ اثنينِ إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنَّ الله معنا (. الترمذي حدثنا عفَّان: قال: نا همَّام قال: أخبرنا ثابت عن أنس أن أبا بكر حدثه، قال: قلت للنبي عليه السلام ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه. فقال: " يا أبا بكر ما ضنك باثنين الله ثالثهما؟ ". ويُروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لحسان بن ثابت: هل قلت في أبي بكر شيئا؟ قال: نعم، وأنشد: إذا تذكرتَ شَجْواً من أخي ثِقَةٍ ... فاذكرْ أخاكَ أبا بكْر بما فَعَلا خَيرَ البريَّة أتقاها وأَعْدَلَها ... بَعْدَ النَّبيِّ وأوفاها بما حَمَلا الثَّانيَ التاليَ المحمودَ مَشْهَدُهُ ... وأوَّلَ الناسِ مِنهُمْ صدَّق الرُّسْلا وكانَ حِبَّ رسولِ الله قد عَلموا ... منَ البريَّةِ لم يَعْدِل بهِ رجُلا وروى مجاهد عن الشِّعبيِّ، قال: سألتُ بن عباس: أيُّ الناس كان أوَّل إسلاما؟ قال: أما سمعت قول حسان بن ثابت: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 108 إذا تذكرتَ شَجْواً من أخي ثِقَةٍ ... فاذكرْ أخاكَ أبا بكْر بما فَعَلا الأبيات ... وحدَّث المزنيُّ عن الشافعيِّ، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن جُبَير بن مُطعم عن أبيه، قال: " أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألَتْهُ عن شيء، فأمَرَها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله: أرأيت إن جئت ولم أجدك، تعني الموت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لم تجديني فأتي أبا بكر ". قال الشافعي: في هذا الحديث دليل على أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر. وروى الزُّهريُّ عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه عن عبد الله بن زمعة بن الأسود، قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عليل، فدعاه بلال إلى الصلاة فقال لنا: " مُروا من يصلي بالناس ". قال: فخرجتُ فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبا، فقلت: قم يا عمر فصلِّ بالنَّاس. فقام عمر، فلما كبر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، وكان مُجهرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون ". فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى الناس طول علته، حتى مات صلى الله عليه وسلم، وهذا واضح على استحقاقه الخلافة. مُسلم عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: " ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنَّى مُتمنٍّ، ويقول قائل: أنا ولاَّه، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ". مسلم: عن أبي مُلَيكَة سمعتُ عائشة وسُئِلَت مَن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُستخلفا لو استخلف؟ قالت: أبو بكر. قيل لها: ثم مَن بعد أبي بكر؟ قالت: عمر. ثم قيل لها: مَن بعد عمر؟ قالت: أبو عبيدة بن الجرَّاح، ثم انتهت إلى هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 109 وقال عبد الله بن مسعود: اجعلوا إمامكم خيركم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل إمامنا خيرنا بعده. وروى الحسن البصريُّ عن قيس بن عباد، قال: قال عليُّ بن أبي طالب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرض ليالي وأياما يُنادي بالصلاة، فيقول: " مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس ". فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت فإذا الصلاة عَلَم الإسلام وقوام الدين. فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فبايعنا أبا بكر. وبويع أبو بكر رضي الله عنه في سقيفة بني ساعدة قبل أن يُدفن النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم بويع من الغد بيعة العامَّة. ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر غائب عند امرأته حبيبة بنت خارجة بن زيد الأنصاريِّ خارج المدينة بالسُّنْح، فبلغه الخبر، فجاء مسرعا، فوجد الناس قد اختلفوا في موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمر يقول: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله تُوفِّيَ، والله ما مات رسول الله، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى ابن عمران، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة، ثم رجع إليهم. والله ليرجعنَّ رسول الله كما رجع، فليقطعنَّ أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات. وأقبل أبو بكر حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مُسجّىً في ناحية البيت، عليه بُرد حِبرة، فأقبل حتى كشف عن وجهه، ثم أقبل عليه، فقبَّله ثم قال: بأبي أنت وأمي، أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدا. ثم ردَّ البُرد على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج وعمر يكلِّم الناس. فقال أبو بكر رضي الله عنه: على رسلك يا عمر، أنصت. وكان عمر قد زَوَّر في نفسه كلاما أراد أن يتكلم به قبل أن يتكلم أبو بكر فقال: على رسلك يا عمر، أنصِت، فإنك ستُكفى الكلام، فأبى إلا أن يتكلَّم، فلما رآه أبو بكر لا يُنصت أقبل على الناس فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه، وتركوا عمر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس مَن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات؛ ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت. قال: ثم تلا هذه الآية:) وما محمَّدٌ إلا رسولٌ قد خلتْ من قبله الرُّسُلْ أفإن ماتَ أو قُتل انْقلبتم على أعقابكم، ومنْ ينقلب على عَقبيهِ فلن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 110 يضُرَّ اللهَ شيئاً وسَيجزي الله الشاكرين (قال: فوالله لكأنَّ الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ، وأخذها الناس عن أبي بكر فإنما هي في أفواههم. قال عمر: فوالله ما هو إلاَّ أن سمعت أبا بكر تلاها، فعفرت إلى الأرض وما تحملني رِجلاي، وعرفت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، ولم يدع شيئا مما زوَّرتُ في نفسي من الكلام إلا تكلم به، وهو كان أعلم مني وأوقر. ثم اجتمع المهاجرون والأنصار، عند سقيفة بني ساعدة، فبايعوا أبا بكر رضي الله عنه في ذلك اليوم، ثمَّ بايعوه بيعة أخرى من الغد عن ملأ منهم ورضى. وهو القائل في خطبته لما بويع بيعة العامَّة بعد ما حمد الله وأثنى عليه: أما بعد أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني؛ وإن أسأت فقوَّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقَّه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجماعة في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذِّل، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم. ولمّا بويع رضي الله عنه إشرابَّ النفاق، وارتدَّت العرب، ومنعوا الزكاة. فاظهر العزم رضي الله عنه، وقاتلهم عليها حتى أطاعوا بها، وقال: والله لو منعوني عقالا ممَّا كانوا يؤدَّونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، فكشف الله به الكربِّة من أهل الرِّدة، وقام به الدين. ويروي أن عمر بن الخطاب بلغة أن أقواما يفضِّلونه على أبي بكر الصديق رحمه الله، فوثب مغضبا حتى صعد المنبر فحمد الله وصلى على نبيَّه محمَّد عليه السلامَّ، ثم قال: أيها الناس، إني سأخبركم عني وعن أبي بكر أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرتدَّت العرب، ومنعت شاتها وبعيرها، فاجتمع رأينا كُلِّنا أصحاب محمد، أن قلنا له: يا خليفة رسول الله، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقاتل العرب بالوحي والملائكة ويُمدُّه الله بهم، وقد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 111 انقطع ذلك اليوم، فالزم بيتك ومسجدك، فإنه لا طاقة لنا بقتال العرب، فقال الصدِّيق رحمه الله: أو كلُّكم رأيه على هذا؟ فقلنا: نعم. فقال، والله لأن أَخِرَّ من السماء فتخطَّفني الطَّير أحبُّ إليَّ من أن يكون هذا رأيي. ثم صعد المنبر فحمد الله وكبَّره، وصلى على نبيه عليه السلام، ثم أقبل على الناس، فقال: أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات؛ ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت؛ أيها الناس، أأن كثر أعدادكم، وقلَّ عُدُوُّكم ركب الشيطان منكم هذا المركب، والله ليظهرن الله هذا الدين على الأديان كلِّها، ولو كره المشركون. وقوله الحقُّ، ووعده الصِّدق بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين. والله أيها الناس، لو أُفرِدْت من جميعكم لجاهدتهم في الله حقَّ جهاده حتى أبلي بنفسي عذرا، أو أُقتَل قتلا. والله أيها الناس، لو منعوني عقالا لجاهدتهم عليه، فاستعنت عليهم الله، وهو خير معين. قال: ثم نزل فجاهد في الله حقَّ جهاده، حتى أذعنت العرب بالحقِّ. وكانت لأبي بكر رضي الله عنه من البنين عبد الرحمن وعبد الله، ومحمد، ومن البنات: عائشة، وأسماء، وأمُّ كلثوم. فأمَّا عبد الرحمن فهو أخو عائشة لأُمها وأبيها، أُمُّها أُمُّ رومان وقد تقدم ذكرها عند ذكر عائشة رضي الله عنها. وشهد عبد الرحمن بدرا مع المشركين فلقيه أبو بكر فقال: أين مالي يا خبيث فقال: لم يبق إلا شكَّة ويعبوب وصارم يقتل ضُلاَّلَ الشيب. ثم أسلم فحسن إسْلاُمُهُ في هُدنة الحُدَيبية. وكان أسنَّ ولدِ أبي بكر وكان امرأً صالحا، وكان من أشجع قريش، وأرماهم بسهم. وحضر اليمامة مع خالد بن الوليد، فقتل سبعة من كبارهم، شهد له بذلك جماعة من أصحاب خالد. ويُكنى أبا عبد الله، وقيل: أبا محمد بابنه أبي عتيق محمد. وهو الذي دخل على عائشة يوم مات سعد بن أبي وقَّاص، فدعا بوضوء فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ويل للأعقاب من النار ". وهذا الحديث من بلاغات مالك في الموطَّأ، وهو حديث صحيح، رُوي عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 112 النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه شتى من حديث عائشة وهو أثبتها، ويرويه سالم الرُّواسيُّ. وهو سالم سبلان وأبو سلمة عن عائشة. خرَّجه مسلم، وكذلك حديث أبي هريرة صحيح خرّجه مسلم، وخرّجه ابن الجارود في المنتقى. وحديث عبد الله بن عمرو بن العاصي وجابر معلولان أخرجهما أبو داود سليمان بن الأشعث، وأخرج حديث عمرو بن العاصي أيضا مسلم. قال ابن الجارود: نا عليَّ بن خشرم، قال: نا عيسى عن شعبة، عن محمد ابن رياء، قال: كان أبو هريرة يمرُّ بنا والناس يتوضؤون من المطهرة فسمعته يقول: أسبغوا الوضوء، فإني سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، يقول: " ويل للعراقيب من النار " وقال: نا محمد بن يحيى قال: نا عبد الصمد، ونا أبو جعفر الدَّارميُّ. قال: نا النضر جميعا عن شعبة بهذا قال محمد للعقب، وقال الآخر للأعقاب. عليُّ بن خشرم بن عبد الرحمن السعديُّ من شيوخ ابن الجارود قال النَّسائي عنه: هو مروزيُّ ثقة خرّج عنه مسلم. وعيسى غير منسوب الذي روى عنه ابن خشرم، هو عيسى بن يونس بن إسحاق السَّبيعي، واسم أبى إسحاق عمرو بن عبد الله من بطن من همدان يقال لهم السَّبيع. ولد في سلطان عثمان لثلاث سنين بقين منه، ومات سنة سبع وعشرين ومئة. وقال ابن قتيبة حدثني عبد الرحمن ابن أخي الأصمعيِّ عن عمِّه عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال رفعني أبي حتى رأيت عليَّ بن أبي طالب خطب الناس أبيض الرأس واللحية، وابنه يونس بن أبي إسحاق، توفي سنة تسع وخمسين ومئة. وحفيده عيسى بن يونس يكنى أبا عمرو. وتحوَّل من الكوفة إلى الثغر، فنزل الحدث، ومات بها سنة إحدى وتسعين ومئة. وخرَّج مسلم عن عيسى، وعن أبيه يونس، وعن جدِّه أبي إسحاق كثيرا. قال المؤلف غفر الله له: هذا تتبع صالح مفيد سماعه واجب على من رُزق حب علم السُنَّة اتباعه. فالمذكورون أهل الحق، والحقُّ معهم. والموفَّق الشحيح على دينه من اتَّبعهم. فهم أئمة الدين الذين عدَّلوا وخرّجوا. ولم يخافوا سخط أحد من الناس فيما به في الكذابين صرَّحوا. رزقنا الله الدُّؤوب على سلوك آثارهم، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 113 والاقتباس من مشارق أنوارهم، وباعد بيننا وبين من اتَّخذ ظهريَّا طريقهم، وخالف شقواته فريقهم آمين. ومات عبد الرحمن بن أبي بكر فُجاءة في خلافة معاوية سنة ثلاث وخمسين. وشهد الجمل مع أخته عائشة، وكان أخوه محمد يومئذ مع على رضي الله عنه وكانت وفاته بموضع قريب من مكة. حدَّث أبو محمد قاسم بن أصبغ، قال: نا محمد بن وضاح: نا مصعب بن سعد، نا عثمان بن يونس، عن ابن جريح عن ابن أبي مليكة، قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بمكان يُدعى الحبُشْيَّ على أثنى عشر ميلا من مكة. فحمل إلى مكة، قال: فلما قدمت عائشة مكة أتت قبره، فقالت: وكُنَّا كندمانَيْ جذيمةَ حِقبةً ... منَ الدَّهر حتى قيلَ: لن يَتصدَّعا فلمّا تفَّرقنا كأنى ومَالِكاً ... لطولِ اجتماعٍ لم نبِتْ ليلةً معا وولد عبد الرحمن محمدا، وعبد الله. فأما محمد فهو أبو عتيق، وولد قبل موت النبيِّ عليه السلام ويقال: إنه لم يُدرك النبيَّ عليه السلام أربعة رأوه في نسق إلا أبو قُحافة، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وابنه أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن. وأبو عتيق هذا هو والد عبد الله بن أبي عتيق صاحب الفكاهات والمزاج الحسن المستطرف. وكان مع ذلك عفيفا، وروى عن عمَّة أبيه عائشة، أم المؤمنين رضي الله عنها. مسلم حدثنا يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وابن حُجْر، قال يحيى: أنا، وقال الآخران: نا إسماعيلُ، وهو ابن جعفر عن شريك، وهو ابن أبي نمر، عن عبد الله بن أبي عتيق، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ في عجوة العالية شفاء، أو إنها ترياق في أول البُكرة ". وأكثر رواية ابن أبي العتيق عن عائشة. وكانت عائشة تحبُّه، وكان، وهو شاب يضع رأسه، في حجرها، ويتغنَّى فلا تنكر عليه. ودخل عليها رضي الله عنها، وهي في النَّزع، فقال: كيف تجدك يا أمَّه؟ فدكت نفسي. قالت: في الموت. قال: فلا أفديك إذا، فتبَّسمت عائشة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 114 وأخباره مع عمر بن أبي ربيعة، وغيره مشهورة. ومن طريف أخباره أنه سمع قول ابن أبي ربيعة: مَنْ رسولي إلى الثُّريا فإني ... ضِقتُ ذَرعاً بهجرها والكتاب فلبست ثيابه، وركب بغلته، وأتى باب الثُّريا فاستأذن عليها، فقالت: والله ما كنت لنا زوّارا. فقال: أجل، ولكني جئت برسالة. يقول لك ابن عمِّك ضخت ذرعا بهجرك والكتاب، فلامه عمر، فقال له ابن أبي عتيق: وإنما رأيتك متلدِّدا فخففت في حاجتك، وإنما كان جزائي أن أشكر. ومن طريف أخباره أيضا أن مروان بن الحكم قال يوما: إني مشغوف ببغلة للحسن بن عليِّ بن أبي طالب رحمه الله. فقال له ابن أبي عتيق: إن دفعتها إليك أتقضي لي ثلاثين حاجة؟. قال: نعم. قال: فإذا اجتمعت الناس عندك العشية فإني آخذ في مآثر قريش ثم أمسك عن الحسن، فلمني على ذلك. فلما أخذ القوم مجالسهم أفاض في أولية قريش، فقال له مروان: ألا تذكر أوَّلية أبي محمد؟ وله في هذا ما ليس لأحد؟ فقال: إنَّما كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لقدَّمنا ما لأبي محمد. فلما خرج ليركب تبعه ابن أبي عتيق، فقال له الحسن وتبسَّم: ألك حاجة؟ فقال: ذكرت البغلة. فنزل الحسن عليه السلام فدفعها إليه. ومنها أن عائشة بنت طلحة، عتبت على مصعب بن الزبير فهجرته، فقال مصعب: هذه عشرة آلاف درهم لمن اجتلب لي أن تكلمني. فقال له ابن أبي عتيق: عدل المال، ثم صار إلى عائشة يستعتبها لمصعب، فقالت: والله، ما عزمي أن أكلمه أبدا. فلما رأى جدَّها قال: أيا بنت عمِّي، إنه ضمن لي إن كلَّمته عشرة آلاف درهم فكلِّميه حتى آخذها، ثم عودي إلى ما عودك الله. وولد عبد الله بن أبي عتيق محمدا، روى عن عامر بن عبد الله بن الزبير وروى عن محمَّد بن إسحاق. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 115 وأمَّا عبد الله بن عبد الرحمن أخو أبي عتيق محمد، فولد طلحة، أُمُّه عائشة بنت طلحة بن عبيد الله. وكان طلحة جوادا، فولد طلحة محمدا، وكان عاملا على مكة، ولطلحة عقب كثير. وكانوا ينزلون بالقرب من المدينة. وكانت عائشة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عند سليمان بن عليِّ بن عبد الله ابن عباس. انقضى ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر وذكر عقبة. وعن موالي عبد الرحمن بن أبي بكر أبو نافع، وكان مكثرا من المال ونزل البصرة، وكان له فيها دار مشهورة. وفيه يقول ابن مفرغ الحميريُّ: سقى اللهُ أرضاً لي وداراً تركتُها ... إلى جنب دارَيْ مَعقلِ بنِ يَسارِ أبو نافعٍ جارٌ لها وابنُ بَرثن ... فيا لَكَ جارَيْ ذِلَّةٍ وصَغَاري وابن برثن مولى لبني بضعة. فقيل لأبي نافع: إنَّه هجاك. فقال: فإذا هجاني أموت، أو يموت أبني طلحة؟. قالوا: لا. قال: فما أبالي. ومن موالي عبد الرحمن أيضا مرَّة بن أبي عثمان، وكانت عائشة كتبت إلى زياد بن أبيه بالوصاة به، فسُرَّ بكتابها وأكرمه، وأقطعه نهر مرَّة بالبصرة. وإليه ينسب ذلك النهر. وله عقب بالبصرة. وأمَّا عبد الله بن أبي بكر فهو شقيق أسماء، أُمُّهما امرأة من بني عامر بن لؤي قَيلةُ. وكان إسلامه قديما ولم يسمع له بمشهد إلا شهوده الفتح وحنينا والطائف. وضرب يوم الطائف بسهم رماه أبو محجن الثقفيُّ، فمرض منه وانتقض عليه، فمات منه في أول خلافة أبيه. وذلك في شوال من سنة إحدى عشرة، ودُفن بعد الظهر، وصلى عليه أبوه، ونزل في قبره عمر وطلحة وعبد الرحمن أخوه. وكانت تحت عبد الله بن أبي بكر عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل أخت سعيد بن زيد أحد العشرة. وكانت خنساء جميلة ذات خلق بارع، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 116 فأُولع بها، وشغلته عن مغازيه. ومرَّ به أبو بكر، وهو يسير لصلاة الجمعة فسمعه، وهو يناغيها ثم رجع من الصلاة، وهو معها، فأمر بطلاقها، وعزم عليه في ذلك حتى طلَّقها، ثم تبعتها نفسه، فهجم عليه أبو بكر، وهو يقول: أعاتكَ لا أنساكِ مَا ذَرَّ شارقٌ ... وما ناح قُمْرِيُّ الحمام المطَوَّقُ فلم أرَ مِثْلي طَلَّقَ اليومَ مِثْلَها ... ولا مِثلهَا في غيْرِ جُرمٍ تُطَلَّقُ فأمره فأرجعها، وهي القائلة فيه، لمَّا مات عنها ترثيه: رُزئتُ بخير الناسِ بَعْد نبيهمْ ... وبَعْدَ أَبي بَكْرٍ، وما كان قصَّرا فآليت لا تَنفكُّ نفسي حزينةً ... عليْكَ لا تَنفكُّ جِلدي أغبْرَا فللهِ عينا مَن رأى مثلَهُ فتىً ... أكرَّ وأحمى في الهياج وأصْبرا إذا أُشرِعَتْ فيه الأسنةُ خاضَها ... إلى الموَتْ حتى يَتركَ الرمحَ أحْمَرا ثم تزوجها عمر بن الخطاب، فأولم عليها، ودعا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيهم عليُّ بن أبي طالب. فقال له: يا أمير المؤمنين، دعني أُكلِّك عاتك، قال: نعم. فأخذ عليُّ بجانب الخدر، ثم قال: يا عُديَ نفسها ألست القائلة: فآليتُ لا تنفكُّ نفسي حزينةً ... عليكَ ولا ينفكُّ جلْدِي أغْبَرا؟ فأجهشت بالبكاء، وعلا نحيبها. فقال عمر: ما دعاك إلى هذا يا أبا حسن؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 117 كلُّ النساء يفعلن هذا! ثم قتل عنها عمر، فرثته بما يأتي عند ذكره. وكان عمر يغار عليها، ويكره خروجها إلى المسجد، فلا يأمرها ولا ينهاها. مالك عن يحيى بن سعيد، عن عاتكة بن زيد بن عمرو بن نُفَيل امرأة عمر بن الخطاب أنها كانت تستأذن عمر بن الخطاب إلى المسجد فيسكت. فتقول: والله لأخرجنَّ إلا أن تمنعني فلا يمنعها. ورُوي أن عمر وضع يده في ليلة مظلمة على بعض جسدها، وهي سائرة إلى المسجد فرجعت من الطريق. ولم تشهد صلاة في المسجد، فسألها عمر عن ذلك، فقالت: يا أمير المؤمنين، فسد الناس، فقال لها: أنا فعلت ذلك بك، فقالت: يا أمير المؤمنين أخشى أن يفعله غيرك. ثمَّ تزوجها الزبير بن العوّام فقتل عنها يوم الجمل، ورثته بما أورده عند ذكره أيضا. ثم خطبها عليُّ بن أبي طالب بعد انقضاء عدَّتها من الزبير، فأرسلت إليه: إني لأضنُّ بك يا ابن عمِّ رسول الله عن القتل. وفيها قيل: من أراد الشهادة فعليه بزواج عاتك. وأما محمد بن أبي بكر فأمُّه أسماء بنت عُمَيْس بن مالك بن النعمان الخثعميَّة من خثعم. وخثعم اسمه أفتل بن أنمار بن نزار بن معدّ بن عدنان. وقيل: هو: أفتل بن أنمار بن أرابش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. وقد ذكرت الخلاف في ذلك عند ذكر نزار بن معدّ. وولدت أسماء محمد بن أبي بكر بالشجرة في حجة الوداع، عقب ذي القعدة. وأخوته لأمه بنو جعفر بن أبي طالب: عبد الله ومحمد وغوث، وتزوجها بعد أبي بكر الصديق عليُّ رضي الله عنه، فولدت له يحيى، فهو أيضا أخو محمد لأمه. وكفله عليُّ رضي الله عنه، لأنه كان ربيبه، وشهد معه الجمل، وكان على الرَّجَّالة يومئذ، وشهد معه صفين، وكان ممَّن حاصر عثمان، ولكنه لم يند بشيء من ذنبه. وولاه عليٌّ رضي الله عنه مصرة بعد أن سُمَّ الأشتر مالك بن الحارث النَّخعيُّ في العسل في بعض المنازل، وهو سائر إليها بولايته عليها. فلمَّا بلغ ذلك معاوية، قال: لليدين وللفم: إن لله جنودا منها العسل. قتل محمدا بمصر عمرو بن العاص. وروى شعبة وابن عُيينة، عن عمرو بن دينار قال: أُتي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 118 عمرو بن العاص بمحمد بن أبي بكر أسيرا فقال: هل معك عهد؟ هل معك عقد من أحد؟ قال: لا، فأمر به فقتل. وقيل: قتله معاوية بن حُدَيج السكونيُّ صبرا، وذلك سنة ثمان وثلاثين. ومعاوية بن خديج هذا هو الذي سألت عنه عائشة رضي الله عنها عبد الرحمن بن شُمّاسة. مسلم حدثني مروان بن سعيد الأيليُّ، قال: نا ابن وهب، قال: حدثني حرملة عن عبد الرحمن بن شماسة، قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء، فقالت: مِمَّن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر. فقلت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا شيئا، إن كان ليموت للرجل منا البعير فعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النَّفقة فيعطيه النفقة. فقالت أما إنه لا يمنعني ما فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أُخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: " اللهم من ولي من أمر أمَّتي شيئا فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فأرفق به ". وكان محمد يكنى أبا القاسم، وكان من نسَّاك قريش. قال محمد بن عمر الواقديُّ: حدثني عمر بن أبي عاتكة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أنَّ عائشة سمَّت محمد بن أبي بكر محمدا، وكنته أبا القاسم. وابنه القاسم بن محمد أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، يروى عن عمَّته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها. وقال مالك: كان القاسم بن محمد من فقهاء هذه الأمة. وقال يحيى بن سعيد الأنصاريُّ: ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضِّله على القاسم بن محمد. ومات سنة ثمان ومئة، قال ذلك يحيى بن معين. وقال الواقديُّ مات سنة اثنتي عشرة ومئة، وهو ابن سبعين، أو اثنتين وسبعين سنة. ومن موالي القاسم بن محمد سليمان بن بلال، وكان بربريا جميلا، وولي خراج المدينة، وحُمِل عنه الحديث. وتوفي بالمدينة سنة اثنتين وسبعين ومئة في صدر خلافة هارون الرشيد. وَوَلَدَ القاسم عبد الرحمن بن القاسم: وهو من شيوخ مالك، وكان من أفضل قريش. وقال مالك حين رأى ابنه يدخل ويخرج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 119 ولا يجلس، ما يُهوِّن هذا عليَّ إلاَّ أنَّ هذا الشَّأن لا يورَّث، وإن أحدا لم يخلف أباه في مجلسه إلا عبد الرحمن بن القاسم. ومات عبد الرحمن سنة ستَّ وعشرين ومئة. وأما بنات أبي بكر وهنَّ ثلاث، فقد تقدَّم ذكر عائشة منهن في أزواج النبي عليه السلام. ويأتي ذكر أسماء عند ذكر الزبير. والثالثة أمُّ كلثوم مات أبو بكر وأمُّها حامل بها، هو القائل في مرضه الذي مات منه: إنَّ ذا بطن بنت خارجة قد ألقِيَ في خَلَدي إنها خارجة. فكانت كذلك جارية وُلدت بعد موته. وأُمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي بن مالك بن امرئ القيس بن مالك الأغرِّ بن ثعلبة بن كعب بن الخزرح بن الحارث بن الخزرح الأنصاريِّ. وخارجة أبوها شهد العقبة وبدرا، وقُتل يوم أُحد شهيدا، ودُفن هو وسعد بن الربيع في قبر واحد، وكان ابن عمه، وذلك كان الشأن في قتلى أُحد؛ دَفْنَ الاثنين والثلاثة في قبر واحد. وابنه زيد بن خارجة، هو الذي تكلم بعد الموت، وهو من الصحابة. وخبره مشهور رواه يحيى بن سعيد النصاريُّ، عن سعيد بن المسَّيب. آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خرجة بن زيد وبين أبي بكر الصديق حين آخى بين المهاجرين والأنصار، وتزوج ابنته حبيبة بعد أبي بكر خُبيب بن أساف ويقال: ابن يساف الأنصاريُّ الخزرجيُّ. وشهد خُبيب بدرا وأُحدا والخندق والمشاهد كُلَّها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومات في خلافة عثمان، وهو جدُّ خُبيب بن عبد الرحمن بن خُبيب بن يَسَاف شيخ مالك. وخُبيب بن يساف هو الذي قتل أمية بن خلف فيما ذكروا. وقال مسلم بن الحجاج: خبيب جدُّ خبيب بن عبد الرحمن، له صحبة. وتزوج أمَّ كلثوم بنت أبي بكر الصديق طلحة بن عبيد الله، فولدت له زكرياء وعائشة ابني طلحة. وقد كان عمر بن الخطاب خطبها إلى عائشة. فانعمت له بذلك، فكرهته أمُّ كلثوم، وبكت فأعلمت بذلك عائشة عمرو بن العاصي، فردَّ عمر عنها بمكيدة حسنة. والخبر بذلك مشهور رضي الله عن الجميع. وخبر عائشة بنت طلحة يأتي عند ذكر مصعب بن الزُّبير بعد إن شاء الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 120 وأُمُّ أبي بكر رضي الله عنه أمُّ الخير، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعيد بن تميم بنت عم أبي قُحافة. قال الزبير بن بكَّار؛ كانت من المبايعات، بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن دأب: أمُّ أبي بكر الصديق رضي الله عنه أمُّ الخير عند اسمها. وأسلم أبو قحافة يوم فتح مكة، وهو شيخ كبير وأتى به النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وهو يقوده، وقد كفَّ بصره، وذلك حين دخل المسجد يوم الفتح فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " هلاّ تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه ". قال أبو بكر يا رسول الله هو أحقُّ أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ثم مسح صدره ثمَّ قال له: أسلم، فأسلم. فدخل به أبو بكر وكانَّ رأسه ثغامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غيِّروا هذا من شعره ". والثَغام: شجر زهره أبيض، يشبه به الشَّيب. مسلمُ: حدثني أبو الطاهر قال: حدثني عبدُ الله بن وهْب، عن ابن جُريحٍ عن أبيْ الزُّبير، عن جابر بن عبدِ الله، قال: أُتيَ بأبي قُحافَةَ يوم فتح مكة، ورأسُه ولحيتُه كالثَغامَةِ بياضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غيِّروا هذا بشيء واجْتَنبوا السَّوادَ ". ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجَّتْ مكةُ، فسمعَ ذلك أبو قُحافةَ، فقال: ما هذا؟ فقيل له: مات رسول الله، فقال: أمْرٌ جَلَل، فَمنْ وَليَ الأمر بعْدَه؟ قالوا: ابنُكَ أبو بكر. فقال: هل رضيتْ بذلك بنو عبدِ مناف وبنو المغِيِرة؟ قالوا: نعم. قال: لا مانعَ لِما أَعطى اللهُ ولا مُعطي لما مَنعَ اللهُ. وكانتْ وفاةُ ابنهِ أبي بكر قبلَه، فوَرِثَ مِنْه السُّدسَ، فَردَّه على ولدِ أبي بكر. وأبو قُحَافَةَ أثقلُ الناس ميزاناً يومَ القيامةِ بَعْدَ الأنبياء، لأنَّ أبا بكر في ميزانهِ. ومات أبو قُحافَةَ سنة أربعَ عشرةَ، وهو ابن سَبْعٍ وتسعين سَنةً في خلافة عُمرَ رضيَ الله عنه. وأَعْتَق أبو بكر رضيَ الله عنهُ سَبْعَ رقابٍ كُلهُّم يُعذَّب في الله، وهم: بلالٌ وعامرُ بن فُهَيْرَةَ وأُمُّ عُبيس وزُنَيّرةُ فأصيبَ بصرُها حين أعتقَها، فقالت قريش: ما أذْهب بصرَها إلا اللاًّتُ والعُزَّى. فقالت: كذبوا وبيت الله، ما تضرُّ اللات والعزَّى ولا تنفعان. َفردَّ اللهُ إليها بصرها. وأعتق النَّهديَّة وابنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، وجارية بني المؤمَّل، حيّ من بني عديِّ بن كعب، وكانت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 121 مسلمة، وكان عمر بن الخطَّاب يعذبها لتترك الإسلام، وهو يومئذ مشرك. فأمّا بلال: فهو بلال بن رباح، وكان اسم أمِّه حمامة. وكان، رضي الله عنه، صادق الإسلام، طاهر القلب، شحيحا على دينه، وعُذِّب في الله كثيرا فصبر. وقال محمد بن عبد السلام الخُشنيُّ: حدثنا أبو موسى محمد بن المثنَّى العنزيُّ الزَّمِن: نا يحيى بن أبي بُكَيرة: نا زائدة عن عاصم، عن زر عن عبد الله، قال: كان أول من أظهر الإسلام سبعة: رسول الله وأبو بكر وعمَّار وأمُّه سُميَّة وصهيب والمقداد وبلال. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمِّه أبو طالب. وأمَّا أبو بكر فمنعه الله بقومه. وأمَّا سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس. فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان. فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحدٌ أحد. وقال الحافظ أبو الحسن: عليُّ بن عمر الدَّارقُطنيُّ: روى عن بلال جماعة من الصحابة منهم: أبو بكر الصدِّيق، وعمر بن الخطاب، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، وغيرهم. وقال غيره: وروى عنه كبار تابعي المدينة والشام والكوفة. قال عمر رضي الله عنه: كان أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا يعني بلالا. وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: " يا بلال دخلتُ الجنة فسمعتُ بها خَشْفا، قال: والخَشْف. الوطء والحشُّ. فقلت: " من هذا؟ قيل: بلال ". قال: وكان بلال إذا ذكر ذلك بكى. وكان أمية بن خلف ممَّن يوالي على بلال العذاب والمكروه، فكان من قدر الله أن قُتل على يدَي بلال، حرَّض عليه الأنصار حين رآه أسير عبد الرحمن بن عوف حسبما أتى في السيرة لابن إسحاق. فقال أبو بكر رضي اله عنه أبياتا منها: هنياً زادَكَ الرحمنُ خيراً ... فقد أدْركْتَ ثارَكَ يا بلالُ وكانت له أخت تسمى غفرة. وهي مولاة عمر بن عبد الله مولى غُفرة المحدِّث المصريِّ. وكان فيما ذكروا، آدم شديد الأُدَمَة، نحيفا طُوالا، خفيف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 122 العارضين. وكان بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يُنفق له، ويأذن عليه. فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يخرج إلى الشام، فقال له أبو بكر: بل تكون عندي. فقال: إن اعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنتَ أعتقتني لله عزَّ وجل فذرني أذهب إلى الله عزَّ وجلَّ. فقال: اذهب. فذهب إلى الشام، وكان بها حتى مات. وأذَّن مرَّة واحدة لعمر بالشام، فبكى عمر، وبكى المسلمون. وكان بلال من مُولَّدي مكة مولى لبعض بني جُمَح، وأصله من الحبشة. وقال المدائنيُّ: كان بلال من مولَّدي السَّراة، ومات بدمشق، ودُفن عند الباب الصغير بمقبرتها سنة عشرين، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وقيل: توفي وهو ابن سبعين سنة. ويقال: كان تِرْبَ أبي بكر رضي الله عنهما، وكان ديوانه، في خَثْعم، لأن النبيَّ عليه السلام آخى بينه وبين أبي رُويحَة الخَثعَميِّ. واسم أبي رُوَيحة عبد الله بن عبد الرحمن وعداده في الشاميين وروي أن أبي رويحة أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعقد لي لواء وقال: " اخرج فنادِ: من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن ". وأمَّا عامر بن فُهيرَة فكان مُوَلَّدا من مُوَلَّدي الأزد، أسود اللون، مملوكا للطُّفيل بن عبد الله بن سَخْبَرَة الأزدي. فأسلم وهو مملوك، فاشتراه أبو بكر من الطُّفَيل فأعتقه، وأسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وقبل أن يدعو فيها إلى الإسلام. وكان حسِن الإسلام، وكان رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في هجرتهما إلى المدينة. وشهد بدرا وأُحُد ثم قُتل في يوم بئر مَعُونَة شهيدا، وهو ابن أربعين سنة، قتله عامر بن الطُّفيل. ويروى عنه أنه قال: رأيت أول طعنة طعنتها عامر بن فُهيرة نورا خرج منها. وذكر ابن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: لما قدم عامر بن الطُّفَيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: مَن الرجل الذي لما قُتل رأيته رُفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونه ثم وضع؟ فقال: " هو عامر ابن فُهيرة ". وروى الزُّهريّ عن عروة، قال: طُلب عامر بن فُهيرة يومئذ في القتلى فلم يوجد قال عروة: فيروون أن الملائكة دفنته أو رفعته. ومن موالي أبي بكر صفيَّة أمُّ محمد بن سيرين. وكان سيرين أبو محمد عبدا لأنس بن مالك كاتبته على عشرين ألفا وكان من سبيِّ مَيسان، وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 123 المغيرة اقتحمها. ويقال: كان من سبيِّ عين التمر، وكانت أمُّه صفيَّة طيَّبها ثلاث من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعون لها وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريا. فيهم: أُبَي بن كعب يدعوهم يؤمنون. وكان سيرين يُكنَّى أبا عُمرة، وولد سيرين محمدا ويحيى ومعبدا، وهو أسنُّ من محمد، وأنساً. وكان لسيرين بنات منهن: عمرة وحفصة. وروي عن حفصة الحديث. وكان محمد بزَّازا، ويكنَّى أبا بكر، وكان أصمَّ. وولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان. قال ذلك أنس بن سيرين. قال: وولدتُ لسنة بقيت من خلافته. وتوفي محمد سنة عشر ومئة بعد الحسن بمئة يوم، وهو ابن سبع وسبعين سنة. وقال الأصمعيُّ: الحسن سيِّد سمح. وإذا حدَّثك الأصمَّ يعني ابن سيرين فاشدد يديك به، وقتادة حاطب ليل. وفاة أبي بكر رضي الله عنه. قال ابن إسحاق: توفي يوم الجمعة لتسع ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وتسع ليال. وقال غيره من أهل السير: إنه مات عشيَّة يوم الاثنين، وقيل: ليلة الثلاثاء، وقيل: عشيَّ يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة، هذا قول أكثرهم. وأوصى أن تغسِّله أسماء بنت عُميس زوجته، فغسَّلته، وصلَّى عليه عمر بن الخطاب، " ونزل في " قبره عمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن أبي بكر. ودُفن ليلا في بيت عائشة مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورضي عن أبي بكر، وعمر ثلاثا وستين سنة، وهو الصحيح. استوفى بخلافته سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قاضيه: عمر بن الخطاب، وهو أول قاضي في الإسلام. قال له أبو بكر: اقضي بين الناس، فإني في شغل. وأمَرَ ابن مسعود بعسّ المدينة. كُتَّابه رضي الله عنه: عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن الأرقم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 124 حُليَتُهُ: وصفته عائشة، فقالت: كان أبيض نحيفا، خفيف العارضين، أجنَّا، لا يستمسك إزاره، يسترخي عن حَقَوَيه معروق الوجه، غاير العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع. وقالت أيضا: كان يصبغ بالحنَّاء والكتم. وكان سبب موته إنه اغتسل في يوم بارد فحمّ، فمرض فمات. وكان مرضه خمسة عشر يوما، وكان عمر يصلي بالناس حين ثَقُل. بل كان فيه طرف من السِّل. وقال أبو اليقظان، عن سلام بن أبي مُطيع، أنه مات مسموما، فالله أعلم. وكان نقش خاتمه: " نعم القادر الله " فيما ذكر الزبير بن بكَّار. وقال غيره: كان نقش خاتمه " سجد عبد ذليل لربٍّ جليل ". وروى الزَّهريُّ عن عروة، عن عائشة: أن أبا بكر لم يقل بيت شعر في الإسلام حيَّى مات، وأنه كان حرَّم الخمر على نفسه هو وعثمان رحمهما الله. وروي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: دخلتُ على أبي بكر الصديق رحمة الله عليه في علَّته التي مات فيها يوما، فقلت: أراك بارئا يا خليفة رسول الله. فقال: أما إنِّي على ذلك لشديد الوجع، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشدُّ عليَّ من وجعي، إنِّي ولَّيت أموركم خيركم في نفسي، فكلَّكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، والله لتتخذنَّ نضائد الدِّيباج، وستور الحرير، ولَتألُمنَّ النوم على الصوف الأذريَّ كما يألم أحدكم النوم على حَسَك السَّعَدان، والذي نفسي بيده لئن يَقدَّم أحدكم فتُضرب عنقه في غير حدٍّ خير له من أن يخوض غَمَرات الدُّنيا، يا هادي الطريق، جُرتَ، إنَّما هو الفجر أو البحر. فقلت: خفِّض عليك يا خليفة رسول الله، فإنَّ هذا يهيضك إلى ما بك، فوالله ما زلت صالحا مُصلحا لا تأسى على شيء فاتك من الدنيا. ولقد تخلَّيت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 125 وقال أبو بكر الصديق لعمر الفاروق رضي الله عنهما عند موته: إنِّي مُستخلفك من بعدي، وموصيك بتقوى الله. إن لله عملا بالليل لا يقبله بالنهار، وعملا بالنهار لا يقبله بالليل. ولا يقبل نافلة حتى تُؤدَّى فريضة، وإنما ثَقُلت موازين من ثَقُلت موازينه باتِّباعهم الحقَّ وثقله عليهم. وحُقَّ لميزان لا يوضع فيه إلا الحقَّ أن يكون ثقيلا، وإنَّما خفَّت موازين من خفَّت موازينه يوم القيامة باتِّباعهم الباطل في الدنيا وخفَّته عليهم. وحقَّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا، وإن الله ذكر أهل الجنَّة، فذكَّرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم. فإذا سمعت بهم قلت: أخاف أن لا أكون من هؤلاء. وذكر أهل النار بأقبح أعمالهم، وأمسك في حسناتهم حين لم يقبلها منهم، فإذا سمِعت بهم قلت، أنا خير من هؤلاء. وذكر آية الرحمة مع آية العذاب ليكون العبد راغبا راهبا ولا يتمنى على الله تعالى غير الحقَّ، حفظتَ وصيَّتي فلا يكوننَّ غائب أحبَّ إليك من الموت وهو آتيك، وإن ضيَّعتها فلا يكوننَّ غائب أبغض إليك من الموت ولن تعجزه. ويروى أنه لما توفي أبي بكر رضي الله عنه استرجع على بن أبي طالب رضي الله عنه وجاء مسرعا باكيا، وقال: رحمك الله أبا بكر، كنتَ والله أول القوم إسلاما، وأكملهم إيمانا، وأشدَّهم يقينا، وأخوفهم وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشبههم به هديا وخُلُقا وسمتا وفضلا، وأكرمهم عليه وأوثقهم عنده. فجزاك الله عن الإسلام خيرا. صدقت رسول الله حين كذَّبه الناس، فسمَّاك الله تعالى في كتابه صدِّيقا، فقال تعالى:) والذي جاء بالصدق وصدَّق به أولَئك همُ المتَّقون (وآسيته حين تخلَّفوا، وقمت معه حين قعدوا. وصحبته في الشدَّة حين تفرَّقوا، وأكرم الصحبة ثاني اثنين، وصاحبه في الغار، ورفيقه في الهجرة، والمُنزَّل عليه السكينة، وخلفته في أمَّته بأحسن الخلافة؛ فقويتَ حين ضعُف أصحابك، وبررت حين استكانوا، وقُمتَ بالمر حين فشلوا، ومضيت بقوة إذ وقفوا. كنتَ أطولهم صمتا، وأبلغهم قولا، وأشجعهم قلبا، وأحسنهم عملا. كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ضعيفا في بدنك قويا في أمر ربِّك، متواضعا في نفسك عظيما عند الله، محبوبا عند السماوات والأرض. فجزاك الله عنَّا وعن الإسلام خيرا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 126 أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب/ ابن نُفَيل بن عبد العُزَّى بن عبد الله بن قُرط بن رياح بن رزاح بن عديِّ ابن كعب بن لُؤَيِّ بن غالب بن فهر. وقيل، عبد العزَّى بنُ قُرْطِ بن رياح بن عبد الله بن رزاح بن عديٍّ. وقيل: عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قُرطِ ابن رزاح بن عدي. يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤيِّ، وهو عَدَيِّ. وعَدِيِّ الذي ينتسب إليه عمر عَمُّ تيمٍ الذي ينتسب إليه أبو بكر. وأمُّ عمر حنْتَمةُ بنتُ هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بنتِ عمِّ أبي جهل. ومن قال: إنها بنتُ هشام بن المغيرة أختُ أبي جهلٍ فقد أخطأ. أسلم عمر قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم، وهو مستخفٍ فيها مع تسعةٍ وثلاثين رجلاً من المسلمين، فأتم اللهُ به أربعين رجلاً بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللَّهمَ أيَّدِ الإسلامَ بعمرِ بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام ". فسبقت الدعوة لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه. وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبش. وكان رجلاً ذا شكيمة لا يُرامُ ما وراء ظهره، فامتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى عَازُّوا قريشاً. وقال البَكَّائيُّ، وهو زيادُ بنُ عبد الله: نا مِسّعَرُ بن كدامٍ، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوفٍ، قال: قال عبد الله بن مسعودٍ: إن إسلام عُمر كان فتحاً، وإن هجرته كانت نصراً، وإن إمارته كانت رحمْةً. ولقد كنا وما نصلِّي عند الكعبة حتًى أسلم عُمر. فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلِّى عند الكعبة، وصَلَّينا معه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 129 قال ابنُ إسحاق: حدَّثني نافعُ مولى عبد الله بن عمر، عن ابن عمر قال: لمَّا أسلم أبي عمُر، قال: أيُّ قريش أنقل للحديث؟ قال: قيل له: جميلُ بن معمر الجمحيُّ، قال: فغدا عليه. قال عبد الله بنُ عُمر: وغدوتُ أتبع أثرهُ، وأنظرُ ما يفعلُ، وأنا غلامُ أعقلُ كلً ما رأيت حتًى جاءه، فقال له، أعملت يا جيل أني أسلمتُ ودخلتُ في دين محمّد؟ قال: فوالله ما راجعهُ حتى قام يجرُّ رداءهُ، واتَّبَعهُ عُمَرُ، واتَّبَعْتُ أبي حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، وهم في أنديتهم حول الكعبة، ألا إن ابن الخطاب قد صبأ قال: يقول عمر بن خلفه: كذب ولكني قد أسلمت، وشهدتُ أن لا إله إلا الله وحده، وأنَّ محمداً عبد ورسوله، فثاروا إليه، فما برح يُقاتلُهم ويقاتلونه، حتى قامت الشمس على رؤوسهم. قال: وطلح فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن، لو كنَّا ثلاثمئةِ رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا. قال: فبنما هم على ذلك إِذ أقبل شيخ من قريشٍ غليه حُلَّةُ حبرة وقميص موشي حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر. قال: فمه، رجل اختار لنفسه أمراً، فماذا تريدون؟ أترون بني عديِّ بن كعب يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟ خلوُّا عن الرجل. قال: فوالله لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه. قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت: من الرجل زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟ قال: ذاك " أي بُني " العاص بن وائلٍ السَّهميُّ. قال بن هشام: وحدَّثني بعض العلم أنه قال: يا أبت من الرجل الذي زجر عنك القوم وهم يقاتلونك، جزاه الله خيراً؟ قال: ذلك، أي بنيَّ، العاصي ابن وائلٍ لا جزاه الله خيراً. وعن ابن عُمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب صدر عمر بن الخطاب حين أسلم ثلاث مرَّات وهو يقول: " اللهمَّ أَخرج ما في صدره من علَّ أبْدِلْهُ إيماناً " يقولها ثلاثاً. وقال ابن مسعودٍ: مازلنا أعزَّةً منذ أسلم عمر. وعن ابن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 130 وروى أبو سلمة عن عائشة وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قد كان في الأمم قبلكم مُحدَّثون فإن يكن في هذه الأمة أحد فعمر بن الخطاب ". وروى عقبة) عامر (وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو كان بعدي نبيي لكان عمر ". مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يُكلِّمْنَهُ ويستَكثِرْنه، عالية أصواتهنَّ، فلما أستأذن قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنَّك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عجبتُ من هؤلاء اللائي كنَّ عندي، فلما سمعْن صوتكَ ابتدرْنَ الحجابَ ". قال عمر: فأنت يا رسول الله أحقُّ أن يهبن. ثم قال عمر: أي عدوَّات أنفسهنَّ، أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟ قلن: نعم أنت أغلظ وأفَظَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده ما لقيكَ الشيطانُ قطُّ سالكاً فجُّاً إلا سلكَ فجَّاً غيرَ فجِّكَ ". وروى يونس عن ابن شهاب، عن سالم وحمزة ابني عبد الله بن عمر، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا أنا نائم أُتيت بقدح لبن فشربت حتى رأيت الريَّ من أظافري، ثم أعطيت فضلى عمر. قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: " العلم ". وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أن النبيَّ عليه السلام رأى على عمر قميصاً أبيض، فقال: " أجديدُ قميصُكَ هذا أم غَسيلُ؟ " فقال: بل غسيلُ فقال: " البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً، ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة " قال: وإياك يا رسول الله.. وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " رأيتُ في النام أني أنزعُ بدلوِ بَكْرةٍ على قَليب، فجاء أبو بكر فنزع ذَنوباً أو ذَنوبين نزعاً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 131 ضعيفاُ، يغفر له. ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً، فلم أر عبقرياً يفري فريه، حتى روي الناس وضرب بعطن ". وروى سفيان بن عيينة عن عمر بن ديارٍ، عن جابرٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " دخلتُ الجنةَ فرأيتُ فيها داراً أو قال: قصراً، وسمعتُ فيه ضوضاء. فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لرجالٍ لقريش، فظننتُ أني أنا هو. فقلت من هو؟ فقيل: عمر بن الخطاب. فلولا غيْرتُك يا أبا حفصٍ لدخلته. " فبكى عمر، وقال عليكَ يُغارُ؟ أو قال أغار يا رسول الله؟ وروى ابن شهابٍ عن أبي أمامه بن سهل بن حنيف، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بيناً أنا نايمُ والناسُ يُعْرضون عليِّ وعليهم قُمُصُ، فمنها ما يبلغُ إلى الثُديِّ، ومنها ما دون ذلك. وعُرِضَ عليَّ عمر ُبن الخطاب ولعيه قميصُ يجرُّه ". قالوا: فما أوَّلت يا رسول الله؟ قال: " الدين ". ونزل القرآن بموافقته في أسرى بدرٍ وفي الحجاب وفي مقام إبراهيم. فأما أسرى بدرٍ أبا بكر أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منهم الفداء وأشار عمر أن تُضرب أعناقُهم، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، ولم يهو ما قال عمر. ونزل القرآن بقول عمر:) ما كان لنبٍّي أن يكونَ له أسرى حتى يثخنَ في الأرض (، إلى آخر الآيات. وأحل الله الغنيمة له. خرَّج هذا الحديث مسلم كامل القصة، وأخرجه الترمذيُّ مختصراً. وأما قصَّة الحجاب، فإن عمر كان يقول: يا رسول الله، احجب نساءك فإنه يدخل عليك المنافق والمرتاب. فأنزل الله آية الحجاب. وقال ابن عباس: نزلت آية الحجاب في الثُّقلاء قال المؤلف، غفر الله له: " ثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج زينب بنت جحش حين دعاهم إلى وليمتها. فلما طعموا خرج بعضهم وبقي بعض لم يبرح من البيت. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رجع وهم في البيت. فنزلت آية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 132 الحجاب. فحجب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء ". خرَّج هذا الحديث الترمذيُّ عن أنس. وأما قصة مقام إبراهيم فقال الترمذيُّ: حدَّثنا أحمد بن منيع: نا هُشيم، أنا حُميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلىًّ. فنزلت:) واتخذوا من مقام إبراهيم مصلىًّ (. وقال مسلم: حدثنا عقبة بن مكرم العمِّيُّ قال: نا سعيد بن عامر قال: جويرية بن أسماء: أنا نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: وافقت ربيِّ في مقام إبراهيم وفي أسارى بدرٍ: وقال علي رضي الله عنه: ما كنا نبعد أنَّ السكينة تنطق على لسان عمر. مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمير ومحمد بن العلاء أبو كريب قال ابن العلاء: نا أبو معاوية قال: نا الأعمشُ عن شفيقٍ، عن حذيفة قال: كنا عند عمر فقال: أيُّكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة كما قال؟ فقلت: أنا. قال إنك لجرىء، وكيف؟ قال: قلت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فتنةُ الرجل في أهلهِ ومالهِ ونفسهِ وولدهِ وجارهِ يكفرها الصيامُ والصلاةُ والصدقة والأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر ". فقال عمر: ليس هذا ما أريدُ، إنما أريدُ الذي تموج كموج البحر. قال: فقلت: مالك ولها يا أمير المؤمنين؟ إنَّ بينك وبينها باباً مغنماً. قال: فقلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم، كما يعلم أن دون غدٍ الليلة. إني حدثته حديثاً ليس بالأعاجيب. قال:.. إن نسأل حذيفة من الباب؟ فقلنا: ... وخرَّج هذا الحديث البخاريُّ. وقال ابن مسعودٍ: لو وضع علم أحياء العرب في كفة الميزان، ووضع علم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 133 عمر لرجح علم عمر. ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم. ولمجلس كنت أجلسه من عمر أوثق في نفسي من عمل سنةٍ. وعن الفضل بن العباس ... قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عمر معي مع عمر، والحقُّ بعدي مع عمر حيث كان ". وقال الشعبُّي: من سرَّه أن يأخذ بالوثيقة في القضاء فليأخذ بقضاء عمر، فإنه كان يستشير. وحدَّث إسماعيل بن إسحاق القاضي قال: نا علي بن الدينَّي قال: نا حسين بن عليٍّ عن زائدة بن قدامة، عن عبد الملك بن عمير قال: حدثني أبو بردة وأخي عن عوف بن مالك الأشجعيِّ أنه رأى في المنام كأنَّ الناس جمعوا فإذا فيهم رجل فرعهم، فهو فوقهم.. أذرع. قال: فقلت: من هذا؟ قالوا: عمر. قلت: لم؟ قالوا: لأن فيهم ثلاث خصالٍ: لأنه لا يخاف في الله لومة لائم، وأنه خليفة مستخلف، وشهيد مستشهد. قال: فأتى أبا بكر فقصَّها عليه فأرسل إلى عمر فدعاه ليبشِّره. قال: فجاء عمر فقال لي: اقصص رؤياك. فلما بلغت " خليفة مستخلف " زبرني عمر وانتهرني وقال: اسكت، تقول هذا وأبو بكرٍ حيِّ؟ قال: فلما كان بعد، وولي عمر، مررت بالشام وهو على المنبر، قال: فدعاني وقال: اقصص رؤياك فقصتها. فلما قلت: إنه لا يخاف في الله لومة لائمٍ قال: إني لأرجو أن يجعلوا الله منهم. قال: فلما قلت " خليفةُ مستخلفُ " قال: قد استخلفني الله، فسلهُ أن يُعينني على ما ولاني. فلما أن ذكرت " شهيد مستشهد " قال: أني لي بالشهادة وأنا بين أظهركم تغزون وأنا لا أغزو؟ قال: بلى يأت الله بها إن شاء. فأتى الله بها أنى شاء. عوف بن مالك صاحب رؤيا عمر من مشاهير الصحابة، خرج عنه مسلم وغيره وقد مضى ذكره ما روى ومن روى عنه في " أشجع " من قيس عيلان بن مضر بن نزار. واستخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما في اليوم الذي توفِّى فيه. وعهد بذلك. دعا عثمان بن عفان، وكان من كتابه فقال: اكتب " بسم الله الرحمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 134 الرحيم هذا ما عهد به أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخره أيامه من الدنيا وأول أيامه من الآخرة في الساعة التي يؤمن فيها الكافر ويتَّقي فيها الفاجر إني استخلفت عليكم " قال عثمان: فأصبته غشيته فخشيت أن يموت فكتبت عمر. فلما أفاق من غشيته قال: ما كتبت؟ قلت: عمر. قال: أصبت ولو كتبت غيره للمتك، ولو كتبت نفسك لكنت أهلاً لذلك. ثم قال: اكتب " أني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن برَّ وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه. وإن جار وظلم فالله حسيبه ولا علم لي بالغيب. والخبر أردت، ولكلِّ امرئ ما اكتسبت، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ مُنقلَبٍ ينقلبون ". وقال عبد الله بن مسعود: أصحُّ الناس فراسةًّ ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: أكرمي مثواه، وابنه شعيبٍ حين قالت: استأجره، إن خير من استأجره القومي الأمين، وأبو بكرٍ حين اسخلف عمر بن الخطاب. وفي أيام عمر تتابعت الفتوحات بالشام والعراق ومصِّرت الأنصار، ودونت الدواوين، ورتِّبت الناس على سوابقهم، وأرخ التاريخ من الهجرة. الطبري: حدثني محمد بن إسماعيل قال: نا أبو نعيم قال: نا حبَّان بن عليٍّ العنزيُّ عن مجالد عن الشَّعبيِّ قال: كتب أبو موسى الأشعريُّ إلى عمر أنه تأتينا منك كتب ليس تاريخ. قال: فجمع عمر للمشورة. فقال بعضهم: أرِّخي لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: لا بل نؤرِّخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مهاجرة فرق بين الحقِّ والباطل. وقال: حدثني محمد بن إسماعيل قال: نا سعيد بن أبي مريم قال: نا يعقوب بن .... قال: حدثني محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عباس. قال: كان التاريخ في السَّنة التي قدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها ولد عبد الله بن زبير. وقال الزُّهريُّ والشعبيُّ: أرَّخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم إلى البيت حين بناه إبراهيم وإسماعيل، ثم أرَّخ بنو إسماعيل من بنيان البيت حتى تفرَّقت. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 135 وكان كلما خرج قوم من تهامة أرَّخوا مخرجهم. ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يؤرخون من خروج سعدٍ ونهدٍ وجهينة بن زيد من تهامة حتى مات كعب بن لؤي فأرَّخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل. فكان التاريخ من الفيل حتى أرَّخ عمر بن الخطاب من الهجرة، وذلك سنة سبع عشرة أو ثمان عشر. الطبري: حدثني محمد بن إسماعيل قال: لا أبو نعيم الفضل بن دكين عن الأسود بن يزيد، عن عبيد بن عمير قال: إن المحرم شهر الله تبارك وتعالى وهو رأس فيه يكسى البيت ويؤرَّخ التاريخ، ويضرب فيه الورق. وفيه يوم كان تاب فيه قوم، فتاب الله عليهم. وقال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: نا نعيم بن حمَّاد، قال: نا الدَّراورديُّ عن عثمان بن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت سعيد بن المسَّيب يقول: جمع الناس فسألهم فقال: من أي يوم نكتب؟ فقال عليَّ: من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك أرض الشِّرك، ففعله عمر رحمه الله. وقدم التاريخ على الهجرة، وذلك أن أول السنة المحرَّم. فبين التاريخ وهجرة شهران واثنا عشر يوماً. وهو أول من تسمَّى بأمير المؤمنين. وذكر الزبير بن بكار قال: قال عمر لما ولي: كان أبو بكر يقال له خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يقال لي: خليفة خليفة؟ يطول هذا! قال: فقال المغيرة بن شعبه: أنت أميرنا ونحن المؤمنون، فأنت أمير المؤمنين. قال: فذاك إذن. وحدث أبو بكر بن سليمان بن أبي حيثمة قال: حدثتني الشفاء، كانت من المهاجرات الأول وكانت جده أبي بكر أم أبيه، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل العراق أن ابعث إلي رجلين جليدين نبيلين أسألهما عن العراق وأهله. فبعث أليه عامل العراق لبيد بن ربيعة العامري وعديَّ بن حاتم الطائيَّ. فلما قدما المدينة أناخا راحلتيهما بفناء المسجد ثم دخلا المسجد فإذا هما بعمرو بن العاصي، فقالا له: أستأذن لنا على أمير المؤمنين يا عمرو. فقال عمرو: أنتما والله أصبتما اسمه، نحن المؤمنون وهو أميرنا. فوثب عمرو فدخل على عمر فقال له: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال عمر: ما بدا لك في هذا الاسم، يعلم الله لتخرجن مما قلت. قال: إن بيد بن ربيعةَّ وعديَّ بن حاتم قدما فأناخا راحلتيهما بفناء المسجد، ثم دخلا المسجد وقالا لي: أستأذن لنا يا عمر على أمير المؤمنين، فهما والله أصابا اسمك، أنت الأمير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 136 ونحن المؤمنون. قال: فجرى الكتاب من يومئذ. وفي أيامه اختطَّت البصرة، اختطَّها عتبة بن غزوان وبويع له بالخلافة يوم مات أبو بكر باستخلافه له سنة ثلاث عشرة، فسار أحسن سيرة، وأنزل نفسه بالمال الله بمنزلة رجل من الناس، وكان لا يخاف فالله لومة لائم. وهو الذي نور شهر الصيام بصلاة الإشفاع. وهو من المهاجرين الأولين. وشهد بدراً وبيعة الرِّضوان، وكل مشهدٍ شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ، وهو أول من اتَّخذ الدِّرَّة. وكان عمر رضي الله عنه مهيباً متواضعاً متقشفاً في اللباس والطعام مع وجود الليِّن منهما بترادف الفتوحات عليه، مسدَّد القول، موفقاً للصواب فيما يقضي ويفعل. فمن ذلك رسالته في القضاء إلى أبي موسى الأشعري، وهي التي جمع فيها جمل الأحكام، وأختصرها بأجود الكلام. وجعل الناس بعده يتخذونها إماماً، ولا يجد محق عنها معدلاً ولا ظالم عن حدودها محيطاً. وهي: بسم الله الرحمن الرحيم. من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. أما بعد، فأن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة. فافهم إذا أدلي إليك، وانفذ إذا تبين لك، فإنه لا ينفع التكلم بحقًّ لا نفاذ له. أس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع الشريف في حيفك، ولا ييأس الضعيف بن عدلك. البيَّنة على من ادَّعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلى صلحاً أحل حراماً أو حرَّم حلالاً. لا يمنعنَّك قضاء قضيته اليوم فراجعة فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، والرجوع إلى الحق خير من التَّمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا في سنَّةٍ. ثم اعرف الأشباه والأمثال؛ فقس الأمور عند ذلك، واعمل إلى أقربها إلى الله وأشبهها بالحق واجعل لمن ادَّعى حقاً غابئاً أو بيِّنةً، أمداً ينتهي إليه فإن أحضر بيِّنة أخذت له بحقه، وإلا استحللت القضَّية عليه، فإن ذلك أجلى للشك وأنفى للعمى، والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلى مجلوداً في حدٍّ أو مجرباً عليه شهادة زور أو ضنيناً في ولاء أو نسب فإن الله تولى منكم ... درأ بالبينات والأيمان. وإياك والقلق والضجر والتأدِّي بالخصوم والتنكر عند الخصومات؛ فإن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 137 الحق في موطن الحقِّ يعظم الله به الأجل ويحسن عليه الذخر. فمن صحته نيته واقبل على نفسه كفاه الله ما بينه الناس، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنَّه ليس من نفسه شأنه الله، فما ظنك لثواب الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته؟ والسلام ". وما جاء في تقشُّفه وتواضعه وحدِّه وسداد قوله رضي الله عنه مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاريِّ أنه قال: قال أنس ابن مالك: رأيت عمر بن الخطاب، وهو يومئذ أمير المؤمنين، وقد رقع بين كتفيه برقاع ثلاث، لبَّد بعضها فوق بعض. مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة. عن أنس بن مالك قال: رأيت عمر بن الخطاب وهو يومئذ أمير يطرح له صاع من تمر، فيأكله حتى يأكل حشفها. مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أدرَّك جابر بن عبد الله، معه حمَّال لحم فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم، فاشتريت بدرهم لحماً. فقال عمر ألا يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو أبن عمِّه؟ أين تذهب عنكم هذه الآية:) أذهَبْتُمْ طيِّباتِكم في حياتِكم الدُّنيا واستمتُعتم بها (؟ مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب كأن يأكل خبز بسمن فدعا رجلاً من أهل البادية، فجعل يأكل ويتتبع بالقمة وضر الصِّحفة. فقال له عمر: كأنك مقفر. فقال: والله ما أكلت سمناً ولا رأيت أكلاً به منذ كذا وكذا. فقال عمر: لا أكل السَّمن حتى يحيى الناس من أول ما يحيون. وقال أبو عثمان النَّهديُّ: رأيت عمر بن الخطاب يطوف حول البيت، وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة إحداهن بأدمٍ أحمر. وقال الحسن البصري: بينا عمر يعسُّ بالمدينة في الليل أتى على امرأة من الأنصار تحمل قربة. فسألها فذكرت أن لها ريالاً، وأن ليس لها خادم، وأنها تخرج من الليل فتسقيهم من الماء، وتكره أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 138 تخرج بالنهار فحمل عمر عنها القرب حتى بلغ منزلها، وقال: أغدي على عمر غدوة يخدمك خادماً. وقالت: لا أصل إليه. قال: أنكي ستجدينه إن شاء تعالى. قال فغدة عليه، فإذا هي به، فعرفة أنه الذي حمل قربتها، فذهب توليِّ فأرسل في أثرها وأمر لها بخادم ونفق. وقال الطاووس: أجدب الناس على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فما أكل سمناً ولا سميناً حتى أكل الناس. وقال معاوية بن أبي سفيان لصعصعة بن صوحان: صف بي عمر بن الخطاب، فقال: كان عالماً برعيتها، عادلاً في قضيته، عارياً من الكبر، قابلاً للعذر. سهل الحجاب، مصون الباب، متحرِّياً للصواب، رفيقاً بالضعيف، غير محابٍ للقريب، ولا جافٍ للغريب. وقال علي بن أبي طالب: ما رأيت عمر بن الخطاب يغدو على قتل، فقلت: يا أمير المؤمنين، إلى أين؟ فقال: بعير ند من الصدقة أطلبه. فقلت: لقد ذللت الخلفاء بعدك يا أمير المؤمنين. فقال: لا تلمني يا أبى الحسن، فوالذي بعث محمداً بن نبوَّة لو أن سخلة ذهبت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة إنه لا حرمة لوالٍ ضيع المسلمين. ويروى عنه أنه لما قدم الشام لقيته الجنود وعليه إزار وعمامة وخفَّان وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء. وقد خلع خفَّيه وجعلها تحت إبطيه. فقالوا يا أمير المؤمنين لآن تلقاك الجنود وبطارقة الشام أنت على هذا الحال. فقال: إنا قوم أعزَّنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العزَّ بغيره. مالك عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة بن الجرِّاح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعاً من الروم، وما يتخوَّف منهم. فكتب إليه عمر: " أما بعد فإنه مهما ينزل بعبدٍ مؤمنٍ من منزل شدة يجعل الله بعده فرجاً. وإنه لن يغلب عسر بيسيرين. وإن الله عز وجلَّ يقولً في كتابه: " يا أيُّها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تُفلحون ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 139 مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجراءة والجبن غرائز يضعها الله حيث يشاء فالجبان يفرِّ عن أبيه وأمِّه والجريء يقاتل عمَّن لا يؤوب به إلى رحلةٍ والقتل حتف من الحتوف. والشهيد من احتسب نفسه على الله. وروي أنه أتاه ابن له قد تخرق إزاره فقال: اقطعه وانكسه. وإياك أن تكون من الذين يجعلون ما رزقهم الله على بطونهم وعلى ظهورهم. وقال حميد بن هلال العدويُّ: نهي عمر عن السمن واللحم أن يجمع بينهم، فدخل عبيد الله بن عمر على عبد الله بن عمر. فقدَّم إليه خبزاً ولحماً فقال عبيد الله: ما أنا بطاعم من طعامك حتى تفرغوا عليه سمناً. فقال عبد الله: ألم تسمع نهى أمير المؤمنين؟ فقال: ما أنا بفاعل فقالت صفية بنت أبي عبيد: لا تحرم أخاك طعامك، فجيء بسمن فأفرغ عليه. فبينما هو موضوع لم يصيبوا منه إذا عمر إلى الباب، فقال: ما لكم ولطعامكم؟ فالهوا عمر بيدهم إليه فوجد طعم السن. فمال على الخادم ضرباً. فقالت الخادم: ما ذنبي؟ إنما فعلت ما أمرت به. ومال على صفيَّة فضربها حتى سقط خمارها. فجاءت تسعى حتى دخلت البيت وأغلقته دونه ثم جاء فمثل قائماً على عبد الله، ثم انصرف عنه وقال: لا تنخِّلوا فإنه طعام كلُّه. وقال إبراهيم النَّخعيُّ إن عمر بن الخطاب بعث مصدقين فأبطؤوا عليه، وبا الناس حاجة شديدة. فجاؤوا بالصدقات فقام فيها متَّزراً بعباءة يختلف في أوَّلها وآخرها: هذه لآل فلان وهذه لآل فلان، حتى انتصف النهار وجاع، فدخل بيته حتى إذا أمكن أكله أكله ثم قال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله. وعن قتادة قال: قدم عمر الشام، فصنع له طعاماً لم ير قبله مثله. قال: هذا لنا، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير؟ فقال خالد ابن الوليد: لهم الجنة، فاغرورقت عينا عمر وقال: لئن كان حظُّنا في هذا الحطام وذهبوا بالجنة باينونا بوناً بعيداً. وقال جرير بن حازمٍ الجهضميُّ: قال الحسن البصري: قدم على أمير المؤمنين وفد من أهل البصرة مع أبي موسى الأشعريِّ قال: فكنَّ ندخل عليه، وله خبز يلتُّ. فربَّما وافقنا هامأ دومةً بسمنٍ، وأحياناً بالزيت وأحياناً باللبن، وربما وافقنا القديد اليابسة قد دقَّت ثم أغليت بماء. وربما وافقنا اللحم الغريض وهو قليل. فقال لنا يوماً: إني والله أرى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 140 تعذيركم وكراهيتكم لطعامي، إني لو شئت كنت أطيبكم طعاماً وأرقكم عيشاً. أما والله ما أجهل عن كراكر وأسنمةٍ وعن صلاء وصناب وصلائق. قال جرير: الصِّلاء: الشواء، والصِّناب: الخردل، والصلائق: الخبز الرقاق. ولكن سمعت الله عيَّر قوماً بأمرٍ فعلوه فقال:) أذهبتم طيباتكم في حياتِكمُ الدنيا واستمعتم بها (. وقال عاصم بن بهدلة: كان عمر بن الخطاب إذا استعمل العامل اشترط عليه ألاَّ يركب برذوناً، ولا يلبس رقيقاً، ولا يأكل نقياً، ولا يغلق باباً عن حوائج الناس وما يصلحهم. وإني لا أستعملك على أبشارهم ولا أغراضهم. وإنما استملتك لتصلِّي بهم وتقضي بينهم وتقسم بالعدل. وكان رضي الله عنه يحب الجدِّ والقوة في دين الله، ويكره التماوت فيه مخافة أن يبدي فاعله غير ما يخيفه. يروى أن عائشة رحمها الله نظرت إلى رجلٍ متماوتٍ فقالت: من هذا؟ فقالوا: أحد القراء. قالت: فقد كان عمر بن الخطاب قارئاً، فكان إذا قال أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع. ويروى أنه نظر إلى رجلٍ. مظهرٍ للنُّسك متماوتٍ فخفقه بالدِّرَّة، وقال: لا تمت علينا ديننا، أماتك الله. وقال للذي يطأطئ رقبته ويطهر للخشوع: يا هذا، ليس الخشوع في الرقبة، إنما الخشوع في القلب. وكان رضي الله عنه يقول: كفى بك سرفاً ألا تشتهينَِّ شيئاً إلا اشتريته وأكلته. وقال عيسى بن دينار: إنَّ فتى من الأنصار كان جالساً عند عمر بن الخطاب فقال له عمر بن الخطاب: كيف نفقتك اليوم يا فلان؟ فقال: يا أمير المؤمنين الحسنة بين السيئتين. فقال له عمر: وكيف! قال: يقول الله تعالى: " والذين إذا أنْفقوا لم يُسرِفوا ولم يَقْتُروا، وكان بينَ ذلك قواماً " فالإسراف سيِّئة والإقتار سيئة، والقوام بين ذلك حسنة. قال: فكان عمر بن الخطاب يتعجب من فضل عقله حتى لقي الله تعالى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 141 قال المؤلف غفر الله له: وهذا الخبر وإن لم يكن في وصف عمر رضي الله عنه فإنه سؤال منه لجارٍ على سننه القويم في الفضل المستمرِّ العميم. استخرج منه بسؤاله حكمةً دلَّت على رصانة عقله ورسوخ دينه وفضوله، إذ عضدها بما تلا من الذكر الذي كان عمر وقَّافاً عنده. ويبذل في العمل به واتِّباعه جهده، إذا ذكِّر به رضي الله عنه بكى واستكان، وخشع قلبه لاستماعه لان. كان قوياً في بدنه ودينه، مصيباً بصدق فراسته في ظنونه. رضي الله عنه وعن السابق قبله بالخلافة والفضل، وعن القائمين بعده للعمل ِبمرِّ الحقِّ، ومألوف العدل آمين. وكان لعمر رضي الله عنه من الولد: عبد الله وعبد الرحمن الأكبر وعبد الرحمن الأوسط وعبد الرحمن الأصغر وعبيد الله وعاصم وزيد. فأما عبد الله بن عمر فأسلم قديماً مع أبيه بمكة، وهو صبي صغير، وهاجر قبل هجرة أبيه، وأجمعوا أنه لم يشهد بدراً، واختلفوا في شهوده أحداً. والصحيح أنَّ أول مشاهده الخندق. ويروي عن نافع ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّ ابن عمر يوم أحدٍ لأنه كان ابن أربع عشرة، وأجازه يوم الخندق، وه ابن خمسة عشرة، وشهد بيعة الرَّضوان. ولم يتخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الخندق. وروى سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ قال: أدرك ابن عمر الفتح وهو ابن عشرين سنةً، يعني فتح مكة. وكان رحمه الله من أهل الورع والعلم، وكان كثير الاتِّباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد التَّحرِّي والاحتياط والتَّوقِّي في فتواه وكلِّ ما يأخذ به نفسه. وكان مولعاً بالحج، ويقولون: إنه كان من أعلم الصحابة بمناسك الحجِّ. وقال ميمون ابن مهران: ما رأيت أروع من ابن عمر ولا أعلم من ابن عباس. وروى ابن وهبٍ عن مالك قال: بلغ عبد الله بن عمر ستاً وثمانين سنةً، وأفتى في الإسلام ستين سنةً، ونشر نافع عنه علماً جماً. وقال جابر بن عبد الله: ما منَّا أحد إلا مالت به الدنيا ومال بها ماخلا عمر وابنه عبد الله. وقال عبد الله بن مسعودٍ: إنَّ أملك شباب قريشٍ لنفسه من الدنيا عبد الله بن عمر. وقال ابن عمر: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤية قصَّها على النبي صلى الله عليه وسلم. فتمنيت أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 142 أرى رؤيا أقصُّها على النبي صلى الله عليه وسلم وكنت غلاماً شاباً عزباً، وكنت أنام في المسجد على النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيت في المنام كأنَّ ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطويَّة كطيِّ البير، وإذا لها قرنان كقرني البير، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول أعوذ بالله من النار. فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن ترع. فقصصتها على حفصة، فقصَّتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: " نِعمَ الرجلُ عبدُ الله، لو كان يُصلَّي منَ الليل ". قال سالم: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً. وكان رحمه الله لروعه قد أشكلت عليه حروب علي فقعد عنه، وندم على ذلك حين حضرته الوفاة. وعن ميمون بن مهران، عن ابن عمر أنه دخل عليه رجل فسأله عن تلك المشاهد فقال: كففت يدي فلم أقدم، والمقاتل على الحقَّ أفضل، وحدَّث أسد بن موسى: نا أسباط بن محمدٍ ويحيى بن عيسى، عن عبد العزيز بن سياهٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ قال: قال ابن عمر: ما أجدني آسي علي شيء فاتني، إلا أني لما أقاتل مع عليّ الفئة الباغية. وذكر أبو زيد عمر بن شبَّة قال: نا أبو أحمد بن محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيريُّ الأسديُّ مولي لهم: نا عبد الجبار بن العباس عن أبي العنبس، عن أبي بكر بن الجهم قال: سمعت ابن عمر يقول: ما آسى على شيء إلا على تركي قتال الفئة الباغية مع عليٍّ رضي الله عنه. وكان يرى بيعة ابن الزبير فتنةً، ولم يبايعه. وقال له حين وقف على خشبته، وهو مصلوب: السلام عليكم أبا خبيبٍ، ثلاثاً، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا ثلاثاً. وقال حين خرج من مكة معتمراً في الفتنة، وهي فتنة ابن الزبير: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبايع، رضي الله عنه، عبد الملك بن مروان. مالك بن عبد الله بن دينارٍ أن عبد الله بن عمر كتب إلى عبد مالك بن مروان يبايعه. فكتب إليه: " بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين سلام عليك. فإني أحمد إليك الله الذي لا أله إلا هو، أقر لك بالسَّمع والطاعة على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت ". وقال البخاريُّ: نا مسدد: نا يحي بن سعيد عن سفيان: نا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 143 عبد الله بن دينارٍ قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك كتب: " أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما استطعت. وإن بَنيَّ أقرُّوا بمثل ذلك ". وأوصى عبد الملك بعبد الله بن عمر خيراً الحجَّاج بعد قتله ابن الزبير وولايته الحرمين، وأن لا يعرض له بسوء، وأن لا يخالفه في مناسك الحج. مالك عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبد الله أنه قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج ابن يوسف: ألا تخالف عبد الله بن عمر في شيء من أمر الحج، قال: فلما كان يوم عرفة جاء عبد الله بن عمر حين زالت الشمس وأنا معه، فصاح به عند سرادقه: أين هذا؟ فخرج عليه الحجاج، وعليه محلفة معصفرة. فقال: مالك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرَّواح، إن كنت تريد السنَّة. قال: أهذه الساعة؟ فقال: الرَّواح، إن كنت تريد السنَّة. قال: أهذه الساعة؟ فقالت: نعم. قال: فأنظرني حتى أفيض عليَّ ماءً، ثم أخرج. فنزل عبد الله حتى خرج الحجاج، فسار بيني وبين أبي فقلت له: إن كنت تريد أن تصيب السنَّة اليوم فأقصر الخطبة، وعجِّل الصلاة. قال: فجعل ينظر إلى عبد الله بن عمر كيما يسمع ذلك منه. فلما رأى ذلك عبد الله قال: صدق. ومات عبد الله بن عمر بمكة سنة ثلاثً وسبعين لا يختلفون في ذلك بعد قتل ابن الزبير بعد بستة أشهرٍ. وكان أوصى أن يدفن في " الحلِّ "، فلم يقدر على ذلك من اجل الحجاج، ودفن بذي طوي في مقبرة المهاجرين، وصلى عليه الحجاج. وكان الحجاج قد أمر رجلاً فسمَّ زجَّ رمحه وأمره أن يضع الزجَّ في ظهر قدمه إذا دفع الناس من عرفة. ففعل الرجل ذلك فمرض من ذلك أياماً، فدخل عليه الحجاج يعوده فقال له: من بك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قتلني الله إن لم أقتله. قال: ما أراك فاعلاً، أنت أمرت الذي نخسني بالحرية. فقال: لا تفعل يا أبا عبد الرحمن، وخرج عنه. وروي أنه قال للحجاج إذ قال له: من بك؟ قال: أنت أمرت بإدخال السلاح في الحرم. فلبث أيامنا ثم مات. وفعل الحجاج هذا مع عبد الله بن عمر من أجل أن الحجاج خطب يوماً وأخَّر الصلاة. فقال ابن عمر: إن الشمس لا تنتظرك. فقال له الحجاج: لقد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك. قال: إن تفعل فإنك سفيه مسلَّط. وقيل: أنه أخفى قوله ذلك عن الحجاج ولم يسمه. وكان يتقدَّمه في المواقف بعرفة وغيرها إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 144 المواضع التي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقف فيها. فكان يعزُّ على الحجاج ويسوؤه، حتى صنع ما ذكر، جرأة على ارتكاب الكبائر وقلة مبالاةٍ بالقصاص، يوم ابتلاء السرائر. فكم دماء حرامٍ سفكها، وحرم مستحقَّةٍ للصَّون انتهكها، دلاَّه الشيطان بغروره، فأسخط ربَّه برضى أميره. ونعوذ بالله من المهلكات: القسوة والحسد والحقد واللجاج، التي كانت مستكنَّةً بين جنبي الحجاج. ونسأله لين القلوب، وسلامة الصدور والرضى بأمر الله المقدور. وولد عبد الله بن عمر عبد الله وأمُّه صفية بنت أبي عبيدٍ أخت المختار، وسالما أمُّه أمُّ ولدٍ وعبيد الله وعبد الرحمن وعاصماً وحمزة واقداً وزيداً وبلالاً. فأما عبد الله بن عبد الله بن عمر فكان من رجالات قريش، وكان وصيُّ أبيه، وله عقب بالمدينة، منهم: عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر، كان على كرمان للمهديَّ. ثم استعمله موسى على المدينة. وأخوه عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر العمريُّ الزاهد. كان من أزهد الناس وأعبدهم وأفضلهم. وهلك في باديته قرب المدينة. وروي عنه الحديث. وكتب إلى مالك وابن أبي ذيبٍ وغيرهم من علماء المدينة كتباً أغلظ لهم فيها، وقال: أنتم علماء تميلون إلى الدنيا، وتلبسون اللِّين، وتدَّعون التقشف، فيراكم الناس، فيفعلون ذلك. فأما ابن أبي ذيب وغيره فكتب إليه كتباً مغلظة: إنك انتقلت عن دار الهجرة إلى الأعرابية. وأما مالك فكتب إليه: " فهمتُ خطابَكَ، ووجدتُ أبوابَ الخير عطايا من الله تعالى، قسمَها بين عبادهِ، فيقسم للرجل حظاً من الصيام والصلاة، ولا يقسم له حظاً من العلم. ولعمري لو اجتهد في طلب العلم مع اجتهاد في الصلاة والصيام لكان أفضل. ويقسم للرجل في الجهاد، ولا يقسم له اجتهاداً في الصوم والصلاة. ولو جمع الاجتهاد في الصوم والصلاة مع الجهاد لكان أفضل. فرأيت الأمور عطايا من الله، يقسم للرجل في الباب من الخير مالا يقسم له في غيره من أبواب البرِّ ". فقرأ كتبهم. فلما دخل عليه الناس قرأها عليهم، ثم قال: ما قدَّم مالكاً إلا عقله وفضله. ولا جرم، لا ذكرت مالكاً بسوء أيضاً. وقال موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباسٍ لعبد الله بن عبد العزيز العمريِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 145 الزاهد، ينتهي إلى أمير المؤمنين الرشيد، أنك تشتمه وتدعو عليه فبأيِّ شيء استجزت ذلك؟ فقال: أمَّا شتمه فهو إذا أكرم عليَّ من نفسي. وأما الدعاء عليه فما قلت: " اللهمِّ إنه أصبح عبئاً ثقيلاً على أكتافنا لا تطيقه أبداننا، وقذى في عيوننا لا تطبق عليه أجفاننا، وشجَّى في أفواهنا لا تسيغه حلوقنا، فاكفنا مؤونته. وفرِّق بيننا وبينه ". ولكني قلت: " اللهمِّ إن كان تسَمَّى الرشيدَ ليرشد فأرشده، وأن كان على غير ذلك فراجع به اللهم إن له في الإسلام على كلِّ مسلمٍ حقاً، وله بنبيِّك " قرابةً ورحماً، فقر به من كل خير، وباعده من كل شر وأسعدنا به وأصلحه لنفسه ". فقال: يغفر الله لك يا أبا عبد الرحمن كذا بلغنا.. وأما سالم بن عبد الله: فكان يكنى أبا عمر، وكان من غيار التابعين وفقهائهم. وكان أبوه يلام في حبِّه، فيقول: يَلُوْمُوْنَنِى في سالم وألومُهمْ ... وجِلدةُ بين العين والأنفِ سالمُ وقال الواقدىُّ: كان يكنى أبا المنذر. وهلك بالمدينة سنة ستٍ ومئةٍ، وصلى عليه هشام بن عبد الملك. وقال الهيثم بن عدي: مات سنة ثمانٍ مئة. وأما عبيد الله بن عبد الله بن عمر فولد عثمان وأبا بكر. فولد عثمان محمداً، ويكنى أبا قدامة. سمع عائشة بنت سعد بن أبي وقاص. روى عنه خالد بن مخلدٍ القطواني. وأما أبو بكر فروى ابن شهاب عنه، عن جده عبد الله بن عمر. مالك عن ابن شهابٍ، عن أبو بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه. وليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ". وخَّرج الحديث مسلم عن ابن شهاب من طرقٍ عن أبي بكر بن عبيد الله، عن جدِّه عبد الله بن عمر وعن عمه سالم، عن أبيه. وقال محمد بن يحيى الذُّهليُّ: اسم أبي بكر بن عبيد الله هذا القاسم، وكان أيضاً يكنى بأبي محمد. كناه بذلك يحيى بن سعيد الأنصاري. قال المؤلف وفقه الله: والدليل على ما قال الذهليُّ ما ذكره مسلم. فقال حدثني أبو الطاهر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 146 وحرملة قال أبو الطاهر: أنا وقال حرملة: نا عبد الله بن وهب قال: حدثني عمر بن محمد قال: حدثني القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن سالمٍ، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يأكلن أحد منكم بشماله ولا يشربن بها؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها ". قال: وكان نافع يزيد فيها: ولا يأخذ بها ولا يعط ... قال: كنت جالساً عند القاسم ابن عبيد الله ويحيى بن سعيد، فقال يحيى للقاسم: يا أبا محمد " القبيح " على مثلك عظيم، أن تسأل عن شيء من أمر هذا الدين فلا يوجد عندك منه علم ولا خرج أو علم ولا مخرج. فقال له القاسم وعمر: " ولم " ذاك؟ قال: لأنك ابن إمامي هدَّى: ابن أبي بكر وعمر. قال: يقول له القاسم: أقبح من ذاك عند من عقل عن الله أن أقول بغير علم أو آخذ عن غيرة ثقة. قال: فسكت فما أجابه. وأما عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، فولد عمر وولد عمر أبا بكر، وهو من شيوخ مالك له عنه حديث واحد في الموطَّأ في الأمر بالوتر عن سعيد بن يسارٍ أنه قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر بطريقة مكة..الحديث. وقال ابن عبد البر النَّمريُّ في " التقصِّي ": رواية عبيد بن يحيى عن أبيه عن مالك، عن أبي بكر بن عمرو. والصواب فيه عن مالك وغيره، عن أبي بكر بن عمر لا عمرو. وكذلك عند جميع الرواة للموطأ. وأبو بكر بن عمر المذكور ممن لم يوقف على اسمه. وأما عاصم بن عبد الله بن عمر فولد محمداً وله عقب بالكوفة. وأما حمزة بن عبد الله بن عمر فروي عن أبيه. وروي ابن شهابٍ عن حمزة وأخيه سالم معاً. وابنه عمر بن حمزة روى عنه عمَّه سالم. مسلم: نا داود بن رشيد قال: نا مروان بن معاوية قال: نا عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر قال: نا سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيُّما أهل دارٍ اتَّخذوا كلباً إلا كلب ماشية أو كلب صائد نقصَ من عملهم كلَّ يوم قيراطان ". وأما واقد بن عبد الله بن عمر فوقع من بعيره وهو محرم فهلك. مالك عن نافع أنَّ عبد الله بن عمر كفَّن ابنه واقدَ عبد الله بن عبد الله، ومات بالجحفة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 147 محرماً، وحمَّر رأسه ووجهه وقال: لولا أنَّا حرم لطيَّبناه. فولد واقد عبد الله بن واقدٍ، وكان من رجال قريش. وفيه يقول الشاعر لنضارة جسمه: أحبٌّ من النِّسوان كلَّ خريدةٍ ... لها حسن عبَّادٍ وجسم ابن واقد يعني عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير. وروى عبد الله بن واقد هذا، عن جدِّه عبد الله بن عمر. مسلم حدثني أبو طاهر قال: أنا أبن وهب قال: أخبرني عمر بن محمد عن عبد الله بن واقد، عن ابن عمر قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال: " يا عبد الله ارفع إزارك " فرفعته. ثم قال: " زد " فزدت. فمازلت أتحرَّاها بعد. فقال بعض القوم: أين؟ فقال: أنصاف الساقين. وأما زيد بن عبد الله عمر فروى عنه نافع. مالك عن نافع، عن زيد ابن عبد الله بن عمر بن خطاب، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الذي يشربُ في آنيةِ الفضةِ إنما يُجرْجِرَ في بطنهِ نارَ جهنمَ ". وخرَّج مسلم هذا الحديث بنصه عن يحيى التميميِّ عن مالك، وله عن غير مالك فيه طرق. وولد زيد محمداً: روى عن جدِّه عبد الله بن عمر. فولد محمداً وزيد وعمر وعاصماً. فروى واقد عن نافع، وروى عاصم أبيه محمداً، عن جده أبن عمر. مسلم: نا عبيد الله بن معاذ: نا أبي: نا عاصم ومروان بن محمد بن زيد ابن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان.. "، وعن أخويه زيد وواقد.. البخاريّ: نا أبو نعيم: نا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال أناس لابن عمر: إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 148 خرجنا من عندهم قال: كنا نعدُّ هذا نفاقاً. وروى واقد أيضاً عن سعيد بن مرجانة صاحب عليِّ بن حسين، عن أبي هريرة: وروى عمر عن أبيه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر أيضاً، وعن أبن عم أبيه عبد الله بن واقد بن عمر. وخرَّج عن جميعهم البحري ومسلم في الصحيحين. وأما بلال بن عبد الله بن عمر فكان أشج. وكان عبد الله بن عمر يقول له: يا بلال أترجو أن تكون أشجَّ نبني عمر؟ وهلك وهو صغير ولا عقب له، قال هذا أبن قتيبة. وذكر مسلم أن بلالاً روى عن أبيه عبد الله. مسلم: حدثني هارون بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال: نا سعيد بن أبي أيوب: نا كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تمنعوا النساء حظوظهنَّ مساجدِ إذا أستأذنكم ". فقال بلال: والله لنمنعهنَّ فقال له عبد الله: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لنمنعهنَّ؟. ومن موالي عبد الله بن عمر نافع وعبد الله بن دينار. فأما نافع فكان دليميُّاُ، قال يحيى بن معين. وقال غيرة: كان من أهل " أبْرَسَهْرَ "، أصابه عبد الله ابن عمر في غزاته. وكان ثقة حافظاُ ثبتاُ. حدث الأصمعي قال: نا العمري عن نافع قال: دخلت مع ابن عمر على عبد الله بن جعفر فأعطاه في أثنى عشر ألف درهم، فأبى أن يبيعني، فأعتقني أعتقه الله. يكنى نافع أبا عبد الله قال الواقديُّ: مات نافع بالمدينة سنة عشرون ومئة. وكان له من ولد أبو بكر عبد الله وعمر، وكلهم قد روى عنه. روى مالك عن أبنه أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع " الموطأ " حديثين في كتاب " الجامع ". ولمالك عن نافع في الموطأ من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ثمانون حديثاُ. وأما عبد الله بن دينار فيكنى أبا عبد الرحمن. فيكنى أبا عبد الرحمن. ولمالكٍ عنه في الموطأ ستة وعشرون حديثاُ، منها عن أبن عمر اثنان وعشرون حديثاُ، وعن سليمان بن يسار حديثان، وعن أبي صالح حديثان. وتوفي سنة سبعة وعشرين ومئةٍ على اختلافٍ في ذلك. وابنه عبد الرحمن، روي عنه الحديث. قال ابن معين: عبد الرحمن بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 149 عبد الله بن دينارٍ مولى ابن عمر حدَّث عنه يحيى القطان، وفي حديث عندي ضعف. وقال غير ابن معين: روى عنه يعقوب بن إسحاق الحضرميُّ القارئ. وأما عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب الأكبر: فهو شقيق عبد الله وحفصة أم المؤمنين، وهو أبو بهيسٍ. وبهيس: لقب، واسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر. وأدرك أبوه عبد الرحمن بسنِّة النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم يحفظ عنه. وأما عبد الرحمن بن عمر الأوسط: فهو أبو شحمة. وهو الذي ضربه عمرو ابن العاصي بمصر في الخمر، ثم حمله إلى المدينة، فضربه أبوه أدب الولد. ثم مرض ومات بعد شهر. هكذا يرويه معمر عن الزُّهريِّ، عن سالم، عن أبيه. وأما أهل العراق فيقولون: إنه مات تحت سياط عمر، وذلك غلط. وقال الزبير بن بكارٍ: أقام عليه عمر حدَّ الشراب، فمرض ومات. وأما عبد الله بن عمر الأصغر: فهو أبن المجبَّر: اسمه أيضا عبد الرحمن بن عبد الرحمان بن عمر: وإنما سمي المتجبر لأنه وقع وهو غلام فتكسر، فأتي به إلى عمته حفصة بنت عمر أمِّ المؤمنين فقيل لها: انظري إلى ابن أخيك المكسَّر. فقالت: ليس بالمكسر ولكنه المجبَّر. هكذا ذكر العدويُّ وطائفة. وقال الزبير: هلك عبد الرحمن الأصغر وترك ابناً صغيراً أو حملاً، فسمَّته حفصة بن عمر أمُّ المؤمنين ولقَّبته المجبَّر، وقالت: لعلَّ الله يجبره. وابنه عبد الرحمن المجبَّر: روى عنه مالك في الموطأ. مالك عن عبد الرحمن ابن المجبَّر أنه كان يرى سالم بن عبد الله إذا رأى الإنسان يغطِّي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه جبذاً شديداً حتى ينزعه عن فيه. وابنه محمدُ بن عبد الرحمن بن المجبَّر: كان متروك الحديث. وأما عبيد الله بن عمر: فولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا تحفظ له رواية عنه، ولا سماع منه. وهو المذكور مع أخيه عبد الله في أول كتاب القراض من الموطأ. وكان من أنجاد قريش وفرسانهم. وه القائل: أنا عبيد الله ينمني عمر الجزء: 2 ¦ الصفحة: 150 خير قريشٍ من مضى ومن غبر حاشا نبيِّ الله والشيخ وقتل عبيد الله بصفين مع معاوية، وكان على الخيل يومئذٍ. وروى سفيان ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي، عن أبيه قال: قيل لعلي: هذا عبيد الله بن عمر عليه جبة خزٍّ، وفي يده سواك يقول: سيعلم عليُّ غداً إذا التقينا فقال عليُّ: دعوه إنما دمه دم عصفور. وروي أن عبيد الله بن عمر خرج بصفِّين في اليوم الذي قتل فيه، وجعل امرأتين له بحيث تنظران إلى فعله، وهما: أسماء بنت عطارد بن حاجب بن زرارة وبحرية بنت هانئ بن قبيصة الشيبانُّي. فلما برز شدَّت عليه ربيعة فنشب بينهم فقتلوه. وروى ابن وهبٍ عن مالكٍ عن زيد بن أسلم أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب قتل بصفين، وأن رجلاً ضرب أطناب فسطاطه بأوتاد، فعجز منها وتداً. فأخذ رجل عبيد الله بن عمر فربطه حتى أصبح. وروى ابن وهب عن السريِّ بن يحيى، عن الحسن أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بعد أن أسلم، فعفا عنه عثمان حين ولي. فلما ولي علي خشيه على نفسه، فهرب إلى معاوية حين فقتل بصفين. وقال ابن قتيبة في " المعارف ": كان عبيد الله بن عمر شديد البطش. فلما قتل عمر جرَّد سيفه فقتل بنت أبي لؤلؤة، وقتل الهرمزان وجفينة، رجل أعجمي، وقال: لا أدع أعجمياً إلا قتلته. فأراد علي قتله بمن قتل، فهرب إلى معاوية، وشهد معه صفين فقتل. وأمُّ عبيد الله أم كلثوم: واسمها مليكة بنت جرول الخزاعية، وكانت على شركها حين نزلت:) ولا تمسكوا بعصم الكوافر (، فطلقها عمر فتزوجها أبو فهم بن حذيفة صاحب الخميصة، وقد تقدم ذكره في أول الكتاب. وكان له من الولد: أبو بكر بن عبيد الله وعثمان بن عبيد الله. فولد أبو بكر خالداً ... وولد أبو بكرٍ أيضاً ... أمَّ سلمة، وكانت تحت الحجاج. وولد عثمان أمَّ عثمان، وكانت تحت عمر بن عبد العزيز. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 151 وأما عاصم بن عمر: فولد قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين. وأمُّه جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح أخت عاصم حمي الدبر، وقيل هي بنت عاصم والأول أكثر. وكان اسمها عاصية، فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها جميلة. وخاصمت في عاصمٍ جدته أباه عمر حين أراد أخذه بعدما فارق أمه إلى أبي بكر الصديق، وه ابن أربع سنين. وذكر مالك خبر عمر مع جدة ولده عاصم في الموطأ، ولم يذكر سنَّه. مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كانت عند عمر بن الخطاب امرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر، ثم إنه فارقها فجاء عمر قباء، فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد، فأخذه بعضده، فوضعه بين يديه على الدابَّة، فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق. فقال عمر: ابني. وقالت المرأة: ابني. فقال أبو بكر: خل بينها وبينه. قال: فما راجعه عمر الكلام. قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: وهذا الأمر الذي أخذ به في ذلك. وكان عاصم بن عمر طويلاً جسيماً. يقال إنه كان في ذراعه ذراع ونحو شبر. وكان خيِّراً فاضلاً يكني أبا عمر، ومات سنة سبعين قبل موت أخيه عبد الله بنحو أربع سنين. ومات عاصم وعبد الله غائب، فلما قدم وقف على قبره فقال يريثه: فإن تك أحزان وفائض عبرةٍ ... جرين دماً من داخل الجوف منقعا تجرَّعتها في عاصم واحتسبتها ... فأعظم منها ما احتسى وتجرَّعا دفعت بك الأيام، حتى إذا أتت ... تريدك لم تسطع لها عنك مدفعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 152 فليتَ المنايا كنَّ خلَّفن عاصماً ... فعشنا جميعاً أو ذهبْنَ بنا مَعا وروى عاصم بن عمر عن أبيه عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس وقد أفطر الصائم ".خرَّج الحديث مسلم بسنده من عروه بن الزبير عن عاصم بن عمر. وكان عاصم شاعراً حسن الشعَّر، حليماً يغضي عن المكروه والأذى تنزها. روى عبد الله بن المبارك عن أسامه بن زيد، عن عبد الله بن زيد بن أبي سلمة، عن خالد بن أسلم قال: آذى رجل عبد الله بن عمر بالقول، فقيل له: ألا تنتصر منه؟ فقال: إني أخي عاصماً لا نسابُّ الناس. وولد عاصم بن عمر أمَّ عاصمٍ وحفصة وحفصاً عبيد الله وأم مسكين. فأما أمُّ عاصم: فتزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له عمر بن عبد العزيز وأخوته: أبا بكر وعاصماً ومحمداً، وماتت عنده فتزوج عبد العزيز بعدها أختها حفصة. فلها يقال: ليست حفصة من رجال أمَّ عاصم. وولد حفصة بن عاصم عيسى بن حفص وعمر بن حفص. فأما عيسى فروى عن أبيه، عن عبد الله بن عمر حديث ترك التَّسبيح في السَّفر، والتسبيح صلاة النافلة. وفيه قول ابن عمر: لو كنت مسبِّحا لأتممت صلاتي. خرَّج الحديث مسلم. ورواه عن عيسى عبد الله بن مسلمة بن قعنبٍ صاحب مالكٍ. وولد أخوه عمر عبيد الله بن عمر العمريَّ يروى عنه الحديث، وكان من الثقات الحفَّاظ أحد أئمة أهل المدينة في الحديث، ويكنى أبا عثمان أكثر روايته عن نافع وخرج عنه الأئمة: البخاريُّ ومسلم والتِّرمذيُّ وغيرهم. وكان لعبيد الله أخوان، وهما: عبد الله وعاصم ابنا عمر بن حفصٍ. وكان عبد الله في الحديث ضعيفاً، وكان عاصم متروك الحديث. وخرَّج الترمذيُّ عن عاصم بن عمر، وذكر أنهما كما ذكرت في الحديث الأزديُّ الموصليُّ الحافظ، وروى حفص بن عاصم عن عمِّه عبد الله بن عمر، وروايته عن أبي هريرة أكثر. وروى عنه خبيب بن عبد الرحمن بن خبيب بن أسافٍ الأنصاريُّ الخزرجيُّ شيخ مالك. ولمالكٍ عن خبيب في الموطأ حديثان مسندان. وجدُّه خبيب بن أسافٍ شهد بدراً. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 153 وشرك عبد الله عبيد الله أخاه في حديث واحدٍ، خرَّجه مسلم في صحيحه. مسلم: حدَّ ثني إبراهيم بن ... وهو الملقب سبلان قال: أنا عباد بن عباد عن عبيد الله بن عمر وأخيه عبد الله سمعه منهما سنة أربع وأربعين ومئة يحدثان عن نافع، عن أبن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أحبَّ أسمائكم إلى الله عبدُ الله وعبدُ الرحمن ". وولد عبيد الله بن عاصم بن عمر بن عاصما: روى عنه البخاريُّ. قال محمد ابن إسماعيل البخاريُّ قال لي أحمد بن سعيدٍ عن الضحَّاك بن مخلدٍ عن سفيان، عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن أبيه عن جده أنَّ جدته خاصمت في جده وهو ابن ثماني سنين. وأما أمُّ مسكين بنت عاصم بنت عمر فتزوَّجها يزيد بن معاوية وطلَّقها. فخلف عليها عبيد الله بن زياد. وأما زيد بن عمر بن الخطاب فأمُّه أمُّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وأمُّها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. خطبها عمر إلى علي فقال له: إنها صغيرة. فقال له عمر: زوِّجنيها يا أبا حسن فأني أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد. فقال له علي: أنا أبعثها إليك، فإن رضيتها فقد زوَّجتها. فبعثها إليه ببردٍ، وقال لها: قولي له هذا البرد الذي قلت لك. فقالت دلك لعمر. فقال: قولي له قد رضيت رضي الله عنه. ووضع يده على ساقها فكشفها. فقالت: أتفعل ذلك؟ لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك. ثم خرجت حتى جاءت أباها، فأخبرته الخبر، قال: يا بنيَّة أنه زوجك. فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مجلس المهاجرين في الرَّوضة، وكان يجلس المهاجرون الأولون. فجلس إليهم، فقال لهم: رفِّئونى فقالوا: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: تزوجت أمَّ كلثوم بنت عليِّ بن أبي طالب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل نسب وسببٍ وصهر منقطع يوم القيامة إلا سبى ونسبى وصهري، فكان لي به عليه السلام النسب، واردة أن أجمع الصِّهر، فرفَّؤوه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 154 وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ، عن محمد بن علي أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي ابنته أمَّ كلثوم، فذكر له صغرها، فثقيل أنه ردَّك فعاوده فقال له: أبعث بها إليك، فإن رضيت فهي أمرأتك، فأرسل بها أليه، فكشف عن ساقها فقالت: مه، لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك. وذكر ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيهن عن جدَّه أن عمر بن الخطاب تزوج أمَّ كلثوم بنت عليٍّ على مهر أربعين ألفاً. وولدت أمُّ كلثوم لعمر زيداً ورقيًة. وأصيب زيد في حربٍ كانت بين بني عدي ليلاً جناها عبد الله بن مطيع وبنو أبي جهم، فخرج ليصلح بينهم، فضربه رجل منه في الظلمة فشجعَّه فصرعه، فعاش أياماً ثم مات. وقال محمد بن إياسٍ بن البكير الليثيُّ يرثي زيد بن عمر بن الخطاب: ألا يا ليت أمي لم تلدني ... ولم أك في الغواة لدى البقيع ولم أر مصرع ابن الخير زيدٍ ... وهدَّتْه هنالك من صريع وهو الرُّزء الذي عظمت وجلَّت ... مصيبته على الحيِّ الجميع كريم في النِّجار تكنَّفته ... بيوت المجد والحسب الرفيع شفيع الجود ما للجود حقاً ... سواه إذا تولى من شفيع أصاب الحيَّ حيَّ بني عديٍّ ... مجلَّلة من الخطب الفظيع وخصَّ هم الشَّقاء به خصوصاً ... لما يأتون من سوء الصَّنيع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 155 بشؤم بني حذيفة إنَّ فيهم ... معاً نكداً وشؤم بني مطيع محمد بن إياسٍ هذا الذي رثى زيد بن عمر هو الذي روى عن ابن عباس وأبي هريرة فيمن طلَّق امرأته ثلاثاً قبل أن يمسَّها أنها لا تحل له. مالك عن يحيى بن سعيدٍ، عن بكير بن عبد الله بن الأشجِّ، عن معاوية بن أبي عيًاش الأنصاريِّ، أنه كان جالساً مع عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر قال: فجاءهما محمد بن إياس بن البكير فقال: إن رجلاً من أهل البادية طلَّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها، فبماذا تريان؟ فقال عبد الله بن الزبير: إن هذا الأمر مالنا به قول، فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة، فأني تركتهما عند عائشة فسلهما، ثم ائتنا فأخبرنا. فذهب فسألهما فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته يا أبا هريرة، فقد جاءتك معضلة. فقال أبو هريرة: الواحد تبينها، والثلاث تحرِّمها حتى تنكح زوجاً غيره. وقال ابن عباس مثل ذلك أيضاً. قال مالك وعلى ذلك الأمر عندنا. ومات زيد وأمُّه أمُّ كلثوم في وقتٍ واحدٍ بالمدينة في خلافة معاوية، وحضر جنازتهما الحسن بن علي، وقدم عبد الله بن عمر فصلَّى عليهما، فيهما سنَّتان فيما ذكروا. ولم يورَّث واحد منها من صاحبه لأنه لم يعرف أولهما موتاً. وقدَّم زيد قبل أمِّه مما يلي الإمام. وقال ابن الجارود في " المنتقى ": حدثنا أحمد بن يوسف قال: أنا ابن جريح قال: سمعت نافعاً يزعم أن ابن عمر صلى على تسعة جنائز جميعاً؛ جعل الرِّجال يلون الإمام، والنساء يلين القبلة، فصفَّهم صفاً. ووضعت جنازة أمُّ كلثوم بنت علي بن أبي طالبٍ امرأة عمر بن الخطاب وابنٍ لها يقال له زيد، وضعاً جميعاً والإمام يومئذ سعيد بن العاصي، وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة. فوضع الغلام مما يلي الإمام. فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة فقلت: ما هذا؟ فقالوا: هي السنة. أحمد بن يوسف الذي روى عنه ابن الجارود هذا الحديث خرَّج عنه مسلم، وهو سلمي نيسابوري، يكنى أبا الحسن. وذكر البرقانيُّ عن النسائيِّ أنه نيسابوريُّ صالح. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 156 مقتل عمر رضي الله عنه وحجَّ عمر بالناس عشر سنين متواليةً، ثم صدر إلى المدينة فقتله فيروز أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة يوم الاثنين لأربع ليال بقين من ذي الحجة، تتمة سنة وثلاث وعشرين. وروى سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيدٍ قال: سمعت سعيد بن المسيَّب يقول: قتل أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب، وطعن معه أثني عشر رجلاً، فمات منهم ستة. قال: فرمى عليه رجل من أهل العراق برنساً، ثم برك عليه. فلما رأى أنه لا يستطيع أن يتحرَّك وجأ نفسه فقتلها. وقال الواقديُّ: أخبرني نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، قال: غدوت مع عمر بن الخطاب إلى السوق، وهو متكىء على يدي. فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، فقال: ألا تكلم مولاي يضع عني من خراجي؟ قال: كم بكثير. ثم قال خراجك؟ قال: دينار. قال: ما أرى أن أفعل، إنك لعامل محسن. وما هذا له عمر: ألا تعمل لى رخىِّ؟ قال: بلى. قال: فلما ولَّي قال أبو لؤلؤة: لأعملنَّ لك رحىً يتحدَّث بها ما بين المشرق والمغرب. قال: فوقع في نفسي قوله. قال: فلما كان في النِّداء لصلاة الصبح، وخرج عمر إلى الناس يؤذنهم للصلاة. قال ابن الزُّبير: وأنا في مُصلاَّي وقد اضطجع له عدوُّ الله أبو لؤلؤة، فضربه بالسكين ستَّ طعنات، إحداهن من تحت سُرته هي قتلتهُ. فصاح عمر: أين عبد الرحمن بن عوف؟ فقالوا: هو ذا يا أمير المؤمنين . قال: يقوم فيصلي بالناس. تقدم عبد الرحمن فصلَّى بالناس، وقرأ الركعتين، فقال:) قل هو الله أحد.. (و) قل يا أيها الكافرون ... (، واحتملوا عمر فأدخلوه منزله. فقال لأبنه عبد الله: اخرج فانظر من قتلني. فخرج عبد الله بن عمر فقال: من قتل أمير المؤمنين؟ فقالوا: أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شُعبة. فرجع فأخبر عمر، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قتلي بيد رجلٍ يَحاجُّني بلا إله ألا الله. مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهمَّ لا تجعل قتلي بيد رجلٍ صلَّى لك سجدةً واحدةً يَحاجُّني بها عندك يوم القيامة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 157 وقال أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي: نا أحمد بن سليمان قال: نا عبيد الله بن موسى قال: نا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال: شهدت عمر يوم يطعن. وما منعني أن أكون في الصفَّ المقدَّم إلا هيبته. وكان رجلاً مهيباً، فكنت في الصف الذي يليه، فأقبل عمر فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة. فناجى عمر قبل أن تستوي الصفوف، ثم طعنه ثلاث طعناتٍ، فسمعت عمر وهو يقول: دونكم الكلب، فإنه قتلني. وماج الناس، وأسرعوا إليه، فخرج عليه ثلاثة عشر رجلاً. فانكفأ عليه رجل من خلفه، فاحتضنه. وحمل عمر، فماج الناس بعضهم بعضٍ حتى قال قائل: الصلاة عباد الله، طلعت الشمس. فقدَّموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى بأقصر سورتين في القرآن) إذا جاء نصر الله (و) إنا أعطيناك الكوثر (. واحتمل عمر، فدخل عليه الناس فقال: يا عبد الله بن عباس، اخرج فناد في الناس: أعن ملأ منكم هذا؟ فقالوا: معاذ الله، والله ما علمنا ولا اطَّلعنا. وقال: ادعوا لي الطبيب، فدعي الطبيب. فقال: أي الشراب أحب إليك؟ قال: النبيذ. فسقي النبيذ، فخرج من بعض طعناته. فقال الناس: هذا أدم، هذا صديد. فقال: اسقوني لبناً، فخرج من الطعنة. لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلاً فافعل. وذكر تمام الخبر في " الشورى " وتقديمه لصهيبٍ في الصلاة، وقوله في عليَّ: " إن ولَّوها الأجلح، سلك بهم الطريق المستقيم. وقوله في عثمان وغيره. فقال له ابن عمر: ما يمنعك أن تقدِّم علياً؟ قال: أكره أن أتحملها حياً وميِّتاً. وعن أبي سنان سعيد بن سنان، عن أبي إسحاق الهمدانيِّ، عن عمرو بن ميمون الأوديِّ قال: كان أبو لؤلؤة أزرق نصرانياً، وجأ عمر بسكين له طرفان. فلما جرح عمر جرح معه ثلاثة عشر رجلاً في المسجد، ثم أخذ. فلما أخذ قتل نفسه. وروي أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤة صاح: يا لله ويا للمسلمين! وقال عمر لابنه عبد الله بعدما طعن وأغمي عليه، ثم أفاق وقد وضع رأسه في حجره: ضع خدي بالأرض لا أمَّ لك. فوضع خده في الأرض، ثم قال: ويل لعمر إن لم يغفر الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 158 لعمر، ثلاث مرات. فقام رجل من القوم فقال: تقدم والله على ما يسرك، وتقرُّ به عينك. فقال: وما يدريك ويحك؟ فقام ابن عباس فقال: ومالنا لا ندرى؟ وقد عشت حميداً، وذهبت فقيداً، وعملت بالحقِّ. فقال عمر للقوم: أتعرفون ما قال ابن عباس؟ قالوا: نعم. قال: لو احتجت إلى شهادتكم عند ربي، أكنتم تشهدون بما قال: الله وأكبر، الله أكبر، الله أكبر. وروي أنه لما طعن رضي الله عنه، دعا بلبن فشربه، فخرج من طعنته، فقال: الله وأكبر. فجعل جلساؤه يثنون عليه. فقال: وددت أني أخرج منها كفافاً كما دخلت فيها. ولو أن لي اليوم ما طلعت عليه الشمس وما غربت لافتديت به من هول المطَّلع. ودخل عليه المسور بن مخرمة بن نوفل الزُّهريُّ من الليلة التي طعن فيها، فأيقضه لصلاة الصبح. فقال عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة. فصلى عمر، وجرحه يثعب، دماً وهذا الحديث رواه مالك في الموطأ عن هشام بن عروة، عن أبيه أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة، الحديث. وقال الزبير: طعن لأربع بقين من ذي الحج، سنة ثلاث وعشرين. وقال الواقديُّ: طعن يوم الأربعاء لسبع بقين م ذي الحج، ومكث ثلاثاً ثم توفي لأربع بقين وصلى عله صهيب وقبر في حجرة عائشة مع رسول الله وأبي بكر، ومات رضي الله عنه شهيداً كما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما سأل من الله، وغسل وكفِّن وصلِّي عليه. مالك عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب غسل وكفن وصلِّي عليه، وكان شهيداً رحمه الله. مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب كان يقول: اللهم أني أسألك شهادة في سبيلك ووفاة ببلد رسولك. ولما حضر عمر الوفاة أرسل ابنه عبد الله إلى عائشة أمِّ المؤمنين، رضي الله عنها، وقال: اقرأ عليها السلام، وقل لها: يقول لك عمر: إنا قد نهينا أن ندخل بيوتكنَّ إلا بإذن، أفتأذن له أن يدفن في بيتك مع صاحبيه؟ قال: فأبلغها عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 159 الله الكلام فاندفعت باكية، حتى على نحيبها. وقالت: يغفر الله لأمير المؤمنين، والله ما كنت أعددت ذلك الموضع إلا لنفسي، ولأوثرنَّه به. فأبلغه عبد الله كلامها، فحمد الله على ذلك. ثم قال: يا بنَّي إني أرى المرأة أذنت لك، وهي ترى أني أبقى، فإذا أنا متُّ فاغسلنى وكفنِّى. فإذا حملتني فتقدَّم السرير، ثم قل لها: هذا عمر يستأذن على الباب، فإن أذنت لي فادفنِّي مع صاحبيَّ، وإن أبت فأخرجني إلى البقيع. مسلم عن ابن أبي مليكة قال: سمعت ابن عباس يقول: وضع عمر بن الخطاب على سريرٍ فتكنَّفة الناس يدعون ويثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع، وأنا فيهم. قال: فلم يرعني إلا برجل قد أخذ منكبيَّ من ورائي، فالتفت ُّفإذا هو علي، فترحِّم على عمر وقال: ما خلَّفت أحداً أحبَّ إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك. وذلك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو [بكر وعمر] " ... ولم يعهد رضي الله عنه إلى أحد، بل جعل الأمر شورى في الستَّة الباقين من العشرة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ وهم: عثمان وعلي والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد، فجمعهم عمر وقال: اجتمعوا ولا تختلفوا فأنتم رؤوس الناس. فإذا مت فليصلَّ صهيب بالناس ثلاثة أيام، ولا يأتي عليكم اليوم الرابع إلا وقد قدَّمتم إماماً. ومن اختلف عليكم بعد ثلاثٍ فاضربوا عنقه. ويحضر معكم ولد عبد الله في الشورى، وليس له في الخلافة حقُّ. فاختار عبد الرحمن بن عوف عثمان بعدما أخرج نفسه من الخلافة، فرضوا به، رضي الله عنهم جميعهم. مسلم حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال: نا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عمر قال: حضرت أبى حين أصيب فأثنوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيراً. فقال: راغب وراهب. فقالوا: استخلف. فقال: أتحمَّل أمركم حياً وميِّتاً؟ ولوددت أنَّ حظي منها الكفاف، لا علي ولى. فإن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى يعنى أبا بكر، وإن أترككم فقد ترككم من هو خير الجزء: 2 ¦ الصفحة: 160 مني؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبدُ الله: فعرفتُ أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غيرُ مُستخلفٍ. ورُويَ عن عمرَ رحمه الله أنه قال في انصرافهِ من حجتهِ التي لم يحجَ بعدها: الحمدُ لله، ولا إله إلا الله، يعطى من شاء ما يشاء. لقد كنتُ بهذا الوادي. يعنى " ضَجنانَ " أرعى إبلا للخطاب، وكان فظاً غليظاً، يتعبني إذا عملتُ، ويضربني إذا قصرت. وقد أصبحتُ وأمسيتُ وليس بيني وبين الله أحد أخشاهُ. ثم تمثل: لاشيء مما ترى تبقى بشاشته ... يبقى الإلهُ ويودي المالُ والولدُ لم تغن عن هُرمُزٍ يوماً خزائنُهُ ... والخلدَ قد حاولت عادٌ فما خلدوا ولا سليمان إذ نجرى الرياحُ به ... ولإنس والجنُّ فيما بينها تردُ أين الملوكُ التي كانت لعزتها ... من كلَّ أوبٍ أليها وافدٌ يفدُ حوض هنالك مورودٌ بلا كذبٍ ... لابدَّ منِ ورده يوماً كما وردوا وروي عن عروة، عن عائشةَ قالت: ناحتِ الجنُّ على عمر قبل أن يقتلَ بثلاثٍ فقالت أبعدَ قتيلٍ بالمدينة أظلمت ... له الأرضُ تهتزُّ العضاهُ بأشواقِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 161 جزى الله خيراً من إمام وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق فمن يسع أو يركب جناحي نعامةٍ ... ليدرك ما قدَّمتَ بالأرض يسبقِِ قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... بوائق من أكمامها لم تفتقِِ وما كنت أخشى أن تكونَ وفاته ... بكفي سبنتى أزرقِ العين مطرقِ وقالت عاتكة بنت زيد بن عمرو، بن نفيلٍ زوجته ترثيه وفجعني فيروزُ لا در درهُ ... بأبيضَ تالِ للكتاب منيبِ رؤوٍف على الأدنى غليظٍ على العدى ... أخي ثقةٍ في النائباتِ نجيبِ متى ما يقل لا يكذب القول فعلهُ ... سريعٌ إلى الخيراتِ غيرُ قطوبِ قاضي عمر: أبو أميَّة شُرَيح بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مُرتع بن معاوية بن كندة. كاتباه: زيد بن ثابت وعبد الله بن الأرقم. حِليته: كان شديد الأدمة طُوالا، كأنه راكب والناس يمشون، كثَّ اللحية أعسر يَسَرَ. وهو الذي يعتمل بيده جميعا، يخضب بالحناء والكَتَم. وروى شعبة عن سِمَاك بن حرب عن هلال بن عبد الله: رأيت عمر بن الخطاب رجلا آدم ضخما، كأنه من رجال سدوس، في رِجليه رَوَح. والأروح الذي تتدانى عَقِباه إذا مشى. نقش خاتمه " كفى بالموت واعظا يا عمر " وقيل: " آمنت بالله الذي خلقني "، والأول أشهر. حاجبه: " يَرفا " مولاه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 162 واختلف في سنّ عمر، رحمه الله، يوم مات؛ فقيل: تُوفي، وهو ابن خمس وخمسين. قاله إسحاق وأبو اليقظان. وقيل: تُوفي وهو ابن ثلاث وستين، كسنّ النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حين تُوفِّيا. قال ذلك الشعبيُّ والواقديُّ. قال ابن قتيبة في " المعارف ": ولا أرى هذا إلا غلطا، والقول هو الأول. حدثني زيد بن أخزم قال: نا أبو قتيبة عن جرير بن حازم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قُتل عمر بن الخطاب وهو ابن خمس وخمسين سنة. وقال أحمد بن حنبل عن هُشيم، عن عليِّ بن زيد، عن سالم بن عبد الله أن عمر قُبض وهو ابن خمس وخمسين سنة. وكانت خلافته عشر سنين وستة أشهر، قاله أبو نُعيم. وقال ابن إسحاق: كانت ولايته عشر سنين وستة أشهر وخمس ليال. وكان لعمر رضي الله عنه من الموالي أسلم ويرفا وأبو أمية وهُنَيَّ ومالك الدار. فأما أسلم فقال سعيد بن المسيَّب: أسلم حبشيٌّ بجاويٌّ، وكان يُكنى أبا زيد. واشتراه عمر بن الخطاب سنة اثنتي عشرة. وفي تلك السنة قدِم بالأشعث ابن قيس على أبي بكر في الحديد. قال أسلم: فسمعته يكلم أبا بكر بعدما عاتبه أبو بكر فقال؛ استبقيني لحربك، وزوِّجني أختك، ففعل أبو بكر. وتُوفي أسلم في خلافة عبد الملك بن مروان وهو كثير الرواية عن عمر. وابنه زيد بن أسلم: كثير الرواية عن أبيه، وهو من شيوخ مالك. وكان لزيد من الولد أسامة وعبد الله وعبد الرحمن. وروي عنهم الحديث، وهم فيه ضعفاء. قال يحيى بن معين: أسامة بن زيد بن أسلم، وعبد الله بن زيد بن أسلم، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهؤلاء أخوة. وليس حديثهم بشيء، وأسامة أحسنهم حديثا. وأما يَرفا فكان حاجب عمر. وأما أبو أمي' فكان مكاتبا لعمر. وهو جدُّ المبارك بن فضالة بن أبي أمية. وحمل عن المبارك حديث كثير. وتُوفي سنة خمس وستين ومئة. وكان للمبارك أخوان، قد رُوي عنهما، فضالة بن فضال وعبد الرحمن بن فضالة. وأما هُنيُّ: فإن عمر كان جعله على الحِمَى الذي حَمى. ووصية عمر له مذكورة في آخر كتاب الجامع من الموطأ. وروى هُنيٌّ أن أبا بكر لم يَحْم شيئا من الأرض إلا النَّقيع حماه للخيل التي يُغزى عليها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 163 وأما مالك الدار: فكان عمر ولاه دارا. وكان يقسم بين الناس فيها. وانتمى مالك الدار إلى اليمن. وأمُّ ولده حُبَّى كانت قد أرضعت لعثمان بن عفان، وكانت مليحة فأقطعها عثمان بعدما خيَّرها سُدسا من ستة أسداس. ومن موالي مالك الدار ذَكوان وكان عظيم القدر. وقد ولي بعض الأعمال، وهو الذي مشى من مكة إلى المدينة في يوم وليلة. ومن موالي عمر مِهجع: قتل يوم بدر شهيدا. وكان للخطاب نُفيل من الولد دون عمر زيد بن الخطاب وفاطمة بنت الخطاب. فأما زيد بن الخطاب فأُمُّه أسماء من بني أسد من خُزيمة، وكان إسلامه قبل إسلام عمر، وشهد بدرا، وبينه وبين عمر درع فجعل كلُّ واحد منهما يقول: والله لا يلبسها غيرك. ثم شهد يوم أحد. فصبر في أربعة أنفس، ولم يهرب فيمن هرب. وشهد يوم مسيلمة يوم اثنتي عشرة فقتل. ويقال: إنّض قاتله أبو مريم الحنفيُّ. ويقال: قتله سلامة أخو أبي مريم. وقال عمر لأبي مريم: والله لا أحبُّك حتى تحبَّ الأرض الدم. فقال يا أمير المؤمنين، أتمنعني بذلك حقا؟ قال: لا. قال: أتجلب إليَّ بذلك باطلا؟ قال: لا. قال: إذن لا أبالي، إنما يأسى على الحبِّ النساء. وبكاه عمر ووجد عليه وجدا شديدا. وقال لمتمِّم بن نويرة: لوددت أنك رثيت زيدا أخي بمثل ما رثيت به مالكا أخاك. فقال: يا أبا حفص والله لو علمت أن أخي صار بحيث صار أخوك ما رثيته. فقال عمر: ما عزَّاني عن أخي بمثل تعزيتك، وكان عمر يقول: إني لأهش للصَّبا لأنها تأتينا من ناحية زيد. وولد زيد بن الخطاب عبد الرحمن وبه كان يُكنى. وأمُّه لبابة بنت أبي لبابة بشير بن عبد المنذر الأنصاريِّ الأوسيِّ. أتى به أبو لبابة إلى النبي عليه السلام فقال له: ابن ابنتي يا رسول الله، ما رأيت مولودا قط أصغر خلقا منه فحنَّكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسح رأسه، ودعا له بالبركة. قال: فما رُئي عبد الرحمن بن زيد قط في قوم إلا فرعهم طولا. قال مصعب: كان عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، فيما زعموا، طول الرجال وأتمّهم. وولد عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عبد الحميد وعبد الله. وأمُّه فاطمة بنت عمر بن الخطاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 164 فأما عبد الحميد فكان أعرج. وكان عاملا لعمر بن عبد العزيز مع أبي الزَّناد عبد الله بن ذكوان على خراج العراق. وفي كتاب " الجامع " من لموطأ عنه حديثين أحدهما رواه عنه ابن شهاب في الوباء. والآخر رواه زيد بن أبي أنيسة عنه، عن مسلم بن يسار الجُهنيِّ أن عمر بن الخطاب سُئل عن هذه الآية:) وإذ أخَذَ ربُّك من بني آدمَ من ظهورِهم ذريَّتَهُم (الحديث. وولد عبد الحميد إبراهيم وعبد الملك وعبد الكبير وعمر وزيدا وعبد العزيز ومحمدا. فأما إبراهيم فولد إسحاق الذي يُعرف بالخطَّابي. وولده بالبصرة لهم أقدار وعدد. وولد عبد الكبير بن عبد الحميد سعيدا. رُوي عنه الأثر والخبر. ذكر الزبير بن بكار قال: حدَّثني عمر بن أبي بكر الموصلَّيُّ عن سعيد بن عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، عن أبيه، عن جدَّه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بخميصتين سوداوين فلبس إحداهما وبعث الأخرى إلى أبي جهم. ثم إنَّه أرسل إلى أبي جَهَم في تلك الخميصة، وبعث إليه التي لبسها هو ولبس هو التي كانت عند أبي جهم بعد أن لبسها أبو جهم لبسات. وكان الباقون من ولد عبد الحميد يلون الولايات. وأما عبد الله بن عبد الرحمن: فهو الذي أكره ثابتا الأحنف على طلاق أمِّ ولدٍ لأبيه عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، كان الأحنف تزوَّجها. وحديثه مع ثابت في جامع الطلاق من الموطأ. وكان ثابت الأحنف مولى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. وأمَّا فاطمة بنت الخطاب: فكانت تحت سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل. أسلمت قديما قبل زواجها، وقيل: مع زوجها. وذلك قبل إسلام عمر أخيها. وخبرها في إسلام عمر خبر عجيب ذكره ابن إسحاق في السيرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 165 أمير المؤمنين أبو عمرو عثمان بن عفان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 167 أمير المؤمنين أبو عمرو عثمان بن عفان ابن أبي العاصي بن أميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف. يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف وأمُّه أروى بنت كُرَيز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف. وأُمُّها أمُّ حكيم البيضاء بنت عبد المطلب. فأمه بنت عمّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُنسب عثمان إلى أمية بن عبد شمس، وهو سيِّد بني أميَّة وأفضلهم رضي الله عنه. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام أخي حسان بن ثابت، ووالد شدَّاد بن أوس فلذلك كان حسان يبكيه وحين قُتل رضي الله عنه. وكان يُدعى ذا النُّورين من أجل رُقيَّة وأمُّ كلثوم بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه تزوجهما واحدة بعد الأخرى. وتوفيَّتا عنده رضي الله عنه وعنهما. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كان عندي غيرهما لزوَّجتُكها ". وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سألت ربي عزَّ وجلَّ أن لا يدخل النار أحدا صاهر إليَّ أو صاهرت إليه ". وقال سهل بن سعيد: ارتجَّ أُحُد وعليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اثبت فإنَّما عليك نبيُّ وصدِّيق وشهيدان ". وقال ابن مسعود حين بويع عثمان بالخلافة: بايعنا خيرنا ولم نألُ. ولم يشهد بدرا لتخلفه على تمريض زوجه رُقيَّة، كانت عليلة. فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتخلُّف عليها، وضرب له بسهمه وأجره. فهو معدود في البدريين لذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 169 وتزوَّج عثمان رُقيَّة بمكة حين فارقها عُتبة بن أبي لهب. وهاجرت معه إلى أرض الحبشة. وولد له منها غلام سماه عبد الله. واكتنى به. فبلغ ست سنين فنقر عينه ديك فتورَّم وجهه ومرض ومات. وكانت وفاته في جمادى الأولى سنة أربعة من الهجرة، وصلَّى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل في حفرته أبوه عثمان رحمه الله. وماتت رُقيَّة سنة ثنتين من الهجرة حين أتى خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليه يوم بدر. وتزوَّج بعدها أختها أمُّ كلثوم في ربيع الأول من السنة الثالثة من الهجرة. وبنى بها في جمادى الآخرة من السنة المذكورة. وتوفيت أمُّ كلثوم سنة تسع من الهجرة، وصلَّى عليها أبوها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل في حفرتها عليٌّ والفضل وأسامة بن زيد. وغسَّلتها أسماء بنت عُميس وصفية بنت عبد المطلب. وشهدت أمُّ عطية الأنصارية غسلها. واسمها نسيبة بن الحارث. وحكت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر " الحديث. ومن أجله كانت بيعة الرضوان بالحديبية، حين أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر الكاذب بأن عثمان قد قُتِل. فجمع أصحابه فبايعوه على قتال أهل مكة يومئذ. وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان حينئذ بإحدى يديه للأخرى. وروي عن ابن عمر أنه قال: " يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من يد عثمان لنفسه ". وروي عن عثمان عبد الله بن موهَب أن رجلا من أهل مصر حجَّ البيت فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء؟ قالوا: قريش. قال: فمن هذا الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر. فأتاه فقال: إني سائلك عن شيء فحدِّثنيه أنشدك بربِّ هذا البيت. أتعلم أن عثمان فرَّ يوم أُحُد؟ قال: نعم. قال: أتعلم أنه تغيَّب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: أتعلم أنه تغيّب يوم بدر فلم يشهده؟ قال: نعم. قال: الله أكبر. فقال ابن عمر: تعال أبيِّن لك ما سألت. أمَّا فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له. وأمَّا تغيُّبه يوم بدر فإنه كانت عنده " أو تحته " ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه " وأمَّا تغيُّبه عن بيعة الرضوان فلو كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 170 أحد أعزَّ ببطن مكة من عثمان لبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكان عثمان. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان. وكانت بيعة الرِّضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى " هذه يد عثمان " ضرب بها على يده فقال: " هذه لعثمان " فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك. الترمذيّ: حدثنا أحمد بن عبدة الضَّبيُّ: نا حمَّاد بن زيد عن أيُّوب، عن أبي عثمان النَّهديَّ، عن أبي موسى الأشعريِّ. قال: انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل حائطا للأنصار يقضي حاجته فقال لي: " يا أبا موسى أملِكَ عليَّ الباب، فلا يدخلن عليَّ أحد إلا بإذن " فجاء رجل يضرب الباب فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن، قال: " إئذن له وبشِّره بالجنَّة ". فدخل وبشَّرته. وجاء رجل آخر فضرب الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عمر. فقلت: يا رسول الله هذا عمر يستأذن. فقال: " افتح له وبشِّره بالجنة ". ففتحت الباب ودخل وبشَّرته بالجنَّة. فجاء رجل آخر وضرب الباب، فقلت: من هذا؟ قال: عثمان. قلت: يا رسول الله هذا عثمان يستأذن. قال: " افتح له وبشِّره بالجنة على بلوى تصيبه ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقد روي عن غير وجه، عن أبي عثمان النَّهديّ. وخرَّجه مسلم عن أبي عثمان بمعناه، وفي آخره زيادة قالها عثمان حين بُشِّر بالجنَّة على بلوى تكون: اللهمَّ صبرا والله المستعان. وخرَّجه مسلم أيضا عن سعيد بن المسيَّب عن أبي موسى. مسلم حدَّثنا محمد بن مسكين اليماميُّ قال: نا يحيى بن حسان قال: نا سليمان، وهو ابن بلال عن شريك بن أبي نَمِر، عن سعيد بن المُسيَّب قال: أخبرني أبو موسى الأشعريُّ أنه توضّأ في بيته ثم خرج فقال: لألزمنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأكوننَّ معه يومي هذا. قال فجاء المسجد فسأل عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: خرج وجه هاهنا. قال: فخرجتُ على أثره أسأل عنه حتّى دخل بئر أريس. قال: فجلست عند الباب، وبابها من جريد حتّى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته وتوضّأ، فقمت إليه، فإذا هو الجزء: 2 ¦ الصفحة: 171 قد جلس على بئر أريس، وتوسَّط قُفَّها، وكشف عن ساقيه ودلاَّهما في البئر. قال: فسلَّمت عليه ثم انصرفت، فجلستُ عند الباب، فقلت: لأكوننَّ بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم. فجاء أبو بكر، فدفع الباب: فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك. قال: ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن. فقال: " إيذن له، وبشِّره بالجنَّة ". قال: فأقبلت حتى قلت لأبي بكر. أدخل ورسول الله يبشِّرك بالجنَّة. قال: فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القفِّ ودلَّى برجليه في البئر، كما صنع النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وكشف عن ساقيه. ثم رجعت فجلست وتركت أخي يتوضأ ويلحقني. فقلت: إن يُرد الله بفلان يريد أخاه خيرا يأت به. فإذا إنسان يحرِّك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب. فقلت: على رسلك. ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلَّمتُ عليه وقلت: هذا عمر يستأذن. فقال: " إيذن له، وبشِّره بالجنَّة ". فجئت عمر فقلت: أذِن ويبشِّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنَّة. فدخل فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القفِّ عن يساره، ودلَّى رجليه في البئر. ثم رجعت فجلست فقلت: إن يُرد الله بفلان يعني أخاه يأت به. فجاء إنسان فحرَّك الباب فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان. فقلت: على رسلك. قال: وجئت النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: " إيذن له، وبشِّره بالجنَّة مع بلوى تصيبه ". قال: فجئت فقلت: ادخل وبشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنَّة مع بلوى تصيبك. قال: فوجد القفَّ قد مُلئ، فجلس وجاههم من الشقِّ الآخر. قال شريك: فقال سعيد بن المسيَّب: فأوَّلتها قبورهم. وفي طريق آخر لمسلم، قال ابن المسيَّب: فتأوَّلت ذلك قبورهم اجتمعت هاهنا ... ويروى عن عبيد الله بن عمر أنه قال في قوله عزَّ وجلَّ في هذه الآية:) أمَّنْ هُوَ قانتٌ آناءَ الليل ساجداً وقائماً يحذرُ الآخرةَ ويرجو رحمةَ ربِّه (أنها نزلت في عثمان رضي الله عنه. وقال علي: كان عثمان أوصلنا للرَّحم، وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 172 من الذين آمنوا ثم اتَّقوا وأحسنوا والله يحبُّ المحسنين. وعثمان أحد العشرة المشهود لهم بالجنَّة وأحد الستَّة الذين جعل عمر فيهم الشورى. وأُخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله مقمِّصك قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه ". وقال فيه عليه السلام لعائشة حين دخل عليه أبو بكر وعمر وهو كاشف عن فخذيه فلم يغطِّهما، فلما دخل عثمان غطَّاهما: " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ ". خرَّج الحديث مسلم. وقال رضي الله عنه: ما تغنَّيت وما تمنَّيت ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجهَّز جيش العسرة بألف بعير وستين فرسا. روى ذلك قتادة. وقال غيره: جهَّز جيش العسرة بتسعمئة بعير وخمسين بعيرا، وأتمَّ الألف بخمسين فرسا. واشترى بئر رومة بعشرين ألف درهم، فجعلها للمسلمين وكانت ركيَّة ليهودي حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يشتري بئر رومة فيجعلها للمسلمين يضرب بدلوه في دلائهم، وله بها مشرب في الجنة ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يزيدنا في مسجدنا؟ " فاشترى عثمان موضع خمسين سوار فزاده في المسجد. وهو أحد القراء الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين، وجمعه في خلافته على حرف واحد، وهي القراءات السبع التي يُقرأ بها إلى الآن في الأمصار، بعدما جمعه أبو بكر بين اللوحين. وسبب ذلك ما نذكره أحسن ذكر عن الثقات من الأئمة. حدَّث عليُّ بن عبد العزيز رواية أبي عبيد قال: نا أبو عبيد القاسم بن سلام قال: نا عبد المطلب بن زياد عن السَّدِّي، عن عبد خير قال: أول من جمع القرآن بين اللوحين أبو بكر. وعن هشام بن عروة، عن أبيه أن أبا بكر الصديق أول من جمع القرآن في المصاحف حين قُتل أصحاب اليمامة، وعثمان الذي جمع المصاحف على مصحف واحد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 173 وقال ابن شهاب: أخبرني أنس عن مالك أن حذيفة بن اليمان قَدِم على عثمان، وكانوا يقاتلون على مَرَج أرمينية فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين إني قد سمعت الناس قد اختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى. حتى إن الرجل ليقوم فيقول: هذه قراءة فلان. فقال: فأرسل عثمان إلى حفصة: أرسلي إلينا بالصحف فننسخها في المصاحف، ثم نردَّها إليك. قال: فأرسلت إليه في الصحف قال: فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت وإلى عبد الله بن عمرو بن العاصي وإلى عبد الله بن الزبير وإلى ابن عباس وإلى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: انسخوا هذه الصحف في مصحف واحد. وقال للقرشيين: إن اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فاكتبوه على لسان قريش، فإنما نزل بلسان قريش. قال زيد: فجعلنا نختلف في الشيء، ثم نجمع أمرنا على رأي واحد. فاختلفوا في " التابوت "، فقال زيد: التابوه، وقال النفر القرشيون: التابوت، قال: فأبيت أن أرجع إليهم، وأبوا أن يرجعوا إليَّ، حتى رفعنا ذلك إلى عثمان، فقال عثمان: اكتبوه التابوت، فإنَّما أُنزل القرآن على لسان قريش. قال زيد: فذكرت آية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أجدها عند أحد حتى وجدتها عند رجل من الأنصار؛ خُزيمة بن ثابت:) لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم (. قال ابن شهاب: قال أنس: فردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وألغى ما سوى ذلك من المصاحف. وحدَّث عليُّ بن عبد العزيز قال: نا القاسم بن سلام قال: نا ابن مهدي عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد قال: أدركت الناس حين شقَّق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، أو قال: لم يعب ذلك أحد. قال أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ المدائنيُّ الحافظ يرحمه الله: أكثر العلماء على أن عثمان بن عفَّان رضي الله عنه لما كتب المصحف جعله على أربع نسخ، وبعث إلى كلِّ ناحية من النواحي بواحدة منهنَّ. فوجَّه إلى الكوفة إحداهنَّ، وإلى البصرة أخرى، وإلى الشام الثالثة، وأمسك عند نفسه واحدة، وهذا هو القول الأصحُّ، وعليه الأئمة. وفي أيام عثمان استفتحت بلاد فارس وطبرستان وكرمان وسجستان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 174 وذرابجرذ الأسادرة في البحر. ثم كانت مروٌ على يدي عبد الله بن عامر بن كُرير، واستُفتحت أيضا أفريقيَّة في أيامه سنة سبع وعشرين على يدي عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وامتلأت أيدي الناس من الأموال من الفتوحات العظيمة التي فتح الله عليه. قال ابن سيرين: كثُر المال في زمن عثمان حتى بيعت جارية بوزنها، وفرس بمئة ألف درهم، ونخلة بألف درهم. وقال مبارك بن فَضالة: سمعت الحسن يقول: سمعت عثمان يخطب يقول: يا أيها الناس ما تنقمون على، وما من يوم إلا وأنتم تقسمون فيه خيرا؟ سرد حصر عثمان. وكان لما نقم الناس عليه وكيفية قتله رضي الله عنه ذكر أسد بن موسى قال: نا حماد بن زيد يحيى بن سعيد الأنصاريّ، عن سالم، عن ابن عمر قال: لقد عتبوا على عثمان أشياء لو فعلها عمر ما عتبوها عليه. قال ابن قتيبة في " المعارف ": وكان ممَّا نقموا على عثمان أنه آوى الحكم بن أبي العاصي عمَّه، وأعطاه مئة ألف درهم. وقد سيَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤوه أبو بكر ولا عمر. وتصدَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بمهزور موضع سوق المدينة على المسلمين، فأقطعها الحارث بن الحكم أخا مروان، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وافتتح أفريقية، فأخذ الخُمُس، فوهبه كله لمروان. فقال عبد الرحمن بن حنبل الجُمحيُّ، وكان عثمان سيَّره: أحْلِفُ باللهِ ربِّ الأنا ... مِ ما تركَ اللهُ شيئاُ سُدى ولكنْ خُلِقْتَ لنا فِتنةٌ ... لكي نُبْتَلَى بكَ أو تُبْتَلَى فإنَّ الأمينيْنِ قد بَيَّنا ... مَنارَ الطريق عليهِ الهَدَى فَما أخذا درهماً غِيلَةً ... ولا جَعَلا درهماً في هَوَى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 175 وأعطيتَ مروانَ خُمسَ العِبا ... دِ فهيهاتَ شأوُكَ ممَّن سَعى وطلب إليه عبد الله بن خالد بن أُسيد صلة فأعطاه أربعمئة ألف درهم. وسيَّر أبا ذر إلى الرَّبذة. وسيَّر عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام. وقال غير ابن قتيبة: لم يفعل هذا عثمان رضي الله عنه إلا بتأويل أصاب فيه، وأمر جائز له. ولو لم يُجز ما سكت عليه عليٌّ وأكابر الصحابة. وكان عثمان أتقى لله من أن يعطي ما لا يحلُّ، ويهب ما هو محجور. وقد قيل له رضي الله عنه حين آثر قرابته وولاَّهم: هلاَّ فعلت مثل ما فعل عمر؟ لم يؤثر من قرابته أحدا على غيرهم، ولم يولِّهم. فقال: كان عمر يقطع قرابته في الله، وأنا أصلهم في الله. وأمَّا أيواؤه رضي الله عنه عمَّه الحكم الطريد فإنه ذكر أنه استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في ردِّه إن أفضى إليه الأمر، فأذن له في ذلك، وصدق فيما قال وبرّ. وأما تسيير أبي ذر إلى الربذة فأمر قدِّر محتوم، تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، حين رأى أبا ذر في ناحية من العسكر وحده: " يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويُبعث وحده ". فكان كما قال صلى الله عليه وسلم؛ مات بالربذة وحده. وأمَّا تسيير عامر بن عبد قيس فإن عبد الله بن عامر وحمران مولى عثمان، كتبا فيه إلى عثمان بأمور كان مُبرَّأ منها، والله حسيب من رماه بها. ولما كثر الطعن على عثمان سار إليه قوم من أهل مصر منهم: محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة في جند، وكنانة بن بشر التَّجيبيُّ في جند، وابن عُديس البلويُّ في جند. ومن أهل الصرة حُكيم بن جبلة العبديُّ وسدوس بن عبيد الشنِّيُّ. ونفر من أهل الكوفة منهم: الأشتر بن الحارث النخعيُّ، فاستعتبوه فأعتبهم وأرضاهم. ثم وجد أهل مصر بعد أن انصرفوا بمحمد بن أبي بكر أميرا على مصر في الطريق غلاما ومعه راحلة. فقالوا: لمن أنت يا غلام؟ فجعل يقول مرة: أنا غلام أمير المؤمنين، ومرَّة يقول: أنا غلام مروان. ففتَّشوه فوجدوا معه كنانة تقلقل، ليس لها فم، فشقوها فوجدوا فيها كتابا عليه خاتم عثمان إلى أمير مصر: " إذا أتاك القوم فضرِّب رقابهم، واثبت على عملك حتى يأتيك أمري ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 176 قال: ففزع محمد بن أبي بكر ومن معه، ورجعوا إلى المدينة بالكتاب، وأروه عليا وأكابر الصحابة، فأعظموا ذلك ودخلوا على عثمان، ودفعوا إليه الكتاب فحلف لهم أنه لم يأمر ولم يعلم، وصدق فيما قال. قالوا: فهذا عليك شديد، يؤخذ خاتمك بغير علمك وراحلتك، وهذا خطُّ مروان، فإذ كنت غُلبت على أمرك فاعتزل أو ادفع إلينا مروان. فأبى أن يعتزل ويدفع إليهم مروان، وأن يقاتلهم، ونهى عن ذلك، وأغلق بابه فحوصر حتى قتل رحمه الله. وكان مع عثمان في الدار حين حوصر ممن يريد الدفع عنه: أبو هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن سلام وعبد الله بن الزبير والحسن بن عليّ، وكان شديد الحب لعثمان، قائلا بفضله، وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم والمغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفيّ ويومئذ قُتل المغيرة قبل قتل عثمان رحمه الله. وعن أبي هريرة قال: إني لمحصور مع عثمان في الدار، قال: فرُمي برجل منَّا فقلت: يا أمير المؤمنين الآن طاب الضِّراب؛ قتلوا منَّا رجلا. قال: عزمت عليك يا أبا هريرة إلا رميت سيفك، فإنما تُراد نفسي. قال أبو هريرة: فرميت سيفي، فلا أدري أين هو حتى الساعة. وكتب عثمان إلى علي، وهو بماله بيَنْبُعْ حين اشتدَّ عليه المر: " أما بعد، فقد بلغ السيل الزُّبى، وجاوز الحزام الطِّبيين، وطمع فيَّ من كان يضعف عن نفسه. ولم يغلبك مثل مُغلَّب. فأقبل إليَّ عليَّ كنت أم لي، صديقا كنت أم عدوّاً: فإن كنتُ مأكولاً فكن خيرَ آكل ... وإلا فأدركْني ولمَّا أُمزَّق قال الواقديُّ: حاصروا عثمان تسعة وأربعين يوما. وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يوما. وكان أول من دخل عليه الدار محمد بن أبي بكر، فأخذ بلحيته، فقال له: دعها يا ابن أخي، فوالله لقد كان أبوك يكرمها. فاستحيا وخرج. وقيل: أنه دخل عليه بعد محمد ثلاثة من أهل مصر، فضربه أحدهم بسيفه فاتَّقاه بيده اليمنى، فقطعها، فقال: أما إنها لأول يد خطَّت القرآن. ثم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 177 ضربه آخر بمشقص في رأسه فخرَّ. وكان في حجره المصحف فقطرت قطرة أو قطرات من دمه على قوله تعالى:) فسيكفيكهُمُ الله (. ثم قال الثالث: والله لا رمتُ حتى أمثِّل بنعثل، يعني عثمان. فأكبَّت عليه امرأته نائلة بنت الفرافصة الكلبيَّة. فأدخل السيف من بين رجليها فوضعت يدها على بطنه فقطع السيف من يدها إصبعين، ومضى السيف في بطن عثمان فقتله فبعثت بإصبعيها وبقميص عثمان، فيه دمه، إلى معاوية في الشام، فكان ذلك مما حرَّض معاوية ومن معه، على الطلب بدم عثمان. وقيل إنه دخل عليه رومان بن سرحان؛ رجل أزرق قصير، عِداده من مراد وهو أصبحيٌّ معه خنجر، فاستقبله به، وقال: على أيِّ دين أنت يا نعثل؟ فقال عثمان: لستُ بنعثل، ولكني عثمان بن عفان، وأنا على ملَّة إبراهيم حنيفا مسلما، وما أنا من المشركين. فقال: كذبت، وضربه على صدغه الأيسر فقتله. وأدخلته امرأته نائلة بينها وبين ثيابها وكانت امرأة جسيمة. ودخل رجل من أهل مصر. ومعه السيف مصلتا، فقال: والله لأقطعنَّ أنفه. فعالج المرأة وكشف عن ذراعيها، وقبضت على السيف فقطع إبهامها، فقالت لغلام لعثمان، يقال له رباح، ومعه سيف عثمان: أعنِّي على هذا وأخرجه عنِّي. فضربه الغلام بالسيف فقتله. وأقام عثمان يومه ذلك مطروحا إلى الليل. وقيل: أن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزَّها وقال: ما أغنى عنك معاوية، وما أغنى عنك ابن أبي سرح، وما أغنى عنك ابن عامر فقال له: يا ابن أخي أرسل لحيتي، فوالله إنَّك لتجبذ لحية كانت تعزُّ على أبيك، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا مني. فيقال: أنه حينئذ تركه وخرج عنه. ويقال: إنه حينئذ أشار إلى من معه فطعنه أحدهم وقتلوه، والله أعلم. وقال أسد بن موسى: حدثنا محمد بن طلحة: نا كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب، قال: قال: شهدت مقتل عثمان فأُخرج من الدار أمامي أربعة من شباب قريش، مضرَّجين بالدم، محمولين، كانوا يدرؤون عن عثمان: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 178 الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير ومحمد بن حاطب ومروان بن الحكم. قال محمد بن طلحة: فقلت له: فهل ندي محمد بن أبي بكر بشيء من دمه؟ فقال: معاذ الله. دخل عليه فقال له عثمان: يا ابن أخي لست بصاحبي، وكلَّمه بكلام فخرج ولم يندِ بشيء من دمه. قال: فقلت لكنانة: من قتله؟ قال: قتله رجل من أهل مصرة يقال له جبلة بن الأيهم، ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول: أنا قاتل نعثل. وحدَّث محمد بن حازم أبو معاوية الضرير عن سليمان بن مهران الأعمش عن ثابت بن عبيد عن أبي جعفر الأنصاريّ قال: دخلت مع المصريين على عثمان، فلما ضربوه خرجتُ أشتدُّ حتى ملأت فروجي عدوا، حتى دخلت المسجد، فإذا رجل في نحو عشرة، عليه عمامة سوداء فقال: ويحك ما وراءك؟ قلت: قد والله فرغ من الرجل. فقال: تبا لكم آخر الدهر فنظرت فإذا هو عليٌّ رحمه الله. وقال ابن عمر: أذنب عثمان ذنبا عظيما بأحد فعفا الله عنه، وأذنب فيكم ذنبا صغيرا فقتلتموه؟ وذكر أسد بن موسى قال: نا سلام بن مسكين قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: قال امرأة عثمان حين أطافوا به يريدون قتله: إن تقتلوه أو تتركوه فإنه كان يحيي الليلة بركعة كان يجمع فيها القرآن. وقال عليٌّ رضي الله عنه: من تبرَّأ من دين عثمان فقد تبرَّأ من الإيمان. والله ما أعنت على قتله، ولا أمرت ولا رضيت. وقالت عائشة: لقد قتلوا عثمان، وإنه لمن أوصلهم للرَّحم، وأتقاهم لربِّه، وسُئل ابن عمر عن علي وعثمان، فقال للسائل: قبَّحك الله، تسألني عن رجلين كلاهما خير مني، تريد أن أغضَّ من أحدهما وأرفع من الآخر؟ وقال معبد الخُزاعيٌّ: لقيت عليا بعد الجمل، فقلت له: إني سائلك عن مسألة كانت منك ومن عثمان، فإن نجوت اليوم نجوت غد إن شاء الله. قال: سل عمَّا بد لك، قال: أخبرني أيُّ منزلة وسعتك إذ قُتل عثمان ولم تنصره؟ قال: إنَّ عثمان كان إماما، وإنه نهى عن القتال، وقال: من سلَّ سيفه فليس مني. فلو قاتلنا دونه عصيناه. قلتُ: فأيُّ منزلة وسعت عثمان إذ استسلم حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 179 قتل؟ قال: المنزلة التي وسعت ابن آدم إذ قال لأخيه:) لئن بسطتَ إليَّ يدكَ لتقتلَني ما أنا بباسطٍ إليك يدي لأقْتُلَك إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين (. قال: فهلاَّ وسعتك هذه المنزلة يوم الجمل؟ قال: إنا قاتَلْنا يوم الجمل من ظَلَمَنَا. وقال الله عزَّ وجلَّ:) ولَمَنِ انتَصَرَ بعد ظلمِهِ فأولئك ما عليهم من سبيل إنَّما السبيلُ على الذين يظلمونَ الناسَ ويبغونَ في الأرضِ بغيرِ الحقِّ أولئكَ لهم عذابُ أليم ولَمَن صَبَرَ وغَفر إنَّ ذلك لَمِن عزْم الأمور (. فقاتلنا نحن من ظَلَمَنَا، وصبر عثمان. وذلك من عزم الأمور. وقال عليٌّ رضي الله عنه لما رأى تثبُّط أهل العراق عن الجهاد وكثرة عصيانهم له: " إنَّما أكلتُ يوم أكل الثور الأبيض ". عنى بالثور الأبيض عثمان بن عفان لأنه كان شيخا كبيرا. والثور: السيد العظيم من الرجال. وقُتل رضي الله عنه وهو ابن اثنين وثمانين سنة، قاله الواقديُّ، وقال: لا خلاف عندنا في ذلك، وقاله أيضا أبو اليقظان، وقال ابن إسحاق: قيل: وهو ابن ثمانين سنة. وقال غيره: قُتل وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وقيل: ابن تسعين سنة. وقال قتادة: قُتل وهو ابن ست وثمانين سنة. وكان قتله يوم الجمعة لثمان ليال خلت من ذي الحجَّة سنة خمس وثلاثين، يوم التَّروية، قاله الواقديُّ. وقال: هذا ما لا خلاف فيه. وقيل: قُتل يوم الأضحى لقول حسان بن ثابت يرثيه: مَن سرَّهُ الموتُ صِرفاُ لا مِزاجَ له ... فليأتِ مأدُبةٌ في دارِ عثمانا ضحَّوا بأشمطَ عنوانُ السجودِ به ... يُقطِّعُ الليلَ تسبيحاً وقُرآنا وأكثر من رثاه من الشعراء يذككرون أنه قُتل يوم الأضحى. وقال أيمن بن خُزيم بن فاتك الأسديُّ: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 180 ضحَوا بعثمانَ في الشهرِ الحرامِ ضحى ... فأيُّ ذِبح وَيلهُمْ ذَبحوا وأيُّ سُنَّةِ كفرٍ سنَّ أوّلهُم ... وبابَ شّرٍّ على سُلطانهمْ فَتَحوا؟ ماذا أرادوا أضلَّ اللهُ سَعيَهُمْ ... بسفكِ ذاكَ الدَّمِ الزاكي الذي سَفَحوا إنَّ الذين توّلوا قتلَهُ سَفَهاً ... لَقَوا أَثاماً وخُسراناً وما رَبحوا وقال القاسم بن أُمية بن أبي الصَّلت من أبيات: لعمري لبئس الذَّبحْ ضحَّيْتُمُ به ... وخنتُمْ رسولَ الله في قتلِ صاحبِهْ وقال حسان بن ثابت: إنْ تُمْسِ دارُ بني عفانَ مُوحشةً ... بابٌ صريعٌ وبابٌ مُحْرَقٌ خربُ فقد يصادفُ باغي الخيرِ حاجَتَهُ ... فيها، ويأوى إليها الجودُ والحسَبُ ولحسان أيضا: قَتلتُمْ وليَّ اللهِ في جَوفِ داره ... وجئتم بأمر جائر غير مُهتَدِ فلا ظَفِرتْ أيمانُ قومٍ تعاقدوا ... على قتل عثمان الرشيدِ المسدَّدِ وقال كعب بن مالك: يا لَلرِّجالِ لأمرٍ هاجَ لي حَزَناً ... لقد عَجبتُ لِمن يَبكى على الدَّمَنِ إني رأيتُ قتيلَ اللهِ مُضطهَداً ... عثمانُ يُهدى إلى الأجداثِ في كفنِ يا قَاتلَ اللهُ قوماً كان أمرُهُم ... قتلَ الإمام الزكيِّ الطيِّب الرُّدُنِ لم يقتلوهُ على ذنبٍ ألمَّ بهِ ... إلا الذي نطقوا زُوراً ولم يكنِ وقال حميد بن ثور الهلاليُّ: إن الخلافةَ لمَّا أظْعنتْ ظَعنتْ ... عن أهلِ يثربَ إذ غير الهُدى سلكوا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 181 طارتْ إلى أهلها منهمْ وأوْرثَها ... لمَّا رأى اللهُ في عثمانَ ما انتهكوا وقالت زينب بنت العوَّام: وعطَّشْتُمُ عثمانَ في جوفِ دارهِ ... شربتُم كشربِ الهِيمِ شربَ حميمِ فكيفَ بنا أَمْ كيف بالنومِ بعدَما ... أصيبَ ابنُ أروَى وابنُ أمِّ حكيم؟ وقالت ليلى الأخْيليَّة: قُتل أبنُ عفانَ الإمامُ ... وضاع أمرُ المسلمينا وتشتَّتتْ سبُلُ الرشادِ ... لصادرينَ وواردينا فانهضْ معاويَ نهضةً ... تَشفي بها الداءَ الدَّفينا أنتَ الذي من بعدِهِ ... نَدعوا أميرَ المؤمنينا وقال ليلى أيضا: أبعدَ عثمانَ تَرجو الخير أمتُهُ ... وكان آمنَ من يمشي على ساقِ خليفةُ اللهِ أعطاهُمُ وخوَّلهمْ ... ما كانَ من ذَهبٍ حومٍ وأوراقِ فلا تُكذِّبْ بِوعدِ اللهِ وارضَ بِهِ ... ولا تُوكَّلْ على شيءٍ بإشفاقِ ولا تقولَنْ لشيءٍ: سوف أفعلُهُ ... قدْ قدَّر اللهُ ما كلُّ امرئٍ لاقِ وقال بعض بني نهشل أو لمجاشع: لَعَمْرُ أبيكَ فلا تكذبَنْ ... لقد ذهبَ الخيرُ إلا قليلا لقد فُتن الناسُ في دينهمْ ... وخلَّى ابنُ عفانَ شراً طويلا وقال الوليد بن عُقبة بن أبي مُعيط: ألا أنَّ خيرَ الناسِ بعد ثلاثةٍ ... قتيلُ التَّجيبي الذي جاءَ من مصرِ وماليَ لا أبكي وتبكي أقاربي ... وقَد حُجبتْ عنا فُضولُ أبي عَمرِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 182 وقال الراعي النُّميريُّ واسمه عبيد بن حُصين: قتلوا ابنَ عفانَ الخليفةَ مُحْرِماً ... ودَعا فلم أرَ مثلَهُ مَخذولا فتفرَّقتْ من بعدِ ذاكَ عصاهمُ ... شققاً وأصبَحَ سيفُهُمْ مَسلولاً وقال بعض الشعراء العثمانيين، وأحسَنَ رحمه الله: ألا قُل لقوم شاربي كأس عَلْقَمِ ... بقتلِ إمامٍ في المدينة مُحرِم قَتلتُمْ أمينَ اللهِ في غَيرِ رِدَّةٍ ... ولا حَدِّ إحصان ولا قَتلِ مسلمِ تَعالَوا ففاتونا فإن كانَ قتلُهُ ... لواحدة منها فحُلَّ لكمْ دمي وإلاَّ فأعظمْ بالذي قد أتيتُمْ ... ولم يأتِ ما لم يرضَهُ الله يَظلمُ وقال سعيد بن زيد: لو أنَّ أحدا انقضَّ لما فُعل بعثمان لكان حقيقا أن ينقضَّ. وقال ابن عباس: لو اجتمع الناس على قتل عثمان لَرُموا بالحجارة كما رمي قوم لوط. وقال عبد الله بن سلاَّم: لقد فتح الناس على أنفسهم بقتل عثمان باب فتنة لا ينغلق عنهم إلى قيام الساعة. ودُفن رضي الله عنه بحشِّ كوكب، كذلك قيَّده أبو عُبيد عبد الله بن أبي المصعب عبد العزيز بن أبي زيد محمد بن أيوب بن عمرو بن أيوب البكريُّ في " معجم ما استعجم " والحشُّ: البستان. وجمعها الحِشَّان. بكسر الحاء. وكوكب: رجل من الأنصار. كان عثمان اشتراه وزاده في البقيع. وكان أوَّل من قُبر فيه. وقال مالك بن أنس: كان عثمان يمرُّ بحشِّ كوكب فيقول: إنه سيُدفن هاهنا رجل صالح. وحُمِل على لوح سرا. وقيل: حملوه على باب، وأن رأسه على الباب ليقول: طَقْ، حتى ساروا به إلى حشِّ كوكب. فاحتفروا له. وكانت عائشة بنت عثمان معها مصباح في حُقّ. فلما أخرجوه ليدفنوه صاحت، فقال لها ابن الزبير: والله لئن لم تسكتي لأضربنَّ الذي فيه عيناك. فسكتت فدُفِن. وصلى عليه عمرو بن عثمان ابنه. وقيل حكيم بن حزام وأبي جهم ابن حُذيفة ونياز بن مُكرم الأسلميُّ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 183 وذكر مالك بن أنس أن جدَّه مالك بن أبي عامر كان خامسهم. ونزل في قبره نياز وأبو جهم وجُبير. وكان حكيم وأمُّ البنين ونائلة زوجتاه يدلونه. فلما دفنوه غيَّبوا قبره، رضي الله عنه، ولا رضي عن قاتليه. قال ابن إسحاق: وكانت ولايته اثنتي عشرة سنة اثنتي عشرة ليلة. وكان عثمان رضي الله عنه مُحبَّبا في قريش، يقول قائلهم: أحبَّ حبَّ قريش عثمان إذا دعا بالميزان. وكانت له هجرتان: هاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنهما أول من هاجر إلى الله بعد إبراهيم ولوط ". ثم هاجر إلى المدينة. وحدَّث حماد بن سلمة قال: نا عليُّ بن زيد بن جدعان قال: قال لي سعيد ابن المسيَّب: انظر إلى وجه هذا الرجل. فنظرت فإذا هو مُسودُّ الوجه. فقال سله عن أمره. فقلت: حسبي أنت حدَّثني. قال: إن هذا كان يسبُّ عليا وعثمان، فكنت أنهاه ولا ينتهي. فقلت: اللهمَّ إن هذا يسبُّ رجلين. وقد سبق لهما ما تعلم. اللهمَّ إن كان يسخطك ما يقول فيهما فأرني ... آية. قال: فاسودَّ وجهه كما ترى. وحدَّث المعتمر بن سليمان قال: سمعت حُميدا الطويل قال: قيل لأنس بن مالك: إنَّ حبَّ عليٍّ وعثمان لا يجتمعان في قلب أحد. فقال أنس: كذبوا. لقد اجتمع حبهما في قلوبنا. قاضي عثمان: زيد بن ثابت الأنصاريُّ. وقد كتب له. وقيل: إنه قضى في أيامه بالمدينة السائب بن زيد. وقيل: إنه كان على شرطته، والأول أثبت. كاتبه: ابن عمِّه مروان بن الحكم. حاجبه: حمران مولاه. حليته: قال الواقديُّ: كان عثمان رجلا ربعة، ليس بالقصير ولا بالطويل. حسن الوجه، رقيق البشرة، كبير اللحية، عظيمها، أسمر اللون، كثير شعر الرأس، وكان يشدُّ أسنانه بالذهب. وزاد غيره: كان أصلع أقنى، له جمَّة أسفل من أذنيه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 184 ولكثرة شعر رأسه ولحيته كان أعداءه يسمونه نعثلا. نقش خاتمه: " آمنت بالله مخلصا " وقيل " آمنت بالله العظيم "، وقيل: " لَنصبرنَّ أو لنندمنَّ ". وكان لعثمان رضي الله عنه من الولد عشرة: عبد الله الأصغر من رقيَّة بنت رسول الله، وقد تقدَّم ذكره، وعبد الله الأكبر وأمه فاختة بنت غزوان. وعمرا. وأبانا. وخالدا. وعمر. وسعيدا. والوليد. والمغيرة. وعبد الملك. وأنبهُهُم ذكرا عمرو وأبان. فأما عمرو: فكان أسنَّ ولد عثمان وأشرفهم عقبا. وروي عنه الحديث. وهو شقيق أبان. وهلك بمنىً. ومن ولده: عبد الله الأكبر وخالد. فأما عبد الله الأكبر: فأمُّه حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب وكان من أجمل الناس، ولقبه المطرِّف لجماله، وفيه يقول مُدرك بن حصين: كأني إذا دخلتُ على ابن عَمروٍ ... حَخلتُ على مُخَبَّاةْ كعابِ وأما خالد: فولد سعيدا، ويكنى أبا عثمان. وحمل الحديث، وحُمل عنه. سمع عروة بن الزبير وقبيصة بن ذؤيب، روى عنه الزهريُّ. ومن ولد عبد الله بن عمرو بن عثمان محمد الأصغر وعمرو. فأما محمد الأصغر: فأمه فاطمة بنت حسين بن عليٍّ بن أبي طالب. وكان من أجمل الناس. وكان يلقَّب بالدِّيباج لجماله. وقان له قَدْر ونُبْل. وكان يقال فيه: سمي النبي ومن ذريته، وزرع الخليفة المظلوم. وكان لمحمد هذا بند ولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير. وكانت أمها خديجة بنت عثمان بن عروة بن الزبير. وأمُّ عروةأسماء بنت أبي بكر الصدِّيق. وأمُّ محمد فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب. وأم الحسين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمُّ فاطمة بنت الحسين أمُّ إسحاق بن طلحة بن عبيد الله. وأمُّ عبيد الله والد محمد الأصغر زينب بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وكان كثير التزويج، كثير الطلاق. فقالت امرأة من نسائه: إنما مَثَلُهُ مثلُ الدنيا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 185 لا يدوم نعيمها ولا تؤمن فجائعها. وأخذه أبو جعفر من الفاطميين وأمر به فضربت عنقه صبرا. وبعث برأسه إلى الهند، وظهر أنه رأس محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين. وأما عمرو بن عبد الله أخو محمد الملقب بالديباج، فهو والد العرجيُّ الشاعر واسمه العرجيِّ عبد الله بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان. كذا نسبه ابن قتيبة في " المعارف ". وقال أبو الفرج الأصفهاني وأبو عليٍّ القاليّ: هو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان. وقيل له العرجيُّ لأنه كان ينزل " العَرْجَ " وهو موضع قبل الطائف. وكان يهجو إبراهيم بن هشام المخزوميّ خال هشام بن عبد الملك. فأخذه فحبسه فهلك في السجن. وهو قائل " وهو محبوس ": كأني لم أكنْ فيهمْ وسيطا ... ولم تكُ نِسبتي في آل عمرِو أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا ... ليوِ كريهةٍ وسِداد ثَغْرِ ومن موالي عمرو بن عثمان داود بن الحصين: روي عن عكرمة مولى ابن عباس وغيره من التابعين. وروى عنه مالك ومحمد بن إسحاق وغيرهم. وأما أبان بن عثمان فهو من فقهاء التابعين وأفاضلهم. وروى عن أبيه عثمان وغيره من الصحابة. وحضر الجمل مع عائشة، وكان الثاني من المنهزمين وكانت أُمُّه وأمُّ عمرو أخيه أمُّ جنيدب بنت عمرو بن خممة الدَّوسيُّ. وكانت حمقاء تجعل الخنفساء في فمها، وتقول: حاجيتك ما في فمي. وكان أبان أبرص وأحول. يلقَّب نفيعا. وأصابه الفالج، وكانت عنده أمُّ كلثوم بنت عبد الله بن جعفر. وخلف عليها بعد الحجاج. وكان له عقب كثير منهم: عبد الرحمن بن أبان: كان عابدا مجتهدا. روي عنه الحديث. موالي عثمان حمران وكيسان وذكوان. فأما حمران فكان يكنى أبا يزيد. وهو حمران بن أبان بن عبد عمرو من سبي عين التَّمر، سباه المسيَّب بن نَجَبَة الفزاريُّ زمن أبي بكر وأمير الجيش خالد بن الوليد، فوجده مختونا، وكان يهوديا اسمه طُوَيد. فأشتُريَ لعثمان ثم أعتقه، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 186 وصار يكتب بين يديه، وروى عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنَّة ". ثم غضب عليه عثمان فأخرجه إلى البصرة، فكان عين له بها. ولما قُتل مصعب وثب حمران فأخذ البصرة، ولم يزل كذلك حتى قَدِمَ من عبد الملك من عزله. ولما قَدِم الحجاج البصرة آذاه، وأخذ منه مئة ألف درهم. فكتب إلى عبد الملك يشكوه. فكتب عبد الملك أن حمران أخو من مضى وعمُّ من بقي، فاحسن مجاورته ورُد عليه ماله. وأما كيسان: فهو أبو فروة وابنه عبد الله بن أبي فروة. كان صاحب أمر مصعب بن الزبير. فلما قُتل مصعب حمل ما كان معه من المال عشرة آلاف درهم، فذهب به إلى المدينة. وعدد ولده بالمدينة كثير، وقدرُهُم عظيم. وأما ذكوان: فهو أبو أبي الزناد المحدِّث ويقال: ذكوان أخو أبي لؤلؤة لعنه الله قاتل عمر رضي الله عنه، وكان مولى بنت شيبة بن ربيعة بنت عمِّ هند بنت عتبة بن ربيعة أمِّ معاوية. وكانت رملة تحت عثمان بن عفان، وهاجرت معه. وفي ذلك تقول له هند بنت عتبة: لحى الرحمنُ صابئة بوجٍّ ... بمكة عند أطرافِ الحَجُونِ تَدينُ لمعشرٍ قَتلوا أباها ... أقَتْلُ أبيكِ جاءكِ باليقينِ ومن بنات عثمان عائشة وأمُّ أبان فأمَّا عائشة فحضرت دفن عثمان ومعها مصباح في حُقٍّ ليلا. وقد تقدَّم ذكر ذلك. وأما أمُّ أبان: فقد وقع ذكرها في حديث كتاب الجنائز من صحيح مسلم عن عبد الله بن أبي مُليكة ... قال: كنت جالسا إلى جنب عبد الله بن عمر، ونحن ننتظر جنازة أمّ أبان ابنة عثمان، وعنده عمرو بن عثمان. فجاء ابن عباس يقوده قائد مارّا. فأخبره بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي، فكنت بينهما، فإذا صوت من الدار. فقال ابن عمر، كأنه يعرض على عمرو أن يقوم: فبينما هم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 187 سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ الميِّت ليُعذَّب ببكاء أهله ". واسم أبي الزناد عبد الله، ويكنى أبا عبد الرحمن. وغلب عليه أبو الزناد، وكان يجد من الدعاء به، وكان من الثُقات الحفَّاظ. وهو من أشياخ مالك، وله عنه في الموطأ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وخمسون حديثا مسندة كلُّها. وروى الأصمعيُّ عن عبد الرحمن بن أبي الزِّناد أنه قال: أصلنا من همدان. وقال أشعب بن أمِّ حُميدة الطامع: ونشأت أنا وأبو الزناد في حجر عائشة بنت عثمان بن عفان. فما زال يعلو وأسفل حتى بلغنا الغاية. وقيل أن أبا الزناد وفد على هشام بن عبد الملك بحساب ديوان المدينة. فسأل هشام ابن شهاب: أيّ شهر كان يخرج العطاء لأهل المدينة؟ فقال: لا أدري. قال أبو الزناد: فسألني هشام فقلت: المحرَّم. فقال هشام لابن شهاب: يا أبا بكر، هذا علم أخذته اليوم. فقال ابن شهاب: مجلس أمير المؤمنين أهلٌ أن يُفاد منه العلم. ومات أبو الزناد فجاءة في مغتسله في شهر رمضان سنة ثلاثين ومئة. وابنه عبد الرحمن بن أبي الزناد: يُكنى أبا محمد، وولي خراج المدينة. وقدم بغداد، ومات بها سنة أربع وسبعين ومئة، وهو ابن أربع وسبعين سنة، وروي عنه الحديث. وأخوه أبو القاسم بن أبي الزناد: قد روي عنه. وابنه محمد بن عبد الرحمن: كان بينه وبين أخيه في السنِّ سبع عشرة سنة، وفي الوفاة إحدى وعشرون سنة. وكان لقي رجال أبيه، ولم يُحدِّث عنهم حتى مات أبوه ودُفن هو وأبوه ببغداد في مقابر باب التِّبن. وقال يحيى بن معين: عبد الرحمن بن أبي الزِّناد ضعيف في الحديث، وابنه محمد كذلك. وابن معين إمام هذا الشأن. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 188 أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 189 أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم القريب القرابة. وهو أول من آمن بالنبيِّ عليه السلام من الصِّبيان. قيل إنه أسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة، روى ذلك نافع عن ابن عمر. وقيل إنه أسلم وهو ابن عشر سنين، قال ابن إسحاق. وذكر أبو زيد عمر بن شبه قال: نا سُريج بن النعمان قال: نا الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر قال: أسلم عليُّ بن أبي طالب وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، وهذا أصحُّ ما قيل في ذلك. وقد روي عن ابن عمر من وجهين جيِّدين. وروى شُعبة عن سلمة بن كُهيل عن حبَّة العرنيُّ قال: سمعت عليا يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال زيد بن أرقم: أول من آمن بالله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليُّ بن أبي طالب. وعن أنس بن مالك قال: استُنبئ النبيُّ عليه السلام يوم الاثنين، وصلَّى عليٌّ يوم الثلاثاء. وروى سفيان الثوريُّ عن سلمة بن كُهَيل، عن أبي صادق، عن حَنَش المُعتمِر، عن عُليم الكندي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الجزء: 2 ¦ الصفحة: 191 الله صلى الله عليه وسلم: " أوَّلكم ورودا عليَّ الحوض أولكم إسلاما عليُّ بن أبي طالب ". وحدَّث عبد العزيز بن محمد الدَّراورديُّ قال: حدثني عمر مولى عُفرة قال: سُئل محمد بن كعب القُرظيُّ عن أول من أسلم عليٌّ أو أبو بكر. قال: سبحان الله عليٌّ أولهما إسلاما. وعن معاذة بنت عبد الله العدويَّة قالت: سمعت عليَّ بن أبي طالب على منبر البصرة وهو يقول: " أنا الصدِّيق الأكبر، آمنتُ قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمتُ قبل أن يُسلم ". وروى إبراهيم بن سعد الزُّهريُّ عن ابن إسحاق قال: حدثني يحيى بن أبي الأشعث، عن إسماعيل بن إياس بن عفيف الكنديِّ، عن أبيه، عن جده قال: كنتُ امرأ تاجرا. فقدمت الحجَّ، فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة، وكان امرأ تاجرا. فوالله إني لعنده إذ خرج رجل من خِباء في بيت، فنظر إلى الشمس. فلما رآها قد مالت قام يصلِّي. قال: ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل، فقامت خلفه تصلي. ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء، فقام معه يصلي. فقلت للعباس: من هذا يا عباس؟ قال: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي. قلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة بنت خويلد. قلت: من هذا الفتى؟ قال: عليٌّ بن أبي طالب ابن عمه. قلت: ما هذا الذي يصنع؟ قال: يصلي. وهو يزعم أنه نبيٌّ، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الغلام وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى وقيصر. فكان عفيف يقول، وقد أسلم بعد ذلك، وقد حسُن إسلامه: لو كان الله رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي. وقال مجاهد بن جبر أبو الحجاج: كان من نعمة الله تعالى على عليٍّ بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 192 أبي طالب، وممَّا صنع الله تعالى له، وأراد به من الخير أن قريشا قد أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس عمِّه، وكان من أيسر بني هاشم: " يا عباس إنَّ أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة. فانطلق بنا إليه، فلنخفِّف من عياله، آخذ من بنيه رجلا، وتأخذ أنت رجلا، فنكفيهما عنه ". قال العباس: نعم. فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنا نريد أن نخفِّف عنك من عيالك، حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه. فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمَّه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمَّه إليه. فلم يزل عليٌّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا، فاتَّبعه علي، وآمن به وصدَّقه. ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه. وذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام كان إذا حضرته الصلاة خرج إلى شعاب مكة، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من عمه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصلِّيان الصلوات فيها. فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله تعالى أن يمكثا. ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما، وهما يصلِّيان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي، ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: " أي عمِّ، هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله، ودين أبينا إبراهيم ". أو كما قال صلى الله عليه وسلم: " بعثني الله به رسولا إلى العباد. وأنت أي عمِّ أحق من بذلت له النصيحة، ودعوته إلى الهدى، وأحق من أجابني إليه، وأعانني عليه "، أو كما قال. فقال أبو طالب: أي ابن أخي، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما كانوا عليه، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت. وقال لعلي بن أبي طالب: أي بنيَّ، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: يا أبت، آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدَّقته بما جاء به، وصليت معه لله تعالى، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 193 واتَّبعته. فزعموا أنه قال له: أمَّا إنه لم يدعك إلا إلى خير فألزمه. وروى سلمة بن كُهيل عن حَبَّة بن جُوين قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: " لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين ". ولمّا دبَّرت قريش في دار النَّدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بيسير ما دبَّرت، وأرادوا المكر به، ومعهم إبليس في صورة شيخ نجديٍّ، أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. قال: فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ناموا، فيثبون عليه. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب: " نم على فراشي، وتسجَّ بردي هذا الحضرميَّ الأخضر، فنم فيه فإنه لن يخلص إليك شيْ تكرهه منهم ". قال محمدُ بن كعب القرظيُّ: اجتمعوا له وفيهم أبو جهل بن هشام فقال، وهم على بابه: إن محمد يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بُعثتم من بعد موتكم، فجُعلت لكم جنان كجنان الأُردنِّ، وإن لم تفعلوا كان لكم فيه ذبح، ثم بُعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم نار تُحرقون فيها. قال: وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ حفنة من تراب في يده ثم قال: " نعم، أنا أقول ذلك، أنت أحدهم ". وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه، فلا يرونه. فجعل ينثو ذلك التراب على رؤوسهم، وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس:) يس والقرآن الحكيم إنَّك لَمِنَ المُرسلين (إلى قوله تعالى:) وجَعانا من بين أيديهمْ سداً ومن خلفهم سَدَاً فأغْشيناهم فهم لا يُبصرون (حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا. ثم انصرف إلى حيث أراد. فأتاهم آت ممَّن لم يكن معهم، فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمد. قال: خيَّبكم الله، قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منهم رجلا إلا وقد وضع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 194 على رأسه تُرابا، وانطلق لحاجته. أفما ترون ما بكم؟ قال: فوضع كلُّ رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب. ثم جعلوا يطَّلعون فيرون عليا على الفراش متسحِّيا ببرد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائما، عليه بردُه. قال: فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا. فقام علي عن الفراش. فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي كان حدَّثنا. وكان ممَّا أنزل الله تعالى من القرآن في ذلك اليوم، ما كانوا أجمعوا له من المكر بالنبي عليه السلام:) وإذ يمكرُ بك الذينَ كفروا لِيُثْبِتوكَ أو يُخرِجوكَ ويَمكُرون ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين (. ولما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أقام علي بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدَّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس أمره بذلك صلى الله عليه وسلم، حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل معه على كُلثوم بن هدم الأوسي. وأجمع رواة الآثار على أن عليا صلَّى القبلتين، وهاجر، وشهد بدرا والحديبية وسائر المشاهد، وأنه أبلى ببدر وبأُحد والخندق وخيبر بلاء عظيما، وأنه أغنى في تلك المشاهد، وقام فيها المقام الكريم، وكان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في مواطن كثيرة. وكان يوم بدر بيده على اختلاف في ذلك. لما قتل مصعب بن عمير يوم أحد وكان اللواء بيده دفعه رسول الله صلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 195 الله عليه وسلم إلى علي. وشهد بدرا وهو ابن خمس وعشرين سنة، قاله ابن إسحاق. وذكر ابن السرَّاج في تاريخه عن مِقْسَم، عن ابن عباس قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية يوم بدر إلى علي، وهو ابن عشرين سنة. ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم مُذ قَدِم المدينة إلا في غزوة تبوك، خلَّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عياله، وقال له: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبيَّ بعدي ". وروى قوله عليه السلام لعليٍّ: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " جماعة من الصحابة، وهو من أثبت الآثار وأصحها. رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: سعد بن أبي وقاص، وطرق حديث سعد فيه كثيرة جدا، وقد ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره. ورواه جابر بن عبد الله، وأسماء بنت عميس، وابن عباس، وأبو سعيد الخدريُّ، وأمُّ سلمة. الترمذيُّ: حدثنا القاسم بن دينار الكوفيُّ: نا أبو نُعيم، عن عبد السلام بن حرب، عن يحيى بن سعيد بن المسيَّب، عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ". قال هذا حديث حسن صحيح. الترمذيُّ: حدثنا محمود بن غَيلان: نا أحمد الزبيريُّ: نا شريك عن عبد الله ابن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيَّ بعدي ". وحدَّث يحيى بن معين قال: نا مروان بن معاوية الفزاري، عن موسى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 196 الجُهَنيِّ، عن فاطمة بنت علي قالت: سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبيٌّ ". زواجه من فاطمة وتزوج عليُّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفر في العام الثابي من الهجرة، وابتنى بها في ذي الحجة من آخر العام. ورُيَ أنه مَهَرها دِرعَه، إذ لم يكن له في ذلك الوقت صفراء ولا بيضاء. وقيل أن عليا رحمه الله، تزوج فاطمة على أربع مءة درهما. فأمره النبي عليه السلام أن يجعل ثلثها في الطِّيب، وقيل إن عليا قدَّم الدِّرع من أجل الخول بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه بذلك. وكان سنُّها يوم تزوجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا. وكانت سنُّ علي، رحمه الله، يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر. وقالت عائشة، رضي الله عنها: ما رأيت أحدا كان أشيه برسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما وحديثا من فاطمة ابنته. وكان يحبها حبا شديدا. وكانت إذا دخلت عليه قام إليها، وقبَّل بين عينيها ورحَّب بها وأجلسها في مجلسه. كما كانت تصنع هي به صلى الله عليه وسلم. وقال ابن السرَّاج محمد بن إسحاق بن إبراهيم أبو العباس: حدثنا محمد بن حُميد: نا سَلمة عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه، عن عائشة قالت: ما رأيت أحدا أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم. وذكر ابن السراج أيضا: نا محمد بن عبد الأعلى قال: نا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية وامرأة فرعون ". وروى عبد الرحمن بن أبي نُعيم عن أبي سعيد الخدريِّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 197 قال: قال النبي عليه السلام: " فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران ". وذكر ابن السرَّاج قال: نا محمد بن الصباح قال: نا علي بن هاشم عن كثير النَّواء عن عِمران بن حُصين أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة، وهي مريضة، فقال لها: " كيف تجدينك يا بُنية؟ " قالت: إني وجعة، وإنه ليزيدني أني مالي طعام آكله فقال: " يا بُنية، أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ " فقالت: يا أبت، فأين مريم بنت عمران؟ قال: " تلك سيدة نساء عالمِها، وأنت سيدة نساء عالمك. أما والله، لقد زوَّجتك سيِّدا في الدنيا والآخرة ". ابن السراج بسنده عن جُميح بن عُمير قال: دخلت على عائشة فسُئلتْ أيُّ الناس كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة. قلتُ: فمن الرجال؟ قالت: زوجُها، إن كان ما علمتُهُ صوَّاما قوَّاما. مسلم: حدَّثني زُهير بن حرب قال: نا يعقوب بن إبراهيم قال: نا أبي عن أبيه أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة، رضوان الله عليها، حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة ابنته، رضي الله عنها، فسارَّها، فبكت. ثم سارَّها، فضحكت. فقالت عائشة: فقلت لفاطمة: ما هذا؟ الذي سارَّك به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت، ثم سارَّك به فضحكت؟ قالت: سارَّني فأخبرني بموته فبكيت. ثم سارَّني فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت. وتُوفيت فاطمة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعين ليلة. قاله ابن بُريدة عن أبيه. وقال عمرو بن دينار تُوفيت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانية أشهر. وقيل: توفيت بعده بستة أشهر، وهو قول أكثر أصحاب التواريخ والآثار، وقال مسلم في الصحيح، وقال ذلك محمد بن علي أبو جعفر الباقر وابن هشام. وقال محمد بن عمر الواقديُّ: حدَّثنا مَعْمر عن الزُّهري، عن عروة، عن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 198 عائشة قال: وأخبرنا ابن جُريج عن الزهري، عن عائشة أن فاطمة تُوفيت بعد النبي عليه السلام بستة أشهر. قال محمد بن عمرو: هو الثَّبت عندنا. وقال المدائنيُّ: ماتت فاطمة ليلة الثلاثاء لثلاثون خلون من شهر رمضان، سنة إحدى عشرة، وهي ابنة تسع وعشرين سنة. وُلدت قبل النبوة بخمس سنين، وصلى عليها العباس. وقال عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب: بلغت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة.، قيل صلَّى عليها علي، وهو الذي غسلها مع أسماء بنت عميس، ودُفنت ليلا. ودخل قبرها العباس وعليٌّ والفضل، وهي أول مَن غُطِّي نعشها من النساء في الإسلام. إذ حكت لها أسماء بنت عميس ما يُصنع للمرأة إذا ماتت بأرض الحبشة، فأمرتها أن تصنع ذلك لها. وكذلك صُنع بعدها بزينب بنت جحش زوج النبيِّ عليه السلام. ولم يخلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنيه غيرها. ويُروى أن عليَّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، لما رأى فاطمة، رضي الله عنها، مُسجَّاة بثوبها بكى حتى رُثي له. ثم قال: لكلِّ اجتماعٍ من خليلينِ فُرقةٌ ... وإنَّ الذي دونَ المماتِ قليلُ وإنَّ افتقادي واحداً بعد واحدٍ ... دليلً على أن لا يدومَ خليلُ ووَلدتْ فاطمة لعلي رضي الله عنهما: الحسن، والحسين، ومحسِّناً درج صغيرا، وأمَّ كلثوم الكبرى أمَّ زيد بن عمر بن الخطاب، وقد تقدَّم ذكرها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 199 وزينب الكبرى وكانت عند عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فولدت له جعفراً الأكبر، وعلياً، وعوناً الأكبر، وعباساً، وأمِّ كلثوم. الحسن بن علي " رضي الله عنهما " ولدت فاطمة الحسن للنصِّف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة قبل وقعة أحد بشهر، هذا أصحُّ ما قيل في ذلك إن شاء الله. وعقَّ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سابعه بكبش، وحلق رأسه، وأمر أن يتصدَّق بزنته فضة. مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأمِّ كلثوم فتصدَّقت بزنة ذلك فضة. وقال ابن الجارود: حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغانيُّ قال: نا محمد ابن عمر القصبانيُّ قال: نا عبد الوارث عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين كبشا كبشا؛ عن الحسن كبشا وعن الحسين كبشا. محمد بن إسحاق أبو بكر الصاغانيُّ شيخ ابن الجارود خرَّج عنه مسلم. قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو ثبت صدوق. وكان الحسن من المشبَّهين برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك قُثَم بن العباس وجعفر بن أبي طالب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 200 الترمذي: بسنده عن عليّ قال: الحسن أشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه النبيّ صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك. الترمذيُّ: نا محمد بن يحيى، نا عبد الرزاق عن مَعمر عن الزُّهريَّ، عن أنس ابن مالك قال: لم يكن منهم أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي. قال: هذا حديث حسن صحيح. وقال: نا محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي جُحيفة قال: رأيت رسولا الله صلى الله عليه وسلم، وكان الحسن بن علي يُشبهه. هذا حديث حسن صحيح. قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " حسن مني وحسين من علي ". وقال عليه السلام: " الحسن والحسين سيَّدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما ". وقال صلى الله عليه وسلم في الحسن: " إنَّ ابني هذا سيِّد. وسيُصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". وفي حديث آخر إن ابني هذا سيِّد، وعسى الله أن يُبقيَهُ حتى يُصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". رواه جماعة من الصحابة. وفي حديث أبي بَكرة في ذلك " وإنه ريحانتي من الدنيا ". ولا أسْودَ ممَّن سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدا. وتصارع الحسن والحسين يوما بين يدي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجعل عليه السلام يقول: " إيه يا حسن، إيه يا حسن ". فقالت له فاطمة: يا رسول الله، أتحرِّض الكبير على الصغير؟ فقال: " يا فاطمة، هذا جبريل يقول إيه يا حسين، إيه يا حسين ". وكان معاوية وهو خليفة، إذا دخل عليه الحسن يعظِّمه ويُجلُّه ويُجلسه معه على سريره، ويقول له: يا أبا محمد، كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتك لشبهك به. وحُقَّ لمعاوية أن يصنع به هذا الصنع الجميل، وما أعزُّ منه وأكرم، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم به أكبر وأعظم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 201 رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة من الصلوات، فركب الحسن على ظهره، فأطال السجود. قال بعض الصحابة: رفعت رأسي من السجود، لأنظر ما شأن رسول الله. فرأيت الحسن على ظهره، فرجعت إلى السجود. فلما قضى صلى الله عليه وسلم الصلاة قيل: يا رسول الله، إنك سجدت سجدة في هذه الصلاة فأطلتها. فقال: " إن ابني استرحلني فكرهت أن أعجله ". وحدَّث أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النَّسائيُّ في مُصنَّفه قال: نا محمد بن عبد العزيز بن غزوان، وهو ابن أبي رزمة، قال: نا الفضل بن موسى عن حسين ابن واقد عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجاء الحسن والحسين، عليهما قميصان أحمران، يعثران فيهما. فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فقطع كلامه، فحملهما ثم عاد إلى لمنبر ثم قال: " صدق الله:) أموالكم وأولادكم فتنة (رأيت هذين يعثران في قميصهما، فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما ". وخرَّج هذا الحديث الترمذيُّ عن الحسن بن حُريث عن عليَّ بن حسين بن واقد، عن أبيه، وخرَّجه أيضا الحافظ أبو نعيم الأصبهانيُّ في كتاب " رياضة المتعلِّمين ". فقال: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان: نا الحسن بن سفيان: نا أبو بكر بن أبي شيبة: نا زيد بن حُباب عن حسين بن واقد. ومدار هذا الحديث عن حسين بن واقد، عن عبد الله بن بُريدة. مُسلم: عن أبي هريرة أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: إنَّ لي عشرة من الولد، ما قَبَّلت واحدا منهم!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه من لا يَرحم لا يُرحم ". مسلم: حدثنا ابن أبي عمر قال: نا سُفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن نافع بن جُبير بن مُطْعِم، عن أبي هريرة قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار لا يُكلِّمني ولا أُكلمه حتى جاء سوق بني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 202 قَيْنُقاع، ثم انصرف حتى أتى خِباء فاطمة: فقال: " أثَمَّ لُكَعُ، أثمَّ لكعُ؟ " يعني حسناً. فظننَّا أنه إنما تحبسه أُمُّه لأن تَغسله وتُلبسه سِخابا. فلم يلبث أن جاء يسعى حتى اعتنق كلُّ واحد منهما صاحبه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهمَّ إني أحبُّه فأحِبَّه، وأحبب من يحبُّه ". وخرَّج الحديث البخاريُّ. مسلم: حدثني عبد الله بن الروميِّ وعباس بن عبد العظيم العَنبريُّ قالا: نا النَّضر بن محمد قال: نا عِكرمة، وهو ابن عمار قال: نا إياس عن أبيه قال: لقد قُدْتُ بنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين على بغلته الشهباء؛ حتى إذا أدخلتهم حجرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا قُدامَه، وهذا خلفَه. إياس الذي روى عنه عكرمة بن عمار هذا الحديث هو إياس بن سَلمة ابن الأكوع الأسلميُّ، وأبوه سلمة من كبار الصحابة. شهد بيعة الرضوان، وظهر منه في غزوة ذي قَرَد الفعل الكريم والغَناء العظيم. وقد ذكرتهما قبل في " أسلم " من خُزاعة. الترمذيُّ: حدثنا محمد بن بشار: نا أبو عامر العَقَديُّ: نا زمعة بن صالح عن سَلمة بن وَهْرام، عن عِكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حامل الحسن بن علي على عاتقه. فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غُلام. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " ونعم الراكب هو ". وقال: حدَّثنا محمد بن بشار: نا محمد بن جعفر: نا شُعبة بن عديِّ بن ثابت قال: سمعت البراء بن عازب يقول: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم واضعا الحسن بن علي على عاتقه، وهو يقول: " اللهمَّ إني أُحبُّه فأحِبَّه ". وخرَّج مسلم الحديث بسنده ونصَّه. الترمذيُّ: عن أسامة بن زيد قال: طَرقت النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في بعض الحاجة. فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو. فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشفه، فإذا حسن وحسين عليهما السلام على وركيه. فقال: " هذان ابناي وابنا ابنتي إني أُحبُّهما فأَحبَّهما ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 203 وحفظ الحسن عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أحاديث، ورواها عنه. منها حديث الدُعاء في القُنوت. ومنها: " إنا آل محمد لا تحلُّ لنا الصدقة ". وكان الحسن رضي الله عنه مُحبا في النساء، كثير النِّكاح، كثير الطلاق. وكان علي يستحيي من أصهار الحسن، فخطب الناس وقال: إن الحسن مَطلاق فلا تُنكِحوه. فقام إليه رجل من همدان، فقال: يا أمير المؤمنين: والله لنُنكحنَّه فيُمسك من شاء ويطلِّق من شاء. فقال علي، وقد سُرَّ بقول الهمدانيِّ: لِهمْدانَ أخلاقٌ ودينٌ يَزِينُهم ... وبأسٌ إذا لاقَوْا وحسنُ كلامِ فلو كنتُ بواباً على باب جنَّةٍ ... لقلتُ لهمْدانَ: ادخُلوا بسلامِ وكان عليٌّ رضي الله عنه، مُحَبا في هَمدان. وقال يوم الجمل في بطن منهم، وهم بنو ربيعة بن مالك بن معاوية بن صعب بن دومان بن بَكيل بن جُشَم بن خَيْوان بن نَوف بن هَمْدان: " لو تمَّت عِدَّتُهم ألفا لَعُبد الله حقَّ عبادته ". وكان إذا رآهم تمثَّل بقول الشاعر: ناديتُ هَمْدانَ والأبوابُ مغلقةٌ ... ومثلُ هَمْدانَ سَنَّى فتحةَ البابِ كالهنْدُوانيَّ لم تُفْلَلْ مَضاربُهُ ... وجهٌ جميلٌ وقلبٌ غيرُ وجَّابِ خلافته وولِيَ الحسن بعد موت عليٍّ عليهما السلام لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين، وصالح معاوية في شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين. وقد قيل: في جُمادى الأولى من هذه السنة، ويُسمّى عام صلحه مع معاوية " عام الجماعة ". فكانت خلافته ستة أشهر، تمَّت بها ثلاثون سنة للخلافة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 204 رَوى " سفينة " مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثُم تَعود مُلكاً ". ولما بويع الحسن سار إلى معاوية بجنود العراق، وسار إليه معاوية بأهل الشام، فالتقوا بموضع يقال له " مَسْكِن " بأرض الكوفة، فاصطلحوا. وسلَّم الحسن إليه الخلافة. واشترط عليه شروطا، منها أن يذهب ما بين أهل العراق وبين أهل الشام من الذُّحول والضغائن، وأن يكون له الأمرُ من بعده. فرضي معاوية كلَّ ما اشترط عليه الحسن، وكاد يطير فرحا. البخاريُّ: نا عبد الله بن محمد. نا سفيان عن أبي موسى قال: سمعت الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان بكتائب أمثال الجبال. فقال عمرو بن العاصي: إني لأرى كتائب لا توليَّ حتى تقتل أقرانها فقال معاوية: وكان والله خير الرجلين. أي عمرو، إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء مَن لي بأمور الناس؟ مَن لي بضيعتهم؟ فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سَمُرة وعبد الله بن عامر. فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فأعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه، فأتياه، فدخلا عليه، فتكلما. وقالا له، وطلبا إليه. فقال لهم الحسن بن علي: " إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإنَّ هذه الأمة قد عاثت في دمائها ". قالا له: فإنه يعرض عليك كذا كذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به. فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به. فصالحه. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجزء: 2 ¦ الصفحة: 205 المنبر والحسن ابن علي إلى جنبه وهو يُقبل على الناس مرّة وعليه أخرى، ويقول: " إن ابني هذا سيِّد، ولعل الله يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ". قال البخاريُّ: قال لي عليُّ بن عبد الله: إنما ثبت عندنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث. وحدَّث أحمد بن زهير، وهو أبو بكر بن أبي خَيثَمة قال: نا هارون بن معروف: نا ضمرة عن ابن شَوْذَب قال: لمَّا قُتل عليٌّ سار الحسن فيمن معه من أهل الحجاز والعراق. وسار معاوية في أهل الشام قال: فالتقوا. فكَرِهَ الحسن القتال، وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده. قال: فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين فيقول: العار خير من النار. ودخل على الحسن بعض شيعة أبيه الناصحين له فقال: السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين بايعت معاوية ومعك أربعون ألف سيف من أهل العراق. قال: اجلس يا بن فلان، لا تقل كذلك. إنَّ أبي عهد إليَّ إنه لا بُدَّ لمعاوية أن يليَ هذا الأمر. فلو قاتلناه بالشجر والحصى والجندل لم ينفعنا ذلك. وقد سبق القضاء والقدر بولايته. ولما خرج ذلك الرجل من عند الحسن دخل على الحسين فقال: أمدُد يدك نُبايعك. فقال له الحسين أما مادام أبو محمد حيا فلا. وكان الحسن يُكنى أبا محمد، والحسين يُكنى أبا عبد الله. وذكر أبو عميرة بن عبد البرّ في كتاب " الصحابة " فقال: نا خلف بن قاسم قال: نا عبد الله بن عمر بن إسحاق بن مَعمر قال: نا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدِين قال: حدثني عمرو بن خالد مرارا قال: حدثني زهير بن معاوية الجَعْفيُّ قال: حدثني أبو رَوْق الهَمْدانيُّ أن أبا الغريف حدَّثهم قال: كنا في مقَّدمة الحسن ابن علي اثني عشر ألفا بمسْكِن مُستميتين، تقطُر أسيلفنا من الجدَّ والحرص على قتال أهل الشام، وعلينا أبو العَمَرُّطة. فلما جاءنا صُلح الحسن ابن علي كأنما كُسرت ظهورنا من الغيظ والحزن. فلما جاء الحسن الكوفة جاءه شيخ يُكنى أبا عامر شفيق بن ليلى فقال: السلام عليك يا مُذِلِّ المؤمنين فقال: لا تقل يا أبا عامر، فإني لم أُذِلَّ المؤمنين ولكنِّي كرهت أن أقتلهم في طلب المُلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 206 وحدَّث ابن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: لما دخل معاوية الكوفة حين سلَّم إليه الأمر الحسن بن علي كلَّم عمرو بن العاصي معاوية أن يأمر الحسن بن علي فيخطب الناس، فكره ذلك معاوية وقال: لا حاجة بنا إلى ذلك. قال عمرو: ولكني أُريد ذلك ليبدو عِيُّه، فإنه لا يدري هذه الأمور ما هي. ولم يزل بمعاوية حتى أمر الحسن يخطب. وقال له: قُم يا حسن، فكلِّم الناس فيما جرى بيننا. فقام الحسن، فتشهَّد وحمد الله وأثنى عليه وقال في بديهته: " أما بعدُ أيها الناس، فإن الله هداكم بأوَّلنا، وحقن دماءكم بآخرنا. وإنَّ لهذا الأمر مُدَّة، والدنيا دُول. وإن الله عزَّ وجلَّ يقول:) وإن أدري أقريبٌ أم بعيدٌ ما تُوعَدونَ إنه يعلم الجهرَ من القول ويعلمُ ما تكتمُون وإن أدري لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين (. فلما قالها قال له معاوية: إجلس فجلس. ثم قام معاوية فخطب الناس. ثم قال لعمرو: هذا من رأيك. وروى مُجالد بن سعيد عن الشعبي قال: لما جرى الصُّلح بين الحسن بن علي وبين معاوية. قال له معاوية: قُم فاخطب الناس وأذكر ما كنت فيه. فقام الحسن، فخطب. فقال: " الحمد لله الذي هدى بنا أوَّلكم، وحقن بنا دماء آخركم. ألا أنَّ أكيس الكيس التُّقى، وأعجز العجز الفُجور. وإنَّ هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية. إما أن يكون كان أحقَّ به مني، وأما أن يكون حقي، فتركته لله ولصلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحقن دمائهم. قال: ثم التفت إلى معاوية فقال:) وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين (. ثم نزل فقال عمرو لمعاوية: ما أردت إلا هذا. ومات الحسن، رضي الله عنه، مسموما يُقال إن امرأته " جَعْدة " بنت الأشعث بن قيس سمَّته. دَسَّ إليها معاوية أن تسمَّه. فإذا مات أعطاها أربعين الجزء: 2 ¦ الصفحة: 207 ألفا، وزوَّجها من يزيد فلما مات الحسن وفَّى لها بالمال وقال لها: ... حاجة هذا ما صنعت بابن فاطمة، فكيف تصنع بابن معاوية؟ فخسرت وما ربحت. وهذا أمر لا يعلمه إلا الله، ويُحاشى معاوية منه، وقيل: إن يزيد دسَّ إلى جعدة بذلك. وقد ذكر الخبرين أصحاب التواريخ. وحدَّث قاسم بن أصبغ البيَّانيُّ قال: نا عبد الله بن رَوْح، نا عثمان بن عمر بن فارس قال: نا ابن عون، عن عُمير بن إسحاق قال: كنا عند الحسن ابن علي فدخل المَخْرَجَ ثم خرج فقال: سُقيت السمَّ مرارا وما سُقيت مثل هذه المرة. ولقد لفظتُ طائفة من كبدي، فرأيتني أُقلِّبها بعود معي. فقال الحسين: أي أخي من سقاك! فقال: وما تريد إليه؟ أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان الذي أظنُّ فالله أشدُّ نقمة. ولئن كان غيره فما أريد أن يُقتل بي بريء. ولما ورد البريد بموته على معاوية أتى ابن عباس معاوية فقال له: يابن عباس، احتسب الحسن، ولا يُحْزِنك الله ولا يسوؤك. فقال: أما ما أبقاك الله لي يا أمير المؤمنين فلا يُحزِنُني الله ولا يَسُوؤني. فأعطاه على كلمته ألف ألف وعوضا وأشياء. وقال له: خُذها واقسمها على أهلك. وذُكر أنه لما بلغ معاوية موت الحسن كبَّر، وكبَّر من كان في مجلسه معه. وسمعت فاختة بنت قَرظَة زوجُه التكبير. فلما دخل عليها قالت له: يا أمير المؤمنين؛ إني سمعت تكبيرا عاليا في مجلسك، فما الخبر؟ فقال لها: مات الحسن. فبكت وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، سيِّد المسلمين وابن رسول الله تُكبِّر على موته؟ فقال لها معاوية: إنه والله كما قُلتِ فأقلِّي لومي ويحك. ودخل عليه أبن عباس عشية يوم هذه القصة فقال: يا بن عباس أسمعت بموت الحسن؟ فبكى ابن عباس وقال: قد سمعت به، وبلغني يا معاوية إنك كبَّرتَ على موته، أما والله ما زاد موته في عمرك، وقد وافاه أجله، وقد زكا قوله وعمله، وصار إلى ما أعد الله له من الكرامة في دار المقامة مع جدَّه الرسول وأمَّه البتول وأبيه النفاع في الله الضَّرار، وعمه ذي الجناحين الطيار. ولئن رزئنا بفقدِ مَن هو خير منه؛ محمد صلى الله عليه وسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 208 وكانت وفاة الحسن بالمدينة في شهر ربيع الأول سنةَ تسع وأربعين، وهو يومئذ ابن سبع وأربعين سنة، ودفن بالبقيع إلى جنب أمه فاطمة رضي الله عنها وعن بنيها أجمعين. وصلى عليه سعيد بن العاصي والد عمرو الأشدق، وكان يومئذ أميرا على المدينة. قدَّمه الحسين للصلاة عليه، وقال: هي السَّنة، ولولا أنها سنة ما قدَّمتك. وكان أوصى أن يُدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن تكون فتنة تُثير قتالا، فإن كانت فادفنوني بالبقيع. فلما جيء بسريره إلى المسجد منعهم مروان من الدخول وقال: والله لا، يُدفن أمير المؤمنين عثمان في البقيع وتدفنون الحسن مع رسول الله. وتنازعوا حتى دخلت بنو هاشم مع الحسين في السلاح وبنو أمية مع مروان كذلك فأصلح الناس، وأبو هريرة، بينهم. وقال أبو هريرة والله إن هذا لظلم، يُمنع الحسن أن يُدفن مع جدِّه. ثم ناشد الله الحسين وقال: يا أبا عبد الله أليس قد قال الحسن: ادفنوني بالبقيع إن كانت فتنة تثير قتالا؟ ولم يزل به حتى سكن غضبه ورضي، ودَفن الحسن بالبقيع، رضي الله عنهما. ولما توفي الحسن عليه السلام أدخله قبره الحسين ومحمد ابن الحنفيَّة وعبيد الله ابن عباس. ثم وقف على قبره وقد اغرورقت عيناه فقال: " رحمة الله عليك أبا محمد. فلئن عزَّتْ حياتك لقد هدَّت وفاتك، ولنعم الروح روح تضمَّنه بدنك، ولنعم الجسد جسد تَضمَّنه كفنك، ولنعم الكفن كفن تضمَّنه لحدك. وكيف لا تكون كذلك وأنت حلف التُقى وجدُّك النبي المصطفى وأبوك عليِّ المُرْتضَى، وأمك فاطمة الزَّهراء، وعمُّك جعفر الطيار في جنة المأوى؟ غَذتْك أكفُّ الحقِّ، ورُبيت في حجْر الإسلام ورَضِعتَ ثدي الإيمان. فطِبتَ حياً وميتا. فلئن كانت الأنفُس غير طيِّبةٍ بفِراقك فإنها غير شاكةٍ أنه قد خير لك، وإنك وأخاك سيِّدا شباب أهل الجنة. فعليك السلام منا ". وكان الحسن والحسين رضي الله عنهما من أجواد الإسلام، ولهما ولعبد الله جعفر ولعبيد الله بن عباس ولسعيد بن العاصي أخبار مأثورة عزيزة الوجود في المبِّرزينَ في الجود. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 209 وولد الحسن بن علي الحسن، أمّه خولة بنت منظور بن زبان الفزارية، وعمراً أمُّه ثقفيَّة، وابنه محمد بن عمرو. وروى عن جابر بن عبد الله حديث: " ليس من البَّر أن تصوموا في السفر "، خرَّجه مسلم. والحُسين الأثرم لأمِّ ولدِ، وطلحة وأمُّه أمُ إسحاق بنت طلحة بن عُبيد الله. فأما الحسن بنُ الحسن بن علي فولد: عبد الله، والحسن، وإبراهيم ومحمداً، وجعفراً، وداود. وكان عبد الله بن حسن بن حسن بن حسن يُكنى أبا محمد، وكان خيِّراً. ورؤي يوماً يمسح على خفَّيه. فقيل له: تمسح؟ قال: نعم، قد مسح عمر بن الخطاب. ومَن جعل عمر بينه وبين الله فقد استوثق. وروي أن عمر بن عبد العزيز وجَّه إلى عبد الله بن الحسن بن حسن: إذا كانت لك حاجةً فأكتب بها لك رُقعةً، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي. ومن ولد عبد الله بن الحسن: إبراهيم، ومحمد، وإدريس. فأما إبراهيم ومحمد فكانت لهما فطنةً وذكاء في صغرهما، وكانا من أهل البلاغة واللَسن في كبرهما. الأصمعي: عن بعض شيوخه الثقات، عن عبد الله بن طاووس. قال: أقبلت إلى عبد الله بن الحسن، فأدخلني بيتاً قد نُجِّد بالرُّهاوي وكل فرشةٍ شريفةٍ. قال: فبسطت نطعي، وجلست عليه، وأبناه محمد وإبراهيم صبيان يلعبان. فلما نظرا إليَّ قال أحدهما لصاحبه: مِيمْ. قال الآخر: جِيْمْ. فقلت أنا: نونْ واوْ نونْ. فاستُغرِقا ضحكاً، وخَرجا إلى أبيهما، فأخبراه فتبسَّم. تُوفي عبد الله بن طاووس في خلافة أبي العباس السفاح، وروي عنه الحديث وكان من الثقات، وأكثر روايته عن أبيه. وأبوه طاووس: كان من أصحاب ابن عباس. وتوفي بمكة سنة ستٍ ومئة قبل التَّرْوية بيوم وصلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 210 عليه هشام بن عبد الملك. وهو طاووس بن كيْسانَ مولى لأهل اليمن. وأُمُّه مولاة لحِمير. وكان يُكنى أبا عبد الرحمن. وخرَّج عنه الأئمةُ مالكّ والبخاريُّ ومسلم والترمذيُّ وغيرهم. وخرج محمد وإبراهيم على أبي جعفر بن المنصور، وغَلبا على المدينة ومكة والبصرة. فبعث إليهما، فقتل محمد في المدينة، وقتل إبراهيم ببا خمْرا، على ستة عشر فرسخا من الكوفة. وأما إدريس بن عبد الله أخوهما، فهو الذي صار إلى أرض البربر بالمغرب هاربا في خلافة هارون الرشيد. وولد إدريس الأصغر، ترك أمَّه حاملا به حين سُمَّ، وخبرهُ مشهور. ومن ولد إدريس بن إدريس الشرفاء بالمغرب، والأمراء بقرطبة ومالقةَ وسبتةَ، وذلك بعد انقراض دولة المنصور محمد بن أبي عامر المعافري ودولة ولديه. وأمُّ عبد الله بن حسن بن حسن فاطمة بنت الحسين بن علي ، أخت سكينة. وكانت أجمل من سكينة. وكان الحسين رضي الله عنه أرى ابن أخيها الحسن بن الحسن ابنتيه سكينة وفاطمة، وخيَّره فيهما، فاختار فاطمة. ومات عبد الله بن حسن في سجن أبي جعفر، وأخوته معه، وهم: حسن وداود وإبراهيم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 211 ومن ولد إبراهيم بن حسن ابن طباطبا وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن بن حسن، وهو صاحب أبي السرايا الشَّيباني وخرج ابن طباطبا على المأمون عبد الله بن الرشيد بالكوفة سنة تسع وتسعين ومئة. وهي السنة الثانية من خلافة المأمون. وبويع للمأمون عند قتل المخلوع أخيه محمد الأمين ليلاً ببغداد، وهو بخراسان لخمس بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومئة. وتولَّى قتل المخلوع طاهر بن الحسين ذو اليمينين. ومن موالي الحسن بن علي رضي الله عنهما الحسن بن سعد: روى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. مسلم: حدثنا شيبان بن فرُّوج قال: نا مهديًّ ُ بن ميمون قال: نا محمد بن عبيد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال: أرْدَفَني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفَه، فأسرَّني حديثاً لا آخذ به احتراس الناس "؟ ". وأبو أسامة حماد بن أسامة: المحدِّث الثقة، مولى الحسن بن سعد هذا. فهو مَولى مَولى. توفي أبو أسامة بالكوفة سنة تسع ومئتين وهو ابن ثمانين سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 212 الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وُلد الحسين في شعبان سنة أربع من الهجرة. ويكنى أبا عبد الله. وعلقت فاطمة بالحسين بعد وضعها الحسن بخمسين يوما. قاله الواقدي. وكان الحسين رضي الله عنه من الفقهاء العاملين بالكتاب والسنة. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". هكذا حدَّث به العُمريُّ عن الزَّهريِ، عن علي بن حسين، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق، عن الزُّهريِّ، عن سنان بن أبي سنان الدُّؤلي عن حسين بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا في ابن صائد: " اختلفتم وأنا بين أظهركم وأنتم بعدي أشدُّ اختلافا ". وحديث " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وهو ثُلُث الإسلام ". رواه أيضا أبو هريرة. وروى سفيان بن عُيينة عن عبد الله بن شريك عن بِشر بن غالب قال: سمعت ابن الزبير وهو يسأل حسين بن علي: يا أبا عبد الله، ما تقول في فكاك الأسير على مَن هو؟ قال: على القوم الذين أعانهم. وربما قال: قاتل معهم. قال سفيان: يعني يُقاتل مع أهل الذِّمَّة فيُفَكُّ من جزيتهم، قال: وسمعته يقول: يا أبا عبد الله متى يجب عطاء الصبيِّ؟ قال: إذا استملى وجب عطاؤه ورزقه. وسأله عن الشرب قائما، فدعا بلقحة له فحُلبت وشرب قائما، وناوله، وكان يُعلِّق الشاة المَصْلية فيُطعمنا منها، ونحن نمشي معه. وكان كثير الصلاة والصيام والحج. حجَّ رضي الله عنه عشرين حجَّة، ماشيا. قال ذلك مصعب بن عبد الله الزبيريُّ. وكان رضي الله عنه متواضعا. مرَّ على قوم من المساكين، وكان راكبا، فسلَّم عليهم، وهم قد وضعوا كسرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 213 بالأرض، وهم يأكلون. فقالوا: هلُمَّ يا ابن رسول الله. فنزل عن دابته وقال: إنَّ الله لا يحبُّ المستكبرين، ثم جلس وأكل معهم. فلما فرغوا قال: إنكم دعوتموني فأجبتكم. وإني أدعوكم إلى منزلي، فأجابوه. فلما دخلوا منزله وجلسوا قال: يا رباب هاتِ ما كنتِ تدَّخرين. ومن مناقبه ما ذكر التَّرمذيُّ بسنده عن يعلى بن مُرَّة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حسين مني وأنا من حسين. أحبَّ الله من أحبَّ حسينا. حسين سبط من الأسباط ". وقال أبو هريره " أبصرتْ عيناي هاتان، وسمعتْ أذناي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بكفَّي حسين، وقدماه على قدم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " تَرَقَّ عَين بَقَّة ". قال: فرَقيَ الغلام حتى وضع قدمه على صدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افتح فَاك ". ثمَّ قبَّلَه، ثم قال: " اللهمَّ أحِبَّه فإني أُحِبُّه ". الترمذي: حدثنا عُقبة بن مُكرم العضمِّي: نا وَهَب بن جرير بن حازم: نا أبي عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن بن أبي نُعْم أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دمِّ البعوض يصيب الثوب. فقال ابن عمر: انظروا إلى هذا، يسأل عن دمِّ البعوض، وقد قتلوا ابن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا ". ولما مات معاوية، وبويع يزيد ابنه وصل البريد ببيعة يزيد إلى المدينة، وأمر واليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بأخذ الحسن بالبيعة. فأرسل إليه ليلا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 214 وأقرأه كتاب يزيد وطلبه بالبيعة، فقال: مثلي لا يبايع سرا، فإذا كان في غد بايعت علانيَّة. فلما همَّ بالخروج قال مروان بن الحكم للوليد وكان حاضرا معه في مجلسه لتدبير أمر بيعة يزيد: يا لها من غلطة، ما رأيت لها مثيلا، تترك الأمر مُستقبِلا، وتُبطله مُستدبِرا؟ فقال له: فما ترى أنت؟ قال: تأخذوه بالبيعة. إن أبي ضَرَبتَ عنقَه. فسمعه الحسين. فسلَّ سيفه، وهمَّ أن يضرب مروان، ثم قال له: يا ابن الزرقاء، أمِثْلُكَ يأمُر بقتل مِثْلي؟ وكان الحسين قد دعا بمواليه، وأهل بيته فأقعدهم على الباب حين دخل وقال لهم: إن ارتفع صوتي فاقتحموا عليَّ الدار، وإلا فمكانكم حتى أخرج إليكم. وحين خرج الحسين عن الوليد ارتحل من ليلته إلى مكة. وقيل: إنه ارتحل نهارا. وكان عبد الله بن الزبير كان قد خرج من أول هذه الليلة إلى مكَّة هاربا بعد ما اجتمع مع الحسين مخافة أن يؤخَذ بالبيعة ليزيد، وهرب معه أخوه جعفر ابن الزبير. ومضيا على طريق " الفرْع "، وهي طريق غير الجادة، خوفا من الطلب، فلم يُقدَر عليهما. فلما قدم الحسين مكة كتب إليه سليمان بن صُرد الخزاعيُّ والمُسَيَّب بن نَجَبَة الفزاريُّ وغيرهما من رجال أبيه وشيعته من الكوفة: " هلمَّ إلينا يا ابن رسول الله، فأنت أحقُّ بالخلافة من يزيد الخَمُور "، وكتبوا بيعتهم. فلما أراد الخروج من مكة جاءه عبد الله بن عمر فقال: إلى أين تسير يا أبا عبد الله؟ قال: هذه بيعة أهل العراق وكُتُبِهِم قد أتتني. قال: أتسير إلى قوم قتلوا أباك، وخذلوا أخاك، وكانت طاعتهم لهما أكثر ممَّا لك الآن؟ وجعل عبد الله يُثَبِّطه عن الخروج. فلما أبى عليه اعتنقه وقال: أستودعك الله من قتيل. وبعث الحسين من مكة إلى الكوفة ابن عمِّه مسلم بن عقيل ليصحِّح بيعته بها، ويأخذ العهود له من أهلها. فقُتِل بعد خَطبِ "؟ " طويل. قتله عبيد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 215 زياد، وقتل معه هانئ بن عروة المراديَّ. وقيل أن الوالي على المدينة عند بيعة يزيد بن معاوية خال بن الحكم أخو مروان. ثم عُزل وولاها عثمان بن محمد بن أبي سفيان. وهو الذي قال: لمَّا خرج الحسين عن المدينة، ولم يبايع: اركبوا كلَّ بعير بين الأرض والسماء، فاطلبوه، فطلبوه فلم يُدْرَك. وخرج الحسين من مكة إلى العراق فلقيه الفرزدق في الطريق، فسأله عن أمر الناس، فقال: يا ابن رسول الله، القلوب معك والسيوف عليك، والنصر من السماء. وخرج عبيد الله بن زياد من الكوفة بجيشه إلى الحسين، وعلى مقدِّمته عمر بن سعد بن أبي وقاص. وكان مسلم بن عقيل لمَّا قُدِّمَ لِيُقْتَل بين يدي عبيد الله ابن زياد، وقد أُثخِن جراحا نظر، هل يرى أحد من قريش؟ فرأى عمر بن سعد، فقال: ادنُ مني. فدنا منه عمر، فقال: أنت أقرب الناس إليَّ في النسب، فإن أردت أن تفوز بشرف الدارين فابعث إلى الحسين ليرجع من الطريق، فإني تركته ومن معه، وهم تسعون إنسانا على الخروج من مكة، وإنهم الآن في الطريق، واكتب إليه بما أصابني. فلما انصرف عنه عمر بن سعد قال لابن زياد: أتدري ما قال لي مسلم؟ قال: اكتم على ابن عمِّك. قال: الأمر أعظم من ذلك. قال: اكتم على ابن عمِّك فلما أكثر على ابن زياد قال له مسلم، قال له: قل أخبرني أن حسينا خرج في أهله وقرابته ومن اتبعه من الناس إلى الكوفة. قال له ابن زياد: أمَّا إذ أخبرتني فوالله لا خرج لقتاله غيرك. أما والله لو أسرَّ إليَّ كما أسرَّ إليك لرددتهم. ويحك ما حفظت وصية ابن عمِّك حين رآك لها أهلا؟ ثم التقوا مع الحسين بكربلاء: وهو موضع على الفرات. فأتاه عمر بن سعد فقال: ما هذا المسير يا أبا عبد الله؟ قال: سرتُ إلى قوم غرُّوني بكتبهم، ولا مردَّ للقضاء. وإني أسأل منكم إحدى ثلاث خِلال: إما أن تتركوني أرجع من حيث جئت، وأمَّا أن تُخلُّوا بيني وبين الطريق إلى الأعاجم، أُقاتل فيهم حتى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 216 أموت، وأما أن أسير إلى يزيد فأضع يدي في يده. فأخبر عمر بن سعد بذلك عبيد الله بن زياد، فقال: لا أُعطيه واحدة من الثلاث. ولكن ينزل على حُكمي. فأخبر عمر بن سعد ذلك إلى الحسين فقال: أأنزل على حكم ابن مَرجانة الدَّعِيُّ؟ والموت والله عندي دون ذلك أشهى وأحلى. ومرجانة: أمُّ عبيد الله وهي أَمَة. ولما أبي عبيد الله أن يعطي الحسين واحدة من الخلال الثلاث التي تطلب، قالت طائفة من عسكر عبيد الله: يعرض عليك ابن بنت رسول الله واحدة من ثلاث خلال فلم تسعفوه بها! لقد خاب سعيكم، وشقي من يتبعكم. فانصرفوا إلى الحسين، فقتلوا معه، رضي الله عنهم، ورحمهم. وأبلى الحسين في ذلك اليوم بلاء عظيما، وقتل من عسكر عبيد الله أشقياء كثيرة، حتى قتل، رضوان الله عليه. وقتل معه من ولده وولد أخيه الحسن وولد عمِّه عقيل جماعة لم ينشأ في الإسلام مثلهم. وروى فطر عن مُنذر الثَّوريِّ عن ابن الحنفيَّة قال: قُتل مع الحسين بن علي سبعة عشر رجلا، كلُّهم من ولد فاطمة. وقُتل، رضي الله عنه، يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. واختلف فيمن قتله، فقيل: شَمِرُ بنُ ذي الجوْشَن الضِّبابيُّ، لعنه الله. وهو القائل لعبيد الله بن زياد: أوقِرْ رِكابي فضةً وذَهبا ... إني قتلتُ الملكَ المُحَحَّبَا خيرَ عبادِ الله أمَّاً وأباً ... وخيرَهم إذ ينسُبون نَسبا وقال مُصعبُ الزُّبيريُّ: الذي ولي قتل الحسين بن علي سنان بن أبي سنان النَّخعيُّ، لا رحمه الله. وهو جدُّ شريك بن عبد الله القاضي، ويُصدِّق قولُ الشاعر: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 217 وأيُّ رَزِيَّةٍ عَدلتْ حُسينا ... غداةَ تُبيرُهُ كفَّا سِنانِ ولمَّا أدخل أهله على يزيد بن معاوية بالشام، وهم في حال سيئة، وكانوا على الأقتاب، لم يوطَّاُ في طريقهم إليه. قالت له أمُّ كلثوم بنت علي من غير فاطمةَ: يا يزيدُ، بنات رسول الله سبايا أذلَّة!! فقال: بل كرام أعزَّة. وبكى، وأمر بإدخالهم إلى حرمه. وجعل بين يدي يزيد عليُّ بن الحسين الأصغر، وهو زين العابدين. وكان عليُّ الأكبر قُتل مع الحسين مع جملة من قتل من بنته وبني أخيه الحسن وبني عمِّه عقيل. فقرأ يزيد:) وما أصابكم من مُصيبةٍ فَبِما كسَبتْ أيديكمُ ويَعفو عن كَثير ". فقال لا تقل ذلك يا يزيد، ولكن قل:) ما أصابَ من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نُبْراها، أن ذلك على الله يسير (. واستشار يزيد أهل الشام في من بقي من ولد الحسين وولد أخيه الصِّغار. فقال له بعض الأشقياء منهم: لا تَتَّخذُ من كلب سوء جرواً يا أمير المؤمنين. فقال النعمان بن بشير: اصنع بهم يا أمير المؤمنين ما كان يصنع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لو رآهم على هذا الحال. فأمر بإنزالهم وإكرامهم. ثم قال: لو كان بينهم وبين من عضَّ بظر أمِّه نسب، يعنى ابن زياد ما قتلهم، ثم ضرب عليهم القبقاب بعدما أدخلوا الحمَّام، وأمال عليهم المطبخ، وكساهم، وأخرج لهم جوائز كثيرة، وبعث معهم من ردَّهم إلى المدينة. وأُتي يزيد برأس الحسين عليه السلام. فلما وضع بين يديه جعل ينكت أسنانه بقضيب كان في يده ويقول: كان أبو عبد الله صبيحا. فقال النعمان بن بشير: ارفع يدك يا يزيدُ عن فم طالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 218 يُقبِّلُه. قال: فاستحيا يزيدُ، وأمر برفع الرأس. وما روي بعد قتل الحسين من العبر في يقظة ومنام روي عن رواة صحائح الآثار والأخبار. الترمذي بسنده عن أمِّ سلمة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عيه وسلم " تعني في المنام " وعلى رأسه ولحيته الترابُ. فقال: مالك يا رسول الله؟ قال: شهدت قتل الحسين آنفا. وحدَّث أبي بكر بن أبي شيبة قال: نا حَّماد سن سَلمة قال: نا عمار، عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عيه وسلم، فيما النائم نصف النهار، وهو أشعث أغبرُ، في يده قارورة فيها دمٌ. فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما هذا؟ قال: " هذا دمُ الحسين، لم أزل ألتقطه منذ اليوم " فوجد قد قُتل في ذلك اليوم. وبكى الناسُ الحسين، فأكثروا وأحسنوا. قالت الربابُ بنتُ امريء القيس الكلبية، ترثي زوجها الحسين بن علي رضي الله عنهما: إنَّ الذي كان نوراً يُستضاء به ... بكربلاء قتيلاً غيرَ مَدْفونِ سِبط النبيِّ جزاكَ الله صالحةً ... عنا وجُنِّبتَ خُسرانَ الموازينِ قد كنتَ لي جَبَلاً صعباً ألوذ به ... وكنتَ تَصْحبُنا بالرَّحْم والدين مَن لليَتَامى ومن للسائلين ومَن ... يَقي ويأوي إليهِ كلُّ مِسكنِ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 219 وقال سليمان بن قنَّةَ الخزاعي، وأجاد فيما قال: مررتُ على أبياتِ آلِ محمدٍ ... فلم أر من أمثالها حيثُ حلَّتِ فلا يُبعِدِ اللهُ البيوتَ وأهلَها ... وإن أصبحتْ منهم برَغْمي تَخلَّتِ وكانوا رجاء ثم عادوا رزيَّةً ... لقد عظُمتْ تلك الرزايا وجلَّتِ وإن قتيلَ الطَّفِّ، من آلِ هاشمٍ ... أذلَّ رقاباً من قُريشٍ فذَلَّتِ ألم ترَ أ، الأرضَ أضحتْ مريضةً ... لفقدِ حُسينٍ، والبلادُ اقشعرَّتَ وقد أعْولتْ تبكي السماءُ لفقده ... وأنجمُها ناحتْ عليه وصَلَّتِ كذا قال عمر بن عبد البِّر في الاستيعاب: عن سليمان بن قنَّةَ إنه خزاعي. وقال المُبرد في الكامل: هو من تميم بن مُرَّةَ بن كعب بن لؤي. وكان منقطعا إلى بني هاشم. وقال ابن قُتيبة، في " المعارف ": سليمان بن قُنةَ هو منسوب إلى أمِّه. وهو مولى لتيم قريش. وكان مع روايته الحديث شاعرا. وهو القائل: وقد يحرِمُ الله الفتى وهْوُ عاقلٌ ... ويُعطى الفتى .... وليس عاقلا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 220 وهذا البيت زعموا لا يُدري قائله: أتَرجو أُمَّةٌ قَتلتْ حُسيناً ... شَفاعةَ جدِّهِ يومَ الحسابِ؟ ولبعض المُحسنين المُجيدين يرثى الحسين رضي الله عنه: أمرُرْ على جَدَثِ الحسي ... ن وقُل لأَعظُمهِ الزكيَّةْ: يا أعظُماً لا زلتِ من ... وَطْفاءَ ساكبةٍ رَوِيَّةْ وإذا مَررتَ بقبرهِ ... فأَطِلْ بهِ، وقِفِ المطيَّة' وابكِ المطهَّرَ للمُطَهْ ... رِ والمطَهَّرةِ التَّقيَّةْ كبكاء مُعْوِلةٍ أتَتْ ... يوماً لواحدِها مَنِيَّةْ وقال بعض من وقذ رُزء الحسين فؤاده، وألف الحزن على مصابه الجلل واعتاده. نفعه الله بما قاله، من عثرات الذنوب أقاله: أيا رُزء الرِّضَى الذاكي حُسينٍ ... أسَلْتَ مع الدموعِ لنا نَجيعا ِبُقعَة كربلاء أرَيتَ سِبْطاً ... لخيرِ المرسَلين لَقًي صَريعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 221 رُزِئنا ابنَ البَتولِ وأيُّ رُزْءِ ... جليلٍ قد رأى خَطْباً شَنيعا أثارَ لنا اكتئاباً وانتحاباً ... وأجَّحَ لفحُهُ من الضُّلوعا وكَم مِن أجلهِ صبرٌ تَوَلَّى ... وكم عينٍ لها هَجَرتْ هُجوعا وكم قلب به أضحى مَرُوعاً ... ونَفْسٍ فارقَتْ جَلَداً ورُوعا فيا صَبْري على بَلْوى حُسينٍ ... ألا ودِّعْ فؤاداً لي جَزُوعا وما عافَ الأسى والوجدَ مثلي ... عليهِ ولا الكآبة والخُشوعا دَهاهُ ابنُ الدَّعيِّ بشرِّ ناسٍ ... فجدُوا الأَصلَ منهُ والفروعا لقد خسِروا بما اكتَسَبوا فَمنْ ذا ... يكونُ لهم إذا بُعثوا شَفيعا هُمُ وَتَروا شفيعَ الخلقِ في ابْنٍ ... لديهِ كان محفوظاً رَفيعا فلا سقتِ الغَوادي قبرَ رجسٍ ... زَنيمٍ لِلغَرورِ غَداً مُطيعا تَحكَّم في بني المختارِ قَسراً ... وأجرى من دِمائهمُ رَبيعا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 222 عن ماء الفراتِ حَمَى كِراماً ... لِرَعْي حقوقِهمْ أَضحى مُضِيعًا أتى في الذِّكرِ ذِكرهُمُ بقُدْسٍ ... فكن يا من تَلاهُ له مُذيعاً وولد الحسينُ، رضي الله عنه، عليا الأكبر: أمُّه مُرَّةُ بنتُ عُروةَ بن مسعود الثَّقفيِّ. كذا قال محمد بن شبل في روايته غير ابن شبل هي بنت مُرة بن عروة ابن مسعود، وقُتل مع أبيه الحسين. وولد عليا الأصغر لأّم ولد، وفاطمةَ: أمُّها أمُّ إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، وسُكينةَ: أمُّها الربابُ بنت امرئ القيس الكلبية، وفيها كان الحسين يقول: لعَمُرك إِنَّني لأُحبُّ داراُ ... تَحلُّ به سُكينةُ والربابُ فأما عليٌّ الأصغر فليس للحسين عقب إلا منه، زين العابدين. وكان أفضل بني هاشم بعد علي والحسين، وأمُّه فارسية، معروفة النسب، واسمها سلافةُ بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى أنو شروان بن قُباذ. وكانت سلافةُ من خيرات النساء. ويقال: إنها عمةُ أمُّ يزيد الناقص أو أختها. وكان عليُّ ابن الحسين من أبرِّ الناس بأمِّه سُلافة. وكان لا يأكل معها في صحفة واحدة، فسئل عن ذلك فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتها. وكان يقال له " ابنَ الخِيرَتين " لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لله من عباده خيرتان ". فخيرتُه من العرب قريش، ومن العجم فارس. وخلف على سلافة بعد الحسين بن علي زِبَيد مولاه. فولدت له عبد الله بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 223 زِبَيد فهو أخو عليِّ بن حسين لأمِّه. ورُوي أن عليَّ بن حسين زوَّج أمَّه من مولاه، وأعتق جارية له وتزوَّجها. فكتب إليه عبد الملك يعيِّره بذلك، فكتب إليه عليِّ: " قد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ. قد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيَّة بنت حُيَيّ وتزوجها، وأعتق زيد بن حارثة وزوَّجه بنت عمته زينب بنت جحش ". وتوفي عليُّ بن الحسين بالمدينة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة، سنة أربع وتسعين. وكان يُكنى أبا الحسن. ودفن بالبقيع، وكان خيِّرا فاضلا. قال الزُّهريُّ: ما رأيت قرشيا أفضل منه. وقال يحيى بن سعيد الأنصاريُّ: عليُّ بن حسين أفضل هاشميّ رأيت بالمدينة. وكان، رضي الله عنه من أهل العلم. وكان معظما عند خلفاء بني أمية. وأشهر ولد عليّ بن الحسين: محمد وعليّ وزيد. فأما محمد فهو الباقر: أمُّه أمُّ عبد الله بنت الحسن بن عليّ. وقيل له الباقر، لأنه بقَّر العلم أي شقَّه، وكان من الفقهاء. لقي جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وغيرهما ممَّن تأخَّر موته من شباب الصحابة. ومات بالمدينة سنة سبع عشرة ومئة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال المدائنيُّ: مات وهو ابن ثلاث وستين. وأخوه شقيقه عليُّ بن عليِّ بن الحسين: كان يلقب الأفطس. وأعقب. ومن عقبه حسين بن حسن بن علي بن علي بن علي بن الحسين: خرج على المأمون بمكة سنة تسع وتسعين ومئة. وقيل لمحمد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام: من أزهد الناس؟ قال: من لا يُبالي في يدي من كانت الدنيا. ومن العجب أن يشغل الرجل نفسه بشيء، التدبير فيه إلى غيره. وكان رضي الله عنه، يقول: أدَّب الله محمدا صلى الله عليه وسلم أحسن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 224 الأدب، فقال:) خُذِ العفو وأمُر بالعُرفِ وأعرض عن الجاهلين (. فلما وعى عن الله عزَّ وجلَّ ما أمره قال:) وإنك لعلى خلق عظيم (. فلما قبل منه ما فوَّض إليه قال:) وما آتاكم الرسولُ فخذُوهُ وما نهاكم عنه فانْتَهُوا (. وقال رضي الله عنه: " وإنَّ شرَّ الأبناء من دعاه التقصير إلى العقوق. وإنَّ شرَّ الآباء مند دعاه البرُّ إلى الإفراط ". وولد محمد الباقر جعفرا وهو الصادق: ولده أبو بكر الصديق، رضي الله عنه مرتين. أمُّه أمُّ فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وأمُّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر. وكان من ساكني المدينة. وبها مات في خلافة أبي جعفر في قول المدائني والواقدي. قال الواقديُّ: لمَّا خرج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بالمدينة على أبي جعفر هرب جعفر بن محمد إلى ماله بالفُرُع. فلم يزل هنالك مقيما متنحِّيا عما كانوا فيه، حتى قُتل محمد فلما قُتل محمد واطمأنَّ الناس وأمِنوا رجع إلى المدينة، فلم يزل بها حتى تُوفي سنة ثمان وأربعين ومئة. وهو يومئذ ابن إحدى وسبعين سنة. وكان فاضلا، وتكذِب عليه الشيعة كثيرا، وكان من شيوخ مالك وسفيان الثوريِّ. ولمالك عنه في الموطأ تسعة أحاديث، منها خمسة متصلة مسندة، أصلها حديث واحد وهو حديث جابر الطويل في الحج، والأربعة منقطعة، وكان يُكنى أبا عبد الله. وكان أبو جعفر يعُظِّمهُ ويعرف له حق القرابة والطاعة. وأراده مرة بسوء لأمر باطل قُرف به، فصرف الله عنه. وعلم أبو جعفر براءته وصدقه وإخلاصه ونصحه، رضي الله عنه وعن آبائه. وولد جعفر موسى. وولد موسى عليا وهو الرِّضى، وهو مولى معروف الكرخي الزاهد. وحدَّث الرِّضى عليُّ بن موسى عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليِّ بن .... وبايع المأمون لعليِّ الرِّضى بولاية العهد بعده بخراسان. وأمر الناس بلباس الخُضرة وترك السَّواد. فلما بلغ أهل بغداد ما فعل من ردِّ الأمر إلى الجزء: 2 ¦ الصفحة: 225 آل أبي طالب بايعوا عمَّه إبراهيم بن المهدي، وهو الذي كان يقال له: ابن شَكْلة. وخبره مع المأمون مشهور. وكان أسود حسن الصوت والغناء. ومات الرِّضى بخراسان، فصرف المأمون عن الطالبيِّن الأمر، ورجع هو وأهل دولته إلى أهل السواد. وأما زيد بن علي بن الحسين فكان يُكنى أبا الحسين، وأمُّه سنديَّة. وكان بعيد الهمَّة، شريف النفس سديد القول، بليغ المنطق. حدَّث شَبابة ابن سَوَّار الفزاريُّ قال: حدَّثني ... ابن أبي الصَّبَّاح الكوفيُّ، عن أبي سلمة يحيى بن دينار، عن أبي المُطهَّر الوراق قال: بينما زيد بن علي في بعض أزقة الكوفة إذ بصُرَ به رجل من الشيعة، فدعاه إلى منزله فأحضرهُ طعاما. فتسامعت به الشيعة، فدخلوا عليه حتى غَصَّ المجلس منهم فأكلوا معه، ثم استسقى فقالوا أي شراب نسقيك يا بن رسول الله؟ قال: أصلبه وأشدُّه. فأتوه بعُسٍّ من نبيذ، فشرب. ودار العُسُّ عليهم فشربوا. ثم قالوا: يا بن رسول الله، لو حدَّثتنا في هذا النَّبيذ بحديث رويته عن أبيك، عن جدِّك، فإن العلماء يختلفون فيه. فقال زيد: حدَّثني أبي عن جدي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " لتركبنَّ طبقة بني إسرائيل القُدَّة بالقُدَّة، والنَّعلَ بالنَّعل. ألا وإن الله ابتلى بني إسرائيل بنهر طالوت، حلَّ منه الغرفة والغرفتين، وحرَّم منه الرِّيَّ. وقد ابتلاكم بهذا النبيذ، أحلَّ منه القليل وحرَّم منه الكثير ". فكان أهل الكوفة يُسمُّون النبيذ نهر طالوت. شبابة بن سَوَّار: راوي هذا الخبر هو مولى لفزارة من أهل بغداد من أبناء أهل خراسان. وتحوَّل إلى المدائن، فنزل بها، ثم خرج إلى مكة فأقام بها حتى مات. وروى مسلم في صحيحه عن ابن أبي شَيْبةَ أبي بكر، عن شبابة وعن زهير بن حرب عنه، وعن حجّاج بن الشاعر ومحمد بن رافع وإسحاق بن إبراهيم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 226 الحنظلي. وهو ابن زاهَويَهِ عنه. ويَروي شبابة عن شُعبة وسليمان بن المغيرة وورقاء بن عمر وغيرهم من الثقات. ولزيد بن علي مع ابن شهاب الزُّهريُّ خبر طريف. رأى الزُّهريُّ في منامه كأنه مدفون في قبر، وكفُّه خارجة من القبر، مخضوبة بالحنَّاء. فسئل عن ذلك سعيد بن المسيَّب فقال: هذا رجل صالح، يُصيب دما خطأ. فاستُعمل الزهريُّ على صدقات بني عُذرة. فاستعمل مولى للصَّلت بن عبد الله بن الحرث بن نوفل ابن الحرث بن عبد المطلب، سلعيا. فخان، فضربه الزُّهريُّ بعصا، فأصاب جرحا كان بظهره قد برأ. فانتفض عليه عند ضربه إياه فمات منه. فجزع الزُّهريُّ وندم، وقال: لا أقرب امرأة، ولا يُظلُّني سقف بيت وظلَّ متخفيا منفردا عن الناس. فمرَّ به زيد بن علي بن الحسين فقال: يا ابن شهاب، إتَّقِ الله، فوالله ما أخاف أن تعجز عنك رحمة الله، ولكني أخاف أن يوبقك قنوطك من رحمة الله. يُب إلى الله تعالى، وابعث إلى أهل الرجل بديَّته، وارجع إلى أهلك ومنزلك. فكان الزُّهريُّ يقول: زيد بن عليٍّ أعظم الناس عَلَيَّ منَّة. ودخل زيد على هشام بن عبد الملك وهو خليفة. فقال له هشام: بلغني أنَّك تدَّعي الخلافة، وأنت ابن أمَة. فقال له: إنَّ الله وضع بالإسلام النَّقيصة، ورفع به الخسيسة. هذا إسماعيل أمه هاجر، وهي أمَة، أخرج الله من صلبه سيِّد ولد آدم محمدا صلى الله عليه وسلم وهذا إسحاق ابن حُرَّة، أخرج الله من صُلبه من مسخَه ق {ردة وخنازير. فأسمعه هشام ما كره. فخرج مُغضبا وهو يقول: ما أحَبَّ أحد الحياة إلا ذَلَّ. قال مولاه: فلما سمعت منه هذا الكلام علمتُ أنَّه سيخرج. فخرج على هشام بالكوفة، واجتمع عليه عسكر كبير. وحارب فبعث إليه يوسف بن عمر الثقفيّ عامل هشام على العراق جيشا، فرُمي بسهم فمات وصُلِب. صلبه يوسف بن عمر بالكُناسة، وذلك سنة اثنتين وعشرين ومئة. وإليه تُنسب الزيدية. وهم أقلُّ الرافضة غُلوّاً. غير أنهم يرون الخروج مع كلِّ من خَرَج. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 227 فوَلَد زيد بن علي يحيى وعيسى وحسينا. فأما يحيى فقُتل بخراسان بالخُوزَجان منها، زمن نصر بن سيار. وقدم برأسه إلى الشام على الوليد بن يزيد الماجن. وأمُّ يحيى رَيطةُ بنت أبي هاشم عبد الله بن محمد الحنفية. وأما عيسى بن زيد فخرج على أبي جعفر المنصور بعد قتل أبي مسلم واستيلائه على مُلك العراقين والشام والحجاز وخُراسان ومصر واليمن. وقاتله فيما بين الكوفة وبغداد، ولقيه في جموع كثيرة، نحو من عشرين ومئة ألف. فأقام أياما يقاتله في كلِّ يوم، حتى همَّ أبو جعفر بالهزيمة، وركب فرسه لذلك. ثمَّ جعل يشجِّع الناس، ويَعِدهم العطايا الواسعة والصلات العظيمة، فقاتلوا. ثم أنَّ أبا جعفر غلبته عينه، وهو على فرسه. فنام. فرأى في نومه كأنه يُمدُّ، وتُستمر يداه ورجلاه على الأرض. فاستيقظ، فدعا عبَّارا كان معه. فأخبره بما رأى. فقال له: أبشر يا أمير المؤمنين، فإن سلطانك ثابت، وسيليه بعدك جماعة من ولدك. وهذا الرجل منهزم. فما كان بأسرع أن نظر المنصور إلى عيسى بن زيد منهزما. وأما حسين بن زيد: فَعَمي. وكانت ابنته ميمونة عند المهدي. وكان له ولد. وولَد عليٌّ من غير فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهما محمدا وهو ابن الحنفية وأبا بكر وعثمان والعباس وجعفر وعبد الله وإبراهيم. وقُتل هؤلاء الستة مع الحسين رضي الله عنه وعنهم. وعُبيد الله قتله المختار، ولا عَقِبَ له. ويحيى: وأمُّه أسماء بنت عُميس. وعمر: أمُّه تغلبيَّة. وكان خالد بن الوليد سباها في الرِّدَّة، فاشتراها علي. وحُمل عنه الحديث. وروى عن عمر بن الخطاب، وكان له عَقِب بالمدينة. ومن ولده محمد، وأمُّه أسماء بنت عقيل بن أبي طالب. ومن ولد محمد بن عمر أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب. حدَّث عن ابن أبي فُديْك، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال: سمعت علي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 228 بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " اللهمَّ ارحم خلفائي ". قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: " الذين يأتون من بعدي، يروون أحاديثي وسنَّتي ويُعلِّمونها الناس " خرَّج هذا الحديث أبو نُعَيم الحافظ الأصبهانيُّ في " الرياضة " عن أبي حُصين محمد بن الحسين بن حبيب القاضي، عن أبي الطاهر، مرفوع النسب، عن ابن أبي فُديْك. وأعقب العباس بن علي. ترك ولدين: عبيد الله، أمُّه لبانة بنت عبيد الله ابن العباس. وحسنا لأمِّ ولد. وأمُّ العباس وأخويه جعفر وعبد الله أمُّ البنين بنت حرام الوحيدية. وليس لجعفر عقب وأمُّ عبيد الله وأبي بكر ابني علي: ليلى بنت مسعود بن خالد النَّهشليِّ. وأمَّا أبو القاسم محمد بن علي ابن الحنفية فأمُّه من سبي بني حنيفة، اشتراها علي، واتَّخذها أمَّ وِلد. فولدت له محمدا فأنجبت. واسمها خولة بنت إياس بن جعفر جانِّ الصَّفا. ويقال: بل كانت أمة لبني حنيفة، سندية سوداء. ولم تكن من أنفُسِهم. وإنما صالحهم خالد بن الوليد على الرقيق ولم يصالحهم على أنفسهم. وكان شجاعا أيَّدا فصيحا عالما بالكتاب والسُّنة، وللشيعة فيه أقاويل، يكذبون عليه فيها، وينكرها أهل السنَّة ويُحاشى عنها، رضي الله عنه. وكان يُفضِّل أبا بكر وعمر، ويُثني على عثمان رضي الله عنهم وعنه. وكان ابن الزُّبير قد حبس محمد بن الحنفية في خمسة عشر رجلا من بني هاشم، فقال: لتُبايعُنَّ أو لأُحرِقَنَّكُم، فأبوا البيعة، وكان السجن الذي حبسهم فيه يُدعى سجن عارم وفي ذلك يقول كُثيِّر، يخاطب ابن الزبير: تُخَبِّرُ من لاقَيتَ أنك عائذٌ ... بل العائذُ المحبوسُ في سجنِ عارمِ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 229 وصيُّ النبيِّ المصطفى وابْنُ عمِّه ... وفَكَّاكُ أعناقٍ وقاضي مَغارِمِ أراد ابن وصيِّ النبيِّ. والعرب تُقيم المضاف إليه في هذا الباب مقام المضاف، كما قال الآخر: صَبَّحْنَ من كاظمةَ الخصَّ الخَرِبْ ... يَحملْنَ عباسَ بنَ عبد المطَّلب يريد ابن عباس. وكان ابن الزبير يُدعى العائذ، لأنه عاذ بالبيت. وكان يُدعى المُحِلَّ لإحلاله القتال في الحرم. وفي ذلك يقول رجل في رملة بنت الزبير: ألا مَن لقلبٍ مُعَنَّى غَزلْ ... بِقَتلِ المُحِلَّةِ أختِ المُحِل؟ وكان عبد الله بن الزبير يُظهر البغض لابن الحنفيَّة إلى بغض أهله وكان يحسده على أيْدِه. ويُقال أن عليَّا استطال درعا، فقال: ليُنقض منها كذا وكذا حلقة. فقبض محمد ابن الحنفية على ذيلها بإحدى يديه، وبالأخرى على فضلها ثم جذبها فقطعها من الموضع الذي حدَّ أبوه فكان ابن الزبير إذا حُدِّث بهذا غضب واعتراه له أفكَل. ومات محمد بن الحنفية بالطائف سنة إحدى وثمانين، وهو يومئذ ابن خمس وستين سنة. وروي عنه أنه قال: " الحسن والحسين خير مني، وأنا أعلم بحديث أبي منهما ". وولد لسنتين بقيا من خلافة عمر. وروى فِطِر عن منذر الثَّوريِّ عن محمد ابن الحنفية، قال: قال لي علي: قلت يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد أسمِّيه باسمك وأكنِّيه بكنيتك؟ قال: " نعم ". أخرج هذا الحديث الترمذيُّ عن محمد بن بشار، عن يحيى بن سعيد القَطَّان عن فِطر. وأشهر ولد محمد ابن الحنفية: عبد الله أبو هاشم، والحسن أبو محمد، وروي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 230 عنهما الحديث. مالك عن ابن شهاب، عن عبد الله والحسن ابنَي محمد بن عليّ ابن أبي طالب، عن أبيهما، عن عليّ بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحُمر الأُنسيَّة. قال عمرو ابن دينار: ما رأيت أحدا أعلم بما اختُلف فيه من الحسن بن محمد، وما كان زُهريُّكم هذا إلا غلاما من غلمانه، يعني ابن شهاب. ومات زمن عمر بن عبد العزيز. وأما أبو هاشم أخوه فكان عظيم القدر. وكانت الشيعة تتولاه، فحضرته الوفاة بالشام، فأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس. وقال له: أنت صاحب هذا الأمر، وهو من ولدك. ودفع إليه كتبه، وصرف الشيعة إليه. وليس لأبي هاشم عقب. وبنات عليٍّ رضي الله عنه من غير فاطمة كنَّ عند ولد عقيل وولد العباس، وعند جَعدة بن هُبيرة المخزوميَّ، وعند سعيد بن الأسود بن أبي البَخْتَريِّ القرشيِّ الأسديِّ. واسم أبي البَخْتريِّ: العاصي بن هشام بن الحارث بن أسد. وهو قتيل وهو قتيل المُجذَّر بن ذِياد يوم بدر. وقد ذكرت خبره في بني أسد من قُريش. ومن موالي آل علي رضي الله عنه وعنهم يحيى بن أبي كثير: روى عنه الأوزاعيُّ. قال أيوب السَّختياني: ما بقي على الأرض مثل يحيى بن أبي كثير. ومات يحيى سنة تسع وعشرين ومئة. وروى عنه ابنه عبد الله بن يحيى وغيره الحديث. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 231 فضائل علي ومواعظه ووصاياه رضي الله عنه مسلم: حدَّثنا محمد بن المثنىَّ وابن بشَّار قالا: نا شُعبة عن الحكم، عن مُصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقَّاص قال: خلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله تُخلِّفني في النساء والصبيان؟ فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنَّه لا نبيَّ بعدي ". الترمذيُّ حدَّثنا واصل بن عبد الأعلى، نا محمد بن فُضَيل عن عبد الله ابن عبد الرحمن أبي نصر، عن المُساور الحمْيَريِّ، عن أمه، قال دخلت على أمِّ سلمة فسمعتها تقول. كان رسول الله صلى الله عليه ةوسلم يقول " لا يُحب عليا مُنافق، ولا يُبغضه مؤمن ". مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبةَ قال: نا وَكيع وأبو معاوية عن الأعمش، عن عديِّ بن ثابتٍ، عن زرِّ بن حُبيش قال: قال عليِّ رضي الله عنه " والَذي فلق الحبةَ وبَرأ النَّسمةَ إنه لَعهدُ النبيَّ الأمِّيِّ إليَّ ألا يُحبَّني إلا مُؤمن، ولا يُبغضني إلا منافق ". الترمذيُّ: حدثنا سفيان بن وكيع، نا عبيد الله بن موسى عن عيسى بن عمر، عن السدِّي، عن أنس بن مالك قال: كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال: " اللهمَّ ائتني بأحبِّ خَلقكَ إليك، يأكلْ معي هذا الطير ". فجاء عليٌّ، فأكل معه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث السُّدِّي إلا من هذا الوجه. وقد رويَ من غير وجه عن أنس. الترمذيًّ: حدَّثنا إسماعيل بن موسى الفزاريُّ ابن بنت السُّدِّي، نا شريك عن أبي ربيعة عن ابن بَريدَة عن أبيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أمرني بحبِّ أربعة ". قيل يا رسول الله سِّمهم. قال: " عليٌّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 232 منهم "، يقول ذلك ثلاثاً: " وأبو ذَر والمقداد وسلمان أمرني بحبِّهم، وأخبرني أنه يحبهم ". قال هذا حديث حسن غريب. الترمذيُّ: حدَّثنا إسماعيل بن موسى، نا شريك عن أبي إسحاق عن حُبْشيِّ بن جُنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليٌّ مني وأنا من علي، ولا يؤدِّي عني إلا أنا أو علي ". النَّسائي: أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله النيسابوريُّ، وأحمد بن عثمان ابن حكيم قال: نا عمرو بن طَلحة قال: نا أسباط عن سِماك، عن عكرمة، عن ابن عباس أنَّ عليا كان يقول: " والله إني لأخو رسول الله صلى الله عليه وسلم ووليُّه ". ولما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين بمكة ثم آخى بين المهاجرين والأنصار بالمدينة قال: " في كل واحدة منهما لعلي، أنت أخي في الدنيا والآخرة ". الترمذيُّ: حدَّثنا يوسف بن موسى القطَّان البغداديُّ، نا عليُّ بن قادم، نا عليُّ بن صالح بن حيَّ، عن حكيم، عن بُشير، عن جُميع بن عُمير التَّيمي، عن ابن عمر: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فجاء عليٌّ تدمَع عيناه، فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك، ولم تُؤاخ بيني وبين أحد؟!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنت أخي في الدنيا والآخرة ". وحدَّث أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا عبد الله بن نُمير عن حجّاج، عن الحكم، عن مِقسَم، عن ابن عباس. أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت أخي وصاحبي ". وقال: حدَّثنا عبد الله بن نُمير عن الحارث بن حصيرة قال: حدَّثني أبو سليمان الجُهنيُّ يعني: زيد بن وهب قال: سمعت عليا يقول على المنبر: " أنا عبد الله وأخو رسوله، لم يقلها أحد قبلي، ولا يقولها بعدي إلا كذاب مفترٍ ". وروى أبو داود الطيالسيُّ قال: نا أبو عوانة، عن أبي بِلْج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت وليّ كلِّ مؤمن بعدي ". وقال خُزيمة بن خازم قال: حدثني أبي عليٌّ بن عبد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 233 قال: حدثني أبي عبد الله بن عباس قال: كنت أنا وابن عباس بن عبد المطَّلب جالسين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل عليُّ بن أبي طالب فسلَّم، فردّض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشَّ به، وقام إليه واعتنقه وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه فقال العباس: يا رسول الله أتحبُّ هذا؟ فقال النبي عليه السلام: " يا عمَّ رسول الله والله لَلَّهُ أشدُّ حبّاً له مني، إنَّ الله جعل ذريَّة كلِّ نبيٍّ في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا ". وروى أبو نعيم الأصبهانيُّ في " رياضة المتعلمين " عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا عليُّ إن الله أمرني أن أُدنيك ولا أُقصيك، وأُعلِّمك ولا أجفوك ". وذكر البخاريُّ في قصة الحديبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني وأنا منك ". الترمذي: حدثنا قُتيبة نا محمد بن سُليمان الأصبهانيُّ عن يحيى بن عُبيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمر بن أبي سَلمة ربيب النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: أُنزلت هذه الآية على النبيِّ صلى الله عليه وسلم:) إنما يُريدُ اللهُ ليُذهب عنكم الرِّجسَ أهل البيت ويُطهِّرَكم تطهيراً (في بيت أُم سلمة. فدعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسنا وحسينا، فجلَّلهم بكساء، وعليٌّ خلف ظهره ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرِّجس وطهِّرهم تطهيرا ". قالت أُمُّ سَلمة: وأنا معهم يا نبيَّ الله؟ قال: " أنت على مكانك وأنت إلى خير ". الطبري: حدثنا أبو كُريب محمد بن العلاء ومحمد بن عمر بن هيَّاج قالا: نا يحيى بن عبد الرحمن الأزديُّ قال: نا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، فكنتُ فيمن سار معه، فأقام عليهم ستة أشهر لا يجيبونه إلى شيء. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ ابن أبي طالب، وأمره أن يُقفل خالدا ومن اتبعه إلا من أراد البقاء مع علي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 234 فيتركه. قال البراء: فكنتُ فيمن عقب مع علي. فلما انتهينا إلى أوائل اليمن بلغ القوم الخبر فجمعوا له، فصلَّى علىُّ الفجر. فلما فرغ صفَّنا صفا واحدا ثم تقدَّم بين أيدينا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأسلمت همدان كلُّها في يوم واحد. وكتب بذلك عليٌّ إلى رسول الله. فلما قرأ كتابه خرَّ ساجدا، ثم جلس فقال: " السلام على همدان، السلام على همدان ". وتتابع أهل اليمن على الإسلام. وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عليُّ ألا أعلِّمك كلمات إذا قُلتهنَّ غفر الله لك، مع أنَّك مغفور لك؟ " قلت بلى. قال: " قل: لا إله إلا الله الحليم العليم، لا إله إلا الله العليُّ العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ العرش الكريم ". وقال صلى الله عليه وسلم: " من أحبَّ عليّاً فقد أحبَّني، ومن أبغض عليّاً فقد بغضني، ومن آذى عليّاً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ". وقال له صلى الله عليه وسلم: " يهلِكُ فيك رجلان: محبٌّ مُطْرٍ وكذاب مُفتر ". وقال له: " تفترق فيك أمَّتي كما افترقت بنو إسرائيل في عيسى ". وروى بُريدة بن الحُصيب وأبو هُريرة والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وجابر بن عبد الله الأنصاريُّ، كلُّ واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم غدير خُم: " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهمَّ والِ من والاه وعادي من عاداه ". ورواية جابر لهذا الحديث بالسند أذكرها: حدَّث أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشجع قال: نا المطَّلب بن زياد عن عبيد الله بن محمد بن عقيل قال: كنا عند جابر بن عبد الله في بيته، وعليُّ بن الحسين ومحمد بن الحنفيَّة وأبو جعفر، فدخل رجل من أهل العراق فقال: أنشدك بالله إلا حدَّثتني ما رأيت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 235 كنا بالجُحْفَة بغدير خم، وثَمَّ ناس كثير من جُهينة ومُزينة وغِفار، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خِباء أو فُسطاط، وأشار بيده ثلاثا، فأخذ بيد عليٍّ فقال: " من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ". عبد الله بن محمد بن عقيل راوي هذا الحديث عن جابر. قُتل أخوه محمد مع الحسين، وجدَّه عقيل هو عقيل بن أبي طالب. وكان عبد الله بن محمد بن عقيل فقيها يُروى عنه. وكان أحول، وأمُّه وأمُّ أخويه: القاسم وعبد الرحمن، زينب الصغرى بنت عليّ بن أبي طالب. وروى أبو العباس سهل بن سعد وبُريدة الأسلميُّ وأبو سعيد الخدريُّ وعبد الله بن عمر وعمران بن حصين، كلُّهم بمعنى واحد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر: " لأعطينَّ الراية غدا رجلا يحبُّ الله ورسوله ويحبُّه الله ورسوله، ليس بفرَّار يفتح الله على يديه ". ثم دعا بعليٍّ وهو أرمد، فتفل في عينيه وأعطاه الراية، ففتح الله عليه. وروى هذا الحديث أيضا أبو هريرة وسعد بن أبي وقاص وسَلَمَة بن الأكوع. مسلم: حدَّثنا قتيبة بن سعيد قال: نا يعقوب، يعني ابن عبد الرحمن القارئ عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر " لأعطينَّ هذه الراية رجلا يحبُّ الله ورسوله، يفتح الله على يديه " قال عمر بن الخطاب: ما أحبب الإمارة إلا يومئذ. قال: فتساورتُ لها رجاء أن أُدعى لها. قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب، فأعطاه إياها فقال: " امشِ ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ". قال: فسار عليٌّ شيئا ولم يلتفت، فصرخ برسول الله: على ماذا أقاتل الناس؟! قال: " قاتلهُم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقِّها، وحسابهم على الله ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 236 الترمذي: حدثنا قُتيبة: نا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تَسُبَّ أبا تُراب! قال: أمّا ما ذكرت ثلاثا قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسُبَّه، لأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبَّ إليَّ من حُمر النَّعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي، وخَلفَهُ في بعض مغازيه، فقال له عليَّ: يا رسول الله تُخلِّفُني على النساء والصبيان؟! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوة بعدي ". وسمعته يقول يوم خيبر: " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ". قال: فتطاولنا لها فقال: ادع لي عليا، فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه، فدفع الراية إليه، ففتح الله عليه. وأُنزلت هذه الآية:) تعالَوْا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ... (الآية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: " اللهمَّ هؤلاء أهلي ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال ابن إسحاق: حدَّثني بُريدة بن سفيان بن فروة الأسلميُّ عن أبيه سفيان عن سَلمة بن عمرو بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر يقاتل ثمَّ رجع، ولم يكن فتح، وقد جُهد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأعطينَّ الراية غدا رجلا يحبُّ الله ورسوله، يفتح على يديه، ليس بفرَّار ". قال: يقول سلمة: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وهو أرمد فتَفَل في عينيه ثم قال: " خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك ". فمضى والله بها يأْنِح يُهرول هرولة، وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رَضْم من حجارة الحصن، فاطَّلع إليه يهوديٌّ من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 237 رأس الحصن فقال: مَن أنت؟ قال: أنا عليُّ بن أبي طالب. قال: يقول اليهوديُّ: علَوتُم علينا وما أُنزل على موسى، أو كما قال. فما رجع حتى فتح الله على يديه. قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن حسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خرجنا مع عليِّ بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته يوم خيبر. فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطرح ترسه من يده فتناول علي بابا كان عند الحصن، فَتَرس به عن نفسه. فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ. فاقد رأيتني في نفر معي سبعة أنا منهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وهو شاب ليقضي بينهم فقال: يا رسول الله، إني لا أدري ما القضاء. فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على صدره وقال: " اللهم اهد قلبه، وسدِّد لسانه ". قال علي: فوالله ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن توُلُّوا أبا بكر تجدوه ضعيفا في بدنه، قويا في دينه. وإن تولُّوا عمر تجدوه قويا في بدنه قويا في دينه. وإن تولُّوا عليا " ولن تفعلوا " تجدوه هاديا مهديَّا، فيسلك بكم المطيَّ لله وحرامه معه ". وقال صلى الله عليه وسلم: " أقضاكم عليٌّ، وأفرضُكم زيد بن ثابت، وأعلمكم ..... جَبل وما أظلَّت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذَرٍّ. ولكلِّ أمة حكيم، وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء ". وروى ابن عباس عن عمر: أقضانا عليُّ، وأقرؤنا أُبي. وعن علقمةَ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 238 عن عبد الله قال: كنا نتحدث أنَّ أقضي أهل المدينة عليُّ بنُ أبي طالب. وعن سعيد بن وهب قال: قال عبد الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض ابن أبي طالب. وحدَّث أحمد بن ُ زهير قال: نا عبيد الله بن عمر القواريريُّ: نا مؤمَّل بن إسماعيل: حدَّثنا سفيان الثَّوريُّ عن يحيى بن سعيد بن المسيَّب قال: كان عمر يتعوَّذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن. وقال في المجنونة التي أمر عمر برَجْمها، وفي التي وضعت لستَّة أشهر، فأراد عمر رجْمها فقال علي: إن الله يقول) وحملُه وفِصالُه ثلاثون شهراً (، الحديث. وقال له: إنَّ اللهَ رفعَ الغَلمَ عن المجنون، الحديث. فكان عمرو يقول: " لولا عليُّ هلَك عمر ". وقالت عائشة: مَن أفتاكم بصَوم عاشورا؟ قالوا: عليٌ. قالت: أمَا إنَّه أعلمُ الناس بالسُّنَّة. ورَوى سعيد بن جبير عن ابن عبَّاس قال: كنا إذا أتانا الثِّبْت عن عليٍّ لم نعدل به. وروى جُوَيْبر عن الضحَّاك بن مُزاحم، عن عبد الله بن عباس قال: والله لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شاركهم في العشر العاشر. وسأل شريح بن هانيء عائشة أمَّ المؤمنين عن المسح على الخُفَّين فقالت: إئتِ عليا فسله. وروى عبد الرحمن بن أُذَيْنَة عن أبيه أُذَيْنَة ابن مَسْلمة العبديِّ قال: أتيت عمر بن الخطاب فسألته: مِن أين أعتمر؟ قال: إئتِ عليا فسله. وذكر الحديث. مالك: عن ثور بن زيد الدِّيليَّ أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل. فقال له عليُّ بن أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، أو كما قال. فجلد عمر في الخمر ثمانين. البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهَّاب: نا خالد بن الحارث: نا سفيان: حدثنا أبو حُصين: سمعت عمر بن سعد النَّخعيَّ يقول: سمعت عليَّ بن أبي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 239 طالب يقول: ما كنت لأقيم حدَّا على أحد فيموت، فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر. فإنه لو مات ودَيتُه وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَسُنَّه. وروى مّعمر عن ابن طاووس عن أبيه، عن المطَّلب بن عبد الله بن حنطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد ثقيف حين جاؤوه: " لتُسلِمُنَّ أو لأبعثَنَّ رجلا مني "، أو كما قال: " مثل نفسي فليضربَنَّ أعناقكم أو ليَسْبيَنَّ ذَراريَّكم، وليأخذَنَّ أموالكم ". قال عمر: فوالله ما تمنَّيت الإمارة إلا يومئذ، وجعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول: هو هذا. قال فالتفت إلى علي، فأخذه بيده ثم قال: " هو هذا، هو هذا ". وروى عمار الدُّهنيُّ عن أبي الزبير، عن جابر قال: ما كنَّا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب. وعن يزيد بن أبي زياد، عن إسحاق بن كعب ابن عُجْرَة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليٌّ مخْشَوْشِنٌ في ذات الله ". وعن حُذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنْ ولَّوا عليا فهاديا مهديّا ". وسأل رجل الحسن بن أبي حسن البصريِّ عن علي بن أبي طالب فقال: كان عليٌّ والله سهما صائبا من مرامي الله على عدوِّه، وربَّانيَّ هذه الأمة، وذا فضلها وذا سابقتِها، وذا قرابتها من رسول الله، لم يكن بالنَّؤومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله ولا بالسَّروقة لمال الله، وأعطى القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة ذلك عليُّ بن أبي طالب يا لُكع. وكان معاوية رحمه الله يكتب فيما ينزل به ليسأل عليَّ بن أبي طالب عن ذلك. فلما بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب. فقال له عُتبة أخوه: لا يسمع هذا منك أهل الشام. قال: دعني عنك. وروى معْمر بن وهب بن عبد الله بن أبي الطُّفيل قال: شهدت عليا يخطب، وهو يقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم. وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل. وخطب يوما بالكوفة فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنَّ بين جنبيَّ علما الجزء: 2 ¦ الصفحة: 240 جما. فقام إليه عبد الله بن الكوَّاء فقال: يا أمير المؤمنين، ما) الذَارياتِ ذَرْواً والحاملاتِ وقْراً والجارياتِ يُسراً فالمقسِّمات أمراً (فقال: ويحك سَل تَفَقُّها ولا تسل تعنُّتا؛ الذاريات ذَرْواً: الرياح. والحاملات وقْراً: السحاب. والجاريات يُسراً: السفن. والمقسِّمات أمراً: الملائكة. وقام إليه ابن الكوَّاء يوما آخر، وهو يخطب فقال: ما السواد الذي في القمر؟ فقال له: قاتلك الله، سَل تفققُها ولا تَسل تعنُّتا، ألا سألت عن شيء ينفعك في أمر دنياك وآخرتك؟ ثم قال: مَحْوُ الليل. ودخل ضرار بن ضّمْرة الصُّدائيُّ، وكان من أصحاب ألوية عليٍّ بصفين على معاوية بعد وفاة علي: فقال له: يا ضِرار صف لي عليا فقال: اعفني يا أمير المؤمنين قال: لتَصفنَّه. قال: أما إذا لا بدَّ من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القُوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدُّنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. وكان غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلِّب كفَّه، ويخاطب نفسه، يُعجبه من اللِّباس ما قَصُر، ومن الطعام ما خشُن. وكان فينا كأحدِنا؛ يُجيبُنا إذا سألناه، ويُنبئنا إذا استنبأناه ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، يُعظِّم فينا أهل الدين، ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القويُّ في باطله، ولا ييأس الضَّعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته يَتَململُ تَمَلمُلَ السليم، ويبكي بُكاء الحزين، ويقول: يا دُنيا غُرِّي غيري إليَّ تعرَّضت أم إليَّ تشوَّفتِ. هيهات بتتك ثلاثا لا رجعة فيها؛ فعمرك قصير، وخطرك قليل حقير: آه من قلَّة الزاد وبعد السَّفر، ووحشة الطريق. فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضِرار؟ قال: حُزن من ذُبح واحدُها، .... فهي ... لا تَرقى لها دمعة، ولا تنقضي لها حسرة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 241 قال المبرِّد: وحدَّث ابن عائشة في إسناد ذكره أن عليا رحمه الله انتهى إليه أن خيلا لمعاوية وردت الآبار فقتلت عاملا له يُقال له حسان بن حسان. فخرج مُغضبا يجرُّ ثوبه حتى أتى النُخيلة، واتَّبعه الناس، فرقيَ رباوة من الأرض، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد نبيَّه صلى الله عليه وسلم ثم قال: أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله الذُّلَّ، وسِيما الخسف، ودُيِّث بالصغار. وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسرّا وإعلانا. وقلت لكم: اغزوهم من قبل أن يغزوكم. فوالذي نفسي بيده ما غُزي قوم قطُّ في عُقر دارهم إلا ذَلُّوا. فتخاذلتم وتواكلتم، وثَقُل عليكم قولي، واتَّخذتموه وراءكم ظهريّا حتى شُنَّت عليكم الغارات. هذا أخو غامد، قد وردت خيله الأنبار، وقتلوا حسان بن حسان، ورجالا كثيرا منهم ونساء. والذي نفسي بيده لقد بلغني أنه كان يدخل على المرأة لمسلمة والمُعاهدة فتُنزَع أحجالُهما ورُعثُهما، ثم انصرفوا موفورين، ولم يُكلَم أحد منهم كَلما فلو أنَّ أمرأ مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان فيه عندي ملوما. بل كان به جديرا. يا عجبا كلَّ العجب من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم، وفشلِكم عن حقِّكم. إذا قلت لكم: اغزوهم في الشتاء. قلتم: هذا أوان قُرٍّ وصِرٍّ. وإن قلت لكم: اغزوهم في الصيف قلتم: هذه حمارة القيظ، أنظِرنا ينصرم الحرُّ عنا. فإذا كنتم من الحرِّ والبرد تفرُّون فأنتم والله من السيف أفرُّ. يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا " طغام الأحلام "، ويا عقول ربّات الحجال. والله لقد أفسدتم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 242 عليَّ رأيي بالعصيان ولقد ملأتم جوفي غيظا، حتى قالت قريش: ابن أبي طالب شجاع ولكن لا رأي له في الحرب. لله درُّهم! ومّن ذا يكون أعلم بها مني، وأسدّض لها مِراسا! فوالله لقد نهضت فيها، وما بلغت العشرين. ولقد نيَّفت اليوم على الستين. ولكن لا رأي لمن لا يُطاع ". يقولها ثلاثا. فقام اليه رجل. ومعه أخوه فقال: يا أمير المؤمنين أنا وأخي هذا كما قال الله:) ربِّ إني لا أملِكُ إلا نفسي وأخي (، فمرنا بأمرك. فوالله لننتَهيَّن إليه. ولو حال بيننا وبينه جَمرُ الغضا وشوك القتاد. فدعا لهما بخير. ثم قال: وأين تقعان ممّ أريد؟ ثم نزل. قوله: دُيِّثَ بالصِّغار؛ تأويله ذُلِّل. يقال: بعير مُديِّث أي مذلَّل. وقوله: في عقر دارهم؛ العُقر: الأصل. وقوله: شُنَّتْ عليكم الغارات؛ معناها صُبَّت. يقال: شننت الماء على رأسه أي صببته. وقوله: هذا أخو غامد؛ هو رجل مشهور من أصحاب معاوية من بني نصر بن غامد بن نصر بن الأزدِ بن الغَوث. وفي هذه القبيلة يقول القائل: ألا هل أتاها على نَأْيها ... بما فَضَحتْ قومَها غامِدُ تَمنَّيتُمُ مئتي فارسٍ ... فردَّكمُ فارسٌ واحدُ والأحجال: الخلاخيل، واحدها، حجل. ويقال للصَّيد: حِجْل، لأنه يقع في ذلك الموضع. وقوله: ورُعُثُهما: الواحدة رَعْثَة، وجمعها رعاث وجمع الجمع رُعُث؛ وهي الشُّنوف. قال المؤلف: غفر الله له: ابن عائشة الراوي لهذا الخبر هو عبد الله بن محمد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 243 ابن حفص التَّيميُّ؛ تيم قريش. ويكنى أبا عبد الرحمن. ويقال لأبيه أيضا: ابن عائشة. وتوفي بالبصرة سنة ثمان وعشرين ومئتين. والرجل الغامديُّ الذي لم يُسمَّ اسمه " سفيان بن عوف " وكان من أصحاب الطوائف لمعاوية. وقال المبرد في غامد: هو غامد بن نصر بن الأزد بن الغَوث. وقال القاضي أبو القاسم صاعد بن محمد بن صاعد الطُّليطليُّ، رحمه الله، في " مختصر النسب " له: غامد بن عبد الله بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن نصر بن الأزد. ورُوي أن عليا، رضي الله عنه، خطب الناس، فحمد الله. وأثنى عليه، وصلى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " أما بعد، فإني أحذِّرُكم الدنيا، فإنها خَضِرة، حُفَّت بالشهوات، وحُسِّنت بالعاجلة، وعُمِّرت بالآمال، وزُينت بالغرور، لا يدوم خيرُها، ولا تؤمن فجائعُها. لا تعدو إذا تاهت أُمنيَّة أهل الرغبة فيها، والرضى عنها، أن تكون كما قال الله عزَّ وجل:) كماء أنزلناهُ من السماء فاختلطَ به نباتُ الأرضِ فأصبحَ هشيماً تَذروهُ الرياحُ وكان اللهُ على كل شيء مُقتدراً (، مع أنَّ أمرا لم يكن منها في حَبْرة إلا أعقبتْه بعدها عَبْرة، ولم يبق من سَرَّائها بطنا إلا مَنَحتْه من ضرَّائها ظهرا، ولم تَطُلَّه منها دِيمة رخاء إلا هَتنتْ عليه مُزْنة بلاء حري إذا هي أصبحت لك مُتَنضِّرة أن تسمي لك مُتَنكِّرة، مع أن وراء ذلك سكرات الموت وزَفَراته وهول المطَّلَع، والوقوف بين يدي الملك العدل) ليجزيَ الذين أساؤوا بما عَمِلوا ويَجْزِيَ الذينَ أحسنوا بالحسنى (. وخطب رضي الله عنه فقال: " ألا إنَّ الدنيا قد أدبرت وآذنت بالوداع، والآخرة قد أقبلت وآذنت باطَّلاع. ألا وإن المِضْمار اليوم، والسباق غدا. ألا وإنَّ السَّبقة الجنة، والغاية النار. ألا وأنكم في مَهَل من ورائه أجل، تحته عجل. فمن عمل في أيام مَهَله قبل حضور الجزء: 2 ¦ الصفحة: 244 أجله نفعه عمله ولم يضره أمله ومن لم يعمل في أيام مَهَله قبل حضور أجله ضَرَّه أمله وساءه عمله ". وخطب رضي الله عنه يوما فقال: " أيها الناس، اتقوا الله الذي إن قلتم سَمع، وإن أضمرتم علَم. وبادِروا الموت الذي إن هربتم أدرككم، وإن أقَمتُم أخذكم ". وخطب رضي الله عنه، فقال: " إن التَّققوى يوم القيامة مطايا ذُلُل ركبها أهلها، وأعطَوها أزِمَّتها. فسارت حتى أتت ظلاً ظليلا، فنزلوا، فتحدَّثوا، ففُتح لهم أبواب الجنة، ففاح عليهم زهرتُها ونَعيمُها. وقيل: ادخُلوها بسلام آمنين. ألا وإنَّ الخطايا خَيلٌ شُمُس، حُمل عليها أهلُها، ونُزع لُجُمها، فحمحمت بهم، حتى ألقتهم في النار ". وخطب، رضي الله عنه، فقال: " ألا وإن الأمل يُسَهِّي العقل، ويُورث الحسرة. ألا فاعزِفوا عن الأمل كأشدِّ ما أنتم عن شيء عازِفون ... غرر، وصاحبه مُعنَّى مغرور. فافزعوا إلى قوام دينكم بالجدِّ في أموركم، فإني لم أر كالجنة نام طالبُها، ولا كالنار نام هاربُها. فتزَوَّدوا في الدنيا ما تَحوزون به أنفسَكم في الآخرة، واعملوا خيرا تُجزوا به خيرا يوم يفوز بالخير مَن يقدِّمُه ". وكتب رضي الله عنه إلى عثمان بن حُنيف الأنصاريِّ الأوسيِّ حين استعمله على البصرة: " أما بعد، فقد بلغني أنَّ بعض قُطَّان البصرة دعاك إلى مأدُبة، فأسرعت. وكرَّت عليكم الجفان، فكرعت، فأكلت أكل يتيم نهم، أو ضبع قرِم. وما خلتك تأكل طعام قوم عائلهم مجفوٌّ، وغنيُّهم مدعوٌّ. واعلموا أن إمامكم قد اكتفى بطِمرته، يسدُّ فورة جوعه بقُرصته، ولا يُطعم الفلذة إلا في سنة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 245 أُضحيَّته. ولن تقدروا على ذلك، فأعينوني بورع واجتهاد. فمتاع الدنيا صائر إلى نفاد والله ما ادَّخرت من دنياكم تبرا، ولا أخذت من أقطارها شبرا. وإن قوتي فيها لبعض قوت أتان دبرة، ولهي عندي أهون من عصفة مَقِرة) تلك الدارُ الآخرةُ نجعلُها للذين لا يُريدون عُلوّاً في الأرضِ ولا فساداً والعاقِبةُ للمُتَّقين (. ولو شئت لأهديت إلى هذا العَسل المصفَّى ولُباب البُرِّ المُربَّى حين يُنضجه وَقودُه. هيهات أن يَغُرَّني معقودُه. ولعلَّ يتيما في المدينة يتضوَّر من سغَبه، أأبيت مِبطانا، وحولي بطون غَرثى؟ إذا يَخصُمُني في القيمة دَهْم من ذكر وأُنثى، وكأن بِقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت أمير المؤمنين فقد قَعد به العجز عن مبارزة الشجعان ومنازعة الأقران، ألم تسمعوا الله يقول:) فما وهَنُوا لِما أصابهم في سبيل الله وما ضَعُفوا وما استكانُوا واللهُ يحبُّ الصابرين (. والله ما اقتلعت باب خيبر بقوة جسدانيَّة ولا بحركة غذائية، لكنِّي أُيِّدت بقوة ملكوتيَّة. وأنا من أحمد كالضوء من الضَّوء. والله لو تظاهرت العرب على قتالي ما باليت، ولو أمكنتي من رقابها ما بغيت:) وسيعلمُ الذينَ ظلموا أيَّ مُنْقلب يَنقلبونَ (. إليك عني يا دنيا، حَبْلُكِ على غارِبكِ، بَثَثْتِ ليَ الحِبالةَ، فانسَللتُ من مخالبِك، ورأيتُ آثار مكائدِك، فاجْتَنبت العبور في مراحِضِك. أين القُرون التي أفنيْتَها بزَخارِفِك، وفي حبائلك أوقعتِها ومتالفِك. والله لو كنت شخصا مَرْئيا أو طَالا حِسِّيا لأقمت عليكِ حدود الله في عباد أسلمْتِهمْ إلى التلف، وأوردْتِهِم مَوارِد الهلكة والأسف هَيْهات هَيهات. مَن وَطِيء رَحضَكِ زلِق، ومَن شرب مِن مائك شرِق. والسالم منك قليل، وعزيزُك وإن عظُم حقير ذليل. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 246 فاغْربي عنِّي، فوالله لا ألينُ لكِ فتَخْدَعيني، ولا أنقادُ لكِ فتَذُلِّيني. أتَغرّيني بأنْ أنام على القَباطِّي من اليَمن، وأتمرَّغ في مَفْروش مِن منقوش الأرمِنِ، وأغذو نفْساً حُلوَها ومُزَّها لِتسمَّن، إذَنْ أكونَ كإبلٍ ترْعى وتَبْعَرُ. والله لأُرُوضَنَّ، نفسي رياضة تهشُّ إلى قُوتها إذا عنه نفرت، وتقنع بمِلحها مأدوما إذا هي أفطرت، لعلَّها تنال نعيما، وملكا كبيرا جسيما والسلم ". وعن أبي حمزة الثُماليِّ، عن عبد الرحمن بن جُندَب، عن كُميل بن زياد النَّخعيِّ قال: أخذ عليُّ بن أبي طالب بيدي، فأخرجني إلى ناحية الجبَّان، فلما أصحَر تنفَّس الصُّعداء ثم قال: " يا كُميل، إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها. يا كُميل احفظ عني ما أقول: الناس ثلاثة؛ عالم ربَّاني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رَعاع، لكلِّ ناعق أتباع يميلون مع كلِّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى رُكن وثيق. يا كُميل، العلم خير من المال. العلم يحرُسُك، وأنت تحرس المال. والمال تنقصه النَّفقة، والعلم يزكو على الإنفاق. يا كميل محبة العلم دين يُدان به يكسبه الطاعة في حياته وجميل الأُحدوثة بعد وفاته، ومنفعة المال تزول بزواله. والعلم حاكم والمال محكوم عليه. ياكُميل، مات خُزَّان المال والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. ثم قال: ها إنَّ هاهُنا علما " وأشار إلى صدره " لو أصبت لها حملة، بلى أصبته لَقِنا غير مأمون. يستعمل آلة الدِّين في طلب الدُّنيا، ويَستظهر بحُجج الله على أوليائه، وبنِعَم الله على معاصيه، أو مُنقادا لِحمَلَة العلم، لا بصيرة له في أنحائه. يقدح الشك في قلبه بأول ناعق من شُبهة، ألا لا ذا ولا ذاك. فمن هو منهوم باللذات، سَلِس القيادة إلى الشهوات، ومغرم بالجمع والادِّخار. وليس من دعاة الدين أقرب شبها به الأنعام، كذلك يموت العلم بموت حامليه ". ثم قال: " اللهمَّ لا تخلو الأرض من قائم بحجَّة إمَّا ظاهرا مستورا، وإمَّا خافيا مغمورا، لئلا تَبطُل حجج الله وميثاقه. وكم وأين أولئك الأقلَّون عددا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 247 والأعظمون قدرا، بهم يحفظ الله حججه التي يودعها في أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الأمور، فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعر المترَفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان، أرواحها معلَّقة بالمحلِّ الأعلى. يا كميل، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدُّعاة إلى دينه. هاه هاه شوقا إليهم وإلى رؤيتهم، وأستغفر الله لنا ولهم ". وعن شَريك بن عبد الله بن أبي نَمِر، عن سعيد بن المسيَّب، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: " إنَّ من حقِّ العالِم أن لا تُكثر عليه السؤال، ولا تُعَنِّته في الجواب، ولا تلحّض عليه إذا كَسَل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تُشير إليه بيدك، ولا تُفشي له سِرّا، ولا تَغتابَنَّ عنده أحدا، ولا تَطلُبَنَّ عَثرتَه، فإن زلَّ انتظرتَ أوبَتَه، وقبلتَ معذِرته، وأن تُوقِّره، وتُعظِّمه لله، ولا تمشي أمامه، وإن كانت له حاجة سَبَقْتَ القوم إلى خدمته. ولا تَتَبَرَّمنَّ من طول صُحبته. فإنما هو بمنزلة النَّخلَة، تنتظر ما سقط عليك منها منفعة. وإذا جئت فسلِّم على القوم، وخصه بالتحية، واحفظه شاهدا وغائبا. وليكن ذلك كله لله، فإن العالِم أعظم أجرا من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله تعالى. وإذا مات العالِم انثلمت في الإسلام ثلمة إلى يوم القيامة، لا يسدُّها إلا خَلَفٌ مثله. وطالب العلم تُشيِّعه الملائكة من السماء ". وقال رضي الله عنه: " رحِم الله عبدا سمِع فوَعَى، ودُعي إلى الرشد فدنا، وأخذ بحُجزة هُدى فنجا، وراقب ربَّه، وخاف ذنبه، وقدَّم خالصا، وعمل صالحا، واكتسب مذخورا، واجتنب محضورا، وكابر هواه، وكذب مُناه، وحذِر أجلا، ودأب عَمَلا. وجعل الصبر رغبة حياته، والتُّقى جنَّة وفاته ". وقال لرجال من أصحابه: " كيف أنتم؟ قالوا: نرجو ونخاف. قال علي: من رجا شيئا طلبه، ومن خاف شيئا هرب منه. وما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يتركها لما يخاف، وما أدرى ما رجلٍ نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 248 وقال، رضي الله عنه: " يأتي على الناس زمان لا يقرِّب فيه، إلا الملاح، ولا يظرف فيه إلا الفاجر، ولا يضعَّف فيه إلا المنصف. يتَّخذون الفيء مغنما، والصدقة مغرما، وصلة الرَّحم منًّا والعباد استطالة على الناس. فعند ذلك يكون سلطان النساء، ومشاورة الإماء، وإمارة الصبيان ". وقال له، رضي الله عنه قائل: " أين كان ربُّك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ قال: يا أعرابيُّ، أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان ". وقال: " سيأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه. مساجدهم يومئذ عامرة، وهي خرائب من الهدى علما، وهم شرُّ من تحت أديم السماء منهم خرجت الفتنة، وفيهم تعود ". وقال، رضي الله عنه: " لا يزال الدين والدنيا قائمان ما دام العلماء يستعملون ما علموا، والجهّالُ يستكثرون ما لم يعلموا، والأغنياء لا يبخلون بما خُوِّلوا، والفقراء لا يبيعون آخرتهم بدنياهم ". وقال، رضي الله عنه: " قطيعة العاقل تعدل صلة الجاهل ". وقال: " من سعادة المرء خمس أشياء: أن تكون زوجته موافقه، وأولاده، أبرارا، وإخوانه أتقياء، وجيرانه صالحين، ورزقه في بلده ". ويروى أن عليا، رضي الله عنه، لما رجع من صفِّين، فدخل أوائل الكوفة، إذا هو بقبر. قال: " قبر من هذا؟ " قالوا: " قبر خبَّاب بن الأرتِّ. فوقف عليه وقال: " رحم الله خبابا، أسلم راغبا، وهاجر طائعا، وعاش مجاهدا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 249 وأبتلي في جسمه أحوالا. ولم يضيع الله أجر من أحسن عملا ". ثم مضى فإذا أقبر، فجاء حتى وقف عليها، فقال: " السلام عليكم أهل الدِّيار الموحشة، والمحالِّ المقفرة. أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وبكم عمَّا قليل لاحقون. اللهمَّ اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم طوبي لمن ذكر المعاد، وعمل للحساب، وقنع بالكفاف، ورضي عن الله تعالى ". ثم قال: " يا أهل القبور، أما الأزواج فقد نكحت، وأما الدار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت. فهذا خبر ما عندنا فما خبر ما عندكم؟ ". ثم التفتَّ إلى أصحابه فقال: " أما انهم، تكلموا لقالوا: وجدنا خير الزاد التَّقوى ". وقال الزبير بن بكار: أوصى عليٌّ رضي الله عنه، أبنه الحسن فقال: " يا بُنيَّ أوصيك بتقوى الله تعالى في الغيب والشهادة وكلمه الحق في الرِّضى والغضب، والقصد في الغني والفقر والعدل على الصديق والعدوِّ، والعمل في النشاط والكسل، والرضى عن الله عزَّ وجلَّ في شدَّة والرَّخاء. يا بنيَّ مباشر بعدة الجنة بشرٍّ، ولا خير بعده النار بخير. وكلُّ نعيم دون الجنة حقير. وكلُّ بلاء دون الله عافية. اعلم يا بُنيَّ إنَّ من ابصر عيب نفسه شُغل عن عيب غيره. ومن رضي بقسم الله تعالى لم يحزن على ما فاته. ومن سلَّ سيف بغي قُتل به. ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها. ومن هتك حجاب أخيه انكشفت عورات بيته. ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره. ومن أعجب برأيه ضلَّ. ومن استغنى بعقله زلَّ. ومن تكبَّر على الناس ذلُّ. ومن خالط الأنذال احتقر. ومن دخل مداخل السوء أتهمُّ. ومن جالس العلماء وقِّر. ومن مزح استخفَّ به. ومن أكثر شيئا عرف به. ومن كثر كلامه كثر خطؤه، وقل حياؤه ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه ومن قلَّ ورعه مات قلبه. ومن مات قلبه دخل النار. يا بُنيَّ العافية عشرة أجزاء؛ تسع منها في الصَّمت، إلا عن ذكر الله عزَّ وجلَّ، وواحدة في ترك مجالسة السُّفهاء. يا بُنيَّ زينة الفقر الصَّبر، وزينة الغنى الشكر. يا بُنيَّ لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم اعزُّ من التقوى، ولا أنجح من التَّوبة. ولا لباس أجمل من العافية. والحرص مفتاح المقت، ومطيَّة للنَّصب. التدبُّر قبل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 250 العمل يؤمنك الندم. بئس الزاد للمعاد العدوان على العباد. طوبي لمن أخلص لله عزَّ وجلَّ علمه وحبَّه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وقوله وفعله ". وعن عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده قال: أتى رجل عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: أخبرني عن القدر. قال: " طريق مظلم فلا تسلكه ". قال: أخبرني عن القدر. قال: " بحر عميق فلا تلجه ". قال: أخبرني عن القدر. قال: " سر الله فلا تكَلَّفْهُ ". قال: ثمَّ ولَّى الرجل غير بعيد ثم رجع، فقال لعلي: في المشيئة الأولى أقوام وأقعد وأقبظ وأبسط. فقال له عليٌّ رضي الله عنه: " إني سائلك عن ثلاث خصال، ولم يجعل الله عزَّ وجلَّ لك ولا لمن ذكر المشيئة مخرجا أخبرني: أخلفك الله لما شاء أو لما شئت؟ " قال: بل لما شاء. قال: " أخبرني أفتجيء يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟ ". قال: بل كما شاء. قال: " فليس لك من المشيئة شيء ". وكان عليٌّ رضي الله عنه، يسير في الفيء، بسير أبي بكر الصديق في القسم. وإذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئا إلا قسمَّه في يومه ذلك. ويقول: " يا دنيا عُرِّى غيري ". ولم يكنت يستأثر بشيء من الفيء، ولا يخصُّ به حميما ولا قريبا. ولا يخصُّ بالولايات أهل الدِّيانات والأمانات. وإذا بلغه هن أحدهم جناية كتب إليه: " قد جاءتكم موعظة من ربكم، فأوفوا الكيل والميزان بالقسط، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين. وما أنا عليكم بحفيظ. إذا أتاك كتابي هذا فتحفظ بما في بين يديك من عملنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك ". ثم يرفع طرفه إلى السماء فيقول " اللهمَّ إنك تعلم إني لم أمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك ". وعن الأجلح بن عبد الله الكندي، عن أبي المغيرة بن أبي الهذيل. قال: رأيت عليا خرج وعليه قميص غليظ رازي، إذا مدَّكم قميصه بلغ إلى الظفر، وإذا أرسل صار إلى نصف الساعد. وحدَّث الحرَّ بن جرْموز عن أبيه قال: رأيت عليا ابن أبي طالب يخرج من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 251 مسجد الكوفة وعليه قطريتان، مجزر بالواحدة، مرتد بالأخرى، وإزاره إلى نصف الساق وهو يطوف في الأسواق، ومعه درَّة، يأمرهم بتقوى الله الحديث، وحسن البيع، والوفاء بالكيل والميزان. وعن مجمع التميمي أبي حمزة أن عليا قسم ما في بيت المال بين المسلمين، ثم أمر به. فكنس، ثم صلَّى فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة. وحدَّث سفيانُ بن عُيينةَ قال: نا عاصم بن كليب عن أبيه قال: قدم عليٍّ مال من أصبهان، فقسمه سبعة أسباع، ووجد فيه رغيفا فقسمه سبع كسر، وجعل على كل جزء كسرة. ثم أقرع بينهم أيهم يعطى أولا. وذكر عبد الرزاق عن الثَّوري عن أبي حيَّا التيميِّ قال: رأيت عليَّ بن أبي طالب على المنبر يقول: " من يشتري مني سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته ". فقام إليه رجل فقال: أنا أسلِّفُك ثمن إزار. وروى وكيع بن عليِّ بن صالح، عن عطاء قال: رأيت على قميص عليَّ قميص كرابيس غير غسيل. وقال أبو نيزر: جاء عليٌّ، وأنا أقوم بضيعة عين نيزر والبغيبة فقال لي: " هل عندك من طعام؟. فقلت: طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين؛ من قرع الضيعة بهالة نسخة. فقال: " عليٍّ به ". فقام إلى الربيع، وهو جدول، فغسل يده، ثم أصاب من ذلك شيئا، ثم رجع إلى الربيع فغسل يده بالرمل حتى أنقهما، ثم ضمَّ " يديه " كل واحدة منها إلى أختها، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 252 وشرب بها حسا من الربيع ثم قال: " يأبا نيزر إنَّ الأكفَّ أنظف الآنية ". ثم مسح ندى ذلك الماء على بطنه، وقال: " من أدخل بطنهُ النار فأبعده ". ثم أخذ المعول وأنحدر في العين فجعل يضرب، وأبطأ عليه الماء، وقد تفضَّج جبينه عرقا. فانتكف العرق على جبينه، ثم أخذ المعول وعاد إلى العين، فأقبل يضرب، فيها وجعل يهمهم، فانثالت كأنَّها عنق جزور، فخرج مسرعا. فقال: " أشهد الله " أنها صدقة. عليَّ بداوات وصحيفة ". قال: فجعلتُ بهما، فكتب: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدَّق بالضَّيعتين المعروفتين بعين أبي نَيزَر والبُغَيبَغَة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل، ليقي الله بهما وجهه حرَّ النار يوم القيامة، لا تُباعا ولا تُوهبا حتى يرثها الله، وهو خير الوارثين، إلا أن يحتاج إليهما الحسن والحسين، فهما طِلْق لهما، وليس لأحد غيرهم ". قال: فركب الحسين دينٌ، فحمل إليه معاوية بعين أبي نَيْزَر مئتي ألف دينار، فبى أن يبيع. وقال: إنَّما تصدَّق بها أبي ليَقِيَ الله به وجهه حرَّ النار. ولست بائعهما بشيء. كان أبو نَيزَر من أبناء ملوك الأعاجم. وقيل أنه من ولد النَّجاشيُّ، وهو الصحيح. فرغب في الإسلام صغيرا. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معه في بيوته. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم صار مع فاطمة وولدها عليهم السلام. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 253 وأخباره رضي الله عنه في تقشُّفه في لباسه، وفي طعمه، أشهرها من هذا كلِّه، ولا يحيط بِسِيَرِهِ وفضائله كتاب وحدَّث حفص بن غياث: نا الثَّوريُّ، عن أبي قيس الأوديِّ قال: أدركتُ الناس وهم ثلاث طبقات: أهل دين يحبون عليا، وأهل دنيا يحبون معاوية، وخوارج. وقال أحمد بن حنبل وإسماعيل بن إسحاق القاضي: لم يُروَ في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد ما روي في فضائل علي بن أبي طالب. وكذلك قال أحمد بن شُعيب بن علي أبو عبد الرحمن النسَّائي رحمه الله. وقال هارون بن إسحاق: سمعت يحيى بن معين يقول: مَن قال: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعرف لعلي سابقته وفضله، فهو صاحب سُنَّة. ومن قال أبو بكر وعمر وعلي وعثمان، وعرف لعثمان سابقته وفضله فهو صاحب سُنَّة. وكان يحيى بن معين يقول: أبو بكر وعمر وعلي وعثمان. ووقف جماعة من أئمة أهل السُنَّة في علي وعثمان، فلم يُفضِّلوا واحدا منهما على صاحبه، منهم: مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطَّان. وأكثر أهل السُنَّة على تقديم أبي بكر في الفضل على عمر، وتقديم عمر على عثمان، وتقديم عثمان على علي. وقد كان بنو أمية ينالون منه وينتقصونه، فما زاده الله بذلك إلا سموَّا وعلوَّا ومحبة عند العلماء. وذكر الطبري قال: نا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه قال: قيل لسهل بن سعد إنَّ أمير المدينة يريد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 254 أن يبعث إليك تَسبُّ عليا عند المنبر. قال: أقول ماذا؟ قال: تقول: أبا تراب. فقال: والله ما سمَّاه ذلك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: وكيف ذلك يا أبا العباس؟ قال: دخل عليٌّ على فاطمة، ثم خرج من عندها، فاضطجع في صحن المسجد، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة. فقال: أين ابن عمِّك؟ قالت: هو ذاك مضطجعا في المسجد. قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجده قد سقط رداؤه عن ظهره، وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره، ويقول: اجلس أبا تراب، فوالله ما سماه به إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان اسم أحبَّ إليه منه. وروى ابن وهب عن حفص بن ميسرة عن عامر بن عبيد الله بن الزبير أنه سمع ابنا له يتنقَّصُ عليا، فقال: يا بني إياك والعودة إلى ذلك، فإن بنو مروان شتموه ستين سنة، فلم يزده الله بذلك إلا رفعة، وإن الديِّنَ لم يبن شيئا، فهدمته الدنيا. وإن الدُّنيا لم تبن شيئا إلا عادت إلى ما بنت فهدمته. وحدَّث محمد بن إسحاق السرَّاج: نا محمد بن أحمد بن أبي خلف قال: حدثني حُصَين بن عمر عن مُخارق، وعن طارق قال: جاء ناس إلى ابن عباس فقالوا: جئناك نسألك. فقال: سلوا عمَّا شئتم. فقالوا: أيُّ رجل كان أبو بكر؟ قال: كان خيرا كلَّه، أو قال: كالخير كلِّه على حِدَّة كانت فيه. قالوا: فأيُّ رجل كان عمر؟ قال: كالطير الحذر الذي يظنُّ أن له في كلِّ طرق شَرَكاً. قالوا: فأيُّ رجل كان عثمان؟ قال: رجل ألهته نومته عن يقظته. قالوا: فأيُّ رجل كان علي؟ قال: كان قد مُلئ جوفه حُكما وعلما وبئسا ونجدة مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يظنَّ أن لا يمُدّ يده إلى شيء إلا ناله، فما مدَّ إلى شيء فناله. قال ابن السَّرَّاج: وأخبرنا محمد بن الصبَّاح قال: نا عبد العزيز الدَّراورديُّ عن عمر مولى غُفرَة، عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن عمر قال: قال عمر لأهل الشورى: لله درُّهم إن ولاَّها الأُصَيلع، يعني عليا وكيف يحملهم على الحق، ولو كان السيف على عنقه. فقلت: أيعلم ذلك ولا يولِّيَهُ؟ قال: إنه قال: إن لم أستخلف وأترككم فقد ترككم من هو خير مني. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 255 وقال الشعبيُّ: قال لي علقمة: تدري ما مَثَلُ علي في هذه الأمة؟ قلت: وما مَثَلُه؟ قال: مثل عيسى ابن مريم، أحبَّه قوم حتى هلكوا في حبِّه، وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه. وحدَّث شَبابة بن سوَّار: نا أبو بكر الهذليُّ عن الحسن قال: لمَّا قَدِمَ عليٌّ رضي الله عنه بالبصرة قام إليه ابن الكوَّاء وقيس بن عُباد فقالا له: ألا تُخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرتَ فيه تتولَّى على هذه الأمة، تضرب بعضهم ببعض، أعهدٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهِدَهُ إليك؟ فحدِّثنا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت. فقال: أمَّا أن يكون عندي عهدٌ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا والله. وإن كنت من أول من صدَّقه فلا أكون من أول من كذب عليه. ولو كان عندي من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك عهد ما تركت أخا تيم بن مُرَّة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهم بيدي، ولو لم أجد إلا بُردي هذا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُقتَل قتلا، ولم يَمُت فُجأة. مكث في مرضه أياما وليالي. يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذِّن فيؤذِّنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني، ثم يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلي بالناس، وهو يرى مكاني. ولقد أرادت امرأة من نسائه أن تصرفه عن أبا بكر فأبى عليها وغضب، وقال: أنتنَّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فيصلي بالناس. فلما قبض الله عزَّ وجلَّ نبيَّه نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لديننا. وكانت الصلاة أصل الإسلام، وقِوام الدين. فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلا، لم يختلف عليه منّا اثنان. ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم نقطع منه البراءة، فأدّيت إلى أبي بكر حقَّه، وعرفتُ له طاعته، وغزوت معه في جنوده. وكنتُ آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، واَرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما قُبض، رضي الله عنه، ولاّها عمر، فأخذها بسُنَّة صاحبه وما يعرف من أمره. فبايعنا عمر، ولم يختلف عليه منا اثنان، ولم يشهد بعضنا على بعض، ولم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 256 نقطع منه البراءة. فأدَّيت إلى عمر حقَّه، وعرفتُ له طاعته، وغزوتُ معه في جيوشه. فكنت آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما قُبض ذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وفضلي، وأنا أظنُّ أن لا يعْدِلَ بي، ولكن خَشِيَ أن لا يعمل الخليفة بعده ذنبا إلا لحقه في قبره، فأخرج نفسه وولده. ولو كانت محاباة منه لآثرها بها ولده، فبرئ منها إلى رهط من قريش، أنا أحدهم. فلما اجتمع الرَّهط تذكَّرتُ في نفسي قرابتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظنُّ أن لا يعدِلوا بي. فأخذ عبد الرحمن مواثيقنا على أن نسمع ونطيع من أمرنا، ثم أخذ بيد عثمان، فضرب بيده على يده. فنظرتُ في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بيعتي، وإذا ميثاقي قد أُخِذ لغيري. فبايعنا عثمان، فأدَّيتُ إليه حقَّه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه. فكنتُ آخذ إذا أعطاني، وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما أُصيب نظرت في أموري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما بالصلاة قد مَضَيا، وهذا الذي أُخذ له ميثاقي قد أُصيب. فبايعني أهل الحرمين وأهل هذين المصرين. بيعته وبويع لعلي، رضي الله عنه، بالخلافة يوم قُتِل عثمان، رحمه الله، واجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار، وتخلف عن بيعته منهم نفر، فلم يَهجهُم، ولم يُكرِهُهُم. وسئل عنهم، فقال: " أولئك قوم قعدوا عن الحق، ولم يقوموا مع الباطل ". ورواية أخرى: " أولئك قوم خذلوا الحقَّ، ولم يبصروا الباطل ". وتخلف عن بيعته أيضا معاوية ومن معه في جماعة أهل الشام. فكان منهم في صِفِّين بعد الجمل ما قد كان تغمَّد الله جميعهم بالغفران. وقُتل مع عليٍّ في صفين أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر مالك بن كنانة بن قيس بن الحُصين بن لَوذين ويقال: لوذيم بن ثعلبة بن عَوف بن حارثة بن عامر بن يام بن عنس العنسيُّ المذحجيُّ. وعَنس بالنون أخو مرادٍ، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 257 وأبوهما مالك بن أُدَد، وهو جِماع مَذْحِج. وكان ياسر أبو عمَّار قَدِم مكة من اليمن. فحالف أبا حُذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. فزوَّجه أبو حُذيفة أمة له يقال لها سُميَّة بنت خياط، فولدت له عمارا، فأعتقه أبو حذيفة. فمن هاهنا هو عمار مولى لبني مخزوم، وأبوه عربي كما ذُكر. وكان عمار وأمُّه سُميَّة وأبوه ياسر ممَّن عُذِّب في الله. ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه. واطمأنَّ بالإيمان قلبه، فنزلت فيه: " إلا مَن أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان "، وهذا مما اجتمع عليه أهل التفسير. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرُّ بهم، وهم يُعذَّبون، فيقول لهم: " صبرا آل ياسر، صبرا آل ياسر، فإنَّ موعدكم الجنَّة. اللهمَّ اغفر لآل ياسر، وقد فعلتَ ". وأمُّه سميَّة فيما روى سفيان وشُعبة وجرير عن منصور، وعن مجاهد بن جبر، أول شهيد استُشهد في الإسلام. وروى أبو رزين عن عبد الله بن مسعود قال: إنَّ أبا جهل طعن بحربة في فخذ سميَّة، أمَّ عمار عتى بلغت فرجها، فماتت. فقال عمار: يا رسول الله، بلغ منَّا العذاب كلَّ مبلغ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صبرا أبا اليقظان، اللهمَّ لا تُعذِّب من آل ياسر أحدا بالنار ". وقال مجاهد: أول من أظهر الإسلام وأبو بكر وبلال وصهيب وخبَّاب وعمار وسميَّة أمُّ عمار. وهاجر عمار إلى أرض الحبشة، وصلى القبلتين، وهو من المهاجرين الأولين. ثم شهد بدرا والمشاهد كلَّها. وأبلى ببدر بلاء حسنا. ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضا، ويومئذ قُطعت أذنه. وذكر الواقديُّ: حدَّثنا عبد الله بن نافع عن أبيه، وعن عبد الله بن عمر قال: رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة، وقد أشرف يصيح: " يا معشر المسلمين أمِن الجنَّة تفرُّون؟ أنا عمار بن ياسر، هلُمُّوا إلي ". وأنا أنظر إلى أذنه، قد قُطِعت، فهي تذبذب، وهو يقاتل أشدَّ القتال. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 258 وكان، فيما ذكر الواقديُّ، طويلا أشهل، بعيد ما بين المنكبين. وقال إبراهيم بن سعد: بَلَغَنا أن عمار بن ياسر قال: كنتُ تِربا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سنَّه، ولم يكن أحد أقرب منه سنا منَّي. وروي عن ابن عباس في قول الله عزَّ وجلَّ:) أوَمن كان مَيْتاً فأحيَيناهُ وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس (، قال: هو عمار بن ياسر) كمن مَثَلُه في الظلمات ليس بخارج منها (قال: أبو جهل ابن هشام. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنَّ عمارا مُلئ إيمانا إلى مُشاشته " وروى مسروق عن عائشة قالت: ما من أحد من أصحاب محمد أشاء أن أقول فيه إلا قلتُ، إلا عمار بن ياسر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " عمار بن ياسر حُشِي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا ". وعن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أبغضَ عمارا أبغضه الله ". قال خالد: فما زلت أحبُّه من يومئذ. وعن علي بن أبي طالب قال: " جاء عمار يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فعرف صوته النبيُّ: فقال " مرحبا بالطيِّب المطيَّب، ائذنوا له ". وقال عبد الرحمن بن أبْزَي: شهدنا مع عليٍّ صفين في ثمان مئة ممَّن بايع بيعة الرِّضوان: قُتل منَّا ثلاثة وستون، منهم عمار بن ياسر. وتواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " تقتل عمار الفئة الباغية ". وهو حديث ثابت صحيح، أخبر فيه عليه السلام بما يكون بعده من مغيَّبات الأمور، وهو من بواهر معجزاته صلى الله عليه وسلم. وروى هذا الحديث الجزء: 2 ¦ الصفحة: 259 جماعة من الصحابة مشهورون وهم: عثمان بن عفان، وأبو هريرة، وأُبَي بن كعب، وأبو سعيد الخدريُّ، وأنس بن مالك، وعمرو بن العاصي، وابنه عبد الله ابن عمرو، وخُزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين. قال محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت: ما زال جدَّي خزيمة كافَّاً سلاحه يوم صفين. فلما قُتل عمَّار سلَّ سيفه، فقاتل حتى قُتِل. وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تقتل عمار الفئة الباغية ". وروته أمُّ سَلَمَة رضي الله عنها. مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن عون، عن الحسن، عن أمِّه، عن أمِّ سَلَمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تقتل عمار الفئة الباغية ". وعن أبي عبد الرحمن السُلميُّ قال: شهدتُ مع علي، رحمه الله، صِفِّين، فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في جمعة، ولا واد من أودية صفِّين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتبعونه كأنه عَلَمٌ لهم. وسمعت عمارا يقول يومئذ لهاشم بن عُتبَة: يا هاشم تَقدَّم الجنة تحت الأبارقة. اليومَ ألقَى الأحبَّة محمداً وحزبَهْ والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سَعَفَات هَجْر لعلمن أنَّا على الحقِّ وأنهم على الباطل. وروِي أن عليا قال بعد مصاب بصفين: " إنَّ امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، وتدخل عليه به المصيبة الموجعة لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قُتِل، ورحم الله عمارا يوم يُبعث حيا. ولقد رأيتُ عمارا يوم يُبعث حيا. لقد رأيت عمارا، وما يُذكر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أربعة إلا كان رابعا، ولا خمسة إلا كان خامسا. وما كان أحد من قدماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يشكُّ أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين. فهنيئا لعمار الجنة. ولقد قيل: إنَّ عمارا مع الحق، والحقُّ مع عمار. يدور عمار مع الحق أين ما دار وقاتل عمار في النار. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 260 وعن الصَّعب بن زُهير بن عبد الله بن جَنادة أبي رملة أنَّ سفيان بن عوف حدَّثه بمكة، والتقيا في الحجِّ، فقال: إنَّي لعندَ معاوية إذ أُتي برأس عمار بن ياسر، فقال عبد الله بن عمرو بن العاصي: بشِّر قاتل عمار بالنار. فقال معاوية، وضرب على صدره: أبطلت، ففيهم نحن إذاً؟ فقال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: " تقتل عمار الفئة الباغية ". فقال معاوية: صدَقْت، إنك لا تعرف تأويل هذا المنطق، نبغي قتلة ابن عفان حتى ننقى بدمه. وعَهِدَ إليه صلى الله عليه وسلم أنَّ آخر شُربة يشربها من الدنيا شَربة لبن. فاستسقى يوم صفين. فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه ضَيَاح من لبن، فقال عمار حين شربه: الحمد لله، الجنة تحت الأسنَّة. ثم قاتل حتى قُتِل. وكانت سنُّ عمار يوم قُتِل نيِّفا على تسعين سنة. قتله أبو الغادية الفِزاريُّ، واحتزَّ ابن جُزء السَّكسَكيُّ. ودفنه علي في ثيابه، ولم يُغسِّله. وروى أهل الكوفة أنه صلَّى عليه. وهو مذهبهم في الشهداء أنهم لا يُغسَلون، ولكنَّهم يُصلَّى عليهم. وكانت صفين في ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين. ولما أجهد أهل الشام القتال بصفين، وسئموا منه، وخافوا الفناء رفعوا المصاحف على أسنَّة الرِّماح، وقالوا: بيننا وبينكم كتاب الله. أمرهم بذلك عمرو بن العاصي، فقال أهل العراق لعليّ: يا أمير المؤمنين، بيننا وبينهم كتاب الله نُحاكمهم إليه. فقال: " إنها مكيدة منهم، فناجزوهم حتى يرجعوا في أمر الله وحُكمه ". فأبوا عليه. وحَكَّم أهل العراق أبا موسى الأشعريَّ، وحكَّم أهل الشام عمرو بن العاصي. وكان عليٌّ قال لأهل العراق: " حكِّموا عبد الله بن عباس ". فقالوا: لا والله، لا يجتمع في الحُكم مُضريَّان. فلما اجتمع أبو موسى وعمرو مكر عمرو بأبي موسى. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 261 ولما كان من أمر الحَكَمَين ما كان خَرَجت الخوارج على عليٍّ، فكفَّروه، وكفَّروا كلَّ مَن معه، إذ رضي بالتحكيم، وقالوا له: حَكَّمت الرجال في دين الله، والله يقول: " إنِ الحكمُ إلا للهِ ". ثم اجتمعوا، وشقُّوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السُّبل، وقتلوا عبد الله بن خَبَّاب بن الأرتِّ ذبحا. وقيل إنهم ضربوا عنقه، وبقروا بطن امرأته، وهي حُبلى، أبعدهم الله. وخبَّاب: أبوه من خيار الصحابة، شهد بدرا، وكان من المعذَّبين في الله بمكة في أول الإسلام. وهو من بني سعد بن مناة بن تميم. وكان أصابه سِباء، فبيع بمكة، فاشترته أمَّ أنمار الخُزاعية، وهي أمُّ أبي نياز سِباع بن عبد العُزَّى الخُزاعيِّ الغُبشانِّي، حليف بني زُهرة، فأعتقته. وكانت أمُّ سِباع ختَّانة بمكة. ولولدها سباع قال حمزة يوم أُحد: هلمَّ إليَّ يا بن مقطِّعة البظور. وحين التقيا ضربه حمزة فقتله. وانظمَّ خُباب إلى سِباع، وادَّعى حلفَ بني زُهرة بهذا السبب. وكان خباب رجلا قَيْنا. وكان بظهره بَرص. الواقديُّ قال: كان خُبَّاب يُكنى أبا عبد الله. ومات بالكوفة سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وستين أو ثلاث وسبعين. وهو أوّل من قَبَرَه علي بالكوفة، وصلى عليه مُنصرَفَه من صفين، وله عقب. كيفية قتل الخوارج عبد الله بن خَباب قال أبو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ في كتاب " الشريعة " له: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغويُّ قال: نا شيبان بن فرُّوخ قال: نا سليمان بن المغيرة، عن شيبان بن هلال، عن رجل كان مع الخوارج، ثم فارقهم. وحدَّثنا جدِّي وأبو خَيثَمة زُهير بن حرب قالا: نا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب، عن حُميد بن هلال، عن رجل من عبد القيس كان مع الجزء: 2 ¦ الصفحة: 262 الخوارج ثم فارقهم، قال: دخلوا قرية، فخرج عبد الله بن خباب يجرُّ رداءه. فقالوا: لم تُرَع؟ مرتين. فقال والله لقد رُعتموني قالوا: أأنت عبد الله بن خبَّاب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدَّثناه؟ قال: سمعته يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير فيها من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي. قال: فإن أدركتها فكن عبد الله المقتول. قال أيوب: ولا أعلمه إلا قال: ولا تكُن عبد الله القاتل. قالوا: أأنت سمعت هذا من أبيك يُحدِّث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فقدَّموه على ضفَّة النهر، فضربوا عنقه، فسال دمه كأنه شِراك ما امذفرَّ، يعني: ما اختلط بالماء الدَّم، وبقروا أمَّ ولده عمَّا في بطنها. وقال المبرد في الكامل: إن الخوارج قالوا لعبد الله بن خباب: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى خيرا. فقالوا له: فما تقول في علي قبل التحكيم؟ وفي عثمان ستَّ سنين؟ فأثنى خيرا. وقالوا: فما تقول في الحكومة والتحكيم؟ قال: أقول: إنَّ عليا أعلم بالله منكم وأشدُّ توقِّيا لدينه، وأنفذ بصيرة. قالوا: إنك لست تتبع الهدى، إنَّما تتبع الرجال على أسمائها. ثم قرَّبوه إلى شاطئ النهر فذبحوه، فامْذفر دمه، أي جرى مستطيلا على ذقنه. وساموا رجلا نصرانيا بنخلة، فقال: هي لكم. فقالوا: ما كنا لنأخذها إلا بثمن. فقال: ما أعجب هذا! تقتلون مثل عبد الله بن خباب، ولا تقبلون منا نخلة إلا بثمن؟ وكان قتلُ عبد الله بقرية يُقال لها " كَسْكَر " فبهذا السبب استحلَّ عليٌّ قتالهم، واستئصالهم بالقتل. قتل علي الخوارج وخرج إليهم رضي الله عنه بمن معه، ورام رجعتهم، فأبوا إلا القتال. وكان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 263 عليٌّ أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فاجتمع معهم واحتجَّ عليهم بحُجج من كتاب الله عزَّ وجلَّ، ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أبي بكر وعمر حتى قطعهم: ولم يجدوا جوابا لما قال. فقال بعضهم لبعض: دعوه عنكم ولا تجيبوه، فلن تُطيقوا مخاصمة ابن عباس، فإنه من القوم الذين قال الله تعالى فيهم:) بل هم خصِمون (وقال جلَّ ثناؤه:) وتُنْذِرُ به قوماً لُدّاً (. وكان فيهم مَن تبيَّن له الحقُّ. فرجع معه منهم من " حَروراء " ألفان إلى الحقِّ. وصدَّقوا ابن عباس فيما قال، ولزموا عليَّا. وأما الباقون فمكثوا على ضلالهم وعنادهم، وهم أهل النهروان، وكانوا ستة آلاف. فقتل منهم علي في النهروان ألفين وثماني مئة في أصحِّ الأقاويل. وقُتل معهم رئيسهم عبد الله بن وهبذو التَّفنات الراسبيُّ الأزديُّ من بني راسب بن مالك بن مَيْدَعَان بن مالك بن نضر ابن الأزد بن الغوث. ثم جمعوا لعلي بعد ذلك بالنُّخَيلة، فقتلهم أجمعين، ولم يُفلت منهم إلا ثمانيو، ولم يُقتل من عسكر علي غير تسعة. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عليا خبرهم، وأنه يقتلهم. وآية ذلك أنَّ أحدهم إحدى عَضديه مثل ثدي المرأة. فلما قتلهم عليٌّ أمر بتفتيش المُخْدَج اليد. فلم يوجد، فتغيَّر وجه علي، وقال: " والله ما كَذِبتُ ولا كُذِّبْت، فتشوه ". ففتشوه فوجدوه في وهدة من الأرض بين القتلى. فلما رآه علي كبَّر وحمد الله تعالى. وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدريِّ قال: بينما نحن عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم قَسما أتاه ذو الخُوَيصِرة؛ رجل من بني الجزء: 2 ¦ الصفحة: 264 نعيم فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعْدِل. قال: " ويلك، ومَن يعدل إذا لم أعدِل! قد خِبتُ وخسِرتُ إن لم أعدِل ". فقال عمر: يا رسول الله، إئذن لي فيه أضرب عنقه. فقال له: " دعه، فإن له أصحابا يحقِر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم. يقرؤون القرآن ولا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدِّين كما يمرَق السَّهم من الرميَّة، ينظر إلى نَصله فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظر إلى قُذَذِه، فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظَر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم يُنظر إلى نَضِّه " وهو قِدْحُه " فلا يوجد فيه شيء. قد سَبَقَ الفَرثَ الدَّمَ. آيتهم رجل أسود، إحدى عضُدَيه مثل ثدي المرأة، أو مثل البَضْعَة، تَدَرْدَرُ، يخرجون على حين فُرقة من الناس ". قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه. فأمر بذلك الرجل فالتُمس في القتلى، فأُتي به، حتى نظرتُ إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته. وعن يزيد بن أبي زياد قال: سألت سعيد بن جُبير عن أصحاب النهر فقال: حدَّثني مسروق قال: سألتني عائشة، رضي الله عنها وعنهم، فقالت: هل أبصرت أنت الرجل الذي يذكرون ذو الثَّديَة؟ قال: فقلتُ لم أره. ولكن شهد عندي من قد رآه. قالت: فإذا قَدِمتَ الأرض فاكتب إليَّ بشهادة نفر قد رأوه. قال: فجئتُ، والناس أسباع. قال: فكلَّمت من كلِّ سُبع عشرة ممَّن قد رآه. قال: فقلت: كلُّ هؤلاء عدل رضا. فقالت: قاتل الله فلانا، فإنه كتب إليَّ أنه أصابه بمصر. قال يزيد: وحدَّثني من سمع عائشة، رحمها الله، تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنه من شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 265 وحدَّث قَطَن بن عبد الله الحُدَّايني قال: حدثني أبي قال: نا أبو غالب قال: كنتُ في مسجد دمشق فجاءوا بسبعين رأسا من رؤوس الخوارج، فنُصب على درج المسجد. فجاء أبو أُمامة، فنظر إليها فقال: كلاب جهنم شرُّ قتلى قُتلوا تحت ظلِّ السماء، وبكى ونظر إلي. قال: فقال: يا أبا غالب، إنك ببلد هؤلاء به كثير. قال: قلت: نعم. قال: أعاذك الله منهم. ثم قال: أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. قال:) هو الذي أنزل عليكَ الكتابَ مِنهُ آياتٌ مُحكماتٌ هُنَّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ مُتشابهاتٌ (إلى قوله:) والراسخون في العلم يقولونَ آمَنَّا به (. قال: قلتُ: يا أبا أُمامة إني رأيتك تغرغرت لهم عيناك. قال: رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام، فخرجوا من الإسلام. فقال له رجل: يا أبا أُمامة، أمِن رأيك تقوله أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني إذا لجريء، لقد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع حتى عدَّ سبع مرات. أبو غالب روى هذا الحديث عن أبو أُمامة اسمه حَزَوَّر: روى عنه أزهر ابن صالح وابن عيِّنة، وحماد بن زيد. ذكره مسلم صاحب الصحيح في كتاب " الكُنى ". وأبو أُمامة: هو حُدَيُّ بن عجلان الباهليُّ صاحب النبيِّ عليه السلام. وروى الأعمش عن ابن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الخوارج كلاب النار ". وقال عليه السلام فيهم: " طوبى لمن قتلهم أو قتلوه ". خبر مقتل علي رضي الله عنه ذكر عمر بن شَبَّة عن الضحَّاك بن مَخْلَد أبي عاصم النَّبيل وموسى بن إسماعيل أنه سمع أباه يقول: جاء عبد الرحمن بن مُلجم يستحمل عليا فحمله ثم قال: أريدُ حباءهُ ويريدُ قَتلي ... عَذيري من خليليَ من مراد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 266 أما إنَّ هذا قاتلي. قيل له: فما يمنعك منه؟ قال: " إنه لم يقتلني بعد ". وأُتي علي فقيل له: إنَّ بن مُلجم يسُمُّ سيفه ويقول: إنَّه سيفتك فتكة تُحدِّث بها العرب. فبعث فيه وقال له: " لِمَ تَسُمُّ سيفك؟ " فقال: لعدوِّي وعدوَّك. فَخَلَّى عنه، وقال: " ما قَتَلَني بعد ". وكان سبب قتل ابن مُلجم لعلي أنه خطب امرأة من بني عِجل بن لُجَيم يقال لها قَطام وقال المُبرَّد: إنها قطام بنت علقمة بن تَيم الرِّباب وكانت ترى رأي الخوارج. وكان عليٌّ قد قتل أباها وإخوتها بالنَّهروان، فلما تعاقد الخوارج على قتل علي وعمرو بن العاصي ومعاوية بن أبي سفيان خرج منهم ثلاثة نفر لذلك. وكان عبد الرحمن بن مُلجم المراديُّ حليفا لهم من تَجوبَ، وقيل من السَّكون من كِندة. وقيل من حِمْير هو الذي اشترط قتل علي منهم. والثاني الحجاج بن عبد الله: وهو البُرَكُ التَّميميُّ الصَّريميُّ اشترط قتل معاوية. والثالث زَاذَوَيهِ: مولى بن العنبر بن عمرو بن تميم. اشترط قتل عمرو بن العاصي. وتواعدوا أن يكون ذلك في ليلة واحدة، وهي ليلة سبع عشرة، وقيل: ثمان عشرة، وقيل: ليلة تسع عشرة من رمضان. فدخل ابن مُلجم، لعنه الله، الكوفة عازما على ذلك، واشترى لذلك سيفا بألف، وسقاه السُّمَّ فيما زعموا حتى لفظه. وكان في خلال ذلك يأتي عليا، ويستحمله فيحمله. إلى أن وقعت عينه على قَطَام، وكانت امرأة رائعة جميلة، فأعجبته، وكانت معتكفة بالمسجد الأعظم بالكوفة، ووقعت بنفسه فخطبها فقالت: آليت أن لا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه فقال: وما هو؟ قالت: ثلاثة آلاف وعبد وقينَةٌ وقَتْلُ علي بن أبي طالب. فقال: والله قصدتُ لقتل الجزء: 2 ¦ الصفحة: 267 علي بن أبي طالب والفَتكِ به، وما أقدمني إلى هذا المصر غير ذلك. ولكن لما رأيتك آثرت تزويجك. فقالت: ليس إلا الذي قلت. فقال لها: وما يُغنيك أو يُغني منك قتْلُ علي، وأنا أعلم إن قَتَلْتَهُ لم أفُتْ؟. فقالت: إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت أن تبلغ شفاء نفسي، ويهنيك العيش معي. وإن قُتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. فقال لها: لكِ ما اشترطتِ. وفي تزوُّج ابن مُلجم لقطام وما دار بينهما في قتل علي يقول شاعر الخوارج: ولم أرَ مَهراً ساقَهُ ذو سَماحةٍ ... كمهرِ قَطامٍ من فَصيحٍ وأعجمِ ثلاثةُ آلافٍ وعبدٌ وقَينةٌ ... وضربٌ عليٍّ بالحسامِ المصمِّمِ فلا مهرَ أغلى من عليٍّ وإن غَلا ... ولا فَتْكَ إلا دونَ فتكِ ابن مُلجمِ وقيل: إن عدوَّ الله ابن ملجم جلس مع شبيب بن بَجرَة الأشجعي بعد محاورة كانت بينهما في قتل علي قُبالة السدَّة التي يخرج منها علي إلى المسجد. فخرج علي إلى صلاة الصبح فبدره شبيب فضربه فأخطأه، وضربه عبد الرحمن بن ملجم على رأسه وقال: الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك. فقال علي: " فزْتُ وربِّ الكعبة. لا يفوتنَّكم الكلب ". فشدَّ عليه الناس من كلِّ ناحية. فلما همَّ الناس به حمل عليهم بسيفه، فأفرجوا له، فتلقَّاه المُغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب بقطيفةٍ، فرمى بها عليه واحتمله، وضرب به الجزء: 2 ¦ الصفحة: 268 الأرض، وقعد على صدره، وانتزع سيفه، وكان أيِّداً. ثم حمل ابن مُلجم، وحُبس حتى مات علي، رحمه الله، فقُتِل لا رحمه الله، ورحم الله عليا والمغيرة. وقال عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السُّلميُّ: أتيت الحسن بن عليّ في قصر أبيه، وكان يقرأ عليَّ وذلك في اليوم الذي قُتل فيه علي. فقال لي أنه سمع أباه في ذلك السَّحر يقول له: " يا بُنيَّ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة في نومة نمتها. فقلتُ: يا رسول الله ماذا لقيت من أُمَّتك من الأودِ؟ فقال: ادعُ الله عليهم. فقال: اللهمَّ أبدلني بهم خيرا منهم، وابدلهم بي مَن هو شرٌّ منِّي ". ثم انتبه، وجاء مؤذنه بالصلاة، فخرج، فاعْتَوَره الرجلان. فأما أحدهما فوقعت ضربته في الطاق. وأما الآخر فضربه في رأسه. وذلك في صبيحة يوم الجمعة لسبعَ عشرة من رمضان، صبيحة بدر. وروى أبو رؤوف عبد الله بن مالك قال: جُمع الأطباء إلى علي رضي الله عنه يوم جُرِح، وكان أبصرهم بالطِّبِّ أُثَيِّر بن عمرو السكونيُّ: وكان يُقال له: أثيِّر بن عُمَريَّا، وكان صاحب كرسي يتطبَّب. وهو الذي تُنسب إليه صحراء أثيِّر فأخذ أثير رئة شاة، فتتبَّع عرقا منها، فاستخرجه وأدخله في جراحة عليٍّ، ثم نفخ العرق فاستخرجه فإذا عليه بياض، وإذا الضربة قد وصلت إلى أمَّ رأسه. فقال: يا أمير المؤمنين أعهد عهدك، فإنك ميِّت. وفي ذلك يقول عمران بن حَطَّان الخارجيُّ: يا ضَربةً من تَقيٍّ ما أرادَ بها ... إلا ليبلُغَ مِن ذي العرشِ رضْوانا إني لأذكرُهُ حيناً فأحسِبُهُ ... أوفَى البريَّةِ عندَ اللهِ مِيزاناً الجزء: 2 ¦ الصفحة: 269 كَذَبَ أبعده الله. وقال بكر بن حماد التاهرتيُّ مناهضا له: قُل لابنِ مُلجمٍ والأقدارُ غالبةٌ ... هدمتَ ويلكَ للإسلامِ أركانا قَتلتَ أفضلَ مَن يمشي على قدمٍ ... وأوَّل النس إسلاماً وإيمانا وأعلمَ الناس بالقرآنِ ثمَّ بِما ... أسنَّ الرسولُ لنا شَرعاً وتِبْيَانا صِهرُ النبيِّ ومولاهُ وناصرُهُ ... أضحتْ مناقبه نوراً وبُرهانا وكانت منهُ على رغم الحسودِ لهُ ... مكانَ هارونَ من موسى بن عِمْرانا وكان في الحرب سيفاً صارماً ذَكَراً ... ليثاً إذا لقِيَ القرانُ أقرانا ذكرتُ قاتلَهُ والدمعُ مُنحدِرٌ ... فقلت: سُبحان ربِّ العرش سُبحانا إني لأحسِبُه ما كَانَ من بشرٍ ... يَخْشى المعاد ولكن كان شيطانا أشقَى مُرادٍ إذا عُدَّت قبائلُها ... وأخسرُ الناس عند اللهِ مِيزانا كعاقِر الناقةِ الأولى التي جَلبتْ ... على ثمودَ بأرضِ الحجْرِ خُسرانا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 270 قد كان يُخبِرهُم أنْ سوفَ يَخضِبُها ... قبل المنيَّة أزماناً فأزمانا فلا عفا اللهُ عنه ما تحمَّله ... ولا سَقَى قَبرَ عِمرَانَ بن حِطَّانا لقولهِ في شقيٍّ ظلَّ مُخْتبلاً ... ونالَ ما نالَهُ ظلما وعُدوَانا يا ضَربةً من تَقيِّ ما أرادَ بها ... إلا ليبلغَ من ذي العَرشِ رضوانا بل ضربةً من شقيٍّ أورَدَتْه لظىً ... مُخَلَّدا قد أتى الرحمنَ غَضْبانا وروى ابن الهادي عن عثمان بن صهيب، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " مَن أشقى الأولين؟ " قال: الذي عقر الناقة. قال: " صدقت. فمن أشقى الآخرين؟ " قال: لا أدري. قال: " الذي يضربك على هذه " يعني لحيته. وكان علي، رضي الله عنه، كثيرا ما يقول: ما يمنع أشقاها، أو: ما ينظر أشقاها أن يخضب هذه من دم هذا " ويشير إلى لحيته ورأسه " خضاب دم ولا خضاب عطر وعبير. وذكر النَّسَّائيُّ من حديث عمار بن ياسر عن النبي عليه السلام أنه قال لعليٍّ: " أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذه " ووضع يده على رأسه حتى يخضب هذه " يعني لحيته ". وذكره الطبري وغيره، وذكره ابن إسحاق في " السيرة " عن عمار في غزوة ذي العُشَيرَة. وروى الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة الحِمَّانيُّ، سمع عليَّ ابن أبي طالب يقول: " والذي فلق الحبَّة، وبرأ النسمة، لتخضَبنَّ هذه من دم هذا " يعني رأسه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 271 وقال بكر بن حمَّاد الناهرتي، رحمه الله: وهزَّ عليٌّ بالعراقينِ لحيةً ... مُصيبتُها جلَّت على كلِّ مُسلمِ فقال: سيأتيها من الله حادثٌ ... ويَخضِبُها أشقَى البرية بالدَّمِ فباكرَهُ بالسيف شَلَّتْ يمينُه ... لشؤم قَطامٍ عند ذاكَ ابنُ مُلجِمِ فيا ضربةً من خاسرٍ ضلَّ سعيهُ ... تَبوَّأ منها مَقْعداً في جهنمِ ففازَ أميرُ المؤمنينَ بحظِّهِ ... وإن طَرقتْ فيه الخطوبُ بِمَعْظَمِ ألا إنما الدنيا بلاء وفتنةٌ ... حلاوتُها شِيْبتْ بصابٍ وعَلقمِ وقال أبو زَبيد الطائيُّ: إنَّ الكرامَ على ما كانَ من خُلُقٍ ... رهطُ امرئ خارهُ للدّين مُختارُ طَبِّ بصير بأَضعانِ الرجال ولم ... يُعدل بِحَبْرِ رسولِ اللهِ أحْبارُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 272 وقَطرةٌ قَطرتْ إذ حانَ موعدُها ... وكلُّ شيء لهُ وقتٌ ومِقْدَارُ حتى تنَصَّلها في مسجدٍ طُهْرٍ ... على إمامِ هُدىً إنُ معشرٌ جاروا حُمَّت ليدخُلَ جنَّاتٍ أبو حسنٍ ... وأوجِبَتْ بعدَه للقاتلِ النارُ وقال الكُمَيت: والوصيُّ الذي أمالَ التَّجوبيْ ... به عرش أمَّةٍ لانهِدامِ قَتلوا يومَ ذَاكَ إذ قتلوهُ ... حَكَماً لا كغابرِ الحكَّامِ الإمامَ الزكيَّ والفارسَ المُعْ ... لِمَ تحتَ العجاج غيرَ الكَهامِ راعياً كانَ مُسْجِحاً فَفَقدْنا ... هُ وفَقْدُ المُسيمِ هُلُك السَّوامِ وكان قتادة، رحمه الله، يقول: قُتل علي رضي الله عنه على غير مال احتَجْنَه، ولا دنيا أصابها. وذُكر أن ابن مُلجم لما ضرب عليا، رضي الله عنه، أُدخل منزله فاعترته غَشية، ثم أفاق، فدعا الحسن والحسين فقال: " أوصيكما بتقوى الله تعالى، والرغبة في الآخرة، والزُّهد في الدنيا، ولا تأسفا على شيء فاتكما منها. واعملا الخير، وكونا للظالمين خصما، وللمظلوم عونا ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 273 ثم دعا محمدا فقال: " أما سمعت بما أوصيت به أخويك؟ " قال: بلى. قال: فإني أوصيك به. وعليك ببرِّ أخويك، وتوقيرهما، ومعرفة فضلهما. ولا تقطع أمرا دونهما ". ثم أقبل عليهما فقال: " أوصيكما به خيرا، فإنه سيفكما وابن أبيكما. وأنتما تعلمان أن أباه كان يحبُّه فأحبَّاه ". ولما أُدخل ابن مُلجم، عدوُّ الله، على عليٍّ رضي الله عنه، قال له الذين أدخلوه: يا عدوَّ الله، لا بأس على أمير المؤمنين. قال: فعلام تبكي إذا أمُّ كلثوم؟ والله لقد ضربته ضربة لو كانت بأهل مِنىً لوسعتهم. ولقد سقيت سيفي السُّمَّ حتى لفظه، وما كان ليخونني. ولما مُثِّلَ بين يدي عليّ قال: " احبسوه، واحسنوا إساره، فإن أعيش فسأرى فيه رأيي في العفو أو القِصَاص. وإن أمُتْ فقتلُ نفس بنفس، ولا تمثِّلوا به ". ولما دُفن علي رضي الله عنه أراد الحسن أن يقتل عدوَّ الله ابن ملجم بضربة واحدة. فقال عبد الله بن جعفر: كلا والله حتى أذيقه العذاب الأليم. فقطعه عضوا عضوا حتى مات، لعنه الله. وروي أن البُرَك الصَّريميُّ وزادوايهِ فارقا ابن ملجم من الكوفة على ما تعاقدوا عليه. فذهب البركُ إلى الشام إلى معاوية للفتك به، فضربه على إليته، وهو في الصلاة. فأمر به، فحُبس، وأراد قتله. فقال له البَرْك: لا تعجل واحبسني فإن في هذه الليلة قُتل علي. فقال: ويلك، وما يُدريك؟ قال: إنا تواعدنا ثلاثة لقتل علي وقتلك وقتل عمرو بن العاصي. فإن وجدت الأمر على خلاف ما قلتُ فاضرب عنقي. فوصل الخبر إلى معاوية بقتل علي، كما ذكره البرك فأطلقه بعدما قطع يده ورجله. ثم قتله بعد ذلك زياد بن سُميَّة بالكوفة. ودعا معاوية بالطبيب فقال له: إنَّ الضَّربة مسمومة فاختر لي إحدى خَصلتين؛ إما أن تصبر على الكيِّ، وأما أن أسقيك شربة تقطع عنك الولد. فقال: لا صبر لي على النار، ولي يزيد وعبد الله كفاية. فسقاه الشربة، فلم يولد له بعدها. وذهب زَاذَويهِ إلى مصر للفتك بعمرو بن العاصي. فدخل المسجد فضرب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 274 خارجة بن حُذافَة السَّهميُّ، حين كبَّر للصلاة، فقتله. فقبض عليه الناس بعد جولة. وكان عمرو بن العاصي مريضا يشتكي بطنه: فقَدم خارجة ليصلي بالناس. فلما أُدخل الخارجيُّ على عمرو، ورأى الناس يسلمون عليه بالإمرة قال: أو ما قتلتُ عمروا؟ قالوا: لا إنما قتلتَ خارجة. فقال: أردتُ عمرا وأراد الله خارجة، فأمر به عمرو، فقُتِل. وفي عمرو وخارجة يقول الكاتب الأديب أبو محمد عبد المجيد بن عبدون الأندلسيُّ الطليوسيُّ من قصيدة: وليتَها إذ فَدَتْ عَمراً بخارجةٍ ... فدت علياً بمن شاءتْ من البشرِ ومات عليٌّ رضي الله عنه، ليلة إحدى وعشرين من رمضان سنة أربعين. ودُفن في قصر الإمارة بالكوفة عند مسجد الجماعة. وصلى عليه الحسن، هذا قول أبي اليقظان. وقال الواقديُّ: دُفِن ليلاً وعُمِّي قبره. وروي عن أبي جعفر محمد بن علي أن قبر علي جُهل موضعه. وكانت ولايته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، وقال ابن قتيبة في " المعارف ". وقالت عائشة، رحمها الله، لما بلغها قتلُ علي: لتصنع العرب ما شاءت، فليس أحد ينهاها. وقال الحسن صبيحة ليلة دفن علي في المسجد الأعظم: " أيها الناس، إنكم فقدتم رجلا لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون. وكان إذا شهد الحرب اكتنفه جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. ولم يترك إلا ثمان مئة درهم. أو سبع مئة درهم فضلت من عطائه، كان يُعدُّها لخادم يشتريها لأهله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 275 وقال الفضل بن العباس بن عنبة بن أبي لهب يرثي عليا رضي الله عنه: ما كنتُ أحسبُ أن الأمر مُنصرفٌ ... عن هاشمٍ ثم منها عن أبي الحَسنِ أليسَ أولَ مَن صلَّى لِقِبلتهِ ... وأعلمَ الناس بالقرآنِ والسُّننِ؟ وقالت أمُّ الهيثم بنتُ العُريان النَّخعيَّة ترثيه: ألا يا عينُ وَيْحكِ أسعِدِينا ... ألا تَبكي أميرَ المؤمنيِنا تُبكِّي أمُّ كلثومٍ عليهِ ... بعَبْرتِها وقد رأت القِينا ألا قُل للخوارج حيثُ كانوا ... فلا قَرَّتْ عيون الشامِتينا أفي شهرِ الصِّيام فَجعتُمُونا ... بخيرِ الناسِ طُرّاً أجْمعينا؟ قَتَلتم خيرَ مَن ركب المطايا ... وذَلَّلَها ومن رَكب السفينا ومن لبسَ النعالَ ومَن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمِئِينا وكلُّ مناقبِ الخيراتِ فيهِ ... وحبُّ رسولِ ربِّ العالمينا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 276 لقد علمتْ قريشٌ حيث كانتْ ... بأنكَ خيرُها حَسَباً ودِينا إذا استَقْبَلتَ وجه أبي حُسينٍ ... رأيتَ النورَ فوقَ الناظرينا وكنا قبلَ مقتلهِ بخيرٍ ... نرى مولى رسول الله فينا يُقيمُ الحقَّ لا يرتابُ فيه ... ويَعدِل في العِدا والأقربينا وليس بكاتمٍ علماً لديهِ ... ولم يُخْلقْ من المتجبِّرينا كأنَّ الناس إذا فقدوا علياً ... نَعامٌ حارَ في بلدٍ سِنينا فلا تَشْمتْ معاويةَ بن صَخرٍ ... فإنَّ بقيةَ الخلفاء فينا قاضي عليِّ: شُرَيح. كاتبه: عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. حاجبه: قُنْبُر مولاه. نعته: كان رضي الله عنه عظيم العينين أدعَجَهُما، عظيم البطن، عريض المنكبين، حسن الوجه، أغيَد، كأنًَّ عنقه إبريق فضَّة، آدم، شديد الأُدمة، أصلع ليس في رأسه شعرٌ إلا من خلفه، لا يتبيَّن عضده من ساعديه، قد أُدمجت إدماجا، شديد الساعد واليد. إذا أمسك بذراعه رجل أمسك بنفسه، فلم يستطع أن يتنفَّس. إذا مشى إلى الحرب هرول ثَبْتَ الجَنان، قويا، شجاعا، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 277 منصورا على من لاقاه، أبيض الرأس واللحية، لا يُغيِّر شَيبَه. ورأتهُ امرأة بالكوفة فقالت: مَن هذا الذي كأنه كُسِر ثم جُبِر؟ عمره: خمس وستون، وقيل: ثلاث وستون، قاله أبو نُعَيم الفضل بن دُكَين وغيره. وقيل: ثمان وخمسون، قاله أبو جعفر محمد بن عليّ. واختلفت عنه الرواية في ذلك، رضي الله عن عليّ وعلى آله الأكرمين الطاهرين المنتجبين، آمين. قال المؤلف: غفر الله له: لقد ذكرتُ من صحيح الآثار والأخبار في مناقب الخلفاء الأربعة ما يملأ الآذان حُسنا، ويمنح مَن سلك سبيلها الزِّيادة والحُسنى، والحمد لله على ما وفق ليه وأعان بفضله عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجذ ". وفضائلهم رضي الله عنهم ليس لها نفاد، ولا يحصرها تعداد، إذ هم أئمة الهدى، ومصابيح الدُّجى، وأرباب التُّقى، وواضحوا سُبُل سنَّة نبيِّنا محمد المصطفى، نفعنا الله بمحبَّتهم، وحشرنا في زمرتهم آمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 278 ذكر الستة الباقية من العشرة رضوان الله عليهم أبو عبد الله الزبير بن العوام الجزء: 2 ¦ الصفحة: 279 أبو عبد الله الزبير بن العوام ابن خويلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصيٍّ بن كلاب بن مُرَّة بن كعب ابن لؤي. يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب. وينتسب الزبير أسديا إلى أسد بن عبد العُزَّى بن قُصيٍّ وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعمته خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم. أسلم، رضي الله عنه، وهو ابن خمس عشرة سنة. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمة بن سلامة بن وَقش. وهو حواريُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسلم: حدثنا عمرو الناقد قال: نا سفيان بن عُيينة، عن محمد بن المُنْكدر، عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول: ندب رسول الله الناس يوم الخندق. فانتدب الزبير ثم ندبَهُم فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " لكلِّ نبيٍّ حواريُّ وحواريِّ الزبير ". مسلم: حدثنا إسماعيل بن الخليل وسويد بن سعيد كلاهما عن ابن مُسهِر قال إسماعيل: نا عليُّ بن مُسهر عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بتن الزبير قال: كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النِّسوة في أطمِ حسَّان، فكان يُطاطئ لي مرة فينظر كنت أعرف أبي إذا مرَّ على فرسه في السلاح إلى بني قريظة قال: وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير، قال: فذكرت ذلك لأبي فقال: ورأيتني يا بُنَيِّ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 281 قلتُ: نعم. قال: أما والله لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أبويه. فقال: فداك أبي وأمي. مسلم: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا ابن نُمَير وعبدة قالا: نا هشام عن أبيه قال: قالت لي عائشة: أبوك والله من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. وقال عليه السلام: " الزبير ابن عمَّتي وحواريِّ من أُمَّتي ". وسمع ابن عمر رجلا يقول: أنا ابن الحواريِّ، فقال: إن كنت ابن الزبير وإلا فلا. وقال محمد بن سلاَّم: سألت يونس بن حبيب عن قوله عليه السلام: " حواريِّ الزبير ". قال: " خُلْصانُه ". وقال غيره: الحواريُّ الناصر.. وذكر قول الأعور الكلابي: ولكنَّه ألقى زِمامَ قَلوصِهِ ... فيحيل كريماً أو يموت حَوَارِيَّا وقال محمد بن عبد السلام الخُشنيُّ: نا محمد بن بشار: نا محمد بن جعفر قال: نا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق السَّبيعيَّ قال: سألت مجلسا فيه أكثر من عشرين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن كان أكرم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: الزبير وعليُّ بن أبي طالب. وجاء في صحيح الآثار أنه كان مُعتمرا بعمامة صفراء يوم بدر، فيقال: إنه نزلت الملائكة يوم بدر على سيما الزبير. وروى أبو إسحاق الفزاريُّ عن هشام بن عروة، عن عباد بن حمزة بن الزُّبير. قال: كان على الزبير عمامة صفراء معتجرا بها يوم بدر. ونزلت الملائكة عليها عمائم صُفر. وكان الزبير تاجرا مجدودا في التجارة. وقيل له يوما: بِمَ كنت في التجارة وما أدركتَ؟ فقال: لأني لم أشتر عيبا ولم أرُدَّ ربحا، والله يبارك لمن يشاء. وقال حسان بن ثابت يمدحه: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 282 أقام على عهدِ النبيِّ وهديهِ ... حواريُّهُ والقولُ بالقول يُعدَلُ أقام على مِنْهاجِهِ وطريقِهِ ... يُوالي وليَّ الحقِّ والحقُّ أعدلُ هو الفارسُ المشهورُ والبطلُ الذي ... يصولُ إذا ما كانَ يومٌ مُحجَّلُ وإنَّ امرأ كانت صفيةُ أمَّه ... ومِن أسدٍ في بَيتهِ لَمُرَفَّلُ لهُ من رسول اللهِ قُربى قَريبةٌ ... ومن نُصرةِ الإسلامِ مجدٌ مؤثَّلُ فكم كُربةٍ ذَبَّ الزبيرُ بسيفهِ ... عن المصطفى واللهُ يُعطي ويُجزِلُ إذ كشَّفتْ عن ساقِها الحرثُ حشَّها ... بأبيضَ سبَّاقٍ إلى الموتِ يُرقلُ فما مثلُه فيهمْ ولا كانَ قبلَهُ ... وليس يكونُ الدهرَ ما دامَ يَدْبُلُ وحضر الزبير رضي الله عنه يوم اليرموك وأبلى فيه. قال عروة ابن الزبير: إنَّ أصحاب النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشدَّ فَنشدَّ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 283 معك؟ قال: إني أخاف إذا شددتُ كذبتُم. قالوا: لا نفعل. فحمل عليهم حتى شقَّ صفوفهم، فجاوزهم وما معه أحد منهم. ثم رجع مُقبلا، فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين على عاتقه، بينها ضربة ضربها يوم بدر. قال عروة: فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير. وحضر، رضي الله عنه، فتح مصر مع عمرو بن العاصي، بعثه عمر بن الخطاب من المدينة مددا لعمرو. وشهد الجمل مع عائشة رضي الله عنها، وقُتل بوادي السباع راجعا من حرب الجمل. وذكر الإمام الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبريُّ في تاريخه الكبير عن قتادة قال: سار عليٌّ من الزاوية يريد الزبير وطلحة وعائشة، وساروا من الفَرضَة يريدون عليا، فالتقوا عند موضع قصر عبيد الله بن زياد في النِّصف من جمادى الآخرة سنة ستٍّ وثلاثين يوم الخميس. فلما تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه السلاح. فقيل لعلي: هذا الزبير. فقال: أما إنه أحرى الرجلين إن ذُكِّر بالله أن يذكر. وخرج طلحة فخرج إليهما علي، فدنا منهما حتى اختلف أعناق دوابِّهما. فقال علي: لعمري لقد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتم أعددتما عند الله عُذراً فاتَّقيا الله ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة إنكاثا، ألم أكن أخاكما في دينكما تحرِّمان دمي وأحرِّم دمائكما، فهل من حدث أحلَّ لكما دمي؟ قال طلحة: ألَّبتَ الناس على عثمان. قال علي: يومئذ يُوفِّيهمُ اللهُ دينهم الحقُّ ويعلمون أن الله هو الحقُّ المبين. يا طلحة تطلب بدم عثمان؟ فلعن الله قتلة عثمان. يا زبير أتذكر يوم مررت بي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فناظر إليَّ فضحك وضحكت إليه، فقلت: لا يدعو ابن أبي طالب زهوه. فقال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس بمُزْهٍ، ولتُقاتلنَّه، وأنت له ظالم "! فقال اللهمَّ نعم، ولو تذكَّرت ما سرتُ مسيري هذا. والله لا أقاتلك أبدا. فانصرف على إلى أصحابه فقال: أما الزبير فقد أعطى الله عهدا ألاَّ يقاتلكم. ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها: ما كنتُ في موطن منذ عقِلت إلا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا. فقالت: فماذا تريد أن تصنع؟ فقال: أريد أن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 284 أدعهم وأذهب. فقال له ابن عبد الله: جمعت هذين العارين حتى إذا حدَّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب أحسستَ رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد؟ قال: إني قد حلفت أن لا أقاتله. فأحفظه ما قال له: كفِّر عن يمينك وقاتل. فدعا غلاما له يقال له " مكحول " فأعتقه. فقال رجل من شعرائهم: يُعتِقُ مَكحولاً لصَونِ دينهِ ... كفَّارةً للهِ عن يمينهِ والنَّكثُ قد لاحَ على جبينهِ وقال آخر: لم أَرَ كاليومِ أخَا إخْوانِي ... أعجبَ من مُكفِّرِ الأيمانِ بالعِتقِ في مَعْصِيَةِ الرَّحمنِ وقال الطبري في خبر آخر مُسند إلى من شهد يوم الجمل قال: لما انهزم الناس عن طلحة والزبير، مضى الزبير حتى مَرَّ بعسكر الأحنف. فلما رأوه وأخبر به قال: والله ما هذا بجبان. فقال للناس: من يأتنا بخبره؟ فقال عمرو بن جرموز لأصحابه: أنا. فتبعه، فلما لحقه نظر إليه الزبير وكان شديد الغضب. فقال: ما وراءك. قال: إنما أردت أن أسألك. فقال غلام للزبير يُدعى عطيَّة كان معه: إنه مُعد. فقال: ما يهولك من رجل. وحضرت الصلاة، فقال ابن جرموز: الصلاة. فقال الزبير: الصلاة. ويستدبره ابن جرموز، فطعنه من خلفه في جربَّان درعه، وأخذ فرسه وخاتمه وسلاحه، وخلَّى عن الغلام، فدفنه بوادي السباع، ورجع إلى الناس بالخبر. فأمَّا الأحنف فقال: والله ما أدري أأحسنت أم أسأت. ثم انحدر إلى عليٍّ، وابن جرموز معه فدخل عليه، فأخبره. فدعا بالسيف فقال: سيف طالما جلَّى الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعث بذلك إلى عائشة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 285 وقال الطبريُّ أيضا: حدثنا محمد بن عمارة الأسديُّ قال: أنا فُضَيل عن شقيق بن عُقبة، عن قُرَّة بن الحارث، عن جون بن قتادة قال قُرَّة بن الحارث: كنتُ مع الحنف، وكان جون قتادة ابن عمي مع الزبير بن العوَّام، فحدَّثني جون بن قتادة قال: كنت مع الزبير فجاء فارس يسير، وكانوا يسلِّمون على الزبير بالإمارة. فقال: السلام عليك أيها الأمير. فقال: وعليك السلام. قال: هؤلاء القوم قد أتوا مكان كذا وكذا. فلم أر قوما أرثَّ سلاحا ولا أقلَّ عددا ولا أرعب قلوبا من قوم أتوك. ثم انصرف عنه، قال: ثم جاء فارس فقال: السلام عليك أيها الأمير. فقال: وعليك السلام. قال: جاء القوم حتى أتوا مكان كذا. فسمعوا ما جمع الله من العدد والعُدَّة والجدِّ. فقذف الله في قلوبهم الرعب، فولَّوا مدبرين. قال الزبير: أيها عنك، فوالله لو لم يجد ابن أبي طالب إلا العرفَجَ دبَّ إلينا فيه. قال: ثم انصرف. قال: ثم جاء فارس، وقد كادت الخيول أن تخرج من الرَّهج. فقال: السلام عليك أيها الأمير. قال: وعليم السلام. قال: هؤلاء القوم قد أتوك، فلقيت عمارا. فقلت له، وقال لي: فقال الزبير: إنه ليس فيهم. فقال: بلى والله إنه لفيهم. قال: لا والله ما جعله الله فيهم. قال: والله لقد جعله الله فيهم. فلما رأى الرجل يخالفه قال لبعض أهله: اركب فانظر أحقٌّ ما يقول؟ قال: فركب معه، فانطلقا، وأنا أنظر إليهما حتى وقفا في جانب الخيل قليلا، ثم رجعا إلينا. فقال الزبير لصاحبه: ما عندك؟ قال: صدق الرجل. قال الزبير: يا جدع أنفاه، أو يا قطع ظهراه. قال محمد بن عمارة: قال عبيد الله: قال فُضَيل: لا أدري أيهما. قال: ثم أخذه أفكل. قال: فجعل السلاح ينتقض. قال فقال جونٌ: ثكلتني أمي، هذا الذي كنت أريد أن أموت معه، أو أعيش. والذي نفسي بيده ما أخذ هذا ما أرى إلا لشيء قد سمعه، أو رآه فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فلما تشاغل الناس انصرف فجلس على دابته، ثم ذهب. قال: ثم جاء فارسان حتى أتيا الأحنف وأصحابه فنزلا فأتياه فأكبَّا عليه. فناجاه ساعه ثم انصرفا، ثم جاء عمرو بن جرموز إلى الأحنف فقال: أدركته في وادي السباع فقتلته. فكان قُرَّة يقول: والذي نفسي بيده إنَّ صاحب الزبير لَلأحنف. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 286 وقال غير الطبري: كان الزبير قد انصرف عن القتال نادما مفارقا للجماعة التي خرج فيها منصرفا إلى المدينة. فرآه ابن جرموز فقال: أتى يؤرِِّش بين الناس، ثم تركهم، والله لا تركته. ثم تبعه، فلما لحق بالزبير ورأى أنه يريده أقبل عليه، فقال له ابن جرموز أذكِّرك الله. فكفَّ عنه الزبير حتى فعل ذلك مرارا. فقال الزبير: قاتله الله، يذكِّرنا الله وينساه. ثم غافصه، ابن جرموز فقتله، وذلك يوم الخميس في جمادى الأولى لعشر خلون منه، وهو ابن أربع وستين سنة، هذا قول الواقديّ. وقال أبو اليقظان قُتِل وهو ابن ستين سنة. وقيل: إن عمرو بن جرموز لما قتل الزبير أتى بلبسه إلى عليٍّ واستأذن عليه، فلم يأذن له. وقال: بشِّروه بالنار. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بشِّروا قاتل ابن صفية بالنار ". وكيف لا يُبشَّر بالنار من قتل حواريَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غدرا؟ لقد جاء شيئا نُكرا، وباء بإثم عظيم لقتل حواريٍّ كريم. وقال ابن جرموز حين استأذن على علي رضي الله عنه فلم يأذن له وبشَّره بالنار: أتَيتُ عليّاً برأسِ الزُّبيْرِ ... أرجو لديهِ بهِ الزُّلفَةْ فبشَّرَ بالنار إذْ جئتُهُ ... فبئسَ البِشارةُ والتُّحْفَةْ وسيانِ عندي قَتلُ الزُّبِيرِ ... وضرطةُ عَيْرٍ بذي الجِحْفَةْ وتزوَّج الزبير بمكة أسماء بنت أبي بكر الصدِّيق، وهي أسنُّ من عائشة، وهي ذات النطاقين. وسميت بذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة نسيت أن تشُدَّ سِفرة الزاد بشيء، فقطعت نطاقها نصفين، فشدَّت الجزء: 2 ¦ الصفحة: 287 بالواحد السُفرَة، وانتطقت بالآخر. فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة ". وزعم ابن إسحاق أن أسماء بنت أبي بكر أسلمت بعد إسلام سبعة عشر إنسانا. وتوفيت أسماء بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بيسير، لم تلبث بعد إنزاله من الخشبة إلا ليالي عشرى، وقيل: عشرين، وقيل: بضعا وعشرين. وماتت وقد بلغت مئة سنة، وعُميت في آخر عُمرها. وولدت للزبير عبد الله، وبه كان يُكنى، وبه كانت تُكنى عائشة رضي الله عنها، وعروة، وعاصما، ومات عاصم وهو غلام لا عقب له، والمنذر. فأما عبد الله بن الزبير: فهو أول مولود في الإسلام من المهاجرين، هاجرت أمُّه أسماء وهي به حامل، فوضعته بقباء. مسلم: حدتنا أبو كُرَيب محمد بن العلاء، قال: نا أبو أسامة عن هاشم، عن أبيه، عن أسماء أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة. قالت: فخرجتُ وأنا مُتِمٌّ، فأتيت المدينة فنزلت بقباء. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء يدخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنَّكه بالتَّمرة، ثم دعا له وبرَّك عليه، وكان أول مولود في الإسلام. مسلم: عن عائشة قالت: جئنا بعبد الله بن الزبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم يحنِّكه، فطلبنا تمرة، فعزَّ علينا طلبها. وخرَّج مسلم أيضا عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالصِّبيان فيُبرِّك عليهم ويحنِّكهم. وقال الطبري: حدَّثني الحارث قال: نا ابن سعد قال: قال محمد بن عمر الواقديُّ: ولد ابن الزبير بعد الهجرة بعشرين شهرا بالمدينة، وكان أول مولود ولد من المهاجرين في دار الهجرة، فكبَّر، فيما ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد، وذلك أن المسلمين كانوا قد تحدَّثوا أن اليهود يذكرون أنهم قد سحروهم، فلا يولد لهم. فكان تكبيرهم ذلك سرورا منهم بتكذيب الله اليهود فيما قالوا من ذلك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 288 الطبري: حدثني الحارث قال: نا ابن سعد قال: أنا محمد بن عمر قال: نا مصعب بن ثابت عن أبي الأسود قال: ذُكر النعمان بن بشير عند عبد الله بن الزبير فقال: هو أسنُّ مني بستَّة أشهر. قال أبو الأسود: وُلد ابن الزبير على عشرين شهرا من مُهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولد النعمان على رأس أربعة عشر شهرا في ربيع الآخر. وقيل: إن عبد الله بن الزبير ولد في السنة الأولى من الهجرة، ذكره ابن عبد البرِّ في " الاستيعاب ". وذكر أيضا ما قال ابن البرِّ محمد بن عمر الواقديُّ ومسلم. وقال عبد الله بن الزبير: ادخلني الزبير وأنا ابن سبع سنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعي غلمان في سنيِّ، معهم آباؤهم لنبايعه عليه السلام، فكلُّهم كعُّوا إلا أنا، فإنني تقدّمت. فلما وصلت إليه تبسَّم ومد يده فبايعته، وقال: " إنه ابن أبيه ". وقال مسلم: حدثنا الحكم بن موسى أبو صالح قال: نا شُعيبُ يعني ابن إسحاق قال: أخبرني هشام بن عروة قال: حدَّثني عروةُ بن الزبير وفاطمة بنت المنذر بن الزبير أنهما قالا: خرجت أسماء بنت أبي بكر حين هاجرت، وهي حُبْلى بعبد الله بن الزبير فقدمت قُباء فنُفِست بعبد الله بقُباء، ثم خرجت حين نُفستْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنِّكه فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، فوضعه في حَجرهِ، ثم دعا بتمرة. قال: قالت عائشة: فمكثنا ساعة نلتمسُها قبل أن نجدها، فمضغها ثم وضعها في فيه. فإنَّ أول شيء دخل بطنه لريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قالت أسماء: ثم مسحه وصلى عليه، وسماه عبد الله. ثم جاء وهو ابن سبع سنين أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره بذلك الزبير. فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مُقبلا إليه، ثم بايعهُ. وحدَّث أبو زرعة عبد الحمن بن عمرو والدِّمشقيُّ: نا محمد بن شَريكٍ المَكيُّ عن ابن أبي مُليكة، نع عبد الله بن الزبير قال: سُميتُ باسم جدي أبي بكر وكُنِيتُ بكُنيِته. وذُكر أنه كان يلعب مع الغلمان في أول خلافة عمر، فمرَّ عليهم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 289 عمر فتفرَّقوا، ربقي عبد الله واقفا. فلما وصل إليه عمر قال: ياعبد الله مالك لا تفرُّ مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين لم أجْرُمْ فأخافك، ولم يكن بالطريق ضيق فأوسع عليك. وكان عبد الله مع العسكر الذي استفتح إفريقية، وكان شجاعا بئيسا مُقْدِما مثل أبيه. ويقال: إنه قتل جرجيس ملك أفريقية، ونفَّله عبد الله بن أبي سَرْح ابنة جرجيس. وبعثه ابن أبي سرح بفتح إفريقية إلى عثمان. فلما وصل إلى المدينة ودخل على عثمان، وأجبره عن الفتح قال: يا بن أخي أتقدر أن تتكلم بهذا الكلام على الناس؟ فقال: أنت والله يا أمير المؤمنين أهيب في عيني منهم. فلما كان من الغد صعد عثمان على المنبر، وخطب الناس فقال: إنَّ الله قد فتح عليكم إفريقية، وهذا عبد الله يُخبرُكم خبرها إن شاء الله. ثم جلس عثمان على المنبر وأقام عبد الله إلى جنبه، فتكلم عبد الله في الفتح بكلام بليغ عجب منه الصحابةُ. فلما فرغ من كلامه قام الزبير إليه فاعتنقه وقبَّل بين عينيه وقال: يا بُنَّي إذا نكحت امرأة فانكحها على شبه أبيها أو أخيها؛ فإنها تأتيك بأحدهما، والله مازلت تنطق بلسان أبي بكر حتى صمتَّ. وشهد الجمل مع أبيه وخالته، وكان شهما شرسا ذا أنفة. ذكر الطبريُّ في تاريخه عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان لا يجيء أحد يوم الجمل فيأخذ بالزِّمام إلا قال: أنا فلان بن فلان، يا أمَّ المؤمنين. فجاء عبد الله بن الزبير فقالت حين لم يتكلم: من أنت؟ فقال: أنا عبد الله، أنا أبنك، أنا أبن أختك. قالت: وأثكل أسماء " تعنى أختها " وينتهي إلى الجمل الأشتر وعديُّ بن حاتم، فخرج عبد الله بن حكين بن عزام إلى الأشتر، فمشى إليه الأشتر، فاختلفا ضربتين فقتله الأشتر، ومشى إليه عبد الله بن الزبير فضربه الأشتر على رأسه فجرحه جرحا شديدا، وضرب عبد الأشتر ضربة خفيفة، وأعتنق كلُّ واحد منهما صاحبه، وخرَّا إلى الأرض يعتر كان. فقال عبد الله بن الزبير: اقتلوني ومالكا. فكان مالك يقول: ما أحبُّ أن يكون. قال الأشتر: وإن لي حمر النعم. وشدَّ أناس من أصحاب على وأصحاب عائشة، فافترقا، وتنقَّذ كلُّ واحد الفريقين صاحبه. وقال دينار أبو العيزار: طعن عبد الله بن حكيم بن حزام قبل أن يقتله الأشتر عديَّ بن حاتم في عينه، ففقأها. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 290 وذكر الطبريُّ أيضا عن الشعبيِّ قال: لزم الخطام يوم الجمل سبعون رجلا من قريش، كلهُّم يقتل، وهو أخذ بالخطام. وحمل الأشتر فاعترض عبد الله بن الزبير، فاختلفا ضربتين، ضربه الأشتر فأمَّه وواثبه عبد الله، فاعتنقه فصرعه. فجعل يقول: اقتلوني ومالكا.. وكان له ألف نفس، ما نجا منها شيء. وما زال يضرب في يدي عبد الله حتى أفلت. وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يعد. وجرح يومئذ مروان وعبد الله بن الزبير. وذكر الطبريُّ عن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: أمسيت يوم الجمل، وبي سبعة وثلاثون جراحة من طعنة وضربة. وما رأيت مثل يوم الجمل قطُّ، ما ينهزم منا أحد، وما نحن إلا مثل الجبل الأسود، وما يأخذ أحد بخطام الجمل إلا قتله. فأخذ عبد الرحمن بن عتاب فقتل، وأخذه الأسود بن أبي البختريِّ فصرع. وجئت فأخذت بالخطام، فقالت عائشة: من أنت؟ قالت: ابن الزبير. قالت: واثكل أسماء. ومرِّ بي الأشتر، فعرفته فعانقته فسقطنا جميعا. فناديت: اقتلوني ومالكا. فجاء ناس منا ومنهم، فقاتلوا عنا حتى تحاجزنا، وضاع الخطام. ونادى علي: اعقر الجمل، فإنه إن عقر تفرَّقوا. فضربه رجل فسقط، فما سمعت صوتا قطُّ أشدَّ من عجيج الجمل. وأمر علي محمد بن أبي بكر فضرب على عائشة قبَّة، وقال: انظروا هل وصل إليها شيء؟ فأدخل رأسه فقالت: من أنت ويلك؟ قال: أبغض أهلك إليك. قالت: أأنت أبن الخثعمية؟ قال: نعم. قالت: بأبي أنت وأمي الحمد الله الذي عافاك. وعن دينار أبي العيزار قال: سمعت الأشتر يقول: لقيت عبد الرحمن بن عتَّاب بن أسيد، فلقيت أشدَّ الناس وأحرقه. فما لبثة أن قتلته، ولقيت الأسود بن عوف، فلقيت أشدَّ الناس وأشجعه. فاستعلاني فما كدت أنجو، فتمنيت أني لم أكن لقيته. ولحقني جُندب بن زهير الغامديُّ فضربته، ولقيت عبد الله ابن الزُّبير فلقيت أشدَّ الناس وأروعه فعانقته فسقطنا إلى الأرض جميعا فنادى: اقتلوني ومالكا. وأوى عبد الله بن الزبير بعد الهزيمة إلى دار رجل من الأزد يُدعى وزيرا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 291 وقال: إيت أمَّ المؤمنين فأعلمها بمكاني، وإياك أن يَطَّلع على على ذلك محمد بن أبي بكر. فأتى عائشة، فأخبرها، فقالت: عليَّ بمحمد، فقال يا أمَّ المؤمنين إنه قد نهاني أن يعلم به محمد فأرسلت إليه، فقالت: إذهب مع هذا الرجل حتى تجيئني بابن أختك. فانطلق معه، فدخل الأزديُّ على ابن الزُّبير، فقال: جئتك والله بما كرهت، وأبَت أمُّ المؤمنين إلا ذلك. فخرج عبد الله ومحمد يتشاتمان حتى انتهيا إلى عائشة في دار عبد الله بن خلف. وكان عبد الله بن خلف قُتِل يوم الجمل مع عائشة في طلب من كان جريحا، فضمَّت منهم ناسا، وضمَّت مروان فيمن ضمَّت، وكانوا في البيت. نبذ من أخبارِ يوم الجمل أوجب سياقها ذكر أمِّ المؤمنين عائشة وابن أختها عبد الله بن الزبير. الطبري: عن عيسى بن حِطَّان قال: حاص الناسحيصة يعني يوم الجمل ثم رجعنا وعائشة على جمل أحمر في هودج أحمر ما شبَّهته إلا القُنفذ من النَّبل. وحدَّث ابن عون عن أبي رجاء قال: ذكروا يوم الجمل فقال: كأني أنظر إلى خدر عائشة كأنه قُنفُذ مما رُمي فيه من النَّبل فقلت لأبي رجاء: قاتلت يومئذ؟ قال والله لقد رميت بأسهم ما أدري ما صنعن. وانتهى محمد بن أبي بكر إلى الهودج ومعه عمار، وقطعا الأنساع عن الهودج واحتملاه. فلما وضعاه أدخل محمد يده وقال: أخوك محمد. فقالت: مُذمَّم. قال: يا أُخيَّةُ، هل أصابك شيء؟ قالت: ما أنت من ذاك. قال: فمن إذا الضُّلاَّل؟ قالت: بل الهُداةُ. وانتهى إليها علي فقال: كيف أنت أي أمَّه؟ قالت: بخير. قال: يغفر الله لكِ. قالت: ولكَ. وخرج محمد بعائشة حتى أدخلها البصرة فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخُزاعِّي على صفية بنة الحارث بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العُزَّي بن عثمان بن عبد الدار بن قُصي. وأبوها الحارث قُتل يوم أحد كافرا. قتله قُزمان، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 292 وهو أخو عثمان بن طلحة الذي دفع إليه النبيُّ عليه السلام مفتاح الكعبة في فتح مكة. وصفية هي أمَّ طلحة الطَّلحات بن عبد الله بن خلف، وهو الجوادُ الذي رثاه ابن قيس الرُّقَيَّات، وقد تقدَّم ذكره وذكر أبيه وعمِّ سليمان في بني مُليح من خُزاعة. وكان قتلى الجمل حول الجمل؛ نصفُهم من أصحاب عليٍّ ونصفهم من أصحاب عائشة: من الأزد ألفان ومن سائر اليمن خمسمئة، ومن مضر ألفان: خمسمئة من قيس وخمسمئة من تميم وألف من بني ضبَّة، وخمسمئة من بكر بن وائل. وقُتلمن بني عديِّ الرِّباب يومئذ سبعون شيخا، كلهم قد قرأ القرآن سوى الشباب، ومن يقرأ القرآن. وقالت عائشة: مازلتُ أرجو النَّصر حتى خُفيت أصوات بني عديٍّ. وصلى عليٌّ على قتلاهم من أهل البصرة، وعلى قتلاهم من أهل الكوفة، وصلى على قريش من هؤلاء وهؤلاء. وكانوا مدنيين وكوفيين ومكيين. وجمع ما كان في العسكر من شيء، ثم بعث به إلى مسجد البصرة؛ أن من عرف شيئا فليأخذه، إلا سلاحا كان في الخزائن عليه سمة السلطان، فإنه لما بقي لم يُعرف قال لأصحابه: خُذوا ما أجْلَبوا به عليكم من مال الله. ولا يحلُّ للمسلم من مال المسلم المتوفيَّ شيء، وإنما كان ذلك السلاح في أيديهم من غير تنفُّل من سلطان. ودخل عليٌّ البصرة يوم الاثنين، فانتهى إلى المسجد، فصلى فيه، ثم دخل البصرة فأتاه الناس، ثم راح إلى عائشة على بغلته. فلما انتهى إلى دار عبد الله بن خلف، وهي أعظم دار بالبصرة وجد النساء يبكين على عبد الله وسليمان ابني خلف مع عائشة وصفية بنة الحارث زوج عبد الله بن خلف أمِّ طلحة الطَّلحات، مُختَمِرة تبكي. فلما رأته قالت: يا عليُّ يا قاتل الأحبَّة، يا مفرِّق الجمع، أيْتَمَ الله بَنيك منك كما أيتمت ولد عبد الله منه. فلم يردَّ عليها. ولم يزل على حاله حتى دخل على عائشة، فسلم عليها وقعد عندها وقال: جَبَهتنا صفية، وقال: أمَّا إني لم أرها منذ كانت جارية حتى اليوم. فلما خرج عليٌّ أقبلت عليه فأعادت الكلام، فكفَّ بغلتَّه فقال: ألا لَهَمَمْتُ. وأشار إلى أبواب من الدار، أن أفتح هذا الباب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 293 وأقتل من فيه ثم هذا وأقتل من فيه. وكان أناس من الجرحى قد لجؤوا إلى عائشة فأخبر عليٌّ بمكانهم عندها، فتغافل عنهم، فسكت فخرج علي فقال له رجل من الأزد: والله لا تُفلِتُنا هذه الرأة. فغضب وقال: صه لاتهتكنَّ سترا، ولا تدخلنَّ دارا، ولا تهيجنَّ امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم، وسفَّهن أمراءكم فإنهنَّ ضعاف. ولقد كنا نُؤمر بالكفِّ عنهنَّ، وإنهنَّ لمشركات، وإنَّ الرجل ليكافئ المرأة ويتناولها بالضَّرب فيغيَّرُ بها عقبة من بعده. فلا يَبْلغني عن أحد عَرَضَ لا مرأة فأُنكِّلَ به شَرار الناس. وجهَّز عليٌّ عائشة رضي الله عنها بكل شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع، وأخرج معها كلَّ من نجا ممَّن خرج معها إلا من أحب المُفام. واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وقال: تجهَّزْ يامحمد فبلِّغْها. فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها، وحضر الناس، فخرجت على الناس، فودَّعوها وودّعتهم وقالت: يابنيَّ، يَعتُبُ بعضنا على بعض استبطاء وزيادة، فلا يَعْتدن أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك، أنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وأنه عندي على مَعْتِبتي لَمِنَ الأخيار. وقال علي: يأيُّها الناس، صدقت وبرَّت، ما كان بيني وبينها إلا ذاك. وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة. وخرجت يوم السبت غُرة رجب سنة ستٍّ وثلاثين، وشيَّعها عليٌّ أميلا، وسرَّح بنيه معها يوما. وعن جرير بن حازم قال: سمعت أبا يزيد المدنيَّ يقول: قال عمار بن ياسر لعائشة حين فرغ القوم من أمر الجمل: يا أمَّ المؤمنين، ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عُهد إليك! قالت: أبا اليقظان؟ قال: نعم. قالت: والله إنك ما علمت لقوال بالحقِّ. قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانِكِ. وروى إسماعيل بن عُلية عن أبي سُفيان بن العلاء، عن ابن عتيق قال: قالت عائشة: إذا مرَّ ابن عمر فأرونيهِ. فلما مرَّ ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر. فقالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تَنهاني عن مَسيري؟ قال: رأيت رجلا غلب الجزء: 2 ¦ الصفحة: 294 عليك، وظننت أنك لا تخالفينه، يعني ابن الزبير. قالت: أما أنك لو نهيتَني ما خرجت. البخاري: حدثنا محمد بن بشار: نا شعبة عن الحكم، عم أبي وائل. وحدَّثنا عبد الله بن محمد: نا يحيى بن آدم: نا بكر بن عياش: نا أبو حصين: نا أبو مريم عبد الله بن زياد الأسدي قال: لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث عليٌّ عمار بن ياسر والحسن بن علي زاد شعبة ليستنفرهم، وقدما علينا الكوفة، فصعد المنبر، فكان الحسن على فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن. فاجتمعنا إليه فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكنَّ الله ابتلاكم ليعلم أإياهُ تُطيعون أم هي ... البخاريُّ: حدثنا عثمان بن الهيثم: نا عوف عن الحسن، عن أبي بكرة قال: نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعد أن كدت أن ألحق بأصحاب الجمل، فأقاتل معهم. قال: لما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال: " لن يُفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة ". وعن سعيد القُطعيِّ قال: كنا نتحدث أنَّ قتلى أهل الجمل يزيدون على ستة آلاف. وأمر عليٌّ من نادى يوم الجمل: لا يُتبعنَّ مُدبر، ولا يُجهز على جريح، ولا تسلبوهم ما معهم. فقال له أصحابه: أيحلُّ لنا قتلُهم ولا يحلُّ لنا سلبُهم؟ قال: إنهم من أهل القبلة وليسوا بكفار. وإنما قاتلناهم لبغيهم علينا حتى يفيئوا إلى أمر الله. فلما اكثروا عليه قال: اقترعوا أيُّكم يأخذ عائشة في سهمه. فقالوا معاذ الله أمُّنا! ورضوا بحكمه. وقال عبد الله بن عباس: لما فرغ علي، رضي الله عنه، من أمر الجمل صعد على ربوة من الأرض وخطب أهل البصرة فقال: يا أنصار المرأة وأصحاب البهيمة، رغا فحننتم، وانخشر فانهزمتم. نزلتم شر بلاد أبعدها من السماء، بها الجزء: 2 ¦ الصفحة: 295 مَغيض كل ماء هي البصرة والبصيرة والموتفكة وتَدْمرُ. أين ابن عباس؟ قال: فدُعيت له من كلِّ جانب. فلما حضرت قال لي: سِرْ إلى الرأة، يعني أمَّ المؤمنين عائشة، وقل لها: تسير إلى الموضع الذي أمرها الله أن تقرَّ فيه. قال ابن عباس: فجئتها، فاستأذنت عليها فلم تأذن لي. فدخلت عليها بغير إذن، وعمدت إلى وساد كان في البيت فجلست عليه، فقالت: تالله ما رأيت مثلك يابن عباس! تدخل بيتي وتجلس على وسادي بغير إذني؟ قال: فقلت لها: والله ما هو بيتك إلا الذي أمرك الله أن تقرِّي فيه، فلم تفعلي. إن أمير المؤمنين يأمرك بالمسير إلى المدينة. فبكت وقالت: رحم الله أمير المؤمنين، ذاك عمر بن الخطاب. فقلت لها: نعم، وهذا أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب. فقالت: أبيتُ أبيتُ. فقلت لها: ما كان إباؤك إلا مثل فواق ناقة بكيَّةٍ، ثم صرت لا تحلين ولا تمُرِّين. فقالت: نعم اسيرُ، إنَّ أبعض البلاد إليَّ بلد أنتم فيه. فقلت: والله ماكان هذا جزاؤنا منك، أن صيَّرناك للمؤمنين أمَّا، وصيَّرنا اباكِ لهم صدِّيقا فقالت: أتمنُّ عليَّ برسول الله يابن عباس؟ قلت: بلى والله نمنُّ عليك بمنٍّ لو كان منك بمنزلته منَّا لمننت به علينا. وذُكر أن عليا رضي الله عنه جاء إلى هودج عائشة، وهي فيه بعدما عُقر الجمل، فضربه بقضيب كان في يده، وقال لها: كيف رأيت صَنيعَ الله بك؟ فقالت له: مَلكت فأسْجِحْ. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيَّتُكُنَّ صاحبةُ الجمل الأدبَبِ تخرج فتّنْبجها كلاب الحوأب، يُقتل حولها قتلى كثير وتنجو بعدما كادت ". وهذا الحديث من أعلام نبوَّته صلى الله عليه وسلم، وهو حديث مشهور، رواه عكرمة عن ابن عباس. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 296 بقية أخبار عبد الله بن الزبير وكيفيةُ إمرتهِ وقتلهِ رحمهُ اللهُ قال علي رضي الله عنه: ما زال يُعَدُّ منا أهل البيت حتى نشاء عبد الله. وكانت له لسانة وفصاحة، وكان أطلس لا لحية له، ولا شعر في وجهه. وقال عليُّ بن زيد الجُدْعانيُّ: كان عبد الله بن الزبير كثير الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدّات والأمهات والخالات، إلا أنه كانت فيه خصال لا تصلح معها الخلافة لأنه كان بخيلا ضيِّقَ العَطَن سيء الخُلق حسودا، كثير الخلاف. أخرج محمد ابن الحنفية، وسجنه، ونفي عبد الله بن عباس إلى الطائف، وهو القائل من بخلة لجنده: أكلتم تمرى وعصيتم أمري، وفي ذلك قال الشاعر: رأيت أبا بكر وربُّك غالبٌ ... على أمرهِ يَبغي الخلافةَ بالتَّمرِ وبويع له بالخلافة سنة خمس وستين، وكان قبل ذلك لا يُدعى باسم الخلافة. وكانت بيعة بعد موت معاوية بن يزيد. واجتمع على طاعته أهل الحجاز واليمن والعراق وخرسان، وحجَّ بالناس ثماني حجج. وروى عيسى عن ابن القاسم عن ... قال: ابن الزبير كان أفضل من مروان، وكان ألى بالأمر من مروان ومن أبنه. وبدأ الحجاج بحصاره من أول ليلة من ذي الحِجَّة سنة اثنين وسبعين. وحج بالناس الحجاجُ في ذلك العام. ووقف بعرفة في تلك السنة، وعليه درع ومغفر، ولم يطوفوا بالبيت ذلك العام. فحاصره ستة أشهر وسبعة عشر يوما، إلى أن قُتل في النصف من جُمادي ىلآخر سنة ثلاث وسبعين. وعن هشام بن عُروة عن أبيه قال: لما كان قبل قتل عبد الله بن الزبير بعشرة أيام دخل على أمه أسماء وهي شاكية، فقال لها: كيف تَجدِينَك يا أُمَّهْ؟ قالت: ما أجدُني إلا شاكية. فقال لها: إن في الموت لراحة. فقالت: لعلك الجزء: 2 ¦ الصفحة: 297 تمنيت لي ما أحبُّ أن تموت حتى تأتي على أحد طرفيك؛ إمَّا قُتلت فأحتسبك، وإمَّا ظفرت بعدوِّك، فقرَّت عيني. قال عروةُ: فالتفت إليَّ عبد الله فضحك. فلما كان في اليوم الذي قُتل فيه دخل عليها في المسجد. فقالت له: يابُنيَّ لا تقبلن منهم خطَّة تخاف فيها على نفسك الذلَّ مخافة القتل. فوالله لضربة بسيف في عزٍّ خير من ضربة بسوط في مَذَلَّة. قال: فخرج وقد جعل له مصراع عند الكعبة، فكان تحته، فأتاه رجل من قُريش، فقال: ألا نفتحُ لك باب الكعبة؟ فقال عبد الله: من كلِّ شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه. والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم. وهل حُرمة المسد إلا كحُرمة البيت؟ ثم تمثَّل: ولستُ بمُبتاعِ الحياةِ بسُبَّةٍ ... ولا مُرتَقٍ من خشيةِ الموت سُلَّما وشد عليه أصحاب الحجاج من أبواب المسجد الحرام. فقال لأصحابه: اكسروا أغماد سيوفكم ولا تسلوا عني فإني في الرَّعيل الأول. قال: ففعلوا. ثم حملوا عليهم وحملوا عليه. فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد وهزمهم ثلاث مرات، حتى أقبل عليه حجر من ناحية الصَّفا فضربه بين عينه، فنكَّس رأسه وهو يقول: لست على الأعقابِ تَدمى كلومُنا ... ولكنْ على أعقابنا يقطر الدَّمُ هكذا تمثَّل به الزبير بن بكار، قال: ثم أجمعوا عليه، فلم يزالوا يضربونه حتى قتلوه. ولما قُتل كبَّر أهلُ الشام، فقال عبد الله بن عمر: المكبِّرون عليه يوم وُلد خير من المكبِّرين عليه يوم قُتل. وبعث الحجاجُ برأس عبد الله بن الزبير وعبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجُحميِّ ورأس عُمارة بن عمر بن حزم الأنصاريِّ البخاريِّ إلى المدينة، فنُصبوا بها. ثم بعثوا برؤوسهم إلى عبد الملك، وصُلبت جثة ابن الزبير على ثَنيَّةِ أهل المدينة عند المقابر. مسلم: حدَّثنا عقبةُ بن مُكرَمٍ العَمِّيُّ قال: نا يعقوب يعني ابن إسحاق الجزء: 2 ¦ الصفحة: 298 الحضرميَّ، قال: نا الأسود بن شَيبان عن أبي نوفل قال: رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة، قال: فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مرَّ عبد الله ابن عمر فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا ضُبيب، السلام عليك أبا ضبيب، السلامُ عليك أبا ضبيب. أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله إن كنت ماعملت صوّاما قوَّاما وصولا للرَّحم. أما والله لأمَّة أنت شرُّها لأمة خير. ثم نفذ عبدُ الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله، فأرسل إليه، فأنزل عن جذعه فألقي في قبور اليهود. ثم أرسل إلى أمَّه أسماء بنة أبي بكر الصدِّيق، فأبت أن تأتيهُ، فأعاد عليه الرسول: لتأتينِّي أو لأبعثن إليك من يسحبُك بقرونك، قال: فأبت وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إليَّ من يسحبُني بقروني. قال: فقال: أرُوني سِبْتَيَّ، فأخذ نعليه، ثم انطلق يَتَوذَّف حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني صنعتُ بعدوِّ الله؟ قالت: رأيتُك أفسدت عليه دُنياهُ وأفسد عليك آخرتك. بلغَني أنك يقول له: يابن ذات النِّطاقين، أنا والله ذات النطاقين، أمَّا أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر الصديق من الدوابِّ، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه. أما إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّثنا أن في ثقيف كذَّابا ومبيرا، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قال: فقام عنها ولم يراجعها. وقال يعلي بن حرملة: دخلتُ مكة بعدما قُتل ابن الزبير بثلاثة أيام فإذا هو مصلوب، فجاءته امرأة عجوز طويلة مكفوفة البصر تُقاد، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ فقال لها الحجاج: المنافق؟ فقالت: والله ما كان مُنافقا، ولكنه كان صوَّاما قوَّاما بَرَّاً. قال: انصرفي فإنك عجوز وقد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج في ثقيف كذابٌ ومُبيرٌ. أما الكذابُ فقد رأيناه، وأما المُبيرُ فأنت المُبيرُ. وقيل: إن الكذاب هو المختار بن أبي عُبيد الثقفيُّ. وذكر أن الحجاج حين ذكرت له هذا الحديث قال لها: اللهمَّ مُبيرٌ لا كذاب. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 299 وقال ابن أبي مُلَيْكة واسمه عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مُليكة. واسم أبي ملكية زهير بن عبد الله بن جُدعان التَّيميُّ تيمُ قريش: كنت الآذن لِمن بشَّر أسماء بنزول ابنها عبد الله بن الزبير من الخشبة. فدعت بِمركن وشَبٍّ يمانيٍّ وأمرتني بغسله. فكنا لا نتناول عضوا إلا جاء معنا. فكنا نغسل العضو ونضعه في أكفانه، ونتناول العضو الذي يليه فنغسله ونضعه في أكفانه. حتى إذا فرغنا منه قامت فصلَّت عليه، وكانت تقول قبل ذلك: اللهمَّ لا تمُتْني حتى تُقرَّ عيني بجثَّته، فما أتت عليها جُمعة حتى ماتت. وقيل: إن عروة بن الزبير رحل من مكة إلى دمشق بعدما قتل الحجاجُ أخاه عبد الله. فلما وقف بباب عبد الملك قال للحاجب، قل لأمير المؤمنين: أبو محمد بالباب. فارتاع الحاجب وقال: ما أجفاك يا هذا! إنَّ أمير المؤمنين لا يُستأذن عليه بالكنى. فقال: إنك إن لم تفعل ما أمرتك به عاقَبَك. فدخل الحاجب مغضبا، فقال له عبد الملك: مالك ويحك؟ قال: يا أمير المؤمنين، بالباب رجل أظنُّه من أهل الحجاز، عليه ثياب غلاظ مُشَمَّرة قال لي قولا أُجلُّ أمير المؤمنين أن أخاطبهُ به. قال: قل ويحك. قال: يقول: قل لأمير المؤمنين أبو محمد بالباب. فضحك عبد الملك، وقال: هو عُروة بن الزبير، إئذن له. فلمَّا دخل عليه رغب إليه في إنزال أخيه من الخشبة، فأسعفه وأكرمه ووصله. وقال عليُّ بن مجاهد: قُتل مع ابن الزُّبير مئتان وأربعون رجلا، منهم من سال دمه في جوف الكعبة. وقال سفيان بن عُيينة: مكث عامر بن عبد الله بن الزبير بعد قتل أبيه حولا لا يسأل الله لنفسه شيئا إلا الدُّعاء لأبيه. وولد عبدُ الله عبدَ الله، وكان أشبه القوم بأبيه، وخُبيبا، وبه كان يُكنى أيضا، ولا عقب له، وقيسا ولا عقب له، وعامرا، وعبادا، وحمزة، وثابتا، وموسى. ولهولاء الخمسة أعقاب، وأنجبوا. ويروى عن عامر وعباد وحمزة الحديث. وكان عامر بن عبد الله من أعبد أهل زمانه. وكانت فيه غفلة. أتيي بعطائه وهو في المسجد، فقام ونسبه في موضعه، فلما سار إلى بيته ذكره، فقال: يا غلام إئتني بعطائي الذي نسيت في المسجد. قال له: وأين يوجد وقد دخل المسجد بعدك جماعة؟ قال: وبَقِيَ أحد أن يأخذ ما ليس له؟ وسُرقت نعله فلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 300 يلبس بعد ذلك نعلا حتى مات. وقال: أكره أن أتَّخذ نعلا، فيجيء من يسرقُها فيأثمُ. وفي هذا الضرب من الناس قال أيوب السِّختيانيُّ: في أصحابي من أرجو بركة دُعائه ولا أجيزُ شهادته. ويكنى عامر أبا الحارث. ولمالك عنه مُشافهة في كتاب الصلاة من الموطأ حديثان مُسندان نصُّهما. مالك: عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمر بن سُليم الزِّرقيِّ، عن أبي قتادة الأنصاريِّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي، وهو حامل أمامة بنت زينب بنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي العاصي بن الربيع بن عبد شمس. فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. مالك: عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عمرو بن سُليم الزُّرْقيِّ، عن أبي قتادة الأنصاريِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا دَخل أحدُكم المسجد فليركع رَكعتين قبل أن يجلس، وذلك حسن وليس بواجب ". وروىمالك أيضا عن عَبَّادَ بن عبد الله بن الزبير في جامع الجنائز من الموطأ ما نصُّه: مالك عن هشام بن عروة، عن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير أن عائشة زوج النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت، وهو مُسْتَندٌ إلى صدرها، وأصغتْ إليه يقول: " اللهمَّ اغفرْ لي وارحَمْني وألحِقْني بالرفيق ". وروى عباد عن عائشة وأبيه، وروى عنه ابنه يحيى بن عبَّاد. وأما حمزةُ بن عبد الله بن الزبير: فيكنى أبا عُمارة. وكان من أجواد العرب. وكان عامل أبيه على البصرة وله عقب. وفيه يقول موسى شَهَوات: حمزةُ المبتاعُ بالمالِ الثَّنا ... ويرى في بَيعهِ أنْ قد غَبَنْ وهو إن أعطى عطاء كاملاً ... ذا إخاء لم يُكدِّرْهُ بِمَنْ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 301 وإذا ما سَنَةٌ مُجحِفَةٌ ... بَرَتِ المالَ كَبْريٍ بالسَّفَنْ حَسَرتْ عنهُ نقياً عرضُهُ ... طاهرَ الأثوابِ ما فيهِ دَرَنْ وروى حمزة عن عائشة، وابنه عبد الواحد بن حمزة حمزة روى عن عمِّه عبادِ بن عبد الله [بن] الزبير. وروى عن عبد الواحد عبد العزيز بن محمد الدَّراوَرْدِيُّ وموسى بن عقبة. وأما ثابتُ بن عبد الله بن الزبير: فكان بذيئاً لسِنا بئيساً. وولد ثابت نافعا ومُصْعبا. ويكنى نافع أبا عبد الله. ومات سنة خمس وخمسين ومئة، وقد بلغ اثنتين وتسعين سنة. وابنه أبو بكر عبد الله بن نافع: سمع مالك بن أنس، ذكره مسلم في كتاب " الكنى ". وأما أخوه مصعب بن ثابت: فمات بالمدينة سنة سبع وخمسين ومئة، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. وابنه عبد الله بن مصعب: كان عامل مروان بن محمد على المدينة واليمن، وهو والد مصعب بن عبد الله الزُّبيري، وبكار والد الزُّبير بن بكار. وكان الغالب على مصعب بن عبد الله الزُّبيريِّ النسب والأخبار. وله كتاب في نسب قريش، وكذلك ابن أخيه الزبير بن بكار. ووَليَ الزُّبير قضاء مكة. وأما موسى بن عبد الله بن الزبير: فكان له عقب بالمدينة، منهم: صُدَيقُ ابن موسى، وكان من سَرِواتِ قُريش. ومن موالي عبد الله بن الزُّبير أبو نُعيم وهْبُ بن كَيسان: وهو من التابعين. روى عن جابر بن عبد الله وعمر بن أبي سَلمة. ولمالك عنه في الموطأ حديثان. عروةُ بن الزبير: كنيته أبو عبد الله وأبو محمد، كان يُدعى بهما، وأبو عبد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 302 الله أشهر. وكان فقيها فاضلا، وهو أحد الفقهاء السبعة. قال عمر بن العزيز: ما أحد أعلم من عروة بن الزبير. وقال ابن شهاب: عروة بحر لا تكدَّرُه الدَّلاء. وكان من الزهَّاد في الدنيا، الراغبين في الآخرة، العالمين بالكتاب والسُّنَّة. تمنىَّ على الله خير أُمنية بصدق نية، فأنعم عليه بما يتمنى، وسهَّل له مطلوبّهُ وسَنَّى. ذُكر أنه اجتمع عبد الله بن الزبير وعُروة ومُصعب أخواه وعبد الملك بن مروان يوما بمكة في حِجْر إسماعيل عليه السلام. فقال بعضهُم: هلمَّ فَلنْتمنَّ على الله، فإن هذا موضع استجابة للدُّعاء. فقال عبد الله بن الزبير: أتمنَّى أن أملك الحرمين، وأُسمَّى أمير المؤمنين. وقال مصعب بن الزبير: اتمنَّى أن أَلِيَ العراقين، وأن أنكح عائشة بنت طلحة وسُكينة بنت الحسين. وقال عبد الملك بن مروان: أتمنى أن أملك الأرض كلَّها. وقال عروة بن الزبير: لستُ ممَّا أنتم في شيء؛ أتمنى الزُّهد في الدنيا والجنة في الآخرة، وأن أكون مِمَّن يُروى عنه هذا العلمُ. فبلغ كلُّ واحد منهم أُمنيَّتَهُ؛ فكان عبد الملك بن مروان يقول: من سَّرهُ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير. وأصابت عُروة الأكِلةُ في رجله، وهو بالشام عند الوليد بن عبد الملك فقُطعت رجله والوليد حاضر فلم يتحرَّك، ولم يشعر الوليد أنها تُقطع حتى كُويَتْ، فوجدوا رائحة الكيِّ، وبقي بعد ذلك ثماني سنين. ولما قُطعت رجله ووُضعت بين يديه قال: الحمد لله الذي أخذ مني واحدة، وأبقى لي ثلاثا، يعني رجله الأخرى ويديه. ولم يدع وِردَةُ تلك الليلة. وقال أيضا: لعَمرُك ما أهويتُ كفي لريبَةٍ ... ولا حَملتْني نحوَ فاحشةٍ رِجْلي ولا قادني سمعي ولا بَصري لها ... ولا دلَّني دِيني عليها ولا عقلي وأَعلمُ أني لم تُصبْني مُصيبةٌ ... منَ الدهر إلا قد أصابت فتىً قبلي وولد عُروة سنة ست وعشرين ومات سنة أربع وتسعين، قاله مصعب بن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 303 عبد الله الزبيريُّ. وكانت تلك السنة تُدعى سنة الفُقهاء، لكثرة من مات منهم فيها. وقال الواقديُّ: مات وهو ابن سبع وستين. وولد عروة عبد الله وهشاما ومحمدا ويحيى. فأما عبد الله بن عروة فكان من أخطب الناس وأبلغهم. وكان يشبَّه بخالد بن صفوان في البلاغة وقيل له: تركت المدينة دار الهجرة، فلو رجعت لقيت الناس، ولقيك الناس فقال: وأين الناس؟ إنما الناس رجلان. شامت بنكبة أو حاسد لنعمة. وعَمي قبل موته، وأعقب بالمدينة. وروى عنه أخوه هشام. ومن ولده عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة أبو الحارث. سمع عمَّ أبيه هشاما. روى عنه احمد بن حنبل. وأما هشام بن عروة: فكان فقيها، وكان من ساكني المدينة، وهو أحد أشياخ مالك. وله عنه في الموطأ خمسون حديثا، منها ستة وثلاثون مُسندة وسائرها مراسل تستند من وجوه صحاح. وقدم الكوفة أيام أبي جعفر فسمع منه الكوفيون. وقدم بغداد في آخر عُمره، فمات بها سنة ست وأربعين ومئة. ودفن في مَقْبرة الخيزُران، وأعقب بالمدينة وبالبصرة. وكان يكنى أبا المنذر. وروى هشام عن أبيه كثيرا. وروى أيضا عن امرأته فاطمة بنة عبد المنذر بن الزبير، وكانت تحته، وكانت أسنَّ منه. وأما محمد بن عروة: فكان من أجمل الناس ولا عقب له الرجال. وأما يحيى بن عروة فكان له علم بالنَّسب وأيام الناس فذكر إبراهيم بن هشام المخزوميَّ خال هشام بن عبد الملك وواليَهُ على المدينة، قادحا في نسبه. فأمر به هشام فضُرب فمات بعد الضرب. وأعقب بالمدينة. المنذر بن الزبير: كان يُكنى أبا عثمان، وكان سيدا حليما. وقُتل مع ابن الزبير. ومن ولده محمد وعاصم. فأما محمد بن المنذر فكان يقال له سيد قُريش ويكنى أبا زيد. وكان إذا مرَّ في الطريق أُطفئت النيران تعظيما له. وانقطع يوما قِبال نعلهِ، فقال برجله هكذا. فنزع الأخرى ومضى، وتركهما ولم يعرِّج الجزء: 2 ¦ الصفحة: 304 عليها. وهو القائل: ماقلَّ سفهاء قوم قطُّ إلا ذلَّوا. وله عقب. وأما عاصم بن المنذر فمن ولده أبو عبد الله بن الزبير بن أحمد بن سليمان ابن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام، مات قبل العشرين وثلاثمئة، وكان أعمى. وله مصنفات في مذهب الشافعي كثيرة مليحة، منها: الكافي، وكتاب النِّية، وكتاب سَترِ العورة، وكتاب الهدية، وكتاب الاستشارة والاستخارة، وكتاب رياضة المتعلم، وكتاب الإمارة. انقضى ذكر ولد الزبير من أسماء بنت الصديق وأعقابهم. ذكرُ ولد الزبير من غير أسماء رضي الله عنها، وهم: مصعب، وحمزة، وقتل حمزة مع أخيه عبد الله بمكة، ولا عقب له، وخالد، وعمر، وعبيدة، وجعفر. فأما مصعب: فكان يكنى أبا عبد الله وأبا عيسى، وكان أجود العرب جميلا، باهر المَرْآةِ، شريف النفس، بعيد الهمَّة غزيزها. وفيه يقول عبيد الله بن قيس الرقيات: إنما مصعبٌ شهابٌ من الله ... تجلَّتْ عن وجههِ الظُّلماء مُلكُهُ ملكُ رحمةٍ ليسَ فيه ... جَبروتُ منهُ ولا كِبرياءُ يتَّقي اللهَ في الأمور وقد أف ... لحَ مَن كان همُّه الاتِّقاء وولاَّهُ أخوه عبد الله العراقين، فسار إليه عبد الملك، ووجَّه أخاه محمد بن مروان على مقدِّمته. فلقيه مصعب فقاتلهُ، فقتل محمد مصعبا بدير الجاثليق بين الشام والكوفة سنة إحدى وسبعين. وقُتل ابنه عيسى بن مصعب معه. وخطبة أخيه عبد الله حين بلغه قتله مما يُعدُّ من فصاحته وبلاغته. يُروى أنه لما أتى عبد الله بن الزبير قتل مصعب خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعدُ فإنه أتانا خبر مصعب فسُرونا واكتأبنا، فأما السرور فلما قُدِّر له من الشهادة و .... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 305 له من الثواب. وأما الكآبة فلوعة يجدها الحميمُ عند فراق حميمه. وإذا والله ما نموتُ. وجمع المصعب بين عَقيلتين لم يجمع بينهما شريف، وهما سُكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله. وكانتا في غاية من الشرف والجمال. وأخبار سُكينة أكثر من أن تُحصى. وكانت سُكينة تحت المصعب حين قتل. ولما كان يوم مَسكين وهرب أكثر الناس عن المصعب دخل إلى سُكينة بنة الحسين وكانت له شديدة المحبة، وكانت تُخفي ذلك عليه، فلبس غِلالة وتوشَّح عليها، وانتضى السيف. فلما رأت ذلك عَلِمت أنه عزم ألا يرجع فصاحت من ورائه: فالتفت إليها، فقال: أوهذا لي في قلبك؟ فقالت: أي والله وأكثر من هذا. فقال: أما لو علمت لكان لي ولك شأن. ثم خرج، فقال لأبنه عيسى: أنجُ إلى نجائك، فإن القوم لا حاجة بهم إلى غيري. فقال: يا أبتاه لا أحرِّف عنك والله أبدا، فقال له؛ وهي الحظوظُ، أما والله لئن فعلت ذلك لما زلت أعرف الكرم في أسرارك وأنت تَقلَّب في مَهدك. فقتل بين يدي أبيه ففي ذلك يقول شاعر أهل الشام من اليمامة: نحن قتلنا مُصعباً وعيسى وابنَ الزبير البطلَ الرئيسا عَمْداً أذٌَْنا مُضَرَ التبئيسا وقال رجل من أهل الشام يذمُّ رجلا: فلو كانَ شَهْمَ النَّفس؟ أوذا حفيظةٍ ... رأى ما رأى في الموتِ عيسى بنُ صعبِ ولما أرادت سُكينة بنت الحسين الرحيل من الكوفة بعد قتل زوجها المصعب حفَّ بها أهل الكوفة، وقالوا: أحسن الله صحابتك يابنة رسول الله. فقالت: لا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 306 جزاكم الله خيرا من قوم، ولا أحسن الخلافة عليكم. قتلتم أبي وجدي وعمي وزوجي، أيتمتموني صغيرة وأرملتموني كبيرة. ومما نُقم على أهل الكوفة أنهم أغدر الناس؛ انتهبوا عسكر الحسن بن غلي وهم من جنده، وخذلوا الحسين بن عليٍّ بعد أن استدعوه حتى قُتل، وشكوا سعد ابن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب، وزعموا أنه لا يحسن أن يُصلي، فدعا عليهم ألاَّ يُرضِيهم الله عن وال، ولا يُرضي واليا عنهم. وقد دعا عليهم عليُّ بن أبي طالب وقال: اللهمَّ ارمهم بالغلام الثَّقفيِّ الذي لايقبل من مُحسنهم ولا يتجازو عن مُسيئهم، وشكوا عمار بن ياسر والمغيرة بن شعبة، وطردوا سعيد بن العاصي والوليد بن عقبة، وقالوا لعثمان: لا حاجة لنا في سعيدك ولا وليدك. وقال بعض شعرائهم: يا وَيلتي قد ذهبَ الوليدُ وجاءنا من بعده سعيدُ ينقصُ في الصَّاع ولا يزيدُ ومن أخبار عائشة بنت طلحة: نظر أبو هريرة رضي الله عنه إلى عائشة بنت طلحة فقال: سبحان الله ما أحسن ما غذَّاك أهلُك! والله ما رأيت وجها أحسن من وجهك إلا وجه معاوية على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان معاوية من أحسن الناس وجها. ونظر ابن أبي ذئب إلى عائشة بنة طلحة تطوف بالكعبة فقال لها: من أنت؟ فقالت: من اللائي لم يَجْجُجْنَ يَعْين حِسبةً ... ولكنْ ليقتلْنَ البريء المُغفَّلا مثلك أبا عبد الله. قال: صان الله ذاك الوجه عن النار. قيل: أفَتَنتْك أبا عبد الله. قال: لا، ولكنَّ الحسن مرحوم. وعن الشعبيِّ قال: إني لفي المسجد نصف النهار إذ سمعت باب القصر يُفتح، فإذا بمصعب بن الزبير معه جماعة، فقال: يا شعبيُّ اتبعني، فاتبعته فأتى دار موسى بن طلحة، فدخل مقصورة، فأتبعته فإذا امرأة جالسة عليها من الحلي والجواهر مالم أر مثله، ولهي أحسن من الحلي الجزء: 2 ¦ الصفحة: 307 الذي عليها. فقال: ياشعبيُّ، هذه التي يقول فيها الشاعر: وما زلتُ في ليلي لَدُنْ طَرَّ شاربي ... إلى اليوم أُخفي حبَّها وأداجِنُ وأحملُ في ليلي لقَومي ضغينةً ... وتُحملُ في ليلي عليَّ الضغائنُ هذه عائشة بنت طلحة. فقالت: أمَّا إذ جَلَوْتني عليه فأحسن إليه فقال: يا شعبيُّ، رُحِ العشيَّة، فرحتُ. فقال: يا شعبيُّ ما ينبغي لمن جُليت عليه عائشة أن يُنقص من عشرة آلاف شيئا. فأمر لي بها وبكسوة وبقارورة غالية. فقيل للشعبِّي في ذلك اليوم: كيف الحال؟ قال: وكيف حال من صدر عن الأمير ببدرة وكسوة وقارورة غالية ونظر في وجه عائشة بنت طلحة؟ وكانت قبل مصعب عند ابن خالها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدِّيق، فولدت له طلحة، وكان جوادا، ولم تلد إلا له. وأصدق المصعب عائشة حين تزوجها ألف ألف درعهم. وفي صداقها قال أنس ابن زُنيم الدُّؤليُّ، وكان مع المصعب بالعراق لأخيه، وكان مع عبد الله بن الزبير بمكة: أَبلغْ أميرَ المؤمنينَ رسالةً ... من ناصحٍ لكَ لا يريدُ وَداعا لو لأبي حَفصٍ أقولُ مقالتي ... وأقصُّ شأنَ حديثهم لارتاعا قوله: أبلغ أمير المؤمنين يعني عبد الله بن الزبير. وقوله: لو لأبي حفص يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد أثبت هذه الأبيات لقائلها في صدر هذا الكتاب عند ذكر بني الدُّئل في كنانة. وتزوَّجها بعد قتل المصعب عُمر بن عبيد الله بن مَعْمر، وروى مصعب عن أبيه الزبير، كذا قال مسلم في الكنى، وكناه بأبي عبد الله. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 308 وولد مصعب عيسى وعُكاشة وجعفر وحمزة، فأما عيسى فقُتل مع أبيه ولا عقب له، وأما عُكاشة فكان له عقب بالمدينة. وابنه مصعب بن عكاشة: قُتل يوم قُديد. وأما جعفر فتزوَّج مُليكة بنت الحسن بن الحسن بن علي فولدت له نساء، وله ولد من غيرها. وأما حمزة فقُتل هو وابنه عُمارة يوم قُديد. وأعقب بالمدينة. ومن ولده: أبو إسحاق إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير. سمع والدَّرواورْديَّ وابن وهْبٍ. وأما خالد بن الزبير: فاستعمله أخوه عبد الله على اليمن. وله عقب منهم خالد بن عثمان بن الزبير. كان خرج مع محمد بن عبد الله الحُسيني، فأخذه أبو جعفر فصلبه. وأما عمرو بن الزبير: فكان يُكنى أبا الزبير، وكان له قدر كبير. وخالف أخاه عبد الله، فقاتله، ثم جاءه في جُوار عُبيدة أخيه، فقتله. وله عقب. وابنه عمرو بن عمرو: الذي يقول أبو حُكيم الحزين بن سُليمان: لو ان اللُّؤمَ كان معَ الثريا ... تناولَ رأسه عمرُو بنُ عمرِو وقيل: اسم الحزين عمرو بن عبيد من بني ليث بن كنانة. ذكر هذا الواقديُّ. والأولُ قولُ عمر بن شَبَّة. وقال إنه مَوليِّ. وأما عُبيدة بن الزبير فهو الذي قال لعمرو بن الزبير حين قاتل أخلاه عبد الله: امض معي إليه، وأنت في جواري. فإن أمنك وإلا رددتُك إلى مأمنِك. فمضى معه، فلم يُجر عبد الله أمانه، وأقصَّ منه حتى مات. ولعبيدة عقب. وأما جعفر بن الزبير فكان من فتيان قريش. وكان صاحب غزل، وابنه محمد بن جعفر روى عن ابن عمِّه عبَّادِ بن عبد الله بن الزبير عن عائشة حديث الرجل الذي وطئ نهارا في رمضان. فقال: احترقت. خرَّجه مسلم. ورواه عنه عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد شيوخ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 309 مالك. وروى أيضا عن عمِّه عُروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن مات وعليه صيام صام عنه وليُه ". ومن بنات الزبير رملةُ: وكانت تحت خالد بن يزيد ين معاوية وكان يحبُّها، زفيها يقول: تجولُ خلاخيلُ النساء ولا أرى ... لرملةَ خَلخالاً يجولُ ولا قُلْبا فلا تُكثِروا فيها الملامَ فإنني ... تخيَّرتُها منهم زُبيريةً صُلبا أحب بني العوَّام طُرَّاَّ لحبِّها ... ومن أجلها أحببتُ أخوالها كَلبا وافتعل على لسان خالد بيت رابع، وهو: فإنْ تُسْلمي أْسْلمْ وإنْ تَتنصَّري ... يُعلِّقْ رجالٌ بين أعيُنِهم صُلْبا ويروى أن عبد الملك بن مروان أنشد خالدا البيت فغضب وقال: يا أمير المؤمنين على قائله لعنة الله. ومن موالي الزبير البَهيُّ الذي يروي عن عائئشة، واسمه عبد الله بن يسار، ويكنى أبا محمد. ونزل الكوفة، فروى عنه الكوفيون. روى البَهيُّ عن عائشة قال: سأل رجل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس خير؟ قال: ....... خرَّج الحديث مسلم. ومن موالي آل الزبير حُميدُ بن قيس الأعرج المكيُّ أحد أشياخ أبي عمرو ابن العلاء في القراءة. وكان قاريء أهل مكة، كثير الحديث، فارضا، حاسبا. وروى عنه مالك في الموطأ، وقرأ على مجاهد. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 310 وأخوه عمر بن قيس يضعَّفُ في حديثه. وكان الزبير من الإخوة: السائب وعبد الرحمن فأما السائب فكان شقيق الزبير، وشهد أحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقُتل يوم اليمامة شهيدا. وأما عبد الرحمن فكان أخا الزبير لأبيه وأسلم عام الفتح، وصحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم، واستشهد يوم اليرموك، وقُتل ابنه عبد الله بن عبد الرحمن يوم الدار. وامرأته جميلة بنت عبد العزَّي بن قَطَن من بني المُصْطلِقِ من خزاعة، كانت من المبايعات. ولا نعلم لها رواية. وهي أمُّ ابنه عبد الله بن عبد الرحمن وغيره. وأبوها عبد العزَّي بن قَطنٍ هو الذي شَبَّه به رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجّال في حديث النَّواسِ بن سَمعان. خرَّجه مسلم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 311 أبو محمد طلحة بن عبيد الله الجزء: 2 ¦ الصفحة: 313 أبو محمد طلحة بن عبيد الله ابن عثمان نب عمرو بن عامر نب عثمان بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة ابن كعب. نسبه ونسب أبي بكر الصديق واحد، يجتمع معه في كعب بن سعد ابن تميم. وكان يقال له طلحة الخير وطلحة الجُود وطلحة الفيَّاض. وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: " أوجب طلحةُ ". الترمذي: حدثنا أبو سعيد الأشجُّ: نا يونس بن بُكير عن محمد بن إسحاق، عن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جده عبد الله ابن الزبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان، فنهض إلى صخرة فلم يستطع، فأقعد تحته طلحة، وصعد النبيُّ صلى الله عليه وسلم، حتى استوى على الصخرة فقال: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: " أوجب طلحة، وكان شهيدا وهو حيٌّ ". الترمذي: نا قُتيبة: نا صالح بن موسى الطَّلحيُّ من ولد بن عبيد الله، عن السَّلطيِّ بن دينار، عن أبي نضرة قال: قال جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " " من سَّره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر طلحة بن عبيد الله ". وكان ممَّن أنزل الله فيه؛ " فمنهم مَن قَضى نحبه ". الترمذي: حدثنا عبد القدوس بن محمد العطار: نا عمرو بن عاصم، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمِّه موسى بن طلحة قال: دخلت على معاوية الجزء: 2 ¦ الصفحة: 315 فقال: ألا أبشِّرُك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " طلحة ممَّن قضى نحبه ". وقال البخاريُّ في كتاب " الفوائد " له: حدثنا أبو كُريب محمد بن العلاء: نا يونس بن بُكير: نا طلحة بن يحيى عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابيٍّ جاهل: سَله عمَّن قضى نحبه مَن هو؟ وكانوا لا يجترئون هم على مسألته يُوقِّرونه ويهابونه. فسأله الأعرابيُّ فأعرض عنه. ثم إني طلعت من باب المسجد وعليَّ ثياب خضر، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " " أين السائل عمَّن قضى نحبه؟ ". قال الأعرابيُّ: أنا يا رسول الله. قال " " هذا ممَّن قضى نحبه ". وخرَّج الترمذيُّ هذا الحديث عن البخاري. بسنده ونصِّه. وكان ممَّن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وسلم يوم أحد ووقاه بيده من ضربة قُصد بها فشلَّت يده. حدَّث أحمد بن زهير أبي خيثمة قال: نايحيى بن معين: نا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: رأينت يد طلحة شلاَّء. الترمذي: عن علي بن أبي طالب قال: سمعت أذني من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " طلحة والزبير جاراي في الجنَّة ". وقال أبو عليٍّ إسماعيل بن القاسم البغداديُّ في " النوادر " له: حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم قال: نا خلف بن عمرو العكْبريُّ قال: نا أبو عبد الرحمن بن عائشة قال: نا عبد الرحمن بن حماد عن طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد الله قال: رمي إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بسفرجلة وقال: " دونكها يا أبا محمد فإنها تجمُّ الفؤاد " قال أبو بكر: قال خلف بن عمرو: قال أبو عبد الرحمن ابن عائشة: تجمُّ الفؤاد: تُريحه. قال أبو بكر وقال غيره: تجمُّ الفؤاد معناه تفتحه وتوسِّعه. من جمام الماء وهو اتساعه وكثرته. ولم يشهد طلحة بدرا. قدم من الشام بعد رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم منبدر. فضرب له صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره، فكان كمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 316 شهدها. وهو من المهاجرين الأولين. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين كعب بن مالك حين آخى بين المهاجرين ةالأنصار. وأمُّ طلحة الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء بن الحضرميِّ. وكانت قبل عُبيد الله عند أبي سفيان بن حرب، فطلقها، ثم تتبَّعتها " نفسه " وقال: إني وصعبةُ فيما نَرى ... بَعيدانِ والودُّ ودٌّ قريبُ فإلاَّ يكنْ حسَبٌ ثاقبٌ ... فعند الفتاةِ جمالٌ وطيبُ فيالَ قُصيٍّ ألا فاعْجبوا ... ألِلْوبَرِ صار الغزالُ الربيبُ؟ كان طلحة أول من بايع عليا عندما قُتل عثمان، وكانت يدُه شلاء. فقال رجل ممَّن " شهد ": يد شلاء بايعت أولا، ما أسرعها للنكث! فكان كما قال. وحضر الجمل مع عائشة " ومع " مروان بن الحكم. وروى جُويرية بن أسماء عن يحيى بن سعيد عن عمِّه قال: رمى مروان بالسَّهم ثم التفت إلى أبان بن عثمان. فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك وقال أحمد بن .... : نا عبد السلام ابن صالح: نا عليُّ بن مُسهر: نا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم .... أبصر طلحة بن عبيد الله واقفا يوم الجمل. فقال: لا أطلب بثأري بعد اليوم، فرماه، فأصاب فخذه فشكها بسرجة، فانتزع السهم فكان إذا أمسكوا الجرح انتفخت الفخذ وإن خلَّوه سال الدم فقال طلحة: دعوه فإنه سهم من سهام الله أرسله، فمات فدُفن بقنطرة ... رأت عائشة بنته بعد موته بثلاثين سنة في المنام أنه يشكو النَّرَّ، فأمرت به فاستخرج " وتولى " إخراجه عبد الرحمن بن سلامة التميمي فدُفن في داره في الهَجَريِّي بالبصرة ... وقيل: إنهم لما نبشوا عنه وجدوا ما يلي الأرض من " جسمه " مخضرا وقد تحاصَّ شعَرُهُ فاشتروا له دارا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 317 من دور أبي بكرة بعشرة آلاف " درهم فدفنوه " فيها. وقيل: وهو ابن ستين سنة. وقيل: ابن اثنين وستين، لعشر خَلون من جُمادي الآخر سنة ست وثلاثين. وسمع عليٌّ رضي الله عنه رجلا ينشد: فتىً كان يُدنيهِ الغني من صديقِهِ ... إذا ماهو استغنى ويبعِدُه الفقرُ قال: ذلك أبو طلحة بن عبيد الله رحمه الله. وقيل: أنَّه لما انقضى يوم الجمل خرج عليُّ بن أبي طالب في الليلة التالية ليومه ومعه قُنبر، وبيده مشعلة من نار يتصفَّح بها القتلى حتى وقف على رجل قال: أهو طلحة؟ قال: نعم. فلمَّا وقف عليه قال: أعزز عليَّ أبا محمد بأن أراك معفَّرا تحت نجوم السماء، وفي بطون الأودية: شَفيتُ نفسي، وقتلتُ معشري ... إلى اللهِ أشكو عُجَري وبُجَري قوله: عُجري وبجري يقول: ما أسرُّ من أمري. قال الأصمعيُّ: وهو قول سائر في أمثال العرب، لَقي فلان فلانا فأبَثَّه عُجرَهُ " وبُجَرهُ ". وقال الطبريُّ في تاريخه: قال عليٌّ رضي الله عنه حين أمسى من يوم " الجمل " وانحسر عن القتال: إلَيك أشكو عُجَري وبُجَرَي ومعشراً أعشَوا علليَّ بصري قتلْتُ منهم معشراً بمُضَري شَفيْتُ نفسي وقتلتُ مَعشري الجزء: 2 ¦ الصفحة: 318 وذُكر أن علياً رضي الله عنه لما وقف على مصرع طلحة بكى أخضلَ لحيته بدموعه. ثم قال: إني لأرجو أن أكون أنا وأنت ممَّن قال فيهم:) ونَزعْنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سُررٍ متقابلين (. ووقف على مصرع ابنه السَّجاد فقال: هذا رجل قتله بِرُّه بأبيه. حلية طلحة: قال موسى بن طلحة " كان " أبيض يضرب إلى الحمرة، مربوعا، هو إلى القصر أقرب، رحب الصدر عظيم المنكبين إذا التفت التفت جميعا، ضخم القدمين لا أخمص لها. وإذا كان الرجل لا أخمص لقدميه فهو أرحُّ. " وقال " الفضل بن دُكين عن قيس بن الربيع عن عمران بن موسى بن طلحة عن أبيه قال: كان في يد " طلحة " خاتم من ذهب، فيه ياقوتة حمراء، وكانت غَلَّته كلَّ يوم ألف درهم واف. أولاد طلحة: وكانوا عشرة، وهم: محمد وعمران وعيسى وموسى وإسحاق وإسماعيل ويعقوب وزكرياء وصالح. فأما محمد بن طلحة: فكان من خيار أبنا الصحابة وعُبَّادهم يدعى السَّجاد لكثرة سجوده. وأمُّه حَمْنَة بنت جحش أخت زينب بنت جحش زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فمسح رأسه وسماه محمدا وكناه بأبي القاسم. وروى يزيد ابن هارون عن أبي ش ... بن عثمان، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آلا طلحة. عن عيسى بن طلحة قال: حدَّثتني ظئرُ طلحة قالت: لما وُلد محمد بن طلحة أتينا به النبيَّ عليه السلام فقال: ما سمَّيتموه؟ قلنا: ... [قال:] " هذا سَمِيِّ ". وكنيته أبو القاسم. وكان عليٌّ قد نهى عن قتله يوم الجمل، وقال: " إياكم وصاحبَ " الجزء: 2 ¦ الصفحة: 319 البرُنُسِ وكان أبوه طلحة قد أمره أن يتقدَّم للقتال. فتقدم ونثل درعه بين " رجليه وقام " عليها. وجعل كلمَّا حمل عليه رجل قال: نشدُّ بحاميم. حتى شدَّ عليه رجل فقتله " فأنشأ يقول ": وأشعثَ قوَّامٍ بآياتِ ربِّهِ ... قليلِ الأذى فيما تَرى العينُ مُسْلمِ ضَممتُ إليه بالقناةِ قميصَهُ ... فخرَّ صريعاً لليدينِ وللفَمِ على غير شيء أنْ ليس تابعاً ... علياً، ومن لا يتْبَعِ الحقَّ يظْلِمِ يذكِّرني حاميمَ والرمحُ شاجرٌ ... فهلاَّ تلا حاميمَ قبلَ التقدُّمِ وولد محمد بن طلحة إبراهيم: وكان أصلع أعرج سيدا، يسمَّى أسد الحجاز. و " استعمله " عبد الله بن الزبير على خراج الكوفة، ومات بمكة وهو مُحرم. ويُكنى أبا إسحاق. وسمع عا ... وأبا هُريرة وعمَّه عمر بن طلحة. وروى عنه عبد الله بن محمد بن عقيل ومخرمة بن سُليم ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة. وولد إبراهيم عمران ويعقوب. وأمُّهما بنت ... بن طلحة، وأمُّها لُبابة بنت عبد الله بن العباس وموسى. فولد " عمران بن " إبراهيم محمد بن عمران، قاضي المدينة لأبي جعفر. وولي القضاء أيضا ابني أمية، وكان جليلا مهيبا صارما. ولما بلغ موته أبا جعفر المنصور قال: اليوم استوت قريش. وكان بخيلا، وهو القائل حين عوتب في البخل: إني لا أجمُدُ عن الحق ولا أذوب في الباطل. ومات وهو على قضاء المدينة سنة اربع وخمسين ومئة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 320 وأما موسى بن إبراهيم بن محمد بن طلحة فولد عبد الله، ويُكنى أبا محمد روى عن أسامة بن زيد اللَّيثيِّ مولى لهم. وروى عنه إبراهيم بن حمزة وإبراهيم بن حمزة وإبراهيم ابن المنذر. وأما عمران بن طلحة فكان شقيق محمد السجَّاد، وكانت عنده أمُّ كلثوم بنت الفضل بن عباسٍ، ولا عقب له. وأما عيسى بن طلحة فكان يكنى أبا محمدٍ، وروى عن أبيه وابن عمر وعبد الله بن عمرو. روى عنه الزهريُّ وابن أخيه طلحة بن يحيى وكان عيسى ناسكاً بخيلاً، ووفد إلى عبد الملك بن مروان فكلَّمه مع عمر بن عبد الرحمن بن عوف في عزل الحجاج عن الحجاز فعزلَهُ. وتُوفي في خلافة عمر بن العزيز، وله عقب. وأما موسى بن طلحة: فكنيته أبو عيسى وسمع أباه وعائشة وأبا هُريرة، روى عنه عبدُ الملك بن عُمير وسماك. ومات موسى بالكوفة سنة أربع ومئة. وكان يشدُّ أسنانه بالذهب، ويخضِب بالسواد. وابنه محمد بن موسى: كانت أمُّه بنت عبد الرحمن بن أبي بكرٍ الصديق. ووجَّهه عبد الملك بن مروان إلى شَبيبٍ فقتله شبيب. وأخوه عمران بن موسى: كانت أمُّه أمُّ ولدٍ، وكان سخياً. وأما إسحاق بن طلحة: فكان معاويةُ استعمله على خراسان شريكاً لسعيد بن عثمان بن عفان. ومات بالريِّ وأعقب عدداً من الولد. وأما إسماعيل بن طلحة: فكان سَرياً، وكانت عندهُ لُبابةُ بنت عبد الله ابن عباس. وأما يعقوب بن طلحة: فقُتل يوم الحَرَّة، وأعقب. وأما يحيى بن طلحة: فكان من خيار ولد طلحة. وابنه أبو محمد إسحاق بن يحيى بن طلحة: روى عن عمِّه موسى بن طلحة الجزء: 2 ¦ الصفحة: 321 وعن المسيَّب بن رافع. وروى عنه ابن مبارك ووكيع والهيثم بن جميل وعمرو بن عاصم. وأمُّ إسحاق أمُّ إياس بنت أبي موسى الأشعري. وأخوه طلحة بن يحيى: روى عن عميَّة موسى وعيسى ابني طلحة. وروى عنه يونس بن بكير. وأما زكرياء بن طلحة: فهو شقيق عائشة بنت طلحة: أمُّهما أمُّ كلثوم بنت أبي بكرٍ الصديق. وكان زكرياء بن طلحة سخياً، وأعقب. وأما صالح بن بن طلحة: فأمُّه تغلبية، ولم أجد له خبراً يُذكر. ومن موالي طلحة مسلم بن يسار: وكان لا يفضل عليه أحد في زمانه. وكان إذا غضب، فاشتدَّ غضبه قال: فُرِّق بيني وبينك. وإذا قالها علموا أنه لم يبق بعد ذلك شيء. وتُوفي سنة مئةٍ أو إحدى ومئة. وابنه عبد الله بن مسلم بن يسار: وقد رُوى عنه. وكان مسلم لا يلعن شيئاً، فإذا غضب على البهيمة قال: أكلت سُمّاً قاضياً. وكان يقول: إني لأكرهُ أن أمسَّ فرجي بيميني، وأنا آخذ بها كتابي. ومن موالي طلحة أيضاً أبو نُعيم الفضل بن دُكين المحدِّث. كان يروي عن الثوريِّ والأعمش. وتُوفي بالكوفة سنة تسع عشرة ومئتين. وكان لطلحة إخوة: عبد الرحمن بن عبيد الله وعثمان بن عبيد الله. فأما عبد الرحمن: فكانت له صحبة، وقُتل يوم الجمل مع أخيه طلحة رحمهما الله. وأما عثمان: فأسلم وهجر وصحب النبيَّ صلى الله عليه وسلم. ولا تُحفظُ له رواية. وابنه عبد الرحمن بن عثمان: من الصحابة، أسلم يوم الحديبية، وقيل: بل أسلم بعد يوم الفتح. وقُتل مع ابن الزبير بمكة في يومٍ واحد. ومن ولده محمد بن طلحة بن محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله. وكان أعلم الناس بالنسب والمغازي. وقد روى عنه الحديثُ. وكان لعبد الرحمن الجزء: 2 ¦ الصفحة: 322 أيضا ابنان: مُعاذ وعثمان رويا عنه، وهما أخوا محمد جدِّ النسَّابة محمد بن طلحة بن محمدٍ. وروى عن عبد الرحمن بن عثمان محمد بن المُنكدر وأبو سلمة ابن عبد الرحمن ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب. من حديثه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضيَّة سلك بين الشجرتين اللتين في المَروة مُصعداً. ومن حديثه أيضاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لُقطة الحاج. قال محمد بن سعد كاتب الواقديِّ: يقال لعبد الرحمن هذا: شارب الذهب. ومن خلفاء عثمان بن عبيد الله أبو عامر: جد والد مالك بن أنس بن مالك ابن أبي عامر. ولأبي عامر صحبة. وهو أصبحيٌّ من ذي أصبح من حمير، وإليه تنسب السياطُ الأصبحيَّة. واسمه الحارث بن مالك بن زيد بن قيس بن ضبعي بن حمير الأصغر. ومالك بن أبي عامر: جد مالك بن أنس لأبيه. روى عن عمر وعثمان وطلحة وأبي هريرة، وكان ثقةً. وعمُّ مالك أبو سهيل: واسمه نافع. روى عنه الحديث مالك وغيره. مالك: عن عمَّه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: كنت أرى طنفسةً لعقيل بن أبي طالب يوم الجمعة تُطرح إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشي الطنفسة كلَّها ظلُّ الجدار خرج عمر بن الخطاب فصلى الجمعة. قال: ثم تُرفع بعد صلاة الجمعة ... وقال يحيى بن بكير: مولد مالك بن أنس بذي المروة. وكان أخوهُ يبيع البَزَّ ... الجزء: 2 ¦ الصفحة: 323 أبو محمد عبد الرحمن بن عوف الجزء: 2 ¦ الصفحة: 325 أبو محمد عبد الرحمن بن عوف ابن عبد عوف بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي. نسبُه ونسب سعد بن أبي وقاص واحد يجتمع معه في زهرة بن كلاب ويجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يجتمع معه سعدٌ في كلاب بن مرّة، وأمُّه الشِّفاء: زهرية أيضاً أبوها عوف بن عبد " بن " الحارث بن زهرة. فهي بنت عمِّ أبيه، وهو من المهاجرين الأولين. وجمع الهجرتين جميعاً إلى أرض الحبشة، ثم قدِم قبل الهجرة إلى المدينة من أرض الحبشة. وهاجر إلى المدينة، وشهد بدراً، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع. وكان اسمه في الجاهلية عبد عوف، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن. وكان جواداً كريماً كثير المعروف والصدقة والنفقة في سبيل الله. الترمذي: حدثنا قُتيبة: نا بكر بن مضر عن صخر بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عائشة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أمركنَّ عمَّا يُهمِني بعدي، ولن يصبر عليكنَّ إلا الصابرون ". قال: ثم تقول عائشة: فسقى الله أباك من سلسبيل الجنة. تريد عبد الرحمن بن عوف، وكان قد وصل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمالٍ بيعت بأربعين ألفاً. وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دُومة الجندل إلى كلب وعمَّمه بيده، وأسدَلها بين كتفيه وقال له: " سِر باسم الله ". وأوصاه بوصاياه لأمراء سَراياهُ، ثم قال له: " إنْ فتح اللهُ عليك فتزوجْ بنتَ مليكِهم " أو قال شريفهم ". وكان الأصبغ بن ثعلبة بن ضَمضَمَ الكلبيُّ شريفهم. فتزوَّج بنتَهُ تُماضر، فهي أمُّ ابنه أبي سلمى الفقيه. وكان عبد الرحمن أحد العشرة الذين شَهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزء: 2 ¦ الصفحة: 327 بالجنة، وأحد الستَّة الذين جعل عمر فيهم الشورى. وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفيَ وهو عنهم راضٍ. وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك. ورُوي عنه عليه السلام أنه قال: " عبد الرحمن بن عوف من سادات المسلمين ". ورُوي عنه عليه السلام أنه قال: " عبد الرحم بن عوف أمينٌ في السماء أمين في الأرض ". وحدَّث يزيد بن هارون قال: نا أبو المعلَّى الجَزَريُّ عن ميمون بن مِهران، عن ابن عُمر أن عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى: هل لكم أن أختار لكم وأنتقي منها؟ فقال علي رضي الله عنه: أنا أولُ من رضي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أنت أمين في السماء أمين في أهل الأرض ". وقال الزبير بن بكار: كان عبد الرحمن بن عوف أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه. وروى عبد الملك بن عُمير عن قُبيصة بن جابر قال: دخلت على عمر، عن يمينه رجل كأنه قُلب فضة، وهو عبد الرحمن بن عوف، وكان تاجراً مجدوداً في التجارة، وتكسَّب مالاً كثيراً، وخلَّف بعير وثلاثة آلاف شاه ومئة فرس ترعى بالبقيع. وكان يزرع بالجُرف على عشرين ناضحاً، فكان يُدخل من ذلك قوت أهله سنةً. وروى ابنُ عُيينة عن عمرو بن دينار، عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: صالحنا امرأة عبد الرحمن التي طلَّقها في مرضه من ثُلُث الثِّمن بثلاثةٍ وثمانين ألفاً. وقد روى غير ابن عيينة في هذا الخبر أنها صولحت بذلك عن رُبع الثِّمن من ميراثه. وروى الثَّوريُّ عن طارق عن سعيد بن جُبير قال: نا أبو الهيَّاج قال: رأيتُ رجلاً يطوف بالبيت وهو يقول: اللهمَّ قني شحَّ نفسي. فسألتُ عنه فقيل: هذا عبد الرحمن بن عوف. ورويَ أنه أعتق في يوم واحدٍ ثلاثين عبداً. ولما حضرتْهُ الوفاةُ بكى بكاء شديداً. فسئل عن بكائه فقال: إن مصعب بن عمير كان خيراً مني؛ تُوفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يكن له ما يكفَّن فيه. وإن حمزة بن عبد المطلب كان خبراً مني، لم نجد له كفناً. وإني أخشى أنْ أكون ممَّن عُجِّلتْ له الجزء: 2 ¦ الصفحة: 328 طيباتُه في حياة الدنيا. وأخشى أن أحبس عن أصحابي بكثرة مالي. الترمذي: حدثنا عبد الرحمن بن حُميد: حدثنا محمدُ بن إسماعيل بن أبي فُدَيك: أخبرنا ابن أبي ذيب عن مسلم بن جندب، عن نوفل بن إياس الهُذليِّ قال: وكان عبد الرحمن بن عوف لنا جليساً، وكان نعم الجليسُ، وإنه انقلب بنا ذات يوم، حتى إذا دخلنا بيته، ودخل فاغتسل ثم خرج. وأُتينا بصحفةٍ فيها خبز ولحم. فلما وضعت بكى عبد الرحمن، فقلت له: يا أبا محمد، ما يبكيك؟ فقال: هلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهلهُ من خبز الشعير، فلا أرانا أُخِّرنا لما هو خير لنا. وحدث الإمام أبو عبد الله أحد بن حنبل قال: نا أبو معاوية قال: نا العمش عن سفيان، عن أمِّ سلمة، قال: دخل عليها عبد الرحمن بن عوف قالت: فقالت: يا أمَّه قد خفت أن يُهلكني كثرة مالي؛ أنا أكثر قريش مالاً. قالت: يا بُنيَّ أنفق، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنَّ من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ". فخرج عبد الرحمن ولقيَ عمر فأخبرهُ، فجاء عمر فدخل عليها فقال: بالله منهم أنا؟ فقالت: لا والله، ولا أُبِّرئ أحداً بعدك. حلية عبد الرحمن قال الواقدي: كان رجلاً طويلاً، حسن الوجه، رقيق البشرة، فيه جُمة، أبيض " مُشرباً بحمرةٍ "، ولا يغيِّر رأسه ولا لحيته. وقالت سهلة بنت عاصم بن عدي زوجُه: كان أعين أقنى، طويل الثنيَّتين العُليَين، ربما أدمى نابهُ شفته، جعداً له جمَّة أسفل من أذنيه، أعنق تنظرُ إلى صورة وجهه كانَّ حباب الماء فيها، ضخم الكعبين، غليظ الأصابع. وقال ابن هشام: إنه جُرح يوم أحدٍ عشرين جِراحة أو أكثر، أصابه بعضها في رجله فعرج. قال الواقديٌّ: ولد عبد الرحمن بن عوف بعد الفيل بعشر سنين، ومات سنة اثنتين وثلاثين، وهو يومئذ ابن خمس وسبعين سنةً. ورُوي عن أبي سلمة أنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 329 قال: تُوفي أبي وهو ابنُ اثنتين وسبعين سنةً. ودفن بالبقيع، وصلى عليه عثمانُ، وهو أوصى بذلك. وقال أبو اليقظان: قُسِّم ميراثُه على ستة عشر سهماً، فبلغ نصيب كلِّ امرأةٍ له ثمانين ألف درهم. وولد عبد الرحمن محمداً، وبه كان يُكنى، وإبراهيم، وحُميداً، وزيداً، ولا عقب له، وأمُّهم أمُّ كلثوم بنت عُقبة بن أبي مُعيطٍ، وأبا سلمة الفقيه وأمُّه تُماضر بنت الأصبغ الكلبية، ومُصعباً أمُّه سبيَّةٌ من بهراء، وعثمان وأمُّه غزال بنت كسرى من سبي سعد بن أبي وقاص يوم المدائن، وكان له عقب بالبصرة، وعبد الله الأكبر، وعُروةَ، وسالماً، وعُمر، والمسْوَرَ، وسُهيلاً، وأبا بكرٍ. فأما محمد: فكان شديد الغَيرة، وولد عبد الواحد. وله عقب. وأما إبراهيم بن عبد الرحمن: فكان سرياً، قصيراً، مسَّوداً. وتزوَّجَ سُكينة بنت الحسين، فلم تَرض بذلك بنو هاشم فخُلعت منه وكان يُكنى أبا إسحاق. وسمع أباه وعثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص. وروى عنه ابنه سعدٌ والزهريُّ. ومات سنة تسعٍ وستين، وهو ابن خمس وسبعين سنة. وولد إبراهيم سعداً وصالحاً. فأما سعد بن إبراهيم فأمُّه بنتُ سعد بن أبي وقاص، وكان قاضي المدينة زمن هشام بن عبد الملك. وقال فيه موسى شهواتك: يتَّقى الناسُ فحشَهُ واذاهُ ... مثلما يتَّقون بَولَ الحمار لا تَغرَّنَّك سجدةٌ بين عينيه ... حَذاري منها ومنها فِراري وكان سعد ثقةً من حملة الحديث. والشاعر رُبما أُغضب فهجا ذا الفضل بما ليس فيه لقلة اجتنابه عن اقتراف الإثم وتَوقِّيه. أوَ لا ترى النبيَّ عليه السلامُ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 330 لمَّا انشدَه من أطلق في قلَّة الرِّضا في بقسمة عَنانه قال بخُلقه العظيم وصفحه الجميل العميم: " اقطعوا عنه لسانه "؟ ويُكنى سعد أبا إبراهيم. وسمع أباه وعمَّيه حُميداً وأبا سَلمى والقاسم بن محمد. وروى عنه الثوريُّ وشعبةُ. وتُوفي سعد بالمدينة سنة سبع وعشرين ومئة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. وابنه إبراهيم بن سعد أبو إسحاق، كان ببغداد على بيت المال، وكان عسراً في الحديث ثقةً. أخرج مسلم عنه، فقال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الصَّباح وعبد الله بن عون الهلالي جميعاً عن إبراهيم بن سعد قال ابنُ الصَّباح: نا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: نا أبي عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو .... يعقوب بن إبراهيم يروي عن أبيه، وأخرج البخاريُّ ومُسلم عنهما أحاديث كثيرة. ويروى إبراهيم بن سعد عن أبيه كثيراً وعن ابن شهاب وغيره من الثقات العُدول. وقال إبراهيم بن سعد الزهريُّ: قال لي أبو يوسُف القاضي: ما أعجب أمركم يا أهل المدينة في هذه الأغاني! ما منكم وضيع ولا شريف ينحاش عنها؟ قال: فغضبتُ وقلت: أحداً أُسمع الغِناء فظهر منه ما يَظهرُ من سُفهائكم هؤلاء الذين يشربون المُسكِرَ فيترك أحدهُم صلاته ويطلِّق امرأتَهُ ويَقذف المحصنة من جاراته ويكفرُ بربِّه، فأين هذا من آخر اختار شعراً جيداً، ثم اختار له جِرماً حسناً فردَّده عليه فأطربَهُ وأبهجَهُ، فعفا عن الجرائم وأعطى الرَّغائب؟ قال أبو يوسف القاضي: قطعتني. ولم يُحرْ جواباً. وأما صالح بن إبراهيم فروى عن أبيه عن جدَّه عبد الرحمن حديث مُعاذ بن عمرو بن الجَموح ومُعاذ بن عفراء في قَتلهما أبا جَهل يومَ بدرٍ، خرَّجه مسلم. وروى صالح أيضاً عن محمود بن لبيدٍ الأنصاريِّ الأشهليِّ. وروى عن صالح عمرو بن دينارٍ ومحمدُ بن إسحاق ويوسف بن الماجشون. وأما حُميد بن عبد الرحمن فكان له مال وجاه، وحُمل عنه الحديث. سمع عثمان وأبا هُريرة. وروى عنه الزُّهريُّ ويُكنى حُميد أبا عبد الرحمن بابنه الجزء: 2 ¦ الصفحة: 331 عبد الرحمن، وحُمل عنه الحديث. وكان من سَرَوات قريش. وابنه عبد الملك بن حُميد من ولد يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حُميد وكان راوية محدِّثاً، سمع إبراهيم بن سعد والدَّراوَرديَّ وكان ويُكنى أبا يوسف. وتوفي حُميد سنة خمسٍ وتسعين وهو ابنُ ثلاثٍ وسبعين سنةً. ومن موالي حميدٍ سُليم والد صفوان بن سُليم. ولمالكٍ عن صفوان في الموطأ حديثان مُسندان وخمسةٌ مُرسلةٌ، وأحدُ الحديثين المسندين نصُّه: مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " غسلُ الجمعة واجبٌ على كل مُحتلمٍ ". والثاني عن أبي هُريرة في الوضوء بماء البحر، وكان صفوان من عُبَّادِ أهل المدينة وفضلائهم. ومات بها سنة اثنتين وثلاثين ومئة. وأما أبو سلمة فهو عبدُ الله الصغر الفقيه. وروى عن عائشة كثيراً، وهي القائلة له حين سألها: ما يوجبُ الغسل؟ هل تدري ما مَثَلُك يا أبا سلمة؟ مثل الفرُّوج يسمع الدِّيكة تصرخ فيصرخ معها. إذا جاوز الختانُ الختان فقد وجَب الغسل. وروى أيضاً عن أبي هُريرة كثيراً، وعن جابر بن عبد اله وابن مسعود. وروى عنه ابنُ شهابٍ وسالم أبو النَّضر مولى عمر بن عُبيد الله. ومات أبو سلمة سنة أربع وتسعين وهو ابنُ اثنتين وسبعين سنةً. وكان له ابنان: عُمر بن أبي سلمةَ وسلمةٌ، وبه كان يُكنى. فأما عمر فروى عنه الحديث وقتله أبو جعفر بالشام، وكان مع بني أختٍ له من بني أمية، فقتله معه. وأما سلمةُ فروى عن أبيه، وروى عنه عُقيل بن خالد صاحب ابن شهابٍ. وأما مصعب بن عبد الرحمن فكان شجاعاً. وقال عبد الملك بن مروان لرجل من أهل الشام: أيُّ فارسٍ لقيته قطُّ أشدُّ؟ قال: مصعبُ بن عبد الرحمن. وقُتل مع ابن الزبير. وكان الواقديُّ يذكر أنه توفِّي ولم يُقتل: وقال الواقديُّ: قَتل مصعب بن عبد الرحمن من أصحاب الحُصين بن نُميرٍ السَّكوني خمسة ثم رجع وسيفُهُ منحنٍ وهو يقول: الجزء: 2 ¦ الصفحة: 332 إنا لنوردُها بيضاً ونُصدرها ... حمراً، وقيها انحناءٌ بعد تقويمِ وكان مصعب يُكنى أبا زُرارةَ، وروى عن أبيه. وابنه زُرارة يُكنى أبا بكرٍ. وولد زُرارة أحمد وهو أبو مُصعب الزُّهريُّ، وكان من أعلم أهل المدينة، لا تزالون ظاهرين على أهل العراق مادمت لكم حياً. وعاش تسعين سنةً، ومات سنة اثنتين وأربعين ومئتين. وأما عثمان بن عبد الرحمن فمن عقبه الذين كانوا بالبصرة: سعيدُ بن يحيى بن الحسن بن عثمان بن عبد الرحمن بن عوف، أبو عثمان. سمع عمَّه إبراهيم. وروى عنه يعقوب بن محمدٍ الراوية من ولد حُميد بن عبد العزيز بن عثمان بن عبد الرحمن بن عوف. روى عن الزُّهري وأبي الزناد. وكان مُنكر الحديث غير مَرضِيٍّ. وأما عبد الله الأكبر بن عبد الرحمن فيُكنى أبا عثمان، وقُتل بإفريقية. فأمُّه وأمُّ أخيه القاسم بنتُ أنس بن رافع الأنصاري من بني عبد الأشهل. وأما عروة بن عبد الرحمن فقتل أيضا بإفريقية وأمُّه بحيرة بنت هانئ بن قبيصة الشيباني. وأما سالم بن عبد الرحمن ولقبُه " الصغر " فأمُّه سهلة بنت سُهيل العامريًّ لأمِّه محمد بن أبي حُذيفة بن عُتية بن ربيعة. وأما عمر بن عبد الرحمن فكان من جُلداء قريش، وهو أحدُ من عمل في أمر الحجَّاج حتى عزله عبد الملك عن المدينة. ومن ولده: محمد بن عبد العزيز قاضي أبي جعفر على المدينة. وله عقب، وكان متروك الحديث. وأما المسور بن عبد الرحمن فقُتل يوم الحرَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 333 وأما سُهيل بن عبد الرحمن فهو الذي تزوَّج الثريا من بني أمية الصغرى. وقد تقدَّم ذكرُها قبل عند ذكر بني عبد شمس بن عبد مناف. وأمُّ سهيل مجد بنت يزيد بن سلامة الحميريِّ. وابنه عبد المجيد بن سُهيل لمالك عنه حديث واحد مُسند. وهو حديث التمر الجنيب من خيبر. ورواه يحيى بن يحيى بن الأندلسيُّ عبد الحميد، وتابعه قومٌ، وأكثر الرواة يقولون: عبد المجيد، وهو الصواب، وكذلك قال فيه مسلم: عبد المجيد، في حديث التَّمر الجنيب أيضا وغيره. ولعبد المجيد هذا مع بنت زُرارة بن أَوفى الحَرَشِيِّ خبر طريف. الهيثم بن عديٍّ عن عبد الله ابن عيَّاشٍ المعروف بالمنتوف. وقيل له: المنتوف لأنه كان ينتفُ لحيته وكان خاصاً بأبي جعفر المنصور، وقال: أخبرني موسى السلامانيُّ مولى الحضرميِّ، وكان من أسرى تاجرٍ بالبصرة قال: بينا أنا جالس إذ دخل علي غلام لي فقال: هذا رجل من أهل أمك يستأذن عليك، وكانت أمه من ولد عبد الرحمن بن عوف. فقلت: إذن له. فدخل شاب حلو الوجه تعرف في هيئته أنه قرشي، في طمرين. فقلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عبد المجيد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري خال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: في الرحب والقرب. ثم قلت: يا غلام بره وأكرمه وألطفه وأدخله الحمام، ثم كسوته قميصاً رقيقاً ومُبطناً قوهياً ورداء عمرياً، وحذوتُ له نعلين حضرميَّين. فلما نظر الرجل في عِطفيه أعجبته نفسه " قال ": يا هذا أبغني أشرف أيِّمٍ بالبصرة أو أشرف بِكر بها. قلت: يا بن أخي كُفَّ عن هذا. قال: ما أقول لك. قلت: فإن أشرفَ أيِّمٍ بالبصرة هندُ بنت أبي صُفرة أخت عسرةٍ وعمَّةُ مئة، وحلُها في قومها حالُها. وأشرف بِكر بالبصرة المُلاءة بنت زُرارة بن أوفى الحَرشيَِ قاضي البصرة. قال: اخطُبْها عليَّ. قلت: يا هذا إنَّ أباها قاضٍ. قال: انطلق بنا إليه. فانطلقنا إلى المسجد فتقدَّم فجلس إلى القاضي، فقال له: يا بن أخي من أنت؟ قال له: عبد المجيد بن سُهيل بن عبد الرحمن بن عوف خال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: مرحباً ما حاجتك؟ قال: جئتُ خاطباً. قال: ومن ذكرت؟ قال: المُلاءة ابنتك. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 334 قال: يا ابن أخي ما بها رغبة، ولكنها امرأة لا يُفتاتُ عليها أمرها، فاخطِبها إلى نفسها. فقام إليَّ. فقلت: ما صنعت؟ قال: كذا وكذا. قلت: ارجع بنا ولا تخطبها. قال: اذهب بنا إليها. فدخلنا دار زُرارة وفيها مقاصيرُ، فاستأذنَّا على أمِّها، فلقيَتْنا بمثل كلام الشيخ. ثم قلت: وهاهي في تلك الحجرة. قلت له: لا تأتِها. قال: أو لست بِكراً؟ قلت: بلى. قال: ادخل بنا إليها. فاستأذنَّا فأذنَ لنا، فوجدناها جالسةً وعليها ثوبٌ رقيقٌ مُعيَّر منه سَراويلُهُ، يُرى منه بياض جسدها كلِّه ومِرْطٌ قد جمعته على فخذيها ومصحف على كرسيٍّ بين يديها، فأشْرجت المصحف ثم نحَّته. فسلَّمنا فرحَّبتْ ثم قالت: من أنت؟ قال: عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدَّ بها صوته. فقالت له: " يا هذا " لسنا بساسين، إنما يُمدُّ الصوت للساسين، قال موسى: فدَخل بعضي في بعض. ثم قالت: ما " حاجتُك؟ قال: " جئتُ خاطباً. قالت: ومن ذكرت؟ قال: ذكرتُك. قالت: مرحباً بك يا أخا أهل الحجاز؟ فما الذي ... " قال ": سهمان بخيبر أعطانا هما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدَّ بها صوته، وعينٌ بمصر، وعبنٌ باليمامة، ومال باليمن. قالت: يا هذا، كلُّ هذا عنّا غائب. ولكن ما الذي يحصل بأيدينا، فإني أظنُّك أردت أن تجعلني كشاة عكرمة، أتدري من عكرمة؟ قلت: لا. قالت: عكرمة بن ربعيٍّ، فإنه كان قد نشأ بالسَّواد. ثم انتقل إلى البصرة وقد تغذَّى باللبن، فقال لزوجته: اشتري لنا شاةً نحتلبها وتصنعين لنا من لبنها شراباً وكامخاً. ففعلت وكانت عندهم الشاةُ إلى أن استحرمت فقالت: يا جارية خُذي بأذن الشاة وانطلقي بها إلى التيَّاس فانْزِي عليها، ففعلت. فقال التيَّاس: درهم. فانصرفت إلى سيدتها فأعلمتها فقالت: إنما رأينا من يدحمُ ويعطى، فأما من يَدحم ويأخذ فلم نره. ولكن يا أخا أهل المدينة أردت أن تجعلني كشاة عكرمة. فلما خرجنا قلتُ له: ما كان أغناك عن هذا. " قال: ما كنت أظنُّ " أن امرأةً تجترئ على مثل هذا. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 335 وأما " أبو بكر " بن عبد الرحمن فأمُّه أمُّ حكيم بنت قارظ بن خالد بن عبيد من كنانة. ومن بنات عبد الرحمن جُويريةُ: زوج المِسْور بن مخرمة، وأمُّها بادية بنت غيلان بن سلمة الثقفيُّ التي نعتها هيت لعبد الله بن أبي أمية، وكان عبد الرحمن خال المسور. ومن إخوة عبد الرحمن عبد الله والأسود. فأما عبد الله بن عوف فكان من سَرَوات قريش. وابنه أبو عبد الله طلحة بن عبد الله: من حَمَلة الحديث. روى عن أبي بكرة وغيره وروى عنه ابن شهابٍ. وأما الأسود بن عوف فكانت له صحبة، وهاجر قبل الفتح، ووجده عمر بن الخطاب بمكة شارباً، فأمر به فجُلد الحدَّ. وشهد الجمل مع عائشة فقُتل. وهو والدُ جابر بن السود الذي ولي المدينة لابن الزُّبير. وهو الذي جلد سعيد بن المسيَّب في بيعة ابن الزبير. وقد جرى ذكر جابر هذا في طلاق المكره من الموطأ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 336 أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص الجزء: 2 ¦ الصفحة: 337 أبو إسحاق، سعد بن أبي وقاص واسم أبي وقاصٍ مالك بن أُهيب بن عبد منافٍ بن زهرة بن كلاب. وأُهيب جدُّ سعدٍ عم آمنةَ أمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخو أبيها وهبٍ. وأمُّه حَمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بنت عمِّ أبي سفيان بن حرب. سبعةٍ في إسلامه؛ أسلم بعد ستةٍ. ويروى عن عائشة بنت سعدٍ عن سعد قال: أسلمت وأنا ابن تسع عشرة سنةً. وشهد بدراً والحديبية وسائر المشاهد. وهو أحدُ الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى. وكان مُجاب الدَّوة، مشهورا بذلك، تُخاف دعوته وتُرجى لاشتهار إجابتها عندهم. روى ابن عُيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي خازم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: " اللهمَّ أجب دعوته وسدِّد رميته ". وفي حديث آخر: " اللهمَّ سدِّد سهمَه وأجب دعوته ". وجمع له رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه كما فعل مع الزبير. ولم يقل ذلك لغيرهما. وكان أحد الفرسان الشجعان من قريش الذين كانوا يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازيه. مسلم: حدَّثنا منصور بن أبي مُزاحم قال: نا إبراهيم، يعني أبن سعد عن أبيه، عن عبد الله بن شدَّاد قال: سمعت عليا يقول: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك، فإنه جعل يقول له يوم أحد: " ارم فَداك أبي وأمي ". مسلم: حدثنا محمد بن عباد قال: نا حاتم، يعني ابن إسماعيل عن بُكير بن مسمار عن عامر بن سعد، عن أبيه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه يوم أحد قال: كان رجل من الجزء: 2 ¦ الصفحة: 339 المشركين قد أحرق المسلمين، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " ارم فداك أبي وأمي ". قال: فنزعت له يسهم ليس فيه نصل فأصبت جَنبه فسقط فانكشفت عورته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه. مسلم حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قَعنب قال: نا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، عن ... بن عامر بن ربيعة، عن عائشة قالت: أرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقال: " ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة ". قالت: وسمعنا صوت السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من هذا؟ ". قال: سعد بن أبي وقاص يا رسول الله، جئت أحرسك. قالت عائشة: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعت غطيطه. وروى يحيى القطان قال: نا مُجالد قال: نا عامر عن جابر بن عبد الله قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل سعد فقال: " أنت خالي ". وفي حديث آخر أنه عليه السلام قال فيه: " هذا خالي كلُّ رجل بخاله ". وروى وكيع عن إسماعيل بن عبد قيس قال: سمعت سعدا يقول: نا أول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله في الغزو عند القتال، وهو القائل: ألا أبلغْ رسولَ الله أني ... حَمَيتُ صحابتي بصدورِ نَبلي أذود بها عدوَّهم ذِياداً ... بكلِّ حُزونةٍ وبكلِّ سهلِ فما يعتدُّ رامٍ من مَعدٍّ ... بسهمٍ في سبيل اللهِ قبلي وهو الذي كوَّفَ الكوفة وتولى قتال فارس، وكان على الناس يوم القادسية. وكان به جراح، فلم يشهد الحرب، واستخلف خليفة، ففتح الله على المسلمين. فقال رجل من بجيلة: ألم ترَ أن الله أظهر ديَنهُ ... وسعدٌ بباب القادسية مُعصمْ؟ الجزء: 2 ¦ الصفحة: 340 فأفْنَي وقد آمَتْ نساءٌ كثيرةٌ ... ونسوةُ سعدٍ ليس منهنٌ أيِّمُ فقال سعد: اللهمَّ اكفنا يده ولسانه. فأصابته رمْية، فخرس ويبست يده. وأمَّره عمر بن الخطاب على الكوفة، فشكاه أهلها ورموه بالباطل. فدعا على الذي واجهه بالكذب عليه دعوة ظهرت فيه إجابتها. والخبر مشهر. ثم عزله عمر من الكوفة، ثم أراد أن يُعيده عليها، فأبى عليه وقال: تأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن أن أصلِّي؟ فلما طُعن عمر وجعله أحد الشورى قال: إن وليها سعد فذلك، وإلا فليستعن به الوالي. فإني لم أعزله عن عجز ولا جبانة. ورامه ابنه عمر بن سعد أن يدعُو إلى نفسه بعد قتل عثمان فأبى. مسلم: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعباس بن عبد العظيم، واللفظ إسحاق. قال: نا، وقال إسحاق: أنا أبو بكر الحنفيُّ قال: نا بُكير بن مسمار قال: حدثني عامر بن سعد قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبله فجاءه ابنه عمر. فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب. فنزل فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون المُلك بينهم؟ فضرب سعد في صدره، فقال: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يحبُّ العبد التقيَّ الغنيَّ الخفيَّ. وكذلك رامه أيضا ابن أخيه هاشم بن عتبة أن يدعو إلى نفسه فلما أبى عليه صار هاشم إلى علي رحمه الله. وكان سعد ممَّن قعد ولزم بيته في الفتنة، وأمر أهله ألاَّ يُخبروه من أخبار الناس بشيء حتى تجتمع الأمة على إمام. وتُوفي بالمدينة سنة خمس وخمسين في قصره بالعقيق وبين العقيق والمدينة " سبعة أميال "، وحُمل على رقاب الناس، ودُفن بالبقيع، وهو آخر العشرة موتا. وصلى عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ والي المدينة لمعاوية، وبلغ من السِّنِّ بضعا وثمانين سنة. ذكر ذلك أبو زُرعة عبيد الله بن عبد الكريم عن أحمد ابن حنبل. وكان يقول أسلمت وأنا ابن تسع عشرة سنة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 341 حِليةُ سعد: قال الواقديُّ: قالت عائشة بنت سعد: كان أبي رجلا قصيرا دَحداحا غليظا، ذا هامة، شَثنَ الأصابع. وقال عامر بن سعد: كان سعد جعد الشعر، أشعر الجسد، آدم، طويلاً. وذهب بصره في آخر عُمره. ولد سعد: ولد سعد عامراً ومحمداً ومُصعباً وعمر وموسى وإبراهيم وعائشة، وروت عن أبيها. وفِنْك الذي يُضرب به المثل في البطء مولى عائشة بنت سعدٍ. وأما عامر بن سعد فكان من كبار فقهاء التابعين. روى عن أبيه وعن أسامة بن زيد وغيرهما من الصحابة. وأخرج عنه الأئمة مالك والبخاريُّ ومسلم وغيرهم. روى عنه من التابعين ابن شهاب ومحمد بن المُنكدر وسالم أبو النصر وعمرو بن دينار وغيرُهم. ومات سنة أربع ومئة. وروى عنه أيضاً ابنه داود بن عامر. وروى عن داود يزيد بن عبد الله بن قسيطٍ الليثيُّ من شيوخ مالكٍ. وفي الموطأ لمالك عنه حديث واحد مُسند. وابن قُسيط مَدنيُّ، وبها كانت وفاته سنة ثلاثٍ وعشرين ومئة، وقيل: سنة اثنتين وعشرين. وأما محمد بن سعد فخرج مع ابن الأشعث، فقتله الحجاجُ صَبْراً وكان يُلقَّب ظلَّ الشيطان لطوله. وابنه إسماعيل بن محمد بن سعد من فقهاء قريش وذوي النُّبل منهم. ولمالك عنه في الموطأ حديث واحد مسند ونصُّه: مالك عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن وقاص عن مولى لعمرو بن العاصي، أو لعبد الله بن عمرو العاصي، عن عبد الله بن عمرو العاصي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلاةُ أحدكم وهو قاعدٌ مثلُ نصف صلاته وهو قائم ". ويُكنى إسماعيل أبا محمد، وكان من ساكني المدينة، وبها مات سنة أربع وثلاثين ومئة في خلافة أبي العباس السفَّاح. وأما مصعب بن سعد فذكروا أنه بكى عند موت أبيه فقال له: ما يبكيك يا بنِّي؟ إنِّي أُقسم على ربي ألاَّ يعذِّبني. وروى عن أبيه وعن عليٍّ وابن عمر. وروى عنه أبو إسحاق وسماك وعاصم وعبد الملك بن عمير. وكنية مصعب أبو زرارة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 342 وأما عمر بن سعد فكان على مقدمة جيش عبيد الله بن زياد حين خرج لقتال الحسين عليه السلام، وهو تَولى أمر قتاله حين قُتل رضوان الله عليه. وقتل عمر المختار بن أبي عبيد الثقفيُّ مع ابنه حفص بن عمر أخذاً بثأر الحسين. وكان الذي تولى قتل عمر بن سعد بأمر المختار أبو عمرة مولى بجيلة. وكان المختار أمر قبل قتله نساء من همدان أن يقفن على باب عمر بن سعد وينحُن على الحسين. فعلم عمر أنه مقتول. وحمل أبو عمرة رأسه إلى المختار، وعنده حفص بن عمر بن سعد. فقال له المختار: أتعرف هذا الرأس؟ قال: نعم، هذا رأس أبي حفص. قال: فالحقوا حفصاً بأبي حفصٍ، فقتل. وأمر المختار أيضاً بقتل شمر بن ذي الجَوشن أحد " قتلة الحسين ". ووجَّه إبراهيم بن الأشتر، فقتل عبيد الله بن زيادٍ الدعيَّ بن الدَّعي، وبعث برأسه ورؤوس أصحابه إلى المختار. وولد حفص عبد الله بن حفص، ويُكنى أبا بكر. سمع ابن عمر وعبد الله بن عامر. وروى عنه شعبةُ وأبان البجليُّ. وأما موسى بن سعد فله عقب منهم بجاد بن موسى. وأما إبراهيم بن سعدٍ فروى عن أبيه ورُوي عنه. وكان لسعدٍ إخوة وهم: عامرٌ وعُمير وعُتبة. فأما عامر فاسلم بعد عشرة رجالٍ، وكان مُهاجر الحبشة، ولم يهاجر إليها سعد. وأما عُمير فاستشهد يوم بدرٍ وهو ابن ستَّ عشرة سنةً؛ قتلة عمرو بن عبد ودَّ. وأما عتبة بن أبي وقاص، أبعدهُ اللهُ، فهو الذي كسر رباعية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وذكر رُبيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيدٍ الخُدريِّ عن أبيه، عن أبي سعيد الخُدريِّ أن عتبة بن أبي وقاص رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ فكسر رباعيته اليمنى والسفلى وجَرح شفته السفلى. وحدَّث صالح بن كيسان عن من حَدَّثه، عن سعد بن أبي وقاص أنه كان الجزء: 2 ¦ الصفحة: 343 يقول: والله ما حرصت على قتل رجلٍ عتبة بن أبي وقاص. وإن كان ما علمت لسيء الخلق مُبغضاً في قومه. ولقد كفاني منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اشتدَّ غضبُ الله على من دمَّى وجه نبيِّه ". وحدَّث حُميد الطويل عن أنس بن مالك قال: كُسرت رباعية النبيِّ عليه السلام يوم أُحد، وشجَّ في رأسه فجعل الدمُ يسيل على وجهه وهو يقول: " كيف يُفلحُ قومٌ خَضبوا وجه نبيِّهم، وهو يدعوهم إلى ربِّهم؟ ". فأنزل الله عزَّ وجلَّ عليه في ذلك:) ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم، أو يعذِّبَهم فإنهم ظالمون (. وقال حسان بن ثابت لعتبة بن أبي وقاص: إذا الله جازى معشراً بفعالهمْ ... ونصرِهمُ الرحمن ربَّ المشارق فأخزاكَ ربي يا عُتيبَ بن مالكٍ ... ولقَّاك قبل الموت إحدى الصَّواعق بَسطتَ يميناً للنبيِّ تَعمُّداً ... فأدميت فاهُ، قُطِّعت بالبوارقِ فهلا ذكرت اللهَ والمنزلَ الذي ... تَصيرُ إليه عند إحدى البوائقِ ومات عتبة كافراً قبل فتح مكة، وأوصى إلى أخيه سعدٍ. وكان له ابنان: نافعُ وهاشمٌ. فأما نافع فأسلم يوم الفتح. وروى عنه جابرُ بن مَسرَّة. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 344 وأما هاشم بن عتبة: فيُكنى أبا عروة. قال خليفة بن خياط في تسمية من نزل الكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاشمُ بن عتبة بت أبي وقاص الزهري. وقال الهيثمُ بن عديٍّ مثله. وأسلم هاشم يوم الفتح، ويُعرف بالمِرقال. وكان من الفضلاء الخيار، وكان من الأبطال البُهم، ففقئت عينُه يوم اليرموك. ثم أرسله عمر من اليرموك مع خيل العراق إلى سعد، كتب إليه بذلك، فشهد القادسية.. فقام منه في ذلك ما لم بقم من أحدٍ، وكان سبب الفتح على المسلمين. وهو " الذي " افتتح جلولاء. عقد له سعدٌ لواء، ووجَّهه، ولم يشهدها سعدٌ، وقد " قيل: بل " شهدها. وكانت جلولاء تسمى فتح الفتوح، بلغت غنائمها ثمانية عشرة ألف ألف. وكانت جلولاء سنة سبع عشرة. وقال قتادة: سنة تسع عشرة. ثم شهد هاشم مع علي صفين، وابلى فيها بلاء مذكوراً. وبيده كانت رايةُ علي على الرجَّالة يوم صفين. وقُطعت رجلُه يومئذٍ، فجعل يقاتلُ من دنا منه وهو يقول: الفحلُ يحمي شَولَه مَعقولا وقاتل حتى قُتل رحمه الله. وفيه يقولُ أبو الطُّفيل عامر بن واثلة: يا هاشمَ الخيرِ جُزيتَ الجنَّة ... قاتلتَ في اللهِ عدوِّ السُّنَّهْ أفلحْ بما فُزتَ به من مِنَّهْ وروى هاشم المرقال عن النبي صلى الله عليه وسلم. الطبري: حدَّثنا أبو كُريب: نا قَبيصةُ عن يونُس بن أبي إسحاق، عن عبد الملك بن عُمير، عن جابر ابن سمُرة، عن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يَظهرُ المسلمون على جزيرة العرب، ويظهر المسلمون على فارس، ويظهر المسلمون على الروم، ويظهر المسلمون على الأعور الدجَّال ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 345 وابنه هاشم بن هاشم لمالك عنه في الموطأ حديث واحد. مالك: عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَن حَلف على مِنبري إثماً تبوَّأ مقعدَه من النار ". وقيل فيه: هاشمُ بن هاشم بن هاشم. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 346 سعيد بن زيد الجزء: 2 ¦ الصفحة: 347 سعيد بن زيد ابن عمرو بن نُفيل بن عبد العزَّى بن رياح بن عبد الله بن قُرط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، وهو ابنُ عمِّ عمر بن الخطاب لأبيه. وأمُّ الخطاب امرأة من فهم، تزوجها عمرو بن نُفيل بعد أبيه، وهو النكاحُ المَقتيُّ في الجاهلية، فولدت زيد بن عمرو والد سعيد. فهو أخو الخطاب لأمه، وابنُ اخيه لبيه، فأمُّ سعيدٍ فاطمة بنتُ بعجة بن مُليح الخُزاعية. وكان إسلامه قديماً قيل عمر، وهاجر هو وامرأته فاطمة بنت الخطاب. ولم يَشهد بدراً لنه كان غائباً بالشام، قدِم منها بعقبِ غزاة بدرٍ، فضرب له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره. وهو أحدُ العشرة المشهود لهم بالجنة. وقال الواقديُّ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث قبل أن يخرج من المدينة إلى بدرٍ طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى طريق الشام يتجسَّسان الأخبار، ثم رجعا إلى المدينة فقدماها يوم وقعة بدرٍ. فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهميهما وأجرهما. وكقول الواقدي قال الزبير: في ذلك سواء. وشهد ما بعد بدرٍ من المشاهد، وكان أبوه زيدُ بن عمرو بن نُفيل طلب دين الحنفية؛ دين إبراهيم. وكان لا يذبح للأنصاب، ولا يأكل الميتَة. وحدَّث إسماعيل بن إسحاق القاضي: نا نصر بن علي: نا الأصمعيُّ عن ابن أبي الزناد قال: قالت أسماء بنت أبي بكر، وكانت أكبر من عائشة بعشر سنين أو نحوها: رأيت زيد بن عمرو بن نُفيل مُسنداً ظهرهُ إلى الكعبة، وهو يقول: يا معشر قريش، والله لا آكلُ ما ذُبح لغير الله، والله ما على دين إبراهيم أحد غيري. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 349 وقال محمدُ بن سَنجر: نا عبد الله بت رجاء: نا المسعوديُّ عن ... عن أبيه عن جدِّه ... خرج ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو يطلبان الدِّين حتى مرّا بالشام ... فتنصَّر. وأما زيد فقيل له: إن الذي تطلب أمامك. قال: فانطلق حتى أتى الموصل. فإذا هو براهبٍ فقال: من أين أقبل صاحب الراحلة؟ قال: من بيت إبراهيم. قال: وما تطلبُ؟ قال: الدين. قال: فعرض عليه النصرانية. فقال: لا حاجة لي بها. وأبى ان يَقبل. فقال: إن الذي تطلب سيظهر في أرضك. فأقبل وهو يقول: لبَّيك حقاًن يعبُّداً ورقا، مهما تجشِّمني فإني جاشم، عُذتُ بما عاذ به إبراهيم. قال: ومرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو سفيان بن الحارث يأكلان من سُفرةٍ لهما، فدعواه إلى الغداء. فقال: يا ابن أخي إني لا آكل ممَّا ذُبح على النُّصُب. وذكر ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نُفيل بأسفل " بَلدَح " ن وذلك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحيُ، فقدَّم إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُفرة فيها لحمٌ، فأبى أن يأكل منه. قال: وأتى النبيَّ عليه السلام سعيد بن زيد فقال: إن زيداً كان كما رأيت وبلغك، فاستغفر له. قال: نعم. فاستغفر له. وقال: " إنه يُبعث يوم القيامة أمةً وحده ". وله يقول ورقةُ بن نوفل في أبيات: رشِدتَ وأنعمتَ ابن عمرو وإنما ... تجنَّبتَ تنُّوراً من النارِ حاميا وزيد بن عمرو، هو القائل في أبياته الربعة رحمهُ الله أسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ ... له الأرضُ تحملُ صَخراً ثقالا الجزء: 2 ¦ الصفحة: 350 دَحاها فلما رآها استوتْ ... على الماء أرسى عليها الجِبالا وأسلمتُ وجهي لمن أسلمت ... له المزنُ تحملُ عذْباً زُلالا ثم رجع زيد إلى الشام فقتلته نصارى لخم. وكان عثمان قد أقطع سعيداً أرضاً بالكوفة فنزلها وسكنها إلى أن مات، وسكنها بعده من بنيه الأسود بن سعيد. وكان له من الولد عبد الله وعبد الرحمن وزيد والأسود وهشام وكلُّهم أعقب وأنجبَ. وكان سعيد مُستجاب الدعوة. وخبره مع أروى بنت أُويس، حين دعا عليها لمَّا ادعت أنه ظلمها في أرضها، فأُجيبت دعوته، خبر صحيح مشهور. وتُوفي في خلافة معاوية بأرضه بالعقيق سنة إحدى وخمسين، وهو يومئذ ابن بضع وسبعين سنةً، وقُبر بالمدينة. ونزل في قبره سعد بن أبي وقاص وابن عمر. وروى عن سعيد من الصحابة ابن عمر وعمر بن حُريث وأبو الطُّفيل عامر بن واثلة وجماعة من التابعين. حلية سعيد: قال الواقديُّ: كان سعيد رجلاً آدم طُوالاً أشعر. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 351 أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح الجزء: 2 ¦ الصفحة: 353 أبو عبيدة عامر بن الجراح ابن هلال بن وهيب بن ضَبة بن الحارث بن فهر. يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فهر، وهو قرشي. ومن فهر تفرَّقتْ ... أمُّه.. من بني الحارث بن فهر، وقد أسلمت، وزوَّجها أبو عبيدة في الإسلام ... بن فهر من المطيَّبين. وأبو عبيدة نُسب إلى جدهِّ الجَّراح، وهو من.. أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو أمينُ هذه الأمة. وغلبت عليه كنيته. مسلم: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا إسماعيل بن عُليَّة قال: أنا خالد عن أبي قِلابة ٌال: قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لكل أمة أمينا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة الجراح ". مسلم: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، واللفظ لأبن المثنى، قلا: نا محمد بن جعفر قال: نا شعبة قال: سمعت إسحاق يحدِّث عن صِلة بن زُفر، عن حذيفة قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ابعثوا إلينا أمينا. فقال: " لأبعثنَّ إليكم رجلا أمينا حقَّ أمين ". قال: فاستشرف لها الناس. قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح. ورُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتَيَ بطعام. فقال: " نَستحبُّ أن يَبدأ رجل صالح، فخُذْ يا أبا عبيدة ". وقال أبو بكر يوم سقيفة بني ساعدة: رضيتُ لكم أحد صاحبيَّ أبي عبيدة أو عمر. أما أبو عبيدة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لكل أمة أمينٌ. وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ". وأما عمر فسمعتُه يقول: " اللهمَّ أيِّد الدين بعمر أو بأبي جَهل ". الجزء: 2 ¦ الصفحة: 355 وقال الزبير بن بكار: كان أبو عبيدة أهتَمَ، وذلك أنه نزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المِغفر يوم أحد، فانتزعت ثنيَّتاهُ، فحسَّنَتا فاه. فيقال: مارُئي أهتم أبي عبيدة. وذكره بعضهم فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، ولم يختلفوا في شهوده بدرا والحديبية. وكان أبو عبيدة يُدعى في الصحابة القويَّ الأمين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجران: " لأرسلنَّ معكم القويَّ الأمين ". وذكر يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أصحابي أحد إلا لو شئت وجدت عليه إلا أبو عبيدة ". وذكر ابن عون محمد بن سير قال: لما ولي عمر قال: والله لأنزعنَّ خالدا حتى يعلم أن الله ينصر دينه. وروى حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: ابعث معنا رجلا يعلِّمنا. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد أبي عبيدة بن الجرَّاح وقال: " هذا أمينُ هذه الأمة ". وقال عمر إذ دخل عليه الشام وهو أميرها: كلنُّا غيَّرته الدنيا يا أب عبيدة. وكان الأمير على أمراء الأجناد بالشام صدرا من خلافة أبي بكر. ثم عزله وولَّى خالد بن الوليد. فلما ولي عمر عزل خالدا وولى أبا عبيدة. فلم يزل أمير على الشام حتى مات في طاعون عَمَواس سنة ثماني عشرة، وهو ابن ثمان وخمسين سنة بالأردنِّ من الشام، وبها قبرُه. وصلى عليه مُعاذ بن جبل، ونزل في قبره معاذ وعمرو بن العاصي والضحاك بن قيس. وذكر المدائنيُّ عن العجلانيِّ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان قال: مات في طاعون عَمَواسَ خمسة وعشرون ألفا. حلية أبي عبيدة: قال الواقديُّ: كان رجلا نحبفا، معروق الوجه، خفيف اللحية، طُوالا أحْنأ، " وكان يخضب رأسه ولحيته " بالحنَّاء والكَتمْ. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 356 هذا آخر نسب العشرة الكرام البررة المشهود " لهم " المتَّبعين للكتاب والسُّنة. الترمذي: حدثنا قُتيبةُ: نا العزيز بن محمد عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبية، عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة وعليٌّ في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ". الترمذي: حدثنا صالح بن مسار المرزويُّ: نا ابن أبي فُديك عن موسى ابن يعقوب، عن عمر بن سعيد، عن عبد الحمن بن حميد، عن أبيه أن سعيد ابن زيد حدَّثه، في نفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعليٌّ وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص ". قال: فعدَّ هؤلاء التسعة، وسكت عن العاشر. فقال القوم: ننشُدك الله يا أبا الأعور، من العاشر. قال: " نشدْتموني بالله، أبو الأعور في الجنة ". قال أبو عيسى: أبو الأعور هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل. وكان يقال: من أحبَّ أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحبَّ عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحبَّ عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحبَّ عليَّ بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برىء من النفاق. وعن عبد الرحمن بن عُوَيْم بن ساعدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: " إن الله اختارني واختار لي أصحابا، فجعل لي منهم [أعزّاء] وأنصار وأصهار، فمن سبَّهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عُذلا ". مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميميُّ وأبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قال يحيى: أنا، وقال الآخران: نا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَسبُّوا أصحابي، الجزء: 2 ¦ الصفحة: 357 فوالذي نفسي بيده لو أنَّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نَصيفه ". الترمذي: حدثنا محمد بن " زكريا ": نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد: نا عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن مُغفَّل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهَ اللهَ في أصحابي، اللهَ اللهَ في أصحابي، لا تَّتَّخذوهم غَرَضا بعدي، فمن أحبَّهم فبحبِّي أحبَّهم، ومن أبغضهم فببُغْضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ". الترمذي: عن عبد الله: .... عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أحد من أصحابي يموت بأرض إلا ..... يوم القيامة ". قال المؤلف وفقه الله: .... الأنتهاء من العمل والقول، بالمنَّة منه والطَّول. قد منَّ الله بتمام المرغوب، ونجاح المطلوب ... حمد على ما منَّ به وألهم إليه حمدا كثيرا يَزْلفُ لديه، وينُيلُنا من الخير الذي في يديه. ومنه ... أسال على ما حققْتُه في هذا الكتاب جزيل الثواب، والأمن من الفزع الأكبر يوم ... يَنْفعني به، وينفع القاريء والسامع، فقد حوى بفضل الله ... الجامع، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الكريم، ذي الخلق العظيم، نبيِّ الهُدى والرحمة، وكاشف الخطوب المدْلهمَّة. وعلى آله الطيبِّين بشرفه وفخاره، وأصحابه المهاجرين وأنصاره، وسلِّم تسليما. والحمد لله ربِّ العلمين. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 358 كمل كتاب الجوهرة في نسب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه العشرة. كتبه بخطِّ يده مؤلفُه العبدُ الفقير إلى رحمة ربِّه، المستغفر من ذنبه محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاريُّ التِّلمسانيُّ، الشهير بالبُرِّي، غفر الله له ذنوبه، وستر عليه في الدارين عيوبه، وأغناه من فضله، وأظلَّه في يوم حشره بظلِّه بمنَّه. وكان فراغُه من كتاب صدر يوم السبت الثامن لذي حِجَّةَ من سنة خمس وأربعين وستمئة، بثغر " مَنُرقَةَ "، أمَّنه الله. وفرغ من تأليفه المؤلف، وفقه الله، في صدر يوم الجمعة الخامس والعشرين لذي حجة من سنة أربع وأربعين وستمئة بجزيرة " مَنُرْقَةَ "، كلأها الله. والحمد لله حمدا كثيرا، وسلام على عباده الذين اصطفى. برسم خزانة الرئيس السيِّد الأكرم الهُمام الأمجد النّقاب الأعظم " أبي عثمان سعيد بن حكم " بن عمر بن حكم القُرشيِّ، أعلى الله يَدهُ ومقامه، وأدام السعيدة أيامه بمنِّه وكرمه. الجزء: 2 ¦ الصفحة: 359