الكتاب: الخراج المؤلف: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري (المتوفى: 182هـ) الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، سعد حسن محمد الطبعة: طبعة جديدة مضبوطة - محققة ومفهرسة، أصح الطبعات وأكثرها شمولا عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]   الكتاب مرتبط بنسخة مصورة لـ (ط المطبعة السلفية ومكتبتها - القاهرة) ---------- الخراج لأبي يوسف أبو يوسف القاضي الكتاب: الخراج المؤلف: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري (المتوفى: 182هـ) الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، سعد حسن محمد الطبعة: طبعة جديدة مضبوطة - محققة ومفهرسة، أصح الطبعات وأكثرها شمولا عدد الأجزاء: 1   [ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]   الكتاب مرتبط بنسخة مصورة لـ (ط المطبعة السلفية ومكتبتها - القاهرة) ـ[الْخراج]ـ الْمُؤلف: أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الْأنْصَارِيّ (الْمُتَوفَّى: 182هـ) الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث تَحْقِيق: طبه عبد الرءوف سعد، سعد حسن مُحَمَّد الطبعة: طبعة جَدِيدَة مضبوطة - مُحَققَة ومفهرسة، أصح الطبعات وأكثرها شمولا عدد الْأَجْزَاء: 1 [ترقيم الْكتاب مُوَافق للمطبوع وَهُوَ مذيل بالحواشي]   الْكتاب مُرْتَبِط بنسخة مصورة لـ (ط المطبعة السلفية ومكتبتها - الْقَاهِرَة) مُقَدمَات بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم تَقْدِيم: الْخراج الْخراج لَفْظَة عرفت مُنْذُ الْأَيَّام الأولى لِلْإِسْلَامِ وتعني الضريبة السنوية الْمَفْرُوضَة على الْأَرَاضِي الَّتِي تزرع حبوبا ونخيلا وَفَاكِهَة، يَدْفَعهَا الْمزَارِع للمقطع صَاحب الأَرْض الإقطاعية ليؤديها بدوره إِلَى خزانَة الدولة بعد استقطاع مُخْتَلف المصروفات. وَكَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَمر بمسح السوَاد وَدفعه إِلَى الفلاحين الَّذين كَانُوا فِيهِ على غلَّة كل سنة، وَلذَلِك سمي خراجا، ثمَّ بعد ذَلِك قيل للبلاد الَّتِي فتحت صلحا ووظف مَا صولحوا عَلَيْهِ على أَرضهم، خَرَاجِيَّة؛ لِأَن تِلْكَ الوظيفية أشبهت الْخراج الَّذِي لزم الفلاحين، وَهُوَ الْغلَّة؛ لِأَن جملَة معنى الْخَارِج الْغلَّة، وَفِي الحَدِيث: "أَن أَبَا طيبَة لما حجم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمر لَهُ بصاعين من طَعَام وكلم أَهله؛ فوضعوا عَنهُ من خراجه" أَي من غَلَّته. وَقد أفرد الإِمَام الْمَاوَرْدِيّ الْبَاب الثَّالِث عشر من "الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة" لوضع الْجِزْيَة وَالْخَارِج، وَبَين الْأَوْجه الَّتِي يفترقان فِيهَا. قَالَ حاجي خَليفَة عَن الْكتب الْمُؤَلّفَة بِهَذَا العنوان: "الْخراج": كتاب الْخراج -للْإِمَام أبي يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْحَنَفِيّ المتوفي سنة 182 اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَهُوَ الْكتاب الَّذِي بَين يَديك. وَلأبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الْكَاتِب الْمُتَوفَّى سنة 270 سبعين وَمِائَتَيْنِ. وَلأبي الْفرج قدامَة بن جَعْفَر. ولنصر بن مُوسَى الرَّازِيّ الْحَنَفِيّ. ولحسن بن زِيَاد. أما عَن كتاب القَاضِي أبي يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الْكُوفِي الَّذِي وَضعه للرشيد الجزء: 1 ¦ الصفحة: 3 فَيَقُول عَنهُ الدكتور عَليّ أوزاك: بِأَنَّهُ يتَمَيَّز عَن كتب الْخراج الْأُخْرَى بخصائص عَددهَا كَمَا يَلِي: أَولا: أَنه يَشْمَل توصيات إصلاحية للخليفة. ثَانِيًا: يتَنَاوَل كثيرا من المشاكل الإدارية والمالية والسياسية والاجتماعية، ويداوي كل هَذِه المشاكل بِمَا يُنَاسِبهَا من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والاجتهادات الْعَقْلِيَّة. ثَالِثا: أَنه سلك طَرِيقا جَدِيدا ذَا أهمية بَالِغَة هُوَ أَنه حينما أَرَادَ أَن يَبْنِي حكما جَدِيدا حاول أَن يحصل على عمل حكمه من سيدنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَو من سيدنَا عمر -رَضِي الله عَنهُ- وطبق هَذِه الْقَاعِدَة فِي كل مشكلة واجهها؛ فَإِن لم يحصل على شَيْء من السّنة أَو من تطبيقات عمر، اعْتمد على آراء أبي حنيفَة وَابْن أبي ليلى. ثمَّ يجْتَهد بِرَأْيهِ. من أجل ذَلِك كَانَ كتاب الْخراج لأبي يُوسُف منبعا عَظِيما ومصدرا غزيرا فِي إنْشَاء الدولة: إداريا وماليا. ثمَّ يَقُول -حاجي خَليفَة- وَفِي إمكاننا الْآن أَن نقُول: إِن مَنْهَج أبي يُوسُف وَاحِد من المناهج الَّتِي تصلح فِي الجوانب الشَّرْعِيَّة والإدارية والمالية فِي زَمَاننَا هَذَا؛ فَإِنَّهُ مَنْهَج ناجح فِي إدارة شئون الدولة الإسلامية. تِلْكَ الدولة من حَقّهَا أَن تكون مِثَالا للنَّاس أجمع كَمَا حصل فِي التَّارِيخ، ويتخلص الْمُسلمُونَ من هَذِه النّظم الغريبة الْمُخَالفَة لِلْإِسْلَامِ فِي أَكثر موادها. ونقول: إِن أهمية هَذَا الْكتاب يرجع إِلَى أُمُور مُتعَدِّدَة: 1- أَنه أول كتاب ألف فِي مَوْضُوعه. 2- أَلفه قَاضِي قُضَاة الْمُسلمين فِي زَمَنه الإِمَام أَبُو يُوسُف تلميذ الإِمَام الْأَعْظَم أبي حنيفَة النُّعْمَان أول الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَصْحَاب الْمذَاهب المتبوعة. ثمَّ إِن الَّذِي أَمر بتأليفه وَسَأَلَ أسئلته هُوَ الْخَلِيفَة العباسي الْعَظِيم هَارُون الرشد أهم خلفاء هَذِه الدولة. سَيِّدي الْقَارئ الْعَزِيز: أحب أَن أَقُول إِن تَسْمِيَة الْكتاب "الْخراج" لَا تمثل شَيْئا يذكر من مواضيع الْكتاب؛ فالكتاب شَامِل لمواضيع أُخْرَى كَثِيرَة مهمة تعرفها إِذا قَرَأت فهرسة الْكتاب المفصلة لهَذِهِ السّفر الْكَبِير وَذَلِكَ الْمُؤلف المهم الخطير ولأهميته وَحسن مادته؛ فقد ترْجم هَذَا كتاب إِلَى اللُّغَة التركية ثَلَاث مَرَّات فِي أَيَّام الدولة العثمانية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 4 الأولى: تَرْجَمَة لكتاب الْخراج، لَا يعلم مترجمها، وَهِي مخطوطة مَوْجُودَة فِي مكتبة إستانبول تَحت رقم "3271". الثَّانِيَة: تَرْجَمَة كتاب الْخراج لأبي يُوسُف، أعدهَا "ردوسلي زادة مُحَمَّد أَفَنْدِي سنة 1113 هـ. وَهِي مخطوطة مَوْجُودَة فِي مكتبة أسعد أَفَنْدِي تَحت رقم "571- 572". الثَّالِثَة: تَرْجَمَة كتاب الْخراج لأبي يُوسُف، للأستاذ مُحَمَّد عَطاء الله، وَهَذِه التَّرْجَمَة جَيِّدَة جدا، وَكَانَ "حُسَيْن جميل باشا" وَالِي حلب قد طلب من مُحَمَّد عَطاء الله تَرْجَمَة الْكتاب، ثمَّ قدم هَذِه التَّرْجَمَة إِلَى السُّلْطَان عبد الحميد الثَّانِي من آل عُثْمَان، وَهِي مخطوطة مَوْجُودَة فِي مكتبة جَامِعَة إستانبول تَحت رقم "4652". وَقد ترْجم كتاب الْخراج لأبي يُوسُف إِلَى اللُّغَة الفرنسية أَيْضا، وطبع سنة 1921، تَرْجمهُ "E. FAGNAN" دكتور الإلهيات بجامعة مرمرا، إستانبول - تركيا "كتاب الْخراج" / 177، 178". تَقول الدكتورة فَاطِمَة مُحَمَّد مَحْجُوب فِي الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية: يُوجد مخطوطه بدار الْكتب الظَّاهِرِيَّة بِدِمَشْق "أَو بمكتبة الْأسد" الْآن وَجَاء بَيَانه كَمَا يَلِي: الْخراج، الرقم "8200". تأليف أبي يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن حبيب الْأنْصَارِيّ الْمُتَوفَّى سنة 182هـ/ 798م، أَلفه بِأَمْر أَمِير الْمُؤمنِينَ هَارُون الرشيد وَبعث بِهِ إِلَيْهِ. أَوله: أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وأدام لَهُ الإعزاز فِي تَمَامٍ مِنَ النِّعْمَةِ، وَدَوَامٍ من الْكَرَامَة. آخِره: أثابك الله على مصيبتك ثَوَاب من أُصِيب بِمِثْلِهَا من أهل دينك، وَبَارك لنا فِي الْمَوْت، وَجعله خير غَائِب ننتظره، عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ فِيمَا نَزَلَ بِكَ من المصائب. نُسْخَة جَيِّدَة مصححة. الْخط نسخ مُعْتَاد بعض الْكَلِمَات بالحمرة كتب سنة 1286هـ. نُسْخَة ثَانِيَة: الرقم "8263". تتفق مَعَ الأولى فِي بدايتها ونهايتها. نُسْخَة جَيِّدَة، جَمِيع صفحاتها مجدولة بالحمرة، الْخط نسخ جيد، بعض الْكَلِمَات مَكْتُوبَة بالحمرة، كتب رسْلَان بن عبد الْقَادِر الْعَطَّار سنة 1296هـ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 5 نُسْخَة ثَالِثَة: الرقم "9080"، تتفق مَعَ الأولى فِي بدايتها ونهايتها. نُسْخَة جَيِّدَة وقديمة، الْخط نسخ مُعْتَاد، بعض الْكَلِمَات مَكْتُوبَة بالحمرة. المراجع: مُعْجم المؤلفين 13/ 240، حسن التقاضي فِي سيرة الإِمَام أبي يُوسُف القَاضِي، تأليف الشَّيْخ مُحَمَّد زاهد الكوثري، فهرس الخديوية 3/ 102. مخطوطات الْموصل لداود حَلَبِيّ 37، 62، الْكَشَّاف 234، فهرس المتحف البريطاني الملحق 1/ 178. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 بعض طبعات الْكتاب: طبع هَذَا الْكتاب الْقيم عدَّة طبعات أهمها: 1- فِي مطبعة بولاق سنة 1302. 2- تَرْجَمَة إِلَى الفرنسية فانيان وطبع فِي باريس. 3- طبع فِي الْقَاهِرَة فِي المطبعة السلفية سنة 1927م. 4- طبع فِي الْقَاهِرَة فِي المطبعة السلفية سنة 1932م. غير طبعات أُخْرَى لم نرها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 6 المراجع الَّتِي اعتمدنا عَلَيْهَا: - كشف الظنون لحاجي خَليفَة 2/ 1415. - وَكتاب الْخراج لأبي يُوسُف يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم. أ. د عَليّ أوزاك. مجلة الْأَزْهَر. الْجُزْء الثَّانِي السّنة الْحَادِيَة وَالسِّتُّونَ صفر 1406هـ - سبتمبر- أكتوبر 1988م/ 177، 178. - فهرس مخطوطات دَار الْكتب الظَّاهِرِيَّة، الْفِقْه الْحَنَفِيّ - وَضعه مُحَمَّد مُطِيع الْحَافِظ 1/ 291- 293. - والمنتخب من آدَاب الْعَرَب تأليف طه حُسَيْن وزملائه 2/ 296، 297. - "ونصوص مفقودة من كتاب الْخراج لقدامة بن جَعْفَر" عَبَّاس هاني الْجراح. مجلة الفيصل: الْعدَد "169" رَجَب 1411 هـ -يناير- فبراير 1991 م. السّنة الْخَامِسَة عشرَة/ 103، 104. - "الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية" د. فَاطِمَة مَحْجُوب 15/ 362، 375 ومراجعها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 7 بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة عَن تَارِيخ حَيَاة الْمُؤلف: مؤلف الْكتاب: "أَبُو يُوسُف" الْمَوْلُود 113هـ 731م الْمُتَوفَّى 182هـ 798م هُوَ يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن حبيب الْأنْصَارِيّ الْكُوفِي الْبَغْدَادِيّ "أَبُو يُوسُف" صَاحب الإِمَام الْأَعْظَم "أبي حنيفَة النُّعْمَان" صَاحب الْمَذْهَب الْمَتْبُوع "الْمَذْهَب الْحَنَفِيّ". وَأَبُو يُوسُف كَمَا هُوَ صَاحب أبي حنيفَة يعْتَبر من تلاميذه المخلصين وَمِمَّنْ نشر مذْهبه، أما الصاحبان الْآخرَانِ فهما مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ وَزفر بن الْهُذيْل. كَانَ أَبُو يُوسُف فَقِيها عَلامَة وَمن حفاظ الحَدِيث وتفقه بِهِ وبالرواية، ثمَّ لزم أَبَا حنيفَة فغلب عَلَيْهِ الرَّأْي وَالْقَوْل بِهِ، وَولي الْقَضَاء بِبَغْدَاد فِي أزهى عصورها أَيَّام الْمهْدي وَالْهَادِي والخليفة الْعَظِيم هَارُون الرشيد وَالَّذِي مَاتَ فِي خِلَافَته بِبَغْدَاد وَهُوَ على الْقَضَاء. وَهُوَ أول من دعِي "قَاضِي الْقُضَاة"؛ بل قيل عَنهُ "قَاضِي قُضَاة الدُّنْيَا". وَهُوَ أول من وضع الْكتب فِي أصُول الْفِقْه على مَذْهَب الإِمَام الْأَعْظَم أبي حنيفَة النُّعْمَان. كَانَ -رَحمَه الله- وَاسع الْعلم بالتفسير والمغازي وَأَيَّام الْعَرَب. من كتبه. 1- كتاب الْآثَار "مُسْند الإِمَام أبي حنيفَة". 2- كتاب النَّوَادِر. 3- اخْتِلَاف الْأَمْصَار. 4- أدب القَاضِي. 5- المالي فِي الْفِقْه. 6- الرَّد على مَالك بن أنس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 9 7- الْفَرَائِض. 8- الْوَصَايَا. 9- الْوكَالَة. 10- الْبيُوع. 11- الصَّيْد والذبائح. 12- الْغَصْب والاستبراء. 13- كتاب الْجَوَامِع فِي أَرْبَعِينَ فصلا أَلفه ليحيى بن خَالِد الْبَرْمَكِي ذكر فِيهِ اخْتِلَاف النَّاس والرأي الْمَأْخُوذ بِهِ. لزِيَادَة من المعلومات أَقرَأ: 1- حسن التقاضي فِي سيرة الإِمَام أبي يُوسُف القَاضِي -الشَّيْخ مُحَمَّد زاهد الكوثري. 2- مِفْتَاح السَّعَادَة 2: 100- 107. 3- الفهرست لِابْنِ النديم 203. 4- أَخْبَار الْقُضَاة لوكيع 3/ 254. 5- النُّجُوم الزاهرة 2: 107. 6- الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة لِابْنِ كثير 10: 180. 7- الْجَوَاهِر المضية 2/ 220. 8- تَارِيخ بَغْدَاد 14/ 242. 9- ابْن خلكان 2/ 303. 10- الانتقاء 172. 11- مرْآة الْجنان 382- 388. 12- 288 : brock. s. i. 13- شرحي ألفية الْعِرَاقِيّ 2/ 163. 14 شذرات الذَّهَب 1/ 298- 301. 15 أَعْلَام الْعَرَب فِي الْعُلُوم والفنون 1/ 30. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 10 هَارُون الرشيد الَّذِي أَمر بتأليف الْكتاب: الْمَوْلُود 149هـ 766م المتوفي 193هـ 809م: هَارُون "الرشيد" ابْن مُحَمَّد "الْمهْدي" ابْن الْمَنْصُور العباسي أَبُو جَعْفَر. وَهُوَ خَامِس خلفاء بني الْعَبَّاس فِي الْعرَاق وأشهرهم كَانَ يحجّ عَاما ويغزو آخر. ولد بالرى لما كَانَ أَبوهُ أَمِيرا عَلَيْهَا وعَلى خُرَاسَان وَنَشَأ فِي دَار الْخلَافَة بِبَغْدَاد. ولاه أَبوهُ غَزْو الرّوم فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة فصالحته الملكة إيريني وافتدت مِنْهَا مملكتها بسبعين ألف دِينَار تبْعَث بهَا إِلَى خزانَة الْخَلِيفَة فِي كل عَام. بُويِعَ بالخلافة بعد وَفَاة أَخِيه الْهَادِي "سنة 170هـ" فَقَامَ بأعبائها حَتَّى ازدهرت الدولة فِي أَيَّامه، واتصلت الْمَوَدَّة بَينه وَبَين ملك فرنسا "كارلوس الْكَبِير" الملقب "شارلمان" فَكَانَا يتهاديان التحف. وَكَانَ الرشيد عَالما بالأدب وأخبار الْعَرَب والْحَدِيث وَالْفِقْه فصيحا شَاعِرًا. وَكَانَ لَهُ محاضرات مَعَ عُلَمَاء عصره شجاعا حازما كثير الغز حَتَّى لقب بجبار بني الْعَبَّاس مَعَ كرمه وحزمه وتواضعه وَلم ير خَليفَة أكْرم مِنْهُ؛ إِذْ لم يجْتَمع على بَاب خَليفَة غَيره مَا اجْتمع على بَابه من الْعلمَاء وَالشعرَاء وَالْكتاب والندماء. وَكَانَ يطوف أَكثر اللَّيَالِي متنكرا يتفقد أَحْوَال الرّعية، تولى مُدَّة 23 عَاما وشهرين وعدة أَيَّام. توفّي فِي "سناباذ" من طوس وَبهَا قَبره. لزِيَادَة من المعلومات رَاجع: 1- الْخَلِيفَة هَارُون الرشيد لبالمر "مستشرق". 2- هَارُون الرشيد "فلبي" تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ عبد الفتاح السرنجاوي. 3- الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة "ابْن كثير" 10: 213. 4 - اليعقوبي 3/ 139. 5- المقريزي = الذَّهَب المسبوك 47- 58. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 11 6- ابْن النديم = الفهرست 6: 69. 7- تَارِيخ الْأُمَم والملوك = تَارِيخ الطَّبَرِيّ 10/ 47- 110. 8- البدء والتاريخ 6/ 101. 9- المَسْعُودِيّ = مروج الذَّهَب 2/ 207- 231. 10- تَارِيخ بَغْدَاد 14. 11- تراجم إسلامية 11. 12- مُخْتَصر تَارِيخ الْعَرَب = سيد أَمِير عَليّ. وَكتبه المحققان طه عبد الرءوف سعد (من عُلَمَاء الأزهرالشريف) سعد حسن مُحَمَّد (مدرس بالأزهر الشريف) الجزء: 1 ¦ الصفحة: 12 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "هَذَا مَا كَتَبَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونَ الرَّشِيدِ" أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَدَامَ لَهُ الْعِزَّ فِي تَمَامٍ مِنَ النِّعْمَةِ، وَدَوَامٍ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَجَعَلَ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مَوْصُولا بِنَعِيمِ الآخِرَةِ الَّذِي لَا يَنْفَدُ وَلا يَزُولُ، وَمُرَافَقَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَأَلَنِي أَنْ أَضَعَ لَهُ كِتَابًا جَامِعًا يَعْمَلُ بِهِ فِي جِبَايَةِ الْخَرَاجِ، وَالْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْجَوَالِي1، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِيهِ وَالْعَمَلُ بِهِ. وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ رَفْعَ الظُّلْمِ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالصَّلاحَ لأَمْرِهِمْ. وَفَّقَ اللَّهُ تَعَالَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَدَّدَهُ وَأَعَانَهُ عَلَى مَا تَوَلَّى مِنْ ذَلِكَ، وَسَلَّمَهُ مِمَّا يَخَافُ وَيَحْذَرُ. وَطَلَبَ أَنْ أُبَيِّنَ لَهُ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ مِمَّا يُرِيدُ الْعَمَلَ بِهِ، وَأُفَسِّرَهُ وَأَشْرَحَهُ. وَقَدْ فَسَّرْتُ ذَلِكَ وَشَرَحْتُهُ. يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ -وَلَهُ الْحَمْدُ- قَدْ قَلَّدَكَ أَمْرًا عَظِيمًا: ثَوَابُهُ أَعْظَمُ الثَّوَابِ، وَعِقَابُهُ أَشَدُّ الْعِقَابِ؛ قَلَّدَكَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ فَأَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ وَأَنْتَ تَبْنِي لِخَلْقٍ كَثِيرٍ قَدِ اسْتَرْعَاكَهُمُ اللَّهُ وَائْتَمَنَكَ عَلَيْهِمْ وَابْتَلاكَ بِهِمْ وَوَلاكَ أَمْرَهُمْ، وَلَيْسَ يَلْبَثُ الْبُنْيَانُ إِذَا أُسِّسَ عَلَى غَيْرِ التَّقْوَى أَنْ يَأْتِيَهُ اللَّهُ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَيَهْدِمَهُ عَلَى مَنْ بَنَاهُ، وَأَعَانَ عَلَيْهِ2؛ فَلا تُضَيِّعَنَّ مَا قَلَّدَكَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَالرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ الْقُوَّةَ فِي الْعَمَلِ بِإِذْنِ اللَّهِ. لَا تُؤَخِّرْ عَمَلَ الْيَوْمِ إِلَى غَدٍ فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ أَضَعْتَ. إِنَّ الأَجَلَ دُونَ الأَمَلِ، فَبَادِرِ الأَجَلَ بِالْعَمَلِ، فَإِنَّهُ لَا عَمَلَ بَعْدَ الأَجَلِ. إِنَّ الرُّعَاةَ مُؤَدُّونَ إِلَى رَبِّهِمْ مَا يُؤَدِّي الرَّاعِي إِلَى رَبِّهِ. فَأَقِمِ الْحَقَّ فِيمَا وَلاكَ اللَّهُ وَقَلَّدَكَ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ؛ فَإِنَّ أَسْعَدَ الرُّعَاةِ عِنْدَ الله يَوْم   1 الجوالي والمفرد جالية، وَهِي لَفْظَة تطلق فِي الأَصْل على أَيَّة جمَاعَة تنْتَقل من وطنها إِلَى وَطن غَيره، وَمن هُنَا أطلق على أهل الذِّمَّة الَّذين أجلاهم عمر عَن جَزِيرَة الْعَرَب، ثمَّ نقل اللَّفْظ إِلَى الْجِزْيَة الَّتِي أخذت مِنْهُم. 2 إِشَارَة إِلَى قَول الله تَعَالَى {قد مكر الَّذين من قبلهم فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم} [النَّحْل: 26] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 13 الْقِيَامَةِ رَاعٍ سَعِدَتْ بِهِ رَعِيَّتُهُ، وَلا تَزِغْ فَتَزِيغَ رَعِيَّتُكَ، وَإِيَّاكَ الْأَمر بِالْهَوَى وَالأَخْذَ بِالْغَضَبِ. وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلآخِرَةِ وَالآخَرُ لِلدُّنْيَا، فَاخْتَرْ أَمْرَ الآخِرَةِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الآخِرَةَ تَبْقَى وَالدُّنْيَا تَفْنَى. وَكُنْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَلَى حَذَرٍ، وَاجْعَلِ النَّاسَ عِنْدَكَ فِي أَمْرِ اللَّهِ سَوَاءً: الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَلا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. وَاحْذَرْ فَإِنَّ الْحَذَرَ بِالْقَلْبِ وَلَيْسَ بِاللِّسَانِ، وَاتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّمَا التَّقْوَى بِالتَّوَقِّي، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَقِهْ. وَاعْمَلْ لأَجَلٍ مَفْضُوضٍ، وَسَبِيلٍ مَسْلُوكٍ، وَطَرِيقٍ مَأْخُوذٍ، وَعَمَلٍ مَحْفُوظٍ، وَمَنْهَلٍ مَوْرُودٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَوْرِدُ الْحَقُّ وَالْمَوْقِفُ الأَعْظَمُ الَّذِي تَطِيرُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَتَنْقَطِعُ فِيهِ الْحُجَجُ لِعِزَّةِ مَلِكٍ قَهَرَهُمْ جَبَرُوتُهُ، وَالْخَلْقُ لَهُ دَاخِرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، يَنْتَظِرُونَ قَضَاءَهُ وَيَخَافُونَ عُقُوبَتَهُ وَكَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ. فَكَفَى بِالْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ يَوْمَئِذٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ لِمَنْ عَلِمَ وَلَمْ يَعْمَلْ، يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ وتتغير فِيهِ الألوان، ويطاول فِيهِ الْقِيَامُ، وَيَشْتَدُّ فِيهِ الْحِسَابُ. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الْحَج: 47] وَقَالَ تَعَالَى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ} [المرسلات: 38] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدُّخان: 40] وَقَالَ تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الْأَحْقَاف: 35] وَقَالَ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46] فيا لَهَا مِنْ عَثْرَةٍ لَا تُقَالُ1، وَيَا لَهَا مِنْ نَدَامَةٍ لَا تَنْفَعُ. إِنَّمَا هُوَ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يُبْلِيَانِ كُلَّ جَدِيدٍ، وَيُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيَأْتِيَانِ بِكُلِّ مَوْعُودٍ، وَيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ؛ فَاللَّهَ اللَّهَ فَإِنَّ الْبَقَاءَ قَلِيلٌ وَالْخَطْبُ خَطِيرٌ وَالدُّنْيَا هَالِكَةٌ وَهَالِكٌ مَنْ فِيهَا، وَالآخِرَةُ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ. فَلا تَلْقَ اللَّهَ غَدًا وَأَنْتَ سَالِكٌ سَبِيلَ الْمُعْتَدِينَ فَإِنَّ دَيَّانَ يَوْمِ الدِّينِ إِنَّمَا يَدِينُ الْعِبَادَ بأعمالهم وَلَا يدين بمنازلهم. وَقد حذرت اللَّهُ فَاحْذَرْ، فَإِنَّكَ لَمْ تُخْلَقْ عَبَثًا، وَلَنْ تُتْرَكَ سُدًى. وَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكَ عَمَّا أَنْتَ فِيهِ وَعَمَّا عَمِلْتَ بِهِ، فَانْظُرْ مَا الْجَواب.   1 لَا ترفع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 14 وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَنْ تَزُولَ غَدًا قَدَمَا عَبْدٍ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلا مِنْ بَعْدِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَن أَربع: عَن علمه مَا عَمِلَ فِيهِ،. وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَ أَبْلاهُ"؟ فَاعْدِدْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمَسْأَلَةِ جَوَابَهَا فَإِنَّ مَا عَمِلْتَ فَأَثْبَتَّ فَهُوَ عَلَيْكَ غَدًا يُقْرَأُ، فَاذْكُرْ كَشْفَ قِنَاعِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ فِي مَجْمَعِ الأَشْهَادِ. وَإِنِّي أُوصِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِحِفْظِ مَا اسْتَحْفَظَكَ اللَّهُ وَرِعَايَةِ مَا اسْتَرْعَاكَ اللَّهُ، وَأَنْ لَا تَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إِلا إِلَيْهِ وَلَهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَفْعَلْ تَتَوَعَّرُ عَلَيْكَ سُهُولَةُ الْهُدَى، وَتَعْمَى فِي عَيْنِكَ وَتَتَعَفَّى رُسُومُهُ وَيَضِيقُ عَلَيْكَ رَحْبُهُ وَتُنْكِرُ مِنْهُ مَا تَعْرِفُ وَتَعْرِفُ مِنْهُ مَا تُنْكِرُ؛ فَخَاصِمْ نَفْسَكَ خُصُومَةَ مَنْ يُرِيدُ الْفَلَجَ1 لَهَا لَا عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ الرَّاعِيَ الْمُضَيِّعَ يَضْمَنُ مَا هَلَكَ عَلَى يَدَيْهِ مِمَّا لَوْ شَاءَ رَدَّهُ عَنْ أَمَاكِنِ الْهَلَكَةِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأَوْرَدَهُ أَمَاكِنَ الْحَيَاةِ وَالنَّجَاةِ؛ فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ أَضَاعَهُ وَإِنْ تَشَاغَلَ بِغَيْرِهِ كَانَتِ الْهَلَكَةُ عَلَيْهِ أَسْرَعُ وَبِهِ أَضَرُّ، وَإِذَا أَصْلَحَ كَانَ أَسْعَدَ مَنْ هُنَالِكَ بِذَلِكَ وَوَفَّاهُ اللَّهُ أَضْعَافَ مَا وَفَّى لَهُ. فَاحْذَرْ أَنْ تُضَيِّعَ رَعِيَّتَكَ فَيَسْتَوْفِي رَبُّهَا حَقَّهَا مِنْكَ وَيُضَيِّعُكَ -بِمَا أَضَعْتَ- أَجْرَكَ وَإِنَّمَا يُدْعَمُ الْبُنْيَانُ قَبْلَ أَنْ يَنْهَدِمَ. وَإِنَّمَا لَكَ مِنْ عَمَلِكَ مَا عَمِلْتَ فِيمَنْ وَلاكَ اللَّهُ أَمْرَهُ وَعَلَيْكَ مَا ضَيَّعْتَ مِنْهُ؛ فَلا تَنْسَ الْقِيَامَ بِأَمْرِ مَنْ ولاك أَمْرَهُ فَلَسْتَ تُنْسَى. وَلا تَغْفَلْ عَنْهُمْ وَعَمَّا يُصْلِحُهُمْ فَلَيْسَ يُغْفَلُ عَنْكَ. وَلا يَضِيعُ حَظُّكَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ والليالي كَثْرَة تَحْرِيم لِسَانِكَ فِي نَفْسِكَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَسْبِيحًا وَتَهْلِيلا وَتَحْمِيدًا وَالصَّلاةِ عَلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ وَإِمَامِ الْهُدَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِنَّ اللَّهَ بِمَنِّهِ وَرَحْمَتِهِ جَعَلَ وُلاةَ الأَمْرِ خُلَفَاءَ فِي أَرْضِهِ، وَجَعَلَ لَهُم نورا يضيء لِلرَّعِيَّةِ مَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الأُمُورِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيُبَيِّنُ مَا اشْتَبَهَ مِنَ الْحُقُوقِ عَلَيْهِمْ. وَإِضَاءَةُ نُورِ وُلاةِ الأَمْرِ إِقَامَةُ الْحُدُودِ وَرَدُّ الْحُقُوقِ إِلَى أَهْلِهَا بِالتَّثَبُّتِ وَالأَمْرِ الْبَيِّنِ وَإِحْيَاءِ السُّنَنِ الَّتِي سَنَّهَا الْقَوْمُ الصَّالِحُونَ أَعْظَمُ مَوْقِعًا، فَإِنَّ إِحْيَاءَ السُّنَنِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي يَحْيَا وَلا يَمُوتُ. وَجَوْرُ الرَّاعِي هَلاكٌ لِلرَّعِيَّةِ، وَاسْتِعَانَتُهُ بِغَيْرِ أهل الشقة وَالْخَيْرِ هَلاكٌ لِلْعَامَّةِ. فَاسْتَتِمَّ مَا آتَاكَ اللَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النِّعَمِ بِحُسْنِ مُجَاوَرَتِهَا، وَالْتَمِسِ الزِّيَادَةَ فِيهَا بِالشُّكْرِ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفرْتُمْ إِن عَذَابي   1 أَي الظفر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 15 لَشَدِيدٌ} [إِبْرَاهِيم: 7] . وَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الإِصْلاحِ، وَلا أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الْفَسَادِ وَالْعَمَلُ بِالْمَعَاصِي كُفْرُ النِّعَمِ، وَقَلَّ مَنْ كَفَرَ مِنْ قَوْمِ قَطُّ النِّعْمَةَ ثُمَّ لَمْ يَفْزَعُوا إِلَى التَّوْبَةِ إِلا سُلِبُوا عِزَّهُمْ وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ. وَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِي مَنَّ عَلَيْكَ بِمَعْرِفَتِهِ فِيمَا أَوْلاكَ أَنْ لَا يَكِلَكَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ إِلَى نَفْسِكَ، وَأَنْ يَتَوَلَّى مِنْكَ مَا تَوَلَّى مِنْ أَوْلِيَائِهِ وأحبائه؛ فَإِنَّهُ ولي ذَلِك والمرغبون إِلَيْهِ فِيهِ. وَقَدْ كَتَبْتُ لَكَ مَا أَمَرْتَ بِهِ وَشَرَحْتُهُ لَكَ وَبَيَّنْتُهُ، فَتَفَقَّهْهُ وَتَدَبَّرْهُ وَرَدِّدْ قِرَاءَتَهُ حَتَّى تَحْفَظَهُ، فَإِنِّي قَدِ اجْتَهَدْتُ لَكَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ آلُكَ وَالْمُسْلِمِينَ نُصْحًا، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ وَخَوْفَ عِقَابِهِ. وَإِنِّي لأَرْجُو -إِنْ عَمِلْتَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ- أَنْ يُوَفِّرَ اللَّهُ لَكَ خَرَاجَكَ مِنْ غَيْرِ ظُلْمِ مُسْلِمٍ وَلا مُعَاهَدٍ، وَيُصْلِحَ لَكَ رَعِيَّتَكَ فَإِنَّ صَلاحَهُمْ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ وَرَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُمْ وَالتَّظَالُمِ فِيمَا اشْتَبَهَ مِنَ الْحُقُوقِ عَلَيْهِمْ. وَكَتَبْتُ لَكَ أَحَادِيثَ حَسَنَةً، فِيهَا تَرْغِيبٌ وتحضيض مَا سَأَلْتَ عَنْهُ، مِمَّا تُرِيدُ الْعَمَلَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَوَفَّقَكَ اللَّهُ لِمَا يُرْضِيهِ عَنْكَ، وَأصْلح بك، وعَلى يَديك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 16 الْأَحَادِيث الَّتِي رغب فِيهَا أَبُو يُوسُف الْخَلِيفَة: قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنَ النَّارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ تَضْرِبَ بِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ، ثُمَّ تَضْرِبَ بِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ، (قَالَهَا ثَلاثًا) " وَإِنَّ فَضْلَ الْجِهَادِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَعَظِيمٌ وَإِنَّ الثَّوَاب عَلَيْهِ لجزيل. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ1 أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الشَّامِ فَمَشَى مَعَهُمْ نَحْوًا مِنْ مِيلَيْنِ. فَقِيل لَهُ: يَا خَليفَة رَسُول الله، لم انْصَرَفْتَ. فَقَالَ: لَا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُمَا اللَّهُ على النَّار". قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". وَبَلَغَنَا عَنْ مَكْحُولٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" إِنَّمَا هُوَ غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ تخرج فِيهَا بِنَفْسِك خير م الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا تُنْفِقُهَا وَلا تخرج بِنَفْسِك. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِيَ السَّلامَ". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَا جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ". قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نَقُولُ: قَالَ قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا". قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ عَنْ عَائِذِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ قَالَ: خَطَبَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ النَّاسَ   1 يقْصد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ الله عَنْهُمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 17 فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلا وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الْخَيْرَ بِحَذَافِيرِهِ فِي الْجَنَّةِ"، وَإِنَّ الشَّرَّ بِحَذَافِيرِهِ فِي النَّارِ، أَلا وَإِنَّ الْجَنَّةَ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، وَإِنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ: فَمَتَى مَا كُشِفَ لِلرَّجُلِ حِجَابٌ كُرْهٍ فَصَبَرَ أَشْرَفَ عَلَى الْجَنَّةِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا، وَمَتَى مَا كُشِفَ لِلرَّجُلِ حِجَابَ هَوًى وَشَهْوَةٍ أَشْرَفَ عَلَى النَّارِ وَكَانَ مِنْ أَهْلِهَا؛ أَلا فَاعْمَلُوا بِالْحَقِّ لِيَوْمٍ لَا يقْضِي يه إِلا بِالْحَقِّ؛ تَنْزِلُوا مَنَازِلَ الْحَقِّ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنَ السَّمَاءِ سَمِعَ دَوِيًّا، فَقَالَ: "يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا"؟ قَالَ: حَجَرٌ قُذِفَ بِهِ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمٍ فَهُوَ يَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَالآنَ حِينَ انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُرْسَلُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْبُكَاءُ فَيَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثمَّ يَبْكُونَ حَتَّى يكون من وجوهم كَهَيْئَةِ الأُخْدُودِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُوضَعُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ عَلَيْهِ حَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ1 ثُمَّ يَسْتَجِيزُ النَّاسُ: فَنَاجٍ مُسَلَّمٍ، وَمَخْدُوشٌ ثُمَّ نَاجٍ، وَمُحْتَبِسٌ مَنْكُوسٌ فِيهَا". قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَامِرٍ عَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقِّرَاتِ الأَعْمَالِ فَإِنَّ لَهَا مِنَ اللَّهِ طَالِبًا". قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ؛ فَلَمَّا انتهينا إِلَى الْقَبْر جِئْنَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَدَرْتُ فَاسْتَقْبَلْتُهُ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى، ثُمَّ قَالَ: "إِخْوَانِي، لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا". قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنِ الْفَضْلِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: إِنَّ الْقَبْرَ لَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، مَاذَا أَعْدَدْتَ لِي؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْغُرْبَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ، وَبَيْتُ الْوَحْدَةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خطر على   1 نَبَات لَهُ شوك فظيع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 18 قَلْبِ بَشَرٍ. اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السَّجْدَة: 17] وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الْوَاقِعَة: 30] ، وَلَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمرَان: 185] . قَالَ أَبُو يُوسُف: وحَدثني الْفضل بن مَرْزُوق بن عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَقْرَبَهُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِمَامٌ عَادِلٌ، وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَشَدَّهُمْ عَذَابًا إِمَامٌ جَائِرٌ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمُ الْحُلَمَاءَ، وَجَعَلَ أَمْوَالَهُمْ فِي أَيْدِي السُّمَحَاءِ. وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ بَلاءً اسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمُ السُّفَهَاءَ، وَجَعَلَ أَمْوَالَهُمْ فِي أَيْدِي الْبُخَلاءِ. أَلا مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فِي حَوَائِجِهِمْ رَفَقَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ حَاجَتِهِ، وَمَنِ احْتَجَبَ عَنْهُمْ دُونَ حَوَائِجِهِمُ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فَإِنَّ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ أَتَى بِغَيْرِهِ فَعَلَيْهِ إِثْمُهُ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ الْحِمْيَرِيِّ أَنّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِمْرَةَ، فَقَالَ: "أَنْتَ ضَعِيفٌ وَهِيَ أَمَانَةٌ وَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى مَا عَلَيْهِ فِيهَا". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُلْتَحِفًا بِثَوْبِهِ قَدْ جَعَلَهُ تَحْتَ إِبِطِهِ وَهُوَ يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَجْدَعُ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ الْإِمَامَ فَقَدْ أَطَاعَنِي. وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ عَصَى الْإِمَامَ فَقَدْ عَصَانِي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 19 قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ حَبِيبٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تُشْهِرَ السِّلاحَ عَلَى إِمَامِكَ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي مُطَرِّفُ بْنُ طَرِيفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ خَالِدِ بْنِ وَهْبَانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ وَالإِسْلامَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن عَبْدِ السَّلامِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى فَقَالَ: "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا: "فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ. ثَلاثٌ لَا يُغَلُّ عَلَيْهِمْ قَلْبُ مُؤْمِنٍ1: إِخْلاصُ الْعَمَلِ للَّهِ وَالنَّصِيحَةُ لِوُلاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي غَيْلانُ بْنُ قَيْسٍ الْهَمَدَانِيُّ عَن أبي بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَمَرَنَا كُبَرَاؤُنَا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَسُبَّ أمرءانا، وَلا نَغِشَّهُمْ، وَلا نَعْصِيَهُمْ، وَأَنْ نَتَّقِي اللَّهَ وَنَصْبِرَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسُبُّوا الْوُلاةَ؛ فَإِنَّهُمْ إِنْ أَحْسَنُوا كَانَ لَهُمْ الأَجْرُ وَعَلَيْكُمُ الشُّكْرُ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَعَلَيْهِمُ الْوِزْرُ وَعَلَيْكُمُ الصَّبْرُ؛ وَإِنَّمَا هُمْ نِقْمَةٌ يَنْتَقِمُ اللَّهُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ؛ فَلا تَسْتَقْبِلُوا نِقْمَةَ اللَّهِ بِالْحَمِيَّةِ وَالْغَضَبِ، وَاسْتَقْبِلُوهَا بِالاسْتِكَانَةِ وَالتَّضَرُّعِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَالنَّاسُ عَلَيْهِ مُجْتَمِعُونَ؛ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مُعَاذُ أَطِعْ كُلَّ أَمِيرٍ، وَصَلِّ خَلْفَ كُلِّ إِمَامٍ، وَلا تَسُبَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي". قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم تقرؤون هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [الْمَائِدَة: 105] وَإِنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ؛ فَإِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَاصِي فَلَمْ تُنْكَرَ اسْتَحَقُّوا الْعُقُوبَةَ جَمِيعًا.   1 أَي لَا يخون يها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 20 وَصَايَا أبي بكر لعمر وَالْمُسْلِمين رَضِي الله عَنْهُم: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ زُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ أَوْ ابْنِ سَابِطٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ يَسْتَخْلِفُهُ؛ فَقَالَ النَّاسُ: أَتُخَلِّفُ عَلَيْنَا فَظًّا غَلِيظًا، لَوْ قَدْ مَلَكَنَا كَانَ أَفَظَّ وَأَغْلَظَ؟ فَمَاذَا تَقُولُ لِرَبِّكَ إِذَا لَقِيتَهُ وَقَدِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَيْنَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَ: أَتُخَوِّفُونِي بِرَبِّي؟ أَقُولُ: اللَّهُمَّ أَمَّرْتُ عَلَيْهِمْ خَيْرَ أَهْلِكَ. ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي أُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ إِنْ حَفِظْتَهَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ وَهُوَ مُدْرِكُكَ. وَإِنْ ضَيَّعْتَهَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ وَلَنْ تُعْجِزَهُ. إِنَّ لِلَّهِ عَلَيْكَ حَقًّا فِي اللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ فِي النَّهَارِ، وَحَقًّا فِي النَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ فِي اللَّيْلِ، وَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ نَافِلَةٌ حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ؛ وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ إِلا الْبَاطِلَ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا؛ وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لَا يُوضَعُ فِيهِ إِلا الْحَقَّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلا. فَإِنْ أَنْتَ حَفِظْتَ وَصِيَّتِي هَذِهِ فَلا يَكُونَنَّ غَائِبٌ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ. وَلا بُدَّ لَكَ مِنْهُ. وَإِنْ أَنْتَ ضَيَّعْتَ وَصِيَّتِي هَذِهِ فَلا يَكُونَنَّ غَائِبٌ أَبْغَضَ إِلَيْكَ مِنَ الْمَوْتِ، وَلَنْ تُعْجِزَهُ. وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنِّي إِنَّمَا اسْتَخْلَفْتُكَ نَظَرًا لِمَا خَلَّفْتُ وَرَائِي، وَقَدْ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ مِنْ أَثَرَتِهِ أَنْفُسَنَا عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلَنَا عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى إِنْ كُنَّا لَنَظَلُّ نُهْدِي إِلَى أَهْلِهِ مِنْ فُضُولِ مَا يَأْتِينَا عَنْهُ، وَقَدْ صَحِبْتَنِي فَرَأَيْتَنِي إِنَّمَا اتَّبَعْتُ سَبِيلَ مَنْ كَانَ قَبْلِي: وَاللَّهِ مَا نمت فَحملت وَلا تَوَهَّمْتُ فَسَهَوْتُ، وَإِنِّي لَعَلَى السَّبِيلِ مَا زِغْتُ. وَإِنَّ أَوَّلَ مَا أُحَذِّرُكَ يَا عُمَرُ نَفْسَكَ، إِنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ شَهْوَةً فَإِذَا أَعْطَيْتَهَا تَمَادَتْ فِي غَيْرِهَا. وَاحْذَرْ هَؤُلاءِ النَّفَرِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذين قد انتفحت أَجْوَافُهُمْ وَطَمَحَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَحِبَّ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ لِنَفْسِهِ وَإِنَّ لَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 21 لَحَيْرَةٌ عِنْدَ زَلَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَنْ يَزَالُوا مِنْكَ خَائِفِينَ مَا خِفْتَ اللَّهَ، وَلَكَ مُسْتَقِيمِينَ مَا اسْتَقَامَتْ طَرِيقَتُكَ. هَذِهِ وَصِيَّتِي وَأَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: خَطَبَنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَأَنْ تَخْلِطُوا الرَّغْبَةَ بالرهبة وتجمعوا الْإِلْحَاق بالمساءلة فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الْأَنْبِيَاء: 90] ثُمَّ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدِ ارْتَهَنَ بِحَقِّهِ أَنْفُسَكُمْ وَأَخَذَ عَلَى ذَلِكَ مَوَاثِيقَكُمْ وَاشْتَرَى مِنْكُمْ الْقَلِيلَ الْفَانِي بِالْكَثِيرِ الْبَاقِي وَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ فِيكُمْ لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَلا يُطْفَأُ نُورُهُ، فَصَدِّقُوا بِقَوْلِهِ، وَاسْتَنْصِحُوا كِتَابَهُ، وَاسْتَبْصِرُوا مِنْهُ لِيَوْمِ الظُّلْمَةِ فَإِنَّمَا خُلِقْتُمْ لِلْعِبَادَةِ وَوُكِّلَ بِكُمُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ. ثُمَّ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّكُمْ تَغْدُونَ وَتَرُوحُونَ فِي أَجَلٍ قَدْ غُيِّبَ عَنْكُمْ عِلْمَهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْقَضِي الآجَالُ وَأَنْتُمْ فِي عَمَلِ لِلَّهِ فَافْعَلُوا، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ إِلا بِاللَّهِ، فَسَابِقُوا فِي ذَلِكَ مَهْلَ آجَالِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِي فَيَرُدَّكُمْ إِلَى أَسْوَأِ أَعْمَالِكُمْ؛ فَإِنَّ أَقْوَامًا جَعَلُوا آجَالَهُمْ لِغَيْرِهِمْ وَنَسُوا أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْهَاكُمْ أَنْ تَكُونُوا أَمْثَالَهُمْ. فَالْوَحَا الْوَحَا1 النَّجَا النَّجَا، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ طَالِبًا حَثِيثًا أمره سريع.   1 يحضهم على سرعَة الِامْتِثَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 من وَصَايَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهُذَلِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ "وَأَكْثَر عَلَيْهِ" فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: اسْكُتْ فَقَدْ أَكْثَرْتَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: دَعْهُ، لَا خَيْرَ فِيهِمْ إِنْ لَمْ يَقُولُوهَا لَنَا، وَلا خَيْرَ فِينَا إِنْ لَمْ نَقْبَلْ. وَأَوْشَكَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى قَائِلِهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لَنَا عَلَيْكُمْ حَقَّ النَّصِيحَةِ بِالْغَيْبِ وَالْمَعُونَةِ عَلَى الْخَيْرِ. أَيُّهَا الرِّعَاءُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حِلْمٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ وَلا أَعَمَّ نَفْعًا مِنْ حِلْمِ إِمَامٍ وَرِفْقِهِ، وَلَيْسَ مِنْ جَهْلٍ أَبْغَضَ إِلَى اللَّهِ وَأَعَمَّ ضَرَرًا مِنْ جَهْلِ إِمَامٍ وَخَرَقِهِ، وَإِنَّهُ مَنْ يَأْخُذْ بِالْعَافِيَةِ فِيمَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ يُعْطَ الْعَافِيَةِ مِنْ فَوْقِهِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: دخلت على عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 22 حِينَ طُعِنَ فَقُلْتُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْلَمْتَ حِينَ كَفَرَ النَّاسُ، وَجَاهَدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَذَلَهُ النَّاسُ، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَنْك رَاض، وَلم يخْتل فِي خِلافَتِكَ اثْنَانِ، وَقُتِلْتَ شَهِيدًا؛ فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ. فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَوْ أَنَّ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ1 لِي لافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ هَوْلِ الْمَطْلَعِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ الْكِلاعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي يَبْقَى وَيَهْلِكُ مَنْ سِوَاهُ، الَّذِي بِطَاعَتِهِ يَنْتَفِعُ أَوْلِيَاؤُهُ، وَبِمَعْصِيَتِهِ يُضَرُّ أَعْدَاؤُهُ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِهَالِكٍ هَلَكَ مَعْذِرَةٌ فِي تَعَمُّدِ ضَلالَةٍ حَسِبَهَا هُدًى، وَلا فِي تَرْكِ حَقٍّ حَسِبَهُ ضَلالَةً، وَإِنَّ أَحَقَّ مَا تَعَهَّدَ الرَّاعِي مِنْ رَعِيَّتِهِ تَعَهُّدُهُمْ بِالَّذِي لِلَّهِ عَلَيْهِمْ فِي وَظَائِفِ دِينِهِمْ الَّذِي هَدَاهُمْ اللَّهُ لَهُ؛ وَإِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نَأْمُرَكُمْ بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ طَاعَتِهِ وَأَنْ نَنْهَاكُمْ عَمَّا نَهَاكُمُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِهِ، وَأَنْ نُقِيمَ أَمْرَ اللَّهِ فِي قَرِيبِ النَّاسِ وَبَعِيدِهِمْ وَلا نُبَالِي عَلَى مَنْ كَانَ الْحَقُّ. أَلا وَإِنَّ اللَّهَ فَرَضَ الصَّلاةَ وَجَعَلَ لَهَا شُرُوطًا، فَمِنْ شُرُوطِهَا: الْوُضُوءُ وَالْخُشُوعُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ. وَاعْلَمُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ الطَّمَعَ وَأَنَّ الْيَأْسَ غِنًى، وَفِي الْعِزْلَةِ رَاحَةٌ مِنْ خُلَطَاءِ السُّوءِ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَرْضَ عَنِ اللَّهِ فِيمَا أُكْرِهَ مِنْ قَضَائِهِ لَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهِ فِيمَا يُحِبُّ كُنْهَ شُكْرِهِ. وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عبادا يميتون الْبَاطِل بهرجه وَيُحْيُونَ الْحَقَّ بِذِكْرِهِ رَغِبُوا فَرُغِبُوا وَرَهِبُوا فَرُهِبُوا، أَنْ خَافُوا فَلا يَأْمَنُوا، أَبْصَرُوا مِنَ الْيَقِينِ مَا لَمْ يُعَايِنُوا فَخَلَصُوا بِمَا لَمْ يُزَايِلُوا. أَخْلَصَهُمُ الْخَوْفُ فَهَجَرُوا مَا يَنْقَطِعُ عَنْهُمْ لِمَا يَبْقَى عَلَيْهِمْ، الْحَيَاةُ عَلَيْهِمْ نِعْمَةٌ وَالْمَوْتُ لَهُمْ كَرَامَة. قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ زُبَيْدٍ الأَيَامِيِّ2 قَالَ: لَمَّا أَوْصَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أُوصِي الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأُوُصِيهِ بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَكَرَامَتَهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلُ3 أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الأَمْصَارِ؛ فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلامِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ وَجُبَاةُ الْمَالِ، أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضلهمْ عَمَّن رَضًى مِنْهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ، فَإِنَّهُمْ أصل   1 أَي الذَّهَب وَالْفِضَّة. 2 هَكَذَا فِي الْأُصُول وَفِي ميزَان الِاعْتِدَال "زبيد بن الْحَارِث اليامي" وَهُوَ الصَّحِيح. 3 رَاجع تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين تبوأوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ من هَاجر إِلَيْهِم} إِلَخ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 23 الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلامِ، أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَوَاشِيَ أَمْوَالِهِمْ فَيَرُدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَهَ الْيَعْمُرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ خَطِيبًا؛ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نَبِيَّ الله صلى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَار فَإِنِّي إِنَّمَا بعثتهم ليعملوا النَّاسَ دِينَهُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُقَسِّمُوا فِيهِمْ فيأهم وَيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ؛ فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ رَفَعَهُ إِلَيَّ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا أُبَالِي فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ خَيْرٌ لِي، أَمْ أُقْبِلُ عَلَى نَفْسِي؟ فَقَالَ: أَمَّا مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الْمُؤْمِنِينَ شَيْئًا فَلا يَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، وَمَنْ كَانَ خِلْوًا مِنْ ذَلِكَ فَلْيُقْبِلْ عَلَى نَفْسِهِ وَلْيَنْصَحْ لِوَلِيِّ أَمْرِهِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تَعْتَرِضْ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ، وَاعْتَزِلْ عَدُوَّكَ، وَاحْتَفِظْ مِنْ خَلِيلِكَ إِلا الأَمِينَ فَإِنَّ الأَمِينَ مِنَ الْقَوْمِ لَا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ. وَلا تَصْحَبِ الْفَاجِرَ فَيُعَلِّمُكَ مِنْ فُجُورِهِ. وَلا تُفْشِ إِلَيْهِ سِرَّكَ. وَاسْتَشِرْ فِي أَمْرِكَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَسْعَدَ الرُّعَاةِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ سَعِدَتْ بِهِ رَعِيَّتُهُ، وَإِنَّ أَشْقَى الرُّعَاةِ مَنْ شَقِيَتْ بِهِ رَعِيَّتُهُ. وَإِيَّاكَ أَنْ تَزِيغَ فَتَزِيغَ عُمَّالُكَ فَيَكُونُ مَثَلُكَ عِنْدَ اللَّهِ مَثَلُ الْبَهِيمَةِ نَظَرَتْ إِلَى خطرة مِنَ الأَرْضِ فَرَتَعَتْ فِيهَا تَبْتَغِي بِذَلِكَ السِّمَنَ؛ وَإِنَّمَا حَتْفُهَا فِي سِمَنِهَا1. وَالسَّلامُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَا يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ إِلا رَجُلٌ لَا يُضَارِعَ، وَلا يُصَانِعُ، وَلا يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ. وَلا يُقِيمُ أَمْرَ اللَّهِ إِلا رَجُلٌ لَا يَنْتَقِصُ غَرَبُهُ، وَلا يَكْظِمُ فِي الْحَقِّ عَلَى حزبه.   1 تَأْكُل فَوق طاقتها فتنفق "تَمُوت" أَو يذبحها أَهلهَا للِانْتِفَاع بلحمها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 24 من آثَار عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فِي النَّصِيحَة: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ. قَالَ فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلا تَبْكِي؛ وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْقَبْرُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ؛ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدَّ مِنْهُ". وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا إِلا والقبر أفظع مِنْهُ". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 من مواعظ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَسَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ قَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا حِينَ اسْتُخْلِفَ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَلْحَقَ صَاحِبَكَ فَارْقِعِ الْقَمِيصَ، وَنَكِّسِ الإِزَارَ وَاخْصِفِ النَّعْل، وارفع الْخُفَّ، وَقَصِّرِ الأَمَلَ، وَكُلْ دُونَ الشِّبَعِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ:: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً وَلَّى أَمْرَهَا رَجُلا ثُمَّ قَالَ لَهُ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي لَا بُد لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَلا مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ. وَعَلَيْكَ بِالَّذِي بُعِثْتَ لَهُ، وَعَلَيْكَ بِالَّذِي يُقَرِّبُكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ فِيمَا عِنْدَ اللَّهَ خَلَفًا مِنَ الدُّنْيَا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ الْبَجَلِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ. قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، قَالَ: اسْتَعْمَلَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى عُكْبُرَاءَ فَقَالَ لِي: -وَأَهْلُ الأَرْضِ معي يسمعُونَ- انْظُرْ أَنْ تَسْتَوْفِيَ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ. وَإِيَّاكَ أَنْ تُرَخِّصَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ وَإِيَّاكَ أَنْ يَرَوْا مِنْكَ ضَعْفًا، ثُمَّ قَالَ: رُحْ إِلَيَّ عِنْدَ الظُّهْرِ، فَرُحْتُ إِلَيْهِ عِنْدَ الظُّهْرِ فَقَالَ لِي: إِنَّمَا أَوْصَيْتُكَ بِالَّذِي أَوْصَيْتُكَ بِهِ قُدَّامَ أَهْلِ عَمَلِكَ لأَنَّهُمْ قَوْمُ خِدَعٍ، انْظُرْ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِمْ فَلا تَبِيعَنَّ لَهُمْ كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَلا صيفا، وَلا رِزْقًا يَأْكُلُونَهُ، وَلا دَابَّةً يَعْمَلُونَ عَلَيْهَا، وَلا تَضْرِبَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَوْطًا وَاحِدًا فِي دِرْهَمٍ، وَلا تُقِمْهُ عَلَى رِجْلِهِ فِي طَلَبِ دِرْهَمٍ، وَلا تَبِعْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ عَرَضًا1 فِي شَيْءٍ مِنَ الْخَرَاجِ؛ فَإِنَّا إِنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمُ الْعَفْوَ2. فَإِنْ أَنْتَ خَالَفْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ يَأْخُذُكَ اللَّهُ بِهِ دُونِي وَإِنْ بَلَغَنِي عَنْكَ خِلافَ ذَلِكَ عَزَلْتُكَ. قَالَ قُلْتُ إِذَنْ أَرْجِعُ إِلَيْكَ كَمَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ. قَالَ: وَإِنْ رَجَعْتَ كَمَا خَرَجْتَ. قَالَ فَانْطَلَقْتُ فَعَمِلْتُ بِالَّذِي أَمَرَنِي بِهِ، فَرَجَعْتُ وَلم أنتقص من الْخراج شَيْئا.   1 هُوَ مَا سوى الذَّهَب وَالْفِضَّة. 2 هُوَ مَا زَاد عَن حَاجتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 25 من سيرة خَامِس الْخُلَفَاء الرَّاشِدين: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعَثَ إِلَيَّ وَأَنَا بِالْمَدِينَةِ فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، قَالَ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَيْهِ جَعَلْتُ إِلَيْهِ نَظَرًا لَا أَصْرِفُ نَظَرِي عَنْهُ تَعَجُّبًا؛ فَقَالَ: يَا ابْنَ كَعْبٍ إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَيَّ نَظَرًا مَا كُنْتَ تَنْظُرُهُ إِلَيَّ قَبْلُ. قَالَ قُلْتُ: تَعَجُّبًا قَالَ: وَمَا عَجَبُكَ؟ قَالَ قُلْتُ: مَا حَالَ مِنْ لَوْنِكَ، وَنَحَلَ مِنْ جِسْمِكَ، وَعَفَا مِنْ شَعْرِكَ، قَالَ: فَكَيْفَ لَو رَأَيْتنِي بعد ثَلَاث، وَقد دُلِّيتُ فِي حُفْرَتِي، وَسَالَتْ حَدَقَتَايَ عَلَى وَجْنَتَيَّ، وَسَالَ مِنَخَرايَ صَدِيدًا وَدَمًا؛ لَكُنْتَ لِي أَشَدَّ نُكْرَةً! قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ قَالَ: لَمْ تَكُنْ هِمَّةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلا رَدُّ الْمَظَالِمِ وَالْقَسْمُ فِي النَّاسِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَكَثَ شَهْرَيْنِ مُقْبِلا عَلَى بَثِّهِ وَحُزْنِهِ لِمَا ابْتُلِيَ بِهِ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ. ثُمَّ أَخَذَ فِي النَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ إِلَى أَهْلِهَا، حَتَّى كَانَ هَمُّهُ بِالنَّاسِ أَشَدَّ مِنْ هَمِّهِ بِأَمْرِ نَفْسِهِ، فَعَمِلَ بِذَلِك حَتَّى انْقَضَى أَجَلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. فَلَمَّا هَلَكَ جَاءَ الْفُقَهَاءُ إِلَى زَوْجَتِهِ يُعَزُّونَهَا وَيَذْكُرُونَ عِظَمَ الْمُصِيبَةِ الَّتِي أُصِيبَ بِهَا أَهْلُ الْإِسْلامِ لِمَوْتِهِ؛ فَقَالُوا لَهَا: أَخْبِرِينَا عَنْهُ، فَإِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالرَّجُلِ أَهْلُهُ. قَالَ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا كَانَ بِأَكْثَرِكُمْ صَلاةً وَلا صِيَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ عَبْدًا للَّهِ كَانَ أَشَدَّ خَوْفًا لِلَّهِ مِنْ عُمَرَ. كَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ فَرَّغَ بَدَنَهُ وَنَفْسَهُ لِلنَّاسِ؛ فَكَانَ يَقْعُدُ لِحَوَائِجِهِمْ يَوْمَهُ فَإِذَا أَمْسَى -وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ حَوَائِجِهِمْ- وَصَلَهُ بِلَيْلَتِهِ؛ فَأَمْسَى يَوْمًا وَقَدْ فَرَغَ مِنْ حَوَائِجِهِمْ فَدَعَا بِمِصْبَاحٍ قَدْ كَانَ يَسْتَصْبِحُ بِهِ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْعَى وَاضِعًا يَدَهُ تَحْتَ ذَقْنِهِ تَسِيلُ دُمُوعُهُ عَلَى خَدِّهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَرِقَ الْفَجْرُ فَأَصْبَحَ صَائِمًا. فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لشَيْء مَا كَانَ مِنْكَ مَا رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ؟ قَالَ: أَجَلْ، إِنِّي قَدْ وَجَدْتُنِي وُلِّيتُ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَسْوَدِهَا وَأَحْمَرِهَا فَذَكَرْتُ الْغَرِيبَ الْقَانِعَ الضَّائِعَ، وَالْفَقِيرَ الْمُحْتَاجَ، وَالأَسِيرَ الْمَقْهُورَ وَأَشْبَاهَهُمْ فِي أَطْرَافِ الأَرْضِ؛ فَعَلِمْتُ أَن الله تَعَالَى ساءلني عَنْهُمْ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجِيجِي فِيهِمْ؛ فَخِفْتُ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِي عِنْدَ اللَّهِ عُذْرٌ، وَلا يَقُومُ لِي مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً، فَخِفْتُ عَلَى نَفْسِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 26 وَوَاللَّه إِنْ كَانَ عُمَرُ لَيَكُونُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ سُرُورُ الرَّجُلِ مَعَ أَهْلِهِ1 فَيَذْكُرُ الشَّيْءَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ؛ فَيَضْطَرِبُ كَمَا يَضْطَرِبُ الْعُصْفُورُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ بُكَاؤُهُ حَتَّى أَطْرَحَ اللِّحَافَ عَنِّي وَعَنْهُ رَحْمَةً لَهُ، ثُمَّ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ لَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذِهِ الإِمَارَةِ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقَيْنِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا الْكُوفِيِّينَ. قَالَ قَالَ لِي شَيْخٌ بِالْمَدِينَةِ: رَأَيْت عمر بن عبد الْعَزِيز بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ من أَحْسَنُ النَّاسِ لِبَاسًا، وَأَطْيَبُهُمْ رِيحًا، وَمِنْ أَخْيَلِهِمْ فِي مِشْيَتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ بَعْدَ أَنْ وَلِيَ الْخِلافَةِ يَمْشِي مِشْيَةَ الرُّهْبَانِ. قَالَ: فَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ الْمِشْيَةَ سَجِيَّةً2 فَلا تُصَدِّقْهُ بَعْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، قَالَ: غَضِبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَوْمًا فَاشْتَدَّ غَضَبُهُ -وَكَانَ فِيهِ حِدَّةٌ- وَعَبْدُ الْمَلِكِ ابْنُهُ حَاضِرٌ؛ فَلَمَّا سَكَنَ غَضَبُهُ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَدْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عِنْدَكَ وَمَوْضِعِكَ الَّذِي وَضَعَكَ اللَّهُ بِهِ وَمَا وَلاكَ مِنْ أَمْرِ عِبَادِهِ أَنْ يَبْلُغَ بِكَ الْغَضَبُ مَا أَرَى؟ قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ كَلامَهُ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمَا تَغْضَبُ أَنْتَ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ؟ قَالَ: مَا يُغْنِي عَنِّي جَوْفِي إِنْ لَمْ أَرُدَّ الْغَضَبَ فِيهِ حَتَّى لَا يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ.   1 حينما يخْتَلى الرجل مَعَ أَهله وَالْحَال أَنه قد ينسى كل شَيْء كَانَ ابْن عبد الْعَزِيز يخْشَى الله فِي مثل تِلْكَ الْحَال. 2 أَي طيعة لَا تَتَغَيَّر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 27 بَاب فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ إِذَا أُصِيبَتْ مِنَ الْعَدو مدْخل قَالَ أَبُو يُوسُف: أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ إِذَا أُصِيبَتْ مِنَ الْعَدُوِّ وَكَيْفَ يُقَسَّمُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَنْزَلَ بَيَانَ ذَلِكَ فِي كِتَابه فَقَالَ فِيمَا أنزر عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْأَنْفَال: 41] . فَهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- فِيمَا يُصِيبُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَسَاكِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَمَا أَجْلَبُوا بِهِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالسِّلَاح والكراع "الْخَيل وَالسِّلَاح"؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْخُمُسُ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ الْجند الَّذين أَصَابُوا ذَلِكَ: مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِمْ، يُضْرَبُ لِلْفَارِسِ مِنْهُمْ ثَلاثَةُ أَسْهُمٍ: سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لَهُ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ، وَلا يُفَضَّلُ الْخَيْلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النَّحْل: 8] ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الْأَنْفَال: 60] وَالْعَرَبُ تَقُولُ هَذِهِ الْخَيْلُ، وَفَعَلَتِ الْخَيْلُ، لَا يَعْنُونَ بِذَلِك الْفرس دون البردون1 وَلَعَامَّةِ الْبَرَاذِينِ أَقْوَى مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْخَيْلِ وَأَوْفَقُ لِلْفُرْسَانِ وَلَمْ يخص مِنْهَا شَيْء دُونَ شَيْءٍ، وَلا يُفَضَّلُ الْفَرَسُ الْقَوِيُّ عَلَى الْفَرَسِ الضَّعِيفِ وَلا يُفَضَّلُ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ التَّامُّ السِّلاحِ عَلَى الرَّجُلِ الْجَبَانِ الَّذِي لَا سلَاح مَعَه إِلَّا سَيْفه. مَا يُسهم للمجاهد وَمَا يُسهم لخيله: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُقْسِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ غَنَائِمَ بَدْرٍ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ شَهِدْتُ أَنَا وَأَخِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   1 البرذون يُطلق على غير الْعَرَبِيّ من الْخَيل وَالْبِغَال عَظِيم الْخلقَة، غليظ الْأَعْضَاء، قوي الأرجل، عَظِيم الحوافر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 28 حُنَيْنًا وَمَعَنَا فَرَسَانِ لَنَا؛ فَضَرَبَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ أَسْهُمٍ أَرْبَعَةٌ لفرسينا وسهمين لنا فبعنا السِّتَّة الأسهم بحنين ببكرين1. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَكَانَ الْفَقِيهُ الْمُقَدَّمُ2 أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: لِلرَّجُلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَرَسِ سَهْمٌ. وَقَالَ: لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةٌ عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ3. ويحتج بِمَا حَدثنَا عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي خَمِيصَةَ الْهَمْدَانِيِّ أَنَّ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَسَّمَ فِي بَعْضِ الشَّامِ لِلْفَارِسِ سَهْمٌ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ؛ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَلَّمَهُ وَأَجَازَهُ؛ فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَجْعَلُ لِلْفَرَسِ سَهْمًا وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا، وَمَا جَاءَ مِنَ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ أَنَّ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَوْثَقُ، وَالْعَامَّةُ عَلَيْهِ لَيْسَ هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّفْضِيلِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّفْضِيلِ مَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْفَرَسِ سَهْمٌ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ؛ لأَنَّهُ قَدْ سَوَّى بَهِيمَةً بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ إِنَّمَا هَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ عُدَّةُ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ عُدَّةِ الآخَرِ، وَلِيُرَغِّبَ النَّاسَ فِي ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَلا تَرَى أَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ إِنَّمَا يُرَدُّ عَلَى صَاحِبِ الْفَرَسِ فَلا يَكُونُ لِلْفَرَسِ دُونَهُ، وَالْمُتَطَوِّعُ وَصَاحِبُ الدِّيوَانِ فِي الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ؛ فَخُذْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ رَأَيْتَ، وَاعْمَلْ بِمَا ترى أَنه أفضل وَالْخَيْر لمسلمين فَإِن ذَلِكَ مُوَسَّعٌ عَلَيْكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَسْتُ أَرَى أَنْ تَقْسِمَ لِلرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ4. قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي الرَّجُلِ يَكُونُ فِي الْغَزْوِ وَمَعَهُ الأَفْرَاسُ. قَالَ لَا يُقْسَمُ لَهُ مِنَ الْغَنِيمَة لأكْثر من فرسين. قسْمَة خمس الْغَنِيمَة: قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَن يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: لَا يُقْسَمُ لأَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ، وَأَمَّا الْخُمُسُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ حَدَّثَنِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْخُمُسَ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سهم، ولليتامى والمساكن وَابْن السَّبِيل ثَلَاثَة أسْهم.   1 الْبكر: الْفَتى من الْإِبِل. 2 هُوَ أول الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة أَصْحَاب الْمذَاهب وجودا ووفاة. 3 لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك؛ وَلَكِن الْفرس يحْتَاج لمؤنة أَكثر من الْبشر ولأسباب أُخْرَى سيذكرها الْمُؤلف بعد. 4 فَلَا يَأْخُذ أَكثر من خَمْسَة أسْهم على القَوْل الْمَشْهُور أَو ثَلَاثَة أسْهم على رَأْي الإِمَام الْأَعْظَم أبي حنيفَة النُّعْمَان -رَحمَه الله تَعَالَى-. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 29 ثُمَّ قَسَّمَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى ثَلاثَةِ أَسْهُمٍ، وَسَقَطَ سَهْمُ الرَّسُول وَسَهْم ذِي القربي وَقسم على الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة، ثُمَّ قَسَّمَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَا قَسَّمَهُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ. وَقَدْ رُوِيَ لَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّه قَالَ: عرض علينا عمر ابْن الْخَطَّابِ أَنْ نُزَوِّجَ مِنَ الْخُمُسِ أَيِّمَنَا1 وَنَقْضِيَ مِنْهُ عَنْ مُغْرِمِنَا؛ فَأَبَيْنَا إِلا أَنْ يُسَلِّمَهُ لَنَا وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ: مَا كَانَ رَأْي عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْخُمُسِ؟ قَالَ: كَانَ رَأْيُهُ فِيهِ رَأْيُ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} قَالَ: لِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَقَوْلُهُ: "لِلَّهِ" مِفْتَاحُ الْكَلامِ2. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَشْعَثُ بْنُ سِوَارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ مِنَ الْخُمُسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُعْطِي مِنْهُ نَائِبَهُ مِنَ الْقَوْمِ؛ فَلَمَّا كَثُرَ الْمَالُ جُعِلَ فِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل. سَهْمُ الرَّسُولِ وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى: قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمسيب عَن جُبَير بن مُطْعِمٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ3. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُوَلِّيَنِي حَقَّنَا مِنَ الْخُمُسِ فَأُقَسِّمَهُ فِي حَيَاتِكَ كَيْ لَا يُنَازِعَنَاهُ أَحَدٌ بَعْدَكَ فَافْعَلْ، قَالَ: فَفَعَلَ. قَالَ: فَوَلانِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَّمْتُهُ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ وَلانِيهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَسَّمْتُهُ فِي حَيَاتِهِ، ثُمَّ وَلانِيهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَسَّمْتُهُ فِي حَيَاتِهِ؛ حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرَ سَنَةٍ مِنْ سِنِيِّ عُمَرَ فَأَتَاهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَعَزَلَ حَقَّنَا، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: خُذْهُ فَاقْسِمْهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَا عَنْهُ الْعَامَ غِنًى وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ حَاجَةٌ. فَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ تِلْكَ السَّنَةَ، ثُمَّ لَمْ يَدْعُنَا إِلَيْهِ أحد بعد عمر حَتَّى   1 هُوَ من الَّذِي بِلَا زوج ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى. 2 ذكر لفظ الْجَلالَة تبركا باسمه جلّ فِي علاهُ. 3 إِذْ هما فِي الجالهية وَالْإِسْلَام شَيْء وَاحِد وَلَا تجوز عَلَيْهِم الزَّكَاة فعوضوا عَن ذَلِك من الْخمس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 30 قُمْتُ مَقَامِي هَذَا فَلَقِيَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَعْدَ خُرُوجِي مِنْ عِنْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ لَقَدْ حَرَمْتَنَا الْغَدَاةَ شَيْئًا لَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَبَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يَسْأَلُهُ عَنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى: لِمَنْ هُوَ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَتَبْتَ إِلَيَّ تَسْأَلُنِي عَنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى، لِمَنْ هُوَ، وَهُوَ لَنَا، وَإِنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَعَانَا إِلَى أَنْ نَنْكِحَ مِنْهُ أَيِّمَنَا، وَنَقْضِي مِنْهُ عَنْ مُغْرِمِنَا، وَنَخْدِمُ مِنْهُ عَائِلَتَنَا. فَأَبَيْنَا إِلا أَنْ يُسَلِّمَهُ لَنَا، وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّةِ1 قَالَ: اخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ: سهم الرَّسُول عَلَيْهِ [الصَّلَاة] وَالسَّلَام، وَسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى؛ فَقَالَ قَوْمٌ: سَهْمُ الرَّسُولِ لِلْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَقَالَ آخَرُونَ: سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى لقرابة الرَّسُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى لِقَرَابَةِ الْخَلِيفَةِ مِنْ بَعْدِهِ؛ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ جَعَلُوا هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ فِي الْكِرَاعِ2 وَالسِّلاحِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعَثَ بِسَهْمِ الرَّسُولِ وَسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى إِلَى بني هَاشم. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَكَثْرُ فُقَهَائِنَا يَرَوْنَ أَنْ يُقَسِّمَهُ الْخَلِيفَةُ عَلَى مَا قَسَّمَهُ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ. أَنْوَاع الْغَنِيمَة الَّتِي تقسم: قَالَ أَبُو يُوسُف: فَعَلَى هَذَا تُقَسَّمُ الْغَنِيمَةُ؛ فَمَا أصَاب املسلمون مِنْ عَسَاكِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَمَا أَجْلَبُوا بِهِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَالْكِرَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلِّ مَا أُصِيبَ فِي الْمَعَادِنِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْخُمُسُ -فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَانَ أَوْ فِي أَرْضِ الْعَجَمِ- وَخُمُسُهُ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ مَوَاضِعِ الصَّدَقَاتِ، وَفِيمَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنْ حِلْيَةٍ وَعَنْبَرٍ؛ فَالْخُمُسُ يُوضَعُ فِي مَوَاضِعِ الْغَنَائِمِ عَلَى مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْن السَّبِيل} [الْأَنْفَال: 41] .   1 ابْن عَليّ بن أبي طَالب وَالْحَنَفِيَّة امْرَأَة من بني حنيفَة تزَوجهَا الإِمَام بعد وَفَاة فَاطِمَة الزهراء رَضِي الله عَنهُ الْجَمِيع. 2 لفظ الكراع يجمع الْخَيل وَالسِّلَاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 31 الْغَنِيمَة تخَالف الزَّكَاة، وغنيمة الذَّهَب وَالْفِضَّة: قَالَ أَبُو يُوسُف: فِي كُلِّ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْخُمُسُ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلا أَصَابَ فِي مَعْدَنٍ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ عِشْرِينَ مِثْقَالا ذَهَبًا؛ فَإِنَّ فِيهِ الْخُمُسُ، لَيْسَ هَذَا عَلَى مَوْضِعِ الزَّكَاةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَوْضِعِ الْغَنَائِمِ وَلَيْسَ فِي تُرَابِ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ إِنَّمَا الْخُمُسُ فِي الذَّهَبِ الْخَالِصِ وَفِي الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، وَلا يُحْسَبُ لِمَنِ اسْتَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَدْ تَكُونُ النَّفَقَةُ تَسْتَغْرِقُ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ فَلا يَجِبُ إِذَنْ فِيهِ خُمُسٌ عَلَيْهِ، وَفِيهِ الْخُمُسُ حِينَ يُفْرَغُ مِنْ تَصْفِيَتِهِ قَلِيلا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَلا يُحْسَبُ لَهُ مِنْ نَفَقَتِهِ شَيْء. مَا يسْتَخْرج من الْمَعَادِن سوى الذَّهَب وَالْفِضَّة: وَمَا اسْتُخْرِجَ مِنَ الْمَعَادِنِ سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْحِجَارَةِ -مِثْلَ الْيَاقُوتِ والفيروز وَالْكُحْلِ وَالزِّئْبَقِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْمُغْرَةِ- فَلا خُمُسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ إِنَّمَا ذَلِك بِمَنْزِلَةِ الطِّينِ وَالتُّرَابِ. قَالَ: وَلَوْ أَنَّ الَّذِي أَصَابَ شَيْئًا مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ أَوِ الْحَدِيدِ أَوِ الرَّصَاصِ أَوِ النُّحَاسِ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَادِحٌ لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ الْخُمُسُ عَنْهُ. أَلا تَرَى لَوْ أَنَّ جُنْدًا مِنَ الأَجْنَادِ أَصَابُوا غَنِيمَةً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ خَمْسَة وَلَمْ يُنْظَرْ أَعَلَيْهِمْ دَيْنٌ أَمْ لَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنَ الْخُمُسِ. القَوْل فِي الرِّكَاز: قَالَ: وَأَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ، فِيهِ أَيْضًا الْخُمُسُ؛ فَمَنْ أَصَابَ كَنْزًا عَادِيًّا فِي غَيْرِ مِلْكِ أَحَدٍ -فِيهِ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ جَوْهَرٍ أَوْ ثِيَابٍ- فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْخُمُسُ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلَّذِي أَصَابَهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ يُغْنَمُهَا الْقَوْمُ فَتُخَمَّسُ وَمَا بَقِيَ فَلَهُمْ. قَالَ: وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًا وَجَدَ فِي دَارِ الْإِسْلامِ رِكَازًا، وَكَانَ قَدْ دَخَلَ بِأَمَانٍ نُزِعَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْهُ، وَلا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا أُخِذَ مِنْهُ الْخُمُسُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَسُلِّمَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُكَاتِبُ يَجِدُ رِكَازًا فِي دَارِ الْإِسْلامِ فَهُوَ لَهُ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبِّرُ، وَإِذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُ رِكَازًا فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ فَإِنَّ كَانَ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَهُوَ لَهُ وَلا خُمُسَ فِي ذَلِكَ؛ حَيْثُ مَا وَجَدَ كَانَ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 32 مِلْكِ إِنْسَانٍ فَلا خُمُسَ فِيهِ لأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُوجِفُوا عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا دَخَلَ بِأَمَانٍ فَوَجَدَهُ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ، وَإِنْ وَجَدَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فَهُوَ لِلَّذِي وجده. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: " كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا عَطِبَ الرَّجُلُ فِي قَلِيبٍ1 جَعَلُوا الْقَلِيبَ عَقِلَهُ2، وَإِذَا قَتَلَتْهُ دَابَّةٌ جَعَلُوهَا عَقِلَهُ، وَإِذَا قَتَلَهُ مَعْدِنٌ جَعَلُوهُ عَقِلَهُ؛ فَسَأَلَ سَائِلٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: "الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ 3 وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ؛ فَقِيلَ لَهُ: مَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتْ"، وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيٌّ مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ يَصْطَفِيهِ: إِمَّا فَرَسٌ، وَإِمَّا سيف، وَإِمَّا جَارِيَة؛ فَإِن الصَّفِيُّ يَوْمَ خَيْبَرَ صَفِيَّةُ، وَكَانَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْخُمُسِ مَا قَسَّمَ فِي أَزْوَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسِ، وَكَانَ لَهُ سَهْمُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَكَانَ سَهْمُهُ فِي قَسْمِ خَيْبَرَ مَعَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ مِائَةُ سَهْمٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، وَالَّذِي جَعَلَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مِنَ الْخُمُسِ؛ فَكَانَ يَكُونُ لَهُ مِنْ ثَلاثَةِ وُجُوهٍ: فِي الْقِسْمَةِ الصَّفِيُّ وَسَهْمُهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي الأَرْبَعَةِ الأَخْمَاسِ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْخُمُسِ، وَكَانَ الْقَسْمُ فِي خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةِ عَشَرَ سَهْمًا كُلُّ مِائَةِ سَهْمٍ مَعَ رَجُلٍ، وَكَانَ الصَّفِيُّ يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفًا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَشْعَثُ بْنُ سِوَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِوَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ صَفِيٌّ يَصْطَفِيهِ؛ فَكَانَ الصَّفِيُّ يَوْمَ خَيْبَرَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَشْعَثُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: كَانَ الصَّفِيُّ يَوْمَ بَدْرٍ سيف عَاصِم بن مُنَبّه.   1 القليب الْبِئْر غير المطوية. 2 أَي دِيَته. 3 الْجَبَّار الهدر الَّذِي لَيْسَ فِيهِ قصاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 33 فَصْلٌ: فِي الْفَيْءِ وَالْخَرَاجِ فَأَمَّا الْفَيْءُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ الْخَرَاجُ عِنْدَنَا خَرَاجُ الأَرْضِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ لأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الْحَشْر: 7] حَتَّى فَرَغَ مِنْ هَؤُلاءِ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الْحَشْر: 8] ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذين تبوأوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْحَشْر: 9] ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا للَّذين آمنُوا رَبنَا إِنَّك رؤوف رَحِيمٌ} [الْحَشْر: 10] فَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِمَنْ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ سَأَلَ بِلَال وَأَصْحَابه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِسْمَةَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ، وَقَالُوا: اقْسِمِ الأَرْضِينَ بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا كَمَا تُقَسِّمُ غَنِيمَةَ الْعَسْكَرِ؛ فَأَبَى عمر ذَلِك عَلَيْهِم، ولات عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآيَاتِ، وَقَالَ: قَدْ أَشْرَكَ اللَّهُ الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ فِي هَذَا الْفَيْءِ؛ فَلَوْ قَسَّمْتُهُ لَمْ يَبْقَ لِمَنْ بَعْدِكُمْ شَيْءٌ. وَلَئِنْ بَقِيتُ لَيَبْلُغَنَّ الرَّاعِي بِصَنْعَاءَ نَصِيبُهُ مِنْ هَذَا الْفَيْءِ وَدَمه فِي وَجهه. حكم غنيمَة الأَرْض والأنهار: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ مَشَايِخِنَا عَنْ يَزِيدِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى سَعْدِ حِينَ افْتَتَحَ الْعِرَاقَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَقَدْ بَلَغَنِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ سَأَلُوكَ أَنْ تَقْسِمَ بَيْنَهُمْ مَغَانِمَهُمْ، وَمَا أَفَاءَ الله عَلَيْهِمْ؛ فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَانْظُرْ مَا أَجْلَبَ النَّاسُ عَلَيْكَ بِهِ إِلَى الْعَسْكَرِ مِنْ كِرَاعٍ وَمَالٍ، فَاقْسِمْهُ بَيْنَ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَاتْرُكِ الأَرَضِينَ وَالأَنْهَارَ لِعُمَّالِهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ فِي اعْطِيَاتِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ قَسَّمْتَهَا بَيْنَ مَنْ حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بعدهمْ شَيْء. من أسلم قبل الْقِتَال وَبعده: وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكَ أَنْ تَدْعُو مَنْ لَقِيتَ إِلَى الْإِسْلامِ قَبْلَ الْقِتَالِ؛ فَمَنْ أَجَابَ إِلَى ذَلِكَ قبل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 34 الْقِتَالِ فَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَلَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلامِ. وَمَنْ أَجَابَ بَعْدَ الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْهَزِيمَةِ فَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَالَهُ لأَهْلِ الْإِسْلامِ؛ لأَنَّهُمْ قَدْ أَحْرَزُوهُ قَبْلَ إِسْلامِهِ؛ فَهَذَا أَمْرِي وعهدي إِلَيْك. تدوين عمر رَضِي الله عَنهُ الدَّوَاوِين وَالْقَوْل فِي قسمه الأَرْض الْمَفْتُوحَة: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالُوا: لَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَيْشُ الْعِرَاقِ مِنْ قِبَلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ شَاوَرَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَدْوِينِ الدَّوَاوِينِ. وَقَدْ كَانَ اتَّبَعَ رَأْيَ أَبِي بَكْر فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ النَّاسِ؛ فَلَمَّا جَاءَ فَتْحُ الْعِرَاقِ شَاوَرَ النَّاسَ فِي التَّفْضِيلِ، وَرَأَى أَنَّهُ الرَّأْيُ؛ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مَنْ رَآهُ. وَشَاوَرَهُمْ فِي قِسْمَةِ الأَرَضِينَ الَّتِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ؛ فَتَكَلَّمَ قَوْمٌ فِيهَا وَأَرَادُوا أَنْ يَقْسِمَ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ وَمَا فَتَحُوا، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: فَكَيْفَ بِمَنْ يَأْتِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَجِدُونَ الأَرْضَ بِعُلُوجِهَا1 قَدِ اقْتُسِمَتْ وَوُرِّثَتْ عَنِ الآبَاءِ وَحِيزَتْ، مَا هَذَا بِرَأْيٍ؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ: فَمَا الرَّأْي، مَا الأَرْض والعلوج إِلَّا مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ عُمَرُ: مَا هُوَ إِلا كَمَا تَقُولُ، وَلَسْتُ أَرَى ذَلِكَ، وَاللَّهِ لَا يُفْتَحُ بَعْدِي بَلَدٌ فَيَكُونُ فِيهِ كَبِير نبيل؛ بَلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ كُلا عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِذَا قُسِّمَتْ أَرْضُ الْعِرَاقِ بِعُلُوجِهَا، وَأَرْضُ الشَّامِ بِعُلُوجِهَا فَمَا يُسَدُّ بِهِ الثُّغُورُ وَمَا يَكُونُ لِلذُّرِّيَّةِ وَالأَرَامِلِ بِهَذَا الْبَلَدِ وَبِغَيْرِهِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ؟ استشارة عمر الصَّحَابَة فِي قسْمَة الأَرْض الْمَفْتُوحَة: فَأَكْثَرُوا عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالُوا: أَتَقِفُ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِأَسْيَافِنَا عَلَى قَوْمٍ لَمْ يَحْضُرُوا وَلَمْ يَشْهَدُوا، وَلأَبْنَاءِ الْقَوْمِ وَلأَبْنَاءِ أَبْنَائِهِمْ وَلَمْ يَحْضُرُوا؟ فَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُول: هَذَا رَأْي. قَالُوا: فَاسْتَشِرْ. قَالَ: فَاسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، فَاخْتَلَفُوا؛ فَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَ رَأْيُهُ أَنْ تُقَسَّمَ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَرَأْيُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رَأْيُ عُمَرَ. فَأَرْسَلَ إِلَى عَشْرَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ: خَمْسَةٍ مِنَ الأَوْسِ وَخَمْسَةٍ مِنَ الْخَزْرَجِ مِنْ كُبَرَائِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ؛ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا حَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَمْ أُزْعِجَكُمْ إِلا   1 العلوج كفار الْعَجم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 35 لأَنْ تَشْتَرِكُوا فِي أَمَانَتِي فِيمَا حُمِّلْتُ مِنْ أُمُورِكُمْ؛ فَإِنِّي وَاحِدٌ كَأَحَدِكُمْ وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ تُقِرُّونَ بِالْحَقِّ، خَالَفَنِي مَنْ خَالَفَنِي وَوَافَقَنِي مَنْ وَافقنِي، وَلَيْسَ أُرِيدُ أَنْ تَتَّبِعُوا هَذَا الَّذِي هَوَايَ، مَعَكُمْ مِنَ اللَّهِ كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ؛ فَوَاللَّهِ لَئِنْ كُنْتُ نَطَقْتُ بِأَمْرٍ أُرِيدُهُ مَا أُرِيدُ بِهِ إِلا الْحَقَّ. قَالُوا: قُلْ نَسْمَعْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: قَدْ سَمِعْتُمْ كَلامَ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنِّي أَظْلِمَهُمْ حُقُوقَهُمْ. وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَرْكَبَ ظُلْمًا، لَئِنْ كُنْتُ ظَلَمْتُهُمْ شَيْئًا هُوَ لَهُمْ وَأَعْطَيْتُهُ غَيْرَهُمْ لَقَدْ شَقِيتُ؛ وَلَكِنْ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ يُفْتَحُ بَعْدَ أَرْضِ كِسْرَى1، وَقَدْ غَنَّمَنَا اللَّهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَرْضَهُمْ وَعُلُوجَهُمْ فَقَسَّمْتُ مَا غَنِمُوا مِنْ أَمْوَالٍ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَخْرَجْتُ الْخُمُسَ فَوَجَّهْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ وَأَنَا فِي تَوْجِيهِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَحْبِسَ الأَرَضِينَ بِعُلُوجِهَا وَأَضَعَ عَلَيْهِمْ فهيا الْخَرَاجَ وَفِي رِقَابِهِمُ الْجِزْيَةَ يُؤَدُّونَهَا فَتَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ: الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ وَلِمَنْ يَأْتِي مِن بَعْدِهِمْ. أَرَأَيْتُمْ هَذِه الثغور لَا بُد لَهَا مِنْ رِجَالٍ يَلْزَمُونَهَا، أَرَأَيْتُمْ هَذِهِ الْمُدُنَ الْعِظَامَ -كَالشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ والكوفة وَالْبَصْرَة ومصر- لَا بُد لَهَا مِنْ أَنْ تُشْحَنَ بِالْجُيُوشِ، وَإِدْرَارِ الْعَطَاءِ عَلَيْهِمْ؛ فَمِنْ أَيْنَ يُعْطَى هَؤُلاءِ إِذَا قُسِّمَتِ الأَرَضُونَ والعلوج. مَا جبي من أَرض السوَاد فِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَقَالُوا جَمِيعًا: الرَّأْيُ رَأْيُكَ؛ فَنِعْمَ مَا قلت وَمَا رَأَيْت، وَإِن لَمْ تَشْحِنْ هَذِهِ الثُّغُورَ وَهَذِهِ الْمُدُنَ بِالرِّجَالِ، وَتُجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَتَّقَوَّوْنَ بِهِ رَجَعَ أَهْلُ الْكُفْرِ إِلَى مُدُنِهِمْ؛ فَقَالَ: قَدْ بَانَ لِيَ الأَمْرُ فَمَنْ رَجُلٌ لَهُ جَزَالَةٌ وَعَقْلٌ يَضَعُ الأَرْضَ مَوَاضِعَهَا، وَيَضَعُ عَلَى الْعُلُوجِ مَا يَحْتَمِلُونَ؟ فَاجْتَمَعُوا لَهُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ حنيف وَقَالُوا: تبعثه إِلَى أهل ذَلِكَ؛ فَإِنَّ لَهُ بَصَرًا وَعَقْلا وَتَجْرِبَةً؛ فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَوَلاهُ مِسَاحَةَ أَرْضِ السَّوَادِ فَأَدَّتْ جِبَايَةَ سَوَادِ الْكُوفَةِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِعَامٍ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَالدِّرْهَمُ يَوْمَئِذٍ دِرْهَمٌ وَدَانِقَانِ، وَنِصْفٌ، وَكَانَ وَزْنُ الدِّرْهَمِ يَوْمَئِذٍ وَزْنُ الْمِثْقَالِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: إِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَمَاعَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَرَادُوا عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُقَسِّمَ الشَّامَ كَمَا قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، وَأَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الزُّبَيْرُ بن الْعَوام   1 أَرض فَارس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 36 وبلال بن رَبَاحٍ. فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِذَنْ أَتْرُكُ مَنْ بعدكم من الْمُسلمين لَا شَيْء لَهُمْ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلالا وَأَصْحَابَهُ. قَالَ: فَرَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الطَّاعُونَ الَّذِي أَصَابَهُمْ بِعَمْوَاسَ عَنْ دَعْوَةِ عُمَرَ1 قَالَ: وَتَرَكَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذِمَّةً يؤدون الْخراج للْمُسلمين. مَا اسْتشْهد بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَقْسِيم الْفَيْء: قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي السَّوَادِ حِينَ افْتُتِحَ؛ فَرَأَى عَامَّتُهُمْ أَنْ يُقَسِّمَهُ وَكَانَ بِلَال بن رَبَاح أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ وَكَانَ رَأْيُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَلا يُقَسِّمَهُ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلالا وَأَصْحَابَهُ، وَمَكَثُوا فِي ذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً أَوْ دُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنِّي قَدْ وَجَدْتُ حُجَّةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ. {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْحَشْر: 6] ؛ حَتَّى فَرَغَ مِنْ شَأْنِ بَنِي النَّضِيرِ فَهَذِهِ عَامَّةٌ فِي الْقُرَى كُلِّهَا. ثُمَّ قَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الْحَشْر: 7] ، ثُمَّ قَالَ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الْحَشْر: 8] ثُمَّ لَمْ يَرْضَ حَتَّى خَلَطَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ؛ فَقَالَ: {وَالَّذين تبوأوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْحَشْر: 9] ؛ فَهَذَا فِيمَا بَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِلأَنْصَارِ خَاصَّةً. ثُمَّ لَمْ يَرْضَ حَتَّى خَلَطَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ فَقَالَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّك رؤوف رَحِيمٌ} [الْحَشْر: 10] ؛ فَكَانَتْ هَذِهِ عَامَّةٌ لِمَنْ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِمْ؛ فَقَدْ صَارَ هَذَا الْفَيْءُ بَيْنَ هَؤُلاءِ جَمِيعًا؛ فَكَيْفَ نُقَسِّمُهُ لِهَؤُلاءِ وَنَدَعُ مَنْ تَخَلَّفَ بَعْدَهُمْ بِغَيْرِ قَسْمٍ؛ فَأَجْمَعَ عَلَى تَرْكِهِ وَجَمْعِ خَرَاجِهِ.   1 فقد مَاتَ أَكْثَرهم فِي طعون عمواس الَّذِي وَقع فِي أَرض الشَّام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 37 كَانَ رَأْي عمر هُوَ الصَّوَاب: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَالَّذِي رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الامْتِنَاعِ مِنْ قِسْمَةِ الأَرَضِينَ بَيْنَ مَنِ افْتَتَحَهَا عِنْدَ مَا عَرَّفَهُ اللَّهُ مَا كَانَ فِي كِتَابِهِ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ تَوْفِيقًا مِنَ اللَّهِ كَانَ لَهُ فِيمَا صَنَعَ، وَفِيهِ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِيمَا رَآهُ مِنْ جَمْعِ خَرَاجِ ذَلِكَ وَقِسْمَتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عُمُومَ النَّفْعِ لِجَمَاعَتِهِمْ؛ لأَنَّ هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَى النَّاسِ فِي الأُعْطِيَاتِ وَالأَرْزَاقِ لَمْ تُشْحَنَ الثُّغُورُ وَلَمْ تَقْوَ الْجُيُوشُ عَلَى السَّيْرِ فِي الْجِهَادِ، وَلَمَا أَمِنَ رُجُوعَ أَهْلِ الْكُفْرِ إِلَى مُدُنِهِمْ إِذَا خَلَتْ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالْمُرْتَزَقَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ حَيْثُ كَانَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 38 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 1 مَا عُمِلَ بِهِ فِي السَّوَادِ: قَالَ أَبُو يُوسُف: أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْرِ السَّوَادِ2 وَمَا الَّذِي كَانَ أَهْلُهُ عُومِلُوا بِهِ فِي خَرَاجِهِمْ وَجِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ، وَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَضَهُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ. وَهَلْ يَجْرِي فِي شَيْءٍ مِنْهُ صُلْحٌ، وَمَا الْحُكْمُ فِي الصُّلْحِ مِنْهُ وَالْعُنْوَةِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: افْتَتَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعِرَاقَ كُلَّهَا إِلا خُرَاسَانَ وَالسِّنْدَ، وَافْتَتَحَ الشَّامَ كُلَّهَا وَمِصْرَ إِلا إِفْرِيقِيَّةَ، وَأَمَّا خُرَاسَان وإفريقية فافتتحتا فِي زمَان عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَافْتَتَحَ عُمَرُ السَّوَادَ وَالأَهْوَازَ؛ فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يقسم السوَاد وَأهل الأهواز وَمَا افْتُتِحَ مِنَ الْمُدُنِ؛ فَقَالَ لَهُمْ: فَمَا يَكُونُ لِمَنْ جَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَتَرَكَ الأَرْضَ وَأَهْلَهَا، وَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ، وَأَخَذَ الْخَرَاجَ مِنَ الأَرْض. من كَانَ لَهُ عهد من الْمُسلمين: قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَهْلِ السَّوَادِ؛ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عَهْدٌ؛ فَلَمَّا رَضِيَ مِنْهُمْ بِالْخَرَاجِ صَارَ لَهُمْ عَهْدٌ؛ فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ فَقَالُوا: لَيْسَ لَهُمْ عَهْدٌ إِلا لأَهْلِ الْحِيرَةِ، وَأَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ، وَأَهْلِ أُلَّيْسَ، وَبَانِقْيَا؛ فَأَمَّا أَهْلُ بَانِقْيَا فَإِنَّهُمْ دَلُّوا جَرِيرًا عَلَى مَخَاضَةٍ، وَأَمَّا أَهْل أُلَّيْسَ فَإِنَّهُمْ أَنْزَلُوا أَبَا عُبَيْدَةَ وَدَلُّوهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ غِرَّةِ الْعَدُوِّ، وَأَهْلُ الْحِيرَةِ صَالَحَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَصَالَحَ أَهْلَ عَيْنِ التَّمْرِ وَأَهْلَ أَلَيْسَ. فتح الْقَادِسِيَّة: قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: لَمَّا اسْتَخْلَفَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَجَّهَ أَبَا عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ إِلَى مِهْرَانَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ، وَكَانَتِ الْقَادِسِيَّةُ آخِرَ السَّنَةِ فَجَاءَ رُسْتُمُ صَاحِبُ الْعَجَمِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ مِهْرَانُ يعْمل عمل الصّبيان؛ فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَحَدَّثَنِي قَيْسٌ أَنَّ أَبَا عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ عَبَرَ إِلَى مِهْرَانَ الْفُرَات فَقطعُوا الجسر3   1 هَذِه الْبَسْمَلَة يَبْدُو أَنَّهَا كَانَت أول جُزْء من إِحْدَى مخطوطات الْكتاب. 2 سَواد الْعرَاق: مَا بَين الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة وَمَا حولهما من الْقرى، وَكَانَت أَرضًا زراعية خضراء شَدِيدَة الخضرة وَالْعرب تسمى مَا كَانَ كَذَلِك سوادا. 3 وَيُسمى يَوْم الجسر وَهِي الْوَاقِعَة الوحيدة الَّتِي انهزم فِيهَا الْمُسلمُونَ رَاجع فتوح الشَّام وفتوح الْبلدَانِ من تحقيقنا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 39 خَلْفَهُ فَقَتَلُوهُ وَأَصْحَابَهُ؛ فَأَوْصَى إِلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَوَلِيَ أَمْرَ النَّاسِ بَعْدَ أَبِي عُبَيْدٍ جَرِيرٌ فَلَقِيَ مِهْرَانَ فَهَزَمَهُ اللَّهُ وَالْمُشْرِكِينَ، وَقُتِلَ مِهْرَانُ فَرَفَعَ جُرَيْرٌ رَأْسَهُ عَلَى رُمْحٍ، ثُمَّ وَجَّهَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي آخِرِ السَّنَةِ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ1 إِلَى رُسْتُمَ فَالْتَقَوْا بِالْقَادِسِيَّةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي حُصَيْنٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَتَّى نَزَلَ بِالْقَادِسِيَّةِ وَمَعَهُ النَّاسُ. قَالَ فَمَا أَدْرِي لَعَلَّنَا كُنَّا لَا نَزِيدُ عَلَى سَبْعَةِ آلافٍ أَوْ ثَمَانِيَةِ آلافٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ سِتُّونَ أَلْفًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، مَعَهُمُ الْفُيُولُ. قَالَ فَلَمَّا نَزَلُوا قَالُوا لَنَا: ارْجِعُوا فَإِنَّا لَا نَرَى لَكُمْ عَدَدًا وَلا نَرَى لَكُمْ قُوَّةً وَلا سِلاحًا؛ فَارْجِعُوا. قَالَ: فَقُلْنَا: مَا نَحْنُ بِرَاجِعِينَ. فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ بِنِبَالِنَا وَيَقُولُونَ دوس يُشَبِّهُونَهَا بِالْمَغَازِلِ. قَالَ: فَلَمَّا أَبَيْنَا عَلَيْهِمُ الرُّجُوعَ، قَالُوا: ابْعَثُوا إِلَيْنَا رَجُلا عَاقِلا يُخْبِرُنَا مَا الَّذِي جَاءَ بِكُمْ مِنْ بِلادِكُمْ فَإِنَّا لَا نَرَى لَكُمْ عَدَدًا وَلا عُدَّةً. قَالَ: فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَنَا لَهُمْ، فَعَبَرَ إِلَيْهِمْ، فَجَلَسَ مَعَ رُسْتَمَ عَلَى السَّرِيرِ، فَنَخَرَ وَنَخَرُوا حِينَ جَلَسَ مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: وَالله مَا زادني مجْلِس هَذَا رِفْعَةً وَلا نَقَصَ صَاحِبَكُمْ، فَقَالَ لَهُ رُسْتَمُ: أَنْبِئُونِي مَا جَاءَ بِكُمْ مِنْ بِلادِكُمْ فَإِنَّا لَا نَرَى لَكُمْ عَدَدًا وَلا عُدَّةً. فَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ: كُنَّا قَوْمًا فِي شَقَاءٍ وَضَلالَةٍ؛ فَبَعَثَ اللَّهُ فِينَا نَبِيًا فَهَدَانَا اللَّهُ بِهِ وَرَزَقَنَا عَلَى يَدَيْهِ فَكَانَ فِيمَا رُزِقْنَا حَبَّةً زَعَمُوا أَنَّهَا تَنْبُتُ فِي هَذِهِ الأَرْضَ؛ فَلَمَّا أَكَلْنَا مِنْهَا وَأَطْعَمْنَا أَهْلِينَا قَالُوا لَا صَبْرَ لَنَا حَتَّى تُنْزِلُونَا هَذِه الْبِلَاد فتأكل هَذِهِ الْحَبَّةِ. فَقَالَ رُسْتَمُ: إِذَنْ نَقْتُلَكُمْ فَقَالَ: إِنْ قَتَلْتُمُونَا دَخَلْنَا الْجَنَّةَ، وَإِنْ قَتَلْنَاكُمْ دَخَلْتُمُ النَّارَ، وَإِلا فَأَعْطُونَا الْجِزْيَةَ، قَالَ فَلَمَّا قَالَ أَعْطُونَا الْجِزْيَةَ صَاحُوا وَنَخَرُوا، وَقَالُوا لَا صُلْحَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَقَالَ: الْمُغِيرَةُ: أَتَعْبُرُونَ إِلَيْنَا أَمْ نَعْبُرَ إِلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: رُسْتَمُ: نَعْبُرُ إِلَيْكُمْ -مُدِلا- قَالَ فَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى عَبَرَ مِنْهُمْ مَنْ عَبَرَ، ثُمَّ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ وَهَزَمُوهُمْ. قَالَ حُصَيْنٌ وَكَانَ مَلِكُهُمْ رُسْتَمُ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا نَمْشِي عَلَى ظُهُورِ الرِّجَالِ نَعْبُرُ الْخَنْدَقَ، مَا مَسَّهُمْ سِلاحٌ قَدْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ: وَوَجَدْنَا جِرَابًا فِيهِ كَافُورٌ. قَالَ: فَحَسِبْنَاهُ مِلْحًا وَطَبَخْنَا لَحْمًا فَطَرَحْنَا فِيهِ مِنْهُ؛ فَلَمْ نَجِدْ لَهُ طَعْمًا؛ فَمَرَّ بِنَا عَبَّادِيٌّ مَعَهُ قَمِيصٌ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُتَعَبِّدِينَ لَا تُفْسِدُوا طَعَامَكُمْ؛ فَإِنَّ مِلْحَ هَذِهِ الأَرْضِ لَا خَيْرَ فِيهِ فَهَلْ لَكُمْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ بِهِ هَذَا الْقَمِيصَ؟ قَالَ: فَأَعْطَانَا بِهِ   1 أَي ابْن أبي وَقاص. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 40 قَمِيصًا؛ فَأَعْطَيْنَاهُ صَاحِبًا لَنَا فَلَبِسَهُ، فَإِذَا ثَمَنُ الْقَمِيصِ حِينَ عُرِفَتِ الثِّيَابُ دِرْهَمَانِ. قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَشرت غلى رَجُلٍ وَعَلَيْهِ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ وَسِلاحُهُ تَحْتَهُ فِي قَبْرٍ مِنْ تِلْكَ الْقُبُورِ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا فَمَا كَلَّمَنَا وَلا كَلَّمْنَاهُ حَتَّى ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَهَزَمْنَاهُمْ حَتَّى بَلَغُوا الْفُرَاتَ. قَالَ: فَرَكبْنَا وطلبناهم فَانْهَزَمُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى سِوَارٍ، قَالَ: وَطَلَبْنَاهُمْ فَانْهَزَمُوا حَتَّى أَتَوُا الصراة، فَطَلَبْنَاهُمْ فَانْهَزَمُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْمَدَائِنِ فَنَزَلُوا كَوْثَى، وَبِهَا مَسْلَحَةٌ1 لِلْمُشْرِكِينَ بِدِيرِ الْمَسَالِحِ فَأَتَتْهُمْ خَيْلُنَا فَقَاتَلَتْهُمْ؛ فَانْهَزَمَتْ مَسْلَحَةُ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى لَحِقُوا بِالْمَدَائِنِ، وَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ فَعَبَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَّا مِنْ عُلْوِ الْوَادِي أَوْ مِنْ أَسْفَلِ الْمَدَائِنِ فَحَصَرْنَاهُمْ حَتَّى مَا وَجَدُوا طَعَامًا إِلا كِلابَهُمْ وَسَنَانِيرُهُمْ2، فَتَحَمَّلُوا فِي لَيْلَةٍ حَتَّى أَتَوْا جَلُولاءَ؛ فَسَارَ إِلَيْهِمْ سَعْدٌ فِي النَّار وَعَلى مُقَدِّمَتِهِ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ قَالَ: فَهِيَ الْوَقْعَةُ الَّتِي كَانَتْ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وَانْطَلَقَ يَهْزِمُهُمْ إِلَى نَهَاوَنْدَ. قَالَ: فَكَانَ كُلُّ أَهْلِ مِصْرٍ يَسِيرُونَ إِلَى حُدُودِهِمْ وَبِلادِهِمْ، قَالَ حُصَيْنٌ: فَلَمَّا هَزَمَ سَعْدٌ الْمُشْرِكِينَ بِجَلُولاءَ وَلَحِقُوا بِنَهَاوَنْدَ، رَجَعَ فَبَعَثَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بِالْمَدَائِنِ؛ فَأَرَادَ أَنْ ينزلها بِالنَّاسِ فَاجْتَوَاهَا3 النَّاسُ وَكَرِهُوهَا، فَبَلَغَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فَسَأَلَ: هَلْ يَصْلُحُ بِهَا الإِبِلُ؟ قَالُوا: لَا؛ لأَنَّ بِهَا الْبَعُوضَ. فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَصْلُحُ بِأَرْضٍ لَا تَصْلُحُ بِهَا الإِبْلُ. ارْجِعُوا، فَلَقِيَ سَعْدٌ عَبَّادِيًّا فَقَالَ: أَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَرْضٍ ارْتَفَعَتْ عَنِ الْبقْعَة وَتَطَأْطَأَتْ عَنِ السَّبْخَةِ وَتَوَسَّطَتِ الرِّيفَ وظعنت فِي أَنْفِ الْبَرِيَّةِ، قَالُوا: هَاتِ: قَالَ أَرض بَين الْحبرَة وَالْفُرَاتِ. فَاخْتَطَّ النَّاسُ الْكُوفَةَ وَنَزَلُوهَا. قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: حَدَّثَنِي مِسْعَرٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَقَدْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاهُ، وَهُوَ يَفْحَصُ وَيَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النِّسَاء: 69] ؛ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: وحَدثني عَمْرو بْنُ مُهَاجِرٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا مِحْجَنٍ أُتِيَ بِهِ إِلَى سَعْدٍ، وَقَدْ شَرِبَ خَمْرًا يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ؛ فَأَمَرَ بِهِ إِلَى الْقَيْدِ. وَكَانَتْ بِسَعْدٍ جِرَاحَةٌ فَلَمْ يَخْرُجْ يَوْمَئِذٍ إِلَى النَّاسِ، فَصَعَدُوا بِهِ فَوْقَ الْعَذِيبِ لِيَنْظُرَ إِلَى النَّاس قَالَ: وَاسْتعْمل   1 المسلحة مَوضِع السِّلَاح وكل مَوضِع مَخَافَة يقف فِيهِ الْجند بِالسَّلَامِ للمراقبة والمحافظة وكل قوم مسلحون فِي ثغر أَو مخفر للمحافظة على الْمَكَان. 2 يَعْنِي قططهم. 3 لم يناسبهم جوها. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 41 سَعْدٌ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ عَرْفَطَةَ؛ فَلَمَّا الْتَقَى النَّاسُ قَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: كَفَى حَزَنًا أَنْ تَرْتَدِي الْخَيْلُ بِالْقَنَا ... وَأُتْرَكَ مَشْدُودًا عَلَيَّ وَثَاقِيَا ثُمَّ قَالَ لامْرَأَةِ سَعْدٍ: أَطْلِقِينِي، فَلَكِ اللَّهُ عَلَيَّ إِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ أَنْ رَاجع حَتَّى أَضَعَ رِجْلِي فِي الْقَيْدِ وَإِنْ أَنَا قُتِلْتُ اسْتَرَحْتُمْ مِنِّي قَالَ: فَأَطْلَقَتْهُ حِينَ الْتَقَى النَّاسُ. قَالَ: فَرَكِبَ فَرَسًا لِسَعْدٍ أنْثَى يُقَالُ لَهَا الْبَلْقَاءُ، وَأَخَذَ رُمْحًا وَخَرَجَ فَجَعَلَ لَا يَحْمِلُ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْعَدُوِّ إِلا هَزَمَهُمْ؛ فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ: هَذَا مَلَكٌ لِمَا يَرَوْنَهُ يَصْنَعُ، وَجَعَلَ سَعْدٌ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: الصَّبْرُ صَبْرُ الْبَلْقَاءِ1 وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبِي مِحْجَنٍ، وَأَبُو مِحْجَنٍ فِي الْقَيْدِ! فَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ وَرَجَعَ أَبُو مِحْجَنٍ حَتَّى وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْقَيْدِ فَأَخْبَرَتِ امْرَأَةُ سَعْدٍ سَعْدًا بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَضْرِبُ الْيَوْمَ رَجُلا أَبْلَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى يَدَيْهِ مَا أَبْلَى. قَالَ فَخَلَّى سَبِيلَهُ. فَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: قد كنت حَيْثُ كَانَ الْحَدُّ يُقَامُ عَلَيَّ وأطهر مِنْهَا، وَأما الْيَوْم فو الله لَا أَشْرَبُهَا أَبَدًا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: كَانَتْ بُجَيْلَةُ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ رُبُعُ النَّاسِ. قَالَ وَلَحِقَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ بِالْفُرْسِ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ بَأْسَ النَّاسِ هَاهُنَا لِبُجَيْلَةَ، قَالَ فَوَجَّهُوا إِلَيْنَا سِتَّةَ عَشَرَ فِيلا وَإِلَى سَائِرِ النَّاسِ فِيلَيْنِ، قَالَ: وَالله إِن عمر ابْن معديكرب يُحَرِّضُ النَّاسَ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ كُونُوا أُسْدًا عَنَابِسَةً؛ فَإِنَّمَا الْفَارِسِيُّ تَيْسٌ بَعْدَ أَنْ يُلْقِيَ نَيْزَكَهُ. قَالَ: وَأَسْوَارٌ2 مِنْ أَسَاوِرَتِهِمْ لَا تَقَعُ لَهُ نَشَّابَةٌ فَقُلْتُ: اتِّقَاءً يَا أَبَا ثَوْرٍ، وَرَمَاهُ الْفَارِسِيُّ فَأَصَابَ فَرَسَهُ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ عَمْرٌو فَاعْتَنَقَهُ، وَذَبَحَهُ كَمَا تُذْبَحُ الشَّاةُ وَأَخَذَ سَلَبَةُ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَقِبَاءٍ دَيْبَاجٍ وَمِنْطَقَةٍ بِالذَّهَبِ. قَالَ فَلَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ أُعْطِيَتْ بُجَيْلَةُ رُبُعَ السَّوَادِ فَأَكَلُوهُ ثَلاثَ سِنِينَ، ثُمَّ وَفَدَ جرير إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: يَا جُرَيْرُ إِنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ، لَوْلا ذَلِكَ لَسَلَّمْتُ لَكُمْ مَا قَسَمْتُ لَكُمْ؛ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يُرَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَرَدَّهُ جُرَيْرٌ فَأَجَازَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِثَمَانِينَ دِينَارًا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي حُصَيْنٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ قَدِ اسْتَعَمَلَ النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرَّنٍ عَلَى كُسْكَرَ. فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن   1 يَعْنِي فرسه. 2 هُوَ الْقَائِد من قواد الْفرس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 42 مَثَلِي وَمَثَلَ كُسْكَرَ مَثَلُ رَجُلٍ شَابٍّ عِنْدَهُ مُومِسَةٌ تَتَلَوَّنُ لَهُ وَتَتَعَطَّرُ، وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهُ لَمَا عَزَلْتَنِي عَنْ كُسْكَرَ وَبَعَثْتَنِي فِي جَيْشٍ مِنْ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَكَتَبَ إِلَيه عُمَرُ أَنْ سِرْ إِلَى النَّاسِ بِنَهَاوَنْدَ فَأَنْتَ عَلَيْهِمْ -وَهَذَا حِين انْهَزَمت الْفرس من جلاولاء - فَائْتِ نَهَاوَنْدَ. قَالَ فَسَارَ إِلَيْهِمُ النُّعْمَانُ فَالْتَقَوْا فَكَانَ أَوَّلُ قَتِيلٍ وُجِدَ سُوَيْدُ بْنُ مُقَرِّنِ1 الرَّايَةَ فَفَتَحَ اللَّهُ لَهُمْ. وَهَزَمَ الْمُشْرِكِينَ فَلَمْ تَقُمْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ بَعْدَ يَوْمِئِذٍ. وَأَمَّا غَيْرُ حُصَيْنٍ فَحَدَّثَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا شَاوَرَ الْهُرْمُزَانَ فِي فَارِسٍ وَأَصْبَهَانَ وَأَذَرَبِيجَانَ فَقَالَ لَهُ الهرمزان: إِن أَصْبَهَان الرَّأْي وَفَارِسٌ وَأَذْرَبِيجَانَ الْجَنَاحَانِ؛ فَابْدَأْ بِالرَّأْسِ أَوَّلا. فَدَخَلَ عُمَرُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ بِالنُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ يُصَلِّي، فَقَعَدَ إِلَى جَنْبِهِ؛ فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ قَالَ: لَا أَرَانِي إِلا مُسْتَعْمِلُكَ. قَالَ أَمَّا جَابِيًا فَلا، وَلَكِنْ غَازِيًا. قَالَ: فَإِنَّكَ غَازٍ؛ فَوَجَّهَهُ وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ -وَذَلِكَ بَعْدَ أَنِ اخْتَطَّ النَّاسُ بِهَا وَنَزَلُوا- أَنْ يَمُدُّوهُ، وَمَعَ النُّعْمَانُ بْنُ مُقَرِّنٍ عَمْرُو بن معديكرب وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَالأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ؛ فَسَارَ النُّعْمَانُ بِالْمُسْلِمِينَ؛ فَلَمَّا صَارُوا إِلَى نُهَاوَنْدَ أَرْسَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى مَلِكِهِمْ، وَهُوَ إِذْ ذَاكَ ذُو الْجَنَاحَيْنِ، فَقَطَعَ إِلَيْهِمُ الْمُغِيرَةَ نَهْرَهُمْ. فَقِيلَ لِذِي الْجَنَاحَيْنِ: إِنَّ رَسُولَ الْعَرَبِ هَاهُنَا، فَشَاوَرَ أَصْحَابَهُ وَمَنْ مَعَهُ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ أَنْ أَقْعُدَ لَهُ فِي بَهْجَةِ الْمُلْكِ وَهَيْبَتِهِ أَوْ أَقْعُدَ لَهُ فِي هَيئته الْحَرْبِ؟ فَقَالُوا. اقْعُدْ لَهُ فِي بهجة الْملك وهيبته؛ فَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَوَضَعَ تَاجًا عَلَى رَأْسِهِ، وَأَجْلَسَ أَبْنَاءَ الْمُلُوكِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ عَلَيْهِمْ أَسْوِرَةُ الذَّهَبِ وَالْقِرَطَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالدَّيْبَاجِ، ثُمَّ أَذِنَ لِلْمُغِيرَةِ؛ فَلَمَّا دَخَلَ أَخَذَ بِضَبْعَيْهِ رَجُلانِ. وَمَعَ الْمُغِيرَةِ سَيْفُهُ وَرُمْحُهُ فَجَعَلَ يَطْعَنُ بِرُمْحِهِ فِي بُسُطِهِمْ يُخَرِّقُهَا لِيَتَطَيَّرُوا مِنْ ذَلِكَ. حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ يُكَلِّمَهُ وَالتَّرْجُمَانُ يُتَرْجِمُ بَيْنَمَا؛ فَقَالَ: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَمَّا أَصَابَكُمْ مِنَ الْجُوعِ وَالْجَهْدِ جِئْتُمْ إِلَيْنَا، فَإِنْ شِئْتُمْ أَمَرْنَا لَكُمْ وَرَجَعْتُمْ. فَتَكَلَّمَ الْمُغِيرَةُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّا مَعْشَرَ الْعَرَبِ كُنَّا أَذِلَّةً، يَطَؤُنَا النَّاسُ وَلا نَطَؤُهُمْ؛ فَبَعَثَ اللَّهُ مِنَّا نَبِيًا فِي شَرَفٍ مِنْ أَوْسَطِنَا حَسَبًا وَأَصْدَقِنَا حَدِيثًا، فَأَخْبَرَنَا بِأَشْيَاءَ وَجَدْنَاهَا كَمَا قَالَ، وَإِنَّهُ وَعَدَنَا فِيمَا وَعَدَنَا أَنْ سَنَمْلِكُ مَا هَاهُنَا ونغلب عَلَيْهِ، وَأرى هَاهُنَا أَثَرَهُ وَهَيْئَةَ مَا مَنْ خَلْفِي بِتَارِكِيهَا حَتَّى يُصِيبُوهَا. قَالَ الْمُغيرَة وَقَالَت لَيْسَ نَفسِي لَو جمعت جرامبزك فَوَثَبْتَ وَقَعَدْتَ مَعَ الْعِلْجِ عَلَى   1 يَبْدُو أَن هُنَا سقطا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 43 السَّرِيرِ حَتَّى يَتَطَيَّرُوا، قَالَ: فَوَثَبْتُ فَإِذَا أَنَا مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ. قَالَ: فَجعلُوا يطؤوني بِأَرْجُلِهِمْ وَيُنَحُّونِي بِأَيْدِيهِمْ. قَالَ فَقُلْتُ: إِنَّا لَا نَفْعَلُ هَذَا بِرُسُلِكُمْ، فَإِنْ كُنْتُمْ عَجَزْتُمْ فَلا تُؤَاخِذُونِي، فَإِنَّ الرُّسُلَ لَا يُفْعَلُ بِهَا هَذَا. قَالَ: فَكَفُّوا عَنِّي. قَالَ فَقَالَ الْمَلِكُ: إِنْ شِئْتُمْ قَطَعْنَا إِلَيْكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ قَطَعْتُمْ إِلَيْنَا، قَالَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: بَلْ نَقْطَعُ إِلَيْكُمْ. قَالَ: فَقَطَعْنَا إِلَيْهِمْ. قَالَ: فَتَسَلْسَلُوا كُلُّ خَمْسَةٍ وَسَبْعَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَعَشْرَةٍ فِي سِلْسِلَةٍ حَتَّى لَا يَفِرُّوا. قَالَ: فَعَبَرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ فَصَافُّوهُمْ فَرَشَقُونَا حَتَّى أَسْرَعُوا فِينَا، قَالَ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ لِلنُّعْمَانِ: إِنَّهُ قَدْ أَسْرَعَ فِي النَّاسِ وَقَدْ جُرِحُوا فَلَوْ حَمَلْتَ؛ فَقَالَ لَهُ النُّعْمَان إِنَّك لذُو مَنَاقِبَ وَقَدْ شَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَكَانَ إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ انْتَظَرَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَتَهُبَّ الرِّيَاحُ وَيَنْزِلُ النَّصْرُ. ثُمَّ قَالَ: إِنِّي هَازٌّ الرَّايَةَ ثَلاثَ هِزَّاتٍ؛ فَأَمَّا أَوَّلُ هِزَّةٍ فَلْيَقْضِ الرَّجُلَ حَاجَتَهُ وَلْيُجَدِّدَ وَضُوءًا، وَأَمَّا الثَّانِيَةَ فَلْيَنْظُرِ الرَّجُلُ إِلَى شِسْعِهِ وَيَرُمَّ مِنْ سِلاحِهِ1؛ فَإِذَا هَزَزْتُ الثَّالِثَةَ فَاحْمِلُوا، وَلا يَلْوِيَنَّ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَإِنْ قُتِلَ النُّعْمَانُ فَلا يَلْوِيَنَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَإِنِّي دَاع الله بِدَعْوَةٍ فَأَقْسَمْتُ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْكُمْ لَمَا أَمَّنَ عَلَيْهَا. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْزُقِ النُّعْمَانَ شَهَادَةً الْيَوْمَ فِي نَصْرٍ وَفَتْحٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: فَأَمَّنَ الْقَوْمُ، قَالَ: فَهَزَّ الرَّايَةَ ثَلاثَ هِزَّاتٍ، قَالَ: ثُمَّ حَمَلَ وَحَمَلَ النَّاسُ فَكَانَ النُّعْمَانُ أَوَّلُ صَرِيعٍ، قَالَ: فَمَرَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ صَرِيعٌ، قَالَ: فَأَسِفْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرْتُ عَزِيمَتَهُ؛ فَلَمْ أَلْوِ عَلَيْهِ وَأَعْلَمُ عِلْمًا حَتَّى يعر مَكَانُهُ. قَالَ: فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا قَتَلُوا الرَّجُلَ شَغَلُوا عَنْهُ أَصْحَابَهُ، وَوَقَعَ ذُو الْجَنَاحَيْنِ عَنْ بَغْلَةٍ لَهُ شهباء انْشَقَّ بَطْنُهُ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَأَتَى مَكَانَ النُّعْمَانِ فَإِذَا بِهِ رَمَقٌ، وَأَتَوْهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَ النَّاسُ؟ قَالَ فَقِيلَ لَهُ: فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، اكْتُبُوا بِذَلِك إِلَى عُمَرَ. وَقَضَى نَحْبَهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَرَحِمَهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ قَرَأَ كِتَابَ عُمَرَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِنَهَاوَنْدَ: إِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ فَلَا تَفِرُّوا وَإِذا غنتم فَلا تَغُلُّوا2؛ فَلَمَّا لَقِينَا الْعَدُوَّ وَقَالَ لنا النُّعْمَان: لَا تُوَاقِعُوهُمْ -ذَلِك فِي يَوْم الْجُمُعَة- حَتَّى يَصْعَدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَسْتَنْصِرْ3، ثمَّ وقعناهم؛ فَكَانَ النُّعْمَانُ أَوَّلُ صَرِيعٍ فَقَالَ: سجوني ثوبا4.   1 أَي يصلحه. 2 الْغلُول من الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة الْأَخْذ. 3 أَي يصعد الْمِنْبَر لخطبة الْجُمُعَة فيدعو بالنصر للْمُسلمين. 4 غطوني بِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 44 وَأَقْبِلُوا عَلَى عَدُوِّكُمْ وَلا أَهُولَنَّكُمْ. قَالَ: فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا ثُمَّ أَتَى عمر الْخَبَر صعد الْمِنْبَرَ فَنَعَى النُّعْمَانَ إِلَى النَّاسِ، وَقد كَانَ خير نَهَاوَنْدَ وَالْمُسْلِمِينَ أَبْطَأَ عَلَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؛ فَكَانَ يَسْتَنْصِرُ وَكَانَ النَّاسُ مِمَّا يَرَوْنَ مِنَ اسْتِنْصَارِهِ لَيْسَ لَهُمْ ذِكْرٌ إِلا نَهَاوَنْدَ وَابْنَ مُقَرِّنٍ. فَحَدَّثَنِي بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ شَيْخٌ قَدِيمٌ قَالَ: قَدِمَ أَعْرَابِيٌّ الْمَدِينَةَ فَقَالَ مَا بَلَغَكُمْ عَنْ نَهَاوَنْدَ وَابْنِ مُقَرِّنٍ؟ فَقِيلَ لَهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: لَا شَيْءٌ. قَالَ: فَأَتَى عُمَرَ كُلَيْبٌ الْجَرْمِيُّ فَخَبَّرَهُ بِخَبَرِ الأَعْرَابِيِّ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا ذِكْرُكَ نَهَاوَنْدَ وَابْنَ مُقَرِّنٍ إِلا وَعِنْدَكَ خَبَرٌ أَخْبِرْنَا؛ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنا فلَان ابْن فُلانٍ الْفُلانِيُّ، خَرَجْتُ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَإِلَى رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَهْلِي وَمَالِي، فَنَزَلْنَا مَوْضِعَ كَذَا وَكَذَا؛ فَلَمَّا ارْتَحَلْنَا فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: مِنَ الْعِرَاقِ. قُلْنَا: فَمَا خَبَرُ النَّاسِ؟ قَالَ: الْتَقَوْا فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدو؛ وَقتل ابْن مقرن، وَلَا وَالله مَا أَدْرِي مَا تهاوند وَلا ابْنَ مُقَرِّنٍ، قَالَ: أَتَدْرِي بِأَيِّ يَوْمٍ ذَلِكَ مِنَ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا أَدْرِي؛ لَكِنِّي أَدْرِي مَتَى فُعِلَ ذَلِكَ قَالَ: ارْتَحَلْنَا يَوْمَ كَذَا فَنَزَلْنَا مَوْضِعَ كَذَا -يَعُدُّ مَنَازِلَهُ- قَالَ فَقَالَ عُمَرُ: ذَاكَ يَوْمُ كَذَا هُوَ الْجُمُعَةُ وَلَعَلَّكَ أَنْ تَكُونَ لَقِيتَ بَرِيدًا مِنْ بُرُدِ الْجِنِّ، فَإِنَّ لَهُمْ بُرُدًا قَالَ: فَمَضَى مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ الْخَبَرُ أَنَّهُمُ الْتَقَوْا يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا أُتِيَ عُمَرُ بِنَعْيِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَجَعَلَ يَبْكِي. قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ مُدْرِكِ بْنِ عَوْفٍ الأَحْمَسِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؛ إِذْ أَتَاهُ رَسُولُ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَسْأَلُهُ عَنِ النَّاسِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَذْكُرُ مَنْ أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ بِنَهَاوَنْدَ؛ فَيَقُولُ: فُلانُ ابْنُ فُلانٍ وَفُلانُ ابْنُ فُلانٍ، ثُمَّ قَالَ الرَّسُولُ: وَآخَرُونَ لَا نعرفهم. قَالَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَكِنِ اللَّهُ يَعْرِفُهُمْ، قَالَ: وَرَجُلٌ شَرَى نَفْسَهُ1 -يَعْنِي عَوْفَ بْنَ أَبِي حَيَّةَ أَبَا شِبْلٍ الأحمسي- فَقَالَ مدرك ابْن عَوْفٍ: ذَاكَ وَاللَّهِ خَالِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّهُ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: كَذَبَ أُولَئِكَ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ مِنَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الآخِرَةَ بِالدُّنْيَا. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَكَانَ أُصِيبَ وَهُوَ صَائِمٌ فَاحْتُمِلَ وَبِهِ رَمَقٌ فَأَبَى أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله تَعَالَى. رَأْي الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فِي تَقْسِيم السوَاد: قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: فَلَمَّا افْتُتِحَ السَّوَادُ شَاوَرَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ   1 بَاعهَا فِي سَبِيل الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 45 النَّاسَ فِيهِ فَرَأَى عَامَّتُهُمْ أَنْ يُقَسِّمَهُ، وَكَانَ بِلالُ بْنُ رَبَاحٍ مِنْ أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنْ يُقَسِّمَهُ، وَكَانَ رَأْيُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ رَأْيَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَكَانَ رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَلا يُقَسِّمَهُ حَتَّى قَالَ عِنْدَ إِلْحَاحِهِمْ عَلَيْهِ فِي قِسْمَتِهِ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلالا وَأَصْحَابَهُ؛ فَمَكَثُوا بِذَلِك أَيَّامًا حَتَّى قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَهُم: فقد وَجَدْتُ حُجَّةً فِي تَرْكِهِ وَأَنْ لَا أُقَسِّمَهُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ الله ورضوانا} ؛ فمثلا عَلَيْهِمْ حَتَّى بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} . قَالَ: فَكَيْفَ أُقْسِمُهُ لَكُمْ، وَأَدَعُ مَنْ يَأْتِي بِغَيْرِ قَسْمٍ؟ فَأَجْمَعَ عَلَى تَرْكِهِ وَجَمْعِ خَرَاجِهِ وَإِقْرَارِهِ فِي أَيدي أهليه وَوَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضِيهِمْ وَالْجِزَيَةِ على رُءُوسهم. مساحة السوَاد وَمَا وَضعه عمر عَلَيْهِ: قَالَ أَبُو يُوسُف: فَحَدَّثَنِي السَّرِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَسَحَ السَّوَادَ؛ فَبَلَغَ سِتَّةً وَثَلاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جُرَيْبٍ1، وَأَنَّهُ وَضَعَ على جريب الزَّرْع درها وَقَفِيزًا، وَعَلَى الْكَرْمِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَعَلَى الرَّطِبَةِ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الرَّجُلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَأَرْبَعَةً وَعشْرين درها، وَثَمَانِية وَأَرْبَعين درهما2. مَا وظفه عمر لعماله: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ عَلَى الصَّلاةِ وَالْحَرْبِ، وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَبَيْتِ الْمَالِ، وَبَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ عَلَى مِسَاحَةٍ الأَرَضِينَ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ شَاةً كُلَّ يَوْم -شَرطهَا وَبَطْنُهَا لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَرُبُعُهَا لعبد الله بن مَسْعُودٍ، وَالرُّبُعُ الآخَرُ لِعُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ- وَقَالَ: إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي الْيَتِيمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 6] وَاللَّهِ مَا أَرَى أَرْضًا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَاةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ إِلا اسْتَسْرَعَ خَرَابُهَا. مَا وظف على أَنْوَاع الثَّمر والرءوس وَالْأَرْض: قَالَ: فَمَسَحَ عُثْمَانُ الأَرَضِينَ، وَجَعَلَ عَلَى جَرِيبِ الْعِنَبِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وعَلى جريب   1 الجريب مكيال قدر أَرْبَعَة أَقْفِزَة، والقفيز يعادل بِالْكَيْلِ الْمصْرِيّ نَحْو سنة عشر كيلو جرام. 2 حسب فقره وتسوطه وغناه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 46 النَّخْلِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْقَصَبِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْحِنْطَةِ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ دِرْهَمَيْنِ، وَعَلَى الرَّأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ. قَالَ سَعِيدٌ وَخَالَفَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي فَقَالَ: عَلَى جَرِيبِ النَّخْلِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى جَرِيبِ الْعِنَبِ ثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ جَارِيَة بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُقَسِّمَ السَّوَادَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُحْصُوا؛ فَوَجَدَ الرَّجُلَ يُصِيبُ الاثْنَيْنِ وَالثَّلاثَةَ مِنَ الْفَلاحِينَ، فَشَاوَرَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: دَعْهُمْ يَكُونُوا مَادَّةً لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَبَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ فَوَضَعَ عَلَيْهِم ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين درهما، وَأَرْبَعين وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلا أَنْ يَضْرِبَ بَعْضُكُمْ وُجُوهَ بَعْضٍ لَقَسَّمْتُ السَّوَادَ بَيْنَكُمْ. وَشَكَا أَهْلُ السَّوَادِ إِلَيْهِ فَبَعَثَ مِائَةَ فَارِسٍ، فِيهِمْ ثَعْلَبَةُ بْنُ يَزِيدَ الْحِمَّانِيُّ؛ فَلَمَّا رَجَعَ ثَعْلَبَةُ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَرْجِعَ إِلَى السَّوَادِ أَبَدًا. لِمَا رَأَى فِيهِ مِنَ الشَّرِّ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ عَلَى مَا وَرَاءَ دِجْلَةَ، وَبَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ عَلَى مَا دُونَهُ؛ فَأَتَيَاهُ فَسَأَلَهُمَا: كَيْفَ وَضَعْتُمَا عَلَى الأَرْضِ، لَعَلَّكُمَا كَلَّفْتُمَا أَهْلَ عملكما مَا لَا يُطِيقُونَ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَقَدْ تَرَكْتُ فَضْلا. وَقَالَ عُثْمَانُ: لَقَدْ تَرَكْتُ الضِّعْفَ. وَلَوْ شِئْتُ لأَخَذْتُهُ؛ فَقَالَ عُمَرُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لأَرَامِلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ لأَدَعَنَّهُمْ لَا يَفْتَقِرُونَ إِلَى أَمِيرٍ بعدِي. قَالَ: وحثدني السَّرِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَرَضَ عَلَى الْكَرْمِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الرَّطِبَةِ خَمْسَةً، وَعَلَى كُلِّ أَرْضٍ يَبْلُغُهَا الْمَاءُ عَمِلَتْ أَوْ لَمْ تَعْمَلْ دِرْهَمًا وَمَخْتُومًا "قَالَ عَامِرٌ: هُوَ الْحَجَّاجِيُّ، وَهُوَ الصَّاعُ"، وَعَلَى مَا سَقَتِ السَّمَاءُ مِنَ النَّخْلِ الْعُشْرَ وَعَلَى مَا سُقِيَ بِالدَّلْوِ نِصْفَ الْعُشْرِ1، وَمَا كَانَ مِنْ نَخْلٍ عُمِلَتْ أَرْضُهُ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء.   1 وَالْأول هُوَ مَا سقِِي بالراحة وَالثَّانِي مَا سقِِي بالكلفة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 47 قَالَ: وَحَدَّثَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأودي قَالَ: شهِدت عُمَرُ ابْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَاقِفًا عَلَى حُذَيْفَة بن الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ وَهُوَ يَقُولُ لَهُمَا: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ. وَكَانَ عُثْمَانُ عَامِلا عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ، وَحُذَيْفَةُ على مَا رواء دِجْلَةَ مِنْ جَوْخَى وَمَا سَقَتْ؛ فَقَالَ عُثْمَانُ: حَمَّلْتُ الأَرْضَ أَمْرًا هِيَ لَهُ مطيقة ولوشئت لأَضْعَفْتُ أَرْضِي. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: وَضَعْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُحْتَمِلَةٌ، وَمَا فِيهَا كَثِيرَة فَضْلٍ؛ فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: انْظُرَا لَا تَكُونَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ، أَمَا لَئِنْ بَقِيتُ لأَرَامِلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ لأَدَعُهُنَّ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى أَحَدٍ بَعْدِي، وَكَانَ حُذَيْفَةُ عَلَى خَتْمِ جَوْخَى وَعُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ عَلَى خَتْمِ أَسْفَلِ الْفُرَاتِ -خَتْمِ الأَعْنَاقِ، قَالَ: وَأَوْصَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَصِيَّتِهِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ أَن يُوفى لَهُم بعدهمْ وَلا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ وَأَنْ يُقَاتل من ورائهم1. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ لَمَّا أَرَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ يَمْسَحَ السَّوَادَ أَرْسَلَ إِلَى حُذَيْفَةَ: أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِدِهْقَانٍ مِنْ جَوْخَى. وَبَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ: أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِدِهْقَانٍ مِنْ قِبَلِ الْعِرَاقِ؛ فَبَعَثَ إِلَيْهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِوَاحِدٍ وَمَعَهُ تَرْجُمَانُ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ؛ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تُؤَدُّونَ إِلَى الأَعَاجِمِ فِي أَرْضِهِمْ؟ قَالُوا: سَبْعَةٌ وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا؛ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَا أَرْضَى بِهَذَا مِنْكُمْ، وَوَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ2 عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ يَنَالُهُ الْمَاءُ قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ وَدِرْهَمًا؛ فمسحا على ذَلِك؛ فَكَانَت مساحتها مُخْتَلِفَةٌ. كَانَ عُثْمَانُ عَالِمًا بِالْخَرَاجِ فَمَسَحَهَا مِسَاحَةَ الدَّيْبَاجِ، وَأَمَّا حُذَيْفَةُ فَكَانَ أهل جوخى قوما مَنَاكِير فَلَعِبُوا بِهِ فِي مِسَاحَتِهِ، وَكَانَتْ جَوْخَى يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ فَخَرِبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَغَارَتْ مِيَاهُهَا وَقَلَّتْ مَنَافِعُهَا، وَصَارَتْ وَظِيفَتُهَا يَوْمَئِذٍ هَيِّنَةٌ لِمَا كَانُوا عَمِلُوا عَلَى حُذَيْفَةَ فِي مِسَاحَتِهِ3. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ بن عتيبة عَن عَمْرو بن مَيْمُون وَجَارِيَة بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ عُثْمَان بن حَنِيفٍ عَلَى السَّوَادِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يمسحه فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ مِمَّا يُعْمَلُ مِثْلُهُ درهما   1 فَإِن من ظلم معاهدا حَقه لم يرح رَائِحَة الْجنَّة -كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 2 ذكرنَا معنى الجريب قبل. 3 وَهَكَذَا كل مكير يمكر الله بِهِ {ويمكرون ويمكر الله وَالله خير الماكرين} يجازيهم على مَكْرهمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 48 وَقَفِيزًا، وَأَلْغَى الْكَرْمَ وَالنَّخْلَ وَالرِّطَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَرْضِ وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ رَأْسٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَضِيَافَةً ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لِمَنْ مر بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَجَبَاهُمْ عُثْمَانُ ثَلاثَ سِنِينَ، ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ: إِنَّهُمْ يُطِيقُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنِ ابْنِ عَوْفٍ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَسَحَ السَّوَادَ مَا دُونَ جَبَلِ حُلْوَانَ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ يَنَالهُ المَاء بدلُوا أَوْ بِغَيْرِهِ زُرِعَ أَوْ عُطِّلَ1 دِرْهَمًا وَقَفِيزًا وَاحِدًا، وَمِنْ كُلِّ رَأْسٍ مُوسِرٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَمِنَ الْوَسَطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمِنَ الْفَقِيرِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَخَتَمَ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ رَصَاصًا، وَأَلْغَى لَهُمُ النَّخْلَ عَوْنًا لَهُمْ وَأَخَذَ مِنْ جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْ جَرِيبِ السِّمْسِمِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنَ الْخُضَرِ مِنْ غَلَّةِ الصَّيْفِ مِنْ كُلِّ جَرِيبٍ ثَلاثَةَ دَرَاهِمَ، وَمِنْ جَرِيبِ الْقُطْنِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ إِذَا صَالَحَ قَوْمًا اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا مِنَ الْخَرَاجِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنْ يُقْرُوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ2، وَأَن يهدوا الطَّرِيق وَلَا يمالئوا علينا عدونا وَلَا يئووا لَنَا مُحْدِثًا؛ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فهم آمنُوا عَلَى دِمَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلَهُم بذلك ذمَّة اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ بَرَاءٌ مِنْ معرة الْجَيْش3.   1 إِذا الْعَيْب على صَاحبه الَّذِي عطله عَن الزَّرْع. 2 أَي يضيفون الغرباء. 3 معرة الْجَيْش أَن ينزلُوا بِقوم فَيَأْكُلُونَ من زرعهم وَأَمْوَالهمْ بِمَا لم يُؤْذونَ لَهُم فِيهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 49 فَصْلٌ: فِي أَرْضِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْرِ الشَّامِ والجزية وَفُتُوحِهِمَا، وَمَا كَانَ جَرَى عَلَيْهِ الصُّلْحُ فِيمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ مِنْهُمَا؛ فَإِنِّي كَتَبْتُ إِلَى شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ لَهُ عِلْمٌ بِأَمْرِ الْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ فِي فَتْحِهِمَا أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَكَتَبَ إِلَيَّ: حَفِظَكَ اللَّهُ وَعَافَاكَ، قَدْ جَمَعْتُ لَكَ مَا عِنْدِي مِنْ عِلْمِ الشَّام والجزيرة وَلَيْسَ بِشَيْء حَفِظْتُهُ عَنِ الْفُقَهَاءِ، وَلا عَمَّنْ يُسْنِدُهُ عَنِ الْفُقَهَاءِ؛ وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ من حَدِيث من ويصف بِعِلْمِ ذَلِكَ، وَلَمْ أَسْأَلْ عَنْ إِسْنَاده أحدا مِنْهُم. قسْمَة أَرض الجزيرة قبل الْفَتْح: إِنَّ الْجَزِيرَةَ كَانَتْ قَبْلَ الإِسْلامِ طَائِفَةٌ مِنْهَا لِلرُّومِ، وَطَائِفَةٌ لِفَارِسَ، وَلِكُلٍّ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْهَا جند وعمال؛ فَكَانَت رَأْي الْعَيْنِ فَمَا دُونَهَا إِلَى الْفُرَاتِ لِلرُّومِ، وَنَصِيبَيْنَ وَمَا وَرَاءَهَا إِلَى دِجْلَةَ لِفَارِسٍ، وَكَانَ سَهْلُ مَارْدِينَ وَدَارَا إِلَى سِنْجَارَ وَإِلَى الْبَرِّيَّةِ لِفَارِسَ، وَجَبَلُ مَارْدِينَ وَدَارَا وَطُورِ عَبْدِينَ لِلرُّومِ، وَكَانَتْ مَسْلَحَةُ1 مَا بَيْنَ الرُّومِ وَفَارِسِ حِصْنًا يُقَالُ لَهُ حِصْنُ سِرْجَةَ بَيْنَ دَارَا وَبَين نَصِيبين. من فتح الشَّام: فَلَمَّا تَوَجَّهَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى الشَّامِ؛ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَدْ بَعَثَ مَعَهُ شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ، وَسَمَّى لَهُ وِلايَةَ الأَرْدُنَّ وَيَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَسَمَّى لَهُ دِمَشْقَ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَمَدَّهُ بِهِ مِنَ الْيَمَامَةِ وسمى لَهُ حمص، وأمده بَعْدَمَا شَارَفَ الشَّامَ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَقَامَ أَبُو عُبَيْدَة بِأَطْرَافِ الشَّامِ وَمَضَى شُرَحْبِيلُ إِلَى الأُرْدُنِّ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى دِمَشْقَ وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى حِمْصَ. فَلَمَّا انْتَظَمَ لَهُمُ الأَمْرُ وَاسْتَقَامَ وَجَّهَ أَبُو عُبَيْدَةَ شُرَحْبِيلَ إِلَى قِنَّسْرِينَ فَفَتحهَا.   1 المسلح والمسلحة: كل مَوضِع مَخَافَة يقف فِيهِ الْجند بِالسِّلَاحِ للمراقبة والمحافظة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 50 دُخُول الرها وَمَا صولح عَلَيْهِ أَهلهَا: وَوَجَّهَ عِيَاضَ بْنَ غَنَمٍ الْفِهْرِيَّ إِلَى الْجَزِيرَةِ وَمَدِينَةِ مَلِكِ الرُّومِ يَوْمَئِذٍ الرُّهَا فَعَمَدَ لَهَا عِيَاضُ بن غنم، وَلم يتَعَرَّض لشَيْء مِمَّا مَرَّ بِهِ مِنَ الْقُرَى وَالرَّسَاتِيقِ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا وَلا جُنْدًا حَتَّى نَزَلَ الرَّهَا فَأَغْلَقَ أَصْحَابُهَا أَبْوَابَهَا وَأَقَامَ عِيَاضٌ عَلَيْهَا لُبْثًا لَمْ يُسَمَّ لِي؛ فَلَمَّا رأى صَاحبهَا الحاصر وَيَئِسَ مِنَ الْمَدَدِ فَتَحَ لَهَا بَابا من الْجَبَلِ لَيْلا فَهَرَبَ، وَأَكْثَرُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنَ الْجُنْدِ وَبَقِيَ فِي الْمَدِينَةِ أَهْلُهَا مِنَ الأَنْبَاطِ وَهُمْ كَثِيرٌ، وَمَنْ لَمْ يُرِدِ الْهَرَبَ مِنَ الرُّومِ وَهُمْ قَلِيلٌ؛ فَأَرْسَلُوا إِلَى عِيَاضِ بْنِ غَنَمٍ يَسْأَلُونَهُ الصُّلْحَ عَلَى شَيْءٍ سَمَّوْهُ فَكَتَبَ عِيَاضٌ بِذَلِك إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ؛ فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ بَعَثَ بِهِ إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ؛ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: إِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَهُمُ الصُّلْحَ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى فَعَجَزُوا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَقْتُلَهُمْ وَلَمْ تَجِدْ بُدًا مِنْ إبِْطَال مَا اشتطرت عَلَيْهِمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ أَيْسَرُوا أَدَّوْهُ عَلَى غَيْرِ الصَّغَارِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِيهِمْ؛ فَاقْبَلْ مِنْهُمُ الصُّلْحَ وَأَعْطِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا الطَّاقَةَ، فَإِن أَيْسَرُوا أَوْ أَعْسَرُوا لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيْهِمْ إِلا مَا يَطِيقُونَ، وَتَمَّ لَكَ شَرْطُكَ وَلَمْ يَبْطُلْ. فَقَبِلَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَكَتَبَ إِلَى عِيَاضِ بْنِ غَنَمٍ؛ فَلَمَّا أَتَى عِيَاضَ بْنَ غَنَمٍ الْكِتَابُ أَعْلَمَهُمْ مَا جَاءَ فِيهِ، فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَقَالَ قَائِلٌ: قَبِلُوا الصُّلْحَ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ. وَقَالَ آخَرُ: أَنْكَرُوا ذَلِكَ وَعَلِمُوا أَنَّ فِي أَيْدِيهِمْ أَمْوَالا وَفُضُولا تَذْهَبُ إِنْ أُخِذُوا بِالطَّاقَةِ وَأَبَوْا إِلا شَيْئًا مُسَمًّى؛ فَلَمَّا رَأَى عِيَاضٌ إِبَاءَهُمْ وَحَصَانَةَ مَدِينَتِهِمْ وَآيِسَ مِنْ فَتْحِهَا عُنْوَةً صَالَحَهُمْ عَلَى مَا سَأَلُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ إِلا أَنَّ الصُّلْحَ قَدْ وَقَعَ وَفُتِحَتْ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ لَا شكّ فِي ذَلِك. دُخُول حران وَالصُّلْح مَعَ أَهلهَا: ثُمَّ سَارَ عِيَاضُ بْنُ غَنَمٍ إِلَى حرَام أَوْ بَعَثَ، وَكَانَتْ أَقْرَبَ الْمَدَائِنِ إِلَيْهِ فَأَغْلَقَهَا أَهْلُهَا مِنَ الأَنْبَاطِ وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنَ الرُّومِ وَكَانُوا بِهَا؛ فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا أَعْطَى أَهْلَ الرَّهَا؛ فَلَمَّا رَأَوْا مَدِينَةَ مُلْكِهِمْ قَدْ فُتِحَتْ أَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ أَجْمَعُونَ. فَأَمَّا الْقُرَى وَالرَّسَاتِيقَ فَإِنَّ أحدا مِنْهُمْ لَمْ يَدَعْ وَلَمْ يَمْتَنِعْ؛ إِلا أَنَّ أَهْلَ كُلِّ كَوْرَةٍ كَانُوا إِذَا فُتِحَتْ مَدِينَتُهُمْ يَقُولُونَ نَحْنُ أُسْوَةَ أَهْلِ مَدِينَتِنَا وَرُؤَسَائِنَا. وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ عِيَاضًا أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ وَلا أَبَاهُ عَلَيْهِمْ؛ فَأَمَّا مَنْ وَلِيَ مِنْ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ فَتْحِهَا فَإِنَّهُمْ قَدْ جَعَلُوا أَهْلَ الرَّسَاتِيقِ أُسْوَةَ أهل الْمَدَائِن إِلَّا فِي أزراق الْجند فَإِنَّهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 51 حَمَّلُوهَا عَلَيْهِمْ دُونَ أَهْلِ الْمَدَائِنِ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْل الْعِلْمِ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ عِلْمًا بِذَلِكَ: إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لأَنَّ أَهْلَ الرَّسَاتِيقِ أَصْحَابُ الأَرَضِينَ وَالزَّرْعِ، وَأَنَّ أَهْلَ الْمَدَائِنِ لَيْسُوا كَذَلِكَ فَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحُجَّةِ يَقُولُونَ: حَقُّنَا فِي أَيْدِينَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي دَوَاوِينِكُمْ وَقَدْ جَهِلْتُمْ وَجَهِلْنَا كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ الأَمْرِ؛ فَكَيْفَ تَسْتَجِيزُونَ أَنْ تُحْدِثُوا عَلَيْنَا مَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ ثَبْتٌ وَتَنْقُضُونَ هَذَا الأَمْرَ الثَّابِتَ فِي أَيْدِيكُمْ الَّذِي لَمْ نَزَلْ عَلَيْهِ. مَا وضع على أهل فَارس: وَأَمَّا مَا كَانَ فِي أَيْدِي أَهْلِ فَارِسٍ مِنَ الْجَزِيرَةِ فَإِنَّهُ لم يبلغنِي فِيهِ شَيْءٍ أَحْفَظُهُ؛ إِلا أَنَّ فَارِسَ لَمَّا هُزِمَتْ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ هُنَالِكَ مِنْ جُنُودِهِمْ تَحَمَّلُوا بِجَمَاعَتِهِمْ وَعَطَّلُوا مَا كَانُوا فِيهِ إِلا أَهْلَ سِنْجَارَ؛ فَإِنَّهُمْ وَضَعُوا بِهَا مَسْلَحَةً يَذُبُّونَ عَنْ سَهْلِهَا وَسَهْلِ مَارْدِينَ وَدَارَا؛ فَأَقَامُوا فِي مَدِينَتِهِمْ؛ فَلَمَّا هَلَكَتْ فَارِسٌ وَأَتَاهُمْ مَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلامِ أَجَابُوا وَأَقَامُوا فِي مَدِينَتِهِمْ وَوَضَعَ عِيَاضُ بْنُ غَنَمٍ الْفِهْرِيُّ على الجماجم الْجِزْيَة1 عَلَى كُلِّ جُمْجُمَةٍ دِينَارًا وَمُدَّيْنِ قَمْحًا وَقِسْطَيْنِ زَيْتًا وَقِسْطَيْنِ خَلا، وجعلهم جَمِيعًا طَبَقَةً وَاحِدَةً؛ فَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ هَذَا عَلَى صُلْحٍ وَلا عَلَى أَمْرٍ أَثْبَتَهُ، وَلا بِرِوَايَةٍ عَنِ الْفُقَهَاءِ، وَلا بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ. فَلَمَّا وَلِيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بَعَثَ الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْعَرِيِّ فَاسْتَقَلَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فَأَحْصَى الْجَمَاجِمَ، وَجَعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عُمَّالا بِأَيْدِيهِمْ، وَحَسَبَ مَا يَكْسِبُ الْعَامِلُ سَنَتَهُ كُلَّهَا ثُمَّ طَرَحَ مِنْ ذَلِكَ نَفَقَتَهُ فِي طَعَامِهِ وَأُدْمِهِ2 وَكِسْوَتِهِ وَحِذَائِهِ وَطَرَحَ أَيَّامَ الأَعْيَادِ فِي السَّنَةِ كُلَّهَا؛ فَوَجَدَ الَّذِي يُحْصَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ جَمِيعًا وَجَعَلَهَا طَبَقَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ حَمَلَ الأَمْوَالَ عَلَى قَدْرِ قُرْبِهَا وَبُعْدِهَا فَجَعَلَ عَلَى كُلِّ مِائَةِ جَرِيبِ زَرْعٍ مِمَّا قَرُبَ دِينَارًا، وَعَلَى كُلِّ أَلْفِ أَصْلِ كَرْمٍ مِمَّا قَرُبَ دِينَارًا، وَعَلَى كُلِّ أَلْفَيْ أَصْلٍ مِمَّا بَعُدَ دِينَارًا، وَعَلَى الزَّيْتُونِ عَلَى كُلِّ مِائَةِ شَجَرَةٍ مِمَّا قَرُبَ دِينَارًا، وَعَلَى كُلِّ مِائَتَيْ شَجَرَةٍ مِمَّا بَعُدَ دِينَارًا، وَكَانَ غَايَةُ الْبُعْدِ عِنْدَهُ مَسِيرَةَ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا دُونَ الْيَوْمِ فَهُوَ فِي الْقُرْبِ. وَحُمِلَتِ الشَّامُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَحُمِلَتِ الْموصل على مثل ذَلِك.   1 أَي جِزْيَة الرُّءُوس. 2 مَا يَأْكُل مَعَ الْخبز. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 52 فَصْل ٌ: كَيْفَ كَانَ فَرْضُ عُمَرَ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي عَنْهُم قسْمَة أبي بكر على النَّاس: قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَالٌ؛ فَقَالَ: من كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَةٌ فَلْيَأْتِ؛ فَجَاءَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرين أَعطيتك هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا1 يُشِير بِيَدِهِ؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: خُذْ؛ فَأَخَذَ بكفيه ثمَّ عده فَوَجَدَهُ خَمْسَمِائَةٍ فَقَالَ: خُذْ إِلَيْهَا أَلْفًا؛ فَأَخَذَ أَلْفًا ثُمَّ أَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَهُ شَيْئًا، وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنَ الْمَالِ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ بِالسَّوِيَّةِ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى. فَخَرَجَ عَلَى سَبْعَةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ. فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ جَاءَ مَالٌ كَثِيرٌ هُوَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ النَّاسِ فَأَصَابَ كُلُّ إِنْسَانٍ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. قَالَ فَجَاءَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّكَ قَسَّمْتَ هَذَا الْمَالَ فَسَوَّيْتَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمِنَ النَّاسِ أُنَاسٌ لَهُمْ فَضْلٌ وَسَوَابِقُ وَقِدَمٌ؛ فَلَوْ فَضَّلْتَ أَهْلَ السَّوَابِقِ وَالْقِدَمِ وَالْفَضْلِ بِفَضْلِهِمْ، قَالَ: فَقَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ السَّوَابِقِ وَالْقِدَمِ وَالْفَضْلِ فَمَا أَعْرَفَنِي بِذَلِك؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَهَذَا مَعَاشٌ فَالأُسْوَةُ فِيهِ خير من الأثرة. مفاضلة عمر رَضِي الله عَنهُ بَين النَّاس فِي الْقِسْمَة: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَجَاءَتِ الْفُتُوحُ فَضْلٌ، وَقَالَ: لَا أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنْ قَاتَلَ مَعَ؛ فَفَرَضَ لأَهْلِ السَّوَابِقِ وَالْقِدَمِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا خَمْسَةَ آلافٍ خَمْسَةَ آلافٍ2، وَلِمَنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا أَرْبَعَةَ آلافٍ أَرْبَعَةَ آلافٍ، وَفَرَضَ لِمَنْ كَانَ لَهُ إِسْلامٌ كَإِسْلامِ أَهْلِ بَدْرٍ دُونَ ذَلِكَ، أَنْزَلَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلهمْ من السوابق. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلَى عَمْرَةَ وَغَيْرُهُ قَالَ: لَمَّا جَاءَت عمر   1 يَعْنِي ثَلَاث مَرَّات وَلذَلِك أعطَاهُ ألفا وَخَمْسمِائة. 2 أَي لكل وَاحِد خَمْسَة آلَاف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 53 ابْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْفُتُوحُ وَجَاءَتِ الأَمْوَالُ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَأَى فِي هَذَا الْمَالِ رَأْيًا وَلِي فِيهِ رَأْيٌ آخَرُ، لَا أَجْعَلُ مَنْ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنْ قَاتَلَ مَعَهُ. فَفَرَضَ للمهاجرين وَالأَنْصَارِ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا خَمْسَةَ آلافٍ خَمْسَةَ آلافٍ، وَفَرَضَ لِمَنْ كَانَ إِسْلامُهُ كَإِسْلامِ أَهْلِ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا أَرْبَعَةَ آلافٍ أَرْبَعَةَ آلافٍ، وَفَرَضَ لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عشر ألفا اثْنَي عشر ألفا إِلا صَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ؛ فَإِنَّهُ فَرَضَ لَهما سِتَّةَ آلافٍ سِتَةَ آلافٍ؛ فَأَبَيَا أَنْ يَقْبَلا؛ فَقَالَ لَهُمَا: إِنَّمَا فرضت لَهُنَّ لِلْهِجْرَةِ. فَقَالَتَا: لَا إِنَّمَا فَرَضْتَ لَهُنَّ لِمَكَانِهِنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَنَا مِثْلُهُ؛ فَعَرَفَ ذَلِكَ عُمَرُ فَفرض لَهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَفَرَضَ لِلْعَبَّاسِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، وَفَرَضَ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَرْبَعَةَ آلافٍ، وَفَرَضَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -ابْنِهِ- ثَلاثَةَ آلافٍ؛ فَقَالَ: يَا أَبَتِ، لِمَ زِدْتَهُ عَلَيَّ أَلْفًا1، مَا كَانَ لأَبِيهِ مِنَ الْفَضْلِ مَا لَمْ يَكُنْ لأَبِي، وَمَا كَانَ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِي، فَقَالَ: إِنَّ أَبَا أُسَامَةَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبِيكَ، وَكَانَ أُسَامَةُ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكَ، وَفَرَضَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ خَمْسَةَ آلافٍ خَمْسَةَ آلافٍ، أَلْحَقَهُمَا بِأَبِيهِمَا لِمَكَانِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفَرَضَ لأَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ؛ فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ: زِيدُوهُ أَلْفًا، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: مَا كَانَ لأَبِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ لآبَائِنَا، وَمَا كَانَ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ لَنَا. فَقَالَ: إِنِّي فَرَضْتُ لَهُ بِأَبِيهِ أَبِي سَلَمَةَ أَلْفَيْنِ وَزِدْتُهُ بِأُمِّهِ أُمِّ سَلَمَةَ2 أَلْفًا، فَإِنْ كَانَ لَكَ أُمٌّ مِثْلَ أُمِّ سَلَمَةَ زِدْتُكَ أَلْفًا. وَفَرَضَ لأَهْلِ مَكَّةَ وَالنَّاسِ ثَمَانِمِائَةٍ ثَمَانِمِائَةٍ؛ فَجَاءَ طَلْحَة بن عَبدِي اللَّهِ بِأَخِيهِ عُثْمَانَ فَفَرَضَ لَهُ ثَمَانِمِائَةٍ فَمَرَّ بِهِ النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ فَقَالَ عُمَرُ: افْرِضُوا لَهُ أَلْفَيْنِ. فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: جِئْتُكَ بِمِثْلِهِ فَفَرَضْتَ لَهُ ثَمَانِمِائَةٍ وَفَرَضْتَ لِهَذَا أَلْفَيْنِ. فَقَالَ: إِنَّ أَبَا هَذَا لَقِيَنِي يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: مَا أُرَاهُ إِلا قَدْ قُتِلَ. فَسَلَّ سَيْفَهُ وَكَسَرَ غِمْدَهُ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قُتِلَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَأَبُو هَذَا يَرْعَى الشَّاءَ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا. فَعمل عمر بِهَذَا مُدَّة خِلَافَته.   1 لم يَقُولُوا ذَلِك طَمَعا فِي المَال؛ وَإِنَّمَا خَافُوا أَن يقلل ذَلِك من شرفهم فِي الْإِسْلَام -رَضِي الله عَن صحابة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أجعين. 2 إِذْ كَانَت زوجا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ابْنهَا ربيبه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 54 أَثَرَة عمر رَضِي الله عَلَى نَفْسِهِ: قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَفْرِضَ لِلنَّاسِ -وَكَانَ رَأْيُهُ خَيْرًا مِنْ رَأْيِهِمْ- قَالُوا لَهُ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، قَالَ: لَا فَبَدَأَ بِالأَقْرَبِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَفَرَضَ لِلْعَبَّاسِ ثُمَّ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا حَتَّى وَالَى بَيْنَ خَمْسِ قَبَائِلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَمَّنْ شَهِدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَفَتَحَ فَارِسَ وَالرُّومَ جَمَعَ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ؛ فَإِنِّي أَرَى أَنْ أجعَل عَطاء النَّاس ي كُلِّ سَنَةٍ وَأَجْمَعَ الْمَالَ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ. قَالُوا: اصْنَعْ مَا رَأَيْتَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُوَفَّقٌ. قَالَ: فَفَرَضَ الأُعْطِيَاتِ، فَدَعَا بِاللَّوْحِ فَقَالَ: بِمَنْ أَبْدَأُ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: ابْدَأْ بِنَفْسِكَ؛ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنْ أَبْدَأُ بِبَنِي هَاشِمٍ رَهْطِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَكَتَبَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ -مِنْ مَوْلًى أَوْ عَرَبِيٍّ1- لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَمْسَةُ آلافٍ خَمْسَةُ آلافٍ، وَفَرَضَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا ثُمَّ فَرَضَ لِمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ وَفَرَضَ لِلْبَدْرِيِّينَ أَجْمَعِينَ -عَرَبِيِّهِمْ وَمَوْلاهُمْ- خَمْسَةَ آلافٍ خَمْسَةَ آلافٍ، وَفَرَضَ لِلأَنْصَارِ أَرْبَعَةَ آلافٍ أَرْبَعَةَ آلافٍ؛ فَكَانَ أَوَّلُ أَنْصَارِي فرض لَهُ مُحَمَّد ابْن مَسْلَمَةَ وَفَرَضَ لأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَة آلافٍ عَشْرَةَ آلافٍ وَفَرَضَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا2، وَفَرَضَ لِمُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ أَرْبَعَةَ آلافٍ أَرْبَعَةَ آلافٍ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ، وَفرض لعمل بْنِ أَبِي سَلَمَةَ لِمَكَانِ أُمِّ سَلَمَةَ أَرْبَعَةَ آلافٍ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: لِمَ تُفَضِّلُ عُمَرَ عَلَيْنَا أَلِهِجْرَةِ أَبِيهِ؟ فَقَدْ هَاجَرَ آبَاؤُنَا وَشَهِدُوا بَدْرًا. فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أُفَضِّلُهُ لِمَكَانِهِ مِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلْيَأْتِ الَّذِي يَسْتَعْتِبُ بِأُمٍّ مِثْلَ أُمِّهِ أُعْتِبُهُ3. وَفَرَضَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ خَمْسَةَ آلافٍ خَمْسَةَ آلافٍ لِمَكَانِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم4.   1 وَهَكَذَا هُوَ الْإِسْلَام لَا يفرق بَين أحد وَغَيره إِلَّا بِالْعَمَلِ الصَّالح. 2 إِذْ كَانَت حب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، اللَّهُمَّ ارزقنا حبه وَحب من أحبه وَحب من يُحِبهُ آمين يَا رب الْعَالمين. 3 أَي أزيل عتابه. 4 ولدا فَاطِمَة الزهراء سيدة نسَاء أهل الْجنَّة وَسَيِّدًا شباب أهل الْجنَّة ولدا الإِمَام عَليّ بن أبي طَالب -جمعا الْفضل من جَمِيع جوانبه فَمن مثلهمَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 55 ثُمَّ فَرَضَ لِلنَّاسِ ثَلاثَمِائَةٍ ثَلاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَرْبَعَمِائَةٍ لِلْعَرَبِيِّ وَالْمَوْلَى، وَفَرَضَ لِنِسَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ سِتَّمِائَةٍ سِتَّمِائَةٍ، وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَلاثَمِائَةٍ ثَلاثَمِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ مِائَتَيْنِ وَفَرَضَ لأُنَاسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ أَلْفَيْنِ أَلْفَيْنِ، وَفَرَضَ لِلْمِرْقَالِ حِينَ أَسْلَمَ أَلْفَيْنِ، وَقَالَ لَهُ: دَعْ أَرْضِي فِي يَدِي أُعَمِّرُهَا وَأُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ مَا كَانَتْ تُؤَدِّي. فَفَعَلَ. قَالَ مُجَالِدٌ: فَكَانَتْ عَمَّةٌ لِي أَعْطَاهَا مِائَتَيْنِ؛ فَلَمَّا أَمَّرَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَلَى الْكُوفَة ألغى أَحدهمَا؛ فَلَمَّا قدم على رَضِي الله عَنهُ دَخَلَ عَلَيَّ عَائِدًا لِجَدِّي فَكَلَّمْتُهُ فِيهَا فأثبتها لَهَا. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قالَ: قَدِمْتُ من الْبَحْرين بخسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخطاب رَضِي الله عَنْهُ مُمْسِيًا فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْبِضْ هَذَا الْمَالَ. قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟ قُلْتُ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: وَتَدْرِي كَمْ خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ قُلْتُ: نَعَمْ مِائَةُ أَلْفٍ، وَمِائَةُ أَلْفٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. قَالَ: أَنْتَ نَاعِسٌ، اذْهَبْ فَبِتِ اللَّيْلَةَ حَتَّى تُصْبِحَ؛ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: اقْبِضْ مِنِّي هَذَا الْمَالَ. قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟ قُلْتُ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: أَمِنْ طِيبٍ هُوَ؟ قَالَ قُلْتُ: لَا أَعْلَمُ إِلا ذَاكَ؛ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ مَالٌ كَثِيرٌ فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نُكِيلَ لَكُمْ كِلْنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعُدَّ لَكُمْ عَدَدْنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَزِنَ لَكُمْ وَزَنَّا لَكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤمنِينَ دون للنَّاس دَوَاوِينَ يُعْطَوْنَ عَلَيْهَا. فَاشْتَهَى عُمَرُ ذَلِك. مَا فَرْضه عمر للصحابة: فَفَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ خَمْسَةَ آلافٍ خَمْسَةَ آلافٍ، وَلِلأَنْصَارِ ثَلاثَةَ آلافٍ ثَلاثَةَ آلافٍ، وَلأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، قَالَ: فَلَمَّا آتى زَيْنَب بنت جَحْشٍ مَالَهَا قَالَتْ: غَفَرَ اللَّهُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَقَدْ كَانَ فِي صَوَاحِبَاتِي مَنْ هُوَ أَقْوَى عَلَى قِسْمَةِ هَذَا الْمَالِ مِنِّي؛ فَقِيلَ لَهَا: إِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَكِ، فَأَمَرَتْ بِهِ فَصُبَّ وَغَطَّتْهُ بِثَوْبٍ ثُمَّ قَالَتْ لِبَعْضِ مَنْ عِنْدَهَا: أدخلي يَديك لآلِ فُلانٍ وَآلِ فُلانٍ؛ فَلَمْ تَزَلْ تُعْطِي لآلِ فُلانٍ وَآلِ فُلانٍ حَتَّى قَالَتْ لَهَا الَّتِي تُدْخِلُ يَدَهَا لَا أَرَاكِ تَذْكُرِينِي وَلِي عَلَيْكِ حَقٌّ. فَقَالَتْ: لَكِ مَا تَحْتَ الثَّوْبِ. قَالَ: فَكَشَفَتِ الثَّوْب فَإِذا ثمَّ [هُنَاكَ] خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا قَالَ: ثُمَّ رَفَعَتْ يَدَهَا فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا يُدْرِكْنِي عَطَاءَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ عَامِي هَذَا أَبَدًا، قَالَ: فَكَانَتْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَوَّلَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ لُحُوقًا بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَذكرنَا لَنَا أَنَّهَا كَانَتْ أَسْخَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعطاهن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 56 وَجَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَطَاءَ الأَنْصَارِ؛ فَبَدَأَ بِأَهْلِ الْعَوَالِي، فَبَدَأَ بِبَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ الأَوْسِ لِبُعْدِ مَنَازِلِهِمْ، ثُمَّ الْخَزْرَجِ حَتَّى كَانَ هُوَ آخِرُ النَّاسِ، وَهُمْ بَنُو مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، وَهُمْ حَوْلَ الْمَسْجِدِ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَدَنِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ يَزِيدَ قَالَ: حَمَلَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَلْفَ أَلْفٍ؛ فَقَالَ عُمَرُ: بِكَمْ قَدِمْتَ؟ فَقَالَ: بِأَلْفِ أَلْفٍ. قَالَ فَأَعْظَمَ ذَلِكَ عُمَرُ، وَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا تَقُولُ قَالَ: نَعَمْ، قَدِمْتُ بِمَائَةِ أَلْفٍ وَمِائَةِ أَلْفٍ حَتَّى عَدَّ عَشْرَ مَرَّاتٍ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِي نَصِيبَهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ بِالْيَمَنِ وَدَمُهُ فِي وَجهه. التَّفَاضُل فِي الْعَطاء وَسَببه: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِب عَن يزِيد عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ مَا أَحَدٌ إِلا وَلَهُ فِي هَذَا المَال حَتَّى أُعْطِيَهُ أَوْ مُنِعَهُ، وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ1، وَمَا أَنَا فِيهِ إِلَّا كأحدكم، وَلَكنَّا عَلَى مَنَازِلِنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَقَسْمِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَالرَّجُلُ وَتِلادُهُ فِي الإِسْلامِ، وَالرَّجُلُ وَقِدَمُهُ فِي الإِسْلامِ، وَالرَّجُلُ وَغِنَاهُ فِي الإِسْلامِ، وَالرَّجُلُ وَحَاجَتُهُ فِي الإِسْلامِ. وَاللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَيَأْتِيَنَّ الرَّاعِي بِجَبَلِ صَنْعَاءَ حَظُّهُ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَهُوَ مَكَانَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْمَرَّ وَجْهُهُ يَعْنِي فِي طَلَبِهِ2. قَالَ: وَكَانَ دِيوَانُ حِمْيَرَ عَلَى حِدَةٍ، وَكَانَ يَفْرِضُ لأُمَرَاءِ الْجُيُوشِ وَالْقُرَى فِي الْعَطَاءِ مَا بَيْنَ تِسْعَةِ آلافٍ وَثَمَانِيَةِ آلافٍ وَسَبْعَةِ آلافٍ عَلَى قَدْرِ مَا يُصْلِحُهُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَمَا يَقُومُونَ بِهِ من الْأُمُور. عَطاء الْأَطْفَال: قَالَ: وَكَانَ لِلْمَنْفُوسِ إِذَا طَرَحَتْهُ أُمُّهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ؛ فَإِذَا تَرَعْرَعَ بَلَغَ بِهِ مِائَتَيْنِ؛ فَإِذَا بَلَغَ زَادَهُ. قَالَ: وَلَمَّا رَأَى الْمَالَ قَدْ كَثُرَ قَالَ لَئِنْ عِشْتُ إِلَى هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنْ قَابِلٍ لأُلْحِقَنَّ أُخْرَى النَّاسِ بِأُولاهُمْ حَتَّى يَكُونُوا فِي الطَّاء سَوَاءٌ. قَالَ: فَتُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ قبل ذَلِك. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُ بِأَخْمَاسِ فَارِسٍ قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَجِنُّهَا سَقْفٌ دُونَ السَّمَاءِ حَتَّى أُقَسِّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ بَيْنَ صَفَّيِّ الْمَسْجِد   1 إِذْ العَبْد وَمَا فِي يَده ملك لسَيِّده فَهُوَ لَا يملك اسْتِقْلَالا. 2 إِذْ الطَّالِب عَادَة مَا يخجل والحمرة دَلِيل عَلَيْهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 57 وَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَرْقَمَ فَبَاتَا عَلَيْهَا، ثُمَّ غَدَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالنَّاسِ عَلَيْهِ فَأمر بالجلابيب فَكُشِفَتْ عَنْهَا فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى شَيْء لم تَرَ عَيناهُ مِثْلَهُ مِنَ الْجَوْهَرِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَبَكَى؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: هَذَا مِنْ مَوَاقِفِ الشُّكْرِ، فَمَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: أَجَلْ؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ لَمْ يُعْطِ قَوْمًا هَذَا إِلا أَلْقَى بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَة والبغضاء، ثمَّ قَالَ: أنحشو لَهُمْ أَوْ نَكِيلُ لَهُمْ بِالصَّاعِ؟ قَالَ: ثُمَّ أَجْمَعَ رَأْيَهُ عَلَى أَن يحشو لَهُم فحشا لَهُمْ قَالَ: وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يدون الدَّوَاوِين. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَن جَارِيَة بْنِ مُضَرِّبٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سَأَلَ: كَمْ يَكْفِي الْعَيِّلَ؟ قَالَ: وَأَمَرَ بِجَرِيبٍ يَكُونُ سَبْعَةَ أَقْفِزَةٍ فَخُبِزَ وَجُمِعَ عَلَيْهِ ثَلاثِينَ مِسْكِينًا فَأَشْبَعَهُمْ وَفَعَلَ بِالْعَشِيِّ مِثْلَهُ قَالَ: فَمِنْ ثَمَّ جَعَلَ لِلْعَيِّلِ جَرِيبَيْنِ فِي الشَّهْرِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ لَنَا قَدِيمٌ قَالَ حَدثنِي أشياخي قَالُوا: كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَرْبَعَةُ آلافِ فَرَسٍ مَوْسُومَةٌ1 فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَإِذَا كَانَ فِي عَطَاءِ الرَّجُلِ خِفَّةٌ أَوْ كَانَ مختاجا أَعْطَاهُ الْفَرَسَ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ أَعْيَيْتَهُ أَوْ ضَيَّعْتَهُ مِنْ عَلَفٍ أَوْ شُرْبٍ فَأَنْتَ ضَامِنٌ، وَإِنْ قَاتَلْتَ عَلَيْهِ فَأُصِيبَ أَوْ أُصِبْتَ فَلَيْسَ عَلَيْك شَيْء.   1 أَي عَلَيْهَا عَلامَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 58 فَصْلٌ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي السوَاد قَالَ أَبُو يُوسُف: رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ: نَظَرْتُ فِي خَرَاجِ السَّوَادِ وَفِي الْوُجُوهِ الَّتِي يُجْبَى عَلَيْهَا، وَجَمَعْتُ فِي ذَلِكَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْخَرَاجِ وَغَيْرِهِمْ وَنَاظَرْتُهُمْ فِيهِ؛ فَكُلٌّ قَدْ قَالَ فِيهِ بِمَا لَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِهِ؛ فَنَاظَرْتُهُمْ فِيمَا كَانَ وُظِّفَ عَلَيْهِمْ فِي خِلافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي خَرَاجِ الأَرْضِ وَاحْتِمَالِ أَرْضِهِمْ إِذْ ذَاكَ لِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ؛ حَتَّى قَالَ عُمَرُ لِحُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ حَنِيفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ -وَكَانَ عُثْمَانُ عَامِلُهُ إِذْ ذَاكَ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ وَحُذَيْفَةُ عَامِلُهُ عَلَى مَا وَرَاءِ دِجْلَةَ مِنْ جَوْخَى وَمَا سَقَتْ- فَقَالَ عُثْمَانُ: حَمَّلْتُ الأَرْضَ أَمْرًا هِيَ لَهُ مطيقة، وَلَو شِئْت لأشعفت. وَقَالَ حُذَيْفَةُ: وَضَعْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُحْتَمِلَةٌ وَمَا فِيهَا كَثِيرُ فَضْلٍ، وَإِنَّ أَرَاضِيهِمْ كَانَتْ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ الْخَرَاجُ الَّذِي وُظِّفَ عَلَيْهَا؛ إِذْ كَانَ صاحبا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَا بِذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِنَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فِيهِ اخْتِلافٌ؛ فَذَكَرُوا أَنَّ الْعَامِرَ كَانَ مِنَ الأَرَضِينِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كثيرا وَأَن الْمُعَطل مِنْهَا كَانَ يَسِيرًا، وَوَصَفُوا كَثْرَةَ الْعَامِرِ الَّذِي لَا يُعْمَلُ وَقِلَّةَ الْعَامِرِ الَّذِي يُعْمَلُ، وَقَالُوا لَوْ أَخَذْنَا بِمِثْلِ ذَلِكَ الْخَرَاجِ الَّذِي كَانَ حَتَّى يَلْزَمَ لِلْعَامِرِ الْمُعَطَّلِ مِثْلَ مَا يلْزم لِلْعَامِلِ المعتمل، ثمَّ تقوم بِعِمَارَةِ مَا هُوَ السَّاعَةَ غَامِرٌ وَلَا نحرثه لِضَعْفِنَا عَنْ أَدَاءِ خَرَاجِ مَا لم نعمله وَقلة ذَات أَيْدِينَا. فَأَما مَا تعطل مُنْذُ مائَة سنة وَأكْثر وَأَقل؛ فَلَيْسَ يُمكن عِمَارَته وَلا اسْتِخْرَاجِهِ فِي قَرِيبٍ وَلِمَنْ يَعْمُرُ ذَلِكَ حَاجَةٌ إِلَى مُؤَنَةٍ وَنَفَقَةٍ لَا تُمْكِنُهُ؛ فَهَذَا عُذْرُنَا فِي تَرْكِ عِمَارَةِ مَا قَدْ تَعَطَّلَ، فَرَأَيْتُ أَنَّ وَظِيفَةً مِنَ الطَّعَامِ -كَيْلًا مُسَمًّى أَوْ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ تُوضَعُ عَلَيْهِمْ مُخْتَلَفًا- فِيهِ دَخَلٌ عَلَى السُّلْطَانِ وَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَفِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. وَظِيفَة الطَّعَام فِي الرُّخص والغلاء: أَمَّا وَظِيفَةُ الطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ رَخِصًا فَاحِشًا لَمْ يَكْتَفِ السُّلْطَانُ بِالَّذِي وَظَّفَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَطِبْ نَفْسًا بِالْحَطِّ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَقْوَ بِذَلِكَ الْجُنُودُ وَلَمْ تُشْحَنْ بِهِ الثغور، وَإِمَّا غلاء فَاحِشا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 59 لَا يَطِيبُ السُّلْطَانُ نَفْسًا بِتَرْكِ مَا يَسْتَفْضِلُ أَهْلُ الْخَرَاجِ مِنْ ذَلِكَ، وَالرُّخْصُ وَالْغَلاءُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقُومَانِ عَلَى أَمْرٍ وَاحِد. وَظِيفَة الدَّرَاهِم: وَكَذَلِكَ وَظِيفَةُ الدَّرَاهِمِ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ تَفْسِيرُهَا يَطُولُ، وَلَيْسَ لِلرِّخَصِ وَالْغَلاءِ حَدٌّ يُعْرَفُ وَلا يُقَامُ عَلَيْهِ؛ إِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ لَا يُدْرَى كَيْفَ هُوَ. وَلَيْسَ الرُّخْصُ مِنْ كَثْرَةِ الطَّعَامِ وَلا غَلاؤُهُ مِنْ قِلَّتِهِ؛ إِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ وَقَضَاؤُهُ، وَقَدْ يَكُونُ الطَّعَامُ كَثِيرًا غَالِيًا، وَقَدْ يَكُونُ قَلِيلا رخيصا. القَوْل فِي التسعير: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ رَجُلٍ حَدَّثَهُ أَنَّ السِّعْرَ غَلا فِي زَمَنِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّاسُ لِرَسُولِ اللَّهِ: إِنَّ السِّعْرَ قَدْ غَلا فَوَظِّفْ وَظِيفَة نقوم عَلَيْهَا. "إِنَّ الرُّخْصَ وَالْغَلاءَ بِيَدِ اللَّهِ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَجُوزَ أَمْرَ الله وقضاءه". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ أَبُو حَمْزَةَ الْيَمَانِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ. قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ النَّاسُ: الرَّسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ السِّعْرَ قَدْ غَلا؛ فَسَعِّرْ لَنَا سِعْرًا. فَقَالَ "إِنَّ السِّعَر غَلاؤُهُ وَرُخْصُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ لأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ يَطْلُبُنِي بِهَا". قَالَ: وَحَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: غَلا السِّعْرُ عَلَى عَهْد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا تُسَعِّرْ لَنَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَابِضُ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْبَاسِطُ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أُعْطِيكُمْ شَيْئًا وَلا أَمْنَعُكُمُوهُ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ أَضَعُ هَذَا الأَمْرَ حَيْثُ أُمِرْتُ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي نَفْسٍ وَلا دم وَلَا مَال". مَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْل الْخَرَاجِ فِيمَا بَينهم: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَمَّا مَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْل الْخراج فِيمَا بَينهم؛ فَلَا بُد لِهَاتَيْنِ الطَّبَقَتَيْنِ مِنْ مِسَاحَةٍ أَوْ طِرَادَةٍ. وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ غَلَبَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْقُوَّةِ أَهْلَ الضَّعْفِ، وَاسْتَأْثَرُوا بِهِ وَحَمَلُوا الْخَرَاجَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَعَلَى الإِنْكَارِ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ تَدْخُلُ فِي ذَلِكَ لَوْلَا أَن تطول لفسترها؛ وَلَكِنِّي قَدْ بَيَّنْتُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَرْجُو أَنْ يُكْتَفَى بِهِ فِي جبابة الْخراج والعشور الجزء: 1 ¦ الصفحة: 60 وَالصَّدَقَاتِ وَالْجَوَالِيَ وَفِي الْعَمَلِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَلَمْ أَجِدْ شَيْئًَا أَوْفَرَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلا أَعْفَى لأَهْلِ الْخَرَاجِ مِنَ التَّظَالُمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَحَمْلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلا أَعْفَى لَهُمْ مِنْ عَذَابِ وُلاتِهِمْ وَعُمَّالِهِمْ مِنْ مُقَاسَمَةٍ عَادِلَةٍ خَفِيفَةٍ فِيهَا لِلسُّلْطَانِ رِضًا وَلأَهْلِ الْخَرَاجِ مِنَ التَّظَالُمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَحَمْلِ بَعضهم على بعض رَاحَة وَفضل، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ -أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ- أَعْلَى بِذَلِكَ عَيْنًا وَأَحْسَنَ فِيهِ نَظَرًا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ بِهِ من دينه وعباده، وَاللَّهُ أَسْأَلُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ التَّوْفِيقَ فِيمَا نَوَى مِنْ ذَلِكَ وَأَحَبَّ، وَحُسْنَ الْمَعُونَةِ عَلَى الرَّشَادِ، وَصَلاحِ الدَّين والرعية. الْمُقَاسَمَة على أَنْوَاع من الزَّرْع: رَأَيْتُ -أَبْقَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ- أَنْ يُقَاسَمَ مِنْ عَمَلِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ جَمِيعًا عَلَى خُمْسَيْنِ لِلسَّيِّحِ مِنْهُ، وَأَمَّا الدَّوَالِي فَعَلَى خُمُسٍ وَنِصْفٍ، وَأَمَّا النَّخْلُ وَالْكَرْمُ وَالرِّطَابِ وَالْبَسَاتِينِ فَعَلَى الثُّلُثِ، وَأَمَّا غِلالُ الصَّيْفِ فَعَلَى الرُّبُعِ، وَلا يُؤْخَذُ بِالْخَرَصِ فِي شَيْء من ذَلِك، وَلَا يحرز عَليْهِمْ شَيْءٌ مِنْهُ يُبَاعُ مِنَ التُّجَّارِ ثُمَّ تَكُونُ الْمُقَاسَمَاتُ فِي أَثْمَانِ ذَلِكَ أَوْ يُقَوَّمُ ذَلِكَ قِيمَةً عَادِلَةً لَا يَكُونُ فِيهَا حَمْلٌ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ، وَلا يَكُونُ عَلَى السُّلْطَانِ ضَرَرٌ، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، أَيُّ ذَلِكَ كَانَ أَخَفَّ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ وَقِسْمَةُ الثَّمَنِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ، أَخَفَّ فعل ذَلِك بهم. مُعَاملَة أهل خَيْبَر: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ الْحِزَامِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ خَيْبَرَ إِلَى الْيَهُودِ مُسَاقَاةً بِالنِّصْفِ، وَكَانَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يُخَيِّرُهُمْ أَيُّ النِّصْفَيْنِ شَاءُوا، أَوْ يَقُولُ لَهُمُ: اخْرُصُوا أَنْتُمْ وَخَيِّرُونِي فَيَقُولُونَ: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ1. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ خَيْبَرَ إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ بِالنِّصْفِ؛ فَكَانَتْ فِي أَيْدِيهِمْ فِي حَيَاةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَعَامَّةِ وِلايَةِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ عُمَرُ هُوَ الَّذِي نَزَعَهَا مِنْ أَيْدِيهِمْ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ:   1 أَي بِالْعَدْلِ الَّذِي أَمر بِهِ الْإِسْلَام حَتَّى مَعَ أعدائه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 61 لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرًا قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّا أَرْبَابُ الأَمْوَالِ وَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ فَعَامِلُونَا بِهَا؛ فَعَامَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنَّا إِذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ؛ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ خَيْبَرَ سَمِعَ بِذَلِكَ أَهْلُ فَدَكٍ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَيِّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فَنَزَلُوا عَلَى مَا نَزَلَ عَلَيْهِ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يَصُونَهُمْ وَيَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِثْلِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ؛ فَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1؛ وَذَلِكَ أَنَّه لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلا رِكَابٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُقْسِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَقَالَ لَهُ أَهْلُهَا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِعَمَلِهَا مِنْكُمْ فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا بِالنِّصْفِ، ثُمَّ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ يُقَسِّمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَأَهْدَوْا إِلَيْهِ فَرَدَّ هَدِيَّتَهُمْ، وَقَالَ: لَمْ يَبْعَثْنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَكْلِ أَمْوَالِكُمْ؛ وَإِنَّمَا بَعَثَنِي لأَقْسِمَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ عَمِلْتُ وَعَالَجْتُ وَكِلْتُ لَكُمُ النِّصْفَ وَإِنْ شِئْتُمْ عَمِلْتُمْ وعالجتم وكلتم لنا النّصْف؛ فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا فَقَالَ: قَالَ: النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا صَالَحْنَا أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ نُخْرِجَهُمْ مَتَى أَرَدْنَا وَأَنَّهُمْ عَدَوْا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَعَ عَدْوِهِمْ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ قَبْلِهِ فَلا نَعْلَمُ لنا، ثمَّ [هُنَاكَ] عَدُوًّا غَيْرَهُمْ؛ فَمَنْ كَانَ لَهُ بِخَيْبَرَ مَالٌ فَلْيَلْحَقْ بِهِ فَإِنِّي مخرجهم. القَوْل فِي القطائع وَأَرْض الْعشْر: قَالَ ابو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: فَأَما القطائع فَمَا كَانَ مِنْهَا سَيِّحًا فَعَلَى الْعُشْرِ وَمَا سُقِيَ مِنْهَا بِالدَّلْوِ وَالْغَرْبِ وَالسَّانِيَةِ فَعَلَى نِصْفِ الْعُشْرِ لِمُؤَنَةِ الدَّالِيَةِ وَالْغَرْبِ وَالسَّانِيَةِ2. وَإِنَّمَا الْعُشْرُ وَالصَّدَقَةِ فِي الثِّمَارِ وَالْحَرْثِ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَمَا جَاءَتْ بِهِ الآثَارُ وَالسُّنَّةُ الْعشْر من ذَلِك مَا سُقِيَ سَيْحًا وَنِصْفُ الْعُشْرِ على مَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ وَالدَّالِيَةِ وَالسَّانِيَةِ؛ فَهَذَا الْمجمع عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ عُلَمَائِنَا وَمَا جَاءَتْ بِهِ الآثَارُ، وَلَسْتُ أَرَى الْعُشْرَ إِلا عَلَى مَا يَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ، لَيْسَ عَلَى الْخُضَرِ الَّتِي لَا بَقَاءَ لَهَا وَلا عَلَى الأَعْلافِ وَلا عَلَى الْحَطَبِ عُشْرٌ، وَالَّذِي لَا يَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاس هُوَ مثل البطيح والقثاء   1 أَي لم يكن للْمُسلمين فِيهَا نصيب. 2 فَالْأول مَا سقِِي بالراحة وَالْبَاقِي أَن يسقى بالآلة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 62 وَالْخِيَارِ وَالْقَرْعِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ وَالْبُقُولِ وَالرَّيَاحِينِ وَأَشْبَاهِ هَذا؛ فَلَيْس فِي هَذَا عُشْرٌ1. وَأَمَّا مَا يَبْقَى فِي أَيْدِي النَّاسِ مِمَّا يُكَالُ بِالْقَفِيزِ، وَيُوزَنُ بِالأَرْطَالِ فَهُوَ مِثْلُ الْحِنْطَة وَالشعِير والذة وَالأُرْزِ وَالْحُبُوبِ وَالسِّمْسِمِ وَالشَّهْدَانِجِ2 وَاللَّوْزِ وَالْبُنْدُقِ وَالْجَوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالزَّيْتُونِ والقرطم والكزيرة وَالْكَرَاوِيَا وَالْكَمُّونِ وَالْبَصَلِ وَالثَّوْمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَإِذَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَكْثَرَ فَفِيهِ الْعُشْرُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضٍ تُسْقَى سَيْحًا أَوْ سَقَتْهَا السَّمَاءُ، وَإِذَا كَانَتْ فِي أَرْضٍ تُسْقَى بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَإِذَا نقص عَن خَمْسَة أوسق لم يكن فِيهِ شَيْء. وَإِذَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ نِصْفَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ حِنْطَةً وَنِصْفَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ شَعِيرًا كَانَ فِيهَا الْعُشْرُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخْرَجَتْ قَدْرَ وَسْقٍ مِنْ حِنْطَةٍ وَقَدْرَ وَسْقٍ مِنْ شَعِيرٍ وَقَدْرَ وسق من أزر وَقَدْرَ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ وَقَدْرَ وَسْقٍ مِنْ زَبِيبٍ، وَتَمَّ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ كَانَ فِي ذَلِكَ الْعُشْرُ. وَإِنْ نَقَصَ عَنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَسْقٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الْعُشْرُ مَا خَلا الزَّعْفَرَانُ؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضٍ الْعُشْرُ، وَأَخْرَجَ الله مِنْهُ منا يَكُونُ قِيمَتَهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَدْنَى مَا تُخْرِجُ الأَرْضُ مِنَ الْحُبُوبِ مِمَّا عَلَيْهِ الْعُشْرُ؛ فَفِيهِ الْعُشْرُ إِذَا كَانَ يُسْقَى سَيْحًا أَوْ تُسْقِيهِ السَّمَاءُ، وَإِذَا سُقِيَ بَغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَنِصْفُ الْعُشْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَفِيهِ الْخَرَاجُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَإِذَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَةُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلا شَيْءَ فِيهِ. القَوْل فِي الزَّعْفَرَان فِي أَرض الْعشْر وَالْخَرَاج وَوقت الْأَدَاء: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: إِذَا كَانَ الزَّعْفَرَانُ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَإِنْ لم تخرج الأَرْض مِنْهُ إِلَّا رَطْلا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَفِيهِ الْخَرَاجُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَقْتِ أَدَاءِ مَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ وَالْكَثِيرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ أَدْنَى مَا يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ؛ فَلا صَدَقَةَ فِيمَا لَمْ يَبْلُغْ خَمْسَة أوسق. الْمِقْدَار الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْعُشْرُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضٍ الْعُشْرِ وَسُقِيَ سَيْحًا، وَنِصْفُ الْعُشْرِ إِذَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَو سانية.   1 وَهُوَ كل مَا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد وَلَا يدّخر وَالَّذِي يدّخر الْحُبُوب مثلا. 2 هُوَ بزر القنب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 63 وَالْخَرَاجُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ والزَّبِيبِ وَالذُّرَةِ وَالْحُبُوبِ وَأَنْوَاعِ الْبُقُولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ غَلاتِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ مِمَّا يُكَالُ وَلا يُكَالُ؛ فَإِذَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَلِيلا أَوْ كَثِيرًا فَفِيهِ الْعُشْرُ وَلا تُحْسَبُ مِنْهُ أُجْرَةُ الْعُمَّالِ وَلا نَفَقَةُ الْبَقَرِ إِذَا كَانَ يُسْقَى سَيْحًا أَوْ تَسْقِيهِ السَّمَاءُ، وَإِنْ كَانَ يُسْقَى بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَهِيَ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَحَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ شَيْءٍ؛ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ إِلا دُسْتُجَةَ1 بَقْلٍ؛ فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ بِهَذَا، وَيَقُولُ: لَا تُتْرَكُ أَرْضٌ تَعْتَمِلُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ الْخَرَاجِ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخراج وَمَا يجب عَلَيْهَا مِنَ الْعُشْرِ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ قَلِيلا أَخْرَجَتْ أَمْ كَثِيرًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا صَدَقَةَ فِيمَا تُخْرِجُ الأَرْضُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ؛ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنِ الْحَسَن الْبَصْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ صَدَقَةً، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةً، وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ مِنَ الإِبِلِ صَدَقَةٌ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ". مِقْدَار الوسق: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا، وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَالْخَمْسَةُ أَوْسُقٍ ثَلاثُمِائَةِ صَاعٍ، وَالصَّاعُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ، وَهُوَ مِثْلُ قَفِيزِ الْحُجَّاجِ وَمِثْلُ الرُّبُعِ الْهَاشِمِيِّ وَالْمَخْتُومِ الْهَاشِمِيِّ؛ الأول اثْنَان وَثَلَاثُونَ رطلا. الحكم فِيمَا إِذا أكل رب المَال من ثمره: فَإِذَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَلاثَمِائَةِ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الأَنْوَاعِ؛ فَأَكَلَ رَبُّ الأَرْضِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًَا أَوْ أَطْعَمَ أَهْلَهُ أَوْ جَارَهُ أَوْ صديقه؛ فَصَارَ مَا بَقِي ينص عَنْ ثَلاثِمِائَةِ صَاعٍ كَانَ فِيمَا بَقِيَ الْعُشْرُ إِذَا كَانَ يُسْقَى سَيْحًا وَنِصْفُ الْعُشْرِ إِذَا كَانَ يُسْقَى بِغَرْبٍ أَوْ سَانِيَةٍ أَوْ دَالِيَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا أَطْعَمَ وَأَكَلَ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ سُرِقَ بَعْضُهُ كَانَ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِي الْعشْر أَو   1 الدستجة فارسية: الحزمة وَمَا يُطلق عَلَيْهِ الْآن "الدستة" وَهِي "اثْنَا عشر". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 64 نِصْفُ الْعُشْرِ؛ فَهَذَا جَمِيعُ مَا جَاءَ فِيمَا أخرجت الأَرْض. وَهَذِه أُصُولُ ذَلِكَ؛ فَمَا تَفَرَّعَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ وَبِهِ يُشَبَّهُ، وَهَذِهِ عِبَارَةُ الَّذِي يُوزَنُ بِهِ وَيُمَثَّلُ عَلَيْهِ؛ فَخُذْ فِي ذَلِكَ بِمَا رَأَيْتَ أَنَّهُ أَصْلَحُ لِلرَّعِيَّةِ وَأَوْفَرُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَبِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ أَحْبَبْت. اسْتِيفَاء الْعشْر أَو نصف الْعشْر: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ: الْعُشْرُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، مَا سُقِيَ مِنْ ذَلِكَ سَيْحًا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ فَنِصْفُ الْعُشْرِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالرِّشَاءِ نِصْفُ الْعُشْرِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ سَيْحًا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالْغَيْلِ1 نِصْفُ الْعُشْرِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا سَقَتِ السَّمَاءُ فَفِي كُلِّ عَشْرَةٍ وَاحِدٌ، وَمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ فَفِي كُلِّ عِشْرِينَ وَاحِدٌ، وَقَالَ: فِي مَوضِع عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا سُقِيَ بِالدَّوَالِي". قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ سَيْحًا فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِدَالِيَةٍ أَوْ سَانِيَةٍ أَوْ غَرْبٍ فَنِصْفُ الْعشْر". مِمَّا يُؤْخَذ مِنْهُ الصَّدَقَة وَمِمَّا لَا يُؤْخَذ: قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُو بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى صَدَقَةً إِلا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالزَّبِيبِ. قَالَ: وَعِنْدَنَا كِتَابٌ كَتَبَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ، أَوْ قَالَ نُسْخَةٌ أَوْ وَجَدْتُ نُسْخَةً هَكَذَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ "فِيمَا   1 الغيل: المَاء الْجَارِي على وَجه الأَرْض. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 65 سَقَتِ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ سَيْحًا الْعُشْرُ، وَفِيمَا سُقِيَ بِالْغَرْبِ أَوْ السَّوَانِي أَوِ النَّضُوحِ نِصْفُ الْعُشْرِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عِمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ" قَالَ عَمْرٌو: وَالْوَسْقُ عِنْدَنَا سِتُّونَ صَاعا. قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ معمر قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عِمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ: وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ يَوْمَئِذٍ وَسْقَانِ الْيَوْمَ. قَالَ: وَحَدّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام -فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الصَّدَقَةُ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَصَاعِدًا". قَالَ: وَحَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَيْسَ فِي الْخُضَرِ زَكَاةٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عِيسَى قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ يَقُولُ: لَا صَدَقَةَ فِي الْخُضَرِ الرَّطْبَةِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، وَقَالَ: إِنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي النَّخْلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْكَرْمِ، وَيَعْنِي بِالصَّدَقَةِ فِي هَذِه الْعشْر. قَالَ: وحَدثني قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْخُضَرِ زَكَاةٌ: الْبَقْلُ وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْبِطِّيخُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبَانٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْبُقُولِ زَكَاةٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سِوَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالا: فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ صَدَقَةٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَة عَن عمر بن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 66 الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "لَا زَكَاةَ إِلا فِي أَرْبَعَةٍ: التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ". فَأَمَّا الْعَسَلُ وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرَ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ فِي الْمَفَاوِزِ وَالْجِبَالِ عَلَى الأَشْجَارِ وَفِي الْكُهُوفِ فَلا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثِّمَارِ تَكُونُ فِي الْجِبَالِ وَالأَوْدِيَةِ لَا خراج عَلَيْهَا وَلَا عشر. القَوْل فِيمَا يخرج من الْعَسَل: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: كَتَبَ بَعْضُ أُمَرَاءِ الطَّائِفِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنَّ أَصْحَابَ النَّحْلِ لَا يُؤَدُّونَ إِلَيْنَا مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَسْأَلُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ نَحْمِيَ أَوْدِيَتِهِمْ؛ فَاكْتُبْ إِلَيَّ بِرَأْيِكَ فِي ذَلِكَ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنْ أَدَّوْا إِلَيْكَ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْمِ لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُؤَدُّوا إِلَيْكَ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَيْهِ فَلا تَحْمِ لَهُمْ. قَالَ: وَكَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً. وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَتَبَ فِي الْعَسَلِ: مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الأَحْوَصُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: فِي كُلِّ عَشْرَةِ أَرْطَالٍ رَطْلٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُحَرَّرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ يَرْفَعُهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الْعَسَل الْعشْر". القَوْل فِي اللوز والجوز وأمثالهما: فَأَمَّا الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبُنْدُقُ وَالْفُسْتُقُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَفِيهِ الْعُشْرُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ، وَالْخَرَاجُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ يُكَال. مَا لَيْسَ فِيهِ خمس وَلَا عشر وَلَا خراج: قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله تَعَالَى: وَلَيْسَ فِي الْقَصَبِ وَلا فِي الْحَطَبِ وَلا فِي الْحَشِيشِ وَلا فِي التِّبْنِ وَلا فِي السَّعْفِ عُشْرٌ وَلا خَمْسٌ وَلا خَرَاجٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 67 القَوْل فِي قصب الذريرة وقصب السكر: فَأَمَّا قَصَبُ الذَّرِيرَةِ1 فَإِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَإِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَفِيهِ الْخَرَاجُ، وَأَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ فَفِيهِ الْعُشْرُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ، وَالْخَرَاجُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لأَنَّهُ مِمَّا يُؤْكَلُ، وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَل فَلهُ ثمن وَمَنْفَعَة. القَوْل فِي النفط وَمَا أشبهه: وَلَيْسَ فِي النِّفْطِ وَالْقِيرِ وَالزِّئْبَقِ والموميا إِذا كَانَ لشَيْء مِنْ ذَلِكَ عَيْنٌ فِي الأَرْضِ شَيْءٌ نَعْلَمُهُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ أَرْضِ خَرَاجٍ. وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده: قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُقْسِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الْأَنْعَام: 141] قَالَ: الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سِوَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا حَقه يَوْم حَصَاده} قَالَ: هَذَا سِوَى مَا فِيهِ مِنَ الصَّدَقَةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَآتُوا حَقه يَوْم حَصَاده} ، قَالَ: كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُسَنَّ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فَلَمَّا سُنَّ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ تُرِكَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَاده} قَالَ: هِيَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْم حَصَاده} قَالَ: يُضِيفُكَ الضَّيْفُ فَتَعْلِفُ دَابَّتَهُ، وَيَأْتِيكَ السَّائِلُ فَتُعْطِيَهُ، ثُمَّ يَقَعُ فِيهِ الْعشْر وَنصف الْعشْر.   1 هُوَ فتات قصب الطّيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 68 فصل : فِي ذكر القطائع مَا هِيَ القطائع: قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله: فَأَمَّا الْقَطَائِعُ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ فَكُلُّ مَا كَانَ لِكِسْرَى وَمَرَازِبَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَدَنِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ -قَالَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا كَانَ أَعْلَمَ بِالسَّوَادِ مِنْهُ- قَالَ: بَلَغَتِ الصَّوَافِي عَلَى عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلافِ أَلْفٍ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا صَوَافِي الأَثْمَارِ؛ وَذَلِكَ أَنَّه كَانَ أَصْفَى كُلَّ أَرْضٍ كَانَتْ لِكِسْرَى أَوْ لأَهْلِهِ أَوْ لِرَجُلٍ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ أَوْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ مَغِيضِ مَاءٍ أَوْ دَيْرِ بَرِيدٍ؛ قَالَ: وَذَكَرَ لِي خَصْلَتَيْنِ لَمْ أحفظهما. أَصْنَاف الصَّواف: قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَرَّةَ قَالَ: أَصْفَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عَشْرَةَ أَصْنَافٍ: أَرْضُ مَنْ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ، وَأَرْضُ مَنْ هَرَبَ، وَكُلُّ أَرْضٍ كَانَتْ لِكِسْرَى، وَكُلُّ أَرْضٍ كَانَتْ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهِ وَكُلُّ مَغِيضِ مَاءٍ وَكُلُّ دَيْرِ بَرِيدٍ، قَالَ: ونسيت أَربع خِصَال كَانَت لِلأَكَاسِرَةِ. قَالَ: وَكَانَ خَرَاجُ مَا اسْتَصْفَاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْعَةَ آلافِ أَلْفٍ فَلَمَّا كَانَتِ الْجَمَاجِمُ1 أَحْرَقَ النَّاسُ الدِّيوَانَ فَذَهَبَ ذَلِكَ الأَصْلُ وَدَرَسَ وَلَمْ يُعْرَفْ. مَا فعل عمر بِهَذِهِ الأَرْض = أَرض الصوافي: قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمَشْيَخَةِ الْقُدَمَاءِ قَالَ: وُجِدَ فِي الدِّيوَانِ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَصْفَى أَمْوَالَ كِسْرَى وَآلِ كِسْرَى وَكُلِّ مَنْ فَرَّ عَنْ أَرْضِهِ وَقُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَكُلِّ مَغِيضِ مَاءٍ أَوْ أَجَمَةٍ؛ فَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقْطِعُ مِنْ هَذِهِ لِمَنْ أَقْطَعَ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ وَفِي لَا يَدِ وَارِثٍ فَلِلإِمَامِ الْعَادِلِ أَنْ يُجِيزَ مِنْهُ وَيُعْطِي مَنْ كَانَ لَهُ غَنَاءٌ فِي الإِسْلامِ وَيَضَعُ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ وَلا يُحَابِي بِهِ،   1 وَاقعَة الجماجم بَين عبد الرَّحْمَن بن الْأَشْعَث وَالْحجاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ، وَقد انهزم الأول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 69 فَكَذَلِكَ هَذِهِ الأَرْضُ. فَهَذَا سَبِيلُ الْقَطَائِعِ عِنْدِي فِي أَرْضِ الْعِرَاقِ. وَالَّذِي صَنَعَ الْحَجَّاجُ ثُمَّ فَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَإِنَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَخَذَ فِي ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ لأَنَّ مَنْ أَقْطَعَهُ الْوُلاةُ الْمَهْدِيُّونَ فَلَيْسَ لأحد أَن يرد ذَلِك. مَا يُؤْخَذ من القطائع: فَأَمَّا مَنْ أَخَذَ مِنْ وَاحِدٍ وَأَقْطَعَ آخَرَ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَالٍ غَصَبَهُ وَاحِدٌ مِنْ وَاحِدٍ وَأَعْطَى وَاحِدًا؛ وَإِنَّمَا صَارَتِ الْقَطَائِعُ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْعُشْرُ لأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ رَأَى أَنْ يُصَيِّرَ عَلَيْهَا عَشْرًا فَعَل، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُصَيِّرَ عَلَيْهَا عِشْرِينَ فَعَلَ وَإِنْ رَأَى أَنْ يُصَيِّرَهَا خَرَاجًا -إِذَا كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْ أَنْهَارِ الْخَرَاجِ- فَعَلَ ذَلِكَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ فِي أَرْضِ الْعِرَاقِ خَاصَّةً؛ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا الْعُشْرُ لِمَا يَلْزَمُ صَاحِبَ الإِقْطَاعِ مِنَ الْمُؤَنَةِ فِي حَفْرِ الأَنْهَارِ وَبِنَاءِ الْبُيُوتِ وَعَمَلِ الأَرْضِ، وَفِي هَذَا مُؤُنَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى صَاحِبِ الإِقْطَاعِ؛ فَمِنْ ثَمَّ صَارَ عَلَيْهِ الْعشْر لم يَلْزَمُ مِنَ الْمُؤَنَةِ. وَالأَمْرُ فِي ذَلِك إِلَيْك مَا رَأَيْتَ أَنَّهُ أَصْلَحُ؛ فَاعْمَلْ بِهِ إِن شَاءَ الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 70 فصل: أَرض الْحجاز وَمَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وَأَرْضُ الْعَرَبِ الَّتِي افْتَتَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا أَرْضُ الْحِجَازِ وَمَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَأَرْضُ الْيَمَنِ وَأَرْضُ الْعَرَبِ الَّتِي افْتَتَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلا يُنْقَصُ مِنْهَا؛ لأَنَّهُ شَيْءٌ قَدْ جَرَى عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُكْمُهُ؛ فَلا يَحِلُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ فُتُوحًا مِنَ الأَرْضِ الْعَرَبِيَّةِ فَوَضَعَ عَلَيْهَا الْعُشْرَ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا خَرَاجًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا فِي تِلْكَ الأَرَضِينَ. أَلا تَرَى أَنَّ مَكَّةَ وَالْحَرَمَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا خَراجٌ فَأَجْرَوُا الأَرْضَ الْعَرَبِيَّةَ كُلَّهَا هَذَا الْمَجْرَى وَأَجْرَى الْبَحْرَانِ والطائف كَذَلِك أَو لَا تَرَى أَنَّ الْعَرَبَ مِنْ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ حُكْمُهُمْ الْقَتْلُ أَوِ الإِسْلامُ وَلا تُقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ، وَهَذَا خِلافُ الْحُكْمِ فِي غَيْرِهِمْ فَكَذَلِكَ أَرْضُ الْعَرَبِ. وَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يَرَى أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْخَرَاجَ عَلَى رِقَابِهِمْ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [الْمَائِدَة: 51] وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ وَحَالِمَةٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مُعَافِرِيًّا1؛ فَأَمَّا الأَرْضُ فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا خَرَاجًا؛ وَإِنَّمَا جَعَلَ الْعُشْرَ فِي السَّيْحِ وَنِصْفَ الْعُشْرَ فِي الدَّالِيَةِ لِمُؤَنَةِ الدَّالِيَةِ والسانية.   1 نوع من الثِّيَاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 فصل: مَا أَخطَأ فِيهِ الْخَوَارِج فِي هَذَا الْمَوْضُوع وَأَمَّا الْخَوَارِجُ فَإِنَّهُمْ أَخْطَأُوا الْمَحَجَّةَ وَجَعَلُوا قُرًى عَرَبِيَّةً بِمَنْزِلَةِ قُرًى عَجَمِيَّةً وَلَمْ يَأْخُذُوا بِمَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَمَنِ اجْتَمَعَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ أَحْسَنُ تَأْوِيلا وَتَوْفِيقًا مِنَ الْخَوَارِجِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 71 فصل: فِي حكم أَرض الْبَصْرَة وخراسان وَأَمَّا أَرْضُ الْبَصْرَةِ وَخُرَاسَانَ فَإِنَّهُمَا عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ السَّوَادِ مَا افْتُتِحَ مِنْ ذَلِكَ عُنْوَةً؛ فَهُوَ أَرْضُ خراج وَمَا صلوح عَلَيْهِ أَهْلُهُ فَعَلَى مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَلا يُزَادُ عَلَيْهِمْ وَمَا أَسْلَمَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ فَهُوَ عُشُرٌ، وَلَسْتُ أُفَرِّقُ بَيْنَ السَّوَادِ وَبَيْنَ هَذِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهَا؛ وَلَكِنْ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا سُنَّةٌ وَأَمْضَى ذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنَ الْخُلَفَاءِ فَرَأَيْتُ أَنْ تُقِرَّهَا عَلَى حَالِهَا؛ وَذَلِكَ الأَمْرُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. الأَرْض الَّتِي لَيست فِي يَد أحد وَلَا ملكه: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَكُلُّ أَرْضٍ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالطَّائِفِ وَأَرْضِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهَا عَامِرَةٌ وَلَيْسَتْ لأَحَدٍ وَلا فِي يَدِ أَحَدٍ وَلا مِلْكَ أَحَدٍ وَلا وِرَاثَةً وَلا عَلَيْهَا أَثَرُ عِمَارَةٍ فَأَقْطَعَهَا الْإِمَامُ رَجُلا فَعَمَرَهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ الْخراج أَدَّى عَنْهَا الَّذِي أَقْطَعَهَا الْخَرَاجَ، وَالْخَرَاجُ مَا افْتُتِحَ عُنْوَةً، مِثْلُ السَّوَادِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ أَدَّى عَنْهَا الَّذِي أقطعها الْعشْر. أَرض الْعُشْرَ: وَأَرْضُ الْعُشْرِ كُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ، وَأَرْضُ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنِ وَأَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عُشْرٍ؛ فَكُلُّ أَرْضٍ أَقْطَعَهَا الإِمَامُ مِمَّا فُتِحَتْ عُنْوَةً فَفِيهَا الْخَرَاجُ إِلا أَنْ يُصَيِّرُهَا الإِمَامُ عُشْرِيَّةً؛ وَذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ إِذَا أَقْطَعَ أحدا أَرضًا من أَرْضَ الْخَرَاجِ فَإِنْ رَأَى أَنْ يُصَيِّرَ عَلَيْهَا عُشْرًا، أَوْ عُشْرًا وَنِصْفًا، أَوْ عُشْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ خَرَاجًا؛ فَمَا رَأَى أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا فَعَلَ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ فَكَيْفَمَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَ؛ إِلا مَا كَانَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْيَمَنِ فَإِنَّ هُنَالك لَا يَقَعُ خَرَاجٌ وَلا يَسَعُ الإِمَامَ وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ ذَلِكَ وَلا يُحَوِّلَهُ عَمَّا جَرَى عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُكْمُهُ؛ فَقَدْ بَيَّنْتُ لَكَ فَخُذْ بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ أَحْبَبْتَ، وَاعْمَلْ بِمَا تَرَى أَنَّه أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَعَمُّ نَفْعًا لِخَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ وَأَسْلَمُ لَكَ فِي دِينِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخطاب رَضِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 72 اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ إِلَى الْبَصْرَةِ -وَكَانَتْ تُسَمَّى أَرْضُ الْهِنْدِ- فَدَخَلَهَا وَنَزَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقاص الْكُوفَة، وَأَن زيادا ابْنَ أَبِيهِ هُوَ الَّذِي بَنَى مَسْجِدَهَا وَقَصْرَهَا وَهُوَ الْيَوْمُ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ افْتَتَحَ تُسْتَرَ وَأَصْبَهَانَ وَمَهْرَجَانَ قُذَقَ وَمَاهَ ذُبْيَانَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقاص محاصر الْمَدَائِن. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَكُلُّ مَنْ أَقْطَعَهُ الْوُلاةُ الْمَهْدِيُّونَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ وَأَرْضِ الْعَرَبِ وَالْجِبَالِ مِنَ الأَصْنَافِ الَّتِي ذكرنَا أَن الإِمَام أَنْ يُقْطِعَ مِنْهَا؛ فَلا يَحِلُّ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنَ الْخُلَفَاءِ أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ وَلا يُخْرِجَهُ من يَدي من هُوَ ي يَدِهِ وَارِثًا أَوْ مُشْتَرِيًا؛ فَأَمَّا إِنْ أَخَذَ الْوَالِي مِنْ يَدِ وَاحِدٍ أَرْضًا وَأَقْطَعَهَا آخَرَ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ غَصَبَ وَاحِدًا وَأَعْطَى آخَرَ؛ فَلا يَحِلُّ لِلإِمَامِ وَلا يَسَعُهُ أَنْ يُقْطِعَ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ حَقَّ مُسْلِمٍ وَلا مُعَاهِدٍ وَلا يُخْرِجَ مِنْ يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلا بِحَقٍّ يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ فَيَأْخُذُهُ بِذَلِك الَّذِي وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُقْطِعَهُ مَنْ أَحَبَّ مِنَ النَّاسِ؛ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ. وَالأَرْضُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ فالإمام أَنْ يُجِيزَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَنْ كَانَ لَهُ غَنَاءٌ فِي الإِسْلامِ، وَمَنْ يَقْوَى بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِالَّذِي يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَصْلَحُ لأَمْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ الأَرَضُونَ يُقْطِعُ الإِمَامُ مِنْهَا مَنْ أَحَبَّ مِنَ الأَصْنَافِ الَّتِي سَمَّيْتُ، وَلا أَرَى أَنْ يَتْرُكَ أَرْضًا لَا مِلْكَ لأَحَدٍ فِيهَا وَلا عِمَارَةً حَتَّى يُقْطِعَهَا الإِمَام فَإِن ذَلِك أعمر لبلاد وَأَكْثَرُ لِلْخَرَاجِ؛ فَهَذَا حَدُّ الإِقْطَاعِ عِنْدِي على مَا أَخْبَرتك. من كَانَ لَهُ أَرض فَلم يعمرها وَالْحكم فِي إقطاع الإِمَام: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقَدْ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَأَلَّفَ عَلَى الإِسْلامِ أَقْوَامًا وَأَقْطَعَ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ رَأَوْا أَنَّ فِي إِقْطَاعِهِ صَلاحًا. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ لأُنَاسٍ مِنْ مُزَيْنَةَ أَوْ جُهَيْنَةَ أَرضًا؛ فَلم يعرموها فَجَاءَ قَوْمٌ فَعَمَرُوهَا فَخَاصَمَهُمُ الْجَهْنِيُّونَ أَوِ الْمُزَنِيُّونَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ؛ فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ مِنِّي أَوْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ لَرَدَدْتُهَا؛ وَلَكِنَّهَا قَطِيعَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ ثُمَّ تَرَكَهَا ثَلاثَ سِنِينَ فَلَمْ يَعْمُرَهَا فعمرها قوم آخَرُونَ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ أَرْضًا فِيهَا نَخْلٌ مِنْ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، وَذَكَرَ أَنَّهَا كَانَتْ أَرضًا يُقَال لَهَا الجرف، وَذُكِرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقْطَعَ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ لِلنَّاسِ حَتَّى جَازَتْ قَطِيعَةُ أَرْضِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ؛ فَقَالَ: أَيْنَ الْمُسْتَقْطِعُونَ مُنْذُ الْيَوْمَ فَإِنْ يَكُنْ فِيهِمْ خَيْرٌ فَتَحْتَ قَدَمَيَّ. قَالَ خَوات بن جُبَير: الجزء: 1 ¦ الصفحة: 73 أَقْطِعْنِيهِ، فَأَقْطَعَهُ إِيَّاهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ أَبَا بَكْرٍ وَأَقْطَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سِوَارٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ صَلْتٍ الْمَكِّيِّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: أَعْطَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضًا؛ فَعَجَزُوا عَنْ عِمَارَتِهَا فَبَاعُوهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِثَمَانِيَةِ آلافِ دِينَارٍ أَوْ بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ؛ فَوَضَعُوا أَمْوَالَهُمْ عِنْدَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَلَمَّا أَخَذُوهَا وَجَدُوهَا تَنْقُصُ فَقَالُوا: هَذَا نَاقِصٌ قَالَ: أحسبوا زَكَاته؛ قَالَ: فَحَسبُوا فوجوده وَافِيًا، فَقَالَ: أَحَسِبْتُمْ أَنِّي أُمْسِكُ مَالا لَا أُزَكِّيهِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَال بن الْحَارِث الْمُزَنِيَّ مَا بَيْنَ الْبَحْرِ وَالصَّخْرِ؛ فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ لَهُ: إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْمَلَ هَذَا؛ فَطَيَّبَ لَهُ أَنْ يُقْطَعَهَا مَا خَلا الْمَعَادِنَ فَإِنَّهُ اسْتَثْنَاهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: أَقْطَعَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي النَّهْرَيْنِ، وَلِعَمَّارِ بن يسَار إِسْتِينْيَا، وَأَقْطَعَ خَبَّابًا صَنْعَاءَ، وَأَقْطَعَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ قَرْيَةَ هُرْمُزَانَ قَالَ: فَكُلٌّ جَارٍ. قَالَ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَسَعْدُ يعطيان أرضهما بِالثُّلثِ وَالرّبع1. وَقَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَكَانَ لِخَبَّابٍ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَكَانَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَرْضُ خَرَاجٍ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَانَ لِشُرَيْحٍ أَرْضُ خَرَاجٍ فَكَانُوا يُؤَدُّونَ عَنْهَا الْخَرَاجَ. قَالَ أَبُو يُوسُف: فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ الآثَارُ بِأَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ أَقْوَامًا، وَأَنَّ الْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ أَقْطَعُوا، وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاحَ فِيمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ؛ إِذْ كَان فِيهِ تَأَلُّفٌ عَلَى الإِسْلامِ وَعِمَارَةٌ لِلأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ إِنَّمَا أَقْطَعُوا مَنْ رَأَوْا أَنَّ لَهُ غَنَاءٌ فِي الإِسْلامِ وَنِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ، وَرَأَوْا أَنَّ الأَفْضَلَ مَا فَعَلُوا، وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَأْتُوهُ وَلَمْ يَقْطَعُوا حَقَّ مُسْلِمٍ وَلا مُعَاهَدٍ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ أَرْضٍ بِغَيْرِ حَقٍّ طوقه من سبع أَرضين".   1 أَي إِجَارَة وَالْقَوْل فِي إِجَارَة الأَرْض الزراعية فِيهَا اخْتِلَاف بَين الْفُقَهَاء تراجع فِي كتب الْفُرُوع "كتب الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 74 فَصْلٌ: فِي إِسْلامِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى أَرضهم وَأَمْوَالهمْ قَالَ أَبُو يُوسُف: وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَسْلَمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَرْضِهِمْ مَا الْحُكْمُ من ذَلِكَ؟ فَإِنَّ دِمَاءَهُمْ حَرَامٌ وَمَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؛ فَلَهُمْ وَكَذَلِكَ أَرْضُوهُمْ لَهُمْ وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ بِمَنْزِلَةِ الْمَدِينَةِ؛ حَيْثُ أَسْلَمَ أَهْلُهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ أَرْضُهُمْ أَرْضَ عُشْرٍ، وَكَذَلِكَ الطَّائِفُ وَالْبَحْرَانِ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ إِذَا أَسْلَمُوا عَلَى مِيَاهِهِمْ وَبِلادِهِمْ؛ فَلَهُمْ مَا أَسْلمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فِي أَيّدهُم وَلَيْسَ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَبَائِلِ أَنْ يَبْنِيَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا يسْتَحق مِنْهُ شَيْئا وَلَا يحْفر فِيهِ بِئْرا يسْتَحق بِهِ شَيْئًا، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الْكَلأَ وَلا يَمْنَعُوا الرِّعَاءَ وَلا الْمَوَاشِي من المَاء وَلَا حَافِظًا وَلا خُفًّا1 فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَأَرْضُهُمْ أَرْضُ عُشْرٍ لَا يُخْرِجُونَ عَنْهَا فِيمَا بَعْدُ وَيَتَوَارَثُونَهَا وَيَتَبَايَعُونَهَا. وَكَذَلِكَ كُلُّ بِلادٍ. أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَهِيَ لَهُمْ وَمَا فِيهَا. وَأَيُّمَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ صَالحهمْ الإِمَام أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى الْحُكْمِ وَالْقَسْمِ، وَأَنْ يُؤَدُّوا الْخَرَاجَ فَهُمْ أَهْلُ ذِمَّةٍ وَأَرْضُهُمْ أَرْضُ خَرَاجٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَيُوَفَّى لَهُمْ وَلا يُزَادُ عَلَيْهِمْ. وَأَيُّمَا أَرْضٍ افْتَتَحَهَا الإِمَامُ عُنْوَةً فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا؛ فَإِنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ وَإِنْ لَمْ يَرَ قِسْمَتَهَا وَرَأَى الصَّلاحَ فِي إِقْرَارِهَا فِي أَيدي أهليها كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي السَّوَادِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ وَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَهِيَ مِلْكٌ لَهُمْ يَتَوَارَثُونَهَا وَيَتَبَايَعُونَهَا وَيَضَعُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ، وَلا يُكَلَّفُوا مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُطِيقُونَ.   1 الْحَافِظ للْفرس وشبهة والخف لِلْإِبِلِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 75 فَصْلٌ: فِي مَوَاتِ الأَرْضِ فِي الصُّلْحِ وَالْعُنْوَةِ وَغَيْرِهِمَا وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الأَرَضِينَ الَّتِي افْتُتِحَتْ عُنْوَةً أَوْ صُولِحَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وَفِي بَعْضِ قُرَاهَا أَرْضٌ كَثِيرَةٌ لَا يُرَى عَلَيْهَا أَثَرُ زِرَاعَةٍ وَلا بِنَاءٍ لأَحَدٍ، مَا الصَّلاحُ فِيهَا؟ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذَهِ الأَرَضِينَ أَثَرُ بِنَاءٍ وَلا زَرْعٍ، وَلَمْ تَكُنْ فَيْئًا لأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَلا مَسْرَحًا وَلا مَوْضِعَ مَقْبَرَةٍ وَلا مَوْضِعَ مُحْتَطَبِهِمْ وَلَا مَوضِع مرعى دوايهم وَأَغْنَامِهِمْ، وَلَيْسَتْ بِمِلْكٍ لأَحَدٍ وَلا فِي يَدِ أَحَدٍ فَهِيَ مَوَاتٌ؛ فَمَنْ أَحْيَاهَا أَوْ أَحْيَا مِنْهَا شَيْئًا فَهِيَ لَهُ. وَلَكَ أَنْ تُقْطِعَ ذَلِكَ مَنْ أَحْبَبْتَ وَرَأَيْتَ وَتُؤَاجِرَهُ وَتَعْمَلَ فِيهِ بِمَا تَرَى أَنَّهُ صَلاحٌ. وَكُلُّ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ. وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهَل لَهُ إِذَا أَجَازَهُ الإِمَامُ، وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ فَلَيْسَتْ لَهُ، وَلِلإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ يَدِهِ وَيَصْنَعَ فِيهَا مَا رأى من الْإِجَازَة وَالإِقْطَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قِيلَ لأَبِي يُوسُفَ: مَا يَنْبَغِي لأَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَالَ هَذَا إِلا مِنْ شَيْءٍ لأَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ"؛ فَبَيَّنَ لَنَا ذَلِكَ الشَّيْءَ فَإنَّا نرجو أَنْ تَكُونَ قَدْ سَمِعْتَ مِنْهُ فِي هَذَا شَيْئًا يُحْتَجُّ بِهِ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: الإِحْيَاءُ لَا يَكُونُ إِلا بِإِذْنِ الإِمَام. أَرَأَيْت رجلَيْنِ أَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَخْتَارَ مَوْضِعًا وَاحِدًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَعَ صَاحِبَهُ، أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِهِ؟ أَرَأَيْتَ إِنْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُحْيِيَ أَرْضًا مَيْتَةً بِفِنَاءِ رَجُلٍ وَهُوَ مقرّ أَن لَا حق لَهُ فيِهَا فَقَالَ: لَا تُحْيِهَا فَإِنَّهَا بِفِنَائِي؛ وَذَلِكَ يَضُرُّنِي. فَإِنَّمَا جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذْنَ الْإِمَامِ فِي ذَلِك هَهُنَا فَصْلا بَيْنَ النَّاسِ؛ فَإِذَا أَذِنَ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ لإِنْسَانٍ كَانَ لَهُ أَن يُحْيِيهَا، وَكَانَ ذَلِكَ الإِذْنُ جَائِزًا مُسْتَقِيمًا. وَإِذَا مَنَعَ الإِمَامُ أَحَدًا كَانَ ذَلِكَ الْمَنْعُ جَائِزًا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ النَّاسِ التَّشَاحُّ فِي الْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ وَلا الضِّرَارُ فِيهِ مَعَ إِذْنِ الإِمَامِ وَمَنْعِهِ. وَلَيْسَ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَرُدُّ الأَثَرَ إِنَّمَا رَدُّ الأَثَرِ أَنْ يَقُولَ: إِن أَحْيَانًا بِإِذْنِ الإِمَامِ فَلَيْسَتْ لَهُ؛ فَأَمَّا مَنْ يَقُولُ هِيَ لَهُ فَهَذَا اتِّبَاعُ الأَثَرِ وَلَكِنْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لِيَكُونَ إِذْنُهُ فَصْلا فِيمَا بَيْنَهُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 76 من خصوماتهم وإضرار بَعضهم بعض1. قَالَ أَبُو يُوسُف: أَمَّا أَنَا فَأَرَى إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى أَحَدٍ وَلا لأَحَدٍ فِيهِ خُصُومَةٌ أَنَّ إِذْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَائِزٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَإِذَا جَاءَ الضَّرَرُ؛ فَهُوَ عَلَى الْحَدِيثِ "وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ". قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَدَّثَنِي هِشَام بن عُرْوَة عبن أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "وَمن أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بن يَحْيَى بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ". قَالَ عُرْوَةُ: فَحَدَّثَنِي مَنْ رَأَى ذَلِكَ النَّخْلَ يُضْرَبُ فِي أَصْلِهِ بِالْفُئُوسِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي لَيْثٌ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَادِيٌّ الأَرْضِ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ثُمَّ لَكُمْ مِنْ بَعْدُ؛ فَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِمُحْتَجِرٍ حَقٌّ بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ"2. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لمتحجر حَقٌّ بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ"؛ وَذَلِكَ أَنَّ رِجَالا كَانُوا يَحْتَجِرُونَ مِنَ الأَرْضِ مَا لَا يَعْمَلُونَ3. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِمُحْتَجِرٍ حَقٌّ بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الأَرْضِ الْمَوَاتِ الَّتِي لَا حَقٌّ لأَحَدٍ فِيهَا وَلا مِلْكٌ؛ فَمَنْ أَحْيَاهَا وَهِيَ كَذَلِكَ فَهِيَ لَهُ: يَزْرَعُهَا وَيُزَارِعُهَا وَيُؤَاجِرُهَا وَيُكْرِي مِنْهَا الأَنْهَارَ وَيُعَمِّرُهَا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَتُهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ أدّى عَنْهَا الْعشْر، وَإِن   1 وَهَذَا من بعد نظر الإِمَام الْأَعْظَم أبي حنيفَة النُّعْمَان رَضِي الله عَنهُ لِئَلَّا يَقع تشاح بَين النَّاس وَاخْتِلَاف. 2 أَي إِذا لم يصلحها فِي تِلْكَ الْمدَّة السنوات الثَّلَاث. 3 فَلَا استفادوا وَلَا أفادوا غَيرهم واحتجر الأَرْض علمهَا وَفصل حُدُودهَا فَجعل لَهَا عَلامَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 77 كَانَتْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ، وَإِنِ احْتَفَرَ لَهَا بِئْرًا أَوِ اسْتَنْبَطَ لَهَا قَنَاةً كَانَتْ أَرْضَ عُشْرٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَأَيُّمَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بَادُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَبَقِيَتْ أَرْضُوهُمْ مُعَطَّلَةٌ، وَلا يُعْرَفُ أَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدٍ وَلا أَنَّ أَحَدًا يَدَّعِي فِيهَا دَعْوَى، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَعَمَرَهَا وَحَرَثَهَا وَغَرَسَ فِيهَا، وَأَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ وَالْعُشْرَ فَهِيَ لَهُ. وَهَذِهِ الْمَوَاتُ هِيَ الَّتِي وَصَفْتُ لَكَ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لِلإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إِلا بِحَقٍ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ. وَلِلإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ كُلَّ مَوَاتٍ وَكُلُّ مَا كَانَ لَيْسَ لأحد يه مِلْكٌ، وَلَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِالَّذِي يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَعَمُّ نَفْعًا. وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا مِمَّا كَانَ الْمُسْلِمُونَ افْتَتَحُوهُ مِمَّا كَانَ فِي أَيْدِي أَهْل الشِّرْكِ عُنْوَةً، وَقَدْ كَانَ الإِمَامُ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْجُنْدِ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا وَخَمَّسَهَا؛ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ لأَنَّهُ حِينَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ صَارَتْ أَرْضَ عُشْرٍ؛ فَيُؤَدِّي عَنْهَا الَّذِي أَحْيَا مِنْهَا شَيْئًا الْعُشْرَ، كَمَا يُؤَدِّي هَؤُلاءِ الَّذِينَ قَسَّمَهَا الإِمَامُ بَيْنَهُمْ. وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ حِينَ افْتَتَحَهَا تَرَكَهَا فِي أَيْدِي أَهْلِهَا وَلَمْ يَكُنْ قَسَّمَهَا بَيْنَ مَنِ افْتَتَحَهَا، كَمَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَرَكَ السَّوَادَ فِي أَيدي أهليه؛ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ يُؤَدِّي عَنْهَا الَّذِي أَحْيَا مِنْهَا شَيْئًا الْخَرَاجَ كَمَا يُؤَدِّي الَّذِي كَانَ الإِمَامُ أَقَرَّهَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَأَيُّمَا رَجُلٍ أَحْيَا أَرضًا من أَرض الْمَوَاتِ -مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ أَوْ أَرْضِ الْعَرَبِ الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ- فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الأَرَضِينَ الَّتِي افْتَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ مِمَّا فِي أَيْدِي أَهْلِ الشِّرْكِ؛ فَإِنْ أَحْيَاهَا وَسَاقَ إِلَيْهَا الْمَاءَ مِنَ الْمِيَاهِ الَّتِي كَانَت ي أَيْدِي أَهْلِ الشِّرْكِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَإِنْ أَحْيَاهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ الْمَاءِ -بِبِئْرٍ احْتَفَرَهَا فِيهَا أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا مِنْهَا- فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ. وَإِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسُوقَ الْمَاءَ إِلَيْهَا مِنَ الأَنْهَارِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيْدِي الأَعَاجِمَ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ سَاقَهُ أَوْ لَمْ يَسُقْهُ. وَأَرْضُ الْعَرَبِ مُخَالِفَةٌ لأَرْضِ الْعَجَمِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَرَبَ إِنَّمَا يُقَاتَلُونَ عَلَى الإِسْلامِ لَا تُقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَلا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلا الإِسْلامَ؛ فَإِنْ عُفيَ لَهُم عَن بِلَادهمْ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ وَإِنْ قَسَّمَهَا الإِمَامُ وَلَمْ يَدَعْهَا لَهُمْ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ، وَلَيْسَ يُشْبِهُ الْحُكْمُ فِي الْعَرَب الحكم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 78 فِي الْعَجم لأَنهم يُقَاتَلُونَ عَلَى الإِسْلامِ وَعَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَالْعَرَبُ لَا يُقَاتَلُونَ إِلا عَلَى الإِسْلامِ؛ فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَإِمَّا أَنْ يُقْتَلُوا، وَلا نَعْلَمُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَلا أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ أَخَذُوا مِنْ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ جِزْيَةً؛ إِنَّمَا هُوَ الإِسْلامُ أَوْ الْقَتْلُ. فَإِذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ سَبَى النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ، كَمَا سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ ذَرَارِيَّ هَوَازِنَ وَنِسَاءَهُمْ، ثُمَّ عَفَا عَنْهُمْ بَعْدُ وَأَطْلَقَ عَنْهُمْ؛ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِأَهْلِ الأَوْثَانِ مِنْهُمْ. فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ مِنَ الْعَرَبِ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الأَعَاجِمِ تُقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ كَمَا أَضْعَفَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى بَنِي تَغْلِبَ الصَّدَقَةَ عِوَضًا مِنَ الْخَرَاجِ1، وَكَمَا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ مَعَافِرِيًّا2 فِي أَهْلِ الْيَمَنِ؛ فَهَذَا عِنْدَنَا كَأَهْلِ الْكتاب، وكما صَالح أهل نجر أَن عَلَى فِدْيَةٍ. وَأَمَّا الْعَجَمُ فَتُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهُمْ وَالْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ مِنَ الرِّجَالِ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ وَالْمَجُوس وَأهل شِرْكٍ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَهَؤُلاءِ عِنْدَنَا مِنَ الْعَجَمِ وَلا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ وَلا تُؤْكَلُ ذَبَائِحِهُمُ3. وَوَضَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَجَمِ بِالْعِرَاقِ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِ الرِّجَالِ عَلَى الطَّبَقَاتِ الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ وَالْوَسَطِ. وَأَهْلِ الرِّدَّةِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الْحُكْمُ فِيهِمْ كَالْحُكْمِ فِي عَبَدَةِ الأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ أَوِ الْقَتْلُ، وَلا تُوضَعُ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَة.   1 استنكفوا من الْخراج. 2 نوع من الثِّيَاب. 3 يَقُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غير ناكحي نِسَائِهِم وَلَا آكِلِي ذَبَائِحهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 79 فَصْلٌ: الْحُكْمُ فِي الْمُرْتَدِّينَ إِذَا حَاربُوا وَمنعُوا الدَّار قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلَوْ أَنَّ الْمُرْتَدِّينَ مَنَعُوا الدَّارَ وَحَارَبُوا سُبِيَ نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيهِمْ وَأُجْبِرُوا عَلَى الإِسْلامِ كَمَا سَبَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَرَارِيَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَكَمَا سَبَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ الله وَجه بني نَاجِية مُوَافَقَةً لأَبِي بَكْرٍ وَلا يُوضَعُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ. وَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْقِتَالِ وَقَبْلَ أَنْ يُظْهَرَ عَلَيْهِمْ حَقَنُوا دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُم وَامْتَنَعُوا مِنَ السِّبَاءِ. وَإِنْ ظُهِرَ عَلَيْهِمْ؛ فَأَسْلَمُوا حَقَنُوا الدِّمَاءَ وَمَضَى فِيهِمْ حُكْمُ السِّبَاءِ عَلَى الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؛ فَأَمَّا الرِّجَالُ فَأَحْرَارٌ لَا يُسْتَرَقُّونَ. وَقَدْ فَدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ؛ فَلَمْ يَكُونُوا رَقِيقًا، وَأَطْلَقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ فَلَمْ يَكُونَا رَقِيقًا وَلَم يَكُونَا مَوَالِيَ لِمَنْ حَقَنَ دِمَاءَهُمْ. وَلَيْسَ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَلا مِنْ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ سَبْيٌ وَلا جِزْيَةٌ إِنَّمَا هُوَ الْقَتْلُ أَوِ الإِسْلامُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ أَوِ الإِسْلامُ فَظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى دَارِهِمْ سَبَى الذَّرَارِيَّ، وَقَتَلَ الرِّجَالَ وَقُسِّمَتِ الْغَنِيمَةُ عَلَى مَوَاضِعِ قِسْمَةِ الْخُمُسِ لِمَنْ سَمَّى الله فِي كِتَابِهِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَهَذَا جَائِزٌ. وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ السِّبَاءَ وَأَطْلَقَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ وَتَرَكَ الأَرْضَ وَأَمْوَالهمْ فَهُوَ فِي سَعَةٍ، وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ جَائِزٌ. وَأَرْضُهُمْ أَرْضُ عُشْرٍ لَا تُشْبِهُ أَرْضَ الْخَرَاجِ لأَنَّ حُكْمَ هَذَا مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْخَرَاجِ. وَقَدْ ظَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْرِ دَارٍ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَتَرَكَهَا عَلَى حَالهَا، من ذَلِكَ الْبَحْرَانِ وَالْيَمَامَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ بِلادِ غَطَفَانَ وَتَمِيمٍ. وَأَمَّا مَا جَلَبُوا بِهِ فِي عَسْكَرِهِمْ؛ فَلَيْسَ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ الَّذِينَ غَنِمُوهُ وَالْخُمُسُ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ1. وَغَنِيمَةُ الْعَسْكَرِ مُخَالِفَةٌ لِمَا أَفَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، وَالْحُكْمُ فِي هَذَا غَيْرُ الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْغَنَائِمِ، تِلْكَ غَنَائِمُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَأَهْلِ الْكِتَابِ سَوَاءٌ: الْخُمُسُ بَيْنَ مَنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بَيْنَ الَّذين قَاتلُوا عَلَيْهِ وغنموه.   1 رَاجع قَول الله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الْأَنْفَال: 41] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 80 فصل: أَهْلُ الْقُرَى وَالأَرَضِينَ وَالْمَدَائِنُ وَأَهْلُهَا وَمَا فِيهَا وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى وَالأَرَضِينَ وَالْمَدَائِنُ وَأَهْلُهَا وَمَا فِيهَا فَالإِمَامُ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ فِي أَرْضِهِمْ وَدُورِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ وَسَلَّمَ لَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَوضع عَلَيْهِم الْجِزْيَة، وَالْخَارِج مَا خَلا الرِّجَالَ مِنْ عَبَدَةِ الوثان مِنَ الْعَرَبِ خَاصَّةً؛ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ إِنَّمَا هُوَ الإِسْلامُ أَوِ الْقَتْلُ. وَلا خُمُسَ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الْحَشْر: 7] ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الْحَشْر: 8] ، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ تبوأوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الْحَشْر: 9] ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الْحَشْر: 10] ، فَصَارَ فِي الْقُرَى هَؤُلاءِ جَمِيعًا، وَهَذَا فِي غَيْرِ غَنِيمَةِ الْعَسَاكِرِ، وَقَدْ تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرَى مَا لَمْ يُقْسَمْ. وَقَدْ ظَهَرَ عَلَى مَكَّةَ عُنْوَةً، وَفِيهَا أَمْوَالٌ فَلَمْ يُقَسِّمْهَا وَظَهَرَ عَلَى قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَعَلَى غير دَار من ندور الْعَرَبِ؛ فَلَمْ يُقَسِّمْ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ غَيْرَ خَيْبَرَ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ الإِمَام بِالْخِيَارِ إِن قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ تَرَكَ كَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ خَيْبَرَ فَحَسَنٌ. وَقَدْ تَرَكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ السَّوَادَ وَهَذِهِ الْبِلْدَانُ مِنَ الشَّامِ وَمِصْرَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنَّمَا افْتُتِحَ عُنْوَةً؛ وَإِنَّمَا كَانَ الصُّلْحُ مِنْ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْحُصُونِ؛ فَأَمَّا الْبِلْدَانُ فَحَازُوهَا وَظَهَرُوا عَلَيْهَا عُنْوَةً فَتَرَكَهَا عُمَرُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ وَلِمَنْ يَجِيء مِنْ بَعْدِهِمْ، وَرَأَى الْفَضْلَ فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ يَمْضِي عَلَى مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَن يحْتَاط للْمُسلمين وَالدّين1.   1 أَي مَا يكون الْأَصْلَح لَهُم وَلمن يَأْتِي بعدهمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 81 فَصْلٌ: حَدُّ أَرْضِ الْعُشْرِ مِنْ أَرض الْخراج قَالَ أَبُو يُوسُف رَحِمَهُ اللَّهُ: فَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَدِّ أَرْضِ الْعُشْرِ مِنْ حَدِّ أَرْضِ الْخَرَاجِ؛ فَكُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ أَوْ أَرْضِ الْعَجَمِ فَهِيَ لَهُمْ وَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ، بِمَنْزِلَةِ الْمَدِينَةِ حِينَ أَسْلَمَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَبِمَنْزِلَةِ الْيَمَنِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةَ وَلا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلا الإِسْلامَ أَوِ الْقَتْل مِنْ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ؛ فَأَرْضُهُمْ أَرْضُ عُشْرٍ، وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الإِمَامُ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظَهَرَ عَلَى أَرَضِينَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَتَرَكَهَا؛ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ حَتَّى السَّاعَةَ. قَالَ: وَأَيُّمَا دَارٍ مِنْ دُورِ الأَعَاجِمِ قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الإِمَامُ وَتَرَكَهَا فِي أَيْدِي أَهْلِهَا؛ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَإِنْ قَسَّمَهَا بَيْنَ الَّذِينَ غَنِمُوهَا فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ. أَلا تَرَى أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ظَهَرَ عَلَى أَرْضِ الأَعَاجِمِ وَتَرَكَهَا فِي أَيْدِيهِمْ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ. وَكُلُّ أَرْضٍ مِنْ أَرَاضِي الأَعَاجِمِ صَالَحَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَصَارُوا ذمَّة فَهِيَ أَرض خراج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فَصْلٌ: فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنْ حِلْيَةٍ وَعَنْبَرٍ؛ فَإِنَّ فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ مِنَ الْحِلْيَةِ وَالْعَنْبَرِ الْخُمُسُ؛ فَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَلا شَيْءَ فِيهِ. وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولانِ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّمَكِ. وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَرَى فِي ذَلِكَ الْخُمُسَ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِمَنْ أَخْرَجَهُ؛ لأَنَّا قَدْ رُوِينَا فِيهِ حَدِيثًا من عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَاتَّبَعْنَا الأَثَرَ وَلَمْ نَرَ خِلافَهُ. قَالَ أَبُو يُوسُف رَحمَه الله: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ عَمْرو بن دِينَار عَن طَاوُوس عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ عَلَى الْبَحْرِ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي عَنْبَرَةٍ وَجَدَهَا رَجُلٌ عَلَى السَّاحِلِ يَسْأَلُهُ عَنْهَا وَعَمَّا فِيهَا؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ. "إِنَّهُ سَيْبٌ مِنْ سَيْبِ اللَّهِ فِيهَا وَفِيمَا أَخْرَجَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنَ الْبَحْرِ الْخُمُسُ" قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: "وَذَلِكَ رَأْيِي". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 82 فَصْلٌ: فِي الْعَسَلِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَأَمَّا الْعَسَلُ وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَأَشْبَاهُ ذَلِك فَإِن الْعَسَلِ الْعُشْرَ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ وَإِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ, إِذا كَانَ فِي المفاوز والجبار على الْأَشْجَار أَو فِي الكهور فَلا شَيْءَ فِيهِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثِّمَارِ تَكُونُ فِي الْجِبَالِ وَالأَوْدِيَةِ لَا خَرَاجَ عَلَيْهَا وَلا عُشْرَ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: كَتَبَ أَمِيرُ الطَّائِفِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَصْحَابَ النَّحْلِ لَا يُؤَدُّونَ إِلَيْنَا مَا كَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْأَلُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ نَحْمِيَ لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ، فَاكْتُبْ إِلَيَّ بِرَأْيِكَ فِي ذَلِكَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ "إِنْ أَدَّوْا إِلَيْكَ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحْمِ لَهُمْ أَوْدِيَتَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدُّوا إِلَيْكَ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا تَحْمِ لَهُمْ" قَالَ: "وَكَانُوا يُؤَدُّونَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً1. قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي الْخَلايَا2 مِنْ كُلِّ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الأَحْوَصُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ "فِي كُلِّ عَشْرَةِ أَرْطَالٍ رَطْلٌ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُحَرَّرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ يَرْفَعُهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ". وَأَمَّا اللَّوْزُ وَالْجَوْزُ وَالْبُنْدُقُ وَالْفُسْتُقُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ فَفِيهِ الْعُشْرُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ، وَالْخَرَاجُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لِأَنَّهُ يُكَال. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَلَيْسَ فِي الْقَصَبِ وَلا فِي الْحَطَبِ وَلا فِي الْحَشِيش وَلا فِي التِّبْنِ وَلا فِي السَّعَفِ عُشْرٌ وَلا خَمْسٌ وَلا خراج.   1 مضى هَذَا الْكَلَام فِيمَا سبق. 2 الْعَسَل الَّذِي يُؤْخَذ من خلايا النَّحْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 83 وَأَمَّا قَصَبُ الذَّرِيرَةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ فَفِيهِ الْعُشْرُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَفِيهِ الْخَرَاجُ. وَأَمَّا قَصَبُ السُّكَّرِ فَفِيهِ الْعُشْرُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ، وَالْخَرَاجُ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ لأَنَّهُ ثَمَرٌ يُؤْكَلُ. وَقَصَبُ الذَّرِيرَةِ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ فَلَهُ ثَمَرَةٌ وَمَنْفَعَةٌ1. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَلَيْسَ فِي النِّفْطِ وَالْقِيرِ وَالزِّئْبَقِ وَالْمَوْمَيَاءِ -إِنْ كَانَ لشَيْء مِنْ ذَلِكَ عَيْنٌ فِي الأَرْضِ- شَيْءٌ نَعْلَمُهُ، كَانَ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ.   1 يصنع بِهِ أَنْوَاع من الطّيب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 فصل: قصَّة نَجْرَان وَأَهْلهَا وَكتاب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَسَأَلْتَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ نَجْرَانَ وَأَهْلِهَا وَكَيْفَ كَانَ الْحُكْمُ جَرَى فِيهِمْ وَفِيهَا. وَلِمَ أُخْرِجُوا مِنْهَا بَعْدَ الشَّرْطِ الَّذِي كَانَ شُرِطَ عَلَيْهِمْ، وَمَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ؟ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَقَرَّ أَهْلَهَا فِيهَا عَلَى شُرُوطٍ اشْتَرَطَهَا عَلَيْهِمْ وَاشْتَرَطُوهَا هُمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ بِذَلِكَ كِتَابًا، قَدْ ذَكَرْتُ نُسْخَتَهُ لَكَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِمْ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ وَإِلَى غَيْرِهِمْ، وَكَتَبَ لَهُمْ عَهْدًا؛ فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى نَجْرَانَ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحِم الرَّحِيمِ - هَذَا أَمَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُوله، يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ. عهد عَن مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، آمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ، وَأَن يفعل وَيفْعل وَيَأْخُذ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الثِّمَارِ". وَإِنَّ نُسْخَةَ كِتَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمُ الَّتِي فِي أَيْديهم: كتاب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لأهل نَجْرَانَ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا كتب مُحَمَّد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ نَجْرَانَ -إِذْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ- فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَفِي كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ1 وَرَقِيقٍ؛ فَأَفْضَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَتَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ لَهُمْ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ مِنْ حُلَلِ الأَوَاقِي فِي كُلِّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلَّةٍ وَفِي كُلِّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلَّةٍ مَعَ كُلِّ حُلَّةٍ أُوقِيَّةٌ مِنَ الْفِضَّةِ، فَمَا زَادَتْ عَلَى الْخَرَاجِ أَوْ نَقَصَتْ عَنِ الأَوَاقِي فَبِالْحِسَابِ، وَمَا قَضَوْا مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ عَرُوضٍ2 أُخِذَ مِنْهُمْ   1 الذَّهَب وَالْفِضَّة. 2 مَا عدا الذَّهَب وَالْفِضَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 84 بِالْحِسَابِ. وَعَلَى نَجْرَانَ مَؤُنَةُ رُسُلِي وَمُتْعَتُهُمْ مَا بَيْنَ عِشْرِينَ يَوْمًا فَمَا دُونَ ذَلِكَ، وَلا تُحْبَسُ رُسُلِي فَوْقَ شَهْرٍ، وَعَلَيْهِمْ عَارِيَةٌ ثَلاثِينَ دِرْعًا وَثَلاثِينَ فَرَسًا وَثَلاثِينَ بَعِيرًا إِذَا كَانَ كَيْدٌ بِالْيَمَنِ وَمَعَرَّةً. وَمَا هَلَكَ مِمَّا أَعَارُوا رُسُلِي مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ عَرُوضٍ؛ فَهُو ضَمِينٌ عَلَى رُسُلِي حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَيْهِم. ولنجران وحاشيتها جِوَارُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ، لَا يُغَيَّرُ أُسْقُفٌ من أسيقفيته وَلا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ وَلا كَاهِن من كهنته وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَنبه. وَلا دَمَ جَاهِلِيَّةٍ وَلا يَخْسَرُونَ وَلا يَعْسِرُونَ وَلا يَطَأُ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ. وَمَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ حَقًّا فَبَيْنَهُمُ النَّصَفُ1 غَيْرَ ظَالِمِينَ وَلا مَظْلُومِينَ. وَمَنْ أَكَلَ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلِ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ. وَلا يُؤْخَذُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِظُلْمِ آخَرَ2، وَعَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ جِوَارُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ أَبَدًا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، مَا نَصَحُوا وَأَصْلَحُوا مَا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُتَفَلِّتِينَ بِظُلْمٍ. شَهِدَ أَبُو سُفْيَانُ بْنُ حَرْبٍ وَغَيْلانُ بْنُ عَمْرٍو وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ بَنِي نَصْرٍ وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيُّ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. وَكَتَبَ لَهُمْ هَذَا الْكِتَابَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بكر. كتاب أبي بكر لأهل نَجْرَان: قَالَ: ثُمَّ جَاءُوا مِنْ بَعْدُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَكَتَبَ لَهُمْ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا كَتَبَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ خَلِيفَةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ نَجْرَانَ، أَجَارَهُمْ بِجِوَارِ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَرْضِيهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَحَاشِيَتِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ وَبِيَعِهِمْ3 وَكُلِّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ لَا يخسرون وَلَا يعسرون, لَا يُغير أسيقف مِنْ أُسْقُفُيَّتِهِ وَلا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ وَفَاءً لَهُمْ بِكُلِّ مَا كَتَبَ لَهُمْ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ جِوَارُ اللَّهِ وَذمَّة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبدا وَعَلَيْهِم   1 الْعدْل والإنصاف. 2 {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} . 3 أَمَاكِن عباداتهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 85 النُّصْحُ وَالإِصْلاحُ فِيمَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ. شَهِدَ الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ عَمْرٍو -أَحَدُ بَنِي الْقَيْنِ- وَعَمْرٌو مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَرَاشِدُ بْنُ حُذَيْفَةَ والمغيرة، وَكتب". مَا فعل عمر بِأَهْل نَجْرَان وَمَا كتب لَهُم: ثُمَّ جَاءُوا مِنْ بَعْدِ أَنِ اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ أَجْلاهُمْ عَنْ نَجْرَانَ الْيَمَنَ وَأَسْكَنَهُمْ بِنَجْرَانَ الْعِرَاقَ لأَنَّهُ خَافَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَكَتَبَ لَهُمْ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا كَتَبَ بِهِ عُمَرُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لأَهْلِ نَجْرَانَ مَنْ سَارَ مِنْهُمْ آمِنٌ بِأَمَانِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفَاءً لَهُمْ بِمَا كَتَبَ لَهُمْ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. "أَمَّا بَعْدُ": فَمن مروا بِهِ من أرماء الشَّام وأمراء الْعرَاق فليسقوهم من حرث الأَرْض، فَمَا اعتملوا مِنْ ذَلِكَ فَهُو لَهُمْ صَدَقَةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ وَعَقْبَةٌ لَهُمْ مَكَانَ أَرْضِهِمْ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِمْ فِيهِ لأَحَدٍ وَلا مَغْرَمَ. "أَمَّا بَعْدُ"؛ فَمَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَلْيَنْصُرْهُمْ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمْ فَإِنَّهُمْ أقواهم لَهُم الذِّمَّة وجريتهم عَنْهُمْ مَتْرُوكَةٌ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرِينَ شَهْرًا بَعْدَ أَنْ يَقْدِمُوا وَلا يُكَلَّفُوا إِلا مِنْ صُنْعِهِمُ الْبِرَّ غَيْرَ مَظْلُومِينَ وَلا مُعْتَدَى عَلَيْهِمْ. شَهِدَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ وَمُعَيْقِيبٌ، وَكَتَبَ". مَا كتبه لَهُم عُثْمَان: فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ أَتَوْهُ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ فَكَتَبَ لَهُمْ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ -وَهُوَ عَامِلُهُ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، سَلامُ اللَّهِ عَلَيْكَ؛ فَإِنِّي أَحْمَد اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الأَسْقُفَ وَالْعَاقِبَ وَسُرَاةِ أَهْلِ نَجْرَانَ الَّذِينَ بِالْعِرَاقِ، أَتَوْنِي فَشَكَوْا إِلَيَّ وَأَرَوْنِي شَرْطَ عُمَرَ لَهُمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنِّي قَدْ خَفَّفْتُ عَنْهُمْ ثَلاثِينَ حُلَّةً مِنْ جِزْيَتِهِمْ تَرَكْتُهَا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَإِنِّي وَفَّيْتُ لَهُمْ بِكُلِّ أَرْضِهِمُ الَّتِي تَصَدَّقَ عَلَيْهِمْ عُمَرُ عُقْبَى مَكَانِ أَرْضِهِمْ بِالْيَمَنِ فَاسْتَوْصِ بِهِمْ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُمْ أَقْوَامٌ لَهُمْ ذِمَّةٌ، وَكَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَعْرِفَةٌ. وَانْظُرْ صَحِيفَةً كَانَ عُمَرُ كَتَبَهَا لَهُمْ فَأَوْفِهِمْ مَا فِيهَا، وَإِذَا قَرَأْتَ صَحِيفَتَهُمْ فَارْدُدْهَا عَلَيْهِمْ وَالسَّلامُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 86 وَكَتَبَ حُمْرَانُ بْنُ أَبَانٍ، لِلنِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ". مَا طلبه أهل نَجْرَان من على: فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدِمَ الْعِرَاقَ أَتَوْهُ؛ فَحَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ ابْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: أَتَى أَسْقَفُ نَجْرَانَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَعَهُ كِتَابٌ فِي أَدِيمٍ أَحْمَرَ. قَالَ: أَسْأَلُكَ يَا أَمِيَر الْمُؤْمِنِينَ خَطَّ يَديك وَشَفَاعَةَ لِسَانِكَ -يَعْنِي لَمَا رَدَدْتَنَا إِلَى بِلَادنَا- قَالَ فَأَبَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَرُدَّهُمْ وَقَالَ: وَيْحَكَ إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الأَمْرِ. قَالَ وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَجْلاهُمْ لأَنَّهُ خَافَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانُوا اتَّخَذُوا الْخَيْلَ وَالسِّلاحَ فِي بِلادِهِمْ فَأَجْلاهُمْ عَنْ نَجْرَانَ الْيَمَنَ وَأَسْكَنَهُمْ نَجْرَانَ الْعِرَاقَ. قَالَ: وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ عَلِيًّا لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِسِيرَةِ عُمَرَ لَرَدَّهُمْ، ثمَّ كتب لَهُم عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. مَا كتبه عَليّ لأهل نَجْرَانَ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لأَهْلِ النَّجْرَانِيَّةِ، إِنَّكُمْ أَتَيْتُمُونِي بِكِتَابٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ شَرْطٌ لَكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنِّي وَفَّيْتُ لَكُمْ بِمَا كَتَبَ لَكُمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؛ فَمَنْ أَتَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلْيَفِ لَهُمْ وَلا يُضَامُوا وَلا يُظْلَمُوا وَلا يُنْتَقَصُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ. وَكَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، مُنْذُ وَلَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَهَذِهِ الْحُلَلُ الْمُسَمَّاةُ هِيَ الْوَاجِبَةُ على أَرضهم وعَلى جِزْيَة رُءُوسهم تقسم على رُءُوس الرِّجَال الَّذين لم يسلمُوا وعَلى كُلِّ أَرْضٍ مِنْ أَرَاضِي نَجْرَانَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ بَاعَ أَرْضَهُ أَوْ بَعْضَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ تَغْلِبِيٍّ. وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي أَرضهم. فَأَما جِزْيَة رُءُوسهم؛ فَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ شَيْءٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِمُ الْيَوْمَ لِنَجْرَانَ هَذِهِ ضِيَافَةٌ، وَلا نَائِبَةٌ لِلرُّسُلِ وَلا لِلْوَالِي؛ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ بِنَجْرَانَ الْيَمَنِ. أَمَّا الْيَوْم فَلَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 87 قَالَ: وَلَوِ اشْتَرَى نَجْرَانِيٌّ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا الْخَرَاجُ وَلَمْ يَمْنَعَ الْخَرَاجَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الأَرْضِ النَّجَرَانِيَّةِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِجِزْيَةِ رَأْسِهِ وَالأَرْضُ إِنْ كَانَتْ لَهُ بِنَجْرَانَ خَاصَّةً مِنَ الْحُلَلِ؛ لأَنَّ الْحُلَلَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ لِجِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ فِي أَرْضِ نَجْرَانَ خَاصَّةً، وَقَدْ يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَقَ بِهِمْ وَيُحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَيُوَفَّى لَهُمْ بِذِمَّتِهِمْ وَلا يُحَمَّلُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ وَلا يظلموا وَلَا يعسوا وَلا يَخْسَرُوا وَلا يُكَلَّفُوا مَؤُنَةً وَلا نَائِبَةً، وَأَنْ يُبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَنْ يَجْبِيهِمْ فِي بِلادِهِمْ وَلا يَلْزَمُ نِسَاءَهُمْ وَلا صِبْيَانَهُمْ فِي رُءُوسهم جِزْيَة من احلل وَلَا من غَيرهَا. حُكُومَة عمر فِي أَرض نَجْرَان الْيمن: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ مُحَمَّد بن عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن سَابِطٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: لَمَّا بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى خَرَاجِ أَرْضِ نَجْرَانَ -يَعْنِي نَجْرَانَ الَّتِي قُرْبَ الْيَمَنِ- كَتَبَ إِلَيَ أَنِ انْظُرْ كُلَّ أَرْضٍ جَلا أَهْلُهَا عَنْهَا؛ فَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ بَيْضَاءَ تُسْقَى سَيْحًا أَوْ تَسْقِيهَا السَّمَاءُ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ نَخِيلٍ أَوْ شَجَرٍ فَادْفَعْهُ إِلَيْهِمْ يَقُومُونَ عَلَيْهِ وَيَسْقُونَهُ؛ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَلِعُمَرَ وَلِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَلَهُمُ الثُّلُثُ، وَمَا كَانَ مِنْهُم يُسْقَى بِغَرْبٍ فَلَهُمُ الثُّلُثَانِ وَلِعُمَرَ وَلِلْمُسْلِمِينَ الثُّلُثُ. وَادْفَعْ إِلَيْهِمْ مَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ بَيْضَاءَ1 يَزْرَعُونَهَا؛ فَمَا كَانَ مِنْهَا يُسْقَى سَيْحًا أَوْ تُسْقِيهِ السَّمَاءُ فَلَهُمُ الثُّلُثُ، وَلِعُمَرَ وَلِلْمُسْلِمِينَ الثُّلُثَانِ. وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ بَيْضَاءَ تُسْقَى بِغَرْبٍ فَلَهُمُ الثُّلُثَانِ وَلِعُمَرَ وَلِلْمُسْلِمِينَ الثُّلُثُ.   1 أَي لَيْسَ بهَا شجر أَرض زراعية خَالِيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 فَصْلٌ: فِي الصَّدَقَاتِ وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَة، وَفِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ، وَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَامَلَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ؟ فَمُرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا بِأَخْذِ الْحَقِّ وَإِعْطَائِهِ مَنْ وَجَبَ لَهُ وَعَلَيْهِ وَالْعَمَلَ فِي ذَلِكَ بِمَا سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ من سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ. هَكَذَا رُوِيَ لَنَا عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَكَ مِمَّنِ اسْتَنَّ بِفِعْلِهِ وَرَضِيَ عَمَلَهُ، وَأَعْظَمَ عَلَيْهِ ثَوَابَهُ، وَأَنْ يُعِينُكَ عَلَى مَا وَلاكَ، وَيَحْفَظَ لَكَ مَا استرعاك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 88 وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا بَلَغَنَا أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الأَصْنَافِ مِنَ الصَّدَقَاتِ؛ وَعَلَيْهِ أَدْرَكْتُ فُقَهَاءَنَا، وَهُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ -حَدِيثًا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ كِتَابًا فِي الصَّدَقَةِ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ، أَوْ قَالَ بِوَصِيَّتِهِ فَلَمْ يُخْرِجَهُ حَتَّى قُبِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى هَلَكَ ثُمَّ عمل بِهِ عمر. زَكَاة الْغنم: قَالَ: فَكَانَ فِيهِ "فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ فَشَاتَانِ، إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ فَثَلاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلاثِمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ. وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ الْمِائَةَ. زَكَاة الْإِبِل: وَفِي خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَةِ عَشَرَ ثَلاثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بنت مخاص، إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ؛ فَإِن زَادَتْ فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ، إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِنْ زَادَتْ فَفِيهَا حُقَّةٌ إِلَى سِتِّينَ , فَإِنْ زَادَتْ فَفِيهَا جَزَعَةٌ إِلَى خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ , فَإِنْ زَادَتْ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ , فَإِنْ زَادَتْ فَفِيهَا حُقَّتَانِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حُقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَلا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ1 فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ". وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا زَادَتِ الإِبْلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَبِحِسَابٍ تُسْتَقْبَلُ بِهَا الْفَرِيضَةُ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِذَا كَثُرَتِ الإِبِلُ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حُقَّةٌ، وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ إِذَا كَثُرَتْ فَفِي كل مائَة شَاة: شَاة. زَكَاة الْبَقر: وَلَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثِينَ بَقَرَةً مِنَ الْبَقَرِ السَّائِمَةِ شَيْءٌ؛ فَإِذا كَانَت ثَلَاثِينَ فِيهَا تَبِيعٌ جَذَعٌ، إِلَى تِسْعٍ وَثَلاثِينَ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ؛ فَإِذَا كَثُرَتْ فَفِي كُلِّ ثَلاثِينَ تتبع جَذَعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معَاذ إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ   1 أَي إِذا كَانَ الْمَالِك أَكثر من وَاحِد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 89 مُسِنَّةً، وَقَدْ بَلَغَنَا مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. القَوْل فِي زَكَاة الْخَيل: أما الْخَيْلُ فَإِنِّي أَدْرَكْتُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ مَشْيَخَتِنَا يَخْتَلِفُونَ فِيهَا؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ الصَّدَقَةُ دِينَارٌ فِي كُلِّ فَرَسٍ، وَرُوِيَ لَنَا ذَلِكَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَقَدْ بَلَغَنَا نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ يُخَالِفُ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَوْ لَا يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: "قَدْ عَفَوْتُ لأُمَّتِي عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ". وَقَدْ رُوِينَا عَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَقَلَهُ إِلَيْنَا رِجَالٌ مَعْرُوفُونَ أَنَّهُ قَالَ "تَجَاوَزْتُ لأُمَّتِي عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ". وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَجَاوَزْتُ لَكُمْ عَن صَدَقَة الْخَيل وَالرَّقِيق". الْإِبِل وَالْبَقر العوامل: فَأَمَّا الإِبِلُ الْعَوَامِلُ وَالْبَقَرُ الْعَوَامِلُ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ لَمْ يَأْخُذْ مُعَاذٌ مِنْهَا شَيْئًا، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. قَالَ: وَالْجَوَامِيسُ وَالْبُخْتُ بِمَنْزِلَةِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَهِيَ كَمَعْزِ الشَّاةِ وَضَأْنِهَا. السن الَّتِي تُؤْخَذ فِي الزَّكَاة وَمَا لَا يُؤْخَذ فِيهَا: فَأَمَّا مَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْغَنَمِ فَلا تُؤْخَذُ إِلا الثنى فَصَاعِدا، وَلَا تُؤْخَذ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلا عَمْيَاءُ وَلا عَوْرَاءُ وَلا ذَاتُ عَوَارٍ فَاحِشٍ وَلا فَحْلُ الْغَنَمِ وَلا الْمَاخِضُ وَلا الْحَوَامِلُ وَلا الرُّبَى -وَهِيَ الَّتِي مَعَهَا وَلَدٌ تُرَبِّيهِ- وَلا الأَكِيلَةُ- وَهِيَ الَّتِي يُسَمِّنُهَا صَاحِبُ الْغَنَمِ لِيَأْكُلَهَا- وَلا جَذَعَةٌ فَمَا دُونَهَا فَإِنْ كَانَتْ فَوْقَ الْجَذَعِ وَدُونَ هَذِهِ الأَرْبَعِ أَخَذَهَا الْمُصَدِّقُ. وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْغَنَمَ فَيَأْخُذَ مِنْ خِيَارِهَا، وَلا يَأْخُذَ مِنْ شِرَارِهَا وَلا مِنْ دُونِهَا وَلَكِنْ يَأْخُذُ الْوَسَطَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى السُّنَّةِ وَمَا جَاءَ فِيهَا. وَلا يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَجْلِبَ الْغَنَمَ مِنْ بلد إِلَى بلد. حول زَكَاة الْمَاشِيَة: وَلا تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحَوْلُ؛ فَإِذَا حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ أَخَذَ مِنْهَا، وَيُحْتَسَبُ فِي الْعَدَدِ بِالصَّغِيرِ وَبِالْكَبِيرِ وَبِالسَّخْلَةِ، وَإِنْ جَاءَ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدِهِ يَحْمِلُهَا إِذَا كَانَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ نَتَاجٍ بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ فِي الجزء: 1 ¦ الصفحة: 90 السَّنَةِ الأُولَى وَيُحْتَسَبُ بِهِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ بَقِيَ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَالْمَعْزُ وَالضَّأْنُ فِي الصَّدَقَةِ سَوَاءٌ. فَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ جَمَلا فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ؛ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- كَانَ يَقُولُ: لَا شَيْءَ فِيهَا، وَأَمَّا أَنَا فَأَرَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُصَدِّقُ مِنْهَا وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ الْعَجَاجِيلُ وَالْفُصْلانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ -رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شَاةٌ مُسِنَّةٌ وَتِسْعَةٌ وَثَلاثُونَ جَمَلا؛ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَإِنَّ فِيهَا مُسِنَّةً، وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا كَانَ فِيهَا مُسِنٌّ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ وَجَبَتْ فِيهَا الصَّدَقَةُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْإِبِل وَالْبَقر. إِذا هلك جُزْء من الْمَاشِيَة بعد الْحول: فَإِنْ هَلَكَتِ الشَّاةُ بَعْدَ الْحَوْلِ فَلا شَيْءَ فِيهَا عَلَى قْوْلِ أبي حنيفَة. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: فِيهَا تِسْعَةٌ وَثَلاثُونَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ جَمَلٍ. فَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ لَهُ عَلَى أَرْبَعِينَ بَقَرَةً فَهَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِي الْمُصَدِّقُ ثُمَّ أَتَى؛ فَإِنَّ فِيهَا نِصْفَ مُسِنَّةٍ، فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا هَلَكَ أَقَلٌّ فَبِحِسَابِهِ، إِنْ هَلَكَ ثُلُثَ الأَرْبَعِينَ بَقِيَ فِيهَا ثلث مُسِنَّةٍ، وَإِنْ هَلَكَ رُبُعَ الأَرْبَعِينَ بَقِيَ فِيهَا ثَلاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ لَا يحول مَا يجل فِي مُسِنَّةٍ إِلَى تَبِيعٍ، وَكَذَلِكَ الإِبِلُ لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الإِبِلِ؛ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ وَجَبَتْ فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ؛ فَإِنْ هَلَكَتْ كُلُّهَا إِلا بَعِيرًا فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْبَعِيرُ جُزْءًا من خَمْسَة وعشرن جُزْءًا مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ، وَإِنْ كَانَ هَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ وَبَقِيَ خَمْسَةٌ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْ صَاحِبِهَا شَيْءٌ، وَكَانَ لِلْمُصَدِّقِ مِنْهَا خُمْسُ بنت مَخَاض. وَلَو كَانَ لَهُ خَمْسُونَ مِنَ الْبَقَرِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلا مُسِنَّةٌ لَيْسَ فِيمَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ شَيْءٌ إِلا تَبِيعٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ، ثُمَّ لَيْسَ فِيمَا يَزِيدُ عَلَى الأَرْبَعِينَ شَيْءٌ إِلا الْمُسِنَّةُ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ، ثُمَّ إِذَا صَارَتْ سَبْعِينَ فَفِيهَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ، فَإِن زَادَتِ الْبَقَرُ وَكَثُرَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَفِي كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ جَذَعٌ؛ فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ لِلرَّجُلِ عَلَى خَمْسِينَ بَقَرَةً ثُمَّ هَلَكَ مِنْهَا عَشْرَةٌ فَإِنَّ فِيهَا مُسِنَّةٌ عَلَى حَالِهَا لأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مَا يَجِبُ فِيهِ مُسِنَّةٌ. فَإِنْ كَانَ الَّذِي هَلَكَ مِنْهَا عِشْرُونَ فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهَا ثَلاثَةُ أَرْبَاعِ مُسِنَّةٍ لأَنَّهُ ذَهَبَ مِمَّا كَانَتْ تَجِبُ فِيهِ الْمُسِنَّةُ -وَهُوَ أَرْبَعُونَ- رُبُعُهُ فَيَسْقُطُ ربع المسنة. لَو كَانَ لَهُ خَمْسُونَ مِنَ الإِبِلِ فَحَالَ عَلَيْهَا الْحول فَعَلَيهِ حقة، فَإِن هلك مِنْهَا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 91 ثَلاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُصَدِّقُ وَبَقِيَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ أَخَذَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ حَقَّهُ لأَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ حُقَّةٌ. وَلَمْ يَحْتَسِبْ بِمَا هَلَكَ. وَلَوْ كَانَ إِنَّمَا بَقِيَ أَقَلَّ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ قُسِّمَتِ الْحُقَّةُ عَلَى سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا، ثمَّ نظرت كَمْ نَصِيبُ الَّذِي بَقِيَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ مِنَ الْحُقَّةِ؛ فَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْغَنَمُ لَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً فَإِنَّ فِيهَا شَاةً وَاحِدَةً؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَنَمِ شَيْءٌ مَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعِينَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ؛ فَإِنْ هَلَكَ مِنَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ الشَّاةِ عِشْرُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ كَانَ عَلَيْهِ فِي الأَرْبَعِينَ الْبَاقِيَةِ شَاةٌ لأَنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلَوْ هَلَكَ مِنْهَا مِائَةٌ وَبَقِيَ عِشْرُونَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ -نِصْفُ مَا كَانَ يَجِبُ فِي الأَرْبَعِينَ- وَلا يُحْتَسَبُ بِالْفَضْلِ الَّذِي يُجَاوِزُ الأَرْبَعِينَ، وَيُحْتَسَبُ لَهُ بِمَا نَقَصَ عَنِ الأَرْبَعِينَ. وَلَوْ حَالَ لَهُ الْحَوْلُ عَلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاةً فَفِيهَا شَاتَانِ؛ فَإِنْ هَلَكَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِي الْمُصَدِّقُ شَيْءٌ سَقَطَ عَنْهُ بِحِسَابِهِ، إِنْ هَلَكَ سُدُسٌ سَقَطَ سُدُسُ شَاتَيْنِ، وَكَذَلِكَ خُمُسٌ. وَلَوْ هَلَكَ مِنْهَا شَاتَانِ فَقَطْ كَانَ عَلَيْهِ مِائَةُ جُزْءٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ شَاتَيْنِ. وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ هَذَا الْوَجْهِ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغنم. وَالله أعلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 92 بَابٌ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالضَّيَاعِ فِي الزَّكَاة مدْخل لَا يحتال فِي إِسْقَاط الزَّكَاة وَلَا جُزْء مِنْهَا؛ قَالَ أَبُو يُوسُف رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ مَنْعَ الصَّدَقَةِ وَلا إِخْرَاجَهَا مِنْ مُلْكِهِ إِلَى مُلْكِ جَمَاعَةٍ غَيْرِهِ لِيُفَرِّقَهَا بِذَلِك؛ فَتَبْطُلُ الصَّدَقَةُ عَنْهَا بِأَنْ يَصِيرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الصَّدَقَةُ، وَلا يَحْتَالُ فِي إِبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِوَجْهٍ وَلا سَبَب. القَوْل فِي مَانع الزَّكَاة: بَلَغَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "مَا مَانِعُ الزَّكَاةِ بِمُسْلِمٍ، وَمَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا فَلا صَلاةَ لَهُ"، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "لَوْ مَنَعُونِي عِقَالا مِمَّا أَعْطَوْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَجَاهَدْتُهُمْ" حِينَ منعُوهُ الصَّدَقَة، وَرَأى قِتَالهمْ حِلا طَلْقًا لَهُ. وَجَرِيرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لِيَصْدُرُ الْمُصَدِّقُ عَنْكُمْ حِينَ يَصْدُرُ وَهُوَ رَاض". صِفَات جَامع الصَّدقَات وَلَا يكون من عُمَّال الْخراج: وَمُرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِاخْتِيَارِ رَجُلٍ أَمِينٍ ثِقَةٍ عَفِيفٍ نَاصِحٍ مَأْمُونٍ عَلَيْكَ وَعَلَى رَعِيَّتِكَ فَوَلِّهِ جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ فِي الْبُلْدَانِ. وَمُرْهُ فَلْيُوَجِّهَ فِيهَا أَقْوَامًا يَرْتَضِيهِمْ وَيَسْأَلُ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ وَأَمَانَاتِهِمْ يَجْمَعُونَ إِلَيْهِ صَدَقَاتِ الْبُلْدَانِ؛ فَإِذَا جُمِعَتْ إِلَيْهِ أَمَرْتَهُ فِيهَا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِ فَأَنْفَذَهُ وَلا تُوَلِّهَا عُمَّالَ الْخَرَاجِ. فَإِنَّ مَالَ الصَّدَقَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يدْخل فِي مَال الْخَارِج، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَّالَ الْخَرَاجِ يَبْعَثُونَ رِجَالا مِنْ قِبَلِهِمْ فِي الصَّدقَات فيظلمون ويعسفون ويأتون مَا لَا يَحِلُّ وَلا يَسَعُ. وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَخَيَّرَ لِلصَّدَقَةِ أَهْلُ الْعَفَافِ وَالصَّلاحِ؛ فَإِذَا وَلَّيْتَهَا رَجُلا وَوَجَّه مِنْ قِبَلِهِ مَنْ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ أَجْرَيْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّزْقِ بِقَدْرِ مَا تَرَى، وَلَا يجر عَلَيْهِمْ مَا يَسْتَغْرِقُ أَكْثَرَ الصَّدَقَةِ. وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ مَالُ الْخَرَاجِ إِلَى مَالِ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشُورِ لِأَن الْخراج فِي الْجَمِيع الْمُسْلِمِينَ وَالصَّدَقَاتِ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ. فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الصَّدَقَاتُ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جُمِعَ إِلَى ذَلِكَ مَا يُؤْخَذ من الْمُسلمين الجزء: 1 ¦ الصفحة: 93 مِنَ الْعُشُورِ -عُشُورِ الأَمْوَالِ- وَمَا يُمَرُّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ مِنْ مَتَاعٍ وَغَيْرِهِ؛ لأَنَّ مَوْضِعَ ذَلِكَ كُله مَوضِع الصَّدَقَة. من يسْتَحق مَال الصَّدقَات: فَيُقَسَّمُ ذَلِكَ أَجْمَعُ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التَّوْبَة: 60] ؛ فَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قَدْ ذَهَبُوا وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا يُعْطِيهِمُ الْإِمَامُ مَا يَكْفِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنَ الثُّمُنِ أَوْ أَكْثَرَ أُعْطِيَ الْوَالِي مِنْهَا مَا يَسَعُهُ وَيَسَعُ عُمَّالَهُ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلا تَقْتِيرٍ، وَقُسِّمَتْ بَقِيَّةُ الصَّدَقَاتِ بَيْنَهُمْ؛ فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلِلْغَارِمِينَ -وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى قَضَاءِ دُيُونِهِمْ1- سَهْمٌ، وَفِي أَبْنَاءِ السَّبِيلِ الْمُنْقَطِعِ بِهِمْ سَهْمٌ يُحْمَلُونَ بِهِ وَيُعَانُونَ، وَفِي الرِّقَابِ سَهْمٌ وَفِي الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الرَّجُلُ الْمَمْلُوكِ أَوْ أَبٌ مَمْلُوكٌ أَوْ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ أَوْ أُمٌّ أَوِ ابْنَةٌ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ جَدٌّ أَوْ جَدَّةٌ أَوْ عَمٌّ أَوْ عَمَّةٌ أَوْ خَالٌ أَوْ خَالَةٌ وَمَا أَشْبَهَ هَؤُلاءِ فَيُعَانُ هَذَا فِي شِرَاء هَذَانِ وَيُعَانُ مِنْهُ الْمُكَاتَبُونَ، وَسَهْمٌ فِي إِصْلاحِ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا يَخْرُجُ بَعْدَ إِخْرَاجِ أَرْزَاقِ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَيُقَسَّمُ سَهْمُ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ صَدَقَةِ مَا حَوْلَ كُلِّ مَدِينَةٍ فِي أَهْلِهَا وَلا يَخْرُجُ مِنْهَا فَيُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى أَهْلِ مَدِينَةٍ أُخْرَى2، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَصْنَعُ بِهِ الْإِمَامُ مَا أَحَبَّ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَإِنْ صَيَّرَهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى ذكره أَجْزَأَ3. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ أُتِيَ بِصَدَقَةٍ فَأَعْطَاهَا كُلَّهَا أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنِ عِمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: "لَا بَأْسَ أَنْ تُعْطَى الصَّدَقَةُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "لَا بَأْسَ بِأَنْ تُعْطَى الصَّدَقَة فِي صنف وَاحِد".   1 وبالذات الَّذين استدانوا فِيمَا يُرْضِي الله وَلَيْسَ فِي مَعْصِيّة. 2 إِلَّا إِذا كَانَ أهل تِلْكَ النَّاحِيَة لَيْسَ فيهم مُسْتَحقّ. 3 يُلَاحظ فِي بعض الْمذَاهب الْأُخْرَى أَن هَذَا لَا يجوز إِلَّا إِذا لم تُوجد بعض هَذِه الْأَصْنَاف فَالْكَلَام هُنَا على رَأْي السَّادة الأحناف. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 94 ثَوَاب الْعَامِل على الصَّدَقَة بِالْحَقِّ: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِم بن عمر عَن قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْحَقِّ كالغازي فِي سَبِيل الله". نصيحة لمن عمل فِي مَال الْمُسلمين: قَالَ: ثَنَا بعض أشياخنا عَن طَاوُوس، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَلَى الصَّدَقَةِ؛ فَقَالَ لَهُ "اتَّقِ اللَّهَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ لَا تجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِبَعِيرٍ تَحْمِلُهُ عَلَى رقبتك لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةٍ لَهَا خوار أَو شَاة لَهَا تؤاج"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا لَهَكَذَا؟ قَالَ: "أَيْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِلا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ" قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَتَأَمَّرُ عَلَى اثْنَيْنِ أَبَدًا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللَّتْبِيَّةِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ؛ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ، قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ إِلَيَّ. أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَبَيت أمه حَتَّى ينظر أيهدى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ؛ إِمَّا بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٌ تَيْعَرُ -ثُمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى رُؤِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ- فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بلغت؟ ". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَهُ سَاعِيًا؛ فَرَآهُ فِي بَعْضِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ "أَمَا يَسُرُّكَ أَنْ تَكُونَ فِي مِثْلِ الْجِهَادِ؟ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنِّي أَظْلِمُهُمْ؟ قَالَ: كَيْفَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ تَأْخُذُ مِنَّا السَخْلَةَ. قَالَ: أَجَلْ، خُذْ مِنْهُمْ وَإِنْ جَاءَ بِهَا الرَّاعِي يَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِهِ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّكَ تَدَعُ لَهُمُ الرُّبَى وَالأَكِيلَةَ وَفَحْلَ الْغَنَمِ والماخض"1. قَالَ: وحَدثني عَطَاءُ بْنُ عَجْلانَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سُفْيَانَ بْنَ مَالِكٍ سَاعِيًا بِالْبَصْرَةِ؛ فَمَكَثَ حِينًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ، فَقَالَ: أَو لست فِي جِهَادٍ؟ قَالَ: مِنْ أَيْنَ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ هُوَ يَظْلِمُنَا؟ قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ يَقُولُونَ: يَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَةُ. قَالَ: فَعُدَّهَا وَإِنْ جَاءَ بِهَا الرَّاعِي يَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِهِ، قَالَ: أَو لَيْسَ   1 الربي من ترْضع أبناءها، والأكيلة الَّتِي يعلفها صَاحبهَا لتسمن فيأكلها، والماخض الْحَامِل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 95 تَدَعُ لَهُمُ الرُّبَى وَالَأَكِيلَةَ وَالْمَاخِضَ وَفَحْلَ الْغَنَمِ؟ قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ رَجُلَيْنِ من أجشع أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعَثَ مُحَمَّدَ بن مسلة سَاعِيًا عَلَيْهِمْ، قَالا: فَكَانَ يَقْعُدُ فَمَا أَتَيْنَاهُ بِهِ مِنْ شَاةٍ فِيهِ وَفَاءٌ مِنْ حَقِّهِ أَخَذَهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَرَّتْ بِهِ غَنَمُ الصَّدَقَةِ فِيهَا شَاةٌ ذَاتُ ضَرْعٍ عَظِيمٍ فَقَالَ عُمَرُ: مَا هَذِهِ؟ قَالُوا: مِنْ غَنَمِ الصَّدَقَةِ؛ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَعْطَى هَذِهِ أَهْلُهَا وَهُمْ طَائِعُونَ، فَلا تَغْصِبُوا النَّاسَ وَلا تَأْخُذُوا حَزَرَاتِ النَّاسِ. يَعْنِي بِحَزَرَاتٍ خِيَارَ أَمْوَالِ النَّاسِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ مُصدقا فَقَالَ: "خُذ الشارق وَالْبكْر وَذَات الْعَيْبِ وَلا تَأْخُذْ مِنْ حَزَرَاتِ النَّاسِ شَيْئًا". قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلا يُصَدِّقُ النَّاسَ حِينَ أمره الله جلّ ثَنَاؤُهُ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَأْخُذْ مِنْ حَزَرَاتِ أَنْفُسِ النَّاسِ شَيْئًا، خُذِ الشَّارِفَ وَالْبِكْرَ وَذَاتَ الْعَيْبِ" كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَفِّرَ النَّاس حَتَّى يفقهوا وَيَحْتَسِبُوا؛ فَذَهَبَ فَأَخَذَ ذَلِكَ عَلَى مَا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ، حَتَّى جَاءَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؛ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنَ النَّاسِ يُزَكِّيهِمْ بِهَا وَيُطَهِّرَهُمْ بِهَا؛ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: قُمْ فَخُذْ؛ فَذَهَبَ فَأَخَذَ الشَّارِفَ وَالْبِكْرَ وَذَاتَ الْعَيْبِ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا قَامَ فِي إِبِلِي أَحَدٌ قَطُّ يَأْخُذُ شَيْئًا الله قَبْلَكَ، وَاللَّهِ لَتَخْتَارَنَّ؛ فَرَجَعَ إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُصَدِّقًا فَجَاءَهُ بِإِبِلٍ مُسَانَّ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "هَلَكْتَ وَأَهْلَكْتَ" فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ أُعْطِيَ الْبِكْرَيْنِ بِالْجَمَلِ الْمُسِنِّ. قَالَ: "فَلا إِذًا". قَالَ: وَحَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: " الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كمانعها". قَالَ: وَحدثنَا عُبَيْدَة بن أبي رائطة عَن أبي حُمَيْدٍ عَنْ وَهِيلِ بْنِ عَوْفٍ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ: جِئْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، إِنَّ أَصْحَابَ الصَّدَقَةِ قَدْ ظَلَمُونَا وَتَعَدَّوْا عَلَيْنَا وَأَخَذُوا أَمْوَالَنَا، قَالَ: "لَا تَمْنَعْهُمْ شَيْئًا وَلا تَسُبَّهُمْ وَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ من شرهم". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 96 قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا هُرَيْرَةَ: فِي أَيِّ الْمَالِ الصَّدَقَةُ؟ قَالَ "فِي الثُّلُثِ الأَوْسَطِ؛ فَإِنْ أَبَى فَأَخْرِجْ لَهُ الثَّنِيَّةَ وَالْجَذَعَةَ، فَإِنْ أَبِي فَدَعْهُ وَقُلْ لَهُ قَوْلا مَعْرُوفًا". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجه أَنَّه قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعِينَ من الْغنم شَيْء. زِيَادَة الْخراج وتقليله حسب الطَّاقَة: قِيلَ لأَبِي يُوسُفَ: لِمَ رَأَيْتَ أَنْ يُقَاسِمَ أَهْلُ الْخَرَاجِ مَا أَخْرَجَتِ الأَرْضُ مِنْ صُنُوفِ الْغَلاتِ، وَمَا أَثْمَرَ النَّخْلُ وَالشَّجَرُ وَالْكَرْمُ عَلَى مَا قَدْ وَضَعْتَهُ مِنَ الْمُقَاسَمَاتِ، وَلَمْ تَرُدَّهُمْ إِلَى مَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَضَعَهُ عَلَى أَرْضِهِمْ وَنَخْلِهِمْ وَشَجَرِهِمْ، وَقَدْ كَانُوا بِذَلِكَ رَاضِينَ وَلَهُ مُحْتَمِلِينَ؟ فَقَالَ أَبُو يُوسُف: أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَأَى الأَرْضَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتَ مُحْتَمِلَةً لِمَا وَضَعَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَقُلْ حِينَ وَضَعَ عَلَيْهَا مَا وَضَعَ مِنَ الْخَرَاجِ إِنَّ هَذَا الْخَرَاجَ لازِمٌ لأَهْلِ الْخَرَاجِ وَحَتْمٌ عَلَيْهِمْ، وَلا يَجُوزُ لِي وَلِمَنْ بَعْدِي مِنَ الْخُلَفَاءِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ وَلا يَزِيدَ فِيهِ؛ بَلْ كَانَ فِيمَا قَالَ لِحُذَيْفَةَ وَعُثْمَان حِين أَتَيَاهُ بِخَبَر مَا كَانَ اسْتَعْمَلَهُمَا عَلَيْهِ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ "لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ" دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ أَخْبَرَاهُ أَنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ الَّذِي حُمِّلَتْهُ مِنْ أَهْلِهَا لَنَقَصَ مِمَّا كَانَ جَعَلَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ، وَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَا فَرَضَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى الأَرْضِ حَتْمًا لَا يَجُوزُ النَّقْصُ مِنْهُ، وَلا الزِّيَادَةُ فِيهِ مَا سَأَلَهُمَا عَمَّا سَأَلَهُمَا عَنْهُ مِنِ احْتِمَال أهل الرض أَوْ عَجْزِهِمْ. وَكَيْفَ لَا يَجُوزُ النُّقْصَانُ مِنْ ذَلِكَ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ وَعُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ يَقُولُ مُجِيبًا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حملت الأَرْض أمرا لَهُ لَهُ مُطِيقَةٌ وَلَوْ شِئْتُ لأَضْعَفْتُ أَرض، أَو لَيْسَ قَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ فَضْلا لَوْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ؟ وَحُذَيْفَةُ يَقُولُ مُجِيبًا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضًا: وَضَعْتُ على الأَرْض أمرا هَل لَهُ مُحْتَمِلَةٌ وَمَا فِيهَا كَثِيرُ فَضْلٍ؛ فَقَوْلُهُ هَذَا يَدُلُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا قَدْ تَرَكَهُ لَهُمْ؛ وَإِنَّمَا سَأَلَهُمَا لِيَعْلَمَ فَيَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ وَبِقَدْرِ مَا لَا يُجْحِفُ ذَلِكَ بِأَهْلِ الأَرْضِ. فَلَمَّا رَأينَا مَا كَانَ جعل عَلَى أَرْضِهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ يَصْعُبُ عَلَيْهِم ورأينا أَرضهم غير الجزء: 1 ¦ الصفحة: 97 مُحْتَمِلَةٍ لَهُ وَرَأَيْنَا أَخْذَهُمْ بِذَلِكَ دَاعِيًا إِلَى جَلائِهِمْ عَنْ أَرْضِهِمْ. وَتَرْكِهِمْ لَهَا، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الْخَرَاجَ عَلَيْهِمْ- سَأَلَ عَنْهُمْ: أَيُطِيقُونَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَتَقَدَّمَ فِي أَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، اتَّبَعْنَا مَا أَمَرَ بِهِ وَتَقَدَّمَ فِيهِ، وَرَجَوْنَا أَنْ يَكُونَ الرُّشْدُ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ؛ فَلَمْ نُحَمِّلْهُمْ مَا لَا يَطِيقُونَ وَلَمْ نَأْخُذَهُمْ مِنَ الْخَرَاجِ إِلا بِمَا تحتمله أَرضهم. دَلِيل ذَلِك: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلإِمَامِ أَنْ يَنْقُصَ وَيَزِيدَ فِيمَا يُوَظِّفُهُ مِنَ الْخَرَاجِ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ عَلَى قَدْرِ مَا يَحْتَمِلُونَ، وَأَنْ يُصَيِّرَ عَلَى كُلِّ أَرْضٍ مَا شَاءَ بَعْدَ أَنْ لَا يَجْحَفَ ذَلِكَ بِأَهْلِهَا مِنْ مُقَاسَمَةِ الْغَلاتِ أَوْ مِنْ دَرَاهِمَ عَلَى مِسَاحَةِ جريانها1 أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ قَفِيزًا وَدِرْهَمًا، وَعَلَى الْجَرِيبِ مِنَ النَّخْلِ ثَمَانِيَةِ دَرَاهِمَ، وَقَدْ قَالُوا إِنَّهُ أَلْغَى النَّخْلَ عَوْنًا لأَهْلِ الأَرْضِ، وَقَالُوا إِنَّهُ جَعَلَ فِيمَا سُقِيَ مِنْهُ سَيْحًا الْعُشْرَ وَفِيمَا سُقِيَ بِالدَّالِيَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمَا كَانَ مِنْ نَخْلٍ عُمِلَتْ أَرْضُهُ فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَجَعَلَ عَلَى الْكَرْمِ وَالرِّطَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَوَجَّهَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ إِلَى أَرْضِ نَجْرَانَ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُقَاسِمَ أَهْلَ الأَرْضِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ غَلَّةٍ وَأَنْ يُقَاسِمَهُمْ ثَمَرَ النَّخْلِ مَا كَانَ مِنْهُ يُسْقَى سَيْحًا؛ فَلِلْمُسْلِمِينَ الثُّلُثَانِ وَلَهُمُ الثُّلُثُ وَمَا كَانَ يُسْقَى بِغَرْبٍ فَلَهُمُ الثُّلُثَانِ وَلِلْمُسْلِمِينَ الثُّلُثُ. فَفِي هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ مِنْ عُمَرَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ وَفِي أَرْضِ نَجْرَانَ مَا يَدُلُّ على أَن للْإِمَام أَن يختال؛ فَيَجْعَلَ عَلَى كُلِّ أَرْضٍ مِنَ الْخَرَاجِ مَا يَحْتَمِلُ وَيَطِيقُ أَهْلُهَا. أَو لَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عُنْوَةً وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهَا خَرَاجًا وَدَفَعَهَا إِلَى الْيَهُودِ مُسَاقَاةً بِالنِّصْفِ؟ وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا افْتَتَحَ السَّوَادَ نَاظَرَ بَعْضَ دَهَاقِينِ الْعِرَاقِ، وَسَأَلَهُمْ: كَمْ كُنْتُمْ تُؤَدُّونَ إِلَى الأَعَاجِمِ فِي أَرْضِكُمْ؟ فَقَالُوا: سَبْعَةً وَعِشْرِينَ؛ فَقَالَ: لَا أَرْضَى بِهَذَا مِنْكُمْ؛ فَرَأَى أَنْ تُمْسَحَ الْبِلادُ وَجَعَلَ عَلَيْهَا الْخراج، وَكَانَ ذَلِك عِنْد أَصْلَحَ لأَهْلِ الْخَرَاجِ وَأَحْسَنَ رَدًّا وَزِيَادَةً فِي الْفَيْءِ مِنْ غَيْرِ أَن يحملهم مَا لَا   1 والجريب مكيال يسع أَرْبَعَة أَقْفِزَة، والقفيز يعادل الْآن نَحْو سنة عشر كيلو جراما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 98 يَطِيقُونَ؛ فَلِلإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا كَانَ عُمَرُ جَعَلَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ، فَإِنْ كَانُوا يَطِيقُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَكَانَتْ أَرْضُهُمْ لَهُ مُحْتَمِلَةً؛ وَإِلا وَضَعَ عَلَيْهِمْ مَا تَحْتَمِلُهُ الأَرْض ويطيقه أَهلهَا. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنِ انْظُرِ الأَرْضَ وَلا تَحْمِلْ خَرَابًا عَلَى عَامِرٍ وَلا عَامِرًا على خارب، وَانْظُرِ الْخَرَابَ؛ فَإِنْ أَطَاقَ شَيْئًا فَخُذْ مِنْهُ مَا أَطَاقَ وَأَصْلِحْهُ حَتَّى يُعَمَّرَ، وَلا تَأْخُذْ مِنْ عَامر لَا يَعْتَمِلُ شَيْئًا، وَمَا أَجْدَبَ مِنَ الْعَامِرِ مِنَ الْخَرَاجِ فَخُذْهُ فِي رِفْقٍ وَتَسْكِينٍ لأَهْلِ الأَرْضِ. وَآمُرُكَ أَنْ لَا تَأْخُذَ فِي الْخَرَاجِ إِلا وَزْنَ سَبْعَةٍ لَيْسَ فِيهَا تِبْرٌ وَلا أُجُورَ الضَّرَّابِينَ، وَلا إِذَابَةَ الْفِضَّةِ وَلا هَدِيَّةَ النَّيْرُوزِ وَالْمَهْرَجَانِ، وَلا ثَمَنَ الصُّحُفِ وَلا أُجُورَ الْفُتُوحِ وَلا أُجُورَ الْبُيُوتِ وَلا دَرَاهِمَ النِّكَاحِ، وَلا خَرَاجَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْل الأَرْض. لَا يَحِلُّ لِوَالِي الْخَرَاجِ أَنْ يَهَبَ شَيْئا إِلَّا بِإِذن الإِمَام وَمَا فِيهِ مصلحَة: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَلا يَحِلُّ لِوَالِي خَرَاجٍ أَنْ يَهَبَ لِرَجُلٍ مِنْ خَرَاجِ أَرْضِهِ شَيْئًا إِلا أَنْ يَكُونَ الْإِمَامَ قَدْ فَوَّضَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: هَبْ لِمَنْ رَأَيْتَ أَنَّ فِي هِبَتِكَ لَهُ صَلاحًا لِلرَّعِيَّةِ وَاسْتِدْعَاءً لِلْخَرَاجِ، وَلا يَسَعُ مَنْ يَهَبُ لَهُ وَالِي الْخَرَاجِ شَيْئًا مِنَ الْخَرَاجِ -بِغَيْرِ إِذْنِ الإِمَامِ- قَبُولُ ذَلِكَ، وَلا يَحِلُّ لَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْخَرَاجِ لأَنَّ الْخَرَاجَ صَدَقَةُ الأَرْضِ، وَهُوَ فَيْء لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلا يَحِلُّ لِوَالِي الْخَرَاجِ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا مِنَ الْخَرَاجِ إِلا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي مُتَقَبِّلا لِلْخَرَاجِ فَتَجُوزُ لَهُ الْهِبَةُ، وَيَسَعُ الْمَوْهُوبَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ، أَوْ يَكُونَ الْإِمَامُ قَدْ رَأَى الصَّلاحَ فِي تَفْوِيضِ خَرَاجِ أَرْضِ صَاحِبِ الأَرْضِ إِلَيْهِ؛ فَيَجُوزُ لَهُ وَيَسَعُهُ أَنْ يَقْبَلَهُ. لَيْسَ يَجُوزُ هِبَةُ شَيْءٍ مِنَ الْخَرَاجِ إِلا لِلإِمَامِ أَوْ لِمَنْ يُطْلِقُ لَهُ الْإِمَامُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ يَرَى أَن فِي ذَلِك صلاحا. لَا تَحْويل لأرض الْخراج إِلَى أَرض عشرِيَّة وَالْعَكْس صَحِيح: وَلَا يحل لأحد أَنْ يُحَوِّلَ أَرْضَ خَرَاجٍ إِلَى أَرْضِ عُشْرٍ، وَلا أَرْضَ عُشْرٍ إِلَى أَرْضِ خَرَاجٍ؛ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ أَرْضُ عُشْرٍ وَإِلَى جَانِبِهَا أَرْضُ خَرَاجٍ فَيَشْتَرِيهَا فَيُصَيِّرَهَا مَعَ أَرْضِهِ وَيُؤَدِّي عَنْهَا الْعُشْرَ، أَوْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ أَرْضُ خَرَاجٍ وَإِلَى جَانِبِهَا أَرْضُ عُشْرٍ فَيَشْتَرِيَهَا فَيُصَيِّرَهَا مَعَ أَرْضِهِ، وَيُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ؛ فَهَذَا حَدُّ مَا لَا يحل فِي الأَرْض وَالْخَرَاج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 99 فَصْلٌ: فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الآجام وسألك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الآجَامِ وَمَوَاضِعِ مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ؛ فَلا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ لأَنَّهُ غَرَرٌ، وَهُوَ الَّذِي يَصِيدُهُ فَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُصَادَ؛ فَلا بَأْسَ بِبَيْعِهِ، وَمِثْلُهُ إِذَا كَانَ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ صَيْدٍ كَمِثْلِ سَمَكٍ فِي حِبٍّ وَإِلا فَإِذَا كَانَ لَا يُؤْخَذُ إِلا بِصَيْدٍ فَمِثْلُهُ كَمِثْلِ ظَبْيٍ فِي الْبَرِيَّةِ أَوْ طَيْرٍ فِي السَّمَاءِ، وَلا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ لأَنَّهُ غَرَرٌ وَهُوَ للَّذي صَادَهُ، وَقَدْ رَخَّصَ فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الآجَامِ أَقْوَامٌ فَكَانَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي قَوْلِ مَنْ كَرِهَهُ. حَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَبَايَعُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ". وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "لَا تَبِيعُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي بُحَيْرَةٍ يَجْتَمِعُ فِيهَا السَّمَكُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ: أَنُؤَاجِرُهَا؟ فَكَتَبَ أَنِ افْعَلُوا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ قَالَ: طَلَبْتُ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ بَيْعِ صَيْدِ الآجَامِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ، وَسَمَّاهُ الْحَبْسُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنِ عِمَارَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: إِنِ اشْتَرَيْتَهُ صَيْدًا مَحْصُورًا وَرَأَيْتَ بَعْضَهُ فَلا بَأْسَ، وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ وَضَعَ عَلَى أَجَمَةِ بُرْسٍ أَرْبَعَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِي قِطْعَةِ أَدَمٍ؛ وَإِنَّمَا دَفَعَهَا إِلَيْهِمْ عَلَى مُعَامَلَةٍ فِي قَصَبِهَا. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدثا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغرَر1.   1 وَهَذَا مثل بيع السّمك فِي المَاء وَالطير فِي الْهَوَاء، يَرْمِي الصَّائِد الشبكة بِثمن مَعْلُوم وَمَا يظْهر فِيهَا بِكَوْن للْمُشْتَرِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 100 فَصْلٌ: فِي إِجَارَةِ الأَرْضِ الْبَيْضَاءِ 1 وَذَاتِ النَّخْلِ وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْمُزَارَعَةِ فِي الأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَإِفْسَادِهِ، وَيَقُولُونَ الأَرْضُ الْبَيْضَاءُ مُخَالِفَةٌ لِلنَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَلا يَرَوْنَ بَأْسًا بِالْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ؛ فَمَنْ أَجَازَ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ مِنْهُمْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ فِي الأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ، وَمَنْ كَرِهَ الْمُسَاقَاةَ مِنْهُمْ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ كَرِهَ الْمُزَارَعَةَ فِي الأَرْضِ الْبَيْضَاءِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ. وَالْفَرِيقَانِ جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَرَوْنَهَا سَوَاءً: مَنْ أَفْسَدَ الْمُسَاقَاةَ أَفْسَدَ الأَرْضَ، وَمَنْ أَجَازَ الْمُسَاقَاةَ أَجَازَ الأَرْضَ. قَالَ أَبُو يُوسُف: أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَاهُ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَائِزٌ مُسْتَقِيمٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْمُضَارَبَةِ قَدْ يَدْفَعُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَالثلث؛ فَيجوز هَذَا مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ مَا مَبْلَغُ رِيحه لَيْسَ فِيهِ اختلال بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيمَا عَلِمْتُ، وَكَذَلِكَ الأَرْضُ عِنْدِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارَبَةِ: الأَرْضُ الْبَيْضَاءُ مِنْهَا وَالنَّخْلُ وَالشَّجَرُ سَوَاءٌ. قَالَ: وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِمَّنْ يَكْرَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الأَرْضِ الْبَيْضَاءِ، وَفِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَأَقَلَّ وَأكْثر، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مِمَّنْ لَا يرى بذلك بَأْسا. أَدِلَّة من كره الْمُزَارعَة: وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي حُصَيْنٍ عَنِ ابْنِ رَافِعِ بْنِ خُدَيْجٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى حَائِطٍ فَسَأَلَ: لِمَنْ هُوَ؟ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ لِي: اسْتَأْجَرْتُهُ. فَقَالَ: "لَا تَسْتَأْجِرْهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ"؛ فَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمَنْ كَرِهَ الْمُسَاقَاةَ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَيَقُولُ: هَذَهِ إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ مَجْهُولَةٌ، وَكَانُوا يحتجوا أَيْضًا فِي الْمُزَارَعَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه كره الْمُزَارعَة بِالثُّلثِ وَالرّبع.   1 يقْصد الأَرْض الزراعية الخالية من الْأَشْجَار والنخيل وَالَّتِي تقبل زراعة المحاصيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 101 أَدِلَّة من أجَاز الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة: وَأَمَّا أَصْحَابُنَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَأَجَازُوا ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ وَيَحْتَجُّونَ فِي ذَلِكَ بِمَا عَامَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي التَّمْرِ وَالزَّرْعِ، وَلا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ خَلا هَؤُلاءِ الرَّهْطِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ. مُسَاقَاة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرض خَيْبَر: قَالَ أَبُو يُوسُف: فَكَانَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِز مُسْتَقِيم ابتعنا الأَحَادِيثَ الَّتِي جَاءَتْ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُسَاقَاةِ خَيْبَرَ؛ لأَنَّهَا أَوْثَقُ عندنَا وَأكْثر وأعم مِمَّا جَاءَ فِي خلَافهَا من الأَحَادِيثِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّه عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَر يشطر مَا يَخْرُجُ مِنْ زَرْعٍ وَتَمْرٍ، وَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ كُلَّ عَامٍ مِائَةَ وَسْقٍ ثَمَانِينَ تَمْرًا وَعِشْرِينَ شَعِيرًا؛ فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَسَّمَ خَيْبَرَ، وَخَيَّرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْطَعَ لَهُنَّ مِنَ الأَرْضِ أَوْ يَضْمَنْ لَهُنَّ الْمِائَةَ وَسْقٍ كُلَّ عَامٍ؛ فَاخْتَلَفْنَ عَلَيْهِ فَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ أَنْ يُقْطَعَ لَهُنَّ وَمِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَ الأَوْسُقَ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنهُ عَنْهُمَا مِمَّنِ اخْتَارَ الأَوْسُقَ. قَالَ: وَحدثنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: جَلَسْنَا إِلَى أَبِي جَعْفَرَ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ عَنْ قَبَالَةِ الأَرْضِ وَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْبِلُ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِهَا بِالنِّصْفِ يَقُومُونَ عَلَى النَّخْلِ يَحْفَظُونَهُ وَيَسْقُونَهُ وَيُلَقِّحُونَهُ؛ فَإِذَا بَلَغَ أَدْنَى صِرَامِهِ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ؛ فَخَرَصَ1 عَلَيْهِمْ مَا فِي النَّخْلِ فَيَتَوَلَّوْنَهُ وَيَرُدُّونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ بِحِصَّةِ النِّصْفِ مِنَ الثَّمَرَةِ؛ فَأَتَوْهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَعْوَامِ؛ فَقَالُوا: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَدْ جَارَ عَلَيْنَا فِي الْخَرَصِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نَحْنُ نَأْخُذُهُ بِخَرَصِ عَبْدِ اللَّهِ وَنَرُدُّ عَلَيْكُمُ الثَّمَنَ بِحِصَّتِكُمْ مِنَ النِّصْفِ"، فَقَالُوا بِأَيْدِيهِمْ هَكَذَا -وَعَقَدَ بَيْنَ دَوْرِ ثَلاثِينَ2: هَذَا الْحق، بِهَذَا قَامَت السَّمَاوَات وَالأَرْضُ، لَا بَلْ نَحْنُ نَأْخُذُهُ؛ فَتَوَلَّوُا النَّخْلَ، وَتَوَلَّوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ بِحِصَّةِ النِّصْفِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ أَبِي جَعْفَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنه أعْطى خَيْبَر بِالنِّصْفِ.   1 أَي قدر مَا على النّخل رطبا. 2 كَانُوا يشيرون بأصابعهم عَلَامَات يعرف مِنْهَا معنى الْعدَد الَّذِي يُرِيدُونَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 102 قَالَ: فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يُعْطُونَ أَرْضَهُمْ بِالثُّلُثِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: رَأَيْت سعد ابْن أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يُعْطِيَانِ أَرْضَهُمَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ. قَالَ: وَحدثنَا الْحجَّاج بن أرضاة، عَنْ أَبِي جَعْفَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه أَعْطَى خَيْبَرَ بِالنِّصْفِ؛ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يُعْطُونَ أَرْضَهُمْ بِالثُّلُثِ. قَالَ أَبُو يُوسُف: فَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ عندنَا. أَنْوَاع من الْمُزَارعَة: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَالْمُزَارَعَةُ1 عِنْدَنَا عَلَى وُجُوهٍ: مِنْهَا عَارِية لَيْسَ فِيهَا إِجَارَةٌ، وَهُوَ الرَّجُلُ يُعِيرُ أَخَاهُ أَرْضًا يَزْرَعُهَا، وَلا يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ إِجَارَةً فَيَزْرَعَهَا الْمُسْتَعِيرُ بِبِذْرِهِ وَبَقَرِهِ وَنَفَقَتِهِ فَالزَّرْعُ لَهُ وَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ؛ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَالْعُشْرُ عَلَى الزَّارِعِ، وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَوَجْهٌ آخَرُ: تَكُونُ الأَرْضُ لِلرَّجُلِ فَيَدْعُو الرَّجُلَ إِلَى أَنْ يَزْرَعَهَا جَمِيعًا وَالنَّفَقَةُ وَالْبِذْرُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ؛ فَهَذَا مِثْلُ الأَوَّلِ الزَّرْعُ بَيْنَهُمَا وَالْعُشْرُ فِي الزَّرْعَ إِنْ كَانَتْ أَرْضُ عُشْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ خَرَاجٍ فَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ. وَوَجْهٌ آخَرُ: إِجَارَةُ أَرْضٍ بَيْضَاءَ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ؛ فَهَذَا جَائِزٌ وَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْضُ عُشْرٍ فَالْعُشْرُ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُف فِي الإِجَارَةِ الْخَرَاجُ، وَأَمَّا الْعُشْرُ فَعَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ. وَوَجْهٌ آخَرُ: الْمُزَارَعَةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذَا: أَنَّه فَاسِدٌ، وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ مِثْلِهَا، وَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ، وَالْعُشْرُ عَلَى رَبِّ الأَرْض. قلت: الْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ عَلَى شُرُوطِهَا وَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالْعُشْرُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا فِي الزَّرْعِ؛ فَهَذَا الْوَجْهُ الرَّابِع.   1 ليعلم أَن الْمُسَاقَاة شركَة فِي الشّجر وَالنَّخْل والمزارعة على غير ذَلِك كالحبوب مثلا الَّتِي تنْبت على الأَرْض المزراعية، أما الأولى فَهِيَ مَا ينْتج من ثَمَر الْأَشْجَار وتمر النخيل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 103 وَوَجْهٌ آخَرُ: أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ أَرْضٌ وَبَقَرٌ وَبِذْرٌ؛ فَيَدْعُو أَكَّارًا1 فَيُدْخِلَهُ فِيهَا فَيَعْمَلُ ذَلِكَ، وَيَكُونُ لَهُ السُّدُسُ أَوِ السُّبُعُ؛ فَهَذَا فَاسِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَمَنْ وَاقعَة وَالزَّرْعُ فِي قَوْلِهِمْ لِرَبِّ الأَرْضِ وَلِلأَكَّارِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَالْخَرَاجُ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالْعُشْرُ فِي الطَّعَامِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: وَهُوَ عِنْدِي جَائِزٌ عَلَى مَا اشترطها عَلَيْهِ على مَا جَاءَت بِهِ الْآثَار. أَشْيَاء أُخْرَى تخَالف حكم مَا ذكرنَا: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلَوْ أَنَّ رَجُلا دَفَعَ إِلَى رجل رحى مَاء يقوم عَلَيْهِ أَو يؤاجرها ويطحن للنَّاس فِيهَا بِالأُجْرَةِ عَلَى النِّصْفِ؛ فَهَذَا فَاسِدٌ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَدْفَعُ إِلَى الرَّجُلِ بُيُوتَ قَرْيَةٍ أَو دَار أَو دَوَابٍّ أَوْ سَفِينَةً يُؤَاجِرُهَا وَيَكْتَسِبُ عَلَيْهَا؛ فَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ؛ فَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِي، وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُزَارَعَةِ. لِلأَجِيرِ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْفَاسِدِ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى مَالِكِ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ مِنْ غَلَّةِ الرَّحَى وَالسَّفِينَةِ فَهِيَ لصَاحِبهَا.   1 أَي زرعا "فلاحا " أَجِيرا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 104 فَصْلٌ: فِي الْجَزَائِرِ فِي دِجْلَةَ والفرات والغروب قَالَ أَبُو يُوسُف رَحِمَهُ اللَّهُ: وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْجَزَائِرِ الَّتِي تَكُونُ فِي دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ يَنْضَبُ عَنْهَا الْمَاءُ؛ فَجَاءَ رَجُلٌ وَهِيَ جَزِيرَةٌ أَرْضٍ لَهُ فَحَصَّنَهَا مِنَ الْمَاءِ وَزَرَعَ فِيهَا أَوْ إِذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةِ دِجْلَةَ أَوِ الْفُرَاتِ؛ فَجَاءَ رَجُلٌ مُلاصِقٌ تِلْكَ الْجَزِيرَةَ بِأَرْضٍ لَهُ فَحَصَّنَهَا مِنَ الْمسَاء وَزَرَعَ فِيهَا فَهِيَ لَهُ، وَهَذَا مِثْلُ الأَرْضِ الْمَوَاتِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ، وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ أَحَدًا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُتْرَكْ يُحَصِّنُهَا وَلا يَزْرَعُ فِيهَا1 وَيُحْدِثُ فِيهَا حَدَثًا إِلا بِإِذْنِ الإِمَامِ. فَأَمَّا إِذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَةٍ فِي دِجْلَهَ -مِثْلَ هَذِهِ الْجَزِيرَةِ الَّتِي بِحِذَاءِ بُسْتَانِ مُوسَى، وَهَذِهِ الْجَزِيرَةِ الَّتِي مِنَ الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ- فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا شَيْئًا لَا بِنَاءً وَلا زَرْعًا؛ لأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَزِيرَةِ إِذَا حُصِّنَتْ وَزُرِعَتْ كَانَ ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى أَهْلِ الْمَنَازِلِ وَالدُّورِ، قَالَ: وَلا يَسَعُ الإِمَامَ أَنْ يُقْطَعَ شَيْئًا مِنِ هَذَا، وَلا يُحْدِثَ فِيهِ حَدَثًا، قَالَ: وَأَمَّا مَا كَانَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الأَرْضِ الْمَيْتَةِ يُحْيِيهَا الرَّجُلُ وَيُؤَدِّي عَنْهَا حَقَّ السُّلْطَانِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلا فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْبَطِيحَةِ2 مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مِلْكٌ لأَحَدٍ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَضَرَبَ عَلَيْهَا الْمِسْنَاةَ وَاسْتَخْرَجَهَا، وَأَحْيَاهَا وَقَطَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْقَصَبِ؛ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الأَرْضِ الْمَيْتَةِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَالَجَ مِنْ أَجَمَةٍ أَوْ مِنْ بَحْرٍ أَوْ مِنْ بَرٍّ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونُ فِيهِ مِلْكٌ لإنْسَانٍ؛ فَاسْتَخْرَجَهُ رَجُلٌ وَعَمَّرَهُ فَهُوَ لَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْموَات. وَلَوْ أَنَّ رَجُلا أَحْيَا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا قَدْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ قَبْلَهُ رَدَدْتُ ذَلِكَ إِلَى الأَوَّلِ وَلَمْ أَجْعَلْ لِلثَّانِي فِيهِ حَقًّا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي قَدْ زرع يَده؛ فَلَهُ زَرْعُهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا نَقُصَتِ الأَرْضُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَجْرُهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا قَطَعَ مِنْ قَصَبِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الأَرْضُ فِي الْبَرِّيَّةِ فِيهَا نَبَاتٌ؛ لأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْقَصَبِ. قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلا حَظَرَ حَظِيرَةً فِي الْبَطِيحَةِ، وَكَرَى لَهَا نَهَرًا فَجَاءَ رجل فَقَالَ: أَنا أَدخل   1 وَمن مبادئ الْإِسْلَام الْمَشْهُورَة أَنه لَا ضَرَر وَلَا ضرار. 2 الْمَكَان المتسع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 105 مَعَك فِي هَذِه الأَرْض وأشركت فِيهَا؛ فَإِنْ كَانَ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهَا حِينَ دَخَلَ مَعَهُ فَالشَّرِكَةُ بَاطِلَة، إِن كَانَ لَمْ يَنْضَبْ عَنْهَا فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي بَريَّة فَأَتَاهُ رجل فَقَامَ: أَنَا أَدْخُلُ مَعَكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ حَفَرَ فِيهَا بِرْكَةً أَوْ بِئْرا أَو نَهرا وسَاق إِلَيْهَا الْمَاءَ فَالشَّرِكَةُ فِي هَذَا فَاسِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَحْفُرْ وَلَمْ يَكْرِ فَالشَّرِكَةُ جَائِزَةٌ مِثْلُ الأَوَّلِ. قَالَ: وَإِذَا نَضَبَ الْمَاءُ عَنْ جَزِيرَة فِي دجلة أَو الْفُرَات، وَكَانَتْ بِحِذَاءِ مَنْزِلِ رَجُلٍ وَفِنَائِهِ؛ فَأَرَادَ أَنْ يُصَيِّرَهَا فِي فِنَائِهِ وَيَزِيدَهَا فِيهِ؛ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يتْرك وَذَلِكَ. فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَحَصَّنَهَا مِنَ الْمَاءِ وَزَرَعَ فِيهَا وَأَدَّى عَنْهَا حَقَّ السُّلْطَانِ؛ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَرْضِ الْمَوَاتِ يُحْيِيهَا الرَّجُلُ. فَإِنْ أَرَادَ هَذَا الَّذِي هِيَ بِحِذَاءِ فِنَائِهِ أَن يتعملها وَيُؤَدِّيَ عَنْهَا حَقَّ السُّلْطَانِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ لَهُ. وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْجَزِيرَةُ الَّتِي نَضَبَ عَنْهَا الْمَاءُ إِذَا حُصِّنَتْ وَضُرِبَ عَلَيْهَا الْمِسْنَاةَ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالسُّفُنِ الَّتِي تَمُرُّ بِدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ وَخَافَ الْمَارَّةَ فِي السُّفُنِ الْغَرَقَ مِنْ ذَلِكَ أُخْرِجَتْ مِنْ يَدِ هَذَا وَرُدَّتْ إِلَى حَالِهَا الأُولَى؛ لأَنَّ هَذِهِ الْجَزِيرَةَ بِمَنْزِلَةِ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ شَيْئًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يَضُرُّهُمْ، وَلا يَجُوزُ لِلإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ شَيْئًا مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا فِيهِ الضَّرَرُ عَلَيْهِمْ، وَلا يَسَعُهُ ذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ الإِمَامُ أَنْ يَقْطَعَ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ الْجَادَةِ رَجُلا يَبْنِي عَلَيْهِ وَلِلْعَامَّةِ طَرِيقٌ غَيْرُ ذَلِكَ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ مِنْهُ لَمْ يَسَعْهُ إقْطَاعُ ذَلِكَ وَلَمْ يَحِلُّ لَهُ وَهُوَ آثِمٌ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْجَزَائِرُ الَّتِي يَنْضَبُ عَنْهَا الْمَاءُ فِي مِثْلِ الْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ؛ فاللإمام أَنْ يُقْطِعَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لم يقطعهَا، وَمن أحدث يها حَدَثًا وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ رُدَّتْ إِلَى حَالِهَا الأُولَى. وَسَأَلْتَ عَنِ الْغَرُوبِ الَّتِي تُتَّخَذُ فِي دِجْلَةَ وَفِي مَمَرِّ السُّفُنِ الَّتِي تَمُرُّ إِلَى دِجْلَةَ، وَفِيهَا نَفْعٌ وَضَرَرٌ، فَإِنْ كَانَتْ تَضُرُّ بِالسُّفُنِ الَّتِي تَمُرُّ فِي دِجْلَةَ نُحِّيَتْ وَلَمْ يتْرك أَصْحَابهَا وغعادتها إِلَى ذَلِك الْموضع، وَإنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ضَرَرٌ تُرِكَتْ عَلَى حَالِهَا. فَقِيلَ لأَبِي يُوسُفَ فِيهَا مِنَ الضَّرَرِ أَنَّ السَّفِينَةَ رُبَّمَا حَمَلَهَا الْمَاءُ عَلَيْهَا فَانْكَسَرَتْ؟ قَالَ أَبُو يُوسُف: مَا تَكَسَّرَ عَلَيْهَا مِنَ السُّفُنِ فَصَاحب الغرية ضَامِنٌ لِذَلِكَ، وَلا يَتْرُكُ الإِمَامُ شَيْئا من ذَلِك إِلَّا أَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ وَنُحِّيَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَظِيمًا فَالْفُرَاتُ ودلجة إِنَّمَا هُمَا بِمَنْزِلَةِ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ شَيْئًا؛ فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهِ شَيْئًا فَعَطَبَ بِذَلِكَ عَاطِبٌ ضَمِنَ، وَقَدْ أَرَى أَنْ يُوَكَّلَ بِذَلِكَ رَجُلا ثِقَةً أَمِينًا حَتَّى يَتَتَبَّعَ ذَلِكَ وَلا يَدَعَ مِنْ هَذِهِ الْغَرُوبِ شَيْئًا فِي دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ فِي مَوْضِعٍ يَضُرُّ بِالسُّفُنِ، وَيَتَخَوَّفُ عَلَيْهَا مِنْهُ إِلا نَحَّاهُ وَتَوَعَّدَ أَهْلَهُ عَلَى إِعَادَةِ شَيْءٍ مِنْهُ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِك أجرا عَظِيما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 106 فَصْلٌ: فِي الْقِنِيِّ وَالآبَارِ وَالأَنْهَارِ وَالشرب قَالَ أَبُو يُوسُف: وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ نَهْرٍ حَافَّتَاهُ صَارَا كِبْسًا1 عَلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ، حَتَّى أَضَرَّ ذَلِكَ بِمَنَازِلِ قَوْمٍ مِنْ فِعْلِ وَالٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ، وَأَضَرَّ ذَلِكَ بِغَيْرِ وَاحِدٍ فِي مَنَازِلِهِمْ، فِي حَالِ أَنَّهُمْ يدْخلُونَ مَنَازِلهمْ فِي بهوط وَشِدَّةٍ، مَا الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ؟ أَيَكُونُ لِلإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِطَمِّ هَذَا وَنَقْضِهِ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا النَّهْرُ قَدِيمًا فَإِنَّهُ يُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا مِنْ فِعْلِ وَالٍ أَوْ غَيْرِهِ نُظِرَ فِي ذَلِك إِلَى منعته وَإِلَى ضَرَرِهِ؛ فَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ أَكْثَرَ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَرَرُهُ أَكْثَرَ أَمَرْتَ بِهَدْمِهِ وَطَمِّهِ وَتَسْوِيَتِهِ بِالأَرْضِ، وَكُلُّ نَهْرٍ لَهُ مَنْفَعَةٌ أَكْثَرَ؛ فَلا يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَهْدِمَهُ وَلا يَتَعَرَّضَ لَهُ , وَكُلُّ نَهْرٍ مَضَرَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ فَعَلَى الإِمَامِ أَنْ يَهْدِمَهُ وَيَطُمَّهُ وَيُسَوِّيَهُ بِالأَرْضِ إِلا مَا كَانَ لِلشَّفَةِ2 فَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى قَوْمٍ وَصَلاحٌ لآخرين فِي الشقة لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَإِنْ تَعَرَّضَ لَهُ قَوْمٌ فَسَدُّوهُ أَوْ طَمُّوهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِمَامِ فَيَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِرَدِّهِ إِلَى حَالِهِ وَأَن يوجعوا عُقُوبَةً لأَنَّ شُرْبَ الشَّفَةِ غَيْرَ شُرْبِ الأَرَضِينَ شُرْبُ الشَّفَةِ نَرَى الْقِتَالَ عَلَيْهِ، وَلأَصْحَابِ الشَّفَةِ مِنْ هَذَا النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعُوا رَجُلا أَنْ يَسْقِيَ زَرْعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَنَخْلَهُ وَشَجَرَهُ وَكَرْمَهُ إِذَا كَانَ يَضُرُّ بِأَصْحَابِهِ3. وَسَأَلْتَ عَنْ نَهْرٍ بَيْنَ قَوْمٍ خَاصَّةٍ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ أَوِ الْفُرَاتِ، أَرَادُوا أَنْ يُكْرُوهُ أَوْ يَحْفُرُوهُ؛ فَكَيْفَ الْحَفْرُ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ جَمِيعًا فَيُكْرُونَهُ مِنْ أَعْلاهُ إِلَى أَسْفَلِهِ؛ فَكُلَّمَا جَازُوا أَرْضَ رَجُلٍ رُفِعَ عَنْهُ الْكِرَى، وَكَرَى بَقِيَّتُهُمْ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى أَسْفَله   1 كبس الهر طمه بِالتُّرَابِ. 2 أَي للشُّرْب دون ري الأَرْض. 3 إِذا كَانَ لَا يكفيهم لشرب أنسهم وبهائمهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 107 وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: يُكْرَى النَّهْرُ مِنْ أَعْلاهُ إِلَى أَسْفَلِهِ فَإِذَا فُرِغَ مِنْ ذَلِكَ حُسِبَ أَجْرُ جَمِيعِ حَفْرِ ذَلِكَ النَّهْرِ على جَمِيع مَا شرب مِنْهُ مِنَ الأَرْضِ فَلَزِمَ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْ أَهْلِهِ بِقَدْرِ مَالِهِ؛ فَخُذْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ أَحْبَبْتَ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْكَ الأَمْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ: وَإِذَا خَافَ أَهْلُ هَذَا النَّهْرِ أَنْ يَنْشَقّ عَلَيْهِمْ فَأَرَادُوا تَحْصِينَهُ مِنْ ذَلِكَ فَامْتَنَعَ بَعْضُ أَهْلِهِ مِنَ الدُّخُولِ مَعَهُمْ فِيهِ؛ فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَامٌّ أَجْبُرُهُمْ جَمِيعًا عَلَى أَنْ يُحَصِّنُوهُ بِالْحِصَصِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَمَرْتَ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ أَنْ يُحَصِّنَ نَصِيبَ نَفْسِهِ، وَلَيْسَ لأَهْلِ هَذَا النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا أَنْ يَشْرَبَ مِنْهُ لِلشَّفَةِ، وَلَهُمْ شَأْن يَمْنَعُوا مِنْ سَقْيِ الأَرْضِ. قَالَ: وَكُلُّ مَنْ كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ أَوْ بِئْرٌ أَوْ قَنَاةٌ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ مِنْ أَنْ يَشْرَبَ مِنْهَا وَيَسْقِي دَابَّتَهُ وَبَعِيرَهُ وَغَنَمَهُ مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لِلشَّفَةِ وَالشَّفَةُ عِنْدَنَا الشُّرْبُ لِبَنِي آدَمَ وَالْبَهَائِمِ وَالنَّعَمِ وَالدَّوَابِّ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ السَّقْيَ لِلأَرْضِ وَالزَّرْعِ وَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَسْقِيَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلا بِإِذْنِهِ؛ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ بَاعَهُ ذَلِكَ لَمْ يَجُزِ الْبَيْعُ وَلَمْ يحل لبائع وَالْمُشْتَرِي؛ لأَنَّهُ مَجْهُولٌ غَرَرٌ لَا يُعْرَفُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي مصنعة يجْتَمع فِيهِ الْمَاءُ مِنَ السُّيُولِ؛ فَلا خَيْرَ فِي بَيْعِهِ أَيْضًا وَلَوْ سَمَّى لَهُ كَيْلا مَعْلُومًا أَوْ عَدَدِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ أَيْضًا لِلْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ فِي ذَلِك وَالسّنة. بيع المَاء إِذا أحرز أَوَان وَمَا أشبههَا: قَالَ: وَلا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَاءِ إِذَا كَانَ فِي الأَوْعِيَةِ هَذَا مَاء قد أحرز؛ فَإِذا أحرزوه فِي وِعَائِهِ فَلا بَأْسَ بِبَيْعِهِ؛ وَإِنْ هَيَّأَ لَهُ مَصْنَعَةً فَاسْتَقَى فَهَيَّأَ بأويعته حَتَّى جمع فِيهَا مَاء كثير ثُمَّ بَاعَ مِنْ ذَلِكَ فَلا بَأْسَ إِذَا وَقَعَ فِي الأَوْعِيَةِ؛ فَقَدْ أَحْرَزَهُ وَقَدْ طَابَ بَيْعُهُ؛ فَإِذَا كَانَ إِنّمَا يَجْتَمِعُ مِنَ السُّيُولِ فَلا خَيْرَ فِي بَيْعِهِ؛ وَإِن كَانَ فِي بر أَو عين يزْدَاد وَيكثر أَو لَا يَزْدَادُ وَلا يَكْثُرُ؛ فَلا خَيْرَ فِي بَيْعِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ لَمْ يَجُزِ الْبَيْعُ. وَمَنِ اسْتَقَى مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مَا طَابَ لِلَّذِي يَسْتَقِيهِ حَتَّى يَسْتَطِيبَ نَفْسَ صَاحِبِهِ أَلا ترى أَنه لَا يطْلب لِرَجُلٍ أَنْ يَأْخُذَ مَاءً مِنْ سِقَاءِ صَاحِبِهِ إِلا بِإِذْنِهِ وَطِيبِ نَفْسِهِ إِلا أَنْ يَكُونَ حَالَ ضَرُورَةٍ يَخَافُ فِيهَا عَلَى نَفْسِهِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 108 لَا يمْنَع أحد من المَاء وَمَا يمْنَع مِنْهُ: قَالَ: وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعَيْنِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ وَالنَّهْرِ أَنْ يَمْنَعَ الْمَاءَ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ وَالآثَارِ، وَله أَن منع سَقْيَ الزَّرْعِ وَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالْكَرْمِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا لَمْ يَجِئْ فِيهِ حَدِيثٌ وَهُوَ يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ؛ فَأَمَّا الْحَيَوَانُ وَالْمَوَاشِيَ وَالإِبِلُ وَالدَّوَابُّ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ أَلا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلا صَرَفَ نَهْرَ رَجُلٍ إِلَى أَرْضِهِ فَاخْتَصَمَا قَضَيْتُ بِهِ لِرَبِّ النَّهْرِ وَمَنَعْتُ الَّذِي قَهَرَهُ من صرف مائَة إِلَى أَرْضِهِ مِنْ نَهْرٍ كَانَ أَوْ قَنَاةٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ مَصْنَعَةٍ1؛ أَلا تَرَى أَنَّ هَذَا يُهْلِكُ حَرْثَ صَاحِبِ الْمَاءِ وَلَيْسَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ سَقْيِ الْحَيَوَانِ يُجْحِفُ بِصَاحِبِ الْمَاءِ؟ أَلا تَرَى أَنَّ صَرْفَ الْمَاءِ فِي نَهَرِ الْغَاصِبِ يَقْطَعُهُ عَنْ حَرْثِ أَرْضِهِ وَعَنْ سَقْيِ زَرْعِهِ ونخله وشجره وَأَن شرب الشقة لَا يَقْطَعُ عَنْ ذَلِكَ وَلا يَضُرُّ، وَفَصْلُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ فِي ذَلِكَ وَالسّنة. مَا جَاءَ فِي ذَلِك من أَحَادِيث: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَتَبَ غُلامٌ لِعَبْدِ الله بن عمر إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أُعْطِيتُ بِفَضْلِ مَائِي ثَلاثِينَ أَلْفًا بَعْدَ مَا أَرْوَيْتُ زَرْعِي وَنَخْلِي وَأَصْلِي؛ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ أَبِيعَهُ وَأَشْتَرِي بِهِ رَقِيقًا أَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي عَمَلِكَ فَعَلْتُ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: قَدْ جَاءَنِي كتابك وفهمت مَا كتب بِهِ إِلَيَّ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ لِيَمْنَعَ بِهِ فَضْلَ كَلأٍ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"؛ فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَاسْقِ نَخْلَكَ وَزَرْعَكَ وَأَصْلَكَ، وَمَا فَضُلَ فَاسْقِ جيارنك الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ وَالسَّلامُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي جُرَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ حِبَّانَ الشَّرْعِيِّ قَالَ: كَانَ مِنَّا رَجُلٌ بِأَرْضِ الرُّومِ نَازِلا، وَكَانَ قَوْمٌ يَزْرَعُونَ حَوْلَ خِبَائِهِ فَطَرَدَهُمْ؛ فَنَهَاهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ عَنْ ذَلِكَ وَزَجَرَهُ فَامْتَنَعَ؛ فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاثَ غَزَوَاتٍ أَسْمَعُهُ فِيهَا يَقُولُ: "الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلأِ وَالنَّارِ"؛ فَلَمَّا سَمِعَ الرَّجُلُ ذِكْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ؛ فَأَتَى الرَّجُلُ فَاعْتَنَقَهُ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْعَلاءُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَمْنَعُوا كَلأً وَلا مَاءً وَلا نَارًا؛ فَإِنَّهُ مَتَاعٌ لِلْمُقْوِينَ وَقُوَّةً لِلْمُسْتَضْعَفِينَ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ المَاء.   1 شبه الْحَوْض يجمع فِيهَا المَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 109 قَالَ أَبُو يُوسُف: وَتَفْسِيرُ هَذَا عِنْدَنَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ أَن يحرز, والإحزار لَا يَكُونُ إِلا فِي الأَوْعِيَةِ والآتية؛ فَأَما الْآبَار والأحوض فَلا. قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: "لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَاءَ مَخَافَةَ الْكلأ". القَوْل فِي الْقِتَال على المَاء: وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ النَّهَرِ أَوِ الْعَيْنِ أَوِ الْبِئْرِ أَوِ الْقَنَاةِ مَنَعَ ابْنَ السَّبِيلِ مِنَ الشُّرْبِ مِنْهَا، أَوْ أَنْ يَسْقِيَ دَابَّتَهُ أَوْ بَعِيرَهُ أَوْ شَاتَهُ حَتَّى يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا كَانُوا يَرَوْنَ الْقِتَالَ عَلَى الْمَاءِ إِذَا خَافَ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالسِّلاحِ إِذَا كَانَ فِي الْمَاءِ فَضْلٌ عَمَّنْ هُوَ مَعَهُ، وَلا يَرَوْنَ ذَلِكَ فِي الطَّعَامِ، وَيَرَوْنَ فِيهِ الْأَخْذ وَالْغَضَب مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ؛ فَأَمَّا الْمَاءُ خَاصَّةً فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ فِيهِ إِذَا خِيفَ عَلَى النَّفْسِ قِتَالَ الْمَانِعِ مِنْهُ وَهُوَ فِي الأَوْعِيَةِ عِنْدَ الاضْطِرَارِ إِذَا كَانَ فِيهِ فَضْلٌ عَمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ. وَيَحْتَجُّونَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ عُمَرَ فِي الْقَوْمِ السَّفْرِ الَّذِينَ وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ؛ فَلَمْ يَدُلُّوهُمْ عَلَيْهَا؛ فَقَالُوا: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا قَدْ كَادَتْ تَنْقَطِعُ مِنَ الْعَطَشِ فَدُلُّونَا عَلَى الْبِئْرِ وَأَعْطُونَا دَلْوًا نَسْتَقِي بِهِ، فَلَمْ يَفْعَلُوا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ: هَلا وضعتم فيهم السِّلَاح. الْمُسلمُونَ شُرَكَاء فِي الْأَنْهَار: وَالْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا شُرَكَاءُ فِي دِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ، وَكُلِّ نَهَرٍ عَظِيمٍ نَحْوِهِمَا أَوْ وَادٍ يَسْتَقُونَ مِنْهُ وَيَسْقُونَ الشقة وَالْحَافِرَ وَالْخُفَّ، وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ شُرْبُ أَرْضِهِمْ وَنَخْلِهِمْ وَشَجَرِهِمْ، لَا يُحْبَسُ الْمَاءُ عَنْ أَحَدٍ دُونَ أَحَدٍ. وَإِنْ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَكْرِي نَهَرًا فِي أَرْضِهِ مِنْ هَذَا النَّهَرِ الأَعْظَمِ؛ فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ فِي النَّهَرِ الأَعْظَمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُتْرَكَ يَكْرِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَر ترك يكربه، وَعَلَى الإِمَامِ كِرَى هَذَا النَّهَرِ الأَعْظَمِ الَّذِي لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِنِ احْتَاجَ إِلَى كِرَى، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصْلِحَ مِسْنَاتِهِ إِنْ خِيفَ مِنْهُ، وَلَيْسَ النَّهَرُ الأَعْظَمُ الَّذِي لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَنَهَرٍ خَاصٍّ لِقَوْمٍ لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ، أَلا ترى أَن أَصْحَاب هَذَا النَّهَرِ فِيهِ شُفَعَاءٌ لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمْ أَرْضًا لَهُ، وَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا مِنْ أَنْ يَسْقِيَ أَحَدٌ مِنْ نَهْرِهِمْ أَرْضَهُ أَوْ شَجَرَهُ أَو نخله. وَلَيْسَ الْفُرَات ودلجة كَذَلِك فَإِن الْفُرَات ودلجة يَسْقِي مِنْهُمَا مَنْ شَاءَ وَتَمُرُّ فيهمَا السفن وَلَا يكونُونَ فِيهَا شُفَعَاء لشركتهم فِي شربه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 110 فصل: فِي من اتَّخَذَ مَشْرَعَةً فِي أَرْضِهِ عَلَى شاطئ نهر وَلَوْ أَنَّ رَجُلا اتَّخَذَ مَشْرَعَةً فِي أَرْضِهِ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ أَوْ دِجْلَةَ يَسْتَقِي مِنْهَا السَّقَّاءُونَ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ فِيهَا الأُجْرَةَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلا يَصْلُحُ؛ لأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُمْ شَيْئًا وَلَمْ يؤاجرهم أَرضًا. وَلَو قبل هَذِهِ الْمُشْرَعَةٌ الَّتِي فِي أَرْضِهِ كل شَيْء بِشَيْء مُسَمًّى تَقُومُ فِيهَا الإِبِلُ وَالدَّوَابُّ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ فَهَذَا قَدْ أَجَّرَ أَرْضًا لِعَمَلٍ مُسَمًّى. وَلَوِ اسْتَأْجَرَ رَجُلٌ قِطْعَةً مِنْهَا يُقِيمُ فِيهَا بَعِيرًا أَوْ دَابَّةً يَوْمًا جَازَ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُشْرَعَةُ لَا يَمْلِكُهَا الَّذِي اتَّخَذَهَا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ وَلا يَصْلُحُ لَهُ. وَلَوْ كَانَتْ فِي مَوضِع لَا حق لأَحَدٍ فِيهِ فَاتَّخَذَهُ مَنَعْتَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْقُوا من ذَلِك الْمَكَان بِغَيْرِ أَجْرٍ؛ وَإِنَّمَا أَجَزْتُ لَهُ إِذَا كَانَتِ الأَرْضُ لَهُ يَمْلِكُ رَقَبَتَهَا؛ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بِمِلْكٍ وَلا بِتَصْيِيرٍ مِنَ الإِمَامِ مَلَّكَهَا لَهُ لَمْ يَتْرُكْ أَنْ يكربها وَلا يُؤَاجِرَهَا وَلا يُحْدِثَ فِيهَا حَدَثًا. وَإِنْ كَانَتِ الأَرْضُ لَهُ فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَمُرُّوا فِي تِلْكَ الأَرْضِ لِيَسْتَقُوا الْمَاءَ فَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الإِمَامَ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طَرِيقٌ يَسْتَقُونَ مِنْهُ الْمَاءَ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ وَمَرُّوا فِي أَرْضِهِ وَمَشْرَعَتِهِ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَلا كِرًى؛ لأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ الشَّفَةَ. وَإِنْ كَانَ لَهُمْ طَرِيقٌ غَيْرُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنَ الْمَمَرِّ، وَلا يَجُوزُ لأَحَدٍ أَن يتَّخذ مشرعة فيمثل الْفُرَات ودلجة وَيُؤَاجِرَهَا؛ إِلا أَنْ تَكُونَ لَهُ الأَرْضُ أَوْ يَكُونَ الْإِمَامُ صَيَّرَهَا لَهُ يُحْدِثُ فِيهَا مَا شَاءَ؛ لِأَن الْفُرَات ودلجة لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ فِيهِمَا شُرَكَاءُ فَإِنْ أَحْدَثَ رَجُلٌ مَشْرَعَةً أَوْ غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إِلا أَنْ يَكُونَ جَعَلَهَا لِلنَّاسِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ. قَالَ: وَإِذَا اتَّخَذَ أَهْلُ الْمَحِلَّةِ مَشْرَعَةً لأَنْفُسِهِمْ يَسْتَقُونَ مِنْهَا لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ يَسْتَقِي مِنْهَا؛ فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ مِنْ قِيَامٍ الدَّوَابِّ وَالإِبِلِ مَنَعُوهُمْ مِنْ ذَلِك؛ فَأَما غَيرهم فَلَا يمنعونهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 111 من سَالَ من نهره مَاء فأغرق أَرض غَيره: وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ النَّهَرُ الْخَاصُّ فَيَسْقِي مِنْهُ حَرْثَهُ وَنَخْلَهُ وَشَجَرَهُ فَيَنْفَجِرُ مِنْ مَاءِ نَهْرِهِ فِي أَرْضِهِ فَيَسِيلُ الْمَاءُ مِنْ أَرْضِهِ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَيُغْرِقَهَا، هَلْ يَضْمَنُ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَى رَبِّ النَّهْرِ فِي ذَلِكَ ضَمَانٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، وَكَذَلِكَ لَو نزلت أَرْضُ هَذَا مِنَ الْمَاءِ فَفَسَدَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَبِّ الأَرْضِ الأُولَى شَيْءٌ وَعَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ الَّتِي غرقت وَنزلت أَنْ يُحَصِّنَ أَرْضَهُ. وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ أَرْضًا لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِذَلِكَ لِيُهْلِكَ حَرْثَهُ فِيهَا، يُرِيدُ بِذَلِكَ الإِضْرَارَ بِهِ؛ فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضِّرَارِ، وَقَدْ قَالَ "مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَهُ مَلْعُونٌ". وَعُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَمْنَعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُلْمِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَإِنْ عُرِفَ أَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَحَ الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ لِلإِضْرَارِ بِجِيرَانِهِ وَالذِّهَابُ بِغَلاتِّهِمْ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنَ الإِضْرَارِ بِهِمْ. وَلَوِ اجْتَمَعَ فِي أَرْضِ هَذَا الثَّانِي السَّمَكُ مِنَ الْمَاءِ فَصَادَهُ رَجُلٌ كَانَ لِلَّذِي صَادَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الأَرْضِ؛ أَلا تَرَى أَنّ رَجُلا لَوْ صَادَ ظَبْيًا فِي أَرْضِ رَجُلٍ كَانَ لَهُ؛ فَكَذَلِكَ السَّمَكُ. وَلِصَاحِبِ الأَرْضِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى ذَلِكَ، وَأَنْ يَدْخُلَ أرضه فَإِن عَاد فصاد فَمَا صَادَ فَهُوَ لَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ، وَأَمَّا الْمَحْظُورُ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَكِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِالْيَدِ فَإِنْ صَادَهُ رَجُلٌ فَهُوَ لرب الأَرْضُ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلا لَهُ نَهَرٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ يَجْرِي؛ فَأَرَادَ رَبُّ الأَرْضِ أَنْ لَا يَجْرِي النَّهَرُ فِي أَرْضِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، إِذَا كَانَ جَارِيًا فِيهَا جَعَلْتَهُ عَلَى حَالِهِ جَارِيًا فِيهَا كَمَا هُوَ؛ لأَنَّهُ فِي يَدَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَارِيًا سَأَلْتَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا النَّهَرَ لَهُ؛ فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ قَضَيْتَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى أَصْلِ النَّهَرِ وَجَاءَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ مَجْرِيًا فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُ الْمَاءَ فِيهِ إِلَى أرضه حَتَّى يسيها أجرت لَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَهُ النَّهَرُ وحريمه مِنْ جَانِبَيْهِ لِكَرِيِّهِ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَالِجَ نَهَرَهُ لِكَرِيِّهِ وَيُصْلِحَهُ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَطْرَحُ تُرَابَهُ عَلَى حَافَّتَيْ نَهَرِهِ فِي حَرِيمِهِ، وَلا يُدْخِلُ عَلَيْهِ فِي أرضه من ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 112 مَا يَضُرُّ بِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ نَهَرُهُ ذَلِكَ يَصُبُّ فِي أَرْضٍ أُخْرَى فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الأَرْضِ السُّفْلِيِّ الْمَجْرَى فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَصْلِ النَّهَرِ أَنَّهُ لَهُ أَجَزْتَ ذَلِكَ، وَأَجْرَى مَاءَهُ فِي أَرْضِهِ. من حفر بِئْرا فِي أَرض غَيره: قَالَ: وَلَو أَن رجلا احتقر بِئْرًا أَوْ نَهَرًا أَوْ قَنَاةً فِي أَرْضٍ لِرَجُلٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ يَأْخُذَهُ بِطَمِّ مَا أَحْدَثَ مِنَ الْحَفْرِ فِي أَرْضِهِ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَضَرَّ بِأَرْضِهِ ضَمِنَ قيمَة الساد وَهُوَ مَا نَقَصَ مِنْ أَرْضِهِ بِالْحَفْرِ. قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلا لَهُ قَنَاةٌ فَاحْتَفَرَ رَجُلٌ قَنَاةً فَأَجْرَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَوْ مِنْ فَوْقِهَا كَانَ لِصَاحِبِ الْقَنَاةِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَأْخُذَهُ بِطَمِّهَا؛ فَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ فِي احْتِفَارِهَا فَحَفَرَهَا فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ بعد ذَلِك إِن شَاءَ وَلا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي الإِذْنِ مَا خَلا خَصْلَةً وَاحِدَةً: أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهُ وَوَقَّتَ لَهُ وَقْتًا ثُمَّ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِك قبل أَن يَجِيء الْوَقْتُ؛ فَإِذَا كَانَ عَلَى هَذَا ضَمِنَ لَهُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَلَمْ يضمن لَهُ قيمَة الْحفر. حَرِيمِ مَا احْتُفِرَ مِنَ الآبَارِ والقنوات: قَالَ: وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ حَرِيمِ مَا احْتُفِرَ مِنَ الآبَارِ وَالْقِنِيِّ وَالْعُيُونِ لِلْحَرْثِ وَلِلْمَاشِيَةِ وَالشَّفَةِ فِي الْمَفَاوِزِ؛ فَإِذَا احْتَفَرَ رَجُلٌ بِئْرًا فِي مَفَازَةٍ فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ وَلا مُعَاهَدٍ كَانَ لَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا إِذَا كَانَتْ لِلْمَاشِيَةِ. فَإِنْ كَانَتْ لِلنَّاضِحِ فَلَهَا مِنَ الْحَرِيمِ سِتُّونَ ذِرَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا فَلَهَا مِنَ الْحَرِيمِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ. وَتَفْسِيرُ بِئْرِ النَّاضِحِ أَنَّهَا الَّتِي يُسْقَى مِنْهَا الزَّرْعُ بِالإِبِلِ. وَبِئْرُ الْعَطَنِ هِيَ بِئْرُ الْمَاشِيَةِ الَّتِي يَسْقِي مِنْهَا الرَّجُلُ الْمَاشِيَةَ وَلا يَسْقِي مِنْهَا الزَّرْعَ. وَكُلُّ بِئْرٍ يُسْقَى مِنْهَا الزَّرْعُ بِالإِبِلِ فَهِيَ بِئْر الناضح. روى أَبُو يُوسُف عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ النَّاضِحِ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، عَطَنًا لِلْمَاشِيَةِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ حَفَرَ بِئْرًا كَانَ لَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ بْنُ سِوَارٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّه قَالَ: حَرِيمُ الْبِئْرِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا، لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فِي حَرِيمِهِ وَلا فِي مائَة. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَجْعَلُ لِلْقَنَاةِ مِنَ الْحَرِيمِ مَا لَمْ يَسِحْ عَلَى الأَرْضِ مِثْلَ مَا أجعَل للآبار، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 113 وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ فِي حَرِيم بِئْر هَذَا الحافز وَلا فِي حَرِيمِ عَيْنِهِ وَلا فِي قَنَاتِهِ، وَلا يَحْفُرَ فِيهِ بِئْرًا؛ فَإِنْ حَفَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ لِصَاحِبِ الْبِئْرِ وَالْعَيْنِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُطِمَّ مَا حَفَرَ الثَّانِي لأَنَّ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ حَرِيمِ بِئْرِهِ وَعَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَنَى الثَّانِي فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِنَاءً أَوْ زَرَعَ فِيهِ زَرْعًا أَوْ أَحْدَثَ فِيهِ شَيْئًا كَانَ لِلأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَمَا عَطَبَ فِي بِئْرِ الأَوَّلِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَمَا عَطَبَ مِنْ عَمَلِ الثَّانِي فَالثَّانِي ضَامِنٌ؛ وَذَلِكَ لأَنَّهُ أَحْدَثَهُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ. وَانْظُرْ فِي ذَلِكَ إِلَى مَا لَا يُضَرُّ بِهِ فَاجْعَلْ مُنْتَهَى الْحَرِيمِ إِلَيْهِ؛ فَإِذَا ظَهَرَ الْمَاءُ وَسَاحَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ جَعَلْتَ حريمه كحريم النَّهر. من حفر بِئْرا فَذَهَبت بِمَاء بِئْر أُخْرَى: قَالَ: وَلَوْ أَنَّ الثَّانِيَ حَفَرَ بِئْرًا فِي غَيْرِ حَرِيمِ الأَوَّلِ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْهُ فَذَهَبَ مَاءُ الأَوَّلِ وَعَرَفَ أَنَّ ذَهَابَهُ مِنْ حفر هَذَا الْبِئْرِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الآخَرِ شَيْءٌ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فِي حَرِيمِ الأَوَّلِ شَيْئًا. أَلا تَرَى أَنِّي أَجْعَلُ لِلآخَرِ حَرِيمًا مِثْلَ حَرِيمِ الأَوَّلِ وَحَقًّا مِثْلَ حَقِّ الأَوَّلِ؟ وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ أَيْضًا مثل بِئْر العطن والناضح. القَوْل فِي حكم المحتجر: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِمُحْتَجِرٍ حَقٌّ بَعْدَ ثَلاثِ سِنِين. قَالَ أَبُو يُوسُف: فَأُخِذَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ مَنْ يَحْتَجِرُ حَقًّا بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَلا حَقَّ لَهُ. والمحتجر هُوَ أَن يَجِيء الرَّجُلُ إِلَى أَرْضٍ مَوَاتٍ فَيَحْظِرَ عَلَيْهَا حَظِيرَةً وَلا يَعْمُرُهَا وَلا يُحْيِيهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ؛ فَإِنْ لَمْ يُحْيِهَا بَعْدَ ثَلاثِ سِنِينَ فَهُوَ فِي ذَلِكَ وَالنَّاسُ شَرْعٌ وَاحِدٌ فَلا يَكُونُ أَحَقُّ بِهِ بَعْدَ ثَلاثِ سِنِين. أعطال الْآبَار: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الأَعْطَانِ؛ فَقَالَ: أَمَّا الْجَاهِلِيَّةِ مِنْهَا فَكَانَت خَمْسِينَ؛ فَلَمَّا كَانَ الإِسْلامُ جَعَلَ بَين البئرين خَمْسُونَ لِكُلِّ بِئْرٍ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ نَوَاحِيهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: من حفر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 114 بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا يُحِيطُهَا، لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فِيهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ بِلالِ بْنِ يَحْيَى الْعَبْسِيِّ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا حِمًى إِلا فِي ثَلاثٍ: الْبِئْرِ، وَطَوْلِ الْفَرَسِ1، وَحَلْقَةِ الْقَوْم إِذا جَلَسُوا". حكم أهل الْأَعْلَى والأسفل فِي حق المَاء: قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا بَلَغَ الْوَادِي الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَكُنْ لأَهْلِ الْأَعْلَى أَن يحسبوه عَلَى أَهْلِ الأَسْفَلِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "أَهْلُ الأَسْفَلِ مِنَ الشُّرْبِ أُمَرَاءٌ عَلَى أعلاء حَتَّى يَرْوَوْا". قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو معشر عَن أشاخيه رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ "قَضَى فِي الشِّرَاجِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ إِذَا بَلَغَ الْكَعْبَيْنِ، أَنْ لَا يَحْبِسَهُ الأَعْلَى عَلَى جَارِهِ" وَالشِّرَاجُ السَّوَاقِي.   1 مَا يمد لَهُ مِمَّا هُوَ مربوط بِهِ من حَبل وَنَحْوه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 115 فَصْلٌ: فِي الْكَلأِ وَالْمُرُوجِ قَالَ أَبُو يُوسُف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ قَرْيَةٍ لَهُمْ مُرُوجٌ يَرْعَوْنَ فهيا وَيَحْتَطِبُونَ مِنْهَا قَدْ عُرِفَ أَنَّهَا لَهُم فَهِيَ لَهُم عَلَى حَالِهَا يَتَبَايَعُونَهَا وَيَتَوَارَثُونَهَا وَيُحْدِثُونَ فِيهَا مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الْكَلأَ وَلا الْمَاءَ، وَلأَصْحَابِ الْمَوَاشِيَ أَنْ يَرْعَوْا فِي تِلْكَ الْمُرُوجِ ويستقوا من تِلْكَ الْمِيَاه. ولايجوز لأَحَدٍ أَنْ يَسُوقَ ذَلِكَ الْمَاءَ إِلَى مَزْرَعَةٍ لَهُ إِلا بِرِضًى مِنْ أَهْلِهِ وَلَيْسَ شُرْبُ الْمَوَاشِي والشقة كَسَقْيِ الْحَرْثِ لِمَا قَدْ ذَكَرْتُهُ لكز وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُحْدِثَ مَرْجًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَلا يَتَّخِذَ فِيهِ نَهْرًا وَلا بِئْرًا وَلا مزرعة إِلَّا بِإِذن صَاحبه، ولصاحبه أَنْ يُحْدِثَ ذَلِكَ كُلِّهِ. فَإِذَا أَحْدَثَهُ لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ أَنْ يَزْرَعَ فِيمَا زَرَعَ وَلا يَحْتَجِرَهُ، وَإِذَا كَانَ مَرْجًا فَصَاحِبُهُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاء مشتركون فِي كلئه ومائه. الْفرق بَين الآجام والمروج 1: قَالَ: وَلَيْسَتِ الآجَامُ كَالْمُرُوجِ، لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْتَطِبَ مِنْ أَجَمَةِ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ، وَإِنْ صَادَ فِيهَا شَيْئًا مِنَ السَّمَكِ أَوِ الطَّيْرِ فَهُوَ لَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ رَبَّ الأَجَمَةِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، أَلا تَرَى أَنّ رَجُلا لَوْ صَادَ فِي دَار رجل أَو بتسانه شَيْئًا مِنَ الْوَحْشِ أَوِ الطَّيْرِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ. وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ مِلْكٌ عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ وَبُسْتَانِهِ، فَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَقَدْ أَسَاءَ، وَمَا صَاد لَهو لَهُ أَيْضا، وَإِذَا كَانَ السَّمَكُ قَدْ حُظِرَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لَا يُؤْخَذُ إِلا بِصَيْدٍ فَالْمَحْظُورُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْمَحْظُورِ سَوَاءٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يُصَادَ، وَإِنْ كَانَ يؤخ بِالْيَدِ بِغَيْرِ صَيْدٍ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي حَظَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَادَهُ غَيْرُهُ ضَمِنَ الَّذِي يَصِيدَهُ، وَإِنْ بَاعَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَإِنَّ بَيْعَهُ هَذِا بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ مَا أَحْرَزَهُ فِي إِنَائِهِ. قَالَ: وَلَوْ أَنَّ صَاحِبَ بَقَرٍ رَعَى بَقَرَهُ فِي أَجَمَةِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَضَمِنَ مَا رَعَى وَأَفْسَدَ، أَلا تَرَى أَنِّي أَبِيعُ قَصَبَ الأَجَمَةِ وَأَدْفَعُهَا مُعَامَلَةً فِي قَصَبِهَا؟ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أبي طَالب رَضِي الله تعمالى عَنْهُ عَامَلَ أَهْلَ أَجَمَةِ بُرْسٍ عَلَى أَرْبَعَةِ آلافِ دِرْهَمٍ وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِي قِطْعَةِ أَدِيمٍ. وَالْكَلأُ لَا يُبَاعُ وَلا يَدْفَعُ مُعَامَلَةً. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لأَهْلِ هَذِه الْقرْيَة الَّذين يكون لَهُمْ هَذِهِ الْمُرُوجُ وَفِي مِلْكِهِمْ مَوْضِعَ مَسْرَحٍ وَمَرْعًى لِدَوَابِّهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ غَيْرُ هَذِهِ الْمُرُوجِ، كَمَا لأَهْلِ كُلِّ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى السَّهْلِ وَالْجَبَلِ فَإِنَّ لِكُلِّ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى السَّهْلِ وَالْجَبَلِ مَوْضِعُ مَسْرَحٍ وَمَرْعًى وَمُحْتَطَبٍ فِي أَيْدِيهِمْ وَيُنْسَبُ إِلَيْهِم وترعى فيهم مَوَاشِيهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَيَحْتَطِبُونَ مِنْهُ، وَكَانُوا مَتى أذنوا للنَّاس فِي   1 الأجمة: الشّجر الْكثير الملتف، والمرج: الأَرْض الواسعة ذَات نَبَات ومرعى للدواب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 116 رَعْيِ تِلْكَ الْمُرُوجِ وَالاحْتِطَابِ مِنْهَا، وَأَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ وَبِمَوَاشِيهِمْ وَدَوَابِّهِمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا كُلَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرْعَى فِيهَا أَوْ يَحْتَطِبَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُم مرعى وَمَوْضِع احتطاب حَولهمْ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَلا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الاحْتِطَابَ وَالرَّعْيَ مِنَ النَّاس. الْمَدِينَة المشرقة حرم آمن: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَمْرٍو السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ أَوْ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي الْمَدِينَةِ: "إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ، إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ، إنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه حرم عضاء1 الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا اثْنَيْ عَشَرَ مِيلا -أَيْ جَنْبَهَا- وَحَرَّمَ الصَّيْدَ فِيهَا أَرْبَعَةَ أَمْيَالٍ حَوْلَهَا، أَيْ جنبها. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ تَفْسِيرَ هَذَا إِنَّمَا هُوَ لاسْتِبْقَاءِ العضاء لِأَنَّهَا رعى المواضي مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ؛ وَإِنَّمَا كَانَ قوت الْقَوْم اللَّبن، وَكَانَتْ حَاجَتُهُمْ إِلَى الْقُوتِ أَفْضَلَ من حَاجتهم إِلَى الْخطب. القَوْل فِي الاحتطاب وقطف الثِّمَار غير الْمَمْلُوكَة: وَإِذَا كَانَ الْحَطَبُ فِي الْمُرُوجِ وَهِيَ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ؛ فَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْتَطِبَ مِنْهَا إِلا بِإِذْنِهِ؛ فَإِنِ احْتَطَبَ مِنْهَا ضَمِنَ قِيمَةَ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ لأَحَدٍ مِلْكٌ فَلا بَأْسَ أَنْ يَحْتَطِبَ مِنْهُ جَمِيعُ النَّاسِ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَحْتَطِبَ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ مَالِكًا، وَكَذَلِكَ الثِّمَارُ فِي الْجِبَالِ وَالْمُرُوجِ وَالأَوْدِيَةِ مِنَ الشَّجَرِ مَا لَمْ يَغْرِسْهُ النَّاسُ، وَلا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ مِنْ ثِمَارِهَا وَيَتَزَوَّدَ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ، وَكَذَا الْعَسَلُ يُوجَدُ فِي الْجِبَالِ وَالْغِيَاضِ؛ فَلا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَهُ، وَلَيْسَ الْعَسَلُ فِي الْجِبَالِ مِمَّا يَكُونُ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي يَتَّخِذُهُ النَّاسُ يَكُونُ فِي الكوارت2 فَمَا لَمْ يُحْرَزْ مِنْهَا فَهُوَ مُبَاحٌ كَفِرَاخِ الصَّيْدِ مِنَ الطَّيْرِ وبيضه يكون فِي الغياض. من أحرق شَيْئا فِي أرضه فتعدت إِلَى غَيره: قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلا أَحْرَقَ كَلأً فِي أَرْضِهِ فَذَهَبَتِ النَّارُ فَأَحْرَقَتْ مَالَ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ رَبُّ الأَرْضِ؛ لأَنَّ لَهُ أَنْ يُوقِدَ فِي أَرْضِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحَق حصائد فِي أَرض كَانَ مثل ذَلِك،   1 العضاء كل شجر لَهُ شوك. 2 المناحل الَّتِي يصنعها النَّاس. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 117 وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الأَجَمَةِ يَحْرِقُ مَا فِيهَا مِنَ الْقَصَبِ؛ فَتَحْرِقُ النَّارُ مَالَ غَيْرِهِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهُمَا مِثْلُ الَّذِي يَسْقِي أَرْضَهُ فَيُغْرِقُ الْمَاءُ أَرْضَ رَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ أَوْ تَنِزَّ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَمَانٌ، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ الإِضْرَارَ لِجَارِهِ وَلا الْقَصْدَ لِتَغْرِيقِ أَرْضِهِ وَلا لتحريق زرعه بِشَيْء من يحدثه فِي أَرض نَفسه. قَول عمر لعامله على الْحمى: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدثنَا هِشَام بن سعد عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ عَلَى الْحِمَى فَقَالَ لَهُ: "وَيْحَكَ يَا هَنِيٌّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنِ النَّاسِ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَتَهُ مُجَابَةٌ. أَدْخِلْ لِي رَبَّ الصَّرِيمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ وَدَعْنِي مِنْ نَعَمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَوْفٍ؛ فَإِنَّ ابْنَ عَفَّانَ وَابْنَ عَوْفٍ إِنْ هَلَكت مَا شيتهما رَجَعَا إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ، وَإِنَّ هَذَا الْمِسْكِينُ إِنْ هَلَكت مَا شيته جَاءَنِي يَصِيحُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْمَاءُ وَالْكَلأُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْرَمَ لَهُ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، وَاللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَبِلادُهُمْ، قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الإِسْلامِ، وَلَوْلا هَذَا النَّعَمِ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَى النَّاسِ من بِلَادهمْ شَيْئا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 118 فَصْلٌ: فِي تَقْبِيلِ 1 السَّوَادِ وَاخْتِيَارِ الْوُلاةِ لَهُمْ وَالتَّقَدُّمِ إِلَيْهِمْ قَالَ أَبُو يُوسُف: وَرَأَيْتُ أَنْ لَا تَقْبَلَ شَيْئًا مِنَ السَّوَادِ وَلا غَيْرِ السَّوَادِ مِنَ الْبِلادِ؛ فَإِنَّ الْمُتَقَبِّلَ إِذَا كَانَ فِي قِبَالَتِهِ فَضْلٌ عَنِ الْخَرَاجِ عَسَفَ أَهْلُ الْخَرَاجِ2 وَحَمَّلَ عَلَيْهِمْ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَظَلَمَهُمْ وَأَخَذَهُمْ بِمَا يُجْحِفُ بِهِمْ لِيَسْلَمَ مِمَّا دَخَلَ فِيهِ. وَفِي ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ خَرَابُ الْبِلادِ وَهَلاكُ الرَّعِيَّةِ. وَالْمُتَقَبِّلُ لَا يُبَالِي بِهَلاكِهِمْ بِصَلاحِ أَمْرِهِ فِي قِبَالَتِهِ؛ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَفْضِلَ بَعْدَ مَا يَتَقَبَّلُ بِهِ فَضْلا كَثِيرًا، وَلَيْسَ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ إِلا بِشِدَّةٍ مِنْهُ عَلَى الرَّعِيَّةِ وَضَرْبٍ لَهُمْ شَدِيدٌ، وَإِقَامَتُهُ لَهُمْ فِي الشَّمْسِ، وَتَعْلِيقِ الْحِجَارَةِ فِي الأَعْنَاقِ، وَعَذَابٌ عَظِيمٌ يَنَالُ أَهْلَ الْخَرَاجِ مِمَّا لَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي نَهَى الله عَنهُ؛ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمُ الْعَفْوَ، وَلَيْسَ يَحِلُّ أَنْ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ؛ وَإِنَّمَا أكره الْقِبَالَةَ لأَنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَحْمِلَ هَذَا الْمُتَقَبِّلُ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ مَا لَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَيُعَامِلَهُمْ بِمَا وَصَفْتُ لَكَ فَيَضُرُّ ذَلِكَ بِهِمْ فَيُخَرِّبُوا مَا عَمَّرُوا وَيَدَعُوهُ فَيَنْكَسِرَ الْخَرَاجُ، وَلَيْسَ يَبْقَى عَلَى الْفَسَادِ شَيْءٌ، وَلَنْ يَقِلَّ مَعَ الصَّلاحِ شَيْءٌ. إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَى عَنِ الْفَسَادِ. قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الْأَعْرَاف: 56، 58] ، وَقَالَ: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [الْبَقَرَة: 205] ؛ وَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ مِنَ الْأُمَم بحبسهم الْحق حَتَّى يستشري مِنْهُم، وَإِظْهَارِهِمُ الظُّلْمَ حَتَّى يُفْتَدَى مِنْهُمْ. وَالْحَمْلُ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ مِنَ الظُّلْمِ الظَّاهِرِ الَّذِي لَا يَحِلُّ وَلا يسع. القَوْل فِي الِالْتِزَام: وَإِنْ جَاءَ أَهْلُ طُسُوجٍ3 أَوْ مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ وَمَعَهُمْ رَجُلٌ مِنَ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ مُوسِرٌ؛ فَقَالَ: أَنا أتضمن عَن أهل هَذَا الطُّسُوجِ أَوْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ خَرَاجَهُمْ وَرَضُوا هُمْ بِذَلِكَ فَقَالُوا: هَذَا أَخَفُّ عَلَيْنَا، نَظَرَ فِي ذَلِك؛ فَإِن كَانَ صلاحا لأَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ وَالطُسُوجِ قَبِلَ وَضَمِنَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَصَيَّرَ مَعَهُ أَمِير مِنْ قِبَلِ الإِمَامِ يُوثَقُ بِدِينِهِ وأمانته وَيجْرِي عَلَيْهِ من   1 تقبلت الْعَمَل التزمته بِعقد، وَكَانَ يُقَال لَهُ: الْمُلْتَزم يلْتَزم بمبلغ معِين عَن بلد ثمَّ يعسف بالرعية ليبقى لَهُ مبلغ كَبِير من الدخل. 2 أَي ظلمهم. 3 يَعْنِي أهل نَاحيَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 119 بَيْتِ الْمَالِ؛ فَإِنْ أَرَادَ ظُلْمَ أحد من أهل الْخَرَاجِ أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ تَحْمِيلَهُ شَيْئًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَنَعَهُ الأَمِيرُ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْمَنْعِ. وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَى عَيْنًا بِمَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا رَأَى أَنَّهُ أَصْلَحُ لأَهْلِ الْخَرَاجِ وَأَوْفَرُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ عَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَبَّالَةِ وَالْوِلايَةِ بَعْدَ الأَعْذَارِ وَالتَّقَدُّمِ إِلَى الْمُتَقَبِّلِ وَالْوَالِي بِرَفْعِ الظُّلْمِ عَنِ الرَّعِيَّةِ وَالْوَعِيدِ لَهُ إِنْ حَمَّلَهُمْ مَا لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ، أَوْ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنْ فَعَلَ وفوا لَهُ بِمَا أُوعِدَ بِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ زَاجِرًا وَنَاهِيًا لِغَيْرِهِ إِنْ شَاءَ الله. شُرُوط فِيمَن يتَوَلَّى مَال الْمُسلمين: وَرَأَيْتُ "أَبْقَى اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ" أَنْ تَتَّخِذَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الصَّلاحِ وَالدِّينِ وَالأَمَانَةِ فَتُوَلِّيَهُمُ الْخَرَاجَ. وَمَنْ وَلَّيْتَ مِنْهُمْ فَلْيَكُنْ فَقِيهًا عَالِمًا مُشَاوِرًا لأَهْلِ الرَّأْيِ عَفِيفًا، لَا يَطَّلِعَ النَّاسُ مِنْهُ عَلَى عَوْرَةٍ وَلا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، مَا حَفِظَ مِنْ حَقٍّ وَأَدَّى مِنْ أَمَانَةٍ احْتَسَبَ بِهِ الْجَنَّةَ وَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ خَافَ عُقُوبَةَ اللَّهِ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إِنْ شَهِدَ، وَلا يُخَافُ مِنْهُ جَوْرٌ فِي حُكْمٍ إِنْ حَكَمَ؛ فَإِنَّكَ إِنَّمَا تُوَلِّيهِ جِبَايَةَ الأَمْوَالِ وَأَخْذَهَا مِنْ حِلِّهِا وَتَجَنُّبَ مَا حرم مِنْهَا، يرفع مِنْ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ وَيَحْتَجِنُ مِنْهُ مَا يَشَاءُ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلا ثِقَةً أَمِينًا فَلا يُؤْتَمَنُ عَلَى الأَمْوَالِ. إِنِّي قَدْ أَرَاهُمْ لَا يَحْتَاطُونَ فِيمَنْ يُوَلُّونَ الْخَرَاجَ، إِذَا لَزِمَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بَابَ أَحَدِهِمْ أَيَّامًا وَلاهُ رِقَابَ الْمُسْلِمِينَ وَجِبَايَةَ خَرَاجِهِمْ وَلَعَلَّهُ أَنْ لَا يَكُونَ عَرَفَهُ بِسَلامَةِ نَاحِيَةٍ وَلا بِعَفَافٍ وَلا بِاسْتِقَامَةِ طَرِيقَةٍ وَلا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَقَدْ يَجِبُ الاحْتِيَاطُ فِيمَنْ يُوَلَّى شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْخَرَاجِ وَالْبَحْثِ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ وَالسُّؤَال عَن طرائقهم، كَمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيمَنْ أُرِيَد لِلْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ. وَتُقَدِّمَ إِلَى مَنْ وليت لَا يَكُونَ عَسُوفًا لأَهْلِ عَمَلِهِ وَلَا محتقرا لَهُم وَلَا متسخفا بِهِمْ؛ وَلَكِنْ يَلْبَسُ لَهُمْ جِلْبَابًا من اللَّبن يَشُوبُهُ بِطَرَفٍ مِنَ الشِّدَّةِ وَالاسْتِقْصَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْلِمُوا أَوْ يَحْمِلُوا مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ. وَاللَّبن لِلْمُسْلِمِ. وَالْغِلْظَةُ عَلَى الْفَاجِرِ، وَالْعَدْلُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ، وَالشِّدَّةُ عَلَى الظَّالِمِ وَالْعَفْوُ عَنِ النَّاسِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ. وَأَنْ تَكُونَ جِبَايَتُهُ لِلْخَرَاجِ كَمَا يُرْسَمُ لَهُ، وَتَرْكُ الابْتِدَاعِ فِيمَا يُعَامِلُهُمْ بِهِ، وَالْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمْ فِي مَجْلِسه وَوجه حَتَّى يَكُونَ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ، وَتَرْكُ اتِّبَاعِ الْهَوَى؛ فَإِنَّ اللَّهَ مَيَّزَ مَنِ اتَّقَاهُ وَآثَرَ طَاعَتَهُ وَأَمَّرَهُ عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا. وَإِنِّي لأَرْجُو إِنْ أَمَرْتَ بِذَلِكَ وَعَلِمَ الله من قبلك إِيثَارُكَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ ثُمَّ يدل مِنْهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 120 مُبَدِّلٌ أَوْ خَالَفَ مِنْهُ مُخَالِفٌ أَن يَأْخُذهُ الله بِهِ دُونَكَ، وَأَنْ يَكْتُبُ لَكَ أَجْرَكَ وَمَا نَوَيْتَ إِنْ شَاءَ الله. مَا يَجْعَل مَعَ الْوَالِي من الْجند وصفتهم: ولتصبر مَعَ الْوَالِي الَّذِي وَلَّيْتَهُ قَوْمًا مِنَ الْجُنْدِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي أَعْنَاقِهِمْ بَيْعَةٌ عَلَى النُّصْحِ لَكَ، فَإِنَّ مِنْ نُصْحِكَ أَنْ لَا تُظْلَمَ رَعِيَّتُكَ، وَتَأْمُرَ بِإِجْرَاءِ أَرْزَاقِهِمْ عَلَيْهِمْ مِنْ دِيوَانِهِمْ شَهْرًا يشهر وَلا تُجْرِي عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ دِرْهَمًا فِيمَا سِوَاهُ؛ فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخَرَاجِ نَحْنُ نَجْزِي عَلَى وَالِينَا وَحْدَهُ مِنْ عِنْدِنَا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَحْمِلُوهُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي حَاشِيَةِ الْعَامِلِ وَالْوَالِي جَمَاعَةٌ: مِنْهُمْ مَنْ لَهُمْ بِهِ حُرْمَةٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ إِلَيْهِ وَسِيلَةٌ، لَيْسُوا بِأَبْرَارٍ وَلا صَالِحِينَ، يَسْتَعِينُ بِهِمْ وَيُوَجِّهُهُمْ فِي أَعْمَالِهِ يَقْتَضِي بِذَلِكَ الذِّمَامَاتِ؛ فَلَيْسَ يَحْفَظُونَ مَا يُوَكَّلُونَ بِحِفْظِهِ وَلا يُنْصِفُونَ مَنْ يعاملونه؛ إِنَّمَا مذْهبه أَخَذَ شَيْءٍ مِنَ الْخَرَاجِ كَانَ أَوْ مِنْ أَمْوَالِ الرَّعِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ ذَلِكَ فِيمَا يَبْلُغُنِي العسف وَالظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي. ثُمَّ لَا يَزَالُ الْوَالِي وَمَنْ مَعَهُ قَدْ نَزَلَ بِقَرْيَةٍ يَأْخُذُ أَهْلَهَا مِنْ نُزُلِهِ بِمَا لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَلا يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُكَلَّفُوا ذَلِكَ فَيُجْحِفُ بِهِمْ، ثُمَّ قَدْ بَعَثَ رَجُلا مِنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ أَنَّهُمْ مَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِمَّنْ لَهُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِيَأْتِيَ بِهِ فَيَأْخُذَ مِنْهُ الْخَرَاجَ فَيَقُولُ لَهُ: قَدْ جَعَلْتُ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا حَتَّى لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ رُبَّمَا وَظَّفَ لَهُ أَكثر مِمَّا يُطَالب بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْخَرَاجِ؛ فَإِذَا أَتَاهُ ذَلِكَ الْمُوَجِّهُ إِلَيْهِ قَالَ لَهُ: أَعْطِنِي جَعْلِي الَّذِي جَعَلَهُ لِيَ الْوَالِي فَإِنَّ جَعْلِي كَذَا وَكَذَا؛ فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ ضَرَبَهُ وَعَسَفَهُ وَسَاقَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَمَنْ أَمْكَنَهُ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُزَارِعِينَ حَتَّى يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، وَهَذَا كُلُّهُ ضَرَرٌ عَلَى أَهْلِ الْخراج وَنقص للفيء مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الإِثْمِ، فمره بحسم هَذَا وَمَا أشبه وَتَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمِثْلِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ مَعَ الْوَالِي مِنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ سَمَّيْتَ أَحَدٌ وَيَكُونَ مَا يُؤْخَذُ لَكَ مِنَ الْمَالِ مِنْ بَابِ حِلِّهِ وَلا يُوضَعُ إِلا فِي حَقِّهِ، وَتَقَدَّمَ فِي اخْتِيَارِ هَؤُلاءِ الْجُنْدِ الَّذِينَ تُصَيِّرُهُمْ مَعَ الْوَالِي وَلْيَكُونُوا مِنْ صَالِحِي الْجُنْدِ وَمَنْ لَهُ الْفَهْمُ وَالْيُسْرُ وَالنِّعْمَةُ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. إِحْرَاز الْحُبُوب بعد نضجها: وَتَقَدَّمَ فِي أَنْ يَكُونَ حَصَادُ الطَّعَامِ وَدِيَاسِهِ1 مِنَ الْوَسَطِ، وَلا يُحْبَسُ الطَّعَامُ بَعْدَ الْحَصَادِ إِلا بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ الدِّيَاسُ؛ فَإِذَا أَمْكَنَ الدِّيَاسُ رَفَعَ إِلَى الْبَيَادِرِ2. وَلَا يتْرك بعد   1 الدياس والدراس وَاحِد وَهُوَ فصل التِّين عَن الْحبّ. 2 الْمَكَان الَّتِي تدرس فِيهِ الْحُبُوب "الجرن". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 121 إِمْكَانِهِ لِلدَّيَّاسِ يَوْمًا وَاحِدًا؛ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُحْرَزْ فِي الْبَيَادِرِ تَذْهَبُ بِهِ الأَكَرَةُ1 وَالْمَارَّةُ وَالطَّيْرُ والدواير؛ وَإِنَّمَا يدْخل ضَرَر هَذَا عَلَى الْخَرَاجِ؛ فَأَمَّا عَلَى صَاحِبِ الطَّعَام فَلا لأَنَّ صَاحِبَ الطَّعَامِ يَأْكُلُ مِنْهُ -فِيمَا بَلَغَنِي- وَهُوَ سُنْبُلٌ قَبْلَ الْحَصَادِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْمُقَاسَمَةَ، فَحَبْسُ الطَّعَامِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَالْبَيَادِرِ ضَرَرٌ عَلَى الْخَرَاجِ، وَإِذَا رُفِعَ إِلَى الْبَيَادِرِ وَصُيِّرَ أَكْدَاسًا أُخِذَ فِي دِيَاسِهِ. وَلا يُحْبَسُ الطَّعَامُ إِذَا صَارَ فِي الْبَيَادِرِ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَالثَّلاثَةِ لَا يُدَاسُ؛ فَإِنَّ فِي حَبْسِهِ فِي الْبَيَادِرِ ضَرَرًا عَلَى السُّلْطَانِ وَعَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ، وَبِذَلِكَ تَتَأَخَّرُ الْعِمَارَةُ وَالْحَرْثُ. وَلا يُخْرَصُ عَلَيْهِمْ مَا فِي البيادر وَلَا يُحْزَرُ عَلَيْهِمْ حَزْرًا ثُمَّ يَأْخُذُوا بِنَقَائِصِ الْحَزْرِ؛ فَإِنَّ هَذَا هَلاكٌ لأَهْلِ الْخَرَاجِ وَخَرَابٌ لِلْبِلادِ. وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْعَامِلِ وَلا يَسَعُهُ أَنْ يَدَّعِي عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ ضَيَاعَ غَلَّةٍ فَيَأْخُذُ بِذَلِكَ السَّبَبِ أَكْثَرَ من الشَّرْط ", إِذْ ديس وَذُرِّيَ قَاسَمَهُمْ وَلا يَكِيلَهُ عَلَيْهِمْ كَيْلَ بِزِيهَابَ2 ثُمَّ يَدَعَهُ فِي الْبَيَادِرِ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ، ثُمَّ يُقَاسِمَهُمْ فَيَكِيلُهُ ثَانِيَةً فَإِنْ نَقَصَ عَنِ الْكَيْلِ الأَوَّلِ قَالَ: أَوْفُونِي، وَأَخَذَ مِنْهُمْ مَا لَيْسَ لَهُ؛ وَلَكِنْ إِذَا دِيسَ الطَّعَامُ وَوُضِعَ فِيهِ الْقَفِيزُ3 قَاسَمَهُمْ وَأَخَذَ حَقَّهُ وَلا يَحْبِسَهُ وَلا يَكِيلُ لِلسُّلْطَانِ كَيْلَ بزيهار وَلِلأَكَّارِ كَيْلَ السَّرْدِ؛ بَلْ يَكُونُ كَيْلا وَاحِدًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ سَرْدًا مُرْسلا. مَا لَا يُؤْخَذ بِهِ أهل الْخراج: وَلا يُؤْخَذُ أَهْلُ الْخَرَاجِ بِرِزْقِ عَامِلٍ وَلا أَجْرِ مُدًى وَلا احتقان وَلا نَزَلَةٍ وَلا حَمُولَةِ طَعَامِ السُّلْطَانِ، وَلا يُدْعَى عَلَيْهِمْ بِنَقْيِصَةٍ فتؤخذ مِنْهُ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ثَمَنُ صُحُفٍ وَلا قَرَاطِيسَ وَلا أُجُورَ الْفُتُوحِ وَلَا أجور الكبالين وَلا مُؤَنَةً لأَحَدٍ عَلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلا قِسْمَةً وَلا نَائِبَةً سِوَى الَّذِي وَصَفْنَا مِنَ الْمُقَاسَمَةِ، وَلا يُؤْخَذُوا بِأَثْمَانِ الْإِتْيَان ويقاسموا الْإِتْيَان عَلَى مُقَاسَمَةِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ كَيْلا أَوْ تُبَاعُ فَيُقَسَّمُ ثَمَنُهَا عَلَى مَا وصفت من القطعية فِي الْمُقَاسَمَة. وَلا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا قَدْ يسمونه رواجا لِدَرَاهِمٍ يُؤَدُّونَهَا فِي الْخَرَاجِ؛ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَأْتِي بِالدَّرَاهِمِ لِيُؤَدِّيَهَا فِي خَرَاجِهِ فَيَقْتَطِعُ مِنْهَا طَائِفَةً وَيُقَالُ هَذَا رَوَاجُهَا وصرفها. وَلَا يضرين رَجُلٌ فِي دَرَاهِمِ خَرَاجٍ وَلا يُقَامُ عَلَى رِجْلِهِ؛ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ أَهْلَ الْخَرَاجِ فِي الشَّمْسِ وَيَضْرِبُونَهُمُ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهِمُ الْجِرَارَ وَيُقَيِّدُونَهُمْ بِمَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا عَظِيمٌ عِنْدَ الله شنيع فِي الْإِسْلَام.   1 الفلاحون الَّذين يحرثون الزَّرْع. 2 هَكَذَا بِالْأَصْلِ وَلَعَلَّ مَعْنَاهَا الْكَيْل المفرط. 3 أَي الْكَيْل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 122 القَوْل فِي استصلاح الْأَرَاضِي: وَرَأَيْتُ أَنْ تَأْمُرَ عُمَّالَ الْخَرَاجِ إِذَا أَتَاهُمْ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ خَرَاجِهِمْ فَذَكَرُوا لَهُمْ أَنَّ فِي بِلادِهِمْ أَنْهَارًا عَادِيَّةً قَدِيمَةً وَأَرْضِينَ كَثِيرَةً غَامِرَةً، وَأَنَّهُمْ إِنِ اسْتَخْرَجُوا لَهُم تِلْكَ الْأَنْهَار واحتقروها وأجرى المَاء فِيهَا عمرت هَذِه الأرضون الغامرة وَزَاد فِي خرجهم، كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَيْكَ فَأَمَرْتَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلاحِ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ فَتُوَجِّهَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَنْظُرَ فِيهِ وَيَسْأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْخِبْرَةِ وَالْبَصِيرَةِ بِهِ، وَمَنْ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ مِنْ أَهْلِ ذَلِك الْبَلَد، ويشاور فِيهِ غَيْرِ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ مِمَّنْ لَهُ بَصِيرَةٌ وَمَعْرِفَةٌ، وَلا يَجُرَّ إِلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ مَنْفَعَةٌ وَلا يَدْفَعُ عَنْهَا بِهِ9 مَضَرَّةٌ؛ فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ صَلاحًا وَزِيَادَةً فِي الْخَرَاجِ أَمَرْتَ بِحَفْرِ تِلْكَ الأَنْهَارِ، وَجَعَلْتَ النَّفَقَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلا تُحَمِّلُ النَّفَقَةَ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنَّهُمْ إِنْ يُعَمِّرُوا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخَرِّبُوا، وَإِنْ يَفِرُّوا خَيْرٌ مِنْ أَن يذهب مَا لَهُم وَيَعْجَزُوا، وَكُلُّ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لأَهْلِ الْخَرَاجِ فِي أَرْضِهِمْ وَأَنْهَارِهِمْ، وَطَلَبُوا إِصْلاحَ ذَلِكَ لَهُمْ أُجِيبُوا إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ طُسُوجٍ آخَرَ ورُسْتَاقَ1 آخَرَ مِمَّا حَوْلَهُمْ؛ فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى غَيْرِهِمْ وَذِهَابٌ بِغَلاتِهِمْ وَكَسْرٌ لِلْخَرَاجِ لَمْ يُجَابُوا إِلَيْهِ. كرى الْأَنْهَار الْعِظَام: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَإِذَا احْتَاجَ أَهْلُ السَّوَادِ إِلَى كِرَى أَنْهَارِهِمُ الْعِظَامِ الَّتِي تَأْخُذُ من دجلة والفرات كريت [جفرت] لَهُمْ، وَكَانَتِ النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ وَلا يُحَمَّلُ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى أَهْلِ الْخراج، وَأما الْأَنْهَار الَّتِي يجرونها إِلَى أَرْضِهِمْ وَمَزَارِعِهِمْ وَكُرُومِهِمْ وَرِطَابِهِمْ وبساتينهم ومباقالهم وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَكَرْيُهَا عَلَيْهِمْ خَاصَّةً لَيْسَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. فَأَمَّا الْبُثُوقُ وَالْمُسْنِيَاتُ وَالْبَرِيدَاتُ2الَّتِي تَكُونُ فِي دجلة والفرات وَغَيرهمَا مِنَ الأَنْهَارِ الْعِظَامِ؛ فَإِنَّ النَّفَقَةَ عَلَى هَذَا كُلِّهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يُحْمَلَ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لأَنَّ مَصْلَحَةَ هَذَا عَلَى الإِمَامِ خَاصَّةٌ لأَنَّهُ أَمْرٌ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ , فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لأَنَّ عَطَبَ الأَرْضِينَ مِنْ هَذَا وَشَبَهِهِ؛ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الضَّرَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْخَرَاجِ. وَلا يُوَلَّى النَّفَقَةَ عَلَى ذَلِكَ إِلا رَجُلٌ يَخَافُ اللَّهَ يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلَّهِ، قَدْ عُرِفَتْ أَمَانَتُهُ وَحُمِدَ مَذْهَبُهُ، وَلا تُوَلِّ مَنْ يَخُونُكَ وَيَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا يَحِلُّ وَلا يَسعهُ   1 النَّاحِيَة الَّتِي هِيَ طرف الإقليم. 2 البثوق ومفرده بثق هُوَ مَا يخرقه المَاء من جَانب النَّهر، أما المسناة؛ فَهُوَ السد يبْنى أَمَام المَاء ليرتفع فيسقى مَا على جانبيه والبريدات مَفَاتِيح المَاء على السدود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 123 يَأْخُذ الْمَالِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ أَوْ يَدَعَ الْمَوَاضِعَ الْمَخُوفَةُ وَيُهْمِلُهَا وَلا يَعْمَلُ عَلَيْهَا شَيْئًا يُحْكِمُهَا بِهِ حَتَّى تَنْفَجِرَ فَتُغْرِقُ مَا لِلنَّاسِ مِنَ الْغَلاتِ وَتُخَرِّبَ مَنَازِلَهُمْ وَقُرَاهُم. ثُمَّ وَجِّهْ مَنْ يَتَعَرَّفُ مَا يَعْمَلُ بِهِ إِلَيْك عَلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمَخُوفَةِ مِنْهَا، وَمَا يُمْسِكُ مِنَ الْعَمَلِ عَلَيْهَا مِمَّا قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى الْعَمَلِ وَمَا تَفَجَّرَ وَمَا السَّبَبُ فِي انْفِجَارِهِ، وَلِمَ مت1 عَلَيْهِ أَجْرَ الْعَمَلِ عَلَيْهِ وَأَحْكَامِهِ حَتَّى انْفَجَرَ ثُمَّ عَامِلْهُ عَلَى حَسَبِ مَا يَأْتِيكَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْهُ مِنْ حَمْدٍ لأَمْرِهِ أَوْ ذَمٍّ وَإِنْكَارٍ وتأديب. الاستخبار عَن عُمَّال الدولة ومحاسبتهم: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَنَا أَرَى أَنْ تَبْعَثَ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الصَّلاحِ وَالْعَفَافِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ يَسْأَلُونَ عَنْ سرة الْعُمَّالِ وَمَا عَمِلُوا بِهِ فِي الْبِلادِ وَكَيْفَ جَبَوُا الْخَرَاجَ عَلَى مَا أُمِرُوا بِهِ وَعَلَى مَا وُظِّفَ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَاسْتَقَرَّ؛ فَإِذَا ثَبُتَ ذَلِكَ عِنْدَكَ وَصَحَّ أُخِذُوا بِمَا اسْتَفْضَلُوا مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الأَخْذِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ الْمُوجِعَةِ وَالنَّكَالِ حَتَّى لَا يَتَعَدُّوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَمَا عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِيهِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مَا عَمِلَ بِهِ وَالِي الْخَرَاجِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْعَسَفِ؛ فَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِهِ، وَقَدْ أَمَرَ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَحْلَلْتَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمُ الْعُقُوبَةَ الْمُوجِعَةَ انْتَهَى غَيْرُهُ وَاتَّقَى وَخَافَ وَإِنْ لَمْ يفعل هَذَا بِهِمْ تَعَدَّوْا عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَاجْتَرَءُوا عَلَى ظُلْمِهِمْ وَتَعَسُّفِهِمْ وَأَخْذِهِمْ بِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ. عِقَاب الْعَامِل الخائن: وَإِذَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنَ الْعَامِلِ وَالْوَالِي تَعَدٍّ بِظُلْمٍ وَعَسْفٍ وَخِيَانَةٍ لَك فِي رعيتك وَاحْتَاجَ شَيْءٍ مِنَ الْفَيْءِ أَوْ خُبْثَ طُعْمَتِهِ أَوْ سُوءَ سِيرَتِهِ فَحَرَامٌ عَلَيْكَ اسْتِعْمَالُهُ وَالاسْتِعَانَةُ بِهِ، وَأَنْ تُقَلِّدَهُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ رَعِيَّتِكَ أَوْ تُشْرِكَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ؛ بَلْ عَاقِبْهُ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً تَرْدَعُ غَيْرَهُ مِنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمِثْلِ مَا تَعَرَّضَ لَهُ، وَإِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا دَعْوَةٌ مُجَابَةٌ. حَدَّثَنِي مِسْعَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ لِي مُعَاذٌ: "صَلِّ وَنَمْ، وَاطْعَمْ وَاكْتَسِبْ حَلالا، وَلا تَأْثَمْ وَلا تَمُوتَنَّ إِلَّا وَأَنت مُسلم، إياك وَدَعَوَاتِ -أَوْ دَعْوَةِ- الْمَظْلُومِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: إِنِّي لآمركم بِالْأَمر وَلَا أَفْعَلُهُ؛ وَلَكِنِّي أَرْجُو فِيهِ الْخَيْرَ، وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَيَّ أَنْ أَظْلِمَهُ الَّذِي لَا يَسْتَعِينُ عَلَيَّ إِلَّا بِاللَّه.   1 هَكَذَا بالأصول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 124 مَا تعمر بِهِ الْبِلَاد: إِنَّ الْعَدْلَ وَإِنْصَافَ الْمَظْلُومِ وَتَجَنُّبِ الظُّلْمِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الأَجْرِ يَزِيدُ بِهِ الْخَرَاجُ وتكتر بِهِ عِمَارَةُ الْبِلادِ وَالْبَرَكَةِ مَعَ الْعَدْلِ تَكُونُ وَهِيَ تُفْقَدُ مَعَ الْجوَار، وَالْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ مَعَ الْجَوْرِ تَنْقُصُ الْبِلادُ بِهِ وَتَخْرَبُ. هَذَا عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يَجْبِي السَّوَادَ مَعَ عَدْلِهِ فِي أَهْلِ الْخَرَاجِ وَإِنْصَافِهِ لَهُمْ وَرَفْعِهِ الظُّلْمَ عَنْهُمْ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ، وَالدِّرْهَمُ إِذْ ذَاكَ وَزنه وزن المثقال. تفقد الْحَاكِم رَعيته: فَلَوْ تَقَرَّبْتَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجُلُوسِ لِمَظَالِمِ رَعِيَّتِكَ فِي الشَّهْرِ أَوِ الشَّهْرَيْنِ مَجْلِسًا وَاحِدًا تَسْمَعُ فِيهِ مِنَ الْمَظْلُومِ وَتُنْكِرُ عَلَى الظَّالِمِ رَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ مِمَّنِ احْتَجَبَ عَنْ حَوَائِجِ رَعِيَّتِهِ، وَلَعَلَّكَ لَا تَجْلِسُ إِلا مَجْلِسًا أَوْ مَجْلِسَيْنِ حَتَّى يَسِيرُ ذَلِكَ فِي الأَمْصَارِ وَالْمُدُنِ فَيَخَافُ الظَّالِمُ وُقُوفَكَ عَلَى ظُلْمِهِ؛ فَلا يَجْتَرِئُ عَلَى الظُّلْمِ وَيَأْمَلُ الضَّعِيفُ الْمُقْهُورِ جُلُوسَكَ وَنَظَرَكَ فِي أَمْرِهِ فَيَقْوَى قَلْبُهُ وَيَكْثُرُ دُعَاؤُهُ؛ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُكَ الاسْتِمَاعُ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي تَجْلِسُهُ مِنْ كُلِّ مَنْ حَضَرَ مِنَ الْمُتَظَلِّمِينَ نَظَرْتَ فِي أَمْرِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فِي أَوَّلِ مَجْلِسٍ وَفِي أَمْرِ طَائِفَةٍ أُخْرَى فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ الثَّالِثِ، وَلا تُقَدِّمَ فِي ذَلِكَ إِنْسَانًا عَلَى إِنْسَانٍ، مَنْ خَرَجَتْ قِصَّتُهُ أَوَّلا دُعِيَ أَوَّلا وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُ. مَعَ أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ الْعُمَّالُ وَالْوُلاةُ أَنَّكَ تَجْلِسُ لِلنَّظَرِ فِي أُمُورِ النَّاسِ يَوْمًا فِي السَّنَةِ لَيْسَ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ تَنَاهَوْا بِإِذْنِ اللَّهِ عَنِ الظُّلْمِ وَأَنْصَفُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنِّي لأَرْجُو لَكَ بِذَلِكَ أَعْظَمَ الثَّوَابِ، أَنَّهُ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الآخِرَةِ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا فِي الدُّنْيَا سَتَرَ اللَّهُ زَلَّتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي لَيْثٌ عَنِ ابْنِ عِجْلانَ عَنْ عَوْنٍ قَالَ: كَانَ يُقَالُ مَنْ أَحْسَنَ اللَّهُ صُورَتَهُ وَجَعَلَهُ فِي مَنْصِبٍ صَالِحٍ ثُمَّ تَوَاضَعَ للَّهِ كَانَ مِمَّنْ خَالَصَ اللَّهُ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ عَدِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ بَعَثْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَبُحْ بِقَلِيلِهِ وَبِكَثِيرِهِ؛ فَمَنْ خَانَ خَيْطًا فَمَا سِوَاهُ فَإِنَّمَا هُوَ غُلُولٌ يَأْتِي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة".   1 والمثقال دِرْهَم وَثَلَاثَة أَسْبَاع الدِّرْهَم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 125 الْقصاص يَوْم الْحَشْر الْأَعْظَم: قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عبد الله بن مُحَمَّد بن عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يُحْشَرُ الْعِبَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً غُرْلا بُهْمًا1. قَالَ: فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ من قرب: أَنا الْملك الدَّيَّانُ، لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ حَتَّى أَقُصُّهُ مِنْهُ". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى أَهْل الْكُوفَةِ يَبْعَثُونَ إِلَيْهِ رَجُلا مِنْ أَخْيَرِهِمْ وَأَصْلَحِهِمْ، وَإِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَذَلِكَ، وَإِلَى أهل الشَّام كَذَلِك، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ عُثْمَانَ بْنَ فَرْقَدٍ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ أَهْلُ الشَّامِ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْبَصْرَةِ الْحَجَّاجَ بْنَ علاط كلهم سميون. قَالَ: فَاسْتَعْمَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ على خراج أرضه. ترضية الْعمَّال من بَيت المَال حَتَّى لَا تستشرف نُفُوسهم إِلَى مَال الدولة: قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْيَاخُنَا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: دَنَّسْتَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ إِذَا لَمْ أَسْتَعِنْ بِأَهْلِ الدِّينِ عَلَى سَلامَةِ دِينِي فَبِمَنْ أَسْتَعِينُ؟ قَالَ: أَمَا إِنْ فَعَلْتَ فَأَغْنِهِمْ بِالْعِمَالَةِ عَنِ الْخِيَانَةِ، يَقُولُ: إِذَا اسْتَعْمَلْتَهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَأَجْزِلْ لَهُمْ فِي الْعَطَاءِ وَالرِّزْقُ لَا يَحْتَاجُونَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ: بَعَثَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّ عَامِلَ حِمْصٍ هَلَكَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَالْخَيْرُ قَلِيلٌ، وَقَدْ رَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ فدعوتك لأستعملك عَلَيْهَا، وَفِي نفس مِنْكَ شَيْءٌ أَخَافُهُ وَلَمْ أَرَهُ مِنْكَ وَأَنَا أَخْشَاهُ عَلَيْكَ؛ فَمَا رَأْيُكَ فِي الْعَمَلِ؟ قَالَ قُلْتُ: فَإِنِّي لَا أَرَى أَنْ أَعْمَلَ لَكَ عَمَلا حَتَّى تُخْبِرَنِي بِمَا فِي نَفْسِكَ. قَالَ: وَمَا تُرِيدُ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أُرِيدُ إِنْ كُنْتُ بَرِيئًا مِنْ مِثْلِهِ عَرَفْتُ أَنِّي لَسْتُ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنْ كُنْتُ مِمَّنْ أَخْشَى عَلَى نَفْسِي خَشِيتُ عَلَيْهَا مِثْلَ الَّذِي خَشِيتَ عَلَيَّ؛ فَقَلَّمَا رَأَيْتُكَ ظَنَنْتَ شَيْئًا إِلا جَاءَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَقَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، إِنِّي أَطْمَحُ حَالَكَ أَنَّكَ لَا تَجِدُنِي إِلا قريب الْجد وَإِنِّي خشيت   1 أَي كَمَا خلقُوا أول مرّة لَيْسَ فيهم شَيْء من العاهات الَّتِي حدثت لَهُم؛ حَتَّى القلفة الَّتِي تقطع من ذكر الصَّبِي يعود النَّاس بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 126 عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِي عَلَى الْفَيْءِ الَّذِي هُوَ هُوَ آتٍ وَأَنْتَ فِي عَمَلِكَ؛ فَيُقَالُ لَكَ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا هَلُمَّ إِلَيْكُمْ دُونَ غَيْرِكُمْ، إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ النَّاسَ وَتَرَكَكُمْ. قَالَ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِي رَأَيْتَ، وَلِمَ تَرَاهُ فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَصَرَفَكُمْ عَنِ الْعَمَلِ وَأَرْفَعَكُمْ عَنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُ ذَلِكَ، أَمْ خَشِيَ أَنْ تَعَاوَنُوا لِمَكَانِكُمْ مِنْهُ فَيَقَعَ الْعِتَابُ عَلَيْكُمْ، وَلا بُدَّ مِنْ عَتَّابٍ؛ فَقَدْ فَرَّغْتَ لِي وَفَرَّغْتُ لَكَ فَمَا رَأْيُكَ؟ قُلْتُ: لَا أَرَى أَنْ أَعْمَلَ لَكَ قَالَ: لِمَ؟ قُلْتُ: لأَنِّي إِنْ عَمِلْتُ لَكَ وَفِي نَفْسِكَ مَا فِي نَفْسِكَ لَمْ أَبْرَحْ قَذَاةً فِي عَيْنِكَ. قَالَ: فَأَشِرْ عَلَى، قَالَ قُلْتُ: أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَسْتَعْمِلَ صَحِيحا مِنْك صَحِيحا عَلَيْك. أظلم النَّاس من ظلم النَّاس للنَّاس: قالَ: وَحَدَّثَنِي الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ الْمُحَرَّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ دَعَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِذَا لَمْ تُعِينُونِي فَمَنْ يُعِيننِي؟ فَقَالُوا: نَحْنُ نُعِينُكَ؛ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ائْتِ الْبَحْرَيْنَ وَهَجَرَ أَنْتَ الْعَامَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ فَجِئْتُهُ فِي آخِرِ السَّنَةِ بِغِرَارَتَيْنِ فِيهِمَا خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْتُ مَالا مجتمعا قطّ أَكثر من هَذَا هَل فِيهِ دَعْوَةُ مَظْلُومٍ أَوْ مَالُ يَتِيمٍ أَوْ أَرْمَلَةٍ؟ قَالَ: قُلْتُ لَا وَاللَّهِ، بِئْسَ وَاللَّهِ الرَّجُلُ أَنَا إِذَنْ إِنْ ذَهَبْتَ أَنْتَ بالهنأ وَأَنَا أَذْهَبُ بِالْمَؤُنَةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى رَجُلٍ مِنْ بَقَايَا أَهْلِ الشَّامِ قَدِ انْقَطَعَ إِلَى الشَّامِ يَذْكُرُ لَهُ مَا وَقَعَ فِيهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَقِلَّةِ الأَعْوَانِ عَلَى الْخَيْرِ، وَيَسْأَلُهُ الْمُعَاوَنَةَ لَهُ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ. قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، بَلَغَنِي كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، يَذْكُرُ فِيهِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَقِلَّةِ الأَعْوَانِ عَلَى الْخَيْرِ وَيَطْلُبُ مِنِّي الْمُعَاوَنَةَ. وَأَعْلَمُ أَنَّكَ إِنَّمَا أَصْبَحْتَ فِي خَلَقٍ بَالٍ وَرَسْمٍ دَارِسٍ، خَافَ الْعَالِمُ فَلَمْ يَنْطِقَ، وَجَهِلَ الْجَاهِلُ فَلَمْ يَسْأَلْ، وَتَسْأَلُنِي الْمُعَاوَنَةَ فِيمَا أَنْعَمَ اللَّهُ على؛ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا قَالَ: سَمِعْتُ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ كَانَ يَجْبِي الْعِرَاقُ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفِ أُوقِيَةٍ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَيْهِ عَشْرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَعَشْرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَشْهَدُونَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ مِنْ طَيِّبٍ مَا فِيهِ ظُلْمُ مُسْلِمٍ وَلَا معاهد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 127 قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَشْكُو شِدَّةَ الْحُكْمِ وَالْجِبِلَّةِ، وَكَانَ قَاضِي الْجَزِيرَةِ وَعَلَى خَرَاجِهَا. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَنِّي لَمْ أُكَلِّفْكَ مَا يُعَنِّيكَ، اجْتَنِ الطَّيِّبَ، وَاقْضِ بِمَا اسْتَبَانَ لَكَ مِنَ الْحَقِّ؛ فَإِذَا الْتَبَسَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فَارْفَعْهُ إِلَيَّ؛ فَلَوْ أَنَّ النَّاسَ إِذَا ثَقُلَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ تَرَكُوهُ مَا قَامَ دين وَلَا دنيا. قَالَ أَبُو يُوسُف: وحَدثني أَبُو حُصَيْن قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حمى1. تَأْدِيب الإِمَام الرّعية: قَالَ: وَحَدَّثَنِي طَارِقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: ضَرَبَ عُمَرُ رَجُلا فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنَّمَا كُنْتُ أَحْذَرُ رجلَيْنِ: رجل جَهِلَ فَعَلِمَ، أَوْ أَخْطَأَ فَعُفِيَ عَنْهُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَدَقْتَ، دُونَكَ فَامْتَثِلْ. قَالَ: فَعَفَا عَنْهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي سَلامَة قَالَ: ضرب عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ رجلا وَنِسَاءً ازْدَحَمُوا عَلَى حَوْضٍ، قَالَ فَلَقِيَهُ عَلِيٌّ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ هَلَكْتُ؛ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنْ كُنْتَ ضَرَبْتَهُمْ عَلَى غِشٍّ وَعَدَاوَةٍ فَقَدْ هَلَكْتَ، وَإِنْ كُنْتَ ضَرَبْتَهُمْ عَلَى نُصْحٍ وَإِصْلاحٍ فَلا بَأْسَ؛ إِنَّمَا أَنْتَ رَاعٍ، إِنَّمَا أَنْت مؤدب. الْأَخْذ بالشفقة على الرّعية: قَالَ وَحَدَّثَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ عَنِ الْقَاسِمِ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا بَعَثَ عُمَّالَهُ قَالَ: إِنِّي لَمْ أَبْعَثْكُمْ جَبَابِرَةً وَلَكِنْ بَعَثْتُكُمْ أَئِمَّةً، فَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تَحْمَدُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تَمْنَعُوهُمْ فَتَظْلِمُوهُمْ. وَأَدِرُّوا لَقْحَةَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَبْعَثُ إِلَيْكُمْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ2 وَلا لِيَأْخُذُوا مِنْ أَمْوَالكُم؛ وَلَكِنِّي أبعثهم إِلَيْكُم ليعملوكم دِينَكُمْ وَسُنَّةَ نَبِيِّكُمْ؛ فَمَنْ فُعِلَ بِهِ سِوَى ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ؛ فواللذي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ؛ فَوَثَبَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ3 فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالِيًا عَلَى رَعِيَّةٍ فَأَدَّبَ بَعْضَهُمْ إِنَّكَ لَتَقُصَّهُ مِنْهُ؟ فَقَالَ:   1 يحمى من الضَّرْب وَالْجَلد إِلَّا بِالْحَقِّ. 2 أَي جلودكم. 3 وَكَانَت فِيهِ شدَّة -رَضِي الله عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 128 أَيْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَقُصَّنَّهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ مِنْ نَفْسِهِ؛ أَلا لَا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تَمْنَعُوهُمْ حُقُوقَهُمْ فَتُكَفِّرُوهُمْ، وَلا تَنْزِلُوا بِهِمُ الْغِيَاضَ فَتُضَيِّعُوهُمْ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يُوَافُوهُ باموسم1، فَوَافَوْهُ؛ فَقَامَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي بَعَثْتُ عُمَّالِي هَؤُلاءِ وُلاةً بِالْحَقِّ عَلَيْكُمْ وَلَمْ أَسْتَعْمِلْهُمْ لِيُصِيبُوا مِنْ أَبْشَارِكُمْ وَلا مِنْ دِمَائِكُمْ وَلا مِنْ أَمْوَالِكُمْ؛ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَلْيَقُمْ. قَالَ: فَمَا قَامَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَامِلُكَ ضَرَبَنِي مِائَةَ سَوْطٍ؛ فَقَالَ عُمَرُ: أَتَضْرِبُهُ مِائَةَ سَوْطٍ؟ قُمْ فَاسْتَقِدْ مِنْهُ؛ فَقَامَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْ هَذَا عَلَى عُمَّالِكَ كَبُرَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ سُنَّةً يَأْخُذُ بِهَا مَنْ بَعْدَكَ؛ فَقَالَ عُمَرُ: أَلا أُقِيدُهُ مِنْهُ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيدُ مِنْ نَفْسِهِ؟ قُمْ فَاسْتَقِدْ؛ فَقَالَ عَمْرُو: دَعْنَا إِذًا فَلْنُرْضِهِ. قَالَ فَقَالَ: دُونَكُمْ. قَالَ: فَأَرْضَوْهُ بِأَنِ اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ، كُلَّ سَوط بدينارين2. مَا شَرطه عمر على عماله وتأديبهم: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ بن عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ عمَارَة بن خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلا أَشْهَدَ عَلَيْهِ رَهْطًا مِنَ الأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا: أَنْ لَا يَرْكَبَ بِرْذَوْنًا، وَلا يَلْبَسَ ثَوْبًا رَقِيقًا، وَلا يَأْكُلَ نَقِيًّا3، وَلا يُغْلِقَ بَابًا دُونَ حَوَائِجِ النَّاسِ، وَلا يَتَّخِذَ حَاجِبًا، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بعض طرق الْمَدِينَة إِذا هَتَفَ بِهِ رَجُلٌ: يَا عُمَرُ أَتَرَى هَذِهِ الشُّرُوطَ تُنْجِيكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَامِلُكَ عِيَاضُ بْنُ غَنَمٍ عَلَى مِصْرَ وَقَدْ لَبِسَ الرَّقِيق، وَاتخذ الحاجبز فَدَعَا مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، وَكَانَ رَسُولُهُ إِلَى الْعُمَّالِ فَبَعَثَهُ وَقَالَ: ائْتِنِي بِهِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَجِدُهُ عَلَيْهَا. قَالَ فَأَتَاهُ فَوَجَدَ على بَابه جاجبا؛ فَدَخَلَ فَإِذَا عَلَيْهِ قَمِيصٌ رَقِيقٌ. قَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَقَالَ: دَعْنِي أَطْرَحُ عَلَيَّ قِبَائِي. فَقَالَ: لَا، إِلا عَلَى حَالِكِ هَذِهِ. قَالَ: فَقَدِمَ بِهِ عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ قَالَ: انْزَعْ قَمِيصَكَ. ودعا بمدرعة صوف وبريضة مِنْ غَنَمٍ وَعَصَا فَقَالَ: الْبَسْ هَذِه المدرعة وَخذ هَذَا الْعَصَا وَارْعَ هَذِهِ الْغَنَمَ وَاشْرَبْ واسقم مَنْ مَرَّ بِكَ وَاحْفَظِ الْفَضْلَ علينا. أسمعت؟   1 موسم الْحَج بِمَكَّة المشرقة. 2 بِهَذَا الْعدْل قَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَعم نور الْإِسْلَام مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا. 3 الْخبز الْمَصْنُوع من الدَّقِيق المنخول. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 129 قَالَ: نَعَمْ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ هَذَا؛ فَجَعَلَ يُرَدِّدُهَا عَلَيْهِ وَيُرَدِّدُ الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ هَذَا؛ فَقَالَ عُمَرُ: وَلِمَ تَكْرَهُ هَذَا؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ أَبُوكَ غَنَمًا لأَنَّهُ كَانَ يَرْعَى الْغَنَمَ أَتُرَى يَكُونُ عِنْدَكَ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: انْزَعْ وَرَدَّهُ إِلَى عَمَلِهِ. قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَامل يُشبههُ1. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِذَا بَلَغَهُ أَنَّ عَامِلَهُ لَا يَعُودُ الْمَرِيضَ وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الضَّعِيفُ نَزَعَهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنْ سَوِّ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِكَ وَجَاهِكَ حَتَّى لَا يَيْأَسَ ضَعِيفٌ مِنْ عدلك وَلَا يطْمع شرِيف من حَيْفِكَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الشَّامِ قَدْ أَدْرَكَ النَّاسَ2 عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ بِالشَّامِ: "أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنِّي كَتَبْتُ إِلَيْك بكتابك لَمْ آلُكَ وَنَفْسِي خَيْرًا، الْزَمْ خَمْسَ خِلالٍ يَسْلَمْ لَكَ دِينُكَ وَتَحْظَ بِأَفْضَلِ حَظَّيْكَ، إِذَا حَضَرَكَ الْخَصْمَانِ؛ فَعَلَيْكَ بِالْبَيِّنَاتِ الْعُدُولِ وَالأَيْمَانِ الْقَاطِعَةِ، ثُمَّ أَدْنِ الضَّعِيفَ حَتَّى تُبْسِطَ لِسَانَهُ وَيَجْتَرِئَ قَلْبُهُ، وَتَعَهَّدِ الْغَرِيبَ فَإِنَّهُ إِذَا طَالَ حَبْسُهُ تَرَكَ حَاجَتَهُ وَانْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ، وَإِنَّ الَّذِي أَبْطَلَ مَنْ لَمْ يرفع بِهِ رَأْسا وأحرض عَلَى الصُّلْحِ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ لَك الْقَضَاء، وَالسَّلَام". مَا يصلح المَال ونصائح عمر للحكام: قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ مَعْدَانَ الْعُمَرِيَّ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ أَبَا بكر فَاسْتَغْفر لَهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ ذُو حَقٍّ فِي حَقِّهِ أَنْ يُطَاعَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَإِنِّي لَا أَجِدُ هَذَا الْمَالَ يُصْلِحُهُ إِلا خِلالٌ ثَلاثٌ: أَنْ يُؤْخَذَ بِالْحَقِّ، وَيُعْطَى فِي الْحق، وَيمْنَع الْبَاطِلِ؛ وَإِنَّمَا أَنَا وَمَالُكُمْ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفْتُ، وَإِنِ افْتَقَرْتُ أَكَلْتُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَسْتُ أَدَعُ أَحَدًا يَظْلِمَ أَحَدًا وَلا يَعْتَدِي عَلَيْهِ حَتَّى أَضَعَ خَدَّهُ عَلَى الأَرْضِ، وَأَضَعُ قَدَمِي عَلَى الْخَدِّ الآخَرِ حَتَّى يُذْعِنَ لِلْحَقِّ، وَلَكُمْ عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ خِصَالٌ أَذْكُرُهَا لَكُمْ فَخُذُونِي بِهَا: لَكُمْ عَلَيَّ أَنْ لَا أَجْتَبِي شَيْئًا مِنْ خَرَاجِكُمْ وَلا مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إِلا مِنْ وَجْهِهِ، وَلَكُمْ عَلَيَّ إِذَا وَقَعَ فِي يَدِي أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنِّي إِلا فِي حَقه،   1 انْقَادَ إِلَى الْحق وَرجع إِلَى قَول عمر وأصل دينه. 2 أَي أدْرك الْكِبَار من عُلَمَاء الْمُسلمين الْأَوَائِل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 130 وَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَزِيدَ أُعْطِيَاتِكُمْ وَأَرْزَاقَكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَسُدَّ ثُغُورَكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ لَا أُلْقِيكُمْ فِي الْمَهَالِكِ وَلا أَجَمِّرَكُمْ فِي ثُغُورِكُمْ1، وَقَدِ اقْتَرَبَ مِنْكُمْ زَمَانٌ قَلِيلُ الأُمَنَاءِ كَثِيرُ الْقُرَّاءِ، قَلِيل الْفُقَهَاء2، كثير الْأكل، يَعْمَلُ فِيهِ أَقْوَامٌ لِلآخِرَةِ يَطْلُبُونَ بِهِ دُنْيَا عَرِيضَةً تَأْكُلُ دِينَ صَاحِبِهَا كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ؛ أَلا كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلْيَصْبِرْ. يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللَّهَ عَظَّمَ حَقَّهُ فَوْقَ حَقِّ خَلْقِهِ فَقَالَ فِيمَا عَظَّمَ مِنْ حَقِّهِ {لَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنِّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُم مُسلمُونَ} [آلا عمرَان: 80] أَلا وَإِنِّي لَمْ أَبْعَثْكُمْ أُمَرَاءً وَلا جَبَّارِينَ؛ وَلَكِنْ بَعَثْتُكُمْ أَئِمَّةَ الْهُدَى يُهْتَدَى بِكُمْ؛ فَأَدِرُّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ حُقُوقَهُمْ، وَلا تَضْرِبُوهُمْ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تَحْمَدُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تُغْلِقُوا الأَبْوَابَ دُونَهُمْ فَيَأْكُلَ قَوِيُّهُمْ ضَعِيفَهُمْ، وَلا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلا تَجْهَلُوا عَلَيْهِمْ، وَقَاتِلُوا بِهِمُ الْكفَّار طاقتهم؛ فَإِذا رَأَيْته بِهِمْ كَلالَةً فَكُفُّوا عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ. أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أُشْهِدُكُمْ عَلَى أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ أَنِّي لَمْ أَبْعَثْهُمْ إِلا لِيُفَقِّهُوا النَّاسَ فِي دينهم ويقسموا عَلَيْهِم فيأهم وَيَحْكُمُوا بَيْنَهُمْ؛ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ رَفَعُوهُ إِلَيَّ. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ يَقُول: لَا يصلح هَذَا الأَمْرُ إِلا بِشِدَّةٍ فِي غَيْرِ تَجَبُّرٍ، وَلِينٍ فِي غَيْرِ وَهَنٍ. من نصائح عَليّ للولاة والأمراء: قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ عَامِلُهُ: "أَمَّا بَعْدُ فَاسْتَخْلِفْ عَلَى عَمَلِكَ وَاخْرُجْ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِكَ حَتَّى تَمُرَّ بِأَرْضِ السَّوَادِ كَوْرَةً كَوْرَةً فَتَسْأَلَهُمْ عَنْ عُمَّالِهِمْ، وَتَنْظُرَ فِي سِيرَتِهِمْ حَتَّى تَمُرَّ بِمن كَانَ مِنْهُم فِيمَا بَيْنَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ، ثُمَّ ارْجِعْ إِلَى الْبِهْقُبَاذَاتِ3 فَتَوَلَّ مَعُونَتَهَا، وَاعْمَلْ بِطَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا وَلاكَ مِنْهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَأَنَّ الآخِرَةَ آتِيَةٌ وَأَنَّ عَمَلَ ابْنِ آدَمَ مَحْفُوظٌ عَلَيْهِ، وَأَنَّكَ مَجْزِيٌّ بِمَا أَسْلَفْتَ وَقَادِمٌ عَلَى مَا قَدَّمْتَ مِنْ خَيْرٍ فَاصْنَعْ خَيْرًا تَجِدْ خَيْرًا". قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً وَلَّى أَمْرَهَا رَجُلا وَأَوْصَاهُ فَقَالَ لَهُ: "أُوصِيكَ بتقوى الله الَّذِي لَا بُد لَك   1 أَي لَا أحبسكم فِي الثغور وَلَا أمنعكم من العودة إِلَى بِلَادكُمْ. 2 يقرءُون الْقُرْآن لَا يفهمونه وَلَا يعْملُونَ بِهِ. 3 هِيَ كور بِبَغْدَاد من أَعمال الْفُرَات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 131 مِنْ لِقَائِهِ، وَعَلَيْكَ بِالَّذِي يُقَرِّبُكَ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّ مَا عِنْدَ الله خلف من الدُّنْيَا". مسئولية الرَّاعِي عَن رَعيته: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ رِيَاحِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لِي بالعراق ضَيْعَة وَولدا فائذن لِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَعَاهَدُهُمْ قَالَ: لَيْسَ عَلَى وَلَدِكَ بَأْسٌ وَلا عَلَى ضَيْعَتِكَ ضَيْعَةٌ؛ فَلَمْ أَزَلْ بِهِ حَتَّى أَذِنَ لِي؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ وَدَّعْتُهُ قُلْتُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَاجَتك أوصني بِهَا. قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَسْأَلَ عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَكَيْفَ سِيرَةُ الْوُلاةِ فِيهِمْ وَرِضَاهُمْ عَنْهُمْ؟ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْعِرَاقَ سَأَلْتُ الرَّعِيَّةَ عَنْهُمْ فَأُخْبِرْتُ بِكُلِّ خَيْرٍ عَنْهُمْ؛ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَيْهِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ بِحُسْنِ سِيرَتِهِمْ فِي الْعِرَاقِ وَثَنَاءِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ؛ فَقَالَ "الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ لَوْ أَخْبَرْتَنِي عَنْهُمْ بِغَيْرِ هَذَا عَزَلْتُهُمْ وَلَمْ أَسْتَعِنْ بِهِمْ بَعْدَهَا أَبَدًا. إِنَّ الرَّاعِي مسئول عَن رَعيته فَلَا بُد لَهُ مِنْ أَنْ يَتَعَهَّدَ رَعِيَّتَهُ بِكُلِّ مَا يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ بِهِ وَيُقَرِّبَهُ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ مَنِ ابْتُلِيَ بِالرَّعِيَّةِ فَقَدِ ابْتُلِيَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عَدِيُّ بْنُ أَرْطَاةَ -عَامِلٌ كَانَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ- إِلَيْهِ "أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أُنَاسًا قِبَلَنَا لَا يُؤَدُّونَ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ حَتَّى يَمَسَّهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ" فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: "أَمَّا بَعْدُ فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنَ اسْتِئْذَانِكَ إِيَّايَ فِي عَذَابِ الْبَشَرِ كَأَنِّي جُنَّةٌ1 لَكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَكَأَنَّ رِضَايَ يُنْجِيكَ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، إِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَمَنْ أَعْطَاكَ مَا قِبَلَهُ عَفْوًا وَإِلا فَأَحْلِفْهُ؛ فوَاللَّه لَا يَلْقَوُا اللَّهَ بِجِنَايَاتِهِمْ أَحَبَّ إِليَّ مِنْ أَنْ أَلْقَاهُ بِعَذَابِهِمْ، وَالسَّلامُ". قَالَ: وَأَتَى عُمَرَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ زَرَعْتُ زَرْعًا؛ فَمَرَّ بِهِ جَيْشٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَأَفْسَدُوهُ. قَالَ: فَعَوَّضَهُ عَشْرَةَ آلَاف.   1 مَانع وواق، كل إِنْسَان مسئول عَن عمله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 132 فَصْلٌ: فِي شَأْنِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَسَائِرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمَا يُعَامَلُونَ بِهِ وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَلِمَ ضُوعِفَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأُسْقِطَتِ الْجِزْيَةُ عَنْ رُءُوسِهِمْ؟ وَعَمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعَامَلَ بِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ جَمِيعًا فِي جِزْيَةِ الرُّءُوسِ وَالْخَرَاجِ وَاللِّبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْعُشُورِ؟ قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنِ السَّفَّاحِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ كُرْدُوسٍ عَنْ عبَادَة بن نعْمَان التَّغْلِبِيُّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَنِي تَغْلِبَ مَنْ قَدْ عَلِمْتَ شَوْكَتَهُمْ، وَأَنَّهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَإِنْ ظَاهَرُوا عَلَيْكَ الْعَدو واشتدت مَؤُنَتُهُمْ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعْطِيَهُمْ شَيْئًا فَافْعَلْ. قَالَ: فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ لَا يَغْمِسُوا أَحَدًا مِنْ أَوْلادِهِمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَيُضَاعِفَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةِ، قَالَ: وَكَانَ عُبَادَةُ يَقُولُ: قَدْ فَعَلُوا فَلا عَهْدَ لَهُمْ. وَعَلَى أَنْ يُسْقِطَ الْجِزْيَةَ عَنْ رُءُوسِهِمْ؛ فَكُلُّ نَصْرَانِيٍّ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ لَهُ غَنَمٌ سَائِمَةٌ؛ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ شَاةً؛ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ سَائِمَةً فَفِيهَا شَاتَانِ1 إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ شَاةً فَفِيهَا أَرْبَعٌ مِنَ الْغَنَمِ. وَعَلَى هَذَا الْحِسَابِ تُؤْخَذُ صَدَقَاتِهِمْ. وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالإِبِلُ إِذَا وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْء من ذَلِكَ فَعَلَى النَّصْرَانِيِّ التَّغْلِبِيِّ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ وَنِسَاؤُهُمْ كَرِجَالِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ؛ فَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ2. وَكَذَلِكَ أَرْضُوهُمْ الَّتِي كَانَتْ بِأَيْدِيهِمْ يَوْم يصولحوا فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُؤْخَذُ من للسلم. وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ فَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَرَوْنَ أَنْ يُؤْخَذَ ضِعْفَ الصَّدَقَةِ مِنْ أَرْضِهِ وَلا يُؤْخَذُ مِنْ مَاشِيَتِهِ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ مَاشِيَتِهِ، وَسَبِيلُ ذَلِكَ سَبِيلُ الْخَرَاجِ؛ لأَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الْجِزْيَةِ وَلا شَيْءَ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّة أَمْوَالهم ورقيقهم. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَضْعَف   1 بَدَلا من شَاة وَاحِدَة وَهِي الَّتِي تُؤْخَذ فِي زَكَاة الْمُسلم. 2 هَذَا على رَأْي بعض أَصْحَاب الْمَذْهَب الْحَنَفِيّ، وَإِن كَانَ لبَعض الْمذَاهب أَقْوَال أُخْرَى. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 133 الصَّدَقَةَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عِوَضًا مِنَ الْخَرَاجِ1. قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى الْعُشُورِ إِلَى هَهُنَا أَنَا، قَالَ فَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُفَتِّشَ أَحَدًا وَمَا مَرَّ عَلَيَّ مِنْ شَيْءٍ أَخَذْتُ مِنْ حِسَابِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَخَذْتُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ عِشْرِينَ وَاحِدًا وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ الْعُشْرَ. قَالَ: وَأَمَرَنِي أَنْ أُغَلِّظَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، قَالَ إِنَّهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ قَدِ اشْتَرَطَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَوْلادَهُمْ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وكل أَرض من أَرض الْعُشْرِ اشْتَرَاهَا نَصْرَانِيٌّ تَغْلِبِيٌّ؛ فَإِنَّ الْعُشْرَ يُضَاعَفُ عَلَيْهِ كَمَا يُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ بِهَا فِي التِّجَارَاتِ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِيهِ وَاحِدٌ فَعَلَى النَّصْرَانِيِّ التَّغْلِبِيِّ اثْنَانِ. قَالَ: وَإِنِ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ سِوَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ؛ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ أَضَعُ عَلَيْهَا الْخَارِج لم لَا أُحَوِّلُهَا عَنْ ذَلِكَ، وَإِنْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْعُشْرُ زَكَاةٌ فَأُحَوِّلُهَا إِلَى الْخَرَاجِ، وَأَنَا أَقُولُ أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهَا الْعُشْرُ مُضَاعَفًا فَهُو خَرَاجُهَا فَإِذَا رَجَعَتْ إِلَى مُسْلِمٍ بِشِرَاءٍ أَوْ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ أَعَدْتُهَا إِلَى الْعُشْرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الأَصْلِ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا أَنَّ الْحَسَنَ وَعَطَاءَ قَالا فِي ذَلِكَ الْعُشْرُ مضاعفا. قَالَ أَبُو يُوسُف: فَكَانَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٌ أَحْسَنَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ أَلا تَرَى أَنَّ الْمَالَ يَكُونُ لِلْمُسْلِمِ لِلتِّجَارَةِ فَيَمُرُّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ فَيَجْعَلُ عَلَيْهِ رُبُعَ الْعُشْرِ؛ فَإِذَا اشْتَرَاهُ ذِمِّيٌّ فَمَرَّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ لِتِجَارَةٍ جَعَلَ عَلَيْهِ نِصْفَ الْعُشْرِ ضِعْفَ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ؛ فَإِنْ عَادَ إِلَى مُسْلِمٍ جَعَلْتَ فِيهِ رُبُعَ الْعُشْرِ؛ فَهَذَا مَالٌ وَاحِدٌ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُهُ فَكَذَلِكَ الأَرْضُ مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ؛ أَلا تَرَى لَوْ أَنَّ ذِمِّيًّا اشْتَرَى أَرْضًا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ؛ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ خَرَاجٌ قَطُّ بِمَكَّةَ أَوِ الْمَدِينَة أَو مَا أشبهما لم أَضَع عَلَيْهَا خَارِجا؟ وَهَلْ يَكُونُ خَرَاجٌ فِي الْحَرَمِ؟ وَلَكِنَّهُ تُضَاعَفُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ، كَمَا تُضَاعَفُ فِي أَمْوَالِهِمُ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ بِهَا فِي التِّجَارَاتِ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَأَرْضُهُ أَرْضُ عُشْرٍ؛ لأَنَّهُ لم يوضع عَلَيْهِ الْخراج.   1 كَانُوا يستنكفون أَن يعاملوا مُعَاملَة أهل الذِّمَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 134 فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وقدرها وَمِمَّا تجوز قَالَ أَبُو يُوسُف: وَالْجِزْيَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِمَّنْ فِي السَّوَادِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَسَائِرِ الْبُلْدَانِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ مَا خَلا نَصَارَى بَنِي تغلب وَأهل نَجْرَانَ خَاصَّةً؛ وَإِنَّمَا تَجِبُ الْجِزْيَةَ عَلَى الرِّجَالِ مِنْهُمْ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ: عَلَى الْمُوسِرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَلَى الْمُحْتَاجِ الْحَرَّاثِ الْعَامِلِ بِيَدِهِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَإِنْ جَاءُوا بِعَرْضٍ قُبِلَ مِنْهُمْ مِثْلُ الدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِالْقِيمَةِ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْجِزْيَةِ مَيْتَةٌ وَلا خِنْزِيرٌ وَلا خَمْرٌ؛ فَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَنْهَى عَنْ أَخْذِ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي جزيتهم، وَقَالَ: ولوها أرباباها؛ فَلْيَبِيعُوهَا وَخُذُوا مِنْهُمْ أَثْمَانَهَا هَذَا إِذَا كَانَ هَذَا أَرْفَقُ بِأَهْلِ الْجِزْيَةِ. وَقَدْ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أبي طَالب كرم الله وَجه فِيمَا بَلَغَنَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ فِي جِزْيَتِهِمُ الإِبَرَ وَالْمَسَالَّ وَيَحْسِبُ لَهُمْ من خراج رُءُوسهم. أَصْنَاف يعفون من الْجِزْيَة: وَلا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنَ الْمِسْكِينِ الَّذِي يُتَصَّدَّقُ عَلَيْهِ، وَلا مِنْ أَعْمَى لَا حِرْفَةَ لَهُ وَلا عَمَلَ، وَلا مِنْ ذِمِّيٍّ يُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلا مِنْ مُقْعَدٍ، وَالْمُقْعَدُ وَالزَّمِنُ إِذَا كَانَ لَهُمَا يَسَارٌ أُخِذَ مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ الأَعْمَى، وَكَذَلِكَ الْمُتَرَهِّبُونَ الَّذِينَ فِي الدِّيَارَاتِ إِذَا كَانَ لَهُمْ يَسَارٌ أَخَذَ مِنْهُمْ وَإِن كَانَ إِنَّمَا هُمْ مَسَاكِينُ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْيَسَارِ مِنْهُمْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ أَهْلُ الصَّوَامِعِ إِنْ كَانَ لَهُمْ غِنًى وَيَسَارٌ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ صَيَّرُوا مَا كَانَ لَهُمْ لِمَنْ يُنْفِقَهُ عَلَى الدِّيَارَاتِ وَمَنْ فِيهَا مِنَ الْمُتَرَهِّبِينَ وَالْقُوَّامِ أُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ يُؤْخَذُ بِهَا صَاحِبُ الدِّيرِ؛ فَإِنْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الدِّيرِ الَّذِي ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ بِاللَّهِ وَبِمَا يُحْلَفُ بِهِ مِثْلُهُ مِنْ أهل دينه كَمَا فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ تُرِكَ وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 135 الذِّمِّيّ إِذا أسلم: وَلا يُؤْخَذُ مِنْ مُسْلِمٍ جِزْيَةُ رَأْسِهِ؛ إِلا أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ بَعْدَ خُرُوجِ السَّنَةِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَ خُرُوجِهَا؛ فَقَدْ كَانَتِ الْجِزْيَةُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَصَارَتْ خَرَاجًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ لم يُؤْخَذ بِشَيْء مِنَ الْجِزْيَةِ إِذَا كَانَ أَسْلَمَ قبل انْقِضَاء السّنة. الذِّمِّيّ إِذا مَاتَ قبل وجوب الْجِزْيَة: وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ أَوْ أُخِذَ بَعْضُهَا، وَبَقِيَ الْبَعْضُ لَمْ يُؤْخَذْ بِذَلِكَ وَرَثَتُهُ وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْ تَرِكَتِهِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ أَسْلَمَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ جِزْيَةِ رَأْسِهِ لَمْ يُؤْخَذْ بِذَلِكَ. وَلا تُؤْخَذُ الْجِزَيَةُ مِنَ الشَّيْخِ الْكَبِير الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ وَلا شَيْءَ لَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَيْسَ فِي مَوَاشِي أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ زَكَاةٌ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدثنَا سُفْيَان بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ فِي أَمْوَالِ أهل الذِّمَّة إِلَّا الْعَفو. لَا زَكَاة على أهل الذِّمَّة ومعاملتهم بِالْحُسْنَى: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَلَيْسَ فِي شَيْء من أَمْوَالِهِمْ الرِّجَالُ مِنْهُمْ وَالنِّسَاءُ زَكَاةٌ؛ إِلا مَا اخْتَلَفُوا بِهِ فِي تِجَارَتِهِمْ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْ مَالٍ حَتَّى يَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالا مِنَ الذَّهَبِ أَوْ قِيمَةَ ذَلِكَ مِنَ الْعَرُوضِ لِلتِّجَارَةِ، وَلا يُضْرَبُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي اسْتِيدَائِهِمُ الْجِزْيَةَ؛ وَلا يُقَامُوا فِي الشَّمْسِ وَلا غَيْرِهَا، وَلا يُجْعَلُ عَلَيْهِمْ فِي أَبْدَانِهِمْ شَيْءٌ مِنَ الْمَكَارِهِ؛ وَلَكِنْ يُرْفَقُ بِهِمْ، وَيُحْبَسُونَ حَتَّى يُؤَدُّوا مَا عَلَيْهِمْ وَلا يَخْرُجُونَ مِنَ الْحَبْسِ حَتَّى تُسْتَوْفَى مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، وَلا يَحِلُّ لِلْوَالِي أَنْ يَدَعَ أَحَدًا مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ إِلا أَخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، وَلا يُرَخَّصُ لأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلا يَحِلُّ أَنْ يَدَعَ وَاحِدًا وَيَأْخُذَ مِنْ وَاحِدٍ وَلا يَسَعُ ذَلِكَ؛ لأَنَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ؛ إِنَّمَا أُحْرِزَتْ بِأَدَاءِ الْجِزْيَة، بِمَنْزِلَة مَال الْخراج. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 136 أَمر الْأَمْصَار وتولية الْأمين عَلَيْهَا: فَأَمَّا أَمْرُ الأَمْصَارِ -مِثْلِ مَدِينَةِ السَّلامِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا- فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُصَيِّرَهُ الْإِمَامُ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الصَّلاحِ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَمِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالثِّقَةِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ وَيُصَيِّرَ مَعَهُ أَعْوَانًا يَجْمَعُونَ إِلَيْهِ أَهْلَ الأَدْيَانِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ؛ فَيَأْخُذَ مِنْهُمْ عَلَى الطَّبَقَاتِ عَلَى مَا وَصَفْتُ: ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا عَلَى الْمُوسر مثل الصَّيْرَفِي والبزال وَصَاحب الشِّيعَة وَالتَّاجِرِ وَالْمُعَالِجِ الطَّبِيبِ، وَكُلِّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِيَدِهِ صِنَاعَةٌ وَتِجَارَةٌ يَحْتَرِفُ بِهَا أَخَذَ مِنْ أَهْلِ كُلِّ صِنَاعَةٍ وَتِجَارَةٍ عَلَى قَدْرِ صناعتهم وتجارتهم: ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ درهما على الْمُوسر وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا عَلَى الْوَسَطِ. مَنِ احْتَمَلَتْ صناعته ثَمَانِيَة أَرْبَعِينَ درهما أَخذ من ذَلِكَ، وَمَنِ احْتَمَلَتْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ درهما أَخذ ذَلِك مِنْهُ، وَاثنا عَشَرَ دِرْهَمًا عَلَى الْعَامِلِ بِيَدِهِ مثل الْخياط والصباغ والإسكاف والخزاز وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ؛ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ إِلَى الْوُلاةِ عَلَيْهَا حَمَلُوهَا إِلَى بَيْتِ المَال. أَمر السوَاد: وَأَمَّا السَّوَادُ فَتُقَدِّمَ إِلَى وُلاتِكَ عَلَى الْخَرَاجِ أَنْ يَبْعَثُوا رِجَالا مِنْ قِبَلِهِمْ يَثِقُونَ بِدِينِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ يأْتونَ الْقرْيَة فيأمرون صَاحبهَا بِجمع مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ؛ فَإِذَا جَمَعُوهُمْ إِلَيْهِمْ أَخَذُوا مِنْهُمْ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنَ الطَّبَقَاتِ، وَتُقَدِّمَ إِلَيْهِمْ فِي امْتِثَالِ مَا رَسَمْتُهُ وَوَصَفْتُهُ حَتَّى لَا يَتَعَدَّوْهُ إِلَى مَا سِوَاهُ، وَلا يَأْخُذُوا مَنْ لَمْ تَرَ الْجِزْيَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِشَيْء، وَلا يَقْصُدُوا بِظُلْمٍ وَلا تَعَسُّفٍ. فَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْقَرْيَةِ أَنَا أُصَالِحُكُمْ عَنْهُمْ وَأُعْطِيكُمْ ذَلِكَ لَمْ يُجِيبُوهُ إِلَى مَا سَأَلَ؛ لأَنَّ ذِهَابَ الْجِزْيَةِ مَنْ هَذَا أَكْثَرَ لَعَلَّ صَاحِبَ الْقَرْيَةِ يُصَالِحَهُمْ عَلَى خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وفَيِها مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَنْ إِذَا أَخَذْتَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ بَلَغَتْ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَحِلُّ وَلا يَسَعُ مَعَ مَا يَنَالُ الْخَرَاجَ مِنْهُ مِنَ النُّقْصَانِ لَعَلَّهُ أَنْ يَجْبِيَ مَنْ بِضَيْعَتِهِ أَهْلُ الذِّمَّةِ فَيُصِيبُ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلا يَحِلُّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ ذَلِكَ؛ بَلْ لَعَلَّ فِيهِمْ مِنَ الْمَيَاسِيرِ مَنْ تَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَيَحْمِلُهَا وُلاةُ الْخَرَاجِ مَعَ الْخَرَاجِ إِلَى بَيت المَال لِأَنَّهُ فَيْء للْمُسلمين. حكم مَا أَخذ من أَمْوَال أهل الذِّمَّة: وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ بِهَا فِي التِّجَارَةِ، وَمِمَّنْ دَخَلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ وَمَا أُخِذَ مِنْ أهل الذمنة مِنْ أَرْضِ الْعُشْرِ الَّتِي صَارَتْ فِي أَيّدهُم وكل شَيْء يُؤْخَذ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 137 مِنْ مَوَاشِي نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِي دَارِهَا فَإِنَّ سَبِيلَ ذَلِكَ أَجْمَعُ كَسَبِيلِ الْخَرَاجِ يُقَسَّمُ فِيمَا يقسم يه الْخراج، وَلَيْسَ هَذَا كواضع الصَّدَقَةِ وَلا كَمَوَاضِعِ الْخُمُسِ قَدْ حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الصَّدَقَةِ حُكْمًا قَسَّمَهَا عَلَيْهِ؛ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَسَّمَ الْخُمُسَ قَسْمًا بَقِي عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لِلنَّاسِ أَنْ يَتَعَدَّوْا ذَلِكَ وَلا يخالفوه. الوصاة بِأَهْل الذِّمَّة وعقاب من أَسَاءَ إِلَيْهِم: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقَدْ يَنْبَغِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَّدَكَ اللَّهُ أَنْ تَتَقَدَّمَ فِي الرِّفْقِ بِأَهْلِ ذِمَّةِ نَبِيِّكَ وَابْنِ عَمِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّفَقُّدِ لَهُمْ حَتَّى لَا يُظْلَمُوا وَلا يُؤْذَوْا وَلا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ وَلا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إِلا بِحَقٍّ يَجِبُ عَلَيْهِمْ؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ فَأَنَا حَجِيجُهُ". وَكَانَ فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ وَفَاتِهِ "أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِذِمَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بن زيد أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ فِي بَعْضِ أَرْضِ الشَّامِ؛ فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَؤُلاءِ؟ فَقِيلَ لَهُ: أَقِيمُوا فِي الشَّمْسِ فِي الْجِزْيَةِ، قَالَ: فَكَرِهَ ذَلِكَ وَدَخَلَ عَلَى أَمِيرِهِمْ وَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنِ عَذَّبَ النَّاسَ عَذَّبَهُ اللَّهُ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ عُرْوَةَ بن هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّهُ وَجَدَ عِيَاضَ بْنَ غَنَمٍ قَدْ أَقَامَ أَهْلَ الذِّمَّةِ فِي الشَّمْسِ فِي الْجِزْيَةِ، فَقَالَ: يَا عِيَاضُ مَا هَذَا؟ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: $"إِنَّ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا يُعَذَّبُونَ فِي الآخِرَةِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّ بِطَرِيقِ الشَّامِ وَهُوَ رَاجِعٌ فِي مَسِيرِهِ مِنَ الشَّامِ عَلَى قَوْمٍ قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ يُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الزَّيْتَ فَقَالَ: مَا بَالُ هَؤُلاءِ؟ فَقَالُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ لَمْ يُؤَدُّوهَا؛ فَهُمْ يُعَذَّبُونَ حَتَّى يُؤَدُّوهَا؛ فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا يَقُولُونَ هُمْ وَمَا يَعْتَذِرُونَ بِهِ فِي الْجِزْيَةِ؟ قَالُوا: يَقُولُونَ لَا نَجِدُ، قَالَ: فَدَعُوهُمْ، لَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا لَا يَطِيقُونَ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تُعَذِّبُوا النَّاسَ فَإِنَّ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا يُعَذِّبُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وَأَمَرَ بهم فخلى سبيلهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 138 قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ بِرَفْع الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ وَلَّى عَبْدَ اللَّهُ بْنَ أَرْقَمَ عَلَى جِزْيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ فَلَمَّا وَلَّى مِنْ عِنْدِهِ نَادَاهُ فَقَالَ: "أَلا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ؛ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قَالَ: وحَدثني حُصَيْن بْنُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "أُوصِي الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي بِأَهْلِ الذِّمَّةِ خَيْرًا أَنْ يُوَفِّيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتِلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَنْ لَا يُكَلَّفُوا فَوْقَ طَاقَتِهِمْ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا وَرْقَاءُ الأَسَدِيُّ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ قَالَ: كُنَّا مَعَ سُلَيْمَان الْفَارِسِيِّ فِي غَزَاةٍ؛ فَمَرَّ رَجُلٌ وَقَدْ جَنَى فَاكِهَةً؛ فَجَعَلَ يُقَسِّمُهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ؛ فَمَرَّ بِسَلْمَانَ فَسَبَّهُ فَرَدَّ عَلَى سَلْمَانَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ. قَالَ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا سَلْمَانُ. قَالَ: فَرَجَعَ فَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: ثَلاثٌ مَنْ عَمَاكَ إِلَى هُدَاكَ، وَمِنْ فَقْرِكَ إِلَى غِنَاكَ، وَإِذا صَحِبت الصاحب تَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِ وَيَأْكُلُ مِنْ طَعَامِكَ وَيَرْكَبُ دَابَّتَكَ وَتَرْكَبُ دَابَّتَهُ فِي أَنْ لَا تَصْرِفَهُ عَنْ وَجهه يُرِيدُهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ نَافِع عَن أبي بكرَة قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِبَابِ قَوْمٍ وَعَلَيْهِ سَائِلٌ يَسْأَلُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَضَرَبَ عَضُدَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَقَالَ: مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْتَ؟ فَقَالَ: يَهُودِيٌّ. قَالَ: فَمَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى؟ قَالَ: أَسْأَلُ الْجِزْيَةَ وَالْحَاجَةَ وَالسِّنَّ. قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَرَضَخَ1 لَهُ بِشَيْء مِنَ الْمَنْزِلِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَازِنِ بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ: انْظُرْ هَذَا وَضُرَبَاءَهُ؛ فَوَاللَّهِ مَا أَنْصَفْنَاهُ أَن أكلنَا شبيته ثُمَّ نَخُذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ "إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين"، وَالْفُقَرَاءُ هُمُ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا مِنَ الْمَسَاكِينِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَوَضَعَ عَنْهُ الْجِزْيَةَ وَعَنْ ضُرَبَائِهِ. قَالَ: قَالَ أَبُو بكرَة: أَنَا شَهِدْتُ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَرَأَيْتُ ذَلِكَ الشَّيْخَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ سَمِعْتُ سُوَيْدَ بْنَ غَفْلَةَ يَقُولُ: حَضَرْتُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ عُمَّالُهُ فَقَالَ: يَا هَؤُلاءِ، إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَأْخُذُونَ فِي الْجِزْيَةِ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْخَمْرَ؛ فَقَالَ بِلالٌ أَجَلْ إِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؛ فَقَالَ عُمَرُ: فَلَا تَفعلُوا؛ وَلَكِن وَلَو أَرْبَابَهَا بَيْعَهَا، ثُمَّ خُذُوا الثَّمَنَ مِنْهُم.   1 أَي أعطَاهُ شَيْئا لَيْسَ بالكثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 139 فَصْلٌ: فِي لِبَاسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وزيهم قَالَ أَبُو يُوسُف: وَيَنْبَغِي مَعَ هَذَا أَن تختم رِقَابَهُمْ فِي وَقْتِ جِبَايَةِ جِزْيَةِ رُءُوسهم حَتَّى يفرغ من عرضهمْ ثُمَّ تُكَسَّرَ الْخَوَاتِيمُ كَمَا فَعَلَ بِهِمْ عُثْمَانُ بْنُ حَنِيفٍ إِنْ سَأَلُوا كَسْرَهَا، وَأَنْ يَتَقَدَّمَ فِي أَنْ لَا يُتْرَكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لِبَاسِهِ وَلا فِي مَرْكَبِهِ وَلا فِي هَيْئَتِهِ وَيُؤْخَذُوا بِأَنْ يَجْعَلُوا فِي أَوْسَاطِهِمُ الزُّنَّارَاتِ -مِثْلَ الْخَيْطِ الْغَلِيظِ يَعْقِدُهُ فِي وسط كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَبِأَنْ تَكُونَ قَلانِسَهُمْ مُضَرَّبَةً، وَأَنْ يَتَّخِذُوا عَلَى سُرُوجِهِمْ فِي مَوْضِعِ الْقَرَابِيسِ مِثْلَ الرُّمَّانَةِ مِنْ خَشَبٍ، وَبِأَنْ يَجْعَلُوا شِرَاكَ نِعَالِهِمْ مُثْنِيَّةً، وَلا يَحْذُوا عَلَى حَذْوِ الْمُسْلِمِينَ، وَتُمْنَعَ نِسَاؤُهُمْ مِنْ رُكُوبِ الرَّحَائِلِ وَيُمْنَعُوا مِنْ أَنْ يُحْدِثُوا بِنَاءَ بَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ فِي الْمَدِينَةِ إِلا مَا كَانُوا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَصَارُوا ذِمَّةً وَهِيَ بَيْعَةٌ لَهُمْ أَوْ كَنِيسَةٍ؛ فَمَا كَانَ كَذَلِكَ تُرِكَتْ لَهُمْ وَلَمْ تُهْدَمَ، وَكَذَلِكَ بُيُوتُ النِّيرَانِ. وَيُتْرَكُونَ يَسْكُنُون فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَسْوَاقِهِمْ يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ وَلا يَبِيعُونَ خَمْرًا وَلا خِنْزِيرًا، وَلا يُظْهِرُونَ الصِّلْبَانَ فِي الأَمْصَارِ؛ وَلْتَكُنْ قَلانِسُهُمْ طُوَالا مُضَرَّبَةً؛ فَمُرْ عُمَّالَكَ أَنْ يَأْخُذُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِهَذَا الزِّيِّ؛ هَكَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ عُمَّالَهُ أَنْ يَأْخُذُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِهَذَا الزي، وَقَالَ: وَحَتَّى يُعْرَفَ زِيَّهُمْ مِنْ زِيِّ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عمر بن عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عَامِلٍ لَهُ: أَمَّا بَعْدُ، فَلا تَدَعَنَّ صَلِيبًا ظَاهِرًا إِلا كُسِرَ وَمُحِقَ، وَلا يَرْكَبَنَّ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ عَلَى سَرْجٍ، وَلْيَرْكَبْ عَلَى إِكَافٍ، وَلا تَرْكَبَنَّ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِمْ عَلَى رِحَالَةٍ، وَلْيَكُنْ رُكُوبُهَا عَلَى إِكَافٍ. وَتَقَدَّمْ فِي ذَلِكَ تَقَدُّمًا بَلِيغًا، وَامْنَعْ مَنْ قِبَلَكَ؛ فَلا يَلْبَسْ نَصْرَانِيٌّ قِبَاءً وَلا ثَوْبَ خَزٍّ وَلا عَصْبٍ1، وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ قِبَلَكَ مِنَ النَّصَارَى قَدْ رَاجَعُوا لُبْسَ الْعَمَائِمِ وَتَرَكُوا الْمَنَاطِقَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ وَاتَّخَذُوا الْجِمَامَ وَالْوَفْرَ2 وَتَرَكُوا التَّقْصِيصَ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ كَانَ يُصْنَعُ ذَلِكَ فِيمَا قَبْلَكَ، إِنَّ ذَلِكَ بِكَ لَضَعْفٌ وَعَجْزٌ وَمُصَانَعَةٌ، وَإِنَّهُمْ حِينَ يُرَاجِعُونَ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا مَا أَنْتَ؛ فَانْظُر كل شَيْء   1 هِيَ برود يَمَانِية يجمع غزلها ويشد ويصبغ بطريقة مَخْصُوصَة. 2 الْجُمُعَة: مُجْتَمع شعر الناصية من الرَّأْس والوفرة الشّعْر يصل إِلَى الْأُذُنَيْنِ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 140 نهيت فاحسم عَنْهُ مَنْ فَعَلَهُ وَالسَّلامُ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ عَنْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَخْتِمُوا رِقَابَ أَهْلِ الذِّمَّةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي كَامِلُ بْنُ الْعَلاءِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حَنِيفٍ عَلَى مِسَاحَةٍ أَرْضِ السَّوَادِ؛ فَفَرَضَ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ أَرْضٍ -عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ- دِرْهَمًا وَقَفِيزًا، وَخَتَمَ عَلَى عُلُوجِ السَّوَادِ؛ فَخَتَمَ خَمْسَمِائَةِ أَلْفِ عِلْجٍ عَلَى الطَّبَقَاتِ: ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَاثْنَيْ عَشَرَ؛ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ عَرْضِهِمْ دَفَعَهُمْ إِلَى الدَّهَاقِينِ وَكَسَرَ الْخَوَاتِيمَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْكُفَّارِ أَنِ اقْتُلُوا مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِيُّ1، وَلا تَأْخُذُوا مِنِ امْرَأَةٍ وَلا صَبِيٍّ، وَلا تَأْخُذُوا الْجِزْيَة إِلا أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَجَعَلَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مدي حنظة، وَأَمَرَ أَنْ يُخْتَمَ فِي أَعْنَاقِهِمْ. قَالَ وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ أَوْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَنِي عَلَى الْيَمَنِ أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارا.   1 أَي من بلغ وَظهر الشّعْر على عانته من الْمُشْركين الَّذين لَيْسُوا أهل كتاب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 141 فَصْلٌ: فِي الْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَأهل الرِّدَّة قَالَ أَبُو يُوسُف: وَجَمِيعُ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَعَبَدَةِ النِّيرَانِ وَالْحِجَارَةِ وَالصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ مَا خَلا أَهْلَ الرِّدَّةِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ وَأَهْلِ الأَوْثَانِ مِنَ الْعَرَبِ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ؛ فَإِنْ أَسْلَمُوا وَإِلا قُتِلَ الرِّجَالُ مِنْهُمْ وَسُبِيَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. قَالَ: وَلَيْسَ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَعَبَدَةِ النِّيرَانِ وَالْمَجُوسِ فِي الذَّبَائِحِ وَالْمُنَاكَحَةِ عَلَى مِثْلِ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ، لِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ وَالْعَمَل، لَا اخْتِلَاف فِيهِ. أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس وَسَببه: قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجَدَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجُوسَ أَهْلِ هَجَرَ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ مُنَاكَحَةَ نِسَائِهِمْ وَلَا أكل ذَبَائِحهم. قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ هَجَرَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْخَرَاجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ عَلَى أَهْلِ هَجَرَ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى؛ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَرَضَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ بُجَالَةَ بْنِ عَبْدَةَ الْعَنْبَري أَنه كَانَ كَاتبا لحزء بن مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَى مَنَاذِرَ1 وَدِسْتِ مَيْسَانَ2 قَالَ: وَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ خُذْ مِمَّنْ قِبَلَكَ مِنَ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةَ؛ فَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هجر.   1 المناذر بلدتان من نواحي خوزستان. 2 بلد بَين الْبَصْرَة وواسط. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 142 قَالَ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِي الله عَنهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخَذُوا الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ، قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: وَأَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِمْ، كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ يَقْرَأُونَهُ، وَعِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ؛ فَنُزِعَ مِنْ صُدُورِهِمْ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ النَّارَ لَيْسُوا يَهُودًا وَلا نَصَارَى وَلا أَهْلَ كِتَابٍ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ بِهَؤُلاءِ؟ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ"1. قَالَ: وَحَدَّثَنَا قُطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ أَنَّ فَرْوَةَ بْنَ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ عَظِيمٌ، يُؤْخَذُ مِنَ الْمَجُوسِ الْجِزْيَةَ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ؟ قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ الأَحْنَفِ؛ فَقَالَ: طَعَنْتَ عَلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتُبْ وَإِلا قَتَلْتُكَ وَاللَّهِ، وَقَالَ: وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَجُوسِ أهل هجر الْجِزْيَة قَالَ: فارتفعا إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِي الله عَنهُ؛ فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُمَا بِحَدِيثٍ تَرْضَيَانِهِ جَمِيعًا عَنِ الْمَجُوسِ: إِنَّ الْمَجُوسَ كَانُوا أُمَّةً لَهُمْ كِتَابٌ يَقْرَأُونَهُ، وَأَنَّ مَلِكًا لَهُمْ شَرِبَ حَتَّى سَكِرَ؛ فَأَخَذَ بِيَدِ أخْتِهِ فَأَخْرَجَهَا مِنَ الْقَرْيَةِ وَأَتْبَعَهُ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ فَوَقَعَ عَلَيْهَا وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ؛ فَلَمَّا أَفَاقَ مِنْ سُكْرِهِ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ إِنَّكَ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا وَفُلَان وَفُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ؛ فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ بِذَلِكَ؛ فَقَالَتْ: فَإنَّك مقتول وَلَا نجاة لكإلا أَنْ تُطِيعَنِي قَالَ: فَإِنِّي أُطِيعُكِ، قَالَتْ: فَاجْعَلْ هَذَا دِينًا وَقُلْ هَذَا دِينُ آدَمَ، وَقُلْ حَوَّاءُ مِنْ آدَمَ، وَادْعُ النَّاسَ إِلَيْهِ وَاعْرِضْهُمْ عَلَى السَّيْفِ فَمَنْ تَابَعَكَ فَدَعْهُ وَمَنْ أَبَى فَاقْتُلْهُ؛ فَفَعَلَ؛ فَلم يُتَابِعه أحد فقلتهم يَوْمَئِذٍ حَتَّى اللَّيْلِ؛ فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي أَرَى النَّاسَ قَدِ اجْتَرَءُوا عَلَى السَّيْفِ وَهُمْ عَلَى النَّارِ لُكْعٌ؛ فَأَوْقِدْ لَهُمْ نَارًا، ثُمَّ اعْرِضْهُمْ عَلَيْهَا؛ فَفَعَلَ فَهَابَ النَّاسُ النَّار فتابعوه. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَرَاجَ لأَجْلِ كِتَابِهِمْ وَحَرَّمَ مُنَاكَحَتَهُمْ وَذَبَائِحَهُمْ لِشِرْكِهِمْ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْبَصْرَةِ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ كِتَابًا يَقْرَؤُهُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ. أَمَّا بَعْدُ؛ فَاسْأَلِ الْحَسَنَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ: مَا مَنَعَ مَنْ قَبْلَنَا مِنَ الأَئِمَّةِ أَنْ يَحُولُوا بَيْنَ الْمَجُوسِ وَبَيْنَ مَا يَجْمَعُونَ مِنَ النِّسَاءِ   1 وَلَكِن لَا تحل نِسَاؤُهُم لنا وَلَا نَأْكُل ذَبَائِحهم كَمَا جاءفي حَدِيث آخر. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 143 اللاتِي لَمْ يَجْمَعْهُنَّ أَحَدٌ مِنْ أهل الْملَل غَيرهم؟ فَسَأَلَ عِنْدِي الْحَسَنَ؛ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبِلَ مِنْ مَجُوسِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ الْجِزْيَةَ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى مَجُوسِيَّتِهِمْ، وَعَامِلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ، ثُمَّ أَقَرَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ أَقَرَّهُمْ عُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَقَرَّهُمْ عُثْمَان بعد عمر. من هُوَ الْمُسلم: قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى "أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ؛ فَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَجُوسِ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَبَى فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى. سَلامُ اللَّهِ عَلَيْكَ؛ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَه غلا هُوَ. أَمَّا بَعْدُ؛ فَمَنِ اسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ مَا لنا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ مِنْ قِيمَةِ الْمعَافِرِي. وَالسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللَّهُ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ". قَالَ وَحَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ عَنِ الْحَسَن الْبَصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا؛ فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم". سُقُوط الْجِزْيَة عَمَّن أسلم من أَهلهَا: قَالَ: وَحَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ: جَاءَ كِتَابٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ "كَتَبْتَ إِلَيَ تَسْأَلُنِي عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ يُسْلِمُونَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَعَلَيْهِمُ جِزْيَةٌ عَظِيمَةٌ، وَتَسْتَأْذِنُنِي فِي أَخَذَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاعِيًا إِلَى الإِسْلامِ وَلَمْ يَبْعَثْهُ جَابِيًا؛ فَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أهل تِلْكَ الْملَل فَعَلَيهِ من مَالِهِ الصَّدَقَةَ وَلا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، وَمِيرَاثُهُ لِذَوِي رَحِمِهِ إِذَا كَانَ مِنْهُمْ يَتَوَارَثُونَ كَمَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ الإِسْلامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِث فميراثه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 144 فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي يُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَحْدَثَ مِنْ حَدَثٍ فَفِي مَالِ اللَّهِ الَّذِي يُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ يُعْقَلُ عَنهُ مِنْهُ. وَالسَّلَام". حكم العَبْد الذِّمِّيّ إِذا أعْتقهُ الْمُسلم: قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا؛ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَيْسَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ، ذمَّته ذمَّة مَوْلَاهُ. قَالَ أَبُو يُوسُف: فَسَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: عَلَيْهِ خَرَاجٌ، وَلا يُتْرَكُ ذِمِّيٌّ فِي دَارِ الإِسْلامِ بِغَيْرِ خراج رَأسه. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَحْسَنُ مَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا بَالُ الأَسْعَارِ غَالِيَةٌ فِي زَمَانِكَ، وَكَانَتْ فِي زَمَانِ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ رَخِيصَةٌ؟ قَالَ: إِنَّ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي كَانُوا يُكَلِّفُونَ أَهْلَ الذِّمَّةِ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ؛ فَلَمْ يَكُونُوا يَجِدُونَ بُدًّا مِنْ أَنْ يَبِيعُوا وَيَكْسَدَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا لَا أُكَلِّفُ أَحَدًا إِلا طَاقَتَهُ؛ فَبَاعَ الرَّجُلُ كَيْفَ شَاءَ قَالَ: فَقُلْتُ: لَوْ أَنَّكَ سَعَّرْتَ لَنَا قَالَ: لَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ؛ إِنَّمَا السّعر إِلَى الله1.   1 انْظُر كتاب "للتسعير فِي الْإِسْلَام" للأستاذ المستشار البشري الشوربجي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 145 فصل: فِي العشور وَحكم من يجبونها قَالَ أَبُو يُوسُف: أَمَّا الْعُشُورُ فَرَأَيْتُ أَنْ تُوَلِّيَهَا قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الصَّلاحِ وَالدِّينِ وَتَأْمُرَهُمْ أَنْ لَا يَتَعَدُّوا عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُعَامِلُونَهُمْ بِهِ فَلا يَظْلِمُوهُمْ وَلا يَأْخُذُوا مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ يَمْتَثِلُوا مَا رَسَمْنَاهُ لَهُمْ، ثُمَّ تَتَفَقَّدَ بَعْدُ أَمْرَهُمْ وَمَا يُعَامِلُونَ بِهِ مَنْ يَمُرَّ بِهِمْ، وَهَلْ يُجَاوِزُونَ مَا قَدْ أُمِرُوا بِهِ؟ فَإِنْ كَانُوا قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ عَزَلْتَ وَعَاقَبْتَ، وَأَخَذْتَهُمْ بِمَا يَصِحُّ عِنْدَكَ عَلَيْهِمْ لِمَظْلُومٍ أَوْ مَأْخُوذٍ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا قَدِ انْتَهَوْا إِلَى مَا أُمِرُوا بِهِ، وَتَجَنَّبُوا ظُلْمَ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهَدِ أَثَبْتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الأَمْرَ وَأَحْسَنْتَ إِلَيْهِمْ؛ فَإِنَّكَ مَتَى أَثَبْتَ عَلَى حُسْنِ السِّيرَةِ وَالأَمَانَةِ وَعَاقَبْتَ عَلَى الظُّلْمِ وَالتَّعَدِّي لِمَا تَأْمُرُ فِي الرَّعِيَّةِ يَزِيدُ الْمُحْسِنُ فِي إِحْسَانِهِ وَنُصْحِهِ، وَارْتَدَعَ الظَّالِمُ عَنْ معاودة الظُّلم والتعدي. مَا يُؤْخَذ من الْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَالْحَرْبِيّ من العشور: وَأَمَرْتَهُمْ أَنْ يُضِيفُوا الأَمْوَالَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رُبُعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ مِنْ كُلِّ مَا مُرَّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ، وَكَانَ لِلتِّجَارَةِ وَبَلَغَ قِيمَةَ ذَلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَكَذَلِكَ إِذَا بَلَغَتِ الْقِيمَةُ عِشْرِينَ مِثْقَالا أُخِذَ مِنْهَا الْعُشْرُ؛ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ ذَلِك أقل لم يُؤْخَذ مِنْهُ شَيْءٌ. وَإِذَا اخْتُلِفَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مَرَّاتٍ كُلُّ مَرَّةٍ لَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ. وَإِنْ أَضَافَ بَعْضَ الْمَرَّاتِ إِلَى بَعْضٍ وَكَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ تَبْلُغُ أَلْفًا فَلا شَيْءَ فِيهِ، وَلا يُضَافُ بَعْضُ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ، وَإِذَا مُرَّ عَلَيْهِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ مَضْرُوبَةٍ أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالا تبرا أَو مِائَتي دِرْهَم فضَّة أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالا مَضْرُوبَةً أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ رُبُعَ الْعُشْرِ مِنَ الْمُسْلِمِ وَنِصْفَ الْعُشْرِ مِنَ الذِّمِّيِّ وَالْعُشْرَ مِنَ الْحَرْبِيِّ، ثُمَّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنَ الْحَوْلِ. وَإِنْ مُرَّ بِهَا غَيْرَ مَرَّةٍ. وَكَذَا إِذَا مُرَّ بِمَتَاعٍ قَدِ اشْتَرَاهُ للتِّجَارَة؛ فَإِن كَانَ الْمَتَاعُ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالا أُخِذَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسَاوِي وَكَانَتْ قِيمَتُهُ تَنْقُصُ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 146 حكم خَاص للحربي: فَأَمَّا الْحَرْبِيُّ خَاصَّةٌ فَإِذَا أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ وَعَادَ وَدَخَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ شَهْرٍ مُنْذُ أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ فَمر على الْعَاشِر؛ فَإِنَّهُ يَأْخُذ مِنْهُ إِذَا كَانَ مَا مَعَهُ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ؛ حَيْثُ عَادَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ سَقَطت عِنْد أَحْكَامُ الإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ إِنَّمَا السُّنَّةُ فِي الْمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ مِثْقَالا، فَعَلَى الْمُسْلِمِ فِي الْمِائَتَيْنِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الذِّمِّيِّ فِي الْمِائَتَيْنِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الْحَرْبِيِّ فِي الْمِائَتَيْنِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَعَلَى هَذَا الْحِسَابُ الَّذِي وَصَفْتُ لَكَ يُؤْخَذُ فِي الذَّهَبِ إِذَا وَجَبَ: عَلَى الْمُسْلِمِ نِصْفُ مِثْقَالٍ وَعَلَى الذِّمِّيِّ مِثْقَالٌ، وَعَلَى الْحَرْبِيِّ مِثْقَالانِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَمَرُّوا بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ؛ فَلَيْسَ يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا مَرَّ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَى الْعَاشِرِ بِخَمْرٍ أَوْ خَنَازِيرَ قُوِّمَ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْحَرْبِ إِذَا مَرُّوا بِالْخَنَازِيرِ وَالْخُمُورِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُقَوَّمُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْعشْر. وَإِذا من الْمُسْلِمُ عَلَى الْعَاشِرِ بِغَنَمٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ إِبِلٍ؛ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ سَائِمَةٌ1 أُحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِذَا حَلَفَ كُفَّ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ طَعَامٍ يُمَرُّ بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ هُوَ مِنْ زَرْعِي، وَكَذَلِكَ التَّمْرُ يُمَرُّ بِهِ؛ فَيَقُولُ هُوَ مِنْ تَمْرِ نَخْلِي؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ عُشْرٌ؛ إِنَّمَا الْعُشْرُ فِي الَّذِي اشْتُرِيَ لِلتِّجَارَةِ. وَكَذَلِكَ الذِّمِّيُّ؛ فَأَمَّا الْحَرْبِيُّ فَلا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ. قَالَ: وَيُعَشَّرُ الذِّمِّيُّ التَّغْلِبِيُّ، وَالذِّمِّيُّ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَسَائِرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَخْذَ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْهُمْ. وَالْمَجُوسُ وَالْمُشْرِكُونَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ: وَإِذَا مَرَّ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ أَوْ بِمَتَاعٍ، وَقَالَ: قَدْ أَدَّيْتُ زَكَاتَهُ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ وَيُكَفُّ عَنْهُ، وَلا يُقْبَلُ فِي هَذَا مِنَ الذِّمِّيِّ وَلا مِنَ الْحَرْبِيِّ لأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمَا يَقُولانِ قَدْ أَدَّيْنَاهَا، وَمن مر بِمَال فَادَّعَى أَنَّهُ مُضَارَبَةٌ أَوْ بِضَاعَةٌ لَمْ يُعْشَرْ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَمُرُّ بِمَالِ سَيِّدِهِ وَبِمَالِ نَفْسِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عُشْرٌ حَتَّى يَحْضُرَ مَوْلاهُ2، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَيْسَ عَلَى مَالِهِ عُشْرٌ. وَإِذَا مَرَّ عَلَيْهِ التَّاجِرُ بِالْعِنَبِ أَوْ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ3 قَدِ اشْتَرَاهَا للتِّجَارَة وَهِي   1 السَّائِمَة الَّتِي تَأْكُل من الأَرْض بِلَا كلفة وَغير السَّائِمَة الَّتِي يعلفها رَبهَا من مَاله. 2 إِذْ مَاله أَيْضا لسَيِّده. 3 وَهِي الَّتِي يسْرع إِلَيْهَا الْفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 147 تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا أُخِذَ مِنْهُ رُبُعَ الْعُشْرِ إِنْ كَانَ مُسلما، وَإِن كَانَ ذِمِّيًّا فَنِصْفُ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا فَالْعُشْرُ، وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مِرَارًا، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَلَوْ أَضَافَ بَعْضَ الْمَرَّاتِ إِلَى بَعْضٍ؛ فَكَانَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ إِذَا جُمِعَ تَبْلُغُ أَلْفًا؛ فَلا زَكَاةَ فِيهِ أَيْضًا، وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ بَعْضَ الْمِرَارِ إِلَى بَعْضٍ. حكم مَا أَخذ من العشور وَمَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ: قَالَ أَبُو يُوسُف: فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَضَعَ العشور؛ فَلَا بَأْس بأخذها؛ إِذْ لَمْ يُتَعَدَّ فِيهَا عَلَى النَّاسِ، وَيُؤْخَذُ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ. وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعُشُورِ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الصَّدَقَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَمِيعًا وَأَهْلُ الْحَرْبِ سَبِيلُ الْخَرَاجِ، وَكَذَلِكَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَمِيعًا مِنْ جِزْيَةِ رُءُوسِهِمْ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ مَوَاشِي بَنِي تَغْلِبَ؛ فَإِنَّ سَبِيلَ ذَلِكَ كُلَّهُ سَبِيلُ الْخَرَاجِ، يُقَسَّمُ فِيمَا يُقَسَّمُ فِيهِ الْخَرَاجُ، وَلَيْسَ هُوَ كَالصَّدَقَةِ، قَدْ حَكَمَ اللَّهُ فِي الصَّدَقَةِ حُكْمًا قَدْ قَسَّمَهَا عَلَيْهِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ، وَحَكَمَ فِي الْخُمُسِ حُكْمًا فَهُوَ عَلَى ذَلِكَ؛ فَتِلْكَ الْوُجُوهُ الَّتِي عَلَيْهَا الصَّدَقَاتِ فِي الْمَوَاشِي وَالأَمْوَالِ. وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عندنَا وَالله أعلم. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُ، قَالَ: سَمِعْتُ زِيَادَ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: أَوَّلُ مَنْ بَعَثَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْعُشُورِ أَنَا، قَالَ فَأَمَرَنِي أَنْ لَا أُفَتِّشَ أَحَدًا، وَمَا مَرَّ عَلَيَّ مِنْ شَيْءٍ أَخَذْتُ مِنْ حِسَابِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ وَاحِدًا وَمِمَّنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ الْعُشْرَ، قَالَ وَأَمَرَنِي أَنْ أُغَلِّظَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ؛ فَلَعَلَّهُمْ يُسْلِمُونَ. قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ قَدِ اشْتَرَطَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ أَنْ لَا يُنَصِّرُوا أَبْنَاءَهُمْ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِين أَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الْعُشُورِ وَكَتَبَ لِي عَهْدًا أَنْ آخُذَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ لِتِجَارَاتِهِمْ رُبُعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ. مُعَاملَة أهل الْحَرْب بِالْمثلِ: قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَتَبَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِلَى عمر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 148 ابْن الْخَطَّابِ "أَنَّ تُجَّارًا مِنْ قِبَلِنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَأْتُونَ أَرْضَ الْحَرْبِ فَيَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الْعُشْرَ"، قَالَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: "خُذْ أَنْتَ مِنْهُمْ كَمَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ، وَخُذْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ شَيْءٌ؛ فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم، ومازاد فَبِحِسَابِهِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب أَن مَنْبِج -قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ- وَرَاءَ الْبَحْرِ كَتَبُوا إِلَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: "دَعْنَا نَدْخُلُ أَرْضَكَ تُجَّارًا وتعشرنا"، قَالَ: فشار عُمَرُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ؛ فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِهِ، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ عُشِرَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا السَّرِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ الأَسَدِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعَثَهُ عَلَى عُشُورِ الْعِرَاقِ وَالشَّام وَأمره أَن يَأْخُذهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رُبُعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ. فَمَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَمَعَهُ فَرَسٌ فَقَوَّمُوهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا؛ فَقَالَ: أَعْطِنِي الْفَرَسَ وَخُذْ مِنِّي تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا، أَوْ أَمْسِكِ الْفَرَسَ وَأَعْطِنِي أَلْفًا، قَالَ: فَأَعْطَاهُ أَلْفًا وَأَمْسَكَ الْفَرَسَ. قَالَ: ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهِ رَاجِعًا فِي سَنَتِهِ فَقَالَ لَهُ: أَعْطِنِي أَلْفًا أُخْرَى؛ فَقَالَ لَهُ التَّغْلِبِيُّ: كُلَّمَا مَرَرْتُ بِكَ تَأْخُذْ مِنِّي أَلْفًا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَرَجَعَ التَّغْلِبِيُّ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَافَاهُ بِمَكَّةَ وَهُوَ فِي بَيْتٍ؛ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَقَصَّ عَلَيْهِ قِصَّتَهُ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كُفِيتَ، وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِك. انتشار الْإِسْلَام بِعدْل أَهله وأخلاقهم: قَالَ: فَرَجَعَ التَّغْلِبِيُّ إِلَى زِيَادٍ بْنِ حُدَيْرٍ، وَقَدْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا أُخْرَى؛ فَوَجَدَ كِتَابَ عُمَرَ قَدْ سَبَقَ إِلَيْهِ: مَنْ مَرَّ عَلَيْكَ فَأَخَذْتَ مِنْهُ صَدَقَةً فَلا تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ قَابِلَ؛ إِلا أَنْ تَجِدَ فَضْلا. قَالَ فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدْ وَاللَّهِ كَانَتْ نَفْسِي طَيِّبَةً أَنْ أُعْطِيَكَ أَلْفًا، وَإِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ أَنِّي بَرِيء مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ وَإِنِّي عَلَى دِينِ الرَّجُلِ الَّذِي كَتَبَ إِلَيْكَ هَذَا الْكِتَابَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيُّ عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ أَنَّهُ مَدَّ حَبْلا عَلَى الْفُرَاتِ فَمَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ فَأَخَذَ مِنْهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَبَاعَ سِلْعَتَهُ؛ فَلَمَّا رَجَعَ مَرَّ عَلَيْهِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ فَقَالَ: كُلَّمَا مَرَرْتُ عَلَيْكَ تَأْخُذْ مِنِّي؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ فَرَحَلَ الرَّجُلُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَوَجَدَهُ بِمَكَّةَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: "أَلا إِنَّ اللَّهَ جعل الجزء: 1 ¦ الصفحة: 149 الْبَيْتَ مَثَابَةً1 يَعْنِي لَا يَأْخُذَنَّ مِنْ حَرَمِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلا شَيْئًا يُظْلَمَ بِهِ أَحَدًا أَوْ يَحْمِلْ شَيْئًا مِنَ الْحَرَمِ يَرُدُّهُ إِلَى بَيْتِهِ فِي الْحِلِّ فَلا أَعْرِفَنَّ مَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ مَثَابَةِ اللَّهِ إِلَى بَيْتِهِ شَيْئًا". قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ مَرَرْتُ عَلَى زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ فَأَخَذَ مِنِّي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ فَبِعْتُ سِلْعَتِي، ثمَّ أَرَادَ أَن يَأْخُذ من قَالَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لَيْسَ لَهُ عَلَيْكَ فِي مَالِكَ فِي السَّنَةِ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِيَّ، وَمَكَثْتُ أَيَّامًا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ الَّذِي كَلَّمْتُكَ فِي زِيَادٍ. فَقَالَ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفِيُّ قَدْ قَضَيْتُ حَاجَتَكَ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ رُزَيْق بْنِ حَيَّانَ وَكَانَ عَلَى مَكْسِ مِصْرَ فَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ انْظُرْ مَنْ مَرَّ عَلَيْكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْعَيْنَ2 وَمِمَّا ظَهَرَ مِنَ التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا، وَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا؛ فَإِنْ نَقَصَتْ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ فَدَعْهَا وَلا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِذَا مَرَّ عَلَيْكَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فَخُذْ مِمَّا يُدَبِّرُونَ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا فَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، ثُمَّ دَعْهَا فَلا تَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا وَاكْتُبْ لَهُمْ كِتَابًا بِمَا تَأْخُذْ مِنْهُمْ إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْحَوْلِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدَّتِهِ قَالَتْ: مَرَرْتُ عَلَى مَسْرُوقٍ بِالسِّلْسِلَةِ وَهِيَ مُكَاتِبَةٌ بِتِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ؛ فَقَالَ لَهَا مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: مُكَاتِبَةٌ -وَكَانَتْ أَعْجَمِيَّةٌ وَكَلَّمَهَا التجرمان- فَقَالَتْ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: مُكَاتِبَةٌ؛ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَى مَالِ مَمْلُوكٍ زَكَاةٌ؛ فَخَلَّى سَبِيلَهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا مَرَّ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالْخَمْرِ لِلتِّجَارَةِ أُخِذَ مِنْ قِيمَتِهَا نِصْفُ الْعُشْرِ وَلا يُقْبَلُ قَوْلُ الذِّمِّيِّ فِي قِيمَتِهَا؛ حَتَّى يُؤْتَى بِرَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يُقَوِّمَانِهَا عَلَيْهِ فَيَأْخُذُ نِصْفَ الْعُشْرِ مِنَ الثَّمَنِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا قيس بن الرّبيع عَن فَزَارَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَآصِرُ3 وَالْقَنَاطِرُ سُحْتٌ لَا يَحِلُّ أَخْذُهَا. وَبَعَثَ عُمَّالا إِلَى الْيَمَنِ وَنَهَاهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا   1 أَي مَحل آمن يرجعُونَ إِلَيْهِ. 2 الذَّهَب وَالْفِضَّة. 3 هِيَ الحواجز فِي طَرِيق العابرين لمنع الْمُرُور إِلَّا إِذا أَخذ مِنْهُم مَال بِغَيْر حق. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 150 مِنْ مَأْصَرَةٍ أَوْ قَنْطَرَةٍ أَوْ طَرِيقٍ شَيْئًا؛ فَقَدِمُوا فَاسْتَقَلَّ الْمَالَ؛ فَقَالُوا: نَهَيْتَنَا؛ فَقَالَ: خُذُوا كَمَا كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: أَرَادُوا أَنْ يَسْتَعْمِلُونِي عَلَى عُشُورِ الأُبُلَّةَ1 فَأَبَيْتُ، فَلَقِيَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: مَا يمنعك؟ فَقلت: العشور أخبت مَا عَمِلَ عَلَيْهِ النَّاسُ، قَالَ فَقَالَ لِي لَا تَفْعَلْ، عُمَرُ صَنَعَهُ؛ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الإِسْلامِ رُبُعَ الْعُشْرِ وَعَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ ذمَّة الْعشْر.   1 مَدِينَة قرب الْبَصْرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 151 فَصْلٌ: فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَالصُّلْبَانِ لَا تهدم بيعَة يَهُودِيّ وَلَا كَنِيسَة نَصْرَانِيّ: وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَكَيْفَ تُرِكَتْ لَهُمُ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ فِي الْمُدُنِ وَالأَمْصَارِ حِينَ افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ الْبُلْدَانَ وَلَمْ تُهْدَمَ، وَكَيْفَ تُرِكُوا يَخْرُجُونَ بِالصُّلْبَانِ فِي أَيَّامِ عِيدِهِمْ؛ فَإِنَّمَا كَانَ الصُّلْحُ جَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَدَاءِ الْجِزْيَةِ وَفُتِحَتِ الْمُدُنِ عَلَى أَنْ لَا تُهْدَمَ بِيَعُهُمْ وَلا كَنَائِسُهُمْ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَلا خَارِجَهَا، وَعَلَى أَنْ يَحْقِنُوا لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، وَعَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَيَذُبُّوا عَنْهُمْ فأدوا الْجِزْيَة إِلَيْهِ على هَذِه الشَّرْطِ، وَجَرَى الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ عَلَيْهِ وَكَتَبُوا بَيْنَهُمُ الْكِتَابَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ عَلَى أَنْ لَا يُحْدِثُوا بِنَاءَ بَيْعَةٍ وَلا كَنِيسَةٍ، فَافْتُتِحَتِ الشَّامُ كُلُّهَا وَالْحِيرَةُ إِلا أَقَلَّهَا عَلَى هَذَا؛ فَلِذَلِكَ تُرِكَتِ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِس وَلم تهدم. مَا فعله أَبُو عُبَيْدَة فِي فتح الشَّام: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ صَالَحَهُمْ بِالشَّامِ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ حِينَ دَخَلَهَا عَلَى أَنْ تتْرك كنائسهم وبيعهم إِلَى أَنْ لَا يُحْدِثُوا بِنَاءَ بَيْعَةٍ وَلا كَنِيسَةٍ، وَعَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ إِرْشَادَ الضَّالِّ وَبِنَاءَ الْقَنَاطِرِ عَلَى الأَنْهَارِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَأَنْ يُضِيفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى أَنْ لَا يَشْتِمُوا مُسْلِمًا وَلا يَضْرِبُوهُ، وَلا يرفعوا ي نَادِي أَهْلِ الإِسْلامِ صَلِيبًا وَلا يُخْرِجُوا خِنْزِيرًا مِنْ مَنَازِلِهِمْ إِلَى أَفْنِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يُوقِدُوا النِّيرَانَ لِلْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا يُدِلُّوا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى عَوْرَةٍ، وَلا يَضْرِبُوا نَوَاقِيسَهُمْ قَبْلَ أَذَانِ الْمُسْلِمِينَ وَلا فِي أَوْقَاتِ أَذَانِهِمْ وَلا يُخْرِجُوا الرَّايَاتِ فِي أَيَّامِ عِيدِهِمْ، وَلا يَلْبَسُوا السِّلاحَ1 يَوْمَ عِيدِهِمْ وَلا يَتَّخِذُوهُ فِي بُيُوتِهِمْ؛ فَإِنْ فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا عُوقِبُوا وَأُخِذَ مِنْهُمْ؛ فَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَقَالُوا لأَبِي عُبَيْدَةَ: اجْعَل لنا يَوْم افِي السّنة نخرج فِيهِ صلباتنا بِلا رَايَاتٍ، وَهُوَ يَوْمُ عِيدِنَا الأَكْبَرِ؛ فَفُعِلَ ذَلِكَ لَهُمْ وَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ فَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنْ أَنْ يَفُوا لَهُمْ بِمَا شَرَطُوا ففتحت المدن على هَذَا. يرد الْمُسلمُونَ على أهل الذِّمَّة مَا أَخَذُوهُ إِذا لم يستطيعوا الدفاع عَنْهُم: فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الذِّمَّةِ وَفَاءَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ وَحُسْنَ السِّيرَةِ فِيهِمْ صَارُوا أشداء على عَدو   1 إِذْ الْمُسلمُونَ ملزمون بالدفاع عَنْهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 152 الْمُسْلِمِينَ وَعَوْنًا لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ؛ فَبَعَثَ أَهْلُ كُلِّ مَدِينَةٍ مِمَّنْ جَرَى الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ رِجَالا مِنْ قِبَلِهِمْ يَتَجَسَّسُونَ الأَخْبَارَ عَنِ الرُّومِ وَعَنْ مُلْكِهِمْ وَمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَصْنَعُوا؛ فَأَتَى أَهْلُ كُلِّ مَدِينَةٍ. رُسُلُهُمْ يُخْبِرُونَهُمْ بِأَنَّ الرّوم قد جمعُوا جَمِيعًا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ. فَأَتَى رُؤَسَاءُ أَهْلِ كُلِّ مَدِينَةٍ إِلَى الأَمِيرِ الَّذِي خَلَّفَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ عَلَيْهِمْ فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ؛ فَكَتَبَ وَالِي كُلِّ مَدِينَةٍ مِمَّنْ خَلَّفَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ، وَتَتَابَعَتِ الأَخْبَارُ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ؛ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى كُلِّ وَالٍ مِمَّنْ خَلَّفَهُ فِي الْمُدُنِ الَّتِي صَالَحَ أَهْلَهَا يَأْمُرُهُمْ أَنْ يردوا عَلَيْهِم مَا جبي مِنْهُمْ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا لَهُمْ: إِنَّمَا رَدَدْنَا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ؛ لأَنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا مَا جُمِعَ لَنَا مِنَ الجموع، وَأَنَّكُمُ اشْتَرَطْتُمْ عَلَيْنَا أَنْ نَمْنَعَكُمْ، وَإِنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ رَدَدْنَا عَلَيْكُمْ مَا أَخَذْنَا مِنْكُمْ وَنَحْنُ لَكُمْ عَلَى الشَّرْطِ وَمَا كَتَبْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ نَصَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ؛ فَلَمَّا قَالُوا ذَلِكَ لَهُمْ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمُ الأَمْوَالَ الَّتِي جَبَوْهَا مِنْهُمْ، قَالُوا: رَدَّكُمُ اللَّهُ عَلَيْنَا وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ. فَلَوْ كَانُوا هُمْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْنَا شَيْئًا وَأَخَذُوا كُلَّ شَيْءٍ بَقِيَ لنا حَتَّى لَا يدعوا لنا شَيْئا؛ وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُجِيبُهُمْ إِلَى الصُّلْحِ عَلَى هَذِهِ الشَّرَائِطِ وَيُعْطِيهِمْ مَا سَأَلُوا يُرِيدُ بِذَلِكَ تَأَلُّفَهُمْ، وَلْيَسْمَعْ بِهِمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمُدُنِ الَّتِي لَمْ يَطْلُبْ أَهْلُهَا الصُّلْحَ فَيُسَارِعُوا إِلَى طَلَبِ الصُّلْحِ. وَمَا كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَخَذَهُ مِنَ الْقُرَى الَّتِي حَوْلَ الْمُدُنِ مِنَ الأَمْوَالِ وَالسَّبْيِ وَالْمَتَاعِ؛ فَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ وَقَسَّمَ الأَرْبَعَةَ الأَخْمَاسِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. وَالْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا وَقُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ نَصَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَمَنَحَ أَكْتَافَهُمْ وَهَزَمَهُمْ وَقَتَلَهُمْ الْمُسْلِمُونَ قَتْلا لَمْ يَرَ الْمُشْرِكُونَ مِثْلَهُ. فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْمُدُنِ الَّتِي لَمْ يُصَالِحْ عَلَيْهَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَا لَقِيَ أَصْحَابُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْقَتْلِ بَعَثُوا إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ يَطْلُبُونَ الصُّلْحَ فَأَعْطَاهُمُ الصُّلْحَ عَلَى مِثْلِ مَا أَعْطَى الأَوَّلِينَ إِلا أَنَّهُمُ اشْتَرَطُوا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الرُّومِ الَّذِينَ جَاءُوا لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وصاروا عِنْدهم؛ فَإِنَّهُم آمنُوا يَخْرُجُونَ بِمَتَاعِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِهِمْ إِلَى الرُّومِ وَلا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَأَدَّوْا إِلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَفَتَحُوا لَهُ أَبْوَابَ الْمُدُنِ، وَأَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَاجِعًا؛ فَكُلَّمَا مَرَّ بِمَدِينَةٍ مِمَّا لَمْ يَكُنْ صَالَحَهُ أَهْلُهَا بَعَثَ رُؤَسَاؤُهَا يَطْلُبُونَ الصُّلْحَ؛ فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ وَأَعْطَاهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَى الأَوَّلِينَ، وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كتاب الصُّلْح الجزء: 1 ¦ الصفحة: 153 وَكلما مر على مَدِينَة مِمَّا كَانَ صَالَحَ أَهْلَهَا، وَكَانَ وَالِيهِ فِيهَا قَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ أَخَذَ مِنْهُمْ تَلَقَّوْهُ بِالأَمْوَالِ الَّتِي كَانَ رَدَّهَا عَلَيْهِمْ مِمَّا كَانُوا صُولِحُوا عَلَيْهِ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ، وتلقوه بأسواق وَالْبِيَاعَاتِ فَتَرَكَهُمْ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ، لَمْ يُغَيِّرْهُ وَلَمْ يَنْقُصْهُ. وَكَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَزِيمَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَبِمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَمَا أَعْطَى أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنَ الصُّلْحِ وَمَا سَأَلَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَنْ يُقَسِّمَ بَيْنَهُمُ الْمُدُنَ وَأَهْلَهَا وَالأَرْضَ وَمَا فِيهَا مِنْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ، وَأَنَّهُ أَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى كَتَبَ إِلَيْهِ فِيهِ لِيَكْتُبَ إِلَيْهِ بِرَأْيِهِ فِيهِ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنِّي نَظَرْتُ فِيمَا ذَكَرْتَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَالصُّلْحِ الَّذِي صَالَحْتَ عَلَيْهِ أَهْلَ الْمُدُنِ وَالأَمْصَارِ وَشَاوَرْتُ فِيهِ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَكُلّ قَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِهِ، وَإِنَّ رَأْيِي تَبَعٌ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الْحَشْر: 6- 8] هم الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ {وَالَّذين تبوأوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْحَشْر: 9] ؛ فَإِنَّهُمُ الأَنْصَارُ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} [الْحَشْر: 10] وَلَدُ آدَمَ الأَحْمَرُ وَالأَسْوَدُ؛ فَقَدْ أَشْرَكَ اللَّهُ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ فِي هَذَا الْفَيْءِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَأَقِرَّ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ فِي أَيْدِي أَهْلِهِ وَاجْعَلِ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ تُقَسِّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُونَ عُمَّارَ الأَرْضِ فَهُمْ أَعْلَمُ بِهَا وَأَقْوَى عَلَيْهَا، وَلا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهِمْ وَلا لِلْمُسْلِمِينَ مَعَكَ أَنْ تَجْعَلَهُمْ فَيْئًا وَتُقَسِّمَهُمْ لِلصُّلْحِ الَّذِي جَرَى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ وَلأَخْذِكَ الْجِزْيَةَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة: 29] ؛ فَإِذَا أَخَذْتَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ فَلا شَيْءَ لَكَ عَلَيْهِمْ وَلا سَبِيلَ. أَرَأَيْتَ لَوْ أَخَذَنَا أَهْلَهَا فاقتسمناهم مَا كَانَ لِمَنْ يَأْتِي مِنْ بَعْدِنَا مِنَ الْمُسلمين وَالله مَا كَانُوا الجزء: 1 ¦ الصفحة: 154 يَجِدُونَ إِنْسَانًا يُكَلِّمُونَهُ وَلا يَنْتَفِعُونَ بِشَيْء مِنْ ذَاتِ يَدِهِ، وَأَنَّ هَؤُلاءِ يَأْكُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ مَا دَامُوا أَحْيَاءً؛ فَإِذا هلكنا وهلكوا أكل أنباؤنا أَبْنَاءَهُمْ أَبَدًا مَا بَقُوا فَهُمْ عَبِيدٌ لأَهْلِ دِينِ الإِسْلامِ مَا دَامَ دِينُ الإِسْلامِ ظَاهِرًا؛ فَاضْرِبْ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ وَكُفَّ عَنْهُمُ السَّبْيَ وَامْنَعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ظُلْمِهِمْ وَالإِضْرَارِ بِهِمْ وَأَكْلِ أَمْوَالِهِمْ إِلا بِحِلِّهَا ووفى لَهُمْ بِشَرْطِهِمُ الَّذِي شَرَطْتَ لَهُمْ فِي جَمِيعِ مَا أَعْطَيْتَهُمْ. وَأَمَّا إِخْرَاجُ الصِّلْبَانِ فِي أَيَّامِ عِيدِهِمْ؛ فَلا تَمْنَعْهُمْ مِنْ ذَلِكَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ بِلا رَايَاتٍ وَلا بُنُودٍ عَلَى مَا طَلَبُوا مِنْكَ يَوْمًا من السَّنَةِ؛ فَأَمَّا دَاخِلَ الْبَلَدِ بَيْنَ الْمُسلمين ومساجدهم فَلَا تظر الصِّلْبَانَ؛ فَأَذِنَ لَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ وَهُوَ يَوْمُ عِيدِهِمُ الَّذِي فِي صَوْمِهِمْ، فَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَمْ يَكُونُوا يُخْرِجُونَ صِلْبَانَهُمْ. فَمَا كَانَ مِنَ الصُّلْحِ الَّذِي صَالَحُوا علَيْهِ أَهْلُهُ فَإِنَّ بِيَعُهُمْ وَكَنَائِسُهُمْ تُرِكَتْ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ تُهْدَمَ وَلَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ فِيهَا فَهَذَا مَا كَانَ بِالشَّامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأهل الذِّمَّة. ذهَاب خَالِد لقِتَال أهل الْعرَاق: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنْ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْفُتُوحِ وَالسِّيَرِ، بَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى بَعْضٍ، قَالُوا: لَمَّا قَدِمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنَ الْيَمَامَةِ دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَخَرَجَ فَأَقَامَ أَيَّامًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ، تَهَيَّأْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَى الْعِرَاقِ؛ فَوَجَّهَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى الْعِرَاقِ، فَخَرَجَ فِي أَلْفَيْنِ، وَمَعَهُ مِنَ الأَتْبَاعِ مِثْلُهُمْ؛ فَمَرَّ بِفَائِدٍ1 فَخرج مَعَه خَمْسمِائَة من طَيء وَمَعَهُمْ مِثْلُهُمْ فَانْتَهَي إِلَى شَرَافَ2، وَمَعَهُ خَمْسَةُ آلافٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ فَتَعَجَّبَ أَهْلُ شَرَافٍ مِنْ خَالِدٍ وَمَنْ مَعَهُ وَوُغُولِهِمْ فِي أَرْضِ الْعَجَمِ فَانْتَهَوْا إِلَى الْمُغِيثَةِ2؛ فَإِذَا طَلائِعُ خَيْلِ الْعَجَمِ فَنَظَرُوا إِلَيْهِمْ وَرَجَعُوا، فَانْتَهَوْا إِلَى حِصْنِهِمْ وَدَخَلُوهُ، فَأَقْبَلَ خَالِدٌ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى الْحِصْنِ فَحَاصَرَهُمْ وَفَتَحَ الْحِصْنَ وَقَتَلَ مَنْ فِيهِ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَسَبَى النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ، وَأَخَذَ جَمِيعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ السِّلاحِ وَالْمَتَاعِ وَالدَّوَابِ وَهَدَمَ الْحِصْنَ. ثُمَّ مَضَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْعَذِيبِ4 وَفِيهِ حِصْنٌ فِيهِ مَسْلَحَةٌ لِكِسْرَى فَوَاقَعَهُمْ خَالِدٌ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ مِنْ مَتَاعٍ وَسِلاحٍ وَدَوَابٍّ وَهَدَمَ الْحِصْنَ وَضرب أَعْنَاق   1 جبل قرب مَكَّة. 2 على ثَمَانِيَة أَمْيَال من الأحساء. 3 بَين الْقَادِسِيَّة والعذيب. 4 مَاء قرب الْقَادِسِيَّة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 155 الرِّجَالِ وَسَبَى النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ وَعَزَلَ الْخُمُسَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَسَّمَ أَرْبَعَةَ الأَخْمَاسِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ افْتَتَحُوهُ؛ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْقَادِسِيَّةِ طَلَبُوا الصُّلْحَ وَأَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ، فَمَضَى خَالِدٌ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ حَتَّى نَزَلَ النَّجَفَ وَبِهِ حِصْنٌ حَصِينٌ لِكِسْرَى فِيهِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مُقَاتِلَةٌ؛ فَحَاصَرَهُمْ وَافْتَتَحَ الْحسن وَاسْتَنْزَلَهُمْ وَرَئِيسُهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ فَارس يُقَال لَهُ هزال مرد فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَاتَّكَأَ عَلَى جِيفَتِهِ وَدَعَا بِطَعَامِهِ وَالآخَرُونَ مَقْرنُونَ فِي السَّوَاجِيرِ1؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ "امْرَادُو" فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَهُمْ وَأَخَذَ مَا فِي الْحِصْنِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَالدَّوَابِّ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْحُصُونِ الَّتِي افْتَتَحَ أَحْصَنَ مِنْهُ وَلا أَكْثَرَ مُقَاتِلَةً وَلا سِلاحًا وَلا مَتَاعًا وَلا رِجَالا أَشَدَّ مِنْ رِجَالٍ كَانُوا فِي حِصْنِ النَّجَفِ فَأَخْرَبَ الْحِصْنَ وَأَحْرَقَهُ، ثُمَّ بَعَثَ طَلِيعَةً لَهُ إِلَى أَهْلِ أُلَّيْسَ، وَفِيهَا حِصْنٌ فِيهِ رِجَالُ مَسْلَحَةٍ لِكِسْرَى؛ فَحَاصَرَهُمْ وَفَتَحَ الْحِصْنَ وَأَخْرَجَ مَنْ فِيهِ مِنَ الرِّجَالِ وَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيهِمْ وَأَخَذَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَهَدَمَ الْحِصْنَ وَأَحْرَقَهُ. فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ أُلَّيْسَ ذَلِكَ وَمَا صَنَعَ خَالِدٌ بِأَهْلِ الْحِصْنِ طَلَبُوا مِنْهُ الصُّلْحَ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ؛ فَأَعْطَاهُمْ فَأَدَّوْا إِلَيْهِ الْجِزْيَةَ، ثُمَّ مَضَى إِلَى الْحِيرَةِ فتحصن مِنْهَا أَهْلُهَا فِي قُصُورِهَا الثَّلاثَةِ: قَصْرِ الأَبْيَضَ، وَقَصْرِ الْعُدَيْسِ، وَقَصْرِ ابْنِ بقيلة؛ فأجال أَصْحَاب خَالِد الْخَيل فِي ذَلِك الظُّهْرِ وَتَعَرَّضُوا لَهُمْ لأَنْ يُقَاتِلَهُمْ أَحَدٌ أَوْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يرو أَحَدًا يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَلا يُرِيدُ قِتَالَهُمْ؛ فَأَشْرَفَ وَلَدَانِ مِنْ فَوْقِ الْقَصْرِ، فَأَرْسَلَ خَالِدٌ رَجُلا مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ إِلَى الْقَصْرِ الأَبْيَضِ فَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ لِمَنْ كَانَ قَدْ أَشْرَفَ: يَخْرُجْ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ أُكَلِّمُهُ. فَاطَّلَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ وَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَرْجِعَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَنَزَلَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ إِيَاس بن قبيصَة الطَّائِيُّ وَكَانَ وَالِي الْحِيرَةِ مِنْ قِبَلِ كِسْرَى وَلاهُ بَعْدَ النُّعْمَانِ بن الْمُنْذر؛ فَأتوا خَالِدا فَقَالَ لَهُمْ: أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الإِسْلامِ؛ فَإِنْ أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ فَلَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِم، وَإِن أبيتهم فأطعوا الْجِزْيَةَ؛ فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِقَوْمٍ هُمْ أَحْرَصُ عَلَى الْمَوْتِ مِنْكُمْ عَلَى الْحَيَاةِ. قَالَ: وَفِي يَدِ ابْنِ بُقَيْلَةَ السُّمَّ؛ قَالَ: فَقَالَ هَل خَالِدٌ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا السُّمُّ فَإِنْ أَنْتَ أَعْطَيْتَنِي مَا أُرِيدُ وَإِلا شَرِبْتُهُ فَلا أَرْجِعَ إِلَى قَوْمِي بِمَا لَا يُحِبُّونَ، قَالَ فَأَخَذَهُ خَالِدٌ مِنْ يَدِهِ   1 هِيَ خَشَبَة تعلق فِي عنق الْكَلْب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 156 وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ ابْتَلَعَهُ قَالَ: فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ لَهُمْ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ لَا يَعْمَلُ فِيهِمُ السُّمَّ. قَالَ فَقَالَ لَهُ إِيَاسُ بْنُ قبيصَة: مَا لنا مِنْ حَاجَةٍ وَمَا نُرِيدُ أَنْ نَدْخُلَ مَعَكَ فِي دِينِكَ، نُقِيمُ عَلَى دِينِنَا وَنُعْطِيكَ الْجِزْيَةَ. فَصَالَحَهُ عَلَى سِتِّينَ أَلْفًا وَرَحَلَ عَلَى أَنْ لَا يَهْدِمَ لَهُمْ بَيْعَةً وَلا كَنِيسَةً وَلا قَصْرًا مِنْ قُصُورِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَحَصَّنُونَ فِيهَا إِذَا نَزَلَ بِهِمْ عَدُوٌ لَهُمْ، وَلَا يمنعنون مَنْ ضَرْبِ النَّوَاقِيسِ وَلا مِنْ إِخْرَاجِ الصُّلْبَانِ فِي يَوْمِ عِيدِهِمْ، وَعَلَى أَنْ لَا يَشْتَمِلُوا عَلَى تَغِبَّةٍ1 وَعَلَى أَنْ يُضِيفُوا مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يَحِلُّ لَهُمْ مِنْ طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ، وَكتب بَينهم هَذَا الْكتاب: كتاب خَالِد لأهل الْحيرَة: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لأَهْلِ الْحِيرَةِ، أَنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تعاى عَنْهُ أَمَرَنِي أَنْ أَسِيرَ بَعْدَ مُنْصَرَفِي مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ إِلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ بِأَنْ أَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَإِلَى رَسُوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأُبَشِّرُهُمْ بِالْجَنَّةِ وَأُنْذِرُهُمْ مِنَ النَّارِ؛ فَإِنْ أَجَابُوا فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِنِّي انْتَهَيْتُ إِلَى الْحِيرَةِ فَخَرَجَ إِلَيَّ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ الطَّائِيُّ فِي أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ، وَإِنِّي دَعَوْتُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا فعرضت عَلَيْهِم الجزمية أَوِ الْحَرْبَ فَقَالُوا: لَا حَاجَةَ لَنَا بِحَرْبِكِ؛ وَلَكِنْ صَالِحْنَا عَلَى مَا صَالَحْتَ عَلَيْهِ غَيْرَنَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ، وَإِنِّي نَظَرْتُ فِي عِدَّتِهِمْ فَوَجَدْتُ عِدَّتَهُمْ سَبْعَةَ آلافِ رَجُلٍ، ثُمَّ مَيَّزْتُهُمْ فَوَجَدْتُ مَنْ كَانَتْ بِهِ زَمَانَةٌ أَلْفَ رَجُلٍ فَأَخْرَجْتُهُمْ مِنَ الْعِدَّةِ؛ فَصَارَ مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ سِتَّةَ آلافٍ؛ فَصَالَحُونِي عَلَى سِتِّينَ أَلْفًا، وَشَرَطْتُ عَلَيْهِمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي أَخَذَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ: أَنْ لَا يُخَالِفُوا وَلا يُعِينُوا كَافِرًا عَلَى مُسْلِمٍ مِنَ الْعَرَبِ وَلا مِنَ الْعَجَمِ، وَلا يَدُلُّوهُمْ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ الَّذِي أَخَذَهُ أَشَدَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى نَبِيٍّ مِنْ عَهْدٍ أَوْ مِيثَاقٍ أَوْ ذِمَّةٍ؛ فَإِنْ هُمْ خَالَفُوا فَلا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلا أَمَانَ، وَإِنْ هُمْ حَفِظُوا ذَلِكَ وَرَعَوْهُ وَأَدَّوْهُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَلَهُمْ مَا لِلْمُعَاهَدِ وَعَلَيْنَا الْمَنْعُ لَهُمْ؛ فَإِنْ فَتَحَ الله علينا فهم على ذمَّته من؛ فَلهم بذلك عهد الله أَشَدَّ مَا أَخَذَ عَلَى نَبِيٍّ مِنْ عَهْدٍ أَوْ مِيثَاقٍ، وَعَلَيْهِمْ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يُخَالَفُوا؛ فَإِنْ غُلِبُوا فَهُمْ فِي سِعَةٍ يَسَعُهُمْ مَا وَسِعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ. وَلا يَحِلُّ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ أَنْ يُخَالِفُوا وَجَعَلْتُ لَهُمْ أَيُّمَا شَيْخٍ ضَعُفَ عَنِ الْعَمَلِ أَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ مِنَ الآفَاتِ أَوْ كَانَ غَنِيا   1 أَي الرِّيبَة وَالْفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 157 فَافْتَقَرَ وَصَارَ أَهْلُ دِينِهِ يَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِ طَرَحْتُ جِزْيَتَهُ وَعِيلَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ1. وَعِيَالُهُ مَا أَقَامَ بِدَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ الإِسْلامِ؛ فَإِنْ خَرَجُوا إِلَى غَيْرِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ الإِسْلامِ؛ فَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّفَقَةَ عَلَى عِيَالِهِمْ. وَأَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِمْ أَسْلَمَ أُقِيمَ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَبِيعَ بِأَعْلَى مَا يُقَدَّرُ عَلَيهِمْ فِي غَيْرِ الْوَكْسِ وَلا تَعْجِيلَ وَدُفِعَ ثَمَنُهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَهُمْ كُلُّ مَا لَبِسُوا مِنَ الزِّيِّ إِلا زِيَّ الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي لِبَاسِهِمْ. وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْهُمْ وُجِدَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ زِيِّ الْحَرْبِ سُئِلَ عَنْ لِبْسِهِ ذَلِكَ فَإِنْ جَاءَ مِنْهُ بِمَخْرَجٍ؛ وَإِلا عُوقِبَ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ مِنْ زِيِّ الْحَرْبِ. وَشُرِطَتْ عَلَيْهِمْ جبابة مَا صالحتهم عَلَيْهِ حَتَّى يؤدوه إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عُمَّالُهُمْ مِنْهُمْ؛ فَإِنْ طَلَبُوا عَوْنًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُعِينُوا بِهِ وَمَئُونَةُ الْعَوْنِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ". قَالُوا: وَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لإِيَاسِ بْنِ قَبِيصَةَ وَعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ حَيَّان من بقيلة: لم هَذِه الْحُصُون بنيتهم وَلَسْتُمْ فِي دَارِ مَنْعِهِ؟ فَقَالا: نَرُدُّ بِهَا السَّفِيهَ حَتَّى يَأْتِي الْحَلِيمُ. قَالَ: لَوْ كُنْتُمْ أَهْلَ قِتَالٍ وَأَنْتُمْ قَوْمٌ عَرَبٌ؟ قَالُوا: آثَرْنَا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَرَضِيَ مِنَّا جِيرَانُنَا بِذَلِكَ -يَعْنُونَ أَهْلَ فَارِسَ- فَصَالَحَهُمْ عَلَى سِتِّينَ أَلْفًا وَرَحَلَ؛ فَكَانَتْ أَوَّلُ جِزْيَةٍ حُمِلَتْ مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ، وَأَوَّلُ مَالٍ قُدِمَ بِهِ مِنَ الْمَشْرِقِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: وَكَتَبَ إِلَى مَرَازِبَةِ أَهْلِ فَارِسَ كِتَابًا وَدَفَعَهُ إِلَى بَنِي بقيلة: مَا كتبه خَالِد إِلَى رُؤَسَاء فَارس: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى رُسْتَمَ وَمِهْرَانَ وَمَرَازِبَةِ فَارِسَ -سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى؛ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُم اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ: فَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي فَضَّ خِدْمَتَكُمْ وَفَرَّقَ جَمْعَكُمْ وَخَالَفَ بَين كلمتكم وأوهن بأسكم وسلب ملككم؛ فَإِن جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَابْعَثُوا إِلَيَّ بِالرَّهْنِ، وَاعْتَقِدُوا مِنِّي الذِّمَّةَ، وَاجْبُوا إِلَيَّ الْجِزْيَةَ؛ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ لأسيرين إِلَيْكُم بِقوم يحبونَ الْمَوْت كبحكم الْحَيَاةَ. وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهدى". افْتِتَاح خَالِد حصون فَارس وقراها: ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا مَضَى إِلَى قَرْيَةٍ أَسْفَلَ الْفُرَاتِ يُقَالُ لَهَا بَانِقْيَا، وَفِيهَا مَسْلَحَةٌ لِكِسْرَى فِي حصن لَهُم فَحَاصَرَهُمْ؛ فَافْتتحَ الْحِصْنَ وَقَتَلَ مَنْ فِيهِ مِنَ الرِّجَالِ وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيهِمْ، وَأَخَذَ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَأَحْرَقَ الْحِصْنَ وَهَدَمَهُ؛ فَلَمَّا رأى ذَلِك أهل الْقرْيَة   1 أنْفق عَلَيْهِ مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 158 طَلَبُوا الصُّلْحَ مِنْهُ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ؛ فَكَانَ وَلِيُّ الصُّلْحِ عَنْهُمْ هَانِئُ بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ؛ فَصَالَحَهُ عَنْهُمْ عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى نَزَلَ بَانِقْيَا عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ؛ فَقَاتَلُوهُ لَيْلَةً إِلَى الصَّبَاحِ وَحَاصَرَهُمْ وَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ فاتتحها بِقُوَّة الله تَعَالَى وعونه، وَفِيه أَسَاوِرَةٌ كَانَ كِسْرَى صَيَّرَهُمْ فِيهَا فَقَتَلَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيهِمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَحْرَقَ الْحِصْنَ وَهَدَمَهُ؛ فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ بَانِقْيَا ذَلِكَ طَلَبُوا الصُّلْحَ مِنْهُ فَأَعْطَاهُمْ. ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى قَرْيَةٍ بِالسَّوَادِ؛ فَلَمَّا أَقْحَمَ جَرِيرٌ الْفُرَاتَ لِيَعْبُرَ إِلَى أَهْلَ الْقَرْيَةِ، نَادَاهُ دَهْقَانُهَا صُلُوبَا: لَا تَعْبُرْ، أَنَا أَعْبُرُ إِلَيْكَ؛ فَعَبَرَ إِلَيْهِ فَصَالَحَهُ عَلَى مِثْلِ مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ بَانِقْيَا وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ، وَصَالَحَهُ أَهْلُ مَارُوسَمَا وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى عَلَى مَا صَلَاحه عَلَيْهِ أَهْلُ الْحِيرَةِ. ثُمَّ إِنَّ خَالِدًا رَجَعَ إِلَى النَّجَفِ فَاسْتَبْطَنَ بَطْنَ النَّجَفِ وَأَخَذَ الأَدِلاءَ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ؛ حَتَّى انْتَهَى إِلَى عَيْنِ التَّمْرِ فَنَزَلَ بِعَيْنِ التَّمْرِ وَبِهَا رَابِطَةٌ لِكِسْرَى فِي حِصْنٍ؛ فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى اسْتَنْزَلَهُمْ فَقَتَلَهُمْ وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيهِمْ، وَأَخَذَ مَا كَانَ فِي الْحِصْنِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَالدَّوَابِ، وَأَحْرَقَ الْحِصْنَ وَخَرَّبَهُ، وَقَتَلَ دَهْقَانَ عَيْنِ التَّمْرِ، وَكَانَ رَجُلا مِنَ الْعَرَبِ وَسَبَى نِسَاءَهُ وَذَرَارِيَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَأَعْطَاهُ أَهْلَ عَيْنِ التَّمْرِ الْجِزْيَةَ كَمَا أَعْطَاهُ أَهْلُ الْحِيرَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا عَلَى مَا كَتَبَ لأَهْلِ الْحِيرَةِ، وَكَذَلِكَ لأَهْلِ أُلَّيْسَ فَهُوَ عِنْدَهُمْ. ثُمَّ بَعَثَ سَعْدَ بْنَ عَمْرٍو الأَنْصَارِيَّ فِي جَمْعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى صَنْدُودِيَا، وَفِيهَا قَوْمٌ مِنْ كِنْدَةَ وَمِنْ أَيَادٍ نَصَارَى؛ فَحَاصَرَهُمْ أَشَدَّ الْحِصَارِ ثُمَّ صَالَحَهُمْ عَلَى جِزْيَةٍ يُؤَدُّونَهَا إِلَيْهِ، وَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ. وَأَقَامَ سَعْدَ بْنَ عَمْرٍو بِمَوْضِعِهِ فِي خِلافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم حَتَّى مَاتَ؛ فَوَلَدُهُ هُنَاكَ إِلَى الْيَوْم. ذهَاب خَالِد إِلَى الشَّام لمساندة جَيش الْمُسلمين هُنَاكَ: وَكَانَ خَالِدٌ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ الْحِيرَةَ دَارًا يُقِيمَ بِهَا فَأَتَاهُ كتاب أبي بكرالصديق رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ مَدَدًا لأَبِي عُبَيْدَة وَالْمُسْلِمين؛ فَأخْرج خَالِد بن الْوَلِيدِ الْخُمُسَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَبَعَثَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ مَا أَخَذَ مِنَ الْجِزْيَةِ وَالسَّبْيِ وَقَسَّمَ الأَرْبَعَةَ الأَخْمَاسَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ مَعَهُ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنِ الْحَقْ بِأَبِي عُبَيْدَةَ -حِينَ أَتَاهُ كتاب أبي عُبَيْدَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 159 يَسْتَمِدُّهُ- فَتَوَجَّهَ مِنَ الْحِيرَةِ مَعَ الأَدِلاءِ مِنْهَا وَمِنْ عَيْنِ التَّمْرِ حَتَّى قَطَعَ الْمَفَاوِزَ؛ فَلَمَّا قَطَعَهَا وَقَعَ فِي بِلادِ بَنِي تَغْلِبَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ قَوْمًا كَثِيرًا وَسَبَى، ثُمَّ مَضَى مِنْ بِلادِ بَنِي تَغْلِبَ، وَمَضَى مَعَهُ أَدِلاءٌ مِنْ أَهْلِهَا حَتَّى أَتَى النُّقَيْبَ وَالْكَوَاثِلَ1؛ فَلَقِيَ جَمْعًا كَثِيرًا لَمْ يُرَ مِثْلَهُ إِلا فِي أَهْل الْيَمَامَةِ؛ فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا حَتَّى قَتَلَ خَالِدٌ عِدَّةً بِيَدِهِ وَأَغَارَ عَلَى مَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى فَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ وَحَاصَرَهُمْ. فَلَمَّا اشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَيْهِمْ طَلَبُوا الصُّلْحَ عَلَى مِثْلِ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ أهل عانات. وَقد كَانَ مَرَّ بِبِلادِ عَانَاتٍ فَخَرَجَ إِلَيْهِ بِطْرِيقُهَا فَطَلَبَ الصُّلْحَ فَصَالَحَهُ وَأَعْطَاهُ مَا أرد عَلَى أَنْ لَا يَهْدِمَ لَهُمْ بَيْعَةٍ وَلا كَنِيسَةٍ وَعَلَى أَنَّ يَضْرِبُوا نَوَاقِيسَهُمْ فِي أَيِّ سَاعَةٍ شَاءُوا مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى أَن يخرجُوا الصلبات فِي أَيَّامِ عِيدِهِمْ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُضَيِّفُوا الْمُسْلِمِينَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَيَبْذَرِقُوهُمْ2، وَكَتَبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابَ الصُّلْحِ، وَخَرَجَ مِنْهُمْ عِدَّةُ أَدِلاءَ فَأَخَذُوا عَلَى النَّقِيبِ وَالْكَوَاثِلِ؛ فَصَالَحُوهُ عَلَى مِثْلِ مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ عَانَاتَ وَجَرَى الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ وَكتب بيه وَبَيْنَهُمُ الْكِتَابَ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى إِلَى بِلادِ قَرْقِيسْيَاءَ؛ فَأَغَارَ عَلَى مَا حَوْلَهَا فَأَخَذَ الأَمْوَالَ وَسَبَى النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَقَتَلَ الرِّجَالَ وَحَاصَرَ أَهْلَهَا أَيَّامًا. ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعَثُوا يَطْلُبُونَ الصُّلْحَ؛ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ وَأَعْطَاهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَى أَهْلَ عَانَاتَ عَلَى أَنْ لَا يَهْدِمَ لَهُمْ بَيْعَةً وَلا كَنِيسَةً، وَعَلَى أَنْ يَضْرِبُوا نواقيسهم إِلَّا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَيُخْرِجُوا صُلْبَانَهُمْ فِي يَوْمِ عِيدِهِمْ؛ فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ، وَكَتَبَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمُ الْكِتَابَ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُضِيفُوا الْمُسْلِمِينَ وَيَبْذَرِقُوهُمْ، فَأَدَّوْا إِلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَتُرِكَتِ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسَ لَمْ تُهْدَمْ لِمَا جَرَى مِنَ الصُّلْحِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ. وَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ الصُّلْحَ عَلَى خَالِدٍ أَبُو بَكْرٍ وَلا رَدَّهُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ عُمَرُ وَلا عُثْمَانَ وَلا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلَسْتُ أَرَى أَنْ يُهْدَمَ شَيْءٌ مِمَّا جَرَى عَلَيْهِ الصُّلْحُ وَلا يُحَوَّلُ وَأَنْ يَمْضِي الأَمْرُ فِيهَا عَلَى مَا أَمْضَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ؛ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَهْدِمُوا شَيْئًا مِنْهَا مِمَّا كَانَ الصُّلْحُ جَرَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا أُحْدِثَ مِنْ بِنَاءِ بَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَة فَإِن ذَلِك يهدم.   1 النَّقِيب بَين تَبُوك وَمَعَان -والكواثل مَوضِع فِي أَطْرَاف الشَّام. 2 أَي يَحْرُسُونَهُمْ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 160 وَقَدْ كَانَ نَظَر فِي ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ الْمَاضِينَ وَهَمُّوا بِهَدْمِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسَ الَّتِي فِي الْمُدُنِ وَالأَمْصَارِ؛ فَأَخْرَجَ أَهْلَ الْمُدُنِ الْكُتُبَ الَّتِي جَرَى الصُّلْحِ يها بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَهُمْ، وَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْفُقَهَاءُ وَالتَّابِعُونَ ذَلِكَ وَعَابُوهُ عَلَيْهِمْ؛ فَكَفُّوا عَمَّا أَرَادُوا مِنْ ذَلِكَ؛ فَالصُّلْحُ نَافِذٌ عَلَى مَا أَنْفَذَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَرَأُيَكَ بَعْدُ فِي ذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا تُرِكَتْ لَهُمْ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ عَلَى مَا أَعْلَمْتُكَ. وَسَبَى خَالِدٌ فِي مَخْرَجَهُ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى دِمَشْقَ أَلْفَ رَأْسٍ، وَقَالَ بَعْضُ مَنْ رَوَى لَنَا: سَبَى مِنْ مَخْرَجِهِ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى دِمَشْقَ خَمْسَةِ آلافِ رَأْسٍ، وَكَانَ مَا بَعَثَ مِنَ الْحِيرَةِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ السَّبْيِ وَالْجِزَيَةِ مَعَ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ؛ فَكَانَ أول سببي وَمَالُ جِزْيَةٍ وَرَدَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الَّذِي بَعَثَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ؛ إِلا مَا أَتَاهُ مِنْ مَالِ الْبَحْرين. عزل خَالِد عَن الشَّام: ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَزَلَ خَالِدًا عَنِ الشَّامِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ؛ فَقَامَ خَالِدٌ فخاطب النَّاسَ؛ فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَعْمَلَنِي عَلَى الشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَثْنِيَةً1 وَعَسَلا عَزَلَنِي وَآثَرَ بِهَا غَيْرِي. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: اصْبِرْ أَيُّهَا الأَمِيرُ فَإِنَّهَا الْفِتْنَةُ؛ فَقَالَ خَالِدٌ: أَمَا وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ فَلا. قَالَ: فَلَمَّا بَلَغَ عُمَرَ مَا قَالَ خَالِدٌ قَالَ: أَمَا لأَنْزِعَنَّ خَالِدًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ دِينَهُ، لَيْسَ هُوَ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الشَّامِ حَصَرُوا أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابَهُ فَأَصَابَهُمْ جَهْدٌ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عمر: سَلام عَلَيْك، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ شة إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا فَرَجًا، وَلنْ يغلب عسر يسرين {يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمرَان: 200] . فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ: سَلامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورضوان وَمَا الْحَيَاة   1 أَي صَارَت كالزبد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 161 الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ، سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْحَدِيد: 20، 21] . قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِكِتَابِ أَبِي عُبَيْدَةَ؛ فَقَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ هَذَا كِتَابُ أَبِي عُبَيْدَةَ يُعَرِّضُ بِكُمْ وَيَحُثُّكُمْ عَلَى الْجِهَادِ. قَالَ: فَلَمْ يَلْبَثِ النَّاسُ أَنْ وَرَدَ الْبَشِيرُ عَلَى عُمَرَ بِفَتْحِ اللَّهِ على ابي عُبَيْدَة. وهم الْمُشْرِكِينَ. وَقَتْلِهِ لَهُمْ؛ فَقَالَ عُمَرُ: الله أكبر، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ رُبَّ قَائِلٍ لَوْ كَانَ خَالِدٌ [وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ] . قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَنَشٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعَجَمِ أَلَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: أَمَّا مِصْرٌ مَصَّرَتْهُ الْعَرَبُ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا فِيهِ بِنَاءَ بَيْعَةٍ وَلا كَنِيسَةٍ وَلا يَضْرِبُوا فِيهِ بِنَاقُوسٍ وَلا يُظْهِرُوا فِيهِ خَمْرًا وَلَا يتخذوا يه خِنْزِيرًا. وَكُلُّ مِصْرٍ كَانَتِ الْعَجَمُ مَصَّرَتْهُ فَفَتَحَهُ اللَّهُ عَلَى الْعَرَبِ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِمْ فَلِلْعَجَمِ مَا فِي عَهْدِهِمْ وَعَلَى الْعَرَبِ أَنْ يوفوا لَهُم بذلك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 162 فَصْلٌ: فِي أَهْلِ الدِّعَارَةِ 1 وَالتَّلَصُّصِ وَالْجِنَايَاتِ وَمَا يَجِبُ فِيهِ مِنَ الْحُدُود قَالَ أَبُو يُوسُف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الدَّعَارَةِ وَالْفِسْقِ والتلصص إِذا أخذُوا أَي شَيْءٍ مِنَ الْجِنَايَاتِ وَحُبِسُوا هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَقُوتُهُمْ فِي الْحَبْس الَّذِي يجْرِي عَلَيْهِم من الصَّدَقَة؟ وَمَا يَنْبَغِي أَن يعلم بِهِ فيهم. على من تجب نَفَقَة المسجون ومعاملته: قَالَ: لَا بُد لِمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يَأْكُلُ مِنْهُ لَا مَالٌ وَلا وَجْهُ شَيْءٍ يُقِيمُ بِهِ بَدَنَهُ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَةِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، مِنْ أَيِّ الْوَجْهَيْنِ فَعَلْتَ؛ فَذَلِكَ مُوَسَّعٌ عَلَيْكَ، وَأَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ تُجْرِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَقُوتُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يحل وَلَا يسمع إِلا ذَلِكَ. قَالَ: وَالأَسِيرُ مِنْ أسرى الْمُشْركين لَا بُد أَنْ يُطْعَمَ وَيُحْسَنَ إِلَيْهِ حَتَّى يُحْكَمَ فِيهِ؛ فَكَيْفَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ قَدْ أَخْطَأَ أَوْ أَذْنَبَ: يُتْرَكُ يَمُوتُ جُوعًا؟ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ الْقَضَاءُ أَوِ الْجَهْلُ، وَلَمْ تَزَلِ الْخُلَفَاءُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تُجْرِي عَلَى أَهْل السُّجُونِ مَا يَقُوتُهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَأَدَمِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ الشِّتَاءَ وَالصَّيْفَ، وَأَوَّلُ من فعل ذَلِك عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عَنهُ بِالْعِرَاقِ، ثُمَّ فَعَلَهُ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِهِ. قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ عَليّ ابْن أَبِي طَالِبٍ إِذَا كَانَ فِي الْقَبِيلَةِ أَوِ الْقَوْمِ الرَّجُلُ الدَّاعِرُ حَبَسَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ: يُحْبَسُ عَنْهُمْ شَرُّهُ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ "لَا تَدَعُنَّ فِي سُجُونِكُمْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي وَثَاقٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّي قَائِمًا، وَلا تُبِيتُنَّ فِي قَيْدٍ إِلا رَجُلا مَطْلُوبًا بِدَمٍ، وَأَجْرُوا عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ مَا يصلحهم فِي طعامهم   1 أهل الشَّرّ وَالْفساد. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 163 وَأَدَمِهِمْ، وَالسَّلامُ" فَمُرْ بِالتَّقْدِيرِ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَأَدَمِهِمْ، وَصَيِّرْ ذَلِكَ دَرَاهِمَ، تَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ يُدْفَعُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أَجْرَيْتَ عَلَيْهِمُ الْخُبْزَ ذَهَبَ بِهِ وُلاةُ السِّجْنِ والقوام والجلاوزة1. وَولى ذَلِكَ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلاحِ يُثْبِتُ أَسْمَاءَ مَنْ فِي السِّجْنِ مِمَّنْ تَجْرِي عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، وَتَكُونُ الأَسْمَاءُ عِنْدَهُ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ شَهْرًا بِشَهْرٍ، يَقْعُدُ وَيَدْعُو بِاسْمِ رَجُلٍ رَجُلٍ وَيَدْفَعُ ذَلِكَ إِلَيْهِ فِي يَدِهِ؛ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ أُطْلِقَ وَخَلَّى سَبِيلَهُ رَدَّ مَا يَجْرِي عَلَيْهِ، وَيَكُونُ لِلإِجْرَاءِ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فِي الشَّهْرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ. وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ فِي السِّجْنِ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ، وَكِسْوَتُهُمْ فِي الشِّتَاءِ قَمِيص وَكسَاء، فِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ، وَيُجْرَى عَلَى النِّسَاءِ مِثْلُ ذَلِكَ وَكِسْوَتُهُنَّ فِي الشِّتَاءِ قَمِيصٌ وَمِقْنَعَةٌ وَكِسَاءٌ، وَفِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَمِقْنَعَةٌ، وَاغْنِهِمْ عَنِ الْخُرُوجِ فِي السَّلاسِلِ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمُ النَّاسُ؛ فَإِنَّ هَذَا عَظِيمٌ أَن يكون قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَذْنَبُوا وَأَخْطَأُوا، وَقَضَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ فِيهِ فَحُبِسُوا يَخْرُجُونَ فِي السَّلاسِلِ يَتَصَدَّقُونَ2، وَمَا أَظُنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ يَفْعَلُونَ هَذَا بِأَسَارَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي أَيْدِيهِمْ؛ فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ هَذَا بِأَهْلِ الإِسْلامِ؟ وَإِنَّمَا صَارُوا إِلَى الْخُرُوجِ فِي السَّلاسِلِ يَتَصَدَّقُونَ لِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ جَهْدِ الْجُوعِ؛ فَرُبَّمَا أَصَابُوا مَا يَأْكُلُونَ وَرُبَّمَا لَمْ يُصِيبُوا، إِنَّ ابْنَ آدَمَ لَمْ يَعْرُ مِنَ الذُّنُوبِ، فَتَفَقَّدَ أَمْرَهُمْ وَمُرْ بِالإِجْرَاءِ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا فَسَّرْتُ لَكَ. وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَلا قَرَابَةٌ غُسِّلَ وَكُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَصُلِّيَّ عَلَيْهِ وَدُفِنَ؛ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي وَأَخْبَرَنِي بِهِ الثِّقَاتُ أَنَّهُ رُبَّمَا مَاتَ مِنْهُمُ الْمَيْتُ الْغَرِيبُ؛ فَيَمْكُثُ فِي السِّجْنِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ حَتَّى يُسْتَأْمَرَ الْوَالِي فِي دَفْنِهِ، وَحَتَّى يَجْمَعَ أَهْلُ السِّجْنِ مِنْ عِنْدِهِمْ مَا يتصدقون ويكثرون مَنْ يَحْمِلُهُ إِلَى الْمَقَابِرِ فَيُدْفَنُ بِلا غُسْلٍ وَلا كَفَنٍ وَلا صَلاةٍ عَلَيْهِ؛ فَمَا أَعْظَمَ هَذِا فِي الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ. وَلَوْ أَمَرْتَ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَقَلَّ أَهْلُ الْحَبْسِ وَلَخَافَ الْفُسَّاقُ وَأَهْلُ الدِّعَارَةِ وَلَتَنَاهَوْا عَمَّا هم عَلَيْهِ. النّظر فِي أَمر المساجين: وَإِنَّمَا يَكْثُرُ أَهْلُ الْحَبْسِ لِقِلَّةِ النَّظَرِ فِي أَمْرِهِمْ؛ إِنَّمَا هُوَ حَبْسٌ وَلَيْسَ فِيهِ نَظَرٌ. فَمُرْ ولاتك جَمِيعًا بِالنّظرِ فِي أَمر أهل الحبوس فِي كل أَيَّام؛ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَدَبٌ أُدِّبَ وَأطلق، وَمن لم   1 أَي رجال الشرطة. 2 أَي يطْلبُونَ الصَّدَقَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 164 يَكُنْ لَهُ قَضِيَّةٌ خُلِّيَ عَنْهُ. وَتُقَدِّمَ إِلَيْهِمْ أَنْ لَا يُسْرِفُوا فِي الأَدَبِ وَلا يَتَجَاوَزُوا بِذَلِكَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ وَلا يَسَعُ؛ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَضْرِبُونَ الرَّجُلَ -فِي التُّهْمَةِ وَفِي الْجِنَايَةِ- الثَّلاثَمِائَةٍ وَالْمِائَتَيْنِ وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَحِلُّ وَلا يَسَعُ. ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى إِلا مِنْ حَقٍّ يَجِبُ بِفُجُورٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ تَعْزِيرٍ لأَمْرٍ أَتَاهُ لَا يَجِبُ فِيهِ حَدٌّ، وَلَيْسَ يُضْرَبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا بَلَغَنِي أَنَّ وُلاتَكَ يَضْرِبُونَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَن ضرب الْمُصَلِّين1. الْعدْل مَعَ من أَخطَأ: حَدثنَا بعض أشياخنا عَن هَوْذَة بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ضَرْبِ الْمُصَلِّينَ، وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّهُ نَهَى عَنْ ضَرْبِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمْ حَدٌّ يَسْتَحِقُّونَ بِهِ الضَّرْبَ، وَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي أَنَّ وُلاتَكَ يَفْعَلُونَهُ لَيْسَ مِنَ الْحُكْمِ وَالْحُدُودِ فِي شَيْءٍ، لَيْسَ يَجِبُ مِثْلُ هَذَا على جَانِبي الْجِنَايَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة. من كَانَ مِنْهُمْ أَتَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ قَوْدٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ أُقِيمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَنْ جَرَحَ مِنْهُمْ جِرَاحَةً فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ قِيسَ جُرْحُهُ وَاقْتُصَّ مِنْهُ إِلا أَنْ يَعْفُوَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُسْتَطَاعُ فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالأَرْشِ وَعُوقِبَ وَأُطِيلَ حَبْسُهُ حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً ثُمَّ يُخَلَّى عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ سَرَقَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ قُطِعَ. إِن الْأجر ي إِقَامَة الْحُدُود عَظِيم وَالصَّلَاح يه لأهل الأَرْض كثير. القَوْل فِي إِقَامَة الْحُدُود والشفاعة فِيهَا: قَالَ أَبُو يُوسُف حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الأَرْضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا ثَلاثِينَ صَبَاحًا". وَلا يَحِلُّ لِلإِمَامِ أَنْ يُحَابِي فِي الْحَدِّ أَحَدًا وَلا تُزِيلُهُ عَنْهُ شَفَاعَةٌ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخَافَ فِي ذَلِكَ لَوْمَةَ لائِمٍ؛ إِلا أَنْ يَكُونَ حَدٌّ فِيهِ شُبْهَةٌ؛ فَإِذَا كَانَ فِي الْحَدِّ شُبْهَةٌ دَرَأَهُ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنَ الآثَارِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَقَوْلِهِمْ "ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ2 وَالْخَطَأُ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنَ الْخَطَأِ فِي الْعُقُوبَةِ، وَلا يحمل إِقَامَة حد على من   1 أَي الْمُسلمين. 2 أَي إِذا كَانَ هُنَاكَ شُبْهَة فِي إِقَامَة الْحُدُود تخفف من إِقَامَة الْحَد فَخُذُوا بهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 165 لَمْ يَسْتَوْجِبُهُ، كَمَا لَا يَحِلُّ إِبْطَالُهُ عَمَّنِ اسْتَوْجَبَهُ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ فِيهِ. وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَشْفَعَ إِلَى إِمَامٍ فِي حَدٍّ قَدْ وَجَبَ وَتَبَيَّنَ؛ فَأَمَّا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ ذَلِكَ إِلَى الإِمَامِ فَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي التَّوَقِّي لِلشَّفَاعَةِ فِيهِ بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَى الإِمَامِ فِيمَا عَلِمْنَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنِ الْفَرَافِصَةِ الْحَنَفِيِّ قَالَ: مَرُّوا عَلَى الزبير بسارق فشفع فِيهِ فَقَالُوا لَهُ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ يُؤْتَ بِهِ الإِمَامُ فَإِنْ أُتِيَ بِهِ الإِمَامُ فَلا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إِنْ عَفَا عَنْهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَفَعَ فِي سَارِقٍ فَقِيل لَهُ: أَتَشْفَعُ فِي سَارِقٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا لَمْ يُبْلَغْ بِهِ الإِمَامُ فَإِذَا بُلِغَ بِهِ الإِمَامُ فَلا أَعْفَاهُ اللَّهُ إِنْ عَفَا. وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ "ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقَدْ رَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ فُقَهَائِنَا يَكْرَهُ الشَّفَاعَةَ فِي الْحَدِّ الْبَتَّةَ وَيَتَوَقَّاهُ، وَيَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ: "مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ حَادَّ اللَّهَ فِي خلقه". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةَ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهَا. قَالَتْ: سَرَقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ قَطِيفَةً مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَزَمَ عَلَى قَطْعِ يَدِهَا؛ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَجِئْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُكَلِّمُهُ وَقُلْنَا: نَحْنُ نَفْدِيهَا بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَةً؛ فَقَالَ "تَطْهُرُ خَيْرٌ لَهَا"؛ فَلَمَّا سَمِعْنَا لِينَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَيْنَا أُسَامَةَ قُلْنَا: كَلِّمْ رَسُولَ الله صلى الهل عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ: "مَا إِكْثَارُكُمْ عَلَيَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ وَقَعَ عَلَى أَمَةٍ مِنْ إِمَاءِ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ نَزَلَتْ بِمِثْلِ الَّذِي نَزَلَتْ بِهِ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا"1. قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَا أُسَامَةَ لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لأَنْ أُعَطِّلَ الْحُدُودَ فِي الشُّبُهَاتِ خَيْرٌ مِنْ أقيمها فِي الشُّبُهَات"؟   1 حاشا هَذَا الْعُضْو الشريف لتِلْك السيدة الشَّرِيفَة سيدة نسَاء أهل الْجنَّة أَن يقطع، وَلذَلِك اسْتعْمل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم حرف "لَو" الَّذِي هُوَ امْتنَاع لِامْتِنَاع يمْتَنع قطع يها لِامْتِنَاع سرقتها -رَضِي الله عَنْهَا وَعَن أمهَا وَأهل بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم أَجْمَعِينَ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 166 قَالَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَإِذَا وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ لأَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ1. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ بِمِنًي مَعَ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنهُ، إِذا امْرَأَة ضخمة على حمال تَبْكِي، قَدْ كَادَ النَّاسُ أَنْ يَقْتُلُوهَا مِنَ الزَّحْمَةِ عَلَيْهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ لَهَا: زَنَيْتِ زَنَيْتِ؛ فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَى عُمَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَا شَأْنُكِ، إِنَّ الْمَرْأَةَ رُبَّمَا اسْتُكْرِهَتْ؟ فَقَالَتْ: كُنْتُ امْرَأَةٌ ثَقِيلَةُ الرَّأْسِ وَكَانَ اللَّهُ يَرْزُقُنِي مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ، فَصَلَّيْتُ لَيْلَةً ثُمَّ نِمْتُ فَوَاللَّهِ مَا أَيْقَظَنِي إِلا رَجُلٌ قَدْ رَكِبَنِي، ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَيْهِ مُقْعِيًا مَا أَدْرِي مَنْ هُوَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ؛ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ قُتِلَتْ هَذِهِ خَشِيتُ عَلَى الأَخْشَبَيْنِ2 النَّارَ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الأَمْصَارِ أَن لَا تقل نَفْسٌ دُونَهُ3. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ عَطَاءٍ قالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: "السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ حَارَبَ الدِّينَ، وَإِنْ قَتَلَ أَخَا امْرِئٍ أَوْ أَبَاهُ". مُعَاملَة أهل الْحُدُود: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَالَّذِي يُرْفَعُ إِلَى الإِمَامِ، وَقَدْ قَتَلَ رَجُلا أَوِ امْرَأَةً عَمْدًا، وَكَانَ ذَلِكَ مَشْهُورًا ظَاهِرًا وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةٌ؛ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنِ الْبَيِّنَةِ فَإِنْ زَكَّوْا أَوْ زَكَّى مِنْهُمْ رَجُلٌ دُفِعَ إِلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ طَائِعًا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ تَقُومُ عَلَيْهِ. الْقصاص بِالْمثلِ: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَمَنْ رُفِعَ وَقَدْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنَ الْمِفْصَلِ بِحَدِيدَةٍ عَمْدًا أَوْ أُصْبُعًا. مِنْ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى أَوِ الْيُسْرَى أَوْ كَانَ إِنَّمَا قَطَعَ رِجْلَهُ مِنَ الْمَفْصِلِ أَوْ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ أَوْ مَفْصِلا مِنْ مَفَاصِلِ بَعْضِ الأَصَابِعِ أَوْ مِفْصَلَيْنِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَطْعُ الأُذُنِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا؛ فَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ وَكَذَلِكَ الأَنْفُ إِذَا قُطِعَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ، وَكَذَلِكَ الأَسْنَانُ إِذَا كُسِرَتْ أَوْ بَعْضُهَا أَوْ قُلِعَتْ أَو بَعْضهَا فَفِيهَا الْقصاص.   1 فَإِن الْعَفو عَن مائَة من الجناة أفضل من عُقُوبَة وَاحِد بَرِيء، ودائما الشَّك والشبه يجب أَن تفسر لمصْلحَة الْمُتَّهم. 2 هما جبلان يكتنفان مَكَّة شرفها الله تَعَالَى. 3 أَي بعد استشارته. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 167 فَأَمَّا الْكَسْرُ فَإِذَا كُسِرَ سِنًّا كَسْرًا مُسْتَوِيًا فَفِيهَا الْقِصَاصُ وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْكَسْرُ مُسْتَوِيًا، وَكَانَ فِيمَا بَقيَ مِنَ السِّنِّ شَعَبٌ فَفِيهَا الأَرْشُ1. وَلَوْ كَانَ قَطْعُ الْيَد بالذراع من مفضل الْمِرْفَقِ أَوْ الرِّجْلِ مَعَ السَّاقِ مِنْ مَفْصِلِ الرُّكْبَةِ كَانَ فِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ، وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ إِذَا ضَرَبَهَا عَمْدًا فَذَهَبَتْ فَفِيهَا الْقِصَاصُ، وَكَذَلِكَ الْجُرُوحُ كُلُّهَا تَكُونُ فَفِيهَا الْقِصَاصُ، إِذَا كَانَ يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ؛ فَإِنْ لَمْ يُسْتَطَعْ فَفِيهَا الأَرْشُ. وَلَوْ ضُرِبَ بَعْضُ أَعْظُمِهِ مِثْلُ السَّاقِ أَوِ الذِّرَاعُ أَوِ الْفَخِذُ فَهُشِّمَ الْمَوْضِعُ أَوْ كُسِرَ ضلعا مِنْ أَضْلاعِهِ؛ فَلَيْسَ فِي هَذَا قِصَاصٌ وَفِيهِ الأَرْشُ، لَيْسَ لِهَذَا أحد يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ. وَالْقِصَاصُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَفَاصِلِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْجِنَايَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي الرَّأْسِ الْقِصَاصُ إِلا فِي الْمُوضِحَةِ2؛ فَإِنَّهُ إِذَا شجه شجة فأوضحه عَمْدًا فَفِي ذَلِكَ الْقِصَاصُ؛ فَأَمَّا مَا كَانَ دُونَ الْمُوضِحَةِ أَوْ فَوْقهَا فليسفيه قِصَاصٌ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا وَفِيهِ الأَرْشُ. وَكُلُّ مَنْ جُرِحَ جُرْحًا عَمْدًا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ، وَلَمْ يَزَلْ فِيهِ فَهُوَ صَاحِبُ فِرَاشٍ3 حَتَّى مَاتَ اقْتُصَّ مِنَ الْجَارِحِ وَقُتِلَ بِهِ؛ فَأَمَّا الْخَطَأُ فَإِذا قَتله خطأ وَقَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ، وَسُئِلَ عَنْهُمْ فَزَكُّوا أَوِ اثْنَانِ مِنْهُمْ؛ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلاثِ سِنِينَ يُؤَدُّونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ الثُّلُثَ، وَلا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ4 الصُّلْحَ وَلا الْعمد وَلَا الِاعْتِرَاف. قيمَة الدِّيَة: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَالدِّيَةُ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَم أَو ألفا شَاةٍ أَوْ مِائَتَا حُلَّةٍ أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنِ الأَئِمَّةِ من أَصْحَابه. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ الدِّيَةَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ: عَلَى أَهْلِ الإِبِلِ مِائَةَ بَعِيرٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْبُرُودِ مِائَتَيْ حُلَّةً. قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: وضع عمر بن   1 أَي دِيَة الْجراحَة. 2 هِيَ الَّتِي تقطع اللَّحْم وَتصل إِلَى الْعظم. 3 أَي لم يزل مَرِيضا ملازما للْفراش. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 168 الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الدِّيَاتِ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى أَهْلِ الإِبِلِ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوَّمَا الدِّيَةَ، وَجَعَلا ذَلِكَ إِلَى الْمُعْطِي إِنْ شَاءَ فَالإِبِلَ وَإِنْ شَاءَ فَالْقِيمَةَ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ عُلَمَائِنَا بِالْعِرَاقِ؛ فَأَمَّا أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَهَا مِنَ الْوَرِقِ اثْنَيْ عشر ألفا1. أَسْنَان الْإِبِل فِي دِيَة الْخَطَأ: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أَسْنَانِ الإِبِلِ فِي الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ؛ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: "دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا"، حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَجَّاجُ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَير عَن خشف بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا". قَالَ: وحَدثني مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم وَأَبُو حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: "الدِّيَة فِي الْخَطَأِ أَخْمَاسًا: عِشْرُونَ حَقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ. وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ"، وَكَذَلِكَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي الْخَطَأِ. حَدَّثَنِي أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: دِيَةُ الْخَطَأِ أَخْمَاسًا، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ يَقُولُ "الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ أَرْبَاعًا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ حَقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ. وَأَمَّا عُثْمَانُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَكَانَا يقولاون فِي دِيَةِ الْخَطَأِ: ثَلاثُونَ جَذَعَةً، وَثَلاثُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ. حَدَّثَنِي بِذَلِك شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سعيد بن الْمسيب. أَسْنَان الْإِبِل فِي دِيَة شبه الْعمد: وَأَمَّا الدِّيَةُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ2 فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفوا فِي أَسْنَانِ الإِبِلِ فِيهَا أَيْضًا؛ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ   1 كَمَا تَقول بِهِ السَّادة الْمَالِكِيَّة أما أهل الْعرَاق فهم أَبُو حنيفَة وأساتذته وتلاميذه. 2 إِذْ لَا بُد من تغليظها وَشبه الْعمد أَن يقْتله بِمَا لَا يقتل بِهِ غَالِبا كَأَن ضربه بعصا؛ فَمَاتَ وَالَّذِي قد يعبر عَنهُ الْآن بِالضَّرْبِ الَّذِي أفْضى إِلَى الْمَوْت. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 169 الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: فِي دِيَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلاثُونَ جَذَعَة، وَثَلَاثُونَ حقة، وَأَرْبَعُونَ تَثْنِيَة إِن بَازِلٍ عَامُّهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ1. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ثَلاثٌ وَثَلاثُونَ حَقَّةً، وَثَلاثٌ وَثَلاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعٌ وَثَلاثُونَ ثَنِيَّةً إِلَى بَازِلٍ عَامُّهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: فِي شِبْهِ الْعَمْدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حَقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بَنَاتِ مَخَاضٍ يَجْعَلُهَا أَرْبَاعًا. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هِيَ الْمُغَلَّظَةُ، وَفِيهَا أَرْبَعُونَ جَذَعَةً، وَثَلاثُونَ حَقَّةً، وَثَلاثُونَ بَنَاتِ لَبُونٍ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: ثَلاثُونَ حَقَّةً وَثَلاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً إِلَى بَازِلٍ عَامُّهَا كُلُّهَا خَلِفَةٌ. قَالَ أَبُو يُوسُف: هَذِهِ أُصُولُ أَقَاوِيلِهِمْ فِي أَسْنَانِ الإِبِلِ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ، وَأَرْجُو أَنْ لَا يَضِيقُ عَلَيْكَ الأَمْرُ فِي اخْتِيَارِ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الأَقَاوِيلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ أَبُو يُوسُف: فَأَمَّا الْخَطَأُ فَهُوَ أَنْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ الشَّيْءَ فَيُصِيبُ غَيْرَهُ، حَدَّثَنِي الْمُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الْخَطَأُ أَن يُصِيب الْإِنْسَان وَلا يُرِيدُهُ فَذَلِكَ الْخَطَأُ وَهُوَ على الْعَاقِلَة2. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ فَإِنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ، حَدَّثَنِي عَنْ قَتَادَةَ عَن الْحسن ابْن أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا شِبْهُ الْعَمْدِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنِ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: شِبْهُ الْعَمْدِ كُلُّ شَيْءٍ يَعْمَدُهُ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ، وَكُلُّ مَا قَتَلَ بِغَيْرِ سِلاحٍ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ، وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيّ عَن الشّعبِيّ وَالْحكم بْنِ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادٍ قَالُوا: مَا أُصِيبَ بِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ عَصًا فَأَتَى عَلَى النَّفْسِ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ وَفِيهِ الدِّيَة مُغَلّظَة. مَا يجب فِي الْجراح والأطراف وأجزاء الْإِنْسَان الْأُخْرَى: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَفِي الدامية من الشجاع -وَهِيَ الَّتِي تَدْمَى- حُكُومَةُ عَدْلٍ3. وَفِي الْبَاضِعَةِ -وَهِيَ الَّتِي تَبْضَعُ اللَّحْم، وَهِي فَوق الدَّامِيَةِ- حُكُومَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.   1 فِي بطونها أجنتها. 2 كمن صدم شخصا بعريته، كَمَا يحدث الْآن. 3 مبلغ يقدره أَصْحَاب الْخِبْرَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 170 وَفِي الْمُتَلاحِمَةِ وَهِيَ فَوْقَ الْبَاضِعَةِ -حُكُومَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي السِّمْحَاقِ- وَهِيَ فَوْقَ الْمُتَلاحِمَةِ حُكُومَةُ أَكثر من ذَلِك. وَفِي الْمُوَضّحَة1 خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلَيْسَ تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْمُوَضِّحَةِ وَكُلُّ مَا كَانَ من أَرض دُونَ الْمُوَضِّحَةِ فَعَلَى الْجَانِي فِي مَاله، وَأَرْض الْمُوَضِّحَةِ وَمَا فَوْقَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَفِي الْهَاشِمَةِ -وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ- عَشْرَةٌ مِنَ الإِبِلِ أَوْ أَلْفُ دِرْهَمٍ، عُشْرُ الدِّيَةِ. وَفِي الْمُنْقِلَةِ -وَهِيَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا الْعِظَامُ- عُشْرُ الدِّيَةِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا. وَفِي الآمَّةِ -وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إِلَى الدِّمَاغِ2- ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ فَإِنْ ذَهَبَتْ بِالْعَقْلِ فَفِيهَا الدِّيَةُ تَامَّةٌ، وَإِنْ ذَهَبَ الشَّعْرُ مِنْهَا وَلَمْ يَذْهَبِ الْعَقْلُ فَفِيهَا الدِّيَةُ أَيْضًا تَامَّةٌ وَيَدْخُلُ أَرْشُهَا فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا قِصَاصٌ. وَإِنْ كَانَ الضَّارِبُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ خَلا الْمُوَضِّحَةَ فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ عَمْدًا فَفِيهَا الْقِصَاصُ؛ لأَنَّهُ لَا يُسْتَطَاعُ الْقِصَاصُ فِي شَيْءٍ مِنْهَ إِلا فِي الْمُوَضِّحَةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا لَا نُقِيدُ من الْعِظَام. قَالَ: وحَدثني الْمُغيرَة عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: لَيْسَ فِي الآمة والمنقلة والجائة قَوْدٌ؛ إِنَّمَا عَمْدُهَا الدِّيَةُ فِي مَالِ الرَّجُلِ، وَقَدْ بَلَغَنَا نَحْوٌ من ذَلِك عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِي الْيَدِ مِنَ الْكَفِّ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي الأَصَابِعِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ فِي كُلِّ مَفْصِلٍ ثُلُثُ دِيَةِ الأُصْبُعِ؛ فَإِنْ كَانَ فِي الإِبْهَامِ مِفْصَلانِ؛ فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ مِنْهَا نِصْفُ دِيَتِهَا، وَكَذَلِكَ الرِّجْلُ وَأَصَابِعُهَا. وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي كُلِّ عَيْنٍ نصف الدِّيَة. وَفِي أشفار الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ شَفْرٍ رُبُعُ الدِّيَةِ. وَفِي الْحَاجِبَيْنِ إِذَا لَمْ يَنْبِتَا الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدَة نِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي كُلِّ أُذُنٍ نِصْفُ الدِّيَةِ وَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِهِ، وَفِي السّمع الدِّيَة.   1 الَّتِي تظهر الْعظم. 2 وَسميت آمة لِأَنَّهَا تصل إِلَى أم الدِّمَاغ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 171 وَفِي الأَنْفِ إِذَا قُطِعَ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ مَا دُونَ الْقَصَبَةِ الدِّيَةُ. وَفِي ذَهَابِ الشَّمِّ حَتَّى لَا يَجِدَ رَائِحَةً الدِّيَةُ. وَفِي الشَّفَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ شِفَةٍ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي اللِّسَانِ إِذَا مُنِعَ الْكَلامَ الدِّيَةُ، وَمَا نَقُصَ فَبِحِسَابِهِ. وَفِي الْحَشَفَةِ إِنْ كَانَ عَمْدًا الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَالدِّيَةُ وَفِي الأُنْثَيَيْنِ1 الدِّيَةُ. فَإِذَا بَدَأَ بِقَطْعِ الذَّكَرِ ثُمَّ الأُنْثَيَيْنِ فَفِي ذَلِكَ دِيَتَانِ، وَإِنْ بَدَأَ بِالأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ الذَّكَرَ فَفِي الأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي الذَّكَرِ حُكُومَةٌ2، وَإِنْ قَطَعَهُمَا جَمِيعًا مِنْ جَانِبٍ فَفِيهِمَا دِيَتَانِ. وَفِي ثَدْيَيِ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ. وَفِي ثدي الْمَرْأَة دِيَتهَا. وَفِي حلمتيهما نِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي الْيَدِ إِذَا قُطِعَتْ مِنْ الْمِرْفَقِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَفِي الْفضل حُكُومَة من قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى. وَفِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَالأَسْنَانُ كُلُّهَا سَوَاءٌ وَمَا كُسِرَ مِنَ السِّنِّ فَبِحِسَابِهِ، وَإِذَا ضُرِبَ سِنُّهُ فَاسْوَدَّتْ أَوِ احْمَرَّتْ أَوِ اخضرت ثمَّ عقلهَا. وَأما إِذا أضفرت فَفِيهَا حُكُومَةٌ. وَفِي الذِّرَاعِ إِذَا كسرت حُكُومَة وَكَذَلِكَ العضدد وَالسَّاقُ وَالْفَخِذُ وَالتَّرْقُوَةُ وَضِلْعٌ مِنْ الأَضْلاعِ فَفِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ حُكُومَةٌ عَلَى قَدْرِهِ. وَفِي الصُّلْبِ إِذَا أُحْدِبَ الدِّيَةُ، وَفِيهِ إِذَا مَنَعَ الْجِمَاعَ الدِّيَةُ. وَفِي اللِّحْيَةُ إِذَا لَمْ تَنْبُتِ الدِّيَةُ وَكَذَلِكَ الشَّارِبُ، وَكُلُّ شَعْرِ الرَّأْسِ إِذَا لَمْ يَنْبُتِ الدِّيَةُ، وَفِي الْجَائِفَةِ3 ثُلُثُ الدِّيَةِ فَإِنْ نَفَذَتْ فَثُلُثَا الدِّيَةِ وَفِي الْيَدِ الشَّلاءِ وَالرِّجْلِ الْعَرْجَاءِ وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ وَلِسَانِ الأَخْرَسِ وَذَكَرِ الْخَصِيِّ وَذَكَرِ الْعِنِّينِ4، فَفِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ حُكُومَةٌ عَلَى قَدْرِهِ. وَفِي الأليتين الدِّيَة   1 أَي الخصيتين. 2 قدر من المَال يقدره أَصْحَاب الْخِبْرَة. 3 الَّتِي وصلت إِلَى الْجوف. 4 الَّذِي لَا ينْتَصب وَلَا يَسْتَطِيع إتْيَان النِّسَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 172 وَفِي سِنِّ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَثْغَرْ1 حُكُومَةٌ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُول: لَا شَيْء فِيهَا إِذَا نَبَتَتْ كَمَا كَانَتْ. وَفِي الأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَفِي السِّنِّ الزَّائِدَةِ حُكُومَةٌ وَفِي إِفْضَاءِ الْمَرْأَةِ2 إِذَا كَانَ الْبَوْلُ يَسْتَمْسِكُ وَالْغَائِطُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَائِفَةِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَمْسِكَا وَلا وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَفِيهِ الدِّيَةُ تَامَّةٌ. وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْحُرِّ فِيهِ دِيَةٌ فَهُوَ مِنَ الْعَبْدِ فِيهِ قِيمَتُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْحُرِّ فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ فَهُوَ مِنَ الْعَبْدِ فِيهِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَاتُ على هَذَا الْحساب. مَا يَقع بَين الرجل وَالْمَرْأَة من الْقصاص: وَلا قِصَاصَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْعَمْدِ إِلا فِي النَّفْسِ فَإِن رجلا لَو قتل امْرَأَة قُتِلَ بِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَتْهُ امْرَأَة قُتِلَتْ بِهِ. وَأَمَّا دُونَ النَّفْسِ فَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فِيهِ قِصَاصٌ وَفِيهِ الأَرْشُ3؛ حَتَّى لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ امْرَأَةٍ أَوْ رِجْلَهَا أَوْ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِهَا أَوْ شجها مُوضحَة؛ وَذَلِكَ كُله عمد، أَوْ كَانَتْ هِيَ فَعَلَتْ ذَلِكَ بِهِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا قِصَاصٌ، وَكَانَ فِي ذَلِك الأَرْض إِلا فِي النَّفْسِ خَاصَّةٍ فَفِيهَا الْقِصَاصُ. وَأَرْشُ جِرَاحَتِهِنَّ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَرْشِ جِرَاحَاتِ الرِّجَالِ لأَنَّ دياتهم عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِ الرِّجَالِ، لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ امْرَأَةٍ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ دِيَتِهَا وَدِيَتُهَا خَمْسَةُ آلافٍ؛ فَيَكُونُ عَلَيْهِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ أَوْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعِيرًا. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: "دِيَةُ الْمَرْأَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِيمَا دَقَّ وَجَلَّ"4. مَا يَقع بَين الْأَحْرَار وَالْعَبِيد من الْقصاص: وَكَذَلِكَ الأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ لَيْسَ بَيْنَهُمْ قِصَاصٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. وَإِذَا جَنَى حُرٌ عَلَى عَبْدٍ فَقَتَلَهُ عَمْدًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ فَقَتَلَهُ عَمْدًا كَانَ بَينهمَا الْقصاص، وَلَو لم   1 أَي مازال يحْتَفظ بِأَسْنَانِهِ اللبنية. 2 فض بكارة الْبِنْت وَإِذا كَانَ بِوَطْء فعقوبة الزِّنَا. 3 الأَرْض دِيَة الْجراحَة كَمَا قُلْنَا. 4 فِيمَا قل وَعظم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 173 يَكُنْ عَمْدًا وَكَانَ خَطَأً أَوْ فَقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ إِحْدَاهُمَا أَوْ قَطَعَ أُذُنَيْهِ أَوْ إِحْدَاهُمَا فَهُوَ سَوَاءٌ. وَفِي ذَلِكَ الأَرْشُ، يُنْظَرُ مَا نُقِصَ الْعَبْدُ فَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ عَلَى الْجَانِي1. وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ قَتَلَ الْعَبْدَ خَطَأً كَانَتْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ بَالِغَةٌ مَا بَلَغَتْ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَبْلُغُ بِقِيمَتِهِ دِيَة الْحر. إِذا جرح الْجَانِي الْمَجْنِي عَلَيْهِ جراحتين: قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ قَالا فِي الْحُرِّ يَقْتُلُ الْعَبْدَ خَطَأً: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَتَلَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَرَحَ رَجُلا جُرْحَيْنِ خَطَأً فِي مقَام أَو مقامين فبرأ من أَحدهمَا مِنَ الآخَرِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْجَارِحِ دِيَةُ النَّفْسِ عَلَى مَا فَسَّرْنَاهُ، وَلَا أرش للَّذي برأَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَلا أَرْشَ فِي الَّذِي برأَ مِنْهُ. وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: إِنْ كَانَ الَّذِي برأَ فِي مَوْضِعٍ يُسْتَطَاعُ الْقِصَاصُ فِيهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إِلَى الإِمَامِ إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ وَمِنَ النَّفْسِ وَإِنْ شَاءَ أَمَرَ بِالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَتَرَكَ مَا دُونَ النَّفْسِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُ الْجُرْحَيْنِ خَطَأً وَالآخَرُ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْهُمَا جَمِيعًا؛ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَعَلَيْهِ فِي مَالِهِ النِّصْفُ الآخَرُ. وَإِنْ مَاتَ مِنَ الْخَطَأِ وبرأ مِنَ الْعَمْدِ كَانَتِ الدِّيَةُ تَامَّةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ وَاقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا مَاتَ من الْعمد وبرأ مِنَ الْخَطَأِ اقْتُصَّ مِنْهُ فِي النَّفس وَكَانَ أَرض الْجُرْحِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوْ كَانَ مَاتَ من الخطا وبرأ مِنَ الْجِرَاحَةِ الْعَمْدِ وَلَيْسَ فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ فَإِنَّمَا فِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَيَبْطُلُ أَرْشُ الْعَمْدِ بِمَنْزِلَةِ الْخَطَأِ وَالْعَمْدُ يَمُوتُ من أَحدهمَا وَقد برأَ من الآخر. إِذا تعدى الْقصاص حَده: قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلا قَطَعَ يَد رجل بحديدة عمدا وبرأت فَأَمَرَهُ الإِمَامُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فَاقْتَصَّ مِنْهُ فَمَاتَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: عَلَى عَاقِلَةِ الْمُقْتَصِّ دِيَةُ الْمُقْتَص   1 أَي يقوم العَبْد سليما ثمَّ معيبا وَالْفرق بَين الثمنين يدْفع للسَّيِّد من مَال الْجَانِي. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 174 مِنْهُ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُف: لَا شَيْء على الْمُقْتَص لِلآثَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي ذَلِكَ؛ إِنَّمَا هَذَا رَجُلٌ أُخِذَ لَهُ بِحَق وَأخذ مِنَ الْمَيِّتِ بِحَقٍّ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ، إِنَّمَا قَتَلَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، بل إِنْ كَانَ اقْتَصَّ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الإِمَامِ، وَلإِرْضَاءِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَالدِّيَةُ فِي مَالِ الَّذِي اقْتَصَّ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: هَذَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ. الْمَقْتُول الَّذِي لَهُ وليان أَحدهمَا صَغِير: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ، وَلَهُ وَلِيَّانِ ابْنَانِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَلا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَإِنَّ الْفَقِيهَ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ مِنَ الْكَبِيرِ وَأَقْضِي لَهُ بِالْقِصَاصِ وَلَا أنْتَظر إِلَى كِبَرِ الصَّغِيرِ، وَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَبُرَ هَذَا مَعْتُوهًا أَكُنْتُ أَحْبِسُ هَذَا؟ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَا أَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ حَتَّى يَكْبُرَ الصَّغِيرُ وَيَجْعَلُهُ مِثْلَ الْغَائِبِ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَقْدِمَ الْغَائِبُ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: لَا يُشْبِهُ الْغَائِبُ الصَّغِيرَ لأَنَّ الْوَلِيَّ يَأْخُذُ لِلصَّغِيرِ وَلا يَأْخُذُ لِلْكَبِيرِ الْغَائِبِ إِلا بِوَكَالَةٍ. وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ فِي الدَّمِ الْعَمْدِ وَيَقْتَصُّ، وَكَانَ فَقِيهُنَا أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ فِي الدَّمِ الْعَمْدِ، وَهَذَا أحسن. قَالَ أَبُو يُوسُف: قَدْ قَتَلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِي الله عَنْهُمَا ابْنَ مُلْجَمٍ وَلِعَلِيٍّ وَلَدٌ صَغِير. من أَمر بِشَيْء أَو فعله فَعَطب مِنْهُ إِنْسَان: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ هَؤُلاءِ التُّجَّارِ الَّذِينَ فِي الأَسْوَاقِ وَالأَرْبَاضِ وَالْمَحَالِّ أَمَرَ أَجِيرًا عِنْدَهُ فَرَشَّ فِي طَرِيقِ فِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَعَطَبَ بِهِ عَاطِبٌ؛ فَالضَّمَانُ عَلَى الآمِرِ وَإِنْ كَانَ أَمَرَهُ فَتَوَضَّأَ فِي الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الْوُضُوءِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَمَنْفَعَةَ الرَّشِّ لِلآمِرِ. وَأَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَحَفَرَ لَهُ بِئْرًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ؛ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ عَلَى الأَجِيرِ، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فِي ذَلِكَ لأَنَّ الأُجَرَاءَ لَا يَعْرِفُونَ إِذَا تُقَام ذَلِكَ فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ عَثَرَ رَجُلٌ بِحَجَرٍ فَوَقَعَ فِي هَذِهِ الْبِئْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ، كَأَنَّهُ دَفَعَهُ بِيَدِهِ، الجزء: 1 ¦ الصفحة: 175 فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لِلْحَجَرِ وَاضِعٌ فَالضَّمَانُ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ وَإِنْ دَفَعَتْهُ دَابَّةٌ مُنْفَلِتَةٌ فَلا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ وَلا صَاحِبِ الْبِئْرِ، وَإِنْ كَانَ لِلدَّابَّةِ سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ سَقَطَ حَائِطٌ فَدَفَعَ رَجُلا فِي الْبِئْرِ فَعَطَبَ فَإِنْ كَانَ قَدْ تُقُدِّمَ إِلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فِي هَدْمِهِ فَلَمْ يَهْدِمْهُ أُخِذَ بِذَلِكَ. وَكُلُّ مَنْ عَطَبَ بالحائظ فَعَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ، وَإِنْ لَمْ يُتَقَدَّمَ إِلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ ضَمَانُ الَّذِي دَفعه الحائظ فِي الْبِئْرِ. وَإِنْ زَلَقَ رَجُلٌ بِمَاءٍ صَبَّهُ رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ أَوْ بِفَضْلِ وَضُوءٍ تَوَضَّأَ بِهِ رجل أَو بِمَاء رَشَّهُ رَجُلٌ فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِي الْبِئْر أَو عطف قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِي الْبِئْرِ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَحَدٌ فَعَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ الضَّمَانُ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَاءَ سَمَاءٍ فَزَلَقَ بِهِ رَجُلٌ فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَعَطَبَ فَعَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ الضَّمَانُ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ زَلَقَ مِنْ سَطْحِهِ أَوْ عَثَرَ بِثَوْبِهِ فَوَقَعَ مِنْ سَطْحِهِ فِي الْبِئْرِ فَعَطَبَ؛ فَعَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ، وَكَذَلِكَ الْمَاشِي فِي الطَّرِيقِ يَعْثُرُ بِثَوْبِهِ فَيَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَعَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ؛ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْوَاقِع عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ صَاحِبُ الْبِئْرِ الرَّجُلَيْنِ جَمِيعًا. فَإِنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ رَجُلٌ فَسَلِمَ فَطَلَبَ الْخُرُوجَ مِنْهَا فَتَعَلَّقَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي بَعْضِهَا سَقَطَ فَعَطَبَ؛ فَلا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْبِئْرِ، لَيْسَ صَاحِبُ الْبِئْرِ فِي هَذَا الْمَوْضُوع بِدَافِعٍ لَهُ، أَرَأَيْتَ لَوْ مَشَى فِي أَسْفَلِهَا فَعَطِبَ أَكَانَ صَاحِبُ الْبِئْر يضمن؟ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. فَإِن كَانَ فِي الْبِئْرِ صَخْرَةٌ؛ فَلَمَّا مَشَى فِي أَسْفَلِهَا عَطَبَ بِالصَّخْرَةِ؛ فَإِنْ كَانَتِ الصَّخْرَةُ فِي مَوْضِعِهَا مِنَ الأَرْضِ لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُ الْبِئْرِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْبِئْرِ اقْتَلَعَهَا مِنْ مَوْضِعِهَا فَوَضَعَهَا فِي نَاحِيَةِ الْبِئْرِ ضَمِنَ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ فَمَاتَ غَمًّا ضَمِنَ صَاحب الْبِئْر. القَوْل فِي جريمة الزِّنَا: قَالَ: وَمَنْ رُفِعَ إِلَى الإِمَامِ وَقَدْ زَنَى فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ بِالزِّنَا، وَأَفْصَحُوا بِالْفَاحِشَةِ سُئِلَ عَنْهُمْ فَإِنْ زُكُّوا وَكَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِمَا لَيْسَا صَبِيَّيْنِ جُلِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَة مائَة جلدَة. فَأَما الرَّجُلُ فَيُضْرَبُ فِي إِزَارٍ وَهُوَ قَائِم وَيفرق الْجلد على أعضاه كلهَا مَا خلا الْوَجْه الجزء: 1 ¦ الصفحة: 176 وَالْفَرْجَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالرَّأْسُ، وَقَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ يُضْرَبُ الرَّأْسُ، فَكَانَ أَحْسَنُ مَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ أَنْ يُضْرَبَ الرَّأْسَ لِمَا بَلَغَنَا فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ1. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ، فَقَالَ: اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ، وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْفَرْجَ. قَالَ: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتُضْرَبُ وَهِيَ قَاعِدَةٌ تُلَفُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا حَتَّى لَا تَبْدُو عَوْرَتُهَا، وَيُجْلَدَانِ جَلْدًا بَيْنَ الْجَلْدَيْنِ لَيْسَ بِالتَّمَطِّي وَلا بِالْخَفِيفِ؛ هَكَذَا حَدَّثَنِي أَشْعَثُ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا بَرْزَةَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى امْرَأَةٍ وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ النَّاسِ؛ فَقَالَ: اجْلِدْهَا جَلْدًا بَيْنَ الْجَلْدَيْنِ، لَيْسَ بِالتَّمَطِّي وَلا بِالْخَفِيفِ، وَاضْرِبْهَا وَعَلَيْهَا مِلْحَفَةٌ، وَلْيَكُنْ السَّوْطُ الَّذِي يَضْرِبُ بِهِ سَوْطًا بَيْنَ السَّوْطَيْنِ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ وَلا بِاللَّيِّنِ؛ هَكَذَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِجْلانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ رجل أصَاب حدا؛ فَأتى بِسَوْط حَدِيد شَدِيدٍ فَقَالَ: "دُونَ هَذَا"، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مُنْتَشِرٍ فَقَالَ: "فَوْقَ هَذَا" فَأتي بِسَوْط قد يَبْسٍ فَقَالَ: "هَذَا". وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ فَدَعَا بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِهِ وَفِيهِ لِينٌ؛ فَقَالَ: أَشَدَّ مِنْ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ فَقَالَ: اضْرِبْ، وَلا يُرَى إبطك2، وَأعْطِ كل عُضْوٍ حَقَّهُ. وَإِنْ شَهِدُوا بِالزِّنَا على مُحصن أَو مُحصنَة وأفضحوا بِالْفَاحِشَةِ أَمَرَ الإِمَامُ بِرَجْمِهِمَا. حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَدُّ الرَّجْمِ؟ قَالَ: "إِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَدْخُلَ3، كَمَا يَدْخُلُ الْمِيلُ فِي الْمِكْحَلَةِ؛ فَقَدْ وَجَبَ الرَّجْمُ. قَالَ: وينغبي أَن يبْدَأ بِالرَّجمِ الشُّهُودُ ثُمَّ الإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ؛ فَأَمَّا الرَّجُلُ فَلا يُحْفَرُ لَهُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُحْفَرُ لَهَا إِلَى السُّرَّة، وَهَكَذَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ أَنَّ عَلِيًّا رَضِي الله رَجَمَ امْرَأَةً فَحَفَرَ لَهَا إِلَى السُّرَّةِ، قَالَ عَامِرٌ: أَنَا شَهِدْتُ ذَلِكَ. وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَتَتْهُ الْغَامِدِيَّةُ فَأَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِالزِّنَا أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى الصَّدْرِ وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا وَدُفِنَتْ.   1 إِذا كَانَ عقله الَّذِي فِي رَأسه هُوَ الَّذِي زين لَهُ ذَلِك. 2 لَا يرفع يَده رفعا بَينا لِأَن فِي هَذَا شدَّة الضَّرْب. 3 أَي ذكره فِي فرج امْرَأَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 177 الْإِقْرَار بِالزِّنَا: قَالَ: وَمن أَتَى الإِمَام فَأَقَرَّ عِنْدَهُ بِالزِّنَا؛ فَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ قَوْلَهُ حَتَّى يُرَدِّدَهُ فَإِذَا أَتَاهُ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كُلُّ مَرَّةٍ يردده فِيهَا وَلا يَقْبَلُ مِنْهُ سَأَلَ عَنْهُ: هَلْ بِهِ لَمَمٌ؟ هَلْ بِهِ جُنُونٌ؟ هَلْ فِي عَقْلِهِ شَيْءٌ يُنْكَرُ؟ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا فَالرَّجْمُ، وَالَّذِي يَبْدَأُ بِالرَّجْمِ فِي الإِقْرَارِ الإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ بِكْرًا أَمَرَ بِجَلْدِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ؛ هَكَذَا بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ بِمَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ أَتَاهُ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ بِالزِّنَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالك إِنِّي زَنَيْتُ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أَتَاهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ؛ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ؛ فَلَمَّا أَصَابَتْهُ الْحِجَارَةُ أَدْبَرَ يَشْتَدُّ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ بِيَدِهِ لَحْيُ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ بِهِ فَصَرَعَهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَارُهُ حِينَ مَسَّتْهُ الْحِجَارَةُ فَقَالَ "هَلا تَرَكْتُمُوهُ؟ "1. وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ عَن عقل مَا عز بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ: "هَلْ تَعْلَمُونَ بِعَقْلِهِ بَأْسًا؟ هَلْ تُنْكِرُونَ مِنْهُ شَيْئًا؟ " فَقَالُوا: لَا نَعْلَمُهُ إِلا وَفِي الْعَقْلِ مِنْ صُلَحَائِنَا فِيمَا نرى. بِمَ يكون الْإِحْصَان: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الإِحْصَانِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ الْحُرُّ مُحْصَنًَا إِلا بِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ قَدْ دَخَلَ بِهَا، وَلا يَكُونُ عَلَى الذِّمِّيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ إِحْصَانٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إِحْصَانٌ، بَعْضُهُمْ يُحْصِنُ بَعْضًا، وَكَذَا جَمِيعُ أَهْلِ الذِّمَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْحُرِّ الْمُسْلِمِ يَكُونُ تَحْتَهُ الأَمَةُ: أَنَّهَا لَا تُحْصِنُهُ؛ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْجَلْدُ فِي الزِّنَا، وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهَا تُحْصِنُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تُحْصِنُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْصِنُهَا وَلا تُحْصِنُه. قَالَ: وَأحسن مَا سمعنَا من ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكُونُ مُحْصَنًا إِلا بِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ، وَإِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ مُحْصِنٌ لَهَا وَلَيْسَتْ بِمُحْصِنَةٍ لَهُ. حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيّ فِي الْحُرِّ يَتَزَوَّجُ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ ثُمَّ يَفْجُرُ، قَالا: يُجْلَدُ وَلَا يرْجم.   1 إِذْ هُوَ الْمُعْتَرف فَيعْتَبر الهروب شُبْهَة وَالْحُدُود تدرأ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَيْسَ الحكم كَذَلِك فِي الْمَشْهُود عَلَيْهِ فَلَا يرفع عَنهُ الضَّرْب أَو الرَّجْم حَتَّى لَو هرب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 178 قَالَ: وَحَدَّثنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِع عَن ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى مُشْرِكَةً مُحْصَنَةً. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: لَا يُحْصِنُ الرَّجُلُ يَهُودِيَّةً وَلا نَصْرَانِيَّةً وَلا بِأَمَتِهِ. لَا يُقَام الْحَد على حَامِل: والمراة إِذَا شُهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا وَهِيَ مُحْصَنَةٌ أَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَهِيَ حَامِلٌ فَلا يَنْبَغِي أَنْ تُرْجَمَ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا؛ هَكَذَا بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ. حَدَّثَنَا أَبَانٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. قَالَ: وَهِيَ حَامِلٌ؛ فَأَمَرَ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ؛ فَلَمَّا وَضَعَتْ جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فأقرت بِمثل الَّذِي كَانَت أَقَرَّتْ بِهِ؛ فَأَمَرَ بِهَا فَأُسْبِلَتْ ثِيَابهَا عَلَيْهَا ثمَّ رجمعها وَصَلَّى عَلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدَتْ أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا". شُرُوط تجب فِيمَن يشْهد على الزِّنَا: فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا عَلَى رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ وَهُمْ عِمْيَانٌ فَيَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَحِدَّهُمْ وَلا حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا عَبِيدًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ، وَكَذَلِكَ لَو كَانُوا أهل ذِمَّةً، لَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ غلا شَهَادَةُ أَرْبَعَةِ أَحْرَارٍ مُسْلِمِينَ عُدُولٍ؛ فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فُسَّاقًا أَوْ سُئِلَ عَنْهُمْ؛ فَلَمْ يُزَكَّوْا فَلا حَدَّ عَلَيْهِمْ لأَنَّهُمْ أَرْبَعَةٌ وَلا حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا؛ فَكَانَ أحدهم لَيْسَ بِعدْل وَلم يَكُونُوا كُلُّهُمْ عُدُولا قَالَ: لَا أَجْلِدُ أَحَدًا مِنْهُمْ. قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَة النِّسَاء فِي الْحُدُود. القَوْل فِي حد شرب الْخَمْرَ: قَالَ: وَمَنْ رُفِعَ وَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، قَلِيلُ الْخَمْرِ وَكَثِيرُهَا حَرَامٌ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ حَرَامٌ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ. حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: فِي قَلِيلِ الْخَمْرِ وَكَثِيرِهَا ثَمَانُون [جلدَة] . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 179 قَالَ وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الشَّرَاب حد يُسْكِرَ إِلا الْخَمْرِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ، عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْبَعِينَ وَكَمَّلَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنَّةٌ، يَعْنِي فِي الْخَمْرِ. وَالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُضْرَبُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ قَلِيلا أَوْ كَثِيرًا ثَمَانِينَ، وَمَنْ سَكِرَ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ مِنَ الشَّرَابِ حَتَّى يَذْهَبَ عَقْلُهُ وَحَتَّى لَا يَعْرِفَ شَيْئًا وَلا يُنْكِرَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانِينَ. وَضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي السُّكْرِ مِنَ النَّبِيذِ ثَمَانِينَ. حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ الْمُخَارِقِ قَالَ: سَايَرَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ صَائِمًا؛ فَلَمَّا أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَهْوَى إِلَى قِرْبَةٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُعَلَّقَةٍ فِيهَا نَبِيذٌ؛ فَشَرِبَ مِنْهَا فَسَكِرَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَدَّ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إِنَّمَا شَرِبْتُ مِنْ قِرْبَتِكَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا جَلَدْتُكَ لِسُكْرِكَ لَا عَلَى شُرْبِكَ. قَالَ وَحَدَّثَنِي مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ ذَكَرَهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا حَدٌّ إِلا فِيمَا حَبَسَ الْعَقْلَ". وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُقَام الْحَد على السركان حَتَّى يَفِيقَ. هَكَذَا بَلَغَنَا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَلَ بِالنَّجَاشِيِّ1. وَحَدَّثَ مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: إِذَا سَكِرَ الإِنْسَانُ تُرِكَ حَتَّى يفِيق ثمَّ يجلد. من شرب خمرًا فِي رَمَضَان: وَمَنْ رُفِعَ وَقَدْ شَرِبَ خَمْرًا فِي رَمَضَانَ أَوْ شَرِبَ شَرَابًا غير الْخمر فَكسر مِنْهُ؛ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ الْحَدَّ وَيُعَزَّرُ2 بَعْدَ الْحَدِّ أَسْوَاطًا، بَلَغَنَا ذَلِكَ أَوْ نَحْوٌ مِنْهُ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ خَمْرًا فِي رَمَضَانَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ وَعَزَّرَهُ عِشْرِينَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي رَجُلٍ أُتِيَ بِهِ وَقَدْ شرب فِي رَمَضَان الْخمر.   1 لَيْسَ بنجاشي الْحَبَشَة إِنَّمَا هُوَ رجل يَدعِي كَذَلِك. 2 أَي يُؤَدب بِمَا لم يبلغ أدنى الْحُدُود. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 180 القَوْل فِي الْقَذْف وَحده: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَمَنْ رُفِعَ وَقَدْ قَذَفَ رَجُلا حُرًّا مُسْلِمًا بِالزِّنَا فَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِك شَاهِدَانِ فَعُدِّلا أَوْ كَانَ أقرّ بقذفه لَهُ ضرب الحدش، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَذَفَ أُمَّ رَجُلٍ أَوْ أَبَاهُ وَهُمَا مُسْلِمَانِ؛ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ الْحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْقَاذِفُ ضَرَبَ لِلأَوَّلِ حَتَّى قَذَفَ آخَرَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ لَهما جَمِيعًا حدا وَاحِدًا. إِذا كَانَ الْقَاذِف عبدا: فَإِن كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا ضُرِبَ حَدَّ الْعَبْدِ أَرْبَعِينَ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضُرِبَ بَعْدَ مَا قَذَفَ حَتَّى أُعْتِقَ ثُمَّ قَدَّمَهُ إِلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ عَلَى الأَرْبَعِينَ؛ لأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَوْمَ قَذَفَ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضُرِبَ بَعْدَ الْعِتْقِ حَتَّى قَذَفَ آخَرَ ضُرِبَ لِلأَوَّلِ وَلِلثَّانِي ثَمَانِينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ضُرِبَ مِنَ الثَّمَانِينَ أَسْوَاطًا ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ كَمُلَتْ لَهُ الثَّمَانُونَ وَيُحْتَسَبُ بِمَا مَضَى وَلا يُضْرَبُ ثَمَانِينَ مُسْتَقْبَلَةً مَا بَقِيَ مِنَ الْحَدِّ سَوْطٌ، وَإِنْ قَذَفَ رَابِعًا وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الثَّمَانِينَ سَوْطٌ كملت لَهُ الثَّمَانُونَ وَلم يضْرب للرابع سِوَى مَا ضُرِبَ، فَإِنْ كَمُلَتْ لَهُ الثَّمَانُونَ ثُمَّ قَذَفَ آخَرَ ضُرِبَ لِذَلِكَ ثَمَانِينَ أُخْرَى بَعْدَ أَنْ يُحْبَسَ حَتَّى يَخِفَّ الضَّرْبُ. حَدثنَا سعيد بن قَتَادَة عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْعَبْدِ يَقْذِفُ الْحُرَّ قَالَ: يُضْرَبُ أَرْبَعِينَ، قالَ قَتَادَةُ وَهُوَ رَأْيُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ. قَالَ: وَحدثنَا ابْن جرير عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَمْلُوكِ يَقْذِفُ الْحُرَّ قَالَ: يجلد أَرْبَعِينَ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَجْمَعَ أَصْحَابُنَا أَنْ لَا يُقْبَلَ لِلْقَاذِفِ شِهَادَةً أَبَدًا1؛ فَإِنْ تَابَ فَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِيمَنْ قَذَفَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا قَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَيُضْرَبُ الزَّانِي فِي إِزَارٍ، وَيُضْرَبُ الشَّارِبُ فِي إِزَارٍ، وَيُضْرَبُ الْقَاذِفُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ؛ إِلا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَرْوٌ2 فَيُنْزَعُ عَنْهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالا: يُضْرَبُ الْقَاذِفُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ. وَحَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يُضْرَبُ الْقَاذِفُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فرو أَو   1 "وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا"، وَمن الْفُقَهَاء من قبل شَهَادَته بعد تَوْبَته. 2 وكل مَا يمْنَع ألم الضَّرْب فِي الْوُصُول إِلَى جسده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 181 قِبَاءٌ مَحْشُوٌّ فَيُنْزَعُ عَنْهُ حَتَّى يَجِدَ مَسَّ الضَّرْبِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَمَّا الزَّانِي فَتُخْلَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ، وَيُضْرَبُ فِي إِزَارٍ وَتَلا: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النُّور: 2] ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الشَّارِبُ يُضْرَبُ فِي إِزَارٍ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَضَرْبُ الزَّانِي أَشَدَّ مِنْ ضَرْبِ الشَّارِبِ، وَضَرْبُ الشَّارِبِ أَشَدَّ مِنْ ضرب الْقَاذِف، وَالتَّعْزِير1 أَشد من ذَلِك كُله. عُقُوبَة التَّعْزِير: وَقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي التَّعْزِير قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحُدُودِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا2، وَقَالَ بَعضهم: أبلغ بالتعزير خَمْسَةٌ وَسَبْعِينَ سَوْطًا أَنْقَصَ مِنْ حَدِّ الْحُرِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَبْلُغُ بِهِ أَكْثَرَ. وَكَانَ أَحْسَنُ مَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَن التَّعْزِير إِلَى الإِمَامِ عَلَى قَدْرِ عِظَمِ الجرم وصغره، وعَلى قدر مَا يرى مِنَ احْتِمَالِ الْمَضْرُوبِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَين أقل من ثَمَانِينَ. حكم العَبْد والمة إِذا زَنَيَا: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي الأَمَةِ وَالْعَبْدِ يَفْجُرَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُضْرَبُ خَمْسِينَ؛ هَكَذَا رُوِيَ لَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ: دَعَانَا عُمَرُ فِي فِتْيَانٍ مِنْ قُرْيَشٍ إِلَى جَلْدِ إِمَاءٍ مِنْ رَقِيقِ الإِمَارَةِ زَنَيْنَ فَضَرَبْنَاهُنَّ خمسين خمسين. وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَال: جَاءَ مَعْقِلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ جَارِيَتِي زَنَتْ. فَقَالَ: اجْلِدْهَا خَمْسِينَ. قَالَ وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَالشعْبِيّ قَالُوا: لَيْسَ عَلَى مُسْتَكْرَهَةٍ حَدٌّ، قَالَ أَبُو يُوسُف وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِك وَالله أعلم. القَوْل فِي السّرقَة وَحدهَا: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَمَنْ رُفِعَ وَقَدْ سَرَقَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالسَّرِقَةِ وَبَلَغَتْ قِيمَةُ مَا سَرَقَ إِنْ كَانَ مَتَاعًا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ كَانَتِ السَّرِقَةُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ؛ فَلْتَقْطَعْ يَدُهُ مِنَ الْمِفْصَلِ، فَإِنْ عَادَ فَسَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ قِيمَتَهَا قَطَعْتَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَأَمَّا   1 عُقُوبَة غير محددة يقدرها الْحَاكِم على الجناة فِيمَا دون الْحَد. 2 أَي لَا يزِيدهُ عَن تسع وَثَلَاثِينَ جلدَة إِذا أَن حد العَبْد الْقَاذِف أَرْبَعُونَ جلدَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 182 مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنَ الرِّجْلِ فَإِنَّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُقْطَعُ مِنَ الْمِفْصَلِ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُقْطَعُ مِنْ مُقَدَّمِ الرِّجْلِ، فَخُذْ بِأَيِّ الأَقَاوِيلِ شِئْتَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوَسَّعًا عَلَيْكَ. وَأَمَّا الْيَدُ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْقَطْعَ مِنَ الْمِفْصَلِ، وَيَنْبَغِي إِذَا قُطِعَتْ أَنْ تُحْسَمَ1. حَدَّثَنَا مَيْسَرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ عَدِيٍّ يُحَدِّثُ رَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ رِجْلا مِنَ الْمِفْصَلِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ الْعَلاءِ عَنْ عَبَّادٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُرَّةَ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطَعَ سَارِقًا مِنَ الْخِصْرِ خِصْرِ الْقَدَمِ. قَالَ وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أُمِّ رَزِينٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَيَعْجَزُ أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلاءِ أَن يقطعوا كم قَطَعَ هَذَا الأَعْرَابِيُّ؟ يَعْنِي نَجْدَةَ؛ فَلَقَد قطع فَمَا أَخطَأ يقطع الرِّجْلِ وَيَدَعُ عَاقِبَهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطَعَ الْيَدَ مِنَ الْمِفْصَلِ، وَقَطَعَ أَعلَى الْقدَم وَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى شَطْرِهَا. قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَن حجية بن عَدِيّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْطَعُ أَيْدِي اللُّصُوصِ ويحسمهم. قيمَة مَا يجب فِيهِ الْحَد فِي السّرقَة: وَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاؤُنَا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا قَطْعَ إِلا فِيمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا. وَقَالَ آخَرُونَ: يَجِبُ الْقَطْعُ فِيمَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ خَمْسَةً فَصَاعِدًا، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ: ثَلاثَةُ دَرَاهِمَ؛ فَكَانَ أَحْسَنُ مَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنَ الآثَارِ، عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ السَّارِقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْطَعُ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَكَانَ لِلْمِجَنِّ يَوْمَئِذٍ ثَمَنٌ، وَلَمْ يَكُنْ يُقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّد بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي دُونِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ، وَثَمَنُ الْمِجَنِّ عَشْرَةُ دَرَاهِم.   1 بأية طَريقَة تمنع سيلان الدَّم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 183 قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ بن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَا يُقْطَعُ إِلا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ، وَقَدْ بَلَغَنَا نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّيْء التافه. الشَّهَادَة المتقادمة فِي الْحُدُود: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنَ الشُّهُودِ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَوَقَّتُوا وَقْتًا مُتَقَادِمًا وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بُعْدُهُمْ عَنِ الإِمَامِ لَمْ تقبل شَهَادَتهم ودرئعنه الْحَدُّ فِي ذَلِكَ. وَكَذَا إِنْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِسَرِقَةٍ تُسَاوِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ وَوَقَّتُوا وَقْتًا مُتَقَادِمًا دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ أَيْضًا؛ وَلَكِنْ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ. وَإِنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِقَذْفِهِ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَوَقَّتُوا وَقْتًا مُتَقَادِمًا وَحَضَرَ الرَّجُلُ يَطْلُبُ حَقَّهُ أُقِيمَ عَلَى الْقَاذِفِ الْحَدُّ، وَلَمْ يُزِلْهُ تَقَادُمُهُ لأَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ الْجِرَاحَةُ الْعَمْدُ الَّتِي يُقْتَصُّ مِنْهَا، وَالْجِرَاحَةُ الْخَطَأُ الَّتِي فِيهَا الْأَرْش. إِذا كرر الجريمة: قَالَ أَبُو يُوسُف: لَوْ قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلا بِالْبَصْرَةِ وَآخَرَ بِمَدِينَةِ السَّلامَ وَآخَرُ بِالْكُوفَةِ، ثُمَّ ضُرِبَ الْحَدُّ لِبَعْضِهِمْ كَانَ ذَلِكَ الْحَدُّ لَهُمْ كُلُّهُمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ سُرِقَ غَيْرَ مَرَّةٍ قُطِعَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِتِلْكَ السَّرِقَاتِ كُلِّهَا. قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالا: إِذَا سَرَقَ مِرَارًا فَإِنَّمَا يَدُهُ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا وَإِذَا قَذَفَ مِرَارًا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ1. إِذا أقرّ الْجَانِي: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَمَنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ يَجِبُ فِي مِثْلِهَا الْقَطْعُ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُقْطَعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُقِرَّ مَرَّتَيْنِ؛ فَكَانَ أَحْسَنُ مَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ أَن لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُقِرَّ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ2؛ هَكَذَا جَاءَ الأَثَرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِي الله عَنهُ، وَكَذَلِكَ الإِقْرَارُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ إِذَا كَانَ رِيحُهَا يُوجَدُ مِنْهُ؛ فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يُضْرَبُ حَتَّى يُقِرُّ مَرَّتَيْنِ؛ فَأَمَّا الإِقْرَارُ بِالْقَذْفِ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ إِذَا أَقَرَّ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الْقِصَاصُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي النَّفْسِ وَمَا دونهَا وَفِي الْجِرَاحَات.   1 وَهَذَا إِذا كَانَ لم يُعَاقب على الجريمة الأولى فَإِن الْعُقُوبَات تتداخل. 2 تمثيلا بالمشاهدين اللَّذين يَشْهَدَانِ بِالسَّرقَةِ كَمَا كَانَ الْإِقْرَار بِالزِّنَا أَربع مَرَّات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 184 وَالإِقْرَارِ بِالأَمْوَالِ يُنْفِذُ ذَلِكَ أُجْمِعَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً. وَمَنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ يَجِبُ فِي مِثْلِهَا الْقَطْعُ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ حُدَّ فِي زِنًا فَأَمَرَ الإِمَامُ بِضَرْبِهِ أَو قطع يَدَيْهِ فَرَجَعَ عَنِ الإِقْرَارِ قَبْلَ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِهِ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ دُونِهَا أَوْ مَالٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ نَفَذَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِيمَا كَانَ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ بِرُجُوعِهِ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدْ سَرَقْتُ، فَانْتَهَرَهُ ثُمَّ عَادَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ سَرَقْتُ؛ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ شَهِدْتَ عَلَى نَفْسِكَ شَهَادَةً تَامَّةً، قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ. قَالَ: وَأَنَا رَأَيْتُهَا مُعَلَّقَةً فِي عُنُقِهِ1. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ امْرَأَةً رُفِعَتْ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَقَالَ لَهَا عُمَرُ. إِنْ رَجَعْتِ لَمْ نُقِمْ عَلَيْكِ الْحَدَّ. قَالَ: وحدثا ابْن جريرج قَالَ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: مَنِ اعْتَرَفَ مِرَارًا كَثِيرَةً بِسَرِقَةٍ أَوْ حَدٍّ ثُمَّ أَنْكَرَ لَمْ يَجِبْ عَلْيَهِ شَيْءٌ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقَدْ بَلَغَنَا عَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلُ ذَلِك. القَوْل فِي إِقْرَار العَبْد وجناياته: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَإِذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِقَتْلِ رَجُلٍ عَمْدًا أَوْ قَذْفٍ أَوْ سَرِقَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْقَطْعُ أَوْ بِزِنًا فَإِقْرَارُهُ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِهِ، وَالْقَذْفُ وَالسَّرِقَةُ وَالزِّنَا يَلْزَمُهُ فِي بَدَنِهِ؛ فَلَيْسَ بِمُتَّهَمٍ فِي هَذَا الأَمْرِ؛ إِنَّمَا يُتَّهَمُ فِي الأَمْوَالِ وَفِي الْجِنَايَةِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا لأَنَّ هَذَا لَوْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ يُقَالُ لسَيِّده ادفعه أَو افده واقض عَنْهُ دَيْنَهُ، أَوْ يُبَاعُ فِي ذَلِكَ. وَلا يُصَدَّقُ الْعَبْدُ إِذَا أَقَّر بِقَتْلٍ خَطَأٍ وَلا بِجِرَاحَةٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلا بِغَصْبٍ وَلا بِدَيْنٍ2. وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ وَغَصْبِ الأَمْوَالِ. وَلَوْ لَمْ يكن أقرّ بِشَيْء مِنْ ذَلِكَ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِقَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ بِجِرَاحَةٍ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِمَوْلاهُ: ادْفَعْهُ بِذَلِكَ أَوِ افْدِهِ بِالدِّيَةِ أَوِ بِأَرْشِ الْجُرْحِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِغَصْبِ مَالٍ قِيلَ   1 تنكيلا بالسارق. 2 إِذا الْغرم هُنَا يَقع على السَّيِّد وَقد تكون مكيدة من العَبْد على سَيّده. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 185 لِمَوْلاهُ: افْدِهِ أَوْ بِعْهُ فِيهِ، وَالأَمَةُ فِيمَا وَصَفْنَا مِثْلُ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبُ مِثْلُ الْعَبْدِ أَيْضًا. حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدُّ الْمُكَاتَبِ حَدُّ الْمَمْلُوكِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: يَجُوزُ إِقْرَارُ الْعَبْدِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ حَدٍّ يُقَامُ عَلَيْهِ وَمَا أَقَرَّ بِهِ مِمَّا تَذْهَبُ فِيهِ رَقَبَتُهُ؛ فَلا يَجُوزُ فِي ذَلِك إِقْرَاره. الْقَوْم الَّذين لَا يقطع الشَّخْص فِي السّرقَة مِنْهُم: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلا يُقْطَعُ أَحَدٌ فِي سَرِقَةٍ مِنْ أَبِيهِ وَلا مِنْ أُمِّهِ وَلا مِنِ ابْنِهِ وَلا مِنْ أَخِيهِ وَلا مِنْ أُخْتِهِ وَلا مِنْ زَوْجَتِهِ وَلا مِنْ ذَوِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ مِنْهُ. وَلا تُقْطَعُ الْمَرْأَةُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، وَلا يُقْطَعُ الْعَبْدُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَلا السَّيِّدُ مِنْ مَالِ عَبْدِهِ، وَلا الْمُكَاتَبُ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ، وَلا سَيِّدُهُ مِنْ مَالِهِ، وَلا مَنْ سَرَقَ مِنَ الْفَيْءِ، وَلا مَنْ سَرَقَ مِنَ الْخُمُسِ، وَلا السَّارِقُ مِنَ الْحَمَّامِ وَلا مِنَ الْحَانُوتِ الْمَفْتُوحِ لِلْبَيْعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَلا مِنَ الْخَانِ إِذَا دَخَلَهُ، وَلا الشَّرِيكِ فِي سَرِقَتِهِ مِنْ شَرِيكِهِ مِنْ مَتَاعِ الشَّرِكَةِ، وَلا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ وَدِيعَةً عِنْدَهُ أَوْ عَارِية أَو رهنا. أَنْوَاع من السّرقَة وَفِيمَا يجب فِيهِ الْقطع: وَأَمَّا النَّبَّاشُ1 فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى قَطْعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا أَقْطَعُهُ لأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَوْضِعِ حرز؛ فَكَانَ أَحْسَنُ مَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُقْطَعَ وَكَذَلِكَ الطرار2 إِذا أَخذ وَقد طر مِنَ الْكُمِّ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَتْ يَدَيْهِ؛ فَإِنْ كَانَ الَّذِي طَرَّهُ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يُقْطَعْ، وَعُوقِبَ وَحُبِسَ حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً. فَأَمَّا الْقَفَّافُ3 وَالْمُخْتَلِسُ فَعَلَيْهِمَا الأَدَبُ وَالْحَبْسُ حَتَّى يُحْدِثَا تَوْبَةً. وَأَمَّا الْفَشَّاشُ الَّذِي يَفِشُّ أَبْوَابَ دُورِ النَّاسِ أَوْ بَابَ الْحَانُوتِ وَيَخْرُجُ بِالْمَتَاعِ مِنَ الْبَيْتِ أَوِ الدَّارِ فَيُوجَدُ الْمَتَاعُ مَعَهُ؛ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ إِذَا خَرَجَ بِالْمَتَاعِ. وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَدْخُلُ مَنْزِلَ قَوْمٍ فَتَأْخُذُ مِنْهُمْ ثَوْبًا أَوْ مَا أَشْبَهَهُ قِيمَتُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فَإِذَا خَرَجَتْ بِهِ من بَاب الدَّار فعلَيْهَا   1 هُوَ الَّذِي يسرق من الْقَبْر الأكفان أَو الْأَسْنَان الذهبية من أَفْوَاه الْمَوْتَى مثلا أَو يسرق الجثث لبيعها لمن يتَعَلَّم الطِّبّ. 2 هُوَ الَّذِي يشق الْجُيُوب فَيَقَع مَا فِيهَا. 3 من يخفي المَال بَين أَصَابِعه. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 186 الْقَطْعُ. وَالسَّارِقُ مِنَ الْفُسْطَاطِ الَّذِي لم يُؤذن فِيهِ يُقْطَعُ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَشُقُّ الْجَوَالِقَ وَيَسْرِقُ مِنْهُ يُقْطَعُ. وَكَذَلِكَ الَّذِي يَنْقُبُ الْبَيْتَ وَيُدْخِلُ يَدَهُ فَيَسْرِقُ مِنْهُ وَلا يَدْخُلُهُ بِنَفْسِهِ يُقْطَعُ. وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا فِي الطَّرَّارِ: إِذَا طَرَّ مِنْ صُرَّةٍ فِي كُمِّ الرَّجُلِ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا إِنْ كَانَتِ الصُّرَّةُ مَشْدُودَةٌ إِلَى دَاخِلِ الْكُمِّ قُطِعَ وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةٌ مِنَ الْكُمِّ لَمْ يُقْطَعْ. وَمَنْ وُجِدَ قَدْ نَقَبَ دَارا وحانوتا وَدَخَلَ فَجَمَعَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى أُدْرِكَ؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ، وَيُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُحْبَسُ حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَة. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلَيٍّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ نَقَبَ وَأُخِذَ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ فَلَمْ يَقْطَعْهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ حَتَّى يَخْرُجَ بِالْمَتَاعِ مِنَ الْبَيْت. من سرق شَيْئا لَهُ فِيهِ حق وسرقة العَبْد من سَيّده: قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّ رَجُلا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَتَبَ فِيهِ سَعْدٌ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ "لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ"1. قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِذَا سَرَقَ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَلَهُ فِيهَا شَيْءٌ2 لَمْ يُقْطَعَ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْهَا وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ قَطْعٌ. قَالَ وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الرجل يَطَأُ الْجَارِيَةَ مِنَ الْفَيْءِ. قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهَا حَدٌّ إِذَا كَانَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَال: جَاءَ مَعْقِلٌ الْمُزَنِيُّ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: غُلامِي سَرَقَ فَتَاتِي؛ أَفَأَقْطَعُهُ؟ فَقَالَ عبد الله لَا، ملك بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلامٍ قَدْ سَرَقَ مِنْ سَيِّدِهِ فَلَمْ يَقْطَعْهُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا سَرَقَ عَبْدِي مِنْ مَالِي لَمْ أَقْطَعْهُ".   1 إِذْ أَنه لَهُ فِيهَا حق. 2 أَي إِذا كَانَ مُقَاتِلًا مثلا لَهُ حق فِي أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 187 قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ عَن عتيبة عَن إِبْرَاهِيم الشّعبِيّ قَالَ: يُقْطَعُ سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَما لَوْ سَرَقَ مِنْ أَحْيَائِنَا، قَالَ الْحَجَّاجُ: وَسَأَلْتُ عَطَاءً عَنِ النَّبَّاشِ فَقَالَ: يقطع1. أَنْوَاع لَا يقطعون وَأَشْيَاء لَا يجب فِيهَا الْقطع: قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ وَلا عَلَى الْمُسْتَلِبِ وَلا عَلَى الْخَائِنِ قَطْعٌ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ فِي الْغُلُولِ2 قَطْعٌ". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلَيْسَ فِي الْغُلُولِ قَطْعٌ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ الأَثَرُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ قَدْ غَلَّ فَحَرِّقُوا مَتَاعَهُ"، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يُعَاقِبَانِ فِي الْغُلُولِ عُقُوبَةً مُوجِعَةً. وَالَّذِي أَدْرَكْتُ عَلَيْهِ فُقَهَاءَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنْ يُعَاقَبَ فَيُوجَعَ عُقُوبَةً وَيُؤْخَذَ مَا يُوجد عِنْده. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الْخَمْرِ وَالْخَنَازِيرِ وَالْمَعَازِفِ كُلِّهَا، وَلا فِي النَّبِيذ وَلَا فِي شَيْء مِنَ الطَّيْرِ وَلا الصَّيْدِ، وَلا فِي شَيْءٍ مِنَ الْوَحْشِ، وَلا فِي النَّوَى وَالتُّرَابِ وَالْجَصِّ وَالنَّوْرَةِ وَالْمَاءِ. وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ: لَا قَطْعَ فِي طَعَامٍ يُؤْكَلُ، يَعْنِي الْخُبْزَ وَلا فِي فَاكِهَةٍ رَطْبَةٍ3، وَلا فِي الْحَطَبِ وَلا فِي الْخَشَبِ وَلا فِي الْحِجَارَةِ كُلِّهَا، الْجَصِّ والنورة والزرنيخ والفخار والطين والغرة وَالْقُدُورِ وَالْكُحْلِ وَالزُّجَاجِ. وَلا فِي السَّمَكِ الْمَالِحِ مِنْهُ وَالطَّرِيِّ، وَلا فِي شَيْءٍ مِنَ الْبُقُولِ وَالرَّيَاحِينِ وَلا فِي الأَنْوَارِ4، وَلا فِي التِّبْنِ وَلا فِي التَّخْتَجِ5، وَلا فِي الْمُصْحَفِ وَلا فِي الصُّحُفِ الَّتِي فِيهَا شِعْرٌ؛ فَأَمَّا الْقَتُّ6، والخل فَكَانَ يرى فيهمَا الْقطع.   1 يَقُولُونَ: إِن الْقَبْر حرز لما فِيهِ فَيقطع من سرق مِنْهُ وَدَلِيل الَّذين يَقُولُونَ بِعَدَمِ الْقطع أَن الْمَيِّت لَا يملك. 2 الْغلُول: الْأَخْذ من الْغَنِيمَة قبل الْقِسْمَة. 3 وكل شَيْء يسْرع إِلَيْهِ الْفساد كَاللَّحْمِ مثلا. 4 الأزهار. 5 أَلْوَاح الخمشب. 6 جنس من النَّبَات. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 188 قَالَ أَبُو يُوسُف: وَمَنْ سَرَقَ عَفْصًا أَوْ اهْلِيلَجًا أَوْ شَيْئًا مِنَ الأَدْوِيَةِ الْيَابِسَةِ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحِنْطَةِ أَوْ مِنَ الشَّعِيرِ أَوْ مِنَ الدَّقِيقِ أَوْ مِنَ الْحُبُوبِ أَوْ مِنَ الْفَاكِهَةِ الْيَابِسَةِ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْجَوْهَرِ أَوِ اللُّؤْلُؤِ أَوْ شَيْئًا مِنَ الأَدْهَانِ أَوِ الطِّيبِ مِثْلَ الْعُودِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الطِّيبِ، وَكَانَتْ قِيمَةُ مَا سَرَقَ مِنْ ذَلِكَ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا؛ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ؛ هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَيْسَ عَلَى سَارِقِ الثِّمَارِ مِنْ رُءُوسِ النَّخْلِ قَطْعٌ. وَإِنْ سَرَقَ مِنْهُ بَعْدَ مَا أُحْرِزَ فِي الجرين1 وَالْبُيُوتِ قُطِعَ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَة دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا. وَلا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ مِنْ مَرَاعِيهَا، وَإِنْ سَرَقَهَا مِنْ مَوْضِعٍ قَدْ أُحْرِزَتْ فِيهِ قُطِعَ. وَلا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنَ الْقَنَا وَالسَّاجِ وَالْخَشَبِ؛ إِلا أَنْ يَسْرِقَهُ، وَقَدْ جُعِلَ آنِيَةً أَوْ أَبْوَابًا؛ فَإِنَّهُ إِنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ يُسَاوِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَلا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ شَيْئًا مِنَ الأَصْنَامِ خَشَبًا كَانَ أَوْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً. هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيَّانَ عَن رَافع بن خَدِيجٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلا فِي كَثَرٍ"2. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ سرق طَعَاما فَلم يقطعهُ. وَقَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: "لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ قَطْعٌ حَتَّى يَأْوِي الْمُرَاحَ3، وَلا فِي شَيْءٍ مِنَ الثِّمَارِ قَطْعٌ حَتَّى تَأْوِي الجرين". قَالَ أَبُو يُوسُف وَقَدْ بَلَغَنَا نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ سَمِعْتُ حَمَّادًا يَقُولُ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَقْطَعُ فِي شَيْءٍ مِنَ الطَّيْرِ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَرَى الْقَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ قَوْلِي.   1 الجرين أَو الجرن -الْمَكَان الَّذِي يجفف فِيهِ التَّمْر ويدرس فِيهِ الْحبّ. 2 طلع النّخل. 3 مَا تأوي فِيهِ الْمَاشِيَة لَيْلًا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 189 السَّارِق الَّذِي بِهِ عاهة فِي يَده أَو رجله: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَإِذَا سَرَقَ الرَّجُلُ وَهُوَ أَشَلُّ الْيَدِ الْيُمْنَى قُطِعَتْ يَمِينُهُ الشَّلاءُ، فَإِذَا كَانَتِ الشَّلاءُ هِيَ الْيُسْرَى لَمْ أَقْطَعِ الْيُمْنَى مِنْ قِبَل أَن يَده الْيُمْنَى إِن انْقَطَعت تُرِكَ بِغَيْرِ يَدٍ؛ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الرِّجْلُ الْيُمْنَى شَلاءَ لَمْ تُقْطَعِ يَدُهُ الْيُمْنَى؛ لِئَلا يَكُونَ مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ يَدٌ وَلا رِجْلٌ؛ فَإِنْ كَانَتْ الرِّجْلُ الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ وَالرِّجْلُ الْيُسْرَى شَلاءَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشَّلَلَ فِي الشِّقِّ الآخَرَ؛ فَإِن عَادَ فَسَرَقَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى الشَّلاءَ فَإِنْ عَادَ فَسَرَقَ لم يقطع1؛ وَلَكِن يجبس عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَيُوجَعُ عُقُوبَةً إِلَى أَنْ يُحْدِثَ تَوْبَةً؛ هَكَذَا بَلَغَنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا. حد مَا يقطع من السَّارِق وَإِذا سرق أَكثر من مرّة: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ فِي السَّارِقِ: تُقْطَعُ يَدُهُ؛ فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَإِنْ عَادَ اسْتُودِعَ السِّجْنَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ سِمَاكٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَشَارَ فِي السَّارِقِ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِن سرقت قُطِعَتْ يَدُهُ، فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَإِنْ عَادَ اسْتُودِعَ السِّجْنَ. قَالَ: وَحدثنَا الْحجَّاج بن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ نَجْدَةَ كَتَبَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ السَّارِقِ؛ فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فعل مثل ذَلِك بسارق. إِذا سرق فَقطعت يَده قبل الْقصاص فِي حَادِثَة: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلَوْ سَرَقَ سَرِقَةً يَجِبُ فِي مِثْلِهَا الْقَطْعُ وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي قِتَالٍ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تُقْطَعِ رِجْلُهُ الْيُسْرَى؛ وَلَكِنْ يوجع عُقُوبَة وَيضمن السّرقَة ويتسودع السجْن حَتَّى يَتُوب. من لَا يُقَام عَلَيْهِم الْحَد: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى غُلامٍ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ فَإِنْ شُكَّ فِيهِ فَلا يُقَامُ حَدٌّ حَتَّى   1 يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ إِنِّي أستحيي من الله أَلا أترك لَهُ يدا يَأْكُل بهَا أَو رجلا يمشي عَلَيْهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 190 يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقَدْ قَالُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ1، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ لَا يُقَامُ عَلَيْهَا شَيْءٌ مِنَ الْحُدُودِ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ تَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً2، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: عَرَضَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقِتَالِ يَوْمَ أُحُدٍ فَاسْتَصْغَرَنِي فَرَدَّنِي، وَكُنْتُ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةٍ. وَعَرَضَنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ فَأَجَازَنِي قَالَ نَافِعٌ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، قَالَ فَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ "مَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَافْرِضُوا لَهُ فِي الْمُقَاتِلَةَ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَافْرِضُوا لَهُ فِي الذُّرِّيَّةِ"؛ فَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَاهُ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. حَدَّثَنَا أَبَانُ عَنْ أَنَسٍ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِغُلامٍ قَدْ سَرَقَ وَلَمْ يَتَبَيَّنَ احْتِلامُهُ فَلَمْ يَقْطَعْهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: "إِذَا بَلَغَ الْغُلامُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الْجَارِيَةِ تُزَوَّجُ فَيُدْخَلُ بِهَا، ثُمَّ تُصِيبُ فَاحِشَةً قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا حَدٌّ حَتَّى تحيض. الْإِجْبَار على الِاعْتِرَاف: قَالَ: وَمَنْ ظُنَّ بِهِ أَوْ تُوُهِّمَ عَلَيْهِ سَرِقَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّرَ بِالضَّرْبِ وَالتَّوَعُّدِ وَالتَّخْوِيفِ؛ فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ أَوْ بِحَدٍّ أَوْ بِقَتْلٍ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ؛ فَلَيْسَ إِقْرَاره ذَلِك بِشَيْء، وَلا يَحِلُّ قَطْعُهُ وَلا أَخْذُهُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ. حَدَّثَنِي الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "لَيْسَ الرَّجُلُ بِمَأْمُونٍ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ أَجَعْتَهُ أَوْ أخفته أَو حسته أَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أُتِيَ طَارِقٌ بِالشَّامِ بِرَجُلٍ قَدْ أُخِذَ فِي تُهْمَةِ سَرِقَةٍ؛ فَضَرَبَهُ فَأَقَرَّ بِهِ؛ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "لَا يُقْطَعُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَقَرَّ بعد ضربه إِيَّاه".   1 حَتَّى ثَمَانِيَة عشر عَاما للغلام. 2 لِأَن هَذَا هُوَ الْحَد بِالنِّسْبَةِ للبلوغ عَادَة وَالْبِنْت قد تبلغ من التَّاسِعَة والغلام من اثْنَي عشر عَاما. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 191 لَا تُؤْخَذ النَّاس بالتهم ودرء الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ: قَالَ: وَتُقَدِّمَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى وُلاتِكَ لَا يَأْخُذُونَ النَّاسَ بالتهم: يَجِيء الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ "أَيِ الْوَالِي"؛ فَيَقُولُ هَذَا اتَّهَمَنِي فِي سَرِقَةٍ سُرِقَتْ مِنْهُ فَيَأْخُذُونَهُ بِذَلِك وَغَيْرِهِ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَحِلُّ الْعَمَلُ بِهِ وَلا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ دَعْوَى رَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ فِي قَتْلٍ وَلا سَرِقَةٍ، وَلا يُقَامُ عَلَيْهِ حد إِلَّا بِبَيِّنَة عَادِلَةٌ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْ غَيْرِ تَهْدِيدٍ مِنَ الْوَالِي لَهُ أَوْ وَعِيدٍ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ لَكَ. تلقين الْمُتَّهم مَا يسْقط عَنهُ الْحَد: وَلا يَحِلُّ وَلا يَسَعُ أَنْ يحبس رجل بتهمة رجل لَهُ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْخُذُ النَّاسَ بِالْقَرَفِ1؛ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ادَّعَى حَكَمَ بِهَا وَإِلا أَخَذَ من الْمُدَّعِي عَلَيْهِ كفي لَو خلى عَنْهُ؛ فَإِنْ أَوْضَحَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا وَإِلا لَمْ يُتَعَرَّضَ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْحَبْسِ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ فَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ بِهِ وَبِخَصْمِهِ؛ فَقَدْ كَانَ يَبْلُغُ مِنْ تَوَقِّي أَصْحَابِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُدُودَ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا وَمَا كَانُوا يَرَوْنَ مِنَ الْفَضْلِ فِي دَرْئِهَا بِالشُّبُهَاتِ أَنْ يَقُولُوا لِمَنْ أُتِيَ بِهِ سَارِقًا أَسَرَقْتَ قُلْ لَا، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ فَقِيل: هَذَا سَرَقَ شَمْلَةً فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ "مَا أَخَالُهُ سَارِقًا". وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ رَجُلا سَرَقَ شَمْلَةً فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "مَا إِخَالُهُ سَرَقَ، أَسَرَقْتَ؟ ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَلِيمٍ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أُتِيَ بِسَارِقٍ -وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ- فَقَالَ: "أَسَرَقْتَ؟ قَول لَا2 أسرقت؟ قَول لَا". قَالَ: وحَدثني ابْن جرير عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أُتِيَ عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِرَجُلٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلانِ أَنَّهُ سَرَقَ قَالَ: فَأَخَذَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ ثُمَّ هَدَّدَ شُهُودَ الزُّورِ فَقَالَ: لَا أُوتَى بِشَاهِدِ زُورٍ إِلا فَعَلْتُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ طَلَبَ الشَّاهِدَيْنِ فَلَمْ يَجِدْهُمَا؛ فخلى سَبِيل الرجل. الْخَطَأ فِي قطع الْيَد الْمَقْصُودَة: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلَوْ أَنَّ الإِمَامَ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ رَجُلٍ فِي سَرِقَةٍ -يَدَهُ الْيُمْنَى- فَقَدَّمَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُسْرَى فَقُطِعَتْ لَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ الْيُمْنَى، بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَهُوَ أحسن مَا رَأينَا   1 أَي التُّهْمَة بِلَا بَيِّنَة. 2 الأَصْل قل إِلَّا أَنه زَاد فِي الضمة فقلبت واوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 192 وَالله أعلم. سَرقَة الْمُسلم من الذِّمِّيّ وَالْعَكْس: قَالَ فِي الْمُسْلِمِ يَسْرِقُ مِنَ الذِّمِّيِّ: إِنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ السَّارِقَ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ السَّارِق ذِمِّيا يلْزمه مَا يلْزم السَّارِقُ الْمُسْلِمُ. قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: "مَنْ سَرَقَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ أُخِذَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ غَيرهمَا قطع". القَوْل فِي الْمُحَارب: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَمَنْ أُخِذَ وَقَدْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَحَارَبَ؛ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ: إِذَا حَارَبَ فَأَخَذَ الْمَالَ قطعت يَده وَرجله من خلال وَلَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُصْلَبْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ مَعَ أَخْذِ الْمَالِ؛ فَالإِمَامُ فِيهِ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ وَلَمْ يَقْطَعْهُ, وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ ثُمَّ صَلَبَهُ أَوْ قَتَلَهُ؛ فَإِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ قُتِلَ. قَالَ: ونفيه من الأَرْض صلبه، وَكَانَ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ حَمَّادٍ عَن إِبْرَاهِيم. قَالَ أَبُو يُوسُف: إِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ قُتِلَ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلافٍ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَحَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْخِيَارُ فِي الْمُحَارِبِ إِلَى الإِمَام. من تزوج امْرَأَة فِي عدتهَا وَأَشْيَاء لَا يجب فِيهَا حد الزِّنَا: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَمَنْ رُفِعَ إِلَيْكَ وَقَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا؛ فَلا حَدَّ عَلَيْهِ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ من عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ فَإِنَّمَا لَمْ يَرَيَا فِي ذَلِكَ حَدًّا1؛ وَلَكِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ رُفِعَ إِلَيْكَ وَقَدْ فَجَرَ بِأَمَةٍ لَهُ فِيهَا شِقْصٌ2 فَلا حَدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَطَأُ مُكَاتِبَتَهُ. وَكَذِلَكَ الَّذِي يَطَأُ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَةَ أَبِيهِ أَوْ جَارِيَة أَنه إِذَا قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ عَلَيَّ، فَإِنْ قَالَ: قَدْ علمت أَن ذَلِك حرَام أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَلا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَوِ ابْنِ ابْنِهِ، وَإِنْ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ لما جَاءَ فِي ذَلِك   1 إِذْ هَذِه شُبْهَة تمنع الْحَد ادرءوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ. 2 أَي جُزْء أَو نصيب فِي شركَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 193 عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ". فَأَمَّا مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ جَارِيَةَ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ مِنْهُ سِوَى مَا سَمَّيْتُ؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ جَارِيَةٍ كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا أَحَدُهُمَا قَالَ: "لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ حُرْقُوصٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلا وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ فَدَرَأَ عَنْهُ الْحَدَّ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنِّي وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلا تَعُدْ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ أُمِّهِ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَجَارِيَةُ الْجَدِّ وَالْجَدَّةِ مثل جَارِيَة الْأُم وَالْأَب1. الاغتصاب: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَمَنْ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْحَدُّ، وَإِنْ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ فَجَرَ بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا حُدَّ بِهِ: وَلَوْ فَجَرَ بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا فَإِنِّي أستحسن ألزمهُ قيمتهَا وَلَا أحده. لَا يحكم الْحَاكِم بِعِلْمِهِ: وَإِذَا رَأَى الإِمَامُ أَوْ حَاكِمُهُ رَجُلا قَدْ سَرَقَ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ زَنَى؛ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ بِرُؤْيَتِهِ لِذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ بِهِ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ لِمَا بَلَغَنَا فِي ذَلِك من الأَثَرِ؛ فَأَمَّا الْقِيَاسُ فَإِنَّهُ يَمْضِي ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ وَلَكِنْ بَلَغَنَا نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ فَأَمَّا إِذَا سَمِعَهُ يُقِرَّ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْهَدَ بِهِ عَلَيْهِ. الْأَمَاكِن الَّتِي لَا تُقَام فِيهَا الْحُدُود: وَلا يَنْبَغِي أَنْ تُقَامَ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلا فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: غَزَوْنَا أَرْضَ الرّوم ومعنا حُذَيْفَة وَعَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَشَرِبَ الْخَمْرَ فَأَرَدْنَا أَنْ نُحِدَّهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: تُحِدُّونَ أَمِيرَكُمْ وَقَدْ دَنَوْتُمْ   1 وَلَكِن يُعَاقِبهُ الإِمَام على الْحَرَام. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 194 مِنْ عَدُوِّكُمْ فَيَطْمَعُونَ فِيكُمْ؟ وَبَلَغَنَا أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ أُمَرَاءَ الْجُيُوشِ وَالسَّرَايَا أَنْ لَا يَجْلِدُوا أَحَدًا حَتَّى يَطْلُعُوا مِنَ الدَّرْبِ1 قَافِلِينَ، وَكَرِهَ أَنْ تَحْمِلَ الْمَحْدُودِ حَمِيَّةَ الشَّيْطَانِ عَلَى اللُّحُوقِ بِالْكُفَّارِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيُّ عَنْ مَعْقِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَارَّهُ فَقَالَ: يَا قَنْبَرُ أَخْرِجْهُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يقيموا الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد. إِذا استكره ذمِّي مسلمة على الزِّنَا: قَالَ أَبُو يُوسُف: الذِّمِّيُّ إِذَا اسْتَكْرَهَ الْمَرَأَةَ الْمُسْلِمَةَ عَلَى نَفْسِهَا فَعَلَيْهِ مِنَ الْحَدِّ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ فِي قَوْلِ فُقَهَائِنَا. وَقَدْ رُوِيتُ فِيهِ أَحَادِيثَ مِنْهَا مَا حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أبي هِنْد عَن زِيَاد بن عُثْمَانَ أَنَّ رَجُلا مِنَ النَّصَارَى استكره امْرَأَة مسلمة لى نَفْسِهَا فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ: "مَا عَلَي هَذَا صَالَحْنَاكُمْ"؛ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مجَالد عَن الشبعي عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ نَبَطِ الشَّامِ نَخَسَ بِامْرَأَةٍ عَلَى دَابَّةٍ؛ فَلَمْ تَقَعْ فَدَفَعَهَا فَصَرَعَهَا؛ فَانْكَشَفَتْ عَنْهَا ثِيَابُهَا، فَجَلَسَ فَجَامَعَهَا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأُمِرَ بِهِ فَصُلِبَ، وَقَالَ: "لَيْسَ عَلَى هَذَا عاهدناكم". الْحر يَبِيع الْحر: قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحُرِّ يَبِيعُ الْحُرَّ2 قَالَ "يعاقبان وَلَا قطع عَلَيْهِمَا".   1 الدَّرْب الموصف إِلَى بِلَاد الرّوم. 2 أَي بِرِضا المباع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 195 فصل: "فِي حكم الْمُرْتَد عَن الْإِسْلَام" والزنادقة قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ عَنِ الإِسْلامِ إِلَى الْكُفْرِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى اسْتِتَابَتَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الزَّنَادِقَةُ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ وَقَدْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الإِسْلامَ، وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ يُسْلِمُ، ثُمَّ يَرْتَدُّ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ؛ فَيَعُودُ إِلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ خَرَجَ مِنْهُ، وَكُلٌّ قَدْ رَوَى فِي ذَلِكَ آثَارًا وَاحْتَجَّ بِهَا؛ فَمن رأى أَن لَا يُسْتَتَاب فَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الهل عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ". وَمن رأى أَن يُسْتَتَاب فَيَحْتَجُّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَوْلِهِ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ؛ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ". وَيَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ وَيَقُولُونَ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ"، وَهَذَا الْمُرْتَدُّ الَّذِي قَدْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ لَيْسَ بِمُقِيمٍ عَلَى التَّبْدِيلِ. وَمَعْنَى حَدِيثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: أَيْ من أَقَامَ عَلَى تَبْدِيلِهِ؛ أَلا تَرَى أَنَّهُ قَدْ حَرَّمَ دَمَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ وَمَالَهُ، وَهَذَا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ؛ فَكَيْفَ أَقْتُلُهُ، وَقَدْ نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهِ؟ "، وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ يَقُولُ لأُسَامَةَ: "يَا أُسَامَةَ أَقَتَلْتَهُ بعد قَول لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟ "؛ فَقَالَ أُسَامَةُ: إِنَّمَا قَالَهَا فَرَقًا مِنَ السِّلاحِ1 فَقَالَ "هَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟ "؛ فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ، وَأَنَّ قَتْلَهُ لَمْ يَكُنْ مُطْلَقًا لَهُ بِتَوَهُّمِهِ أَنَّهُ؛ إِنَّمَا قَالَهَا فَرَقًا مِنَ السِّلَاح. قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ قَالَ: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ؛ فَأَدْرَكْتُ رَجُلا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟ " قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُول اله غنما قَالَهَا فَرَقًا مِنَ السِّلاحِ، قَالَ: "فَهَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حِينَ قَالَ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا فَرَقًا مِنَ السِّلاحِ أَوْ لَا؟ " فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أسلمت يَوْمئِذٍ2.   1 أَي خوفًا من الْقَتْل. 2 لِأَن الْإِسْلَام يقطع مَا كَانَ قبله من الذُّنُوب. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 196 قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهَ؛ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم مثله. اسْتِتَابَة الْمُرْتَد: قَالَ: وَحَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَتْحُ تُسْتَرَ سَأَلَهُمْ "هَلْ مِنْ مُغْرِبَةٍ خَبَرٌ؟ 1، قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلٌ من الْمُسلمين لحق بالمشركين فَأَخَذْنَاهُ. قَالَ: "فَمَا صَنَعْتُمْ بِهِ؟ " قَالُوا: قَتَلْنَاهُ. قَالَ: "أَفَلا أَدْخَلْتُمُوهُ بَيْتًا وَأَغْلَقْتُمْ عَلَيْهِ بَابًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا وَاسْتَتَبْتُمُوهُ ثَلاثًا؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلا قَتَلْتُمُوهُ؟ اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَشْهَدْ وَلَمْ آمُرَ وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي". قَالَ: وَحَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَن مُوسَى عَن عُثْمَان قَالَ "يُسْتَتَاب الْمُرْتَدُّ ثَلاثًا"، قَالَ: حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلاثًا2، فَإِنْ تَابَ وَإِلا قُتِلَ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّ مُعَاذًا دَخَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَقَدْ اسْتَتَبْنَاهُ مُنْذُ شَهْرَيْنِ فَلَمْ يَتُبْ؛ فَقَالَ مُعَاذٌ لَا أَجْلِسُ حَتَّى أَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَضَاءُ اللَّهِ وَقَضَاءُ رَسُولِهِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ فَإِنْ تَابَ ترك وَإِلَّا قتل. قَالَ أَبُو يُوسُف: بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ يَحْتَجُّ مَنْ رَأَى مِنَ الْفُقَهَاء -وهم كثير- الاستتابة، وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهِ أَعْلَمُ أَنْ يُسْتَتَابُوا فَإِنْ تَابُوا وَإِلا ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ عَلَى مَا جَاءَ مِنَ الأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ من الْفُقَهَاء. الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت: قَالَ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ إِذَا ارْتَدَّتْ عَنِ الإِسْلامِ فَحَالُهَا مُخَالِفٌ لِحَالِ الرجل، تَأْخُذ من الْمُرْتَدَّةِ بِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ الله تَعَالَى حَدَّثَنِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَا يُقْتَلُ النِّسَاءُ إِذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنِ الإِسْلامِ وَلَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إِلَى الإِسْلامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ"3.   1 أَي خبر عَجِيب غَرِيب. 2 قد تكون لَهُ شُبْهَة فتوضح لَهُ فَكل من لَهُ عقل لَا يخْتَار على دين الْإِسْلَام دينا. 3 إِذْ هن لَا يقتلن فِي المعارك كالرجال الْبَالِغين. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 197 من ارْتَدَّ فلحق بدار الْحَرْب: قَالَ أَبُو يُوسُف: إِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ وَالْمَرَأَةُ وَلَحِقَا بدارالحرب فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى الإِمَامِ؛ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَسِّمَ مَا خَلَّفَاهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا مُدْبِرُونَ عُتِقُوا، وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ أُمَّهَاتُ أَوْلادٍ عُتِقْنَ، وَلُحُوقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ، وَلَوْ كَانَ خَلَّفَ رَقِيقًا لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَام فأعتقهن وَهُوَ فِي دارالحرب لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةٍ أَوْ وَهَبَ لَهُ هِبَةً لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ أَعْتَقَ أَوْ أَوْصَى أَوْ وَهَبَ قَبْلَ ن يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ جَازَ ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ إِذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ مَالِهِ وَصَارَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ؛ فَأَمَّا امْرَأَتُهُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَتُؤْمَرُ أَنْ تَعْتَدَّ مِنْهُ بِثَلاثٍ حِيَضٍ1 مُنْذُ يَوْمِ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلا فَحَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تَتَزَوَّجَ إِنْ شَاءَتْ. وَيُقَسَّمُ مَالُهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنْ أَمَرَ الإِمَامُ بِقِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ قَدْ حَاضَتْ ثَلاثَ حِيَضٍ مُنْذُ يَوْمِ ارْتَدَّ إِلَى يَوْمِ أَمَرَ الإِمَامُ بِقِسْمَةِ مَالِهِ فَلا مِيرَاثَ لَهَا؛ لأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ لِلأَزْوَاجِ، أَرَأَيْت لَو تزوجت آخر فَمَاتَ أَكنت أورثها مِنْهُمَا جَمِيعًا؟ إِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاثًا فِي الْمَرَضِ أَوْ وَاحِدَةٍ بَائِنَةٍ فِي الصَّحَّةِ؛ فَإِنْ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْهُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ تَرِثْ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَدْخُلُ بِهِ الْمُرْتَدُّ مِنْ مَالِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهُوَ غَنِيمَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ. حكم الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّ زَوجهَا وَلحق بدار الْكفَّار: قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنْ عَامِرٍ وَعَن الحكم عَن عُتَيْبَةَ فِي الْمُسْلِمَةِ يَرْتَدُّ زَوْجُهَا وَيَلْحَقُ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَثَلاثَةُ قُرُوءٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلا فَحِينَ تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إِنْ شَاءَتْ وَيُقَسَّمُ الْمِيرَاثُ بَين ورثته من الْمُسلمين. حكم مَال الْمُرْتَد: قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ بِمُسْتَوْرِدٍ الْعِجْلِيِّ، وَقَدِ ارْتَدَّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ فَأَبَى فَقَتَلَهُ وَجَعَلَ مِيرَاثَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: فَإِنْ رَجَعَ هَذَا الْمُرْتَدُّ تَائِبًا رُدَّ إِلَيْهِ مَا وُجِدَ مِنْ مَالِهِ قَائِمًا بِعَيْنِهِ، وَمَا اسْتَهْلَكَ وَرَثَتُهُ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَأَمَّا مُدَبِّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلادِهِ فَإِنْ كَانَ الإِمَامُ قَدْ أَعْتَقَهُمْ فَقَدْ مَضَى عِتْقُهُمْ وَلَا   1 إِن كَانَت مِمَّن يحضن أَو ثَلَاثَة أشهر إِن لم تكن. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 198 يُرْجَعُ فِي شَيْءٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْتِقُهُمْ فَهُمْ عَلَى حَالهم قبل أَن يرْتَد. حكم زوج الْمُرْتَدَّة سليمَة ومريضة: وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إِذَا ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ فَأَمَرَ الإِمَامُ بِقِسْمَةِ تَرِكَتِهَا بَيْنَ وَرَثَتِهَا، وَلَهَا زَوْجٌ فَلا مِيرَاثَ لِزَوْجِهَا؛ فَإِنَّهَا حِينَ ارْتَدَّتْ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَصَارَ لَهَا غَيْرُ زَوْجٍ. وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ عَلَى حَالِ الْمَرَضِ؛ فَقَضَى الإِمَامُ بِمَوْتِهَا فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أُوَرِّثَ زَوْجَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأُفَرِّقُ بَيْنَ رِدَّتِهَا فِي صِحَّتِهَا وَرِدَّتِهَا فِي مَرَضِهَا الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ، وَبِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ، وَلَيْسَ هُوَ بِقِيَاسٍ1 الْقِيَاسُ أَنْ لَا مِيرَاثَ لِلزَّوْجِ، كَانَتْ الرِّدَّةُ منهافي الْمَرَض أَو فِي الصِّحَّة. الرجل يرْتَد وَهُوَ مَرِيض وَحكم مِيرَاث زَوجته: فَأَمَّا الرَّجُلُ إِذَا ارْتَدَّ وَهُوَ مَرِيضٌ فَلَمْ يَتُبْ حَتَّى مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ؛ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ قَدْ حَاضَتْ ثَلاثَ حِيَضٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ فَلا مِيرَاثَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضَتْ ثَلاثَ حِيَضٍ فَلَهَا الْمِيرَاثُ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ، وَمَوْتُهُ هَهُنَا فِي مَرَضِهِ مِثْلُ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فِي الصِّحَّةِ إِذَا قَضَى الإِمَامُ بِمَوْتِهِ وَأَمَرَ بِقِسْمَةِ مَا خَلَّفَ فِي دَار الْإِسْلَام. من سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عياذا بِاللَّه. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ تَنْقُصُهُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَبَانَتْ مِنْهُ زَوْجَتُهُ؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلا قُتِلَ. وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ؛ إِلا أَنَّ أَبَا حنيفَة قَالَ: لَا تقل الْمَرْأَة وتجبر على الْإِسْلَام. من أسلم ثمَّ ارْتَدَّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتٍ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ عَامِلا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ؛ فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ أَنَّ رَجُلا كَانَ يَهُودِيّا؛ فَأسلم ثُمَّ تَهَوَّدَ وَرَجَعَ عَنِ الإِسْلامِ؛ فَكَتَبَ إِلَيَّ عُمَرُ: أَنْ ادْعُهُ إِلَى الإِسْلامِ؛ فَإِنْ أَسْلَمَ فَخَلِّ سَبِيلَهُ، وَإِنْ أَبِي فَادْعُ بِالْخَشَبَةِ فَأَضْجِعْهُ عَلَيْهَا ثُمَّ ادْعُهُ؛ فَإِنْ أَبَى فَأَوْثِقْهُ وَضَعِ الْحَرَبَةَ عَلَى قَلْبِهِ ثُمَّ ادْعُهُ، فَإِنْ رَجَعَ فَخَلِّ سَبِيلَهُ، وَإِنْ أَبَى فَاقْتُلْهُ، قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ حَتَّى وَضَعَ الْحَرْبَةَ عَلَى قَلْبِهِ فَأَسْلَمَ؛ فخلى سَبيله. مَا يُصِيبهُ الْوُلَاة مَعَ اللُّصُوص وَمَا لَيْسَ لَهُ مَالك مَعْرُوف: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مِمَّا يُصِيبهُ ولاتك فِي الْأَمْصَار   1 وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَان كَمَا يَقُول بِهِ بعض الْفُقَهَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 199 مَعَ اللُّصُوصِ إِذَا أَخَذُوا مِنَ المَال الذَّهَب وَالْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَا أَصَبْتَ مَعَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَقَدَّمَ إِلَى وُلاتِكَ فِي أَنْ يَصِيرَ إِلَى رجل مِنْ أَهْلِ الأَمَانَةِ وَالصَّلاحِ فَيُصَيِّرَهُ فِي مَوْضِعٍ حَرِيزٍ؛ فَإِنْ جَاءَ لَهُ طَالِبٌ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً شُهُودًا لَا بَأْسَ بِهِمْ، قَوْمًا مِنْ أَهْلِ التِّجَارَةِ مَعْرُوفِينَ، رَدَّ عَلَيْهِ مَتَاعَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ. وَضَمَّنَهُ الْمَتَاعَ أَوْ قِيمَتَهُ إِنْ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ لَهُ طَالِبٌ بِيعَ الْمَتَاعُ وَالسِّلاحُ وَصُيِّرَ ثَمَنُهُ وَالْمَالُ الَّذِي أُصِيبَ مَعَهم إِلَى بَيت المَال؛ فَإِن هَذَا وَشَبَهَهُ مِمَّا يَذْهَبُ بِهِ الْوُلاةُ وَلا يَحِلُّ لَهُمْ وَلا يَسَعُهُمْ إِلا أَنْ يَرْفَعُوهُ إِلَيْكَ؛ فَمُرْ وُلاتَكَ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَمِصْرٍ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا أَنْ يُثْبِتُوهُ عِنْدَهُمْ وَيُصَيِّرُوهُ إِلَى الَّذِي يُجْعَلُ إِلَيْهِ حِفْظُ ذَلِكَ، وَتُقَدِّمَ إِلَيْهِ فِي الْعَمَلِ بِمَا حَدَّدْتَهُ لَهُ، وَتُقَدِّمَ إِلَيْهِ إِنْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَادَّعَى شَيْئًا مِنَ الْمَتَاعِ أَوِ الْمَالِ الَّذِي يُوجد مَعَ اللُّصُوص فَاسْأَلْهُ الْبَيِّنَة؛ فَإِن لم يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَكَانَ الرَّجُلُ ثِقَةً عَدْلا أَمِينًا لَيْسَ بِمُتَّهَمٍ عَلَى ادِّعَاءِ مَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِ، وَيُضَمِّنَهُ إِيَّاهُ إِنْ جَاءَ مُسْتَحِقٌّ لشَيْء مِمَّا كَانَ دَفَعَ إِلَيْهِ. وَهَذَا اسْتِحْسَان لِأَنَّهُ رُبمَا لَا يكن للرجل الْبَيِّنَةَ عَلَى مَتَاعٍ أَوْ مَالٍ أَنَّهُ لَهُ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ثِقَةٌ لَيْسَ مِمَّنْ يَدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ. وَإِنْ أَخَذَ اللُّصُوصُ وَمَعَهُمْ مَتَاعٌ وَصَاحِبُ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ وَهُوَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ رُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ مَكَانَهُ، وَلا يَرُدُّ الْوَالِي صَاحِبَهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ ذَهَابَ مَتَاعِهِ لِيَضْجَرَ الرَّجُلُ فَيَدَعَ الْمَتَاعَ فَيَأْخُذَهُ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا أُصِيبَ مَعَ الْخَنَّاقِينَ وَالْمُبَنِّجِينَ فَسَبِيلُهُ هَذَا السَّبِيلُ: إِنْ جَاءَ لَهُ طَالِبٌ فَأَقَامَ البنية عَلَى شَيْءٍ وَعُدِلَتْ بَيِّنَتُهُ دُفِعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَأْتِ لَهُ طَالِبٌ بِيعَ الْمَتَاعُ وَجُمِعَ ثَمَنُهُ وَدُفِعَ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ. وَإِذَا عُرِفَ الْخَنَّاقُ أَوْ أَقَرَّ أَوْ أُصِيبَ مَعَهُ أَدَاةُ الْخَنَّاقِينَ وَمَعَهُ الْمَتَاعُ أَمَرْتَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ إِنْ أَقَرَّ وَصَلْبِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُبَنِّجُ إِذَا وُجِدَ فَأَقَرَّ أَوْ أُصِيبَ مَعَهُ الطَّعَامُ الَّذِي فِيهِ بِنْجٌ، وَأُصِيبَ مَعَهُ مَتَاعُ النَّاسِ أَوْ أَدَاةَ الْخَنَّاقِينَ؛ فَالأَمْرُ فِيهِمْ إِلَيْكَ إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ ظَاهِرًا مَكْشُوفًا لَا يخْتل. وَمَا صَارَ إِلَى الْقُضَاةِ فِي الْمُدُنِ والأمصار من مَتَاع الغرباء وَمَا لَهُم وَلَيْسَ لِذَلِكَ طَالِبٌ وَلا وَارِثٌ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ إِلَيْكَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ إِنْ بَقِيَ فِي أَيْدِي الْقُضَاةِ صَيَّرُوهُ إِلَى أَقْوَامٍ يَأْكُلُونَهُ. وَهَذَا وَشَبَهُهُ مَا وُجِدَ مَعَ اللُّصُوصِ؛ مِمَّا لَيْسَ لَهُ طَالِبٌ وَلا مُدَّعٍ؛ إِنَّمَا هُوَ لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَتَفَقَّدَ هَذَا وَشَبَهَهُ. وَتَقَدَّمَ إِلَى وُلاتِكَ عَلَى الْبَرِيدِ وَالْأَخْبَار فِي النواحي أَن الجزء: 1 ¦ الصفحة: 200 يكتبوا إِلَيْك بِمَا يحدث من ذَلِكَ، وَرَأْيُكَ بَعْدُ فِي ذَلِكَ. القَوْل فِي من يأبق من العبيد وَالْإِمَاء وَمَا يفعل بهم الإِمَام: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّا يُدْفَعُ إِلَى الْوُلاةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنَ الْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ الأُبَّاقِ، وَأَنَّهُمْ قَدْ كَثُرُوا فِي الْحَبْسِ فِي كُلِّ مِصْرٍ وَمَدِينَةٍ وَلَيْسَ يَأْتِي لَهُمْ طَالِبٌ، فَوَلِّ رَجُلا ثِقَةً تَرْضَى دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ بَيْعَ مَنْ بِحَضْرَتِكَ بِمَدِينَةِ السَّلامِ فِي الْحَبْسِ حَتَّى يَبِيعَهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى وُلاتِكَ عَلَى الْقَضَاءِ فِي الأَمْصَارِ وَالْمُدُنِ بِذَلِكَ حَتَّى يَخْرُجَ الْغُلامُ أَوِ الأَمَةُ فَيُسْأَلَ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ مَوْلاهُ، وَمِنْ أَيِّ بَلَدٍ هُوَ؟ وَأَيْنَ يَسْكُنُ مَوْلاهُ؟ وَمِنْ أَيِّ الْقَبَائِلِ هُوَ؟ وَيُكْتَبُ ذَلِكَ فِي دَفْتَرٍ وَيُكْتَبُ اسْمُ الْعَبْدِ وَحِلْيَتُهُ وَجِنْسَهُ وَالشَّهْرَ الَّذِي أَبَقَ فِيهِ وَالسَّنَةَ، وَالشَّهْرَ الَّذِي أُخِذَ فِيهِ وَالسَّنَةَ، ثُمَّ يُثْبَتُ ذَلِكَ عَلَى مَا يقوم الْعَبْدُ ثُمَّ يُحْبَسُ. فَإِذَا أَتَى عَلَيْهِ فِي الْحَبْسِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَأْتِ لَهُ طَالِبٌ أَخْرَجَهُ الرَّجُلُ الَّذِي وَلَّيْتَهُ أَمْرَهُمْ فَنَادَى عَلَيْهِمْ فَيمَنْ يَزِيدُ وَبَاعَهُمْ وَجَمَعَ مَالَهُمْ وَصَيَّرَهُ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ مَالُ ثَمَنِ الأُبَّاقِ؛ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ وَلَمْ يُبَعِ الْعَبْدُ وَلا الأَمَةُ قَالَ لَهُ: سَمِّ اسْمَ الْعَبْدِ أَوِ الأَمَةِ، وَمَا اسْمُكَ؟ وَمِنْ أَيِّ بَلَدٍ أَنْتَ؟ وَمَا جِنْسُ الْعَبْدِ أَوِ الأَمَةِ وَمَا حِلْيَتُهُ وَهُوَ يَنْظُرُ فِي الدَّفْتَرِ الَّذِي أَثْبَتَ فِيهِ الأَسْمَاءَ مِنَ الْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ، وَفِي أَيِّ شَهْرٍ أَبَقَ مِنْكَ؟ فَإِذَا وَافَقَ الاسْمُ الاسْمَ وَالْبَلَدُ الْبَلَدَ وَالْحِلْيَةُ الْحِلْيَةَ وَالْجِنْسُ الْجِنْسَ أُخْرِجَ الْعَبْدُ أَوِ الأَمَةُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَتَعْرِفُ هَذَا؟ فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مَوْلاهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ جَاءَ الْمَوْلَى وَقَدْ بِيعَ الْعَبْدُ أَوِ الأَمَةُ سَأَلَهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ قَبِيلَتِهِ وَبَلَدِهِ، وَعَنِ اسْمِ الْعَبْدِ وَحِلْيَتِهِ، وَهُوَ يَنْظُرُ فِي الدَّفْتَرِ. فَإِذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَلَى مَا كَانَ الْعَبْدُ أَخْبَرَ بِهِ وَوَافَقَ ذَلِكَ مَا فِي الدَّفْتَرِ دُفِعَ إِلَيْهِ ثَمَنُ الْعَبْدِ الَّذِي كَانَ بَاعَهُ، وَلْيَكُنْ مَا يُبَاعُ بِهِ الْعَبْدُ مُثْبَتًا فِي الدَّفْتَرِ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ وَاسْمِ مَوْلاهُ، وَكَذَلِكَ الأَمَةُ. وَإِنْ لَمْ يَأْتِ لِذَلِكَ طَالِبٌ وَطَالَتْ بِهِ الْمُدَّةُ صَيَّرَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ يَصْنَعُ بِهِ الإِمَامُ مَا أَحَبَّ وَيَصْرِفُهُ فِيمَا يَرَى أَنَّهُ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي الإِجْرَاءِ عَلَى هَؤُلاءِ الأُبَّاقِ إِلَى أَنْ يُبَاعُوا كَمَا كَمَا يُجْرِي عَلَى مَنْ فِي الْحَبْسِ عَلَى مَا كُنْتُ قَدَّرْتُ لِكُلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ، وَلْيَكُنِ الإِجْرَاءُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَيَّرَ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِمْ إِلَى الرَّجُلِ الَّذِي تُوَلِّيهِ أَمْرَهُمْ وَبَيْعَهُمْ ورأيك بعد فِي ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 201 الأَرْض الَّذِي يستغلها الْوُلَاة ووكلاؤهم: وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّا بَلَغَكَ وَاسْتَقَرَّ عِنْدَكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَيْكَ وَالِيكَ وَصَاحِبُ الْبَرِيدِ أَنَّ فِي يَدِ قَاضِي الْبَصْرَةِ أَرَضِينَ كَثِيرَةً فِيهَا نَخْلٌ وَشَجَرٌ وَمَزَارِعٌ، وَأَنَّ غَلَّةَ ذَلِكَ تَبْلُغُ شَيْئًا كَثِيرًا فِي السّنة وَقد صيرها فِي أُدي وُكَلاءٍ مِنْ قِبَلِهِ يَجْرِي عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَلْفًا وَأَلْفَيْنِ وَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَدَّعِي فِيهَا دَعْوَى، وَأَنَّ الْقَاضِي وَوُكَلاءَهُ يَأْكُلُونَ ذَلِكَ؛ فَهَذَا وَشَبَهَهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْكَ النَّظَرُ فِيهِ إِذَا اسْتَقَرَّ عِنْدَكَ فَمَا كَانَ فِي يَدِ الْقَاضِي؛ مِمَّا لَيْسَ يَدَّعِي فِيهِ أَحَدٌ دَعْوَى، وَقَدِ اسْتَغَلَّهُ وُكَلاءُ الْقَاضِي وَأَخَذُوا غَلَّةَ ذَلِكَ وَطَالَتْ بِهِ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَطْلُبُ فِيهِ حَقًّا، وَقَدْ أَمْسَكَ الْقَاضِي عَنِ الْكِتَابِ إِلَيْكَ بِذَلِكَ لِتَرَى فِيهِ رَأْيَكَ؛ فَقَاضِي سُوءٍ صَيَّرَ هَذَا وَشَبَهَهُ مَأْكَلَةً لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ وَهُوَ آثِمٌ فِي ذَلِكَ فَتُقَدِّمَ إِلَى وُلاتِكَ فِي مُحَاسَبَةِ الْقَاضِي عَلَى مَا جَرَى عَلَى يَدَيْهِ وَأَيْدِي وُكَلائِهِ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهُ وَيَصِيرَ مَا كَانَ مِنْ غَلاتِ ذَلِكَ إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونُ لِوَارِثٍ وَلا لأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ يَدَّعِيهِ. وَإِذَا صَحَّ مِثْلُ هَذَا عَلَى الْقَاضِي حَتَّى تَبَيَّنَ امْتِنَاعُهُ مِنَ الْكِتَابِ إِلَى الإِمَامِ بذلك فقاضي سوء غاش لنسه وَللْإِمَام وللسملمين، وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعَانَ بِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ تَأْمُرَ بِإِخْرَاجِ تِلْكَ الأَرْضِينَ مِنْ أَيْدِي الْقُضَاةِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا وَيُؤْكِلُونَهَا، وَأَنْ تَخْتَارَ لَهَا رَجُلا ثِقَةً أَمِينًا عَدْلا، وَأَنْ تَأْمُرَ أَنْ يُخْتَارَ لَهَا الثِّقَاتُ فَيَتَوَلَّوْا أَمْرَهَا وَتَأْمُرَ بِأَنْ تُحْمَلَ غَلاتُهَا إِلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، إِلَى أَنْ يَأْتِي مُسْتَحِقٌّ لشَيْء مِنْهَا؛ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ مِنَ الْْمُسْلِمِينَ لَا وَارِثَ لَهُ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ؛ إِلا أَنْ يَدَّعِي مُدَّعٍ مِنْهَا شَيْئًا بِمِيرَاثٍ يَرِثُهُ عَنْ بَعْضِ مَنْ مَاتَ ورتكها وَيَأْتِي عَلَى ذَلِكَ بِبُرْهَانٍ وَبَيِّنَةٍ فَيُعْطَى مِنْهَا مَا يَجِبُ لَهُ ورأيك بعد فِي ذَلِك. اخْتِيَار الثِّقَة من أَصْحَاب الْأَخْبَار وتوجيهات لأَصْحَاب الْبَرِيد: وَتقدم إِلَى صَاحب الْبَرِيد هُنَا بِالْكِتَابِ إِلَيْكَ بِكُلِّ مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا وَشَبَهِهِ وَتُوعِدُهُ عَلَى سَتْرِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْ وُلاتِكَ عَلَى الْبَرِيدِ وَالأَخْبَارِ فِي النَّوَاحِي تَخْلِيطٌ كَثِيرٌ وَمُحَابَاةٌ فِيمَا يُحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلاةِ وَالرَّعِيَّةِ، وَأَنَّهُمْ رُبَّمَا مَالُوا مَعَ الْعُمَّالِ عَلَى الرَّعِيَّةِ وَسَتَرُوا أَخْبَارَهُمْ وَسُوءَ مُعَامَلَتِهِمْ لِلنَّاسِ، وَرُبَّمَا كَتَبُوا فِي الْوُلاةِ وَالْعُمَّالِ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا إِذَا لَمْ يُرْضُوهُمْ، وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ تَتَفَقَّدَهُ وَتَأْمُرَ بِاخْتِيَارِ الثِّقَاتِ الْعُدُولِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ وَمِصْرٍ فَتُوَلِّيَهُمُ الْبَرِيدَ وَالْأَخْبَار. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 202 وَكَيْفَ يَنْبَغِي أَلا يُقْبَلَ خَبَرٌ إِلا مِنْ ثِقَةٍ عَدْلٍ؟ وَيَجْرِي لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلْيُدَرَّ عَلَيْهِمْ وَتَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي أَنْ لَا يَسْتُرُوا عَنْكَ خَبَرًا عَنْ رَعِيَّتِكَ وَلا عَنْ وُلاتِكَ، وَلا يَزِيدُوا فيَمَا يَكْتُبُونَ بِهِ عَلَيْكَ خَبَرًا؛ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مِنْهُمْ فَنَكِّلْ بِهِ. وَمَتَى لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ الْبُرُدِ وَالأَخْبَارِ فِي النَّوَاحِي ثِقَاتٍ عُدُولا؛ فَلا يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ لَهُمْ خَبَرٌ فِي قَاضٍ وَلا وَالٍ؛ إِنَّمَا يُحْتَاطُ بِصَاحِبِ الْبَرِيدِ عَلَى الْقَاضِي وَالْوَالِي وَغَيْرِهِمَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَدْلا فَلا يَحِلُّ، وَلا يَسَعُ اسْتِعْمَالُ خَبَرِهِ وَلا قَبُولِهِ. وَتُقَدِّمَ إِلَيْهِمْ أَنْ لَا يَحْمِلُوا عَلَى دَوَابِّ الْبَرِيدِ إِلا مَنْ تَأْمُرَ بِحَمْلِهِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ نَهَى أَنْ يَجْعَلَ الْبَرِيدُ فِي طَرَفِ السَّوْطِ حَدِيدَةً يَنْخُسُ بِهَا الدَّابَّةَ. وَنَهَى عَنِ اللُّجُمِ الثِّقَالِ. وَحَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ يُبْرِدُ فَحَمَلَ مَوْلَى لَهُ رَجُلا عَلَى الْبَرِيدِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَدَعَاهُ فَقَالَ: لَا تبرححتى تقومه ثمَّ تَجْعَلهُ فِي بَيت المَال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 203 فصل: فِي أرزاق الْقُضَاة والعمال وَسَأَلْتَ مِنْ أَيْ وَجْهٍ تُجْرِي عَلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ الأَرْزَاقَ؟ فَاجْعَلْ -أَعَزَّ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِطَاعَتِهِ- مَا يَجْرِي عَلَى الْقُضَاةِ وَالْوُلاةِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ: مِنْ جِبَايَةِ الأَرْضِ أَوْ مِنْ خَرَاجِ الأَرْضِ وَالْجِزْيَةِ؛ لأَنَّهُمْ فِي عَمَلِ الْمُسْلِمِينَ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ وَيَجْرِي عَلَى كُلِّ وَالِي مَدِينَةٍ وَقَاضِيهَا بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُ. وَالِي الصَّدَقَة يَأْخُذ أجره من الصَّدَقَة: وَكُلُّ رَجُلٍ تُصَيِّرُهُ فِي عَمَلِ الْمُسْلِمِينَ فَأَجْرِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ، وَلا تُجْرِ عَلَى الْوُلاةِ وَالْقُضَاةِ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ شَيْئًا إِلا وَالِي الصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهَا مِنْهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التَّوْبَة: 60] . فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فِي أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَالْوُلاةِ وَالنُّقْصَانُ مِمَّا يَجْرِي عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ إِلَيْكَ، مَنْ رَأَيْتَ أَنْ تزيده فيرزقه مِنْهُمْ زِدْتَ، وَمَنْ رَأَيْتَ أَنْ تَحُطَّ مِنْ رِزْقِهِ حَطَطْتَ، أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوَسَّعًا عَلَيْكَ، وَكُلُّ مَا رَأَيْتَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بِهِ أَمْرَ الرَّعِيَّةِ فَافْعَلْهُ وَلا تُؤَخِّرْهُ فَإِنِّي أَرْجُو لَكَ بِذَلِكَ أَعْظَمَ الأَجْرِ وَأَفْضَلَ الثَّوَابِ. وَأَمَّا قَوْلُكَ يَجْرِي عَلَى الْقَاضِي إِذَا صَارَ إِلَيْهِ مِيرَاثٌ مِنْ مَوَارِيثِ الْخُلَفَاءِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الَّذِي يَصِيرُ إِلَيْهِ وَيُوَكَّلُ مِنْ قِبَلِهِ مَنْ يَقُومُ بضياعهم ومالهم فَلَا. مَا يرزقه من يقوم بِأَمْر الْمَوَارِيث: إِنَّمَا يُعْطَى لِلْقَاضِي رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَكُونَ قَيِّمًا لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَلا يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الشَّرِيفِ وَلا الْوَضِيعِ إِذَا صَارَتْ إِلَيْهِ مَوَارِيثُهُ رِزْقًا، وَلَمْ تَزَلِ الْخُلَفَاءُ تُجْرِي لِلْقُضَاةِ الأَرْزَاقَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَأَمَّا مَنْ يُوَكَّلُ بِالْقِيَامِ بِتِلْكَ الْمَوَارِيث فِي حفظهَا والقائم بهَا؛ فَيجْرِي عَلَيْهِم من الرزقبقدر مَا يحْتَمل مَا هم يه لَا يُجْحَفُ بِمَالِ الْوَارِثِ فَيُذْهَبُ بِهِ وَيَأْكُلُهُ الْوُكَلاءُ وَالأُمَنَاءُ، وَيَبْقَى الْوَارِثُ هَالِكا، وَمَا أَظُنُّ كَثِيرًا مِنَ الْقُضَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ يُبَالِي مَا صَنَعَ وَكَيْفَمَا عَمِلَ، وَلا يُبَالِي أَكْثَرَ مَنْ مَعَهُمْ أَنْ يُفْقِرُوا الْيَتِيمَ، وَيُهْلِكُوا الْوَارِثَ إِلا مَنْ وَفقه الله تَعَالَى مِنْهُم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 204 فَصْلٌ: فِيمَنْ مَرَّ بِمَسَالِحِ الإِسْلامِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْجَوَاسِيسِ وَسَأَلْتَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يَخْرُجُ مِنْ بِلادِهِ يُرِيدُ الدُّخُولَ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ فَيَمُرَّ بِمَسْلَحَةٍ مِنْ مَسَالِحِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَرِيق أَو غير طيق؛ فَيُؤْخَذُ فَيَقُولُ خَرَجْتُ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَصِيرَ إِلَى بِلادِ الإِسْلامِ أَطْلُبُ أَمَانًا عَلَى نَفْسِي وَأَهْلِي وَوَلَدِي، أَوْ يَقُولُ إِنِّي رَسُولٌ، يَصْدُقُ أَوْ لَا يَصْدُقُ؟ وَمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي أمره؟ قَالَ أَبُو يُوسُف: فَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ الْحَرْبِيُّ إِذَا مَرَّ بِمَسْلَحَةٍ مَرَّ مُمْتَنِعًا مِنْهُمْ لَمْ يُصَدَّقَ وَلَمْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا مِنْهُمْ صُدِّقَ وَقُبِلَ قَوْلُهُ. فَإِنْ قَالَ أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ بَعَثَنِي إِلَى ملك الْعَرَب، وَهَذَا كِتَابه معني، وَمَا مَعِي مِنَ الدَّوَابِّ وَالْمَتَاعِ وَالرَّقِيقِ؛ فَهَذِهِ إِلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إِذَا كَانَ أَمْرًا مَعْرُوفًا فَإِنَّ مِثْلَ مَا مَعَهُ لَا يَكُونُ إِلا عَلَى مِثْلِ مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّهَا هَدِيَّةٌ مِنَ الْمَلِكِ إِلَى مَلِكِ الْعَرَبِ وَلا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَلا يُتَعَرَّضُ لَهُ وَلا لِمَا مَعَهُ مِنَ الْمَتَاعِ وَالسِّلاحِ وَالرَّقِيقِ وَالْمَالِ؛ إِلا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ لَهُ خَاصَّة حمله للتِّجَارَة؛ فَإِنَّهُ إِذَا مَرَّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ عُشْرُهُ وَلا يُؤْخَذْ مِنَ الرَّسُولِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ مَلِكُ الرُّومِ وَلا مِنَ الَّذِي قَدْ أُعْطِيَ أَمَانًا عشر؛ إِلَّا مَا كَانَ مَعَهُمَا مِنْ مَتَاعِ التِّجَارَةِ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِهِمْ فَلا عُشْرَ عَلَيْهِمْ فِيهِ. وَإِنْ قَالَ هَذَا الْحَرْبِيُّ الْمَأْخُوذُ إِنَّمَا خَرَجْتُ مِنْ بِلادِي وَجِئْتُ مُسْلِمًا فَإِنَّ هَذَا لَا يصدق وَهُوَ فَيْء لِلْمُسْلِمِينَ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَالْمُسْلِمُونَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا اسْتَرَقُّوهُ، وَإِنْ قُدِّمَ لِتُضْرَبَ عُنُقُهُ؛ فَقَالَ آمَنْتُ بِدِينِكُمْ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ هَذَا إِسْلامٌ يُحْقَنُ بِهِ دَمُهُ وَيَكُونُ بِهِ مَالُهُ فَيْئًا وَلا يُقْتَلُ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ؛ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 205 فَإِنْ أَرَادَ هَذَا الرَّسُولُ رَسُولُ الْمَلِكِ أَوِ الَّذِي أُعْطِيَ الأَمَانَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُتْرَكُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُمْ بِسِلاحٍ وَلا كِرَاعٍ1 وَلا رَقِيقٍ مِمَّا أُسِرَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ. فَإِنِ اشْتَرَوْا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا يُرَدُّ عَلَى الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُمْ وَرَدَّ أُولَئِكَ الثَّمَنَ إِلَيْهِمْ. فَإِنْ كَانَ مَعَ هَذَا الرَّسُولِ أَوِ الَّذِي أَعْطَى الأَمَانَ سِلاحٌ جَيِّدٌ؛ فَأَبْدَلَهُ بِسِلاحٍ أَشَرَّ مِنْهُ أَوْ دَابَّةٌ فَأَبْدَلَهَا بِأَشَرَّ مِنْهَا؛ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَلا بَأْسَ بِأَنْ يُتْرَكَ يَخْرُجَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَبْدَلَهُ بِخَيْرٍ مِنْهُ رُدَّ عَلَيْهِ سِلاحُهُ وَدَابَّتُهُ وَرُدَّ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي أَبْدَلَهُ، وَلا يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَتْرُكَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يَدْخُلَ بِأَمَانٍ أَوْ رَسُولا من ملكهم يخرج بِشَيْء من الرَّقِيق وَالسِّلَاح أَو بِشَيْء مِمَّا يَكُونُ قُوَّةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ لَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ. وَلا يَنْبَغِي أَنْ يُبَايِعَ الرَّسُولُ وَلَا الدَّاخِل مَعَه بِأَمَان بِشَيْء مِنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَلا الرِّبَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، وَلا يَحِلُّ أَنْ يُبَايَعَ فِي دَارِ الإِسْلامِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَوْ أَنَّ هَذَا الدَّاخِلَ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ أَو الرَّسُول زنى أَو سرق فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَائِنَا قَالَ لَا أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ؛ فَإِنْ كَانَ اسْتهْلك الْمَتَاع فِي السّرقَة ضمنته، وَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَدْخُلَ إِلَيْنَا لِيَكُونَ ذِمِّيًّا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُنَا. قَالَ: وَلَوْ قَذَفَ رَجُلا حَدَدْتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَتَمَ رَجُلا عَزَّرْتَهُ لأَنَّ هَذَا حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنْ سَرَقَ قَطَعْتُهُ وَإِنْ زَنَى حَدَدْتُهُ. وَكَانَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ وَالله أعلم أَن تَأْخُذهُ باحلدود كُلِّهَا حَتَّى تُقَامَ عَلَيْهِ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْهُ مُسْلِمٌ لَمْ تُقْطَعْ لَهُ يَدُ الْمُسْلِمِ. وَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَهُ عَمْدًا لَمْ تُقْطَعْ لَهُ يَدُ الْمُسْلِمِ. وَالْقِيَاسُ كَانَ أَنْ تُقْطَعَ لَهُ وَأَنْ يُقْطَعَ الْمُسْلِمُ إِذَا سَرَقَ مِنْهُ إِلا أَنِّي اسْتَحْسَنْتُ مُوَافَقَةَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ إِلَيْنَا بِأَمَانٍ امْرَأَةٌ فَفَجَرَ بِهَا مُسْلِمٌ حُدَّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَوْلِهِمْ. وَإِنْ أَقَامَ هَذَا الْمُسْتَأْمَنُ فَأَطَالَ الْمُقَامَ أُمِرَ بِالْخرُوجِ فَإِن أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ حَوْلا وُضِعَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَة. قَالَ: وَلَو أَنَّ مَرْكَبًا مِنْ مَرَاكِبِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ بِمَنْ فِيهِ حَتَّى أَلْقَتْهُ عَلَى سَاحِلِ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذُوا الْمَرْكِبَ وَمَنْ فِيهِ فَقَالُوا نَحن رسل   1 لَفْظَة تجمع بَين الْخَيل وَالسِّلَاح. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 206 بَعَثَنَا الْمَلِكُ، وَهَذَا كِتَابُهُ مَعَنَا إِلَى مَلِكِ الْعَرَبِ، وَهَذَا الْمَتَاعُ الَّذِي فِي الْمَرْكَبِ هَدِيَّةٌ إِلَيْهِ فَيَنْبَغِي للوالي الَّذِي يَأْخُذهُمْ أَنْ يَبْعَثَ بِهِمْ وَمَا مَعَهُمْ إِلَى الإِمَامِ؛ فإِنْ كَانَ الأَمْرُ عَلَى خِلافِ مَا ذَكَرُوا كَانُوا فَيْئًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا مَعَهُمْ، وَالأَمْرُ فِيهِمْ إِلَى الإِمَامِ إِنْ رَأَى أَنْ يَسْتَبْقِيهِمْ فَعَلَ، وَإِنْ رَأَى قَتْلَهُمْ فَعَلَ. وَالإِمَامُ فِي ذَلِكَ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْمَرْكَبِ إِنَّمَا قَالُوا: نَحْنُ تُجَّارٌ حَمَلْنَا مَعَنَا تِجَارَةً لِنُدْخِلَهَا بِلادَكُمْ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ وصيروا وَمَا مَعَهُمْ فَيْئًا لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُقْبَلَ قَوْلُهُمْ إِنَّا تُجَّارٌ. عُقُوبَة الجاسوس عُمُوما: وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ الْجَوَاسِيسِ يُوجَدُونَ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّة أَو أهل الْحَرْب أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِمَّنْ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ مَعْرُوفِينَ فَأَوْجِعْهُمْ عُقُوبَةً وَأَطِلْ حَبسهم حَتَّى يحدثوا تَوْبَة. مسالح للْإِمَام على منافذ بِلَاد الْمُسلمين: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَيَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ تَكُونَ لَهُ مصَالح عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَنْفَذُ إِلَى بِلادِ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنَ الطُّرُقِ فَيُفَتِّشُونَ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنَ التُّجَّار؛ فَمن كَانَ مَعَهُ سِلاحٌ أُخِذَ مِنْهُ وَرُدَّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ رَقِيقٌ رُدَّ، وَمَنْ كَانَتْ مَعَهُ كُتُبٌ قُرِئَتْ كُتُبُهُ؛ فَمَا كَانَ مِنْ خَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ كُتِبَ بِهِ أُخِذَ الَّذِي أُصِيبَ مَعَه الْكِتَابَ وَبُعِثَ بِهِ إِلَى الإِمَامِ لِيَرَى فِيهِ رَأْيَهُ، وَلا يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يَدَعَ أَحَدًا مِمَّنْ أُسِرَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَصَارَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ يَخْرُجُ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ رَاجِعًا إِلا أَنْ يُفَادَى بِهِ فَأَمَّا عَلَى غير الْفِدَاء فَلَا. قَالَ: وَلَو أَنَّ الإِمَامَ بَعَثَ سَرِيَّةً فَأَغَارُوا عَلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الْحَرْبِ فَأَخَذُوا مَنْ فِيهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فَأَمَرَ بِهِمُ الإِمَامُ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ فَقَسَّمَهُمُ الإِمَامُ وَاشْتَرَاهُمْ مِنَ الْقَسْمِ، وَصَارُوا لَهُ فَأَعْتَقَهُمْ جَمِيعًا، ثُمَّ أَرَادُوا الرُّجُوعَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ -الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ- فَلا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَهُمْ وَذَاكَ وَلا يَدَعُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَعُودَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ أَنْ يَصِيرُوا فِي دَارِ الإِسْلامِ إِلا عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنَ الْفِدَاءِ يُفَادَى بِهِمْ. حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَحْمِلَ إِلَى عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ سِلاحًا يُقَوِّيهِمْ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلا كِرَاعًا وَلا مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى السِّلاحِ والكراع. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 207 هَدِيَّة الْمُشرك للْمُسلمِ: قَالَ: وَحَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً وَهُوَ مُشْرِكٌ فَقَبِلَهَا. حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَهْدَى أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَ حَرِيرٍ قَالَ: فَأَعْطَاهُ عَلِيًّا فَقَالَ: "شققه خمرًا بَين النسْوَة". الجزء: 1 ¦ الصفحة: 208 فَصْلٌ: فِي قِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَأهل الْبَغي وَكَيْفَ يُدْعَوْنَ وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أَيُدْعَوْنَ إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ الْحَرْبِ أَمْ يُقَاتَلُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَوْا؟ وَمَا السُّنَّةُ فِي دُعَائِهِمْ وَقِتَالِهِمْ وَسَبْيِ ذَرَارِيهِمْ وَعَنْ أَهْلِ الْبَغْيِ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كَيْفَ حَرْبُهُمْ؟ وَهَلْ يُدْعَوْنَ إِلَى الإِسْلامِ وَالدُّخُولِ فِي الْجَمَاعَةِ قَبْلَ أَنْ يُوقَعَ بِهِمْ، وَمَا الْحُكْمُ فِي أَمْوَالِ مِنْ ظُفِرَ بِهِ مِنْهُمْ وَذُرِّيَتِهِ؟ الدعْوَة إِلَى الْإِسْلَام قبل الْقِتَال: قَالَ أَبُو يُوسُف: لَمْ يُقَاتِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا قَطُّ فِيمَا بَلَغَنَا حَتَّى يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنّ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا قَطُّ حَتَّى يَدْعُوهُمْ. وَحَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: لَمَّا غَزَا سَلْمَانُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ فَارِسٍ قَالَ: كُفُّوا حَتَّى أَدْعُوهُمْ كَمَا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ؛ فَأَتَاهُمْ فَقَالَ: "إِنَّا نَدْعُوكُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلِكُل مِثْلُ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مِثْلُ مَا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَأَعْطُونَا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ قَاتَلْنَاكُمْ"، قَالُوا: أَمَّا الإِسْلامَ فَلا نُسْلِمُ، وَأَمَّا الْجِزْيَةَ فَلا نُعْطِيهَا وَأَمَّا الْقِتَالُ فَإِنَّا نُقَاتِلُكُمْ؛ فَدَعَاهُمْ كَذَلِكَ ثَلاثًا فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ "انْهَدُّوا1 إِلَيْهِمْ". من قَالَ بِالْقِتَالِ بِدُونِ دَعْوَة: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَالتَّابِعِينَ: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِمَّنْ يَبْلُغُهُ جُنُودُنَا إِلا وَقَدْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ وَحَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ. حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَن دُعَاء الديلم؛ فَقَالَ: قد عَلِمُوا مَا يُدْعَوْنَ إِلَيْهِ. وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ لَا يُدْعَى الْمُشْرِكُونَ الْيَوْمَ، وَيَقُولُ: أَنَّهُمْ قَدْ عَرَفُوا دِينَكُمْ وَمَا تدعون إِلَيْهِ.   1 أَي انهضوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 209 مَا كَانَ يَفْعَله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الإغارة: وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُغِيرُ عَلَى قَوْمٍ بِلَيْلٍ وَلا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ إِلا بَعْدَ الصُّبْحِ، وَكَانَ إِذَا طَرَقَ قَوْمًا فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ. وحَدثني مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ إِلَى خَيْبَرَ وَانْتَهَى إِلَيْهَا لَيْلا، وَكَانَ إِذَا طَرَقَ قَوْمًا لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ؛ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ. وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُزَنِيِّينَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ لَهُمْ: "إِذا رَأَيْته مَسْجِدًا أَوْ سَمِعْتُمْ أَذَانًا فَلا تقتلُوا أحدا". الإغارة على الْأَعْدَاء وهم غَارونَ: فَأَمَّا الإِغَارَةُ عَلَى الْعَدُوِّ وَهُمْ غَارونَ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ، أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْمَاءِ يَسْقِي وَكَانَتْ جُوَيْرِيَةُ ابْنَةُ الْحَارِثِ مِمَّنْ أَخذ يَوْمئِذٍ، كَانَت فِي الْخَيل. خداع الْأَعْدَاء: وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ قَوْمًا وَرَّى بِغَيْرِهِمْ إِلا فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ؛ فَإِنَّهُ سَافَرَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ سَفَرًا بَعِيدًا فَأَخْبَرَ النَّاسَ بِذَلِكَ لِيَتَأَهَّبُوا لِعَدُوِّهِمْ. وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ؛ فَلَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ أَخَّرَ الْقِتَالَ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسَ وَتَهُبَّ الرِّيَاح، وَينزل النَّصْر. الدُّعَاء عِنْد قتال الْعَدو ورايته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ دَعَا؛ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصْرِي، بِكَ أَجُولُ، وَبِكَ أَصُولُ، وَلَكَ أُقَاتِلُ". قَالَ وَكَانَ من دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَدو وَإِذا لَقِيَهُمْ أَنْ يَقُولَ: "اللَّهُمَّ مُنَزِّلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، هَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". وَكَانَتْ رَايَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرو عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ مِنْ مِرْطٍ كَانَ لِعَائِشَةَ مُرَحَّلٍ1.   1 المرط ثوب من صوف أَو من خَز والمرحل المنقوش عَلَيْهِ صور الرّحال. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 210 حَدَّثَنِي عَاصِمٌ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ؛ فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ، وَبِلالٌ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا. بعث الْجَيْش أول النَّهَار وَإِذا غلب على الْقَوْم: وَكَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ يَدْعُو بِالْبَرَكَةِ لأُمَّتِهِ فِي بكورنها، وَكَانَ يُحِبُّ السَّفَرَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. حَدَّثَنَا يَعْلَى عَنْ عِمَارَةَ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا". قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْقِدُ لأَمِيرِ الْجَيْشِ لِوَاءً فِي رُمْحِهِ، عَقَدَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِوَاءً فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاسِلِ، وَعَقَدَ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِوَاءً فيرمحه، ثُمَّ قَالَ لَهُ: "سِرْ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَكَ"، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَلَبَ عَلَى قَوْمٍ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ بِعَرَصَتِهِمْ ثَلاثًا. حَدَّثَنِي سَعِيد بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَلَبَ عَلَى قَوْمٍ أَحَبَّ أَنْ يُقِيمَ بِعَرَصَتِهِمْ ثَلاثًا. دُعَاء السّفر: وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرٍ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَزْعَةِ فِي السَّفَرِ وَالْكَآبَةِ فِي الْمُنْقَلَبِ، اللَّهُمَّ اقْبِضْ لَنَا الأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ"، وَإِذَا رَجَعَ يَقُولُ: "آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ"؛ فَإِذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ: "تَوْبًا تَوْبًا لِرَبِّنَا أَوْبًا لَا يُغَادر علينا حوبا". وصاة الْجَيْش الْمُحَارب وَحكم الْمُحَاربين: حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مِنْهَالٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُوصِي أُمَرَاءَ الأَجْنَادِ إِذَا وَجَّهَهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَبِمَنْ مَعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَيَقُولُ: "اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، تُقَاتِلُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا وَلا تغدروا وَلَا تمثلوا وَلَا تقتلتوا امْرَأَةً وَلا وَلِيدًا". وَحَدَّثَنِي أَبُو جَنَابٍ عَنْ أَبِي الْمُحَجَّلِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، أَوْ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَيْشٌ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ بَعَثَ عَلَيْهِمْ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ؛ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَيْشٌ فَبَعَثَ عَلَيْهِمْ سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ فَقَالَ: "سِرْ بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ فَإِذا لَقِيتُم عَدوكُمْ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 211 مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُوهُمْ إِلَى ثَلاثِ خِصَالٍ: ادْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ؛ فَإِنْ أَسْلمُوا فَاخْتَارُوا دَرَاهِم فَعَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمُ الزَّكَاةَ، وَلَيْسَ لَهُم فِي فَيْء الْمُسْلِمِينَ نَصِيبٌ، وَإِنِ اخْتَارُوا أَنْ يَكُونُوا مَعَكُمْ فَلَهُمْ مِثْلُ الَّذِي لَكُمْ وَعَلَيْهِمْ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْكُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَادْعُوهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَة؛ فَإِن أقرُّوا بالجزية فقالتوا عدوهم من ورائهم وفرغوهم لخبراجهم وَلا تُكَلِّفُوهُمْ فَوْقَ طَاقَتِهِمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَقَاتِلُوهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ عَلَيْهِمْ. وَإِنْ تَحَصَّنُوا مِنْكُمْ فِي الْحِصْنِ فَسَأَلُوكُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ رَسُولِهِ فَلا تُنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلا حُكْمِ رَسُولِهِ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا حُكْمُ اللَّهِ وَحُكْمُ رَسُولِهِ فِيهِمْ، وَإِنْ سَأَلُوكُمْ أَنْ تُنْزِلُوهُمْ عَلَى ذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ؛ فَلَا تعطوهم ذمَّة الله ذمَّة رَسُولِهِ، وَأَعْطُوهُمْ ذِمَمَ أَنْفُسِكُمْ، فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَلَا تغدروا وَلَا تَغُلُّوا وَلا تُمَثِّلُوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا. قَالَ سَلَمَةُ: فَسِرْنَا حَتَّى لَقِينَا عَدُوَّنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَدَعَوْنَاهُمْ إِلَى مَا أَمَرَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَأَبَوْا أَنْ يُسْلِمُوا؛ فَدَعَوْنَاهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا بِهَا فَقَاتَلْنَاهُمْ فَنَصَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِم، فقاتلنا الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَيْنَا الذُّرِّيَّةَ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا تُرِيحُنِي من ذِي الْخصْلَة؟ بَيت كَانَ لخثعم كَانَ تَعْبُدُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةَ1. قَالَ: فَخَرَجْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا فَحَرَّقْنَاهَا حَتَّى جَعَلْنَاهَا مِثْلَ الْجَمَلِ الأَجْرَبِ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يُبَشِّرُهُ؛ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا آتِيك حَتَّى تَرَكْنَاهَا مِثْلَ الْجَمَلِ الأَجْرَبِ. قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحْمَسَ وَخَيْلِهَا. القَوْل فِي تحريق بلد الْعَدو وَقطع شَجَره المثمر: وَقد كره قوم التَّحْرِيم فِي بِلادِ الْعَدُوِّ وَقَطْعَ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَالنَّخْلِ، وَلَمْ يَرَ بِهِ آخَرُونَ بَأْسًا. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} 2 [الْحَشْر: 5] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} [الْحَشْر: 2] وَبِمَا فَعَلَهُ جَرِيرٌ مِنَ التَّحْرِيقِ   1 صنم لقبائل دوس وخثعن وبجيلة. 2 لينَة: النَّخْلَة الناعمة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 212 لذى الخلصة، وَأَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُقَاتَلَ أَهْلُ الشِّرْكِ بِكُلِّ سِلاحٍ وَتُغْرَقَ الْمَنَازِلُ وَتُحْرَقَ بِالنَّارِ وَيُقْطَعَ الشَّجَرُ وَالنَّخْلُ وَيُرْمَوْا بِالْمَجَانِيقِ، وَلا يُتَعَمَّدَ فِي ذَلِكَ صَبِيٌّ وَلا امْرَأَةٌ وَلا شَيْخٌ كَبِيرٌ، وَأَنْ يُتْبَعَ مُدْبِرُهُمْ وُيُذَفَّفَ على جريحهم1 وَتقتل أَسْرَاهُم غذا خِيفَ مِنْهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلا يُقْتَلَ إِلا مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِيُّ2 وَمَنْ لَمْ تَجْرِ عَلَيْهِ لَمْ يُقْتَلْ وَهُوَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ. القَوْل فِي أُسَارَى الْكفَّار: فَأَمَّا الأَسَارَى إِذَا أُخِذُوا وَأُتِيَ بِهِمْ إِلَى الإِمَامِ؛ فَهُوَ فِيهِمْ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِهِمْ، يَعْمَلُ فِي ذَلِكَ بِمَا كَانَ أَصْلَحَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَحْوَطَ لِلإِسْلامِ، وَلا يُفَادِي بِهِمْ بِذَهَب وَلَا فضَّة وَلا مَتَاعٍ، وَلا يُفَادِي بِهِمْ إِلا أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّ مَا أَجْلَبُوا بِهِ إِلَى عَسْكَرِهِمْ أَوْ أُخِذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ فَهُوَ فَيْء يُخَمَّسُ، وَالْخُمُسُ مِنْهُ لِمَنْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ3. وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْجند الَّذين غنموه: للفارس سَهْمَان وللراجل سهم. مَا يَفْعَله الإِمَام فِي الأَرْض الْمَفْتُوحَة: فَإِنْ ظُهِرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَرْضِهِمْ عَمِلَ فِيهِ الإِمَامُ بِالأَحْوَطِ لِلْمُسْلِمِينَ إِنْ رَأَى أَنْ يَدَعَهَا كَمَا تَرَكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ السَّوَادَ فِي أيد أهليه وَيَضَعُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ فَعَلَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يُقَسِّمَ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، الَّذِينَ افْتَتَحُوهُ أَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْ ذَلِكَ وَقَسَّمَ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَاطَ للْمُسلمين فِيهِ. من نهى عَن قَتلهمْ فِي الحروب: قَالَ أَبُو يُوسُف: حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُقْسِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ. وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مقَال: وُجِدَتِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ. حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا يُقْتَلُ فِي الْحَرْبِ الصَّبِيُّ وَلا الْمَرَأَةُ وَلا الشَّيْخُ الْفَانِي. وحَدَّثنَا دَاوُدُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذا بعث جيوشه قَالَ:   1 أَي يُجهز عَلَيْهِ ويتمم قَتله. 2 وَهُوَ من بلغ وَظهر شعر عانته وَهُوَ الَّذِي تجْرِي عَلَيْهِ المواسي. 3 رَاجع تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ... } . الجزء: 1 ¦ الصفحة: 213 "لَا تقتلُوا أَصْحَاب الصوامع"1. من كره قتل الأسرى وَالْقَتْل مفوض إِلَى الإِمَام: قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ أَوْ غَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الْحَجَّاجَ أُتِيَ بِأَسِيرٍ؛ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: قُمْ فَاقْتُلْهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا بِهَذَا أُمِرْنَا، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [مُحَمَّد: 4] . حَدَّثَنَا أَشْعَث عَن الْحسن قَالَ: كمان يَكْرَهُ قَتْلَ الأَسْرَى. حَدَّثَنَا ابْنُ خُدَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَرِهَ قَتْلَ الأَسْرَى. وَأَنَا أَقُولُ: الأَمْرُ فِي الأَسْرَى إِلَى الإِمَامِ؛ فَإِنْ كَانَ أَصْلَحُ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ عِنْدَهُ قَتْلُ الأَسْرَى قَتَلَ، وَإِنْ كَانَتِ الْمُفَادَاةُ بِهِمْ أَصْلَحُ فَادَى بِهِم بعض أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لأَنْ أَسْتَنْقِذَ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي لَيْثٌ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَمُجَاهِدٍ قَالا: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنْ أَخَذْتُمْ أَحَدا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأُعْطَيْتُمْ بِهِ مُدَّيْنِ دَنَانِيرَ فَلا تُفَادُوهُ. حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: الإِمَامُ فِي الأَسَارَى بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ فَادَى وَإِنْ شَاءَ مَنَّ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ. حَدَّثَنَا بعض الْمَشَايِخ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُلُّ أَسِيرٍ كَانَ فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَفِكَاكُهُ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ. وَحَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ الله قَالَ: كَانَ النِّسَاء يجزن على الْجَرْحى يَوْم أحد. مَكَان تَقْسِيم الْغَنِيمَة: وَإِذَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ؛ فَأَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ لَا تُقَسَّمَ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ، وَإِنْ قُسِّمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ نفذت؛ لِأَنَّهَا لَيست بمجرزة مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ قَسَّمَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسمل غَنَائِمَ بَدْرٍ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَضَرَبَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا بِسَهْمٍ وَكَانَ خَلَفُهُ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم   1 وهم الرهبان وَرِجَال الدَّين عُمُوما إِلَّا رجلا لَهُ رأى فِي الْحَرْب فَإِنَّهُ يقتل. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 214 وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَكَانَتْ مَرِيضَةً، وَضَرَبَ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فِيهَا بِسَهْمٍ وَلَمْ يَكُنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ، كَانَ بِالشَّامِ، وَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنَ الطَّائِفِ بِالْجِعِرَّانَةِ، وَقَدْ قَسَّمَ أَيْضًا غَنَائِمَ خَيْبَرَ بِخَيْبَرَ؛ وَلَكِنَّهُ كَانَ ظَهَرَ عَلَيْهَا وَأَجْلَى عَنْهَا؛ فَصَارَتْ مِثْلَ دَارِ الإِسْلامِ، وَقَسَّمَ غَنَائِمَ بَنِي المصطلق فِي بِلَادهمْ؛ فَإِنَّهُ كَانَت افْتَتَحَهَا وَجَرَى حُكْمُهُ عَلَيْهَا وَكَانَ الْقَسْمُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْقَسْمِ فِي الْمَدِينَة. وَأول من أحل لَهُم الْغَنِيمَة الْمُسلمُونَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أُحِلَّ لِيَ الْمَغْنَمُ وَلَمْ يَحِلَّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي". وحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ، كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا"؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أَسْرَعَ النَّاسُ فِي الْغَنَائِمِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم حَلَالا طيبا} [الْأَنْفَال: 68- 69] . لَا بيع للغنائم حَتَّى تقسم: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ حَتَّى يُقَسَّمَ. وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمَغْنَمِ حَتَّى يُقَسَّمَ. مَا ينْتَفع بِهِ الْمُسلمُونَ من الْغَنَائِم قبل الْقِسْمَة: وَلا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ الْمُسْلِمُونَ مِمَّا يُصِيبُونَ مِنَ الْمَغَانِمِ مِنَ الطَّعَامِ وَيَعْلِفُونَ دَوَابَّهُمْ مِمَّا يُصِيبُونَ من العلق وَالشَّعِيرِ، وَإِنِ احْتَاجُوا أَنْ يَذْبَحُوا مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ ذَبَحُوا وَأَكَلُوا وَلا خُمُسَ فِيمَا يَأْكُلُونَ وَيَعْلِفُونَ، قد كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَلا يَبِيعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنْ بَاعَ لَمْ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ ثَمَنِ ذَلِكَ وَلا لَهُ انْتِفَاعٌ بِهِ حَتَّى يَرُدَّهُ إِلَى الْمَقَاسِمِ؛ إِنَّمَا جَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِي الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَمَنْ تَعَدَّى إِلَى غَيْرِ الأَكْلِ وَأَعْلافِ الدَّوَابِّ؛ فَإِنَّمَا هُوَ غلُول. جَزَاء من غل من الْغَنِيمَة: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى -يَعْنِي ابْنَ حِبَّانَ- عَنْ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ توفّي بِخَيْبَر فَذكر ذَلِك الجزء: 1 ¦ الصفحة: 215 لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ: "صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ" فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْقَوْمِ لِذَلِكَ؛ فَلَمَّا رَأَى الَّذِي بِهِمْ قَالَ: "إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"؛ فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا فِيهِ خَرَزًا مِنْ خَرَزِ الْيَهُودِ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ. قَالَ: وحَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وسيم يَأْكُلُونَ مِنَ الْغَنَائِمِ إِذَا أَصَابُوا وَيَعْلِفُونَ دَوَابَّهُمْ وَلا يَبِيعُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ بِيعَ رَدُّوهُ إِلَى الْمَقَاسِمِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنَ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَيَعْلِفُونَ قَبْلَ أَنْ يخمسوا. تنفيل الْقَائِد من الْغَنِيمَة: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلا بَأْسَ أَنْ يُنَفِّلَ الإِمَامُ أَوْ وَالِيهِ عَلَى الْجَيْشِ الرَّجُلَ أَوِ السَّرِيَّةَ يَقُولُ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلا فَلَهُ سَلَبُهُ، أَوْ مَنْ خَرَجَ؛ فَأَصَابَ كَذَا وَكَذَا فَلَهُ مِنُه كَذَا، أَوْ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَلَهُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا مَا لَمْ تُحْرَزَ الْغَنِيمَةُ؛ فَإِذَا أُحْرِزَتِ الْغَنِيمَةُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَالِي أَنْ يُنَفِّلَ أَحَدًا شَيْئًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ نَهَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ أَوَّلُ مَنْ أَوْقَدَ فِي بَابِ تُسْتَرَ؛ فَلَمَّا فَتَحْنَاهَا أَمَّرَنِي الأَشْعَرِيُّ عَلَى عَشْرَةٍ مِنْ قَوْمِي وَنَفَلَنِي سَهْمًا سِوَى سَهْمِي وَسَهْمِ فرسي قبل الْغَنِيمَة. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَيُضْرَبُ لِلنَّاسِ فِي الْغَنِيمَةِ عَلَى مَدَاخِلِهِمْ مِنَ الدَّرْبِ، مَنْ دَخَلَ بِفَرَسٍ فَعُقِرَ فَرَسُهُ بَعْدَ إِحْرَازِ الْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْضِهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ أُسْهِمَ لِفَرَسِهِ، وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلا؛ فَأَصَابَ فَرَسًا يُقَاتِلَ عَلَيْهِ لَمْ يضْرب لفرسه. من لَا يسْتَحق فِي الْغَنِيمَة إِلَّا الرضخ: فَأَمَّا الذِّمِّيُّ وَالْعَبْدُ يَسْتَعِينُ بِهِمَا الْمُسْلِمُونَ فِي حَرْبِهِمْ فَلا يُضْرَبُ لَهُمَا بِسَهْمٍ؛ وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُمَا1، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ لَهَا مَنْفَعَةٌ فِي مُدَاوَاةِ الْجَرْحَى، وَسَقْيِ الْمَرْضَى رُضِخَ لَهَا وَلَمْ يُضْرَبَ لَهَا بِسَهْمٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلا لِلْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ مَنْفَعَةٌ لم يرْضخ لَهُم بِشَيْء. فَأَمَّا الأَجِيرُ وَالْحَمَّالُ وَالنَّجَّارُ وَأَمْثَالُهُمْ وَأَهْلُ الأَسْوَاقِ؛ فَمَنْ حَضَرَ الْحَرْبَ وَالْقِتَالَ مِنْهُمْ أُسْهِمَ لَهُ، وَكُلُّ من لم يحضرلم يُسْهَمْ لَهُ، وَمَنْ وَكَّلَهُ الإِمَامُ أَو واليه بِحِفْظ الثّقل والعسكر   1 أَي يُعْطي لَهُم عَطاء غير كثير. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 216 ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ يزِيد عَن ابْن هُرْمُزَ كَاتِبِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَتَبَ نَجْدَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنِ النِّسَاءِ، هَلْ كُنَّ يَحْضُرْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَرْبَ؟ وَهَلْ كَانَ يُضْرَبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ؟ قَالَ يَزِيدُ فَأَنَا كَتَبْتُ كِتَابَ ابْنَ عَبَّاسٍ إِلَى نَجْدَةَ: قد كن يحْضرُون مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَأَمَّا يُضْرَبُ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فَلا، وَقَدْ كَانَ يَرْضَخُ لَهُنَّ. قَالَ: وحَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى أَبِي اللَّحْمِ قَالَ: شَهِدْتُ خَيْبَرَ وَأَنَا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ؛ فَلَمَّا فَتَحَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَانِي سَيْفًا فَقَالَ "تَقَلَّدَ هَذَا"، وَأَعْطَانِي مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ1 وَلَمْ يَضْرِبْ لِي بِسَهْمٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي الْمَغْنَمِ نَصِيبٌ". قَالَ: وحَدثني أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ فِي الْعَبْدِ وَالأَجِيرِ يَشْهَدَانِ الْقِتَالَ، قَالا: لَا يُعْطَيَانِ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَة. لَا تَسْرِي سَرِيَّةٌ إِلا بِإِذْنِ الإِمَامِ أَو من يوليه: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلا تَسْرِي سَرِيَّةٌ إِلا بِإِذْنِ الإِمَامِ أَوْ مَنْ يُوَلِّيهِ عَلَى الْجَيْشِ، وَلا يَحْمِلُ رَجُلٌ مِنْ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا يُبَارِزُهُ إِلا بِإِذْنِ أَمِيرِ الْجَيْشِ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النِّسَاء: 59] قَالَ: الأُمَرَاءِ. وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا تَسْرِي سَرِيَّةٌ بِغَيْرِ إِذْنِ أميرها وَلَهُم وَمَا نفلهم من شَيْء. إِذا أَرَادَ الْمُشْركُونَ شِرَاء جثة رجل مِنْهُم من الْمُسلمين: وَلَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ؛ فَأَرَادَ أَهْلُ الْحَرْبِ أَنْ يَشْتَرُوهُ مِنْهُمْ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ أَلا تَرَى أَنَّ أَمْوَالَهُمْ يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَأْخُذُوهَا بِالْغَصْبِ؛ فَإِذَا طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِهَا فَهُوَ أَحَلُّ وَأَفْضَلُ لأَنَّ دَمَهُمْ وَمَالَهُمْ حَلالانِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ وَأَنْهَى عَنْهُ، لَيْسَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبِيعُوا خَمْرًا وَلا خِنْزِيرًا وَلا مَيْتَةً وَلا دَمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْب وَلَا من غَيرهم من مَا رُوِيَ لَنَا فِي ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مُقْسِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقع فِي   1 أَي سقط الْمَتَاع غير ذِي الأهمية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 217 الْخَنْدَقِ فَأَعْطَى الْمُسْلِمُونَ بِجِيفَتِهِ، مَالا؛ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ. حكم مَا يتْركهُ الْمُسلمُونَ من مَتَاع فِي أَرض الْعَدو: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَمَا حُبِسَ مِنْ دَوَابِّ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ ثَقُلَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَتَاعِهِمْ أَوْ سِلاحِهِمْ إِذَا أَرَادُوا الْخُرُوجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَتْرُكُهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى حَالِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ تُذْبَحُ الدَّوَابُّ ثُمَّ تُحْرَقُ وَمَا يُتْرَكُ مَعَهَا بِالنَّارِ شَيْءٌ؛ فَكَانَ الذَّبْحُ وَالْحَرْقُ أَحَبَّ إِلَيَّ لِكَيْلا يَنْتَفِعَ أهل الْحَرْب بِشَيْء من ذَلِك. مَا استولى عَلَيْهِ الْمُشْركُونَ من الْمُسلمين ثمَّ استرده الْمُسلمُونَ: وَكُلُّ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ: مِنْ رَقِيقِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ فَأَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي غَنَائِمِهِمْ؛ فَإِنْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ قِيمَةٍ، وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ مِنَ الَّذِي صَارَ فِي سَهْمِهِ بِقِيمَتِهِ، وَإِنِ اشْتَرَاهُ مُشْتَرٍ مِنَ الَّذِي صَارَ فِي سَهْمِهِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ، فَإِنْ وَهَبَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ لإِنْسَانٍ أُخِذَ مِنْهُ بِقِيمَتِهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عَبْدًا لَهُ أَبَقَ وَذَهَبَ لَهُ بِفَرَسٍ فَدَخَلَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَحَدَهُمَا -وَذَلِكَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَدَّ الآخَرَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ قَالَ: أَصَابَ الْمُشْرِكُونَ نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ فَخَاصَمَهُ صَاحِبُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ لَهُ الْبَيِّنَةَ فَقَضَى لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُدْفَعَ إِلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ مِنَ الْعَدُوِّ؛ وَإِلا خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ. وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَجَاءَ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ؛ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ الْقِسْمَة كَانَ أَحَق بِهِ الثّمن. وَحَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلُ ذَلِك. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 218 إِذا أسر أهل الْحَرْب الْمُسلم الْحر أَو الذِّمِّيّ والذمية فيشتريهم مُسلم: وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الْحُرِّ أَوِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَيْنِ أَوِ الذِّمِّيَّةِ أَوِ الذِّمِّيِّ الْحُرَّيْنِ يَأْسِرُهُمُ الْعَدُوُّ فَيَشْتَرِيهِمُ الرَّجُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: لَا يكون وَاحِدًا مِنْهُمْ رَقِيقًا، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْعَوْا الرجل فِي الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ بِهِ حَتَّى يؤدوه إِلَيْهِ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِك وَالله أعلم. حكم كل مِلْكٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ: وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبِّرُ لَا يَمْلِكَانِ وَيُرْجَعُ عَلَيْهِمَا بِالثَّمَنِ إِذَا أُعْتِقَا. وَفِي الْحُرِّ يَأْسِرُهُ الْعَدُوُّ فَأَسْلَمُوا عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ رَقِيقًا فَإِنَّهُ حُرٌّ، وَلا يَكُونُ رَقِيقًا وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَكَذَلِكَ الْمُدَبِّرُ، وَيَرْجِعَانِ إِلَى مَوَالِيهِمَا، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ يَرْجِعُ إِلَى حَالِ كِتَابَتِهِ وَلا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ رَقِيقًا. وَكُلُّ مِلْكٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَمْلِكُونَهُ إِذَا أَصَابُوهُ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهِ؛ لكِنهمْ لَو كَانُوا أَصَابُوا عَبْدًا أَوْ أَمَةً أَوْ مَتَاعًا لِلْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُمْ وَلا يَأْخُذُهُ مَوْلاهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُنِيرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيه قَالَ: قَدِمْتُ فَأَسْلَمْتُ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لِقَوْمِي مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ فَفَعَلَ، وحَدَّثَنَا الْحجَّاج عَن عَطاء قَالَ: يكون للرجل مَا أسلم عَلَيْهِ. حكم الْحَرَائِر أصابهن الْعَدو فباعهن لرجل: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قُلْتُ فِي نِسَاءِ حَرَائِرَ أَصَابَهُنَّ الْعَدُوُّ فَابْتَاعَهُنَّ رَجُلٌ أَيُصِيبُهُنَّ قَالَ: لَا وَلا يَسَّتَرِقُّهُنَّ وَلَكِنْ يُعْطِيهُنَّ أَنْفُسَهُنَّ بِالَّذِي أَخَذَهُنَّ بِهِ وَلا يردهن عَلَيْهِ. حكم الرجل من الْمُسلمين فِي الْكفَّار: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَإِذَا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا لأَهْلِ الْحَرْبِ؛ فَصَالَحُوهُمْ عَلَى أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ سَمَّوْهُ فَحَكَمَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ؛ فَإِنَّ حُكْمَهُ هَذَا جَائِزٌ؛ هَكَذَا حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَنَزَلُوا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَكَانَ جَرِيحًا مِنْ سَهْمٍ أَصَابَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ فِي خيمة رفيدة فَأَتَاهُ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 219 قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ، ثُمَّ قَالُوا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلاكَ الْحُكْمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَهُمْ حُلَفَاؤُكَ؛ فَقَالَ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا يَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. فَخَرَجَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِمَّنْ سَمِعَ مَقَالَتَهُ إِلَى دَارِ قَوْمِهِ يَنْعِي رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ؛ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبَالَتَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخْبَرَهُ بِمَا جَعَلَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ مَا حَكَمْتُهُ؟ وَهُوَ غَاضٌّ طَرْفَهُ عَنْ مَوْضِعِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ: "نَعَمْ"؛ فَقَالَ فِي النَّاحِيَةِ الأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَقَالُوا: "نَعَمْ"، فَقَالَ: حَكَمْتُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ؛ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ"؛ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنْزَلُوهُمْ وَحَبَسَهُمْ فِي دَارِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ يُقَالُ لَهَا ابْنَةُ الْحَارِثِ حَتَّى ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ حُكْمُ بقتل الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ؛ وَلَكِنَّهُ حُكْمُ أَنْ تُوضَعَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ؛ وَلَوْ كَانَ إِنَّمَا حَكَمَ فِيهِمْ أَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَى الإِسْلامِ فَدُعُوا فَأَسْلَمُوا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُمْ أَحْرَارٌ مُسْلِمُونَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا رَضُوا بِأَنْ يَحْكُمَ فِيهِمُ الإِمَامُ أَوْ وَالِيهِ عَلَى الْجَيْشِ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَجَازَ كَمَا يَجُوزُ حُكْمُ مَنْ رَضُوا بِهِ. وَلَوْ كَانُوا رَضَوْا بِحكم رجل مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَنَزَلُوا عَلَى ذَلِكَ فَمَاتَ الرَّجُلُ الَّذِي رَضُوا بِحُكْمِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِضَ الْوَالِي عَلَيْهِمْ تَصْيِيرُ الْحُكْمِ إِلَى غَيْرِهِ فَإِنْ قَبِلُوا ذَلِكَ؛ فَالْجَوَابُ على مَا وَصَفْتُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا نبذ إِلَيْهِم وَكَانَ على محاربتهم، هَذَا إِذا كَانُوا فِي حصنهمْ؛ فَإِن كَانُوا قد نزلُوا ثمَّ لم يقبلُوا مَا عرض عَلَيْهِم ردوا إِلَى حصنهمْ ثمَّ نب> إِلَيْهِم. وَلَو نزلُوا على حكم رجلَيْنِ فَمَاتَ أَحدهمَا قبل الحكم فَحكم الثَّانِي بِبَعْض الْوُجُوه الَّتِي وصفت لَك، لم يجز ذَلِك إِلَّا أَن يرْضوا بِهِ؛ فَإِن اخْتلفُوا وَلم يرْضوا بذلك سموا ثَانِيًا مَعَ الْبَاقِي مَكَان الْمَيِّت، وَلم لم يمت وَاحِدًا منهمما ولكنهما اخْتلفَا فِي الحكم فيهم لم يجز مَا حكما بِهِ أَيْضا؛ إِلَّا أَن يرْضوا بِحكم أَحدهمَا، يرضى بِهِ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَلَو رَضِي أحد الْفَرِيقَيْنِ دون الآخر لم يجز، وَلَو رَضِي كل فريق بِحكم رجل على حِدة لم يجز. وَلَو حكم الرّجلَانِ جَمِيعًا بِأَن يعادوا إِلَى الْحسن كَمَا كَانُوا فَإِن هَذَا لَيْسَ بِحكم، هَذَا خُرُوج مِنْهُمَا كَأَنَّهُمَا قَالَا: لَا نقبل الحكم وَلَو حكما أَن يردوا إِلَى مأمنهم وحصونهم من دَار الْحَرْب لم يجز حكمهمَا، وَقد خرجا من الحكم، ويستأنف التَّحْكِيم إِن رَضوا بذلك أَو الْحصار كَمَا كَانُوا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 220 إِذا سَأَلَ الْكفَّار أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُوله: وَلَو سَأَلُوا أَن ينزلُوا على أَن يحكم فيهم بِحكم الله تَعَالَى أَو حكم الْقُرْآن؛ فَإِن الحَدِيث جَاءَ بِالنَّهْي أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فيهم؛ لأَنا لَا نَدْرِي مَا حكم الله يهم؛ فَلَا يجابوا إِلَى ذَلِك، فَإِن أجابوهم وَنزل الْقَوْم على ذَلِك فَالْحكم فيهم إِلَى الإِمَام يتَخَيَّر أفضل ذَلِك للدّين وَالْإِسْلَام، إِن رأى أَن قتل الْمُقَاتلَة وَسبي الذُّرِّيَّة أفضل لِلْإِسْلَامِ وَأَهله أمضى ذَلِك فيهم على حكم سعد بن معَاذ، وَإِن رأى أَن يجعلههم ذمَّة يؤدون الْخراج أفضل لِلْإِسْلَامِ وَالدّين وَأحسن فِي توفير الْفَيْء الَّذِي يتقوى بِهِ الْمُسلمُونَ عَلَيْهِم وعَلى غَيرهم من الْمُشْركين أمضى ذَلِك الْأَمر فيهم؛ أَلا ترى أَن الله عز وَجل يَقُول فِي كِتَابه الْعَزِيز {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهم صاغرون} [التَّوْبَة: 29] ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو أهل الشّرك إِلَى الْإِسْلَام فَإِن أَبَوا فإعطاء الْجِزْيَة، وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنهُ حقن دِمَاء أهل السوَاد وجعلهم ذمَّة بعد أَن ظهر عَلَيْهِم. وَإِن أَسْلمُوا قبل أَن يمْضِي الإِمَام الحكم فيهم بِشَيْء فَهُوَ أَحْرَار مُسلمُونَ، وَكَذَلِكَ إِن دعاهم إِلَى الْإِسْلَام قبل أَن يحكم فيهم بِشَيْء من هَذِه الْوُجُوه؛ فأسلموا فهم أَحْرَار مُسلمُونَ وأرضهم لَهُم وَهِي أَرض عشر، وَإِن صيرهم ذمَّة فالأرض لَهُم وَعَلَيْهَا الْخراج، وَلَو حكم فيهم بقتل الرِّجَال وَسبي الذُّرِّيَّة فَلم يمض ذَلِك فيهم حَتَّى أَسْلمُوا لم يقتلُوا وَلم تسب ذَرَارِيهمْ، وَإِن لم يسلمُوا حَتَّى قتل الرِّجَال وسبيت الذُّرِّيَّة فالأرض فَيْء إِن شَاءَ الإِمَام خمسها ثمَّ قسم مَا بَقِي مِنْهَا وَإِن شَاءَ تَركهَا على حَالهَا وَأمر واليه أَن يَدْعُو إِلَيْهَا من يعمرها وَيُؤَدِّي خراجها كَمَا يعْمل ي معطل أَرض أهل الذِّمَّة مِمَّا لَا رب لَهُ. من لَا يَصح أَن ينزلُوا على حكمه: وَإِن سَأَلُوا يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنَ أهل الذِّمَّة لم يجابوا إِلَى ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يحل أَن يحكم أهل الْكفْر فِي حروب الْمُسلمين فِي أُمُور الدَّين؛ فَإِن أَخطَأ الْوَالِي وأجابهم إِلَى ذَلِك فَحكم فيهم بِبَعْض هَذِه الْوُجُوه لم يجز شَيْء من حكمه، وَكَذَلِكَ لَو كَانُوا سَأَلُوا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ قوم من الْمُسلمين أَحْرَار وهم محدودون فِي قذف لم يجز لِأَن شَهَادَة هَؤُلَاءِ لَا تجوز. وَكَذَلِكَ الصَّبِي وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة وَكَذَلِكَ العَبْد لَا يَنْبَغِي أَن يجابوا إِلَى أَن يحكم وَاحِد من هَؤُلَاءِ فِي حروب الدَّين وَالْإِسْلَام؛ فَإِن أَخطَأ الْوَالِي وأجابهم إِلَى ذَلِك لم يجز حكم وَاحِد مِنْهُم فيهم إِلَّا أَن يحكموا فيهم بِأَن يَكُونُوا ذمَّة يؤدون الْخراج فَيقبل ذَلِك مِنْهُم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 221 وَيجوز لأَنهم لَو صَارُوا ذمَّة بِغَيْر حكم قبل ذَلِك مِنْهُم. إِذا حكم الْحَاكِم فيهم بِمَا لَا يُنَاسب الشَّرْع وَاخْتِيَار الْحُكَّام: قَالَ: وَلَو أمنتهم امْرَأَة أَو عبد يُقَاتل عرضت عَلَيْهِم أَن يسلمُوا أَو يصيروا ذمَّة وَإِن حكمُوا مُسلما ونزلوا على ذَلِك فَحكم فيهم بِأَن تقتل الْمُقَاتلَة والذرية وَالنِّسَاء؛ فقد أَخطَأ الحكم وَالسّنة، فَلَا تقتل الذُّرِّيَّة وَالنِّسَاء وَتقتل الْمُقَاتلَة خَاصَّة، وَيجْعَل الذُّرِّيَّة وَالنِّسَاء سبيا. وَإِذا حكم بقتل رجال من رِجَالهمْ وأكابرهم مِمَّن يخَاف غدره وبغيه، وَأَن يصير بَقِيَّة الرِّجَال مَعَ الذُّرِّيَّة ذمَّة فَذَلِك جَائِز، وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ وَلم يسموه فَذَلِك إِلَى الإِمَام يحكم يهم بِبَعْض هَذِه الْوُجُوه مَا رأى أَنه أفضل لِلْإِسْلَامِ وَأَهله. وَلَا يَنْبَغِي للوالي أَن يقبل فِي الحكم مثل هَذَا مِنْهُم وَلَا يحكم صَبيا وَلَا امْرَأَة وَلَا عدا وَلَا ذِمِّيا وَلَا أعمى وَلَا محدودا فِي قذف وَلَا فَاسِقًا وَلَا صَاحب رِيبَة وَشر. إِنَّمَا يتَخَيَّر فِي هَذَا ويقصد أهل الرَّأْي وَالدّين والفصل والموضع من الْمُسلمين وَمن كَانَت لَهُ حياطة على الدَّين؛ فَأَما من لَا تجوز شَهَادَته على أحد لَو شهد عَلَيْهِ وَلَا حكمه على اثْنَيْنِ لَو اخْتَصمَا إِلَيْهِ فَكيف يحكم فِي هَذَا وَمَا أشبهه؟ وَإِن نزلُوا على حكم من يختارونه من أهل الْعَسْكَر فَاخْتَارُوا رجلا موضعا لذَلِك قبل مِنْهُم ذَلِك. وَإِن اخْتَارُوا بعض من وصفناه مِمَّن لَا تجوز شَهَادَته وَلَا حكمه لم يقبل ذَلِك مِنْهُم وردوا إِلَى موضعهم الَّذِي كَانُوا فِيهِ وَلَا يُرَدُّونَ إِلَى حِصْنٍ أَحْصَنَ مِنْهُ، وَلا إِلَى مَنْعَةٍ أَكْبَرَ مِنْ منعتهم إِن سَأَلُوا ذَلِك يل لَهُمْ اخْتَارُوا رَجُلا مَوْضِعًا لِلْحُكْمِ. وَإِنْ سَأَلُوا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَسَمَّوْهُ وَرَجُلا مِنْهُمْ فَلا يُجَابُوا إِلَى ذَلِكَ وَلا يُشْرَكُ فِي الْحُكْمِ فِي الدِّينِ كَافِرٌ. وَلَوْ أَخْطَأَ الْوَالِي؛ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ فَحُكِّمَا لَمْ يُنْفِذْ حُكْمُهُمَا الإِمَامُ؛ إِلا فِي أَنْ يَصِيرُوا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ يُسْلِمُوا؛ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، وَلَوْ صَارُوا ذِمَّةً قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ حُكْمٍ. وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ أَسَارَى مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فَسَأَلُوا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ بَعضهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 222 لَمْ يُجَابُوا إِلَى ذَلِكَ؛ فَإِنْ أَجَابَهُمُ الإِمَامُ لَمْ يَجُزْ حُكْمُ الأَسِيرِ فِيهِمْ إِلا بِأَنْ يَصِيرُوا ذِمَّةً أَوْ يُسْلِمُوا فَلا يَكُونُ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ. وَكَذَلِكَ التَّاجِرُ الْمُسْلِمُ الَّذِي مَعَهم فِي دَرَاهِم، وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي دَارِهِمْ، وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ مِنْهُمْ فَلا أُحِبُّ أَنْ يُقْبَلَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، مِنْ قِبَلِ عِظَمِ هَذَا الْحُكْمُ وَخَطَرِهِ وَمَا يُتَخَوَّفُ عَلَى الإِسْلامِ. وَإِنْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرَضِيَ وَنَزَلُوا بِالذَّرَارِيِّ وَالأَمْوَالِ وَالرَّقِيقِ، وَمَعَهُمْ أَسْرَى مِنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ وَرَقِيقٌ مِنْ رَقِيقِهِمْ وَأَمْوَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ؛ فَمَاتَ الرَّجُلُ الْمُحَكَّمُ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ الْحُكْمُ فَسَأَلُوا أَنْ يُرَدُّوا إِلَى حِصْنِهِمْ وَمَأْمَنِهِمْ حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أُمُورِهِمْ وَيَتَخَيَّرُوا مَنْ يَنْزِلُونَ عَلَى حُكْمِهِ خَلَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا خَلا أَسَارَى الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُمْ يُنْزَعُونَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَيَبِيعُونَ الرَّقِيقَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُعْطُونَهُمُ الْقِيمَةَ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ أَهْلُ ذِمَّةٍ مِنْ ذِمَّتِنَا أَحْرَارٌ يُنْزَعُونَ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ قَوْمٌ قَدْ أَسْلَمُوا؛ فَسَأَلُوا أَنْ يردوا مَعَهم لم يردوا معم وَلْيَنْزِعُوا مِنْ أَيْدِيهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْفَذُ فِيمَا بَينهم يرد الْمُسلمين إِلَى دَار الحربو الشّرك، وَرَقِيقُ ذِمَّتِنَا مِثْلُ رَقِيقِنَا. وَلَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ عَبِيدٌ لَهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا؛ فَسَأَلُوا رَدَّهُمْ مَعَهُمْ لَمْ يُرَدُّوا وَأُخِذُوا مِنْهُمْ بِالْقِيمَةِ، وَلَيْسَ لِمَنِ اسْتَعَانَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ فِي حَرْبِهِمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَمَان فِي الْعَدو. مَا يجوز من الْأمان: وَلا يَجُوزُ أَمَانُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَمَانِ أَهْلِ الإِسْلامِ. فَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنْ كَانَ يُقَاتِلُ فَأَمَانُهُ جَائِزٌ لِلْحَدِيثِ الَّذِي جَاءَ، "وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ"، وَإِنْ كَانَ لَا يُقَاتِلُ؛ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجُوزُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ، وَكُلٌّ قَدْ رَوَى فِي ذَلِكَ حَدِيثًا يُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَجَازَ أَمَانَ عَبْدٍ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُقَاتِلُ أَوْ لَا يُقَاتل. فَأَما النِّسَاء فأمانهن جَائِز لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمَانِ زَيْنَبَ1 لِزَوْجِهَا وَفِي أَمَانِ أُمِّ هَانِئٍ لِرَجُلَيْنِ مِنْ أَخْتَانِهَا2؛ فَأَمَّا الصِّبْيَانُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا فَلا أَمَانَ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ الأَسِيرُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيْدِي أَهْلِ الْحَرْبِ، وَكَذَلِكَ تُجَّارُ الْمُسْلِمِينَ فِي دَار الْحَرْب   1 يقْصد زَيْنَب بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَزوجهَا الْعَاصِ بن الرّبيع رَضِي الله عَنْهُمَا. 2 أهل زَوجهَا. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 223 لَا يَجُوزُ أَمَانُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلا أَشَارَ إِلَى رجل بِأَمَان بِأُصْبُعِهِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَجُوزُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَيْسَ بِأَمَانٍ؛ فَكَانَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ أَمَانٌ لِمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَهُ أَمَانًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَلَّمَهُ بِالأَمَانِ بِلِسَانِ الْفَارِسِيَّةِ كَانَ أَمَانًا. حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ قَالَ كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ: أَنَّ عَبْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَذِمَّتُهُ مِنْ ذِمَّتِهِمْ يَجُوزُ أَمَانُهُ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ". حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ وَنَحْنُ بِخَانِقِينَ1 "إِذَا حَاصَرْتُمْ حِصْنًا فَأَرَادُوكُمْ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلا تُنْزِلُوهُمْ؛ فِإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ أَتُصِيبُونَ فِيهِمْ حُكْمَ اللَّهِ أَمْ لَا، وَلَكِنْ أَنْزِلُوهُمْ عَلَى حُكْمِكُمْ ثُمَّ اقْضُوا بَعْدُ فِيهِمْ بِمَا شِئْتُمْ"، وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: "لَا تَوْجَلْ" فَقَدْ أَمَّنَهُ، وَإِنْ قَالَ لَهُ: لَا تخلف؛ فَقَدْ أَمَّنَهُ" وَإِذَا قَالَ لَهُ: مَطْرَسْ2 فَقَدْ أَمَّنَهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الأَلْسِنَةَ. حَدَّثَنِي بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: أَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَشَارَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْعَدُوِّ لَئِنْ نَزَلْتَ لأَقْتُلَنَّكَ فَنَزَلَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ أَمَانٌ؛ فَقَدْ أَمَّنَهُ". قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْن أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْلَى عُقَيْلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ: لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فَرَّ إِلَيَّ رَجُلانِ مِنْ أَحْمَائِي فَأَجَرْتُهُمَا -أَوْ قَالَتْ كَلِمَةً شَبِيهَةً بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ- فَدَخَلَ عَلَيَّ أَخِي3؛ فَقَالَ: لأَقْتُلَنَّهُمَا؛ فَأَغْلَقْتُ الْبَابَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَقَالَ "مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ، مَا جَاءَ بِكِ؟ " قَالَتْ قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَرَّ إِلَيَّ رَجُلانِ مِنْ أَحْمَائِي فَدَخَلَ عَلَيَّ أَخِي فَزَعَمَ أَنَّهُ قَاتِلُهُمَا فَقَالَ: "لَا، قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ". وَحَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَت: إِن كَانَت   1 بَلْدَة من ريق بَغْدَاد. 2 مَعْنَاهَا لَا تخف بِالْفَارِسِيَّةِ. 3 عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ الله عَنهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 224 الْمَرْأَةُ لَتَأْخُذُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ أَمَانُ الْمَرْأَةِ وَالْمَمْلُوكِ جَائِزٌ. وَحَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ غَزَا بِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ فَرَضَخَ لَهُمْ1. حكم من وَقع من نسَاء الْمُشْركين فِي السَّبي: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ حَتَّى تُقَسَّمَ الْغَنِيمَةَ؛ فَإِذَا قُسِّمَتْ فَوَقَعَ فِي سَهْمِ رَجُلٍ جَارِيَةٌ؛ فَلا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، وَإِنْ لم تكن مِمَّن تَحِيضُ تَرَكَهَا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً؛ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا حَامِلٌ أَمْ لَا، ثُمَّ يَطَأَ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَبَلٌ، نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَطْءِ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ. حَدثنَا أبان ابْن أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلَيْنِ يُؤْمِنَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يَجْتَمِعَانِ عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ". وَإِذَا وَقَعَتِ الْمَجُوسِيَّةُ فِي سَهْمِ رَجُلٍ؛ فَلا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا قَدْ كَرِهَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ مَعَ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مُنَاكَحَةِ الْمَجُوسِ. حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَن الْحسن بن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجُوسَ أَهْلِ هَجَرَ؛ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُم الْجِزْيَة غير مُسْتَحِيل مُنَاكَحَةَ نِسَائِهِمْ وَلا أَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ2. قَالَ: وَحَدَّثَنَا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الرَّجُلِ يَسْبِي الْجَارِيَةَ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ يَشْتَرِيهَا قَالَ: "لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تُسْلِمَ". قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَكْرَهُ وَطْءَ الأَمَةِ الْمُشْرِكَةِ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: إِذَا سُبِيَتِ المجوسيات وَعَبدَة الْأَوْثَان عرض عَلَيْهِم الإِسْلامُ وَأُجْبِرْنَ عَلَيْهِ وَوُطِئْنَ وَاسْتُخْدِمْنَ؛ فَإِنْ أَبَيْنَ أَنْ يُسْلِمْنَ اسْتُخْدِمْنَ وَلم يُوطأ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الْيَهُودِيَّاتِ وَالنَّصْرَانِيَّاتِ يسبين قَالَ:   1 قدر لَهُم شَيْئا. 2 سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غير ناكحي نِسَائِهِم أَو آكِلِي ذَبَائِحهم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 225 يُعْرَضُ عَلَيْهِنَّ الإِسْلامُ فَإِنْ أَسْلَمْنَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْنَ وُطِئْنَ وَاسْتُخْدِمْنَ وأجبرن على الْغسْل1. موادعة افمام أهل الْحَرْب: قَالَ أَبُو يُوسُف: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِك وَالله أعلم. قَالَ أَبُو يُوسُف: وَإِنْ وَادَعَ الْوَالِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ سِنِينَ مُسَمَّاةً عَلَى أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ مَنْ أَتَاهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا؛ فَلا يَنْبَغِي لِلإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ الْمُوَادَعَةَ عَلَى هَذَا وَلا يُجِيزُ مَا فَعَلَ وَالِيهِ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةً عَلَيْهِمْ. وَلا يَجُوزُ أَنْ يُوَادِعَ الْوَالِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ إِذَا كَانَ بالْمُسْلِمِينَ قُوَّةً عَلَيْهِمْ؛ فَإِنْ كَانَ إِنَّمَا أَرَادَ تَأَلُّفَهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ فَلا بَأْسَ أَنْ يُوَادِعَهُمْ حَتَّى يَسْتَصْلِحَ أَمرهم. القَوْل فِي موادعة الْمُشْركين: وَإِنْ حَصَرَ قَوْمٌ مِنْ الْعَدُوِّ قَوْمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي حِصْنٍ فَخَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ قُوَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ فَلا بَأْسَ بِأَنْ يُوَادِعُوهُمْ وَيَفْتَدُوا مِنْهُمْ بِمَالٍ وَيَشْتَرِطُوا لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا لَهُمْ من جَاءَ مِنْهُم مُسلما، وَإِذا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةً عَلَيْهِمْ لَمْ يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَنْ يَفْتَدِي بِثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَشَارَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ؛ فَقَالَ: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ نَفْتَدِي بِثُلُثِ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ وَنَكْسِرَهُمْ بِذَلِكَ إِلَى أَمَدٍ مَا"؛ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كُنَّا نَحْنُ وَهَؤُلاءِ عَلَى شِرْكٍ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ من ذَلِك فِي ثَمَرَة إِلَّا شِرَاء أَوْ فِي قِرًى2؛ فَنَحْنُ إِذْ جَاءَ اللَّهُ بِكَ وَبِالإِسْلامِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا لَيْسَ لَنَا بِهَذَا حَاجَةٌ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَأَنْتُمْ وَذَلِكَ". قَالَ أَبُو يُوسُف: وَقَدْ وَادَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَمْسَكَ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ؛ فَلِلإِمَامِ أَنْ يُوَادِعَ أَهْلَ الشِّرْكِ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَلاحُ الدِّينِ وَالإِسْلامِ، وَكَانَ يَرْجُو أَنْ يَتَأَلَّفَهُمْ بذلك على الْإِسْلَام. حَدِيث غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ والكلبي -زَاد بَعضهم   1 أَي الْغسْل من الْجَنَابَة. 2 أَي ضِيَافَة. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 226 عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ -أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ فِي رَمَضَانَ، وَكَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ فِي شَوَّالَ؛ حَتَّى إِذَا كَانَ بِعَسَفَانَ لَقِيَهُ رِجَالٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا تَرَكْنَا قُرَيْشًا قَدْ جَمَعَتْ أَحَابِيشَهَا تُطْعِمُهُمُ الْخَزِيرَ1 يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا برز من عسفان لقيم خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ طَلِيعَةً لِقُرَيْشٍ؛ فَاسْتَقْبَلَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَرْوَعَتَيْنِ2 وَمَالَ عَنْ سَنَنِ الطَّرِيقِ حَتَّى نَزَلَ الْغَمِيمَ3؛ فَلَمَّا نَزَلَ الْغَمِيمَ تَشَهَّدَ، فَحَمَدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ، وَأما بَعْدُ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ جَمَعَتْ أَحَابِيشَهَا4 تُطْعِمُهُمُ الْخَزِيرَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ فَأَشِيرُوا عَلَيَّ مَا تَرَوْنَ، أَتَرَوْنَ أَنْ نَعْمِدَ إِلَى الرَّأْسِ -يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ- أَوْ نَعْمِدَ إِلَى الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فنخالفهم إِلَى نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ؛ فَإِنْ جَلَسُوا جَلَسُوا مَهْزُومِينَ مَوْتُورِينَ، وَإِنْ طَلَبُونَا طَلَبُوا طَلَبًا مُدَانِيًا ضَعِيفًا فَأَخْزَاهُمُ اللَّهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ نَعْمِدَ إِلَى الرَّأْسِ -يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ- فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَاصِرُكَ، وَإِنَّ اللَّهَ مُعِينُكَ، وَإِنَّ اللَّهَ مُظْهِرُكَ، وَقَالَ الْمِقْدَادُ: إِنَّا وَاللَّهِ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِنَبِيِّهَا: "اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ"؛ وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ؛ فخرخ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا غش الحزم وَدَخَلَ أَنْصَابَهُ5 بَرَكَتْ نَاقَتُهُ الْجَدْعَاءُ؛ فَقَالَ النَّاسُ: خَلأتْ6، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا خَلأتْ وَمَا الْخَلاءُ بِعَادَتِهَا وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ، لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ إِلَى تَعْظِيمِ الْمَحَارِمِ فَيَسْبِقُونِي إِلَيْهِ، هَلُمُّوا هَهُنَا"؛ لأَصْحَابِهِ -وَأَخَذَ ذَاتَ الْيَمِينِ فسلك تَثْنِيَة تدعى ذَات الحنظل حَتَّى هَبَط على الْحُدَيْبِيَةَ؛ فَلَمَّا نَزَلَ اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ بِئْرٍ فَنَزَفَتْ7 وَلَمْ تَقُمْ بِهِمْ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ سَهْمًا من كِنَانَته؛ فَقَالَ: "اغرزوه فِيهَا" فغرزوه فَجَاشَتْ وَطَمِيَ مَاؤُهَا حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ عَنْهُ بِالْعَطَنِ8؛ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِهِ قُرَيْشٌ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ أَخَا   1 نوع من الطَّعَام بِلَحْم يقطع صغَارًا ثمَّ يطْبخ بِمَاء كثير وملح فَإِذا كمل نضجه ذَر عَلَيْهِ الدَّقِيق ثمَّ أَدَم بإدام مَا. 2 رابيتين من الرمل. 3 بَين الْجحْفَة ورابغ. 4 أَحيَاء من قَبيلَة القارة حالفوا قُريْشًا. 5 العلامات بَين حُدُود الْحرم والحل. 6 أَي حرنت وَلم تمش. 7 قل مَاؤُهَا من كَثْرَة السَّقْي. 8 مبرك الْإِبِل حول المَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 227 بَنِي الْحِلْسِ1، وَكَانَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْهَدْيَ؛ فَلَمَّا رَآهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "هَذَا ابْنُ الْحِلْسِ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يعظمون الْهدى فَابْعَثُوا لَهُ الْهَدْيَ حَتَّى يَرَاهُ". فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْهَدْيِ فِي قَلائِدِهِ لَمْ يُكَلِّمَهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً وَرَجَعَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى قُرَيْشٍ؛ فَقَالَ: أَتَى الْقَوْمُ بِالْهَدْيِ وَالْقَلائِدِ -فَعَظُمَ عَلَيْهِمْ وَحَذَّرَهُمْ- قَالَ: فَشَتَمُوهُ وَجَبَهُوهُ2، وَقَالُوا: إِنَّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ لَا عِلْمَ لَكَ، وَلَسْنَا نَعْجَبُ مِنْكَ؛ وَإِنَّمَا نَعْجَبُ مِنْ أَنْفُسِنَا حَيْثُ أَرْسَلْنَاكَ. ثُمَّ قَالُوا لِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ: انْطَلِقْ إِلَى مُحَمَّدَ وَلَا نؤتى من قبل رَأَيْت؛ فَسَارَ إِلَيْهِ عُرْوَةُ؛ فَلَمَّا لَقِيَهُ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جَمَعْتَ أَوْبَاشَ النَّاسِ ثُمَّ سِرْتَ بِهِمْ إِلَى عِتْرَتِكَ وَبَيْضَتِكَ3 الَّتِي تَفَلَّقَتْ عَنْكَ لِتُبِيدَ خَضْرَاءَهُمْ، تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ جِئْتُكَ مِنْ عِنْدِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَعَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ قَدْ لبسوا جُلُود النمو وَجَاءُوا بالعوذ الْمَطَافِيلِ4 يُقْسِمُونَ بِاللَّهِ لَا تَعْرِضُ لَهُمْ خُطَّةً إِلا عَرَضُوا لَكَ أَمَرَّ مِنْهَا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ، وَلَكِنْ أَرَدْنَا أَنْ نَقْضِيَ عُمْرَتَنَا، وَنَنْحَرَ هَدْيَنَا؛ فَهَلْ لَكَ أَنْ تَأْتِي قَوْمَكَ فَإِنَّهُمْ أَهْلِي، وَإِنَّ الْحَرْبَ قَدْ أَخَافَتْهُمْ، وَإِنَّهُ لَا خَيْرَ لَهُمْ أَنْ تَأْكُلَ الْحَرْبُ مِنْهُمْ إِلا مَا قَدْ أَكَلَتْ، فَيَجْعَلُونَ بَيْنِي وَبينهمْ مُدَّة يزِيد يها نَسْلُهُمْ وَيُؤْمَنُ فِيهَا شَرُّهُمْ وَيُخَلُّوا بيني وَبَيت الْبَيْتِ فَنَقْضِي عُمْرَتَنَا وَنَنْحَرُ هَدْيَنَا، ويخلو بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَصَابُونِي فَذَلِكَ الَّذِي يُرِيدُونَ وَإِنْ أَظْهَرَنِي الله عَلَيْهِم اخْتَارُوا لأَنهم: إِمَّا قَاتَلُوا مُعْدِينَ؛ وَإِمَّا دَخَلُوا فِي السِّلْمِ وَافِرِينَ؛ فَإِنِّي وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ عَلَى؛ هَذَا الأَمْرَ الأَحْمَرَ وَالأَسْوَدَ حَتَّى يَمْضِيَ أَمْرُ اللَّهِ وتنفرد سَالِفَتِي5؛ فَلَمَّا سَمِعَ عُرْوَةُ مَقَالَتَهُ رَجَعَ إِلَى قُرَيْش فَقَالَ: تعلمن أَنَّكُمْ أَخْوَالِي وَعَشِيرَتِي وَأَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَقَدِ اسْتَنْفَرْتُ لَكُمُ النَّاسَ فِي الْمَجَامِعِ؛ فَلَمَّا لَمْ يَنْصُرُوكُمْ أتيتكم بأهلي حَتَّى سكت بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِرَادَةَ أَنْ أُوَاسِيكُمْ تَعْلَمُنَّ مَا أُحِبُّ الْحَيَاةَ بَعْدَكُمْ، وَتَعْلَمُنَّ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْعُظَمَاءَ وَقَدْ قَدِمْتُ عَلَى الْمُلُوكِ؛ فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ أَنِّي مَا رَأَيْتُ مَلِكًا وَلا عَظِيمًا أَعْظَمَ فِي أَصْحَابِهِ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْهُمْ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ فِي الْكَلامِ؛ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ تَكَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَكَتَ، ثُمَّ إِنَّهُ لَيَتَوَضَّأُ فَيَبْتَدِرُونَ وَضُوءَهُ6 يَصُبُّونَهُ عَلَى رُءُوسهم يتخذونه   1 فِي السِّيرَة: رجل من تهَامَة انْظُر سيرة ابْن هِشَام وَابْن إِسْحَاق من تحقيقنا. 2 واجهوه بِمَا يكره. 3 أصلك وعشيرتك. 4 أَي النِّسَاء والذرية. 5 السالفة صفحة الْعُنُق -كِنَايَة عَن الْمَوْت. 6 بِفَتْح الْوَاو أَي المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ مِنْهُ. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 228 حَنَانًا1. قَالَ: فَلَمَّا سَمِعُوا مَقَالَةَ عُرْوَةَ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَمُكْرِزَ بْنَ حَفْصٍ؛ فَقَالُوا: انْطَلِقَا إِلَى مُحَمَّدٍ فَإِنْ أَعْطَاكُمَا مَا ذَكَرَهُ لِعُرْوَةَ فَقَاضِيَاهُ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنَّا عَامَهُ هَذَا وَلا يَخْلُصَ إِلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ سَمِعَ مِنَ الْعَرَبِ بِسَيْرِهِ أَنَا قَدْ صَدَدْنَاهُ؛ فَأَتَيَاهُ فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، فَأَعْطَاهُمَا وَقَالَ: "اكْتُبُوا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، فَقَالا: لَا وَاللَّهِ لَا نَكْتُبُ هَذَا أَبَدًا؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَكَيْفَ نَكْتُبُ؟ فَقَالا: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَذِهِ حَسَنَةً اكْتُبُوهَا؛ فَكَتَبُوهَا، ثُمَّ قَالَ: اكْتُبُوا: هَذَا مَا تَقَاضَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا نَخْتَلِفُ إِلا فِي هَذَا، وَقَالَ: فَكيف؟ قَالَ: اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهَذِهِ حَسَنَةً اكْتُبُوهَا؛ فَكَتَبُوهَا فَكَانَ فِي شَرْطِهِمْ أَنَّ بَيْنَنَا الْعَيْبَةَ الْمَكْفُوفَةَ2، وَأَنَّهُ لَا أَغْلالَ وَلا أَسْلالَ3، وَأَنَّهُ مَنْ أَتَاكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، وَمن أَتَانَا مِنْكُم لم ننرده عَلَيْكُمْ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ مَعِي فَلَهُ مِثْلُ شَرْطِي، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَنْ دَخَلَ مَعَنَا فَلَهُ مِثْلُ شَرْطِنَا، فَقَالَتْ بَنُو كَعْبٍ: وَنَحْنُ مَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَالَتْ بَنُو بَكْرٍ: نَحْنُ مَعَ قُرَيْشٍ. فَبَيْنَمَا هُمْ فِي الْكِتَابِ إِذا جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ بْنِ عَمْرٍو -أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ- وَهُوَ مُوَثَّقٌ بِالْحَدِيدِ مُسْلِمًا قَدِ انْفَلَتَ مِنْهُمْ إِلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلَمَّا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَبُو جَنْدَلٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُوَ لِي"، وَقَالَ أَبُوهُ سُهَيْلٌ -وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُقَاوِلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ لَجَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيكَ هَذَا فَهُوَ لِي؛ فَانْظُرُوا فِي الْكِتَابِ فَنَظَرُوا فَوَجَدُوهُ لِسُهَيْلٍ، فَرَدُّوهُ إِلَيْهِ، فَنَادَى أَبُو جَنْدَلٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَتَرُدُّونَنِي إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِي فِي ديني؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا جَنْدَلٍ قَدْ لَجَّتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَلا يَصْلُحُ لَنَا الْغَدْرُ، وَاللَّهُ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ المستضعين فَرَجًا وَمَخْرَجًا"؛ فَقَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا جَنْدَلٍ، هَذَا السَّيْفُ وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ وَأَنْتَ رَجُلٌ؛ فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَعَنْتَ عَلَيَّ يَا عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُهَيْلٍ: "هَبْهُ لِي"، قَالَ: لَا. قَالَ: "فَأَجِرْهُ لِي"، قَالَ: لَا، قَالَ مُكْرِزٌ: قَدْ أَجَرْتُهُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَنْ يَهِيجَ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْحَرُوا وَاحْلِقُوا وَأَحِلُّوا"، قَالَ: فمَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ أعَادَهَا، فَمَا قَامَ أَحَدٌ، قَالَ: وَدَخَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيم، قَالَ: فَدخل   1 أَي عبَادَة وتدينا وَرَحْمَة وتبركا. 2 أَي صدر تَقِيّ عَن الغل والأحقاد. 3 الإغلال: الْخِيَانَة، والإسلال السّرقَة الْخفية. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 229 رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: "مَا رَأَيْتِ مَا دَخَلَ عَلَى النَّاسِ؟ "، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اذْهَبْ فَانْحَرْ هَدْيَكَ وَاحْلِقْ وَأَحِلَّ، فَإِنَّ النَّاسَ سَيَحِلُّونَ، قَالَ: فَفَعَلَ، فَنَحَرَ النَّاسُ وَحَلَقُوا وَأَحَلُّوا ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مُسْلِمًا، فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمَا، وَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لأَبِي جَنْدَلٍ؛ فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى انْتَهَيَا بِهِ إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَقَالَ لأَحَدِهِمَا: أَصَارِمٌ سَيْفُكَ هَذَا يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاخْتَرَطَهُ ثُمَّ عَلاهُ بِهِ حَتَّى قَتَلَهُ، وَخَرَجَ صَاحِبُهُ هَارِبًا، وَأَقْبَلَ أَبُو بَصِيرٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: قَدْ وَفَّيْتُ ذِمَّتَكَ وَأَدَّى اللَّهُ عَنْكَ، وَقَدِ امْتَنَعْتُ بِدِينِي أَنْ يفتنوني، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَيْلُ أُمِّهِ مِحَشُّ حَرْبٍ1 لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ"2. فَخَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ حَتَّى نَزَلَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَجَعَلَ كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَأْتِيهِ فَيَنْضَمَّ إِلَيْهِ حَتَّى صَارَ مَعَهُ سَبْعُونَ رَجُلا، وَكَانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى تُجَّارِ قُرَيْشٍ وَعَلَى غَيْرِهِمْ، حَتَّى كَتَبَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُوهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَنْ يَقْبَلَهُمْ فَلا حَاجَةَ لَهُمْ فِيهِمْ، فَقَبِلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ هَاجَرَتِ النِّسَاءُ فِي هَذِهِ الْهُدْنَةِ وَحَكَمَ اللَّهُ فِيهِمْ، وَأَنْزَلَ: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] الآيَةَ. فَأُمِرُوا أَنْ يَرُدُّوا الأَصْدِقَةَ3 على أَزوَاجهنَّ. فَلم تزل الْهُدْنَةُ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَ بَنِي كَعْب وَبني بَكْرٍ قِتَالٌ؛ فَكَانَتْ بَنُو بَكْرٍ مِمَّنْ دَخَلَ مَعَ قُرَيْشٍ فِي صُلْحِهَا وَمُوَادَعَتِهَا، فَأَمَدَّتْ قُرَيْشٌ بَنِي بكر بسلاح وَطَعَام وظلت عَلَيْهِمْ حَتَّى ظَهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى بَنِي كَعْبٍ وَقَتَلُوا فِيهِمْ؛ فَخَافَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَكُونُوا قَدْ تنقضوا. فَقَالُوا لأَبِي سُفْيَانَ: اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأَجِدَّ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ؛ فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ جَاءَكُمْ أَبُو سُفْيَان وَسَيَرْجِعُ رَاضِيًا بِغَيْرِ حَاجَةٍ"؛ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَجِدَّ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ الأَمْرُ إِلَيَّ، الأَمْرُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَ لأَبِي بكر، فَقَالَ لَهُ عمر: أَنْقُضُكُمْ، فَمَا كَانَ مِنْهُ جَدِيدًا فَأَبْلَاهُ الله، وَمَا   1 هُوَ الَّذِي يثيرها ويهيجها. 2 أَي يَسْتَعِين بهم. 3 أَي مَا دفعوه من المهور. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 230 كَانَ مِنْهُ شَدِيدًا فَقَطَعَهُ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، شَاهَدْتُ عَشِيرَةً لَيْسَ من قوم ظلمُوا عَلَى قَوْمٍ وَأَمَدُّوهُمْ بِسِلاحٍ وَطَعَامٍ أَنْ يَكُونُوا نَقَضُوا، ثُمَّ أَتَى فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ: هَلْ لَكِ يَا فَاطِمَةُ فِي أَمر تسودين فِيهِ نِسَاءِ قَوْمِكِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ لَهَا نَحْوًا مِمَّا ذَكَرَهُ لأَبِي بَكْرٍ؛ فَقَالَتْ: لَيْسَ الأَمْرُ إِلَيَّ، الأَمْرُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، ثُمَّ أَتَى عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ نَحْوًا مِمَّا قَالَهُ لأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلا أَضَلَّ، أَنْتَ سَيِّدُ النَّاسِ فَأَجِدَّ الْحِلْفَ وَأَصْلِحْ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَقَالَ: قَدْ أَجْرَتِ النَّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. ثُمَّ مَضَى حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا صَنَعَ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا كَالْيَوْمِ وَافِدًا قَدِمَ، وَاللَّهِ مَا أَتَيْتَنَا بِحَرْبٍ فَنَحْذَرَ، وَلا بِصُلْحٍ فَنَأْمَنَ، ارْجِعْ، قَالَ: وَقَدِمَ وَافِدُ بَنِي كَعْبٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرهُ بِمَا صَنَعَتْ قُرَيْشٌ وَبِمَعُونَتِهَا لِبَنِي بَكْرٍ وَدَعَاهُ إِلَى النُّصْرَة وَأنْشد: لَا هم1 إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا وَوَالِدًا كُنَّا وَكُنْتَ ولدا ... ثمَّة أسلمنَا فَلم تنْزع يَدَا إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا ... وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتَ تَدْعُو أَحَدَا ... فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا ... وَقَتَّلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا وَجَعَلُوا لي فِي كداء رصدا ... فانصر رَسُول الله نصرا عتدَا   1 أَي يَا الله. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 231 وَابْعَثْ جُنُودَ اللَّهِ تَأْتِي مَدَدَا ... فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَأْتِي مُزْبِدَا فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا ... إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا قَالَ: وَمَرَّتْ سَحَابَةٌ فَأَرْعَدَتْ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: "إِن هَذِه لتعرد بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ"، ثُمَّ قَالَ لعَائِشَة: "جهزيني وَلَا تعلمي بِذَلِكَ أَحَدًا"؛ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَنْكَرَ بَعْضَ شَأْنِهَا، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُجَهِّزَهُ، قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَتْ: إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا انْقَضَتِ الْهُدْنَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بَعْدُ، قَالَ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُمْ أَوَّلُ مَنْ غَدَرَ"، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّرُقِ فَحُبِسَتْ1، ثُمَّ خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، فَفَتَحَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَذِنْتَ لِي فَأَتَيْتُ أَهْلَ مَكَّةَ فَدَعَوْتُهُمْ وَأَمَّنْتُهُمْ؟ قَالَ: وَهَذَا بَعْدَ أَنْ شَارَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ، وَوَجَّهَ الزُّبَيْرَ مِنْ قِبَلِ أَعْلاهَا وَخَالِدًا مِنْ قِبَلِ أَسْفَلِهَا، قَالَ: فَأَذِنَ لَهُ؛ فَرَكِبَ الْعَبَّاسُ بَغْلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْبَاءَ وَانْطَلَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي، رُدُّوا عَليَّ أَبِي، وَإِنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صنوا أَبِيهِ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا فَعَلَتْ بِابْنِ مَسْعُودٍ، دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَقَتَلُوهُ، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَكِبُوهَا مِنْهُ لأَضْرِمَنَّهَا عَلَيْهِمْ نَارًا"؛ فَانْطَلَقَ الْعَبَّاسُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ مَكَّة أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا فَقَدِ اسْتُبْطِنْتُمْ بِأَشْهَبَ بَازِلٍ، هَذَا الزُّبَيْرُ مِنْ قِبَلِ أَعْلَى مَكَّةَ، وَهَذَا خَالِدٌ مِنْ قِبَلِ أَسْفَلَ مَكَّةَ، مَنْ أَلْقَى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ. كَيفَ يُقَاتل الْمُسلمُونَ أهل الْبَغي من الْمُسلمين: قَالَ: وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّنْ خَالَفَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إِذَا حَارَبُوا، كَيْفَ يُقَاتَلُونَ، قَبْلَ أَنْ يُدْعَوْا أَو بعد أَن يُدْعَوْا؟ وَمَا الْحُكْمُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَذَرَارِيهِمْ وَمَا أَجْلَبُوا بِهِ فِي عَسْكَرِهِمْ؟ فَإِنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا مِنَ الأَخْبَارِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُقَاتِلْ قَوْمًا قَطُّ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مِمَّنْ خَالَفَهُ حَتَّى يَدْعُوهُمْ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ بعد قِتَالهمْ وظهوره عَلَيْهِم لشَيْء مِنْ مَوَارِيثِهِمْ وَلا لِنِسَائِهِمْ وَلا لِذَرَارِيهِمْ، وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَسِيرًا، وَلَمْ يُذَفِّفْ مِنْهُمْ عَلَى جَرِيحٍ، وَلم يتبع مِنْهُم مُدبرا.   1 لَا يذهب فِيهَا أحد ليخبر قُرَيْش باستعداد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 232 وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ عَسْكَرِهِمْ وَمَا أَجْلَبُوا بِهِ إِلَيْهِ؛ فَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْنَا فِيهِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: قَسَّمَ مَا أَجْلَبُوا بِهِ عَلَيْهِ فِي عَسْكَرِهِمْ بَعْدَ أَنْ خَمَّسَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَدَّهُ عَلَى أَهْلِهِ مِيرَاثًا بَيْنَهُمْ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي عَسْكَرِهِمْ مِنَ الأَمْوَالِ وَالْمَسَاكِنِ وَالضَّيَاعِ فَتَرَكَهَا لأَهْلِهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا، وَمِمَّا تَرَكَ النَّشَاسِتِجَ بِالْكُوفَةِ لِطَلْحَةَ، وَأَمْوَالُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ بِالْمَدِينَةِ وَضَيَاعُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَمَسَاكِنُهُمِ وَأَمْوَالُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ عَسْكَرَ أَهْلُ الْبَغْيِ إِذَا كَانَ مُقِيمًا قُتِلَ أَسْرَاهُمْ وَأُتْبِعَ مُدْبِرُهُمْ وَذُفِّفَ عَلَى جَرِيحِهِمْ1، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَسْكَرٌ وَلا فِئَةٌ يَلْجَأُونَ إِلَيْهَا لَمْ يُتْبَعْ مُدْبِرٌ وَلَمْ يُذَفَّفَ عَلَى جَرِيحٍ وَلَمْ يُقْتَلْ أَسِيرٌ؛ فَإِنْ خِيفَ مِنَ الأَسَارَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ جَمْعٌ يَلْجَأُونَ إِلَيْهِ إِذَا عُفِيَ عَنْهُمْ اسْتَوْدَعَهُمُ السِّجْنَ حَتَّى تُعْرَفَ تَوْبَتُهُمْ. وَلا يُصَلَّى عَلَى قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ، وَيُوَرَّثُ قَاتِلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ مَوَارِيثِهِمْ مِثْلَ مَا يُوَرَّثُ نُظَرَاؤُهُ مِمَّنْ لَمْ يُقْتَلْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْقَاتِلَ قَتْلُهُ عَلَى حَقٍّ، وَلا يُوَرَّثُ الْبَاغِي إِذَا قَتَلَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَحَدًا مِيرَاثًا مِنْهُ إِنْ كَانَ قَتَلَهُ بِيَدِهِ لأَنَّهُ قَتَلَهُ بِبَاطِلٍ. وَيُصَلَّى عَلَى قَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ، وَهُمْ فيِ الصَّلاةِ عَلَيْهِمْ وَالدَّفْنِ لَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّهَدَاءِ لَا يُغَسَّلُونَ، وَيُكَفَّنُونَ فِي ثِيَابِهِمْ إِلا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ حَدِيدٌ أَوْ جِلْدٌ؛ فَيُنْزَعُ عَنْهُمْ وَلا يُحَنَّطُونَ، وَيُفْعَلُ بِهِمْ كَمَا يُفْعَلُ بِالشُّهَدَاءِ؛ هَذَا إِذَا كَانُوا فِي الْمَعْرَكَةِ، وَأَمَّا إِذَا حُمِلَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَلَى أَيْدِي الرِّجَالِ وَبِهِ رَمَقٌ2 فَمَاتَ عَلَى أَيْدِيهِمْ أَوْ إِلَى رَحْلِهِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَحُنِّطَ وَصُنِعَ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَيِّتِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ. وَمَنْ تَابَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَتَابَعَ الإِمَامَ وَسَمِعَ وَأَطَاعَ؛ فَلا يُؤْخَذُ بِدَمٍ وَلا جِرَاحَةٍ كَانَتْ مِنْهُ فِي الْحَرْبِ وَلا شَيْءٍ اسْتَهْلَكَهُ؛ فَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لأَهْلِ الْعَدْلِ قائسم بِعَيْنِهِ أُخِذَ مِنْهُ وَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ. وَكَذَلِكَ الْمُحَارِبُ الَّذِي يَقْطَعُ الطَّريِقَ وَيَقْتُلُ وَيَأْخُذُ الأَمْوَالَ إِذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ طَالِبًا لِلأَمَانِ وَسَمِعَ وَأَطَاعَ لم يُؤْخَذ بِشَيْء كَانَ مِنْهُ مِنْ جِرَاحَةٍ وَلا شَيْء استهكله فِي حَالِ حَرْبِهِ؛ فَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لإِنْسَانٍ قَائِمٍ بِعَيْنِهِ أُخِذَ مِنْهُ وَرُدَّ عَلَيهِ، وَمَا اسْتَهْلَكَهُ فَلا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَمَا أُصِيبَ فِي أَيْدِي أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ سِلاحٍ أَوْ كرَاع لأهل الْبَغي فَهُوَ فَيْء يخمسه   1 أكمل على الجريح حَتَّى الْمَوْت. 2 يَقُولُونَ إِذا مضى عَلَيْهِ وَقت صَلَاة غسل وكفن وَصلى عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ من الشُّهَدَاء. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 233 الإِمَامُ وَيُقَسَّمُ الأَرْبَعَةَ الأَخْمَاسِ. وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَر قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ إِذا أَتَى الْأَسير يَوْمَ صِفِّينَ أَخَذَ دَابَّتَهُ وَسِلاحَهُ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعُودَ وَخَلَّى سَبِيلَهُ. وَحَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ يَكْرَهُ قَتْلَ الأَسَارَى. وَحَدَّثَنَا بَعْضُ الْمَشْيَخَةِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ مُنَادِيهِ فَنَادَى يَوْمَ الْبَصْرَةِ: "لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ وَلا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَلا يُقْتَلُ أَسِيرٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَلْقَى سِلاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ" قَالَ: وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ مَتَاعِهِمْ شَيْئا. مَا يُؤْخَذ بِهِ أهل الْبَغي: وَحَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي رَجُلٍ أَصَابَ حَدًّا، ثُمَّ خَرَجَ مُحَارِبًا ثُمَّ طَلَبَ الأَمَانَ فَأُمِّنَ قَالَ: يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ الَّذِي كَانَ أَصَابَهُ، وَحَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِذَا أُمِّنَ الْمُحَارِبُ لَمْ يُؤْخَذْ بِشَيْء كَانَ أَصَابَهُ فِي حَالِ حَرْبِهِ إِلا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَيُؤْخَذُ بِهِ، هَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْنَا فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ فِيمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ: إِذا أَخذ المَال قطعت يَدَيْهِ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلافٍ وَلَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُصْلَبْ؛ فَإِنْ قُتِلَ مَعَ أَخْذِ الْمَالِ فَالإِمَامُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُ وَلَمْ يَقْطَعْهُ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ ثُمَّ صَلَبَهُ أَوْ قَتَلَهُ، وَإِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ قُتِلَ، قَالَ: وَنَفْيُهُ مِنَ الأَرْضِ صَلَبَهُ، رَوَاهُ أَبوْ حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ. وَقَوْلِي إِذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ صُلِبَ، وَإِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ قُتِلَ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلافٍ. وَحَدَّثَنَا الْحجَّاج بَين أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ مِصْرَ وَالشَّامَ افْتُتِحَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنَّ أَفْرِيقِيَّةَ وَخُرَاسَانَ وَبَعْضَ السِّنْدِ افتتحت فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: فَقَامَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ -وَهُوَ تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ رَجُلٌ مِنْ لَخْمٍ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جِيرَةً مِنَ الرُّومِ بِفِلَسْطِينَ لَهُمْ قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا جَيْرُونَ وَأُخْرَى يُقَالُ لَهُ عَيْنُونَ، فَإِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ الشَّامَ فَهَبْهُمَا لِي فَقَالَ: هُمَا لَكَ قَالَ: فَاكْتُبْ لِي بِذَلِكَ كِتَابًا، قَالَ: فَكَتَبَ لَهُ "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ لِتَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ أَنَّ لَهُ قَرْيَة جيرون وَبَيت عينون قريتهما كلهما وسهلهما وجبلهما وماؤهما وحرثهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 234 وَأَنْبَاطَهُمَا وَبَقَرَهُمَا، وَلِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ، لَا يحاقه فِيهَا أَحَدٌ، وَلا يَلِجُهُمَا عَلَيْهِمْ أَحَدٌ بِظُلْمٍ؛ فَمَنْ ظَلَمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ شَيْئًا فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللَّهِ". قَالَ: فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ كتب لَهُم كتابا نسخته: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كتاب من أبي بكر أَمِينُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي اسْتُخْلِفَ فِي الأَرْضِ بَعْدَهُ، كَتَبَهُ لِلدَّارِيِّينَ أَنْ لَا يُفْسَدَ عَلَيْهِمْ سَبَدُهُمْ وَلِبَدُهُمْ1 مِنْ قَرْيَةِ جَيْرُونَ وَعَيْنُونَ؛ فَمَنْ كَانَ يَسْمَعُ وَيُطِيعُ اللَّهَ فَلا يفْسد مِنْهَا شَيْئًا وَلْيَقُمْ عَمُودَيِ النَّاسِ عَلَيْهِمَا وليمنعهما من المفسدين". كَيفَ يعزى أهل الذِّمَّة: سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ: رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ يَمُوتُ لَهُ الْوَلَدُ أَوِ الْقَرَابَةُ كَيْفَ يُعَزَّى؟ قَالَ: يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْمَوْتَ عَلَى خَلْقِهِ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ خَيْرَ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ فِيمَا نَزَلَ بِكَ لَا نَقَصَ اللَّهُ لَكَ عددا". وبلغنا أَن رجلا نَصْرَانِيّا كَانَ يَأْتِي الْحسن ويغشى مَجْلِسه، فَمَاتَ، فَسَار الْحسن إِلَى أَخِيه ليعزيه فَقَالَ لَهُ: "أثابك الله على مصيبتك ثَوَاب من أُصِيب بِمِثْلِهَا من أهل دينك، وَبَارك لنا فِي الْمَوْت وَجعله خير غَائِب ننتظره، عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ فِيمَا نَزَلَ بِكَ من المصائب". تمّ بعون الله وَحسن توفيقه هَذَا الْكتاب الخطير والمؤلف الْكَبِير بِفضل الله وَكَرمه. اللَّهُمَّ واجعلنا من الَّذين يَقُولُونَ فيفعلون ويفعلون فيخلصون ويخلصون فيقبلون وَسَلام على الْمُرْسلين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين ...   1 السَّيِّد الْقَلِيل من الشّعْر واللبد كَثِيره. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 235 الفهارس الْعَامَّة: شُيُوخ الْمُؤلف: الَّذين روى عَنْهُم مَا فِي هَذَا الْكتاب من تشريع وَأَحْكَام وَغير ذَلِك "الْأَسْمَاء مرتبَة على حُرُوف الهجاء" "أ، ب، ت" حرف الْهمزَة: أبان بن أبي عَيَّاش 17- 64- 65- 66- 144- 179- 191- 225 الْأَحْوَص بن حَكِيم 67- 83. أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ 117- 170- 180- 191- 225 إِسْرَائِيل بن يُونُس 19- 44- 65- 128- 139. إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ البَجلِيّ 20- 25- 134- 148- 163. إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد 21- 23- 24- 39- 42- 125- 194- 212 إِسْمَاعِيل بن مُسلم 113 إِسْمَاعِيل 45- 183- 194 أَشْعَث بن سوار 30- 33- 66- 68- 74- 113- 169- 177- 179- 182- 188- 193- 194- 197- 198- 207- 214- 217- 234 أَشْيَاخ الْمُؤلف "وَانْظُر: بعض أشياخنا و: شيخ" 17- 20- 23- 24- 26- 34- 45- 68- 83- 95- 97- 127- 130- 133- 134- 138- 142- 143- 163- 165- 214- 234-244. الْأَعْمَش "انْظُر: سُلَيْمَان بن مُحَمَّد" حرف الْبَاء: بعض أشياخنا الْكُوفِيّين 27- 131- 144 بَعْضُ أَشْيَاخِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ "وَانْظُر: شيخ" 45- 74- 169 بعض أَصْحَابنَا 67 بعض أهل الْعلم 152 أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهُذلِيّ 22 خرف الثَّاء: ثَابت أَبُو حَمْزَة الْيَمَانِيّ 60 حرف الْجِيم: ابْن جريج "انْظُر: عبد الْملك" الجزء: 1 ¦ الصفحة: 237 أَبُو جناب 211 حرف الْحَاء: حريز بن عُثْمَان الْحِمصِي 109 الْحجَّاج بن أَرْطَأَة 49- 61- 68- 77- 103- 142- 169- 171- 179- 180- 185- 187- 189- 193- 209- 213- 217- 218- 234 الْحسن بن عبد الْملك بن ميسرَة 167 الْحسن بن عمَارَة 28- 48- 65- 77- 82- 88- 94- 97- 100- 110- 113- 114- 165- 216- 219 حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن 48 حُصَيْن 40- 42 جصين "عَن الشّعبِيّ" 179- 187 أَبُو حُصَيْن 128 أَبُو حنيفَة 25- 29- 31- 36- 64- 74- 76- 82- 89- 91- 100- 101- 103- 134- 145- 148- 150- 169- 174- 175- 179- 182- 184- 186- 188- 189- 193- 197- 199- 214- 214- 234- 235 جرف الْخَاء: ابْن خديج "قد يكون ابْن جريج. وَهُوَ عبد الْملك" 214 حرف الدَّال: دَاوُد بن أبي هِنْد 22- 96- 132- 195 حرف السِّين: السّري بن إِسْمَاعِيل 47- 149 سعيد بن أبي عرُوبَة 24- 46- 77- 174- 180- 181- 187- 192-195- 197- 209- 211 سُفْيَان بن عُيَيْنَة 60- 65- 74- 90- 96- 143- 192- 197- 210 سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن مهْرَان الْكَاهِلِي "الْأَعْمَش" 17- 19- 20- 58- 74- 87- 89- 103- 125- 130- 141- 166- 182- 185- 187- 194- 196- 197- 205- 215- 217- 224 سُلَيْمَان "قد يكون الْأَعْمَش" 162 حرف الشين: شُعْبَة 170 الشَّيْبَانِيّ "انْظُر: أَبَا إِسْحَاق" شيخ من عُلَمَاء الْبَصْرَة 143 شيخ من أهل الشَّام 26- 130 شَيْخٌ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ 144 شيخ لنا قديم 58 شيخ من قُرَيْش 234 شيخ من الْمَدِينَة "وَانْظُر: بعض أشياخنا" 57- 144 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 238 حرف الطَّاء: طَارق بن عبد الرَّحْمَن 128 طَلْحَة بن يحيى 203 حرف الْعين: عَاصِم بن سُلَيْمَان 148- 177- 187- 211- 224 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أبي سعيد المَقْبُري 33- 49 عبد الله بن عَليّ 19- 24- 66- 100- 179- 182 عبد الله بن الْمُحَرر 67- 83 عبد الله بن وَاقد 18 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَدَنِيُّ "الْمُزنِيّ" 57- 69- 129 عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق 22 عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَان 99- 132- 140- 145- 199 عبد الرَّحِم بن عبد الله المَسْعُودِيّ 144- 149- 184- 187 عبد الرَّحْمَن بن معمر 66 عبد الْملك بن جريج 149- 181- 183- 185- 188- 192- 197- 219 عبد الْملك بن أبي سلميان 129- 183 عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ 22- 130- 141- 191- 213 عبيد الله بن عمر 203 عبيد بن أبي رائطة 96 عتبَة بن عبد الله "أَبُو العميس" 115 ابْن أبي عرُوبَة "انْظُر: سعيد" عَطاء بن السَّائِب 31- 209- 214 عَطاء بن عجلَان 95 الْعَلَاء بن كثير 109 الْعَلَاء بن الْمسيب 100 عُلَمَاء الْمَدِينَة 35 عَليّ بن عبد الله "صَوَابه: عبد الله بن عَليّ" 57 عمر بن نَافِع 139 عَمْرو بن عُثْمَان 65 عَمْرو "أَو عمر" بن مهَاجر 41 عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ 150 عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عِمَارَةَ 66 أَبُو عُمَيْس "عتبَة بن عبد الله" 115 حرف الْغَيْن: غيلَان بن قيس الْهَمدَانِي 20 حرف الْفَاء: الْفضل بن مَرْزُوق "أَو مَسْرُوق" 19 حرف الْقَاف: قطر بن خَليفَة 143 قيس بن الرّبيع الْأَسدي 28- 66- 68- 115- 142- 150- 225 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 239 قيس بن مُسلم 31- 225 حرف الْكَاف: كَامِل بن الْعَلَاء 141 الْكَلْبِيّ "انْظُر: مُحَمَّد بن السَّائِب" حرف اللَّام: اللَّيْث بن سعد 36 لَيْث بن أبي سليم 66- 77- 125- 181- 193- 195- 213- 214- 218 ابْن ابي ليلى "انْظُر: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن" حرف الْمِيم: مَالك بن أنس 117 مَالك بن مغول 18 المجالد بن سعد 39- 48- 55- 56- 72- 126- 127- 177- 195 مُحَمَّد بن إِسْحَاق 18- 20- 29- 30- 37- 39- 47- 55- 62- 77- 84- 95- 109- 130- 155- 166- 168- 183- 191- 210- 217- 219- 224- 226- 234. مُحَمَّد بن أبي حميد 126 مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ 61- 142- 226 مُحَمَّد بن سَالم 65 مُحَمَّد بن طَلْحَة 210 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بن شُعَيْب بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بن الْعَاصِ 66- 114- 151 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ليلى 30- 61- 62- 65- 95- 100- 109- 126- 168- 173- 175- 177- 189- 217 مُحَمَّد بن عجلَان 17- 177 مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ 18- 56- 178 مُحَمَّد " ... " 214 مسعر بن كدام 24- 41- 124- 128- 180- 208 المَسْعُودِيّ "انْظُر: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ" مُسلم الخزامي "أَبُو الْحَرَّانِي" 61 مطرف بن طريف 20- 181 أَبُو معشر 53 مُغيرَة 30- 68- 167- 170- 170- 177- 181- 184- 186-191- 194- 197- 216- 219- 225- 234 مَنْصُور 124- 166- 169- 209 منهال 211 ميسرَة بن معبد 183 حرف النُّون: ابْن أبي نجيح 53- 73- 209 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 240 حرف الْهَاء: هِشَام بن سعد 8- 118- 166 هِشَام بن عُرْوَة 73- 74- 77- 95- 96- 138- 166- 183- 208- 226- هِشَام 126- 216- 225 حرف الْوَاو: وَرْقَاء الْأَسدي 139 الْوَلِيد بن عِيسَى 66 حرف الْيَاء: يحيى بن أبي أنيسَة 64 يحيى بن سعيد 17- 19- 21- 29- 67- 83- 96- 150- 177- 182- 215 يزِيد بن أبي زِيَاد 100- 167- 215 يزِيد بن سِنَان 17 يعلى 211 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 241 الْأَعْلَام التاريخية: 1- الْأَفْرَاد: حرف الْهمزَة: أبان بن صَالح 224 إِبْرَاهِيم بن عبد الْأَعْلَى 139 إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ 41 إِبْرَاهِيم بن المُهَاجر 47- 74- 103- 134- 148 إِبْرَاهِيم بن ميسرَة 97 إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ 30- 64- 66- 68- 89- 100- 130- 150- 166- 169- 170- 178- 186- 187- 189- 191- 194- 197- 209- 214- 216- 218- 224- 225- 234 أُسَامَة بن زيد 54- 166- 196 أَبُو أُسَامَة "انْظُر: زيد بن حَارِثَة" إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بكر 66 إِسْحَاق بن عبد الله 28- 100 أَبُو إِسْحَاق 19- 44- 58- 56- 66- 90- 97 أسلم مولى عمر أَسمَاء بنت عُمَيْس إِسْمَاعِيل بن أبي حَكِيم 21- 27 إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ 57 إِسْمَاعِيل "عَن ابْن شهَاب" 170 الْأسود "عَن عَائِشَة" 224 الْأَشْعَث بن قيس 43- 80 الْأَشْعَرِيّ 216 أَعْرَابِي 45 الْأَعْرَج 19 الْأَقْرَع بن حَابِس الْحَنْظَلِي 85 أكيدر دومة 208 امْرَأَة من جُهَيْنَة 179 امْرَأَة من قُرَيْش 166 الْإِنْجِيل 157 أنس بن سِيرِين 148- 151 أنس بن مَالك 18- 20- 61- 64- 66- 148- 151- 165- 191- 210- 225 الْأنْصَارِيّ 62 إِيَاس بن قبيصَة الطَّائِي 157- 158 أَيُّوب 60 أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ 66 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 242 أَيُّوب بن مُوسَى 183 حرف الْبَاء: بجالة بن عَبدة الْعَنْبَري 142 أَبُو البخْترِي 20- 209 بدر "الْغَزْوَة" 28- 33- 53- 55- 80- 214- 215 الْبَراء بن عَازِب 18 أَبُو بَرزَة 177 بشر بن عَاصِم 95 بشر بن عَمْرو السكونِي 117 أَبُو بَصِير 230 ابْن بقيلة عبد الْمَسِيح بن حبَان 143 أَبُو بكر الصّديق 17- 20- 22- 24- 30- 31- 35- 50- 53- 54- 61- 73- 80- 85- 86- 89- 93- 103- 143- 144- 155- 157- 159- 161- 165- 180- 188- 190- 191- 194- 211- 214- 227- 230- 235 أَبُو بَكْرِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عتبَة 180 أَبُو بكر بن مُحَمَّد 114 أَبُو بكرَة 139 بِلَال بن رَبَاح 34- 36- 37- 46- 139- 211 بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ 74 بِلَال بن يحيى الْعَبْسِي 115 حرف التَّاء: تَمِيم بن أَوْس الدَّارِيّ 234 تَمِيم بن طرفَة 218 التوارة 157 حرف الثَّاء: ثَابت بن ثَوْبَان 99- 140- 145- 199 ثَعْلَبَة بن يزِيد الْحمانِي 47 أَبُو ثَوْر عَمْرو بن معديكرب 42 حرف الْجِيم جَابر الْجعْفِيّ 129 جَابر بن عبد الله 30- 53- 64- 102 جَارِيَة "حَارِثَة" بن مضرب 47- 48- 58 جَامع بن شَدَّاد 149 الْجَاهِلِيَّة 33- 114- 118- 212 جُبَير بن مطعم 20- 30 الجدعاء "نَاقَة" 227 جرير بن عبد الله البَجلِيّ 39- 40- 42- 159- 212 جرير بن يزِيد 165 جُزْء بن مُعَاوِيَة 142 جعفربن برْقَان 163 جَعْفَر بن مُحَمَّد 143- 234 أَبُو جَعْفَر 30- 55- 102- 234 الجماجم "وَاقعَة جربية" 69 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 243 أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ بْنِ عَمْرو العامري 229 أَبُو الجهم 20 جوَيْرِية بنت الْحَارِث الْخُزَاعِيَّة "أم الْمُؤمنِينَ" 54- 210 حرف الْحَاء: الْحَارِث "عَن عَليّ" 90- 179- 187 الْحَارِث بن حسان 211 الْحَارِث بن زِيَاد الْحِمْيَرِي 19 الْحَارِث العكلي 100 حَارِثَة بن مضرب 47- 48- 58 ابْنة الْحَارِث النجارية 220 أَبُو حَازِم 17- 28- 110- 116 حبَان بن زيد الشَّرْعِيّ الْحِمصِي 109 حبيب بن أبي ثَابت 20- 36- 74- 141 حبيب بن نَهَار 216 الْحجَّاج بن علاط الْبَصْرِيّ 217 الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ 64- 69- 70- 213 الْحَجَّاجِي "مكيال. وَانْظُر: قفيز الْحجَّاج" 47 حجية بن عدي 183 الْحُدَيْبِيَة "الصُّلْح فِيهَا" 226- 227 حُذَيْفَة بن الْيَمَان 43- 47- 48- 59- 94- 97- 194 حرقوص 194 حسان بن الْمخَارِق 180 الْحسن الْبَصْرِيّ 20- 22- 29- 60- 64- 68- 77- 95- 113- 134- 144- 148- 169- 170- 174- 181- 182- 187- 189- 193- 194- 207- 209- 214- 216- 217- 225- 234- 235 الْحسن بن سعد 185 الْحسن بن عَليّ 54- 55- 174 الْحسن بن مُحَمَّد ابْن الْحَنَفِيَّة 31- 142- 225 الْحُسَيْن بن عَليّ 54- 55- 74 حُصَيْن "عَن على" 180 أَبُو حُصَيْن 1014 أم الْحصين 19 حَفْصَة بنت عمر أم الْمُؤمنِينَ 102 الحكم بن عتيبة 28- 48- 60- 62- 66- 68- 94- 100- 170- 188- 198- 213- 214- 217 الْأَحْوَص بن حَكِيم "حَكِيم بن الْأَحْوَص" 67- 83 حَكِيم بن جَابر 128 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 244 حَكِيم بن جُبَير 94 حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ الْعَلاءِ 183 ابْن الحلس 228 حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان "شيخ أبي حنيفَة النُّعْمَان" 64- 90- 100- 150- 169- 170- 179- 182- 184- 186- 189- 214- 216- 225- 234 حمْرَان بن أبان 86 حميد بن عبد الرَّحْمَن 197- 210- 214 أَبُو حميد السَّاعِدِيّ 95- 96 حَنش 162 حَنْظَلَة "أَبُو على" 191 الحنيفية "قَول عمر أَنا الشَّيْخ الحنيفي" 150 حنين "وَاقعَة حربية" 29- 79- 215 حرف الْخَاء: خَالِد بن عرفطة 42 خَالِد بن الْوَلِيد 39- 50- 155- 158- 162- 211- 218- 227- 232 خَالِد بن وهبان 20 خباب بن الْأَرَت 74 الخَنْدَق "وَاقعَة حربية" 191- 218- 219- 226 خَيْبَر "انْظُر الْأَعْلَام الجغرافية" 73 حرف الدَّال: الداناج "عبد الله بن فَيْرُوز" 180 دَاوُد بن كرْدُوس 133 أَبُو الدَّرْدَاء 124 دهقان عين التَّمْر 159 حرف الذَّال: ذَات السلَاسِل "غَزْوَة" 211 أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ 20- 28 أَخُو أبي ذَر الْغِفَارِيّ 28 ذُو الجناحين "ملك الْفرس فِي نهاوند" 43- 45 حرف الرَّاء: رَاشد بن حُذَيْفَة 86 رَافع بن خديج 95- 101- 189 ابْن رَافع بن خديج 101 أَبُو رَافع 74 الرَّايَة النَّبَوِيَّة 210- 211 الرّبع الْهَاشِمِي "مكال" 64 ابْن أبي ربيعَة الْقرشِي 182 رَجَاء بن حَيْوَة 183 أَبُو رَجَاء 68 رجل من ثَقِيف 25- 42 رجل من قُرَيْش 194 رجل من المزنيين 210 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 245 رجلَانِ من أَشْجَع 96 أَبُو رزين 197 أم رزين 183 رستم 39- 40- 158 رفيدة 219 رقية بنت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 214 ريَاح بن عُبَيْدَة 132 حرف الزَّاي: زبيد بن الْحَارِث اليامي 21- 23 الزبير بن الْعَوام 36- 73- 166- 188- 233 أَبُو الزبير 17- 30- 64- 150- 188 زر بن حُبَيْش 94 أَبُو زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ 165 زُرَيْق بن حَيَّان 150 زَكَرِيَّا النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام 22 زَكَرِيَّا بن الْحَارِث 29 أَبُو الزِّنَاد 19- 33 الزُّهْرِيّ "انْظُر: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب" زِيَاد بن حدير الْأَسدي "عَامل عمر عَليّ العشور" 134- 135- 149 زِيَاد بن عُثْمَان 195 زِيَاد ابْن أبي مَرْيَم 96 زِيَاد ابْن أَبِيه "ابْن سميَّة" 73 زيد بن أسلم "وَأسلم مولى عمر" 118 زيد بن أسلم "قد يكون البلوي" 177 زيد بن ثَابت 57- 170 زيد بن جُبَير 169 زبد بن حبَان الشَّرْعِيّ "صَوَابه حبَان بن زيد الشَّرْعِيّ" 109 زيد بن خَالِد الجهمي 215 زيد بن وهب 20 زيد "عَن أَبِيه عَن عمر بن الْخطاب" 57 زَيْنَب بنت جحش "أم الْمُؤمنِينَ" 56 زَيْنَب "بنت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" 223 حرف السِّين: ابْن سابط "انْظُر: عبد الرَّحْمَن بن سابط" سَالم الْأَفْطَس 68 سَالم ابْن أبي الْجَعْد 24- 60- 87 سَالم بن عبد الله بن عمر 77- 89 سعد بن إِبْرَاهِيم 41 سعد بن عبَادَة 226 سعد بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ 159 سعد بن مَالك 40- 74- 225 سعد بن معَاذ 219- 221- 226 سعد بن أبي وَقاص 35- 40- 41- 73- 103- 187 امْرَأَة سعد ابْن أبي وَقاص 42 سعيد ابْن أبي بردة 24 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 246 سعيد بن جُبَير 68 أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ 17- 18- 66 سعيد بن زيد 74- 138 سعيد بن الْعَاصِ 56 سعيد بن الْمسيب 30- 57- 77- 114- 169- 174- 187 أَبُو سعيد المَقْبُري 33- 49 سعيد بن أبي هِنْد 224 أَبُو سُفْيَان بن حَرْب 85- 231 سُفْيَان بن مَالك 95 أَبُو سُفْيَان "عَن جَابر" 197 ذَات السلَاسِل "سبق ذكرهَا" 211 أَبُو سَلامَة 128 سلمَان الْفَارِسِي 139- 209 أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد المَخْزُومِي 54 أَبُو سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْف 56 سَلمَة بن قيس 211- 212 سَلمَة بن كهيل 183 أَبُو سَلمَة "عَن أبي هُرَيْرَة" 18- 178 أم سَلمَة "أم الْمُؤمنِينَ" بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي 54 سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة 211 سُلَيْمَان بن عَمْرو 18 سُلَيْمَان بن مُوسَى 197 سُلَيْمَان بن يسَار 182 سماك بن حَرْب 68- 128- 190- 218- 225 سَمُرَة بن جُنْدُب 77 أَبُو سِنَان 180 سهل بن حنيف 117 سُهَيْل بن عَمْرو 229 ابْن سوار أَشْعَث 30- 74- 113 سُوَيْد بن غَفلَة 139- 195 سُوَيْد بن مقرن 43 ابْن سِيرِين "انْظُر: حرف" حرف الشين: شَدَّاد بن أَوْس 17 شُرَحْبِيل بن حَسَنَة 50 الشّعبِيّ "انْظُر: عَامر" شُعَيْب بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بن الْعَاصِ 73- 77 ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ "انْظُر: مُحَمَّد بن مُسلم" ابْن شهَاب 185 الشَّهْبَاء "بغلة" 232 شيخ بِالْمَدِينَةِ 27 حرف الصَّاد: أَبُو صَالح 17- 19- 29- 61- 125- 142- 197- 208- 215- 217- 224 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 247 صَفِيَّة "أم الْمُؤمنِينَ" 54 صلت الْمَكِّيّ 74 صلوبا "دهقان عين التَّمْر" 159 حرف الضَّاد: الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْعَرِيِّ 52 الضَّحَّاك بن مُزَاحم 19 حرف الطَّاء: طَارق "قد يكون رَئِيس شرطة بِدِمَشْق زمن ابْن عمر" 191 طَاوُوس 17- 77- 82- 95- 136 طَلْحَة بن عبيد الله 35- 46- 54- 215- 233 طَلْحَة أَبُو مُحَمَّد "عَن عَائِشَة ابْنة مَسْعُود" 166 طَلْحَة بن معدان الْعمريّ 130 حرف الظَّاء: أَبُو ظبْيَان 139- 196 حرف الْعين: عَائِذ الله بن إِدْرِيس 17 عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ 18- 55- 77- 102- 109- 167- 184- 210- 224- 232 عَائِشَة ابْنة مَسْعُود 116 أَبُو الْعَاصِ بن الرّبيع العبشمي "زوج زَيْنَب بنت النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" 223 عَاصِم بن أبي رزين 197 عَاصِم بن ضَمرَة 65- 66- 97 عَاصِم بن عدي 33 عَاصِم بن عمر 95 عَاصِم بن مُنَبّه 33 عَاصِم بن أبي النجُود 129 العاقب النجراني 86 عَامر الشّعبِيّ 18- 22- 39- 46- 47- 55- 65- 72- 96- 100- 113- 126- 127- 142- 145- 149- 168- 170- 173- 177- 179- 181- 182- 185- 187- 192- 194- 197- 198- 214 عباد بن تَمِيم 66 عباد "قد يكون ابْن تَمِيم" 183 عبَادَة بن الصَّامِت 95 عبَادَة بن نعْمَان التغلبي 133 عبَادي 40 الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب 31- 54- 55- 232 عبد الله بن أَرقم 58- 139 عبد الله بن أنيس 126 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ 85- 109 عبد الله بن جحش 40 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَرَّةَ 69 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 248 عبد الله بن حَكِيم 22 عبد الله "الداناج" بن فَيْرُوز 180 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ 87 عبد الله بن رَوَاحَة 61- 62- 102 عبد الله بن الزبير 18 عبد الله بن السَّائِب 17 عبد الله بن سُفْيَان 95 عبد الله بن سَلمَة 190 عبد الله بن شَدَّاد 185 عبد الله بن طَاوس 136 عبد الله بن عَبَّاس 19- 22- 28- 30- 61- 62- 68- 82- 94- 126- 136- 142- 162- 181- 183- 190- 193- 195- 197- 209- 211- 213- 217- 234 عبد الله بن عَبَّاس "كَاتبه" 217 عبد الله بن عمر بن الْخطاب 17- 20- 35- 54- 61- 62- 66- 68- 89- 102- 109- 179- 189- 191- 193- 214- 218 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب 114 عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ 43 عبد الله الْقرشِي 22 عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل 126 عبد الله بن مَسْعُود 46- 47- 93- 100- 103- 115- 169- 170- 184 عبد الله "قد يكون ابْن مَسْعُود" 169- 182- 187- 194- 214- 225 عبد الله بن الْمُغيرَة 18 عبد الله "أَبُو مُنِير" 219 عبد الله "عَن أَبِيه الصَّحَابِيّ" 219 أَبُو عبد الله "صَحَابِيّ" 219 عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ 99- 100- 144 عبد الرَّحْمَن بن رب الْكَعْبَة 20 عبد الرَّحْمَن بن سابط 21 عبد الرَّحْمَن بن عَوْف 35- 45- 55- 57- 118- 143 عبد الرَّحْمَن "أَبُو الْقَاسِم" 184- 185 عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى 30 عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث 69 عبد الرَّحْمَن "أَبُو مُحَمَّد" 197 عبد السَّلَام "عَن الزُّهْرِيّ" 20 عبد الْكَرِيم الْجَزرِي 96 عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ حَيَّانَ بْنِ بقيلة 156- 158 عبد الْملك بن عمر بن عبد الْعَزِيز 27 عبد الْملك بن عُمَيْر 25- 163 عبد الْملك بن مَرْوَان 52 عبد الْملك بن مُسلم 23 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 249 عبد الْملك بن نَوْفَل 210 أَبُو عبد الْوَاحِد 126 عبيد بن عُمَيْر 18 أَبُو عبيد بن مَسْعُود 39، 40 أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح 50- 112- 126- 130- 144- 152- 154- 159- 161- 195 عُبَيْدَة السَّلمَانِي 168 عتبَة بن غَزوَان 73 عُثْمَان بن حنيف 36- 46- 48- 97- 140- 140 عُثْمَان بن عبيد الله 54 عُثْمَان بن عَطاء الكلَاعِي 23 عُثْمَان بن عَفَّان 24- 30- 31- 35- 39- 46- 74- 86- 103- 118- 159- 160- 169- 170- 196- 197- 214- 234 عُثْمَان بن فرقد 126 أَبُو عُثْمَان 177 ابْن عجلَان 125 عدي بن أَرْطَأَة 132- 143 عدي بن ثَابت 110- 117 عدي بن عدي 125- 183 عُرْوَة بن رُوَيْم 130 عُرْوَة بن الزبير 73- 74- 77- 95- 96- 138- 166- 183- 208- 226 عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ 228- 229 عَطاء بن أبي رَبَاح 25- 66- 129- 131- 134- 167- 180- 183- 192- 214 عَطاء الكلَاعِي 23 عَطاء بن أبي مَرْوَان 18 عَطِيَّة الْعَوْفِيّ 193 عَطِيَّة 234 عقيل بن أبي طَالب 224 عِكْرِمَة بن أبي خَالِد 95 عِكْرِمَة "التَّابِعِيّ" 162- 181- 183- 211- 213 عَلْقَمَة بن مرْثَد 211 عَلْقَمَة "قد يكون ابْن مرْثَد" 194 عَليّ بن حَنْظَلَة 191 عَليّ بن زيد 196 عَليّ بن أبي طَالب 25- 30- 46- 47- 55- 56- 65- 66- 71- 74- 80- 86- 89- 90- 97- 100- 116- 131- 135- 143- 160- 163- 166- 169- 170- 173- 175- 177- 180- 187- 189- 193- 196- 198- 208- 231- 232- 234 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 250 عليم النَّاجِي 192 عمار بن يَاسر 41- 74 عمَارَة بن حَدِيد 211 عمَارَة بن خُزَيْمَة بن ثَابت 129 عمَارَة بن عُمَيْر 141 عمرَان بن حُصَيْن 179 عمر بن الْخطاب 21- 22- 24- 30- 31- 35- 39- 40- 49- 53- 55- 57- 61- 62- 67- 69- 72- 74- 78- 79- 83- 86- 89- 95- 100- 102- 103- 112- 114- 118- 126- 130- 135- 138- 143- 148- 154- 159- 162- 166- 169- 171- 177- 180- 182- 188- 191- 193- 196- 211- 214- 221- 224- 229- 230- 234 عمر بن ذَر 26 عمر بن أبي سَلمَة 54، 55 عمر بن عبد الْعَزِيز 21- 26- 31- 70- 99- 100- 128- 132- 140- 143- 145- 150- 163- 167- 191- 199- 203 عمر بن عَطاء 181 عمر بن نَافِع 139 عَمْرو بن حزم 84- 114 عَمْرو بن دِينَار 65- 74- 82- 142- 144- 183- 190 عَمْرو بن شُرَحْبِيل 182، 187 عَمْرو بن شُعَيْب 65- 67- 73- 77- 83- 109- 114- 149- 189 عَمْرو بن الْعَاصِ 50، 129- 211 عَمْرو بن مرّة 190 عَمْرو بن معد يكرب الزبيدِيّ 42، 43 عَمْرو "مولى أبي بكر" 86 عَمْرو بن مَيْمُون الأودي 47- 48- 128- 150 عَمْرُو بْنُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ "جدته" 150 أَبُو عَمْرو "عَن عَليّ" 198 عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ "عَن عَائِشَة" 210 أَبُو عمْرَة 215 عمْرَة "مَوْلَاهَا" 53 عُمَيْر بن سعد 161 عُمَيْر "مولى آبي اللَّحْم" 217 عُمَيْر بن نمير 194 عَوْف بن أبي جميلَة 143 عَوْف بن الْحَارِث 18 عَوْف بن أبي حَيَّة "أَبُو شبْل" الأحمسي 45 ابْن عَوْف 49 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 251 عون 125 أَبُو عون 208 عِيَاض بن غنم الفِهري 51- 52- 129- 138 عُيَيْنَة بن حصن 80 الغامدية 177 غيلَان بن عَمْرو 85 حرف الْفَاء: فَاطِمَة بنت مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 166، 231 فَاطِمَة بنت عبد الْملك "زوج عمر بن عبد الْعَزِيز" 26 الفرافضة الْحَنَفِيّ 166 فَرْوَة بن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ 143 ابو فَزَارَة 150 الْفضل 18 فُضَيْل بن عَمْرو الْفُقيْمِي 195 فُضَيْل بن يزِيد الرقاشِي 224 الْفِيل "الَّذِي غزت بِهِ الْحَبَشَة مَكَّة" 227 الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن 115- 126- 128- 148- 184- 185- 187 الْقَاسِم بن مُحَمَّد 96 قَتَادَة 24- 46- 77- 95- 144- 170- 174- 181- 187- 195- 197- 209- 211- 225 قفيز الْحجَّاج "مكيال. وَانْظُر: الْحَجَّاجِي" 64 أَبُو قلَابَة 179 قيس بن أبي حَازِم 42- 125- 212 قيس بن الرّبيع 150- 225 قيس بن مُسلم الجدلي 142- 225 قيس 20- 39- 45 حرف الْكَاف: كسْرَى 36- 69- 156 كَعْب بن مَالك 131 كُلَيْب الْجرْمِي 45 حرف اللَّام: ابْن اللتبية 95 حرف الْمِيم: مَاعِز بن مَالك 178 مَالك بن عَوْف 85 أَبُو المتَوَكل 192 عمَّة المجالد بن سعيد 56 مُجَاهِد 66- 95- 181- 193- 195- 213- 215- 218- 224 أَبُو مجلز 143 أَو المحجل 211 أَبُو محجن 41 الْمُحَرر بن أبي هُرَيْرَة 127 مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ 20 مُحَمَّد "أَبُو جَعْفَر" 143- 234 مُحَمَّد بن سعد 41 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 252 مُحَمَّد بن سوار 33 مُحَمَّد بن سِيرِين 33، 68، 217 مُحَمَّد بن طَلْحَة 166 مُحَمَّد بن عبد الله رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم 13- 15- 21- 24- 25- 26- 29- 30- 35- 36- 44- 53- 57- 61- 62- 65- 66- 67- 71- 74- 75- 82- 83- 84- 85- 86- 87- 95- 96- 98- 102- 103- 109- 112- 115- 117- 125- 130- 138- 141- 143- 157- 165- 166- 168- 169- 170- 177- 180- 183- 184- 188- 189- 192- 194- 196- 197- 205- 208- 220- 221- 224- 225- 226- 227- 228- 229- 230- 232 مُحَمَّد بن عبد الله "أَبُو عبيد الله" 88 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جحش 54 مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن 95- 197 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَان 192 مُحَمَّد بن عَليّ 28 مُحَمَّد بن عمر 167 مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ 26 مُحَمَّد بن مَالك 18 مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب "أَبُو بكر الزُّهْرِيّ" 20- 24- 30- 37- 39- 57- 67- 77- 83- 89- 113- 114- 167- 179- 182- 191- 214- 217- 226- 234 مُحَمَّد بن مسلمة 55- 96- 129 مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ "أَبُو حَيَّان. أَو جناب" 96- 189- 215 مُحَمَّد بن يزِيد 217 مَحْمُود بن لبيد 95 محيصة بن مَسْعُود 62 الْمَخْتُوم الْهَاشِمِي "مكال" 47- 64 مدرك بن عَوْف الأحمسي 45 المرقال 56 أَبُو مَرْوَان "وَالِد عَطاء" 180 الْمُسْتَوْرد بن الْأَحْنَف 143 الْمُسْتَوْرد الْعجلِيّ 198 الْمُسْتَوْرد بن عَمْرو 86 مَسْرُوق 89- 141- 150 مَسْعُود بن الْأسود 166 ابْن مَسْعُود 232 أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ 117 مُسلم بن صبيح أَبُو الضُّحَى 141 الْمسيب بن رَافع 100 معَاذ بن جبل 17- 20- 51- 124- 141- 197 المعافرية "ثِيَاب يَمَانِية" 71- 79. الجزء: 1 ¦ الصفحة: 253 مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان 163 مُعَاوِيَة بن قُرَّة 225 مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَهَ الْيَعْمُرِيِّ 24 معقل الْمُزنِيّ 187 معقل 195 معن بن يزِيد 126 معيقيب 86 الْمُغيرَة بن شُعْبَة 40- 43- 44- 86- 170 الْمِقْدَاد بن عَمْرو بن ثَعْلَبَة "الْمَعْرُوف بِابْن الْأسود الْكِنْدِيّ" 227 مقسم 28- 62- 68- 213- 217 مَكْحُول 20- 29- 109- 191 مَكْحُول الشَّامي 152 مكرز بن حَفْص 229 ابْن ملجم 175 أَبُو الْمليح بن أُسَامَة بن عُمَيْر الْهُذلِيّ 22- 130 الْمُنْذِرِيّ بن ساوي 144 الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي خَمِيصَةَ الْهَمْدَانِيِّ 29 المنهار بن عَمْرو 94 مُنِير بن عبد الله "أَو مُنِير عَن عبد الله" 219 المُهَاجر بن عميرَة 177 مهْرَان الْفَارِسِي 39- 158 أَبُو الْمُهلب 179 مُوسَى "النَّبِي" عَلَيْهِ السَّلَام 227 أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ 24- 57- 73- 130- 148- 170- 196 مُوسَى بن طَلْحَة 65- 66- 74- 103 مُوسَى بن عقبَة 21 مُوسَى بن يزِيد 57 مولى عمْرَة 53 مَيْمُون بن مهْرَان 128- 150 حرف النُّون: نَافِع 17- 11- 62- 102- 141- 191- 213- 218 نجدة 31- 183- 190- 217 أَبُو نجيح 53- 209 النزال بن سُبْرَة 167 نصر بن عَاصِم اللَّيْثِيّ 143 النَّضر بن أنس 54 النُّعْمَان بن مرّة 183 النُّعْمَان بن مقرن 42- 43- 45 النُّعْمَان بن الْمُنْذر 156 نَهَار "أَبُو حبيب" 216 حرف الْهَاء: هَارُون الرشيد أَمِير الْمُؤمنِينَ 13 هَاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ 41 هَانِئ بن جَابر الطَّائِي 159 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 254 هَانِئٍ "مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانٍ" 24 أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ 232- 234 هُرْمُز 217 الهرمزان 43- 74 أَبُو هُرَيْرَة 17- 18- 19- 56- 96- 97- 110- 125- 127- 142- 192- 197- 215- 217- 224 هزار مرد الْفَارِسِي 156 هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ 138- 187 هَمَّامٍ "عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ" 182 هَوْذَة بن عَطاء 165 الْهَيْثَم بن بدر 194 حرف الْوَاو: وَائِل بن أبي بكر 20 أَبُو وَائِل 40- 94- 124- 224 الْوَلِيد بن عقبَة 86 أَبُو الويد "عبَادَة بن الصَّامِت" وهيل بن عَوْف الْمُجَاشِعِي 96 حرف الْيَاء: يحيى بن الْحصين 19 يحيى بن عُرْوَة 77 يَحْيَى بْنِ عِمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحسن الْمَازِني 66 يحيى بن أبي كثير 179 يزِيد بن الْأَصَم 150 يزِيد بن أبي حبيب 34 يزِيد بن خصيفَة 192 يزِيد الرقاشِي 18 يزِيد بن أبي سُفْيَان 17- 39 يزِيد "قد يكون ابْن هُرْمُز" 217 يزِيد بن يزِيد بن جَار 29 يعلى بن أُميَّة 82- 88- 98 يُوسُف بن مهْرَان 214 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 255 2- الْجَمَاعَات: حرف الْهمزَة: الْأَحَابِيش 227 أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم 54- 56- 102 الأساورة 159 بَنو أَسد 69 بَنو إِسْرَائِيل 227 أَشْجَع "رجلَانِ مِنْهُم" 96 أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم "انْظُر الصَّحَابَة" الْأَعْرَاب 23 الأكاسرة 69 بني أُميَّة 55 الأنباط 51- 235 الْأَنْصَار 23- 35- 40- 53- 56- 62- 154 أهل أَلَيْسَ 39- 156- 159 أهل بانقيا 39- 159 أهل الْحجاز 101- 102- 133- 183 أهل الْحيرَة 39- 159 أهل الرِّدَّة 80- 142- 196 أهل الشَّام 126 أهل الْعرَاق 47- 133 أهل العوالي 57 أهل عين التَّمْر 39- 159 أهل فدك 62 أهل الْقَادِسِيَّة 156 أهل الْكتاب 79- 134- 142- 143- 178 أهل الْكُوفَة 43- 101- 102- 126 أهل الْمَدِينَة 35- 101- 179 أهل هجر 49- 142- 143- 225 الْأَوْس 35- 57 إياد 159 حرف الْبَاء: بجيلة 42 البدريون 55 بَنو بقيلة 158 بَنو بكر 229 حرف التَّاء: التابعون 165 تغلب 79- 87- 133- 134- 135- 137- 184- 149- 160 تَمِيم 80 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 256 حرف الثَّاء: ثَقِيف "رجل مِنْهُم" 42 حرف الْجِيم: الْجَاهِلِيَّة 85 جُهَيْنَة "امْرَأَة مِنْهُم" 73- 179- 196 حرف الْحَاء: بَنو الحلس 228 حمير 57 بَنو حنيفَة 80 حرف الْخَاء: خثعم 212 الْخَزْرَج 35- 57 الْخُلَفَاء 74- 88- 161- 204 الْخَوَارِج 71 حرف الدَّال: الداريون 235 الدهاقين 98 - 141- 159 الديلم 209 حرف الرَّاء: الرّوم 50- 51- 55- 90- 153- 194- 205- 234 حرف السِّين: السامرة 136- 137 بَنو سليم 126 حرف الصَّاد: الصابئة 135- 137 الصَّحَابَة 35- 36- 46- 53- 55- 66- 71- 126- 127- 149- 153- 165- 169- 182- 183- 215 حرف الطَّاء: طَيء 155 حرف الْعين: عَامر بن لؤَي "قَبيلَة" 228، رجل مِنْهُم 229 بَنو عبد الْأَشْهَل 57 الْعَجم "وَانْظُر: الْفرس" 31- 39- 79- 81- 82- 155- 162 بَنو عدي بن كَعْب 55 الْعَرَب 23- 28- 41- 43- 71- 72- 79- 80- 81- 82- 134- 149- 157- 159- 205- 207- 229 حرف الغي: غطفان 80 حرف الْفَاء: الْفرس "وَانْظُر الْعَجم" 42- 43 حرف الْقَاف: قُرَيْش "امْرَأَة مِنْهُم"، "رجل مِنْهُم" 166- 194 "شيخ مِنْهُم 234 بَنو قُرَيْظَة 81- 220 بَنو الْقَيْن 86 حرف الْكَاف: الكتابيون 142- 143 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 257 كَعْب بن لؤَي "قَبيلَة" 229- 230 كنَانَة 227 كِنْدَة 159 حرف اللَّام: لخم 234 حرف الْمِيم: الْمَجُوس 79- 135- 137- 142- 143- 147- 196- 207- 225 مزينة، رجل مِنْهُم 73- 210 بَنو المصطلق 210- 215 بَنو الْمطلب 30 مهاجرة الْحَبَشَة 55 الْمُهَاجِرُونَ 23- 35- 37- 54- 56- 109- 154 حرف النُّون: بَنو نَاجِية 80 النجرانية 87 نسَاء الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار 55 النَّصَارَى 133- 137- 140- 143- 144- 148- 149- 178- 179- 181- 193- 196- 207- 225- 235 نَصَارَى بني تغلب 133- 134- 148 بَنو نصر "أَو نضر" 85 بَنو النصير 37- 73- 81 حرف الْهَاء: بَنو هَاشم 30- 55 هوَازن 79 حرف الْيَاء: ليهود 61- 98- 135- 137- 139- 140- 143- 144- 178- 179- 181- 193- 196- 197- 199- 207- 216- 225- 235 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 258 الْأَعْلَام الجغرافية: حرف الْهمزَة: الأبلة 151 أجمة برس 100- 116 أحد "جبل" 54 الأخشبان "جبلان" 167 أذربيجان 41- 43 الْأُرْدُن 50 أَرض الرّوم 109 أتسينيا 74 أَصْبَهَان 43- 73 أفريقية 39- 234 أَلَيْسَ 39- 156 الأهواز 39 حرف الْبَاء: الْبَادِيَة 75- 96 بانقيا 39- 158 البثنية 161 الْبَحْرين 53- 56- 57- 80- 127- 144- 161 بُسْتَان مُوسَى "فِي بَغْدَاد" 105 الْبَصْرَة 36- 72- 73- 95- 126- 127- 137- 143- 184- 202- 234 البهقباذات "ثَلَاثَة كور بِبَغْدَاد" 131 الْبَيْت "الْكَعْبَة" 20- 150- 189- 227- 228 حرف التَّاء: بوك 210 تستر 73- 197- 216 حرف الْجِيم: جبل حلوان "حد سَواد الْعرَاق" 49 الْجحْفَة 227 الجرف 73 الجزيرة "بَين النهرين" 36- 50- 52- 128 جَزِيرَة الْعَرَب 13- 214 الْجِعِرَّانَة 215 جَلُولَاء 41 جوخي 48- 59 جيرون 234- 235 حرف الْحَاء: حبشِي "جبل" 227 الْحجاز 71- 78- 101- 102- 133- 183 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 259 الْحُدَيْبِيَة 226- 227 حران 51 الحرفات 196 الْحرم "مَكَّة" 71- 134- 227 حصن سرجة 50 حلوان "جبل" 49 ذُو الحليفة 230 حمص 50- 126 ذَات الحنظل "ثنية بالحجاز" 227 الْحيرَة 39- 41- 48- 50-135- 144- 156- 158- 160 حرف الْخَاء: خَائِفين 224 خُرَاسَان 39- 71- 72- 234 ذُو الخلصة 212 خَيْبَر 33- 36- 61- 62- 86- 98- 102- 103- 210- 215- 217 الْخيف 20 حرف الدَّال: دَارا 50- 52 دجلة 40- 47- 50- 59- 105- 106- 107- 110- 11- 123- 131 دست ميسَان 142 دمشق 50- 161 دومة 208 دير الجماجم 69 ديار المسالح 41 حرف الذَّال: ذَات الحنظل "ثنية" 227 ذُو الخلصة 212 حرف الرَّاء: رَأس الْعين 50 الرها "أورفة" 51 حرف السِّين: سرجة "حصن بَين نَصِيبين ودارا" 50 السلسلة 150 سنجار 50- 52 السَّنَد 39- 234 السوَاد 36- 39- 47- 48- 59- 68- 72- 73- 75- 78- 81- 98- 119- 123- 125- 131- 135- 141- 159- 213 سوار "مَوضِع" 41 حرف الشين: الشَّام 17- 25- 26- 29- 35- 36- 39- 50- 52- 81- 86- 127- 130- 132- 138- 149- 152- 155- 159- 161- 163- 191- 195- 215- 234 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 260 شراف "قرب الإحساء" 155 شظ الْفُرَات 48- 59- 159 حرف الصَّاد: الصراة 41 صفّين 234 صندوديا "صندوداء" 159 صنعاء 57- 74 حرف الطَّاء: الطَّائِف 67- 72- 75- 83- 215 طور عَبْدَيْنِ 50 حرف الْعين: عانات 160 العذيب 41 الْعرَاق 35- 39- 45- 48- 69- 70- 72- 86- 97- 98- 100- 127- 132- 133- 149- 155- 157- 163- 169 عسفان 227 عكبراء 25 عمواس 37 العوالي "ضاحية الْمَدِينَة" 57 عين التَّمْر 39- 159- 160 عيدون "قَرْيَة بِالشَّام" 234- 235 حرف الْغَيْن: الغميم 227 حرف الْفَاء: فائد "جبل بطرِيق مَكَّة" 155 فَارس "وَانْظُر الْعَجم" 36- 43- 50- 52- 55- 156- 158- 209 فدك 62 الْفُرَات 39- 41- 48- 50- 59- 107- 110- 111- 123- 131- 149- 158- 159 فلسطين 234 حرف الْقَاف: الْقَادِسِيَّة 39- 41- 52- 156 قرقيساء 160 قصر الْأَبْيَض "فِي الْحيرَة" 156 قصر ابْن بقيلة "فِي الْحيرَة" 156 قصر العديس "فِي الْحيرَة" 156 قنسرين 50 حرف الْكَاف: كداء 231 كسكر 42 الْكَعْبَة المشرفة 20- 189 الْكَعْبَة اليمانية 212 الكوائل "فِي أَطْرَاف الشَّام" 160 كوثي "فِي الْعرَاق" 41 الْكُوفَة 36- 39- 41- 43- 56- 73- 101- 102- 126- 127- 131- الجزء: 1 ¦ الصفحة: 261 137- 144- 184 حرف الْمِيم: ماردين 50 ماروسما 159 ماه ذبيان، أوماه دينان "ماه دِينَار" 73 الْمَدَائِن 41- 52 الْمَدِينَة 26- 27- 35- 45- 57- 69- 71- 72- 75- 82- 86- 101- 117- 118- 129- 134- 144- 162- 211- 214- 226- 230- 233 مَدِينَة السَّلَام "انْظُر: بَغْدَاد" 137- 184- 201 الْمشرق "الْعرَاق" 158 مصر 35- 39- 41- 81- 162- 234 المغيثة 155 مَكَّة المشرفة 54- 72- 134- 149- 224- 227- 230- 231- 232 منى 20- 167 مناذر "فِي خوزستان" 142 منبج "من أَعمال حلب" 149 مهرجان قذق 73 الْموصل 52 حرف النُّون: نَجْرَان الْعرَاق 86 نَجْرَان الْيمن 79- 84- 87- 98- 135- 147 النجف 156- 159 النشاستج "قَرْيَة على نهر الْكُوفَة" 233 نَصِيبين 50 النَّقِيب 160 نهاوند 40- 41- 43- 44- 45 حرف الْهَاء: هجر 79- 142- 143- 225 الْهِنْد 73 حرف الْوَاو: الْوَتِير "مَاء بِأَسْفَل مَكَّة" 231 حرف الْيَاء: الْيَمَامَة 50- 81- 155- 157- 160 الْيمن 57- 71- 72- 82- 150- 212 الجزء: 1 ¦ الصفحة: 262 الفهرسة التفصيلية للمواضيع : الصَّحِيفَة الْمَوْضُوع 3 تَقْدِيم "الْخراج" 6 طبعات الْكتاب 7 الْمرجع الَّتِي اعتمدها المحققان 9 مُقَدّمَة عَن تَارِيخ حَيَاة الْمُؤلف 11 هَارُون الرشيد الَّذِي أَمر بتأليف الْكتاب 13 مُقَدّمَة الْمُؤلف إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَهُوَ يعظه 17 الْأَحَادِيث الَّتِي رغب فِيهَا أَبُو يُوسُف الْخَلِيفَة للْعَمَل بهَا 21 وَصَايَا أبي بكر لعمر وَالْمُسْلِمين 22 من وَصَايَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 24 مِنَ آثَار عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فِي النَّصِيحَة 25 من مواعظ عَليّ رَضِي الله عَنهُ 26 من سيرة خَامِس الْخُلَفَاء الرَّاشِدين "عمر بن عبد الْعَزِيز" بَاب: فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ إِذَا أُصِيبَتْ مِنَ الْعَدو 28 مَا يُسهم للمجاهد وماغ يُسهم لخيله 29 قسْمَة خمس الْغَنِيمَة 30 سهم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسَهْم ذَوي الْقُرْبَى 31 أَنْوَاع الْغَنِيمَة الَّتِي تقسم 32 الْغَنِيمَة تخَالف الزَّكَاة، وغنيمة الذَّهَب وَالْفِضَّة 32 مَا يسْتَخْرج من الْمَعَادِن سوى الذَّهَب وَالْفِضَّة 32 القَوْل فِي الرِّكَاز الجزء: 1 ¦ الصفحة: 263 الصفحة الْمَوْضُوع فصل فِي الْفَيْء وَالْخَرَاج: 34 حكم غنيمَة الأَرْض والأنهار 34 من أسلم قبل الْقِتَال وَبعده 35 تدوين عمر رَضِي الله عَنهُ الدَّوَاوِين وَالْقَوْل فِي قسْمَة الأَرْض الْمَفْتُوحَة 35 استشارة عمر الصَّحَابَة فِي قسْمَة الأَرْض الْمَفْتُوحَة 36 مَا جبي من أَرض السوَاد فِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 37 مَا اسْتشْهد بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَقْسِيم الْفَيْء 38 كَانَ رَأْي عمر هُوَ الصَّوَاب مَا عُمِلَ بِهِ فِي السَّوَادِ 39 مَا كَانَ لَهُ عهد من الْمُسلمين 39 فتح الْقَادِسِيَّة 45 رَأْي الصَّحَابَة فِي تَقْسِيم السوَاد 46 مساحة السوَاد وَمَا وَضعه عمر عَلَيْهِ 46 مَا وظفه عمر لعماله 46 مَا وظف على أَنْوَاع الثَّمر والرءوس وَالْأَرْض فَصْلٌ: فِي أَرْضِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ 50 قسْمَة أَرض الجزيرة قبل الْفَتْح 50 من فتح الشَّام 51 دُخُول الرها وَمَا صولح عَلَيْهِ أَهلهَا 51 دُخُول حران وَالصُّلْح مَعَ أَهلهَا 52 مَا وضع على أهل فَارس الجزء: 1 ¦ الصفحة: 264 الصفحة الْمَوْضُوع فَصْلٌ: كَيْفَ كَانَ فَرْضُ عُمَرَ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي عَنْهُم 53 مفاضلة عمر رَضِي الله عَنهُ بَين النَّاس فِي الْقِسْمَة 55 أَثَرَة عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى نَفسه 56 مَا فَرْضه عمر للصحابة 57 التَّفَاضُل فِي الْعَطاء وَسَببه 57 عَطاء الْأَطْفَال فَصْلٌ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي السوَاد 59 وَظِيفَة الطَّعَام فِي الرُّخص والغلاء 60 وَظِيفَة الدَّرَاهِم 60 القَوْل فِي التسعير 60 مَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْل الْخَرَاجِ فِيمَا بَينهم 61 الْمُقَاسَمَة على أَنْوَاع من الزَّرْع 61 مُعَاملَة أهل خَيْبَر 62 القَوْل فِي القطائع وَأهل الْعشْر 63 القَوْل فِي الزَّعْفَرَان فِي أَرض الْعشْر وَالْخَرَاج وَوقت الْأَدَاء 63 الْمِقْدَار الَّذِي يُؤْخَذ مِنْهُ 64 مِقْدَار الوسق 64 الحكم فِيمَا إِذا أكل رب المَال من ثمره 65 اسْتِيفَاء الْعشْر أَو نصف الْعشْر 65 مِمَّا يُؤْخَذ مِنْهُ الصَّدَقَة وَمِمَّا لَا يُؤْخَذ 67 القَوْل فِيمَا يخرج من الْعَسَل 67 القَوْل فِي اللوز والجوز وأمثالهما الجزء: 1 ¦ الصفحة: 265 الصفحة الْمَوْضُوع 67 لَيْسَ فِيهِ خمس وَلَا عشر وَلَا خراج 68 القَوْل فِي قصب الذريرة وقصب السكر 68 القَوْل فِي النفط وَمَا أشبهه 68 وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده فصل: فِي ذكر القطائع 69 مَا هِيَ القطائع 69 أَصْنَاف الصوافي 69 مكا فعل عمر بِهَذِهِ الأَرْض - أَرض الصوافي 70 مَا يُؤْخَذ من القطائع 71 فصل: أَرض الْحجاز وَمَكَّة وَالْمَدينَة واليمن وَأَرْضُ الْعَرَبِ الَّتِي افْتَتَحَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 71 فصل: مَا أَخطَأ فِيهِ الْخَوَارِج فِي هَذَا الْمَوْضُوع فصل: فِي حكم أَرض الْبَصْرَة وخرسان 72 الأَرْض الَّتِي لَيست فِي يَد أحد وَلَا ملكه 72 أَرض الْعشْر 73 مَا كَانَ لَهُ أَرض فَلم يعمرها وَالْحكم فِي إقطاع الإِمَام 75 فَصْلٌ: فِي إِسْلامِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ عَلَى أَرضهم وَأَمْوَالهمْ 76 فَصْلٌ: فِي مَوَاتِ الأَرْضِ فِي الصُّلْح والعنوة وَغَيرهمَا 80 فَصْلٌ: الْحُكْمُ فِي الْمُرْتَدِّينَ إِذَا حَاربُوا وَمنعُوا الدَّار 81 فصل: أَهْلُ الْقُرَى وَالأَرَضِينَ وَالْمَدَائِنُ وَأَهْلُهَا وَمَا فِيهَا 82 فَصْلٌ: حَدُّ أَرْضِ الْعُشْرِ مِنْ أَرض الْخراج 82 فَصْلٌ: فِيمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَحْرِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 266 الصفحة الْمَوْضُوع 83 فَصْلٌ: فِي الْعَسَلِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فصل: قصَّة نَجْرَان وَأَهْلهَا وَكتاب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم 84 كتاب رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسل لأهل نَجْرَان 85 كتاب أبي بكر لأهل نَجْرَان 86 مَا فعل عمر بِأَهْل نَجْرَان وَمَا كتب لَهُم 86 مَا كتبه لَهُم عُثْمَان 87 مَا طلبه أهل نَجْرَان من عَليّ 87 مَا كتبه عَليّ لأهل نَجْرَان 88 حُكُومَة عمر فِي أَرض نَجْرَان الْيمن 88 فصل فِي الصَّدقَات 89 زَكَاة الْغنم 89 زَكَاة الْإِبِل 89 زَكَاة الْبَقر 90 القَوْل فِي زَكَاة الْخَيل 90 الْإِبِل وَالْبَقر العوامل 90 السن الَّتِي تُؤْخَذ فِي الزَّكَاة وَمَا لَا يُؤْخَذ فِيهَا 90 حول زَكَاة الْمَاشِيَة 90 إِذا هلك جُزْء من الْمَاشِيَة بعد الْحول بَابٌ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالضَّيَاعِ 93 لَا يحتال فِي إِسْقَاط الزَّكَاة وَلَا جُزْء مِنْهَا 93 القَوْل فِي مَانع الزَّكَاة 93 صِفَات جَامع الصَّدقَات وَلَا يكون من عُمَّال الْخراج الجزء: 1 ¦ الصفحة: 267 الصفحة الْمَوْضُوع 94 من يسْتَحق مَال الصَّدقَات 95 ثَوَاب الْعَامِل على الصَّدَقَة بِالْحَقِّ 95 نصيحة لمن عمل فِي مَال الْمُسلمين 97 زِيَادَة الْخراج وتقليله حسب الطَّاقَة 98 دَلِيل ذَلِك 99 لَا يَحِلُّ لِوَالِي الْخَرَاجِ أَنْ يَهَبَ شَيْئا إِلَّا بِإِذن الإِمَام وَمَا فِيهِ مصلحَة 99 لَا تَحْويل لأرض الْخراج إِلَى أَرض عشرِيَّة وَالْعَكْس صَحِيح 100 فَصْلٌ: فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الآجام فَصْلٌ: فِي إِجَارَةِ الأَرْضِ الْبَيْضَاءِ وَذَات النّخل 101 أَدِلَّة من كره الْمُزَارعَة 102 أَدِلَّة من أجَاز الْمُزَارعَة وَالْمُسَاقَاة 102 مُسَاقَاة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرض خَيْبَر 103 أَنْوَاع من الْمُزَارعَة 104 أَشْيَاء أُخْرَى تحالف حكم مَا ذكرنَا 105 فَصْلٌ: فِي الْجَزَائِرِ فِي دِجْلَةَ والفرات والغروب 107 فَصْلٌ: فِي الْقِنِيِّ وَالآبَارِ وَالأَنْهَارِ وَالشرب 108 بيع المَاء إِذا أحرز فِي أَوَان وَمَا أشبههَا 109 لَا يمْنَع أحد من المَاء وَمَا يمْنَع مِنْهُ 109 مَا جَاءَ فِي ذَلِك من أَحَادِيث 110 القَوْل فِي الْقِتَال على المَاء 110 الْمُسلمُونَ شُرَكَاء فِي الْأَنْهَار 111 فصل: من اتَّخَذَ مَشْرَعَةً فِي أَرْضِهِ عَلَى شاطئ نهر الجزء: 1 ¦ الصفحة: 268 الصفحة الْمَوْضُوع 112 من سَالَ من نهره مَاء فأغرق أَرض غَيره 113 من حفر بِئْرا فِي أَرض غَيره 113 حَرِيمِ مَا احْتُفِرَ مِنَ الآبَارِ والقنوات 114 من حفر بِئْرا فَذَهَبت بِمَاء بِئْر أُخْرَى 114 القَوْل فِي حكم المحتجر 114 أعطاء الْآبَار 115 حكم أهل الْأَعْلَى والأسفل فِي حق المَاء فصل: فِي الكلإ والمروج 116 الْفرق بَين الآجام والمروج 117 الْمَدِينَة المشرفة حرم آمن 117 القَوْل فِي الاحتطاب وقطف الثِّمَار غير الْمَمْلُوكَة 117 من أحرق شَيْئا فِي أرضه فتعدت إِلَى غَيره 118 قَول عمر لعامله على الْحمى فَصْلٌ: فِي تَقْبِيلِ السَّوَادِ وَاخْتِيَارِ الْوُلَاة لَهُم والتقدم إِلَيْهِم 119 القَوْل فِي الِالْتِزَام 120 شُرُوط فِيمَن يتَوَلَّى مَال الْمُسلمين 121 مَا يَجْعَل مَعَ الْوَالِي من الْجند وصفتهم 121 إِحْرَاز الْحُبُوب بعد نضجها 122 مَا لَا يُؤْخَذ بِهِ أهل الْخراج 123 القَوْل فِي استصلاحالأراضي 123 كرى الْأَنْهَار الْعِظَام 124 الاستخبار عَن عُمَّال الدولة ومحاسبتهم الجزء: 1 ¦ الصفحة: 269 الصفحة الْمَوْضُوع 125 تفقد الْحَاكِم رَعيته 126 الْقصاص يَوْم الْحَشْر الْأَعْظَم 126 ترضية الْعمَّال من بَيت المَال حَتَّى لَا تستشرق نُفُوسهم إِلَى مَال الدولة 127 أظلم النَّاس من ظلم النَّاس للنَّاس 128 تَأْدِيب الإِمَام الرّعية 128 الْأَخْذ بالشفقة على الرّعية 129 مَا شَرطه عمر على عماله وتأديبهم 130 مَا يصلح المَال ونصائح عمر للحكام 131 من نصائح عَليّ للولاة والأمراء 132 مسئولية الرَّاعِي عَن رَعيته 133 فَصْلٌ: فِي شَأْنِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَسَائِرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمَا يعاملون بِهِ فَصْلٌ: فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وقدرها وَمَا تجوز 135 أَصْنَاف يعفون من الْجِزْيَة 136 الذِّمِّيّ إِذا أسلم 136 الذِّمِّيّ إِذا مَاتَ قبل وجوب الْجِزْيَة 136 لَا زَكَاة على أهل الذِّمَّة ومعاملتهم بِالْحُسْنَى 137 أَمر الْأَمْصَار وتولية الْأمين عَلَيْهَا 137 أَمر السوَاد 137 حكم مَا أَخذ من أَمْوَال أهل الذِّمَّة 138 الوصاة بِأَهْل الذِّمَّة وعقاب من أَسَاءَ إِلَيْهِم 140 فَصْلٌ: فِي لِبَاسِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الجزء: 1 ¦ الصفحة: 270 الصفحة الْمَوْضُوع فَصْلٌ: فِي الْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَأهل الرِّدَّة 142 أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس وَسَببه 144 من هُوَ الْمُسلم 144 سُقُوط الْجِزْيَة عَمَّن أسلم من أَهلهَا 145 حكم العَبْد الذِّمِّيّ إِذا أعْتقهُ الْمُسلم فصل: فِي العشور وَحكم من يجبونها 146 مَا يُؤْخَذ من الْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَالْحَرْبِيّ من العشور 147 حكم خَاص للحربي 148 حكم مَا أَخذ من العشور وَمَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ 148 مُعَاملَة أهل الْحَرْب بِالْمثلِ 149 انتشار الْإِسْلَام بِعدْل أَهله وأخلاقهم فَصْلٌ: فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَالصُّلْبَانِ 152 لَا تهدم بيعَة يَهُودِيّ وَلَا كَنِيسَة نَصْرَانِيّ 152 مَا فعله أَبُو عُبَيْدَة فِي فتح الشَّام 155 ذهَاب خَالِد لقِتَال أهل الْعرَاق 157 كتاب خَالِد لأهل الْحيرَة 158 مَا كتبه خَالِد إِلَى رُؤَسَاء فَارس 158 افْتِتَاح خَالِد حصون فَارس وقراها 159 ذهَاب خَالِد إِلَى الشَّام لمساندة جَيش الْمُسلمين هُنَاكَ 161 عزل خَالِد عَن الشَّام فَصْلٌ: فِي أَهْلِ الدِّعَارَةِ وَالتَّلَصُّصِ وَالْجِنَايَاتِ وَمَا يَجِبُ فِيهِ مِنَ الْحُدُود 163 على من تجب نَفَقَة المسجون ومعاملته الجزء: 1 ¦ الصفحة: 271 الصفحة الْمَوْضُوع 164 النّظر فِي أَمر المساجين 165 الْعدْل مَعَ من أَخطَأ 165 القَوْل فِي إِقَامَة الْحُدُود والشفاعة فِيهَا 167 مُعَاملَة أهل الْحُدُود 167 الْقصاص بِالْمثلِ 168 قيمَة الدِّيَة 169 أَسْنَان الْإِبِل فِي دِيَة الْخَطَأ 169 أَسْنَان الْإِبِل فِي دِيَة شبه الْعمد 170 مَا يجب فِي الْجراح والأطراف وأجزاء الْإِنْسَان الْأُخْرَى 173 مَا يَقع بَين الرجل وَالْمَرْأَة من الْقصاص 173 مَا يَقع بَين الْأَحْرَار وَالْعَبِيد من الْقصاص 174 إِذا جرح الْجَانِي الْمَجْنِي عَلَيْهِ جراحتين 174 إِذا تعدى الْقصاص حَده 175 الْمَقْتُول الَّذِي لَهُ وليان أَحدهمَا صَغِير 175 من أَمر بِشَيْء أَو فعله فَعَطب مِنْهُ إِنْسَان 176 القَوْل فِي جريمة الزِّنَا 178 الْإِقْرَار بِالزِّنَا 178 بِمَ يكون الْإِحْصَان 179 لَا يُقَام الْحَد على حَامِل 179 شُرُوط تجب فِيمَن يشْهد على الزِّنَا 179 القَوْل فِي حد شرب الْخمر 180 من شرب خمرًا فِي رَمَضَان الجزء: 1 ¦ الصفحة: 272 الصفحة الْمَوْضُوع 181 القَوْل فِي الْقَذْف وَحده 181 إِذا كَانَ الْقَاذِف عبدا 182 عُقُوبَة التَّعْزِير 182 حكم العَبْد وَالْأمة إِذا زَنَيَا 182 القَوْل فِي السّرقَة وَحدهَا 183 قيمَة مَا يجب فِيهِ الْحَد فِي السّرقَة 184 الشَّهَادَة المتقادمة فِي الْحُدُود 184 إِذا كرر الجريمة 184 إِذا أقرّ الْجَانِي 185 القَوْل فِي إِقْرَار العَبْد وجناياته 186 الْقَوْم الَّذين لَا يقطع الشَّخْص فِي السّرقَة مِنْهُم 186 أَنْوَاع من السّرقَة وَفِيمَا يجب فِيهِ الْقطع 187 من سرق شَيْئا لَهُ فِيهِ حق وسرقة العَبْد من سَيّده 188 أَنْوَاع لَا يقطعون وَأَشْيَاء لَا يجب فِيهَا الْقطع 190 السَّارِق الَّذِي بِهِ عاهة فِي يَده أَو رجله 190 حد مَا يقطع من السَّارِق إِذا سرق أَكثر من مرّة 190 إِذا سرق فَقطعت يَده قبل الْقصاص فِي حَادِثَة 190 من لَا يُقَام عَلَيْهِم الْحَد 191 الْإِجْبَار على الِاعْتِرَاف 192 لَا تُؤْخَذ النَّاس بالتهم ودرء الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ 192 تلقين الْمُتَّهم مَا يسْقط عَنهُ الْحَد 192 الْخَطَأ فِي قطع الْيَد الْمَقْصُودَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 273 الصفحة الْمَوْضُوع 193 سَرقَة الْمُسلم من الذِّمِّيّ وَالْعَكْس 193 القَوْل فِي الْمُحَارب 193 من تزوج امْرَأَة فِي عدتهَا وَأَشْيَاء لَا يجب فِيهَا حد الزِّنَا 194 الاغتصاب 194 لَا يحكم الْحَاكِم بِعِلْمِهِ 194 الْأَمَاكِن الَّتِي لَا تُقَام فِيهَا الْحُدُود 195 إِذا استكره ذمِّي مسلمة على الزِّنَا 195 الْحر يَبِيع الْحر 196 فصل فِي حكم الْمُرْتَد عَن الْإِسْلَام والزنادقة 197 اسْتِتَابَة الْمُرْتَد 197 الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت 198 من ارْتَدَّ فلحق بدار الْحَرْب 198 حكم الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّ زَوجهَا وَلحق بدار الْحَرْب 198 حكم مَال الْمُرْتَد 199 حكم زوج الْمَرْأَة سليمَة ومريضة 199 الرجل يرْتَد وَهُوَ مَرِيض وَحكم مِيرَاث زَوجته 199 من سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عياذا بِاللَّه 199 من أسلم ثمَّ ارْتَدَّ 199 مَا يُصِيبهُ الْوُلَاة مَعَ اللُّصُوص وَمَا لَيْسَ لَهُ مَالك مَعْرُوف 201 القَوْل فِيمَن يأبق من العبيد وَالْإِمَاء وَمَا يفعل بهم الإِمَام 202 الأَرْض الَّتِي يستغلها الْوُلَاة ووكلاؤهم 202 اخْتِيَار الثِّقَة من أَصْحَاب الْأَخْبَار وتوجيهات لأَصْحَاب الْبَرِيد فصل: فِي أرزاق الْقُضَاة والعمال 204 وَالِي الصَّدَقَة يَأْخُذ أجره من الصَّدَقَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 274 الصفحة الْمَوْضُوع 204 مَا يرزقه من يقوم بِأَمْر الْمَوَارِيث 205 فَصْلٌ فِيمَنْ مَرَّ بِمَسَالِحِ الإِسْلامِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا يُؤْخَذُ من الجواسيس 207 عُقُوبَة الجاسوس عُمُوما 207 مسالح للْإِمَام على منافذ بِلَاد الْمُسلمين 208 هَدِيَّة الْمُشرك للْمُسلمِ فَصْلٌ: فِي قِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَأهل الْبَغي وَكَيف يدعونَ 209 الدعْوَة إِلَى الْإِسْلَام قبل الْقِتَال 209 من قَالَ بِالْقِتَالِ بِدُونِ دَعْوَة 210 مَا كَانَ يَفْعَله النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الإغارة 210 الإغارة على الْأَعْدَاء وهم غَارونَ 210 الدُّعَاء عِنْد قتال الْعَدو ورايته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 211 بَعَثَ الْجَيْش أول النَّهَار وَإِذا غلب على الْقَوْم 211 دُعَاء السّفر 211 وصاة الْجَيْش الْمُحَارب وَحكم الْمُحَاربين 212 القَوْل فِي تحريق بلد الْعَدو وَقطع شَجَره المثمر 213 القَوْل فِي أُسَارَى الْكفَّار 213 مَا يَفْعَله الإِمَام فِي الأَرْض الْمَفْتُوحَة 213 من نهي عَن قَتلهمْ فِي الحروب 214 من كره قتل الأسرى وَالْقَتْل مفوض إِلَى الإِمَام 214 مَكَان تَقْسِيم الْغَنِيمَة 215 أول من أحل لَهُم الْغَنِيمَة الْمُسلمُونَ 215 لَا بيع للغنائم حَتَّى تقسم 215 مَا ينْتَفع بِهِ الْمُسلمُونَ من الْغَنَائِم قبل الْقِسْمَة 215 جَزَاء من غل من الْغَنِيمَة الجزء: 1 ¦ الصفحة: 275 الصفحة الْمَوْضُوع 216 تنفيل الْقَائِد من الْغَنِيمَة 216 من لَا يسْتَحق من الْغَنِيمَة إِلَّا الرضخ 217 لَا تَسْرِي سَرِيَّةٌ إِلا بِإِذْنِ الإِمَامِ أَو من يوليه 218 حكم مَا يتْركهُ الْمُسلمُونَ من مَتَاع فِي أَرض الْعَدو 218 مَا استولى عَلَيْهِ الْمُشْركُونَ من الْمُسلمين ثمَّ استرده الْمُسلمُونَ 219 إِذا أسر أهل الْحَرْب الْمُسلم الْحر أَو الذِّمِّيّ والذمية فيشتريهم مُسلم 219 حكم كل مِلْكٌ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ 219 حكم الْحَرَائِر أصابهن الْعَدو فباعهن لرجل 219 حكم الرجل من الْمُسلمين فِي الْكفَّار 221 إِذا سَأَلَ الْكفَّار أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُوله 221 من لَا يَصح أَن ينزلُوا على حكمه 222 إِذا حكم الْحَاكِم فيهم بِمَا لَا يُنَاسب الشَّرْع وَاخْتِيَار الْحُكَّام 223 مَا يجوز من الْأمان 225 حكم من وَقع من نسَاء الْمُشْركين فِي السَّبي 226 موادعة الإِمَام أهل الْحَرْب 226 القَوْل فِي موادعة الْمُشْركين 226 حَدِيث غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة 232 كَيفَ يُقَاتل الْمُسلمُونَ أهل الْبَغي من الْمُسلمين 234 مَا يُؤْخَذ بِهِ أهل الْبَغي 235 كَيفَ يعزى أهل الذِّمَّة 237 الفهرسة الْعَامَّة للْكتاب 263 فهرس الموضوعات تمت الفهرسة بعون الله الجزء: 1 ¦ الصفحة: 276