الكتاب: التحديد في الإتقان والتجويد المؤلف: عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو الداني (المتوفى: 444هـ) المحقق: الدكتور غانم قدوري حمد الناشر: مكتبة دار الأنبار - بغداد / ساعدت جامعة بغداد على طبعه الطبعة: الأولى 1407 هـ - 1988 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: يا باغي الخير أقبل ---------- التحديد في الإتقان والتجويد لأبي عمرو الداني أبو عمرو الداني الكتاب: التحديد في الإتقان والتجويد المؤلف: عثمان بن سعيد بن عثمان بن عمر أبو عمرو الداني (المتوفى: 444هـ) المحقق: الدكتور غانم قدوري حمد الناشر: مكتبة دار الأنبار - بغداد / ساعدت جامعة بغداد على طبعه الطبعة: الأولى 1407 هـ - 1988 م عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع] أعده للشاملة: يا باغي الخير أقبل التحديد في الإتقان والتجويد تأليف أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني الأندلسي 444 هـ دراسة وتحقيق الدكتور غانم قدوري حمد كلية الشريعة - جامعة بغداد ساعدت جامعة بغداد على طبعه مكتبة دار الأنبار - بغداد 1407 هـ - 1988 م بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ، رضي الله عنه وأرضاه: الحمد لله المتفرد بالنعماء، المتوحد بالآلاء، ذي العزة الغالب، والدين الواصب، أحمده على نعمائه التي لا تخفى، وآلائه التي لا تحصى. وصلى الله على سيدنا محمدٍ، خاتم الأنبياء، وسيد الأصفياء، وعلى أهله الطيبين، وأصحابه المنتجبين، وسلم تسليماً. أما بعد فقد حداني ما رأيته من إهمال قراء عصرنا ومقرئي دهرنا تجويد التلاوة وتحقيق القراءة، وتركهم استعمال ما ندب الله تعالى إليه، وحث نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأمته عليه، من تلاوة التنزيل بالترسل والترتيل -أن أعملت نفسي في رسم كتابٍ خفيف المحمل، قريب المأخذ، في وصف علم الاتقان والتجويد، وكيفية الترتيل والتحقيق، على السبيل التي أداها المشيخة من الخلف، عن الأئمة من السلف، واجتهدت في بيان ذلك، وبذلت طاقتي، وبالغت في إيضاحه عنايتي، وأفصحت عن جليه وظاهره، ودللت على خفيه وداثره، وأودعته الوارد من السنن والأخبار في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 معناه، على حسب ما إلينا أداه من لقيناه من العلماء، وشاهدناه من الفهماء، عن الأئمة الماضين والقراء السالفين، لتتوفر بذلك فائدته ويعم نفعه من رغب حفظه وأراد معرفته من المتناهين والمقصرين، إن شاء الله تعالى. قال أبو عمرو: وقراء القرآن متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق، فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتمييزاً، وهو الحاذق النبيه، ومنهم من يعلمه سماعاً وتقليداً، وهو الغبي الفهيه، والعلم فطنةً ودرايةً آكد منه سماعاً وروايةً. وللدراية ضبطها ونظمها، وللرواية نقلها وتعلمها، والفضل بيد لله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 باب ذكر البيان عن معنى التجويد وحقيقة الترتيل والتحقيق وما جاء من السنن والآثار في الحث على استعمال ذلك والأخذ به اعلموا -أيدكم الله بتوفيقه- أن التجويد مصدر جودت الشيء. ومعناه انتهاء الغاية في إتقانه، وبلوغ النهاية في تحسينه، ولذلك يقال: جود فلان في كذا، إذا فعل ذلك جيداً، والاسم منه الجودة. فتجويد القرآن هو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها، ورد الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله وإلحاقه بنظيره وشكله، وإشباع لفظه، وتمكين النطق به على حال صيغته وهيئته من غير إسرافٍ ولا تعسفٍ، ولا إفراطٍ ولا تكلفٍ، وليس بين التجويد وتركه إلا رياضة من تدبره بفكه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 والترتيل مصدر رتل فلانٌ كلامه: أتبع بعضه بعضاً على مكثٍ وتؤدةٍ، والاسم منه الرتل، والعرب تقول: ثغرٌ رتلٌ إذا كان متفرقاً. وهو صفةٌ من صفات التحقيق وليس به، لأن الترتيل يكون بالهمز وتركه والقصر لحرف المد والتخفيف والاختلاس، وليس ذلك في التحقيق. وقال الله تعالى مؤدباً لنبيه وحاثاً لأمته على الاقتداء به: {ورتل القرآن ترتيلاً} ، أي تلبث في قراءته، وافصل الحرف من الحرف الذي بعده، ولا تستعجل فتدخل بعض الحروف في بعض. واشتقاقه من الرتل. قال صاحب العين: رتلت الكلام تمهلت فيه. وثغرٌ رتلٌ حسن التنضيد. وقال الأصمعي: وفي الأسنان الرتل وهو أن يكون بين الأسنان الفرج، لا يركب بعضها بعضاً. ولم يقتصر سبحانه وتعالى على الأمر بالفعل حتى أكده بمصدره تعظيماً لشأنه، وترغيباً في ثوابه، وقال تعالى: {ورتلناه ترتيلاٍ} . أي أنزلناه على الترتيل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 وهو التمكث، وهو ضد العجلة. وقال سبحانه وتعالى: {وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكثٍ} . أي على ترسلٍ. والتحقيق مصدر حققت الشيء، أي عرفته يقيناً. والعرب تقول بلغت حقيقة هذا الأمر، أي بلغت يقين شأنه والاسم منه الحق، فمعناه أن يؤتى بالشيء على حقه من غير زيادةٍ فيه ولا نقصانٍ منه. والترتيل يكون للتدبر والتفكر والاستنباط، والتحقيق لرياضة الألسن وترقيق الألفاظ الغليظة وإقامة القراءة، وإعطاء كل حرفٍ حقه من المد والهمز والإشباع والتفكيك، ويؤمن معه تحريك ساكنٍ واختلاس حركة متحرك. وتفكيك الحروف وفكها: بيانها وإخراج بعضها من بعضٍ بتيسرٍ وترسلٍ، ومن ذلك فك الرقبة وفك الأسير، لأنه إخراجهما من الرق والأسر، وكذلك فك الرهن هو إخراجه من الارتهان، وفك الأعضاء هو إخراجها من مواضعها، وفك الكتاب هو استخراج ما فيه. وكتاب الله تعالى يقرأ بالترتيل والتحقيق، وبالحدر والتخفيف، وبالهمز وتركه، وبالمد وقصره، وبالبيان والإدغام، وبالإمالة والتفخيم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 وإنما يستعمل القارئ الحدر والهذرمة، وهما سرعة القراءة مع تقويم الألفاظ وتمكين الحروف، لتكثر حسناته، إذ كان له بكل حرفٍ عشر حسناتٍ، وذلك بعد معرفته بالهمز من غير لكزٍ، والمد من غير تمطيطٍ، والتشديد من غير تمضيغٍ، والإشباع من غير تكلف. فهذا معنى التجويد وحقيقة الترتيل والتحقيق، على ما توجبه اللغة وما حكاه أهل العلم بالقراءة والمعرفة بالأداء. فنحن نورد من الآثار ما يدل على صحة ما نقلناه، ويحث على استعمال ما وصفناه، إن شاء الله تعالى. ذكر ذلك.. حدثنا محمد بن خليفة الإمام، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى، حدثنا مالك بن سعير، حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، في هذه الآية {ورتل القرآن ترتيلاً} ، قال بينه بياناً. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 حدثنا خلف بن إبراهيم المقرئ، حدثنا أحمد بن محمد المكي، حدثنا علي ابن عبد العزيز، حدثنا القاسم بن سلام، حدثنا حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلاً} قال: ترسل فيه ترسلاً. حدثنا محمد بن خليفة، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا جعفر بن محمد، حدثنا أبو بكر بن زنجويه، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن عبيد المكتب، عن مجاهد، في قوله تعالى: {لتقرأه على الناس على مكثٍ} ، قال: على تؤدة. حدثنا خلف بن أحمد بن هشام، حدثنا زياد بن عبد الرحمن، حدثنا محمد بن يحيى بن حميد، عن محمد بن يحيى بن سلام، عن أبيه، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود القرشي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفسر ويرتل إذا قرأ. حدثنا علي بن خلف المكي، حدثنا علي بن مسرور، حدثنا أحمد بن علي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 ابن أبي سليمان، عن سحنون، عن عبد الرحمن، عن مالك، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد، عن المطلب بن أبي وداعة، عن حفصة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في سبحته قاعداً قط حتى [كان] قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعداً، ويقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. حدثنا خلف بن حمدان، حدثنا أبو بكر المكي، حدثنا علي عن أبي عبيد، حدثنا أحمد بن عثمان، عن عبد الله بن المبارك، عن الليث بن سعد، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك، عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها نعتت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفسرةً حرفاً حرفاً. حدثنا فارس بن أحمد بن موسى المقرئ، حدثنا أحمد بن محمد وعبيد بن محمد، قالا: حدثنا علي بن الحسن القاضي، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 وكيع، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهن -أنها سئلت عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنكم لا تستطيعونها. فقالوا: إنها أخبرتنا فقرأت قراءة ترسلت بها. حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن عفان القشيري، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا أبي، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا جرير بن حازم، عن قتادة، قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كان يمد صوته مداً. حدثنا الخاقاني خلف بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا القاسم بن سلام، حدثنا يزيد عن يحيى بن سعيد، عن رجل حدثه عن أبيه أنه سأل زيد بن ثابت عن قراءة القرآن في سبع، فقال: حسنٌ، ولأن أقرأه في عشرين أو في النصف أحب إلي من أن أقرأه في سبعٍ، وسألني عن ذلك، أردده وأقف عليه. حدثنا فارس بن أحمد حدثنا أحمد بن محمد، وعبيد الله بن محمد، قالا: حدثنا علي بن حرب، حدثنا يوسف بن موسى، عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، عن عبد الله، قال: أتاه رجل فقال: أقرأ القرآن، بالمفصل في ركعة، فقال: هذا كهذ الشعر، ونثراً كنثر الدقل. حدثنا خلف بن حمدان، حدثنا أحمد بن محمد حدثنا علي، حدثنا أبو عبيد، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: قرأ علقمة على عبد الله فكأنه عجل، فقال عبد الله: فداك أبي وأمي رتل فإنه زين القرآن. قال: وكان علقمة حسن الصوت بالقرآن. حدثنا محمد بن خليفة، حدثنا محمد بن الحسين، حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا يحيى بن عبد الحميد، حدثنا حماد بن شعيب، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق في الدرجات، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آيةٍ كنت تقرأها. حدثنا الخاقاني، حدثنا أحمد المكي، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيد، حدثنا أبو نعيم، عن بشير بن المهاجر، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمعته يقول: إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة كالرجل الشاحب، وذكر الحديث، وفي آخره: ثم يقال له: اقرأ واصعد في درج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 الجنة وغرفها، فقال: فهو في صعودٍ ما دام يقرأ، هذا كان أو ترتيلاً. قال أبو عمرو: والأخبار الواردة لدينا بهذا المعنى كثيرة، اختصرنا هذه منها، إذ فيها كفاية ومقنع، وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 باب ذكر الوارد في قراءة التحقيق وتجويد الألفاظ ورياضة الألسن بالحروف حدثنا أبو الفتح شيخنا، حدثنا عمر بن محمد، حدثنا الحسن بن أبي الحسن العسكري، حدثنا محمد بن الحسن بن عمير، حدثنا عبد الرحمن بن داود بن أبي طيبة، قال: قرأت على أبي التحقيق، وأخبرني أنه قرأ على ورش التحقيق، قال: وأخبرني ورش أنه قرأ على نافع التحقيق، قال نافع: إنه قرأ على الخمسة التحقيق، قال: وأخبرني الخمسة أنهم قرأوا على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة التحقيق، وأخبرهم عبد الله أنه قرأ على أبي بن كعب -رضي الله عنه- التحقيق، وأخبره أنه قرأ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التحقيق، قال: وقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - علي التحقيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 قال أبو عمرو: هذا الخبر الوارد بتوقيف قراءة التحقيق من الأخبار الغريبة والسنن العزيزة التي لا توجد روايته إلا عند المكثرين الباحثين، ولا يكتب إلا عن الحفاظ الماهرين، وهو أصل كبير في وجوب استعمال قراءة التحقيق وتعلم الاتقان والتجويد، لاتصال سنده وعدالة نقلته، ولا أعلمه يأتي متصلاً إلا من هذا الوجه. حدثنا عبد الرحمن بن خالد الفرائضي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا البخاري، حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، عن قتادة، قال: سئل أنس -رضي الله عنه- كيف كانت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: كانت مداً، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمد (بسم الله) ، ويمد (الرحمن) ، ويمد (الرحيم) . قال أبو عمرو: وهذا حديث مخرج من الصحيح، وهو أصل في تحقيق القراءة، وتجويد الألفاظ، وإخراج الحروف من مواضعها، والنطق بها على مراتبها، وإيفائها صيغتها، وكل حق هو لها، من تلخيصٍ وتبيينٍ ومد وتمكينٍ وإطباقٍ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 وتفش وصفيرٍ وغنةٍ وتكريرٍ واستطالة وغير ذلك، على مقدار الصيغة وطبع الخلقة، من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ، وسترى ذلك محدوداً ممثلاً مشروحاً في ما بعد، إن شاء الله تعالى. حدثنا محمد بن أحمد بن علي البغدادي، حدثنا أبو بكر بن مجاهد، قال: حدثني محمد بن سهل، حدثني إسحاق بن أحمد بن إبراهيم المروزي، عن عمر بن عمران العدوي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن عاصم بن بهدلة، قال: قلت للطفيل بن أبي بن كعب -رضي الله عنهم- إلى أي معنى ذهب أبوك في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أمرت أن أقرأ عليك القرآن، قال: ليقرأ علي فآخذ ألفاظه. قال أبو عمرو: وهذا الحديث أيضاً أصل كبير في وجوب معرفة تجويد الألفاظ وكيفية النطق بالحروف على هيئتها وصيغتها، وأن ذلك لازم لكل قراء القرآن أن يطلبوه ويتعلموه وواجبٌ على جميع المتصدرين أن يأخذوه ويعلموه، اقتداء الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ما أمر به، واتباعاً له على ما أكده بفعله، ليكون سنة يتبعها القراء، ويقتدي بها العلماء. حدثنا عبد الرحمن بن عثمان الزاهد، حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن أبي خيثمة، حدثنا محمد بن أبي غالب، حدثنا هشام، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن أبيه، عن جده، أنه كان عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فسمع رجلاً يقرأ في سورة يوسف {ليسجننه عتى حين} ، فقال له عمر: من أقرأكها؟ قال أقرأنيها ابن مسعود، فكتب عمر إلى ابن مسعود -رضي الله عنه- سلامٌ عليك، أما بعد فإن الله أنزل هذا القرآن فجعله قرآناً عربياً مبيناً، وأنزله بلغة هذا الحي من قريشٍ، فإذا جاءك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريشٍ، ولا تقرئهم بلغة هذيلٍ، والسلام. قال أبو عمرو: وهذا الخبر أصل كبير، ومعناه تعليم عمر عبد الله -رضي الله عنهما- رياضة الألسنة، وأمره إياه أن يأخذ من يقرئه بالتفرقة بين الحروف المتشابهة في اللفظ المتقاربة في المخرج، حتى يؤدي القرآن على ما أنزل عليه من القراءات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 واللغات دون ما يجوز من ذلك من كلام العرب ولغاتها، إذا كان مخالفاً لما أنزل عليه من الأحرف، ألا ترى أن الفرق بين العين والحاء بحة الحاء، لولا هي لكانت عيناً. وإنما كانت ذات بحةٍ لهمسها وجهر العين، فقد ميز عمر -رضي الله عنه- الفرق بينهما، وأمر عبد الله -رضي الله عنه- بتتبع ذلك على القارئين وتلخيص بيانه للتالين. فيلزم سائر القراء وجميع أهل الأداء استعمال ذلك وتفقده، حتى يلفظه بالحروف على هيئتها، وينطق بها على مراتبها. حدثنا علي بن محمد الربعي، حدثنا عبد الله بن مسرور، حدثنا يوسف بن يحيى، حدثنا عبد الملك بن حبيب، قال حدثني طلق بن السمح وأسد بن موسى، قالا: حدثنا عبد الرحمن بن عفان، حدثنا أحمد بن ثابت، حدثنا سعيد بن عثمان، حدثنا نصر بن مرزوق، حدثنا علي بن معبد. وحدثنا خلف بن حمدان، حدثنا أحمد بن محمد، حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيد، حدثنا نعيم بن حماد، قالوا: حدثنا بقية بن الوليد، واللفظ لأبي عبيد، عن حصين بن مالك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 الفزاري، قال سمعت شيخاً يكنى أبا محمد، يحدث عن حذيفة بن اليمان، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها. قال أبو عمرو: وهذا الخبر أصلٌ لصحة افتراق طباع أئمة القراءة في الترتيل والتحقيق والحدر والتخفيف، واختلاف مذاهبها في ما تلقته من أئمتها ونقلته عن سلفها، من الهمز وتركه، والمد وقصره، والإمالة والتفخيم، والبيان والإدغام، والروم والإشمام، إلى سائر ما ورد عنها استعماله والأخذ به من المطرد من الأصول والمفترق من الفروع، إذ معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - بلحون العرب وأصواتها يريد طباعها ومذاهبها، وذلك إجماع باتفاق من أهل العلم باللسان من طباعها ومذاهبها. ولكل ضربٍ منه حد ينتهي إليه لا يتجاوز، وغاية يبلغ إليها لا تخالف، وسنوضح ذلك ونبينه في ما بعد، إن شاء الله تعالى. أخبرت عن محمد بن الحسن النقاش، حدثنا محمد بن جعفر الإمام، عن أبي هشام الرفاعي، عن سليم عن حمزة، قال: إن الرجل يقرأ القرآن فما يلحن حرفاً، أو قال: ما يخطئ حرفاً، وما هو من القراءة في شيء. قال أبو عمرو: يريد أنه لا يقيم قراءته على حدها، ولا يؤدي ألفاظه على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 حقها ولا يوفي الحروف صيغتها، ولا ينزلها منازلها من التلخيص والتبيين والإشباع والتمكين، ولا يميز ما بين سينٍ وصادٍ ولا ظاءٍ ولا ضاد، ولا يفرق بين مشددٍ ومخففٍ، ومدغمٍ ومظهرٍ، ومفخمٍ ومرققٍ، ومفتوحٍ وممالٍ، وممدودٍ ومقصورٍ، ومهموزٍ وغير مهموزٍ، وغير ذلك من غامض القراءة وخفاء التلاوة الذي لا يعلمه إلا المهرة من المقرئين، ولا يميزه إلا الحذاق من المتصدرين الذين تلقوا ذلك أداءً، وأخذوه مشافهة، وضبطوه وقيدوه، وميزوا جليه، وأدركوا خفيه، و [هم] قليل في الناس. وأخبرت عن محمد بن الحسن أيضاً، حدثنا علي بن عباس، حدثنا محمد ابن عمر بن وليد، حدثنا إسحاق بن منصور، عن الحسن بن صالح، قال: ربما قرأ الرجل على عاصم فيقول: ما قرأت حرفاً. قال محمد: وحدثنا الحسن بن [أبي] مهران الجمال والحسين بن علي الأزرق قالا: حدثنا الحلواني، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا هشام بن بكير، وكان هو وأبوه من القراء. قال: كنت عند عاصمٍ ورجلٌ يقرأ عليه، قال: فما أنكرت من قراءته شيئاً، قال: فلما فرغ قال له عاصمٌ: والله ما قرأت حرفاً. قال أبو عمرو: يريد أنك لم تقم القراءة على حدها، ولم توف الحروف الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 حقها، ولا احتذيت منهاج الأئمة من القراء، ولا سلكت طريق أهل العلم بالأداء. وهذا وما قدمناه دال على توكيد علم التجويد والأخذ بالتحقيق، والله ولي التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 باب ذكر الأخبار الواردة عن أئمة القراءة في استعمال التحقيق حدثنا محمد بن أحمد الكاتب، حدثنا ابن مجاهد، حدثنا الحسن بن أبي مهران الجمال، حدثنا الحلواني، حدثنا قالون، عن نافع أنه كان يمد ويحقق القراءة، ولا يشدد، ويقرب من المدود وغير الممدود. قال ابن مجاهد: وكذلك كان مذهب ابن كثير وأبي عمرو. حدثنا عبد العزيز بن جعفر، حدثنا عبد الواحد بن عمر، حدثنا الحسن بن المهلب، حدثنا محمد بن هشام، حدثنا أحمد بن يزيد، عن هشام بن عمار بإسناده عن ابن عامر أنه كان يقرأ بالمد والهمز والإدغام. حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا ابن مجاهد، حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا منجاب، حدثنا شريكٌ، قال: كان عاصمٌ صاحب همزٍ ومد وقراءةٍ شديدةٍ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 حدثنا محمد بن علي حدثنا أحمد بن موسى، حدثنا ابن أبي الدنيا، قال: قال ابن الهيثم محمد: أخبرني إبراهيم [بن] الأزرق. قال: كان حمزة يقرأ في الصلاة كما يقرأ، لا يدع شيئاً من قراءته، فذكر الهمز والمد والإدغام. حدثنا فارس بن أحمد، حدثنا عبد الله بن الحسين، حدثنا إسماعيل بن شعيب، حدثنا أحمد بن سلمويه، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا العباس ابن الوليد، حدثنا قتيبة بن مهران، قال: كان الكسائي صاحب همزٍ شديدٍ وتحقيق القراءة. قال قتيبة: وسمعت ابن جمازٍ يقرئ، بالمدينة الناس، يأخذ عليهم أخذاً شديداً. قال: وعامة من رأيت من القراء كانوا يهمزون ويثقلون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 باب ذكر الإفصاح عن مذاهب الأئمة في حد التحقيق ونهاية التجويد وما جاء عنهم من الكراهة في التجاوز عن ذلك اعلموا أن التحقيق الوارد عن أئمة القراءة حده أن توفى الحروف حقوقها، من المد إن كانت ممدودة، ومن التمكين إن كانت ممكنة، ومن الهمز إن كانت مهموزة، ومن التشديد إن كانت مشددة، ومن الإدغام إن كانت مدغمة، ومن الفتح إن كانت مفتوحة، ومن الإمالة إن كانت ممالة، ومن الحركة إن كانت متحركة ومن السكون إن كانت مسكنة، من غير تجاوز ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف، على ما نبينه في ما بعد، إن شاء الله تعالى. فأما ما يذهب إليه بعض أهل الغباوة من أهل الأداء من الإفراط في التمطيط والتعسف في التفكيك والإسراف في إشباع الحركات وتلخيص السواكن، إلى غير ذلك من الألفاظ المستبشعة والمذاهب المكروهة -فخارج عن مذاهب الأئمة وجمهور سلف الأمة، وقد وردت الآثار عنهم بكراهة ذلك، وبكيفية حقيقته، ونحن نذكر ما رويناه من ذلك ليعمل على ما حددناه ووصفناه، إن شاء الله تعالى. ذكر ذلك: حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا ابن مجاهد، حدثنا علي بن الحسن، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 سمعت محمد بن الهيثم يقول: حدثني عبد الرحمن بن أبي حماد قال: سمعت حمزة يقول: إن لهذا التحقيق منتهى ينتهي إليه ثم يكون قبيحاً، مثل البياض له منتهى ينتهي إليه، فإذا زاد صار برصاً، ومثل الجعودة لها منتهىً تنتهي إليه، فإذا زادت صارت قططاً. أخبرنا عبد العزيز بن جعفر، حدثنا عبد الواحد بن عمر، حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري، حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: قال لي حمزة: إني أكره ما تجيئون به، يعني من التشديد. حدثنا عمر بن علي، حدثنا أحمد بن موسى، قال: حدثني علي بن الحسن، قال محمد بن الهيثم: واحتج من عاب قراءة حمزة بعبد الله بن إدريس أنه طعن فيها، وإنما كان سبب هذا أن رجلاً ممن قرأ على سليم حضر مجلس عبد الله بن إدريس فقرأ، فسمع ابن إدريس ألفاظاً فيها إفراط في الهمز والمد وغير ذلك من التكلف المكروه، فكره ذلك ابن إدريس وطعن فيه. وقال محمد: وهذا الطريق عندنا مكروه مذموم، وكان حمزة يكره هذا وينهى عنه، وكذلك من أتقن القراءة من أصحابه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 حدثنا أبو القاسم الفارسي، حدثنا أبو طاهر بن أبي هاشم، قال: حدثني عبد الله، يعني ابن أبي داود، عن أبيه، عن شيخ له، عن آخر، قال: قال رجل لحمزة: يا أبا عمارة رأيت رجلاً من أصحابك همز حتى انقطع زره. فقال: لم آمرهم بهذا كله. حدثنا عبد العزيز بن جعفر، حدثنا عبد الواحد بن عمر، حدثنا ابن فرح، حدثنا أبو عمر، قال: سمعت سليماً يقول: وقف الثوري على حمزة، فقال: يا أبا عمارة ما هذا الهمز والمد والقطع الشديد؟ فقال: يا أبا عبد الله هذه رياضة للمتعلم. قال: صدقت. قال أبو عمرو: ولهذا المعنى الذي ذكره حمزة -رحمه الله- يرخص في المبالغة في التحقيق من يرخص من الشيوخ المتقدمين والقراء السالفين لترتاض به ألسنة المبتدئين وتتحكم فيه طباع المتعلمين، ثم يعرفون بعد حقيقته ويوقفون على المراد من كيفيته. فأما استعماله على غير ذلك فلا سبيل إليه البتة، للمتقدم من الأخبار عن الأئمة بكراهته والعدول عنه. وقد حدثني الحسين بن علي بن شاكر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 البصري، حدثنا أحمد بن نصر المقرئ، قال: فأما الإسراف في التحقيق الخارج عن التجويد فمعيب مذموم. قال: سمعت ابن مجاهد وقد سئل عن وقف حمزة على الساكن قبل الهمزة، وإفراطه في المد، إلى غير ذلك، قال: كان حمزة يأخذ بذلك على المتعلم، ومراده أن يصل إلى ما نحن عليه من إعطاء الحروف حقوقها. قال أبو عمرو: وقد جاء هذا عن حمزة منصوصاً، فحدثنا به عبد العزيز بن جعفر المقرئ، أن عبد الواحد بن عمر حدثهم، قال: حدثني أحمد بن عبيد الله، حدثنا عبد الله بن شعيب. قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم المقرئ، عن خلف بن هشام، قال: سألت سليم بن عيسى عن التحقيق. فقال: سمعت حمزة يقول: إنا جعلنا هذا التحقيق ليستمر عليه المتعلم. أخبرني محمد بن عبد الواحد البغدادي، أن أحمد بن نصر حدثهم، قال: حدثنا ابن شنبوذ، قال: حدثنا محمد بن حيان، حدثنا أبو حمدون، حدثنا سليم، قال: سمعت حمزة يقول: إنما أزيد على الغلام في المد ليأتي بالمعنى. حدثنا فارس بن أحمد، حدثنا عبد الله بن الحسين، حدثنا أبو بكر الأدمي، عن أبي أيوب الضبي، عن رجاء بن عيسى، عن إبراهيم بن زربي أنه قرأ على سليمٍ وأنه قرأ على حمزة بمد بين مدين، وكسر بين كسرتين. حدثني الحسين بن علي بن شاكر، حدثنا أحمد بن نصر، حدثنا شيخنا -يعني ابن مجاهد- حدثنا محمد بن عيسى المقرئ، حدثنا محمد بن يزيد بن رفاعة، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 سمعت أبا بكر بن عياش يقول: إمامنا يهمز (مؤصدة) فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته يهمزها. قال أبو عمرو: وقول أبي بكر إمامنا يعني إمام مسجدهم، مسجد بني السيد بالكوفة، كان يقرأ بحرف حمزة. حدثنا خلف بن إبراهيم، حدثنا محمد بن أشتة حدثنا إبراهيم بن جعفر، عن يوسف بن جعفر، عن إبراهيم بن الحسن، حدثنا علي بن بشر، حدثنا جعفر بن شكل، قال: جاء رجل إلى نافع فقال: تأخذ علي الحدر، فقال نافع: ما الحدر؟ ما أعرفها، أسمعنا. قال: فقرأ الرجل، فقال نافع: الحدر، أو قال حدرنا، أن لا نسقط الإعراب، ولا ننفي الحروب، ولا نخفف مشدداً، [ولا نشدد مخففاً] ، ولا نقصر ممدوداً، ولا نمد مقصوراً، قراءتنا قراءة أكابر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهلٌ جزلٌ، لا نمضغ ولا نلوك، ننبر ولا نبتهر، نسهل ولا نشدد، نقرأ على أفصح اللغات وأمضاها، ولا نلتفت إلى أقاويل الشعراء وأصحاب اللغات، أصاغر عن أكابر، ملي عن وفي، ديننا دين العجائز، وقراءتنا قراءة المشايخ، نسمع في القرآن، ولا نستعمل فيه بالرأي، ثم تلا نافع: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن..} إلى آخر الآية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 قال أبو عمرو: وهذا كلام من أيد ووفق ونصر وفهم وجعل إماماً عالماً، وعلماً يقتفى أثره، ويتبع سننه. وهذه الطريقة التي وصفها وبينها وأوضحها وعرف أن الصحابة -رضوان الله عليهم- احتذوها، هي التي يجب على قراء القرآن أن يمتثلوها في التحقيق، ويسلكوها في التجويد، وينبذوا ما سواها مما هو مخالف لها وخارج عنها. وعلى ذلك وجدنا الأئمة من القراء والاكابر من أهل الأداء: حدثنا أبو محمد سليمان بن أبي الوليد الإمام وغيره، قالوا: حدثنا محمد بن علي المقرئ، قال: حدثني محمد بن سعيد، عن أبي جعفر أحمد بن هلال، قال: حدثني محمد بن سلمة العثماني، قال: قال أبي: قلت لورش: كيف كان يقرأ نافع؟ قال: كان يقرأ لا مشدداً ولا مرسلاً، بيناً حسناً. قال ابن هلال. والذي أقرأه وأقرئ به الوسط من اللفظ، ما يصلح للمحاريب. وهو مذهب أبي يعقوب عن ورش عن نافع. حدثنا محمد بن علي، حدثنا ابن مجاهد، قال: كان أبو عمرو يسهل القراءة، غير متكلف، يؤثر التخفيف ما وجد إليه السبيل. حدثني الحسين بن علي، حدثنا أحمد بن نصر بن منصور، ووصف قراءة أئمة القراءة السبعة، قال: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 فأما صفة قراءة من انتحل ابن كثير فحسنةٌ، مجهورةٌ بتمكين بينٍ. وأما وصف قراءة من ينتحل نافعاً فسلسلةٌ لها أدنى تمديد. وأما صفة قراءة من ينتحل عاصماً فمترسلةٌ جريشةٌ، ذات ترتيل وكان عاصم نفسه موصوفاً بحسن الصوت وتجويد القراءة. وأما صفة من ينتحل قراءة حمزة فأكثر من رأينا منهم ما ينبغي أن تحكى قراءته لفسادها ولأنها مصنوعة من تلقاء أنفسهم، وأما من كان منهم يعدل في قراءته حدراً أو تحقيقاً فصفتها المد العدل والقصر والهمز المقوم والتشديد المجود، بلا تمطيط ولا تشديقٍ ولا تعلية صوتٍ ولا ترعيدٍ، فهذه صفة التحقيق. وأما الحدر فسهل التكلف في أدنى ترتيل وأيسر تقطيع. وأما وصف قراءة من ينتحل قراءة الكسائي فبين الوصفين، في اعتدال. وأما أصحاب قراءة ابن عامر فيضطربون في التقويم، ويخرجون عن الاعتدال. وأما صفة من ينتحل قراءة أبي عمرو فالتوسط والتدوير وهمزها سليمٌ من اللكز. وتشديدها خارج عن التمضيغ، بترسلٍ جزلٍ وحدرٍ بينٍ سهلٍ يتلو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 بعضها بعضاً. قال: وإلى هذا كان يذهب ابن مجاهد، في هذه القراءة وغيرها، وبه قرأنا عليه، وبه كان يختار، وبمثله كان يأخذ ابن المنادي، رحمة الله عليهما. والله الهادي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 باب ذكر البيان عن حقائق الألفاظ وحدود النطق بالحروف اعلموا أن التجويد لا يتمكن والتحقيق لا يتحصل إلا بمعرفة حقيقة النطق بالمتحرك، والمسكن، والمختلس، والمرام، والمشم، والمهموز، والمسهل، والمحقق، والمشدد، والمخفف، والممدود، والمقصور، والمبين، والمدغم والمخفى، والمفتوح، والممال. وأنا أبين ذلك كله، وأدل على حقيقته، وأكشف عن خاص سره، وأنبه على موضع غموضه، من غير إطناب ولا إسهاب، إن شاء الله تعالى. فأما المحرك من الحروف بالحركات الثلاث: الفتحة والكسرة والضمة فحقه أن يلفظ به مشبعاً، ويؤتى بالحركات الثلاث كوامل، من غير اختلاسٍ ولا توهينٍ يؤولان إلى تضعيف الصوت بهن، ولا إشباعٍ زائدٍ ولا تمطيطٍ بالغٍ يوجبان الإتيان بعدهن بألف وياء وواو غير ممكناتٍ فضلاً عن الإتيان بهن ممكنات. وأما المسكن من الحروف فحقه أن يخلى من الحركات الثلاث ومن بعضهن، من غير وقفٍ شديدٍ، ولا قطعٍ مسرفٍ عليه سوى احتباس اللسان في موضعه قليلاً في حال الوصل. وأما المختلس حركته من الحروف فحقه أن يسرع اللفظ به إسراعاً يظن السامع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 أن حركته قد ذهبت من اللفظ لشدة الإسراع، وهي كاملة في الوزن، تامةً في الحقيقة، إلا أنها لم تمطط لا ترسل بها، فخفي إشباعها ولم يتبين تحقيقها. وأما المرام حركته من الحروف عند الوقف أو في حال الوصل فحقه أن يضعف الصوت بحركته، أي حركةٍ كانت، ولا يتم النطق بها، فيذهب بذلك معظمها، ويسمع لها صويتٌ خفي، يدركه الأعمى بحاسة سمعه، وهو مع ذلك في الوزن محركٌ. وكذا المخفى حركته من الحروف سواء، قال سيبويه: المخفى بوزن المظهر. وقال غيره: هو بزنته إلا أنه أنقص صوتاً منه. وحقيقته في اللغة السترة، ومن ذلك قوله تعالى: {إن الساعة آتيةٌ أكاد أخفيها} ، أي أسترها. والمخفى شيئان حرفٌ وحركةٌ، فإخفاء الحرف نقصان صوته، وإخفاء الحركة نقصان تمطيطها. وأما المشم من الحروف في حال الوصل أو الوقف فحقه أن يخلص سكون الحرف ثم يومى بالعضو، وهما الشفتان، إلى حركته ليدل بذلك عليها من غير صوت خارج إلى اللفظ، وإنما هو تهيئةٌ بالعضو لا غير، ليعلم بالتهيئة أنه يراد المهيأ له، ولا يعرف ذلك الأعمى، لأنه لرؤية العين. ويختص به من الحركات الرفع والضم، لا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 غير، لأنهما من الواو، والواو تخرج من الشفتين وفيهما تعالج. قال أبو عمرو: فأما الإشمام في قوله: قيل: وسيء، ونظائرهما، على مذهب من أشم أوله الضم دلالةً على الأصل، فحقه أن ينحى بكسرة فاء الفعل المنقولة من عينه نحو الضمة، كما ينحى بالفتحة من قوله: (من النار) و (من نهار) وشبههما، إذا أريدت الإمالة المحضة نحو الكسرة، فكذلك ينحى بالكسرة إذا أريد الإشمام نحو الضمة، لأن ذلك كالممال سواء. وهذا الذي لا يجوز غيره عند العلماء من القراء والنحويين. وأما المهموز فحقه أن تخرج همزته مع النفس إخراجاً سهلاً، بغير شدةٍ ولا كلفةٍ ولا عنفٍ ولا صعوبة، وذلك لا يتحصل للقراء إلا بالرياضة الشديدة والدرس المشبع. والهمزة إذا سهلت وجعلت بين بين أشير إليها بالصدر إن كانت مفتوحة، وإن كانت مكسورة جعلت كالياء المختلسة الكسرة، وإن كانت مضمومةً جعلت كالواو المختلسة الضمة، من غير إشباعٍ. وتلك الكسرة والضمة هي التي كانت مع الهمزة، إلا أنها مع الهمزة أشبع منها مع الحرف المجعول خلفاً منها. ومعنى بين بين أي بين الهمزة المحققة وبين الحرف الساكن الذي منه حركتها، فالمفتوحة بين الهمزة والألف، والمكسورة بين الهمزة والياء الساكنة، والمضمومة بين الهمزة والواو الساكنة، فهي ضعيفةٌ ليس لها تمكن المحققة ولا خلوص الحرف الذي منه حركتها، وهي في الوزن محققةٌ، إلا أنها بالتوهين والتضعيف تقرب من الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 الساكن، ولذلك لا يبتدأ بها كهو، فإن أبدلت ثبت المبدل منها دونها إما مظهراً وإما مدغماً، وإن ألقي حركتها على ساكن قبلها تحرك بها، وذهبت هي من اللفظ رأساً، لسكونها وتقدير سكون الحرف المحرك بحركتها، فكانت بالحذف أولى لاستثقالها وزوال حركتها. وأما الممدود فعلى ضربين: طبيعي ومتكلفٍ، فالطبيعي حقه أن يؤتى بالألف والياء والواو التي هي حروف المد واللين ممكناتٍ على مقدار ما فيهن من المد الذي هو صيغتهن، من غير زيادة ولا إشباع. وذلك إذا لم تلق واحدة منهن همزةً ولا حرفاً ساكناً، ويسمي هذا الضرب القراء مقصوراً، لأنه قصر عن الهمزة الموجبة لزيادتها في الإشباع لخفائها وشدتها، أي حبس عنها ومنع منها. ومن ذلك قوله تعالى: {حورٌ مقصوراتٌ في الخيام} ، أي محبوسات. ويقدرونه مقدار ألفٍ إن كان ألفاً، ومقدار ياء إن كان ياء، ومقدار واو إن كان واواً. والمتكلف حقه أن يزاد في تمكين الألف والياء والواو على ما فيهن من المد الذي لا يوصل إلى النطق بهن إلا به، من غير إفراط في التمكين ولا إسراف في التمطيط. وذلك إذا لقين الهمزات والحروف السواكن لا غير. وحقيقة النطق بذلك أن تمد الأحرف الثلاثة ضعفي مدهن في الضرب الأول. والقراء يقدرون ذلك مقدار ألفين إن كان حرف المد ألفاً، ومقدار ياءين إن كان ياء، ومقدار واوين إن كان واواً، لما دخلته من زيادة التمكين، وإشباع المد دلالةً على تحقيقه وتفاضله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 أما المبين من الحروف فحقه إذا التقى بمثله وهما متحركان أو بمقاربه وهو متحركٌ أو ساكنٌ أن يفصل بينهما، ويبان عنهما، من غير قطعٍ مسرفٍ ولا سكتٍ شديدٍ، مع إخلاص سكون الساكن وإشباع حركة المتحرك. وأما المدغم من الحروف فحقه إذا التقى بمثله أو مقاربه، وهو ساكن، أن يدخل فيهما إدخالاً شديداً، فيرتفع اللسان بالحرفين ارتفاعةً واحدة، لا فصل بينهما بوقف ولا بغيره، ويعتمد على الآخر اعتمادةً واحدة، فيصيرا بتداخلهما كحرف واحد لا مهلة بين بعضه وبعضه، ويشد الحرف ويلزم اللسان موضعاً واحداً، غير أن احتباسه في موضع الحرف، لما زيد فيه من التضعيف، أكثر من احتباسه فيه بالحرف الواحد. والحرفان المتقاربان إذا أدغم أحدهما في الآخر قلب الأول منهما إلى لفظ الثاني قلباً صحيحاً، وأدغم فيه إدغاماً تاماً، هذا ما لم يكن للأول صوتٌ يبقى، نحو صوت النون والتنوين إذا أدغم في الياء والواو، وصوت الطاء إذا أدغمت في التاء، وبقي ذلك الصوت مع الإدغام، فإن الأول لا يقلب قلباً صحيحاً، ولا يدغم إدغاماً الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 تاماً، إذ لو فعل ذلك به لذهب ذلك الصوت بذهابه لعدم وجوده في غيره. ويخرج كل حرف مدغم من مخرج المدغم فيه، لا من مخرجه، وذلك من حيث القلب إلى لفظه، فاعتمد اللسان عليه دونه. ومعنى الإدغام إدخال شيء في شيء وتغييبه فيه، مأخوذٌ من قول العرب: أدغمت الفرس اللجام، إذا أدخلته في فيه. وقال بعض أهل اللغة: الدغم التغطية وقد دغمه إذا غطاه. وأما المخفى فعلى نوعين: إخفاء الحركات، وإخفاء النون والتنوين. فأما إخفاء الحركات فحقه أن يضعف الصوت بهن ولا يتم، وقد بينا ذلك قبل. وأما إخفاء النون والتنوين فحقه أن يؤتى بهما لا مظهرين ولا مدغمين، فيكون مخرجهما من الخياشيم لا غير، ويبطل عمل اللسان بهما، ويمتنع التشديد لامتناع قلبهما، وذلك إذا لقيا حروف اللسان غير الراء واللام، وسترى هذا مبيناً ممثلاً -إن شاء الله- في موضعه. وقال لي الحسين بن علي، قال لنا أحمد بن نصر: المخفى ما تبقى معه غنة. وأما المفتوح فحقه أن يؤتى به بين منزلتين، بين التفخيم الشديد الذي يستعمله أهل الحجاز في نحو: الصلاة والزكاة فينحون بالألف نحو الواو، من شدة التفخيم، وهذه اللغة لا تستعمل في القرآن لأنه لا إمام لها، وبين الإمالة المحضة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 التي يستعملها القراء، وهي التي دون الكسر الصحيح. وأما الممال فعلى ضربين: مشبعٍ وغير مشبع. فالمشبع حقه أن يؤتى به بين الكسر الشديد الذي يوجب القلب لشدته وليس له إمامٌ، وبين الفتح الوسط الذي ذكرناه ووصفنا حقيقته. وغير المشبع حقه أن يؤتى به بين الفتح الوسط وبين الإمالة التي دون الكسر. ويسمي القراء هذا الضرب بين اللفظين، وهما المذكوران. قال أبو عمرو: فجميع ما ذكرناه ووصفنا حقيقته من الأصول التي تتكرر، والفروع التي تتردد، فالقراء مضطرون إلى علمه ومعرفته، ولا يتحقق لهم ذلك بالمشافهة ورياضة الألسن، لغموضه وخفي سره، وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 باب ذكر مخارج الحروف المعجمة وتفصيلها اعلموا أن قطب التجويد وملاك التحقيق معرفة مخارج الحروف وصفاتها التي بها ينفصل بعضها من بعض، وإن اشترك في المخرج. وأنا أذكر ذلك على مذهب سيبويه خاصة، إذ هو الصحيح المعول عليه، إن شاء الله تعالى. فأما حروف المعجم فهي تسعةٌ وعشرون حرفاً، ولها ستة عشر مخرجاً، ومعنى المخرج أنه الموضع الذي ينشأ منه الحرف، وتقرب معرفته أن يسكن الحرف وتدخل همزة الوصل عليه، ليتوصل إلى النطق به، فيستقر اللسان بذلك في موضعه فيتبين مخرجه. فللحلق منها ثلاثة مخارج وسبعة أحرف: فأقصاها مخرجاً الهمزة والألف والهاء، فالهمزة في أول الصدر وآخر الحلق ثم الألف تليها، وهي صوت لا يعتمد اللسان فيها على شيء من أجزاء الفم. ثم الهاء فوق الألف وهو آخر المخرج الأول. وأوسطها العين والحاء، لأنهما من وسط الحلق. وأدناها إلى الفم الغين والخاء. وللسان منها عشرة مخارج، وثمانية عشر حرفاً، فأقصى اللسان له مخرجان وحرفان، وهما القاف والكاف. فالقاف من أقصى اللسان وما فوقه من الحنك. والكاف من أسفل من موضع القاف من اللسان قليلاً وما يليه من الحنك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 ومن وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك مخرجٌ واحدٌ وثلاثة أحرف، وهي الجيم والشين والياء. ولطرف اللسان خمسة مخارج وأحد عشر حرفاً: فالطاء والتاء والدال من مخرج واحد، وهو بين طرف اللسان وأصول الثنايا العليا. مصعداً إلى الحنك. والظاء والذال والثاء من مخرج واحد، وهو ما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا. والصاد والزاي والسين من مخرج واحد، [وهي الفرجة التي] بين طرف اللسان والثنايا العليا. والنون من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا العليا، ويتصل بالخياشيم، وهي المبينة والمدغمة. والراء من طرف اللسان بينه وبين ما فويق الثنايا العليا، غير أنه أدخل من النون في ظهر اللسان لانحرافه إلى اللام. ولحافة اللسان مخرجان وحرفان، وهما الضاد واللام. فالضاد من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس، فبعض الناس يجري له في الشدق الأيمن، وبعضهم يجري له في الشدق الأيسر، ومخرجها من هذا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 كمخرجها من هذا. واللام من أدنى حافة اللسان إلى ما يليها من الحنك الأعلى، مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية. وللشفة مخرجان وأربعة أحرفٍ، وهي الفاء والباء والواو والميم: فالفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الثنايا العليا. والباء والواو والميم من مخرجٍ واحدٍ، وهو ما بين الشفتين، غير أن الشفتين تنطبقان في الباء والميم ولا تنطبقان في الواو، بل تنفصلان. المخرج السادس عشر مخرج التنوين، وهو يخرج من الخياشيم خالصاً، وكذا مخرج النون الساكنة المخفاة عند حروف الفم نحو (منك وعنك) من الخياشيم. فأما النون المتحركة فمخرجها من الفم مع صويت من الأنف. وزعم الفراء وقطرب والجرمي وابن كيسان أن مخارج الحروف أربعة عشر مخرجاً، فجعلوا اللام والراء والنون من مخرج واحد، وهو طرف اللسان، وجعلهن سيبويه من ثلاثة مخارج، على ما بيناه، وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 باب ذكر أصناف هذه الحروف وصفاتها اعلموا أن أصناف هذه الحروف التي تتميز بها بعد خروجها من مواضعها التي بيناها ستة عشر صنفاً: المهموسة، والمجهورة، والشديدة، والرخوة، والمطبقة، والمنفتحة، والمستعلية، والمستفلة، وحروف المد واللين، وحروف الصفير، والمتفشي، والمستطيل، والمتكرر، والمنحرف، والهاوي، وحرفا الغنة. فالمهموسة عشرة أحرف، يجمعها قولك: كسف شخصه تحث: الهاء والحاء والخاء والكاف والسين والشين والصاد والتاء والثاء والفاء. ومعنى المهموس أنه حرفٌ أضعف الاعتماد في موضعه، فجرى معه النفس. والمجهورة هي ما عدا المهموسة، وهي تسعة عشر حرفاً، يجمعها قولك: ظل قيد بضغم زر بطا واذ نعج، ومعنى المجهورة أنه حرفٌ قوي الاعتماد في موضعه، فمنع النفس أن يجري معه. والهمس الإخفاء، والجهر الإعلان. والشديد ثمانية أحرف، يجمعها: أجدك قطبت، الهمزة والقاف والكاف والجيم والدال والتاء والطاء والباء. ومعنى الشديد أنه حرفٌ اشتد لزومه لموضعه حتى منع الصوت أن يجري معه، نحو أج والحج، فليس يجري في الجيم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 الصوت. وما عدا هذه الشديدة على نوعين: شديد يجري فيه الصوت ورخو: أما الشديد الذي يجري فيه الصوت فخمسة أحرف، يجمعها قولك: لم نرع، العين والنون واللام والراء والميم، اشتد لزومها لموضعها، ثم تجافى بها اللسان عن موضعها فجرى فيها الصوت لتجافيها. أما العين فتجافى بها اللسان فجرى فيها الصوت لشبهها بالحاء. وأما الراء فتجافى بها اللسان عن موضعها للتكرير الذي فيها، فجرى فيها الصوت. وأما اللام فتجافى ما فوق حافة اللسان بها عن موضعها لانحرافها، فجرى فيها الصوت لا من موضع اللام ولكن من ناحيتي مستدق اللسان فويق ذلك. وأما النون والميم فتجافى اللسان بهما إلى موضع الغنة، وهو الأنف، فجرى فيها الصوت. وأما الرخوة فثلاثة عشر حرفاً، يجمعها قولك: خس حظ شص هز ضغث فذ، الهاء والحاء والغين والخاء والشين والصاد والزاي والسين والظاء والذال والثاء والضاد والفاء. ومعنى الرخو أنك إذا قلت: الظش والغض أجريت فيه الصوت إن شئت. والمطبقة أربعة أحرف: الصاد والضاد والطاء والظاء، ومعنى الإطباق أنك تطبق اللسان على الحنك، والمنفتحة ماعدا هذه المطبقة، سميت منفتحة لأنك لا تطبق بشيء منها لسانك على الحنك. والمستعلية سبعة أحرف، يجمعها قولك: ضغط خص قظ، الخاء والغين والقاف والصاد والضاد والطاء والظاء، سميت مستعلية لأن اللسان يعلو بها إلى جهة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 الحنك، ولذلك تمنع الإمالة، إلا أنها على ضربين: منها ما يعلو اللسان به وينطبق، وهي حروف الإطباق الأربعة، ومنها ما يعلو ولا ينطبق، وهي ثلاثة: الغين والخاء والقاف. والمستفلة ما عدا هذه المستعلية، سميت مستفلةً لأن اللسان لا يعلو بها إلى جهة الحنك. والممدودة ثلاثة أحرف: الياء والواو والألف، سميت ممدودةً لأن الصوت يمتد بها بعد إخراجها من موضعها، إلا أن المد الذي في الألف أكثر من المد الذي في الياء والواو، لأن اتساع الصوت بمخرج الألف أشد من اتساعه لهما، لأنك قد تضم شفتيك في الواو، وترفع لسانك قبل الحنك في الياء، وتسمى أيضاً حروف اللين لضعفها وخفائها وأن الحركات مأخوذة منها، فالفتحة من الألف، والكسرة من الياء، والضمة من الواو. وحروف الصفير ثلاثة: الصاد والزاي والسين، سميت بذلك لأنك تسمع فيها شبيهاً بالصفير عند إخراجها من مواضعها. والمتفشي حرفٌ واحد وهو الشين، تفشت في الفم لرخاوتها حتى اتصلت الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 بمخرج الظاء، وكذلك الفاء تفشت حتى اتصلت بمخرج الثاء، ولذلك تبدل منها، فيقال: جدفٌ وجدثٌ. والمستطيل حرفٌ واحد، وهو الضاد، استطالت في الفم لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام، ولذلك أدغمت اللام فيها وفي الشين في نحو: ولا الضالين والشاكرين. والمكرر حرفٌ واحدٌ، وهو الراء، ويتبين ذلك فيه إذا وقف عليه وأخلص سكونه، وهو حرفٌ شديدٌ جرى فيه الصوت لتكريره وانحرافه إلى اللام. [والمنحرف حرف واحد، وهو اللام. وقال الكوفيون:] المنحرف المكرر هو الراء، لأنه ينحرف عن مخرج النون إلى مخرج اللام، ولأن الناطق به كأنه ناطق براءين. والهاوي حرفٌ واحدٌ، وهو الألف، وهو حرفٌ اتسع مخرجه لهواء الصوت أشد من اتساع غيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 وحرفا الغنة الميم والنون، لأنهما غنة في الخيشوم، ألا ترى أنك إذا أمسكت بأنفك ثم نطقت بهما لم يجر فيهما صوت الغنة. والخيشوم الخرق المنجذب إلى داخل الفم. ويسمى الميم الحرف الراجع، لأنها ترجع إلى الخيشوم، لما فيها من الغنة، وهي أقوى من النون، لأن لفظها لا يزول، ولفظ النون قد يزول عنها، فلا يبقى منها إلا غنةٌ، ولذلك لم تدغم الميم فيها ولا في شيء من مقاربها. فصل ومن الحروف حروف مشربةٌ ضغطت من مواضعها، فإذا وقف عليها خرج معها من الفم صويتٌ ونبا اللسان عن مواضعه، وهي خمسة أحرف، يجمعها قولك (جد بطق) القاف والجيم والطاء والدال والباء، وتسمى هذه الحروف حروف القلقلة، لأنه إذا وقف عليها لم يستطع أن يوقف دون الصويت، وذلك قولك: الخرق وقط وشبهه. والحروف الزوائد عشرةٌ، يجمعها قولك: سألتمونيها، وحروف البدل اثنا عشر حرفاً، يسقط من الزوائد السين وحدها، ويزاد فيها الطاء والجيم والدال، ويجمعها قولك: طال يوم أنجدته. وحروف الاعتلال أربعةٌ، حروف المد واللين الثلاثة والهمزة ويقال لها حروف الجوف، لخروجها من الجوف، واحدها أجوف. والحروف التي تمنع من الإدغام في مقاريها لزيادة صوتها ثمانيةٌ، يجمعها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 قولك: فزم ضرس شص، الشين والضاد والسين والصاد والزاي والراء والفاء والميم وبالله التوفيق والعصمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 باب ذكر أحوال النون الساكنة والتنوين [اعلموا أن للنون الساكنة والتنوين] عند جميع حروف المعجم أربعة أحوال: فالحال الأول: أن يكونا مظهرين، وذلك عند حروف الحلق الستة: الهمزة والهاء والعين والحاء والغين والخاء، نحو قوله تعالى: {من آمن} ، و {من شيء إلا} ، و {من هاجر} ، و {جرفٍ هارٍ} ، و {من عمل} ، و {يومئذ عليها} ، و {من حاد الله} ، و {نارٌ حاميةٌ} ، و {من غل} ، و {قوماًُ غيركم} ، و {من خيلٍ} ، و {يومئذٍِ خاشعةٌ} ، وما أشبهه. فأما الألف فلا يكون ما قبلها إلا متحركاً، فلذلك خرجت عن نظائرها. وإنما بينت النون والتنوين عند هذه الحروف لبعد المسافة التي بينهما وبينهن، إلا أن بيانهما عندهن على ضربين: بتعملٍ وغير تعملٍ، والتي يتعمل بيانهما عندهن ثلاثة: الهمزة والغين والخاء، لأنه متى لم يتعمل ذلك عندهن ولم يتكلف انقلبت حركة الهمزة عليهما وسقطت من اللفظ، وخفيا عند الغين والخاء، لأن ذلك قد يستعمل فيهن، كما رواه ورش عن نافع في الهمزة لجسوها، ورواه المسيبي عنه في الغين والخاء، لقربهما من حرفي أقصى اللسان. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 والتي لا يتعمل بيانهما عندهن، إذ لا بد منه ضرورةً ثلاثةٌ أيضاً: الهاء والعين والحاء، كما حدثني الحسين بن علي، حدثنا أحمد بن نصر، قال: سمعت ابن مجاهد يقول: النون الساكنة والتنوين تبينان عند الحاء والهاء والعين ضرورة من غير تعملٍ. والحال الثانية: أن يكونا مدغمين، وذلك في خمسة أحرف، يجمعها قولك: (لم يرو) اللام والراء والياء والواو الميم، نحو قوله: {ومن لم يتب} ، و {خيراً لهم} ، و {من ربهم} ، و {من أنصار ربنا} ، {ومن يقل} ، {وبرقٌ يجعلون} ، و {من والٍ} ، و {يومئذ واهيةٌ} ، و {من مال الله} ، و {نارٌ مؤصدةٌ} وما أشبهه. قال أبو عمرو: والقراء يزيدون حرفاً سادساً وهو النون، نحو {من نورٍ} ، و {يومئذٍ ناعمةٌ} . ولا معنى لذكرها معهن. لأنها إذا التقت بمثلها لم يكن غير إدغامها كسائر المثلين. وإنما أدغمت النون والتنوين في هذه الحروف للقرب الذي بينهما وبينهن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 والتشاكل والمشابهة، فأدغما في الراء واللام لقرب مخرجهما من مخرجهما على طرف اللسان، وقد قيل إنهن من مخرج واحد. وأدغما في الميم للمشاركة التي بينهما وبينها في الغنة، حتى كأنك تسمع النون كالميم والميم كالنون لنداوة صوتهما. وأدغما في الواو للمؤاخاة التي بين الواو والميم في المخرج، إذ كانا يخرجان من بين الشفتين، وأيضاً فإن المد الذي في الواو بمثابة الغنة التي في الميم. وأدغما في الياء لمؤاخاتها الواو في المد واللين، ولقربها أيضاً من الراء، لأنه ليس يخرج من طرف اللسان أقرب إلى الراء من الياء، ولذلك يجعل الألثغ الراء ياءً. قال أبو عمرو: فأما الراء واللام فيدغم النون والتنوين فيهما بغير غنة، هذا المأخوذ به في الأداء، فينقلبان من جنسهما قلباً صحيحاً، ويدغمان إدغاماً تاماً، ويصير مخرجهما من مخرجهما وذلك باب الإدغام. وأما الياء والواو فيدغمان فيهما وتبقى غنتهما، هذا مذهب الجماعة من القراء غير حمزة، فإنه اختلف عنه في ذلك، وإذا بقيت غنتهما لم ينقلبا قلباً صحيحاً، ولا أدغما إدغاماً تاماً، وإنما يتمكن ذلك فيهما إذا ذهبت تلك الغنة بالقلب الصحيح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 قال لي فارس بن أحمد شيخنا، قال لنا عبد الباقي بن الحسن المقرئ: والغنة إذا ثبتت في الوصل لم يشدد الحرف، ولفظ به بتشديد يسيرٍ، وإذا حذفت الغنة شدد الحرف. وقال الإمام أحمد بن يعقوب التائب: النون في مذهب نافع وموافقيه عند الياء والواو تصير غنة مخفاة غير مدغمة. لأنهم لو أدغموها لذهبت الغنة، فصارت الياء والواو مشددتين لانقلاب النون ياء وواواً لاندغامهما فيهما. وأما الميم فيدغمان فيها إدغاماً تاماً، ويقلبان من جنسها قلباً صحيحاً، مع الغنة الظاهرة. وإنما خصت الميم بذلك لأن فيها غنة كهما، فإن ذهبت غنة النون والتنوين بالقلب بقيت غنتها، وكذا حالهما مع النون كالميم سواء. حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا ابن مجاهد، قال: لا يقدر أحدٌ أن يأتي بـ (عمن) بغير غنة، لعلة غنة الميم. قال ابن كيسان: إذا أدغمت النون في الميم فالغنة غنة النون. وقال غيره: الغنة للميم، وبذلك أقول، لأن النون قد زال لفظها بالقلب، فصار مخرجها من مخرج الميم، فالغنة لا شك للميم لا لها. قال أبو عمرو: هذا الذي ذكرناه من الإدغام في حروف (لم يرو) إنما يكون ذلك إذا كانت النون معهن من كلمتين، فإن كانت معهن من كلمة لم يجز الإدغام، نحو {قنوان} ، و {صنوان} ، و {بنيانه} ، و {الدنيا} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 وكذا شاة زنماء، وما أشبهه. وذلك مخافة أن يشتبه ذلك إذا أدغم بالمضاعف الذي على مثال فعال، نحو صوان وحيان وشاة جماء، فعدل عن الإدغام لذلك. والحال الثالثة: أن يقلبا ميماً من غير إدغام، وذلك إذا لقيا الباء نحو {أن بورك} ، و {أنبئهم} ، و {جددٌ بيضٌ} ، و {ظلماتٌ بعضها} وما أشبهه. وإنما قلبا ميماً عندها خاصة من أجل مؤاخاة الميم للنون في الغنة، ومشاركتها للباء في المخرج فقلبا ميماً من أجل ذلك. والحال الرابعة: أن يكونا مخفيين، وذلك عند باقي حروف المعجم، نحو {أنفسكم} ، و {قوماً فاسقين} ، و {إن كنتم} ، و {عاداً كفروا} ، {ولئن قلت} ، و {قوماً قلنا} ، وما أشبهه. والفاء من حيث اتصلت بالتفشي بالثاء بمنزلة الثاء في الإخفاء. وإنما أخفيا عندهن لأنهما لم يبعدا منهن كبعدهما من حروف الحلق، فيجب الإظهار للتراخي، ولم يقربا منهن كقربهما من حروف (لم يرو) فيجب الإدغام للمزاحمة، فأخفيا فصارا عندهن لا مظهرين ولا مدغمين، وغنتهما مع ذلك باقية، ومخرجهما من الخيشوم خاصة، ولا عمل للسان فيهما، والخيشوم خرق الأنف المنجذب إلى داخل الفم. وإخفاؤهما على قدر قربهما وبعدهما، فما قربا منه كانا عنده أخفى مما بعدا عنه. والفرق بين المخفى والمدغم أن المخفى مخففٌ والمدغم مشدد، والله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 باب ذكر الحروف التي يلزم استعمال تجويدها وتعمل بيانها وتلخيصها لتنفصل بذلك من مشبهها على مخارجها قال أبو عمرو: اعلموا أن كل حرف من حروف القرآن يجب أن يمكن لفظه، ويوفى حقه من المنزلة التي هو مخصوص بها، على ما حددناه وما نحدده، ولا يبخس شيئاً من ذلك، فيتحول عن صورته ويزول عن صيغته، وذلك عند علمائنا في الكراهة والقبح كلحن الإعراب الذي يتغير فيه الحركات وينقلب به المعاني. كما حدثني الحسين بن شاكر السمسار، قال: حدثنا أحمد بن نصر، قال: سمعت ابن مجاهد يقول: اللحن في القرآن لحنان: جلي وخفي، فالجلي لحن الإعراب، والخفي ترك إعطاء الحرف حقه من تجويد لفظه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 قال الحسين، قال لنا أحمد: كان ابن مجاهد، رحمه الله، لعلمه بتفاوت الناس في العلم بالقراءة وقصور أفهامهم يستثبت كثيراً ممن يقرأ عليه في قوله {قمطريرا} وأشباهه، لأن منهم من يجعل الميم نوناً، قال: وغنة الميم والنون عند الباء تشتبه، ولا يكاد من لا يعرف أن يفرق بينهما في قوله تعالى: {من أنبأك هذا} ، وقوله {كنتم به} ونحوها في اللفظ. قال لي الحسين، قال لي أحمد: وجدت جماعةٌ قرأوا على شيخنا وعلى غيره من القراء لا يفرقون بين (ألنا) و (أسلنا) . قال أبو عمرو: والفرق بينهما أن لام الفعل في (ألنا) نون، وفي (أسلنا) لام. وكانتا قبل اتصالهما بالضمير الذي هو النون والألف متحركتين، وقبلهما ألف منقلبة عن ياء، لأن الأصل كان فيهما (ألان وأسال) ، فلما اتصلتا بالضمير سكنتا تخفيفاً وسقطت الألف قبلهما لسكونها وسكونهما، واندغمت في النون في (ألنا) لتماثلهما، كما اندغمت فيها كذلك في (لعنا، وآمنا، ولكنا) وشبهه، ولم يندغم فيها لذلك في (أسلنا) لاختلافهما وكون سكون اللام عارضاً، كما لم يندغم فيها لذلك في (أرسلنا، وبدلنا، وقلنا) وشبهه، فتشديد النون في (ألنا) وتخفيفها في (أسلنا) هو الفرق بينهما في اللفظ كما بيناه، ومثلهما في البيان والإدغام والتخفيف والتشديد في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 قوله: {فزيلنا بينهم} و {كذلك زينا} سواء، فاعلمه. قال أبو عمرو: وقد أودعت هذا الباب من حروف التجويد جملةً سائرةً، وألفاظاً دائرةً، تخفى حقيقتها على أكثر القراء، وتعزب كيفية النطق بها على جماعة من أهل الأداء، ورتبتها على مخارجها حرفاً حرفاً، وكشفت عن خاص سرها، ونبهت على موضع غموضها ليقاس ما لم أذكره عليها، وترد نظائرها إليها، إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق. ذكر الهمزة: وهي حرف مجهورٌ، بعيد المخرج، شديدٌ، لا صورة له، وإنما تعلم بالشكل والمشافهة، ولبعد مخرج الهمزة لا يكون قارئاً من لا يستشعر بيانها في قراءته، ولثقلها صار فيها التحقيق والتخفيف بين بين والبدل والحذف، وليس ذلك لشيء من الحروف غيرها، فينبغي للقارئ إذا همز الحرف أن يأتي بالهمزة سلسلةً في النطق، سهلةً في الذوق، من غير لكزٍ ولا ابتهارٍ لها، ولا خروجٍ بها عن حدها، ساكنةً كانت أو متحركةً. والناس يتفاضلون في النطق بالهمزة على مقدار غلظ طباعهم ورقتها فمنهم من يلفظ بها لفظاً تستبشعه الأسماع وتنبو عنه القلوب، ويثقل على العلماء بالقراءة، وذلك مكروهٌ، معيبٌ من أخذ به، وقد حدثني الحسين بن علي البصري، حدثنا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 أحمد بن نصر، حدثنا ابن مجاهد، حدثنا محمد بن عيسى المقرئ، حدثنا محمد بن يزيد، قال: سمعت أبا بكر بن عياشٍ يقول: إمامنا يهمز (مؤصدة) فأشتهي أن أسد أذني إذا سمعته يهمزها. حدثنا عبد العزيز بن أبي غسان، حدثنا عبد الواحد بن عمر، حدثنا أحمد بن إسحاق التنوخي، قال حدثنا أبي، حدثنا موسى بن داود عن ابن المبارك، عن سفيان، عن الأعمش، أنه كان يكره شدة النبر، يعني الهمز في القراءة. ومنهم من يخرج الهمزة مع النفس إخراجاً سهلاً، بغير كلفة، يألفه طبع كل أحدٍ، ويستحسنه أهل العلم بالقراءة، وذلك المختار، ولا يقدر القارئ عليه إلا برياضة شديدة. وحدثني الحسين بن علي السمسار، حدثنا أبو بكر الشذائي، قال: سمعت ابن مجاهدٍ قال: حفظت عن عبد الله بن محمد بن شاكر، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: سمعت الحسين بن علي الجعفي يقول: سمعت حمزة يقول: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 إنما الهمز رياضة. قال: قال أبان بن تغلب: فإذا أحسنها الرجل سهلها، أي تركها بعد، إن شاء الله تعالى. ذكر الألف: وهو حرفٌ هاوٍ، مجهورٌ، لا معتمد له في شيء من أجزاء الفم، كالنفس، وإنما هو صوتٌ في الهواء، ولذلك نسب إلى الجوف. فإذا لم يلق همزةً ولا حرفاً ساكناً، مظهراً أو مدغماً، أشبع اللفظ به، وأعطي من المد والتمكين بمقدار ما فيه من ذلك، مما هو صيغته من غير زيادة في الإشباع ولا تكلفٍ في التمطيط. وذلك نحو قوله: {وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} ، و {الحمد لله رب العالمين {، و {أوذينا} ، و {أوتينا} ، و {العادون} ، و {العالين} ، و {من القالين} ، وما أشبهه. وكذلك إن وقع في حروف الهجاء طرفاً نحو الراء من (الر) ، و (المر) ، والهاء والياء من {كهيعص} ، والطاء والهاء من {طه} ، والياء من {يس} والحاء من {حم} ، وما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 وإن لقي همزةً أو حرفاً ساكناً، مظهراً أو مدغماً، زيد في تمكينه وإشباع مده، بياناً للهمزة لخفائها، وليتميز بذلك الساكنان أحدهما من الآخر ولا يجتمعا. وكذلك حكم الياء المكسور ما قبلها، والواو المضموم ما قبلها، مع الهمزة والساكن ومع غيرهما كحكم الألف سواء. وذلك نحو قوله: {أولئك} ، و {خائفين} ، و {شاء الله} ، و {يا أيها} ، و {ثلاثة قروءٍ} ، و {قالوا آمنا} ، و {بريءٌ} ، و {بريئون} ، و {يا بني إسرائيل} ، وما أشبهه، هذه الهمزة. وأما الحرف الساكن المظهر فنحو: الكاف والصاد والعين في {كهيعص} ، واللام والميم في {الم} ، والسين من {يس} ، والنون من {ن والقلم} ، وما أشبهه من حروف الهجاء إذا كان الحرف على ثلاثة أحرف، والأوسط منها ألف أو واو أو ياء. وأما الساكن المدغم فنحو {ولا الضالين} و {العادين} و {لا آمين} ، {ولا جان} ، و {الدواب} ، و {صواف} ، و {من يشاق الله} ، و {ومن حاد الله} وما أشبهه. وكذلك {واللذان} ، و {أتعدانني} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 و {أتحاجوني} ، و {فبم تبشرون} ، و {أتمدونن} ، و {تأمروني} ، وما أشبهه، على قراءة من شدد. وقد زعم بعض أهل الأداء أن هذا الضرب من الممدود أنقص مداً، لأنه يعدل حركة. وبعض أهل الأداء يجعل ما كان مدغماً من حروف الهجاء في غيره أشبع مداً مما هو مظهر منها بحال الإدغام، إذ كان الصوت يتصل فيه وينقطع في المظهر، وذلك نحو اللام من (الم، والمر، والمص) وكذلك السين والنون من (طسم) و {يس والقرآن} و {ن والقلم} في مذهب من أدغمه في الميم والواو. وكذلك الصاد من {كهيعص} ، في مذهب من أدغم الصاد في الذال. وبعضهم يسوي بين المدغم والمظهر في الإشباع لكون الموجب له موجوداً في الضربين، وهو التقاء الساكنين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 ومن أهل الأداء أيضاً من يشبع مد الميم في قوله {الم الله} ، في أول آل عمران، على مذهب الجميع، غير عاصم من رواية الأعشى، عن أبي بكر عنه. وفي أول العنكبوت، على مذهب ورش عن نافع، اعتماداً على تقدير سكونها، ومنهم من لا يشبع مدها اعتداداً بحركتها. وكذا منهم من لا يبالغ في إشباع مد العين في قوله {كهيعص} ، و {عسق} لانفتاح ما قبل يائها، ومنهم من يبالغ في إشباع مدها لأجل الساكنين، والمذهبان في الكل جيدان صحيحان. قال أبو عمرو: وقد جاء عن حمزة في تمييز المد مع الهمزة ما لا يؤخذ به، إذ لا يصح عنه أداء. ذكر الهاء: وهي حرفٌ خفيٌ، مهموسٌ، فإذا أتت ساكنةٌ أو متحركةٌ فينبغي للقارئ أن ينعم بيانها، من غير تكلف ولا ابتهار، وذلك نحو قوله: {مستهزؤون الله يستهزئ بهم} ، و {عهداً} ، و {من اهتدى} ، و {ليهلك من هلك} ، و {زهرة} ، و {جهرةً} ، و {اهتزت} ، و {كالعهن} ، وما أشبهه. وكذا إن وقع بعدها حرف من حروف الحلق، نحو قوله: {إن الله على} ، و {ما قدروا الله حق قدره} ، و {آلله خير أما} ، {ولله غيب السماوات} ، وما أشبهه. وكذلك {كتابيه إني الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 ظننت} ، و {سلطانيه خذوه} ، على مذهب من أثبت الهاء في الوصل، بناء على الوقف. فإن سكنت والتقت بمثلها من كلمة أو كلمتين أدغمت من غير تكلف شديد، وذلك نحو قوله {أينما يوجهه} ، {ومن يكرههن} ، وكذا {ماليه. هلك عني سلطانيه} على مذهب من جعلها كالأصلية وأثبتها في الحالين. فإن جاءت ضمير المذكر ولم تلق ساكناً وانضمت وصلت بواو في اللفظ، وإن انكسرت وصلت بياءٍ تقويةً لها لخفائها، ثم حذفت تلك الصلة، إذا وقف عليها، لأنها زائدة، فلو أثبتت لاشتبهت بالحرف الأصلي اللازم، وذلك كالتنوين الذي يصحب الاسم في الوصل ويفارقه في الوقف، لذلك المعنى. فالموصولة بالواو نحو قوله {خلقه} ، و {أمره} ، و {رسله} ، و {نجعله} ، و {يخلفه} ، وما أشبهه. والموصولة بالياء نحو {بمزحزحه} ، و {أمه} ، و {به} ، و {برسوله} وما أشبهه. فإن كانت غير ضمير لم يجز أن توصل، نحو {ما نفقه} ، و {فواكه} وما أشبهه. وحال الهاء من قوله (هذه) حال هاء المذكر، توصل بياء، وتحذف عند الوقف، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 لشبهها من جهة الإضمار والزيادة. والمثلان إذا التقيا في كلمة أو كلمتين وتحركا أنعم تفكيكهما، ولخص بيانهما من غير هذرمةٍ ولا تمطيطٍ، كقوله تعالى: {جباههم} و {على وجهها} ، و {وجهه} ، و {فيه هدى} . وكذا {لا أبرح حتى} ، و {وقع عليهم} ، و {من يبتغ غير الإسلام} ، وكذا ما أشبه من سائر الحروف. ذكر العين: وهو حرف مجهور، فإذا جاء ساكناً أو متحركاً أنعم بيانه وأشبع لفظه، من غير شدة ولا تكلف، نحو قوله: {يعمهون} و {فرجعناك} ، و {رفعناه} ، و {لا تعتذروا} ، و {الأعمى} ، و {فاخلع نعليك} ، و {يعرفونه} ، و {تعرفهم} ، وما أشبهه. وكذا إن التقى بشيء من حروف الحلق، نحو قوله: {ولا تتبع أهواءهم} و {ارجع إليهم} ، {ودع أذاهم} ، و {فاتبعها} ، و {فلا تطعهما} ، و {ولا تطعه} ، و {ألم أعهد إليكم} ، و {كأن لم يسمعها} ، و {فأتبعه} ، و {ومن يتبع خطوات الشيطان} ، و {فبايعهن} ، {ويتبع غير} ، {واسمع غير مسمعٍ} وما أشبهه. وكذا إن التقى بالثاء والفاء والتاء والشين والصاد وسائر حروف الهمس لخص وبين، وإلا ربما انقلب حاء، لما بين الحاء وبينهن من المشاركة في الهمس، نحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قوله تعالى: {يوم البعث} ، و {لا بعثكم} ، و {ولا تعثوا} ، و {أعثرنا} ، و {فاعفوا} ، {وليعفوا} ، و {يعفون} ، و {فاعترفوا} ، و {فاعتلوه} ، و {يعتدون} ، و {ولا تعتدوا} ، و {يا معشر} ، {ومن يعش} ، و {معشار} ، {ومن يعص} ، و {إعصار} ، و {المعصرات} ، و {يعصرون} ، و {أمتعكن} ، و {يمتعكم} ، وشبهه. فإن التقى بمثله، وهو ساكن، أدغم من غير تكلف، كقوله: {ما لم تستطع عليه} ، وشبهه. ذكر الحاء: وهو حرف مهموس، فإذا التقى بشيء من حروف الحلق، ساكناً كان أو متحركاً، لخص وبين، [لشبهه بها] ، كقوله: {لا تفرح إن الله} {واصفح إن الله} ، و {فاصفح عنهم} ، {وسبحه ليلاً} ، و {فأصبح هشيماً} ، و {زحزح عن النار} ، و {لا يصلح عمل المفسدين} ، و {المسيح عيسى} ، وما أشبهه. وحروف الحلق لا يدغم منها شيءٌ، إلا ما تماثل في اللفظ لا غير لقلتها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 ذكر الغين: وهو حرف مجهورٌ، مستعلٍ، فإن التقى بشيء من حروف الحلق أنعم بيانه وتكلف إشباعه وتلخيصه، من غير شدةٍ ولا تعسفٍ، وذلك نحو قوله تعالى: {ربنا أفرغ علينا صبراً} ، و {أفرغ عليه قطراً} ، {ثم أبلغه} ، وما أشبهه. وكذا إن أتى بعده قاف، أو سين، أو شين، أو تاء، أو ثاء، أو فاء، فينبغي أن ينعم بيانه ولا يتساهل في ذلك فربما انقلب مع الحروف المذكورة غير القاف خاء، لما بين الخاء وبينهن من الاشتراك في الهمس، واندغم في القاف للمقاربة التي بينهما، كقوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا} ، و {فاغسلوا} ، و {يستغشون} ، و {استغشوا} ، {والليل إذا يغشى} ، و {كالذي يغشى عليه} ، و {نظر المغشي عليه} ، و {فأغشيناهم} ، و {مغتسل} ، و {بغتةً} ، و {إلا من اغترف} ، و {فإذا فرغت} ، و {ولا يغتب بعضكم} ، و {لو تغفلون} ، و {من أغفلنا} ، و {يغفر لكم} ، و {يغفرون} ، و {فاغفر لنا} ، و {ضغثاً} ، وشبهه. وكذا حكمه في جميع القرآن، نحو {بغياً بينهم} ، و {فأغرينا} ، و {فأغرقناه} ، و {لا يغني} ، و {فأغنى} ، {وأغلالاً} ، {وأغطش ليلها} ، وما أشبهه. والله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 الموفق والمعين. ذكر الخاء: وهو حرف مهموس، مستعلٍ، وحكمه في إنعام البيان والتلخيص حكم الغين. فإن التقى بالشين أو التاء تعمل بيانه، وإلا ربما انقلب غيناً، كقوله: {ولا تخشى} ، و {مختلفٌ} ، و {أن تخشاه} ، {واختار موسى} ، {ويختار} ، و {مختالاً} ، و {ما اختلط بعظمٍ} ، و {يختم على قلبك} ، {ولقد اخترناهم} ، وما أشبهه. ذكر القاف: وهو حرفٌ مجهورٌ، مستعلٍ، فيلزم تعمل بيان جهوره واستعلائه، وإلا صار كافاً، وذلك نحو {فيقتلون ويقتلون} ، و {أقسموا} ، {وليقترفوا ما هم مقترفون} ، و {مقرنين} ، و {من يقطين} ، و {لو أنفقت} ، و {لمن خلقت} ، و {مقتحمٌ} ، و {مقتاً} ، و {اقترب} ، و {لا تقنطوا} ، و {يقنطون} ، و {مقتصدٌ} ، {واقصد} ، و {فاقصص} ، و {لا تقصص} ، و {فلا تقهر} ، و {ليقض} ، و {أن يقضى} ، و {تقشعر} ، وما أشبهه. ألا ترى أنه متى لم ينعم بيانه في قوله تعالى: {فالموريات الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 قدحاً} صار اللفظ بها كاللفظ بقوله تعالى: {إلى ربك كدحاً} ، وكذا {ومن يقتل} ، و {أخانا نكتل} ، و {مشرقين} ، و {مشركين} ، {ولا تقف} ، و {أو لم يكف} ، و {كتابٌ مرقومٌ} ، و {سحابٌ مركومٌ} ، وشبهه، فتغير اللفظ وانقلب المعنى. فإن التقت القاف بالكاف وهي ساكنةٌ قلبت مثلها، وأدغمت فيها، وذهبت قلقلتها بالقلب والإدغام، وذلك في قوله تعالى: {ألم نخلقكم} ، وإن التقت بمثلها وهي مشددة أو مخففة أنعم بيان جهورها واستعلائها، نحو {حق قدره} ، و {إلا الحق قد جئتكم} ، {وهو الحق قل} . و {فلما أفاق قال} ، وما أشبهه. ذكر الكاف: وهو حرفٌ مهموسٌ، مستفلٌ، وحكمه في تعمل البيان والتلخيص كحكم القاف، لئلا ينقلب إلى لفظه، فيزول عن صورته ويتغير معناه، كقوله: {يكسبون} ، و {ما اكتسب} ، و {اكتتبها} ، و {يكتمون} ، و {يكتبون} ، {ولا نكتم} ، وما أشبهه. فإن التقى بمثله وهو ساكن أدغم بتسهيل وتيسير، كقوله تعالى: {يدرككم الموت} ، وكذلك حكم سائر المثلين إذا التقيا وسكن الأول منها، ما لم يكن ياء مكسوراً ما قبلها، أو واواً مضموماً ما قبلها، فإن إدغامهما في مثلهما في المنفصل لا يجوز للمد فيهما، كقوله تعالى: {الذي يوسوس} ، و {في يوسف} ، و {آمنوا واتقوا} ، و {فولوا وجوهكم} الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 ، وشبهه. فإن انفتح ما قبلهما أدغما في مثلهما لنقصان مدهما، كقوله: {اتقوا وآمنوا} ، و {عصوا وكانوا} ، و {آووا ونصروا} ، و {أو وزنوهم} . وكذلك في الكلام: اخشي يحيى، وتعالي يا امرأة، إذا أمرت المؤنث [وكذلك ما أشبهه] . ذكر الجيم: وهو حرفٌ مجهور، فإذا أتى ساكناً وبعده زاي أو سين فينبغي أن يبين جهوره، وإلا اندغم، وينبغي أن يلخص الزاي والسين بعده بتؤدة، وإلا انقلبت الزاي سيناً والسين زاياً، وذلك في نحو قوله تعالى: {رجزاً من السماء} ، و {الرجز فاهجر} ، و {ليجزي الذين} ، و {يجزيهم} ، و {لنجزينهم} ، و {لتجزى} ، و {تجزون} ، و {رجساً إلى رجسهم} ، و {عنكم الرجس} ، و {رجسٌ وغضبٌ} ، و {أجسامهم} وما أشبهه. وكذلك ينبغي أن يتعمل بيانه عند التاء والحاء والدال، ومتى لم يفعل ذلك صار شيناً لما بين التاء والشين من الهمس، ولمؤاخاة التاء الدال في المخرج، وذلك في نحو قوله: {فاجتباه} ، و {اجتبيناهم} ، و {اجتنبوا} ، و {حاججتم} ، و {خرجتم} ، و {مجتمعون} ، {ولو اجتمعوا} ، و {يجحدون} ، {وما يجحد} ، و {من الأجداث} ، {وأجدر} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 و {النجدين} ، و {من وجدكم} ، وما أشبهه. وكذلك يبين ويلخص في نحو قوله: {تجري من تحتهم الأنهار} ، و {زجرةٌ واحدةٌ} ، و {أجرموا} ، و {لخرجنا معكم} ، و {على وجه أبي} ، و {مجذوذٍ} ، وما كان مثله. ذكر الشين: وهو حرفٌ متفش، مهموسٌ، فإن أتى ساكناً فيلزم تلخيصه وبيان تفشيه، وذلك نحو قوله: {لمن اشتراه} ، {ولا تشتروا} ، و {لا نشتري} ، {ولا تشطط} ، و {يشربون} ، و {في مشيك} ، و {اشدد} ، و {الرشد} ، وما أشبهه. وكذا إن كان مشدداً فليشبع تفشيه كقوله: {فبشرناه} ، و {بشرناك} ، و {نبشرك} ، {وبشروه} ، وما أشبهه. والحروف المهموسة إذا لقيت الحروف المجهورة، والحروف المجهورة إذا لقيت الحروف المهموسة فيلزم تعمل تلخيصها وبيانها، لئلا ينقلب المهموس إلى لفظ المجهور، والمجهور إلى لفظ المهموس، فتختل بذلك ألفاظ التلاوة وتتغير معانيها. ذكر الياء: وهو حرفٌ مد مجهورٌ، يخرج من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك، ثم يهوي إلى الحلق، فينقطع آخره عند مخرج الألف، فإذا لم يلق همزة ولا حرفاً ساكناً مد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 على مقدار ما فيه من المد الذي هو صيغته من غير زيادة، كقوله تعالى: {ميراث} ، و {ميقات} ، و {الميعاد} ، و {الميثاق} ، و {الميزان} ، وكذلك ما أشبهه. وإن لقي همزةٌ أو حرفاً ساكناً زيد في تمكينه، كما بيناه في الألف، وكذا حكم الواو المضموم ما قبلها في التمكين وزيادة المد سواء، فإن انفتح ما قبلهما زال عنهما معظم المد وأنبسط اللسان بهما، وصارا بمنزلة سائر الحروف الجامدة، وألقي عليهما حركات الهمزات، في مذهب من رأى ذلك، وأدغما في مثلهما بإجماع كما شرحناه قبل. وإذا تحركت الياء بالكسر والواو بالضم، وسواء كانت تلك الحركة عارضة أو أصلية، فينبغي أن يشبعا من غير زيادة ولا اختلاس، فالياء نحو {ووحينا} ، و {بالوحي} ، و {في مشيك} ، و {كغلي الحميم} ، و {عذاب الخزي} ، و {البغي} ، و {الرأي} ، و {من الهدي} ، و {لسعيه} ، و {لسعيها} ، و {يبايعونك} ، و {يبايعنك} ، و {يبايعون الله} ، و {فإما ترين} ، و {من ثلثي الليل} ، و {معايش} ، و {يا صاحبي السجن} ، و {طرفي النهار} ، وما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 والواو نحو قوله {ووفيت} ، {وتشاور} ، و {تحاوركما} ، و {من تفاوتٍ} ، و {الوحوش} ، و {الوجوه} ، و {ولد} ، و {لتبلون} ، و {لترون} ، و {ثم لترونها} ، و {اشتروا الضلالة} ، و {لولوا الأدبار} ، و {رأوا العذاب} ، وما أشبهه. وكذا إن تحركتا بالفتح. نحو {سعياً} ، و {بغياً} ، و {عمياً} ، و {تعيها} ، و {سعيها} ، و {سعيكم} ، و {فأذاقهم الله الخزي} ، و {معه السعي} ، و {خذ العفو} ، و {فأدلى دلوه} ، و {سمعوا اللغو} ، و {لهواً} ، و {عدواً} ، وما أشبهه. وكذا إن انضمت الياء وانكسرت الواو نحو {إنما بغيكم على أنفسكم} ، و {إليك وحيه} ، و {حتى يبلغ الهدي} ، و {لهم خزيٌ} ، و {عميٌ} ، و {باللغو} ، و {من اللهو} ، و {من البدو} ، وما أشبهه. فإن أتى بعد الياء المتحركة ياء ساكنةٌ وبعد الواو المتحركة واوٌ ساكنةٌ، وحذفتا من الخط اختصاراً أو أثبتتا فيه على الأصل، أشبعت حركتهما، وأتي بالياء والواو بعدهما ممكنتين، فالياء نحو: {لا يستحي} ، و {يحيي ويميت} ، و {يحيين} ، و {يحييكم} ، و {يحييها} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 و {الأميين} ، و {الربانيين} ، و {للحواريين} ، و {لفي عليين} ، و {أفعيينا} . وما أشبهه. والواو نحو {يا داود} ، و {ما ووري} ، و {الغاوون} ، و {لا تلوون} ، و {هل يستوون} ، و {لتستووا} ، و {إن تلووا} ، و {فأووا إلى الكهف} ، وما أشبهه. فإن التقيا مع مثلهما من كلمتين، وهما متحركتان، فيلزم تفكيكهما بتسهيلٍ وبيانٍ، من غير تمطيطٍ ولا عجلةٍ، نحو {ومن خزي يومئذٍ} ، و {البغي يعظكم} ، و {إلا هو والملائكة} ، {وهو وليهم} ، و {من اللهو ومن التجارة} ، و {خذ العفو وأمر} . وكذلك إن كانتا مشددتين نحو {علي يوم ولدت} ، و {إلي يدك} ، و {الغي يتخذوه} ، و {لأي يومٍ أجلت} ، و {العشي يريدون} ، و {بالغدو والآصال} ، وما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 وكذلك إن كانتا في كلمة واحدة، نحو {لنحيي به} ، و {على أن يحيي الموتى} ، و {فلنحيينه} ، و {إن وليي الله} ، {ووفيت} ، {ووضع} ، {وورثه} ، {وودوا} ، وما أشبهه. وكذلك إن كانت الثانية منهما ساكنة، نحو {الحسنيين} ، و {الأنثيين} ، و {فأحييناه} ، و {أحييناها} ، و {آووا} ، و {لووا} ، وما أشبهه، فيلزم بيان الياءين والواوين من غير مد. وكذا حكم المثلين من سائر الحروف، فإن كان الأول من المثلين مشدداً فينبغي أن يؤتى به على حقه، وأن يلخص من غير قطع شديد عليه، كقوله: {وأحل لكم} ، و {مس سقر} ، و {من اليم ما} ، و {صواف فإذا} ، و {الحق قالوا} ، و {لتعلمن نبأه بعد حينٍ} ، و {أسس} ، وما أشبهه. وكذا إن كان راءً فلينعم تشديده من غير تكريرٍ ولا عسرٍ، كقوله {وخر راكعاً} ، و {محرراً} . وكذا حكم سائر الراءات المشددات كقوله: {مر كأن لم} ، و {إلى ضر} ، و {ضراء} ، و {الرحمن} ، و {الرحيم} ، وما أشبهه. وكذا ينبغي أن يعطى كل مشدد حقه من الإدغام، من غير إفراط ولا سكتٍ وقطعٍ على أول المدغم، نحو {من ورائهم محيطٌ} ، و {من نور} ، و {اتقوا وآمنوا} ، و {عصوا وكانوا} ، و {إياك} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 و {إياي} ، و {إياه} ، و {أيام} ، و {أيما الأجلين} ، و {أيا ما تدعوا} ، و {وليهم} ، و {أي منقلب} ، و {يدعون} ، و {يدع اليتيم} ، و {دعاً} ، و {دكاً} ، و {غلاً} ، و {كلاً} ، وما أشبهه. وكذلك يلزم إنعام الإدغام نحو قوله: {في بحرٍ لجيٍ يغشاه} ، و {ولياً يرثني} ، وهي أربع ياءات، أصليها ومنقلبها. وكذا {عدواً وحزناً} ، و {عدو ولكم} ، وهي أربع واوات، أصليها ومنقلبها. وكذا {من رب رحيمٍ} ، وهي أربع راءات، أصليها ومنقلبها.. وكذا {على أممٍ ممن معك} ، وهي ثماني ميمات، أصليها ومنقلبها. وكذا {ممن منع} ، وهي خمس ميمات، أصليها ومنقلبها. وكذا {فويلٌ للذين} ، وهي خمس لامات، أصليها ومنقلبها. وكذا {غلاً للذين آمنوا} ، وهي ست لامات، أصليها ومنقلبها. وكذا يلزم إنعام التشديد في قوله {لنصدقن} وشبهه، وفي ذلك ثلاثة شدات، شدة الصاد وشدة الدال والنون. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 وكذا {الربانيون} ، وكذا {إن مكناهم} ، و {أن من الله} ، و {أن يصدقوا} ، وكذا {أن يطوف} ، و {أن يذكر} ، و {يومئذٍ يصدعون} وشبهه، وفيه ثلاث شدات. [وكذلك أيضاً {بحرٍ لجيٍ يغشاه} ، وفي ذلك أربع شدات] متصلات، وكذلك ما أشبهه. وإذا توالت الحركات ترسل بهن من غير تمطيط ولا هذرمةٍ، كقوله: {أحد عشر كوكباً} ، وهي ست فتحات، وفتحة الكاف سابعة. وكذا {تسعة عشر وما} ، {ووجدك} ، {ويذرك} ، و {لفسدتا} ، وهي خمس فتحات، سوى فتحة الحرف المتصل بهن، وكذا {رسلهم} ، و {رسلكم} ، و {نزلهم} ، وهي أربع ضمات في قراءة من أسكن الميم، وخمسٌ في قراءة من ضمها، وكذا ما أشبهه. ذكر الطاء: وهو حرفٌ مجهورٌ، مستعلٍ، مطبقٌ، فيلزم إنعام بيانه وبسط اللسان به، كقوله: {يلتقطه} ، و {من نطفةٍ} ، و {قطراٍ} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 و {ليطغى} ، و {نطمع} ، و {بطشاً} ، و {البطشة} ، وشبهه. وكذا حكم سائر حروف الإطباق، ولولا الإطباق الذي في الطاء لصارت دالاً، ولولا الجهر الذي في الدال لصارت تاء. فإن التقت الطاء، وهي ساكنةٌ بتاءٍ أدغمت فيها بيسرٍ وبين إطباقها مع الإدغام، وإذا بين امتنعت من أن تنقلب تاءً خالصة. لأنها بمثابة النون والتنوين، إذا أدغما وبقيت غنتهما، هذا مذهب القراء. وقد يجوز إدغامها وإذهاب صوتها كما جاز ذلك في النون والتنوين، وذلك نحو {فرطتم} ، و {أحطت} ، و {بسطت} ، وما أشبهه. ذكر الدال: وهو حرفٌ مجهورٌ، فإذا التقى بالتاء في كلمة وهو ساكن أدغم من غير عسرٍ، كقوله: {حصدتم} ، و {عدتم} ، و {راودته} ، و {راودتن} ، و {مهدت له} ، وما أشبهه، وكذا إن التقى بها من كلمتين نحو {قد تبين} ، و {لقد تاب الله} ، {وقد تعلمون} ، {لقد تركناها} ، وما أشبهه. وكذلك إن التقى باللام والراء لخص بيانه، وإلا ربما اندغم فيهما، نحو {لقد لقينا} ، و {لقد لبثتم} ، و {لقد راودته} ، و {لقد رأى} ، وما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 وكذلك إن التقى بالنون فيلزم أن يمكن جهوره، ولا يتساهل في ذلك، فيصير غنةٌ مدغمةٌ في النون، نحو {قد نرى تقلب} ، {ولقد نصركم الله} ، {ولقد نادانا} ، وما أشبهه. وكذا إن التقى بالحاء والخاء والراء والقاف والفاء وغيرهن، فينبغي أن يتعمل جهوره، وإلا صار تاء، كقوله {يدخلون} ، و {ندخلهم} ، و {مدخلاً} ، و {مدخل صدق} ، و {لا تدري} ، و {يدرؤون} ، و {يدرأ عنها} ، و {المدحضين} ، و {ليدحضوا} ، و {مدحوراً} ، و {كدحاً} ، و {الودق} ، و {يدمغه} ، و {ادفع} ، وما أشبهه. ذكر التاء: وهو حرفٌ مهموسٌ، فإن التقى بالطاء أو بالدال أدغم فيها إدغاماً سهلاً من غير عنف، كقوله: {وقالت طائفةٌ} ، و {إذ همت طائفتان} ، و {أجيبت دعوتكما} ، و {فلما أثقلت دعوا الله} ، وما أشبهه. وإذا اجتمع مع حروف الإطباق في كلمة فيلزم تعمل بيانه وتلخيصه من لفظة الطاء، وإلا انقلب طاء، كقوله تعالى: {فاختلط} ، و {ما اختلط} ، و {فإن استطعت} ، {وما استطاعوا} ، و {أفتطمعون} ، و {تطلع} ، {ولا تطغوا} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 و {لا تطرد} ، و {تطمئن} ، و {تطهيراً} ، و {تطلع} ، و {استطعما} ، و {يتطهرون} ، و {المتطهرين} ، و {مستطيراً} ، وما أشبهه. وإن سبقت الطاء التاء لخص صوت الطاء، وإلا صار تاء، نحو {فرطت} ، و {أحطت} ، و {أحاطت} ، و {كشطت} ، و {حبطت} ، وشبهه. فإن التقى بالقاف تعمل تلخيصهما معاً، وإلا زال كل واحد منهما عن صورته، وانقلب إلى غير لفظه، وذلك نحو قوله تعالى: {فلم تقتلون} ، و {فلم تقتلوهم} ، و {لا تقربوا} ، و {لتقرأه} ، {وإذ نتقنا الجبل} ، و {تقديراً} ، وشبهه. وكذلك إن جاء ساكناً قبل القاف تعمل بيانه وتلخيصه، وإلا انقلب طاء لما بين القاف والطاء من الاشتراك في الجهر والاستعلاء، وذلك نحو قوله: {كانتا رتقاً} ، و {أتقاكم} ، و {الأتقى} ، و {الذي أتقن كل شيء} ، وشبهه. وكذا إن وقع قبله سين وبعده حرف مجهور فينبغي أن يلخص ويبين ويمنع من الإطباق، لئلا يصير طاء، كقوله تعالى: {نستعين} ، و {المستقيم} ، و {فإن استطعت} ، {وأن لو استقاموا} ، وما أشبهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 ذكر الظاء: وهو حرفٌ مجهورٌ، مستعلٍ، مطبقٌ. فإن التقى بالتاء بين وأعطي حقه من الإطباق والاستعلاء، وذلك في قوله تعالى: {أوعظت} ، في سورة الشعراء وليس في القرآن غيره وقد جاء فيه عن أبي عمرو والكسائي ما لا يصح في الأداء ولا يؤخذ به في التلاوة. وكذلك إن التقى بالفاء لخص وبين، وإلا انقلب ثاء، للاشتراك الذي بين الفاء وبين الثاء في الهمس، [وذلك في قوله: {أن أظفركم} ، وكذا حكمه في البيان والتلخيص إذا التقى بالنون، وإلا اندغم] . وذلك في قوله تعالى: {وحفظناها} ، {ويحفظن} ، وكذا يلزم تلخيصه وبيانه ساكناً كان أو متحركاً حيث وقع. ذكر الذال: وهو حرفٌ مجهورٌ. فإذا التقى بالظاء أدغم وأشبع إدغامه، وذلك في قوله: {إذ ظلموا أنفسهم} في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 النساء، و {إذ ظلمتم أنكم} في الزخرف، وليس في القرآن غيرهما. فإن التقى بالراء فيلزم إنعام بيانه، وتكلف تلخيصه، ويلفظ به رقيقاً وبالراء بعده مفخمةً، ولا يتساهل في ذلك، وإلا ربما انقلبت الذال ظاءً. إذا اجتمعت، إذا فخمت الراء، أو رققت الراء إذا لخصت هي ومنعت من الإطباق والاستعلاء كما يجب، وكلا الأمرين لحنٌ لا يجوز، وذلك نحو قوله تعالى: {أنذرتكم} ، و {إذ أنذر قومه} ، {ونذر ما كان يعبد} ، و {نذرت للرحمن} ، و {ذرأكم} ، {وما ذرأ} ، و {يذرؤكم} ، و {يذرك} ، و {مثقال ذرةٍ} ، و {ذرعها} ، و {ذرعاً} وما أشبهه، ومثله {حذر الموت} ، و {يحذر الآخرة} ، و {من ذريتي} ، وشبهه. وكذا ينبغي أن يتعمل بيانه عند النون في نحو قوله: {وإذ أخذنا} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 {وأخذن منكم} ، و {أخذنا منكم} ، و {فأخذناه} ، و {فنبذناه} ، {وإذ نتقنا} ، و {إذ نادى} وشبهه، وإلا ربما اندغم. وكذا ينبغي تلخيصه عند الكاف في نحو {الذين يذكرون الله قياماً} ، و {أولا يذكر} ، {واذكر في الكتاب} ، {واذكرن ما يتلى} ، و {إذ كنتم} وشبهه، وإلا انقلب ثاء. للمؤاخاة التي بين الثاء والكاف في الهمس. وكذا يجب أن يلخص في نحو {مذعنين} ، و {جذع [النخلة} ، و {جذوع] النخل} ، و {فأنقذكم} وشبهه. وكذا يلزم أن يلخص الذال من الظاء، ويؤتى بها مستفلةً منفتحةً، وبالظاء مستعليةً مطبقةً، وذلك في نحو {عاقبة المنذرين} ، و {من المنظرين} ، {وذللناها لهم} ، {وظللنا عليهم الغمام} ، و {مذعنين} ، و {يوم ظعنكم} ، {ونذر ما كان} ، و {ثم نظر} ، و {محذوراً} ، و {محظوراً} ، وما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 وكذا يفعل بها مع الضاد في نحو قوله: {أذاعوا به} ، و {أضاعوا الصلاة} ، و {فذاقت وبال أمرها} ، {وضاقت عليهم} ، و {فأنقذكم منها} ، و {الذي أنقض ظهرك} . {ولا هم ينقذون} ، و {الذين ينقضون عهد الله} ، و {أني أذبحك} ، {والعاديات ضبحاً} ، و {تذليلاً} ، و {في تضليلٍ} وما أشبه ذلك. ذكر الثاء: وهو حرفٌ مهموس. فإذ وقع قبل الخاء والقاف والراء والنون لخص بيانه، ولفظ بالخاء والقاف مستعليين، وذلك في قوله: {أثخنتموهم} ، و {إن يثقفوكم} ، و {فإما تثقفنهم} ، {وكذلك أعثرنا} ، و {لا تثريب عليكم} ، و {لبثنا يوماً} ، و {بعثناهم} ، وما أشبهه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 ذكر الصاد: وهو حرفٌ صفيرٍ مهموسٌ، مطبقٍ، مستعلٍ. فإن التقى بالطاء أنعم بيانه، وأعطي حقه من الإطباق والاستعلاء، وإلا انقلب سيناً، وذلك في نحو قوله تعالى: {اصطفى} ، و {اصطفاك} ، و {اصطفيتك} ، {اصطنعتك} ، و {فاصطادوا} ، {واصطبر} ، و {المصطفين} ، و {تصطلون} ، و {يصطرخون} وما أشبهه. وكذلك يلزم أن يتعمل تلخيص الصاد من السين في ما يتفق لفظه ويختلف معناه، بما تقدم، وذلك في نحو قوله: {وكم قصمنا من قريةٍ} ، و {نحن قسمنا بينهم معيشتهم} ، {ولا هم منا يصحبون} ، و {يسحبون في الحميم} ، {وحين تصبحون} ، و {في فلكٍ يسبحون} ، و {مما تحصنون} ، و {أنهم يحسنون} ، و {تنكصون} ، و {ثم نكسوا} ، و {فيها صر} ، و {سراً وجهراً} ، و {عنهم إصرهم} ، {شددنا أسرهم} ، {وعصيتم من بعد} ، و {هل عسيتم} ، {وأصروا واستكبروا} ، و {على ما أسروا} ، {وكانوا يصرون} ، و {ما يسرون} ، و {صواع الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 الملك} ، {ولا سواعاً} ، و {المحصنات} ، و {محصنين} ، [و {للمحسنات منكن} ، و {المحسنين} ] ، و {قبل ذلك محسنين} ، و {نصراً عزيزاً} ، {ونسراً. وقد أضلوا} ، و {هذا نصباً} ، {وبين الجنة نسباً} ، و {ابن لي صرحاً} ، {وسرحوهن سراحاً} ، و {فالمغيرات صبحاً} ، و {في النهار سبحاً} ، و {في أي صورة} ، و {بسورةٍ من مثله} ، {ونفخ في الصور} ، و {بسورٍ له بابٌ} ، و {فإن أحصرتم} ، و {ملوماً محسوراً} ، {ولو حرصتم} ، و {حرساً شديداً} ، {ولا وصيلةٍ} ، و {إليه الوسيلة} ، و {للكافرين حصيراً} ، {وهو حسيرٌ} ، و {إن السمع والبصر} ، و {عبس وبسر} ، و {تصير الأمور} ، {وتسير الجبال} وما أشبهه. وكذلك إن أتى بعد الصاد، وهي ساكنة، دالٌ صفي ولخص وبين إطباقه، وإلا صار زاياً. وذلك في نحو قوله: {ومن أصدق} ، و {تصديةً} ، و {فاصدع} ، و {تصديق} ، وما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 وذلك مذهب الجماعة ما خلا حمزة والكسائي فإنهما يلفظان بالصاد مشمومةً زاياً. ذكر السين: وهو حرف صفير مهموسٌ. فإذا أتى ساكناً وبعده حرف من حروف الإطباق في كلمة يلزم إنعام تلخيصه والتوصل إلى سكونه في رفقٍ وتؤدةٍ، وإلا صار صاداً بالاختلاط، وذلك في نحو قوله: {مسطوراً} ، و {يسطون} ، {وما يسطرون} ، و {فما اسطاعوا} ، و {ما لم تسطع} ، و {بسطةً في العلم} ، {ولا تبسطها كل البسط} ، و {بالقسطاس} ، و {بالقسط} وما أشبهه. وكذلك إن تحرك نحو {يبسط الرزق} ، {ولو بسط الله الرزق} ، و {بسطت إلي} . وكذلك إن أتى قبله أو بعده قافٌ توصل إلى اللفظ به حال سكونه وتحريكه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 برقةٍ ورفقٍ، نحو {بالقسط} ، و {المقسطين} ، و {لا أقسم} ، و {أقسموا} ، و {لقسم} ، و {في سقر} ، {سقاهم} ، و {نسقيه} ، وإلا انقلب صاداً. وكذلك إن أتى ساكناً وبعده جيم أنعم بيانه ولخص لفظه ومنع من الجهر، وإلا انقلب زاياً، لما بين الزاي والجيم من الجهر. وذلك في نحو قوله تعالى: {ولله يسجد} ، و {يسجدون} ، و {فاسجدوا} ، و {من المسجونين} ، و {المسجور} ، و {يسجرون} ، و {أن يسجن} ، و {ليسجننه} وما أشبهه. وكذلك يتعمل بيانه مع التاء في نحو {نستعين} ، و {المستقيم} ، و {فاستقم} ، {وأن لو استقاموا} ، و {هل يستوون} ، و {فاستحبوا} ، و {استشهدوا} ، و {مستطيراً} ، و {من إستبرقٍ} ، و {مستقرٌ} ، و {يستصرخه} ، وما أشبهه. وإن اتصل براء توصل إليه برقةٍ ورفقٍ، وأخلص تفخيم الراء، وإلا ربما انقلب الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 صاداً، وذلك نحو: {سرمداً} ، و {في السرد} ، و {من أسرف} ، و {أسرهم} ، و {فأسرها} ، و {أسروا} ، و {إسرائيل} ، و {سراجاً} ، و {سراحاً} ، {وأسررت لهم إسراراً} ، و {في السراء} ، و {سرهم} ، و {سرابيلهم} ، وكذا {وسخر} ، و {مسخراتٍ} ، {وسار بأهله} ، و {فما استيسر} ، و {ما تيسر} ، وما أشبهه. ذكر الزاي: وهو حرف صفير، مجهورٌ. فإذا أتى ساكناً لخص مما بعده، وأشبع اللفظ به، وسواء لقي حرفاً مهموساً أو مجهوراً. وذلك نحو: {ما كنزتم} ، و {أعجزت} ، و {للذين تزدري} ، و {ليزدادوا} ، و {ثم ازدادوا كفراً} ، و {أزكى لكم} ، و {مزجاةٍ} ، و {مزدجرٌ} ، و {ازدجر} ، و {أزلفنا} ، و {ليزلقونك} ، و {وزرك} ، و {وزراً} ، و {يزجي سحاباً} ، وما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 ذكر النون: وهو حرفٌ أغن، مجهورٌ. وقد تقدم ذكر أحكامه في البيان والإدغام والقلب والإخفاء، فأغنى ذك عن الإعادة. قال أبو عمرو: وإشمام النون المدغمة في مثلها في قوله: {مالك لا تأمنا} يحتمل أن يكون إشارةً بالشفتين إلى الحركة بعد الإدغام، وبعد السكون، فعلى هذا يكون إدغاماً تاماً، ويحتمل أن يكون إشارة إلى النون بالحركة، فعلى هذا يكون إخفاء. وإذا ألقيت حركة الهمزة على التنوين وحرك بها على مذهب ورش عن نافع، في قوله في يوسف {من سلطانٍ إن الحكم} ، لفظ بثلاث نونات مكسورات متواليات، لا فصل بينهن. وكذلك إذا فعل ذلك في قوله في نوح {مبينٌ أن اعبدوا الله} ، لفظ أيضاً بثلاث نونات متواليات، غير أن الأولى والآخرة مضمومتان والوسطى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 مفتوحة. وكذلك يلفظ بنونين مكسورتين متواليتين في قوله تعالى {مؤمنٍ إلا} ، {ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم} في التوبة، وفي قوله {من سلطانٍ إن يتبعون} في النجم. وكذا يلفظ بنونين مفتوحتين متواليتين في قوله: {حزناً ألا يجدوا} في براءة، وفي قوله: {عجباً أن أوحينا} في يونس، وفي قوله: {قرآناً أعجمياً} في فصلت، على مذهبه. ذكر الراء: وهو حرفٌ مجهورٌ، شديدٌ، مكررٌ، حركته تعد حركتين لتكريره. قال سيبويه: والراء إذا تكلمت بها خرجت كأنها مضاعفة. والوقف يزيدها إيضاحاً. فإذا أتى مشدداً توصل إلى النطق به بيسر من غير تكرير ولا عسر، وذلك نحو: {ضراء} ، و {مر كأن} ، {وخر موسى} ، و {السراء والضراء} ، و {أشد حراً} ، و {إلى ضر} ، و {لمن ضره} ، و {من ضر} ، وما كان مثله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وإن التقى بالنون تعمل بيانه، وإلا صار نوناً مدغمة، نحو {فبشرناه} ، و {بشرناك} ، و {فغفرنا له} ، و {أمرنا} ، و {أعثرنا} ، {واصبر نفسك} ، {ولتنظر نفسٌ} ، و {أنظرني} ، و {اذكرني عند ربك} ، و {فأثرن به} ، {وقرن} ، وما أشبهه. وكذا حكمه عند اللام، نحو قوله تعالى: {يغفر لكم} ، و {ينشر لكم} ، {واصبر لحكم ربك} ، {واصطبر لعبادته} ، و {أن اشكر لي} ، وما أشبهه، على أن أبا عمرو قد أدغمه فيه لتقاربهما. وكذا يلزم تلخيصه وبيانه إذا التقى بالضاد، نحو قوله: {قرضاً} ، و {عرضاً} ، و {عرضها} ، و {عرضةً} ، و {أرضاً} ، و {أرض الله} ، و {ترضاها} ، و {يرضى} ، و {أرضعنكم} ، و {أرضعيه} ، وما أشبهه. فأما حكمه في التفخيم والترقيق والإمالة فنذكره مشروحاً، إن شاء الله تعالى. ذكر ذلك: اعلموا أن الراء تحركت بالفتح أو الضم أو سكنت، ولم تقع قبلها كسرةٌ لازمةٌ من نفس الكلمة التي هي فيها، فهي مفخمةٌ، على حال ما حددناه من الفتح الخالص بإجماع من القراء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 وكذلك حالها إذا وقعت طرفاً في الكلمة في الوصل والوقف جميعاً، وسواء وقف على المضمومة بالسكون أو بالروم أو بالإشمام، فالمفتوحة نحو: {فبما رحمةٍ} ، و {فما ربحت} ، و {إن ترك} ، و {إلى ربك} ، و {رسولٌ} ، و {رؤوفٌ} ، و {يردون} ، و {يراؤون} ، و {تظاهرا} ، و {مسخراتٍ} ، و {مغاراتٍ} ، و {البحران} ، و {الخسران} ، و {أمراً} ، و {صبراً} ، و {نكراً} ، و {عمراً} ، و {ألم تر} ، و {فطر} ، و {بسر} ، و {حذر} ، و {اليسر} ، و {العسر} ، وشبهه. والمضمومة نحو: {رؤسهم} ، و {رسله} ، و {يردوكم} ، و {على سررٍ} ، و {ما يؤمرون} ، و {تصبرون} ، و {نصرٌ} ، و {مزدجرٌ} ، و {النذر} ، وشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 والساكنة نحو: {كرسيه} ، و {مرجعكم} ، و {ترميهم} ، و {أرسلنا} ، و {يرضونكم} ، و {يرتع} ، وما أشبهه. فإن وقع قبل المفتوحة والمضمومة كسرةٌ لازمةٌ أو ياءٌ ساكنةٌ، نحو {الآخرة} ، و {فاقرة} ، و {المعصرات} ، و {المغيرات} ، و {المدبرات} ، و {الخيرات} ، و {الخير} ، و {لا ضير} ، و {طيراً} ، و {الطير} ، و {قديراً} ، و {نذيراً} ، و {خبيراً} ، و {بصيراً} ، و {ما يسرون} ، و {يعتذرون} ، و {منتصرٌ} ، و {مستمرٌ} ، و {صرٌ} ، و {قديرٌ} ، و {خبيرٌ} ، و {غيره} ، وشبهه. وكذا إن حال بين الراء والكسرة حرف ساكن، نحو: {إخراجهم} ، و {إخراج} ، و {إكراههن} ، و {لا إكراه} ، و {حذركم} ، و {سركم} ، و {السحر} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 و {الذكر} ، و {الشعر} ، و {ذكركم} ، و {ذكرٌ} ، و {كبرٌ} ، وما أشبهه - فهي مفخمةٌ للجميع أيضاً، ما خلا نافعاً، فإن ورشاً روى عنه أنه يرققها من أجل الكسرة والياء في الضربين جميعاً. فإن كانت الكسرة الواقعة قبل الراء في حال فتحها وضمها عارضةً أو في حرف زائد ليس من نفس الكلمة خلص فتحها، نحو: {برسولٍ} ، و {برشيدٍ} ، و {ألربك} ، و {برؤوسكم} ، و {بركنه} ، و {لرقيك} ، و {إن امرؤٌ} ، وذلك إجماع. وكذا إن وقع بعدها حرف من حروف الاستعلاء، أو راء مكررة مفتوحة أو مضمومة، أو كان الاسم الذي هي فيه أعجمياً أو مؤنثاً، فهي مفخمة بالإجماع أيضاً. وذلك نحو {الصراط} ، و {إعراضاً} ، و {إعراضهم} ، و {الإشراق} ، و {الفراق} ، و {الفرار} ، و {فراراً} ، و {إبراهيم} ، و {إسرائيل} ، و {عمران} ، و {إرم ذات} ، وشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فإن وقع بعد المفتوحة ألف منقلبة عن ياء أو ألف التأنيث نحو {يرى} ، و {تتمارى} . و {يتوارى} ، و {أراك} ، و {أدراك} ، و {أدراكم} ، و {التوراة} ، و {مجراها} ، و {الذكرى} ، و {بشرى} ، وما أشبهه، أو وقع بعدها ألف زائدة بعدها راء مجرورة، نحو {مع الأبرار} ، و {من الأشرار} ، و {دار القرار} ، و {في قرارٍ} ، وما أشبهه - فالقراء مختلفون في ذلك على ثلاثة ألفاظ: فمنهم من يخلص الفتح لها، ومنهم من يخلص الإمالة، ومنهم من يجعلها بين اللفظين. فإن اتصل بالساكنة حرف مكسور من نفس الكلمة فلا خلاف في ترقيقها، نحو {يغفر لكم} ، و {اصبر} ، و {مريةٍ} ، و {شرعةً} ، و {شرذمةٌ} ، و {الفردوس} ، و {فرعون} ، وما أشبهه. فإن كانت الكسرة عارضة أو وقع بعد الراء حرف استعلاء مفتوح نحو {أم ارتابوا} ، و {إن ارتبتم} ، و {إلا لمن ارتضى} ، و {يا بني اركب} ، و {في قرطاسٍ} ، و {إرصاداً} ، و {لبالمرصاد} ، و {فرقة} ، فلا خلاف في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 تفخيمها. فأما الراء المكسورة فهي رقيقة، وذلك صيغتها في حال الوصل والوقف جميعاً. وهذا ما لم يتحرك ما قبلها بالفتح أو الضم وسكنت للوقف، نحو {من مطرٍ} ، و {نهرٍ} ، و {بالنذر} ، و {العمر} فإنها مفخمةٌ حينئذ فيه خاصة. فإن وقف عليها بالروم رققت كالوصل. فهذه أحكام الراء مشروحةً فيقاس عليها، إن شاء الله تعالى. ذكر اللام: وهو حرف مجهور. فإن التقى بالراء وهو ساكن قلب راء، وأدغم في الراء إدغاماً مشبعاً من غير تكرير، لشدة تقاربهما، وذلك نحو: {قل رب} ، و {فقل ربكم} ، و {بل رفعه} ، و {بل ربكم} ، و {بل ران} ، وما أشبهه. وجاء في ذلك عن نافع وعاصم ما لا يؤخذ به. فإن أتى بعده نون في كلمة أو في كلمتين، وكان سكونه لجازم، أو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 لتوالي الحركات تخفيفاً، أو للأمر، أو للنهي، تعمل بيانه بتؤدةٍ وتلخيص. نحو {ومن يبدل نعمة الله} ، و {أنزلنا} ، و {أرسلنا} ، و {فزيلنا} ، {وذللناها لهم} ، و {فيظللن} ، و {يأكلن} ، و {بدلنا} ، و {جعلنا} ، {وقلن قولاً} ، و {فعلن} ، و {أكفلنيها} ، و {اجعلنا} ، و {لا تجعلنا} وما أشبهه. وكذلك حكم اللام من {قل} عند النون والتاء والسين والصاد، نحو {قل نار جهنم} ، و {قل نعم} ، و {قل تعالوا} ، {وقل سلامٌ} ، و {قل صدق الله} ، وشبهه. ولم تدغم هنا فراراً من الاختلال. وإن أتى بعده ظاء لخص بيانه. نحو قوله: {وليجدوا فيكم غلظةً} وشبهه. ولام التعريف التي معها همزة الوصل تدغم في ثلاثة عشر حرفاً للزوم سكونها، وكثرة دورها، وقرب ما بينها وبينهن. فينقلب لفظها إلى الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 لفظهن، ويعتمد اللسان على موضعهن. وهن: الراء والنون والدال والتاء والطاء والثاء والذال والظاء والصاد والزاي والسين والشين والضاد. نحو: {الرحمن الرحيم} ، و {النار} ، و {الدار} ، و {التابوت} ، و {الطاغوت} ، و {الثاقب} ، و {الذاكرين} ، و {الظانين} ، و {الصادقين} ، و {الزاني} ، و {السارق} ، و {الشهادة} ، و {الضلالة} ، وما أشبهه. فأما حكمه في الترقيق فنذكره مبيناً. ذكر ذلك: اعلموا أن اللام إذا أتت متحركة أو سكنت، وسواء وليها كسرةٌ أو حرف استعلاء، أو غير ذلك، فهي مرققةٌ في جميع القرآن، نحو {ثلاثة} ، و {ثلاث} ، و {بغلامٍ} ، و {لغلامين} ، و {الأغلال} ، و {أغلالاً} ، و {خلا} ، و {لعلا} ، و {أحلامهم} ، و {أقلامهم} ، و {ما خلق} ، {وغلقت الأبواب} ، و {خلطوا} ، و {الخلطاء} ، و {أخلصوا} ، و {أضللتم} ، و {فضلاً} ، و {الضلال} ، و {صلصالٍ} ، و {يلبثون} ، و {فليأت} وما أشبهه. قال أبو علي الحسين بن مخلد: كان القراء يكرهون تغليظ اللامات في الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 القرآن كله. وقد روى المصريون عن ورشٍ عن نافعٍ تغليظها إذا تحركت بالفتح أو سكنت لا غير نحو {الصلاة} ، {فيصلب} ، و {الطلاق} ، و {معطلةٍ} ، {ومن أظلم} ، و {ظلموا} . وما أشبهه. والقراء بعد يرققونها من غير إفحاشٍ. فأما اللام من اسم الله عز وجل فالجميع مجمعون على ترقيقها مع الكسرة من أجلها، عارضة كانت أو غير عارضة، نحو {بسم الله} ، و {الحمد لله} ، و {بآيات الله} ، و {رسل الله الله} ، و {أحدٌ الله} ، و {بل الله} ، و {قل اللهم} . وما أشبهه. فإن وليها فتحةٌ أو ضمةٌ أجمعوا على تغليظها من أجلهما، نحو {قال الله} ، و {ضرب الله} ، و {من الله} ، و {سبحانك اللهم} ، و {رسل الله} ، {واسألوا الله} ، و {قالوا اللهم} وما أشبهه. فإن كان الحرف المفتوح أو المضموم قبلها لاماً لخص ترقيقها الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 وفخمت هي نحو {أحل الله} ، و {أجل الله} ، و {من أضل الله} ، و {فضل الله} ، و {ذلكم فضل الله} ، {ويضل الله} ، {ويفعل الله ما يشاء} وما أشبهه. قال أبو عمرو: والترقيق هو في الحرف دون الحركة، إذا كان صيغته. والإمالة في الحركة دون الحرف إذا كانت لعلةٍ أوجبتها، وهي تخفيفٌ كالإدغام سواء. ذكر الضاد: وهو حرف مستطيلٌ، مجهورٌ، مطبقٌ، مستعلٍ، فينبغي للقراء أن يلخصوا لفظه، وينعموا بيانه. فإن التقى بتاء توصل إلى إظهاره بتؤدةٍ ويسرٍ وذلك نحو: {أفضتم} ، و {خضتم} ، و {عرضتم} ، و {فرضتم} ، و {إذا مرضت} ، وما أشبهه. وكذا إن التقى بطاء أو جيم أو نون أو لام أو راء، نحو {فمن اضطر} ، و {إلا ما اضطررتم} ، و {ثم أضطره} ، {واخفض جناحك} ، {وفرضناها} ، و {إنا عرضنا} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 و {يغضضن} ، و {لم يحضن} ، و {يقبضن} ، {وليضربن} ، و {فاضربوهن} ، و {قلنا اضربوه} ، و {إن اضرب} ، و {خضرٍ} ، و {نضرةً} ، {واخفض لهما} ، و {نقيض له} ، و {في تضليلٍ} ، و {أضللن} ، و {أضللتم} ، و {ذي فضلٍ فضله} ، و {فضلاً} ، و {فضل الله} ، و {أرض الله} ، {وأقرضوا الله} وما أشبهه. ومتى لم يتفقد ذلك ولم ينعم بيانه وتلخيصه اندغم. ومن آكد ما على القراء أن يخلصوه من حرف الظاء بإخراجه من موضعه وإيفائه حقه من الاستطالة، ولا سيما فيما يفترق معناه من الكلام. فينبغي أن ينعم بيانه ليتميز بذلك في نحو: {ولا الضالين} ، و {الظانين} ، و {ضل من تدعون} ، و {ظل وجهه} ، {وغيض الماء} ، {وما تغيض الأرحام} ، و {الكاظمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 الغيظ} ، و {كيده ما يغيظ} ، و {أضللن كثيراً} ، و {فيظللن رواكد على ظهره} ، {ولا يحض على طعام المسكين} ، و {مثل حظ الأنثيين} ، و {طلعها هضيمٌ} ، و {فهو كظيمٌ} ، و {كل شربٍ محتضرٌ} ، و {كهشيم المحتظر} ، و {ناضرةٌ. إلى ربها ناظرةٌ} ، وما أشبهه. ألا ترى أنه متى لم يستعمل ذلك اشتبه لفظ الجميع، وتغير المعنى، وفسد المراد. وكذا ينبغي أن ينعم بيانه إذا التقى بمثله في كلمة وبالظاء في كلمتين، نحو {واغضض من صوتك} ، و {يغضضن من أبصارهن} ، و {يعض الظالم} ، و {بعض الظالمين} ، و {بعض الظن إثمٌ} ، و {أنقض ظهرك} وشبهه. وكذا حكمه إذا التقى بالذال نحو {لكم الأرض ذلولاً} ، و {ملء الأرض ذهباً} ، و {ببعض ذنوبهم} ، و {الأرض ذات الصدع} وشبهه. ذكر الفاء: وهو حرفٌ متفش، مهموس. فإذا التقى بالميم أو الواو لخص بيانه للتفشي الذي فيه، وذلك نحو الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 {ويستخلف من بعدكم} ، و {تلقف ما صنعوا} ، و {نتخطف من أرضنا} ، و {لا تخف وبشروه} ، و {لا تخف ولا تحزن} ، و {ق. والقرآن} ، وما أشبهه. وإذا التقى بالباء جاز عند القراء إدغامه وبيانه، وذلك في قوله: {نخسف بهم الأرض} . فإن التقى بمثله أدغم فيه، وذلك إذا سكن، كقوله تعالى: {فلا يسرف في القتل} . وإذا وقع قبله طاء أنعم بيان الطاء لئلا ينقلب تاء لما بين التاء والفاء من الاشتراك في الهمس. وذلك نحو {من نطفة} ، و {الخطفة} ، و {الأطفال} ، و {ليطفئوا} ، و {أطفأها الله} وما أشبهه. ذكر الباء: وهو حرفٌ مجهور. فإن التقى بمثل، وهو ساكن، أدغم إدغاماً تاماً كما تقدم، نحو {فاضرب به ولا تحنث} ، {وليكتب بينكم} . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 فإن التقى بالميم أو الفاء نحو {ويعذب من يشاء} ، و {يابني اركب معنا} ، و {أو يغلب فسوف} ، {وإن تعجب فعجبٌ} جاز إدغامه وبيانه. فالإدغام للقرب، والبيان لاختلاف اللفظ. وإن التقى بالواو بين لقلة حروف الشفتين، ولأن الواو أدخل منه في الفم، وللمد الذي فيها. وذلك نحو {فليكتب وليملل} ، و {فانصب. وإلى ربك} وما أشبهه. ذكر الميم: وهو حرف أغن، مجهور. فإذا التقى بمثله أدغم لا غير، وإن التقى بالفاء أو الواو أنعم بيانه للغنة التي فيه، إذ كان الإدغام يذهبها فيختل بذلك. على أن أحمد بن أبي سريج قد روى عن الكسائي إدغامه في الفاء، وذلك غير صحيح ولا جائز. فالفاء نحو {هم فيها} ، {ويمدهم في} ، و {لأريناكهم فلعرفتهم} وما أشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 والواو نحو: {هم وقود النار} ، و {أنتم وأزواجكم} . وهذا على مذهب من سكن الميم. وكذلك {قالوا نعم فأذن} ، و {قم فأنذر} ، و {لا تقم فيه} ، و {حم والكتاب المبين} . {ومن يسلم وجهه} وشبهه. فإن التقت الميم بالباء نحو {آمنتم به} ، {وأن احكم بينهم} ، و {كنتم به} ، {ومن يعتصم بالله} ، و {أم بعيدٌ} ، وما أشبهه، فعلماؤنا مختلفون في العبارة عنها معها. فقال بعضهم هي مخفاةٌ لانطباق الشفتين عليهما، فانطباقهما على إحداهما. وهذا مذهب ابن مجاهد، في ما حدثنا به الحسين بن علي، عن أحمد بن نصر، عنه، قال: والميم لا تدغم في الباء لكنها تخفى، لأن لها صوتاً في الخياشيم، تواخي به النون الخفيفة. وإلى هذا ذهب شيخنا علي بن بشر رحمه الله. قال أبو العباس محمد بن يونس النحوي المقري: في أهل اللغة من يسمي الميم الساكنة عند الباء إخفاء قال: وقال سيبويه: المخفى بوزن المظهر. وقال آخرون: هي مبينةٌ للغنة التي فيها. قال أبو الحسين بن المنادي: أخذنا عن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 أهل الأداء بيان الميم الساكنة عند الواو والفاء والباء، في حسنٍ من غير إفحاشٍ. وقال أحمد بن يعقوب التائب: أجمع القراء على تبيين الميم الساكنة وترك إدغامها إذا لقيتها باء في جميع القرآن. قال: وكذلك الميم عند الفاء. وذهب إلى هذا جماعة من شيوخنا، وحكاه أحمد بن صالح عن ابن مجاهد، وبالأول أقول. ذكر الواو: وهو حرف مد، مجهورٌ، ويخرج من الشفة، ثم يهوي في الفم فينقطع آخره عند مخرج الألف. قال الخليل - رحمه الله: ولذلك ألحقوا الألف بعده في الخط في نحو: آمنوا، وظلموا، وولوا، ولووا، وما أشبهه. وكذا حال الياء يخرج من وسط اللسان بينه وبين وسط الحنك ثم يهوي، فينقطع هناك. وقد مضى القول في أحكام الواو في التمكين والإشباع والتلخيص والبيان فأغنى ذلك عن الإعادة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 قال أبو عمرو: فهذه حروف التجويد بأصولها وفروعها، على مراتبها ومخارجها، قد شرحناها، وبينا حقائقها، لتحفظ بكمالها، ويقاس عليها أشكالها. وجميع ذلك يضطر في تصحيحه إلى الرياضة، ويحتاج في أدائه إلى المشافهة، لينكشف خاص سره، ويتضح طريق نقله، وبالله التوفيق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 باب ذكر أحوال الحركات في الوقف وبيان الروم والإشمام اعلموا أن الأصل أن يوقف على الكلم، المتحركة في الوصل، إذا كانت حركاتهن إعراباً أو بناء -بالسكون، لأن الوقف ضد الوصل، ولأن معنى الوقف أن يوقف عن الحركة، أي تترك، كما يقال: وقفت عن كلامك، أي تركته. واختار عامة شيوخنا ورؤساء أئمتنا، في مذهب الجماعة، الوقف على ذلك بالإشارة، لما فيها من الدلالة على كيفية الحركة في الوصل، طلباً للبيان. والإشارة على ضربين: تكون روماً وتكون إشماماً، والروم أتم من الإشمام. لأنه تضعيف الصوت بالحركة، حتى يذهب معظمها، فيسمع لها صويتٌ خفي يدرك معرفته الأعمى بحاسة سمعه، ويستعمل في الحركات الثلاث إلا أن عادة القراء أن لا يروموا المنصوب ولا المفتوح لخفتهما وسرعة ظهورهما إذا حاول الإنسان الإتيان ببعضهما، فيبدو الإشباع لذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وأما الإشمام فهو لرؤية العين لا غير، إذ هو إيماء بالشفتين إلى الحركة بعد إخلاص السكون للحروف، فلا يقرع السمع، ولذلك لا يعرفه إلا البصير، ويستعمل فيما يعالج بالشفتين من الحركات، وهو الرفع والضم لا غير. فأما المنصوب الذي يصحبه التنوين نحو {ضرب الله مثلاً عبداً} ، و {عاداً} ، و {صالحاً} ، و {لوطاً} ، و {نوحاً} ، و {شعيباً} ، وما أشبهه، فالوقف عليه بألفٍ ممكنةٍ، بدلاً من التنوين لخفة النصب. فأما هاء التأنيث في الوقف فلا يجوز أن ترام، ولا أن تشم، ولا أن يعوض من التنوين الذين يلحق التاء في حال الوصل ألفٌ، لئلا تختل علامتها، فهي ساكنة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 في الوقف، كالألف سواء. كذلك ميم الجمع إذا وصلت بواو نحو {عليهم أأنذرتهم} وشبهه، لا يجوز في الوقف رومها ولا إشمامها، لأن حركتها تذهب هناك بذهاب الواو للصلة، فتبقى ساكنة. وكذلك الحركة العارضة، نحو {لم يكن الذين} ، و {من يشأ الله} ، {ومن يشاقق الله} وشبهه، لا ترام ولا تشم، لأن الحرف المحرك بها ساكن، وإنما دخلته في حال الوصل لعلة تعدم عند الوقف. وكل مشددٍ من جميع الكلم فالوقف عليه بالسكون والتشديد، إعراباً كانت حركته أو بناء. والروم والإشمام مستعملان في المرفوع من ذلك. والروم في المخفوض منه، كما ذكرناه، وذلك نحو {إلا أماني} ، و {صواف} ، و {علي} ، و {إلي} ، و {لدي} ، و {فسواهن} ، و {خلقهن} ، و {من رب} ، و {لجي} ، و {عدو} ، و {أأعجمي وعربي} وشبهه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 فصل وإذا كان قبل الحرف الموقوف عليه حرف مد ولين، مرسوماً أو محذوفاً، وسكن للوقف، أو أشم حركته إن كان مرفوعاً أو مضموماً، نحو {من كل بابٍ} ، و {يومئذٍ لله} ، و {بالرحمن} ، و {صالحاً ترضاه} ، و {نستعين} ، و {الصالحين} ، {ولا الضالين} ، و {في الأميين} ، و {تعلمون} ، و {تتقون} ، و {الغاوون} . وكذلك {ما يشاء} ، و {منه الماء} ، و {على سواء} ، {وأنا بريء} ، و {من سوء} ، {ولا جان} ، و {غير مضار} وما أشبهه - فأهل الأداء مختلفون في زيادة التمكين لحرف المد في ذلك. فمنهم من يزيد في تمكينه وإشباعه من أجل الساكنين، ليتميز بذلك، وكون ما سكن للوقف كاللازم، وهم الآخذون بالتحقيق. ومنهم من لا يبالغ في إشباعه. وهم الآخذون بالتوسط وتدوير القراءه، وعلى ذلك ابن مجاهد وعامة أصحابه. ومنهم من يمكن مده ولا يشبعه زيادةً على الصيغة، لأن سكون ما بعده للوقف عارض، ولأن الوقف مما يختص بالجمع بين الساكنين، وهم الآخذون بالحدر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 فإن انفتح ما قبل الياء والواو نحو {إحدى الحسنيين} ، و {من عبادنا صالحين} ، و {من فرعون} ، و {من خوفٍ} ، وما أشبهه فعامة أهل الأداء والنحويين لا يرون الإشباع لهما، لزوال معظم المد منهما، وخروجهما من حال الخفاء إلى حال البيان، والآخذون بالتوسط يمكنونهما. وكل ما ذكرناه إنما هو إذا لم يكن الحرف الموقوف عليه همزة أو حرفاً مدغماً، فإن كان همزة أو حرفاً مدغماً فلا خلاف في زيادة التمكين والإشباع لحرف المد من أجلهما وذلك على مقدار مذاهب الأئمة في التحقيق والحدر، وحال طباعهم في التفكيك والمط. وإن وقف في جميع ما تقدم بالروم فالزيادة لحرف المد ممتنعة، لأن روم الحركة حركةٌ وإن ضعفت وزال معظمها. وذلك أيضاً ما لم يكن الموقوف عليه همزةً أو حرفاً مشدداً، كما بيناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 باب ذكر الوقف وبيان أقسامه اعلموا أن التجويد لا يتحصل لقراء القرآن إلا بمعرفة الوقف ومواضع القطع على الكلم، وما يتجنب من ذلك لبشاعته وقبحه، وأنا أبين ذلك، وأذكر منه أصولاً يستقل بها. إن شاء الله تعالى. فالوقف في كتاب الله -عز وجل- على أربعة أضرب: تام، وكافٍ، وحسنٌ، وقبيحٌ. فالتام هو الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده، لأنه لا يتعلق بشيء مما بعده ولا ما بعده به. وذلك يوجد عند تمام القصص وانقضاء الكلم، وأكثر ما يكون في رؤوس الآي، إذ هي مقاطع وفواصل، وقد يجيء بعد آية وآيتين وأكثر. والكافي هو الذي يحسن الوقف عليه أيضاً والابتداء بما بعده، إلا أن الذي بعده متعلق به، وذلك نحو {حرمت عليكم أمهاتكم} ، والابتداء بما بعده في الآية كلها. ألا ترى أنه معطوف بعضه على بعض فهو متعلق بما قبله، ويسمى هذا الضرب مفهوماً أيضاً. والحسن هو الذي يحسن الوقف عليه، ولا يحسن الابتداء بما بعده، وذلك نحو الوقف على {الحمد لله رب العالمين} . و {الرحمن الرحيم} ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وشبهه. وهو حسن لأن المراد مفهوم، والابتداء بما بعده قبيح لأنه مجرر، ويسمى هذا الضرب صالحاً أيضاً. فأما الوقف القبيح فهو الذي لا يعرف المراد منه، وذلك نحو الوقف على {بسم} ، و {مالك} وشبههما، والابتداء بقوله {الله} ، و {يوم الدين} ، ألا ترى أنه إذا وقف عليه لم يعلم إلى أي شيء أضيف. وهذا يسمى وقف الضرورة لتمكن انقطاع النفس عنده. والقراء ينهون عن الوقف على هذا الضرب وينكرونه، ويستحبون لمن انقطع نفسه عليه وعلى ما أشبهه من الوقف القبيح والبشيع أن يرجع إلى ما قبله حتى يصله بما بعده. والمختار الوقف التام، والكافي مستحسن، والحسن جائزٌ إذا اضطر إليه القاري. فصل والذي يلزم القراء أن يتجنبوا الوقف عليه: أن لا يفصلوا بين العامل وما عمل فيه، كالفعل وما عمل فيه من فاعل ومفعول وحال وظرف ومصدر. ولا يفصلوا بين الشرط الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 وجزائه، ولا بين الأمر وجوابه، ولا بين الابتداء وخبره، ولا بين الصلة والموصول، ولا بين الصفة والموصوف، ولا بين البدل والمبدل منه، ولا بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا يقطع على المؤكد دون التوكيد، ولا على المضاف دون المضاف إليه، ولا على شيء من حروف المعاني دون ما بعدها. وهذا كله وسائر ما ذكرناه قبل لا يتمكن معرفته للقراء إلا بنصيب وافر من علم العربية، وذلك من آكد ما يلزمهم تعلمه والتفقه فيه، إذ به يفهم الظاهر الجلي، ويدرك الغامض الخفي، وبه يعلم الخطأ من الصواب ويميز السقيم من الصحيح. أعاذنا الله وإياهم من القنوع في العلم بالتقصير، والرضى فيه بترك الجد والتشمير، وعلمنا منه ما نصل به إلى معرفته، وأداء واجب حقه، وبلغنا بذلك مراتب العلماء، وأنزلنا منازل الفقهاء، وعصمنا من البدع المضلة والأهواء المهلكة، آمين، رب العالمين. وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير. تم كتاب التحديد في صنعة الإتقان والتجويد، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه ورسوله محمد وعلى آله أجمعين، ضحوة يوم الأربعاء الحادي والعشرين من ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، ببلدة شيراز المحروسة على الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 يدي الفقير الجافي الجاني طاهر بن عرب بن إبراهيم، الحافظ الأصبهاني، تاب الله عليه، ورحم أسلافه ووالديه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179